الكتاب: مجلة جامعة أم القرى المؤلف: مجموعة من المؤلفين مصدر الكتاب: موقع المجلة على الإنترنت   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] ---------- مجلة جامعة أم القرى 19 - 24 مجموعة من المؤلفين الكتاب: مجلة جامعة أم القرى المؤلف: مجموعة من المؤلفين مصدر الكتاب: موقع المجلة على الإنترنت   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] العدد 19 فهرس المحتويات 1- تنويه القرآن بعلم داود وسليمان عليهما السلام 2- حديث القرآن عن الحج 3- الآثار المروية في صفة المعية 4- الأحاديث والآثار الواردة في التسليم في الصلاة 5- المُسْتَخْرَجات نشأتها وتطورها 6- أحكام السواك 7- دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية وصداها في المغرب 8- السلطة السياسية في النظام الإسلامي مفهومها، وأهميتها، وحكم إيجادها، وخصائصها 9- حقوق الإنسان في فلسفة الثورة الفرنسية 10- مصادر الحافظ ابن الفرضي في كتابه " تاريخ العلماء والرواة " 11- مختارات من روايات الشعبي التاريخية عن عصر الراشدين من كتابي تاريخ الرسل والملوك ووقعة صفين 12- ميزاب الكعبة المشرفة المؤرخ عام 1273هـ 13- التضامن العربي الأفريقي تجاه القضية الفلسطينية 14- إيصال مياه العيون إلى مدينة جدة منذ القرن العاشر حتى نهاية القرن الثالث عشر للهجرة 15- صيغة فُعْلَى في العربية 16- التداخل في اللغات دراسة لغوية قرآنية 17- من النباتات الطبيعية في سراة غامد دراسة لغوية وصفية 18- مقتضى الحال مفهومه وزواياه في ضوء أسلوب القرآن الكريم 19- ملامح تأثير الثقافة الإسلامية فى بلاد الملايو 20- تهمة الرواة بعض الشعراء الأعراب الذين عاصروا نشأة الإسلام بجفاء الدين ورقته 21- المسافة بين الشعر والفكر - أحمد جمال نموذجاً 22- شرح العلاّمة الأمير على نظم العلاّمة السُّجاعيّ في " لاسيَّمَا " 23- لباب الإعراب المانع من اللحن في السنة والكتاب 24- دفاعٌ عن المبني للمجهول في اللغة العربية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 تنويه القرآن بعلم داود وسليمان عليهما السلام د. إبراهيم بن سعيد بن حمد الدوسري قسم القرآن وعلومه، كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ملخص البحث الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد: فهذا بحث في التفسير الموضوعي يتناول دراسة النبيّين الكريمين داود وسليمان عليهما السلام لإبراز هدايات القرآن الكريم ودلالته من خلال علمهما الذي نوّه الله به في مواضع متعددة من القرآن الكريم، وقد عني هذا البحث بربط قصصهما بموضوعات السور التي ورد فيها ذكرهما عليهما السلام مع التركيز على محور العلم، ومن ثم ألقي الضوء على علومهما من خلال القرآن الكريم وصلة ذلك بشخصيتهما في دراسة تأصيلية تحليلية تعتمد على تدبر كلام الله تعالى والاطلاع على كتب التفاسير القديمة والحديثة والدراسات العلمية، دون التفات إلى الإسرائيليات وما شابهها، ثم انتهت هذه الدراسة - بحمد الله وتوفيقه - إلى نتائج قيمة تتصل بعلم الله تعالى، وتبرز أهمية العلم ومكانة هذين النبيين الكريمين وشرفهما، كما تضمنت الرد على اليهود وكل من طعن في نبوة داود وسليمان عليهما السلام أو تنقّص من قدرهما أو أطراهما، كما أكد البحث أن العلم من أبلغ المعجزات التي أُويدا بها، وغير ذلك من النتائج التي تضمنها هذا البحث، فهو يعتبر دراسة جديدة في موضوعه، إذ لم أقف على مؤلف خاص يعني بجانب علمهما مع ما حظيا به عليهما السلام من إشادة في ذلك، حتى أصبح العلم هو الصبغة الغالبة في قصصهما. والله أعلم. (( (( (( الحمد لله عالم الغيب والشهادة، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، أما بعد: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 فيقول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} (1) ويقول تعالى ذكرُه عنهما عليهما السلام: {وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (2) فنوّه الله بعلمهم في كتابه الكريم في تضاعيف قصصهم، وصرّف في مثانيه أنواع علومهم، ولقد انتدبنا الله في سياق قصصهما إلى التدبر والادّكار، فقال جلّ شأنه: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} (3) ، وعن مجاهد قال: قلت لابن عباس أنسجد في ص؟ ، فقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} (4) حتى أتى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (5) ، فقال: ((نبيكم (ممن أمر أن يُقتدى بهم)) (6) . ولا جرم أن ما اشتمل عليه قصصهما في مجال العلم يعتبر سمة بارزة، فهو حقيق بالدراسة لتأصيل بعض الموضوعات الأساسية وإبراز هدايات القرآن الكريم في هذا الجانب المهم، وذلك ضرب من التفسير الموضوعي. مواطن ورود قصصهما: يسوق الله تعالى ذكره القصص في السور حسب موضوعها ومقاصدها، ويعتبر العلم من المحاور التي تدور عليها بعض السور، ومن الأغراض والقضايا التي تحفّل بها القرآن الكريم. وقد ورد ذكر داود وسليمان عليهما السلام في تسع سور في المواضع التالية: أرقام الآيات التي في سليمان عليه السلام أرقام الآيات التي في داود عليه السلام نوعها اسم السورة م 102 251 مدنية البقرة 1 163 163 مدنية النساء 2 - 78 مدنية المائدة 3 84 84 مكية الأنعام 4 - 55 مكية الإسراء 5 78-82 78-79 مكية الأنبياء 6 15-44 15-16 مكية النمل 7 12-14 10-11 مكية سبأ 8 30-40 17-30 مكية ص 9   (1) سورة النمل، الآية 15. (2) الأنبياء، الآية 79. (3) ص، الآية 29. (4) الأنعام، الآية 84. (5) الأنعام، الآية 90. (6) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} 4/135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 وقد وقع ترتيب تلكم السور حسب النزول كالتالي: سورة ص، ثم النمل، ثم الإسراء، ثم الأنعام، ثم سبأ، ثم الأنبياء، ثم البقرة، ثم النساء، ثم المائدة (1) . وهذه السور على أربعة أقسام: سورةٌ العلمُ أحد مقاصدها الأساسي، وأشير فيها إلى علم داود وسليمان عليهما السلام وهي سورة البقرة. السور التي يعتبر العلم من أهم مقاصدها الأساسية، وفصّل فيها قصصهما أو أحدهما وهي سور الأنبياء والنمل وسبأ. سورةٌ العلمُ ليس من مقاصدها الأساسية، وفصّل فيها قصصهما، وهي سورة ص. السور التي ذُكرا فيها أو أحدهما على وجه الإيجاز ضمن النبيين أو لأغراض أخرى اقتضاها السياق، وهي سور النساء والمائدة والأنعام والإسراء. وسألقي الضوء على الأقسام الثلاثة الأول، أما القسم الرابع فلا يستدعي ذلك؛ لأنه ليس على شرط هذا البحث. القسم الأول/ سورة البقرة:   (1) انظر الزركشي: البرهان 1/193. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 نصّ شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) على أنها اشتملت على ((تقرير أصول العلم وقواعد الدين)) (1) ، وبهذا تظهر المناسبة جلية بين السورة والآيتين التي ورد فيهما ذكر داود وسليمان وهما قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (2) ، وقوله تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} (3) ففي الآية الأولى تبرئة من الله تعالى لسليمان من السحر، فإن اليهود كانوا يقولون - افتراءً - ((هذا علم سليمان، وما تم لسليمان ملكه إلا بهذا العلم)) (4) ، فمعنى الآية: واتبع اليهود ما كانت تتلوه الشياطين من كتب السحر والشعوذة على عهد ملك سليمان، وقوله جلّ وعلا: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} (5) لأن اليهود نسبته إلى السحر، ((ولكن لما كان السحر كفراً صار بمنزلة من نسبه إلى الكفر)) (6) . وفي الآية الأخرى يمتن الله على داود بما آتاه وعلّمه، وقد استنبط الفخر الرازي (ت604 هـ) من هذه الآية أصلاً من أصول التعلم فقال: ((فإن: قيل إنه تعالى لما ذكر إنه آتاه الحكمة وكان المراد بالحكمة النبوة، فقد دخل العلم في ذلك، فلِم ذكره بعد {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} ؟. قلنا: المقصود منه التنبيه على أن العبد قط لا ينتهي إلى حالة يستغني عن   (1) دقائق التفسير 1/195. (2) البقرة، الآية 102. (3) البقرة، الآية 251. (4) الزمخشري: الكشاف 1/301. (5) انظر المصدر السابق، ابن عطية: المحرر 1/415، ابن العربي: أحكام القرآن 1/28. (6) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 2/43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 التعلّم، سواء كان نبياً أو لم يكن، ولهذا السبب قال لمحمد (: {وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (1)) ) (2) ، ولا يخفى أن قوله تعالى: {وَعَلَّمَهُ} يشير إلى أن المصدر الحقيقي للعلم هو من عند الله تعالى. ولما كانت سورة البقرة سورة مدنية فقد تناولت ذكرهما عليهما السلام في قضايا تشريعية: السحر والقتال، وأيضاً وقع مثل ذلك في سورة المائدة، حيث ذكر داود في سياق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ يقول الله جلّ شأنه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} (3) . القسم الثاني/ سورة الأنبياء: وهي سورة مكيّة ركزت على الحساب والرسالة وما يتصل بذلك من قضايا العقيدة (4) ، وقد ورد ذكر العلم صريحاً في أولها ووسطها وآخرها دلالة على علم الله المحيط وقدرته جل وعلا على البعث والجزاء كما في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (5) ، وقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} (6) ، وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} (7) ، وقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ *إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} (8) .   (1) طه، الآية 114. (2) الرازي مفاتيح الغيب 6/204. (3) الآيتان 78،79. (4) انظر البقاعي: مصاعد النظر 2/286، سيد قطب: الظلال 4/2364، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/6. (5) الآية 4. (6) الآية 28. (7) الآية 47. (8) الآيتان 109،110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وقد ذكر الله فيها جملة من قصص الأنبياء عليهم السلام، فدلّت كل قصة على معنى أو أكثر مما اشتملت عليه السورة (1) ، ((وقد روعي في تخصيصهم بالذكر ما اشتهر به كل فرد منهم من المزية التي أنعم الله بها عليه)) (2) . قال الله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} (3) فافتتح قصصهما بالشهادة والعلم، واختتم بالعلم والحفظ، فلذلك جاء قصصها للدلالة على كمال علم الله، ثم في هذا القصص تنبيه على أن العلم من أفضل النعم وأشرفها حيث زينهما الله بالعلم والفهم (4) . سورة النمل:   (1) انظر البقاعي: مصاعد النظر 2/286. (2) محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/115. (3) الأنبياء، الآيات 78-82. (4) الرازي: مفاتيح الغيب 22/195، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/115. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وتسمى سورة سليمان (1) ، لما فيها من تفصيل لقصة سليمان في تسع وعشرين آية من ثلاث وتسعين آية عدد آي السورة، والمتدبر لآي هذه السورة تظهر له بوضوح قضية العلم واتخاذها مسلكاً لإبراز سعة علم الله في الأرض وفي السماء وفي العلن وفي الخفاء وفي الغيب والمستقبل، وما دلت عليه الآيات الكونية وعالم الحيوان من براهين ناطقة بلسان الحال والمقال على علم الله جل وعلا، ولذلك نص برهان الدين البقاعي (ت 885هـ) على أن ((المقصود الأعظم منها إظهار العلم والحكمة)) (2) ، وقد تنبه لذلك سيد قطب (ت 1387هـ) فقال: ((والتركيز في هذه السورة على العلم، علم الله المطلق بالظاهر والباطن، وعلمه بالغيب خاصة، وآياته الكونية التي يكشفها للناس، والعلم الذي وهبه لداود وسليمان، وتعليم سليمان منطق الطير وتنويهه بهذا التعليم، ومن ثم يجيء في مقدمة السورة: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (3) ، ويجيء في التعقيب: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ} (4) ، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ* وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (5) ، ويجيء في الختام: {سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} (6) ، ويجيء في قصة سليمان {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} (7) ، وفي قول سليمان: {يَا أَيُّهَا   (1) انظر السخاوي:جمال القراء 1/37، السيوطي: الإتقان 1/156، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/215. (2) مصاعد النظر 2/333. (3) الآية 6. (4) الآيتان 65،66. (5) الآيتان 74،75. (6) الآية 93. (7) الآية 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرَِ} (1) ، وفي قول الهدهد: {أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} (2) ، وعندما يريد سليمان استحضار عرش الملكة، لا يقدر على إحضاره في غمضة عين عفريت من الجن، إنما يقدر على هذه: {الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} (3) . وهكذا تبرز صفة العلم في جور السورة تظللها بشتى الظلال في سياقها كلها من المطلع إلى الختام، ويمضي سياق السورة كله في هذه الظل، حسب تتابعه الذي أسلفنا)) (4) . ومن ثَمَّ جاءت قصة سليمان بن داود عليهما السلام في هذا السياق، وجميع موضوعاتها تدور في محور العلم ومجالاته المتعددة كما سيتضح خلال هذا البحث. سورة سبأ: قال تعالى في هذه السورة عن داود وسليمان عليهما السلام: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (5) .   (1) الآية 16. (2) الآية 25. (3) الآية 40. (4) سيد قطب: الظلال 5/2625. (5) الآيات 10-14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 تبدو ملامح العلم في هذه الآيات واضحة، حيث أشاد الله بفضله عليهما بما أفاء عليهما من صنوف النعم، نعمة النبوة والحكمة والعلم وغيرها (1) ، ومنها إِلاَنَة الحديد لداود وتعليمه صناعة الدروع، ذلك في المجال العسكري، أما في المجال المدني فقد سخر الله لسليمان النحاس ليصنع منه القدور الراسيات وغيرها (2) ، ثم ختم قصصهما برد علم الغيب إلى الله تعالى وحده. وقد جاء ذلك منسجماً مع غرض مهم من أغراض هذه السورة، وهو تقرير إحاطة علم الله (3) ، وهو من أهم مقاصدها، إذ جاء في مطلعها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (4) كما ورد في آخرها: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (5) . والمتدبر لكلام الله تعالى في قصة داود وسليمان في هذه الآيات يلحظ أنها ركزت على الجانب العملي الذي هو الترجمة الحقيقية للعلم، وسيأتي لذلك مزيد بسط عند الكلام على علومهما إن شاء الله تعالى. القسم الثالث / سورة ص:   (1) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1594، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 22/155. (2) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 25/250، محمد الغزالي: نحو تفسير موضوعي ص331. (3) سيد: الظلال 5/2888، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 22/134، محمد الغزالي: نحو تفسير موضوعي ص331. (4) الآيات 1-3. (5) الآية 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ويقال لها سورة داود (1) ، حيث استهل به قصص السورة في أنبياء بني إسرائيل، وبُسطت قصته أكثر من غيرها، وقد أشاد الله فيها بداود بما آتاه من الحكمة وفصل الخطاب، إذ يقول الله فيها: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} (2) وسيقت فيها قصة داود وسليمان لتسلية الرسول (عن تكذيب قومه وأمره بالصبر في قوله تعالى: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} ، واستطراد الثناء عليهما بجميل الصفات (3) . وبعد هذه الجولة يمكننا أن نرصد أبعاد شخصية هذين النبيين الكريمين وعلمهما عليهما السلام من خلال آيات القرآن الكريم. داود وسليمان عليهما السلام وعلمهما: هما من ذرية إبراهيم عليه السلام، وقد أشار القرآن إلى ذلك في قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} (4) والضمير في {ذُرِّيَّتِهِ} جائز أن يعود إلى إبراهيم أو إلى نوح عليهما السلام (5) .   (1) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 7/96، السخاوي: جمال القراء 1/37، البقاعي: نظر الدرر 16/322، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/201. (2) الآية 20، وسيأتي معنى هذه الآية عند الحديث عن علوم داود عليه السلام. (3) انظر: محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/201. (4) الأنعام، الآية 20. (5) انظر: الزجاج: معاني القرآن 2/269، ابن عطية: المحرر الوجيز 5/269. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وكان داود أحد جنود طالوت، وهو الذي قتل خصمهم جالوت كما قال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} (1) فاشتملت هذه الآية على ثلاث منح لداود: الملك أي: السلطان، والحكمة أي: النبوة، والعلم في قوله جل شأنه: {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} أي علمه صنع الدروع وغيرها (2) ، فكان أول نبي جمعت له النبوة والملك في بني إسرائيل (3) ، مع غزارة علم أشار الله إليها في قوله جلّ شأنه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} (4) . هذا هو نبي الله داود كما في القرآن الكريم، وكما يعتقده المسلمون خلافاً لليهود إذا لا يعدّونه نبياً، وخلافاً لمن بالغ في تعظيمه حتى فضّله على أولي العزم كالداودة الذين يزعمون أنه أفضل الأنبياء والرسل (5) . ثم ورث سليمان أباه داود عليهما السلام في العلم والملك (6) كما قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ} (7) ، وقال جلّ شأنه: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} (8) ، وكان سليمان أعظم ملكاً من أبيه وأقضى منه عليهما السلام (9) ، قال تعالى في سليمان عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} (10) ، وأما القضاء فسيأتي الحديث عنه قريباً.   (1) البقرة، الآية 251. (2) انظر الطبري: جامع البيان 2/632، ابن عطية: المحرر الوجيز 2/271. (3) انظر ابن كثير: البداية والنهاية 2/10، التحرير والتنوير 17/114. (4) النمل، الآية 15، انظر الزمخشري: الكشاف 3/139 في تفسيرها. (5) انظر: انستاس ماري: الداودة، مجلة المشرق، العدد 2/يناير/1903م، ص:60-67. (6) الطبري: جامع البيان 19/141. (7) ص، الآية 30. (8) النمل، الآية 16. (9) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 13/164. (10) ص، الآية 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 فذلكما النبيان - الكريمان -وإن كانا دون درجة أولي العزم الخمسة لكنهما من جملة الأنبياء الذين امتدحهم الله في القرآن الكريم مدحاً عظيماً (1) ، ولا التفات لما رُميا به مما لا يليق بأفناء الناس فكيف بأنبياء الله؟! . لقد امتزجت تلكم الهبات الربانية - النبوة والعلم والملك - فأفرزت بفضل الله شخصيتين مكتملتي المواهب سجلت في القرآن الكريم فحقت أخذ العبرة منها. وفيما يلي ألقي الضوء على علمهما عليهما السلام وصلته بشخصيتهما الكريمتين: القضاء: قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} (2) ، الضمير فى {وَآتَيْنَاهُ} راجع إلى داود عليه السلام، وهو يدل على أن الذي أوتيه من الحكمة وفصل الخطاب من طريق الوحي، وسيأتي الحديث عن الحكمة في آخر البحث، وأما قوله تعالى: {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} فالفصل: ((تمييز الشيء من الشيء وإبانته عنه)) (3) ، ((والخَطب والمخاطبة والتخاطب المراجعة في الكلام)) (4) ، ومعنى الآية: إصابة القضاء، وهو قول ابن عباس (ت68 هـ) رضى الله عنهما ومجاهد (ت 104هـ) وغيرهما، ويدخل في ذلك من قال: إن معناه: تكليف المدّعى البينة، واليمين على من أنكر، وإنما كان فصل الخطاب قضاء لأن به يفصل بين الخصومة، والخصام نوع من الخطاب (5) ، وقال آخرون: معنى الآية فصاحة الكلام، وسيأتي هذا المعنى مفصلاً في المبحث التالي.   (1) انظر عبد الرحمن السعدي: تيسير الكريم الرحمن 6/567. (2) ص، الآية 20. (3) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (فصل) 4/505. (4) الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة (خطب) 150. (5) انظر البخاري: صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} 4/134، الطبري 23/139، ابن عطية: المحرر الوجيز 12/437، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 15/162، الآلوسي: روح المعاني 23/177. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 واختار ابن العربي القول بأنه علم القضاء، ثم قال: ((فأما علم القضاء - فلعمر إلهك - إنه لنوع من العلم مجرّد، وفصل منه مؤكد غير معرفة الأحكام ... )) (1) ويؤيد القول بأنه علم القضاء سياق الآيات بعدها، حيث أردفها جل شأنه بحادثة من أقضيته، وهي قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ * يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ} (2) ، لا خلاف بين أهل التأويل أن هؤلاء الخصم إنما كانوا ملائكة (3) .   (1) أحكام القرآن 4/1627. (2) ص، الآيات 21-26. (3) ابن عطية: المحرر 12/437. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وقوله: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} يقول: ((دخلوا عليه من غير باب المحراب، والمحراب مقدّم كل مجلس وبيت وأشرفه)) (1) وقوله: {وَلاَ تُشْطِطْ} يقول: ((لا تجر ولا تسرف في حكمك)) (2) ، وقوله: {إِنَّ هَذَا أَخِي} يعني الأخوة في الدين (3) ، والنعجة هي المرأة (4) ، {أَكْفِلْنِيهَا} أي ضمها إليّ (5) ، {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} : ((غلبني في الخصومة أي كان أقوى على الاحتجاج مني)) (6) ، قوله تعالى {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} : ((يقول: وعلم داود أنما ابتليناه)) (7) ، وأكثر العلماء على أن الركوع في قوله تعالى: {وَخَرَّ رَاكِعًا} هو السجود (8) ، وقوله تعالى: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى} ((يقول: وإن له عندنا للقربة منا يوم القيامة)) (9) . وقد حكيت في هذه القصة أقاويل وصور مأخوذة من الإسرائيليات لا تليق بنبي الله داود الذي رفع الله مكانته وأذاع فضله عليه السلام، ومن خلال تدبر كلام الله لهذا النبأ، وتأمل ما صح من الروايات في تفسير هذه القصة ظهر لي أن الله أرسل ملكين لداود عليه السلام فاختصموا إليه في نازلة قد وقع هو في نحوها، فحكم بحكم هو واقع عليه في نازلته، ولما شعر وفهم المراد خرّ ساجداً فغفر الله له، وذلك أنه عليه السلام سأل رجلاً أن يطلق له امرأته ليتزوجها كما كان ذلك جائزاً في صدر الإسلام، فنبهه الله تعالى على ذلك وعاتبه بهذا المثل يشعره أنه كان الأليق بمقامه ألاّ يتشاغل بهذا الأمر وإن كان مباحاً في دينهم.   (1) الطبري: جامع البيان 23/141. (2) المصدر السابق 23/142. (3) ابن عطية: المحرر 12/443. (4) انظر البخاري: صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} 4/135. (5) انظر المصدر السابق. (6) الزجاج: معاني القرآن. (7) الطبري: جامع البيان 22/145. (8) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 4/99. (9) الطبري: جامع البيان 22/145. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 هذا خلاصة ما وقفت عليه مما صح ومما اعتمده كبار الأئمة، فأما غير هذا فلا ينبغي الاجتراء عليه (1) والله أعلم. وفيما أخبر الله به عن نبيه داود عليه السلام من إيتائه إصابة القضاء تنويه صريح بما أنعم الله عليه من هذا العلم، ومن ثَمَّ صدّقه بما ساقه جل وعز من نبأ الخصم، فلقد أبان عما كان يتمتع به عليه السلام من حلم على الخصوم بعد ما تسوّروا المحراب، وقالوا له لا تُجر في الحكم، كما أفصح ذلكم النبأ عن مظهر من مظاهر العدل في قضاء داود عليه السلام، فقد حكم بينهما بالعدل، ثم حذرهما من الظلم منتهزاً فرص الهداية لئلا يفوت وعظ النفوس وتوجيهها وهي متهيئة للاستجابة فحثهما على أن يكونا من الصالحين، مع ما تضمنه ذلك من تسلية للمظلوم (2) . أما ما قاله بعض الناس إن داود عليه السلام حكم في القضية قبل أن يستمع حجة الخصم الآخر، وأن هذه كانت خطيئته فإنه قول ضعيف لا يعوّل عليه، وذلك مما لا يجوز عند أحد ولا في ملة من الملل، فكيف بمن امتدحه الله بإصابة القضاء؟! (3) .   (1) انظر المصدر السابق 22/146، النحاس: معاني القرآن 6/101، وإعراب القرآن 3/461، الزمخشري: الكشاف 3/366، ابن عطية: المحرر 12/439، القرطبي 15/175، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/237. (2) انظر الزمخشري: الكشاف 3/371، ابن عطية: المحرر 12/446، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/239. (3) انظر ابن عطية: المحرر 12/446، ابن العربي: أحكام القرآن 4/1637، الآلوسي: روح المعاني 23/181. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وتبرز هذه الصفة - وهي سمة العدل والإنصاف - عند سليمان بن داود عليهما السلام في قضية الهدهد حينما توعده في قوله: {لأَعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} (1) فلم يقض في شأنه قضاءً نهائياً قبل أن يستمع منه ويستبين عذره، وحينما أخبره بنبأ سبأ لم يتسرّع أيضاً بل: {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (2) .   (1) النمل، الآية 21. (2) النمل، الآية 27، وانظر ابن العربي: أحكام القرآن 3/1458، عبد الرحمن السعدي: تفسير الكريم الرحمن 6/573، سيد قطب: في ظلال القرآن 5/2638. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ومن أبرز الأقضية التي أبانت عن مظهر مشرق من مظاهر حكم كل من داود وسليمان عليهما السلام ما قصه جل شأنه في قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (1) فتضمنت هاتان الآيتان التنويه بعلم داود وسليمان عليهما السلام والإشادة بقضائهما واجتهادهما من خلال حكمهما في الحرث وهو الزرع، وقيل الكَرْم، حين دخلت فيه غنم القوم الآخرين من غير أهل الحرث ليلاً - وذلك معنى النفش: وهو الرعي ليلاً - فرعته وأفسدته، فرأى داود عليه السلام أن يدفع الغنم إلى أصحاب الحرث لسبب اقتضى عنده ترجيح ذلك، ولعلّه أن ثمن ذلك الغنم يساوي ثمن ما أتلف من ذلك الحرث، فكان ذلك عدلاً في تعويض ما أتلف، وأما حكم سليمان فرأى أن تدفع الغنم لأصحاب الحرث عاماً كاملاً كيما ينتفعوا من ألبانها وأصوافها ونسلها، ويدفع الحرث إلى أصحاب الغنم ليقوموا بعمارته، فإذا كَمُل الحرث وعاد إلى حالته الأولى رُدّ إلى كل فريق ماله، فرجع داود إلى حكم سليمان لأنه أرفق، وإن كان قضاء داود متوجهاً، إذ الأصل في الغُرْم أن يكون تعويضاً ناجزاً، وفي قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} دليل على أن الأصوب كان مع سليمان، إذ أحرز أن يبقي ملك كل فريق على متاعه، كما تضمن مع العدل والتعويض البناء والتعمير، وفي قوله تعالى: {وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} دليل أن اجتهاد كل منهم كان على الصواب، فهو احتراس من أن يفهم أن حكم داود عليه السلام كان جوراً (2)   (1) الأنبياء، الآيتان 78،79. (2) انظر الطبري: جامع البيان 17/51، الزمخشري: الكشاف 2/581، ابن عطية: المحرر الوجيز 10/176، ابن العربي: أحكام0. القرآن 3/1266، سيد قطب: في ظلال القرآن 4/2389، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/116. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وفي هذه القصة إشارة إلى لون من ألوان اجتهادهما على أساس من العدل ودقة بالغة في فقه القضاء، كما دلت على تعدد طريق القضاء بالحق والتفاضل بين مراتب الاجتهاد (1) . ((قال جمهور الأمة: أن حكمهما كان باجتهاد)) (2) ، ولذلك جوّز المحققون ذلك على الأنبياء (3) ، والفرق بينهم وبين غيرهم من المجتهدين أنهم معصومون عن الغلط مؤيدون من الله عز وجل،والوحي من ورائهم تأييدا وتصويبا (4) ، فلهذا عُدّ من علوم داود وسليمان العلم بطريق الاجتهاد، وهو نوع من العلوم المكتسبة غير العلم اللدني (5) . وفي هذه القصة دلالة على أن الفطنة والفهم موهبة من الله لا تتوقف على كبر سن ولا صغره (6) وقريب من هذه الحكومة ما جاء في الصحيحين أن رسول الله (قال: ((كانت امرأتان معهما ابنهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود عليه السلام، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه، فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى)) (7) . الفصاحة:   (1) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/115. (2) ابن عطية: المحرر الوجيز 10/178. (3) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 11/309، الآلوسي: روح المعاني 17/74، محمد الأمين: أضواء البيان 4/597. (4) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 11/309، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/351، ابن حجر: فتح الباري 13/222. (5) انظر الآلوسي: روح المعاني 17/75. (6) انظر ابن حجر: فتح الباري 13/221. (7) صحيح البخاري، كتاب الفرائض، باب إذا ادّعت المرأة ابناً 8/12، صحيح مسلم، باب بيان اختلاف المجتهدين 3/1344، رقم الحديث 1720، واللفظ للبخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} (1) ، سبقت الإشارة إلى هذه الآية في المبحث السابق، والمعنى الآخر في {َفَصْلَ الْخِطَابِ} أن الله آتى داود عليه السلام بلاغة القول، فكان كلامه فصلاً يعبر عن المعنى بأوضح عبارة، لا يأخذه في ذلك حصر ولا ضعف، ولا يحتاج سامعه إلى زيادة تبيان، وهذا القول هو الذي يعطيه لفظ الآية، ويدخل فيه من قال إنه علم القضاء، فكلامه عليه السلام في القضايا والخصومات والمحاورة والمخاطبة والمشورات كله من فصل الخطاب، واختار هذا القول جماعة من المحققين (2) . وتلكم البلاغة التي أوتيها عليه السلام كانت على اللغة العبرية، ويدخل فيها الزبور ((المسمى عند اليهود بالمزامير فهو مَثَلٌ في بلاغة القول في لغتهم)) (3) . وروى ابن جرير بإسناد صحيح عن الشَّعبي أن فصل الخطاب قوله: ((أما بعد)) (4) ، وينبغي أن يحمل ذلك على أنه قالها بلسانه بمعناها في اللغة العبرية (5) ، وذلك داخل في القول المذكور آنفاً، فمن فصل الخطاب قوله: ((أما بعد)) (6) .   (1) ص، الآية 20. (2) انظر الطبري: جامع البيان 23/140، الزمخشري: الكشاف 3/365، ابن عطية: المحرر الوجيز 12/434، مفاتيح الغيب: الرازي 13/187، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/229. (3) محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/229. (4) انظر الطبري: جامع البيان 23/140، ابن حجر: فتح الباري 13/211. (5) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1629، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/229. (6) انظر الزمخشري: الكشاف 3/365. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وورث سليمان داود عليهما السلام في فصاحته، ومن أبلغ كلامه تلكم الوثيقة التي أرسلها إلى ملكة سبأ، وهي قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} (1) قال ابن كثير (ت774 هـ) : ((وهذا الكتاب في غاية البلاغة والوجازة والفصاحة، فإنه حصّل المعنى بأيسر عبارة وأحسنها)) (2) ، وبنحو ذلك وصفه غير واحد من المفسرين (3) ، ولهذا وصفته الملكة بأنه كتاب كريم لحسن مضمونه وبلاغته وإصابته المعنى (4) إذ يقول الله تعالى عنها: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} (5) واستظهر غير واحد من المفسرين أن الكتاب هو ما نص الله عليه باللغة العربية وبهذا الترتيب (6) ، وحينئذ يكون اسمه عليه السلام عنواناً للكتاب بأعلاه أو جانبه أو بظاهره على حسب طريقة الرسائل الملكية في ذلك العهد (7) . وقيل إنه كُتب على لغة سليمان، فيكون هذا النص الكريم ترجمة إلى اللغة العربية الفصحى بتضمين دقيق لما اشتملت عليه اللغة التي أنشئ بها من بلاغة (8) . والله أعلم. صنائع الحديد والنحاس وغيرهما:   (1) النمل، الآيتان 30،31. (2) تفسير القرآن العظيم 6/199. (3) انظر الزمخشري: الكشاف 3/146، ابن عطية: المحرر الوجيز 11/201 وغيرهما. (4) انظر الزمخشري: الكشاف 3/146، ابن العربي: أحكام القرآن 3/1459. (5) النمل، الآية 29. (6) انظر ابن عطية: المحرر الوجيز 11/201، أبا حيان: البحر 7/72، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/199. (7) انظر المصادر السابقة، الآلوسي: روح المعاني 19/195، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/259. (8) انظر أباحيان: البحر 7/73، الآلوسي: روح المعاني 19/194، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} (1) ، وقال جلّ شأنه: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} (2) . الضمير في {وَعَلَّمْنَاهُ} ، {وَأَلَنَّا لَهُ} راجع إلى داود عليه السلام، والمراد باللبوس في الآية: الدروع (3) ، وسميت لبوساً لأنها تلبس كالثوب (4) ، والدرع ((يلبس عادة على ثوب من النسيج المبطن يشبه الوسادة تحت حلقات المعدن أو صفحات رقيقة)) (5) ، والبأس: القتال (6) . وتضمنت الآيتان الأخريان مادة الدروع وهي الحديد، ووصفها بأنها سابغات: ((وهي التوامّ الكوامل من الدروع)) (7) ، قال قتادة (ت 118هـ) : ((كانت الدروع قبل داود صفائح، وهو أول من سردها وحلّقها)) (8) ، ((والسرد خرز ما يخشن ويغلظ كنسيج الدروع)) (9) والتقدير: الإحكام (10) ، والمعنى: أحْكَم نسجها فيما يجمع بين الخفة والحصانة، لأنها لمّا كانت صفائح كانت ثقالاً تعيق المقاتل عن سرعة الحركة، وأمر بالتقدير لئلا يؤدي سردها إلى أن تكون ضعيفة لا تقوى على الدفاع (11) .   (1) الأنبياء، الآية 80. (2) سبأ، الآيتان 10،11. (3) الطبري: جامع البيان 16/54. (4) انظر ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (لبس) 5/230. (5) صلاح عاشور: تاريخ الدروع وتطورها، مجلة الجندي المسلم، العدد 31، ص30. (6) الطبري: جامع البيان 16/55. (7) المصدر السابق 22/66. (8) المصدر السابق 16/55. (9) الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة (سرد) 230. (10) انظر المصدر السابق مادة (حكم) 396. (11) انظر ابن عطية: المحرر الوجيز 12/147. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وهذا الفضل الذي أنعم الله به على داود سماه الله علماً وزاده شرفاً بأن تولى الله جلّ وعلا تعليمه، وفي ذلك ((دليل على تعلم أهل الفصل الصنائع، وأن التحرف بها لا ينقص من مناصبهم؛ بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم، إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم والاستغناء عن غيرهم، وكسب الحلال الخلي عن الامتنان)) (1) ، كما تدل الآيات على أن العلم وفضله وما يتصل به لا يقتصر على الجانب الشرعي فحسب، المهم أن يكون لله جلّ وعلا، وأن يورث صاحبه الإنابة لله تعالى ويتضح ذلك في سورة سبأ من مناسبة قصة داود عليه السلام للآية التي قُبيلها وهي قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} (2) ، وكذلك في ختم قصة داود في سورة سبأ بقوله جلّ شأنه: {وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (3) ، وكذلك في ختم آية الأنبياء: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (4) ، وذلك بتوظيف هذه النعمة فيما يرضي الله ويقتضي شكره، والجهاد في سبيله، ولقد انتفعت البشرية من هذه الدروع وسارت في تطويرها جنباً إلى جنب مع تطور الأسلحة حتى العصر الحديث (5) لكنه لم يكن متصلاً بالله، فلذلك انحرف من مساره الصحيح حتى أدى به إلى أن يكون البشر أنفسهم دروعاً للمنشآت العسكرية وغيرها!! فأين ذلك من الحكمة الإلهية: {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} (6) ؟ .   (1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/267. (2) الآية 9. (3) الآية 11. (4) الآية 80. (5) انظر هاني أبوغريبة: تاريخ الدروع، مجلة تاريخ العرب والعالم، العدد 107-110، ص46-56. (6) الأنبياء، الآية 80. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ولئن نوّه الله بعلم داود في هذا المجال فإنه قد أشاد بعمله، فقال جلّ وعلا: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} (1) ، ووصفه في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ} (2) قال ابن كثير (ت774 هـ) : ((الأيد القوة في العلم والعمل)) (3) ، وقد دلت الآيات والأحاديث على أنه كان موصوفاً بخلال لم يشغله مُلك ولا علم ولا صنعة عن التحلي بها، ومنها ما يلي: أنه كان موصوفاً بفرط شجاعته (4) ، فهو الذي قتل الطاغية جالوت كما سبق، وكان ((لا يفر إذا لاقى)) (5) . ورعه وعفّته، فكان: ((لا يأكل إلا من عمل يده)) (6) ، قال ابن حجر (ت852 هـ) : ((والذي يظهر أن الذي كان يعمله داود بيده هو نسج الدروع، وأَلاَن الله له الحديد فكان ينسج الدروع ويبيعها ولا يأكل إلا من ثمن ذلك مع كونه كان من كبار الملوك)) (7) . نسكه وعبادته، فقد روى مسلم (ت261 هـ) عن الرسول (أنه قال في داود عليه السلام: ((كان أعبد الناس)) (8) ، وروى البخاري (ت256 هـ) مرفوعاً: ((أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه)) (9) . وثمة صفات أخرى تضمنها البحث، فالتوازن والاعتدال في العلم والعبادة والعمل سنة الأنبياء وسمة العلماء.   (1) سبأ، الآية 13. (2) ص، الآية 17. (3) تفسير القرآن العظيم 7/49. (4) ابن حجر: فتح الباري 13/211. (5) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} 4/134. (6) المصدر السابق 4/134. (7) ابن حجر: الفتح 13/29. (8) صحيح مسلم، باب النهي عن صوم الدهر 2/813، رقم الحديث 182. (9) صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب: أحب الصلاة إلى الله.." 4/134. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وإذا كان داود عليه السلام أُلين له الحديد، وطوّعه في الصناعة الحربية فإن ابنه نبي الله سليمان عليه السلام قد أسال الله له عين النحاس، واتجة إلى الصناعة المدنية، ((وسُخر له أهل الصنائع والإبداع)) (1) ، قال تعالى: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} (2) ، {أَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} ، ((يقول: وأذبنا له عين النحاس، وأجريناها له)) (3) ، وقيل: القطر: الفلزّ كله: النحاس والحديد وغيرهما، وعلى الأول جمهور المفسرين واللغويين، وقيل أذبنا له معدن النحاس على نحو ما كان الحديد يلين لداود، فلذلك سماه عين القطر باسم ما آله إليه، فالعين على هذا القول ليست حقيقة ولكنها مستعارة، والذي تشهد به الآثار أنه على الحقيقة كعيون الماء معجزة لنبيه عليه السلام (4) .   (1) محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/114. (2) سبأ، الآيتان 12،13. (3) الطبري: جامع البيان 22/69 (4) انظر المصدر السابق، الزمخشري: الكشاف 22/282، ابن عطية: المحرر 12/149، السيوطي: الدر المنثور 6/677، الآلوسي: روح المعاني 22/117، محمد الطاهر: التحرير 22/159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وفي قوله جلّ شأنه: {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} معجزة أخرى، حيث سخر له الجن استجابةً لدعائه، وذلك في قوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} (1) ، وقال جلّ شأنه: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} (2) ، فهذه خِصِّيصة لسليمان عليه السلام، فقد روى البخاري (ت256هـ) عن النبي (قال: ((إن عفريتاً من الجن تفلّت البارحة ليقطع عليّ صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخي سليمان رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فرددته خاسئاً..)) (3) ، فهذا التسخير من الله وحده وله المنّة، وليس كما يعتقده اليهود أن هذا التسخير ما تم له إلا بعلم السحر (4) . ثم أخبر الله تعالى ذكره عن بعض ما يعمله الجن لسليمان عليه السلام، فقال جلّ ذكره: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} ، المحاريب: القصور، هذا هو الراجح في الآية (5) .   (1) ص، الآيات 35-38. (2) الأنبياء، الآية 82. (3) صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى {ووهبنا لداود سليمان..} 4/135. (4) انظر الزمخشري: الكشاف 1/301. (5) انظر الزمخشري: الكشاف 22/282، ابن عطية: المحرر 12/150، ابن منظور: لسان العرب، مادة (حرب) 1/306، الآلوسي: روح المعاني 22/117، محمد الطاهر: التحرير 22/160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 التماثيل: الصّور من النحاس وغيره، وكان هذا من الجائز في ذلك الشرع، ثم نسخ بعض أنواعه بشرع سيدنا محمد (على تفصيل من حيث الحرمة والكراهية والإباحة في أنواعها (1) . والجِفَان: جمع جَفنة، وهي القَصعة العظيمة، شبهت بالجابية، وهي البِركة التي يجبى إليها الماء (2) . والقِدْر: اسم لما يطبخ فيه، والراسيات: الثابتات، لا يُزَلن عن أماكنهن لعظمهن ولتداول الطبخ فيهن صباح مساء (3) . إن الله سخر لنبيه الكريم تلكم البدائع من الحضارة والصنائع فسخرها عليه السلام في الدعوة إلى الله وتعظيمه، وقد تجلّى ذلك في القصر الذي أمر ملكة بلقيس أن تدخله ((ليزيدها استعظاماً لأمره وتحقيقاً لنبوته وثباتاً على الدين)) (4) ، حيث يقول الله تعالى: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5) .   (1) انظر الطبري: جامع البيان 22/70، ابن عطية: المحرر 12/150، ابن العربي: أحكام القرآن 4/1600، القرطبي: الجامع 14/273. (2) انظر الطبري: جامع البيان 22/71، ابن عطية: المحرر 12/152، اللسان، مادة (جبي) 14/128، (جفن) : 13/89. (3) انظر الطبري: جامع البيان 22/71، الأصفهاني: المفردات، مادة (قدر) ص396، محمد الطاهر: التحرير 22/163. (4) الزمخشري: الكشاف 3/150. (5) النمل، الآية 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 فبنى هذا القصر من زجاج مُمَلّس، وأجرى من تحته الماء، وجعل الزجاج شفافاً يُرى ما وراءه (1) ، فتحقق لسليمان عليه السلام ما أراده من هدايتها وإعلان إسلامها: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . وبعد؛ فما أبلغ قول الله في سليمان وداود عليهما السلام،حيث يقول جلّ شأنه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} (2) ، فلم يعطف {وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ} بالفاء ولكن عطفه بالواو، ((إشعار بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم وشيء من مواجبه، فأضمر ذلك ثم عطف عليه التحميد، كأنه قال: ولقد آتيناهما علماً فعملا به وعلّماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة وقالا: الحمد لله)) (3) . حُسْن الصوت:   (1) انظر الطبري: جامع البيان 22/168، الزجاج: معاني القرآن 4/122، الزمخشري: الكشاف 3/150. (2) النمل، الآية 15. (3) الزمخشري: الكشاف 3/139. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} (1) ، اختلف المفسرون في المراد بالفضل المذكور في هذه الآية على أقوال كثيرة، فمنهم من عمّم ذلك على مجموع ما آتاه الله من النبوة والملك والصوت الحسن والعلم وعمل الدروع.. وغير ذلك (2) ، ومنهم من خصّه بنوع من هذه الأنواع (3) ، ومنهم من خصّه بالصوت الحسن وبذلك قطع ابن العربي (4) (ت543 هـ) ، ولعله اختار هذا القول نظراً إلى السياق، لأن الله تعالى أتبعه بقوله: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} ، قال الزجّاج (ت311 هـ) : ((المعنى فقلنا يا جبال أوبي معه)) (5) ، وقال العُكبري (ت616هـ) : ((أي وقلنا يا جبال، ويجوز أن يكون تفسيراً للفضل)) (6) ، أوّبي: أي رجّعي معه التسبيح (7) ، قال كثير من العلماء إن داود كان ذا صوتٍ حسن، فكان إذا رجع التسبيح والزبور بصوته الشجيّ رجّعت الجبال والطير مثل تسبيحه طرباً لصوته (8) ، وفي الصحيحين أن رسول الله (سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل، فوقف فاستمع لقراءته، ثم قال: ((لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)) (9) ، والمراد بالمزمار: الصوت   (1) سبأ، الآية 10. (2) انظر ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 6/485، محمد الأمين: أضواء البيان 6/618. (3) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1594، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/264 (4) أحكام القرآن 4/1595. (5) معاني القرآن 4/243. (6) إملاء ما منّ به الرحمن 2/195. (7) الزمخشري: الكشاف 3/281. (8) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1596، الرازي: مفاتيح الغيب 13/185، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/485، عبد الرحمن السعدي: تيسير الكريم الرحمن 6/264. (9) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقراءة 6/112، ومسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين وقصرها 1/546، رقم الحديث (235،236) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الحسن، وأصله الآلة المعروفة، وأطلق اسمها على الصوت للمشابهة، ونص غير واحد على أن المقصود بآل داود: داود نفسه، وإليه المنتهى في حسن الصوت، ولم يعرف من أقاربه أنه كان أعطي من حسن الصوت ما أعطي، ف (آل) هنا مقحمة (1) ، ولا يبعد أن يكون آل داود قد أورثوا هذه الهبة، وإنما خُصّ داود عليه السلام من بينهم بتسبيح الجبال معه والطير، كما قال تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} (2) ، وقال تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} (3) ، وهذا التسخير معجزة من الله لنبيه داود عليه السلام، وتسبيح الجبال والطير معه تسبيح حقيقي مسموع، لا يجوز صرفه عن ظاهره إلا بدليل يعوّل عليه (4) ، وقد أشارت الآيات إلى أمرين: أولاهما: أن وقت التسبيح بالعشي والإشراق، والعشي: من وقت العصر إلى الليل، والإشراق بالغداة وقت الضحى (5) . ثانيهما: أن ذلك مقصور على الجبال والطير فقط، فكان ((إذا سّبح أجابته الجبال واجتمعت إليه الطير فسبحت معه، واجتماعها إليه كأن حشرها)) (6) . وكذلك الصوت الحسن الذي امتن الله به على داود موهبة كريمة من الله تعالى، ونص بعض المفسرين على أنه من العلم الذي أشار الله إليه في قوله تعالى: {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} (7) ، وأطلق بعضهم عليه علم الألحان (8) .   (1) انظر ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث، مادة (زمر) 2/312، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/265، ابن حجر: فتح الباري 19/112. (2) الأنبياء الآية 79. (3) ص، الآيتان 18،19. (4) انظر الآلوسى روح المعانى 22/112، محمد الأمين: أضواء البيان 4/672. (5) انظر الطبرى: جامع البيان22/137. (6) المصدر السابق 22/138. (7) البقرة، الآية 251. (8) الرازي: مفاتيح الغيب 3/204 أبوحيّان: البحر 2/268. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 قال ابن العربي (ت543 هـ) عند تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً} (1) : ((والأصوات الحسنة نعمة من الله تعالى وزيادة في الخلق ومنّة، وأحق ما لبست هذه الحُلّة النفيسة والموهبة الكريمة كتاب الله، فنعم الله إذا صرفت في الطاعة فقد قضى بها حق النعمة)) (2) ، وتحسين الصوت بالقراءة أمر متفق على استحبابه، وأما الألحان فوقع بين السلف اختلاف في جواز القراءة بها، قال ابن حجر (ت852 هـ) : ((والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسناً فليحسنه ما استطاع ... ومن جملة تحسينه أن يُراعى فيه قوانين النغم، فإن الحسن الصوت يزداد حسناً بذلك وإن خرج منها أثّر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يف تحسين الصوت بقبح الأداء، ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام؛ لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعي الأداء، فإن وجد من يراعيهما معاً فلا شك في أنه أرجح من غيره؛ لأنه يأتي بالمطلوب مع تحسين الصوت، ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء)) (3) .   (1) سبأ، الآية 10. (2) أحكام القرآن 4/1597. (3) فتح البارى 19/87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وعلماء التجويد والقراءات لا يعتدون بعلم الألحان، وإنما يشتغل به من يتخذون القرآن الكريم حرفة لإحياء الليالي والمآتم ونحوها، وما ذكره ابن حجر (ت852 هـ) وغيره من الأئمة المعتبرين من الجواز في ذلك إنما مرادهم التلحين البسيط الذي لا يؤثر على الأداء الصحيح، وهذا هو محل الخلاف، وما حرره ابن حجر لا مزيد عليه – رحمه الله -، أم التلحين الموسيقي الذي ابتلي به بعض الناس ممن لا يُعتبرون من علماء التجويد ولا القراءات فلا يختلف في تحريمه؛ لأن الأداء الصحيح متوقف على مقدار معين في الحركات ومقادير الغنن والمدود، وكذلك التلحين يتعين له مقدار من الصوت لا يتم إلا به، فلا يمكن اجتماعهما في القرآن الكريم المنزل للإعجاز (1) . وقد ذُكر أن داود عليه السلام له معرفة بالنغم والعزف، وأن المزامير ما صنعت إلا على صوته، ولم يثبت في ذلك نقل صحيح يُعوّل عليه (2) ، والصواب تنزيهه عن ذلك، بل آتاه الله تعالى الصوت الحسن هبة إلهية إذ يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً} (3) . منطق الطير: قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} (4) ، منطق الطير: معرفة دلالات أصوات الطيور من صفير ونعيق وغيرهما على ما في إدراكها وإرادتها (5) .   (1) انظر ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون 426، ابن الجزري: النشر 1/212. (2) انظر أبا حيان: البحر 2/269، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 7/238. (3) سبأ، الآية 10. (4) النمل، الآية 16. (5) انظر الزمخشري: الكشاف 3/140، ابن العربي: أحكام القرآن 3/1448، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 22/237. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وقوله جل وعزّ عن سليمان عليه السلام {عُلّمْنَا} يدل على أن هذا العلم أوتيه سليمان من طريق الوحي معجزة له ودلالة على صدق نبوته عليه السلام، وهذا شيء لم يعطه أحد من البشر قبله (1) . وذهب بعض العلماء إلى أن الضمير في {عُلّمْنَا} راجع إلى داود وسليمان، ومن ثَم عدّوا ذلك من علم داود أيضاً، والأولى الاقتصار على ظاهر القرآن، وأن ذلك مما خص به سليمان وحده (2) . وذهبت فرقة إلى أن هذا العلم لسليمان كان في جميع الحيوان، والصواب أنه لم يثبت من ذلك إلا منطق الطير، وأما ما ذكره الله عن النملة في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} (3) فليس فيه ما يدل على الاطراد كفَهْمِ منطق الطير، فالوقوف على ما جاء به النص الكريم أسلم (4) ، والله أعلم.   (1) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، محمد الطاهر: التحرير 22/236. (2) انظر الآلوسي: روح المعاني 19/172. (3) النمل، الآيتان 18،19. (4) انظر ابن عطية: المحرر 11/182، ابن العربي: أحكام القرآن 3/1449، الآلوسي: روح المعاني 19/172،175، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 22/237. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ولئن اختلف العلماء في الطيور وسائر الحيوانات والحشرات هل لها لغات وأفهام وعقول (1) ؟ فقد أثبتت الدراسات الحديثة في القرنين الأخيرين أن لكل جماعة لغة يتفاهم بها أفرادها حسب مراداتهم ومدركاتهم، وذلك مظهر حي ووجه من وجوه الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، لكن يجب التنبه إلى أن ما توصل إليه بعض العلماء في هذا المجال يظل معتمداً على المراقبة والاجتهاد، وحبيس الظن والحدس، ولا يمكن أن يرتقي إلى العلم اللدني الذي تفضل الله به على نبيه سليمان عليه السلام على وجه الخارقة والمعجزة (2) خلافاً للمتفلسفة الذين ((لم يُقرّوا بأن الأنبياء يعلمون ما يعلمونه بخبر يأتيهم من الله، لا بخبر ملك ولا غيره، بل زعموا أنهم يعلمونه بقوة عقلية، لكونهم أكمل من غيرهم في قوة الحدس، ويسمون ذلك القوة القدسية)) (3) .   (1) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 3/1449، الآلوسي: روح المعاني 19/172. (2) انظر سيد قطب: الظلال 5/2634، عبد الحميد طهماز: المعجزة والإعجاز في سورة النمل ص52، أمين محمد عثمان: حياة الحيوان، مجلة الوعي الإسلامي ص 65، العدد 348، شعبان 1415هـ. (3) ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل 1/179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 لا ريب أن قصة سليمان عليه السلام مع هذه الكائنات تنويه صريح بعلمه وقد تضمنت أنموذجاً فريداً للعالم الشاكر المتواضع في شخصية سليمان عليه السلام: أما شكره فقد تمثل في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} (1) ، وقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} (2) ، وقوله بعد أن سمع كلام النملة: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} (3) ، فهذه الجمل متضمنة شكر الله على ما وهبه من العلم، ومعنى {أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} : وفقني لملازمة شكر نعمتك (4) . وقد وقع منه مثل ذلك لما رأى عرش ملكة بلقيس مستقراً عنده، ((جعل يشكر نعمة ربه بعبارة فيها تعليم للناس، وهي عرضة للاقتداء بها والاقتباس منها)) (5) ، {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (6) ، ((يقول: ليختبرني ويمتحنني أأشكر ذلك من فعله عليّ، أم أكفر نعمته عليّ بترك الشكر له)) (7) . وأما تواضعه فقد جاء في مطلع القصة في قوله وقول أبيه عليهما السلام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} (8) فقد أشار قولهما إلى اعتقادهما أن في عباد الله من يفضلهم في العلم (9) .   (1) النمل، الآية 16. (2) النمل، الآية 16. (3) النمل، الآية 19. (4) انظر الزمخشري: الكشاف 3/140، 142، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 22/236،244. (5) ابن عطية: المحرر الوجيز 11/210. (6) النمل، الآية 40. (7) الطبري: جامع بيان 22/165. (8) النمل، الآية 15. (9) انظر الزمخشري: الكشاف 3/140، الآلوسي: روح المعاني 19/171. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 كما جاء فيما ذكره الله عن الهدهد في قوله: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} ، قال الزمخشري (ت538 هـ) : ((ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام على ما أُوتي من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمّة والإحاطة بالمعلومات الكثيرة ابتلاء له في علمه وتنبيهاً على أن في أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علماً بما لم يحط به لتتحاقر إليه نفسه، ويتصاغر إليه علمه، ويكون لطفاً له في ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء وأعظم بها فتنة)) (1) . وفي هاتين الخصلتين تنويه بشرف العلم؛ لأنه استدعى الشكر الذي هو من أجلّ الطاعات، وأورث أهله التواضع.   (1) الكشاف 3/143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وثمة صفات أخرى وأمور مهمة في العلم اشتمل عليها منطق النملة والهدهد في قول الله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ * وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لأَُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ * أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ* قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (1) .   (1) النمل، الآيات 17-26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 لقد دلت تلكم الآيات على أن علم نبي الله سليمان عليه السلام يظل محدوداً بالنسبة لعلم الله الذي أحصى كل شيء علماً، فقد جاء عن كل من النملة والهدهد ما يفيد ذلك، وهما من أضعف الخلق، ومعنى {وَهُمْ لاَ يَشْعُرونَ} : ((وهم لا يعلمون)) (1) ، ومعنى {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} : ((أحطت بعلم ما لم تحط به أنت يا سليمان)) (2) ، ومن ثَمَّ أخبر الهدهد - فيما ذكره الله عنه - بعلم الله بكل شيء ما خفي وما ظهر وهو عال على خلقه مستو على عرشه، لهذا كان ((إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة وفي قعور البحار ورؤوس الآكام وبطون الأودية وفي كل موضع، كما يعلم علم ما في السموات السبع وما فوق العرش، أحاط بكل شيء علماً، فلا تسقط ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات البر والبحر ولا رطب ولا يابس إلا قد عرف ذلك كله وأحصاه، فلا تعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره)) (3) .   (1) الطبري: جامع البيان 22/142. (2) المصدر السابق 22/143. (3) ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل 2/35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وفيما ذكره الله عن الهدهد ((رد على من قال إن الأنبياء تعلم الغيب)) (1) ، وفيه إبطال لمن زعم أن الجن تعلم الغيب، ففي الآيات السابقة أشار الله إلى الجن وأنهم ضمن جنود سليمان عليه السلام، ومع هذا غاب عنهم خبر الهدهد والنملة، وقد كان فشا أن الجن تعلم الغيب فكذبهم الله ببرهان عملي في سليمان نفسه عليه السلام، وذلك في قوله الله جلّ شأنه: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ (2) فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} (3) المعنى لأنهم لو كانوا يعلمون ما غاب عنهم ما عملوا مسخرين، إنما عملوا وهم يظنون أنه حي يقف على عملهم)) (4) . هذا وقد تضمنت آيات سورة النمل السابقة آداب جمة، منها: الدلالة على شرف العلم وفخره وأناقة محله، وذلك في قول الله تعالى:: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} ، وفي ((هذا دليل على أن الصغير يقول للكبير والمتعلم للعالم عندي ما ليس عندك إذا تحقق ذلك وتيقنه)) (5) .   (1) القرطبي: الجامع 13/181. (2) " المنسأة: العصا "، الزجاج: معاني القرآن 4/247. (3) سبأ، الآية 14. (4) الزجاج: معاني القرآن 4/247. (5) ابن العربي: أحكام القرآن 3/1456. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 كما تضمن قوله {أَلاَّ يَسْجُدُوا} على قراءة الكسائي (1) - تقديرها ألا يا هؤلاء اسجدوا (2) - أسلوباً تعليمياً في استغلال المواقف في الحث على التوجيه، فهو أدعى للقبول والاستجابة، قال برهان الدين البقاعي (ت885 هـ) : ((بدئ بأداة الاستفتاح تنبيهاً لهم على عظم المقام لئلا يفوت الوعظ أحداً منهم بمصادفته غافلاً، ثم نادى لمثل ذلك وحذف المنادى إيذانا بالاكتفاء بالإشارة لضيق الحال خوفاً من المبادرة بالنكال عن استيفاء العبارة التي كان حقها ألا يا هؤلاء اسجدوا لله، أي لتخلصوا من أسر الشيطان، فإن السجود مرضاة للرحمن ... )) (3) . وثمة أحكام وآداب اشتملت عليها الآيات سبق الحديث عنها في مواضعها من هذا البحث. حكمة داود وسليمان عليهما السلام: وهي مما أفاض الله على جميع أنبيائه عليهم السلام، إذ يقول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} (4) ، وقال تعالى: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (5) ، كما خصّ بالذكر بعض أنبيائه، ومنهم داود عليه السلام، إذ يقول الله تعالى فيه: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} (6) ، {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} (7) .   (1) انظر ابن مجاهد السبعة 480. (2) مكي: الكشف عن وجوه القراءات السبع 2/158. (3) نظم الدرر 14/153. (4) آل عمران، الآية 81. (5) النساء، الآية 54. (6) البقرة، الآية 251. (7) ص، الآية 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 والمقصود بالحكمة في الآيات الآنفة النبوة، وهي داخلة في المعنى العام للحكمة، وهو إصابة الحق بالعلم والعقل والعمل به (1) ، فالحكمة من المعاني الجامعة، وما سبق في هذا البحث من علم داود وسليمان عليهما السلام يعتبر من الحكمة، ومن أروع الصور التي بانت فيها حكمتهما ذلكم الملك الواسع الذي استكمل فيه تمام الحكمة، فلم يبلغ أحد من أنبياء بني إسرائيل ما بلغ ملكهما (2) ، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله تعالى عن داود: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} (3) ، وقال تعالى عن سليمان: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} (4) ، وإنما بلغا ذلك بما وهبهما الله من العلم السني الذي قام عليه ملكهما وانتظمت به حضارتهما الفذة، التي تعتبر مثلاً للحضارة الحقة بجميع أبعادها. وفي قصة سليمان عليه السلام صفحات من تلكم الحضارة النيّرة والحكمة الباهرة، ومنها ما يلي:   (1) انظر الطبري: جامع البيان 2/632، 23/139، ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (حكم) 2/91، الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة (حكم) 127، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/476، 7/51. (2) انظر الطبري: جامع البيان 23/139، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 3/164، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/50، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/114. (3) ص، الآية 20. (4) ص، الآية 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 * شفقة الراعي وجنوده على الرعية، وذلك في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} (1) ، ((تعني أنهم لو شعروا لم يفعلوا)) (2) ، ((وهذا تنويه برأفته وعدله الشامل لكل مخلوق لا فساد منه، أجراه الله على نملة ليعلم شرف العدل، ولا يحتقر مواضعه، وأن ولي الأمر إذا عدل سرى عدله في سائر الأشياء وظهرت آثاره فيها)) (3) . * ومنها تفقد الراعي أحوال رعيته، وذلك في قوله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} (4) ، وفي ذلك ما يدل على اليقظة والمحافظة على الرعية، فإذا كان هذا في شأن الطير فكيف بشأن الناس وعظائم الملك (5) ، إذا لا يخفى دور ذلك في صلاح الأحوال وإحكام النظام. كانت تلك بعض ملامح سياسته الداخلية، وقد أشرت فيما سبق إلى ما كان يقوم به من صنائع وأبنية وغيرها.   (1) النمل، الآية 18. (2) الزمخشري: الكشاف 3/142. (3) محمد الطاهر: التحرير والتنوير 9/243. (4) النمل، الآية 20. (5) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 3/1454. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وأما سياسته الخارجية فقد تجلت بعض جوانبها في قصته مع ملكة سبأ، وقد تركزت حكمته عليه السلام في جميع مراحلها في تفعيل العلم الصحيح لأنه أمضى من قوة السلاح وغيره، فإنه لما جاء الهدهد بخبر قوم سبأ تثبّت عليه السلام أولاً من صحة الخبر، ولم يستفزه طمع ولم يسيطر عليه غضب، ((وإنما طلب الانتهاء إلى ما أخبر وتحصيل علم ما غاب من ذلك حتى يغيره بالحق ويرده إلى الله تعالى)) (1) {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} (2) ، وقد سبق الحديث عما اشتمل عليه هذا الكتاب من قول الحكمة في مبحث الفصاحة. فلما استشارت الملكة ملأها {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} (3) ، فأحست منهم الميل إلى المحاربة ورأت أن تستخدم مالها بدلاً من القوة، إذ قالت: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (4) فتبين له قصدها من الهدية أن تصانعه لتصرفه عمّا تضمنه كتابه بالرشوة (5) ، فأجابهم بقوله: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} (6) ، قال الزمخشري   (1) المصدر السابق 3/1458. (2) النمل، الآية 27. (3) النمل، الآية 33. (4) النمل، الآية 35. (5) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 3/1460، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/268. (6) النمل، الآية 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 (ت538 هـ) : ((بل أنتم قوم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا، فلذلك تفرحون بما تزادون به ويهدي إليكم؛ لأن ذلك مبلغ همتكم.. فإن قلت فما وجه الإضراب؟ ، قلت: لما أنكر عليهم الإمداد وعلل إنكاره، أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه، وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا ولا فرح إلا أن يهدي إليهم حظ من الدنيا التي لا يعلمون غيرها)) (1) . فلما ارتحلت ملكة سبأ إلى سليمان عليه السلام طائعة واستبان له ما لهذه المرأة من حصافة ورجاحة عقل اتخذ أسلوب الحكمة في دعوتها إلى الإيمان بالله تعالى، قال ابن زيد: ((أعلم الله سليمان أنها ستأتيه فقال: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِين} (2) حتى يعاتبها، وكانت الملوك يتعاتبون بالعلم)) (3) ، وأراد سليمان عليه السلام أن يبين لملائه أنه يتأتى بالحكمة والعلم ما لا يتأتى بالقوة، فطلب منهم ذلك ليكون مثلاً لتغلب العلم على القوة (4) {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} (5) ، وفي هذا تنبيه على الذي عنده علم من الكتاب - وهو رجل من أهل الحكمة - اقتدر على ذلك وتغلب على العفريت مع ما فيه من شدة بقوة العلم وليس بالشدة (6) .   (1) الكشاف 3/148. (2) النمل، الآية 38 (3) الطبري: جامع البيان 19/160. (4) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/271. (5) النمل، الآيتان 39،40. (6) انظر البقاعي: نظم الدرر 14/164، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/271. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 قال تعالى: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ الا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ} (1) ، وهكذا نجد أن سليمان عليه السلام أعمل حكمته فيما تعرفه وهو عرشها، حيث أراها ما وهبه الله من قدرة عظيمة في إحضار العرش والتصرف فيه مع عجزها عن السيطرة عليه، والعلم المذكور في الآية ((علم الحكمة الذي علمه الله سليمان ورجال مملكته وتشاركهم بعض أهل سبأ في بعضه، فقد كانوا أهل معرفة أنشأوا بها حضارة مبهتة)) (2) . ثم ترقّى بها إلى ما لا تعلم {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ} (3) ليثبت لها أن العبادة من دون الله تصدّ عن استكمال العلم وتحقق الرشد، فإنها لما رأت الصرح انبهرت بما شاهدت ولم تعرف حقيقته {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} (4) ، ومن ثَمَّ أعلنت إسلامها لما رأت من عظمة سلطانه وما آتاه الله تعالى وجلالة ما هو فيه، وأقرت بنبوته (5) {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (6)   (1) النمل، الآيات 41-43. (2) محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/274. (3) النمل، الآية 44، وقد سبق التعليق على معاني هذه الآية في آخر مبحث الصنائع. (4) النمل، الآية 44. (5) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/206. (6) النمل، الآية 44. المصادر والمراجع ابن الأثير، المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناحي، بيروت. الآلوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، الطبعة (4) 1405هـ، بيروت، دار إحياء التراث العربي. أمين محمد عثمان، حياة الحيوان، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 348، 1415هـ. انستاس ماري الكرملي، الداودة، مجلة المشرق، 2/يناير /1903م. البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، استانبول،1981م. البقاعي، إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، الطبعة (2) ، 1413هـ، القاهرة، دار الكتاب الإسلامي. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، درء تعارض العقل والنقل، تحقيق د. محمد رشاد سالم، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1399هـ. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، دقائق التفسير، تحقيق د. محمد السيد الجليند، الطبعة (2) 1404هـ، بيروت، مؤسسة علوم القرآن. ابن الجزري، محمد بن محمد الدمشقي، النشر في القراءات العشر، إشراف علي الضباع، بيروت، دار الكتب العلمية. ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد، زاد المسير في علم التفسير، الطبعة (3) 1404هـ، بيروت، المكتب الإسلامي. ابن حجر، أحمد بن علي بن محمد، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق طه عبد الرءوف وزميليه، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، 1398هـ. أبو حيان، محمد بن يوسف، البحر المحيط، الطبعة (2) 1403هـ، بيروت دار الفكر. ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون، بيروت، مؤسسة الأعلمي. الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، بيروت، دار الفكر. الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، ضبط محمد سيد كيلاني، بيروت دار المعرفة. الزجاج، إبراهيم بن السّري، معاني القرآن، تحقيق د. عبد الجليل عبده شلبي، بيروت، دار عالم الكتب، 1408هـ. الزركشي، محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة (2) ، 1391هـ. الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق التنزيل، بيروت، دار المعرفة. السخاوي، علي بن محمد، جمال القراء، تحقيق د. علي البواب، مكة المكرمة، مكتبة التراث، 1408هـ. سيد قطب، في ظلال القرآن، الطبعة (7) 1398هـ، بيروت، دار الشروق. السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان في علوم القرآن، الرياض، مكتبة الباز، 1417هـ. السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير المأثور، بيروت، دار الفكر، 1403هـ. صلاح عاشور، تاريخ الدروع وتطورها، مجلة الجندي المسلم، العدد (31) ، 1404هـ. الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبعة (3) 1388هـ، القاهرة، مصطفى الحلبي. عبد الحميد محمود طهماز، المعجزة والإعجاز في سورة النمل، دمشق (دار القلم) ، بيروت (دار المنارة) 1407هـ. عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، إشراف محمد زهري النجار، الرياض، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، 1404هـ. ابن العربي، محمد بن عبد الله، أحكام القرآن، تحقيق علي محمد البجاوي، بيروت، دار المعرفة. ابن عطية، عبد الحق بن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق عبد الله الأنصاري وزملائه، الدوحة 1398هـ. العكبري، عبد الله بن الحسين، إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب، بيروت، دار الكتب العلمية، 1399هـ. ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، الطبعة (3) 1402هـ، القاهرة، الخانجي. ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، الطبعة (5) 1404هـ، بيروت، مكتبة المعارف. ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، تحقيق عبد العزيز غنيم وزميليه، القاهرة، الشعب. القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي. ابن مجاهد، أحمد بن موسى، السبعة، الطبعة (2) 1400هـ، القاهرة، دار المعارف. مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية. محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، الرياض، 1403هـ. محمد الطاهر بن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، تونس، الدار التونسية، 1984م. محمد الغزالي، نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم، الطبعة (3) 1417هـ، القاهرة، دار الشروق. مكي بن أبي طالب، الكشف عن وجوه القراءات السبع، تحقيق د. محي الدين رمضان، الطبعة (2) 1401هـ، بيروت، مؤسسة الرسالة. ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر. النحاس، أحمد بن محمد، إعراب القرآن، تحقيق د. زهير غازي زاهد، الطبعة (2) 1405هـ، عالم الكتب. النحاس، أحمد بن محمد، معاني القرآن الكريم، تحقيق محمد علي الصابوني، مكة المكرمة، مركز إحياء التراث، 1408هـ. هاني أبو غريبة، تاريخ الدروع، مجلة تاريخ العرب والعالم، الأعداد 107-110، محرم - ربيع الثاني 1408هـ (كذا في المجلة) ص46-56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 (( (( (( الخاتمة: بعون الله وفضله تمّ تأمل قصص داود وسليمان عليهما السلام في القرآن الكريم وإلقاء الضوء على علمهم، ومن أهم النتائج التي انتهى إليها البحث ما يلي: * سعة علم الله وإحاطته بكل شيء، فهو جلّ جلاله عال على خلقه مستوٍ على عرشه ولا يخفى عليه شيء، وأنه لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه، ومن زعم أن غيره كذلك فقد ضلّ ضلالاً بعيداً. * إظهار علم الله وحكمته من أهم مقاصد سور القرآن الكريم. * من أهم مقاصد قصص داود وسليمان عليهما السلام في القرآن الكريم تقرير علم الله جلّ وعلا. * شرف العلم ونفاسته، وأناقة محلّه وفخر حملته، وأنه أغلى من المال وأكرم من السلطان. * لا يتم العلم إلا بالعلم، وأن شرف العالم في التحلي بآدابه. * منزلة داود وسليمان عليهما السلام في النبوة والعلم والملك، والرد على اليهود في الطعن في نبوتهما. * الرد على من غلا فيهما أو في أحدهما من حيث علم الغيب أو الأفضلية على أولي العزم وسائر الأنبياء والرسل. * تبرئتهما عليهما السلام مما نسب إليهما من اتخاذ المعازف وعلم السحر وغير ذلك مما رُميا به من اليهود. * أن القرآن الكريم هو أحسن القصص وأصدقه، وأما ما ورد من الإسرائيليات فأكثره مبدل أو مزيد أو منقوص أو محرف ... ، فينبغي أخذ الحيطة في ذلك. * أن العلم من أبلغ المعجزات التي أُيدا بها على وجه الخارقة، ومن علمهم ما هو عن طريق الاجتهاد كما في مبحث القضاء. * ما توصل إليه العلماء من لغة الحيوان ونحو ذلك مبني على المراقبة والحدس، أما الأنبياء فإنهم يعلمون ذلك بوحي من الله. * بيان ما ورثه سليمان من داود عليهما السلام من العلم، وإبراز ذلك من خلال علم القضاء والفصاحة والصناعة، وكذلك الحكمة. * التحرف بالصناعة لا ينقص من قدر المرء، بل ذلك زيادة في الفضل والفضائل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 * أن العلم وفضله وما يتصل بذلك لا يقتصر على المجالات الشرعية فحسب، بل العبرة بما كان لله، وبما يورثه من خشية لله. * الإيمان بالله طريق للانتفاع بجميع العلوم وتوظيفها في نصرة الإيمان ونهضة الأمة. * الكفر ظلمة تحجب عن استكمال العلم وتحقق الرشد في الدارين. وثمة نتائج أخرى تضمنها البحث في التفسير وغيره، ومن أهم ما تجدر العناية به العلم في ضوء قصص الأنبياء، فكما أن في كل قصة عبرة فكذلك في كل قصة علم، وما هذا البحث إلا حلقة من سلسلة حلقات ينبغي أن تتواصل على أيدي الباحثين لإبراز هدايات القرآن الكريم ودلالته. وبعد: فإن هذا البحث جهد مقل، فما كان فيه من صواب فمن فضل الله وتوفيقه، وما كان فيه من زلل أو تفريط فمن تقصيري، وأستغفر الله.. اللهم ارحمنا بالقرآن، والحمد لله في الأولى والآخرة. الهوامش والتعليقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 حديث القرآن عن الحج د. إبراهيم بن سليمان آل هويمل استاذ مشارك بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ملخص البحث إن حج بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام الخمسة العظام التي أمرنا بها في محكم القرآن وصريح السنة، جاء الحديث عنه في القرآن الكريم في آيات كثيرة لا عن وجوبه والأمر به فحسب، بل وعن مكانه، وآدابه وعلى من يجب وغير ذلك من الأحكام المترتبة عليه، كما سنقف عليه - إن شاء الله - في الآيات التالية، مما يدل دلالة ظاهرة على أن المتدبر لآيات القرآن الكريم يجد وفاءه لحاجات البشر، وشموله لكل شيء، وأنه المعجزة العظمى فهو لا يتحدث عن الحج حديثاً عاماً، بل حديثاً دقيقاً شاملاً. لذا أحببت أن أجمع الآيات في هذا الموضوع، وأبين هذه الأحكام التي ذكرها القرآن، ليقف القارئ على شيء من بيان القرآن ووفائه بحاجات البشر، وهذا الذي قمت به جهد مقل، وترجع أهمية هذا البحث إلى ما يلي: كونه بحثاً قرآنياً يعيش الباحث فيه مع آيات القرآن الكريم. أنه يحث يتعلق بركن من أركان الإسلام. حاجة البشر إلى القرآن وتعاليمه، والنهل من معينه الصافي فهو يهدي للتي هي أقوم. وتظهر أهمية هذا الموضوع بتكرر الحج في كل عام وكثرة زائريه، حيث يقدَم إليه في كل عام من لم يزره قبل ممّن هو بحاجة إلى بيان أحكام هذه العبادة. وفي نهاية هذا البحث الذي ذكرت فيه حديث القرآن عن فريضة الحج ومكانته ومنافعه، وأحكامه وتوصلت منه إلى ما يلي: عظم مكانة الحج ومنزلته في الدين. أن الحج عبادة لله، فرضت على هذه الأمة وعلى غيرها. الاهتمام بشأن البيت العتيق والعناية به. وعيد من لم يحج وهو مستطيع بالكفر. أن معظم مسائل الحج مذكورة في القرآن الكريم. ضرورة التزام الحاج بآذاب الحج وتحليه بها. (( (( (( مقدمة: ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (وعلى آله وصحبه. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (1) . {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} (2) . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} (3) . أما بعد: فإن حج بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام الخمسة العظام التي اُمرنا بها في محكم القرآن وصريح السنة. هذا الركن جاء الحديث عنه في القرآن الكريم في آيات كثيرة لا عن وجوبه والأمر به فحسب، بل وعن مكانه، وآدابه وعلى من يجب وغير ذلك من الأحكام المترتبة عليه، كما سنقف عليه - إن شاء الله - في الآيات التالية، مما يدل دلالة ظاهرة على أن المتدبر لآيات القرآن الكريم يجد وفاءه لحاجات البشر، وشموله لكل شيء، وأنه المعجزة العظمى فهو لا يتحدث عن الحج حديثاً عاماً كما يخطر على بال بعض الخلق، بل حديثاً دقيقاً شاملاً. لذا أحببت أن اجمع الآيات في هذا الموضوع، وأبين هذه الأحكام التي ذكرها القرآن، ليقف القارىء على شيء من بيان القرآن ووفائه بحاجات البشر، وهذا الذي قمت به جهد مقل، وأسأل الله الغفران والتجاوز عن السهو والتقصير. والحمد لله رب العالمين. أهمية الموضوع: كونه بحثاً قرآنياً يعيش الباحث فيه مع آيات القرآن الكريم. أنه بحث يتعلق بركن من أركان الإسلام - الحج -   (1) سورة آل عمران (102) (2) سورة النساء (1) (3) سورة الأحزاب (70-71) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 حاجة البشر إلى القرآن وتعاليمه، والنهل من معينه الصافي فهو يهدي للتي هي أقوم. وتظهر أهمية هذا الموضوع بتكرار الحج في كل عام وكثرة زائريه، حيث يقدم إليه في كل عام من لم يزره قبل مما هو بحاجة إلى بيان أحكام هذه العبادة. المنهج الذي سرت عليه في كتابة البحث: استقراء الآيات حول الموضوع، وجمعها. ترتيب الآيات على المباحث المناسبة لها. دراسة هذه الآيات حسب ما يقتضيه الموضوع. دراسة مختصرة مقتصراً على بيان ما نصت عليه الآية فقط، معرضاً عن ذكر الخلاف بين العلماء. وكانت الدراسة في هذا الموضوع حسب الخطة التالية وتتكون الدراسة مما يلي: المقدمة: وفيها أهمية الموضوع ومنهجي في دراسته وخطة البحث. المبحث الأول: تعريف الحج لغة واصطلاحاً. المبحث الثاني: مكانة الحج في القرآن الكريم. المبحث الثالث: فرض الحج. وتحته ثلاث مطالب: ابتدأ فرض الحج على من يجب الحج. أوجه اليسر التي نص عليها القرآن في أداء هذه العبادة. المبحث الرابع: آثار الحج ومنافعه. المبحث الخامس: فقه الحج في القرآن الكريم. المبحث السادس: آداب تتعلق بالحج. الخاتمة: وفيها أهم النتائج. المبحث الأول: تعريف الحج في اللغة: قال ابن فارس: (الحاء والجيم أصول أربعة - فالأول القصد، وكل قصدٍ حج. قال: وأشهدُ من عوفٍ حُلولاً كثيرةً ... ... يحجون سِبّ الزبرقانِ المزعفرا (1) ثم اختص بهذا الاسم القصدُ إلى بيت الله الحرام للنسك، والحجيج: الحاج) (2) .   (1) الحلول جمع حال - ومعنى يحجون: يقصدون، والسب: العمامة، والمزعفر: المصبوغ بالزعفران، يعني أنهم يقصدونه في أمورهم. والبيت للمخبل السعدي، كما في اللسان (حجج) انظر مذاهب الأخيار في أحكام الحج والاعتمار - لأبي محمد بيبا بن فاليد،ص 19، والمغني 5/5. (2) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، كتاب الحاء 2/29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وقال في المفردات: (أصل الحج القصد للزيارة) (1) . وقال في مختار الصحاح: (الحج في الأصل القصد، وفي العرف قصد مكة للنسك، وبابه ردّ ... والحج بالكسر الاسم، والحجة بالكسر أيضاً، المرة الواحدة، وهي من الشواذ لأن القياس الفتح) (2) . وعلى هذا فمعنى الحج في اللغة: هو القصد، ولا شك أن الحج أمر عظيم، عظيم في نفسه، وعظيم في مكانه، وعظيم في زمانه، وعظيم في أعماله. أما عِظَمُه في نفسه، فكونه أحد أركان الإسلام. وأما في مكانه، فهو في أقدس البقاع وأطهرها. وأما في زمانه، فهو في الأشهر الحرم. وأما في أعماله، فمن طواف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة ووقوف بعرفات، ومبيت بمزدلفة … … إلى غير ذلك من أعماله العظيمة. - نطق لفظة الحج: في حاء الحج لغتان: الفتح والكسر، وقد قرئى في القرآن الكريم بهما في قوله تعالى: {ولله على الناس حِج البيت من استطاع إليه سبيلاً} (3) . فقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، بالكسر. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وابن عامر: بالفتح (4) . - تعريف الحج في الاصطلاح: قال ابن قدامة: (اسم لأفعال مخصوصة) (5) . وقال غيره: (اسم لأفعال مخصوصة في زمن مخصوص ومكان مخصوص على وجه مخصوص) (6) . وقال في المفردات: (خص في تعارُفِ الشرع بقصد بيت الله تعالى إقامة للنسك) (7) . وقال الشيخ ابن عثيمين: (التعبد لله - عز وجل - بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول الله () (8) . ومن مجمل هذه التعريفات وغييرها يمكن أن يقال:   (1) المفردات، كتاب الحاء، ص 107. (2) الرازي، مختار الصحاح (حجج) ص 122 (3) سورة آل عمران (97) (4) ابن مجاهد - السبعة، ص 214. (5) ابن قدامه - المغني 5/5. (6) مذاهب الأخبار، ص 19. (7) المفرادات، كتاب الحاء، ص 107 (8) ابن عثيمين - الشرح الممتع، 7/7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 هو قصد بيت الله الحرام تعبداً لله - عز وجل - لأداء أفعال مخصوصة في زمن مخصوص. المبحث الثاني: مكانة الحج في القرآن الكريم: لهذه الشعيرة، ولهذا الركن العظيم منزلته الكبيرة في القرآن الكريم، والحديث عنه تارة بالأمر به، وتارة بالأمر بإتمامه، وتارة ببيان مكانه، وأخرى بتطهير هذا المكان، وتارة ببيان زمانه وغير ذلك من الأساليب مما يدل على عناية القرآن بشأن الحج. وقد برزت في آيات القرآن صور هذا الإهتمام بشأنه وإظهار مكانته العظمى ومن ذلك. 1 - كونه عبادة خالصة لله - عز وجل - يقول تعالى: {ولله على الناس حج البيت ...... } (1) . ويقول: {وأتموا الحج والعمرة لله} (2) . أي أن تخلصوهما للعبادة ولا تشوبوهما بشيء من الأغراض الدنيوية (3) . فالحج كما أراده الله فريضة تُفرد لله بالإخلاص والقصد، وهذا ظاهر من قول المتلبس به [لبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك ......... ] وإذا كان الإخلاص مطلباً في كل عبادة لله عز وجل. فهو في هذا الركن أظهر فهو عبادة بدنية ماليه، يفارق فيها الحاج أهله وماله ووطنه ويتحمل في سبيلها الصعاب، كل ذلك استجابة لله عز وجل واقتداء برسوله (وامتثالاً لأمره، فلا يتحمل الحاج كل هذا إلا لله عز وجل لا يقصد به رياءً أو سمعة ولذا كان الإخلاص في أداء هذه العبادة أظهر منه في غيرها من العبادات إذ يخرج الحاج عن مألوفه في كثير من أعماله، ويحرم عليه ما كان حلالاً له، ومع ذلك يلتزم بهذه الأوامر امتثالاً لأمر الله جل وعلا. 2 - تعليق الكفر على تركه: قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (14) . قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: أي ومن جحد فريضة الحج فقد كفر والله غني عنه (4) .   (1) سورة آل عمران (97) . (2) سورة البقرة (196) (3) انظر تفسير أبي السعود، 1/242. (4) ابن كثير - تفسير القرآن العظيم، 1/386. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 فبين القرآن الكريم أن ترك الحج وجحده كفر. ولذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهودياً أو نصرانياً) (1) . ولذا قال تعالى: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} . قال ابن سعدي رحمه الله: (فمن أذعن لذلك وقام به فهو من المهتدين المؤمنين، ومن كفر، فلم يلتزم حج بيته، فهو خارج عن الدين، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) (2) . وقال السيوطي في الإكليل عند ذكره لهذه الآية: (واستدل بظاهرها ابن حبيب على أن من ترك الحج وإن لم ينكره كفر) (3) . وقال القاسمي: (هذه الآية الكريمة حازت من فنون الاعتبارات المعربة عن كمال الاعتناء بأمر الحج والتشديد على تاركه مالا مزيد عليه، فمنها: الاتيان باللام وعلى في قوله: ولله على الناس حج البيت، يعني أنه حق واجب لله في رقاب الناس لا ينفكون عن أدائه والخروج عن عهدته. ومنها: أنه ذكر الناس ثم أبدل منه من استطاع إليه سبيلا. وفيه ضربان .... ثم ذكرهما. ومنها قوله: ومن كفر مكان من لم يحج تغليظاً على تارك الحج. ومنها: ذكر الاستغناء عنه، وذلك مما يدل على المقت والسخط والخذلان) (4) . ولا شك أن هذا من عظم هذه العبادة، وعلو منزلتها في الدين، ورفعة مكانتها، ولو لم تكن كذلك لما ترتب الكفر على تاركها مع القدرة على الإتيان بها. 3 - اشتراك الشرائع السابقة فيه: وقد أخبر النبي (بأن الأنبياء قد قصدوه، فقال: (ما من نبي إلا وقد قصد البيت إلا ما كان من هود وصالح ..... ) كما في سنن البيهقي (5/177) ، ومع توالي السنين انهدم فجدده إبراهيم وإسماعيل كما في قوله: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت} (5) .   (1) المرجع السابق، وقال: اسناده صحيح إلى عمر. (2) ابن سعدي، تفسير كلام المنان، 1/403. (3) السيوطي، الأكليل، ص 71. (4) القاسمي، محاسن التأويل، 4/909. (5) سورة الحج (26) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ومعنى بوأنا أخبرنا بموضعه الذي كان موجوداً فيه. وأخبر أنه أقامه، فقال: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا} (1) . وغيرها من الآيات الدالة على أنه كان موجوداً ومحجوجاً مقصوداً ولذا كان البيت معظماً عند العرب، بل تعده فخرها وعزها. وقد ورد في التاريخ ما أحدثوا في الحج من البدع والمنكرات مما ليس موجوداً في الدين كالطواف عراة والوقوف في مزدلفة بدلاً من عرفه وغير ذلك، حتى حج الرسول (في السنة العاشرة وأعاد مناسك الحج إلى ما كانت عليه في عهد إبراهيم عليه السلام. 4 - تطهير مكانه من الشرك: كما قال تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} . فتطهير تلك البقعة المباركة من آثار الشرك والمشركين وتحريمها عليهم، وتحريم دخولهم ومرورهم بحماها فيه من تعظيم هذه العبادة ما لا يخفى، ليقوم بها المسلمون في أمن، ولتكون خالصة لهم. ولذا أرسل الرسول (أبا بكر وعلي وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم في السنة التاسعة من الهجرة وأمرهم بأن ينادوا [ألا لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان] (2) . فنادوا بذلك في أيام الحج، وعرف الناس جميعاً هذا الأمر، فلم يطف بالبيت عريان بعد هذا النداء، ولم يحج المشركون في عامهم القابل وما بعده، ولذا حج رسولنا (سنة عشر للهجرة. فكون هذه العبادة تؤدى في هذه البقعة المقدسة الطاهرة وتهيأة هذا المكان لها على هذه الصفة، مما يزيد في مكانتها في النفوس، ويبين عظم منزلتها في الدين. 5 - ومن مكانة الحج في القرآن العظيم أن توعد من أحدث في مكانه ظلماً بالعذاب الأليم. كما في قوله تعالى: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب   (1) سورة البقرة (127) (2) أخرجه البخاري، ح/369، 1622، والإمام مسلم 8/146 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 أليم} (1) . ولا يغيب عن ذهن القارىء ما حصل لأصحاب الفيل عندما هموا بفعل المناكر في الحرم، فأنزل الله عليهم عذاباً شديداً، وجعل هذه الآيات التي تتلى إلى قيام الساعة مذكرة ومحذرة من عمل كذلك، بل حتى العزم بفعل السيئة، بل ما هو أقل من ذلك كاحتكار الطعام، وشتم الخادم، وغير ذلك (2) من الأمور التي تكدر صفو الحج. 6 - شرف مكانه - وهو شرف البيت وأهميته. وذلك كما في قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} (3) . وقوله تعالى: {فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} (4) . وغيرها من الآيات التي تدل على العناية والإهتمام بالبيت العتيق، وتبين مكانته. والبيت هو الكعبة المشرفة الذي ورد الأمر بتطهيره والإهتمام به وله منزلته في النفوس، ومكانته فيها، لذا تتجه قلوب العباد إليه، وهممهم تتعلق به فهو قبلتهم يتوجهون إليه في صلاتهم. وقد ورد في دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} (5) فاستجاب الله دعاءه ولاشك أن هذا من شرف هذا البيت حيث أمر الناس بقصده والتوجه إليه. ووعدهم برزقهم وجلب الثمرات والخيرات لهم، لا يخاف القادم إليه من جوع لكونه في أرض غير ذي زرع، أو يخاف من ظمأ فقد أجرى الله ماء زمزم لتكون ريّا وطعماً لزائري البيت الحرام. المبحث الثالث: فرض الحج: المطلب الأول: ابتدأ فرض الحج:   (1) سورة الحج (25) (2) انظر للإستزادة: تفسير ابن أبي حاتم 8/2483-2485. (3) سورة البقرة (125) (4) سورة آل عمران (97) (5) سورة إبراهيم (37) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 إن المتأمل في كتاب الله عز وجل يجد أن أول ما فرض الحج في زمن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق} (1) . يقول الإمام الشنقيطي رحمه الله: (الأذان في اللغة: الإعلام … … والرجال في الآية: جمع راجل، وهو الماشي على رجليه، والضامر: البعير ونحوه. المهزول الذي أتعبه السفر، وقوله (يأتين) : يعني الضوامر المعبر عنها بلفظ كل ضامر … … والفج: الطريق، وجمعه فجاج … … والعميق: البعيد … … ثم قال والخطاب في قوله {وأذن في الناس} لإبراهيم كما هو ظاهر من السياق، وهو قول الجمهور … … أي وأمرنا إبراهيم أن اذن في الناس بالحج: أي أعلمهم، وناد فيهم بالحج: أي بأن الله أوجب عليهم حج بيته الحرام. ثم قال: وذكر المفسرون أنه لما أمره ربه، أن يؤذن في الناس بالحج قال: يارب: كيف أبلغ الناس، وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: نادِ وعلينا البلاغ. فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل: على الصفا، وقيل: على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك) (2) . وقال ابن كثير رحمه الله: بعد ذكره لكلام المفسرين السابق: (هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف والله أعلم) (3) . وهذا النداء بعد أن أمره الله عز وجل ببناء البيت وتطهيره وتهيئته لحجاجه والطائفين به والمعتكفين فيه. أما عن البناء فقد قال تعالى مخبراً عن أقدميته:   (1) سورة الحج (27) (2) الشنقيطي، أضواء البيان 5/65-66. (3) ابن كثير، تفسير القرآن الكريم، 3/216. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين} (1) . وهذ يؤيد من قال إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أول من بنى البيت العتيق وذلك كما في قوله تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمن والركع السجود} (2) . ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: بيت المقدس. قلت: كم بينهما؟ قال: اربعون سنة (3) . وسواء ابتدأ إبراهيم عليه الصلاة والسلام بناءه أو عهد إليه تجديد البناء بعد اندثاره فقد عهد إلى إبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود. فهذا ما يتعلق بفرض الحج على العموم. أما ما يتعلق بفرضية الحج على هذه الأمة وإيجابه عليها فهذا يؤخذ من قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} (4) . ومن هذه الاية علم وجوب الحج. قال ابن كثير رحمه الله: هذه آية وجوب الحج عند الجمهور (5) . وإذا كانت هذه الاية آية وجوب الحج فلا بُدّ من النظر في تاريخ نزولها ليعلم تاريخ فرض الحج متى هو: إن المتأمل في نزول القرآن يجد أن صدر سورة آل عمران نزل في السنة التاسعة وهي سنة الوفود (6) . يقول ابن تيمية: " وآية آل عمران نزلت بعد ذلك، سنة تسع أو عشر، وفيها فرض الحج " (7) . ويقول ابن عثيمين:   (1) سورة آل عمران (96) (2) سورة الحج (26) (3) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء. انظر فتح الباري 6/407 ح /3366. (4) سورة آل عمران (97) (5) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1/502. (6) ينظر أسباب النزول للواحدي ص 53، وسيرة ابن هشام 2/204-210. (7) ابن تيمية، الفتاوي 26/7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 " وأما فرض الحج فالصواب: أنه في السنة التاسعة، ولم يفرضه الله تعالى قبل ذلك، لأن فرضه قبل ذلك ينافي الحكمة، وذلك أن قريشاً منعت الرسول (من العمرة، فمن الممكن والمتوقع أن تمنعه من الحج ومكة قبل الفتح بلاد كفر، ولكن تحررت من الكفر بعد الفتح، وصار إيجاب الحج على الناس موافقاً للحكمة" (1) . وإنما أخر النبي (الحج إلى العاشرة لكثرة الوفود عليه في السنة التاسعة الذين جاءوا إليه ليتفقهوا في الدين، وأيضاً أخر الحج من أجل أن يتمحض حجه للمسلمين فقط فإنه أذن في التاسعة ألاّ يحج بعد العام مشرك (2) . كل هذا يدل على أن الحج إنما فرض في السنة التاسعة والحق أن هناك آيات قرآنية نزلت قبل هذه الآية وفيها ذكر الحج والأمر بإتمامه كما في قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} (3) . وهذه الآية نزلت في السنة السادسة من الهجرة عام الحديبية، وفيها الأمر بإتمام الحج والعمرة. وإذا علمنا أن هذه الآية نزلت متقدمة على الاية السابقة فإن الأمر لا يخلو من: 1 - أن يكون فرض الحج بهذه الآية. وهذا رأي بعض أهل العلم وهو قول مرجوح لما تقدم. 2 - إن الآية إنما أمر فيها بإتمامهما لمن شرع فيهما، لم يأمر فيها بابتداء الحج والعمرة، والنبي (اعتمر عمرة الحديبية قبل أن تنزل هذه الآية، ولم يكن فرض عليه لا حج ولا عمرة، ثم لما صده المشركون أنزل الله هذه الآية، فأمر فيها بإتمام الحج والعمرة وبين حكم المحصر الذي تعذر عليه الإتمام (4) . وبعد هذا يترجح ما ذهب إليه الجمهور وهو أن الحج إنما فرض في السنة التاسعة من الهجرة، ولذا أمر الرسول (أبا بكر أن يحج بالناس وأمر علياً أن يؤذن في الناس، ويعلمهم بتطهير البيت من البدع وما أحدث في الحج من المنكرات التي تخالف مناسكه، ليصفو الحج من قابل للمسلمين.   (1) ابن عثيمين، الشرح الممتع، 7/17. (2) المراجع السابقة. (3) سورة البقرة (196) (4) ابن تيمية، الفتاوي، 26/7-8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 المطلب الثاني: على من يجب الحج: تقدم أن الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، وتبين لنا أنه فرض في السنة التاسعة من الهجرة على الصحيح من أقوال أهل العلم ومع أنه الركن الخامس إلا أنه يختلف عن بقية أركان الإسلام فهو لا يجب على المسلم إلا إذا توفر شرطه وهو المذكور في قوله تعال: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} . فالشرط هنا هو الاستطاعة فإذا حصلت الاستطاعة وجب الحج وإذا فقدت الاستطاعة سقط وجوب الحج، وهذا من رحمة الله بعباده وتيسيره لهم، (ولهذا أتي بهذا اللفظ {من استطاع إليه سبيلاً} الذي يمكن تطبيقه على جميع المركوبات الحادثة والتي ستحدث) (1) في هذا العصر أو غيره من العصور. والاستطاعة فسرها رسولنا (لما سئل عنها بقوله الزاد والراحلة. فقد أخرج الحاكم بسنده عن أنس رضي الله عنه عن النبي (في قوله تبارك وتعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} قال: قيل يا رسول الله ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة. ثم قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. . . ووافقه الذهبي (2) ، والحديث وإن كان الصحيح أنه عن الحسن مرسلاً، فالزاد والراحلة من الاستطاعة. وليست هي الاستطاعة وحدها. وقد فصل الفقهاء. . في المراد بالزاد والراحلة. فإذا قدر على الوصول إليه يأي مركوب يناسبه، وزاد يتزوده فهو مستطيع. وبقية التفصيل في الاستطاعة وصفة الزاد، ومن يكفي، وما المدة التي يكفي فيها، وكذلك التفصيل في الراحلة وغير ذلك مبحوث في موضعه من كتب الفروع. أما بقية الشروط كالإسلام والحرية والبلوغ وغيرها فلم يرد لها ذكر في القرآن الكريم. المطلب الثالث: أوجه اليسر:   (1) ابن سعدي، تفسير كلام المنان، 1/403. (2) الحاكم، المستدرك، 1/442. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 لقد اختار الله لنا الإسلام ورضيه لنا ديناً، وفضله على جميع الأديان، وجعله ديناً ميسراً وسهلاً ولا حرج فيه ولا مشقة كما قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} وكما في قوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} والآيات في هذا الموضوع كثيرة جداً، والحج وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، يمتاز بهذه الصفة العظيمة صفة التيسير وعدم الحرج، ولقد بين لنا القرآن الكريم أوجه اليسر في أداء هذه العبادة العظيمة. وذلك فيما يلي: 1- كونه على المستطيع: وذلك في قوله تعالى: {من استطاع إليه سبيلاً} وقد تقدم الحديث عن هذا فيمن يجب عليه الحج فعلم الله سبحانه وتعالى الذي أحاط بكل شيء علماً أن هناك من المسلمين من لا يستطيع الوصول إلى هذا البيت العتيق، إما لبعد فنأى به مسكنه عنه، أو لفقر لا يستطيع الوصول إليه، أو لمرض أو لسبب من الأسباب المانعة، فخفف الله عنهم هذا الركن. ويدخل في هذا الجانب أيضاً، وإن لم ينص عليه في القرآن الكريم أن جعل الحج مرة واحدة في العمر، يدل لذلك حديث الرسول (حين سئل عن الحج أفي كل عام؟ قال (الحج مرة فمن زاد فهو تطوع) (1) . 2- ومن أوجه التيسير ما في قوله تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} (2) . أي من نفر من منى وخرج منها قبل غروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق وهو اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة، فلا إثم عليه، وهذا تخفيف من الله تعالى على عباده في إباحة التعجل، فمنهم من لا يستطيع البقاء، ومنهم من لا يتحمل المبيت في منى إلى غير ذلك، ولقد ظهر هذا الأمر جلياً في هذا العصر، وخاصة مع بعد الديار وصعوبة الوصول إليها إلا عن طريق الطيران الذي لا يتحكم الإنسان فيه.   (1) الإمام أحمد، المسند، 1/290، والحاكم، المستدرك، 1/441، وقال اسناده صحيح وأقره الذهبي. (2) سورة البقرة (203) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ولا شك أن هذا من التيسير المصاحب لهذه العبادة العظيمة. أما أوجه اليسر التي أشارت إليها السنة المطهرة فكثيرة جداً. من الوقوف بعرفة ولو ساعة من ليل أو نهار إلى تمديد وقت الرمي، إلى رفع الحرج عن أصحاب الأعذار وعدم مبيتهم في منى، إلى التخيير في الأعمال أيام العيد إلى غير ذلك. المبحث الرابع: آثار الحج ومنافعه: للحج آثار ومنافع عظيمة أشار القرآن الكريم إلى كثير منها، ومن هذه الآثار والفوائد. - حصول المنافع: وذلك في قوله تعالى: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم} (1) . وهذه المنافع متعددة منها المنافع الدينية ومنها المنافع الدنيوية. أما المنافع الدينية فمنها: أ - العبادات الفاضلة والعبادات التي لا تكون إلا في الحرم من طواف وسعي ووقوف في المزدلفة ورمي للجمار وإراقة دماء الهدي في الحرم، والمبيت في منى وهذه لا تكون إلا في الحرم، ووقوف في عرفة وهو موقف عظيم. ومن منافعه عظم المكان حيث تضاعف فيه الحسنة. ومن المنافع الدينية أيضاً ما ذكر بعد هذه الاية وهو قوله تعالى: {ويذكروا اسم الله. . .} وذكر اسم الله من أعظم الذكر ولا شك أن الذكر من أعظم المنافع الدينية التي يزداد بها العبد حسنات ويكفر به عنه من السيئات ما لا يخفى، ويدخل في هذا الذكر التسمية عند ذبح الهدي. ب- المنافع الدنيوية، ومنها التجارة. وذلك في قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم. . .} (2) في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت: {ليس عليكم جناح .... } (3) . قال القاسمي:   (1) سورة الحج (27-28) (2) سورة البقرة (198) (3) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب التجارة.. ح/904. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 (ففي الآية الترخيص لمن حج في التجارةونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق - وهو المراد بالفضل هنا - ..... أي لا أثم عليكم في أن تبتغوا في مواسم الحج رزقاً ونفعاً وهو الربح في التجارة مع سفركم لتأدية ما أفترضه عليكم من الحج (1) ، ولاشك أن هذا من أعظم المنافع الدنيوية. - ومن المنافع الدنيوية أيضاً: الأكل من الهدي، وذلك كما في قوله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} . فقوله (فكلوا منها) أي من لحم الهدي، وقد ثبت أن رسول الله (لما نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ، فأكل من لحمها، وحسا من مرقها (2) . ولا شك أن هذا من المنافع لهم، وإن المتأمل في مشروع توزيع لحوم الهدي والأضاحي على الدول والمسلمين المحتاجين في هذا العصر ليدرك تماماً هذه المنفعة الدنيوية، إذ يتزود الحاج لطعامه من هديه، ويُزود غيره من هذا الهدي. هذه أهم المنافع التي ورد لها ذكر في القرآن العظيم، وأما إذا نظر إلى منافعه عموماً فهي كثيرة جداً. المبحث الخامس: فقه الحج في القرآن: إن القرآن العظيم هو المصدر الأول من مصادر التشريع، ومنه استنبط العلماء الأحكام، ومنها ما نص عليه القرآن، وفصل في أحكامه، ومنها ما أجمل فيه وجاء التفصيل من سنة الرسول (. والحج من تلكم الأحكام التي تحدث القرآن على حكمه وفرضه كما تقدم قريباً. ولم يكن حديث القرآن عن فقه الحج حديثاً مفصلاً تفصيلاً دقيقاً، كما هو مفصل في كتب الفروع، من شروطه، وأركانه، وواجباته، وسننه، وما إلى ذلك. وإنما جاء حديث القرآن عن الحج مجملاً ذاكراً للقواعد الكلية، والمسائل العامة التي أخذ الفقهاء – رحمهم الله - منها تلك التفصيلات.   (1) القاسمي، محاسن التأويل، 3/396. (2) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الحج، ح /147. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 أ - ما ذكر في القرآن من أركان الحج: إن المتتبع لآيات القرآن يجد أنه أشار إلى كثير من هذه الأركان، وورد ذكرها في آياته. وقد حدد الفقهاء هذه الأركان وهي: 1 - الإحرام. 2 - الوقوف بعرفه. 3 - الطواف. 4- السعي. 1 - الإحرام: وقد تحدث القرآن الكريم عنه وذلك في قوله تعالى: {غير محلي الصيد وأنتم حرم} (1) . وفي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} (2) . وفي قوله تعالى: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} (3) . ففي هذا الآيات الثلاث ما يشير إلى التلبس بالإحرام وهو نية الدخول في النسك، ولذلك قال النبي (: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى) (4) . وهذا ما عليه كثير من العلماء، وهو ما دل عليه القرآن حيث بين أن المتلبس بالإحرام عليه أن يتجنب أشياء مخصوصة بينت الآيات السابقة شيئاً منها. ولاشك أن الإحرام هو الركن الأول للحج فإذا نوى الحاج الدخول في النسك فقد تلبس به، وحرم عليه أشياء كثيرة، منها ما بين القرآن ومنها ما بين في السنة. 2 - ومن أركان الحج التي ورد ذكرها في القرآن: الوقوف بعرفه. وذلك في قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات} . ولذا قال النبي (الحج عرفه فمن أدرك عرفه فقد أدرك الحج (5) . فقوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات} يدل على أن الوقوف بعرفة لابد منه وأنه أمر مسلم به. يقول ابن المنذر: (أجمعوا على أن الوقوف بعرفه فرض لا حج لمن فاته الوقوف بها) (6) . والمراد بالفرض هنا أنه ركن. 3 - ومن أركان الحج التي ورد ذكرها في القرآن الكريم: الطواف.   (1) سورة المائدة (1) (2) سورة المائدة (95) (3) سورة المائدة (96) (4) أخرجه البخاري في بدء الوحي، حديث رقم (1) ومسلم في الاماره 3/1515. (5) أخرجه أحمد في المسند، 4/309 - 335، والحاكم في المستدرك، 1/464 وصححه. (6) ابن المنذر، الإجماع، ص 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وذلك في قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطفوا بالبيت العتيق} (1) . قال الشنقيطي: (دلت الآية الكريمة، على لزوم طوام الإفاضة وأنه لاصحة للحج بدونه) (2) . وقال في موضع آخر: ( ..... أما طواف الإفاضة فهو ركن من أركان الحج بإجماع العلماء) (3) . 4 - ومن أركان الحج التي ورد ذكرها في القرآن الكريم: السعي. وذلك في قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ..... } (4) وهناك خلاف في السعي هل هو ركن أم لا، والصحيح أنه ركن كما دل على ذلك فعل النبي (. ب - ما ذكر في القرآن من مسائل الحج: أشار القرآن إلى بعض مسائل الحج وأعماله وواجباته وسننه. ومما أشار إليه القرآن مايلي: 1- الحلق أو التقصير: لقوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون} (5) . والحلق أو التقصير واجب من واجبات الحج (6) . والحلق أفضل من التقصير لما تقدم في الآية، وقد دعا الرسول (للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة واحدة (7) . وأما التفصيل في الحلق أو التقصير فلم يتعرض له القرآن بشيء، وإنما أخذ ذلك من فعل الرسول (وأصحابه رضي الله عنهم وهل يحلق نفسه أم يحلقه غيره؟ وهل يجزىء حلق بعض الرأس أم لا بد من تعميم الرأس بالحلق إلى غير ذلك مما يتعلق بالحلق من المسائل مما هو مفصل في كتب الفقهاء. 2 - الهدي: والهدي هو ما يهدى إلى الحرم.   (1) سورة الحج (29) (2) الشنقيطي، اضواء االبيان، 5/687. (3) الشنقيطي، أضواء البيان، 5/213. (4) سورة البقرة (158) . (5) سورة الفتح (27) (6) ابن عثيمين، الشرح الممتع، 4/427. (7) أخرجه البخاري في الحج، ح / 1728، ومسلم في الحج، ح /1302. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 قال تعالى: {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كامله ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} (1) . والهدي يكون على المتمتع والقارن وهو دم نسك واجب. قال الشنقيطي رحمه الله في بيان الهدي الواجب: ( .... الأول هدي التمتع، ويدخل فيه القران لأن الصحابة رضي الله عنهم جاء عنهم التصريح بأن اسم التمتع في الآية صادق بالقران كما قدمناه واضحاً عن ابن عمر، وعمران ابن حصين، وغيرهما، والصحابة هم أعلم الناس بلغة العرب وبدلالة القرآن) (2) . قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن من أهلّ بعمرة في أشهر الحج من أهل الآفاق من الميقات وقدم مكة ففرغ منها، فأقام بها فحج من عامه أنه متمتع وعليه الهدي إن وجد وإلا فالصيام) (3) . والهدي يكون من الأبل أو البقر أو الغنم وتفصيل ذلك وأيها أفضل ومتى ينحر أو يذبح وفي أي مكان ..... ليس هذا محل بحثه، إنما هو في كتب الأحكام. أما إذا عجز عن الهدي فقد بينت الآية الكريمة حكم ذلك بقوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كامله} . فلا خلاف أن المتمتع إذا عجز عن الهدي انتقل إلى الصيام وأما متى يصوم هذه الأيام الثلاثة في الحج فقد أطال العلماء الحديث فيها وذهب كل منهم مذهبه، وتفصيل ذلك في كتب الفروع. 3 - الوقوف بمزدلفة: وذلك كما في قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين} (4) .   (1) سورة البقرة (196) (2) الشنقيطي، اضواء البيان، 5/503. (3) ابن المنذر، الإجماع، ص 64 (4) سورة البقرة (198) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 والمشعر الحرام هو المزدلفه كلها كما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (1) ويدل عليه حديث الرسول (وقفت هنا وجمع كلها موقف (2) . قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: (في هذه الآية دلالة على أمور ..... الثاني: الأمر بذكر الله عند المشعر الحرام، وهو المزدلفة، وذلك أيضاً معروف، يكون ليلة النحر بائتا بها، وبعد صلاة الفجر، يقف في المزدلفة داعياً حتى يسفر جداً. ثم قال: (الرابع والخامس: أن عرفات ومزدلفه كلاهما من مشاعر الحج المقصود فعلها وإظهارها) (3) . والوقوف بمزدلفة من واجبات الحج، كما هو مذهب الإمام أحمد وغيره (4) . والمسألة فيها أقوال لأهل العلم يرجع إليها في مظانها (5) . وهذه الاية دلت على أن الوقوف بالمشعر الحرام - وهو المزدلفة - يكون بعد الوقوف بعرفه كما هو ظاهر من قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام} . ودلت أيضاً على أن الوقوف بالمزدلفة من شعائر الله ومن معالم الحج الظاهرة. 4 - الصلاة عند مقام إبراهيم: وذلك لقوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} (6) . هذا المقام كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقوم عليه أثناء بناء الكعبة، وقد ظهرت آثار قدمه على ذلك المقام، وأصبح ذلك الحجر آية من آيات الله. يقول أبوطالب: وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة ... ... على قدميه حافياً غير ناعلِ (7) فجعله الله آية من آياته وأمر المصلين أن يصلوا خلفه.   (1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/242. (2) أخرجه مسلم في الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، ح /1218، 1490. (3) ابن سعدي، تفسير كلام المنان، 1/246. (4) ابن عثيمين، الشرح الممتع، 7/420. (5) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/242 (6) سورة البقرة (125) (7) سيرة ابن هشام 1/286-288 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن جعغر بن محمد عن أبيه أنه سمع جابراً يحدث عن حجة النبي (قال: لما طاف النبي (قال له عمر رضي الله عنه هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: نعم. قال: أفلا نتخذه مصلى. فأنزل الله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} (1) . وهذا يدل على أن مقام إبراهيم هو الحجر المعروف الآن مقابل باب الكعبة. والصلاة خلفه من سنن الطواف، فإذا انتهى من طوافه سن له أن يصلي ركعتين خلف المقام لفعل النبي (وسواء كان قريباً من المقام أو بعيداً عنه. وهنا مسألة ينبغي أن يُتَنبه لها، وهي ما يحدث عند المقام من الزحام الشديد من أجل الصلاة عنده. فإن السنة تتحقق ولو صلى بعيداً عنه من جهة المسعى أو بعده أيضاً، وخاصة أن المحافظة على ذات العبادة أولى من المحافظة على مكانها (2) . ويقرأ في هاتين الركعتين بما جاءت به السنة وهو أنه يقرأ في الأولى ب (قل يا أيها الكافرون) والثانية ب (قل هو الله أحد) (3) . 5 - فدية من ارتكب محظوراً: وذلك بقوله تعالى: { ........ ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} (4) . قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية:   (1) ابن أبي حاتم، تفسير القرآن العظيم، 1/226 (2) ينظر الشرح الممتع، 7/302. (3) أخرجه الإمام مسلم، ح /1218. (4) سورة البقرة (196) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 ( .... وهذا من محظورات الإحرام، إزالة الشعر بحلق أو بغيره لأن المعنى واحد من الرأس أو من البدن، لأن المقصود من ذلك حصول الشعث، والمنع من الترفه بإزالته وهو موجود في بقية الشعر، وقاس كثير من العلماء على إزالة الشعر، تقليم الأظافر بجامع الترفه، ويستمر المنع مما ذكر حتى يبلغ الهدي محله، وهو يوم النحر ..... فإذا حصل العذر بأن كان به أذى من مرض ينتفع بحلق رأسه له، أو قروح، أو قمل ونحو ذلك، فإنه يحل له أن يحلق رأسه، ولكن يكون عليه فدية، من صيام ثلاثة أيام،أو إطعام ستة مساكين أو نسك ما يجزيء في أضحية،فهو مخير، والنسك أفضل، فالصدقة فالصيام، ومثل هذا كل ما كان في معنى ذلك، من تقليم الأظافر، أو تغطية الرأس، أو لبس المخيط، أو الطيب، فإنه يجوز عند الضرورة، مع وجوب الفدية المذكورة، لأن القصد من الجميع إزالة ما به يترفه) (1) . 6- ما ذكر في القرآن من محظورات الإحرام: أ - الصيد: كما في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} (2) . وقال أيضاً: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} (3) . وقال أيضاً: {غير محلي الصيد وأنتم حرم} (4) وقد أجمع العلماء على أن المحرم لا يجوز له قتل صيد البر (5) . والمراد بقتل الصيد: كل فعل يفيت الروح سواء كان بالذبح أو النحر أو الرمي أو الرضخ أو الخنق أو غير ذلك مما يقتل، وسواء كان القتل مباشراً أو بسبب (6) . فالمحرم إذا تلبس بالنسك حرم عليه صيد البر أو الإعانة عليه لدلالة هذه الآيات. قال ابن كثير رحمه الله:   (1) ابن سعدي، تفسير كلام المنان، 1/240. (2) سورة المائدة (95) (3) سورة المائدة (96) . (4) سورة المائدة (1) (5) ابن المنذر، الإجماع، ص 55. (6) بيبا بن فاليد، مذاهب الأخبار، ض 198. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 (وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام، ونهي عن تعاطيه فيه وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول، ولو ما تولد منه ومن غيره) (1) . والذي يحرم على المحرم قتله هو صيد البر فقط، لدلالة الآيات السابقة. أما صيد البحر فلا يحرم قتله، وذلك لقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة} (2) . وقد أجمع العلماء على أن صيد البحر للمحرم، مباح اصطياده وأكله وبيعه وشراؤه (3) . ب - ما يترتب على الصيد: قال تعالى: {ومن قتله منكم متعمداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام} (4) . قال ابن سعدي رحمه الله: (وهذا كله تعظيم لهذا النسك العظيم، أنه يحرم على المحرم قتل وصيد ما كان حلالاً له قبل الإحرام، وقوله: {ومن قتله منكم متعمداً} قتل صيداً عمداً (ف) عليه {جزاء مثل ما قتل من النعم} أي الابل أوالبقر أو الغنم، فينظر ما يشبهه من ذلك، فيجب عليه مثله، يذبحه ويتصدق به ..... فإن لم يشبهه شيئاً، ففيه قيمته .... ) (5) . وقد أجمع العلماء على أن المحرم إذا قتل صيداً، عامداً لقتله ذاكراً لإحرامه، أن عليه الجزاء (6) . فذكر في هذه الآية الكريمة جزاء الصيد إجمالاً، ومن يحكم به ومكانه. أما التفصيل فقد تناوله العلماء من خلال كتب الأحكام وشروح الآية والأحاديث الواردة في ذلك (7) . 7 - حكم المحصر:   (1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 2/98. (2) سورة المائدة (96) . (3) ابن المنذر، الإجماع، ص 59، وابن قدامه، المغني، 3/344. (4) سورة المائدة (95) (5) ابن سعدي، تفسير كلام المنان، 2 / 344. (6) ابن المنذر، الإجماع، ص 58. (7) ابن عثيمين، الشرح الممتع، 7/196 فما بعد، بيبا بن فاليد، مذاهب الأخبار، ص 224 فما بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وذلك في قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} . والاحصار: من حصره إذا منعه، فالاحصار بمعنى المنع، وذلك بأن يحصل للإنسان مانع يمنعه من اتمام النسك من عدو أو غيره.فعليه الهدي كما هو نص الآية: {فما استيسر من الهدي} . وهذا ما فعله رسولنا (في الحديبية حيث أمر أصحابه أن ينحروا (1) ويحلقوا أو يقصروا لقوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} . أما ما يتعلق بنوع الحصر والتفصيل في ذلك وما يتعلق بهذه المسألة من أحكام فلم تتعرض له الآية، وإنما أخذ ذلك من سيرة الرسول (في غزوة الحديبية. هذا مجمل لما ذكر في القرآن الكريم من أحكام الحج. المبحث السادس: آداب تتعلق بالحج: لقد تحدث القرآن الكريم عن هذه العبادة من حيث فرضها ومكانها وزمانها وأركانها، وتحدث أيضاً عن المحافظة عليها من الشوائب والنواقص. وجاء الحديث عن هذه الآداب في مواطن وآيات متفرقة في القرآن الكريم، منها ما يتعلق بذات العبادة، ومنها ما يتعلق بمكانها وزمانها. أما ما يتعلق بمكانها فقد تقدمت الإشارة إلى وجوب تطهيره من الشرك والمشركين. وأما ما يتعلق بزمانه فمن ذلك قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} (2) . 1 - اجتناب الرفث: والرفث الجماع كما قال تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} (3) قال ابن كثير رحمه الله: (وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك وكذلك التكلم به بحضرة النساء) (4) . وقال ابن تيميه رحمه الله:   (1) أخرجه البخاري في الشروط، ح / 2731 -2732. (2) سورة البقرة (197) (3) سورة البقرة (187) (4) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/236. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 (فالرفث اسم للجماع قولاً وعملاً. . . وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنس الرفث، فلهذا ميز بينه وبين الفسوق (1) . وثبت عن الرسول (أنه قال: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) (2) . قال ابن تيميه. . . وينبغي للمحرم ألا يتكلم إلا بما يعنيه، وكان شريح إذا أحرم كأنه الحية الصماء) (3) . 2 - اجتناب الفسوق: كما في الآية السابقة. والفسوق هي المعاصي كلها (4) . ويدخل في ذلك دخولاً أوليا ارتكاب ما نهى الله عنه في حال الإحرام من قتل الصيد وحلق الشعر وتقليم الأظافر وغير ذلك من محظورات الإحرام. ولاشك أن هذا الأدب من أعظم ميزات المتلبس بهذه العبادة – الحج – لكونه ترك أهله وماله وولده ووطنه منقاداً لأمر الله طائعاً ذليلاً مبتعداً عن معاصي الله ولذا جاء الأجر المترتب على ترك هذه الخصلة – الفسوق – بالجزاء العظيم وهو تكفير السيئات جميعاً كما في الحديث المتقدم. 3- اجتناب الجدال: وذلك كما في الآية السابقة: {ولا جدال في الحج} . وسواء كان بمعنى قطع التنازع في مناسك الحج لأن الله قد أوضحه وبينه وقطع المراء فيه كما كانوا في الجاهلية يتمارون فيه. أو كان المعنى المراد بالجدال المخاصمة وأن لا يماري الحاج أحداً حتى يغضبه، وخاصة إذا كان الجدال بغير علم، أو يكون الجدال في الحق بعدما تبين. ولذا ورد عن الرسول (: (من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه) (5) . 4 - ومن الآداب التي أمر بها القرآن الكريم – الإكثار من ذكر الله:   (1) ابن تيمية، الفتاوي، 26/108. (2) أخرجه البخاري في الحج باب فضل الحج المبرور، 3/382 ح /1521. (3) ابن تيمية، الفتاوي، 26/108. (4) المرجع السابق، وابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/237. (5) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم،1/238 ونسبه لعبد بن حميد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 كما قال تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً} (1) . ففي هذه الآيات الأمر للحاج أن يذكر الله عز وجل عند المشعر الحرام وهو مزدلفة، وأن يستغفر الله عز وجل من جميع الذنوب والمعاصي وأن يبطلوا ما كانوا عليه في الجاهلية من إنشاد الأشعار وذكر مفاخر الآباء والأجداد، ويحلوا مكانه ذكر الله وأن يكون ذكر الله أكثر وأعظم من ذكرهم لآبائهم ومفاخر أجدادهم. ثم أمرهم جل وعلا (بذكره في الأيام المعدودات، وهي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد، لميزتها وشرفها، وكون بقية المناسك تفعل بها ويكون الناس أضيافاً لله فيها، ولهذا حرم صيامها، فللذكر فيها مزية ليست لغيرها، ولهذا قال النبي ((أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله) (2) . ويدخل في هذا الذكر التكبير عند رمي الجمار، والتكبير المقيد بعد الصلوات، والتكبير المطلق، وغير ذلك من أنواع الذكر. 5- التزود بالتقوى: كما في قوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} . قال ابن كثير رحمه الله: (لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلى زاد الآخرة وهو استصحاب التقوى إليها كما قال: (وريشا ولباس التقوى ذلك خير) لما ذكر اللباس الحسي نبه مرشداً إلى اللباس المعنوي وهو الخشوع والطاعة والتقوى وذكر أنه خير من هذا وأنفع) (3)   (1) سورة البقرة (198-200) . (2) ابن سعدي، تفسير كلام المنان، 1/249، والحديث رواه مسلم في صحيحه 3/153. (3) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/239 المصادر والمراجع 1 - القرآن الكريم. 2 - ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: أسعد محمد الطيب، مكة المكرمة، مكتبة نزار مصطفى الباز ط 1 - 1417هـ 3 - ابن حنبل، الإمام أحمد بن حنبل، المسند، لبنان المكتب الإسلامي. 4 - ابن قدامة، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد، المغني، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، القاهرة، هجر، 1418هـ. 5 - ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار الفكر. 6 - ابن منظور - لسان العرب - بيروت. 7 - الرازي، محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح، بيروت، دار الكتب العلمية. 8 - الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات، دار المعرفة، بيروت. 9 - ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصطفى البابي الحلبي، 1390. 10 - ابن مجاهد، كتاب السبعة، دار المعارف، القاهرة. 11- ابن عثيمين، محمد بن صالح، الشرح الممتع، مؤسسة آسام. 12- ابن تيمية، مجموع الفتاوى، عالم الكتب، الرياض. 13- ابن المنذر، الإجماع، دار طيبة، الرياض. 14- ابن هشام، السيرة النبوية، توزيع الإدارات العلمية والإفتاء - الرياض. 15- البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح بشرح فتح الباري، توزيع إدارات البحوث. 16- السعدي، عبد الرحمن بن ناصر، تفسير كلام المنان، تحقيق: محمد النجار، المؤسسة السعدية. 17- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الإكليل في استنباط التنزيل، تحقيق: سيف الدين عبد القادر، بيروت، دار الكتب العلمية، 1401هـ. 18- الشنقيطي، محمد الأمين، أضواء البيان. 19- العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري. تصحيح وتحقيق: سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - نشر إدارات البحوث العلمية والإفتاء. 20- القاسمي، محمد جمال الدين، محاسن التأويل، تصحيح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العلمية. 21- الحاكم النيسابوري، المستدرك، مكتبة المعارف، الرياض. 22- مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العلمية، عيسى البابي الحلبي. 23- مذاهب الأخيار في أحكام الحج والاعتمار، بيبابن فاليد سيدي، دار الهلال، الرياض. 24- الواحدي، أسباب النزول، دار الكتب العلمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ولاشك أن الحاج عليه أن يتقي الله ربه وأن تكون التقوى شعاره في حياته عامة وفي حجه خاصة فهو - أي الحج - عبادة لله إذا أديت كما أمر الله بها، وكما أداها رسولنا (حصل الأجر المترتب على ذلك، ولا يحصل ذلك إلاّ بالتقوى ولذا نص العلماء على هذا الأمر في كل ما يتعلق بالحج من نفقة طيبة ورفقة صالحة والتزام بالمناسك واجتناب للنواهي وغير ذلك مما يزيد الحاج تقوى وعملاً صالحاً. (( (( (( الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبتوفيقه وهدايته كتبت هذه الصفات وبعد. في نهاية هذا البحث الذي ذكرت فيه حديث القرآن عن فريضة الحج ومكانته ومنافعه، وأحكامه وتوصلت منه إلى ما يلي: عظم مكانة الحج ومنزلته في الدين. أن الحج عبادة لله، فرضت على هذه الأمة وعلى غيرها. الإهتمام بشأن البيت العتيق والعناية به. وعيد من لم يحج وهو قادر بالكفر. أن معظم مسائل الحج مذكورة في القرآن الكريم. ضرورة التزام الحاج بآداب الحج وتحليه بها. هذا وأسأل الله العلي العظيم للجميع العلم النافع والعمل الصالح إنه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد. الهوامش والتعليقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الآثار المروية في صفة المعية د. محمد بن خليفة التميمي الأستاذ المشارك بقسم العقيدة - الجامعة الإسلامية بالمدينة ملخص البحث تضمن البحث موضوع صفة المعية، وتقرير معتقد أهل السنة والجماعة في المسألة، وذلك من خلال جمع الآثار المتعلقة بها، وبيان ما تضمنته من تقرير لإثبات هذه الصفة، والمعنى المراد منها، مع ذكر أقوال المخالفين في المسألة، والشبه التي تعلقوا بها والرد عليها؛ وقد اشتمل البحث على مقدمة وأربعة مطالب وخاتمة: وقد احتوت المقدمة على بيان أهمية الموضوع، وأسباب الكتابة فيه، والخطة التي سرت عليها. وتضمن المطلب الأول: ذكر آيات المعية وبيان أقسامها. وأما المطلب الثاني: ففي ذكر أقوال العلماء في تفسير آيات المعية. وكان المطلب الثالث: في ذكر الآثار الواردة في الجمع بين صفتي العلو والمعية. والمطلب الرابع: في أقوال الناس في صفة المعية. وختمت البحث بخاتمة ذكرت فيها نتائج البحث. والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (( (( (( مقدمة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وحجته على عباده، وخِيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: فإن الإيمان بأسماء الله وصفاته داخل في الإيمان بالله عز وجل، ذلك أن الإيمان بالله إنما يتحقق بأمرين هما: أولاً: توحيد الله في أسمائه وصفاته وأفعاله وهذا ما يسمى بالتوحيد العلمي الخبري. ثانياً: توحيد الله في عبادته وحده لا شريك له، وهذا ما يسمى بالتوحيد الإرادي الطلبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وكلا التوحيدين لابد لتحقيقهما من الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله ش وفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم؛ حتى تسلم للمسلم عقيدته التي هي مصدر فلاحه وسبب سعادته في الدنيا والآخرة. هذا وإن العلم بأسماء الله وصفاته وأفعاله أجل العلوم وأشرفها وأعظمها، بل هو أصلها كلها، فعلى أساس العلم الصحيح بالله وبأسمائه وصفاته يقوم الإيمان الصحيح وتنبني مطالب الرسالة جميعها، فهذا التوحيد أساس الهداية والإيمان وأصل الدين الذي يقوم عليه، ولذلك فإنه لا يتصور إيمان صحيح ممن لا يعرف ربه، فهذه المعرفة لازمة لانعقاد أصل الإيمان، وهي مهمة جداً للمؤمن لشدة حاجته إليها لسلامة قلبه وصلاح معتقده واستقامة عمله؛ وهي التي توجب للعبد التمييز بين الإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، والإثبات والتعطيل، وتنزيه الرب عما لا يليق به، ووصفه بما هو أهله من الجلال والإكرام؛ وذلك يتم كما هو معلوم بتدبر كلام الله تعالى وما تعرَّف به سبحانه إلى عباده على ألسنة رسله من أسمائه وصفاته وأفعاله، وما نزه نفسه عنه مما لا ينبغي له ولا يليق به سبحانه. ولما كانت صفة المعية إحدى الصفات الثابتة لله تعالى كما دلت على ذلك الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية؛ فقد أحببت أن أجمع النصوص المروية في ذلك لتقرير هذه الصفة ولتوضيح المسائل المتعلقة بها من جهة، والرد على شبهات المخالفين التي أثيرت حولها من جهة أخرى. ومما دفعني للكتابة في هذا الموضوع ما أسمعه من بعض الشبه التي تثار بين الحين والآخر حول آيات المعية من قبل أتباع أهل الكلام الذين لا يعتمدون في هذا الباب أصلاً على النصوص الشرعية، ولكنهم حاولوا التمسك بآيات المعية في إنكارهم وردهم لصفة العلو زعماً منهم أن آيات المعية تدل على أن الله بذاته في كل مكان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وقد لبَّسوا بذلك على بعض من ليس له بصيرة ولا علم بالمأثور عن السلف في هذه المسألة، فظنوا أن هناك تعارضا بين النصوص؛ أو أن النصوص تشهد بصحة قول أهل الكلام وزعمهم الفاسد. فإزالة لتلك الشبه، ودفعاً لها، وإحقاقاً للحق الذي هو أحق أن يتبع، أدلي بدلوي وأقدم هذه الخدمة للحق وطالبيه، والتي تتمثل في جمع شتات الآثار والمباحث والقضايا المتعلقة بهذه المسألة، ليسهل على طلاب العلم الإطلاع عليها بأيسر طريق وأقل مؤنة. وقد سرت في هذا البحث وفق الخطة التالية: المقدمة. المطلب الأول: آيات المعية. المطلب الثاني: أقوال العلماء في تفسير آيات المعية العامة. المطلب الثالث: أقوال العلماء التي تجمع بين صفتي العلو والمعية. المطلب الرابع: أقوال الناس في صفة المعية. وختمت البحث بخاتمة. ذكرت فيها نتائج البحث. وقد ركزت في ثنايا بحثي هذا على تتبع الآثار الواردة عن سلف هذه الأمة في هذه المسألة واستخراجها من كتب المأثور، وترتيبها الترتيب الزمني حسب وفاياتهم، ومع ما في هذا العمل من الجهد والتعب الذي يستدعيه التنقيب في ثنايا كتب المأثور عن هذه الأقوال إلا أن الفائدة الحاصلة من وراء ذلك أعظم وأكبر، وذلك من وجهين: الأول: بيان الحق في هذه المسألة من خلال ذكر أقوال الأئمة في مسألة المعية، بحيث يقف القارئ الكريم على أقوال الأئمة من علماء هذه الأمة في صفة المعية وتفسيرهم للآيات والنصوص الواردة فيها وبيان فهمهم لها. ففي هذا الصنيع تجلية للحق وإعانة لطالبيه على فهمه والتمسك به. والثاني: إيضاح بطلان أقوال المخالفين وبيان مخالفتها لقول السلف وأنها أقوال لا أساس لها لا من النصوص الشرعية ولا من أقوال الأئمة الذين يقتدى بهم ويستأنس بأقوالهم. فأصحاب الأقوال الباطلة أسسوا بنيانهم على جرف هار، ودعاوى زائفة إذا ما سلِّط عليها الحق اتضح بطلانها وانكشف فسادها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 فأرجو من الله عز وجل أن أكون قد وفقت في تحقيق المقصود من هذا البحث، وأن ينفع به قارئيه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. المطلب الأول: آيات المعية. وردت صفة المعية في القرآن لمعنيين هما: المعنى الأول: المعية العامة. وقد وردت في مواضع من القرآن الكريم وهي: الموضع الأول: في سورة الحديد (الآية 4) قال تعالى س هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ش. الموضع الثاني: في سورة المجادلة (الآية 7) قال تعالى س ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ش. الموضع الثالث: في سورة النساء (الآية 108) قال تعالى س يستخفون من الناس ولايستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالايرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً ش. وهذا النوع من أنواع المعية المراد به أن الله مع جميع الخلق بعلمه فهو مطلع على خلقه شهيد عليهم وعالم بهم؛ وسميت عامة لأنها تعم جميع الخلق. المعنى الثاني: المعية الخاصة. وقد وردت في القرآن الكريم في مواطن كثيرة أورد منها على سبيل المثال لا الحصر الآيات التالية: قال تعالى س إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ش الآية (128) من سورة النحل. وقال تعالى س إن الله مع الصابرين ش الآية (153) من سورة البقرة، وقال تعالى س ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ش الآية (40) من سورة التوبة، وهذه هي المعية الخاصة ومن لازمها النصر والتأييد، وسميت خاصة لأنها تخص أنبياء الله وأولياءه دون غيرهم من الخلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ومما ورد في السنة بهذا الخصوص حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي ش ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني)) (1) . وبناءً على هذا التقسيم للمعية الوارد في النصوص، نص عدد من أهل العلم على ذلك في كتبهم وممن ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: ((ولفظ (مع) جائت في القرآن عامة وخاصة، فالعامة في هذه الآية (يقصد آية الحديد) وفي آية المجادلة فافتتح الكلام بالعلم وختمه بالعلم، ولهذا قال ابن عباس والضحاك وسفيان الثوري وأحمد بن حبل: هو معهم بعلمه. وأما ((المعية الخاصة)) ففي قوله تعالى: س إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ش وقوله تعالى لموسى: س إنني معكما أسمع وأرى ش وقال تعالى: س إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ش يعني النبي ش وأبا بكر رضي الله عنه، فهو مع موسى وهارون دون فرعون، ومع محمد وصاحبه دون أبي جهل وغيره من أعدائه، ومع الذين اتقوا والذين هم محسنون دون الظالمين المعتدين)) (2) . وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (( ... فمعية الله تعالى مع عبده نوعان عامة وخاصة وقد اشتمل القرآن على النوعين وليس ذلك بطريق الاشتراك اللفظي بل حقيقتها ما تقدم من الصحبة اللائقة)) (3) .   (1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى س ويحذركم الله نفسه ش ص 1551 رقم 7405. ومسلم في صحيحه كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى رقم 2675. (2) مجموع الفتاوى 11/249-250. (3) مختصر الصواعق 2/266. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وقال في موضع آخر: (( ... فمن المعية الخاصة قوله س إن الله مع الصابرين ش، س إن الله مع المحسنين ش، س إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ش، س واعلموا أن الله مع المتقين ش (1) ، س لا تحزن إن الله معنا ش، ومن العامة س وهو معكم أينما كنتم ش، وقوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش الآية)) (2) . وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: ((ومعيته مع أهل طاعته خاصة فهو سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ... )) فالمعية العامة تقتضي التحذير من علمه واطلاعه وقدرته وبطشه وانتقامه. والمعية الخاصة تقتضي حسن الظن بإجابته ورضاه وحفظه وصيانته)) (3) . وقال الشوكاني رحمه الله في شرح حديث ((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني)) . قال: ((فيه تصريح بأن الله تعالى مع عباده عند ذكرهم له، ومن مقتضى ذلك أن ينظر إليه برحمته، ويمده بتوفيقه وتسديده، فإن قلت: هو مع جميع عباده كما قال سبحانه وتعالى س وهو معكم أينما كنتم ش، وقوله جلّ ذكره س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش الآية. قلت: هذه معية عامة، وتلك معية خاصة حاصلة للذاكر على الخصوص بعد دخوله مع أهل المعية العامة، وذلك يقتضي مزيد العناية ووفور الإكرام له والتفضل عليه، ومن هذه المعية الخاصة ما ورد في كتابه العزيز من كونه مع الصابرين، وكونه مع الذين اتقوا، وما ورد هذا المورد في الكتاب العزيز أو السنة، فلا منافاة بين إثبات المعية الخاصة وإثبات المعية العامة)) (4) . وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: ((معية الله التي ذكرها في كتابه نوعان: معية العلم والاحاطة وهي المعية العامة، فإنه مع عباده أينما كانوا.   (1) البقرة 194. (2) مختصر الصواعق 2/266-267. (3) فتح الباري لابن رجب 2/334. (4) تحفة الذاكرين ص 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ومعية خاصة، وهي معيته مع خواص خلقه، بالنصرة والعطف والتأييد)) (1) . هذه بعض النقول أوردتها على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر لإثبات أصالة هذا التقسيم وأخذ المحققين من العلماء به وهناك نقول أخرى عن جمع أخر من العلماء كلهم قالوا بهذا التقسيم للمعية تركتها خشية الإطالة وإنما أردت بهذا التنبيه على ورود هذا التقسيم في كلام أهل العلم. المطلب الثاني: أقوال العلماء في تفسير آيات المعية العامة. تتابع أهل السنة قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل على تفسير آيات المعية بأنها معية العلم والاطلاع، والنقول التي سأوردها في هذا المطلب شملت عددا من أعلام الأمة وأئمتها بما في ذلك القرون المفضلة، وأئمة الفقه والحديث والتفسير (2) . فكيف تطيب نفس مسلم بترك أقوال هؤلاء إلى قول من لا يحتج بقوله. وقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع علماء السلف على تفسيرهم لآيات المعية العامة بأن المراد بها معية العلم، وسأورد لك هنا ما وقفت عليه من آثار في تفسير تلك الآيات ليتضح لك حقيقة قولهم في المسألة. والمقصود مما سأورده من آثار هو تفنيد تلك الدعوى التي تمسك بها المخالفون لاعتقاد السلف في هذه المسألة ومسألة العلو التي لها ارتباط وثيق بمسألة المعية فأوردوا حولها دعوى هي أوهى من بيت العنكبوت، وهي زعمهم أن أيات المعية العامة المراد بها أن الله معنا بذاته في كل مكان تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.   (1) تيسير الكريم الرحمن ص 14 (2) سأورد في هذا المطلب أقوال بعض الأشاعرة وغيرهم، لكونهم وافقوا الحق في هذه المسألة ولا يفهم من هذا اعتبارهم من أهل السنة على المعنى الخاص، والاستشهاد بأقوال هؤلاء سار عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية، والذهبي في كتابيه العلو والعرش، وغيرهم من الأئمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وسيجد القارئ لهذا المطلب أن تفسيرهم ذاك لم يقل به أحد من السلف ولا الأئمة المعتبرين، بل ولا حتى جمع من قدماء الأشاعرة وعلى رأسهم أبو الحسن الأشعري الذي ينتسبون إليه، فالأشعري وقدماء أصحابه وافقوا السلف في تفسيرهم لآيات المعية العامة بأنها معية العلم والاطلاع. فأصحاب هذه الدعوى مخصومون بما سنورده من آثار من أوجه عديدة. منها أن هذا المدعي إن كان حمله تعصبه لمذهب معين أوطائفة معينة على ماقال، مثل أن ينتسب إلى أحد المذاهب الأربعة، أو العقيدة الأشعرية، فإن كان ممن ينتسب إلى أحد من أصحاب المذاهب الفقهية المتعارف عليها بين المسلمين فسيجد من النقول عن أولئك الأئمة وكبار تلاميذهم والعلماء المنتسبين إليهم ما يثبت له أنه مخالف لهم في الاعتقاد وإن كان يزعم أنه من أتباعهم في الفروع الفقهية، ومن ثَمَّ يدرك حقيقة الانفصال الواقع بين أئمة المذاهب الفقهية وتلاميذهم والأئمة المبرزين في مذاهبهم وبين المتأخرين ممن يزعمون أنهم من أتباعهم في الأساس وهوالمعتقد الذي هو أهم بكثير من تقليدهم في الفروع الفقهية فأين هذا الاتباع المزعوم؟!! ولو أن هؤلاء تجردوا من التعصب والهوى ونظروا بعين الحق والإنصاف لعلموا يقينا أنهم مخالفون لهم لا أتباعا لهم. وإن كان هذا المتعصب ينتسب إلى الأشعرية، فسيدرك من خلال ماأوردناه من آثار عن متقدمي الأشاعرة، أنهم لايوافقون المتأخرين على دعواهم، وأن تلك الدعوى إنما هي عقيدة باطلة تلقاها المتأخرون - الذين كانوا جهمية خلّص في هذا الباب - عن قدماء الجهمية والمعتزلة. فبعد ذلك لا تبقى حجة أو بالأحرى دعوى لمدع في التفسير الباطل الذي ذهبوا إليه وهذا أوان الشروع في إيراد الآثار وأولها: 1 - قول ابن عباس رضي الله عنه: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله س هو معكم أينما كنتم ش قال: ((عالم بكم أينما كنتم)) (1) .   (1) أورده السيوطي في الدر المنثور 6/171. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 2 - قول الضحاك بن مزاحم رحمه الله (1) (بعد المائة) عن مقاتل بن حيان عن الضحاك في قوله عز وجل س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ش قال: ((هو فوق العرش وعلمه معهم أينما كانوا)) (2) . 3 - قول مقاتل بن حيان رحمه الله (3) (قبل 150 هـ)   (1) الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو محمد، أو أبو القاسم، الخراساني، من أئمة المفسرين، صدوق كثير الإرسال، من الخامسة، مات بعد المائة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. التقريب (ص459) . (2) ووصله كل من أحمد في السنة (ص71) . وعنه أبو داود في المسائل (ص263) . وابن أبي حاتم كما في مجموع الفتاوى (5/495) . وابن جرير في تفسيره (28/12-13) . وعبد الله بن أحمد في السنة 1/304 رقم 592، ورقم 595. والآجري في الشريعة (3/1079، رقم655) . وابن بطة في الإبانة (-تتمة الرد على الجهمية-) (3/152-153، برقم109) . واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/400، برقم670) عن مقاتل. وابن أبي يعلى في الطبقات (1/252) . والبيهقي في الأسماء والصفات (2/341-342، رقم909) . وأورده ابن عبد البر في التمهيد 7/139. وأورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص113) . وابن تيمية في شرح حديث النزول (ص126) . وأورده الذهبي في العلو (ص98-99) وقال: (أخرجه أبو أحمد العسال، وأبو عبد الله بن بطة، وأبو عمر بن عبد البر بإسناد جيد، ومقاتل ثقة إمام) اهـ، وفي العرش 2/155 رقم 136، 137. وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص131، وص257) ، وأورده أيضاً كما في مختصر الصواعق (2/112) وقال: (وصح عن الضحاك) . (3) مقاتل بن حيان النبطي، أبو بسطام البلخي الخزاز، مولى بكر بن وائل، صدوق فاضل، أخطأ الأزدي في زعمه أن وكيعاً كذبه، وإنما كذب مقاتل بن سليمان الأزدي، من السادسة، مات قبل الخمسين ومائة بأرض الهند، أخرج له مسلم، والأربعة. تهذيب التهذيب (10/277) ، التقريب (968) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 قال في قوله تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش قال: ((هو على العرش ولا يخل شيء من علمه)) (1) . 4 - قول أبي حنيفة رحمه الله (150 هـ) قال نعيم بن حماد: سمعت نوح بن أبي مريم يقول: كنا عند أبي حنيفة رحمه الله أول ما ظهر، (أي أمر الجهم بن صفوان) إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهما، فدخلت الكوفة، فأظنني أقل ما رأيت عليها عشرة ألاف من الناس، تدعو إلى رأيها، فقيل لها إن رجلا هاهنا قد نظر في المعقول يقال له أبو حنيفة، فأتته وقالت: أنت الذي تعلم الناس المسائل وقد تركت دينك، أين إلهك الذي تعبده؟ فسكت عنها، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إلينا وقد وضع كتابا أن الله في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى س وهو معكم ش قال: ((هو كما تكتب إلى الرجل إني معك وأنت غائب عنه)) (2) . 5 - قول سفيان الثوري رحمه الله (161 هـ) عن معدان، قال سألت سفيان الثوري عن قول الله عز وجل س وهو معكم أينما كنتم ش قال: ((علمه)) (3)   (1) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/400، برقم670) . وأورده الذهبي في العلو (ص102) ، وفي الأربعين (ص64، برقم47) ، وفي العرش 2/184 رقم 159، 2/191 رقم 165. (2) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/383) . وأورده الذهبي في العلو (ص101) ، وفي العرش 2/174 رقم151. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص137-138) ، وإسناده ضعيف جدا لأن نوح ابن أبي مريم كذاب وضاع. (3) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص8) . وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/306-307، ح597) . والآجري في الشريعة (3/1078، برقم654) . وابن بطة في الإبانة (-تتمة الرد على الجهمية -) ، (3/154-155، ح111) . واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/401، ح672) . والبيهقي في الأسماء والصفات (2/341، رقم908) . وابن عبد البر في التمهيد (7/139) و (7/142) . وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص115-116، برقم94) ، و (ص113، برقم89) . وأورده الذهبي في العلو (ص103) ، وفي الأربعين (ص63-64، برقم46) ، وفي سير أعلام النبلاء (7/274) ، وفي العرش 2/183 رقم 158. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 6 - قول الإمام مالك رحمه الله (179 هـ) قال عبد الله بن أحمد حدثني أبي رحمه الله قال حدثنا سريج بن النعمان أخبرني عبد الله ابن نافع قال: كان مالك بن أنس رحمه الله يقول: ((من قال القرآن مخلوق يوجع ضرباً ويحبس حتى يموت)) ، وقال مالك رحمه الله: ((الله عز وجل في السماء، وعلمه في كل مكان)) وتلا هذه الآية س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ش وعظم عليه الكلام في هذا واستشنعه (1) . 7 - قول نعيم بن حماد الخزاعي (2) رحمه الله (228 هـ)   (1) أخرجه أبو داود في مسائل الإمام أحمد (ص263) ، ط: دار المعرفة. وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/106-107، برقم11، و1/280، برقم532) . والآجري في الشريعة (3/1076-1077، برقم652-653) . وابن بطة في الإبانة (-تتمة الرد على الجهمية-) ، (3/153، ح110) . وابن منده في التوحيد (3/307، برقم893) . واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/401) . وابن عبد البر في التمهيد (7/138) . والقاضي عياض في ترتيب المدارك (2/43) . وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/183) ، وفي درء تعارض العقل والنقل (6/262) ، وقال: (كل هذه الأسانيد صحيحة) . وأورده الذهبي في العلو (ص103) ، وفي سير أعلام النبلاء (8/101) ، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص59، برقم39) و (ص63، برقم45) ، وفي العرش 2/178 رقم 155. وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق (2/213) وقال: (ذكره الطلمنكي وابن عبد البر وعبد الله بن أحمد وغيرهم) . وصححه الألباني في مختصر العلو (ص140) . (2) نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي، أبو عبد الله المروزي، نزيل مصر، صدوق يخطىء كثيرًا، فقيه عارف بالفرائض، من العاشرة، مات سنة (228هـ) على الصحيح، أخرج له البخاري مقرونا، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة. التقريب (1006) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 قال أحمد بن منصور الرمادي سمعت نعيم بن حماد الخزاعي في قوله س وهو معكم ش: ((أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه، ألا ترى قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش الآية، أراد أنه لا يخفى عليه خافية)) (1) . 8 - قول علي بن المديني (234 هـ) سئل عن قوله تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش فقال: اقرأ ما قبله س ألم تر أن الله يعلم ش (2) . 9 - قول إسحاق بن راهويه (238 هـ) قال حرب بن إسماعيل: قلت لإسحاق بن راهويه في قول الله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش كيف تقول فيه؟ قال: ((حيث ما كنت فهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو بائن من خلقه)) (3) . 10 - قول الإمام أحمد رحمه الله (241 هـ)   (1) أخرجه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/146، برقم106) . وأورده الذهبي في العلو (ص126) ، وفي سير أعلام النبلاء (10/611) ، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص64، برقم48) ، وفي العرش 2/238 رقم 208. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص221) . وقال الألباني في مختصر العلو (ص184) : (السند صحيح) . (2) أورده الذهبي في العلو، انظر المختصر ص 188-189. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش ص 234. (3) أورده ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/161، برقم118) . أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء (11/370) ، وفي العرش 2/245 رقم 217. وأورده في العلو (ص131) وعزاه للخلال في السنة. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص226) . وقال الألباني في مختصر العلو (191، ح233) : (قلت: وأخرجه الهروي أيضا في ذم الكلام (6/120/1) عن حرب به نحوه) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 قال أبو طالب سألت أحمد بن حنبل عن رجل قال: إن الله معنا، وتلا س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش. قال: ((قد تجهم هذا، يأخذون بآخر الآية، ويدعون أولها هلا قرأت عليه س ألم تر أن الله يعلم ش فالعلم معهم، وقال في سورة (ق) س ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ش فعلمه معهم)) (1) . قال المروزي: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل، إن رجلاً قال: أقول كما قال الله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم ش، أقول هذا ولا أجاوزه إلى غيره. فقال أبو عبد الله: ((هذا كلام الجهمية)) . قلت: فكيف نقول؟ قال: ((س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ش علمه في كل مكان وعلمه معهم)) ثم قال: ((أول الآية يدل على أنه علمه)) (2) . قال حنبل: قلت لأبي عبد الله ما معنى قوله س وهو معكم ش، س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش؟ . قال: ((علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حد ولا صفة)) (3)   (1) رواه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/159-160، برقم116) . وأورده بنحوه القاضي في إبطال التأويلات (2/289، برقم286) . وأورده الذهبي في العلو (ص130) ، وفي الأربعين (ص64-65، برقم49) . وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص200-201) . (2) رواه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/160-161، برقم117) . وأورده الذهبي في العلو (ص130) . وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (201) . (3) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/402، برقم675) . وأورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص116، برقم95) . وأورده الذهبي في العلو (ص130) ، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص65، برقم 50) ، وفي العرش 2/245 رقم 218، 219، 220 وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/496) . وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (200) وعزاه للالكائي. وانظر مختصر الصواعق (2/213) ، وقال ابن القيم: (أراد أحمد بنفي الصفة نفي الكيفية والتشبيه، وبنفي الحد حد يدركه العباد ويحدونه) . وانظر في مسألة الحد نقض تأسيس الجهمية (2/162) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 قال أحمد بن جعفر الفارسي الإصطخري: قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل: ((هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروقها، المعروفين بها المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي ش إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها، فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق)) . ثم ساق الإمام أحمد أقوالهم في العقيدة إلى أن قال: ((وخلق سبع سموات بعضها فوق بعض، وسبع أراضين بعضها أسفل من بعض، وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام، والماء فوق السماء العليا السابعة، وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء، والله عز وجل على العرش، والكرسي موضع قدميه، وهو يعلم ما في السموات والأرضين السبع وما بينهما، وما تحت الثرى، وما في قعر البحار، ومنبت كل شعرة وشجرة، وكل زرع وكل نبات، ومسقط كل ورقة، وعددكل كلمة، وعدد الحصى والرمل والتراب، ومثاقيل الجبال، وأعمال العباد وآثارهم وكلامهم وأنفاسهم، ويعلم كل شيء، وهو على العرش فوق السماء السابعة، ودونه حجب من نور ونار وظلمة وما هو أعلم به. فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله عز وجل س ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ش وبقوله س وهو معكم أينما كنتم ش وبقوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش إلى قوله س وهو معهم أينما كانواش ونحو هذا من متشابه القرآن فقل: إنما يعني بذلك العلم، لأن الله تعالى على العرش فوق السماء السابعة العليا ويعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان)) (1) .   (1) طبقات الحنابلة 1/24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 11 - قول عبد الله بن مسلم بن قتيبة (1) رحمه الله (276 هـ) قال الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب ((تأويل مختلف الحديث)) له: ((نحن نقول في قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش إنه معهم يعلم ما هم عليه، كما تقول للرجل وجّهته إلى بلد شاسع، احذر التقصير فإني معك، تريد أنه لا يخفى عليَّ تقصيرك، وكيف يسوغ لأحد أن يقول: إنه سبحانه بكل مكان على الحلول فيه مع قوله س الرحمن على العرش استوى ش ومع قوله س إليه يصعد الكلم الطيب ش كيف يصعد إليه شيء هو معه، وكيف تعرج الملائكة إليه وهي معه، ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم، وما ركبت عليه خِلَقُهم من معرفة الخالق لعلموا أن الله هو العلي وهو الأعلى، وأن الأيدي ترتفع بالدعاء إليه، والأمم كلها عجميها وعربيها، تقول: إن الله في السماء. ما تركت على فطرها)) (2) . 12 - قول الإمام الدارمي (3) رحمه الله (280 هـ) قال في كتابه ((الرد على الجهمية)) باب - استواء الرب تبارك وتعالى على العرش، وارتفاعه إلى السماء وبينونته من الخلق:   (1) عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد، الإمام الحافظ الأديب، من المصنفين المكثرين، ولد ببغداد سنة (213هـ) ، وتوفي بها سنة (276هـ) ، من كتبه: المعارف، وأدب الكاتب، وتأويل مختلف الحديث، وغيرها. تاريخ بغداد (10/170) ، السير (13/296) . (2) انظر كتاب تأويل مختلف الحديث (ص182-183) . والعرش للذهبي 2/271 رقم 236. (3) عثمان بن سعيد بن خالد، أبو سعيد، التميمي السجستاني، الدارمي نسبة إلى بني دارم، إمام علامة حافظ، مات سنة (280هـ) وقد جاوز الثمانين. طبقات الحنابلة (1/221) ، السير (13/319) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ((فاحتج بعضهم فيه بكلمة زندقة استوحش من ذكرها وتستر آخر من زندقة صاحبه فقال: قال تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكبر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ش قلنا: هذه الآية لنا عليكم لا لكم، إنما يعني أنه حاضر كل نجوى، ومع كل أحد من فوق العرش بعلمه، لأن علمه بهم محيط، وبصره فيهم نافذ، لا يحجبه شيء عن علمه وبصره، ولا يتوارون منه بشيء، وهو بكماله فوق العرش بائن من خلقه س يعلم السر وأخفى ش، أقرب إلى أحدهم من فوق العرش من حبل الوريد، قادر على أن يكون له ذلك، لأنه لا يبعد عن شيء ولا يخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض، فهو كذلك رابعهم، وخامسهم، وسادسهم، لا أنه معهم بنفسه في الأرض كما ادعيتم، وكذلك فسرته العلماء)) (1) . 13 - قول محمد بن عثمان بن أبي شيبة (2) رحمه الله (297 هـ) وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة، في كتاب “ العرش ” له: ((ذكروا أن الجهمية يقولون: إن ليس بين الله وبين خلقه حجاب، وأنكروا العرش، وأن يكون الله فوقه، وقالوا إنه في كل مكان)) وذكر أشياء إلى أن قال: ((فسرت العلماء س هو معكم ش يعني بعلمه، توافرت الأخبار أن الله خلق العرش فاستوى عليه بذاته فهو فوق العرش بذاته، متخلصا من خلقه بائنا منهم)) (3) . 14 - قول محمد بن جرير الطبري رحمه الله (310 هـ)   (1) الرد على الجهمية ص 268-269 (ضمن عقائد السلف) . (2) أبو جعفر، محمد بن عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي، العبسي مولاهم، الكوفي، الحافظ، المسند البارع، محدث الكوفة، جمع وصنف وكان من أوعية العلم، بصيرا بالحديث والرجال، توفي سنة (297هـ) . تاريخ بغداد (3/42-47) ، سير أعلام النبلاء (14/21) . (3) انظر العرش لابن أبي شيبة. ص (276-292) وأورده الذهبي في العرش 2/264 رقم 233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 قال في تفسير قوله تعالى س يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش: ((يقول: هو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم، يعلمكم ويعلم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سبع سمواته)) (1) . وقال في تفسير قوله تعالى س ألم تر أن الله يعلم ما في السموات والأرض. . . ش الآية: ((وعنى بقوله س هو رابعهم ش بمعنى مشاهدهم بعلمه وهو على عرشه)) (2) . 15 - قول أبي الحسن الأشعري (3) رحمه الله (324 هـ) قال في “ رسالة إلى أهل الثغر ”: ((. . . وأنه يعلم السر وأخفى من السر، ولا يغيب عنه شيء في السموات والأرض حتى كأنه حاضر مع كل شيء، وقد دل الله عز وجل على ذلك في قوله س وهو معكم أينما كنتم ش وفسَّر ذلك أهل العلم بالتأويل أن علمه محيط بهم حيث كانوا)) (4) . 16 - قول أبي بكر الآجري (5) رحمه الله (360 هـ) قال الإمام أبو بكر الآجري الحافظ، في كتاب “ الشريعة ” له: - باب في التحذير من مذهب الحلولية:   (1) انظر: تفسير الطبري 27/216 (2) انظر: تفسير الطبري 28/12. (3) أبو الحسن، علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري، كان في أول أمره معتزلياً، ثم تاب من الإعتزال، وأخذ بقول الكلابية، ثم رجع إلى معتقد أهل السنة في مجمل المسائل، توفي سنة (324هـ) . انظر تاريخ بغداد (11/346) ، سير أعلام النبلاء (15/85) . (4) انظر رسالة إلى أهل الثغر ص 234 (5) محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو بكر الآجري، فقيه، شافعي، محدث، بغدادي، توفي سنة (306هـ) وله تصانيف كثيرة منها: أخلاق حملة القرآن، وأخلاق العلماء، وكتاب الشريعة، وغيرها. تاريخ بغداد (2/243) ، السير (16/133) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 ((الذي يذهب إليه أهل العلم، أن الله عز وجل على عرشه، فوق سمواته، وعلمه محيط بكل شيء، قد أحاط علمه بجميع ما خلق في السموات العلى، وبجميع ما في سبع أراضين، يرفع إليه أعمال العباد. فإن قال قائل: إيش يكون معنى قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش الآية التي احتجوا بها؟. قيل له: علمه، والله عز وجل على عرشه، وعلمه محيط بهم، كذا فسره أهل العلم، والآية يدل أولها وآخرها على أنه العلم، وهو على عرشه، فهذا قول المسلمين)) (1) . 17 - قول ابن بطة العكبري (2) رحمه الله (387 هـ) قال الإمام الزاهد أبو عبد الله بن بطة العكبري، في كتاب “ الإبانة ”: - باب الإيمان بأن الله على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه محيط بخلقه - أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين، أن الله على عرشه، فوق سمواته، بائن من خلقه (3) . فأما قوله س وهو معكم ش، فهو كما قالت العلماء: علمه. وأما قوله س وهو الله في السموات وفي الأرض ش معناه: أنه هو الله في السموات، وهو الله في الأرض، وتصديقه في كتاب الله س وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ش، واحتج الجهمي بقوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش، فقال: إن الله معنا وفينا، وقد فسر العلماء أن ذلك علمه، ثم قال في آخرها س إن الله بكل شيء عليمش)) (4)   (1) انظر الشريعة للآجري (3/1075-1076) وانظر مختصر الصواعق (2/214) . وأورده الذهبي في العرش 2/309 رقم 252. (2) عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري أبو عبد الله، ابن بطة الحنبلي مصنف كتاب الإبانة المشهور، إمام قدوة عابد، فقيه محدث، مات سنة (387هـ) وله أربع وثمانون سنة. طبقات الحنابلة (2/114) ، السير (16/529) . (3) انظر الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/136) . وانظر مختصر الصواعق (2/214) . (4) انظر كتاب الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/143-145) . وأورده الذهبي في العرش 2/325 رقم 259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 18 - قول الثعلبي (1) رحمه الله (427 هـ) قال في قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش (2) : ((في العلم)) (3) . 19 - قول الإمام أبي عمر الطلمنكي (4) رحمه الله (429 هـ) قال في كتابه “ الوصول إلى علم الأصول ”: ((وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى س وهو معكم أينما كنتم ش ونحو ذلك من القرآن أن ذلك علمه، وأن الله فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء)) (5) . 20 - قول أبي زكريا يحي بن عمار (6) رحمه الله (442 هـ)   (1) أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق النيسابوري الثعلبي، صاحب التفسير المشهور وعالم بالعربية، حافظ ثقة، مات سنة (427هـ) . الأنساب (3/129) ، السير (17/435) . (2) الآية 7 من سورة المجادلة. (3) أورده الذهبي في كتاب العرش 2/368 برقم 281 وعزاه لتفسير الثعلبي المسمى الكشف والبيان في تفسير القرآن وهو مخطوط. (4) أحمد بن محمد بن عبد الله، أبو عمر، المعافري، الأندلسي، الطلمنكي، بحر من بحور العلم، إمام مقرىء، محدث مفسر. مات سنة (429هـ) وقد قارب التسعين. السير (17/566) ، طبقات المفسرين للداودي (1/77) . (5) انظر: تلبيس الجهمية لابن تيمية 2/38. ودرء تعارض العقل والنقل 6/250-251. والعلو للذهبي 264. وإجتماع الجيوش الإسلامية ص 142. (6) أبو زكريا، يحي بن عمار، الشيباني، السجستاني، الواعظ، نزيل هراة، كان بارعاً في التفسير والسنة، توفي سنة (422هـ) . العبر (3/151) ، شذرات الذهب (2/226) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 قال الإمام أبو زكريا يحي بن عمار السجستاني، في رسالته: ((لا نقول كما قال الجهمية، إنه مداخل للأمكنة، وممازج لكل شيء ولا نعلم أين هو؛ بل هو بذاته على العرش، وعلمه محيط بكل شيء، وعلمه، وسمعه، وبصره، وقدرته، مدركة لكل شيء، وهو معنى قوله س وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش، وهو بذاته على عرشه كما قال سبحانه وكما قال نبيه ش)) (1) . 21 - قول البيهقي رحمه الله (458 هـ) قال الإمام أبو بكر بن الحسين البيهقي في كتاب “ الاعتقاد ”: ((وفي كثير من الآيات دلالة على إبطال قول من زعم من الجهمية أن الله بذاته في كل مكان. وقوله س وهو معكم أينما كنتم ش إنما أراد به بعلمه لا بذاته)) (2) . 22 - قول الإمام ابن عبد البر رحمه الله (463 هـ) قال: ((وأما احتجاجهم بقوله عز وجل س ما يكون من نجوى ثلاثة. . . ش الآية، فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية، لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله)) (3) . 23 - قول البغوي رحمه الله (510 هـ) قال في قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش: ((في العلم)) (4) .   (1) أورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/191) ، وأورده الذهبي في العلو (177-178) ، وفي كتاب العرش 2/348 رقم 266. وأورده ابن القيم مختصرا في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص279) . (2) الإعتقاد للبيهقي (ص112-115) . وأورده الذهبي في العلو (ص 184185) . وفي العرش 2/355 رقم 271. (3) التمهيد (7/138-139) والذهبي في العرش 2/356 رقم 272. (4) تفسير البغوي (4/307) . وأورده الذهبي في العرش)) 2/368 رقم 280/5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 24 - قول قوّام السنة أبي القاسم الأصبهاني (1) رحمه الله (535 هـ) قال: ((فإن قيل: قد تأولتم قوله عز وجل س وهو معكم أينما كنتم ش وحملتموه على العلم. قلنا: ما تأولنا ذلك، وإنما الآية دلت على أن المراد بذلك العلم، لأنه قال في آخرها س إن الله بكل شيء عليم ش)) (2) . 25 - قول أبي محمد اليمني (3) رحمه الله (من علماء القرن السادس الهجري) قال رحمه الله: ((وربما نقول ثاني اثنين وثالث ثلاثة ورابع أربعة وأكثر من ذلك، بمعنى العلم والحفظ لا بمعنى الشريك لأنه يقول وقوله الحق س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ش أي عليم بهم وحفيظ لهم أينما كانوا، لا بمعنى التشريك)) (4) . 26 - قول ابن كثير رحمه الله (774 هـ) قال في تفسير قوله تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة. . . ش الآية: ((أي مطلع عليهم يسمع كلامهم وسرهم ونجواهم، ورسله أيضاً مع ذلك تكتب ما يتناجون به مع علم الله به وسمعه له كما قال تعالى س أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ش. ولهذا حكى غير واحد الإجماع على أن مراد بهذه الآية معية علمه تعالى ولا شك في إرادة ذلك)) (5) . 27 - قول الشوكاني رحمه الله (1250هـ)   (1) إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي، القرشي، التيمي، أبو القاسم، الأصبهاني، الملقب بقوّام السنة، من أعلام الحفاظ، كان إماماً في التفسير والحديث واللغة، صاحب كتاب "الحجة في بيان المحجة"، توفي سنة (535 هـ) . شذرات الذهب 4/105، الأعلام 1/323. (2) انظر: الحجة في بيان المحجة 2/291. (3) أبومحمد اليمني من علماء القرن السادس الهجري وهو صاحب كتاب عقائد الثلاث وسبعين فرقة لايعرف عنه إلا هذا راجع القسم الدراسي من الكتاب المحقق 1/1-7. (4) عقائد الثلاث وسبعين فرقة 2/523-524. (5) انظر: تفسير ابن كثير 4/322. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 قال في تفسير قوله تعالى س وهو معكم أينما كنتم ش: ((أي بقدرته وسلطانه وعلمه)) (1) . وقال في تفسير قوله تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة. . . ش الآية: ((مستأنفة لتقرير سمو علمه وإحاطته بكل المعلومات. . . ومعنى س أينما كنتم ش إحاطة علمه بكل تناج يكون منهم في أي مكان من الأمكنة)) (2) . قال الشوكاني رحمه الله في شرح حديث ((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني)) (3) . قال: ((فيه تصريح بأن الله تعالى مع عباده عند ذكرهم له، ومن مقتضى ذلك أن ينظر إليه برحمته، ويمده بتوفيقه وتسديده، فإن قلت: هو مع جميع عباده كما قال سبحانه وتعالى س وهو معكم أينما كنتم ش، وقوله جلّ ذكره س ما يكون من نجولى ثلاثة إلا هو رابعهمش الآية. قلت: هذه معية عامة، وتلك معية خاصة حاصلة للذاكر على الخصوص بعد دخوله مع أهل المعية العامة، وذلك يقتضي مزيد العناية ووفور الاكرام له والتفضل عليه، ومن هذه المعية الخاصة ما ورد في كتابه العزيز من كونه مع الصابرين، وكونه مع الذين اتقوا، وما ورد هذا المورد في الكتاب العزيز أو السنة، فلا منافاة بين إثبات المعية الخاصة وإثبات المعية العامة)) (4) . المطلب الثالث: الآثار والأقوال المروية عن العلماء في الجمع بين صفتي العلو والمعية: مما يؤكد تفسير السلف لآيات المعية العامة بأنها معية العلم والاطلاع ما ورد عن جمع من العلماء من أقوال جمع فيها بين إثبات المعية وإثبات صفة العلو لله عز وجل فبينوا بذلك عدم التعارض بين نصوص المعية والنصوص التي جاء فيها إثبات علو الله سبحانه على خلقه.   (1) انظر: فتح القدير 5/166. (2) انظر: فتح القدير 5/187 (3) تقدم تخريجه (4) تحفة الذاكرين ص 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ودعوى التعارض بين نصوص المعية ونصوص العلو، من الشبه التي تمسَّك بها المبتدعة أيضاً في هذا الباب، فبإيراد هذه الآثار عن سلف الأمة من الصحابة ومن بعدهم والذين أمرنا بالتزام فهمهم تزول أي دعوى للتعارض بين نصوص القرآن والسنة. فيما جاء فيهما من إثبات العلو الله عز وجل على خلقه وما جاء فيهما من إثبات معية الله لخلقه بعلمه. وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه النقول تبطل وبشكل صريح دعوى القائلين بأن الله بذاته في كل مكان وأنه حال في خلقه، فدعواهم لا مستند لها من الكتاب أو السنة أو قول أحد من سلف الأمة وأئمتها وإليك الآثار الواردة في ذلك مرتبة ترتيباً زمانياً: 1 - قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((ما بين السماء القصوى والكرسي خمسمائة عام، ويبن الكرسي والماء كذلك، والعرش فوق الماء والله فوق العرش، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم)) (1) .   (1) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/395396، ح 659) والبيهقي في الأسماء والصفات (2/186187) . والدارمي في الرد على الجهمية (ص275 -ضمن عقائد السلف-) . وابن خزيمة في التوحيد (1/242-243، ح149) . والطبراني في الكبير (9/228) . وأبو الشيخ في العظمة (2/688-689، ح279) . وابن عبد البر في التمهيد (7/) . وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص104-105، ح75) . وأورده الذهبي في العلو (ص64) ، وعزاه لعبد الله بن الإمام أحمد في السنة، وأبي بكر بن المنذر، وأبي أحمد العسال، وأبي القاسم الطبراني، وأبي الشيخ، واللالكائي، وأبي عمر الطلمنكي، وأبي عمر بن عبد البر، وقال: (وإسناده صحيح) . وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص122) ، وفي مختصر الصواعق (2/210) . وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/86) ، وعزاه للطبراني وقال: (رجاله رجال الصحيح) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 2 - قول كعب الأحبار رحمه الله (1) قال: ((قال الله في التوراة: أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق خلقي، وأنا على عرشي، أدبر أمر عبادي، ولا يخفى علي شيء في السماء، ولا في الأرض)) (2) . 3 - قول عبد الله بن المبارك رحمه الله (181 هـ) ثبت عن علي بن الحسن بن شقيق، شيخ البخاري، قال: قلت لعبد الله ابن المبارك كيف نعرف ربنا؟ قال: ((في السماء السابعة على عرشه)) . وفي لفظ ((على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في الأرض)) . وقال أيضاً: ((سألت ابن المبارك: كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا؟ . قال: ((على السماء السابعة، على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في الأرض)) (3)   (1) كعب بن مانع الحِميري، أبو إسحاق، أسلم في خلافة الصديق رضي الله عنه، ومات في خلافة عثمان رضي الله عنه، وقد جاوز المائة،. انظر الكاشف (3/9) ، التقريب (ص812) . (2) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (2/625-626، ح244) . وابن بطة في الإبانة -الرد على الجهمية-، (3/185-186، برقم137) . وأبو نعيم في الحلية (6/7) . وأورده القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (ق149/ب) وعزاه لابن بطة في الإبانة. وأورده الجيلاني في الغنية لطالبي طريق الحق (1/57) . وأورده الذهبي في العلو (ص92) ، وقال: (رواته ثقات) ، وفي الأربعين (ص45) ، وفي العرش 2/143 رقم 121. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص129، و260) ، وقال قبله: (وروى أبو نعيم بإسناد صحيح عن كعب) وذكره. وأورده ابن القيم كذلك كما في مختصر الصواعق (2/373) وعزاه لأبي الشيخ وابن بطة وغيرهما بإسناد صحيح. وصححه الألباني في مختصر العلو (ص128) . (3) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص8) . والدارمي في الرد على المريسي (ص103) ، والرد على الجهمية (ص50) . وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/111، ح22) ، و (1/174-175، ح216) . وابن بطة في الإبانة (3/155-156، ح112) . وابن منده في التوحيد (3/308، برقم899) . والصابوني في عقيدة السلف (ص20، برقم28) . والبيهقي في الأسماء والصفات (2/336، رقم903) . وابن عبد البر في التمهيد (7/142) . وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص117-118، ح99، 100) . وأورده ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/264) ، وعزاه للبخاري في خلق أفعال العباد. وأورده كذلك في الفتوى الحموية (ص91) وقال: (وروى عبد الله بن الإمام أحمد وغيره بأسانيد صحيحة عن ابن المبارك) ، وأورده في نقض تأسيس الجهمية (2/525) . وأورده الذهبي في العلو (ص110) ، وفي سير أعلام النبلاء (8/402) ، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص40، برقم10) وفي العرش 2/187 رقم 161، 162 وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص134-135) وقال: (روى الدارمي، والحاكم والبيهقي، وغيرهم، بأصح إسناد إلى علي بن الحسين بن شقيق) وذكره، وفي (ص213-214) وقال: (وقد صح عنه صحة قريبة من التواتر) ، وعزاه للبيهقي، والحاكم، والدارمي. وأورده أيضاً كما في مختصر الصواعق (2/212) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 4 - قول أبي يوسف (1) صاحب أبي حنيفة رحمه الله (182 هـ) جاء بشر بن الوليد إلى أبي يوسف فقال له: ((تنهاني عن الكلام وبشر المريسي، وعلي الأحول، وفلان يتكلمون، فقال: وما يقولون؟ قال: يقولون: إن الله في كل مكان. فبعث أبو يوسف فقال: علي بهم، فانتهوا إليهم، وقد قام بشر، فجيء بعلي الأحول والشيخ -يعني الآخر، فنظر أبو يوسف إلى الشيخ وقال: لو أن فيك موضع أدب لأوجعتك، فأمر به إلى الحبس، وضرب عليا الأحول وطوَّف به)) (2) . 5 - قول علي بن عاصم الواسطي (3) رحمه الله (201هـ)   (1) يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، القاضي، أبو يوسف الكوفي، صاحب الإمام أبي حنيفة، المجتهد، العلامة، المحدث، أفقه أهل الرأي بعد أبي حنيفة، ولد سنة (113هـ) ، وتوفي سنة (182هـ) . تاريخ بغداد (14/242) ، السير (8/535) . (2) أورد القصة ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/45) ، وفي نقض تأسيس الجهمية (2/525-526) ، وعزاها لابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية، وساق الأثر بسنده. وأوردها الذهبي في العلو (ص112) . وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص222) ، وقال: (وهي قصة مشهورة ذكرها عبد الرحمن بن أبي حاتم) . وأوردها أيضاً كما في مختصر الصواعق (2/212) وقال: (وبشر لم ينكر أن الله أفضل من العرش، وإنما أنكر ما أنكرته المعطلة أن ذاته تعالى فوق العرش) . وأوردها شارح الطحاوية (ص323) . (3) علي بن عاصم بن صهيب الواسطي التيمي مولاهم، صدوق يخطىء ويصر، رمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة إحدى ومائتين، وقد جاوز التسعين. التقريب (ص699) ، تاريخ بغداد (11/446) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وقال يحي بن علي بن عاصم (1) : ((كنت عند أبي، فاستأذن عليه المريسي، فقلت له: يأبه مثل هذا يدخل عليك! فقال: وماله؟ ؛ قلت: إنه يقول إن القرآن مخلوق، ويزعم أن الله معه في الأرض، وكلاما ذكرته، فما رأيته اشتد عليه مثل ما اشتد عليه في القرآن أنه مخلوق، وأنه معه في الأرض)) (2) . 6 - قول أصبغ بن الفرج المالكي (3) رحمه الله (225 هـ) ((وهو مستو على عرشه وبكل مكان علمه وإحاطته)) (4) 7 - قول بشر الحافي (5) رحمه الله (227 هـ) ((والإيمان بأن الله على عرشه كما شاء، وأنه عالم بكل مكان، وأن الله يقول، ويخلق، فقوله كن ليس بمخلوق)) (6) . 8 - قول حماد بن هنَّاد (7) رحمه الله (230 هـ)   (1) يحي بن علي بن عاصم الواسطي، روى عن أبيه. انظر الثقات لابن حبان (9/258) . (2) أورده الذهبي في العلو (ص116) ، وفي العرش وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص216-217) وعزاه لابن أبي حاتم. (3) أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع،، فقيه من كبار المالكية بمصر، قال ابن الماجشون: (ما أخرجت مصر مثل أصبغ وكان كاتب ابن وهب) ، توفي سنة (225هـ) . وفيات الأعيان 1/79، الأعلام 1/333. (4) انظر: إجتماع الجيوش الإسلامية ص 142. تهذيب سنن أبي داود 7/102. (5) بشر بن الحارث بن عبد الرحمن، أبو نصر المروزي البغدادي الحافي، إمام، ورع، زاهد، مات سنة سبع وعشرين ومائتين، وله خمس وسبعون سنة. تاريخ بغداد (7/67) ، السير (10/469) . (6) أوردها الذهبي في العلو (ص127) ، وفي الأربعين (ص43) .وفي العرش 2/244 رقم 216. (7) هكذا أورده الذهبي في العلو، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية، وقال محققه: (لم أقف على ترجمته بهذا الإسم، فلعلها محرفة عن محمد بن سعيد بن هنَّاد البوشنجي، وترجمته في الأنساب 2/259، والكاشف 3/42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 قال: ((هذا ما رأينا عليه أهل الأمصار وما دلت عليه مذاهبهم فيه، وإيضاح مناهج العلماء وطرق الفقهاء، وصفة السنة وأهلها أن الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وعلمه وقدرته وسلطانه بكل مكان)) (1) . 9 - قول أحمد بن نصر الخزاعي (2) الشهيد رحمه الله (231 هـ) قال إبراهيم الحربي فيما صح عنه: قال أحمد بن نصر وسئل عن علم الله فقال: ((علم الله معنا وهو على عرشه)) (3) . 10 - قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (241 هـ) قال يوسف بن موسى القطان: وقيل لأبي عبد الله: الله فوق السماء السابعة على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه وقدرته بكل مكان. قال: ((نعم)) (4) . قال أحمد بن حنبل رحمه الله في كتاب ((الرد على الجهمية)) مما جمعه ورواه عبد الله ابنه عنه: ((باب بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش، قلت لهم: أنكرتم أن يكون الله على العرش، وقد قال س الرحمن على العرش استوى ش؟ فقالوا: هو تحت الأرض السابعة، كما هو على العرش، وفي السموات والأرض.   (1) انظر العلو للذهبي ص 151 وإجتماع الجيوش الإسلامية ص242. (2) أحمد بن نصر بن مالك، الخزاعي، أبو عبد الله، ثقة، قتل شهيداً في خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن سنة (231 هـ) . سير أعلام النبلاء (11/166) ، تهذيب التهذيب (1/87) . (3) أورده الذهبي في العلو ص 128. (4) أخرجه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/159، ح115) . واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/401-402، برقم674) . وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/421) . وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص116، برقم96) . والذهبي في العلو (130) .، وفي العرش (2/248، برقم 221) وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص200) وعزاه للخلال في كتاب السنة له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 فقلنا: قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظمة الرب شيء، أجسامكم وأجوافكم والأماكن القذرة ليس فيها من عظمته شيء، وقد أخبرنا عز وجل أنه في السماء فقال تعالى س أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ش س إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ش، س إني متوفيك ورافعك إلي ش، س بل رفعه الله إليه ش، س يخافون ربهم من فوقهم ش، فقد أخبرنا سبحانه أنه في السماء)) (1) . 11 - قول الحارث بن أسد المحاسبي (2) (243هـ) قال: ((وأما قوله تعالى س الرحمن على العرش استوى ش سوهو القاهر فوق عباده ش س ءأمنتم من في السماء ش س إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً ش س إليه يصعد الكلم الطيب ش هذا يوجب أنه فوق العرش فوق الأشياء كلها متنزه عن الدخول في خلقه لايخفى عليه منهم خافية لأنه أبان في هذه الآيات أنه أراد أنه بنفسه فوق عباده؛ لأنه قال: س ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ش يعني فوق العرش، والعرش على السماء لأن من قد كان فوق كل شيء على السماء، في السماء وقد قال س فسيحوا في الأرض ش يعني علي الأرض لايريد الدخول في جوفها. . . .)) (3) .   (1) انظر الرد على الجهمية للإمام أحمد بن حنبل (ص92-93، -ضمن عقائد السلف) . وأورده الذهبي في العرش (2/250251 برقم 224.) وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص201-202) . (2) الحارث بن أسد المحاسبي البغدادي أبو عبد الله عاش في بغداد اشتهر بالتصوف وألف فيه كتبا أشهرها الرعاية لحقوق الله ورسالة المسترشدين توفي سنة 243 هـ تاريخ بغداد 8/211 السير 12/110. (3) انظر مجموع الفتاوى (5 /69) واجتماع الجيوش الإسلامية ص272. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 12 - قول عبد الوهاب بن الحكم الورَّاق (1) (251هـ) قال عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق لما روى حديث ابن عباس ما بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة ألاف نور، وهو فوق ذلك قال: ((من زعم أن الله ههنا فهو جهمي خبيث، إن الله فوق العرش، وعلمه محيط بالدنيا والآخرة)) (2) . 13 - قول يحي بن معاذ الرازي (3) رحمه الله (258هـ) قال: ((الله تعالى على العرش، بائن من الخلق، قد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، ولا يشك في هذه المقالة إلا جهمي رديء ضليل هالك مرتاب، يمزج الله بخلقه ويخلط الذات بالأقذار والأنتان)) (4) . 14 - قول محمد بن يحي الذهلي (5) رحمه الله (258هـ)   (1) عبد الوهاب بن عبد الحكم بن نافع النسائي، ثم البغدادي، أبو الحسن الوراق، صحب الإمام أحمد وسمع منه، وكان صالحاً، ورعاً، زاهداً، توفي سنة (251هـ) على القول الراجح. طبقات الحنابلة (1/209-212) ، التقريب (ص633) . (2) أورده الذهبي في العلو (ص142) ، وفي العرش)) 2/253 رقم 226. وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص232) ، وقال: (صح ذلك عنه، حكاه عنه محمد بن أحمد ابن عثمان -يعني الذهبي- في رسالته الفوقية وقال: ثقة حافظ، روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي، مات سنة خمسين ومائتين) اهـ. (3) يحي بن معاذ الرازي، أبو زكريا، الواعظ، ذكره أبو القاسم القشيري في الرسالة وعده من جملة المشايخ، توفي سنة (258 هـ) بنيسابور. وفيات الأعيان 6/165. (4) انظر: مجموع الفتاوى 5/49 واجتماع الجيوش الإسلامية ص270. (5) محمد بن يحي بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري الزهري، ثقة، حافظ، جليل، من الحادية عشرة، مات ستة (258هـ) على الصحيح وله ست وثمانون سنة. التقريب (ص907) ، السير (12/273) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 سئل محمد بن يحي عن حديث عبد الله بن معاوية عن النبي ش: ((ليعلم العبد أن الله معه حيث ما كان)) (1) ، فقال: ((يريد أن الله علمه محيط بكل مكان والله على العرش)) (2) . 15 - قول المزني (3) رحمه الله (264هـ) قال ((الحمد لله أحق من ذكر وأولى من شكر. . . إلى أن قال. . . علا على عرشه في مجده بذاته، وهو دان بعلمه من خلقه، أحاط علمه بالأمور. . .)) (4) . 16 - قول أبي حاتم الرازي (277هـ) وأبي زرعة الرازي (264هـ) رحمهما الله قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبا حاتم وأبا زرعة الرازيين رحمهما الله عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك، فقالا: ((أدركنا العلماء في جميع الأمصار، حجازاً، وعراقاً، ومصراً، وشاماً، ويمناً، وكان من مذهبهم أن الله على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه بلا كيف، أحاط بكل شيء علماً)) (5)   (1) رواه الطبراني في الصغير ص 115، وقال الألباني: (إسناده صحيح) ، انظر: سلسة الأحاديث الصحيحة رقم (1046) . (2) أورده الذهبي في العلو ص 136. (3) إسماعيل بن يحي بن إسماعيل المزني، أبو إبراهيم، المصري، تلميذ الشافعي، إمام، علامة، فقيه، كان زاهدا، عالما، مجتهدا، قوي الحجة، توفي سنة (264هـ) . السير (12/492) . (4) انظر: شرح السنة. للمزني ص75 شرح العقيدة الواسطية ص134. والأربعين في صفات رب العالمين رقم 51. ومختصر الصواعق 2/262-279. (5) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/176-179، برقم321) ، وقد ذكر الاعتقاد بتمامه والنص المذكور هنا تجده في (ص177) ، والذهبي في سير أعلام النبلاء (13/84) بالسند المذكور هنا، وأخرجه في العلو (ص137-138) وقد ساقها بأسانيد ثلاثة، وأخرجه في العرش 2/257 رقم 228. وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص125، برقم110) ، وأورده ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/257) . قال الألباني في مختصر العلو (ص204-205) : (قلت: هذا صحيح ثابت عن أبي زرعة وأبي حاتم رحمة الله عليهما. . .) إلى أن قال: (ورسالة بن أبي حاتم محفوظة في المجموع (11) في الظاهرية في آخر كتاب (زهد الثمانية من التابعين) . وقد طبعت ضمن " روائع التراث " تحقيق محمد عزيز شمس، ونشرته الدار السلفية بالهند. انظر (ص19-26) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 17 - عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله (280هـ) قال في كتابه “ النقض على بشر المريسي ”: ((قد اتفقت الكلمة من المسلمين، أن الله بكماله فوق عرشه، فوق سمواته)) (1) . وقال أيضاً في موضع آخر من الكتاب: ((وقال أهل السنة: إن الله بكماله فوق عرشه، يعلم ويسمع من فوق العرش، لا يخفى عليه خافية من خلقه، ولا يحجبهم عنه شيء)) (2) . 18 - قول زكريا بن يحي الساجي (3) رحمه الله (307هـ) قال: ((القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث، إن الله تعالى على عرشه، في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء)) (4) . 19 - قول الحسن بن علي بن خلف البربهاري (5) رحمه الله (329 هـ)   (1) انظر الرد على بشر المريسي (ص408 -ضمن عقائد السلف -) ، وأورده الذهبي في السير (13/325) ، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص228) ، وانظر مختصر الصواعق (2/213) . (2) انظر الرد على بشر المريسي (ص438 -ضمن عقائد السلف -) مع تقديم وتأخير وانظر: ((الرد على الجهمية)) ص 268 (ضمن عقائد السلف) والعرش للذهبي 2/260 رقم 230. (3) زكريا بن يحي بن عبد الرحمن بن محمد بن عدي الضبي البصري الساجي، أبو يحي، محدث البصرة في عصره، وكان من الحفاظ الثقات، كان مولده (220هـ) وتوفي سنة (307هـ) . طبقات الشافعية (2/226) ، البداية (11/131) . (4) أورده ابن تيمية في نقض تأسيس الجهمية (2/527528) والذهبي في العلو (ص150) وفي العرش (2/278 رقم 240.) وابن القيم في اجتماع الجيوش الأسلامية (ص 245246) (5) الحسن بن علي بن خلف، البربهاري، الإمام، الحافظ، رأس الحنابلة في بغداد، وكان معروفاً بشدته في السنة، توفي رحمه الله سنة (329 هـ) .طبقات الحنابلة 2/18-45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ((وهو جل ثناؤه واحد ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، ربنا أول بلا متى وآخر بلا منتهى، يعلم السر وأخفى، وعلى عرشه استوى، وعلمه بكل مكان، لايخلو من علمه مكان)) (1) . 20 - قول علي بن مهدي الطبري (2) رحمه الله قيل لعلي بن مهدي ما تقولون في قوله س وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ش؟ ، قال: ((إن بعض القراء يجعل الوقف س في السموات ش، ثم يبتديء س وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ش، وكيف ما كان، ولو أن قائلاً قال: فلان بالشام والعراق ملك، يدل على أن ملكه بالشام والعراق لا أن ذاته فيهما)) (3) . 21 - قول ابن أبي زيد القيرواني (4) رحمه الله (386هـ) قال الإمام أبو محمد بن أبي زيد المالكي المغربي في رسالته في مذهب مالك، أولها: ((وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وأنه في كل مكان بعلمه)) (5)   (1) انظر: شرح السنة للبربهاري ص 71. (2) علي بن محمد بن مهدي الطبري، أبو الحسن صحب أبا الحسن الأشعري بالبصرة، ألف كتاب (تأويل الأحاديث المشكلات الواردة في الصفات) . انظر تبيين كذب المفتري (ص195-196) . (3) أورد هذا الكلام ابن تيمية في نقض تأسيس الجهمية (2/335-337) . والذهبي في العرش 2/322 رقم 256. (4) أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن النفزي، القيرواني، المالكي، فقيه، مفسر، مشارك، له مصنفات كثيرة منها، كتاب النوادر والزيادات، ومختصر المدونة، وكتاب الرسالة، وإعجاز القرآن، توفي سنة (386هـ) . السير (17/10) ، شذرات الذهب (3/131) . (5) انظر رسالة القيرواني (ص4) ، باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات، ط: مطبعة مصطفى الحلبي، الطبعة الثانية (1368هـ) ، وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/189) . أورده الذهبي في العلو (ص171) ، وفي العرش 2/341 رقم 263. وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق (2/134) وقال: (فصرح به أبو محمد بن أبي زيد في ثلاثة مواضع من كتبه أشهرها الرسالة، وفي كتاب جامع النوادر، وفي كتاب الآداب) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وقال في كتابه المفرد في السنة: ((وأنه فوق سمواته على عرشه دون أرضه وأنه في كل مكان بعلمه)) (1) . 22 - قول محمد بن عبد الله ابن أبي زمنين (2) رحمه الله (399هـ) قال محمد بن عبد الله ((ومن قول أهل السنة إن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ثم استوى عليه كيف شاء كما أخبر عن نفسه في قوله س الرحمن على العرش استوى ش ... فسبحان من بعد فلا يرى، وقرب بعلمه وقدرته فسمع النجوى)) (3) . 23 - قول أبي بكر الباقلاني (4) رحمه الله (403هـ) قال أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني في كتاب ((الإبانة)) : ((فإن قيل: هل تقولون إنه في كل مكان؟ ؛   (1) اجتماع الجيوش الإسلامية ص 151. (2) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى المري الأندلسي المالكي المعروف بابن زمنين محدث فقيه أصولي مفسر صوفي أديب شاعر ولد سنة 324 هـ وتوفي سنة 399 هـ من أشهر مؤلفاته أصول السنة الوافي بالوفيات 2/321، شذرات الذهب 3/156. (3) رياض الجنة بتخريج أصول السنة ص 88. (4) محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، البصري، ثم البغدادي، أبو بكر، ابن الباقلاني، صاحب التصانيف، مات سنة (403هـ) .قال عنه الذهبي: ((الذي ليس في متكلمي الأشاعرة أفضل منه، لا قبله ولا بعده)) تاريخ بغداد (5/379) ، السير (17/190) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 قيل له: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه، كما أخبر في كتابه وقال س الرحمن على العرش استوى ش، وقال س إليه يصعد الكلم الطيب ش، وقال س أأمنتم من في السماء ش، ولو كان في كل مكان، لكان في بطن الإنسان، وفمه، والحشوش، ولوجب أن يزيد بزيادات الأماكن، إذا خلق منها ما لم يكن، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا، وإلى يميننا، وشمالنا، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله)) (1) . 24 - قول أبي بكر محمد بن موهب المالكي (2) رحمه الله (406 هـ) قال رحمه الله (( ... فلذلك قال الشيخ أبو محمد (3) : ((إنه فوق عرشه)) ثم بين أن علوه فوق عرشه، إنما هو بذاته، لأنه تعالى بائن عن جميع خلقه بلا كيف، وهو في كل مكان بعلمه لا بذاته)) (4) . 25 - قول اللالكائي (5) رحمه الله (418هـ)   (1) هذا الكلام ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/98-99) ، وقد نقله الذهبي في العرش 2/338 رقم 261. ومختصراً في سير أعلام النبلاء (17/558-559) . (2) محمد بن موهب، التجيبي، أبو بكر، الحصَّار، المعروف بالقبري، كان من العلماء الزهَّاد الفضلاء، له مؤلفات كثيرة في العقائد، توفي بقرطبة سنة (406 هـ) . ترتيب المدارك 7/188. (3) يريد الإمام أبا محمد بن أبي زيد القيرواني، وذلك في شرحه على الرسالة. (4) أورده الذهبي في العلو ص 192. وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 156. (5) هبة الله بن الحسن بن منصور، الطبري، أبو القاسم، اللالكائي، نسبته إلى بيع اللوالك، -وهي التي تلبس في الأرجل-، الشافعي، إمام حافظ، مجود، صاحب شرح أصول اعتقاد أهل السنة، توفي سنة (418هـ) . تاريخ بغداد (14/70) ، السير (17/419) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 قال الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن الشافعي، في كتاب شرح أصول السنة له: ((سياق ما روي في قوله س الرحمن على العرش استوى ش، وأن الله على عرشه في السماء، قال عزوجل س إليه يصعد الكلم الطيب ش، وقال س أأمنتم من في السماء ش، وقال س وهو القاهر فوق عباده ش، قال: فدلت هذه الآيات أنه في السماء وعلمه محيط بكل مكان)) (1) . 26 - قول معمر بن أحمد الأصبهاني (2) رحمه الله (428هـ) قال رحمه الله في رسالته إلى بعض أصحابه: ((وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والإستواء معقول والكيف مجهول وأنه عز وجل بائن من خلقه والخلق بائنون منه بلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط ولا ملاصقة)) (3) . 27 - قول أبي نصر السجزي (4) رحمه الله (444هـ) قال الإمام أبو نصر السجزي الحافظ، في كتاب ((الإبانة)) له: ((وأئمتنا الثوري، ومالك، وابن عيينة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وابن المبارك، وفضيل بن عياض، وأحمد، وإسحاق، متفقون على أن الله فوق عرشه بذاته، وأن علمه بكل مكان)) (5)   (1) انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/387-388) . وأورده الذهبي في العرش 2/344 رقم 264. (2) أبو منصور معمر بن أحمد بن محمد الأصبهاني كان كبير الصوفية في أصبهان وروى عن الطبراني المحدث توفي سنة 428 هـ شذرات الذهب 3/311. (3) أورده ابن تيمية في القتاوى 5/61. والذهبي في العلو ص 262. وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 276. (4) عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي الوائلي، أبو نصر، محدث، حافظ، صنف، وخرج، وعالماً بالأصول والفروع، توفي في الحرم سنة (444هـ) . تذكرة الحفاظ (3/1118) ، السير (17/654) (5) أورده ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/250) ، وفي نقض تأسيس الجهمية (2/38، 416-417) ، وفي مجموع الفتاوى (5/190) ، والذهبي في العلو (ص172) ، وفي سير أعلام النبلاء (17/656) ، وفي كتاب العرش)) 2/342 رقم 263/3، و2/353 رقم 270. وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص246) ، وأورده أيضاً كما في مختصر الصواعق (2/214) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 28 - قول أبي إسماعيل الأنصاري (1) رحمه الله (481هـ) قال الإمام أبو إسماعيل الأنصاري في كتاب ((الصفات)) له: - باب اثبات استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة، بائناً من خلقه، من الكتاب والسنة -. فذكر رحمه الله دلالات ذلك من الكتاب والسنة -إلى أن قال-: ((في أخبار شتى أن الله عزوجل في السماء السابعة على العرش بنفسه، وهو ينظر كيف تعملون، علمه، وقدرته، واستماعه، ونظره، ورحمته، في كل مكان)) (2) . 29 - قول أبي الحسن الكرجي (3) رحمه الله (491هـ) قال الإمام أبو الحسن الكرجي في عقيدته المعروفة التي أولها: محاسن جسمي بدلت بالمعايب ... ... وشيب فَوْدي شيب وصل الحبائب إلى أن قال: وأفضل زاد في المعاد عقيدة ... على منهج في الصدق والصبر لاحب عقائدهم أن الإ له بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب وأن استواء الرب يعقل كونه ... ويجهل فيه الكيف جهل الشهارب (4) 30 - قول عبد القادر الجيلي (5) رحمه الله (561 هـ)   (1) عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري، أبو إسماعيل الهروي، شيخ خراسان، إمام قدوة، حافظ كبير، توفي سنة (481هـ) وله أربع وثمانون سنة ونيف. الأنساب (1/367) ، السير (18/503) . (2) أورده الذهبي في العلو (ص189) . وفي العرش 2/365 رقم 279. (3) مكي بن محمد بن علاَّن، أبو الحسن الكرجي، المعتمد، المعروف بالسّلار، الشيخ الجليل، المسند، المعمر، مات بأصبهان سنة (491هـ) . السير (19/71) ، شذرات الذهب (3/397) . (4) أورده الذهبي في العرش 2/368 رقم 282. (5) عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست الجيلي، أبو محمد الحنبلي، شيخ بغداد، الإمام، الزاهد، العارف، القدوة، ولد سنة (471هـ) وتوفي سنة (561هـ) . ذيل طبقات الحنابلة (1/290) ، السير (20/439) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 قال الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي، في كتاب ((الغنية)) له: ((وهو بجهة (1) العلو مستو على العرش، محتو على الملك، محيط علمه بالأشياء، س إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ش، س يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ش، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال إنه في السماء على العرش كما قال س الرحمن على العرش استوى ش، وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش، وكونه سبحانه وتعالى على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف)) (2) . 31 - قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (728 هـ)   (1) لفظ ((الجهة)) من الألفاظ المجملة التي لم ترد في النصوص لا نفياً ولا إثباتاً وهذا النوع من الألفاظ يقول فيه شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والمقصود هنا أن الأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة، لما فيها من لبس الحق بالباطل، مع وقوع الاشتباه والاختلاف والفتنة، بخلاف الألفاظ المأثورة، والألفاظ التي بينت معانيها، فإن ما كان مأثوراً حصلت به الألفة، وما كان معروفاً حصلت به المعرفة)) . درء تعارض العقل والنقل 1/271. (2) انظر كتاب الغنية لطالبي طريق الحق لعبد القادر الجيلاني (1/54-57) ، ط: الحلبي، وطبقات الحنابلة (1/296) . ومجموع الفتاوى (5/85) . والعلو للذهبي (ص193) . والعرش 2/369 رقم 282. واجتماع الجيوش الإسلامية (ص277) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 (( ... وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله: الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله ش، وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سمواته على عرشه، عليٌّ على خلقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون كما جمع بين ذلك في قوله س هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش (1)) ) (2) . 32 - قول محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي رحمه الله (748 هـ) صنف الإمام الذهبي كتاب العلو وكتاب العرش في إثبات علو الله على عرشه، وأنه مع خلقه بعلمه، وساق فيه الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم إلى قريب من زمانه، وحكى الإجماع عن كثير منهم على أن الله تعالى فوق عرشه، ومع الخلق بعلمه. ومما قاله في أثناء كتابه العلو ((ويدل على أن الباري تبارك وتعالى عالٍ على الأشياء، فوق عرشه المجيد، غير حالٍ بالأمكنة قوله تعالى س وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم ش (3)) ) (4) . 33 - قول الإمام شمس الدين ابن القيم رحمه الله (751 هـ) صنف الإمام ابن القيم كتابه إجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية لبيان مسألة علو الله على عرشه ومعيته لخلقه، فساق الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أكابر العلماء إلى قريب من زمانه، وحكى الإجماع عن كثير منهم على ذلك، كما اشتمل كتابه الصواعق المرسلة، وقصيدته الكافية الشافية على فصول كثيرة في تقرير هذه المسألة. 34 - قول ابن رجب الحنبلي رحمه الله (795 هـ)   (1) الآية 4 من سورة الحديد. (2) انظر: المجموع 3/142. (3) الآية 255 من سورة البقرة. (4) انظر: العلو ص83. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وقد ردّ ابن رجب رحمه الله تعالى على الذين فسروا المعية بتفسير لا يليق بالله عز وجل وهم الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان، وهم الحلولية من الجهمية ومن نحا نحوهم. فقال رحمه الله تعالى: ((ولم يكن أصحاب النبي ش يفهمون من هذه النصوص غير المعنى الصحيح المراد بها، يستفيدون بذلك معرفة عظمة الله وجلاله واطلاعه على عباده وإحاطته بهم وقربه من عابديه وإجابته لدعائهم، فيزدادون به خشية لله وتعظيماً وإجلالاً ومهابة ومراقبة واستحياء ويعبدونه كأنهم يرونه، ثم حدث بعدهم من قل ورعه وانتكس فهمه وقصده، وضعفت عظمة الله وهيبته في صدره وأراد أن يرى الناس امتيازه عليهم بدقة الفهم وقوة النظر، فزعم أن هذه النصوص تدل على أن الله بذاته في كل مكان كما حكى ذلك طوائف من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم، تعالى عما يقولون علواً كبيراً. وهذا شئ ما خطر لمن كان قبلهم من الصحابة رضي الله عنهم، وهؤلاء ممن يتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وقد حذر النبي ش منهم في حديث عائشة المتفق عليه. وتعلقوا أيضاً بما فهموه بفهمهم القاصر مع قصدهم الفاسد بآيات في كتاب الله تعالى مثل قوله تعالى س وهو معكم أينما كنتم ش وقوله: س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش. فقال من قال من علماء السلف حينئذ إنما أراد أنه معهم بعلمه وقصدوا بذلك إبطال ما قال أولئك مما لم يكن أحد قبلهم قاله ولا فهمه من القرآن. وحكى ابن عبد البر وغيره إجماع العلماء من الصحابة والتابعين في تأويل قوله تعالى س وهو معكم أينما كنتم ش أن المراد علمه، وكل هذا قصدوا به رد قول من قال إنه تعالى بذاته في كل مكان)) (1) . 35 - قول صديق حسن خان رحمه الله (1307 هـ)   (1) فتح الباري لابن رجب 2/331-332. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 ((وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وهذه سنة رسول الله ش، وهذا كلام الصحابة والتابعين، وسائر الأئمة، قد دل ذلك بما هو نص أو ظاهرٌ، في أن الله سبحانه فوق العرش، فوق السموات، استوى على عرشه، بائن من خلقه، … وهو معهم أينما كانوا. قال نعيم بن حماد لما سئل عن معنى هذه الآية س وهو معكم أينما كنتم ش معناها: (أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه) وليس معناه أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق ... -إلى أن قال: ... فكل ما في الكتاب والسنة من الادلة الدالة على قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه عليٌّ في دنوِّه وقريب في عُلوِّه، والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جداً)) (1) . المطلب الرابع: أقوال الناس في صفة المعية: من المعلوم أن لمسألة المعية اتصالها الوثيق بمسألة العلو، فما نشأ من أقوال في مسألة العلو ترتب عليها في المقابل أقوال من جنسها في مسألة المعية. وقد افترق الناس في هذا المقام على أربعة أقوال هي: القول الأول: قول أهل السنة والجماعة. يقولون: إن الله فوق سمواته، عالٍ على خلقه، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه؛ كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة. القول الثاني: قول معطلة الجهمية ونفاتهم.   (1) قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر لصديق حسن خان ص 50-51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وهم الذين يقولون: لا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له، ولا محايث له؛ وهم بقولهم هذا قد نفوا الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود منهما (1) ، وبالغوا في نفي التشبيه؛ حتى أدى بهم ذلك إلى نفي وجوده بالكلية، وذلك خشية منهم أن يشبهوه، فهم قالوا بهذه المقالة هرباً منهم -على حد زعمهم- من إثبات الجهة، والمكان، والحيِّز؛ فإن فيها كما يدَّعون تجسيماً، وهو تشبيه، فقالوا: يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات، فنحن نسد الباب بالكلية. وقد استند أصحاب هذا القول في قولهم هذا على حجج، زعموا أنها عقلية، أسسوها وابتدعوها وجعلوها مقدمة على كل نص، وليس لهؤلاء أي دليل من القرآن أو السنة على صحة قولهم هذا، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ((وجميع أهل البدع قد يتمسكون بنصوص، كالخوارج، والشيعة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم، إلا الجهمية، فإنهم ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه في النفي)) (2) . القول الثالث: قول حلولية الجهمية. وهم الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان. وهذا قول النجارية (3) ، وكثير من الجهمية عبَّادهم، وصوفيتهم، وعوامهم.   (1) مجموع الفتاوى 5 / 122، وتأويل مشكل الحديث لابن فورك ص 63، والاقتصاد في الاعتقاد ص 29، 34 (2) مجموع الفتاوى 5/122. (3) هم أتباع حسين بن محمد بن عبد الله بن النجار، وقد كان أكثر معتزلة الري ومن حولها على مذهبه، وقد نقل الشهرستاني في “ الملل والنحل ” (1/113، 114) عن الكعبي قوله: (إن النجار كان يقول: إن البارئ بكل مكان وجوداً، لا على معنى العلم والقدرة) . انظر: مقالات الإسلاميين 1/135-137، 283-285، والفرق بين الفرق ص126، 127، وأصول الدين للبغدادي ص334، والتبصير في الدين ص101، 102، 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ويقولون: إنه عين وجود المخلوقات. كما يقوله أهل وحدة الوجود القائلون بأن الوجود واحد، ومن يكون قوله مركباً من الحلول والاتحاد. وهم يحتجون بنصوص المعية والقرب ويتأولون نصوص العلو والاستواء، وكل نص يحتجون به حجة عليهم (1) . القول الرابع: قول طوائف من أهل الكلام والتصوف. ويقولون إن الله بذاته فوق العرش وهو بذاته في كل مكان وهؤلاء يقولون: إنا نقر بهذه النصوص ولا نصرف واحداً منها عن ظاهره؛ وهذا قول طوائف ذكرهم الأشعري في مقالات الإسلاميين، وهو موجود في كلام طائفة من السَّالمية والصوفية، ويشبه هذا ما في كلام أبي طالب المكي، وابن برجان وغيرهما، مع ما في كلام أكثرهم من التناقض. وهذا الصنف وإن كان أقرب إلى التمسك بالنصوص، وأبعد عن مخالفتها من الصنفين الثاني والثالث، فإن الصنف الثاني لم يتبع شيئاً من النصوص بل خالفها كلها. والصنف الثالث ترك النصوص الكثيرة المحكمة المبينة وتعلق بنصوص قليلة اشتبهت عليه معانيها. وأما هذا الصنف، فيقول أنا اتبعت النصوص كلها؛ لكنه غالط أيضاً؛ فكل من قال: إن الله بذاته في كل مكان، فهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها، مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده؛ ولصريح المعقول والأدلة الكثيرة. وهؤلاء يقولون أقوالاً متناقضة، يقولون: إنه فوق العرش. ويقولون: نصيب العرش منه كنصيب قلب العارف؛ كما يذكر مثل ذلك أبو طالب وغيره ومعلوم أن قلب العارف نصيبه منه المعرفة والإيمان؛ وما يتبع ذلك. فإن قالوا: إن العرش كذلك، نقضوا قولهم: إنه نفسه فوق العرش. وإن قالوا بحلوله بذاته في قلوب العارفين؛ كان ذلك قولاً بالحلول خاصة. وقد وقع طائفة من الصوفية -حتى صاحب منازل السائرين في توحيده المذكور في آخر المنازل- في مثل هذا الحلول (2) .   (1) مجموع الفتاوى 5 / 123. (2) انظر: مجموع الفتاوى 5/124-126. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وبناءً على هذه الأقوال اختلفت مواقف الناس في صفة المعية على النحو التالي: القول الأول: قول أهل السنة والجماعة. أثبتوا علو الله على خلقه وأنه مستو على عرشه بائن من خلقه وهم بائنون منه وقالوا إن معية الله المقصود منها أن الله عالم بخلقه مطلع عليهم لا يخفى عليه شيء من أمرهم. ((وهم بهذا أثبتوا وآمنوا بجميع ما جاء به الكتاب والسنة، من غير تحريف للكلم عن مواضعه، أثبتوا أن الله فوق سمواته على عرشه؛ بائن من خلقه وهم بائنون منه. وهو أيضاً مع العباد عموماً بعلمه، ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية، وهو أيضاً قريب مجيب؛ ففي آية النجوى دلالة على أنه عالم بهم)) (1) . وقد رد أهل السنة على زعم من قال إن المراد بها معية الذات وأبطلوا هذا الزعم من وجوه عديدة منها: أولاً: أن نصوص المعية الواردة في القرآن والسنة دل سياقها على أن المقصود بها معية العلم والإطلاع أو النصرة والتأييد. ثانيا: أن كلمة (مع) في حال إطلاقها تفيد مطلق المصاحبة ثم إن سياق الكلام يحدد نوع المصاحبة، ونصوص المعية حددت نوعين من المصاحبة هما: 1. معية العلم 2. معية النصرة والتأييد ثالثاً: إن جميع علماء السلف وأئمة السنة الذين نقل عنهم تفسير آيات المعية لم يفسروها بمعية الذات فهذا التفسير لم ينقل إلا عن المبتدعة من أهل الكلام رابعاً: النصوص الشرعية في إثبات علو الله واستوائه على عرشه كثيرة جداً وتشهد بفساد زعم من قال إن المقصود بالمعية معية الذات. القول الثاني: من نفى عن الله الوصفين المتقابلين: وهؤلاء يقولون: ليس فوق العالم شيء، ولا فوق العرش شيء، ويقولون: ليس هو داخلا فيه (أي العالم) ولا خارجاً عنه، ولا حالاً فيه، وليس في مكان من الأمكنة.   (1) مجموع الفتاوى 5/126. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وهذا قول الجهمية والمعتزلة وطوائف من متأخري الأشعرية، والفلاسفة النفاة، والقرامطة الباطنية (1) . وهؤلاء لما نفوا عن الله تبارك وتعالى الوصفين جميعاً فقالوا إنه لا داخل العالم ولا خارجه وشبهوه بالمعدوم لم يكن لهم قول معين في صفة المعية لأن مذهبهم قائم على نفي جميع الصفات عن الله عز وجل. القول الثالث: من فسر المعية بأن الله بذاته في كل مكان، وأنه حال في خلقه. وهم حلولية الجهمية واحتجوا لقولهم هذا بنصوص "المعية" و"القرب" الواردة في القرآن الكريم مثل قوله تعالى س ألم تر أن الله يعلم مافي السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ش (2) ، وقوله تعالى س يستخفون من الناس ولايستخفون من الله وهو معهم ش (3) ، وقوله تعالى س هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منه وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش (4) ، وقوله تعالى س إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ش (5) ، وقوله تعالى س ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ش (6) ، وقوله تعالى س وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ش (7) ، وقوله تعالى س وهو الله في السموات وفي الأرض ش (8) . وقد زعم حلولية الجهمية أن المراد بهذه النصوص معية الذات وقرب الذات، فلذلك قالوا: إن الله بذاته في كل مكان. الرد عليهم:   (1) انظر: نقض تأسيس الجهمية 1/6، 7، مختصر الصواعق 1/237، الاقتصاد في الاعتقاد ص34، تأويل مشكل الحديث ص63، 64، مجموع الفتاوى 2/297-298 (5/122-124) . (2) المجادلة 7 (3) النساء 108 (4) الحديد 4 (5) التوبة 40 (6) ق 16 (7) الزخرف 84 (8) الأنعام 3 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 قد أبطل علماء السلف زعم هؤلاء الجهمية واستدلالهم بهذه الآيات وبينوا أن كل نص يحتجون به هو في الحقيقة حجة عليهم، فنصوص المعية التي استدلوا بها لا تدل بأي حال من الأحوال على ما زعمه هؤلاء، ((وذلك لأن كلمة (مع) في لغة العرب لا تقتضي أن يكون أحد الشيئين مختلطاً بالآخر، وهي إذا اطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى)) (1) . ((ولفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع واقتضت في كل موضع أموراً لم تقتضها في الموضع الآخر، وذلك بحسب اختلاف دلالتها في كل موضع)) (2) ، وهي قد وردت في القرآن بمعنيين هما: المعنى الأول: المعية العامة. وحكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع على خلقه شهيد عليهم، ومهيمن وعالم بهم (3) ، وهذه المعية هي المرادة بقوله تعالى س ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ش فالله سبحانه وتعالى قد افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم ولذلك أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم تفسير القرآن على أن تفسير الآية هو أنه معهم بعلمه، وقد نقل هذا الإجماع ابن عبد البر (4) ، وأبو عمرو الطلمنكي، وابن تيمية (5) ، وابن القيم (6) . وعلى هذا فلا حجة للمخالفين في ظاهر هذه الآية.   (1) مجموع الفتاوى 5/103 (2) انظر مجموع الفتاوى 5/104 (3) مجموع الفتاوى 5/103 (4) التمهيد (7/138) . (5) مجموع الفتاوى (5/193) ، و (5/519) ، و (11/249-250) . (6) اجتماع الجيوش الإسلامية (ص44) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وكذلك أيضاً ما جاء في قوله تعالى س هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش. فظاهر الآية دال على أن المراد بهذه المعية هو علم الله تبارك وتعالى واطلاعه على خلقه، فقد أخبر الله تعالى في هذه الآية بأنه فوق العرش يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا، فجمع تعالى في هذه الآية بين العلو والمعية، فليس بين الاثنين تناقض البتة، وهو كقوله ش في حديث الأوعال: ((والله فوق العرش يعلم ما أنتم عليه)) (1)   (1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/207) . وأبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في الجهمية (5/93، برقم4723) . وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب سورة الحاقة (5/424-425، برقم3320) . وأخرجه ابن ماجه في سننه المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية (1/69) . والدارمي في الرد على بشر المريسي (ص448) . وابن أبي عاصم في السنة (1/253) ،. وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/234-235، ح144) . والآجري في الشريعة (3/1089-1090، ح665) . وابن منده في التوحيد (1/117) . واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/390) . والذهبي في العلو (ص49) . ومدار الحديث من جميع طرقه على ((عبد الله بن عميرة)) ، وعبد الله فيه جهالة، ولذلك قال الألباني في تخريج السنة (1/254) : (إسناده ضعيف، وعبد الله بن عميرة، قال الذهبي: فيه جهالة، وقال البخاري: لا نعلم له سماعاً من الأحنف بن قيس) . انتهى كلامه. ولكن الجوزقاني صرح في الأباطيل (1/79) بصحة الحديث وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (3/192) حيث قال: (إن هذا الحديث قد رواه إمام الأئمة ابن خزيمة في كتاب التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بما نقله العدل عن العدل موصولا إلى النبي ش، والإثبات مقدم على النفي، والبخاري إنما نفى معرفة سماعه من الأحنف ولم ينف معرفة الناس بهذا، فإذا عرف غيره كإمام الأئمة ابن خزيمة ما ثبت به الإسناد، كانت معرفته وإثباته مقدما على نفي غيره وعدم معرفته) . انتهى كلامه. وكذلك مال تلميذه ابن القيم إلى تصحيحه. انظر تهذيب السنن (7/92-93) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 المعنى الثاني: المعية الخاصة. وهي معية الاطلاع والنصرة والتأييد، وسميت خاصة لأنها تخص أنبياء الله وأولياءه مثل قوله تعالى س إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ش (1) ، وقوله تعالى س إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ش (2) فهذه المعية على ظاهرها وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد. ولفظ المعية على كلا الاستعمالين ليس مقتضاه أن تكون ذات الرب عزوجل مختلطة بالخلق، ولو كان معنى المعية أنه بذاته في كل مكان لتناقض الخبر العام والخبر الخاص، ولكن المعنى أنه مع هؤلاء بنصره وتأييده دون أولئك (3) . وأما استدلالهم بقوله تعالى س ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ش (4) ، فقد أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: (إن هذه الآية لا تخلو إما أن يراد بها قربه سبحانه أو قرب ملائكته كما قد اختلف الناس في ذلك فإن أريد بها قرب الملائكة: فدليل ذلك من الآية قوله س ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ش ففسر ذلك القرب الذي هو حين يتلقى المتلقيان، فيكون الله سبحانه قد أخبر بعلمه هو سبحانه بما في نفس الإنسان، س ونعلم ما توسوس به نفسه ش وأخبر بقرب الملائكة الكرام الكاتبين منه، س ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ش وعلى هذا التفسير تكون هذه الآية مثل قوله تعالى س أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ش (5) . أما إذا كان المراد بالقرب في الآية قربه سبحانه، فإن ظاهر السياق في الآية دل على أن المراد بقربه هنا قربه بعلمه، وذلك لورود لفظ العلم في سياق الآية س ونعلم ما توسوس به نفسه ش) (6) .   (1) التوبة 40 (2) النحل 128 (3) مجموع الفتاوى (11/250) ، و (5/104) . (4) ق 16. (5) الزخرف 80 (6) الفتاوى (6/19-20) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وأما استدلالهم بقوله تعالى س وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ش (1) ، فمعنى الآية: أي هو إله من في السموات وإله من في الأرض، قال ابن عبد البر: (فوجب حمل هذه الآية على المعنى الصحيح المجتمع عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذلك قال أهل العلم بالتفسير) (2) . وقال الآجري: (وقوله عزوجل س وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ش فمعناه: أنه جل ذكره إله من في السموات وإله من في الأرض، وهو الإله يعبد في السموات، وهو الإله يعبد في الأرض، هكذا فسره العلماء) (3) . وروى الآجري بسنده في تفسيره هذه الآية عن قتادة قوله: (هو إله يعبد في السماء، وإله يعبد في الأرض) (4) . وأما استدلالهم بقوله تعالى س وهو الله في السموات وفي الأرض ش (5) فقد فسرها أئمة العلم كالإمام أحمد وغيره أنه المعبود في السموات والأرض (6) . وقال الآجري: (وعند أهل العلم من أهل الحق س وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ش هو كما قال الحق س يعلم سركم ش فما جاءت به السنن أن الله عزوجل على عرشه، وعلمه محيط بجميع خلقه، يعلم ما يسرون وما يعلنون، ويعلم الجهر من القول ويعلم ما يكتمون) (7) . مع العلم أن هؤلاء الذين زعموا أن الله في كل مكان يقول أكثرهم بضد ذلك، فهم في حال نظرهم في الشبه الكلامية يقولون إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته. كما هو قول أصحاب المذهب الأول، وفي تعبدهم يقولون هو في كل مكان.   (1) الزخرف 84. (2) التمهيد (7/134) . (3) الشريعة (ص297) . (4) الشريعة (ص298) . (5) الأنعام 3. (6) الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد (ص92-93) ، ومجموع الفتاوى (11/250) . (7) الشريعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وكثير منهم يجمع بين القولين؛ ففي حال نظره وبحثه يقول بسلب الوصفين المتقابلين كليهما، فيقول: لا هو داخل العالم ولا خارجه، وفي حال تعبده وتألهه يقول: بأنه في كل مكان لا يخلو منه شئ)) (1) . وقال أيضاً: ((وجماع الأمر في ذلك أن الكتاب والسنة يحصل منهما كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه، وقصد اتباع الحق، وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه، والإلحاد في أسماء الله وآياته. ولا يحسب الحاسب أن شيئاً من ذلك يناقض بعضه بعضاً ألبتة؛ مثل أن يقول قائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله س وهو معكم أينما كنتم ش. وقوله ش: ((إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه)) (2) ونحو ذلك فإن هذا غلط. وذلك أن الله معنا حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة، كما جمع الله بينهما في قوله سبحانه س هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش (3) . فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا، كما قال النبي ش في حديث الأوعال: ((والله فوق العرش ويعلم ما أنتم عليه)) (4) (5) .   (1) نقض تأسيس الجهمية 1/7. (2) أخرجه البخاري في صحيحه ص 238 كتاب العمل في الصلاة باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة رقم 1213 (ط دار السلام) . ومسلم في صحيحه 5/38 كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن البصاق في المسجدفي الصلاة وغيرها. (3) الحديد 4. (4) تقدم تخريجه قريبا. (5) انظر مختصر الصواعق 2/266-267. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت فليس في اللغة ظاهرها إلا المقارنة المطلقة، من غير وجوب مماسةأو محاذاة عن يمين أو شمال؛ فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى. فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا أو والنجم معنا. ويقال: هذا المتاع معي لمجامعته لك؛ وإن كان فوق رأسك. فالله مع خلقه حقيقة، وهو فوق عرشه حقيقة. ثم هذه (المعية) تختلف أحكامها بحسب الموارد فلما قال: س يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها ش إلى قوله س وهو معكم أينما كنتم ش دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم؛ شهيد عليكم ومهيمن عالم بكم. وهذا معنى قول السلف: إنه معهم بعلمه، وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته. وكذلك في قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش إلى قوله س هو معهم أينما كانوا ش (1) الآية. ولما قال النبي ش لصاحبه في الغار س لا تحزن إن الله معنا ش (2) كان هذا أيضا حقا على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الاطلاع، والنصر والتأييد. وكذلك قوله تعالى س إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ش (3) كذلك قوله لموسى وهارون س إنني معكما أسمع وأرى ش (4) هنا المعية على ظاهرها، وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد. وقد يدخل على الصبي من يخيفه فيبكى فيشرف عليه أبوه من فوق السقف فيقول: لا تخف؛ أنا معك أوأنا هنا، أو أنا حاضر ونحو ذلك. ينبهه على المعية الموجبة بحكم الحال دفع المكروه؛ ففرق بين المعية ومقتضاها؛ وربما صار مقتضاها من معناها؛ فيختلف باختلاف المواضع (5) .   (1) المجادلة 7. (2) التوبة 40. (3) النحل 128. (4) طه 46. (5) انظر مختصر الصواعق 2/265. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 فلفظ (المعية) قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع، يقتضي في كل موضع أموراً لا يقتضيها في الموضع الآخر؛ فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها -وإن امتاز كل موضع بخاصية- فعلى التقدير ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب عزوجل مختلطة بالخلق. حتى يقال قد صرفت عن ظاهرها (1) . ونظيرها من بعض الوجوه (الربوبية، والعبودية) فإنهما وإن اشتركتا في أصل الربوبية والعبودية فلما قال س رب العالمين رب موسى وهارون ش (2) كانت ربوبية موسى وهارون لها اختصاص زائد على الربوبية العامة للخلق، فإن من أعطاه الله من الكمال أكثر مما أعطى غيره فقد ربه ورباه ربوبية وتربية أكمل من غيره. وكذلك قوله س عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً ش (3) وس سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً ش (4) . فإن العبد تارة يعنى به المعبد فيعم الخلق، كما في قوله س إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً ش (5) ، وتارة يعني به العابد فيخص؛ ثم يختلفون، فمن كان أعبد علما وحالا كانت عبوديته أكمل، فكانت الإضافة في حقه أكمل، مع أنها حقيقة في جميع المواضع. ومثل هذه الألفاظ يسميها بعض الناس (مشككة) لتشكك المستمع فيها، هل هي من قبيل الأسماء المتواطئة أو من قبيل المشتركة في اللفظ فقط، والمحققون يعلمون أنها ليست خارجة عن جنس المتواطئة؛ إذ واضع اللغة إنما وضع اللفظ بإزاء القدر المشترك، وإن كانت نوعا مختصاً من المتواطئة فلا بأس بتخصيصها بلفظ. ومن علم أن (المعية) تضاف إلى نوع من أنواع المخلوقات - كإضافة الربوبية مثلاً - وأن الاستواء على الشيء ليس إلا للعرش، وأن الله يوصف بالعلو والفوقية الحقيقية، ولا يوصف بالسفول ولا بالتحتية قط، لا حقيقة ولا مجازاً علم أن القرآن على ماهو عليه من غير تحريف.   (1) انظر مختصر الصواعق 2/266. (2) الأعراف 121-122. (3) الإنسان 6. (4) الإسراء 1. (5) مريم 93. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 ثم من توهم أن يكون الله في السماء بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه فهو كاذب - إن نقله عن غيره - وضال - إن اعتقده في ربه - وما سمعنا أحداً يفهم هذا من اللفظ، ولا رأينا أحداً نقله عن واحد، ولو سئل سائر المسلمين هل تفهمون من قول الله ورسوله ((إن الله في السماء)) أن السماء تحويه لبادر كل أحد منهم إلى أن يقول هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا)) (1) . القول الرابع: وهو قول من يقول أن الله بذاته فوق العرش وهو بذاته في كل مكان. وهذا هو قول جماعة من أهل الكلام والتصوف كأبي معاذ التومنى (2) ، وزهير الأثري (3) ، وأصحابهما (4) ، وهو موجود في كلام السالمية (5) كأبي طالب المكي (6)   (1) مجموع الفتاوى 5/102-106، وانظر أيضا نفس المرجع 3/142. (2) أبو معاذ التومني من أئمة المرجئة ورأس فرقة التومنية منها. انظر ترجمته ومذهبه في مقالات الأشعري (1/204، 326) ، (2/232) ، والملل والنحل (1/128) . (3) زهير الأثري، ولم أقف على ترجمته، وقد تكلم الأشعري عن آرائه بالتفصيل في المقالات (1/326) . (4) انظر نقض التأسيس الجهمية (1/6) ، والفتاوى (2/299) ، ومقالات الإسلاميين (1/326) . (5) هم أتباع أبي عبد الله محمد بن أحمد بن سالم المتوفى سنة (297هـ) وابنه الحسن أحمد بن محمد بن سالم المتوفى سنة (350هـ) ، وقد تتلمذ أحمد بن محمد بن سالم على سهل بن عبد الله التستري، ويجمع السالمية بين كلام أهل السنة وكلام المعتزلة مع ميل إلى التشبيه ونزعة صوفية اتحادية، انظر شذرات الذهب (3/36) ، وطبقات الصوفية (ص414-416) ، والفرق بين الفرق (ص157-202) . (6) أبو طالب، محمد بن علي بن عطية الحارثي المكي، صوفي نشأ واشتهر بمكة، وهو صاحب كتاب "قوت القلوب" في التصوف وهو من أكبر رجال السالمية، قال عنه الخطيب البغدادي: (ذكر فيه أشياء مستشنعة في الصفات) ، توفي سنة (386هـ) . انظر ترجمته في تاريخ بغداد (3/89) ، وميزان الاعتدال (3/655) ، ولسان الميزان (5/300) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وأتباعه كأبي الحكم برجان (1) وأمثاله ما يشير إلى نحو هذا، كما يوجد في كلامهم ما يناقض هذا (2) فهم يقولون بأن الله في كل مكان، وإنه مع ذلك مستو على عرشه وإنه يرى بالأبصار بلا كيف، وإنه موجود الذات بكل مكان، وأنه ليس بجسم ولا محدود ولا يجوز عليه الحلول ولا المماسة، ويزعمون أنه يجيء يوم القيامة كما قال تعالى س وجاء ربك ش (3) ، وقولهم هذا يشبه قول بعض مثبتة الجسم الذين يقولون إنه لا نهاية له (4) . والفرق بين هذا القول وقول الجهمية: بأن الله في كل مكان هو أن هؤلاء يثبتون العلو ونوعا من الحلول، أما الجهمية فلا يثبتون العلو على مقصود هؤلاء من الاستواء على العرش والمباينة. ويزعم أصحاب هذا القول أنهم بقولهم هذا قد اتبعوا النصوص كلها سواء كانت نصوص علو أو معية أو قرب. الرد عليهم: إنهم بقولهم هذا جمعوا بين كلام أهل السنة وكلام الجهمية، ولذلك كان قولهم ظاهر الخطأ وغاية في التناقض. أما بيان خطئه فهو يكمن في أن كل من قال بأن الله بذاته في كل مكان فهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الامة وأئمتها مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده، ولصريح المعقول وللأدلة الكثيرة، فالقرآن الكريم مملوء بالآيات التي تنص على علو الله بذاته فوق خلقه واستوائه على عرشه وبينونته من خلقه، كما أن السنة قد تحدثت عن هذا المعنى في كثير من الأحاديث، كقصة المعراج وصعود الملائكة ونزولها من عند الله وعروج الروح إليه واستوائه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا، فكل هذه الأدلة تبين بطلان هذا القول ومخالفته.   (1) أبو الحكم، عبد السلام بن عبد الرحمن بن محمد اللخمي الإشبيلي، متصوف، توفي سنة (536هـ) بمراكش. انظر ترجمته في لسان الميزان (4/13-14) ، فوات الوفيات (1/569) ، الاعلام (4/129) . (2) مجموع الفتاوى (2/299) . (3) الفجر 22 (4) نقض تأسيس الجهمية (2/6) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وأما استدلال هؤلاء بنصوص المعية والقرب، فقد بينا خطأ هذا الاستدلال وبطلانه عند الرد على مذهب حلولية الجهمية، وقد بينا أنه ليس للمخالفين أي متمسك في جعلها لمعية الذات أو قرب الذات. أما بيان تناقض هذا القول: فهو واضح من أقوالهم، فإنهم يجمعون بين أقوال متناقضة، فتارة يقولون إنه بذاته فوق العرش، وتارة يقولون إنه فوق العرش ونصيب العرش فيه كنصيب قلب العارف -كما يذكر ذلك أبو طالب المكي وغيره-، ومعلوم أن قلب العارف نصيبه منه المعرفة والإيمان وما يتبع ذلك، فإن قالوا: إن العرش كذلك فقد نقضوا قولهم بأنه بنفسه فوق العرش. وإن قالوا بحلول ذاته في قلوب العارفين، كان ذلك قولا بالحلول الخاص، وهذا ما وقع فيه طائفة من الصوفية ومنهم صاحب منازل السائرين (1) . (( (( (( الخاتمة: بعد هذا العرض للآثار الواردة في صفة المعية ولبعض المسائل المتعلقة بها أعرض أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث فأقول: أولاً: اتضح جلياً من خلال استقراء النصوص أن المعية تنقسم إلى قسمين هما: 1- المعية العامة: والمراد بها معية العلم والاطلاع، وسميت عامة لأنها تعم الخلق جميعاً مؤمنهم وكافرهم، وبرهم وفاجرهم. 2- المعية الخاصة: والمراد بها معية النصرة والتأييد وسميت خاصة لأنها خاصة بأهل الإيمان. ثانياً: تبين للقاريء الكريم إجماع السلف على تفسير آيات المعية العامة بأن المراد بها أن الله مع جميع الخلق بعلمه فهو مطلع على خلقه شهيد عليهم وعالم بهم، وقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع علماء السلف على تفسيرهم لآيات المعية العامة بذلك كما تقدم ذكره في المطلب الثاني.   (1) مجموع الفتاوى (5/122-131) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ثالثاً: بإجماع السلف على تفسير المعية العامة بمعية العلم، لايبقى حجة لمدع بوجود تعارض بين آيات المعية وآيات العلو، وقد خصصت مطلباً أوردت فيه عدداً من النقول عن العلماء جاء فيها الجمع بين إثبات العلو وإثبات المعية موافقة لما نصت عليه إحدى آيات المعية، وهي الآية الرابعة من سورة الحديد. رابعاً: إن القول بمعية الذات لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولم يقل به أحد من السلف، وأول من عرف عنه القول بذلك هم الجهمية والمعتزلة، وعنهم أخذ المتأخرون من الأشاعرة هذا القول، ومن أراد أن يعرف مصداق هذا فعليه بمطالعة كتاب الرد على بشر المريسي للدارمي المتوفى سنة ثمانين ومأتين، الذي ذكر هذا القول عن بشر وشيوخه، حيث قال: ((وزعمت أنت والمضلون من زعمائك أنه في كل مكان ... )) انظر الرد على بشر المريسي ضمن عقائد السلف ص (454) وقد كان ذلك قبل أن تظهر الأشعرية والماتريدية. خامساً: إن ماينادي به متأخرو الأشاعرة من القول بأن الله في كل مكان واحتجاجهم على ذلك بآيات المعية، يناقض ما كان عليه أوائل الأشاعرة، والذين تقدم ذكر بعض أقوالهم وإقرارهم بعلو الله وتفسيرهم لنصوص المعية بما عليه قول أهل السنة، وردهم لزعم من قال بأن الله في كل مكان (1) . سادساً: إن استدلال هؤلاء المعطلة بنصوص المعية على زعمهم الباطل، لا يتفق مع أصلهم الذي أصلوه في هذا الباب وهو عدم احتجاجهم بنصوص القرآن والسنة، واعتمادهم على عقولهم، وصنيعهم هنا يصدق عليه قول شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: ((وكثير ممن يكون قد وضع دينه برأيه وذوقه يحتج من القرآن بما يتأوله على غير تأويله، ويجعل ذلك حجة لاعمدة، وعمدته في الباطن على رأيه كالجهمية والمعتزلة في الصفات والأفعال..)) النبوات ص [129]   (1) كأمثال أبي الحسن الأشعري وعلي بن مهدي الطبري والباقلاني والبيهقي وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وفي الختام فهذا جهدي أقدمه لإخواني القراء، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمني وأستغفر الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الهوامش والتعليقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الأحاديث والآثار الواردة في التسليم في الصلاة د. محمد عبد الله ولد كريم الأستاذ المساعد بقسم الكتاب والسنة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى ملخص البحث تهدف الدراسة إلى إبراز موضوع مُهِمٍّ، من مواضيع الأحكام؛ يهمُّ كلَّ مسلم، كَثُر فيه الخلاف نتيجة لتعارض الأحاديث، وهو موضوع الأحاديث والآثار الواردة في التسليم في الصلاة . وقد أحببتُ الإسهام فيه، فتتبعت أطرافه ودرسته دراسة نقدية حديثية شملت عددا من الأحاديث والآثار بلغت سبعةً وأربعين حديثا وأثرا مصنفة على ثلاثة فصول، تليها الخاتمة وفيها أهم النتائج، كما ذيَّلْتُ الخاتمة بذكر المصادر التي رجعت إليها لتوثيق البحث. وأرجو أن أكون أسهمت من خلال هذا العمل في خدمة السنة المطهرة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. • • • المقدمة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أرسله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102] . {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء: 1] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب: 70 - 71] . أما بعد: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فإن السنة النبوية كانت ولا تزال محل اهتمام العلماء وطلبة العلم، ولا غرو في ذلك فهي صادرة عن الرسول الأمين الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ومصدر ثانٍ لتشريع الأحكام بعد كتاب الله عزوجل، وهي التي تبين مجمله وتخصص عامه وتقيد مطلقه. وقد برز هذا الاهتمام في حرص المسلمين عامة وعلمائهم خاصة على حفظها في الصدور وكتابتها في السطور وتلقيها خلفا عن سلف بالنقل الأمين والرواية الموثوقة والسند المتصل الذي هو من خصائص الأمة المحمدية، وذلك لتمييز الصحيح من الضعيف والثابت من الموضوع خوفا من الوقوع في الكذب المقرون بالوعيد وتثبتا من نسبة قول أو فعل أو إقرار على أمر إلى رسول الله ش. ونظرا لما تقدم، فإني أحاول هنا أن أتشبه بذلك السلف تشبه المقل بالمكثرين الأثرياء، والضعيف بالأقوياء، وذلك بالبحث في موضوع من مواضيع السنة المطهرة وهو "الأحاديث والآثار الواردة في التسليم في الصلاة "دراسة حديثية نقدية. وتشتمل خطة البحث على مقدمة تحوي مبحثين وثلاثة فصول وخاتمة وفيها خلاصة البحث ونتائجه. المبحث الأول: سبب اختيار الموضوع يرجع سبب اختياري لهذا الموضوع لعدة أسباب، أهمها: أن هذا الموضوع لم أجد مَن بَحَثَهُ وخصه بالكتابة فيه على أهميته، وهو من المسائل التي تعارضت فيها الأحاديث وحصل فيها الخلاف، وقد حاولت بحث كل الأحاديث التي استدل بها كل فريق، وأُبَيِّن الراجح منها، بناء على قواعد الجرح والتعديل، والهدف من ذلك هو الوصول إلى الحق إن شاء الله. المبحث الثاني: بيان منهجي في البحث أسوق الحديث أوالأحاديث الواردة في كل فصل، وأتتبع جميع الطرق، وأذكر درجة كل طريق بمفرده، فإذا كان الحديث مخرَّجا في جامع الترمذي مثلا أتكلم على رجاله وأبين درجته من خلال الإسناد، وهكذا إلى آخر البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 أما طريقي في الكلام على الرواة فإنه إذا كان الراوي ثقة غير متكلم فيه أو فيه كلام مرجوح فأكتفي فيه بما ذكر الحافظ في التقريب، وأحيل على أماكن ترجمته من كتب الرجال تسهيلا لمن أراد الوقوف على حاله. وإذا كان مختلفا فيه فإني أذكر غالب أقوال النقاد حوله، وإذا تكرر لا أترجم له إلا مرة واحدة ولا أترجم للصحابة المشهورين. ثم بعد ذلك أخرِّج الحديث من الكتب التي أخرجته، وأذكر درجة الإسناد على ضوء القواعد الحديثية من الصحة أو الحسن أو الضعف، وفي الغالب أستند في الحكم على أقوال الأئمة السابقين، وإذا لم أجد لهم حكما في الموضوع نظرت في دراسات المعاصرين وأَسْتَأْنِسُ بها في الحكم، وإذا لم أجد ما يستأنس به نظرت في الإسناد واجتهدت، وقلت: الحديث من خلال الإسناد صحيح أوحسن أو ضعيف، وأرجو أن أكون وفقت في ذلك الاجتهاد. الفصل الأول أفردته للأحاديث الواردة في التسليمة الواحدة وصدَّرتُه بحديث عائشة؛ لأنه يعتبر أهم حديث في الباب، ثم أَتْبَعْتُ الأحاديث بالآثار الواردة في الباب. وقد بينت في هذا الفصل أن التسليمة الواحدة أحاديثها ضعيفة وقليلة، ولكن وردت آثار عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا يسلمون تسليمة واحدة، وقد ذكرت ما توصلت إليه في ذلك مستضيئا بما ترجح لي من أقوال أهل العلم، ثم رقمت الأحاديث والآثار ترقيما تسلسليا. أحاديث التسليمة الواحدة 1- حديث عائشة أخرجه الترمذي فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري (1) حدثنا عمرو بن أبي سلمة أبو حفص التنيسي (2)   (1) محمد بن يحيى النيسابوري هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري، ثقة حافظ جليل، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئة على الصحيح، وله ثمانون سنة. التقريب: 512وانظر التهذيب: 9/ 511، وتهذيب الكمال: 26/617. (2) عمرو بن أبي سلمة التنيسي بمثناة ونون ثقيلة بعدها تحتانية ثم مهملة أبو حفص الدمشقي مولى بني هاشم، صدوق له أوهام، من كبار العاشرة، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين. التقريب: 422. وقال في التهذيب: ضعفه ابن معين وقال: أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به، وذكره ابن حبان في الثقات وضعفه الساجي وقال: أحمد روى عن زهير أحاديث بواطل كأنه سمعها من صدقة بن عبد الله فغلط فقَلَبَها عن زهير. وساق الساجي منها حديثه عن زهير عن هشام عن أبيه عن عائشة كان رسول الله ش يسلم تسليمة. التهذيب: 8/ 83 وتهذيب الكمال: 22/ 51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 عن زهير بن محمد (1)   (1) زهير بن محمد التميمي أبو المنذر الخراساني، سكن الشام ثم الحجاز، رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها. قال البخاري عن أحمد: كأن زهيرا الذي يروي عنه الشاميون آخر. وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه. من السابعة، مات سنة اثنتين وستين ومئة. التقريب: 217. أقول: اختلفت أقوال النقاد في هذا الرجل فقد قال فيه أحمد في رواية حنبل: ثقة.وفي رواية المروذي: ليس به بأس. وفي رواية الجوزجاني: مستقيم الحديث. وفي رواية الميموني: مقارب الحديث. وقال البخاري عن أحمد: كأن الذي روى عنه أهل الشام زهيرٌ آخر. فقلب اسمه. وقال الأثرم: سمعت أباعبد الله، وذكر رواية الشاميين عن زهير بن محمد قال: يروون عنه أحاديث مناكير. ثم قال لي: ترى هذا زهير بن محمد الذي يروي عنه أصحابنا. ثم قال: أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة صحاح. وأما أحاديث أبي حفص ذاك التنيسي عنه فتلك بواطيل موضوعة أو نحو هذا فأما بواطيل فقد قاله أما ابن معين فمرة وثقه ومرة ضعفه وقال العجلي: جائز الحديث، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وفي حفظه سوء، وكأن حديثه بالشام، أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه، فما حدث من حفظه ففيه أغاليط، وما حدث من كتبه فهو صالح. وقال عثمان بن سعيد الدارمي: وصالح بن محمد البغدادي ثقة صدوق، زاد عثمان: وله أغاليط كثيرة. وقال البخاري: ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح. وأما النسائي فمرة ضعفه ومرة قال: ليس بالقوي ومرة أخرى قال: ليس به بأس. وعند عمرو بن أبي سلمة مناكير. وقال يعقوب بن شيبة: صدوق صالح الحديث. وقال ابن عدي: ولعل أهل الشام أخطأوا عليه فإنه إن حدث عنه أهل العراق فروايتهم عنه شبه مستقيمة وأرجو أنه لا بأس به. تهذيب الكمال: 9/ 414. وقال الذهبي: 1/ 327: ثقة يغرب ويأتي بمناكير ونقل في الميزان: 2/ الترجمة 2918 عن ابن عبد البر تضعيفه فقال: زهير بن محمد ضعيف عند الجميع. فقال: قلت: كلا، بل خرّج له البخاري ومسلم. قلت: وهذا مصير منه إلى توثيقه.ولكن الذي يترجح من أقوال النقاد أن رواية أهل الشام عنه ضعيفة، وعلى الأخص رواية عمرو بن أبي سلمة عنه. وأن رواية أهل العراق عنه مستقيمة، وانظر: تهذيب التهذيب: 3/ 348. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 عن هشام بن عروة (1) عن أبيه (2)   (1) هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، ثقة فقيه ربما دلس من الخامسة، مات سنة خمس أو ست وأربعين ومئة، وله سبع وثمانون سنة. التقريب: 573. وانظر التهذيب: 11/ 48 -51. وتهذيبب الكمال: 3/ 232 (2) عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي أبو عبد الله المدني ثقة فقيه مشهور من الثالثة مات سنة أربع وتسعين على الصحيح، ومولده في أوائل خلافة عثمان. التقريب: 389. وانظر: التهذيب: 7/ 180 - 185 وتهذيب الكمال: 20/ 11.وطبقات ابن سعد: 5/ 178 - 182. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 عن عائشة: " أن رسول الله ش كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن شيئا" (1)   (1) والحديث أخرجه الترمذي في جامعه: 2/ 90 بالسند السابق وقال: وحديث عائشة لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. قال محمد بن إسماعيل: زهير بن محمد أهل الشام يروون عنه مناكير ورواية أهل العراق عنه أشبه وأصح. قال محمد: وقال أحمد بن حنبل: كأن زهير بن محمد الذي كان وقع عندهم ليس هو هذا الذي يروى عنه بالعراق، كأنه رجل آخر قلبوا اسمه. قال أبو عيسى: وقد قال به بعض أهل العلم في التسليم في الصلاة. وأصح الروايات عن النبي ش تسليمتين وعليه أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ش والتابعين ومن بعدهم. ورأى قوم من أصحاب النبي ش وغيرهم تسليمة واحدة في المكتوبة. قال الشافعي: إن شاء سلم تسليمة واحدة وإن شاء سلم تسليمتين. ورواه الحاكم في المستدرك: 1/ 230 من طريق أحمد بن عيسى التنيسي ثنا عمرو بن أبي سلمة ثنا زهير بن محمد المكي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي ش كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن قليلا شيئا ". وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 254 عن الحاكم من طريق أحمد بن عيسى التنيسي ثنا عمرو بن أبي سلمة ثنا زهير بن محمد المكي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي ش قال: .... ثم قال: تفرد به زهير بن محمد. تنبيهان: 1- قول الترمذي: (أصح الروايات .... تسليمتين) علق عليه الشيخ أحمد شاكر: كذا في م - وله وجه من العربية يتأول. وفي باقي الأصول تسليمتان. 2- أحمد بن عيسى التنيسي الذي يروي عن عمرو بن أبي سلمة قال فيه ابن حبان: يروي عن المجاهيل الأشياء المناكير وعن المشاهير الأشياء المقلوبة لا يجوز عندي الاحتجاج بما انفرد به من الأخبار. المجروحين: 1/ 146. وقال فيه ابن طاهر: كذاب يضع الحديث. وقال ابن عدي: له مناكير. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. الميزان: 1/ 126. ورواه من وجه آخر: ليس بمرفوع فقال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 ورواه وهيب (1) بن خالد عن عبيد الله (2) بن عمر عن القاسم (3) عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تسلم تسليمة واحدة. قد اتفق الشيخان على الاحتجاج بعمرو بن أبي سلمة وزهير بن محمد. وساقه البيهقي من طريق آخر عن عائشة موقوفا فقال: أخبرنا   (1) وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة ثبت لكنه تغير قليلا بآخرة، من السابعة، مات سنة خمس وستين (ومئة) وقيل بعدها. التقريب: 586 والتهذيب: 11/ 169. وتهذيب الكمال: 11/ 164 وطبقات ابن سعد: 7/ 287. (2) عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أبو عثمان ثقة ثبت قدمه أحمد ابن صالح على: مالك في نافع، وقدمه ابن معين في: القاسم عن عائشة على الزهري عن عروة، عنها. من الخامسة، مات سنة بضع وأربعين ومئة. التقريب: 373. والتهذيب: 7/ 38. (3) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، ثقة أحد الفقهاء بالمدينة قال أيوب: ما رأيت أفضل منه من كبار الثالثة، مات سنة ست ومئة على الصحيح. التقريب: 451. والتهذيب: 8/ 333. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 أبو عبد الله الحافظ (يعني الحاكم) وساق بسنده إلى عبد الوهاب بن عبد المجيد (1) ثنا عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تسلم في الصلاة تسليمةواحدة قبل وجهها. السلام عليكم " (2) . ورواه الدارقطني بسنده إلى محمد بن مسلم بن وارة (3) عن عمرو بن أبي سلمة عن زهير ابن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (4) . ورواه ابن ماجه في سننه فقال:   (1) عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي أبو محمد البصري: ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين. من الثامنة. مات سنة أربع وتسعين ومئة عن نحو ثمانين سنة. التقريب: 368 والتهذيب 6/ 449. وتهذيب الكمال: 18/503. (2) هذا الأثر رواه البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 255. وقد حكم عليه بالوقف كما هي الحال في سابقه. قال أبو عبد الله: تابعه " يعني عبد الوهاب بن عبد المجيد" وهيب ويحيى بن سعيد عن عبيد الله عن القاسم. وقال الدرواردي عن عبد الله عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه.قال الشيخ: والعدد أولى بالحفظ من الواحد. والحديث إسناده صحيح مع الوقف. (3) محمد بن مسلم بن عثمان بن عبد الله الرازي المعروف بابن وارة بفتح الراء المخففة، ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات سنة سبعين ومئتين. وقيل: قبلها. التقريب: 507. والتهذيب: 9/ 451. وتهذيب الكمال: 26/ 444. (4) هذه الرواية رواها الدارقطني في سننه: 1/ 357. وهي ضعيفة من أجل زهير بن محمد والراوي عنه عمرو بن أبي سلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 حدثنا هشام (1) بن عمار ثنا عبد الملك (2) بن محمد الصنعاني ثنا زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (أن رسول الله ش كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه) (3) . ورواه ابن حبان في صحيحه فقال: أخبرنا الحسن بن سفيان (4) قال: حدثنا ابن أبي السري (5) .   (1) هشام بن عمار بن نصير - بنون مصغر- السلمي الدمشقي الخطيب، صدوق مقرئ. كبر فصار يتلقن فحديثه القديم أصح. من كبار العاشرة. مات سنة خمس وأربعين ومئتين على الصحيح. وله اثنتان وتسعون سنة. التقريب: 573. والتهذيب: 11/ 51 - 54. وتهذيب الكمال: 30 / 242. (2) عبد الملك بن محمد الحميري البرسمي بفتح الموحدة والمهملة بينهما راء ساكنة، من أهل صنعاء دمشق. لين الحديث. من التاسعة. التقريب: 365. وقال الذهبي: ليس بحجة.الكاشف: 2/ الترجمة 3523. وقال ابن حبان: كان ممن يجيب في كل ما يسأل حتى تفرد عن الثقات بالموضوعات لا يجوز الاحتجاج بروايته. المجروحين: 2/ 136 (3) رواه ابن ماجه في سننه: 1/ 297. وهو حديث ضعيف. (4) الحسن بن سفيان الشيباني النسوي. قال الذهبي عنه: هو الحافظ الكبير صاحب المسند تفقه على أبي ثور وكان يفتى بمذهبه. وسمع من أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والكبار، وكان ثقة حجة واسع الرحلة. قال الحاكم: كان محدث خراسان في عصره مقدما في التثبت والكثرة والفهم والأدب والفقه. توفي في رمضان سنة ثلاث وثلاثمائة ومئة. العبر: 1/ 445 وتذكرة الحفاظ: 703. (5) محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي مولاهم العسقلاني المعروف بابن أبي السري. صدوق عارف له أوهام كثيرة من العاشرة. مات سنة ثمان وثلاثين ومئتين. التقريب: 504. والتهذيب: 9/424. وتهذيب الكمال: 26/355. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي ش (كان يسلم تسليمة واحدة عن يمينه يميل بها وجهه إلى القبلة) (1) . ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار فقال: حدثنا ابن أبي داود (2) وأحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي (3) ، قالا: ثنا عمرو بن أبي سلمة قال: ثنا زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ش (كان يسلم تسليمة واحدة) (4) .   (1) الحديث رواه ابن حبان في صحيحه: 3/ 224. وهذه الرواية ضعيفة من أجل زهير بن محمد والراوي عنه عمرو ابن أبي سلمة. (2) ابن أبي داود: هو أحمد بن داود بن موسى السدوسي،يكنى أباعبد الله أحد مشائخ أبي جعفر الطحاوي الذين روى عنهم وكتب وحدَّث. وذكره ابن يونس في الغرباء وقال: بصري قدم إلى مصر وأقام بها. توفي بمصر ليلة الجمعة لثمان عشرة خلت من صفر سنة اثنتين وثمانين ومئتين. وكان ثقة. قلت: كان يعرف بالمكي.وكثيرا ما يقول أبو جعفر في روايته: حدثنا أحمد بن داود المكي. وروى عنه الطبراني أيضا. مغاني الأخيار: 1/ 26. (3) أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيد بن أبي زرعة البرقي. مولى بني زهرة. يكنى أبابكر. أحد مشائخ أبي جعفر الطحاوي الذين روى عنهم وكتب وحدَّث. قال ابن يونس: حدث بالمغازي عن عبد الملك بن هشام وحدث عن عمرو بن أبي سلمة وسعيد بن أبي مريم وأسد بن موسى وأبي صالح كاتب الليث وغيرهم. وكان ثقة ثبتا. توفي في يوم الاثنين لليلتين بقيتا من رمضان سنة سبعين ومئتين. ضربته دابة في سوق الدواب فمات من يومه. مغاني الأخيار: 1/ 28. (4) والحديث أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 270. رواية ضعيفة من أجل زهير بن محمد وعنه عمرو ابن أبي سلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 قلت: هذا الحديث صححه الحاكم كما سبق. ويفهم من كلام الشوكاني عدم تضعيفه، فقد قال بعد نقل أقوال من ضعَّفه: وزهير لا ينتهي إلى هذه الدرجة في الضعف فقد قال أحمد: إنه مستقيم الحديث. وقال صالح بن محمد: إنه ثقة صدوق. وقال موسى ابن هارون: أرجو أنه صدوق. وقال الدارمي: ثقة له أغاليط كثيرة. ووثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وفي حفظه سوء. وقد أخرج له الشيخان، ولكنه روى الترمذي عن البخاري عن أحمد بن حنبل أنه قال: كأن زهير بن محمد هذا ليس هو الذي يروى عنه بالعراق وكأنه رجل آخر قلبوا اسمه. وقال الحاكم: رواه وهيب عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة موقوفا (1) ، وهذا إسناد صحيح. ورواه بقي بن مخلد في مسنده من رواية عاصم عن هشام بن عروة مرفوعا. وهاتان الطريقان فيهما متابعة لزهير فيقوى حديثه. قال الحافظ ابن حجر: وعاصم عندي هو ابن عمر، وهو ضعيف، ووهم من زعم أنه ابن سليمان الأحول (2) .   (1) في النيل: 2/ 337 مرفوعا. وفي التلخيص: 1/ 270 موقوفا. وهي الصواب. والحاكم في المستدرك:1/231 (2) التلخيص: 1/ 270. ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وروى ابن حبان في صحيحه عن عائشة من وجه آخر شيئاً من هذا أخرجه من طريق قتادة (1) عن زرارة (2) بن أوفى عن سعد (3) بن هشام عن عائشة قالت: كان رسول الله ش إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة فيحمد الله ويذكره ويدعو ثم ينهض ولايسلم ثم يصلي التاسعة ويذكر الله ويدعو ثم يسلم تسليمة يسمعناه) (4) . ورواه أحمد في المسند من طريق بهز (5) بن حكيم وقال مرة: أنا قال: سمعت زرارة ابن أوفى يقول سألت عائشة عن صلاة رسول الله ش بالليل فقالت: كان يصلي العشاء ثم يصلي بعدها ركعتين ثم ينام فإذا استيقظ وعنده وضوءه مغطى وسواكه، استاك ثم توضأ فقام فصلى ثماني ركعات يقرأ فيهن بفاتحة الكتاب وماشاء من القرآن. وقال مرة: ماشاء الله من القرآن فلا يقعد في شيء منهن إلا في الثامنة فإنه يقعد فيها فيتشهد ثم يقوم ولايسلم فيصلي ركعة واحدة ثم يجلس فيتشهد ويدعو ثم يسلم تسليمة واحدة السلام عليكم يرفع بها صوته حتى يوقظنا ... ) (6) .   (1) قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري، ثقة ثبت يقال: ولد أكمه، وهو رأس الطبقة الرابعة، مات سنة بضع عشرة و (مئة) . التقريب: 453 وتهذيب الكمال: 23/498. (2) زرارة بن أوفى العامري الحرشي بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة أبو حاجب البصري قاضيها، ثقة عابد من الثالثة مات فجأة في الصلاة سنة ثلاث وتسعين. التقريب: 215 وتهذيب الكمال: 9/ 939. (3) سعد بن هشام بن عامر الأنصاري المدني ثقة من الثالثة استشهد بأرض الهند. التقريب: 232 والتهذيب: 3/483 وتهذيب الكمال: 10/307. (4) ابن حبان: 4/ 72. ... (5) بهز بن حكيم بن معاوية القشيري أبو عبد الملك، صدوق، من السادسة، مات قبل المئتين. التقريب: 128 والتهذيب: 1/ 498 وتهذيب الكمال: 4/ 259. (6) المسند لأحمد: 6/236. ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أقول: الحديث الأول عزاه الحافظ لابن حبان ولأبي العباس السراج في مسنده وساق متنه وقال: إسناده على شرط مسلم ولم يستدركه الحاكم مع أنه أخرج حديث زهير بن محمد عن هشام (1) ، وهاتان الروايتان الأولى منهما في سندها سعد بن هشام بين زرارة وعائشة أم المؤمنين والرواية بهذه الزيادة هي الأصح كما قال الدارقطني في العلل (2) . بل قال المزي في تهذيب الكمال: إنها المحفوظة (3) . وبناءً عليه فالرواية التي لم يرد في سندها سعد بن هشام مرجوحة بل شاذة والله أعلم. والحديث صححه الشيخ ناصر (4) . وقال الشوكاني -معقبا علىكلام الحافظ ابن حجر السابق-: وقد قدمنا أنه أخرج له البخاري أيضا فهو على شرطهما لا على شرط مسلم فقط. ثم قال: وبما ذكرنا تعرف عدم صحة قول العقيلي: ولا يصح في تسليمة واحدة شيء. وكذا قول ابن القيم: إنه لم يثبت عنه ذلك من وجه صحيح (5) . كما صحَّحه الشيخ أحمد شاكر مع محاولة الجمع بينه وبين بقية الأحاديث فقد قال: والذي أراه أن حديث عائشة حديث صحيح، وأن التسليمة الواحدة كانت منه ش في بعض الأحيان في صلاة الليل، وأن الذين رووا عنه التسليمتين إنما يحكون التسليم الذي رأوه في صلاة المسجد وفي الجماعة، وبهذا نجمع بين الروايتين (6) .   (1) التلخيص: 1/ 270. (2) العلل للدارقطني، مخطوطة الحرم: 5/ 263. ... (3) تهذيب الكمال: 9/ 340. ... (4) إرواء الغليل: 2/ 32. ... (5) نيل الأوطار: 2/ 338. (6) تعليق أحمد شاكر على سنن الترمذي: 2/ 92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وأما الذين ضعَّفوه فهم كُثُرٌ. قال الدارقطني في العلل: رفعه زهير بن محمد عن هشام عن أبيه عنها: " أي عائشة " عمرو بن أبي سلمة وعبد الملك الصنعاني وخالفهما الوليد فوقفه عليه (1) . وقال عقبه: قال الوليد: فقلت لزهير: أبلغك عن النبي ش قال: نعم أخبرني يحيى ابن سعيد الأنصاري أن رسول الله ش. فتبين أن الرواية المرفوعة وهم. وكذا رجح رواية الوقف الترمذي والبزار وأبو حاتم. وقال في المرفوع: إنه منكر. وقال ابن عبد البر: لا يصح مرفوعا (2) . وقال الطحاوي (3) : هذا حديث أصله موقوف على عائشة رضي الله عنها. هكذا رواه الحفاظ. وزهير بن محمد وإن كان رجلا ثقة فإن رواية عمرو بن أبي سلمة عنه تضعف جدا. وقال ابن عبد البر (4) : روي عن النبي ش أنه كان يسلم من الصلاة تسليمة واحدة من حديث سعد بن أبي وقاص وعائشة وأنس بن مالك وكلها معلولة الأسانيد لا يثبتها أهل العلم بالحديث ... إلى أن قال: وأما حديث عائشة فانفرد به زهير بن محمد لم يروه مرفوعا غيره. وهو ضعيف لا يحتج بما انفرد به. وزاد في الاستذكار: وذكر يحيى بن معين هذا الحديث فقال: عمرو بن أبي سلمة وزهير بن محمد ضعيفان لا حجة فيهما (5) . وقال البغوي: عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أنه يُسلم تسليمتين إحداهما عن يمينه والأخرى عن شماله. وذهب قوم إلى أنه يسلم تسليمة واحدة. روي ذلك عن سعيد بن جبير. كما روي عن عائشة أن رسول الله ش كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن شيئا. وفي إسناده مقال. وأصح الروايات تسليمتين (6)   (1) انظر: العلل للدارقطني: 5/ 133 مخطوطة الحرم قال الدارقطني: ومن رفعه فقد وهم. ... (2) التلخيص: 1/ 270. (3) شرح معاني الآثار: 1/ 270. (4) التمهيد لابن عبد البر: 16/188. (5) الاستذكار: 4/ 295. (6) شرح السنة للبغوي: 3/ 207. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وقال النووي: هو حديث ضعيف، ضعفه الجمهور، ولا يقبل تصحيح الحاكم له (1) . وقال في المجموع: اتفق أصحابنا في كتب المذهب على تضعيفه (2) . ونقل عنه الزيلعي (3) : وليس في الاقتصار على تسليمة واحدة شيء ثابت. وقال العقيلي: ولا يصح في تسليمة واحدة شيء (4) . كما نقل الشوكاني (5) عن ابن القيم قوله: إنه لم يثبت عنه " ش" ذلك من وجه صحيح. وقال: والحق ما ذهب إليه الأولون؛ لكثرة الأحاديث الواردة بالتسليمتين وصحة بعضها وحسن بعضها واشتمالها على الزيادة، وكونها مثبتة، بخلاف الأحاديث الواردة بالتسليمة الواحدة فإنها مع قلتها ضعيفة لا تنهض للاحتجاج، ولو سلم انتهاضها لم تصلح لمعارضة أحاديث التسليمتين (6) . 2- وحديث سهل بن سعد الساعدي. أخرجه ابن ماجه في سننه فقال:   (1) خلاصة الأحكام: 1/ 445. (2) المجموع: 3/ 480. (3) نصب الراية: 1/ 433. (4) نقله الحافظ في التلخيص: 1/ 270. (5) نيل الأوطار: 2/ 338. (6) المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 حدثنا أبو مصعب (1) المدني أحمد بن أبي بكر ثنا عبد المهيمن (2) بن عباس (3) بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه (4)   (1) أبو مصعب المدني هو: أحمد بن أبي بكر بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف أبو مصعب الزهري المدني الفقيه، صدوق. عابه أبو خيثمة للفتوى بالرأي، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين (ومئتين) وقد نيف على التسعين. التقريب: 78 والتهذيب: 1/ 20. وقال الذهبي في الميزان: 1/ 84 عنه: هو الفقيه صاحب مالك ثقة حجة، ما أدري ما معنى قول أبي خيثمة لابنه أحمد: لا تكتب عن أبي مصعب، واكتب عمن شئت. قال الحافظ ابن حجر تعليقا على قول الذهبي هذا. ويحتمل أن يكون مراد أبي خيثمة دخوله في القضاء أو إكثاره من الفتوى بالرأي التهذيب: 1/ 20. وتهذيب الكمال: 1/ 278. (2) عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي المدني ضعيف من الثامنة، مات بعد السبعين ومئة. التقريب: 366. وعبد المهيمن هذا قال فيه البخاري: منكر الحديث.وقال النسائي: ليس بثقة.وقال ابن حبان: لما فحش الوهم في روايته بطل الاحتجاج به. وقال ابن الجنيد: ضعيف الحديث. وقال النسائي في موضع آخر: متروك الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال: عنده نسخة عن أبيه عن جده فيها مناكير. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال مرة: ضعيف. وقال أبو نعيم: روى عن آبائه أحاديث منكرة لا شيء. التهذيب: 6/ 432. وتهذيب الكمال: 18 / 440. وطبقات ابن سعد: 5/ 421. والكاشف: 2/ الترجمة 3542. (3) عباس بن سهل بن سعد الساعدي،ثقة، من الرابعة، مات في حدود العشرين (ومئة) . وقيل: قبل ذلك. التقريب: 293 والتهذيب: 5/ 118. (4) سهل بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبو العباس، له ولأبيه صحبة مشهور، مات سنة ثمان وثمانين.وقيل بعدها وقد جاز المائة. التقريب: 257. والتهذيب: 4/ 252 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 عن جده أن رسول الله ش [سلَّمَ تسليمة واحدة تلقاء وجهه] (1) . 3- وحديث سلمة بن الأكوع أخرجه ابن ماجه فقال: حدثنا محمد (2) بن الحارث المصري ثنا يحيى (3) بن راشد عن يزيد (4) مولى سلمة ابن الأكوع عن سلمة قال: رأيت رسول الله ش صلى فسلم مرة واحدة تلقاء وجهه (5) . 4- وحديث أنس أخرجه البيهقي في سننه فقال:   (1) والحديث رواه ابن ماجه في سننه: 1/ 297 بالإسناد المتقدم، وفيه عبد المهيمن قال فيه البخاري: منكر الحديث. والحديث ضعفه النووي في الخلاصة.: 1/ 446. (2) محمد بن الحارث بن راشد بن طارق الأموي المصري المؤذن، صدوق يغرب، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين (ومئتين) . التقريب: 472. والتهذيب: 9/ 104. وتهذيب الكمال: 25/ 28. والثقات لابن حبان: 9/ 86. والخلاصة للخزرجي: 2/ الترجمة 6126. (3) يحيى بن راشد المازني أبو سعيد البصري، البِرَّاء، بموحدة وراء مشددة ومد، ضعيف. من الثامنة. التقريب: 590. قال الدوري عن يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال أبو زرعة: شيخ لين الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، في حديثه إنكار، وأرجو أن لا يكون ممن يكذب. وذكره ابن حبان في الثقات.وقال: يخطئ ويخالف. التهذيب: 11/ 206. وتهذيب الكمال: 31/ 299. وتاريخ الدوري: 2/ 642. وتاريخ البخاري: 8/ الترجمة 2971. (4) يزيد بن أبي عبيد الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع ثقة من الرابعة، مات سنة بضع وأربعين " ومئة ". التقريب: 603.وثقه أبو داود وذكره ابن حبان في الثقات. التهذيب: 11/ 349. (5) رواه ابن ماجه في سننه بالإسناد السابق: 1/ 297، وساقه البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 255 بسنده إلى يعقوب بن سفيان، ثنا محمد بن الحارث القرشي مؤذن مسجد مصر ثنا يحيى بن راشد عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع به، وساقه في معرفة السنن والآثار: 2/ 98. والحديث ضعفه النووي في الخلاصة 1/ 446. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 أخبرناه أبو عبد الله (1) الحافظ ثنا أبو بكر (2) بن إسحاق، أنبأ أبو المثنى (3) ، ثنا عبد الله (4)   (1) أبو عبد الله هو: محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري الحاكم أبو عبد الله الحافظ صاحب التصانيف، إمام، صدوق، لكنه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة، ويكثر من ذلك، فما أدري هل خفيت عليه فما هو ممن يجهل ذلك، وإن علم فهذه خيانة عظيمة، ثم هو شيعي، مشهور بذلك من غير تعرض للشيخين، وقد قال ابن طاهر: سألت أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري عن الحاكم أبي عبد الله فقال: إمام في الحديث رافضي خبيث، قال الذهبي معقبا على هذا الكلام: الله يحب الإنصاف ماالرجل برافضي بل شيعي. أما صدقه في نفسه ومعرفته بهذا الشأن فأمر مجمع عليه. الميزان: 3/ الترجمة 7804. وقال في العبر: 2/ 211: انتهت إليه رئاسة الفن بخراسان لا بل في الدنيا، وكان فيه تشيع وحط من معاوية. وهو ثقة حجة. (2) أبو بكر بن إسحاق هو: أحمد بن إسحاق بن أيوب النيسابوري المعروف بالصبغي " بكسر الصاد المهملة وإسكان الباء الموحدة والغين المعجمة" كان واسع العلم إماما في الفقه والحديث والأصول ذا تصانيف. ولد في رجب سنة ثمان وخمسين ومئتين.وتوفي في شعبان سنة أربعين وثلاثمئة. طبقات الشافعية لابن هداية الله الحسيني: 69. والذهبي في السير 15/ 483. والعبر 2/ 63. والسبكي في الطبقات الكبرى 3/ 9. (3) أبو المثنى هو، معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري أبو المثنى البصري القاضي ثقة متقن من كبار التاسعة، مات سنة ست وتسعين (ومئة) . التقريب: 536 والتهذيب 10/ 194. وتهذيب الكمال: 28 / 132. والسير: 9/ 54. والكاشف: 3/ الترجمة 5602. (4) عبد الله بن عبد الوهاب الحجي بفتح المهملة والجيم ثم موحدة أبو محمد البصري ثقة من العاشرة، مات سنة ثمان وعشرين ومئتين وقيل سنة سبع وعشرين ومئتين. التقريب 312. قال الحسين بن الحسن الرازي عن يحيى بن معين وأبي داود وأبي حاتم: ثقة. التهذيب: 5/ 304 - 305 وتهذيب الكمال: 15/ 246 وطبقات ابن سعد: 7/ 307. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 بن عبد الوهاب الحجي، ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن حميد (1) عن أنس رضي الله عنه أن النبي ش " كان يسلم تسليمة واحدة" (2) 5/ حديث آخر عن أنس رواه ابن أبي شيبة في المصنف.   (1) حميد بن أبي حميد الطويل أبو عبيدة البصري،اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال. ثقة مدلس وعابه زائدة؛ لدخوله في شيء من أمر الأمراء، من الخامسة، مات سنة اثنتين، ويقال: ثلاث وأربعين (ومئة) وهو قائم يصلي، وله خمس وسبعون سنة. التقريب: 181. وحميد وثقه ابن معين والعجلي وأبو حاتم وابن خراش. وقال في موضع آخر: في حديثه عن أنس شيء يقال: إن عامة حديثه عن أنس إنما سمعه من ثابت. وقال حماد بن سلمة: لم يدع حميد لثابت علما إلا وعاه وسمعه منه. وقال شعبة: لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثا والباقي سمعها من ثابت أو ثبته فيها ثابت. وقال أبو أحمد بن عدي: له أحاديث كثيرة مستقيمة فأغنى لكثرة حديثه أن أذكر له شيئا من حديثه، وقد حدث عنه الأئمة. وأما ما ذكر عنه أنه لم يسمع من أنس إلا مقدار ما ذكر، وسمع الباقي من ثابت عنه فإن تلك الأحاديث يميزها من كان يتهمه أنها عن ثابت عنه؛ لأنه قد روى عن أنس، وقد روى عن ثابت عن أنس أحاديث فأكثر ما في بابه أن الذي رواه عن أنس البعض مما دلسه عن أنس، وقد سمعه من ثابت، وقد دلس جماعة من الرواة عن مشائخ قد رأوهم. تهذيب الكمال: 7/ 355. التهذيب: 3/ 38- 40. طبقات ابن سعد: 7/ 252. (2) الحديث أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 255 وفي معرفة السنن والآثار: 3/ 97،وهو حديث قال فيه الحافظ: رجاله ثقات. الدراية: 1/159. وقال فيه الشيخ ناصر: صحيح الإسناد. إرواء الغليل: 2/ 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 فقال: حدثنا يونس (1) بن محمد قال: حدثنا جرير (2) بن حازم عن أيوب (3) عن أنس أن النبي ش " سلم تسليمة " (4) .   (1) يونس بن محمد بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب، ثقة ثبت من صغار التاسعة مات سنة سبع ومئتين. التقريب: 614 والتهذيب: 11/ 447. وتهذيب الكمال: 32/ 540. وطبقات ابن سعد: 7/ 337. (2) جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي، أبو النضر البصري، والد وهب، ثقة، لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، وهو من السادسة، مات سنة سبعبن (ومئة) بعدما اختلط، لكن لم يحدث في حال اختلاطه. التقريب: 138 والتهذيب: 2/ 69- 72. ومقدمة الفتح: 394 - 395. وطبقات ابن سعد: 7/ 258. (3) أيوب بن أبي تميمة: الكيساني السختياني، بفتح المهملة ثم بعدها معجمة ثم مثناة ثم تحتانية وبعد الألف نون، أبو بكر البصري، ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة، وله خمس وستون سنة. التقريب: 117. له ترجمة في التهذيب 1/ 397 وتهذيب الكمال: 3/ 457. (4) الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301. وقد قال عنه ابن عبد البر: لم يسمع أيوب من أنس ولا رآه. قال أبو بكر البزار وغيره: لا يصح عن النبي ش في التسليمة الواحدة شيء. يعني من جهة الإسناد. التمهيد: 16/ 189. وكذا قال في الاستذكار: 4/ 296. وقال الشيخ ناصر: رجاله ثقات كلهم إلا أنه منقطع فإن أيوب لم يسمع من أنس شيئا. الإرواء: 2/ 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 6/ وحديث سمرة بن جندب رواه ابن عدي في الكامل فقال: حدثني الساجي (1) ثنا أبو كامل (2) الجحدري ثنا روح (3) بن عطاء بن أبي ميمونة قال: حدثني أبي (4) وحفص (5)   (1) زكريا بن يحيى الساجي البصري، ثقة فقيه، من الثانية عشرة، مات سنة بضع وثلاثمائة. التقريب: 216. وقال الذهبي: الإمام الحافظ محدث البصرة. جمع وصنف، روى عنه أبو أحمد بن عدي والإسماعيلي، مات سنة سبع وثلاثمئة، وقد قارب التسعين. تذكرة الحفاظ: 109. العبر: 1/ 452. (2) أبو كامل الجحدري هو: فضيل بن حسين بن طلحة أبو كامل ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة سبع وثلاثين ومئتين، وله أكثر من ثمانين سنة، وهو أوثق من عمه كامل بن طلحة. التقريب: 447. وانظر التهذيب: 8/ 290. (3) روح بن عطاء بن أبي ميمونة من أهل البصرة، يروي عن شعبة، روى عنه أهل البصرة، كان يخطئ ويهم كثيرا حتى ظهر في حديثه المقلوبات من حديث الثقات، لا يعجبني الاحتجَاج بخبره إذا انفرد، تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. المجروحين: 1/ 300. وقال الذهبي: روى عن أبيه والحسن. ضعفه ابن معين وقال أحمد: منكر الحديث. روى عن الحسن عن سمرة (كان رسول الله صلىالله عليه وسلم يسلم في الصلاة تسليمة قبالة وجهه) الميزان: 2/ 60. (4) عطاء بن أبي ميمونة البصري أبو معاذ، واسم أبي ميمونة منيع، ثقة، رمي بالقدر، من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة. التقريب: 392. وقال الذهبي: روى عن عمران بن حصين ولم يدركه وروى عن جابر بن سمرة وأنس وعنه شعبة وحماد بن سلمة، وثقه ابن معين وقال: هو وابنه قدريان. وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال الجوزقاني: كان رأسا في القدر. قال الذهبي: قلت: بل قدري صغير،وحديثه في الصحيحين. الميزان: 3/ 76. والكاشف: 2/ 24 وتهذيب التهذيب: 7/ 215. (5) حفص بن سليمان المنقري التميمي البصري، ثقة، من السابعة، مات سنة ثلاثين ومئة. التقريب: 172. وانظر التهذيب: 2/ 402. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 المنقري عن الحسن (1) عن سمرة أن رسول الله ش " كان يسلم تسليمة تلقاء وجهه" (2) . وقد رويت عن الصحابة في هذا الباب آثار منها:   (1) الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه يسار بالتحتانية والمهملة الأنصاري مولاهم. ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرا ويدلس. قال البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم فيتجوز. ويقول: حدثنا وخطبنا، يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة. وهو رأس أهل الطبقة الثالثة، مات سنة عشر ومئة. وقد قارب التسعين. التقريب: 160. قلت: لقد تباينت آراء العلماء في سماع الحسن من سمرة بن جندب وغيره من الصحابة، فمنهم من أثبت السماع ومنهم من نفاه. قال ابن أبي حاتم: لم يسمع من جندب. قال عبد الغني في الكمال: وقدصح أن الحسن قال: حدثنا جندب. وهو صريح في السماع، وهو أولى من قول ابن ابي حاتم. وأما سماعه من سمرة ففيه ثلاثة مذاهب: الصحيح سماعه منه مطلقا. وقال الحافظ: سمع الحسن من أبي هريرة في الجملة. وقصته في هذا شبيهة بقصته في سمرة سواء. التهذيب: 1/ 347 وقال القاضي ابن العربي: لم يسمع الحسن من أبي هريرة ولكن منقطع الحسن كمتصله لجلالته وثقته وأنه لا يقبل إلا ماصح نقله وممن يقبل خبره. العارضة 12/ 182. وممن نص على عدم سماع الحسن من أبي هريرة عبد الله بن الإمام أحمد في المسند 2/ 362. وفي جامع التحصيل ص 90، والتهذيب لابن حجر 1/ 347. عن ابن معين إذا روى الحسن ومحمد - يعني ابن سيرين - عن رجل فسمياه فهو ثقة. (2) الحديث رواه ابن عدي في الكامل: 5/ 2005. وكذلك أورده الذهبي في الميزان: 3/ 76. وهو حديث ضعيف، ضعفه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام. انظر: نصب الراية: 1/ 434. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 7/ ما رواه عبد الرزاق (1) عن جعفر (2) بن سليمان قال: أخبرني الصلت (3) بن دينار. قال: سمعت الحسن يقول: (كان رسول الله ش وأبو بكر وعمر وعثمان يسلمون تسليمة واحدة. قال الصلت: وصليت خلف عمر بن عبد العزيز فسلم واحدة) (4)   (1) عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ مصنف شهير، عمي في آخر عمره، فتغير، وكان يتشيع، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة (ومئتين) ، وله خمس وثمانون. التقريب: 354 والتهذيب: 6/ 210. (2) جعفر بن سليمان الضبعي، بضم المعجمة وفتح الموحدة، أبو سليمان البصري، صدوق زاهد، لكنه كان يتشيع، من الثامنة، مات سنة ثمان وسبعين ومئة. التقريب: 140. التهذيب: 2/ 95. (3) الصلت بن دينار الأزدي الهنائي، البصري، أبو شعيب المجنون، مشهور بكنيته، متروك، ناصبي، من السادسة. التقريب: 277 والتهذيب: 4/ 434 وتهذيب الكمال: 13/ 21. (4) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (3145) وابن عبد البر في الاستذكار: 4/ 296. ونص على إرساله. ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 272. وهو ضعيف جدا من خلال الإسناد. وأورده الحافظ في المطالب العالية: 1/ 228. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 8/ ومنها ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج (1) قال: أخبرني نافع (2) وسألته كيف كان ابن عمر يسلم إذا كان إمامكم؟ قال: عن يمينه واحدة السلام عليكم) (3) . 9/ وقال عبد الرزاق عن معمر (4) عن رجل (5) من عبد القيس عن نافع عن ابن عمر مثله قال معمر: وكان الحسن (6) والزهري (7) يفعلان مثل فعل ابن عمر (8) .   (1) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل، وكان يرسل ويدلس، من السادسة، مات سنة خمسين ومئة أو بعدها، وقد جاز السبعين. وقيل: جاز المئة. ولم يثبت. التقريب: 2/ 363. التهذيب: 6/ 402 (2) نافع أبو عبد الله المدني، مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه، مشهور، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومئة. أو بعد ذلك. التقريب: 559. التهذيب: 10 / 412. (3) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: (3142) وابن أبي شيبة في المصنف 1/ 300. وهو من خلال الإسناد صحيح (4) معمر بن راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا، وكذا فيما حدث به بالبصرة، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين (ومئة) وهو ابن ثمان وخمسين سنة. التقريب: 541. التهذيب: 10 / 234. الميزان: 4/ 154. (5) رجل من عبد القيس، مجهول. (6) الحسن هو ابن أبي الحسن، لم يدركه معمر. قال عبد الرزاق عن معمر طلبت العلم سنة مات الحسن. التهذيب: 10/ 244. (7) محمد بن شهاب هو محمد بن مسلم بن شهاب بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري أبو بكر الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة خمس وعشرين (ومئة) . وقيل قبل ذلك بستة أو ستين. التقريب: 506.التهذيب: 9/ 445. (8) هذا الأثر لم أطلع عليه في غير مصنف عبد الرزاق رقم (3143) ، وفيه مجهول، وكذلك معمر لم يدرك الحسن، وعليه فهو ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 10/ وقال عبد الرزاق عن هشام (1) بن حسان: أن الحسن وابن سيرين (2) كانا يُسَلِّمَانِ في الصلاة واحدة (3) . 11/ عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء (4) : كيف تصنع إذا صليت لنفسك؟ قال: أسلم عن يماني قط (5) .   (1) هشام بن حسان الأزدي القردوسي بالقاف وضم الدال أبو عبد الله البصري، ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال؛ لأنه قيل: كان يرسل عنهما، من السادسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين (ومئة) . التقريب: 572. التهذيب: 11/ 34 وميزان الاعتدال: 4/ 295 والكامل لابن عدي: 2570 والعبر: 1/ 160. (2) محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة، ثقة ثبت، عابد كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة، مات سنة عشر ومئة. التقريب: 483. التهذيب: 9/ 214. (3) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (3144) ، وهذا الأثر أرى أنه كسابقه في الضعف قال أبو داود: تكلموا في حديثه عن الحسن وعطاء؛ لأنه كان يرسل وكانوا يرون أنه أخذ كتب حوشب. التهذيب: 11/ 37. ورواه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301. (4) عطاء: هو ابن أبي رباح بفتح الراء الموحدة، واسم أبي رباح: أسلم القرشي مولاهم المكي. ثقة فاضل، لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومئة. التقريب: 391 والتهذيب: 7/ 199. (5) رواه عبد الرزاق رقم (3146) وهو صحيح إلى عطاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 12/ ومنها ما رواه الحارث (1) بن أبي سامة قال: حدثنا محمد (2) بن عمر ثنا سعيد (3) ابن مسلم بن بانك عن أبي مالك (4) الحميري عن عطاء (5) بن يسار أن رسول الله ش سلَّم عن يمينه تسليمة واحدة) (6) . 13/ قال الحارث: حدثنا محمد بن عمر ثنا داود (7) بن خالد وابن أبي سبرة (8)   (1) الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي صاحب المسند، سمع علي بن عاصم ويزيد بن هارون، وكان حافظا عارفا بالحديث. عالي الإسناد بالمرة، تُكلم فيه بلا حجة. قال الدارقطني: اختلف فيه، وهو عندي صدوق. وقال ابن حزم: ضعيف. ولينه بعض البغاددة لكونه يأخذ على الرواية.، مات سنة اثنتين وثمانين ومئتين. ميزان الاعتدال: 1/ 442 وتاريخ بغداد: 8/ 218 والأنساب: 3/ 78 والسير: 13/ 388 والعبر: 2/ 68 والثقات: 8/ 183. (2) محمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي المدني القاضي، نزبيل بغداد، متروك مع سعة علمه، من التاسعة. التقريب: 298 والتهذيب: 9/ 363. (3) سعيد بن مسلم بن بانك بموحدة ونون مفتوحة المدني. أبو مصعب. ثقة من السادسة. التقريب 241. وانظر التهذيب: 4/ 82. (4) أبو مالك الحميري، لم أعرفه. (5) عطاء بن يسار الهلالي أبو محمد المدني، مولى ميمونة، ثقة فاضل، صاحب مواعظ،وعبادة. من صغار الثانية، مات سنة أربع وتسعين وقيل بعد ذلك. التقريب: 392 وتهذيب التهذيب: 7/ 217. (6) رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده. انظر البغية: 1/ 291. وذكره البصيري في الإتحاف: 4/ 421. وقال فيه الواقدي: وهو ضعيف. وذكره الحافط في المطالب العالية: 1/ 129. وعزاه للحارث. قلت: وهو مرسل ضعيف جدا؛ لأن الواقدي متروك. (7) داود بن خالد بن دينار المدني صدوق، من السابعة. التقريب: 198 والتهذيب: 3/ 182. (8) ابن أبي سبرة هو أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة المدني القاضي الفقيه، روى عبد الله وصالح أبناء أحمد عن أبيهما قال: كان يضع الحديث. وقال أبو داود: كان مفتي أهل المدينة. وروى عباس عن ابن معين قال: قدم هاهنا فاجتمعوا فقال: عندي سبعون ألف حديث إن أخذتم عني كما أخذ عني ابن جريج وإلا فلا. وقال النسائي: متروك. وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. التاريح الكبير: 9/ 9. الميزان: 4/ 503. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وسليمان (1) بن بلال وعلي (2) بن عمر بن عطاء جميعا عن عمر بن عطاء (3) عن عكرمة (4) عن ابن عباس أنه سلم واحدة تجاه القبلة (5) . 14/ وقال الحارث: حدثنا محمد بن عمر ثنا عبد الرحمن (6) بن عبد العزيز سمع الزهري يقول: رأيت قبيصة (7) بن ذؤيب إذا سلم سلم واحدة تجاه القبلة   (1) سليمان بن بلال التيمي مولاهم أبو محمد المدني. ثقة من الثامنة. مات سنة سبع وسبعين ومئة. التقريب: 250 والتهذيب: 4/ 175. (2) علي بن عمر بن عطاء، لم أعرفه. (3) عمر بن عطاء بن وراز. بفتح الواو والراء الخفيفة، آخره زاي. حجازي، ضعيف، من السادسة. التقريب: 416 والتهذيب: 7/ 483. (4) عكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس أصله بربري، ثقة ثبت عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر ولا ثبت عنه بدعة. من الثالثة.مات سنة أربع ومئة. وقيل بعد ذلك. التقريب: 397. (5) الأثر رواه الحارث بن أبي أسامة. انظر بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث: 1/ 292. وعزاه المحقق إلى البصيري في الإتحاف: 4/ 422. وقال: ضعيف لضعف الواقدي؛ لأنه متروك. (6) عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان بن حنيف الأنصاري الأوسي أبو محمد المدني الأُمَامِي بالضم، صدوق يخطئ، من الثامنة. مات سنة اثنتين وستين ومئة، وهو ابن بضع وسبعين. التقريب: 345. التهذيب: 6/ 220. (7) قبيصة بن ذؤيب بالمعجمة مصغرا ابن حلحلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة الخزاعي أبو سعيد أو أبو إسحاق المدني، نزيل دمشق من أولاد الصحابة، وله رؤية، مات سنة بضع وثمانين. التقريب: 453. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 15/ قال الزهري: فذكرت ذلك لعبد الله (1) بن موهب قال: سألت قبيصة عن ذلك فقال: رأيت زيد بن ثابت (يسلم واحدة تجاه القبلة) (2) . 16/ وقال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو خالد (3) الأحمر عن حميد قال: كان أنس يسلم واحدة (4) .   (1) عبد الله بن موهب الشامي أبو خالد قاضي فلسطين لعمر بن عبد العزيز، ثقة لكن لم يسمع من تميم الداري، من الثالثة. التقريب: 325. التهذيب: 6/ 47. (2) أخرجه الحارث بن أبي أسامة. انظر: البغية 1/ 293. وذكره البصيري في الإتحاف: 4/ 422 وذكره الحافظ في المطالب العالية: 1/ 130. وعزاه للحارث. والأثر ضعيف جداً لضعف الواقدي؛ لأنه متروك. (3) أبو خالد الأحمر هو سليمان بن حيان الأزدي أبو خالد الأحمر الكوفي، صدوق يخطئ، من الثامنة. مات سنة تسعين ومئة. أو قبلها، وله بضع وسبعون. التقريب: 250 والتهذيب: 4/ 181. وتهذيب الكمال: 11/ 394. (4) رواه ابن أبي شيبة: 1/ 301. والأثر أرى أنه ضعيف؛ لأن سليمان بن حيان صدوق يخطئ، وحميد اختُلف في سماعه من أنس ولعله يرتقي بالمنابع والشاهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 17/ وروى أبو خالد عن سعيد (1) بن مرزبان قال: صليت خلف ابن أبي ليلى (2) فسلم واحدة (3) . 18/ وقال ابن أبي شيبة: حدثنا يزيد (4) بن الزبرقان أن أباوائل (5) كان يسلم تسليمة واحدة (6) .   (1) سعيد المرزبان العبسي مولاهم، أبو سعد البقال الكوفي الأعور، ضعيف مدلس، مات بعد الأربعين ومئة، من الخامسة. التقريب: 241 ووثَّقه أبو أسامة. وقال أبو حاتم: يحتج بحديثه. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ضعيف. وقال في موضع آخر: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. وقال ابن عدي: حدث عنه شعبة والثوري وابن عيينة وغيرهم من ثقات الناس. وله من الحديث شيء صالح، وهو من جملة ضعفاء الكوفة الذين يجمع حديثهم ولا يترك. التهذيب: 4/ 79 وتهذيب الكمال: 11/ 52. (2) عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني، ثم الكوفي، ثقة، من الثانية. اختلف في سماعه من عمر مات بوقعة الجماجم سنة ثلاث وثمانين. وقيل: إنه غرق. التقريب: 349 والتهذيب: 6/260 وتهذيب الكمال: 17/ 372. (3) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301. والأثر فيه سليمان بن حيان، صدوق يخطئ، ولم أجد له متابعا وعليه يكون الأثر ضعيفا. (4) يزيد بن الزبرقان: لم أجده. (5) أبو وائل شقيق بن سلمة الكوفي: مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة. التقريب: 268 والتهذيب: 4/ 361 وتهذيب الكمال: 12/ 448. (6) الأثر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 301. وابن عبد البر في الاستذكار: 4/ 296. وفيه يزيد ابن الزبرقان: لم أجده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 19/ وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع (1) عن يزيد (2) بن أدهم قال: رأيت أنسا والحسن وأبالعالية (3) وأبا رجاء (4) يسلمون تسليمة (5) .   (1) وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي بضم الراء وهمزة ثم مهملة أبو سفيان الكوفي ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة، مات في آخر سنة ست وأول سنة سبع وتسعين ومئة، وله سبعون سنة. التقريب:581. التهذيب: 11/ 123. (2) كذا حصل في المصنف: 1/ 301، والصواب:يزيد بن درهم أبو العلاء عن أنس، وثقه الفلاس. وقال ابن معين: ليس بشيء. عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا يزيد بن درهم سمعت أنسا {وجعلنا بينهم موبقا} قال: نهر في جهنم من قيح ودم. الميزان: 4/ 421 واللسان: 6/ 285. وقال الحافظ: ذكره ابن حبان في الثقات فقال: كان يخطئ كثيرا روى عنه وكيع، وذكره الساجي والعقيلي وابن الجارود في الضعفاء. (3) أبو العالية هو رويفع بالتصغير بن مهران أبو العالية الرياحي بكسر الراء والتحتانية، ثقة كثير الإرسال، من الثانية، مات سنة تسعين، وقيل: ثلاث وتسعين. وقيل: بعد ذلك. التقريب: 210. التهذيب:3/284. (4) أبو رجاء هومحمد بن سيف الأزدي الحراني بضم المهملة وتشديد الدال أبو رجاء البصري ثقة، من السادسة. التقريب: 483. (5) الأثر رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 10 / 301. ومن خلال الإسناد أرى أنه حسن لغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 20/ وقال وكيع عن سليمان (1) بن زيد قال: رأيت ابن أبي أوفى (2) يسلم تسليمة (3) . 21/ وقال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى (4) بن سعيد القطان عن وفاء (5) أن سعيد (6) ابن جبير كان يسلم تسليمة (7) .   (1) سليمان بن زيد أبو إدام المحاربي عن ابن أبي أوفى كذبه ابن معين. ديوان الضعفاء: 131. وقال في الميزان (2/ 208) عن يحيى: ليس بثقة. وقال مرة: لا يساوي حديثه فلسا. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان: لا يحتج به. (2) عبد الله بن أبي أوفى " واسمه علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي أبو معاوية. وقيل أبو إبراهيم. وقيل: أبو محمد بايع تحت الشجرة وهو آخر الصحابة بالكوفة. تجريد أسماء الصحابة: 4/38 معرفة الصحابة: 1592. (3) رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301 وهو ضعيف لضعف سليمان بن زيد. (4) يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة متقن حافظ إمام قدوة، من كبار التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة، وله ثمان وسبعون. التقريب: 591 والتهذيب: 11/ 216 وتهذيب الكمال: 31/ 329. (5) وفاء: بكسر أوله وقاف: ابن إياس الأسدي أبو يزيد الكوفي، لين الحديث من السادسة. التقريب: 581 والتهذيب: 11/122. (6) سعيد بن جبير الأسدي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فقيه من الثالثة، قتل بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين، ولم يكمل الخمسين. التقريب: 234 والتهذيب: 4/ 11. (7) الأثر رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301. وهو ضعيف لضعف وفاء بن إياس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 22/ وقال ابن أبي شيبة: حدثنا مصعب (1) بن المقدام قال: أنا إسرائيل (2) عن عمران (3) بن مسلم عن سويد (4) أنه كان يسلم تسليمة واحدة (5) . 23/ وقال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل (6) بن قيس أنه كان يسلم تسليمة (7) . الفصل الثاني   (1) مصعب بن المقدام الخثعمي مولاهم أبو عبد الله الكوفي، صدوق له أوهام، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين. التقريب: 533 والتهذيب: 10 / 165. (2) إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني أبو يوسف الكوفي، ثقة تُكُلم فيه بلا حجة، من السابعة، مات سنة ستين ومئة. وقيل: بعدها. التقريب: 104 والتهذيب: 1/ 262 وتهذيب الكمال: 2/ 515. (3) عمران بن مسلم الجعفي الكوفي الأعمى ثقة، من السادسة. التقريب: 430 والتهذيب: 8 /139 وتهذيب الكمال:22/354. (4) سويد بن غفلة بفتح المعجمة والفاء أبو أمية الجعفي مخضرم من كبار التابعين قدم المدينة يوم دفن رسول الله ش، وكان مسلما في حياته، ثم نزل الكوفة، ومات سنة ثمانين، وله مئة وثلاثون سنة. التقريب: 260 والتهذيب: 4/ 278 وتهذيب الكمال: 12/ 265 وطبقات ابن سعد: 6/ 68 وتاريخ ابن معين: 2/ 244. (5) الأثر رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301 وابن عبد البر في الاستذكار: 4/ 296، وهو من خلال إسناده حسن. (6) إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت الأنصاري أبو مصعب عن أبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري. قال البخاري والدارقطني: منكر الحديث. وقال النسائي وغيره: ضعيف. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه منكر. الميزان: 1/ 245 واللسان: 1/ 429 والضعفاء للعقيلي: 1/ 91. والكامل لابن عدي: 1/ 296 والمجروحين: 1/ 120 (7) الأثر رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301، وهو صحيح إلى إسماعيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وقد خصَّصتُه للأحاديث الواردة في التسليمتين، وهي كثيرة، وفيها الصحيح والحسن والضعيف، وما كان منها في الصحيحين فإني لا أتكلم على إسناده؛ لعدم الحاجة إلى ذلك. أما ما لم يكن فيهما أو في أحدهما، فإني أتكلم على إسناده، وقد سلكت فيه نفس المسلك في الكلام على الرواة على ما تقدم في الفصل الأول، وقد صدرتُه بحديث عبد الله بن مسعود أصله في صحيح مسلم. فقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن أبي عمر أن أميرا كان بمكة يسلم تسليمتين فقال عبد الله (يعني ابن مسعود) : أنى علقها (1) ؟ فإن رسول الله ش كان يفعله".   (1) من أين تعلمها وممن أخذها؟ . النهاية: 3/ 288. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وقال أحمد (1) بن حنبل: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة (2) عن الحكم (3) عن مجاهد (4) عن ابن عمر عن عبد الله قال: سمعته مرة رفعه ثم تركه، رأى أميرا أو رجلا سلم تسليمتين فقال: أنى عقلها (5) . ورواه البيهقي في السنن الكبرى. وقال: رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب عن يحيى بن سعيد القطان، إلا أنه قال: أنى علقها. وقال: ولهذا الحديث شواهد عن عبد الله ابن مسعود عن النبي ش (6) . ورواه أصحاب السنن وغيرهم.   (1) أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي نزيل بغداد، أبو عبد الله أحد الأئمة، ثقة حافظ فقيه حجة، وهو رأس الطبقة العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين (ومئتين) ، وله سبع وسبعون. التقريب: 84. (2) شعبة هو ابن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري، ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث. وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة، وكان عابدا، من السابعة، مات سنة ستين (ومئة) . التقريب: 266 والتهذيب 4/ 338. (3) الحكم بن عتبة بالمثناة ثم الموحدة مصغرا، أبو محمد الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه، إلا أنه ربما دلس، من الخامسة، مات سنة ثلاث عشرة ومئة، أو بعدها. وله نيف وستون. التقريب: 175 والتهذيب 2/ 432. (4) مجاهد بن جبر أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي ثقة إمام في التفسير وفي العلم. من الثالثة. مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث أو أربع ومئة. التقريب: 520. (5) مسلم في كتاب المساجد، باب السلام للتحليل في الصلاة، حديث (117) . (6) البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 251. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 24/ قال الإمام النسائي: أخبرنا محمد (1) بن المثنى قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا زهير (2) عن أبي إسحاق (3)   (1) محمد بن المثنى بن عبيد العنزي، بفتح النون والزاي، أبو موسى البصري، المعروف بالزمن، مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت، من العاشرة، وكان هو وبندار فرسي رهان، وماتا في سنة واحدة. التقريب: 505 والتهذيب: 9/ 425 وتهذيب الكمال: 26/ 359 والكاشف: 3/ الترجمة 5215 وتاريخ البخاري الصغير: 2/ 396 والجرح والتعديل: 8/ 409 والثقات لابن حبان: 9/ 111. (2) زهير بن معاوية بن حديج أبو خيثمة الجعفي الكوفي، نزيل الجزيرة، ثقة ثبت إلا أن سماعه من أبي إسحاق بآخرة، من السابعة، مات سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع وسبعين (ومئة) ، وكان مولده سنة مئة. التقريب: 218. قلت: تكلموا في روايته عن أبي إسحاق وهنا يروي عنه. قال أحمد: في حديثه عن أبي إسحاق لين سمع منه بآخرة. وقال أبو زرعة: ثقة إلا أنه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط. التهذيب: 3/ 351 وتهذيب الكمال: 9/ 420 وطبقات ابن سعد: 6/ 376. والكاشف: 1/ 327 والجرح والتعديل: 3/ الترجمة 2674 والميزان: 2/ الترجمة 2921 والسير: 8/ 61. وتذكرة الحفاظ: 1/ 233. (3) أبو إسحاق السبيعي هوعمرو بن عبد الله بن عبيد، ويقال: ابن علي. ويقال: ابن أبي شعيرة الهمداني: ثقة مكثر عابد، من الثالثة. اختلط بآخرة، مات سنة تسع وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك. التقريب: 423. قال الذهبي: هومن أئمة التابعين بالكوفة وأثباتهم، إلا أنه شاخ ونسي ولم يختلط. وقد سمع منه سفيان بن عيينة،وقد تغير قليلا. وقال الفسوي: فقال بعض أهل العلم: كان قد اختلط وإنما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه. الميزان: 3/ الترجمة: 6393 والكاشف: 2/ 82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 عن عبد الرحمن (1) بن الأسود عن الأسود (2) وعلقمة (3) عن عبد الله قال: 0 رأيت رسول الله ش يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود ويسلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده، ورايت أبابكر وعمر رضي الله عنهما يفعلان ذلك) (4) .   (1) عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث بن عبد مناف بن زهرة الزهري ولد على عهد النبي ش، ومات أبوه في ذلك الزمان فَعُدَّ لذلك من الصحابة. وقال العجلي: من كبار التابعين. التقريب: 336 والكاشف:1/ 621. وتجريد أسماء الصحابة للذهبي: 1/ 343 وقال: لا تصح له رؤية. قلت: لكن ترجمه الحافظ في الإصابة القسم الأول: 4/ 151 (5072) وقال: مات أبوه قبل الهجرة كيف لا تصح له رؤية فإن أباه الأسود كان من المستهزئين، وقد مات قبل الهجرة. (2) الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمرو أو أبو عبد الرحمن مخضرم ثقة مكثر فقيه من الثانية، مات سنة أربع أو خمس وسبعين. التقريب: 111 والتهذيب: 1/ 342. (3) علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي ثقة ثبت فقيه عابد من الثانية، مات بعد الستين. وقيل بعد السبعين. التقريب 397 والتهذيب 7/ 276. (4) والحديث أخرجه النسائي في سننه الصغرى: 3/ 63. وفي سننه الكبرى: 1/ 392. وأبو يعلى الموصلي (5313) وأحمد (3660) والطيالسي في مسنده. انظر منحة المعبود: 469 والطبراني في الكبير (10172) والبيهقي في السنن الكبرى: 2/ 252. وزاد: وكان أبو الحسن الدارقطني - رحمه الله - يستحسن هذه الرواية ويقول: هي أحسنها إسنادا كلهم من طريق زهير عن أبي إسحاق. قلت: وكلام الدارقطني السابق هو في السنن: 1/ 357 بعد روايته للحديث، والحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن زهيرا يروي عن أبي إسحاق بعد الاختلاط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 ورواه الترمذي من طريق أبي الأحوص: فقال: حدثنا عبد الرحمن (1) بن مهدي أخبرنا سفيان (2) عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص (3) عن عبد الله عن النبي ش " أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله" (4)   (1) عبد الرحمن بن مهدي العنبري أبو سعيد، البصري ثقة ثبت حافظ، عارف بالرجال والحديث، مات سنة ثمان وسبعين ومئة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. التقريب: 350 والتهذيب: 6/ 279. وتهذيب الكمال: 17/ 430 وطبقات ابن سعد: 7/ 297. (2) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام من رؤوس الطبقة السابعة، وكان يدلس، مات سنة إحدى وستين ومئة، وله أربع وستون سنة. التقريب: 244. والتهذيب: 4/ 111 وتهذيب الكمال: 11/ 154 وطبقات ابن سعد: 6/ 371 وتاريخ بغداد: 9/ 151 وتهذيب الأسماء واللغات: 1/ 222. (3) أبو الأحوص هو عوف بن مالك بن نضلة الجشمي أبو الأحوص الكوفي مشهور بكنيته، ثقة من الثالثة، قتل في ولاية الحجاج على العراق. التقريب: 433 والتهذيب: 8/ 169 وتهذيب الكمال: 22/ 443 وطبقات ابن سعد: 4/ 280 وتاريخ البخاري الكبير: 7/ الترجمة 256 والصغير: 1/ 39 - 125 والجرح والتعديل: 7/ الترجمة 61. والكاشف: 2/ الترجمة 4377. (4) الحديث في سنن الترمذي: 2/ 89. وقال: حسن صحيح وأبي داود رقم (996) عن أبي الأحوص عن عبد الله.وقال: قال إسرائيل عن أبي الأحوص والأسود عن عبد الله أن النبي ش "كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده. السلام عليكم ورحمة الله. السلام عليكم ورحمة الله " قال أبو داود: هذا لفظ سفيان وحديث إسرائيل عن أبي إسحاق لم يفسره. قال أبو داود: ورواه زهير عن أبي إسحاق ويحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي الأحوص عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة عن عبد الله. قال أبو داود: شعبة كان ينكر هذا الحديث، حديث أبي إسحاق أن يكون مرفوعا , ورواه النسائي في سننه الصغرى: 3/ 63 والكبرى: 1/ 394. وأحمد في المسند (3699) وابن الجارود في المنتقى: 1/ 191 وابن حيان في صحيحه: 3/ 222. والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 267 وعبد الرزاق في المصنف (3130) والطبراني في الكبير (10173) من طرق عن سفيان به، والبغوي في شرح السنة: 1/ 204، ونقل تصحيح الترمذي كلهم من طريق سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص ورواه البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 251 من طريق بن واقد عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود وأبي الأحوص به. والطبراني في الكبير (10176) من طريق يزيد بن هارون عن عبد الملك بن الحسين عن أبي إسحاق عن الأسود وعلقمة ومسروق وعبيدة السلماني عن عبد الله. والحديث صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وقال عقبه: حديث ابن مسعود حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أصحاب النبي ش ومَنْ بعدهم. وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق. وروي من طريق أخرى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود، ولكنها ضعيفة. قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن جابر (1) عن أبي الضحى (2) عن مسروق (3) عن عبد الله قال: ما نسيت فيما نسيت أن رسول الله ش كان يسلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى - أو نرى - بياض خديه) (4)   (1) جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبد الله الكوفي، ضعيف، رافضي. من الخامسة. مات سنة سبع وعشرين ومئة. وقيل سنة اثنتين وثلاثين. التقريب: 137. وقال الذهبي: جابر بن يزيد مشهور عالم قد وثقه شعبة والثوري وغيرهما. وقال أبو داود: ليس عندي بالقوي.وقال النسائي: متروك. وكذبه بعضهم. وقال ابن معين: لا يكتب حديثه. المغني: 1/ 126. وقال ابن حبان: كان سبئيًّا من أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان يقول: إن عليا عليه السلام يرجع إلى الدنيا. ونقل عن أبي حنيفة أنه قال: ما رأيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي، ماأتيته بشيء قط من رأْيٍ إلا جاءني فيه بحديث. المجروحين: 1/ 208 والتهذيب: 2/ 46. (2) مسلم بن صبيح بالتصغير الهمداني أبو الضحى الكوفي العطار مشهور بكنيته، ثقة فاضل، من الرابعة. مات سنة مائة. التقريب: 530 والتهذيب: 10/132. (3) مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني، الوادعي أبو عائشة الكوفي، ثقة فقيه عابد. مخضرم. من الثانية، مات سنة اثنتين، ويقال: سنة ثلاث وستين. التقريب: 528 والتهذيب: 10/109. (4) والحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند: 6/ 234. والطبراني في الكبير (10178) من طريق أبي نعيم عن سفيان عن جابر بهذا الإسناد. وأخرجه أيضاً (10180) من طريق الأعمش و (10181) من طريق إبراهيم عن أبي الضحى و (10183) من طريق المغيرة عن أبي الضحى و (10184) ومن طريق خالد الحذاء عن أبي الضحى. وأخرجه أيضا (10182) من طريق الشعبي عن أبي الضحى به. وأخرجه الطبراني أيضا (10185) و (10186) . وابن حبان: 3/223. والبيهقي في السنن الكبرى: 3/223. من طريق الشعبي عن مسروق به وأخرجه الطبراني في الكبير (10187) . و (10188) من طريقين عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود مختصرا. وأيضا (10189) ومن طريق هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله. والحديث من هذا الطريق ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ورواه الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة. فقال: حدثنا يحيى (1) بن إسحاق أخبرنا ابن لهيعة (2) عن محمد (3) بن عبد الله ابن مالك عن سهل بن سعد الأنصاري عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ش كان يسلم في صلاته عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خديه) (4) . 25/ وحديث وائل بن جحر رواه أبو داود الطيالسي فقال:   (1) يحيى بن إسحاق السيلحيني بمهملة ممالة وقد تصير ألفا ساكنة وفتح اللام وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم نون. أبو زكريا أو أبو بكر. نزيل بغداد صدوق من كبار العاشرة. مات سنة عشر ومئتين. التقريب: 587. قال أحمد: شيخ صالح ثقة صدوق. وقال ابن معين: صدوق. وقال ابن سعد: ثقة حافظ لحديثه. التهذيب: 11/ 176 وتهذيب الكمال: 31/ 194. (2) عبد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء: ابن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي، صدوق من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون، مات سنة أربع وسبعين ومئة، وقد ناف على الثمانين. التقريب: 319 قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وإتقانه وضبطه. قال الذهبي عقب هذا الكلام: قلت: العمل على تضعيف حديثه. الكاشف: 2/ 122. وتهذيب الكمال: 15 / 487. وطبقات ابن سعد: 7/ 516. وتاريخ الدوري: 2/ 327. وتاريخ البخاري الكبير: 5/ الترجمة 574 والصغير: 2/ 207-245. والمعرفة ليعقوب: 1/ 185 - 164 - 165 (3) محمد بن عبد الله بن مالك الداري المدني عن أم سلمة وسهل بن سعد ومحمد بن عمرو بن عطاء. وعنه ابن لهيعة وعطاف بن خالد وغيرهما. وذكره ابن حبان في الثقات.وقال: عداده في أهل المدينة. تعجيل المنفعة: 367. والثقات لابن حبان: 5/ 361. (4) الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند (3933) ، وهو في أصله صحيح، ولكنه هنا ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 حدثنا المسعودي (1) عن عبد الجبار (2) بن وائل قال: حدثني بعض أهل بيتي عن أبي " أنه صلى مع النبي ش فسلم عن يمينه وعن شماله) (3) . وأخرجه أبو داود السجستاني بزيادة: وبركاته. فقال:   (1) المسعودي هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي المسعودي، صدوق اختلط قبل موته وضابطه: أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، من السابعة، مات سنة ستين. وقيل سنة خمس وستين ومئة. التقريب: 344. والتهذيب: 6/ 212 -213. وتهذيب الكمال: 16/ 393. وتاريخ بغداد: 10 /218 - 222 (2) عبد الجبار بن وائل بن حجر بضم المهملة وسكون الجيم، ثقة، لكنه أرسل عن أبيه، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة ومئة. التقريب: 332. والتهذيب: 6/ 105. وتهذيب الكمال: 16/ 393. وطبقات ابن سعد: 6/ 312 (3) سيأتي تخريجه إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 حدثنا عبدة (1) بن عبد الله حدثنا يحيى بن آدم (2) حدثنا موسى (3) بن قيس الحضرمي عن سلمة (4) بن كهيل عن علقمة (5) بن وائل عن أبيه قال: صليت مع النبي ش (فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) (6)   (1) عبدة بن عبد الله الصفار الخزاعي أبو سهل البصري، كوفي الأصل، ثقة، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين (ومئتين، وقيل قبل ذلك) . التقريب: 369 والتهذيب: 6/ 460. وتهذيب الكمال: 18/ 537. (2) يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، أبو زكريا، مولى بني أمية، ثقة حافظ فاضل، من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث (ومئتين) . التقريب: 587. والتهذيب: 11/ 175. وتهذيب الكمال: 31 / 188. وطبقات ابن سعد: 6/ 402. (3) موسى بن قيس الحضرمي أبو محمد الفراء الكوفي، يلقب عصفور الجنة، صدوق رمي بالتشيع، من السادسة. التقريب: 553. والتهذيب: 10/ 366. وقد وثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال أحمد: لا أعلم إلا خيرا. وقال العقيلي: هو من الغلاة في الرفض. وتهذيب الكمال: 29 / 134. وطبقات ابن سعد: 6/ 367. (4) سلمة بن كهيل الحضرمي، أبو يحيى الكوفي، ثقة، من الرابعة، مات سنة ثلاث وعشرين ومئة على أكثر الأقوال. التقريب: 248. والتهذيب: 4/ 155. وتهذيب الكمال: 11/ 313. وطبقات ابن سعد: 6/ 316. (5) علقمة بن وائل بن حجر، بضم المهملة، وسكون الجيم. الحضرمي، الكوفي، صدوق إلا أنه لم يسمع من أبيه. التقريب: 397. وقال في التهذيب: 7/ 280: روى عن أبيه والمغيرة بن شعبة وطارق بن سويد علىخلاف فيه. وذكره ابن حبان في الثقات: 5/ 209. وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.وحكى العسكري عن ابن معين أنه قال: علقمة بن أبي وائل عن أبيه مرسل. ولم يحك المزي خلافا في سماعه من أبيه. تهذيب الكمال: 20 / 312. (6) الحديث أخرجه الطيالسي بالإسناد الأول. انظر منحة المعبود: 1/ 104. ورواه أبو داود بالإسناد الثاني (997) والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 269. والبيهقي في السنن الكبرى: 2/ 254 والدولابي في الكنى: 1/ 196. قلت: والزيادة الواردة في الإسناد الاتي صححها الأئمة. قال النووي في الخلاصة: 1/ 444: رواه أبو داود بإسناد صحيح، وكذا قال في المجموع: 3/ 479. والحافظ في بلوغ المرام: 64 وعبد الحق الإشبيلي في الأحكام. كما ذكر الشيخ ناصر في الإرواء: 2/ 32. وأقر تصحيحه. وقد اختلف حكم الحافظ عليه: فمرة صححه كما قدمنا. ومرة أعله بالانقطاع. قال في التلخيص: 1/ 171: وحديث وائل بن حجر رواه أبو داود والطبراني من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه، ولم يسمع منه. قال الصنعاني: نسبه المصنف في التلخيص إلى عبد الجبار بن وائل. وقال: لم يسمع من أبيه فأعله بالانقطاع. وهنا أي في بلوغ المرام قال: صحيح. وراجعنا سنن أبي داود فرأيناه رواه علقمة بن وائل عن أبيه، وقد صح سماع علقمة عن أبيه، خالف في التلخيص. وحديث التسليمتين رواه خمسة عشر من الصحابة بأحاديث مختلفة فيها صحيح وحسن وضعيف ومتروك، وكلها بدون زيادة وبركاته إلا في رواية وائل بن حجر هذه، ورواية ابن مسعود عند ابن ماجه وعند ابن حبان ومع صحة إسناد حديث وائل كما قال الحافظ في بلوغ المرام: يتعين قبول زيادته؛ إذ هي زيادة عدل وعدم ذكرها في رواية غيره ليست رواية لعدمها، وقد عرفت أن الوارد زيادة " وبركاته " وقد صحت ولا عذر عن القول بها. وقال به جماعة من العلماء. وقول ابن الصلاح: إنها لم تثبت قد تعجب منه الحافظ. وقال: هي ثابتة عند ابن حبان في صحيحه، وعند أبي داود وعند ابن ماجه. وقال في تلقيح الأفكار تخريج الأذكار للحافظ ابن حجر لما ذكر النووي أن زيادة وبركاته زيادة فردة ساق الحافظ طرقا عدة لزيادة وبركاته ثم قال: فهذه عدة طرق تثبت بها وبركاته بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ أنها رواية فردة. سبل السلام: 1/ 395. وانظر النيل: 2/ 334. وعون المعبود: 3/ 219 - 220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 26/ وحديث سعدبن أبي وقاص أخرجه مسلم في صحيحه فقال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو عامر العقدي حدثنا محمد بن جعفر عن إسماعيل ابن محمد عن عامر بن سعد عن أبيه قال: كنت أرى رسول الله ش يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده) (1) .   (1) مسلم في كتاب المساجد، باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها، حديث 119/ 582. ورواه الدارمي في سننه: 1/ 222. والشافعي في مسنده: 1/ 98. والنسائي في سننه الصغرى: 3/ 61 وابن ماجه في سننه: 1/ 296 والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 267. والدارقطني في سننه: 1/ 356.والبيهقي في السنن الكبرى: 2/ 253. وابن حبان في صحيحه: 3/ 223. وابن خزيمة في صحيحه: 1/ 359. وقال هو وتلميذه ابن حبان، وكذلك البيهقي: إن إسماعيل ابن محمد ذكر هذا الحديث عند الزهري فقال: [هذا حديث لم أسمعه من حديث رسول الله ش قال إسماعيل: كل حديث النبي ش سمعته؟! قال: لا، قال: فالثلثين؟ قال: لا. قال: فالنصف.قال: لا. قال: فهو من النصف الذي لم تسمع] . وأورده ابن عبد البر في الاستذكار: 4/ 293 وأبو نعيم في الحلية في ترجمة عبد الله بن المبارك: 8/ 176 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 27/ وحديث عمار بن ياسر رواه ابن ماجه في سننه فقال: حدثنا علي (1) ابن محمد ثنا يحيى بن آدم ثنا أبو بكر (2) بن عياش عن أبي إسحاق عن صلة (3) ابن زفر عن عمار بن ياسر قال: كان رسول الله ش (يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده السلام عليكم ورحمة الله) (4)   (1) علي بن محمد بن إسحاق الطنافسي بفتح المهملة وتخفيف النون، وبعد الألف فاء، ثم مهملة، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث وقيل خمس وثلاثين (ومائتين) . التقريب: 405 والتهذيب: 7/ 378. وتهذيب الكمال: 2/ 120. (2) أبو بكر بن عياش بتحتانية ومعجمة، بن سالم الأسدي المقرئ الحناط بمهملة ونون. مشهور بكنيته، والأصح أنها اسمه. وقيل: اسمه محمد. أو عبد الله أو سالم أو شعبة أو رؤبة. أو مسلم أو خداش أو مطرف أو حماد أو حبيب. عشرة أقوال. ثقة عابد، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح، من السابعة، مات سنة أربع وتسعين ومائة. وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين. وقد قارب المائة. وروايته في مقدمة صحيح مسلم. التقريب: 624 والتهذيب: 2/ 34. وترتيب ثقات العجلي:492. وتهذيب الكمال: 33/ 135. (3) صلة بكسر أوله وفتح اللام الخفيفة بن زفر، بضم الزاي وفتح الفاء العبسي بالموحدة، أبو العلاء أو أبو بكر الكوفي، تابعي كبير، من الثانية، ثقة جليل، مات في حدود السبعين. التقريب: 278 والتهذيب: 4/ 437. وتهذيب الكمال: 13/ 233. (4) والحديث رواه ابن ماجه: 1/ 296 بالسند المذكور، وكذلك الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 268. والدارقطني في سننه: 1/ 356. كلهم من رواية أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن صلة ابن زفر عن عمار بن ياسر قال: كان رسول الله ش يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله". هكذا هو في السنن عن عمار. قال الزيلعي تعليقا على هذه الرواية: وما وجدت ابن عساكر ذكره في الأطراف لكن ذكره في ترجمة صلة بن زفر عن حذيفة. ووجدت صاحب التنقيح عزاه لابن ماجه من حديث حذيفة ثم قال: ويوجد في بعض النسخ عوض حذيفة عمار بن ياسر. وهو وهم. وهذا الدارقطني ذكره عن عمار. نصب الراية: 1/ 431. والحديث حسن كما في الزوائد. انظر: سنن ابن ماجه: 1/ 296. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 28/ وحديث البراء بن عازب رواه ابن أبي شيبة فقال: حدثنا وكيع عن حريث (1) عن الشعبي (2) عن البراء بن عازب (أن النبي ش يسلم عن يمينه وعن شماله ويقول: السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده) (3) .   (1) حريث بن أبي مطر الفزاري أبو عمرو بن عمرو الكوفي الحناط بالمهملة والنون: ضعيف، من السادسة. التقريب: 156. وقال في التهذيب: ضعفه ابن معين، وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه. وقال البخاري: فيه نظر. وقال مرة: ليس بالقوي عندهم. وقال النسائي والدولابي: متروك. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الساجي: ضعيف الحديث عنده مناكير. وقال علي بن الجنيد والأزدي: متروك. وقال الحربي: ليس بحجة. وقال ابن حبان: كان ممن يخطئ. ولم يغلب خطؤه على صوابه، فيخرجه عن حيز العدالة، لكنه إذا انفرد بالشيء لا يحتج به. قال الآجري عن أبي داود: ضعيف. التهذيب: 2/ 234 وتهذيب الكمال: 5/ 562. وتاريخ يحيى برواية الدوري: 2/ 106. (2) عامر بن شراحيل الشعبي أبو عمرو، ثقة مشهور فقيه فاضل، من الثالثة، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه. مات بعد المائة، وله نحو الثمانين. التقريب: 287 والتهذيب: 5/ 65. وتهذيب الكمال: 14/ 28. (3) الحديث رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 299. وأخرجه الدارقطني في السنن: 1/ 357 من نفس الطريق، وكذلك البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 252. والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 269. والحديث ضعيف لضعف حريث بن أبي مطر الفزاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 29/ وحديث عدي بن عمير أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار فقال: حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا يحيى (1) بن معين قال: ثنا المعتمر (2) بن سليمان قال: قرأت على الفضيل (3) : حدثني أبو حريز (4)   (1) يحيى بن معين بن عون الغطفاني مولاهم، أبو زكريا البغدادي، ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل، من العاشرة، مات سنة ثلاث وثلاثين ومئتين بالمدينة المنورة، وله بضع وسبعون سنة. التقريب: 597 والتهذيب: 11/ 280. وتهذيب الكمال: 31/543. وطبقات ابن سعد: 7/ 354. (2) المعتمر بن سليمان التيمي، أبو محمد البصري، يلقب بالطفيل، ثقة، من كبار التاسعة، مات سنة سبع وثمانين ومئة، وقد جاوز الثمانين. التقريب: 539 والتهذيب: 10 / 227 - 228. وتهذيب الكمال: 28 / 250. (3) فضيل بن ميسرة، أبو معاذ البصري، صدوق، من السادسة. التقريب: 448 والتهذيب: 8/ 300 وتهذيب الكمال: 23/310. (4) عبد الله بن حسين الأزدي، أبو حريز، بفتح المهملة وكسر الراء وآخره زاي، البصري، قاضي سجستان، صدوق يخطئ، من السادسة. التقريب: 300 والتهذيب: 5/ 187 وتهذيب الكمال: 14/ 420 وتاريخ البخاري الكبير: 5/ الترجمة 187 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 أن قيس (1) بن أبي حازم حدثه أن عدي بن عميرة الحضرمي حدثه قال: كان رسول الله ش إذا سلم في الصلاة أقبل بوجهه عن يمينه حتى يرى بياض خده، ثم يسلم عن يساره، ويقبل بوجهه حتى يرى بياض خده الأيسر) (2)   (1) قيس بن أبي حازم البجلي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من الثانية، مخضرم، ويقال له رؤبة، وهو الذي يقال: إنه اجتمع له أن يروي عن العشرة، مات بعد التسعين أو قبلها، وقد جاز المئة وتغير. التقريب: 456 والتهذيب: 8/ 386 وتهذيب الكمال: 24/10 وطبقات ابن سعد: 6/ 67 وتجريد أسماء الصحابة: 2/ 197. (2) الحديث لم أطلع على من أخرجه غير الإمام الطحاوي فقد أخرجه في شرح معاني الآثار: 1/ 269. وعزاه الحافظ بن حجر في التلخيص لابن ماجه وحسن إسناده. التلخيص: 1/271. قلت: وليس هو في سنن ابن ماجه المطبوع، ولعل الحافظ اطلع على نسخة من ابن ماجه فيها هذا الحديث، والله أعلم. أما درجة الحديث فقد حسنه الحافظ ابن حجر العسقلاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 30/ وحديث طلق بن علي: رواه الطحاوي من طريق علي (1) بن المديني ثنا ملازم (2) ابن عمرو، ثنا هوذة (3) بن قيس (4) بن طلق عن أبيه (5) عن جده طلق ابن علي قال: (كنا إذا صلينا مع رسول الله ش رأينا بياض خده الأيمن وبياض خده الأيسر) (6)   (1) علي بن عبد الله بن جعفر السعدي مولاهم، أبو الحسن بن المديني، بصري، ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله، حتى قال البخاري: ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني، وقال فيه شيخه ابن عيينة: كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني. وقال النسائي: كأن الله خلقه للحديث، عابوا عليه إجابته في المحنة، لكنه تنصل وتاب، واعتذر بأنه كان خاف علىنفسه. من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين على الصحيح. التقريب 403. التهذيب: 7/ 347 وتهذيب الكمال: 21/ 5. (2) ملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر أبو عمرو اليمامي، صدوق، من الثامنة. التقريب: 555 والتهذيب: 10 / 384 - 385 وتهذيب الكمال: 29 / 188 وتاريخ الدارمي: الترجمة 741. والتاريخ الكبير للبخاري: 8/ الترجمة 2215 والكنى للدولابي: 2/ 43 والجرح والتعديل: 8/ الترجمة 1989 وثقات ابن حبان: 9/ 195. (3) هوذة بن قيس بن طلق اليمامي الحنفي عن أبيه عن جده، وعنه ابنه السري وملازم بن عمرو وغيرهما، وثقه ابن حبان. تعجيل المنفعة: 433. (4) قيس بن طلق بن علي الحنفي، اليمامي، صدوق، من الثالثة، وهم من عده في الصحابة. التقريب: 457 والتهذيب: 8/ 398-399 وتهذيب الكمال: 24/ 56. (5) طلق بن علي بن طلق بن عمرو، ويقال: ابن علي بن المنذر بن قيس بن عمرو، ويقال: هو طلق ابن قيس بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن عبد العنزي بن سحيم الحنفي السحيمي، يكنى أباعلي. مشهور، وله صحبة ووفادة ورواية. روى عنه ابنه قيس وابنته خلدة وعبد الله بن بدر وعبد الرحمن بن علي بن شيبان. الإصابة: 3/ 294. (6) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 269 وعزاه الزيلعي في نصب الراية لأحمد والطبراني في الكبير. نصب الراية: 1/ 432. وكذلك الهيثمي في المجمع: 2/ 245. وقال: رجاله ثقات مع أن هوذة لم يوثقه غير ابن حبان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 31/ وحديث المغيرة بن شعبة رواه الطبراني. فقال: حدثنا الحسن (1) بن علي المعمري، حدَّثَنَا محمود (2) بن خالد الدمشقي قال: حدثنا أبي (3) .حدثنا عيسى (4)   (1) الحسن بن علي بن شبيب المعمري الحافظ. قال الذهبي: تفرد برفع أحاديث تحتمل له. المغني: 1/ 162. وقال في الميزان: الحسن بن علي بن شبيب المعمري الحافظ واسع العلم والرحلة.سمع من علي ابن المديني وشيبان والطبقة وله غرائب وموقوفات يرفعها. قال الدارقطني: صدوق حافظ. وقال عبدان: ما رأيت في الدنيا صاحب حديث مثله. وقال البرديجي: ليس بعجب أن يتفرد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثا في كثرة ما كتب. وقال عبدان: سمعت فضلك الرازي وجعفر بن الجنيد يقولان: المعمري كذاب. ثم قال عبدان: حسداه لأنه كان رفيقهم فكان إذا كتب حديثا غريبا لا يفيدهما. وقد مات رحمه الله سنة خمس وتسعين ومائتين، وله اثنتان وثمانون سنة. الميزان: 1/ 504. وقال الحافظ في اللسان: 1/221-225: استقر الحال أخيرا على توثيقه. (2) محمود بن خالد السلمي أبو علي الدمشقي: ثقة من صغار العاشرة، مات سنة تسع وأربعين ومائتين، وله ثلاث وسبعون. التقريب: 522. وفيه مات سنة سبع وأربعين، وهو خطأ. والتصويب من التهذيب: 10/ 61 وتهذيب الكمال: 27 / 295 والثقات: 9/ 202. والجرح والتعديل: 8/ الترجمة 1342. والكاشف: 3/ الترجمة 5411. (3) خالد بن يزيد السلمي الدمشقي عن ليث بن أبي سليم وعيسى بن المسيب، وعنه دحيم وأحمد ابن بكرويه، وثق. الكاشف: 1/ 277. وقال الحافظ: ذكره ابن سميع في الطبقة السادسة، وذكره ابن حبان في الثقات. التهذيب: 3/ 130. وتهذيب الكمال: 8/ 213. والسير: 9/ 415. (4) عيسى بن المسيب البجلي الكوفي عن الشعبي وغيره. قال يحيى والنسائي والدارقطني: ضعيف. وقال أبو حاتم وأبو زرعة: ليس بالقوي. وتكلم فيه ابن حبان وغيره. وضعفه أبو داود. الميزان: 3/ 323 وتعجيل المنفعة: 328. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 بن المسيب عن سليم (1) بن عبد الرحمن النخعي عن وراد (2) كاتب المغيرة بن شعبة أن معاوية كتب إلى المغيرة يسأله عن آخر ما كان يتكلم به رسول الله ش، فكتب إليه أنه يقول إذا سلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهوعلى كل شيء قدير.اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد بعد أن يسلم عن يمينه وعن شماله،وكان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر) (3) .   (1) سليم بن عبد الرحمن النخعي الكوفي، أخو حصين، قيل: يكنى أباعبد الرحيم، صدوق، من السادسة، له عندهم حديث واحد. التقريب: 246. وانظر: التهذيب: 4/ 131 وتهذيب الكمال: 11/ 227. (2) ورَّاد بتشديد الراء. الثقفي، أبو سعيد أو أبو الورد، الكوفي، كاتب المغيرة ومولاه، ثقة من الثالثة التقريب: 580. وانظر: التهذيب: 11/ 112 وتهذيب الكمال: 30/ 431. (3) الحديث أخرجه الإمام الطبراني في معجمه الكبير: 20/ 393. وعزاه الحافظ في التلخيص: 1/ 271 للمعمري في اليوم والليلة وللطبراني. وقال: وفي إسناده نظر، ولعله يشير بذلك إلى عيسى بن المسيب، فلم أجد مَنْ وثَّقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 32/ وحديث واثلة بن الأسقع رواه الشافعي في مسنده.فقال: أخبرنا إبراهيم (1) يعني ابن محمد عن إسحاق (2) بن عبد الله عن عبد الوهاب (3) بن بخت عن واثلة بن الأسقع أن النبي ش (كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى خداه) (4) .   (1) إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، أبو إسحاق المدني، متروك، من السابعة، مات سنة أربع وثمانين وقيل إحدى وتسعين ومائة. التقريب: 93 والتهذيب: 1/ 158 وتهذيب الكمال: 2/ 184. (2) إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الأموي مولاهم المدني، متروك، من الرابعة، مات سنة أربع وأربعين ومئة. التقريب: 102 والتهذيب: 1/ 240 وتهذيب الكمال: 2/ 446. (3) عبد الوهاب بن بخت بضم الموحدة وسكون المعجمة بعدها مثناة، المكي، سكن الشام ثم المدينة، ثقة، من الخامسة، مات سنة ثلاث عشرة. وقيل سنة إحدى عشرة ومائة. التقريب: 368. التهذيب: 6/ 446 وتهذيب الكمال: 18/ 488 والمجروحين لابن حبان: 2/ 146. (4) الحديث أخرجه الشافعي في مسنده: 1/ 98. ومن طريقه البيهقي في المعرفة: 3/ 94. وذكره الزيلعي في نصب الراية: 1/ 432. ونسبه للبيهقي في المعرفة. والحديث ضعيف لضعف إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 33/ وحديث يعقوب بن حصين، رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من طريق عبد الوهاب (1) بن مجاهد عن مجاهد عن يعقوب (2) بن الحصين قال: (كأني أنظر إلى خدي رسول الله ش في الصلاة وهو يسلم عن يمينه وعن شماله ويجهر بالتسليم) .   (1) عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر، روى عنه العراقيون وأهل الحجاز، كان يروي عن أبيه ولم يره، ويجيب في كل ما يسأل وإن لم يحفظ، فاستحق الترك. كان الثوري يرميه بالكذب. وقال ابن معين: ليس بشيء. المجروحين: 2/ 146 والضعفاء للعقيلي: 3/ 71. وقال أحمد: ليس بشيء ضعيف. وقال البخاري: قال وكيع: يقولون: لم يسمع من أبيه. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. الميزان: 2/ الترجمة 5324 والكامل 1932. (2) يعقوب بن الحصين قال ابن السكن: روي عنه حريث ليس بمشهور وساق ابن أبي خيثمة والبغوي وابن قانع وابن شاهين وابن السكن وغيرهم من رواية عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن يعقوب بن الحصين قال: كأني أنظر إلى خدي رسول الله ش وهو يسلم عن يمينه وعن شماله ويجهر بالتسليم. وذكر أبو عمر أنه تفرد به ابن مجاهد وهو ضعيف. وخرَّجه بقي بن مخلد. الإصابة: 6/ 352. وانظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم: 5/ 2815 ومعرفة الصحابة لابن قانع: 3/ 235. والاستعياب: 4/ 1585 وأسد الغابة: 5/ 530 والتجريد: 2/ 137. والحديث ضعيف جداً لضعف عبد الوهاب بن مجاهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 34/ وحديث أبي رثمة رواه الطحاوي فقال: حدثنا أحمد (1) بن عبد المؤمن الصوفي قال: ثنا أشعث (2) بن شعبة قال: ثنا المنهال (3) بن خليفة عن الأزرق (4) بن قيس قال: صلى بنا أبو رثمة، ثم حدثنا أن رسول الله ش (سلَّم في الصلاة عن   (1) أحمد بن عبدا لمؤمن الصوفي هكذا نسبته في شرح معاني الآثار، وفي مغاني الأخبار: أحمد بن عبد المؤمن الخراساني المروزي، أحد مشائخ أبي جعفر الطحاوي الذين روى عنهم، وكتب وحدَّث. روى عن علي بن الحسن بن شقيق وأشعث بن شعبة، وغيرهما. قال ابن يونس: أحمد بن عبد المؤمن المروزي يكنى أباعبد الله، توفي بمصر يوم الخميس لثمان بقين من شوال سنة سبع وستين ومئتين، وكان ثقة. وقال ابن الجوزي: هو ثقة. مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار: 1/ 28. (2) أشعث بن شعبة المصيصي أبو أحمد الخراساني. قال أبو زرعة: لين. وذكره ابن حبان في الثقات. وفي سؤالات الآجري عن أبي داود: أشعث ثقة. وقال الأزدي: ضعيف. التهذيب: 1/ 354. وقال الحافظ في التقريب: 79: مقبول. وقال الذهبي في الكاشف: 1/ 134: وُثِّقَ. لكن قال في ديوان الضعفاء: 24: ليس بالقوي وقال الخزرجي في الخلاصة: قال أبو زرعة: لين. ووثقه ابن حبان الخلاصة: 38. (3) المنهال بن خليفة العجلي أبو قدامة الكوفي. ضعيف. التقريب: 547. قال ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم: صالح يكتب حديثه. وقال أبو بشر الدولابي: ليس بالقوي. وقال البخاري: صالح فيه نظر. وفي موضع آخر: حديثه منكر. وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: كان يتفرد بالمناكير عن المشاهير لا يجوز الاحتجاج به. ووثقه البزار. التهذيب: 10 / 318 - 319. (4) الأزرق بن قيس الحارثي البصري: ثقة، من الثالثة. مات بعد العشرين والمئة. التقريب: 97. والتهذيب: 1/ 200 وتهذيب الكمال: 2/ 318 والطبقات لابن سعد: 7/ 512 وتاريخ الدوري: 2/ 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 يمينه وعن يساره) (1) . 35/ وحديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم في الصحيح فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: أخبرنا ابن أبي زائدة عن مسعر حدثني عبيد الله بن القبطية عن جابر بن سمرة قال: كنا إذا صلينا مع رسول الله ش قلنا السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله ش:علام تؤَمِّنُون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس، إنما يكفي أحدكم ان يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله) (2) . 36/ وحديث أعرابي عن النبي ش، رواه الإمام أحمد. قال عبد الله: حدثني أبي ثنا عبد الصمد (3)   (1) الحديث رواه الطحاوي في معاني الآثار بالإسناد المتقدم: 1/ 269. والحاكم في المستدرك: 1/ 270. وقال: على شرط مسلم. وتعقبه الذهبي بأن المنهال ضعفه ابن معين. وأشعث لين، والحديث منكر. والحديث بهذا الإسناد ضعيف جداً. (2) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكوت في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام. 119 / 430. وأبو داود، حديث (998) في كتاب الصلاة، باب السلام. والنسائي في سننه الصغرى: 3/ 61 في كتاب الصلاة، باب موضع اليدين عند السلام، وأحمد في المسند: 5/ 86. وأبو عوانة في المسند: 2/ 238 - 239. والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 268. والبيهقي في السنن الكبرى: 2/ 253. في الصلاة، باب الاختيار أن يسلم تسليمتين. كلهم من حديث مسعر عن عبيد الله بن القبطية عن جابر بن سمرة. (3) عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم، التنوري، بفتح المثناة وتثقيل النون المضمومة، أبو سهل البصري، صدوق ثبت في شعبة، من التاسعة. مات سنة سبع ومئتين. التقريب:356. وقال الذهبي: حجة. الكاشف: 1/ الترجمة 3376. وتهذيب التهذيب: 6/ 327 وتهذيب الكمال: 18/ 99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 حدثني عمر (1) بن فروخ حدثني بسطام (2) . عن أعرابي نضيفهم أنه صلى مع النبي ش فسلم تسليمتين) (3) .   (1) عمر بن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة آخره معجمة، البصري بياع الأقتاب بقاف ومثناة، ويقال له صاحب الساج. بمهملة وجيم، صدوق ربما وهم، من السابعة. التقريب: 416 والتهذيب: 7/ 488 وتهذيب الكمال: 21/ 478. (2) بسطام بن النضر الكوفي عن أعرابي. لأبيه صحبة، وعنه عمر بن فروخ، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحا، وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات. وهو مما فات الحسيني. قال الحافظ: وقد استدركه شيخنا الهيثمي ونقلته من خطه. وحديثه في مسند البصريين عن عبد الصمد بن عبد الوارث وأبي سعيد مولى بني هاشم جميعا عن عمر عنه. قال عبد الصمد في روايته عن أعرابي أنه صلى مع النبي ش. وقال أبو سعيد في روايته عن بسطام عن أعرابي عن أبيه. وقال البخاري: بسطام بن النضر، ويقال أبو النضر هو الكوفي. قال لنا موسى: عن عمر عن بسطام تضيفنا أعرابي فحدثنا عن أبيه. تعجيل المنفعة: 50. والجرح والتعديل: 2/ 414. (3) الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند: 5/ 59 -60. وأورده الحافظ في تعجيل المنفعة كما تقدم. وأورده الهيثمي في المجمع: 2/ 145. وقال: رواه أحمد وفيه من لم يسم، وقال فيه عن أعرابي عن أبيه، والذي في المسند عن أعرابي تضيفهم، ولعل الصواب ما في مجمع الزوائد وتعجيل المنفعة عن أبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 - وحديث أعرابي عن النبي ش، رواه الإمام أحمد فقال القطيعي: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو سعيد (1) ثنا عمر بن فروخ ثنا بسطام الكوفي قال: تضيفنا أعرابي (2) فحدث الأعرابي أنه صلى مع النبي الله عليه وسلم فسلم تسليمتين عن يمينه وعن شماله) (3) .   (1) أبو سعيد هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد البصري، أبو سعيد، مولى بني هاشم، نزيل مكة، لقبه جردقة، بفتح الجيم والدال بينهما راء ساكنة ثم قاف، صدوق ربما أخطأ،من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين ومئة. التقريب: 344 والتهذيب: 6/ 209 وتهذيب الكمال: 7/ 217 والثقات لابن حيان: 8/ 374. (2) أعرابي: لا يُعرف. (3) الحديث رواه الإمام أحمد في المسند: 5/ 60. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: 2/ 145. وأورده الحافظ في تعجيل المنفعة، كما تقدم عنه في الحديث السابق. والحديث ضعيف؛ لأن فيه من لم يسم، وفيه بسطام لم يوثقه غير ابن حبان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 37/ وحديث ابن عمر، رواه الشافعي في مسنده فقال: أخبرنا مسلم (1) بن خالد وعبد المجيد (2) عن ابن جريج عن عمرو (3) بن يحيى المازني عن محمد (4) ابن يحيى بن حبان، عن عمه واسع (5) بن حبان عن ابن عمر عن النبي ش (أنه كان يسلم عن يمينه وعن   (1) مسلم بن خالد المخزومي مولاهم، المكي، المعروف بالزنجي، فقيه صدوق كثير الأوهام، من الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومئة أو بعدها. التقريب: 529. وقال علي بن المديني: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: ليس بذاك القوي منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به تعرف منه وتنكر. التهذيب:10/ 128-130 وتهذيب الكمال: 27/ 508 وطبقات ابن سعد: 5/ 499. (2) عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد بفتح الراء، وتشديد الراء، صدوق يخطئ، وكان مرجئا أفرط ابن حبان فقال: متروك. من التاسعة، مات سنة ست ومائتين. التقريب: 361 والتهذيب: 6/ 381 وتهذيب الكمال: 18 / 271 والكاشف: 2/ الترجمة 3479 وديوان الضعفاء: الترجمة 2601 والمغني: 2/ الترجمة 3793 والميزان: 2/ الترجمة 5183. (3) عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني، المدني، ثقة، من السادسة، مات بعد الثلاثين ومئة. التقريب: 428 والتهذيب: 8/ 118 وتهذيب الكمال: 22/ 295 والتاريخ الكبير للبخاري: 6/ الترجمة 2705 والكاشف: 2/ الترجمة 4317 والثقات لابن حبان: 7/ 215. (4) محمد بن يحيى بن حبان بفتح المهملة وتشديد الموحدة ابن منقذ الأنصاري، المدني، ثقة فقيه، من الرابعة، مات سنة إحدى وعشرين ومئة. التقريب: 512 والتهذيب: 9/ 507 وتهذيب الكمال:26/ 605 والثقات لابن حبان: 5/ 376 والكاشف: 3/ الترجمة 5289. (5) واسع بن حبان، بفتح المهملة ثم موحدة ثقيلة ابن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني، صحابي بن صحابي، وقيل: بل ثقة من الثانية. التقريب: 579 والتهذيب: 11/ 102 وطبقات ابن سعد: 6/ 318. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 يساره) (1) . 38/ وحديث أبي هريرة وأبي أسيد وأبي حميد: رواه الطحاوي من حديث محمد (2) بن عمرو بن عطاء عن عباس (3)   (1) الحديث رواه الشافعي في مسنده: 1/ 99 والنسائي: 3/ 62. والطحاوي في شرح معاني الآثار:1/ 269. والبيهقي في السنن: 2/ 254. وفي معرفة السنن والآثار: 3/ 94. وأحمد في المسند: 10/حديث 6397. ولم يعزه النووي في المجموع: 3/ 479، وكذلك الزيلعي في نصب الراية: 1/ 433 إلا للبيهقي، مع أنه مخرَّج في غير السنن والمعرفة للبيهقي. كما أن الحافظ نورالدين الهيثمي ذكره في مجمع الزوائد: 2/ 145. وعزاه للطبراني في الأوسط، مع أنه ليس من الزوائد، بل هو عند النسائي كما تقدم وهو حديث ضعيف لضعف مسلم بن خالد الزنجي وعبد المجيد بن العزيز بن أبي وراد وقد ورد في المسند عن روح بن عبادة عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن أبي يحي وصحح إسناد أحمد شعيب الأرنؤوط. انظر تعليقه على المسند: 10 / 454. (2) محمد بن عمرو بن عطاء القرشي العامري، المدني، ثقة، من الثالثة، مات في حدود العشرين (ومئة) ووهم من قال: إن القطان تكلم فيه، أو أنه خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن، فإن ذلك هو ابن عمرو بن علقمة بن وقاص. التقريب: 499 والتهذيب: 9/ 373 وتهذيب الكمال: 26/ 210. (3) عباس بن سهل بن سعد الساعدي، ثقة، من الرابعة، مات في حدود العشرين (ومئة) . وقيل قبل ذلك. التقريب: 293 والتهذيب: 5/ 118 وتهذيب الكمال: 14 / 212 وطبقات ابن سعد: 5/ 271 والثقات لابن حبان: 5/ 258 والكاشف: 2/ الترجمة 2618. * تنبيه:غير مقنع: رافع رأسه حتى لا يكون أعلى من ظهره، ولا مصوبه أي: ولا خافضه حتى لا يكون أسفل من ظهره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 بن سهل الساعدي، وكان في مجلس فيه أبوه، وكان من أصحاب النبي ش، وفي المجلس أبو هريرة رضي الله عنه، وأبو أسيد وأبو حميد الساعدي من الأنصار أنهم تذاكروا الصلاة فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله ش. فقالوا: وكيف؟ فقال: اتبعت ذلك من رسول الله ش فقالوا: فأرنا. قال: فقام يصلي وهم ينظرون فبدأ فكبر ورفع يديه نحو المنكبين، ثم كبر للركوع، ورفع يديه أيضا، ثم أمكن يديه من ركبتيه غير مقنع* رأسه ولا مصلوبه، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا ولك الحمد، ثم رفع يديه، ثم قال: الله أكبر فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد، ثم كبر فجلس فتورك إحدى رجليه، ونصب قدمه الأخرى ثم كبر فسجد، ثم كبر فقام، فلم يتورك، ثم عاد فركع الركعة الأخرى كذلك، ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام قام بتكبير، ثم ركع الركعتين، ثم سلم عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله، وسلم عن شماله أيضا السلام عليكم ورحمة الله) (1) . 39/ وحديث أوس بن أوس رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار فقال:   (1) الحديث رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/260. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: 2/146. وعزاه للطبراني في الكبير وقال: رجاله موثقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 حدثنا نصر (1) بن مرزوق، ثنا أسد (2) بن موسى، ثنا قيس (3) بن الربيع عن عمير (4) بن عبد الله، عن عبد الملك (5) بن المغيرة الطائفي، عن أوس (6)   (1) نصر بن مرزوق أبو الفتح المصري، روى عن الخطيب بن ناصح ووهب الله بن راشد ومحمد بن أسد وخالد بن نزار. قال ابن أبي حاتم: كتبنا عنه وهو صدوق. الجرح والتعديل: 8/ 472. وذكره ابن يونس في علماء مصر وقال: توفي في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستين ومئتين. مغاني الأخيار للعيني: 3/ 978. (2) أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي، أسد السنة، صدوق يغرب، وفيه نصب، من التاسعة، مات سنة اثنتي عشرة (ومئتين) . التقريب: 104 والتهذيب: 1/ 261 وتهذيب الكمال: 2/ 512 والميزان: 1/ 207. (3) قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي، صدوق تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، من السابعة، مات سنة بضع وستين ومئة. التقريب: 457 والتهذيب: 8/ 391 وتهذيب الكمال: 24/ 25. (4) عمير بن عبد الله بن بشر الخثعمي، ثقة، من السادسة. التقريب: 431 والتهذيب: 8/ 148. وتهذيب الكمال: 22/ 380 والتاريخ الكبير للبخاري: 6/ الترجمة 3261. (5) عبد الملك بن المغيرة الطائفي مقبول، من الرابعة. التقريب: 365 والتهذيب: 6/ 411 وتهذيب الكمال: 18/ 270 والتاريخ الكبير للبخاري: 5/ الترجمة 1386 وتاريخه الصغير: 2/ 39. (6) أوس بن أوس الثقفي. نقل عباس عن ابن معين أن أوس بن أوس الثقفي وأوس بن أبي أوس الثقفي واحد. وقيل إن ابن معين أخطأ في ذلك، وأن الصواب أنهما اثنان، وقد تبع ابن معين على ذلك أبو داود وغيره. والتحقيق أنهما اثنان. ومن قال: في أوس بن أوس أوأوس بن أبي أوس أخطأ. كما قيل في أوس بن أبي أوس أوس بن أوس، وهو خطأ. وأما أوس بن أبي أوس فاسم والده حذيفة. الإصابة: 1/ 81. ومعجم الصحابة لابن قانع: 1/ 26 والاستيعاب: 1/ 119 والتجريد: 1/302 وطبقات ابن سعد: 6/ 50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 بن أوس، أوأوس ابن أويس، قال: أقمت عند رسول الله ش نصف شهر فرأيته يصلي ويسلم عن يمينه وعن شماله) (1) . 40/ وحديث أبي موسى الأشعري رواه ابن ماجه في سننه فقال: حدثنا عبد الله (2) بن عامر بن زرارة ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن يزيد (3) بن أبي مريم عن أبي موسى قال: صلى بنا عليٌّ يوم الجمل صلاة ذكرنا صلاة رسول الله ش فإما أن نكون نسيناها، وإما أن نكون تركناها. فسلم عن يمينه وعن شماله) (4) .   (1) الحديث رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 269، ورواه الطبراني في معجمه الكبير من طريق قيس بن الربيع عن عمير بن عبد الله الخثعمي عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن أوس بن أوس/ حديث 596. والحديث من خلال الإسناد يترجح ضعفه، والله أعلم. (2) عبد الله بن عامر بن زرارة الحضرمي مولاهم، أبو محمد الكوفي، صدوق، من العاشرة مات سنة سبع وثلاثين ومئتين. التقريب: 308. وانظر التهذيب: 5/ 271 - 272 والكاشف: 2/ الترجمة 2824. (3) يزيد بن أبي مريم، ويقال اسم أبيه ثابت، الأنصاري، أبو عبد الله الدمشقي، إمام الجامع، لا بأس به، من السادسة، مات سنة أربعين ومئة أو بعدها. التقريب: 605. وقال في التهذيب: وثقه ابن معين ودحيم وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال أبو حاتم: هو من ثقات أهل دمشق. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الدارقطني: ليس بذاك. التهذيب: 11/ 359 وتهذيب الكمال: 32/ 243 والميزان: 4/ الترجمة 9751. (4) الحديث رواه ابن ماجه في سننه: (1/ 296) ، وكذلك الإمام أحمد في المسند: (4/392) من نفس الطريق. والطحاوي في شرح معاني الآثار: (1/ 267) . والحديث صححه الزيلعي في نصب الراية: (1/ 432) . وقال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وله شاهد من حديث جابر بن سمرة، رواه أبو داود والنسائي: مصباح الزجاجة: 1/ 113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 41/ وحديث علي: رواه الذين رووا الذي قبله؛ لأنهما حديث واحد فيه عن أبي موسى قال: صلى بنا علي بن أبي طالب يوم الجمل صلاة ذكرنا بها صلاة رسول الله ش فإما أن نكون نسيناها أو تركناها على عمد، فكان يكبر في كل خفض ورفع ويسلم عن يمينه وعن شماله) (1) . 42/ وحديث أبي مالك الأشعري: رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار من طريق شهر (2) بن حوشب عن عبد الرحمن (3) ابن غنم قال: قال أبو مالك الأشعري لقومه: ألا أصلي لكم صلاة رسول الله ش؟ فذكر الصلاة وسلم عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هكذا كانت صلاة رسول الله ش) (4) .   (1) سنن ابن ماجه: 1/ 296. ومسند أحمد: 4/ 392. ومعاني الآثار: 1/ 267. وقد تقدم الكلام على رجاله، وأنه حديث صحيح. (2) شهر بن حوشب الأشعري الشامي، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن، صدوق كثير الإرسال والأوهام، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة ومئة. التقريب: 269. وقال الذهبي: قال النسائي: ليس بالقوي. ووثقه أحمد وابن معين. وقال أبو حاتم: ليس بدون أبي الزبير. الكاشف: 2/ الترجمة 2333 والتهذيب: 4/ 369 وتهذيب الكمال: 12/ 578. (3) عبد الرحمن بن غنم، بفتح المعجمة وسكون النون الأشعري، مختلف في صحبته، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين، مات سنة ثمان وسبعين. التقريب: 348 وترتيب ثقات العجلي: 297. وانظر: تهذيب التهذيب: 6/ 250. (4) الحديث أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 269، ورواه محمد بن الحسن في كتاب الحجة عن أبي مالك الأشعري قال: ألا أعلمكم صلاة رسول الله ش إنه كان يكبر إذا رفع وإذا وضع وكان يسلم عن يمينه وعن يساره وكان يليه الرجال ثم الصبيان ثم النساء) الحجة: / 142. والحديث فيه شهر بن حوشب وَثَّقَه أحمد وابن معين وحسن حديثه البخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 43/ وحديث عقبة بن عامر رواه الحارث بن أبي أسامة فقال: حدثنا محمد بن عمر، ثنا عبد الله (1) بن سليمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي سعاد (2) الجهني عن عقبة بن عامر قال: رأيت رسول الله ش يسلم عن يمينه وعن يساره. السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله) (3) . 44/ وحديث جابر بن عبد الله ذكره الترمذي عقب حديث عبد الله بن مسعود في التسليمتين قال: وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر وجابر بن سمرة والبراء وأبي سعيد وعمار. ووائل بن حجر وعدي بن عميرة وجابر ابن عبد الله. سنن الترمذي: 2/ 90 وقال المباركفوري بعد تخريجه أحاديث هؤلاء الصحابة: وأما حديث جابرابن عبد الله فلينظر من أخرجه. تحفة الأحوذي: 2/ 186.   (1) عبد الله بن سليمان لم أعثر له على ترجمة. (2) أبو سعاد الجهني اسمه جابر بن أسامة الجهني. قال أبو نعيم: يعد في الحجازيين. وقيل: إنه قدم مصر وتوفي بها ويكنى أباسعاد. قاله أبو سعيد بن يونس. معرفة الصحابة: 542 والإصابة: 1/ 220 وأسد الغابة: 1/ 301. (3) الحديث أورده الهيثمي في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث: 1/ 291. وكذلك الحافظ في المطالب العالية: 1/ 228. والحديث فيه الواقدي، متروك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 45/ وحديث عبد الله بن زيد رواه أبو عوانة (1) الإسفراييني في مسنده فقال: حدثني أبي (2) قال: ثنا أبو مروان (3)   (1) هو: الحافظ الكبير يعقوب بن إسحاق بن يزيد الإسفراييني النيسابوري الأصل، صاحب المسند الصحيح المخرج على " صحيح مسلم "، وله زيادات. طوف الدنيا وعنى بهذا الشأن، وسمع الزعفراني والذهلي ويونس بن عبد الأعلى.ومنه أبو علي النيسابوري، وابن عدي والطبراني. قال الحاكم: من علماء الحديث وأثباتهم، مات سنة ست عشرة وثلاثمائة. طبقات الحفاظ للسيوطي: 327 وتذكرة الحفاظ: 3/ 779. (2) أبوه هو الإمام الحافظ شيخ خراسان أبو يعقوب الإسفراييني.قال الحاكم: هو إسحاق بن موسى ابن عمران أحد أئمة الشافعية والرحالة في طلب الحديث. من رستاق إلى إسفرايين، تفقه عن المزني وسمع المبسوط من الربيع وكتب الحديث بخراسان والعراق والحجاز ومصر والشام، وله مصنفات كثيرة توفي في شهر رمضان سنة أربع وثمانين ومائيتن. قال الذهبي: كان من الأثبات وتخيل إلي أنه والد أبي عوانة لكن والد أبي عوانة اسمه إسحق بن إبراهيم بن يزيد الإسفراييني يروي عن إسحاق بن راهويه وابن حجر وأبي مروان العثماني، أكثر عنه ولده أبو عوانة في صحيحه ثم إني لم أظفر لأبي عوانة برواية عن إسحاق بن أبي عمران ولا ذكر الحاكم لوالد أبي عوانة ترجمة في تاريخه؛ فلهذا جوزت في البديهة أنهما واحد وكلاهما طبقة واحدة. السير: 13/ 456. وتعقب الذهبي السبكي فقال: وأما تفرقة شيخنا - يعني الذهبي - بيبن إسحاق بن موسى بن عمران وإسحاق بن أبي عمران فلا أحسبه إلا وهما. وما أرى إ‘لا أنهما واحد. طبقات الشافعية للسبكي: 2/ 258. (3) أبو مروان هو محمد بن عثمان بن خالد الأموي أبو مروان العثماني المدني، نزيل مكة، صدوق يخطئ من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين. التقريب: 469. وثقه أبو حاتم وقال: صالح بن محمد ثقة صدوق إلا أنه يروي عن أبيه المناكير. قيل ما حاله؟ قفال لا نعرفه. لم أسمع أحدا يحدث عنه غير سلمة بن شبيب. وقال الحاكم في حديثه بعض المناكير. وذكره ابن حبان في الثقات. التهذيب: 9/ 336. وتهذيب الكمال: 26 / 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 قال: ثنا عبد العزيز (1) بن محمد عن عمرو بن يحيى المازني عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان قال: قلت لعبد الله بن زيد أخبرني عن صلاة رسول الله ش كيف كانت فذكر التكبير كلما وضع رأسه وكلما رفعه. وذكر السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه. السلام عليكم عن يساره) (2) . 46/ وحديث أزهر (3) بن منقذ رواه ابن مندة كما قال الحافظ في الإصابة:   (1) عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي أبو محمد الجهني مولاهم المدني، صدوق، كان يحدث من كتب غيره فيخطئ. قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العمري منكر، من الثامنة، مات سنة ست أو سبع وثمانين ومائة. التقريب: 358. وقال المزِّي: قال الزبيري: كان مالك يوثق الدراوردي، وكذا وثقه ابن معين. وقال أبو زرعة: سيئ الحفظ فربما حدَّث من حفظه الشيء فيخطئ. وقال النسائي: ليس بالقوي. وفي موضع آخر: ليس به بأس وحديثه عن عبيد الله بن عمر منكر. تهذيب الكمال: 18/ 187. التهذيب: 6/ 353. (2) الحديث رواه أبو عوانة في مسنده: 2/ 238. وأحمد في المسند: 9/ حديث 5402. والنسائي: 3/ 63. والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 268. والبيهقي في السنن: 2/254. وفي المعرفة: 2/ حديث 3844. من هذا الوجه وغيره عن محمد بن يحيى عن عمه واسع بن حبان أنه سأل عبد الله بن عمر عن صلاة رسول الله ش ... وقد قال الشافعي: أخبرنا الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن محمد ابن يحيى عن عمه واسع بن حبان قال مرة عن عبد الله بن عمر ومرة: عن عبد الله بن زيد. ترتيب مسند الشافعي: 1/ 99. ومن هذا الطريق رواه البيهقي في المعرفة: 2/ 3846. والحديث قال فيه شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي، رجاله ثقات، رجال الشيخين غير عبد العزيز بن محمد الدرواوردي من رجال مسلم. انظر تعليقه على المسند: حديث 5402. (3) أزهر بن منقذ .... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 1/ 28 فقد قال في ترجمة أزهر بن منقذ: قال أبو عمر: لم يحدث عنه إلا عمير (1) بن جابر. وقال ابن مندة: هو من أعراب البصرة. ثم روي من طريق عمير بن جابر قال: رأيت رسول الله ش وصليت خلفه فسمعته يفتتح القراءة بالحمد لله ويسلم تسليمتين. قال ابن مندة: غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه. قال الحافظ: قلت: وفي إسناده علي (2) بن قرين، وقد كذبه ابن معين وموسى ابن هارون وغيرهما. الفصل الثالث في الثلاث التسليمات   (1) عمير بن جابر: لم أطلع له على ترجمة. (2) علي بن قرين. قال العقيلي: كان يضع الحديث ببغداد. قال عثمان بن سعيد: قال: قال لي يحيى بن معين: لا تكتب عن علي بن قرين شيخ بغداد فإنه كذاب خبيث. الضعفاء للعقيلي: 3/ 249. وقال ابن عدي: كان يسرق الحديث، ونقل عن موسى بن هارون قوله: علي بن قرين بغدادي، كان كذابا، ونقل قول ابن معين السابق. الكامل: 1857. وقال الذهبي: كذبه غير واحد. وتركه أبو حاتم. المغني: 1/ 453 والميزان: 3/ الترجمة 5913 ولسان الميزان: 4/ 251. وهذا الحديث لا يعول عليه لضعفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 47/ وفيه حديث واحد عن سمرة بن جندب، رواه الدارقطني من طريق روح بن عطاء بن أبي ميمونة عن أبيه عن الحسن عن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله ش (يسلم واحدة في الصلاة قبل وجهه فإذا سلم عن يمينه سلم عن يساره) (1)   (1) الحديث أخرجه الدارقطني في سننه: 1/ 358. وقد تقدم بهذا الإسناد من رواية ابن عدي في ترجمة عطاء بن أبي ميمونة قال ابنه روح: حدثني أبي وحفص المنقري عن الحسن عن سمرة أن رسول الله ش كان يسلم تسليمة تلقاء وجهه. وساق ابن عدي لعطاء بن أبي ميمونة عدة أحاديث منتقدة هذا منها، ثم قال: ولعطاء بن أبي ميمونة غير ما ذكرت من الحديث وممن يروي عنه. يكنيه بأبي معاذ ولا يسميه لضعفه، وهو معروف بالقدر، وابنه روح بن عطاء في أحاديثه بعض ما ينكر عليه. الكامل لابن عدي: 2005. والحديث ضعفه الزيلعي: 1/ 434. ونقل ذلك عن عبد الحق الإشبيلي في الأحكام، وذلك بالنظر لحال روح وأبيه ولكون الحسن لم يسمع من سمرة كما قال ابن معين. وقد ذهب بعضهم إلى أن فعل الثلاث التسليمات فيه جمع بين الروايات المختلفة. نقل ذلك الشوكاني في النيل: 2/ 334. المصادر والمراجع القرآن الكريم. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان. لعلاء الدين الفارسي (ت 739هـ) قدم له كمال يوسف الحوت. ط/ دار الباز بمكة المكرمة. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصرالدين الألباني ط، المكتب الإسلامي. الاستذكار لابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن عبد البر، (ت 463هـ) تحقيق عبد المعطي قلعجي ط/ مؤسسة الرسالة. الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر، (ت852هـ) ط/ دار الكتب العلمية. الأنساب للسمعاني، عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، (562هـ) . الطبعة الأولى بالهند. التاريخ الصغير للبخاري، محمد بن إسماعيل، (ت256هـ) تحقيق: محمود إبراهيم زائد حلب. التاريخ الكبير للبخاري، محمد بن إسماعيل، (ت 256هـ) ط/ دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، أحمد بن علي بن حجر، تصحيح عبد الله هاشم ط/ شركة الطباعة الفنية المتحدة بالقاهرة. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، يوسف بن عبد الله بن عبد البر، (ت 463هـ) ط/ وزارة الأوقاف بالمغرب. الثقات لابن حبان.محمد بن حبان البستي (ت 354هـ) . ط/ الطبعة الأولى - حيدرآباد - الدكن. الهند. الجامع الصحيح، محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، (ت 279هـ) تحقيق أحمد محمد شاكر. الناشر / المكتبة الإسلامية. الجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم (ت327هـ) .ط/ دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان. الحجة على أهل المدينة، محمد بن الحسن الشيباني، (ت 189هـ) رتب أصوله وعلق عليه السيد / مهدي حسن الكيلاني. ط/ عالم الكتب. الدراية في تخريج أحاديث الهداية، أحمد بن علي بن حجر، تصحيح عبد الله هاشم ط/ الفجالة. السنن الكبرى للبيهقي، أحمد بن الحسين، (ت 458هـ) . تحقيق محمد عبد القادر عطاء ط/ دار الكتب العلمية. الضعفاء الكبير للعقيلي، محمد بن عمرو بن موسى. تحقيق د/ عبد المعطي قلعجي ط/ دار الكتب العلمية. العبر في خبر من غبر للإمام الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، (ت 748هـ) ط/ دار الباز. مكة المكرمة. الكاشف للإمام الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، (ت 748هـ) تحقيق: د/ نور الدين عتر. ط/ دار النصر. الكامل في ضعفاء الرجال، عبد الله بن علي الجرجاني (ت 365هـ) ط/ دار الفكر للطباعة والنشر. الكنى للدولابي، محمد بن أحمد الدولابي (ت 310هـ) دار الباز للنشر. مكة المكرمة. المجروحين لابن حبان.محمد بن حبان البستي (ت 354هـ) تحقيق: محمود إبراهيم زائد. ط/ دار الوعي بحلب. المجموع في شرح المهذب، يحيى بن شرف النووي ط/ دار الفكر. المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبد الله الحاكم، (ت 405هـ) ط/ مكتبة ومطابع النصر الحديثة. المصنف لابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، (ت235هـ) تحقيق الأستاذ عامر العمري ط/ الدار السلفية - الهند. المعجم الأوسط للطبراني، سليمان بن أحمد، (ت360هـ) . تحقيق د/ محمود الطحان. ط/ مكتبة المعارف - الرياض. المعجم الكبير في أسامي شيوخ أبي بكر. لأحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي، (ت 425هـ) . تحقيق د/ بشار عواد. ط/ مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة. المعجم الكبير للطبراني، سليمان بن أحمد، (ت360هـ) تحقيق / حمدي السلفي ط/ الدار العربية. بغداد. الموطأ - مالك بن أنس، (ت 179هـ) ط/ دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان. بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، نورالدين علي بن أبي بكر الهيثمي، (807 هـ) . تحقيق د/ حسين أحمد صالح الباكري. ط/ مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية. بلوغ المرام في أدلة الأحكام، أحمد بن علي بن حجر ط/ دار الفكر. تاريخ الثقات، أحمد بن عبد الله العجلي، (ت 261 هـ) . ترتيب نورالدين علي الهيثمي (ت 807 هـ) تحقيق: د/ عبد المعطي قلعجي. ط / دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان. تاريخ بغداد، أحمد بن علي بن ثابت، (ت 463هـ) . ط/ دار الكتاب العربي. بيروت - لبنان. تجريد أسماء الصحابة، محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ) . الناشر: دار المعرفة. تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، (ت 748هـ) ط/ دار إحياء التراث العربي. بيروت - لبنان. تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأربعة، أحمد بن علي بن حجر، (ت852هـ) ط/ دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان. تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر، (ت852هـ) . تحقييق محمد عوامة ط/ دار الرشيد - حلب. تهذيب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر، (ت852هـ) ط/ دار صادر - بيروت - لبنان. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، جمال الدين أبي الحجاج المزي، (ت 742هـ) تحقيق: د/ بشار عواد. ط/ مؤسسة الرسالة. جامع الأصول في أحاديث الرسول. مجدالدين بن الأثير، (606هـ) . تحقيق عبد القادر الأرنؤوط. ط/ مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ودار البيان. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430هـ) ط، دار الكتاب العربي - بيروت. خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الأحكام، يحيى بن شرف النووي، (ت 676هـ) . تحقيق حسين إسماعيل الجمل ط/ مؤسسة الرسالة. سبل السلام شرح بلوغ المرام، محمد بن إسماعيل الصنعاني، (ت 1182هـ) صححه وعلق عليه: فواز أحمد زرملي وإبراهيم محمد الجمل. ط/ دار الريان للتراث. سنن أبي داود،سليمان بن الأشعث، (ت 275هـ) . تحقيق عزت الدعاس ط/ دار الحديث - حمص - سوريا. سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، (275هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ط/ دار إحياء التراث العربي. سنن الدارمي. عبد الله بن بهرام الدارمي. ط/ دار الفكر. سنن النسائي الصغرى. أحمد بن شعيب النسائي، (ت 303هـ) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. ط/ دارالبشائر الإسلامية. سنن النسائي الكبرى. أحمد بن شعيب النسائي، (ت 303هـ) . تحقيق د/ عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن ط/ دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. شرح السنة. الحسين بن مسعود الفراء البغوي، (ت 516هـ) . تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرنؤوط. ط/ المكتب الإسلامي. شرح معاني الآثار للطحاوي، أحمد بن محمد الأزدي، (ت 321هـ) .تحقيق: محمد سيد جادالحق. ط/ الأنوار المحمدية. صحيح ابن خزيمة، محمد بن إسحاق (ت 311هـ) . تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي. ط/ المكتب الإسلامي. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، (ت 256هـ) ط/ دار إحياء التراث العربي. بيروت - لبنان. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج، (ت 261هـ) ط/ دار الحديث - القاهرة. طبقات ابن سعد، محمد بن سعد (ت230هـ) . دار صادر.بيروت للطباعة والنشر. طبقات الشافعية الكبرى، عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، (ت 771هـ) . تحقيق محمود طناحي وعبد الفتاح محمد الحلو. ط/ البابي الحلبي وشركاه. غوث المكرود بتخريج منتقى ابن الجارود أبي إسحاق الحويني الأثري. الناشر/ دار الكتاب العربي. كتاب الدعاء للطبراني، سليمان بن أحمد، (ت360هـ) تحقيق د/ محمد سعيد محمد حسن. ط/ دار البشائر. لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر، (ت852هـ) ط/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. بيروت - لبنان. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. نورالدين علي بن أبي بكر الهيثمي، (807 هـ) ط/ دارالكتاب العربي. بيروت - لبنان. مسند أبي عوانة، يعقوب بن إسحاق (ت 316) ، الناشر: دار المعرفة. مسند أبي يعلى الموصلي، (ت 307هـ) . تحقيق وتعليق إرشاد الحق الأثري. ط/ دار القبلة بجدة. مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241هـ) ، ط المكتب الإسلامي. مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241هـ) ، مشرف التحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة. مسند الشافعي، محمد بن إدريس (ت 204هـ) ، رتبه محمد عابد السندي، ط، دار الكتب العلمية. مشكاة المصابيح - محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، (ت 737هـ) . تحقيق محمد ناصرالدين الألباني ط/ المكتب الإسلامي. مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، أحمد بن أبي بكر البوصيري، (ت696هـ) . تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي. ط/ دارالعربية. بيروت - لبنان. مصنف عبد الرزاق، عبد الرزاق بن همام الصنعاني، (ت 211هـ) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي. ط/ المجلس العلمي بكراتشي، باكستان. معرفة السنن والآثار للبيهقي، أحمد بن الحسين، (ت 458هـ) تحقيق د/ عبد المعطي قلعجي. ط/ دار الوعي. دار الوفاء. مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار، محمود بن أحمد موسى العيني، (ت 855هـ) . تحقيق: أسعد محمد الطيب. ط/ مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة - الرياض. منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود، أحمد عبد الرحمن البنا، الناشر: المكتبة العلمية. ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، (ت 748هـ) ط/ دار إحياء الكتب العربية. نصب الراية لأحاديث الهداية، جمال الدين الزيلعي، (ت 762هـ) ط/ المكتبة الإسلامية. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، محمد بن علي الشوكاني، (ت 1250هـ) ط/ البابي الحلبي بمصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 • • • الخاتمة: نسأل الله حسنها، وهي تشتمل على خلاصة البحث ونتائجه، وقد: بينت فيها أن الأحاديث الواردة في التسليمة الواحدة قليلة وضعيفة، كما قال العلماء، لا تنهض للاحتجاج فكلها معلولة الأسانيد. وأمثلها حديث عائشة، وقدرجح الحفاظ وقفه، ورأوا أن المرفوع منه منكر، ولم يصح مرفوعا، ولم يرفعه إلا زهير بن محمد عن هشام. وزهير ضعيف عند كثير من العلماء لا يحتج به، وخاصة في رواية الشاميين عنه. قال العقيلي: ولا يصح في التسليمة الواحدة شيء. وقال ابن القيم: لم يثبت عنه ذلك - أي رسول الله ش - من وجه يثبت، وقد يتصور البعض فيما تقدم أن التسليمة الواحدة لا أصل لها، وهذا خطأ، فهي واردة عن رسول الله ش وعن سلف الأمة من الصحابة فمن بعدهم، ولكن التسليمة الثانية أرجح من حيث الدليلُ. قال الإمام البيهقي: روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم سلموا تسليمة واحدة، وهو من الاختلاف المباح والاختصار على الجائز. وبالله التوفيق. السنن الكبرى: 2/ 255. إن الأحاديث الواردة في التسليمتين رواها العدد الكثير من الصحابة عن رسول الله ش، وعمل بذلك أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو المذهب الراجح؛ لكثرة الأحاديث الواردة فيه؛ ولصحة بعضها وحسن بعضها، كما قدمنا في الدراسة حتى إن بعضهم أوجبها. فقد روى الطحاوي أن الحسن بن حي أوجب التسليمتين جميعا، وهي رواية عن أحمد بن حنبل. وبها قال بعض أصحاب مالك، ونقله ابن عبد البر عن بعض أهل الظاهر. انظر النيل: 2/ 333. أما ثلاث تسليمات فلم ترد إلا في حديث ضعيف لا يعول عليه. أخرجه الدارقطني، وهو معلول بعلتين: أ - الأولى: ضعف روح بن عطاء أحد رواته. قال فيه أحمد: منكر الحديث. ب- والعلة الثانية: أن الحسن بن أبي الحسن لم يسمع من سمرة، كما قال ابن معين، وأيضاً تدليس الحسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 هذا ما توصلت إليه من خلال البحث في هذا الموضوع. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الهوامش والتعليقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 المُسْتَخْرَجات نشأتها وتطورها د. موفق بن عبد اللَّه بن عبدِ القادر جامعة أمِّ القرى - مكة المكرمة ملخص البحث لقد أبرز هذا البحث الوجه الحضاري للمُحَدِّثين في مَجال توثيق النُّصوصِ وضبطها، مِن خلال الابداع في التَّصنيف، وَتطرَّقَ إلى نشاة المُسْتَخْرَجات وتطورها، ولفت الانتباه إلى فنِّ الرِّواية عند المُسلمين وبراعتهم فيهِ، والصِّلة بينَ المُسْتَخرجات الحديثيَّةِ وعلم معاجم الشُّيُوخ والمشيخات.. وأثبت أنَّ هذين اللَّونين مِنَ المُصَنَّفات تفتقرُ إليهِ معظم الحضارات الماديَّةِ القديمة منها والحديثة. مقدمة: الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدِنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين. أمَّا بعد: فلقد اعتنى المُحَدِّثونَ في رواية النُّصوصِ شفهية كانت أو كِتابية عنايةً واسعةً، واستخدموا في سبيلِ المحافظةِ على سلامتها أساليب عديدة، ووضعوا شروطاً وألفاظاً لصيغ التَّحمل والأداء تميزت بالدِّقَّةِ والموضوعيَّة، إضافةً إلى التَّحري الدَّقيق لمعرفة رواة السُّننِ والمسانيدِ، فلم يتركوا الفرصة لِمُنْتَحِلٍ أن يَدُسَ في السُّنَّةِ ما ليس منها، أو أن يَدَّعي أحدٌ في المُصَنَّفاتِ ما ليس منها. . ولقد تفنن المُحَدِّثونَ في روايتِهم للنُّصوصِ واتَّبعوا أساليب عديدة في تأليفاتهم مِن أجل الوصولِ إلى أدقِّ النُّصوصِ للرِّواياتِ وأسلمها، وَمِن الوسائل التي اتَّبعوها لتوثيق النُّصوص وضبطها التأليف في فَنِّ المُستَخْرَجات. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 هذا وَإنَّ كافة المُعطيات المُتوفرة لدينا تشير إلى أنَّ هذا النَّوع مِنَ المُصَنَّفات قد نشأ وترعرعَ في بلدان الخِلافة الشَّرقيَّةِ، ولا غرو في ذلكَ، فأصحاب الصَّحيحين، والسُّنن الأربع هم مِن أهل تلك الدِّيار، وأوَّل مَن صَنَّفَ في المُسْتَخْرَجات هو أبو أحمدَ حُميدُ بن مَخْلَدِ بن قُتَيْبَةَ بن عبدِاللَّهِ الأزديُّ النَّسائيُّ، المعروف بابنِ زَنْجُويه، وهو لقبُ أبيهِ (ت251هـ) (1) ، صاحب كتاب ((الأموال)) ، قال الكَتَّانيُّ: وكتابه كالمُسْتَخْرَجِ على كتاب أبي عُبيدٍ، وقد شاركهُ في بعض شيوخهِ وزاد عليهِ زيادات (2) . . ونظرة سريعة إلى المُسْتَخْرَجات ومُصَنِّفيها تعطينا انطباعاً أنَّ هذا النَّوع مِنَ المُصَنَّفات يكاد أن يكون مَشْرِقيَّ المولِدِ والوفاة، ذلكَ أنَّ مَن صَنَّفَ في هذا النَّوع منَ الفنونِ مِن أهلِ المغربِ، وهما الإمامُ الحافظُ العَلاَّمةُ، شيخُ الأندلسِ، ومُسْنِدُها، أبو عبدِاللَّهِ محمدُ ابنُ عَبْدِالملكِ بن أيمن بن فَرَجٍ القُرْطُبِيُّ (ت330هـ) (3) ، قال الذَّهبيُّ: صَنَّفَ كتاباً في السُّننِ، خَرَّجَهُ على ((سُنن)) أبي داود (4) ، والإمامُ الحافظُ العَلاَّمةُ مُحَدِّثُ الأندلس، أبو محمدٍ، قاسمُ بن   (1) ترجمته ومصادرها في سير أعلام النبلاء: 12/19. (2) الرسالة المستطرفة: 47، وقد طبع كتاب الأموال لأبي عُبيد القاسم بن سلاَّم (ت224هـ) ، بتحقيق محمد خليل هرَّاس، منشورات مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، ودار الفكر للطباعة والنشر، الطبعة الثانية (1395هـ-1975م) . كما طبع كتاب الأموال لابن زنجويه بتحقيق الدكتور شاكر ذيب فياض، مطبوعات مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، الطبعة الأولى (1406هـ-1986م) . (3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/241. (4) سير أعلام النبلاء: 15/242، وانظر: تاريخ علماء الأندلس: 2/50-51، الرِّسالة المستطرفة: 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 أصْبَغ بن مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيُّ، مولى بني أُمَيَّةَ (ت340هـ) (1) ، قال الذَّهبيُّ: وَفاتَهُ السَّماع مِن أبي داودَ، فصَنَّفَ سُنناً على وَضْعِ سُننهِِ (2) . وقال الكَتَّانيُّ: ثُمَّ اختصر قاسمُ بن أصبغ كتابه وسمَّاهُ ((المُجتنى)) بالنُّون، فيه مِنَ الحديثِ المُسْنَدِ ألفٌ وأربعمائة وتسعونَ حديثاً، في سبعة أجزاء (3) ، قد صَنَّفا هذين الكتابين بعد أن رحلا إلى بلادِ المَشْرِقِ.   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 14/472. (2) سير أعلام النبلاء: 14/473، وقال ابنُ فَرْحون: وصنَّفَ في الحديثِ مُصَنَّفاتٍ حَسَنَةٍ، منها: مُصَنَّفهُ المُخَرَّج على كتاب أبي داودَ.. الدِّيباج المُذْهَب: 2/146. (3) الرسالة المستطرفة: 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 هذا ويُمكننا القول: إنَّ فَنَّ المُسْتَخْرَجاتِ ماهو إلاَّ لَون مِن ألوان فنِّ التَّخريج انتعش وازدهر في القرنِ الثَّالث، واستمر في التَّطورِ حتَّى نهاية القرن الخامس. . (1) حيثُ شح إن لم نقل انعدمَ التَّصنيف لهذا النَّمط مِن أنماط المُصَنَّفات. . ولمَّا كان هذا اللَّون من المُصَنَّفات هو نوعٌ مِن أنواعِ عِلْم رواية النُّصوصِ عند المُسلمينَ، الذي يتميَّز بالحيويَّة والنَّشاط، والذي يتطلَّب مِن مؤلِّفِهِ بَرَاعة الاقتباس مِنَ المُصنَّفات المتقدِّمَة عليهِ، وَأن يسوق المادة بمهارةٍ فائقةٍ، وعقلٍ رياضيٍّ لا يقبل غير الصَّواب، فقد امتدَّ تأثيرهُ على لونٍ آخرٍ مِن ألوانِ فنِّ الرِّوَاية وهو علم معاجم الشُّيُوخِ والمشيخات (2) الذي كان الوارث لهذا النَّوعِ مِنَ المُصَنَّفاتِ الحديثيَّةِ والذي استوعبَ مداهُ، واستطاع أنْ يقومَ مقامهُ في توثيق النُّصوصِ وضبطها عند المُحَدِّثينَ.   (1) لم يذكر بعد هذا القرن تأليفات في المُستَخرجات على كتب الحديث، سوى المُسْتَخرج على المُسْتَدرك للحاكم النَّيْسابوري استخرجه الإمام أبو الفضل العراقيِّ (ت806هـ) . (2) في كتابنا ((علم الأثبات ومعاجم الشُّيُوخِ والمَشيخَات وفَنُّ كتابة التَّراجم)) الذي تقوم على طباعته جامعة أمِّ القُرى قسمت معاجم الشُّيُوخ والمشيخات إلى ستِّ مدارس، وتحدَّثت عن الأساليب والمناهج المُتَّبعة في كُلِّ مدرسةٍ، والمرادُ هنا معاجم الشُّيُوخ التي تنتمي إلى مدرسة الرِّوَاية وَسِيَر الشُّيوخِ، تلك التي يركز فيها مُصَنِّفوها على مرويات الشُيوخِ، مع التَّركيز على تخريج المَرويات مِنَ المصادر الأخرى، إضافةً إلى حرصهم على الالتقاء مع أحد المُصَنِّفين، بأسلوب العُلُوِّ بالإسناد التي سيأتي بيانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 إنَّ بحثنا الموجز هذا على صغر حجمه قد استطاعَ أن يثبتَ مدى اتِّساع الأفقِ عند المُحَدِّثينَ، لا سيما في فنِّ الرِّوَاية القائم على التَّجربة الواقعيَّةِ، القائمة على الدِّقَّة في التَّحَمُّلِ والأداء، والبعيدة عن التَّعبيرات الأدبيَّة، والمقومات البلاغيَّةِ. . فهي أشبه بالعمليات الحِسابية التي لا تقبل غير الصَّواب. . وكيف انتقلت المادة العِلْميَّة للمُسْتَخْرَجات لتحتويها كتب المشيخات القائمة على نمطِ تتبعِ الأسانيد للرِّواية الواحدة، والتي تكثرُ مِنَ الرِّوَايات المُشاركَةِ لهذهِ الرِّواية، والتي أصبحت سِجِلاً أميناً وثائقياً للعديدِ مِنَ المصادر، وكيف أنَّ منهجها ينطوي على الذَّكاء المفرطِ، والقدرة العالية التي يتمتع بها المُصَنِّفُونَ لِمثل هذهِ المعاجم والمشيخاتِ التي تتميز بالدِّقَّة العجيبةِ ويسودها الانتظام في بيان الإسناد العالي وأقسامه المُختلفةِ. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وفي الختام أسأل اللَّه الكريم أن أكون قد وفِّقتُ في عرضي الموجز (1) هذا عن نشأة المُسْتَخرجات وتطورِها، إلى لَفَت الانتباه إلى فنِّ الرِّواية عند المُسلمينَ، وبراعتهم فيهِ، ومنهجم العظيمِ في توثيق النُّصوصِ وضبطها، الذي تميَّزَ بالابداعِ والأصالةِ، وهو يُمثلُ جزءاً أساسياً مِن تُراثنا الخالدِ الذي تفتقر إليه معظم الحضارات المادِّية القديمة منها والحديثة. . وَمِنَ اللَّهِ التَّوفيقَ وعليهِ التُّكلان، وهو حَسبنا فيما نكتبُ ونقول، وصلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ وسلَّم أجمعين. ... وكتبه أفقر العباد موفق بن عبدِ اللَّهِ ... المبحث الأوَّل: تعريف المُسْتَخْرَجات قال الإمامُ العِراقيُّ: واستخرجوا على الصَّحيحِ كَأبي عَوَانةٍ ونحوهِ وَاجْتَنِب عَزوكَ ألْفَاظ المتونِ لَهُمَا إِذْ خَالفت لَفْظَاً ومعنى رُبَّمَا (2) . المُسْتَخرجُ لغةً: اسم مفعولٍ مُشتقٌ مِنَ الفعلِ استخرج المزيد مِنَ الثُّلاثي خَرَجَ، والخُرُوج نقيض الدُّخولِ، وخارجُ كلَّ شيءٍ ظاهرهُ، والاستخراج كالاستنباط (3) ، واستَخْرَجْتُ الشَّيءَ مِنَ المَعْدَنِ خَلَّصْتُهُ مِنْ تُرَابِهِ (4) .   (1) إنَّ الإيجاز والاختصار ترجع أسبابه إلى ظروف النَّشر في المَجلات التي تشترط أن لا يزيد البحث على أرقام محدودةٍ مِنَ الصَّفحات، وهذا يذكرني بقول الإمام ياقوت الحموي رحمه اللَّهُ تعالى: ((ثُمَّ اعلم أنَّ المُختصرَ لكتابٍ كمن أقدمَ على خَلْقٍ سَوِيٍّ، فقطعَ أطرافهُ فتركهُ أسْلَ اليدينِ، أبترَ الرجلينِ، أصلَمَ الأذنَينِ، أو كَمَن سلب امرأةً حُلِيها فتركها عاطلاً، أو كالذي سَلبَ الكَمِيّ سلاحهُ فتركهُ أعزلَ راجلاً.)) معجم البلدان: 1/14. (2) التبصرة والتذكرة: 1/56. (3) انظر: لسان العرب:2/249، 250مادة (خرج) . (4) المصباح المنير: 1/166، وانظر: تاج العروس: 2/28-30مادة (خرج) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 والمستخرج اصطلاحاً: هو كلُّ كتابٍ حديثيٍّ خُرِّجت أحاديثهُ وفق أحاديث أحد المُصَنَّفَاتِ بِأسانيد صاحبِ المُسْتَخْرَجِ، مِنْ غَيرِ طريقِ مُصَنِّفِ الكتاب المُسْتَخْرَجِ عليهِ، فيجتمعُ معهُ في شيخهِ، أو مَنْ فَوقهُ (1) . شرح التَّعريف: هذا التَّعريف استنبطتهُ مِن وصفِ الإمام العراقي لموضوع المستخْرَجِ قال الإمامُ العراقيُّ: المُسْتَخْرَجُ موضوعهُ: أن يَأتي المُصَنِّفُ إلى كتابِ البُخَارِيِّ، أو مُسْلِمٍ فيُخَرِّجُ أحاديثهُ بأسانيد لِنَفْسِهِ مِنْ غَيرِ طَريقِ البُخَارِيِّ، أو مُسْلِمٍ، فَيجتمعُ إسناد المُصَنِّف مع إسناد البُخَاريِّ أو مُسْلِمٍ في شيخهِ، أو مَنْ فَوقهُ (2) . قال الإمامُ السَّخاويُّ: والاستخراج: أن يَعْمَدَ حافظٌ إلى ((صحيح البُخاريِّ)) مثلاً فَيورد أحاديثهُ حديثاً حديثاً بأسانيدَ لِنَفْسِهِ غير مُلْتَزمٍ فيها ثِقَة الرُّواة، وَإنْ شذَّ بعضهم حيثُ جعلهُ شرطاً مِنْ غَيرِ طريقِ البُخَارِيِّ إلى أنْ يلتقي معهُ في شيخِهِ أو في شيخِ شيخهِ، هكذا ولو في الصَّحابيِّ، كما صَرَّحَ بهِ بعضُهُم. لكن لا يَسُوغُ للمُخَرِّجِ العدول عن الطَّريقِ التي يقربُ اجتماعهُ مع مُصَنِّفِ الأصلِ فيها إلى البعيدَةِ إلاَّ لغرضٍ مِن عُلُوٍّ، أو زيادة حُكْمٍ مُهِمٍّ، أو نحو ذلكَ، ومُقتَضى الاكتفاء بالالتقاء في الصَّحابيِّ أنَّهُما لو اتَّفقا في الشَّيخِ مثلاً ولم يتَّحد سندهُ عندهُما، ثُمَّ اجتمعَ في الصَّحابيِّ إدخالهُ فيهِ، وإن صَرَّحَ بعضهُم بخلافهِ.   (1) انظر: التبصرة والتذكرة، مع فتح الباقي: 1/56-57، فتح المغيث: 1/39، تدريب الراوي: 1/112، توضيح الأفكار: 1/69. (2) التبصرة والتذكرة: 1/56-57 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 ورُبَّما عَزَّ على الحافظِ وجود بعض الأحاديثِ فيتركهُ أصلاً، أو يُعَلِّقُهُ عن بعضِ رواتهِ، أو يُوردهُ مِن جِهَةِ مُصَنِّفِ الأصلِ (1) . والكُتُبُ المُخَرَّجة لم يلتزم فيها موافقتها للكتب المُخَرَّجَةِ عليها في الألفاظِ، فحصلَ فيها تفاوت في اللَّفظِ والمعنى. قال ابنُ الصَّلاح: صَنَّفَ على صحيح مُسْلِمٍ قومٌ مِنَ الحُفَّاظِ، وأدرَكوا الأسانيد العاليةَ، وفيهم مَنْ أدركَ بعضَ شُيوخِ مُسْلِم، فَخَرَّجُوا أحاديثهِ في تَصَانيفهم تلكَ فالتحقت بهِ في أنَّ لها سِمَة الصَّحيحِ وإنْ لم تَلتحق بهِ في خَصائِصِهِ جمع، ويُسْتَفادُ مِن مُخَرَّجَاتِهِم المَذكورة عُلُوّ الإسناد، وفوائد تنشأ مِن تكثيرِ الطُّرقِ، وَمِن زيادةِ ألفاظ مُفيدة، ثُمَّ إنَّهم لم يَلتزموا فيها المُوافقة في ألفاظ الأحاديث مِن غَير زيادةٍ ولا نَقصٍ لكَونهم يَروونها بأسانيدَ أُخر، فأوجبَ ذلكَ بعض التَّفاوت في بعضِ الألفاظ (2) . فلا يجوز أن تنقل منها حديثاً وتقول: هو كذا فيهما إلاَّ أن تُقابله بِهِما، أو أن يَقُولَ المُصَنِّفُ أخرجاهُ بلفظهِ (3) . المبحث الثَّاني: مِن صور المُسْتَخرَجات:   (1) فتح المغيث: 1/39. وانظر: فتح الباقي على ألفية العراقي: 1/57، تدريب الراوي: 1/112،114. (2) صيانة صحيح مسلم: 88، علوم الحديث لابن الصَّلاح: 19. (3) تدريب الرَّاوي: 1/112-113، فتح المغيث: 1/40، توضيح الأفكار: 1/71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 أ- قال البُخَارِيُّ: وقال خَارِجَةُ بنُ زَيدِ بنِ ثَابتٍ عن زيدِ بنِ ثَابتٍ ((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ اليَهُودَ، حَتَّى كَتَبْتُ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُتُبَه، وَأَقْرَأتهُ كُتبهم إذَا كَتَبُوا إليهِ)) (1) . وقد أخرجهُ البَرْقَانيُّ في ((مُسْتَخْرَجه)) موصولاً، قال: قَرَأتُ على أبي حَاتِمٍ محمدِ بن يَعْقُوبَ، أخبركم مُحمدُ بنُ عَبدِالرَّحمن السَّامِيُّ، حَدَّثنا خَلَفُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثنا ابنُ أبي الزِّنادِ، عن أبيهِ، عن خَارِجَةَ بن زيدٍ، عن أبيهِ، قَالَ: أَمَرَني رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أَتَعَلَّمَ كِتَابَ يَهُود، فَما مَرَّ بِيَ نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((واللَّهِ إِنِّي لا آمِنُ اليَهُودَ عَلَى كِتَابي)) . قَالَ: فَلَمَّا تَعَلَّمْتُ كُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إلى يَهُود إذَا كَتَبَ إِلَيهِم، فَإذَا كَتَبُوا إليهِ، قَرَأْتُ لَهُ)) (2) . وهكذا أوصلهُ البَرْقَانيُّ بسندهِ، فالتقى مع البخاريِّ في خارجة بن زيد.   (1) فتح الباري: 13/185-186، برقم: (7195) ، في الأحكام، باب تَرجمة الحُكَّام، وهل يجوزُ تَرجمان واحد؟ قال الحافظ ابنُ حَجرٍ: (وهذا التَّعليق مِنَ الأحاديثِ التي لم يُخرجها البُخاريُّ إلاَّ مُعَلَّقةً، وقد وصلهُ مُطولاً في كتاب ((التاريخ)) عن إسماعيلَ بن أبي أويس، حدَّثني عبدُالرَّحمن بن أبي الزِّناد، عن أبيهِ، عن خارجةَ بن زيد بن ثابت ... ) . فتح الباري: 13/168. (2) سير أعلام النُّبلاء: 17/467-468. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ب- قال مُسلمٌ: حدَّثنا محمدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ نُميرٍ الهَمْدَانِيُّ، حَدَّثنا أبو خالدٍ (يعني سُليمان بن حَيَّانَ الأحمرَ) ، عن أبي مالكٍ الأشْجَعِيِّ، عن سعد ابن عُبَيْدَةَ، عن ابنِ عُمَرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسَةٍ.. الحديث)) (1) . وقد روى أبو نُعيمٍ هذا الحديث في ((مُسْتَخْرَجِه)) بأسانيدَ لنفسهِ، مِن غيرِ طريقِ صاحب الكتاب، واجتمعَ معهُ في شيخهِ عبدِاللَّهِ انِ نُمَيْر. فقال: حَدَّثنا أبوعمرو بن حمدان، ثنا الحَسَنُ بنُ سُفيانَ، وأبو عَليٍّ العلاء، قالا: ثنا مُحَمَّدُ بنُ عبدِاللَّهِ ابن نُمَيْرٍ. وحَدَّثنا أبو بكرٍ محمدُ بنُ إبراهيمَ، وعبدُاللَّهِ بنُ مُحَمَّدٍ، قالا: ثنا أحمدُ ابنُ عَلِيِّ بن عيسى التَّميميُّ، قالا: ثنا مُحَمَّدُ بنُ عبدِاللَّهِ بنِ نُمَيْرٍ، ثنا أبو خالدٍ الأحمرُ، عن أبي مالكٍ الأشْجَعِيِّ، عن سعد بن عُبَيْدَةَ، عن ابنِ عُمَرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسَةٍ. .)) . ثُمَّ قال: رواهُ مسلمٌ عن ابنِ نُمَيْرٍ (2) . وهذهِ الطُّرُق جميها لا يخفى على المُتَخصصِ مافيها مِن الفوائد الإسناديَّة المُختلفة التي تُقوِّي رواية مُسْلِمٍ.   (1) مسلم: 1/45، الإيمان باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، حديث رقم (19) . (2) المسند المستخرج لأبي نُعيم: 1/109، برقم: (98) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ج- قال أبو عُبيدٍ القاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ في كتابهِ ((الأموال)) : حدَّثنا إسماعيلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَن سُهَيلِ بنِ أبي صَالِحٍ، عن عطاء بن يَزيدَ اللَّيْثِيِّ، عن تَميمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الدِّينُ النَّصيحَةُ)) ، قيلَ: لِمَنْ يَارَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِلأَئِمَّةِ وَلِجَمَاعَةِ المُسْلمينَ)) (1) . وقد أخرجهُ ابنُ زَنجويه في كتابه ((الأموال)) الذي يُعَدُّ ((مُسْتَخْرَجَاً)) على كتاب ((الأموال)) لأبي عُبيدٍ. قال: أنا مُحمدُ بنُ يُوسُفَ، أنا سُفيانُ، قال: سَمِعْتُ سُهَيْلَ بنَ أبي صَالحٍ يَذْكُرُ عن عَطاء بنِ يَزيدَ اللَّيْثِيِّ، عن تَميمٍ الدَّارِيِّ قال: قالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّما الدِّينُ النَّصيحَةُ، إنَّما الدِّينُ النَّصيحَةُ، إنَّما الدِّينُ النَّصيحَةُ.)) ، قيلَ: لِمَنْ؟ قال: ((لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِلأَئِمَّةِ المؤمِنينَ وَعَامَّتِهِم)) (2) . ويلاحظُ هنا أنَّ الإمام ابن زنجويه قد روى هذا الحديثَ بسندهِ والتقى معَ أبي عُبيد في سُهيلِ بن أبي صالحٍ، هذهِ واحدة، والثَّانية زيادة بعض الألفاظ، والمعاني التي وردت في رواية ابنِ زنجويه. المبحث الثَّالث: أشهر المستخرجات: أولاً: المستخرجات على صحيح البُخاري:   (1) أخرجهُ أبو عُبيد القاسم بن سلاَّم في كتاب الأموال: 10، برقم: (1) . باب حقّ الإمام على الرَّعية، وحقّ الرَّعِيَّة على الإمام. (2) الأموال لابن زنجويه: 1/61، برقم: (1) ، باب ما يجب على الإمامِ مِنَ النَّصيحَةِ لِرَعيَّتِهِ، وعلى الرَّعيَّةِ لإمامِهِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 1- المُسْتَخْرَج على صحيح البُخاريِّ: للإمامِ الحافظِ أبي العبَّاس محمد بن أحمد بن حَمدانَ بن ابن عليٍّ الحِيْرِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ (ت360هـ) (1) . قال الذَّهبيُّ: وقد سَمِعَ بمنصورة - وهي أمُّ بلاد بلاد خُوارزم - بعضَ ((صحيح البُخاري)) مِنَ الفَرَبْرِيِّ، فوجدهُ نازلاً، فَصَنَّفَ على مثالهِ مُسْتَخْرَجاً لهُ (2) . 2- المُسْتَخْرَج على صحيح البخاري: للحافظ الكبير الثَّبْت الجَوَّال الإمامِ أبي عليٍّ، الحُسينِ بن محمد بن أحمدَ بن محمد بن الحُسين بن عيسى بن ماسَرْجِس المَاسَرْجِسيِّ النَّيْسَابُورِيِّ (ت365هـ) (3) . قال أبو عبدِاللَّهِ الحاكم في ((تاريخه)) : وخَرَّجَ على ((صحيح البُخاريِّ)) كتاباً، وعلى ((صحيح مسلمٍ)) (4) . 3- المُسْتَخْرَج على صحيح البُخَاريِّ: للإمامِ الحافظ الرَّحَّالِ النَّحْوِيِّ أبي محمدٍ، وأبي القاسمِ، عبدِالصَّمَدِ بن محمد بن حَيَّويه البُخَاريِّ (ت368هـ) (5) ، قال أبو عبدِاللَّهِ الحاكِمُ: استخرج على ((صحيح البُخاريِّ)) وجَوَّدهُ (6) .   (1) ترجمته في: سير أعلام النبلاء: 16/193، العبر: 2/322، شذرات الذهب: 3/38. وفيات (360هـ) . ويُنَبَّه أنَّ لهُ أخاً باسم ((أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان بن عليٍّ الحيريّ النَّيْسَابوريّ (ت376هـ) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/356، وهذا مِن المُتَّفق والمفترق. (2) سير أعلام النبلاء: 16/195 (3) ترجمته ومصادرها في سير أعلام النبلاء: 16/287. (4) الأنساب: 12/37 (المَاسَرْجِسيّ) ، سير أعلام النبلاء: 16/288. (5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النُّبلاء: 16/291. (6) سير أعلام النبلاء: 16/291، تذكرة الحفاظ: 3/956. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 4- المُسْتَخْرَج على صحيحِ البُخَاري: للإمامِ الحافظِ الحُجَّةِ الفقيهِ، شيخِ الإسلامِ، أبي بكرٍ أحمد بن إبراهيمَ بن إسماعيلَ الجُرْجَانِيِّ الإسْمَاعيليِّ الشَّافعيِّ (ت371هـ) (1) ، قال الذَّهبيُّ، وابنُ كثيرٍ: يقعُ في أربع مُجَلَّداتٍ (2) . وقد أُطلق عليهِ تسميات مُختلفةٍ، فمنهم مَنْ سَمَّاهُ ((الصَّحيح)) (3) ، ومنهم ((الصَّحيح على على شَرْطِ البُخَاريِّ)) (4) ، ومنهم مَن سمَّاه ((المُسْتَخْرَج على الصَّحيح)) (5) ، ومنهم مَن أطلق عليهِ ((المُسْتَخْرَج على الصَّحيحين)) (6) ، وقال السَّخاويُّ: استخرج على البُخاريِّ فقط (7) . وقد ذَكرالمباركفوري في مقدمة ((تحفة الأحوذي)) أنَّ منه نُسخة مكتوبة بخط الحافظ ابن حجرٍ محفوظة في الخزانة الجرمنية، وأنَّ الحافظ اختصر هذا الكتاب ولخصه وسمَّاه ((المنتقى)) . وقد استفاد الحافظ ابن حجرٍ من هذا الكتاب في شرحه للبخاري (8) .   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/292. (2) سير أعلام النُّبلاء: 16/293، البداية والنهاية: 11/298. (3) تبيين كذب المفتري: 194، تذكرة الحفاظ: 3/949، الوافي بالوفيات: 6/213، وسمَّاه الحافظ ابنُ حجرٍ: ((صحيح الإسماعيليّ)) ، وقال: ((وهو مُسْتَخْرَج على صحيح البُخَاريِّ)) ، المعجم المفهرس لابن حجر. وذكره الحافظ ابن حجر في ((المجمع المؤسس)) : 1/331، برقم: (255) باسم ((مُسْتَخْرَج أبي بكرٍ أحمد بن إبراهيم الإسماعيليِّ الجُرْجَانيِّ)) . (4) النجوم الزَّاهرة: 4/140. (5) سير أعلام النبلاء: 16/293. (6) تدريب الراوي: 1/111. (7) فتح المغيث: 1/39. (8) انظر: مقدمة تحفة الأحوذي: 1/330، معجم المصنفات الواردة في فتح الباري، برقم: (1168) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 5- المستخرج على صحيح البخاري: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ الرَّحَّال، أبي أحمد محمد ابن أحمد بن حسين العبديِّ، الغِطْرِيفيِّ، الجُرْجَانِيِّ (ت377هـ) (1) ، قال الإمامُ السَّمْعَانِيُّ: صنَّفَ ((المُسْنَد الصَّحيح على كتاب البُخاريِّ)) (2) . 6- المُسْتَخرَج على صحيح البُخاريِّ (3) : للإمامِ الحافظِ، رئيس أصبهان، أبي عبدِاللَّهِ، محمد بن أحمد بن محمد بن عُصْم ابن أبي ذُهْلٍ العُصْمِيِّ الضَّبيِّ الهَرَوِيِّ (ت378هـ) . 7- المُسْتَخْرَج على صحيح البُخاري: للحافظ المُجَوِّدِ العلاَّمَةِ، مُحَدِّثِ أصبهَانَ، أبي أيوبَ، أحمدَ بنُ موسى بن مَرْدويه بن فُوْرَك الأصبهانيِّ (ت410هـ) (4) ، قال الذَّهبيُّ: وَمِن تَصانيفهِ كتاب ((المُسْتَخْرَج على صحيح البُخَارِيِّ)) ، بِعُلُوٍّ في كثيرٍ مِن أحاديثِ الكتابِ حتَّى كأنَّهُ لقي البُخارِيّ (5) .   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/354. (2) الأنساب: 9/159 (الغِطْرِيْفِيّ) ، وانظر: سير أعلام النبلاء: 16/355. (3) قال الذَّهبيُّ: لابن أبي ذُهْلٍ ((صحيح)) جَرَّجهُ على ((صحيح البخاريِّ)) ، سير أعلام النبلاء: 16/381. (4) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام التبلاء: 17/309. (5) سير أعلام النبلاء: 17/310. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 8- المُسْتَخْرَج على البُخاريِّ: للإمامِ الحافظِ، الثِّقةِ العلاَّمةِ، أبي نُعيمٍ، أحمد ابن عبدِاللَّهِ بن إسحاقَ المِهْرَانِيِّ، الأصبهانيِّ، الصُّوفيِّ، الأحولِ (ت430هـ) (1) ، ذكره الذَهبيُّ في سير أعلام النبلاء (2) ، وذكرهُ ابن حجرٍ في ((المجمع المؤسس)) (3) ، ويُعدُ هذا الكتاب أحد المراجع التي أكثر الإمامُ ابن حجرٍ الاقتباس منها في كتابه ((فتح الباري)) (4) . ثانياً: المستخرجات على صحيح مُسْلِمٍ: 1- المُسْتَخْرَج على صحيح مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ أبي بكرٍ، محمد ابن محمد بن رجاء الإسْفَرَايينِيِّ (ت286هـ) (5) ، قال ابنُ الصَّلاح وهو يتحدَّث على المُصَنَّفات على صحيح مُسْلِمٍ: ومنها ((المسند الصَّحيح)) .. المُصَنَّف على شرطِ مسلمٍ، وهو مُتقدِّمٌ يُشارك مُسْلِماً في أكثر شيوخه (6) . 2- المُسْتَخْرَجُ على صحيح مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ الحُجَّةِ، أبي الفَضْلِ، أحمدَ بن سَلَمَةَ النَّيْسَابُورِيِّ، البَزَّازِ، رفيق مُسْلِمٍ في الرِّحْلَةِ إلى بَلْخ وإلى البصرة (ت286هـ) (7) ، قال الذَّهبيُّ: لهُ مُسْتَخْرَجٌ كهيئة صحيح مُسْلِمٍ. قال الشَّيخ أبو القاسم النَّصْراباذي: رأيتُ أبا عليٍّ الثَّقَفِيّ في النَّومِ، فقال لي: عليكَ بصحيحِ أحمد بن سَلَمَةَ (8) .   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/453. (2) سير أعلام النبلاء: 19/306. وذكره أيضاً في تذكرة الحفاظ:4/1097، وذكره السُّبكي في طبقات الشَّافعية الكبرى: 4/22، وذكره غيرهم مِمَّن ترجم للإمام أبي نُعيم. (3) 2/94، برقم: 623. (4) انظر: معجم المصنفات الواردة في فتح الباري: (363-365) ، برقم: (1167) . (5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 13/492. (6) صيانة صحيح مسلم: 89. (7) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 13/373. (8) تذكرة الحفاظ: 2/637. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 3- المستخرج على صحيح مسلمٍ: للإمامِ الحافظِ الزَّاهدِ شيخ الإسلام، أبي جعفرٍ، أحمد بن حمدانَ بن عليٍّ الحِيْرِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ (ت311هـ) (1) . قال الخطيب البغداديُّ: ولم يزل يطلب الصَّحيح على شرط مُسْلِمٍ حتَّى صَنَّفهُ (2) . وقال ابنُ الصَّلاح: ((المُخَرَّج على صحيح مسلم)) للعبد الصَّالح أبي جعفر أحمد بن حمدان (3) . . .   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 14/299. (2) تاريخ بغداد: 4:116. (3) صيانة صحيح مسلم: 88، وقال الذَّهبيُّ: وصنَّفَ ((الصَّحيح المُسْتَخْرج على صحيح مُسلمٍ)) سير أعلام النبلاء: 16/299. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 4- المُسْتَخْرَج على صحيح مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ أبي عَوَانةَ يعقوب بن إسحاقَ بن إبراهيمَ بن يزيدَ النَّيْسَابُورِيِّ الأصلِ، الإسْفَرَايينِيِّ (ت316هـ) (1) ، قال ابنُ الصَّلاح: ومنها ((مختصر المُسْنَد الصَّحيح)) المُؤلَّف على كتاب مُسلمٍ تأليف الحافظ أبي عوانةَ يعقوب ابن إسحاقَ الإسفَرَايينيِّ، روى فيه عن يونس بن عبدِالأعلى، وغيرهِ مِن شيوخ مُسْلِمٍ (2) . وقال الإمامُ الكَتَّانيُّ: وفيه زيادات عدَّةٌ (3) .   (1) ترجمته ومصادرها في سير أعلام النبلاء: 14/417. (2) صيانة صحيح مسلم: 89. وقال الإمامُ الذَّهبيُّ: صاحب ((المسند الصَّحيح)) الذي خَرَّجهُ على ((صحيح مسلمٍ)) سير أعلام النبلاء: 14/417. وقال الإمامُ الكَتَّانيُّ: وفيه زيادات عدَّةٌ. الرسالة المستطرفة: 27 (3) الرسالة المستطرفة: 27، وسمَّاه الحافظ ابن حجرٍ في ((المجمع المؤسس)) : 2/226 (صحيح أبي عوانة)) ، وكذا ذكره الذَّهبي في عدَّة مواطن في ((سير أعلام النبلاء)) ، وقد طبع منه الجزء الأول، والثاني، والرابع، والخامس بدائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن في الهند. تحت عنوان ((مسند أبي عَوانة)) وهو مرتب على الأبواب. ويوجد مخطوطاً تحت عنوان ((المُسْنَد المُخَرَّج على كتاب مُسْنَدِ ابنِ الحَجَّاج)) انظر: تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين: 1/1/343. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 5- المُسْتَخْرَجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الكبيرِ، شيخِ الإسلامِ، أبي عِمرانَ، موسى ابن العبَّاسِ، الخُرَاسَانِيِّ، الجُوَيْنِيِّ (ت323هـ) (1) ، قال الحاكم النَّيْسَابُورِيُّ: خَرَّجَ على كتاب مُسْلِمٍ (2) . 6- المُسْتَخْرَجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ المُفيدِ، أبي مُحمَّدٍ أحمدَ بن محمد ابن إبراهيمَ الطُّوسِيِّ البَلاذُرِيِّ (ت339هـ) (3) ، قال الحاكمُ أبو عبدِاللَّهِ: وَحُكِيَ عن أبي مُحمدٍ البَلاذُرِيِّ أنَّهُ قال: لم تكن لي هِمَّة في سماعِ الحديثِ أكبر مِن التَّخريجِ على كتاب مُسْلِمٍ، فلمَّا انصرفتُ مِنَ الرِّحْلَةِ أخذتُ في التَّخْريجِ عليهِ، وأفنيتُ عُمري في جَمْعِهِ (4) . 7- المُستَخرجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظ العَلاَّمةِ مُحَدِّث الأندلس، أبي محمدٍ، قاسم بن أصْبَغ بن محمدٍ القُرْطُبِيِّ، مولى بني أُمَيَّةَ (ت340هـ) (5) ، قال الذَّهبيُّ: وَفاتَهُ السَّماع مِن أبي داودَ، فصَنَّفَ سُنناً على وَضْعِ سُننهِ، وصحيح مُسلمٍ فاتهُ أيضاً فَخَرَّجَ صَحيحاً على هيئتهِ (6) .   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/235. (2) سير أعلام النبلاء: 15/235، وقال السَّمعاني: وصنَّفَ على كتاب مُسلِمِ بنِ الحَجَّاجِ. الأنساب: 3/385 (الجُوَيْنِيّ) . وقال الذَّهبيُّ: مؤلِّفُ ((المُسْنَد الصَّحيح)) الذي خَرَّجهُ كهيئة ((صحيح مُسْلِمٍ)) . سير أعلام النبلاء: 15/235. (3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/36. (4) الأنساب: 1/351 (البَلاذُرِيّ) . (5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/472. (6) سير أعلام النبلاء: 14/473، وقال ابنُ فَرْحون: وصنَّفَ في الحديثِ مُصَنَّفاتٍ حَسَنَةٍ، منها: مُصَنَّفهُ المُخَرَّج على كتاب أبي داودَ.. الدِّيباج المُذْهَب: 2/146. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 8- المُستخرَج على صحيح مُسلمٍ: للإمامِ الحافظِ الفقيهِ القدوةِ شيخِ الإسلامِ، أبي النَّضْرِ، محمد بن محمد بن يوسفَ، الطُّوسِيِّ، الشَّافعيِّ (ت344هـ) (1) ، قال الإمامُ الذَّهبيُّ: وَعَمِلَ مُسْتَخْرَجاً على صحيحِ مُسْلِمٍ (2) . 9- المُسْتَخْرَجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ المُتْقِنِ الحُجَّةِ، أبي عبدِاللَّهِ محمد ابن يعقوبَ بن يوسفَ الشَّيْبَانِيِّ النَّيْسَابُوريِّ، المعروف بابنِ الأَخْرَمِ، ويُعْرَفُ قديماً بابنِ الكِرْمَانِيِّ (ت344هـ) (3) ، قال الحَاكمُ: صَنَّفَ كتابَ ((المُسْتَخْرَج على الصَّحيحين)) ، وَصَنَّفَ ((المُسْند الكبير)) ، وسألهُ أبو العبَّاس السَّرَّاجُ أن يُخَرِّجَ لهُ كِتاباً على ((صحيح مُسلِمٍ)) فَفَعَلَ. وسمعتُ أبا عَبداللَّهِ ابنَ يعقوبَ غيرَ مَرَّةٍ، يقولُ: ذَهبَ عُمري في جَمْع هذا الكتاب، يعني ((المُسْتَخْرَج)) على كتاب مُسْلِمٍ، وسمعتهُ تندَّمَ على تصنيفهِ ((المُخْتَصَر الصَّحيحِ المُتَّفق عليه)) ، ويقولُ: مِن حَقِّنا أن نَجْهَدَ في زيادة الصَّحيح (4) . 10- المُسْتَخْرَج على صحيح مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ المُفتي، شيخِ خُرَاسَانَ أبي الوَليدِ حَسَّانَ بنِ محمد بن أحمدَ بن هارونَ النَّيْسَابُوريِّ، الشَّافعيِّ (ت349هـ) (5) ، قال الحَاكِمُ: صَنَّفَ أبو الوليدِ ((المُسْتَخْرَج على صحيحِ مُسْلِمٍ)) (6) .   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/490. (2) سير أعلام النبلاء: 15/490. (3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/466. (4) سير أعلام النبلاء: 15/467-468. (5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/492. (6) سير أعلام النبلاء: 15/494. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 11- المُستَخرجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للحافظ المُجَوِّدِ، أبي سعيدٍ، أحمد بن محمد ابن سعيد بن إسماعيلَ الحِيْرِيِّ النَّيْسَابُوريِّ الشَّهيد (ت353هـ) (1) ، سمَّاهُ الذَّهبيُّ ((المستخرج على صحيح مُسْلِمٍ)) (2) . 12- المُسْتَخْرَج على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للعلاَّمةِ الحافظِ أبي حامدٍ، أحمدَ بنِ مُحمد بن شَارك، الهَرَوِيِّ، الشَّافعيِّ (ت358هـ) (3) ، قال السُّبْكِيُّ: وللحافظِ أبي حامدٍ الشَّارِكِيِّ كتاب ((المُخَرَّج على صحيحِ مُسْلِمٍ)) لم أقف عليهِ (4) . 13- المُسْتَخْرَج على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للحافظ الكبير الثَّبْت الجَوَّال الإمامِ أبي عليٍّ، الحُسينِ بن محمد بن أحمدَ بن محمد بن الحُسين بن عيسى بن ماسَرْجِس المَاسَرْجِسيِّ النَّيْسَابُورِيِّ (ت365هـ) (5) . قال أبو عبدِاللَّهِ الحاكم في ((تاريخه)) : وخَرَّجَ على ((صحيح البُخاريِّ)) كتاباً، وعلى ((صحيح مسلمٍ)) (6) .   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/29. (2) سير أعلام النبلاء: 16/29. وسمَّاه في تذكرة الحفاظ: 3/920 ((الصَّحيح المُخَرَّج على كتاب مُسْلِمٍ)) . (3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/273. (4) طبقات الشَّافعية الكبرى: 3/45. وذكره ابنُ الصَّلاح في كتاب ((صيانة صحيح مُسلِمٍ)) : 89. (5) ترجمته ومصادرها في سير أعلام النبلاء: 16/287. (6) الأنساب: 12/37 (المَاسَرْجِسيّ) ، سير أعلام النبلاء: 16/288. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 14- المُستَخرجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ الصَّادِقِ، مُحَدِّثِ أصبهان، أبي محمد عبدِاللَّهِ بن محمد بن جعفر بن حَيَّانَ، المعروف بأبي الشَّيخ، (ت369هـ) (1) ، ذكره الإمامُ السَّمعانيُّ ضمن مروياته وسمَّاه ((المُسْنَد المُنْتَخَب على الأبواب المُسْتَخْرَج مِن كتاب مُسْلِمِ بنِ الحَجَّاج)) (2) ، وسمَّاهُ ابنُ الصَّلاح ((المُخَرَّج على مُسْلِمٍ)) . 15- المُسْتَخْرَجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ الحُجَّةِ الفقيهِ، شيخِ الإسلامِ، أبي بكرٍ أحمد بن إبراهيمَ بن إسماعيلَ الجُرْجَانِيِّ الإسْمَاعيليِّ الشَّافعيِّ (ت371هـ) (3) ، قال الخليليُّ: صَنَّفَ على كتاب مُسْلِمٍ، والبُخَارِيِّ (4) .وقال السَّخاويُّ: استخرج على البُخاريِّ فقط (5) . 16- المُسْتَخْرَج على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للمُحَدِّثِ الحافظِ الجَوَّالِ، أبي عبدِاللَّهِ، الحُسينِ ابن أحمدَ بن محمدٍ الشَّماخِيِّ، الهَرَوِيِّ، الصَّفَّار (ت372هـ) (6) ، قال الإمامُ البَرْقَانِيُّ: عندي عن الشَّماخيِّ رزمة، وكان قد أخرجَ كتاباً على ((صحيح مُسْلِمٍ)) ، ولا أُخَرِّجُ عنهُ في الصَّحيحِ حَرْفاً واحداً (7) . وقال الذَّهبيُّ: صاحبُ ((المُسْتَخْرَج على صحيح مُسْلِمٍ)) (8) . وقد تُكُلِّمَ فيهِ.   (1) ترجمته ومصادرها في: 16/276. (2) المنتخب من معجم شيوخ الإمام أبي سعد السَّمعاني: 3/1473، برقم: (1005) ، صيانة صحيح مسلم: 161، شرح مسلم للنووي: 1/193-194، سير أعلام النبلاء: 19/419. (3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/292. (4) الإرشاد: 2/794، برقم: (685) . (5) فتح المغيث: 1/39. (6) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/360. (7) تاريخ بغداد: 4/9. (8) سير أعلام النبلاء: 16/360 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 17- المُسْتَخْرَج على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، أبي بكرٍ، محمد بن عبدِاللَّهِ بن محمد بن زكريا الشَّيبانيِّ الخُرَاسَانيِّ الجَوْزَقِيِّ (ت388هـ) (1) ، قال أبي عبدِاللَّهِ الحاكمِ: صَنَّفَ المُسْنَد الصَّحيحَ على كتاب مُسْلِمٍ (2) . وذكر المُباركفوريّ أنَّ منه نُسخة مكتوبة بخط الحافظ ابن حجرٍ، موجودة في الخزانة الجرمنية، وأنَّ الحافظ ابن حجرٍ اختصر هذا الكتاب وسمَّاه ((المُنْتَقى)) (3) . 18- المُستَخرجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ، الثِّقةِ العلاَّمةِ، أبي نُعيمٍ، أحمد ابن عبدِاللَّهِ بن إسحاقَ المِهْرَانِيِّ، الأصبهانيِّ، الصُّوفيِّ، الأحولِ (ت430هـ) (4) ، ذكره ابنُ الصَّلاح وسمَّاه ((المُسْنَد المُسْتَخْرَج على كتاب مُسْلِمٍ)) (5) . ثالثاً: المُسْتَخْرَجَات على الصَّحِيحين:   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/493. (2) الأنساب: 3/366 (الجَوْزَقِيّ) من قرى نَيْسَابُور، وكذا سماه ابنُ الصَّلاح في: صيانة صحيح مسلم: 90. (3) انظر: مقدمة تحفة الأحوذي: 1/230. (4) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/453. (5) صيانة صحيح مُسْلِم: 90، وقد طبع تحت عنوان ((المُسْنَد المُسْتَخْرَج على صحيحِ مُسْلِمٍ)) ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1417هـ-1996م. بتحقيق محمد حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 1- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمامِ الحافظِ المُتْقِنِ الحُجَّةِ، أبي عبدِاللَّهِ محمد بن يعقوبَ بن يوسفَ الشَّيْبَانِيِّ النَّيْسَابُوريِّ، المعروف بابنِ الأَخْرَمِ، ويُعْرَفُ قديماً بابنِ الكِرْمَانِيِّ (ت344هـ) (1) ، قال الحَاكمُ: صَنَّفَ كتابَ ((المُسْتَخْرَج على الصَّحيحين)) ، وَصَنَّفَ ((المُسْند الكبير)) ، وسألهُ أبو العبَّاس السَّرَّاجُ أن يُخَرِّجَ لهُ كِتاباً على ((صحيح مُسلِمٍ)) فَفَعَلَ. وسمعتُ أبا عَبدِاللَّهِ ابنَ يعقوبَ غيرَ مَرَّةٍ، يقولُ: ذَهبَ عُمري في جَمْعِ هذا الكتاب، يعني ((المُسْتَخْرَج)) على كتاب مُسْلِمٍ، وسمعتهُ تندَّمَ على تصنيفهِ ((المُخْتَصَر الصَّحيحِ المُتَّفق عليه)) ، ويقولُ: مِن حَقِّنا أن نَجْهَدَ في زيادة الصَّحيح (2) . 2- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمام الحافظ أبي عليٍّ الحُسين ابن محمد بن أحمد المَاسَرْسَجِيِّ (ت365هـ) ، ذَكره الكَتَّانيُّ فيمن صَنَّفَ على كُلِّ منهما (3) . وقد تقدَّم أنَّهُ: خَرَّجَ على صحيح البُخاريِّ كتاباً، وعلى صحيحِ مُسْلِمٍ (4) . وهما كتابان مستقلاَّن، والمرادُ من قولنا المستخرج على الصَّحيحين ما اشتمل عليه البخاري ومسلم. 3- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمام الحافظ، المُعَمَّرِ الثِّقَةِ، شيخ الأهواز، أبي بَكْرٍ، أحمد بن عَبْدَانَ بن محمد بن الفَرَجِ، الشِّيْرَازِيِّ (ت388هـ) (5) ، ذَكره الكَتَّانيُّ فيمن صَنَّفَ على كُلِّ منهما (6) .   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/466. (2) سير أعلام النبلاء: 15/467-468. (3) الرِّسالة المستطرفة: 29،30. (4) سير أعلام النبلاء: 16/288، تذكرة الحفاظ:3/956. (5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/489. (6) الرِّسالة المستطرفة: 29،30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 4- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمامِ الحافظ، العَلاَّمَةِ الثِّقَةِ، شيخِ الفُقهاءِ والمُحَدِّثينَ، أبي بَكْرٍ، أحمدَ بن محمد بن أحمد بن غَالبٍ، الخُوَارِزْمِيِّ، ثُمَّ البَرْقَانِيِّ، المتوفى ببغدادَ سنة (425هـ) (1) ، قال الخطيبُ البغداديُّ: وَصَنَّفَ مُسْنَداً ضَمَّنَهُ ما اشتملَ عليه صَحيح البُخاريّ ومُسْلِمٍ (2) . 5- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، أبي بكرٍ، أحمدَ بن عليِّ بن محمد بن إبراهيمَ بن مَنْجُويه، اليَزْدِيِّ، الأَصْبَهانِيِّ، نزيلِ نيسابور (ت428هـ) (3) ، قال الذَّهبيُّ: قد صَنَّفَ ابنُ مَنْجُويه على ((الصَّحيحين)) مُسْتَخْرَجاً، وعلى ((جامع)) أبي عيسى، و ((سُنن)) أبي داودَ (4) . 6- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمامِ الحافظِ، الثِّقةِ العلاَّمةِ، أبي نُعيمٍ، أحمد بن عبدِاللَّهِ بن إسحاقَ المِهْرَانِيِّ، الأصبهانيِّ، الصُّوفيِّ، الأحولِ (ت430هـ) (5) ، ذكره الإمامُ الذَّهبيُّ، وسمَّاه ((المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين)) (6) .   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/464. (2) تاريخ بغداد: 4/374. وقال الكَتَّانيُّ: ((على كلِّ منهما)) الرسالة المستطرفة: 30. وأفاد منه الإمام ابنُ حجر في ((فتح الباري)) انظر: 2 / 424، 564، و 5 / 329 و 6 / 55، 12 / 309، 433، و13/210،514. (3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/438. (4) سير أعلام النبلاء: 17/440. (5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/453. (6) سير أعلام النبلاء: 17/455-456. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 7- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، شيخِ الحَرَمِ، أبي ذَرٍّ، عَبْدِ ابنِ أحمد بن محمد، المعروف ببلدهِ بابنِ السَّمَّاكِ، الأنصاريِّ، الخُرَاسَانيِّ، الهَرَوِيِّ، المَالِكِيِّ (ت434هـ) (1) ، قال القاضي عِياض: ولأبي بكر كتابه الكبير في المسند الصحيح المخرج على البخاري ومسلم (2) . 8- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، مُحَدِّث العراق، أبي محمدٍ، الحَسَنِ بن محمد بن الحَسن بن عليٍّ، البغداديِّ، الخَلاَّلِ (ت439هـ) (3) ، قال الخطيبُ البغداديُّ: وخَرَّجَ المُسْنَد على الصَّحيحينِ (4) . 9- المُسْتَخْرَجُ على الصَّحِيحين: للإمامِ المُحَدِّثِ الثِّقَةِ، أبي الحَسَنِ، أحمد بن محمد ابن أحمد بن منصورٍ، البغداديِّ العَتيقِيِّ، المُجَهِّزِ السَّفَّارِ (ت441هـ) ، قال ابنُ ماكولا: خَرَّجَ على الصَّحيحينِ (5) . 10- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للحافظِ العالمِ المُفيدِ، أبي مَسْعودٍ، سُليمانَ بنِ إبراهيم بن محمد بن سُليمانَ الأصْبَهَانِيِّ، المِلَنْجِيِّ (ت486) (6) ، قال السَّمعانيُّ: خَرَّجَ على الصَّحيحينِ (7) . رابعاً: المُسْتَخْرَجَات على السُّنَنِ وَغَيرِها:   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/554. (2) ترتيب المدارك: 4/697، وسمَّاه الحافظ الذَّهبيُّ: ((الصَّحيح المُسْنَد المُخَرَّج على الصَّحيحينِ)) سير أعلام النبلاء: 17/560. (3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/593. (4) تاريخ بغداد: 7/425، الأنساب: 5/218 (الخَلاَّل) ، سير أعلام النبلاء: 17/593. (5) سير أعلام النبلاء: 17/603، الوافي بالوفيات: 7/379. (6) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 19/21. (7) سير أعلام النبلاء: 19/23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 1- المُسْتَخْرَجُ على جامع التِّرْمِذِيِّ: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، أبي عليِّ، الحسنِ بن عليِّ ابن نَصْر بن منصورٍ، الطُّوسِيِّ، المعروف بمُكردش (ت312هـ) (1) ، ذكرَ الكَتَّانيُّ أنَّ لهُ مُسْتَخرجاً على التِّرْمِذِيِّ، وأضاف قائلاً: لقد شارك التِّرْمِذِيّ في كثيرٍ مِن شيوخهِ (2) . 2- المُسْتَخْرَجُ على جامع التِّرْمِذِيِّ: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، أبي بكرٍ، أحمدَ بن عليِّ ابن محمد بن إبراهيمَ بن مَنْجُويه، اليَزْدِيِّ، الأَصْبَهانِيِّ، نزيلِ نيسابور (ت428هـ) (3) ، قال الذَّهبيُّ: قد صَنَّفَ ابنُ مَنْجُويه مُسْتَخْرَجاً على ((جامع)) أبي عيسى (4) . 3- المُسْتَخْرَج على سُنن أبي داود: للإمامِ الحافظِ العَلاَّمةِ، شيخِ الأندلسِ، ومُسْنِدِها، أبي عبدِاللَّهِ محمد بن عبدِالملكِ بن أيمن بن فَرَجٍ القُرْطُبِيِّ (ت330هـ) (5) ، قال الذَّهبيُّ: صَنَّفَ كتاباً في السُّننِ، خَرَّجَهُ على ((سُنن)) أبي داود (6) . 4- المُسْتَخْرَج على سُنن أبي داود: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، أبي بكرٍ، أحمدَ بن عليِّ ابن محمد بن إبراهيمَ بن مَنْجُويه، اليَزْدِيِّ، الأَصْبَهانِيِّ، نزيلِ نيسابور (ت428هـ) (7) ، قال الذَّهبيُّ: قد صَنَّفَ مُسْتَخْرَجاً على ((سُنن)) أبي داودَ (8) .   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 14/287. (2) الرسالة المستطرفة: 31. (3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/438. (4) انظر: سير أعلام النبلاء: 17/440، الرسالة المستطرفة: 30 (5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/241. (6) سير أعلام النبلاء: 15/242، وانظر: تاريخ علماء الأندلس: 2/50-51، الرِّسالة المستطرفة: 30. (7) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/438. (8) أنظر: سير أعلام النبلاء: 17/440، الرسالة المستطرفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 5- المُسْتَخْرَج على سُنن أبي دَاودَ: للإمامِ الحافظ العَلاَّمةِ مُحَدِّث الأندلس، أبي محمدٍ، قاسم بن أصْبَغ بن محمدٍ القُرْطُبِيِّ، مولى بني أُمَيَّةَ (ت430هـ) (1) ، قال الذَّهبيُّ: وَفاتَهُ السَّماع مِن أبي داودَ، فصَنَّفَ سُنناً على وَضْعِ سُننهِِ (2) . قال الكَتَّانيُّ: ثُمَّ اختصر قاسمُ ابن أصبغ كتابه وسمَّاهُ ((المُجتنى)) بالنُّون، فيه مِنَ الحديثِ المُسْنَدِ ألفٌ وأربعمائة وتسعونَ حديثاً، في سبعة أجزاء (3) . 6- الأموال: لأبي أحمد حُميد بن مَخْلَد بن قُتَيْبَةَ بن عبدِاللَّهِ الأزديِّ النَّسائيِّ، المعروف بابنِ زَنْجُويه، وهو لقبُ أبيهِ (ت248، وقيل: 251هـ) (4) ، قال الكَتَّانيُّ: وكتابه كالمُسْتَخْرَجِ على كتاب أبي عُبيدٍ، وقد شاركهُ في بعض شيوخهِ وزاد عليهِ زيادات (5) . 7- المُنْتَقى: للإمامِ الحافظ العَلاَّمةِ مُحَدِّث الأندلس، أبي محمدٍ، قاسم بن أصْبَغ بن محمدٍ القُرْطُبِيِّ، مولى بني أُمَيَّةَ (ت340هـ) (6) ، قال الكَتَّانيُّ: وكتاب المُنْتَقَى لأبي محمد قاسم بن أصبغ، وهو على نحو كتاب المُنْتَقَى لابن الجارود (عبد اللَّه بن عليٍّ ت306، أو307هـ، وهو كالمُسْتَخْرَجِ على صحيح ابنِ خُزَيْمَةَ) ، وكان قد فاتهُ السَّماع منهُ ووجدهُ قد مات، فألَّفهُ على أبوابِ كتابهِ بأحاديثَ خرَّجَها عن شيوخهِ، قال أبو محمد ابن حزمٍ: وهو خير انتقاء منه (7) .   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 14/472. (2) سير أعلام النبلاء: 14/473، وقال ابنُ فَرْحون: وصنَّفَ في الحديثِ مُصَنَّفاتٍ حَسَنَةٍ، منها: مُصَنَّفهُ المُخَرَّج على كتاب أبي داودَ.. الدِّيباج المُذْهَب: 2/146. (3) الرسالة المستطرفة: 30. (4) ترجمته ومصادرها في سير أعلام النبلاء: 12/19. (5) الرسالة المستطرفة: 47. (6) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/472. (7) الرسالة المستطرفة: 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 8- المُسْتَخْرَج على كتاب التَّوحيد لابن خُزَيمَةَ: للإمامِ الحافظِ، الثِّقةِ العلاَّمةِ، أبي نُعيمٍ، أحمد بن عبدِاللَّهِ بن إسحاقَ المِهْرَانِيِّ، الأصبهانيِّ، الصُّوفيِّ، الأحولِ (ت430هـ) (1) ، ذكره الإمامُ الإمامُ الكَتَّانيُّ (2) . 9- المُسْتَخْرَجُ على المُسْتَدْرَك للحاكم النَّيْسَابُوريِّ: للإمامِ أبي الفَضْلِ عَبْدِالرَّحيم ابنِ الحُسينِ بن عبدِالرَّحمن العِراقيِّ (806هـ) (3) ، قال الحافظ ابن حجرٍ في ترجمة العراقيِّ: ثُمَّ شَرَعَ في الإملاء من ((تخريج المُسْتَدْرَك)) ، فكتب منه قَدْر مُجَيْلَدة إلى أثناء كتاب الصَّلاة (4) . وقال الكتَّانِيُّ: وأملى على المُسْتَدْرَكِ للحاكمِ مُسْتَخْرَجاً لم يَكْمل (5) .   (1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/453. (2) الرِّسالة المستطرفة: 31. (3) ترجمته ومصادرها في: المجمع المؤسس: 2/176. (4) المجمع المؤسس: 2/185،برقم: (753) ، ولحظ الألحاظ: 233، ويوجد ((سبعة مجالس من المُسْتَخْرَج على المُسْتَدْرك)) في ليدن بخطِّ اللبودي، وفي المكتبة البلدية بالأسكندرية: 2436، طبعهُ محمد عبد المنعم بن رشاد، بمكتبة السُّنَّة في القاهرة (1410هـ-1990م) ، في (132صفحة) ، انظر: المجمع المؤسس: 2/185 (حاشية رقم:753) . (5) الرسالة المستطرفة: 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 قال الكَتَّانِيُّ رحمهُ اللَّهُ تعالى: وقد يطلق المُسْتَخْرَجُ عندهم على كتابٍ استخرجهُ مؤلِّفهُ، أي جمعهُ مِن كُتُبٍ مَخصوصةٍ، كَمُسْتَخْرَجِ الحافظِ أبي القاسمِ عبد الرَّحمن بن محمد ابن إسحاقَ بن محمد بن يحيى بن مَنْدَه العَبْدِيِّن مولاهم، الأصفهاني، المتوفى سنة (470هـ) ، واستخرجَهُ للنَّاسِ للتذكرةِ، وسمَّاهُ ((المُسْتَخْرَج مِن كُتُبِ النَّاسِ للتذكرةِ والمُسْتَطْرَفِ مِن أحوالِ النَّاسِ للمعرفةِ)) ، جمعَ فيهِ فأوعى. . وكثيراً ما ينقل عن مُسْتَخْرَجِهِ المذكور الحافظ ابن حجرٍ في كُتُبِهِ، فيقولُ: ذَكَرَ ابنُ مَنْدَه في مُسْتَخْرَجِهِ، وتارةً يقولُ: في تذكرتهِ، واللَّهُ أعلم (1) . المبحث الرَّابع: الصِّلة بين التَّخريج والمُستخَرَّجات، ومعاجم الشُّيوخ والمشيخات التخريج لُغةً: الخُرُوج نقيض الدُّخولِ، وخارج كلَّ شيءٍ ظاهرهُ، والاستخراج كالاستنباط (2) ، واستَخْرَجْتُ الشَّيءَ مِنَ المَعْدَنِ خَلَّصْتُهُ مِنْ تُرَابِهِ (3) . التخريج إصطلاحاً: عَرَّفَ الإمامُ السَّخاويُّ التَّخريج بأنَّهُ: إخراج المُحَدِّث الأحاديثَ مِن بطونِ الأجزاء والمشيخات، ونحوها وسياقها مِن مَروياتِ نَفْسِهِ، أو بعض أصحابِ الكُتُبِ والدَّواوين، مع بيان البَدَل، والموافقة، ونحوهما. . وقد يتوسع في إطلاقهِ على مجَرَّد الإخراجِ (4) . وَقالُ الإمام أبو بكر ابن ماكولا (ت629هـ) : خَرَّجَ الأحاديثَ تَخْريجاً أي أعدَّ أسانيدها حَسب أصول الرِّواية، وَخَرَّجَ لِفُلانٍ تَخْريجاً أي جَمَعَ أحاديثهُ مِنَ الكُتُبِ والسَّماعاتِ بأسانيدِها (5) .   (1) الرسالة المُسْتطرفة: 31-32. (2) انظر: لسان العرب:2/249، 250مادة (خرج) . (3) المصباح المنير: 1/166، وانظر: تاج العروس: 2/28-30مادة (خرج) . (4) فتح المغيث: 2/328. (5) تكملة الإكمال: 1/40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وعلى هذا فإنَّ المُسْتَخْرَجَات ماهي إلاَّ لونٌ مِن ألوان التَّخريج. إنَّ المَرويَّات التي ترويها العديد مِن معاجم الشيوخِ والمشيخات والتي قد تكونُ رواية لجزءٍ حديثيٍّ، أو لكتابٍ مشهورٍ، أو محاولة القُرب بالنِّسبة إلى روايةٍ مِن روايات الكتُبِ السِّتَّةِ، أو غيرِها مِن المُصَنَّفاتِ، هو ما كثُرَ اعتناء المتأخِّرينَ بهِ، ولقد حَرص المُحَدِّثون على العُلُوِّ في الإسناد، وهو الذي قَلَّ عدد رجاله بالنِّسبة إلى سند آخر يرد به ذلك الحديث بعددٍ أكثر، وينقسم إلى خمسة أقسام، واحد منها علو مطلق، والباقي علو نسبي وهي: 1- القرب من رَسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح، وهذا هو العلو المطلق، وهو أجل أقسام العلو. 2- القرب من إمام من أئمة الحديث، وإن كثر بعده العدد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل القرب من الأعمش، أو ابن جُرَيْجٍ، أو مالك، مع الصِّحة، ونظافة الإسناد. 3- القرب بالنسبة إلى رواية الكتب السِّتَّة أو غيرها من الكتب المعتمدة: وهو ماكثر اعتناء المتأخرين به من الموافقة، والأبدال والمساواة والمصافحة. أ - فالموافقة: هي الوصول إلى شيخ أحد المُصَنِّفين من غير طريقه بعدد أقل مما لو روى من طريقه عنه. ب- البدل: هو الوصول إلى شيخ شيخِ أحد المُصَنِّفين من غير طريق المصنّف المعَّين بل من طريق آخر أقل عدداً منهُ. ج- المساواة: هي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المُصَنِّفين. د- المصافحة: هي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد تلميذ أحد المُصنَنِّفين. 4- العلو بتقدم وفاة الراوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 5- العلو بتقدم الإسناد: أي بتقدم السماع من الشيخ، فمن سمع منه متقدماً كان أعلى مِمَّن سمع منه بعده (1) . صورة السند العالي إنَّ حرص المُحَدِّثين على رواية المُصَنَّفات والأجزاء الحديثية، وتخريجها في مُصَنَّفاتهم، ومحاولة رواية هذهِ النُّصوصِ في مشيخاتهم ومصَنَّفاتهم وبأسانيدَ عالية قد غدت ظاهرة واضحة لِمُعْظَمِ معاجمِ الشيوخِ والمشيخاتِ التي صُنِّفَت بعد القرن الخامس، الأمر الذي يجعلنا نقول: إنَّ هذا النَّوع مِنَ المُصَنَّفات قد أضحى هو البديل المناسب عن التصنيف في المُسْتَخْرَجات. وقد وصَفَ الإمام السَّخاويُّ أُسلوبَ أصحاب المشيخات في روايتهم للمُصَنَّفات قائلاً: وصنيع أصحاب المشيخات في إيرادِ الأحاديثِ المرويَّةِ عن شيوخهم هو مثل صنيع أصحابِ المُستَخْرجاتِ، وهو أن يَعْمَدَ حافظٌ إلى ((صحيحِ البُخارِيِّ)) مثلاً، فيورِدَ أحاديثهُ بأسانيدَ لِنَفْسِهِ غير مُلْتَزِمٍ فيها ثِقَة الرُّواة إلى أن يَلْتَقي معهُ في شيخِهِ، أو شيخ شيخهِ، وهكذا ولو في الصَّحابيِّ، وأصحاب المُسْتَخْرَجاتِ وأكثر المُخَرِّجينَ للمشيخات والمعاجمِ يورِدونَ الحديثَ بأسانيدِهِم، ثُمَّ يُصَرِّحونَ بعدَ انتهاء سياقهِ غالباً بعزوهِ إلى البخاريِّ، أو مُسْلِمٍ، أو إليهِما مَعَاً، مع اختلافٍ في الألفاظِ وغيرها، يُريدونَ أصلَه (2) .   (1) انظر: علو الحديث لابن الصلاح: 381، التبصرة والتذكرة وفتح الباقي: 2/253، شرح النخبة: (ص:60) وما بعدها، تدريب الراوي: (2/161،170) ، فتح المغيث: (3/9-26) ، اختصار علوم الحديث: 161، وقد (جعل ابن طاهر وتبعه ابن دقيق العيد القسمين الرابع والخامس قسماً واحداً) . العراقي في التبصرة والتذكرة، وكذا فتح الباقي: 2/263، فتح المغيث: 3/22، تدريب الراوي: 2/169، وانظر الاقتراح لابن دقيق العيد: (301-308) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 ولقد سلك المُحَدِّثون في بعضِ معاجم الشُّوخِ والمشيخات مسلكاً جديداً في روايتهم للنُّصوصِ المُتَقَدِّمةِ، أضحى البديل المُناسبَ للمُسْتَخْرَجات، ويرتبط معها بالرَّوابطِ العُضويَّةِ نفسها، وَتَمَثَّلَ هذا المَسْلَك في ابتكار أسلوب العُلُوِّ في الإسناد، وأقسامه المُختلفة، وتتبع الطُّرق المُختلفة للرِّواية الواحدة، وعلى ذلكَ قامت مناهج العديد من المعاجم والمشيخات التي صُنِّفت بعد القرن الخامس. . ولكي يأخذ القارئ فكرةً واضحةً عن علم التَّخريجِ، والصِّلة بينَ المُستَخْرَجات، ومعاجم الشُّيوخ والمشيخات، لابد أن نضرب لهُ أُنموذجاً واحداً يبين لنا الرَّوابط المشتركة بين هذهِ الفنين، ولنأخذ هذا المثال مِن خلال الترجمة (43) من تراجم كتاب: إرشَادُ الطَّالبينَ إلى شُيُوخِ قَاضِي القُضَاةِ شَيخِ الإسلامِ أبي حَامِدٍ مُحَمَّدِ بْنِ عبدِالله بْنِ ظَهِيْرَةَ جَمال الدِّينِ المتوفَّى سنة (817هـ) تخريجُ الإمامِ الحافظِ غَرْسِ الدِّينِ أبي الحَرَمِ خَليلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحيمِ بْنِ عَبْدِالرَّحمنِ الأَقْفَهْسِيِّ، المتوفَّى سنة (821هـ) (1) . {43} مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ عليِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِالسَّلاَمِ ابن أبي المَعَالي ابنِ أبي الخيِر بنِ ذَاكِرِ ابن أحمدَ بن الحَسَنِ بنِ شَهْرَيار، الكَازَرُونِيُّ الأصل، المَكِّيُّ، أبو عَبْدِاللهِ، جمالُ الدِّينِ، رئيسُ المُؤَذِّنينَ بالمَسْجِدِ الحَرَامِ. وُلِدَ بِمَكَّةَ في شَهْرِ رَمَضَانَ، سنةَ إحدى عشرة وسبعمائة.   (1) 134) فتح المغيث: (1/39-41) . () الكتاب تحت الطبع وقد قمت بتحقيقه ودراسته ويقع في (3000صفحة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وسمعَ من الإمامِ رَضِيِّ الدِّينِ الطَّبَرِيِّ ((عُلُوم الحديث)) (1) لابن الصَّلاَح (2) ، بإجازته من مؤلِّفِهِ، وغير ذلك، وحَدَّثَ. سمعتُ منهُ، وكان عارفاً بعلم الميقات، وَأَلَّفَ في ذلك ((أرجوزة)) (3) . ومات في شَوَّالٍ، سنة سبع وسبعين وسبعمائة، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى.   (1) الكتاب مطبوع عدة طبعات، انظر: ثبت المصادر والمراجع. (2) هو (الإمام الحافظ العلامة شيخ الإسلام، تقي الدين، أبوعمرو، عثمان بن عبد الرحمن ابن عثمان ابن موسى الكردي الشهرزوري، الموصلي الشافعي، صاحب ((علوم الحديث)) . توفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة) . ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 23/140، وانظر: مقدمة تحقيقنا لكتاب ((صيانة صحيح مسلم من الإخلال والخلل وحمياته من الإسقاط والسقط)) لابن الصلاح: (91-71) ، ومقدمة تحقيقنا لكتاب ((أدب المفتي والمستفتي)) لابن الصلاح: (11-20) . (3) أولها: قال ابن عبد الله والسلام ** ... مؤذن الكعبة والمقام) . العقد الثمين: 2/70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 أخبرني أبو عَبْدِاللهِ مُحَمَّدُ بن عَبْدِاللهِ بن عليِّ بن مُحَمَّدِ بن عَبْدالسَّلاَمِ المُؤَذِّن، وأبو العَبَّاس أحمدُ بن مُحَمَّدِ بن مُحَمَّدِ بن مُحَمَّدٍ القَسْطَلاَّنِيُّ، وأبو مُحَمَّدٍ عبدُاللَّهِ بن مُحَمَّدِ ابن مُحَمَّدِ بن سُلَيْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ (1) ، قِرَاءَةً عليهم وَأَنا أَسْمَعُ بالمَسْجِدِ الحَرَامِ، قالوا: أنا أبو أحمدَ إبراهيمُ بنُ مُحَمَّدٍ الإمامُ، قِرَاءَةً عليه وَنَحْنُ نَسْمَعُ قال: أنا عَمُّ أبي يعقوبُ (2) ابن أبي بكرٍ الطَّبَرِيُّ، قِرَاءَةً عليه وَأَنا أَسْمَعُ، قال: أنا أبو الفُتُوحِ نَصْرُ (3)   (1) في الأصل في هذا الموضع ((النيسابوري)) وهو صواب فإنه ((نيسابوري الأصل، يعرف بالنَّشَاوِرِيَّ)) . (2) هو (القاضي جمال الدين، أبوأحمد، يعقوب بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم المكي الطبري. سمع من يونس الهاشمي ((صحيح البخاري)) ، ومن زاهر ((جامع الترمذي)) ، ومن أبي الفتوح الحصري ((سنن أبي داود)) ، وغير ذلك. توفي سنة خمس وستين وستمائة) . ترجمته في: ذيل التقييد: 2/312 (1700) ، العقد الثمين: 7/473. (3) هو (الشيخ الإمام العالم الحافظ المتقن المقريء، برهان الدين، أبوالفتوح، نصر بن محمد بن علي ابن أبي الفرج، البغدادي الحنبلي، ابن الحصري. توفي سنة تسع عشرة وستمائة، وقيل: سنة ثماني عشرة) . ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 22/163. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 ابن أبي الفرجِ بن عليِّ ابن الحُصْرِيِّ، قِرَاءَةً عليه وَأَنا أَسْمَعُ، قال: أنا أبو طَالِبٍ مُحَمَّدُ (1) بنُ مُحَمَّدِ ابن أبي زيدٍ العَلَوِيُّ البَصْرِيُّ، قِرَاءَةً عليه وَأَنا أَسْمَعُ، قال: أنا أبو عَلِيٍّ عليُّ (2) بن أحمدَ التُّسْتُرِيُّ، إجازةً إنْ لم يكن سماعاً، قال: أنا القاضي أبو عُمَرَ القاسمُ (3) ابن جعفرٍ الهَاشِمِيُّ، قال: أنا أبو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ (4)   (1) هو (المولى الشريف، أبوطالب، محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن أبي زيد، العلوي الحسني، البصري، نقيب الطالبين ببلده. روى ((سنن أبي داود)) عن أبي علي علي بن أحمد التستري، توفي سنة ستين وخمسمائة) . ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 20/423. (2) هو (الشيخ الجليل، أبوعلي، عليُّ بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن بحر التُّسْتَرِيُّ، ثُمَّ البصري السقطي، راوي ((سنن أبي داود)) ، عن القاضي أبي عمر الهاشمي. توفي سنة تسع وسبعين وأربعمائة بالبصرة) . ترجمته ومصادرها في: سيرأعلام: النبلاء:18/481. (3) هو (الإمام الفقيه المعمرمسند العراق، القاضي أبوعمر، القاسم بن جعفربن عبد الواحدبن العباس ابن عبد الواحد الهاشمي العباسي البصري، راوية ((السنن)) لأبي داود، عن أبي علي اللؤلؤي. توفي سنة أربع عشرة وأربعمائة) . ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/225. (4) هو (الإمام المحدث الصدوق، أبوعلي، محمد بن أحمد بن عمرو، البصري اللؤلؤي. ... قرأ كتاب ((السنن)) لأبي داود عشرين سنة، وكان يدعى وراق أبي داود. والوراق في لغة أهل البصرة: القاريء للناس، توفي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة) . ترجمته ومصادرها في: الأنساب (اللؤلؤي) ، سير أعلام النبلاء: 15/307. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 بن أحمدَ بن عمرو اللُّؤلُؤيّ، قَثَنَا أبو دَاودَ سليمانُ (1) بن الأشعثِ الحافظُ، قَثَنَا هارونُ (2) بنُ عَبْدِاللَّهِ، قَثَنَا أبو دَاودَ (3) الطَّيَالِسِيُّ، عن إبراهيمَ بن سعدٍ (4) ، عن أبيه (5) ، عن أبي عُبيدة (6) بن مُحَمَّدِ بن عَمَّارِ بن ياسِرٍ، عن طَلْحَةَ (7) بن عَبْدِاللهِ بن عَوْفٍ، عن سعيدِ (8) بن زيدٍ رضي الله تعالى عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مالهِ فَهُوَ شَهيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمهِ، أو دُونَ دِينهِ، فَهُوَ شهيدٌ)) (9)   (1) هو (سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد الأزدي، السجستاني، أبوداود، ثقة حافظ مصنف ((السنن)) وغيرها، من كبار العلماء، مات سنة خمس وسبعين ومائتين. ت س) التقريب 250، تهذيب التهذيب: 4/169. (2) هو (هارون بن عبد الله بن مروان البغدادي، أبوموسى الحمال، بالمهملة، البزاز، ثقة، مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين. م4) . تهذيب التهذيب: 11/8. (3) هو (سليمان بن داود بن الجارود، أبوداود الطيالسي البصري، ثقة حافظ غلط في أحاديث، مات سنة أربع ومائتين. خت م4) التقريب: 250. (4) هو ((إبراهيم بن سعد بن إبراهيم)) . (5) هو ((سعد بن إبراهيم بن سعد)) . (6) هو (أبوعبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، أخو سلمة، وقيل: هو هو، مقبول، من الرابعة. 4) التقريب: 656، وفي ((الكاشف)) : 3/357 ((وثق)) . (7) هو (طلحة بن عبد الله بن عوف الزهرى، المدني القاضي، يلقب طلحة الندى، ثقة مكثر فقيه، مات سنة سبع وتسعين. خ4) . التقريب: 282. (8) هو (سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، أبوالأعور، أحد العشرة، مات سنة خمسين أو بعدها بسنة أو سنتين. ع) التقريب: 236. (9) إسناده حسن، والحديث صحيح. أخرجه أبوداود: (5/128-129) في السنة، باب في قتال اللصوص، برقم: (4772) من الطريق الذي ذكره ابن ظهيرة، وأبوداود السجستاني يروي ((مسند الطيالسي)) ، والحديث في ((مسند)) الطيالسي: 1/236، برقم: (2050) (منحة المعبود) . وأخرجه الترمذي في ((الجامع)) : 4/30 في الديات، باب ماجاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، برقم: (1421) حدثنا عبد بن حميد قال: أخبرني يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي، به. وأخرجه ابن ماجه: 2/861 في الحدود، باب من قتل دون ماله فهو شهيد، برقم: (2580) حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، به. وأخرجه أحمد: (1/189-190) من طرق عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، به، مثله. والبخاري: 5/103 في المظالم، باب إثم من ظلم شيئاً من الأرض، برقم: (2452) حدثنا أبواليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري، قال: حدثني طلحة بن عبد الله أن عبد الرحمن بن عمرو ابن سهل أخبره أن سعيد بن زيد، به، مثله. وأخرجه البخاري: ==6/293 في بدء الخلق، باب ماجاء في سبع أرضين، برقم: (3198) حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبوأسامة، عن هشام، عن أبيه قال لي سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل، به، مثله. وأخرجه أحمد في ((المسند)) : 1/188 ثنا يحيى، عن هشام، وابن نمير، ثنا هشام، حدثني أبي، عن سعيد بن زيد، مثله. و: ((المسند)) 1/188 ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن عبد الرحمن بن سهل، به مثله. وأخرجه عبد بن حميد في ((المنتخب)) : 66، برقم: (105) حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، به. وأخرجه النسائي: 7/115 في تحريم الدم، باب من قتل دون ماله، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم وقتيبة واللفظ لإسحاق، قالا: أنبأنا سفيان، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله، به. و: 7/116 باب من قاتل دون أهله، وباب من قاتل دون دينه من طرق، عن إبراهيم ابن سعد، به. و: 7/115 أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا عبدة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن طلحة، به. وأخرجه عبد بن حميد في ((المنتخب)) :66، برقم: (106) حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن أبي عبيدة بن محمد ابن عمار، عن طلحة بن عبد الله ابن عوف، به. وأخرجه أبويعلى في ((المسند)) : (2/248-253) برقم: (949-959) بطرق متعددة عن سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه. وأخرجه الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)) : 10 /81 أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، أخبرنا إسماعيل بن محمد المحاملي، حدثنا عبد الله بن أيوب المخرمي، حدثنا سفيان ابن عيينة، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله، به. وانظر: تحفة الأشراف: 4/5، برقم: (4456) ، (4/8-9) ، برقم: (4460) ، و (4461) وسيأتي في الترجمة رقم: (211) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 * وأخبرناه أعلى من هذه الرِّوَايَةِ بِدَرَجَةٍ الشيخُ أبو حَفْصٍ عمرُ ابن الحَسَنِ بن مَزِيْدٍ بن أُمَيْلَةَ، بقراءتي عليه بِظَاهِرِ دِمَشْقَ في الرِّحْلَةِ الأولى، قال: أنا أبو الحَسَنِ عليُّ بن أحمدَ ابن عَبْدِالوَاحِدِ المَقْدِسِيُّ، قِرَاءَةً عليه وَأَنا أَسْمَعُ، قال: أنا أبو حَفْصٍ عمرُ بن مُحَمَّدِ بن طَبَرْزَدَ الدَّرَقَزِيُّ قََِدمَ علينا، قال: أنا أبو البَدْرِ إبراهيمُ (1) بنُ مُحَمَّدِ ابن الكَرْخِيِّ (2) ، قال: أنا الحافظ أبو بَكْرٍ أحمدُ بن عليِّ بن ثابتٍ الخَطِيْب (3) ، قال: أنا القاضي أبو عُمَرَ القاسمُ بن جعفرٍ الهَاشِمِيُّ (4) ، فذكره. *   (1) هو (الشيخ الفقيه العالم المسند، أبوالبدر، إبراهيم بن مُحَمَّد بن منصور بن عمر الكَرْخِيّ، له ((مشيخة)) مروية، توفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة) . ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 20/71. (2) هذه النسبة إلى عدة مواضع اسمها الكرخ ... أبوالبدر ... كان يسكن كرخ بغداد.. وأصله من كرخ جدان.) الأنساب: (10/388، 394) ، وفي معجم البلدان: 4/449 (كرخ جُدَّان: بضم الجيم، وسمعت بعضهم يفتحها والضم أشهر، والدال مشددة، وآخره نون، وزعم بعض أهل الحديث: أن كرخ باجدا وكرخ جدان واحد، وليس بصحيح، فأمَّا باجدا: فهو كرخ سامرا، وأما كرخ جدان: فإنه بليدة في آخر ولاية العراق يناوح خانقين عن بعد، وهو الحد بين ولاية شهرزور والعراق) . (3) ابن ظهيرة رحمه الله تعالى يروى هنا ((سنن أبي داود)) من طرق ((علي بن أحمد بن عبد الواحد المَقْدِسِيّ)) بسنده من طريق الخَطِيْب البَغْدَادِيّ. (4) من طريقه روى الخَطِيْب البَغْدَادِيّ ((سنن أبي داود)) برواية مُحَمَّد بن أحمد اللؤلؤي في ((تاريخ بغداد)) (12 نصاً) . انظر: ((موارد الخَطِيْب البَغْدَادِيّ في تاريخ بغداد)) : (ص 543) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وأخبرناه أعلى من هذه الرِّوَايَةِ بِدَرَجَةٍ، ومن الأولى بِدَرَجَتَيْنِ الشيخُ أبو الحَسَنِ مُحَمَّدُ ابن عمر بن الحَسَنِ بن حبيبٍ، قِرَاءَةً عليه وَأَنا أَسْمَعُ بالمَسْجِدِ الحَرَامِ قَدِمَ عَلَينا، قال: أنا أبو المَكَارِمِ مُحَمَّدُ (1) بن أحمدَ بن مُحَمَّدِ بن عَبْدالقَاهِرِ ابن النَّصِيْبِيِّ، قِرَاءَةً عليه وَأَنا أَسْمَعُ بِحَلَبَ، قال: أنا الحافظُ أبو الحَجَّاجِ يُوسُفُ بن خليلِ بن عَبْدِاللهِ الدِّمَشْقِيُّ، قال: أنا القاضي أبو المَكَارِمِ أحمدُ بن مُحَمَّدِ بن مُحَمَّدِ بن عَبْدِاللَّهِ اللَّبَّانُ الأَصْبَهَانِيُّ، بها، قال: أنا أبو عَلِيٍّ الحسنُ بن أحمدَ بن الحَسَنِ الحَدَّادُ، قال: أنا أبو نُعَيْمٍ أحمدُ بن عَبْدِاللَّهِ بن أحمدَ الحافظ، قَثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ جعفرٍ، قَثَنَا يُونُسُ (2) بن حبيبٍ، قيثنا أبو دَاودَ الطَّيَالِسِيُّ (3)   (1) هو (الجليل الرئيس، تاج الدِّينِ، أبو المَكَارِمِِ، مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد بن عبد القاهر ابن هبة الله الحَلَبِيّ، المعروف بابن النَّصِيْبِيّ، حدث بكتاب ((المسند)) لأبي داود الطيالسي من أبي الحجاج يوسف بن خليل الحَلَبِيّ، توفي سنة خمس عشرة وسبعمائة) . ترجمته في: معجم الشيوخ للذهبي: 2/153، ذيل التقييد: 1/79 (68) ، الدرر الكامنة: 3/355، شذرات الذهب: 6/38. (2) هو (المحدث الحجة، أبوبشر، يونس بن حبيب مولاهم الأَصْبَهَانِيّ، روى عن أبي داود الطيالسي ((مسنداً)) في مجلد كبير، توفي سنة سبع وستين ومائتين) . ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 12/596. (3) ابن ظهيرة يروى هنا ((مسند أبي داود الطيالسي)) . انظر: فهرسة ابن خير: 141، صلة الخلف: 352، ((المنتخب من معجم شيوخ السمعاني)) برقم: (227) ، التقييد: 2/309، وانظر الترجمة رقم: (79) ، و (149) و (376) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 ، قَثَنَا إبراهيم بن سعدٍ، عن أبيه، عن أبي عُبَيْدَةَ بن مُحَمَّدِ بن عَمَّارِ بن ياسِرٍ، عن طَلْحَةَ بن عَبْدِاللهِ بن عَوْفٍ، عن سعيدِ بن زيدٍ رضي اللَّهُ تعالى عنه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالهِ فَهْوَ شَهيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دونَ أهلهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهيدٌ)) (1) . * وأخبرناه أبو عُمَرَ مُحَمَّدُ بن أحمدَ بن أبي عمر، بقراءتي عليه، قال: أنا عَلِيُّ (2) ابن أبي العَبَّاس الحَنْبَلِيُّ، سماعاً، قال: أنا أبو عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ، قال: أنا هبةُ الله بن مُحَمَّدٍ، قال: أنا أبو عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ، قال: أنا أبو بَكْر ابن مالكٍ، قَثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ أحمدَ، قال: حَدَّثَنِي أبي، قَثَنَا سليمانُ ابن دَاودَ الهَاشِمِيُّ، قَثَنَا إبراهيمُ بن سَعْدٍ، عن أبيه، عن أبي عُبيدةَ ابن مُحَمَّدِ بن عَمَّارِ بن ياسِرٍ، عن طَلْحَة بن عَبْدِاللهِ بن عَوْفٍ، عن سعيدِ ابن زيدٍ رضي اللَّهُ تعالى عنه قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالهِ فَهُوَ شَهيد، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أهْلِهِ فَهُوَ شَهيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِيْنهِ فَهُوَ شَهيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهيد)) (3) .*   (1) إسناده صحيح. أخرجه أبو دَاودَ الطيالسي في ((مسنده)) : 1/236، برقم: (2051) ، (منحة المعبود) . (2) ابن ظهيرة يروي هنا من طريق علي بن أحمد بن عبد الواحد المَقْدِسِيّ السعدي الصَّالِحِيّ الحَنْبَلِيّ. ((مسند)) الإمام أحمد بن حنبل. (3) مسند أحمد: 1/190. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وأخبرناه القاضيان أبو عُمَرَ عَبْدُالعَزِيزِ بن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهيمَ الشَّافِعِيُّ، وأبو مُحَمَّدٍ عبدُاللَّهِ بنُ مُحَمَّدِ بن عَبْدِالمَلِكِ الحَنْبَلِيُّ، قِرَاءَةً عليهما وَأَنا أَسْمَعُ بالمَسْجِدِ الحَرَامِ، قالا: أنا أبو عَلِيٍّ الحسنُ بن عمر بن عيسى الكُرْدِيُّ، وزينبُ بنتُ أحمدَ بن عمرَ بن شُكر، سماعاً عليها، زاد الأول فقال: وأبو الحَسَنِ عليُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هارونَ، وأبو العَبَّاس أحمدُ ابن نِعْمَةَ الصَّالِحِيُّ، سماعاً أيضاً، قالوا: أنا عبدُاللَّهِ بنُ عُمَرَ البغداديُّ قَدِمَ عَلَينا، قال: أنا عَبْدُالأوَّلِ ابنُ عيسى، قال: أنا أبو الحَسَنِ عَبْدُالرَّحمنِ بن مُحَمَّدٍ الفقيهُ، قال: أنا عبدُاللَّهِ بنُ أحمدَ السَّرْخَسِيُّ، قال: أنا إبراهيمُ بنُ خُزَيْمٍ، قَثَنَا عَبْدُ بن حُمَيْدٍ (1) ، قَثَنَا يعقوبُ بن إبْرَاهيمَ (2) ، قَثَنَا أبي، عن أبيه، عن أبي عُبيدةَ بن مُحَمَّدِ بن عَمَّارٍ، عن طَلْحَةَ بن عَبْدِاللَّهِ ابن عَوْفٍ، عن سعيدِ بن زيدٍ، قال: سمعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ دينهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهيدٌ، وَمَن قُتِلَ دونَ أهْلِهِ فهو شَهيد)) (3) . *   (1) ابن ظهيرة رحمه الله تعالى يروى هنا ((مسند عبد بن حميد)) المتوفى سنة (249هـ) . انظر الترجمة رقم: (15) ، و (57) . (2) هو (يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، بن عَبْدالرَّحمنِ بن عوف الزُّهْرِيّ، أبويوسف المدني، نزيل بغداد، ثقة فاضل، مات سنة ثمان ومائتين. ع) التقريب:607. (3) إسناده صحيح. أخرجه عبد بن حميد في ((المنتخب من مسند عبد بن حميد)) (ص:66) ،برقم: (106) . وأخرجه أحمد في ((المسند)) : 1/190 ثنا يعقوب، ثنا أبي، به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وأخبرناه أعلى من هذه الرِّوَايَة بِدَرَجَتَيْنِ مختصراً أبو عَبْدِاللهِ مُحَمَّدُ ابن أحمدَ بن إبْرَاهيمَ المَقْدِسِيُّ، بقراءتي عليه بِدِمَشْقَ في الرِّحْلَةِ الأولى، قال: أنا أبو الحَسَنِ عليُّ بن أحمدَ ابن البُخَارِيِّ، سماعاً، قال: أنا حنبلُ بن عَبْدِاللهِ المُكَبِّرُ، قال: أنا أبو القَاسِمِ ابن الحُصَيْنِ، قال: أَنَا الحَسَنُ بن عليٍّ الواعظ، قَثَنَا أبو بَكْرٍ أحمد بن جعفر القَطِيْعِيُّ، قَثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ أحمدَ ابن حَنْبَلٍ، قال: حَدَّثَنِي أبي (1) ، قَثَنَا سفيانُ، قال: هذا حفظناه عَن الزُّهْرِيِّ، عن طَلْحَةَ ابن [عبد الله] (2) بن عَوْفٍ، عن سعيدِ بن زيدٍ رضي اللَّهُ تعالى عنه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مالهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)) (3) . * هذَا حَديثٌ صَحيحٌ أخرجهُ أصحابُ السُّنَنِ الأربعة في كُتُبِهِم. فرواه أبو دَاودَ، عن: هارونَ بن عَبْدِاللَّهِ (4) كَمَا قَدَّمْنَاهُ عنه. ورواه التِّرْمِذِيّ في ((جامعه)) عن: عبد بن حميد (5) ، فوافقناهُ بعُلُوٍّ. ورواه النَّسَائِيّ، عن: مُحَمَّدِ بن رافعٍ، ومُحَمَّدِ بن إسْمَاعيلَ بنِ إبْرَاهيمَ، كِلاهما عن سليمانَ بن دَاودَ الهَاشِمِيِّ (6) . فَوَقَعَ لنا بَدَلاً لهُ عالياً. ورواه أيضاً عن: إسحاقَ بن إبْرَاهيمَ، وقُتَيْبَةَ بن سعيدٍ (7) .   (1) ابن ظهيرة يروي هنا ((مسند)) الإمام أحمد رحمه الله تعالى. (2) في الأصل [عبيد الله] وفي ((مسند أحمد)) : ((عبد الله)) وكذا تقدمت روايته وتخريجه فلعل ماجاء في الأصل سبق قلم من الناسخ. (3) إسناده صحيح. أخرجه أحمد في ((المسند)) : 1/187. (4) سنن أبي داود: (5/128-129) ، برقم: (4772) . (5) جامع التِّرْمِذِيّ: 4/30، برقم: (1421) . (6) سنن النَّسَائِيّ الصغرى: 7/ 116. (7) سنن النَّسَائِيّ الصغرى: 7/115. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 ورواه ابن ماجه، عن: هِشَامِ بن عَمَّارٍ (1) ، ثلاثتهم عن سفيانَ. فَوَقَعَ لنا بَدَلاً لهما عالياً، وَلِلَّهِ الحَمْدُ. * إنَّ المَرويات التي اشتملَ عليها هذا المعجم إنَّما هي إمَّا رواية لجزءٍ حديثييِّ، أو لكتابٍ مشهورٍ، أو محاولة القُرب بالنِّسْبَةِ إلى روايةٍ مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ، أو غيرِها مِنَ المُصَنَّفاتِ، وهو ما كثُرَ اعتناءُ المتأخِرونَ بهِ مِنَ الموافقةِ، والبدَلِ، والمُساواة، والمُصَافَحَةِ. . إنَّ حِرْصَ ابن ظهيرة، وغيره مِنَ المُصَنِّفين لمعاجم الشُّيُوخِ والمشيخات (2) في معاجمهِم على روايةِ العشراتِ مِنَ المُصَنَّفاتِ الحديثيَّةِ، والتَّاريخيَّةِ، وكتُبِ التَّراجم، والمعاجِمِ، والمشيخاتِ، وكُتُبِ الأَدَبِ، واللُّغَةِ، وغيرِ ذلكَ مِنَ المُصَنَّفاتِ المُتَعَدِّدَةِ الفنون. . . وقيامهم بِتَتَبُّعِ الطُّرُق المُختلفَةِ للرواية الواحدةِ، قد أبرزَ لنا جانِباً حضاريَّاً قائِمَاً بذاتِهِ يدُلُّ على الذَّكاءِ المُفْرِطِ، والفِكْرِ الرِّياضِيِّ الذي يتمتعُ بهِ المُحَدِّثونَ والمُصَنِّفونَ لهذا النَّوع مِنَ المعاجِمِ والمشيخاتِ، والقُدْرَة العاليةِ على رَبْطِ الأسانيدِ المُختَلِفَةِ بعضها ببعضٍ، والتي تتميَّزُ بالدِّقَّةِ العجيبَةِ، ويسودَها النِّظامُ الذي لا يقبلُ غير الصَّوابِ في بيانِ الإسنادِ العَالي وأقسامهِ المُختلفةِ. المبحث الخامس: فوائد المستخرجات ومعاجم الشُّيوخ والمَشيخات   (1) سنن ابن ماجه: 2/861، برقم: (2580) . (2) وكذا بدرُ الدين ابن جماعة في ((مشيخته)) بتخريج علم الدين البِرْزَاليِّ، وطبع الكتاب بتحقيقنا، وكذا معظم المعاجم والمشيخات التي اعتنى مُصَنِّفوها بتتبع الروايات والتوسع في تخريجها مِن أكثر من مصدرٍ، وللمزيد من الفائدة يُراجع كتابنا ((عِلْمُ الأثباتِ ومعاجمُ الشُّيُوخِ والمشيخات وَفنُّ كتابة التَّراجم)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 إنَّ تتبعَ الطُّرق المختلفة للروايةِ الواحدةِ، ومحاولة ربط الأسانيد بعضها ببعضٍ، ومحاولة بيان الإسناد العالي وأقسامهِ المختلفةِ للرواياتِ ليسَ هو الغرض الوحيد للمُصَنِّفِينَ للمُسْتَخْرَجَاتِ، وَمعاجم الشُّيوخِ والمَشْيَخَاتِ (1) . . وإنَّما شَاركَتهُ أغراضٌ أُخرى مُتَعَدِّدة حاولَ المُصَنِّفُون مُعالجتها، بعضها يتعلَّقُ بالأسانيدِ، وبعضُها الآخرُ يتعلَّقُ بالمتونِ، ويُمكنني أن أُجْمِلَ بعضَ هذهِ الأغراض وفوائدها بما يأتي: ا- عُلُو الأسنادِ: إنَّ علو الإسناد: هو قِلَّةُ الوسائِط في السَّنَدِ، أو قِدَمِ سَمَاع الرَّاوي، أو وفاته (2) ، وهو سُنَّةٌ مِن السُّنَنِ (3)   (1) انظر فوائد معاجم الشُّيُوخ في كتابنا ((عِلْمُ الأثبات ومعاجمُ الشُّيُوخِ والمشيخات)) طبع جامعة أمِّ القرى. وينبه هنا أنَّ المقصود بمعاجم الشيوخ والمشيخات ليس على إطلاقها، بل مقيد بمدرسة المعاجم والمشيخات التي تنتمي إلى مدرسة تتبع الرواية الواحدة، واستخراجها من عدة مصادر، وربط الأسانيد بعضها ببعض. (2) فتح المغيث: 3/5. (3) من ذلكَ حديث أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنهُ في مجيء ضِمام بن ثَعْلَبَةَ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ليَسْمَعَ منهُ مُشَافَهَةً.. إذْ لو كانَ العُلُو غير مُسْتَحب لأ نكَرَ صلى الله عليه وسلم سؤالهُ عَمَّا أخبَرَ بهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك اقتصاره على خبرهِ لهُ. انظر: معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري: 5، شرح مسلم للنوويِّ: 1/196، فتح الباري: 1/148،، فتح المغيث: 3/5، تدريب الراوي: 2/161. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 ، ولذلِكَ استُحِبَّت الرِّحْلَة (1) . قال أحمدُ بنُ حَنبلٍ: طلبُ الإسناد العالي سُنَّة عَمَّن سَلَفَ، لأنَّ أصحابَ عبد الله كانوا يرحلونَ مِنَ الكوفةِ إلى المدينةِ فيتَعَلَّمونَ مِن عُمَرَ وَيَسْمعونَ منهُ (2) ، وعُلوه يُبعِدهُ مِن الخَللِ المُتَطَرِّقِ إلى كُلِّ رَاوٍ (3) .   (1) انظر: الرحلة في طلب الحديث: (87-165) ، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السَّامع: 2/223، علوم الحديث لابن الصلاح:223. (2) الجامع لآخلاق الراوي وآداب السامع: 1/123، الرحلة في طلب الحديث:98، علوم الحديث لابن الصلاح:231، فتح المغيث: 3/7، تدريب الراوي: 2/160. (3) انظر: المحدث الفاصل: 216، الجامع لأخلاق الراوي: 1/116، علوم الحديث لابن الصلاح:231. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 ولذلكَ فإنَّ أصحابَ المُسْتَخْرَجات، ومعاجم الشُّيُوخِ قد حرصوا على هذهِ الفائدةِ في معظمِ مَرويَّاتهمِ، ومِن أمثلة ذلكَ ما أخرجهُ ابنُ ظهيرة في ترجمة شيخِهِ محمد بن أحمد ابن عبد الرحمن، مِن طريق سُليمان بنِ داودَ الهاشِمِيِّ، قثنا إبراهيم بن سَعْد، عن أبيهِ، عن عبدِاللهِ بنِ جَعفر ابنِ أبي طالبٍ رضي اللهُ تعالى عنهُما، قال: ((رأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ القِثَّاءَ بالرُّطَبِ)) ، ثُمَّ أتبعهُ بقولِهِ: ((وأخبرنا أعلا مِن هذهِ الروايةِ بِدَرَجتينِ معَ اتِّصَالِ السَّمَاعِ. . .)) (1) ، وذَكَرَ في ترجمة شيخِهِ محمد بن أحمد بن عبدِالعزيزِ حديث العِرْبَاض ابن سَاريَةُ رضي الله عنه عنهُ في مَوعظة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((فعليكُم بِسُنَّتي ... )) الحديث، ثُمَّ أتبعهُ بقولهِ: ((وأخبرنا أعلا مِن هذهِ الرواية بِدَرَجتينِ وأَتَمّ معَ اتِّصَالِ السَّماع. .)) ، وبعدَ أنْ ذَكَرَ الرواية بسندهِ، أتبعها بقولِهِ: ((وأخبرنا أعلا مِن هذهِ الرواية بِدَرَجَةٍ، وَمِنَ الأولى بثلاثِ دَرَجَاتٍ. .)) ، وبعدَ أن ذَكَرَ إسناده والرواية، عادَ فقال: ((وأخبرنا أعلا مِن هذِهِ الرواية بِدَرَجَةٍ، وَمِنَ الأولى بِأربع دَرَجاتٍ، وَمِنَ الثَّانيةِ بثلاثِ دَرَجَاتٍ. .)) (2) . 2- زيادة الثِّقَات: زيادةُ الثَّقاتَ، هو ما نراهُ زائِداً مِنَ الألفاظِ في رواية بعضِ الثِّقاتِ لحديثِ ما رواهُ الثِّقاتُ الآخرونَ لذلكَ الحديثِ، وتقَعُ هذهِ الزيادة في المَتْنِ بزيادةِ كلمةٍ، أو جُملةٍ، أو في الإسنادِ برفعِ موقوفٍ، أو وَصْلِ مُرْسَلٍ (3) .   (1) الترجمة رقم: (7) . (2) الترجمة رقم: (8) . (3) المنهل الروي: 58، شرح نخبة الفِكَر لابنِ حَجَرٍ: 45، تيسير مصطلح الحديث للدكتور محمود الطَّحَّان: 137. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وهو فَنٌ لطيفٌ يُسْتَحْسَنُ العِناية بهِ، ويُعْرَفُ بجمعِ الطُّرُقِ والأبوابِ (1) . روى البُخَاريُّ بسندهِ عن محمد، عن شُعبة، عن سُليمان، عن إبراهيمَ، عن عَلْقَمَةَ، عن عبدِاللَّهِ قال: لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُم بِظُلْمٍ} قال أصحابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّنَا لَمْ يَظْلِم؟ فَاَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيم} (2) . قال الحافظ ابنُ حجرٍ: زادَ أبو نُعيمٍ في ((مُسْتَخْرَجِهِ)) من طريقِ سليمان بنِ حَرْبٍ، عن شُعْبَةَ بعد قولهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيم} : فطابت أنفسنا (3) . ويُنَبَّهُ هُنا أنَّ صاحب المُستَخرج، أو المشيخةِ قد لا يُصَرِّحُ بالزِّيادات، وإنَّمَا يكتفي بِذِكْرِ الأسانيدِ المُخْتَلِفَةِ، والألفاظِ المُتَعَدِّدَةِ للرِّوايةِ الواحِدَةِ، تارِكاً أمر معرِفَةِ الزِّيادات إلى فِطنَةِ القارئ، ومعرفتِهِ بهذا الفَنِّ الجليلِ (4) . 3- القوة بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ: وفائِدتُهُ للتَّرْجيحِ عندَ المُعَارَضَةِ (5) . وقد تَطَرَّقَ ابنُ ظهيرة لهذا الفنِّ في معجمه، ومثال ذلكَ ما رواهُ في ترجمةِ شيخِهِ محمدِ بنِ أحمدَ بنِ عبدِالرَّحمن حيثُ ذَكَرَ حديث كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ إذا سَافَرَ:   (1) علوم الحديث لابن الصلاح: 77، فتح المفيث: 1/199، تدريب الراوي: 1/245. (2) البخاري: 2/87، الإيمان، باب ظُلمٌ دُونَ ظُلم، برقم: (32) . (3) فتح الباري: 2/88. وانظر مثالاً آخراً على زيادة الثِّقات التي وردت في مُستخرج الإسماعيلي، في فتح الباري: 2/93. وغير ذلك مِن الأمثلة التي طفح بها فتح الباري. (4) انظر الترجمة رقم: (41) . (5) انظر: صيانة صحيح مُسْلِم لابن الصلاح: 88، علوم الحديث لابن الصلاح: 19، تدريب الراوي: 1/15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعَثَاءِ السَّفَرِ. .)) الحديث (1) ، حيثُ تَطَرَّقَ إلى ألفاظِ الحديثِ وأسانيدِهِ، وذَكَرَ لفظَة ((وَمِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْنِ)) ، وهذهِ اللفظة استشكلها بعضُ المُحَدِّثينَ وقالوا صوابها: ((الكَوْر بالرَّاء)) . ومثالهُ ما جاء في ترجمة شيخِهِ مُحَمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ مُحَمَّدٍ حيثُ ذَكَرَ حديث: ((كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ ما يَكونُ في رَمَضَانَ. .)) الحديث (2) ، فتطَرَّقَ إلى أسانيدِهِ المُختَلِفَةِ، وما جاءَ في بعضِها مِن زياداتٍ على بعضِ الروايات واختلافِ ألفاظِهِ. وفي ترجمة شيخهِ إبراهيمَ بنِ عدنانَ بنِ جَعْفَرٍ ذَكَرَ حديث: ((قالَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ: أنا الرَّحْمنُ خَلَقْتُ الرَّحِمِ. .)) الحديث، ثُمَّ ذَكَرَ أسانيدَهُ المُخْتَلِفَة، وقال: قال البُخَاريُّ فيمَا نقلهُ عنهُ الحافِظُ المِزِّيُّ في ((الأطراف)) : وحديثُ مَعْمَرٍ خَطَأٌ. يعني في زيادةِ رَدَّاد بَيْنَ أبي سَلَمَةَ وأبيهِ. .)) (3) . 4- الزيادةٌ في قَدْرِ الصَّحيح: وذلكَ لِمَا يقعُ مِن ألفاظٍ زائِدَةٍ، وتَتِمَّاتٍ في بعضِ الأحاديثِ (4) . من ذلك مارواهُ البُخاريُّ: حدَّثنا مُعاذُ ابنُ فُضَالةَ، قال: حَدَّثنا هِشَامٌ، عن يحيى، عن مُحَمَّدِ بنِ إبراهيمَ بن الحارثِ، قال: حَدَّثني عيسى بنُ طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ مُعاويةَ يوماً فقال: مثلهُ إلى قولهِ: ((وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ)) .   (1) الترجمة رقم: (14) . (2) الترجمة رقم: (15) . (3) الترجمة رقم: (184) . (4) انظر: صيانة صحيح مُسْلِم لابن الصلاح: 88، علوم الحديث لابن الصلاح: 19، تدريب الراوي: 1/15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وَحدَّثنا إسحاقُ بنُ رَاهويه، قال: حَدَّثنا وَهْبُ بنُ جَريرٍ، قال: حَدَّثنا هِشَامٌ، عن يحيى. . .نحوه (1) . قال الحافظ ابنُ حجرٍ: وقد وقع لنا هذا الحديث مِن طُرقٍ عن هِشامٍ، منها للإسماعيليِّ مِن طريقِ مُعاذِ بن هشامٍ، عن أبيهِ، عن يحيى، حدَّثنا محمدُ بنُ إبراهيمَ، حدَّثنا عيسى بن طلحةَ، قال: دخلنا على مُعاويةَ، فنادى مُنَادٍ بالصَّلاةِ، فقال: اللَّهُ أكبر اللَّهُ أكبر، فقال مُعاويةُ: اللّضهُ أكبر اللَّهُ أكبر، فقال: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّه، فقال مُعاويةُ: وَأنا أشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللَّه، فقال: أشهدُ أنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّهِ، فقال مُعاويةُ: وأنا أشهدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللَّهِ، قال يحيى: فحدَّثني صاحِبٌ لنا: أنَّهُ لَمَّا قالَ: حَيَّ على الصَّلاةِ، قال: لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ، ثُمَّ قال: هكذا سَمِعنا نبيكم. انتهى.   (1) البخاري: 2/90، الإيمان، باب ما يقولُ إذا سمع المُنادي، برقم: (612) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 فاشتمل هذا السِّياق على فوائدَ: أحدها تصريح يحيى بنُ أبي كثيرٍ بالسَّماعِ لهُ مِن محمد ابن إبراهيم، فَأَمِنَ ما يُخشى مِن تدليسهِ، ثانيها: بيان ما اختصر مِن رِوايتي البُخاريِّ، ثالثهما: أنَّ قولهُ في الرِّواية الأولى: أنَّهُ سمع مُعاوية يوماً فقال مثلهُ. فيه حَذْفٌ تقديرهُ أنَّهُ سَمِعَ مُعاويةَ يَسْمَعُ المؤذِّنَ يوماً فقال مثلهُ، رابعها: أنَّ الزِّيادةَ في رواية وَهْبِ ابنِ جَريرٍ لم ينفرد بها لِمُتابعة مُعاذ ابن هِشامٍ لهُ، خامسها: أنَّ قولهُ: قال يحيى. ليس تَعليقاً مِنَ البُخاريِّ كما زَعم بعضهم، بل هو عندهُ بإسناد إسحاق. وأبدى الحافظ فُطب الدِّين احتمالاً أنَّهُ عندهُ بإسنادينِ، ثُمَّ إنَّ إسحاق هذا لم يُنسب، وهو ابنُ راهويه، كذلكَ صَرَّحَ بهِ أبو نُعيمٍ في ((مُسْتَخْرَجِهِ)) ، وأخرجهُ مِن طريقِ عبدِاللَّهِ بن شيرويه عنهُ (1) . 5- تَمييزُ رواية المُخْتَلِط، وبيان زَمَنِها: وذلكَ أن تكونَ الرواية عَمَّن اختلطَ ولَم يتَبَيَّن هل سَماع ذلكَ الحديث في هذهِ الرواية قبلَ الاختِلاطِ أو بعدَهُ؟ فَتُبَيِّنهُ الطُّرُقُ الأُخرى، إمَّا تَصريحاً، أو بأن يأتي عنهُ مِن طَريقِ مَن لَم يَسْمَع مِنهُ إلاَّ قبلَ الاختلاط (2) . 6- التَّصريحُ بالسَّماعِ عندَ ورودِ عَنْعَنَة المُدَلِّسِ: إذ قد يأتي الحديثُ في رِوايةٍ عن مُدَلِّسٍ بالعَنْعَنَةِ، فتأتي الطُّرُقُ الأخرى بالتَّصْريحِ بالسَّماعِ (3) .   (1) فتح الباري: 2/93. وهذا المثال فيه الكثير مِن الفوائد التي سيأتي ذِكرها، وبالتالي سأكتفي به عن إيراد المزيد مِنَ الأمثلة. (2) انظر: النكت على ابنِ الصَّلاح: 1/322، تدريب الراوي: 1/116، توضيح الأفكار: 1/72. (3) انظر: النكت على ابنِ الصَّلاح: 1/322، تدريب الراوي: 1/116، توضيح الأفكار: 1/72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 روى البُخَارِيُّ بسندهِ، عن قَتَادَةَ، عن أنسٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه)) وذَكَرَ الحديث (1) . قال الحافظ ابنُ حجرٍ: وصَرَّح النَّسائيُّ والإسماعيليِّ بسماعِ قَتَادةَ لهُ مِن أنسٍ (2) . 7- التَّصريحُ بالأسماءِ المُبْهَمَةِ في الإسنادِ، أو المَتْنِ: كَحَدَّثَنا فُلان، أو رَجُل، أو فلان وغيره، أو غير واحدٍ، أو رأى رجُلاً، فتأتي الطُّرُقُ الأخرى فتُعَيِّنهُ (3) . 8- تَعْيينُ الأسماء المُهْمَلَة في الإسْنادِ، أو في المَتْنِ: كَأن يأتي في طَريقٍ مُحَمَّدٌ مِن غَيرِ ذِكْر ما يُمَيزهُ عن غَيرهِ مِنَ المُحَدِّثينَ، ويكونُ في مَشايخِ مَن رواهُ كذلكَ مَن يُشارِكُهُ في الاسمِ، فتأتي الطُّرُقُ الأخرى فتُمَيزُهُ عن غَيرهِ (4) . 9- التَّمييزُ للمَتْنِ المُحَال بهِ على المَتْنِ المُحال عليهِ: كَما وقعَ في كِتابِ مُسْلِمٍ، فإنَّهُ يُخَرِّجُ الحديثَ على لفظ بعضِ الرُّواةِ، ويُحيلُ بباقي ألفاظِ الرواة على ذلِكَ اللَّفظِ الذي يُورِدهُ فتارةً يقولُ: مثلهُ، فيحملُ على أنَّهُ نظيرٌ سواء. وتارةً يقولُ: نحوهُ أو مَعناهُ، فتوجد بينهُما مُخالفةٌ بالزِّيادةِ والنَّقْصِ، وفي ذلكَ مِنَ الفوائِدِ ما لا يَخْفى (5) .   (1) البخاري: 1/72، في الإيمان، باب مَن كرهَ أن يعودَ في الكُفر كما يكرهُ أن يُلْقضى في النَّار مِنَ الإيمان، برقم: (21) . (2) فتح الباري: 1/62. (3) انظر: النكت على ابنِ الصَّلاح: 1/322، تدريب الراوي: 1/116، توضيح الأفكار: 1/72. (4) انظر: النكت على ابنِ الصَّلاح: 1/322، تدريب الراوي: 1/116، توضيح الأفكار: 1/72. (5) انظر: النكت على ابنِ الصَّلاح: (1/322-323) ، توضيح الأفكار: 1/72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 10- تَعيينُ الإدْراج في الإسنادِ، أو في المَتْنِ: إذ قَد تأتي روايَةٌ فيها إدراجٌ، وهو ما كانت فيهِ زيادةٌ ليست منهُ (1) ، فتأتي الطُّرُقُ الأُخرى للرِّوايةِ فتكشفُ الإدْراج (2) . 11- وصلُ المُعَلَّقَات: قد تأتي روايةٌ فيها حديثٌ مُعَلَّقٌ، وهو ما حُذِفَ مِن مبدأ إسنادِهِ واحد فأكثَر (3) ، فتأتي بقيَّة الرواياتِ فتوصلها. 12- رفعُ الموقُوفِ: قد تأتي الرواية موقوفة على الصَّحابيِّ مِن قَولِهِ أو فِعْلِهِ، أو نحوهِما، فتأتي الطُّرُقُ الأُخرى للرِّوايةِ فَتُصَّرِّحُ بِرَفْعِها (4) . 13- بيانُ أحكامٍ فِقْهِيَّةٍ: قد تأتي رِوايةٌ مُختصَرةُ الألفاظِ، فتأتي بقيَّةُ الطُّرُقِ الأُخرى فتزيدُ فيها مِنَ الأحكامِ الفقهيَّةِ.   (1) الباعث الحثيث: 74. (2) انظر الإدراج في: الفصل للوصلِ المُدْرج في النَّقْلِ للخطيب البغداديِّ، طبع بتحقيق عبد السَّميع محمد الأنيس، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى (1418هـ -1997م) ، التبصرة والتذكرة، مع فتح الباقي: (1/246-252) ، نزهة النظر: 46، فتح المُغيث: (1/226-230) ، تدريب الراوي: (1/268-271) . (3) فتح المغيث: 1/54، تدريب الراوي: 1/117، توضيح الأفكار: 1/134. (4) انظر: التبصرة والتذكرة وفتح الباقي: 1/123، النكت على ابنِ الصَّلاح: 1/323، فتح المغيث: 1/103،توضيح الأفكار: (1/73،261) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 مثالُ ذلكَ ماروى ابنُ ظهيرة في ترجمة شيخِهِ مُحَمَّدِ بنِ رَافِعٍ مِن حديثِ أنَسٍ رضي اللهُ تعالى عنهُ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَقَطَ مِن فَرَسٍ على شِقِّهِ الأيْمَنِ، فَدَخَلوا عليهِ يَعُودُونَهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلمَّا قضى الصَّلاة، قال: ((إِنَّما جُعِلَ الإِمامُ لِيُؤْتَمَّ بهِ..)) الحديث، ثُمَّ ذَكَرَ للرِّوايةِ طُرُقَاً أُخرى مِن رِوايةِ أنَسٍ فيها مَزيد مِنَ الفوائِدِ الفِقْهيَّةِ (1) . 14- بيانُ عِلَّةٍ مِنَ العِلَلِ، سواءٌ في الإسنادِ، أو في المَتْنِ: قد يذكُرُ المُصَنِّفُ رواية فيها عِلَّةً مِنَ العِلَلِ، ثُمَّ يروي لها طُرُقاً أُخرى لِيُبَيِّنَ طبيعة الرِّواية الصَّحيحة، ومكان العِلَّة في الرواية المُعلَّةِ، وَمَن هو الراوي الذي تسببَ في هذهِ العِلَّة، ومثالُ ذلكَ ما رواهُ ابنُ ظَهيرَةَ في ترجمة شَيخِهِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَرَفَةَ، حيثُ ذَكَر مِن طريقِ مَالكِ بن أنَسٍ حديث ابن عُمَرَ رضي اللهُ عنهُ: ((اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ)) ، قالوا: والمُقَصِّرينَ يارسولَ اللهِ؟ ، قالَ: ((وَالمُقَصِّرينَ)) ، ثُمَّ أتبع هذهِ الرواية بذِكْرِ طُرقها المُختلفةِ عن مالكٍ لبيان الاختلاف عليهِ في ألفاظِ هذهِ الرواية (2) .   (1) الترجمة رقم: (33) ، وغير ذلكَ مِنَ التراجم التي وَرَدت فيها روايات متعددة ذُكِر فيها مِنَ الفوائِد الفِقهيَّةِ ما لم تُذْكَر في الرواية الأولى، انظر التراجم: (43، 109) . (2) انظر التَّرجمة رقم: (97) ، فتح الباري: 3/562. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 15- شَرحُ لفظٍ، أو بيانُ معْنَىً مِنَ المعاني: قد تأتي روايةٌ مِنَ الروايات تحتملُ أوجُهَاً مُخْتَلِفَة، فيتبعها المُصَنِّفُ برواياتٍ أُخر لِتُؤكِدُ وجهَاً مِنَ الوجوهِ، ومِن ذلكَ ماأخرجهُ ابنُ ظهيرة في ترجمة شيخهِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ ابنِ مَنْصُورٍ،حيثُ ذَكَرَ حديث حَريْز بن عُثمانَ أنَّهُ سألَ عَبْدَاللهِ بنَ بُسْرٍ صاحب رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، ورضِيَ عنهُ، قالَ: ((أَرَاَيْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ شَيْخَاً؟ . .)) الحديث، وأردفهُ برواية ((أَشَابَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟)) (1) . 16- بيانُ الاختلاف في الأسانيدِ: قد يذكُرُ المُصَنِّفُ روايةً مِنَ الرِّواياتِ، ثُمَّ يُتْبِعُها بذكرِ طُرُقٍ أُخرى لبيانِ الاختلافِ الواقِعِ في إسنادِ الروايةِ الأولى. مِن ذلكَ ما جاءَ في ترجمة شيخِهِ عبد الرَّحمنِ بنِ أحمدَ بنِ عبدِالهادي، حيثُ روى مِن طرقهِ حديثَ عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه عنهُ، قال: ((عَلَّمَني رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا نَزَلَ بِيَ كَرْبٌ أنْ أَقولَ. . .)) الحديث، ثُمَّ أتبعهُ بِطُرُقٍ أُخرى عن عَلِيٍّ رضي الله عنه، وقال: ((وفي سَنَدِهِ اختلاف)) (2) . وبعد فإنَّ مُحاولة الاستقراء للفوائِد الحديثيَّةِ التي يُمكننا استخلاصها مِن منهجِ المُحَدِّثينَ في تتبُّعِهِم للطَّرُقِ المُختلِفَةِ (3)   (1) انظر الترجمة رقم: (109) ، و (381) ، والتَّعليق عليهِما. (2) انظر: الترجمة رقم: (269) . (3) ليس المرادُ بتتبع الطرق المختلفةِ أن يتغيَّر أصل السَّنَد وهو الصَّحابيّ، بل قد يُرادُ بهِ تتبع طرق الرواية إلى صحابيٍّ واحدٍ. المصادر والمراجع إرشاد الطَّالبينَ إلى شُيوخِ شَيخِ الإسلامِ قاضي القُضاة أبي حَامِدٍ مُحَمَّدِ بْنِ عبدِالله بْنِ ظَهِيْرَةَ جَمال الدِّينِ المتوفَّى سنة (817هـ) ، تخريج الإمامِ الحافظِ غَرْسِ الدِّينِ أبي الحَرَمِ خَليلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحيمِ بْنِ عَبْدِالرَّحمنِ الأَقْفَهْسِيِّ، المتوفَّى سنة (821هـ) ، دراسة وتحقيق الدكتور موفق بن عبدِاللَّه ابن عبدِالقادر، تحت الطبع. الإعلان بالتَّوبيخ لِمَن ذم أهل التَّاريخ: للحافظ شمس الدِّين محمد ابن عبد الرَّحمن السَّخاوي (ت902هـ) ، تحقيق فرانزروزنثال، دار الكتب العلمية، بيروت. الاقتراح في بيان الاصطلاح: للإمام تقي الدين محمد بن علي المعروف بابن دقيق العيد (ت702هـ) ، تحقيق ودراسة قحطان عبد الرَّحمن الدُّوري، مطبعة الإرشاد، بغداد 1402هـ-1982م. الإكمال في رفع الإرتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكُنى والأنساب: للحافظ أبي نصر عليّ بن هبة الله بن جعفر المعروفغ بابن ماكولا (ت487هـ) ، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، والجزء السابع تحقيق نايف العباس، الناشر محمد أمين دمج، بيروت لبنان. الأموال: للإمامِ الحافظ أبي عُبيد القاسم بن سلاَّم (ت224هـ) ، تحقيق محمد خليل هراس، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، دار الفكر، القاهرة، الطبعة الأولى 1395هـ-1975م. الأموال: للإمام الحافظِ حميد بن زنجويه، تحقيق الدكتور شاكر ذيب فياض، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، الطبعة الأولى 1406هـ-1986م. الأنساب: للإمام أبي سعدٍ عبد الكريم بنِ محمدٍ السَّمعانيِّ (ت562هـ) ، تحقيق المعلمي اليماني، ومجموعة من الأساتذة، نشره أمين دمج، بيروت. البداية والنهاية: للحافظ إسماعيل بن عمر الدِّمَشقيِّ، المعروف بابن كثير (ت774هـ) ، مكتبة المعارف، بيروت 1977م. تاج العروس مِن جواهر القاموس: لأبي الفيض محمد مرتضى الزَّبيدي (ت1205هـ) ، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت. تاريخ بغداد: للإمام أبي بكرٍ أحمد بن عليِّ بن ثابتٍ الخطيب البغداديِّ (ت463هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت. التبصرة والتذكرة: للإمام أبي الفضلِ عبد الرحيم بن الحسين بنِ عبد الرحمن العراقي (ت806هـ) ، تصدير محمد بن الحسين العراقي الحُسيني، طبع دار الكتب العلمية، بيروت. تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف: للإمام أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزيِّ (ت742هـ) ، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، االهند، الطبعة الأولى 1384هـ - 1965م. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: لجلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطيِّ (ت911هـ) ، تحقيق عبد الوهاب عبد الطيف، دار الكتب الحديثة، القاهرة، الطبعة الثانية (1385هـ - 1966م) . تذكرة الحفاظ: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، الهند، الطبعة الرابعة (1390هـ-1970م) . تقريب النَّواوي: ليحيى بن شرف النَّووي (ت676هـ) ، مع شرحه تدريب الراوي للسيوطي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1379هـ-1959م. تقريب التهذيب: للإمام أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا، حلب، الطبعة الأولى 1406هـ. التَّقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصَّلاح: لنور الدِّين عبد الرَّحيم ابن الحُسين العراقي (ت806هـ) ، تحقيق عبد الرَّحمن محمد عُثمان، دار الفكر، بيروت، 1401هـ. توضيح الأفكار: لمحمد بن إسماعيل الأمير الصَّنعاني (ت1182هـ) ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1366هـ. الجامع: للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَةَ الترمذي (ت279هـ) ، حققه أحمد شاكر، وآخرون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، وأولاده، مصر، الطبعة الأولى 1356هـ. الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريِّ (ت256هـ) ، المكتب الإسلامي، محمد أزدمير، تركيا إسطنبول (1979م) ، وانظر: “ فتح الباري ”. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: للإمام أبي بكر أحمد بن عليٍّ الخطيب البغداديِّ (ت463 هـ) ، تحقيق الدكتور محمود الطحان، مكتبة المعارف 1403هـ - 1983م. الجرح والتَّعديل: لعبد الرحمن بن محمد بن إدريس الشَّافعي، المعروف بابن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) ، تحقيق عبد الرحمن ابن يحيى المعلمي اليماني، دائرة المعارف العثمانية، الهند، الطبعة الأولى 1371هـ-1952م. الرِّحلة في طلب الحديث: لأبي بكر أحمد بن عليٍّ الخطيب البغدادي (ت463هـ) ، تحقيق نور الدين عتر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1395هـ. الرِّسالة المُسْتَطْرَفة لبيان مَشهور كُتُبِ السُّنَّةِ المُشَرَّفَة: للعلاَّمَةِ محمد بن جعفر الكَتَّانيِّ (ت1345هـ) ، كتب مقدمتها ووضع فهارسها محمد المُنتصر بن محمد الزَّمزمي بن محمد بن جعفر الكَتَّاني، تصوير دار وهران للطباعة والنشر، استانبول، تركيا. السنن: للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بَهرام الدارمي التَّميميِّ (ت255هـ) ، بعناية أحمد محمد دهمان دار الكتب العلمية، بيروت. السنن: للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بَهرام الدارمي التَّميميِّ (ت255هـ) ، تحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني، حديث أكاديمي، باكستان (1404هـ-1984م. السنن: للإمام أبي عبد الله محمد بن يزيد القَزويني، المعروف بابن ماجه (ت275هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياءالكتب العربية 1372هـ-1952م. السنن: للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتانيِّ (275هـ) ، تعليق عزت، وعادل السيد، الطبعة الأولى (1388هـ) ، نشر محمد علي السيد، حمص، سوريا. السنن: للإمام أبي الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنيِّ البغدادي، (ت385هـ) ، تصحيح عبد الله هاشم يماني، دار المحاسن للطباعة القاهرة 1386هـ. السنن: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النَّسائي (ت303هـ) ، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1346هـ-1930م. سنن الترمذي = جامع الترمذي. السُّنن الكبرى: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النَّسائي (ت303هـ) ، تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ-1991م. السنن الكبرى: للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن عليٍّ البيهقيِّ (ت458هـ) ، مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند. سير أعلام النبلاء: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748هـ) ، تحقيق مجموعة من الأساتذة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1402هـ-1982م. الصِّحاح: لإسماعيل بن حمَّادٍ الجوهريِّ (ت393هـ) ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطَّار، القاهرة 1402هـ. صحيح البخاري = فتح الباري. صحيح ابن خُزَيمة: لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السُّلَميِّ النَّيسابوريِّ (ت311هـ) ، تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1399هـ-1979م. صحيح مسلم: للإمام أبي الحسن مُسْلِم بن الحَجَّاج بن مُسْلِمٍ القُشَيريِّ النَّيْسَابوريِّ (ت261هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1374هـ-1955م. صيانة صحيح مُسْلِمٍ مِنَ الإخلالِ والغَلَطِ وَحِمَايتُهُ مِنَ الإسْقَاطِ والسَّقَطِ: للإمامِ الحافِظِ أبي عَمرو عُثمان بن عبد الرَّحمن المعروف بابن الصَّلاح الشَّهْرَزُورِيِّ (ت643هـ) ، تحقيق ودراسة الدكتور موفق بن عبدِاللَّهِ بن عبد القادر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية (1408هـ-1987م) . طبقات الحُفَّاظ: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (911هـ) ، تحقيق علي محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة. طبقات الفقهاء الشَّافعيين: لأسماعيل بن عمر الدِّمشقيّ، المعرف بابن كثير (ت774هـ) ، تحقيق الدكتور أحمد عمر هاشم، والدكتور محمد زينهم محمد عزب، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى 1413هـ-1993م. طبقات المُحَدِّثينَ بأصبهان والواردينَ عليها: لأبي محمد عبد اللَّهِ ابن محمد بن جعفر بن حَيَّانَ (ت368هـ) ، تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1409هـ-1989م. طبقات المفسرين: لشمس الدين محمد بن عليٍّ الداودي (ت954هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ-1983م. العبر في خبر مَن غبر: للإمام محمد بن أحمد الذهبي (ت748هـ) ، تحقيق صلاح الدين المنجد، وفؤاد السيد، دائرة المطبوعات والنشر الكويت، الطبعة الأولى، 1960م. عِلْمُ الأثبات ومعاجم الشُّيوخِ والمشيخات وفنُّ كتابة التَّراجم: للدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر، طبع معهد البحوث وإحياء التُّراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة. علوم الحديث: للإمام أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشَّهْرَزُرِيِّ، المعروف بابن الصلاح (ت643هـ) ، تحقيق الدكتور نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت 1401هـ-1981م. فتح الباري شرح صحيح البخاري: للإمام أبي الفضل أحمد بن عليِّ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، طبع المطبعة السلفية، بمصر. فتح الباقي على ألفية العراقي: للإمام زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري (ت928هـ) ، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، طبع مع ((التبصرة والتذكرة)) للإمام العراقي. فتح المغيث شرح ألفية الحديث: للإمام أبي الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (ت902هـ) ، تحقيق عبد الرحمن ابن محمد بن عثمان، المكتبة السلفية، بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية 1388هـ-1968م. الكفاية في علم الرواية: للإمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، (463هـ) ، المكتبة العلمية، بيروت. لسان العرب: لجمال الدين محمد بن مكرم، المعروف بابن منظور (ت771هـ) ، دار صادر بيروت. لسان الميزان: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر (ت852هـ) ، مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة الأولى 1331هـ. المجروحين من المحدِّثين والمتروكين: للإمام أبي حاتم محمد بن حِبَّان بن معاذ البُسْتيِّ التميميّ (ت354هـ) ، تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، الطبعة الأولى (1395هـ-1975م. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للإمام أبي الحسن علي بن أبي بكر ابن عمر الهيثميِّ (ت807 هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت الطبعة الثانية 1967م. المَجْمَعُ المُؤَسِّس للمُعْجَمِ المُفَهْرِس - مشيخة الإمام العلاَّمة شهاب الدين أحمد بن عليِّ بن محمد بن محمد بن عليِّ بن أحمد، الشَّهير بابنِ حَجَرٍ العَسْقَلاَنِيِّ (ت852هـ) - تحقيق الدكتور يوسف عبد الرَّحمن مَرْعَشْلِي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1413هـ-1992م. المحدِّث الفاصِل بين الراوي والواعي: للإمام أبي محمد الحسن ابن عبد الرحمن بن خلاَّد الرَّامَهُرْمُزِيِّ (ت360هـ) ، تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1391هـ. المستدرك على الصحيحين: للإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله ابن حمدويه، المعروف بالحاكم النيسابوري (ت405هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند. المسند: للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت241هـ) ، المكتب الإسلامي، ودار صادر، بيروت، الطبعة ألأولى 1398هـ. المسند: للإمام أبي بكر عبد الله بن الزبير الحُميديِّ (ت219هـ) ، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة. المسند: للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس الشافعي (ت204هـ) ، رتبه على الأبواب محمد بن عابد السندي (ت1257هـ) ، حققه يوسف علي الزواوي، وعزت العطار، دار الكتب العلمية، بيروت 1370هـ-1951م. المُسْنَد المُسْتَخْرَج على صحيح الإمامِ مُسْلِمٍ: تصنيف الإمام الحافظ أبي نُعيم أحمد ابن عبد اللَّهِ الأصبهاني (ت430هـ) ، تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1417هـ-1996م. المصباح المنير في غريب الشرح للرَّافعي: للإمام أبي العبَّاس أحمد ابن محمد بن علي المقرىء الفيوميِّ (ت770هـ) ، المكتبة العلمية، بيروت. المصنَّف: للإمام أبي بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم، المعروف بابن أبي شيبة العبسيِّ (ت235هـ) ، بإشراف مختار أحمد الندوي، الدار السلفية، بومباي، الهند. المصنف: لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت211هـ) ، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ-1983م. معرفة علوم الحديث: للإمام الحاكم أبي عبد الله محمدِ بنِ عبد الله النيسابوريِّ (ت405هـ) ، تحقيق الأستاذ معظم حسين، المكتب التجاري، بيروت، الطبعة الثاتية 1977م. الموطأ: للإمام أبي عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي (ت179هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1370هـ-1951م. ميزان الاعتدال في نقد الرجال: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ، تحقيق علي محمد البجاوي، دارالمعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1382هـ-1963م. نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، المكتبة العلمية، المدينة المنورة، 1975م. النكت على كتاب ابن الصلاح: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق الدكتور ربيع بن هادي عمير، المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م. النهاية في غريب الحديث والأثر: لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد، المعروف بابن الأثير الجَزَرِيِّ (ت606هـ) ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. هدي الساري مقدمة فتح الباري: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، المطبعة السلفية، بمصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 للرِّوايةِ الواحدة قد تُخرجنا عن جادَّة الطَّريقِ في هذهِ المقدمة الموجزة، نظراً لاتِّساعِ أُفُق هذه المادة، وارتباطها ارتباطاً وثيقاً بفنِّ مُصطلحِ الحديثِ المتشَعب الجوانبِ، إضافةً إلى أنها تفتقرُ إلى تحليلٍ دقيقٍ وأمثلةٍ وافيةٍ تضيق بها هذهِ الصَّفحات التي أريد لها أن تكونَ مقدمة قصيرة تُعطي القارئ فكرة واضحة عن هذا النَّوع مِن المُصَنَّفاتِ. . وبعيداً عن الخوضِ في بحارِ عِلْمِ مُصْطَلَحِ الحَديثِ، وفَنِّ الرِّوايةِ وما يتعلَّقُ بها. . الخاتمة: يُعدُّ عِلْمُ رواية النُّصُوص مِنَ العُلُومِ التي تَمَيَّزَ بها المسلمون منذُ القِدَم، ووضعوا لها القواعِدَ والضَّوابطَ، سواءٌ في الرَّاوي، أو المَرْوي على حَدٍّ سواء، وبرزت أنواعٌ عديدةٌ مِنَ الفنون المُختلفة لخدمة عِلْمِ الرِّواية وما يتعلَّقُ بها، وَأُلِّفت ألوانٌ مُختلفةٌ مِنَ المُصَنَّفات اشتقَّت لنفسِها مسالكَ مُتعددة الجوانب، غير أنَّ روابطها العُضويَّة تتَّفقُ فيما بينها. . وَمِن هذهِ المُصَنَّفات كُتُب المُسْتَخْرَجات، ومعاجم الشُّيُوخِ والمشيخات، وقد حاول بحثنا هذا أن يزيلَ النِّقاب عن هذين اللَّونينِ مِنَ المُصَنَّفات، وأن يجد الصِّلات المُشْتَرَكة التي تجمع بينهما، مُعتمداً في ذلكَ على المصادرِ الأصليَّةِ، إضافةً إلى العرض الموجز للمادة الذي يمتازُ بالفائدة والوضوح فقدَّمَ بذلكَ صورة مُتكاملة الجوانب عن هذين الفنَّين، الَّذَينِ تكاد تنفرد بهما الحضارة الإسلاميَّة عن بقيَّة الحضارات.. والتي لا تزالُ غير واضحة المعالمِ لدى الكثير مِنَ المُتَخصصينَ، كما يحتاجُ إليها عموم القُرَّاء والمبتدئون للاطلاعِ على الأبعادِ الحضاريَّةِ التي وصل إليها المُحَدِّثُونَ في فَنِّ توثيقِ النُّصوصِ وضبطها. الهوامش والتعليقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 أحكام السواك د. عبد الله بن معتق السهلي أستاذ مشارك بكلية الشريعة، بالجامعة الإسلامية - بالمدينة المنورة ملخص البحث السواك استعمال عود أو نحوه في الأسنان لإذهاب التغير ونحوه وله فوائد دينية وصحية وهو خصلة من خصال الفطرة واظب عليه النبي (ورغب فيه ويتأكد استعمال السواك عند الوضوء وعند الصلاة وعند القيام من النوم وعند دخول المنزل وعند تغير الفم واصفرار الأسنان، وهو سنة في كل وقت وعلى كل حال حتى للصائم قبل الزوال وبعده لعموم النصوص الواردة في الحث عليه من غير تخصيص وقت دون آخر، ويجوز أيضاً بحضرة الناس وفي المساجد لأنه (فعله ولم يختف به، وأفضل آلة السواك الأراك لما فيه من طيب وريح وتشعير يخرج بقايا الأطعمة ونحوها وينقي ما بين الأسنان، شهد لذلك علماء الطب بعد أن أجروا عليه بحوثاً أثبتت ذلك، واستعمال الفرشاة والمعجون من السواك، وهو يقوم مقام السواك في التنظيف وإزالة الرائحة والبخر، وكيفية الاستياك أن يمر السواك عرضاً في ظاهر الأسنان وباطنها، ويمره أيضاً على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه، ويجوز استعمال السواك الواحد لأكثر من شخص ويستحب غسل السواك قبل استعماله وكذلك عند الانتهاء منه. ويكره جلاء الأسنان أو بردها بالحديد لأنه يضعف الأسنان ويفضي إلى انكسارها ويؤدي إلى تراكم الصفرة عليها. (( (( (( إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (1) .   (1) آية (101) من سورة آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 {ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} (1) . {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} (2) . أما بعد: فإن الله تبارك وتعالى قد بين في كتابه الكريم وبين رسوله في سنته القواعد الصحيحة التي يجب على المسلم أن يسير عليها فقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب} (3) . وقال (: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) (4) . وإن من سنته (التي أمر بها وحض عليها السواك فقد بين (أنه من خصال الفطرة وأنه مطهرة للفم مرضاة للرب وهو من الطهارة الظاهرة والمسلم كما هو مأمور بالطهارة الباطنة وهى تطهير القلب وإخلاص العبادة لله مأمور بالطهارة الظاهرة وهى النظافة ودفع الأوساخ والأقذار ومن ذلك السواك فأحببت أن أفرد هذه الخصلة ببحث مستقل أبين فيه فضله وأحكامه لعل الله أن ينفع به. خطة البحث: قسمت البحث إلى مقدمة، وعشرة مباحث وخاتمة. المقدمة: ذكرت فيها الافتتاحية، وخطة البحث ومنهجه. المبحث الأول: في تعريف السواك لغةً واصطلاحاً. المبحث الثاني: في مشروعية السواك وفضله. المبحث الثالث: في أن السواك خصلة من خصال الفطرة. المبحث الرابع: في حكم السواك. المبحث الخامس: في أوقات تأكد السواك. المبحث السادس: في حكم السواك للصائم. المبحث السابع: في الاستياك أمام الناس. المبحث الثامن: في آلة السواك.   (1) آية (1) من سورة النساء. (2) آية (70، 71) من سورة الأحزاب. (3) آية (7) من سورة الحشر. (4) أخرجه البخاري 6/116 في كتاب النكاح باب الترغيب في النكاح من حديث أنس، ومسلم 2/1020 في كتاب النكاح باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 المبحث التاسع: في صفة الاستياك. المبحث العاشر: في فوائد السواك. الخاتمة: في أهم نتائج البحث. منهج البحث: سرت في إعداد هذا البحث على المنهج التالي: 1- ... جمعت المادة العلمية المتعلقة بالسواك. 2- ... درست المسائل الواردة في البحث دراسة موازنة، وحرصت على بيان المذاهب الأربعة في كل مسألة، وقد أذكر في المسألة أقوال بعض الصحابة والتابعين وغيرهم من الفقهاء كما أنني ذكرت قول الظاهرية في بعض المسائل مراعياً في ذلك الترتيب الزمني بين الفقهاء. 3- ... حرصاً مني على إخراج المسائل بأسلوب مبسط، يسهل معه معرفة الحكم في المسألة، صدرتها بالإجماع إن كانت من المسائل المجمع عليها، كما أنني إن رأيت الخلاف ليس قوياً في المسألة صدرت المسألة بقول أكثر أهل العلم وبعد ذلك أشير إلى القول المخالف ثم أذكر أدلة كل قول وما قد يرد عليه من نقاش إن وجد ثم الراجح في المسألة وقد أؤخر المناقشة مع الترجيح. 4- ... حرصت على نقل كل قول للفقهاء من مصادره الأصلية. 5- ... ذكرت أرقام الآيات القرآنية الواردة في البحث مع بيان أسماء سورها. 6- ... خرجت الأحاديث الواردة في البحث مبيناً الكتاب والباب والجزء والصفحة، فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما أو من أحدهما، وإن لم يكن فيهما أو في أحدهما اجتهدت في تخريجه من كتب السنة الأخرى مع ذكر درجة الحديث صحة أو ضعفاً معتمداً على الكتب التي تهتم بذلك. 7- ... بينت معاني الكلمات التي تحتاج إلى بيان. 8- ... لم أترجم للأعلام الواردة في البحث خشية الإطالة. وضعت فهرساً للمصادر وآخر للموضوعات. المبحث الأول: في تعريف السواك لغةً واصطلاحاً: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 تعريف السواك في اللغة: السِواك: بكسر السين، ويطلق السواك على الفعل وهو الاستياك، وعلى الآلة التي يستاك بها، ويقال في الآلة أيضاً مِسواك بكسر الميم، يقال ساك فاه يسوكه سوكاً، فإن قلت: استاك لم تذكر الفم. والسواك مذكر نقله الأزهري عن العرب قال: وغلط الليث بن المظفر في قوله إنه مؤنث، وذكر صاحب المحكم أنه يؤنث ويذكر لغتان. قالوا: وجمعه سُوُك بضم السين والواو ككتاب وكُتُب ويخفف بإسكان الواو وربما همز فقيل سؤاك. والسواك مشتق من ساك الشيء إذا دلكه. وقيل إنه مشتق من التساوك يعني التمايل يقال جاءت الإبل تتساوك أي تتمايل في مشيتها. والصحيح: أنه من ساك إذا دلك (1) . السواك في اصطلاح الفقهاء: يطلق السواك على الفعل وهو الاستياك وعلى الآلة التي يستاك بها. وقد عرف الفقهاء السواك بتعريفات متقاربة: فعرفه الحنفية: أنه اسم لخشبة معينة للاستياك (2) . وعرفه المالكية: أنه استعمال عود أو نحوه في الأسنان لاذهاب الصفرة والريح (3) . وعرفه الشافعية والحنابلة: أنه استعمال عود أو نحوه في الأسنان لاذهاب التغير ونحوه (4) . وأشمل هذه التعاريف: تعريف الشافعية والحنابلة فهو أعم من تعريف الحنفية الذين قصروه على كونه اسماً للخشب الذي يستاك به، وتعريف المالكية الذين حصروا استعماله على اذهاب الصفرة والريح. المبحث الثاني: في مشروعية السواك وفضله:   (1) انظر: الصحاح 4/1593، النهاية في غريب الحديث 2/425، تهذيب الأسماء واللغات 3/157، المصباح المنير 2/350، لسان العرب 10/446، القاموس المحيط 3/318، المعجم الوسيط 1/465. (2) انظر: العناية شرح الهداية المطبوع مع شرح فتح القدير 1/24 (3) انظر: مواهب الجليل 1/264، أوجز المسالك إلى موطأ مالك 1/368. (4) انظر: المجموع 1/270، مغني المحتاج 1/55، المبدع 1/68، كشاف القناع 1/70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الأصل في مشروعية السواك وفضله نصوص كثيرة من السنة منها: 1- ... حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (قال: (لولا أن أشق على أمتي - أو على الناس- لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) (1) وفي رواية (عند كل وضوء) (2) . 2- ... حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ((كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك) (3) . 3- ... حديث حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي ((إذا قام من الليل يشوص (4) فاه بالسواك) (5) . 4- ... حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات عند النبي (ذات ليلة، فقام نبي الله (من آخر الليل، فخرج فنظر في السماء، ثم تلا الآية في آل عمران: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار} حتى بلغ {فقنا عذاب النار} (6) ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ، ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية، ثم رجع فتسوك فتوضأ، ثم قام فصلى (7) . 5- ... حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (: (أكثرت عليكم في السواك) (8) .   (1) أخرجه البخاري 1/214 واللفظ له في كتاب الجمعة باب السواك يوم الجمعة، ومسلم 1/220 في كتاب الطهارة باب السواك. (2) أخرج هذه الرواية البخاري 2/234 تعليقاً في كتاب الصيام باب السواك الرطب واليابس للصائم. (3) أخرجه مسلم 1/220 في كتاب الطهارة باب السواك. (4) يشوص: يدلك أسنانه وينقيها. ... انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/509، فتح الباري 1/356، النظم المستعذب 1/13. (5) أخرجه البخاري 1/66 واللفظ له في كتاب الوضوء باب السواك، ومسلم 1/220 في كتاب الطهارة باب السواك. (6) الآيتان (190، 191) من سورة آل عمران. (7) أخرجه مسلم 1/221 في كتاب الطهارة باب السواك. (8) أخرجه البخاري 2/234 في كتاب الجمعة باب السواك يوم الجمعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 6- ... حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: إن من نعم الله عليَّ أن رسول الله (توفى في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته: دخل عليَّ عبد الرحمن وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله (، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته فأشتد عليه، وقلت: ألِّينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته فأمرَّه (1) … ) (2) الحديث. 7- ... حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي ((السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) (3) . فهذه الأحاديث وغيرها تدل على مشروعية السواك وفضله ولو لم يرد في السواك إلا أنه مرضاة للرب لكفى إذ المسلم مأمور بفعل ما يرضي ربه. المبحث الثالث: في أن السواك خصلة من خصال الفطرة: دل على أن السواك خصلة (4) من خصال الفطرة (5)   (1) فأمَرَّه)) بفاء وفتح الميم وتشديد الراء، أي أمره على أسنانه فاستاك به. انظر: فتح الباري 8/145. (2) أخرجه البخاري 5/141-142 في كتاب المغازي باب مرض النبي ش ووفاته. (3) أخرجه البخاري 2/234 تعليقاً بصيغة الجزم في كتاب الصيام باب السواك الرطب واليابس، قال النووي في المجموع 1/268 وتعليقاته بصيغة الجزم صحيحة، وأحمد في المسند 6/47، 62، 124، 238، والنسائي 1/101 في كتاب الطهارة باب الترغيب في السواك، وابن حبان 2/201، وصححه الألباني في إرواء الغليل 1/105. (4) الخصلة: مأخوذة من مادة (خصل) والخصلة: الفضيلة والرذيلة تكون في الإنسان وقد غلب على الفضيلة، وجمعها خصال. ... والخصلة: الخلة. تقول: في فلان خصلة حسنة، وخصلة قبيحة، وخصال وخصلات كريمة. ... انظر: الصحاح 4/1685، لسان العرب 11/206، تهذيب اللغة 7/140 (5) الفطرة:مأخوذة من الفطر وهو الشق طولاً. والفطرة الإبتداع والإختراع. والفطرة: الجبلة المقتضية لقبول الدين. ... قال ابن فارس: الفطرة هى مجموع الإستعدادات والميول والغرائز التي تولد مع الإنسان بمشيئة الله دون أن يكون لأحد دخل في إيجادها من البشر فهى غريزة وضعها الله في الإنسان. ... انظر: لسان العرب 5/55، 56، تاج العروس 13/322، معجم مقاييس اللغة 4/510، كتاب التعريفات 95. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 أحاديث منها: 1- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم (1) ، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء) (2) . قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة (3) . 2- ... حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما أن رسول الله (قال: (من الفطرة: المضمضة، والإستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، والإستحداد (4) ، وغسل البراجم، والإنتضاح (5) ، والاختتان) (6) .   (1) البراجم: هى العقد التي في ظهور الأصابع، يجتمع فيها الوسخ، الواحدة بُرجُمه بالضم. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/113، القاموس المحيط 4/79، فتح الباري 1/351. (2) أي الإستنجاء. انظر: معالم السنن 1/46، شرح السنة 1/399، شرح صحيح مسلم 3/150. (3) أخرجه مسلم 1/223 في كتاب الطهارة باب خصال الفطرة. (4) المراد به حلق الشعر الذي حول ذكر الرجل، وحوالي فرج المرأة بالموسى. ... انظر: فتح الباري 10/343. (5) المراد به الاستنجاء بالماء، وأصله من النضح وهو الماء القليل. ... انظر: معالم السنن 1/46، المجموع 1/285. (6) أخرجه أبو داود في سننه 1/45-46 في الطهارة باب السواك من الفطرة، وابن ماجه 1/107 في الطهارة وسننها باب الفطرة واللفظ له، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 3- ... عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن. . .} الآية (1) . ابتلاه الله بالطهارة: خمس في الرأس، وخمس في الجسد، في الرأس قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء (2) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في كلامه على الفطرة في هذه الأحاديث: المراد أن هذه الأشياء إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها وحثهُم عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها صورة (3) . وقال ابن القيم رحمه الله الفطرة: فطرتان: فطره تتعلق بالقلب وهى معرفة الله ومحبته وإيثاره على ماسواه. وفطرة عملية هى هذه الخصال. فالأولى: تزكي الروح، وتطهر القلب. والثانية: تطهر البدن. وكل منهما تمد الأخرى وتقويها (4) . وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: إن الله جعل شرائع الفطرة على نوعين: أحدهما يطهر القلب والروح، وهو الإيمان بالله وتوابعه: من خوفه ورجائه، ومحبته والإنابة إليه، قال تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لايعلمون، منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين} (5) فهذه تزكي النفس، وتطهر القلب وتنميه، وتذهب عنه الآفات الرذيلة، وتحليه بالأخلاق الجميلة، وهى كلها ترجع إلى أصول الإيمان وأعمال القلوب.   (1) آية (124) من سورة البقرة. (2) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/226 وصححه ووافقه الذهبي، وصحح سنده الحافظ ابن حجر في فتح الباري 10/337. (3) انظر: فتح الباري 10/339. (4) انظر: تحفة المودود في أحكام المولود ص161. (5) الآيتان (30، 31) من سورة الروم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 والثاني: مايعود إلى تطهير الظاهر ونظافته، ودفع الأوساخ والأقذار عنه، وهى هذه العشرة، وهى من محاسن الدين الإسلامي، إذ هى كلها تنظيف للأعضاء، وتكميل لها، لتتم صحتها وتكون مستعدة لكل مايراد منها (1) . المبحث الرابع: في حكم السواك: أكثر أهل العلم يرون أن السواك سنة وليس بواجب (2) . وذهب داود إلى أن السواك واجب لكن لا تبطل الصلاة بتركه (3) . وقال إسحاق بن راهويه: السواك واجب فإن تركه عامداً بطلت صلاته، وإن تركه ناسياً لم تبطل (4) . استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (قال: ((لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)) (5) . وجه الدلالة من الحديث من وجهين: الوجه الأول: ماذكره الإمام الشافعي أنه لو كان واجباً لأمرهم به شق أو لم يشق (6) . الوجه الثاني: أن في قوله ((لأمرتهم)) دليل على أنه لم يأمرهم به (7) .   (1) انظر: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ص47. (2) انظر: بدائع الصنائع 1/69، حاشية ابن عابدين 1/113، الإختيار 1/9، المعونة 1/118، الكافي 1/142، الفواكه الدواني 2/290، الأم 1/20، الحاوي 1/82، المجموع 1/271، المغني 1/133، الإنصاف 1/128، المبدع 1/98. (3) انظر: شرح الزرقاني على الموطأ 1/133، الحاوي 1/82، المغني 1/133،. (4) وقد ضعف النووي هذا النقل عن إسحاق حيث قال في المجموع 1/271: وهذا النقل عن إسحاق غير معروف ولا يصح عنه. (5) تقدم ص 239. (6) انظر: الأم 1/20. (7) انظر: الحاوي 1/84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 2- ... حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (: ((عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء)) قال زكرياء: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة (1) . وجه الدلالة من الحديث: أن الرسول (وصف السواك بأنه من الفطرة، والفطرة من معانيها السنة فيكون السواك مسنوناً لا واجباً (2) . 3- ... ولأن السواك من النظافة وهي مندوب إليها (3) . واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية: 1- ... حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (قال: (لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) (4) . وجه الدلالة من الحديث: أن الأمر على حقيقته وهو الوجوب (5) . 2- حديث أبي أمامة (أن رسول الله (قال: (تسوكوا؛ فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب … . .) (6) . وجه الدلالة من الحديث: أن الأمر فيه للوجوب (7) . ... 3- ... حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي ش (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) (8) . وجه الدلالة من الحديث أن في ترك السواك إغضاباً للرب تبارك وتعالى أخذاً بمفهوم المخالفة ولا يكون ذلك إلا بترك ما أمر به على سبيل القطع والوجوب، وإلا لما كان غضب الله على ترك تلك السنة.   (1) تقدم ص 240. (2) انظر: المغني 1/134. (3) انظر: المعونة 1/118. (4) سبق ص 239. (5) انظر: شرح الزرقاني على موطأ مالك 1/133، فتح الباري 2/375. (6) أخرجه ابن ماجه 1/106 في كتاب الطهارة وسننها، باب السواك. وضعفه ابن حجر في التلخيص الحبير 1/60 وقال في فتح الباري 2/376: لا يثبت. (7) انظر شرح الزرقاني على مؤطأ مالك 1/34 (8) تقدم تخريجه ص10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 4- ... حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ش (كان لا يرقد ليلاً ولا نهاراً فيتيقظ إلا تسوك) (1) . وجه الدلالة من الحديث أن فعل الرسول ش للسواك وعدم تركه والمبالغة فيه يدل على الوجوب. وقد نوقشت هذه الأدلة بما يأتي: 1- ... حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ش قال: (لولا أن أشق. . .) أجيب عنه بما ذكره الحافظ ابن حجر في الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه، وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به (2) . وما سبق من قول الشافعي أن الحديث فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجباً لأمرهم به شق عليهم أو لم يشق (3) . قلت: ففي ذلك دلالة صريحة على أنه لم يأمرهم به. 2- حديث أبي أمامة ضعيف كما تقدم في تخريجه. 3- ... حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ش قال: (السواك مطهرة للفم. . . أجيب عنه بأنه استدلال بالمفهوم يعارضه الاستدلال بالمنطوق في قوله ش (لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم. . .) ومعلوم عند الأصوليين أن الاستدلال بالمنطوق مقدم على الاستدلال بالمفهوم (4) . 4- حديث عائشة رضي الله عنها كان النبي ش (لا يرقد ليلاً ولا نهاراً. . .) أجيب عن الاستدلال به، بأنه حديث ضعيف ضعفه الحافظ ابن حجر (5) . والراجح أن السواك سنة مؤكدة وليس بواجب لحث النبي ش ومواظبته عليه وترغيبه فيه وتسميته من خصال الفطرة. المبحث الخامس: في أوقات تأكد السواك: تبين فيما سبق في المبحث الرابع أن السواك سنة مؤكدة حث النبي ش عليها بقوله وفعله وواظب عليها. وفي هذا المبحث أبين الأوقات التي يتأكد فيها استحبابه:   (1) أخرجه أبو داود 1/47 في كتاب الطهارة باب السواك لمن قام من الليل. وضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1/63. (2) انظر: فتح الباري 2/375. (3) انظر: الأم 1/20. (4) انظر: إرشاد الفحول 464. (5) انظر: التلخيص الحبير 1/63 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 اتفقت مصادر الفقهاء على تأكد استحباب السواك في حالات وانفرد بعضهم بذكر حالات لم يذكرها غيرهم وسأذكر أوقات تأكده عند كل أهل مذهب ومنها تتبين الأوقات التي اتفقوا على تأكد استحبابه فيها. يتأكد استحباب السواك عند الحنفية في الأحوال الآتية: عند الوضوء، وعند القيام للصلاة، وعند قراءة القرآن، وعند القيام من النوم، وأول مايدخل البيت وعند اجتماع الناس وعند تغير الفم وعند اصفرار الأسنان (1) . ويتأكد استحبابه عند المالكية في الأحوال الآتية: عند الوضوء، وعند الصلاة، وعند قراءة القرآن، وعند الإنتباه من النوم، وعند تغير الفم، وعند طول السكوت، وعند كثرة الكلام، وعند أكل مافيه رائحة (2) . ويتأكد استحبابه عند الشافعية في الأحوال التالية: ... عند الوضوء، وعند القيام للصلاة، وعند قراءة القرآن أو الحديث أو العلم الشرعي، أو ذكر الله تعالى، وعند القيام من النوم، وعند تغير الفم، ويتغير بنوم أو أكل أو جوع أو سكوت طويل أو كلام كثير أو نحو ذلك عند الاحتضار، وفي السحر، وعند الأكل، وبعد الوتر (3) . ويتأكد استحبابه عند الحنابلة في الأحوال الآتية: عند الوضوء، وعند الصلاة، وعند دخول المسجد، وعند قراءة القرآن، وعند الانتباه من النوم، وعند الغسل، وعند دخول البيت، وعند إطالة السكوت، وعند صفرة الأسنان، وعند خلو المعدة من الطعام (4) . ومما تقدم يتبين أن الفقهاء متفقون على تأكد استحباب السواك في الحالات التالية:   (1) انظر: بدائع الصنائع 1/19، شرح فتح القدير 1/24، حاشية ابن عابدين 1/113، 114. (2) انظر: الكافي 1/171، مواهب الجليل 1/264، بلغة السالك 1/48، تنوير المقالة في حل ألفاظ الرسالة 1/484. (3) انظر: الحاوي 1/85، المهذب 1/13، المجموع 1/272، 273، مغني المحتاج 1/56. (4) انظر: المغني 1/134، المبدع 1/100، الفروع 1/125، 128، الروض المربع 1/19، 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 1- ... عند الوضوء. لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ش: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء) (1) . 2- ... عند القيام للصلاة. لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ش قال: (لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) (2) . 3- ... عند القيام من النوم. لحديث حذيفة رضي الله عنه قال: (كان النبي ش إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) (3) . 4- ... عند دخول المنزل. لحديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي ش كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك) (4) . عند تغير الفم واصفرار الأسنان. لحديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي ش قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) (5) . المبحث السادس: في حكم السواك للصائم: لا خلاف بين الفقهاء في جواز السواك للصائم قبل الزوال (6) . واختلفوا في حكمه بعد الزوال على قولين: ... القول الأول: أن السواك جائز مطلقاً في أول النهار وآخره، وهو مروي عن عمر، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم والنخعي وابن سيرين وعروة (7) وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في رواية (8) واختيار النووي (9) وشيخ الإسلام ابن تيمية (10) وابن القيم (11) والشوكاني (12) .   (1) تقدم ص 239. (2) تقدم ص 239. (3) تقدم ص 239. (4) تقدم ص 239. (5) تقدم ص 240. (6) انظر: بدائع الصنائع 1/19، حاشية العدوي 1/392، المجموع 1/275، الإنصاف 1/119. (7) انظر: المجموع 1/279، طرح التثريب 4/99، المغني 1/139. (8) انظر: المبسوط 3/99، بدائع الصنائع 1/19، المدونة 1/179، حاشية الدسوقي 1/534، المغني 1/139، الإنصاف 1/118، شرح الزركشي 1/166 (9) انظر: المجموع 1/276. (10) انظر: الاختيارات الفقهية 62. (11) انظر: زاد المعاد 2/63. (12) انظر: نيل الأوطار 1/107، 108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 القول الثاني: أن السواك يكره للصائم بعد الزوال وهو مروي عن عطاء ومجاهد وإسحاق وأبي ثور (1) وهو قول الشافعي وأحمد في المشهور من المذهب (2) . استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية: بعموم الأحاديث الواردة في السواك فإنها مطلقة لم تقيده بوقت دون وقت، ومن ذلك: 1- ... حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ش قال: (لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) (3) . وجه الدلالة من الحديث: أنه يدخل في عمومه كل صلاة، صلاة الظهر والعصر والمغرب للصائم والمفطر (4) . 2- ... حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ش (إذا دخل بيته بدأ بالسواك) (5) . وجه الدلالة من الحديث أنه عام في أي وقت دخل سواء كان صائماً أو غير صائم قبل الزوال أو بعد الزوال وعلى كل حال (6) . 3- ... وحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ش قال: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) (7) . وجه الدلالة من الحديث أن فيه حثاً على السواك دون تقييد بزمن معين ويدخل فيه وقت مابعد الزوال. 4- ... حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله ش (مالا أحصى يتسوك وهو صائم) (8) .   (1) انظر: المجموع 1/279، طرح التثريب 4/98، المغني 1/138. (2) انظر: الأم 1/61، الحاوي 1/82، روضة الطالبين 1/167، المغني 1/138، المبدع 1/101، الإنصاف 1/117. (3) تقدم ص 239. (4) انظر: شرح فتح القدير 2/348، إحكام الأحكام 1/66. (5) تقدم ص 239. (6) انظر: فتح الباري 4/158. (7) تقدم ص 240. (8) أخرجه البخاري 2/234 تعليقاً في كتاب الصوم باب السواك الرطب واليابس، وأحمد 3/445، وأبو داود 2/768 في كتاب الصيام باب السواك للصائم، والترمذي 3/104 في كتاب الصوم باب السواك للصائم وقال: حديث حسن. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1/62: إسناده حسن. وضعفه الألباني في إرواء الغليل 1/107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 5- ... ماروى عن عبد الرحمن بن غنم قال: سألت معاذ بن جبل أأتسوك وأنا صائم؟ قال: نعم، قلت: أي النهار؟ قال: غدوة أو عشية، قلت: إن الناس يكرهونه عشية، ويقولون: إن رسول الله ش قال: ((لخلوف (1) فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)) ، قال: سبحان الله لقد أمرهم رسول الله ش بالسواك حين أمرهم وهو يعلم أنه لابد أن يكون بفم الصائم خلوف وإن استاك وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمداً، مافي ذلك من الخير شيء بل فيه شر إلا من ابتلى ببلاء لا يجد منه بداً (2) . استدل أصحاب القول الثاني بالأدلة التالية: 1- ... حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ش: (. . .والذي نفسي بيده لخلَوفَ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) (3) . وجه الدلالة من الحديث: أن النبي ش قد بين أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، والسواك يقطع ذلك فوجب أن يكره (4) . 2- ... حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه أن النبي ش قال: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كانتا نوراً بين عينيه يوم القيامه) (5) .   (1) خُلوف بضم الخاء المعجمة: هو مايخالف بعد الطعام في الفم من ريح كريهة لخلاء المعدة من الطعام. انظر: النظم المستعذب 1/13، المجموع 1/275، طرح التثريب 4/95 (2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 20/70 وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: إسناده جيد، وحسنه الألباني في إرواء الغليل 1/106 (3) أخرجه البخاري 2/226 في كتاب الصوم باب فضل الصوم، ومسلم 2/807 في كتاب الصيام باب فضل الصيام. . (4) انظر: المهذب 1/13، المغني 1/139. (5) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4/274 في الطهارة باب من كره السواك بالعشي، وضعفه وأقره النووي في المجموع 1/279، وضعفه الألباني في إرواء الغليل 1/106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 3- ... ولأنه أثر عبادة مشهود له بالطيب فكره إزالته كدم الشهيد (1) . وقد أجاب أصحاب القول الثاني عن أدلة أصحاب القول الأول: بأنها عامة مخصوصة والمراد بها غير الصائم آخر النهار (2) . وأجاب أصحاب القول الأول عن أدلة أصحاب القول الثاني بمايأتي: 1- ... إدعاء أن السواك يقطع خلوف فم الصائم رد عليه ابن القيم من ستة أوجه: أ- ... أن المضمضة أبلغ من السواك في قطع خلوف الفم، وقد أجمع على مشروعيتها للصائم. ب- أن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم. ج- ... أن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم. د- ... أن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله السواك عند الله يوم القيامة. هـ- ... أن الخلوف لا يزول بالسواك لأن سببه قائم وهو خلو المعدة من الطعام. و ... أن النبي ش علم أمته مايستحب ومايكره لهم في الصيام، ولم يجعل السواك من المكروه (3) . 2- ... حديث خباب ابن الأرت رضي الله عنه حديث ضعيف كما تبين في تخريجه لا يحتج به. 3- ... قولهم إنه أثر عبادة مشهود له بالطيب فكره إزالته كدم الشهيد. أجيب عنه: بأن أثر العبادة اللائق به الإخفاء بخلاف الشهيد، فإن غرض الشارع من بقاء دم الشهيد ليشهد له على خصمه يوم القيامة، وأيضاً فإن دم الشهيد قد جاء النص بعدم إزالته حيث أنه يبعث على ماقتل عليه اللون لون الدم والريح ريح مسك بخلاف إزالة رائحة الفم فإنه لم ينص على عدم إزالة أثره (4) . والراجح: جواز استعمال السواك للصائم في كل وقت حتى بعد الزوال لعموم النصوص الواردة في الحث عليه من غير تخصيص وقت دون آخر.   (1) انظر: المهذب 1/13، فتح العزيز 1/367، المغني 1/139. (2) انظر المجموع 1/279. (3) انظر: زاد المعاد 4/323، 324. (4) انظر: المبسوط 3/99، شرح فتح القدير 2/349، حاشية العدوي ... 1/393. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 قال ابن القيم رحمه الله ولا صح عنه ش أنه نهى الصائم عن السواك أول النهار وآخره بل قد روى خلافه (1) . وأفتى بهذا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ورجحه (2) . ورجحه فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله (3) . المبحث السابع: في الاستياك أمام الناس: اختلف الفقهاء في حكم الاستياك أمام الناس على قولين: القول الأول: أن السواك سنة على كل حال وخاصة عند الصلاة في المساجد وبحضرة الناس وهو قول جمهور الفقهاء (4) . القول الثاني: عدم الاستياك في المساجد وأمام الناس وبه قال المالكية (5) . استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية: 1- ... حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ش قال: (لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) (6) . وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث دلالة على أن السواك سنة على كل حال وخاصة عند الصلاة وبما أن الصلوات المفروضة تقام في المساجد جماعة فإن السواك بحضرة الناس وفي المساجد من السنن المندوبه إذ المسلم مأمور في كل حال من أحوال التقرب إلى الله تعالى أن يكون في حالة كمال ونظافة إظهاراً لشرف العبادة (7) . 2- ... حديث أبي بردة، عن أبيه قال: (أتيت النبي ش فوجدته يستن (8)   (1) انظر: زاد المعاد 2/63. (2) انظر: كتاب الدعوة -الفتاوى 2/163، 164. (3) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع 1/22، 24. (4) انظر: حاشية ابن عابدين1/114، المجموع1/272، الإنصاف1/118، 119. (5) انظر: مواهب الجليل 1/266. (6) تقدم ص 239. (7) انظر: إحكام الأحكام 2/65، 271، فتح الباري 2/376. (8) يستن: يدلك أسنانه بالسواك. انظر: معالم السنن 1/43، فتح الباري 2/375. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 بسواك بيده يقول أُعْ أُعْ (1) والسواك في فيه كأنه يتهوع) (2) . وجه الدلالة من الحديث أنه يدل على تأكيد السواك وأنه لايختص بالأسنان، وأنه من باب التنظيف والتطيب لا من باب إزالة القاذورات لكونه ش لم يختف به ولهذا بوبوا لهذا الحديث باب استياك الإمام بحضرة رعيته (3) . 3- ... ماورد أن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه كان يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لايقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه (4) . 4- ... أن السواك من باب العبادات والقرب التي لا تخفى (5) . واستدل أصحاب القول الثاني: بأن السواك من باب إزالة القذر وأن ذا المروءة لا ينبغي له فعله أمام الناس (6) . وقد أجيب عن هذا بأن في حديث أبي بردة عن أبيه دلالة على أن السواك مما لاينبغي إخفاؤه ويتركه الإمام بحضرة الرعايا ادخالاً له في باب العبادات والقربات (7) . الراجح: أن السواك سنة على كل حال وخاصة عند الصلاة وبما أن الفروض الخمسة تقام جماعة في المساجد فإن السواك بحضرة الناس وفي المساجد يكون من السنن المندوبة لأن النبي ش أمر به وفعله ولم يختف به. المبحث الثامن: آلة السواك:   (1) أُعْ أُعْ: بضم الهمزة وسكون المهملة، حكاية لصوته إذا جعل السواك على طرف لسانه. والمراد بقوله: ((كأنه يتهوع: التهوع: التقيؤ، أي له صوت كصوت المتقيء)) . انظر: فتح الباري 1/356. (2) أخرجه البخاري 1/66، واللفظ له في كتاب الوضوء باب السواك، ومسلم 1/220 كتاب الطهارة باب السواك. (3) انظر: فتح الباري 1/356. (4) أخرجه الترمذي 1/34 واللفظ له في كتاب الطهارة باب ماجاء في السواك وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود 1/40 في كتاب الطهارة باب السواك،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود1/12. (5) انظر: إحكام الأحكام 1/71. (6) انظر: مواهب الجليل 1/266. (7) انظر: إحكام الاحكام 1/71، فتح الباري 1/356. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 يستحب أن يستاك بعود لين ينقي الفم، ولا يجرحه، ولا يضره، ولا يتفتت فيه كالأراك وجريد النخل والزيتون (1) . وأفضل أنواع السواك الأراك لما فيه من طيب وريح وتشعير يخرج وينقي مابين الأسنان (2) ولحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (كنت أجتني لرسول الله ش سواكاً من الأراك. . .) (3) الحديث. وقد قام علماء الطب الحديث باجراء أبحاث على الأراك وتوصلوا إلى النتائج الآتية: 1- ... يحتوي السواك على العفص (حمض تينيك) ولهذه المادة تأثير مضاد للتعفنات، كما أنه يعتبر مطهراً وله استعمالات مشهورة ضد نزيف الدم كما يطهر اللثة والأسنان ويشفي جروحها الصغيرة ويمنع نزف الدم منها. 2- ... يوجد في السواك مادة لها علاقة بالخردل وهى عبارة عن جليكوزيد وهذه المادة لها رائحة حادة وطعم حراق، وهو ما يشعر به الشخص الذي يستعمل السواك لأول مرة، وهذه المادة تساعد على الفتك بالجراثيم. 3- ... إن تركيب هذا النبات هو ألياف حاوية على بيكربونات الصوديوم، وبيكربونات الصوديوم هي المادة المفضلة لاستعمالها في المعجون السني (الصناعي) من قبل مجمع معالجة الأسنان التابع لجمعية طب الأسنان الأمريكية يستعمل كمادة سنية وحيدة تقي من العضويات المجهرية التي تفرز في الأسنان (4) .   (1) انظر: حاشية ابن عابدين 1/115، الكافي 1/117، فتح العزيز 1/370، المغني 1/136. (2) انظر: المصادر السابقة في هامش رقم (1) . (3) أخرجه أبويعلي في مسنده 9/209، وأحمد في المسند المطبوع مع منتخب كنز العمال1/420، وأبو داود الطيالسي في مسنده ص47، وأبو نعيم في الحلية 1/127، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/289، وحسنه ابن حبان في صحيحه15/546، وحسنه الألباني في إرواء الغليل 1/104. (4) انظر عن هذا السواك للدكتور محمد على البار ص153-156، استعمال السواك لنظافة الفم وصحته ص407،411، السواك والعناية بالأسنان ص45-47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 4- ... إن السواك يحتوي على مادة تمنع تسوس الأسنان وقد ذكر ذلك أكثر من باحث في بحوث أعدت على الأراك وقد أكدوا على وجود مواد قاتلة للميكروبات في هذا السواك. 5- ... لو نظر إلى السواك لوجد أنه يتكون كيميائياً من ألياف السيليلوز وبعض الزيوت الطيارة وبه راتنج عطري وأملاح معدنية أهمها كلوريد الصوديوم وهو ملح الطعام وكلوريد البوتاسيوم وأكسالات الجير فلو نظر إلى تحليل السواك لوجد أنه فرشاة طبيعية قد زودت بأملاح معدنية ومواد عطرية تساعد على تنظيف الأسنان، أو بمعنى آخر كأنها فرشاة طبيعية زودها الله تعالى بمسحوق مطهر لتنظيف الأسنان ومنع تسوسها (1) . وقد قامت عدة شركات بتحضير معاجين أسنان من جذور وعروق شجرة الأراك بدون إضافة أي مواد كيمياوية أخرى قد تكون لها بعض الآثار الجانبية الأخرى، فتأكد وجود مواد قاتلة لجراثيم الفم الضارة التي تسبب التهابات اللثة وتسوس الأسنان في هذه المعاجين المحضرة من الأراك هذا بعض ما ذكره علماء الطب الحديث ومن أراد التوسع عن هذا فليرجع إلى الكتب المؤلفة في هذا، وقد أشرت لبعضها كما هو مدون في الهوامش (2) .   (1) انظر: المصادر السابقة في هامش رقم (105) . (2) انظر: السواك للدكتور محمد علي البار ص156-160، الوقاية الصحية على ضوء الكتاب والسنة ص151. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 ثم بعد السواك بالأراك في الأفضلية السواك بجريد النخل (1) لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وفيه: ((أنها قالت: مر عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما وفي يده جريدة رطبة فنظر إليه النبي ش فظننت أن له بها حاجة فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه فاستن بها كأحسن ماكان مستناً ثم ناولنيها فسقطت يده أو سقطت من يده فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة)) (2) . وعللوا لأفضلية السواك بالزيتون بأنه من شجرة مباركة (3) . واستدلوا بأحاديث ضعيفة (4) . واستعمال الفرشاة والمعجون من السواك ومن ميزات الفرشاة أنها يمكن أن ينظف بها الإنسان باطن الأسنان بسهولة ويسر وأن في المعجون مواد مطهرة ومنظفة (5) . ويستحب أن لا يستاك بعود لين لا يقلع القلحة ولا يزيل الرائحة، ولا بعود يابس يجرح اللثة (6) . ونقل كراهة الاستياك بالريحان والقصب لأنهما كما قيل يسببان بعض الأمراض (7) . وذكر ابن قدامة رحمه الله كراهة الاستياك بأعواد الريحان والآس والأعواد الذكية (8) . وذكر بعض العلماء أيضاً كراهة الاستياك بأعواد التبن والقصب والأشنان والحلفة، وكل ماجهل أصله من الأعواد (9) . قال ابن القيم رحمه الله ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة مجهولة فربما كانت سماً (10) . الاستياك بالأصابع:   (1) انظر: حاشية ابن عابدين 1/115، المجموع 1/282، المغني 1/136. (2) أخرجه البخاري6/142في كتاب المغازي باب مرض النبي ش ووفاته. (3) انظر: حاشية ابن عابدين 1/115. (4) انظر: التلخيص الحبير 1/72. (5) انظر: السواك للدكتور محمد على البار ص17. (6) انظر: فتح العزيز 1/370. (7) انظر: حاشية ابن عابدين 1/115. (8) انظر: المغني 1/136، 137 (9) انظر: طرح التثريب 2/68، المبدع 1/102. (10) انظر: الطب النبوي ص322. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 اتفق الفقهاء على أن الأصبع إن كانت لينة لم يحصل بها السواك (1) . واختلفوا إن كانت خشنة أيحصل بها السواك أم لا؟ القول الأول: يحصل بها السواك وهو قول الأحناف والمالكية والحنابلة في رواية (2) وهو اختيار النووي (3) وابن قدامة (4) . القول الثاني: لا يحصل بها السواك وهو قول الشافعية والحنابلة في المشهور من المذهب (5) . استدل أصحاب القول الأول بالآتي: 1- ... حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار من بني عمرو بن عوف قال: يارسول الله إنك رغبتنا في السواك فهل دون ذلك؟ قال: (اصبعاك سواك عند وضوئك تمرها على أسنانك إنه لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له) (6) . 2- ... حديث أنس رضي الله عنه عن النبي ش (يجزي من السواك الأصابع) (7) . 3- ... حصول المقصود من السواك (8) . واستدل أصحاب القول الثاني بالآتي: 1- ... أنه لم يرد به الشرع. 2- ... أنه لا يسمى سواكاً ولا يحصل به الإنقاء به حصوله بالعود (9) .   (1) انظر: المجموع 1/282. (2) انظر: شرح فتح القدير 1/22، حاشية ابن عابدين 1/115، التمهيد 7/202، مواهب الجليل 1/265، المغني 1/137، الإنصاف 1/118. (3) انظر: المجموع 1/382. (4) انظر: المغني 1/137. (5) انظر: الحاوي 1/86، المهذب 1/14، المغني 1/137، المبدع 1/102 (6) أخرجه البيهقي في سننه 1/41 في كتاب الطهارة باب السواك بالأصابع، وقال الحافظ العراقي في طرح التثريب 2/68 هذا الحديث رجاله ثقات إلا أن الراوي له عن أنس بعض أهله غير مسمى. (7) أخرجه البيهقي في سننه 1/40 في كتاب الصلاة باب السواك بالأصابع وضعفه وكذلك ضعفه النووي في المجموع 1/282. (8) انظر: المجموع 1/282. (9) انظر: المهذب 1/14، المغني 1/137. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وقد اختار القول الأول النووي حيث قال والمختار الحصول، وأيده الحافظ العراقي، وقال ابن قدامة: والصحيح أنه يحصل به بقدر مايحصل من الإنقاء (1) . والذي يظهر والله أعلم حصول السواك بالأصابع إذا لم يوجد غيرها، وقد قال الله عز وجل: {فاتقوا الله مااستطعتم} (2) ولقوله ش: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) (3) . وأقل ما في ذلك حصول الامتثال بفعل الاستياك وقد نص بعض الفقهاء على أن الأصلع الذي لا شعر له يستحب له عند التحلل من العمرة أو الحج أن يمر الموسى على رأسه (4) . المبحث التاسع: في صفة السواك: يستحب أن يبدأ في الاستياك بجانب فمه الأيمن (5) لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي ش يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله)) (6) وقياساً على الوضوء (7) . وجمهور الفقهاء على استحباب السواك عرضاً (8) ، واستدلوا بأحاديث ضعيفة منها: 1- ... حديث ربيعة بن أكثم قال: (كان رسول الله ش يستاك عرضاً ويشرب مصاً ويقول هو أهنأ وأمرأ) (9) .   (1) انظر: المجموع 1/282، طرح التثريب 2/68، المغني 1/137. (2) من آية (16) من سورة التغابن. (3) أخرجه البخاري 8/142 في كتاب الإعتصام بالسنة باب الإقتداء بسنن رسول الله ش من حديث أبي هريرة. (4) انظر: المغني 5/306. (5) انظر: حاشية ابن عابدين 1/114، المجموع 1/282، المغني 1/135 (6) أخرجه البخاري 2/50 واللفظ له في كتاب الوضوء باب التيمن في الوضوء والغسل، ومسلم1/226 في الطهارة باب التيمن في الطهور وغيره. (7) انظر: المجموع 1/283 (8) انظر البناية شرح الهداية 1/143،153، الخرشي مع مختصر خليل 2/238، الوجيز 1/365، المبدع 1/102. (9) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1/40 في الطهارة باب ماجاء في الاستياك عرضاً وقال: لا يحتج به وضعفه النووي في المجموع 1/280. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 2- ... حديث عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله ش: (إذا شربتم فاشربوا مصاً وإذا استكتم فاستاكوا عرضاً) (1) . 3- ... أنه يخشى في الاستياك طولاً إدماء اللثة وإفساد عمود الأسنان (2) . وكيفية الاستياك: هو أن يستاك عرضاً في ظاهر الأسنان وباطنها ويمر السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه ويمره على سقف حلقه إمراراً خفيفاً (3) . وذهب بعض الفقهاء كالغزنوي من الحنفية وإمام الحرمين والغزالي من الشافعية وبعض الحنابلة إلى أنه لا بأس أن يستاك طولاً وضعف هذا القول النووي وابن مفلح (4) . ويستحب أن ينظف لسانه بالسواك بإمراره عليه (5) لما ثبت من حديث أبي بردة عن أبيه قال: (أتيت النبي ش فوجدته يستن بسواك بيده يقول أُعْ أُعْ والسواك في فيه كأنه يتهوع) (6) . وفي رواية (وطرف السواك على لسانه يستن إلى مافوق) (7) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ويستفاد منه مشروعية السواك على اللسان طولاً (8) . السواك هل الأولى أن يباشره المستاك بيمينه أو بشماله؟ قال ابن عابدين رحمه الله إن كان من باب التطهر استحب باليمين، وإن كان من باب إزالة الأذى فباليسرى، والظاهر الثاني (9) .   (1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1/40 في كتاب الطهارة باب الإستياك عرضاً، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1/65 وفيه: محمد بن خالد القرشي قال ابن القطان لايعرف، قلت: وثقه ابن معين وابن حبان. (2) انظر: المجموع 1/280، المبدع 1/102. (3) انظر: الحاوي 1/85، المجموع 1/281 (4) انظر: حاشية ابن عابدين 1/114، المجموع 1/281، المبدع 1/102، الإنصاف 1/170. (5) انظر: حاشية ابن عابدين 1/114، فتح الباري1/356، المقنع 1/102. (6) سبق ص 248. (7) أخرجه أحمد في المسند 4/417، وأخرجه مسلم 1/220 في الطهارة باب السواك بدون لفظ ((يستن إلى فوق)) . (8) انظر: فتح الباري 1/356. (9) انظر: حاشية ابن عابدين 1/114 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وذكر نحوه الحافظ العراقي رحمه الله (1) . وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الاستياك باليمين أم باليسرى؟ فذكر أن الأفضل الاستياك باليسرى، لأنه من باب إماطة الأذى، فهو كالاستنثار والامتخاط، ونحو ذلك مما فيه إزالة الأذى، وذلك باليسرى، كما أن إزالة النجاسات واجبها ومستحبها اليسرى. . . ثم ذكر أن السواك ليس من باب اكرام اليمين (2) . ويستحب غسل السواك قبل استعماله وكذلك عند الانتهاء من استعماله (3) . لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله ش يعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به فأستاك، ثم أغسله ثم أدفعه إليه) (4) . ويجوز أن يستعمل السواك الواحد لأكثر من شخص (5) . لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله ش يستن وعنده رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فأوحى الله إليه في فضل السواك ((أن كبر)) أعط السواك أكبرهما) (6) . قال الخطابي رحمه الله فيه: أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه على مايذهب إليه بعض من يتقزز إلا أن السنة فيه أن يغسله ثم يستعمله (7) .   (1) انظر: طرح التثريب 2/71 (2) انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/158 وما بعدها. (3) انظر: مواهب الجليل 1/226، مغني المحتاج 1/55، المبدع 1/102 (4) أخرجه أبو داود. انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري 1/41 باب غسل السواك. وقال النووي في المجموع 1/283 حديث حسن رواه أبو داود بإسناد جيد. (5) انظر: المجموع 1/283، المبدع 1/102. (6) أخرجه أبو داود 1/43 في كتاب الطهارة باب في الرجل يستاك بسواك غيره وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/12، وأخرج البخاري تعليقاً 1/314 في كتاب الوضوء باب دفع السواك إلى الأكبر نحوه عن ابن عمر رضي الله عنهما. (7) انظر: معالم السنن 1/43، فتح الباري 1/356. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 يكره جلاء الأسنان بالحديد وبردها بالمبرد لأنه يضعف الاسنان ويفضي إلى انكسارها، ولأنه يخشنها فتتراكم الصفرة عليها (1) . ينبغي لمن أسنانه مركبة أن يستعمل السّواك ليحصل أجر أمتثال السنة، ولا بأس أن ينزلها وينظفها، ويزيل ما عليها من أوساخ. المبحث العاشر: في فوائد السواك: إن أعظم فوائد السواك مانص عليه النبي ش في قوله: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) (2) . ومن الفوائد التي ذكرها أهل العلم للسواك أن المسلم مأمور في كل حال أن يكون على أحسن هيئة وأطيب ريح وخاصة عند أداء العبادة، وأن يحرص أن تكون حاله في غاية الكمال والنظافة لإظهار شرف وعظم هذه العبادة (3) . ولما كانت الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم شرع السواك مطهرة للفم حتى لا تتأذى الملائكة الموكلون برصد أعمال بني آدم بالروائح الكريهة التي تنتج عن ترك السواك (4) ، وقد جاء في الأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك) (5) . قال ابن القيم رحمه الله في السواك عدة منافع: يطيب الفم، ويشد اللثة، ويقطع البلغم، ويجلو البصر، ويذهب بالحفر، ويصح المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، ويسهل مجاري الكلام، وينشط للقراءة والذكر والصلاة، ويطرد النوم، ويرضي الرب، ويعجب الملائكة، ويكثر الحسنات (6) . ومن فوائد السواك أنه يدر البول، ويقطع الرطوبة، ويذهب الصفرة، ويسكن عروق الرأس، ووجع الأسنان، ويذكي الفطنة، ويضاعف الصلاة، ويسخط الشيطان، ويطيب النكهة، ويسهل خروج الروح (7) .   (1) انظر المجموع 1/281 (2) سبق ص 240. (3) انظر: إحكام الإحكام 1/65. (4) انظر: طرح التثريب 2/66. (5) أخرجه ابن ماجه 1/106 في كتاب الطهارة وسننها باب السواك، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/53. (6) انظر: الطب النبوي ص322. (7) انظر: حاشية ابن عابدين 1/115، المنهج السوي ص300. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 قال ابن عابدين قال في النهر: ومنافعه وصلت إلى نيف وثلاثين (1) . ومن فوائد السواك أنه بمثابة العلاج للإقلاع عن بعض العادات السيئة مثل التدخين فالسواك مع طول مدة استعماله يصبح عادة فيكون سبباً في الإقلاع عن التدخين وكذلك عن الإقلاع عن مص الأصابع عند الصغار. وللسواك فوائد أخرى ذكرها علماء الطب، وقد ذكرت شيئاً منها عند الكلام على الأراك في المبحث الثامن والكتب الطبية المؤلفة في السواك ذكرت له فوائد كثيرة وأسراراً طبية (2)   (1) انظر: حاشية ابن عابدين 1/115 (2) انظر: عن فوائد السواك الطبية، السواك للبار، الوقاية الصحية على ضوء الكتاب والسنة، كتاب السواك فضله وفوائده. المصادر والمراجع القرآن الكريم. إحكام الأحكام، شرح عمدة الأحكام، لتقي الدين أبي الفتح الشهير بابن دقيق العيد، المتوفى سنة 702هـ، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. الإختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، اختارها: علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد البعلي، المتوفى سنة 803 هـ، تحقيق محمد حامد الفقي، الناشر: دار المعرفة بيروت. الاختيار لتعليل المختار، تأليف: عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي، المتوفى سنة 683هـ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر: مكتبة محمد علي صبح وأولاده بميدان الأزهر بالقاهرة. إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني، المتوفى سنة 1255هـ، الناشر: دار المعرفة. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، تأليف: محمد بن ناصرالدين الألباني، إشراف زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي. استعمال السواك لنظافة الفم وصحته، تأليف: الدكتور محمد رجائي المصطيهي، أعمال المؤتمر الأول للطب الإسلامي، الكويت 1981م. الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، المتوفى 204هـ، طبعة الشعب، القاهرة. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد، علاء الدين أبي الحسن علي ابن سليمان المرداوي، المتوفى 885هـ، تحقيق: محمد حامد الفقي، الطبعة الأولى سنة 1376هـ، بمطبعة السنة المحمدية، القاهرة. أوجز المسالك إلى موطأ مالك، تأليف: محمد زكريا الكاندهلوي، الناشر: دار الفكر، بيروت، طبعة 1409هـ. البحر الرائق شرح كنز الحقائق، لزين الدين الشهير بابن نجيم، المتوفى سنة 970هـ، الناشر: دار المعرفة، الطبعة الثانية. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين بن مسعود الكاساني، المتوفى سنة 587هـ، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت. بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، لأحمد بن محمد الصاوي، المتوفى 1241هـ، الناشر: دار المعرفة، ... بيروت، 1398هـ. بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار، تأليف: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، المتوفى 1376 هـ، طبع ونشر: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، 1405هـ. تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد مرتضى الزبيدي، المتوفى1205هـ، الناشر: دار مكتب الحياة، بيروت. تحفة المودود بأحكام المولود، لشمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، المتوفى 751هـ، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت. التعريفات، للشريف علي بن محمد الجرجاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة 1408هـ. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى 852هـ، الناشر: دار المعرفة، بيروت. تلخيص المستدرك، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، المتوفى 848هـ، مطبوع بذيل المستدرك، الناشر: دار الباز للنشر والتوزيع، مكة. تنوير المقالة في حل ألفاظ الرسالة، لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن خليل التنائي، تحقيق محمد عايش عبد العال، الطبعة الأولى 1409هـ. تهذيب الأسماء واللغات، لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، المتوفى 676هـ، تحقيق: بشار عواد معروف، الناشر: دار الرسالة، الطبعة الأولى 1405هـ. تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، المتوفى 370هـ، تحقيق: عبد السلام هارون، الناشر: الدار المصرية، طبعة دار القومية العربية ... 1384هـ. حاشية الدسوقي، للشيخ محمد بن عرفة الدسوقي، الطبعة العاشرة، بمصر. حاشية رد المحتار على الدر المختار المعروف بحاشية ابن عابدين، لمحمد أمين الشهير بابن عابدين، المتوفى سنة 1252هـ مع التكملة لنجل المؤلف، الناشر: مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الثانية 1386هـ. الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، المتوفى سنة 450هـ، تحقيق: علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، المتوفى سنة 450هـ، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. الخرشي على مختصر خليل، لمحمد بن عبد الله بن علي الخرشي، المتوفى سنة 1101هـ، الناشر: دار صادر، بيروت. روضة الطالبين، لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، المتوفى سنة 676هـ، الناشر: المكتب الإسلامي. الروض المربع شرح زاد المستقنع، لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي، المتوفى سنة 1051هـ، الطبعة الثانية سنة 1403هـ. زاد المعاد في هدي خير العباد، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر الشهير بابن قيم الجوزية، المتوفى سنة 751هـ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرناؤوط، الطبعة السادسة 1404هـ. سنن أبي داود، للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، المتوفى سنة 275هـ، تحقيق: عزت عبيد الدعاس، طبع محمد على السيد،حمص. سنن الترمذي ((الجامع الصحيح)) ، للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، المتوفى سنة 279هـ، تحقيق: أحمد شاكر ورفقاؤه، الناشر: محمد مصطفى البابي الحلبي، القاهرة. السنن الكبرى، للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، المتوفى سنة 458هـ، الناشر: دار الفكر. سنن النسائي، للحافظ أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، المتوفى سنة 303هـ، بشرح: جلال الدين السيوطي وحاشية السندي، الناشر: دار الفكر، بيروت. سنن ابن ماجه، للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، المتوفى سنة 275هـ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر عيسى البابي. السواك، تأليف: الدكتور محمد على البار، الناشر: دار المنارة للنشر والتوزيع، جدة، مكة. السواك فضله وفوائده، تأليف: إبراهيم بن محمد الحسن. السواك والعناية بالأسنان، تأليف: الدكتور عبد الله عبد الرزاق السعيد، الناشر: الدار السعودية، جده. شرح الزرقاني، لمحمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، المتوفى1122هـ، الناشر: دار المعرفة، بيروت 1398هـ. شرح الزركشي على مختصر الخرقي، لشمس الدين محمد بن عبد الله الزركشي، المتوفى سنة 772هـ، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، الناشر: مطابع العبيكان. شرح السنة، لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي، المتوفى سنة 516هـ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وزهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، 1390هـ. شرح صحيح مسلم، لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، المتوفى سنة 676هـ، الناشر: دار الفكر، بيروت. شرح فتح القدير على الهداية، لكمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي، المتوفى سنة 681هـ، الناشر: دار الفكر، الطبعة الثانية عام 1397هـ. الشرح الممتع على زاد المستقنع، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، اعتنى به جمعاً وترتيباً وتخريجاً الدكتور سليمان عبد الله أبا الخيل، والدكتور خالد علي المشيقع، الناشر: مؤسسة آسام. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت. صحيح البخاري، للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256هـ، تصحيح: محمد ذهني، طبعة بولاق، عام 1315هـ. صحيح ابن حبان، للأمير علاءالدين علي بن بلبان الفارسي، المتوفى سنة 739هـ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الطبعة الثانية 1412هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. صحيح سنن أبي داود، للشيخ محمد ناصرالدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1412هـ. صحيح مسلم، للإمام مسلم بن الحجاج القشيري، المتوفى 261هـ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: عيسى البابي الحلبي 1374هـ. الطب النبوي، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر الشهير بابن القيم، المتوفى سنة 751هـ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، عالم الكتب بالرياض. طرح التثريب في شرح التقريب، لزين الدين أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي، المتوفى سنة 806هـ، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت. عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني، المتوفى سنة 855هـ، الناشر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الأولى 1392هـ. فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، لتقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، المتوفى سنة 728هـ، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن القاسم النجدي الحنبلي، وساعده ابنه محمد، الطبعة الأولى 1398هـ. فتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852هـ، ترتيب: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر. فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير، لأبي القاسم عبد الكريم محمد الرافعي، المتوفى سنة 623هـ، مطبوع مع المجموع، ومعهما التلخيص الحبير، الناشر: دار الفكر، بيروت. الفروع، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي، المتوفى سنة 763هـ، الناشر: عالم الكتب، الطبعة الثانية 1388هـ. الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني، للشيخ أحمد النظراوي المالكي، الناشر: دار الفكر، بيروت. القاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، المتوفى سنة 817هـ، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1407هـ. الكافي في فقه أهل المدينة، لأبي عمرو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، المتوفى سنة 463هـ، تحقيق محمد بن محمد بن ولد ماريك الموريتاني، الناشر: المحقق عام 1399هـ. كتاب الدعوة -الفتاوى-، سلسلة نصف سنوية، تصدر عن مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية، الطبعة الثانية 1414-1415هـ. كشاف القناع من متن الإقناع، لمنصور بن يونس البهوتي، المتوفى 1052هـ، الناشر: عالم الكتب، بيروت، سنة 1403هـ. لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، الناشر: دار صادر بيروت. المبدع شرح المقنع، لأبي إسحاق محمد بن مفلح الحنبلي، المتوفى سنة 884هـ، الناشر: دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة 1318هـ. المبسوط، لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي، المتوفى سنة 483هـ، الناشر: دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة 1398هـ. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، المتوفى سنة 807هـ، الناشر: مكتبة القدس بالقاهرة 1352هـ. المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، المتوفى سنة 656هـ، مع تكملتيه للسبكي والمطيعي، الناشر: دار الفكر. المحلي، لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، المتوفى سنة 456هـ، الناشر: دار الفكر بيروت. مختصر سنن أبي داود، للحافظ عبد العظيم المنذري، المتوفى سنة 656هـ، الناشر: دار المعرفة، بيروت. المدونة الكبرى، رواية سحنون بن سعيد عن أبي القاسم، عن الإمام مالك، ومعها مقدمات ابن رشد، الناشر: دار الفكر، بيروت 1398هـ. المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم، المتوفى سنة 848هـ، الناشر: دار الباز للنشر والتوزيع، مكة. مسند الإمام أحمد بن حنبل، وضعه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، المتوفى سنة 241هـ، الناشر المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة 1403هـ. مسند الطيالسي، لسليمان بن داود بن الجارود الفارسي، المتوفى سنة 204هـ، الناشر: دار المعرفة. مسند أبي يعلي، لأحمد بن علي بن المثنى، المتوفى سنة 307هـ، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر، دار المأمون للتراث. المصباح المنير، لأحمد بن محمد بن علي المقرئ الفيومي، المتوفى سنة 770هـ، الناشر: المطبعة الأميرية ببولاق، مصر، الطبعة الأولي 1321هـ. معالم السنن، لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، المتوفى سنة 388هـ، مطبوع بذيل سنن أبي داود، طبع محمد على السيد، حمص. المعجم الكبير، للحافظ أبي القاسم سليمان الطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: مطبعة الوطن العربي، الطبعة الأولى 1400هـ. معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا، الناشر: مؤسسة المعارف، بيروت 1406هـ. المعجم الوسيط، قام بإخراج هذه الطبعة د/ إبراهيم أنيس، د/ عبد الحليم منتصر، د/عطية الصوالحي، وأشرف على الطبع حسن عطية، ومحمد شوقي أمين، الناشر: مطابع دار المعارف. المعونة على مذهب عالم المدينة، للقاضي عبد الوهاب البغدادي، المتوفى سنة 422هـ، تحقيق حميش عبد الحق، الناشر: المكتبة التجارية، مكة المكرمة. المغني، لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، المتوفى سنة 620هـ، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، والدكتور عبد الفتاح الحلو، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للشيخ محمد الشربيني الخطيب، الناشر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي، عام 1377هـ. المقنع، لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة، المتوفى سنة 620هـ، المطبوع في أعلى المبدع شرح المقنع، الناشر: دار المعرفة، بيروت، عام 1398هـ. المنهج السوي في الطب النبوي، للحافظ جلال الدين السيوطي، تحقيق حسن الأهدل، الطبعة الأولى 1406هـ، مكتبة الجيل. مواهب الجليل لشرح مختصر سيدي خليل، لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحطاب، المتوفى سنة 924هـ، الطبعة الأولى 1329هـ، مطبعة السعادة، القاهرة. النظم المستعذب بهامش المهذب، لمحمد بن أحمد بن بطال الركبي، الناشر: مطبعة عيسى الحلبي، القاهرة. النهاية في غريب الحديث والأثر، لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن الأثير الجزري، المتوفى سنة 606هـ، تحقيق محمود بن محمد الطناحي، الناشر: المكتبة الإسلامية. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، لمحمد بن علي الشوكاني، المتوفى سنة 1250هـ، الناشر: مكتبة الدعوة الإسلامية، شباب الأزهر. الوجيز في فقه الإمام الشافعي، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، المتوفى سنة 505هـ، المطبوع مع فتح العزيز والمجموع، الناشر: دار الفكر. الوقاية الصحية على ضوء الكتاب والسنة، تأليف لؤلؤة بنت صالح بن حسين آل علي، الناشر: دار ابن القيم، السعودية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 (( (( (( الخاتمة: في ختام هذا البحث أشكر الله تبارك وتعالى على ما منَّ به عليَّ من إتمام هذا البحث وأختمه بذكر أهم ما توصلت إليه من نتائج وتتلخص في النقاط التالية: 1- مشروعية السواك وفضله. 2- أن السواك خصلة من خصال الفطرة. 3- أن السواك سنة مؤكدة وليس بواجب. 4- أن السواك مستحب في كل وقت ولكن يتأكد استحبابه عند الوضوء والصلاة والقيام من النوم، ودخول المنزل، وعند تغير الفم واصفرار الأسنان. 5- أن الراجح جواز استعمال السواك للصائم في كل وقت حتى بعد الزوال. 6- أن السواك سنة على كل حال بحضرة الناس وبغير حضرتهم. 7- أن السواك يحصل بكل عود لين ينقي الفم ولا يجرحه ولا يضره ولايتفتت كعود الآراك وعود جريد النخل وعود الزيتون وأن أفضل أنواع السواك الأراك. 8- أنه قد قام عدد من الشركات وعدد من الأطباء بتحضير معاجين أسنان من جذور شجرة الأراك بدون إضافة مواد كيماوية أخرى فوُجد أن عود الأراك فرشاة طبيعية قد زودت بأملاح معدنية ومواد عطرية تساعد على تنظيف الأسنان ومنع تسوسها. 9- أن استعمال الفرشاة والمعجون من السواك، ومن ميزات الفرشاة أنه يمكن أن ينظف الإنسان بها باطن الأسنان بسهولة ويسر وأن في المعجون مواد مطهرة ومنظفة. 10- كيفية السواك: هو أن يستاك عرضاً في ظاهر أسنانه وباطنها، ويمر السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه ويمر على سقف حلقه إمراراً خفيفاً. 11- استحباب غسل السواك قبل استعماله وكذلك عند الانتهاء منه. 12- انه يجوز استعمال السواك الواحد لأكثر من شخص. 13- يكره جلاء الأسنان بالحديد وبردها بالمبرد. 14- ينبغي لمن أسنانه مركبة أن يستعمل السواك ليحصل على أجر أمتثال السنة، ولا بأس أن ينزلها وينظفها أو يزيل ما عليها من أوساخ. 15- للسواك فوائد دينية وصحية. الهوامش والتعليقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية وصداها في المغرب حسن بن عبد الكريم الوراكلي الأستاذ بقسم الدراسات العليا - كلية اللغة العربية - جامعة أم القرى ملخص البحث تتألف هذه الدراسة من تمهيد وثلاثة مباحث. عُني التمهيد بتحديد قيمة الدعوات الإصلاحية والأساليب التي تعتمدها في عمليتي (الاستئصال) و (الاستتباب) لتحقيق هدفها في التغيير. وبعد أن حدد التمهيد قيمة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بما استأصله من (إكباب) في مفهوم العقيدة والعبادة والمعاملة واستنبتت من (استواء) في جميعها أشار إلى ما كان لها من أثر بعيد الغور في الجزيرة ثم في مختلف أقطار المسلمين. ثم توجهت الدراسة لبلورة ذلك الأثر في أحد الأقطار الإسلامية وهو المغرب الأقصى، وذلك عبر مباحث ثلاثة رصدت في أولها (تواريخ وصول الدعوة إلى المغرب) ، واستجلت في ثانيها (ملابسات الوصول) ، وبلورت في ثالثها (أصداء الدعوة عند فئات ثلاثة) ، هي: أ - ولاة الأمر والحكم. ب - رجالات العلم والفكر. ج - فئة المؤرخين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. (( (( (( تتحدد قيمة الدعوات الإصلاحية في ضوء ما يكون لها من (أثر) في بيئتها التي احتضنتها وفي عصرها الذي أظلها، ثم فيما يكون لها من امتداد في غير بيئتها وفي غير عصرها. و (الأثر) المشار إليه يتبدى، ومنذ بواكير أية دعوة إصلاحية، في (موقفين) منها يبدوان، لأول وهلة، متضادين متنافرين، لأن أحدهما يحتفي بها وينافح عنها في حين يصد الثاني عنها ويتربص بها الدوائر؛ غير أن من يستبطن الحوافز المحركة للموقفين يستكشف (توحدهما) في النظرة التقديرية لأثرها بصرف النظر عما يراد لها من مد عند أحدهما، ومن جزر عند الآخر! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وتتحدد مقصدية الدعوات الإصلاحية في ضوء ما يكون لها من قدرة على (التمحور) حول (الإنسان) ، أيا كان لونه ولسانه، وأياً كان مكانه وزمانه، بما تستأصل من شر في نفسه، وإكباب في فكره، وبما تستنبت من خير في وجدانه، واستواء في سلوكه. وبهذا تؤهله للوفاء بحمل الأمانة العظيمة والنهوض بها في نطاق الخلافة التي طوقه بها رب العالمين. أما الأساليب التي تعتمدها تلك الدعوات في عملتي (الاستئصال) و (الاستنبات) فهي قد تتخذ لها صوراً شتى يمليها (مصدر) الدعوة حيناً، ويقتضيها (الظرف العام) آخر، ويستلزمها (الموقف الخاص) ثالثاً، غير أن ما ينتظمها جميعها هو خيط (التغيير) ، تغيير ما بالنفس استصلاحاً لحالها واستثماراً لبذرة (الاستواء) في خويصتها، وكذلك، وبذات الوقت، في تواصلها بأنفس الآخرين. وهي، أي الدعوات الإصلاحية، تلحم، بفضل ما تحققه من (تغيير) في الذات (الخاصة) وفي الذات (العامة) بين الوجدان الفردي والوجدان الجماعي، فتخلق بذلك الأجواء العقلية والنفسية السليمة لاستعادة الأمة (روحها) واسترداد (ذاكرتها) ممثلتين في قيمتها العقلية، ومثلها الروحية، وتجاربها التاريخية، وتلك أولى خطواتها على طريق الوعي اللاحب الذي لا عوج فيه ولا أمت (1) . وفق هذا وذاك، ومن منطلق معرفتنا بسمتي (الإصلاح) و (التغيير) اللتين وسمتا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية نستطيع القول بأن قيمة هذه الدعوة تحددت بما كان لها من أثر بعيد الغور في بيئتها، عصرها وبعد عصرها إلى يوم الناس هذا وإلى ما شاء الله تعالى، وذلك بما استأصلت من (إكباب) في مفهوم العقيدة، والعبادة، والمعاملة عند الناس، واستنبتت من (استواء) فيها جميعها.   (1) انظر، كتابنا (المسلمون وأسئلة الهوية) ص 123. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وليس من شأننا، هنا، أن نفيض في التأريخ لهذه الدعوة (1) ، كما أنه ليس من شأننا، هنا، أن نبسط القول في مكوناتها وأدبياتها. غير أنه لا بأس، حتى نتمثل طبيعة (المناخ) التصوري الذي انطلقت بين أحنائه الدعوة وتشكلت المواقف منها، أن نذكر بأبرز مظهر له وهو الذي كان يتمثل فيما أصاب عقيدة التوحيد من اختلال واهتراء أفرغاها من مضمونها الهادي الباني، فانعكس أثر ذلك على (حملتها) في حالة (الإكباب) التي تلبستهم في مجموع ما يأتون به من أفعال ويذرون من أمور، وكذلك في حالة (الشلل) الذي أصاب منهم الفكر والوجدان معاً ففقدوا، بسببه، القدرة على الإبداع والإبتكار في أي مجال من مجالات الحياة مادية وغير مادية ليكتفوا ب (الإجترار) و (التكرار) في كل باب طرقوه وفي كل مجال ولجوه. وكان من آثار اختلال العقيدة عندهم أن أخلدوا إلى الأرض، واتبعوا أهواءهم، واستسلموا عن طواعية، وفي خنوع مزر، لسلطان (الخوف) من (المجهول) ، ومن (الآخر) مما أتاح للشعوذة أن تبيض وتفرخ، ويمد متزعموها أياديهم في حياة أتباعهم من عامة الناس وخاصتهم، يصرفون أمورها وفق أهوائهم ومآربهم، مكرسين بذلك ألواناً من الحوادث والبدع، والضلالات والمنكرات في العقائد، والعبادات، والمعاملات ما فتئت تنأى بأصحابها وبمجتمعاتهم عن روح الإسلام شيئاً فشيئاً حتى غار، أو كاد، ماؤه، ونضب، أو كاد، معينه!   (1) أنجزت في ذلك دراسات كثيرة تناولت حياة الشيخ وسيرته بجميع جوانبها، كما عنيت بالدعوة ومبادئها وآثارها داخل الجزيرة وخارجها. وأعدت في ذلك رسائل ماجستير ودكتوراه في الجامعات السعودية وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 ففي نجد (كان الشرك إذ ذاك قد فشى ( ... ) وكثر الإعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور، والبناء عليها، والتبرك بها، والنذر لها، والاستعادة بالجن والنذر لهم، ووضع الطعام وجعله لهم في زوايا البيوت لشفاء مرضاهم ونفعهم والحلف بغير الله وغير ذلك من الشرك الأكبر والأصغر) (1) . ولم تشذ عن مثل هذا (المناخ) غير نجد من بلاد (المسلمين) ، ونمثل لها ببلاد التكرور في غرب افريقيا، حيث وجد فيها الشيخ ابن فودي (ت 1817 م) (من أنواع الكفر والفسوق والعصيان أموراً فظيعة وأحوالاً شنيعة طبقت هذه البلاد وملأتها حتى لا يكاد يوجد في هذه البلاد من صح إيمانه وتعبد إلا النادر القليل، ولا يوجد في غالبهم من يعرف التوحيد، ويحسن الوضوء والصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات، فمنهم كفار يعبدون الأشجار والأحجار والجن ( ... ) ومنهم قوم يقرون بالكلمة ويصلون ويصومون ويزكون من غير استكمال شروط، بل يأتون ذلك كله بالرسم والعلامة مع أنهم يخلطون هذه الأعمال بأعمال الكفر الذي ورثوه من آبائهم وأجدادهم ( ... ) ومنهم قوم يقرون بالتوحيد، ويصلون ويزكون من غير استكمال شروط كما مر مع أنهم مقيمون على عوائد رديئة وبدع شيطانية، ومنهم منهمكون في المعاصي الجاهلية متأنسين بها، جارين فيها مجرى المباحات حتى كأنها لم يرد فيها نهي، وهي خصال كثيرة أقاموا عليها، وهؤلاء أكثر عامة الفلانيين وبعض مسلمي السودانيين) (2) .   (1) انظر، (عنوان المجد في تاريخ نجد) ج1 ص 33. (2) انظر، إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور ص 82، 83، 84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وكان لابد لمثل هذا الإختلال الذي أصاب عقيدة المسلمين أن تنعكس آثاره السلبية على مختلف جوانب حياتهم الإجتماعية، والعلمية، والسياسية، وهو ما صوره لنا أحد رحالة القرن الثامن عشر الميلادي الغربيين، وكان جاب أقطاراً من العالم الإسلامي فوجده (قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ، ومن التدني والإنحطاط أعمق دركة، فاربد جوه، وطبقت الظلمة كل صقع من أصقاعه ورجاء من أرجائه وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب، وتلاشى ما كان باقياً من آثار التهذيب العربي، واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات، وماتت الفضيلة في الناس وساد الجهل، وانطفأت قبسات العلم الضئيلة ( ... ) وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال) (1) . ذلك هو (المناخ) الذي كان يسود العالم الإسلامي في أقصاه إلى أقصاه. وهذا المناخ الذي أفرز في قطر منه، هو بلاد نجد، الدعوة السلفية الإصلاحية التي صدع بها الشيخ محمد ابن عبد الوهاب كان حقيقاً أن يفرز مثلها في بقية أقطار العالم الإسلامي أو، على الأقل، أن يفسح لأصدائها أن تتردد بين جنباته، وهذا ما أثبته تاريخ هذه الدعوة حين تخطت حدود نجد إلى أجزاء أخرى من الجزيرة، وخاصة المدينتين المقدستين مكة المكرمة وطيبة الطيبة، ومنها اتخذت طريقها إلى أقطار قريبة مثل السودان والهند، وأخرى نائية مثل ليبيا وبلاد التكرور. على أننا، هنا، لن نتتبع ما كان لهذه الدعوة من آثار في الأقطار المذكورة، وإنما يهمنا منها، أي الدعوة، ما تعلق بقطر آخر هو المغرب الأقصى؛ غير أننا قبل أن نرصد أصداءها في هذا القطر يحسن بنا أن نعني بتحديد (تواريخ) وصولها إليه، واستجلاء ملابساته. ومجموع ذلك هو ما سنجتهد لبلورته في الفقرات التالية: أ - تواريخ وصولها:   (1) انظر، حاضر العالم الإسلامي ص 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 متى ترددت أصداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في المغرب؟ ومن حاملو أخبارها وأدبياتها الأول إلى هذا القطر النائي عن مكان ظهورها؟ أكانوا من المغاربة أنفسهم؟ أم كانوا من أهل الجزيرة؟ وهل كانوا من أشياعهم أو كانوا من المناهضين لها؟ بالنظر إلى ما نتوفر عليه من معلومات مستقاة من كتب التاريخ والتراجم ومن نصوص وثائق ورسائل تتعلق بالدعوة، يمكن القول بأن وصول أخبار هذه الدعوة وأدبياتها إلى المغرب تم على مراحل، كانت بواكيرها، فيما نقدر، في العقود الأولى من النص الثاني من القرن الثامن عشر، أي بعد نشأة الدعوة بعقدين أو يزيد قليلاً، وكانت أواخرها في العقد السابع من القرن التاسع عشر، وهو العقد الذي وصل فيه إلى المغرب أبو الحسن علي بن طاهر الوتري المدني، وألف، خلاله، رسالته في نقد الدعوة. ويمكن تصنيف المراحل آنفة الذكر على النحو التالي: 1 - مرحلة الرواية الشفوية. وقد تزامنت مع عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله (1171 - 1204 هـ / 1757 - 1790 م) . ومع أن الدعوة لم تستطع أن تغادر مهدها إلا بعد فترة غير قصيرة من ميلادها إلا أن ذلك لم يكن ليحول دون تسرب أخبارها ومقولاتها إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في مواسم الحج. ومع أن رحلات الحج المغربية المكتوبة في تلك الفترة يلوذ بعضها بالصمت إزاء الدعوة الجديدة، ويكتفي بعضها بالإشارة السريعة إليها فإن هذا ليس يمنع أن يكون غير أصحاب الرحلات المدونة من الحجاج نقلوا بالرواية الشفوية بعض أخبار الدعوة وبعض مقولاتها وتحدثوا بهذه وتلك بعد عودتهم إلى بلدانهم. ولعلنا أن نستأنس في دعم هذا بما عرف عن سلطان المغرب يومئذ سيدي محمد بن عبد الله من تعلق بالعقيدة الحنبلية حمله على مهاجمة كتب الأشاعرة ومحاربة بعض الزوايا. 2 - مرحلة الرواية المكتوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وفيها وصلت أخبار الدعوة ومقولاتها عن طريق الوثائق والوسائل، فبينما توالت الرواية الشفوية من قبل الحجاج في نقل ما تعرفه الدعوة الناشئة من وقائع، وما تشيعه من مبادئ، وما تواجهه من عراقيل، وجدنا بعض الحجاج، وخاصة العلماء منهم، يعودون إلى المغرب وهم يحملون معهم وثائق ورسائل تتضمن مبادئ الدعوة وتشرح أهدافها. ومن أولئك الحجاج الفقيه أحمد بن عبد السلام بناني الذي ذكر في كتابه (القيوضات الوهبية) أنه حمل معه بعد عودته من الحج عام 1803 م رسالتين تتعلقان بالدعوة الوهابية. وذكر كذلك أن الكبرى من الرسالتين تقع في نحو كراسة والصغرى في نحو ورقتين، كما ذكر أن الرسالتين وقعتا معاً بيد (الإمام الأوحد عالم السلاطين وسلطان العلماء أمير المؤمنين سيدنا سليمان ابن مولانا محمد) (1) . 3 - مرحلة الرواية (الرسمية) . ونعني بها رسالة الإمام سعود بن عبد العزيز التي وصلت المغرب سنة 1811 م متضمنة مبادئ الدعوة وغاياتها. وفي المصادر (2) التاريخية أن هذه: الرسالة بعثت في أصلها إلى علماء تونس، وحول هؤلاء نسخة منها إلى علماء المغرب للنظر فيها والرد عليها. وهذا نص الناصري في الموضوع (ولما استولى ابن سعود على الحرمين الشريفين بعث كتبه إلى الآفاق كالعراق والشام ومصر والمغرب، يدعو الناس إلى اتباع مذهبه والتمسك بدعوته. ولما وصل كتابه إلى تونس بعث مفتيها نسخة منه إلى علماء فاس ... ) (3) .   (1) مخطوط الخزانة العامة بالرباط. ك (3125) . (2) مثل (الترجمانة الكبرى) للزياني، و (تاريخ الضعيف الرباطي) ، ومعجم عبد الحفيظ الفاسي، وتاريخ الجبرتي، و (الجيش العرمرم) لأكسنوس، و (الإستقصا) للناصري، و (الفيوضات الوهبية) لبناني، ص 93. (3) مثل رسالة الإمام سعود بن عبد العزيز، ونصوص الردود المغربية عليها وبعض الرسائل الأخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 ويغلب على الظن أن هذه الرسالة نفسها، أو رسالة أخرى بمعناها، وجهت من قبل الإمام سعود إلى سلطان المغرب المولى سليمان. ويقوي هذا عندنا أمران: أولاهما: أن الإمام سعود بن عبد العزيز اهتم، بعد أن تغلب على الحجاز والحرمين الشريفين، بالكتابة في شأن الدعوة السلفية التي قام بنصرتها وقاتل حتى أظهرها، يشرح مبادئها ويوضح أسسها لأولياء الأمر في مختلف الأقطار الإسلامية. ولسنا نجد تعليلاً لإغفاله المغرب مع العلم بأنه كان أكثر الأقطار استعداداً للتجاوب مع الدعوة الجديدة لاعتبارات نشير إليها في موضعها من البحث. وثانيهما: أن السلطان المولى سليمان لو لم يكن تلقى من الإمام سعود رسالة رسمية في الموضوع لما أمر بكتابة جواب عنها على لسانه وكلف ولده الأمير إبراهيم بحمله إلى الأمير سعود بن عبد العزيز. وهذا، كما يقول صاحب الإستقصا (يقتضي أن كتاب ابن سعود ورد على السلطان المولى سليمان بالقصد الأول لا أن نسخة منه وردت بواسطة علماء تونس، والله تعالى أعلم) (1) . 4 - مرحلة الرواية (المناهضة) رواحت بين القول والكتابة، وأبرز من ساهم فيها أبو الحسن علي بن طاهر الوتري، وهو ذو نزعة صوفية متعصبة، كان قدم من الحجاز بلاده إلى المغرب حيث أقام في (فاس) و (مراكش) نحو عشر سنوات من آخر القرن الثالث عشر الهجري، يتحدث عن الدعوة حديث المنتقد لها ولصاحبها مما ضمنه رسالته التي ألفها خلال تلك الفترة بعنوان (ما أبرزته الأقدار في نصرة ذوي المناقب والأسرار) (2) .   (1) عنوانها (ما أبرزته الأقدار في نصرة ذوي المناقب والأسرار) وقد حققها وقدم لها بدراسة الدكتور محمد العماري. (2) انظر الإسقتصا، 8: 66. (10م) انظر، الفيوضات الوهبية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 والخلاصة أن الدعوة وصلت عبر الرواية الشفوية أولاً، ثم المكتوبة ثانياً، تارة، من قبل (المعتقدين) ، وأخرى، من قبل (المنتقدين) ، وكان من هؤلاء وأولئك أهل الجزيرة، ولاة أمر وعلماء، مثلما كان منهم مغاربة، علماء وغير علماء، واستغرق ذلك عقوداً من القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين. ب - ملابسات الوصول: حين يستعرض المرء أوضاع المغرب السياسية، والاجتماعية، والفكرية خلال الفترات التي وصلت فيه أخبار الدعوة وأدبياتها إلى المغرب يستطيع أن يستخلص منها جملة (ملابسات) ، كان بعضها يفسح لها، وبعضها يذودها، وبعضها يسعف بيد ويعرقل بأخرى. أما التي كانت تفسح فتمثل في: 1 - تولي عرش المغرب، أثناء وصول الدعوة، ملكين عرفا بنزعتهما السلفية، أولهما الملك سيدي محمد بن عبد الله (ت 1204 هـ) وثانيهما ولده السلطان المولى سليمان (ت 1238 هـ) . فأما عن هذه النزعة السلفية عند الأول فيصورها لنا صاحب الإستقصا في حديثه عن مآثر هذا السلطان وسيرته حيث قال عنه (وكان السلطان سيدي محمد بن عبد الله رحمه الله ينهى عن قراءة كتب التوحيد المؤسسة على القواعد الكلامية المحررة على مذهب الأشعرية، وكان يحض الناس على مذهب السلف من الإكتفاء بالإعتقاد المأخوذ من ظاهر الكتاب والسنة بلا تأويل) (1) .   (1) انظر، الإستقصا، 8: 67. (11م) انظر، الترجمانة ص 67. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وكان مما يتري عنده هذه النزعة عنايته البالغة بالحديث، وقد ذكر الناصري في (الإستقصا) كذلك أسماء العلماء (الذين كانوا يسردون له كتب الحديث ويخوضون في معانيها) ، كما ذكر أنه (جلب من بلاد المشرق كتباً نفيسة من كتب الحديث لم تكن بالمغرب مثل مسند الإمام أحمد ومسند أبي حنيفة وغيرهما) ، وألف في الحديث كتباً منها، كتاب (مساند الأئمة الأربعة) (1) . وأما عن النزعة المذكورة عند المولى سليمان فقد كان ورثها، فيما يبدو، عن والده، ورسخها لديه اهتمامه بالأصلين، ينتقي لتلاوة القرآن (الأساتيذ ومشايخ القراء ( ... ) ويجمع أنجب العلماء لسرد الحديث الشريف وتفهمه والمذاكرة فيه على مر الليالي والأيام ( ... ) ويشاركهم بغزارة علمه وحسن تفهمه) (2) . وقد كشفت عن هذه النزعة عنده، وفي وضوح وجلاء، رسالته التي وجهها إلى الأمة يحذرها من الخروج عن السنة والتغالي في البدعة. وفيها وفي صاحبها يقول أحد شعراء العصر: نصر الشريعة ناصحاً حتى غدا نهج الهداية واضحاً للمقتدي وحبا الأنام بخطبة غراء قد لانت لرقتها قساوة جلمد يا حسنها من خطبة أحيا بها ما مات من سنن الشيوخ المجد نصح الورى نصحاً بليغاً شرحه ينسي فحول العلم كل مجلد 2 - استقلال الكيان السياسي للمغرب عن الباب العالي كان يتيح له من اتخاذ المواقف والقرارات مالم يكن متاحاً لغيره من الدول الإسلامية، بما فيها دول الجوار، الدائرة في فلك السلطة العثمانية التي كانت، كما هو معروف، تناصب الدعوة والقائمين عليه العداء، وهو ما يفسر الموقف المناهض للدعوة من قبل بعض العلماء في بعض تلك الأقطار مثل موقف مفتي تونس عمر المحجوب.   (1) انظر، الإستقصا، 8: 12. (2) انظر، الجيش العرمرم، ص 120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وإذا كان لنا أن نرى في استقلال المغرب عن سلطة آل عثمان عاملاً سياسياً خول ولاة الأمر فيه حق الإفصاح عن تجاوبهم مع مبادىء الدعوة ومساندتهم للقائمين على نصرتها بالجزيرة فإن البعض قد يرى في هذا وذاك غاية سياسية تتمثل في تحالف ملوك المغرب وأمراء آل سعود في الجزيرة لمواجهة الخلافة العثمانية. ونضيف إلى هذين العاملين اللذين كانا لهما أثر في فسح الطريق للدعوة في المغرب عاملين آخرين كان لهما بدورهما ما يماثل ذلك الأثر أو يعمق مجراه. وهذان العاملان هما: 1 - غناء التراث المغربي من رصيد الخطاب السني السلفي. ونمثل لهذا بما ألفه علماء الأندلس والمغرب في محاربة البدع والحوادث والنهي عنها ونصرة السنة ومذهب السلف والذب عنهما، ومن ذلك (كتاب البدع والنهي عنها) لابن وضاح القرطبي (ت 287هـ) و (كتاب الحوادث والبدع) لأبي بكر الطرطوشي (ت 520 هـ) وكتاب (الإعتصام) لأبي إسحاق الشاطبي (ت 790 هـ) . وهذا الكتاب بالذات ذو شأن بالغ الأهمية فيما كشف عنه من الآثار العميقة للبدع في تردي الأمة وفيما أوضحه من الآثار البعيدة لمذهب السنة في انبعاثها. ومن هنا اعتبر الشيخ رشيد رضا كتاب الإعتصام دعوة (لإحياء السنة وإصلاح شؤون الأخلاق والإجتماع) واعتبر الشاطبي بكتابه هذا وكتابه الثاني “ الموافقات ” (من أعظم المجددين في الإسلام) (1) . ومن ذلك الرصيد آثار أبي الحسن علي بن عبد الحق الزرويلي المعروف بأبي الحسن الصغير (ت 719 هـ) ، وكان في المغرب مثل الشيخ ابن تيمية في المشرق. ومنه أيضاً آثار أبي عبد الله محمد بن أحمد المسناوي الدلائي من أعلام العلماء في القرن الحادي عشر والثاني، وأهمها كتابه (جهد المقل القاصر) انتصر فيه لمذهب السلف ولشيخ الإسلام ابن تيمية.   (1) انظر الإستقصا، 8: 66، 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 2 - قيام حركتين سنيتين سلفيتين على غرار حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أقطار قريبة من المغرب، وانتقال أخبارهما إليه، وتردد أصدائهما في أنحائه. والحركتان هما: 1 - حركة الشيخ أبي عبد الله محمد علي السنوسي (ت 1276 هـ) . وكان تلقى العلم بحلقاته العامرة في جامع القرويين بفاس، ثم رحل إلى بلاد المشرق للطلب والتحصيل. وألقى عصا التسيار في الحجاز حيث قيض له أن يجتمع في مكة، بعد أن دخلها الأمير سعود ابن عبد العزيز ونشر بها دعوة الشيخ، بعدد من أبناء الشيخ وتلاميذه فأعجب بها وتأثر بمبادئها، وأعلن دعوته للإصلاح الديني وفق مذهب أهل السنة والجماعة مسترشداً في ذلك بمنهج الأصلين وهديهما (1) . 2 - حركة الشيخ أبي محمد عثمان بن محمد المعروف بابن فودي (ت 817 هـ) وقد كانت بلاده التكرور، على ما أسلفنا الإشارة، مسرحاً للبدع والضلالات في العقيدة والعبادة ف (قام هذا الشيخ يدعو إلى الله وينصح العباد في دين الله، ويهدم العوائد الرديئة، ويخمد البدع الشيطانية، ويحيي السنة المحمدية، ويعلم الناس فروض الأعيان، ويدلهم على الله ويرشدهم إلى طاعته، ويكشف لهم ظلم الجهالات، ويزيل لهم الإشكالات ( ... ) فسارع إليه الموفقون وحمد إليه السعداء المهتدون، فجعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، وترادفت إليه الوفود أمواجاً) (2) . وقد أشاد أحد شعرائهم بحركة الشيخ ابن فودي وجهاده في إحياء السنة وإماتة البدعة ببلاد التكرور والسودان بعامة، فقال: عثمان من قد جاءنا في ظلمة فأزاح عنا كل أسود دجدج بشرى لأمة أحمد ببلادنا السودان في هذا الزمان المبهج كم سنة أحييتها وضلالة   (1) انظر الشيخ السنوسي ودعوته (حاضر العالم الإسلامي) و (المغرب العربي الكبير في العصر الحديث) و (المغرب العربي الكبير في العصر الحديث) و (النهضات الحديثة في جزيرة العرب) . (2) انظر، إنفاق الميسور ص 82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 أخمدتها جمراً ذكا بتأجج فابيض وجه الدين بعد محاقه واسود وجه الكفر بعد تبلج فالسنة الغراء صبح ينجلي والبدعة السوداء ليل يدج طمست معالمها وأخلق ثوبها والدين في درع يميس مدبج وتفجرت للدين من بركاته عين الحياة تذل ماء الحشرج (1) ... وقد انتهت أخبار حركة الشيخ عثمان بن فودي وجهاده إلى سلطان المغرب المولى سليمان يرحمه الله فسارع بالكتابة إليه معرباً عن إعجابه بدعوته ومفصحاً عن محبته له. ونقتطف من رسالة المولى سليمان إلى الشيخ ابن فودي ما يدل على انتشار دعوة هذا الشيخ الشنية السلفية في بلاد السودان والمغرب ( ... إلى السيد الذي فشا في أقطار السودان عدله، واشتهر في الآفاق المغربية ديانته وفضله، العلامة النبيه، العديم في زمانه الشبيه، ذي النورين العلم والعمل، اللذين هما منتهى الأمل، السيد عثمان بن محمد بن عثمان بن صالح الفلاني، نفع الله بعلومه القاصي والداني، وسلام منا عليه ما اشتد شوقنا إليه، ورحمة من الله تغشاه، حتى لا يخشى إلا الله {والله أحق أن تخشاه} . وبعد، فقد بلغنا من الثناء عليك والتعريف بأحوالك وأفعالك وأقوالك ما أوجب محبتنا لك، وتسليمنا عليك ( ... ) أخبرنا بما قمت به من الأمر الواجب، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي له نصب الرسول والأمير والوزير والحاجب حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وترادفت عليك وفود الإسلام أمواجاً ( ... ) وهذا من أعظم منح الله، وأتم النعم، كما يشهد الحديث ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) (2) . وأما ماذاد الدعوة وصدها فيمكن تمثله في عاملين إثنين: أولهما انتشار الزوايا، وتعدد الطرق الصوفية، واتساع نفوذها في المجتمع، واشتداد سلطتها عليه. وقد اكتسبت ذلك بمرور الأعوام، وسيطرة الجهالة على العقول، وهيمنة الشعوذة على النفوس.   (1) نفسه، ص 83. (2) نفسه، ص 295 - 296. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 ومن أحسن ما وقع لنا في تصوير ذلك قول صاحب كتاب (تعظيم المنة بنصرة السنة) المؤرخ الشهير أحمد الناصري: (قد ظهرت ببلاد المغرب وغيرها منذ أعصار متطاولة لاسيما في المائة العاشرة وما بعدها بدعة قبيحة وهي اجتماع طائفة من العامة على شيخ من الشيوخ الذين عاصروهم أو تقدموهم من يشار إليهم بالولاية والخصوصية، ويخصونه بمزيد من المحبة والتعظيم، ويتمسكون بخدمته والتقرب إليه قدراً زائداً على غيره من الشيوخ، بحيث يرتسم في خيال جلهم أن كل المشايخ أو جلهم دونه في المنزلة عند الله تعالى، ويقولون ((نحن أتباع سيدي فلان، وخدام الدار الفلانية)) لا يحولون عن ذلك ولا يزولون خلفاً عن سلف، وينادون باسمه ويستغيثون به ويفزعون في مهمتهم إليه معتقدين أن التقرب إليه نافع والإنحراف عنه قيد شبر ضار، مع أن النافع والضار هو الله سبحانه. وإذا ذكر لهم شيخ آخر أو دعوا إليه حاصوا حيصة حمر الوحش من غير تبصر في أحواله، هل يستحق ذلك التعظيم أم لا. فصار الأمر عصيباً وصارت الأمة بذلك طرائق قدداً، ففي كل بلد أو قرية عدة طوائف، وهذا لم يكن معروفاً في سلف الأمة الذين هم القدوة لمن بعدهم، وغرض الشارع إنما هو في الإجتماع وتمام الألفة واتحاد الوجهة) (1) . ثانيهما الجمود الفكري الذي ساد الحياة العلمية فوقف بأصحابها، من علماء وطلبة، عند الحدود التي رسمها أصحاب المختصرات وحال بينهم وبين الإنتفاع من الأصول (المبسوطة المعاني، الواضحة الأدلة) (2) . وكان للسلطان سيدي محمد بن عبد الله جهود مشكورة في النهي عن اعتماد المختصرات في الأحكام وما إليها والحض على الرجوع إلى المصادر والأمهات، كما كانت له مثل تلك الجهود في الحث على ترك كتب التوحيد المؤسسة على القواعد الكلامية وفق المذهب الأشعري والإكتفاء بالإعتقاد المأخوذ من الكتاب والسنة بلا تأويل.   (1) انظر، (تعظيم المنة) ص 67. (2) انظر، الإستقصا، 8: 67. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 غير أن هذه الجهود وتلك اصطدمت بالجمود الفكري والتعصب المذهبي عند الفقهاء والعلماء، وما أحدثته من أثر في أوساط هؤلاء وأولئك سرعان ما زال بوفاة السلطان المذكور (1) . على أن هذين العاملين إذا كانا في حدي ذاتيهما من أشد العوائق التي عثرت مسيرة الدعوة في المغرب؛ بل وفي غيره من الأقطار الإسلامية؛ بل وفي عقر دارها فإنهما كانا، وفي نفس الوقت، مما عمق الوعي عند طائفة من أبناء الأمة المتنورين بإيجابيات مبادىء الدعوة المستمدة من الكتاب والسنة وغاياتها في تحرير العقل المسلم من قيود الشعوذة وتطهيره من أوضار الخرافة. وقد انعكس ذلك على مواقفهم من الدعوة وكتاباتهم عنها، وهو مدار حديثنا في الفقرة الثالثة من هذا البحث. ج - أصداء الوصول: وقد ترددت بواكيرها في المغرب، كما ألمحنا، في غضون النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري. وسنعني بتتبع هذه الأصداء ورصدها في آثار: 1 - ولاة الأمر والحكم: ويأتي في مقدمتهم السلطان سيدي محمد بن عبد الله الذي انتهت الأصداء الأولى للدعوة إلى المغرب في فترة حكمه. وقد كان له في إحياء السنة وإماتة البدعة جهود تمثلت في إعتنائه بكتب الحديث، إلى جانب الأصل الأول، وهي مرجعية الحركة السلفية، كما تمثلت في دعوته لنبذ العقيدة الأشعرية واستبدالها بالإعتقاد المأخوذ من ظاهر الكتاب والسنة بلا تأويل. وكان يقول في تعليل ذلك بأن (طريقة الحنابلة في الإعتقاد سهلة المرام، منزهة عن التخيلات والأوهام، موافقة لاعتقاد الأئمة كما سبق مع السلف الصالح من الأنام) (2) . ووضع في ذلك رسالة نبه فيها إلى ما شاع بين العوام (من عموم الجهل بالتوحيد وأصول الشريعة وفروعها حتى ارتكبوا أموراً تقارب الكفر أو هي الكفر بعينه) .   (1) نفسه، 8: 67. (2) نفسه، 8: 66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 وتحدث الشيخ عبد الحفيظ الفاسي عن شغف السلطان سيدي محمد بن عبد الله بمذهب السلف وحرصه على التمكين له، فقال بأنه نصر مذهب السلف في العقائد (وصرح في أول كتابه “ الفتوحات الكبرى ” بكونه مالكي المذهب حنبلي العقيدة، وافتتح كتابه بعقيدة الرسالة على مذهب السلف، وعقد في آخره باباً بين فيه وجه كونه حنبلي العقيدة ونصره. ولم يزل معلناً بذلك في مؤلفاته ورسائله ومجالسه العلمية) (1) . ونهج السلطان المولى سليمان نهج والده في الدعوة إلى مذهب السلف ومحاربة أهل الإبتداع والضلال. وإليه، كما أسلفنا، وجه الإمام سعود بن عبد العزيز بعد افتتاحه الحجاز وتطهيره مما كان فيه من البدع، رسالته التي شرح فيها مبادىء دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب وغاياتها. وقد تولى الرد على رسالة الإمام سعود بأمر من السلطان المولى سليمان وعلى لسانه أحد مرموقي علماء البلاط السليماني وأدبائه، وهو حمدون بن الحاج السلمي. وصاغ هذا الرد في قصيد في تسعة وتسعين ومائة بيت، تتخللها تعليقات وشروحات نثرية من بحر البسيط وقافية الميم افتتحه بالتعبير عن شوقه للمواطن المجازية حيث تربة رسول الله ش المزرية بالمسك: حق الهناء لكم جيران ذي سلم وبارق واللوى وألبان والعلم قدستم أنفسنا أهيل كاظمة وساكني المنحني وألواد من أضم هل المقدس غير واد فاطمة وهل طوى غير ذي طوى من الحرم أراك يا وادي الأراك مقتطعاً من جنة الخلد في وسم وفي نسم وكيف لا ورسول الله تربته هناك مزرية بالمسك والزهم وثنى على هذا بالصلاة على رسول الله ش، ثم تخلص لموضع رده، بعد الإشارة إلى جهود الأمير سعود بن عبد العزيز في نشر ألوية الأمن ببلاد الحجاز، وإماتة البدع وإحياء السنن: لا شيء يمنع من حج ومعتمر وزورة تكمل المأمول من حرم إذ عاد درب الحجاز اليوم سالكه   (1) انظر، تعاليق عبد الحفظ الفاسي في آخر كتابه (الآيات البينات) ص 301. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 أهنا وآمن من حمامة الحرم مذ لاح فيها (سعود) ماحيا بدعاً قد أحدثتها ملوك العرب والعجم (سعود) بعد سلام الله شاعك من غرب يسير لشرق ضائع النسم هذا كتاب إليك من محب أتى وصموا بها الدعوة. وختم مشيداً بسيرة الأمير سعود في القول والفعل رواية عن الواردين على مغناه من الحجاج المغاربة: وأنك الرجل المحمود سيرته في القول والفعل والمحسود في الشيم بل لم أزل سائلاً للواردين على مغناك حتى استبان كل منكتم من أنك الزاهر الزاهي بزهده في دنيا، وما هذه الدنيا سوى حلم وأنك الباهر الباهي بعفته مقفيا ما أتي النون والقلم وإن بدت منك شدة بأول ما بدوت ها أنت باد وافي الرحم فكنت كالقلق البادي بأول ما بدا به خيط أسود مرى طسم الحمد لله رب العالمين على ما عم من ضوئك الهادي لكل عمي وليس من المستغرب في شيء أن يأتي هذا الرد، على ما فيه من وجهات نظر مخالفة في بعض ما قررته الدعوة وفي بعض ما أشاعه عنها مناوئوها من نظر مخالفة في بعض ما قررته الدعوة وفي بعض ما أشاعه عنها مناوئوها من أكاذيب، طافحاً بمشاعر الإعجاب بها والتقدير للقائمين عليها فإن صاحبه هو ذلكم السلطان العالم ذو النزعة السلفية الإصلاحية التي انعكست آثارها على كثير من مواقفه وآثاره، فهي التي دفعت به إلى إنكار بدع المتفقرة المتصوفة من أصحاب الزوايا، ومنع إقامة مواسم (الأولياء) عند أضرحتهم، وكانت كعبة المبتدعة والفساق، والأمر بهدم القبة المبنية على قبر والده، وإزاحة النقير المثبت عليه. وقد صدرت عنه خطب ورسائل حث فيها على نبذ البدع والتمسك بالسنن، ومن أشهرها رسالته التي وجهها إلى الأمة عن طريق خطباء المساجد يخطبون بها في الجمع على سائر المنابر. ولا بأس أن نسوق لكم من هذه الخطبة الجليلة فقرة تدل على بقيتها فيما حوته من إرشاد للناس لإتباع السنن ومجانبة البدع: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 (أما بعد، أيها الناس شرح الله لقبول النصيحة صدوركم، وأصلح بعنايته أموركم، واستعمل فيما يرضيه أمركم ومأموركم. فإن الله قد استرعانا جماعتكم وأوجب لنا طاعتكم، وحذرنا إضاعتكم. {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} سيما فيما أمر الله به ورسوله، أو هو محرم بالكتاب والسنة النبوية، وإجماع الأمة المحمدية {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} . ولهذا نرثي لغفلتكم، أو عدم إحساسكم، ونغار من استيلاء الشيطان بالبدع على أنواعكم وأجناسكم، فألقوا لأمر الله آذانكم، وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم، وطهروا من دنس البدع إيمانكم واخلصوا لله إسراركم وإعلانكم، واعلموا أن الله بفضله أوضح لكم طرق السنة لتسلكوها، وصرح بذم اللهو والشهوات لتملكوها، وكلفكم لينظر عملكم، فاسمعوا قوله في ذلك وأطيعوه، واعرفوا فضله عليكم وعوه، واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون، والبدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون، وافترقوا أوزاعاً، وانتزعوا الأديان والأموال انتزاعاً، فيما هو حرام كتاباً وسنة وإجماعاً، وتسموا فقرا، وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا به سقراً {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً} ، وكل ذلك بدعة شنيعة، وفعلة فظيعة، وسبة وضيعة، وسنة مخالفة لأحكام الشريعة، وتلبيس وضلال، وتدليس شيطاني، وخبال زينه الشيطان لأوليائه فوقتوا له أوقاتاً وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراهم وأوقاتاً) (1) .   (1) انظر، (الترجمانة) ص 467. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وهذه النزعة السلفية الإصلاحية عند السلطان المولى سليمان هي التي ألبت عليه مشايخ الزوايا فأقدوا نار الفتن في كافة المغرب بتمردهم على سلطته وبما عضدوا من الخارجين عليه. ولولا ذلك لعمت دعوته السلفية الإصلاحية أرجاء المغرب كله. وهذه النزعة السلفية الإصلاحية عند السلطان المولى سليمان هي دفعت به إلى التجاوب، بجدية وإيجابية، وبصدق وإخلاص، مع دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب السلفية، ومن بعدها، مع دعوة الشيخ ابن الفودي على ما تقدمت به الإشارة. ولاشك أن ما كان يعرف المغرب، على عهده، من انتشار البدع، وفساد العقائد. وانطماس معالم السنن، كل أولئك كان، كذلك، مما زاد في احتفائه بالدعوة بعد أن استقصى أخبارها، وتحرى مضامينها فيما حمله إليه الحجاج عبر الرواية الشفوية وفيما وقع له من رسائل ووثائق حولها. ويظهر أن السلطان المولى سليمان لم يكتف بهذا الرد على رسالة الإمام سعود فعقب عليها برسالة ثانية تولى تحريرها أحد أبرز علماء المغرب يومئذ، وهو العلامة الطيب بن عبد المجيد بن كيران، ومن ديباجة هذه الرسالة قوله يخاطب الإمام سعود: (من ملكه الله أزمة العرب وقيادها، فأحسن سياستها، وأصلح سيرتها، ومهد بلادها، وتيسر وصول الحجاج والعمار والزوار إلى نيل الأوطار والآراب، فأضبح وقد أحرز بذلك الثناء والثواب، وحصل به في الدارين أفضل جزاء وحسن مآب..) . ثم عقب بالثناء على شخصية الأمير، والتنويه بجهوده في محاربة البدع ومناصرة السنن، فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 (وبعد فإنا نحمد إليكم الله الذي هداكم وهدى بكم، فلقد سرنا ما بلغنا عنكم من سيرتكم، وشيمكم، وأحوالكم من الزهد في الدنيا، وإحياء رسوم الدين، والحض على طريق السلف الصالح وسنن المهتدين، والحمل على إخلاص التوحيد لرب العالمين، وقطع البدع والضلالات، التي هي منشأ زيغ العقائد وكثرة الجهالات. وما برحنا نسمع عنكم ما قد أصبتم فيه كل الإصابة، ووافقتم فيه كتب العلماء ومذاهب السلف والصحابة، كما لا يخفى على (من مارس) موطأ الإمام مالك وما في الصحيحين، وطالع مسند الإمام الأوحد الزاهد أحمد بن حنبل أمير المؤمنين في الحديث بلامين) (1) . ومن منطلق أن (مذهبنا - بعبارته - معشر المالكية مبني على ما أنتم عليه من سد الذرائع وإبطال البدع والمحدثات) شرع يعرض وجهة النظر فيما أثارته دعوة الشيخ من قضايا مثل قضية التكفير بذنب، والإستغاثة، والشفاعة، والدعاء عند القبر الشريف، وتقبيل المعظم شرعاً وغير ذلك. وقد تحدثت المصادر التاريخية أن السلطان المولى سليمان كلف ولده الأمير إبراهيم بحمل رده على رسالة الإمام سعود إليه، فتوجه به صحبه وفد من كبار علماء المغرب في ركب الحاج عام 1226 هـ. وقد وردت الإشارة بذلك في الرد الأول: بعثت حجاج بيت الله قائدها شوق يقود بلا سوق ولا خطم وفيهم فلذة غراء من كبدي أقمت خلفا في نيل مغتنم كما وردت ضمن الرد الثاني في قوله مخاطباً الأمير سعود (اتضح لدينا قصدكم وخلوص طويتكم في الذب عند الدين، ولحقنا احتياطتكموحياطتكم للمسلمين ومنعكم الجار وإن جار ( ... ) وجهناهم - أي الحجاج - وأحللنا ولدنا وسطهم في هذه السنة ملتمسين أجر تلك الخطى وأن يحط بها عنا الوزر والخطا ... ) . 2 - رجالات العلم والفكر: ويمكن تصنيفهم من حيث موقفهم من الدعوة إلى فريقين:   (1) مخطوطة الخزانة العامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 أولهما الفريق الذي تجاوب مع الدعوة وساندها. ويمكن أن نعد في طليعتهم السلطان سيدي محمد والسلطان المولى سليمان بوصفيهما عالمين. ونذكر منهم أبا الفيض حمدون بن الحاج السلمي (ت 1232 هـ) كاتب الرد الأول، والطيب بن عبد المجيد بن كيران كاتب الرد الثاني، والعباس بن كيران، والأمين بن جعفر الحسني الرتبي، وعبد الخالق الودي، ومحمد بن إبراهيم الزداغي المراكشي، وهو الذي تولى مساءلة الأمير سعود ومحاورته في مضامين الدعوة، وشهد، وكذلك رفاقه، أنهم ما رأوا منه (ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة، وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الإستقامة، والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المناكر المحرمة، وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والآثام التي كانت تفعل بهما جهاراً بلا إنكار) (1) . ونذكر من العلماء المتجاوبين مع الدعوة أبا عبد الله محمد بن أحمد أكنسوس (ت 1294 هـ) . فقد دافع عن حمدون ابن الحاج، وهو كاتب رد الولى سليمان، وكان، بسبب هذا الرد، هدفاً للمناهضين للدعوة من العلماء، فبرأه مما رماه به أحدهم، وهو الزياني في (الترجمانة الكبرى وذكر أن السلطان المولى سليمان اختاره لكتابة الرد لسعة علمه وبراعة إنشائه وأنه ليس في علماء الوقت من يحسن الجواب عن ذلك الكتاب غيره ورأى أكنسوس في دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب صورة من السلفية السنية الحنبلية كما تمثلها ابن حزم وابن تيمية.   (1) انظر، الجيش العرمرم 1: 287. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 ومن أشهر العلماء الذين تمثلوا مبادئ الدعوة السنية، وتجاوبوا مع توجهاتها الإصلاحية في حركتهم السلفية التغييرية أبو سالم عبد الله بن إدريس السنوسي الذي حج وتحمل عمن لقي من المحدثين كمحمد نذير حسين الهندي وأمثاله، فلما رجع إلى المغرب تصدر لنشر مذهب السلف في العقائد داعياً إلى وجوب التمسك بالأصلين ونبذ ما سواهما. وقد وجد السنوسي في رعاية السلطان المولى الحسن الأول خير مشجع له على الدعوة الفكرية السلفية السنية. يقول الشيخ عبد الحفيظ الفاسي: (وفد على السلطان المقدس المولى الحسن رحمه الله تعالى فقربه وأدناه وأمره بحضور مجالسه الحديثية فأعلن بمحضره وجوب الرجوع للكتاب والسنة ونبذ ما سواهما من الآراء والأقيسة، ونصر مذهب السلف في العقائد. واشتد الجدال بينه وبين من كان يحضر من العلماء في ذلك المجلس كل فريق يؤيد مذهبه ومعتقده إلا أن السلطان لم يكن يعمل بأقوال العلماء فيه ككونه معتزلياً وخارجياً وبدعياً؛ بل كان في الحقيقة ناصراً له بما كان يخصه به من العطايا والصلات زيادة على سهمه معه في جوائزه المعتدة. وبسبب تعضيد السلطان له بعطاياه ثابر على مذهبه طول حياته فنشره في كافة أنحاء المغرب وتلقاه عنه كثير من مستلقي الأفكار منذ أوائل هذا القرن إلى أن توفى منتصفه رحمه الله تعالى) (1) . أما الفريق الثاني فقد عادى الدعوة وناهضها. ولم يكن الدافع واحداً عند الذين اتخذوا هذا الموقف المعادي والمناهض للدعوة. فبعضهم اتخذه متأثراً بما كان يشيعه أعداء الدعوة عنها من أباطيل وأكاذيب وجهلاً بمبادئها وأهدافها، وبعضهم اتخذه تعصباً لمذهبه في الإعتقاد، وبعضهم اتخذه دفاعاً عن نزعته الصوفية الإبتداعية وانتمائه الطرقي.   (1) انظر، (المعجم) لعبد الحفيظ الفاسي ص 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 ومن هؤلاء المناهضين للدعوة الزياني، وهو صاحب فكر خرافي قبوري، فقد اعتبرها (من طوائف أهل البدع) وذكر أن القائم عليها (يخيف أهل الحرمين ويمنع زيارة الأنبياء والتوسل بهم إلى رب السماوات، وينهى عن قراءة دلائل الخيرات والدعاء بمقامات الأولياء أهل الكرامات) (1) . وعده مبتدعاً ضالاً. واتهم كاتب الرد السلطاني على رسالة الأمير سعود أنه فعله من تلقاء نفسه. ورد على ذلك المؤرخ أكنسوس بقوله (والذي أوقع الزياني في أمثال هذه في كثير من المواضع في كتابه هذا – يعني (الترجمانة) - وفي غيره من التقاييد التي نجس بها هذه الدولة الطاهرة إنما أداه إلى ذلك الجهل المركب فإنه أحد الأصول التي هي أصول الكفر) (2) . وكان أيضاً من المناهضين للدعوة كذلك أحمد عبد السلام بناني، وقد ألف كتاباً في الرد على مبادئها، سماه (الفيوضات الوهبية) وقد دعا فيه السلطان إلى وجوب محاربة الدعوة وأصحابها، وتحامل على كاتب الرد السلطاني حمدون بن الحاج. وضمن كتابه ردوداً متهافتة لا تعتمد على حجة ولا كتاب منير. وإلى جانب العلماء المغاربة الذين ناهضوا الدعوة، للأسباب المشار إليها آنفاً، وجدنا أحد علماء الحجاز يحل بالمغرب في العقد التاسع من القرن الثاني عشر الهجري، ويقيم في فاس ومراكش نحو عشر سنوات يؤلف أثناءها رسالة في انتقاد الدعوة ومهاجمتها. وهذا العالم هو أبو الحسن علي بن طاهر الوتري المدني الحنفي، ورسالته هي التي سماها (ما أبرزته الأقدار في نصرة ذوي المناقب والأسرار) . ومن الواضح من عنوان الرسالة أن دواعي تأليفها نابعة من تعصبه للطرق والزوايا الصوفية المبتدعة. أما هدفه من تأليفها في المغرب خاصة فهو كما ذكر محقق الرسالة المؤرخ المقتدر الدكتور محمد العماري يتمثل في (خلق حاجز وقائي ضد أي تسرب للسلفية السنية للمغرب) .   (1) انظر، (الترجمانة) ص 83. (2) انظر، الجيش العرمرم، 1: 290 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 ونالت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من اهتمام المفكرين المغاربة، على اختلاف نزعاتهم، حظاً ملحوظاً فيما كتبوه عن التيارات السلفية في المغرب الحديث. ونمثل لذلك بما كتبه الدكتور محمد عزيز الحبابي عن فكرة الإصلاح الديني في تصور الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأوضح وسائلها في تحقيق الإصلاح بما استهدفه من تحرير الدين من الدجل والعقيدة من الشعوذة. ونقتطف من كلامه في ذلك الفقرة التالية: (كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هو أيضاً، مجتهداً، رمى إلى تحقيق ما سعى إليه من سبقه من “ السلف الصالح ” أي إلى تحرير الدين (ومعه المتدينون) من الشبهات والمستحدثات التي تنحرف عن جوهر العقيدة والتشريع (إنحراف قد يزرع الحيرة والفوضى بين الناس) ، وعن الفضائل والمعايير التي يقوم عليها المجتمع. فابن عبد الوهاب، من هذا الجانب، قد فضح التدجيل على الدين (الإسلام التاريخي) ، فكان عمله محرراً) (1) . (اعتمدت الوهابية الإصلاح الديني، واستعملت ما توفر لها من وسائل فرضتها ظروف المجتمع الذي عاش فيه محمد بن عبد الوهاب، فحاربت الإستغاثة بالموتى، والتبرك بالشجر، وتقديس الحجر (نوع من الطوطيمية البدائية) . وكما أن التقدمية تدعو الملتزمين إلى الإندماج في صفوف الطبقة المحرومة، كان ابن عبد الوهاب إلى جانب المستضعفين والفقراء، يحيا، ويعادي مستغليهم. تضايق هؤلاء من مواقفه وتآمروا على اغتياله. ولما سلم من مكرهم لم يخف بطشهم ومكائدهم، فواصل عمله والمستضعفين معه، يحاربون البدع والخرافات بنفس الإيمان الذي يحاربون به الظلم والفقر. وعندما انتشرت السلفية الوهابية ووعاها الناس اضطرت أن تبحث عن أداة تنفذ بها برنامجها الإصلاحي والسياسي، فتحالفت مع الأمير ابن سعود، بعد أن إقتنع هذا الأخير بصلاحية الإتجاه الوهابي ومبادئه:   (1) انظر، (الحركة السلفية في المغرب العربي) ، ص 62. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 - “ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ” (تجنيد جميع الأفراد لتطهير المجتمع) . - “ استقامة الشرائع ” (حتى لا تكون فتنة ولا فوضى ويجب احترام الدستور) . - “ الجهاد في سبيل الله ” (حروب دفاعية عن النفس، وعن الوطن) (1) . ويعنى دارس آخر هو الدكتور محمد الكتاني ببلورة موقع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تاريخ الدعوة السلفية فيقرر بأنه يعتبر أول من وضع كتاباً مذهبياً لمجال هذه الدعوة. وفي ذلك يقول: (والملاحظ - على العموم - أنه في تحديد مجال الدعوة لا نقف على شيء مضبوط فيما يخص هذا التحديد ولاسيما في العهود التي سبقت ظهور حركة محمد بن عبد الوهاب - أو على الأقل هذا ما انتهيت إليه أنا في بحثي وفيما بين يدي من مراجع - أما ابن عبد الوهاب فيمكن أن يعتبر أول من وضع ما يمكن أن يسمى دستوراً لهذه الحركة وبالتعبير العصري أول من وضع كتاباً مذهبياً لمجال هذه الحركة فيما رآه هو مجالاً لها، وكتابه في مضمونه العام يحدد موقفه من العقيدة، حيث إنها - وكما أشرنا قبل - أهم نقطة احتد فيها الصراع بين السلفية وما سواها من المذاهب - فنص على اتباع مذهب السنة والجماعة، واتباع طريقتهم في إثبات صفات الله على ظاهرها بدون تأويل واعتقاد حقائقها، وتفويض أمرها إلى الله على طريقة قول مالك في رده على من سأله: كيف استوى على العرش؟ حيث رد: الإستواء معلوم والكيف مجهول، والسؤال عن ذلك بدعة) (2) . أما الدكتور محمد العابد الجابري فيعتبر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بداية “ التنوير ” بالعالم العربي في العصر الحديث وليس الثورة الفرنسية. يقول:   (1) نفسه، ص 64. (2) نفسه، ص 263. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 ( ... الحقيقة التي يمدنا بها التاريخ، تاريخ العالم العربي في القرن الماضي والعقود الأولى من هذا القرن هي أن الحركة التي كان لها صدى واسع في جميع أقطار العالم العربي، وكان لها حضور فعلي في كثير منها هي الحركة الوهابية التي قامت قبل الثورة الفرنسية بإثنين وأربعين سنة ( ... ) ولا نبالغ إذا قلنا - وهذا على سبيل التوضيح فقط - إن تأثير الحركة الوهابية في العالم العربي زمن الثورة الفرنسية كان يضاهي تأثير هذه الثورة الفرنسية في الأقطار الأوروبية، بل ربما كان أقوى، فقد ظهرت حركات مماثلة تشكل نوعاً من الامتداد لها في أقطار عربية كثيرة: في اليمن قام الإمام الشوكاني (1758 - 1843) على رأس دعوة مشابهة لدعوة ابن عبد الوهاب. وفي المغرب الأقصى تبنت الدولة الدعوة الوهابية إيديولوجية لها منذ أيام الثورة الفرنسية إلى أواخر القرن الماضي حينما أخذت الوهابية فيه تتطور إلى سلفية جديدة. وبين المغرب واليمن كان حضور الوهابية متعدد الأشكال: السنوسية في ليبيا وقد انتشرت رواياها في كل من السودان ومصر وبلاد العرب فضلاً عن برقة وطرابلس. ولم تخل مصر نفسها من تأثير الوهابية إذ كان لها حضور ما في فكر محمد عبده فضلاً عن خصومه المتزمتين ... ) (32 م) . 3 - المؤرخون: وكان للدعوة في آثار هؤلاء كذلك أصداء دلت على اهتمامهم بتبع أخبارها والتعرف على مبادئها كما دلت، في الوقت نفسه، على موقفهم منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 ونمثل للمؤرخين بأبي عبد الله محمد أكسنوس، فقد احتفظ لنا في كتابه (الجيش العرمرم الخماسي في دولة أولاد مولانا على السجلماسي) بمعلومات موثقة عن تصورات الدعوة وعن شخصية حاميها الأمير سعود بن عبد العزيز. أما عن شخصية هذا الأمير فقد نقل إلينا أكسنوس ما تحدث به إليه العلماء الذين رافقوا الأمير إبراهيم إلى الحج. ومجمل ذلك إلتزامه بظاهر الشريعة ومحافظته على شعائر الدين. واستقامته وتواضعه. وهذا نص المؤرخ أكسنوس: (حدث كل واحد منهم أنهم ما رأوا من ذلك السلطان سعود ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة، وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الإستقامة، والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المناكر المحرمة وتنقية الحرمين الشريفين من القذارات والآثام التي كانت تفعل بها جهاراً بلا إنكار. وذكروا أن حاله كحال أحد من الناس لا تميزه من غيره بزي ولا لباس ولا مركوب، وإنه لما اجتمع بالشريف الخليفة مولانا إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب لأهل البيت الشريف، وجلس معه كجلوس هؤلاء المذكورين وغيرهم من خاصة مولانا إبراهيم) (1) . كما روى لنا أكسنوس في تاريخه نص المحاورة التي دارت بين العلماء المغاربة والأمير سعود. وكانت محاورها تتركز على قضايا (الاستواء الذاتي) و (حياة النبي ش في قبره) و (زيارته ش) . وهذه القضايا هي التي كان خصوم الدعوة يثيرون حولها الشبهات والترهات، ويعزونها للدعوة والقائمين عليها. وهذا نص (المحاورة) كما اتفق به خبر العلماء الذين سمعوها وشاركوا فيها:   (1) انظر، الجيش العرمرم، 1: 293. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 (وكان الذي تولى الكلام معه هو القاضي ابن إبراهيم الزداغي، وكان من جملة ما قال لهم ((إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية، فأي شيء رأيتمونا خالفنا فيه السنة؟ وأي شيء سمعتموه عنا قبل رؤيتكم لنا؟)) فقال له القاضي المذكور: ((بلغنا أنكم تقولون بالإستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوى)) ، فقال لهم: ((معاذ الله، إنما نقول كما قال مالك الإستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة انتهى، فهل في هذا مخالفة؟)) فقالوا له: ((لا، وبمثل هذا نقول نحن أيضاً)) ، ثم قال له القاضي: ((وبلغنا عنكم أنكم تقولون بعدم حياة النبي وإخوانه من الأنبياء عليهم السلام في قبورهم)) ، فلما سمع ذكر النبي ش إرتعد ورفع صوته بالصلاة والتسليم عليه، وقال: ((معاذ الله تعالى (بل) نقول إنه ش حي في قبره، وكذلك غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء)) ، ثم قال له القاضي: ((وبلغنا أنكم تمنعون من زيارته ش وزيارة الأموات قاطبة مع ثبوتها في الصحاح التي لا يمكن إنكارها)) ، فقال له: ((معاذ الله أن ننكر ما ثبت في شرعنا، وهل منعناكم أنتم منها لما عرفنا أنكم تعرفون كيفيتها وآدابها، وإنما نمنع منها العامة الذين يشركون العبودية بالألوهية ويطلبون من الأموات أن تقضي لهم أغراضهم التي لا يقضيها إلا الربوبية، وإنما سبيل الزيارة الإعتبار بحال الموتى وتذكار مصير الزائر إلى مثل ما صار إليه المزور، ثم يدعو له بالمغفرة ويستشفع به إلى الله تعالى، ويسأل الله تعالى المنفرد بالإعطاء والمنع بجاه ذلك الميت إن كان ممن يليق أن يستشفع به، هذا قول إمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ولما كان العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سداً للذريعة، فأي مخالفة للسنة في هذا القدر؟)) (1) .   (1) نفسه، 1: 293. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 ونختم حديثنا عن أصداء الدعوة في أعمال المؤرخين المغاربة بمثال نستقيه من كتاب الفقيه العلامة محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الذي سماه (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي) فقد عقد فيه باباً ترجم فيه بالعلماء الحنابلة وجعل مسك ختامهم ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وقد بلور فيها جوانب شخصيته العلمية، والعقدية، والفقهية، والنفسية كما بلور فيها مبادىء مذهبه وأهدافه. وهذه مقتطفات من الترجمة المذكورة: ( ... انتقل للبصرة لإتمام دروسه فبرع في علوم الدين واللسان، وفاق الأقران ... ) . (عقيدته السنة الخالصة على مذهب السلف المتمسكين بمحض القرآن والسنة، لا يخوض التأويل والفلسفة ولا يدخلهما في عقيدته) . (وفي الفروع مذهبه حنبلي غير جامد على تقليد الإمام أحمد ولا من دونه، بل إذا وجد دليلاً أخذ به، فهو مستقل الفكر في العقيدة والفروع معاً) . (وكان قوي الحال، ذا نفوذ شخصي وتأثير نفسي على أتباعه، يتفانون في إمتثال أوامره، غير هياب ولا وجل) . وعند مبادىء دعوة الشيخ قال الثعالبي: (ومن جملة مبادئهم التمسك بالسنة، وإلزام الناس بصلاة الجماعة، وترك الخمر وإقامة الحد على متعاطيها ومنعها في مملكتهم؟ بل منع شرب الدخان ونحوه مما هو من المشبهات. ومذهب أحمد مبني على سد الذرائع كما لا يخفى..) . وعن المظاهر الشركية التي حاربتها الدعوة ذكر: (نبذ التعلق بالقبور، وعدم نسبة التأثير في الكون للمقبور؛ بل منع التوسل بالمخلوق، وهدم الأضرحة التي تشييدها سبب هذه الفكرة ... ) . وأنهى الثعالبي ترجمته للشيخ بالإشارة إلى شهرته التي طبقت العالم الإسلامي بوصفه (من الزعماء المؤسسين للمذاهب الكبرى والمغيرين بفكرهم أفكار الأمم) (1)   (1) انظر، الفكر السامي، 4: 197. المصادر والمراجع 1 - إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور، محمد بلو بن عثمان فودي، تحقيق بهيجة الشاذلي، معهد الدراسات الإفريقية - الرباط (1996 م) . 2 - الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الشيخ أبو العباس أحمد بن خالد الناصري، تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب - الدار البيضاء (1956 م) . 3 - الآيات البينات في شرح وتخريج الأحاديث المسلسلات، عبد الحفيظ الفاسي، المطبعة الوطنية - الرباط. 4 - الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور براً وبحرا، أبو القاسم الزياني، تحقيق عبد الكريم الفيلالي، وزارة الأنباء - الرباط (1567 م) . 5 - تعظيم المنة، أبو العباس أحمد بن خالد الناصري. 6 - الجيش العرمرم الخماسي في دولة أولاد مولانا علي السجلماسي محمد أكنسوس، طبعة حجرية - فاس (1336 هـ) . 7 - حاضر العالم الإسلامي. 8 - رسالة حمدون بن الحاج السلمي، نشرها بعنوان (الرد المغربي على الرسالة المنسوبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب) ، الأستاذ أحمد العراقي، مجلة المناهل. 9 - رسالة الطيب بن عبد المجيد بن كيران (مصورة خاصة) . 10 - رسالة الوتري في محاكمة السلفية الوهابية بالمغرب، د/ محمد العمري، مجلة كلية الآداب - فاس. عدد خاص (دراسات في تاريخ المغرب) (1406 هـ - 1985 م) . 11 - السلفية وإشكالية المفهوم، د/ محمد الكتاني، ضمن كتاب (الحركة السلفية في المغرب العربي) ، منشورات جمعية المحيط الثقافية والجمعية المغربية للتضامن الإسلامي، ط1 - الرباط (1989 م) . 12 - السلفية رجعية أم تقدمية؟ د/ محمد عزيز الحبابي، ضمن كتاب (الحركة السلفية في المغرب العربي) . 13 - عنوان المجد في تاريخ نجد، الشيخ عثمان بن عبد الله بن بشر النجدي الحنبلي، تحقيق عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، مطبوعات دارة الملك عبد العزيز رقم 27 (1402 هـ) . 14 - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، ط. إدارة المعارف - الرباط - فاس (1340 - 1345 هـ) . 15 - الفيوضات الوهبية، أحمد عبد السلام بناني (مخطوط) . 16 - ما أبرزته الأقدار في نصرة ذوي المناقب والأسرار، أبو الحسن علي بن طاهر الوتري، تحقيق محمد العماري، مجلة كلية الآداب - فاس - عدد خاص بتاريخ المغرب (1406 هـ) . 17 - المسلمون وأسئلة الهوية، حسن الوراكلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 والواضح من هذه المقتطفات أن الثعالبي كان على معرفة معمقة بشخصية الشيخ محمد ابن عبد الوهاب وسيرته، كما كان على معرفة معمقة أيضاً بدعوته وتاريخها ومبادئها، وهذا ما جعله يهتم بالكتابة عن الدعوة وصاحبها في عملين آخرين له، هما (برهان الحق) و (بيان مذهب الوهابية) . وبعد: فإن صاحبنا الثعالبي أشار في آخر الباب الذي أفرده بتراجم السادة الحنابلة إلى قلة ما جمع من تراجمهم، فاعتذر لهم عن ذلك. وإني أستعير منه، ببعض التصرف، عبارته عن ذلك وبها أختم شاكراً لكم حسن إصغائكم: (ذلك جهد المقل القاصر ... ولعلماء نجد الأماثل اعتذاري) والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً. الهوامش والتعليقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 السلطة السياسية في النظام الإسلامي مفهومها، وأهميتها، وحكم إيجادها، وخصائصها د. أحمد العوضي أستاذ مساعد في قسم الشريعة - كلية الآداب - جامعة مؤتة - الأردن ملخص البحث تبحث هذه الدراسة في السلطة السياسية في النظام الإسلامي، فتوضح مفهوم السلطة في اللغة العربية، والقرآن الكريم والسنة النبوية، ومفهوم السلطة السياسية في الاصطلاح الوضعي. كذلك، توضح أهمية وجود السلطة السياسية في المجتمع، وحكم إيجادها في المجتمع الإسلامي، وأبرز خصائصها في النظام الإسلامي. وقد تضمنت هذه الدراسة بيان أهم الاستنتاجات التي توصل إليها الباحث. • • • المقدمة: لقد كثرت الدراسات في الفقه الدستوري الوضعي حول السلطة السياسية فبيَّنت مفهومها وأهميتها وخصائصها، وذلك من جملة مباحث كثيرة تتشكل من مجموعها نظرية الدولة في الفقه الدستوري الوضعي. ولعل السلطة السياسية في الإسلام لم تحظ بدراسات معاصرة متخصصة على غرار تلك الدراسات التي حظيت بها السلطة السياسية في الفقه الوضعي. وذلك على الرغم من الثروة الفقهية الرائعة التي تركها فقهاؤنا - رحمهم الله -، في هذا الجانب، من خلال بحوثهم المطولة في الإمامة، التي شكلت أهم البحوث الرئيسية في كتب العقائد وعلم الكلام. لذلك رأيت أن أخصص دراسة حول السلطة السياسية في الإسلام، من حيث مفهومها وأهميتها وحكم إيجادها وخصائصها، وأرجو أن تكون هذه الدراسة نافعة في مجالها، غير خالية من جديد. وقد جعلتها في خمسة مطالب وخاتمة، على النحو الآتي: المطلب الأول: مفهوم السلطة في اللغة العربية والقرآن والسنة. المطلب الثاني: السلطة السياسية في الاصطلاح. المطلب الثالث: أهمية السلطة السياسية العليا في المجتمع الإسلامي. المطلب الرابع: حكم إيجاد السلطة السياسية في الإسلام. المطلب الخامس: خصائص السلطة السياسية في الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الخاتمة: وتشتمل على أبرز الاستنتاجات في هذه الدراسة. المطلب الأول: مفهوم السلطة في اللغة والقرآن والسنة. أولاً: السلطة في اللغة: السلطة اسم من السلطان. والسلطان: الوالي، وجمعه سلاطين. والسلطان: صاحب الحجة، أو صاحب الشدة والحدة والسطوة، أو صاحب القدرة. والسلطان: من السليط، والسليط: ما يضاء به (1) . وبالرجوع إلى لسان العرب (2) وتاج العروس (3) وهما من أوسع معاجم اللغة، وجدت أربعة معان اشتقت منها كلمة “ سلطان ”، وهذه المعاني هي: 1 - الحجة والبرهان، ولا يجمع بهذا المعنى؛ لأنه يعامل معاملة المصدر. وسمي الخليفة سلطاناً لأنه ذو حجة بها تقتنع الرعية، ولها تخضع. 2 - الشدة والحدة والسطوة، فسلطان كل شيءٍ حدته وشدته وسطوته. وسمي الوالي سلطاناً، لما يتمتع به من شدة وحدة وسطوة. 3 - القدرة، فمن جعلت له قدرة، فهو في اللغة ذو سلطان. كقولك: قد جعلت له سلطاناً على أخذ حقي من فلان: أي قدرة. 4 - السليط، وهو ما يضاء به، والسلطان، كالمصباح يضيء الأرض، ويستنير به الناس. ويمكن القول أن حقيقة السلطة في اللغة القدرة والسطوة. ثانياً: السلطة في القرآن الكريم:   (1) ابن منظور، جمال الدين، لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1413 هـ - 1993 م، ج6، ص 326. والزبيدي، محمد مرتضي، تاج العروس من جواهر القاموس، دار الفكر بيروت، دراسة وتحقيق علي يسري، ج10، ص 292 - 293. (2) ابن منظور، لسان العرب، ج6، ص 326، مصدر سابق. (3) الزبيدي، تاج العروس، ج10، ص 292 - 293، مصدر سابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 لم ترد كلمة “ سلطة ” في القرآن الكريم، ولكن ورد بعض مشتقات الفعل “ سَلَطَ ” من ذلك: الفعل الماضي “ سلِّط ”، والفعل المضارع “ يسلِّط ”، والاسم“ سلطان ”، فوردت كلمة “ سلّط ” في الآية القرآنية الكريمة: {ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم} (1) ، ولم ترد في غير هذا الموطن. ووردت كلمة “ يسلط ” في الآية القرآنية الكريمة: {ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير} (2) . ولم ترد في غير هذا الموطن، ووردت كلمة “ سلطان ” في سبعة وثلاثين موطناً. وبالرجوع إلى كتب التفسير وجدت للسلطان في القرآن الكريم معنيين: الأول: الحجة القوية القاطعة، وهي ما أطلق عليها القرآن “ برهاناً ” في عدة مواطن، منها: قال تعالى: {تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (3) وقال تعالى: {أم اتخذوا من دون الله آلهة قل هاتوا برهانكم} (4) . وقد جاء هذا المعنى موافقاً للمعنى اللغوي، من حيث كون القوة في الإثبات هي حقيقة الحجة. ومن الآيات القرآنية التي ورد فيها لفظ السلطان بمعنى البرهان ما يأتي: 1 - قال تعالى: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} (5) . وقال تعالى: {ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين} (6) . وقال تعالى على لسان سليمان في توعده للهدهد {لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين} (7) . الثاني: القدرة القاهرة، والقوة الغالبة، أي السيطرة. وجاء هذا المعنى الثاني موافقاً للمعنى اللغوي من حيث كون القوة المادية هي أبرز مظاهر السلطة.   (1) سورة النساء، الآية (90) . (2) سورة الحشر، الآية (6) . (3) سورة البقرة، الآية (111) . (4) سورة الأنبياء، الآية (64) . (5) سورة النجم، الآية (23) . (6) سورة المؤمنون، الآية (45) . (7) سورة النمل، الآية (21) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وقد درج المفسرون على تفسير كلمة “ سلطان ” بالحجة، ولكن في بعض الآيات فسرها بعض المفسرين بالقدرة والقوة، دون أن ينكروا تفسيرها بالحجة، فجعلوها تحتمل المعنيين، فمن المواطن التي فسروا “ السلطان ” فيها “ بالقوة ” ما يأتي: 1 - قال تعالى: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً} (1) . قال الطبري: (( ... فقال بعضهم: معنى ذلك: واجعل لي مُلْكاً ناصراً ينصرني على من ناوأني وعزاً أقيم به دينك وأدفع به عنه من أراده بسوء .... وقال آخرون بل عنى بذلك حجة بيِّنة)) (2) وعدَّ القول الأول أولى الأقوال. وقال ابن الجوزي: ((وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه التسليط على الكافرين بالسيف. والثاني: أنه الحجة البينة ... والثالث: المُلْك العزيز، الذي يقهر به العصاة)) (3) وقال الزمخشري: ((غلبة وتسلطاً، أو حجة واضحة)) (4) . 2 - وقال تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} (5) . أي بقوة تسيطرون بها على قوانين السماء والأرض وسمعتهما لتنفذوا منهما. قال الزمخشري: ((يعني بقوة وقهر وغلبة، وأنى لكم ذلك)) (6) .   (1) سورة الإسراء، الآية (80) . (2) الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار الفكر، بيروت، 1415هـ - 1995 م، المجلد 9، جزء 15، ص 188. (3) الجوزي، عبد الرحمن بن علي، زاد المسير في علم التفسير، دار الفكر، بيروت، ط1، 1407 هـ، 1987 م، ج5، ص 56. (4) الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ومعه حاشية الجرجاني، وكتاب الإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال، لابن المنير، الإسكندراني، دار الفكر، ط1، 1397 هـ - 1977 م، ج1، ص 552. (5) سورة الرحمن، الآية (33) . (6) الزمخشري، ج4، ص 47، مصدر سابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وقال الرازي: ((لا تنفذون إلا بقوة، وليس لكم قوة)) (1) . وقال ابن عاشور: ((السلطان القدرة)) (2) . 3 - وقال تعالى على لسان من يؤتى يوم القيامة كتابه بشماله: {هلك عني سلطانية} (3) . قال الشوكاني: (( ... يعني سلطاني الذي في الدنيا، أي الملك)) (4) . وقال ابن عاشور: ((ومعنى هلاك السلطان هنا عدم الانتفاع به يومئذ، فهو هلاك مجازي)) (5) . وقال الطبري: ((ذهبت عني حجتي وضلت، فلا حجة لي أحتج بها ... وقال آخرون: عنى بالسلطان في هذا الموضع الملك)) (6) ، يقصد القوة. فتدل أقوال المفسرين السابقة على أن لفظ “ السلطان ” ورد في القرآن بمعنى القوة، وعلى القول الآخر من أقوال المفسرين بأن السلطان في القرآن الحجة والبرهان، نقول أن الحجة والبرهان سُمِّيا كذلك لقوة دلالتهما في الإثبات، فمرجع معنى كلمة السلطان في القرآن إلى القوة والشدة. وقد سبق أن السلطة لغة مشتقة من السلطان، فتكون السلطة واردة في القرآن بمعناها وهو القدرة والسيطرة. ثالثاً: السلطة في السنة النبوية: ورد لفظ “ السلطان ” في السنة النبوية بمعنى الإمام. والبيت والحجة، فمن ذلك:   (1) الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير ومفاتيح الغيب، دار الفكر، بيروت، 1414هـ - 1995م، ج29، ص 114. (2) ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، دون ناشر ج27، ص 259. (3) سورة الحاقة، الآية (29) . (4) الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في التفسير، عالم الكتب، دون ناشر، ج5، ص 285. (5) ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج29، ص 136، مصدر سابق. (6) الطبري، محمد بن جرير جامع البيان، عن تأويل آي القرآن، دار الفكر، بيروت، 1415هـ - 1995 م، مجلد 4، جزء 29، ص 77، 78، مصدر سابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 1 - قول النبي ش: ((من خرج عن السلطان شبراً مات ميتة الجاهلية)) (1) والسلطان هنا ظاهر في أن معناه الإمام: وقد أطلق الحنفية لقب “ السلطان ” على “ الوالي الذي لا والي فوقه ” (2) ، والبعض أطلقه على من تحت سلطته ملوك (3) فيكون السلطان في السنة النبوية وارداً بمعنى صاحب السلطة العليا في الدولة. ونحن هنا نميز بين مصطلح السلطة العليا في الدولة ومصطلح السيادة، فإن السيادة هي الاختصاص بالأمر والنهي اللذين لا يعارضان، وهي في الإسلام لله وحده، بينما السلطة في الإسلام للأمة. 2 - عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ش: ((ولا يومنَّ الرجل الرجل في سلطانه)) (4) . قال البغوي: ((“ سلطانه ” هنا معناها “ بيته ”)) (5) .   (1) البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، عالم الكتب، بيروت، د ت، ج9، كتاب الأحكام، ص 59. (2) البابرتي، أكمل الدين محمد بن محمود شرح العناية على الهداية، مع شرح فتح القدير لابن الهمام، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د ت، ج2، ص 26. (3) السيوطي، جلال الدين، حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، دار إحياء التراث العربي، ط 1976 م، ج2، ص 125، والكتاني، عبد الحي، التراتيب الإدارية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د ت، ج 1، ص 14. (4) صحيح / مسلم، صحيح، كتاب المساجد، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت، ج2، ص 270. (5) البغوي، الحسين بن مسعود، شرح السنة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1412 هـ - 1992 م، ج2، ص 398. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ش: ((صاحب الدين له سلطان على صاحبه حتى يقضيه)) (1) . والسلطان هنا معناها “ الحجة ”. المطلب الثاني: السلطة السياسية في الاصطلاح: تمهيد: مصطلح “ السلطة السياسية ” بهذا التركيب لم يُعرف في الفقه الإسلامي، ولكن عرف مضمونه، والفقه الإسلامي أسبق إلى التشريع في مجال السلطة السياسية من الفقه الدستوري الوضعي، ولبيان ذلك إن السلطة العامة العليا في حقيقتها هي السيطرة، أي القدرة على الإلزام التي يتمتع بها صاحب الولاية العامة العليا وهو الإمام، وهذه القدرة شرعت في الإسلام للإمام في مجال التشريع والتنفيذ على حد سواء، ففي مجال التشريع والقضاء، شرع للإمام المجتهد أن يتخير من الآراء الخلافية في شؤون التشريع، وما تبناه يلزم القضاة أن يتركوا اجتهادهم - إن كانوا مجتهدين - فيه إلى اجتهاده، وقد قرر الفقهاء قاعدة تدخل في مجالها هذه الحالة، نصها: ((حكم الحاكم يقطع النزاع)) (2) . لكن إذا لم يكن الإمام مجتهداً فيجب عليه أن يعين من أهل الاجتهاد من يكتفي بهم الاستنباط الأحكام الشرعية ويقرر تنفيذ ما أوصله إليه اجتهادهم. ويمكن أن يجعل الأمر لاجتهاد القضاة، إن كانوا بلغوا رتبة الاجتهاد، أو أن يقيدهم بمذهب فقهي يعتمدونه في فصل الخصومات، ورأيه في ذلك كله ملزم.   (1) ضعيف / ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني، تحقيق صدقي العطار، دار الفكر، بيروت، 1415هـ - 1995 م، ج2، ص 13، حديث رقم 2425 - والحديث ضعيف، في إسناده حسين بن قيس المعروف بحنش. (2) القرافي، أحمد بن إدريس، الفروق، دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1354هـ - ج2، ص 103، الفرق 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وفي مجال التنفيذ، الإمام يترأس جميع موظفي السلطة التنفيذية، سواء في ذلك وزير التفويض ووزراء التنفيذ والأمراء على الولايات وقادة الجيوش ورؤساء مديرو - الإدارات المختلفة في الدولة، وقادة الأجهزة الأمنية على اختلافهم (1) . وقد عرف الإسلام السلطة السياسية العليا منذ أقام الرسول ش الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، في اليوم الأول من وصوله مهاجراً إليها. تعريف السلطة السياسية العليا: عرفت السلطة في الفقه الدستوري الوضعي تعريفين: تعريفاً معنوياً، وتعريفاً مادياً. 1 - التعريف المعنوي: هي ((القوة والقدرة على السيطرة التي يمارسها الحاكم أو مجموع الحكام على المحكومين)) (2) وتتمثل ((في إصدار القواعد القانونية الملزمة للأفراد وفي إمكانية فرض هذه القواعد على الأفراد باستخدام القوة المادية)) (3) . 2 - التعريف المادي: وعرفت السلطة السياسية العليا في الفقه الدستوري الوضعي تعريفاً مادياً، هو: ((أجهزة الدولة التي تقوم بممارسة السلطة بمعناها المعنوي. أي ما يطلق عليه عادة لفظ “ الحكومة ” وأجهزتها التنفيذية)) (4) . مناقشة: تعريف السلطة بالقوة تعريف مسلم في الجملة، ذلك أن السيطرة ثمرة القوة، فبالقوة يكتسب صاحب الولاية صفة “ السيطرة ” التي هي: الإلزام النافذ، بالقوة، دون نظر إلى رضا الملزَم، ومظهر السيطرة هو نفاذ مقتضيات الولاية. فلا غنى لصاحب الولاية عن القوة، لتكون له السيطرة، التي تنفذ بها مقتضيات ولايته، فالقوة هي جوهر السلطة السياسية في الدولة.   (1) خلاف، عبد الوهاب، السياسة الشرعية، أو نظم الدولة الإسلامية، المطبعة السلفية، القاهرة، 1350 هـ، ص 50. (2) عبد الهادي، ماهر، السلطة السياسية في نظرية الدولة، دار النهضة العربية، القاهرة، ط2، 1984 م، ص 39. (3) المرجع السابق، ص 39. (4) المرجع السابق، ص 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 ولو عرَّف السلطة بالسيطرة لكان التعريف أدق. ويؤخذ عليه من وجهة النظر الإسلامية أنه قال: ((التي يمارسها الحاكم أو مجموع الحكام)) . وهذا يصح في النظام غير الإسلامي عندما تكون السلطة التنفيذية في الدولة متمثلة في مجلس حاكم أو جمعية حاكمة، أو مجلس وزراء، فإن من النظم الديمقراطية البرلمانية ما تكون السلطة السياسية فيها لمجلس الوزراء، فلا يكون لرئيس الدولة دور فاعل في ميدان السلطة التنفيذية، ذلك أنه يمارس سلطانه بواسطة وزرائه (1) ، فلا يحتل مركز الصدارة من الناحية الواقعية في مجال ممارسة شؤون الحكم والسياسة (2) . ولا يصح التعريف من وجهة النظر الإسلامية، ذلك أنه في النظام الإسلامي يتولى الإمام رسم السياسة العامة في الدولة، والإشراف على تنفيذها بنفسه، فهو رجل الحكم والسياسة الأول في الدولة ومن سواه، إما أن يكونوا منفذين تحت يده، أو مفوضين من قِبَله، ومكلفين بالتقيد بسياسته. لكن إذا فرغ منصب الإمام بسبب وفاة أو عجز أو غير ذلك، فهل يتولى السلطة مؤقتاً نائب الإمام أو مجلس جماعي؟ لعل في الأمر سعة والله أعلم. ومن جهة أخرى تفترق السلطة السياسية العليا في الدولة الإسلامية، من حيث الصلاحيات التشريعية عنها في الفقه الدستوري الوضعي، فواضع التشريع في الفقه الوضعي هو السلطة التشريعية، المتمثلة في مجلس النواب، بينما في النظام الإسلامي المشرع الله، لذلك ينحصر دور السلطة التشريعية في تفهم نصوص المشرع – الله وحده - واستنباط التشريعات في صورتها القانونية من تلك النصوص، ليتم إلزام المحكومين بالتقيد بها. ولذلك يمكن أن تعرف السلطة السياسية بتعريف غير هذا التعريف.   (1) متولي، عبد الحميد، القانون الدستوري والأنظمة، منشأة المعارف، الإسكندرية، ط6، 1976 م، ص 295. (2) خليل، محسن، النظم السياسية والقانون الدستوري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1971 م، ص 282. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 تعريف السلطة السياسية في الفقه الإسلامي: أولاً: التعريف المعنوي: السلطة السياسية العليا، هي: السيطرة العليا العامة في الدولة. وهذه السيطرة يمارسها وفق النظرية الإسلامية في الدولة الخليفة أو من يفوضه الخليفة. ثانياً: التعريف المادي: المؤسسة المختصة بممارسة السيطرة العليا العامة في الدولة: وفي النظام الإسلامي يوجد مؤسسة واحدة تمارس السلطة العليا في الدولة، هي مؤسسة “ الخلافة ” وصاحبها الخليفة، ويتفرع عنها مؤسسة أخرى هي وزارة التفويض، وصاحبها وزير التفويض. ووزير التفويض كما عرفه الفراء (1) ، والماوردي (2) : ((من يفوض إليه الإمام تدبير الأمور برأيه وإمضائها على اجتهاده)) . وعرفه ابن جماعة (3) بأنه: من ((يفوض إليه الإمام أو السلطان جميع الأمور المتعلقة به، يدبرها برأيه ويمضيها على اجتهاده)) وهو ملزم بمطالعة الإمام في الخطير من الأمور دون اليسير، فإن شاء الإمام أمضاه، وإن شاء رده (4) . المطلب الثالث: أهمية السلطة السياسية في المجتمع الإسلامي: الإسلام دين هداية: هداية في التصور والاعتقاد، وهداية في تقويم السلوك الإنساني وتنظيم العلاقات الإنسانية، فهو عقيدة ونظام. والتشريع جزءٌ تكويني في حقيقته، ولذلك لا محل في الفكر الإسلامي لمبدأ “ فصل الدين عن الحياة ”، أو ما يسمى “ فصل الدين عن الدولة ”.   (1) الفراء، أبو يعلى، الأحكام السلطانية، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الفكر، ط3، 1394هـ، ص 29. (2) الماوردي، علي بن محمد، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت، ص 25. (3) ابن جماعة، بدر الدين، تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، تحقيق فؤاد عبد المنعم، رئاسة المحاكم الشرعية، قطر، ط2، 1407 هـ، ص 77. (4) المرجع السابق، ص 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 كذلك، الإسلام لا يعرف في جانب العقيدة التجريدات الذهنية، ولا التأملات الفلسفية ولا الترف الفكري، ذلك أن العقيدة الإسلامية عقيدة واقعية، أنزلت لتعالج بمقرراتها، وبما ينبثق عنها من تشريع، واقع الحياة البشرية، الفكري والسلوكي معاً فهي عقيدة الفكرة والحركة، لا عقيدة العزلة، عقيدة تقويم الواقع، لا عقيدة التسليم له. فالعقيدة الإسلامية تُصلح الأفكار، والتشريع الإسلامي يقوِّم السلوك وينظم العلاقات، ومن هنا فالعقيدة في الإسلام سلوكية، والسلوك في الإسلام عقدي. ولكن الإيمان الذي تصنعه العقيدة الإسلامية في نفس المسلم قد يضعف، فيضعف الالتزام بأحكام التشريع، لذلك، لا غنى للمسلمين عن سلطة سياسية عليا فيهم، تحمل العقيدة وتحميها، وتتفهم التشريع الإسلامي وتنفذه، وتنظم سلوك الأمة في المجتمع على أساسه، وقد صرح الغزالي بضرورة إيجاد السلطة السياسية العليا في الدولة، فقال: ((فبان أن السلطان ضروري في نظام الدنيا، ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين، ونظام الدين ضروري في الفوز بسعادة الآخرة)) (1) . هذا، وضرورة السلطة السياسية في نظرية الدولة في الإسلام تنشأ عن أهمية الغاية التي تمثل الباعث على تشريعها، وهو تحقيق مصالح إنسانية كبرى، والناس قد يُبَطئون في تحقيق مصالحهم، أو يفرطون، فتلحقهم بذلك مفاسد، فيصبح من الضروري وجود سلطة سياسية عامة عليا، يكون صلب وظيفتها ((حمل الناس على مراشدهم)) (2) ، وأساس عملها ((السياسة لاستصلاح الخلق، وإرشادهم إلى الطريق المستقيم)) (3) .   (1) الغزالي، محمد بن محمد، الاقتصاد في الاعتقاد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، د ت، ص 186، 187. (2) الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 5، مصدر سابق. (3) الغزالي، محمد بن محمد، إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت، د ت، ج1، ص 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 هذا، وإن من أهداف الإسلام بناء العقلية الإنسانية على أساس الهداية العقدية الإسلامية، وتنظيم العلاقات الفردية والدولية على أساس من هداية الإسلام التشريعية، إذ دون ذلك لا يقوم العدل، ولا يستقر الأمن، فلا يسعد الناس، ولا تتحقق كرامتهم. والتشريع الإسلامي أساسه التقييد المانع من العدوان، والتنظيم الواقي من الفوضى، والنفس الإنسانية غالباً ما تكره التقييد والنظام إلا إذا كانت مصلحتها فيهما عاجلة، ولذلك، لزم وجود سلطة تُلزم بالقيود من يتشوف إلى التفلت، وتُكره على التقيُّد بالنظام من يكرهه، لكي يسعد الجميع وتتحقق الكرامة والأمن للجميع. ومن جهة أخرى، يمثل النظام الإسلامي العدل، وكثير من الناس لا يذعنون للعدل، فلزم إكراههم على الإذعان إليه، والصغار ولو كرهاً أمامه، إذا لم يذعنوا له طوعاً، وهنا نتذكر مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في النظام السياسي الإسلامي، فإنه إحدى الوظائف السياسية الرئيسية للسلطة السياسية في الدولة الإسلامية، قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (1) وقال تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} (2) . غير أن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يؤتي أكله إذا لم تقم به جهة مسيطرة، فلزم لتحقيق ذلك إيجاد سلطة سياسية عامة عليا في المجتمع المسلم، تتكفل بمالا يُكلف به الأفراد أو لا يطيقونه من أشكال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك، مثلاً: تنفيذ العقوبات الشرعية على مستحقيها. ومن جهة ثالثة، إن التوحيد الذي هو أُسُّ العقيدة الإسلامية، يقتضي من الأمة المسلمة تحقيق مظاهره في واقع حياتها. وأهم مظهرين تقتضي العقيدة الإسلامية وجودهما في حياة الأمة المسلمة، هما:   (1) سورة آل عمران، الآية (104) . (2) سورة الحج، الآية (41) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 المظهر الأول: النظام “ التشريع ” القانوني الإسلامي: إن التوحيد في العقيدة الإسلامية يقتضي التوحيد في التشريع، بأن يكون المشرع في المجتمع الإسلامي هو الله وحده، وذلك بأن يكون المرجع التشريعي الوحيد هو الإرادة التشريعية الإلهية لا غير، وهي متمثلة بالوحي “ القرآن والسنة ”، قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر} (1) وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} (2) . وقال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} (3) . والرد إلى الله والرسول، يكون بالرد إلى القرآن والسنة: ((فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر)) (4) . المظهر الثاني: التوحيد على سلطة سياسية عامة واحدة. إن الأمة المسلمة مالم تتوحد سياسياً، تكون قد فرطت بتكليف إلهي تقتضيه عقيدتها، فينعكس ذلك سلباً على كمال اتصافها بالحفاظ على مظاهر هذه العقيدة.   (1) سورة الأعراف، الآية (54) . (2) سورة النساء، الآية (65) . (3) سورة النساء، الآية (59) . (4) ابن كثير، عماد الدين إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، دار الفيحاء، دمشق، ودار السلام، الرياض، ط1، 1414 هـ - 1994 م، ج1، ص 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وأخذاً من هذه الحقيقة للعقيدة الإسلامية يمكن القول إن السلطة السياسية في المجتمع المسلم، ووحدتها، وكون التشريع الذي تحكم به هو التشريع الإسلامي لا غير هي مظاهر تقتضيها العقيدة الإسلامية، باعتبارها عقيدة ذات أثر سلوكي في جميع جوانب الحياة، سواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... وقد لا يتيسر للأمة في زمان ما أو قطر ما أن تأتي بكل ما أمرت به فيجب عليها أن تقصد الكمال ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ومالا تستطيعه لا تكلفة، وما لا يدرك كله ولا يترك جله. المطلب الرابع: حكم إيجاد السلطة السياسية في الإسلام: المسلمون متفقون سوى النجدات من الخوارج، وهشام الفوطي من المعتزلة (1) على أن إيجاد السلطة السياسية واجب على المسلمين. لكن الشيعة يجعلونها حقاً لأئمتهم خاصة، بناءاً على نظرية النص لديهم ويرون بطلانها إذا خرجت عن النص وعن أئمتهم. وقد نسب إلى أبي بكر الأصم القول بعدم الوجوب، ومن عبارات العلماء الذين نقلوا الاتفاق، ما يأتي: 1 - قال ابن حزم: ((اتفق جميع أهل السنة والمرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيها أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أى بها رسول الله، حاشا النجدات من الخوارج، فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم ... وقول هذه الفرقة ساقط، يكفي للرد عليه وإبطاله إجماع كل من ذكرنا)) (2) .   (1) فيما سيأتي بعض أقوال العلماء الذين نقلوا الاتفاق، وذكروا من شذ وخالف. (2) ابن حزم، أبو علي محمد، الفصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة محمد علي صبيح، القاهرة، د ت، ج4، ص 120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 2 - وقال الجويني: ((اتفق المنتمون إلى الإسلام على تفرق المذاهب وتباين المطالب على ثبوت الإمامة، ثم أطبقوا على أن سبيل إثباتها النص أو الاختيار)) (1) . 3 - وقال ابن خلدون: ((إن نصب الإمام واجب، قد عُرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين؛ لأن أصحاب رسول الله ش عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كل عصر من بعد ذلك، ولم يُترك الناس فوضى في عصر من الأعصار واستقر ذلك إجماعاً دالاً على وجوب نصب الإمام)) (2) . 4 - وقال الماوردي: ((الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها واجب بالإجماع، وإن شذ عنهم الأصم)) (3) . 5 - وطريق الوجوب عند أهل السنة السمع، قال ابن الهمام: ((ونصب الإمام واجب سمعاً لا عقلاً)) (4) . هذه النصوص تعاضدت في نقل اتفاق الأمة المسلمة على وجوب إيجاد السلطة السياسية في المجتمع الإسلامي، وهو اتفاق لا يقدح فيه مخالفة النجدات ولا مخالفة هشام الفوطي، ذلك أنه خلاف لا ينبني على دليل مسلَّم، ويعارض رأياً يستند إلى نصوص تشريعية، ولا يصح معارضة استدلال يستند إلى نص باستدلال يستند إلى نظر مجرد، وعلى الرغم من ذلك سنبين خطأ مذهبهم. أولاً: النجدات: استدل النجدات بأدلة عقلية من أظهرها:   (1) الجويني، أبو المعالي عبد الملك، غياث الأمم في الثبات الظُّلم، الشؤون الدينية، قطر، ط1، 1400 هـ، ص 54. (2) ابن خلدون، عبد الرحمن، المقدمة، دار الفكر، بيروت، ط1، 1401 هـ - 1981 م، ط2، 1400 هـ - 1988 م، هـ1، 239. (3) الماوردي، الأحكام السلطانية الولايات الدينية، ص 4، مصدر سابق. (4) ابن الهمام، الكمال، المسايرة في علم الكلام والعقائد والتوحيد المنجية في الآخرة، المطبعة المحمودية، القاهرة، ط2، ص 156. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 1 - نصب الإمام يثير الفتنة، لتنازع الناس بسبب ذلك (1) وما يثير الفتنة يكون غير واجب. وقالوا بعدم الوجوب ولم يقولوا بالتحريم، لاحتمال أن يتفق الناس على تنصيب إمام دون حصول فتنة (2) . 2 - العربان في البوادي تنتظم أمورهم الدينية والدنيوية مع عدم وجود سلطان له فيهم الرياسة، فلا حاجة لنصب إمام، فلا يكون واجباً (3) . 3 - الانتفاع بالإمام يحصل بالوصول إليه، وآحاد الناس لا يستطيعون الوصول إليه، فلا يتحقق الانتفاع العام به، فلا يكون نصبه واجباً (4) . وهذه أدلة لا تصمد أمام النقد، أما قولهم: نصب الإمام يثير الفتنة، يرد عليه بأن الفتنة في عدم نصب الإمام أعظم وأدوم، وعلى التسليم بأن نصب الإمام يثير فتنة، يكون ترك الفتنة الأشد إلى الفتنة الأخف واجباً، فيكون نصب إمام واجباً. وأما قولهم أن العربان تنتظم أمورهم دون سلطان يترأسهم ويدبر أمورهم، فغير مسلم، فإن أعمال الغزو والسلب والنهب في البوادي لعلها أكثر وأخطر منها في الحاضرة وذلك لأن سيطرة السلطان عليهم أخف. وأما قولهم أن آحاد الناس لا يصلون إلى السلطان، فلا ينتفعون به، فيمكن الرد عليه بأن الإسلام يفرض على السلطان أن يوصل النفع إلى مستحقه، وأن يمكِّن كل ذي حاجة من الوصول إليه أو إلى نوابه، كل في مكانه واختصاصه. ثانياً: هشام الفوطي:   (1) الإيجي، عضد الدين، المواقف، شرح الشريف الجرجاني، مطبعة السعادة، ط1، 1907 م، ج8، ص 349. (2) التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر، شرح مقاصد الطالبين في علوم أصول الدين، للتفتازاني نفسه، مطبعة دار الطباعة، الاستانة، 1277 هـ، ص 203. (3) الإيجي، المواقف، ج8، ص 347، مصدر سابق. (4) المصدر السابق، 8، 347. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 ذهب هشام الفوطي إلى أن نصب الإمام واجب عند ظهور العدل ولا يجب عند ظهور الفتن (1) استدل بأن نصب الإمام حال الفتنة يزيد في الفتنة، فلا يجب (2) . ويرد عليه بأن هذه دعوى تعارض دلالات النصوص التشريعية المطلقة الدالة على وجوب نصب إمام، دون تفريق بين حال العدل وحال ظهور الفتن. ويمكن أن يرد عليه أيضاً بأن عدم نصب إمام من أخطر أسباب الفتنة، قال الإمام أحمد: ((الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس)) (3) وقال التفتازاني: ((عند فساد الزمان واختلاف الآراء واستيلاء الظلمة، احتياج الناس إلى الإمام أشد وانقيادهم له أسهل)) (4) . ثالثاً: أبو بكر الأصم: نسب إلى أبي بكر الأصم أنه كان يقول بعدم وجوب الإمامة وذلك أخذاً من قوله: ((لو أنصف الناس بعضهم بعضاً، وزال التظالم وما يوجب إقامة الحد لاستغنى الناس عن الإمام (5) .   (1) البغدادي، عبد القاهر بن طاهر، أصول الدين دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط1، د ت، ص 271. والشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، نهاية الإقدام في علم الكلام، مكتبة المتنبي، القاهرة، ص 481. والتفتازاني، شرح مقاصد الطالبين، ص 200، مصدر سابق. (2) البغدادي، عبد القاهر بن طاهر، أصول الدين، ص 272، مصدر سابق. (3) الفراء، الأحكام السلطانية، ص 3، مصدر سابق. (4) التفتازاني، سعد الدين، شرح العقائد النسفية للنسفي، مصطفى البابي الحلبي، د ت، ص 139. (5) التفتازاني، شرح مقاصد الطالبين، ص 200، مصدر سابق، والبغدادي، أصول الدين ص 271، مصدر سابق، والشهرستاني، نهاية الإقدام، ص 481، مصدر سابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 ونحن لا نسلم هذه النسبة إلى أبي بكر الأصم، فإن عبارته لا تفيد ذلك، فقد علّق القول بعدم الوجوب على وجود التناصف، وهو ما جعل البعض ينسب إليه القول بوجوب نصب الإمام في حال عدم التناصف (1) . ولكن ما دام التناصف دون سلطة سياسية غير ممكن في الواقع وإن كان ممكناً عقلاً لا نستطيع أن ننسب إلى الأصم القول بعدم وجوب نصب إمام، وهذا ما فهمه القاضي عبد الجبار المعتزلي وصرح به إذ علق على عبارة الأصم قائلاً: ((والمعلوم من حال الناس خلاف ذلك، فإذن عُلم من قوله أن إقامة الإمام واجب)) (2) . وعلى هذا يمكن القول بعدم وجود دليل يسلم من الطعون للقائلين بعدم وجوب نصب إمام، وهم النجدات من الخوارج، ولا لمن قال بعدم وجوبه حال الفتن، وهو هشام الفوطي، ولا لمن قال بعدم وجوبه حال تناصف الناس، وهو الأصم، على التسليم بأن عبارته تفيد ذلك. وهنا يمكن الاستدلال بإجماع الصحابة رضي الله عنهم على وجوب نصب إمام؛ إذ لم ينقل أن أحداً منهم ذهب إلى عدم وجوب نصب إمام. قال الجويني: ((وأما أصحاب رسول الله ش فقد رأوا البدار إلى نصب الإمام حقاً، فتركوا لسبب التشاغل به تجهيز رسول الله ش ودفنه مخافة أن تتغشاهم هاجمة محنة)) (3) .   (1) الإيجي، المواقف، ج8، ص 345، مصدر سابق، التفتازاني، شرح مقاصد الطالبين، ص 200، مصدر سابق، والرازي، فخر الدين بن محمد بن عمر، الأربعين في أصول الدين، حيد آباد، 1353 هـ، ط1، ص 427. (2) الهمذاني، عبد الجبار بن أحمد، المغني في أبواب التوحيد والعدل، تحقيق عبد الحليم محمود وسليمان دنيا، 1966 م، ج20، قسم1، ص 48. (3) الجويني، غيان الأمم، ص 54، مصدر سابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وقد صرحت السنة النبوية بتحريم أن يبيت المسلمون ليلتين وليس لهم إمام فقد قال ش: ((لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين وليس في عنقه بيعة إمام (1) . والحديث ظاهر في تحريم المبيت ليلتين دون بيعة لإمام، ويدل دلالة نصية (2) على وجوب تنصيب إمام. ومما سبق يتبين أن إيجاد سلطة سياسية في المجتمع الإسلامي واجب. وكون مشروعية إيجاد السلطة السياسية من رتبة الواجب يدل على أهميتها، وأنها من المقاصد التي لا تستغني الأمة عن تحقيقها، فهي التي تنهض بالمصالح العامة في المجتمع، وتتكفل برعاية مصالح الأفراد وحقوقهم وحمايتها، لذلك كانت السلطة السياسية في الإسلام من المقاصد التي لا يفضلها غيرها من المقاصد السياسية. هذا، والذي يدرك المهام الجسام التي تنوء بها السلطة السياسية يدرك أهمية هذه السلطة، ولذلك، فإن السلطة السياسية قضية سياسية أساسية في الإسلام، فبوجودها توجد الدولة، وبانتفائها تنتفي الدولة، ودون الدولة لا تحمى عقيدة الإسلام، ولا تظهر شريعته. المطلب الخامس: خصائص السلطة السياسية في الإسلام: أبرز خصائص السلطة السياسية ما يأتي: أولاً: اعتمادها على القوة المسيطرة - أي القوة القاهرة -: إن القوة المسيطرة ضرورية للسلطة السياسية في المجتمع إذ دون ذلك لا يستتب الأمن، ولا يستقر النظام، ولا يذعن الناس للقانون الذي ما وجدت السلطة إلا لتنفذه، وتحقق مصالح الناس على أساسه.   (1) القشيري، مسلم بن الحجاج، الصحيح بشرح النووي، دار الفكر العربي، 1983 م، ج8، ص 138. (2) دلالة الظاهر: هي ما يتبادر من معنى اللفظ بمجرد قراءاته دون اعتماد دليل خارجي، ودلالة النص، هي: دلالة اللفظ على معناه المقصود من سوقه أصالة مع احتمال التأويل. الدريني، فتحي، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، الشركة المتحدة، د ت، ص 43، ص 51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 ودون سلطة سياسية تمسك القوة في المجتمع لا تقوم الدولة، ذلك أن القوة هي الوسيلة الملزمة للأفراد الحاملة لهم على الامتثال للنظام التشريعي في المجتمع فحاجة السلطة السياسية للقوة تنشأ من كون عمل السلطة في حقيقته يقوم على الإكراه على امتثال القانون، وإجبار الفرد على عمل مالا يرغب وتقييد حريته، لذلك، لا يكون للسلطة معنى إلا إذا اقترنت بقوة مسيطرة (1) . ثانياً: انفرادها بحيازة القوة القاهرة: لا يكفي للسلطة السياسية أن تحوز القوة المسيطرة، فلابد من أن تنفرد بحيازة هذه القوة، بحيث لا يكون في المجتمع قوة تدانيها، فإن وجود جهة في المجتمع تحوز قوة تنافس قوة السلطة السياسية من شأنه أن يهدد السلطة السياسية نفسها، ذلك، أن أية جهة لاسيما التنظيمات إذا حازت السلاح تتجرأ على مخالفة النظام وعصيان السلطة والخروج عن طاعتها، بل والخروج عليها للإطاحة بها. وفي الإسلام لا تأبى قواعد الشريعة أن يكون من صلاحيات السلطة السياسية في المجتمع تجريد المواطنين من أي نوع من أنواع الأسلحة التي قد تستخدم في تهديد الأمن، أو في معارضة السلطة السياسية، بل ولا أجد ما يمنع شرعاً السلطة السياسية في الدولة الإسلامية من سن القوانين التي تحضر اقتناء أسلحة معينة بالاسم أو النوع أو الصفة، وحضر الاتجار بها، وقد وجدنا فقهاءنا تعرضوا لحكم بيع الأسلحة في أوقات الفتنة وذهبوا في ذلك إلى التحريم، لما في ذلك من الإعانة على المعصية (2) فإن امتلاك الأسلحة من قِبَل أية جهة في المجتمع قد يغريها باقتراف العصيان أو سلوك مسالك الفتنة وتهديد الأمن والاستقرار في الدولة.   (1) عبد الهادي، ماهر، السلطة السياسية في نظرية الدولة، ص 62، مرجع سابق. (2) ابن قاسم، عبد الرحمن بن محمد، حاشية الروض المربع، شرح زاد المستنقع، ط1، 1398 م، ج4، ص 374. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 هذا، وإن أظهر ما يميز السلطة السياسية عن أي تنظيم سياسي أو اجتماعي في الدولة امتلاك السلطة القوة المسيطرة، وحقها في حظر حيازة أي سلاح من قِبَل أي تنظيم سياسي أو اجتماعي في الدولة، وحقها في استخدام أي إجراء مشروع وقائي أو علاجي يكفل خلو الدولة من قوة منافسة لقوة السلطة السياسية. وقد لاحظ الفقهاء المسلمون أهمية القوة المادية بالنسبة للسلطة السياسية في الدولة الإسلامية، فحرصوا على توافرها لها منذ لحظة انعقاد البيعة، وذلك إذا لم تتوافر قاهرة مسيطرة، من جيش وشرطة يكونان رهن أمر الإمام، فاشترطوا في المبايعين حتى تنعقد الإمامة بمبايعتهم أن يكونوا من أهل الشوكة، ويقصدون بالشوكة، أي القوة، فمن نصوصهم في ذلك: 1 - قال ابن تيمية: ((الإمامة تثبت عندهم - أهل السنة - بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إماماً حتى يوافق أهل الشوكة، الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة، فالإمامة ملك وسلطان، والملك لا يصير مُلْكاً بموافقة واحد واثنين ولا أربعة، إلا أن تكون موافقة هؤلاء تقتضي موافقة غيرهم، بحيث يصير ملكاً بذلك، ... ولو قُدِّر أن عمر وطائفة معه بايعوا أبا بكر وامتنع سائر الصحابة عن البيعة لم يصر إماماً بذلك، وإنما صار إماماً بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة، ولهذا لم يضر تخلف سعد بن عبادة؛ لأن ذلك لا يقدح في مقصود الولاية، فإن المقصود حصول القدرة والسلطان اللذين بهما تحصل مصالح الأمة، وذلك قد حصل بموافقة الجمهور على ذلك، فمن قال: يصير إماماً بموافقة واحد واثنين وأربعة، وليسوا هم أهل القدرة والشوكة فقد غلط، كما أن من ظن أن تخلف الواحد والاثنين والعشرة يضر فقد غلط)) (1) .   (1) ابن تيمية، تقي الدين، منهاج السنة النبوية، دار الكتب العلمية، بيروت، وبهامشه صريح المعقول، ج1، ص 142. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 فابن تيمية في هذا النص يقرر أهمية اتصاف المبايعين بالشوكة، أي القوة، كي تنعقد البيعة بمبايعتهم، إذ دون ذلك لا يذعن الناس للنظام، ولا تستقر الأوضاع السياسية في الدولة، ولا تخضع الأقلية لرأي الأغلبية. وعلى هذا المعنى جاء قول الشهرستاني: ((ولو عقد واحد ولم يسمع من الباقين نكير كفى ذلك)) (1) ، وقول النووي: ((تنعقد الإمامة ببيعة واحد انحصر الحل والعقد فيه)) (2) ، لأنه يكون حينئذ صاحب الشوكة في الدولة، وكذا لو كان أهل الحل والعقد عدداً قليلاً، ولكنهم أهل شوكة، وقد علل الرملي ذلك، فقال: ((لأن الأمر ينتظم بهم ويتبعهم سائر الناس)) (3) . 2 - وقال الغزالي: ((والذي نختاره أنه يكتفى بشخص واحد يعقد البيعة للإمام، مهما كان ذلك الواحد مطاعاً ذا شوكة لا تطال، ومهما إذا مال إلى جانب مال بسببه الجماهير، ولم يخالفه إلا من لا يُكترَث بمخالفته، فالشخص الواحد المتبوع المطاع، بهذه الصفة يكفي، إذ في موافقته موافقة الجماهير، فإن لم يحصل هذا الغرض إلا لشخص واحد أو ثلاثة فلابد من اتفاقهم، وليس المقصود أعيان المبايعين، إنما الغرض قيام شوكة الإمام بالأتباع والأشياع، وذلك يحصل بكل مستول مطاع، ونحن نقول: لما بايع عمر أبا بكر لم تنعقد البيعة له بمجرد بيعته، ولكن بتتابع الأيدي إلى البيعة، بسبب مبادرته، ولو لم يبايعوه لما انعقدت الإمامة، فإن شرط ابتداء الانعقاد قيام الشوكة وإنصراف القلوب إلى المشايعة ومطابقة البواطن على المبايعة)) (4) .   (1) الشهرستاني، نهاية الأقدام، ص 416، مصدر سابق. (2) الرملي، محمد بن أحمد، نهاية المحتاج في شرح ألفاظ المنهاج، دار الفكر، الطبعة الأخيرة، 1984م، ج7، ص 180. (3) المصدر السابق. (4) الغزالي، محمد بن محمد، فضائح الباطنية، تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الكتب الثقافية، الكويت، د ت، ص 176. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 3 - وقال الجويني: ((إن بايع رجل واحد، مرموق، كثير الأتباع والأشياع، مطاع في قومه، وكانت منعته تقيد استتباب الأمن واستقرار السلطة، انعقدت بيعة. وقد يبايع رجال لا تفيد مبايعتهم شوكة ومنة قهرية، فلست أرى للإمامة استقراراً)) (1) . والشوكة فيما مضى كانت تحصل بالقوة الناشئة من الكثرة العددية، من قبل أشياع وأتباع المبايعين، وذلك لعدم وجود قوة عسكرية ضاربة تقدم الولاء للسلطان على الولاء للقبيلة، وإنما كانت الجيوش من أبناء القبائل الذين يغلب عليهم الولاء للقبيلة على الولاء للسلطان، ولذلك كان شرط البيعة اتصاف من يعقد البيعة من أهل الحل والعقد للإمام بالشوكة، ولعل شوكة قريش آنذاك كانت علة اشتراط القرشية في الإمام وهو ما قرره ابن خلدون (2) ، فإن قريشاً كانت تمثل بكثرتها قوة ضاربة يحصل بها الاستقرار للإمام إذا كان من قريش، وتُخشى معارضتها إذا جُعلت الإمامة في غيرها، فإن الناس كانوا ينقادون لها، ولكنها قد لا تنقاد لغيرها، وبإنتهاء شوكتها انتهت القرشية شرطاً من شروط استحقاق الإمامة - والله أعلم -. وإن عبارات العلماء السابقين لتدل على أهمية تفرد السلطة السياسية في المجتمع بالقوة القاهرة، إذ دون قوة قاهرة لا يحترم في المجتمع نظام، وتنزع من قلوب المتمردين والمجرمين المهابة من السلطة الحاكمة. وتنبه هنا إلى أن الإسلام يجعل أهمية كبرى لرضا الأمة قاطبة أو رضا الأغلبية منهم بأفراد السلطة السياسية، وذلك لتكون الأمة ذاتها قوة في يد أشخاص السلطة السياسية يستعين بهم لبسط سلطان وممارسة اختصاصاته. ثالثاً: عامة عليا:   (1) الجويني، غياث الأمم، ص 75، مصدر سابق. (2) ابن خلدون، المقدمة، ص 243، مصدر سابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 ومعنى كون السلطة السياسية سلطة عامة أي أن سيطرتها تمتد إلى الأفراد والهيئات والمؤسسات كافة التابعة للدولة، فإذا وجدت سلطةمماثلة لها، تعددت السلطات السياسية في المجتمع، فيفسد المعنى الحقيقي للسلطة السياسية وهو الحكم المسيطر المتفرد في المجتمع، وبذلك تفقد الدولة مضمونها السيادي الداخلي المتمثل بواحدية السلطة العامة فيها، فتعم الفوضى ويختل الأمن، وينهدم الاستقرار. ولكيلا تتعدد السلطات السياسية الحاكمة في الدولة شرع في الإسلام قتل من بويع بالإمامة بعد حصول بيعة شرعية لإمام موجود. فقد قال ش: ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما)) (1) ، وذلك لأنه سيمثل من حيث الواقع سلطة سياسية، ولو لم تكن سلطته شرعية، ويريد أن تكون سلطته هي العليا والعامة في الدولة، ومع وجود سلطتين يفقد المجتمع الأمن والاستقرار السياسي، فلابد أن تكون السلطة السياسية في المجتمع واحدة عامة عليا، ذلك أن السلطات السياسية متى تعددت فقدت كل منها مضمونها، كلياً أو جزئياً. ومن أجل تحقيق وحدة السلطة السياسية في المجتمع الإسلامي، واستقرارها، جاء ((الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين)) (2) ، كما سبق. رابعاً: قابليتها لأن تتفرع عنها سلطات وأجهزة للحكم والإدارة:   (1) القشيري، مسلم بن الحجاج، الصحيح بشرح النووي، الدار الثقافية العربية، بيروت، ط1، 1349 هـ - 1930 م، ج12، ص 242. (2) النووي، محيي الدين، شرح صحيح مسلم، الدار الثقافية العربية، بيروت، ط1، 1349 هـ - 1930 م، ج12، 241، مصدر سابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وهذا يكون بحسب حاجة الأمة، ومتطلبات العصر. ويكون لها تجاه ما تفرع عنها من الأجهزة والإدارات والمؤسسات حق الإشراف عليها وتحديد صلاحياتها والتعديل فيها بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة للأمة، فإن ((تصرف الإمام على الرعية منوط بمصلحتها)) (1)   (1) ابن نجيم، زين العابدين إبراهيم، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1985 م، ص 123، والسيوطي، جلال الدين، الأشباه والنظائر، مصطفى البابي الحلبي، د ت، ص 121. المصادر والمراجع 1 - الإيجي، عضد الدين، المواقف، شرح الشريف الجرجاني، مطبعة السعادة، ط1، 1907 م. 2 - البابرتي، أكمل الدين محمد بن محمود شرح العناية على الهداية، مع شرح فتح القدير لابن الهمام، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د ت. 3 - البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، عالم الكتب، بيروت، د ت. 4 - البغدادي، عبد القاهر بن طاهر، أصول الدين، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط1، د ت. 5 - البغوي، الحسين بن مسعود، شرح السنة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1412 هـ - 1992 م، ج2، ص 398. 6 - التفتازاني سعد الدين شرح العقائد النسفية للنسفي، مصطفى البابي الحلبي، د ت. 7 - التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر، شرح مقاصد الطالبين في علوم أصول الدين، للتفتازاني نفسه، مطبعة دار الطباعة، الاستانة، 1277 هـ. 8 - ابن تيمية، تقي الدين، منهاج السنة النبوية، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت وبهامشه صريح المعقول. 9 - ابن جماعة، بدر الدين، تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، تحقيق فؤاد عبد المنعم، رئاسة المحاكم الشرعية، قطر، ط2، 1407 هـ. الجوزي، عبد الرحمن بن علي، زاد المسير في علم التفسير، دار الفكر، بيروت، ط1، 1407هـ - 1987 م. 10 - الجوزي، عبد الرحمن بن علي، زاد المسير في علم التفسير، دار الفكر، بيروت، ط1، 1407 هـ - 1987 م. 11 - الجويني، أبو المعالي عبد الملك، غياث الأمم في الثبات الظُّلم، الشؤون الدينية، قطر، ط1، 1400 هـ. 12 - ابن حزم، أبو علي محمد، الفصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة محمد علي صبيح، القاهرة، د ت. 13 - خلاف، عبد الوهاب، السياسة الشرعية، أو نظم الدولة الإسلامية، المطبعة السلفية، القاهرة، 1350 هـ. 14 - ابن خلدون، عبد الرحمن، المقدمة، دار الفكر، بيروت، ط1، 1401 هـ - 1981 م، ط2، 1400 هـ - 1988 م. 15 - خليل، محسن، النظم السياسية والقانون الدستوري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1971 م. 16 - الدريني، فتحي، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، الشركة المتحدة، د ت. 17 - الرازي، فخر الدين بن محمد بن عمر، الأربعين في أصول الدين، حيدر آباد، ط1، 1353هـ. 18 - الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير ومفاتيح الغيب، دار الفكر، بيروت، 1415 هـ - 1995 م. 19 - الرملي، محمد بن أحمد، نهاية المحتاج في شرح ألفاظ المنهاج، دار الفكر، الطبعة الأخيرة، 1984 م. 20 - الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القابوس، دراسة وتحقيق علي يسري، دار الفكر، بيروت، دت. 21 - الزمخشري، محمود بن عمر، الكاشف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ومعه حاشية الجرجاني، وكتاب الإنصاف فيما تضمنه الكاشف من الإعتزال، لإبن المنير، الإسكندراني، دار الفكر، ط1، 1397 هـ - 1977 م. 22 - السيوطي، جلال الدين، الأشباه والنظائر، مصطفى البابي الحلبي، د ت. 23 - السيوطي، جلال الدين، حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، دار إحياء التراث العربي، ط 1976 م. 24 - الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، نهاية الإقدام في علم الكلام، مكتبه المتنبي، القاهرة. 25 - الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في التفسير، عالم الكتب، دون ناشر. 26 - الطبري، محمدبن جرير، جامع البيان عن تأويل أي القرآن، دار الفكر، بيروت، 1415 هـ، 1995 م. 27 - ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، دون ناشر. 28 - عبد الهادي، ماهر، السلطة السياسية في نظرية الدولة، دار النهضة العربية، القاهرة، ط2، 1984 م. 29 - الغزالي، محمد بن محمد، إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت، د ت. 30 - الغزالي، محمد بن محمد، الاقتصاد في الاعتقاد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، د ت. 31 - الغزالي، محمد بن محمد، فضائح الباطنية، تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الكتب الثقافية، الكويت، د ت. 32 - الفراء، أبو يعلى، الأحكام السلطانية، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الفكر، ط3، 1394 هـ. 33 - القرافي، أحمد بن إدريس، الفروق، دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1354 هـ. 34 - ابن قاسم، عبد الرحمن بن محمد، حاشية الروض المربع، شرح زاد المستنقع، ط1، 1398م. 35 - والكتاني، عبد الحي، التراتيب الإدارية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د ت. 36 - ابن كثير، عماد الدين إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، دار الفيحاء، دمشق، ودار السلام، الرياض، ط1، 1414 هـ، 1994 م. 37 - القشيري، مسلم بن الحجاج، الصحيح بشرح النووي، الدار الثقافية العربية، بيروت، ط1، 1349 هـ - 1930 م، ودار الفكر العربي، 1983 م. 38 - ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، السنن، تحقيق صدقي العطار، دار الفكر، بيروت، 1415 هـ - 1995 م. 39 - الماوردي، علي بن محمد، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت. 40 - متولي، عبد الحميد، القانون الدستوري والأنظمة، منشأة المعارف، الإسكندرية، ط6، 1976 م. 41 - مسلم، صحيح مسلم، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت. 42 - ابن منظور، جمال الدين، لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1413هـ - 1993 م. 43 - ابن نجيم، زين العابدين إبراهيم، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1985 م. 44 - النووي، محيي الدين، شرح صحيح مسلم، الدار الثقافية العربية، بيروت، ط1، 1349هـ - 1930 م. 45 - الهمذاني، عبد الجبار بن أحمد، المغني في أبواب التوحيد والعدل، تحقيق عبد الحليم محمود وسليمان دنيا، 1966 م. 46 - ابن الهمام، الكمال، المسايرة في علم الكلام والعقائد والتوحيد المنجية في الآخرة، المطبعة المحمودية، القاهرة، ط2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 كذلك لها حق إلغاء بعض الأجهزة أو الإدارات أو المؤسسات التي يظهر لها أنها استنفذت أغراضها المقصودة من إنشائها. الهوامش والتعليقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 حقوق الإنسان في فلسفة الثورة الفرنسية د. أحمد باسل نور الدين الرفاعي أستاذ مساعد - كلية الحقوق - جامعة مؤتة ملخص البحث تحاول هذه الدراسة جلاء البنية العميقة للنظام الجديد الذي أقامته الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر. إنها تحاول اكتناه الأساس المبتكر لحقوق الإنسان، ثم استشراف المآل الحتميّ الذي تؤول إليه هذه الحقوق عملياً بحكم الأساس ذاته الذي تنطلق منه. ولقد قادتنا التحليلات إلى أن النظام الجديد الذي أقامته ثورة 1789 م هو في جوهره ذات النظام القديم الذي هدمته، نظام السلطة المطلقة أو نظام القوة الذي أخذ مع الثورة صورةً “ جديدة ” يتربّع فيها الفرد، كل فرد من أفراد الجماعة السياسية، على عرش القوة ويصبح هو الحقيقة الأساسية في النظام الجديد. إن هذا النظام يقوم على سيادة الإرادة الفردية وقرينتها سيادة الإرادة العامة. ومع هذه السيادة المزدوجة لا يبقى للقانون حقيقة مستقلة بل يصبح الوسيلة التي تبتكرها القوة لتحقيق مآربها. وهكذا يدخل الفرد والجماعة في طور الالتحام الجوهري والطوعي مع السلطة التي هي هنا أعلى درجات القوة؛ وهو طور خطير بالنسبة إلى الوضع الحقيقي والنهائي لحقوق الإنسان. إننا أمام دكتاتورية لم يقم لها من قبل نظير في التاريخ: دكتاتورية الدولة المرتكزة على الطابع المطلق للحرية الفردية وعلى الديمقراطية وسيادة الأمة والتي تحقق أغراضها بالقانون. • • • المقدمة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 يرتبط الوضع الذي تأخذه حقوق الإنسان بنوع العلاقات القائمة بين مكوِّنات المجتمع السياسي الثلاثة، الفرد والجماعة والسلطة؛ وهي علاقات تحدِّدها، في مجتمع سياسي معيَّن، الأسسُ التي يقوم عليها. ولا يمكن أبداً أن تأخذ حقوق الإنسان وضعاً معيناً، إيجابياً أو سلبياً، بمعزل عن طبيعة الدولة؛ فوضعها في نظام ثيوقراطي (1) غير وضعها في نظام ديمقراطي (2) ؛ ووضعها في دولة قانونية غير وضعها في دولة تسيطر فيها إرادة القابضين على السلطة. وعلى الصعيد الدولي ترتبط حقوق الإنسان بطبيعة المجتمع الدولي ونظامه القانوني؛ فمصيرها في المجتمع الدولي التقليدي القائم على مبدأ سيادة الدولة غير مصيرها في مجتمع دولي ينطوي نظامه القانوني على طبيعة دستورية تقرِّب الدولة من شخص القانون الداخلي. وعلى سبيل المثال فإن الفرد يتمتع في نظام السوق الأوروبية المشتركة بشخصية قانونية دولية لا يتمتع بها في نظام الأمم المتحدة؛ ونظام السوق يزوِّده بالقدرة القانونية التي يدافع بها عن حقوقه دفاعاً مباشراً على الصعيد الدولي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 لقد قدّمت الثورة الفرنسية التي نشبت في العام 1789 م والتي هي ثمرة المذهب الفردي إنموذجاً للمجتمع السياسي قائماً على تمجيد الفرد وتكريس الحرية والمساواة وبالتالي على سلطة الأمة؛ وكانت بذلك انتقاضاً على حق الملوك المقدس، الذي أحلّت محله حق الفرد، وعلى سلطانهم المطلق الذي أحلّت محله سلطان الأمة. وسوف نرى أن قيمتها العميقة ليست في مجرد تكريس الحرية والمساواة بل في إعطاء الحرية والمساواة مضموناً مبتكراً أصبحت معه الدولة صورة الإنسان الحر الذي يتمتع بكينونة مطلقة تخوِّله أن يفعل ما يشاء بالطريقة التي يشاء. ولاشك في أنها قد أقامت إنموذجاً للدولة لا عهد للإنسانية به من قبل؛ بل إنها قد افتتحت عالماً جديداً من الفكر والأخلاق والقانون والتنظيم السياسي والدولي. وإذا كانت جذورها أوروبية فإنها، من حيث أنها تؤصِّل نظام المجتمع السياسي ونظام حقوق الإنسان في الطبيعة الإنسانية الواحدة التي لا تختلف بين شعب وشعب ولا بين عصر وعصر، قد كانت إيذاناً بتغيرات عميقة، فكرية وأخلاقية وقانونية وسياسية، على صعيد العالم كله. وقد سرت آثارها في أوروبا ثم امتدت إلى سائر المجتمعات التي غزتها أوروبة ووقعت تحت هيمنتها السياسية والثقافية. وهكذا ظهرت نتائج الثورة الفرنسية على صعيد المجتمعات الوطنية وأنظمتها القانونية وعلى صعيد المجتمع الدولي ونظامه القانوني، وأصبح نظام حقوق الإنسان متأثراً على الصعيدين بهذه النتائج. ونستطيع أن نقول إن تاريخ حقوق الإنسان قد دخل منذ العام 1789 م عصر ما بعد الثورة الفرنسية التي أرادت أن تكون بداية جديدة للتاريخ الإنساني فألغت التقويم الميلادي وجعلت العام 1792 م هو السنة الأولى من التقويم الجمهوري أو الثوري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 فأهمية دراسة حقوق الإنسان في فلسفة الثورة الفرنسية ليست منحصرة زمانياً ولا مكانياً، لأن الثورة الفرنسية ليست في جوهرها حقبة ماضية من التاريخ ولا حركة محصورة جغرافياً؛ فهي أهمية تتجاوز زمان الحدث ومكانه وتتصل بتداعياته المستمرة على صعيد العالم كله. وبتعبير أدق فإن نظام حقوق الإنسان الذي جاءت به الثورة الفرنسية ينطوي على أهمية تعليمية متجددة بالنسبة لأية محاولة لخدمة حقوق الإنسان وتوفير ضمانات ازدهارها. وهو كذلك، وهذا هو الأخطر، يطرح على العالم العربي والإسلامي تحدّياً لنظام حقوق الإنسان القائم في تراثه وحضارته والمتناقض معه تناقضاً جذرياً ليس في نطاق هذه الدراسة أن تتصدى له. وسوف يثبت هذا البحث أن نظام حقوق الإنسان الذي ولد مع إعلان 1789 م يحمل في طياته تهديداً خطيراً لحقوق الإنسان، وإنْ كانت واجهته البراقة تخفي هذا التهديد تحت ثوب قشيب من تمجيد حرية الفرد. وهذه الحقيقة قمينة بأن تستحث الفكر الإسلامي على استجلاء الأسس العميقة التي يطرحها الإسلام لحقوق الإنسان والتي تمثِّل النقيض الجذريّ لفلسفة الثورة الفرنسية. خطة البحث: تدور هذه الدراسة حول ثلاثة محاور هي الفرد والسلطة والقانون. ذلك أن الفرد، في فلسفة الثورة الفرنسية، هو الحقيقة الأساسية أو الأولى؛ إنه جوهر الدولة التي ليس لها أصل تتأصل فيه وراء الحقيقة الفردية المطلقة. فكان لابد إذن من أن نبدأ بالفرد لفحص مضامين هذه الفردية المطلقة التي هي روح عصر التنوير (القرن الثامن عشر) والتي تشبّع بها الجيل الذي فجّر الثورة في أواخر هذا العصر أي في العام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 1789 م. وقد قادتنا هذه المضامين نفسها إلى الحقيقة العميقة للعلاقة بين الفرد والسلطة، تلك الحقيقة التي هي شيء آخر غير ما يبدو من ظاهر هذه العلاقة أي شيء آخر غير التأصيل الكلاسيكي البسيط للسلطة في الفرد. وهكذا خلصنا إلى الطبيعة النهائية للسلطة وإلى منطق التطور الحتمي الذي تفرزه طبيعتها هذه. أما المحور الثالث أي القانون فقد كان الانتقال إليه طبيعياً ومنطقياً بعد الفراغ من محوري الفرد والسلطة؛ فالفرد، لا القانون، كان هو الحقيقة الأولى في تكوين الدولة التي أقامتها الثورة؛ وقد استتبعت أولوية الفرد المطلقة نتائج خطيرة تتصل بما يسمى سيادة القانون وبالقيمة الحقيقية للضمانات القانونية لحقوق الإنسان. المبحث الأول: الهوية الأوروبية للثورة الفرنسية: المطلب الأول: صلة الثورة بالمذهب الفردي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 الثورة الفرنسية التي قامت في 1789 م هي، كما يقول لويس كاقاريه Louis Cavar'e، وليدة المذهب الفردي L’individualisme (1) . إنها التجلِّي الأقوى للروح الفردية التي حرّكا العالم الأوروبي منذ عصر النهضة La Renaissance والتي نمت منذ ذلك الحين في اتجاهين: اتجاه صاعد نحو جعل الفرد هو الحقيقة الجوهرية بل المطلقة، واتجاه ممتدّ في دائرة الجمهور. وقد وصل الاتجاهان إلى الذروة في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي صادقت عليه الجمعية الوطنية الفرنسية في 26 آب 1789 م. فالحرية التي يولد الناس عليها، كما تقول المادة الأولى من الإعلان، هي حرية مطلقة لا قيد عليها إلاّ القيد الذي يجعل الناس سواسيةً في التمتع بها. وفي المناقشات التي جرت في الجمعية الوطنية الفرنسية حول حرية الفكر انتصرت الروح الليبرالية (2) التي عبَّر عنها ميرابو Mirabeau، خطيب الثورة الفرنسية الشهير، أقوى تعبير. فلا توجد في نظره حقيقة خارجية، حقيقة مستقلة عن الوعي أو سابقة للتصوّر؛ إنما الحقيقة بنت الوعي، إنها ما يراه الفرد في داخل وعيه ويعتقده الحقيقة؛ ولذا فالآراء كلها، صحيحها وزائفها، ذات قيمة متساوية (3) . فحرية الفكر في إعلان 1789 م هي إذن حرية مطلقة؛ إنها سيادة العقل الفردي La Souverainete de La raison individuelle التي نادى بها من قبل الفيلسوف الانكليزي جون لوك John Locke (1632 - 1704) الذي يعتبر (واضع أسس فلسفة حقوق الإنسان) (4) . وبديهي أن هذا المفهوم الليبرالي للحقيقة ينطوي على نفي كل معيار موضوعي للسلوك الفردي؛ فالخطأ، كما يقول ميرابو، له حق مساوٍ لما للصواب من حق (5) . لا يجوز إذن للقانون أن يتدخَّل في مجال الحرية الفردية؛ لا يجوز له أن يفرض على الفرد واجبات مسبقة تقيِّد حريته المطلقة. ولهذا كان إعلانُ 1789 إعلانَ حقوق ولم يكن إعلان حقوق وواجبات. وجدير بالذكر أن الجمعية الوطنية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 كانت تتنازعها في هذا الصدد فكرتان تذهب إحداهما إلى إصدار إعلان لجملة متوازنة من الحقوق والواجبات بينما تذهب الأخرى إلى الاكتفاء بإعلان حقوق؛ وظهر ذلك في صياغتين للإعلان أعدّهما مكتبان متفرِّعان من الجمعية الوطنية؛ وفي لحظة معينة كادت تنتصر النزعة المعتدلة المتوازنة وكاد يصدر إعلان ذو طبيعة مزدوجة، لكن النزعة الفردية غلبت في النهاية وحدّدت طبيعة الاعلان (1) . إننا هنا أمام تعبير صريح عن النظرية الغربية الليبرالية للقانون: الفرد سيِّد مطلق، إنه إلهُ نفسِه وخالق تصرّفاته، ووظيفة القانون أن يضع الحدود التي تحمي الحرية الفردية المطلقة وتكفل تمتع الجميع بها على قدم المساواة. ومن الطبيعي إذن أن تكون سلطة الأمة في إعلان 1789 سلطة مطلقة؛ وهو ما نجده واضحاً في المادة الثالثة منه: ((السلطة تكمن جوهرياً في الأمّة)) ؛ فالنص يجعل الأمة كائناً سياسياً قائماً بذاته، يستمدّ سلطته من نفسه لا من خارج، أي هو يجعلها كائناً مطلقاً. إنّ آباء الثورة الفرنسية، أعضاء الجمعية الوطنية، وهم في غالبيتهم تلاميذ مدرسة جان جاك روسو Jean Jacques Rousseau (1712 - 1778) يكرِّسون هكذا نظريته حول سيادة الإرادة العامة La Souverainete de La Volonte generale. فالإرادة العامة، عند روسو، هي دائماً في الاتجاه الصحيح، لأن ما هي عليه فعلياً هو نفسه ما ينبغي أن تكون عليه؛ إنها قانون نفسها ولا يوجد أي قانون أساسي ملزم لها حتى ولو كان العقد الاجتماعي الذي هو سبب وجودها؛ إنها إرادة مطلقة (2) . ونستطيع بسهولة البادهة أن نربط بين نظرية ميرابو التي مفادها سيادة العقل الفردي وبين نظرية روسو حول سيادة الارادة العامة؛ فكما أن الحقيقة هي بنت الوعي الفردي فإن القانون هو وليد الارادة العامة التي يكشف عنها صندوق الاقتراع والتي هي وحدها مصدر الحقيقة القانونية ومعيارها. وتتجلّى هذه الليبرالية عند سييس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 Sieyes تلميذ روسو وعضو الجمعية الوطنية: فهو يعرِّف الأمة بأنها مطلقة وذات سيادة؛ وإذ لاشيء يقيِّدها فإنها دائماً بالنسبة إلى نفسها في حالة الطبيعة (1) . وقد ساهم سييس بفكره في التمهيد للثورة (2) ثم أصبح هو وميرابو أكبر زعيمين لها في مراحلها الأولى (3) ، وكان تأثيرهما عميقاً في مجرى الثورة وفي مضمون إعلان الحقوق؛ وسييس الذي وصف بأنه روح الجمعية الوطنية هو الذي حملها على تسمية نفسها “ الجمعية التأسيسية ” (4) . ورغم أنه في الأصل من رجال الدين فقد دعا إلى هيمنة الدولة على الدين (5) ؛ وهو أمر له دلالته على الطبيعة المطلقة للدولة عنده. وممّا يشير إلى تأثير فكر روسو وسييس على أعضاء الجمعية الوطنية التي أعدّت الاعلان ليكون ديباجة للدستور أن الجمعية الوطنية كانت منقسمة إلى حزبين: حزب الدستوريين الذي كان يدعو إلى سيادة مقيَّدة، وحزب الثوريين الذي كان يمثِّل الروح الليبرالية ويدعو إلى سيادة غير مقيَّدة؛ وممّا له دلالته في هذا الصدد أن حزب اليسار في الجمعية الوطنية كان يقول بإمكان التضحية بالدستور نفسه لمصلحة الثورة رغم أنه صادر باسم الأمة (6) . وهكذا فإن الدستور الذي تضعه الأمة ليقيِّد الحكام لن يقيِّد الأمة نفسها التي تستطيع دائماً، كما يقول سييس، أن تنقض الأشكال الدستورية وتبدِّلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وهكذا فإن الثورة الفرنسية التي قامت ضد السلطان المطلق للملوك قد أحلّت (المواطن الحديث) الذي ولد مع إعلان 1789 م محل الملك في التمتع بالسلطان المطلق، مع فارق خطير هو أن المواطن الحديث يستمدّ سلطته السياسية من نفسه أو فرديته المطلقة بينما كان الملك يستمدّها من نظرية التفويض الالهي. وبتعبير أكثر دقة فإن عمل الثورة الأساسي الذي عبَّر عنه إعلان الحقوق هو نقل السيادة من الملك إلى الأمة مع تجريد السيادة من كل ما كان يمكن أن يشوبها، بحكم سندها القانوني القديم (نظرية التفويض الالهي) ، من تأثير للدين أو للضمير، أي مع جعلها إرادة بحتة. إن المجتمع الدمقراطي الذي ولد مع إعلان 1789 م هو مجتمع من الآلهة، لأن أفراده ينحون منحى الآلهة في تقرير الحقيقة وفي اتخاذ القرار. ونستطيع في ضور ما تقدّم أن نرى مدى دقة الوصف الذي يقدِّمه جابرييل كوميايره Gabriel Compayre لحقوق الإنسان التي أعلنتها الثورة: إن المؤسِّسين (ويقصد بهم أعضاء الجمعية الوطنية أو التأسيسية كما سمّت نفسها لاحقاً) يخلعون على حقوق الإنسان الخصائص التي كان يُعترف بها قديماً لحقوق الملوك (1) . إن هذا التشبيه يصف نصف الحقيقة؛ أما الحقيقة الكاملة فهي أن ثورة 1789 م قد أحلّت الإنسان محل الله بواقع مضمونها الفكري. وحقَّ إذن لجماعة الدول الأوروبية المسيحية أن تصرخ محذِّرة: ((إنها قضية حياة أو موت للحضارة، لسلام أوروبا والمجتمع المدني)) (2) . لقد قال أعضاء الجمعية الوطنية في مقدمة إعلانهم إنهم اجتمعوا في حضرة الكائن الأعلى (Sous les auspices de l’Etre supreme) ؛ فهل كان الكائن الأعلى في أذهانهم هو الله أم الأمة أم الإنسان؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 نشبت الثورة الفرنسية في أواخر عصر التنوير (القرن الثامن عشر) ، ولهيبها لم يكن إلاّ وهج أنوار ذلك العصر؛ وهي أنوار سطعت في مختلف أقطار أوروبا فأصبحت مهيَّأةً كفرنسا للتغير العميق القادم؛ وإذا كان سيل الثورة الهادر قد تفجّر في فرنسا فإنه لم يكن إلاّ ذروة تيار عقلي اكتسح سائر القارة الأوروبية. لقد كانت مناقشات حقوق الإنسان، التي جرت داخل الجمعية الوطنية، (متأثرة إلى حد كبير بأفكار فلاسفة التنوير) (1) . ويجدر بنا الإشارة إلى أن تلك الثورة الثقافية الأوروبية اتي نجمت على يد فلاسفة التنوير (روسو ومونتسكيو وفولتير في فرنسا، كانت في ألمانيا، جيفرسون في أمريكا، على سبيل المثال) قد تجاوزت دائرة النخبة المفكرة وأسفرت عن ظهور جيل يؤمن بالإنسان بل يمجِّده ويعتبره الحقيقة الأساسية ويؤمن بالقدرة الهائلة للعقل الإنساني (2) . لقد أصبح المذهب الفردي آنذاك هو مذهب الإنسان الأوروبي بعامة. ويتبين لنا من ذلك أن الجمعية الوطنية الفرنسية كانت في إنجازاتها الفكرية والقانونية مدعومة بتيار عام يجمع حولها الأمة الفرنسية بفئاتها المختلفة ويدفعها إلى النجاح في تحقيق رسالتها التحررية. كانت الثورة إذن في جوهرها ثورة عقلية، ثورة العقل الأوروبي على النظام القديم الذي كان الإنسان فيه يرسف في قيود الخضوع، خضوعه للملكية المطلقة وخضوعه للكنيسة؛ وكلتاهما سلطتان مطلقتان سيطرتا على الشعوب الأوروبية خلال قرون عديدة. وقد سمِّيتْ “ ثورة الفقهاء ” revolution des juristes؛ وهي تسمية تشير بلا ريب إلى أنها كانت في مرحلتها الأصلية حدثاً قانونياً حاسماً، وإلى أن العنف طارئ عليها. والكيفية التي وقع بها ذلك الحدث الفذّ تستوجب الوقوف عندها قليلاً لما تحمله من دلالة بالغة الأهمية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 كان البرلمان الفرنسي في عهد الملكية طبقي التكوين أي مكوَّناً من ممثلي ثلاث طبقات هي طبقة رجال الدين بالدرجة الأولى وطبقة النبلاء الارستقراطية الاقطاعية بالدرجة الثانية وطبقة العامة أو الطبقة الثالثة التي هي الشعب ومن ينتمي إليه من الفئات البرجوازية من التجار والصناعيين وأصحاب المهن الحرة، وهي فئات كانت تتطلع إلى إعلان الحريات وممارستها في إطار ديمقراطي يضمن بقاءها (1) . والطبقة الثالثة كانت هي الطبقة المسحوقة وصاحبة المصلحة في الثورة. قال عنها سييس: ما هي الطبقة الثالثة؟ وأجاب: كل شيء؛ وتساءل: ما وضعها في النظام السياسي حتى الآن؟ وأجاب: لا شيء؛ وتساءل أيضاً: ماذا تطلب؟ وأجاب: أن تصبح شيئاً؟ وأضاف: الطبقة الثالثة هي أمة كاملة (2) . وقد أجريت انتخابات آخر برلمان في عهد ما قبل الثورة، بأمر من الملك لويس السادس عشر، في إبريل (نيسان) 1789. (وفي اجتماع 6 مايو 1789 قرر نواب “ الطبقة الثالثة ” أن يكون اسمهم الجديد “ جمعية العموم ” أو “ مجلس العموم ” Commune أسوة بمجلس العموم البريطاني، بدلاً من “ الطبقة الثالثة ”. ولكنهم عادوا في اجتماع 17 يونيو 1789 ورفضوا مبدأ الفصل بين طبقات المجتمع وأعلنوا أن اسم البرلمان الجديد ليس “ مجلس الطبقات ” Etats Generaux ولكن “ الجمعية الوطنية ” Assemblee Nationale) (3) . ومن المناسب أن نلحظ أن عدد نواب الطبقة الثالثة كان في يوم افتتاح البرلمان، 4 مايو (مايس) 1789، خمسمائة وخمسين بينهم أكثر من ثلثمائة من رجال القانون من المحامين والقضاة (وكأنهم يمثلون تمثيلاً صادقاً مجيء حكم القانون) (4) . وفي 6 تموز عيّنت الجمعية الوطنية لجنة من أعضائها لوضع دستور للبلاد (5) . أي أنها بعد أن ولدت بإرادتها الذاتية أخذت تفرض نفسها ومنطقها الجديد على النظام القائم. (وهكذا بدت الملكية منذ ذلك الحين مقيَّدة فعلياً بوجود “ الجمعية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الوطنية ”) (1) . وقد مضت الجمعية الوطنية تناقش مشروع إعلان حقوق الإنسان والمواطن؛ وكانت مناقشته سجال أفكار استمر إلى 26 آب 1789 حيث صادقت الجمعية على الإعلان الذي أُعِدَّ ليكون مقدمة للدستور. وبعد صدور الإعلان بدأت مناقشات الدستور. وينبغي أن نلحظ على هذه الأحداث أنه إذا كانت انتخابات مجلس الطبقات قد جرت بإرادة الملك لويس السادس عشر فإن إرادة أخرى، إرادة الأمة الفرنسية ممثلةً في نواب الطبقة الأكبر أي الطبقة الثالثة، هي التي فرضت وجود الجمعية الوطنية وأسستْ برلماناً دمج طوائف الأمة المختلفة في جسد وطني واحد. لقد ولد (البرلمان الحديث) بنفسه وفرض نفسه فرضاً على النظام القائم، وكان ميلاده يعبِّر بوضوح عن حلول الحق الطبيعي، حق الفرد والأمة، محل الحق الالهي وحقوق الألقاب الارستقراطية المتوارثة أو المصطنعة. وهذا الانبثاق الطبيعي للجمعية الوطنية وما اقترن به من التفاف الأمة، وبخاصة عموم الشعب الفرنسي، حولها هما اللذان يفسِّران بلا ريب قدرتها على أن تصمد وتمضي قدماً في طريق التغيير. لقد أثبتت الأحداث اللاحقة أن هذا البرلمان الحقيقي هو قوة لا تقاومُ لأن وراءه سنداً من الحق الطبيعي للإنسان وسنداً من إرادة الأمة. إن نظرية الحق الالهي سقطت لأن النظرية الديمقراطية القائمة على المذهب الفردي قد دقّت ساعتها إذ سطعت في عقول الناس واختمرت في ضمائرهم. لقد كانت نواة الثورة الفرنسية أولئك النواب الثلاثمائة من رجال القانون، ولقد كانت تلك النواة تحمل من القابلية للصمود والتغلّب قَدْرَ ما تحمل من قوة الفكرة الجديدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وكما سميِّت الثورةُ الفرنسية “ ثورة الفقهاء ” فإنها وُصِفَتْ بأنها ثورة أوروبية. كتب جوريس Jaures يقول: ((لا توجد ثورة فرنسية بالمعنى الدقيق للكلمة، بل توجد ثورة أوروبية على رأسها فرنسا)) (1) . بل وصفها بعضهم بأنها ثورة أطلسية revolution atlantique أو غربية (2) . ولابد من الإشارة في هذا الصدد إلى الوشيجة العميقة بين إعلان الحقوق الفرنسي وإعلانات الحقوق الأمريكية التي توّجت كفاح المستعمرات الأمريكية الثلاثة عشرة للاستقلال عن التاج البريطاني في الربع الأخير من القرن الثامن عشر. من هذه الإعلانات إعلان الحقوق الذي أعتمدته دولة فرجينيا مقدمةً لدستورها في 12 حزيران 1776. وقد نصت المادة الأولى منه على أن البشر متساوون بطبيعتهم في الحرية والاستقلال وأنهم يتمتعون بحقوق طبيعية غير قابلة للتنازل؛ وقد تكامل هذا المبدأ الأساسي الأول مع مبدأ السيادة الوطنية والنظام الانتخابي ومبدأ فصل السلطات. على أن أكبر تلك الإعلانات بلاشك هو إعلان الاستقلال الصادر في 4 تموز 1776، تلك الوثيقة التاريخية التي أعدّها الزعيم والمفكر الأمريكي الكبير توماس جيفرسون. ويتلخص ذلك الإعلان التاريخي في أن الحرية والمساواة حقان طبيعيان وأن المجتمع السياسي تكوّن بالاتفاق بين الأفراد لتأمين حرياتهم، وهو كما رأينا في إعلان فرجينيا يؤكد على سيادة الشعب. وكان جيفرسون يسعى إلى تضمين وثيقة الاستقلال مشروعه لمنع استيراد العبيد ومكافحة تجارة الرقيق، لكن المعارضة الشديدة التي لقيها أدّت إلى حذفه من الوثيقة. وكان يكافح أيضاً لتأمين الحرية الدينية وإنهاء الاضطهاد الذي كانت تمارسه الكنيسة، ووضع قانونه الخاص بالفصل بين الدولة والكنيسة (3) . وبعد برهة من الزمن لا تتجاوز ثلاثة عشر عاماً صدر الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن متضمناً المباديء ذاتها. فقد نصت المادة الأولى على مبدأ الحرية الطبيعية ومبدأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 المساواة، وترجمتها المادة الثالثة بالنص على مبدأ سيادة الأمة، وجاءت المادة السادسة عشرة للتوّج هذه المباديء الثلاثة بمبدأ الفصل بين السلطات؛ وكما رأينا في إعلان الاستقلال الأمريكي الصادر في 1776 فإن إعلان الحقوق الفرنسي نصّ على أن هدف المجتمع السياسي هو الحفاظ على حقوق الإنسان الطبيعية. الثورتان رضعتا إذن لبان الأفكار ذاتها، والثورة الفرنسية سلكت طريقاً ارتادته قبلها الثورة الأمريكية. والأجدر أن نقول إن الثورتين قد خرجتا من أصول ثقافية مشتركة. ويكفي في الإشارة إلى ما بين الثورتين من نسب فكري عميق أن نذكر أن أعداء جيفرسون، وهو من كبار رجال معركة الاستقلال والديمقراطية الأمريكية، قد اتهموه بأنه “ آلة في يد فرنسا ” و “ أداة روبسييير ” و “ والملحد اليعقوبي ” و “ قاتل الملوك ” (1) . ونادي اليعاقبة هو الجناح المتطرف في الثورة الفرنسية، ومن أعضائه روبسييير. المطلب الثاني: الخلفية التاريخية للثورة الفرنسية. لا يمكن فصل عصر التنوير عما سبقه من عصور، بل هو ثمرة تطور عقلي عميق حصل للشعوب الأوروبية خلال تاريخها الطويل. وإذا كان عصر التنوير يبدو لنا وثيق الصلة بعصر النهضة الأوروبية فإنه متصل بما سبقها من مراحل التطور العميق والبطىء. وإذا كانت الثورة الفرنسية هي بنت المذهب الفردي الذي سطعت أنواره في القرن الثامن عشر فإن معرفة مضامين التطور العقلي الذي أفضى إليه تتيح لنا أن نصل إلى الكنه العميق للأساس الجديد المزدوج للدولة أي الحرية الفردية وسلطة الأمة وأن نستشرف، من هناك أي من حيث نرى كنه هذا الأساس، مستقبل العلاقة بين الإنسان والدولة ومستقبل حقوق الإنسان والمواطن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 نستطيع أن نرى بذرة المذهب الفردي في نظرية القانون الطبيعي كما صاغها الفقيه والمفكر الروماني الشهير شيشرون Ciceron (106 - 43ق. م) . ونظرية القانون الطبيعي ظهرت أول مرة على يد فلاسفة الاغريق المتأخرين وبخاصةٍ الرواقيين stoiciens في أواخر العصر الاغريقي عندما أخذ الفكر السياسي يتحرّر من طغيان فكرة الدولة ويرى للفرد وجوداً ذاتياً مستقلاً عن الدولة أي وجوداً طبيعياً غير وجوده السياسي، (مناقضاً بذلك تعاليم أرسطو) (1) . وشيشرون الذي هو أحد أبرز فقهاء الرومان المتأثرين بفلسفة الرواقيين ذهب إلى وجود قانون طبيعي منتشر في جميع البشر وإلى أن الناس أحرار بخضوعهم لهذا القانون وإلى أنهم في ضوئه متساوون؛ وإنما هم متساوون في تكوينهم النفسي وفي كونهم كائنات عاقلة وفي تمييزهم المشترك بين الخير والشر. وفي تحديد مصدر هذا القانون الطبيعي قال شيشرون إنه نابع من العناية الربانية ومن الطبيعة البشرية العاقلة؛ أنه قانون العقل الصحيح. لكنه قال أيضاً إن الإنسان هو المصدر الأول لفكرة العدل، وأرجع القوانين إلى التمييز المتأصل في طبيعته بين الخير والشر. وهكذا يبدو الميل عند شيشرون إلى اعتبار العقل مرجعاً أصلياً لمعرفة القانون الطبيعي، رغم المسحة الميتافيزيقية (2) التي يخلعها على هذا القانون. وكما تلقّى فقهاء الرومان فكرة القانون الطبيعي من فلاسفة الاغريق فإن الأوروبيين تلقَّوا من شيشرون نظريته في القانون الطبيعي وأصبحت عندهم على مدى قرون سلاحاً لمقارعة الاستبداد والدعوة إلى الحرية والمساواة. وإذا كان واضحاً أن هذه النظرية قد وجهت الفكر الأوروبي نحو تدعيم حرية الفرد وذاتيته المستقلة فإننا نستطيع أن نقول إنها أسهمت في دفع هذا الفكر في الاتجاه المؤدي إلى تكريس سيادة العقل الفردي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 هذا الاتجاه إلى تكريس سيادة العقل سوف يتلقى في القرن الخامس الميلادي دفعة قوية على يد القديس أوغسطين Saint Augustin صاحب (مدينة الله La Cite de Dieu) و (سلطة النوع الإنساني - L’autorite du genre humain) والذي عرّف الوجود بأنه ظاهرة وعي Phenomene do la Conscience. وواضح أن القديس أوغسطين أعطى الوعي أولوية تجعل منه، وهو من أوائل فلاسفة المسيحية الكبار، رائد المذهب العقلاني في التاريخ الأوروبي. إنه، كما يقول كوستاس يايويانوّ Kostas Papoiannou (1) ، الجدّ الأعلى لهيجل Hegel. وهيجل (1770 - 1831 م) هو الذي قال إن الدولة هي التجسيد الواقعي للفكرة المطلقة. وفي قلب العصر الوسيط تطالعنا في أوساط رهبان الكنيسة النزعات التي سوف تطبع العصر الحديث، وهي العقلانية والليبرالية والفردية التي حاولت الكنيسة دون جدوى قمعها والتي نجم عنها في أوساط الرهبان تصوّر للأخلاق متحرر من القانون الديني. وتسلمنا هذه المرحلة القلقة من مراحل العصر الوسيط إلى رمز كبير من رموز الكاثوليكية في القرن الثالث عشر (أواخر العصر الوسيط) ، إلى القديس توماس الاكويني Saint Thomas D'Aquin (1226 - 1274 م) الذي يعرِّف الإنسان بأنه من الناحية الجوهرية عقل L’homme est essentiellement raison والذي يكرِّس الفرد على ما هو عليه في واقعه المحسوس. وقد قيل إنه أبو الفلسفة الحديثة (2) . وتتجاوب رؤيته للسلطة السياسية مع رؤيته هذه للإنسان: فالسلطة التي هي حق إلهي طبيعي، مفوَّضة إلى الشعب، بمعنى أن الشعب يختص بتعيين الحكام من وسطه؛ وهكذا يعرِّف رئيس الدولة بأنه نائب الجماعة Vicaire de la multitude (3) . ونستطيع أن نلحظ الدلالة الخطيرة والمثيرة التي ينطوي عليها مذهبه: فإذا كان الإنسان جوهراً عقلياً فإن السلطة الطبيعية للجماعة هي في التحليل الأخير سلطة قائمة بذاتها أي مطلقة. إن مذهب القديس توماس الاكويني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 يحمل هكذا بذرة الفصل بين السلطتين الزمنية والروحية، تماماً كما هو يسلم الفرد إلى واقعه المحسوس. إننا أمام الامارات الأولى لسقوط الميتافيزيقيا من حياة المجتمع المدني. أليس مثيراً جداً أن نرى عند هذا الذي كرّسته الكنيسة الكاثوليكية فيما بعد أباً من آبائها الارهاصات غير المباشرة للحركة العقلية التي قادت إلى الثورة الفرنسية؟! أمّا في القرن التالي، الرابع عشر، حيث بدأت تختمر الخمائر الأولى للنهضة الأوروبية، فقد اهتزت البنية العقلية التقليدية تحت ضربات المذهب الاسمي nominalisme الذي شكّك في الحقائق المجرّدة واستبدل بها الحقائق المستمدة من الطبيعة الحسيّة. وظهرت حينئذ الدعوة إلى الفصل بين السلطتين الروحية والزمنية (1) ، وهو الفصل الذي سوف تضع الثورة الفرنسية بعد أربعة قرون أساسه الايديولوجي في إعلان 1789 م. ونستطيع في ضوء هذه المعطيات أن ندرك كنه الاتجاه الإنساني Humanisme الذي أفرزه هذا التطور العقلي على مدى قرون والذي هو روح عصر النهضة الممتد بين أواخر الربع الأول من القرن الرابع عشر وأواسط القرن السادس عشر: إنه الاتجاه إلى تكريس الوعي الفردي تكريساً يعطيه الصفة المطلقة ويوحِّده مع الطبيعة الحسيّة؛ إنه الاتجاه إلى جعل الأنا الفردية إليهاً أرضياً يرى الحقيقة من خلال واقعه المادي المحض؛ إنه الاتجاه إلى إنزال (المطلق) من علوِّه الميتافيزيقي وجعله في هذه الإنسانية التي وصفها الفيلسوف الألماني فيورباخ Feuerbach بأنها الإنسانية التي تتغذى من نفسها، من لحمها ودمها (2) . هذا الاتجاه الذي يخرج الفرد من حالة الخضوع للمبدأ الميتافيزيقي وللسلطة الروحية التي تحكم باسمه ويدفعه إلى حالة الحرية المطلقة حيث يتحد مع العالم المادي يقود طبيعياً إلى نتيجة حتمية هي خضوع الفرد للدولة بوصفها واقعاً مادياً ضخماً ومسيطراً؛ وهو خضوع طوعي يجعله والدولة شيئاً واحداً ويخلع على الدولة صفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 المطلق. أي أن الفرد والدولة يصبحان صورتين للقوة مندمجتين أولاهما في أخراهما، على أن أولاهما قوة خاضعة إلى حدّ التلاشي في الأخرى بينما الأخرى قوة مسيطرة إلى حدّ أن تكون إلهاً للأولى. لقد عرّف المفكر الألماني Treitschke الدولة بأنها قوة l”Etat est force (1) ، وعرّف هيجل الدولة بأنها المطلق، وفي نظر الفقيه الفرنسي العميد ديكي Duguit فإن جوهر الدولة يكمن في فرق القوة بين الحكام والمحكومين (2) ؛ أما كانت Kant فقد فقد أصلّ القانون، الذي هو نظام حياة الدولة، في القوة. ومن هنا قول الفقيه الألماني إهرنك Ihering إن غياب القوة المادية هو الخطيئة القاتلة للدولة (3) . وهو خطيئتها القاتلة لأن القوة المادية ليست أداةً لقمع حالات الخروج على نظام الدولة فحسب، ولكنها القاعدة العامة لنظام الدولة واكسير حياتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 ونستطيع أيضاً أن نرى ما في تيار الإنسانية هذا من قوة اندفاع نحو تحطيم القوالب التقليدية للعقل والحياة والدولة: إنه تيار يتغذى على تكريس إرادة القوة في الفرد والدولة على السواء. وقد وصل هذا التيار مع رينيه ديكارت Rene Descartes في القرن السادس عشر إلى لحظة التحطيم الجذري لهذه القوالب التقليدية عندما أطلق قولته المشهورة: ((أنا أفكِّر، إذن أنا موجود)) ؛ وهكذا هدم ديكارت جميع الحقائق أو، وفق لغته، أحلام العالم الموضوعي ونهضت من بين ركام الحقائق المنهارة هذه الأنا التي تتكلم في فراغ مطلق وتقرِّر الحقائق كما يقرِّرها إله. وواضح أن أولوية الأنا عند ديكارت تتجاوب مع أولوية الوعي عند القديس أوغسطين وواضح أيضاً أن اعتباره الحقيقة فكرة العقل ذاتها يتجاوب مع قول القديس توماس الاكويني إن الإنسان هو جوهرياً عقل. وهكذا فإن العصور القديمة والوسطى والحديثة تلتقي على أمر جامع هو تأليه الإنسان أو بالأحرى تأليه الأنا الفردية La divinisation du moi؛ وهو، كما رأينا آنفاً، الطريق الذي يوصل طبيعياً إلى تأليه الدولة. وليس هذا التأليه للإنسان فكرة مستقرة في العقل الباطن الأوروبي فحسب، بل هو فكرة واعية وجدت تعبيرها الصريح في البيئة المسيحية في العصر الوسيط حيث ظهر تعريف للإنسان بأنه إله ثانٍ L’homme est un second dieu (1) . لقد قدّم ديكارت لأوروبا أساساً جديداً للفكر والحياة حينما هدم جذرياً ثنائية العقل والحقيقة وحرّر الإنسان الأوروبي من ربقتها ومما تنطوي عليه من قيود للفكر والسلوك؛ إن صيحته المشهورة الآتية من أعماق الحضارة الأوروبية المسيحية تعلن نهاية النظام القديم وتفتتح عهد الإنسان الحرّ والدولة الحرة: عهد الإنسان الذي (يقرِّر) الحقيقة بوعيه الفردي البحت و (يبتكر) تصرفاته بإرادته الفردية البحتة، وعهد الدولة صاحبة السلطة العليا المطلقة أي الدولة ذات السيادة؛ إنها بشارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 إلى أوروبا بالدخول في عصرها الحديث، عصر الدول القوية وحركة التوسع الأوروبي. وإذا كان ديكارت قد حرّر العقل نهائياً من قوالب بنيته التقليدية وأطلق حيويته الحرة فإنه قد ضمن بذلك لمنهجه أن يصل في تأثيره إلى الدرجة التي يشير إليها لويس كارديه Louis Gardet بقوله إنه بلغ حدّ توجيه منطق الرجل العادي (1) . ونستطيع إذن أن نؤرخ بهذه اللحظة الفاصلة من تاريخ أوروبا بدء مسيرتها نحو الديمقراطية الحديثة، حيث بزغ فجر إيمان جديد، إيمان الفرد بنفسه إيماناً جعله في وعي حقيقةً مطلقة؛ وتلك هي المسيرة الطويلة التي سوف تتوِّجها الثورة الفرنسية في 1789 م. ولا ريب في أن نموّ هذا الإيمان الجديد يبدِّد تدريجياً في وعي الفرد والجماعة صورة صاحب السيادة بوصفه حقيقةً مستقلة عن الجماعة بحيث يصبح صاحب السيادة هو الجماعة نفسها وتصبح هي مصدر السلطة والقانون. ونستطيع أن نرى هذا التحوّل العميق عندما نقارن بين مفهوم جون لوك وبين مفهوم جان جاك روسو لصاحب السيادة في نظريتيهما عن العقد الاجتماعي. فالعقد الاجتماعي عند لوك ينعقد بين طرفين أحدهما الجماعة والثاني فرد يصبح بمقتضى العقد صاحب السيادة؛ وهذا العقد ينشئ حقوقاً وواجبات متبادلةً بين طرفيه بحيث تكون سلطة صاحب السيادة نسبية خاضعة لشروط معينة تتحكم في نشوئها وفي بقائها. أما العقد الاجتماعي عند روسو فإنه عقد تبرمه الجماعة مع نفسها وتصبح بمقتضاه هي صاحبة السيادة وتكون سلطتها بطبيعة الحال مطلقة؛ إن حصيلة العقد الاجتماعي هي ما أسماه روسو سيادة الإرادة العامة (2) . إنَّ انهيار ثنائية العقل والحقيقة على يد ديكارت، أي صيرورة الحقيقة فكرة العقل ذاتها، قد أذن بانهيار ثنائية الإنسان والدولة وصيرورة الفرد، وبالتالي الأمة، جوهر الدولة وحقيقتها النهائية. وإن هذه الأحادية العقلية والسياسية التي هي روح العصر الحديث هي الطور الأخير الذي أصبحت تسير نحوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الدولة سيراً تصاعدت قوته خلال عصر التنوير حيث ظهر جيل جديد متشبع بالمذهب الفردي. وفي طورها الأخير هذا تنقطع الدولة الحديثة عن جذورها الميتافيزيقية ولا يبقى للسلطة الروحية وجود في حياة المجتمع السياسي الذي يصفه كانت بأنه جذوره من نفسه؛ فمحلَّ سيادة الملك المستندة إلى نظرية الحق الإلهي سوف تحلّ سيادة الأمة التي تجد سندها في نفسها أي في الحق الطبيعي المطلق الذي يُحِلّ الفرد لا محل الملك فحسب بل محلّ الله ويجعل سيادة الإرادة العامة التي تحدث عنها روسو بديلاً عن الإرادة الإلهية المطلقة. إن هذا الطور الأخير هو طور علمانية الدولة La Laicite de L’Etat (1) التي سوف تكرِّسها الثورة الفرنسية في إعلان 1789 م والتي أقامها ميرابو في مناقشات الجمعية الوطنية على أساسٍ من الطبيعة المطلقة للوعي الفردي. وفي هذا الصدد يقول Gabriel Compayre إنه ((لا يوجد ظلّ للميتافيزيقيا في إعلان معتقد سياسي)) ، مدافعاً عن إعلان الحقوق ضدّ أولئك الذين كانوا يحتجّون على عقلانيته المطلقة أو طابعه المادي (2) . وإذا كانت الفلسفة الحديثة، وعلى رأسها ديكارت، قد بذرت بذور الإيمان الجديد الذي أشرنا إليه والذي قاد إلى هذا التحوّل العميق في طبيعة الدولة، أي بذرة الوعي الفردي المطلق، في أرض خصبة صالحة للإنبات بحكم تطوّرها التاريخي فإن جان جاك روسو ومن بعده تلميذه سييس قد تعهّدا هذه البذرة بالرعاية وأعطياها ثمرتها السياسية الكاملة: فالأول حرّر الإرادة العامة من كل قانون أساسي بل من العقد الاجتماعي الذي هو مصدرها وجعلها مطلقة تستطيع فعل أي شيء، والثاني اعتبر الأمة كائناً مطلقاً لا يقع عليه أي إلزام وافترض أنها، بالنسبة إلى ذاتها، في حالة الطبيعة دائماً؛ وبهذا التعليم أثارا حركة عقلية عامة قادت إلى الثورة الفرنسية. المبحث الثاني: الفرد والدولة: المطلب الأول: ماهية الحرية الفردية في إعلان 1789 م الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 تحتلّ الحرية الفردية مركز الدائرة في النظام السياسي الذي أقامته الثورة الفرنسية للمجتمع السياسي. تنص المادة الأولى من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي صادقت عليه الجمعية الوطنية الفرنسية في 26 آب 1789 م على أن الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الحقوق ويبقون كذلك، وتسلِّط المادتان الرابعة والخامسة ضوءً قوياً على مضمون المادة الأولى يكشف حقيقة هذه الحرية التي يتمتع بها الإنسان بمقتضى إنسانيته نفسها وبمجرّد واقعة ميلاده ذاتها. فالمادة الرابعة تعرِّف هذه الحرية الطبيعية بأنها قدرة الفرد على القيام بكل مالا يلحق ضرراً بالآخرين؛ وهكذا، كما تقول المادة، فإنه لا حدود لممارسة الحقوق الطبيعية لكل إنسان إلاّ تلك التي تؤمِّن للأعضاء الآخرين للمجتمع التمتع بهذه الحقوق نفسها؛ وتسند المادة إلى القانون وحده تحديد هذه الحدود. وواضح إذن أن الحرية التي يكرِّسها الإعلان هي في ذاتها حرية مطلقة، حرية الفرد في أن يفعل ما يشاء ويدع ما يشاء؛ إنها ليست خاضعة لقانون سابق أي لمعيار أخلاقي يضبطها ويحدِّد لها مسالكها، والقانون الوحيد الذي يضبطها لا شأن له بمضمونها الداخلي وإنما هو يضبط علاقاتها الخارجية مع حريات الآخرين حتى لا تفتئت عليها وتبقى حرية كل فرد مطلقة في عالمها الداخلي؛ ونصّ المادة الرابعة يُشعِرُ بوضوح بنفي أي معيار لضبط الحرية الفردية غير القانون الوضعي الذي يتولّى وحده تعيين الحدود الفاصلة بين الحريات الفردية؛ وينبني على هذا النفي نتيجة خطيرة بيّنتها المادة الخامسة هي أن كل مالا يحرمه القانون لا يمكن منعه وما لا يأمر به القانون لا يمكن إجبار أحد على فعله. فالقانون هو إذن خادم للحرية الفردية لا حاكمُ عليها، إنه مأمور لا آمر، مأمور بأن يؤدّي في خدمتها مهمة ليس له أن يتجاوزها، وهذه المهمة المحصورة قد بيّنتها المادة الخامسة: (ليس للقانون الحق في أن يمنع غير الأعمال الضارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 بالمجتمع) . ولا نستطيع أن نُغفِل التناقض الظاهر والجذري بين هذا المفهوم الليبرالي للحرية وبين مفهوم الحرية في نظرية القانون الطبيعي التي انطلق منها المذهب الفردي، وهو المذهب الذي على أساسٍ منه قامت الثورة الفرنسية. فالخضوع للقانون هو قوام الحرية عند شيشرون الذي كانت نظريته في القانون الطبيعي منطلقاً لتطور فكري وسياسي دام قروناً في أوروبا؛ وموقف شيشرون في هذا الشأن موقف جذري إذ يقول: ((إننا عبيد للقانون لكي نكون أحراراً)) ؛ وبديهي أن القانون الذي يعنيه هو القانون الطبيعي أي القانون القائم بنفسه السابق للإرادة والذي يقرِّر للإرادة ما ينبغي أن تتَّجه إليه؛ والحرية التي يعنيها هي إذن حرية أخلاقية قائمة على ثنائية المثال المجرَّد والإرادة البشرية. وهكذا نستطيع أن نرى أن المذهب الفردي في طوره النهائي الذي أفرز الثورة الفرنسية قد تنكَّر لأصله التاريخي الذي انحدر منه بأن جرَّد الحرية من طابعها المعياري وأفقدها عمقها الأخلاقي وجعلها إرادة محضة بعد أن كان جوهرها القانون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 ينبغي إذن تعريف الحرية التي كرّسها الاعلان بأنها إرادة النفس الحسّيّة بالمعنى المطلق لهذا التعبير. وهكذا نصل إلى الفلسفة النهائية لواضعي الاعلان: حقيقة الإنسان تكمن في نفسه الحسّيّة: أي أن جوهر الإنسان هو المادة، والروح ليست حقيقة مستقلة عن الجسد. وقد رأينا آنفاً أن الذين أخذوا على الإعلان عقلانيته المطلقة قد وصموه أيضاً بالمادية. ويمكن أن نرى أن الثورة الفرنسية (1789) والثورة البلشفية التي نشبت في روسيا في 1917 تشتركان في رؤيتهما المادية للإنسان وأنهما في هذه الرؤية المشتركة ثمرة تطور عقليّ متشابه مرّت به عائلة الشعوب الأوروبية. الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع السياسي هو، في فلسفة الثورة الفرنسية، حيوان سياسي؛ وفي هذا يلتقي فكر الثورة مع الفكر الاغريقي القديم. والحقيقة القانونية التي تقرِّرها الإرادة العامة، كما تنص عليه المادة السادسة من الإعلان، تتجذَّر إذن في غرائز هذا الحيوان السياسي. ولا محل إذن للدين في حياة المجتمع السياسي الذي أقامته الثورة. ومن سوء الفهم بل من السطحية أن نتوهم أن علمانية الدولة التي كرّسها الإعلان تقتصر على فصل الدولة عن الكنيسة؛ إنها لا تطرد السلطة الروحية وحدها من حياة المجتمع السياسي بل تطرد معها وقبلها الحقيقة الدينية نفسها إذ هي تقوم على إنكار أن يكون لأية حقيقة وجود خارجي مستقل عن الوعي وعلى اعتبار الحقيقة بنت الوعي الفردي. وفي الحساب الأخير فإن الحقيقة الدينية تتجذر، رغم ما يبدو في هذا القول من غرابة شديدة، في الغريزة الحيوانية، شأنها في هذا شأن الحقيقة القانونية. لسنا هنا بعيدين عن هيجل الذي عاصر الثورة الفرنسية والذي يصل عنده تكريس الغريزة الحيوانية في الإنسان إلى درجة التقديس: فالله، كما يقول، تجسّد في المادة ثم في الغريزة الحيوانية للإنسان ومازال يواصل من خلالها عمله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 الخلاّق (1) . وإذا كان ديكارت قد هدم هدماً جذرياً وصريحاً ثنائية العقل والحقيقة وافتتح الطريق المباشر إلى الديمقراطية الحديثة وإلى الثورة الفرنسية، كما رأينا، فإن هيجل قد أماط اللثام عن المغزى النهائي لهذه الأحادية التي أقامها ديكارت: فالله والإنسان هما عند هيجل حقيقة واحدة تكمن في الغريزة الحسيّة وتتجسّد في الدولة التي هي المطلق. فلسفة الثورة التي عبّر عنها الإعلان كانت إذن فلسفة الحادية وإن كان لم تصرّح بالالحاد. وترينا المعطيات السابقة المتعلقة بالهوية الأوروبية للثورة أن إلحادها كان ذا جذور تاريخية عميقة. والنظام الجديد الذي كان الالحاد هو النسغ الذي يمشي في مفاصله الكبرى (الفرد، الارادة العامة، القانون) لم يكن فيه مكان لصوت يتكلم عن خلود الروح ووجود الله ويدعو إلى الفضيلة. لم يكن فيها مكان لرجل مثل روبسييير Maximilien Rebspierre (1758 - 1794) الذي كان يرى أن الدين (لبنة هامة في بنيان المواطنة) (2) . كان روبسييير من أعضاء الجمعية التأسيسية و (لم يكن هناك من يجادل في زعامته للثوار) بعد موت ميرابوا وكانت الجماهير مفتونة به، وعند حلّ الجمعية التأسيسية كانت شعبيته قد بلغت مداها و (سمّاه الناس رجل الساعة) وفي لحظة من تاريخ الثورة (أصبح مطلق اليد في فرنسا) (3) . قال في تقريره المؤرخ في 5 فبراير / شباط 1794: (ما هو هدفنا؟ أن ننعم في هدوء بالحرية والمساواة وبعهد العدالة الأبدية المنقوشة قوانينه، لا على الرخام أو الحجر، بل في قلب كل رجل، حتى العبد الذي ينسى أن له حقوقاً والطاغية الذي ينكر هذه الحقوق) . وقال أيضاً في نفس التقرير: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 (نحن نريد أن نحقق عهود الطبيعة لبني الإنسان) (1) . لكن دعوته الصريحة إلى إدخال الدين في حياة الدولة جاءت في تقريره المشهور الذي كتبه في 7 مايو / مارس 1794 وسمّاه تقريراً عن العلاقة بين الدين والأفكار والمبادىء الجمهورية واستعرض فيه التقدم من حكم الجريمة إلى حكم الفضيلة قائلاً: (من ذا الذي فوّضكم أن تعلنوا للناس أنه ليس هناك شيء إلهي؟ وماذا يستفيد الإنسان لو اقتنع بأن قوة عمياء تسيطر على مقدّراته وتضرب عشوائياً في كل اتجاه: آناً بالفضيلة وآناً بالجريمة؟ أو أن روح الإنسان مجرد بخار خفيف يتبدّد عند فتحة القبر؟ وهل فكرة تلاشي الإنسان ستوحي له بأشياء أشدّ نقاءً من فكرة خلوده؟ ... هل ستزيد من صلابته في مواجهة الطغيان أو تعمِّق احتقاره للملذات أو للموت؟ ... حتى القول بوجود الله وخلود الروح سيكون أجمل ما ابتكره عقل الإنسان .... والخلاصة: يجب أن يعلن المؤتمر الوطني أن الشعب الفرنسي يعترف بوجود الكائن الاسمي وبخلود الروح ويجيز ديانة مقامة من الدولة على هذا الأساس) (2) . كان رجل مثل هذا خطراً على النظام الجديد يوشك أن يصيبه في مقتل لاسيما أنه راح يندِّد بالالحاد؛ فكان لابد من التخلص منه، وقد تم إعدامه على المقصلة في 27 يوليو / تموز 1794. ولو قدّر له أن يبقى لتغير وجه فرنسا الجديدة ومن ورائها وجه التاريخ الحديث والمعاصر الذي حدّدت الثورة الفرنسية اتجاهه. المطلب الثاني: من حرية الفرد إلى طغيان الدولة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 الوحدة التكوينية للمجتمع السياسي الجديد، أي الفرد، لها إذن صفتان: فهي تتصف في ظاهرها بالقوة من حيث أن ماهيتها إرادة مطلقة تقرر الحقيقة وتقرر شكل السلوك كما تشاء؛ وهي تتصف في حقيقتها العميقة بالضعف من حيث أنها تحيا تحت استبداد الغريزة الحسية أي تحيا في استسلام للواقع المادي ولاسيما للدولة التي هي أقوى صور هذا الواقع وأشدّها تأثيراً على الفرد من حيث امتلاك الدولة لأدوات السيطرة التي لا تتوفر لسواها. إن الحرية الفردية المطلقة في إعلان 1789 هي في التحليل الأخير عبودية الفرد للدولة أو بالأحرى للسلطة السياسية. وينبغي أن نضيف أن هذه العبودية ليست عبودية قسرية، بل هي عبودية طوعية واستسلام رضائي تلقائي يصل في تطوره إلى أن يكون قاعدة تفكير الفرد وتصرّفه داخل الدولة. وبتعبير أدق فإن الإعلان الذي يقيم نظرياً ثلاث صور من السيادة، سيادة الإرادة الفردية وسيادة الإرادة العامة وسيادة الدولة، يقود عملياً إلى تكريس سيادة واحدة هي سيادة الدولة أو سلطتها العليا المطلقة بينما تتحول الأخريان إلى عبودية طوعية للدولة؛ إنه يقيم دكتاتورية الدولة أو طغيان السلطة على أساس من ارتضاء الجميع بمقتضى حريتهم المطلقة أن يكونوا عبيداً للسلطة. وهكذا يبدو حق مقاومة الطغيان الذي قررته المادة الثانية من الإعلان حقاً نظرياً لا بسبب العجز عن مقاومة الطغيان بل بسبب أخطر وأعمق هو الفقدان الفعلي والتدريجي لإرادة مقاومة الطغيان والتحوّل إلى الوداعة السلبية اللامسؤولة والمتعامية عن خطايا السلطة ثم التحوّل أخيراً إلى موقف تبريري يسبغ الشرعية على كل وضع فعلي تصنعه السلطة. إن الإرادة العامة التي أسند إليها جان جاك روسو إيجاد القانون وأجاز لها نقض أي قانون أساسي ثم أجاز لها سييس من بعده نقض كافة الأشكال الدستورية يؤول أمرها من الناحية العملية إلى الرضا بكل انتهاك تقترفه السلطة للدستور أو القانون. إن الإرادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 العامة تنتقل هكذا من السيادة (العزيزة) التي تفرض ما تشاء إلى السيادة (الذليلة) التي ترضى كل ما يفرض عليها. هذا المآل الحتمي الذي تؤول إليه عملياً الوحدة التكوينية للمجتمع السياسي، الفرد، أي الفقدان الفعلي للذاتية المستقلة والذوبان الفعلي في السلطة، يترافق ويتكامل مع الوضع الذي تؤول إليه السلطة ذاتها في صيرورة حتمية تنطلق من ذات المنطلق أي من الطبيعة المطلقة للحرية الفردية. فكما أن جوهر الحرية الفردية هو الإرادة لا القانون كما رأينا من قبل (المبحث الثاني - المطلب الأول: “ ماهية الحرية الفردية في إعلان 1789 ”؛ ما قلناه عنها في ضوء نظرية القانون الطبيعي) وكما أن القانون يستمد بالتالي أصل وجوده من الإرادة العامة المطلقة فإن السلطة التي تنبثق من هذه الأخيرة هي جوهرياً إرادة لا قانون، أي أن شرعيتها الدستورية التي تستند إليها وصبغتها القانونية التي تصبغ تصرفاتها تخفيان طبيعة مطلقة تجعل استقامتها على طريق الدستور والقانون متوقفة على إرادتها الحرة وتجعل انحرافها قابلية جوهرية تكمن في طبيعتها لا إمكانية عرضية تعتور عملها. وهكذا، من جهة وأخرى، أي مع استسلام الفرد ومع طغيان السلطة، وكلاهما جوهري أصيل، تصبح الحقوق والحريات حصوناً بلا أبواب تمنع اقتحامها. فالفرد يؤول أمره إلى أن يفقد حريته الداخلية كلما أوغل في التمتع بحريته المطلقة حتى يصبح هو والسلطة شيئاً واحداً ويفقد حيالها كل استقلال حقيقي يكفل تحرّكه للدفاع عن الحقوق والحريات وعن القانون الذي يكفلها، وربما التمس من القانون نفسه تبريرات لتصرفات السلطة اللاقانونية. والسلطة الديمقراطية يؤول أمرها إلى أن تفقد كل خضوع حقيقي للقانون وتصبح قوة بحتة تختفي وراء ثوب القانون، قوة قانونية المظهر سياسية الجوهر تضرب في كل اتجاه وتذهب آناً مع الحقوق والحريات وآناً ضدها وتتخذ من القانون نفسه ذرائع لتصرفاتها اللاقانونية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 لقد اعتبر إعلان حقوق الإنسان والمواطن وثيقة ميلاد المواطن الحديث. لكن أليس هو، بفتحه الباب عملياً لطغيان السلطة من ناحية ولانحلال الإرادة العامة من ناحية أخرى، وثيقة إعدام الحريات تحت شعار تمجيدها؟! والمسار الفعلي الذي اتخذته الثورة الفرنسية يقدِّم الجواب على هذا التساؤل، فقد انتهى إلى خروجها على منطق إعلان الحقوق نفسه. بل إن المرحلة الأولى من تاريخها قد انطوت على ما ينذر بهذا المصير. فقد رأينا من قبل (المبحث الأول - المطلب الأول: صلة الثورة بالمذهب الفردي) أن حزب اليسار في الجمعية الوطنية، الجيروند les Jirondins، ذهب إلى إمكانية التضحية بالدستور لمصلحة الثورة، رغم أنه صادر باسم الأمة. ولاشك في أن هذا الموقف يفتح الباب لانحراف السلطة إذا لم تكن الإرادة العامة على درجة من اليقظة تكفي لصيانة خياراتها الدستورية. وقد سارت الثورة بعد ذلك بتأثير هذه الليبرالية المتطرفة في طريق الانفصال عن إرادة الأمة: تمثل هذا الانفصال في حلّ الجمعية الوطنية التي على يدها قامت الثورة والتي بفضلها اندمجت طبقات المجتمع الفرنسي الثلاثة الممثلة في مجلس الطبقات في كيان واحد هو الأمة الفرنسية التي كانت الجمعية الوطنية مرآاتها الصادقة؛ وتمثل هذا الانفصال أيضاً في إقامة الكوميون الثوري La Commune الذي حكم الحياة السياسية نحو عامين هما عهد الإرهاب والمذابح والاعدامات بالجملة؛ وزاد دخول الشارع الفرنسي طرفاً في الأحداث من إشاعة الفوضى وتضييع صوت الإرادة العامة؛ ويكفي للتدليل على تنكّر الثورة لأصلها الذي قامت عليه أن المؤتمر الوطني الذي حاكم الملك قد رفض مبدأ الرجوع إلى الأمة إدانة الملك بعد أن طالب الجيروند Les Jirondins، وهم من أعضاء الجمعية الوطنية، بعرض الأمر على الاستفتاء العام على أساس أن ذات الملك مصونة بموجب دستور 1791 وأن الشعب وحده يملك تجريد الملك من حصانته الدستورية (1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وكما انفصلت سلطة الثورة عن القاعدة التي انطلقت منها أي إرادة الأمة وراحت تتصرف حسب رؤى المسيطرين عليها ونوازعهم فإنها على الصعيد الخارجي نكصت عن رسالتها التحريرية. ففي 19 نوفيمبر / تشرين الثاني 1792 أصدرت الثورة مرسومها العالمي الذي تمدّ فيه يد الإخاء والمساعدة إلى كافة الشعوب التي تريد استرداد حريتها (1) ؛ ولكنها بعد برهة قصيرة وقبل انتهاء العام نفسه نقضت عهدها إذ رجعت إلى السياسة الاستعمارية القديمة (2) . لقد داس نابليون بونابرت، وهو من جيل الثورة، على إعلان الحقوق والحريات الصادر في 1789 وعلى منشور المؤتمر الوطني الصادر في 1792 والذي يعلن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وسطورهما لم تزل نديّة، عندما احتل مصر في العام 1798 ودنَّس بسنابك خيله الأزهر الشريف وقتل علماء مصر (3) . فأين كانت الأمة الفرنسية التي وقفت وراء الجمعية الوطنية ووراء الإعلان الذي صادقت عليه في 26 آب 1789 وقفة أجبرت الملك نفسه على التراجع خوفاً من سوء العواقب التي تترتب على رفضه المصادقة على الإعلان؟! وما الذي يفسِّر تصويت البرلمان الفرنسي في 1830 بالموافقة على احتلال الجزائر؟! أليس مجرى الأحداث قد انتهى إلى انحلال الإرادة العامة حيال سلطة فارقت قاعدتها الديمقراطية وتحوّلت إلى سلطة دكتاتورية في الداخل واستعمارية على الصعيد الدولي؟! المطلب الثالث: موقع القانون وقيمة الضمانات القانونية للحقوق والحريات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 يحدِّد الإعلان دور القانون باسلوب يثير الاستغراب. فللقانون حدود ينبغي له ألاّ يتجاوزها: ((أليس للقانون الحق في أن يمنع غير الأعمال الضارة بالمجتمع)) - المادة الخامسة. هذا النص يتكامل مع نص المادة السادسة التي تقول إن القانون هو التعبير عن الإرادة العامة. وهكذا فإن الإعلان يجعل القانون خاضعاً في الأصل لمعيار تفرضه عليه الإرادة، بدلاً من أن يكون هو المعيار الأول الذي يعيِّن للإرادة اتجاهها وخياراتها. القانون في الديمقراطية الليبرالية الحديثة التي افتتح الإعلان عهدها هو من الناحية الأساسية القانون المحكوم لا الحاكم، القانون الذي لا يتمتع بالسلطة الأولى بل يأخذ موقعه تحت الإرادة العامة التي تتمتع، هي، بالسلطة الأولى أو العليا، أي هو النظام الذي تضعه القوة لتحقق به مآربها. وكون القوة هي قوة الجماعة، لا قوة فرد أو طبقة أو طائفة، لا يعطي القانون وصفاً آخر، فالقوة هي القوة. ومن الناحية الجوهرية، إذن، فإن موقع القانون هو نفسُه في النظام القديم الذي قوّضته الثورة وفي النظام الجديد الذي أقامته. بل إن موقع القانون قد أصبح مطبوعاً أكثر من ذي قبل بطابع التبعية في النظام الجديد الذي حرّر القوة تحريراً كاملاً إذ فصل السلطة عن جذورها الميتافيزيقية وردّها جوهرياً إلى الأمة (المادة الثالثة من الإعلان) . وهكذا تتبدّد فكرة سيادة القانون أو أولوية القانون التي تتغنّى بها الديمقراطيات الليبرالية الحديثة ولا يبقى منها إلاّ شعار وهميّ بغير محتوىً حقيقي. وإذا جاز لنا أن نتحدث عن أولوية القانون في النظرية الليبرالية فإنما هي أولوية نسبية لا مطلقة؛ وهذه الأولوية هي بلاشك شيء آخر غير السيادة التي هي أولوية مطلقة ولا يمكن تصوّرها غير ذلك. ولاشك في أن الاكتفاء بالنظر إلى الوجه القانوني المباشر للديمقراطية الليبرالية الحديثة وعدم إمعان النظر فيما وراء هذا الوجه الظاهر من سلطان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 مطلق للإرادة هو الذي يفسِّر وقوع الكثيرين تحت وهم سيادة القانون. بتعبير آخر فإن سيادة الأمة التي نصت عليها المادة الثالثة من الإعلان، أو سيادة الإرادة العامة بتعبير جان جاك روسو، تنقض سيادة القانون وتحيلها وهماً خطيراً لأنه يُلْبِسُ حكم القوةِ ثوبَ القانون. وسيادة الدولة التي ترتكز على سيادة الأمة تتناقض تناقضاً أشدّ وأكثر جذريّة مع سيادة القانون لأنها في التحليل الأخير هي السلطة العليا للحكّام أنفسهم. وقد أشار شارل روسو Charles Ruosses في تحليله لظاهرة الدولة إلى هذا التناقض قائلاً إن السيادة فكرة مضادَّة بعمق للقانون notion foncierement anti-juridique (1) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 مصادر الحافظ ابن الفرضي في كتابه " تاريخ العلماء والرواة " د. حمد بن صالح السحيباني الأستاذ المشارك في قسم التاريخ والحضارة بكلية العلوم الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ملخص البحث تناولت هذه الدراسة القضايا التالية: أولاً: بدأت بمقدمة مختصرة عن كتب التراجم والرجال حتى عصر ظهور هذا الكتاب، ثم تناولت التعريف بالمؤلف وطلبه العلم بالأندلس، ثم رحلته إلى المشرق، وأهم مؤلفاته الموجودة والمفقودة، والوظائف التي تقلدها، ثم وفاته. ثانياً: كتاب تاريخ العلماء، وأسماؤه وسبب تأليفه، وما يحويه من مادة علمية، والمنهج الذي سار عليه المؤلف، وزمن تأليفه ثم جاء الحديث عن مصادره على النحو التالي: أولاً: المصادر المكتوبة وتضم الأقسام التالية: أ - المؤلفات والكتب التاريخية. ب - الاستكباب ويعني بها تلك الرسائل والكتب التي كان يرسلها مستفسراً من خلالها عن بعض القضايا حول الأشخاص الذين يترجم لهم. ج - اللوحات والوثائق المادية وأهم هذا النوع اللوحات الموجودة على القبور، وكذلك وثائق المبايعات. ثانياً: مصادر المعاينة والمشاهدة: كان هذا النوع من المصادر مهماً عند ابن الفرضي وذلك لأنه عاصر وعايش عدداً من العلماء الذين كتب عنهم، كما احتك ببعضهم في المناسبات والمنتديات المختلفة، وبالتالي أصبح شاهد عيان لكثير من القضايا التي تحدث عنها حيث قام برصد كل ما شاهده وعايشه حول بعض الأشخاص ثم ضمنه كتابه. ثالثاً: المصادر الشفهية: شكلت الرواية الشفهية التي سمعها ابن الفرضي من أفواه الرجال حيزاً مهماً بين مصادره في كتابه تاريخ العلماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وبعد ذلك جاء الحديث عن حاسة النقد التاريخي عند ابن الفرضي وأثرها على موقفه من مصادره حيث عالجت هذه الفقرة كيف كان ابن الفرضي العالم، الحافظ الراوية، المحدث الفقيه، القاضي، يتعامل مع مصادره المختلفة حسبما يقتضيه المنهج العلمي من المناقشة أو التحليل، وأخيراً جاءت خاتمة البحث مُبرزاً فيها أهم استنتاجات هذه الدراسة.. والله أعلم. المقدمة: اهتم المؤرخون والكتاب المسلمون بكتب التراجم وتاريخ الرجال، حيث ظهر هذا النمط من الكتابة التاريخية منذ وقت مبكر في تاريخ المسلمين، بل إنه كان وليدًا لحركة التدوين التاريخي عندهم، وينقسم هذا النوع من الكتابة إلى أنماط مختلفة فمنه ما يهتم برجال فترة معينة أو بلدٍ معينٍ، ومنه ما يكون خاصاً بتراجم أرباب الصنعة الواحدة أو الفن الواحد، وهكذا ظهرت كتب تأريخ القضاء، والفقهاء، والأدباء، والأطباء، والنحاة، وغيرهم، وقد كان علماء الحديث هم أول من اهتم بتراجم رجال الحديث وعلماء السنة، وقد تميز هذا النوع من كتب الرجال بالدقة والاقتضاب حيث عني أصحابها بالحديث عن السيرة الذاتية لهؤلاء الرجال مع ذكر عدالتهم، ونزعتهم العلمية، ومصنفاتهم، وشيوخهم (1) .   (1) أكرم العمري: موارد الخطيب البغدادي ص 171. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 ويعد كتاب تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس لمؤلفه الحافظ ابن الفرضي من كتب الرجال التي تحدثت عن علماء بلد معين في فترة محددة، حيث عُني هذا الكتاب بنخبة من علماء المجتمع الإسلامي بالأندلس منذ أن دخلها الإسلام وحتى نهاية القرن الرابع الهجري، وبالرغم من كون هذا الكتاب يمثل المحاولة الأولى لهذا النمط من الكتابة التاريخية بالأندلس إلا أنه جاء ضافياً ومهماً في موضوعه، ولهذا عد الدكتور حسين مؤنس ابن الفرضي شيخ أصحاب معاجم التراجم الأندلسية ومقرر أصول هذا الفن الذي اتصل في الأندلس والمغرب بعد ذلك قروناً طويلة (1) ، كما عده المستشرق الأسباني انخيل حنثالث بالنثيا بأنه أقدم معجم رجال بين أيدينا (2) ، وقد لقي هذا الكتاب قبولاً عند عدد من مؤرخي وكتاب الأندلس كالحميدي (3) ، وابن عميرة (4) ، وغيرهم، وغير الأندلسيين كالذهبي (5) ، ولعل هذا التميز الذي حظي به هذا الكتاب وتلك المنزلة العالية التي تبوأها من الأسباب القوية التي جعلت شيخ مؤرخي الأندلس أبا مروان بن حيان يقول عن مؤلفه ابن الفرضي: (لم ير مثله بقرطبة في سعة الرواية، وحفظ الحديث، ومعرفة الرجال … ) (6) .   (1) المؤرخون والجغرافيون ص 99. (2) تاريخ الفكر الأندلسي ص 271، ولا شك أنه يقصد أقدم معجم رجال في الأندلس، أما في المشرق فهناك: التاريخ ليحيى بن معين (ت 233هـ) ، التاريخ الكبير للبخاري (ت 256) ، الطبقات الكبرى لابن سعد (ت230هـ) ، الطبقات لخليفة بن خياط (ت 240هـ) ، التاريخ لابن أبي خيثمة (ت 279) وغيرها. (3) جذوة المقتبس ص 238. (4) بغية الملتمس ص 322. (5) سير أعلام النبلاء ج 17 ص178. (6) ابن بشكوال: الصلة ص 252، (نقلاً عن ابن حيان) ، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 3 ص 1076 (نقلاً عن ابن حيان) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 ولا شك أن هذا القبول الذي لقيه هذا الكتاب يرجع لعدد من عوامل النجاح كان من أهمها أن مؤلفه اتكأ على قاعدة مهمة من مصادر المعلومات حين تدوينه لمادته العلمية حيث تعددت وتنوعت هذه القاعدة مما أضفى على الكتاب عددا من السمات العلمية الجيدة كالعمق، والدقة، وسعة الاطلاع، مع الشمولية، والإحاطة بالجزئيات الصغيرة التي تهم أولئك العلماء. وهكذا أصبحت مصادر ابن الفرضي في هذا الكتاب وموارده من الموضوعات المهمة والجديرة بالوقوف عندها للتعريف بها والتعرف على أنواعها، ومعرفة منهج ابن الفرضي في التعامل معها، ومدى ما وفرته للمؤلف من مادة علمية خصبة أثرت الكتاب وجعلت المؤلف يتحرك أثناء تأليفه باتجاهات متعددة، وهذا ما سوف تحاول هذه الدراسة - بعون الله - بيانه ومعالجته خدمة لهذا الكتاب المهم أولاً، ثم لإبراز جهود مؤلفه ذلكم العالم الأندلسي الذي يعد من أوائل من خاض تجربة التأليف في هذا الميدان بالأندلس، وأخيراً خدمة للمكتبة الأندلسية والمهتمين بها من الباحثين، ومن الله أستمد العون وأرجو التوفيق والسداد. أولاً: ابن الفرضي. اسمه ومولده ونشأته: هو أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي المعروف بابن الفرضي (1) .   (1) الحميدي: جذوة المقتبس ص 237، ابن بشكوال: الصلة ص 251، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 322، الذهبي: سير أعلام النبلاء ص 178. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 ولد بقرطبة في ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة (1) ، وبها طلب العلم أول حياته على عدد من العلماء يكثر تعدادهم كما يقول ابن بشكوال (2) وكان من أهمهم عبد الله بن إسماعيل بن حرب بن خير المتوفى سنة ثمانين وثلاثمائة، وقد ذكر ابن الفرضي أنه سمع منه وكتب عنه وأجاز له كل ما رواه (3) . ومنهم عبد الله بن محمد ابن القاسم بن حزم بن خلف الثغري المتوفى سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة؛ إذ يذكر ابن الفرضي أنه أخذ عنه ما لم يكن عند شيوخه وذلك حينما نُفي من " قلعة أيوب " (4) إلى قرطبة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، وكان مما أخذه عنه كتاب معاني القرآن للزجاج، حيث قرأ عليه الكتاب من أوله إلى آخره (5) .   (1) ابن بشكوال: الصلة ص 253، ابن خلكان: وقيات الأعيان ج3 ص106، المقري: نفح الطيب ج2 ص127، وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر – أحد تلاميذه – أن بينهما في السن نحو خمس عشرة سنة، والصحيح سبع عشرة سنة لأن ابن عبد البر ولد في ربيع الأول سنة ثمان وستين وثلاثمائة كما كتب ذلك بيده (ابن بشكوال: الصلة ص 252 و 679) (2) الصلة ص251. (3) تاريخ العلماء: ترجمة 748. (4) قلعة أيوب (calatayud)) نسبت إلى أيوب بن حبيب ثاني ولاة الأندلس الذي جدد بناءها، وهي تابعة للثغر الأعلى، وتقع غربي مدينة سرقسطة على بعد خمسين ميلا. (ابن غالب: فرحة الأنفس ص 19، البكري: جغرافية الأندلس ص 91، الإدريسي: صفة المغرب ص 190) . (5) تاريخ العلماء ترجمة 753، وقد ذكر ابن الفرضي أنه قدم عليهم في قرطبة حينما نفي من بلدة قلعة أيوب بسبب تشدده في الإنكار على بعض خواص السلطان، كما يذكر أن شيخه هذا رحل إلى المشرق وتزود بالعلوم على علماء بغداد، والكوفة، والشام، وتوفي بقلعة أيوب سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وهو ابن ثلاث وستين سنة (تاريخ العلماء ترجمة 352) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وقد أخذ بعض علوم اللغة عن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم المعروف بابن القوطية، المتوفى سنة سبع وستين وثلاثمائة حيث ذكر أنه تردد عليه أيام اهتمامه بعلم العربية فأسمعه كتاب الكامل لمحمد بن يزيد المبرّد إذ كان يرويه عن سعيد بن جابر (1) . كما تردد على الحافظ محمد بن أحمد بن يحيى ابن مفرج أحد علماء الأندلس ومحدثيها حيث أجازه في جميع ما رواه غير مرة وكتب له ذلك بخطه (2) ، كما ذكر أنه أخذ كتاب السنن لابن السكن، والتفسير المنسوب إلى ابن عباس من أبي عبد الله محمد ابن سعدون المعروف بابن الزنوني والمتوفى ببطليوس (3) فجأة في جمادى الأولى سنة ثنتين وتسعين وثلاثمائة (4) .   (1) تاريخ العلماء ترجمة 1318. (2) المصدر السابق ترجمة 1360. (3) بطليوس: ((Bada luzتقع على نهر وادي يانه شمال شرق مدينة أشبيلية على بعد 185 ميلا، بنيت على يد الثائر عبد الرحمن بن مروام الجليقي عام 261 هـ. (البكري: المسالك والممالك ج2 ص906، سحر عبد العزيز سالم: تاريخ بطليوس الإسلامية ج1 ص 137 140) . (4) المصدر السابق ترجمة 1388. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 أما صحيح البخاري فقد قرأه على أبي عبد الله محمد بن يحيى ابن زكريا المعروف بابن برطال المتوفى سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، وقد بيّن بأن مجلسه مع هذا الشيخ كان من أجلّ المجالس العلمية التي شهدها بالأندلس حيث سمع معه صحيح البخاري عدد من الشيوخ والكهول، وقد أجازه في جميع ما رواه عنه (1) . كما سمع موطأ مالك، وكتب التفسير لعبد الله بن نافع بن يحيى بن عبد الله الليثي المتوفى سنة سبع وستين وثلاثمائة (2) .   (1) المصدر السابق ترجمة 1390. ويبدو أن هذا الارتياح الذي أبداه ابن الفرضي إزاء هذا الشيخ يرجع إلى عدد من الأسباب منها غزارة علم ابن برطال فقد طلب العلم بقرطبة ثم رحل إلى المشرق حيث تنقل بين عدد كثير من علمائه مما أكسبه علماً جماً، ومنها أيضاً ما يتصف به هذا العالم من صفات طيبة حيث كان وقوراً حليماً متواضعاً ظاهره كباطنه (المصدر السابق ترجمة 1390) . (2) المصدر السابق ترجمة 1390. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 ولم يقتصر ابن الفرضي على علماء قرطبة، بل إنه رحل إلى عدد من المدن الأندلسية للاستزادة من طلب العلم، فقد ذكر أنه في سنة ثنتين وسبعين وثلاثمائة كان بأشبيلية يتلقى العلم من أبي محمد الباجي (1) ، وفي السنة التالية انتقل إلى شذونه (2) حيث طلب العلم على ابن أبي الحزم طود بن قاسم بن أبي الفتح المتوفى سنه ست وثمانين وثلاثمائة (3) وفي البيرة (4) قرأ تفسير القرآن ليحيى بن سلام على أبي الحسن علي بن عمر بن حفص بن عمرو الخولاني المتوفى سنة أربع وثمانين وثلاثمائة (5) ، كما ذكر بأنه لقي أبا الحسن مجاهد ابن أصبغ ابن حسان بقرية وركر - بين بجانه (6) والمريه - وقرأ عليه كتبه الثلاثة طبقات الزمان، وفساد الزمان، والناسخ والمنسوخ هذا بالإضافة إلى كتاب شرح غريب الموطأ لابن حبيب - رحمه الله - (7) ، وبالإضافة إلى هؤلاء فقد سمع ابن الفرضي ببجانه من أبي عبد الله محمود بن حكم المتوفى سنة أربع وتسعين وثلاثمائة (8) وفي طليطلة من أبي   (1) المصدر السابق ترجمة 726. (2) مدينة شذونة (SIDONIA) تقع إلى الجنوب من قرطبة، وبينها وبين ميناء مالقة ثمانية وعشرون ميلا، وكانت حاضرة كرة ريه. (ابن غالب: فرحة الأنفس ص 294، الحميري: الروض المعطار ص31) . (3) المصدر السابق ترجمة 626. (4) ألبيرة (ELVIRA) : كرة كبيرة ومدن متصلة تقع شرق قرطبة، بنيت مدينتها في عهد عبد الرحمن الداخل بينها وبين غرناطة ستة أميال، وهي كثيرة الأنهار والأشجار والثمار. (ابن الخطيب: الاحاطة ج1 ص99 – 100، الحميري: الروض المعطار ص 28 ت 29) (5) المصدر السابق ترجمة 930. (6) بجانة (BECHINA) من مدن الأندلس الجنوبية في كورة البيرة بينها وبين غرناطة مائة ميل، ولا تبعد عن البحر الرومي سوى ستة أميال. (الإدريسي: نزهة المشتاق ص 200، ياقوت: معجم البلدان ج1 ص339) . (7) المصدر السابق ترجمة 1468. (8) المصدر السابق ترجمة 1414. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 الفرج عبدوس بن محمد بن عبدوس المتوفى سنة تسعين وثلاثمائة (1) ، وفي قلسانه (2) سمع من أبي عمرو يوسف بن محمد الهمداني المتوفى سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. حيث أجاز له جميع ما رواه (3) . وكان يكرر الرحلة إلى البلد الواحد أكثر من مرة حينما يجد فيها ضالته من أهل العلم، فقد ذكر أنه سمع من عبد الله بن محمد بن علي الباجي في قرطبة كثيراً ثم رحل إليه بأشبيلية رحلتين سنة ثلاث وتسعين وأربع وتسعين (4) ، كما ذكر أنه تردد على شيخه عبد السلام بن السمح بن نايل الهواري في مدينة الزهراء (5) ، وأنه قرأ عليه مجموعة من الكتب (6) . رحلته إلى المشرق:   (1) المصدر السابق ترجمة 1003. (2) قلسانه Calsena)) بالسين والشين من كورة شذونة، وهي مدينة سهلية على وادي لك وتشتهر بصناعة الثياب. (الحميري: الروض المعطار ص 466، سحر عبد العزيز سالم: تاريخ بطليوس ص324 حاشية 87) . (3) المصدر السابق ترجمة 1636. (4) المصدر السابق ترجمة 741. (5) الزهراء: تقع شمال غرب مدينة قرطبة، وعلى بعد حوالي ستة أميال، وقد شرع الخليفة عبد الرحمن الناصر في بنائها في شهر المحرم سنة 325 هـ؛ حيث عهد إلى ابنه الحكم بالإشراف على البناء، وقد استمر البناء إلى عهد الحكم، لكن الزهراء لم تعمر طويلا؛ حيث إنه لما تغلب المنصور ابن أبي عامر على السلطة نقل قاعدة الحكم منها إلى الزاهرة وقد قام البربر بتخريبها أثناء الفتنة البربرية. (ابن غالب: فرحة الأنفس ص31 34، الحميري: الروض المعطار ص 8 2 32، المقري: نفح الطيب ج2 ص65 67، السيد عبد العزيز سالم: تاريخ المسلمين ص 407 411) . (6) المصدر السابق ترجمة 857. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 حينما شعر ابن الفرضي بأنه قد أخذ ما عند علماء الأندلس من علوم ومعارف رحل إلى المشرق في سنة ثنتين وثمانين وثلاثمائة حيث حج وأخذ العلم عن أبي يعقوب يوسف بن أحمد ابن الدخيل المكي (1) وأبي الحسن علي بن عبد الله بن جهضم (2) وغيرهما (3) ، ثم رحل إلى مصر حيث أخذ عن أبي بكر أحمد بن محمد بن اسماعيل البنا، وأبي بكر الخطيبي، وأبي الفتح ابن سْيُبخت، وأبي محمد الحسن بن إسماعيل الضراب وغيرهم (4) وفي طريق عودته مر بالقيروان حيث أخذ العلم عن أبي محمد بن أبي زيد الفقيه وأبي جعفر أحمد بن دحمون، وأحمد بن نصر الدّاودي وغيرهم (5) .   (1) هو يوسف بن أحمد بن يوسف بن الدخيل الصيدلاني المكي، سمع منه ابن الفرضي بمكة المكرمة، توفي سنة 388هـ. (ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 1378،الحميدي: جذوة المقتبس ص254، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 334، ابن بشكوال: الصلة ص25) . (2) هو علي بن عبد الله بن الحسين بن جهضم الهمداني الزاهد، شيخ الصوفية بالحرم المكي، قال عنه الذهبي: (إنه متهم بوضع الحديث، وقد عده ابن الفرضي من شيوخه بمكة، توفي بمكة سنة 414هـ) . (تاريخ العلماء ترجمة 808 (ابن بشكوال: الصلة ص 252) . (3) الحميدي: جذوة المقتبس ص 237، ابن بشكوال: الصلة ص 252، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 321. (4) الحميدي: جذوة المقتبس ص 237، ابن بشكوال: الصلة ص 252، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 222. (5) ابن بشكوال: الصلة ص 252، ابن عميرة: بغية الملتمس ص322. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 ولم يذكر المؤرخون مدة هذه الرحلة، كما لم يذكروا تاريخاً محدداً لعودته منها، لكنه يستوحى من بعض النصوص التي ذكرها ابن الفرضي أن رحلته استغرقت حوالي ثلاث سنين فقد بدأها سنة إحدى وثمانين،كما ذكر أنه كان خلال عامي اثنتين وثمانين وثلاث وثمانين بالمشرق (1) . أما عودته فكانت في مستهل سنة أربع وثمانين وثلاثمائة كما يفهم هذا من قوله: (وتوفي بقرطبة - عفا الله عنه - يعني إسماعيل بن إسحاق - ليلة السبت آخر يوم من صفر سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وشهدت جنازته) (2) . وبالإضافة إلى هؤلاء العلماء فقد ذكر ابن الفرضي في مواضع كثيرة من كتابه عدداً من الشيوخ الذين أفاد منهم في طلب العلم إذ تجاوز عددهم خمسة وأربعين عالما ويدرك من يستقريء تاريخ مشواره العلمي الحقائق التالية:   (1) تاريخ العلماء والرواة ترجمة 275، 753، 1468. (2) المصدر السابق ترجمة 221 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 أنه لم يكن يحتقر عالما، أو يستهين بأحد يتوقع أنه قد يفيده بشيء من العلم مهما كان علمه أو مكانته؛ ولهذا تنقل بين عدد من المدن الأندلسية، ومكة، ومصر، والقيروان بحثا عن علمائها، حيث كان لا يقلل من شأن أحد، فقد جلس إلى أبي محمد عبد الله بن محمد بن ربيع المتوفى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وكذلك إلى رشيد بن فتح المتوفى سنة ست وتسعين وثلاثمائة، ولم يأخذ عن كل واحد منهما سوى حديث واحد فقط (1) كما سمع من محمد بن أحمد بن مسور على الرغم من كونه قليل العلم (2) ، بل إنه كان يجلس لأخذ بعض الحكايات، كما فعل مع محمد بن عبد الله بن محمد بن ذي النون المتوفى سنة ست وتسعين وثلاثمائة (3) ، وكذلك مع محمد بن أحمد المعافري (4) بل إنه كان يأخذ حتى من بعض الكذابين وذوي الاتجاه المنحرف حينما يتوقع أن لديهم علما ينفعه، فقد قال عن على بن معاذ بن موسى الرعيني: (سمعت أنا منه، وكان يكذب، وقفت على ذلك منه وعلمته..) (5) كما ذكر أنه قد أخذ عن رشيد بن فتح الدجاج وكان يتهم بمذهب (6)   (1) المصدر السابق ترجمة 756، 439. (2) المصدر السابق ترجمة 1326. (3) المصدر السابق ترجمة 1383. (4) المصدر السابق 1356. (5) المصدر السابق ترجمة 932. (6) المقصود بابن مسرة: محمد بن عبد الله بن مسرة القرطبي، رحل إلى المشرق في أواخر أيام الأمير عبد الله بن محمد ثم عاد إلى الأندلس حيث توفي هناك سنة 319 هـ، أما المذهب العقدي له فيقوم على أسس اعتزالية حيث أكد ذلك ابن الفرضي، وأوضحها ابن حزم في كتابه الفصل، كما شرحها ابن حيان بقوله: (فقال – ابن مسرة – بإنفاذ الوعد والوعيد، وضعف أحاديث الشفاعة، وباعد عن التجاوز والرحمة) . (ابن الفرضي:تاريخ العلماء ترجمة 50،ابن حزم: الفصل ج4 ص198، ابن حيان: المقتبس تحقيق شالميتا ص21.) كما يوجد عند ابن مسرة ميل واضح نحو الأخذ بعقائد غلاة الباطنية والصوفية، وأقوال الفلاسفة في الصفات الإلهية وغيرها من الشطحات العقدية. (انظر في تفصيلات ذلك كلا من: ابن عميرة: بغية الملتمس ص88، ابن خاقان: مطمح الأنفس ص286 ت 287، ابن حزم: الفصل ص 79، 198 ت 199، ابن صاعد: طبقات الأمم ص72) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 ابن مسرة (1) . أن مشاربه الفكرية قد تعددت،فبالرغم من كونه مالكي المذهب إلا أنه كان يأخذ العلم من أصحاب المذاهب الأخرى فقد أخذ العلم من علي بن محمد بن بشر من أهل أنطاكية على الرغم من نزعته الشافعية (2) ، كما كانت له اهتمامات باللغة العربية وعلومها فقد ذكر أنه انقطع فيما بين سنتي ست وستين وتسع وستين وثلاثمائة عن طلب العلم الشرعي حيث كرس كل جهوده للنظر في اللغة العربية وعن هذا يقول: (ثم شغلني النظر في العربية عن مواصلة الطلب إلى سنة تسع وستين، ومن هذا التأريخ اتصل سماعي من الشيوخ) (3) ويبدو أن النزعة الأدبية لديه، إلى جانب إدراكه لأهمية اللغة قد جعلته يولي اللغة العربية وآدابها اهتماما خاصا أثناء مشواره العلمي، فقد ذكر أنه كان يأخذ علم اللغة من محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بابن القوطية، وأنه قرأ عليه كتاب الكامل للمبرد (4) ، كما سمع من شاعر وقته يحيى بن هذيل بن عبد الملك بن هذيل المتوفى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة الشعر وكتب من حديثه وشعره، كما أجاز له روايته وديوان شعره (5) .   (1) المصدر السابق ترجمة 439. (2) المصدر السابق ترجمة 934 (3) المصدر السابق ترجمة 190 (4) المصدر السابق ترجمة 1318 (5) المصدر السابق ترجمة 1602. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 كما كان يتحمل في سبيل الحصول على العلم المشقة والمتاعب النفسية من بعض الشيوخ الذين كانوا صعبي المراس، فقد ذكر عن شيخه خلف بن محمد الخولاني أنه كان عسرا في الإسماع، ممتنعا إلا من يسيره، نكر الخلق حرج الصدر لكن لما كان عنده فوائد فقد كان يصبر على الاختلاف إليه (1) ، كما بين أن رشيد بن فتح الدّجّاج كان يأبى الإسماع إلا في اليسير ممن يستحبه، وأنه لم يكتب عنه سوى حديث واحد (2) ، وقد لقي هذه المعاناة - أيضا - من شيخه عبد الله بن محمد بن ربيع المتوفى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة حيث كان رجلا منقبضا ملازما للبادية أكثر وقته يأبى من الإسماع، ولهذا لم يكتب عنه ابن الفرضي سوى حديث واحد (3) وهكذا تعددت المشارب الثقافية التي استقى منها ابن الفرضي ثقافته وعلومه، كما تعددت المدارس والاتجاهات الفكرية التي تردد عليها، وهذا بلا شك مما أكسبه علما غزيرا متنوعا، مكنه من التعرف على تجارب كثيرة، كان لها أثر كبير في صقل مواهبه، وتنمية قدراته العلمية. علمه ومؤلفاته: أولاً: علمه:   (1) المصدر السابق ترجمة 415 (2) المصدر السابق ترجمة 439. (3) المصدر السابق ترجمة 756. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 أجمع المؤرخون والكتاب على أن ابن الفرضي كان واسع الثقافة، غزير العلم حافظا للحديث ورجاله، فقد قال عنه الحميدي بأنه كان: (حافظا متقنا عالما ذا حظ من الأدب وافر) (1) كما قال عنه تلميذه أبو عمر بن عبد البر: (كان فقيها عالما في جميع فنون العلم في الحديث وعلم الرجال، وله تواليف حسان … أخذت منه عن أكثر شيوخه، وأدرك من الشيوخ ما لم أدرك … ) (2) أما ابن حيان فقد وصفه بالأديب الراوية الفقيه الفصيح الذي لم ير مثله بقرطبة من سعة الرواية وحفظ الحديث ومعرفة الرجال والافتنان بالعلوم (3) ، كما قال عنه أبو عبد الله الخولاني بأنه كان من أهل العلم جليلا ومقدما في الأدب (4) ووصفه كل من ابن بشكوال (5) وابن عميرة (6) بالحافظ العالم، أما الإمام الذهبي فقد سماه بالحافظ الإمام الحجة البارع الثقة (7) ولعل الإجازات العلمية الكثيرة التي حصل عليها من علماء كثيرين دليل واضح يؤكد سعة علمه، ومن الذين أجازوه عبد الله بن محمد الثغري (8) . ويدرك من يستقرئ ما خلّفه من تراث أن رواية الحديث وعلم الرجال كانت من أولى اهتماماته العلمية، ولهذا حدث عنه عدد من العلماء منهم أبو عمر بن عبد البر حيث أثنى على حسن صحبته (9) كما أخذ عنه أبو عبد الله الخولاني (10) ومحمد بن إسماعيل من أهل أستجه (11)   (1) جذوة المقتبس ص 537. (2) الصلة: ابن بشكوال ص 252، 253. (3) المصدر السابق ص 253 (نقلا عن ابن حيان) . (4) المصدر السابق ص 252 (5) ابن بشكوال: الصلة ص 252، 253. (6) بغية الملتمس ص 321 (7) تذكرة الحفاظ ج3 ص1076، سير أعلام النبلاء ج17 ص177. (8) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 753 (9) ابن بشكوال: الصلة ص 252. (10) المصدر السابق ص 252. (11) أستجه: (Ectja) تقع على نهر شنيل على بعد حوالي 35 ميلا تقريبا من قرطبة إلى الجنوب الغربي منها، وهي مدينة حسنة البناء بها أسواق عامرة ومتاجر قائمة تشتهر بكثرة البساتين والزروع والثمار. (الإدريسي: نزهة المشتاق ج2 ص 572، ياقوت: معجم البلدان ج1 ص174، الحميري: الروض المعطار ص 53) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 ، وكان شيخا فاضلا ذكر ابن الفرضي أنه كثيرا ما يسأله عن معاني في الحديث تشكل عليه (1) ، كما كتب عنه عبد الله بن شعيب بن أبي شعيب من أهل (2) أشبونة (3) . ولا شك أن إلمامه الجيد باللغة العربية وعلومها،إلى جانب نزعته الأدبية مكنه من استيعاب كل ما يقرأ أو يسمع - هذا فضلا عن استطاعته تبليغ ما يريد بأسلوب جيد وفصاحة مطبوعة، ولهذا كان عند حديثه قلما يلحن في جميع كلامه مع حضور الشاهد والمثل، كما يقول ابن بشكوال (4) . وقد بدت نزعته الأدبية واضحة في نتاجه العلمي، ولهذا وصفه ابن حيان (5) بالأديب الفصيح، كما وصفه ابن بسام بأنه شاعر مقل حسن النظام، مقترن الكلام، هو في العلماء أدخل منه في الشعراء (6) وقد روى عنه أبو عمر بن عبد البر شعرا ومنه: أسير الخطايا عند بابك واقف على وجل مما به أنت عارف يخاف ذنوبا لم يغب عنك غيبها ويرجوك فيها فهو راج وخائف (7) كما روى الحميدي قصيدة قالها وهو في طريقه إلى المشرق، وكتب بها إلى أهله ومنها: مضت لي شهور منذ غبتم ثلاثة وما خلتني أبقى إذا غبتم شهرا وما لي حياة بعدكم استلذها ولو كان هذا لم أكن في الهوى حُرّا ولم يُسلَني طول التنائي هواكُمُ بلى زادني وجدا وجدّد لي ذكرى (8)   (1) المصدر السابق ترجمة 1376 (2) أشبونة: (OSUNA) إحدى كور أستجه بينهما مسافة نصف يوم وهي حصن كثير السكان. (الحميري: الروض المعطار ص60) (3) المصدر السابق ترجمة 755. (4) الصلة ص 253. (5) ابن بشكوال: الصلة ص 253 (نقلا عن ابن حيان) . (6) الذخيرة ق1 ج2 ص 614. (7) ابن بشكوال: الصلة ص 255 (نقلا عن ابن حيان) ، الذهبي: سير أعلام النبلاء ج17 ص180، تذكرة الحفاظ ج3 ص1078 (8) الحميدي: جذوة المقتبس ص 238، 239، ابن بشكوال: الصلة ص 255، ابن بسام: الذخيرة ق 1 ج2 ص615، ابن عميرة: بغية الملتمس ص323 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 كما ذكر الحميدي أن أبا بكر علي بن أحمد الفقيه أنشده قول ابن الفرضي: إن الذي أصبحت طوع يمينه إن لم يكن قمرا فليس بدونه ذُلّي له في الحبّ من سلطانه وسقام جفني من سقام جفونه (1) وقد ذكر ابن بشكوال أن ابن الفرضي لما عاد إلى قرطبة من المشرق كان قد جمع علما كثيرا في فنون العلم (2) ، كما ذكر ابن حيان أن رحلته إلى المشرق قد أكسبته علما حيث أخذ عن شيوخ عدة فتوسع جدا وكان جماعا للكتب فجمع منها أكثر ما جمع أحد من عظماء البلد (3) . ولا شك أن هذا النبوغ العلمي المتعدد النزعات هو الذي أهله لأن يطلب منه أهل مصر الإقامة عندهم لكنه قال لهم: (من المروءة النزاع إلى الوطن) (4) كما أهله لقراءة الكتب في عهد العامريين، وأن يتولى قضاء مدينة بلنسية في عهد الخليفة محمد بن عبد الجبار المهدي (5) . ثانياً: مؤلفاته: ذكر المؤرخون أن ابن الفرضي لما عاد من رحلته إلى المشرق شرع في التأليف، فصنف عددا من الكتب في فنون مختلفة، وأنها كانت ذات قيمة علمية، وتدل بوضوح على غزارة علمه، وسعة مداركه وقدراته العلمية لا سيما في علمي الحديث وتاريخ الرجال، ولكي تتضح الصورة في هذه القضية لابد من التعريف بهذه المؤلفات، حيث قسمتها إلى قسمين هما: أولاً: الكتب المفقودة (6) : 1 - المؤتلف والمختلف:   (1) جذوة المقتبس ص 239. (2) ابن بشكوال: الصلة ص 252. (3) ابن بشكوال: الصلة ص 253 (نقلا عن ابن حيان) . (4) ابن سعيد: المغرب ج1 ص104 (نقلا عن الحجارى) . (5) الحميدي: جذوة المقتبس ص 237. (6) حينما نقول مفقودة فإننا لا نقطع بفقدها لكن ذلك بحدود علمنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 أشار إلى هذا الكتاب كل من الحميدي (1) ، وابن عميرة (2) ، والذهبي (3) ، كما ذكره ابن حزم (4) وعده من الأعمال الكبيرة التي قدمها الأندلسيون وتفوقوا بها على أهل المشرق، وأنه في أسماء الرجال وأن الحافظ عبد الغني (5) الأزدي لم يبلغ عند هذا المعنى إلا كتابين، وبلغ أبو الوليد نحو الثلاثين، كما وضّح ابن حزم أنه لا يعلم مثله في فنه البتة.   (1) جذوة المقتبس ص 237 (2) بغية الملتمس ص322. (3) سير أعلام النبلاء ج17 ص 178، تذكرة الحفاظ ج3 ص1077. (4) رسائل ابن حزم (تحقيق إحسان عباس) ج2 ص180. (5) هو أبو محمد الحافظ الحجة عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر بن مروان الأزدي محدث الديار المصرية ولد سنة 332 هـ، قال عنه أبو الوليد الباجي: عبد الغني بن سعيد حافظ متقن عاش في مصر أيام العبيديين، وكان يداريهم ولهذا رفض بعض العلماء الأخذ عنه، توفي سنة تسع وأربعمائة، من مؤلفاته كتاب العلم، المؤتلف والمختلف وكتاب أوهام المدخل إلى الصحيح. (الأزدي: الأنساب ج 1 ص 198، أبو الفدا: المختصر في أخبار البشر ج2 ص158، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 3 تذكرة الحفاظ ج 3 تذكرة الحفاظ ج 3 تذكرة الحفاظ ج 3 سير أعلام النبلاء ج7 ص268 ت 269، تذكرة الحفاظ ج3 ص1047) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 وقد ذكره ابن بشكوال بقوله: (وجمع في المؤتلف والمختلف كتابا حسنا) (1) . هكذا أشاد هذان المؤرخان بهذا الكتاب، ولكن نظرا لكونه مفقودا ولم يصل إلينا منه شيء فإنه من الصعب التعريف به وبمنهجه، ومحتواه، ولكن ومن استقراء ما ذكره لنا ابن حزم من وصف مقتضب عن الكتاب، حيث ربط المحتوى بما ألفه عبد الغني الأزدي في كتابه المؤتلف والمختلف (2) ، وبعد الاطلاع على هذا الكتاب يتبين لنا أن موضوعه يعنى بذكر الأسماء المؤتلفة باللفظ، أو المتقاربة والمختلفة في المعنى مثل بَرَكة وبُركة، وبَحَر بَحُر وغيرها (3) . هذا عن موضوع الكتاب، أما المحتوى فقد ذكر ابن حزم أن الحافظ المصري لم يبلغ سوى كتابين بينما بلغ ابن الفرضي نحو ثلاثين كتابا، وعلى هذا يكون هذا الكتاب يحوي مادة علمية ضخمة تبلغ حوالي أربعة عشر ضعفا لما ذكره سابقه، ولا يستبعد أن تكون الظروف السياسية السيئة التي كانت سببا لنهاية المؤلف كانت - أيضا - سببا لنهاية الكتاب حيث لم يبق منه سوى ذكره، بل إن عدم اعتماد المؤرخين القدامى عليه كمصدر لهم في موضوعه يؤكد الجزم بفقده. 2 - مُشتَبِه النسبة:   (1) ابن بشكوال: الصلة ص 252. (2) هذا الكتاب موجود وقد طبع في مجلد واحد مع كتاب مشتبه النسبة بعناية وتصحيح محمد بن محي الدين الجعفري، الطبعة الأولى بالهند، سنة 1320هـ (3) انظر في تفصيلات ذلك عبد الغني الأزدي المؤتلف والمختلف ص 13، 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 أشار إلى هذا الكتاب كل من ابن بشكوال (1) ، والذهبي (2) ، وابن خلكان (3) ، والمقري (4) إلا أنه كسابقه لم يمكن التعرف على محتواه، وذلك بسبب عدم وصوله إلينا حيث لم يمكن التعرف سوى على اسمه، ولكن بمقارنة هذا العنوان بكتب الرجال والأنساب ندرك أن المقصود به الحديث عن الرجال الذين يشتبه في نسبتهم في الخط ويفترق في اللفظ والمعنى، وقد وضح هذا الأمر عبد الغني الأزدي في كتابه الذي يحمل هذا العنوان حيث قال: (أما بعد فإني لما صنفت كتابي في مؤتلف أسماء المحدثين ومختلفها، فنظرت فإذا من ينسب منهم إلى قبيلة أو بلدة، أو صنيعة قد يقع فيها من التصحيف والتحريف مثلما يقع في الأسماء والكنى التي حواها كتاب المؤتلف والمختلف … وألفت كتابا في المنسوب منهم إلى قبيلة أو بلدة، أو صنيعة يشتبه في انتسابه في الخط ويفترق في اللفظ والمعنى … ) (5) . هكذا يبدو لنا من خلال ما ذكره الأزدي معاصر ابن الفرضي أن كتاب مشتبه النسبة يُعنَى ببيان حقيقة أنساب الرجال الذين قد تتفق أو تشتبه أسماؤهم، أو أنسابهم في الخط، وتختلف في المعنى، وكان أول من ألف في هذا الفن الخطيب البغدادي كتابه الموسوم ب " تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه من بوادر التصحيف والوهم " (6) . 3 - أخبار شعراء الأندلس:   (1) الصلة ص252. (2) سير أعلام النبلاء ج17 ص138، وتذكرة الحفاظ ج1 ص1077. (3) وفيات الأعيان ج3 ص 104. (4) نفح الطيب ج2 ص127. (5) الأزدي: مشتبه النسبة ص2. (6) أكرم العمري: موارد الخطيب المبغدادي ص 70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 أشار ابن بشكوال إلى أن هذا الكتاب حفيلا في أخبار شعراء الأندلس (1) ، كما ذكره الذهبي (2) حيث قال: (له تصنيف مفرد في شعراء أهل الأندلس (3) وقد عده كل من ابن خلكان (4) ، والمقري (5) بأنه من مؤلفات ابن الفرضي المهمة أما ابن حيان فقد اعتمد عليه أكثر من مرة حين حديثه عن الشعراء والأدباء بالأندلس حيث قال حين حديثه عن أبي عبد الله محمد بن سعيد الزمالي: (وقرأت في كتاب أبي الوليد ابن الفرضي المؤلف في طبقات أهل الدولة والأدب بالأندلس … ) (6) كما قال حين حديثه عن عامر ابن عامر بن كليب بن ثعلبة الجذامي: (وقد ذكر أبو الوليد الراوية عامر بن عامر هذا فيمن ذكره من أدباء الأشراف بقرطبة في كتابه المؤلف في الأدباء والعلماء فقال … ) (7) . وهكذا توالت نقول ابن حيان من هذا الكتاب فيما يخص الأدباء والشعراء (8) ، ويستوحى من استقراء هذه النصوص ما يلي: أن ابن حيان قد اطلع على الكتاب أثناء كتابته للمقتبس بدليل أنه نقل منه نصوصا كثيرة عن الشخص الواحد كما هو الحال عند حديثه عن هاشم بن عبد العزيز وفرج بن سلام (9) .   (1) الصلة ص252 (2) سير أعلام النبلاء ج17 ص178. (3) تذكرة الحفاظ ج3 ص177 (4) وفيات الأعيان ج3 ص104. (5) نفح الطيب ج2 ص129. (6) المقتبس (تحقيق مكي) ص 33. (7) المصدر السابق ص 157. (8) انظر نقولاته عن عدد من الأشخاص في ص 163 – 168، 179، 189، 200، 254. (9) المصدر السابق ص 163 – 168. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 أن هذا الكتاب يعنى بالأدباء والشعراء فابن الفرضي حينما يتحدث عن الرجال كان ينطلق في حديثه من خلال هذه النزعة فقد قال عن فرج بن سلام: (هذا أحد أكابر الأدباء … وكان ذا عناية شديدة بعلم اللغة ورواية الشعر … ) (1) كما قال عن سلمان بن وانشوس: (ومن أدباء الأشراف … ) (2) أما أبو عبد الله محمد بن سعيد الموسى الزجالي فقال عنه: (كان يلقب بالأصمعي لعنايته بالأدب وحفظ اللغة) (3) . يبدو أن هذا الكتاب لم يطلق عليه مؤلفه اسما معينا ولهذا اجتهد المؤرخون والكتاب في تسميته، كما يبدو أنه كان كتابا موسوعيا في بابه إذ أن النقول التي وصلت إلينا منه توحي بسعته، وتشعب موضوعاته الأدبية، كما أن مؤلفه قد قسمه حسب المستوى الاجتماعي لكل أديب أو شاعر فمن الأدباء الأشراف ذكر الوزير أبا غالب تمام ابن أحمد بن غالب، وسلمان بن وانشوس (4) ، ومن أدباء بني مروان أبا محمد القاسم ابن محمد (5) ومن الأدباء الوزراء هاشم بن عبد العزيز (6) . وهكذا جاءت تقسيمات ابن الفرضي لأولئك الأدباء حسب طبقاتهم ومكانتهم الاجتماعية، وهذا ما يوحي به عنوان الكتاب الذي أشار إليه ابن حيان. كما يستوحى مما وصل إلينا من نقول إجادة ابن الفرضي للغة العربية وأنه يملك أسلوبا أدبيا متميزا بالطراوة والحبك، ولعل هذا من العوامل التي جعلت ابن بشكوال يصف هذا الكتاب بأنه كان حفيلا بأخبار شعراء الأندلس (7) ، كما قال عنه الذهبي: بأنه تصنيف مفرد (8) ، وهذا مما يؤكد أن النزعة الأدبية كانت قوية لدى ابن الفرضي حيث لم تؤثر عليها النزعات العلمية الأخرى، بل إن هذه النزعات قد تضافرت جميعا في تكوين وصقل شخصيته العلمية.   (1) المصدر السابق ص 164. (2) المصدر السابق ص 189. (3) المصدر السابق ص 33. (4) المصدر السابق ص 189. (5) المصدر السابق ص 200. (6) المصدر السابق ص 169. (7) سير أعلام النبلاء ج17 ص178. (8) تذكرة الحفاظ ج3 ص1077. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 4 - كتاب النحويين: أشار إلى هذا الكتاب ابن الفرضي في كتابه تاريخ العلماء والرواة وذلك حينما تحدث عن ترجمة عباس بن ناصح الثقفي حيث قال عن هذا الأديب الشاعر اللغوي: (وقد ذكرت الخبر بتمامه في كتابي المؤلف في النحويين) (1) . هكذا أشار ابن الفرضي أنه ألف كتابا عن النحويين، ولعل مما يعزز هذا الأمر ما ذكره عن نفسه من أنه انشغل بدراسة العربية - وهو يعني النحو - نحو ثلاث سنوات (2) ، لكن المصادر الأخرى التي بين أيدينا لا تذكر شيئاً عن هذا الكتاب حتى السيوطي الذي اعتمد في كتابه بغية الوعاة على كتاب ابن الفرضي تاريخ العلماء لم يشر إلى كتاب النحويين (3) وبهذا يبدو لنا أن هذا الكتاب إما أن يكون فقد في وقت مبكر وبعد وفاة المؤلف مباشرة، أو أن ما أشار إليه ابن الفرضي كان مشروعا لم يكتمل ومن ثم لم ير النور. وبالإضافة إلى هذه المؤلفات فقد ذكر في مقدمة كتابه تاريخ العلماء والرواة للعلم قوله: (كانت نيتنا قديما أن نؤلف في ذلك كتابا موعبا على المدن يشتمل على الأخبار والحكايات، وأملنا جمع الكتاب الذي تقدم ذكره على البلدان ويستقصي ما اختصرناه في كتابنا هذا من الحكايات والأخبار أن تأخرت بنا مدة … ) (4) وقد أكد هذا الأمر حينما ترجم لقاسم بن أصبغ حيث ذكر عددا من شيوخه ثم قال: (في عدد سواها كثير مما أذكرهم في الكتاب الكبير الذي أُؤمل جمعه على المدن، وأتقصاهم فيه - إن شاء الله- … ) (5) . ويبدو أن هذا الكتاب لم يتح للمؤلف تأليفه إذ لا ذكر له عند غيره ممن تحدثوا عن ابن الفرضي أو تراثه الفكري.   (1) تاريخ العلماء والرواة ترجمة 881. (2) المصدر السابق ترجمة 1597. (3) بغية الوعاة ج1 ص 3، 4. (4) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ص 9 _ 10 (5) المصدر السابق ص 1070 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وبالإضافة إلى ما سبق، فقد ذكر إسماعيل باشا مصنفا آخر لابن الفرضي في ذيل كشف الظنون هو (الإعلام بأعلام الأندلس من العلماء والمثقفين والفقهاء والندماء ومن قدمها من العرفاء) (1) . كان هذا عرضا لمؤلفات ابن الفرضي التي لم نتمكن من الاطلاع عليها، أو الوقوف على شيء منها سوى ما ذكره هو عنها، أو ذكره بعض المؤرخين المعاصرين لها، وكل ذلك كان بإشارات مقتضبة، ولكن ومن خلال تلكم الإشارات فقد بدت لنا القضايا التالية: أن ابن الفرضي كان عالما من علماء الأندلس المشهورين، ويدل على هذا اهتمام المؤرخين والكتاب بمؤلفاته الآنفة الذكر، حيث أشادوا بما اطلعوا عليه منها كابن حزم، وابن بشكوال، والذهبي وغيرهم. أن تنوع هذه المؤلفات في مادتها العلمية يدل على أن ابن الفرضي كان ملما بأكثر من علم وفن فهو إلى جانب اهتمامه بالحديث ورجاله، فقد كانت له اهتماماته باللغة والشعر والأدب وغيرها من العلوم كما كان حسن البلاغة والخط (2) . أن عدم اطلاع المؤرخين والكتاب المعاصرين لابن الفرضي على بعض مؤلفاته أو نقلهم منها، يدل على أنها قد فقدت منذ وقت مبكر، ولا يستبعد أن تكون أحداث الفتنة البربرية التي قضت على المؤلف هي التي قضت على بعض كتبه - أيضا-. ثانياً: الكتب الموجودة: لم تصل إلينا من مؤلفات ابن الفرضي سوى كتابين هما: 1 - كتاب الألقاب:   (1) كشف الظنون ج1 ص 102، هداية العارفين ج1 ص 449. (2) الذهبي: سير أعلام النبلاء ج17 ص179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 هذا الكتاب لم يشر إليه أحد من المؤرخين والكتاب الذين تحدثوا عن تراث ومؤلفات ابن الفرضي وهو يعنى بالأشخاص الذين اشتهروا بألقابهم دون أسمائهم وقد رتبه على حروف المعجم حسب الأبجدية المشرقية، حيث ضم عددا كبيرا من ألقاب الرجال والنساء، أما منهجه فإنه يذكر أولا اللقب ثم يذكر اسم صاحبه بعده ومن الأمثلة على ذلك: (الفاروق: عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -) (1) ، و (الصماء: ابنة بسر المازنية اسمها بهية) (2) ، وحينما يتكرر اللقب لأكثر من شخص فإنه يكرر اللقب ثم يعرف بالشخص المعني؛ مثل (شعبة) أورده ثلاث مرات وعرف بثلاثة أشخاص كلهم يحملون هذا اللقب (3) . أما مصادره فإنه غالبا يذكرها إما بعد المعلومة مباشرة حيث يسبقها بكلمة (ذكره فلان) ؛ ومن الأمثلة على ذلك: أنه حينما تحدث عن مشخصة قال: (لقب للحسين بن إبراهيم ذكره الحاكم) (4) ، وقد يذكر المصدر قبل المعلومة: ومثال ذلك قوله: (سفينة مولى أم سلمة، قال الواقدي: اسمه مهران) (5) . وقد تعددت وتنوعت مصادره، كما اختلف منهجه في التعامل معها حسب قوتها وضعفها، وكان أحيانا يذكر السند متصلا إلى الرسول - ش - وربما ذكر المنزلة العلمية والشيوخ الذين أخذ عنهم إن كان المتحدث عنه من المحدثين أو طلاب العلم (6) .   (1) ابن الفرضي: الألقاب ص 159. (2) المصدر السابق ص 111. (3) المصدر السابق ص 110. (4) المصدر السابق ص 197. (5) المصدر السابق ص 87. (6) انظر على سبيل المثال: صاعقة في ص 112، وص 67، 68 وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 وكان من أهم مصادره في هذا الكتاب شيخه الحافظ عبد الغني الأزدي (1) ومحمد ابن أحمد بن يحيى ابن مفرج (2) ومحمد بن يحيى بن الخراز (3) وأبو محمد بن الضرار (4) وخلف بن قاسم (5) وغيرهم. كما اعتمد على عدد من الكتب والمؤلفات التاريخية أو كتب الرجال ومنها مؤلفات الواقدي (ت 207هـ) (6) ، ومحمد بن يحيى بن حبان (ت 356هـ) (7) ، والبخاري (ت 256هـ) (8) ، وغيرهم. وقد قام الدكتور محمد زينهم محمد عزب بتحقيق ونشر منتخب من هذا الكتاب معتمدا في ذلك على نسخة مختصرة للكتاب (9) كتبت بمدينة بجاية سنة إحدى وخمسين وستمائة، أما الكتاب كاملا فلم أتمكن من الوقوف على شيء من نسخه. 2 - كتاب تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس: هذا الكتب سيأتي الحديث عنه مفصلا. ولم تكن جهود ابن الفرضي في ميدان الكتاب قاصرة على التأليف فحسب، بل قد كان له اهتمام بالكتب واقتنائها، حيث جمع منها أكثر مما جمعه غيره من عظماء البلد (10) . وظائفه:   (1) الألقاب: ص 52، 54، 58، وغيرها. (2) المصدر السابق ص30، 40، 62، 73، 104، 196. (3) المصدر السابق ص 113. (4) المصدر السابق ص 28. (5) المصدر السابق ص 73، 146. (6) المصدر السابق ص 91،92. (7) المصدر السابق ص 172. (8) المصدر السابق ص 189. (9) تم نشر هذا الكتاب سنة 1988م بعد تحقيقه وبدون تقديم أو دراسة للكتاب. (10) ابن بشكوال: الصلة ص 253، والذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 ص 1077، سير أعلام النبلاء ج17 ص 179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 انشغل ابن الفرضي في مستهل حياته بطلب العلم متنقلا بين عدد من المدن الأندلسية، كما رحل إلى المغرب ومصر والحجاز؛ لهذا الغرض حيث كان طلب العلم والحرص على التحصيل هاجسا ملازما له في حله وترحاله، وحينما حصل ما يؤمله في هذا الميدان، وأروأ ظمأه من أنهار العلم وأبحره المختلفة، مما جعله أهلا لنيل الوظائف الرسمية، حيث تقلد قراءة الكتب بعهد العامريين، كما استقضاه الخليفة محمد بن عبد الجبار المهدي بكورة بلنسية (1) كما ذكر الحجاري أنه ولي في الفتنة قضاء مدينة أستجه (2) . ولم يذكر المؤرخون أنه تقلد سوى هذه المناصب ويبدو أن انشغاله في أول حياته بطلب العلم، ثم وفاته المبكرة كانا السبب في كونه مقلا في هذا الميدان على الرغم من كونه أحد علماء الأندلس وحفاظها المشهورين. وفاته:   (1) ابن بشكوال: الصلة ص 253 سير أعلام النبلاء ج17 ص 179. (2) ابن سعيد: المغرب ج1 ص104 (نقلا عن الحجاري) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 ذكر ابن حيان أن ابن الفرضي قتل في قرطبة يوم الاثنين لست خلون من شوال سنة ثلاث وأربعمائة وذلك حينما اجتاح البربر قرطبة ووري متغيرا من غير غسل، ولا كفن، ولا صلاة في مقبرة مُؤمَّرة بعد أيام من قتله (1) كما أكد تلميذه أبو عمر بن عبد البر أنه قتله البربر في سنة الفتنة وبقي في داره ثلاثة أيام مقتولا (2) وقد أجمع عدد من المؤرخين على أن ابن الفرضي قتله البربر لكنهم لم يحددوا تاريخ قتله، فابن حزم قال: (إنه قتله البربر يوم الدخلة وبقي في مصرعه حتى تغير وكفنه ابنه في نطع) (3) أما الحميدي (4) وابن عميرة (5) فقالا إنه قتل مظلوما في الفتنة لما دخل البربر قرطبة سنة أربعمائة وقد قال بهذا ابن سعيد (6) . هكذا تباينت آراء المؤرخين حول تحديد سنة مقتل ابن الفرضي ولكنهم أجمعوا على أنه قتل مظلوما خلال الفتنة البربرية التي عصفت بقرطبة في مستهل القرن الخامس الهجري.   (1) ابن بشكوال: الصلة ص 253 (نقلا عن ابن حيان، وقد قال بهذا الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 3 ص 1079، سير أعلام النبلاء ج17 ص176، ابن خلكان: وفيات الأعيان ج3 ص106، المقري: نفح الطيب ج2 ص130. (2) المصدر السابق ص 254. (3) المصدر السابق ص 254 (نقلا عن ابن حزم) . (4) جذوة المقتبس ص238. (5) بغية الملتمس ص322 (6) المغرب ج2 ص104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 وقد تناقل المؤرخون عنه قصة تؤكد حرصه - رحمه الله تعالى - على أن الموت شهيدا في سبيل الله كان هاجسا ملازما له طوال حياته، فقد قال الحميدي حدثنا علي بن أحمد الحافظ، أخبرني أبو الوليد بن الفرضي قال: تعلقت بأستار الكعبة، وسألت الله - تعالى - الشهادة ثم فكرت في هول القتل، فندمت وهممت أن أرجع فأستقيل الله ذلك فاستحييت، قال الحافظ علي: فأخبرني من رآه بين القتلى، ودنا منه، فسمعه يقول بصوت ضعيف: (لايكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما، اللون لون الدم، والريح ريح المسك) كأنه يعيد على نفسه الحديث الوارد في ذلك، قال: ثم قضى نحبه على إثر ذلك -رحمه الله- (1) . ثانياً: كتاب تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس:   (1) جذوة المقتبس ص238، وابن بشكوال: الصلة ص 254، ابن عميرة: بغية الملتمس ص322، وقد رواه عن أبي محمد بن حزم، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 ص1077، سير أعلام النبلاء ج17 ص179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 هذا الكتاب سماه الحميدي (1) ، وابن بسام (2) ، وابن عميرة (3) (تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس) . أما ابن بشكوال (4) وابن خلكان (5) ، والمقري (6) فأطلقوا عليه (تاريخ علماء الأندلس) ، بينما سماه الذهبي (7) . (تاريخ الأندلسيين) ، و (تاريخ الأندلس) (8) أما القاضي عياض فسماه (رجال الأندلس) (9) ، وقد طبع هذا الكتاب أكثر من مرة، حيث كانت الطبعة الأولى تحت عنوان (تاريخ علماء الأندلس) نشره فرانسيسكو كوديرا (FRANCISCUS CODERA) بمدينة مدريد سنة 1891م، ثم أعيد طبع هذه النسخة سنة 1966م نشر الدار المصرية للتأليف والترجمة، كما قام الدكتور إبراهيم الأبياري بتحقيق هذا الكتاب ونشره سنة 1403 هـ 1983 م تحت هذا العنوان، كذلك حققته أيضا روحية عبد الرحمن السويفي ونشرته دار الكتب العلمية ببيروت سنة (1417 هـ 1997 م) . أما تحت عنوان (تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس) فقد نشره السيد عزت العطار الحسيني سنة (1373 هـ 1954 م) وكل هذه الطبعات قد اعتمدت على نسخة واحدة كتبت سنة 596 هـ بخط أحمد بن إبراهيم بن أحمد الصدفي. وقد كانت جهود هؤلاء المحققين والناشرين منحصرة في إخراج النص دون تقديم دراسة عن المؤلف والكتاب سوى ما يذكرونه في تصديرهم للكتاب عدا إبراهيم الأبياري الذي قدم تعريفاً للكتاب، والمؤلف في صفحات محدودة. أما سبب اختلاف التسمية لهذا الكتاب فيبدو أن ذلك يعود إلى أن المؤلف لم يسم كتابه، وإنما اكتفى بذكر ما قاله عنه في مقدمته، ولهذا اجتهد من اطلع عليه بعد المؤلف في اختيار عنوان له حسبما يوحي بذلك محتواه، وما ذكره عنه المؤلف في مقدمته.   (1) جذوة المقتبس ص 236. (2) الذخيرة ق1 ج2 ص 616. (3) بغية الملتمس ص 322. (4) الصلة ص 252. (5) وفيات الأعيان ج3 ص105 (6) نفح الطيب ج2 ص 139. (7) سير أعلام النبلاء ج17 ص176 (8) تذكرة الحفاظ ج3 1076. (9) ترتيب المدارك ج2 ص130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وهذا الكتاب هو الكتاب الثاني من مؤلفات ابن الفرضي التي وصلت إلينا وسوف تتناول هذه الدراسة - إن شاء الله تعالى - التعرف على مصادره وأقسامه، ومنهج ابن الفرضي في التعامل معها واستقاء المعلومات منها، ومدى تكاملها في تكوين مادته العلمية، ولكن قبل هذا لابد من التعريف بالكتاب وسبب تأليفه ومنهجه. سبب تأليف الكتاب: ذكر ابن الفرضي أن السبب في تأليفه لكتاب تاريخ العلماء والرواة للعلم هو جمع فقهاء الأندلس، وعلمائها، ورواتها، وأهل العناية بها في كتاب مختصر على حروف المعجم، وقد بين في مقدمة هذا الكتاب أنه كان ينوي تأليف كتاب موعب على المدن يشتمل على الأخبار، والحكايات لكنه عاقته عوائق عن بلوغ المراد فيه فجمع هذا الكتاب مختصرا (1) . ويبدو أن ابن الفرضي قد شعر بالرضى عما أنجز في هذا الكتاب وأنه قد تحقق له الكثير مما كان يهدف إليه ويريده، فقد قال حينما أثنى على عبد الرحمن بن الزامر: (وقلما كتبت بالأندلس عن أحد إلا وقد كتب عنه) (2) وقد وضح ذلك في مقدمته حينما قال: (ولم أزل مهتماً بهذا الفن معتنياً به، مولعاً بجمعه والبحث عنه ومسائلة الشيوخ عما لم أعلم منه: حتى اجتمع لي من ذلك -بحمد الله وعونه- ما أملته، وتقيد في كتابي هذا من التسمية ما لم أعلمه يقيد في كتاب ألف في معناه في الأندلس قبله) (3) وهذا الشعور بالرضا والذي أبداه ابن الفرضي، كان معاصره الحميدي (ت 488هـ) على عكسه حينما ألف كتابه جذوة المقتبس حيث اعترف بالتقصير ورغب في إعادة النظر فيما كتبه لتلافي ما فيه من قصور (4) .   (1) تاريخ العلماء ورواة العلم ص 8-9. (2) المصدر السابق ترجمة 801. (3) المصدر السابق ص9. (4) جذوة المقتبس ص 3-4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 هذا هو السبب في تأليف ابن الفرضي لكتابه تاريخ العلماء والرواة كما وضحه في مقدمة الكتاب وهو رغبته الذاتية في خدمة العلم، والعلماء في تأليف كتاب مختصر على حروف المعجم يجمع شتات فئة معينة من علماء الأندلس ومفكريها، فلم يكن وراء هذا التأليف دوافع خارجية أو كان يقصد الحصول على أي مردود مادي، أو أدبي، بل كان هدفه سامياً وغايته نبيلة، وهو بهذا النهج يخالف شيخه أبا عبد الله محمد بن حارث الخشني الذي ألف كتابه قضاة قرطبة استجابة لأمر الأمير الحكم المسنتصر بالله حينما كان ولياً للعهد (1) . ولهذا لقي كتاب ابن الفرضي قبولاً عند عدد من علماء المسلمين ومؤرخيهم ومنهم أبو عبد الله الحميدي (2) ، وابن عميرة (3) ، والذهبي (4) والذي عرَّف بابن الفرضي من خلال هذا الكتاب، وهذا يدل على ذيوعه وانتشاره بين الناس، كما أشاد به ابن بشكوال حينما قال إن ابن الفرضي: (بلغ فيه النهاية والغاية من الحفل والإتقان) (5) . ويبدو أن إعجاب ابن بشكوال بهذا الكتاب ومنهجه ومادته دفعه إلى أن يؤلف كتاب الصلة على غراره حيث قال حينما تحدث عن ابن الفرضي: (وهو صاحب تاريخ علماء الأندلس الذي وصلناه بكتابنا هذا) (6) بل إنه صرح في مقدمة كتابه أن إقدامه على تأليف هذا الكتاب كان استجابة لرغبة بعض علماء الأندلس الذين طلبوا منه أن يصل لهم كتاب القاضي ابن الفرضي وأن يبتديء من حيث انتهى كتابه وأين وصل تأليفه متصلاً إلى وقتنا يقول ابن بشكوال: (فسارعت إلى ما سألوا، وشرعت في ابتدائه على ما أحبوا، ورتبته على حروف المعجم ككتاب ابن الفرضي، وعلى رسمه، وطريقته … كالذي صنع هو رحمه الله) (7) .   (1) الخشني: قضاة قرطبة ص1. (2) جذوة المقتبس ص 238. (3) بغية الملتمس ص 322. (4) سير أعلام النبلاء ج17 ص 178. (5) الصلة ص 252. (6) الصلة ص 251. (7) المصدر السابق ص 1-2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 بل إن الإعجاب بهذا المؤلف لم يتوقف عند ابن بشكوال بل تجاوزه إلى غيره من علماء الأندلس فقد ألف ابن الأبار المتوفى سنة (658هـ) كتابه (التكملة لكتاب الصلة) كما ألف أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي المتوفى سنة (708 هـ) كتابه (ذيل الصلة) ، وقد تأثر هؤلاء المؤلفون بمنهج ابن الفرضي، كما عدوا ما قاموا به من عمل في هذا الميدان تكملة لما بدأه سلفهم ابن الفرضي رحمه الله (1) . المحتوى والمنهج: بين ابن الفرضي في مقدمة الكتاب أن مؤلّفه يضم عدداً كبيراً من فقهاء الأندلس وعلمائها، ورواتها، وأهل العناية بالعلم منهم مرتبين على حروف المعجم (2) ثم بين بعد ذلك أنه حاول ما أمكنه أن يعرض (أسماء الرجال، وكناهم وأنسابهم، ومن كان يغلب عليه حفظ الرأي منهم، ومن كان الحديث والرواية أملك به وأغلب عليه ومن كانت له إلى المشرق رحلة، وعمن روى، ومن أجل من لقي؟ ومن بلغ منهم مبلغ الأخذ عنه، ومن كان يشاور في الأحكام ويستفتى، ومن ولي منهم خطة القضاء، والمولد والوفاة) (3) .   (1) حاجي خليفة: كشف الظنون ج1 ص285 إلى 286. (2) تاريخ العلماء والرواة ص 8. (3) المصدر السابق ص 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 هذه هي القاعدة والمنهج التي كان ابن الفرضي يسير عليها حين ترجمته لأولئك العلماء، ولا شك أنها ترصد معلومات مهمة عن كل عالم، وهذا النهج في التأليف هو ما اعتاده كثير من المؤلفين المعاصرين أو اللاحقين لابن الفرضي والذين عنوا بالترجمة للرجال والمحدثين والفقهاء سواء من المشارقة أو المغاربة والأندلسيين، فمن المعاصرين الحافظ أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني (ت 446هـ) في كتابه الإرشاد في معرفة علماء الحديث (1) ، ومن اللاحقين أبو الحسن النباهي (ت ق 8هـ) في كتابه المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا والمعروف بتاريخ قضاة الأندلس (2) كما نهج هذا النهج الإمام الذهبي (ت748هـ) في كتابيه تذكرة الحفاظ، وسير أعلام النبلاء لمن هم بمستوى ومنزلة علماء ابن الفرضي، ولعل أقرب المؤلفين لمنهج ابن الفرضي ابن بشكوال في صلته، ويبدو هذا واضحاً في معظم التراجم التي تحدث عنها (3) ، وكذلك القاضي عياض في ترتيب المدارك (4) لكن هؤلاء جميعاً خالفوا ابن الفرضي في الاختصار،   (1) أبو يعلى القزويني: الإرشاد ص 155-156. (2) خصص المؤلف هذا الكتاب لخطة القضاء وسير بعض القضاة في الأندلس وكان حين حديثه عن القضاة يعرف بالشخص ومولده، ووفاته، وشيوخه، وطلبة العلم وغيرها من القضايا التي يذكرها ابن الفرضي، انظر مثلاً ما قاله عن القاضي ابن منظور ص 154-155،والقاضي ابن زرب ص 77-82 وغيرها،لكنه كان يبسط القول فيهم بخلاف ابن الفرضي الذي كان يجنح غالباً إلى الاختصار (3) انظر على سبيل المثال ترجمة رقم 469، 598، 571، كذلك في ترجمته لابن الفرضي رقم 273 وغيرها. (4) انظر على سبيل المثال ترجمته لعبد الملك ابن زونان ج2 ص 20-21، وابن وافد ج2 ص668، محمد بن عبد الله بن عبد البر ج2 ص419 وغيرهم، وبالإضافة إلى ما سبق فإن القاضي عياض يبين النزعة المذهبية لهؤلاء العلماء ومدى قربهم وعلاقتهم بالمذهب المالكي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 حيث جاء حديثهم أكثر تفصيلاً وبسطاً منه، إذ التزم جانب الاختصار، فلم يدخل في تفصيلات تخرجه عن هذا النهج الذي بينه في مقدمته. أما المنهج الذي سار عليه ابن الفرضي في ذكر أولئك العلماء فقد ذكرهم مرتبين حسب حروف المعجم بغض النظر عن أي اعتبار آخر، كالمكانة العلمية، أو المنزلة الاجتماعية، أو الترتيب الزمني أو غيرها، وهذا النهج في التأليف لم يكن ابتكاراً خاصاً به، بل عمل به عدد من الكتاب والمؤلفين مثل الإمام البخاري (ت 256هـ) في كتابه التاريخ الكبير، وابن أبي حاتم (ت 327هـ) في الجرح والتعديل، وابن حبان (ت 354هـ) في كتابيه الثقات، والمجروحين، وغيرهم، وقد سار على هذا النهج عدد من المؤلفين الذين جاؤوا بعد ابن الفرضي مثل ابن بشكوال في الصلة، والحميدي في جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، وابن عميرة في كتابه بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، بل إن ابن الأبار المتوفى سنة (658هـ) ألف كتاباً أسماه بالمعجم في أصحاب القاضي الإمام أبي علي الصدفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 وقد رتب ابن الفرضي مؤلفه حسب حروف الهجاء إذ بدأ بحرف الألف وانتهى بحرف الياء حسب الأبجدية المشرقية (1) حيث ذكر تحت كل حرف أسماء العلماء من أهل الأندلس مرتبين حسب الحرف الأول من الاسم فقط، ففي حرف الألف بدأ بإبراهيم وانتهى بأيوب وهكذا، وحينما ينتهي من ذكر الرجال في كل حرف يذكر الأفراد، والغرباء من الحرف المتقدم وهذا المنهج هو المعمول به عند الأندلس في تلك الفترة (2) .   (1) هناك منهجان في ترتيب حروف الهجاء هما الأبجدية المشرقية، والأبجدية المغربية وتتفقان في ترتيب الحروف الأولى من الألف إلى الزاي ثم تختلفان حيث تأتي الحروف حسب الأبجدية المشرقية كما يلي: س، ش، ص، ض، ط، ظ، ع، غ، ف، ق، ك، ل، م، ن، هـ، و، ي. أما ترتيب أهل المغرب فجاء بعد حرف الزاي على النحو التالي: ط، ظ، ك، ل، م، ن، ص، ض، ع، غ، ف، ق، س، ش، هـ، و، ي. وقد أشار كل من: أبو الوليد الباجي وابن عبد الملك المراكشي إلى أن المنهج المشرقي في ترتيب الحروف هو المعمول به في الأندلس آنذاك. (أبو الوليد الباجي: التعديل والتجريح ج1 ص273، ابن عبد الملك المراكشي: الذيل والتكملة ج1 ق1 ص9) . (2) أبو الوليد الباجي: التعديل والتجريح ج1 ص273، ابن عبد الملك المراكشي: الذيل والتكملة ج1 ق1 ص9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 أما وقت تأليف الكتاب فلم يذكر ابن الفرضي تاريخاً محدداً لذلك، لكن الذي يبدو أنه شرع بتأليفه منذ وقت مبكر من حياته حيث ساق بعض الروايات التي توحي بأنه قد بدأ بذلك منذ سنة سبع وسبعين وثلاثمائة (1) ورايات أخرى يستوحى منها - أيضا - أنه حينما كان بمصر أثناء رحلته العلمية كان يجمع مادته العلمية (2) وكذلك حينما كان بالقيروان (3) وهناك روايات أخرى تدل على أنه كان في نهاية القرن الرابع يشتغل في تأليف هذا الكتاب، ومن ذلك قوله حينما تحدث عن سعيد بن موسى الغساني: (قُتل بمعترك الماشة، قرب مدينة بلغى يوم الخميس لعشر بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة) (4) . وهكذا يبدو لنا أن تأليف هذا الكتاب قد استغرق أكثر من ثلاث وعشرين سنة وتفسير ذلك أن ابن الفرضي قد شرع في جمع مادته العلمية مبكراً، وكان يودع ذلك في كراريس، أو مذكرات خاصة، فلما أكتملت مادته العلمية أخذ بجمعها وتأليفها في كتاب واحد وكان هذا في آخر عمره رحمه الله. مصادره: اهتم الكتاب والمؤرخون القدامى باختيار مصادرهم، والتي كانوا يعدونها مرآة صادقة لمستوى ثقافتهم، فضلاً عن كونها معياراً مهماً للحكم على أي مؤلف أو كتاب يظهر للناس، فما آفة الأخبار إلا رواتها، وقد استشعر هذه الأهمية ابن الفرضي، ولعل مما ساعده على إدراك هذه المسئولية كونه ينتمي إلى مدرسة أهل الحديث التي تعنى بعلم الجرح والتعديل، ولهذا اهتم بمصادره حيث عني باختيارها، وذلك إدراكاً منه لأهمية المصدر في تأكيد أو نفي الأخبار والروايات التي يدرجها في كتابه، كما عني بالتعامل معها وحرص على فهمها واستيعاب ما تشير أو تهدف إليه قبل أن يسوق روايتها للقاريء.   (1) ابن الفرضي: تاريخ العلماء والرواة ترجمة 856. (2) المصدر السابق ترجمة 464، 633، 915. (3) المصدر السابق ترجمة 1097. (4) المصدر السابق ترجمة 534. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وقد جاءت المصادر التي اعتمد عليها ابن الفرضي في هذا الكتاب متنوعة، ومتعددة الاتجاهات والمستوى؛ حيث بين ذلك في المقدمة حينما قال: (ولم أزل مهتماً بهذا الفن معتنياً به، مولعاً بجمعه والبحث عنه، ومسائلة الشيوخ عما لم أعلم منه، حتى اجتمع لي من ذلك - بحمد الله وعونه - ما أملت، وتقيد في كتابي هذا من التسمية ما لم أعلمه يقيد في كتاب ألف في معناه في الأندلس قبله) (1) . إن هذه الكلمات التي قالها ابن الفرضي في مقدمة كتابه عن مصادره هي في حقيقة الأمر منهج سار عليه في التعامل مع مصادره مما يدل على أنه كان مهتماً بها، متحرياً الدقة والضبط في الأخذ منها، مع ميله إلى الاختصار حتى لا يطول مؤلفه بسبب كثرة الأسانيد التي يستقيها من مصادره المكتوبة، وقد وضح ذلك بقوله: (وتركنا تكرار الأسانيد مخافة أن نقع فيما رغبنا عنه - من الإطالة - وبيناها في صدر الكتاب، فما كان في كتابنا هذا عن أحمد دون أن ننسبه فهو أحمد بن محمد بن عبد البر أخبرنا به عنه محمد ابن رفاعة - الشيخ الصالح - في تاريخه وما كان فيه عن محمد - دون أن ينسب - فهو محمد بن حارث القروي أخذته من كتابه، وبعضه بخطه، وما كان فيه عن أبي سعيد فهو: أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس ابن عبد الأعلى المصري خرجته من تاريخه: في أهل مصر والمغرب، أخذ ذلك من كتاب أنفذه إليه أمير المؤمنين الحكم بن عبد الرحمن المستنصر بالله - رحمه الله- وفيه عن غير ذلك ما أخبرنا به يحيى بن مالك العائدي عن أبي صالح أحمد بن عبد الرحمن بن أبي صالح الحراني الحافظ عن أبي سعيد ومنه: ما أخبرني به أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى القاضي عن أبي سعيد وقد بينت ذلك في موضعه. وما جاء في كتابي هذا، عن محمد بن أحمد فهو: محمد بن أحمد بن يحيى القاضي هو: ابن مفرج، أخذته من كتاب مختصر كان جمعه للإمام المستنصر بالله رحمه الله.   (1) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ص 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 وما كان فيه عن الرازي فإن العائذي، أخبرنا به عنه وما كان فيه عن غير هؤلاء فقد ذكرت من حدثني به وعمن أخذته إلا أن يكون مما قرب عهده، وأدركته بسني، وقيدته بخطي وحفظي، وأخذته عن ثقة من أصحابي، فلم أحتج إلى تسميته (1) . ومن خلال استقراء هذه المقدمة، وبعد تتبعنا لما جمعه من معلومات، وأخبار في ثنايا كتابه، يتبين لنا أن مصادر ابن الفرضي كانت متعددة، ومتنوعة، وأنه لم يكن يغفل أي مصدر يظن أنه يخدمه أو يوفر له معلومة، أو خبرا مهما، ولهذا كانت موارده عديدة، ومصادر المعلومات لديه كثيرة، وقد جاءت على النحو التالي: أولاً: المصادر المكتوبة. ثانياً: مصادر المعاينة، والمعايشة، والمشاهدة. ثالثا: المصادر الشفوية - السماع والمشافهة. وكان لكل نوع من هذه المصادر طرقه، وأساليبه، ووسائله المتعددة، حيث حاول المؤلف الإفادة منها جميعاً في جمع مادته العلمية حسب الفرص المتاحة لكل نوع من هذه المصادر خاصة، وقد كانت المصادر المكتوبة تضم الأقسام التالية: أ - المؤلفات والكتب التاريخية. ب - الاستكتاب. ج - اللوحات والوثائق المادية. أ: المؤلفات والكتب التاريخية: يقصد بالمؤلفات والكتب التاريخية مؤلفات المؤرخين وعلماء الرجال الذين سبقوا ابن الفرضي، وكان لمؤلفاتهم علاقة قوية بموضوعه، وتمكن من الاطلاع عليها، وهذا النوع من المصادر شكل جزءاً كبيراً من مصادره في كتابه تاريخ العلماء، كما يستوحى ذلك من مقدمته، ويبدو واضحاً لمن يقرأ الكتاب، وكان من أهم من أفاد منهم في هذا المجال ما يلي:   (1) تاريخ العلماء والرواة للعلم ص 9 – 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 أبو عبد الله محمد بن حارث بن راشد الخشني القيرواني، عاش السنوات الأولى من حياته بالقيروان ثم رحل إلى الأندلس صغيراً وعمره دون الثانية عشرة وبها طلب العلم،وقد وصفه ابن الفرضي بالعلم والقدرة على الفتيا (1) ، كما أشاد به عدد من المؤرخين إذا قال عنه الحميدي: (محمد بن حارث من أهل العمل والفضل) (2) وأثنى عليه الذهبي (3) وابن عميرة (4) وغيرهم.   (1) تاريخ العلماء والرواة ترجمة 1400. (2) جذوة المقتبس ص 49. (3) تذكرة الحفاظ ج3 ص 1001. (4) بغية الملتمس ص 61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 له عدد من المؤلفات، فقد أشار الحميدي إلى أنه جمع كتاباً في (أخبار القضاة بالأندلس) وكتاباً في (أخبار الفقهاء والمحدثين) وكتاباً في (الاتفاق والاختلاف لمالك بن أنس وأصحابه) (1) . كما قال ابن الفرضي بلغني أن الخشني (صنف للمستنصر مائة ديوان، وقد جمع له من رجال الأندلس كتاباً قد كتبنا منه في هذا الكتاب - يعني تاريخ العلماء - ما نسبناه إليه) (2) . وكتاب الخشني هذا غير موجود الآن، ولكن ابن الفرضي أعتمد عليه كثيراً، إذ نبه إلى أنه أخذ منه عشرات المرات في كتابه، وقد تفاوتت نقولاته منه، فأحياناً يذكر الخبر ثم يعقبه بقوله قاله أو ذكره ابن حارث (3) ، وأحياناً يقول: (قال ابن حارث) (4) أو في كتاب ابن حارث (5) أو ذكر ابن حارث في كتابه (6) ، ثم يذكر بعد ذلك نصاً أو خبراً لابن حارث، وقد يقول قرأت ذلك من كتاب ابن حارث بخطه (7) ، أو ذكره ابن سعدان عن ابن حارث (8) ، أو ذكره ابن حارث عن ابن سعدان (9) ، هكذا تعددت طرق إحالات ابن الفرضي على ابن حارث بحسب اطلاعه عليها في كتابه، ولا شك أن هذا التعدد يدل على دقته في التعامل مع مصادره، وبالرغم من كون ابن الفرضي قد نقل كثيراً من الخشني إلا أنه فيما يبدو لم يكن يأخذ بما يذكره، أو يقول به مطلقاً، بل ربما كان قوله مرجوحاً أحياناً، أو قد يحتاج إلى دليل، والأدلة على ذلك كثيرة ومنها أنه حينما ذكر قول الخشني في عبد الله بن مسرّة ذكر معه أقوال عدد من المؤرخين بعضهم يعد من المجاهيل حيث قال: (وقرأت في بعض الكتب أن عبد الله بن مسرة رحل إلى   (1) جذوة المقتبس ص 49. (2) تاريخ العلماء والرواة ترجمة 1400. (3) المصدر السابق ترجمة 651، 649. (4) المصدر السابق ترجمة 661، 652. (5) المصدر السابق ترجمة 664. (6) المصدر السابق ترجمة 687. (7) المصدر السابق تراجم 449، 456، 819، 826. (8) المصدر السابق ترجمة 379. (9) المصدر السابق ترجمة 382. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 المشرق) (1) ومن الأدلة - أيضاً - قوله حينما تحدث عن يحيى بن معمر بن عمران بن منير: (وحكى ابن حارث: أن الأمير عبد الرحمن استقضاه مرة ثانية، وهو صحيح والدليل عليه: أن يحيى بن معمر صلى بالناس صلاة الكسوف بقرطبة سنة ثمان عشرة في مسجد أبي عثمان وهو قاض) (2) هذا وقد أفاد ابن الفرضي من الخشني كثيراً، وفي مواضع متعددة شملت السير الذاتية، والنزعات العلمية، وتاريخ المولد والوفاة، والشيوخ، والرحلات العلمية، وغيرها من جزئيات تاريخ علماء المسلمين بالأندلس (3) . أبو القاسم خالد بن سعد أحد أئمة الحديث بالأندلس روى عن عدد من العلماء مثل محمد بن عمر بن لبابة، وأحمد بن خالد بن يزيد، ومحمد بن فطيس وغيرهم كما روى عنه جماعة (4) توفي سنة (352 هـ) (5) .   (1) تاريخ العلماء والرواة ترجمة 652. (2) المصدر السابق ترجمة 1555. (3) انظر على سبيل المثال ترجمة 9، 20، 24، 72، 104،126،210،233،301،332، 338،344،362،379،386،423،479،643،778، وغيرها. (4) الحميدي: جذوة المقتبس ترجمة 409، ابن عميرة: بغية الملتمس ترجمة 695. (5) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 398. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وقد ذكر ابن الفرضي أن خالد بن سعد من الذين اعتمد على كتابتهم كثيرا، حيث قال في مقدمة الكتاب: (وما كان فيه عن خالد فهو خالد بن سعد أخبرنا به عنه إسماعيل ابن إسحاق الحافظ (1) في تاريخه) (2) ،كما ذكر حينما تحدث عن خالد بن سعد أن له كتابا في رجال الأندلس ألفه للمستنصر بالله - رحمه الله - وقد أخذه ابن الفرضي عن إسماعيل بن إسحاق؛ حيث قال: (وقد كتبنا منه في كتابنا هذا ما نسبناه إليه) (3) ، وقد بين ابن الفرضي أن خالد بن سعد لم يكن يتورع عن أعراض الناس، بل كان ينال منها حتى اشتهر بهذا الأمر، وأنه أخبره بذلك غير واحد ممن عرف ذلك منه (4) ، لكن هذا المأخذ لم يمنعه من الأخذ منه، وقد تفاوتت نقولاته عنه، وكذلك إحالته عليه، فعلى الرغم من كونه في الغالب يقول: ذكر خالد (5)   (1) هو إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم بن زياد بن أسود بن نافع بن معاوية يعرف بابن الطحان كان عالما بالآثار والسنن حافظا للحديث وأسماء الرجال من أقران ومعاصري ابن الفرضي، ذكر ابن الفرضي أنه يقضي أكثر وقته في التصنيف بالحديث والتاريخ، كما ذكر أنه نقل عنه في كتاب تاريخ العلماء كثيرا بل إن كلما جاء في كتابه عن خالد بن سعد فعنه كتب، توفي بقرطبة سنة 384 هـ. (ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 221، ابن فرحون: الديباج المذهب ج1 ص290 291، الذهبي: سير أعلام النبلاء ج16 ص 502 503) (2) تاريخ العلماء والرواة ص 10. (3) ابن الفرضي ترجمة 398. (4) المصدر السابق ترجمة 398. (5) المصدر السابق ترجمة 3، 4، 26، 28، 30، 31، 34، 60، 66، 70، 88، 112، 114، 116، 210، 215، 218، 225، 271، 273، 427، 443، 589، 591، 816، 1001 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 ، أو قال خالد (1) مختصراً الإسناد، ثم يذكر خبرا أو نصا، إلا أنه أحيانا كان يستخدم صيغًا متصلة الإسناد؛ كقوله: (أخبرني إسماعيل قال: سمعت خالد بن سعد يقول.) (2) وقوله: أخبرني إسماعيل قال: قال خالد بن سعد … ) (3) ، و (أخبرني إسماعيل قال: قال أخبرني خالد) (4) ، و (أخبرني إسماعيل قال: حدثني خالد … ) (5) ، أو (قال لنا إسماعيل قال لي خالد … ) (6) . وقد أخذ ابن الفرضي من خالد بن سعد معلومات كثيرة، وفي قضايا مختلفة، لكن الغالب منها كان يتعلق بالسير والرحلات العلمية، أو السماع والشيوخ (7) ، وهذا مما يدل على أن هذا المصدر كان مهتما بهذا الجانب، وأن مؤلفه قد أولى تلك القضايا عناية خاصة، ولهذا جاء حديثه عنها مهما لابن الفرضي. ومع أن ابن الفرضي قد عد كتابات خالد بن سعد من مصادره المهمة، إلا أنه لم يكن يُسلم بكل ما ذكره، بل ربما رد أقواله، ومن ذلك أن خالد بن سعد قد حكم على سعيد بن جابر الأشبيلي بالكذب لكن ابن الفرضي لما ذكر هذا القول قال: (لم يكن سعيد بن جابر - إن شاء الله - كما قال خالد، فقد رأيت أصول أسمعته، ووقع إليّ كثير منها، فرأيتها تدل على تحري الرواية، وورع في السماع وصدق) (8) ، ولم يكتف بذلك، بل ساق أدلة أخرى ومنها قوله: (وقد حدثني العباس بن أصبغ قال: سمعت محمد بن قاسم يثني على سعيد بن جابر ويقول: كان صاحبنا عند النسائي ووصفه بالصدق) (9) .   (1) المصدر السابق ترجمة 18، 57، 158، 226، 284، 441، 448. (2) المصدر السابق ترجمة 427. (3) المصدر السابق ترجمة 494، 629. (4) المصدر السابق ترجمة 816، 1408. (5) المصدر السابق ترجمة 1001. (6) المصدر السابق ترجمة 1408. (7) المصدر السابق ترجمة 215، 218، 225، 248، 254، 271، 277، 441، 629، 616، 926 وغيرها. (8) المصدر السابق ترجمة 494. (9) المصدر السابق ترجمة 494. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرج القاضي من شيوخ ابن الفرضي الذين أكثر عنهم، سمع بقرطبة من قاسم بن أصبغ ومحمد بن عبد الله بن دليم، والخشني وغيرهم، رحل إلى المشرق سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة فسمع بمكة، والمدينة النبوية، وجدة، واليمن، وعدن، ثم دخل الشام فسمع ببيت المقدس وغيرها من مدن الشام، ثم عاد إلى الأندلس سنة خمس وأربعين فاتصل بأمير المؤمنين المستنصر بالله حيث ألف له عددا من الدواوين، كما استقضاه على أستجه، ثم ريه (1) ، وقد ذكر ابن الفرضي أن عدد الشيوخ الذين لقيهم أبو عبد الله بن مفرج وروى عنهم في جميع الأمصار التي دخلها مع ما كتب عنه بالأندلس مئتا شيخ وشيخا، توفي - رحمه الله تعالى - ليلة الجمعة لأحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثمانين وثلاثمائة (2) .   (1) ريَّه: (rejio) يحدها من الجنوب البحر الرومي وألبيرة من الغرب، وهي متصلة بكورتي الجزيرة الخضراء وأستجه، نزلها جند الأردن وهي طثيرة الخيرات. (ابن غالب: فرحة الأنفس ص25 – 26، الحميري: الروض المعطار ص 279 – 280) . (2) ابن الفرضي: تاريخ العلماء والرواة ترجمة 1360، الحميدي جذوة المقتبس ص 40، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 49، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 ص 1007. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 ذكر ابن الفرضي أنه أفاد من ابن مفرج في كتاب مختصر كان قد جمعه للإمام المستنصر بالله (1) - رحمه الله - وقد أشار إلى ذلك الذهبي (2) ،،ومما أهله لأن يأخذ منه ابن الفرضي كثيرا كونه عالما بالرجال وأحوالهم (3) ، قال عنه الحميدي: (القاضي أبو عبد الله … حافظ جليل مصنف) (4) ، كما وصفه أبو عمر أحمد بن محمد بن عفيف بأنه من (أعنى الناس بالعلم، وأحفظهم للحديث، ما رأيت مثله في هذا الفن) (5) ، وبالإضافة إلى ذلك فقد ذكر الذهبي أن له مصنفات في الفقه وفقه التابعين، حيث صنف كتابا في فقه الحسن البصري في سبع مجلدات، وفقه الزهري في عدة أجزاء، كما جمع مسند قاسم بن أصبغ في مجلدات (6) ولم تكن إفادة ابن الفرضى قاصرة على هذه المؤلفات، بل أفاد منه عن طريق السماع مدة طويلة، يقول عن ذلك: (وآليت الاختلاف إليه، والسماع منه من سنة ست وستين إلى أن اعتل علته التي توفي بها سنة 380 هـ وأجاز لي جميع ما رواه غير مرة وكتب لي ذلك بخطه ولأخي) (7) .   (1) تاريخ العلماء والرواة ص 10 (2) تذكرة الحفاظ ج3 ص 1008. (3) المصدر السابق ج3 ص 1008. (4) جذوة المقتبس ص 40. (5) الذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 ص1008. (6) تذكرة الحفاظ ج3 ص1008. (7) تاريخ العلماء ترجمة 1360. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 هكذا تعددت طرق أخذ ابن الفرضي من أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مفرج، والذي يهمنا هنا ما أخذه عنه بواسطة كتبه ومؤلفاته التي أجازها له حيث وضح ذلك بقوله: (ذكره محمد بن أحمد في كتابه، أو كذا وجدته بخطه، أو من كتاب محمد بن أحمد، أوفي كتاب محمد بن أحمد وغيرها من العبارات التي تدل على أخذه من مؤلفاته مباشرة، ويبدو أن تلك المؤلفات كانت كبيرة غزيرة المعلومات، ولهذا جاءت إفادته منها متنوعة وشاملة لمعظم جوانب سير الرجال، حيث أفاد منه فيما يتعلق بالسير العلمية والشيوخ (1) والمولد (2) والوفاة (3) والنظم والجوانب الحضارية (4) والصفات الذاتية والأخلاق (5) والأنساب (6) والرحلات والأسفار (7) ، وكان أحيانا يجمع بين قوله له مشافهة وما كتبه من مؤلفاته، ويوضح ذلك بقوله: قاله محمد، أو وجدت ذلك بخطه (8) .   (1) المصدر السابق ترجمة 8، 60، 87، 156، 227، 234، 324، 290، 351، 369، 557، 776، 947، 967 (2) المصدر السابق ترجمة 469. (3) المصدر السابق ترجمة 57، 83، 212، 231، 334، 351، 370، 387، 42، 481، 949. (4) المصدر السابق ترجمة 358، 595. (5) المصدر السابق ترجمة 385، 411، 577، 960. (6) المصدر السابق ترجمة 1104. (7) المصدر السابق ترجمة 1020. (8) المصدر السابق ترجمة 61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وبالإضافة إلى ذلك فقد روى عنه عددا من الأحاديث والآثار بسند متصل؛ فمن الأحاديث قوله: (أخبرنا محمد بن أحمد بن يحيى قال: نا ابن الأعرابي قال: نا عباس الدوري قال: نا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح قاضي الأندلس قال: حدثني أبو الزاهرية حُدير بن كريب قال حدثني كثير بن مرة الحضرمي أنه سمع أبا الدرداء سأل رسول الله - ش - أفي كل صلاة قراءة؟ قال: نعم. فقال رجل من الأنصار: رحبت هذه. فقال لي رسول الله - ش - وكنت من أدنى القوم إليه: ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم) (1) . ومن الآثار قوله: (أخبرنا محمد بن أحمد بن يحيى قال: نا ابن فراس قال: حدثنا محمد بن علي الصائغ قال: سعيد بن منصور قال: نا هشيم قال: نا عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة الحسني عن أبن عباس: أن آية من كتاب الله سرقها الشيطان: (بسم الله الرحمن الرحيم) (2) . هكذا تعددت، وتنوعت إفادات ابن الفرضي من شيخه ابن القاضي، كما تنوعت طرق الأخذ منه، ويبدو أن هذا المؤلف كان محل ثقة عند ابن الفرضي إذ كان يقدم قوله على قول خالد بن سعد ومن ذلك أنه لما ذكر قول خالد في وفاة عبيدون بن الحارث الجهني وأن ذلك كان سنة خمس وعشرين وثلاثمائة ذكر قول محمد بن أحمد بأنه كان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، ثم قال وهو أصح عندي إن شاء الله (3) . أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى المصري الصدفي المعروف بابن يونس، سماه الذهبي بالحافظ، وذكر أنه ما ارتحل ولا سمع بغير مصر، وكان إماما بصيرا بالرجال ولد سنة إحدى وثمانين ومئتين، وتوفي في جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وثلاثمائة عن ستة وستين عاما (4) .   (1) المصدر السابق ترجمة 464. (2) المصدر السابق ترجمة 383. (3) المصدر السابق ترجمة 1001. (4) ابن خلكان: وفيات الأعيان ج3 ص137، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 ص 898 – 899، سير أعلام النبلاء ج5 ص578. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وقد ألف كتابا سماه علماء مصر (1) ، ذكر الذهبي أنه اختصر هذا الكتاب، وأنه أفاد منه بعض الغرائب (2) . وهذا الكتاب من المصادر التي اعتمد عليها ابن الفرضي حيث بين أن المؤلف أرسل كتابه إلى أمير المؤمنين الحكم المستنصر بالله مما أتاح له فرصة الاطلاع عليه، كما بين أنه أخذ من أبي سعيد من غير هذا الكتاب وذلك ما أخبره به عنه يحيى بن مالك العائذي عن أبي صالح أحمد بن عبد الرحمن بن أبي صالح الحراني الحافظ عن أبي سعيد أو ما أخبره به أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى القاضي عن أبي سعيد، وقد بين ذلك في موضعه (3) . هكذا تنوعت الطرق التي أفاد بواسطتها ابن الفرضي من أبي سعيد، وقد التزم في تعامله مع المعلومات التي استقاها من أبي سعيد بالدقة في الإحالة إليها؛ حيث كان يوضح طريق ما استقاه من أبي سعيد بقوله: ذكره أبو سعيد (4) ، أو قال أبو سعيد، ثم يذكر قولا له (5) ، أو في كتاب أبي سعيد (6) ، أو من كتابه (7) ،كما أنه أحيانا يبين المصدر الذي أخذ منه ابن سعيد مثل قوله: قال أبو سعيد: ذكره الخشني (8) ، وقوله قال أبو سعيد ذكره ابن عفير في أخبار الأندلس (9) .   (1) ابن خلكان: وفيات الأعيان ج3 ص137، الذهبي سير أعلام النبلاء ج5 ص579. (2) سير أعلام النبلاء ج15 ص579. (3) تاريخ العلماء ص 10. (4) المصدر السابق ترجمة 2، 6، 7، 14، 78، 100، 627، 636، 970. (5) المصدر السابق ترجمة 595، 825، 646، 936، 941، 1289. (6) المصدر السابق ترجمة 661. (7) المصدر السابق ترجمة814. (8) المصدر السابق ترجمة 239. (9) المصدر السابق ترجمة 587. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وحينما يكون الخبر أخذه عن طريق يحيى العائذي، فإنه يوضح ذلك بقوله: (وأخبرنا يحيى بن مالك العائذي قال: نا أبو صالح قال: نا أبو سعيد … ) (1) ، ثم يذكر الخبر بعد ذلك، أو (حدثنا أبو زكريا العائذي قال: حدثنا أبو صالح الحراني قال: نا أبو سعيد الصدفي) (2) ، أو (أخبرنا العائذي قال: نا أبو صالح الحراني قال: نا أبو سعيد الصدفي في تاريخ المصريين قال … ) (3) ، ثم يذكر الخبر، أو من كتاب أبي سعيد أخبرني به العائذي (4) ، وقد سلك نفس المنهج مع محمد بن أحمد القاضي حيث يقول: (وأخبرني محمد بن أخمد الحافظ قال: قال لنا أبو سعيد … ) (5) ، ثم يذكر الخبر، أو ذكره أبو سعيد أخبرني بذلك عنه محمد بن أحمد القاضي (6) ، أو (أخبرنا القاضي محمد ابن أحمد قال: نا عبد الرحمن بن أحمد بن يونس،) (7) ثم يذكر الخبر، أو (أخبرني محمد بن أحمد عن أبي سعيد قال (8) .   (1) المصدر السابق ترجمة 323. (2) المصدر السابق ترجمة 383، 915. (3) المصدر السابق ترجمة 633. (4) المصدر السابق ترجمة 785. (5) المصدر السابق ترجمة 21، 391، 586. (6) المصدر السابق ترجمة 55. (7) المصدر السابق ترجمة 323، 915، 1456. (8) المصدر السابق ترجمة 773، 1500. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 هكذا تعددت صيغ الرواية عند ابن الفرضي فيما أخذه عن أبي سعيد، ولا شك أن إلمامه بعلم الحديث ومناهجه، هي التي جعلته يملك هذه الطرق، وتلك الأساليب في التعامل مع الرواية التاريخية، وقد أفاد ابن الفرضي من أبي سعيد معلومات تتعلق بالنسب (1) ، والمولد، والنشأة (2) ، والشيوخ، وطلب العلم والرحلات العلمية (3) ، والسماع من الشيوخ (4) وكذلك الوفاة، مكانها وتاريخها (5) . ومما تميز به هذا المصدر من مصادر ابن الفرضي عن غيره من المصادر التاريخية أنه أورد تراجم مطولة لعدد من ولاة الأندلس، وعلمائه؛ مثل حنش بن عبد الله الصنعاني (6) والسمح بن مالك الخولاني (7) ، وعبد العزيز بن موسى بن نصير (8) ، وعبد الله بن يزيد الحبلي (9) وغيرهم من القادة والعلماء المتقدمين، حيث يعد ما ذكره ابن الفرضي عنهم إضافة مهمة لهؤلاء الأشخاص الذين تعاني المصادر التاريخية من شح واضح في أخبارهم. الرازي   (1) المصدر السابق ترجمة 59. (2) المصدر السابق ترجمة 936. (3) المصدر السابق ترجمة 610، 1289، 1529. (4) المصدر السابق ترجمة 78، 100، 312، 437، 461، 785، 1456، 1500. (5) المصدر السابق ترجمة 7، 14، 18، 21، 55، 78، 269، 297، 335، 595، 627، 661، 941، 1049، 1500. (6) المصدر السابق ترجمة 391. (7) المصدر السابق ترجمة 586. (8) المصدر السابق ترجمة 825، 915. (9) المصدر السابق ترجمة 633. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 قال ابن الفرضي حينما تحدث عن مصادره في كتابه هذا: (وما كان فيه عن الرازي فإن العائذي أخبرنا به عنه) (1) لكنه لم يذكر اسم هذا المؤرخ الذي أفاد منه هل هو أبوبكر أحمد بن محمد الرازي أو ابنه عيسى بن أحمد بن محمد الرازي وكلاهما ممن اهتم بالتاريخ الأندلسي، وعاصر ابن الفرضي، أما أحمد فهو: أبوبكر أحمد بن محمد بن موسى بن بشير الرازي والمولود بالأندلس سنة 274 هـ حيث سمع من قاسم بن أصبغ وأحمد بن خالد وغيرهما، وكان كثير الرواية حافظا للأخبار (2) ، وله مؤلفات كثيرة في أخبار الأندلس وتواريخ دول الملوك فيها ومنها أخبار ملوك الأندلس، وهو كتاب كبير اعتمد عليه عدد من المؤرخين كابن حيان، وابن الأبار، وابن سعيد،وغيرهم وكتاب في صفة قرطبة وخططها ومنازل الأعيان فيها، وكتاب ثالث اسمه الاستيعاب عن أنساب مشاهير أهل الأندلس، وكتاب رابع في جغرافية الأندلس، وخامس في أعيان الموالي بالأندلس (3) وقد فقدت هذه المؤلفات ولم يبق منها سوى ما نقله لنا عدد من المؤرخين اللاحقين له. وأما عيسى فهو: ابن أحمد بن محمد الرازي المذكور أولاً (وقد انشغل بكتابة التاريخ حيث ألف كتابا اسمه (الحجاب للخلفاء بالأندلس) (4) ، كما ألف كتابا آخر في تاريخ الأندلس ويرى الدكتور محمود علي مكي أنه قد يكون أكمل بهذا الكتاب كتاب والده أحمد (5) . وما ذكره ابن الفرضي في مقدمة كتابه عن المصادر، وكذلك إحالاته على الرازي في ثنايا كتابه، لم تصرح هل المقصود أحمد أم ابنه عيسى؟   (1) تاريخ العلماء ص10. (2) المصدر السابق ترجمة 137، الحميدي: جذوة المقتبس رقم 147، الضبي: بغية الملتمس ص 20، المقري: نفح الطيب ج3 ص54 (3) ابن حيان: المقتبس (تحقيق محمود علي مكي) حاشية 463. (4) ابن الأبار: الحلة السيراء ج1 ص138. (5) ابن حيان: المقتبس (تحقيق محمود علي مكي) حاشية 463. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 كما لا يوجد من خلال الإحالات ما يدل صراحة على أي منهما على وجه التحديد، ولكن ومن خلال استقرائنا لما كُتب عن الرجلين، وما ذكره ابن الفرضي في إحالاته على الرازي يمكن أن نرجح أن يكون المقصود به هو الأب أحمد بن محمد، وقد بدا لنا هذا الترجيح من خلال المؤشرات التالية: أن الأب أحمد بن محمد كان أشهر من ابنه عيسى؛ إذ أنه علم من أعلام التاريخ الأندلسي، فلعل ابن الفرضي اكتفى بشهرته عن التصريح باسمه، كما يفعل بعض المؤرخين ومن بينهم ابن حيان، وابن الأبار؛ إذ كانا أحيانا يكتفيان بقول: قال الرازي مع أنهما يقصدان أحمد وليس عيسى، كما يبدو هذا واضحا من خلال ما يذكرانه من أخبار. من خلال تتبعنا للروايات التي ذكرها ابن الفرضي عن الرازي نجد أنها كلها لم تتجاوز في إطارها الزمني سنة 344هـ وهو تاريخ وفاة أحمد، فلو كان المعني بالأمر أو بعضه الابن عيسى لامتد الإطار الزمني إلى نهاية العقد الثامن من القرن الرابع الهجري إذ أن عيسى عاش تلك الفترة؛ حيث كانت وفاته سنة 379 هـ. أن كثيرا من تراث أحمد بن محمد التاريخي أقرب إلى موضوع صاحبنا ابن الفرضي في هذا الكتاب؛ فهو يعنى بالمشاهير والأعيان الذين كان العلماء أحدى فئاتهم، وعناوين مؤلفاته من الأدلة الواضحة في هذا المجال. ثمة إشارات ذكرها ابن الفرضي توحي بأن المقصود بالرازي عنده هو أحمد؛ مثل قوله في ترجمته لأحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مروان ذكره الرازي في تاريخ الملوك (1) وكذلك حين حديثه عن شمر بن ذي الجوشن الكلاعي؛ حيث قال: ذكره الرازي في تاريخ الملوك … ) (2) .   (1) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 106. (2) المصدر السابق ترجمة 594. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 هناك بعض النصوص التاريخية التي اقتبسها ابن حيان من أخمد بن محمد الرازي، كما ذكرها ابن الفرضي ونسبها إلى الرازي وبمقارنتها ببعضها يتبين أنها نص واحد، اقتبست من مصدر واحد مما يرجح أن المقصود عند ابن الفرضي هوأحمد بن محمد ومن هذا قول ابن الفرضي قال الرازي: (ولي الأمير محمد بن عبد الرحمن يوم الخميس لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائتين … ) (1) وكذلك قوله: (قال الرازي: توفي سعيد بن محمد بن بشير المعافري القاضي سنة عشرة ومائتين … ) (2) وقد ذكر ابن حيان هذين النصين ونسبهما إلى أحمد الرازي (3) .   (1) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ص 13. (2) المصدر السابق ترجمة 473. (3) انظر النص الأول في ص 102 والنص الثاني ص 78، المقتبس (تحقيق مكي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 وعلى أية حال فإن إفادات ابن الفرضي من الرازي جاءت أقل من سابقيه إذ أن معظم نقولاته عنه كانت فيما يتعلق بتحديد سنة الوفاة للأشخاص، وهذه تكررت عشرات المرات في ثنايا كتابه (1) وفيما عدا ذلك فقد كانت إفادته منه محدودة، كذكر نسب بعض الأشخاص (2) ، أو ذكر أحداث وفيات بعضهم (3) ، وكان ابن الفرضي يذكر الرواية عن الرازي مختصرا الإسناد إذ لم يكن يذكر حتى العائذي إلا نادرا (4) ، على الرغم من كونه الواسطة بينهما كما ذكر ذلك في المقدمة، ولا أستبعد أن تكون هذه المحدودية في الإفادة من الرازي كان مبعثها سببان الأول كون مؤلفات الرازي مؤلفات تاريخية عامة تعنى بالدول وأحداثها أكثر من عنايتها بالأشخاص وعلمهم وهذا الأخير هو ما كان يبحث عنه ابن الفرضي. أما السبب الثاني فهو أن الرازي كانت اهتماماته ومنهجه أقرب إلى المؤرخين منه إلى علماء الحديث وبالتالي ربما كانت معاييره العلمية وحديثه عن الرجال أقل من معايير ابن الفرضي ولهذا لم يكن ابن الفرضي يقتنع بما ذكره الرازي.   (1) انظر على سبيل المثال ترجمة 19، 69، 72، 77، 82، 101، 102، 104، 106، 107، 110، 120، 250، 268، 473، 499، 539، 569، 586، 604، 659، 663، 785، 791، 825، 898، 1005، 1114. (2) ابن الفرضي تاريخ العلماء ترجمة 631، 659. (3) المصدر السابق ترجمة 825، 1045. (4) المصدر السابق ترجمة 594. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 أبو عبد الملك أحمد بن محمد بن عبد البر من موالي بني أمية سمع عددًا من علماء الأندلس مثل قاسم بن أصبغ، ومحمد بن قاسم، وأحمد بن خالد وغيرهم، وقد برز في علم الحديث كما كان فقيها، توفي سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة (1) . ذكر ابن الفرضي أنه أفاد من أحمد بن عبد البر حيث قال: (وما كان في كتابنا هذا عن أحمد - دون أن ننسبه - فهو: أحمد بن محمد بن عبد البر أخبرنا به عنه محمد بن رفاعة - الشيخ الصالح - في تاريخه) (2) ، كما ذكر أن له كتابا مؤلفا في الفقهاء بقرطبة وأنه استعان به في كتابه (3) . وقد أفاد ابن الفرضي من ابن عبد البر في مواضع كثيرة وكان يحيل إليه ما يأخذه منه بصيغ مختلفة، وكان كثيرا ما يختصر الإسناد حسب المنهج الذي ذكره في مقدمة الكتاب؛ حيث يقول ذكره أحمد (4) ولكنه أحيانا يصل الإسناد ومن ذلك قوله: قال أحمد قال محمد بن وضاح (5) ، وقوله: (أخبرنا محمد بن رفاعة قال: نا أحمد بن عبد البر) (6) ، أو قال أحمد:حدثت عن ابن وضاح (7) ، وغيرها من الروايات التي ذكر أسانيدها متصلة، كما كان أحيانا يقول: من كتاب محمد بخطه (8) ، وقرأت بخط أحمد بن محمد بن عبد البر (9) .   (1) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 120، ابن الأبار: الحلة السيراء ج1 ص207 _208، وقد ذكر ابن الأبار أ، ابن عبد البر كان متصلا بعبد الله بن عبد الرحمن الناصر فلما أتهم عبد الله بمحاولة خلع أبيه واغتياله قبض على ابن عبد البر معه وأودع السجن حتى توفي وقبل خُنق في السجن. (2) المصدر السابق ص 9. (3) المصدر السابق ترجمة 120. (4) المصدر السابق ترجمة 11، 12، 71، 80، 95، 97، 109، 126، 128، 326، 337، 440، 468، 637، 672، 1000. (5) المصدر السابق ترجمة 431. (6) المصدر السابق ترجمة 466. (7) المصدر السابق ترجمة 816. (8) المصدر السابق ترجمة 351، 837. (9) المصدر السابق ترجمة 1415. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 هكذا تعددت طرق ابن الفرضي في الرواية عن ابن عبد البر، وكانت إفاداته منه متعددة، ومتعلقة بقضايا تاريخية مهمة، تتصل بتاريخ الرجال والنظم، ولعل أهم ما يتعلق بتاريخ الرجال ذلك الوصف الدقيق لحال بعض الرجال ومن ذلك قوله عن مسلم بن أحمد ابن أبي عبيدة الليثي: (قال أحمد بن عبد البر: وكان أبو عبيدة من أصدق أهل زمانه؛ سمعت عبد الله بن حنين يقول: كان أن يخر من السماء إلى الأرض أهون عليه من أن يكذب، وكان عالما … ) (1) ، كما قال في وصف الناحية العلمية عند محمد بن وضاح - أحد معاصريه - (وكان ابن وضاح كثيرا ما يقول: ليس هذا من كلام النبي - ش - في شيء وهو ثابت من كلامه - ش -، وله خطأ كثير محفوظ عنه، وأشياء كان يغلط فيها ويصحفها، وكان لا علم عنده بالفقه ولا بالعربية) (2) . كذلك وصفه لحلقات العلم وما يدور فيها بين الشيخ والطلاب ومن ذلك قوله: (أخبرنا محمد بن رفاعة قال: نا أحمد بن عبد البر قال: نا محمد بن قاسم قال: شهدت محمد بن وضاح وعنده زنباع، وقد أملى ابن وضاح أحاديث على من كان عنده وزنباع يتشاغل عن ذلك ويتحدث مع من كان يجاوره، فلما أكثر من الحديث، وتشاغل عما كان يمليه الشيخ قال له ابن وضاح: يا مشاوم وخرج عليه، تدع أن تكتب سنن النبي - عليه السلام - وتشتغل بالحديث، فقال له: أصلحك الله لم أشتغل عما أمليته، وقد حفظته، وكان ابن وضاح أملى اثني عشر حديثاً فحفظها زنباع ونصها كما أملاها ابن وضاح فعجب منه وكان يدنيه بعد ذلك) (3) ، ولم يكن هذا النص هو الوحيد بل لقد روى لنا ابن الفرضي عن ابن عبد البر نصوصاً أخرى تدل على دقة رصده واستيعابه لما يكتب، واهتمامه بالقضايا العلمية (4) .   (1) المصدر السابق ترجمة 1420. (2) المصدر السابق ترجمة 1136. (3) المصدر السابق ترجمة 466. (4) انظر على سبيل المثال ترجمة 247، 288، 486، 542، 637. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وبالإضافة إلى ذلك، فقد ترك لنا ابن عبد البر معلومات مهمة لبعض الشخصيات الأندلسية ومنها عبد الملك بن حبيب، وبقي بن مخلد، حيث خلف لنا وصفاً دقيقاً لمشهد جنازته، ودفنه، وحالة الناس آنذاك (1) ، كما حظي تاريخ وفيات الرجال بنصيب كبير من قبل ابن عبد البر (2) . وقد كانت له وقفات مهمة عند بعض الخطط والنظم، ومن ذلك وصفه لمسؤوليات صاحب السوق، حيث قال حينما تحدث عن حسين بن عاصم الثقفي: (وولي السوق في أيام الأمير محمد، وكان شديداً على أهلها في القيم، يضرب على ذلك ضرباً مبرحا ينكر عليه فكأنه سقط بذلك عن أن يروي الناس عنه) (3) ، كذلك ذكر عزوف الناس الصالحين عن تولي خطة القضاء، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره عن زياد بن عبد الرحمن اللخمي حينما حاول الأمير هشام بن الحكم توليته على القضاء (فخرج هاربا بنفسه فقال هشام: ليت الناس كزياد) (4) . ومن وقفاته في هذا الميدان وقفة مهمة تتعلق بنظم التربية والتعليم حيث ذكر أن بكر ابن عبد الله الكلاعي كان (مؤدباً لأولاد الخلفاء - رحمهم الله - في النحو والشعر) (5) ، وهذا مما يدل على عناية الخلفاء بتعليم أولادهم النحو والشعر لأهميتها في تقويم ألسنتهم والمحافظة على ملكتهم اللغوية في بيئة تعج باللكنات الأجنبية.   (1) المصدر السابق ترجمة 283، 816. (2) المصدر السابق ترجمة 11، 12، 31، 51، 75، 103، 161 وغيرها. (3) المصدر السابق ترجمة 351. (4) المصدر السابق ترجمة 458. (5) المصدر السابق ترجمة 288. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 وكان ابن الفرضي يذكر الخبر عن ابن عبد البر بسند متصل، أو مختصر، كما تبين ذلك من بعض الأمثلة، كما كان أحياناً يذكر معه خالد بن سعد حيث يقول بعد أن يسوق الخبر: قال أحمد وخالد (1) ، كما كان أحياناً بيبن المصدر الذي استقى منه ابن عبد البر معلوماته، ومن الأمثلة على ذلك قوله: (قال أحمد هو زياد بن عبد الرحمن بن زياد بن عبد الرحمن بن زهير وزياد الثاني هو الداخل بالأندلس قاله أحمد بن محمد الرازي) (2) ، فأحمد هنا هو أحمد بن عبد البر وقد بين ابن الفرضي أنه استقى معلوماته السابقة من الرازي، ويبدو أن ما ذكره ابن عبد البر أدناه هو نص ما قاله الرازي. كانت هذه نماذج وأمثلة لما أفاده ابن الفرضي من كتابات أحمد بن عبد البر، وبالرغم من محدوديتها بالنسبة لسابقيه إلا أنها كانت ذات دلالات جيدة، لما فيها من معلومات مهمة ربما انفرد بها ابن عبد البر عمن سواه. ويبدو أن السبب في ذلك يعود لكون ابن عبد البر محدثاً ثم مؤرخاً، وبالتالي فهو يملك إمكانات كلتا المدرستين مما أهله لأن تكون كتاباته مهمة في بابها ويتأكد هذا الأمر إذا تذكرنا أن مدرسة المحدثين آنذاك كان لها منهج مستقل ومعالم واضحة في ميدان دراستها، وهذا مما جعلها تؤثر على الفكر الإسلامي حيث أثر منهج المحدثين على العلوم الإسلامية الأخرى ومنها التأليف التاريخي (3) . كان هذا عرضاً لمصادر ابن الفرضي التاريخية المكتوبة، والتي ذكرها في مقدمة كتابه، وهي بلا شك مصادر مهمة يعد أصحابها من كبار علماء، ومؤرخي الأندلس آنذاك، وقد بدا هذا الأمر واضحاً على مادته العلمية التي استقاها منها وأثبتها في كتابه.   (1) المصدر السابق ترجمة 13، 15، 95، 97 وغيرها. (2) المصدر السابق ترجمة 458. (3) انظر في تفصيلات ذلك شرف الدين الراجحي: مصطلح الحديث وأثره على الدرس اللغوي عند العرب ص83. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 وبالإضافة إلى هؤلاء فقد أخذ ابن الفرضي عن عدد من الكتاب والمؤرخين الذين لم يذكرهم في مقدمة كتابه لكنه أشار إليهم في ثناياه ومنهم يحيى بن مالك بن عائذ بن كيسان بن معن والمعروف بالعائذي (1) ، المولود سنة ثلاثمائة والمتوفى بقرطبة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، وقد رحل إلى المشرق سنة سبع وأربعين فحج سنة ثمان وأربعين، ثم انتقل إلى بغداد، حيث يذكر ابن الفرضي أنه حدثه أنه سمع ببغداد من سبعمائة رجل ونيف، وقد تردد بالمشرق نحو من اثنتين وعشرين سنة، كما كتب عن طبقات المحدثين، ثم عاد إلى الأندلس سنة تسع وستين وثلاثمائة (2) . ويذكر ابن الفرضي أنه كان ذا علم جم، اذ أنه لما قدم الأندلس سمع منه ضروب من الناس، وطبقات مختلفة من طلاب العلم، وأبناء الملوك، وجماعة من الشيوخ والكهول، كما ذكر أنه كان يملي في المسجد الجامع كل يوم جمعة، وأنه سمعه يقول: (لو عددت أيام مشيي بالمشرق وعددت كتبي التي كتبت هناك بخطي لكانت كتبي أكثر من أيامي بها) (3) .   (1) وقد أخذ منه ابن الفرضي غير ما روى عن أبي سعيد والرازي. (2) ابن الفرضي، تاريخ العلماء ترجمة 1599، الحميدي: جذوة المقتبس ص 356 –357، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 507-508، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 ص 1003-1004، سير أعلام النبلاء ج16 ص421-422. (3) تاريخ العلماء ترجمة 1599. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 ولاشك أن هذا المستوى العلمي الجيد الذي حظي به ابن عائذ هو الذي جعله مصدراً مهماً من مصادر ابن الفرضي، حيث أخذ عنه جزءاً من تاريخ ابن سعيد، وكذلك ما رواه عن الرازي، حيث بين أن العائذي هو الذي أخبر به عنه (1) ، بل ذكر ابن الفرضي أن الأمر تجاوز ذلك حيث قال: (روى لنا من الأخبار والحكايات مالم يكن عند غيره، ولا أدخله أحداً الأندلس قبله … ) (2) ، ولعل مما شجع ابن الفرضي على كثرة الأخذ منه ما كان يتسم به صاحبنا من كونه حليماً، كريماً، جواباً، شريف النفس مع سلامة دينه وحسن يقينه (3) . ويبدو أن العائذي لم يكن مصدراً لتلقي المعلومات فحسب، بل كان أيضاً شيخاً ومستشاراً لما يشكل على ابن الفرضي في بعض القضايا التي تتعلق بعدالة الرجال، فحينما تحدث ابن الفرضي عن طاهر بن حزم قال: (وكان ورعاً فاضلاً ذاكرت به العائذي فأثنى عليه وأخبرني ببعض أمره) (4) ، وحينما يروي عنه يقول قال لي أبو ذكريا يحيى بن مالك بن عائذ (5) ، أو قال أبو زكريا، ومن القضايا التي أخذها عنه غير ما كان عن الرازي، وابن سعيد، قضية مقتل طاهر بن حزم (6) ، ووصفه لعيسى بن دينار (7) كذلك تفسير قوله تعالى: {فاصفح الصفح الجميل} (8) ، حيث روى تفسيرها مسندا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه (9) ، كذلك روى عن الإمام أحمد بسند متصل رأيه في معاوية بن صالح (10) ، كما روى عنه أخباراً أخرى في قضايا مختلفة (11) .   (1) المصدر السابق ص10. (2) المصدر السابق ترجمة 1599. (3) المصدر السابق ترجمة 1599. (4) المصدر السابق ترجمة 620. (5) المصدر السابق ترجمة 620. (6) المصدر السابق ترجمة 620. (7) المصدر السابق ترجمة 975. (8) سورة الحجر آية (85) (9) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 985. (10) المصدر السابق ترجمة 1445. (11) المصدر السابق إنظر مثلاً ترجمة 1055، 1206، 1238، 1442. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 كذلك أخذ ابن الفرضي من شيخه عبد الله بن محمد بن القاسم الثغري (1) ، ومن ذلك ما رواه بسند متصل عن فرات بن محمد أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أرسل عشرة من التابعين إلى أهل أفريقية ليفقهوهم (2) ، كذلك روي عنه أنه رأى قبر حنش بن عبد الله الصنعاني بسرقسطة عند باب اليهود غربي المدينة (3) كما روى عنه أخباراً كثيرة تتعلق بالسير العلمية لعدد من الرجال، وكان منهجه في الروايات التي يأخذها من الثغري أن يذكرها بسند متصل، ومن الأمثلة على ذلك قوله: (أخبرني عبد الله بن محمد بن القاسم الثغري - رحمه الله - قال: نا تميم بن محمد الأفريقي قال: قال أبي سهل بن محمد الوراق الأندلسي كان رجلاً صالحاً حسن الضبط لكتبه، سمعنا منه، وخرج إلى سوسة فسكنها وتوفي بها سنة ست وثلاثمائة) (4) .   (1) هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن القاسم بن حزم بن خلف الثغري، من أهل قلعة أيوب، أحد علماء الأندلس المشهورين، رحل إلى المشرق سنة خمسين وثلاثمائة، حيث سمع ببغداد، والكوفة، ثم رحل إلى الشام، ثم عاد إلى الأندلس فاستقضاه الحكم المستنصر بالله، وكان فقيهاً فاضلاً، ورعاً، صلباً في الحق، وقد أخذ عنه ابن القرضي كتاب معاني القرآن للزجاج، كما أخذ عنه علماً كثيراً، توفي لثلاث بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة. (ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 753، الحميدي: جذوة المقتبس ص 537، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 334) . (2) المصدر السابق ترجمة 1383. (3) المصدر السابق ترجمة 391. (4) المصدر السابق ترجمة 574، ولمزيد من الأمثلة انظر تراجم 127، 283، 391، 945، 1124، 816، 1063، 1104، 1105، 1124، 1518. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 كما أفاد ابن الفرضي من إبراهيم بن محمد الباجي - أحد علماء باجة (1) - كثيراً من الأخبار والمعلومات المتعلقة ببعض علماء مدينة باجة الذين ذكرهم ابن الفرضي ضمن كتابه، ومنهم اسحاق بن عبد ربه (2) وتمام بن غالب (3) ، وخلف بن جامع بن حاجب (4) وإسماعيل بن إبراهيم بن اسحاق (5) وغيرهم. وهكذا نرى حرص ابن الفرضي على الدقة في اختيار مصادره، حيث أخذ من الباجي ما يتعلق بتاريخ علماء مدينته إذ هو الأقرب إليهم والمطلع على أخبارهم فهو بهذا المنهج لجأ إلى أصحاب الاختصاص فضلاً عن المطلعين وشهود العيان. كذلك أخذ ابن الفرضي من اسماعيل بن اسحاق بن زياد بن أسود والمعروف بابن الطحان المتوفى بقرطبة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وهو أحد علماء الأندلس المهتمين بالحديث والآثار وأسماء الرجال وأخبار المحدثين (6) ، كما ذكر ابن الفرضي أنه كان أكثر وقته يصنف الحديث والتاريخ وأن له عدداً من المصنفات وقد نقل عنه وسمع منه كثيرا، كما كان يملي عليه، هذا عدا ما أخذه عنه عن خالد بن سعد (7) .   (1) باجة: يذكر الحميري أن معنى باجة في كلام العجم الصلح، وهناك ثلاث مدن تحمل هذا الاسم في أفريقيا والصين والأندلس،أما وباجة الندلس فهي من أقدم المدن هناك بنيت في أيام الأقاصرة وبينها وبين قرطبة مائة فرسخ نزلها جند مصر. (الحميري: الروض المعطار ص75) . (2) المصدر السابق ترجمة 226. (3) المصدر السابق ترجمة 303. (4) المصدر السابق ترجمة 409. (5) المصدر السابق ترجمة 613. (6) المصدر السابق ترجمة 221. (7) المصدر السابق ترجمة 221. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 ونظراً لكون اسماعيل بن إسحاق قد عاش بعض عمره في مدينة أستجة، فقد أخذ عنه ابن الفرضي بعض ما يتعلق بتاريخ علمائها من أمثال إبراهيم بن حزم (1) ، وأحمد بن محمد بن مسونة (2) ، وحسان بن عبد الله بن حسان (3) وغيرهم، وهذا مما يؤكد حرص ابن الفرضي على تحري الدقة في مصادره وأخذ المعلومات من مظانها القريبة. وبالإضافة إلى ما سبق فقد أخذ ابن الفرضي من إسماعيل وبسند متصل كثيراً من الأخبار المتعلقة بعلماء أندلسيين آخرين، ومن ذلك وصايا بقي بن مخلد لمالك بن يحيى القرشي حينما ولي احدى الولايات (4) ، كما روى عنه مشافهة بعض الأخبار التي سوف نذكرها في الفقرة الخاصة بها - إن شاء الله تعالى -. وكان إسحاق بن سلمة بن لبيب بن بدر القيني أحد علماء ريّة ممن أفاد من كتبهم ابن الفرضي، إذ كان القيني حافظاً لأخبار أهل الأندلس معتنياً بها، حيث جمع كتاباً في أخبار الأندلس أمره بجمعه المستنصر بالله (5) ، وقد جاءت نقولات ابن الفرضي عن القيني في مواضع مختلفة من كتابه (6) . ومن الذين أفاد منهم ابن الفرضي عبيد الله بن الوليد بن محمد المعيطي أحد علماء قرطبة، سمع من عدد من علمائها كما كان عالماً بالفتيا حافظاً للأخبار والأشعار، توفي سنة ثمان وسبعين وثلاث مائة (7) . وقد جاءت إفادات ابن الفرضي من المعيطي، كإفاداته من الرازي مقتصرة في معظمها على تاريخ سني الوفيات للرجال، إلا أن أخذه عن المعيطي كان أقل من الرازي (8) .   (1) المصدر السابق ترجمة 35. (2) المصدر السابق ترجمة 125. (3) المصدر السابق ترجمة 360. (4) المصدر السابق ترجمة 194. (5) المصدر السابق ترجمة 238. (6) انظر ترجمة 15، 130، 139، 141، 175، 316، 419، 513، 615، 795، 882. (7) المصدر السابق ترجمة 769. (8) انظر ترجمة 118، 124، 143، 235، 1000، 1011، 1246. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 كذلك أخذ ابن الفرضي من كتابات ابن سعدان (1) التي حبسها بعد موته، ويبدو أنها كانت مؤلفات متعددة تمكن من الاطلاع عليها جميعها، كما توحي بذلك إحالاته عليها حيث قال حين حديثه عند عبد الله بن عباس الخشني: (سمع من محمد بن فطيس رأيت سماعه عليه في بعض كتب ابن سعدان) (2) ، لكنه لم يصرح سوى بمؤلف واحد هو كتاب فقهاء ريّة حيث قال حينما تحدث عن كل من عمر ابن يحيى (3) ، وليث بن سباع المزحجي (4) : ذكره ابن سعدان في فقهاء ريّة، وبالإضافة إلى ذلك فقد كان يقول ذكره ابن سعدان دون تحديد المصدر (5) ، وبالرغم من تعدد مؤلفات ابن سعدان، وكون ابن الفرضي قد اطلع عليها فإن إفادته منها كانت محدودة، ويبدو أن السبب في ذلك هو كون ابن سعدان لم يحدث وإنما كان منشغلاً بالكتابة والنسخ.   (1) هو أبو محمد بن سعدان بن عبد الوراث بن محمد بن يزيد، مولى الإمام عبد الرحمن بن معاوية، أحد علماء قرطبة، سمع من عدد من علمائها، وكان جيد الضبط عالماً بالحديث، وقد حبس كتبه وكانت موقوفة عند محمد بن محمد بن أبي دليم حيث أخذ منها ابن الفرضي، توفي سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، (ابن الفرضي: ترجمة 1072) . (2) المصدر السابق ترجمة 701. (3) المصدر السابق ترجمة 959. (4) المصدر السابق ترجمة 1091. (5) المصدر السابق ترجمة 520، 522، 572، 940. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 وكان التراث التاريخي للحكم المستنصر بالله (1) ، من المصادر المهمة التي اعتمد عليها ابن الفرضي، وقد جاء هذا التراث على قسمين:   (1) هو أبو العباس المستنصر بالله الحكم بن عبد الرحمن بن محمد الناصر الأموي المرواني، بويع بعد وفاة أبيه سنة خمسين وثلاثمائة، وكان حسن السيرة جامعاً للعلم مكرماً للأفاضل، ذا نهمة مفرطة في العلم، عاكفاً على المطالعة، جمع من الكتب مالم يجمعه أحد من الملوك، كما اشتهر بأنه ألف كتباً في التاريخ، توفي في شهر صفر سنة ست وستين وثلاثمائة. (الحميدي: جذوة المقتبس ص13، الذهبي: سير أعلام النبلاء ج8 ص269 –271، ابن خلدون: العبر ج4 ص144، المقري: نفح الطيب ج1 ص382 – 383، أزهار الرياض ج2 ص286–294، عبد القادر ذنون طه: نشأة تدوين التاريخ العربي في الأندلس ص13) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 القسم الأول منه، ما كان من تأليف الحكم المستنصر وبخطه، وقد بين ذلك ابن الفرضي حين الإحالة عليه بقوله كتبت ذلك كله من خط المستنصر بالله، أو وجدته بخط المستنصر بالله (1) أمير المؤمنين (2) ، وكذا قوله:قرأت ذلك بخط المستنصر بالله (3) ، وكان أحياناً يحدد الكتاب كقوله: قرأت بخط المستنصر بالله في كتاب القضاء (4) ، أو فيه ذكر القضاة بالأندلس (5) ، ويبدو أن بعض هذه الاقتباسات كانت من تعليقات وإضافات الحكم على بعض الكتب التي اطلع عليها، إذ يذكر الذهبي أنه: (قلما تجد له كتاباً إلا وله فيه قراءة أو نظر من أي فن كان ويكتب فيه نسب المؤلف ومولده ووفاته، ويأتي من ذلك بغرائب لا تكاد توجد) (6) ، كما يؤيد هذا الأمر ما ذكره ابن الفرضي في بعض إحالاته ومن ذلك قوله حينما تحدث عن عبد الله بن المغلس - أحد علماء وشقة (7) - (وقرأت بخط المستنصر - رحمه الله - ملحقاً في كتاب ابن حارث) (8) ، وقوله: (وقرأت في كتاب دفعه إلى أحمد بن عبد الرحيم كان فيه إلحاق بخط أمير المؤمنين المستنصر بالله - رحمه الله - … ) (9) ، ومن نماذج نقوله من الحكم المستنصر قوله عن موسى بن هارون: (ولي القضاء بعد عبد الله بن   (1) المصدر السابق ترجمة 1462. (2) المصدر السابق ترجمة 310، 392. (3) المصدر السابق ترجمة 444، 771، 1062، 1197. (4) المصدر السابق ترجمة 954، 1124. (5) المصدر السابق ترجمة 1432، 1607. (6) سير أعلام النبلاء ج8 ص270. (7) وشقة (UESCA) تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة سرقسطة وبينهما خمسون ميلا، وهي مدينة كبيرة حصينة، وقد حاصرها المسلمون حين فتح الأندلس حصارا طويلا استمر سبعة أعوام حتى استسلم أهلها. (ابن الكردبوس: تاريخ الأندلس ص74 حاشية 3، الحميري: الروض المعطار ص 612) . (8) ابن الفرض: تاريخ العلماء ترجمة 683. (9) المصدر السابق ترجمة 1432، وقد ورد في ترجمة 1607 قريباً من هذا الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 الحسن المعروف بابن السندي، وكان قد سمع الحديث، وكانت له عناية ورحلة وسماع بمكة ومصر، وانصرف من رحلته فلزم قرطبة يطلب العلم ويسمع إلى أن استقضى وذلك سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، كتبت ذلك كله من خط المستنصر بالله- رحمه الله -) (1) . أما القسم الثاني من تراث الحكم المستنصر بالله فيشمل تلك المصنفات التي أمر الحكم بتأليفها، فألفها عدد من الكتاب والمؤرخين تلبية لتلك الرغبة، ومن ذلك ما ألفه محمد بن الحارث الخشني حيث يذكر ابن الفرضي أنه ألف للمستنصر كتباً كثيرة بلغت مائة ديوان، كما جمع له في رجال الأندلس كتاباً أخذ منه ابن الفرضي حين تأليفه لكتابه (2) ، كما ألف كل من محمد بن أحمد مجموعاً في التاريخ للمستنصر بالله، وخالد ابن سعد ألف له كتاباً في رجال الأندلس (3) ، وقد أفاد من هذه المؤلفات جميعها كما وضحنا ذلك حين حديثنا عن كل واحد منهم. ويستوحى من خلال استقرائنا لما نقله ابن الفرضي من كتابات الحكم المستنصر أنه كان ذا ملكة علمية وتاريخية جيدة، وأنه كان من مشاهير علماء الأندلس آنذاك، وقد أدرك هذه الحقيقة ابن الآبار، ولهذا قال: (عجباً لابن الفرضي، وابن بشكوال، كيف لم يذكراه) (4) ، كما قال عنه الذهبي: (غزر علمه، ودق نظره، وكان له يد بيضاء في معرفة الرجال والأنساب والأخبار) (5) .   (1) المصدر السابق ترجمة 1462. (2) المصدر السابق ترجمة 1400. (3) المصدر السابق ترجمة 398. (4) الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 3 سير أعلام النبلاء ج8 ص 270 (نقلاً عن الذهبي) . (5) سير أعلام النبلاء ج8 ص 270. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 كما كانت لابن الفرضي بعض النقولات من كتاب محمد بن حسن الزبيدي (1) والمعروف بطبقات النحويين واللغويين، وذلك فيما يتعلق ببعض العلماء الذين كانت لديهم نزعة علمية في مجال اللغة العربية حيث يعزو إليه بقوله: ذكره (2) محمد بن حسن الزبيدي أو من كتاب الزبيدي (3) ، أو ذكرنا ذلك من كتاب (4) محمد بن حسن الزبيدي، ومن أمثلة ما نقله منه قوله عن إبراهيم بن عبد الله المعافري (وكان مع رواياته للحديث حافظاً اللغة،بصيراً بالشعر مطبوعاً فيه) (5) ، كما قال عن بكر بن خاطب المرادي (كان ذا علم بالعربية والعروض والحساب، وله تأليف في النحو) (6) . كذلك أخذ ابن الفرضي من كتابات أبيه ومن ذلك ما ذكره حين حديثه عن مولده حيث قال: (ومولدي سنة أحدى وخمسين وثلاثمائة … ليلة الثلاثاء لتسعة أيام بقيت من ذي القعدة، وجدت ذلك بخط أبي رحمه الله) (7) ، ومنه قوله: (وجدت بخط أبي - رحمه الله- على بعض ما كتبه مات أبي - يعني يوسف بن نصر - رحمة الله عليه ومغفرته - لعشرة بقين من محرم سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة) (8) .   (1) هو إمام النحو أبو بكر محمد بن حسن بن عبد الله الزبيدي، من أهل أشبيلية، سكن قرطبة، وقد برز في اللغة والأشعار، كما كان واحداً عصره في علم النحو واللغة، استأدبه المستنصر بالله لابنه هشام، كما تولى أحكام القضاء والشرطة، سمع منه عدد من العلماء، توفي في أشبيلية سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، (ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 1375، الحميدي: جذوة المقتبس ص46-49، ابن عميرة: بغية الملتمس ص66، ابن سعيد: المغرب ج1.ص250، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 سير أعلام النبلاء ج1 ص41) . (2) المصدر السابق ترجمة 14، 647. (3) المصدر السابق ترجمة 634. (4) المصدر السابق ترجمة 41. (5) المصدر السابق ترجمة 41. (6) المصدر السابق ترجمة 292. (7) المصدر السابق ترجمة 990. (8) المصدر السابق ترجمة 1628. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وبالإضافة إلى هذه الكتب والمؤلفات التاريخية الأندلسية التي اعتمد عليها ابن الفرضي، فقد أخذ - أيضاً - من بعض كتابات مؤرخي المشرق حيث ذكرهم من بين مصادره، وكان من أهمهم خليفة بن خياط (ت40هـ) (1) والواقدي (ت207هـ) (2)   (1) هو أبو عمرو خليفة بن خياط، الإمام الحافظ العلامة الإخباري، وصاحب التاريخ وكتاب الطبقات، وهو نسابة صدوق عالم بالسير والأيام والرجال، توفي سنة أربعين للهجرة، (البخاري: التاريخ الكبير ج3 ص 191، ابن خلكان: وفيات الأعيان ج2 ص243 – 244، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 2 ص436، سير أعلام النبلاء ج11 ص471 – 472) . (2) هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، ولد بعد العشرين ومائة، وطلب العلم على صغار التابعين، أخذ علماء الجرح والتعديل أنه خلط الغث بالثمين، والخرز بالدر الثمين، لكنهم قالوا لا يستغنى عنه في المغازي وايام الصحابة وأخبارهم، له مؤلفات تاريخية مهمة، توفي سنة سبع ومائتين. (البخاري: التاريخ الكبير ج1 ص178، ابن الأثير: الكامل ج6 ص385، ابن خلكان: وفيات الأعيان ج1 ص506، الذهبي: سير أعلام النبلاء ج9 ص454 – 460) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وعبد الغني بن سعيد الأزدي (ت409هـ) (1) ، وأحمد بن محمد بن إسماعيل بن المهندس (ت385هـ) (2) ، والإمام البخاري (ت 256هـ) (3) ، وكان اعتماده على هؤلاء المؤرخين حين الحديث عن الشخصيات المشرقية والتي لها علاقة بالمغرب مثل موسى بن نصير (4) ، وابنه عبد العزيز وغيرهما (5) من أهل المشرق. كان هذا عرضاً لمصادر ابن الفرضي المكتوبة، والتي اعتمد عليها بنسب متفاوتة في كتابه تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، وقد بدا لنا من خلال هذا العرض ما يلي: - أن هذه المصادر كانت كثيرة ومتنوعة، وأن ابن الفرضي قد أحسن اختيارها أذ إنها تعد من أفضل ما كتب عن تاريخ الأندلس في تلك الفترة، وأن معظمها كان لعلماء يعدون من كبار علماء الأندلس آنذاك.   (1) هو أبو محمد عبد الغني بن سعيد علي بن سعيد الأسدي، المصري الإمام الحافظ، صاحب كتاب المؤتلف والمختلف أخذ عليه اتصاله بالدولة العبيدية، لكن الذهبي قال إن سبب ذلك مداراته لهم لأنه لو خرج عليهم لقتلوه، توفي سنة تسع وأربعمائة (ابن خلكان: وفيات الأعيان ج3 ص223 – 224، أبو الفدا: المختصر ج2 ص1578، الذهبي: سير أعلام النبلاء ج17 ص268 – 270) (2) هو أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل البنا ابن المهندس، محدث مصر، كان ثقة، خيراً، تقياً، روى عنه عدد من العلماء، وهو أحد شيوخ ابن الفرضي بمصر، توفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة. (الذهبي: سير أعلام النبلاء ج 16 ص 462، ابن العماد الحنبلي: سذارات الذهب ج3 ص113) . (3) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 773، وقد أخذ من كتاب التاريخ. (4) المصدر السابق ترجمة 1456. (5) المصدر السابق ترجمة 825. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 - حسن اختيار ابن الفرضي لمصادره حيث كان يعتمد على مصادر متخصصة علمياً أو جغرافياً حسب الأشخاص المتحدث عنهم فالمهتمون بالحديث يرجع فيهم إلى كتب الرجال، وذوي الأدب واللغة إلى من اهتموا بهذا الأمر وهكذا، بل إنه ربما اختار مصدرًا دقيقًا لتحديد جزئية من تاريخ الأشخاص كاعتماده على الأسدي في تحديد سنة الوفاة،كذلك اعتماده على الرازي فيما يتعلق بالعلماء الذين جاؤوا من مصر وهكذا. - أنه كان لديه همة قوية، ونفس واسع في تتبع المصادر والحصول على ما يريد منها مع الدقة والأمانة في الرصد والنقل، ولهذا تراه كثيراً ما يقول: رواه فلان عن فلان، أو عن فلان، وذكر بعضه فلان، أو وجدت بعضه عند فلان، وغيرها من العبارات التي تؤكد طول نفسه، وأمانته في الرصد والنقل. - نقده لما ينقل فقد كان لا يأخذ كل ما تذكره المصادر التاريخية على أنه قضايا مسلم بها لا تحتمل الخطأ أو التحريف والزلل، ولهذا نقد بعض ما ذكرته مصادره، كما سيبدو هذا واضحاً في آخر هذا البحث -إن شاء الله تعالى -. ب - الاستكتاب: من المعلوم أن المكاتبة من أساليب التحمل والأداء عند علماء المسلمين، وقد نهج هذا الأسلوب علماء الحديث وبعض المؤرخين المسلمين كالطبري -رحمه الله- في تاريخه فقد حصل على جزء كبير من مادته العلمية بواسطة الاستكتاب (1) .   (1) انظر مثلاً تاريخ الأمم والملوك ج3 ص388، 391، 397، 400، 401، حيث أورد رواياته عن السري عن شعيب عن سيف بن عمر وهي بهذه الصيغة: كتب إلي السري، وقد روى عنه الطبري في تاريخه مائتين وأربعين قطعة وغالبها بهذا الإسناد (كتب إلي السري عن شعيب عن سيف) (محمد السلمي: منهج كتابة التاريخ الإسلامي ص465) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 وقد كانت المكاتبة والاستكتاب من الوسائل المهمة التي نهجها ابن الفرضي في جمع مادته العلمية، ذلك أنه وبالرغم من كثرة المصادر المكتوبة التي اعتمد عليها فإنه لم يجد فيها كل ما يريد من معلومات وأخبار، كما أنه لم يستطع الإحاطة بكل ما حوله، أو استيعابه، بل حتى تصور بعض الجزئيات لاسيما وأن موضوعه متشعب إذ هو متعلق بجزئيات دقيقة من سير مئات الأفراد الذين ربما كان بعضهم في عداد المجاهيل، ولهذه الأسباب وغيرها نهج ابن الفرضي أسلوباً آخر في جمع مادته العلمية وهو المكاتبة والاستكتاب، حرصاً منه على الحصول على بعض الجزئيات التي لم يتمكن من الوصول إليها عبر المصادر المكتوبة، أو المسموعة، أو المشاهدة. ومن خلال استقرائنا لما خلفه ابن الفرضي يتبين لنا أنه كانت له أساليبه، وطرقه المتعددة في الحصول على مادته العلمية عبر هذا النوع من المصادر، ومن أهمها ما يلي: أنه كان يرسل كتباً متضمنة بعض الأسئلة والاستفسارات حول قضية معينة إلى أشخاص بعيدين عنه فيأتيه الرد مكتوباً متضمناً الجواب على سؤاله أو أسئلته، ومن ذلك قوله حينما تحدث عن الحكم بن إبراهيم بن محمد بن عابس المرادي حيث قال: (كتب إليّ يخبرني أن مولده سنة اثنتي عشرة، وأنه سمع بسرقسطة من أيوب بن معاوية، ومحمد ابن عبد الرحمن الزيادي بوشقة من عبد الله بن الحسن بن السندي … ) (1) . وكذلك قوله: (وكتب إلي بخط يده - يعني عبد الرحمن التجيبي - يذكر أنه ولد يوم السبت للنصف من شهر ربيع الأول سنة ثلاثمائة) (2) ، ومن ذلك قوله: (وأخبرنا الحسن بن إسماعيل، وكتب لي بخطه قال: نا عمر بن الربيع بن سلمان قال: حدثني أحمد بن إبراهيم قال: أنشدني طالب بن عصمة الأندلسي يمدح مالك بن أنس: إمام الورى في الهدى والسمت مالك وفي الفقه والآثار ما إن يُداركُ فآراؤه في الفقه يسطع نورها   (1) المصدر السابق ترجمة 374. (2) المصدر السابق ترجمة 811. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 وتسهل في إيضاحهن المسالك وآثاره بهدى العباد وميضها لعمري: كم تهدي النجوم الشوابك له من ذرى العلم السنام وشلوه وفي سائر الناس الشظى والسنابك (1) وقد تكررت (2) هذه العبارة بصيغ متقاربة توحي كلها بأن ابن الفرضي كان يكاتب بعض الأشخاص بحثاً عن مادته العلمية، فيكتبون إليه بما طلب عن حياتهم الشخصية أو غيرها. يبدو أن ابن الفرضي لم يكتف بالإجابة الشفوية بل كان يجمع بينهما وبين الإجابة الخطية ومن الأمثلة على ذلك قوله حينما تحدث عن وفاة عبد الله بن إدريس إذ قال: (قاله سليمان بن أيوب وكتبه لي بخطه) (3) ، وكذلك قوله: (قال لي سليمان بن أيوب: توفي سنة سبع وعشرين وثلاث مائة وكتبه لي سليمان) (4) ، أو قد يطلب ابن الفرضي أن يملي عليه صاحب الشأن مثل قوله: (أملي علي نسبه) (5) يعني يحيى ابن هذيل.   (1) المصدر السابق ترجمة 623. (2) انظر على سبيل المثال التراجم 1388، 770، 724. (3) المصدر السابق ترجمة 766. (4) المصدر السابق ترجمة 1226. (5) المصدر السابق ترجمة 1602. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 كان ابن الفرضي يكاتب مع أشخاصٍ آخرين بحثاً عن مسألة علمية، أو سؤال عن قضية معينة، وكانت الإجابات ترد عليهم بصيغة الجمع من صاحب الشأن، وقد أورد ابن الفرضي نماذج عديدة لهذا الأسلوب من الاستكتاب مثل قوله: (كتب إلينا الحكم بن محمد المرادي يخبرنا أنه سمع من أيوب بن سلمان بن معاوية … ) (1) ، وقوله: (توفي ثمان وثلاثين وثلاثمائة - يعني حسن بن عبد الله التميمي- كتب إلينا بذلك وليد بن عبد الملك القاضي) (2) ، وقوله: (وقال أبو العباس بن وليد بن عبد الملك في كتابه إلينا عميرة محمد بن مروان … مولى مروان بن الحكم) (3) ، وقد أورد ابن الفرضي نماذج كثيرة لهذا النوع من الاستكتاب، وهذا مما يدل على حرصه في البحث عن مادته العلمية، ودقته في رصدها (4) . كانت هذه أهم الطرق التي نهجها ابن الفرضي في استكتابه لعدد من الأشخاص من أجل الحصول على بعض الثغرات المتعلقة بمادته العلمية، ولا شك أن هذا الأسلوب في جمع مادته العلمية يؤكد حرصه الشديد على تتبع ضالته حسب مظانها ومواقعها؛ مهما كانت الوسائل والمتاعب الناتجة عن ذلك. ج - اللوحات والوثائق المادية: يعتبر هذا النوع من المصادر المهمة، وذلك لأن الكاتب أو المؤرخ حينما يعتمد عليها في أخذ مادته العلمية لا يتعامل مع مجهول بل إنه أمام دليل مادي يدل ضمناً أو صراحة على ما يريد الباحث أو المؤرخ، وهذه الدلالة تكون غالباً حسب ظاهرها غير قابلة للتأويل، أو التحريف أو غيرها من آفات نقل الأخبار، ولهذا عد كثير من الكتاب هذا النوع بأنه من أهم أنواع المصادر، وذلك لأنه شاهد ثابت لا يمكن أن يتأثر بآفات النقل والرواية.   (1) المصدر السابق ترجمة 282. (2) المصدر السابق ترجمة 344. (3) المصدر السابق ترجمة 969. (4) انظر على سبيل المثال ترجمة 582، 607، 497، 962. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 ولما كان ابن الفرضي قد عاصر كثيراً من الرجال الذين كتب عنهم كما أنهم - أيضاً - قد نشأوا وعاشوا في بلاد الأندلس فإنه بهذا يكون قد عايش الإطارين الزماني والمكاني لموضوع كتابه، وهذا مكنه من الاطلاع، ومشاهدة بعض الوثائق المادية التي أعانته في الحصول على بعض ما يريد، وقد كانت اللوحات المكتوبة على القبور من أهم هذا النوع حيث حددت له سني وفيات عدد من العلماء وهو مهم عنده إذ يتوقف عليه قضايا هامة في الرواية والسماع عند المحدثين، ذلك أن معرفة وفاة الشيخ تبين مدى إمكانية معاصرة الرجال، ومقابلتهم لبعضهم. ويبدو أن كتابة تاريخ الوفاة على القبور كانت من العادات المعمول بها عند مسلمي الأندلس آنذاك، ولهذا أفاد منها ابن الفرضي كثيراً، حيث يذكر ذلك بعد ذكره لسنة الوفاة إذ يقول: (قرأت تاريخ وفاته مكتوباً على قبره) (1) ، أو يقول: (قرأت تاريخ وفاته في لوح على قبره) (2) ، أو: (قرأت هذا التاريخ من لوح مكتوب على قبره) (3) ، بل قد يكون نقله أكثر من هذا مثل قوله حينما ذكر وفاة محمد بن أحمد التراس: (قرأت على قبره مكتوباً توفي محمد بن أحمد التراس ليلة الجمعة، ودفن يوم الجمعة لسبع بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة) (4) ، كما أنه قد يجمع بين الرواية الشفوية، وخبر الوثيقة المادي فهو حينما ذكر وفاة علي بن عبد القادر القلاعي قال: (أخبرني بذلك الباجي، وقرأته مكتوباً على قبره) (5) .   (1) المصدر السابق ترجمة 304، 821. (2) المصدر السابق ترجمة 500. (3) المصدر السابق ترجمة 153. (4) المصدر السابق ترجمة 920. (5) المصدر السابق ترجمة 920. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 وبالإضافة إلى اللوحات على القبور فإن ابن الفرضي قد أفاد أيضاً من بعض الوثائق المادية الأخرى مثل وثائق المبايعات ومن ذلك قوله عن محارب بن قطن: (ورأيت شهادته في وثيقة تاريخها للنصف من ربيع الأول سنة أحدى وثمانين ومائتين) (1) ، وهو حينما ذكر هذه الوثيقة يرد بها على خالد بن سعيد الذي ذكر بأن وفاة محارب كانت سنة ست وخمسين ومائتين (2) ، وهكذا اعتمد ابن الفرضي ما جاء في تلك الوثيقة وقدمه على ما ذكره خالد لأنها في نظرة أدق وأوثق، ومن الأمثلة على ذلك -أيضاً- قوله حين حديثه عن إبراهيم بن علي الصوفي - أحد الغرباء الذين قدموا إلى الأندلس -: (وكان أبو اسحاق هذا - يعني إبراهيم - أحد من له الإجابات الظاهرة … حدثنا عنه سهل بن إبراهيم بصك كتبه لي بخطه) (3) . وبالرغم من محدودية هذا النوع من المصادر عند ابن الفرضي إلا أنها كانت مصدراً مهماً لوضوحه ودقة دلالته، فضلاً عن سرعة الوصول إليه. ثانياً: مصادر المعاينة والمعايشة والمشاهدة:   (1) المصدر السابق ترجمة 1407. (2) المصدر السابق ترجمة 1407. (3) المصدر السابق ترجمة 50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 إن معاصرة ومعايشة ابن الفرضي لعدد من العلماء الذين كتب عنهم مكنته من الاحتكاك بهم والعيش معهم ومخالطتهم، إما في المنتديات والمناسبات الاجتماعية، أو في حلقات الدروس وأماكن طلب العلم، أو في غيرها من المواقع، وهذا ما جعله شاهد عيان لكثير من القضايا التي تحدث عنها عند عدد من العلماء سواء أكانت مشاهدته تتعلق بالصفات النفسية أو الخلقية، أو الاجتماعية، أو المواهب والصفات الخلقية، أو المشاهد والتجمعات البشرية في المناسبات المختلقة حيث قام برصد كل هذه المشاهدات ثم تدوينها ضمن حديثه عن أصحابها، وقد كان هذا النوع من المصادر موضع اعتبار عند ابن الفرضي حيث كان يعده من مصادره المهمة وذكره كما يذكر غيره من أنواع المصادر فهو يقول عن حكم بن محمد المقري: (وشهدته يقرأ ويقرئ..) (1) . وكانت الصفات الخَلْقية والخُلُقيّة من أهم ما رصده أثناء معايشته ومشاهدته لعدد من العلماء حيث دونها ضمن كتاباته عنهم فقد قال مثلاً عن محمد بن إبراهيم القرشي: (جالسته فرأيته نبيلاً … ) (2) ، كما قال عن محمد بن يحيى بن رطال: (وكان شيخاً مسمتاً جميلاً، وقوراً، حليماً، متواضعاً كثير الصيام … وكان باطنه كظاهره سلامة ونزاهة … ) (3) ، وقريباً من ذلك قوله عن محمد بن إسحاق بن السليم إذ قال عنه: (وكان لين الكلمة سهل الخلق متواضعاً) (4) ، وعن محمد بن إسحاق بن مسرة قال: (وكان قادراً، خيراً، عفيفاً ضابطاً لنفسه، متسمناً وقوراً، ما رأيت في أصحابنا مثله ليناً وطهارة، وأدباً) (5) .   (1) المصدر السابق ترجمة 377. (2) المصدر السابق ترجمة 1342. (3) المصدر السابق ترجمة 1390. (4) المصدر السابق ترجمة 1319. (5) المصدر السابق ترجمة 1380. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 ولم تكن الصفات الحسنة هي التي كان يرصدها بل تجاوز ذلك إلى الصفات السيئة، ومن ذلك قوله عن محمد بن أحمد بن أصبغ: (وكان كثير الملق، شديد التعظيم لأهل الدنيا مفرطاً في ذلك) (1) . أما سعيد بن محمد بن مسلمة بن تبرى فقال عنه: (وكان شديد الأذى بلسانه بذيئاً ثلابة يتوقاه الناس على أعراضهم) (2) ، كما قال عن محمد بن يبقى بن مسلم: (وكانت منه سلامة تجوز عليه بها مالا يجوز على أهل اليقظة من قبول المدح مواجهة واستحسان الاطراء - عفا الله عنا وعنه -) (3) . كانت هذه نماذج لما رصده ابن الفرضي لبعض الصفات الخُلُقيّة عند بعض علماء الأندلس ومن يستقرئ ما ذكره يجد أنه كان ذا ملكة قوية، وحس مرهف، مكنه من رصد كل ما شاهده بدقة متناهية. كما كانت الصفات الجسمية من ضمن ما رصده أثناء معايشته ومشاهدته لعدد من العلماء، ومن ذلك قوله عن أصبغ بن قاسم: (وكان وسيماً جسيماً) (4) ، وعن محمد ابن محمد بن أبي دليم: (وكان ضرورة لا يطأ النساء، ولم يتداوى قط ولا احتجم) (5) ، كما قال عن سعيد بن حمدون الصوفي: (وكان أعور) (6) .   (1) المصدر السابق ترجمة 1382. (2) المصدر السابق ترجمة 525. (3) المصدر السابق ترجمة 1363. (4) المصدر السابق ترجمة 255. (5) المصدر السابق ترجمة 1336. (6) المصدر السابق ترجمة 525. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 كما استبان لابن الفرضي من خلال معايشته ولقاءاته شيء من المواهب والنزعات العلمية، أو العقدية عند بعض الرجال، فمن ذلك قوله عن عبد الله بن محمد الثغري: (وكان فقيهاً فاضلاً، ديناً ورعاً، صليباً في الحق، لا يخاف في الله لومة لائم، ما كنا نشبهه إلا بسفيان الثوري في زمانه … ) (1) ، ومن ذلك قوله عن محمد بن عيسى المعافري: (سمعته يخطب مراراً، وكان يتقعّر في خطبته، وتكلف في الاسجاع، وكان مع ذلك يدعي ارتجالها، وكان شعره ضرباً من خطبه جالسته وكان لا يحدث) (2) ، كذلك قال عن محمد ابن عبد الله المعلم: (وكان شيخاً تائهاً لا معرفة عنده، وقد كتب عنه قوم حدثهم عن جده، ولو أراد أن يحدثهم عن نوح لفعل) (3) كما وصف خلف بن محمد الخولاني (بأنه كان ضعيف الكتابة) (4) ، وقال عن شيخه عبد الله بن محمد التجيبي المتوفى سنة 390هـ: (وكان ضعيف الخط ربما أخل بالهجاء) (5) ، هكذا استطاع ابن الفرضي التعرف على صفات الرجال ونزعاتهم العلمية حيث وقف على الكثير منها بنفسه أثناء معايشته لهم، وهذا مما أعطى كتاباته قيمة علمية لاسيما حينما تقارن بكتب التراجم التي جاءت بعدها.   (1) المصدر السابق ترجمة 753. (2) المصدر السابق ترجمة 1359. (3) المصدر السابق ترجمة 1373. (4) المصدر السابق ترجمة 415. (5) المصدر السابق ترجمة 757. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 كذلك أفاد من معايشته لبعض الأشخاص التعرف على نزعاتهم العقدية، فقد اتهم محمد بن عبد الله القيسي بالانتماء إلى مذهب ابن مسرة لكن ابن الفرضي رد هذه التهمة بقوله: (وقد كان ظاهره ظاهر إيمان وسلامة) (1) ، وهذا الحكم عليه إنما صدر من ابن الفرضي بعد معايشته لهذا الرجل وتعرفه على نزعاته العقدية.. كذلك أفاد من مجالسته لبعض العلماء الاطلاع على الوجاهة العلمية لبعضهم ومن ذلك مشاهدته للرسائل التي كانت تصل للفقيه يوسف بن يحيى الأزدي حيث قال: (فرأيته قد جاءته كتب كثيرة نحو المائة كتاب من جماعة من أهل مصر بعضهم يسأله الإجازة، وبعضهم يسأله في كتابه الرجوع إليهم) (2) . وكان ابن الفرضي يحرص على حضور المناسبات الاجتماعية ولعل من أبرز ما دونه حول هذا الموضوع حضوره لمناسبات الجنائز حيث استطاع من خلال هذا الحضور رصد بعض المعلومات المهمة عن بعض الأشخاص، ومن ذلك عمر المتوفى، وقدره العلمي والاجتماعي، ومن صلى عليه، ومتى، وأين دفن، يقول عن حضوره لجنازة إسماعيل بن اسحاق المعروف بابن الطحان: (توفي - عفا الله عنه - ليلة السبت ودفن يوم السبت بعد صلاة العصر في مقبرة قريش آخر يوم من صفر سنة اربع وثمانين وثلاثمائة، وصلى عليه قاضي الجماعة محمد بن يحيى بن زكريا التميمي، وشهدت جنازته وشهدها معنا ألوفُ من المسلمين، وكان الثناء عليه حسناً جداً) (3) .   (1) المصدر السابق ترجمة 1366. (2) المصدر السابق ترجمة 1615. (3) المصدر السابق ترجمة 221. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 كما قال عن خلصة ببن موسى الزاهد (وتوفي - رحمه الله - ليلة الأربعاء لخمس بقين من رجب سنة ست وسبعين وثلاثمائة، ودفن في مقبرة الربض، وصلى عليه محمد بن يبقى القاضي وشهدت جنازته، ولا أعلمني شهدت أعظم حفلاً منها، ولم يكن من أهل العلم) (1) كذلك قال بعد أن ذكر المعلومات المهمة عن وفاة عبد الله بن محمد بن عبد الله (شهدت موته - رحمه الله - وغسله، ودفنه) (2) ، كما بين أنه شهد جنازة محمد بن يبقى بن زرب وأنه شهدها جماعة من المسلمين وأن الثناء عليه كان حسناً. وبهذا العرض استبان لنا أن ابن الفرضي قد سخر كل إمكاناته بل كل أحاسيسه ومداركه من أجل رصد تاريخ كثير من الرجال الذين عايشهم، ثم تدوينها ضمن سجلهم لتبقى جزءاً مهماً من تاريخهم لها أهميتها باعتبارها صادرة من شاهد عيان عايشها، بل ربما شارك في بعض أحداثها كما أتيحت له فرصة السؤال عما يشكل عليه في بعض الأشخاص (3) . ثالثاً: المصادر الشفهية: لما كان ابن الفرضي قد عاصر جمعاً كبيراً من الشخصيات العلمية الأندلسية التي كتب عنها سواء أكانوا من شيوخه، أو زملائه وأقرانه، أو طلابه وتلاميذه، أو غيرهم ممن احتك بهم وتحدث إليهم، وتحدثوا له، فإنه قد أفاد منهم في جمع مادته العلمية عن طريق الرواية الشفهية التي سمعها منهم.   (1) المصدر السابق ترجمة 422. (2) المصدر السابق ترجمة 770. (3) المصدر السابق ترجمة 1415. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 هكذا اتسعت دائرة المصادر الشفوية عند ابن الفرضي وقد وضح ذلك بعدة صيغ وعبارات مثل قوله: سمعت، أو قال لي، أو أخبرني بذلك فلان، وهذه العبارات كلها تدل على السماع والمشافهة، وسنذكر فيما يلي نماذج لهذا النوع من مصادر ابن الفرضي، فأما سمعت فقد وردت كثيراً في كتابه حيث استخدمها في رواياته ومقتبساته من شيوخه وأقرانه ومعاصريه، وكان كثيراً ما يذكرها حينما يُقوّم الرجال والرواة أو يتحدث عن صفات الرجال ومن ذلك قوله: (سمعت أبا بكر بن أصبغ يثني عليه، ويشهد له بالسماع - يعني عبد الله بن داود -) (1) و (سمعت عبيد الله بن الوليد بن المعيطي يثني عليه ويصفه بالمروءة وسمعت اسماعيل يثني عليه أيضاً - يعني عيسى بن خلف الخولاني -) (2) ، وكذلك (سمعت محمد بن يحيى بن عبد العزيز يقول: كان محمد بن أيمن إماماً روى الناس عنه كثيراً ومنها قوله: سمعت أبا محمد الباجي يقول فيه - يعني ابن دليم - من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة - إن شاء الله - فلينظر إلى ابن أبي دليم، وسمعت محمد ابن يحيى بن عبد العزيز - رحمه الله - يقول: كل من أصحابنا كانت له صبوة ما خلا محمد بن محمد بن أبي دليم فإن عرفته من صغره زاهداً) (3) ، وقد تكررت هذه العبارة عند ابن الفرضي كثيراً حينما يتحدث عن صفات الرجال سواء في المدح، أو القدح، وهذا مما يدل على حرصه في التوثق من مصادره لا سيما فيما يتعلق بجرح الرجال أو تعديلهم (4) لأنه فيما يبدو كان يعد هذا المصدر من أوثق المصادر لديه، ومن ذلك قوله حين حديثه عن أصبغ بن خليل كان معادياً للآثار، شديد التعصب للرأي، سمعت محمد بن أحمد بن يحيى يقول: سمعت قاسم بن أصبغ يقول: (سمعت أصبغ ابن خليل يقول: لأن يكون في   (1) المصدر السابق ترجمة 739. (2) المصدر السابق ترجمة 987. (3) المصدر السابق ترجمة 1336. (4) انظر على سبيل المثال تراجم 1635، 1377، 1375، 1566، 1366، 888. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 تابوتي رأس خنزير أحب إلي من أن يكون فيه مسند (1) ابن أبي شيبة) (2) ، وكذلك قوله عن عبد الملك بن هذيل: (سمعت محمد بن أحمد يسئ القول فيه فينسبه إلى الضعف) (3) ، كما روى لنا عن طريق السماع شمائل بعض الأشخاص ومن ذلك قوله عن محارب بن الحكم الاسكافي سمعت إسماعيل يقول فيه: (أنه مجاب الدعوة وخرج إلى أرض الحرب مجاهداً في غزوة … فمنحه الله الشهادة … ) (4) . وكان أحياناً لا يحدد مصدر سماعه مثل قوله سمعت بعض أصحاب خالد يقول: (أن أمير المؤمنين المستنصر بالله كان يقول: إذا فاخرنا أهل المشرق بيحيى بن معين فاخرناهم بخالد بن سعد) (5) .   (1) ابن أبي شيبة: هو الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة المتوفى سنة 235هـ. (الذهبي: تذكرة الحفاظ ج2 ص234، 433) ، أما أصبغ بن خليل فهو أبو القاسم من أهل قرطبة كان حافظاً للرأي على مذهب مالك وأصحابه متعصباً له، توفي سنة 237هـ وقد دارت الفتيا عليه بالأندلس خمسين سنة وقد ذكر ابن الفرضي أنه بلغ به التعصب لمذهب مالك أن أفتعل حديثاً في ترك رفع اليدين في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام (ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 247) ، ومسند بن أبي شيبة هو أحد الكتب التي أدخلها بقي بن مخلد إلى الأندلس لكن المتعصبين من فقهاء المالكية وقفوا ضد هذا الكتاب وغيره بسبب موقفهم من بقي بن مخلد، ويذكر ابن الفرضي أن قاسم بن أصبغ كان يدعو على أصبغ بن خليل ويقول: (هو الذي حرمني أن أسمع من بقي بن مخلد، يحض أبي على نهيي عن السماع منه والاختلاف إليه وكان لنا جاراً) (تاريخ العلماء ترجمة 247) . (2) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 247. (3) المصدر السابق ترجمة 822. (4) المصدر السابق ترجمة 1470. (5) المصدر السابق ترجمة 398. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 ولم يكن ابن الفرضي يقصر هذا السماع على الشيوخ أو طلاب العلم بل إنه ربما أخذه من غيرهم كقوله: (سمعت بعضهم يذكره) (1) ، أو قوله: (سمعت أبي يصفه بالذكاء) (2) ، أو (سمعت هذا الخبر من أبي - رحمه الله -) (3) . وأما قال لي فإن هذه العبارة توحي بأن القول خاص بابن الفرضي مما قد يجعله ينفرد بها عن غيره من الرواة بخلاف سمعت فإنه قد يكون شاركه أحد فيه، وقد أورد ابن الفرضي هذه العبارة كثيراً وكانت في الغالب إجابة لسؤال وجهه ابن الفرضي لشخص ما يسأله عن معلومة تتعلق بشخص معين لاسيما في تحديد سنة الوفاة أو المولد حيث يقول: قال لي فلان ولدت (4) ، أو (قال لي ابنه أو صديقه أو غيرهما توفي فلان) (5) ، كما نلاحظ أن هذه العبارة وردت إجابة على سؤال وجهه ابن الفرضي لأحد الذين قدموا من رحلتهم العلمية إلى المشرق، وكان يتوقع أن لديهم إجابة على أشكال معين لديه (6) . كذلك وردت هذه العبارة إجابة على سؤال في تعديل الرجال، أو جرحهم مثل قوله عن محمد بن عيسى بن رفاعة: (قال لي محمد بن أحمد هو كذاب … ) (7) ، وقوله عن محمد بن جنادة الأشبيلي: (قال لي العباس بن أصبغ: سمعت محمد بن قاسم يثني على محمد بن جناده … ) (8) .   (1) المصدر السابق ترجمة 1306. (2) المصدر السابق ترجمة 1285. (3) المصدر السابق ترجمة 881. (4) انظر على سبيل المثال تراجم 742، 885، 455، 221، 1320. (5) انظر مثلاً ترجمة 10، 1069، 1272، 1205، 1231، 1189. (6) انظراً مثلا ترجمة 50، 1391، 1403، 1364، 250. (7) المصدر السابق ترجمة 1245. (8) المصدر السابق ترجمة 1150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وهذا المنهج في تلقي المعلومات له ميزة عن غيره إذا أنه ربما حصلت فيه محاورة بين القائل والمستمع يتم من خلالها الحصول على مزيد من المعلومات، ومن ذلك قوله: (قال لي العباس بن أصبغ: قال لنا محمد بن عبد الملك بن أيمن كان يحيى بن قاسم بن هلال أحد العباد المجتهدين،كان يصوم حتى يحتضر، وهو صاحب الشجرة. قلت للعباس: ما معنى الشجرة؟ قال: كانت في داره شجرة تسجد لسجوده، إذا سجد … ) (1) . ومن الأمثلة على ذلك ما قيل لابن الفرضي عن عبد الله الزجالي من مدح وتزكيته وأن عائذاً قال له ما أعرف أحداً يصلح للقضاء غيره فذكر هذا الأمر لسليمان بن أيوب فقال له: (كان أولى بالقضاء من ابن أبي عيسى: ومن منذر ومن غيرهما، ثم قال لي: هذا الذكر يغار له الناس) (2) . كذلك استخدم ابن الفرضي عبارة أخبرني، أو أخبرنا ومعظم الروايات التي ساقاها هنا مصدرها أحد قرابة المتحدث عنهم، وهي متعلقة بتاريخ وفاته (3) ، وهذا يدل على حرصه في أخذ المعلومات والأخبار من مصادرها القريبة والمطلعة، وهكذا نرى أن الصيغ التي استخدمها ابن الفرضي في نقل معلوماته في كتابه تاريخ العلماء هي الصيغ المستخدمة عند المحدثين مما يؤكد أثر ثقافته في العلوم الشرعية على ثقافته العامة واتجاهات التأليف الأخرى لديه لا سيما في ميدان التأريخ.   (1) المصدر السابق ترجمة 1565. (2) المصدر السابق ترجمة 732. (3) انظر تراجم 270، 306، 327، 130، 887، 738، 451، 366. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 كما أورد ابن الفرضي بعد هذه العبارة أخباراً أخرى تتعلق بالمولد (1) ، أو الإجازة (2) ، أو الثناء على الرجال (3) أو غيرها، وكان ابن الفرضي يحدد مكان تلقيه الخبر الشفوي مثل قوله حينما ذكر وفاة أبي الفرج عبدوس بن محمد بن عبدوس: (أخبرني بوفاته عبيد بن محمد الشيخ الصالح نعاه إليّ في داره) (4) . كان هذا عرضاً لمصادر ابن الفرضي الشفوية، وقد بدا لنا من خلال استقراء نصوصها ما يلي: - أن مصدر الرواية الشفوية عند ابن الفرضي كانوا إما شيوخه غالباً أو أقرانه ومعاصريه من أقارب المتحدث عنهم، وكان أشهر من روى عنهم من شيوخه يحيى بن مالك العائذي، ومحمد بن أحمد بن محمد بن مفرج، وأحمد بن عبد الله بن عبد البصير، وخطاب بن مسلمة بن بتري، وسهل بن إبراهيم بن سهل أبو القاسم، وعبد الله بن محمد ابن القاسم الثغري، وقاسم بن محمد بن أصبغ، ومجاهد بن أصبغ البجاني، ومحمد بن عمرو الأسدي، ومحمد بن محمد بن أبي دليم، ويحيى بن هذيل بن عبد الملك، وعباس ابن أصبغ الحجازي، وعبد الله بن محمد الباجي وغيرهم. - أن ابن الفرضي كان أحياناً لا يحدد مصدر تلقيه الخبر الشفوي بل يقول أخبرني بذلك من كتب عنه أوسمع منه أو بعض أقاربه وغيرها من العبارات، بل أنه ربما كان أكثر تعميماً حين يقول ويحكي أنه … (5) ، كما أنه قد يجمع بين صيغتي أداء الخبر كأن يقول: وأخبرني وسمعت فلانا (6) ، وقد يجمع بين الرواية الشفوية والمكتوبة (7) .   (1) المصدر السابق ترجمة 12. (2) المصدر السابق ترجمة 798. (3) المصدر السابق ترجمة 739. (4) المصدر السابق ترجمة 1003. (5) المصدر السابق ترجمة 365. (6) المصدر السابق ترجمة 398، 588، 591. (7) المصدر السابق ترجمة 586، 595. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 - مما يميز هذا النوع من المصادر أن ابن الفرضي لا يتعامل مع مصادر جامدة، بل إنه يتعامل مع رجال قد استوعبوا ما يقولون، وعايشوه كما عايشوا من ينقلون إليه الخبر، ولهذا سنحت فرصة للسؤال والمناقشة بين الطرفين لما قد يشكل حول الخبر المنقول، ومن الأمثلة على ذلك قوله حينما تحدث عن خالد بن سعد: (وكان إسماعيل يرفع به جداً … وسألت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى القاضي عن خالد هل كان بحيث يضعه إسماعيل من العلم بالحديث؟ فقال لي: أعور بين عميان … ) (1) ، وكذلك قوله عن مسلمة بن القاسم: (وسمعت من ينسبه إلى الكذب وسألت محمد بن أحمد بن يحيى القاضي عنه فقال لي لم يكن كذاباً، ولكن كان ضعيف العقل) (2) .   (1) المصدر السابق ترجمة 398. (2) المصدر السابق ترجمة 1423. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 بل إن المصادر الشفوية ربما كانت معينة في تفسير وكشف غموض بعض ما يرد في المصادر المكتوبة، ومن الأمثلة على ذلك قول ابن الفرضي عن مروان بن عبد الملك الفخار: (وقرأت بخط أحمد بن محمد بن عبد البر قال: قال لي أحمد بن خالد: كان مروان الفخار ساكناً بأقريطش (1) وكان أصله من هنا، كان جاراً لبقي بن مخلد، قال: وكان له عشرين جارية تساوي كل جارية خمسمائة دينار: ولقد كانت له صبية تخرج إلى الفرن، وكانت ربما تأتيني بهدية يبعثها إلي فلقد كنت أتمنى أن تكون لي … ولقد قال لي: أن لي اليوم عشرين سنة ما أبيت إلا في ثيابي بعمامتي كما تراني وما أمس واحدة منهم، قلت لأحمد ابن كم؟ قال ابن ستين أو أكثر منها، قلت لأحمد: فعلى مروان كانت تدور فتيا أهل أقريطش؟ ، قال لي نعم، قلت له: وكان يحسن الفتيا؟ قال: كذا قال: ولقد جادلني يوماً في مسألة وكان فيها المخطئ، … ) (2) . وبهذا يتبين لنا أن المصادر الشفوية كانت من المصادر المهمة عند ابن الفرضي، بل إنه وبحكم معايشته لكثير من رواتها وأحداثها أفاد منها كثيراً، ولعل جرأة ابن الفرضي ومكانته العلمية فضلاً عن مواهبه العلمية والثقافة مما ساعده على ذلك ومكنه من السؤال عما أشكل والتحري عن الراوي والمروي عنه. ...   (1) أقريطش: جزيرة في بحر الروم بها مدن كثيرة طولها اثنان وسبعون ميلاً وعرضها خمسون ميلاً، وكانت مأوى للفارين من الأندلس أيام الفتن والأزمات السياسية، فقد لجأ إليها عدد من العلماء أثناء فتنة الربض، ولهذا اشتهرت بعلمائها، وهي خصبة التربة. (الأدريسي: نزهة المشتاق ص 193، الحميري: الروض المعطار ص51. (2) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 415. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 كان هذا عرضاً لمصادر ابن الفرضي وطرق تلقيه الأخبار حين تدوين كتابه تاريخ علماء الأندلس، وبالإضافة إلى هذه المصادر التي صرح بها وذكرها، فقد اعتمد أيضاً على مصادر أخرى غير محددة أو منسوبة إلى شخص معين مثل قوله: ذكر أو أخبرني بعض أصحابنا (1) ، أو بعض أهله (2) ، أو أهل موضعه (3) أو من أثق به (4) أو أهل العلم (5) ، أو غير واحد (6) ، أو جماعة (7) ، أو بعض الشيوخ (8) ، أو بعض من كتب عنه (9) ، أو كتب عنه وسمع منه (10) ، أو من سمع (11) وغيرها من العبارات التي توحي بأخذ ابن الفرضي من مصدره مباشرة، لكنه لم يحدده باسمه إما لدواعي الاختصار، وهو منهج عمل به كثيراً في التعامل مع مصادره وأسانيدها، وقد يكون الغرض كثرة من تلقى عنهم الخبر بدرجة أن الرواية أصبحت متواترة لديه مما جعله لا يرى حاجة إلى تحديد مصدرها، بل إن هذا الشعور جعله أحياناً لا يحدد مصدره، بل يقول فيما بلغني (12) أو ويحكى (13) ، وهكذا تبدو لنا دقة ابن الفرضي في التعامل مع مصادره، حيث كان ينسب الأقوال إلى أصحابها، بل إنه كان حينما يسمع الخبر من مصادر متعددة يوضح ذلك حيث ينسب كل جزئية إلى قائلها ومن ذلك قوله حينما تحدث عن عبد الرحمن بن صفوان: (ذكر بعض أمره خالد، وبعضه من كتاب ابن حارث، وكتبت نسبه من كتاب محمد بن أحمد (14) .   (1) المصدر السابق تراجم 23، 67، 150، 187، 223. (2) المصدر السابق ترجمة 33، 36، 327. (3) المصدر السابق تراجم 375، 1002، 1485. (4) المصدر السابق ترجمة 29. (5) المصدر السابق ترجمة 1432. (6) المصدر السابق ترجمة 7، 223. (7) المصدر السابق ترجمة 110. (8) المصدر السابق ترجمة 108، 310. (9) المصدر السابق ترجمة 143، 253، 3840. (10) المصدر السابق ترجمة 341. (11) المصدر السابق ترجمة 341، 767. (12) المصدر السابق ترجمة 148. (13) المصدر السابق ترجمة 365. (14) المصدر السابق ترجمة 786. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 حاسة النقد التاريخي عند ابن الفرضي وأثرها على موقفه من مصادره: إن ابن الفرضي العالم، الحافظ، الراوية، المحدث، الفقيه، القاضي، الناقد قد تعامل مع مصادره المختلفة حسبما يقتضيه المنهج العلمي لمن هو بمثل هذا المستوى من النضج العلمي، إذ أن هذه المزايا العلمية، وتلك المواهب، والقدرات الشخصية قد مكنته من الإحاطة بمصادره والتعامل معها بصدق وأمانة، حيث ينسب الروايات والأخبار إلى مصادرها، أو قائليها في الأعم الغالب، كما أنه - أحياناً - لا يكتفي بالنقل بل يناقش، ويحلل بعض الروايات معتمداً في ذلك على الدليل والحجة سواء أكانت نقلية، أو استنباطية، ويدرك من يتتبع هذا المنهج التحليلي عند ابن الفرضي أن حاسة النقد التاريخي كانت لديه قوية، وقد بدا هذا واضحاً خلال تعامله مع مصادره إذ لم يكن يقبل كل ما ذكرته المصادر على أنه قضايا مسلم بها، بل كان يحلل ويناقش، كما كان ينتقد ويرد بعض الروايات والأخبار، ومن خلال تتبعنا لهذا المنهج بدت لنا القضايا التالية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 - أنه يحلل ويناقش بعض الروايات والأحاديث التي يسوقها والتي قد يبدو عليها الضعف أو الاختلاق، ويبين رأيه فيها، ومن ذلك قوله: (أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي دليم ومحمد ابن يحيى بن عبد العزيز قالا: نا أحمد بن خالد قال: نا محمد بن وضاح قال: نا آدم بن أبي إياس العسقلاني قال: نا أبو محمد قتيبة عن أبيه عن شيبان عن أبي طبية الجرجاني قال: قال رسول الله ش من رابط بعسقلان ليلة، ثم مات بعد ذلك بستين سنة مات شهيداً، وإن مات في أرض الشرك) (1) ، وقد علق ابن الفرضي على هذا الحديث بقوله: (قال عبد الله ابن محمد - يعني نفسه-: وهذا الحديث منكر جداً) (2) .كما روى عن محمد بن منصور المرادي الأندلسي قوله: (أخبرنا أبو زكريا العائذي قال: نا الحسن بن رشيق قال: نا أبو بكر محمد بن منصور المرادي الأندلسي قال: نا أبو إسماعيل الأيلي حفص بن عمر، قال: حدثني ثور بن يزيد عن يزيد بن مرثد، عن أبي رهم قال: سمعت رسول الله ش يقول: " إذا رجع أحدكم من سفره فليرجع إلى أهله بهدية فإن لم يجد إلا أن يلقى في مخلاته حجراً أو حزمة حطب فإن ذلك مما يعجبهم " (3) . وقد علق على هذا الحديث بقوله: قال عبد الله بن محمد - يعني نفسه-، وهذا الحديث باطل (4) . لكنه لم يوضح سبب رد الحديث هل هو لعلة في الإسناد أو المتن، ويبدو أنه هنا اكتفى بمنهج بعض المؤرخين بينما يقتضي منهج أهل الحديث ذكر السبب والعلة حتى يقبل كلامه ويؤخذ بما قاله.   (1) المصدر السابق ترجمة 431. (2) المصدر السابق ترجمة 431. (3) المصدر السابق ترجمة 1206. (4) المصدر السابق ترجمة 1206. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 كما روى بعض الأحاديث التي لم تصح عن الرسول ش، وقد بين رأيه فيها، ومن ذلك ما رواه محمد بن عبد الله المطماطي البزار: (أخبرنا أصبغ بن عبد الله، قال: قال لنا ابو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان لمالكي: وممن روى عن مالك من أهل الأندلس محمد ابن عبد الله المطماطي، أجاز لي محمد بن عمر الأندلسي عنه، عن مالك، عن ربيعة، عن أنس، عن النبي ش: " من لم يعدني في رمدي، لم أحب أن يعدني في علتي " كذا قال ابن شعبان، وحدثنا به من طرف عن محمد بن عبد الله المطماطي هذا، عن عبد العزيز بن يحيى، عن مالك. وهذا حديث منكر لا يثبت من غير طريق مالك، فكيف لمالك؟ !) ، ثم دعم رأيه هذا بقول شيخه محمد بن أحمد بن يحيى بأنه روايته عن مالك غير مقبولة ولا ممكنة (1) . وكذلك الحديث الذي رواه محمد بن ميسور: (أخبرني أبو ثابت قال: أملى علينا خالد بن سعد قال: كتب إلي محمد بن منصور الرجل الصالح بخط يده، وقال في كتابه: كتبت إليك يا أخي أكرمك الله بطاعته، ومن قدس الله، ومسرى نبيه ش قال: حدثني غسان القاضي القلزم، قال: حدثني أبي، قال: نا محمد بن عزيز الأيلي، قال: نا يعقوب ابن أبي الجهم ابن سوار الأسدي، قال: نا عمرو ابن جرير، عن عبد العزيز يعني: ابن زياد، عن أنس قال: بينما نحن عند النبي ش إذا عطس عثمان رضي الله عنه ثلاث عطسات متواليات: فقال النبي ش: " يا عثمان: الا أبشرك، هذا جبريل يخبرني عن الله تبارك وتعالى: ما من مؤمن يعطس ثلاث عطسات متواليات إلا كان الإيمان ثابت في قلبه " وقد بين ابن الفرضي رأيه بهذا الحديث حيث قال: قال عبد الله: هذا حديث منكر لا أصل له) (2) .   (1) المصدر السابق ترجمة 1097. (2) المصدر السابق ترجمة 1256. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 ومن ذلك أيضاً أخبرنا أحمد بن خالد، قال: نا يزيد بن عمر الأندلسي، قال: نا ابن العرابي أحمد بن محمد بن بشر بمكة، قال: نا الزعفراني، عن سفيان بن عيبنة، عن الزبيري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر، قال: حضرت رويفع ابن ثابت الأنصاري: وهو يسأل رسول الله ش عن الفتنة، وكيف هو ناج منها؟ فقال له رسول الله ش: " يا رويفع: إلزم الجبال والقفار، فإنه أسلم لدينك ودنياك … بل الحياة فعليك: بسكنى مدينة برقة (1) ، إنها ستفتح عليكم وغيرها: من مدائن المغرب " وفي الخبر: " مدينة في الإسلام بعض الأرض المقدسة ساكنها سعيد وميتها - في آخر الزمان - عريق، فقال عبد الله بن عمر: فما زلت أجعل ذلك من بالي، من أجل هذا الحديث حتى فتح الله على المسلمين مصر والمغرب، فسأل رويفع عمر بن الخطاب أن يوفده إلى المغرب فولاه برقة، فلم يزل بها حتى مات فيها، وقبره بها رحمه الله "، وقد بين ابن الفرض رأيه في هذا الحديث بقوله: قال عبد الله - يعني نفسه- أن هذا الحديث باطل، ولا سيما بهذا الإسناد (2) . كانت هذه نماذج لوقفات ابن الفرضي عند بعض الأحاديث التي أوردها حيث بيّنَ رأيه في صحتها.   (1) برقة: مدينة أفريقية تقع في المغرب الأدنى بينها وبين البحر ستة أميال، ولهذا قيل عنها إنها برية بحرية، وهي أول مدينة ينزلها القادم من مصر إلى القيروان. (الحميري: الروض المعطار ص91) . (2) المصدر السابق ترجمة 1609. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 - وقد كان للروايات التاريخية نصيبها من المناقشة والتحليل حيث وقف عند بعضها مناقشاً ومحللا معتمداً في ذلك على حاسته التاريخية، ومن الأمثلة أنه حينما تحدث عن محمد بن عيسى بن رفاعة الخولاني ذكر أنه ينسب إلى الكذب، وأن محمد بن أحمد قد قال له: إنه كذاب (1) ، ولم يكتف ابن الفرضي بهذا الحكم: بل أعقب ذلك بذكر الدليل وهو أن الخولاني حينما قدم إلى قرطبة أخرج كتاباً مُختلقاً من حديث سفيان بن عيينة جله سفيان عن الزهري عن أنس عن النبي ش، وليس لسفيان عن الزهري عن أنس من المسند إلا ستة أحاديث أو سبعة، وهكذا افتضح أمره وشُهر بالكذب كما يقول ابن الفرضي (2) ، ومن ذلك قوله: أخبرني إسماعيل قال: قال خالد بن سعد: ذكرت في كتابي مناقب الناس، ومحاسنهم إلا رجلين محمد بن وليد القرطبي، وسعيد بن جابر الأشبيلي فإني صرحت عليهما بالكذب وكانا كذابين (3) ، لكن ابن الفرضي لم يأخذ بقول خالد على الرغم من كونه من مصادره المهمة بل إنه رأى مناقشة روايته هذه حيث علق على ذلك بقوله: (ولم يكن سعيد ابن جابر - إن شاء الله - كما قال خالد قد رأيتُ أصول أسمعته، ووقع إلي كثير منها فرأيتُها نزل على تحري الرواية وورع في السماع وصدق) (4) ، ولم يكتف ابن الفرضي بهذا بل ساق أدلة أخرى ومنها قوله: (وقد حدثني العباس ابن أصبغ قال: سمعت محمد بن قاسم يثني على سعيد بن جابر ويقول: كان صاحبنا عند النسائي ووصفه بالصدق قال لي عباس ومحمد بن قاسم: بعثني إلى سعيد ابن جابر لما كنت أسمع من ثنائه عليه) (5) .   (1) المصدر السابق ترجمة 1245. (2) المصدر السابق ترجمة 1245. (3) المصدر السابق ترجمة 494. (4) المصدر السابق ترجمة 494. (5) المصدر السابق ترجمة 494. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 وحينما تحدث عن عبيد الله بن عمر بن أحمد القيسي الشافعي قال: (سمعت محمد بن أحمد بن يحيى ينسبه إلى الكذب، ووقفت على بعض ذلك في تاريخ أبي زرعة الدمشقي من أصوله، وقع إلي وقرأته على أبي عبد الله بن مفرج فرأيته قد أدعى روايته عن رجل من أهل دمشق يقال له بكر بن شعيب زعم أنه حدثه عن أبي زرعة، وكان أبو عبد الله قد لقي هذا الرجل وكتب عنه، وحكى أنه لم تكن له سن يجوز أن يحدث بها عن أبي زرعة) (1) ، ولم يكتف ابن الفرضي بهذه الأدلة بل إنه أضاف دليلاً آخر وهو قوله: (وكان عبيد الله قد بشر -أي كشط- إسناداً في آخر الكتاب وكتب مكانه هذا الرجل) (2) . ولما تحدث عن يحيى بن معمر بن عمران وذكر سيرته قال: ذكر ذلك أحمد ولم يذكر أن يحيى بن معمر استقضي مرة ثانية، لكن ابن الفرضي وضح ذلك حيث ذكر رواية عن ابن حارث أن الأمير عبد الرحمن استقضاه مرة ثانية، وبين أن هذا الرأي هو الصحيح والدليل عليه أن يحيى بن معمر صلى بالناس صلاة الخسوف بقرطبة سنة ثمان عشرة في مسجد أبي عثمان وهو قاض (3) .   (1) المصدر السابق ترجمة 771. (2) المصدر السابق ترجمة 771. (3) المصدر السابق ترجمة 1555. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 وكان ابن الفرضي يذكر أحياناً الرواية الراجحة لديه دون أن يذكر الدليل أو سبب الترجيح، فحينما تحدث عن وفاة عبيدون بن محمد الجهني قال: (وتوفي ليومين مضيا من شوال سنة خمس وعشرين وثلاثمائة من كتاب خالد، وفي كتاب محمد بن أحمد توفي في شوال سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وهو أصح إن شاء الله) (1) ، هكذا رجح رواية محمد ابن أحمد على ما ذكره خالد دون أن يذكر سبباً أو دليلاً يدعم ما قاله، ولم يكن الترجيح بين الروايات سواءً بدليل أو بدونه منهجاً دائماً عند ابن الفرضي، بل إنه كان أحياناً يذكر الروايات التاريخية وأقوال المؤرخين المتباينة في القضية الواحدة ويتوقف عن ترجيح رواية على أخرى، وذلك حينما لا يملك الحجة البينة أو لا يتضح له الحق والصواب والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة منها: (أخبرنا محمد بن أحمد بن يحيى قال: نا ابن فراس قال: حدثنا محمد بن علي الصائغ قال: نا سعيد بن منصور قال: نا هشيم قال: نا عبد الرحمن بن يحيى عن حبان بن أبي جبلة الحسني عن أبي عباس: أن آية من كتاب الله سرقها الشيطان: [بسم الله الرحمن الرحيم] . وأخبرنا خلف بن القاسم قال: نا علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي قال: بمكة قال: نا محمد بن سليمان بن فارس قال: نا محمد بن إسماعيل البخاري قال: نا ابن أبي مريم قال: نا بكر سمع عبد الله بن زجر عن حبان بن أبي جبلة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (لا تسلموا على شربة الخمر) (2) ، ولم يبين ابن الفرضي حكم هذين الحديثين.   (1) المصدر السابق ترجمة 1001. (2) المصدر السابق ترجمة 383. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 ومنها ما ذكره عن عبد الله بن مسرة بن نجيح حيث قال: وأخبرني إسماعيل قال: أخبرني خالد قال: كان محمد بن إبراهيم بن حيون يشهد على عبد الله بالقدر، ويقول لي: كان يحزن فيه - أي يكتمه - ثم عقب على ذلك ابن الفرضي بقوله: (كان عبد الله بن مسرة فيما أخبرني من أثق به فاضلاً، ديناً، طويل الصلاة) (1) ، هكذا أورد ابن الفرضي هاتين الروايتين دون أن يذكر رأيه في الصحيح والمقبول منها، وقد تكرر هذا الموقف منه كثيراً وفي عدد من الروايات التاريخية (2) . وهذا المنهج - في الحقيقة- لا يعد قصوراً في شخصية ابن الفرضي، بل هو نهج سار عليه كبار المؤرخين والكتاب وعلماء الرجال، والجرح والتعديل، وهو ما يسمى عندهم بالتوقف في المسائل التي لا يملكون دليلاً قوياً أو بينة واضحة في القول بها، أو الحكم عليها.   (1) المصدر السابق ترجمة 652. (2) إنظر على سبيل المثال ترجمة 586، 646، 652، 382، 391، 396. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وعلى الرغم من كون ابن الفرضي محدثاً وناقداً (1) ، ومهتماً بمصادره ومن يأخذ عنه، فإنه كان أحياناً يأخذ من المجاهيل ويذكر بعض الرؤى والحكايات التي قد يبدو الضعف عليها سنداً أو متناً، فمن أمثلة أخذه من المجاهيل قوله: أخبرنا إسماعيل قال: نا خالد قال: حدثنا بن البابا والأعناقي قال: نا أبان بن عيسى بن دينار عن أبيه قال: قال لي عامر: قال مالك: (قل هو الله أحد) من المعوذات، قال: الأعناقي: عامر هذا كان عندنا معلماً بقرطبة روى عنه عيسى بن دينار (2) ، وقوله: كان معلماً يشعر بأنه معلم والمعلم هو معلم الصبيان، كما أن هذا الراوي مجهول النسب غير معروف بحمل العلم وروايته، كما أنه ليس من المعروفين بالرواية عن مالك ابن أنس -رحمه الله - حيث ترجم له ابن الفرضي بقوله: عامر المعلم من أهل قرطبة (3) ولم يزد على، وهذا يدل على أنه يأخذ عن المجاهيل غير المعروفين بالرواية والنقل. كما روى بعض الحكايات والرؤى عن بعض من ترجم لهم فمن الرؤى ما رواه عبد الله بن محمد بن علي القيسى (أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي قال: نا أحمد بن خالد قال: ذكر لنا ابن وضاح عن أبي محمد الخشاب السرقسطي صاحبه، وكان نعم الرجل مؤتمناً على ما يقول أنه رأى في منامه النبي ش يمشي في طريق، وأبو بكر خلفه وعمر خلف أبي بكر، ومالك ابن أنس خلف عمر، وسحنون خلف مالك، قال ابن وضاح: فذكرته لسحنون فسر بذلك) (4) .   (1) ابن بشكوال: الصلة ص 253. (2) المصدر السابق ترجمة 629. (3) المصدر السابق ترجمة 629. (4) المصدر السابق ترجمة 640. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 كذلك من الرؤى ما ذكره ميكايل بن هارون الباهلي (أخبرني سهل بن إبراهيم قال: حدثني أبي قال: حدثني رجل سماه كان قيماً في المسجد الجامع باستجة قال: كنت جالساً في مجلس ميكايل بن هارون إذ وقف علينا رجل فقال: أيكم مكايل بن هارون فأشرنا له إليه، فقال: أتاني الليلة آت في منامي فقال لي بشر مكايل بن هارون بالجنة، أو قال: قل لمكايل أنه من أهل الجنة) (1) . أما الحكايات فمنها ما رواه عن أبي العجنس: (قرأت بخط محمد بن أحمد الذهري الزاهد: قال لنا محمد بن وضاح: كان أبو العجنس رجل يسكن غدير بني ثعلبة يقال: إنه كانت له في رمضان ثلاث أكلات: من سبعة أيام إلى سبعة أيام، ثم أكلة الفطر، وهو الذي مر به الحكم بن هشام، فسلم عليه وأشار بالخيزران -: وكان على سقف له يبنى - فرد عليه أبو العجنس وأشار بالأطر له، فكلم بذلك فقال: أشار إلي بالخيزران فأشرت إليه بالاطرلة) (2) .   (1) المصدر السابق ترجمة 1490. (2) المصدر السابق ترجمة 911. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 ويبدو أن الكم الهائل من المادة العلمية التي جمعها، بالإضافة إلى تناثر جزئياتها، وكثرة تفصيلاتها الدقيقة، مع تعدد موارده ومصادره، واتساع إطارها الزماني جعلته أحياناً يفقد حاسته التاريخية مما أوقعه في بعض الأخطاء العلمية أو التناقض فيما يذكره من معلومات أو أخبار، فمن الأخطاء التاريخية قوله: ((وأخبرنا محمد بن أحمد بن يحيى قال: محمد بن محمد بن معروف النيسابوري قال: نا عبد الرحمن بن الفضل الفارسي قال: نا محمد بن إسماعيل البخاري قال: نا يحيى بن بكير عن الليث قال: وفي سنة اثنتين وعشرين ومائة قتل عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أمير الأندلس)) (1) ، وهو بهذا القول الذي رواه بإسناده عن البخاري يناقض نفسه حيث ذكر حين ترجمته لعبد الرحمن الغافقي إنه توفي سنة خمس عشرة ومائة (2) ، كما يخالف إجماع المؤرخين المسلمين الذين ذكروا أن وفاته كانت في أعقاب هزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء سنة 114هـ (3) . كما ذكر أن وفاة عبد الملك ابن قطن سنة خمس وعشرين ومائة (4) ، وهذا التحديد غير متفق مع ما ذكره المؤرخون من أن وفاة هذا الوالي كانت في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين ومائة كما ذكره ابن عذاري (5) ، وابن الأثير (6) ، والمقري (7) . ولم تكن هذه التجاوزات والأخطاء قاصرة على تحديد سني الوفيات، بل تجاوزتها إلى بعض الأحداث التاريخية المشهورة ومنها قوله عن نهاية عبد العزيز بن موسى ابن نصير:   (1) المصدر السابق ترجمة 773. (2) المصدر السابق ترجمة 772. (3) المقري: نفح الطيب جزء 3 ص 16 (نقلاً عن ابن حيان) ، ابن خلدون: العبر: ج4 ص258، وقد ذكر كل من ابن الأثير: الكامل ج5 ص174 – 175، وابن عذاري: البيان المغرب ج1 ص 51، ج2 ص28، أن ذلك كان في سنة خمس عشرة ومائة (4) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 814. (5) البيان المغرب ج2 ص 231، 132. (6) الكامل ج5 ص 252. (7) نفح الطيب ج 3 ص 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 (وكان أبوه قد استخلفه على الأندلس فأقام واليها إلى أن كتب سليمان بن عبد الملك هنالك فقتلوه، وأتوه برأسه (1) . هكذا حمل الخليفة سليمان بن عبد الملك مسئولية مقتل عبد العزيز بن نصير مع أن هذه القضية قد رفضها المؤرخون سلفاً وخلفاً ولم يقل بها سوى فئة من مؤرخي الأندلس المتأخرين، وممن رفضها من المؤرخين ابن عبد الحكم (2) ، وابن القوطية (3) ، وصاحب أخبار مجموعة (4) ، والحميدي (5) ، والضبي (6) ، وغيرهم، كما ذكر بأن عودة موسى بن نصير من الأندلس إلى المشرق كانت سنة أربع وتسعين (7) ، بينما الذي ذكره المؤرخون (8) أن ذلك كان في ذي الحجة سنة خمس وتسعين. كذلك لم يسلم ابن الفرضي من بعض التناقض بين بعض الروايات التي ذكرها، ومن الأمثلة على ذلك قوله: بأن محارب بن قطن بن عبد الواحد توفي سنة ست وخمسين ومائتين، كذا قال إسماعيل عن كتاب خالد (9) ، لكنه يناقض هذا القول بعد ذلك حيث قال: (ورأيت شهادته في وثيقة تاريخها للنصف من ربيع الأول سنة احدى وثمانين ومائتين (10) ، هكذا يبدو عدم صحة الرواية الأولى لكن ابن الفرضي أوردها ولم يحاول ردها وبيان خطأها لأن ما ذكره في الرواية الثانية دليل مادي يعد أقوى من قول إسماعيل عن خالد.   (1) المصدر السابق ترجمة 825. (2) فتوح أفريقيا والأندلس ص85. (3) تاريخ افتتاح الأندلس ص36. (4) أخبار مجموعة ص19. (5) جذوة المقتبس ص271. (6) بغية الملتمس ص273. (7) المصدر السابق ترجمة 1456. (8) ابن عبد الحكم: فتوح أفريقيا والأندلس ص 81 – 82، مؤلف مجهول: أخبار مجموعة ص 27، المقري ج 1 ص277، كما قال بهذا صاحب كناب الإمامة والسياسة ج2 ص86. (9) المصدر السابق ترجمة 1407. (10) المصدر السابق ترجمة 1407. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 كذلك قال عن عفير بن مسعود ابن عفير وعاش إلى أن بلغ المائة وتوفي رحمه الله سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وكان مولده سنة عشرين ومائتين، ذكره محمد بن حسن (1)   (1) المصدر السابق ترجمة 1008. المصادر والمراجع ابن الأبار: أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي المعروف بابن الأبار (ت 658 هـ) . - الحلة السيراء، تحقيق حسين مؤنس، نشر الشركة العربية للطباعة والنشر ط / الأولى 1963م - التكملة لكتاب الصلة، نشر وتصحيح السيد عزت العطار الحسيني 1375هـ. ابن الأثير: أبو الحسن علي بن محمد الشيباني (ت 630 هـ) . - الكامل في التاريخ، نشر دار صادر بيروت 1385 هـ. الادريسي: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس (ق 6 هـ) . - صفة المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس (مأخوذة من كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) ط/ لندن 1968م. بالنثيا: أنخل جنثالت. - تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة حسين مؤنس، القاهرة 1955 م. البخاري: محمد بن إسماعيل (ت256 هـ) . - التاريخ الكبير. نشر دائرة المعرف العثمانية حيدر آباد (سنة 1358 هـ) . الأزدي: أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي (ت 409 هـ) . - المؤتلف والمختلف في أسماء نقلة الحديث. - مشتبه النسبة (وقد طبع هذان الكتابان في مجلد واحد، الطبعة الأولى بالهند سنة 1320 هـ بعناية محمد محيي الدين الجعفري. الباجي: أبو الوليد سليمان بن خلف (ت474 هـ) . - التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح تحقيق أبو لبابة حسين، نشر دار اللواء بالرياض 1406 هـ. ابن بسام: أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني (ت 542 هـ) . - الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة بيروت، ط / الثانية 1399 هـ. ابن بشكوال: أبو القاسم خلف بن عبد الملك (ت 578 هـ) - كتاب الصلة، المكتبة الأندلسية، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966م. البكري: عبد الله بن عبد العزيز البكري (487 هـ) . - جغرافية الأندلس وأوروبا، من كتاب المسالك والممالك، تحقيق عبد الرحمن الحجي، بيروت 1378 هـ. حاجي خليفة: مصطفى بن عبد الله (ت 1068 هـ) . - كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون، تحقيق شرف الدين يالنقايا، نشر دار العلوم الحديثة بيروت. ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت 456 هـ) . - الفصل في الملل والأهواء والنحل، الطبعة الثانية بيروت، دار المعرفة 1395 هـ. الحموي: أبو عبد الله ياقوت عبد الله (ت 626 هـ) . - معجم البلدان نشر دار صادر بيروت. الحميدي: أبو عبد الله بن أبي نصر (ت 488 هـ) . - جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، تحقيق إبراهيم الأبياري الطبعة الثانية 1403 هـ. الحميري: محمد بن عبد المنعم (ت 900 هـ) . - الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق إحسان عباس، نشر مكتبة لبنان بيروت ط / الثانية 1984 م. ابن حيان: أبو مروان حيان بن خلف بن حيان (ت 469 هـ) - المقتبس في أخبار بلد الأندلس، تحقيق شالميتا بالتعاون مع آخرين، نشر المعهد الإسلامي العربي في مدريد 1979 م. - المقتبس من أنباء أهل الأندلس، تحقيق الدكتور محمود علي مكي، طبع دار الكتاب اللبناني بيروت 1393 هـ ابن خاقان: أبو نصر الفتح بن محمد بن عبد الله القيسي (ت 526 هـ) - مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس، تحقيق محمد علي شوالة، الطبعة الأولى بيروت، مؤسسة الرسالة 1403 هـ. ابن خلدون: أبو زيد عبد الرحمن بن محمد (ت 808 هـ) - العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأولى 1401 هـ. ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد (ت 681 هـ) . - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق الدكتور إحسان عباس ط / دار صادر بيروت. الذهبي: أبو عبد الله شمس الدين الذهبي (ت 748 هـ) . - تذكرة الحفاظ، الطبعة الثالثة مطبعة دائرة المعارف بحيدر آباد سنة 1376هـ. - سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي،نشر جامعة الإمام الطبعة الأولى 1405 هـ. الراجحي: شرف الدين. - مصطلح الحديث وأثره على الدرس اللغوي عند العرب، نشر مؤسسة الرسالة بيروت، ط1 سنة 1983م. سالم: السيد عبد العزيز. - تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس من الفتح العربي حتى سقوط الخلافة بقرطبة، نشر مؤسسة شباب الجامعة بالأسكندرية 1999 م. سالم: سحر عبد العزيز. - تاريخ بطليوس الإسلامية وغرب الأندلس في العصر الأموي، نشر مؤسسة شباب الجامعة بالأسكندرية. ابن سعيد المغربي: علي بن موسى بن محمد (ت 685 هـ) . - المُغرِب في حلي المغرب، تحقيق شوقي ضيف، نشر دار المعارف بمصر. السلمي: محمد بن صامل. - منهج كتابة التاريخ الإسلامي، نشر دار طيبة بالرياض 1406هـ. السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) - بغية الوعاة في طبقات النحويين والنحاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر المكتبة العصرية بيروت. ابن صاعد الأندلسي: أبو القاسم صاعد بن أحمد بن عبد الرحمن (ت 462 هـ) - طبقات الأمم، تحقيق حياة علوان، الطبعة الأولى، نشر الطليعة بيروت 1985م. الضبي: أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبي (ت 599 هـ) . - بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس علمائها وأمرائها وشعرائها وذوي النباهة فيها ممن دخل إليها أو خرج عنها، طبع في مدينة مجريط سنة 1884م. الطبري: محمد بن جرير (ت 310هـ) . - تاريخ الأمم والملوك، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، بيروت. طه: عبد الواحد ذنون. - نشأة تدوين التاريخ العربي في الأندلس، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1988م. ابن عبد الحكم: أبو القاسم عبد الصمد بن عبد الله (ت 257 هـ) . - فتوح أفريقية والأندلس، تحقيق عبد الله أنيس الطباع، نشر دار الكتاب اللبناني بيروت 1964 م ابن عذاري: أبو عبد الله محمد المراكشي (ت بعد 712 هـ) . - البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ومراجعة ج. س كولان وأ. ليفي بروفنسال. دار الثقافة بيروت الطبعة الثالثة 1983م. ابن العماد الحنبلي: أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد (ت 1089هـ) . - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، نشر دار إحياء التراث العربي بيروت. العمري: أكرم ضياء. - موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، الطبعة الثانية دار طيبة الرياض 1405 هـ. عياض: القاضي أبو الفضل بن موسى اليحصى السبتي (ت 544 هـ) - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، تحقيق أحمد بكير محمود، نشر مكتبة الحياة بيروت. ابن غالب: محمد أيوب (ت ق6 هـ) . - فرحة الأنفس في تاريخ الأندلس، نشر قطعة منه وحققها لطفي عبد البديع، نشر ط / مطبعة 1956 م. أبو الفداء: إسماعيل بن محمد بن عمر (ت732 هـ) . - المختصر في أخبار البشر، دار الكتاب اللبناني بيروت 1960 م. ابن فرحون: إبراهيم بن علي بن محمد (ت 799 هـ) . - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، تحقيق الدكتور محمد الحميدي أبو النور، نشر دار التراث للطبع والنشر. ابن الفرضي: أبو الوليد عبد الله بن محمد (ت403 هـ) . - الألقاب، تقديم وتحقيق وتعليق محمد زينهم محمد عزب نشر دار الجيل بيروت الطبعة الأولى 1412 هـ. - تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، تحقيق عزت العطار الحسيني، الطبعة الثانية 1408 هـ، مكتبة الخانجي بالقاهرة. ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 هـ) وقد نسب إليه الكتاب التالي. الإمامة والسياسة، تحقيق محمد الزيني، نشر مؤسسة الحلبي. القزويني: أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد (ت446 هـ) . - الإرشاد في معرفة علماء الحديث، تحقيق الدكتور محمد سعيد بن عمر إدريس، نشر مكتبة الرشد بالرياض سنة 1409 هـ. ابن القوطية: أبو بكر محمد بن عمر (ت 367 هـ) . - تاريخ افتتاح الأندلس تحقيق إبراهيم الأبياري، الطبعة الأولى 1402 هـ. ابن الكردبوس: أبو مروان عبد الملك بن الكردبوس التوزري (ت ق8) . - تاريخ الأندلس لابن الكردبوس، ووصفة لابن الشباط، تحقيق الدكتور أحمد مختار العبادي، نشر معهد الدراسات الإسلامية بمدريد 1971 م. مؤنس: حسين. - تاريخ الجغرافيا والجغرافيين في الأندلس ط2 /1406 هـ، نشر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. مجهول: أخبار مجموعة في فتح الأندلس وذكر أمرائها، تحقيق إبراهيم الأبياري الطبعة الأولى 1401 هـ. ابن عبد الملك المراكشي: محمد بن محمد بن عبد الملك (703هـ) - الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، السفر الأول، تحقيق محمد بن شريفة، نشر دار الثقافة بيروت. المقري: أبو العباس أحمد بن محمد التلمساني (ت 1041 هـ) . - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب، تحقيق الدكتور: إحسان عباس، دار صادر بيروت 1388هـ.أزهار الرياض في أخبار عياض، تحقيق وتعليق مصطفى السقا وآخرين، نشر صندوق إحياء التراث الإسلامي سنة 1398 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 يعني الزبيدي، وهكذا يبدو لنا أن عفيرا قد بلغ سبعاً وتسعين عاماً حسب قولي ابن الفرضي وليس كما قرر بأنه قد بلغ مائة عام. وبهذا العرض يتبين لنا أن ابن الفرضي وعلى الرغم من قوة الحس التاريخي لديه فإنه قد وقع في بعض الأخطاء التاريخية، أو التناقض بين بعض ما ذكره من أقوال أو روايات استقاها من مصادره، إلا أنها كانت قليلة إذا ما قورنت بكثرة ما جمعه من مادة علمية ومن مصادر وموارد مختلفة. الخاتمة: بعد هذه الجولة بين مصادر الحافظ ابن الفرضي في كتابه تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، والتي استقى مادته العلمية في هذا الكتاب بدت لنا القضايا والاستنتاجات التالية: - أن القدرات والمواهب الشخصية التي تمتع بها ابن الفرضي قد ساعدته كثيرا على نضج شخصيته العلمية، فهو حافظ ومحدث وناقد وفقيه وراوية؛ وقد كان لهذا النضج العلمي أثره الواضح في قدرته على الاستيعاب ومن ثم الإحاطة بما يرى أو يسمع أو يقرأ. - أن تعدد المشارب الفكرية عند ابن الفرضي قد أثرت على شخصيته العلمية، فبالرغم من كونه مالكي المذهب، إلا إنه لم يبق أسيرا لمذهبه بل كان يأخذ من أصحاب المذاهب والاتجاهات الفكرية الأخرى حسب حاجته وهذا التوجه إضافة إلى نزعته الأدبية واللغوية قد جعلته يملك وسائل وأساليب أعانته كثيرا على تعدد مصادره وفهمها. - أن من يقرأ مقدمة ابن الفرضي لكتابه تاريخ العلماء يدرك اهتمامه الواضح بالتوثيق والمصادر، وأنه كان يستشعر أن آفة الأخبار رواتها كما كان يعدها مرآة صادقة لما يحويه كتابه في ثناياه من معلومات رأى أنها مهمة في بابها وموضوعها. - كما بدا لنا من خلال استقراء مقدمة هذا الكتاب وبعد الاطلاع على ما جمعه من معلومات وأخبار في ثنايا كتابه، أن مصادره كانت متعددة ومتنوعة، وأنه لم يكن يغفل أي مصدر يظن أنه يخدمه أو يوفر له مادة علمية؛ ولهذا جاءت مصادره متنوعة ما بين مشاهد ومسموع، ومقروء أو مستنبط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 - أن المصادر المكتوبة كانت تمثل حيزا كبيرا من بين مصادره وكان من أهمها المؤلفات التاريخية والتي أحسن اختيارها إذ جاء معظمها لعلماء يعدون من كبار علماء الأندلس آنذاك. - وكانت المكاتبة والاستكتاب رافدا مهما لمصادره التاريخية لاسيما في الجزئيات الدقيقة من سير الأفراد حيث كان يصل إلى هذا النوع من مصادره عن طريق الرسائل التي يضمنها بعض الأسئلة والاستفسارات حول قضية معينة فيأتيه الرد مكتوبا متضمنا الجواب على سؤاله أو أسئلته. - كما اعتمد ابن الفرضي على اللوحات والوثائق المادية في جمع مادته العلمية مثل اللوحات على القبور ووثائق المبايعات، وبالرغم من محدودية هذا النوع من المصادر عند ابن الفرضي إلا أنه كان مصدرا مهما لديه؛ وذلك لوضوحه ودقة دلالته فضلا عن سرعة الوصول إليه. - أن إلمام ابن الفرضي بعلم الجرح والتعديل قد جعل المعاينة والمعايشة والمشاهدة من مصادره الرئيسة؛ ذلك أنه من خلال هذا العلم قام برصد صفات وقدرات ومواهب من التقى بهم أو عايشهم من أولئك الرجال، ثم ضمنها كتابه لتكون مادة علمية مهمة في كتابه. - كانت الرواية الشفوية مصدرا مهما عند ابن الفرضي ومما ساعده كثيرا على الإفادة من هذا النوع من المصادر معايشته لكثير من رواتها وأحداثها، هذا فضلا عما يتمتع به ابن الفرضي من مواهب علمية وقدرات شخصية مكنته من السؤال عما أشكل عليه والتحري عن الراوي والمروي عنه حيث كانت لدى ابن الفرضي همة قوية ونفس واسع في تتبع هذا النوع من المصادر مع الدقة والأمانة في الرصد والنقل - أن قوة حاسة النقد التاريخي عند ابن الفرضي قد أثرت على تعامله مع مصادره؛ إذ إنه لم يكن يأخذ كل ما تذكره مصادره على أنها قضايا مسلم بها لا تحتمل الخطأ والتحريف والزلل، بل كان يحلل ويناقش بعض الروايات كما نقد بعض ما ذكرته مصادره مما أكسب شخصيته العلمية الاستقلالية بالرأي والتحرر من كبوات وأوهام بعض المصادر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 - على الرغم من كون ابن الفرضي محدثا وناقدا وحافظا ومهتما بمصادره ومن يأخذ عنه فإنه كان أحيانا يأخذ من مصادر مجهولة، كما كان أحيانا يذكر بعض الروايات التي لا تتكئ على أسس علمية أو منهجية بل ربما كان مصدرها الرؤى المنامية أو حكايات الناس، وهذا بلا شك مما أوقعه في بعض المزالق العلمية. - كان هذا أبرز ما توصل إليه هذا البحث من استنتاجات وقد بدت تفصيلاتها مع غيرها في ثنايا هذه الدراسة والحمد لله أولا وآخرًا. الهوامش والتعليقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 مختارات من روايات الشعبي التاريخية عن عصر الراشدين من كتابي تاريخ الرسل والملوك ووقعة صفين د. فوزي محمد ساعاتي أستاذ مشارك بقسم التاريخ - كلية الشريعة - جامعة أم القرى ملخص البحث الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين محمد ش وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين ومن سار على نهجه ولزم سنته إلى يوم الدين وبعد: فهذا تلخيص لبحث (مختارات من روايات الشعبي التاريخية عن عصر الراشدين من كتابي وقعة صفين وتاريخ الرسل والملوك) . وقد جاءت خطة البحث في مقدمة وتمهيد ثم المرويات، تحدثت في المقدمة عن أهمية دراسة الروايات التاريخية وتمحيصها على طريقة منهج المحدثين. أما التمهيد تحدثت فيه عن مولد الشعبي ونسبه ونشأته وشيوخه وتلاميذه ووفاته. وأما المرويات فقد اشتملت على أربعة مباحث: المبحث الأول: في خلافة أبى بكر الصديق رضي الله عنه. المبحث الثاني: في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. المبحث الثالث: في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. المبحث الرابع: في خلافة على بن أبى طالب رضي الله عنه. الخاتمة. المقدمة: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: إن دراسة الروايات التاريخية ورواتها هو خدمة لتاريخ هذه الأمة عن طريق معرفة أصول الروايات وميول رواتها. وهذا بدوره يؤدى إلى اسقاط الكثير من الروايات التي نسجها رواة ذو ميول وأهواء وأغراض متعددة، وخلطوها بالروايات التي يمكن الوثوق بها. فجاء بعدهم خلَف أخذوا هذه الروايات على علاتها على أنها مادة تاريخنا. - روايات تاريخية موثوقة ومن أجل ذلك كثرت المناداة من أجل العمل بكل دأب على نقد وتمحيص الروايات لتمييز الغث من الثمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 وموضوع هذا البحث هو محاولة للمساهمة في إعادة صياغة تاريخ هذه الأمة بدراسة مختارات من روايات الشعبي التاريخية عن عصر الراشدين من كتابي وقعة صفين وتاريخ الرسل والملوك - أما بقية المرويات في عصر ماقبل الراشدين وما بعده فلكل عصر له دراسة وبحث مستقل -. وقد وقع اختيارى على كتاب "وقعة صفين" لنصر بن مزاحم لأنه أقدم نص معروف عن "وقعة صفين" وآثارها الدينية والسياسية. وفيه تفاصيل أشمل عن هذه الوقعة. وكذلك التاريخ المشهور بكتاب تاريخ الرسل والملوك لمحمد ابن جرير الطبري فقد حوى مادة غزيرة أوردها دون نقد أو تمحيص. وقد أشار (الطبرى) في مقدمة الكتاب إلى أن فيه مما ليس له وجه من الصحة وأن ذلك مرجعه إلى من نقلوا الخبر. ولهذا فالمرويات فيهما تحتاج إلى دراسة لبيان مدى التزامها بايراد الحقائق دون ما تحريف أو تزييف وأيضا المساهمة في تنبيه ذهن القارئ إلى مكمن الخلل في الروايات الواردة في هذين المؤلفين. إضافة إلى التيسير على الباحثين - وخاصة المعنيين بالدراسات التاريخية - في الافادة من هذين المؤلفين. فهذا كله مما رغبنى في اختيار هذا الموضوع "مختارات من روايات الشعبي التاريخية عن عصر الراشدين من كتابي وقعة صفين وتاريخ الرسل والملوك". وقد اخترت بعضا من هذه الروايات - التي رواها الشعبى عن عصر الخلفاء الراشدين - وذلك لكثرتها. فقد ورد في كتاب وقعة صفين مما يدخل في نطاق البحث حوالي 24 رواية انظر ص 27، 51، 60، 80، 179، 208، 236، 237، 241، 243، 245، 295، 298، 301، 315، 330، 339، 369، 387، 391، 480، 518، 520، 533. وقد اخترت منها (18) رواية. ورتبتها بحسب ورودها من قبل المصنف (المنقرى) . ووقع في كتاب تاريخ الرسل والملوك أيضاً مما يدخل في نطاق البحث (84) رواية ففي الجزء الثالث 38 رواية منها (12) رواية في خلافة أبي بكر الصديق + (26) رواية في خلافة عمر) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 انظر ص 343، 346، 347، 349، 352، 353، 354، 366، 367، 372، 375، 392، 445 (خلافة عمر) ، 446، 458، 462، 464، 487، 488، 498، 508، 509، 516، 524، 544، 552، 553، 556، 563، 567، 568، 569، 587، 589، 590، 594، 595، 615 وغير هذا مما ورد في الجزءين الرابع والخامس انظر على سبيل المثال: الجزء الرابع فيه (32) رواية وهي كالتالي: ص 20، 21، 29، 33، 47، 48، 52، 65، 89، 97، 136، 163، 179، 194، 203، 213، 242، 244، 245، 301، 305، 392، 397، 415، 416، 447، 449، 487، 500، 512، 530. وفي ج5 (14) رواية عن خلافة على. وهي كالتالي: ص 45، 56، 63، 67، 122، 137، 170، 221، 235، 265، 266، 337، 407، 579. وهذه الروايات موزعة على خلفاء عصر الراشدين كالتالي: أ - في خلافة أبى بكر الصديق رضي الله عنه (12) رواية. اخترت منها (3) روايات. وذلك بحسب ترتيب ورودها من قبل المصنف (الطبرى) . ب - في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه (31) رواية اخترت منها (13) روايات. وذلك بحسب ترتيب ورودها من قبل الطبري. ج - في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه (10) رواية. اخترت منها (6) روايات. وذلك بحسب ترتيب ورودها من قبل الطبرى. د - في خلافة على بن ابى طالب رضى الله عنه (21) رواية. اخترت منها (9) روايات. وذلك بحسب ترتيب ورودها من قبل الطبرى. ولما كانت الروايات مستخلصة من كتاب "وقعة صفين" ومن كتاب "تاريخ الرسل والملوك". فلابد لى من تقديم سيرة ذاتية للمؤلفين. وهما: نصر بن مزاحم، ومحمد بن جرير. فأولهما نصر بن مزاحم: اسمه ونسبه: هو نصر بن مزاحم المنقرى أبو الفضل الكوفى (1)   (1) انظر ترجمته في: ... - الخطيب البغدادي: أحمد بن على، تاريخ بغداد. الجزء الثالث عشر، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون. ص 282 (7245) . ... - ياقوت: أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله، معجم الأدباء. الجزء التاسع عشر، الطبعة الأخيرة، مطبعة المأمون - مصر، بدون. ص 225 (82) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 مولده: ... لم تذكر لنا المصادر التي ترجمت له عن سنة ولادته ولكن عبد السلام محمد هارون - محقق كتاب وقعة صفين - رجح ولادته بأنها كانت قريبة من سنة 120هـ. ومن مؤلفاته: 1 - كتاب الغارات. 2 - كتاب الجمل. 3 - كتاب مقتل حجر بن عدى. 4 - كتاب مقتل الحسين بن على رضي الله عنهما. وكلها لم يعثر عليها إلى الآن. 5 - كتاب وقعة صفين. منهجه في كتابه (وقعة صفين) : كتاب جمع فيه تفاصيل ما في "وقعة صفين" من أحداث في اسلوب حسن الاستيعاب مع ذكره للخطب والأشعار التي رواها أصحاب الأخبار في معركة صفين. وبدأ نصر بن مزاحم كتابه بذكر خبر قدوم على بن ابى طالب رضى الله عنه من البصرة إلى الكوفة - وذلك في رجب سنة 36هـ - ومنها أخذ في توجيه كتبه ورسله إلى معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه. ثم مسيره (على) إلى صفين حيث أخذ (المؤلف) يروى لنا في استطراد للحرب وهى دائرة بين الفريقين إلى أن انتهت بالتحكيم واختيار الحكمين ثم اجتماعهما ونتائجه ويختم كتابه بذكر اسماء قتلى وجرحى معركة صفين وكذا في المصابين في معركة النهروان. والتزم بنقل الأخبار التاريخية بالروايات المسنده. ولم يتعرض في كتابه لترجيح الروايات وإنما أوردها على علاتها. وفاته: توفي في سنة 212هـ وأما المؤلف الآخر فهو محمد بن جرير اسمه ونسبه: هو: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير أبو جعفر الطبرى (1) . مولده: ولد في سنة 224هـ. في مدينة آمل بطبرستان. ومن مؤلفاته: 1 - تفسير الطبرى (مطبوع) . 2 - تاريخ الرسل والملوك (مطبوع) 3 - تاريخ الرجال (مفقود)   (1) انظر ترجمته في: ... - الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد. ج2 ص 162 (589) . ... - ياقوت، معجم الأدباء. ج18 ص 40، 41، 42 (17) . ... - ابن خلكان: أحمد، وفيات الأعيان وانباء ابناء الزمان. الجزء الرابع، تحقيق احسان عباس، دار صادر - بيروت، بدون. ص 191، 192 (570) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 4 - لطيف القول في أحكام شرائع الاسلام (مفقود) . 5 - القراءات والتنزيل والعدد. (مفقود) . 6 - اختلاف علماء الأمصار (مفقود) . 7 - الخفيف في أحكام شرائع الاسلام (مفقود) . 8 - تهذيب الآثار - لم يتمه - (مفقود) . منهجه في كتابه "تاريخ الرسل والملوك": يعتبر هذا الكتاب من أغزر مصادر التاريخ. وبدأ أبو جعفر كتابه بمقدمة عن الكون ثم بدأ بالتاريخ للبشرية منذ آدم عليه السلام وذكر أخبار ابنائه والرسل، ثم انتقل إلى ذكر أحداث التاريخ الإسلامي ورتب حوادثه على النظام الحولى ابتداء من السنة الأولى للهجرة إلى سنة 302هـ. وروى الأخبار التاريخية بالأسانيد إلى مؤلفيها. كما أنه يضع عناوين للحوادث التي يوردها. وفاته: توفي في سنة 310هـ. في مدينة بغداد بالعراق. ولقد كان من أسباب اختيارى دراسة مرويات الشعبى لأنه علم بارز من أعلام القرن الأول الهجري، وشاهد جمعاً من الصحابة، وحدث عنهم. وكذلك رأى وشارك مع كبار رجال ذلك العصر في بعض أحداثه. مما أمدنا بالكثير من الأخبار المهمة. وتضافرت أقوال العلماء في الثناء على علمه فقال عبد الله بن عمر - حينما سمع الشعبى يحدث بالمغازي - "لقد شهدت القوم فلهو احفظ لها واعلم بها". وكان المنهج الذي اتبعته في البحث يتلخص في الآتي: اخترت بعضاً من روايات الشعبى عن خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه. على أساس ترتيبها من قبل نصر بن مزاحم في كتاب "وقعة صفين". واعتمدت في الدراسة على النسخة المحققة من قبل عبد السلام محمد هارون - الطبعة الثانية - نظراً لدقة ضبطها، وما عمله المحقق في ازالة الشك عن كثير من مشتبهات هذا الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 واخترت من تاريخ الرسل والملوك أيضاً بعضاً من روايات الشعبى عن خلافة كل من أبى بكر وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين - وقد استأثرت خلافة على بالنصيب الأوفر من الروايات نابع لمعاصرة الشعبى لها - على أساس ترتيبها من قبل الطبرى في تاريخه، واعتمدت في الدراسة على النسخة المحققة من قبل عبد السلام محمد هارون - الطبعة الرابعة -. أوردت الروايات حسب تسلسلها في الكتابين. واشرت إلى الجزء والصفحة في الهامش. ترجمت لرجال الاسناد. وفيه لاحظت الانقطاع في بعض اسانيد الشعبى. وقد تطلب الكثير من الجهد في البحث في كتب التراجم لمعرفة ذلك. بذلت الجهد في الحكم على مرويات الشعبى خاصة ما يتعلق بمروياته عن خلافة أبى بكر الصديق رضي الله عنه فهي منقطعة فالشعبى ولد في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه. وكذا المرويات في خلافة عمر رضي الله عنه فالشعبى لم يدرك منها إلا حوالى أربع سنوات أو أقل. ولكن هذا الانقطاع لا يضر لأنه يروى عن صحابى عاصر أبا بكر أو عمر. والصحابة جميعا عدول. وخرجت هذه المرويات من المصادر التاريخية والأدبية وكتب التراجم والبلدان لضبط الأعلام وما قد يدخل في اصل الرواية من التحريف من قبل الطابع. وهذه المصادر تجدها في مواضعها في هذا البحث. خطة البحث: وقد قسمت البحث إلى مقدمة وتمهيد ثم المرويات وفيها أربعة مباحث وخاتمة. أما التمهيد فتحدثت فيه عن نسبه ومولده ووفاته وشيوخه وتلاميذه. وأما المرويات فتحدثت فيها عن الروايات التاريخية في خلافة كل من ابى بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى بن ابى طالب رضي الله عنهم أجمعين. ثم الخاتمة للبحث. ... المبحث الأول: نسبه هو عامر بن شَرَاحيل (1)   (1) اختلفوا في اسم أبيه فذكره البعض بعبد الله: ... - المزي: يوسف، تذهيب الكمال في اسماء الرجال. الجزء الثاني، دار المأمون للتراث - دمشق - بيروت، بدون. ص 643. ... - الذهبى: محمد، المقتنى في سرد الكنى. الجزء الأول، تحقيق محمد صالح عبد العزيز المراد، الطبعة الأولى، الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة - السعودية، 1408هـ. ص 428. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 بن عَبْد بن ذي كِبَار (1) الشَّعْبى (2) . الحميرى أبو عمرو الهمدانى الكوفي (3) . المبحث الثاني: مولده اختلف المؤرخون في تحديد العام الذي ولد فيه عامر الشعبى. فيروى عنه انه قال: "ولدت عام جلولاء" (4)   (1) ذو كِبار: هو قِيْلُ (مَلِكُ) من أَقْيالٌ (مُلُوكِ) اليمن. ... - الدارقطنى: علي، المؤتلف والمختلف. الجزء الرابع، تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الطبعة الأولى، دار الغرب الاسلامي - بيروت، 1406هـ - 1986م. ص 1965. ... - ابن منظور: محمد، لسان العرب. الجزء السادس، تحقيق عبد الله على الكبير ومحمد أحمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلى، دار المعارف - القاهرة، بدون. ص 3798. (2) الشَّعْبى: بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وفي آخرها الباء المعجمة هذه النسبة إلى شَعْبُ وهو جبل باليمن. ... - ابن الأثير: على، اللباب في تهذيب الانساب. الجزء الثاني، دار صادر - بيروت، 1400هـ - 1980م. ص 198. (3) خليفه بن خياط، الطبقات. تحقيق اكرم ضياء العمرى، الطبعة الثانية، دار طيبة - الرياض، 1402هـ - 1982م. ص 157. ... - البخاري: محمد، التاريخ الكبير. الجزء الثالث، بيروت، 1986م. ص 450. ... - الدولابى: محمد، الكنى والاسماء. النصف الثانى، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية - بيروت، 1403هـ - 1983م. ص 43. ... - ابن عساكر: على، تهذيب تاريخ دمشق الكبير. الجزء السابع، تهذيب عبد القادر بدران، الطبعة الثانية، دار المسيرة -بيروت، 1399هـ - 1979م. ص 141. (4) ابن سعد: محمد، الطبقات الكبرى. الجزء السادس، مؤسسة دار التحرير- القاهرة، 1388هـ - 1968م. ص 172. ... - ابن قتيبة: عبد الله، المعارف. تصحيح محمد إسماعيل عبد الله الصاوى، اصح المطابع - كراتشى، 1396هـ - 1976م. ص 199. ... - وكيع: محمد، اخبار القضاة. الجزء الثانى، عالم الكتاب - بيروت، بدون. ص 425. ... - السمعانى: عبد الكريم، الأنساب. الجزء الثامن، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن - الهند، 1397هـ - 1977م. ص 106. ... وجلولاء: مدينة صغيرة بالعراق في طريق خراسان. ... - ياقوت، معجم البلدان. الجزء الثاني، دار صادر، دار بيروت - بيروت، بدون. ص 156. ... - الحميرى: محمد، الروض المعطار في خبر الاقطار. تحقيق احسان عباس، الطبعة الثانية، مكتبة لبنان - بيروت، 1984م. ص 167. ... - كى لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية. ترجمة بشير فرنسيس، كوركيس عواد، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1405هـ - 1985م. ص 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 فهو يؤرخ ولادته بمعركة وقعت في بلاد فارس تعرف بجلولاء (1) . والتى اختلف في تحديد العام الذي وقعت فيه فيذكر كل من البلاذرى (2) ، والطبرى (3) ، وياقوت (4) ، وابن الأثير (5) ، وابن كثير (6) ، والسيوطي (7) . انها وقعت في عام 16هـ. وذهب كل من خليفة بن خياط (8) ، والذهبى (9) إلى انها وقعت في عام 17هـ. وارخها كل من ابن قتيبة (10) ، والسمعاني (11) ، وابن خلكان (12) ، وابن حجر (13)   (1) ولمزيد من التفاصيل. انظر: ... - البلاذرى: احمد، فتوح البلدان. القسم الثاني، تحقيق صلاح الدين المنجد، مكتبة النهضة المصرية - القاهرة، بدون. ص 323 - 325. ... - الطبرى: محمد، تاريخ الرسل والملوك. الجزء الرابع، تحقيق محمد ابوالفضل ابراهيم، الطبعة الرابعة، دار المعارف - مصر، 1977م. ص 24-29. (2) فتوح البلدان. ق 2 ص 323، 325. (3) تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 28. (4) معجم البلدان. ج 2 ص 156. (5) الكامل في التاريخ. الجزء الثانى، الطبعة الثالثة، دار الكتاب العربى - بيروت، 1400هـ - 1980م. ص 363. (6) اسماعيل، البداية والنهاية. الجزء السابع، دار ابن كثير - بيروت، 1388هـ - 1967م. ص 70. (7) عبد الرحمن، تاريخ الخلفاء. دار الفكر - بيروت، 1394هـ - 1974م. ص 123. (8) تاريخ خليفة بن خياط. تحقيق اكرم ضياء العمرى، الطبعة الثانية، دار القلم - دمشق - بيروت، مؤسسة الرسالة - بيروت،، 1397هـ - 1977م. ص 137. (9) العبر في خبر من غبر. الجزء الأول، تحقيق أبوهاجر محمد السعيد بسيوني زغلول، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1405هـ - 1985م. ص 16. (10) المعارف. ص 199. (11) الأنساب. ج 8 ص 106. (12) وفيات الأعيان. ج 3 ص 15. (13) أحمد، تهذيب التهذيب. الجزء الخامس، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية - حيدر اباد الدكن - الهند، 1325هـ. ص 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 بأنها وقعت في عام 19هـ. ونميل إلى اعتبار انها وقعت في عام 16هـ. وذلك لأنها جرت مباشرة بعد فتح المدائن ولأن معظم ثقات وكبار المؤرخين ذكروا انها وقعت في عام 16هـ. أما ما أورده البعض من أنه ولد سنة 21هـ (1) . أو من ذكر أن مولده كان لست سنين مضت من خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه (2) فلا يأخذ بها. ونميل إلى ما جرى على لسانه من أنه ولد عام جلولاء. المبحث الثالث: وفاته لم يتفق المترجمون لعامر الشعبى على تحديد السنة التي توفى فيها، وان كان معظمهم يميل إلى اعتبار سنة 104هـ هي سنة وفاته (3) . والبعض الآخر جعل وفاته في السنة التي قبلها (4)   (1) خليفة بن خياط، تاريخ خليفة. ص 149. ... - ابن الاثير، الكامل في التاريخ. ج 3 ص 9. (2) ابن قتيبة، المعارف. ص 199. (3) ابن الأثير، (مخطوط) اسماء الرجال. معهد البحوث العلمية واحياء التراث الاسلامي - جامعة ام القرى - مكة المكرمة - رقم (649) تراجم - حديث. ق 166 أ. ... - البخارى، التاريخ الصغير. الجزء الأول، تحقيق محمود إبراهيم زايد، الطبعة الأولى، دار المعرفة - بيروت، 1406هـ - 1986م. ص 278. ... - الذهبى، سير أعلام النبلاء. الجزء الرابع، تحقيق مامون الصاغرجى، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1402هـ - 1982م. ص 318. ... (وقالوا الأشهر انه توفى سنة 104هـ) . ... - الصفدى: خليل، الوافى بالوفيات. الجزء السادس عشر، اعتناء وداد القاضى، مركز الطباعة الحديثة - بيروت، 1402هـ - 1982م. ص 588. (4) ابن عساكر، تهذيب تاريخ دمشق الكبير. ج 7 ص 142. ... (وقد ذكر تاريخين لوفاته هما سنة 103هـ وقيل سنة 104هـ) . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 أما القيسراني (1) فقد جعلها في أول سنة 106هـ. أما الشيرازي (2) فقد حصرها مابين سنتى 104هـ و107هـ. وجعلها ابن الاثير (3) بين اربع تواريخ وهى كما رتبها سنة 103هـ وقيل سنة 104هـ وقيل سنة 105هـ وقيل سنة 107هـ. وذكر كل من الخطيب البغدادى (4) ، وابن خلكان (5) ، والمزى (6) ، والسيوطى (7) عدة تواريخ وهي سنوات 103هـ، 104هـ، 105هـ، 106هـ، 107هـ، 110هـ. والراجح - والله أعلم - أن وفاته حدثت سنة 105هـ (8) . وذلك لأنه لم ترد له اخبار في السنة التالية مع امير العراق خالد بن عبد الله القسرى (9) . وهما ينتميان إلى بلد واحد. المبحث الرابع: شيوخه وتلاميذه لقد روى الشعبى عن خمسين ومائة من أصحاب رسول الله ش (10)   (1) رجال البخارى ومسلم. ج 1 ص 377. (2) طبقات الفقهاء. ص 81. (3) الكامل في التاريخ. ج 4 ص 184. (4) تاريخ بغداد. ج 12 ص 232، 233، 234. (5) وفيات الأعيان. ج 3 ص 15. (6) تهذيب الكمال. ج 2 ص 644. (7) طبقات الحفاظ. الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1403هـ - 1983م. ص 40. (8) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 178. (9) اسندت إليه ولاية العراق في خلافة هشام بن عبد الملك في سنة 105هـ. ... - الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. الجزء السابع، تحقيق محمد أبوالفضل ابراهيم، الطبعة الرابعة، دار المعارف - مصر، 1979م. ص 26. (10) ابن حبان، الثقات. الجزء الخامس، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن، الهند، 1403هـ - 1983م. ص 186. ... - السمعاني، الأنساب. ج 8 ص 106. ... والعجلى يذكر أنه روى عن ثمانية وأربعين صحابيا فقط. ... - أحمد بن عبد الله، تاريخ الثقات. توثيق عبد المعطى قلعجى، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1405هـ - 1986م. ص 244 (751) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 أما رؤيته للصحابة فقد أورد عددهم بقوله: "أدركت أكثر من خمس مائة من أصحاب النبي ش " (1) . وقد بحثت عن شيوخ الشعبى الذين روى عنهم وصرح بأسمائهم في رواياته عن عصر الراشدين في كتاب "وقعة صفين للمنقرى" وكذلك التاريخ المشهور بكتاب "تاريخ الرسل والملوك" للطبرى، فحصرت من شيوخه خمسة ترجمت لهم في مواضعهم في هذا البحث وهذا بيان بأسمائهم: الحارث بن أدهم - لم أجد له ترجمة روى في خلافة على بن ابى طالب رضى الله عنه الرواية رقم (11) ص499. (وقعة صفين) (2) . وهي تتحدث عن بسالة الاشتر ابن مالك في أبعاد عسكر معاوية عن الماء في معركة صفين. الحسن بن يسار البصرى - انظر ترجمته في ص 479. روى في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه الرواية رقم (9) ص 478 (تاريخ الرسل والملوك) . وهى تتحدث عن استفسار عمر رضى الله عنه للوفد الذي جاءه من بلاد فارس عن السبب في كثرة ثورات اهلها. قلت وفي تحديث الشعبى عن الحسن في أمور وقعت في عهد عمر انقطاع لأن الحسن ولد عام 21هـ وعمر رضى الله عنه مات سنة 23هـ. فكان عمر الحسن حوالى ثلاث سنوات، فتحديث الحسن انما هو عن ثقة عاصر عمر. وهذا الخبر يسمى عند المحدثين اثر مقطوع. زياد بن النضر الحارثي - انظر ترجمته في ص 508 - روى في خلافة على بن ابى طالب رضى الله عنه الروايتين رقم (18) ص 506 و (24) ص514 (وقعة صفين) . فالأولى عن شدة القتال في معركة صفين حتى انتهى بهم إلى استخدام التراب في القتال نظراً لنفاذ الأسلحة، والثانية عن عدد من أرسلهم على رضي الله عنه ليرافقوا أبا موسى الأشعرى رضى الله عنه للتحكيم.   (1) ابن حنبل، العلل ومعرفة الرجال. ج 1 ص 100. ... - البخارى، التاريخ الصغير. ج 1 ص 288. ... - ابن حبان، مشاهير علماء الأمصار. ص 102. ... - الصفدى، الوافي بالوفيات. ج 16 ص 587. (2) ان ذلك يدل على الكتاب الذي وردت فيه الرواية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 صعصعة بن صوحان العبدى - انظر ترجمته في ص 499 - روى في خلافة على ابن ابى طالب رضي الله عنه خمس روايات ارقام (11) ص 498 و (13) ص 500 و (14) ص 502 و (16) ص 504 و (21) ص 511. (وقعة صفين) . فالرواية الأولى تتحدث عن دور الأشتر بن مالك في أبعاد عسكر معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه عن الماء في معركة صفين. والثانية تتحدث عن طلب معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه إلى ذي الكلاع الحميرى - انظر ترجمته في ص 543 هامش (409) - وحثهم على قتال على رضي الله عنه. والثالثة تتحدث عن خطبة يزيد بن اسد البجلى - انظر ترجمته في ص544 هامش (422) - في أهل الشام وحثهم على قتال على رضي الله عنه. والرابعة عن مبارزة كريب بن الصباح - انظر ترجمته في ص 545 هامش (435) - لثلاثة من معسكر على وقتلهم ثم خروج على رضى الله عنه لمبارزته وقتله في معركة صفين. والرواية الأخيرة عن عدم رضا على بن أبى طالب رضى الله عنه عن الصلح الذي أقر به الناس في معركة صفين مع بيانه لأسباب ذلك. أبو الطفيل: عامر - انظر ترجمته في ص 492 - روى في خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه رواية واحدة هي رقم (4) ص 491 (تاريخ الرسل والملوك) وهي عن اخبار على عن عدد من يأتى من الكوفة لينضم إلى عسكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 وهناك (39) رواية - وهي كل روايات خلافتى أبى بكر الصديق وعثمان بن عفان رضى الله عنهما، أما في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه فهى روايات ذات أرقام 1، 2، 3، 4، 5، 6، 8، 10، 11، 12، 13. وفي خلافة على بن ابى طالب رضى الله عنه فهى روايات تحمل أرقام 1، 2، 3، 5،، 6، 7، 8، 9، 10، 12، 15، 17، 19، 20، 22، 23، 25، 26، 27 -. رواها المنقرى، والطبرى باسنادهما عن الشعبى من قوله … - والروايات في خلافتى ابى بكر وعمر رضى الله عنهما تعتبر اخبار مقاطيع لكونها خرجت من فم تابعي -. وموضوعاتها متنوعة. ورواية واحدة كان فيها شيخ الشعبى مبهما كقوله عن شيخ بنى عبس - وهي رواية في خلافة عمر رضى الله عنه - الرواية رقم (7) ص 477 - وهي تتحدث عن قتل هلال بن علفة – انظر ترجمته في ص 530 هامش (151) -. للقائد رستم في معركة القادسية. وأما تلاميذه الذين أخذوا عنه روايات عصر الراشدين فقد بلغ عددهم (14) . ترجمت لهم في مواضعهم في هذا البحث. وهم: إسحاق بن يزيد - انظر ترجمته في ص 514 -. روى رواية واحدة في خلافة على رضي الله عنه هي رقم (23) ص 513 (وقعة صفين) (1) . إسماعيل بن أبى عميرة - لم أجد له ترجمة - روى رواية واحدة في خلافة على رضي الله عنه هي رقم (12) ص 500 (وقعة صفين) . إسماعيل بن زياد السكونى - انظر ترجمته في ص 497 -. روى رواية واحدة في خلافة على رضى الله عنه - هي رقم (10) ص 497 (وقعة صفين) . جابر بن يزيد الجعفى - انظر ترجمته في ص491 - روى عشر روايات كلها في خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه هي أرقام (4) ص 491، (5) ص 492 - 493 (تاريخ الرسل والملوك) ، (11) ص 498، (13) ص 500 - 501، (14) ص 502، (15) ص 503، (16) ص 504، (17) ص 505 - 506، (21) ص 511 - 512 (وقعة صفين) .، (25) ص 515 (تاريخ الرسل والملوك) .   (1) ان ذلك يدل على الكتاب الذي وردت فيه الرواية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 داود بن أبى هند - انظر ترجمته في ص 489 - روى رواية واحدة في خلافة على رضي الله عنه هي رقم (1) ص 488 - 489 (تاريخ الرسل والملوك) . طلحة بن الاعلم - انظر ترجمته في ص 479 -. روى رواية واحدة في خلافة عمر رضي الله عنه هي رقم (9) ص 478 - 479 (تاريخ الرسل والملوك) . عاصم بن سليمان - انظر ترجمته في ص 486 -. روى رواية واحدة في خلافة عثمان رضي الله عنه هي رقم (3) ص 485 (تاريخ الرسل والملوك) . على بن مجاهد الكابلى - انظر ترجمته في ص 517 -. روى رواية واحدة في خلافة على رضي الله عنه هي رقم (26) ص 516 (تاريخ الرسل والملوك) . عمر بن سعد بن أبى الصيد - 0 انظر ترجمته في ص 495 -. روى رواية واحدة في خلافة على رضى الله عنه هي رقم (19) ص 509 (وقعة صفين) . عمرو بن محمد - لم أجد له ترجمة - روى احدى عشر رواية منها روايتان في خلافة أبى بكر، وعثمان وعلى رضى الله عنهم أجمعين هي أرقام (1) ص 468، (3) ص 471، (1) ص 484، (5) ص 487، (3) ص 490، (6) ، ص 493 (تاريخ الرسل والملوك) . وخمس روايات في خلافة عمر رضى الله عنه هي أرقام (5) ص 475 - 476، (8) ص478، (9) ص 478 - 479، (10) ص 480، (11) ص 480 (تاريخ الرسل والملوك) . عوانة بن الحكم - انظر ترجمته في ص 483-. روى رواية واحدة في خلافة عمر رضى الله عنه هي رقم (13) ص 483 (تاريخ الرسل والملوك) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 مجالد بن سعيد الهمدانى - انظر ترجمته في ص 470 -. روى أربع عشرة رواية منها رواية واحدة في خلافة أبى بكر الصديق رضي الله عنهم هي رقم (2) ص 469 (تاريخ الرسل والملوك) . وثمان روايات في خلافة عمر رضي الله عنه هي أرقام (1) ص 472، (2) ص 473، (3) ص 474، (4) ص 475، (6) ص 476، (7) ص 477، (8) ص 478، (12) ص 481 - 482 (تاريخ الرسل والملوك) . واثنتان في خلافة عثمان رضى الله عنه هي أرقام (2) ص 484 - 485، (6) ص 487 (تاريخ الرسل والملوك) . وثلاث روايات في خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه هي أرقام (18) ص 506 - 507، (24) ص 514 (وقعة صفين) ، (27) ص 517 (تاريخ الرسل والملوك) . محمد بن قيس الاسدى - انظر ترجمته في ص 479-. روى رواية واحدة في خلافة عمر رضى الله عنه هي رقم (9) ص 478 - 479 (تاريخ الرسل والملوك) . نمير بن وعلة - انظر ترجمته في ص 486 -. روى سبع روايات منها واحدة في خلافة عثمان رضي الله عنه هي رقم (4) ص 486 (تاريخ الرسل والملوك) و (6) في خلافة على رضى الله عنه هي أرقام (2) ص 489 - 490، (7) ص 494 - 495، (8) ص 496، (9) ص 496 - 497، (20) ص 510، (22) ص 512 - 513 (تاريخ الرسل والملوك) . المرويات المبحث الأول: في خلافة ابى بكر الصديق رضي الله عنه الرواية الأولى: قال أبو جعفر، ولما فرغ خالد من أمر اليمامة، كتب إليه أبو بكر الصديق رحمه الله، وخالد مقيم باليمامة - فيما حدثنا عبيد الله بن سعد الزهرى، قال: أخبرنا سيف ابن عمر، عن عمرو بن محمد، عن الشعبى: أنْ سر إلى العراق حتى تدخلها، وابدأ بفرج الهند، وهي الأبلة (1) ، وتألف أهل فارس، ومن كان في ملكهم من الأمم (2) .   (1) الأُبْلَّة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة أي في جنوبها الشرقي. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج 1 ص 77. ... - كى لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية. ص 65. (2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج3 ص 343. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 رجال الإسناد: عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى البغدادي (1) . قال ابن حجر (2) "ثقة". توفي سنة 260هـ (3) . سيف بن عمر الأُسَيِّدى التميمى أبو عبد الله (4) . قال ابن حجر (5) "ضعيف الحديث عمدة في التاريخ أفحش ابن حبان القول فيه". توفي بعد سنة سبعين ومائة (6) .   (1) ابن ابى حاتم: عبد الرحمن، الجرح والتعديل. الجزء الخامس، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن الهند، 1372هـ - 1952م. ص 317، 318. ... - الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 10 ص 323، 324. ... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 2 ص 16 (5049) . ... - ابن حجر، تهذيب التهذيب. ج 7 ص 15، 16. ... - الخزرجي: أحمد، خلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال، الطبعة الثالثة، مكتبة المطبوعات الإسلامية - بيروت، 1399هـ - 1979م. ص 250. (2) أحمد، تقريب التهذيب. تحقيق محمد عوامه، الطبعة الأولى، دار الرشيد - سوريا، 1406هـ - 1986م. ص 371. (3) الذهبى، الكاشف. الجزء الثاني، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1403هـ - 1983م. ص 198. (4) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 4 ص 278. ... - ابن حبان، المجروحين. الجزء الأول، تحقيق محمود إبراهيم زايد، الطبعة الثانية، 1402هـ. ص 341، 342. ... - الذهبى، المغنى في الضعفاء. الجزء الأول، كتبه نور الدين عتر، مطابع الدوحة الحديثة - قطر، 1987. ص 377 (6807) . ... - ابن حجر، تهذيب التهذيب. ج 4 ص 295، 296. ... - خالد بن محمد الغيث، مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبرى. (رسالة ماجستير) . جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1410هـ - رقم (1283) . ص 2. (5) تقريب التهذيب. ص 262. (6) الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 262. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 عمرو بن محمد (1) . بيان درجة الرواية: في اسناد هذه الرواية سيف بن عمر، وهو ضعيف في الحديث وعمدة في التاريخ كما قاله الحافظ ابن حجر، وهذه الرواية رواية تاريخية إلا أن الشعبي لم يلق أبا بكر فهي منقطعة. التخريج: أخرج ابن زنجوية (2) جزءاً من رواية ارسال خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى العراق من قبل الخليفة ابى بكر الصديق رضي الله عنه بسند قال أبو عبيد قال ابن ابى زائدة نا عن مجالد بن سعيد عن عامر الشعبى … الرواية الثانية: قال هشام، عن ابى مخنف، قال: حدثنى مجالد بن سعيد، عن الشعبى، قال: أقرنى بنو بُقيلة كتاب خالد بن الوليد إلى أهل المدائن (3) : من خالد بن الوليد إلى مرازبة (4) أهل فارس، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد، فالحمد لله الذي فض خدمتكم (5)   (1) لم أجد له ترجمة فيما رجعت اليه من المصادر. (2) حميد، الأموال. المجلد الأول، تحقيق شاكر ذيب فياض، الطبعة الأولى، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - الرياض، 1406هـ - 1986م. كتاب الفئ ووجوهه وسبيله) - باب أخذ الجزية من المجوس -. (الجزء الثانى) ص 143. (3) المدائن: على سبعة فراسخ من بغداد على حافتي نهر دجلة. والمدائن اسم اطلقه المسلمون على المدينتين طيسفون وسلوقية. ... - الحميرى، الروض المعطار. ص 526. ... - كى لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية. ص 42، 51، 52. (4) مرازبة: جمع مرزبان والمرزبان: الفارس الشجاع المقدم على القوم دون الملك. ... - ابن منظور، لسان العرب. ج 7 ص 4179. (5) فض خدمتكم: اى فَرَّق جَمْعَكُمْ (جَماعَتَهُمْ) . ... - ابن منظور، لسان العرب. ج 2 ص 1116، ج 6 ص 3427. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 ، وسلب ملككم، ووهن كيدكم. وإنه من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له مالنا، وعليه ماعلينا. أما بعد، فإذا جاءكم كتابى فابعثوا إلى بالرُّهن، واعتقدوا منى الذمة، وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة فلما قرءوا الكتاب، أخذوا يتعجبون (1) . رجال الإسناد: هشام بن محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث بن عبد العزى بن امرئ القيس أبو المنذر (2) . قال أبو حاتم الرازى (3) " كان صاحب أنساب وسمر … ". قال أحمد بن حنبل (4) "إنما هو صاحب سمر، ونسب، ما ظننت أن أحداً يحدث عنه". وتركه الدارقطنى (5) . قال الذهبى (6) "تركوه وهو اخبارى". توفي سنة اربع ومائتين (7) .   (1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 346. (2) مسلم: مسلم بن الحجاج، الكنى والأسماء. الجزء الثاني، تحقيق عبد الرحيم محمد أحمد القشقرى، الطبعة الأولى، الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة - السعودية، 1404هـ - 1984م. ص 772 (3144) . ... - العقيلى، الضعفاء الكبير. س 4 ص 339 (1945) . ... - ابن حزم: على، جمهرة أنساب العرب. الجزء الثاني، تحقيق عبد السلام محمد هارون، الطبعة الرابعة، دار المعارف - القاهرة، 1977م. ص 459. ... - الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 14 ص 45. ... - ابن الجوزى، الضعفاء والمتروكين. الجزء الثالث، تحقيق عبد القاضى، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1406هـ - 1986م. ص 176 (3602) . ... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 2 ص 98 (6026) . (3) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 9 ص 69. (4) العلل ومعرفة الرجال. ج 1 ص 243. (5) الضعفاء والمتروكون. ص 387 (563) . (6) المغنى في الضعفاء. ج 2 ص 371 (6756) . (7) ابن حجر، لسان الميزان. ج 6 ص 196. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 أبو مخنف: لوط بن يحى بن سعيد الكوفى (1) . قال يحي بن معين (2) " ليس بثقة". قال أبو حاتم الرازى (3) " متروك الحديث. وقال الدارقطنى (4) " اخبارى ضعيف". وقال ابن عدى (5) "حدث بأخبار من تقدم من السلف الصالحين ولا يبعد منه أن يتناولهم وهو شيعى مُحترق صاحب اخبارهم … ". وقال الذهبى (6) " ساقط ". توفى سنة 157هـ (7) . مجالد بن سعيد (8) بن عمير بن ذى مران بن شرحبيل بن ربيعة بن مرثد بن جشم الهمدانى. الكوفى، تابعى، اخبارى مشهور (9)   (1) ابن قتيبة، المعارف. ص 234. ... - العقيلى، الضعفاء الكبير. س 4 ص 18، 19 (1572) . ... - ابن الجوزى، الضعفاء والمتروكين. ج 3 ص 28 (2813) . ... - ابن حجر، لسان الميزان. ج 4 ص 492. (2) التاريخ. الجزء الثانى، تحقيق أحمد محمد نور سيف، الطبعة الأولى، مركز البحث العلمى واحياء التراث الإسلامي - جامعة أم القرى - مكة المكرمة، 1399هـ - 1979م. ص 500. (3) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 7 ص 182. (4) الضعفاء والمتروكون. ص 333 (448) . (5) الكامل في ضعفاء الرجال. ج 6 ص 2110. (6) المغنى في الضعفاء. ج 2 ص 135 (5121) . (7) ياقوت، معجم الأدباء. ج17 ص 41. (8) مجالد: بمضمومة وجيم. ... - محمد بن طاهر الهندى، المغنى في ضبط اسماء الرجال. دار الكتاب العربى - بيروت، 1402هـ - 1982م. ص 221. (9) الجوزجانى: ابراهيم، أحوال الرجال. تحقيق صبحى البدرى السامرائى، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1405هـ - 1985م. ص 89 (126) . ... - البخاري، التاريخ الكبير. ج8 ص 9. ... - العجلى: أحمد، تاريخ الثقات. تحقيق عبد المعطى قلعجى، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1405هـ - 1984م. ص 420 (1537) . ... - النسائي: أحمد، الضعفاء والمتروكون. (داخل كتاب المجموع في الضعفاء والمتروكين) . تحقيق عبد العزيز عز الدين السيروان، الطبعة الأولى، دار القلم - بيروت، 1405هـ - 1985م. ص 213 (552) . ... - العقيلي: محمد، الضعفاء الكبير. السفر الرابع، تحقيق عبد المعطى امين قلعجى، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1404هـ - 1985م. ص 352، 353. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 قال ابن عدى (1) "ومجالد له عنن الشعبى، عن جابر أحاديث صالحة وعن غير جابر من الصحابة أحاديث صالحة … وعامة مايرويه غير محفوظ". وذكر الذهبى (2) ان مجالدا بن سعيد "صاحب الشعبى". قال ابن حجر (3) "ليس بالقوى وقد تغير في آخر عمره". توفي سنة 144هـ (4) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لان فيها هشاماً الكلبى ضعيف ولوط بن يحى ضعيف، ومجالد ليس بالقوى. التخريج: أخرج أبو عبيد (5) نص الرواية بألفاظ متقاربة مع ذكر تفاصيل لم يوردها الطبرى قال حدثنا يحي بن زكريا عن مجالد بن سعيد عن الشعبى: " أن أبا بكر بعث خالد بن الوليد وأمره أن يسير حتى ينزل الحيره، ثم يمضى إلى الشام فسار خالد حتى نزل الحيره، قال الشعبى: فأخرج إلى ابن بقيلة كتاب خالد بن الوليد: … ". أخرج ابن ابى شيبة (6) نص الرواية قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن زكريا عن خالد بن سلمة عن عامر قال … . روى ابن زنجويه (7) نص الرواية بإختلاف في بعض الألفاظ وباختصار في بعض العبارات وبزيادة في البداية حيث يذكر " أن أبا بكر بعث خالد بن الوليدرضى الله عنه وأمره أن يسير حتى ينزل إلى الحيره ثم يمضى إلى الشام، فسار خالد حتى نزل الحيره، قال الشعبى فأخرج إلى ابن بقيلة كتاب خالد … ".   (1) عبد الله، الكامل في ضعفاء الرجال. الجزء السادس، الطبعة الثانية، دار الفكر - بيروت، 1405هـ - 1985م. ص 2562، 2563. (2) العبر. ج 1 ص 152. (3) تقريب التهديب. ص 520. (4) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 243. (5) القاسم بن عبيد، الأموال. الجزء الأول، تحقيق محمد خليل هراس، الطبعة الأولى، مكتبة الكليات الأزهرية- مصر، 1388هـ - 1968م. ص 46،47. (6) المصنف. ج12 (كتاب الجهاد) - باب الرجل يوجد عنده الغلول -. ص498 (15393) . (7) الأموال. المجلد الأول. (كتاب الفئ ووجوهه وسبيله) - باب اخذ الجزيه من المجوس -. (الجزء الثانى) . ص 143، 144. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 وقد أورد ابن أعثم الكوفى (1) كتاب خالد إلى أهل فارس باختلاف في بعض الألفاظ. روى ابن الجوزى (2) نص الرواية من طريق مجالد عن الشعبى. اكتفى ابن الأثير (3) بذكر خبر كتاب خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى أهل فارس يدعوهم إلى اعتناق الإسلام اوالجزية أوالحرب دون أن يورد نص الكتاب. وقد استشهد ابن منظور (4) بمقدمة من كتاب خالد إلى أهل الحيرة. روى ابن كثير (5) نص الرواية. أخرج الهيثمى في مجمعه (6) كتاب خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى أهل فارس بألفاظ متقاربه عما في الطبرى وعزاه إلى الشعبى. الرواية الثالثة: كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف - وحدثنا عبيد الله، قال حدثنى عمى، عن سيف - عن عمرو، عن الشعبى، قال: بارز خالد يوم الولجة (7) رجلاً من أهل فارس يُعدَل بألف رجل فقتله، فلما فرغ اتكأ عليه، ودعا بغذاَئه (8) . رجال الاسناد:   (1) أحمد، الفتوح. الجزء الأول، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية- بيروت، 1406هـ - 1986م. ص 77. (2) المنتظم في تاريخ الملوك. الجزء الرابع، تحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1412هـ - 1992م. ص 100 - 101. (3) الكامل. ج 2 ص 268. (4) لسان العرب. ج 2 ص 1116. (5) البداية والنهاية. ج 6 ص 343. (6) على. الجزء الثانى، مؤسسة دار المعارف - بيروت، 1406هـ - 1986م. (كتاب المغازى) - باب قتال أهل الردة-. ص 223. (7) الولجة: قرية بالعراق مما يلى كسكر على البر. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج 5 ص 383. ... - الحميرى، الروض المعطار. ص 610. (8) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 354. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 السرى بن يحي بن السرى التميمى الدارمى أبو عبيدة الكوفى (1) . قال ابن ابى حاتم (2) "وكان صدوقا". وذكره ابن حبان في الثقات (3) . شعيب بن إبراهيم الكوفى (4) . قال ابن عدى (5) : "وشعيب بن إبراهيم هذا له أحاديث وأخبار وهو ليس بذلك المعروف000 والأخبار ليست بالكثيرة وفيه بعض النكرة". سيف بن عمر التميمى (6) . عبيد الله بن سعد بن إبراهيم الزهرى (7) . عمى: يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى المدني سكن بغداد (8) . قال ابن حجر (9) "ثقة فاضل". توفي سنة 208هـ (10) . عمرو بن محمد (11) . بيان درجة الرواية: في اسناده هذه الرواية سيف بن عمر وهو ضعيف في الحديث وعمدة في التاريخ كما قاله الحافظ ابن حجر وهذه الرواية رواية تاريخية إلا أن الشعبى لم يعاصر يوم الولجة فهى منقطعة. التخريج:   (1) الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 1 ص 384 (4008) . (2) الجرح والتعديل. ج 4 ص 285. (3) ج8 ص 302. (4) ابن حبان، الثقات. ج 8 ص 309. ... - ابن حجر، لسان الميزان. ج3 ص 145. (5) الكامل في ضعفاء الرجال. ج 4 ص 1319. (6) سبقت ترجمته في ص 469. (7) سبقت ترجمته في ص 469. (8) ابن سعد، الطبقات. ج 7 (القسم الثاني) . ص 83، 84. ... - مسلم: الكنى والأسماء. ج 2 ص 921 (3759) . ... - العجلى، تاريخ الثقات. ص 484 (1867) ... - الدارمى: عثمان، تاريخ عثمان بن سعيد الدارمى. تحقيق أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث - دمشق - بيروت، 1400هـ. ص 230 (885) . ... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 2 ص 163 (6901) . (9) تقريب التهذيب. ص 607. (10) خليفة بن خياط، تاريخ خليفة بن خياط. ص 329. (11) لم أقف له على ترجمة فيما رجعت إليه من المصادر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 أخرج ابن ابى شيبة (1) قتل خالد بن الوليد رضى الله عنه للقائد الفارسى " هزار مرد " بألفاظ متقاربة من طريق هشام بن حصين. ذكر الحميرى (2) نص رواية الطبرى. روى ابن كثير (3) من طريق سيف بن عمر عن عمرو عن الشعبى نص الرواية وبنفس رجال اسناده، ولكنه يضيف " فأكله … بين الصفين ". المبحث الثاني: في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرواية الأولى: كتب إلى السرى بن يحي، عن شعيب بن إبراهيم، عن سيف بن عمر، عن المجالد، عن الشعبى، قال: قدم المثنى ابن حارثة (4) على ابى بكر سنة ثلاث عشرة، فبعث معه بعثا قد كان ندبهم ثلاثا، فلم ينتدب له أحد حتى انتدب له أبو عبيد (5) ثم سعد بن عبيد (6)   (1) عبد الله، المصنف. الجزء الثانى عشر، تحقيق مختار أحمد الندوى، الطبعة الأولى، الدار السلفية - الهند، 1408هـ. (كتاب التاريخ) - باب قدوم خالد بن الوليد الحيرة وصنيعه -. ص 554 (15579) . (2) الروض المعطار. ص 611. (3) البداية والنهاية. ج 6 ص 345. (4) المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضمة الشيبانى. صحابى جليل. شارك في المعارك التي وقعت في بلاد العراق في خلافتي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. واستشهد من جراء الاصابات التي لحقت به في هذه المعارك. - ابن حجر، الإصابة. ج 3 ص 361. (5) ابو عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفى. صحابى جليل. كان يتولى قيادة الجيش الذي أرسله عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إلى بلاد العراق، فاستشهد في معركة الجسر. ... - ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة. الجزء الثالث، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة - مصر، 1328هـ. ص361. (6) سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس الأنصارى الأوسى القارئ. صحابى جليل. ... - ابن حجر، الإصابة. ج 2 ص 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 ، وقال أبو عبيد حين انتدب أنا لها. وقال سعد: أنا لها لفعلة فعلها. وقال سليط (1) : فقيل لعمر: أمر عليهم رجلا له صحبة، فقال عمر: انما فضل الصحابة بسرعتهم إلى العدو وكفايتهم من ابى، فإذا فعل فعلهم قوم واثاقلوا كان الذين ينفرون خفافا وثقالا أولى بهم منهم، والله لا أبعث عليهم إلا أولهم انتدابا، فأمر أبا عبيد، واوصاه بجنده (2) . رجال الاسناد: السرى بن يحي بن السرى (3) . شعيب بن إبراهيم الكوفى (4) . سيف بن عمر التميمى (5) . مجالد بن سعيد (6) . بيان درجة الرواية: والرواية اسنادها ضعيف لأن فيها مجالداً ليس بالقوي. وفيها انقطاع ايضا لان الشعبى لم يعاصر المثنى بن حارثة لأنه توفي قبل ولادته. التخريج: أورد ابن أعثم الكوفى (7) الرواية بلفظ آخر. اكتفى ابن عبد البر (8) بايراد خبر قتل ابي عبيد الثقفى. ذكر ابن الأثير (9) نص رواية الطبرى ولكن باختلاف في الألفاظ. الرواية الثانية: كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد، عن الشعبى قال: كان مع رستم يوم القادسية ثلاثون فيلا (10) . رجال الاسناد: السرى بن يحي (11) . شعيب بن إبراهيم (12) . سيف بن عمر (13) .   (1) سليط بن قيس بن عمرو بن عبد الله الأنصارى النجارى. صحابى جليل. ... - ابن حجر، الإصابة. ج 2 ص 72. (2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 445، 446. (3) سبقت ترجمته في ص 471. (4) سبقت ترجمته في ص 471. (5) سبقت ترجمته في ص 469. (6) سبقت ترجمته في ص 470. (7) الفتوح. ج 1 ص 132. (8) يوسف، الإستيعاب في معرفة الأصحاب. (بهامش الاصابة لابن حجر) . الجزء الرابع، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة - مصر، 1328هـ. ص 124. (9) الكامل. ج 2 ص 297. (10) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 516. (11) سبقت ترجمته في ص 471. (12) سبقت ترجمته في ص 471. (13) سبقت ترجمته في ص 469. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 مجالد بن سعيد (1) . بيان درجة الرواية: والرواية اسنادها ضعيف لان فيها مجالدا "ليس بالقوي" وسيف بن عمر "ضعيف". وفيها انقطاع أيضاً لأن الشعبى لم يعاصر معركة القادسية لانه ولد بعدها. التخريج: ولهذه الرواية ما يؤيدها حيث ذكر البلاذرى (2) ان عدد الفيلة التى مع الفرس يوم القادسية ثلاثون. الرواية الثالثة: كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبى، وسعيد بن المرزبان، قالا: دعا رستم بالمغيرة (3) فجاء حتى جلس على سريره، ودعا رستم ترجمانه - وكان عربيا من أهل الحيرة، يدعى - عَبُود - فقال له المغيرة ويحك ياعبود! أنت رجل عربى، فأبلغه عنى إذا أنا تكلمت كما تبلغنى عنه. فقال له رستم مثل مقالته، وقال له المغيرة مثل مقالته، إلى إحدى ثلاث: إلى الإسلام ولكم فيه مالنا وعليكم فيه ماعلينا، ليس فيه تفاضل بيننا، أو الجزية عن يد وانتم صاغرون. قال: ما " صاغرون"؟ قال: إن يقوم الرجل منكم على رأس أحدنا بالجزية يحمده أن يقبلها منه … إلى آخر الحديث، والاسلام أحب الينا منهما (4) . رجال الإسناد: السرى بن يحى (5) . شعيب بن إبراهيم (6) . سيف بن عمر التميمى (7) . مجالد بن سعيد (8) .   (1) سبقت ترجمته في ص 470. (2) فتوح البلدان. ق 2 ص 314. (3) المغيرة بن شعبة بن ابى عامر بن مسعود الثقفى. صحابى جليل. كان في جيش عتبة بن غزوان رضي الله عنه حينما كان يخوض المعارك في البصرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأسند إليه ولاية البصرة ثم عزله. كما وأنه شارك بعدها في معارك اليرموك والقادسية ونهاوند ... . ... - ابن عبد البر، الإستيعاب. ج 3 ص 388. (4) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 524، 525. (5) سبقت ترجمته في ص 471. (6) سبقت ترجمته في ص 471. (7) سبقت ترجمته في ص 469. (8) سبقت ترجمته في ص 470. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 سعيد بن المرزبان (1) البقال الأعور العبسى الكوفى أبو سعد مولى حذيفة بن اليمان (2) . قال ابن حجر (3) " ضعيف مدلس ". توفى سنة بضع واربعين ومائة (4) . بيان درجة الرواية: والرواية اسنادها ضعيف لأن فيها سعيدا ضعيف ومجالد ليس بالقوى، وسيف بن عمر ضعيف. وفيها انقطاع أيضاً لأن الشعبى لم يعاصر أحداث معركة القادسية. التخريج: ذكر البلاذرى (5) ارسال المغيرة إلى رستم باختلاف ظاهر عما ورد عند الطبرى. والخبر عند ابن اعثم الكوفى (6) ان المغيرة وفد على كسرى وكان المترجم اسمه عبود، وذكر تفاصيل كثيرة عما دار في مجلس كسرى لا يذكرها الطبرى. وذكر كل من ابن الأثير (7) ، وابن كثير (8) أخبارا عن هذه الرواية. أما ابن حجر (9) فقد اكتفى بإيراد خبر ارسال المغيرة إلى رستم. الرواية الرابعة:   (1) المرزبان: بمفتوحة وسكون راء وضم الزاى والموحدة وبعد الألف نون. ... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 142. ... - محمد بن طاهر الهندى، المغنى. ص 246. (2) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 247. ... ... ... ... ... ... - مسلم، الكنى والأسماء. ج 1 ص 393 (1474) ... ... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 4 ص 62، 63. ... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 1 ص 261 (2502) (3) تقريب التهذيب. ص 241. (4) الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 142. (5) فتوح البلدان. ق 2 ص 315. (6) الفتوح. ج 1 ص 157. (7) الكامل. ج 2 ص 322. (8) البداية والنهاية. ج 7 ص 39. (9) الاصابة. ج 3 ص 453. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبى قال: كان اليوم الثالث يوم عماس، ولم يكن في أيام القادسية مثله، خرج الناس منه على السواء، كلهم على ما أصابه كان صابرا، وكلما بلغ منهم المسلمون بلغ الكافرون من المسلمين مثله، وكلما بلغ الكافرون من المسلمين بلغ المسلمون من الكافرين مثله (1) . رجال الاسناد: السرى بن يحيى (2) . شعيب بن إبراهيم (3) . سيف بن عمر (4) . مجالد بن سعيد (5) . بيان درجة الرواية: والرواية اسنادها ضعيف لأن فيها مجالدا ليس بالقوى. وسيف بن عمر ضعيف. وفيها انقطاع أيضاً فالشعبى لم يدرك أبا بكر. فقد ولد بعد وفاته. التخريج: هذه الرواية لم أجد لها ما يماثلها فيما رجعت اليه من المصادر. الرواية الخامسة: كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبى قال: كان في الفيلة فيلان يعلمان الفيلة، فلما كان يوم القادسية حملوها على القلب، فأمر بهما سعد القعقاع وعاصما التميميين وحمالا والربيل الأسديين، فذكر مثل الأول إلا أن فيه: وعاش بعد، وصاح الفيلان صياح الخنزير ثم ولى الأجرب الذى عُوّر، فوثب في العتيق فاتبعته الفيلة، فخرقت صف الأعاجم فعبرت العتيق في أثره، فاتت المدائن في توابيتها، وهلك من فيها (6) . رجال الاسناد: السرى بن يحي (7) . شعيب بن إبراهيم التميمى (8) . سيف بن عمر (9) . عمرو بن محمد (10) . بيان درجة الرواية:   (1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 553. (2) سبقت ترجمته في ص 471. (3) سبقت ترجمته في ص 471. (4) سبقت ترجمته في ص 469. (5) سبقت ترجمته في ص 470. (6) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 556. (7) سبقت ترجمته في ص 471. (8) سبقت ترجمته في ص 471. (9) سبقت ترجمته في ص 469. (10) لم أجد له ترجمة فيما رجعت اليه من المصادر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1 والرواية اسنادها ضعيف لأن فيها شعيبا فيه جهالة. وسيف بن عمر ضعيف. وفيها انقطاع أيضا لأن الشعبى لم يعاصر القادسية لانه ولد بعدها. التخريج: أورد ابن الأثير (1) نص الرواية. الرواية السادسة: عن سيف، عن البرمكان، والمجالد عن الشعبى، قال لحق به (الجالينوس) زهرة (2) ، فرفع له الكرة فما يخطئها بْنشَّابة، فالتقيا فضربه زهرة فجد له - ولزهرة يومئذ ذؤابة وقد سُوّد في الجاهلية، وحسن بلاؤه في الإسلام وله سابقه، وهو يومئذ شاب - فتدرع زهرة ما كان على الجالنوس (3) ، فبلغ بضعةً وسبعين ألفا. فلما رجع إلى سعد نزع سلبه، وقال: ألا انتظرت إذنى. وتكاتبا، فكتب عمر إلى سعد: تعمد إلى مثل زهرة - وقد صلى بمثل ما صَلى به، وقد بقى عليك من حربك مابقى - تكسر قرنه وتفسد قلبه. امض له سلبه، وفضله على اصحابه عند العطاء بخمسمائة (4) . رجال الإسناد: سيف بن عمر التميمى (5) . البرمكان (6) . مجالد بن سعيد (7) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لأن فيها مجالد بن سعيد ليس بالقوى وفيها أيضاً انقطاع لان الشعبى ولد بعد معركة القادسية. التخريج:   (1) الكامل. ج 2 ص 333. (2) زهرة بن حوبة بن عبد الله بن قتادة التميمى. صحابى جليل. شارك في جيش سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في معركة القادسية بالعراق، فاستطاع أن يقتل الجالينوس كما وأنه شارك بعدها في فتح المدن التالية: كوثر، وبهرسير، والمدائن. ... - ابن حجر، الاصابة. ج 1 ص 552. (3) الجالينوس: ملك من ملوك فارس. ... - الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 567. (4) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 567، 568. (5) سبقت ترجمته في ص 469. (6) لم أجد له ترجمة فيما رجعت إليه من المصادر. (7) سبقت ترجمته في ص 470. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 ذكر خليفة بن خياط (1) ، وابن كثير (2) ، وابن حجر (3) ، خبر قتل زهرة بن حوبة للجالينوس. أورد البلاذرى (4) نقلا عن ابن الكلبى ان زهرة هو الذي قتل الجالينوس. ذكر ابن الأثير (5) نص رواية الطبرى ماعدا الاختلاف في الكيفية التى قتل بها الجالينوس. الرواية السابعة: وعن سيف، عن المجالد، عن الشعبى، وسعيد بن المرزبان عن رجل من بنى عبس، قال: لما زال رستم عن مكانه ركب بغلا فلما دنا منه هلال (6) نزع له نشابة، فأصاب قدمه فشكها في الركاب، وقال " ببيايه " (7) فأقبل عليه هلال. فنزل، فدخل تحت البغل، فلما لم يصل إليه قطع عليه المال، ثم نزل اليه ففلق هامته (8) . رجال الاسناد: سيف بن عمر (9) . مجالد بن سعيد (10) . سعيد بن المرزبان (11) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لأن سعيد بن المرزبان ضعيف، وكذا مجالد بن سعيد ليس بالقوى. التخريج: في كتاب الكامل (12) ذكر لتفاصيل مقتل رستم قائد الفرس في معركة القادسية على يد هلال بن علفة باختلاف في الألفاظ عما ورد في الطبرى. اكتفى ابن كثير (13) بذكر هلال بن علفة التميمى وأنه قتل رستم. الرواية الثامنة:   (1) تاريخ خليفة. ص 132. (2) البداية والنهاية. ج 7 ص 46. (3) الإصابة. ج 1 ص 552. (4) فتوح البلدان. ق 2 ص 318. (5) الكامل. ج 2 ص 336. (6) هلال بن علفة. ... - ابن عبد البر، الاستيعاب. ج 3 ص 604. ... - ابن حجر، الإصابة. ج 3 ص 620. (7) كلمة فارسية، معناها " كما انت ". ... - الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 577. (8) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 568. (9) سبقت ترجمته في ص 469. (10) سبقت ترجمته في ص 470. (11) سبقت ترجمته في ص 474. (12) ابن الاثير. ج 2 ص 335. (13) البداية والنهاية. ج 7 ص 46. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد وعمرو، عن الشعبى، قال: اقتسم الناس فئَ جَلولاء (1) على ثلاثين الف الف، وكان الخمس ستة الاف الف (2) . رجال الاسناد: السرى بن يحي بن السرى التميمى (3) . شعيب بن إبراهيم التميمى الكوفى (4) . سيف بن عمر التميمى (5) . مجالد بن سعيد (6) . عمرو بن محمد (7) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لان سيف بن عمر ضعيف، ومجالد بن سعيد ليس بالقوى. التخريج: اورد خليفه بن خياط (8) نص الرواية ماعدا العبارة التاليه " وكان الخمس ستة الاف الف ". اخرج ابن ابى شيبه في مصنفه (9) خبر فتح جلولاء في بلاد فارس وقسمة غنائمها بالفاظ متقاربه وبزيادة عما فى الطبرى من طريقين: 1 - طريق ابن ابى زائدة عن مجالد عن الشعبى. 2 - طريق أبو المورع عن مجالد عن الشعبى. وذكر ابن كثير (10) عن طريق الشعبى نص رواية الطبرى. الرواية التاسعة:   (1) جلولاء: مدينة صغيرة بالعراق في اول الجبل في طريق خراسان. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج2 ص156. ... - الحميرى، الروض المعطار. ص167. (2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص29. (3) سبقت ترجمته في ص 471. (4) سبقت ترجمته في ص 471. (5) سبقت ترجمته في ص 469. (6) سبقت ترجمته في ص 470. (7) لم اجد له ترجمة فيما رجعت اليه من المصادر. (8) تاريخ خليفه. ص137. (9) ج 12 (كتاب التاريخ) - باب الفارس يقسم له -. ص 400 (15029) .، ج12 (كتاب التاريخ) - باب في امر القادسيه وجلولاء-. ص577 (15627) . (10) البداية والنهاية. ج7 ص70. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف عن محمد وطلحة وعمرو، عن الشعبى وسفيان، عن الحسن قال: قال عمر للوفد: لعل المسلمين يفضون إلى اهل الذمة بأذى وبأمور لها ما ينتقضون بكم! فقالوا: مانعلم إلا وفاء وحسن ملكة، قال: فكيف هذا؟ فلم يجد عند احد منهم شيئا يشفيه ويبصر به مما يقولون، إلاماكان من الاحنف (1) ، فقال يا امير المؤمنين، اخبرك انك نهيتنا عن الانسياح في البلاد، وامرتنا بالاقتصار على مافي ايدينا، وان ملك فارس حى بين اظهرهم، وانهم لايزالون يساجلوننا مادام ملكهم فيهم، ولم يجتمع ملكان فاتفقا حتى يخرج احدهما صاحبه، وقد رأيت انا لم نأخذ شيئا بعد شئ الا بانبعاثهم، وان ملكهم هو الذى يبعثهم، ولايزال هذا دأبهم حتى تاذن لنا فلنسح فى بلادهم حتى نزيله عن فارس، ونخرجه من مملكته وعزامته، فهنالك ينقطع رجاء اهل فارس ويضربون جأشا فقال: صدقنى والله، وشرحت لى الامر عن حقه. ونظر في حوائجهم وسرحهم (2) . رجال الاسناد: السرى بن يحي بن السرى (3) . شعيب بن إبراهيم التميمى الكوفى (4) . سيف بن عمر (5) . محمد بن قيس الاسدى الكوفي الوالبى (6) . أبو نصر وقيل أبو قدامة وقيل أبو الحكم (7)   (1) الاحنف واسمه الضحاك بن قيس التميمى. صحابى جليل. كان يجاهد في بلاد العراق في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ثم أسندت إليه في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه قيادة الجيش المتجه لنشر الإسلام في بلاد خراسان فاستطاع فتح معظم مدنها. ... - ابن سعد، الطبقات. ج7 (القسم الاول) . ص66. (2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص89. (3) سبقت ترجمته في ص 471. (4) سبقت ترجمته في ص 471. (5) سبقت ترجمته في ص 469. (6) الوَالبى: بكسر لام وبموحدة نسبة إلى والبة بن عمر بن الحارثة. ... - محمد بن طاهر الهندى، المغنى. ص 267. (7) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 251. ... - خليفة بن خياط، الطبقات. ص 167. ... - ابن حبان، الثقات. ج 7 ص 427. ... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 356. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 قال ابن عدي (1) "وهو عندى ممن ليس به بأس". وقال ابن حجر (2) "ثقة" توفي بعد سنة 100هـ. طلحة بن الاعلم الحنفى. أبو الهيثم (3) . قال أبو حاتم الرازي (4) "شيخ". وذكره ابن حبان في الثقات (5) . عمرو بن محمد (6) . الحسن بن أبى الحسن - اسم ابى الحسن يسار - البصرى الامام أبو سعيد (7) . قال الذهبى (8) : "ولد زمن عمر - رضي الله عنه - وكان كبير الشأن رفيع الذكر رأسا في العلم والعمل". وقال ابن حجر (9) "ثقة فقيه000". توفى سنة 110هـ. بيان درجة الرواية: والرواية اسنادها ضعيف لأن فيها شعيبا فيه جهالة. وسيف بن عمر ضعيف. وفيها انقطاع لأن الحسن ولد زمن عمر، فتحديث الحسن عن عمر انما هو عن ثقة عاصر عمر. التخريج: اورد ابن الاثير (10) نص الرواية. الرواية العاشرة: كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبى، قال: قتل في اللهب ممن هوى فيه ثمانون الفا، وفي المعركة ثلاثون الفا مقترين، سوى من قتل في الطلب، وكان المسلمون ثلاثين الفا، وافتتحت مدينة نهاوند (11) في أول سنة تسع عشرة، لسبع سنين من امارة عمر، لتمام سنة ثمان عشرة (12) . رجال الأسناد: السرى بن يحي (13) .   (1) الكامل في ضعفاء الرجال. ج 6 ص 2254. (2) تقريب التهذيب. ص 503. (3) البخاري، التاريخ الكبير. ج 4 ص 349. (4) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 4 ص 349. (5) ج 6 ص 488. (6) لم اجد له ترجمة فيما رجعت اليه من المصادر. (7) خليفة بن خياط، الطبقات. ص 210. (8) الكاشف. ج 1 ص 160 (1029) . (9) تقريب التهذيب. ص 160 (1227) . (10) الكامل. ج2 ص385. (11) نَهَاوَنْد: بفتح النون الاولى وتكسر، والواو مفتوحة ونون ساكنة، ودال مهملة. مدينة عظيمة في بلاد فارس مقابل همذان. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج5 ص 313. (12) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص 136. (13) سبقت ترجمته في ص 471. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 شعيب بن إبراهيم (1) . سيف بن عمر (2) . عمرو بن محمد (3) . بيان درجة الرواية: والرواية اسنادها ضعيف لان فيها شعيبا فيه جهالة، وسيف بن عمر ضعيف. وكان عمر الشعبى سنتين أو أكثر عند هذه الحادثة، ففيها انقطاع ايضاً. التخريج: روى ابن كثير (4) من طريق سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبى الجزء المتعلق بسنة فتح نهاوند وذلك لسبع سنين من خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه. الرواية الحادية عشرة: كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد عن الشعبى، قال: لما قدم بسبى نهاوند إلى المدينة، جعل أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة لا يلقى منهم صغيرا الا مسح رأسه وبكى وقال: أكل عمر كبدى - وكان نهاونديا، فأسرته الروم أيام فارس، واسره المسلمون بعد، فنسب إلى حيث سبى (5) . رجال الأسناد: السرى بن يحي بن السرى التميمى (6) . شعيب بن إبراهيم الكوفى (7) . سيف بن عمر التميمى (8) . عمرو بن محمد (9) . بيان درجة الرواية: والرواية اسنادها ضعيف لان فيها شعيبا في جهالة، وسيف بن عمر ضعيف. وفيها انقطاع ايضا لأن عمر الشعبى في هذه الحادثة حوالى سنتين أو أكثر. التخريج: روى ابن كثير (10) من طريق الشعبى، نص رواية الطبرى. الرواية الثانية عشرة: كتب إلى السرى، عن شعيب عن سيف، عن مجالد، عن الشعبى، قال: كان عمر قد بعث سارية بن زنيم الدؤلى إلى فسا (11)   (1) سبقت ترجمته في ص 471. (2) سبقت ترجمته في ص 469. (3) لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر. (4) البداية والنهاية. ج7 ص112. (5) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص 136. (6) سبقت ترجمته في ص 471. (7) سبقت ترجمته في ص 471. (8) سبقت ترجمته في ص 469. (9) لم أجد له تعريفاً فيما رجعت اليه من المصادر. (10) البداية والنهاية. ج 7 ص 112. (11) فَسَا: بالفتح والقصر: مدينة بفارس في كورة دار أبجرد. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج 4 ص 260، 261. ... - كى لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية. ص 327. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 ودار ابجرد (1) ، فحاصرهم. ثم إنهم تداعوا فأصحروا له، وكثروه فأتوه من كل جانب، فقال عمر وهو يخطب في يوم جمعة ياسارية بن زنيم، الجبل، الجبل، الجبل! ولما كان ذلك اليوم والى جنب المسلمين جبل، ان لجئوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد، فلجئوا إلى الجبل، ثم قاتلوهم فهزموهم، فأصاب مغانمهم، وأصاب في المغانم سفطا فيه جوهر، فاستوهبه المسلمين لعمر، فوهبوه له، فبعث به مع رجل، وبالفتح. وكان الرسل والوفد يجازون وتقضى لهم حوائجهم، فقال له ساريه: استقرض ما تبلغ به وما تخلفه لأهلك على جائزتك فقدم الرجل البصرة، ففعل، ثم خرج فقدم على عمر، فوجده يطعم الناس، ومعه عصاه، التى يزجر بها بعيره، فقصد له، فأقبل عليه بها، فقال: اجلس، فجلس حتى إذا أكل القوم انصرف عمر، وقام فأتبعه، فظن عمر أنه رجل لم يشبع، فقال حين انتهى إلى باب داره: ادخل - وقد أمر الخباز أن يذهب بالخوان إلى مطبخ المسلمين - فلما جلس في البيت أتى بغدائه خبز وزيت وملح جريش، فوضع وقال: ألا تخرجين ياهذه فتأكلين؟ قالت: انى لأسمع حس رجل، فقال: أجل، فقالت: لو أردت ان ابرزللرجال اشتريت لى غير هذه الكسوة، فقال: أوما ترضين أن يقال: أم كلثوم بنت على وأمرأة عمر! فقالت: ما أقل غَناء ذلك عنى! إثم قال للرجل: أدن فكل، فلو كانت راضية لكان اطيب مما ترى، فاكلا حتى إذا فرغ قال: رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين فقال: مرحبا وأهلا، ثم أدناه حتى مست ركبته ركبته، ثم سأله عن المسلمينِ ثم سأله عن سارية ابن زنيم، فأخبره، ثم أخبره بقصة الدرج (2)   (1) دار أبجرد: ولاية (كورة) بفارس ومدينتها هي دار ابجرد. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج 2 ص 419. ... - كى لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية. 284. (2) الدُّرْجُ: بالضم: سُفَيْطٌ صغير. ... - ابن منظور، لسان العرب. ج 3 ص 1353. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 فنظر إليه ثم صاح به، ثم قال: لا ولا كرامة حتى تقدم على ذلك الجند فتقسمه بينهم. فطرده، فقال: يا أمير المؤمنين، انى قد أنضيت ابلى واستقرضت في جائزتى، فاعطنى ما أتبلغ به، فمازال عنه حتى أبدله بعيرا ببعيره من إبل الصدقه، وأخذ بعيره فأدخله في ابل الصدقة، ورجع الرسول مغضوبا عليه محروما حتى قدم البصرة، فنفذ لأمر عمر، وقد كان سأله أهل المدينة عن سارية، وعن الفتح وهل سمعوا شيئاً يوم الواقعة؟ فقال نعم، سمعنا: "ياسارية، الجبل"وقد كدنا نهلك، فلجأنا إليه، ففتح الله علينا (1) . رجال الاسناد: السرى بن يحى بن السرى التميمى (2) . شعيب بن يحي بن السرى التميمى (3) . سيف بن عمر (4) . مجالد بن سعيد (5) . بيان درجة الرواية: والرواية اسنادها ضعيف لأن فيها شعيبا فيها جهالة، وسيف بن عمر ضعيف ومجالد ليس بالقوى. وفيها انقطاع لأن الشعبى لم يدرك من خلافة عمر الا اربع سنوات أو أقل. التخريج: هذا وقد أخرج ابن كثير (6) رواية فتح فساودار ابجرد بنص رواية الطبرى. اضافة إلى أنه ذكر الرواية ايضا من عدة طرق يقوى بعضها البعض بألفاظ متقاربة. فمن طريق سيف ابن عمر عن مشايخه ... كذلك رواية ثانية من طريق سيف بن عمر عن شيوخه. ومن طريق الواقدى قال: حدثنى نافع بن ابى نعيم عن نافع مولى ابن عمر ... ومن طريق الحافظ أبو القاسم اللالكائى من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر ... الرواية الثالثة عشرة:   (1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 178، 179. (2) سبقت ترجمته في ص 471. (3) سبقت ترجمته في ص 471. (4) سبقت ترجمته في ص 469. (5) سبقت ترجمته في ص 470. (6) البداية والنهاية. ج 7 ص 131، 132. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 حدثنى عمر، قال: حدثنا على، عن عوانة، عن الشعبى - وغير عوانة زاد أحدهما على الآخر - أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يطوف في الاسواق، ويقرأ القرآن، ويقضى بين الناس حيث أدركه الخصوم (1) . رجال الاسناد: عمر بن شَبّه (2) بن عَبيدة (3) بن زيد النُّميرى أبو زيد النحوى البصرى الحافظ الاخبارى صاحب المؤلفات (4) . قال ابن حجر (5) " صدوق ". توفى بسامرا (سرى من رأى) سنة 262هـ (6) . على بن محمد بن عبد الله بن ابى سيف أبو الحسن المدائنى مولى عبد الرحمن بن سمرة القرشى الاخبارى صاحب المؤلفات (7) . قال يحي بن معين (8) " ثقة، ثقة، ثقة ". وقال أحمد بن يحي النحوى (9) " 000، ومن أراد اخبار الإسلام فعليه بكتب المدائنى". وقال ابن عدى (10) " ليس بالقوى في الحديث وهو صاحب الأخبار". وقال الذهبى (11) "صدوق". توفي ببغداد سنة أربع وعشرين ومائتين وقيل خمس وعشرين ومائتين (12) .   (1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 213. (2) شَبّه: بفتح أوله والموحدة الثقيلة. ... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 283. (3) عَبيدة: بالفتح. ... الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. 283. (4) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 6 ص 116. ... - ابن حبان، الثقات. ج 8 ص 446. ... - الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 11 ص 208 - 210. ... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 1 ص 255 (2435) . (5) تقريب التهذيب. ص 413. (6) الذهبى، الكاشف. ج 2 ص 272. (7) الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 12 ص 54. ... - ابن حجر، لسان الميزان. ج 4 ص 253، 254. (8) نقل قوله الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 12 ص 55. (9) نقل قوله الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 12 ص 55. (10) الكامل في ضعفاء الرجال. ج 5 ص 1855. (11) المغنى في الضعفاء. ج 2 ص 23 (4326) . (12) الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 12. ص 55. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 عوانة بن الحكم بن عوانة بن عياض الكوفى. اشتهر برواية الاخبار توفى سنة ثمان وخمسين ومائة (1) . بيان درجة الرواية: اسنادها حسن لان فيها عمر بن شبه صدوق، وعوانة بن الحكم في الاسناد اخبارى مشهور كما قاله الحافظ ابن حجر. والرواية رواية تاريخية، فهى مقبولة من عوانة. التخريج: أورد الواقدى (2) تفاصيل كثيرة عما كان يفعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته. والخبر عند ابن الأثير (3) بنص ماورد عند الطبرى وعزاه إلى الشعبى. المبحث الثالث: في خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه الرواية الأولى: وكتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبى، قال اجتمع اهل الشورى على عثمان لثلاث مضين من المحرم (سنة اربع وعشرين) وقد دخل وقت العصر، وقد أذن مؤذن صهيب (4) ، واجتمعوا بين الأذان والاقامة، فخرج فصلى بالناس، وزاد الناس مائة ووفد أهل الأمصار، وهو اول من صنع ذلك (5) . رجال الاسناد: السرى بن يحي التميمى (6) . شعيب بن إبراهيم الكوفى (7) . سيف بن عمر (8) . عمرو بن محمد (9) . بيان درجة الرواية: الرواية اسنادها ضعيف لان فيها شعيبا فيه جهالة وسيف بن عمر ضعيف. التخريج:   (1) ابن حجر، لسان الميزان. ج 4 ص 386. (2) ابو عبد الله محمد بن عمر، فتوح الشام. الجزء الأول، دار الجيل - بيروت، بدون. ص 93. ... والقول الراجح أن هذا الكتاب ليس من مصنفات الواقدي. (3) الكامل. ج 3 ص 32. (4) صهيب بن سنان مولى عبد الله بن جدعان، ابو يحيى. صحابى جليل. ... - مسلم، الكنى والأسماء. ج 2 ص 898 (3637) . (5) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 242. (6) سبقت ترجمته في ص 471. (7) سبقت ترجمته في ص 471. (8) سبقت ترجمته في ص 469. (9) لم أجد له تعريفاً فيما رجعت إليه من المصادر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 وهذا الخبر يؤيده ما أخرجه ابن كثير (1) من عدة طرق بنص مارواه الطبرى، فمن طريق سيف بن عمر، عن عامر الشعبى أنه قال … ،. ومن طريق سيف عن خليفة بن زفر ومجالد قالا … ، إلا أنه يختلف في السنة حيث يذكر سنة 23هـ. ومن طريق الشعبى قال: وكان أول صلاة … ". الرواية الثانية: وفي هذه السنة (24هـ) عَزل عثمان (بن عفان رضى الله عنه) المغيرة بن شعبه عن الكوفة، وولاها سعد بن ابى وقاص - فيما كتب به إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبى، قال: كان عمر قال: أوصى الخليفة من بعدى أن يستعمل سعد بن ابى وقاص، فإنى لم أعزله عن سوء، وقد خشيت أن يلحقه من ذلك. وكان أول عامل بعث به عثمان سعد بن ابى وقاص على الكوفة، وعزل المغيرة بن شعبة والمغيرة يومئذ بالمدينة، فعمل عليها سعد سنة وبعض اخرى، واقر أبا موسى سنوات (2) . رجال الاسناد: السرى بن يحي التميمى (3) . شعيب بن إبراهيم الكوفى (4) . سيف بن عمر (5) . مجالد بن سعيد الهمدانى (6) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لأن فيها شعيب بن إبراهيم فيه جهالة، وفيها مجالد بن سعيد ليس بالقوى. التخريج: روى ابن كثير (7) نص رواية الطبرى من طريق سيف عن مجالد عن الشعبى. اخرج الهيثمى (8) الجزء المتعلق بإقرار ابى موسى رضىالله عنه لمدة اربع سنوات. الرواية الثالثة:   (1) البداية والنهاية. ج 7 ص 147. (2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 244. (3) سبقت ترجمته في ص 471. (4) سبقت ترجمته في ص 471. (5) سبقت ترجمته في ص 469. (6) سبقت ترجمته في ص 470. (7) البداية والنهاية. ج 7 ص 149. (8) مجمع الزوائد. ج9 (كتاب المناقب) - باب ماجاء فى ابى موسى الاشعرى رضى الله عنه -. ص362. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وكتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عاصم بن سليمان عن عامر الشعبى، قال: أول خليفة زاد الناس في اعطياتهم مائة عثمان، فجرت. وكان عمر يجعل لكل نفس منفوسة من أهل الفئ في رمضان درهما في كل يوم، وفرض لأزواج رسول الله ش درهمين درهمين، فقيل له: لو صنعت طعاما فجمعتهم عليه! فقال: اشبع الناس في بيوتهم. فأقر عثمان الذي كان صنع عمر، وزاد فوضع طعام رمضان، فقال للمتعبد الذي يتخلف في المسجد وابن السبيل والمعترين (الفقراء) بالناس في رمضان (1) . رجال الاسناد: السرى بن يحي التميمى (2) . شعيب بن إبراهيم الكوفى (3) . عاصم بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصرى (4) . قال ابن حجر (5) " ثقة،..، لم يتكلم فيه إلا القطان فكأنه بسبب دخوله في الولاية". توفى سنة اثنتين واربعين ومائة (6) . بيان درجة الرواية: الرواية اسنادها ضعيف لان فيها شعيبا فيه جهالة. وسيف بن عمر ضعيف. التخريج: ذكر الرواية ابن كثير (7) وعزاها إلى الشعبى. الرواية الرابعة: قال على: وأخبرنا أبو مخنف، عن نمير بن وعلة، عن الشعبى، قال: أخذ ابن عامر (8) على مفازة خبيص (9) ، ثم على خُواست (10)   (1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 245، 246. (2) سبقت ترجمته في ص 471. (3) سبقت ترجمته في ص 471. (4) ابن سعد، الطبقات. ج 7 (القسم الثانى) ص 65. ... - خليفة بن خياط، الطبقات. ص 218. ... - مسلم، الكنى والأسماء. ج 1 ص 515 (2040) . (5) تقريب التهذيب. ص 285. (6) الذهبى، العبر. ج 1 ص 149. (7) البداية والنهاية. ج 7 ص 148. (8) عبد الله بن عامر بن كريز بن عبد شمس. ... - ابن حزم، جمهرة أنساب. ج 1 ص 74، 75. (9) خبيص: مدينة بكرمان. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج 2 ص 345. (10) خُواست (خواشت) : من قرى بلخ. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج 2 ص 398. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 - ويقال: على: يَزد (1) - ثم على قُهِستان (2) ، فقدم الأحنف فلقيه الهياطلة (3) ، فقاتلهم فهزمهم، ثم اتى أبْرَشهر (4) ، فنزلها ابن عامر، وكان سعيد بن العاص في جُند أهل الكوفة، فأتى جرجان (5) وهو يريد خراسان، فلما بلغه نزول ابن عامر أبْرَشهر، رجع إلى الكوفة (6) . رجال الإسناد: على بن محمد المدائنى (7) . أبو مخنف: لوط بن يحى (8) . نمير بن وَعْلة (9) الهمدانى قال أبو حاتم (10) ، والذهبى (11) "مجهول" وزاد الذهبى بقوله " ماروى عنه سوى ابى مخنف ". بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لان فيها نمير بن وعلة مجهول. التخريج: أورد الحميرى (12) اجزاء من خبر الفتح فذكر قتال الاحنف بن قيس للهياطله وفتح مدينة أبر شهر من قبل ابن عامر. الرواية الخامسة:   (1) يَزْد: مدينة بين نيسابور وشيراز واصبهان. وهي من بلاد فارس. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج 5 ص 435. (2) قُهِستان: المقصود بها الجبال التى بين هراة ونيسابور. وهي من بلاد فارس. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج 4 ص 416. (3) الهياطله: من هيطل: اسم لبلاد ماوراء النهر. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج 5 ص 422. (4) أَبْرَشهر: هى مدينة نيسابور. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج 1 ص 65. (5) جُرْجان: مدينة كبيرة بين طبرستان وخراسان. وهي من بلاد فارس. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج 2 ص 119. (6) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 301. (7) سبقت ترجمته في ص 483. (8) سبقت ترجمته في ص 470. (9) في لسان الميزان " دعلمة " بدل " وعلة ". ... - ابن حجر. ج6 ص 171. (10) ابن أبى حاتم، الجرح والتعديل. ج8 ص498. (11) المغنى في الضعفاء. ج1 ص357 (6670) . (12) الروض المعطار. ص9. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وكتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبى قال: لم يمت عمر رضي الله عنه حتى ملته قريش، وقد كان حصرهم بالمدينة، فامتنع عليهم، وقال: إن اخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد، فإن كان الرجل ليستأذنه في الغزو - وهو ممن حبس بالمدينة من المهاجرين، ولم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة - فيقول: قد كان في غزوك مع رسول الله ش ما يبلغك، وخير لك من الغزو اليوم ألا ترى الدنيا ولا تراك، فلما ولى عثمان خلى عنهم فاضطربوا في البلاد، وانقطع اليهم الناس، فكان أحب اليهم من عمر (1) . رجال الاسناد: السرى بن يحى التميمى (2) . شعيب بن إبراهيم الكوفى (3) . سيف بن عمر (4) . عمرو بن محمد (5) . بيان درجة الرواية: والرواية اسنادها ضعيف لان فيها شعيبا فيه جهالة وسيف بن عمر ضعيف. وفيها انقطاع ايضا لان الشعبى لم يدرك من خلافة عمر رضى الله عنه الا اربع سنوات أو أقل. - فيما يتعلق بالجزء الأول الخاص بعمر -. التخريج: روى ابن الاثير (6) نص الرواية من طريق الشعبى. الرواية السادسة: حدثنى جعفر بن عبد الله، قال حدثنا عمرو بن حماد وعلى، قالا حدثنا حسين، عن ابيه، عن المجالد بن سعيد الهمدانى، عن عامر الشعبى، انه قال: حصر عثمان بن عفان رضى الله عنه في الدار اثنتين وعشرين ليلة، وقتل صُبحة ثمانى عشرة ليلة مضت من ذى الحجة سنة خمس وعشرين من وفاة رسول الله ش (7) . رجال الاسناد: جعفر بن عبد الله المحمدى (8) .   (1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 397. (2) سبقت ترجمته في ص 471. (3) سبقت ترجمته في ص 471. (4) سبقت ترجمته في ص 469. (5) لم أجد له تعريفا فيما رجعت إليه من المصادر. (6) الكامل. ج 3 ص 91. (7) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص416. (8) لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 عمرو بن حماد بن طلحة القَنَّاد أبو محمد الكوفى (1) . قال ابن حجر (2) "صدوق رمى بالرفض". توفى سنة اثنتين وعشرين ومائتين (3) . على بن حسين بن عيسى (4) . حسين بن عيسى بن حمران الطائى أبو على البسامى (5) . قال ابن حجر (6) "صدوق صاحب حديث". توفى سنة سبع واربعين ومائتين (7) . عيسى بن حمران الطائى (8) . مجالد بن سعيد الهمدانى (9) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لان فى اسنادها مجالدا بن سعيد وهو ليس بالقوى وجعفر بن عبد الله المحمدى مجهول وكذا على بن حسين بن عيسى. التخريج: روى ابن كثير (10) نص رواية الطبرى عن مدة الحصار من طريق الشعبى. هذا وقد اختلف فى مدة الحصار فقيل اربعين يوما (11) . وقيل تسعا واربعين يوما (12) . وقيل شهرين وعشرين يوما (13) . وممن حدد مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه بيوم الجمعة لثمانى عشرة ليلة مضت من ذى الحجة ابن سعد (14) بسنده، وابن كثير (15) .   (1) ابن سعد، الطبقات. ج6 ص285. ... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج6 ص228. ... - ابن حجر، تهذيب التهذيب. ج8 ص22،23. (2) تقريب التهذيب. ص420. (3) الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص288. (4) لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر. (5) البخارى، التاريخ الكبير. ج2 ص393. ... - مسلم، الكنى والاسماء. ج1 ص560 (2268) . (6) تقريب التهذيب. ص168. (7) الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص84. (8) لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر. (9) سبقت ترجمته في ص 470. (10) البداية والنهاية. ج7 ص190. (11) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص354،371،385. (12) ابن عبد البر، الاستيعاب. ج3 ص77. ... - ابن كثير، البداية والنهاية. ج7 ص190. (13) ابن عبد البر، الاستيعاب. ج3 ص77. (14) الطبقات. ج3 (القسم الثانى) . ص54. (15) البداية والنهاية. ج7 ص190. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 المبحث الرابع: في خلافة على بن ابى طالب رضي الله عنه الرواية الأولى: وحدثنى عمر بن شبه، قال: حدثنا أبو الحسن المدائنى، قال: اخبرنا مسلمة بن محارب، عن داود بن ابى هند، عن الشعبى قال: لما قتل عثمان رضى الله عنه اتى الناس عليا وهو فى سوق المدينة، وقالوا له: ابسط يدك نبايعك قال: لاتعجلوا فإن عمر رجلا مباركا، وقد اوصى بها شورى، فأمهلوا يجتمع الناس ويتشاورون. فارتد الناس عن على، ثم قال بعضهم: ان رجع الناس إلى امصارهم بقتل عثمان ولم يقم بعده قائم بهذا الامر لم نأمن اختلاف الناس وفساد الأمة، فعادوا إلى على، فأخذ الاشتر بيده فقبضها على، فقال: أبعد ثلاثة. أما والله لئن تركتها لتقصرن عنَيْتَك اى عنادك عليها حينا، فبايعته العامة. واهل الكوفة يقولون: ان أول من بايعه الأشتر (1) . رجال الاسناد: عمر بن شبه (2) . أبو الحسن: على بن محمد المدائنى (3) . مسلمة بن محارب الزيادى (4) . سكت عنه أبو حاتم الرازى (5) . وذكره ابن حبان في الثقات (6) . داود بن ابى هند (7) . أبو بكر وقيل أبو محمد البصرى. أحد صغار التابعين (8) . قال الذهبى (9) "أحد الاعلام وكان حافظا صواما دهره قانتا لله". بيان درجة الرواية: اسنادها حسن لان عمر بن شبه صدوق. التخريج:   (1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص433. (2) سبقت ترجمته في ص 483. (3) سبقت ترجمته في ص 483. (4) البخارى، التاريخ الكبير. ج7 ص387. (5) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج8 ص266. (6) ج7 ص 490. (7) اختلف في اسم ابى هند فقيل "دينار بن عذافر" وقيل "طهمان القشيرى". ... - ابن سعد، الطبقات. ج 3 ص 20. ... - ابن حجر، تهذيب التهذيب. ج 3 ص 204. (8) العجلى، تاريخ الثقات. ص 148. ... - مسلم، الكنى والاسماء. ج 2 ص 731 (2950) . ... - ابن حبان، الثقات. ج 6 ص 278. (9) الكاشف. ج 1 ص 225. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 ذكر كل من ابن الاثير (1) وابن كثير (2) اخبارا عن مبايعة على بن ابى طالب رضى الله عنه. الرواية الثانية: حدثنى عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن ابى مخنف، عن نُمَير بن وعْلةَ، عن الشعبى، قال: لما نزل على الرَّبَذَة (3) اتته جماعة من طئ، فقيل لعلى: هذه جماعة من طئ قد أتتك، منهم من يريد الخروج معك ومنهم من يريد التسليم عليك، قال: جَزى الله كلاًّ خيرا {وفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} (4) . ثم دخلوا عليه فقال على: ما شهدتمونا به؟ قالوا شهدناك بكل ماتحب، قال: جزاكم الله خيرا. فقد اسلمتم طائعين وقاتلتم المرتدين ووافيتم بصدقاتكم المسلمين. فنهض سعيد بن عبيد الطائى (5) . فقال: ياامير المؤمنين، إن من الناس من يعبر لسانه عما في قلبه، وإنى والله ما أجد في قلبى يعبر عنه لسانى وسأجهد وبالله التوفيق، أمّا أنا فسأنصح لك فى السر والعلانية وأقاتل عدوك في كل مواطن وأرى لك من الحق مالا أراه لأحد من اهل زمانك لفضلك وقرابتك. قال: رحمك الله؛ قد أدى لسانك عما يجن ضميرك. فقتل معه بصفين رحمه الله تعالى (6) . رجال الاسناد: عمر بن شبه (7) . أبو الحسن: على بن محمد المدائنى (8) . أبو مخنف: لوط بن يحى (9) . نمير بن وعلة الهمدانى (10) . بيان درجة الرواية:   (1) الكامل. ج3 ص99. (2) البداية والنهاية. ج7 ص227. (3) الرَّبَذَة: من قرى المدينه المنورة تبعد عنها مسيرة ثلاث ايام. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج3 ص24. (4) سورة النساء. آية (95) . (5) سعيد بن عبيد الطائى. ابو الهذيل الكوفى. ... - مسلم، الكنى والاسماء. ج2 ص885 (3586) . ... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج4 ص46. (6) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص478. (7) سبقت ترجمته في ص 483. (8) سبقت ترجمته في ص 483. (9) سبقت ترجمته في ص 470. (10) سبقت ترجمته في ص 486. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 اسنادها ضعيف جداً لان في اسنادها ابا مخنف لوط ساقط ونمير بن وعلة مجهول. التخريج: ذكر ابن الاثير (1) نص رواية الطبرى. واكتفى ابن كثير (2) بذكر نص بداية الرواية إلى قوله تعالى: {وفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} . الرواية الثالثة: كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبى، قال: لما التقوا بذى قار تلقاهم على فى اناس، فيهم ابن عباس فرحب بهم، وقال ياأهل الكوفة، انتم وليتم شوكة العجم وملوكهم، وفضضتم جموعهم، حتى صارت اليكم مواريثُهم، فأغنيتم حوزتكم، واعنتم الناس على عدوهم، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا اخواننا من اهل البصرة، فإن يرجعوا فذاك مانريد وإن يلجوا داويناهم بالرفق، ويناهم حتى يبدؤنا بظلم، ولن ندع أمرا فيه صلاح الا أثرناه على مافيه الفساد ان شاء الله، ولا قوة الا بالله. فاجتمع بذى قار سبعة الاف وُمئتان، وعبد القيس بأسرها فى الطريق بين على واهل البصرة ينتظرون مرور على بهم، وهم آلاف - وفى الماء الفان واربعمائة - (3) . رجال الاسناد: السرى بن يحى التميمى (4) . شعيب بن إبراهيم الكوفى (5) . سيف بن عمر الاسيدى التميمى (6) . عمرو بن محمد (7) . بيان درجة الرواية: الرواية عند رجال الحديث سندها ضعيف لان فى اسنادها شعيب بن إبراهيم فيه جهالة وسيف بن عمر ضعيف. التخريج: وقد اورد ابن كثير (8) نص الرواية وليس فيه الا اختلافات لفظية يسيرة اضافة إلى انه يغفل ذكر الجزء التالى" فاجتمع بذى قار … … - وفي الماء الفان واربعمائة ". الرواية الرابعة:   (1) الكامل. ج3 ص115. (2) البداية والنهاية. ج7 ص235. (3) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص487. (4) سبقت ترجمته في ص 471. (5) سبقت ترجمته في ص 471. (6) سبقت ترجمته في ص 469. (7) لم اجد له ترجمة فيما اطلعت عليه من المصادر. (8) البداية والنهاية. ج7 ص237. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 حدثنى عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو مخنف، عن جابر عن الشعبى، عن ابى الطُّفَيْل، قال: قال علىُُّ: يأتيكم من الكوفة اثنا عشر الف رجل ورجل، فقعدت على نجَفةِ (1) ذى قار (2) ، فأحصيتُهم فما زادوا رجلا، ولانقصوا رجلا (3) . رجال الاسناد: عمر بن شبه (4) . أبو الحسن: على بن محمد المدائنى (5) . أبو مخنف: لوط بن يحى (6) . جابر بن يزيد بن الحارث بن زيد بن عبد يَغُوث بن كعب بن الحارث000 بن جعفى بن سعد العشيرة أبو محمد ويقال أبو يزيد الكوفى (7) . قال ابن حجر (8) "ضعيف رافضى". توفى سنة 127هـ (9) . وقيل سنة 132هـ (10) . أبو الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله الكنانى الليثى. صحابى جليل (11) وهو أخر من مات من الصحابة وذلك في سنة عشر ومائة (12) . بيان درجة الرواية: ...   (1) النَّجفَةُ: أَرْضُُ مُسْتَديرَة مُشْرفَةُ. ... - ابن منظور، لسان العرب. ج7 ص4354. (2) ذى قار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج4 ص293. (3) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص500. (4) سبقت ترجمته في ص 483. (5) سبقت ترجمته في ص 483. (6) سبقت ترجمته في ص 470. (7) مسلم، الكنى والأسماء. ج2 ص 725 (2918) . ... - ابن حزم، جمهرة أنساب. ج 2 ص 410. ... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 2 ص 153 (6756) . (8) تقريب التهذيب. ص 137. (9) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 240. (10) ابن حجر، تقريب التهذيب. ص 137. (11) ابن سعد، الطبقات. ج5 ص338. ... - مسلم، الكنى والاسماء. ج2 ص459 (1738) . ... - ابن حجر، الاصابة. ج4 ص113. (12) الذهبى، العبر. ج1 ص104. ... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص185. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 اسنادها ضعيف جداً لان فيها لوط بن يحيى ساقط، وجابر الجعفى ضعيف كذاب. اضافة إلى ان علامات الوضع ظاهرة على الرواية حيث تزعم ان عليا يخبر عن مغيب مجهول لا يعلمه الا الله. التخريج: وذكر خليفه بن خياط (1) ان عدد الجيش يتراوح ما بين الستة إلى السبعة. وروى الطبرى عدة روايات فى عددهم: فمن رواية السرى عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة ان عددهم خمسه الاف (2) ثم يورد فى موضع أخر ان عددهم تسعة الاف وبنفس رجال الاسناد (3) . فمن رواية عمر بن شبه (4) قال حدثنا أبو الحسن، عن بشير بن عاصم، عن فطر ابن خليفة، عن منذر الثورى، عن محمد بن الحنفيه ان العدد يبلغ سبعة الاف (5) . فمن رواية السرى عن شعيب عن سيف عن عمرو، عن الشعبى ان العدد يبلغ سبعة الاف ومائتين (6) . واما ابن الاثير (7) فقد اورد خبرين فى عددهم ففى الخبر الاول تسعة الاف. والخبر الاخر اثنا عشر الفا من طريق ابى الطفيل. وذكر ابن كثير (8) ان عددهم يترواح مابين التسعة الاف او الاثنى عشر الفا. اذن معظم الاخبار فى عددهم تنحصر مابين التسعة الاف والاثنى عشرالف وهو ما نرجحه. الرواية الخامسة:   (1) تاريخ خليفه. ص184. (2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص488. (3) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص485. (4) الخبر برواية عمر بن شبه ليس في أخبار المدينة المطبوع. (5) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص506. (6) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص487. (7) الكامل. ج3 ص118. (8) البداية والنهاية. ج7 ص237. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 حدثنى عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو مخنف، عن جابر عن الشعبى، قال: حملت ميمنة امير المؤمنين على ميسرة اهل البصرة، فاقتتلوا، ولاذَ الناس بعائشة رضى الله عنها، اكثرهم ضبة والازد، وكان قتالهم من ارتفاع النهار إلى قريب من العصر، ويقال: إلى أن زالت الشمس، ثم انهزموا، فنادى رجل من الازد: كروا، فضربه محمد بن على فقطع يده، فنادى: يامعشر الازد فروا، واستحر القتل بالازد، فنادوا: نحن على دين على بن ابى طالب فقال رجل من بنى ليث بعد ذلك: ... سائل بنا يَوْمَ لقينا الازْد والخيْلُ تَعْدو أشقرا وَوْرَدا لما قَطَعْنا كِبْدَهُمْ والزَّنَدا سُحْقَا لَهُمْ فى رأيهم وبُعْدا (1) رجال الاسناد: عمر بن شبه (2) . أبو الحسن:على بن محمد المدائنى (3) . أبو مخنف: لوط بن يحى (4) . جابر بن يزيد الجعفى (5) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف جداً لان فيها لوط ساقط، وجابر بن يزيد الجعفى ضعيف كذاب. التخريج: اورد ابن الاثير (6) نص رواية الطبرى. اما عن دفاع بن ضبة واستبسالهم فى صد كل من يقترب من الجمل فلا ينكره احد من المؤرخين وخير دليل على ذلك قول عائشة رضى الله عنها " مازال جملى معتدلا حتى فقدت أصوات بنى ضبة" (7) . الرواية السادسة: كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبى، قال: اخذ الخطام يوم الجمل سبعون رجلا من قريش، كلهم يقتل وهو آخذ بالخطام، وحمل الاشتر (8)   (1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص512. (2) سبقت ترجمته في ص 483. (3) سبقت ترجمته في ص 483. (4) سبقت ترجمته في ص 470. (5) سبقت ترجمته في ص 491. (6) الكامل ج3 ص134. (7) ابن كثير، البداية والنهاية. ج7 ص244. (8) الاشتر هو مالك بن الحارث بن يغوث النخعى، مخضرم. ... - خليفه بن خياط، الطبقات. ص148. ... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص366. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 فاعترضه عبد الله بن الزبير، فاختلفا ضربتين، ضربه الاشتر فأمه، وواثبه عبد الله، فاعتنقه فخر به وجعل يقول: " اقتلونى ومالكا " (1) - وكان الناس لايعرفونه بمالك، ولو قال "والاشتر "، وكانت له الف نفس مانجا منها شيئ - ومازال يضطرب يدى عبد الله حتى افلت، وكان الرجل إذا حمل على الجمل ثم نجا لم يَعُد. وجرح يومئذ مروان وعبد الله بن الزبير (2) . رجال الاسناد: السرى بن يحى بن السرى (3) . شعيب بن إبراهيم الكوفى (4) . سيف بن عمر الاسيدى التميمى (5) . عمرو بن محمد (6) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لأن فيها شعيب بن إبراهيم التميمى فيه جهالة، وسيف بن عمر ضعيف. التخريج: ذكر ابن اعثم الكوفى (7) الجزء المتعلق بقتال عبد الله بن الزبير والاشتر، وتمكن الاشتر من عبد الله بن الزبير الذى فر من تحته. اورد المسعودى (8) قصة قتال عبد الله الزبير والاشتر مالك بن الحارث قريبا مما ذكره الطبرى. لكنه يضيف ان نجاة الاشتر من القتل انما ترجع إلى شدة القتال والتحام الحديد والظلمة السائدة فلم يسمع احد نداء عبد الله بن الزبير. ذكر ابن الاثير (9) جزءًا من الرواية.   (1) اورد الطبرى قبل ذلك ان قائل هذه العبارة هو عبد الرحمن بن عتاب بن اسيد. ... - تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص520. ... والراجح ان قائلها هو عبد الله بن الزبير. (2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص530. (3) سبقت ترجمته في ص 471. (4) سبقت ترجمته في ص 471. (5) سبقت ترجمته في ص 469. (6) لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر. (7) الفتوح. ج2 ص488،489. (8) على بن الحسين بن على، مروج الذهب ومعادن الجوهر. الجزء الثانى. تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد، دار المعرفة - بيروت - لبنان، 1403هـ - 1983م. ص376. (9) الكامل. ج3 ص128. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 اورد ابن كثير (1) نص الرواية وذكر تفاصيل يحذفها الطبرى. الرواية السابعة: نصر: عمر بن سعد، عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبى، أن عليا عليه السلام حين قدم من البصرة نزع جريرا هَمَدان، فجاء حتى نزل الكوفة، فأراد على أن يبعث إلى معاوية رسولا فقال له جرير: ابعثنى إلى معاوية، فانه لم يزل لى مستنصحاّ ووُدًّا (2) ، فأتيه فأدعوه على ان يسلم لك هذا الأمر، ويُجامعَك على الحق، على أن يكون اميرا من امرائك، وعاملا من عمالك، ماعمِل بطاعة الله، واتبع مافي كتاب الله؛ وأدعو أهل الشام إلى طاعتك وولايتك، وجلهم قومى وأهل بلادى، وقدر رجوت أَلا يعصونى. فقال له الأَشتر: لاتبعثه ودعه، ولا تصدقه، فوالله إِنى لأَظنُّ هواه هواهم، ونيته نيتهم. فقال له على: دعه حتى ننظر ما يرجع به الينا. فبعثه على عليه السلام وقال له حين أراد أن يبعثه: ان حولى من أصحاب رسول الله ش من أهل الدين والرأى من قد رأيت، وقد اخترتك عليهم لقول رسول الله فيكَ" (انك من خير ذى يمن) (3)   (1) البداية والنهاية. ج7 ص244. (2) ووُدًّا: اى صَدِيقا. ... - ابن منظور، لسان العرب. ج8 ص 4794. (3) هذا الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند من عدة طرق بألفاظ متقاربة فمن طريق عبد الله قال حدثني ابى ثنا ابو قطن حدثنى يونس عن المغيرة بن شبل قال وقال جرير 000 وقال - الرسول ش -. (يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفج من خير ذي يمن ألا أن على وجهه مسحة ملك) . ... وكذلك من طريق عبد الله قال حدثني ابى ثنا ابونعيم حدثنا يونس عن المغيرة بن شبل بن عوف عن جرير بن عبد الله 000 فذكر مثله. ... ومن طريق عبد الله قال حدثنى ابى ثنا إسحاق بن يوسف ثنا يونس عن المغيرة بن شبل قال قال جرير: 000 فقال - ش-. (انه سيدخل عليكم000) ... - الجزء الرابع، دار الكتب العلمية، بدون. ص 359، 360، 364. ... وكذلك اخرجه الطبراني في المعجم الكبير من عدة طرق بألفاظ متقاربة. وهى ... 1 - حدثنا أبوخليفة ثنا إبراهيم بن بشار الرمادى ثنا سفيان عن إسماعيل بن ابى خالد عن قيس بن ابى حازم عن جرير بن عبد الله ان النبى ش قال: (يدخل عليكم من الباب 000) . ... 2 - حدثنا على بن عبد العزيز ثنا ابونعيم ثنا يونس بن ابى إسحاق عن المغيرة (المغير) بن شبل (شبيل) عن جرير 000 قال … ... 3 - حدثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ثنا سويد بن عمرو الكلبى ثنا أبو كدينة يحيى بن المهلب عن قابوس بن أبى ظبيان عن أبيه عن جرير قال000 فقال - النبي ش -0: (قد جاءكم000) ... - الجزء الثاني، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفى، الطبعة الثانية، مطبعة الزهراء الحديثة - الموصل، 1984م. ص 301 (2258) ، ص 352، 353 (2483) ، ص 356 (2498) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 ايت معاوية بكتابى، فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا فانبذ إليه، وأعلمه أنى لا أرضى به أميرا، وأن العامة لا ترضى به خليفة" (1) . رجال الاسناد: عمر بن سعد بن ابى الصيد الاسدى. قال أبو حاتم الرازى (2) " متروك الحديث ". وقال الذهبى شيعى بغيض (3) . نمير بن وعلة (4) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف جداً لأن عمر بن سعد بن أبى الصيد متروك ونمير بن وعلة مجهول. التخريج: هذا وقد ذكر اليعقوبى (5) هذه الرواية قريبا مما ذكره المنقرى اضافة إلى انه عمد إلى ذكر تفاصيل كثيرة عن خبر وفادة جرير بن عبد الله رضى الله عنه على معاوية بن ابى سفيان رضى الله عنه. واورد الطبرى (6) رواية ارسال جرير بن عبد الله رضى الله عنه إلى معاوية رضى الله عنه قريبا مما ذكره المنقرى من طريق عمر بن شبه قال حدثنا أبو الحسن عن عوانة. ويروى ابن اعثم الكوفى (7) رواية طلب جرير بن عبد الله رضى الله عنه من على ابن ابى طالب رضى الله عنه ان يرسله كرسول إلى معاوية بن ابى سفيان رضى الله عنه في تفاصيل مطولة عما في رواية المنقرى. وذكر المسعودى (8) ، وابن الاثير (9) اخبارا عن هذه الرواية. واكتفى ابن كثير (10) بايراد جزءًا يسيرا من الرواية.   (1) المنقرى: نصر، وقعة صفين. تحقيق عبد السلام محمد هارون، الطبعة الثانية، المؤسسة العربية - القاهرة، 1382هـ. ص 27، 28. (2) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج6 ص112. (3) ميزان الاعتدال. الجزء الثالث، تحقيق على محمد البجاوى، دار احياء الكتب العربيه - مصر، بدون. ص199. (4) سبقت ترجمته في ص 486. (5) أحمد، تاريخ اليعقوبى. الجزء الثانى، دار صادر - بيروت، بدون. ص184-186. (6) تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص561. (7) الفتوح. ج2 ص515 - 518. (8) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ج2 ص381. (9) الكامل. ج3 ص141. (10) البداية والنهاية. ج7 ص254. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 ذكر ابن خلدون (1) هذه الرواية بألفاظ متقاربة. الرواية الثامنة: نصر: عمر بن سعد، عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبى، أن شرحبيل بن السَّمط ابن جبلة الكندى (2) دخل على معاوية فقال: أنت عامل أمير المؤمنين وابن عمه، ونحن المؤمنون، فإن كنت رجلا تجاهد علياً وقتله عثمان حتى ندرك بثأرنا أو تفنى أرواحنا استعملناك علينا، وإلا عزلناك واستعملنا غيرك (3) . رجال الإسناد: عمر بن سعد بن ابى الصيد الأسدى (4) . نمير بن وعلة (5) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف جداً لان عمر بن سعد بن أبى الصيد متروك، ونمير بن وعلة مجهول. . التخريج: رواية لم أجد لها ما يماثلها فيما رجعت إليه من المصادر. الرواية التاسعة: نصر: عمر بن سعد، عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبى قال: اجتمع جرير (6)   (1) عبد الرحمن، العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى، مؤسسة جمال للطباعة والنشر - بيروت، 1399هـ - 1979م. (الجزء الاول) . ص169. (2) شُرَحبيل بن السَّمْط بن جبلة الكندى. قيل له صحبة وقيل تابعى. ... - ابن سعد، الطبقات. ج 7 (القسم الثانى) . ص 155. ... - البخارى، التاريخ الكبير. ج 4 ص 248، 249. ... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 4 ص 338. (3) المنقرى، وقعة صفين. ص 51. (4) سبقت ترجمته في ص 495. (5) سبقت ترجمته في ص 486. (6) جرير بن عبد الله البجلى. صحابى جليل. كان على ميمنة سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية. ثم شارك بعدها في معارك المدائن وجلولاء وتستر ونهاوند. ... - خليفه بن خياط، الطبقات. ص116. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 والاشتر عند على فقال الاشتر: أليس قد نهيتك ياأمير المؤمنين أن تبعث جريرا، وأخبرتك بعداوته وغشَّه؟ وأقبل الاشتر يشتمه ويقول: ياأخا بجيلة، إن عثمان اشترى منك دينك بهمَدَان. والله ماأنت بأهلٍ ان تمشى في الارض حيًا. إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يداّ بمسيرك اليهم، ثم رجعت الينا من عندهم تهدَّدنا بهم. وانت والله منهم، ولاارى سعيك إلا لهم، ولئن أطاعنى فيك أمير المؤمنين لَيحسبنّك وأشباهك في مَحبِسٍ لاتخرجون منه، حتى تستبين هذه الامور ويهلك الله الظالمين. قال جرير: وددت والله أنك كنت مكانى بُعِثت، إذا والله لم ترجع. قال: فلما سمع جرير ذلك لحق بِقرقيسيا، ولحق به أناس من قَسْرٍ (1) من قومه، ولم يشهد صفَّين من قَسْرٍ غير تسعةَ عشرَ، ولكن أحْمسَ (2) شهدها منهم سبعمائة رجل، وخرج علىُُّ إلى دار جرير فشَّعث منها وحّرق مجلسه، وخرج أبو زُرعة بن عمر بن جرير فقال: اصلحك الله، إنّ فيها أرضا لغير جرير. فخرج علىّ منها إلى دار ثوير بن عامرفحرقها وهدم منها، وكان ثوير رجلا شريفًا، وكان قد لحق بجرير (3) . رجال الاسناد: عمر بن سعد بن ابى الصيد الأسدى (4) . نمير بن وعلة (5) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف جدا لأن عمر بن سعد بن ابى الصيد متروك، ونمير بن وعلة مجهول. التخريج: أخرج ابن جرير الطبرى (6) جزءاً من الرواية من طريق عمر بن شبه قال حدثنا أبو الحسن عن عوانه.   (1) قَسْر: بنو قَسْرهم بطن من بَجيلة. ... - ابن حزم، جمهرة انساب. ج2 ص387،474. (2) أَحْمس: بنو احمس هم بطن من بجيلة. ... - ابن حزم، جمهرة انساب. ج2 ص474. (3) المنقرى، وقعة صفين. ص60،61. (4) سبقت ترجمته في ص 495. (5) سبقت ترجمته في ص 486. (6) تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 562. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 ذكر ابن اعثم الكوفى (1) رواية عودة جرير بن عبد الله رضي الله عنه من عند معاوية بن ابى سفيان رضي الله عنه ثم ماجرى من كلام بين الأشتر وجرير رضي الله عنهما قريبا مما ذكره المنقرى لكنه يضيف اشعار وتفاصيل يحذفهما المنقرى. أورد المسعودى (2) معظم رواية المنقرى. بينما اكتفى كل من ابن الأثير (3) وابن كثير (4) بذكر أخبار عن هذه الرواية. الرواية العاشرة: نصر (5) : صالح بن صدقة، عن إسماعيل بن زياد، عن الشعبى، أن عليا قدم من البصرة مستهل رجب الكوفة، وأقام بها سبعة عشر شهراّ يجرى الكتب فيما بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص (6) . رجال الاسناد: صالح بن صدقة (7) . إسماعيل بن زياد او ابن ابى زياد السكونى الكوفى قاضى الموصل (8) . قال ابن حجر (9) "متروك كذبوه " توفى بعد سنة مائة هجريه. بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف جدا لان فيها إسماعيل بن زياد "متروك كذبوه". ولان صالح بن صدقه لا يعرف حاله. التخريج:   (1) الفتوح. ج 2 ص 535 - 537. (2) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ج 2 ص 381، 382. (3) الكامل. ج3 ص 142. (4) البداية والنهاية. ج 7 ص 254. (5) نصر بن مزاحم المنقرى. (6) المنقرى: وقعة صفين. ص 80. (7) لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر. (8) البخارى، التاريخ الكبير. ج1 ص356. ... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج2 ص171. ... - الذهبى، الكاشف. ج1 ص73. ... - الذهبى، المغنى فى الضعفاء. ج1 ص133 (658) . ... - ابن حجر، تهذيب التهذيب. ج1 ص298-301. (9) تقريب التهذيب. ص107. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 وممن اورد خبر دخول على بن ابى طالب رضى الله عنه إلى الكوفة غير الشعبى كل من الدينورى (1) ، والمسعودى (2) فذكرا انه دخلها لاثنتى عشرة ليلة مضت من رجب بينما ذكر ابن اعثم الكوفى (3) انه دخل الكوفة فى يوم الاثنين لستة عشر يوما من رجب سنة 36هـ. الرواية الحادية عشرة: نصر، عن عمرو بن [شمر، عن] جابر، عن الشعبى، عن الحارث بن أدهم، عن صعصعة قال: ثم أقبل الأشتر يضرب بسيفه جمهور الناس حتى كشف أهل الشام عن الماء وهو يقول: لا تذكروا ما قد مضى وفاتا والله ربَّى باعث أمواتا من بعد ما صارًوا صَدًى رفاتا لأوردنَّ خيلىَ الفُراتا شُعْثَ النَّواصى أو يقالَ ماتا (4) رجال الإسناد: عمرو بن شمر الجعفى الكوفى الشيعى أبو عبد الله (5)   (1) الاخبار الطوال. ص152. (2) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ج2 ص381. (3) الفتوح. ج2 ص498. (4) المنقرى، وقعة صفين. ص 179. (5) العقيلى، الضعفاء الكبير. س 3 ص 275، 276 (1282) . ... - الدارقطنى، الضعفاء والمتروكون. ص 308 (400) . ... - الذهبى، المغنى في الضعفاء. ج 2، ص 67 (4663) . ... - ابن حجر، لسان الميزان. ج 4 ص 366، 367. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 قال ابن سعد (1) "وكان قاصا، ... ، وكان ضعيفا جداً متروك الحديث". وقال البخارى (2) " منكر الحديث". وقال الجوزجانى (3) "كذاب زائغ ". قال يحي بن معين (4) ليس بثقة ". وقال أبو حاتم الرازى (5) منكر الحديث جداً ضعيف الحديث". وقال ابن حبان (6) " كان رافضيا يشتم أصحاب رسول الله ش، وكان ممن يروى الموضوعات عن الثقات في فضائل أهل البيت، 000". ذكره ابن عدى (7) في الضعفاء وقال " وعامة مايرويه غير محفوظ ". توفى سنة 157هـ (8) . ابن حبان، المجروحين. ج 2 ص 75. جابر بن يزيد الجعفى (9) . الحارث بن أدهم (10) . صعصعة بن صُوحان (11) بن حجر بن الحارث بن الهجرس العبدى الكوفى (12)   (1) الطبقات. ج 6 ص 264. (2) التاريخ الكبير. ج 6 ص 344. (3) أحوال الرجال. ص 56، (44) . (4) نقل قوله ابن ابى حاتم في الجرح والتعديل. ج 6 ص 239. (5) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 6 ص 239، 240. (6) المجروحين. ج 2 ص 75،76. (7) الكامل في ضعفاء الرجال. ج 5 ص 1779- 1782. (8) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 264. (9) سبقت ترجمته في ص 491. (10) لم أجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر. (11) صُوحان: بضم المهملة الأولى. ... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 173. (12) الجوزجانى، أحوال الرجال. ص 35 (9) . ... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 4 ص 446. ... - ابن حزم، جمهرة أنساب. ج 2 ص 297. ... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 1 ص 428 (4622) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 قال ابن سعد (1) "كان ثقة قليل الحديث". وذكره ابن حبان في الثقات (2) . وقال النسائى (3) "ثقة". وقال ابن عبد البر (4) "كان مسلما علىعهد رسول الله ش لم يلقه ولم يره … وكان فصيحاً خطيبا عاقلا … ". وقال ابن حجر (5) "تابعى كبير مخضرم". توفى في خلافة معاوية بن أبى سفيان (6) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لأن فيها عمرو بن شمر الجعفى ضعيف، وجابر بن يزيد الجعفى ضعيف. التخريج: أورد ابن أعثم الكوفى (7) الأبيات الشعرية مرتبة ترتيبا يختلف عما في رواية المنقرى ويزيد في عددها. وهي كالتالى: قل لابن هند أحسن الثباتا لاتذكرن ما مضى وفاتا انى وربى خالق الأقواتا إلهنا وباعث الأمواتا مليكنا وجامع الشتاتا من بعد ما كانوا بها رفاتا لأوردن خيلى الفراتا شعث النواصى أو يقال ماتا أما المسعودى (8) فيذكر أن قائل هذه الأبيات هو الأشعث بن قيس رضي الله عنه لكنه يكتفى بذكر بيت واحد فقط، وهو: لأوْرِدَنَّ خيلىَ الفراتا شُعْثَ النّوَاصى أو يقال ماتا أورد ابن خلدون (9) أن علي بن ابى طالب رضى الله عنه أرسل صعصعة بن صوحان رضى الله عنه إلى معاوية رضي الله عنه للطلب منه أن يخلى الماء لكلا الفريقين. الرواية الثانية عشرة: نصر: إسماعيل بن ابى عميرة عن الشعبى أن علي عليه السلام بعث على ميمنته عبد الله بن بُديل بن ورقاء الخُزاعىّ، وعلى ميسرته عبد الله بن العباس (10) .   (1) الطبقات. ج 6 ص 154. (2) ج 4 ص 382. (3) نقل قوله الخزرجى في خلاصة تذهيب الكمال. ص 173. (4) الاستيعاب. ج 2 ص 196. (5) تقريب التهذيب. ص 276. (6) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 154. ... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 173. (7) الفتوح. ج 3 ص 7،8. (8) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ج 2 ص 385، 386. (9) العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى (الجزء الأول) . ص 170. (10) المنقرى، وقعة صفين. ص 208. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 رجال الاسناد: إسماعيل بن ابى عميرة (1) . بيان درجة الرواية: التوقف في الحكم لحين تعيين عين وحال اسماعيل. التخريج: أورد ابن خلدون (2) نص الرواية لكنه يضيف أن ذلك كان في يوم الخميس ثامن أيام معركة صفين. الرواية الثالثة عشرة: نصر: عمرو بن شمر، عن جابر عن الشعبى، عن صَعصعة بن صُوحان العبدى: قال: سمعت زامل بن عمرو الجُذامَّي يقول: طلب معاوية إلى ذي الكَلاَع (3) أن يخطب الناس ويحضَّرهم على قتال علىّ ومن معه من أهل العراق، فعقَد فرسَه - وكان من أعظم أصحاب معاوية خطراً - ثم قال: الحمد لله حمداً كثيراً، نامياً جزيلا، واضحاً منيراً، بكرةً وأصيلا. أحمدُه وأستعينه، وأُومن به وأتوكَّل عليه، وكَفى بالله وكِيلا. ثم إنى أشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله، أرسَله بالفرقان حين ظهرت المعاصى ودرست الطاعة، وامتلأت الأرض جَوراً وضَلالةً، واضطرمت الدنيا كلَّها نيراناً وفتنة، ووَرَك (4)   (1) لم أجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر. (2) العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى (الجزء الأول) . ص 172. (3) ذو الكلاع: اسمه ايفع وقيل أسميفع وقيل سميفع بن باكورا وقيل ابن حوشب الحميرى. ابو شرحبيل. صحابى جليل. شهد صفين مع معاوية. ... - الدولابى، الكنى والأسماء. ف 2 ص 7. ... - ابن عبد البر، الاستيعاب. ج 1 ص 485- 488. ... - ابن حجر، الإصابة. ج 1 ص 492، 493. (4) ووَرَكَ بالمكان ورُوكا: اقام. ... - ابن منظور، لسان العرب. ج 8 ص 4819. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 عدو الله إبليس على أن يكون قد عُبد في أكنافها، واستولى بجميع أهلها، فكان الذى أطفأ الله به نيرانها، ونَزع به أوتادها وأوهى به قُوى إبليس، وآيسه مما كان قد طمع فيه من ظَفَره بهم - رسول الله محمد بن عبد الله، ش، فأظهره على الدَّين كله ولو كره المشركون. ثم كان مما قضى الله أن ضَمَّ بيننا وبين أهل ديننا بصفين، وإنَّا لَنعَلُم أن فيهم قومًا كانت لهم مع رسول الله ش سابقة ذات شأن وخطر، ولكنى ضربت الأمر ظهرا وبطناً فلم يسعنى أن يٌهدَر دَمُ عثمان صهر رسول الله ش نبينا، الذي جَّهز جيش العُسْر’، والحَقَ في مسجد رسول الله بيتاً وبنى سقاية، وبايع له نبى الله ش بيده اليمنى [على اليسرى] ، واختصَّه رسول الله بكر يمَتيْه: أم كلثوم ورقية، ابنتى رسول الله صلى الله عليه وآله. فإن كان أذنب ذنباً فقد أذنب من هو خير منه. وقد قال الله عز وجل لنبيه ش: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَاتَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) (1) . وقتل موسى نفساً ثم استغفر الله فغفر له، ولم يَعْرَ أحد من الذنوب. وأنا لنعلم أنه قد كانت لابن ابى طالب سابقة حسنة مع رسول الله، فإن لم يكن ماَلا على قتل عثمان فقد خذَله، وإنه لأخوه في دينه وابنُ عمَّه، وسِلْفه، وابن عَمَّته. ثم قد أقبلوا من عراقهم حتى نزلوا في شامِكم وبلادكم، وإنما عامتهم بين قاتل وخاذل. فاستعينوا بالله واصبروا، فلقد ابتليتم أيتها الأُمة والله. ولقد رأيتُ في منامي في ليلتى هذه لكأنا وأهل العراق اعتَورْنا مصحفاً نضربه بسيوفنا، ونحن في ذلك جميعاً ننادى: “ ويَحْكم الله". ومع أنا والله مانحن لنفارق العَرْصَة حتى نموت. فعليكم بتقوى الله، ولتكن النَّيَّات لله، فإنى سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله ش يقول" (إنما يُبْعَثُ المقتتلون على النيات) (2)   (1) سورة الفتح، آية (2) . (2) هذا الحديث أخرجه كلً من ابن حجر، والسيوطى. ... - لسان الميزان، ج 4 ص 367 (من جهة على بن الجعد، حدثنا عمرو بن شمر أنا جابر عن الشعبى عن صعصعة بن صوحان سمعت زامل بن عمرو الجذامى يحدث عن ذي الكلاع الحميرى سمعت عمر يقول سمعت رسول الله ش يقول … ) . ... - الجامع الصغير. الجزء الأول، الطبعة الأولى، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده - القاهرة، 1373هـ - 1954م. ص 104. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 ، وأفرغ الله علينا وعليكم الصبر، وأعزلنا ولكم النصر، وكان لنا ولكم في كل أمر. وأستغفر الله لى ولكم (1) . رجال الاسناد: عمرو بن شمر الجعفى (2) . جابر بن يزيد الجعفى (3) . صعصعة بن صوحان العبدى (4) . زامل بن عمرو السكسكى (5) . ذكره ابن حبان في الثقات (6) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لأن فيها عمرو بن شمر الجعفى ضعيف وجابر بن يزيد الجعفىضعيف. التخريج: اقتصر الدينورى (7) على ايراد اشتراك ذو الكلاع في القتال إلى جانب معاوية. نقل ابن أعثم الكوفى (8) أجزاءا كثيرة من خطاب ذى الكلاع الحميرى في معركة صفين. وفي الاصابة (9) ذكر لاشتراك ذو الكلاع الحميرى رضي الله عنه في معركة صفين إلى جانب معاوية رضي الله عنه. الرواية الرابعة عشرة: نصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن عامر، عن صعصمة العبدى [عن ابرهة ابن الصباح] قال: قام يزيد بن أسد البجلى (10) [في اهل الشام] يخطب الناس بصفَّين، وعليه يومئذ قَباء خَزّ، وعمامةٌ سوداء، اخذا بقائم سيفه، واضعا نعل السيف (11)   (1) المنقرى، وقعة صفين. ص 239 - 241. (2) سبقت ترجمته في ص 498. (3) سبقت ترجمته في ص 491. (4) سبقت ترجمته في ص 499. (5) البخارى، التاريخ الكبير. ج 3 ص 443. ... - ابن أبى حاتم، الجرح والتعديل. ج 3 ص 617. ... - ابن حزم، جمهرة أنساب. ج 2 ص 433. (6) ج 6 ص 345. (7) الأخبار الطوال. ص 179. (8) الفتوح. ج 3 ص 46، 47. (9) ابن حجر. ج 1 ص 492، 493. (10) يزيد بن اسد القسرى البجلى. ... - البخارى، التاريخ الكبير. ج8 ص317. ... - ابن حبان، الثقات. ج3 ص 443. (11) نَعْلُ السَّيْفِ: حديدة في اسفل غِمده. ... - ابن منظور، لسان العرب. ج7 4478. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 على الارض متوكَّئا عليه. قال صعصعة: فذكر لى أبرهة أنه [كان] يومئذ من أجمل العرب واكرمه وابلغه فقال: " الحمد لله الواحد القهار، ذى الطَّول والجلال، العزيز الجبار، الحليم الغفار، الكبير المتعال، ذى العطاء والفَعال، والسَّخاء والنوال، والبهاء والجمال، والمنَّ والإفضال. مالك اليوم الذى لاينفع فيه بيع ولاخِلالٌ. أحمده على حسن البلاءِ، وتظاهر النعماء، وفى كل حالة من شدة او رخاء. أحمده على نعمه التُّؤام، وآلائه العِظام، حمدًا قد استنار، بالليل والنهار. ثم إنى اشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ كلمه النجاة في الحياة، وعند الوفاة، وفيها الخلاص، يوم القصاص. وأشهد أن محمداّ عبده ورسوله النبى المصطفى، وإمام الهدى، ش كثيرا. ثم قد كان مما قضى الله أن جمعنا واهل ديننا فى هذه الرُّقعة من الارض، والله يعلم أنى كنُت لذلك كارها، ولكنهم لم يبلعونا ريقنا، ولم يتركونا نرتاد لأنفسنا، وننظر لمعادنا حتى نزلوا بين اظهرنا، وفي حريمنا وبيضتنا. وقد علمنا أن في القوم احلاما وطغامًا، فلسنا نأمن طغامهم على ذرارينا ونسائنا. وقد كنا نحب ألا نقاتل أهل ديننا، فأخرجونا حتى صارت الأمور إلى أن قاتلتاهم كراهية فإنا لله وانا اليه راجعون، والحمد لله رب العالمين. أما والله الذى بعثَ محمدا بالرسالة لودِدت انىَّ مِتُّ منذ سنة؛ ولكن الله إذا أراد أمرا لم يستطع العباد ردَّه. فنستعين بالله العظيم؛ واستغفر الله لى ولكم ". ثم انكفأ (1) . رجال الاسناد: عمرو بن شمر (2) . جابر بن يزيد الجعفى (3) . صعصعة بن صوحان العبدى (4) . ابرهة بن الصباح الحبشى أو الحميرى. ذكره ابن حجر (5) ضمن القسم الأول في الصحابة.   (1) المنقرى، وقعة صفين. ص241،242. ... (2) سبقت ترجمته في ص 498. (3) سبقت ترجمته في ص 491. (4) سبقت ترجمته في ص 499. (5) ابن حجر، الاصابة. ج1 ص16،17. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لان فيها عمرو بن شمر الجعفى ضعيف، وجابر بن يزيد الجعفى ضعيف. ولعله حريث بن ابرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة. شهد صفين مع معاوية بن ابى سفيان رضى الله عنه. ابن حزم، جمهرة انساب. ح2 ص435. التخريج: رواية لم اجد لها ما يماثلها فيما رجعت اليه من المصادر. الرواية الخامسة عشرة: نصر: عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبى، أن أوّلَ فارسين التقيا فى هذا اليوم - وهو السابع من صفر، وكان من الايام العظيمة فى صِفَّين، ذا اهوال شديدة - حُجْر الخير وحُجْر الشرَّ. اما حجر الخير فهو حُجر بن عدىّ (1) صاحب امير المؤمنين على ابن ابى طالب. وحجر الشرَّ ابن عمه (2) . وذلك ان حُجر الشَّر دعا حجر بن عدى إلى المبارزة، وكلاهما من كندة، فأجابه فاطعنا برمحيهما، ثم حجز بينهما امرؤ من بنى اسد (3) ، وكان مع معاوية فضرب حجرا ضربة برمحه، وحمل اصحاب علىٍّ فقتلوا الاسدى، وافلتهم حجر بن يزيد [حُجرُ] الشرَّهاربا، وكان اسم الاسدى خزيمه بن ثابت (4) . رجال الاسناد: عمرو بن شمر (5) . جابر بن يزيد الجعفى (6) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لان فيها عمرو بن شمر الجعفى ضعيف، وجابر بن يزيد الجعفى ضعيف. التخريج: رواية لم اجد لها ما يماثلها فيما رجعت اليه من المصادر. الرواية السادسة عشرة:   (1) حجر بن عدى بن معاوية بن جبلة بن عدى الكندى، المشهور بحجر الخير. ... - ابن عبد البر، الاستيعاب. ج1 ص356. ... - ابن حجر، الاصابة. ج1 ص314. (2) حجر بن يزيد بن سلمة بن مرة الكندى المعروف بحجر الشر. ... - ابن حجر، الاصابة. ج1 ص315. (3) خزيمة بن ثابت الانصارى. ... - ابن حجر، الاصابة. ج1 ص426. (4) المنقرى، وقعة صفين. ص243. (5) سبقت ترجمته في ص 498. (6) سبقت ترجمته في ص 491. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 نصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبى، عن صَعصعة بن صُوحان ذكر أن على بن ابى طالب صاف اهل الشام، حتى برزَ رجل من حمير من ال ذى يزنٍ، اسمه كُريب ابن الصباح (1) ، ليس فى اهل الشام يومئذ رجل اشهر شدة بالبأس منه، ثم نادى: من يبارز؟ فبرزإليه المرتفع (2) بن الوضاح الزبيدى (3) ، فقتل المرتفع. ثم نادى: من يبارز؟ فبرز إليه الحارث بن الجُلاح (4) فقتل، ثم نادى: من يبارز؟ فبرز اليه عائذ (5) بن مسروق الهمدانى (6) فقَتل عائذا ثم رمى باجسادهم بعضها فوق بعض، ثم قام عليها بغيا واعتداءّ، ثم نادى: هل بقى من مبارز؟ فبرز إليه علىٌّ ثم ناده: ويحك ياكريب، إنى أحذرك [الله وبأسه ونقمته] ، وأدعوك إلى سنة رسوله - ويحك لايدخلنك ابن آكلة الاكباد النارَ. فكان جوابه أن قال: ما أكثر ماقد سمعنا هذه المقالة منك، فلا حاجة لنا فيها. أقدم إذا شئت. من يشترى سيفي وهذا أثره؟ فقال علىٌّ عليه السلام: لاحول ولاقوة إل بالله. ثم مشى إليه فلم يمهله أن ضربه ضربة خر منها قتيلا يتشحَّط في دمه. ثم نادى: من يبارز؟ فبرز إليه الحارث بن وداعة (7) الحميرى (8)   (1) ولعله كريب بن ابرهة بن الصباح. . . . . . . . (2) وفي الفتوح " المبرقع " بدل " المرتفع ". ... - ابن اعثم الكوفى. ج3 ص111. (3) المرتفع بن الوضاح الزبيدى. ... لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر. (4) الحارث بن الجلاح الحكمى. ... لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر. (5) وفى الفتوح " عباس " بدل " عائذ ". ... - ابن اعثم الكوفى. ح3 ص112. (6) عائذ بن مسروق الهمذانى. ... لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر. (7) وفى الفتوح " وداع " بدل " وداعة ". ... - ابن اعثم الكوفى. ج3 ص112. ... وفى البداية والنهاية " وداعة ". ... - ابن كثير. ج7 ص264. (8) الحارث بن وداعة الحميرى. ... لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 فَقتل الحارث. ثم نادى: من يبارز؟ فبرز اليه المطاع بن المطلب القينى (1) ، فقتل مطاعاّ. ثم نادى: من يبرز؟ فلم يبرز اليه أحد. ثم أن عليا نادى: يا معشر المسلمين، {الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُماتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (2) . ويحك يامعاوية هلم إلى فبارزنى ولاُيْقتًلَنَّ الناسُ فيما بيننا. فقال عمرو: اغتنْمه مْنَتَهزًا، قد ثلاثة من اُبطال العرب، وإنى أطمع أن يظفرك الله به. فقال معاوية: وَيْحكَ ياعمرو، والله إن تُريد إلا أن أقتل فتصيب الخلافة بعدى، اذهب إليك، فليس مثلى يُخدَع (3) . رجال الاسناد: عمرو بن شمر الجعفى (4) . جابر بن يزيد الجعفى (5) . صعصعة بن صوحان العبدى (6) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لان فيها عمرو الجعفى ضعيف، وجابر الجعفى ضعيف. التخريج: أورد ابن اعثم الكوفى (7) نص الرواية. بينما ذكر ابن كثير (8) اجزاءًا من الرواية. واما الجزء الذى اغفله ابن كثير فهو المتعلق ببدء القتال ومبارزة كريب بن الصباح لثلاثة من اصحاب على رضى الله عنه وقتلهم ثم بعد ذلك يبدء في نقل نص رواية المنقرى. الرواية السابعة عشرة:   (1) وفى البداية والنهاية " القيسى " بدل " القينى ". ... - ابن كثير. ج7 ص264. ... وفى الفتوح " القبنى ". ... - ابن اعثم الكوفى. ج3 ص112. ... ... ... ... ... ... المطاع بن المطلب القينى ... لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر. (2) سورة البقرة آية (194) . (3) المنقرى، وقعة صفين. ص315،316. (4) سبقت ترجمته في ص 498. (5) سبقت ترجمته في ص 491. (6) سبقت ترجمته في ص 499. (7) الفتوح. ج3 ص111،112. (8) البداية والنهاية. ج7 ص264. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 نصر، عن عمرو بن شمر عن جابر قال: سمعت الشعبى يقول: قال الاحنف (1) ابن قيس: والله إنى لإلى جانب عمّارِ بن ياسر (2) ، بينى وبينه رجل من بنى الشعيراء (3) ، فتقدمنا حتى إذا دنونا من هاشم بن عتبة (4) قال له عمار: احمل فداك ابى وامى. ونظر عمار إلى رقة في الميمنة فقال له هاشم: رحمك الله يا عمار، إنك رجل تأخذك خِفّهٌ في الحرب، وإنِّى انما ازحف باللواء زَحْفا، وارجو ان انالَ بذلك حاجتى، وانى ان خففت لم امن الهلكة. وقد كان قال معاوية لعمرو: ويحك، ان اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة، وقد كان من قبل يرقل به ارقالا، وإنه إن زحفَ به اليوم زحفا انه لليوم الاطول لأهل الشام، وان زحف فى عُنُقٍ من اصحابه انى لأطمع أن تقتطع. فلم يزل به عمار حتى حمل، فبصر به معاوية فوجه اليه حماة اصحابه ومن يُزّنَّ بالبأس [والنجدة] منهم في ناحيته، وكان في ناحيته، وكان في ذلك الجمع عبد الله بن عمرو بن العاص (5) ومعه [يومئذ] سيفان قد تقلد واحداّ وهو يضرب بالاخر، وأطافت به خيل على، فقال عمرو: ياالله، يارحمن، ابنى ابنى. قال: ويقول معاوية: صبراً صبراً فانه لابأس عليه قال عمرو: ولو كان يزيد بن معاوية إذاً لصبرت؛ ولم يزل حماة أهل الشام يذبون عنه حتى نجا هارباً على فرسه ومن معه، وأصيب هاشم في المعركة (6) . رجال الاسناد:   (1) سبقت ترجمته في ص 531. (2) عمار بن ياسر بن عامر ابو اليقظان. صحابى جليل. ... - ابن سعد، الطبقات. ج3 (القسم الاول) . ص176. (3) بنو الشعيراء: هم بنو بكر بن مُرّ بن أدّبن طابخة. ... - ابن حزم، جمهرة انساب. ج1 ص206. (4) هاشم بن عتبة بن ابى وقاص. المعروف بالمرقال. صحابى جليل. ... - خليفه بن خياط، الطبقات. ص126. (5) عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل. ابو محمد القرشى. صحابى جليل. ... - ابن حجر، الاصابة. ج2 ص351. (6) المنقرى، وقعة صفين. ص340. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 عمرو بن شمر الجعفى (1) . جابر بن يزيد الجعفى (2) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لان فيها عمرو الجعفى ضعيف، وجابر الجعفى ضعيف. التخريج: اورد الدينورى (3) خبر اشتراك هاشم بن عتبة رضى الله عنه إلى جانب على بن ابى طالب رضي الله عنه فى معركة صفين ومقتله باختصار. ذكر الكوفى في الفتوح (4) الجزء المتعلق بخوف عمرو بن العاص رضى الله عنه على ابنيه وخروجه للقتال عنهما على الرغم من محاولة معاوية رضى الله عنه تهدئته وطمأنته ... . هذا وقد اورد ابن عبد البر (5) ، وابن الاثير (6) ، وابن كثير (7) ، وابن حجر (8) خبر اشتراك هاشم بن عتبه وعمار بن ياسر رضى الله عنهما فى معركة صفين إلى جانب على رضى الله عنه ومقتلهما فى تلك المعركة. الرواية الثامنة عشرة:   (1) سبقت ترجمته في ص 498. (2) سبقت ترجمته في ص 491. (3) الاخبار الطوال. ص183. (4) ج3 ص132،133. (5) الاستيعاب. ج3 ص616،619،620. (6) الكامل. ج3 ص157،159. (7) البداية والنهاية. ج7 ص270. (8) الاصابة. ج3 ص593. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 نصر، قال عمر: وحدثنى مجالد، عن الشعبى، عن زياد بن النضر الحارثى وكان على مقدمة على، قال: شهدت مع علىِ بصفين، فاقتتلنا ثلاثة ايام وثلاث ليال، حتى تكسرت الرماح، ونفذت السهام، ثم صرنا إلى المسايفة فاجتلدنا بها إلى نصف الليل، حتى صرنا نحن واهل الشام في اليوم الثالث يعانق بعضُنا بعضاً، وقد قاتلت ليلتئذ بجميع السلاح، فلم يبق شئ من السلاح إلا قاتلت به، حتى تحاثينا بالتراب، وتكادمنا [بالأفواه] ، حتى صرنا قياماً ينظر بعضُنا إلى بعض مايستطيع واحد من الفريقين ينهض إلى صاحبه ولا يقاتل. فلما كان نصف الليل من الليلة الثالثة انحاز معاوية وخيله من الصف، وغلب على عليه السلام على القتلى في تلك الليلة، وأقبل على أصحاب محمد ش وأصحابه فدفنهم، وقد قتل كثير منهم، وقتل من أصحاب معاوية أكثر، وقتل فيهم تلك الليلة شمر بن أبرهة، وقتل عامة من أصحاب على يومئذ، فقال عمارة: قالت أمامة: ماللونك شاحباً والحربُ تَشْحَبُ ذا الحديد الباسلِ أنى يكون أبوك أبيض صافياً بين السمائم فوق متن السائلِ تغدو الكتائبُ حولَه ويسوقهمْ مِثلَ الاسود بكلَّ لَدْنِ ذابلِ خُزْرَ العُيون من الوفود لدى الوَغَى بالبِيض تَلمع كالشَّرَار الطاسلِ (1) قالوا معاوية بن حرب بايعُوا والحرب شائلة كظهر البازلِ فخرجت مُخْترمَا أجرُّ فُضُولَها حتى خَلصْتُ إلى مقام القَاتلِ وقال عمرو بن العاص: إذا تخازَرْت ومابى من خََزرْ ثم خبأت العينَ من غير عََورْ ألفيتنى ألوى (2) بعيد المسَتمَر ذا صَولةٍ في المْصَمِئَّلاتِ الكُبَرْ أحمل ماحُمَّلتُ من خير وشر كالحَّيةِ الصَّمَّاءِ في أصل الصَّخَرْ وقال محمد بن عمرو بن العاص: لو شهدت جُمْلٌ مقامى وَموقفى   (1) الطَّاِسلُ: الغبار المرتفع. ... - ابن منظور، لسان العرب. ج5 ص2671. (2) الألوى: الشديد الخُصُومِةِ. ... - ابن منظور، لسان العرب. ج7 ص4108. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 بصفين يوماً شاب منها الذوائبُ غَداةَ غدا أهلُ العِراق كأنّهُْم من البحر موج لجه متراكب وجئناهم نمشى صفوفاً كأننا سحاب خريف صفَّقته الجنائبُ فطار إلينا بالرماح كُمَاتُهُْم وطِرْنا إليهم والسيوف قواضبُ فدارت رحانا واستدارت رحاهم سَرَاةَ النَّهَارِ ماتُوَلَّى المناكبُ إذا قلت يوماً قد وَنَوا برزت لنا كتائب حُمرٌ وارجحنَّتْ كتائب فقالوا: نرى من رأينا ان تُبَايعوا عليا فقلنا بل نرى أن تضاربوا فأبنا وقد نالوا سَرَاة رِجاِلنا وليس لما لاَقَوْا سِوَى الله حاسبُ فلم أر يوما كان أكثر باكيا ولا عارضا منهم كِمَّياً يُكالبُ كأن تلالى البيض فينا وفيهم تلألؤُ بَرْقٍ في تهامة ثاقبُ فرد عليه محمد بن على بن ابى طالب: لو شهدت جُملٌ مقامك أبصَرتْ مقام لئيم وَسْطَ تلك الكتائب أنذكر يوماً لم يكن لك فخرُهُ وقد ظَهَرَتْ فيها عليك الجلائب (1) وأعطيمتونا ماَنِقمْتُمْ أذلَّةً على غير تَقوى الله والدَّينُ واصب (2) وروى: " خوف العواقب" (3) . رجال الاسناد: عمر بن سعد بن أبى الصيد الاسدى (4) . مجالد بن سعيد الهمدانى (5) . زياد بن النضر (6) أبو النضر (7)   (1) الجلائب: مايجلب للبيع. ... - ابن منظور، لسان العرب. ج2 ص647. (2) واصب: اى طاعته دائمة واجبة أبداً. ... - ابن منظور، لسان العرب. ج8 ص4848. (3) المنقرى، وقعة صفين. ص369،370،371. (4) سبقت ترجمته في ص 495. (5) سبقت ترجمته في ص 470. (6) ذكر أبو حاتم الرازى رواية الشعبى عن زياد بن النضر. ... - ابن أبى حاتم، الجرح والتعديل. ج3 ص547. (7) البخارى، التاريخ الكبير. ج3 ص376. ... - مسلم، الكنى والاسماء. ج2 ص840 (2298) . ... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ح2 ص113 (6210) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وسكت عنه البخارى (1) وابن ابى حاتم (2) . وذكره ابن حبان في الثقات (3) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف جدا لأن فيها عمر بن سعد متروك. ومجالد بن سعيد "ليس بالقوى". التخريج: ذكر الكوفى (4) جزء من الرواية وهو المتعلق بقتال اليوم الثالث من أيام معركة صفين والذي اتسم بشدة وعنف القتال حتى تقطعت السيوف وتكسرت الرماح. الرواية التاسعة عشرة: نصر: وحدثنا عمر بن سعد، عن الشعبى قال: أرسل على إلى معاوية: أن أبرز لى وأعف الفريقين من القتال، فأينا قتل صاحبه كان الأمر له. قال عمرو: لقد أنصفك الرجل. فقال معاوية: إنى لا كره أن أبارز الأهوج الشجاع، لعلك طمعت فيها ياعمرو. [فلما لم يجب] قال على: " وانفساه، أيطاع معاوية وأعصى؟ ما قاتلت أمة قط أهل بيت نبيها وهي مقرة بنبيها إلا هذه الأمة " (5) . رجال الاسناد: عمر بن سعد بن ابى الصيد الأسدى (6) . بيان درجة الرواية: في الحديث الذي سبق قلنا ان عمر بن سعد هو الأسدى وهو متروك. والغالب هو هنا أيضاً وهو شيعي بغيض متروك الحديث فإسناد هذه الرواية ضعيف جداً. التخريج: ذكر الدينورى (7) طلب على بن ابى طالب رضي الله عنه مبارزة معاوية رضي الله عنه في معركة صفين قريباً مما ذكره المنقرى.   (1) التاريخ الكبير. ج3 ص376. (2) الجرح والتعديل. ج3 ص547. (3) ج8 ص348. (4) الفتوح. ج 3 ص 129. (5) المنقرى، وقعة صفين. ص 387، 388. (6) سبقت ترجمته في ص 495. (7) الأخبار الطوال. ص 176، 177. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 وأورد الطبرى (1) والمسعودى (2) خبر (رواية) طلب على بن ابى طالب رضي الله عنه مبارزة معاوية بن ابى سفيان رضي الله عنه قريبا مما سبق ذكره. ولكن المسعودى يضيف أن معاوية رضي الله عنه اقسم على عمرو بن العاص رضي الله عنه ان يخرج لقتال على رضي الله عنه فلما تبارزا وايقن أنه مقتول كشف عمرو بن العاص رضي الله عنه عن عورته فتركه على رضي الله عنه. في كتاب الفتوح لابن اعثم الكوفى (3) ذكر تفاصيل كثيرة يحذفها المنقرى. وذكر ابن الأثير (4) ، وابن خلدون (5) أخبارا عن رواية طلب على بن ابى طالب رضي الله عنه لمبارزة معاوية ابن ابى سفيان رضي الله عنه. ... وأورد ابن كثير (6) رواية طلب على بن ابى طالب رضي الله عنه مبارزة معاوية ابن ابى سفيان رضي الله عنه من روايتين بألفاظ متقاربه. فالرواية الأولى تذكر أن على ابن ابى طالب رضي الله عنه بارز اربع من أصحاب معاوية رضي الله عنه فقتلهم ثم نادى على معاوية رضي الله عنه لمبارزته بقوله: " … ابرز إلى ولا تفنى العرب بينى وبينك (7) … " والرواية الثانية (8) قريباً مما ذكره المنقرى. الرواية العشرون: نصر (بن مزاحم) ، عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبى أن علي بن ابى طالب مر بأهل راية فرآهم لا يوولون عن موقفهم، فحرض الناس على قتالهم - وذكر أنهم غسان - فقال: " إن هؤلاء القوم لن يزولوا عن موقفهم دون طعن دِراكٍ يخرج منه النسيم (9)   (1) تاريخ الرسل والملوك. ج 5 ص 42. (2) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ج 2 ص 396، ص 397، ج3 ص 42. (3) ج 3 ص 43، 102، 103. (4) الكامل. ج 3 ص 158. (5) العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى (الجزء الأول) . ص 174. (6) البداية والنهاية. ج7 ص 264، 272. (7) البداية والنهاية. ج 7 ص 264. (8) البداية والنهاية. ج 7 ص 272. (9) النسيم: الروح. ... - ابن منظور، لسان العرب. ج 7 ص 4414. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 ، وضرب يفلق الهام، ويطيع العظام، وتسقط منه المعاصم والأكف، حتى تصدع جباههم وتنثر حواجبهم على الصدور والأذقان. أين أهل الصبر وطلاب الخير؟ أين من يشرى وجهه لله عز وجل؟ ". فثابت إليه عصابة من المسلمين فدعا ابنه محمداً فقال له: أمش نحو هذه الراية مشياً رويداً على هينتك، حتى إذا أشرعت في صدورهم الرماح فأمسك يدك حتى يأتيك امرى ورأيي. ففعل، وأَعَدَّ على عليه السلام مثلهم مع الأشتر، فلما دنا منهم وأشرع الرماح في صدورهم، أمر علىٌّ الذين أُعدُّوا فشَدُّوا عليهم، ونهض محمد في وجوههم، فزالوا عن مواقفهم، وأصابوا منهم رجالا، واقتتل الناس بعد المغرب قتالاً شديداً، فلما صلى كثير من الناس إلا إيماء (1) . رجال الاسناد: نمير بن وعلة (2) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لأن فيها نمير بن وعلة مجهول. التخريج: روى الطبرى (3) نص الرواية من طريق ابى مخنف قال حدثنى نمير بن وعلة عن الشعبى. ذكر ابن الاثير (4) أجزاءا من رواية استبسال كتيبة غسان من أهل الشام في القتال. اقتصر ابن خلدون (5) على ذكر مرور على بن ابى طالب رضي الله عنه على كتيبة من أهل الشام قد صبروا في القتال فبعث لازاحتهم محمد بن الحنفية فتمكن من هزيمتهم. الرواية الحادية والعشرون:   (1) المنقرى، وقعة صفين. ص 391، 392. (2) سبقت ترجمته في ص 486. (3) تاريخ الرسل والملوك. ج 5 ص 45، 46. (4) الكامل. ج 3 ص 160. (5) العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى (الجزء الأول) . ص 174. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 نصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبى، عن صعصعة قال: قام الأشعث ابن قيس الكندى ليلة الهرير في أصحابه من كندة فقال: " الحمد لله، أحمده واستعينه، وأومن به وأتوكل عليه، واستنصره وأستغفره، وأستخيره وأستهديه، [وأستشيره وأستشهد به] ؛ فإنه من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له. وأشهد ألا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ش ". ثم قال: " قد رأيتم يامعشر المسلمين ماقد كان في يومكم هذا الماضى، وما قد فنى فيه من العرب، فوالله لقد بلغت من السن ماشاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط. الا فليبلغ الشاهد الغائب، أنا إن نحن تواقفنا غداً إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات. أما والله ما أقول هذه المقالة جزءاً من الحتف، ولكنى رجل مسن أخاف على [النساء و] الذرارى غدا إذا فنينا. اللهم إنك تعلم أنى قد نظرت لقومى ولأهل دينى فلم آل، وما توفيقى إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، والرأى يخطئ ويصيب؛ وإذا قضى الله أمراً أمضاه على ما أحب العباد أو كرهوا. وأقول قولى هذا واستغفر الله [العظيم] لى ولكم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 قال صعصعة: فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث فقال: أصاب ورب الكعبة، لئن نحن التقينا غداً لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا ولتميلن أهل فارس على نساء أهل العراق وذراريهم. وإنما يبصر هذا ذَوُو الأحلام والنهى. اربطوا المصاحف على أطراف القنا. قال صعصعة: فثار أهل الشام فنادوا في سواد الليل: يا أهل العراق، من لذرارينا إن قتلتمونا ومن لذراريكم إن قتلناكم؟ الله الله في البقية. فأصبح أهل الشام وقد رفعوا المصاحف على رءوس الرماح وقلدوها الخيل، والناس على الرايات قد اشتهوا مادعوا إليه، ورُفع مصحف دمشق الأعظم تحمله عشرة رجال على رءوس الرماح، ونادوا: يا أهل العراق، كتاب الله بيننا وبينكم. وأقبل أبو الأعور السلمى على برذون أبيض وقد وضع المصحف على رأسه ينادى: يا أهل العراق، كتاب الله بيننا وبينكم (1) . رجال الاسناد: عمرو بن شمر الجعفى (2) . جابر بن يزيد الجعفى (3) . صعصعة بن صوحان العبدى (4) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لأن فيها عمرو الجعفى ضعيف، وجابر الجعفي ضعيف. التخريج:   (1) المنقرى، وقعة صفين. ص 480، 481. (2) سبقت ترجمته في ص 498. (3) سبقت ترجمته في ص 491. (4) سبقت ترجمته في ص 499. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 هذه الرواية لم أجد من يذكرها من المؤرخين وإنما وجدت في كتاب الفتوح (1) أن معاوية رضي الله عنه طلب من عمرو رضي الله عنه أن يجد مخرجا لما هم فيه من الهزيمة فتفتق ذهن عمرو رضي الله عنه إلى الطلب برفع المصاحف على اسنة الرماح وكان مما رفع المصحف الذي كان بدمشق وكتب في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه فرفع بعد ربطه على اسنة اربعة من الرماح. بينما ذكر المسعودى (2) أن رفع المصاحف على اسنة الرماح إنما جاء بعد أن كادت الهزيمة تقع في جيش معاوية رضي الله عنه الذي ذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه بولاية مصر وطلب منه ايجاد مخرج، فطلب عمرو رضي الله عنه بأن يرفعوا المصاحف وينادوا كتاب الله بيننا وبينكم، من لثغور الشام بعد أهل الشام؟ ومن لثغور العراق بعد أهل العراق؟ ومن لجهاد الروم … ". الرواية الثانية والعشرون: نصر، عن عمر بن سعد، عن نمير بن وعلة، عن الشعبى قال: أسر على أسرى يوم صِفَّين، فخلى سبيلهم فأتوا معاوية، وقد كان عمرو بن العاص يقول لأسرى أسَرَهم معاوية: أقتلهم. فما شعروا إلا بأسراهم قد خلى سبيلهم على فقال معاوية: يا عمرو، لو أطعناك في هؤلاء الأسرى لوقعنا في قبيح من الأمر. ألا تراه قد خلى سبيل أسرانا. فأمر بتخليه من في يديه من أسرى على. وكان على إذا أخذ أسيراً من أهل الشام خلى سبيله، إلا أن يكون قتل أحداً من أصحابه فيقتله به، فإذا خلى سبيله فإن عاد الثانية قتله ولم يخل سبيله. وكان على لا يجهز على الجرحى (3) ولا على من أدبر بصفين، لمكان معاوية (4) . رجال الإسناد: عمر بن سعد بن ابى الصيد الأسدى (5) .   (1) ابن اعثم الكوفى. ج 3 ص 179. (2) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ج 2 ص 400. (3) اجهز على الجريح: أسرعت قتله. ... - ابن منظور، لسان العرب. ج 2 ص 712. (4) المنقرى، وقعة صفين. ص 518، 519. (5) سبقت ترجمته في ص 495. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 نمير بن وعلة الهمدانى (1) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف جداً لأن فيها عمر بن سعد متروك الحديث، ونمير بن وعلة مجهول. التخريج: وهذا الخبر أخرجه الطبرى في تاريخه (2) بنص ما أورده المنقرى. أورد ابن الأثير (3) نص رواية الطبرى مع ذكر تفاصيل يحذفها الطبرى. ذكر ابن كثير (4) أخباراً عن هذه الرواية. هذا وقد اقتصر ابن خلدون (5) على ذكر وقوع اسرى لدى كل فريق ثم اطلاقهم دون ذكر التفاصيل. الرواية الثالثة والعشرون:   (1) سبقت ترجمته في ص 486. (2) ج 5 ص 56. (3) الكامل. ج 3 ص 158، 159. (4) البداية والنهاية. ج 7 ص 278. (5) العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى (الجزء الأول) . ص 174. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 نصر، عن عمر بن سعد، عن إسحاق بن يزيد، عن الشعبى، أن على قال يوم صفين حين أقر الناس بالصُّلح: إنّ هؤلاء القوم لم يكونوا ليفيئوا إلى الحق، ولا ليجيبوا إلى كلمة السواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر، وحتى يُرجَموا بالكتائب تقفوها الجلائب، وحتى يَجُرَّ ببلادهم الخميس يتلوه الخميسُ، وحتى يَدعوا الخيل في نواحى أرضهم وبأحناء مساربهم ومسارحهم، وحتى تشن عليهم الغارات من كل فج، وحتى يلقاهم قوم صُدُق صُبُر، لا يَزيدهُمْ هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله، وحرصا على لقاء الله. ولقد كنا مع رسول الله ش وآله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، مايزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليما ومضياً على أمض الألم، وجدا على جهاد العدو، والاستقلال بمبارزة الأقران. ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاوُلَ الفَحْلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقى صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا. فلما رآنا الله صبرا صدقا أنزل الله بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر. ولعمرى لو كنا نأتى مثل الذين أتيتم ما قام الدين ولا عز الإسلام، وايم الله لتحلبنها دماً، فاحفظوا ما أقول لكم - يعنى الخوارج- (1) . رجال الاسناد: عمر بن سعد (2) . إسحاق بن يزيد الكوفى (3) . ذكره ابن ابى حاتم فى كتابه وسكت عنه (4) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف جداً لان عمر بن سعد متروك الحديث، واسحاق بن يزيد سكت عنه ابن ابى حاتم. التخريج: رواية لم اجد لها مايماثلها فيما رجعت اليه من المصادر. الرواية الرابعة والعشرون:   (1) المنقرى، وقعة صفين. ص 520، 521. (2) سبقت ترجمته في ص 495. (3) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج2 ص238. (4) الجرح والتعديل. ج2 ص238. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 نصر: عمر بن سعد، عن مجالد، عن الشعبى، عن زياد بن النضر ان عليا بعث اربعمائة رجل (1) ، وبعث عليهم شريح بن هانى الحارثى (2) ، وبعث عبد الله بن عباس يصلى بهم ويلى امورهم، وأبو موسى الاشعرى (3) معهم. وبعث معاوية عمرو بن العاص في اربعمائة رجل. قال: فكان إذا كتب على بشئ اتاه اهل الكوفة فقالوا: مالذى كتب به إليك امير المؤمنين؟ فيكتمهم فيقولون له: كتمتنا ماكتب به اليك، انما كتب فى كذا وكذا. ثم يجئ رسول معاوية إلى عمرو بن العاص فلا يدرى في اى شئ جاء ولافي اى شئ ذهب، ولايسمعون حول صاحبهم لغطا. فأنَّب ابن عباس اهل الكوفة بذاك وقال: إذا جاء رسول قلتم بأى شئ جاء، فإن كتمكم قلتم لم تكُتُمنا؟ جاء بكذا وكذا. فلا تزالون توقفون وتقاربون حتى تصيبوا، فليس لكم سر. ثم انهم خلوا بين الحكمين فكان راى عبد الله بن قيس أبو موسى في ابن عمر. وكان يقول: والله ان لو استطعت لأحيين سنة عمر (4) . رجال الاسناد: عمر بن سعد (5) . مجالد بن سعيد الهمدانى (6) . زياد بن النضر أبو النضر (7) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف جداً لان فيها عمر بن سعد متروك الحديث. ومجالد بن سعيد ليس بالقوي. التخريج:   (1) وفى الفتوح " خمسمائة رجل " بدل " اربعمائة رجل ". ... - ابن اعثم الكوفى. ج3 ص205. (2) شريح بن هانى بن يزيد الحارثى ابو المقدام الكوفى. مخضرم. ... - ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص88. ... - ابن حزم، جمهرة أنساب. ج 2 ص 417. (3) أبو موسى الأشعرى عبد الله بن قيس الأشعرى. صحابى جليل. ... - مسلم، الكنى والاسماء. ج2 ص765 (3113) . (4) المنقرى، وقعة صفين. ص533،534. (5) سبقت ترجمته في ص 495. (6) سبقت ترجمته في ص 470. (7) سبقت ترجمته في ص 508. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 وهذا الخبر يؤ يده ماأخرجه الطبرى (1) من طريق ابى مخنف قال: حدثنى مجالد بن سعيد عن الشعبى عن زياد ابن النضر الحارثى … اورد ابن الاثير (2) نص الرواية وذكر تفاصيل يحذفها المنقرى. وذكر ابن خلدون (3) الجزء الاول من الرواية وهو الذى فيه ارسال على رضى الله عنه لاربعمائه من جيشه مع أبو موسى الاشعرى ثم ان اهل العراق كانوا دائمى المحاوله للاطلاع على مايرد من الكتب على عكس اهل الشام. الرواية الخامسة والعشرون: ذكر على بن محمد قال: أخبرنا عبد الله بن ميمون، عن عمرو بن شجيرة العجلى، عن جابر، عن الشعبى، قال بعث على بعد ما رجع من صفين جعدة بن هبيرة المخزومى (4) إلى خراسان، فانتهى إلى أبر شهر، وقد كفروا وامتنعوا، فقدم على على. فبعث خليد بن قرة اليربوعى (5) ، فحاصر اهل نيسابور (6) حتى صالحوه، وصالحه اهل مرو (7)   (1) تاريخ الرسل والملوك. ج5 ص67. (2) الكامل. ج3 ص166،167. (3) العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى (الجزء الاول) . ص177. (4) جعدة بن هبيرة بن ابى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشى. صحابى جليل. ... - البخارى، التاريخ الكبير. ح2 ص 239. ... - ابن عبد البر، الاستيعاب. ج1 ص240. ... - ابن حجر، الاصابة. ج1 ص236. (5) خليد بن قرة التميمى ولاه على بن أبى طالب على خراسان. ... - خليفه بن خياط، تاريخ خليفه. ص199. (6) نيسابور: مدينة كبيرة باقليم خراسان. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج5. ص331،332. (7) مرو: ويطلق عليها ايضا مرو الشاهجان وهى مدينة عظيمة باقليم خراسان. ومن اشهر مدن هذا الاقليم. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج5 ص112. ... - كى لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية. ص439،440. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 ، واصاب جاريتين من ابناء الملوك نزلتا بامان، فبعث بهما إلى على، فعرض عليهما الاسلام وان يزوجهما، قالتا: زوجنا ابنيك، فابى، فقال له بعض الدهاقين: ادفعهما إلى، فانه كرامة تكرمنى بها، فدفعهما اليه، فكانتا عنده، يفرش لهما الديباج، ويطعمهما في انيه من الذهب، ثم رجعتا إلى خراسان (1) . رجال الاسناد: على بن محمد المدائنى (2) . عبد الله بن ميمون الرقى أبو عبد الرحمن (3) قال ابن حجر (4) "مقبول" توفى بعد سنه 100هـ. عمرو بن شجيرة (5) العجلى. شاعر جاهلى (6) . جابر بن يزيد الجعفى (7) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لأن عبد الله بن ميمون الرقى مقبول، وجابر الجعفى ضعيف. التخريج: والخبر عند ابن عبد البر (8) مقتصر على ولاية على بن ابى طالب رضى الله عنه جعدة بن هبيرة على خرسان.   (1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج5 ص63،64. (2) سبقت ترجمته في ص 483. (3) البخارى، التاريخ الكبير. ج5 ص206. ... - مسلم، الكنى والاسماء. ج1 ص528 (2106) . ... - ابن أبى حاتم، الجرح والتعديل. ج5 ص172 ... - ابن حجر، تهذيب التهذيب. ج6 ص49. (4) تقريب التهذيب. ص326. (5) شُجيرة: بشين معجمة مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم مثناة تحت ساكنة، وشجيرة امه، واسم ابيه عبد الله بن حذافة. ... - المرزبانى: محمد، معجم الشعراء. تصحيح ف. فرنكو، الطبعة الثانيه، مكتبة القدسى- دار الكتب العلمية- بيروت، 1402هـ - 1982م. ص224 ... - ابن ناصر الدين: محمد القيسى، توضيح المشتبه. الجزء الخامس، تحقيق محمد نعيم العرقسوسى، الطبعة الاولى، مؤسسة الرسالة. بيروت، 1414هـ - 1993م. ص67. (6) المرزبانى، معجم الشعراء. ص224. (7) سبقت ترجمته في ص 491. (8) الاستيعاب. ج1 ص240. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 ذكر ابن الاثير (1) جزءاً من الرواية وهو المتعلق بمسير جعدة بن هبيرة رضى الله عنه إلى خراسان ثم عودته ثم ارسال خليد بن قرة إلى نيسابور ومرو، والذى عقده معهما. الرواية السادسة والعشرون: حدثنى عمر بن شبه، قال: حدثنا أبو الحسن، عن على بن مجاهد، قال: قال الشعبى: لما قتل على عليه السلام اهل النهروان، خالفه قوم كثير، وانتقضت عليه اطرافه، وخالفه بنو ناجيه (2) ، وقدم ابن الحضرمى البصرة وانتقض اهل الاهواز (3) ، وطمع اهل الخراج فى كسره، ثم اخرجوا سهل ابن حنيف (4) من فارس، وكان عامل على عليها، فقال ابن عباس لعلى: اكفيك فارس بزياد، فأمره على أن يوجهه اليها، فقدم ابن عباس البصرة، ووجهه إلى فارس في جمع كثير، فوطئ بهم اهل فارس، فادوا الخراج (5) . رجال الاسناد: عمر بن شبه (6) . على بن محمد المدائنى أبو الحسن (7) . على بن مجاهد بن مسلم بن رفيع الكابلى (8) . الرازي، العبدى ويقال الكندى مولى حكيم بن جبلة بن عبد القيس. القاضى (9)   (1) الكامل. ج3 ص165. (2) بنو ناجيه: بطن من الاشعريين من القحطانية، وهم بنو ناجيه بن الجماهر بن الاشعر. ... - القلقشندى: أحمد، نهاية الارب في معرفة أنساب العرب. الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1405هـ - 1985م. ص382. (3) الاهواز (خوزستان) كورة عظيمة متصلة بالجبل ببلاد فارس. ... - ياقوت، معجم البلدان. ج1 ص284، 285. ... - الحميرى، الروض المعطار. ص61. (4) سهل بن حُنَيف بن واهب بن العكيم الاوسى الانصارى المدنى. ... - البخارى، التاريخ الكبير. ج4 ص97. ... - ابن حجر، الاصابة. ج2 ص87. (5) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج5 ص122. (6) سبقت ترجمته في ص 483. (7) سبقت ترجمته في ص 483. (8) الكابلى: بضم موحدة وخفة لام. ... - محمد بن طاهر الهندى، المغنى. ص 214. (9) العقيلى، الضعفاء الكبير. س 3 ص 252 (1254) . ... - ابن حبان، الثقات. ج 8 ص 459. ... - ابن الجوزى، الضعفاء والمتروكين. ج 1 ص 198. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 قال ابن حجر (1) "متروك ... ، وليس من شيوخ أحمد اضعف منه". توفى بعد سنة 180هـ. بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف جداً لان فيها على بن مجاهد متروك. التخريج: ذكر ابن الاثير (2) نص الرواية الا انه يذكر ان جارية بن قدامه وقيل عبد الله بن عباس هو الذى اشار. على على رضى الله عنه بتولية زياد بن ابيه. اخرج ابن كثير (3) نص الرواية. الرواية السابعة والعشرون: فحدثنى عمر بن شبه (4) ، قال: حدثنى على، عن حبان بن موسى، عن المجالد، عن الشعبى، قال: كتب معاوية حين قتل على عليه السلام إلى زيادة يتهدده فقام خطيباً فقال: العجب من ابن آكلة الأكباد، وكهف النفاق، ورئيس الأحزاب، كتب إلى يتهددنى وبينى وبينه ابنا عم رسول الله ش - يعنى ابن عباس والحسن بن على - في تسعين ألفا، واضعى سيوفهم على عواتقهم، لاينثنون، لئن خلص إلى الأمر ليجدنى أحمز (5) ضرابا بالسيف. فلم يزل زياد بفارس واليا حتى صالح الحسن عليه السلام معاوية، وقدم معاوية الكوفة، فتحصن زياد في القلعة التى يقال لها قلعة زياد (6) . رجال الاسناد: عمر بن شبه (7) . على بن محمد المدائنى أبو الحسن (8) . ... حبان بن موسى بن سوار المروزى أبو محمد (9)   (1) تقريب التهذيب. ص 405. (2) الكامل. ج3 ص191،192. (3) البداية والنهاية. ج7ص318،321. (4) الخبر برواية عمر بن شبه ليس في أخبار المدينة المطبوع. (5) احمز: اى أشد: أى الشديد. ... - ابن منظور، لسان العرب. ج 2 ص 994. (6) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 5 ص 170. (7) سبقت ترجمته في ص 483. (8) سبقت ترجمته في ص 483. (9) البخارى، التاريخ الكبير. ج 3 ص 90. ... - مسلم، الكنى والأسماء. ج 2 ص 751 (3049) . ... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 3 ص 271. ... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 70. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 قال ابن حجر (1) " ثقة ". توفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين (2) . مجالد بن سعيد الهمدانى (3) . بيان درجة الرواية: اسنادها ضعيف لأن فيها مجالد ليس بالقوى. التخريج: وذكر ابن اعثم الكوفى (4) خطاب زياد بن أبيه رداً على تهديد معاوية بن ابى سفيان رضي الله عنه له قريبا مما سبق ذكره. واورد تفاصيل يحذفها الطبرى. أورد ابن الاثير (5)   (1) تقريب التهذيب. ص 150. (2) الذهبى، العبر. ج 1 ص 325. (3) سبقت ترجمته في ص 470. (4) الفتوح. ج 4 ص 301 - 303. (5) الكامل. ج 3 ص 220. المصادر والمراجع القرآن الكريم. المخطوطات: ابن الأثير، على بن محمد الجزرى ت 630 هـ. - أسماء الرجال، معهد البحوث العلمية وأحياء التراث الإسلامي جامعة أم القرى - مكة المكرمة - رقم (649) - تراجم - حديث المصادر: ابن ابي حاتم، عبد الرحمن بن ابي حاتم محمد بن ادريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي ت 327 هـ. - الجرح والتعديل، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن الهند، 1372 م - 1952 م. ابن ابي شيبه، عبد الله بن محمد بن ابي شيبه ابراهيم بن عثمان ت 235 هـ. - المصنف الجزء الثاني، تحقيق عامر العمري الأعظمي، الدار السلفية، الهند. - المصنف ج 11؛ 12، تحقيق مختار احمد الندوي، الطبعة الأولي، الدار السلفية - الهند، 1408 هـ - ج 8 1401 هـ. ابن الأثير، على بن محمد الجزري ت 630 هـ. - الكامل ج2، ج3، الطبعة الثالثه؛ دار الكتاب العربي، بيروت، 1400هـ - 1980 م. ابن اعثم، أحمد بن اعثم الكوفي ت نحو 314 هـ. - الفتوح ج3، الطبعة الأولى؛ دار الكتب العلمية، بيروت، 1406 هـ - 1986 م. ابن الجوزي، عبد الرحمن بن على بن محمد ت 597 هـ. - الضعفاء والمتروكين، تحقيق عبد القاضي؛ الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1406 هـ - 1986 م. ابن حبان، محمد بن حبان البستي ت 354 هـ. - الثقات، الطبعة الأولى؛ مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن الهند - 1403 هـ - 1983 م. - المجروحين، تحقيق محمود إبراهيم زايد؛ الطبعة الثانية، 1402 هـ. ابن حجر، شهاب الدين احمد بن على بن حجر العسقلاني الشافعي ت 852 هـ. - الإصابة في تمييز الصحابة ج 1، ج2، ج 3، ج4، الطبعة الأولى؛ مطبعة السعادة - مصر؛ 1328 هـ. - تقريب التهذيب، تحقيق محمد عوامه؛ الطبعة الأولى؛ دار الرشيد، سوريا، 1406 هـ - 1986 م. - تهذيب التهذيب ج 4، ج 5، الطبعة الأولي؛ مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد الدكن الهند، 1325 هـ. - لسان الميزان ج3، ج 4، ج6، الطبعة الثانية؛ دار الكتاب الإسلامي، بدون. ابن حزم، على بن احمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ت 456هـ. - جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام محمد هارون؛ الطبعة الرابعة، دار المعارف - القاهرة 1977 م. ابن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل ت 241 هـ. - المسند. ج 4، دار الكتب العلمية، بدون. ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المغربي ت 808 هـ. - العبر وديوان المبتدأ والخبر في ايام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، مؤسسة جمال للطباعة والنشر - بيروت؛ 1399هـ - 1979 م. ابن خلكان، شمس الدين احمد بن محمد بن أبي بكر ت 681 هـ. - وفيات الأعيان وانباء ابناء الزمان ج4، تحقيق احسان عباس؛ دار صادر - بيروت، بدون. ابن زنجويه: حميد بن زنجويه ت 251 هـ. - كتاب الأموال، تحقيق شاكر ذيب فياض؛ الطبعة الأولي؛ مركز الملك فيصل للبحوث والدرسات الإسلامية - الرياض - السعودية، 1406 هـ - 1986م. ابن سعد: محمد بن سعد ت 230 هـ. - الطبقات الكبري، مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر - القاهرة؛ 1388 هـ - 1968 م. ابن عبد البر: يوسف بن عبد الله بن محمد ت 464 هـ - الاستيعاب في معرفة الأصحاب (بهامش الأصابة في تمييز الصحابة) ، الطبعة الأولى؛ مطبعة السعادة - مصر؛ 1328 هـ. ابن عدي: عبد الله بن عدي الجرجاني ت 365 هـ. - الكامل في ضُعفاء الرجال، الطبعة الثانية؛ دار الفكر - بيروت، 1405 هـ - 1985 م. ابن عساكر: ثقة الدين أبو القاسم على بن الحسن بن هبة الله الشافعي ت 571 هـ - تهذيب تاريخ دمشق الكبير، هذبه ورتبة عبد القادر بدران؛ الطبعة الثانية؛ دار المسيرة - بيروت، 1399 هـ - 1979 م ابن قتيبة: عبد الله بن مسلم ت 276 هـ. - عيون الأخبار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973 م. - المعارف، تصحيح محمد اسماعيل عبد الله الصاوي؛ اصح المطابع - كراتشي، 1396 هـ - 1976 م. ابن القيسراني: محمد بن طاهر بن علي المقدسي ت 507 هـ. - الأنساب المتفقة، مكتبة المثنى - بغداد، بدون. ابن كثير: إسماعيل بن كثير القرشي ت 774 هـ. - البداية والنهاية:ج 6، ج 7 دار ابن كثير - بيروت؛ 1388 هـ - 1967 م. ابن معين: يحى بن معين ت 233 هـ. - التاريخ، تحقيق احمد محمد نور سيف؛ الطبعة الأولي، مركز البحث العلمي واحياء التراث الإسلامي -جامعة أم القرى - مكة المكرمة - 1399 هـ - 1979 م. ابن منظور: محمد بن مكرم ت 711 هـ. - لسان العرب، تحقيق عبد الله على الكبير؛ ومحمد احمد حسب الله، وهاشم محمد الشاذلي، دار المعارف - القاهرة - بدون. أبو عبيد: القاسم بن سلام ت 224 هـ. - الأموال، تحقيق محمد خليل هراس؛ الطبعة الأولي، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية - مصر - 1388 هـ - 1986 م. أبو العرب التميمي: محمد احمد بن تميم التميمي ت 333هـ. - المحنْ، تحقيق يحى وهيب الجبوري؛ الطبعة الأولي، دار الغرب الإسلامي، 1403 هـ - 1983 م. البخاري: محمد بن إسماعيل ت 256 هـ. - التاريخ الصغير، تحقيق محمود إبراهيم زايد؛ فهرس الأحاديث يوسف المرعشلي، الطبعة الأولى، دار المعرفة - بيروت، 1406 هـ - 1986 م. - التاريخ الكبير، بيروت؛ 1986 م. - الضعفاء (داخل كتاب المجموع في الضعفاء والمتروكين) ، تحقيق عبد العزيز عز الدين السيروان؛ الطبعة الأولى، دار القلم - بيروت، 1405 هـ - 1985 م. البلاذري: أحمد بن يحى بن جابر ت 276 هـ. - فتوح البلدان، نشره ووضع ملاحقه وفهارسه صلاح الدين المنجد، مكتبة النهضة المصرية - القاهرة، بدون. الجاحظ: عمرو بن بحر ت 255 هـ. - البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام محمد هارون؛ الطبعة الثالثة، مؤسسة الخانجي، القاهرة، بدون. الجوزجاني: إبراهيم بن يعقوب ت 259 هـ. - أحوال الرجال، تحقيق صبحي البدري السامرائي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405 هـ - 1985 م. الحميري: محمد بن عبد المنعم ت 727 هـ. - الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق احسان عباس، الطبعة الثانية، مكتبة لبنان - بيروت - لبنان، 1984م. الخزرجي: صفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي الأنصاري ت 923 هـ. - خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الطبعة الثالثة، الناشر مكتبة المطبوعات الإسلامية، بيروت، 1399 هـ - 1979 م. الخطيب البغدادي: أحمد بن على بن ثابت ت 463 هـ. - تاريخ بغداد، ج12، ج13، دار الكتب العلمية - بيروت، بدون. خليفة بن خياط: ت 240 هـ. - تاريخ خليفه بن خياط، تحقيق اكرم ضياء العمري، الطبعة الثانية، دار القلم - دمشق، بيروت، مؤسسة الرسالة -بيروت - 1397هـ - 1977 م. - الطبقات، تحقيق اكرم ضياء العمري، الطبعة الثانية، دار طيبة للنشر التوزيع - الرياض، 1402 هـ - 1982 م. الدارقطني: علي بن عمر ت 385 هـ. - الضعفاء والمتروكون (داخل كتاب المجموع في الضعفاء والمتروكين) ، تحقيق عبد العزيز عز الدين السيروان، الطبعة الأولي، دار القلم - بيروت - 1405 هـ - 1985 م. - المؤتلف المختلف، تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي - بيروت - لبنان - 1406 هـ - 1986 م. الدارمي: عثمان بن سعد ت 280 هـ. - تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي، تحقيق أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث، دمشق - بيروت - 1400 هـ. الدولابي: محمد بن أحمد بن حماد ت 310 هـ. - الكني والأسماء، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية - بيروت، 1403 هـ - 1983 م. الدينوري: أحمد بن داود ت 282 هـ. - الأخبار الطوال، تحقيق عبد المنعم عامر، مراجعة جمال الدين الشيال، مصر، 1397 هـ - 1959 م. الذهبى: محمد بن أحمد بن عثمان ت 748 هـ. - تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام. الجزء الأول، تحقيق محمد عبد الهادي شعيرة، مطبعة دار الكتب - القاهرة، 1973 م. - ج 4، مكتبة القدسي - القاهرة، 1368 هـ. - تذكرة الحفاظ: دار احياء التراث العربي، بدون. - سير أعلام النبلاء: ج 4 تحقيق مأمون الصاغرجي، اشرف على التحقيق شعيب الأرنؤوط، الطبعة الثانية، 1402هـ - 1982م، ج 13 تحقيق على أبو زيد، اشرف على التحقيق شعيب الأرنؤوط، ج 14 تحقيق أكرم البلوشى، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1403هـ - 1983م، ج 17 تحقيق شعيب الأرنؤوط، ومحمد نعيم العرقسوسي، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1404هـ - 1984 م. - العبر في خبر من غبر: تحقيق أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول الطبعة الأولي، دار الكتب العلمية - بيروت، 1405 هـ - 1985 م. - الكاشف: الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت - 1403 هـ - 1983 م. - المغني في الضعفاء: كتبة نور الدين عتر، مطابع الدوحة الحديثة، قطر، 1987 م. - المقتني في سرد الكني: تحقيق محمد صالح عبد العزيز المراد، الطبعة الأولي، الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة - 1408 هـ. - ميزان الاعتدال: تحقيق على محمد البجاوي، دار احياء الكتب العربية، مصر، بدون. السمعاني: عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي ت 562 هـ. - الأنساب، الطبعة الأولي، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن - الهند 1397 هـ - 1977 م. السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر ت 911 هـ. - تاريخ الخلفاء، دار الفكر، 1394 هـ - 1974 م. - الجامع الصغير: ج 1، الطبعة الأولى، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده - القاهرة، 1373هـ-1954م. - طبقات الحفاظ: الطبعة الأولي، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، 1403 هـ - 1983 م. الصفدي: صلاح الدين خليل بن ايبك ت 764 هـ. - الوافي بالوفيات ج 2، ج 16، الجزء الثانى. اعتناء. س. ديدرنغ دارفرانز شتاير للنشر - فيسبادن، 1394هـ - 1974م، الجزء السادس عشر. اعتناء وداد القاضي، مطابع مركز الطباعة الحديثة، بيروت، 1402 هـ - 1982م. الطبراني: سليمان بن أحمد ت 360هـ. - المعجم الكبير ج 2، تحقيق عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، مطبعة الزهراء الحديثة - الموصل، 1984م. الطبري: محمد بن جرير ت 310 هـ. - تاريخ الرسل والملوك: تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، الطبعة الرابعة، دار المعارف - مصر، ج 2، ج4 1977 م، ج 6؛ 7 1979م، ج 9 1976 م. العبدي (الرقام البصري) : محمد بن عمران العبدي. - كتاب العفو والاعتذار، تحقيق عبد القدوس أبو صالح، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض - السعودية - 1401 هـ - 1981 م. العجلي: أحمد بن عبد الله بن صالح ت 261 هـ. - تاريخ الثقات، تحقيق عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولي، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان، 1405 هـ - 1984 م. العقيلي: محمد بن عمرو بن موسي بن حماد المكي ت 322. - الضعفاء الكبير، تحقيق عبد المعطي امين قلعجي، الطبعة الأولى دار الكتب العلميه، بيروت - 1404 هـ - 1984 م. القلقشندي: أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله ت 821 هـ. - نهاية الأرب في معرفة انساب العرب، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان - 1405 هـ - 1984 م. المبرد: محمد بن يزيد ت 285 هـ. - الكامل، دار الفكر، بدون. المرزباني: محمد بن عمران ت 384 هـ. - معجم الشعراء، تصحيح. ف. كرنكو، الطبعة الثانية، مكتبة القدسي - دار الكتب العلمية - بيروت، 1402 هـ - 1982م المزي: جمال الدين أبي الحجاج يوسف ت 742 هـ. - تهذيب الكمال في أسماء الرجال، دار المأمون للتراث - دمشق - بيروت. المسعودي: علب بن الحسين بن على ت 346 هـ. - مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت - لبنان، 1403 هـ - 1983 م. مسلم: مسلم بن الحجاج بن مسلم ت 261 هـ. - الكنى والأسماء، تحقيق عبد الرحيم محمد أحمد القشقري، الطبعة الأولى، الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة - السعودية، 1404هـ - 1984 م. المنقري: نصر بن مزاحم ت 212 هـ. - وقعة صفين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، الطبعة الثانية، ملتزم الطبع والنشر، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر - القاهرة - 1382 هـ. النسائي: أحمد بن شعيب ت 303 هـ. - الضعفاء والمتروكون (داخل كتاب المجموع في الضعفاء والمتروكين) ، تحقيق عبد العزيز عز الدين السيروان، الطبعة الأولى، دار القلم، بيروت - لبنان - 1405 هـ - 1985م. - الهندي: محمد بن طاهر بن على ت 986هـ. - المغنى في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم، دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان 1402 هـ - 1982 م. الهيثمي: نور الدين علي بن أبي بكر ت 807 هـ. - مجمع الزوائد، مؤسسة المعارف - بيروت، 1406 هـ - 1986 م. ياقوت: ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي ت 622 هـ. - معجم الأدباء ج 17، ج19، الطبعة الأخيرة، مطبعة دار المأمون - مصر، بدون. - معجم البلدان، دار صادر، دار بيروت - بيروت - لبنان، ج 1، ج 2 - بدون، ج 3، ج 4، ج 5 طبع 1376 هـ - 1957 م. اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب بن واضح العباسي ت 284 هـ. - تاريخ اليعقوبي، دار صادر - بيروت - لبنان. المراجع: خالد محمد الغيث. - مرويات سيف عمر بن عمر في تاريخ الطبري (رسالة ماجستير) . معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، رقم (1283) - تاريخ -. كي لسترنج. - بُلدان الخلاقة الشرقية، ترجمة بشير فرنسيس - كوركيس عواد، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان، 1405 هـ - 1985 م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 بعض اجزاء (مقاطع) من نص الخطاب الذى القاه زياد بن أبيه بعد تهديد معاوية رضي الله عنه له. • • • الخاتمة: 1 - اهتم الشعبى باتباع طريقة المحدثين في توثيق مروياته بذكر الاسناد وهو ما كان متبعاً في القرن الأول الهجرى حيث اختلاط الحديث بالتاريخ. 2 - استعمل الشعبى في مروياته أسلوبا تميز بالقوة والخلو من اللحن. 3 - اعتماده على قوة حفظه وفي ذلك قوله (الشعبى) "ما كتبت سوداء في بيضاء ولا سمعت من رجل حديثاً فأردت أن يعيده على". 4 - عدد الروايات التي وردت في البحث (49) رواية وهي موزعة كالتالى: أ - في خلافة أبى بكر الصديق (3) رواية (تاريخ الرسل والملوك) . الرواية رقم (1) ، والرواية رقم (3) مقبولة تاريخيا وايضاً منقطعة. والرواية رقم (2) إسنادها ضعيف. ب - في خلافة عمر رضي الله عنه (13) رواية (تاريخ الرسل والملوك) . والروايات من رقم (1) إلى رقم (12) إسنادها ضعيف. والرواية الأخيرة (13) إسنادها حسن. ج - في خلافة عثمان رضي الله عنه (6) رواية (تاريخ الرسل والملوك) . وكل هذه الروايات إسنادها ضعيف. د - في خلافة على رضي الله عنه (27) رواية [منها (9) رواية من تاريخ الرسل والملوك - وهي تحمل ارقام 1، 2، 3، 4، 5، 6، 25، 26، 27 - والباقى من وقعة صفين] . فالرواية الأولى - رقم (1) - إسنادها حسن. و (13) رواية - وهي تحمل ارقام (3) ، (6) ، (11) ، (12) ، (13) ، (14) ، (15) ، (16) ، (17) ، (20) ، (21) ، (25) ، (27) - إسنادها ضعيف. وأيضاً (13) رواية - وهي تحمل أرقام (2) ، (4) ، (5) ، (7) ، (8) ، (9) ، (10) ، (18) ، (19) ، (22) ، (23) ، (24) ، (26) - إسنادها ضعيف جداً. الهوامش والتعليقات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 ميزاب الكعبة المشرفة المؤرخ عام1273هـ د. ناصر بن علي الحارثي الأستاذ المشارك بقسم الحضارة الإسلامية - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة أم القرى ملخص البحث تتناول هذه الدراسة ميزاب الكعبة المشرفة الذي أمر بصنعه في استامبول السلطان عبد المجيد الأول عام 1273هـ /1856م، والذي ركب بها عام 1276هـ / 1859م، وقد مهدت لهذه الدراسة بنبذة تاريخية عن الميازيب التي عملت للكعبة المشرفة حتى نهاية العصر العثماني، ثم فصلت في دراسة الميزاب موضوع الدراسة وصفاً وتحليلاً، مدعماً هذه الدراسة بصور للميزاب، وتفريغ للنصوص الكتابية المنفذة فيه، إضافة إلى الأشكال الموضحة للمعلومات التي وردت في ثنايا هذه الدراسة. حظي ميزاب (1) الكعبة المشرفة باهتمام ولاة أمر المسلمين منذ فجر الإسلام، فتعهدوه بالاصلاح والتجديد والترميم، وكان أخر ميزاب صنع للكعبة المشرفة قبل العصر السعودي الميزاب الذي أمر بصنعه السلطان العثماني عبد المجيد الأول بن محمود الثاني عام 1273هـ / 1856م، وهو الميزاب الذي أفردنا له هذه الدراسة المستقلة لماينطوي عليه من أهمية، فضلاً عن أنه لم يسبق بالدراسة، وسوف تتمحور دراستنا له حول ثلاثة محاور مسبوقة بتمهيد يمثل نبذة تاريخية عن ميزاب الكعبة المشرفة، يليه المحور الأول الذي خصصناه للوصف العلمي للميزاب، ثم المحور الثاني الذي أفردناه للمواد الخام المستخدمة في الصناعة، وطرق الصناعة، وأساليب تنفيذ الكتابات، أما المحور الثالث فقمنا فيه بالتحليل الفني للكتابات من حيث مضمونها، والأسماء الواردة في النص، وكذلك الألقاب، وأشكال الحروف. تمهيد: نبذة تاريخية عن ميزاب الكعبة المشرفة: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 أحصى محمد طاهر الكردي (1) الميازيب التي عملت للكعبة المشرفة حتى نهاية العصر العثماني بثلاثة عشر ميزاباً، إثنان منها لم تصرح بها المصادر التاريخية ولكنه استنتجها من خلال الروايات التاريخية التي تحدثت عن عمارة الكعبة المشرفة، وواحد منها أورده عن الغازي في تاريخه نقلاً عن الصباغ في تحصيل المرام، بينما أحصاها قبله صاحب مرآة الحرمين (2) ميازيب، وأياً كان الإختلاف في عدد الميازيب التي ركبت في الكعبة المشرفة فإننا نقدرها ترجيحاً بعشرة ميازيب، وقد استبعدنا أن يكون قصي بن كلاب قد جعل للكعبة المشرفة ميزاباً، وكذلك استبعدنا أن يكون الخليفة الأموي الوليد ابن عبد الملك قد فعل مثله، لأن الروايات التاريخية أشارت صراحة إلى أنه حلى الميزاب بالذهب (4) ، كما استبعدنا أيضاً الرواية التي أشارت إلى أن الشريف رميثة (ت746هـ / 1345م) قد صنع ميزاباً للكعبة المشرفة، لأن ذلك لم يثبت تاريخياً، وقد انفرد بإيراد هذه الرواية الغازي في تاريخه نقلاً عن الصباغ في تحصيل المرام (5) ، وهو مالم يذكره غيره، وقد يكون الشريف رميثة قد حلى الميزاب بالذهب، فحصل وهم في أنه عمل ميزاباً، كما حدث عندما أشار بعض المؤرخين إلى قيام الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بعمل ميزاب للكعبة، بينما الثابت تاريخياً أنه حلى الميزاب بالذهب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 وفي ضوء ماسبق نستطيع القول: إن أول ميزاب عمل للكعبة المشرفة كان الميزاب الذي عملته قريش عند بنائها لها قبل البعثة المطهرة (6) ، ثم ميزاب عبد الله بن الزبير عند بنائه للكعبة عام 65هـ / 684م (7) ، ثم ميزاب الحجاج بن يوسف الثقفي الذي أعادبناء الكعبة عام 73هـ / 692م (8) ، ثم ميزاب الشيخ أبو القاسم رامشت، الذي وصل به خادمه بعد موته عام 537هـ / 1142م (9) وميزاب الخليفة العباسي المقتفي بالله في عام 541هـ/1146م (10) ، وميزاب الناصر لدين الله العباسي عام 622هـ / 1279م (11) ، وميزاب السلطان العثماني سليمان القانوني عام 959هـ / 1551م (12) ، والميزاب الذي ورد من مصر عام 962هـ / 1554م (13) ، ثم ميزاب السلطان العثماني أحمد الأول بن محمد الثالث عام 1021هـ /1612م (14) ، فميزاب السلطان عبد المجيد الأول بن محمود الثاني عام 1273هـ / 1856م، والذي تم ارساله بصحبة الحاج رضا باشا عام 1276هـ / 1859م (15) ، وتم تركيبه في موضعه بأعلى منتصف الجدار الشمالي للكعبة المشرفة، وهو الميزاب موضوع دراستنا في هذا البحث. أولاً: وصف الميزاب: (اللوحات 14، الأشكال 111) يأخذ هذا الميزاب شكلاً مستطيلاً مفتوحاً من أعلاه ممايلي السماء ومن مؤخرته ممايلي سطح الكعبة،وكذلك من مقدمته ممايلي حجر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، ويبلغ طول الميزاب 2.58م، منها 58سم في داخل الجدار، وعرضه 25سم، وارتفاعه 21سم (16) ، وقد صفحت جوانب الميزاب المعمولة من خشب التك ذي السمك 2 سم بصفائح الذهب عيار 24 قيراطاً عيار 99.9% (17) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وقد دعم الميزاب بعارضتين من المعدن الصلب الذي لايصدأ بسماكة 4مم، دعمت كل عارضة برباط من الصلب وزنه 660 غراماً، إحدى هذه العوارض تحمل سلسلة من الفضة وزنها 2.500 كغم، وطولها 190 سم، وعدد العقد 90 عقدة بكل عقدة حلقتان ملحومتان مع بعضهما بعكس إتجاه الفتحة، الغرض من هذه السلسلة تدعيم الميزاب وتثبيته حيث تربط نهايتها في أعلى جدار الكعبة، أما تثبيت الميزاب في الجدار فقد تم تصنيع صندوق من خشب " التك " الصلب المصفح على هيئة (جلبة) يثبت فيها الميزاب في جدار الكعبة بعمق 58سم، وينفذ للسطح بميل من 2 3%، بواسطة ثمانية براغي (مسامير حلزونية) من نوع المعدن نفسه، أما حواف جنوب الميزاب فثبت بها مائتين وأربعة عشر مسماراً (18) ، الذي يتسرب منه الماء فقد تم تغليفه بصفائح الفضة عيار 99.9% بما يزيد وزنه على عشرين كغم، كما ثُبَّت بسطح حافتي الجانبين الأيمن والأيسر من هذا الميزاب مسامير رؤوسها مما يلي السماء بغرض منع وقوف الحمام على الميزاب (19) ، لكي لاتتراكم فضلاته داخل مجرى الماء فتسده. ومن الملاحظ في تصميم هذا الميزاب أنه يأخذ شكل ميزاب السلطان أحمد المؤرخ عام 1021هـ / 1612م (20) (لوحة رقم 6) ، مع بعض التعديلات في النهاية السفلية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 للسان، وكذلك في طريقه كتابة البسملة، ولفظ الجلالة (الله) الذي كتب بصيغة المنادى، فقد جاء تقويس النهاية السفلية للسان بشكل دائري، بينما كان في ميزاب السلطان أحمد مفصصاً، أما الكتابات التي في وجه اللسان فقد نفذت في ميزاب السلطان عبد المجيد بشكل رأسي، وياء المنادى في (ياالله) رسمت تحت لفظ الجلالة (الله) ، وليس لدينا أي تصور عن أشكال الميازيب التي عملت للكعبة المشرفة قبل ميزاب السلطان أحمد، وإن كنا نعتقد أنها في الإطار العام تأخذ شكلاً موحداً تقريباً،وهو الشكل الذي رأيناه في ميزابي السلطان أحمد، والسلطان عبد المجيد مع بعض الاختلافات في التفاصيل الدقيقة، والمواد الخام، وأشكال الزخارف، والنصوص الكتابية. أما الكتابات (اللوحات 24، الأشكال 8 11) فقد نفذت بطريقة الدق أو الدفع (الريبوسي) بخط ثلث جميل في جُنُوبِ الميزاب الثلاثة، وكذلك في اللسان وذلك على النحو التالي: لسان الميزاب: السطر الأول بسم الله الرحمن الرحيم السطر الثاني ياالله (الجنب الأيمن) جدد هذا الميزاب المنير لوجه الله الكريم الخبير سلطان البرين والبحرين المفتخر بخدمة الحرمين الشريفين السلطان الغازي عبد المجيد خان بن السلطان الغازي (الجنب الأيسر) محمود خان ابن السلطان عبد المجيد خان بعد ماوهن الميزاب الذي جدده جده السلطان الأعلى أحمد خان عليه رحمة المنان سنة 1021 اللهم رب هذا (الجنب السفلي) البيت الحرام أيد ببقاء دولته الإسلام ماطاف ببيتك الأنام وأحفظه من جميع الآلام بجاه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وهذا التجديد في سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف هجرية. ثانياً: المواد الخام وطرق الصناعة: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 صنع هذا الميزاب من خشب التك بسمك 2 سم (21) ، ويعرف باسم: (بلوط جزر الهند الشرقية، أو (دلب هندي) ، وهو من الأخشاب ذات اللون البني الضارب إلى الحمرة (22) ، وأليافه من النوع المتراكم (23) ، وينتشر هذا النوع من الأخشاب في المناطق الحارة مثل: الهند، وأفريقيا الجنوبية، ويتميز بصلابة لاتتوفر في كثير من غيره من الأخشاب، فضلاً عن تحمله للتأثيرات المناخية، ومقاومته للحشرات من أن تنخر فيه، لوجود مادة زيتية دهنية فيه تحول دون تسوسه (24) ، ولذلك صنع ميزاب الكعبة المشرفة موضوع هذه الدراسة من هذا النوع من الأخشاب، نظراً لتعرض ميزاب الكعبة للمياه، سواء الناتجة عن الأمطار، أو تلك التي تنتج عن غسيل الكعبة. كما استخدم الذهب في صناعة ميزاب الكعبة المشرفة المؤرخ عام 1273 هـ، حيث صفح به عيار 24 قيراط بنقاوة عالية تقدر بنسبة 99.9% بما وزنه 24.955 كغم (25) . وفضلاً عن ذلك فقد استخدمت الفضة في صناعة هذا الميزاب بما وزنه 2.500 كغم، حيث عملت منها السلاسل التي تربط في العوارض، زيادة في تثبيت الميزاب والحؤول دون سقوطه (26) . وأخيراً استخدم الصلب في صناعة عوارض الميزاب، وكذلك المسامير الحلزونية (البراغي) بوزن إجمالي يزيد عن 660 غراما، ً ويعرف هذا النوع من الصلب باسم (الصلب المسبوك) ، أو (صُلْبُ العدد) ، أو (الصلب الكربوني) ، أو (صلب البواتق) ، وهو من الحديد الخالص الذي سبق صهره مضافاً إليه نسبة معينة من الكربون تتراوح بين 5% إلى 1.5% (28) ، كما استخدم الرصاص في تصفيح الصندوق الخشبي الذي يدخل في جدار الكعبة ليثبت فيه الميزاب. وقد أشار محمد طاهر الكردي إلى عمليات إصلاح تمت في هذا الميزاب عام 1377هـ / 1957 م، حيث قال (29) : " وهذا الميزاب كما قلنا إنه قوي متين للغاية ليس في ذاته أي خراب، ولكن مايحتاج فيه للإصلاح هو المسامير التي من الفضة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 الخالصة، الواقفة على أطراف الميزاب من الأعلى لمنع جلوس الحمام عليها، فقد إعوجت من طول الزمان فأخرجوها وعملوا مسامير مثلها من الفضة أيضاً، ووضعوها في محلها الأصلي من الميزاب، وأخرجوا أيضاً الخشب الذي على قاعدة الميزاب وبطنه، لأنه تلف من طول الزمان واستبدلوه بخشب قوي جديد، ولم يعملوا في الميزاب من الإصلاح شيئاً غير ماذكرناه من استبدال الخشب والمسامير، وذلك في اليوم التاسع من شهر شعبان من السنة المذكورة، والذي قام بإصلاح الميزاب صائغ محترم من أهل مكة اسمه الشيخ محمد نشار ". أما فيما يتعلق بطرق الصناعة التي استخدمت في صناعة ميزاب الكعبة المشرفة الذي أمر بصنعه السلطان عبد المجيد الأول عام 1273هـ / 1856م، فيمكننا حصرها في خمس طرق رئيسة هي: السبك، والتصفيح، والطرق، والبرشمة، والتلحيم، ففيما يتصل بطريقة السبك فتعرف أيضاَ باسم (صهر) أو (صب) ، ويطلق عليها الأتراك اسم (دوكمه dokum) (30) ، وقد عملت جنوب الميزاب ولسانه وفق هذه الطريقة بعمل قوالب تجويفاتها الداخلية مماثلة للشكل الخارجي للجنوب الثلاثة واللسان (31) ، كأن تكون هذه القوالب من الفخار المتماسك الصلب (32) ، ثم توضع السبائك الذهبية في بوادق مصنوعة من طينة خاصة لاتذوبها النار مهما بلغت درجة حرارتها، ويوقد عليها حتى ينصهر المعدن تماماً، ثم ترفع هذه البوادق من على النار بواسطة حمالات (33) ، ويصب مابداخلها من معدن في القوالب المعدة لذلك سلفاً، وبعد أن يجمد يقوم الصانع بكسر القالب (34) ، وتعتبر هذه الطريقة من أكثر طرق صناعة المعادن ملائمة للخامات المعدنية التي لاتخرج منها غازات أو فقاعات (35) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وبالنسبة للطريقة الصناعية الثانية التي استخدمت في صناعة ميزاب الكعبة المشرفة الذي أمر بصنعه السلطان عبد المجيد الأول عام 1273هـ / 1856م فتعرف باسم: التصفيح أو التدريع (36) ، ويقصد بذلك تثبيت صفيحة معدنية على جسم يختلف عنها في النوع، مثل: تغطية الخشب بصفائح المعدن لحفظه أو زخرفته (37) ، وقد استخدمت هذه الطريقة في ميزاب الكعبة المشرفة لحفظ الألواح الخشبية من التآكل، فضلاً عن تزيين الميزاب بها، وإظهاره بمظهر فخم يعكس أهمية المكان الذي صنع من أجله ومكانته في نفوس المسلمين. وقد عرفت طريقة التصفيح قبل الإسلام، ثم استخدمت في العصر الإسلامي، وبلغت أوجها في العصر المملوكي (38) ، وظلت مستخدمة في العصر العثماني (39) . وبالنسبة للطريقة الصناعية الثالثة، فتعرف باسم: (الطرق) ، أو (الضرب) ، كما يطلق عليها في التركية اسم: (Dovme) (40) ، وتعد هذه الطريقة إحدى الطرق الرئيسة في تشكيل المعادن، حيث يضرب على الصفيحة المعدنية بالمطرقة وهي حامية، مما يعمل على تمدد العمل المعدني، والإقلال من سمكه بالشكل المرغوب (41) . وفيما يتصل بالطريقة الرابعة التي استخدمت في صناعة ميزاب الكعبة المشرفة موضوع الدراسة فهي طريقة البرشمة، وهي من طرق توصيل الأجزاء المعدنية ببعضها، وتعد هذه الطريقة من أسهل أساليب التوصيل وأرخصها (42) حيث توصل بواسطتها الأجزاء التي تقتضي طبيعة عملها أن تكون متصلة، مثل: لسان الميزاب (43) ، وتتم هذه الطريقة بعمل الثقوب اللازمة في طرفي الجزئين المراد وصلهما ببعضهما باستخدام آلة حادة أثناء عملية السبك، ويتم تركيبهما بحيث تكون الثقوب في الجزئين موازية لبعضهما، ثم يدخل المسمار ويشد تبعاً للطول والعرض المطلوبين (44) . أما الطريقة الخامسة فتعرف باسم: (التلحيم) ، وقد تم تنفيذها وفق أسلوب الضغط الساخن للعوارض، والضغط البارد للسلسلة التي تربط فيها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 وبالنسبة لأسلوب تنفيذ الكتابات في هذا الميزاب فقد تم تنفيذها وفق أسلوب الدق، أو الدفع (45) ، الذي يعرف في التركية باسم: (Kabartma) (46) ، كما يعرف في المصطلح العلمي باسم: (ريبوسي Rebousse’e) (47) ، وهي كلمة فرنسية تعني إبراز الكتابات والزخارف عن طريق الدق أو الدفع بواسطة أدوات غير حادة معدة لهذا لغرض سواء كان الدق من الداخل إلى الخارج أو العكس (48) . ويماثل هذا الأسلوب أسلوب النقش البارز من حيث بروز الزخرفة في كل منهما، ولكن يختلف عن النقش البارز في كون البروز في (الريبوسي) يتم عن طريق الدق أو الدفع من الخلف لإبراز الكتابات والزخارف في الوجه على عكس النقش البارز، الذي يتم تنفيذه بحفر مناطق الفراغ فيما بين الكتابات والزخارف على سطح العمل المراد زخرفته، كما يختلف (الريبوسي) عن أسلوب الحفر الغائر (العميق) في أن (الريبوسي) يظهر الكتابات والزخارف من الوجهين في آن واحد، في حين أن الحفر الغائر لايظهر الكتابات والزخارف إلا في الوجه الذي تم الحفر فيه (49) . ثالثاً: الكتابات: (اللوحات 2 4، الأشكال 8 11) نفذ النص التأسيسي في ميزاب الكعبة المشرفة الذي أمر بصنعه السلطان العثماني عبد المجيد الأول عام 1273هـ / 1856م بخط الثلث، ويرى محمد طاهر الكردي أن الذي قام بتنفيذ هذا النص المهم هو الخطاط التركي الشهير عبد الله زهدي رغم عدم ورود اسمه في الميزاب (50) ، وهو غير صحيح لأن هذا الخطاط كان متواجداً في الحجاز ومصر أثناء صناعة الميزاب في استامبول، كما أشار الكردي نفسه في كتاب آخر له على النحو الذي أشرنا إليه في حاشية رقم 50. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 ومن حيث مضمون النص فقد ابتدأه من كلف بصياغته بالبسملة على وجه لسان الميزاب، ثم أكمل النص في الجنب الأيمن، ثم الأيسر،فالسفلي مما يلي حجر إسماعيل عليه السلام، وقد أشير في النص إلى تجديد هذا الميزاب في عهد السلطان عبد المجيد، وذكر في النص أن السبب الذي جعل السلطان يأمر بصنعه ميزاب جديد للكعبة المشرفة يكمن في ماأصاب الميزاب السابق الذي أمر بصنعه السلطان أحمد الأول عام 1021هـ / 1612م من وهن، ثم اختتم النص بعبارات دعائية لبقاء الدولة العثمانية، وحفظ السلطان من جميع الآلام، منهياً هذا النص بذكر تاريخ التجديد بالحروف. وفي ضوء النص التأسيسي فقد ورد اسم السلطان عبد المجيد الأول الآمر بصنع الميزاب، وهو السلطان عبد المجيد الأول بن محمود الثاني بن عبد المجيد الأول بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث ابن سليم الثاني بن سليمان الأول بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن مراد الأول بن أورخان بن غازي بن عثمان بن أرطغرل (51) . ولد في 14 شعبان 1237هـ الموافق 6 مايو 1822م (52) وتولى الخلافة في عام 1255هـ وهو في الثامنة عشرة من عمره (53) وكانت الدولة العثمانية آنذاك في غاية الإضطراب، بسبب انتصارات محمد علي باشا عليها، كما واجهت الدولة العثمانية في عهده العديد من الحروب، من أهمها الحرب مع روسيا التي نتج عنها معاهدة باريس عام 1273هـ/ 1856م (54) ، ثم تفرغ السلطان عبد المجيد بعد ذلك لسن الأنظمة المتصلة بالتجارة والصناعة والزراعة، وقام بتشكيل محاكم التجارة، وأسس المكاتب الرشيدية، واعتنى بنشر المعارف والعلوم، وبسط العدل والأمن (55) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 ومن مآثره في الحرمين الشريفين إجراء العديد من الإصلاحات والتجديدات في المسجد الحرام، واستحداث طريق موصل بين المسجد الحرام والمدرسة السليمانية، وحوَّل قبة سقاية العباس إلى مكتبة، وزودها بنفائس المخطوطات من استامبول، كما حوَّل القبة الواقعة خلف مبنى بئر زمزم إلى دار للتوقيت والرصد، وأمر بتثبيت القناديل في قباب الحرم المكي الشريف لتضاء في ليالي شهري رمضان والحج، وأمر بركز أعمدة جديدة لتحديد حدود الحرم (56) ، غير أن أعظم الأعمال التي قام بها عمارة المسجد النبوي (57) وبالاضافة إلى ماسبق فقد قام باجراء العديد من الترميمات والإصلاحات لبعض المنشآت المائية في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة (58) ، وقد وافته المنية في 17 ذي الحجة 1277هـ الموافق 6 يونيو 1861م، ودفن رحمه الله في قبر أعد له في حياته بجوار جامع السلطان سليم، وعمره يزيد عن الأربعين سنة بقليل بعد أن حكم إثنين وعشرين عاماً وستة أشهر (59) . أما الألقاب الواردة في هذا النص فهي: خان، والسلطان، وسلطان البرين والبحرين، والغازي، والمفتخر بخدمة الحرمين الشريفين، وفيما يلي تعريف بكل لقب من هذه الألقاب: (خان) كلمة فارسية تركية تعني الأمير والسيد (60) والرئيس، وقد أطلقت على شيوخ الأمراء من قبائل الترك منذ القرن الأول الهجري أو الثاني ثم دخل اللقب إلى بعض الأقاليم الإسلامية عن طريق خانات التركستان، ثم انتقل إلى أقاليم إسلامية أخرى مع الترك والتتار كعلم على السلطنة (61) ، ثم أصبح لقباً رسمياً للسلطان العثماني، ولاسيما في المكاتبات الرسمية لاحقاً لاسمه، لايزال هذا اللقب (لفظ التشريف) في أفغانستان والهند وباكستان (62) . (السلطان) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 من السلاطة بمعنى القهر، ومن هنا أطلق على الوالي، وقد ورد اللفظ في آيات قرآنية عديدة بمعنى الحجة والبرهان، ثم أطلق على عظماء الدولة، ولكنه لم يصبح لقباً عاماً إلابعد أن تغلب الملوك بالشرق على الخلفاء، ثم صار يطلق على الولاة المستقلين تمييزاً لهم عن غيرهم من غير المستقلين (63) أما في العصرين المملوكي والعثماني فقد أصبح هذا اللقب يطلق على رئيس الدولة سابقاً لاسمه على النحو المشاهد في هذا الميزاب. (سلطان البرين والبحرين) لقب مركب يتكون من ثلاث كلمات، سلطان معروفة، والبرين التي يقصد بها آسيا وأوروبا، والبحرين وهما: البحرين الأسود وبحر الروم، وقد ظهر هذا اللقب في القرن السابع الهجري، إذ يعتقد أن سلاطين السلاجقة أول من تلقب به (64) . (الغازي) من الغزو، وهو اسم للحرب التي كان يشترك فيها النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك سميت حروبه مغازي، ولم يعرف هذا اللقب في الدول الشيعية، مثل: الفاطميين، لأنه من الألقاب السنية، وشاع استعمال هذا اللقب في المناطق المتاخمة لحدود الدولة الإسلامية مع الدول الآخرى، وفي العصر المملوكي صار من الألقاب التي تطلق على الرجال من العسكريين (65) . أما في العصر العثماني فتلقب به السلاطين، كما هو منفذ في هذا الميزاب، وقد ورد اللقب فيه سابقاً لاسم كل من السلطان عبد المجيد، ووالده السلطان محمود. (المفتخر بخدمة الحرمين الشريفين) من الألقاب المركبة المحببة لدى السلاطين والملوك، ويقصد هنا بالحرمين الشريفين المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة لأن قيام الخليفة أو السلطان بأي أعمال إصلاح، أو تجديد، أو تعمير، أو توسعة فيهما يعد من الأعمال التي تبعث على الفخر، باعتبار خدمة الحرمين الشريفين من أجل الأعمال عند المسلمين وأعلاها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 أما أشكال الحروف في هذا الميزاب فتبين لنا من خلال الجدول المرفق بهذه الدراسة أن الخطاط أظهرها بمستوى فني ممتاز، من مراعاة لنسب الحروف، وإحداث للتوازن فيما بين الحروف والكلمات، واستقامة الأسطر، ممايدلل على أن الخطاط الذي قام بتنفيذ هذا النص على دراية كبيرة بفن الخط، وهذا أمر طبيعي إذ أن خلفاء المسلمين وسلاطينهم كانوا يحرصون أشد الحرص على إختيار أمهر الخطاطين لتنفيذ النصوص التاريخية المتصلة بأغلى الأعمال على نفوسهم، وبخاصة مايتعلق بالكعبة المشرفة، والحرمين الشريفين، لما تحتله من مكانة عظيمة في نفوس المسلمين. الخاتمة: أوضحت هذه الدراسة أن عدد الميازيب التي عملت للكعبة المشرفة حتى نهاية العصر العثماني عشرة ميازيب، يشكل الميزاب موضوع الدراسة آخر الميازيب التي صنعت للكعبة المشرفة حتى نهاية العصر العثماني، وقد جاء تصميم هذا الميزاب مستطيلاً، مفتوح من أعلاه بطول 2.58 م، وعرض 25سم، وارتفاع 21 سم، وأوضحت الدراسة أنه من خشب التك المصفح بالذهب عيار 24 قيراطاً، بنقاوة نسبتها 99.9 %، وأنه يأخذ شكل ميزاب السلطان أحمد المؤرخ عام 1021هـ / 1612م، مع بعض التعديلات في النهاية السفلية للسان، وكذلك في طريقة كتابة البسملة، ولفظ الجلالة (الله) ، وقد نفذت الكتابات في هذا الميزاب سواء في الجنوب أو اللسان بخط ثلث جميل، وقد استخدمت في صناعته عدة طرق صناعية هي: الصب أو السبك، والطرق، والتصفيح، والتلحيم، والبرشمة، أما أساليب تنفيذ الكتابات والزخارف فتم وفق أسلوب الدق أو الدفع المعروف في المصطلح العلمي باسم (ريبوسي) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وبالنسبة لمضمون النص فهو من النصوص التأسيسية المهمة، حيث أشير فيه إلى الميزاب السابق الذي أمر بصناعته السلطان أحمد الأول عام 1028هـ، والسبب الذي دعى السلطان عبد المجيد الأول لتجديده، حين وردت إشارة " بعدما وهن ... "، كما ورد في هذا النص التأسيسي خمسة ألقاب ونعوت، هي: خان، والسلطان، وسلطان البرين والبحرين، والمفتخر بخدمة الحرمين الشريفين. كما تبين من دراسة أشكال الحروف أن الخطاط أظهرها بمستوى فني ممتاز، من مراعاة لنسب الحروف، وإحداث للتوازن فيما بين الكلمات والحروف، واستقامة الأسطر، ممايعكس أن الخطاط الذي قام بتنفيذ النص على دارية كبيرة بفن الخط. الحواشي والتعليقات وزب الشيء، يزب وزوباً إذا سال، ويقال له المثعب، والميزاب، والمئزاب بهمزة ساكنة المثعب، أو القناة يجري فيها الماء وجمع الأول ميازيب، وجمع الثاني مأزيب، وربما قيل: موازيب، ويقال أيضاً المزراب والجمع مرازيب، كما يعرف باسم مزرأب، والميزاب،، أو المئزاب، أو المزراب أو المزراب أو المثعب مصطلحات تطلق عل أنبوبة أو خشبة مقعرة توضع في أعالي جدران المباني ليجري فيها ماء المطر، والميزاب كلمة فارسية معربة تتألف من (مرز) أي حد، و (آب) أي ماء انظر أبا الفضل جمال الدين بن مكرم الشهير بابن منظور، لسان العرب، المجلد الأول (بيروت: دار الفكر ودار صادر، (د. ت) ، مادة (وزب) ، ص 796، ومحب الدين أبا الفيض السيد محمد مرتضي الحسيني الواسطي الزبيدي، تاج العروض من جواهر القاموس، المجلد الأول (بيروت: مكتبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 الحياة، نسخة مصورة عن الطبعةالأولى بالمطبعة الخيرية، 1306هـ) مادة (وزب) ص 502، والسيد أدى شير، كتاب الألفاظ الفارسية المعربة، ط2 (القاهرة: دار العرب للبستاني، 1987 1988م) ، ص 149، ومحمد عبد الستار عثمان، الإعلان بأحكام البنيان لابن الرامي دراسة أثرية معمارية، ط1 (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1408هـ، 1988م) ، ص 214. محمد طاهر الكردي، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الحرام، ج5، ط1 (بيروت: مؤسسة حسيب درغام وأولاده، 1412هـ / 1992م) ، ص ص 48 51. إبراهيم رفعت باشا، مرآة الحرمين أو الرحلات الحجازية والحج ومشاعره الدينية محلاة بمئات الصور الشمسية، ج1 (بيروت: دار المعرفة د. ت) ، ص 275. أحمد بن إسحاق اليعقوب، تاريخ اليعقوبي، ج2 (بيروت: دار صادر، 1960م) ص 284. محمد بن أحمد بن سالم الصباغ، تحصيل المرام في أخبار البيت الحرام والمشاعر العظام، مخطوط بمكتبة الحرم المكي الشريف، رقم 11 تاريخ، دهلوي، ورقة 49. أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي، أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، تحقيق رشدي الصالح ملحس، ج1، ط3 (مكة المكرمة: مطابع دار الثقافة، 1398هـ / 1978م) ، ص 164. الأزرقي، أخبار، ج1، ص 209. حسين عبد الله باسلامة، تاريخ الكعبة المعظمة عمارتها وكسوتها وسدانتها، ط2 (جدة، تهامة، سلسلة الكتاب العربي السعودي رقم 47، 1401هـ / 1982م) ، ص 191. النجم عمر بن فهد بن محمد بن محمد بن محمد بن فهد، إتحاف الورى بأخبار أم القرى، ج2، تحقيق فهيم محمد شلتوت، ط1 (جدة: دار المدني، سلسلة رقم 20 من سلسلة التراث الإسلامي، التي يصدرها مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بكلية الشريعة جامعة ام القرى، د. ت) ، ص 505. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 الحافظ أبو الخطيب تقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفاسي، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، حققه ووضع فهارسه عمر عبد السلام تدمري، ج1، ط1 (بيروت: دار الكتاب العربي، 1405هـ / 1985م) ، ص 167. الفاسي، شفاء، ج1، ص 167، وقد ذكر الكردي، كتاب، ج5، ص 49، أن تاريخه 781هـ /1379 م، وهذا غير صحيح لأن مدة حكم الخليفة أبي العباس أحمد الناصر لدين الله بن المستضيء الذي أمر بصنع الميزاب تمتد من 575 هـ الى 622هـ، أما التاريخ الذي ذكره الكردي فيقصد به تحلية الميزاب نفسه في عام 781هـ، كما ذكر الفاسي، شفاء، ج1، ص 167. الصباغ، تحصيل، ورقة 62. الكردي، كتاب، ج5، ص49. علي عبد القادر الطبري، الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء، تحقيق وتقديم أحمد الجمال، إشراف سعيد عبد الفتاح، ط1، (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ / 1996م) ، ص 151. باسلامة، تاريخ، ص 193. الكردي،كتاب، ج4، ص 81. أحمد إبراهيم بدر، " تقرير عن تصنيع الميزاب الجديد للكعبة المشرفة " تقرير غير منشور، مؤرخ في 18/5/1417هـ، ص 2، وأنظر: ص 6 من هذا البحث. بدر، تقرير، ص3 5. الكردي، كتاب، ج4، ص 85. وزارة الثقافة والسياحة للجمهورية التركية، معرض الفنون الإسلامية بمناسبة مرور 1400 عاماً على الهجرة النبوية معرض الأمانات المقدسة، الذي أقيم فيما بين 7 13 ذي الحجة 1403 هـ / 20 ابريل 20 سبتمبر 1983م، ط1 (استامبول: د. م. د. ت) ، ص 10. بدر، تقرير،ص 2. مصطفى أحمد، خامات الديكور ط1 (د. م: دار الفكر العربي 1981م) ، ص 70. عبد القادر عابد وفتحي السباعي، الحفر للمدارس الثانوية الصناعية، ط1، (القاهرة: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1395هـ / 1975م) ص31. مصطفى، خامات، ص 70. بدر، تقرير، ص 2. بدر، تقرير ص 3. بدر،تقرير، ص 4. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 محمد أحمد زهران، فنون أشغال المعادن والتحف سمكرة تطويع مينا لحامات تطعيم تلوين ط1 (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1965م) ص 9. الكردي،كتاب، ج4، ص85. شمس الدين سامي، قاموس تركي، ط1 (استامبول: أقدام مطبعة سي، 1317هـ) ، ص631. ناصر بن علي الحارثي " تحف الأثاث المعدني في العصر العثماني دراسة فنية حضارية " رسالة دكتوراه غير منشورة، قسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى (1419هـ /1989م) ، ص 45. Calal Esad Arseven, Turk Sanati, Azkar Ofset Istanbul , (1984) , P.23. عبد المنعم المليجي النقيب، مجمع البدائع في الفنون والصنائع، ج1، (مصر: مطبعة التوفيق، 1232هـ / 1914 م) ، ص52. Ulker Erginsoy. Islam maden Sanatinin Gelismesi Baslan gicind An Anadolu Selcuklarnin Sonuna Kadar. Kultur Bakanligi Yayonlari:265 Turk Sanat Eserlri Dizisi: 4, Istanbul, (1978) ,P.27 عبد العزيز مرزوق، الفنون الزخرفية الإسلامية في العصر العثماني، ط1، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1978م) ، ص149. طه عبد القادر يوسف عماره، الأبواب المصفحة في عهد السلطان حسن في القاهرة دراسة أثرية، رسالة دكتوراة غير منشورة بقسم الآثار الإسلامية، كلية الآثار، جامعة القاهرة (1401هـ / 1981م) ، ص3. عمارة، الأبواب، ص ص 3 5. عمارة، الأبواب، ص ص 3 5. الحارثي، تحف، ص 29. Erginsoy. Islam. P. 18. زهران،فنون، ص 104. زهران، فنون، ص94. هاينزجراف، أشغال المعادن، ترجمة م، عبد المنعم عاكف (القاهرة، مؤسسة الأهرام والمؤسسة الشعبية للتأليف بليبزج، سلسلة الأسس التكنولوجية، د. ت) ، ص 115. Erginsoy. Islam. P. 29. الحارثي، تحف، ص72. Erginsoy. I slam. P. 34. زهران، فنون، ص202. Herbert Maryon And Others , Metal Work And EnamelLing الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 Apractical Treatise on Gold and silversmiths Work And Their Allied Carfts , Dover Pulications, ING. New York (1971) P. 113. الحارثي، تحف، ص72. الكردي، كتاب، ج5، ص50، ولد عبد الله زهدي بالآستانة ونشأ بها وتلقى الخط على مشاهير عصره، أمثال: أدنال حافظ راشدي أفندي الشهير بأيوب علي، ومصطفى أفندي عزب، الذي حصل على إجازة الخط منه، عين معلماً بجامع نور عثمانية بالآستانة، ثم ندبه السلطان عبد الحميد لكتابة النصوص الكتابية بالحرم المكي الشريف، عام 1270 هـ، فمكث ثلاث سنوات، وفي طريق عودته مجتازاً مصر أبقاه إسماعيل باشا وعينه مدرساً للخط في المدرسة الخديوية، ثم كلفته الحكومة المصرية آنذاك بكتابة الآيات القرآنية وغيرها على كسوة الكعبة المشرفة، وتخرج على يديه كثيرون، توفي رحمه الله بمصر عام 1296هـ لمزيد من الإطلاع أنظر: محمد طاهر الكردي، تاريخ الخط العربي وآدابه، (الرياض: الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، د. ت) ، 384. محمد ثريا، سجل عثماني يأخوذ تذكرة مشاهير عثمانية، ج1، ط1 (استامبول: معارف نظارت جليلة سنك رخعتيلة طبع اولنمشدر، مطبعة عامرة، 1308هـ) ، ص ص 53، 54. محمد فريد المحامي، تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق إحسان حقي، ط2، (بيروت: دار النفائس، (1403هـ /1983م) ، ص455. يوسف أصاف، تاريخ سلاطين آل عثمان، تحقيق بسام عبد الوهاب الجالي، ج2، ط2 (دمشق: دار البصائر، 1405هـ / 1985م) ص149. المحامي، تاريخ، ص ص 455 529. أصاف، تاريخ، ص151. محمد عبد اللطيف هريدي، شئون الحرمين الشريفين في العهد العثماني في ضوء الوثائق التركية العثمانية، ط1 (القاهرة: دار الزهراء للنشر، 1410هـ / 1989م) ، ص ص 52، 53. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 محمد هزاع الشهري، " المسجد النبوي في العصر العثماني دراسة معمارية حضارية " رسالة دكتوراة غير منشورة بقسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى (1407هـ/1978م) ، ص ص 93 143. عادل محمد نور غباشي، المنشآت المائية لخدمة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة في العصر العثماني دراسة حضارية، رسالة دكتوراه غير منشورة بقسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة أم القرى (1410هـ) ، ص ص 229، 231، 255، 266، 285. ثريا،سجل، ج1، ص ص 53، 54. طوبيا العنيسي، تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية مع ذكر أصلها بحروفه، ط1 (القاهرة، دار العرب للبستاني، 1964 1965م) ، ص23. حسن الباشا، الألقاب الإسلامية في التاريخ والوثائق والآثار، ط1 (القاهرة: دار النهضة العربية، 1978م) ، ص274. المحامي، تاريخ، ص113. الباشا، الألقاب، ص ص 323 329. الباشا، الألقاب، ص 334. الباشا، الألقاب، ص ص 411، 412. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 التضامن العربي الأفريقي تجاه القضية الفلسطينية 1367هـ - 1401هـ - 1947 - 1981م د. عمر سالم عمر بابكور الأستاذ المشارك بقسم التاريخ الإسلامي بكلية الشريعة جامعة أم القرى ملخص البحث لم يكن هناك موقف أفريقي متميز تجاه القضية الفلسطينية قبل عام 1393هـ / 1973م بل ظهرت مواقف فردية لبعض الدول الافريقية في البداية وإبان مرحلة الاستقلال مثل موقف أثيوبيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة من قراري التقسيم رقم (181) وقبول عضوية إسرائيل رقم (273) هذا الموقف المؤيد لموقف الدول العربية، وهو عكس موقف ليبريا التي أيدت القرارين. وكذلك الأمر بالنسبة لمواقف كل من غينيا - غانا - مالي في مؤتمر الدار البيضاء التي أدانت إسرائيل من خلال البيان الذي صدر عن المؤتمر، والذي وصفها بأداة الامبريالية والاستعمار ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في افريقيا أيضاً. وهذه مواقف متميزة تعبر عن ظروف دولية واقليمية مر بها الموقف الافريقي خلال مراحل تطوره، إذا أنه تجمد بعد ذلك منذ قيام منظمة الوحدة الافريقية عام 1383هـ الموافق عام 1963هـ، حتى نشوب حرب يونيو عام 1387هـ الموافق 1967م، حيث بدأ يتحرك بإتجاه الأزمة التي نتجت عن هذه الحرب، وقد ارتكز الموقف الافريقي بعد حرب يونيو على قرارات الأمم المتحدة منذ البداية وبصورة رئيسية على تأييده لقرار مجلس الأمن رقم (242) . وكان المحرك الأول لهذا الموقف هو احتلال قوات أجنبية لأراضي إحدى الدول الأعضاء المؤسسة لمنظمة الوحدة الافريقية (مصر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وبالنسبة للموقف الافريقي داخل مؤتمرات الشعوب الافريقية والأفرو - اسيوية ومؤتمرات عدم الإنحياز، فقد كان في الأولى يعبر عن مواقف الشعوب الافريقية المتمثلة في حركات التحرير والتنظيمات الشعبية، ولهذا كان التأييد الافريقي للقضية الفلسطينية داخل هذه المؤتمرات أقوى منه في مؤتمرات عدم الانحياز التي تعكس وجهة نظر الحكومات، نظراً لتعرض هذه الأخيرة لضغوط مختلفة داخلية وخارجية من جانب القوى الدولية الحليفة للاستعمار والصهيونية. (( (( (( الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 حينما تم التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة عام 1365هـ الموافق 1945م، كان من بين اثنين وخمسين دولة موقعة على هذا الميثاق، ثلاث دول من قارة أفريقيا هي: مصر، إثيوبيا، ليبيريا. وفي عام 1376هـ الموافق 1956م وهو العام الذي وقع فيه العدوان الثلاثي (الإسرائيلي - الفرنسي - الإنجليزي) على مصر، كان عدد الدول الأفريقية الأعضاء في الأمم المتحدة قد وصل إلى سبع دول، ثم ازداد هذا العدد إلى تسع دول عام 1379هـ الموافق 1959م ثم إلى خمسة وعشرون دولة عام 1380هـ الموافق 1960م، ووصل عام 1383هـ الموافق 1963 م إلى ثلاث وثلاثون دولة أفريقية وهي الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية وفي عام 1387 هـ الموافق 1967م وصل عدد الدول الأفريقية الأعضاء في المنظمة الدولية إلى ثمان وثلاثين دولة وازداد هذا الرقم إلى واحد وأربعين دولة عام 1393هـ الموافق 1973م، ثم إلى واحد وخمسين دولة في عام 1980م، بعد حصول زيمبابوي على استقلالها، وقد كان من بين هذه الدول، (دول شمال أفريقيا) ، وكانت دولة واحدة عام 1365هـ الموافق عام 1945 م ثم وصلت إلى خمس دول عام 1376 هـ الموافق 1956 م ثم إلى ثمان دول عام 1382هـ الموافق 1962م، ست منها أعضاء في جامعة الدول العربية، وتأخر انضمام كل من موريتانيا والصومال لعضوية الجامعة حتى عام 1393هـ الموافق 1973م بالنسبة للأولى، عام 1394هـ الموافق 1974م بالنسبة للثانية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 إن مراجعة تاريخ مناقشة القضية الفسلطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتاريخ منح العضوية للدول الأفريقية يفيد بأن بداية مناقشة القضية كان في عام 1367هـ الموافق 1947 م، وإن الدول الأفريقية لم تعاصر هذه القضية وتطوراتها منذ البداية، وهذا يترتب عليه تباين في منظور كل دولة من هذه الدول نحو القضية، كما يفيد أيضاً في توضيح بدايات تضامن هذه الدول مع القضية الفلسطينية، إذ أن هذا التضامن بدأ في الجمعية العامة قبل بدايته في منظمة الوحدة الأفريقية، وهذا يعني إن اللقاء العربي الأفريقي للتفاهم والحوار حول هذه القضية لم يبدأ إلا في مراحل متأخره، ومن الجدير بالذكر أن هذا التضامن كان قد تم في وقت شهد فيه المناخ الدولي تصاعداً في الحرب الباردة والأستقطاب الدولي، وامتداداً واسعاً لحركة التحرر الوطني في أسيا وأفريقيا، وصراعا ضد الأحلاف العسكرية، كما شهد ظهور حركة عدم الإنحياز (1) وفيما يلي توضيح لأهم وجوه هذا التضامن: أولاً: التضامن العربي الأفريقي على مستوى المؤتمرات:   (1) راجع دراسة عبد الملك عوده بعنوان: الدول الأفريقية والقضايا العربية ص ص 307-343. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 في ظل الظروف السابقة انعقد مؤتمر باندونج للدول الأفريقية والآسيوية خلال عام 1375هـ الموافق إبريل 1955 م، وكان هذا هو اللقاء الأول بين الدول العربية والدول الأفريقية، حيث حضرت من الدول العربية كل من المملكة العربية السعودية، سوريا، العراق، الأردن، لبنان، واليمن من قارة آسيا، ومن الدول الأفريقية مصر، السودان، أثيوبيا، ليبيريا وغانا، كما حضره ممثلون عن حركات التحرير من كلتا القارتين بصفة مراقبين، وقد ضم هذا المؤتمر تسع وعشرين دولة ولم يشمل كل دول النطاق الذي أخذ اسمه، وقد استبعد المؤتمر دعوة كل من الكيان الصهيوني وجنوب أفريقيا، وناقش القضية الفلسطينية إلى جانب قضايا الاستقلال ومكافحة الاستعمار في كل من القارتين، واصدر قرار بشأنها جاء فيه: نظراً للتوتر القائم في الشرق الأوسط بسبب الحالة في فلسطين، ونظراً إلى ماينطوي عليه ذلك من خطر على السلام العالمي يعلن المؤتمر الآسيوي الأفريقي تأييده الكامل لحقوق شعب فلسطين العربي ويدعو إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة والتي تحقق تسويه سلمية لمسألة فلسطين (1) . كانت هذه بداية التضامن العربي الأفريقي حول قضية فلسطين ومنها امتد هذا التضامن إلى المؤتمرات الأخرى مثل مؤتمرات تضامن الشعوب الأفروآسيوية والمؤتمرات الأفريقية ومؤتمرات عدم الإنحياز. 1- مؤتمرات تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية: عقد المؤتمر الأول لتضامن الشعوب الأفروآسيوية في القاهرة خلال الفترة من 1378هـ الموافق 26 ديسمبر 1957م إلى أول يناير 1958م، وحضره أكثر من مائة وخمسين مندوبا يمثلون ثمان وأربعين شعباً من شعوب القارتين.   (1) شوقي الجمل، التضامن الآسيوي الأفريقي وأثره في القضايا العربية، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1964م، ص 303 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 ناقش المؤتمر القضايا التي تهم القارتين الآسيوية والأفريقية في تلك المرحلة، وكان من بينها قضية فلسطين، وقد أفرد لها المؤتمر قراراً خاصاً أعلن فيه: (إن إسرائيل قاعدة استعمارية تهدد تقدم الشرق الأوسط وسلامته وأكد حقوق عرب فلسطين في عودتهم إلى وطنهم (1) . وقد ذكر بعض الكتاب أن هذا المؤتمر كان رداً على العدوان الثلاثي على مصر 1376هـ الموافق 1956 م وتضامناً معها (2) . - المؤتمر الثاني لتضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية في كوناكري 1380هـ (11-15 أبريل 1960م) . في هذا المؤتمر احتلت القضية الفلسطينية مكانة هامة، حيث شكل لها لجنه خاصة لدراستها، لأنها كما ذكر المؤتمر في قراره - مشكلة فريده من نوعها ومأساة من أكبر المآسي الإ نسانية وقد أشار المؤتمر في قراره بشأنها إلى أن إسرائيل تنفذ سياسة استعمارية وتشترك في تحقيق أهداف الاستعمار الجديد عن طريق التسرب الاقتصادي داخل البلاد المستقلة.وتجعل من نفسها عميلاً للاحتكارات الدولية الضخمة تحت شعار إنها بلد صغير لامطمع له (3) ، كما أيد المؤتمر جميع الحقوق الشرعية لشعب فلسطين وحقه في العودة إلى وطنه (4) . - المؤتمر الثالث لتضامن الشعوب الأفروآسيوية: عقد في موشي بتنجانيقا في عام 1383هـ الموافق 1963م (5) .   (1) شوقي الجمل، المرجع السابق ص 70. (2) جون هانش، تاريخ أفريقيا بعد الحرب العالمية الثانية، ترجمة عبد العليم منسي، دار الكتاب العربي، القاهر 1969م، ص 412. (3) المهدي بن بركة، إسرائيل وأفريقا، مجلة الطليعة، العدد الخامس، السنة الثانية، مايو 1966، ص ص 65-75 (4) شوقي الجمل، التضامن الأسيوي الأفريقي..، ص 313. (5) مرسي سعد الدين، دور التضامن الأفرو أسيوي في معركة فلسطين، الطليعة، العدد العاشر، السنة 1967 م، ص ص 65-67. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 - المؤتمر الرابع للتضامن الأفرو آسيوي عقد في (غانا) عام 1385 هـ الموافق 1965م (1) . كما عقدت مؤتمرات داخل هذا الأطار مثل: - مؤتمر الشباب الأفريقي الآسيوي الذي عقد في القاهرة في فبراير عام 1379هـ الموافق 1959م. - مؤتمر تضامن المرأة الأفريقي الآسيوي، عقد في دمشق والقاهرة (الجمهورية العربية المتحدة) يناير 1381هـ الموافق 1961م. بحثت هذه المؤتمرات قضايا النضال في سبيل الحرية في الأقطار الأفريقية والأسيوية المختلفة، وقررت مؤازرة الحركات الوطنية ومساعدة حركات الكفاح الوطني في هذه البلاد بمختلف الطرق والوسائل، وكان من ضمن هذه القضايا التي ناقشتها هذه المؤتمرات القضية الفلسطينية (2) . 2- مؤتمرات الشعوب الأفريقية وهي (3) . - مؤتمر الشعوب الأفريقية، عقد في أكرا عاصمة غانا في ديسمبر 1378هـ الموافق 1958م. - مؤتمر الشعوب الأفريقية، عقد في تونس يناير 1380هـ الموافق 1960م. - مؤتمر الشعوب الأفريقية عقد في القاهرة عام 1381 الموافق مارس 1961م.   (1) أحمد يوسف القرعي، العدوان الأسرائيل والتضامن الأفرو أسيوي، السياسية الدولية، العدد 9 أكتوبر 1967م، ص ص 67-69. (2) شوقي الجمل، التضامن الآسيوي الأفريقي ... ، ص ص 113-114. (3) راجع قرارات هذه المؤتمرات في: ... كولين ليجوم، الجامعة الأفريقية: دليل سياسي موجز، ترجمة: أحمد محمود سليمان، مراجعة عبد الملك عودة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، ص ص 345-415. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 جاءت مؤتمرات الشعوب الأفريقية هذه لتعبر عن آمال ومشاعر الأفريقيين في التحرر والاستقلال والسيادة دون التقيد بمواقف حكوماتهم، وقد استوحت هذه المؤتمرات قراراتها من مؤتمرات باندونج والشعوب الأفروأسيوية والتي استهدفت محاربة جميع أشكال الاستعمار القديم والجديد، وكانت الموضوعات التي تناقشها هذه المؤتمرات تخص القضايا الأفريقية فقط، ولم تتعرض للقضية الفلسطينية بصورة مباشرة، ولكن وفود الدول العربية الأفريقية بمشاركتها في هذه المؤتمرات كانت تطرح القضية للنقاش من خلال قضايا التحرير ومحاربة الاستعمار وخاصة الاستعمار الجديد، الذي اصدر بشأنه مؤتمر القاهرة قرارا خاصاً (1) اتهم فيه الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا الفيدرالية وإسرائيل وبلجيكا وهولندا وجنوب أفريقيا وفرنسا بأنهم الجناة الرئيسيون للأستعمار الجديد.   (1) شوقي الجمل، التضامن الأسيوي الأفريقي..، ص 107. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 إن أهم ما ترتب على العمل العربي في داخل هذه المؤتمرات هو أن وجهة النظر العربية والصورة العربية للصراع العربي - الأسرائيلي قد طرحت للنقاش ونما حولها التأييد، علماً بأن أعضاء هذه المؤتمرات كانوا يمثلون منظمات شعبية وغير حكومية واحيانا كان يحضرها رسميون بصفتهم الشخصية، وقد تولت وسائل الأعلام المتنوعة في العديد من الدول الأفريقية نقل أخبار وقرارات هذه المؤتمرات، الأمر الذي ساعد على وصول وجهة النظر العربية إلى المواطن الأفريقي عبر قنوات غير حكومية، ويأتي الاهتمام بهذا الاتجاه من سرعة التغييرات في شاغلي المناصب الحكومية والسياسية، وكثرة الانقلابات العسكرية التي فتحت الطريق أمام ظهور قيادات وفئات اجتماعية جديدة على مستوى السلطة، وكان من بين هؤلاء القادة الجدد كثير ممن حضروا هذه الاجتماعات، ومن ناحية اخرى نجد أن نمو صورة الصراع العربي - الإسرائيلي أخذ المسار الطبيعي، ففي المؤتمرات الأولى أبدى الأعضاء اهتماهم بالقضية واستنكروا العدوان، ثم تلا ذلك قرارات الأدانه وتأييد تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وبعد ذلك تم تبنى وجهة النظر العربية وربط إسرائيل بالاستعمار الجديد (1) . 3- مؤتمرات الدول الأفريقية المستقلة (2) :   (1) محمود خيري عيسى، مرجع سابق، ص 316. (2) راجع حول مؤتمرات الدول الأفريقية: - كولين ليجوم، مرجع سابق، ص ص 17-307. Mazrui, Ali., A Towards a pax - Africana University of Chicage pres, 1967, pp.207-210 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 منذ حصول غانا على استقلالها عام 1377هـ الموافق 1957م، بدأت الدول الأفريقية محاولاتها من إجل إظهار شخصيتها على المسرح الدولي خاصة في الأمم المتحدة، حيث تم تكوين المجموعة الأفريقية على إثر انعقاد مؤتمر أكر للدول الأفريقية المستقلة عام 1378هـ عام 1958م، وقد عقدت مؤتمرات عديدة للدول الأفريقية استمرت حتى قيام منظمة الوحدة الأفريقية عام 1383هـ الموافق 1963م. وفي كل هذه المؤتمرات كان الحضور العربي يتمثل في مشاركة الدول العربية الأفريقية، وبواسطتها كانت قضية فلسطين تناقش في هذه المؤتمرات، نظراً لكونها تمثل القضية الأولى بالنسبة للدول العربية عموماً. وفيما يلي أهم مؤتمرات الدول الأفريقية المستقلة: - مؤتمر أكرا للدول الأفريقية المستقلة 1378 هـ (15-22 إبريل 1958م) وقد حضرته وفود ثمانية دول هي: أثيوبيا، ليبريا، غانا، ومصر، السودان، ليبيا، تونس، المغرب (1) ولم تستطيع الدول العربية المشتركة استصدار قراراً خاص بفلسطين وإنما جاءت الإشارة إليها في البند التاسع من وثيقة السلام والأمن الدوليين التي اصدرها المؤتمر وفيها يعبر: عن شديد قلقه بالنسبة للمشكلة الفلسطينية التي تعتبر من العوامل التي تهدد السلام والأمن العالميين ويحث على إيجاد تسوية عادلة لها (2) . - مؤتمر أديس أبابا عام 1380هـ الموافق 15-24 يونيو عام 1960 م حضرته الدولة التالية: أثيوبيا، الكاميرون، غانا، ليبيريا، نيجيريا، الصومال، الجمهورية العربية المتحدة، ليبيا، تونس، المغرب والحكومة الجزائرية المؤقته (3) .   (1) - Geiss, Imanule , The pan- African Movement , Translated By: Ann Keep , Methuen and Co , London , 1974 , p.420 (2) كولين ليجوم، مرجع سابق، ص 230. ... - اتحدت سوريا ومصر عام 1958 في دولة واحدة تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة. (3) المرجع السابق، ص 57. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 وقد أصدر المؤتمر قراره التالي بشأن فلسطين جاء فيه: (يعبر المؤتمر عن اهتمامه بعدم تنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات مؤتمر باندونج وقرارات مؤتمر أكرا الخاصة بحل مشكلة فلسطين، والتي تعتبر من العوامل التي تهدد السلم والأمن الدوليين في شمال شرقي القارة الأفريقية (1) . - مؤتمر الدار البيضاء: عقد هذا المؤتمر في المغرب في عام 1381هـ الموافق يناير 1961م وحضره ملوك ورؤساء كل من الجمهورية العربية المتحدة، المملكة المغربية، ليبيا، الحكومة الجزائرية المؤقته - مالي - غانا - غينيا - وقد أصدر المؤتمر قراراً (2) حول القضية الفلسطينية جاء فيه: يحذر المؤتمر من الخطر الناتج عن هذه الحالة (القضية الفلسطينية) التي تهدد السلام والأمن في الشرق الأوسط، ويحذر من خطر التوتر الدولي المترتب على ذلك. يتمسك المؤتمر بضرورة حل هذه القضية حلاً عادلاً يتمشى مع قرارات الأمم المتحدة وقرارات المؤتمر الأفريقي الآسيوي في باندونج الخاصة بإعادة حقوق عرب فلسطين الشرعية الكاملة. يؤكد المؤتمر على استنكاره الشديد لسياسة إسرائيل المستمرة في مناصرة الاستعمار وكلما اقتضى الأمر اتخاذ موقف إيجابي بشأن المشاكل الحيوية المتعلقة بأفريقيا وخاصة بالنسبة للجزائر والكونغو والتجارب الذرية في الصحراء الكبرى. يندد المؤتمر بإسرائيل بوصفها أداة في خدمة الاستعمار ليس فقط في الشرق الأوسط بل في أفريقيا وآسيا.   (1) محمود خيري عيسى، مرجع سابق، ص 319. (2) كولين ليجوم، مرجع سابق، ص 285. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 ومع بداية عام 1380 هـ الموافق 1960م شهدت القارة الأفريقية أحداثاً كبيرة أدت إلى ظهور انقسامات في المواقف السياسية بين الدول المستقلة، ومن هذه الأحداث أوضاع الكونغو كينشاسا (زائير) والعلاقات بين المغرب وموريتانيا وتطورات حرب الاستقلال الجزائرية، وقد اجتمعت الدول الأفريقية الناطقة باللغة الفرنسية (1) . بعد حصولها على الاستقلال في ابيدجان عاصمة ساحل العاج في أكتوبر 1960 للتنسيق بين مواقفها، ولكن الخلاف ازداد بين الدول الأفريقية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1960 ومن ثم تكتلت مجموعة من الدول الأفريقية في 15 ديسمبر 1960م وعقدت مؤتمر برازافيل في الكونغو، وعلى الجانب الآخر اجتمعت مجموعة أخرى من الدول الأفريقية في مؤتمر الدار البيضاء (المغرب) 1381هـ الموافق في يناير 1961م، وفي مايو من عام 1961م جرت محاولة إعادة تجميع الدول الأفريقية في مؤتمر مونروفيا (ليبيريا) ولكنه فشل في التوصل للوحدة الشاملة واعقب ذلك مؤتمر لاجوس (نيجيريا) الذي قاطعته مجموعة الدار البيضاء وبعض الدول الأخرى. وعلى الرغم من هذا الإنقسام ظلت الاتصالات تدور بين الدول الأفريقية حتى تم الإتفاق على حضور مؤتمر أديس أبابا (أثيوبيا) 1383هـ الموافق مايو 1963م وتمت دعوة أثنين وثلاثين دولة أفريقية مستقلة بالإضافة إلى الدولة صاحبة الدعوة لحضور مؤتمر على مستوى وزراء الخارجية ثم مؤتمر على مستوى رؤساء الدول والحكومات الأفريقية، وفي عام 1383هـ الموافق 25 مايو 1963م صدر عن هذه الاجتماعات ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية (2) .   (1) الدولة الأفريقية الناطقة بالفرنسية التي حصلت على استقلالها عام 1960 هي: ساحل العاج، فولتا العليا، بنين (داهومي سابقا) ، النيجر، تشاد، الكاميرون، السنغال، توجو، جابون، الكونغو، أفريقيا الوسطى، موريتانيا، ما لأغاشي. (2) محمود خيري عيسى، مرجع سابق، ص 315. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 لقد انعكست هذه الأحداث على مواقف الدول الأفريقية نفسها تجاه القضية الفلسطينية، فبينما كان موقف مجموعة الدار البيضاء واضحاً من خلال القرار الخاص الذي أصدره المؤتمر حول هذه القضية، كانت هذه الأخيره تثير حساسية دول مؤتمر مونروفيا وطريقة الرئيس الراحل عبد الناصر في عرضها بالصورة التي يعتبر فيها إسرائيل أداة إمبريالية ليس في الشرق الأوسط فحسب وإنما في أفريقيا أيضاً (1) وقد علق أحد المسؤولين الأفارقة (2) على النجاح الذي حققه الرئيس عبد الناصر في مؤتمر الدار البيضاء حينما ربط قضية فلسطين بقضايا الاستعمار في أفريقيا قائلاً: (إن الرئيس العربي عرض قضيته بمنتهي البراعة وقوة التأثير، فقد ربط بين مشكلة فلسطين وبين الفكرة العامة المتعلقة بالدفاع عن القارة الأفريقية وتأمين سلامتها (3) . 4- مؤتمرات عدم الإنحياز (4) : تلتقي الدول العربية والدول الأفريقية جميعها داخل إطار هذه الحركة، وتكون الدول الأفريقية في مؤتمراتها أكبر مجموعة من حيث عددها بالنسبة لمجموع الدول أعضاء هذه الحركة. ...   (1) - Akinsanya , Odeoya, “ The Afro- Arab Alliance: Dream or Reality” , Africain Affairs, vol.75 , No 301, Oxford University press , October 1976, p 511-529. (2) وزير خارجية السنغال السابق دودو تيام. (3) أحمد يوسف القرعي، ثورة 23 يوليو وقضية تصفية الاستعمار في أفريقيا سلسلة مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، القاهرة، العدد 26 يوليو 1978م ص 28. (4) راجع حول حركة عدم الإنحياز (نشأتها، مبادئها، أهدافها) اللاانحيازية في ظل الاستراتيجية الدولية، قسم خاص في مجلة السياسية الدولية، مؤسسة الأهرام القاهرة، العدد 45، يوليو 1976 م،ص ص 12-48. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 إن التضامن العربي الأفريقي حول القضية الفلسطينية في هذه الحركة بدأ منذ المؤتمر التحضيري الذي عقد في القاهرة خلال الفترة من عام 1381هـ الموافق عام 1961م وقد حضر هذا المؤتمر ممثلون عن إحدى وعشرين دولة منها 17 دولة أفروأسيوية، وكان هذا المؤتمر قد وضع أول تعريف لمفهوم عدم الإنحياز في حرية اتخاذ القرارات وحرية اختيار الحكم على كل قضية دولية. عقدت أربعة مؤتمرات لرؤساء دول وحكومات الدول غير المنحازة خلال الفترة 1381-1393هـ الموافق 1961-1973م وهي: المؤتمر الأول لدول عدم الإنحياز في بلجراد (يوغسلافيا) سبتمر 1381هـ الموافق 1961م. حضرة مندوبون عن خمس وعشرون دولة من بينها احدى عشر دولة أفريقية. المؤتمر الثاني لدول عدم الإنحياز، انعقد في القاهرة في أكتوبر 1384هـ الموافق 1964 م وحضره مندوبون عن تسع وأربعين دولة من بينها تسع وعشرين دولة أفريقية. المؤتمر الثالث لدول عدم الإنحياز في لوزاكا عاصمة زامبيا في سبتمبر عام 1390 هـ الموافق 1970م وحضرة مندوبون عن أربع وخمسين دولة بينها أربع وثلاثين دولة أفريقية. المؤتمر الرابع لدول عدم الإنحياز في الجزائر سبتمبر 1393هـ الموافق 1973، حضره ممثلون عن ست وسبعين دولة بينها ثلاث وثلاثين دولة أفريقية غير عربية، وثمان عشر دولة عربية (1) . ويلاحظ من دراسة هذه المؤتمرات أن المؤتمرين الأول والثاني لم يتعرضا للقضية الفلسطينية بصورة تقترب من الصورة العربية للصراع العربي الأسرائيلي (2) .   (1) يحي رجب، الرابطة التطبيقية بين جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1976م، ص 79. (2) - Isamel.Tareq , T., The Middle East in World politics , Syracuse University press 1874,p.165 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 وإنما أكد على الرغبة في أن يسود السلام في المنطقة، لكن المؤتمرين الثالث والرابع أشار في قرارتهما إلى أزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، حيث طالبت هذه القرارات بتنفيذ قرار 242 الذي أصدره مجلس الأمن في 1387هـ الموافق 22 نوفمبر 1967م في أعقاب حرب يونيو 1967 م، وقد أيدت القرارات أيضاً الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحقه في العودة إلى أرضه فقد جاء في الفقرة (ج) من القرار الخاص بالشرق الأوسط الذي أصدره مؤتمر لوزاكا (1) إعلان الاحترام الكامل للحقوق المشروعة لشعب فلسطين في العودة إلى أرضه، وإن صيانة هذه الحقوق شرط أساسي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط وتأكيد ضرورة التمسك بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة. وفي النهاية يجب التنوية إلى أن حضور الدول الأفريقية أو اشتراكها في هذه المؤتمرات لايعني بالضرورة تأييد جميع هذه الدول للقرارات التي صدرت عنها بشأن القضية الفلسطينية أو أزمة الشرق الأوسط كما تسمى، ولكن يمكن القول أن التضامن العربي الأفريقي حول هذه القضية في جميع المؤاتمرات السابقة، ساعد على خلق رأي عام دولي متفاعل معها من خلال المناقشات وتبادل الآراء حول التطورات التي مرت بها على طول جولات الصراع العربي - الأسرائيلي، وقد أدى ذلك في مراحل متقدمة إلى تطور مواقف كثير من الدول الأفريقية وذلك من خلال وقوف هذه الدول على طبيعية القضية الفلسطينية والتطورات التي مرت بها. ثانياً: التضامن العربي الأفريقي على المستوى الثنائي: 1- الاتصالات الثنائية بين الحكومات ورؤساء الدول: ...   (1) عزة وهبي وفتحي عثمان: مؤتمر عدم الإنحياز في لوزاكا، مجلة السياسة الدولية، العدد 23، يناير 1971م، ص 148-158 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 يندرج تحت هذا العنوان تبادل التمثيل الدبلوماسي وعقد الاتفاقيات الثقافية وتبادل المواد الإعلامية والبعوث الطلابية، وقد قطعت الدول العربية في هذا المجال شوطاً كبيراً، ولكن أهم ما في هذا الموضوع، الزيارات المتبادلة بين رؤساء الدول والحكومات العربية والأفريقية، والاهتمام بهذا المستوى من الاتصالات يأتي من طبيعة العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية إذ تأكدت فعاليه هذا المستوى من الاتصالات حتى بين رؤساء الدول العظمى واصبح وسيلة لحل كثير من المنازعات وأداة للتوصل لأنواع عديدة من الاتفاقات وقد اسهمت الدول العربية عامة والعربية والأفريقية خاصة في هذا المجال، فقد تم تبادل الزيارات بين العديد من رؤساء الدول العربية والأفريقية ونتج عنها كثير من الاتفاقيات في مجالات مختلفة سياسية واقتصادية وثقافية وتشير إحدى الدراسات (1)   (1) محمود خيري عيسى، مرجع سابق، ص 317. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 في هذا الموضوع البيانات المشتركة التي صدرت في أعقاب كل زيارة من تلك الزيارات على فقرة أو أكثر تتحدث عن الموقف في الشرق الأوسط والصراع العربي - الإسرائيلي، وقرارات الأمم المتحدة الصادرة في هذا الشأن كما أشارت مصارد أخرى (1) إلى تأثير بعض الزيارات العربية الأفريقية على مواقف عدد من الدول الأفريقية تجاه القضية الفلسطينية والصراع العربي الأسرائيلي ومن هذه الزيارات زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز (رحمه الله) لخمس دول أفريقية في نوفمبر 1392هـ الموافق 1972م وهي: أوغندا، تشاد، النيجر، السنغال، موريتانيا، وزيارة الرئيس الأوغندي السابق (عيدي أمين) إلى ليبيا في فبراير 1392هـ الموافق 1972م، والتي على أثرها قطع الرئيس الأوغندي علاقاته مع إسرائيل وطرد الخبراء والفنيين الأسرائيلين وأحل محلهم خبراء فنيين من ليبيا (2) . جاء هذا النجاح الذي حققته الجهود الدبلوماسية على الساحة الأفريقية مواكباً للتغيرات التي طرأت على المناخ الدولي منذ بداية السبعينات حيث شهدت العلاقات بين القوتين مرحلة من الإنفراج بينهما، مما سمح للدول الصغيرة بالتحرر قليلاً في علاقاتها الدولية، كما بدأت تظهر آثار الأزمة الاقتصادية العالمية وظهور دور المؤتمر للدول المصدرة للبترول في المجال الدولي. كل ذلك ساعد على تقارب الدول العربية والأفريقية مما أدى في النهاية إلى تعاطف عدد من الدول الأفريقية مع القضية العربية. 2- التضامن التجاري والمالي بين الدول العربية والدول الأفريقية:   (1) - Gervenka Zdenek and Legum, Colin ‘ The organization of African Unity in 1972, Africa Contemporary Record 1972-1973, Africa Research Limited William Chudley, Lodon ,1973,pp.47-55 (2) - Legum Colin “ Israel Year in Africa , Africa Contemporary Record 1972-73 pp. 122-35 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 لم تكن المبادلات التجارية بين الدول العربية والأفريقية ذات حجم كبير خلال عقد الستينات خاصة إذا ما قورنت بعلاقات إسرائيل التجارية مع الدول الأفريقية (1) وأسباب ذلك كثيرة تعود إلى عوامل التخلف والتبعية الاقتصادية التي خلفها الاستعمار لشعوب العالم الثالث عموماً (2) والشعوب الأفريقية بصفة خاصة نظراً لارتباط معظم الدول الأفريقية باتفاقيات مختلفة ومتنوعة مع الدول المستعمرة الأم مثل فرنسا التي ربطت الدول الأفريقية التي كانت تستعمرها (باستثناء غينيا) بعد استقلالها باتفاقيات نقدية واقتصادية وفنيه وعسكرية. كما ربطتها بالسوق الأوروبية المشتركة في وضع الدول المنتسبة التي لارأي لها في رسم سياسة السوق. (3) هذه التبعية تعتبر من العوامل الرئيسية التي أثرت على مواقف هذه الدول تجاه القضية الفلسطينية من خلال الارتباط بمواقف الدول الأوربية المؤيدة لاسرائيل طيلة عقد الستينات وحتى بداية السبعينات.   (1) - Akinsanya, op.cit,. p 521 (2) عبد الملك عودة، سنوات الحسم في أفريقيا، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1969م، ص 34. (3) إسماعيل صبري عبد الله، نحو نظام اقتصادي عالمي جديد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1977م، ص 158. Cervenka & Legum, op.cit ,p.53. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 إن الأرقام الخاصة بالتجارة الداخلية الأفريقية توضح مدى أثار هذه التبعية الاقتصادية، على الرغم من ضآله حجمها بالنسبة للتجارة العالمية خاصة إذا قورنت بالتجارة الداخلية لكل من قارتي آسيا وأمريكا اللاتينية، فقد بلغت نسبة التجارة الداخلية الأفريقية 6% من تجارة القارة مع العالم الخارجي عام 1390 هـ 1970م والتي بلغت نسبتها إلى التجارة العالمية 4%، بينما بلغت نسبة التجارة الداخلية لكل من قارتي آسيا وأمريكا اللاتينية إلى نسبة تجارة كل منهما مع العالم الخارجي في نفس العام على التوالي 21.3% بالنسبة للأولى و 11.8% بالنسبة للثانية (1) وهذا يوضح ضالة حجم التبادل التجاري بين بلدان العالم الثالث عموماً؛ لأن معظم صادارات هذه الدول هي من المواد الخام التي تتجه إلى أسواق الدول الصناعية الرأسمالية. ومن هنا يبدو أن التبادل التجاري بين الدول العربية والدول الأفريقية كان محدود الأثر، بل أن حاجة معظم هذه الدول الماسة (خاصة الأفريقية منها) إلى الاستثمارات المالية والخبرات الفنية والتكنولوجيا الحديثة تضيف بعداً آخر لعوامل التأثير على المواقف السياسية للدول الأفريقي، نظراً لاعتمادها في جميع هذه المجالات على الدول الاستعمارية الأم والدول الغربية عموماً المعروفة بتأييدها لأسرائيل. لهذه الأسباب كانت معدلات التبادل التجاري العربي الأفريقي غير مؤثرة في مواقف الدول الأفريقية من القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وتجدر الإشارة إلى أن عدد الدول العربية التي كانت تقيم علاقات تجارية مع الدول الأفريقية كان عدداً محدودا ولايشمل كل دول المجموعة العربية في تلك المرحلة، ويكاد ينحصر في المملكة العربية السعودية والعراق من قارة أسيا ومصر والجزائر والسودان وليبيا من قارة أفريقيا وتأتي مصر   (1) محمد عبد الغني سعودي، الاقتصادي الأفريقي والتجارة الدولية مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1973م، ص 32 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 في مقدمة هذه لدول (1) . وبالنسبة للتضامن في المجال المالي توجد بعض المؤسسات المالية العربية والأفريقية - العربية المشتركة، وقد ساهمت هذه المؤسسات في تمويل مشاريع التنمية في عدد من الدول الأفريقية وأهم هذه المؤسسات هي: الصندوق الكويتي للتنمية تأسس عام 1381هـ الموافق 1961م برأسمال 680 مليون دولار أمريكي، وهو بنك ائتماني يقوم بتمويل المشروعات الاقتصادية في الدول النامية بشروط ميسرة. البنك العربي الأفريقي، تأسس في القاهرة عام 1384هـ الموافق 1964م وساهمت فيه الكويت ومصر بنسبة 34% من رأسماله للأولى و33% للثانية، واشترك فيه مصرف الرافدين العراقي والبنك المركزي الجزائري ووزارة المالية الأردنية ووزارة المالية القطرية ومجموعة أفراد ومؤسسات بنسبة 33% وقدم البنك قروضاً تنموية للدول الأفريقية التالية: - تشاد (160) ألف جنية استرليني لصناعة مواد البناء. - أثيوبيا (193) ألف جنية استرليني لصناعة النسيج. - كينيا (210) ألف جنية استرليني لصناعة الورق. - زامبيا (104) ألف جنية استرليني لصناعة الجلود. وقد بلغ رأسمال البنك عام 1974م حوالي (20) مليون جنية استرليني.   (1) راجع حول علاقات مصر التجارية مع الدول الأفريقية: محمد الحسيني مصيلحي، نحن والعالم الخارجي، السلسلة العمالية، العدد 20- المؤسسة الثقافية العمالية، القاهرة، (دون تاريخ) ص ص 125-126. فاروق جويدة: النشاط الاقتصادي المصري في أفريقيا، مجلة السياسة الدولية، العدد 21 يوليو 1970 م ص 140. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 البنك الأفريقي للتنمية: تأسس عام 1384 هـ الموافق 1964 م على مستوى القارة الأفريقية وتساهم فيه الدول العربية بنسبة 47% من رأسماله وتمثل مصر والجزائر وليبيا المراكز الأولى من حيث مساهماتها في رأس المال (1) . وبالإضافة إلى ذلك في عهد المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز قدمت بعض الدول العربية مساعدات لعدد من الدول الأفريقية حيث قدمت المملكة العربية السعودية للنيجر مبلغ خمسة ملايين دولار كمنحة لخطة التنمية عام 1391هـ الموافق 1971م ولأفريقيا الوسطى مليون دولار، لأوغندا مبلغ مليونين ونصف المليون دولار ولتشاد ثمانية ملايين دولار، كما ساهمت في إقامة مشاريع صناعية مختلفة في أفريقيا مثل مصفاة البترول في توجو ومصنع للألمنيوم في مالي، ويرجع البعض تغيير مواقف عدد من هذه الدول الأفريقية خلال عام 71-1972م تجاه إسرائيل إلى تاثير هذه المساعدات (2) . إن الحقيقة المعروفة من مراجعة جميع القرارات التي صدرت عن حركة عدم الانحياز منذ قيامها عام 1381 هـ الموافق 1961م، تؤكد استمرار تأييدها للقضية الفلسطينية، ولكن ظروف الدول الأفريقية السياسية والاقتصادية وعلاقاتها الخارجية خاصة مع الدول الغربية وأسرائيل قبل 1393هـ الموافق 1973م، لم تكن تسمح لها بأتخاذ موقف واضح من هذه القضية، ولذا لايمكن القول بأن مواقف جميع الدول الأفريقية كانت متفقة مع   (1) عفاف رشيد المقصود المعونات العربية للدول الأفريقية رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية،1980م ص 246 (2) - Legum Colin “ Africa, Arabs and Middle East , Africa contemporary Record 1975-76 , Vol 8., London 1976 , pp.76-87. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 قرارات مؤتمرات عدم الانحياز حتى انعقاد المؤتمر الرابع في الجزائر في سبتمبر 1393هـ الموافق 1973م. أما بعد هذا التاريخ وبعد ظهور التضامن بين الدول العربية والأفريقية، فإنه يبدو من الواضح أن هذا التضامن قد امتد إلى ساحة هذه الحركة، حيث يلاحظ أن قرارات مؤتمر القمة لعدم الإنيحاز الذي عقد في هافانا (كوبا) 1399هـ الموافق 3-9 سبتمبر 1979م (1) مطابقة لقرارات مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية في ذلك العام، في تأييدها للحقوق الشرعية الثابتة للشعب الفلسطيني ولممثله الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية وفي التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي جوهر مشكلة الشرق الأوسط وأنه لايمكن إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط إلا على أساس الأنسحاب الكامل للجيوش الإسرائيلية من جميع الأراضي العربية والأعتراف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني وخاصة حقه في العودة والسيادة وإقامة دولته المستقلة على أرضه وتقرير مصيره بنفسه. والتي نصت عليها قرارات الأمم المتحدة وعدم الإنحياز ومنظمة الوحدة الأفريقية. ولكن يلاحظ أيضاً أن المؤتمر أدان في قراراته اتفاقيات كامب ديفيد واتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية واعتبرها اتفاقيات جزئية تجاهلت القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني التي هي جوهر ما هو معروف بمشكلة الشرق الأوسط. بينما اشارت قرارات المجلس الوزاري الأفريقي إلى هذه الاتفاقيات بصياغة غامضة، حيث جاء في الفقرة (4) من القرار رقم (725 (د -33) مايلي (2) :   (1) راجع قرارات في: Bulletin No.9-11 , U.N, Special Unit un Palestinian Rights, September - October 1979 , p.26 (2) راجع القرارات في نشرة الأمم المتحدة رقم 6-7، تصدرها الوحدة الخاصة المعنية بحقوق الفلسطينين، يونيو - يوليو 1979م، ص 20. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 " يدين المجلس بشده كل الاتفاقات الجزئية والمعاهدات المنفصلة التي تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الشعب الفلسطيني ومبادئ ميثاقي منظمة الوحدة الأفريقية والأمم المتحدة والقرارات المتخذة في مختلف المحافل الدولية بشأن قضية فلسطين والتي تحول دون تحقيق أماني الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره وممارسة سيادته الكاملة على أراضيه " وقد تكررت هذه الصياغة في قرارات المنظمة في دوراتها التالية وآخرها الدورة رقم (37) للمجلس. ومن الجدير بالإشارة إلى أن هذه الصياغة تعود إلى وجود عدد قليل من الدول الأفريقية المحافظة التي أيدت مبادرة السلام المصرية ومن هذه الدول زائير وليبيريا (1)   (1) وصف الرئيس الليبيري (وليم تولبيرت) المبادرة المصرية بأنها إنجاز من انجازات السلام القائم على العدل. ... سلوى محمد لبيب، مؤتمر القمة الأفريقية في الخرطوم، السياسة الدولية، العدد 54، أكتوبر 1978، ص ص 119-124، راجع أيضاً تصريح للدكتور فؤاد محي الدين حول تأييد زائير للمبادرة المصرية، صحيفة أخبار اليوم، القاهرة 20/11/1980م الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 ، وتلافياً للأحراج في علاقات هذه الدول مع مصر، ولقناعتها بوجهة النظر المصرية التي ترى بأن هذه المبادرة ماهي إلا خطوة على طريق تحقيق السلام الشامل، وأنه ليس هناك ما يمنع من إعطاء الفرصة لإثبات ذلك، لذا فقد جاءت الصياغة السابقة لقرارات مجلس وزارء المنظمة غير محددة كما وردت في قرارات قمة عدم الإنيحاز، وعلى الرغم من هذا فإنه يصح القول بأن الدول الأفريقية بأغلبيتها العظمى إن لم يكن جميعها متضامنة مع الدول العربية حول الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني السابقة الذكر ومع ممثله الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، مثلما هو الحال بالنسبة لتضامن الدول العربية مع القضايا الأفريقية وخاصة بالنسبة للنظام العنصري في جنوب أفريقيا، وذلك في إطار حركة عدم الإنحياز، يؤكد ذلك الإدراك الواعي لحقيقة قضايا التحرير العربية والأفريقية التي عبر عنها مؤتمر وزراء خارجية عدم الإنحياز الذي عقد في بلغراد من 25-29 يوليو 1978، حيث جاء في قراراته (1) أن المؤتمر يؤكد من جديد أن الحكم العنصري في فلسطين المحتلة وناميبيا وجنوب أفريقيا ينبع من مصدر إمبريالي واحد، ويرتبط ارتباطاً عضوياً بالسياسات والممارسات العنصرية التي تستهدف قمع حريات الإنسان وإهدار كرامته، وإذ يعتبر الأبقاء على العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية وغيرها من العلاقات مع إسرائيل يساعدها على استمرار اغتصابها لفلسطين وعلى التمادي في تنكرها لإرادة المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ويشجعها على الاستمرار في سياستها التوسعية الاستعمارية العنصرية القائمة أصلاً على العدوان، وإذ يعرب عن أسفه الشديد لعدم تنفيذ قراري مؤتمري القمة الرابع واالخامس لرؤساء دول وحكومات البلدان غير المنحازة اللذين دعيا الدول الأعضاء التي لاتزال تحتفظ بعلاقات مع إسرائيل إلى قطع هذه   (1) الوثائق الفلسطينية لعام 1978، مؤسسة الدراسات الفلسطينية - بيروت ص 324. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 العلاقات في مختلف المجالات وذلك طبقاً للفصل السابع من الميثاق. ومن الواضح أن موقف حركة عدم الإنحياز تجاه القضية الفلسطينية مطابق للموقف العربي على المستوى الدولي، وهو موقف لم تسجله أي هيئة دولية أخرى غير عربية أو إسلامية. ويمكن القول أن التضامن بين الدول العربية والأفريقية وإلى جانبها الدول الإسلامية داخل إطار هذه الحركة كان وراء تمايز هذا الموقف لحركة عدم الانحيازعن مواقف هيئات ومنظمات دولية أخرى، خاصة إذا عرفنا أن مجموع الدول العربية والأفريقية فقط إلى مجموع عضوية الحركة في مؤتمر هافانا بلغ على التوالي واحد وسبعين دولة إلى أثنين وتسعين دولة، ومن هنا فإن حضور أعضاء الحركة داخل هيئة الأمم المتحدة يكسب قضايا النضال الوطني والتحرري لبلدان العالم الثالث أهمية أكبرى سجلتها محاضر التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعزلها لأصوات القوى المضادة لتحرر شعوب البلدان النامية والشعوب المستعمرة، والممثلة للامبريالية العالمية والصهيونية والعنصرية. منظمة المؤتمر الإسلامي: في عام 1389 هـ الموافق 1969 م وعلى أثر حريق المسجد الأقصى على أيدى الأسرائيلين، انعقد المؤتمر الإسلامي الأول في الرباط وانبثقت عنه لجنة يرأسها ملك المغرب دعيت آنذاك باسم (لجنة القدس) وقد ضم هذا المؤتمر خمسة وعشرين دولة وحضرته منظمة التحرير الفلسطينية كمراقب أكد المؤتمر قرارات الأمم المتحدة لعام 1967 م الخاصة بوضع القدس وإنسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وفي فبراير 1394هـ الموافق 1974م عقد في لاهور (باكستان) مؤتمر القمة الإسلامي الثاني بعد نشوب حرب أكتوبر 1393هـ الموافق 1973م، وكان هذا المؤتمر أول تجمع حقيقي للزعماء العرب والمسلمين وقد تقرر فيه تقديم المساعدات الاقتصادية للبلدان النامية، وأيد في بيانه الختامي حق الشعب الفلسطيني في استعادة كافة حقوقه الوطنية معتبراً ذلك الشرط الأساسي للتوصل إلى حل دائم في الشرق الأوسط. وعادة يعقد اجتماع لوزراء خارجية الدول الإسلامية كل عام خارج نطاق مؤتمرات القمة الإسلامية وقد قرر مؤتمرهم عام 1390هـ الموافق 1970 م في أول اجتماع له في مارس إنشاء أمانة دائم يكون مقرها المؤقت (جدة) لحين إتمام تحرير القدس (1) . وتضم المنظمة في عضويتها حالياً ست وثلاثين دولة إسلامية منها احدى عشر دولة أفريقية غير العربية وهي: تشاد - النيجر - جامبيا - السنغال - غنينا - مالي - غينيا بيساو - نيجيريا - الكاميرون - أوغندا - جبيوتي. وقد عقد مؤتمر القمة الإسلامية الثالث في الطائف بالمملكة العربية السعودية وسميت هذه الدورة ب (دورة فلسطين والقدس) حيث تصدرت القضية الفلسطينية وموضوع القدس جدول الأعمال إلى جانب قضايا أخرى كالحرب الإيرانية العراقية (2) ومشكلة افغانستان. وأهم ما خرج به المؤتمر بصدد القضية الفلسطينية إضافه إلى تأكيده على الحقوق الشرعية والثابته للشعب الفلسطيني أمران أساسيان هما:   (1) سليمان إبراهيم (مؤتمر الطائف) : قضايا وقرارات، مجلة شؤون فلسطينية، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية، العدد 112 بيروت، مارس 1981، ص ص 137-141. (2) اندلعت الحرب العراقية - الأيرانية في سبتمبر 1980 وقد كون المؤتمر لجنة المساعي الحميدة ضمت في عضويتها الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي والسنغال وجامبيا وباكستان وبنغلاديش وتركيا وغنيا ومنظمة التحرير الفلسطينية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 رفض قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 على أساس أنه غير صالح لحل القضية الفلسطينية: وهذا ما لم تشر إليه مؤتمرات عدم الإنحياز أو غيرها، بل أن منظمة الوحدة الأفريقية على النقيض فمن ذلك تعتبره الأساس الذي يصلح لحل مشكلة الشرق الأوسط وهذا ماتؤكد عليه جميع القرارات الصادرة عنها بشأن هذا الموضوع. رفض اتفاقايت كامب ديفيد ورفض تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل وادانه السياسة الأمريكية التي دعمت هذه الاتفاقيات، وجرى التشديد بهذا الصدد على دور منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وعلى مسؤوليتها في التفاوض باسم الشعب الفلسطيني لتأمين حقوقه وخاصة حقه في إقامة دولته المستقلة (1) . والشق الأول من هذا البند لم تشر إليه قرارات المنظمة الأفريقية بهذه الصورة المحددة. وقد اتفق المؤتمرون على بذل المساعي على النطاق الدولي لتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة. إن وجود هذا العدد المحدود من الدول الأفريقية إلى جانب الدول العربية داخل منظمة المؤتمر الإسلامي يعتبر أحد إمتدادات التضامن العرببي - الأفريقي على الساحة الدولية. وأن موافقة زعماء هذه الدول على ماجاء في قرارات مؤتمر الطائف، وهو موقف مطابق لمواقف الدول العربية التي حضرت المؤتمر، يلتقي مع مواقف مجموعة من الدول الأفريقية المتطرفة مثل: أنجولا - موزمبيق - بنين - تنزانيا - أثيوبيا - وزيمبابوي (بعد استقلالها عام 1400 هـ الموافق 1980م) وغيرها والتي تساند وتدعم القضية الفلسطينية على أساس مبدئي ينطلق من أعتبارات أيديولوجية تضعها داخل إطار حركة التحرر العالمية المناهضة لكل وجوة الاستعمار القديم والحديث وهو الأمر الذي يعتبر من الأسس القوية التي قام عليها التضامن العربي - الأفريقي. (( (( (( الخاتمة:   (1) راجع تقرير عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث في The Middle East ,London , March 1981 , pp.6-9 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 أهم النتائج التي توصل إليها الباحث. أولاً: لم يكن هناك موقف أفريقي متميز تجاه القضية الفلسطينية قبل عام 1393هـ 1973م بل ظهرت مواقف فرديه لبعض الدول الأفريقية في البداية وإبان مرحلة الاستقلال مثل موقف أثيوبيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة من قراري التقسيم رقم (181) وقبول عضوية إسرائيل رقم (273) هذا الموقف المؤيد لموقف الدول العربية، وهو عكس موقف ليبريا التي أيدت القرارين. وكذلك الأمر بالنسبة لمواقف كل من غينيا -غانا - مالي في مؤتمر الدار البيضاء التي أدانت إسرائيل من خلال البيان الذي صدر عن المؤتمر، والذي وصفها بأداة الأمبريالية والأستعمار ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في أفريقيا أيضاً. وهذه مواقف متميزة تعبر عن ظروف دولية وأقليمية مر بها الموقف الأفريقي خلال مراحل تطوره، إذا أنه تجمد بعد ذلك منذ قيام منظمة الوحدة الأفريقية عام 1383هـ الموافق عام 1963هـ، حتى نشوب حرب يونيو عام 1387هـ الموافق 1967 م، حيث بدأ يتحرك بإتجاه الأزمة التي نتجت عن هذه الحرب، وقد ارتكز الموقف الأفريقي بعد حرب يونيو على قرارات الأمم المتحدة منذ البداية وبصورة رئيسية على تأييده لقرار مجلس الأمن رقم (242) . وكان المحرك الأول لهذا الموقف هو احتلال قوات أجنبية لأراضي إحدى الدول الأعضاء المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية (مصر) . وبالنسبة للموقف الأفريقي داخل مؤتمرات الشعوب الأفريقية والأفرو-أسيوية ومؤتمرات عدم الإنحياز، فقد كان في الأولى يعبر عن مواقف الشعوب الأفريقية المتمثلة في حركات التحرير والتنظيمات الشعبية، ولهذا كان التأييد الأفريقي للقضية الفلسطينية داخل هذه المؤتمرات أقوى منه في مؤتمرات عدم الإنحياز التي تعكس وجهة نظر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 الحكومات، نظراً لتعرض هذه الأخيرة لضغوط مختلفة داخلية وخارجية من جانب القوى الدولية الحليفة للاستعمار والصهيونية. ولهذا فإن أهمية هذه المؤتمرات لاتأتي من كونها تكشف عن طبيعة الموقف الأفريقي باطرافه المتمايزة في مواقفها واتجاهاتها السياسية وإنما باعتبارها عوامل مؤثرة في الرأي العام الأفريقي، وذلك من خلال نقل وسائل الإعلام لأخبار هذه المؤتمرات والقضايا التي تناقشها ومنها القضية الفلسطينية والقرارات التي تصدر بشأنها، وقد ساعد ذلك على تفهم الدول الأفريقية لطبيعة القضية الفلسطينية وتطوراتها، مما أدى إلى تأثر مواقف هذه الدول تدريجياً مع تطور العلاقات العربية الأفريقية، وبصفة خاصة منذ بداية السبعينات، حيث دخلت متغيرات دولية جديدة تمثلت بالأنفراج الذي طرأ على العلاقات بين القوتين الأعظم - الولايات المتحدة والأتحاد السوفيتتي - مما سمح للدول الصغيرة بممارسة دورها في السياسية الدولية والقضايا العالمية بحرية أكبر، وتصاعد نشاط حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا، كل هذه العوامل كان لها آثارها على تطور الموقف الأفريقي تجاه أزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، من السلبية التي كان عليها قبل حرب 1387 هـ الموافق 1967 م، إلى التعاطف ثم التفاعل الذي تمثل في المبادرة الأفريقية عام 1391هـ الموافق عام 1971م، والتي كان لها أثر كبير في تحول موقف منظمة الوحدة الأفريقية إلى موقف مؤيد للدول العربية ضد إسرائيل، بسب موقفها السلبي من المبادرة وجميع المبادرات السلمية التي كانت مطروحة في تلك الأونة وقد ظهر هذا التحول في موقف المنظمة عام 1393هـ الموافق 1973م، عندما أصدر مؤتمر القمة الأفريقي العاشر قراره حول الشرق الأوسط، الذي تضمن إنذاراً لإسرائيل بإتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية ضدها من جانب الدول الأعضاء، إذا ما استمرت في سياستها العدوانية ضد الشعوب العربية، ولم تنفذ قرارات - الأمم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 المتحدة، كما تضمن القرار أيضاً اعتراف المنظمة بحقوق الشعب الفلسطيني وكانت هذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها مثل هذا الأعتراف من جانب منظمة الوحدة الأفريقية، وكان هذا الموقف مسايراً للمكانة التي تبؤتها القضية الفلسطينية على الساحة الدولية، حيث اعترفت الأمم المتحدة عام 1389 هـ الموافق عام 1969م بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وتلاها اعتراف حركة عدم الإنحياز بهذه الحقوق عام 1390 هـ الموافق 1970م. ومن الجدير بالإشارة أن ثماني دول افريقية كانت قد بادرت خلال عام 1392-1393هـ الموافق 1972-1973م بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، بالإضافة إلى غينيا التي قطعت علاقاتها معها منذ حرب يونيو 1967م ,. ثانياً: عندما وقعت حرب أكتوبر كان المناخ السياسي الأفريقي مهيئاً لظهور موقف أفريقي جديد، وقد عجلت هذه الحرب بظهوره حيث أخذت الدول الأفريقية - واحدة تلو الأخرى - تعرب عن تضامنها مع الدول العربية والشعب الفلسطيني في حربها مع إسرائيل، وذلك من خلال اعلانها عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وقد قطعت جميع الدول الأفريقية هذه العلاقات باستثناء ثلاث منها هي ملاوي وسولزيلاند وليسوتو، بقيت خارج إطار التضامن لإعتبارات سياسية واقتصادية وجغرافية تربطها بجنوب أفريقيا، وتجعلها خاضعة لنفوذها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 وكنتيجة لمبادرات الدول الأفريقية هذه، وبعد صدور قرارات الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية في نوفمبر عام 1393هـ الموافق 1973م، وقرارات القمة العربية السادسة في الجزائر التي تلت اجتماع المنظمة الأفريقية مباشرة، شهدت العلاقات العربية الأفريقية انطلاقة جديدة تطورت إلى تضامن وتعاون بين الدول العربية والأفريقية على المستويات الثنائية والجماعية والدولية، فقد تزايد على المستوى الثنائي الزيارات المتبادلة بين قيادات الدول العربية والدول الأفريقية، وعدد الاتفاقيات الثنائية، وحجم المعونات المالية المقدمة من الصناديق الوطنية التابعة للدول العربية المصدرة للبترول منها بصفة خاصة إلى الدول الأفريقية. وعلى المستوى الجماعي تكونت لجان وزارية عربية وأفريقية تابعة لجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية للحوار حول التعاون. كما أنشأت كل من المنظمتين إدارة خاصة بالتعاون، وتأسست أجهزة مالية لتقديم المعونات للدول الأفريقية كما أسفر الاتصال والتشاور على مستوى الأمانتين العامتين واللجان الوزارية إلى الاتفاق مبدئياً على عقد مؤتمر قمة عربي أفريقي بموافقة مؤتمرات القمة العربية والأفريقية يسبقه مؤتمر وزراء الخارجية المشترك للأعداد له. وقد عقد المؤتمر الوزاري المشترك في داكار عاصمة السنغال عام 1396 هـ الموافق 1976 م ووافق على أعلان وبرنامج عمل التعاون العربي الأفريقي الذي أقره مؤتمر القمة العربي الأفريقي الذي عقد في القاهرة عام 1397هـ الموافق مارس 1977م مع الوثائق الثلاث الأخرى التي أعدتها اللجنة الوزارية المشتركة في يناير من نفس العام. ووفقاً لهذه الوثائق تم تكوين اللجنة الدائمة ولجنة التسنيق واللجان المتخصصة، إضافة إلى مؤتمر القمة وهو الجهاز الأعلى في الهيكل التنظيمي للتعاون، ويليه المجلس الوزاري المشترك مباشرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 وتجدر الإشارة إلى أن المعونات المالية العربية للدول الأفريقية قد تزايدت بصورة ملحوظ منذ عام 1397 هـ الموافق 1977م، فقد بلغ إجمالي التعهدات المقدمة من البلدان العربية ومؤسسات التنمية الممولة أساساً من هذه البلدان (6) مليار دولار حتى عام 1401هـ الموافق 1981م، تستأثر الصناديق الوطنية بتوزيع الجزء الأكبر منها. وهذا يعني أن العون المالي العربي لأفريقيا لم يتوقف على الرغم من توقف أجهزة التعاون الجماعي التي نشأت بموجب الوثائق الصادرة عن مؤتمر القمة العربي الأفريقي المشترك الذي عقد في القاهرة عام 1397هـ الموافق 1977م، إذ إن المؤسسات المالية العربية التابعة لجامعة الدول العربية، أستمرت في تقديم المعونات المالية والقروض للدول الأفريقية بالإضافة إلى مساهماتها في مشاريع التنمية في اكثر من ست وثلاثين دولة من هذه الدول. وهذه المؤسسات تتمثل حالياً في المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا والصندوق العربي لتقديم المعونة الفنية لأفريقيا، وهذا الأخير يساهم في تقديم الخبرات الفنية والثقافية للدول الأفريقية، كما أستمرت الصناديق الوطنية بتأديه دورها في مجالات التعاون المالي والمساهمة في المشاريع التنموية. وعلى المستوى الدولي فقد ظهر التضامن والتعاون بين الدول العربية والدول الأفريقية في إطار التعاون بين الدول النامية في الأمم المتحدة وأجهزتها المتخصصة وفي المؤتمرات الدولية المختلفة مثل مؤتمرات التجارة والتنمية أو مايطلق عليه (الحوار بين الشمال والجنوب) ومؤتمرات عدم الإنحياز ومؤتمرات منظمة المؤتمر الإسلامي ... كما ساهمت الدول العربية أيضاً بأموالها في المؤسسات الدولية التي تقدم القروض للدول النامية، مثل المملكة العربية السعودية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 ثالثاً: أن التضامن العربي الأفريقي ليس عملية مقايضة للتأييد السياسي بالدعم المالي أو الأقتصادي، بل هو تعاون متبادل تتشابك وتتداخل فيه أوجه التعبير بين تأييد سياسي أفريقي للعرب يقابله - بل يسبقة تاريخياً - تأييد سياسي عربي لأفريقيا، وبين إمكانيات اقتصادية ومالية عربية يمكن أن تستفيد منها أفريقيا، يقابله إمكانيات اقتصادية أفريقية يمكن أن تستفيد منها العالم العربي. رابعاً: إن الموقف الأفريقي تجاه القضية الفلسطينية - كما اتضح - موقف غير متماسك تتخلله تيارات عديدة تسير في الاتجاه المعاكس للتضامن العربي الأفريقي، وتيارات تحاول أن تستفيد مادياً من هذا الموقف، ولهذا نلاحظ تذبذب مواقف دول هذه التيارات في الأمم المتحدة أثناء التصويت على القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية، وهذه التيارات - هي التى تناولها التحليل السابق - تمثل اقلية من الدول الافريقية، ولذا فهي لا تملك القدرة في التأثير على الاتجاه العام للموقف الافريقي المؤيد للقضية الفلسطينية. وقد اثبت البحث صحة هذه الحقيقة التى تجلت في استمرار هذا الموقف حتى بعد عملية السلام المصرية - الاسرائيلية، التى انعكست آثارها على مواقف الدول التي تسود فيها تلك التيارات وخاصة تلك المسماه بتيارات التحفظ الاستراتيجي فقد اعادت احدي هذه الدول (زائير) علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل على أثر انسحاب الجيوش الاسرائيلية من شبه جزيرة سيناء المصرية وعللت بأن قرار قطع العلاقات مع اسرائيل عام 1973 كان مبنيا على أساس التضامن مع دولة عضو في منظمة الوحدة الافريقية احتلت جزءاً من اراضيها، ولما كانت اسرائيل قد انسحبت منها فلم يعد هناك مبرر لاستمرار قطع العلاقات معها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 علما بأن بقية الدول الافريقية لا يزال التزامها بالتضامن مع القضية الفلسطينية قائماً على استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل لحين حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة. وذلك وفقا لما نصت عليه قرارات منظمة الوحدة الافريقية منذ عام 1393هـ على الرغم من أن عدداً كبيراً من هذه الدول لا تزال تقيم علاقات تجارية وثقافية وفنية مع إسرائيل. ومن الجدير بالذكر أن كثيراً من الدول الافريقية التى كانت لها علاقات مع اسرائيل ويعتبر بعض قادتها اصدقاء لها تتعرض من فترة لضغوط خارجية لاعادة علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل. وبناء على ما تقدم فانه من الواضح أن التطورات التي شهدتها العلاقات العربية الافريقية منذ حرب اكتوبر 1973 ارتبطت بشكل مباشر بالتطور الذي طرأ على مواقف الدول الافريقية تجاه اسرائيل، وبالتالي على موقف منظمة الوحدة الافريقية والموقف الافريقي بصفة عامة من القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة. وما ترتب على ذلك من قيام تضامن فعلى بين الدول العربية والدول الافريقية تجاه قضايا النضال المشترك في فلسطين وجنوب افريقيا رافقه ولازمة تعاون اقتصادي ومالي وثقافي بين الجانبين. وهذا يعنى أن استمرار الموقف الافريقي المتضامن مع القضايا العربية يتناسب عكسيا مع الموقف العربي المتضامن مع قضايا التحرر السياسي والاقتصادي الافريقية، لان كثيرا من الدول الافريقية كانت ستعيد علاقاتها مع اسرائيل بعد ثلاث أو اربع سنوات على اكثر تقدير - خاصة بعد مبادرة السلام المصرية مع اسرائيل - لو لم تجد الدول الافريقية استجابة من الجانب العربي لموقفها هذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 أي أن الموقف الافريقي يتأثر مباشرة باتجاه سير العلاقات العربية الافريقية وليس في استمرارها، وعلى هذا الاساس تصبح القضية الاولى في المستقبل هي تحديد أهداف ومستوي هذه العلاقات وما تثيره من قضايا مختلفة تتعلق بالامن القومي العربي والافريقي، والصراع الدولي المعاصر، وقضايا الاتصال والتبادل، وقضايا المصالح المشتركة. (( (( (( الملاحق الملحق الأول: قرار بشأن القضية الفلسطينية (1)   (1) - CM /RES. 725 (XXXIII) المصادر والمراجع أولاً: الوثائق: الوثائق الفلسطينية لعام 1978م، مؤسسة الدراسات الفلسطينية بيروت. قرارات مؤتمر قمة عدم الانحياز الذي عقد في هافانا عام 1979م راجع: Bulletin No 9-10 , un , Special unitan Palestinian Rights , September - October 1979 قرارات تشرة الأمم المتحدة رقم 6-7، تصدرها الوحدة الخاصة المعينة بحقوق الفلسطينيين، يونيو - يوليو 1979م. ثانياً: المراجع العربية: إسماعيل صبري عبد الله: نحو نظام إقتصادي عالمي جديد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1977م. شوقي الجمل: التضامن الآسيوي الأفريقي وأثره في القضايا العربية، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1964م. عبد الملك عودة: الدول الأفريقية والقضايا العربية، القاهرة. عبد الملك عودة: سنوات الحسم في أفريقيا، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1969م. محمد عبد الغني سعودي: الإقتصاد الأفريقي والتجارة الدولية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1973م. ثالثاً: الدوريات: أحمد يوسف القرعي: العدوان الإسرائيلي والتضامن الأفرو آسيوي، السياسة الدولية، العدد التاسع، 1967م. أحمد يوسف القرعي: ثورة 23 يوليو وقضية تصفيتا الاستعمار في أفريقيا، سلسلة مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، القاهرة، العدد 26 يوليو 1978م. المهدي بن بركة: إسرائيل وأفريقيا، مجلة الطليعة، العدد الخامس، السنة الثانية مايو 1966م. سلوي محمد لبيب: مؤتمر القمة الأفريقي في الخرطوم، السياسة الدولية، العدد 54 أكتوبر 1978م. سليمان إبراهيم: مؤتمر الطائف، قضايا قرارات، مجلة شؤون فلسطينية، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية، العدد112، بيروت، مارس 1981م. عزة وهبي وفتحي عثمان: مؤتمر عدم الإنحياز في لوزاكا، مجلة السياسة الدولية، العدد 23، يناير 1971م. عفاف رشيد المقصود: المعونات العربية للدول الأفريقية، رسالة ماجستير غير منشورة - جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، 1980م. فاروق جويدة: النشاط الإقتصادي المصري في أفريقيا، مجلة السياسة الدولية، العدد 21، يوليو 1970م. فؤاد محي الدين: تأييد زائير للمبادرة المصرية، صحيفة أخبار اليوم، القاهرة 20/11/1980م. محمد الحسيني مصلحي: علاقات مصر مع الدول الأفريقية، السلسلة العمالية، العدد 20، المؤسسة الثقافية العمالية، القاهرة، دون تاريخ. مرسي سعد الدين: دور التضامن الأفرو آسيوي في معركة فلسطين، مجلة الطليعة، العدد العاشر، السنة الثالثة 1967م. رابعاً: المراجع الأجنبية المترجمة جون هانش: تاريخ أفريقيا بعد الحرب العالمية الثانية، ترجمة عبد العليم منسي، دار الكاتب العربي، القاهرة 1969م. كولين ليجوم: الجامعة الأفريقية، دليل سياسي موجز، ترجمة أحمد محمود سليمان، مراجع د. عبد الملك عودة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة. خامساً: المراجع الأجنبية: Akinsanya , Odeoya, “ The Afro - Arab. Alliance: Dream or reality ”, Afrciain Affairs, Vol, 75 No., 301 , Oxford University press, October 1976. Cervenke, Zdenek and Legum, Colin, “ The organization of African unity in 1972 “ , Africa Contemporary Record 1972 - 1973. Africa Research Limited William Chudley , London, 1973. Geiss, Imanule, The Pan - African Movement, Translated By: Ann Keep , Methuen and Co, London, 1974. Isamel, Tareg , The Middle East in. World Politics, Syracuse University Press 1874. Legum, Colin , “ Israel Year in Africa, “ Africa Contemporary Recond 1972 - 1973. Legum, Colin., “ Africa, Arabs and Middle East “ , Africa Contemporary Record 1975 - 1976, Vol. 8, London, 1976 Mazrui, A., Towards apax - Africana, university of chicago press, 1967. The Middle East, London 1981 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 : أن مجلس وزراء منظمة الوحدة الافريقية المنعقد في دورته العادية الثالثة والثلاثين في منروفيا - ليبريا - خلال الفترة من عام 1399هـ الموافق 6- 18 يوليو سنة 1979م. بعد أن تدارس تقرير الأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية بشأن القضية الفلسطينية. وبعد أن استمع إلى بيانات مختلف الوفود ولا سيما بيان ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية. لذا يذكر ايضا بتقرير اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة بشأن فلسطين وهو التقرير الذي يؤكد من جديد الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني في وطنه بما في ذلك حقه في العودة وتقرير المصير والسيادة واقامة دولته المستقله على ارضه. وأذ يسترشد بمبادئ وأهداف ميثاق منظمة الوحدة الافريقية ومنظمة الأمم المتحدة والمصير المشترك للشعوب الافريقية والعربية ونضالها المشترك ضد الصهيونية والعنصرية من أجل قضية الحرية والاستقلال والسلام. واذ يذكر بأن قضية فلسطين هي جوهر النزاع في الشرق الاوسط وأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وأذ يدرك أن قضية فلسطين هي قضية عربية وافريقية. وأذ يدرك خطورة الوضع السائد حالياً من جراء استمرار الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والاراضي العربية ورفض اسرائيل الالتزام بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وامعانها في بناء المستعمرات الاستيطانية وتغيير المعالم الجغرافية والثقافية والاجتماعية في فلسطين والاراضي العربية المحتلة الاخري وخاصة في مدينة القدس. واذ يؤكد مجدداً شرعية النضال الذي يخوضه الشعب الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية لاستراداد ارضه وممارسة حقوقه الوطنية. وإذ يؤكد من جديد أنه لا يمكن تحقيق سلام عادل ودائم إلا بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية الثابته وبشكل خاص حقه في العودة وطنه وحقه في السيادة الوطنية وتقرير مصيره بنفسه دون أي تدخل خارجي واقامة دولة مستقله على أرضه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 وأذ يعتبر أن جميع الاتفاقيات الجزئية والمعاهدات المنفردة تلحق ابلغ الضرر بالقضية الفلسطينية وتشكل انكاراً لحقوق الشعب الفلسطيني المعترف بها عالمياً. وانتهاكاً لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها وفي الاستقلال ايضاً. وأذ يلاحظ بقلق أن التحالف بين نظام الحكم الصهيوني في اسرائيل ونظام الحكم العنصري في جنوب افريقيا انما يهدف إلى تصعيد حرب الارهاب والابادة ضد شعوب فلسطين والجنوب الافريقي. يؤكد مجدداً جميع القرارارت السابقة بخصوص قضية فلسطين ومساندته الكاملة والفعالة للشعب الفلسطيني بقيادة ممثله الشرعي الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية في نضاله لاسترداد حقوقه الوطنية المغتصبه وخاصة حقه في العودة إلى وطنه والسيادة - وتقرير المصير واقامة دولته المستقله على أرضه. يشجب المحاولات الرامية إلى منع الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير والحيلولة دون تحقيق تطلعاته الوطنية في الحرية والسيادة الكاملة وفرض حلول تتناقض مع هذا الحق ومع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية كما يشجب سعي بعض الاطراف لاتخاذ اجراءات وابرام اتفاقيات تتجاهل تطلعات الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي منظمة التحرير الفلسطينية وذلك على حساب حقه في تقرير مصيره بنفسه. يدين بشدة المخططات والاطماع التوسعية الاستعمارية العنصرية التى تمارسها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الاخري وخاصة الشعب اللبناني. يدين بشدة جميع الاتفاقيات الجزئية والمعاهدات المنفردة التى تشكل اعتداءاً خطيراً على حقوق الشعب الفلسطيني وانتهاكاً لميثاقي الامم المتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية والقرارات الصادرة عن مختلف المحافل الدولية بشأن قضية فلسطين كما تحول دون تحقيق التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره بنفسه واستعادة السيادة الكاملة على أرضه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 يدين من جديد التحالف القائم بين نظام الحكم الصهيوني ونظم الحكم العنصرية في الجنوب الافريقي ويهيب بكل الدول الاعضاء التصدي لهذا التحالف ودعم الكفاح. يناشد المجتمع الدولى أن يشدد من ضغطه على اسرائيل لارغامها على الانصياع لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها المتعلقه بقضية فلسطين. يدين بشدة امعان اسرائيل في تهديد مدينة القدس المقدسة بما يشكل انتهاكاً صارخاً للقرارات الدولية الخاصة بمدينة القدس والصادرة عن جميع الهيئات الدولية. يطالب مجلس الأمن باتخاذ الاجراءات الفعالة لضمان ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية الثابتة التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة. يطلب إلى الأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية متابعة تطورات قضية فلسطين وتقديم تقرير عنها إلى الدورة العادية القادمة لمجلس الوزراء. الملحق الثاني: قرار بشأن قضية فلسطين: أن مجلس وزراء منظمة الوحدة الافريقية المنعقد في دورته العادية السابعة والثلاثين في نيروبي (كينيا) عام 1401هـ في الفترة من 15 إلى 26 يوليو 1981. اذ بحث تقرير الامين العام لمنظمة الوحدة الافريقية بشأن قضية فلسطين وثيقة مجلس الوزراء رقم 1126 (دورة - 37) . واذ استمع إلى كلمات مختلف الوفود وخاصة كلمة ممثل منظمة التحرير الفلسطينية. واذ يذكر بالقرارات الصادرة عن الدورات السابقه لمؤتمر رؤساء الدول والحكومات بشأن مشكلة الشرق الاوسط وقضية فلسطين. واذ يذكر ايضا بتقرير اللجنة الخاصة للأمم المتحدة بشأن فلسطين الذي يؤكد مجدداً الحق الوطني الثابت للشعب الفلسطيني في أن يكون له وطن، بما في ذلك حقوقه في العودة إلى اراضية وفي تقرير المصير وفي السيادة وايضا في اقامة دولة مستقلة على ترابه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 واذ يستلهم بمبادئ واهداف ميثاقي منظمة الوحدة الافريقية ومنظمة الامم المتحدة والمصير المشترك للشعوب الافريقية والعربية في نضالها المشترك ضد الصهيونية والعنصرية من أجل قضية الحرية والاستقلال والسلام. واذ يذكر بأن قضية فلسطين، بما في ذلك القدس، تمثل جوهر النزاع في الشرق الاوسط وبأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. واذ يؤكد من جديد على القرارات ذات الصلة الصادرة من منظمة الوحدة الافريقية والتى تعتبر القضية الفلسطينية قضية افريقية وليست قضية عربية فقط. واذ يعي خطورة الوضع الحالي الناجم عن استمرار اسرائيل في احتلال الاراضي الفلسطينية والعربية ورفضها احترام قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعزمها الجاد على اقامة مستوطنات في الاراضي العربية المحتلة وخاصة في القدس، الامر الذي يترتب عليه تغيير المسميات الجغرافية الديموغرافية والثقافية والاجتماعية لفلسطين. واذ يؤكد مجدداً شرعية نضال الشعب الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بغية استراداد اراضية وممارسة حقوقه الوطنية. واذ يؤكد مرة أخري أن السلام العادل والدائم لا يمكن أن يتحقق إلا بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الثابته ولا سيما حقه في العودة إلى وطنه واستعادة سيادته الوطنية وحقه في تقرير المصير بدون أي تدخل اجنبي مهما كان نوعه، وحقه في اقامة دولة مستقله على اراضيه. واذ يأخذ في الاعتبار أي اتفاق جزئي واي معاهدة منفصله تضر ضرراً بالغاً بالشعب الفلسطيني وتشكل انتهاكاً لمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال. واذ ينظر بعين الاعتبار إلى القرارات التى اعتمدتها الدورة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن قضية فلسطين في 15 يوليو 1980. واذ يأخذ في الحسبان النتائج التى توصلت إليها لجنة الأمم المتحدة حول ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الثابته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 واذ يلاحظ بقلق بالغ أن التحالف القائم بين النظام الصهيوني في اسرائيل والنظام العنصري في جنوب افريقيا يستهدف تصعيداً لأعمال الارهاب والابادة التي ترتكب ضد شعبي فلسطين وجنوب افريقيا. يؤكد مجدداً كل القرارات السالفة بشأن قضية فلسطين ويعلن مرة أخري مساندته الثابته للشعب الفلسطيني بقيادة ممثلة الشرعي الوحيد، منظمة التحرير الفلسطينية، كما يؤكد من جديد حق الشعب الفلسطيني في مواصلة نضاله بجميع اشكاله السياسية والعسكرية وكذلك حقه في استخدام حقوقه الوطنية الثابته وخاصة حقه في العودة إلى وطنه وممارسة حقه في تقرير المصير واقامة دولة مستقله على ارضه. يدين بقوة مشروع الحكم الذاتي وكل المناورات والصيغ الرامية إلى الحيلولة بين الشعب الفلسطيني وبين ممارسة حقه في تقرير مصيره ومنعه من تحقيق آماله الوطنية ومن العودة إلى وطنه والتمتع بحريته وسيادته الكاملة. يدين ايشدة مبادرات بعض الاطراف التى تتخذ تدابير وتبرم اتفاقيات لم تأخذ في اعتبارها تطلعات الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية ويري أن أية اتفاقية بشأن قضية فلسطين لا تشارك فيها منظمة التحرير الفلسطينية تكون لاغيه وكأنها لم تكن. يشجب بقوة الاغراض التوسعية والاستعمارية والارهابية التى تستهدف فرض الامر الواقع في الاراضي المحتلة، كما يشجب سياسة التوسع واقامة المستوطنات ومصادرة الاراضي وتصفية الاهالي فرادى أو جماعات بغية دفعهم إلى الهجرة وتغيير السمات الديموغرافية وطرد قادة ومفكري ومواطني الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الاخري وخاصة الشعب اللبناني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 يدين بقوة ايضا جميع الاتفاقيات الجزئية والمعاهدات المنفصلة التي تشكل انتهاكاً خطيراً لحق الشعب الفلسطيني ومبادئ ميثاقي منظمة الوحدة الافريقية والامم المتحدة وللقرارات الصادرة عن مختلف المحافل الدولية بشأن القضية الفلسطينية والتى تحول دون تحقيق الشعب الفلسطيني لآماله في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره وممارسة سياسته الكاملة على ارضة. يؤكد أن اية محاولة تستهدف حل قضية فلسطين التى تمثل جوهراً مشكلة الشرق الاوسط لا سبيل لها لأن تحقق السلام بدون الاشتراك الفعلي لمنظمة التحرير الفلسطينية وبدون الاعتراف بالحقوق الثابته والشمروعه للشعب الفلسطيني. يشجب التواطؤ القائم فيما بين نظام الحكم الصهيوني ونظام الحكم العنصري في جنوب افريقيا ويناشد جميع الدول الاعضاء تكثيف جهودها بغية التصدي لهذا الخطر بتدعيم النضال المسلح ضد الصهيوينية والعنصرية والامبريالية ويطلب في هذا الصدد من الدول الافريقية الاعضاء بجامعة الدول العربية أن تدرج في جدول اعمال دورتها القادمة بنداً بعنوان " التواطؤ بين جنوب افريقيا واسرائيل ". يوجه نداء إلى الجماعة الدولية يناشدها فيه مزيداً من تكثيف ضغوطها على اسرائيل في مختلف المجالات بغية ارغامها على الامتثال لميثاق منظمة الأمم المتحدة وللقرارات الصادرة عنها بشأن قضية فلسطين وينوه بالجهود التي تبذلها لجنة الأمم المتحدة المختصه لقضية فلسطين ويدعو مجلس الأمن إلى تطبيق توصيات هذه اللجنة التى اعتمدتها الجمعية العامة ولا سيما القرار رقم 35/169 الصادر في 15 ديسمبر 1980. يهيب بمجلس الأمن أن يتخذ التدابير الفعالة لكفالة ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية الثابته التى اعترفت بها الجمعية العامة للأمم المتحدة ويري أن القرار رقم 242 الصادر عن مجلس الأمن في 22 نوفمبر سنة 1967 لا يضمن مستقبل الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابته، كما لا يوفر اساسا الحل عادل لقضية فلسطين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 يثني على لبنة الأمم المتحدة لممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الثابته على ما تبذله من جهود بغية استعادة الحقوق الثابته للشعب الفلسطيني. يطلب إلى الامين العام لمنظمة الوحدة الافريقية تطورت قضية فلسطين وتقديم تقرير في هذا الشأن إلى الدورة العادية المقبلة لمجلس وزراء منظمة الوحدة الافريقية. الملحق الثالث: قرار بشأن القدس: ... أن مجلس وزراء منظمة الوحدة الافريقية المنعقد في دورته العادية السابعة والثلاثين في نيروبي (كينيا) عام1401هـ في الفترة من 15- 26 يونيو سنة 1981. اذ يذكر بجميع قرارات منظمة الوحدة الافريقية ومنظمة الأمم المتحدة ومؤتمر حركة عدم الانحياز بشان القدس. واذ يضع في الاعتبار أن منظمة الوحدة الافريقية ظلت تعارض دائماً وبشدة مطالبة اسرائيل باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني. واذ يضع في الاعتبار أن المسألة الفلسطينية بما فيها القدس هي لب مشكلة الشرق الاوسط. واذ يضع فى الاعتبار اصرار اسرائيل على سياستها القائمة على العدوان وضم الاراضي بصورة غير مشروعة والاستعمار الصهيوني وتغيير الطابع الثقافي والديموقرافي لمدينة القدس المقدسة. وإذ يضع في الاعتبار إصرار إسرائيل على الاستمرار في التوسع في تهويد القدس بغية إزالة طابعها العربي منتهكة بذلك احكام اتفاقية جنيف الرابعة المبرمة في 12 أغسطس سنة 1949 والخاصة بحماية المدنتين في وقت الحرب. يؤكد مجدداً أن مدينة القدس تعد جزءاً لا يتجزأ من الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة. يؤكد مجدداً ضرورة الحفاظ على الطابع الاصلي والتاريخي لمدينة القدس. يدين إسرائيل لرفضها المستمر احترام القرارات ذات الصلة الصادرة عن منظمة الوحدة الافريقية ومنظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الاخري بشأن مدينة القدس المقدسة. ملحق رقم (4) : المعونات العربية للدول الافريقية للفترة (1973/1978) (بملايين الدولارات) المجموع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 لدول غير محددة في شرق وغرب القارة لدول شرق أفريقيا لدول غرب أفريقيا السنوات 159.5 13.5 61.1 84.9 1973 533.8 26.7 240.2 266.9 1974 991.5 6.01 531.4 400.0 1975 902.9 93.3 306.7 502.9 1976 592.8 96.5 144.3 352.0 1977 693.2 111.9 262.5 318.8 1978 3874 402 1546.2 1925.5 المجموع المصدر: المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا / نوفمبر 1979. ... أما بالنسبة لعدد البلدان المستفيدة من العون العربي فقد بلغ أحد عشر بلداً خلال عام 73، اثنان وثلاثون بلداً في عام 1974، سبعة وثلاثون بلداً في عام 1975، ثمان وثلاثون بلدا في عام 1976م، أربعون بلدا في عام 1977، أي أن العون العربي قد غطى القارة الأفريقية بنسبة 100% خلال الفترة المذكورة ومنذ دخول البلدان العربية المصدرة للبترول محفل البلدان المانحة للعون. ... (( (( (( الهوامش والتعليقات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 إيصال مياه العيون إلى مدينة جدة منذ القرن العاشر حتى نهاية القرن الثالث عشر للهجرة د. عادل بن محمد نور غباشي الأستاذ المشارك بقسم الحضارة والنظم الإسلامية - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى ملخص البحث نظراً لعدم وجود أنهار جارية في مدينة جدة وحاجتها المتزايدة للمياه؛ لتفي باحتياجات سكانها والوافدين إليها للعبور إلى مكة المكرمة؛ اعتمد سكان جدة على جلب مياه الأبار وحفظ مياه الأمطار في خزانات. وفي القرن العاشر الهجري في عهد السلطان سليمان القانوني (ت 974هـ/1566م) جرت محاولة لإيصال مياه عين (حدة) إلى جدة ولم تتحقق. وفي حدود عام 1095هـ /1683م تم إيصال مياه عين (وادي قوز) إلى جدة، ثم جرت لقناة العين أعمال إصلاح وترميم في سنين مختلفة إلى نهاية القرن الثالث عشر للهجرة (19هـ) . وقد تم الكشف عن بقايا آثار القناة في وادي قوز والتعرف على طراز بنائها مشفوعاً بخارطة ولوحات ورسمين توضيحيين. • • • أولاً: موقع جدة وحاجتها إلى الماء: تقع مدينة جدة على السهل الساحلي الشرقي للبحر الأحمر الذي يحدها من الغرب، في حين تحدها مجموعة من التلال الصغيرة تليها سلاسل غير متصلة من الجبال الموازية لسلسلة جبال الحجاز العالية من الشرق. وتمتد ما بين الرأس الأسود عند (الخمرة) جنوبا وشرم أبحر شمالا، وتقع في منطقة تلتقي عندها طرق المواصلات البرية والبحرية؛ فهي تمثل حلقة الوصل بين اليابسة والماء، ونظرا لبعدها بحوالي 68 كم عن مكة المكرمة؛ فقد أصبحت البوابة التقليدية للدخول إلى مكة المكرمة (1) ، فحلت بذلك محل مرفأ (الشعيبة) منذ عام 26هـ / 646م عندما أمر الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - باتخاذ جدة ميناءً لمكة المكرمة (2) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 ويقع في شرق جدة سلسلة تلال جبلية يقطعها عدد من الأودية شديدة الانحدار، يظهر أثرها في تكوين الطبقات الرسوبية خاصة تجاه البحر. وأهم هذه الأودية الموجودة في جدة (وادي مريخ) الذي يصب في شرم أبحر، ووادي (دغبش) ، ووادي (بنى مالك) ، ووادي (عشير) ، ووادي (قوز) ، ووادي (غليل) ، ثم وادي (فاطمة) الذي يعد أطول هذه الأودية وأكثرها أهمية، فإليه يرجع الفضل في تحرر أجزاء من الساحل المقابل لمدينة جدة من الشعب المرجانية. وأثر المجاري المائية القديمة ليس وقفا على خطوط الأعماق والتكوينات المرجانية بل يتعدى البحر إلى اليابسة، ذلك أن مناسيب المياه الجوفية تكون قريبة من قيعان هذه الأودية فقد تصل إلى عمق نصف متر تحت السطح كما في قاع وادي (عشير) مما يسهل الإفادة من هذه المياه (3) . وينقسم السهل الساحلي في جدة إلى قسمين رئيسين: قسم غربي منخفض قد لايتجاوز الارتفاع به عن مستوى سطح البحر ثلاثة أمتار، وقد ينخفض إلى 8, 0 م كما هو الوضع في جنوب جدة عند منطقة الميناء، ويتكون من إرسابات مرجانية إضافة للرمال والحصى والحجر البحري. أما القسم الآخر فيقع في الشرق مرتفعا عند التلال (4) . وبالنظر إلى موضع التجمع السكاني في جدة منذ نشأتها إلى نهاية العصر العثماني نجد أنها أخذت منطقة مسطحة نسبياً بانحدار من الشرق إلى الغرب، وتحوي بعض المنخفضات التي تسهل ركود الأمطار فيها، وتشكل مستنقعات لاتجف مياهها إلا بعد بضعة أيام، وكانت تأتيها السيول قديما غزيرة بعض الأحيان (5) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 ونخلص مما سبق إلى أن جدة اعتمدت في نشأتها على ما توافر في بيئتها الطبيعية، فقيامها على ساحل البحر الأحمر يسر فرصة عمل لسكانها في البحر وفي التجارة وفي استقبال مراكب الحجاج في العصر الإسلامي، وكان لوجود الأودية دور كبير في ربطها بمكة المكرمة وفي الحصول على حاجتها من الماء لعدم وجود أنهار كما أن الجبال الواقعة في شرق المدينة تعد خزانات طبيعية لمياه الأمطار المتساقطة عليها، وهذا يفسر لنا اتجاه القائمين على جلب مياه العيون إلى شرق جدة، كما أن نسبة الانحدار الطبيعية من الشرق إلى الغرب ساهمت بدور كبير في تيسير حركة انسياب المياه بشكل طبيعي عبر القنوات لتغذية سكان جدة والوافدين إليها، علاوة على أن وجود المنخفضات التي كانت تتجمع فيها مياه الأمطار والسيول تعد موردا مائيا لسكان جدة، وهذا يفسر لنا أساليب سكان جدة في بناء الخزانات لتجميع المياه داخل وخارج النسيج العمراني. كما أن مناسيب المياه الجوفية القريبة من قيعان الأودية أسهمت بدور كبير في الحصول على المياه من أعماق يسيرة، إلا أننا سنعرف فيما بعد أن هذه المياه تشوبها الملوحة وتكون في أماكن غير صحية؛ وهذا يفسر لنا وصف الكثير من المؤرخين والرحالة لقلة المياه في جدة، واعتماد سكانها والوافدين إليها في الحصول على المياه من أماكن بعيدة قد تكون في المنطقة المرتفعة شرق جدة، حيث يقل تأثير البحر وتتكون المياه مما جلبته الأمطار على الجبال الواقعة شرق جدة (6) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 كما أن التعرف على الظروف المناخية بجدة يعزز القول بحاجتها المتزايدة إلى المياه، ويفسر اعتماد السكان على تخزين المياه بعد سقوط الأمطار؛ فتشير جداول درجة الحرارة في مدينة جدة للمدة 1390 - 1400هـ /1970 - 1979م إلى أن درجات الحرارة تميل إلى الارتفاع على مدار السنة، وتبلغ هذه الدرجات أعلاها في شهري مايو ويونيو إذ وصلت درجة الحرارة في مايو عام 1970م إلى 48.2ْ م، وفي سنة 1979م سجلت أعلى درجة حرارة في يونية 49 م، كما ترتفع درجات الحرارة القصوى أيضا في شهور يوليه وأغسطس وسبتمبر واكتوبر، إذ كثيرا ماتتجاوز النهايات القصوى للحرارة درجة 40ْ م ومع بداية اكتوبر تأخذ درجات الحرارة العظمى في الانخفاض التدريجي. أما الأمطار فإنها قليلة وغير منتظمة الهطول، وإن كانت احتمالات سقوطها في الشتاء أقوى لارتباطها بأعاصير البحر المتوسط أكثر من ارتباطها بالاقليم الموسمي (7) . وعلى هذا فإن سكان جدة والوافدين إليها إما للعبور إلى مكة أو للتجارة أو للتموين منها؛ بحاجة ماسة إلى كمية متزايدة من الماء للشرب، لمواجهة الحرارة المرتفعة، أو للاغتسال لترطيب أجسامهم، علاوة على احتياجاتهم المختلفة الأخرى إلى الماء، ونظرا لما تميز به موقع هذه المدينة من الناحية الدينية والاقتصادية والاستراتيجية (8) ؛ كان لزاماً أن يوازي ذلك تطور في مواردها المائية. ثانيا: أساليب توفير المياه لمدينة جدة: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 نشأت جدة على شاطئ بحر شديد الملوحة، هو البحر الأحمر، وليس بها عيون جارية، ولا أنهار متدفقة (9) ، ومياهها الجوفية قريبة من سطح الأرض كما سبق ذكره إذ يمكن الوصول إليها على عمق نصف متر في بعض الأماكن؛ إلا أنه تشوبها الملوحة، لتشبّع تربتها بماء البحر؛ مما يعني أن على سكانها البحث عن مصدر للماء، فهو السبيل الوحيد لحياتهم؛ ولذا لجأ سكان جدة إلى حفظ مياه الأمطار في خزانات، ونقل مياه الآبار البعيدة، ثم اتجهوا إلى جلب مياه العيون عبر القنوات منذ نهاية القرن الحادي عشر للهجرة (17م) . وقد أدرك المؤرخون والرحالة هذه الحقيقة، وهي خلو جدة من مياه عذبة جوفية أو واردة تعين أهلها على الحياة (10) . ولعل في الوصف التالي مايوضح طريقة سكان جدة في مواجهة مشكلة نقص المياه عند نشأة المدينة؛ فقد ورد أنها " بلدة قديمة على ساحل البحر: يقال إنها من عمارة الفرس، وبخارجها مصانع قديمة، وبها جباب للماء منقورة في الحجر الصلد يتصل بعضها ببعض تفوت الإحصاء كثرة (11) ." وورد أن بجدة آثاراً قديمة تدل على قدم اختطاطها، وأنها كانت مدينة كبيرة منذ زمن الفرس، وسكنها سلمان الفارسي وأهله، وقد وُفِّر الماء لسكان المدينة من خلال بناء ثمانية وستين صهريجا داخل المدينة وبنوا بظاهرها مثلها، ويقال: إن العدد كان ثلاثمائة داخلها، ومثل ذلك خارجها " (12) . وبناءً على ماسبق فقد اعتمد أهل جدة على المصانع والجباب والصهاريج لتوفير المياه العذبة، وهذا يشير إلى احتمال اعتمادهم على مصدرين في حصولهم على الماء: المصدر الأول حفظ مياه الأمطار في الخزانات، أما الثاني فهو الاعتماد على مياه الآبار؛ ويؤيد ذلك عرض التعريفات التالية: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 مصنع: مايصنعه الناس من الآبار والأبنية وغيرها، وورد "أنها مساكات لماء السماء يحتفرها الناس فيملؤها ماء السماء يشربونها" وورد أن " المصنعة كالصنع الذي هو الحوض أو شبه الصهريج يجتمع فيه ماء المطر" (13) . صهريج: واحد صهاريج، وهي كالحياض يجتمع فيها الماء، وورد أن الصهريج مصنعة يجتمع فيها الماء وأصله فارسي (14) . جب: البئر، مذّكر وقيل: هي البئر لم تطو، وقيل هي البئر الكثيرة الماء البعيدة القعر، وقيل لاتكون جبا حتى تكون مما وُجِد لامما حفره الناس، والجمع أجباب وجباب وجببه (15) . وعند تتبع تاريخ الماء في جدة بعد اتخاذها مرفأ لمكة بدلا من الشعيبة في عهد عثمان ابن عفان - رضى الله عنه - سنة 26هـ/646م لانجد إشارة إلى توفير المياه فيها في مصدرين من أهم مصادر تاريخ مكة في القرن الثالث الهجري (9م) وهما كتابا الأزرقي والفاكهي (16) ، إلا أننا نرجح استمرار الاعتماد على نقل مياه الآبار، وحفظ مياه الأمطار في خزانات، لسد احتياجات السكان والوافدين؛ فالماء هو وسيلة الحياة، ولايمكن اتخاذ قرار تحويل المرفأ من الشعيبة إلى جدة دون تحديد مصدر للحصول منه على الماء، وبما أنه كانت هناك مصادر قديمة ممثّلة في الخزانات والآبار؛ فمن الأولى الاعتماد عليها، وربما زيادة عددها ليتفق ذلك مع احتياجات جدة. وفي سنتي 354هـ/965م، 367هـ /977م، زار المقدسي جدة، وأشار إلى ازدهار عمرانها ومشكلة نقص المياه فيها بقوله: "غير أنهم في تعب من الماء مع أن فيها بركا كثيرة ويحمل إليهم الماء من البعد" (17) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وبما أن المقدسي ليس مقيما في جدة؛ فمن المحتمل أن ما أورده عن ذلك لم يكن أمرا دائما، وإنما لمدة مؤقته تزامنت مع قدومه لها، ويؤيد هذا الاحتمال إشارته إلى ازدهار عمران جدة ووجود برك كثيرة؛ فمن غير المتوقع أن يزدهر عمران جدة مع وجود نقص كبير في مواردها المائية، علاوة على أن وجود البرك الكثيرة يدل على وجود علاقة بين نمو عمران المدينة، وحصولها على المياه من هذه البرك، وربما تكون الأمطار قليلة في ذلك الوقت، فأدت إلى قلة أو انعدام مياه البرك؛ فاعتاضوا عن ذلك بحمل الماء من أماكن بعيدة عن جدة. وقد استمر هذا الوضع عبر القرون الإسلامية المختلفة (18) . إلى أن بدأت محاولة الاعتماد على مياه العيون، وهذا ماسنتحدث عنه فيما يلي: ثالثاً: الأعمال المبكرة لإيصال مياه العيون إلى جدة: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 ورد في بعض الدراسات الحديثة أن السلطان قانصوه الغوري (906 - 922هـ/ 1500 - 1516م) عالج مشكلة نقص المياه في جدة؛ وذلك بدراسة إمكانية جلب مياه العيون إليها؛ لإحلال ذلك محل سقيا الناس من الصهاريج والآبار، وعندما ظهرت إيجابية الدراسة أمر بتنفيذ المشروع، وكلل مسعاه بالنجاح، فجلب ماءً من عين وادي قوص (قوز) الواقع شمال الرغامة (19) . ونظرا لعدم ورود مصدر لهذه الرواية، فقد بحثت عنها فيما توافر لي من مصادر معاصرة أو قريبة عهد من مدة حكم السلطان قانصوه الغوري، فلم أجد مايشير إلى ذلك (20) ؛ ولعل في عرض النصوص التالية مايؤيد ذلك، ويوضح أسلوب سكان هذه المدينة في حصولهم على المياه في ذلك العهد، فقد ذكر ابن إياس أنه في سنة 915هـ/1509م، فعل السلطان قانصوه الكثير من وجوه الخير منها " أصلح عدة مناهل بطريق مكة، وبنى هناك أشياء كثيرة من هذه النمط، وحصل بها غاية النفع " (21) ؛ وهذا النص عام في مدلوله، ولم يرد فيه تحديد لإيصال مياه عين إلى جدة. وبما أن ابن إياس كان معاصرا لمدة حكم السلطان قانصوه الغوري ورصد أعمال الغوري في بناء سور جدة، وغيره من المنشآت (22) ؛ فإن عدم ذكره لمشروع إيصال ماء عين وادي قوز إلى جدة، يعد حجة بعدم تنفيذ هذا المشروع. وأشار عز الدين بن فهد إلى حصول سيل عظيم في جدة في أوائل سنة 925هـ / 1519م، امتلأت منه الصهاريج جميعها وانتفع به أهل البلد (23) . وعلى هذا فإن سكان جدة بعد ثلاث سنوات من حكم الغوري، لازالوا مستمرين على أساليبهم السابقة في الحصول على المياه، المتمثل منها في هذه الرواية حفظ مياه الأمطار في الصهاريج، فلو كانت مياه عين وادي قوص (قوز) ترد إليهم؛ فما الذي يدفعهم إلى شرب مياه الصهاريج الراكدة. كما ذكر الجزيري أنه في سنة 945هـ /1538م وصل إلى جدة - عبر البحر - جيش عثماني أمر قائده: "بطلب الماء العذب والحطب … ونجلت له الصهاريج التي هي داخل جدة وخارجها (24) ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 وبما أن قائد الجيش كان بحاجة إلى الماء العذب لإرواء جيشه، فكان مصدره الصهاريج؛ لأن مياه العين لو كانت متوافرة لعمد إليها بدلا من تنجيل (نزح) مياه الصهاريج التي قد يكون في قاعها بعض الشوائب علاوة على أنها راكدة. محاولة إيصال مياه عين حَدَّة إلى جدة: انفردت وثيقة مؤرخة بشهر رجب عام 981هـ (25) /1573م، بمعلومات لم نجد لها ذكرا فيما أورده المؤرخون، وأهم ماجاء فيها أن السلطان سليمان القانوني (ت974هـ/1566م) أمر بتشكيل لجنة مكونة من أحمد بيك والي جدة (26) ، وقاضي مكة وشيخ الحرم القاضي حسين (27) والمعمار كرم مصطفى وثلاثون شخصاً من أهل الخبرة والرأي، لدراسة إمكانية إيصال مياه عين قرية حدة إلى جدة، وتقدير طول الطريق الذي ستبنى فيه قناة الماء؛ فتوصلت اللجنة إلى مايلي: قدرت المسافة بين حده وجدة ب 79910 ذراعا بذراع البناء (حوالي 39955م) ، منها 2500 ذراع (حوالي 1250م) منطقة صخرية، يلزم تكسيرها بعمق 15 ذراعا (حوالي 5, 7 م) حتى يمكن الوصول إلى مستوى ميزان الماء. يوجد تلال جبلية كثيرة في طريق مد القناة مما يعوق بناءها. تتصف صحراء جدة بملوحتها؛ مما يحتمل معه ضياع المياه في رمالها. وبعد عرض الأمر على السلطان سليم بن سليمان القانوني، ذكر أن والده أوصى بإيصال مياه عين حدة إلى جدة - بمشيئة الله - وأن فيما أوردته اللجنة يدل على وجود موانع كثيرة في سبيل تحقيق الوصية باستثناء المنطقة الصحراوية في جدة. وبناءً على ذلك أصدر أمره بالعدول عن تنفيذ المشروع واستبدل به إنشاء صهاريج في أماكن مناسبة، وأمر اللجنة السابقة بتحديد أماكن بناء الصهاريج وأبعادها، وتقدير مصاريف بنائها، لتعرض عليه فيما بعد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 ونخلص مما سبق أن السلطان سليمان القانوني، قد وفق في أمره بإجراء دراسة ميدانية قبل البدء في تنفيذ المشروع، وهذا الأسلوب وفر الوقت والجهد والمال، وأن السلطان سليم الثاني لم يأخذ بكل الأسباب المانعة لإقامة المشروع، فقد استثنى منها المنطقة الصخرية، مما يدل على أن لديه لجنة فنية لمراجعة مايرد إليه، كما أن ماورد في هذه الوثيقة يعزز ماسبق إيضاحه عن عدم وصول مياه عين وادي قوص (قوز) إلى جدة في عهد قانصوه الغوري (906- 922هـ / 1500 - 1516م) ، واستمر هذا الوضع حتى تاريخ إعداد الوثيقة وهو شهر رجب عام 981هـ / 1573م. رابعاً: إيصال مياه عين وادي قوز إلى جدة: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 في سنة 1084هـ / 1673م أثناء أعمال العثمانيين في إصلاح عين عرفة بمكة المكرمة تم توجيه معمار عين عرفة إلى جدة "للإشراف على عين هناك بلغ السلطنة أنها إن عمرت دخلت جدة" وقد نتج عن ذلك التعرف من أصحاب المعرفة على أن تحقيق ذلك المشروع يحتاج إلى أربعين ألف شريفي أحمر (28) وقد سجل عبد الملك العصامي المتوفى سنة 1111هـ / 1699م تاريخ أول عمل تحقق لإمداد جدة بمياه العيون وذلك في سياق حديثه عن (كرد أحمد المعمار) فقد ذكر أنه في سنة 1095هـ/1683م "تاسع ربيع الأول ورد أغا من صاحب مصر بقفطان للشريف سعيد، وبطلب كرد أحمد المعمار، وهذا كرد أحمد قد وصل قبل هذه السنة، أرسله الوزير الأعظم مصطفى باشا إلى عمارة المسجد الحرام وجدة، وكانت عمارته في المسجد فرش أروقته بالحجر الشبيكي، وعمارته بجدة إجراء عين إليها استمر فيها نحو ثلاث سنوات، ابتدأها من المحل المعروف بالقوز وعمر بها أيضا مسجداً ومنارة وحماما ووكالة.. وأحضروا المهندسين فخمنوا العمارة فخمنواكل ذراع بقرش ريال بعد أن ذرعوا من الابتداء إلى البلد فبلغ كذا وكذا الف ذراع، وكذلك ضمنوا ماصرف على فرش المسجد، وحسبوا جميع ذلك، وكتبوا حجة شرعية، وخرج من مكة إلى جدة في شهر ربيع الآخر فذهب إلى من طلبه (29) ". ويظهر من هذا النص أن أمر إجراء مياه عين وادي قوز إلى جدة، قد صدر من الوزير الأعظم مصطفى باشا الذي كان صدراً أعظما في المدة من 1087- 1094هـ / 1676 - 1683م في عهد السلطان محمد الرابع (30) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 ومن المرجح أن الصدر الأعظم عرض مشروع المياه على السلطان لإصدار أمره كما مر بنا في عهد كل من السلطان سليمان القانوني وعهد ابنه السلطان سليم الثاني. أما الشريف سعيد الذي ورد اسمه في النص،فقد كان أميرا على مكة، ولم ترد أخبار عن دوره في الإشراف، أو الإنفاق على أعمال البناء (31) ، إنما اقتصر فقط على استدعاء كرد أحمد المعمار، وإرساله إلى مصر كما أننا لانستطيع من خلال هذا النص، أن نجزم بتحديد بدء أو تمام العمل في المشروع آنف الذكر، لأنه ربما يكون قد بدأ العمل قبل ثلاث سنوات من عام 1095هـ / 1683م، فكانت البداية عام 1092هـ /1681م وتمام العمل 1095هـ /1683م. وربما يكون قد بدأ العمل قبل عام 1092/1681م واستمر ثلاث سنوات في عمل القنوات، ثم استكمل أعماله في بناء المنشآت الأخرى كالمسجد والمنارة والحمام والوكالة، ويمكن التأكيد على أنه في عام 1095هـ /1683م كانت مياه عين وادي قوز تغذي جدة بالمياه، ويؤيد ماذهبنا إليه عن تاريخ العمل ما أورده الغازي حيث أشار إلى هذه العين بقوله "أدخلها إلى جدة في حدود سنة تسعين وألف معمار يقال له أحمد كرد". كما ورد عن هذه العين أيضا: "أنها وصلت إلى جدة في حدود سنة تسعين وألف" (32) . ونخلص من ذلك إلى القول بأن هذا المشروع يعد أول مشروع تحقق - بمشيئة الله - لإيصال مياه عين وادي قوز إلى جدة، وينفي نسبته إلى السلطان قانصوه الغوري، ويجيب على تساؤل ورواية ذكرها أيوب صبري باشا عندما قال مانصه: "يروى أن المياه أوصلت إلى المدينة قديما فهل حدث ذلك من قبل أرباب الخير، أم من قبل الحكومة؟ " لانعرف بالتحديد. يقال - حسب رواية - أن الصدر الأعظم قره مصطفى باشا هو الذي أوصل المياه إلى المدينة سنة 1050هـ، إلا أن المجرى وصل إلى مشارف المدينة فقط بسبب وفاة هذا الرجل " (33) . خامساً: الترميمات والإصلاحات للعين وأثرها في سقيا سكان جدة: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 يبدو أن وصول مياه العين لسقيا جدة لم يستمر طويلا؛ لأنه في سنة 1135هـ / 1722م أي بعد مايقرب من أربعين عاما على إنشائها انقطعت مياه العين، وظهرت الحاجة إلى إصلاحها؛ فأمر علي باشا (والي جدة) بتوجيه المعلمين للحفر حول مسار القناة لمعرفة الخلل وإصلاحه، وطلب شراء (برابخ) لاستخدامها في أعمال الإصلاح، فحصل على مائتي (34) بربخ. ويحتمل أن خراب القناة نتج من الحريق الذي شب في مدينة جدة سنة 1133هـ/1720م، ووصف بأنه كان ضخما بدأ من باب مكة، وشمل عدة حارات وأدى إلى وفاة ثمانين شخصا (35) ، ويؤيد هذا الاحتمال أن المدة الزمنية بين وقوع الحريق وإصلاح القناة قصيرة جدا لاتتجاوز السنتين، كما يبدو أن الخلل وقع في منطقة توزيع المياه، فالبرابخ تكون في العادة من الفخار (36) ، ويظهر من عددها البالغ مائتي بربخ مايدل على أن المسافة التي تم إصلاحها لم تكن كبيرة، وذلك مقارنة ببعد موقع العين في وادي قوز عن داخل البلد (38) (خارطة رقم1) . وفي سنة 1176هـ / 1762م زار نيبور (Neibuhr) جدة، وأشار إلى أن المياه تخزن قرب الينابيع في التلال، ثم تنقل إلى البيوت على ظهور الجمال (37) ، مما يدل على أن قناة المياه كانت معطلة في ذلك الوقت أي بعد نحو 41 سنة من إصلاحها. فهي مدة قصيرة تجعلنا نتساءل عن الأسباب التي أدت إلى تعطلها عن أداء وظيفتها؟ وبالرجوع إلى ما توافر لنا من مصادر - في الوقت الحاضر - لانجد تعليلا لذلك، إلا أنه يمكننا احتماله بالمقارنة بأهم أسباب تعطل قنوات المياه في مكة المكرمة، حيث أشارت وثيقة إلى ذلك بما يلي (38) . إن قنوات المياه تحوي فتحات لتسهل للبدو المجاورين أخذ ما يحتاجونه منها لسقياهم وسقيا مواشيهم، وكانوا يعمدون إلى تخريب القناة لمجرد جهلهم، علاوة على أن هذه الفتحات كانت تسهل وقوع المواشي إلى داخل القناة مما يؤدي إلى انسدادها وفساد الماء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 كانت تنمو مجموعة من الأشجار حول القناة؛ مما يؤدي إلى تهدم جدرانها؛ بسبب عروق الأشجار التي تخترقها. تزداد حالة القناة سوءا إذا تأخر إصلاحها وإهمالها لمدة طويلة. تعتبر السيول من العوامل المؤدية إلى دمار القنوات، وسدها بالأتربة. وإضافة إلى ماسبق قد يكون لبعض تجار الماء في جدة أو عمال المياه دور في تخريب القناة؛ ليحققوا بذلك أرباحا من بيع المياه من صهاريجهم، أو الحصول على المال أجراً لنقل المياه على ظهور الدواب، ويؤيد هذا الرأي قول أيوب صبري باشا: "لايحتاج أكثر الأغنياء لهذه المياه - مياه العين - لوجود صهاريج لديهم يحققون من ورائها مكاسب كبيرة ... وإذا كان الأمر بأيديهم، لعملوا بكل ماوسعوا على منع المياه أن تأتي" (39) ، كما أفادت وثيقة عن عدم رضى بعض الأعراب عن توفر المياه في جدة؛ لأن ذلك في اعتقادهم يعد من أسباب حرمانهم من الرزق (40) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وفي سنة 1230هـ /1814م زار بوركهارت (Burckhardt) جدة، وأشار إلى أن سكان جدة يحصلون على المياه، بتوجيه مياه الأمطار التي تهطل على أسطح المنازل إلى خزانات سفلية (يتم ذلك عن طريق الميازيب) ، ويعوضون النقص الحاصل من قلة الأمطار، وعدم انتظامها باللجوء إلى ملء الخزانات بمياه البرك التي تتشكل خارج المدينة أثناء الفصول الماطرة، ويسحبون مياه الشرب من آبار على مسافة ميل ونصف الميل إلى الجنوب (41) . وبناءً على هذا فإن بوركهارت لم يشر إلى استمرار وصول مياه عين قوز إلى جدة في عهده، مما يعني أنها كانت معطلة، ووصف نقص المياه في جدة بقوله: "المياه في جدة غير كافية للاستهلاك، وهي تعد ترفا،ً والكثير من مياه الشرب يسحب من آبار على مسافة ميل ونصف الميل إلى الجنوب، والحقيقة أن المياه موجودة في كل مكان على عمق 15 قدما؛ لكنها رديئة المذاق بوجه عام، تكاد لا تصلح للشرب في أمكنة عديدة هناك بئران فقط تؤمنان مياها يمكن أن تسمى عذبة ولكنها تعد ثقيلة، ثم إنها تصبح مليئة بالحشرات إذا مابقيت في الوعاء 24 ساعة على أن المياه الجيدة في هاتين البئرين لايمكن الحصول عليها دائما لندرتها وغلائها بدون مساعدة أصدقاء أقوياء، والواقع أنه لاأكثر من 200 إلى 300 شخص يتمكنون من الحصول عليها، فيما يكتفي بقية السكان بالمياه التي تتوفر من الآبار الأخرى وإلى هذا وبالدرجة الأولى يمكن أن يعزى سوء الحالة الصحية للسكان " (42) . ويفسر ماقاله بوركهارت عن توافر المياه على أعماق قريبة؛ ماسبق بيانه عن تشبع تربة جدة بمياه البحر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 وفي سنة 1270هـ / 1853م قام تاجر من جدة اسمه "فرج يسر" بإعادة إجراء مياه العين، وذلك بإصلاحها عن طريق جمع التبرعات من تجار جدة وموسريها (43) ، وبطبيعة الحال لايشمل ذلك من لهم مصلحة في بيع الماء، وحسب ماذكره الأنصاري فإن مياه العين "استمر جريانها بعد ذلك مع ضعف كامن فيها إلى سنة 1304هـ/ 1886م (44) . ... " إلا أننا نرجح توقف وصول مياه العين بعد مدة لاتتجاوز أربع سنوات من إصلاحها؛ لأن شارل ديديه (charles Didie) زار جدة عام 1274هـ / 1857م وذكر: "أن ماء الشفة نادرة فيها" (45) ، وبعد ذلك بعام أي في سنة 1275هـ / 1858م بعث القنصل البريطاني في جدة جميز زوهراب (JAMES ZOHRAB) تقريراً إلى وزير الخارجية البريطاني، أخبره فيه عن خطاب أرسله إلى والي الحجاز يطلب فيه الاجتماع به في جدة، فلبى الوالي الدعوة وجرت مباحثات مطولة تم خلالها الإشارة إلا الاهتمام بمصادر المياه في جدة (46) . وتشير وثيقة مؤرخة في 20/1/1285هـ /13/5/1868م إلى قيام نوري أفندي قائم مقام جدة، بجهود مميزة لإيصال المياه العذبة إلى جدة، فتمت مكافأته بترقيته إلى رتبة أمير الأمراء (47) ؛ ويحتمل أن ذلك يشير إلى أن أعمالاً معمارية تمت لإصلاح قناة عين وادي قوز، فهي مصدر المياه العذبة. وفي سنة 1298هـ /1880م قام صفوة باشا والي الحجاز، بجهود كبيرة لإيصال مياه العين إلى جدة (48) . وعلى الرغم من كل أعمال الإصلاح والترميم سابقة الذكر فإن مياه العين لم تستمر في عطائها كثيرا، لتعطل القناة في نهاية القرن الثالث عشر للهجرة؛ لقدمها وخرابها من وقوع الأتربة والقش في داخلها، وظهر من كشف ميداني على مبانيها أن إصلاحها بشكل جيد تطلب مبلغ يتراوح بين 4000 أو 5000 ليرة؛ لهذا لجأ السكان إلى الحصول على مياه الأمطار المتجمعة في الحفر والصهاريج، وأخذ تجار الماء في بيعه على الناس بمبلغ ثلاثين أو أربعين قرشا لحمل الجمل (49) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 ومما يصور مشكلة قلة المياه في جدة وعدم توفر مياه العيون في تلك المدة قول أيوب صبري: "إذا كانت مياه الآبار صالحة للشرب إلى حد ما فإن مياه البحر قد تختلط بمياه السيول، فتقلل من الطعم اللذيذ لمياه الأمطار ومع ذلك فالواجب يقتضي أن تشرب هذه المياه في حينها، لأنها إن بقيت ليلة واحدة في كوب أو في قربة لتعفنت، ولهذا يقوم السقاؤون بطلي القرب التي يحملون فيها مياه الآبار بالشحم من الداخل ليل نهار تحاشياً لتعفن الماء، والذين لم يعتادوا على شرب المياه بالزيوت، يصعب عليهم الحصول على المياه من الآبار " (50) . وبناءً على العرض السابق فإن مياه عين وادي قوز على الرغم من أهميتها في سقيا جدة فإنها لم تدم طويلا، حيث ظلت على مدى 200 عاما منذ إيصالها إلى جدة مذبذبة في عطائها، ولم يرد مايدل على أنها انهت مشكلة نقص المياه في جدة. سادساً: العين. موقعها وطراز عمارة قناتها: 1 - موقع العين: في القرن الحادي عشر للهجرة ورد اسم (قوز) للدلالة على اسم الوادي الذي تقع فيه العين (51) ، ثم حرف الاسم في الدراسات الحديثة فجاء (قوص) (52) ، بإبدال الزاي صادا، و (قوس) (53) . بإبدال الزاي سينا، وورد في خارطة المهندس زكي فارسي باسم (قويزه) انظر (خارطة رقم 1) كما ورد اسم (عين الوزيرية) بديلا عن اسم "عين وادي قوز" في سياق نص الكردي عن تاريخ هذه العين (54) ؛ والواقع أن عين وادي قوز غير عين الوزيرية أو الحميدية التي ظهرت في بداية القرن الرابع عشر للهجرة (55) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 ولم يرد فيما اطلعت عليه من مصادر - على حد علمي - تحديد دقيق لموقع العين، إلا أنه يمكن الاهتداء من بعض الروايات إلى تحديد تقريبي للجهة التى تقع فيها العين، وفيما يلي عرض لهذه الروايات لمقارنتها بالواقع وصولا إلى تحديد تقريببي لموقع العين على خارطة حديثة، فقد قال العصامي: "إجراء عين … ابتدأها من المحل المعروف بالقوز" (56) ، ولانجد في هذا النص مايدل على موضع الجهة التي يقع فيها "المحل المعروف بقوز" وأورد الغازي أن: " هذه العين في السبيل بقرب جدة" (57) ، وإذا كان القصد أن موضع منبع العين يقع في السبيل فإن ذلك مجانبٌ للصواب؛ لأن منبعها كما سبقت الاشارة إليه في القوز، والسبيل موضع من المواضع التي تمر بها قناة المياه في طريقها إلى جدة، وذكر محمد صالح قزاز أن موقع العين في "وادي قوص شمالي الرغامة" (58) ، وذكر الأنصاري: "وادي قوص الواقع بشمال الرغامة، وتبعد الرغامة عن جدة ساعتين سيرا على الأقدام ونحو اثني عشر كيلو مترا " (58) ؛ ونستدل من هذين النصين على أن موضع العين يقع في شمال الرغامة التي تبعد نحو 12 كم عن جدة. ولتطبيق هذه الدلائل على الطبيعة لمعرفة موقع العين؛ فقد قمت بمسح ميداني في المنطقة، وساعدني في ذلك الأخ عايش بن مساعد الجهني، وهو من سكان وادي قوز، ويبلغ من العمر نحو 50 عاما، وأخبرني أنه شاهد في حدود عام 1400هـ / 1980م، آثار قناة تمر من قويزه، وأردف قائلا أنه لايعلم - حاليا - هل آثار القناة لازالت باقية أم اندثرت، فاصطحبته للموقع، وفعلا شاهدنا جزءا من آثار القناة ظاهرة على سطح الأرض في وادي "قوز" (لوحة رقم 3) مما يدل على أنها هي قناة عين وادي قوز، ويؤكد ذلك أيضا إفادته بأنه شاهد خرزة (غرفة تفتيش) على القناة في موضع آخر، وشاهد على بعد نحو 2 كم من الموضع السابق قناة تمر تحت الأرض، ظهرت بعد حفر التراب لبناء مسكن في موضعها. (خارطة رقم 1) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 وبالنظر إلى المنطقة التي تقع فيها بقايا قناة عين "قوز"؛ نجد أنها غنية بالمياه إلى الوقت الحاضر، حيث تنتشر فيها المزارع، وتوجد المياه على أعماق يسيرة في بعض المواضع قد لاتتجاوز بضعة أمتار (اللوحتان رقما 1، 2) ، كما أنها تتميز بارتفاعها؛ مما يسهل عملية انسياب المياه طبيعيا من "قوز" إلى جدة، ولانستبعد أن يكون موضع منبع العين قريباً جداً من موضع آثار القناة الظاهرة، وقد لايبعد عنها أكثر من بضع مئات من الأمتار، كما نلحظ أنه يحف بالموضع جبل الحمراء من الشرق، وجبل موفيا من الغرب، مما يعني أن هذين الجبلين يمثلان رافداً مائيا للموقع، باستقطابهما مياه الأمطار وتصريفهما (خارطة رقم 1) . وبناءً على ماسبق فإن موضع عين وادي قوز يقع بالقرب من آثار القناة الظاهرة على سطح الأرض فيما يعرف اليوم باسم قويزه على بعد 6 كم شمال الجسر المؤدي إلى شارع عبد الله السليمان المجاور لجامعة الملك عبد العزيز من الناحية الشمالية، وعلى بعد مايقرب من 15كم شمال شرق سوق العلوي الواقع في وسط مدينة جدة القديمة، حيث كان يوجد (بازان) قديم لتوزيع مياه العين عرف باسم "عين فرج يسر" (خارطة رقم 1) . 2 - طراز بناء القناة: من خلال بقايا آثار القناة في وادي قوز، وماقاله الطبري عن استخدام البرابخ في إصلاحها؛ يمكن القول بأن (المعمار) عمد إلى بناء القناة بالحجارة عند منبع العين، واستخدم الخرزات (غرف تفتيش) لصيانة القناة وتنظيفها، واستخدم البرابخ، وهي المواسير الفخارية، قريبا من نقاط توزيع المياه في جدة ليتمكن السكان من السقي بيسر وسهولة، ويمكننا من بقايا آثار القناة الظاهرة في وادي قوز (اللوحات أرقام 3، 4، 5) (الشكلان 1، 2) أن نصل إلى الحقائق التالية: عمد المعمار إلى بناء القناة بسعة 45 سم وعمق 30 سم، ومن المرجّح أنها كانت مغطاة (بمجاديل حجرية) لحفظ القناة من سقوط الأتربة والغبار والحيوانات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 استخدم في بناء القناة أحجار (البازلت) شبه المهذبة من جانب وغير المهذبة من الجانب الآخر، فنتج عن ذلك استواء جدار القناة الداخلي، واختلاف في سمك جدار القناة بين 20 - 40 سم، وهذا الأسلوب وفر الجهد وأدى إلى تحقيق الوظيفة؛ إلا أنه لم يعط المظهر الخارجي شكلا جميلا، ولعل (المعمار) لم يتحّرج في ذلك؛ لبعد هذا الموضع عن مدينة جدة، وقد تكون حركة مرور الناس من هذا الموضع نادرة. تباينت أحجام أحجار البناء بين 50 × 30 × 15 سم و40×20×10سم، و 60×25×30 سم و 20 × 15 × 45، ونتج عن ذلك وجود فراغات بين أحجار البناء؛ فأكملها بأحجار صغيرة (دقشوم) متفاوته الأبعاد بين 10 × 15×20سم، 10 × 8 ×12 سم. تم تجصيص القناة من الداخل بطبقة من الجص؛ لمنع تسرب المياه المناسبة عبر القناة. • • • نتائج البحث: عمل المسلمون منذ عام 26هـ /646م حتى حدود عام 1095هـ/ 1683م تقريبا على توفير المياه لمدينة جدة عن طريق حفر الآبار وبناء الصهاريج لحفظ مياه الأمطار. أثبت البحث أن السلطان قانصوه الغوري لم يجر عين وادي قوز إلى جدة، وهذا مخالف لماورد في الدراسات الحديثة. حاول العثمانيون في عهد السلطان سليمان القانوني (ت974هـ/1566م) ، ثم في عهد السلطان سليم الثاني عام (981هـ/1573م) إجراء مياه عين حده إلى جدة إلا أنهم أوقفوا تنفيذ العمل؛ لبعد المسافة بين حده وجدة ووجود التلال الجبلية. في عهد السلطان (محمد الرابع) في حدود عام 1095هـ /1683م تم إيصال مياه عين وادي قوز لأول مرة إلى مدينة جدة. لم يثمر مشروع إيصال مياه عين وادي قوز إلى جدة عن إنهاء مشكلة نقص مياه الشرب بها؛ لتوقف وصول المياه في مدد زمنية مختلفة علىمدى نحو مائتي عام من إنشاء القناة. يرجح أن سبب توقف وصول المياه إلى جدة عبر قناة عين وادي قوز، يعود إلى أسباب طبيعية وبشرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 ظهرت بقايا من آثار قناة عين وادي قوز، وقد تم التعرف من خلالها على طراز بناء القناة ومواد البناء، فضلا عن تحديد تقريببي لموقع العين. التوصيات: 1. لازالت المنطقة التى تم منها جلب مياه عين وادي قوز متميزة بغزارة مياهها إلى الوقت الحاضر (1420/ 1999) ؛ مما يشير إلى أنه قد يكون هناك مجال لدراسة إنشاء سدود لحفظ مياهها والإفادة منها. 2. إن بقايا آثار قناة الماء في وادي قوز، يُعّد الدليل المادي الوحيد الظاهر إلى الآن (1420هـ/1999م) للتعرف على عين وادي قوز، مما يؤكد أهميته ويستدعى المحافظة عليه ولو بعمل شبك حديدي حوله. الهوامش والتعليقات الحمدان، فاطمة عبد العزيز سليمان، مدينة جدة الموقع البيئة العمران السكان ط1 (جدة: دار المجتمع للنشر والتوزيع، 1410هـ/1990م) ص25. الفاسي، أبو الطيب تقي الدين محمد بن أحمد بن علي، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، حقق أصوله وعلق حواشيه لجنة من كبار العلماء والأدباء، (بيروت - لبنان: دار الكتب العلمية، د. ت) ج1 ص ص 87 - 88، ششة، نوال سراج، جدة في مطلع القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة الطالب الجامعي، 1406هـ/1986م) ص23. الحمدان، مدينة جدة، ص32. الحمدان، مدينة جدة ص33. الأنصاري، عبد القدوس، موسوعة تاريخ مدينة جدة، ط3 (القاهرة: دار مصر للطباعة، 1402هـ / 1982م) ج1 ص ص26 - 27. انظر خامسا: الترميمات والإصلاحات للعين وأثرها في سقيا سكان جدة. الحمدان، مدينة جدة، ص ص 38، 39، 44. الصواف، فائق بكر ومصطفى رمضان، أهمية ثغر جدة في النصف الأول من القرن العاشر الهجري (16م) (مجلة الداره، العدد الثاني، السنة السادسة، ربيع الأول 1401هـ، يناير 1981م) ص ص 199 - 200 ششه، جدة، ص ص 21 - 28. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 كحالة، عمر رضى، جغرافية شبه جزيرة العرب، راجعه وعلق عليه أحمد علي، ط2 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة، 1384هـ/1964م) ص 203. الأنصاري، موسوعة، ج1 ص 141. ابن بطوطة، أبو عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي، رحلة ابن بطوطة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، قدم له وحققه محمد عبد المنعم العريان، راجعه وأعد فهارسه مصطفى القصاص، ط1 (بيروت: دار إحياء العلوم، 1407هـ/ 1987م) ص 251. النجيدي، حمود بن محمد، جدة من خلال كتابات جار الله بن فهد "دراسة وتحقيق" (مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد الثالث عشر، ذو القعدة 1415هـ) ص 508. ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين بن مكرم، لسان العرب (بيروت: دار صادر، د. ت) ج8 ص211. ابن منظور لسان العرب، ج2 ص 312. ابن منظور لسان العرب، ج1 ص 250. الأزرقي، أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد، أخبار مكة وماجاء فيها من الآثار، تحقيق رشدي الصالح ملحس، ط4 (مكة المكرمة: مطابع دار الثقافة، 1403هـ / 1983م) جزءان، الفاكهي، أبو عبد الله محمد بن إسحاق، أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، دراسة وتحقيق عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، 1407هـ / 1986م) ستة أجزاء. المقدسي، شمس الدين أبو عبد الله بن أبى بكر، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ط2 (ليدن: مطبعة بريل، 1909م) ص79. انظر: ابن جبير، أبو الحسين محمد بن أحمد، رحلة ابن جبير (بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، 1399هـ / 1979م) ص ص 53، 54، ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 ص ص 250- 252، الفاسي، شفاء الغرام، ج1 ص ص 87، 88 ابن فهد، عز الدين عبد العزيز بن عمر بن محمد، غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام، تحقيق فهيم شلتوت، ط1 (جامعة أم القرى: مركز البحث العلمي واحياء التراث الإسلامي، 1406هـ / 1986م) ج3 ص 20، النجيدي، جدة، ص ص 506 - 510، الأرزقي، أخبار مكة، الملحق ص 318، اسماعيل، أحمد علي، دراسات في جغرافية المدن، ط1 (القاهرة: مكتبة جامعة عين شمس، 1978م) ص 354. أورد هذا الخبر: قزاز، محمد صالح، الماء في جدة "العين العزيزية" (مجلة الحج، العدد الأول، السنة الأولى، رجب 1366هـ / مايو 1947م) ص39، ثم قنديل، أحمد وآخرون، الماء في جدة (مجلة الحج، العدد السابع، السنة الأولى محرم 1367هـ / نوفمبر 1947م) ص ص 51، 52 ثم تلاهما الأنصاري، موسوعة ج1 ص ص 145 - 146، الحمدان، جدة، ص 59. وكذلك انظر "جدة القديمة التاريخ والمعاصرة" ط1 (المملكة العربية السعودية، وزارة الشئون البلدية والقروية، أمانة مدينة جدة 1415هـ / 1995م، د. ن) ص ص 78، 79. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 انظر على سبيل المثال: ابن فهد، غاية المرام، ج3 ص ص 91 - 339، النجيدي، جدة ص ص 506 - 510، ابن فهد، عبد العزيز بن عمر بن محمد، بلوغ القرى في ذيل إتحاف الورى بأخبار أم القرى (مكة المكرمة، مخطوط مصور بالميكروفيلم بمعهد البحوث العلمية واحياء التراث الاسلامي بجامعة أم القرى، رقم 71، 72) حوادث سنة 904هـ إلى 922هـ، ابن إياس، محمد بن أحمد، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى (القاهرة: دار احياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه 1380هـ / 1961م) ج4، ج5، الجزيري، عبد القادر بن محمد ابن عبد القادر بن إبراهيم الأنصاري، الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة (القاهرة: المطبعة السلفية ومكتباتها، 1384هـ) ص ص 348 - 368، وكذلك الطبعة التى أعدها للنشر حمد الجاسر ط1 (الرياض: دار اليمامة، 1403هـ / 1983م) ، ج3 ص 2061، النهروالي، محمد بن أحمد بن محمد، كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام، تحقيق وتقديم هشام عبد العزيز عطا، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ /1996م) ص 259 - 262، ابن فرج، عبد القادر بن أحمد، كتاب السلاح والعدة في تاريخ بندر جدة، تحقيق وترجمة ودراسة أحمد بن عمر الزيلعي وريكس سميث (د. ن، د. ت) ص ص 24 - 36، 54، 59، 60، 65، الطبري، علي بن عبد القادر الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء، تحقيق وتقديم أشرف أحمد الجمال، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ / 1996م) ص284، السنجاري، على بن تاج الدين بن تقي الدين، منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم، أعده جميل عبد الله محمد المصري، ط1 (مكة المكرمة جامعة أم القرى، معهد البحوث العلمية، 1419هـ/1998م) ج6 ص ص 174 - 175. العصامي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، (المطبعة السلفية ومكتبتها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 د. ت) ج4 ص ص 282 - 354. ابن اياس، بدائع الزهور، ج4 ص 152. ابن اياس، بدائع الزهور، ج4 ص89، 95، 96، 109، 286، 287، ج5 ص90. ابن فهد، غاية المرام، ج3 ص 20. الجزيري، درر الفرائد، ج3 ص ص 1748، 1749. وثيقة بدفتر المهمة رقم 23، ص 112 بارشيف رئاسة الوزراء العثماني بأستانبول، وكذلك أنظر صورة الوثيقة وترجمتها بملحق هذا البحث. اتصف بمحبته للخير وقلة ميله إلى الدنيا وشفقته على الفقراء اسند إليه بناء قناة عين عرفة وعمارة المسجد الحرام عام 979هـ، السنجاري، منائح الكرم، ج3 ص ص 461 - 464. تولى النظر على عمارة عين عرفة إلى أن دخلت مياهها مكة المكرمة عام 979هـ، وجهز بشائر ذلك الخبر إلي الأبواب السلطانية، فأتته الترقيات والانعامات. السنجاري، منائح الكرم، ج3 ص 456 - 459. السنجاري، منائح الكرم، ج4 ص ص 394 - 396. العصامي، سمط النجوم، ج4 ص 545. المحامي، محمد فريد بك، تاريخ الدولة العلمية العثمانية، تحقيق إحسان حقي، ط2 (بيروت: دار النفائس، 1403هـ /1983م) ص ص 300 - 301. انظر ترجمته في: دحلان، السيد أحمد بن زيني، خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1397هـ / 1977م) ص ص 99 - 110. غازي الهندي، عبد الله بن محمد، إفادة الأنام بذكر أخبار البلد الحرام (مكة المكرمة، مخطوط مصور بمكتبة الحرم المكي الشريف رقم 1239، 1240، 1241، 1242) ج4 ص 692. صبري، أيوب، مرآة جزيرة العرب، ترجمة وتقديم وتعليق أحمد فؤاد متولي والصفصافي أحمد المرسي، ط1 (الرياض: دار الرياض للنشر والتوزيع، 1403هـ / 1983م) ج1 ص 178. الغازي، إفادة الأنام، ج4 ص ص 691 - 692. الغازي، إفادة الأنام، ج4 ص 693. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 برابخ: مفردها بربمخ وهو منفذ الماء ومجراه والبالوعة من الخزف وغيره كلمة معربة وعربيتها الأدربَّة. أنظر: أنيس، إبراهيم وآخرون قاموا بإخراج المعجم الوسيط، ط2 (د. ن، د. ت) ، ج1 ص 46. عطا الله، سمير، قافلة الحبر الرحالة الغربيون إلى الجزيرة والخليج (1762 - 1950م) ط1 (بيروت - لبنان: دار الساقي، 1994م) ، ص 22. وثيقة بمكتبة جامعة استانبول رقم 4659 ص ص 9 - 10 "عين زبيدة منبع ومجر الرينك تعميراتنه عائدة لائحة وخريطة " وترجمتها: "لائحة وخارطة حول منبع ومجاري عين زبيدة" وتتكون هذه الوثيقة من 51 صحيفة تقفوها خارطة عن قناة عين عرفة. صبري، مرآة، ج1 ص 179. صفوة، نجدة فتحي، الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية (نجد والحجاز) ط1 (بيروت - لبنان: دار الساقي، 1996م) ج1 ص 434. عطا الله، قافلة الحبر ص 125. عطا الله، قافلة الحبر، ص ص 125 - 126. الأنصاري، موسوعة، ج1 ص 147. الأنصاري، موسوعة، ج1 ص 147. عطا الله، قافلة الحبر، ص 156. العمرو، صالح، تقارير القناصل البريطانيين في جدة كمصدر لتاريخ غرب الجزيرة العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل العشرين "بحث في الندوة العالمية الأولى لدراسات تاريخ الجزيرة العربية" (جامعة الرياض، الكتاب الأول، 1399هـ / 1979م، الكتاب الأول) ج2 ص 223. وثيقة بدفتر العينيات رقم 871، ص 65 بارشيف رئاسة الوزراء العثماني باستانبول، وكذلك انظر صورة الوثيقة وترجمتها في (الملاحق) من هذا البحث. اسماعيل، صابرة مؤمن، جدة خلال الفترة 1286 - 1326هـ / 1869 - 1908م دراسة تاريخية وحضارية في المصادر المعاصرة (إصدارات دارة الملك عبد العزيز 1418هـ) ص 159. صبري، مرآة، ج1 ص ص 178، 179. صبري، مرآة، ج1 ص 178. العصامي، سمط النجوم، ج4 ص 545. قزاز، الماء في جدة، ص 39، الأنصاري، موسوعة، ج1 ص 146، الحمدان، مدينة جدة، ص59. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 قنديل، الماء في جدة، ص 51. الكردي، محمد طاهر، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة، 1412هـ / 1992م) ج6 ص 356. يجري حاليا الإعداد لدراسة بعنوان: إيصال مياه عين الوزيرية - الحميدية - إلى جدة في بداية القرن الرابع عشر للهجرة للدكتور عادل بن محمد نور غباشي. العصامي، سمط النجوم، ج4 ص 545. الغازي، افادة الأنام، ج4 ص 692. قزار، الماء في جدة، ص 39. الأنصاري، موسوعة، ج1 ص 146. المصادر والمراجع أولاً: الوثائق: وثيقة بدفتر المهمة رقم 23، ص 112 بأرشيف رئاسة الوزراء العثماني باستانبول، وكذلك انظر صورة الوثيقة وترجمتها بملحق هذا البحث. وثيقة بدفتر العينيات رقم 871، ص 65 بأرشيف رئاسة الوزراء العثماني باستانبول، وكذلك انظر صورة الوثيقة وترجمتها بملحق هذا البحث. وثيقة بمكتبة جامعة استانبول رقم 4659 "عين زبيدة منبع ومجر الرينك تعميراتنه عائدة لائحة وخريطة " وترجمتها: "لائحة وخارطة حول منبع ومجاري عين زبيدة" وتتكون هذه الوثيقة من 51 صحيفة تقفوها خارطة عن قناة عين عرفة. ثانياً: المصادر والمراجع: ابن إياس، محمد بن أحمد، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى (القاهرة: دار احياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه) ابن بطوطة، أبو عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي، رحلة ابن بطوطة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، قدم له وحققه محمد عبد المنعم العريان، راجعه وأعد فهارسه مصطفى القصاص، ط1 (بيروت: دار إحياء العلوم، 1407هـ/ 1987م) . ابن جبير، أبو الحسين محمد بن أحمد، رحلة ابن جبير (بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، 1399هـ / 1979م) . ابن فرج، عبد القادر بن أحمد، كتاب السلاح والعدة في تاريخ بندر جدة، تحقيق وترجمة ودراسة أحمد بن عمر الزيلعي وريكس سميث (د. ن، د. ت) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 ابن فهد، عز الدين عبد العزيز بن عمر بن محمد، غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام، تحقيق فهيم شلتوت، ط1 (جامعة أم القرى: مركز البحث العلمي واحياء التراث الإسلامي، 1406هـ / 1986م) ابن فهد، عز الدين عبد العزيز بن عمر بن محمد، بلوغ القرى في ذيل إتحاف الورى بأخبار أم القرى (مكة المكرمة، مخطوط مصور بالميكروفيلم بمعهد البحوث العلمية واحياء التراث الاسلامي بجامعة أم القرى.) ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين بن مكرم، لسان العرب (بيروت: دار صادر، د. ت) . الأزرقي، أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد، أخبار مكة وماجاء فيها من الآثار، تحقيق رشدي الصالح ملحس ط4 (مكة المكرمة: مطابع دار الثقافة، 1403هـ / 1983م) . اسماعيل، صابرة مؤمن، جدة خلال الفترة 1286 - 1326هـ / 1869 - 1908م دراسة تاريخية وحضارية في المصادر المعاصرة (إصدارات دارة الملك عبد العزيز 1418هـ) . الأنصاري، عبد القدوس، موسوعة تاريخ مدينة جدة، ط3 (القاهرة: دار مصر للطباعة، 1402هـ / 1982م) . أنيس، إبراهيم وآخرون قاموا بإخراج المعجم الوسيط، ط2 (د. ن، د. ت) الجزيري، عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن إبراهيم الأنصاري، الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة (القاهرة: المطبعة السلفية ومكتباتها، 1384هـ) ، وكذلك الطبعة التى أعدها للنشر حمد الجاسر ط1 (الرياض: دار اليمامة، 1403هـ / 1983م) . الحمدان، فاطمة عبد العزيز سليمان، مدينة جدة الموقع البيئة العمران السكان ط1 (جدة: دار المجتمع للنشر والتوزيع، 1410هـ/1990م) . دحلان، السيد أحمد بن زيني، خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1397هـ / 1977م) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 السنجاري، على بن تاج الدين بن تقي الدين، منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم، أعده جميل عبد الله محمد المصري، ط1 (مكة المكرمة جامعة أم القرى، معهد البحوث العلمية، 1419هـ/1998م) . ششة، نوال سراج، جدة في مطلع القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة الطالب الجامعي، 1406هـ / 1986م) صبري، أيوب، مرآة جزيرة العرب، ترجمة وتقديم وتعليق أحمد فؤاد متولي والصفصافي أحمد المرسي، ط1 (الرياض: دار الرياض للنشر والتوزيع، 1403هـ / 1983م) . صفوة، نجدة فتحي، الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية (نجد والحجاز) ط1 (بيروت - لبنان: دار الساقي، 1996م) . الصواف، فائق بكر ومصطفى رمضان، أهمية ثغر جدة في النصف الأول من القرن العاشر الهجري (16م) (مجلة الدارة، العدد الثاني، السنة السادسة، ربيع الأول 1401هـ، يناير 1981م) . الطبري، علي بن عبد القادر، الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء، تحقيق وتقديم أشرف أحمد الجمال، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ / 1996م) . العصامي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، (المطبعة السلفية ومكتبتها، د. ت) . عطا الله، سمير، قافلة الحبر الرحالة الغربيون إلى الجزيرة والخليج (1762 - 1950م) ط1 (بيروت - لبنان: دار الساقي، 1994م) . العمرو، صالح، تقارير القناصل البريطانيين في جدة كمصدر لتاريخ غرب الجزيرة العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل العشرين "بحث في الندوة العالمية الأولى لدراسات تاريخ الجزيرة العربية" (جامعة الرياض، الكتاب الأول، 1399هـ / 1979م) . غازي الهندي، عبد الله بن محمد، إفادة الأنام بذكر أخبار البلد الحرام (مكة المكرمة، مخطوط مصور بمكتبة الحرم المكي الشريف رقم 1239، 1240، 1241، 1242) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 الفاسي، أبو الطيب تقي الدين محمد بن أحمد بن علي، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، حقق أصوله وعلق حواشيه لجنة من كبار العلماء والأدباء، (بيروت - لبنان: دار الكتب العلمية، د. ت) . الفاكهي، أبو عبد الله محمد بن إسحاق، أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، دراسة وتحقيق عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، 1407هـ / 1986م) . قزاز، محمد صالح، الماء في جدة "العين العزيزية" (مجلة الحج، العدد الأول، السنة الأولى، رجب 1366هـ / مايو 1947م) . قنديل، أحمد وآخرون، الماء في جدة (مجلة الحج، العدد السابع، السنة الأولى محرم 1367هـ / نوفمبر 1947م. كحالة، عمر رضى، جغرافية شبه جزيرة العرب، راجعه وعلق عليه أحمد علي، ط2 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة، 1384هـ/1964م) . الكردي، محمد طاهر، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة، 1412هـ / 1992م) . المحامي، محمد فريد بك، تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق إحسان حقي، ط2 (بيروت: دار النفائس، 1403هـ /1983م) . المقدسي، شمس الدين أبو عبد الله بن أبى بكر، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ط2 (ليدن: مطبعة بريل، 1909م) . النجيدي، حمود بن محمد، جدة من خلال كتابات جار الله بن فهد "دراسة وتحقيق" (مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد الثالث عشر، ذو القعدة 1415هـ) . النهروالي، محمد بن أحمد بن محمد، كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام، تحقيق وتقديم هشام عبد العزيز عطا، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ / 1996م) . الملاحق أولاً: وثيقتان ثانياً: خارطة لموضع آثار قناة عين وادي قوص ثالثاً: شكلان رابعاً: اللوحات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 صيغة فُعْلَى في العربية د. عبد الله بن ناصر القرني الأستاذ المساعد بقسم اللغة والنحو والصرف - كلية اللغة العربية جامعة أم القرى ملخص البحث عرض البحث لصيغة (فُعْلَى) في العربية، وبين الاستعمال العربي لها، وبين أن العرب استعملتها اسْمَ ذاتٍ، واسْمَ مَعْنىً، وصِفَةً، وجاءت أقوالٌ تبين أنه دُلَّ ببعض الألفاظ من هذه الصيغة على الجمع - وإن لم يكن باتفاق -. ثم عرض البحث بعد ذلك إلى الأحكام اللغوية لهذه الصيغة، وناقش قضايا متعلقة بألفاظها منها: - استعملت العرب (فُعْلَى) صفة مؤنثاً ل (أَفْعَل) ب (أل) أو بالإضافة، وهو الوجه. وجاء في بعض الشعر والعبارات لدى العلماء استعمالها بغير ذلك، وقد عُدّ لحناً، لكن البحث انتهى إلى إمكان قبوله متابعة لما رآه عضو مجمع اللغة بالقاهرة. - يختلف جمع صيغة (فُعْلَى) بحسب نوعها فما كان مؤنثاً ل (أفعل) فإنه يجمع على (فُعَل) ويجمع بالألف والتاء فيقال في كُبْرَى كُبَر وكُبْرَيات. وما جاء على غير ذلك فشاذ. وما جمع على (فُعَل) ولم يكن مؤنثاً ل (أفْعَل) فهو شاذٌ أيضاً. - وما لم يكن مؤنثاً ل (أَفْعَل) فلا يجمع على (فُعَل) ومرد كل ذلك إلى ما سمع عن العرب. - تتأثر صيغة (فُعْلَى) من حيث الإعلال وعدمه بنوع الصيغة، فأحياناً لا يُعَل ما يجب إعلاله، وأحياناً أخرى يُعَل مالا يجب إعلاله فرقاً بين الاسم والصفة. وكل ذلك بالتفصيل في ثنايا البحث. • • • الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 فقد بذل علماء العربية جهداً كبيراً في تحديد أبنية العربية، وَوَصْفِها على نحوٍ دقيقٍ، بل اتخذها بعضهم منهجاً في حصر الأبنية والتمثيل لها، واتجه آخرون إلى العناية ببعض الأبنية، وحاولوا حصر ألفاظها، ثم تجاوز الأمرُ ذلك إلى أن أخذ صورة المعجم، الذي اتبع نظام الأبنية في ترتيب الألفاظ، وجمع الكلمات اللاتي يجمعها بناء واحد، في باب واحد، يفيد منه الصرفيون، ويطلعنا على خصائص الأوزان، وما يفيده كل بناء من الأبنية، كما فعل الفارابي في ديوان الأدب - على ما في منهجه من مشقة نَتَجَتْ عن تفريق المادة الواحدة -. وكان في جملة تلك الأبنية صيغة (فُعْلَى) التي اختص بها الاسم دون الفعل، والصيغة بهذا الوزن (فُعْلَى) إشارة إلى أن الكلمات التي جاءت عليها ثلاثية مزيدة بحرف في آخرها. ولما كانت (فُعْلَى) تتنوع من حيث إنها تكون اسمَ ذات، واسمَ معنى، وصفةً، وصيغةً دالةً على الجمع باختلافٍ بين العلماء؛ أردت أن أبين ذلك في هذا البحث، فجمعت ما وقع لي من ألفاظ هذه الصيغة، في كتب المعاجم والأبنية، وكتب المقصور والممدود، وأفدت كثيراً مما جاء في باب ما جاء على (فُعْلَى) من كتاب المخصص. ثم أتبعت ذلك بدراسةٍ لبعض القضايا المتعلقة بهذه الصيغة من حيث دلالتها على الجمع في الإعلال. واقتضت طبيعة البحث أن يكون في خمسة فصول، على النحو التالي: الفصل الأول: فُعْلَى اسم ذات. الفصل الثاني: فُعْلَى اسم معنى. الفصل الثالث: فُعْلَى صفة. الفصل الرابع: فُعْلَى والدلالة على الجمع. الفصل الخامس: أحكامها اللغوية. أرجو أن أكون وفقت في بيان المراد، ووصلت إلى المقصود والله ولي التوفيق. الفصل الأول: فُعْلَى اسم ذات: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 استعملت العرب ألفاظاً على زنة (فُعْلَى) للدلالة بها على اسم الذات وإليك ما وجدته في معاجم العربية من هذا: أُبْلَى: أُبْلَى: موضع ورد في غريب الحديث قال ابن الأثير في النهاية: ((وفيه ذكر (أُبْلَى) هو بوزن (حُبْلَى) موضع بأرض بني سليم، بين مكة والمدينة، بعث إليه رسول الله ش قوماً)) (1) . وهي ((جبال فيها بئر معونة)) (2) وذكر ابن سيده أنه وادٍ (3) . وكذا القالي في المقصور والممدود (4) . وقال البكري: ((وهي جبال على طريق الآخذ من مكة إلى المدينة، على بطن نَخْلٍ. وأُبْلَى: حِذاءَ وادٍ يقال له عُرَيْفطان ... وبأُبْلَى مياهٌ كثيرة منها بئر مَعونة، وذو ساعدة ... )) (5) . ((وأنشد ابن بري قال: قال زُنَيم بن حَرَجَة في دريد: فسائل بني دُهمان: أيُّ سَحَابَةٍ ... ... علاهم بأُبْلَى ودقها فاستهلتِ؟ قال ابن سيده: وأنشده أبو بكر محمد بن السريّ السراج: سَرَى مثلَ نَبْضِ الْعِرْق والليلُ دُونَهُ ... ... وأَعْلاَمُ أُبْلَى كُلُّها فالأَصَالِقُ ويُرْوَى: وأعلام أُبْل)) (6) . (أُخْرَى) ((الأُخْرَى والآخرة: دارُ البقاء صفَةٌ غالبةٌ)) (7) . (أورى) : ((أُورَى شَلَّم: موضع بيت المقدس)) (8) . ((وفي حديث عطاء: أبشري أُورَى شَلَمَ براكب الحمار. يريد بَيْتَ الْمَقْدِس؛ قال الأعشى (9) : وقد طُفْتُ للمالِ آفاقَه ... ... عُمَانَ فَحِمْصَ فَأُورَى شَلَمْ   (1) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 1 / 16. (2) القاموس المحيط للفيروزآبادي (أبل) . (3) المخصص لابن سيده 15 / 190. (4) المقصور والمدود لأبي علي القالي 235. (5) معجم ما استعجم 1 / 98. (6) لسان العرب لابن منظور (أبل) . (7) لسان العرب لابن منظور (أخر) . (8) المخصص 15 / 190. (9) الكبير في ديوانه: 318. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 والمشهور أُورَى شَلَّم، بالتشديد، فخففه للضرورة، وهو اسم بيت المقدس؛ ورواه بعضهم بالسين المهملة وكسر اللام كأنه عرَّبه وقال: معناه بالعبرانية بيت السلام)) (1) . (بُصْرَى) : ((بُصْرَى: قرية بالشام)) (2) ، وبُصْرَى مدينة حوران. قال ياقوت: ((بُصْرَى: في موضعين، بالضم والقصر. إحداهما بالشام من أعمال دمشق، وهي قصبة كورة حَوْرَان. مشهورة عند العرب قديماً وحديثاً، ذِكْرُها كثيرٌ في أشعارهم؛ قال أعرابي: أيا رفقةً، من آل بُصْرَى، تحمّلوا ... ... رسالتنا لُقِّيتِ من رُفقةٍ رُشدا ... وقال الصمة بن عبد الله القشيري: نظرت، وطرف العين يتَّبع الهوى ... ... بشرقي بُصْرَى نظرة المتطاول لأبصر ناراً أو قدت، بعد هَجْعةٍ ... ... لِرَيَّا بذات الرّمث من بطن حائل (3) .... وبُصْرَى أيضاً: من قرى بغداد قرب عُكْبَرَاء ... وإليها ينسب أبو الحسن محمد بن أحمد بن خلف البُصْرَوي الشاعر ... )) (4) . (بُقيا) . ((البُقْيا: البقية، وهي أيضاً البَقْوَى)) (5) . قال الشاعر: فما بُقْيا عَلَيَّ تَرَكْتُمَانِي ... ... ولكن خِفْتُما صَرَدَ النِّبال (6)   (1) النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 80. (2) المخصص 15 / 194. (3) ديوان الصمة بن عبد الله القشيري ص 449. (4) معجم البلدان لياقوت الحموي 1 / 441. (5) المخصص 15 / 193. (6) الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) لإسماعيل بن حماد الجوهري (بقي) . والبيت للّعين المِنقري من أبيات له في القضاء بين الفرزدق وجرير، وقبل البيت المذكور: سأقضي بين كلب بني كليبٍ فإن الكلب مطعمه خَبيث وبين القين قين بني عقالِ وإن القين يعمل في سفالِ الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 251. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 (بُهْمَى) (البُهْمَى: نَبْتٌ، قال أبو حنيفة: هي خير أحرار البقول رطباً ويابساً، وهي تنبت أَوَّلَ شيءٍ بَارِضاً حين تخرج من الأرض، تنبت كما ينبت الحبّ، ثم يبلغ بها النبت إلى أن تصير مثل الحبّ، ويخرج لها إذا يبست شوك مثل شوك السُّنْبُل، وإذا وقع في أنوف الإبل والغنم أَنِفَتْ عنه حتى ينزعه الناسُ من أفواهها وأنوفها، وإذا عظمت البُهْمَى ويَبِسَت كانت كلأً يرعاه الناسُ حتى يصيبه المطر من عام مقبل، وينبت من تحته حبه الذي سقط من سُنْبُله، وقال بعض الرواة: البُهْمَى ترتفع نحو الشِّبْرِ، ونباتها ألطف من نبات البُرِّ، وهي أنجع المَرْعَى في الحافر مالم تُسْفِ، الواحد والجميع في كل ذلك سواءٌ، وقيل: واحدته بُهْماة، هذا قول أهل اللغة، وعندي أن من قال: بهماةٌ فالألف عنده مُلْحِقة له بِجُخْدَب، فإذا نزع الهاء أحال اعتقاده الأول عما كان عليه، وجعل الألف للتأنيث فيما بعد، فيجعلها للإلحاق مع تاء التأنيث، ويجعلها للتأنيث إذا فقد الهاء. وأَبْهَمَت الأرض: أنبتت البُهْمَى. وأرض بَهِمَةٌ: تُنْبِتُ البُهْمَى كذلك، حكاه أبو حنيفة وهذا على النسب) (1) . (والعرب تقول: البُهْمَى عُقْر الدارِ وعُقارُ الدار، يريدون أنه من خيار المرتع في جناب الدَّار) (2) . (تُبْنَى) : ((تُبْنَى: موضع من أرض البَثَنِيَّة)) (3) وأنشد سيبويه (4) : فلا زال قَبْرٌ بين تُبْنَى وجاسم ... ... عليه من الوسمّي طَلٌّ ووابلُ) وجعل ياقوت (تُبْنَى) في هذا البيت بلدة بحوران من أعمال دمشق، و (تُبْنَى) قرية من أرض البثنية لغسان مذكورة في قول كُثَيِّرِ:   (1) المحكم والمحيط الأعظم لعلي بن إسماعيل بن سيده 4 / 243. (2) لسان العرب (بهم) . (3) المخصص 15 / 193. (4) في الكتاب 3 / 36 والبيت للنابغة الذبياني في ديوانه 155. والرواية فيه: سقى الغيث قبراً ..... بغيث ..... قطر ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 أصاريمَ حَلّتْ منهمُ سَفْحَ رَاهِطٍ ... ... فأكنافَ تُبْنَى مَرْجَها فَتِلاَلَها (1) (تُرْعَى) : ((وتُرْعَى: موضع)) (2) . وجعلها البكري على وزن (تُفْعَل) من الرعي (3) . (تُرْنَى) : ((وتُرْنَى: موضع)) (4) . قال البكري: ((تُرْنَى بضم أوله، وإسكان ثانيه ... وقيل: تَرْنَى، بفتح التاء. وقال آخرون: بل هو يَرْنَى، بالياء أخت الواو، وهي رملة في ديار بني سعد)) (5) . وجاء على ذلك قول العجاج: برمل تُرْنَى أو برمل بَوْزَعا (6) (تُوثَى) : ((وكَفْرُ تُوثَى: موضع)) (7) . وقد جعل القالي (تُبْنَى، وتُرْعَى) على مثال (تُفْعَل) . وذكر المحقق أنه جاء بهامش النسخة: ((ليس يبعد أن تكون هذه الحروف من باب (فُعْلَى) إذ هو أكثر من تُفْعَل، وإنما جعلت التاء في تُرْتَب زائدة بالاشتقاق وعدم المثال، وهذه كلمات لا اشتقاق لها، ولا عدم مثال، إذا أمكن أن تُجْعَل (فُعْلَى)) ) (8) . (حُبَّى) : ((حُبَّى، على وزن فُعْلَى: اسم امرأة. قال هُدْبَةُ بن خَشْرَمٍ: فما وَجَدَتْ وَجْدِي بها أُمُّ وَاحدٍ ... ... ولا وَجْدَ حُبَّى بابنِ أُمِّ كِلابِ)) (9) وقال حذيفة بن دأب: لَئِنْ خُدِعَتْ حُبَّى بِسِبٍّ مُزَعْفَرٍ ... ... فَقَدْ يُخْدَعُ الضَّبُّ المخادع بالتَّمْرِ (10)   (1) ديوان كثير ص 147. وانظر معجم البلدان لياقوت 2 / 14. (2) المخصص 15 / 193. (3) معجم ما استعجم 1 / 310. (4) المخصص 15 / 193. (5) معجم ما استعجم 1 / 310. (6) ديوانه 2 / 353. (7) المخصص 15 / 193. (8) المقصور والممدود ص 265. (9) اللسان (حبب) ص 353. (10) الحيوان لأبي عثمان الجاحظ 6 / 61 والسِّبُّ؛ بالكسر: العمامة. والمزعفر: الملون بالزعفران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 وشُهِرَ بهذا الاسم منهن حُبَّى المْدَنَيَّةُ. و ((حُبَّى بنت جناب بن هبل)) (1) التي كان من نسلها ميسون بنت بحدل أم يزيد بن معاوية. (حُذْيا) الحُذْيَا: الْعَطِيَّةُ. وقد حَذَوْتُهُ وأَحْذَيْتُهُ، أي: أَعْطَيْتُهُ. ويقال: حُذْيَايَ من هذا الأمْرِ، أي: أعطني هِبَتي. والحُذْيا: هَديةُ البشارة (2) . وهي القِسْمَةُ من الغنيمة (3) . ((يقال: أحْذاني من الحُذْيا، أي: أعطاني مما أصاب شيئاً)) (4) . وقد أورده سيبويه في باب ما جاء من المصادر وفيه ألف التأنيث فقال: ((فأما الحُذْيا فالعطيَّة)) (5) . (حُزْوَى) حُزْوَى: بالضم اسم عُجْمَةٍ من عُجَم الدهناء، وهي جمهور عظيم يعلو تلك الجماهير؛ قال ذو الرمة: نَبَتْ عيناك عن طلل بِحُزْوَى ... ... عَفَتْهُ الريحُ وامْتَنَحَ القِطارا (6) قال ياقوت (7) : ((موضع بنجد في ديار تميم وقال الأزهري: جبل من جبال الدهناء مررت به، وقال محمد بن إدريس بن أبي حفصة: حُزْوَى باليمامة، وهي نخل بحذاء قرية بني سدوس، وقال في موضع آخر: حُزْوَى من رمال الدهناء، وأنشد لذي الرمة: خَلِيليَّ عوجا من صدور الرواحل لَعَلَّ انحدار الدمع يعقب راحةً بجمهور حُزْوى فابكيا في المنازل إلى القلب أو يشفي نَجِيَّ البلابل (8) وقال أعرابي: ......... لَئِنْ طُلْنَ أيامٌ بِحُزْوَى، لقد أتتْ عَلَىّ ليالٍ بالعقيق قصار وقال أعرابي آخر: ......... ألا ليت شعري! هل أبيتنَّ ليلة   (1) كتاب المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي: 21. (2) انظر المخصص 15 / 190. (3) انظر اللسان (حذا) . (4) تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري 5 / 205. (5) كتاب سيبويه 4 / 40. (6) ديوان شعر ذي الرمة 193. وانظر لسان العرب (حزا) . (7) معجم البلدان 2 / 255، 256. وانظر تهذيب اللغة للأزهري 5 / 176 وفي المطبوع (حَزْوَى) بالفتح. (8) ديوانه ص 491. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 بجمهور حُزْوَى، حيث ربَّتْنِي أَهْلي؟ (1) وقال ذو الرُّمَّة: ألم تسأل اليوم الرسومُ الدوارسُ بحُزْوَى وهل تدري القفارُ البسابسُ (2) (حُسْنَى) ((الْحُسْنَى: الجنة، كأنها في وضعها تأنيث الأحسن)) (3) . وقد ورد ذلك في قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} (4) . والحُسْنَى في الأصل صفة، وهي في هذا الموضع وأمثاله صفة غالبة، أصبحت كالعلم على المقصود بها. (دُرْتَا) : ((بضم أوله وسكون ثانيه، وتاء مثناة من فوق: موضع قرب مدينة السلام بغداد مما يلي قُطْرَبُّل، ... قال الشاعر: ألا هَلْ إلى أكنافِ دُرْتا وسُكْرِه بحانة دُرْتا، من سبيل لنازح؟ ... وقال آخر: يا سَقَى الله منزلاً بين دُرْتا وأَوَانا وبين تلك المروج ... وذكر الصابي في كتاب بغداد حدودها من أعلى الجانب الغربي فقال: من موضع بيعة دُرْتَا التي هي أوّله وأعلاه .... وقول عميرة بن طارق: رسالة من لو طاوعوه لأصبحوا كساةً نَشاوَى بين دُرْتَا وبابل قال الحازمي: وجدته في أكثر النسخ بالنون، والله أعلم، وقال هلال بن المحسن ومن خطه نقلته وضَبَطَهُ في كتاب بغداد من تصنيفه، قال: ومن نواحي الكوفة ناحية دُرْتَا)) (5) . (دُرْنَا) : ((ودُرْنا: موضِعٌ. قال الأعْشَى: حَلَّ أَهْلِي ما بين دُرْنا فبادَوْ1 لي، وحَلَّتْ عُلْويَّةً بالسِّخال)) (6) قال ياقوت: ((هكذا قال الجوهري، والصواب دُرْتا لأن دُرْتا وبادَوْلي موضعان بسواد بغداد؛ وبالنون رُوِيَ قول عميرة بن طارق اليربوعي حيث قال: ... رسالة من لو طاوعوه لأصبحوا كساةً نشاوى بين دُرْنا وبابل   (1) معجم البلدان 2 / 256. (2) ديوانه ص 311. (3) المخصص 15 / 190. (4) سورة يونس: 26. (5) معجم البلدان 2 / 449. (6) الصحاح الجوهري (درن) والبيت في ديوان الأعشى ص 295، والرواية فيه: حل أهلي بطن الغميس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 وهذا يدل على أنها من نواحي العراق. وقال أبو عبيدة في قول الأعشى: فقلت للشَّرْب في دُرْنا وقد ثملوا شِيموا، وكيف يَشِيم الشارب الثَّمِلُ هكذا رُوِي بالنون، وقيل: دُرْنا كانت باباً من أبواب فارس، وهي دون الحيرة بمراحل .... وقال غيره: دُرْنا باليمامة، هكذا في شرح هذا البيت. والصحيح أن دُرْتا، بالتاء في أرض بابل، ودُرْنا بالنون باليمامة؛ ومما يدل على أن دُرْنا باليمامة قول الأعشى أيضاً: فإن تمنعوا منا المشقر والصفا وإن لنا دُرْنا، فكلَّ عشية فإنا وجدنا الخُطّ جمّاً نخيلها يُحَطّ إلينا خمرها وخميلها ... وكانت منازل الأَعشى اليمامة لا العراق، وقال مالك بن نويرة: فما شكر من أَدَّى إليكم نساءكم مع القوم قد يَمَّمْنَ دُرْنا وبارقا وقال الحفصي: دُرْنا نخيلات لبني قيس بن ثعلبة بها قبر الأعشى)) (1) . وعند ذكر ياقوت لقرية أثافت، اسم قرية باليمن بينها وبين صنعاء يومان قال: ((كانت تسمَّى في الجاهلية دُرْنا وإياها أراد الأعشى بقوله: أقول للشّرب في دُرْنا وقد ثملوا: شيموا، وكيف يشيم الشاربُ الثملُ وكان الأعشى كثيراً ما يَتَّجِرُ فيها، وكان له بها مِعْصَرٌ للخمر، يعصر فيه ما جزل له أهلُ أثافت من أعنابهم)) (2) . وعلى هذا تكون دُرْنا باليمامة وباليمن. (رُجْعَى) ((الرُّجْعَى: مَرْجِعُ الْكَتِفِ)) (3) . ((والرُّجْعَى والرَّجِيعُ من الدَّوَابِّ. وقيل من الدَّوَابِّ ومن الإبِلِ: ما رجعته من سَفَرٍ إلى سَفَرٍ وهو الْكَالُّ. والرُّجْعَى: جَوابُ الرسالةِ. تقول: أرسلت إليك فما جاءني رُجْعَى رسالتي، أَيْ: مَرْجُوعها (4) .   (1) معجم البلدان 2 / 452. (2) المصدر السابق 1 / 89. وفيه (أثافة) بهذا الرسم. (3) المخصص 15 / 192. (4) انظر اللسان (رجع) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 (رُحْبَى) ((الرُّحْبَى: مرجع الكتف وهما رُحبيان، وخص أبو عبيد به الإبل. وقيل الرُّحْبَى أعرض ضِلَع في الصدر. وقيل الرُّحْبَى ما بين مغرز العنق إلى منقطع الشراسيف، وقيل هي ما بين ضِلَعَىْ أصل العُنق إلى مرجع الكتف)) (1) . ((والرُّحْبَى: سمة للعرب على جنب البعير)) (2) . ((والرُّحْبَى مَنْبِضُ القلب من الدوابِّ والإنسان)) (3) . أي مكان نبض قلبه وخفقانه وذكر ابن سيده أن رُحْبَى موضع (4) . وضبطها ياقوت بضم أوله وفتح ثانيه، بوزن شُعَبَى (5) فعلى ذلك لا تكون من هذا. (رُحْمَى) ((ورُحْمَى: اسم مكة وهي أم الرُّحْمِ)) (6) . (رُقْبَى) ((الرُّقْبَى: أن يُعْطِي الإنسان لإنسانٍ داراً أو أرضاً، فأيهما مات رجع ذلك المال إلى ورثته. سميت بذلك؛ لأن كل واحد منهما يراقب موت صاحبه. وقيل الرُّقْبَى: أن تجعل المنزل لفلان يسكنه فإن مات سكنه فلان، فكل واحد منهما يرقب موت صاحبه. وقد أَرْقَبَهُ الرُّقْبَى. وقال اللحياني: أَرْقَبَهُ الدَّارَ: جعلها له رُقْبَى، ولعقبه بعده بمنزلة الوقف)) (7) . (رُقَّى) : ((الرُّقَّى: شحمة من أرقّ الشحم، لا يأتي عليها أحد إلا أكلها)) (8) .   (1) المخصص 15 / 193، 194. (2) العين للخليل بن أحمد 3 / 215. (3) تهذيب اللغة للأزهري 5 / 27. (4) المخصص 15 / 194. (5) معجم البلدان 3 / 36. (6) المخصص 15 / 194. (7) المحكم 6 / 240. (8) المصدر السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 (سُعْدَى) سُعْدَى: اسم امرأة. ((وأنت لا تقول: مررت بالمرأة السُعْدَى ولا بالرجل الأسعد، فينبغي على هذا أن يكون أسعدُ من سُعْدَى كأَسْلَمَ من بُشْرَى، وذهب بعضهم إلى أن أَسْعَدَ مُذَكَّرُ سُعْدَى، قال ابن جني: ولو كان كذلك حَرِي أن يجيء به سماع، ولم نسمعهم قطّ وصفوا بسُعْدَى، وإنما هذا تلاقٍ وقع بين هذين الحرفين المتفقي اللفظ كما يقع هذان المثالان في الْمُخْتَلِفَيْهِ نحو أسلم وبشرى)) (1) . (سُقْيا) السُقْيا: منزل بين مكة والمدينة، قيل: على يومين من المدينة وفي حديث الحج: وهو قائِلٌ السُّقْيا. ومنه الحديث: أنه كان يَسْتَعْذِبُ الماء من بيوت السُّقْيا (2) . ((وسُقْيا: موضع من بلاد عُذْرَة يقال لها: سُقْيا الجزْل، وهي قريبة من وادي القُرَى)) (3) . وقرية جامعة من عمل الفُرْع بينهما مما يلي الجحفة تسعة عشر ميلاً، وقيل تسعة وعشرون ميلاً، ومن أسافل أودية تهامة، وقرية عظيمة قريبة من البحر على مسيرة يوم وليلة، والمسيل الذي يفرغ في عرفة ومسجد إبراهيم، وبِرْكَةٌ وأَحْسَاءٌ غليظة دون سميراء للمصعد إلى مكة، وبين السقيا وسميراء أربعة أميال، وقرية على باب منبج ذات بساتين كثيرة ومياه جارية (4) . والسُّقْيا: الاسم من سقى وأسقى (3) . واسم من أسماء زمزم (5) . (سُلَّى) ((سُلَّى: قريةٌ بالأهواز كثيرة التمر)) (6) . وضُبِطت في اللسان (7) بكسر السين، واستشهد عليها بقول أبي المقدام بَيْهَس بن صُهَيْب: بِسِلَّى وسِلِّبْرى مصارع فتية كرامٍ، وعَقْرَى من كميت ومن ورْدِ   (1) اللسان (سعد) . (2) انظر النهاية لابن الأثير 2 / 382. (3) المخصص 15 / 192، وانظر معجم البلدان 3 / 228. (4) انظر معجم البلدان 3 / 228. (5) انظر المخصص 15 / 192. (6) المصدر السابق. (7) اللسان (سلل) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 وسِلَّى وسِلَّبْرى يقال لهما العاقُول، وهي مناذرُ الصُّغْرَى كانت بها وقعة بين المهلب والأزارقة. وأَيَّدَ ياقوت ما ذكره ابن سيده إذ جعل (سُلَّى) موضعاً بالأهواز. أما (سِلَّى) بالكسر وفتح اللام وتشديدها فماءٌ لبني ضَبَّةَ بنواحي اليمامة (1) . (سُلْمَى) سُلْمى: ((قالوا: زهير بن أبي سُلْمى. وليس في العرب سُلْمَى غير أبي زهير)) (2) . و ((ليس سُلْمَى من الأسلم كالكُبْرى من الأكْبَرِ)) (3) . (سُمَّى) ((سُمَّى: اسم فرس)) (4) . (سُوءَ ى) السُّوءَ ى: النَّارُ، ومنه قول الله تعالى: {ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى} (5) . قال القرطبي: ((السُّوءَ ى فُعْلَى من السُّوء تأنيث الأَسْوَء وهو الأقبح، كالْحُسْنَى تأنيث الأحسن)) (6) . يشير بهذا إلى أصلها، إذ تكون بهذا المعنى اسم معنى، وسَتُذْكَرُ في بابها، وهي في هذا الموضع وأمثاله صفة غالبة، أصبحت كالعلم على المقصود بها. (شُؤْمَى) الشُّؤْمَى: ((اليد اليسرى، على خلاف قولهم للأخرى اليُمنَى)) (7) . وهي من الصفات الغالبة التي أصبحت كالعلم على ما تطلق عليه.   (1) معجم البلدان 3 / 244. (2) المخصص 15 / 192. (3) اللسان (سلم) . (4) المخصص 15 / 192. (5) سورة الروم: 10. (6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 14 / 10. (7) المخصص 15 / 191. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 (صُدَّى) ((صُدَّى: اسم رجل)) (1) . واعترض التركزي في تعليقه على المخصص على ذلك فقال: ((لقد حَرَّفَ علي بن سيده أفحش تحريف وأشنعه في قوله: وصُدَّى اسم رجلٍ، إذ ساقه في باب (فُعْلَى) بالضم كالذي قبله والذي بعده. والصواب وهو الحق المجمع عليه أن اسم الرجل إنما هو صُدَيٌّ مُصَغَّرٌ ك (سُمَيٍّ) ومنه صُدَيّ بن العجلان، وهو سيدنا أبو أمامة الباهلي الصحابي (رضي الله تعالى عنه) وهو آخر الصحابة موتاً بالشام. وسَمِيُّهُ صُدَيّ بن مالك اليربوعي الذي قال فيه شاعرهم: فهذي سيوف يا صُدَىّ بن مالك كثيرٌ ولكن أين للسيف ضارب)) (صُهْبَى) ((وصُهْبَى: اسم فرس للنمر بن تولب، ورويت بالفتح)) (2) . قال التركزي في تعليقه على المخصص ((قول علي بن سيده: وصُهْبَى: فرس النمر ابن تولب. وسوقه إياها في باب (فُعْلَى) بالضم ك (الدُّنيا) غلط فاحشٌ. أقول [والقول للتركزي] : وأفحش منه تحريف صاحب القاموس إياها في باب المعتل؛ مع أنه لم يذكرها في بابها بقوله: وصُهَيٌّ كسُمَيٍّ فرس للنمر بن تولب. ولم يَتَنَبَّهْ لهذا أحد قبلي ممن شرحه وحشاه. والصواب في ضبط اسمها أنه صَهْبَى كسَكْرَى، وذكره ابن سيده بصيغة التمريض حيث قال: ورُوِيَتْ بالفتح. قال النمر بن تولب فيها: وقد غدوت بصَهْبَى وهي ملهبة إلهابها كاضطرام الناس في الشيح (3) وقال أيضاً: أيذهب باطلاً عدوات صَهْبَى على الأعداء تختلج اختلاجاً)) (4) وفي محكم ابن سيده ضبطه بالضم وقال: ((ولا أدري أشتقه من الصَّهَب الذي هو اللون أم ارتجله علماً؟)) (5) . (صُوقَى) ((الصُّوقَى: المسيل الذي يُسَمَّى الصُّوق. قال كثُيِّر: ألا ليت شعري هل تغيَّر بعدنا   (1) المصدر السابق 15 / 192. (2) المخصص 15 / 192. (3) شعر النمر بن تولب ص 50. (4) المصدر السابق ص 48. وانظر المخصص 15 / 192. (5) المحكم 4 / 150. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 أراكٌ فصُوقاواته فتُناضِبُ)) (1) وهو ((موضع قرب غيقة المدينة، ويقال صُوقَى كطُوبَى. وفي شعر كثير: صوقاواتٌ، جمعه بالأجزاء)) (2) . (طُغْيا) ((طُغْيا: اسم بقرة الوحش)) (3) . قال الهذلي: وإلا النَّعَامُ وحفَّاتُه وطُغْيَا مع اللَّهَق الناشط (4) قال ابن منظور: ((قال الأصمعي: طُغْيَا بالضم، وقال ثعلب: طَغْيَا بالفتح، وهو الصغير من بقر الوحش. قال ابن بري: قول الأصمعي هو الصحيح، وقول ثعلب غلط، لأن فَعْلَى إذا كانت اسماً يجب قلب يائها واواً نحو: شَرْوَى وتَقْوَى، وهما من شريت وتقيت، فكذلك يجب في طَغْيا أن يكون طَغْوَى، قال: ولا يلزم ذلك في قول الأصمعي لأن (فُعْلَى) إذا كانت من الواو وجب قلب الواو فيها ياءً نحو الدنيا والعليا وهما من دنوت وعلوت)) (5) . (طُوبَى) ((طُوبَى: شجرة في الجنة، وكأنها سميت بتأنيث الأطيب، وسقطت منها الألف واللام في حد العلمية، فخرج على حَسَنٍ وحارثٍ كما سَمَّو الجنة الحُسْنَى؛ إلا أنّ الحُسْنَى خرجت على الحسن والحارث … فطُوبَى عند سيبويه اسم، وفيه معنى الدعاء)) (6) . (عُرَّى) ((عُرَّى: اسم أرض)) (7) . ((وأنشد لصخر بن الجعد: يا ويح ناقتي التي كلّفْتُها عُرَّى تَصِرُّ وبارَها وتَنَجَّمُ)) (8) (عُزَّى) ((العزُّى: التي كانت تعبدها العرب، كانت شجرةً لها شعبتان فقطعها خالد ابن الوليد وقال لها: كفرانكِ اليوم ولا سبحانكِ   (1) المخصص 15 / 192. وبيت كثير في ديوانه ص 33. وقد أثبت المحقق بدل (صوقاواته) (صرماقادم) وذكر أنه موضع. (2) القاموس (صوق) . (3) المخصص 15 / 193. (4) نسبته المعاجم لأمية بن أبي عائذ الهذلي، والذي في شرح أشعار الهذليين للسكري 3 / 1290 أنه لأسامة ابن الحارث الهذلي. (5) اللسان (طغى) . (6) المخصص 15 / 192. (7) المخصص 15 / 190. (8) المقصور والممدود للقالي ص 236. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 الحمد لله الذي أهانك)) (1) وهي شجرة سَمُرٍ كانت لغطفان، قال ابن سيده: ((أراه تأنيث الأعزّ)) (2) . ((والعُزَّى تأنيث الأعزّ، مثل الكبرى والأكبر. والأعزّ بمعنى العزيز، والعزُّى بمعنى العزيزة)) (3) . (عُسْرَى) ((الْعُسْرَى: من الْعُسْرِ. والْعُسْرَى أيضاً: بَقْلَةٌ تُسَمَّى أُذَنَةً، ثم تكون سَحاً، ثم تكون عُسْرَى إذا يبست. وقال كثير: وما منعاها الماء إلا صُبَابَةً بِأَطْرَافِ عُسْرى شوكها قد تَحَدَّدا)) (4) (عُمْرَى) ((الْعُمْرَى: الشيء يجعله الرجل لصاحبه عُمُرَهُ، فإذا مات رجع إليه)) (5) . (فُطْرَى) ((فُطْرَى: نبت وهي شاذة قليلة، وبعضهم يظنها الفُطْرُ من الكمأة)) (6) . (قُرْبَى) ((قُرْبَى كحُبْلى: ماءٌ قرب تبالة، ولقب بعض الْقُرَّاءِ)) (7) . قال مُزاحمٌ العقيلي: فما أمُّ أحوى الحُدَّتين خَلالها بِقُرْبَى مُلاحيٌّ من المُرْدِناطف (8) (قُرَّى) ((قُرَّى: موضع معروف. قال طفيل: غَشَيتُ بِقُرَّى فَرْطَ حولٍ مُكَمَّلِ رسومَ ديارٍ من سعادَ ومنزل)) (9) (قُصْرَى) ((القُصْرَى: أخبث الأفاعي)) (10) . ((وما يبقى في المُنْخُل بعد الانتخال، وقيل: هو ما يخرج من القتِّ، وما يبقى في السنبل من الحب بعد الدوسة الأولى، وقيل: القشرتان اللتان على الحبة سُفلاهما الحشرة، وعلياهما القَصَرة)) (11) .   (1) المخصص 15 / 190. (2) المحكم 1 / 34. (3) التهذيب 1 / 85. (4) المقصور والمدود للقالي ص 236. والبيت لكثير - كما ذكر - في ديوانه ص 75 والرواية فيه: وما يمنعون الماء إلا ضَنَانَةً بأصلاب عُسْرى شوكهَا قد تَخَدَّدا (5) المخصص 15 / 190. (6) المصدر السابق 15 / 194. (7) القاموس (قرب) . (8) معجم البلدان 4 / 319. (9) المقصور والممدود للقالي ص 238. وبيت طفيل في ديوانه ص 62. (10) المخصص 15 / 191. (11) اللسان (قصر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 والضِّلَعُ التي تلي الشاكلة بين الجنب والبطن قال أبو داود (1) : وقُصْرَى شَنِجِ الأَنْسَا ءِ نَبَّاحٍ من الشُّعْبِ وقال أوسٌ (2) : مُعاوِدُ تَأْكال القنيص، شِواؤه من اللَّحْمِ قُصْرَى رَخْصَةٌ وطَفَاطِفُ قال أبو الهيثم (3) : القُصَرْى أسفل الأضلاع، وهي اسم، ولو كانت نعتاً لكانت بالألفِ واللامِ (4) . (قُوسَى) ((قُوسَى بفتح أوله، وضمه معاً، وبسين مهملة، مقصورٌ، على وزن (فُعْلَى) موضع ببلاد هذيل، وفيه قُتِل عُروةُ أخو أبي خراش، قال يرثيه: فوالله لا أنْسَى قتيلاً رُزئتُه بجانب قوسى ما مشيت على الأرض)) (5) وجعله ياقوت (قَوْسَى) بالفتح ثم السكون. وقال: ((يجوز أن يكون (فَعْلَى) من القُوس بالضم، وهو معبد الراهب، أو من القَوِس وهو الزمان الصعب أو من الأقْوَس وهو الرمل المشرف ... )) (6) وهو مضبوط بالفتح كَسَكْرَى في القاموس كذلك (7) . (كُشْنَى) : ((الْكُشْنَى: الكِرْسِنَّةُ)) (8) . وهي ((شجرة صغيرة لها ثمر ... فارسية)) (9) .   (1) في الحيوان 1 / 349، 5 / 214. (2) ديوان أوس بن حجر 70 وفيه: (معاود قتل الهاديات وقُصْرَى بادنٍ) . (3) هو الرازي، اشتهر بكنيته، كان نحوياً إماماً علامة، أدرك العلماء وأخذ عنهم توفي سنة (276هـ) . (4) انظر اللسان (قصر) . (5) معجم ما استعجم للبكري 3 / 1102. وبيت أبي خراش في ديوان الهذليين 2 / 158، وحماسة أبي تمام 1 / 386 برقم (265) . (6) معجم البلدان 4 / 413. (7) انظر (قوس) . (8) المخصص 15 / 191. (9) القاموس (كشن) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 (كُلْفَى) ((كُلْفَى: مَوْضِعٌ)) (1) . وهو ((رَمْلَةٌ بجنبِ غَيْقَةَ (2) . قال ابن السكيت: كُلْفَى بين الجار وودَّان أسفل من الثنية وفوق شقراء. وقال في موضع آخر: كُلْفَى: ضلع في جانب الرمل أسفل من دعان (3) . قال كثير: عَفَامَيْثُ كُلْفَى بعدنا فالأَجَاوِلُ فَأَثْمادُ حَسْنى فالبِرَاقُ القَوَابِلُ)) (4) (كُوثَى) ((كُوْثَى: في ثلاثة مواضع: بسواد العراق في أرض بابل، وبمكة وهو منزل بني عبد الدار خاصة، ثم غلب على الجميع؛ ولذلك قال الشاعر: لعن الله منزلاً بطنَ كوثَى لستُ كوثَى العراق أعني ولكن ورماه بالفقر والإمعار كوثة الدار دار عبد الدار ... وكُوْثَى العراق كُوثيان: أحدهما كوثى الطريق، والآخر كُوْثَى رَبّى، وبها مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام، وبها مولده، وهما من أرض بابل … وسار سعد من القادسية في سنة عشر ففتح كُوْثَى؛ وقال زهرة بن جؤية: لقينا بكُوثَى شهريار نقودُه وليس بها إلا النساء وفلُّهم أتيناهمُ في عُقْرِ كوثَى بجمعنا عشية كُوثَى والأسنة جائرَه عشية رحنا والعناهيج حاضره كأن لنا عيناً على القوم ناظره)) (5) (لُبْنَى) ((اللُّبْنَى: الْمَيْعَةُ)) (6) ، وبه سُمِّيَتْ. و ((اللُّبْنَى: شجرة لها لَبَنٌ كالْعَسَل، يقال له: عَسَلُ لُبْنَى)) (7) . ((وربما يُتَبَخَّرُ به)) (8) قال امرؤ القيس (9) :   (1) المخصص 15 / 191. (2) بين مكة والمدينة في بلاد غفار موضع بظهر حرة النار لبني ثعلبة. وقيل غير ذلك. انظر معجم البلدان 4 / 222. (3) واد بين المدينة وينبع على ليلة. انظر المصدر السابق 2 / 457. (4) ديوانه ص 156. وكلام ابن السكيت في معجم البلدان 4 / 476. (5) انظر معجم البلدان 4 / 487، 488. (6) المخصص 15 / 194 والمَيْعة: صمغ يسيل من شجر ببلاد الروم. انظر اللسان (ميع) . (7) العين 8 / 327. (8) الصحاح (لبن) . (9) ديوانه ص 333. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 وباناً وألْوِيّاً من الهند ذاكِياً ورَنْداً ولُبْنَى والكِبَاء الْمُقَتَّرا ولُبْنَى: من أسماء النساء، وجبل (1) ورد في شعر لبيد (2) : يَمَّمْنَ أعداداً بِلُبْنَى أو أجا مُضَفْدِعاتٍ كُلّها مُطَحْلِبَهْ (مُوسَى) ((مُوسَى الحديد فُعْلَى عند بعض النحويين اللُّغويين. وذهب الأُموي إلى تذكيره وهو عنده مُفْعَل من أوسيتْ، أي: حلقت بالموسى ... قال أبو علي: الألف في موسى الحديد منقلبة عن ياءٍ وهي مُفْعَل، كما أن أَفْعَى أَفْعَل وليست بمنقلبة عن واو كالتي في أغزيت، لأنه ليس في الكلام مثل وَعَوْت، قال: وكذلك مُوسَى الذي هو أعجمي وزنه (مُفْعَل) ؛ لأنه لو كان فُعْلَى لم يُصْرَفْ في حَدِّ النكرة. ففي اجتماعهم على صرف النكرة دلالة على أنه مُفْعَل وليس فُعْلَى. وإنما ذكرت هذين الحرفين في باب فُعْلَى لغلبة هذا المذهب على أكثر شيوخ اللغة ممن لا علم له بالنحو)) (3) . وجعله الفيومي في تقدير (فُعْلَى) ، وبسبب ذلك يمال لأجل الألف، واستشهد لذلك بقول الكسائي: ينسب إلى موسى وعيسى وشبههما مما فيه الياء زائدة مُوسِيٌّ وعِيسِيٌّ على لفظه؛ فرقاً بينه وبين الياء الأصلية في نحو مُعْلىً، فإن الياء لأصالتها تقلب واواً. فيقال: مُعْلَوِيّ (4) . (نُحْلَى) ((النُّحْلَى: الْعَطِيَّةُ)) (5) على فُعْلَى. (هُمَّى) ((وهُمَّى: أرضٌ)) (6) . (وُسْطَى) ((والوُسْطَى: الإصبع المتوسطة غلبت غلبة الأسماء، كغلبة السّبابة والدّعَاءة)) (7) .   (1) انظر المخصص 15 / 194 ولم يحدد موضعه ونقل ياقوت في معجم البلدان 5 / 11 أن لُبْنَى في بلاد جذام. (2) شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري ص 355. (3) المخصص 15 / 195. (4) المصباح المنير 2 / 585. (5) ديوان الأدب لأبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي 2 / 6. (6) المخصص 15 / 190. (7) المصدر 15 / 195. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 (يُسْرَى) اليُسْرَى: اليسار. ويُسْرٌ واليُسْرَى واليَسَرَة والْمَيْسَرَةُ خلاف اليُمْنَى واليَمَنَةُ الميمنة (1) . (يُمْنَى) ((اليمنى: اليمين)) (2) . الفصل الثاني: فُعْلَى اسم معنى: دلت العرب ب (فُعْلَى) على اسْمِ مَعْنًى سواء كان مصدراً أم غير مصدر، من ذلك: (أُثْرَى) أُثْرَى: ((يقال: أخذته بلا أُثرَى، ولا أَثَرَةٍ ولا استئثار، أي: لم أستأثر به، قال: فقلت له يا ذئب هل لك في أخٍ يؤاسي بلا أُثْرَى عليك ولا بخل)) (3) (بُؤْسَى) البُؤْسَى: خلاف النُّعْمَى. ((وقد بَؤُسَ بَأْسَةً وبَئِيساً. والاسم البُؤْسَى)) (4) . (بُشْرَى) البُشْرَى: البشارة، يقال: بَشَّرْتُ القوم بالخير والاسم: البُشْرَى (5) . وقوله جل وعز: {قال يا بشرى هذا غلام..} (6) . ((قال السُّدِّي والأعمش: كان اسمه بُشْرَى. وقال غيرهما: المعنى: يا أيتها الْبُشْرَى. قال أبو جعفر: وهذا القول الصحيح لأن أكثر القراء يقرأ س يا بُشْرَايَ هذا غلام ش والمعنى في نداء البُشْرَى التنبيه لمن حضر، وهو أوكد من قولك: تَبَشَّرْت، كما تقول: يا عجباه، أي: يا عجبُ هذا من أيامك، أو من آياتك فاحضر، وهذا مذهب سيبويه)) (7) .   (1) انظر المصدر السابق. (2) المصدر السابق. (3) المخصص 15 / 189 والبيت للنجاشي الحارثي انظر شعره ص 111، والخزانة 4 / 367. (4) اللسان (بأس) . (5) انظر المخصص 15 / 194. (6) سورة يوسف: 19. (7) معاني القرآن الكريم للإمام أبي جعفر النحاس 3 / 405، 406. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 (بُقْيَا) سبق في الفصل الأول أن (بُقْيَا) يراد بها البَقِيّة، فعلى هذا تكون اسم ذات، وجاء في اللسان: والاسم البَقْيا والبُقْيَا. وذكر أبو عبيد عن الكسائي (1) أن البُقْيَا هي الإبقاء، مثل الرُّعوى من الإرعاء على الشيء، وهي الإبقاء عليه، فَعَلَى هذا تكون اسم معنى. (ثُنْيا) ((الثُّنْيا: الاسم من الاستثناء)) (2) . (حُدْثَى) ((الْحُدْثَى: الحادثة)) (3) قال الجوهري: ((الحَدَث والْحُدْثَى والحادثة والحَدَثان كله بمعنى)) (4) . (حُمَّى) ((الحُمَّى: معروفة. قال الفارسي: هي من الحميم وهو الماء الحارّ. وقيل هي من الحميم الذي هو العرق)) (5) . ((وهي عِلَّةٌ يستحر بها الجسم من الحميم، وأما حُمَّى الإبل فبالألف خاصة … وقال اللحياني: حَمِمْت حَمّاً والاسم الحُمَّى. وعندي [عند ابن سيده] أن الحُمَّى مَصْدَرٌ كالبُشْرَى والرُّجْعَى)) (6) . (خُدْبا) ((الْخُدْبَا: الطعنة المستقيمة)) (7) . (دُقَّى) ((الدُّقَّى من الأخلاق: الدَّنِيئَةُ. يقال: اتقوا من الأخلاق الدُّقَّى)) (8) . وقد جاء في المقصور والممدود للقالي بالنون بدل القاف (9) . (رُؤْيا) ((الرُّؤْيا: ما رأيته في منامك)) (10) . ورأى في منامه رُؤيا على فُعْلَى بلا تنوين … وقد جاء الرؤيا في اليقظة؛ قال الراعي: فَكَبَّرَ للرُّؤيا وهَشَّ فُؤادُه   (1) انظر التهذيب 9 / 347، واللسان (بقي) . (2) ديوان الأدب 4 / 64. (3) ديوان الأدب للفارابي 2 / 5. (4) الصحاح 1 / 278. (5) المخصص 15 / 190. (6) المحكم 2 / 386. (7) المخصص 15 / 190 ولم يذكرها في المحكم (خدب) 5 / 89، ولم أجدها في غير المخصص. والذي في المحكم والمعاجم الأخرى (خَدْباء) بالفتح والمد. (8) المخصص 15 / 193. (9) انظر ص 242 من المقصور والممدود للقالي. (10) المخصص 15 / 194. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 وبَشَّرَ نفساً كان قَبْلُ يلُومُها (1) وعليه فُسِّرَ قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} (2) . ((قال سعيد بن جبير، ومجاهدٌ، وعكرمةُ، والضحاك: هي الرؤيا التي رآها ليلة أُسْرِيَ به. وزاد عكرمة: هي رؤيا يقظة)) (3) . (رُجْعَى) الرُّجْعَى: الرجوعُ والْمَرْجِعُ. وفي التنزيل: {إن إلى ربك الرجعى} (4) . ((وجاء في رُجْعَى رسالتي كبُشْرَى، أيْ: مرجوعها)) (5) . فهو مصدر سماعي للثلاثي (رجع) . ومصدره القياسي الرجوع. وقد أورد سيبويه (رُجْعَى) في باب ما جاء من المصادر فيه ألف التأنيث (6) . (رُعْيَا) ((يقال: فلانٌ حسن الرَّعْوَةِ والرِّعوة والرُّعوة والرُّعْوى والارْعواء، وقد ارْعَوَى عن القبيح ... والاسم الرُّعيا، بالضم، والرَّعْوَى بالفتح مثل البُقْيَا والبَقْوَى)) (7) . وقال ابن سيده: ((الرَّعْوُ والرُّعْيا: النزوح عن الجهل وحسن الرجوع عنه وقد ارعوى)) (8) . وقال: ((وأُرى ثعلباً حكى الرُّعْوَى بضم الراء وبالواو، وهو مما قلبت ياؤه واواً للتصريف، وتعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها، وللفرق أيضاً بين الاسم والصفة)) (9) . (رُغْبَى) الرُّغْبَى: الضراعة والمسألة ((وهو مثل الرغباء)) (10) . (رُنَّا) ((الرُّنَّى: الْخَلْقُ. يقال: ما في الرُّنَّى مثله)) (11) . ((وبلالامٍ اسم لجمادى الآخرة)) (12) .   (1) ديوان الراعي النميري 259. (2) سورة الإسراء: 60 وانظر اللسان (رأى) . (3) معاني القرآن لأبي جعفر النحاس 4 / 168. (4) سورة العلق: 8. وانظر المخصص 15 / 194. (5) القاموس (رجع) . (6) انظر الكتاب 4 / 40. (7) اللسان (رعى) . (8) المحكم 2 / 249. (9) المصدر السابق 2 / 171. (10) المقصور والممدود للقالي ص 240. (11) التهذيب 15 / 169. (12) القاموس (رنن) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 ((قال أبو عمرو الزاهد: يقال لجمادى الآخرة رُنَّى ... وأنكر رُبَّى بالباء، وقال: هو تصحيف، إنما الرُّبَّى: الشاة النُّفَساء. وقال قطربٌ وابن الأنباري وأبو الطيب عبد الواحد وأبو القاسم الزجاجي: هو بالباء لا غير. قال أبو القاسم الزجاجي: لأنّ فيه يُعْلَمُ ما نُتِجت حُرُوبُهم إذا ما انجلت عنه، مأخوذ من الشاة الرُّبَّى وأنشد أبو الطيب: أتيتك في الحنين فقلتَ: رُبَّى وماذا بين رُبَّى والحنين والحنين: اسم لجمادى الأولى)) (1) . والرُّنَّا: ((مقصورٌ، الصوت)) (2) . (زُلْفَى) الزُّلْفَى: القُرْبَى وعليه قول الله تعالى: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ... } (3) . قال الأخفش: ((زُلْفَى ههنا اسم المصدر؛ كأنه أراد: بالتي تقربكم عندنا إزلافاً)) (4) . وقال العكبري: ((زُلْفَى: مصدر على المعنى؛ أي: يقربكم قُرْبى)) (5) . (سُقْيا) ((سقاه الله الغيث: أنزله له، وزيدٌ عمراً: اغتابه كأسْقى فيهما. والاسم السُّقْيا بالضم)) (6) . وقد أورده سيبويه في باب ما جاء من المصادر وفيه ألف التأنيث قال: ((والسُّقْيا: ما سُقيت)) (7) . (سُكْنَى) السُّكْنَى: السكون. ((وسكن بالمكان يَسْكُن سُكْنَى، وسكوناً: أقام ... والسُكْنَى: أن يُسْكِنَ الرَّجُلَ موضعاً بلا كِروة، كالْعُمْرَى. وقال اللحياني: والسَّكَنُ، أيضاً: سُكْنَى الرجل في الدار، يقال: لك فيها سَكَنٌ: أَيْ سُكنَى)) (8) .   (1) اللسان (رنن) . وانظر الأزمنة وتلبية الجاهلية لقطرب ص 47. والأزمنة والأمكنة للمرزوقي 1 / 279. (2) جمهرة اللغة لابن دريد 3 / 450. (3) سورة سبأ: 37. (4) معاني القرآن 2 / 484. (5) التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري 2 / 1070. (6) القاموس (سقى) . (7) الكتاب 4 / 40. (8) المحكم 6 / 448. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 ((وسكنت داري وأسْكنْتُها غيري، والاسم منه السُّكْنَى، كما أن الْعُتْبَى اسم من الإِعْتَاب)) (1) . (سُوءَ ى) ((السُّوءَ ى، بوزن فُعْلَى: اسمٌ للفَعْلَةِ السَّيئة، بمنزلة الْحُسْنَى لِلْحَسَنَةِ، محمولة على جهة النعت في حَدِّ أَفْعَل وفُعْلَى كالأسوأ والسُّوءَ ى)) (2) . (شُورَى) الشُّورَى: المشورة. ((وتشاور القومُ واشْتَوَرُوا، والشُّورَى اسم مِنْهُ)) (3) . (ضُوقَى) الضُّوقَى والضِّيقَى: من الضيق. وهما ((تأنيث الأضيق، صارت الياء واواً؛ لسكونها وضمة ما قبلها)) (4) . وقالت امرأة لضرتها: ما أنت بالخُورَى ولا الضُوقَى حِرَا الضُّوقَى: فُعْلَى من الضيق، وهي في الأصل الضُّيْقَى، فقلبت الياء واواً من أجل الضمة (5) . (طُوبَى) ((قال أبو علي: أما طُوبَى من قولهم: طُوبَى لهم فكالشورَى، مصدرٌ وليس بصفة كالكُوسَى. ولو كانت مثلها للزمها لام المعرفة، وانقلبت الواو ياءً فيها، لأنها اسم وليست بصفة كضيزى وحيكى)) (6) . ومن هذا قول الله تعالى: {فطوبى لهم وحُسن مآب} (7) . (عُتْبَى) العُتْبَى: اسمٌ على فُعْلَى، يوضع موضع الإعتاب، وهو الرجوع عن الإساءة إلى ما يرضي العاتب. والْعُتْبَى: الرِّضا. وأعتبه: أعطاه العُتْبَى ورجع إلى مسرته (8) . (عُذْرَى) ((الْعُذْرَى: الْمَعْذِرَةُ. وعَذَرَهُ يَعْذِرُهُ عُذْراً وعِذْرَةً وعُذْرَى)) (9) .   (1) اللسان (سكن) . (2) المصدر السابق (سوأ) . (3) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي أحمد بن محمد الفيومي 1 / 327. (4) اللسان (ضيق) . (5) انظر المصدر السابق. (6) المخصص 15 / 192. (7) سورة الرعد: 29. (8) انظر اللسان (عتب) . (9) المحكم 2 / 52. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 ((ولي في هذا الأمر عُذْرٌ وعُذْرَى ومَعْذِرَةٌ؛ أي خُرُوجٌ من الذَّنْبِ)) (1) . ((وعَذَرْتُهُ فيما صَنَعَ أَعْذِرُهُ عُذْراً وعُذُراً، والاسم الْمَعْذِرَةُ والعُذْرَى. قال الشاعر: لله دَرُّكِ إِنِّي قَدْ رَمَيْتُهُمْ إِنِّي حُدِدْتُ وَلاَ عُذْرَى لِمَحْدُودِ)) (2) (عُسْرَى) ((الْعُسْرَى: تأنيث الأعسر من الأمور)) (3) . فتكون اسم تفضيل. و ((قالوا: الْعُسْرَى: الْعَذَابُ)) (4) وتكون بمعنى الضيق والشدة فتكون اسماً. (عُقْبَى) ((العُقْبَى: جزاء الأمر. وقالوا: الْعُقْبَى لك في الخير، أي العاقبةُ)) (5) . ((والْعُقْبَى: الْمَرْجِعُ)) (6) . ((وأَعْقَبَ اللهُ فلاناً عُقْبَى نافعة)) (7) . (غُزْوَى) الغُزْوَى: الغزوة. (الفتيا) ((الْفُتْيا: المصدر من أَفْتَى يقال: أفتيته فُتْيا)) (8) . ((وأهل المدينة يقولون: الْفَتْوَى)) (9) . (فُضْلَى) الفُضْلَى: الْفَضِيلَةُ. (فُقْرَى) ((الْفُقْرَى: أن يعير الرجلُ ظَهْرَ ناقَتِهِ، مأخوذٌ من الفقار. يقال: أفقرتك ظهرها)) (10) . (قُرْبَى) ((الْقُرْبَى: الدنُوُّ في النسب. والقُرْبَى في الرحم، وهي في الأصل مصدر، وفي التنزيل العزيز: {والجار ذي القربى ... } (11) وتقول: بيني وبينه قرابة، وقُرْبٌ وقُرْبَى)) (12) .. قال الأزهري: ((الأقارب جمع الأقرب، والْقُرْبَى تأنيث الأقرب)) (13) .   (1) اللسان (عذر) . (2) الصحاح (عذر) والبيت للجموح الظفري انظر اللسان (عذر) وذكر ابن منظور عن ابن بري أن الصواب: (لولا حددت) لا كما أنشده الجوهري. (3) اللسان (عسر) . (4) المصدر السابق. (5) المصدر السابق (عقب) . (6) المحكم 1 / 144. (7) الجمهرة 1 / 313. (8) الكتاب 4 / 40. (9) العين 8 / 137. (10) المخصص 15 / 194. (11) سورة النساء: 36. (12) اللسان (قرب) . (13) التهذيب 9 / 125. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 (قُصْرَى) ((والْقُصْرَى: آخر الأَمُور)) (1) . (قْضْيا) الْقُضْيا: القضية. (كُذْبَى) ((الكُذْبَى: التكذيب. يقال: لا كَذِبَ لك، ولا كُذْبَى ولا مَكْذَبَة ولا كُذْبان ولا تكذيب)) (2) . (نُعْمَى) النُّعْمَى: ضد البُؤْسَى، وهي الخفض والدَّعَةُ والمال (3) . (نُهْبَى) ((النُّهْبَى: الانتهاب)) (4) . وقيل: اسم لِلنَّهْبِ. قال الأخطل: كأنما المسك نُهْبَى بين أَرْحُلِنا مما تَضَوَّع من ناجودها الجاري (5) (يُسْرَى) اليُسْرَى: من الْيُسْرِ. قال الله تعالى: {فسنيسره لليُسرى} (6) . وقد تكون اسم تفضيل مؤنث الأيسر. الفصل الثالث: فُعْلَى صِفَةً: جاءت صيغة فُعْلَى دالة على الصفة، منها ما كان مؤنثاً لأفعل، ومنها ما كان غير ذلك، وما وجدته في المعاجم من ذلك جعلته في هذا الفصل مرتباً على حروف المعجم. وإليك البيان. (أُخْرَى) أُخْرَى: يقال ((لا آتيك أُخْرَى الليالي، أي آخرَها. وأخْرَى كلِّ شيءٍ آخرُه)) (7) وهذا من إضافة الصفة إلى الموصوف. ((وقولهم: لا أفعله أُخْرَى الليالي، أي: أَبَداً. وأُخْرَى المنون، أي آخر الدهر، قال: وما القوم إلا خمسةٌ أو ثلاثةٌ يخوتونَ أُخْرَى القومِ خوت الأجادل أي من كان في آخرهم)) (8) . وقال كعب بن مالك الأنصاري: أَنْ لا تزالوا، ما تَغَرَّدَ طَائِرٌ أُخْرَى المَنُونِ، مَوَالياً إخوانا (9)   (1) اللسان (قصر) . (2) المصدر السابق. (3) انظر اللسان (نعم) . (4) المقصور والممدود للقالي ص 242. (5) شعر الأخطل 119. (6) سورة الليل: 7. (7) المخصص 15 / 189. (8) اللسان (آخر) . والبيت في اللسان (أخر وخوت) وفي الصحاح (خوت) ولم أقف له على قائل. (9) المصدر السابق. وانظر ديوان كعب بن مالك الأنصاري 287 وفيه ألا توالوا ما تَغَوَرَّ راكب أخزى المنون موالياً إخواناً والذي يظهر لي أن الصحيح ما أثبتته المعاجم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 وقوله تعالى: {ومناة الثالثة الأخرى} (1) تأنيث الآخَر، ((ومعنى آخَر شيءٌ غير الأول)) (2) . (أُنْثَى) ((الأُنْثَى من كلِّ شيءٍ غير الذَّكَرِ)) (3) . وقد أطلقت على المنجنيق في قول العجاج (4) : وكُلُّ أنْثَى حَمَلَتْ أَحْجَارَا وبهذا تكون اسم ذاتٍ. (أولى) ((أولى: أنثى أول. قال أبو النجم: هيماً تقود الهيم في أُولاَها فهي تهادى نَظَراً أُخْرَاها)) (5) (بُهْيَا) : بُهْيَا: البَهِيَّةُ الرائِقَةُ، وهي تأنيث الأَبْهَى (6) . وذلك من أوصاف الإبل، كما في قول حُنَيْفِ الحَناتم، وكان من آبل الناس: الرَّمكاء بُهْيَا (7) . ((وقالوا: امْرَأَةٌ بُهْيا، فجاؤوا بها على غير بناء المذكر، ولا يجوز أن يكون تأنيث قولنا: هذا الأبْهَى؛ لأنه لو كان كذلك لقيل في الأنثى: البُهيا، فلزمتها الألف واللام؛ لأن [الألف و] اللام عقيب (من) في قولك أفعل من كذا)) (8) . وبهذا يكون ابن سيده قد خالف الأزهري في بُهْيا من حيث كونها تأنيث الأَبْهَى فالأزهري يرى ذلك وابن سيده لا يجيزه. (تُرْنَى) تُرْنَى: هي الزانية. ذهب بعض أهل اللغة إلى أنها فُعْلَى. وأنكر ابن جني ذلك وقال: القول فيها أنها تُفْعَل من الرُّنُوِّ كتُرْتَب وتُتْفَل، وهو إدامة النظر. ومنه قوله (9) : كَأْسٌ رَنَوْنَاةٌ وطِرْفٌ طِمِرّ   (1) سورة النجم: 20. (2) اللسان (أخر) . (3) المخصص 15 / 190. (4) ديوانه 416. (5) المقصور والممدود للقالي ص 234. (6) انظر التهذيب 6 / 460. (7) المصدر السابق. والرمكاء: من الرُّمْكة وهي في الإبل أن يشتد كُمْتتها حتى يدخلها سواد. (8) المحكم 4 / 317. (9) شعر عمرو بن أحمر الباهلي 62. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 هي فَعَلْعَلَةٌ من رَنَوْتُ، أَيْ: أَدَمْتُ النظر. والتقاؤهما أنها يُرْنَى إليها وذلك لأنها تُزَنُّ بالرّيبة؛ ولذلك صار ذمّاً، كما قيل لها فَرْتَنَى، فلا يجوز أن تكون تُرْنَى فُعْلَى؛ لأنه ليس مَعَنَا (تَرَنَ)) ) (1) . وقال الأزهري: ((ويحتمل أن يكون (تُرْنَى) مأخوذة من رُنِيَتْ تُرْنَى إذا أديم النظر إليها)) (2) . وجعلها القالي في باب ما جاء من المقصور على مثال (تُفْعَل) (3) . (جُلَّى) ((الجُلَّى: الأمر العظيم، والجمع جُلَلٌ. قال: فَإِنْ أُدْعَ لِلْجُلَّى أَكُنْ من حُمَاتِها وإِنْ يَأْتِكَ الأَعْدَاءُ بالجهد اجهد)) (4) ومنه قول بشامة بن حَزْن النَّهْشَلِيّ (5) وإِنْ دَعَوْتِ إِلَى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ يوماً، كِراماً من الأقوامِ فادْعينا قال ابن الأنباري: ((من ضمّ الجُلَّى قَصَرَهُ، ومن فتح الجيم مَدَّهُ)) (6) . (جُمْلَى) الجُمْلَى: تأنيث الأجمل، لغة لبعض بني عُقَيْلٍ وبني كلاب (7) . (حُبْلَى) ((الْحُبْلَى: الحامل من الإنسان خاصة)) (8) . وقيل: كل ذات ظُفُرٍ حُبْلَى. قال: أَوْ ذِيخَةٍ حُبْلَى مُجِحٍّ مُقْرِبِ (9) وقال الليث: سِنَّورَةٌ حُبْلَى وشاة حُبْلَى (10)   (1) المخصص 15 / 193 ولم أقف على قول ابن جني في مصنفاته. (2) تهذيب اللغة 14 / 270. (3) المقصور والممدود لأبي علي القالي ص 265. وانظر الفصل الأول (تُرْعى، وتُرْنَى) . (4) المخصص 15 / 191 والبيت لِطَرَفَةَ بن العبد في ديوانه ص 50. (5) من الحماسة (14) انظر ديوان الحماسة لأبي تمام 1 / 77. (6) اللسان (جلل) . (7) انظر أمالي القالي 1 / 152. (8) المخصص 15 / 190. (9) اللسان (جلل) . (10) التهذيب 5 / 81. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 (حُجْرَى) ((الْحُجْرَى: الْحُرْمَةُ)) (1) . وجاء في المحكم والقاموس أنها حُجْرِيّ كَكُرْدِيِّ ويكسر (أي الحاء) : الحق والحرمة (2) . (حُسْنَى) الْحُسْنَى: تأنيث الأحسن، لغة لبعض بني عُقَيْلٍ وبني كلاب (3) . (حُدْثَى) ورد في الحديث (أن أعرابياً جاء إلى الرسول ش فقال: يا رسول الله! كانت لي امرأة، فتزوجت عليها امرأة أخرى، فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الْحُدْثَى ... ) (4) . قال ابن الأثير: ((وهي تأنيث الأحدث، يريد المرأة التي تزوجها بعد الأولى)) (5) . وَحُدْثَى الشباب أُوَّلُهُ قال أبو عمرو الشيباني: ((تقول أتيته في رُبَّى شبابه، ورُبَّان شبابه، وحُدْثَى شبابه، وحَدِيث شبابه، وحِدْثان شبابه بمعنىً واحد)) (6) . (حُقْرَى) ((يقال للمسبوب ابن حُقْرَى)) (7) . (حُلْوَى) ((الحُلْوَى: نقيض الْمُرَّى، يقال: خذ الْحُلْوَى وأعطه الْمُرَّى، قالت امرأة في بناتها: صُغراها مُرَّاها)) (8) . قال ابن جني: ((وقالوا: خذ الْحُلْوَى وأَعْطِهِ المُرَّى. فيجوز أن يكون صفة أقيمت مقام الموصوف؛ لأنهم يريدون الحلاوة والمرارة، فمعنى الفعل فيهما)) (9) . (حُيْكَى) حِيكى: وصف لمشية المرأة. وهي ((في النساء مدح وفي الرجال ذَمٌّ؛ لأن المرأة تمشي هذه المشية من عظم فخذيها، والرجل يمشي هذه المشية إذا كان أفحج)) (10) . واستعمالها بكسر الحاء.   (1) المخصص 15 / 190. (2) انظر المحكم 3 / 47 والقاموس (حجر) . (3) انظر الأمالي للقالي 1 / 152. (4) المسند للإمام أحمد بن حنبل 6 / 339. (5) النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 351. (6) اللسان (حدث) . (7) المخصص 15 / 190. (8) اللسان (حلا) . (9) المنصف 2 / 163. (10) اللسان (حيك) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وجعل سيبويه علة إلزامها وزن (فُعْلَى) مجيئها وصفاً بغير ألف ولام، قال: ((وأما إذا كانت وصفاً بغير ألف ولام فإنها بمنزلة فُعْلٍ منها، يُعْنَى بِيضٌ وذلك قولهم: امرأة حِيكَى. ويدلك على أنها فُعْلَى أنه لا يكون فِعْلَى صفةً)) (1) . (خُرْسى) ((الخُرْسَى من الإبل: التي لا تَرْغُو. قال: مَهْلاً أبيت اللَّعْنَ لا تَفْعَلَنَّها فَتُجْشِمَ خُرْسَاها من العُجْم مَنْطِقا)) (2) (خُنْثَى) ((الْخُنْثَى الذي لا يَخْلُصُ لِذَكَرٍ ولا أُنْثَى، وجعله كُرَيْعٌ وصفاً فقال: رجل خُنْثَى له ما للذكر والأنثى. والجمع خِنَاثٌ وخَنَاثَى. قال: لَعَمْرُكَ ما الخِناثُ بنو فلانٍ بِنِسْوانٍ يَلِدْنَ ولا رجالٍ)) (3) (خُورَى) وصفت بذلك المرأة فقيل: فلانة الخُورَى، كأنه تأنيث الأخير (4) . وقلبت واوها ياءً فقيل (خِيرَى) . (رُبَّى) ((الرُّبَّى، على فُعْلَى، بالضم: الشاة التي وضعت حديثاً)) (5) . ونقل ابن سيده عن أبي عبيد أنه قال: ((هي التي ولدت من الغنم، وإن مات ولدها فهي أيضاً رُبَّى. وقال مرة: هي رُبَّى ما بينها وبين شهرين. وقيل: الرُّبَّى من المعز خاصة. وكان يقال لجمادى الآخرة في الجاهلية رُبَّى)) (6) ؛ ((لأنه يعلم فيه ما أنتجت حروبهم)) (7) . ورُبَّى الشباب: أَوَّلُهُ. ((والرُّبَّى: الحاجة، يقال: لي عند فلان رُبَّى. والرُّبَّى: الرَّابَّةُ. والرُّبَّى: العُقْدَةُ الْمُحْكَمَةُ. والرُّبَّى: النعمة والإحسان)) (8) .   (1) الكتاب 4 / 364. (2) المخصص 15 / 191. (3) المحكم 5 / 101. والمراد ب (كريع) كراع النمل، ولم أجده فيما رجعت إليه من كتبه. (4) انظر المخصص 15 / 191، والمحكم 5 / 155. (5) اللسان (ربب) . (6) المخصص 15 / 194. (7) الأزمنة والأمكنة للمرزوقي 1 / 279. (8) اللسان (ربب) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 (رُحْبَى) ((الرُّحْبَى: سمة على جنب البعير)) (1) . (رُذْلَى) الرُّذْلَى: تأنيث الأرْذَل، لغة لبعض بني عُقَيْلٍ وبني كلابٍ (2) . (سُرْعَى) السُرْعَى صفة للصهباء من النوق، كما في قول حُنَيْف الحَنَاتم ((والصهباءُ سُرْعَى)) (3) . (سُفْلى) السُّفْلَى: مُؤَنث الأسفل، وهو اسم تفضيل ومنه قول الله تعالى: س وجعل كلمة الذين كفروا السُّفْلَى ش (4) . وكذا قول الرسول ش: ((اليد العليا خير من اليد السُّفْلَى)) (5) . (سُكْرَى) قرأ الأعرج والحسن، بخلاف س وَتَرَى النَّاسَ سُكْرَى وَمَا هُم بسُكْرَى ش (6) . وكذا أبو زرعة قرأ (سُكْرَى) بضم السين والكافُ ساكنةٌ (7) . قال ابن جني: ((وأما (سُكْرَى) بضم السين فاسم مفرد على فُعْلَى كالْحُبْلَى والْبُشْرَى. وبهذا أفتاني أبو عَليٍّ وقد سألته عن هذا)) (8) . (سُلْكَى) ((السُّلْكَى: الطعنة المستقيمة. قال امرؤ القيس (9) : نَطْعَنُهم سُلْكَى ومَخْلُوجَةً كَرَّكَ لأْمَيْنِ على نابل مخلوجة: يمنة ويسرة غير مستقيمة. ويقال: أمرهم سُلْكَى، إذا كانوا على طريق واحد)) (10) . (سُوَّى) قال الله تعالى: {فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى} (11) قُرِئَ (السُّوَّى) على فُعْلَى بغير همزٍ. وهي قراءة يحيى بن يعمر وعاصم الْجَحْدَريّ (12) .   (1) المخصص 15 / 194. (2) انظر أمالي القالي 1 / 152. (3) اللسان (صهب) . (4) سورة التوبة من آية: 40. (5) مسند الإمام أحمد 2 / 4 ومواضع أخرى. (6) سورة الحج: 2. (7) المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها لابن جني 2 / 72. (8) المصدر السابق 2 / 74. (9) ديوانه ص 252. (10) المخصص 15 / 192. (11) سورة طه: 135. (12) إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس 3 / 62. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 قال أبو جعفر: ((جواز قراءة يحيى بن يعمر والجحدري أن يكون الأصل (السُّوءَ ى) ، والساكن ليس بحاجز حصين فكأنه قلب الهمزة ضمة فأبدل منها)) (1) . (شُحَّى) ((ابن شُحَّى: الشحيح)) (2) . (صُبْرَى) صُبْرَى: صفة للحمراء من النوق. نقل الأزهري عن ابن الأعرابي قول حُنَيف الحناتم - وكان آبل الناس - ((الرَّمكاء بُهْيَا، والْحَمْرَاءُ صُبْرَى)) (3) . (صُغْرَى) : مؤنث الأصغر، اسم تفضيل. (ضِيزَى) ((الضِّيزَى: التي لا تكون بِعَدْلٍ، وَوَزْنُها فُعْلَى؛ لأن ضِيزَى وَصْفٌ، وفِعْلَى لا تكون صفةً إلا بالهاء نحو: رَجُلٌ عِزْهاةٌ)) (4) . وذكر الفراء أن بعض العرب يقول: ضُؤزَى بالهمز (5) . وعلل الأنباري عدم إتيان (ضُوزَى) على الأصل بأنهم كرهوا ضُوزَى حتى لا يصير كأنه من الواو وهو من الياء، فكسروا الضاد، وجعلوا الواو ياءً لانكسار ما قبلها (6) . قال السجستاني في غريبه: ((ضِيزَى، أي: ناقصة، ويقال جائرة، ويقال: ضازه حقه إذا نَقَصَهُ، وضاز في الحكم إذا جار فيه، وضِيزَى وزنه فُعْلَى، وكُسِرت الضاد للياء، وليس في النعوت فِعْلَى)) (7) . (طُرْفَى) ((الطُّرْفَى: أبعد نسباً من القُعْدَى. والإقعاد والإطراف كلاهما مدحٌ، فالإقعاد قلّة الآباء، والإطراف كثرة الآباء)) (8) . (طُولَى) ذُكِرَ أن رسول الله ش كان يقرأ في المغرب بطُولَى الطُّولَيَيْن قال الخطابي: ((يرويه المُحَدِّثون: بِطِوَلِ الطُّولَيَيْنِ، وهو خطأ فاحش، فالطِّوَل الحبل، وإنما هو بطُولَى تأنيث أطول والطُولَيَيْن تثنية طُولَى ... قال الشاعر: فأعضَضْته الطُّولَى سناماً وخيرها   (1) المصدر السابق. (2) المخصص 15 / 191. (3) التهذيب 6 / 112. (4) المخصص 15 / 191. (5) معاني القرآن 3 / 98. (6) المذكر والمؤنث 1 / 217. (7) غريب القرآن للسجستاني ص 149. (8) المخصص 15 / 192. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 بلاءً وخير الخير ما يُتَخَيَّرُ)) (1) (عُرَّى) ((عُرَّى، كعُزَّى: المعيبة من النساء)) (2) . (عُلْيَا) ((عُلْيَا مضر، بالضم والقصر: أعلاها)) (3) ... وجمعُها عُلىً (4) . (غُزْرَى) غُزْرَى: من أوصاف النوق، كما في قول حُنَيف الحناتم: ((الخوارة غُزْرَى)) (5) . (غُزْوَى) الْغُزْوَى: تأنيث الأغزى، وسبقت في الفصل الثاني بمعنى الغزوة. (فُضْلَى) الْفُضْلَى: تأنيث الأفضل، لغة لبعض بني عُقَيْلٍ وبني كلاب (6) . (قُبْحَى) ((الخصلة القُبْحَى: القبيحة)) (7) . (قُصْرَى) ((سورة النساء الْقُصْرَى: سورة الطلاق)) (8) . (قُصْوَى) القُصْوَى والقُصْيَا: الغاية البعيدة. وفي التنزيل: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى} (9) . ((بالواو، وهي خارجة على الأصل، وأصلها من الواو. وقياس الاستعمال أن تكون الْقُصْيا؛ لأنه صفة كالدنيا والعُليا. وفُعْلَى إذا كانت صفة قلبت واوها ياءً؛ فرقاً بين الاسم والصفة)) (10) . (قُعْدَى) ((الْقُعْدَى: التي هي أقعد نسباً)) (11) . والإقعاد: قلة الآباء. (كُبْرَى) والكُبْرى: خلاف الصُّغْرَى ((يقال هذه الجارية من كُبْرَى بنات فلان ومن صغرى بناته، يريدون [من كبار بناته و] من صغار بناته)) (12) . (كُرْمَى) الْكُرْمى: تأنيث الأكرم، لغة لبعض بني عُقَيْلٍ وبني كلاب (13) . (كُوسَى) الكُوسَى: تأنيث الأكيس.   (1) إصلاح غلط المحدثين للخطابي ص 27. (2) القاموس (عرر) . (3) المصدر السابق (علو) . (4) المخصص 15 / 190. (5) التهذيب 6 / 112. (6) انظر أمالي القالي 1 / 152. (7) المخصص 15 / 191. (8) القاموس (قصر) . (9) سورة الأنفال: 42. (10) التبيان في إعراب القرآن 2 / 624، 625. (11) المخصص 15 / 191. (12) اللسان (كبر) . (13) انظر الأمالي لأبي علي القالي 1 / 152. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 (كُوصَى) ((أثبت بعضهم: رَجُلٌ كِيصَى للذي يأكل وحده، ويجوز أن يكون (فُعْلَى) بالضم، فيكون ملحقاً ب (جُخْدَب) كما في سودد وعوطط، ولا يضر تغيير الضمة بالإلحاق؛ لأن المقصود من الإلحاق - وهو استقامة الوزن والسجع ونحو ذلك - لا يتفاوت به، وإنما قلبت في الاسم دون الصفة فرقاً بينهما، وكانت الصفة أولى بالياء لثقلها)) (1) . (لُؤْمَى) اللُّؤْمَى: تأنيث الألأم، لغة لبعض بني عُقَيْلٍ وبني كلاب (2) . (مُثْلَى) ((الْمُثْلَى: الخصلة والطريقة التي هي أمثل. قال أبو جلدة: وفيك بحمد الله نِكْلٌ لظالمٍ عَنُودٍ عن المُثلَى كثير التكذُّبِ)) (3) (مُرَّى) الْمُرَّى: من المرارة. ((يقال: ((الخصلة الْمُرَّى)) (4) . (هُونَى) الهُونَى: صفة للمشي. ((يقال: هو يمشي الْهُونَى والهُوَيْنَى والْهَوْنَ)) (5) . ((ويقال: أخذ أمره بالهُونَى تأنيث الأهون، وأخذ فيه بالْهُوَيْنَى)) (6) . تصغير الهُونَى. (وُسْطَى) وُصِفَتْ الصلاة بالوسطى، كما في قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} (7) . قال ابن قتيبة: ((الصلاة الوسطى: صلاة العصر، لأنها بين صلاتين في النهار، وصلاتين في الليل)) (8) . الفصل الرابع: دلالة صيغة فُعْلَى على الجمع: ليست صيغة (فُعْلَى) من صيغ الجموع بأنواعها، فلا تكون جمع تكسير لقلة ولا لكثرة. ولذا متى دلت على الجمع كانت اسم جمع لا غير. وقد وردت ألفاظٌ رآها بعض اللغويين دالة على الجمع، من ذلك: بُهْمَى: اختلف فيها العلماء من حيث بناؤها هذا، هل المراد به المفرد؟ أم هل مفردها بهماة؟   (1) شرح شافية ابن الحاجب للرضي النحوي 3 / 136. (2) انظر الأمالي للقالي 1 / 152. (3) المقصور والممدود للقالي ص 245. (4) المصدر السابق ص 245. (5) المخصص 15 / 190. (6) اللسان (هون) . (7) سورة البقرة: 238. (8) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص 91. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 ومنشأ هذا الخلاف النظر في نوع الألف في آخر الصيغة. فَمَنْ قال إن الألف للتأنيث لا يجيز بهماة، ومن قال إن الألف زائدة للإلحاق قال بهماة واحدة. ونَوَّنَ بُهْمىً. نسب ابن سيده إلى سيبويه أنه قال: بهماة واحدة. وأن أبا علي قال: ليس هذا بالمعروف (1) . والحق أن هذا قول سيبويه إذ النص في الكتاب: ((ولا يكون (فُعْلَى) والألف لغير التأنيث، إلا أن بعضهم قال: بهماة واحدة، وليس هذا بالمعروف)) (2) . ونقل ابن سيده عن أبي علي أنه قال: ((والقول في هذه الألف على هذا المذهب أنها زائدة لغير التأنيث ولا للإلحاق، كما أن ألف قَبْعْثَرَى كذلك، فكما لا تمتنع التاء من لحاق قبعثراة كذلك جاز دخولها في بهماة. قال: ويجوز على هذا في ترخيم حُبْلَوِىٍّ فيمن قال: يا حارِ أن يقول يا حُبْلَى؛ لأن هذا البناء فيمن قال (بهماة) ليس يختص بوقوع ألف التأنيث فيه؛ لأن التي في (بهماة) ليست للتأنيث، وقد دخلت في هذا البناء فكذلك تكون التي في (حُبْلَى) ترخيم حُبْلَوِيّ فيمن قال: يا حارِ في القياس وإن كان سيبويه لا يقيس على نحو هذا، وهذه الأوجه الثلاثة التي لا يجوز أن تكون ألف (بهماة) محمولة عليها، إنما هو على مذهب سيبويه، وأما في رأي أبي الحسن فتكون للإلحاق بِجُخْدَب، وقد نفى سيبويه هذا البناء أصلاً)) (3) . ورأي أبي علي هنا يشير إلى أن الألف لمجرد تكثير الكلمة وتوفير لفظها، وذلك إنما يكون في البناء الذي لا يوجد بناءٌ آخر يلحق به. أما الرضي فيرى أن بُهْمَى يكون ملحقاً؛ لقولهم (بُهْماة) . قال: ((ويكون بُهْمَى ملحقاً؛ لقولهم (بهماة) على ما حكى ابن الأعرابي، ولا تكون الألف للتأنيث كما ذهب إليه سيبويه)) (4) .   (1) المخصص 15 / 194. (2) الكتاب 4 / 255. (3) المخصص 15 / 194. (4) شرح الشافية 1 / 48. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 قال المبرد: ((هذا لا يعرف، ولا تكون ألف فُعْلَى، بالضم، لغير التأنيث)) (1) . وقد جعلها سيبويه في باب ما هو اسمٌ واحدٌ يقع على جميع وفيه علامات التأنيث، وواحدُهُ على بنائه ولفظه، وفيه علامات التأنيث التي فيه. قال: ((وبُهْمًى للجميع وبُهْمَى واحدة)) (2) . لذلك كانت حكايته ل (بُهماة) على سبيل الشذوذ. قال ابن سيده: ((وعندي أن من قال (بُهْماةٌ) فالألف عنده ملحقة له بجُخْدَبٍ فإذا نزع الهاء أحال اعتقاده الأول عما كان عليه، وجعل الألف للتأنيث فيما بعدُ، فيجعلها للإلحاق مع تاء التأنيث، ويجعلها للتأنيث إذا فقد الهاء)) (3) . قال الزجاج: ((كل (فُعْلَى) في الكلام لا تنصرف، ولا تحتاج إلى أن تقول كانت ألفها لِتَأْنِيثٍ؛ لأنها لم تقع في الكلام إلا للتأنيث، نحو (أنثى) و (خنثى) و (طوبى) و (رُجعى) . فإنما تقول: كل فُعْلَى في الكلام لا تنصرف ولا تنونُ فُعْلَى)) (4) . والذي أراه في هذه المسألة أن الراجح فيها ما ذهب إليه سيبويه أن ألفها للتأنيث، وأنها للمفرد، وتدل على الجمع بلفظها فيقال: بُهْمًى للجمع وبُهْمَى للمفرد، وما ذكر بالتاء ك (بهماة) فشاذ. وهذا ما أشار إليه الرضي بقوله: ((وقد يكون اسم مفرد في آخره ألف تأنيث مقصورة أو ممدودة، يقع على الجمع نحو حلفاء وطرفاء وبُهْمَى؛ فإذا قصدت الوحدة وصفته بالواحد نحو طرفاء واحدة، وحلفاء واحدة، وبُهْمَى واحدة، ولم يلحق التاء للوحدة إذ لا يجتمع علامتا تأنيث)) (5) . سُكْرَى: جاء في القراءات الشواذ - كما تقدم - أن الحسن والأعرج قرآ: س وترى الناس سُكْرَى وما هم بسُكْرَى ش (6) وكذا أبو زُرْعة.   (1) اللسان (بهم) . (2) الكتاب 3 / 596. (3) المحكم 4 / 243. (4) ما ينصرف ومالا ينصرف لأبي إسحاق الزجاج 34، 35. (5) شرح الشافية 2 / 198، 199. (6) سورة الحج: 2 والقراءة في المحتسب 2 / 72. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 قال ابن جني: ((وأما سُكْرَى بضم السين فاسم مفرد على فُعْلَى كالْحُبْلَى والبُشْرَى. وبهذا أفتاني أبو علي وقد سألته عن هذا)) (1) . فيكون هذا دالاًّ على الجمع، من حيث هو صفة للجماعة. قال العكبري: ((وهو واحد في اللفظ واقع على الجمع، أو هو صفة للجماعة)) (2) . وقال في التبيان: ((قيل هو محذوف من سكارَى، وقيل هو واحدٌ مثل حُبْلَى، كأنه قال: ترى الأُمَّة سُكْرَى)) (3) . ضُوقَى: ((قال كراعٌ: والضُّوقَى: جمع ضَيِّقَةٍ)) (4) . وأنكر ذلك ابن سيده وقال: ((هذا لا يصحُّ، وإنما هو تأنيث الأضيق)) (5) . وأرى أنها متى وردت في كلام فصيح دالَّةً على الجمع كانت بذلك اسم جمع. طُوبَى: قال كراعٌ: ((وطُوبَى: جمع طيّبة لا غير)) (6) . وأنكر ذلك ابن سيده وقال: ((هذا لا يصح)) (7) . والقول فيها ما قيل في (الضُّوقى) . قُرْبَى: نَسَبَ الأزهري إلى الليث أنه قال: ((والجمع من النساء قرائب، ومن الرجال أقارب. ولو قيل: قُرْبَى لجاز)) . قال الأزهري: ((قلت: الأقارب: جمع الأقرب، والقربى تأنيث الأقرب)) (8) . كُوسَى: قال كراع: ((والكُوسَى والكِيسَى: جمع كَيِّسَةٍ)) (9) . وأنكر ذلك ابن سيده وقال: ((وعندي أنها تأنيث الأكيس)) . وأَرَى في كل هذه الألفاظ أنها متى وردت في أساليب عربية فصيحة صح ذلك، وكانت اسم جمع آنئذٍ. الفصل الخامس: أحكام (فُعْلَى) اللغوية: لزوم (أل) صيغة (فُعْلَى) واستعمالها بدونها:   (1) المحتسب 2 / 74. (2) إعراب القراءات الشواذ لأبي البقاء العكبري 2 / 125. (3) التبيان في إعراب القرآن 2 / 932. (4) المنتخب من غريب كلام العرب لكراع النمل 2 / 557. (5) المخصص 15 / 191. (6) المنتخب 2 / 557. (7) المخصص 15 / 192. (8) التهذيب 9 / 125. (9) المنتخب 2 / 557. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 صيغة (فُعْلَى) في العربية - كما مر في ثنايا هذا البحث - تكون اسم ذات، واسم معنى، وصفة ودالة على الجمع في ألفاظ محصورة. فأما اسم الذات فيعرف وينكر، وأحياناً يكون معرفة بغير الألف واللام كما ورد في (طُوبَى) اسم شجرة في الجنة.. قال ابن سيده: ((كأنها سميت بتأنيث الأطيب، وسقطت منها الألف واللام في حد العلمية، فَخُرِّجَ على حَسَنٍ وحارثٍ، كما سَمَّو الجنة الحُسْنَى، إلا أن الحُسْنَى خُرِّجَتْ على الحَسَن والحارث)) (1) . وكما في (أُبْلَى، وبُصْرى، وتُبْنَى، وتُرْعَى ... ) ونحو ذلك مما هو اسم مكان أو مدينة ونحوها. وكذا إذا كان اسم معنى فإنه يكون ب (أل) وبدونها ك (زُلْفَى وقُرْبَى وأُثْرَى) ونحو ذلك. وكذا إذا دل على الجمع فإنها تدخل عليه (أل) ويخلو منها ك (طُوبَى والطُّوبَى وكُوسَى والكُوسَى) ونحو ذلك. أما إذا كانت صفة فإنها حينئذ تكون تأنيث (أَفْعَل) و ((الوجه استعمال (فُعْلَى أَفْعَل) بأل أو بالإضافة، ولذلك لُحِّنَ من قال (2) : كأن صُغْرَى وكُبْرَى من فقاقعها ... حَصْباءُ دُرٍّ عَلَى أرضٍ من الذَّهَبِ وقول بعضهم إن (مِنْ) زائدة وإنهما مضافان على حد قوله: ............................... بين ذراعيْ وجبهة الأسد (3) يَرُدُّه أن الصحيح أن (مِنْ) لا تقحم في الإيجاب، ولا مع تعريف المجرور، ولكن ربما استعمل أفعل التفضيل الذي لم يُرَدْ به المفاضلة مطابقاً مع كونه مجرداً. قال: إذا غاب عنكم أسود العين كنتم كراماً، وأنتم ما أقام ألائم (4)   (1) المخصص 15 / 192. (2) هو أبو نواس في ديوانه ص 39. (3) عجز بيت صدره: يا من رأى عارضاً أُسَرُّ به ................................... وينسب للفرزدق وهو من فوائت الديوان استشهد به سيبويه في الكتاب 1 / 180. (4) البيت للفرزدق وليس في ديوانه وهو من شواهد المغني برقم (708) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 أي لئام، فعلى هذا يتخرج البيت، وقول النحويين صُغْرَى وكُبْرَى، وكذلك قول العروضيين: فاصلة صُغْرَى، وفاصلة كُبْرى)) (1) . وقال ابن سيده: ((والذي حكى في الدُّنْيا دُنْيا إنما هو أبو علي، رواه عن أبي الحسن وأنشد: في سَعْي دُنْيا طالما قد مُدَّتِ)) (2) وفي العصر الحاضر ناقش مجمع اللغة في القاهرة قضية تجرد (فُعْلَى) مؤنث (أفعل) من (أل) والإضافة و (من) مرة بمناقشة مصطلح مثل (حرارة عُلْيا) و (سلع دُنيا) وأخرى بمناقشة القضية كما فعل الأستاذ محمد شوقي أمين حينما ناقش صيغة (فُعْلَى) وجواز استعمالها مجردة من (أل) . وانتهى إلى القول: ((ونحن في الحق محتاجون إلى تسويغ ما تجري به أقلام الكتاب المحدثين في استعمالاتهم العصرية، من نحو قولهم: هذه سياسة عُلْيا، وتلك مكرمة جُلَّى، وله يدٌ طُولَى، ويخشى وقوع حَرْبٍ عُظْمَى، وإليك كلمةٌ أولَى .... وأمثال هذه العبارات إنما تجاز على أن الصيغة فيها مسلوبة التفضيل، مؤولة باسم الفاعل أو الصفة المشبهة، بشرط ألا يتعين قصد التفضيل في سياق التعبير، وإلا وجب التذكير)) (3) . وهذا معنى قول ابن الدهان: ((يجوز استعمال (أفعل) عارياً عن اللام، والإضافة، ومِنْ، مجرداً من معنى التفضيل، مؤولاً باسم الفاعل أو الصفة المشبهة، قياساً عند المبرد، سماعاً عند غيره. قال: قُبِّحْتُمُ يا آل زيدٍ نَفَرا أَلأَمُ قَوْمٍ أَصْغَراً وأَكْبَرا   (1) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الأنصاري 497، 498. (2) المخصص 15 / 193. (3) محاضر جلسات مجمع اللغة العربية بالقاهرة في الدورة الثامنة والثلاثين (من 14 /8 /1391 هـ إلى 16 / 4 / 1392 هـ) الموافق (4 أكتوبر 1971 م إلى 29 مايو 1972 م) ص 429 - 431. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 أي: صغيراً وكبيراً. ومنه قولهم: نُصَيْبٌ أَشْعَرُ الحبشة، أي: شاعرهم، إذ لا شاعر فيهم غيره)) (1) . وبهذا يتبين أنه لا مانع من التجوز في هذه الصيغة؛ لأنه يركن إلى دليل من السماع، واستخدام علماء اللغة، والتجوز في ذلك مما تقبله أصول اللغة. جمع صيغة فُعْلَى: ما جاء على وزن (فُعْلَى) إما أن يكون وصفاً أو اسماً. فإن كان وصفاً مؤنثاً لأفعل فإن قياس جمع المؤنث (فُعَل) . فتقول في الكُبْرَى: الْكُبَر، وفي الصُّغْرَى: الصُّغَر، وفي الأُولَى: الأُول، وفي الأخرى - تأنيث الآخر - الأُخَر، وفي الْفُضْلَى: الْفُضَل، وفي العُلْيا: الْعُلَى، وفي الدنيا - تأنيث الأدنى - الدُّنَى (2) . ((وهي الكُرْمَى والفُضْلَى والْحُسْنَى والجُمْلَى والرُّذْلَى واللؤْمَى، وهُنَّ الرُّذَل والنُّذَل واللؤَم)) (3) . ويجمع بالألف والتاء. تقول: الصغريات، والكبريات (4) ، والأوليات، والأخريات، والفضليات. ومعلوم أن أوزان الجموع وضعت على الأوسع رواية، والأقوى في القياس ولذلك لم تجمع أقصى الجموع؛ فرقاً بينها وبين نحو (أَنْثَى) و (صَحْرَاء) (5) .   (1) المصباح المنير 2 / 709. وانظر ما نقله عن المبرد في المقتضب 3 / 245، 246. (2) انظر شرح الشاطبي على الألفية مخطوط لوحة 259. (3) الأمالي لأبي علي القالي 1 / 152 وقد وهم الدكتور موسى العبيدان في بحثه (لهجة بني كلاب) إذ ذكر في جموع التكسير أن هذه الألفاظ تجمع على (فُعَّل) بتشديد العين، ونقل عن القالي ذلك، وما عند القالي هو بفتح العين من غير تضعيف، فلعله نقله من مصدر آخر، وعزاه إلى أمالي القالي، أو لعله وَهْمٌ منه. انظر لهجة بني كلاب ص 177. (4) المقتضب 2 / 215. (5) انظر شرح الشافية 2 / 166. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 أما إن كان اسماً فلا يجمع هذا الجمع نحو: أُبْلَى، والحُمَّى، وحُزْوَى، والقُصْرَى، وسُعْدَى، وبُهْمَى. وما جاء من الأسماء على فُعَل فشاذٌّ نحو الرُّؤْيا والرُّؤَى، والسُّقْيَا والسُّقَى، وأنشد ابن الأعرابي لعبد الله بن حجاج أبي الأقرع: وإن أراد النومَ لم يَقْضِ الكَرَى من هَمِّ مالاقَى وأهوال الرُّؤَى (1) وإذا كان وصفاً غير تأنيث الأفعل لم يجمع على (فُعَل) نحو حُبْلَى، وأُنْثَى، وأُخْرَى - أنثى آخِر بكسر الخاء - ورُبَّى (2) . وإنما يجمع على حَبَالَى، وإِنَاث، وأُخْرَيات، ورُبابٌ مع أن المعروف أن وزن (فُعَال) من أبنية المصادر والمفردات، ولكنه ورد جمعاً نادراً في كلمات منهن (رُبَّى) (3) . قال الرضي: ((وكان حق (رُبَّى) أن يجمع على (رِباب) بكسر الراء، لكنه قيل (رُباب) بالضم، وليس بِجَمْع، بل هو اسم جمع ك (رُخال) و (تؤام)) ) (4) . وبهذا يكون الرضي عَدَّهُ اسم جمعٍ لكونه دَلَّ على الجمع وليس من أوزانه. أحكام (فُعْلَى) في الإعلال: عُرِف عن الصرفيين أنواعٌ من الإعلال، منها قلب الواو ياءً، وقلب الياء واواً وَفقاً لقواعد منضبطة. فما خرج عن تلك القواعد كان شاذاً في القياس. وصيغة (فُعْلَى) من تلك الأبنية التي خرجت عن قواعد الإعلال، لأسباب داعية لذلك. وسأعرض لذلك في مباحث: المبحث الأول: ما ثبتت فيه الياء على حالها، وكان حقها أن تقلب واواً. وذلك في: حِيكَى: تحدث سيبويه عن قلب الياء واواً، وأن ذلك يكون في (فُعْلَى) إذا كانت اسماً، ((أما إذا كانت وصفاً بغير ألف ولام فإنها بمنزلة (فُعْلٍ) منها، يُعْنَى بِيضٌ.   (1) انظر شرح الشاطبي على الألفية مخطوط لوحة 259. (2) انظر المصدر السابق. (3) انظر تصريف الأسماء لمحمد الطنطاوي 219. (4) شرح الشافية 2 / 166، 167. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وذلك قولهم: امرأة حِيكَى. ويدلك على أنها فُعْلَى أنه لا يكون فِعْلَى صِفَةً)) (1) . وبهذا يظهر أن سيبويه يرى أن أصلها: حُيْكَى، فكرهت الياء بعد الضمة، وكُسِرت الحاء لتسلم الياء (2) . ومثل ذلك {قِسْمةٌ ضِيزَى} قال ابن سيده: ((ووزنها فُعْلَى، لأن ضِيزَى وصفٌ، وفِعْلَى لا تكون صفة إلا بالهاء نحو: رجل عِزْهاةٌ. وقد قيل ضُوزَى على الأصل. قال أبو علي: إنما أبدلت الضمة فيها كسرة؛ كراهية الضمة والواو، مع العلم أن (فُعْلَى) من أبنية الصفات، وليس هذا ك (بِيض) لبعدها من الطرف)) (3) . وكل ذلك إنما يكون في الصفة دون الاسم؛ لأنهم أرادوا بهذا الفصل بين الاسم والصفة، ف ((أما ما كان من ذلك اسماً فإن ياءه تقلب واواً، لِضمَّةِ ما قبلها. وذلك نحو قولك: الطُّوبَى والكُوسَى. أخرجوه بالزيادة من باب بيض ونحوه)) (4) . وأوضح الرَّضِيُّ ذلك بقوله: ((وجعل ياء (فُعْلَى) صفة ك (حِيكَى) , و (ضيزَى) كالقريبة من الطرف؛ لخفة الألف مع قصد الفرق بين (فُعْلَى) اسماً وبينها صفة، والصفة أثقل، والتخفيف بها أولى، فقيل طُوبَى في الاسم وضيزَى في الصفة)) (5) . وإن كان هذا الإبقاء ليس بلازمٍ عند ابن مالك إذ قال في الكافية الشافية: فإن يكن عيناً ل (فُعْلَى) وصفا فذاك بالوجهين عنهم يُلْفَى قال في الشرح: ((أي: فإن يكن الياء المضموم ما قبله عيناً ل (فُعْلَى) وصفاً جاز تبديل الضمة كسرة، وتصحيح الياء، وإبقاء الضمة وإبدال الياء واواً. كقولهم في أنثى الأَكْيَس والأَضْيَق: الكِيسى والضِّيقَى والكُوسَى والضُّوقَى)) (6) . ومثل حِيْكَى وضيزى، كِيصَى للذي يأكل وحده وخِيرَى. وما شابه ذلك.   (1) الكتاب 4 / 364. (2) انظر اللسان (حيك) . (3) المخصص 15 / 191، 192. (4) المقتضب لأبي العباس المبرد 1 / 304. (5) شرح الشافية 3 / 86. (6) شرح الكافية الشافية لابن مالك 2120. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 المبحث الثاني: ما قلبت فيه الواو ياءً طلباً للتخفيف، وفصلاً بين الاسم والصفة: إذا جاء الاسم على بناء (فُعْلَى) ولامه واو؛ فقد ((حصل فيه نوع ثقل بكون الضمة في أول الكلمة والواو قرب الآخر، فقصد فيه مع التخفيف الفرق بين الاسم والصفة، فقلبت الواو ياء في الاسم دون الصفة؛ لكون الاسم أسبق من الصفة فَعُدِّلَ بقلب واوه ياءً، فَلَمَّا وُصِلَ إلى الصِّفَةِ خُلِّيَت؛ لأجل الفرق بينهما)) (1) . من ذلك الدنيا فالياء فيها منقلبة عن الواو، وهذا من حيث القياس شاذٌّ؛ لأن الواو تقلب ياءً فيما جاوز الثلاثة، و (الدنيا) لم يجاوز الثلاثة. ومثل الدنيا العليا والقصيا، وأضاف سيبويه أن من أسباب الإبدال في هذا الموضع هو التكافؤ في التغيير، فلما أبدلوا الواو مكان الياء في فَعْلَى أبدلوا الياء مكان الواو في فُعْلَى اسماً لتتكافئا (2) . وهذه الأمثلة التي ذكرها سيبويه صفات غالبة تجري مجرى الأسماء، ولذلك كانت الأمثلةَ على هذه المسألة، ومن ثَمَّ ذكر ابن مالك أن هذا القلب يجري في الصفة دون الاسم (3) . وفرق ابن الحاجب بين القُصْوَى والغُزْوَى والقُضْيا فجعل القُصْوَى اسماً والغُزْوَى والقُضْيا صفة. قال الرضي: ((فعلى هذا في جعل المصنف القُصْوَى اسماً والغُزْوَى والقُضْيَا تأنيثي الأغزى والأقضى صفةً نظرٌ، لأن الْقُصْوَى أيضاً تأنيث الأَقْصَى، قال سيبويه: وقد قالوا الْقُصْوَى، فلم يقلبوا واوها ياءً، لأنها قد تكون صفة بالألف واللام. فعلى مذهب سيبويه الْغُزْوَى وكل مؤنث لأفعل التفضيل لامه واوٌ قياسُهُ الياء، لجريه مجرى الأسماء)) (4) . وقد أوضح ابن مالكٍ أن الْقُصْوَى شَذَّتْ عن أخواتها عند غير تميم. فقال:   (1) شرح الشافية 3 / 178. (2) انظر الكتاب 4 / 389. (3) انظر شرح الكافية الشافية ص 2122. (4) شرح الشافية 3 / 178، 179. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 ((تبدل الياء من الواو لاماً ل (فُعْلَى) صفة محضة، أو جارية مجرى الأسماء، إلا ما شَذَّ كالحُلْوَى بإجماعٍ، والقُصْوَى عند غير تميم)) (1) . قال ابن جني تعليقاً على قول المازني (وإن جاء القُصْوَى) : ((يقول: لا تنكر أن تأتي (فُعْلَى) اسماً أيضاً على الأصل، فإنها شاذة، وأصلها أيضاً الوصف، فيجوز أن تكون خرجت على الأصل، لأنها في الأصل صفة؛ فجعل ذلك تنبيهاً على أنها في الأصل صفة)) (2) . وقد جاءت (بُهيا) صفةً، والواو فيها قلبت ياءً لعلة أخرى، قال ابن سيده: ((ليست الياء في (بُهْيا) وضعاً، إنما هي الياء التي في الأبهى، وتلك الياء واوٌ في وضعها، وإنما غلبتها إلى الياء لمجاوزتها للثلاثة)) (3) . أما إذا كان الناقص الذي على وزن (فُعْلَى) ولامه واوٌ صِفَةً فإنها لا تقلب لامه ياءً. ولم يذكروا أمثلة لهذا النوع، وإنما ذكروه هكذا من غير أمثلة. وقد أدرك ذلك السيرافي فقال: ((لم أجد سيبويه ذكر صفة على (فُعْلَى) بالضم مما لامه واوٌ إلا ما يستعمل بالألف واللام، نحو الدنيا والعليا، وما أشبه ذلك، وهذه عند سيبويه كالأسماء، قال: وإنما أراد أن (فُعْلَى) من ذوات الواو إذا كانت صفة تكون على أصلها، وإن كان لا يحفظ من كلامهم شيءٌ من ذلك على فُعْلَى؛ لأن القياس حمل الشيء على أصله حتى يتبين أنه خارج عن أصله، شاذٌ عن بابه)) (4) . وقد نظرت فيما جمعت من ألفاظ، فلم أجد فيها شيئاً يمكن أن يُمَثَّلَ به على هذه المسألة.   (1) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك 309. (2) المنصف 2 / 162. (3) المحكم 4 / 317. (4) شرح الشافية 3 / 179. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 أما إذا كان الناقص الذي على وزن (فُعْلَى) يائياً فإنها ((لا تقلب لامه - اسماً كان أو صفة - لحصول الاعتدال في الكلمة بثقل الضمة في أولها، وخفة الياء في آخرها، فلو قلبت واواً لكان طرفا الكلمة ثقيلين)) (1) . وكذلك حملاً ل (فُعْلَى) في هذا على (فَعْلَى) . قال المازني: ((وتجري (فُعْلَى) من هذا الباب من الياء على الأصل اسماً وصفة كما جرت (فَعْلَى) من الواو على الأصل اسماً وصفة)) . قال ابن جني: ((قوله (من ذا الباب) يريد من باب مالامه معتلة. يقول: فكما قلت في الاسم (عَدْوَى) وفي الصفة (شَهْوَى) فأجريتهما على الأصل في الاسم والصفة من باب (فَعْلَى) كذلك تجري (فُعْلَى) من الياء على الأصل اسماً وصفة؛ لأن (فُعْلَى) في هذه الجهة نظيرة (فَعْلَى) في تلك الجهة. فإذا كانوا قد قلبوا الواو إلى الياء في (الدُّنيا والعُلْيا) فهم بأن يُقِرُّوها فيما هي فيه أصلٌ أجدر. هذا مع أن القياس ألاَّ يقلب الأخف إلى الأثقل، فإذا جاء الشيء على ما ينبغي فلا مسألة فيه، ولا اعتراض عليه)) (2) . المبحث الثالث: ما ثبتت فيه الواو على حالها، ولم تقلب ياءً. سبق بيان وضع لام الناقص إذا كان واويّاً اسماً غير صفة، وذلك بقلب الواء ياءً طلباً للتخفيف، وفصلاً بين الاسم والصفة وقد جاء في كلامهم (حُزْوَى) اسم موضع، ولم تقلب الواو ياءً. قال ابن جني فأما (حُزْوَى) فَعَلَمٌ، ولا يُنْكَرُ في الأعلام كَثِيرٌ من التغيير نحو (حَيْوَة) و (مَزْيَدٍ) و (مَحْبَب) (3)   (1) المصدر السابق 3 / 178. (2) المنصف لابن جني 2 / 161، 162. (3) سر صناعة الإعراب لابن جني 2 / 735، 637. المصادر والمراجع الأزمنة والأمكنة، لأبي علي أحمد بن محمد المروزقي (ت 421 هـ) ، تقديم سعيد المرزوقي وعبد اللطيف شرارة، طبع على نفقة علي بن عبد الله آل ثاني حاكم قطر. الأزمنة وتلبية الجاهلية لأبي علي محمد بن المستنير المعروف بقطرب المتوفي بعد (206 هـ) تحقيق مؤسسة الرسالة بيروت، ط. ثانية 1405 هـ - 1985 م. إصلاح غلط المحدثين، للخطابي (ت 388 هـ) ، تحقيق د/ حاتم الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. ثانية 1405 هـ / 1985 م. إعراب القراءات الشواذ، لأبي البقاء العكبري (ت 616 هـ) ، دراسة وتحقيق محمد السيد أحمد عزوز، عالم الكتب، بيروت - لبنان، ط. أولى 1417هـ/ 1996 م. إعراب القرآن، لأبي جعفر النحاس (ت 338 هـ) ، تحقيق د/ زهير غازي زاهد، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، ط. ثانية 1405 هـ / 1985م. الأمالي، لأبي علي القالي (ت 356 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء العكبري (ت 616 هـ) ، تحقيق علي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه. تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، لابن مالك (ت 672 هـ) ، حققه وقدم له محمد كامل بركات، مطبوعات وزارة الثقافة، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر 1387 هـ / 1967 م. تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة (ت 276 هـ) ، تحقيق أحمد صقر، دار إحياء الكتب بالقاهرة 1958 م. تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (282 - 370 هـ) ، تحقيق عبد السلام هارون وآخرين، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1384 هـ / 1964 م. الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (ت 671 هـ) ط. أولى 1367 هـ، القاهرة. جمهرة اللغة، لابن دريد (ت 321 هـ) ، صورة عن طبعة الهند سنة 1345 هـ. الحماسة، لأبي تمام حبيب بن أوس الطائي (ت 231 هـ) ، تحقيق د/ عبد الله بن عبد الرحيم عسيلان، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1401 هـ / 1981م. الحيوان، لأبي عثمان الجاحظ (150 - 255 هـ) ، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، المجمع العلمي العربي الإسلامي، دار إحياء التراث العربي. خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي (1030 - 1093 هـ) ، دار صادر، بيروت. ديوان أبي نواس (الحسن بن هاني ت 195 هـ) ، شرح علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط. أولى 1407 هـ / 1987 م. ديوان الأدب لأبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي (ت 350 هـ) تحقيق د/ أحمد مختار عمر ومراجعة د/ إبراهيم أنيس، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 1395 هـ - 1975 م. ديوان الأعشى الكبير، قدم له د/ حنا نصر، دار الكتاب العربي، ط. أولى 1412هـ/ 1992م. ديوان امرئ القيس، حققه حنا الفاخوري، دار الجيل، بيروت، ط. أولى 1409هـ/ 1989م. ديوان أوس بن حجر، تحقيق د/ محمد يوسف نجم، دار صادر - بيروت 1380 هـ. ديوان الراعي النميري، جمعه وحققه راينهرت، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت 1401 هـ / 1980 م. ديوان شعر ذي الرمة (غيلان بن عقبة العدوي (77 - 117 هـ) ، عُنِيَ بتصحيحه وتنقيحه كاريل هنري، عالم الكتب، صورة. ديوان الصمة بن عبد الله القشيري (ت 95 هـ) ، جمع وتحقيق د/ عبد العزيز الفيصل، نشر في العدد الحادي عشر من مجلة كلية اللغة العربية - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ديوان طرفة بن العبد، حققه فوزي عطوي ونشرته الشركة اللبنانية للكتاب، بيروت - لبنان، ط. أولى 1969 م. ديوان العجاج برواية الأصمعي وشرحه، عُني به د/ عزة حسن، مكتبة دار الشرق، بيروت. ديوان كُثَيِّر عزة، قدم له وشرحه مجيد طراد، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، ط. أولى 1413 هـ / 1993 م. ديوان كعب بن مالك الأنصاري، دراسة وتحقيق سامي مكي العاني، مكتبة النهضة - بغداد، ط. أولى 1386 هـ / 1966 م. سر صناعة الإعراب، لأبي الفتح عثمان بن جني (ت 392 هـ) ، تحقيق د/ حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، ط. ثانية 1413 هـ / 1993 م. شرح أشعار الهذليين، للسكري (ت 275 أو 290 هـ) ، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، مراجعة محمود شاكر، مكتبة دار العروبة، القاهرة. شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري، تحقيق د/ إحسان عباس، الكويت 1962 م. شرح الشاطبي على الألفية، مخطوط وهو الآن تحت الطبع بعد تحقيقه من لجنة من الأساتذة الأجلاء في جامعة أم القرى. شرح شافية ابن الحاجب، للرضي النحوي (686 هـ) ، تحقيق محمد نور الحسن وزميليه، دار الكتب العلمية 1402 هـ / 1982 م، بيروت - لبنان. شرح الكافية الشافية، لابن مالك (ت 672 هـ) ، تحقيق د/ عبد المنعم هريدي، مطبوعات جامعة أم القرى، ط. أولى 1402 هـ / 1982 م. شعر الأخطل رواية اليزيدي عن السكري عن ابن الأعرابي، مطابع أوفست علي بن علي، الدوحة - قطر 1381 هـ / 1962 م. شعر عمرو بن أحمد الباهلي، جمع وتحقيق د/ حسين عطوان، دمشق 1394 هـ. شعر النجاشي الحارثي، جمعه د/ سليم النعيمي، مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد 13، بغداد 1966 م. شعر النمر بن تولب، صنعة د/ نوري حمودي القيسي، مطبعة المعارف - بغداد. الشعر والشعراء (أو طبقات الشعراء لابن قتيبة (276 هـ) ، تحقيق د/ مفيد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت ط. أولى 1401 هـ / 1981 م. الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) ، للإسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393 هـ) ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار الكتاب العربي بمصر. العين، للخليل بن أحمد (ت 100 - 175 هـ) ، تحقيق د/ مهدي المخزومي ود/ إبراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة ط. الثانية في إيران 1409 هـ. غريب القرآن (نزهة القلوب في غريب القرآن الكريم) ، لمحمد بن عزيز السجستاني (ت 330 هـ) . القاموس المحيط للفيروزآبادي (739 - 817 هـ) ، دار الجيل، بيروت. كتاب سيبويه أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (ت 180 هـ) على الأرجح، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، عالم الكتب، ط. ثالثة 1403 هـ / 1983 م. لسان العرب، لابن منظور، دار الفكر - صورة. لهجة بني كلاب د/ موسى مصطفى العبيدان، دار البلاد للطباعة والنشر، جدة، ط. أولى 1418 هـ / 1997 م. ما ينصرف ومالا ينصرف، لأبي إسحاق الزجاج (230 - 331 هـ) ، تحقيق د/ هدى محمود قراعة، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط. ثانية 1414 هـ / 1994 م. محاضر جلسات مجمع اللغة العربية بالقاهرة في الدورة الثامنة والثلاثين 1392 هـ / 1972 م. المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي (ت 245 هـ) برواية السكري عنه اعتنت بتصحيحه د/ إيلزه ليحتن، طبع في مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية سنة 1361 هـ / 1942م. المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، تأليف أبي الفتح عثمان بن جني تحقيق علي النجدي ناصف ود/ عبد الفتاح شلبي، الجمهورية العربية المتحدة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. المحكم والمحيط الأعظم، لعلي بن إسماعيل بن سيده (ت 458 هـ) ، معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، ط. أولى 1388 هـ / 1968 م. المخصص، لابن سيده (ت 458 هـ) ، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، دار الباز - مكة المكرمة - صورة. المذكر والمؤنث لأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري (ت 328 هـ) تحقيق د/ طارق الجنابي، دار الرائد العربي، بيروت - لبنان، ط. ثانية 1406 هـ / 1986 م. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، لأحمد بن محمد الفيومي تحقيق د/ عبد العظيم الشناوي (ت 770 هـ) ، المكتبة العلمية، بيروت - لبنان. المسند للإمام أحمد بن حنبل (241) المكتب الإسلامي - بيروت، صورة. معاني القرآن الكريم للإمام أبي جعفر النحاس (ت 338 هـ) ، تحقيق الشيخ محمد علي الصابوني، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط. أولى 1409 هـ / 1988 م. معجم البلدان، لياقوت الحموي (ت 626 هـ) ، دار صادر - بيروت. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي (ت 487 هـ) حققه وضبطه مصطفى السقا، ط. أولى 1364 هـ / 1945 م، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام الأنصاري (ت 761 هـ) ، تحقيق د/ مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، دار الفكر، بيروت، ط. خامسة. المقتضب، لأبي العباس المبرد (210 هـ - 285 هـ) ، تحقيق الشيخ محمد عبد الخالق عضيمه، مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة 1399 هـ. المقصور والممدود لأبي علي القالي إسماعيل بن القاسم (280 هـ - 356 هـ) تحقيق ودراسة د/ أحمد عبد المجيد هريدي، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط. أولى 1419 هـ / 1999 م. المنتخب من غريب كلام العرب، لكراع النمل (ت 310 هـ) ، تحقيق د/ محمد العمري، مطبوعات جامعة أم القرى، ط. أولى 1409 هـ / 1989 م. المنصف، لأبي الفتح عثمان بن جني (ت 392 هـ) ، تحقيق إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط. أولى 1373هـ/ 1954م. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (544 - 606 هـ) ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود الطناجي المكتبة العلمية - بيروت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 فكما تُوُسِّعَ في قلب الياء واواً بدون مقتضٍ لذلك في (حيوة) وتصحيح الواو والياء مع أن القياسَ الإعلال بالنقل والقلب في (حيوة ومزيد) وعدم الإدغام في (محبب) كذلك تُوُسع في (حُزْوَى) لأن الأعلام كثيراً ما تأتي مخالفة للأصول. • • • نتائج البحث: بعد العرض المتقدم لصيغة (فُعْلَى) وأحكامها انتهى البحث إلى النتائج التالية: صيغة (فُعْلَى) من الصيغ المختصة بالأسماء، واستعملتها العرب على وجوهٍ شَتَّى، فاستعملتها اسْمَ ذاتٍ، واسْمَ مَعْنىً، وصفةً، وجاءت ألفاظٌ قال بعض العلماء: إن المراد بها الجمع مثل ضُوقَى، وكُوسى، وبُهْمى، وإذا وجد شيء من ذلك فآنئذٍ تكون اسم جَمْعٍ. الوجه في استعمال (فُعْلَى) تأنيث (أَفْعَل) أن تكون ب (أل) أو الإضافة. وما جاء في بعض الشعر أو العبارات بغيره أمكن التّجَوُّزُ في قبوله، لأن ذلك مما تقبله أصول اللغة. يعود القياس في جمع صيغة (فُعْلَى) إلى نوع الكلمة التي جاءت على هذه البنية، فإن كانت تأنيث (أَفْعَل) فلجمعها صيغ خاصة، وإن كانت غير ذلك فلها كذلك أحوال وصيغ. - أحكام (فُعْلَى) في الإعلال تخضع لنوعها من حيث الاسمية والوصفية؛ لأن لكل منهما أثره من حيث الإعلال وعدمه. - ذكر العلماء في جملة أحكام (فُعْلَى) من حيث الإعلال أن (فُعْلَى) إذا كانت من ذوات الواو صِفَةً فإنها تبقى على أصلها، ولا تقلب واوها ياءً، كما يكون إذا كانت اسماً، ولم يذكروا أمثلة لذلك، وإنما حملهم على ذلك القياس؛ لأن الشيء يُحْمَل على أصله حتى يتبين أنه خارج عنه. وقد نظرت فيما جمعت من ألفاظ فلم أجد فيها شيئاً يمكن أن يُمَثَّل به على ذلك. وبالله التوفيق. الهوامش والتعليقات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 التداخل في اللغات دراسة لغوية قرآنية د. منيرة بنت سليمان العلولا أستاد النحو والصرف المساعد في قسم اللغة العربية - كلية التربية للبنات بالرياض ملخص البحث يبحث موضوع الدراسة في حقيقة التداخل في اللغات العربية القديمة، وهو موضوع نحوي، صرفي، لغوي، يعني أن يأخذ متكلم بلغة ما من لغة غيره فينطق باللغتين معاً وله صور منها: التداخل في كلمتين بحيث يؤخذ الماضي من لغة والمضارع من لغة أخرى نحو: رَكَنَ يَرْكَن. وفي ذلك لغتان هما: ركَن يَرْكُن كنَصرَ ينصرُ وركِن يركَن كعَلِم يَعْلَم فتداخلت اللغتان فتركب لغة ثالثة هي: ركَن يَرْكَن بالفتح فيهما. ومن صوره التداخل في كلمة واحدة نحو: “ الحٍبُك ” بكسر فضم. وفيها لغتان فصيحتان هما: الحُبُك: بضمتين، وبها قراءة الجمهور، والحِبِك بكسرتين. تداخلت اللغتان فتركبت لغة ثالثة قرأ بها بعض القراء هي (الحِبَك) بكسر فضم. وقد اختلف العلماء في حكم التداخل: فمنهم من أجازه بلا قيد أو شرط، ومنهم من قيَّده فاشترط عدم استعمال لفظ مهمل البناء. ومنهم من منعه، حمل ما جاء منه على الشذوذ، والرأي الأخير ضعيف لوجود الظاهرة في القرآن الكريم في بعض القراءات، وفي كلام العرب شعره ونثره. • • • مقدمة: إنّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فهو المهتدي ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُه، أمّا بعد. فممّا لا شكَّ فيه ترابطُ علومِ اللغةِ العربيةِ، ودورانُها في محيطٍ واحدٍ، وانبثاقُها من مصدرٍ فَرْدٍ أصيلٍ، وافتقارُ كلِّ فَرْعٍ منها إلى الآخرِ، فقلّما تجدُ موضوعاً نحوياً إلاّ واللغةُ في آخرِه، أو لغوياً إلا ومسائلُ التصريفِ في ثناياه، تَعْضُدُه وتُقِيمُ أمرَه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 ولمّا كانَ الأمرُ كذلكَ عَمِدتُ في هذا البحثِ الوجيزِ إلى تقديمِ موضوعٍ صرفيٍّ نحويٍّ لُغويٍّ ذي سَبَبٍ وثيقٍ بعلومِ العربيةِ، وهو الحديثُ عن تداخلِ اللغاتِ. وصلتي بهذا الموضوعِ لم تكن نِتَاجَ قلمِ الساعةِ، بلِ الكتابةُ عن تركُّبِ اللغاتِ كانت قريني عندَ إعدادِ محاضراتي (في النّحوِ والتصريفِ) لطالباتي في المرحلتين؛ الجامعيةِ والدراساتِ العليا، عندَ الحديثِ عن أبنية الأفعالِ والأسماءِ، وبابِ اسمِ الفاعلِ، والهمزِ، أو المباحثِ اللغويةِ التي كنتُ أُعَرِّجُ باحثةً عنها في كتبِ اللغةِ كفعلت وأفعلت، والمقصورِ والمدودِ، أو كتبِ القراءاتِ عندَ تخريجِ قراءةٍ صحيحةٍ أو شاذةٍ ... إلخ، وما استتبعَ ذلكَ من وجودِ ومضاتٍ بارقةٍ تُشِيرُ إلى موضوعِ تركُّبِ اللغاتِ هذا، وكنتُ أُحدِّثُ نفسي منذُ سنواتٍ بجمعِ متفرقاتِه ولَمِّ شَتَاتِه - رغمَ قلّةِ مادّتِه وتباعدِ معلوماتِه -، ولكنّي هِبْتُ الإقدامَ على هذا العملِ خَشْيَةَ أن أخرجَ منه مُجْهَدَةَ النَّفْسِ، مُنْهَكَةَ القوى، غيرَ ظافرةٍ بذي بالٍ، وبخاصةٍ معَ عدمِ التعرُّضِ لمثلِه في كتبِ الأقدمينَ أو المحدثينَ، باستثناءِ بابٍ مقتضبٍ أفردَه ابنُ جنِّيٍّ في كتابِه الخصائصِ بعنوان “ بابٌ في تركُّبِ اللغاتِ ” (1) ، كرَّرهُ السِّيوطيُّ في المزهرِ بعنوانِ “ معرفةُ تداخلِ اللغاتِ ” (2) ، والاقتراحِ بعنوانِ “ في تداخلِ اللغاتِ ” (3) والقِنُّوجِيُّ في البلغةِ بعنوانِ “ معرفةُ تداخلِ اللغاتِ ” (4) ، ثم جمعَ الشيخُ د. محمد عبدُ الخالقِ عضيمة - رحمه اللهُ - ممّا يخصُّ الأفعالَ في كتابِه المغني في تصريفِ الأفعالِ بعنوانِ “ تداخلُ اللغاتِ ” (5) .   (1) 1 / 374 - 385. (2) 1 / 262 - 265. (3) 177 - 180. (4) 172 - 173. (5) 160 - 161. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 وقد ظللتُ أجمعُ مادةَ هذا البابِ سنواتٍ طوالاً، أخذَتْ من وقتي وجهدي ما اللهُ بهِ عليمٌ؛ حتّى خرجْتُ بهذِه الوريقاتِ التي آملُ أن يجدَ فيها الباحثُ بغيتَه، والطالبُ حاجتَه. وقد جعلتُ هذا البحثَ قسمين؛ أفردت الأوّلَ منهما للحديثِ عنِ التداخلِ في كلمتينِ، والثاني عن التداخلِ في كلمةٍ واحدةٍ، يتقدمه مدخل أَبَنْتُ فيه عن معنى التداخلِ، وحالِ المتلقي للغاتِ، وحكمِه ثم صوره التي هي صلبُ هذا البحثِ وقوامُه؛ أدرجْتُ فيها ما وقعَ تحتَ يدي من أمثلةٍ نصّ العلماءُ أو بعضُهم فيها على التداخلِ ذاكرةً رأيَ من خالفَ ذلك أو ادّعى شذوذَه - إن وُجِدَ - مُتْبِعَةً كلَّ مثالٍ منها بشواهدِه القرآنيةِ وقراءاتِه وتوجيهِها جاعلةً من هذا البحثِ دراسةً لغوية قرآنيةً. وبعدُ، فهذا جُهْدُ مُقلٍّ، ونَفَسُ مُقَصِّر، لا يدّعي الكمالَ ولا الإتمامَ، بل يعترفُ بالنّقصِ ويؤمنُ بالتقصيرِ، ولو أَتْبَعْتُ نفسيَ هَواها، وتَبِعَتْ حرصَها في المراجعةِ والتدقيقِ والتمحيصِ وتتبُّعِ المعاجمِ مادّةً مادّةً وحرفاً حرفاً لما ظهرَ هذا البحثُ لأنه كما قالَ ابنُ منظورٍ: بابٌ واسعٌ جداً (1) . واللهَ أسألْ أن ينفعَ بهذهِ الكلماتِ، ويأجرَني عليها، ويجعلَني ممَن أخلصَ النيّةَ، فتُقبِّلَ بقَبولٍ حسنٍ في الدنيا والآخرةِ، وآخرُ دعوانا أن الحمد للهِ ربِّ العالمينَ. وصلى اللهُ وسلّمَ على نبيّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ. التداخل في اللغات معنى التداخل في اللغات: التداخلُ لغةً: هو تشابهُ الأمورِ والتباسُها ودخولُ بعضِها في بعضٍ (2) .   (1) انظر: لسان العرب (دوم) 12 / 213. (2) انظر: اللسان 11 / 243 (د خ ل) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 وفي اصطلاحِ النّحاةِ هو أن ((تلاقى أصحابُ اللغتينِ، فسَمِعَ هذا لغةَ هذا، وهذا لغةَ هذا، فأخذَ كلُّ واحدٍ منهما من صاحبِه ما ضمّه إلى لغتِه، فتركبت لغةٌ ثالثةٌ)) (1) . ولعلَّ الجامعَ بينَ التفسيرين اللغويِّ والاصطلاحيِّ بَيِّنٌ، فالآخذُ قد تشابهَتْ عليه اللغتانِ والتبستا حتى جمعَ بينهما في كلامِه، فأخذَ شيئاً من هذهِ وآخرَ من تلكَ. بيانُ حالِ المُدَاخِل بينَ اللغتين: وإذا كانَ معنى التداخلِ هو إفادَةَ نَاطِقٍ بلغةٍ ما من لغةٍ أخرى، فحريٌّ بنا أن نَعْرِضَ لحالِ المتلقّي أو الآخذِ، ف ((العربُ تختلفُ أحوالُها في تلقي الواحدِ منهم لغةَ غيرِه؛ فمنهم من يخِفُّ ويُسرِعُ قَبُولَ ما يسمعُه، ومنهم من يستعصِمُ فيقيمُ على لغتِه البتّةَ، ومنهم من إذا طالَ تكرُّرُ لغةِ غيرِه عليه لَصِقَتْ بهِ، ووُجِدَت في كلامِه)) (2) . فمن هذا النّصِّ يتبينُ أن للمنتحي لغةَ غيرِه ثلاثةَ أحوالٍ، ومن أمثلةِ الصّنفِ المستمسكِ بلغتِه ((قولُ رسولِ اللهِ (وقد قيلَ: يا نبيءَ اللهِ، فقالَ: لستُ بنبيءِ اللهِ ولكنّني نبيُّ اللهِ. وذلكَ أنّه عليه الصلاةُ والسلام أنكرَ الهمزَ في اسمِه فردَّه على قائله)) (3) . ولعلَّ من أمثلةِ القبيلِ المستفيدِ من غيرِه قولَ الفرزدقِ: فأَصْبحُوا قدْ أعادَ اللهُ نِعْمَتَهُم إذْ هُمْ قُرَيشُ وإذْ ما مِثْلَهُم بَشَرُ (4)   (1) الخصائص 1 / 367، وانظر كذلك: الخصائص 1 / 373، 381، نزهة الطرف للميداني 100 - 101، شرح أدب الكتاب للجواليقي 238، أمالي ابن الشجري 1 / 209، شرح المفصّل 3 / 154، المزهر 1 / 263. (2) الخصائص 1 / 383. (3) الخصائص 1 / 383، وفيه أمثلة أخرى. (4) انظر ديوانه 2 / 223، الكاتب 1 / 60. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 ف“ ما ” هنا حِجَازِيَّةٌ مُعْمَلةٌ، وقد أتت في لغةِ تميميٍّ، وإن كانَ قد ارتكبَ محظوراً معَ إعمالِها، وهو تقديمُ خبرِها عليها، ولعلَّ هذا يندرجُ في التداخلِ النّحويِّ، وهو إعمالُ “ ما ” على لغةِ الحجازِ، وتقديمُ الخبرِ إلماحاً إلى لغةِ بني تميمٍ. حكم التداخل: فيه للعلماءِ قولانِ: * إجازتُه مطلقاً، ولعلَّ ابنَ جنّيٍّ أوّلُ من أفردَ له باباً في كتابه الخصائص (1) ، وأوّلُ من أجازَه بلا قيدٍ أو شرطٍ. * اشتراطُ عدمِ استعمالِ لفظٍ مُهْمَلٍ ك“ الحِبُك ” (2) . وسيأتي الحديثُ عن ذلك في التّداخلِ في كلمةٍ واحدةٍ. * ومنهم من حملَ كل ما جاءَ في التداخلِ على الشذوذِ، ولهذا قالَ ابنُ جنّيٌّ صدرَ بابِ تركّبِ اللغاتِ: ((اعلم أنّ هذا موضعٌ قد دعا أقواماً ضَعُفَ نظرُهم، وخفّتْ إلى تلقّي ظاهرِ هذهِ اللغةِ أفهامُهم؛ أن جمعوا أشياءَ على وجهِ الشذوذِ عندَهم وادَّعوا أنها موضوعةٌ في أصلِ اللغةِ على ما سمِعواه بأَخَرةٍ من أصحابِها، وأُنْسُوا ما كانَ ينبغي أن يذكروه، وأضاعوا ما كانَ واجباً أن يحفظوه)) (3) . صوره: للتداخلِ صورٌ متعدّدةٌ، نَعْرِضُ في هذا البحثِ الوجيزِ إلى بعضِها، ومنها: التداخلُ في كلمتينِ: * بينَ الماضي والمضارعِ، وله فروعٌ. * بينَ الفعلِ واسمِ الفاعلِ. - التداخلُ في كلمةٍ واحدةٍ: * استعمالُ (فِعُل) . * التسهيلُ والتحقيقُ. - الجمعُ بينَ اللغتينِ: * فَعَلَ وأَفْعَلَ. * الإشباعُ والتسكينُ. المدُّ والقَصْرُ. من صور التداخل بين كلمتين - أبوابُ الأفعال الماضية والمضارعة، ومنه: - فعَل يفعَل. - فعِل يفعُل. - فعِل يفعِل. - فعُل يفعَل. - فعَل يفعِل.   (1) انظر: 1 / 374 - 385. (2) انظر: الاقتراح 179 - 180. (3) الخصائص 1 / 374. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 وقبل أن نَعرِضَ لأمثلةِ هذا النوعِ جديرٌ بنا أن نقدِّمَ القواعدَ القياسيةَ في أبنيةِ الأفعالِ الثلاثيّةِ وصياغةِ المضارعِ منها حتى نتوصّلَ من خلالِها إلى مواضعِ التداخلِ. فالماضي من الثلاثيِّ على ثلاثةِ أبنيةٍ: فَعَلَ بفتحِ عينِه، وفَعِلَ بالكسرِ، وفَعُلَ بالضمِّ، ويأتي مضارعُ فَعَلَ على يَفْعِلُ ويَفْعُلُ في الصّحيحِ على حدِّ سواءٍ، واللازمُ منَ المضاعفِ على الأوّلِ منهما، والمتعدي على الثاني، والواويُّ من المعتَلِّ على يَفْعُلُ، واليائيُّ على يَفْعِلُ، ويأتي مضارعُ فَعِلَ على يَفْعَلُ فحسب، ويلزمُ مضارعُ فَعُلَ الضمِّ أيضاً (1) . - فَعَل يفعَل: (من الصحيح) : رَكَنَ يَرْكَنُ: الركونُ إلى الأمرِ الميلُ إليهِ والسكونُ والاطمئنانُ، والرُكْنُ: الجانبُ الأقوى من كلِّ شيءٍ (2)   (1) انظر: الكتاب 4 / 38 - 40، 4 / 5، المقتضب 1 / 71، التكملة 508، الأفعال لابن القطاع 1 / 10 - 11، شرح الملوكي 38 - 61، نزهة الطرف لابن هشام 99 - 103، شرح التصريف العزّي 31 - 34، شرح الشافية للجاربردي 53 - 57، لنقرة كار 33 - 36، المناهج الكافية 33 - 36. (2) انظر: العين (ركن) 5 / 354، إصلاح المنطق 211، تهذيب اللغة (ركن) 10 / 189، الصحاح (ركن) 5 / 2126، المحكم (ر ك ن) 6 / 499، المشوف المعلم (ر ك ن) 1 / 309، التاج (ركن) 18 / 242. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 ، وفيه لغتانِ (1) : - رَكَنَ يَرْكُنُ كنصَر وخرَج، وعنِ الفرّاءِ أنّها لغةُ قيسٍ وتميمٍ (2) ، وزادَ الكسائيُّ: وأهلُ نجدٍ (3) . وقيلَ: وهي اللغةُ المشهورة (4) . وقالَ الأزهريُّ: ليست بفصيحةٍ (5) . وفي العينِ ((لغةُ سُفْلَى مُضَرٍ)) (6) .   (1) انظر: معاني الأخفش 2 / 585، إصلاح المنطق 211، 218، أدب الكاتب 483، معاني الزجاج 3 / 254، إعراب النحاس 2 / 306، 436 تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15/605، المحتسب 1 / 329، الصحاح (ركن) 5 / 2126، المحكم (ر ك ن) 6 / 499، المفتاح 37، مفردات الراغب 208 نزهة الطرف للميداني 100 - 101، الرازي 18 / 72، اللسان (ركن) 13 / 185، (أبى) 14 / 4، الدر 6 / 418، شرح التصريف العزي 33 بصائر ذوي التمييز 3 / 98، شرح الشافية للجاربردي 54، شرح الشافية لنقره كار 34، التاج (ركن) 18 / 242، تدريج الأماني 21. (2) انظر: إعراب النحاس 2 / 306، القرطبي 9 / 108، البحر 6 / 220، الدر 6 / 418. (3) انظر: البحر 6 / 220، الدر 6 / 418. (4) انظر: تهذيب اللغة (ركن) 10 / 189، الرازي 18 / 72، اللسان (ركن) 13 / 185. (5) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 125، لنقرة كار 34. (6) العين (ركن) 5 / 354، ولا إخال الضبط (رَكن يَركَن) إلا خلطاً من الضابط، وسيأتي النقل عن ابن الشجري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 - رَكِنَ يَرْكَنُ كعلِم وركِب، حكاه أبو زيدٍ (1) ، وهي اللغةُ الفصحى (2) والعاليةُ (3) ، وقيلَ: هي لغةُ قريشٍ (4) وخصّها أبو عمروٍ بأهلِ الحجازِ (5) ، وعنِ الخليلِ أنَّها لغةُ سفلى مُضرٍ (6) . قالَ ابنُ النّحاسِ ((ورَكِنَ يَرْكَنُ أفصحُ)) (7) . وروى أبو عمرو الشيبانيُّ لغةً ثالثةً هي: - رَكَنَ يَرْكَنُ (8) ، فُتِحَتْ عينُ الفعلِ ماضياً ومضارعاً، وليسَ لامُه ولا عينُه حرفَ حلقٍ. وفي المحيطِ: هي لغةُ سفلى مُضرٍ (9) . ولم يذكرْها سيبويهِ (10) ، وخالفَه أهلُ العربيةِ؛ الفرّاءُ، وغيرُه، فلم يذكروا إلاّ اللغتينِ الأُولَيينِ (11) .   (1) انظر: الصحاح (ركن) 5 / 2126، شرح الشافية للرضي 1 / 125، لنقرة 34، التاج (ركن) 18 / 242. (2) انظر: البحر 6 / 220، الدر 6 / 418. (3) انظر: الدر 6 / 418. (4) انظر: البحر 6 / 220، الدر 6 / 418. (5) انظر: إعراب النحاس 2 / 306، القرطبي 9 / 108. (6) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 210، وأظن هذا هو الصواب فيما نسب لسفلى مضر؛ إذ صوّره الشجري بركِبت أركب، ولا مجال للأخذ بخلاف ذلك هاهنا، وقد تقدم القول فيما ورد في العين. (7) إعرابه 2 / 436. (8) انظر: إصلاح المنطق 217، أدب الكاتب 483، ديوان الأدب 2 / 138، تهذيب اللغة (ركن) 10 / 189، الصحاح (ركن) 5/ 2126، نزهو الطرف للميداني 100 - 101، المشوف المعلم (ر ك ن) 1 / 309، شرح الشافية للرضي 1 / 125، لنقرة 34، اللسان (ركن) 13 / 185، التاج (ركن) 18 / 242، وليست هذه في الجيم. (9) انظر: (ركن) 6 / 248، وقد تقدم القول بخلافه، والخلل بالضبط فحسب، ويردّه أيضاً أنّ هذه ليست لغة أصيلة لقبيلة، بل هي مركبة. (10) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 125. (11) انظر: إصلاح المنطق 217 - 218، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 605، اللسان (أبى) 14 / 4. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 ووجهُها - على القولِ بثبوتِها - على تركُّبِ اللغتينِ، فجُمِعَ بينَ ماضي اللغةِ الأولى ومضارعِ الثانيةِ، فأصبحت رَكَنَ يَرْكَنُ بفتحِ عينهما (1) . وحملَه قومٌ على الشذوذِ (2) ، وآخرونَ على النّدرةِ (3) ، وعدّها ابنُ القطّاعِ في المختلَفِ فيها (4) . وحكى ابنُ الشجريِّ لغةٌ أخرى مركّبةً منَ اللغتينِ أيضاً وهي: - رَكِنَ يَرْكُنُ كفضلِ يفضلُ (5) . قالَ: وهما لُغَيَّتَانِ نادرتانِ، وهذه الثانيةُ أدغلُ في الشذوذِ (6) . ولم يُثبِتْ سيبويهِ هذا الحرفَ فيما جاءَ على فَعَلَ يَفْعَلُ ممّا خلا من حرفِ الحلقِ عينُه أو لامُه (7) ، وكذلكَ الفرّاءُ (8) وأثبتَها أبو عمرٍو الشيبانيِّ (9) .   (1) انظر: العين (ركن) 5 / 354، الخصائص 1 / 375، المحتسب 1 / 329، الصحاح (ركن) 5 / 2126، المفتاح 37، نزهة الطرف للميداني 100 - 101، شرح أدب الكاتب للجواليقي 238، التبيان 2 / 717، 829، شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41، شرح الشافية للرضي 1 / 125، للجاربردي 54، لنقرة 34، التاج (ركن) 18 / 242، تدريج الأواني 21. (2) انظر: المخصص 15 / 58، التبيان 2 / 717، الممتع 1 / 178، البحر 6 / 220 - 221، الدر 6 / 418، الهمع 6 / 23. (3) انظر: المحكم (ر ك ن) 6 / 499، اللسان (ركن) 13 / 185. (4) انظر: الأفعال 1 / 11. (5) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 210، الفريد 2 / 674، الدر 6 / 418. (6) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 210. (7) انظر: الكتاب 4 / 105 - 106. (8) انظر: ديوان الأدب 2 / 138، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126. (9) انظر: أدب الكاتب 482 - 483، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 قالَ ابنُ قتيبةَ: ((وزادَ أبو عمرٍو: رَكَنَ يَرْكَنُ، والنحويونَ منَ البصريينَ والبغداديينِ يقولونَ: رَكِنَ يَرْكَنُ ورَكَنَ يَرْكُنُ)) (1) . وعدَّهَا ابنُ القطّاعِ في أربعةَ عشرَ حرفاً مختلَفٍ فيها (2) . دراسةٌ قُرْآنِيّةٌ: لم يُستَعمَلْ في القرآن فعلُه الماضي، ووردَ المستقبلُ في آيتين: غير مسند في واحدةٍ هي: 1 - {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِليهم شَيئاً قَلِيلاً} 74 / الإسراء. ومُسنَداً إلى واوِ الجماعةِ مجزوماً في واحدةٍ أيضاً هيَ: 1 - {وَلاَ تَركَنُوا إِلى الَّذِينَ ظَلَمُوا} 113 / هود. القِرَاءَاتُ الوَارِدَةُ: فيهما قراءتانِ: - قراءةُ الجمهورِ بفتحِ الكافِ. - قراءةُ قَتَادَةَ وطلحةُ بنِ مصرِّفٍ والأشهبِ بنِ رميلةَ العقيليّ وروايةُ هارونَ عن أبي عمرٍو وعبدِ الله بنِ أبي إسحاقَ بضمِّ الكافِ (3) . توجيه القراءات: الفتحُ في قراءةِ العامّةِ على أنّه من رَكِنَ - بالكسر - على لغةِ أهلِ الحجازِ (4) . - وقيلَ: ماضيه رَكَنَ - بالفتحِ - جاءَ على فَعَلَ يَفْعَلُ شذوذاً (5) . - وقيلَ: اللغتانِ متداخلتانِ، وذلكَ أنّه سَمِعَ مَنْ لُغَتُه الفتحُ في الماضي فتحَها في المستقبلِ على لغةِ غيرِه فنطقَ بها على ذلكَ (6) .   (1) أدب الكاتب 482 - 483. (2) انظر: الأفعال 1 / 11. (3) انظر: إعراب النحاس 2 / 306، تهذيب اللغة (ركن) 10 / 189، مختصر في الشواذ 61، المحتسب 1 / 329، الرازي 18 / 72 المحرر 9 / 233، 10 / 329، القرطبي 9/ 108، التبيان 2 / 717، 829، الفريد 2 / 674، 293، البحر 6 / 220 - 221، 7 / 90 الدر 6 / 418 - 419، 7 / 393، التاج (ركن) 18 / 242. (4) انظر: الرازي 18 / 72، التبيان 2 / 717، 829، البحر 6 / 220، الدر 6 / 418، 7 / 393. (5) انظر: التبيان 2 / 717. (6) انظر: التبيان 2 / 717، 829، الدر 7 / 393. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 أمّا من ضمَّ الكافَ في يَرْكُنُ فماضيه رَكَنَ كقتَل، على فَعَلَ يَفْعُلُ (1) . وقالَ بعضُهم: ماضيه رَكِنَ - بالكسرِ -، وهو منَ التداخلِ (2) . قال السمينُ: ((وأمَّا في هذهِ اللغةِ فلا ضرورةَ بنا إلى ادِّعاءِ التداخلِ، بل ندّعي أنّ من فتحَ الكافَ أَخَذَه من رَكِنَ - بالكسرِ - ومن ضمَّها أخذَه من رَكَنَ - بالفتحِ -)) (3) . وقالَ في موضعٍ آخرَ: ((تَرْكُنُ - بالضمِّ - مضارعُ رَكَنَ - بالفتحِ -، وهذا منَ التداخلِ)) (4) . قلتُ: وليسَ كذلكَ، بل هو على لغةِ رَكَنَ يَرْكُنُ كقتَل. قَنَط يَقْنَطُ: قَنِط يَقْنِطُ: القنوطُ: الإيَاسُ من الخيرِ، وقيلَ: أشدُّ اليأسِ من الشيءِ (5) . وفيه لغات: - قَنِطَ يَقْنَطُ كعلِم وتعِب (6) . - قَنَطَ يَقْنِطُ كضرَب وجلَس (7) .   (1) انظر: معاني الأخفش 2 / 585، معاني الزجاج 3 / 254، إعراب النحاس 2 / 306، 436، التبيان 2 / 717، البحر 6 / 220، 7 / 90 الدر 6 / 418، 7 / 393. (2) انظر: الدر 6 / 418. (3) الدر 6 / 418. (4) الدر 7 / 393. (5) انظر: تهذيب اللغة (قنط) المستدرك / 279، المحيط (قنط) 5 / 329، الصحاح (قنط) 3 / 1155، المحكم (ق ن ط) 6 / 174، التاج (قنط) 10 / 392. (6) انظر: معلي الأخفش 2 / 604، إعراب النحاس 2 / 384، تهذيب اللغة (قنط) المستدرك / 280، المحيط 5 / 329، الخصائص 1 / 380 المحتسب 2 / 5، أمالي ابن الشجري 1 / 210، المحرر 10 / 137، الرازي 19 / 198، التبيان 2 / 285، شرح الشافية للرضي 1 / 125، حاشية ابن جماعة 57. (7) انظر: العين (قنط) 5 / 105، معاني الأخفش 2 / 603 - 604، إعراب النحاس 2 / 384، تهذيب اللغة (قنط) المستدرك / 280، المحيط (قنط) 5 / 329، الخصائص 1 / 380، المحتسب 2 / 5، المحرر 10 / 137، الرازي 19 / 189، التبيان 2 / 285، حاشية ابن جماعة 57، الدر 7 / 167. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 وعن أبي عليٍّ: فتحُ فعلِه في الماضي وكسرُه في المستقبلِ من أعلى اللغاتِ (1) . قالَ الزجّاجُ: ((يقالُ: قَنَطَ يَقْنِطُ، وقَنِطَ يَقْنَطُ، وهما جميعاً جائزتانِ)) (2) . وقالَ الأزهريُّ: هما لغتانِ جيِّدتانِ (3) ، ((وأجودُ اللغتينِ قَنَطَ يَقْنِطُ)) (4) . - قَنَطَ يَقْنُطُ كنصَر وقعَد (5) ، حكاها أبو عبيدةَ (6) وهيَ لغةُ تميمٍ (7) . قالَ السيوطيُّ: هذهِ شاذةٌ (8) ، وقالَ الرضيُّ: الأخيرتانِ مشهورتانِ (9) . وزادَ الفيروزآباديُّ (10) والزبيديُّ (11) فيها لغةً “ ككَرُمَ ” أي: قَنُطَ يَقْنُطُ. ووردت لغاتٌ أخرى: - قَنَطَ يَقْنَطُ (12) ، بالفتحِ فيهما. ووجَّههُ الأخفشُ وغيرُه على تداخلِ اللغتينِ، إذ فُتِحَتْ حركةُ العينِ في الماضي والمضارعِ وليسَ في عينِها أو لامِها حرفُ حلقٍ (13) .   (1) انظر: الرازي 19 / 189. (2) معانيه 3 / 181. (3) انظر: تهذيب اللغة (قنط) المستدرك / 280. (4) القراءات 1 / 298. (5) انظر: العين (قنط) 5 / 105، معاني الأخفش 2 / 604، إعراب النحاس 2 / 384، المحتسب 2 / 5، شرح الشافية للرضي 1 / 125، التاج (قنط) 10 / 392. (6) انظر: الرازي 19 / 198. (7) انظر: المحرر 10 / 137. (8) انظر: الهمع 6 / 33. (9) انظر: شرح الشافية 1 / 125. (10) القاموس 2 / 382. (11) التاج (قنط) 10 / 392. (12) انظر: الخصائص 1 / 375، 380، المحتسب 2 / 5، القرطبي 10 / 36، شرح الشافية للرضي 1 / 125، اللسان (قنط) 7 / 386، بصائر ذوي التمييز 4 / 298، القاموس 2 / 382. (13) انظر: الصحاح (قنط) 3 / 55، الخصائص 1 / 375، 380، القرطبي 10 / 36، شرح الشافية للرضي 1 / 125، اللسان (قنط) 7 / 386 بصائر ذوي التمييز 4 / 298، القاموس 2 / 382. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 وقالَ قومٌ بشذوذِها (1) ، وعدَّها ابنُ القطّاعِ ممّا اختُلِفَ فيه (2) . - قَنِطَ يَقْنِطُ كحسِب يحسِب (3) . وتوجيهُه كذلكَ على تداخلِ اللغتينِ، إذ أُخِذَ الماضي من لغةٍ والمضارعُ من الأخرى (4) . وذكر ابنُ خالويهِ قَنِطَ يَقْنُطُ كفضِل يفضُل (5) ، وهي مثلُها محمولةٌ على تداخل اللغتين، فأُخِذَ مضارعُ الثالثةِ معَ ماضي اللغةِ الثانيةِ فتركبت منها لغةٌ ثالثةٌ. دِرَاسَةٌ قُرْآنِيّةٌ: وفعلُه جاءَ في أربعةِ مواضعَ: بلفظِ الماضي المسندِ إلى واوِ الجماعةِ في واحدةٍ، هي: 1 - {وَهُوَ الَّذي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} 28 / الشورى. وبلفظِ المضارعِ في ثلاثٍ، مجرّداً في واحدةٍ: 1 - {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّه إلاّ الضَّالُّونَ} 56 / الحجر. ومسنداً إلى واوِ الجماعةِ في اثنتينِ، مرفوعاً: 1 - {وَإِنْ تُصِبْهُم سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِم إِذَا هُمْ يَقْنَطُوْنَ} 36 / الروم. ومجزوماً: 1 - {لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} 53 / الزمر. وجاءَ اسمُ الفاعلِ منه في آيةٍ واحدةٍ، هيَ: 1 - {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بالحَقِّ فَلاَ تَكُنْ مِنَ القَانِطِيْنَ} 55 / الحجر. القِرِاءاتُ الوَارِدَة: {لاَ تَقْنطُوا} {وَمَنْ يَقْنطُ} {هُمْ يَقْنطُونَ} في السبعةِ قرأَ أبو عمرٍو والكسائيُّ بكسرِ عينِ المضارعِ في جميعِ القرآنِ، وقرأَها الباقونَ؛ ابنُ كثيرٍ وعاصمٌ وابنُ عامرٍ ونافعٌ وحمزةُ، بالفتح في كلِّ القرآنِ.   (1) انظر: الأفعال 1 / 11. (2) انظر: الممتع 1 / 177، الهمع 6 / 33. (3) انظر: حاشية ابن جماعة 57، اللسان (قنط) 7 / 386، التاج (قنط) 10 / 392. (4) انظر: الصحاح (قنط) 3 / 55، شرح الشافية للرضي 1 / 125، اللسان (قنط) 7 / 386، حاشية ابن جماعة 57، القاموس 2 / 382. (5) انظر: ليس في كلام العرب 95. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 وفي الشّواذِ قُرِئت بالضمِّ، وهيَ قراءةُ زيدِ بنِ علي والأشهبِ العقيليّ والحسنِ والأعمشِ ويحيى بنِ يعمرَ وأبي عمروٍ وعيسى، وأبو حيوة بالكسرِ والضمِّ. {مِنْ بَعْدِ مَا قَنطُوا} اتّفقَ السبعةُ على قراءتِها بالفتحِ فحسب، وقرأَها الأعمشُ بالكسرِ كما قرأَ مضارعَها كذلكَ (1) . {من القانطين} الجمهورُ على إثباتِ الألفِ فيها، وقراءةُ يحيى بنِ وثّابٍ وطلحةَ وأبي رجاء العطارديّ والأعمشِ وابنِ مصرّفٍ، وأبي عمرٍو في روايةِ الجعفيِّ والدوريِّ على إسقاطِ الألفِ ((القَنِطِين)) (2) . تَوْجِيهُ القراءاتِ: نجدُ أنّه اجتمعَ لغتانِ من اللغاتِ الواردةِ في الفعلِ قَنطَ يَقْنطُ في قراءةِ السبعةِ، وهما: - قَنَطَ يَقْنِطُ، في قراءةِ أبي عمرٍو والكسائيِّ. - قَنَطَ يَقْنَطُ، في قراءةِ الباقينَ. ولغتانِ في الشواذِّ: - قَنِطَ يَقْنِطُ، في قراءةِ الأعمشِ. - قَنَطَ يَقْنُطُ، في قراءةِ أبي حيوةَ وغيرِه. قالَ السمينُ: ((والفتحُ في الماضي هو الأكثرُ، ولذلكَ أُجمِعَ عليه)) (3) .   (1) انظر في هذه القراءات: معاني الأخفش 2 / 603 - 604، السبعة 367، إعراب النحاس 2 / 384، إعراب القراءات 1 / 346، 10 / 137 مختصر في الشواذ 71، القراءات 1 / 297 - 298، المحتسب 2 / 4 - 5، المحرر 10 / 137، 12 / 262، 14 / 95، الرازي 19 / 198، التبيان 2 / 785، الفريد 3 / 204، القرطبي 10 / 36، 14 / 34، 15 / 269، البحر 9 / 213، 6 / 486، الدر 7 / 166 - 167. (2) انظر في هذه القراءات: إعراب النحاس 2 / 383 - 384، إعراب القراءات 1 / 346، مختصر في الشواذ 71، المحتسب 2 / 4، المحرر 10 / 137، الفريد 3 / 204، القرطبي 10 / 36، البحر 6 / 486، الدر 7 / 167. (3) الدر 7 / 167. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وقالَ أبو علي: قَنَطَ يَقْنِطُ بفتحِ النّونِ في المضارعِ وكسرِها في المستقبلِ من أعلى اللغاتِ، يدلُّ على ذلكَ اجتماعُهم في قولِهِ ((مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا)) (1) . وقالَ العُكْبَرِيُّ: ((والكسرُ أجودُ لقولِه ((من القانطين)) )) (2) . وقالَ السمينُ: ((ولولا أنَّ القراءةَ سُنّةٌ مُتَّبَعَةٌ لكانَ قياسُ من قرأَ “ يَقْنَطُ ” بالفتحِ أن يقرأَ ماضيَه قَنِطَ بالكسرِ لكنّهم أجمعوا على فتحِه)) (3) . قالَ أبو جعفرٍ: ((أبو عبيدٍ القاسمُ بنُ سَلاَّمٍ يختارُ قراءةَ أبي عمرٍو والكسائيِّ في هذا، وزعمَ أنّها أصحُّ في العربيةِ وردَّ قراءةَ أهلِ الحرمينِ وعاصم وحمزةَ؛ لأنها فَعَلَ يَفْعَلُ عندَه، وكذا أنكرَ قَنَطَ يَقْنَطُ، ولو كانَ الأمرُ كما قالَ لكانَتِ القراءتانِ لحناً، وهذا شيءٌ لا يُعلَمُ أنَّهُ يُوجَدُ أن يَجتَمِعَ أهلُ الحرمينِ على شيءٍ ثمّ يكونَ لحناً، ولا سِيَّما ومعَهم عاصمٌ معَ جلالتِه ومحلِّه وعلمِه وموضعِه من اللغةِ، والقراءتانِ اللتانِ أنكرَهما جائزتانِ حسنتانِ، وتأويلُهما على خلافِ ما قالَ: يُقالُ: قَنَطَ يَقْنِطُ وَيَقْنُطُ قنوطاً فهوَ قانِطٌ، وقَنِطَ يَقْنَطَ قنَطاً فهوَ قَنِطٌ وقَانِطٌ … … … … ... وأبو عبيدٍ ضيَّقَ ما هوَ واسعٌ منَ اللغةِ)) (4) وقالَ ابنُ عطيّةَ: ((وردَّ أبو عبيدٍ قراءةَ الحرمينِ، وأنكرَ أن يقالَ: قَنِطَ بكسر ِالنونِ، وليسَ كما قالَ؛ لأنّهم لا يجتمعونَ إلا على قويٍّ في اللغةِ مرويٍّ عندَهم، وهيَ قراءةٌ فصيحةٌ، إذ يقالُ: قَنَطَ يَقْنِطُ وَقَنِطَ يَقْنَطُ، مثلَ نَقَمَ ونَقِمَ)) (5)   (1) انظر: الرازي 9 / 198. (2) التبيان 2 / 785. (3) الدر 7 / 167. (4) إعراب النحاس 2 / 384. (5) المحرر 10 / 137. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وقراءةُ أبي عمرو والكسائيُّ: قَنَطَ يَقْنِطُ لغةٌ جيّدةٌ (1) ، قال الأزهريُّ: ((هما لغتانِ: قَنَطَ يَقْنِطُ، وقَنِطَ يَقْنَطُ وأجودُ اللغتينِ قَنَطَ يَقْنِطُ)) (2) وقراءةُ أبي حيوةَ بالضمِّ قَنَطَ يَقْنُطُ لغةُ تميمٍ (3) . والقراءتانِ الباقيتانِ: قَنَطِ يَقْنَطُ لباقي السبعةِ، وقَنِطَ يَقْنِطُ للأعمشِ؛ وجهُهما على تداخلِ اللغتينِ؛ لورودِ: قَنَطَ يَقْنِطُ وقَنِطَ يَقْنَطُ في اللغةِ (4) . وقالَ ابنُ خالويهِ بشذوذِ قَنَطَ يَقْنَطُ (5) . والقولُ في توجيهِ قراءةِ {مِنَ القَنِطِيْنَ} بأحدِ أمرينِ: - أن يكونَ مقصوراً من “ القانطين ” والعربُ تحذفُ ألفَ فاعلٍ في نحوِ هذا تخفيفاً. - أن يكون من قَنِطَ يَقْنَطُ بكسرِ العينِ في الماضي وفتحِها في الغابرِ، فيقالُ: قَنِطَ فهو قَنِطٌ، وقَنَطَ فهو قانِطٌ (6) . قالَ السمينُ: ((ويُرَجِّحُ قراءةَ يَقْنَطُ بالفتح قراءةُ أبي عمرٍو في بعضِ الرواياتِ {فَلاَ تَكُنْ مِنَ القَنِطِينَ} كفرِحَ يفرَحُ فهو فَرِحٌ)) (7) . هَلَكَ يَهْلَكُ: الهلاكُ معروفٌ، والمسموعُ فيه عنِ العربِ: - هَلَكَ يَهْلِكُ كضرَب (8) . وزادَ الفيروزاباديُّ (9) ، وتبعَه الزبيديُّ (10) لغةً أخرى: - هَلِكَ يَهْلَكْ كعلِم.   (1) انظر: تهذيب اللغة - المستدرك / 280. (2) القراءات 1 / 298. (3) انظر: المحرر 10 / 137. (4) انظر: القرطبي 10 / 36. (5) انظر: إعراب القراءات 1 / 346. (6) انظر: المحتسب 2 / 4، الفريد 3 / 204، القرطبي 10 / 36. (7) الدر 7 / 167. (8) انظر: الصحاح (هلك) 4 / 1616، المحكم (هـ ل ك) 4 / 100، اللسان (هلك) 10 / 504، بصائر ذوي التمييز 5 / 338. (9) انظر: القاموس 3 / 324. (10) انظر: التاج (هلك) 13 / 670. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 وسَمِعَ: هَلَكَ يَهْلَكَ بالفتحِ فيهما معَ خلوِّ عينهما ولامهما من حرفِ الحلقِ، وهوَ لغةٌ (1) كأبى يأبى، وللعلماءِ في توجيهِها أقوالٌ: - أنّها شاذةٌ كأبى يأبى (2) . - أنها لغةٌ مختلطةٌ، مأخوذةٌ من لغتينِ؛ قالَه ابنُ السرَّاجِ، وغيرُه (3) . - أنّ ماضيَ يَهْلَكُ هَلِكَ كعطِب، فاستُغني عنه بهَلَكَ، وبقيت يَهْلَكُ دليل اًعليها؛ قالَه ابنُ جنيٍّ (4) . دِرَاسَةٌ قُرآنِيّةٌ: وردَ فعلُها الماضي هَلَكَ مفتوحَ العينِ في أربعِ آياتٍ هيَ: 1 - {إِنِ امرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدُ} 176 / النساء. 2 - {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ} 42 / الأنفال. 3 - {حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً} 34 / غافر. 4 - هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} 29 / الحاقة. والمضارعُ “ يَهْلِكُ ” مكسورَ العينِ في آيةٍ واحدةٍ: 1 - {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ} 42 / الأنفال. وجاءَ المضارعُ المزيدُ بالهمزةِ “ يُهْلِكُ ” مبنياً للمعلومِ غيرَ متّصلٍ بضميرٍ في أربعِ آياتٍ: 1 - {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ ليُفْسِدَ فِيْهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ} 205 / البقرة.   (1) انظر: المحرر 2 / 140، القرطبي 3 / 17، شرح الشافية للجاربردي 54، بصائر ذوي التمييز 5 / 338، القاموس 3 / 324، التاج (هلك) 13 / 670. (2) انظر: المحكم 4 / 100، حاشية ابن جماعة 55، التاج (هلك) 13 / 670. (3) انظر: المحتسب 1 / 121، المحكم 4 / 100، شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41، اللسان (هلك) 10 / 504، حاشية ابن جماعة 55، التاج (هلك) 13 / 670. (4) انظر: المحتسب 1 / 121، المحكم 4 / 100، اللسان (هلك) 10 / 504، التاج (هلك) 13 / 670. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 2 - {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ المَسِيحَ بنَ مَرْيمَ وأُمَّهُ} 17 / المائدة. 3 - {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهلِكَ عَدُوُّكُم} 129 / الأعراف. 4 - {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} 117 / هود. القِرَاءاتُ الوَارِدَة: قراءةُ الجمهورِ في الماضي والمضارعِ هَلَكَ يَهْلِكُ. {وَيُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ} . قراءةُ الجمهورِ {وَيُهْلِكَ} بكسر اللامِ، مضارعُ الفعلِ المزيدِ “ أهْلَكَ ”، وأصلُه: يُؤَهْلِكُ، حُذِفَتْ همزتُه في هذا طرداً للبابِ على وتيرةٍ واحدةٍ، إذ حذفت تخفيفاً عندَ اجتماعِها معَ همزةِ المضارعِ للمتكلمِ، فأصبحَ “ يُهْلِكُ ” بزنةِ “ يُفْعِل" ضُمّت ياءُ مضارِعه لأخذِه من فعلٍ رباعيٍّ. وقرأَ الحسنُ وأبو حيوةَ وابنُ أبي إسحاقَ وابنُ محيصنٍ: {وَيَهْلَكُ} بفتحِ الياءِ واللامِ مضارعاً للفعلِ الثلاثيِّ المجرّدِ “ هَلَكَ ”، على فَعَلَ يَفْعَلُ (1) . تَوجِيهُ القِرَاءَاتِ: قراءةُ السّبعةِ جاءت على القياسِ: هَلَكَ يَهْلِكُ على فَعَلَ يَفْعِلُ. أمّا القراءةُ الشاذّةُ فاختُلفَ في توجيهِها: - فقالَ ابنُ مجاهدٍ: هو غلط (2) . - وقالَ غيرَه: لغةٌ شاذةٌ؛ لأنّه لا حلقَ فيه كرَكَنَ (3) . - وقيلَ: هيَ لغةٌ ضعيفةٌ جداً (4) . قالَ الهمدانيُّ: وهي لُغَيَّةٌ، يسمعُ ولا يقاسُ عليه (5) .   (1) انظر: مختصر في الشواذ 13 / المحتسب 1 / 121، الكشاف 1 / 352، البيان 1 / 167، المحرر 2 / 140، الرازي 5 / 202، شرح المفصل 7 / 154، شرح الشافية للجاربردي 54، الدر 2 / 353، التاج (هلك) 13 / 670. (2) انظر: المحتسب 1 / 121. (3) انظر: المحرر 2 / 140، القرطبي 3 / 17، البحر 2 / 330، الدر 2 / 353. (4) انظر: البيان 1 / 167. (5) انظر: الفريد 1 / 442. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 - وقيلَ: هي من بابِ تداخلِ اللغتينِ؛ قالَه ابنُ السرَّاجِ (1) . وقالَ ابنُ جنّيٍّ: ((هذا تركٌ لما عليه اللغةُ، ولكن جاءَ له نظيرٌ ... فإذا كانَ الحسنُ وابنُ أبي إسحاقَ إمامينِ في الفقهِ وفي اللغةِ فلا وجهَ لدفعِ ما قرابه لا سِيَّمَا وله نظيرٌ في السماعِ ... وقد يجوزُ أن يكونَ “ يَهْلَكُ ” جاءَ على “ هَلِكَ ” بمنزلةِ “ عطِب ” غيرَ أنّه استُغنِي عن ماضيه ب“ هَلَكَ ”)) (2) . - فَعَلَ يفعَل (من المعتل) أَبَى يأبَى: الإباءُ: الامتناعُ عنِ الشيءِ، ويقالُ: أبى؛ إذا تركَ الطاعةَ ومالَ إلى المعصيةِ، وقيلَ: الإباءُ الكراهيةُ (3) ، وفيه لغتانِ: - أبِيَ يَأْبَى كرضِيَ يرضى. قالَ ابنُ جماعةَ: حكاه ابنُ سيده في المحكمِ عن قومٍ من العربِ (4) . - أَبَى يَأْبِي كأتَى يأتِي، حكاه ابنُ جنِّيٍّ (5) . وعليها أنشدَ أبو زيدٍ للزِّفَيَانِ السعديّ: يَا إِبِلِي مَا ذَامُهُ فَتَأْبِيَهْ مَاءٌ رَواءٌ ونَصِيٌّ حَوْلَيَهْ (6)   (1) انظر: المحتسب 1 / 121، شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41. (2) المحتسب 1 / 121. (3) انظر: العين (أبى) 8 / 418، تهذيب اللغة (أبى) 15 / 605، المشوف المعلم (أب ي) 1 / 50، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126. (4) انظر: شرح الشافية 54، وليس في الأجزاء المحققة من المحكم. (5) انظر: اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126. (6) الشاهد في النوادر لأبي زيد 331، الخصائص 1 / 332، اللسان (زلز) 5 / 359، (روى) 14 / 346، وبلا نسبة في النوادر لأبي مسحل 499، التنبيهات 326، التاج (أبى) 19 / 126. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 واللغةُ المشهورةُ في ذلكَ: أَبَى يَأْبَى (1) ، وبها نزلَ القرآنُ، وهي ممّا اتَّفَقَ فيه فتحُ عيني ماضيه ومضارِعه معَ خلوِّهما من حروفِ الحلقِ. وقد اختلفَ اللغويونَ في توجيهِها على أقوالٍ؛ منها: - أنّهم ضارعوا ب“ أَبَى يَأْبَى ” “ حسِب يحسِب ”، ففتحوا كما كسروا؛ وهو قولُ سيبويهِ (2) . - أنّهم أجروا الألفَ مجرى الهمزةِ؛ لأنّها أختُها ومن مخرجِها، وهي مثلُها إذا لينت، ففتحوا تشبيهاً ب“ قرَأ يقرَأ ” وهذا القولُ لسيبويهِ أيضاً (3) ، وتبعَه كثيرٌ (4) . وردّ بأنّ الجمهورَ لم يذكروا الألفَ في حروفِ الحلقِ؛ لأنّها ليست أصليّةً، ولا تكونُ إلاّ منقلبةٌ، وألفُ “ يَأْبَى ” إنّما وُجِدَتْ بعدَ وجودِ الفتحةِ، وفتحةُ “ يقرَأ ” وُجِدتْ بعدَ وجودِ حرفِ الحلقِ (5) . - أنّ الألفَ حلقيّةٌ، ورُدَّ - معَ التسليمِ جدلاً بذلكَ - بأنّ الفتحةَ هي سببُ الألفِ، فوجودُ الألفِ موقوفٌ على الفتحِ لأنّه في الأصلِ يائيِّ قلبت ياؤه ألفاً لتحرِّكها وانفتاحِ ما قبلَها، فلو كانَ الفتحُ بسببِها للَزِمَ الدَّوْرُ؛ لِتَوَقُّفِ الفتحِ عليها (6) - أنّه من قبيلِ التداخلِ، وهو رأيُ محمّدِ بنِ السريّ، قالَ: وسَهّلَ ذلكَ وجودُ الألفِ في آخرِه معَ مقاربتِها الهمزةَ (7) .   (1) انظر: العين (أبى) 8 / 418، تهذيب اللغة (أبى) 15 / 604، المحيط (أبى) 10 / 449، الصحاح (أبا) 6 / 2259، اللسان (أبى) 14 / 4. (2) انظر: الكتاب 4 / 105، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126. (3) انظر: الكتاب 4 / 105. (4) انظر: معاني الزجاج 1 / 362، شرح أدب الكاتب للجواليقي 238، المحرر 2 / 360. (5) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 209، شرح الشافية لنقرة كار 33. (6) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 24، شرح التصريف العزي 33. (7) انظر: شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41، التاج (أبى) 19 / 126. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 - حملاً على منَع يمنَع؛ لأنهما نظيرانِ، وهو بمعناه، فحُمِل النظيرُ على نظيرِه وإن لم يكن فيه حرفُ حلقٍ، كما حملوا يَذَرُ على يَدَعُ لاتفاقِهما في المعنى (1) . - الفتحُ على سبيلِ الغلطِ، توهموا أنّ ماضيَه بالكسرِ، وعوّلَ أبو القاسمِ الثمانينيّ على هذا القولِ (2) . - لمّا علموا أنّ الياءَ تنقلبُ ألفاً على تقديرِ فتحِ العينِ سوّغوا فتحَها (3) . - هو من بابِ الاستغناءِ بمضارعِ فِعْلٍ عن مضارعِ آخرَ، فاستغنوا بالمضارعِ “ يَأْبَى ” من “ أَبِيَ ” عن المضارعِ “ يَأْبِي ” من “ أَبَى ” (4) . - حُمِلَ على الشذوذِ لاتفاقِ الفتحِ في عينيه مع خلوِّه من حرفِ الحلقِ (5) . - حُمِلَ على النُّدرةِ، وهو قولُ يعقوبَ والفرّاءِ (6) ، وغيرِهما (7) .   (1) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 209، شرح الشافية للجاربردي 54، المناهج الكافية 33 - 34. (2) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 209. (3) انظر: شرح الشافية للجاربردي 54. (4) انظر: حاشية ابن جماعة 55. (5) انظر: الصحاح (أبا) 6 / 2259، المفتاح 37، أمالي ابن الشجري 1 / 208، المحرر 2 / 360، 8 / 138، الممتع 1 / 178، شرح الشافية للرضي 1 / 24، للجاربردي 54، الدر 6 / 23، الهمع 6 / 33، شرح الشافية لنقرة كار 33، المناهج الكافيه 33، التاج (أبى) 19 / 126. (6) انظر: اصلاح النطق 217، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14/4، التاج (أبى) 19 / 126. (7) انظر: أدب الكاتب 482 - 483، ديوان الأدب 2 / 138. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 وقد تباينت أقوالُ علماءِ اللغةِ فيما وردَ على “ فَعَلَ يَفْعَلُ ” وليسَ لامُه أو عينُه حرفاً حلقياً، فقالَ سيبويهِ: ((ولا نعلمُ إلاّ هذا الحرفَ، وأمّا غيرُ هذا فجاءَ على القياسِ)) (1) ، وكذا الفرّاءُ أفردَه بالذكرِ (2) ، وهو رأيُ ابنِ قتيبةَ (3) وابنِ السِّكيتِ (4) ، وغيرِهم (5) ، وزادَ أبو عمرٍو رَكَنَ يَرْكَنُ خلافاً للفراءِ (6) . قالَ ابنُ قتيبةَ: ((ولم يأتِ فَعَلَ يَفْعَلُ بالفتحِ في الماضي والمستقبلِ إذا لم يكن فيه أحدُ حروفِ الحلقِ لاماً ولا عيناً إلاّ في حرفٍ واحدٍ جاءَ نادراً، وهو أَبَى يَأْبَى، وزادَ أبو عمروٍ رَكَنَ يَرْكَنُ، والنّحويونَ منَ البصريينَ والبغداديينَ يقولونَ: ركِن يركَن وركَن يركُن)) (7) . وقالَ الزجاجُ: ((وأَبَى يَأْبَى في اللغةِ منفردٌ، لم يأتِ مثلُه إلاّ قَلَى يقلى)) (8) . وقالَ ثعلبُ والكوفيونَ: سُمِعَ أبى وقلى وغسى وشجى (9) ، وزادَ المبردُ: جبى (10) ، وحكى كراعٌ: عثا، مقلوبَ عاثَ يعيثُ إذا أفسدَ (11) .   (1) الكتاب 4 / 105 - 106. (2) انظر: أدب الكاتب 482 - 483، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126. (3) انظر: شرح أدب الكاتب للجواليقي 238. (4) انظر: إصلاح المنطق 217. (5) انظر: ديوان الأدب 2 / 138، نزهة الطرف للميداني 100. (6) انظر: أدب الكاتب 482 - 483، ديوان الأدب 2 / 138، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126. (7) أدب الكاتب 482 - 483. (8) معاني القرآن 1 / 362. (9) انظر: الاقتضاب 2 / 250، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126. (10) انظر: اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126. (11) انظر: الاقتضاب 2 / 250. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 وقالَ ابنُ القطّاعِ: ((وليسَ في كلامِ العربِ فَعَلَ يَفْعَلُ بفتحِ الماضي والمستقبلِ ممّا ليسَ عينُه ولا لامُه حرفَ حلقٍ إلاّ حرفٌ واحدٌ لا خلافَ فيه؛ وهو أَبَى يَأبَى، وقد جاءت أربعةَ عشرَ فعلاً باختلافٍ فيها)) (1) . وقالَ ابنُ خالويهِ: ((وليسَ في كلامِ العربِ فِعْلٌ بفتحِ الماضي والمستقبلِ فيه ممّا ليسَ فيه حرفٌ من حروفِ الحلقِ إلاّ قلى يقلى وجبى يجبى وسلى يسلى وأبى يأبى وغسى يغسى، وركَن يركَن عنِ الشيبانيِّ)) (2) . وقد حكى سيبويهِ أبى ثم جبى وقلى، وأمسكَ عنِ الاحتجاجِ عنِ الآخرينِ لعدمِ معرفتِهما إلاّ من وجهٍ ضعيفٍ (3) . دِرَاسَةٌ قُرْآنيّةٌ: وجاءَ الماضي “ أَبَى ” في تسعِ آياتٍ؛ مُجرداً في سبعٍ منها، هيَ: 1 - {فَسَجَدُوا إلاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاستَكْبَرَ وكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} 34 / البقرة. 2 - {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} 31 / الحجر. 3 - {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً} 89 / الإسراء. 4 - {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إلاَّ كُفُوراً} 99 / الإسراء. 5 - {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى} 56 / طه. 6 - {وَإِذَا قُلْنَا للمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى} 116 / طه. 7 - {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً} 50 / الفرقان. ومسنداً إلى واوِ الجماعةِ في آيةٍ واحدةٍ هيَ: 1 - {حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} 77 / الكهف. وإلى نونِ النسوةِ في أخرى: 1 - {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} 72 / الأحزاب.   (1) الأفعال 1 / 11. (2) إعراب ثلاثين سورة 117 - 118. (3) انظر: الكتاب 4 / 106. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 وجاءَ المضارعُ “ يَأْبَى ” في أربعِ آياتٍ؛ مرفوعاً في اثنتينِ؛ هما: 1 - {يُرْضُونَكُم بِأَفواهِهِم وَتَأْبَى قُلُوبُهُم} 8 / التوبة. 2 - {وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ} 22 / التوبة. ومجزوماً في اثنتينِ: 1 - {وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} 282 / البقرة. 2 - {وَلاَ يَأبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ} 282 / البقرة. ومن خلالِ هذا الاستقراءِ؛ نجدُ أنّ ورودَ هذا الفعلِ في القرآنِ إنّما هو على لغةِ فتحِ العينينِ في الماضي والمضارعِ ولم ترد قراءةٌ في القراءاتِ الصحيحةِ أو الشاذةِ بخلافِ ذلكَ - فيما نعلمُ -. وقد خرَّجَ ذلكَ مُعرِبُوا القرآنِ على أنَّه شاذٌّ كقَلَى يَقْلَى، وأنّه إنما اتفقَ فيه فتحُ عينيه؛ لأنّ ألفَه أشبهت الهمزةَ فعُومِل معاملةَ الحلقيِّ، ففُتِحَ لهذهِ العلةِ (1) . قَلَى يَقُلَى: يقالُ: قلاه؛ إذا أبغضَه وكرهَه (2) ، وقد صرفتِ العربُ منه مثالينِ (3) : - قَلِيَ يَقْلَى: قَلِيَه يقلاَه كرضيَه يرضاه (4) . قيلَ: وهيَ اللغةُ الفصيحةُ (5) . - قَلَى يقلِى، قلاه يقليه كرماه يرميه (6) .   (1) انظر: معاني الزجاج 1 / 362، المحرر 2 / 360، الدر 6 / 23. (2) انظر: العين (قلى) 5 / 215، تهذيب اللغة (قلى) 9 / 295، المحيط (قلى) 6 / 21، اللسان (قلى) 15 / 198. (3) انظر: إعراب النحاس 5 / 49، أمالي ابن الشجري 3 / 207. (4) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 210، 3 / 207، نزهة الطرف للميداني 102، شرح الشافية للرضي 1 / 25، للجاربردي 54، المزهر 1 / 263. (5) انظر: شرح الشافية للجاربردي 54، لنقره كار 34. (6) انظر: العين (قلى) 5 / 215، إعراب ثلاثين سورة 117، المحيط (قلى) 6 / 21، أمالي ابن الشجري 3 / 207، نزهة الطرف للميداني 102. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 قيلَ: وهيَ اللغةُ المشهورةُ (1) ، والصحيحةُ (2) ، والفصيحةُ (3) ، وهي من الياءِ (4) . قال ابنُ بريء: شاهدُها قولُ أبي محمّدٍ الفقعسيِّ: يَقْلِي الغَوَانِي والغَوَانِي تَقْلِيَه (5) حكاهما ابنُ جنّيٍّ (6) ، وحكى ابنُ الأعرابيّ: قَلَيته في الهجرِ، وحكى في البُغضِ قلِيته بالكسرِ أقلاه على القياسِ وكذلكَ رواه عنه ثعلبٌ (7) . وروى أبو الفتحِ لغةً ثالثةً هيَ: - قلاه يقلوه كرجاه يرجوه (8) . قال ابن سيده: ((وقلا الشيء في المِقْلَى قلواً)) وقد تقدمت هذه الكلمة في الياء لأنّها يائية ووائية: ((وقلوت الرجلَ شنئته، لغةٌ في قليته)) (9) . وسُمِعَ: قلى يقلى بالفتحِ فيهما (10) ، حكاه سيبويهِ (11) ، وهي لغةٌ ضعيفةٌ غيرُ فصيحةٍ لبني عامرٍ (12) .   (1) انظر: شرح الشافيه للرضي 1 / 25، حاشية ابن جماعة 55، التاج (قلى) 20 / 99. (2) انظر: شرح التصريف العزي 33. (3) انظر: تهذيب اللغة (قلا) 9 / 295، تدريج الأداني 20. (4) انظر: أمالي ابن الشجري 3 / 207. (5) انظر: التاج (قلى) 20 / 99. (6) انظر: الخصائص 1 / 376، المحكم 6 / 310، اللسان (قلى) 15 / 198، التاج (قلى) 20 / 99. (7) انظر الخصائص 1 / 376، المحكم 6 / 310، اللسان (قلى) 15 / 198، التاج (قلى) 20 / 99. (8) انظر: أمالي ابن الشجري 3 / 207. (9) المحكم (ق ل و) 6 / 347. (10) انظر: إعراب ثلاثين سورة 117، المحيط (قلى) 6 / 21، الأفعال لابن القطاع 1 / 11، نزهة الطرف للميداني 101، شرح أدب الكاتب 238 شرح الشافية للجاربردي 54. (11) انظر: الكتاب 4 / 105، المحكم (ق ل ي) 6 / 310، اللسان (قلى) 15 / 198. (12) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 25، للجاربردي 54، لنقره كار 34، شرح التصريف العزي 33، المناهج الكافية 34، الهمع 6 / 33 تدريج الأداني 20. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 قالَ الأزهريُّ: وهيَ قليلةٌ، ليست بجيدةٍ (1) . وعزا ذلكَ ابنُ مالكٍ لطيِّئ في صورةِ دعوى أعمَّ، فقالَ: وطيِّئ تبدلُ الكسرةَ فتحةَ والياء ألفاً نحو يَقْلَى (2) . وجاءَ في النّوادرِ (3) : ((وروى أبو حاتمٍ: حتّى أملّه بشيءٍ ولا أقلاه؛ يريدُ: أقليه، وهيَ لغةٌ، قالَ الشاعرُ: أَزْمَانَ أمِّ الغَمْرِ لا نَقْلاَهَا)) واختُلِفَ في تخريج هذه اللغةِ على أقوال: - أنّها لغةٌ لطِّيئ، إذ تبدلُ الكسرةَ فتحةً والياءَ ألفاً، والأصلُ: قَلَى يَقْلِي، وهم يُجوِّزونَ قلبَ الياءِ ألفاً في كلِّ ما أخرُه ياءٌ مفتوحةٌ فتحةً غيرَ إعرابيةٍ مكسورٌ ما قبلَها: نحوُ: بَقَى في بَقِيَ ودُعَى في دُعِيَ، قالَه ابنُ مالكٍ (4) والجوهريُّ (5) ، وأجازَه قومٌ (6) . - الفتحُ في عينِ مضارعِه تشبيهاً للألفِ في آخرِه بالهمزةِ التي في قرأ وشبهِه (7) . قالَ سيبويهِ: ((وقالوا: ... وقَلَى يَقْلَى، شبّهوا هذا ب“ قرَأ يقرَأ ” ونحوِه، وأتبعوه الأوّلَ، كما قالوا: وعدُّه يريدونَ وعدته)) (8) .   (1) انظر: تهذيب اللغة (قلا) 9 / 295. (2) انظر: حاشية ابن جماعة 54 - 55. (3) لأبي زيد 232. (4) انظر: حاشية ابن جماعة 54 - 55. (5) انظر: الصحاح (قلا) 6 / 2467. (6) انظر: نزهة الطرف للميداني 102 - 103، الفريد 4 / 688، القرطبي 20 / 94، شرح الشافية للرضي 1 / 25، البحر 10 / 496، شرح التصريف العزي 33. (7) انظر الخصائص 1 / 382، اللسان (قلى) 15 / 198. (8) الكتاب 4 / 105. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 - أنّها ممّا تداخلت فيه اللغتانِ اللتانِ تلاقى أصحابُهما، فسمعَ هذا من ذاكَ، وذاكَ من هذا، فأخذَ كلُّ واحدٍ منهما من صاحبِه ما ضمَّه إلى لغتِه، فتركبت لغةٌ ثالثةٌ؛ قالَه ابنُ السرّاجِ (1) ، وغيرُه (2) . - حَمْلُها على الشذوذِ، وقد نصَّ ابنُ عصفورٍ على ذلكَ (3) ، وغيرُه (4) . - القولُ بندرتِها (5) . وقد تقدّمَ في “ أبى يأبى ” حكايةُ خلافِ اللغويينَ في إثباتِ ما جاءَ على “ فَعَلَ يَفْعَلُ ” (6) ، وأنّ الفرّاءَ لم يُثْبِتْ سوى “ أَبَى ” (7) ، وذكرَ “ قلى يقلى ” ثعلبٌ والكوفيونَ (8) وابنُ خالويهِ (9) ، وعدَّها سيبويهِ، فقالَ: ((وأمّا جبى يجبى وقلى يقلى فغيرُ معروفينِ إلاّ من وُجَيْهِ ضعيفٍ، فلذلكَ أُمْسِكُ عنَ الاحتجاجِ لهما)) (10) . وأثبتَ ابنُ القطّاعِ حرفاً واحداً لا خلافَ فيه، وعدَّ “ قلى يقلى ” ضمنَ أربعةَ عشرَ فعلاً مُخْتَلَفٍ فيها (11) . دِرَاسةٌ قُرآنيةٌ: لم يردْ منها إلاّ الفعلُ الماضي في آيةٍ واحدةٍ هي: 1 - {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} 3 / الضحى. وماضيه بالفتحِ، ولم يُقرأ بغيرِه - فيما نعلمُ -.   (1) انظر: شرح المفصل 7 / 154. (2) انظر: الخصائص 1 / 375 - 376، نزهة الطرف للميداني 102 - 103، أمالي ابن الشجري 1 / 210، شرح الشافية للرضي 1 / 25 المزهر 1 / 263. (3) انظر: الممتع 1 / 178، حاشية ابن جماعة 55. (4) انظر: الاقتضاب 2 / 250. (5) انظر: المحكم (ق ل ي) 6 / 210، اللسان (قلا) 15 / 1198. (6) انظر: ص 15 من هذا البحث. (7) انظر: أدب الكاتب 482 - 483، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 26. (8) انظر: الاقتضاب 2 / 250، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126. (9) انظر: إعراب ثلاثين سورة 117. (10) الكتاب 4 / 106. (11) انظر: الأفعال 1 / 11. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 جَبَى يَجْبَى: يقالُ: جباه القومُ، وجبى منهم، وجبى الماءَ في الحوضِ، والخراجِ؛ كلُّ ذلكَ بمعنى جَمَعَه (1) . وفيه لغتانِ (2) : - جبوته أجبوه كدعوته أدعوه، وهوَ المشهورُ (3) . - جبيته أجبيه كرميته أرميه. قالَ الأزهريُّ: ((أكثرُ العربِ عليها)) (4) . وقالَ ابنُ جماعةَ: ((والمشهورُ يَجْبِي بالكسرِ)) (5) . واللغتانِ حكاهما الكسائيُّ (6) وشَمِرُ (7) . وحكى سيبويهِ: - جَبَى يَجْبَى كأبى يأبى (8) . وحكى أبو زيدٍ في كتابِ المصادرِ: جبوت الخراجَ أجباه وأجبوه (9) . وحكى أبو عبيدةَ: جبوت الخراجَ أجبى (10) . وقعت عينُ الماضي والمضارعِ مفتوحةً وليسَ ثَمةَ حرفُ حلقٍ. واختُلِفَ في تخريجها على أقوالٍ: - أنّ الألفَ فيها مُشَبَّهةٌ بالهمزةِ في نحوِ: قرأ وهدأ (11) . قالَ سيبويهِ: ((وقالوا جبى يجبى ... فشبهوا هذا بقرأ يقرأ ونحوه، وأتبعوه الأولَ، كما قالوا: وعدُّه؛ يريدونَ: وعدته)) (12) . - أنّ لغةٌ لطيِّئ، والأصلُ يجبَى، فُتِحَتِ العينُ وقُلبتِ الياءُ ألفاً، وبه قالَ ابنُ مالكٍ (13) .   (1) انظر: الصحاح (جبى) 6 / 2297، التاج (جبى) 19 / 266. (2) انظر: المحيط (جبو) 7 / 198، الصحاح (جبو) 6 / 2297. (3) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 24. (4) تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 605، وانظر: اللسان (أبى) 14 / 4. (5) انظر: حاشية ابن جماعة 55. (6) انظر: تهذيب اللغة (جبا) 11 / 214، الصحاح (جبو) 6 / 2297. (7) انظر: تهذيب اللغة (جبا) 11 / 214. (8) انظر: الكتاب 4 / 105، 106. (9) انظر: المخصص 14 / 211. (10) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 123. (11) انظر: الخصائص 1 / 382، المحكم 7 / 391، اللسان (جبى) 14 / 128، التاج (جبى) 19 / 266. (12) الكتاب 4 / 105. (13) انظر: حاشية ابن جماعة 55. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 - أنّها ممّا تداخلت فيه اللغتانِ (1) . - أنّها شاذةٌ (2) ، أو نادرةً (3) ، أو ضعيفةٌ، ونسبَ هذا لسيبويهِ (4) . وفي الكتابِ: ((وأمّا جبى يجبى وقلى يقلى فغيرُ معروفينِ إلاّ من وُجَيْهٍ ضعيفٍ)) (5) . وقد ذكرَها سيبويهِ فيما جاءَ على فَعَلَ يَفْعَلُ، وانقطعَ عن الاحتجاجِ لها لضعفِها عندَه (6) ، وذكرَها المبردُ (7) ، وعدَّها ابنُ القطّاعِ فيما اختلفَ فيه (8) . سَلاَ يَسْلَى: سلا عنه: نسيَه وذُهِلَ عن ذكرِه، وهو في سلوةٍ من عيشِه: في رغدٍ يسليه الهم (9) ، وفيه لغتانِ (10) : - سلوت أسلو كدعوت أدعو (11) . - سليت أسلى كرضيت أرضى. حكاهما الأزهريُّ عن الأصمعيِّ وأبي الهيثمِ (12) . وعلى الثانية جاءَ قولُ رؤبةَ: لَو أَشْرَبُ السُّلوانَ ما سَلِيْتُ ما بي غِنىً عَنك وإن غَنِيتُ (13)   (1) انظر: الخصائص 1 / 372، أمالي ابن الشجري 1 / 209. (2) انظر: الممتع 1 / 178. (3) انظر: اللسان (جبى) 14 / 128، التاج (جبى) 19 / 266. (4) انظر: المحكم (ج ب ي) 7 / 355، التاج (جبى) 19 / 266. (5) 4 / 106. (6) انظر: الكتاب 4 / 106. (7) انظر: تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14 / 4. (8) انظر: الأفعال 1 / 11. (9) انظر: العين (سلو) 7 / 297، المحيط (سلو) 8 / 378، أساس البلاغة (س ل و) 218، التاج (سلو) 19 / 533. (10) انظر: تهذيب اللغة (سلا) 13 / 68، الخصائص 1 / 376، أمالي ابن الشجري 1/209، اللسان (سلا) 14 / 394، التاج (سلو) 19 / 533. (11) انظر: العين (سلو) 7 / 297، المحيط 8 / 378. (12) انظر: تهذيب اللغة (سلا) 13 / 68، وحكى الماضيين فحسب الخليل في العين (سلى) 7 / 299، ابن عباد في المحيط 8 / 378، الجوهري في الصحاح (سلو) 6 / 2380. (13) الشاهد له في تهذيب اللغة (سلا) 16 / 68، الصحاح (سلو) 6 / 2381، المخصص 15 / 60، أمالي ابن الشجري 1 / 290، اللسان (سلا) 14 / 394، التاج (سلو) 19 / 533، وغير منسوب في: العين (سلا) 7 / 297، مقاييس اللغة (سلو) 3 / 92، المخصص 13 / 141. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وسُمِعَ عنِ العربِ لغةٌ ثالثةٌ بالفتحِ فيهما: - سلى يسلى كأبى يأبى (1) . فجاءت بفتحِ عينِ الماضي والمضارعِ وليسَ لامُ الفعلِ ولا عينُه حرفَ حلقٍ، واختلفَ في توجيهِها على أقوال؛ منها: - أنّها ممّا تداخلت فيه اللغتانِ، فأُخِذَ ماضي الأولى معَ مضارعِ الثانيةِ؛ قالَه ابنُ السرَّاجِ وغيرُه (2) . قالَ ابنُ جنِّيٍّ: ((وكذلكَ من قالَ سلوته قالَ أسلوه؛ ومن قالَ سليته قالَ أسلاه، ثم تلاقى أصحابُ اللغتينِ فسمِعَ هذا لغةَ هذا، وهذا لغةَ هذا، فأخذَ كلُّ واحدٍ منهما من صاحبِه ما ضمَّه إلى لغتِه، فتركبت هناكَ لغةٌ ثالثةٌ؛ كأنَّ من يقولُ سلا أخذَ مضارعَ من يقولُ سَلِيَ، فصارَ في لغتِه: سلا يسلى. فإن قلتَ: فكانَ يجبُ على هذا أن يأخذَ من يقولُ سَلِي مضارعَ من يقولُ سلا، فيجيءُ من هذا أن يقالَ: سَلي يَسْلُو. قيلَ: منعَ من ذلكَ أنَّ الفعلَ إذا أُزِيلَ ماضيه عن أصلِه سرى ذلكَ في مضارِعِه، وإذا اعْتَلَّ مضارعُه سرى ذلكَ في ماضيه؛ إذ كانت هذه المُثُلُ تجري عندَهم مجرى المثالِ الواحدِ؛ ألا تراهم لمّا أعلّوا “ شقي ” أعلّوا أيضاً مضارعَه فقالوا: يشقيانِ، ولما أعلّوا “ يُغزِي ” أعلّوا أيضاً أغزيت، ولمّا أعلّوا “ قامَ ” أعلّوا أيضاً يقومُ، فلذلكَ لم يقولوا: سَلِيت تسلو، فيعلّوا الماضيَ ويصحّحوا المضارعَ ... )) (3) . - أنّها لغةٌ لطيِّئ، فهم يجوِّزونَ قلبَ الياءِ ألفاً في كلِّ ما آخرُه ياءٌ مفتوحةٌ فتحةً غيرَ إعرابيةٍ مكسورٌ ما قبلَها (4)   (1) انظر: الخصائص 1 / 375، الأفعال لابن القطاع 1 / 11، شرح أدب الكاتب 238، شرح المفصل 7 / 154، شرح الشافية للرضي 1 / 24. (2) انظر: الخصائص 1 / 375 - 376، أمالي ابن الشجري 1 / 209، شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41، المزهر 1 / 263. (3) الخصائص 1 / 375 - 376. (4) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 24. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 ولم يذكرْ سيبويهِ هذهِ اللغةَ فيما وردَ على فَعَلَ يَفْعَلُ، بينَما ذكرَها ابنُ خالويهِ (1) ، وعدَّها ابنُ القطَّاعِ في الأحرفِ الأربعةِ عشرَ المختلفِ فيها (2) . غَسَا يَغْسَى: غسا الليلُ إذا أظلمَ (3) وفيه لغتانِ (4) : - غَسَا يَغْسُو كدعا يدعو، حكاه أبو عبيدٍ عنِ الأصمعيِّ (5) . - غَسِيَ يَغْسَى كرضِي يرضى، حكاه ابنُ السّكّيتِ (6) . قالَ الزبيديُّ: ((والشينُ لغةٌ فيه)) (7) . وقالَ الخليلُ: ((غَسَى الليلُ، وأغسى أصوبُ؛ إذا أظلمَ)) (8) . وقالَ ابنُ الشجريِّ: فيه لغتانِ: غسا يغسو، وغسا يغسِي عندَ بعضِهم (9) . وحكى ابنُ جنيٍّ لغةً ثالثةً: غسا يغسى، كأبى يأبى (10) . وحكاها الكوفيونَ (11) . واختلفَ في تخريجِ هذهِ اللغةِ على أقوالٍ: - أنَّها لغةُ طيِّئٍ، ونسبَ لابنِ مالكٍ (12) .   (1) انظر: إعراب ثلاثين سورة 118. (2) انظر: الأفعال 1 / 11. (3) انظر: تهذيب اللغة (غسو) 8 / 161، الصحاح (غسو) 6 / 2446، المحكم (غ س و) 6 / 25، اللسان (غسو) 15 / 125، التاج (غسو) 20 / 16. (4) انظر: الصحاح (غسو) 6 / 2446، المحكم 6 / 25 - 26، اللسان (غسو) 15 / 125، التاج (غسو، غسي) 20 / 16. (5) انظر: تهذيب اللغة (غسو) 8 / 161. (6) انظر: تهذيب اللغة (غسو) 8 / 161. (7) التاج (غسو، غسي) 20 / 16. (8) العين (غسو) 4 / 433. (9) انظر: الأمالي 1 / 210. (10) انظر: إعراب ثلاثين سورة 118، المحكم 6 / 25، الأفعال لابن القطاع 1 / 11، شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41، شرح الشافية للرضي 1 / 24، اللسان (أبى) 14 / 4، (غسو) 15 / 125، التاج (غسو) 20 / 16. (11) انظر: الاقتضاب 2 / 250. (12) انظر: ابن جماعة 54 - 55. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 - أنّها محمولةٌ على أبى وجبى ممّا شُبِّهَ بقرأَ؛ لإلحاقِ الألفِ بالهمزةِ (1) . - أنّها لغةٌ مركّبةٌ من اللغتينِ الأصليتينِ، وسهّلَ ذلكَ وجودُ الألفِ في آخرِه، قالَه ابنُ السرّاجِ (2) ، وغيرُه (3) . - أنّها شاذّةٌ (4) ، أو قليلةٌ (5) . ولم يذكر سيبويهِ غسى يغسى فيما جاءَ على فَعَلَ يَفْعَلُ، وذكرَها ثعلبٌ والكوفيونَ (6) ، وعدَّها ابنُ القطّاعِ منَ الأحرفِ الأربعةَ عشرَ المختلفِ فيها (7) . - فَعَل يفعَل (من المضعّف) عَضَضْتُ أَعَضُّ: العضُّ الإمساكُ بالأسنانِ أو الكدمُ بها (8) ، وفيه لغةٌ ثابتةٌ هيَ: - عَضِضت أعَضّ فَعِلَ يَفْعَلُ كسمِع (9) . ولغةٌ أخرى أثبتَها ابنُ القطّاعِ؛ قالَ: ((وعَضِضت الشيءَ عضاً ... وفيه لغةٌ أخرى: عضَضت أعُضّ)) (10) بزنةِ فَعَلَ يَفْعُلُ.   (1) انظر: الخصائص 1 / 382، المحكم 6 / 25 - 26، شرح الملوكي 41، اللسان (غسو) 15 / 125. (2) انظر: شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41. (3) كابن سيده (المحكم 6 / 26، اللسان (غسو) 15 / 125) . (4) انظر: الممتع 1 / 178. (5) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 210. (6) انظر: الاقتضاب 2 / 250، شرح الشافية للرضي 1 / 24، اللسان (أبى) 14 / 4. (7) انظر: الأفعال 1 / 11. (8) انظر: الأفعال لابن القوطية 187، تهذيب اللغة (عضض) 1 / 74، الصحاح (عضض) 3 / 1092، أساس البلاغة (ع ض ض) 304 - 305، اللسان (عضض) 7 / 188، التاج (عضض) 10 / 99. (9) انظر: كنز الحفاظ 1 / 524، الأفعال لابن القوطية 187، تهذيب اللغة (عض) 1 / 74، الصحاح (عضض) 3 / 1091، الأفعال للسرقطي 1 / 254، المحكم 1 / 27، اللسان (عضض) 7 / 188، المصباح 415، القاموس 2 / 337، التاج (عضض) 10 / 99. (10) الأفعال 2 / 387. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 وثالثةٌ مختلفٌ فيها، ذكرَها الجوهريُّ؛ قالَ: ((ابنُ السكيتِ: عضِضت باللقمةِ فأنا أعَضُّ، وقالَ أبو عبيدةَ: عضَضت - بالفتحِ - لغةٌ في الرِّبابِ)) (1) . قالَ الصاغانيُّ: ((وقالَ الجوهريُّ: عضِضت باللقمةِ، والصوابُ غصِصت بالغينِ المعجمةِ وبصادينِ مُهْمَلَتينِ)) (2) وقالَ الزبيديُّ: ((قالَ ابنُ برّيٍّ: هذا تصحيفٌ على ابنِ السكيتِ، والذي ذكرَه ابنُ السكيتِ في كتابِ الإصلاحِ: غصِصت باللقمةِ فأنا أغصُّ بها غصصاً، قالَ أبوعبيدةَ: وغصَصت لغةٌ في الرِّبابِ، بالصادِ المهملةِ لا بالضادِ المعجمةِ)) (3) . وفي الإصلاحِ - باب ما نُطق به بفعِلت وفعَلت: ((وقد غصِصت باللقمةِ فأنا أغصُّ بها غصَصاً، قالَ أبو عبيدةَ: وغصَصت لغةٌ في الرِّبابِ)) (4) . وقد حكى الكسائيُّ الفتحَ كذلكَ في عضّ، فيقالُ: عضَضت (5) ، قالَ السمينُ: فعلى هذا يُقالُ أَعِضّ بالكسرِ في المضارعِ (6) . وذكرَها ابنُ جنّيٍّ بالفتحِ فيهما: عضَضت أعَض (7) وكذا ابنُ سيده (8) . وأثبتَ الفيروزاباديُّ هذه اللغةَ، فقالَ: ((وعليه كسمِع ومنَع)) (9) ، وقالَ الفيوميُّ: ((ومن بابِ نفَع لغةٌ قليلةٌ)) (10) قالَ الزبيديُّ: ((وزنُه بمنَع وهمٌ، إذِ الشرطُ غيرُ موجودٍ كما في القاموسِ، إلاّ أن يُحملَ على تداخلِ اللغاتِ)) (11) قالَ: وهذا اتِّباعٌ من المصنّفِ إلى ما في الصحاحِ إشارةٌ إلى قولِ أبي عبيدةَ السابقِ دونَ تنبيهٍ عليه، وإن كانَ قد ذكرَه في الصّادِ على الصّوابِ (12) .   (1) الصحاح (عضض) 3 / 1091. (2) التكملة (ع ض ض) 4 / 79. (3) التاج (عضض) 10 / 99. (4) 211. (5) انظر: إعراب النّحاس 3 / 158، الدرّ 8 / 478. (6) انظر: الدرّ 8 / 478. (7) انظر: المحتسب 2 / 5. (8) انظر: المخصص 14 / 211. (9) القاموس 2 / 337. (10) المصباح 415. (11) التاج (عضض) 10 / 99. (12) انظر: التاج (عضض) 10 / 99. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 جاءَ في القاموسِ: ((وغصِصت بالكسرِ وبالفتحِ تغَصُّ بالفتحِ غصصاً)) (1) . قالَ الزبيديُّ: ((فالصوابُ الذي لا محيدَ عنه أنّه من بابِ سَمِع فقط)) (2) . قالَ الخليلُ: ((والفعلُ منه: عضَضْتُ أنا وعضَّ يعَضّ)) (3) . ولا أُرَاهُ إلاّ خلطاً في الضبطِ؛ لأنّ كتبَ المعاجمِ المتقدمّةَ لم تذكرْه، ولو ثبتَ لغةً لكانَ ينبغي ذكرُ اللغةِ المشهورةِ معَها، وحيثُ أُفْرِدَتْ واحدةٌ بالذكرِ عُلِمَ أنها المعروفةُ، وضبطُ الحركةِ لا يُعوّلُ عليه من المحقّق، إن لم يكنْ ضبطَ عبارةٍ من المؤلّفِ. وعلى القولِ بثبوتِ هذه اللغةِ التي ذكرَها من تقدّمَ، ففي تخريجِها قولانِ: - أنها لغةٌ متداخلةٌ من لغتينِ: عَضِضَ أَعَضُّ. عَضَضَ أَعُضُّ أو أُعِضُّ. فأُخِذَ ماضي الثانيةِ معَ مضارعِ الأولى، فقِيلَ: عَضَضَ أَعَضُّ (4) . - أنها شاذةٌ (5) . دِرَاسَةٌ قُرْآنِيّةٌ: وردَ الماضي مسنداً إلى واوِ الجماعةِ في آيةٍ واحدةٍ فقط هيَ: 1 - {وَإِذَا خَلَوا عَضُّوا عَلَيكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ} 119 / آل عمران. ولم يتّضحْ وزنُه لأنّه لم يُسْنَدْ إلى إحدى ضمائرِ الرفعِ المتحرّكةِ، بل أسندَ إلى واوِ الجماعةِ، ممّا استوجبَ ضمَّ ما قبلَه. وجاءَ الفعلُ المضارعُ مفتوحَ العينِ في آيةٍ واحدةٍ فقط هيَ: 1 - {ويومَ يَعَضُّ الظَّالِمُ على يَدَيْهِ} 27 / الفرقان. ولم نقف على قراءةٍ أخرى بغيرِ الفتحِ، واللهُ أعلمُ. - فَعِل يَفْعُل: (من الصحيح) : فَضِلَ يَفْضُلُ: الفضلةُ: البقيّةُ من كلِّ شيءٍ والزيادةُ (6) .   (1) 2 / 310. (2) التاج (عضض) 10 / 99. (3) العين (عض) 1 / 72. (4) انظر: التاج (عضض) 10 / 99. (5) انظر: المخصص 14 / 211. (6) انظر: تهذيب اللغة (فضل) 12 / 39 - 40، أساس البلاغة (ف ض ل) 343، اللسان (فضل) 11 / 525، التاج (فضل) 15 / 578. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 تقدَّمَ أنّه ليسَ في أبنيةِ الأفعالِ ما كُسِرَ ماضيه وضُمَّ مضارعُه، وما وردَ من ذلكَ فهو خارجٌ عنِ القياسِ، إذ الأصلُ في “ فَعِلَ ” أن يكونَ مفتوحاً على “ يَفْعَلُ ”، و“ فَعَلَ ” يكونُ مكسوراً أو مضموماً على “ يَفْعِلُ ” أو “ يَفْعُلُ ”. وتوجيهُ “ فَضِل يفضُل ” على تركّبِ لغتينِ مسموعتينِ واردتينِ عنِ العربِ، لا أنّ ذلكَ أصلٌ في اللغةِ وهما: - فَضَلَ يَفْضُلُ، كنصَر وقتَل ودخَل وقعَد، وهو الأقيسُ (1) ، والمشهورُ (2) ، والأجودُ (3) . - فَضِلَ يَفْضَلُ كسمِع وعلِم وحذِر، حكاها ابنُ السكيتِ (4) . ثم كثُر ذلكَ، واجتمعَ أهلُ اللغتينِ، فاستضافَ هذا لغةَ ذاكَ، وذاكَ لغةَ هذا؛ بأن أُخِذَ الماضي من الثانيةِ والمضارعُ من الأولى، فتكونت لغةٌ ثالثةٌ مركّبةٌ من الاثنتينِ، وهي: فَضِلَ كعَلِمَ يَفْضُلُ كينصُر (5) . وقد أجازَ ابنُ جنّيٍّ معَ هذا الوجهِ أن يكونَ للقبيلةِ الواحدةِ أو الحيِّ الواحدِ لغتانِ، فيسمعُ منهم ماضي إحداهما تارةً ومضارعُ الأخرى تارةً (6) .   (1) انظر: الكتاب 4 / 40، المخصص 14 / 154. (2) انظر: الاقتضاب 2 / 252. (3) انظر: أدب الكاتب 484. (4) انظر: إصلاح المنطق 212، أدب الكاتب 484، تهذيب اللغة (فضل) 12 / 40، شرح الشافية للرضي 1 / 136، تاج العروس (فضل) 15 / 578. (5) انظر: إصلاح المنطق 212، تهذيب اللغة (فضل) 12 / 40، الصحاح (فضل) 5 / 1791، الخصائص 1 / 387، النصف 1 / 256 - 257 الفرق بين الحروف الخمسة 273، شرح أدب الكاتب 238، أمالي ابن الشجري 1 / 210، شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 43، اللسان (فضل) 11 / 525، شرح الشافية للجاربردي 57، حاشية ابن جماعة 57، شرح التصريف المزي 34، المزهر 1 / 264، المناهج الكافية 36، تدريج الأداني 21، البلغة 173. (6) انظر: المنصف 1 / 275. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 وممّا وردَ على ماضِي هذه اللغةِ ما أنشدَه الأصمعيُّ لأبي الأسودِ الدؤليّ: ذَكَرْتُ ابنَ عَبّاسٍ بِبَابِ ابنِ عَامِرٍ ومَا مَرَّ من عَيشِي ذَكَرْتُ ومَا فَضِلَ (1) قالَ البطليوسيُّ: ((وهذهِ اللغاتُ الثلاثُ إنَّما هيَ في الفضلةِ والفضلِ اللذينِ يُرادُ بهما الزيادةُ، فأمّا الفضلُ الذي هو الشَّرَفُ فليسَ فيه إلاّ لغةٌ واحدةٌ، وهي فَضَلَ يَفْضُلُ على مثالِ قَعَدَ يَقْعُدُ)) (2) . وفي العينِ: ((ولغةُ أهلِ الحجازِ فَضِلَ يَفْضُلُ)) (3) . وأحسبُ الضبطَ سهواً من المحقّقِ أو الطابعِ؛ لأنَّ كسرَ الماضي وضمَّ المضارعِ كما تقدّم لغةٌ مركبةٌ وليست أصلاً. وقد حملَ سيبويهِ هذه اللغةَ على الشذوذِ؛ قالَ: ((فَضِلَ يَفْضُلُ شاذٌّ من بابِه)) (4) ، وذكرَها ابنُ قتيبةَ كذلكَ في الشواذِّ (5) ، وكذَا ابنُ عصفور (6) . وقالَ الجوهريُّ - بعدَ تخريجِه على التركبِ - بشذوذِه وأنَّه لا نظيرَ له، ونقلَ عن سيبويهِ قولَه: ((هذا عندَ أصحابِنا إنّما يجيءُ على لغتينِ)) (7) ، وتبعَه في ذلكَ ابنُ منظورٍ (8) ، والزبيديُّ (9) ، ونقلَ الأوّلُ منهما عنِ ابنِ سيده قولَه بندرتِه وأنّ سيبويهِ جعلَه كمِتَّ تَمُوتُ، وعنِ اللحيانيِّ أنّه نادرٌ كحسِب يحسِب (10) .   (1) الشاهد في ديوانه 46، طبقات الزبيدي 25، المنصف 1 / 256، شرح الملوكي 43، الخزانة 1 / 285،، وغير منسوب في: المخصص 14 / 126، المحرر 3 / 278، شرح المفصل 7 / 154. (2) الفرق بين الحروف الخمسة 273. (3) 7 / 44. (4) الكتاب 4 / 40. (5) انظر: الاقتضاب في شرح أدب الكتاب 2 / 252. (6) انظر: الممتع 1 / 177. (7) انظر: الصحاح (فضل) 5 / 1791. (8) انظر: اللسان (فضل) 11 / 525. (9) انظر: تاج العروس (فضل) 15 / 578. (10) انظر: اللسان (فضل) 11 / 525. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وقالَ ابنُ جنّيٍّ: ((وربما جاءَ منه شيءٌ على فَعِلَ يَفْعُلُ بكسرِ العينِ في الماضي وضمِّها في المستقبلِ، قالوا: فَضِلَ يَفْضُلُ، وهو قليلٌ شاذٌّ ... وقد منعَ من ذلكَ أبو زيدٍ وأبو الحسنِ)) (1) . وذكرَ ابنُ عبّادٍ في الفضلِ لغتينِ؛ فَضَلَ يَفْضُلُ، وفَضِلَ يَفْضِلُ كحسِب، حاملاً الثانيةَ منهما على النّدرة (2) . ولا إِخَالُ ضبطَ الثانيةِ إلاّ خطأً أو سهواً، إذ لم يردّ فيها اتّفاقُ كسرِ العينِ في الماضي والمضارعِ، ولعلَّ الذي دعا المحقّقَ إلى ذلكَ تشبيهُها بحسِبَ، وإنّما وجهُ الشَّبَهِ في النّدرةِ فقط وليسَ في الحركاتِ. وقد اختلفَ اللغويونَ في انفرادِ فَضِلَ يَفْضُلُ بهذا البابِ أو اشتراكِ غيرِه معَه؛ فقالَ سيبويهِ: ((وقد جاءَ في الكلامِ فَعِلَ يَفْعُلُ في حرفينِ، بنوه على ذلكَ كما بنوا فَعِلَ على يَفْعِلُ؛ لأنّهم قالوا: يَفْعِلُ في فَعِلَ كما قالوا في فَعَلَ، فأدخلوا الضمّةَ كما تدخلُ في فَعَلَ، وذلكَ في فَضِلَ يَفْضُلُ، ومِتَّ تموتُ، وفَضَلَ يَفْضُلُ وَمُتْ تَموتُ أقيسُ)) (3) .   (1) شرح الملوكي 43. (2) انظر: المحيط 8 / 22. (3) الكتاب 4 / 40. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 فسيبويهِ يُثبتُ في الصحيحِ حرفاً واحداً فقط، وآخرَ في المعتلِ، ويتفقُ معَه في قولِه هذا جماعةٌ؛ منهم ابنُ السكيتِ إذ قالَ: ((وليسَ في الكلامِ حرفٌ من السالمِ يشبه هذا)) (1) وابنُ قتيبةَ ((وليسَ في الكلامِ حرفٌ من السالمِ يشبهُه)) (2) وعنِ الفراءِ كذلكَ (3) ، والجواليقيُّ ((وليسَ في الكلامِ فَعِلَ يَفْعُلُ سوى هذهِ الثلاثةِ)) (4) يريدُ فَضِلَ يَفْضُلُ ومِتَّ تموتُ ودِمت تدومُ،وابنُ سيده ((وقد جاءَ حرفٌ واحدٌ منَ الصحيحِ على فَعِلَ يَفْعُلُ؛ وهوَ فَضِلَ يَفْضُلُ)) (5) . وزادَ كراعٌ غيرَه، فقالَ: ((وليسَ في السالمِ منَ الأفعالِ على مثالِ فَعِلَ يَفْعُلُ إلاّ فَضِلَ يَفْضُلُ ونَعِمَ يَنْعُمُ وحَضِرَ يَحْضُرُ فأمّا المعتلُ فمِتّ تموتُ ودِمت تدومُ، والأصلُ: مَوِتَ الرجلُ يموتُ ودَوِم يدومُ)) (6) . وقالَ ابنُ خالويهِ: ((ليسَ في كلامِ العربِ فَعِلَ يَفْعُلُ إلاّ خمسةَ أحرفٍ؛ دِمت أدومُ ومِتُّ أموتُ وفَضِلَ يَفْضُلُ ونَعِمَ يَنْعُمُ وقَنِطَ يَقْنُطُ)) (7) . نَعِمَ يَنْعُمُ: نعمَ الشيءُ نعومةً: صارَ ناعماً ليّناً (8) ، وهذا أيضاً ممّا خرجَ عن قياسِ بابِه، والأصلُ أن يكونَ بكسرِ الأوّلِ وفتح الثاين لا غيرَ، أو فتحِ الأوّلِ وضمِّ الثاني، أو ضمِّ عينِه ماضياً ومضارعاً. وقد وردَ في فعلِها لغاتٌ هيَ:   (1) إصلاح المنطق 212، وانظر: تهذيب اللغة 12 / 40، اللسان 11 / 525، التاج 15 / 578. (2) أدب الكاتب 484. (3) انظر: المزهر 1 / 264، البلغة 173. (4) شرح أدب الكاتب 238. (5) المخصص 14 / 126. (6) المنتخب 2 / 560 - 561. (7) ليس في كلام العرب 95. (8) انظر: العين (نعم) 5 / 161، الصحاح (نعم) 5 / 2042، اللسان (نعم) 12/ 579، التاج (نعم) 17 / 691. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 - نَعِمَ يَنْعَمُ كسمِع وحذِر، حكاها الليثُ وغيرُه (1) . - نَعَمَ يَنْعُمُ كنصَر (2) ، وقيلَ: نَعُمَ يَنْعُمُ كظرُف (3) . - نَعَمَ يَنْعِمُ كضرَب (4) . - نَعِمَ يَنْعِمُ كحسِب يحسِب، حكاها الأصمعيُّ (5) . قالَ ابنُ قتيبةَ ((نَعِمَ يَنْعَمُ ويَنْعِمُ ... عُليا مُضَرَ تكسرُ وسفلاها تفتحُ)) (6) وفي هذا حكى ثعلبٌ عن سلمَةَ عنِ الفراءِ قالوا: نزلوا منزلاً ينعِمهم وينعَمهم وينعُمهم ويُنْعِمُهُم عيناً، أربعُ لغاتٍ، وحكى اللحيانيُّ: نعِمك اللهُ عيناً، ونعِم اللهُ بك عيناً (7) . ووُجِد في الكلامِ أيضاً نَعِمَ يَنْعُمُ على مثالِ فَضِلَ يَفْضُلُ، بكسرِ الماضي وضمِّ المضارعِ، وتخريجُه كما مرَّ في فَضِلَ على تداخلِ اللغاتِ؛ إذ أُخِذَ الماضِي نَعِمَ يَنْعَمُ يَنْعَمُ والمضارعُ من نَعُمَ يَنْعُمُ (8) .   (1) انظر: العين (نعم) 2 / 161، المحيط (نعم) 2 / 68، تهذيب اللغة (نعم) 3 / 9، حاشية ابن جماعة 57، تاج العروس (نعم) 17 / 691 (2) انظر: حاشية ابن جماعة 57، التاج (نعم) 17 / 691. (3) انظر: الخصائص 1 / 378، الصحاح (نعم) 5 / 2042، شرح الشافية للرضي 1/136، حاشية ابن جماعة 57. (4) انظر: حاشية ابن جماعة 57، التاج (نعم) 17 / 691. (5) انظر: تهذيب اللغة (نعم) 3 / 9، الصحاح (نعم) 5 / 2042، اللسان (نعم) 12 / 579، حاشية ابن جماعة 57. (6) أدب الكاتب 483. (7) انظر: تهذيب اللغة (نعم) 3 / 10، التاج (نعم) 17 / 691. (8) انظر: ليس في كلام العرب 95، المحيط (نعم) 2 / 67 - 68، الخصائص 1 / 375، 1 / 378، المنصف 1 / 256 - 257، الصحاح (فضل) 5 / 1791، (نعم) 5 / 2042، المحكم (نعم) 2 / 138، شرح الشافية للرضي 1 / 136، اللسان (نعم) 12 / 579، حاشية ابن جماعة 57، شرح تصريف العزي 34 شرح الشافية لنقرة كار 36، تدريج الأداني 21. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 قالَ ابنُ جنّيٍّ: ((فإن قلتَ: فكانَ يجبُ على هذا أن يستضيفَ من يقولُ نَعُمَ مضارعَ من يقولُ نَعِمَ، فتُرَكَّبُ من هذا أيضاً لغةٌ ثالثةٌ؛ وهي: نَعُمَ يَنْعَمُ. قيلَ: منعَ من هذا أنّ فَعُلَ لا يختلفُ مضارعُه أبداً، وليسَ كذلكَ نَعِمَ؛ لأنَّ نَعِمَ قد يأتي فيه يَنْعِمُ ويَنْعَمُ جميعاً، فاحتُملَ خلافُ مضارعِه، وفَعُلَ لا يحتملُ مضارعُه الخلافَ؛ ألا تراكَ كيفَ تحذفُ فاءَ وَعَدَ في يَعِدُ؛ لوقوعِها بينَ ياءٍ وكسرةٍ، وأنتَ معَ ذلكَ تُصَحِّحُ نحوَ وَضُؤَ ووَطُؤَ إذا قلتَ: يوضُؤُ ويوطؤُ، وإن وقعتِ الواوُ بينَ ياءٍ وضمَّةٍ، ومعلومٌ أنّ الضمّةَ أثقلُ من الكسرةِ، لكنّه لمّا كانَ مضارعُ فَعُلَ لا يجيءُ مختلفاً لم يحذفوا فاءَ وَضُؤَ ولا وَطُؤَ ولا وَضُعَ؛ لئلا يختلفَ بابٌ ليسَ من عادتِه أن يجيءَ مختلفاً)) (1) . ولابن جِنّيٍّ أيضاً وجهٌ آخرُ في تخريجٍ نَعِمَ يَنْعُمُ؛ وهو أن يكونَ للقبيلةِ الواحدةِ أو الحيِّ الواحدِ لغتانِ نَعِمَ يَنْعَمُ ونَعُمَ يَنْعُمُ، فيُسمَعُ منهم ماضي إحداهما ومضارعُ الأخرى (2) . وقد عدَّها بعضُ اللغويينَ في الشواذِ؛ منهمم ابنُ قتيبةَ (3) ، وابنُ عصفور (4) .   (1) الخصائص 1 / 378. (2) انظر: المنصف 1 / 257، وثمة فرق بين التداخل، وهو أحد رأيي ابن جنّي، وهذا الرأي الثاني، إذ يريد هنا أنّ القبيلة الواحدة قد اجتمعت لها في نعم لغتان ثنتان، فيتفق أن يسمع منها تتكلم بماضي إحدى لغتيها مع مضارع لغتها الثانية، وهذا لا يكون تداخلاً لأنها تتكلم باللغتين، والتداخل يصدق عليها فيما لو انفردت لها لغة واحدة، فنطق ناطق بماضي لغته مع مضارع لغة أخرى. (3) انظر: الاقتضاب 2 / 252. (4) انظر: الممتع 1 / 177. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 وبهذا يتّضحُ أن فَعِلَ يَفْعُلُ مسموعةٌ عن العربِ في نَعِمَ يَنْعُمُ أيضاً، وأنّ فَضِلَ يَفْضُلُ ليست هي الحرفَ الوحيدَ في السالمِ الذي أتى من هذا البابِ، كما قالَه كثيرٌ من أئمةِ النّحوِ واللغةِ (1) ، بل يشاركُه فيه غيرُه مما سنذكرُه في موضعِه بإذنِ اللهِ تعالى. ولهذا قالَ ابنُ خالويهِ: ((ليسَ في كلام العربِ فَعِلَ يَفْعُلُ إلاّ خمسةَ أحرفٍ؛ دِمت أدومُ، ومِتّ أموتُ، وفَضِلَ يَفْضُلُ، ونَعِمَ يَنْعُمُ، وقَنِطَ يَقْنُطُ)) (2) . وحكى ابنُ قتيبةَ عن سيبويهِ قولَه: ((بلغَنا أنّ بعضَ العربِ يقولُ نَعِمَ يَنْعُمَ مثلَ فَضِلَ يَفْضُلُ)) (3) والصوابُ أنّ سيبويهِ لم يحكِ هذهِ اللغةَ؛ بل نصَّ على أنّ فَعِلَ يَفْعُلُ لم يردْ إلاّ في حرفينِ فقط؛ فَضِلَ في السالمِ، ومِتّ في المعتلِ (4) . حَضِرَ يَحْضُرُ: الحضورُ ضدُّ المغيبِ، والحضْرَةُ قربُ الشيءِ، والحاضرةُ خلافُ الباديةِ (5) ، وفعلُه: حَضَرَ بزنةِ “ فَعَلَ ”، وهي اللغةُ المشهورةُ الفصيحةُ الجيدةُ (6) . وقالَ الزبيديُّ: أثبتَها ثعلبٌ في الفصيحِ (7) وغيرُه، وأوردَها أئمةُ اللغةِ قاطبةً (8) . وفي ماضيه لغةٌ أخرى؛ هي حَضِرَ بكسرِ العينِ، حكاها الفراءُ (9) .   (1) راجع ما ورد في (فضل) . (2) ليس في كلام العرب 95. (3) أدب الكاتب 484. (4) انظر: الكتاب 4 / 40. (5) انظر: العين (حضر) 3 / 102 - 103، تهذيب اللغة (حضر) 4 / 200، الصحاح (حضر) 2 / 632، أساس البلاغة (ح ض ر) 86، القاموس (حضر) 2 / 10، التاج (حضر) 6 / 285. (6) انظر: تهذيب اللغة (حضر) 4 / 201، شرح الشافية للرضي 1 / 136، التاج (حضر) 6 / 285. (7) انظر: الفصيح 274. (8) انظر: التاج (حضر) 6 / 285. (9) انظر: إصلاح المنطق 212، الصحاح (حضر) 2 / 633. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 وكلُّهم يقولونَ يَحْضُرُ بالضمِّ، لا خلافَ بينهم في مضارِعِه (1) . وحُكيَ عن الليثِ أنّهم يقولونَ: حَضَرَتِ الصلاةُ، وأهلُ المدينةِ يقولونَ حَضِرَتْ، وكلُّهم يقولون تَحْضُرُ (2) . ويقالُ: حَضِرَتِ القاضيَ اليومَ امرأةٌ، ثم يقولونَ: تَحْضُرُ (3) . وممّا وردَ على هذهِ اللغةِ قولُ جريرٍ: مَا مَن جَفَانا إذَا حاجاتُنا حَضِرَتْ كمَن لنا عندَه التكريمُ واللَّطَفُ (4) فتحصّلَ من ذلكَ في حَضَرَ لغتانِ: - حَضَرَ يَحْضُرُ، وهيَ المشهورةُ. - حَضِرَ يَحْضُرُ، لغةٌ فيها. وقد حكى ابنُ يعيشَ هذهِ اللغةَ حَضِرَ يَحْضُرُ عن سيبويهِ (5) ، في حينَ أنّه حكاها في كتابٍ آخرَ عن غيره (6) ، وكذا حكاها ابنُ سيده عن غيره (7) ، والصوابُ - إن شاءَ اللهُ - الثاني؛ لأنّ سيبويهِ بنصِّه في كتابِه لم يذكرْ ممّا وردَ على فَعِلَ يَفْعُلُ سوى فَضِلَ يَفْضُلُ في السالمِ (8) . وقالَ جماعةٌ منَ اللغويينَ بشذوذِ الثانيةِ، كابنِ عصفورٍ (9) ، وابنِ منظورٍ (10) ، والسيوطيِّ (11) .   (1) انظر: العين (حضر) 3 / 102 - 103، الصحاح (حضر) 2 / 633. (2) انظر: العين (حضر) 3 / 102 - 103، تهذيب اللغة (حضر) 4 / 201، التاج (حضر) 6 / 285. (3) انظر: إصلاح المنطق 212، تهذيب اللغة (حضر) 4 / 201، الخصائص 1 / 378، الصحاح (حضر) 2 / 633، اللسان (حضر) 11 / 525. (4) انظر: إصلاح المنطق 213، الصحاح (حضر) 2 / 633، المخصص 14 / 126، التاج (حضر) 6 / 285. (5) انظر: شرح الملوكي 43. (6) انظر: شرح المفصل 7 / 154. (7) انظر: المخصص 14 / 154. (8) انظر: الكتاب 4 / 40. (9) انظر: الممتع 1 / 176. (10) انظر: اللسان (حضر) 4 / 196. (11) انظر: الهمع 6 / 33. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 وحملَها ابنُ يعيشَ على تداخلِ اللغاتِ (1) ، وقالَ الفيوميُّ: ((لكن استُعمِلَ الضمُّ معَ كسرِ الماضي شذوذاً، ويُسمَّى تداخلَ اللغتينِ)) (2) . والقولُ بوقوعِ التداخلِ أرَاهُ مُتَعذِّراً؛ لأنَّ حَضَرَ لم يثبتْ في ماضيها ومضارِعها لغتانِ، فتكونَ بعدَ هذا حَضِرَ يَحْضُرُ ثالثةً مركبةً منهما، وهذا يستقيمُ لو كانَ فيها لغتانِ: - حَضَرَ يَحْضُرُ. - حَضِرَ يَحْضَرُ. فيَأْخذُ الماضي من إحداهما والمضارعُ من الثانيةِ مكوِّنَةً لغةً ثالثةً هيَ حَضِرَ يَحْضُرُ. قالَ البطليوسيُّ ((وحكى يعقوبُ حَضِرَ يَحْضَرُ)) (3) كذا ضَبَطَ المحقّقُ، وليسَ في إصلاحِ المنطقِ ولا تهذيبِ الألفاظِ وتقدّمَ النقلُ عنه: حَضِرَ يَحْضُرُ (4) . وقالَ الفيروزا باديُّ ((حَضَرَ وعلِم)) (5) ، وظاهرُ لفظِه يُوهِمُ أنّ في حَضَرَ لغتينِ: - حَضِرَ يَحْضُرُ كنصَرَ ينصُر. - حَضِرَ يَحْضَرُ كعلِمَ يعلَمُ. قالَ الزبيديُّ: ((واللغةُ الأولى هيَ الفصيحةُ المشهورةُ، ذكرَها ثعلبٌ في الفصيحِ وغيرُه، وأوردَها أئمةُ اللغةِ قاطبةً وأمّا الثانيةُ فأنكرَها جماعةٌ وأثبتَها آخرونَ، ولا نزاعَ في ذلكَ، إنّما الكلامُ في كلامِ المصنِّفِ أو صريحِه، فإنَّه يقتضي أنَّ حَضِرَ كعلِمَ مضارعُه على قياسِ ماضيه، فيكونُ مفتوحاً كيعلَمُ، ولا قائلَ به، بل كلُّ من حكى الكسرَ صرَّحَ بأنّ المضارعَ لا يكونُ على قياسِه)) (6) . قلتُ: وإنّما أَدْخَلْتُ حَضِرَ يَحْضُرُ في بحثِ التداخلِ هذا، وإن لم يكن منه - حسبما أرى -: لأنَّ هذا الفعلَ يردُ معَ أفعالِ التداخلِ، ولقولِ بعضِ العلماءِ بأنّه من قبيلِه، فآثرتُ عرضَ هذه الأقوالِ، وبيانَ مسلكِ الصوابِ فيها.   (1) انظر: شرح المفصل 7 / 154. (2) المصباح المنير 140. (3) الاقتضاب 2 / 252. (4) انظر: إصلاح المنطق 212. (5) القاموس (حضر) 2 / 10. (6) تاج العروس (حضر) 6 / 285. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 دِراسَةٌ قُرْآنِيَّةٌ: جاءَ الفعلُ الماضي غيرَ متّصلٍ بشيءٍ في خمسِ آياتٍ: 1 - {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوتُ} 133 / البقرة. 2 - {كُتِبَ عَلَيْكُمُ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ} 180/ البقرة. 3 - {وَإِذَا حَضَرَ القسمةَ أُولُوا القُرْبَى واليَتَامَى والمَسَاكينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنهُ} 8 / النساء. 4 - {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} 18 / النساء. 5 - {شَهَادَة بَيْنكُم إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوتُ حِينَ الوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} 106 / المائدة. وجاءَ مسنداً إلى واوِ الجماعةِ في آيةٍ واحدةٍ: 1 - {فَلَمَّا حَضَرُوه قَالُوا أَنْصِتُوا} 29 / الأحقاف. ومضارعاً في آيةٍ واحدةٍ: 1 - {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّي أَنْ يَحْضُرُونِ} 98 / المؤمنون. فالفعلُ في القرآنِ لم يردْ إلاّ على فَعَلَ يَفْعُلُ وهوَ القياسُ، ولم نقفْ على غيرِ ذلكَ في قراءاتٍ آُخَرَ. شَمِلَ يَشْمُلُ: الشَّملُ: الاجتماعُ، يقالُ: جمعَ اللهُ شملَهم، وشَمِلَهُمُ الأمرُ بمعنى عمَّهم وغشيَهم (1) . وردَ فيها لغتانِ: - شَمِلَ يَشْمَلُ كعلِم (2) . - شَمَلُ يَشْمُلُ كنصَر (3) ، ويَشْمِلُ كضرَب (4) .   (1) انظر: العين (شمل) 6 / 265، الصحاح (شمل) 5 / 1738، المشوف المعلم (ش م ل) 1 / 406، اللسان شمل 11 / 367، التاج (شمل) 14 / 390. (2) انظر: العين (شمل) 6 / 265، المحيط (شمل) 7 / 341، الصحاح (شمل) 5 / 1738 - 1739، اللسان (شمل) 11 / 367. (3) انظر: الصحاح (شمل) 5 / 1738 - 1739، اللسان (شمل) 11 / 367. (4) عن اللحياني (التاج (شمل) 14 / 389) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 قالَ اللحيانيُّ: شَمَلَهم بالفتحِ لغةٌ قليلةٌ (1) ، وقالَ الجوهريُّ: شَمَلَهم لغةٌ لم يعرفْها الأصمعيُّ (2) . وسُمِع لغةٌ ثالثةٌ: - شَمِلَ يَشْمُلُ، حكاها ابنُ درستويهِ (3) ، والأزهريُّ (4) . وتوجيهُها على تداخلِ اللغتينِ، إذ شَمِلَ في الأصلِ ماضي يَشْمَلُ، ويَشْمُلُ في الأصلِ مضارعُ شَمَلَ، فتداخلتِ اللغتانِ فيهما، فاستضافَ من يقولُ شَمِلَ لغةَ من يقولُ يَشْمُلُ، فحدثَتْ هنالِكَ لغةٌ ثالثةَ، مركَّبَةٌ منهما (5) . قالَ السيوطيُّ: ((وليسَ ذلك بقياسٍ، واللغتانِ الأوليانِ أجودُ)) (6) . نَكِلَ يَنْكُلُ: النَّكْلُ الجبنُ، نكلَ عنِ الأمرِ: جَبُن عن لقائِه ونكَصَ (7) ، أتَتْ على لغتينِ: - نَكَلَ يَنْكِلُ ويَنْكُلُ كضرَبَ ونصَرَ (8) . - نَكِلَ يَنْكَلُ كعلِمَ (9) . والأولى أجودُ (10) . قالَ الخليلُ: الأولى حجازيّةٌ، والثانيةُ تميميّةٌ (11) .   (1) انظر: اللسان (شمل) 11 / 368، التاج (شمل) 14 / 389 - 390. (2) انظر: الصحاح (شمل) 5 / 1739، التاج (شمل) 14 / 390. (3) انظر: الاقتضاب 2 / 252، المزهر 1 / 265. (4) انظر: تهذيب اللغة (شمل) 11 / 371. (5) انظر: المزهر 1 / 265. (6) المزهر 1 / 265. (7) انظر: تهذيب اللغة (نكل) 10 / 246، اللسان (نكل) 11 / 677، التاج (نكل) 15 / 754. (8) انظر: اللسان (نكل) 11 / 677، التاج (نكل) 15 / 754، ونَكل ينكُل فحسب في: تهذيب اللغة (نكل) 10 / 246، المحيط (نكل) 6 / 265، الصحاح (نكل) 5 / 1835. (9) انظر: العين (نكل) 5 / 371، تهذيب اللغة (نكل) 10 / 246، المحيط (نكل) 6 / 265، اللسان (نكل) 11 / 677، التاج (نكل) 15 / 754. (10) انظر: تهذيب اللغة (نكل) 10 / 246، اللسان (نكل) 11 / 677. (11) انظر: العين (نكل) 5 / 371. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وفي المحيطِ: نَكِلَ يَنْكَلُ حجازيةٌ (1) . ولعلَّ الضبطَ خلطٌ من المحقِّقِ، وفي التاجِ ما يؤيدُ الأولَ: ((نَكِلَ عنه كضرَبَ ونصَرَ وعلِمَ، الأخيرةُ أنكرَها الأصمعيُّ، وأثبتَها غيرُه، وقيلَ: هيَ لغةُ بني تميمٍ)) (2) . وحكى ابنُ درستويهِ فيه لغةً ثالثةً هيَ: نَكِلَ يَنْكُلُ (3) . وتخريجُ هذهِ على تداخلِ اللغتينِ، إذ أُخِذَ الماضي منَ اللغةِ التميميةِ والمضارعُ من الحجازيةِ فتركبت منهما هذهِ اللغةُ على فَعِلَ يَفْعُلُ. - فَعِل يفعُل من المعتل مِتْ تَمُوتُ: الموت معروفٌ، وفعلُه جاءَ على لغتينِ (4) : - مُتّ تموتُ كقُلت منَ المعتلِ ونصَرَ منَ السالمِ، وهيَ لغةُ سُفْلَى مُضَرَ (5) . - مِتّ تماتُ كخِفت منَ المعتلِ وعَلِم منَ السالمِ، وهذهِ طائيّةٌ (6) ، قالَ ابنُ دريدٍ: أكثرُ من يتكلمُ به طيّءٌ، وقد تكلمَ بها سائرُ العربِ (7) . وقيلَ: وهيَ لغةُ الحجازِ (8) . وعليها قالَ الراجزُ: بُنَيَّتي سَيِّدَةَ البَنَاتِ   (1) انظر: (نكل) 6 / 265. (2) نكل) 15 / 754. (3) انظر: الاقتضاب 2 / 252. (4) انظر: المحيط (موت) 9 / 479، الخصائص 1 / 380 - 381، المنصف 1 / 256، الصحاح (موت) 1/ 266، الأفعال لابن القطّاع 3 / 205، نزهة الطرف للميداني 107، شرح أدب الكاتب للجواليقي 238، شرح الشافية للرضي 1 / 136، البحر 3 / 406، حاشية ابن جماعة 57 المصباح (موت) 583، التاج (موت) 3 / 135، تدريج الأداني 21 - 22. (5) انظر: إعراب النّحاس 1 / 415، القرطبي 4 / 447، البحر 3 / 406. (6) انظر: التاج (موت) 3 / 135. (7) انظر: الجمهرة 3 / 1308. (8) انظر: اعراب النحاس 1 / 451، القرطبي 4 / 274، البحر 3 / 406. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 عِيْشِي ولا نَأْمَنُ أن تَمَاتِي (1) قالَ الأزهريُّ: ((اللغةُ الفصيحةُ: مُتّ ومُتنا)) (2) . وقالَ ابنُ خالويهِ: ((والضمُّ أفصحُ وأشهرُ)) (3) . وقالَ أبو حيّانَ: ((والضمُّ أقيسُ وأشهرُ والكسرُ مستعملٌ كثيراً، وهوَ شاذٌ في القياسِ)) (4) . وحكى الفيروزاباديُّ فيها لغةً ثالثةً؛ هيَ: مات يميتُ (5) . وقالَ الزبيديُّ: ((وظاهرُه أنّ التثليثَ في مضارعِ مات مطلقاً، وليسَ كذلكَ، فإنّ الضمَّ إنّما هوَ في الواويِّ كيقولُ من قالَ قولاً، والكسرُ إنّما هوَ في اليائيِّ كيبيعُ من باعَ، وهيَ لغةٌ مرجوحةٌ أنكرَها جماعةٌ)) (6) . وماتَ يموتُ أصلُها مَوَتَ يَمْوُتُ على فَعَلَ يَفْعُلُ، فلمّا تحركَتِ الواوُ في الماضي وفُتِحَ ما قبلَها قُلِبَتْ ألفاً، وفي المضارعِ نُقِلت حركةُ المعتلِّ إلى الساكنِ الصحيحِ قبلَه، فلمّا أُسنِدَ الفعلُ إلى ضميرِ الرفعِ حُذِفَ حرفُ العلةِ منعاً من التقاءِ الساكنينِ. وماتَ يماتُ أصلها مَوِتَ يَمْوَتُ على فَعِلَ يَفْعَلُ، ثم حدثَ لها من الاعتلالِ ما حدثَ لسابقتِها، معَ قلبِ الواوِ ألفاً في مضارعِه مناسبةً لحركةِ ما قبلَها.   (1) الشاهد في: الجمهرة (موت) 3 / 1307 - 1308، الصحاح (موت) 1 / 266 - 267، شرح الشافية للرضي 4 / 57، اللسان (موت) 2 / 91، الدر 3 / 458، التاج (موت) 3 / 135، بروايات متفاوتة. (2) القراءات 1 / 129. (3) الحجّة 115. (4) البحر 3 / 406. (5) انظر: القاموس (موت) 1 / 158. (6) التاج (موت) 3 / 135 - 136. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وقد حكى سيبويهِ: مِتَّ تموتُ على فَعِلَ يَفْعُلُ (1) ، وحكاها ابنُ السكيتِ عن بعضِهم (2) ، وحكاها غيرُهما (3) . وتوجيهُ هذه اللغةِ على تركّبِ اللغتينِ بأن جيءَ بالماضي من اللغةِ الثانيةِ معَ مضارعِ الأولى (4) . قالَ سيبويهِ: ((وأمّا مِتَّ تَمُوتُ فإنما اعتُلَّتْ من فَعِلَ يَفْعُلُ، ولم تُحَوَّلْ كما يُحَوَّلُ قُلتُ وزِدْتُ، ونظيرُها من الصّحيحِ فَضِلَ يَفْضُلُ، وكذلكَ كُدتَ تَكَادُ اعتلَّتْ من فَعُلَ يَفْعَلُ، وهيَ نظيرةُ مِتَّ في أنّها شاذةٌ، ولم يجيئا على ما كَثُرَ واطَّردَ من فَعُلَ وفَعِلَ)) (5) . وقد خرّج هذه اللغةَ قومٌ على الشذوذِ (6) ، وقالَ أبو حيّانَ: ((وهوَ شاذٌ في القياسِ جعلَه المازنيُّ من فَعِلَ يَفْعُلُ نظيرُ دِمتَ تدومُ وفَضِلت تَفْضُلُ، وكذا أبو عليٍّ، فحكما عليه بالشذوذِ)) (7) ، وعدّها كراعٌ من قبيلِ النادرِ (8) .   (1) انظر: الكتاب 4 / 343. (2) انظر: إصلاح المنطق 212. (3) انظر: أدب الكاتب 484، المخصص 14 / 126، الاقتضاب 2 / 252، شرح أدب الكاتب للجواليقي 238، شرح المفصل 7 / 154، الممتع 1 / 177، شرح الشافية للرضي 1 / 136، اللسان (موت) 2 / 91. (4) انظر: الخصائص 1 / 375، 378، 380 - 381، المنصف 1 / 256، نزهة الطرف للميداني 107، شرح أدب الكاتب للجواليقي 238 شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 43، شرح الشافية للرضي 1 / 136، اللسان (فضل) 11 / 525، المصباح (موت) 583، شرح التصريف العزي 34، المزهر 1 / 264 - 265، تدريج الأداني 21 - 22. (5) الكتاب 4 / 343. (6) انظر: أدب الكاتب 484، المنصف 1 / 256، المخصص 15 / 58، المقتضب 2 / 252، الممتع 1 / 177. (7) البحر 3 / 406. (8) انظر: المنتخب 2 / 561. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 وقد اختُلِفَ فيما وردَ على فَعِلَ يَفْعُلُ من المعتلِ، فأثبتَ سيبويهِ مِتّ تموتُ وحدَها؛ قالَ: ((وقد جاءَ في الكلامِ فَعِلَ يَفْعُلُ في حرفينِ، بنوه على ذلكَ كما بنوا فَعِلَ يَفْعِلُ؛ لأنّهم قالوا: يَفْعِلُ في فَعِلَ كما قالوا في فَعَلَ، فأدخلوا الضمّةَ كما تدخلُ في فَعَلَ، وذلكَ في فَضِلَ يَفْضُلُ ومِتَّ تَمُوتُ، وفَضَلَ يَفْضُلُ ومُتّ تموتُ أقيسُ)) (1) ، وزادَ كراع (2) دِمت تدومُ، وكذا ابنُ خالويهِ (3) ، والجواليقيُّ (4) ، وحُكِي عنِ الفرّاءِ (5) . دِرَاسَةٌ قُرْآنِيّةٌ: ماضي الفعلِ المسندِ إلى ضميرِ رفعٍ جاءَ في أحدَ عشرَ موضعاً، مسنداً إلى ضميرِ المتكلمِ المفردِ في آيتين هما: 1 - {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي متُّ قَبلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِياً} 23 / مريم. 2 - {وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} 66 / مريم. ومسنداً إلى ضمير المخاطب المفرد في آية واحدة هي: - {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِن قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِن مِتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ} 34 / الأنبياء. ومُسْنداً إلى جماعةِ المخاطبينَ في ثلاثٍ أخرى؛ هيَ: 1 - {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ في سَبِيلِ اللهِ أو مِتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} 157 / آل عمران. 2 - {وَلَئِنْ مِتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ} 158 / آل عمران. 3 - {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} 35/ المؤمنون. ومسنداً إلى ضميرِ المتكلمينَ في خمسِ آياتٍ هيَ:   (1) الكتاب 4 / 40. (2) انظر: المنتخب 2 / 561. (3) انظر: ليس في كلام العرب 95. (4) انظر: شرح أدب الكاتب 238. (5) انظر: المزهر 1 / 264 - 265، البلغة 173. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 1 - {قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُمَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} 82 / المؤمنون. 2 - {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} 16 / الصافات. 3 - {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِيْنُونَ} 53 / الصافات. 4 - {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} 3 / ق. 5 - {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} 47 / الواقعة. ولم يأتِ مضارعُه بغيرِ الواوِ، وبغيرِ زنةِ يَفْعُلُ بالضمِّ. فجاءَ مجردّاً مرفوعاً في عشرِ آياتٍ هيَ: 1 - {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} 145 / آل عمران. {وَأَقْسَمُوا باللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِم لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ} 38 / النحل. 3 - {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً} 15 / مريم. 4 - {وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَياً} 33 / مريم. 5 - {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى} 74 / طه. 6 - {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} 37 / المؤمنون. 7 - {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِيْ لاَ يَمُوتُ} 58 / الفرقان. 8 - {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} 34 / لقمان. 9 - {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنا الدُّنيَا نَمُوتُ ونَحْيَا} 24 / الجاثية. 10 - {ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى} 13 / الأعلى. ومجرداً مجزوماً في موضعينِ هما: 1 - {اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِيْنَ مَوتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} 42 / الزمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 2 - {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِيْنِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} 217 / البقرة. ومُسنداً إلى واوِ الجماعةِ في أربعِ آياتٍ هيَ: 1 - {فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 132 / البقرة. 2 - {وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 102 / آل عمران. 3 - {وَلاَ الَّذِيْنَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} 18 / النساء. 4 - {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ} 25 / الأعراف. ومنصوباً في موضعٍ هوَ: 1 - {لاَ يُقْضَى عَلَيْهِم فَيَمُوتُوا} 36 / فاطر. القِرَاءَاتُ الوَارِدَةُ: ((متّ)) ((متُّم)) ((متْنَا)) قرأَ نافعٌ وحمزةُ والكسائيُّ الفعلَ الماضيَ المسندَ إلى ضمائرِ الرفعِ بالكسرِ في جميعِ القرآنِ، وقرأَ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرٍو وابنُ عامرٍ بالضمِّ في جميعِ القرآنِ، وروى أبو بكرٍ عن عاصمٍ الضمَّ في كلِّ المواضعِ، وخفض الضمَّ في موضعينِ فقط هما: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيْلِ اللهِ أَو مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ ... } 157 / آل عمران. {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَو قُتِلْتُمْ لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ} 158 / آل عمران. وما عدا ذلكَ بالكسرِ حيثما وقعت في جميعِ القرآنِ (1) . قالَ ابنُ خالويهِ: ((والضمُّ أفصحُ وأشهرُ)) (2) . وقالَ الأزهريُّ: ((القراءةُ العاليةُ واللغةُ الفصيحةُ: ((مُتّ)) و ((مُتنا)) ... والقراءةُ بكسرِ الميمِ من ((مِتّ)) فاشيةٌ وإن كانَ الضمُّ أفشى)) (3) .   (1) انظر هذه القراءات في: إعراب القراءات 1 / 121، السبعة 218، القراءات 1 / 129، المحرر 3 / 278، 11 / 212، 13 / 224، 15 / 374، البيان 1 / 288، الرازي 9 / 57، التبيان 1 / 305، البحر 3 / 405 - 406، الدر 3 / 458. (2) الحجة 115. (3) القراءات 1 / 129. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 وقالَ ابنُ عطيّةُ: ((قالَ أبو عليٍّ: ضمُّ الميمِ هوَ الأشهرُ والأقيسُ، مُتَ تموتُ مثلُ قُلتَ تَقُولُ وطُفتَ تطُوفُ، والكسرُ شاذٌّ في القياسِ وإن كانَ قد استُعمِلَ كثيراً، وليسَ كما شذَّ قياساً واستعمالاً كشذوذِ اليُجَدَّع ونحوِه)) (1) . وقالَ أبو حيّانَ: ((والضمُّ أقيسُ وأشهرُ، والكسرُ مستعملٌ كثيراً، وهوَ شاذٌّ في القياسِ)) (2) . تَوْجِيْهُ القِرَاءَاتِ: من قرأَ بضمِّ ميمِ الماضي ففي قراءتِه وجهانِ: أحدُهما: أن يكونَ الأصلُ فيه مَوَتَ كقُلتَ: أصلُه قَوَلتَ، فتحرّكتِ الواوُ وانفتحَ ما قبلَها فقُلِبت ألفاً، ثمّ حُذِفت لسكونِها وسكونِ آخرِ الفعلِ عندَ اتّصالِه بالضميرِ، وضُمّتِ الميمُ للدلالةِ على أنّ الفعلَ من ذواتِ الواوِ، ووزنُه: فَعَلَ يَفْعُلُ؛ أتى على الأصلِ في الواويِّ (3) . والثاني: أن يكونَ أصلُه مَوَتَ / فنُقِلَ من فَعَلت - بفتحِ العينِ - إلى فعُلت - بضمِّ العينِ - فنُقِلَتِ الضمّةُ من الواوِ إلى الميمِ، فبقيتِ الواوُ ساكنةً، والتاءُ ساكنةٌ؛ فحذفتِ الواوُ، فصارَ مُتّ، ووزنُه: فَعُلَ يَفْعُلُ (4) . ووزنُه في الوجهينِ ((فُلْت)) . ومن قالَ ((مِت)) بالكسرِ؛ فالأصلُ فيه: مَوِت بزنةِ فَعِلَ، فَعِلت كخِفت، أصلُه خَوِفت، ثمّ نُقِلَتِ الكسرةُ منَ الواوِ إلى الميمِ للدلالةِ على بِنْيَةِ الكلمةِ في الأصلِ، فالتقى ساكنانِ؛ الواوُ والتاءُ، فحُذِفَتِ الواوُ، فصارَ مِتُّ بزنةِ ((فِلْت)) (5) . ثم اختلفوا في تخريجِه:   (1) المحرر 3 / 278. (2) البحر 3 / 406. (3) انظر: إعراب النحاس 4 / 335، إعراب القراءات 1 / 121، الحجة 115، البيان 1 / 288، الرازي 9 / 57، الدر 3 / 458. (4) انظر: البيان 1 / 228، الدر 3 / 458. (5) انظر: البيان 1 / 228، الدر 3 / 458 - 459. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 فقيلَ: القراءةُ بالكسرِ على لغةِ من يقولُ: مات يماتُ، كخاف يخافُ على فَعِلَ يَفْعَلُ (1) ، وحُكِيَ عنِ الفرّاءِ (2) . قالَ الرازيُّ: ((والأوّلونَ أخذوه من ماتَ يماتُ مِتّ، مثل: هابَ يهابُ هِبت، وخافَ يخافُ خِفت، وروى المبردُ هذه اللغة، فإن صحَّ فقد صحَّت هذه القراءةُ)) (3) . قلتُ: القراءةُ ثابتةٌ، ولا مجالَ لردِّها، قرأَ بها القرّاءُ السبعةُ، وهيَ سنّةٌ متبعةٌ نتلقَّاها بالقبولِ، سواءٌ نَقلَها المبردُ أم لم ينقلْها، هذا إلى أنّ قولَ المبردِ محكيّ في لغةِ مِتّ تماتُ فَعِلَ يَفْعَلُ والقراءةُ في القرآنِ على مِتّ تموتُ فَعِلَ يَفْعُلُ. وقالَ السمينُ: ((فالصحيحُ من قولِ أهلِ العربيةِ أنَّه من لغةِ من يقولُ: ماتَ يماتُ كخافَ يخافُ ... وهذا أولى من قولِ من يقولُ: إنّ “ مِت ” بالكسرِ مأخوذٌ من لغةِ من يقولُ يموتُ بالضمِّ في المضارعِ ... وإذا ثبتَ ذلك لغةً فلا معنى إلى ادِّعاءِ الشذوذِ فيه)) (4) . قلت: ويردُّه اجتماعُهم على يموتُ في المضارعِ، والأظهرُ فيه أنَّه من بابِ التداخلِ. ونُقِلَ عن المازنيِّ وأبي عليٍّ أنّ الكسرَ مأخوذٌ من لغةِ من يقولُ يموتُ بالضمِّ في المضارعِ، وهو شاذٌّ في القياسِ كثيرٌ في الاستعمالِ، نظيرُ دِمت تدومُ وفَضِلَ تَفْضُلُ (5) .   (1) انظر: إعراب النحاس 3 / 11، 4 / 335، إعراب القراءات 1 / 121، الحجة 115، القراءات 1 / 129، مشكل إعراب القرآن 2 / 352 - 353، البيان 1 / 228، البحر 3 / 406. (2) انظر: إعراب القراءات 1 / 121. (3) 9 / 57. (4) الدر 3 / 458 - 459. (5) انظر: إعراب النحاس 3 / 11، 4 / 335، مشكل إعراب القرآن 2 / 353، البحر 3 / 406، الدر 3 / 459. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 دِمْتَ تَدُومُ: دامَ الشيءُ: طالَ زمنُه، أو: سكنَ، والمستديمُ: المتأني في أمرِه، والمداومةُ على الأمرِ: المواظبةُ عليه (1) ، وفيه لغتانِ مشهورتانِ قياسيتانِ (2) : - دُمت تدومُ كقُلت ونصَرَ، وهيَ اللغةُ العاليةُ (3) ، لغةُ أهلِ الحجازِ (4) . - دِمت تدامُ كخِفت وعلِمَ، وهي لغةُ أُزْدِ السَّرَاةِ ومن جاورَهم (5) ، وقيلَ: لغةُ بني تميمٍ (6) . وشاهدُ اللغةِ الأخيرةِ قولُ الراجزِ: يا مَيّ لا غَرْوَ ولا مَلامَا يا مَيّ لا غَرْوَ ولا مَلامَا (7)   (1) انظر: المحيط (دوم) 9 / 379، الصحاح (دوم) 5 / 1923، اللسان (دوم) 12 / 212، التاج (دوم) 16 / 252. (2) انظر: معاني الزجاج 1 / 433، المحيط (دوم) 9 / 379، الصحاح (دوم) 5 / 922، الخصائص 1 / 380 - 381، المنصف 1 / 256 الأفعال لابن القطّاع 3 / 205، نزهة الطرف للميداني 107، شرح أدب الكاتب للجواليقي 238، التبيان 1 / 462، الفريد 2 / 84، القرطبي 4 / 117، شرح الشافية للرضي 1 / 136، اللسان (دوم) 12 / 212، حاشية ابن جماعة 57، الدر 4 / 43، 7 / 596، التاج (دوم) 16/252، تدريج الأداني 21 - 22. (3) انظر: الدر 7 / 596. (4) انظر: الفريد 1 / 589، الدر 3 / 266. (5) انظر: إعراب النحاس 1 / 388، الفريد 1 / 589، القرطبي 4 / 117. (6) انظر: البحر 3 / 223، الدر 3 / 267. (7) الشاهد في الجمهرة (دوم) 3 / 1308، الخصائص 1 / 380، 2 / 264، اللسان (دوم) 12 / 212، التاج (دوم) 16 / 252، ورواية الجمهرة: ياميّ لا عذل ولا ملاما ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 ((وقال السمين: قالَ الفرّاءُ: ويجتمعونَ في المضارعِ فيقولونَ: يدومُ؛ يعني أنّ الحجازيينَ والتميميينَ اتفقوا على أنَّ المضارعَ مضمومُ العينِ، وكانَ قياسُ تميمٍ أن تقولَ: يدامُ كخافَ يخافُ وماتَ يماتُ، فيكونُ وزنُها عندَ الحجازِيين “ فَعَل ”، بفتحِ العينِ، وعندَ التميميينَ “ فَعِلَ ” بكسرِها، هذا نقلُ الفرّاءِ، وأمّا غيرُه فنقلَ عن تميمٍ أنّهم يقولونَ: دِمت أدامُ، كخِفت أخافُ، نقلَ ذلكَ أبو إسحاقَ وغيرُه كالرّاغبِ الأصفهانيِّ وأبي القاسمِ الزمخشريِّ)) (1) . وأصلُ فعلِها دَوَمَ يَدْوُمُ، ودَوِمَ يَدْوَمُ، ثم قُلِبَت واوُ ماضيها ألفاً لتحرُّكِها وانفتاحِ ما قبلَها، ونُقِلَت حركةُ الواوِ في مضارعِه إلى الساكنِ الصحيحِ قبلَه، معَ قلبِها ألفاً في الثانيةِ منهما لمجانسةِ حركةِ ما قبلَها. وقد حكى ابنُ السكيتِ عن بعضِ العربِ أنه يقولُ: دِمت بالكسرِ، ثم يقولُ: تدومُ، كفَضِلَ يَفْضُلُ (2) . وتوجيهُ هذهِ اللغةِ على التداخلِ بأن أخذَ قومٌ لغةَ الذينَ كسروا الماضيَ فتكلموا بها، وأخذوا لغةَ الذينَ ضمُّوا المستقبلَ فتكلموا بها، فخرجَتْ عنِ القياسِ. وعدَّها ابنُ قتيبةَ في الشواذِ (3) ، وكذلكَ قومٌ (4) ، وحملَها كراعٌ على النّدرةِ (5) ، والأخفشُ على القلةِ (6) .   (1) الدرّ 3 / 267. (2) انظر: إصلاح المنطق 212. (3) انظر: أدب الكاتب 484، الاقتضاب 2 / 252. (4) انظر: المنصف 1 / 256، المخصص 15 / 58، الممتع 1 / 177. (5) انظر: المنتخب 2 / 561. (6) انظر: معاني القرآن 1 / 411. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 قالَ ابنُ منظورٍ: ((قالَ أبو الحسنِ: في هذهِ الكلمةِ نَظَرٌ، ذهبَ أهلُ اللغةِ في قولِهم دِمت تدومُ إلى أنها نادرةٌ كمِتّ تموتُ وفَضِلَ يَفْضُلُ وحَضِرَ يَحْضُرُ، وذهبَ أبو بكرٍ إلى أنها متركبةٌ، فقالَ: دُمت تدومُ كقُلت تقولُ، ودِمت تدام كخِفت تخافُ ثم تركبتِ اللغتانِ، فظنَّ قومٌ أنّ تدومُ على دِمت وتدامُ على دُمت، ذهاباً إلى الشذوذ وإيثاراً له، والوجهُ ما تقدَّمَ من أنّ تدامُ على دِمت، وتدومُ على دُمت، وما ذهبوا إليه من تشذيذِ دِمت تدومُ أخفُّ ممّا ذهبوا إليه من تسوّغِ دُمت تدامُ، إذ الأولى ذاتُ نظائرَ، ولم يُعْرَفْ من هذهِ الأخيرةِ إلآّ كُدت تكادُ، وتركيبُ اللغتينِ بابٌ واسعٌ، كقَنَطَ يقنَطُ وركَنَ يركَنُ، فيحملُه جهّالُ أهلِ اللغةِ على الشذوذِ)) (1) . ولم يذكرْ سيبويهِ هذه اللغةَ، بل أفردَ مِتّ تموتُ بالذّكرِ في بابِ المعتلِ (2) ، وذكرَها كراعٌ؛ قالَ: ((فأمّا المعتلُّ فمِت تموتُ ودِمت تدومُ)) (3) ، وكذلك الجواليقيُّ (4) ، وحُكِيَت عنِ الفراءِ (5) . دِرَاسَةٌ قُرْآنِيّةٌ: وردَ الفعلُ الماضي مسنداً إلى ضميرِ الرفعِ في أربعةِ مواضعَ، مفرداً في ثلاثِ آياتٍ هيَ: 1 - {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِيْنَارٍ لاَ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إٍلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} 75 / آل عمران. 2 - {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيْداً مَا دُمْتُ فِيْهِمْ} 117 / المائدة. 3 - {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياً} 31 / مريم. ومجموعاً في آيةٍ واحدةٍ هيَ:   (1) اللسان (دوم) 12 / 213، وانظر: التاج (دوم) 16 / 252. (2) انظر: الكتاب 4 / 40. (3) المنتخب 2 / 561. (4) انظر: شرح أدب الكاتب 238. (5) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 136، المزهر 1 / 264 - 264 - 265، البلغة 173. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 1 - {وَحرّمَ عَلَيكُم صَيد البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} 96 / المائدة. ولم يجيءَ المضارعُ منه في موضعٍ قط. القِرَاءَاتُ الوَارِدَةُ: في قولِه تعالى: {إلاَّ مَا دُمْتَ عَليهِ قَائِماً} 75 / آل عمرانِ قراءتانِ؛ ضمُّ الدّالِ من “ دُمْتَ ” للجمهورِ، وقراَ يحيى بنُ وثّابٍ والأعمشُ وأبو عبدِ الرّحمنِ السّلميُّ وابنُ أبي ليلى والفياضُ بنُ غزوانَ وطلحةُ بنُ مصرّفٍ وغيرُهم بالكسرِ (1) . وكذلكَ في قولِه تعالى: {وَحرّمَ عَلَيكُمْ صَيد البَّرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} 960 / المائدة قراءتانِ؛ الجمهورُ بالضمِّ، ويحيى بنُ وثابٍ وغيرُه بالكسرِ (2) . قولُه تعالى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياً} 31 / مريم. قالَ الزجاجُ: ((ما دمت حياً - دُمت ودِمت جَمِيعاً)) (3) . وقالَ ابنُ عطيّةَ: ((وقرأَ “ دُمت ” - بضمِّ الدالِ - عاصمٌ وجماعةٌ، وقرأَ “ دِمت ” - بكسرِها - أهلُ المدينةِ وابنُ كثيرٍ وأبو عمرٍو وجماعةٌ)) (4) . قالَ أبو حيانَ: ((والذي في كتبِ القراءاتِ أنّ القراءَ السبعةَ قرءوا ((دُمت حياً)) - بضمِّ الدالِ -، وقد طالَعْنا جُمْلَةً منَ الشواذِ فلم نجدْها لا في شواذِّ السبعةِ ولا في شواذِّ غيرِهم)) (5) . قالَ السمينُ: ((وهذا لم نَرَه لغيرِه، وليسَ موجوداً في كتبِ القراءاتِ المتواترةِ والشاذةِ التي بينَ أيدينا، فيجوزُ أن يكونَ اطَّلعَ عليه في مصحفٍ غريبٍ)) (6) .   (1) انظر: معاني الزجاج 1 / 433، إعراب النحاس 1 / 388، مختصر في الشواذ 21، المحرر 3 / 131، التبيان 1 / 273، الفريد 1 / 589 القرطبي 4 / 117، البحر 3 / 223، الدر 3 / 267. (2) انظر: مختصر في الشواذ 35، التبيان 1 / 462، الفريد 2 / 84، البحر 4 / 371، الدر 4 / 430. (3) معاني القرآن 3 / 328. (4) المحرر 11 / 29. (5) البحر 7 / 259. (6) الدر 7 / 596. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 قالَ أبو جعفرٍ النّحاس: ((والضمُّ أفصحُ)) (1) . وقالَ العكبريُّ: ((وهوَ الأصلُ)) (2) . تَوْجِيْهُ القِرَاءَاتِ: من ضمَّ الميمَ جعلَه على فَعَلَ يَفْعُلُ كقُلت أقولُ وقُمت أقومُ، وأصلُه: دَوَمَ؛ قُلِبَتِ الواوُ ألفاً لتحركِها وانفتاحِ ما قبلَها، ثم حُذِفت منعاً منِ التقاءِ الساكنينِ، وضُمَّتِ الميمُ دلالةً على الواوِ المحذوفةِ، ومضارعُه يدومُ على يَفْعُلُ (3) . ومن كسرَ جعلَه على فَعِلَ دَوِمَ، وحدثَ له من الاعتلالِ ما حدثَ للسابقِ (4) ، واختُلِفَ في مضارعِه: - فقيلَ: هو على فَعِلَ يَفْعُلُ كفَضِلَ يَفْضُلُ، وحُمِلَ على الشذوذِ؛ قالَه الأخفشُ (5) . قالَ: ((ولغةٌ للعربِ: دمت، وهيَ قراءةٌ، مثلُ: مِتّ تموتُ، جعلَه على فَعِلَ يَفْعُلُ، فهذا قليلٌ)) (390) . قالَ الهمدانيُّ: ((وهوَ عزيزٌ في القلّةِ)) (6) . - وقيلَ: هو على لغةِ من قالَ: دِمت تدامُ كمِت تماتُ وخِفت تخافُ (7) . - فَعِل يفعِل: (من المعتلّ) : وَرِيَ يِرِي: وريَ الزَّنْدُ: قدحَ ناراً واتّقدَ (8) ، والمسموعُ فيه:   (1) إعراب القرآن 2 / 42. (2) التبيان 1 / 462. (3) انظر: معاني الزجاج 1 / 433، مشكل إعراب القرآن 1 / 146، التبيان 1 / 273، الفريد 2 / 84، القرطبي 4 / 117، الدر 4 / 430. (4) انظر: إعراب النحاس 1 / 388، الفريد 1 / 589، القرطبي 4 / 117. (5) معاني القرآن 1 / 411. (6) الفريد 1 / 589. (7) انظر: معاني الزجاج 1 / 433، إعراب النحاس 1 / 388، مشكل إعراب القرآن 1 / 146، المحرر 3 / 131، التبيان 1 / 273، 462 الفريد 1 / 589، 2 / 84، القرطبي 4 / 117، البحر 4 / 371، الدر 4 / 430. (8) انظر: العين (ورى) 8 / 304، المحيط (ورى) 10 / 293، الصحاح (ورى) 6 / 2522، المشوف العلم (ورى) 2 / 824، اللسان (ورى) 15 / 388، التاج (ورى) 20 / 287. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 - ورَى يَرِي كوعى (1) ، حكاه أبو الهيثمِ (2) . وذكر ابنُ سيده: - وَرِي يَوْرَى كَوَجِلَ يَوْجَل (3) . وسُمِعَ: وَرِيَ يرِي بالكسرِ فيهما (4) ، حكاه ثعلبٌ عنِ ابنِ الأعرابيِّ (5) . وتوجيهُه على تداخلِ اللغتينِ والاكتفاءِ بمضارعِ من قالَ ورَى الزّنْدُ بفتحِ الرّاءِ عمّن قالَ وَرِيَ بكسرِها (6) . - فعُل يفعَل: (من المعتلِّ) : كُدت تَكاد: كِدتُ أفعلُ: هَمَمْتُ وقارَبتُ (7) ، وأكثرُ أهلِ اللغةِ على أنَّ الماضيَ منه كادَ، وفي إسنادِه إلى ضميرِ الرفعِ لغتانِ: كِدت وكُدت، ومستقبلُه تكادُ فحسب، وأكثرُ العربِ على الكسرِ (8) ، والضمُّ لغةُ بني عَدِيٍّ (9) . وقد حكى الأزهريُّ عنِ الليثِ: كادَ يكودُ (10) . فعلى هذا تكونُ ثلاثَ لغاتٍ: - كِدت أكادُ. - كُدت أكادُ. - كُدت أكودُ.   (1) انظر: العين (ورى) 8 / 304، المحيط (ورى) 10 / 293، الصحاح (ورى) 6 / 2522، اللسان (ورى) 15 / 388، التاج (ورى) 20 / 287. (2) انظر: تهذيب اللغة (ورى) 15 / 306. (3) انظر: المحكم (ورى) 10 / 293. (4) انظر: العين (ورى) 8 / 304، المحيط (ورى) 10 / 293، الصحاح (ورى) 6 / 2522، اللسان (ورى) 15 / 388، التاج (ورى) 20 / 287. (5) انظر: تهذيب اللغة (وروى) 15 / 306. (6) انظر: شرح لامية الأفعال 47. (7) انظر: اللسان (كود) 11 / 225، المصباح (كود) 583، التاج (كود) 5 / 229. (8) انظر: الأفعال لابن القطاع 3 / 107، التاج (كود) 5 / 229. (9) انظر: تهذيب اللغة (كاد) 10 / 327، التاج (كود) 5 / 229. (10) انظر: تهذيب اللغة (كاد) 10 / 227. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 ((وقالَ الفراءُ: أمّا الذينَ ضمّوا كُدنا فإنّهم أرادوا أن يفرِّقوا بينَ فِعْلِ الكيدِ من المكيدةِ في فَعَلَ وبين فِعْلِ الكيدِ في القربِ فقالوا: كُدنا نفعلُ ذلكَ، وقالوا: كِدنا القومَ من المكيدةِ، كما فرّقوا بينَهما في يَفْعلُ، فقالوا في الأولِ: تكادُ، وفي الثاني: تكيدُ)) (1) . وحكى الجوهريُّ كِدت أكودُ، وقالَ ابنُ بريٍّ: والمعروفُ كِدت أكادُ (2) . ونقلَ الفيوميُّ عن ابنِ القطاعِ مثلَه (3) ، والذي في أفعالِه كُدت تكادُ، بخلافِه (4) . قلتُ: ولعلَّ كافَ الماضي بالضمِّ كاللغةِ التي حكاها الليثُ، وكسرُها سهوٌ من المحققِ، وإن ثبتَتْ فعلى التداخلِ. وحكى سيبويهِ عن بعضِ العربِ لغةً أخرى هيَ: - كُدت أكادُ، بضمِّ الماضي وفتحِ المضارعِ (5) . وفي تخريجِ هذهِ اللغةِ أقوال: - أنّها قياسيةٌ، على لغةِ من يقولُ في الماضي كُدت وكِدت جميعاً ومضارعُها أكادُ. - أن يوافقَ في المضارعِ من يقولُ في الماضي كِدت. وهذانِ لابنِ جنّيٍّ (6) . - أنّها من بابِ تركّبِ اللغتينِ، فأُخِذَ الماضي من لغةِ من يقولُ كُدت أكودُ - على القولِ بثبوتِها كما حكاه الليثُ - والمضارعُ من كِدت أكادُ (7) ، فاستغنوا بمضارعِ كِدت عن مضارعِ كُدت.   (1) أدب الكاتب 484 - 485. (2) انظر: اللسان (فضل) 11 / 225. (3) انظر: المصباح (كود) 583. (4) انظر: الأفعال 1 / 11. (5) انظر: الكتاب 4 / 40، 343، الصحاح (كود) 2 / 532، المنصف 1 / 189، المحكم (ك ي د) 7 / 79، الأفعال لابن القطاع 1 / 11 شرح المفصل 7 / 154، اللسان (كيد) 3 / 383، التاج (كود) 5 / 229. (6) انظر: المنصف 1 / 257. (7) انظر: شرح التسهيل 3 / 437، شرح المفصل 7 / 154، المساعد 2 / 587. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 قالَ ابنُ مالكٍ: ((ورُوِيَ عن بعضِ العربِ: كُدت تكادُ، فجاءَ بماضيه على فَعُلَ وبمضارعِه على يَفْعَلُ، وهيَ عندي من تداخلِ اللغتينِ، فاستُغنِيَ بمضارعِ أحدِ المثالينِ عن مضارعِ الآخرِ، فكانَ حقُّ كُدت بالضمِّ أن يقالَ في مضارعِه تكودُ لكنِ استُغنِيَ عنه بمضارعِ المكسورِ الكافِ فإنّه على فَعِلَ، فاستحقَّ أن يكونَ مضارعُه على يَفْعَلُ بمضارعِ المكسورِ الكافِ فإنّه على فَعِلَ، فاستحقَّ أن يكونَ مضارعُه على يَفْعَلُ، فأغناهم يكادُ عن يكودُ، كما أغناهم تَرَكَ عن ماضي يذرُ ويدعُ في غير ندورٍ، معَ عدمِ اتحادِ المادةِ، بل إغناءُ يكادُ عن تكودُ معَ كونِ المادةِ واحدةً أولى بالجوازِ)) (1) . ومنعَ ذلكَ الميدانيُّ مستبعداً إيّاه؛ لعدمِ ورودِ تكودُ في مستقبلِه (2) . وقد عللَ سيبويهِ ورودَ ذلكَ بقولِه: ((وقد قالَ بعضُ العربِ: كُدت تكادُ، فقالَ فَعُلت تَفْعَلُ، كما قالَ فَعِلت أَفْعَلُ، وكما تركَ الكسرةَ كذلكَ تركَ الضمّةَ، وهذا قولُ الخليلِ، وهو شاذٌ من بابِه، كما أنّ فَضِلَ يَفْضُلُ شاذٌ من بابِه، فكما شرِكَتْ يَفْعِلُ يَفْعَلُ؛ كذلكَ شرِكَتْ يَفْعَلُ يَفْعُلُ، وهذهِ الحروفُ من فَعِلَ يَفْعِلُ إلى منتهى الفصلِ شواذٌ)) (3) . وقالَ في موضعٍ آخرَ: ((وكذلكَ كُدت تكادُ اعتَلَّت من فَعُلَ يَفْعَلُ، وهيَ نظيرةُ مِتّ في أنها شاذّةٌ، ولم يجيئا على ما كثرَ واطّردَ من فَعُلَ وفَعِلَ)) (4) . وقد وجّهَها كثيرٌ من اللغويينِ على الشذوذِ، منهم سيبويهِ في نَصَّيْهِ المتقدمينِ (5) ، وغيرُه (6) .   (1) شرح التسهيل 3 / 437. (2) انظر: نزهة الطرف 107. (3) الكتاب 4 / 40. (4) الكتاب 4 / 343. (5) انظر: 4 / 40، 343. (6) انظر: المنصف 1 / 189، 256، شرح الشافية للرضي 1 / 138، الهمع 6 / 33. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وعللَ ابنُ جنّيٍّ شذوذَه بأحدِ أمرينِ؛ فإمّا أن يكونَ اجتُرِئَ عليه فأُخرِجَ من بابِه لضَعْفِهِ باعتلالِ عينِه، أو عُوِّضَ منِ اعتلالِ عينِه فقُوِّيَ بضربٍ من التصرّفِ ليسَ لنظيرِه (1) . وضمُّ عينِ مضارعِ “ فَعُل ” قياسٌ لا ينكسرُ، إلاّ في حرفٍ واحدٍ لم يرد سواه (2) ، وهو هذا الحرفُ الذي ذكرَه سيبويهِ؛ قالَ: ((وقد قالَ بعضُ العربِ: كُدت أكادُ، فقالَ فعُلت تَفْعَل)) (3) ، وزادَ غيرُه: دُمت تدامُ، ومُت تمات وجُدت تجادُ (4) . دِرَاسَةُ قُرْآنِيّةٌ: جاءَ الماضي منه مسنداً إلى تاءِ المخاطبِ في آيتينِ، هما: 1 - {وَلَولاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَ تَرْكَنُ إِلَيهِم شَيئاً قَلِيلاً} 74 / الإسراء. 2 - {قَالَ تاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرِدِيْنِ} 56 / الصافات. وهَوَ فيهما مكسورُ الكافِ على “ فَعِلَ ”، ولم تردْ قراءةٌ بالضمِّ - حسبما نعلمُ -. وجاءَ المضارعُ مجرّداً في عشرِ آياتٍ هيَ: 1 - {يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} 20 / البقرة. 2 - {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} 17 / إبراهيم. 3 - {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} 90 / مريم. 4 - {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} 15 / طه. 5 - {يُكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَو لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} 35 / النور. 6 - {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} 43 / النور. 7 - {تَكَادُ السَّمَوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} 5 / الشورى. 8 - {وَلاَ يَكَادُ يُبِيْنُ} 52 / الزخرف. 9 - {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ} 8 / الملك.   (1) انظر: المنصف 1 / 189. (2) انظر: أدب الكاتب 484، الأفعال لابن القطاع 1 / 11، شرح الشافية للرضي 1 / 138. (3) الكتاب 4 / 40. (4) انظر: الأفعال لابن القطاع 1 / 11. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 10 - {وَإِنْ يَكَادُ الّذِيْنَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِم} 51 / القلم. ومسنداً إلى واوِ الجماعةِ في ثلاثِ آياتٍ هيَ: 1 - {فَمَا لِهَؤُلاَءِ القَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} 78 / النساء. 2 - {لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ} 93 / الكهف. 3 - {يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِيْنَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} 72 / الحج. وجاءَ مجزوماً مجرداً في آيةٍ واحدةٍ هيَ: 1 - {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَم يَكَدْ يَرَاهَا} 40 / النور. والفعلُ المضارعُ في كلِّ آيةٍ سبقت جاءَ بالألفِ “ يكاد ”، وهوَ على: فَعِلَ يَفْعَلُ لا غيرَ. - فعَل يفعِل: (من الأجوف الواوي) : طاح يَطِيحُ: تاه يَتِيهُ: طاحَ يطوحُ ويطيحُ: هلكَ، أو أشرفَ على الهلاكِ، أو سقطَ، وكلُّ شيءٍ ذهبَ وفَنِيَ فقط طاحَ، وكذلكَ إذا تاهَ في الأرضِ (1) . وتاهَ: هلكَ، وقيلَ: التوه: الذهابُ في الأرضِ (2) ، والثابتُ المتّفقُ عليهِ في فِعْلَيهما: طاحَ يطيحُ وتاهَ يتيهُ، واويٌّ يائيّ (3) وحكى الخليلُ (4) ، وابنُ سيدهَ (5) ، وابنُ منظورٍ (6) ، والزبيديُّ (7) : تاهَ يتوهُ.   (1) انظر: العين (طوح) 3 / 278، تهذيب اللغة (طوح) 5 / 185، الصحاح (طوح) 1 / 389، التاج (طوح) 4 / 146. (2) انظر: العين (توه تيه) 4 / 80، تهذيب اللغة (تاه) 6 / 396، المحيط (تيه وتوه) 4 / 50، الصحاح (توه) 6 / 2229، التاج (توه) 19 / 25. (3) انظر: العين (توه تيه) 4 / 80، تهذيب اللغة (تاه) 6 / 396، المحيط (تيه وتوه) 4 / 50، المخصص 14 / 126، المحكم 4 / 299 الاقتضاب 2 / 251، شرح الشافية للجاربردي 54. (4) انظر: العين (توه تيه) 4 / 80. (5) انظر: المحكم 4 / 299. (6) انظر: اللسان (توه) 13 / 482. (7) انظر: التاج (توه) 19 / 25. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 وحكى الجوهريُّ (1) ، والزبيديُّ (2) : طاحَ يطوحُ (3) . قالَ البطليوسيُّ: ((واتفقوا على طاحَ يطيحُ، ولم يَحكِ أحدٌ منهم: طاحَ يطوحُ)) (4) . وقالَ الرضيُّ: ((طُحت - بضمِّ الطاءِ - ويطوحُ، ولم يُسمعا، وكذَا لم يُسمعْ تُهت ويتوهُ ... والذي ذكرَه الجوهريُّ من يطوحُ ليسَ بمسموعٍ)) (5) . وقد سُمِعَ: - طَوّحتُ؛ أي أذهبتُ وحيَّرتُ، وطيَّحت بمعناه. - تَوّهت، وتيّهت بمعناها. - وهوَ أطوحُ منكَ وأطيحُ. - وهوَ أتوهُ منكَ وأتيهُ (6) . فمن قالَ: طيّحَ وتيّهَ، وأطيحُ وأتيهُ؛ فطاحَ يطيحُ وتاهَ يتيهُ عندَه قياسٌ كباعَ يبيعُ (7) . قالَ سيبويهِ: ((ومن قالَ: طيّحتُ وتيّهتُ فقد جاءَ بها على باعَ يبيعُ مستقيمةً)) (8) . ولكنَّ الإشكالَ فيمن قالَ: طوَّحَ وأطوحُ وتوَّهَ وأتوه وللعلماءِ أقوالٌ وتأويلاتٌ؛ منها:   (1) انظر: الصحاح (طوح) 1 / 389. (2) انظر: التاج (طوح) 4 / 146. (3) أثبت اللغتين ابن جماعة في حاشيته 55. (4) الاقتضاب 2 / 252. (5) شرح الشافية 1 / 127. (6) انظر: العين (توه، تيه) 4 / 80، (طوح طيح) 3 / 278، تهذيب اللغة (طاح) 5 / 185، المحيط (تيه وتوه) 4 / 50، (طوح) 3 / 176، الصحاح (تيه) 6/2229، المحكم 4 / 299، الاقتضاب 2 / 251، شرح الشافية للرضي 1 / 127، اللسان (تيه توه) 13 / 482، شرح الشافية للجاربردي 54، التاج (طوح) 4 / 146. (7) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 127، للجاربردي 54، لنقره كار 35، المناهج الكافية 35، التاج (طيح) 4 / 147. (8) الكتاب 4 / 344. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 - أنّهما على فَعِلَ يَفْعِلُ كحسِب يحسِب، وهما واويانِ، والأصلُ فيهما: طَوِحَ وتَوِهَ يطوِحُ ويَتْوِهُ، فقُلبت واوُ الماضي ألفاً لتحركِها وانفتاحِ ما قبلَها، ونُقلت حركةُ الواوِ في المضارعِ للساكنِ الصحيحِ قبلَها، ثم قُلِب ياءً لانكسارِ ما قبلَه فأصبحَ: يطيحُ ويتيهُ (1) . وهذا رأيُ الخليلِ، نقلَه عنه سيبويهِ، قالَ: ((وأمّا طاحَ يطيحُ وتاهَ يتيهُ؛ فزعمَ الخليلُ أنهما فَعِلَ يَفْعِلُ، بمنزلةِ حسِبَ يحسِبُ، وهيَ منَ الواوِ، ويدلُّكَ على ذلكَ: طَوّحت وتوّهت، وهوَ أطوحُ منه وأتوهُ منه، فإنّما هيَ فَعِلَ يَفْعِلُ منَ الواوِ، كما كانت منه فَعِلَ يَفْعَلُ، ومِن فَعِلَ يَفْعِلُ اعتَلَّتَا.. وإنّما دعاهم إلى هذا الاعتلالِ ما ذكرتُ لكَ من كَثْرَةِ هذينِ الحرفينِ، فلو لم يفعلواَ ذلكَ وجاءَ على الأصلِ أُدْخِلَتِ الضمَةُ على الياءِ والواوِ، والكسرةُ عليهما في فَعُلت وفَعِلت ويَفْعُلُ ويَفْعِلُ، ففرّوا من أن يكثرَ هذا في كلامِهم معَ كثرةِ الياءِ والواوِ، فكانَ الحذفُ والإسكانُ أخفَّ عليهم، ومِنَ العربِ من يقولُ: ما أتيهه وتيّهت وطيّحت، وقالَ: أنَ يئينُ، فهوَ فَعِلَ يَفْعِلُ منَ الأوانِ وهوَ الحينُ)) (2) ، وصحَّحَه الرضيُّ (3) . قال البطليوسيُّ: ((فكانَ حملُه على ما يقتضيه البابُ أولى من حملِه على الشذوذِ)) . وقالَ: ويجوزُ أن يُقَال: إذا كانَ قولُهم طيّحَ يقتضي أن يكونَ طاحَ يطيحُ كباعَ يبيعُ، فيجبُ أن يكونَ قولُهم طوّحَ يقتضي أن يكونَ طاحَ يطيحُ كآنَ يئينُ؛ لأنهم قالوا طوّحَ وطيّحَ، واتفقوا على طاحَ يطيحُ (4) .   (1) انظر: المحكم 4 / 229، شرح الشافية للرضي 1 / 127، لنقره كار 35، التاج (طيح) 4 / 147. (2) الكتاب 4 / 344 - 345. (3) انظر: شرح الشافية 1 / 127. (4) انظر: الاقتضاب 2 / 251 - 252. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 - حملُها على الشذوذِ، وبه قالَ ابنُ الحاجبِ (1) ، وغيرُه (2) بناءً على أنّ الماضيَ فَعَلَ بفتحِ العينِ، ووجهُه أنَّ الأجوفَ الواويَّ من بابِ فَعَلَ لا يكونُ مضارعُه إلاّ مضموماً. وردّه الرضيُّ؛ قالَ: ((وليسَ ما قالَ المصنّفَ منَ الشذوذِ بشيءٍ، إذ لو كانَ طاحَ كقالَ لقيلَ طُحت كقُلت بضمِّ الفاءِ، ولم يُسمعْ، والأولى ألاّ تُحْمَلَ الكلمةُ على الشذوذِ ما أمكنَ)) (3) - حملُها على التداخلِ، فيكونُ ثَمَّةَ لغتانِ: اللغةُ المتفقُ عليها: طاحَ يطيحُ وتاهَ يتيهُ من اليائيِّ بزنةِ فَعَلَ يَفْعِلُ. اللغةُ المختلفُ فيها: طاحَ يطوحُ وتاهَ يتوهُ منَ الواويِّ، بزنةِ فَعَلَ يَفْعُلُ. فيكونُ أخْذُهُ مِن طاحَ يطوحُ الواويِّ الماضي، ومن طاحَ يطيحُ اليائيِّ المضارعِ، فصارَ: طاحَ يطيحُ (4) . قالَ ابنُ جماعةَ: وسُمِعَ الماضي اليائيِّ طِحت كبِعت معَ المضارعِ الواويِّ أَطُوحُ كأقولُ، أو طُحت الماضي الواويُّ كقُلت معَ المضارعِ اليائيِّ أطيحُ كأبيعُ، وهو تداخلٌ لثبوتِ اللغتينِ فيها (5) . وردّه الرضيُّ؛ قالَ: ((ولو ثبتَ طاحَ يطوحُ لم يكن طاحَ يطيحُ مركّباً، بل كانَ طاحَ يطيحُ كقالَ يقولُ، وطاحَ يطيحُ كباعَ يبيعُ)) (6) . وضعّفَه الجاربرديُّ أيضاً؛ فقالَ إن ثبتَ بالياءِ فالماضي والمضارعُ منه، وإلاّ فلا يثبتُ التداخلُ (444) . باب اسم الفاعل من “ فَعُلَ ”   (1) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 128. (2) انظر: شرح الشافية للجاربردي 54، لنقره كار 34 - 35، المناهج الكافية 35. (3) انظر: شرح الشافية 1 / 128 - 129. (4) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 128، للجاربردي 54، لنقره كار 35، المناهج الكافيه 35، التاج (تيه) 19 / 25. (5) انظر: شرح الشافية 55. (6) انظر: شرح الشافيه 1 / 128. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 لابُدَّ من التقديمِ - بينَ يديِ الحديثِ عن التداخلِ في هذا البابِ - بذكرِ صياغةِ اسمِ الفاعلِ من ثلاثيِّه؛ فنقولُ بأنّ القياسَ في بناءِ اسمِ الفاعلِ من “ فَعَلَ ” المفتوحِ العينِ والمتعدي من “ فَعِلَ ” المكسورِ العينِ؛ أن يكونَ بزنتِه، وأمّا “ فَعِلَ ” اللازمُ فيُصَاغُ على “ فَعِلٍ ” في الأعراضِ، و “ أَفْعَلَ ” في الألوانِ، و“ فَعْلاَنَ ” في الامتلاءِ وضدِّه ... أمّا “ فَعُلَ ” وبابُه اللزومُ فلا يأتي على “ فَاعِلٍ ” إلاّ في كلماتٍ معدودةٍ سنأتي عليها في حديثِ التداخلِ ثَمَّ، وإنّما هو على “ فَعِيلٍ ”؛ فيقالُ: شَرُف فهوَ شَريفٌ، وظَرُف فهوَ ظَرِيفٌ.. و “ فَعْلٍ ”، نحوُ: ضَخُمَ فهوَ ضَخْمٌ، وغيرِه (1) . عَقُرَ فَهُو عَاقِرٌ: عقرتِ المرأةُ لم تحملْ أو انقطعَ حملُها (2) ، وسُمِعَ فِعْلُ العَقْر بالضمِّ، فقيلَ: عَقُرَ على “ فَعُلَ ” وسُمِع معَه اسمُ الفاعلِ بزنتِه، فقيلَ: عَاقِرٌ، واختُلفَ في تخريجِه: - فحمَلَه ابنُ جنّيٍّ على تداخل اللغاتِ (3) إذ سُمِعَ في فعلِه ثلاثةُ أوجهٍ (4) : - عَقَرَ بالفتحِ من حدِّ ضَرَبَ. - عقُر بالضمِّ من حدِّ ضَرَبَ. - عَقِرَ بالكسرِ من حدِّ عَلِمَ.   (1) انظر: شرح التسهيل 3 / 437، الارتشاف 1 / 233 - 234، توضيح المقاصد 3 / 37 - 38، المساعد 2 / 588 - 290، الهمع 6 / 57 - 59 (2) انظر: الأفعال لابن القوطية 192، المحيط (عقر) 1 / 158، مجمل اللغة 3 / 393، اللسان (عقر) 4 / 591، المصباح (عقر) 421. (3) انظر: الخصائص 1 / 375، 384. (4) انظر: الأفعال لابن القوطية 192، المحيط (عقر) 1 / 158، المحكم 1 / 103، التاج (عقر) 7 / 247، والأوليان فقط في: اللسان (عقر) 4 / 591، المصباح (عقر) 421. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 قال الزَّبيديُّ: جاءَ في القاموسِ ((وقد عُقِرَت المرأةُ كُعِنى ... هذهِ العبارةُ هكذا في سائرِ النسخِ ... وضبطُه كعُنِي مخالفٌ لنصوصِهم)) (1) . قالَ الخليلُ: ((وقد عقَرت تعقِرُ، وعُقِرت تُعْقَرُ أحسنُ؛ لأنّ ذلكَ شيءٌ ينزلُ بها وليسَ من فعلِها بنفسِها)) (2) . وسُمِعَ في اسمِ الفاعلِ وجهانِ (3) : - عاقرٌ بزنتِه. - وعَقِيرٌ على فَعِيلٍ. فيكونُ وجهُ اللغاتِ: - عَقَرَ فهوَ عاقرٌ. - عقُر فهوَ عَقِيرٌ. والمُستَعمِلُ: عَقُر - بالضمِّ - معَ عاقرٍ، يكونُ قد وقعَ في كلامِه تداخلٌ بينَ اللغتينِ، إذ أخَذ اسمَ الفاعلِ منَ اللغةِ الأولى معَ الفعلِ منَ اللغةِ الثانيةِ. - وقالَ بعضُهم: عَقُر فهوَ عاقرٌ شاذٌ، والقياسُ عَقِيرٌ (4) . قالَ ابنُ خالويهِ: ((ليسَ في كلامِ العربِ فَعُلَ وهوُ فاعلٌ إلا حرفانِ: فَرُهَ فهوَ فارهٌ، وعقُرتِ المرأةُ فهيَ عاقرٌ)) (5) وعدّ ما سواهما تداخلاً. قالَ ابنُ جنّيٍّ: ((وممّا عدُّوه شاذاً ما ذكروه من فَعُلَ فهوَ فاعِلٌ، نحوُ: طَهُرَ فهو طَاهِرٌ، وشَعُرَ فهوَ شَاعِرٌ وحَمُضَ فَهوَ حَامِضٌ، وعَقُرَتِ المرأةُ فهيَ عَاقِرٌ، ولذلكَ نظائرُ كثيرةٌ، واعلم أنّ أكثرَ ذلكَ وعامّتَه إنّما هوَ لغاتٌ تداخلت فتركبت ... هكذا ينبغي أن يُعتَقَدَ، وهوَ أشبهُ بحكمةِ العربِ)) (6) .   (1) التاج (عقر) 7 / 247. (2) العين (عقر) 1 / 150. (3) انظر: التاج (عقر) 7 / 247. (4) انظر: التاج (عقر) 7 / 247. (5) ليس في كلام العرب 120. (6) الخصائص 1 / 375. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 وقالَ: ((فأمّا قولُهم: عَقْرَت فَهيَ عَاقِرٌ؛ فليسَ عَاقِرٌ عندَنا بجارٍ على الفعلِ جريانَ قائمٍ وقاعدٍ عليه، وإنّما هو اسمٌ بمعنى النسبِ، بمنزلةِ: امرأةٌ طاهرٌ وحائضٌ وطالقٌ، وكذلكَ قولُهم: طَلُقَت فهيَ طَالِقٌ، فليسَ عاقرٌ من عَقُرَت بمنزلةِ: حامضٍ من حَمَضَ، ولا خاثرٌ من خَثُرَ، ولا طاهرٌ من طَهُرَ، ولا شَاعِرٌ من شَعُرَ؛ لأنّ كلَّ واحدٍ من هذهِ هو اسمُ الفاعلِ وهوَ جارٍ على “ فَعَلَ ”، فاستُغنِيَ به عمّا يجري على “ فَعُلَ ” وهوَ “ فَعِيلٌ ”)) (1) . درَاسَة قُرْآنيَّة: لم يردِ الفعلُ الماضي منَ العقرِ على أيِّ بناءٍ من أبنيتِه، وجاءَ اسمُ الفاعلِ بزنتِه “ عَاقِرٌ ” مراداَ به انعدامُ الحملِ في ثلاثِ آياتٍ هيَ: 1 - {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} 40 / آل عمران. 2 - {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} 5 / مريم. 3 - {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} 8 / مريم. حَمُضَ فهو حَامِضٌ: الحموضةُ: ما حذا اللسانَ كطعمِ الخلِّ واللبنِ الحازرِ (2) ، وسُمِع أيضاً في كلامِ العربِ فَعُلَ فَاعِلٌ: حَمُضَ حَامِضٌ، وتوجيهُه على تداخلِ لغتينِ، هما: - حَمَضَ على “ فَعَلَ ” من حدِّ نصَرَ. - حَمُضَ على “ فَعُلَ ” من حدِّ كرُمَ، حكاه اللحيانيُّ (3) . وزادَ الزبيديُّ: - حُمِضَ “ فَعِلَ ” كفرِحَ (4) .   (1) الخصائص 1 / 384 - 385. (2) انظر: العين (حمض) 3 / 111، الصحاح (حمض) 3 / 1072، المحكم (ح م ض) 3 / 99، اللسان (حمض) 7 / 139. (3) انظر اللغتين في: العين (حمض) 3 / 111، المحيط (حمض) 2 / 450، الصحاح (حمض) 3 / 1072، ليس في كلام العرب 120 الخصائص 1 / 381، المحكم 3 / 99، اللسان (حمض) 7 / 139، المساعد 2 / 587، المصباح (حمض) 151، التاج (حمض) 10 / 41. (4) انظر: التاج (حمض) 10 / 41. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 والذي جاءَ كلامُه: حَمُضَ فهوَ حامضٌ؛ إنّما أخذَ اسمَ الفاعلِ من لغةِ من قالَ “ حَمَضَ ” - بالفتحِ - معَ اللغةِ الثانيةِ - بالضمِّ (1) . قالَ ابنُ خالويهِ: ((فأمّا طهُرَ فهو طاهرٌ وحمُضَ فهو حامضٌ ومَثُلَ فهو ماثلٌ فبخلافِ ذلكَ؛ يقالُ: حمَضَ أيضاً وطهَرَ ومثَلَ)) (2) . وقالَ ابنُ جنِّيٍّ: وكذلكَ القولُ فيمن قالَ حَمُضَ فهو حامضٌ، وذلكَ أنّه يقالُ: حَمُضَ وحَمَضَ، فجاءَ حامضٌ على حَمَضَ، ثم استُغنِيَ ب“ فاعلٍ ” عن “ فعيلٍ ”، وهوَ في أنفسِهم وعلى بالٍ من تصوّرهم (3) . وقالَ بعضُهم بشذوذِه، وردّه ابنُ جنّي؛ قالَ: ((وممّا عدّوه شاذاً ما ذكروه من فَعُلَ فهو فاعلٌ، نحوِ: ... وحمُضَ فهو حامضٌ ... واعلم أنّ أكثرَ ذلكَ وعامَّتَه إنّما هو لغاتٌ تداخَلَت فتركبَت ... هكذا ينبغي أن يُعتقدَ، وهو أشبهُ بحكمةِ العربِ)) (4) . ولم يجئِ اسمُ الفاعلِ ولا فعلُه على أيِّ بناءٍ في القرآنِ الكريمِ. شَعُرَ فهُوَ شَاعِرٌ: الشِّعْرُ معروفٌ؛ شَعَرَ وشَعُرَ: قالَه، وقيلَ: شعَرَ - بالفتحِ - قالَه، و - بالضمِّ - أجادَه؛ لُمِحَ فيه دلالةُ “ فَعُل ” على السجايا (5) ، وفي فعلِه لغتانِ (6) : - شَعَرَ على “ فَعَلَ ” ككرُمَ. وأثبتَ ابنُ عبّادٍ لغتينِ؛ قالَ: ((وشَعَرَ: قالَ الشعرَ، وشَعِرَ - بالكسرِ - صارَ شاعرًا … … ... وشَعُرَ الشعيرُ صارَ شعيرًا)) (7) .   (1) انظر: ليس في كلام العرب 120، الخصائص 1 / 375، الارتشاف 1 / 233، المساعد 2 / 587. (2) ليس في كلام العرب 120. (3) انظر: الخصائص 1 / 381. (4) الخصائص 1 / 375. (5) انظر: المحكم 2 / 223، اللسان (شعر) 4 / 410، التاج (شعر) 7 / 28. (6) انظر: تهذيب اللغة (شعر) 1 / 420، الخصائص 1 / 381، المحكم 1 / 223، اللسان (شعر) 4 / 410، التاج (شعر) 7 / 28. (7) المحيط (شعر) 1 / 281. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 واسمُ الفاعلِ جاءَ بزنتِه “ شاعرٌ ” واستُعملَ معَ “ شعُر ”، وهو ممّا تداخلت فيه اللغتانِ، إذ أُخِذَ اسمُ الفاعلِ من “ شَعَرَ ” وجيءَ بهِ معَ “ شَعُرَ ” من اللغةِ الأخرى (1) . قالَ ابنُ جنّيٍّ: ((وكذلكَ القولُ فيمن قالَ: شَعُرَ فهو شاعرٌ، وحَمُضَ فهو حامضٌ، وخَثُرَ فهو خاثرٌ؛ إنّما هي على نحوٍ من هذا. وذلكَ أنّه يُقالُ: خثُرَ وخثَرَ، وحمُضَ وحمَضَ، وشعُرَ وشعَرَ، وطهُرَ وطهَرَ، فجاءَ شاعرٌ وحامضٌ وخاثرٌ وطاهرٌ على حمَضَ وشعَرَ وخثَرَ وطهَرَ، ثم استُغنِيَ ب“ فاعلٍ ” عن “ فعيلٍ ”، وهو في أنفسِهم وعلى بالٍ من تصوّرِهم. يدلُّ على ذلكَ تكسيرُهم لشاعرٍ شُعَرَاء، لمّا كانَ “ فاعلٌ ” هنا واقعاً موقعَ “ فعيلٍ ” كُسِّرَ تكسيرَه؛ ليكونَ ذلكَ أمارةً ودليلاً على إرادتِه، وأنّه مغنٍ عنه، وبدلٌ منه ... )) (2) . قالَ سيبويهِ: ((وقد يُكَسَّرُ على “ فُعَلاَءَ ” شُبِّهَ ب“ فعيلٍ ” منَ الصفاتِ، كما شُبِّهَ في “ فُعُل ” ب“ فَعُولٍ ” وذلكَ شاعرٌ وشعراءُ)) (3) . وقالَ ابنُ خالويهِ: ((ليسَ في كلامِ العربِ “ فاعلٌ ” وجمعُه “ فُعَلاءُ ” إلاّ شاعرٌ وشعراءُ، قالَ: وإنّما جازَ أن يُجمعَ شاعرٌ على شعراءَ، و “ فُعَلاءُ ” جمعُ “ فعيلٍ ” لا “ فاعلِ ”؛ لأنَّ منَ العربِ من يقولُ: شَعُرَ الرجلُ إذا قالَ شِعْرًا كما يقالُ شَعَرَ. ومن قالَ: شَعُرَ؛ فالقياسُ أن يجيءَ الوصفُ على “ فعيلٍ ”، فتجنّبوا ذلكَ لئلا يلتبسَ ب“ شعيرٍ ”، ثمّ أتوا بالجمعِ على ذلكَ الأصلِ، وهذا دقيقٌ جدًا فاعرفْه؛ لأنّي ما أعلمُ استخرَجَه أحدٌ)) (4) .   (1) انظر: الخصائص 1 / 375، 381، الزهر 1 / 263. (2) الخصائص 1 / 381. (3) الكتاب 3 / 632، انظر: المحكم 1 / 222، اللسان (شعر) 4 / 410. (4) ليس في كلام العرب 357. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وقد عدَّه بعضُهم في الشواذِ؛ أعني الجمعَ بينَ شَعُرَ وشاعرٍ، فردّه ابنُ جنّيٍّ؛ قالَ: ((وممّا عدُّوه شاذًا ما ذكروه من فَعُل فهو فاعلٌ؛ نحوِ: طَهُرَ فهو طاهرٌ، وشعُرَ فهو شاعرٌ، وحمُضَ فهو حامضٌ وعقُرتِ المرأةُ فهي عاقرٌ، ولذلكَ نظائرُ كثيرةٌ، واعلم أنّ أكثرَ ذلكَ وعامّتَه إنّما هو لغاتٌ تداخلت فتركبت ... هكذا ينبغي أن يُعتقدَ وهو أشبهُ بحكمةِ العربِ)) (1) . درَاسَةٌ قُرْآنِيَّةٌ: لم يأتِ فِعلُ الشِّعرِ في القرآنِ قط، وجاءَ اسمُ الفاعلِ بزنتِه، مفردًا في أربعةِ مواضعَ، ومجموعاً في موضعٍ واحدٍ؛ هيَ: 1 - {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ْ 5 / الأنبياء. 2 - {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} 36 / الصافات. 3 - {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ} 30 / الطور. 4 - {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيْلاً مَا تُؤْمِنُونَ} 41 / الحاقة. 5 - {وَالشُّعَرَاءُ يَتبعُهُمُ الغَاوُونَ} 224 / الشعراء. صَلُحَ فَهُوَ صَالِحٌ: الصّلاحُ ضدُّ الفسادِ معروفٌ (2) ، وفي فعلِه لغتانِ: - صَلَحَ “ فَعَلَ ” من بابِ قَعَدَ (3) . - صَلُحَ “ فَعُلَ ” من بابِ كَرُم (4) ، حكاه الفرّاءُ عن أصحابِه (5) .   (1) الخصائص 1 / 375. (2) انظر: الأفعال لابن القوطية 84، الصحاح (صلح) 1 / 383، مجمل اللغة 3 / 236، اللسان (صلح) 2 / 516، المصباح (صلح) 345. (3) انظر: الأفعال لابن القوطية 84، الصحاح، مجمل اللغة 3 / 236، اللسان (صلح) 2 / 516، التاج (صلح) 4 / 125، المصباح (صلح) 345. (4) انظر: الصحاح (صلح) 1 / 383، مجمل اللغة 3 / 236، اللسان (صلح) 2 / 516، المصباح (صلح) 345، التاج (صلح) 4 / 125. (5) انظر: الصحاح (صلح) 1 / 383، التاج (صلح) 4 / 125. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وحُكِيَ عنِ ابنِ دريدٍ أنّه قالَ: ليسَ صَلُحَ بثَبَتٍ (1) . وقالَ السمينُ: ((وهيَ لغةٌ مرجوحةٌ)) (2) . وقالَ الهمدانيُّ: ((وهما لغتانِ غيرَ أن الفتحَ أفصحُ)) (3) . وقال الزبيديُّ: ((وقد صَلَحَ كمنَعَ، وهيَ أفصحُ؛ لأنّها على القياس)) (4) . وجاءَ اسمُ الفاعلِ بزنتِه: صالحٌ، وبزنةِ “ فعيلٍ ”: صليحٌ، عنِ ابنِ الأعرابيِّ (5) . فعلى هذا يُخَرّجُ ما وردَ من صَلُحَ - بالضمِّ - فهو صالحٌ على تداخلِ اللغتينِ: - صَلَحَ فهو صالحٌ. - صَلُحَ فهو صليحٌ. فأُخِذَ اسمُ الفاعلِ منَ الأولى معَ الفعلِ منَ اللغةِ الثانيةِ. دِرَاسَةٌ قُرْآنِيَّةٌ: جاءَ الفعلُ “ صلَحَ ” في آيتينِ فقط هما: 1 - {جَنَّات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِم} 23 / الرعد. 2 - {وَأَدْخِلهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَح مِنْ آبَائِهِمْ} 8 / غافر. وجاءَ اسمُ الفاعلِ مفرداً (غَيْرَ عَلَمٍ) (6) بزنتِه في خمسٍ وثلاثينَ آيةً هيَ:   (1) انظر: اللسان (صلح) 2 / 516، التاج (صلح) 4 / 125. (2) الدر 7 / 44. (3) الفريد 3 / 143. (4) التاج (صلح) 4 / 125. (5) انظر: المحكم 3 / 109، اللسان (صلح) 2 / 516، المصباح 345، التاج (صلح 4 / 125. (6) لم نعتدّ بالأعلام لخروجها من الوصفيّة إلى العلمية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 120 / التوبة، 46 / هود، 10 / فاطر، 4 / التحريم، 62 / البقرة، 69 / المائدة، 189 / الأعراف، 190 / الأعراف، 102 / التوبة، 97 / النّحل، 82 / الكهف، 88 / الكهف، 110 / الكهف، 60 / مريم، 82 / طه، 51 / المؤمنون، 100 / المؤمنون، 70 / الفرقان، 71 / الفرقان، 19 / النمل، 67 / القصص، 80 / القصص، 44 / الروم، 12 / السجدة، 31 / الأحزاب، 11 / سبأ، 37 / سبأ، 37 / فاطر، 40 / غافر، 33 / فصلت، 46 / فصلت، 15 / الجاثية، 15 / الأحقاف، 9 / التغابن، 11 / الطلاق. وجاءَ جمعَ مذكرٍ سالِمًا في تسعٍ وعشرينَ آيةً، وجمَع مؤنثٍ سالِمًا في ثنتينِ وستينَ آيةً، ومثنًّى في آيةِ واحدةٍ هيَ: 1 - {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَينِ} 10 / التحريم. القِرَاءَاتُ الوَارِدَةُ: قُرِئَ الفعلُ الماضي “ صَلحَ ” بوجهينِ: - قراءةُ الجمهورِ بفتحِ اللامِ “ صَلَحَ ” على “ فَعَلَ ”. - وقرأَ ابنُ أبي عبلةَ “ صَلُحَ ” بضمِّ اللامِ على “ فَعُلَ ” (1) . قالَ السمينُ: ((وهيَ لغةٌ مرجوحةٌ)) (2) . وقالَ غيرُه: الفتحُ أفصحُ (3) . وقراءةُ الجمهورِ: صَلَحَ فهو صالحٌ على القياسِ، أمّا قراءةُ ابنِ أبي عبلةَ صلُح فهو صالِحٌ فعلى تداخلِ اللغتينِ. طَهُرَ فَهُوَ طَاهِرٌ: الطهارةُ ضدُّ النجاسةِ، معروفةٌ، وسُمِعَ في فعلِها لغتانِ ثنتانِ هما (4) : - طَهَرَ كنَصَرَ على “ فَعَلَ ”. - طَهُرَ ككرُمَ على “ فَعُلَ ”.   (1) انظر: الكشاف 2 / 358، الفريد 3 / 134، البحر 6 / 382، 9 / 239، الدر 7 / 44، 9 / 460. (2) الدر 7 / 44. (3) انظر: الكشاف 2 / 358، الفريد 3 / 134، البحر 6 / 382. (4) انظر: العين (طهر) 4 / 18، تهذيب اللغة (طهر) 6 / 170، المحيط (طهر) 2 / 431، الصحاح (طهر) 2 / 727، المحكم 4 / 175 اللسان (طهر) 4 / 504، المصباح 379، التاج (طهر) 7 / 149. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 قالَ الأزهريُّ: ((وقالَ ابنُ الأعرابيِّ: طهَرتِ المرأةُ هوَ الكلامُ، ويجوزُ: طَهُرَت)) (1) . وفعلاه عندَ ابنِ القوطيةِ بزنةِ: “ فَعِلَ ” و “ فَعُلَ ” (2) . قالَ ابنُ سيده: ((وطهُرتِ المرأةُ وطهَرت، وطهِرت: اغتسلت منَ الحيضِ وغيرِه، والفتحُ أكثرُ عندَ ثعلبٍ)) (3) . وقالَ الزبيديُّ: ((ونقلَ البدرُ القرافيُّ أيضاً تثليثَ الهاءِ عنِ الأسنويِّ)) (4) . ويبدو أنّ التثليثَ مُستعملٌ في معنًى خاصٍّ بطهارةِ المرأةِ، وما سوله ممّا استُعمِلَ عامًا ففيه لغتانِ فحسب؛ كما ذكرناه آنفًا. وسُمِعَ اسمُ الفاعلِ بزنتِه: طاهرٌ، وطَهِرٌ على “ فَعِلٍ ” ككَتِفٍ، الأخيرُ عنِ ابنِ الأعرابيِّ (5) ، وعليه أنشدَ: أَضَعْتُ المالَ للأَحْسَابِ حَتَّى خَرَجْتُ مُبَرَّأً طَهِرَ الثيابِ (6) وعلى هذا يكونُ المُستعمِلُ ل: طَهُرَ فهوَ طاهرٌ مُدْخِلاً في كلامِه لغتين اثنتينِ مزاوجًا بينَهما، وهما: - طهَرَ فهو طاهرٌ. - طهُرَ فهو طَهِرٌ. فأخَذَ اسمَ الفاعلِ منَ الأولى معَ فعلِ الثانيةِ (7) . قالَ ابنُ خالويهِ: ((فأمّا طَهُرَ فهوَ طاهرٌ وحَمُضَ فهو حامضٌ ومَثُلَ فهوَ ماثلٌ فبخلافِ ذلكَ؛ يقالُ حَمَضَ أيضًا وطَهَرَ ومَثَلَ)) (8) .   (1) تهذيب اللغة (طهر) 6 / 170، وانظر: التاج (طهر) 7 / 149. (2) انظر: الأفعال 270. (3) المحكم 4 / 175. (4) التاج (طهر) 7 / 149. (5) انظر: المحكم 4 / 175، اللسان (طهر) 4 / 504، التاج (طهر) 7 / 149. (6) الشاهد في: المحكم 4 / 175، اللسان (طهر) 4 / 504، التاج (طهر) 7 / 149. (7) انظر: الخصائص 1 / 375، 381، المصباح 690، المزهر 1 / 263. (8) ليس في كلام العرب 120. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 وقالَ ابنُ جنّيٍّ: وكذلكَ القولُ فيمن قالَ: طهُرَ فهو طاهرٌ، وذلكَ أنّه يُقالُ: طهُرَ وطهَرَ، فجاءَ طاهرٌ على طهَرَ، ثم استُغنِيَ ب“ فاعلٍ ” عن “ فعيلٍ ” وهوَ في أنفسِهم وعلى بالٍ من تصوّرِهم (1) . قالَ ابنُ سيده: ((قالَ أبو الحسنِ: ليسَ كما ذكرَ؛ لأنّ طهيراً قد جاءَ في شعرِ أبي ذؤيبٍ، قالَ: فإنّ بني لِحيانَ مَا إِن ذَكَرْتهُمْ نَثَاهُمْ إذَا أَخْنَى الِّلئَامُ طهيرُ كذَا رواه الأصمعيُّ بالطاءِ، ويُروى ظهيرٌ بالظاءِ)) (2) . وذهبَ بعضُهم إلى القولِ بشذوذِه، وردَّه ابنُ جنّيٍّ؛ قالَ: ((وممّا عدّوه شاذًا ما ذكروه من فعُلَ فهو فاعلٌ؛ نحوِ: طهُر فهو طاهر ... واعلم أنّ أكثرَ ذلكَ وعامّتَه إنّما هو لغاتٌ تداخلت فتركبت، ... هكذا ينبغي أن يُعتقدَ، وهو أشبهُ بحكمةِ العربِ)) (3) . ولم يردْ فعلُه الماضي المجردُ ولا اسمُ الفاعلِ منه في القرآنِ الكريمِ. خَثُرَ فَهُوَ خَاثِرٌ: الخثورةُ: نقيضُ الرّقَّةِ، وخَثارةُ الشيءِ: عكارتُه ووسَخُه، يقالُ خثرَ اللبنُ والعسلُ إذا غلظَ وذهبَ صفوُه (4) . سُمِعَ التثليثُ في ماضيه بمعنًى واحدٍ (5) ، يقالُ: - خَثَرَ - بالفتحِ - على “ فَعَلَ ”. - خَثِرَ - بالكسرِ - على “ فَعِلَ ”. - خثُرَ - بالضمِ - على “ فعُلَ ”.   (1) انظر: الخصائص 1 / 381. (2) المحكم 4 / 175، وانظر: اللسان (طهر) 4 / 504، التاج (طهر) 7 / 149. (3) الخصائص 1 / 375. (4) انظر: تهذيب اللغة (خثر) 7 / 333، الصحاح (خثر) 2 / 642، أساس البلاغة (خ ث ر) 103، اللسان (خثر) 4 / 230، المصباح (خثر) 164. (5) انظر: الأفعال لابن القوطية 204، تهذيب اللغة (خثر) 7 / 333، الصحاح (خثر) 2 / 642، المحكم 5 / 101، اللسان (خثر) 4 / 230 المصباح (خثر) 164، التاج (خثر) 6 / 231. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 وعنِ الفرَاءِ: خثُرَ - بالضمِّ - لغةٌ قليلةٌ في كلامِهم (1) . وسَمِعَ الكسائيُّ: خثِرَ - بالكسرِ (2) -. وسُمِعَ اسمُ الفاعلِ منه بزنتِه، فإذا قالَ: خثُرَ فهو خاثِرٌ فإنّما هو على تداخلِ اللغتينِ؛ إذا أُخِذَ الماضي من “ فَعُلَ ” وأُخِذَ اسمُ الفاعلِ مِن لغةِ مَن قالَ “ فَعَلَ ” خَثَرَ. قالَ ابنُ جنّيٍّ: وكذلكَ القولُ فيمن قالَ: خثُرَ فهو خاثرٌ، إنّما هوَ على نحوٍ من هذا، وذلكَ أنّه يقالُ: خثُرَ وخثَرَ فجاءَ خاثِرٌ على خثَرَ، ثم استُغنِيَ ب“ فاعلٍ ” عن “ فعيلٍ ”، وهوَ في أنفسِهم وعلى بالٍ من تصورِهم (3) . من صُوَرِ التَّداخُلِ في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مرَّ سلفًا نماذجُ للتداخلِ بينَ لغتينِ في كلمتينِ منفصلتينِ؛ بأن تُؤخذَ إحداهما من لغةٍ والأخرى من اللغةِ الثانيةِ وسوفَ نقفُ في هذا المبحثِ على تداخلٍ من نوعٍ آحرَ، إذ يُؤخَذُ حرفٌ من حروفِ الكلمةِ الواحدةِ من لغةٍ وحرفٌ آخرُ من حروفِ الكلمةِ ذاتِها من لغةٍ أخرى، بحيثُ تجتمعُ في الكلمةِ المفردةِ لغتانِ. والقولُ بتركبِ لغتينِ واجتماعِهما في كلمةٍ واحدةٍ أثبتَه قومٌ وأنكرَه آخرونَ، فممّن أثبتَه ابنُ جنّيٍّ وغيرُه، وممّن أنكرَه أبو عليٍّ الفارسيُّ. وعلى القولِ بوجودِه؛ فله صورٌ، منها: الجمعُ بينَ بناءينِ في كلمةٍ واحدةٍ، مثلُ: = (الحِبُك) جمعٌ بينَ (فِعِلٍ وفُعُلٍ) الجمعُ بينَ الهمزِ والتسهيلِ، مثلُ: = (سِألتم) جمعَ بينَ كسرِ فاءِ المعتلِ (المُسَهَّلِ) وهمزِ عين المهموزِ. = (سآيلتهم) جمعٌ بينَ الهمزةِ والياءِ التي هيَ تسهيلُها.   (1) انظر: الصحاح (خثر) 2 / 642، التاج (خثر) 6 / 231. (2) انظر: الصحاح (خثر) 2 / 642، اللسان (خثر) 4 / 230. (3) انظر: الخصائص 1 / 381. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 1 - “ الحِبُك ”: الحُبُكُ: جمعُ حِبَاكٍ كمثالٍ ومُثُلٍ، وهو تكسُّرُ كلِّ شيءٍ، كالرملِ إذا مرت به الريحُ الساكنةُ، والماءُ القائمُ إذا مرت به الريحُ (1) . وممّا حُمِلَ على التداخلِ قراءةُ أبي مالكٍ الغفاريِّ والحسنِ وغيرِهما: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحِبُكِ} (2) - بكسرِ الحاءِ وضمِّ الباءِ - ومعلومٌ أنَّ “ فِعُلاً ” بناءٌ لم يردْ في العربيةِ؛ لأنّ أبنيةَ الاسمِ الثلاثيِّ المجردّ المتفق عليها عشرةٌ فحسب، وهيَ: فَعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فَعُلٌ فِعْلٌ فِعَلٌ فِعِلٌ فُعْلٌ فُعَلٌ فُعُلٌ (3) . وإن كانتِ القسمةُ العقليةُ تقتضي اثني عشرَ بناءً، لكن أُهْمِلَ اثنانِ منها؛ وهيَ:   (1) انظر: المحيط (حبك) 2 / 385، الصحاح (حبك) 4 / 1578، التاج (حبك) 13 / 535 (515) . (2) 7 / الذاريات وفي الآية قراءات أخرى، فقراءة الجمهور بضمّتين “ الحُبُك ”، وقرأ أبو مالك الغفاري وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو السمال ونعيم عن أبي عمرو بإسكان الباء “ حُبْكَ ”، وهي لغة بني تميم في رُسُل وعُمَر في عَمُد، وقرأ عكرمة “ حُبَك ” مثل طرقة وطُرَق وبرقه وبُرَق، وأبو مالك الغفاري والحسن وأبي حيوة “ حِبْك ”؛ تخفيفاً، كإِبْل وإِطْل، وقرأ ابن عباس وأبو مالك “ حَبَك ”؛ تخفيفاً كإِبْل وإِطْل، وقرأ ابن عباس وأبو مالك “ حَبَك ” بفتحتين. (المحتسب 2 / 286 - 297، غرائب التفسير 2 / 1138، المحرر 15 / 201، الفريد 4 / 360، القرطبي 17 / 32، البحر 9 / 549، تحفة الأقران 50 - 51، روح المعاني 27 - 4 - 5) . (3) انظر: الكتاب 4 / 242 - 244، التكملة 399، المنصف 1 / 18 - 19، شرح الملوكي 20 - 23، الممتع 1 / 60 - 65، شرح الكافية الشافية 4 / 2020، شرح الشافية للرضي 1 / 35، شرح الشافية للجابردي 29، حاشية ابن جماعة 29. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 “ فِعُلَ ” و “ فُعِلَ ”؛ لاستثقالِ الجمعِ بينَ حركتينِ ثقيلتينِ متتاليتينِ، والثقلُ في “ فِعُلَ ” أشدُّ؛ لأنّ فيه انتقالاً من ثقيلٍ إلى أثقل (1) . وحسبما نعلمُ لم يردْ من الكلماتِ على هذا البناءِ إلاّ ما جاءَ في هذهِ القراءةِ المعدودةِ في الشواذِّ. وقد اختُلِفَ في توجيهِها على قولينِ اثنينِ: - فمن قائلٍ بأنّها من بابِ تداخلِ اللغاتِ، إذ وردَ فيها لغتانِ: - فصيحةٌ، وهيَ بضمّتينِ، كقراءةِ الجمهورِ. - وأخرى بكسرتينِ. والقارئُ بالكسرِ فالضمِّ تداخلَت عليه اللغتانِ، فكسرَ الحاءَ مريدًا القراءةَ ب“ الحِبِكِ ”، ثم تداركَ الضمَّ للقراءةِ ب“ الحُبُكِ ” كما تستوجبُه اللغةُ الفصيحةُ والقراءةُ الصحيحةُ، فجمعَ بينَ أوّلِ اللفظِ على لغةٍ وآخرِه على لغةٍ أخرى، وهذا ما ارتآهُ ابنُ جنّيٍّ بعدَ أن حملَه على السهوِ (2) ، وتبعَه في ذلكَ ابنُ عطيّةَ بعدَ أن قالَ بأنّها ((لغةٌ شاذةٌ غيرُ متوجهةٍ)) (3) والقرطبيُّ بعدَ حملِها على الشذوذِ (4) ، وغيرُهم (5) ، وذكرَ أبو حيانَ والألوسيُّ بأنّ مخرجَها عندَ النّحاةِ على تداخلِ اللغتينِ (6) .   (1) انظر: المنصف 1 / 20، الممتع 1 / 60 - 61، شرح الكافية الشافية 3 / 2020، شرح الشافية للرضي 1 / 35 - 36، شرح الشافية للجاربردي 29، حاشية ابن جماعة 29. (2) انظر: المحتسب 2 / 287. (3) المحرر 15 / 201. (4) انظر: القرطبي 17 / 33. (5) انظر: غرائب التفسير 2 / 1139. شرح الشافية للجاربردي 30. (6) انظر: البحر 9 / 549، روح المعاني 27 / 5. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 - ومِن قائلٍ بأنّه ممّا أُتْبِعَ فيه حركةُ الحاءِ لحركةِ التاءِ في “ ذاتِ ” وهيَ الكسرةُ، ولم يعتدَّ باللامِ الساكنةِ؛ لأنّ الساكنَ حاجزٌ غيرُ حصينٍ، وهوَ رأيُ أبي حيانَ (1) ، وتبعَه الرُّعينيُّ، قالَ: ((وما استحسَنَه الشيخُ حسنٌ، فما زالَ يوضِّحُ المشكلاتِ ويفكُّ المعضلاتِ)) (2) . - ومنهم منِ اكتفى بحملِ هذهِ القراءةِ على الشذوذِ فحسب (3) . قالَ ابنُ جماعةَ: ((فالأحسنُ الجوابُ بأنَّ كسرَ الحاءِ معَ ضمِّ الباءِ شاذٌّ)) (4) . واعتُرضَ على قولِ ابنِ جنّيٍّ في التداخلِ بوجوهٍ: - قالَ الرضيُّ: ((وفي تركيبِ “ حِبُك ” منَ اللغتينِ - إن ثبتَ - نظرٌ؛ لأنَّ “ الحُبُك ” جمعُ الحباكِ، وهوَ الطريقةُ في الرملِ ونحوِه، و “ الحِبِك ” بكسرتينِ - إن ثبتَ - فهوَ مفردٌ، معَ بعدِه؛ لأنّ فِعِلاً قليلٌ، حتى إنّ سيبويهِ قالَ: لم يجئْ منه إلاّ إبِلٌ (5) ، ويبعدُ تركيبُ اسمٍ من مفردٍ وجمعٍ)) (6) . - أنّ التركيبَ إنّما يكونُ في كلمتينِ، وادّعاءُ التداخلِ هاهنا في كلمةٍ واحدةٍ، وهو مستبعدٌ؛ قالَه الفارسيُّ (7) .   (1) انظر: البحر 9 / 549. (2) تحفة الأقران 52. (3) انظر: الفريد 1 / 360. (4) حاشية ابن جماعة 30. (5) في الكتاب 4 / 244 ((ويكون فِعِلاً في الاسم نحو: إِبِل، وهو قليل، لا نعلم في الأسماء والصفات غيره)) . وقال ابن خالويه: ((ليس في كلام العرب اسم على فِعِل إلاّ ثمانية أسماء؛ إِبِل، إِطِل، بأسنانه حِبِر؛ أي صفرة، ولعب الصبيان جِلِخ طِلِب، ووِتدِ وعن أبي عمر: ولا أفعل ذاك أبد الإِبدِ، حكاه ابن دريد، وامرأة بِلِز؛ ضخمة، والبِلِص: طائر، ويقال له: البلصوص ... ولم يحك سيبويه إلا حرفاً واحداً: إِبِل وحده؛ لأنّه بلا خلاف والباقية مختلف فيهن ... )) (ليس في كلام العرب 96 - 97) . (6) شرح الشافية 1 / 39. (7) انظر: حاشية ابن جماعة 30. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 - قالَ ابنُ مالكٍ: ((وهذا التوجيهُ لو اعترفَ به من عُزِيَتِ القراءةُ إليه لدلَّ على عدمِ الضبطِ ورداءةِ التلاوةِ، ومَن هذا شأنُه لم يُعْتَمَدْ على ما يُسمَعُ منه؛ لإمكانِ عروضِ أمثالِ ذلكَ منه)) (1) . - وقالَ ابنُ جماعةَ في الردِّ على قولِ أبي حيّانَ: ((وفيه عندي نظرٌ؛ لأنّ أداةَ التعريفِ كلمةٌ منفصلةٌ، ومن ثمّ امتنعَ القراءُ من ضمِّ أولِ الساكنينِ إتباعاً لضمِّ ثالثِه في نحوِ {إِنِ الحُكْمُ} (2) و {قُلِ الرُّوحُ} (3) و {غُلِبَتِ الرُّومُ} (4) ولم يلحقوها ب {قُلِ انظُرُوا} (5) و {إن الحُكْمُ} (6) ونحوِهما، فالساكنُ المذكورُ حاجزٌ حصينٌ لما ذُكِرَ، على أنّه لا تجري في غير الآيةِ ونحوِها)) (7) . 2 - سِأَلْتُمْ: في قولِه تعالى: {فإنّ لَكُمْ مَا سَألْتُمْ} (8) قراءتانِ؛ قراءةُ الجمهورِ بتحقيقِ الهمزةِ وفتحِ السينِ من {سأَلْتُم} ، وقرأ إبراهيمُ النخعيُّ ويحيى بنُ وثابٍ مثلَه بكسرِ السينِ: {سِأَلتم} (9) .   (1) شرح الكافية الشافية 3 / 2021 - 2022، وانظر: حاشية ابن جماعة 30. (2) 57 / الأنعام، 40 / يوسف، 67 / يوسف. (3) 85 / الإسراء. (4) 2 / الروم. (5) 101 / يونس. (6) 57 / الأنعام، 40، 67 / يوسف. (7) حاشية ابن جماعة 30. (8) 61 / البقرة. (9) انظر القراءات في: مختصر في الشواذ 7، المحتسب 1 / 87، المحرر 1 / 239، الفريد 1 / 302، القرطبي 1 / 430، البحر 1 / 380. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 قالَ ابنُ جنّيٍّ: ((فيه نظرٌ؛ وذلكَ أنّ هذهِ الكسرةَ إنّما تكونُ في أوّلِ ما عينُه معتلةٌ كبِعت وخِفت، أو في أولِ فِعْلٍ إذا كانت عينُه معتلةً أيضاً كقِيل وبِيع وحِلَّ وبِلَّ؛ أي: حُلَّ وبُلَّ، وصِعْق الرجلُ نحوُه، إلاّ أنه لا تُكْسَرُ الفاءُ في هذا البابِ إلا والعينُ ساكنةٌ أو مكسورةٌ كنِعمَ وبئسَ وصعقَ، فأمّا أن تُكسرَ الفاءُ والعينُ مفتوحةٌ في الفعلِ فلا)) (1) . ووجّهَ العلماءُ ذلكَ على تداخلِ اللغاتِ، إذ في فعلِ المسألة لغتانِ: سَأَلَ يَسأَلُ كسَبَحَ يسبحُ بالهمزِ، وسَالَ يَسالُ كخافَ يخافُ (2) ، ومن شواهدِه قولُ حسانٍ (رضيَ الله عنه) : سَالتْ هذيلُ رسولَ اللهِ فاحشةً ضَلَّتْ هُذَيلٌ بما سالَتْ ولَم تُصِبِ (3) وقد قيلَ في هذا الشاهِد: تخفيفُ الهمزةِ ضرورةٌ لا لغةٌ (4) . وقالَ المبردُ: ((وأمّا قولُ حسانَ ... فليسَ من لغتِه سِلْتُ أسالُ، مثلُ خِفتُ أخافُ، وهما يتساو لان، هذا من لغةِ غيرِه)) (5) . وعلى هذه اللغةِ جاءَ قولُ الشاعِر: وَمُرْهَقٍ سَالَ إِمتَاعًا بِأُصْدَتِهِ لَمْ يَسْتَعِنْ وَحَوَامِي الموتِ تَغْشَاهُ (6)   (1) المحتسب 1 / 89. (2) انظر: الصحاح (سأل) 5 / 1723، اللسان (سأل) 11 / 318 - 319. (3) الشاهد له في ديوانه 34، الكتاب 3 / 468، 554، المقاضب 1 / 167، الكامل 2 / 626، المفصل 350، شرح المفصل 9 / 114، الدر 1 / 396، شرح شواهد الشافية 4 / 339 - 340، وهو بلا نسبة في: المحتسب 1 / 90، ما يجوز للشاعر 311، الفريد 1 / 302، البحر 1 / 380. (4) انظر: المقتضب 1 / 1167، الكامل 2 / 626، ما يجوز للشاعر 311، شرح المفصل 9 / 114. (5) الكامل 2 / 627. (6) الشاهد في: الصحاح (سأل) 5 / 1723، اللسان (سأل) 11 / 318. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 وعندَ إسنادِ فعلِ هذهِ اللغةِ “ سال ” إلى ضميرٍ من ضمائرِ الرفعِ المتحركةِ يُقالُ: سِلْتُ كخِفتُ، وهوَ من ذواتِ الواوِ بدليلِ ما حَكَاه أبو زيدٍ من قولِهم: هما يتساولانِ، كما تقولُ: يتجاوبانِ ويتقاولانِ ويتقاومانِ (1) . وقراءةُ {سِأَلتم} بكسرِ السينِ وتحقيقِ الهمزِ جمعٌ بينَ اللغتينِ، إذ كسرَ القارئُ فاءَ الكلمةِ على لغةِ من يقولُ سِلْتُم كخِفتُم، ثم تنبّهَ بعدَ ذلكَ إلى الهمزةِ فهمزَ العينَ بعدما سبقَ الكسرُ في الفاءِ، فقالَ ((سِألتم)) (2) . 3 - “ سَآيَلْتَهُمْ ”: ومن صورِ التداخلِ بينَ اللغاتِ في كلمةٍ واحدةٍ ما أنشدَه ثعلبٌ لبلالِ بنِ جريرٍ جدِّ عُمارةَ: إذَا ضِفْتَهُمْ أوْ سَآيَلْتَهُمْ وَجَدْتَ بِهِمْ عِلَّةً حَاضِرَة (3) فقالَ: سآيلتهم، وفيه مآخذُ؛ تقديمُ الهمزةِ وهيَ العينُ على الألفِ، والإتيانُ بما هو بدلٌ منها؛ وهيَ الياءُ التي هيَ تسهيلٌ للهمزةِ في الحقيقةِ. وللعلماءِ في تخريجِه أقوالٌ؛ منها:   (1) انظر: الفريد 1 / 302، اللسان (سأل) 11 / 319. (2) انظر: المحتسب 1 / 89، الفريد 1 / 302، البحر 1 / 380. (3) الشاهد له في: مجالس ثعلب 1 / 308، الخصائص 3 / 146، 280، اللسان (سأل) 11 / 319، التاج (سأل) 14 / 324، وفي المحتسب 1 / 90، 2 / 287 برواية (جئتهم) وفي البحر 1 / 380 برواية (جئتهم) غير منسوب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 - أن يكونَ الشاعرُ زادَ الياءَ وغيَّرَ الصورةَ، فصارَ مثالُه “ فَعَايَلْتَهُم ” (1) - أنّه أرادَ: ساءلتهم، بزنةِ “ فَاعَلْتَهم ”، إلاّ أنَّه زادَ الهمزةَ الأولى، فصارَ تقديرُه سآءلتهم بوزنِ: “ فَعَاءلتهم ” (2) ، فجفَا عليه التقاءُ الهمزتينِ ليسَ بينهما إلاّ الألفُ، وهيَ حاجزٌ غيرُ حصينٍ، فأبدلَ الثانيةَ ياءً تخفيفاً (3) . - أن يكونَ الشاعرُ قد أرادَ: سَاءَلتهم “ فَاعَلْتَهُم ” من السؤالِ، ثمَ عَنَّ له إبدالُ الياءِ من الهمزةِ؛ أي: سَايَلتهم تسهيلاً على لغةٍ، فاضطربَ عليه الموضعُ، فجمعَ بينَ المعوِّضِ والمعوَّضِ منه؛ الهمزةُ والياءُ، على تَلَفُّتِهِ إلى اللغتينِ فلم يمكنْه أن يجمعَ بينَهما في موضعٍ واحدٍ؛ لأنّه لا يكونُ حرفانِ واقعينِ في موضعٍ واحدٍ عينينِ كانَا أو غيرَهما، فأجاءَه الوزنُ إلى تقديمِ الهمزةِ التي هيَ العينُ قبلَ ألفِ “ فَاعَلْتُ ”، ثم جاءَ بالياءِ التي هيَ بدلٌ منها بعدَها، فصار: سآيلتهم بزنةِ “ فَعَاعَلْتَهُم ” (4) . قالَ ثعلبٌ: ((وهذا جمعٌ بينَ اللغتينِ؛ الهمزةِ والياءِ)) (5) . وقالَ الزبيديُّ: ((وهذا مثالٌ لا نظيرَ يُعْرَفُ له في اللغةِ)) (6) . الجَمْعُ بَيْنَ اللغتين   (1) انظر: الخصائص 3 / 146، 280. (2) كذا، وأُرَى أنه إذا زاد الهمزة الأولى يكون الوزن “ فأعَلْتَهُم ”. (3) انظر: الخصائص 3 / 146 - 147. (4) انظر: الخصائص 3 / 146 - 147، 280، المحتسب 1 / 90، 2 / 287، البحر 1 / 380، التاج (سأل) 14 / 324. (5) مجالس ثعلب 1 / 308. (6) التاج (سأل) 14 / 324. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 والنّماذجُ اللاحقةُ صورٌ للجمعِ بينَ اللغتينِ؛ ترتبطُ معَ تداخلِ اللغاتِ برابطٍ، ولذلكَ أدخلتها ضمنَ هذا البحثِ، وإن كانَتْ لا توافقُه كلَّ الموافقةِ؛ ذلكَ أنّ التداخلَ في الحقيقةِ هوَ جمعٌ بينَ لغتينِ، فتُسْتَعْمَلُ كلمةٌ أو حرفٌ من لغةٍ معَ مكملِها منَ الكلمةِ أو الحرفِ من لغةٍ أخرى، فيستعملانِ جميعاً في لسانٍ واحدٍ، أمّا الجمعُ فإنّما هوَ النطقُ بالكلمةِ الواحدةِ بوجهينِ يوافقُ أحدُهما لغةً ما والآخرُ الللغةَ الأخرى، ولذا يمكنني القولُ هاهنا بأنّ الجمعَ أعمُّ من التداخلِ، فكلُّ تداخلٍ جمعٌ، وليسَ كلُّ جمعٍ تداخلاً. وقد أفردتُ هذا النوعَ بعنوانٍ مستقلٍ اتباعًا لمنهجِ أبي الفتحِ، إذ ذكرَ هذهِ الأصنافَ المندرجةَ تحتَ الجمعِ في بابٍ مستقلٍ مفردٍ عن بابِ تركّبِ اللغاتِ، ترجمَه ب“ بابٌ في الفصيحِ يجتمعُ في كلامِه لغتانِ فصاعدًا ” (1) ولكنني وضعتُه أيضًا ضمنَ مفرداتِ هذا البحثِ؛ لأنّ السيوطيَّ (2) والقنوجيَّ (3) قد أدرجاه ضمنَ حديثِهم عن تداخلِ اللغاتِ، بل صدّرا البابَ بشاهدٍ من شواهدِ الجمعِ. وللجمعِ بينَ اللغتين؛ الذي هوَ استعمالُ الكلمةِ الواحدةِ بوجهينِ على لغتينِ مختلفتينِ؛ صورُه أيضاً، ومنها: - الجمعُ بينَ فَعَلَ وأَفْعَلَ. - الجمعُ بينَ المدِّ والقصرِ. - الجمعُ بينَ الإشباعِ والإسكانِ. الجَمْعُ بَيْنَ “ فَعَلَ و “ أَفْعَل ” كثرَ التصنيفُ في الأفعالِ الواردةِ بصيغةِ الثلاثيِّ المجردِ والمزيدِ بالهمزةِ، والآتيةِ على بنائي “ فَعَلَ ” و “ أَفْعَلَ ” سواءٌ أكانا بمعنًى واحدٍ أم مختلفٍ، وسنتطرقُ في حديثِنا عنِ الجمعِ لما جاءَ باللفظينِ بمعنى، وأحدهما لغةٌ لقبيلةٍ والثاني لأخرى.   (1) الخصائص 1 / 370. (2) انظر: المزهر 1 / 262. (3) انظر: البلغة 172. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 سَقى وَأَسْقَى: يرى سيبويهِ أنّ الهمزةَ مزيدةٌ لإفادةِ التعريضِ؛ قالَ: ((وتجيءُ أفعلته على تُعَرِّضَهُ لأمرٍ، وذلكَ قولُك: أقتلته؛ أي: عَرْضته للقتلِ ... وتقولُ: سقيتُه فشربَ، وأسقيتُه؛ جعلتُ له ماءً وسُقيا، ألا ترى أنّك تقولُ: أسقيته نهرًا. وقالَ الخليلُ: سقيته وأسقيته أي جعلت له ماءً وسقيا، نسقيه مثلُ كسوته، وأسقيته مثلُ ألبسته)) (1) . وقالَ الراغبُ: ((السقي والسقيا أن يعطيَه ما يشربُ، والإسقاءُ أن يجعلَ له ذلكَ حتى يتناولَه كيفَ شاءَ، فالإسقاءُ أبلغُ من السقيِ؛ لأنّ الإسقاءَ هوَ أن تجعلَ له ما يُسقى منه ويشربُ، تقولُ: أسقيته نهرًا)) (2) . وقيلَ: سقى وأسقى لغتانِ بمعنى؛ أي أن المزيدَ استُعمِلَ بمعنى المجردِ في بعضِ اللغاتِ (3) . وقيلَ: السقيُ مجردًا يُرَادُ به أنّه سقاه لشفتِه، وناوله الماءَ ليشربَ، والإسقاءُ لما كانَ في بطونِ الإنعامِ أو منَ السماءِ أو الأنهارِ، قاله الفراءُ وغيرُه (4) . وقد عدَّ ابنُ جنيٍّ اجتماعَهما في لفظِ العربيِّ تداخلاً، ومما وردَ فيهما قولُ لبيدٍ: سَقَى قَوْمِي بني مَجْدٍ وأسقى نميرًا والقبائلَ من هلالِ (5) دِرَاسَةٌ قُرْآنِيَةٌ: جاءَ الفعلُ الماضي “ سقى ” مجردًا مبنيًا للفاعِل في ثلاثِ آياتٍ هيَ: 1 - {فَسَقَى لَهَمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} 24 / القصص. 2 - {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} 21 / الإنسان. 3 - {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} 25 / القصص.   (1) الكتاب 4 / 59. (2) المفردات 241. (3) انظر: الخصائص 1 / 370. (4) انظر: تهذيب اللغة (سقى) 9 / 228، اللسان (سقى) 14 / 392، التاج (سقى) 19 / 530. (5) الشاهد له في: تهذيب اللغة (سقى) 9 / 228، الخصائص 1 / 370، اللسان (سقى) 14 / 392، التاج (سقى) 19 / 531. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 ومبنياً لما لم يسمَّ فاعلُه في واحدةٍ هيَ: 1 - {وَسُقُوا مَاءًا حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُم} 15 / محمّد. وجاءَ الفعلُ المضارعُ منه في خمسِ آياتٍ هيَ: 1 - {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيْرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الحَرْثَ} 71 / البقرة. 2 - {قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} 23 / القصص. 3 - {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} 23 / القصص. 4 - {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} 41 / يوسف. 5 - {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ} 78 / الشعراء. وجاءَ الماضي مزيدًا بالهمزةِ في ثلاثِ آياتٍ هيَ: 1 - {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} 27 / المرسلات. 2 - {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيّنَاكُمُوهُ} 22 / الحجر. 3 - {وَأَلَّوُا اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَة لأَسْقَيْنَاهُم مَاءً غَدَقًا} 16 / الجن. وجاءَ مضارعًا في ثلاثِ آياتٍ أيضاً: 1 - {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} 66 / النّحل. 2 - {نُسْقِيكُمْ مِمَّا في بُطُونِهَا} 21 / المؤمنون. 3 - {وَنُسْقِيْهِ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِرًا} 49 / الفرقان. وجاءَ المضارعُ مبنيًا لما لم يسمَّ فاعلُه مجرَدًا أو مزيداً بالهمزةِ، فالصورةُ واحدةٌ فيهما؛ في خمسِ آياتٍ هيَ: 1 - {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحدٍ} 4 / الرعد. 2 - {وَيُسْقَى مِن مَاءٍ صَدِيْدٍ} 16 / إبراهيم. 3 - {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيْلاً} 17 / الإنسان. 4 - {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} 25 / المطففين. 5 - {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} 5 / الغاشية. نخلصُ ممّا سبقَ عرضُه إلى أنَّ القرآنَ الكريمَ قد جمعَ في آياتِه بينَ اللغتينِ؛ “ سقى ” و “ أسقى ” وَفَى وَأوْفَى: وردَ فعلُ الوفاءِ ثلاثيًا مجرَدَا ومزيدًا بالهمزةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 فقيلَ: هما لغتانِ (1) . قالَ المبردُ: ((وأوفى أحسنُ اللغتينِ)) (2) . وقالَ ابنُ جنّيٍّ: هما ((لغتانِ قويتانِ)) (3) . وقالَ ابنُ سيده: ((وفيتُ بالعهدِ ... وأوفيتُ، فأمّا في الكيلِ فبالألفِ لا غيرَ)) (4) . وممّا جاءَ بالجمعِ بينَهما قولُ طفيلٍ الغنويِّ: أمَّا ابن طَوْقٍ فقد أَوْفَى بِذِمّتِه كَمَا وَفَى بقلاص النَّجمِ حاديها (5) وعدَّه ابنُ جنّيٍّ منَ الجمعِ بِينَ اللغتينِ (6) . دِرَاسَةٌ قُرْآنِيَّةٌ: لم يجئِ الفعلُ الثلاثيُّ المجرّدُ “ وفى ” بأزمانِه الثلاثةِ في القرآنِ الكريمِ، وجاءَ المزيدُ ماضياً ومضارعاً وأمرًا، فوردَ الماضي المزيدُ بالهمزةِ في موضعينِ فحسب هما: 1 - {بَلَ مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى ... } 76 / آل عمران. 2 - {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله ... } 10 / الفتح. وجاءَ المضارعُ غيرَ متصلٍ بضميرٍ مرفوعاً في آيةٍ ومجزوماً في أخرى: 1 - {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوْفِ بِعَهْدِكُمْ} 40 / البقرة. 2 - {أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوْفِي الكَيْلَ} 59 / يوسف. ومسندًا إلى واوِ الجماعةِ مرفوعاً في آيتينِ ومجزومًا في واحدةٍ: 1 - {الَّذِينَ يُوْفُونَ بِعَهْدِ اللهِ ... } 20 / الرعد. 2 - يُوْفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} 7 / الإنسان.   (1) انظر: الكامل 2 / 718، فعلت وأفعلت للزجاج 93، المخصص 14 / 252، ما جاء على فعلت وأفعلت للجواليقي 73، اللسان (وفى) 15 / 398، التاج (وفى) 20 / 300. (2) الكامل 2 / 718. (3) الخصائص 3 / 316. (4) المخصص 14 / 252. (5) الشاهد له في: اللسان (وفى) 15 / 398، التاج (وفى) 20 / 300، وغير منسوب في: الكامل 2 / 718 برواية (أمّا ابن بيض) ، فعلت وأفعلت للزجاج 93، الخصائص 3/316، شرح المفصل 1 / 42. (6) انظر: الخصائص 3 / 316. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 3 - {وَليُوفُوا نُذُورَهُمْ وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ} 29 / الحج. وجاءَ الأمرُ غيرَ متصلٍ بضميرٍ في آيةٍ واحدةٍ هي: 1 - {فَأَوْفِ لَنَا الكَيْلَ} 88 / يوسف. ومسندًا إلى واوِ الجماعةِ في أربعِ آياتٍ: 1 - {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوْفِ بِعَهْدِكُمْ} 40 / البقرة. 2 - {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ} 1 / المائدة. 3 - {وَبِعَهْدِ الله أَوْفُوا} 152 / الأنعام. 4 - {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُم} 91 / النحل. ومن خلالِ هذا الاستقراءِ نلحظُ أنَّ القرآنَ الكريمَ استعملَ الفعلَ المزيدَ فحسب؛ اكتفاءً بأحسنِ اللغتينِ كما قالَ المبردُ. الجَمْعُ بَيْنَ المَقْصُورِ والمَمْدُودِ: قد يردُ الاسمُ مقصورًا في لغةٍ ممدودًا في أخرى وهما بمعنًى، ومن ذلكَ: البُكَاءُ والبُكَى: يُمدُّ ويُقصرُ؛ فالقصرُ على “ فُعَلٍ ”، والمدُّ على “ فُعَالٍ ”؛ قالَه الفرّاءُ وغيرُه (1) . قيلَ: المدُّ مخرجٌ مخرجَ الضغاءِ والرغاءِ، يرادُ به الصوتُ الذي يكونُ معَ البكاءِ، والقصرُ مخرجٌ مخرجَ الأنّةِ والضّنى؛ يرادُ به الدموعُ وخروجُها؛ قالَه ابنُ دريدٍ (2) وغيرُه (3) . وقيلَ: هما لغتانِ صحيحتانِ، لا فرقَ بينَهما (4) . وقد جَمَع حسانُ بينَ اللغتينِ بقولِه:   (1) انظر: المقصور والممدود للفراء 42 - 43، حروف الممدود والمقصور لابن السكيت 110، اللسان (بكى) 14 / 82، التاج (بكى) 19 / 212. (2) انظر: الجمهرة 2 / 1027، الصحاح (بكى) 6 / 2284، اللسان (بكى) 14 / 82، التاج (بكى) 19 / 212. (3) انظر: مفردات الراغب 56، الأفعال لابن القطاع 1 / 108. (4) انظر: المقصور والممدود للفراء 42 - 43، حروف الممدود والمقصور لابن السكيت 110، الجمهرة 2 / 1027، الممدود والمقصور للوشاء 33، المزهر 1 / 264، التاج (بكى) 19 / 212. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 بَكَتْ عَيْني وحُق لَهَا بُكاها وما يُغْنِي البُكَاءُ وَلاَ العَوِيلُ (1) الجَمْعُ بَيْنَ إِشْبَاعِ حَرَكَةِ الضَّمِيرِ وَإسكانِهِ: اللغةُ الفصيحةُ أنّكَ إذا أتيتَ بضميرِ الغائبِ “ الهاءِ ”؛ حرّكتَه بالضمِّ أوِ الكسرِ بحسبِ ما قبلَه، وتحذفُ هذهِ الحركَة في ضرورة الشعرِ. وممّا وردَ فيهما جميعاً؛ أعني الإشباعَ والتسكينَ قولُ يعلى بنِ الأحولِ الأزديّ يصفُ برقًا: أَرِقْتُ لبرقٍ دُونَهُ شَدَوانِ يمانٍ وأَهْوَى البَرْقَ كلّ يَمَانِ فظلتُ لدى البَيتِ العَتِيقِ أُخِيْلُهُو ومِطوَاي مُشْتَاقَان لَهْ أَرِقانِ (2) فالشاعرُ أثبتَ الواوَ في (أُخِيْلُهُ) ، وسكّنَ “ الهاءَ ” في “ لَهْ ”، وقد قيلَ في تخريجِه: - إِنّ الشاعرَ سكّنَ الضميرَ في “ لَهْ ” لمّا حذفَ الصلةَ للضرورةِ؛ حتى يكونَ قد أُجْرِيَ مجرى الوقفِ إجراءً كاملاً (3) .   (1) الشاهد له في: الجمهرة 2 / 1027، المزهر 1 / 264، اللسان (بكى) 14 / 82، ولابن رواحة في ديوانه 132، وله أو لكعب بن مالك في: اللسان (بكى) 6 / 43، المصباح 59. (2) الشاهد له في: اللسان (ها) 15 / 477، (مطا) 15 / 287، الخزانة 5 / 275 برواية (فبت لدى البيت العتيق أشيحهو ومطواي من شوق له أرقان) ولرجل من أزد السراة في: ما يجوز للشاعر 245، اللسان (مطا) 15 / 287، الخزانة 5 / 269، 275، وبلا نسبة في: المقتضب 1 / 39، 267 برواية (أريغهو) ، الخصائص 1 / 37، 128، المحتسب 1 / 244، المنصف 3 / 84، ضرائر الشعر 124، الخزانة 4 / 436 برواية (أريغهو) ، وجزؤه (لَهْ أرقان) في الحجة للقراء السبعة 1 / 134. (3) انظر: المقتضب 1 / 39، 267، الخصائص 1 / 128، ما يجوز للشاعر 245، ضرائر الشعر 124. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 - وقيلَ: إسكانُ الهاءِ في “ لَهْ ” لغةٌ لأزدِ السراةِ، وهو قولُ أبي الحسنِ فيما حُكِيَ عنه (1) . قلتُ: ويؤيدُه أنّ قائلَه أزديٌ، ولا يسَعُنا أن نحمِلَ التسكينَ في كلامِه على الضرورةِ وهي لغتُه. وعليه حملَه ابنُ جنّيٍّ على الجمعِ بينَ اللغتينِ؛ وهما إثباتُ الواوِ في الأولِ، وتسكينُ الهاءِ في الثاني (2) . قالَ: ((فهما لغتانِ، وليسَ إسكانُ الهاءِ في “ له ” عن حذفٍ لحقَ بالصنعةِ الكلمةَ، لكنَّ ذاك لغةٌ)) (3) . وجعلَه ابنُ السراجِ من قبيلِ الضرورةِ عندَهم (4) . - وقيلَ: إسكانُه جائزٌ عندَ بني عقيلٍ وبني كلابٍ (5) . ومثلُه كذلكَ ما رَوى قطربُ من قولِ الشاعرِ: وأشْرَبُ المَاءَ ما بِي نَحْوَ هُو عَطَشٌ إلاّ لأنَّ عُيونَهُ سَيلُ وَادِيها (6)   (1) انظر الحجة للقراء السبعة 1 / 134، الخصائص 1 / 128، 370، ضرائر الشعر 124، الخزانة 5 / 269، اللسان (ها) 15 / 477. (2) انظر: الخصائص 1 / 370، اللسان (ها) 15 / 477. (3) الخصائص 1 / 370. (4) انظر: الخزانة 5 / 269. (5) انظر: الخزانة 5 / 269. (6) الشاهد في: الخصائص 1 / 128، 371، 2 / 18، المحتسب 1 / 244، ضرائر الشعر 124، المقرب 2 / 204، اللسان (ها) 15 / 477 الاقتراح 177، المزهر 1 / 262، الخزانة 5 / 270، 6 / 450، الدرر 1 / 182، البلغة 172 برواية (سال واديها) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 فقالَ: ((نَحْوَ هُو)) بالواوِ مُشبعاً، وقالَ ((عيونَهُ)) بإسكانِ الهاءِ، وفي تخريجِه منَ الأقوالِ مثلُ ما في سابقِه؛ فهوَ على الضرورةِ عندَ قومٍ (1) ، ولغةٌ عندَ آخرينَ (2) ، فجمعَ الشاعرُ بينَ لغتينِ في بيتِه هذا (3) ، وصرّحَ بعضُهم بلفظِ التداخلِ الواقعِ في الشاهدِ (4) . وقالَ السيوطيُّ: ((فينبغي أن يُتَأمّلَ حالُ كلامِه؛ فإن كانتِ اللفظتانِ في كلامِه متساويتينِ في الاستعمالِ وكثرتُهما واحدةٌ فأَخْلَقُ الأمرِ به أن تكونَ قبيلتُه تواضعت في ذلكَ المعنى على ذَيْنِكَ اللفظينِ؛ لأنّ العربَ قد تفعلُ ذلكَ للحاجةِ إليه في أوزانِ أشعارِها، وسعةِ تصرّفِ أقوالِها، ويجوزُ أن تكونَ لغتُه في الأصلِ إحداهما، ثمّ إنّه استفادَ الأخرى من قبيلةٍ أخرى، وطالَ بها عهدُه، وكثُر استعمالُه لها، فلحقت لطول المدّة واتساعِ الاستعمالِ بلغتِه الأولى، وإن كانت إحدى اللفظتينِ أكثرَ في كلامِه منَ الأخرى؛ فأَخلقُ الأمرِ به أن تكونَ القليلةُ الاستعمالِ هيَ الطارئةَ عليه، والكثيرةُ هيَ الأولى الأصليةَ، ويجوزُ أن تكونا مخالفتينِ له ولقبيلتِه، وإنّما قَلَّتْ إحداهما في استعمالِه لضعْفِها في نفسِه وشذوذِها عن قياسِه)) (5)   (1) انظر: ضرائر الشعر 124، المقرب 2 / 203 - 204. (2) انظر: الخصائص 1 / 371، اللسان (ها) 15 / 477، الاقتراح 177، المزهر 1/ 262، الهمع 1 / 203، البلغة 173. (3) انظر: الخصائص 1 / 371، اللسان (ها) 15 / 477، الاقتراح 177، المزهر 1 / 262، البلغة 173. (4) انظر: المزهر 1 / 262، وانظر: البلغة 173. (5) المزهر 1 / 262، وانظر: البلغة 173. المصادر والمراجع 1 - أدب الكاتب / لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276 هـ) - تح: الدالي - الطبعة الثانية - 1405 هـ - 1985 م - مؤسسة الرسالة - بيروت. 2 - ارتشاف الضرب من لسان العرب / لأبي حيان الأندلسي (ت 745 هـ) تح: د. مصطفى النحاس - الطبعة الأولى - 1404 هـ - 1984 م - دار المدني جدة. 3 - إصلاح المنطق / لابن السكيت (ت 244 هـ) - تح: شاكر وهارون - الطبعة الرابعة - دار المعارف - القاهرة. 4 - إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم / لأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه (ت 370هـ) - 1985 م - دار ومكتبة الهلال - بيروت. 5 - إعراب القراءات السبع وعللها / لأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه (ت 370 هـ) تح: د. العثيمين - الطبعة الأولى - 1413 هـ - 1992 م - مكتبة الخانجي - القاهرة. 6 - إعراب القرآن / لأبي جعفر أحمد بن محمد إسماعيل النحاس (ت 338 هـ) - تح: د. زهير غازي زاهد - الطبعة الثانية - 1405 هـ - 1985 م - عالم الكتب. 7 - الأفعال / لابن القوطية (ت 367 هـ) تح: علي فودة - الطبعة الثانية - 1993 م - مكتبة الخانجي - القاهرة. 8 - الأفعال / لأبي عثمان سعيد بن المعافري السرقسطي (ت بعد 400 هـ) - تح: د. شرف ود. علام - 1395 هـ - 1975 م. الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية. 9 - الأفعال / لأبي القاسم علي بن جعفر المعروف بابن القطاع (ت 515 هـ) الطبعة الأولى - 1403 هـ - 1983 م - عالم الكتب - بيروت. 10 - الاقتراح في أصول النحو وجدله / لجلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) - تح: د. محمود فجال - الطبعة الأولى - 1409 هـ - 1989 م - مطبعة الثغر. 11 - الاقتضاب في شرح أدب الكتاب / لأبي محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي (ت 521 هـ) - تح: السقاو عبد المجيد - 1981 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب. 12 - أمالي ابن الشجري / لهبة الله بن علي بن محمد بن حمزة (ت 542 هـ) - تح: د. الطناحي - الطبعة الأولى - مكتبة الخانجي - القاهرة. 13 - البحر المحيط في التفسير / لمحمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي (ت 754) الطبعة الجديدة - 1412 هـ - 1992 م - دار الفكر - بيروت - لبنان. 14 - بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز / لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزأبادي (ت 817 هـ) - تح: عبد العليم الطحاوي - المكتبة العلمية - بيروت - لبنان. 15 - البلغة في أصول اللغة / للسيد محمد صديق حسن خان القنوجي (ت 1307 هـ) - تح: نذير مكتبي - الطبعة الأولى - 1408 هـ - 1988 م - دار البشائر الإسلامية - بيروت - لبنان. 16 - البيان في غريب إعراب القرآن / لأبي البركات الأنباري (ت 577 هـ) - تح: د. طه عبد الحميد - 1400 هـ - 1980 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب. 17 - تاج العروس من جواهر القاموس / لمحب الدين محمد مرتضى الزبيدي (ت 1205 هـ) - تح: علي شيري - 1414 هـ - 1994 م - دار الفكر - بيروت - لبنان. 18 - التبيان في إعراب القرآن / لأبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري (ت 616 هـ) - تح: علي البجاوي - عيسى البابي الحلبي وشركاه. 19 - تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من حروف القرآن / لأبي جعفر أحمد بن يوسف الرعيني (ت 779 هـ) - تح: د. علي البواب - دار المنارة - جدة. 20 - تدريج الأداني إلى قراءة شرح السعد على تصريف الزنجاني / للشيخ عبد الحق سبط العلامة النووي الثاني - دار إحياء الكتب العربية. 21 - التفسير الكبير / للإمام الفخر الرازي (ت 606 هـ) - الطبعة الثالثة - دار إحياء التراث العربي - بيروت. 22 - التكملة / لأبي علي الفارسي (ت 277 هـ) - تح: د. كاظم المرجان - 1401 هـ - 1981 م - مديرية دار الكتب - جامعة الموصل. 23 - التكملة والذيل والصلة / للحسن بن محمد الحسن الصغاني (ت 650 هـ) - تح: عبد العليم الطحاوي وعبد الحليم حسن - 1970 - مطبعة دار الكتب - القاهرة. 24 - تهذيب اللغة / لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت 370 هـ) - تح: عبد السلام هارون وجماعة - 1384 هـ - 1964 م - المؤسسة المصرية العامة - مصر. 25 - توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك / لابن أم قاسم المرادي (ت 749 هـ) - تح: عبد الرحمن سليمان - الطبعة الثانية - مكتبة الكليات الأزهرية. 26 - الجامع لأحكام القرآن / لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671 هـ) - الطبعة الثانية. 27 - جمهرة اللغة / لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد (ت 321 هـ) - تح: رمزي بعلبكي - الطبعة الأولى - 1987 م - دار العلم للملايين - بيروت - لبنان. 28 - الجيم / لأبي عمرو الشيباني (ت 188 هـ) - تح: إبراهيم الأبياري ومحمد خلف الله - 1394 هـ - 1974 م - الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية - القاهرة. 29 - حاشية ابن جماعة على شرح الشافية (ت 733 هـ) - الطبعة الثالثة - 1404هـ - 1984م - عالم الكتب. 30 - الحجة في القراءات السبع / لابن خالويه (ت 370 هـ) - تح: د. عبد العال مكرم - الطبعة الخامسة - 1410 هـ - 1980 م - مؤسسة الرسالة - بيروت. 31 - الحجة للقراء السبعة / لأبي علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي (ت 377 هـ) - تح: قهوجي وحويجاتي - الطبعة الأولى - 1404 هـ - 1984 م - دار المأمون للتراث. 32 - حروف الممدود والمقصور / لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن السكيت (244 هـ) - تح: د. حسن شاذلي فرهود - الطبعة الأولى - 1405 هـ - 1985 م - دار العلوم - الرياض. 33 - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب / لعبد القادر بن عمر البغدادي (1093 هـ) - تح: عبد السلام هارون - الطبعة الثانية - 1979 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب. 34 - الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جني (ت 393 هـ) - تح: محمد علي النجار - دار الكتاب العربي - بيروت. 35 - ديوان الأدب / لأبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي (ت 350 هـ) - تح: د. أحمد مختار - 1394 هـ - 1974 م - الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية - القاهرة. 36 - ديوان حسان بن ثابت الأنصاري - دار صادر - بيروت. 37 - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون / لأحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي (ت756هـ) - تح: د. أحمد الخراط - الطبعة الأولى - 1406 هـ - 1986 م - دار القلم - بيروت. 38 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني / للألوسي البغدادي (ت 1270 هـ) الطبعة الرابعة - 1405 هـ - 1985 م - دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان. 39 - السبعة في القراءات / لابن مجاهد (ت 324 هـ) - تح: د. شوقي ضيف - الطبعة الثانية - دار المعارف - القاهرة. 40 - شرح أدب الكاتب / لأبي منصور موهوب بن أحمد الجواليقي - دار الكتاب العربي - بيروت. 41 - شرح التسهيل / لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك (ت 672 هـ) - تح: د. السيد ود. المختون - الطبعة الأولى - 1410 هـ - 1990 م - دار هجر. 42 - شرح ديوان الفرزدق / عُني بجمعه والتعليق عليه عبد الله إسماعيل الصاوي / ط الصاوي بمصر - الطبعة الأولى 1354 هـ. 43 - شرح شافية ابن الحاجب / لرضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي (686 هـ) - تح: الحسن والزفزاف وعبد الحميد - 1395 هـ - 1975 م - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. 44 - شرح الشافية / للجاربردي (ت 746 هـ) - الطبعة الثالثة - 1404 هـ - 1984 م - عالم الكتب - بيروت. 45 - شرح الشافية / لنقرة كار - الطبعة الثالثة - 1404 هـ - 1984 م - عالم الكتب - بيروت. 46 - شرح شواهد الشافية / للبغدادي (ت 1093 هـ) = مع شرح الشافية للرضي. 47 - شرح الكافية الشافية / لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك - تح: د. عبد المنعم أحمد هريدي - الطبعة الأولى - 1402 هـ - 1982 م - منشورات جامعة أم القرى - مكة. 48 - شرح لامية الأفعال / لبدر الدين محمد بن محمد بن مالك (ت 686 هـ) - تح: محمد أديب - الطبعة الأولى - 1411 هـ - 1991 م - دار قتيبة - بيروت. 49 - شرح مختصر التصريف العزّي في فن الصرف / لمسعود بن عمر سعد الدين التفتازاني (ت 791 هـ) - تح: د. عبد العال مكرم - الطبعة الأولى - 1402 هـ - 1982 م - ذات السلاسل - الكويت. 50 - شرح المفصل / لموفق الدين بن يعيش (ت 643 هـ) - عالم الكتب - بيروت. 51 - شرح الملوكي في التصريف / لابن يعيش (ت 643 هـ) - تح: د. فخر الدين قباوة - الطبعة الأولى - 1393 هـ - 1973 م - المكتبة العربية - حلب. 52 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية / لإسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393 هـ) - تح: أحمد عبد الغفور عطار - الطبعة الثالثة - 1404 هـ - 1984 م - دار العلم للملايين - بيروت. 53 - ضرائر الشعر / لابن عصفور الاشبيلي (ت 669 هـ) - تح: السيد إبراهيم محمد - الطبعة الثانية - 1402 هـ - 1982 م - دار الأندلس - بيروت. 54 - طبقات النحويين واللغويين / لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي (ت 379 هـ) - تح: محمد أبو الفضل إبراهيم - الطبعة الثانية - دار المعارف. 55 - العين / لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ) - تح: د. المخزومي ود. السامرائي - الطبعة الأولى - 1408 هـ - 1988 م - مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان. 56 - غرائب التفسير وعجائب التأويل / لمحمود بن حمزة الكرماني - الطبعة الأولى - 1408 هـ - 1988 م - دار القبلة للثقافة الإسلامية - جدة. 57 - الفرق بين الحروف الخمسة / لأبي محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي (ت 521 هـ) تح: عبد الله الناصير - الطبعة الأولى - 1404 هـ - 1984 م - دار المأمون للتراث - دمشق. 58 - الفريد في إعراب القرآن المجيد / للمنتجب حسين بن أبي العز الهمداني (ت 643 هـ) - تح: د. محمد النمر ود. فؤاد مخيمر - الطبعة الأولى - 1411 هـ - 1991 م - دار الثقافة - قطر. 59 - فعلت وأفعلت / لأبي إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج (ت 310 هـ) - تح: ماجد الذهبي - الشركة المتحدة - دمشق. 60 - القاموس المحيط / للفيروزأبادي (ت 817 هـ) - دار الفكر - بيروت. 61 - القراءات وعلل النحويين فيها المسمى علل القراءات / لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت 370 هـ) - تح: نوال الحلوة - الطبعة الأولى - 1415 هـ - 1991 م. 62 - الكامل / لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد (ت 285 هـ) - تح: محمد أحمد الدالي - الطبعة الأولى - 1406 هـ - 1986 م - مؤسسة الرسالة - بيروت. 63 - كتاب سيبويه / لأبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (ت 180 هـ) - تح: عبد السلام هارون - عالم الكتب - بيروت. 64 - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل / لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 هـ) - الطبعة الأخيرة - 1392 هـ - 1972 م - شركة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - مصر. 65 - كنز الحفاظ في تهذيب الألفاظ / لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت - دار الكتاب الإسلامي - القاهرة. 66 - لسان العرب / لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (ت 761 هـ) - دار صادر - بيروت. 67 - ليس في كلام العرب / للحسين بن أحمد بن خالويه (ت 370 هـ) - تح: أحمد عبد الغفور عطار - الطبعة الثانية - 1399 هـ - 1979 م - مكة المكرمة. 68 - ما جاء على فعلت وأفعلت بمعنى واحد مؤلف على حروف المعجم / لأبي منصور موهوب بن أحمد الجواليقي (ت 540 هـ) - تح: ماجد الذهبي - 1402 هـ - 1982 م - دار الفكر - دمشق. 69 - ما يجوز للشاعر في الضرورة / للقزاز القيرواني (ت 412 هـ) - تح: د. رمضان عبد التواب ود. صلاح الدين الهادي - مطبعة المدني - مصر. 70 - مجالس ثعلب / لأبي العباس أحمد بن يحيى (ت 291 هـ) - تح: عبد السلام هارون - الطبعة الخامسة - دار المعارف - القاهرة. 71 - مجمل اللغة / لأبي الحسين أحمد بن فارس (ت 395 هـ) - تح: هادي حمودي - الطبعة الأولى - 1405 هـ - 1985 م - معهد المخطوطات العربية - الكويت. 72 - المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها / لأبي الفتح عثمان بن جني (ت 393 هـ) - تح: علي النجدي ود. عبد الحليم النجار - الطبعة الثانية - 1406 هـ - 1986 م - دار سزكين. 73 - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز / لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية (ت 546هـ) - تح: المجلس العلمي بفاس - 1395 هـ - 1975 م. 74 - المحكم والمحيط الأعظم في اللغة / لعلي بن إسماعيل بن سيده (ت 458 هـ) - تح: مصطفى السقا وحسين نصار - الطبعة الأولى 1377 هـ - 1958 م - معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية. 75 - المحيط في اللغة / لكافي الكفاة الصاحب إسماعيل بن عباد (ت 385 هـ) - تح: محمد حسن آل ياسين - الطبعة الأولى - 1414 هـ - 1994 م - عالم الكتب - بيروت. 76 - مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع / لابن خالويه (ت 370 هـ) - نشره: ج. برجشتراسر. 77 - المخصص / لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده (ت 458 هـ) - دار الكتاب الإسلامي - القاهرة. 78 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها / للسيوطي (ت 911 هـ) - تعليق: جماعة - المكتبة العصرية - بيروت. 79 - المساعد على تسهيل الفوائد / لبهاء الدين بن عقيل (ت 769 هـ) - تح: د. محمد بركات - 1400 هـ - 1980 م - منشورات جامعة أم القرى. 80 - مشكل إعراب القرآن / لمكي بن أبي طالب القيسي (ت 437 هـ) - تح: ياسين السواس - 1394 هـ - 1974 م - مجمع مطبوعات اللغة العربية - دمشق. 81 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير / لأحمد بن محمد بن علي الفيومي (ت 770 هـ) - المكتبة العلمية - بيروت - لبنان. 82 - معاني القرآن / لأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش (ت 215 هـ) - تح: د. الورد - الطبعة الأولى - 1405 هـ - 1985 م - عالم الكتب - بيروت 83 - معاني القرآن وإعرابه / لأبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج (ت 311 هـ) - تح: د. عبد الجليل شلبي - الطبعة الأولى - 1408 هـ - 1988 م - عالم الكتب - بيروت. 84 - معجم مفردات ألفاظ القرآن / للراغب الأصفهاني (ت 503 هـ) - تح: نديم مرعشلي - دار الفكر - بيروت. 85 - معجم مقاييس اللغة / لأبي الحسن أحمد بن فارس (ت 395 هـ) - تح: عبد السلام هارون - 1399 هـ - 1979 م - دار الفكر. 86 - المغني في تصريف الأفعال / د. محمد عبد الخالق عضيمة - الطبعة الثالثة - دار الحديث. 87 - المفتاح في الصرف / لعبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) - تح: د. علي الحمد - الطبعة الأولى - 1407 هـ - 1987 م - مؤسسة الرسالة - بيروت. 88 - المفصل في علم العربية / لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 هـ) - دار الجيل - بيروت. 89 - المقتضب / لأبي العباس محمد يزيد المبرد (ت 285 هـ) - تح: د. محمد عبد الخالق عضيمة - عالم الكتب - بيروت. 90 - المقرب / لعلي بن مؤمن المعروف بابن عصفور (ت 669 هـ) - تح: الجواري والجبوري - الطبعة الأولى - 1391 هـ - 1971 م - دار الكتاب الإسلامي. 91 - المقصور والممدود / لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء (ت 207 هـ) - تح: ماجد الذهبي - الطبعة الأولى - 1403 هـ - 1983 م - مؤسسة الرسالة - بيروت. 92 - الممتع في التصريف / لابن عصفور الإشبيلي (ت 669 هـ) - تح: د. فخر الدين قباوة. الطبعة الرابعة - 1399 هـ - 1979 م - دار الآفاق الجديدة - بيروت. 93 - الممدود والمقصور / لأبي الطيب الوشاء (325 هـ) - تح: د. رمضان عبد التواب - مكتبة الخانجي - القاهرة. 94 - المناهج الكافية في شرح الشافية / لأبي يحيى زكريا الأنصاري - الطبعة الثالثة - 1404 هـ - 1984 م - عالم الكتب - بيروت. 95 - المنتخب من غريب كلام العرب - لأبي الحسن المعروف بكراع النمل (ت 310 هـ) - تح: د. محمد العمري - الطبعة الأولى 1409 هـ - 1989 م - منشورات جامعة أم القرى - مكة. 96 - المنصف شرح كتاب التصريف / لأبي الفتح عثمان بن جني (ت 392 هـ) - تح: إبراهيم مصطفى البابي الحلبي - مصر. 97 - نزهة الطرف في علم الصرف / لأحمد بن محمد الميداني (ت 518 هـ) - تح: د. السيد درويش - الطبعة الأولى - 1402 هـ - 1982 م - دار الطباعة الحديثة - مصر. 98 - نزهة الطرف في علم الصرف / لعبد الله بن يوسف بن هشام (ت 761 هـ) - تح: د. أحمد هريدي - 1410 هـ - 1990 م - مكتبة الزهراء - القاهرة. 99 - النوادر / لأبي مسحل الأعرابي عبد الوهاب بن حريش - تح: عزة حسن - دمشق 1380هـ. 100 - النوادر في اللغة / لأبي زيد الأنصاري (ت 215 هـ) - تح: د. محمد عبد القادر - الطبعة الأولى - 1401 هـ - 1981 م - دار الشروق - بيروت. 101 - همع الهوامع في شرح جمع الجوامع / لجلال الدين السيوطي - تح: عبد العال مكرم - 1413 هـ - 1993 م - مؤسسة الرسالة - بيروت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 • • • خلاصة البحث: - الحديث عن تداخل اللغات موضوع نحوي صرفي لغوي، وهو يعني أخذ متكلم بلغة ما من لغة غيره، بحيث ينطق باللغتين معاً. - التداخل بين اللغات أمر راجع إلى الاستعمال. - اختلف في حكم التداخل، فأجازه قوم، وقيده آخرون بما لم يؤدِّ إلى استعمال لفظ مهمل. - للتداخل صور متعددة، منها ما كان في كلمتين، مما استعمل في أبنية الأفعال، بحيث يؤخذ الماضي من لغة والمضارع من لغة أخرى، أو ما يتعلق باسم الفاعل بزنته من (فَعُلَ) ومنها ما كان في كلمة واحدة، وقد مثلنا لكل بما وقفنا عليه مدعماً بالشواهد وأقوال العلماء. - الجمع بين اللغتين يرتبط مع التداخل بوجه ويخالفه بآخر، وقد ذكرنا بعض أمثلته. - التداخل بين اللغتين له وجوده في القرآن أيضاً، ولذا جعلنا هذا البحث دراسة لغوية قرآنية. والله أسأل أن يجعلني ممن عمل عملاً فحسنه وأتقنه، وصلى الله على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين الهوامش والتعليقات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 من النباتات الطبيعية في سراة غامد دراسة لغوية وصفية د. إبراهيم عبد الله الغامدي الأستاذ المساعد بقسم اللغة والنحو والصرف - جامعة أم القرى ملخص البحث عُني هذا البحث بدراسة بعض النباتات التي تنمو في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديداً بمنطقة سراة غامد الشهيرة بوفرة النباتات الطبيعية التي تزدان بها أرض السراة في فصل الربيع وحتى أوائل فصل الصيف. ويهدف البحث إلى دراسة تلك النباتات دراسة لغوية وصفية، موضحة بالصورة أجزاء النبتة. ولما كان هذا البحث معنياً برصد ما اعترى بعض تسميات تلك النباتات من تطور صوتي أو دلالي أثناء رحلة الكلمة كان لابد لنا من الرجوع إلى مؤلفات علماء العربية القدماء اللغوية عامة والنباتية خاصة، بغية تأصيل هذه التسميات التي ينطقها أهل هذه المنطقة. ويمثل هذا البحث الحلقة الأولى من مجموعة النباتات في المنطقة، وسوف تتبعه مجموعات أخرى بحوله تعالى. • • • مقدمة: الحمد لله الذي ريَّن الأرض بالنبات، كما زيَّن السماء بالكواكب النيرات، وجعل من هذه النباتات دواءً وقوتاً للإنسان وأصلي وأسلم على أشرف خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وبعد: فقد تعددت الدراسات قديماً وحديثاً بتعدد ميادين الدرس، ومن بين هذه الدراسات دراسة النبات، ومن المعلوم أن الدرس النباتي نشأ مبكراً وتشعب إلى عدة شعب، بيَّن العلماء كل ما يتعلق بالموضوعات النباتية، سواء كانوا من علماء العربية القدماء، أو من الأمم الأخرى؛ لقناعتهم بأهمية هذه الدراسة المتمثلة في حاجتهم إلى النباتات كغذاء أو دواء. فمن العلماء من عرض لهذا الموضوع من وجهة نظر طبيَّة، ومنهم من تناوله من ناحية تشريحية علمية، بينوا فيها وظائف كل جزء من النبتة. ومنهم من عرض له من ناحية لغوية، وهذا الجانب هو ما تدور هذه الدراسة حوله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 تنبه علماء العربية القدماء لهذا الجانب وخصوه بمؤلفات مستقلة، بينوا فيها أسماء النباتات، وأوصافها، وأماكن وجودها، واستشهدوا على ذلك بفصيح كلام العرب، إلا أنهم كانوا يصفون النبات وصفاً مجملاً قد يشترك مع غيره من النباتات. بل كانوا يتجوزون في التعبير عن النبات بالشجر أو العكس. وسار المحدثون على منهج القدماء إلا أنهم فصلَّوا ما أجمله القدماء وبينَّوا ما أبهم عليهم واستدركوا ما فاتهم، ولكل باحث منهجه الذي سار عليه. أما هذا البحث فسأعرض فيه لبعض النباتات الطبيعية (1) التي تُزين أرض سراة غامد (2) في فصل الربيع حتى أوائل فصل الصيف. وهذه الفترة الزمنية هي وقت نمو النباتات الطبيعية وازدهارها، فما أن ينتهي فصل الشتاء، حتى تكون الأرض مُشبعة بالأمطار، وبعد أن يهل فصل الربيع، تورق الأشجار، وتكثر الأزهار، وتخضر الأرض وتبدأ في ارتداء أبهى حللها حتى تصبح حديقة غنّاء، وجنّة خضراء، عندها يستطيع الباحث أن يصف النباتات وصفاً دقيقاً، قارناً ذلك بالصورة التي كان البحث النباتي بشكل عام واللغوي بشكل خاص يفتقدها، لعدم توفرها. والمتأمل في تعدد النباتات واختلاف ألوانها وأشكالها وأحجامها وتباين روائحها، يدرك قدرة الخالق في إحكام صنعه الذي أحكم كل شيء صنعاً. وقد كنت مدركاً صعوبة البحث في مثل هذه الموضوعات قبل البدء، ولكني رُمت إلى المحصلة النهائية المتمثلة في الإضافة الجديدة إلى الحقل اللغوي، وهذا ما ينشده جميع الباحثين.   (1) وأعني بها تلك النباتات التي تنمو نمواً طبيعياً ولا علاقة للإنسان بتعهدها ورعايتها. (2) ينظر موقع هذه المنطقة وتفرع قبائلها وحدودها في بلاد غامد والزهران لعلي صالح الزهراني، ص 4 فما بعدها الطبعة الأولى 1391 هـ / 1971 م، ومعجم قبائل الحجاز لعاتق بن غيث البلادي 3 / 356. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 كما أن هذا العمل يعالج مشكلة معجمية تتمثل في اكتفاء المعجميين حيث يشرحون ألفاظاً كألفاظ النبات بقولهم: (معروف) ، ويصفونه وصفاً مجملاً يشترك مع غيره. ولاشك أن الغاية المنشودة من هذا البحث هي الوقوف على أسماء النباتات وصفاً وصورة ومن ثم رصد حركة التطور الذي اعترى بعض التسميات من خلال رحلة الكلمة التي صحبتها تغيرات صوتية أو دلالية. بدأت البحث بجمع مادته العلمية المقرونة بالصورة التي راعيت فيها زمن اكتمال نمو النبتة وقبيل أن تشيخ، متحرياً الدقة في التصوير، وذلك من خلال إبراز أغلب أجزاء النبتة. كما استعنت بسؤال كبار السِّن من أبناء هذه المنطقة في معرفة تسميات هذه النباتات واستخداماتها. وما هذا البحث إلا نواة لكثير مما جمعته من المادة العلمية النباتية، سينشر بإذن الله تباعاً. أما المنهج الذي سلكته في إعداد هذا البحث فكان منهجاً وصفياً تمثل في النقاط التالية: 1 - جمع الأسماء النباتية وذلك من واقع لهجة أهل هذه المنطقة قارناً ذلك بالصورة الموضحة للنبات، مقدماً الاسم الفصيح للنبتة. ولاشك أن الوسيلة الإيضاحية مهمة في العمل المعجمي الذي لا يقتصر على الوصف المجرد، بل يسند ذلك الصورة التي تمكن القاريء من الوقوف على بيان الشيء المراد وصفه، وهذه الوسيلة يتحتم وجودها في مثل هذا النوع من الأبحاث. 2 - عرض هذا المجموع على الكتب اللغوية القديمة والنباتية خاصة بغية تأصيل هذه التسميات. 3 - الوصف اللغوي لأجزاء النبتة من واقع المشاهدة لها في طبيعتها. 4 - ذكر ما أورده علماء العربية القدماء عن وصف النبتة. 5 - المقارنة بين ما ذكره أهالي المنطقة من وصف للنبات مع ما ورد في مؤلفات علماء العربية القدماء. 6 - بيان أماكن وجود النبات، وذكر مناطق انتشارها، مع تحديد زمن نموها وذبولها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 7 - بيان الفروق الصوتية والصرفية والدلالية بين التسمية الفصيحة وما يُنطق في لهجة أهالي المنطقة موطن الدراسة إن وُجدت. 8 - الإشارة في هامش البحث إلى بعض الاستعمالات الطبية للنبات أو الإحالة إليها. 9 - رُتَّبتُ النباتات في هذه المجموعة وفق الترتيب الهجائي. وقد استعنت في الدراسة بالعديد من المصادر والمراجع التي لها صلة بالموضوع، ككتب النبات القديمة منها والحديثة وكذلك المعاجم اللغوية. كما أفدت من كبار السن ومن هم على دراية بأسماء النباتات كوالدي والوالد علي أحمد الغامدي وجمعان يعن الله الغامدي وسالم عبد الله الغامدي وجار الله الغامدي وغيرهم مِمّن قابلت فجزاهم الله خير الجزاء وجعل ما قدموه لي في موازين حسناتهم. وفي الختام فإنني ألتمس العذر لما قد يكون في هذا البحث من خلل أو نقص، وحسبي أنني بذلت الجهد في سبيل إخراجه تمهيد: النبات مملكة كبيرة، وعلم واسع، عرض له العلماء قديماً وحديثاً، ودرسوه دراسة وافية من كافة جوانبه، إلا أن الدراسة القديمة للنباتات كانت تدور في مجملها حول الأعشاب الطبية، وهذا المنحى هو الأساس في البحث النباتي. والمنحى اللغوي من بين هذه الدراسات التي تناولها علماء العربية القدماء وخصوها بمؤلفات مستقلة وضحوا فيها أقسام النبات وأنواعه وصفاته. قال أبو حنيفة: ((النبات كله ثلاثة أصناف: شيء باق على الشتاء أصله وفرعه، وشيء آخر يبيد الشتاء فرعه ويبقى أصله، فيكون نباته في أرومته تلك الباقية، وشيء ثالث يبيد الشتاء فرعه وأصله فيكون نباته مما ينتشر من بزوره)) (1) .   (1) المخصص 10 / 211. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وقد كانت السمة الغالبة على هذه المؤلفات هي التعميم، يتضح ذلك من خلال عناوينها مثل كتاب “ النبات والشجر للأصمعي ” (1) ، وما خصه النضر بن شميل في كتابه “ الصفات ” (2) من حديث عن الزرع والكرم والبقول والأشجار)) .. وغيرهما من العلماء إلاّ أن هذا الحكم لا ينسحب على كل من ألف في النبات. فقد خُصت بعض الأشجار بمؤلفات مستقلة ككتاب “ النخل ” (3) لأبي حاتم السجستاني وكتاب “ النخل ” (4) للأصمعي، “ والشجر ” (5) لابن خالويه، وغيرها من المصنفات التي احتوت مجالاً دلالياً واحداً. تلا ذلك مرحلة تتمثل في جمع ما تفرق من رسائل لغوية في النبات وغيره في مؤلفات ضمت مجموعة من الحقول كالغريب المصنف (6) لأبي عبيد القاسم بن سلام، والألفاظ لابن السكيت (7) ، والمخصص (8) لابن سيده، وغيرها. إلا أن هذه الرسائل اللغوية في النبات والشجر كان الهدف منها التدوين اللغوي بدليل اكتفاء علماء العربية القدماء - أحياناً - بذكر اسم النبتة دونما وصف لها.   (1) حققه هفنر ونُشر ضمن كتاب البلغة في شذور اللغة وطبع مرة أخرى بتحقيق عبد الله يوسف الغنيم، مطبعة المتنبي الطبعة الأولى 1392 هـ / 1972 م، القاهرة. (2) من بين ما فقد من مؤلفات التراث العربي. (3) حققه وعلق عليه ط/ إبراهيم السامرائي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1405 هـ / 1985 م. (4) نشره هنفر ضمن كتاب البلغة في شذور اللغة. (5) نشره الدكتور ك هـ. Batanouny وطبع بمطبعة ماكس سمرسوفي في كرخهين (نيدر لدستس) 1909 م. (6) حققه وقدم له محمد المختار العبيدي، مطبوعات بيت الحكمة، المغرب، 1989 م. (7) بعنوان كنز الحفاظ في تهذيب الألفاظ نشره: لويس شيخو، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين - بيروت 1895 م. (8) طبعة دار الفكر - بيروت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وما أن يطالعنا القرن الثالث الهجري حتى نجد أبا حنيفة قد ألف لنا ((موسوعة نباتية في حوالي ستة أجزاء أربعة منها في موضوع النبات عامة واثنان في أسماء النباتات مرتبة على حروف المعجم..)) (1) . وقد أجاد أبو حنيفة في وصف النباتات وكذلك في ترتيب الأسماء النباتية وفق الحروف الهجائية غير أن هذا الكتاب لم يصل إلينا كاملاً. وقد بين بعض الباحثين جهود علماء العربية القدماء في هذا الجانب بما يغني عن إعادته (2) . ولاشك أن الدراسات اللغوية الميدانية لها مردودها الإيجابي على اللغة إذ إن تتبع الأسماء النباتية أو المفردات العربية في لهجة من اللهجات العربية وتأصيل هذه المفردات أو التسميات من واقع ما ورد عن العرب الفصحاء فيه ثراء للبحث اللغوي خاصة في هذا الزمن الذي بَعُدت فيه أكثر اللهجات العربية عن اللغة الأم (الفصحى) . وقد قفوت كتب النبات وجل الكتب اللغوية القديمة كالمعاجم وماله علاقة بالبحث متتبعاً التسميات الواردة في لهجة أهالي المنطقة ومؤصلاً لها من مؤلفات علماء العربية القدماء وذلك من خلال وصفهم الدقيق للنبات ذاكراً الفروق الصوتية والصرفية والدلالية إن وجدت. الحَدَق اسم النبتة: الحَدَق، الحَدَج. أماكن وجودها: تنتشر في مناطق السراة انتشاراً واسعاً ويكثر وجودها على حواف الأودية ومجاري السيول، ويقل وجودها على سفوح الجبال.   (1) علم النبات عند العرب من مرحلة التدوين اللغوي إلى مرحلة الملاحظة العلمية المحض لإبراهيم مراد ص 262 مقال ضمن حوليات الجامعة التونسية عدد (29) ، 1988 م. (2) ينظر النبات عند العرب (ضمن كتاب إسهامات العرب في علم النبات) ص 45 فما بعدها للدكتور حسين نصار وتاريخ النبات عند العرب لأحمد عيسى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وصفها: نبتة شجرية ترتفع عن الأرض قرابة المتر وتتدلى فروعها حتى تلامس الأرض ومَرَدَ ذلك لثقل ثمرتها وضعف عودها. لها أشواك حادة وبارزة على جانبي الساق وفروعه، وكذلك على العِرق المنصّف للورقة والورقة عريضة بيضاوية أما ثمرتها فأول ما تبدأ خضراء ثم تَصْفرّ شيئاً فشيئاً حتى يكتمل صفارها وشكلها كروي كالطماطم، بداخلها عدد كبير من البذور الصغيرة ذات المذاق المُر بل يعد هذا النبت من أشد النباتات مرارة. لم يرد في مؤلفات اللغويين القدماء وصفٌ دقيق لهذا النوع من النبات كوصفهم لغيره فجاء في اللسان: ((ووجدنا بخط علي بن حمزة: الحذق: الباذنجان بالذال المنقوطة، ولا أعرفها. الأزهري عن ابن الأعرابي: يقال للباذنجان الحَدَق والمغد ... )) (1) . وجاء في المعتمد عن ابن البيطار: ((اسم لنوع من الباذنجان بريّ وثمره يكون أخضر، ثم أصفر، وقدره على قدر الجوز وشكله شكل الباذنجان سواء، وورقه وثمره وأغصانه وسماه بعضهم: شوك العقرب..)) (2) . وقول صاحب المعتمد إن ثمرة الحدق وثمرة الباذنجان سواء فيه نظر إذ إن ثمرة الحدق دائرية الشكل كالطماطم الدائرية على حين أن ثمرة الباذنجان أسطوانية الشكل هذا جانب، والآخر هو الحجم فالباذنجان أكبر حجماً من الحدق في هذه المنطقة بعض أبناء هذه المنطقة ومناطق أخرى يطلقون عليه اسم “ الحَدَج ” إلا أن القدماء ذكروا أن الحدج لغة في الحنظل ولم يُبينوا الفرق بين النبتين (3) .   (1) اللسان (حدق) . (2) المعتمد في الأدوية المفردة ليوسف بن عمر التركماني. تصحيح مصطفى السقا، دار القلم، بيروت، ص 92. (3) من فوائده الطبية كما نص عليها العلماء أنه ينفع من لسع العقرب، وثمرته يُتَبَخَّرُ بها للبواسير فيجففها وينفع منها وهذا شيء مجرب على حد قول صاحب المعتمد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 يطلق بعض أهل السراة على هذا النوع من النبت “ الحَدَق ” بفتح أوله وثانيه. والبعض الآخر يقولون: “ حَدَج ” بالجيم مكان القاف ونطقهم لصوت الجيم قريب من القاف. وقد أشار علماء العربية القدماء لهذا النطق الذي بين الجيم والكاف والقاف وبينوا التقسيمات النطقية لكل منها (1) . بداية النمو حُلّب اكتمال النمو اسم النبتة: خبيزا، حُلَّيبا، حُلَّب، مُرّه، الغزالة. أماكن وجودها: تنتشر في الوديان والمزارع، وحول المنازل، وسفوح الجبال، ويقل وجودها في أعالي الجبال. وصفها: نبتة تفترش الأرض، أوراقها طويلة بدون عرض، يخرج من بين أوراقها المتمايلة على بعضها سيقان متفرقة قليلة، تنتهي بوردة لونها وردي مع زرقة بداخلها. أما جذرها فوتدي، يحتوي على مادة سائلة بيضاء متى ما قطع الجذر أو أي جزء من البقلة سالت منه هذه المادة الشديدة المرارة. يستخدم النساء هذه المادة بوضعها على الثدي، بغية إفطام الرضيع عن أمه. قال عنها علماء العربية القدماء: ((والحلب: نبات ينبت في القيظ بالقيعان وشطآن الأودية، ويلزق بالأرض حتى يكاد يسوخ ولا تأكله الإبل إنما تأكله الشاء والظباء وهي مغزرة مسمنة وتحتبل عليها الظباء يقال: تيس حلب.. وهي بقلة جعدة غبراء في خضرة تنبسط على الأرض يسيل منها اللبن إذا قطع منها شيء ... )) (2) .   (1) الكتاب لسيبويه 4 / 432. وقد فصَّل القول في ذلك أستاذي الدكتور محمد جبل في كتابه أصوات اللغة العربية ص 99 فما بعدها وص 116 فما بعدها. (2) اللسان (حلب) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 أهل هذه المنطقة يطلقون جميع التسميات السابقة عدا اسم الغزالة، فيقولون الخُبيزا؛ لأنها تشبه في استدارتها الخبزة التي هي الطُلمة، وأما تسميتهم لها بالحليبا فلم أجد لهذه التسمية ذكراً عند القدماء ولعل مرد ذلك للمادة التي تسيل منها والتي تشبه الحليب. أما إطلاقهم عليها اسم: مُرَّة فلأن المادة التي تحتويها هذه النبتة طعمها مُرّ، ولعلها تسمية صحيحة فقد جاء في اللسان: ((هذه البقلة من أمرار البقول والمرّ الواحد)) (1) . وبعض قرى هذه المنطقة تنطق بالاسم الفصيح للنبتة وهو الحُلَّب وبنفس الصيغة. فلعل تعدد التسميات لها مشتق من صفات هذا النبت كأهل نجد الذين يطلقون عليها اسم: الغزالة؛ لأن الظباء تحتبل عليها. بداية النمو حُمَّاض اكتمال النمو اسم النبتة: حُمَّاض، (حُمَّيْضا) . أماكن وجودها: سفوح الجبال، وبين الصخور، وكذلك في الشعاب. وصفها: نبتة ترتفع عن الأرض إلى قرابة نصف المتر، جذرها أصفر اللون، يتفرع منه مجموعة من الفروع الصغيرة يتخلل السوق أوراق ملساء، خضراء اللون، متوسطة الحجم، تشبه إلى درجة كبيرة أوراق العُثْرب، وكذلك السوق وما تفرع عنها، إلا أن أوراق هذه النبتة أصغر حجماً من أوراق العثرب وأسْمَك. أما الثمرة فذات لون أحمر، يتخللها خطوط حمراء قانية، بداخلها حبة خضراء. وطعم جميع أجزاء هذا النبات شديد الحموضة، ولعل سبب تسميته بهذا الاسم لهذه العلة.   (1) اللسان (مرر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 يطلق بعض أهالي المنطقة على هذا النوع تسمية (الحُمَّيْضَا) . ولم أجد هذه التسمية في مؤلفات القدماء، أما بعضهم الآخر فينطق الاسم الفصيح الحُمّاض. قال الأزهري: ((والحُماض بقلة برية تنبت أيام الربيع في مسايل الماء ولها ثمرة حمراء، وهي من ذكور البقول وقال رؤبة (1) : كثمر الحُماض من هَفْت العلق ومنابت الحماض: الشُّعيبات وملاجيء الأودية، وفيها حموضة..)) (2) . إلا أن أبا حنيفة قال: ((الحُماض من العُشب، وهو يطول طولاً شديداً وله ورقة عظيمة، وزهرة حمراء، وإذا دنا يُبْسُه ابيضّت زهرته، والناس يأكلونه..)) (3) . ولعل أبا حنيفة يعني بالحُمَّاض هنا ما يطلق عليه (العُثْرُب) فهذه النبتة تتمثل جميع هذه الأوصاف إلاّ أن العثرب شيء والحماض شيء آخر. خِرْوَع اسم النبتة: خِرْوَع. أماكن وجودها: توجد في أغلب أودية جبال السِّراة بيد أن كثرتها تكون بالقرب من المساكن وفي المسارب المؤدية إليها وعلى حواف الأراضي الزراعية والأماكن القريبة من الماء، ولم أجدها في أعالي الجبال أو سفوحها. صفتها: نبتة طبيعية رخوة، تنمو في أوائل فصل الربيع، وتذبل في فصل الصيف، ترتفع عن الأرض قرابة المتر ويزيد ارتفاعها في الأماكن التي تكثر فيها المياه، يبدأ نموها بسوق خضراء، تتفرع من أصل الجذر الوتدي، مُجوفة من داخلها يتخللها أوراق عريضة وطويلة، شديدة الخضرة، ناعمة الملمس، ينصفها عرق أخضر كبير، وخطوط شعرية على امتداد الورقة. أما ثمرتها فتكون على شكل كعابر صغيرة، خضراء في بداية نموها، تحمل حباً صغيراً بحجم الحبة السوداء، فإذا شاخت النبتة وصارت إلى الذبول، انقلب لون هذه الكعابر مع السوق إلى اللون البُني، وتناثرت حبوبها على جنبات النبتة الأصلية، ولهذا السبب نجد كثرة هذا النبات في بقعة دون أخرى.   (1) ديوانه ص 108. (2) التهذيب 4 / 224. (3) اللسان (حمض) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 أما النبات الذي عرض له الدكتور حسن مصطفى في كتابه (1) ووسمه بالخروع فلا يعرفه أهالي هذه المنطقة ولم يشر إليه القدماء في مؤلفاتهم ولا أظن أن هذه النبتة هي المرادة في بيت عنترة. تأكل الماشية من هذه النبتة كعابرها، وما يعلو النبتة من فروع، ويقال إنّ الماشية تسمن عليها. قال عنها ابن منظور: (( ... ومنه قيل لهذه الشجرة: الخروع؛ لرخاوته وهي شجرة تحمل حباً كأنه بيض العصافير يسمى: السمسم الهندي..)) (2) . ولا تزال هذه التسمية تطلق على هذا النوع من النبات عند أهل هذه المنطقة إلا أنهم استبدلوا فتحة الواو بكسرة فيقولون: ((الخِروِع)) . ولعل هذا من باب الإتباع إتباع حركة الواو لحركة الخاء. زَقُّوم اسم النبتة: الزَّقُّوم. أماكن وجودها: تنتشر في أودية جبال السراة، وحول المنازل والمسارب المؤدية إليها. وصفها: تنبت على شكل أسْوق غبراء اللون، كأسوق العرفج، إلا أنها أسمك، يتخللها ورق أخضر في بداية النمو، ثم تكسوه غبرة عند الكبر، شكلها شبه دائري. ينمو على جوانب كل ساق كعابر مستديرة شوكية، إذا قَرُب الإنسان أو الحيوان منها علقت به. عودها وورقها شديد المرارة، وشكلها قبيح، بل تُعَدّ من أقبح النباتات شكلاً. وقد وصفها أبو حنيفة بقوله: ((أخبرني أعرابي من أزد السراة قال: الزَّقُّوم شجرة غبراء صغيرة الورق مدروتها، لا شوك لها، ذَفِرة مُرَّة لها كعابر في سوقها كثيرة، ولها وريد ضعيف جداً يجرسه النحل، ونورتها بيضاء، ورأس ورقها خبيث جداً)) (3) . وقد أحسن الأعرابي في وصف هذه النبتة. ومازال هذا النوع موجوداً وبنفس التسمية القديمة عند ناس هذه المنطقة.   (1) نباتات في الشعر العربي ص 77 - 78 طبع مطابع جامعة الملك سعود، ط1، 1415هـ / 1995م، الرياض. (2) اللسان (خَرع) . (3) اللسان (زقم) وتذكرة داود ص 203. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 أما استعمال هذا النبات فلم يذكر لي أهالي السراة أي استعمال له حتى الحيوانات لا تأكله. السَّخْبر اسم النبتة: السَّخْبر. أماكن وجودها: يوجد في أعالي الجبال وسفوحها. ولم أجده في الوديان أو ما جاورها. وصفها: عُشبة ترتفع عن الأرض إلى قرابة نصف المتر، يخرج من أطرافها العليا زهر بني يشبه جزء السبلة. عوده دقيق أصفر اللون يغطي بعض أجزائه قشرة خضراء خشنة الملمس له رائحة عطرية جميلة، خاصة إذا ما وضع على الشاي كالحبق وغيره من ذوات الروائح العطرية. قال أبو حنيفة عن أبي زياد: ((ومن الشجر: السَّخْبر، وهو الغَرز، مشبهان، ينبتان نبت الإذخر على طوله وعرضه وريحه وأخبرني بعض الأعراب أن منابت السخبر: الجلد، والأقبال (1) الغليظة، لا ينبت في السهل ولا في وادي مَيَّه (2) وقال بعض الرواة: السخبر شجر يشبه الثُمام له جرثومة وعيدانه كالكراث في الكثرة، كأن ثمره مكاسح القصب أو أرق منها ذا طال تدلت رؤوسه وانحنت وفيه حرارة وذَفَر طيب..)) (3) . من النص السابق يتضح لنا وسم أبي حنيفة لهذا النوع من النبات بالشجر وليس كذلك كما هو واضح في الصورة ولعل القدماء كانوا يتجوزون في التعبير عن النبات بالشجر أو العكس وهذا دليل على ذلك إذ إن السخبر نبت صغير من أنواع الحشائش كما سبق وصفه وما زالت هذه التسمية وبنفس الصيغة موجودة عند أهالي هذه المنطقة. سُذاب اسم النبتة: سَذاب، فَيْجَن، حَزاء، فيجل، الخُفْت. أماكن وجودها: ينتشر في معظم مناطق السراة، إذ ينبت في الجبال، والأودية، وقرب المنازل، وعلى جنبات الطرق.   (1) يعني: سفوح الجبال. (2) الوادي كثير الماء. (3) النبات 2 / 31. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وصفها: نبات أخضر اللون يميل إلى الزّرقة، يصل ارتفاعه إلى المتر، يتكون من مجموعة من السيقان، يتخللها فروع جانبية، وأوراق صغيرة خضراء اللون، يعلوه زهرة صفراء لها رائحة قوية عطرية، تكتمل هذه الزهرة في آخر فصل الصيف، يتوسط الزهرة حبة خضراء كحبة البُنّ إلا أنها مستديرة. لهذا النوع فوائد طبية كثيرة (1) . لم يوضح لنا علماء العربية القدماء وصف هذا النبات كتوضيحهم لغيره إلا أنهم أشاروا إليه في مصنفاتهم ومما ورد عنهم قول أبي حنيفة: ((السذاب: الفيجن، السذاب: فارسي معرب، قد جرى في كلام العرب، وسذاب البر هذا الذي يقال له: الحَزَاء وهو نبت)) (2) . وقال أبو هلال العسكري: ((والفيجن: السذاب)) (3) . ويقول ابن دريد: ((والفيجن الذي يسمى السذاب لغة شاميّة. قال أبو بكر: لا أعرف للسذاب اسماً في لغة أهل نجد إلا أن أهل اليمن يسمونه الخُفْت)) (4) . وقال ابن منظور: ((الحزا والحزاء جميعاً نبت يشبه الكَرَفْس، وهو من أحرار البقول ولريحه خَمْطَة تزعم الأعراب أن الجن لا تدخل بيتاً يكون فيه الحزاء..)) (5) . وقد أكد آدي شير فارسية الكلمة فقال: ((السداب والسذاب نبات يقارب شجر الرمان، ورقه كالصعتر، وزهره أصفر ورائحته بجملته مكروهة تعريب سِدَاب ومنه التركي سداف)) (6) .   (1) ينظر المعتمد في الأدوية 219، 220. (2) النبات 2 / 5. (3) التلخيص في معرفة أسماء الأشياء 1 / 467. (4) الجمهرة 2 / 1172. (5) اللسان (حزا) . (6) الألفاظ الفارسية المعربة ص 88. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 ومما سبق نلحظ قول علماء العربية القدماء بفارسية الكلمة وأنها ليست عربية، إلا أن وصف آدي شير لهذا النوع من النبات ليس دقيقاً. فهذا النبات لا يصل إلى ارتفاع شجر الرمان، كما أن رائحته ليست كريهة، وأوراقه ليست كأوراق الصعتر. فلعل ما ذكره نبت آخر غير الذي نحن بصدده. أما قول ابن منظور إن الجن لا تدخل بيتاً يكون فيه الحزاء فلازال هذا الزعم إلى اليوم. وهذه التسمية مازالت تطلق على هذا النوع من النبات إلى عصرنا عند أهالي هذه المنطقة وعند غيرهم ممن يقطنون السراة، ويجمعون عليها دونما خلاف حتى في نطقهم لها إلا أنهم استبدلوا فتحة السين بضمة فيقولون: (السُّذاب) أما بقية أسماء هذه النبتة فلا يعرفها أهل هذه المنطقة. السَّنُّوت اسم النبتة: السَّنُّوت. أماكن وجودها: الوديان، وبالقرب من المنازل، والمسارب المؤدية إليها. وصفها: نبات حولي يبدأ نموه مع أوائل فصل الربيع، وهو عبارة عن مجموعة من السيقان الخضراء القانية المخططة بخطوط دقيقة، تتفرع إلى عدّة فروع، وكل فرع يعلوه خيوط خضراء دقيقة ناعمة وهي كالأوراق في بقية النباتات، تتحول هذه الخيوط بعد أن يشيخ النبات إلى اللون الأصفر، وكذلك السوق. أما الزهرة فخضراء على شكل مظلة دائرية، وذلك في بداية تكونها، تحمل حبوباً صغيرة خضراء. وتتفرع الزهرة إلى مجموعات، كل مجموعة تحمل كماً من الحبوب، وفي أواخر فصل الصيف تبدأ في الاصفرار، وتكبر الحبوب التي تحملها مع الاحتفاظ بلونها الأول، وهذه الحبوب مضلعة الشكل لها رائحة جميلة وحجمها كحجم حبوب الشَّمَر. أما طول هذا النبات وقصره فيتوقف على البيئة التي ينمو فيها، فإن كانت التربة جيدة والماء كثير فيرتفع إلى أكثر من مترين وإن كانت الأرض غير جيدة والماء قليل فيصل ارتفاعه إلى المتر أو يزيد قليلاً. له رائحة جميلة، وأهل المنطقة يستخدمون فروعه للسواك لأنه يطيب الفم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 جميع أجزاء هذا النبات يستفاد منها حيث تطبخ الخيوط الشعرية وكذلك الفروع الرطبة وتؤكل وذلك في بداية نمو هذا النبات. كما يصفون الثمرة للعديد من الأمراض، كالأمراض الباطنية، والغثيان، والقيء وغيرها وهو مُجَرَّب (1) . عرض لهذا النبات جلّ علماء العربية القدماء، وكذلك بعض الباحثين المحدثين، بغية الوصول إلى تحديد هذا النوع من النبات لما ذُكر من فوائده في أحاديث المصطفى (التي من بينها قوله: ((لو كان شيء ينجي من الموت لكان السَّنا والسنوت)) (2) علاوة على ما ورد في الأثر والتراث العربي عنه. أما ما ذكره بعض اللغويين عن هذا النبات فقول أبي حنيفة: ((أخبرني أعرابي من أعراب عمان قال: السنوت عندنا الكمون. وقال: وليس من بلادنا ولكن يأتينا من كِرمان. وقال لي غيره من الأعراب: هو الرازيانج ونحن نزرعه، وهو عندنا كثير. وقال: هو رازيانجكم هذا بعينه قال الشاعر: هم السمن بالسنوت لا ألس فيهم ... وهم يمنعون جارهم أن يقردا وقد أكثر الناس فيه، فقال بعض الرواة: السنوت هاهنا الشمر، وقيل: الرّب. وقيل: العسل، وقيل: الكمون. وقال ابن الأعرابي: هو حب يشبه الكمون وليس به)) (3) . وقال أبو حنيفة في موضع آخر (4) إنه السِّبت، أي الشِّبت.   (1) ينظر السنا والسنوت د/ محمد البار، ص 79 فيما بعدها. مكتبة الشرق الإسلامي، الطبعة الأولى 1412 هـ / 1992 م، المملكة العربية السعودية. وجامع الشفاء لعلي عبد الحميد ص 301 فما بعدها، المكتبة التجارية، ط1، 1413 هـ. (2) الترمذي رقم 2082، ومسند أحمد 6 / 369. (3) النبات 2 / 248. وينظر حدائق الأدب ص 243، واللسان (سنت) . (4) النبات 2 / 26. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 ومما سبق يتضح لنا خلاف العلماء حول تحديد هذا النوع من النبات. والراجح أن قول ابن الأعرابي هو الصحيح؛ لأنَّ غالبية من يقطنون السراة يجمعون على هذه التسمية، وهو كما قال ابن الأعرابي يشبه الكمون لدرجة اللبس، ولكن المدقق في النباتين يلحظ الفرق بينهما. فنبتة الكمون تتقارب سوقه وتتفرع، وثمرته مجتمعة مع بعضها، أما السنوت فكل ساق ينبت على حدة من أصل الجذر، وثمرته دائرية، ولكنها متفرقة. كما أن حبوب ثمرة الكمون، تختلف عن حبوب السنوت، فالأولى بنية اللون، والثانية خضراء. وقد قارنت بين النباتين مقارنة عملية، بغية التعرف على الفروق الدقيقة بين النبتتين، فوقفت على الفروق السابقة. أما ما ورد في بيت الحصين بين القعقاع، فالراجح أنّ المقصود به العسل، وليس النبات؛ لأن العرب دائماً يقرنون بين السمن والعسل. وعلى هذا فتكون كلمة السنوت من كلمات المشترك اللفظي (1) ويكون الفيصل في تحديد دلالتها السياق الواردة فيه الكلمة. ومازال أهل هذه المنطقة بل أهالي السراة يُجمعون على أن هذه التسمية تطلق على هذا النوع من النبات. أما نطقهم للكلمة فبفتح السين وضم النون مع تشديدها وهي لغة فصيحة قال ابن الأثير: ((ويروى بضم السين والفتح أفصح..)) (2) . ضُرَم اسم النبتة: ضُرَم. أماكن وجودها: توجد بكثرة في أعالي الجبال، وبين الصخور، وحول شجر العرعر، وكذلك على جنبات السفوح والوديان. وصفها: نبتة ترتفع عن الأرض قرابة المتر أو أكثر قليلاً، سوقها ناعم، وكل ساق على حدة وذلك من أصل الجذر يتخللها أوراق خضراء قانية كأوراق الشِّيح، على شكل الرقم ثمانية وهذا اللون للأوراق في أوج نموها، ثمّ ينقلب لونها بعد أن تكبر النبتة نحو الغبرة. يبدأ نموها في أوائل فصل الربيع، وتبدأ في الذبول في أواخر الصيف.   (1) ينظر المزهر 1 / 407 - 408. (2) اللسان (سنت) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 أما ثمرتها فذات لون وردي، يخالطها سواد لمن رآها عن بعد، وبياض يميل إلى الاصفرار، لها رائحة عطرية ذكية. يضعها بعض أبناء المنطقة على اللبن ليذكي طعمه. قال عنها أبو حنيفة: ((شجر طيب الريح، وكذلك دخانه طيب)) وقال: ((الضُرَم واحدته ضُرْمة شجر نحو القامة، أغبر الورق، شبيه بورق الشيح أو أجل قليلاً، وله ثمر أشباه البلوط حُمْر إلى السواد تأكله الغنم ... وله ورد أبيض صغير كثير العسل.. ولعسله فضل في الجودة، وله حطب لاجمر له وهو طيب الرائحة)) (1) . ووصْف أبي حنيفة للنبتة كان دقيقاً إلا أن هذا النوع لايصل ارتفاعه - كما ذكر - إلى القامة، إلاّ أن يكون ذلك في أماكن أُخر. وهذا الاسم للنبتة مازال مستخدماً بمعناهُ ولفظه لم يمسسه تغيير عند أهل هذه المنطقة. طُبّاق جبلي طُبّاق اسم النبتة: طُبّاق. أنواعها: نوعان: النوع الأول: ينبت هذا النوع في أعرقة الركبان وأخصّ منها ما كان في الوديان أو قريباً منها. وصفها: نبتة صغيرة تُعد من النباتات المتسلقة ساقها أخضر ناعم مَليء بالماء، وأوراقها دائرية شفافة ناعمة خضراء ما أن يضغط عليها الإنسان حتى تتصبب ماء. أما ثمرتها فشبيهة بثمرة العثرب حمراء اللون، يبدأ نموها في فصل الشتاء وتموت قبل بداية الخريف. تأكلها الحيوانات وخاصة الأغنام. النوع الآخر: الطُبَّاق الجبلي. هذا النوع لا يشبه النوع الأول، وليس بينهما تقارب في الشكل. ويوجد في أعالي الجبال وسفوحها، ولم أجده في الوديان، وأكثر مايكون بين شجر العرعر التي تشتهر بها هذه المنطقة.   (1) النبات 2 / 97 و 3 / 210. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 وصفها: نبتة متعددة الفروع يصل ارتفاعها إلى قرابة السبعين سنتيمتراً تقريباً. يتفرع كل فرع إلى فروع أُخر يتخلل سوقه أوراق كثيرة مزدحمة وطويلة مع الدقة مَشَرَّمة الأطراف ولونها أخضر فاتحة اللون، تميل إلى الصفرة لناظرها عن بعد ولا تكاد تجد منه نبتة منفردة، بل يكون مجتمعاً عزيراً. من ميزات هذا النبات: أن أوراقه تحوي مادة لزجة كأنها الصمغ، إذا أمسك بها الإنسان بشدة لصقت بيده، ولعل هذا السبب الرئيس الذي جعل العرب القدماء يستخدمون هذا النبت في علاج الكسور. وما زال إلى اليوم. قال عنه أبو حنيفة: ((الطُبَّاق بالضم والتشديد شجر، وقال الدينوري: أخبرني بعض أزد السراة قال: الطُبّاق شجر نحو القامة ينبت متجاوراً لاتكاد ترى منه واحدة منفردة، وله ورق رقاق خضر تترنج (1) إذا غُمِزت. يُضمد بها الكسر فتلزمه فتجبر، وله نور أصفر مجتمع. ومنابته الصخر مع العَرْعَر)) (2) . أما النوع الأول من هذا النبت فلم أجد له ذكراً في مؤلفات القدماء، ولعل مردّ ذلك إلى عدم انتشاره وكثرته، ولصغر النبتة واختفائها في الموضع المشار إليه سابقاً. أما النوع الثاني فما زال موجوداً ويكثر في أعالي الجبال ويطلق عليه الناس في هذه المنطقة نفس المسمى الفصيح ويستعملونه لنفس الغرض. بداية نموها عُبُب اكتمال نموها اسم النبتة: عُبُب. أماكن وجودها: تنتشر في أكثر مناطق السراة: الجبال، الوديان، وعلى جوانب الطرقات، وتكثر في الأماكن القريبة من المياه.   (1) أي: يلزق إذا ضُغِط على ورقته. (2) النبات 2 / 106 - 107، والتلخيص 2 / 484. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 صفتها: ترتفع عن الأرض قرابة المتر والنصف، وتتفرع إلى فروع كثيرة، تنشطر هذه الفروع من الساق. تبدأ في النمو على شكل سيقان خضراء اللون مجتمعة، تحمل الفروع أوراقاً كثيرة، خضراء قانية كبيرة، في طول ورقة التين إلا أنها أقل عرضاً، وأغلب أوراقها يتخللها ثقوب. أما ثمارها: فهي كروية الشكل حمراء، تكون داخل أقماع خضراء في بداية النمو ثم تميل إلى الصفرة وهو ما يسمى بالكأس. هذا الثمر الأحمر على شكل حبوب أكبر قليلاً من حب البُنّ مستديرة، وبعض حبوبها تكون صغيرة نتيجة لقرب النبتة من الماء وبعدها، وبداخل الحبة الحمراء حبوب صفراء صغيرة طعمها مُرّ، وداخلها كالطماطم. قال عنه أبو حنيفة: ((والعبب ضرب من النبات، زعم أبو حنيفة أنه من الأغلاث تشبه الحرمل، إلا أنه أطول في السماء تخرج خيطاناً، ولها سنفة مثل سنفة الحرمل، وقد تقضم المعزى من ورقها.. وقال أعرابي: إن العبب هو حبُّ أحمر كأنه خرز العقيق أصغر من النبق وأكبر من حب العنب في أخبية في كل خباء واحدة.. وورقه كثيف واسع وخطيانه عبلة طوال وهي إلى الغبرة، والتثقب إليه سريع)) (1) . وهذا التسمية مازالت مستخدمة إلى الآن. وبعض أهل المنطقة يقولون (عُبعُب) ، ولعل هذا من باب التخفيف المتمثل في التقاء المثلين وتوالي المتحركات. عسلوج عُثرُب اسم النبتة: عُثْرُب. أماكن وجودها: تنتشر في جميع مناطق جبال السراة، وتكثر في الوديان والأماكن القريبة من الماء.   (1) النبات 2 / 119. ولهذا النبات فوائد طبية كثيرة ذكرها القدماء والمحدثون من بينها أن الناس يأخذون ورقه الذي لم يثقب فيدق وتضمد به الجراح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 وصفها: نبات كثير الانتشار في أودية وجبال السراة عامة. وهو من النباتات التي يبيد الشتاء فرعه ويبقى أصله، إلا أن أوج ازدهاره في فصل الربيع، يرتفع عن الأرض في المناطق الجبلية قرابة المتر أو يزيد قليلاً أما في الأودية ومناطق توفر الماء، فيزيد ارتفاعه إلى أن يصل إلى أكثر من مترين. تتفرع سيقانه إلى عدة فروع يجمعها أصل واحد. لون سيقانها خضراء مخططة بخطوط حمراء. أما أوراقها فصغيرة تنمو على الساق وفروعه، خضراء اللون طعمها حامض وثمرتها حمراء ناعمة الملمس حامضة الطعم أيضاً. يخرج بجانب الفروع الكبيرة وأسفل الجذع براعم صغيرة مليئة بالماء تُقشّر وتؤكل، وطعمها أقل حموضة من الأوراق والثمار. تؤكل هذه البراعم أو العساليج - كما وصفها القدماء - عندما يصاب الإنسان بالضرَّس (1) وبعد أكلها يذهب وهذا مُجَرَّب. وصف جلّ القدماء هذا النبت الشجري، ومن بين ماذكروه قول أبي حنيفة: ((والعُثْرُب، واحدته: عُثْرُبة، شجرة نحو شجر الرُّمان في القدر، ورقة أحمر مثل ورق الحُمَّاض، وكذلك ثمره وهو حامض عفص مرعى جيد تدق عليه بطون الماشية أول شيء وله عساليج حمر تُقَشَّر وتؤكل، وله حب كحب الحماض مُرَّة خشينة)) (2) . وقول أبي حنيفة إن ورقه أحمر فلعله يعني الثمرة أما الورق فأخضر اللون، كما أنّ طعم الأوراق حامض وليس مُراً. وما زالت هذه التسمية تطلق على هذا النوع من النبات إلى عصرنا عند من يسكن جبال السراة سواء كانوا من أهل المنطقة أو غيرهم من القبائل الأخرى. بداية نموها عَرْفج اكتمال نموها اسم النبتة: عَرْفج، وحُلْبة.   (1) الضرَّس: أن يضرس الإنسان من شيء حامض. اللسان (ضرس) . (2) النبات 2 / 124، واللسان (عثرب) . له فائدة طبية ذكرها أبو حنيفة تتمثل في طبخ الورق حتى ينضج ثم يعصر الماء عنه ويلقى في الرائب المنزوع زبده الحامض يقوي البطن ويفتق الشهوة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 أماكن وجودها: تنبت على قمم جبال السراة وسفوحها، والسهول والوديان، وقد رأيته في أكثر مواطن الجزيرة. وصفها: عبارة عن نبتة لايتجاوز ارتفاعها نصف المتر لها جذع يخرج منه مجموعة من العيدان الخضراء في بداية نموها تتفرع إلى عدة فروع هشة، يعلو كل عود منها ثمرة صفراء ناعمة الملمس. ليس لها أوراق، ولكن يخرج على جنبات الساق براعم ريشيه صغيرة. رائحتها طيبة، وإن كان طعم العود والثمر مرّاً، يبدأ نموها في أوائل فصل الربيع وتشيخ في أواخر فصل الصيف إلاّ أنه يبقى أصله وفرعه طول العام. كان الناس يستخدمون هذه النبتة - ومازال بعضهم - لعدّة أغراض منها حَوْق (1) البيت وتسمى المِحْوقَة (2) وذلك بعد أن تُجزّ عيدانها وتربط من أسفلها برباط. كما يستخدمونها في إشعال النار لاتقادها. ذكر هذه النبتة كثير من علماء العربية ومما دونوه قول بعضهم: ((والعَرْفج والعِرفْج نبت وقيل: هو ضرب من النبات سهلي سريع الاتقاد. العرفج واحدته عرفجة.. وقيل هو من شجر الصَّيف، وهو لين، أغبر، له ثمرة خشناء كالحسك.. عن أبي زياد العرفج طيب الريح أغبر إلى الخضرة، وله زهرة صفراء، وليس له حب ولا شوك..)) (3) . وقال أبو عبيد: ((إذا مُطِر العرفج ولان عوده ثَقَب عوده، فإذا اسوَدَ قيل: قد أقمل: لأنه يُشبَّه ماخرج منه بالقمل..)) (4) . وهذه التسمية إلى الآن تُطلق على هذا النبت وبنفس الصيغة الفصيحة. أما مسمى (حُلْبة) فقد جاء في اللسان قوله: ((والحلبة: العَرْفج)) (5) وهذه التسمية لايعرفها أهل هذه المنطقة. عَصْبَه   (1) أي: كنسه ينظر اللسان (حوق) . (2) أي: المكنسة، ويقال لها عند أهل المنطقة (المحُقة) ينظر المصدر السابق. (3) النبات 2 / 192، والمخصص 11 / 152، 153. (4) الغريب المصنف 2 / 420، والمنتخب 2 / 469. (5) اللسان (حلب) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 اسم النبتة: عَصْبة وتُسمّى: لَبْلاب (1) ، وعَطْفَة. أماكن وجودها: تكثر في الوديان بين الأشجار والنباتات الصغيرة. وصفها: نبتة صغيرة لها سوق دقيقة، تخرج منها براعم كبراعم الحَبَل (2) تلتفّ على النباتات والأشجار التي حولها يتخلل الساق أوراق خضراء متفرقة بحجم ورق العبب، إلا أنها ملساء ناعمة ضعيفة، يخرج في بعض عناقيدها ثمرة ورديّة اللون مع بياض بداخلها. لا رائحة لها، تمتد على الأرض أو الشجر إلى أكثر من أربعة أمتار. تأكلها المواشي وخاصة الأغنام. قال عنها كراع النمل: ((والعصبة نبتة تلتوي على الشجر)) (3) . قال أبو حنيفة: ((والعَصْبة والعَصَبة والعُصْبة.. كل ذلك شجرة تلتوي على الشجر وتكون بينها ولها ورق ضعيف، والجمع عصب قال: إن سلُيمى علقت فؤادي ... تنشُّب العصب فروع الوادي وقال مَّرَّة: العصبة: ماتعلق بالشجر فرقي فيه وعصب به. قال: وسمعت بعض العرب يقول: العصبة هي اللبلاب، وهي العطِفة والعَطفة)) (4) . هذا الاسم ((عصبة)) عَرَفه كل من لاقيت من ناس هذه المنطقة وينطقونها بنفس الصيغة، أما بقية المسميات الخاصة بهذه النبتة فلم يعرفوها فربما تكون لغة قبائل أخر إذ إن هذه النبتة واسعة الانتشار في السراة وتهامة ونجد. وقول أبي حنيفة بأن العصبة شجر فهذا من قبيل التجوز كما سبق بيانه. عُقَّار اسم النبتة: عُقَّار، حُرَّاق. أماكن وجودها: من النباتات قليلة الانتشار، حيث يوجد في الوديان وحول المنازل والمزارع، وليس له وجود في الجبال وسفوحها. وصفها: نبت ينمو على ساق واحدة، ولا فروع له يرتفع عن الأرض قرابة   (1) النبات 2 / 255. (2) الحبل: شجر العنب ومفردها: حَبَلَة. وهذه الكلمة مازالت مستخدمة في كلام غامد إلى الآن وبنفس الصيغة. اللسان (حبل) . (3) المنتخب 2 / 467. (4) النبات 2 / 138 - 139. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 (50) سم أو أكثر قليلاً وتجتمع مع بعضها أحياناً، يتخلل الساق أوراق كأوراق النعناع، إلا أنها خشنة، يتخللها بعض الأشواك الشعرية الصغيرة التي تنتشر على جميع أجزاء الورقة ولونها أخضر شديد الخضرة، إذا مَرَّ الإنسان بجواره، ووقع على جسمه آلمه ألماً شديداً؛ لأن له لسعاً كلسع النار، وتبقى حرارته بضع ساعات، وربما ظهر مكانها بقع حمراء على الجلد. يبدأ النبت هذا في النمو في فصل الربيع، ويذبل في أوائل الصيف. وهو من النباتات التي تحجم عنها جميع الحيوانات ولا تأكلها. الاسم الفصيح الذي أورده القدماء هو (العٌقَّار) وبعض أبناء هذه المنطقة يطلقون عليه هذا الاسم الفصيح، وبنفس الصيغة. أما تسميتهم له ب (الحُرَّاق) : فلأنه يحرق كما تحرق النار، فاشتقوا له هذا الاسم من أَثَرِه وقد بحثت في أغلب الكتب القديمة فلم أجد أحداً من العلماء وسمه بهذا الاسم. بداية النمو العَكَش اكتمال النمو اسم النبتة: العَكَش، العَقَش. أماكن وجودها: يكثر وجودها في الوديان، على أطراف المزارع، وحواف الآبار. وقد رأيتها منتشرة في أغلب وديان جبال السراة. صفتها: نبات يرتفع عن سطح الأرض قرابة أربعة أمتار أو تزيد بالتفاف سوقه وأعضائه على بعضه أو على ما يجاوره من شجر، وتنمو على شكل سوق خضراء لايتجاوز سمكها (2) سم، يتخلل الساق أشواك معقفة حادة مثلثة الشكل، يميل لونها إلى الحمرة، خاصة الجزء الحادّ منها. يتفرع من الساق عدة فروع يتخللها مجموعة من الأوراق العريضة الناعمة الملمس، شديدة الخضرة في بداية نموها، ثم تميل إلى الاصفرار، عند اكتهال النبات، وجزء الورقة السفلي محاط بالأشواك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 يثمر هذا النبات في فصل الصيف، وثمرته عبارة عن عنقود، يتفرع إلى عدة فروع، يعلو كل فرع في البداية ثمرة بيضاء داخلها زهرة وردية اللون، يخرج مكانها بعد فترة زمنية قليلة حبوب خضراء اللون كل حبة منها عبارة عن مجموعة من الحبوب طعمها حامض في بداية نموها ثمّ تحمر شيئاً فشيئاً إلى أن يصبح لونها خمرياً، حلو المذاق، وهذه الثمرة أشبه ماتكون بثمرة التوت، يحف هذه الثمرة مجموعة من الشوك. وإذا مر الإنسان أو الحيوان بالقرب من النبت لِزَمهُ شوكه، ولعل هذا هو سبب تسميته في لهجة أهل هذه المنطقة العقش ومنه المثل الدارج عندهم: (فلان كالعقشة) أي يمسك بمن يأتيه. شبه في ذلك بهذا النبت. وربما سُمي عكشاً لالتوائه على الأشجار، أو لكثرة فروع هذا النوع. قال ابن منظور: ((وشجرة عكشة: كثيرة الفروع.. والعَكشِة شجرة تلتوي بالشجر ... )) (1) . والغريب أن أبا حنيفة لم يعرض لهذا النبات في كتابه مع كثرة انتشاره. إلاّ أن ابن سيده ذكر أن ((العقَش نبت ينبت في الثمام والمرخ، وهو يتلوى مثل العَصْبة على فرع الثمام، وله ثمر خمرَّية إلى الحمرة)) (2) . يُطلق أهالي هذه المنطقة على هذا النوع مُسمى (العَقَش) بفتحتين، والفصيح بفتح وسكون، ولعل سبب فتح الكلمة لمكان حرف الحلق (العين) وهذا خلاف ما يقررونه من مراعاة حرف الحلق إذا كان عيناً لا لاماً ولا فاءً، وربما حركوا القاف بالفتح لقرب مخرج القاف من مخارج حروف الحلق. القُرَّاص قراص الحمير اسم النبتة: القُرَّاص. أماكن وجودها: تنبت في السهول، والقيعان، وبطون الأودية، وحول المنازل، والمسارب المؤدية إليها، وهو من النباتات كثيرة الانتشار.   (1) اللسان (عكش) . (2) المخصص 11 / 142، واللسان (عقش) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 وصفها: القراص نوعان: الأول يطلق عليه أهل هذه المنطقة: (قراص الحمير) وهذا النوع يرتفع عن الأرض قرابة (50) سم أو تزيد قليلاً، وهو عبارة عن مجموعة من السوق، يتخللها فروع دقيقة خضراء، وأوراق مسننة الرأس، ليست عريضة، متطاولة، طعمها مُرُّ، ونورتها صفراء، تقع في الجزء العلوي من النبتة، وبعضها يكون داخل النبتة. أما النوع الآخر: فهو نبت يشبه الجرجير إلى درجة كبيرة، أوراقه طويلة ومشرّمة، يتوسطها خط أبيض وتكون أوراقه مجتمعة، ترتبط بجذر أصفر اللون، يمتد داخل الأرض إلى قرابة (20) سم. يعلو هذا النوع نورة صفراء كنورة النبت السابق، ناعمة الملمس يجرسها النحل كثيراً، وهذا النوع كان أهل المنطقة يطبخونه كاللفت والسبانخ وغيرهما. عرض علماء العربية القدماء لهذا النوع من النبات وذكروا أنواعه ومن بين ماورد في مصنفاتهم قول أبي حنيفة: ((أخبرني أعرابي من أزد السراة قال: القُراص قراصان أحدهما: العُقّار.. والآخر ينبت نبات الجرجير يطول ويسمو. وله زهر أصفر تجرسه النحل. وله حرارة كحرارة الجرجير، وحب صغار أحمر، والسوام تحبه وتحبط عنه كثيراً لحرارته حتى تنقد بطونها ... والناس يحذرونه مادام غضاً، فإذا ولّى ذهب ذلك عنه.. وقال أبو زياد: من العشب القراص وهو عشبة صفراء وزهرتها صفراء. ولا يأكلها شيء من المال إلا هُريق فمه ماء ومنابته القيعان..)) (1) . فوصف القدماء لهذا النوع من النبات كان دقيقاً، إلاّ أن قول أبي حنيفة وغيره، (له حب صغار أحمر) استوقفني إذ إن هذا النبت بنوعيه ليس له حب أحمر لا في زهرته ولا في بقية أجزائه. فربما يكون نباتاً آخر أو وهم من الراوي في وصف النبات.   (1) النبات 2 / 199 - 200، والمخصص 11 / 157، واللسان (قرص) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 ومازال هذا الاستخدام اللغوي يطلق على هذا النوع من النبات، إلاّ أن الاختلاف في تسمية القدماء له ب (العقار) والعقار سبق بيانه وصفته ولا تشابه بينهما البتة. المرحلة الأولى المُرَار المرحلة الثانية (بداية النمو) (ظهور الشوك) اسم النبتة: مُرَار. أماكن وجودها: تنبت في السهول والجبال وتكثر في الأودية وخاصَّة بين الزرع. وقد رأيته في أماكن متفرقة سواء في السراة أو في تهامة. وصفها: تنبت على شكل سيقان خضراء قانية، يتفرع من الساق عدّة فروع، يتخللها أوراق خضراء قانية طويلة يصل طولها في بداية النمو إلى (20) سم مشرّمة كأوراق الجرجير تفترش الأرض يتوسطها مجموعة من الشعب المنتهية بالزهرة الصفراء الشوكة يميل إلى الغبرة عند اكتهال النبات. يعلو السيقان زهرة صفراء ناعمة محاطة بشوك أصفر قوي حاد، إذا داسه من ليس في رجليه نعل آلمه، ويستمر الألم لبعض الوقت، ولا يوجد الشوك إلا حول الزهرة. أما طعم ورقها وعودها فشديد المرارة، وأكثر الحيوانات التي تأكل هذه النبتة الإبل. يبدأ نموه في أوائل الربيع ويذبل في آخر الصيف ويجف تماماً، ثم يعاود نموه في بداية فصل الربيع وذلك من أصل جذورها الذي يبقى حياً طوال العام. قال أبو حنيفة عنها عن أبي زياد: ((من العشب: المرار، وهو أفضل العشب وأضخمه ولونه إلى السواد، وزهرته صفراء، فإذا دنا منه اليُبس، شوَّك في أعاليه وذلك مع موضع الزهرة حيث كانت، وللمرارة شعب ذات عدد، وأصلها واحد. وربما ربضت الإبل.. وإذا أكلتها الإبل قلصت مشافرها فبدت أسنانها.. وأخبرني أعرابي من أعراب السراة، قال: المرار: شوك له ورق طوال عراض يلزم الأرض، ثم تشعب له شعب. ويخرج في رأس كل شعبة كرة كبيرة شَوكة جداً، فيها حب مثل حب العصفر. المرحلة الثالثة المُرَار المرحلة الرابعة أوج النمو اكتمال النمو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 وهي عشبةٌ مُرَّة جداً، ومنابتها القيعان وأجواف الزرع.. وقال بعض الرواة: منابت المرار السهول. وعن الأعراب القدم: المرار: بقلة تعود في القيظ شجرة..)) (1)   (1) النبات لأبي حنيفة 2 / 267، والغريب المصنف 2 / 434، والنبات والشجر للأصمعي ص 34. المصادر والمراجع 1- الألفاظ الفارسية المعربة، السيد آدي شير، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين، بيروت 1908م. 2- بلاد غامد وزهران لعلي صالح الزهراني، الطبعة الأولى 1391 هـ / 1971 م. 3- التلخيص في معرفة أسماء الأشياء لأبي هلال العسكري، عني بتحقيقه د/ عزة حسن، مطبوعات مجمع اللغة العربية ط1، 1389 هـ / 1969 م. 4- تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، حققه وقدّم له الأستاذ عبد السلام هارون، راجعه محمد علي النجار، دار القومية العربية 1384 هـ / 1964 م. 5- جمهرة اللغة لأبي بكر محمد بن الحسين بن دريد، حققه وقدّم له د / رمزي منير البعلبكي، دار العلم للملايين ط1 1987 م. 6- حدائق الأدب لأبي محمد عبيد الله بن محمد، تحقيق د / محمد سليمان السديس، مكتبة الرشد، ط1، 1409 هـ / 1989 م. 7- ديوان رؤبة بن العجاج، اعتنى بتصحيحه وترتيبه، وليم بن الورد. طبع في مدينة ليبيسيغ 1903 م. 8- السّنا والسنوت د / محمد علي البار، مكتبة الشرق الإسلامي، ط1، المملكة العربية السعودية، 1412 هـ / 1992 م. 9- سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ، لأبي عيسى محمد بن عيسى، تحقيق أحمد شاكر، مطبعة الحلبى بمصر، ص2، 1398 هـ. 10- الشجر لابن خالوية، نشر د / ك هـ. Batanouny، مطبعة ماكس شمر سوف، كرخهين، ضمن كتاب إسهامات العرب في علم النبات، الندوة العالمية الثالثة لتاريخ العلوم عند العرب، الكويت 1983 م. 11- علم النبات عند العرب من مرحلة التدوين اللغوي إلى مرحلة الملاحظة العلمية المحض (بحث ضمن حوليات الجامعة التونسية) العدد (29) ، 1988 م. 12 - الغريب المصنف، لأبي عبيد القاسم بن سلاّم، حققه وقدّم له محمد المختار العبيدي، المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات، ط1، المغرب 1989 م. 13- الكتاب لسيبويه، تحقيق الأستاذ عبد السلام محمد هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1975م. 14- كتاب النبات لأبي حنيفة أحمد داود الدينوري، الجزء الثالث والنصف الأول من الجزء الخامس، حققه وشرحه وقدم له / برنهاردلفين، مطابع دار القلم، بيروت. 15- لسان العرب لابن منظور، طبعة مصورة عن طبعة بولاق، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة. 16- المخصص لأبي الحسن علي بن إسماعيل، طبعة دار الفكر. 17- المستدرك على الصحيحين للحاكم، طبع بإشراف د / يوسف العسلي، دار المعرفة، بيروت. 18- المعتمد في الأدوية المفردة، يوسف عمر التركماني، تصحيح مصطفى السقا، دار القلم، بيروت. 19- معجم جامع الشفاء، إعداد / علي عبد الحميد، دار الخير للطباعة والنشر، ط1، 1413 هـ / 1992 م. 20- معجم قبائل الحجاز لعاتق بن غيث البلادي، دار مكة للنشر والتوزيع، 1399 هـ / 1979 م. 21- المنتخب من غريب كلام العرب لأبي الحسن علي بن الحسن، تحقيق د / محمد العمري، مطبوعات مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى. ط1 مكة المكرمة 1409 هـ / 1989 م. 22- النبات عند العرب، د/ حسين نصار. ضمن كتاب (إسهامات العرب في علم النبات، الندوة العالمية الثالثة لتاريخ العلوم عند العرب) ، الكويت 1983 م. 23- النبات والشجر للأصمعي ضمن كتاب (البلغة في شذور اللغة) ، عني بنشره أوغست هفنر. 24- نباتات في الشعر العربي، د / حسن مصطفى حسن، طبعة جامعة الملك سعود، ط1، 1415هـ- 1995، الرياض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 من خلال النص السابق يتضح لنا وصف القدماء الدقيق لجميع أجزاء هذا النوع من النبات إلاَّ أن قوله عن العرب إن المرار بقلة وفي الصيف تكون شجرة فهذا من باب التجوز. وقول أبي حنيفة: ((إذا دنا منه اليُبس شوك في أعاليه)) لعله يعني اشتداد عود الشوك. أما الشوك فيبدأ نموه مع نمو الزهرة الصفراء إلا أنه يكون ليناً في بداية نموه ويبدأ الشوك في اليبس من أعلى الشوكة إلى أسفلها ودليل ذلك إحمرار رأس الشوكة. يطلق أهل هذه المنطقة على هذا النبت التسمية الفصيحة، مع اختلاف في حركة الميم حيث يفتحونها، والفصيح الضم ولعلهم هربوا من ضم الميم إلى الفتح، لصعوبة النطق بالضم ثم الانتقال إلى الفتح، فأتبعوا حركة الميم الراء طلباً للخِفَّة. وقد يكون لتحريك الميم بالضم أثر في الثقل فعدلوا عنه إلى الفتح. • • • خاتمة: وفي الختام فإن الدرس اللغوي النباتي يعد من الدراسات الميدانية التي تفتقر إليها المكتبات العربية في زمننا هذا إذ إن الثروة اللغوية المتعلقة بالنباتات تكاد تكون شبه مفقودة؛ لابتعاد الناس عن التعامل والتعايش مع النبات. وبعد الوصف التأصيلي لأسماء النباتات الطبيعية في هذه المنطقة اتضح للباحث ما يلي: 1- أكثر أسماء النباتات في لهجة أهالي هذه المنطقة فصيحة وإن اعترى بعضها التطور سواء في أصواتها أو بنيتها. 2- ضياع بعض أسماء هذه النباتات لبعد أهالي هذه المنطقة عن التعامل معها كما كان سابقاً. 3- اندثار بعض النباتات لأسباب بيئية وعمرانية. 4- قلة المؤلفات النباتية القديمة، إذ لا نجد مؤلفاً في اللغة عرض للتفصيل في وصف النباتات وصفاً دقيقاً سوى كتاب أبي حنيفة، ومع ذلك لم يصل إلينا كاملاً. 5- تعدد التسميات للنبتة الواحدة من قرية إلى أخرى في نفس المنطقة. 6- كثرة النباتات الطبيعية وتشابهها التشابه الذي يصل إلى درجة اللبس. 7- اختلاف نمو النبات من مكان إلىآخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 8- قول بعض علماء العرب القدماء بفارسية بعض أسماء النباتات كأبي هلال العسكري وغيره عند بيانه للسذاب. وبعد فما قدمته في هذا البحث لايعد سوى قليل من كثير ممّا تم جمعه ودراسته من النباتات الطبيعية في هذه المنطقة وسوف يتبع هذه المجموعة مجموعات أخرى بحوله تعالى. الهوامش والتعليقات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 مقتضى الحال مفهومه وزواياه في ضوء أسلوب القرآن الكريم د. سميرة عدلي محمد رزق أستاذ مشارك بقسم اللغة العربية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الملك عبد العزيز ملخص البحث دار البحث حول محورين أساسيين: أولهما: توضيح معنى "مقتضى الحال" وهو الاعتبار المناسب الذي يستدعي اشتمال الكلام على سمات وخصائص أسلوبيَّة تناسب المقام أو الحال الذي يُلقى فيه. وثانيهما: إضاءة زوايا هذا المفهوم، وتوضيحها بالشواهد القرآنية المناسبة، مع بيان ما اشتملت عليه من سمات أسلوبية خاصَّة. وتبيَّن - خلال ذلك التوضيح - أن الكلام قد يراعى فيه حال السّياق نفسه، أو حال المتكلم وإحساسه بقوَّة المعنى الذي يتحدَّث عنه، أو حال المخاطب وما يحيط به من ظروف مختلفة. والجدير بالذكر أن بعض الحديث قد يأتي مخالفاً للحال الظاهرة أمام مُلقيه - ومع ذلك - يُحكم عليه بالبلاغة لأسباب لم يغفلها البحث أيضاً من الذكر والتدعيم بالشواهد المناسبة من القرآن الكريم. ونبَّه البحث إلى ضرورة حِذق المتكلم ومهارته في إدراك ملابسات الأمور حوله ليأتي حديثه على هذه الخصوصيَّة المسمَّاة ب "مراعاة مقتضى الحال"؛ فيكون بذلك قد أدَّى الوظيفة الأساسية للفن البلاغي وهي: "مطابقة الكلام لمقتضى الحال". • • • المقدمة: الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد … فهذه قطرة نغرفها من بحر لا ينتهي عطاؤه ولا يُبلغ مداه … وكيف ينتهي ذلك العطاء وهو من المعطي الأول والأخير - عزَّ وجل - وهل يُبلغ منتهاه ولا يعلم ذلك إلا الله؟! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 نعم ذلك هو أسلوب القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... وهو العطاء المتجدّد والينبوع الصَّافي العذب الذي بهر العقول وأراح النفوس وطمأن القلوب ... وكيف لا يكون كذلك وقد راعى الأحوال وقدَّر الظروف وسبر أغوار النفوس ... ؟! فجاء - رغم كلّ ذلك - مقتضياً للحال مُغنياً في كل مقام عن أي مقال ومقال! هذا وقد تناول البحث في هذه القطرة اليسيرة: (مقتضى الحال - مفهومه وزواياه في ضوء أسلوب القرآن الكريم) وذلك وفق المنهج الآتي: تمهيد- ويشمل الإشارة إلى بعض النصوص التي وردت فيها معنى "مقتضى الحال"، ثم كان: المحور الأول: ويشمل: شرح العبارة وبيان أن المقصود بمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب المستدعي للسمات والخصائص التي يأتي عليها أسلوب المتكلم ليوافق حديثه المقام أو الحال الذي أنشأ له كلامه، وقد دُعّم هذا التوضيح - لمفهوم مقتضى الحال - بنصوص ذكرها بعض العلماء والنقاد والدارسين في اللغة والأدب والبلاغة سواء منهم المحدثين أو القدماء من أمثال د. إبراهيم أنيس والدكتور بدوي طبانة والدكتور إبراهيم السَّمرائي والدكتور محمد أبو موسى والعقاد والدكتور علي عبد الواحد وافي والشيخ عبد القاهر الجرجاني وابن رشيق والقاضي الجرجاني وابن خلدون وغيرهم، ولم يُراعَ في ذكر هذا النصوص. التسلسل الزمني لقائليها؛ وإنما روعي حاجة السّياق في البحث إلى كل نص منها، ليكون ذلك تطبيقًا عمليًّا لموضوع البحث في البحث الذي بين يدي القاريء. وخُتم هذا الباب ببيان أن القرآن الكريم هو خير ما يمكن أن يستشهد به في بيان صحة مفهوم هذه العبارة، لأنه خير الأقوال التي جاءت مطابقة للحال ومقتضية له. أما المحور الثاني فكان مخصَّصًا لتحديد زوايا مفهوم "مقتضى الحال" ثم إضاءتها على ذلك في ضوء أسلوب القرآن الكريم، وهذه الزوايا هي: أ- حال السياق ب- حال المتكلم ج- حال المخاطب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 وقد ركز البحث على ذكر أمثلة وشواهد من القرآن الكريم على كل زاوية من الزوايا السابقة وتوضيح الطريقة الأسلوبية المتبعة في كل مثال منها لبيان قُدرة القرآن الكريم - ذلك الكتاب الفذ - على التعبير عن كل الأحوال ومراعاة جميع الظروف والملابسات التي تحيط بالمقام الذي جاءت فيه الآية الكريمة … الأمر الذي يدعو دائمًا إلى الاعتراف بإعجازه البياني والذي أذهل - من قبل - فُصحاء العرب وجلة شعرائهم وأدبائهم. كما لم يغفل البحث خلال هذه الشواهد ذكر شواهد أخرى من القرآن الكريم نفسه لم يراعِ فيها السّياق مقتضى الظاهر ومع ذلك جاء الأسلوب بليغًا مصيبًا للهدف الذي سيق من أجله. ثم كان التعقيب في نهاية البحث، أشير فيه إلى أن ما لم يذكره البحث أغنى عنه ما ذُكر، سواء كان ذلك في نقطة خروج الكلام على مقتضى الظاهر أو ما كان على خلاف مقتضى الظاهر، وما ذاك إلا لأن الأحوال كثيرة ومقتضياتها مثلها ومجال نشر البحث لا يسمح بأكثر مما ذُكر، ولولا الإيمان بالمقولة القائلة: "ما لا يُدرك كلُّه لا يُترك كلُّه" ما كانت الجُرأة على أخذ هذه القطرة اليسيرة من ذلك الخضم الهائل الذي غرف منه علماء البلاغة من أساتذتنا ومعلمينا جزاهم الله عنا خير الجزاء. ولعل من أسباب اختيار هذا الموضوع هو: الرغبة في إيضاح عبارة "مقتضى الحال" بكل أبعادها، نظرًا لما لا حظته أثناء تدريسي في الجامعة لمادة البلاغة، ومن تخبط الطالبات في تحديد هذا المفهوم - واقتصارهن في فهمه على زاوية واحدة فقط وهي حال المخاطب-، ولما جنيته من نتيجة - أحمد الله عليها - عند إيضاحه لهن - كما ينبغي -. من هنا كان الدافع قويًّا إلى تخصيص هذا العمل المتواضع لإلقاء الضوء على زوايا هذا المفهوم، وتحديدها تحديدًا يساعد طلبة العلم وطالباته على الفهم الصحيح لها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 أما كون شواهد البحث مستمدة من القرآن الكريم فما ذاك إلا لكون القرآن الكريم - وهو أمر لايخفى على دارسي اللغة وعلمائها - هو المورد الأصيل والمثال النادر لكل درس لغوي أو بلاغي - بلا جدال- فضلاً عن الرغبة الأكيدة في خدمة كتاب الله العزيز قبل أي شيء آخر، ثم في قضاء سويعات ممتعات في تأمل آيات الله الكريمات ودراستها … لتستريح بهذه الدراسة النفس، ويطمئن لها الفؤاد، ويقوَّم بها اللسان. وبعد … فهذا جهد المقل والله - سبحانه وتعالى - أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم … خادمًا لقرآنه العظيم … مضيئًا لطلاب العلم بعض السبيل … إنه على كل شيء قدير. التمهيد: قبل التعرُّض لمقتضى الحال ومفهومه ينبغي الإشارة أولاً إلى الموضع أو المناسبة التي وُجِد فيها هذا التعبير "مقتضى الحال" ومنها تدرك أهميته … يصادف القاريء هذا التعبير عند قراءته لتعريف بلاغة الكلام لدى القزويني في قوله: "والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته" (1) كما نلمح هذا التعبير أيضًا في التعريف بعلم المعاني، فيُقال: "هو علم يُعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال" (2) ولست بصدد التعريف بعلم البلاغة بصفة عامَّة ولا بعلم المعاني بصفة خاصَّة - هنا - فقد اكتظَّت المؤلَّفات البلاغية بذلك ولكن هدف هذا العمل هو توضيح هذا المفهوم من خلال وضع النقاط على الحروف، أو بالأحرى إضاءة بعض الزوايا التي تحتاج إلى إضاءة في هذا المفهوم، مع ذكر بعض الأمثلة والشواهد القرآنيَّة المدعّمة لذلك.   (1) التلخيص في علوم البلاغة، جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الخطيب، ضبط وشرح عبد الرحمن البرقوقي ص33، ط (1) ، سنة 1902م، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان. (2) شروح التلخيص، 1/155. (عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح. بهاء الدين السبكي) . ط (بدون) دار السرور بيروت - لبنان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 توضيح معنى "مقتضى الحال"، ومفهومه لدى الدَّارسين: المقتضى هو الاعتبار المعين الذي يستدعي مجيء الكلام على صفة مخصوصة مناسبة للحال، كالتأكيد في حال الإنكار أو التردد مثلاً (1) . ولا شكَّ أنَّ هذا المقتضى يتغيَّر بتغيّر المناسبة أو المقام، فاعتبار الكلام اللائق بمقام ما يختلف عن الاعتبار اللائق بآخر (2) . وقد يتوهم السامع أن الحال شيء متعلق بورود الكلام على خصوصية معينة في زمن معين. وأن المقام هو المكان الذي قيل فيه، ولكن الحقيقة غير ذلك إذ إن الحال والمقام شيء واحد (3) ، والاختلاف يكون في الاستعمال. "فالمقام يستعمل مضافًا للمقتضيات فيقال: مقام التأكيد مثلاً والحال يستعمل كثيرًا مضافًا للمقتضى فيقال حال الإنكار فالإضافة بيانية" (4) . ويشرح مؤلف معجم البلاغة العربية ذلك قائلاً: "والحال هو الأمر الداعي للمتكلم إلى أن يعتبر مع الكلام الذي يؤدي به أصل المراد خصوصية ما، وتلك الخصوصية هي مقتضى الحال" (5) أي أن يؤدَّى الكلام بسمات معيَّنة مناسبة للمقام أو الحال الذي يلقى فيه ذلك الكلام. ولا شك أن مقتضى الحال يتفاوت بتفاوت المقامات والأحوال. فقد يقتضي الأمر إلى تنكير المسند أو تقديمه على المسند إليه، وقد يدعو الحال إلى تعريفه أو حذفه لدلالة القرائن عليه، وقد يباين مقام الوصل مقام الفصل (6) .   (1) نفسه، ص 123 (شرح سعد الدين التفتازني على تلخيص المفتاح. للقزويني) (بتصُّرف) (2) نفسه، ص126 (مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح لابن يعقوب المغربي) (بتصرُّف) . (3) نفسه، ص126 (نفسه) (بتصرُّف) . (4) نفسه، نفس الصفحة. (5) معجم البلاغة العربية، د. بدوي طبانة، ص84، ط (3) مزيدة ومنقحة، دار المنارة للنشر (جدة) ، دار الرفاعي للنشر (الرياض) . (6) نفسه، نفس الصفحة (بتصرُّف) ، كذلك انظر البلاغة فنونها وأفنانها، د. فضل عباس (علم البيان والبديع) ، ص11-12، دار الفرقان للنشر والتوزيع، (بتصرُّف) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 ولإصابة المفصل في هذه الأمور جميعاً وتلك الأغراض، لا بدَّ من حِذق المتكلّم ومهارته في إدراك ما حوله من ملابسات الأحوال أو ظروف السامعين ومستوى ثقافتهم وسبر نفسياتهم وإلا أخطأ الهدف وضلَّ الطريق. لذا اعتبر القرآن الكريم هو أعلى درجات الكلام بلاغة وأكثرها مطابقاً للأحوال، وكيف لا يكون كذلك وهو من لدن عليم خبير بدقائق الأمور ومقتضياتها، وصدق - عزَّ وجل - في قوله (1) : {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا} فالتعبير المطابق لمقتضى الحال لا بدَّ وأن يشتمل على خصائص في الصّياغة وأوضاع في التراكيب تدلُّ دلالة واضحة على معان يكون بها الكلام تاماً وافياً بالغرض مطابقًاً لمتطلبات الموقف الذي سيق من أجله (2) . فإذا أريد - مثلاً - التعبير عن رجل له صفات الرجولة والأخلاق المحمودة بكلام مطابق لمقتضى الحال قيل: "هو الرجل" بإثبات "أل التعريف" للمسند، فوقع الكلام - كما هو ملاحظ - مشتملاً على خصوصيَّة معيَّنة اقتضاها المقام النَّفسي تجاه هذا الرجل الممدوح وهو الاحترام له ولصفاته الحسنة. يقول د. أبو موسى: "المطابقة إذاً تعني الصِّدق والوفاء بما في النفس" أو كما قال العلوي: (هي وصول الإنسان بعبارته كنه ما في قلبه … ) (3) .   (1) سورة النساء: 82 (2) خصائص التراكيب، دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني، د. محمد أبو موسى، ص38-39، (بتصرُّف) ، ط (2) ، مكتبة وهبة، القاهرة. (3) كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز. يحي بن حمزة العلوي اليمني.1/122. ط سنة1982-دار الكتب العالمية.بيروت لبنان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 ولكن السؤال هنا، كيف تصل العبارة إلى السامع وصولاً صحيحاً؟ فليس المقصود قطعاً مجرَّد التعبير عن ما في النَّفس وإنّما لا بدَّ من اعتبار حال السامع ومطابقتها من جوانب مختلفة أهمُّها، حالته النَّفسية ومستواه الثقافي وحسّه الفنّي ولهجته وإلا أصبح الكلام غير مطابق لمقتضى الحال، وبالتالي لا يفي بما أريد منه. يقول د. إبراهيم أنيس - وهو بصدد الحديث عن الحركات الإعرابية وعدم ضرورة وجودها لتمييز الفاعل عن المفعول -: " … … هذا إلى ما نعهده من أن لكل كلام ظروفاً ومناسبات ويعرف المتكلم كما يعرف السَّامع ما تتطلبه هذه الأمور من تعابير لغوية فليست اللغات مفردات ترِدُ في المعاجم، ولا جملاً منفصلة تدوَّن في الصُّحف، وإنَّما الأصل في كل لغة أن تكون في صورة كلام يتَّصل اتصالاً وثيقاً بالمتكلّمين والسامعين، فهم أعرف بمواضعه وملابساته ولا يشقُّ عليهم تمييز الفاعل من المفعول في أي كلام على ضوء تلك الظروف والملابسات" (1) . كما يوضّح ذلك عبد القاهر الجرجاني وهو بصدد الحديث عن الاستعارة والتخييل بقوله: "وهذا موضع لطيف جدًّا لا تنصف منه باستعانة الطَّبع عليه، ولا يمكن توفيه الكشف فيه حقه بالعبارة لدقة مسلكه" (2) ويدخل في دقة المسلك هذه العناصر التي يستمدُّ الخيال منها صوره والمعين الذي يمده بذلك … ؛ فعند اختيار صورة ما لا بدَّ لمنشئها أن يضع اعتبارات مختلفة أمامه عند إنشائه لها تختلف هذه الاعتبارات باختلاف البيئات والأمم والعصور. وهذا ما تجده في كتب الأدب وتاريخه، فكل بيئة متأثرة في صورها بمقوّماتها الطبيعية والاجتماعية وما تشتمل عليه من شؤون وتوحي بها من اتجاهات.   (1) من أسرار اللغة، د. إبراهيم أنيس، ص247، ط (7) ،سنة1994 م، مكتبة الأنجلو المصرية. (2) أسرار البلاغة، د. عبد القاهر الجرجاني، شرح وتعليق وتحقيق محمد عبد المنعم خفاجي ود. عبد العزيز شرف، ص301، دار الجيل، بيروت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 وفي كل أمة بنظمها الخاصَّة، وأساليب حياتها وما وصلت إليه في سلَّم الارتقاء المادّي والمعنوي وفي كل عصر بنزعاته العامَّة ودرجة حضارته وما جرى فيه من أحداث (1) . يقول د. إبراهيم السّمرائي في هذا: "وقد تكون في الفصيحة مجازات غير معروفة في الألسنة الدَّارجة ذلك أن المجاز يتأثر بالبيئة التي تدرج فيها المجموعة البشرية فأصحاب الحرف والأصناف يقذفون بمجازاتهم المألوفة المعروفة متأثرين ببيئتهم الضيّقة، وهكذا تتعدَّد ألوان القول في المجتمع الواحد" (2) . وقد تتغير مدلولات الألفاظ تبعاً لتغير طبيعة الشيء الذي تدلُّ عليه أو لتغير ملابساته وظروفه، فلفظ الرّيشة - مثلاً - مدلوله السابق هو آلة الكتابة التي كانت تُتخذ من ريش الطيور، أما الآن فأصبح يدلُّ على تلك القطعة المعدنية في القلم وهكذا … … (3) وقد أشار د. إبراهيم أنيس إلى أن هذا الاختلاف في المدلول اللفظي بين الأشخاص أو المجتمعات قد يكون سبباً في الجدل والنقاش حيناً أو إلى النزاع والشجار أحياناً أخرى. لذا لا بد للمتكلّم من مراعاة فهم السَّامع حتى يصل بهذا الكلام إلى قلبه ومنها إلى الحكم على ذلك الكلام بالبلاغة (4) . فانظر - مثلاً - إلى العصر الجاهلي كيف طغت البيئة وعناصرها على شعرائه في أي غرض من أغراضه، وليكن قول أمريء القيس التالي مثالاً على ذلك: "وكشحٍ لطيفٍ كالجديل مخصَّرٍ وساقٍ كأنبوب السَّقيّ المذلَّلِ   (1) فقه اللغة، د. علي عبد الواحد وافي، ص237، ط (7) ، (بتصرُّف) ، دار نهضة مصر للطبع والنشر. (2) التطور اللغوي التاريخي، د. إبراهيم السَّمرائي، ص36، ط (3) ، سنة 1983م، دار الأندلس، بيروت. (3) نفسه) . (نفس الصفحة) . (بتصرُّف) (4) دلالة الألفاظ، د. إبراهيم أنيس، ص9، ط (5) ،سنة1984م، (بتصرُّف) ، مكتبة الآنجلو المصرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 وتعطو برَخصٍ (1) غير شثنٍ (2) كأنه أساريعُ (3) ظبيٍ أو مساويك إسحل (4) تضيء الظلام بالعشاء كأنها منارة مُمْسى راهبٍ متبتّلِ (5) " فانظر الى الألفاظ (جديل، أساريع، ظبي، ماسويك، إسحل) فهي من عناصر التشبيه المستمدَّة من خبرات الشاعر البيئية ومشاهداته اليوميَّة، وقس على ذلك بقيَّة الشعر في كلّ العصور، فالأديب الذي لا يكون أدبه صورة صادقة عن نفسه أو عصره أو مجتمعه وبيئته لا يُعتد بما كتبه أو قاله إذا ما قيس بغيره ممَّن اهتموا بهذا الجانب. يقول العقاد في ذلك: "والشاعر هو الذي يعبّر عن النفوس الإنسانية فإذا كان القائل لا يصف حياته وطبيعته في قوله فهو بالعجز عن وصف حياة الآخرين وطبائعهم أولى وهو إذاً ليس بالشاعر الذي يستحق أن يتلقى منه الناس رسالة حياة وصورة ضمير" (6) .   (1) الأسروع واليسروع: دود يكون في البقل والأماكن النَّدية، تشبه أنامل النساء به وهي صورة قديمة. فضلاً انظر تفصيل وشرح الأبيات في (شرح المعلقات السبع.أبو عبد الله الحسين بن أحمد الزوزني. ص31-32 ط سنة 1979م.دار الجيل بيروت. (2) إسحل: شجرة تدق أغصانها في استواء. انظر معجم مقاييس اللغة.بن فارس تحقيق عبد السلام هارون. ط سنة1368هـ (سحل) (بتصرف) . (3) الرخص: اللين الناعم. انظر اساس البلاغة. جار الله الزمخشري. تحقيق عبد الرحيم محمود ط سنة 1982م. دار المعرفة. بيروت - لبنان (بتصرّف) . (4) الشثن: الغليظ الكز. (نفسه) . (شثن) . (بتصرّف) . (5) انظر شرح المعلقات السبع،، ص31-32. (6) شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي، عباس محمود العقاد، ص133، ط (3) ،سنة 1965م، مكتبة النهضة المصرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 وقد ذكر صاحب العمدة من قبل ضرورة معرفة علم مقاصد القول واختيار الأسلوب المناسب للموقف المناسب، وأن يعرف أغراض المخاطب كائناً من كان حتى يدخل إليه من بابه ويداخله في ثيابه … … (1) إلا أنه ينبغي الإشارة هنا إلى ما ذكره صاحب الوساطة بين المتنبي وخصومه من أن بعض الشعر يأتي رقيقًا سهلاً وبعضه يكون عكس ذلك، ويرجع ذلك إلى طبع القائل وما جُبل عليه … … (2) فإذا كان ذلك يعود إلى طبع القائل وروحه فكيف به إذا صادف مخاطباً مخالفاً له في الطبع والجبلة؟! لا شك أن كلامه سيكون غير واقع من نفس مخاطبه موقعاً حسناً وبالتالي فلن يُحمد قوله ولن يكون مطابقاً لمقتضى الحال.   (1) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ابن رشيق القيرواني، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، 1/199، ط (4) ،سنة 1972م، دار الجيل، سوريا، (بتصرُّف) . (2) الوساطة بين المتنبي وخصومه، القاضي الجرجاني، تحقيق أبو الفضل إبراهيم البجاوي، ص17، ط سنة 1945م (بتصرُّف) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 وتجدر الإشارة هنا إلى مانقله د. علي العمَّاري عن بن خلدون في مقدّمته عند تفسيره لمفهوم مقتضى الحال؛ فقد ذكر أن المطابقة - في نظره - موجودة سواء كان الرفع دالاً على الفاعل، والنصب دالاً على المفعول أو بالعكس. "ويدافع عن أشعار العرب وأهل الأمصار لعصره، مع أن أهل الأمصار نشأت فيهم لغة مخالفة للغة سلفهم من مضر في الإعراب جملة وفي كثير من الموضوعات اللغوية، وبناء الكلمات، ولكن الشعر موجود بالطبع في أهل كل لسان" (1) وللعرب من أهل جيله في أشعارهم بلاغة فائقة وفيهم الفحول والمتأخرون، ومع ذلك فقد رفض بعض علماء عصره هذه الفنون التي اعتمدت على غير الفصحى مثل الزَّجل، وعروض البلد، ثم المزدوج والكازي والملعبة والغزل، والمواليا، وكان كان … … إلى آخر هذه الفنون التي كان يستعذبها أهلها وعشاقها ويجدون قمَّة البلاغة فيها لا في غيرها لأنَّها جاءت مطابقة للهجاتهم (2) . هذا وقد علَّق ابن خلدون على ذلك بقوله: "واعلم أن الأذواق كلها في معرفة البلاغة إنما تحصل لمن خالط تلك اللغة وكثرة استعماله لها ومخاطبته بين أجيالها، حتى يُحصّل ملكتها كما قلناه في اللغة العربية، فلا يشعر الأندلسي بالبلاغة التي في شعر أهل المغرب ولا المغربي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمشرق، ولا المشرقي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمغرب" (3) . ويعقّب على ذلك بتعليل مقنع وافقه فيه بعض علماء اللغة المحدثين، هذا التعليل هو:   (1) الصراع الأدبي بين القديم والجديد، د. علي العماري، ص184، ط سنة 1965م، دار الكتب الحديثة، القاهرة. (2) مقدمة بن خلدون، تحقيق درويش الجويدي، ص603-604 (بتصرُّف) ، المكتبة العصرية، بيروت-لبنان. (3) نفسه، نفس الصفحات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 إن المتذوّق لأي شعر لا يرى البلاغة إلا في شعر لغته لأن ملكته اللغوية تربَّت على تلك اللغة ومحاسنها فليس من الممكن أن يستعذب سواها (1) . وهذا رأي صحيح بل لا يحتمل النقاش، فإدراك البلاغة في لغة أو لهجة ما لا يكون إلا بعد التمكن من ناصية تلك اللغة وأسرارها. ولعلَّ النقطة التي تحتاج إلى تعقيب هنا - وقد لا يلتفت إليها بعض الناس - هي ظنهم أن بلاغة القول لا تكمن إلا في فصاحته، ويريدون هنا اللغة العربية الفصحى متناسين أي اعتبار آخر. لذا ينبغي التأكيد على أن البلاغة هي مازالت عند تعريفها الأصيل والتزامها بهذا التعريف قلباً وقالباً، وهي مطابقة الكلام لمقتضى الحال. وقد يكون حال السامع أكثر أهميَّة من حال المتكلم حتى يحكم على القول بالبلاغة أو عدمها. يقول الزَّيات: " … … فالبلاغة إذاً توجّه إلى العقل أو إلى القلب إو إليهما معاً لما تقتضيه حالات المخاطبين من مقاومة الجهل والرأي والهوى منفردة أو مجتمعة، فإذا كان غرض البليغ نفي جهالة أو توضيح فكرة أو تقرير رأي أجزأه في وفاء غرضه الصّحة والوضوح والمناسبة، فإذا أراد التعليم أو الإقناع وكان قوام الموضوع طائفة من الفكر والأدلة وجب عليه أن ينسقها ويسلسلها على مقتضى الأصول المقرَّرة في المنهج العلمي الحديث" (2) والقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي اهتم بخطاب العقل والقلب معًا، ولا يخفى على علماء العربية وجهابذة اللغة مدى بلاغته ومراعاته لمقتضى الأحوال، وكيف يخفى عليهم ذلك وهو معينهم الأول ورافدهم الأصيل؟!   (1) نفسه، ص614 (بتصرُّف) ، وافق بن خلدون في نفس الرأي د. إبراهيم أنيس، في نصه المذكور من قبل، فضلاً انظر ص7 من هذا البحث. (2) دفاع عن البلاغة، أحمد حسن الزيات، ص 23، مطبعة النهضة، سنة 1967م، مطبعة الرسالة، سنة 1945م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 نعم قد أعجز القرآن الكريم بقوة بيانه فصحاء قريش وكل من اشتهروا بالبلاغة فيهم. وما زال كذلك وسيظلُّ رغم اختلاف الثقافات وزيادة القدرات اللغوية وتباين اللهجات، لذا سيكون القرآن نفسه هو رافدنا في هذا البحث ومعيننا الذي لا ينضب في إضاءة الزوايا الخاصة بمفهوم مقتضى الحال، والتي بفضل من الله وتوفيق تمكن هذا العمل من الوصول إلى توضيحها من خلال الاستشهاد بأسلوب القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. بيان زوايا المفهوم وإضاءتها في ضوء أسلوب القرآن الكريم تحديد زوايا مفهوم مقتضى الحال أ-حال السياق: لعل مما جاء به القرآن الكريم مراعياً حال السياق ومفهومه مثل قوله تعالى (1) : {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام} فالضمير في قوله "عليها" ليس له عائد سابق يوضحه ولكنه يُفهم من سياق الآيات قبله (2) ؛ فالسورة الكريمة من بدايتها تحدَّثت عن خلق الإنسان والسماوات والأرض وما بينهما وما تحتويانه من نعم كثيرة (3) ، فالمناسب أن يذكر السياق الكريم أن كل من عليها فان وأن البقاء لله - عزَّ وجل - فلا يجد السامع في تحديد المقصود من هذا الضمير صعوبة لفهمه من سياق الآيات الكريمات. وقد يكون حال السياق ومفهومه سبباً في تنكير بعض الألفاظ التي تدل في مكانها على معان خاصَّة لا يتوصّل إليها إلا ضمن ذلك السياق كما جاء في شأن الكفَّار في قوله تعالى (4) : {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم}   (1) سورة الرحمن: 26 (2) البلاغة فنونها وأفنانها، د. فضل عباس (علم المعاني) ، ص130 (بتصرُّف) . (3) سورة الرحمن: 1-26 (4) سورة البقرة: 7 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 فالذي يستنبط - من خلال دراسة السياق - في تنكير لفظ (غشاوة) دلالة على النوعية - كما ذهب الزمخشري - (1) أي نوع خاص من الغشاوة المناسبة لكفرهم، وذهب آخرون إلى أنَّها غشاوة عظيمة، وما في هذا الرأي بُعد عن قول الزمخشري؛ فالنوعية لفظ عام يحتمل الغشاوة العظيمة أو غيرها. وقد لا يكون التنكير دالاًّ على النوعية فقط في سياق القرآن فقد يقتضي الحال أن يكون التنكير موحياً بغير ذلك، فاستمع إلى قوله تعالى (2) : {وعَدَ اللهُ المؤمنينَ والمؤمناتِ جنَّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكنَ طيبة في جنَّات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم} فالحال في الآية الكريمة يوحي أن المراد من التنكير هنا هو التقليل بمعنى أن أي "رضوان" من المولى - عزَّ وجل - مهما قلَّ هو أعزُّ على العبد المؤمن من كل ما ذُكر في الآية الكريمة قبله؛ لأنه سبب في دخول الجنة وأي سبب؟! ولا أدل على ذلك من ما جاء بعدها وهو قوله تعالى: {ذلك هو الفوز العظيم} كما يمكن أن يقصد من التنكير رضوان الله - عزَّ وجل- وتقديسه (3) ، وقد يؤدي حال السّياق إلى أن تقتضي الجملة الأولى سؤالاً يفهم بمعونة القرائن وسياق الأحوال، يُقدّر هذا السؤال السامع، فتأتي الجملة الثانية أو الآية الثانية إجابة عن هذا السؤال المُقدَّر (4) كما جاء في قوله تعالى (5) : {قال يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح}   (1) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (أبو القاسم الزمخشري الخوارزمي) ، ص 165 ط سنة 1927م، مطبعة مصطفى الحلبي وشركاه. (2) سورة التوبة: 72 (3) البلاغة فنونها وأفنانها (علم المعاني) ، ص255. (4) الاستئناف البياني (دلالته وفنيته) ، د. سعاد محمود نحلة، مجلة الزهراء، ص496، كلية الدراسات الإسلامية والعربية (بنات) ، جامعة الأزهر، العدد الثالث عشر، سنة1415هـ (بتصرُّف) . (5) سورة هود: 46 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 فلأن السياق في الآية الأولى تضمَّن حُكماً غريباً، إذ المخاطب هو نوح عليه السلام والحديث عن ابنه، ومع ذلك قيل له ليس من أهلك؟ فكيف يكون ذلك؟! هذا هو السؤال المقدَّر والذي يتبادر إلى ذهن السامع مباشرة، فما كان من السياق الكريم إلا أن راعى هذا الاعتبار وذلك الإنكار - المقدَّر - فجاءت الإجابة بأسلوب توكيدي {إنه عمل غير صالح} كما قد يقتضي حال السياق أيضًا أن تشتمل الجملة الأولى على استفهام تقريري يثير التعجب مثل قوله تعالى (1) : {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل} وقوله عز من قائل (2) : {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} فالإجابة في الجملة الثانية من كل آية من الآيتين السابقتين هو مقتضى حال السياق وضرورة مطلوبة ليتم الكلام ويأتي على أبلغ وجه وأكمله؛ فتقدير السؤال المحذوف هو: (ماشأنهم؟) . ب-حال المتكلم: أما الزاوية الثانية من مراعاة مقتضى الحال؛ فهي مراعاة حال المتكلم وبيان ماتنطوي عليه سريرته فانظر - مثلاً - إلى قوله تعالى (3) : {هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مُزّقتم كل ممزَّق إنكم لفي خلق جديد} فجاءت لفظة (رجل) نكرة رغم معرفة المشركين لرسول الله (والتنكير لم يقصد به القرآن الكريم قطعاً الحط من قدره (وإنما نقل - بهذه الطريقة - مشاعرهم الحاقدة تجاه خير الأنام عليه الصلاة والسلام. ويراعي القرآن الكريم أيضًا حال المتكلم عندما قال عز وجل (4) : {ربي إني وضعتها أنثى} فالآية تنقل لنا إحساسها بالحزن والحسرة، بدليل ماجاء بعدها مباشرة وهو قوله تعالى (5) : {والله أعلم بما وضعت} كذا في قوله تعالى (6) :   (1) سورة النساء: 44 (2) نفس السورة: 51 (3) سورة سبأ: 7 (4) سورة الأعراف: 36 (5) نفس الآية السايقة. (6) سورة الأنبياء: 87 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 {وذا النون إذ ذهب مغاضبًا فظنَّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فليس المقصود من التأكيد هنا إلا حال المتكلم وحسه بالمعنى وأنه متقرّر في نفسه مؤكَّد في ضميره، وتجد هذا في توكيد الخبر ب (إنَّ) (1) في قوله: {إني كنت من الظالمين} كذلك في قوله تعالى (2) : {ربي إني أسكنت من ذُريَّتي بوادٍ غير ذي زرع} وفي قوله (3) : {ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان} وشبه ذلك كثير، وكله يحمل على اعتبار حال المتكلم وقوة إحساسه بالمعنى (4) . ج- حال المخاطب: والمقصود هنا مراعاة حال المخاطب في أي زمان ومكان من حيث عدم علمه بالخبر وخلو ذهنه منه، أو إعلامه أن المتكلّم لديه علم بما يخفيه عنه ذلك المخاطب أو مخاطبته بالطريقة التي تليق به إن كان مُنكرًا للخبر أو مُتردّداً في صدقه. فإذا كان المخاطب لا يعلم عن الأمر المُلقى إليه شيئًا أُلقي إليه الكلام مجرّداً من أي مؤكّد لفظي؛ لأن حال جهله بالخبر تقتضي ذلك (5) ، مثال قوله تعالى (6) : {والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم} فهذه الدعوة الحميمة من المولى عز وجل لم تكن في خُلد السامعين وليس لديهم علم بها، لذا جاء الخطاب في أبسط تركيب وأسهله وهو ما يسمى ب"فائدة الخبر"، وكل ماجاء كذلك؛ فهو من هذا الباب مادام المخاطب ليس لديه علم مسبق عن هذا الخبر.   (1) دلالات التراكيب، دراسة بلاغية، د. محمد أبو موسى، ص103، ط (1) ،سنة 1979م، مكتبة وهبة القاهرة. (2) سورة إبراهيم: 37 (3) سورة آل عمران: 139 (4) دلالات التراكيب، ص104 (بتصرُّف) . (5) البلاغة في ثوبها الجديد (علم المعاني) ، د. بكري شيخ أمين، 1/56 (بتصرف) ، ط (3) ، سنة 1990م، دار العلم للملايين. (6) سورة يونس: 25 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 والحالة الثانية التي يمكن أن يكون عليها المخاطب وينبغي أن يكون الكلام مطابقاً لها؛ هي علمه بذلك الأمر ورغبة المتكلم في إخباره أنه يعلم بالموضوع كأن يقول شخص لآخر: رأيتك تُنصت إلى قراءة القرآن، أو: علمت بسفرك أمس. ومنها قوله تعالى (1) : { … … ماكان أبوك امرأ سوءٍ وما كانت أمك بغيًا} فالمخاطبة أكثر الناس علماً بأبيها وأمها، فقد كانا من بيت يُعلم شرفه ومكانته في القوم (2) وهذا ما يسمى بلازم الفائدة لذا جاء خالياً من أدوات التوكيد (3) . ومنه قوله تعالى عن المنافقين (4) : {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون} فالمخاطب بالقرآن والمنزل عليه الوحي هو رسول الله (كما هو معلوم - والمستمعون بعد لهذه الآيات فهم المؤمنون ومنهم المنافقون (5) ، فيعرّفهم السياق الكريم بهذه الأمور التي قد يظنون خفاءها عن غيرهم، ولأن الأمر معلوم ومسلَّم به لديهم ولدى الرسول الكريم (فقد اقتضت الحال أن يأتي الكلام خالياً من أي مؤكّد من المؤكّدات. أما عند الإخبار عن فسقهم فيؤكد الخبر بأكثر من مؤكّد (6) ، وذلك لإنكار المنافقين وعدم اعترافهم بفسقهم. أما قوله تعالى (7) : {وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير}   (1) سورة مريم: 28 (2) تفسير ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، 3/108، ط سنة1981م، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت. (3) من المؤكدات: إنَّ، أنَّ، ألا الاستفتاحية، ضمير الفصل، فضلاً انظر ذلك في البلاغة في ثوبها الجديد ص61. (4) سورة التوبة: 67 (5) تفسير ابن كثير 2/268، ط سنة 1981م، (بتصرف) . (6) المؤكدات هنا (إنَّ، ضمير الفصل، أل التعريف) . (7) سورة فاطر: 22 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 فالمخاطب هنا يعلم بهذه الحقيقة ولكنه يحتاج إلى شدة التنبيه والتأكيد على ضرورة عدم الحزن من القوم وحالة إعراضهم عنه وكأن حاله عليه الصلاة والسلام قد وصلت إلى حد من يعتقد أنه يملك مع الإنذار القدرة على هدايتهم وهيهات أن يكون له ذلك (1) . وقد تقتضي حال المخاطب أن يؤكَّد له الكلام بأحد المؤكّدات، كأن يكون ظاناً في الأمر أو شاكاً أو متردّداً أو منكراً تماماً لذلك الخبر (2) . وهنا لا بد من قرينة حاليَّة أو مقاليَّة يلاحظها المتكلم أو يقرؤها حتى يعلم إلى أي من هؤلاء ينتمي مخاطبه؛ ليلقي إليه كلامه موافقاً ومطابقاً لتلك الحال، وهذا ما يُعرف بخروج الكلام على مقتضى الظاهر (3) ؛ فإذا كان المخاطب متردّداً أو شاكاً في ثبوت ما يقال له؛ فمقتضى هذه الحال أن يُلقى إليه الكلام مؤكَّداً بإحدى المؤكّدات كما جاء في قوله تعالى (4) : { … سيجعل الله بعد عسر يسرًا} فالآية موجهة إلى الرجل المطلّق الذي ليس لديه سعة من المال والذي تطالبه الشريعة - رغم ذلك - بالإنفاق قدر استطاعته على زوجه الحاضنة لابنه، فالمخاطب هنا قد يكون لديه شك أو تردُّد في أن تعوَّض له هذه النفقة من الله عزَّ وجل (5) فكان من مقتضى الحال أن يثبت له القرآن الكريم ذلك ويؤكّده بأحد المؤكّدات - وهي السين - حتى يزيل عنه ذلك الشك أو التَّردّد. كذلك في قوله تعالى (6) : {قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا إلا ماشاء الله … … } الآية   (1) دلالات التراكيب، ص109 (بتصرف) . (2) الإيضاح في علوم البلاغة (الخطيب القزويني) ، شرح وتعليق محمد عبد المنعم خفاجي،1/92-93، ط (5) ، سنة1980م، (بتصرُّف) . (3) المرجع السابق/ ص93 (بتصرُّف) . (4) سورة الطلاق: 7 (5) تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) ، محمد بن محمد العمادي، 8/263، ط (بدون) ، دار إحياء التراث (بتصرُّف) . (6) سورة الأعراف: 188 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 فالآية تخاطب قوماً يرون في الرسول الكريم (القدرة على أن يملك لنفسه الضر والنفع ويعلم الغيب (1) ؛ فناسب حالة الشك هذه أن يقترن الأسلوب بالنفي والاستثناء - وهي طريقة من طرق التأكيد - وما ذاك إلا لإزالة الشك من نفوس المخاطبين (2) . أما عند مخاطبة المنكر للأمر؛ فلا بدَّ من سبر أغوار نفسه ومعرفة مدى قوة ذلك الإنكار حتى يأتي الخطاب مقروناً بمؤكدات كافية تناسب ذلك وحتى يكون الكلام مطابقاً للحال. وأمثلة ذلك كثيرة في القرآن الكريم؛ فاستمع - مثلاً - إلى قوله تعالى (3) : {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} فالآية الكريمة ينقل لنا حالتهم وعلمهم بعدم تصديق السامع لهم؛ فدعاهم ذلك إلى تأكيد حديثهم ب (إنَّما) ويأتي الرَّدُ مناسباً لإنكارهم تلك الحقيقة والمداراة منهم. لذا جاء الكلام مؤكّداً بأكثر من مؤكّد وذلك حسب قوَّة إنكارهم (4) . ومثله ماجاء في قوله تعالى (5) : {واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززننا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون} ثم قالوا في المرة الثانية (6) : {ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون} فمقتضى ماهم عليه من حال الإنكار في المرة الأولى أن يأتي كلام المرسلين مؤكَّداً بأحد المؤكدات وهي (إنَّ) - فقط - في قوله (7) : {إنا إليكم مرسلون}   (1) تفسير البحر المحيط (أبو حيان الأندلسي) ، 4/436، ط (2) ، دار الفكر. (2) من بلاغة القرآن، د. أحمد أحمد بدوي، ص158، ط (بدون) ، دار نهضة مصر للطباعة والنشر (بتصرُّف) . (3) سورة البقرة: 11-12 (4) المؤكدات هنا هي: ألا الاستفتاحية، إنَّ، ضمير الفصل. (5) سورة يس: 13-14 (6) سورة يس: 15 (7) سورة يس: 16 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 واقتضت حال الإنكار الثانية وهي أشدُّ من الأولى أن يأتي السياق الكريم بأكثر من مؤكّد (1) ؛ لإثبات ماجاءوا به ولإزالة تكذيب المخاطبين وإنكارهم للدعوة الراشدة، فجاء في سياق الآية الكريمة (إنَّ، ولام الابتداء) التي اقترن بها الخبر، مع ما يشعر بالقسم في قوله {ربُّنا يعلم} . ومن مقتضى الحال أيضًا أن يؤكّد القرآن الكريم أمرًا حقيقيّاً لا جدال في وقوعه، وذلك لأن المخاطب أصابته الغفلة عن إدراك تلك الحقيقة أو مجرَّد التفكير في المصير. فقال تعالى (2) : {ثُمَّ إنكم بعد ذلك لميتون ثُمَّ إنَّكم يوم القيامة تبعثون} فالموت والبعث - لدى المؤمن - أمران لايحتاجان إلى تأكيد، أما الكافر فقد اقتضت حاله أن يؤكَّد له ذلك بأكثر من مؤكّد تلك هي الأحوال التي يراعي فيها المتكلّم حال المخاطب الظاهرة … … (3) مطابقة الحال مع مخالفة الظاهر وهنا قد تتطلَّب الظروف أن يتغاضى البليغ عن حال ظاهرة؛ فيخالف القواعد المذكورة ويأتي حديثه - رغم ذلك - بليغاً لأنه طابق فيه الحال. فلو طُلب - مثلاً - من مسلمٍ عدم الإهمال في صلاته رغم علمه بوجوب ذلك فيقال له: صلواتك الخمس حافظ عليها ولا تترك واحدة منها. فلا بُدَّ أن حالة إهماله في صلاته كلها أو في بعضها اقتضت أن يُحدَّث بالطريقة التي يحدَّث بها الجاهل بالخبر وذلك لعدم عمله بموجب ذلك العلم (4) . كذا إذا خوطب غير المُنكر للخبر أو للحُكْم مخاطبة المُنكر كما جاء في قوله تعالى (5) : {إنك لا تهدي من أحببت … … } الآية فالمخاطب هو رسول الله (وهو غير   (1) من بلاغة القرآن، ص145 (بتصرُّف) . (2) سورة المؤمنون: 15-16 (3) من بلاغة القرآن، ص147 (بتصرف) . (4) البلاغة في ثوبها الجديد (علم المعاني) ، ص73 (بتصرُّف) . (5) سورة القصص: 56 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 مُنكر لذلك، ويعلم تماماً أن الهداية من الله وحده عزَّ وجل وبإرادته سبحانه وتعالى ولكن لفرط حرصه عليه الصلاة والسلام ولاهتمامه بتبليغ الدعوة كان مشقّاً على نفسه في محاولة هداية من أحبَّ من قومه وكل من حوله من أهله، فكان من مقتضى هذه الحال أن يخاطب مخاطبة المنكر للخبر لأن تصرفه عليه الصلاة والسلام وحرصه الشديد اقتضيا ذلك الأسلوب في الخطاب (1) وهو التأكيد ب (إنَّ) في قوله: {إنك لاتهدي من أحببت … … } الآية. كذا قد يخاطب المُنكِر مخاطبة غير المُنكِر؛ فلا يؤكد له الكلام بأي مؤكد لوجود الأدلة الواضحة على صدق ما يقال له كما جاء في قوله تعالى (2) : {ألم ذلك الكتابُ لاريبَ فيه هُدى للمتقين} فرغم أن القران الكريم نزل على محمد (وخاطب به المشركين المنكرين له، إلاَّ أن الآية - وأمثالها كثير (3) - خلت من أدوات التوكيد، لأن السامعين يشهدون شهادة لايدانيها شك في فصاحته وبلاغته التي أعجزتهم (4) . وقد يخاطب غير السائل مخاطبة السائل المستشرف للحقيقة، كما يقال لشخص - مثلاً -: لاتجادل في الحق، فالحق أحق أن يُتَّبع فحال السامع هنا اقتضت هذا الخطاب الذي قُدّر قبله سؤال محذوف بعد نهاية الجملة الأولى مباشرة، وهو (لِمَ لا أجادل في الحق؟) (5) . ومن هذا الباب قوله تعالى (6) : {ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم}   (1) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، عبد الله بن محمد الأنصاري القرطبي، 6/5015، كتاب الشعب (بتصرُّف) . (2) سورة البقرة: 1 (3) انظر مثلاً الآيات (سورة إبراهيم: 32-33) ، (الكهف: 1) ، (النور: 1) . (4) انظر قول الوليد بن المغيرة عن القرآن في القرآن المعجزة الكبرى، د. محمد أبو زهرة، ص56، دار الفكر العربي. (5) كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، 2/93 (بتصرُّف) . (6) سورة الحج: 1 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 فلمَّا أمر السّياق الكريم بتقوى الله وحذر من عقابه تطلَّعت نفس السامع إلى معرفة السبب مع الشك في العقاب، فجاءت الإجابة مطابقة للحال أو مقتضية لذلك الشك إذ اقترن الأسلوب ب (إنَّ) المؤكدة للخبر المذكور في الآية الكريمة. كما قد تقتضي حال المخاطب - الذي يعتقد بشيء مخالف للواقع - أن تقلب عليه ذلك الاعتقاد كقولك - مثلا -: ما فاز إلا محمد (لمن ظنَّ أن غيره هو الفائز) . ومثلها من القرآن قوله تعالى (1) : {واتبعوا ماتتلو الشياطين على مُلك سليمان وما كفر سليمان ولكنَّ الشياطين كفروا … } الآية. كذا في حال ظن السامع اشتراك شخصين أو شيئين في حكم واحد فالحال تقتضي أن تأتي بخصائص أسلوبية تُفرد له شيئاً أو شخصاً واحداً في ذلك الحكم، فنقول لمن ظنَّ أن زيداً ومحمداً قادمان: إنَّما القادم زيدٌ. ومنها قوله تعالى (2) : {قل هو الله أحد الله الصمد … … } الآيات يخاطب بها من ظن أن الله سبحانه وتعالى يشترك مع غيره في هذه الصفات، فكل آية من السورة تفرد له صفة لا يمكن أن يشاركه فيها غيره (3) سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً. ومنها قوله تعالى (4) : {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} يخاطب بها كل من ظن أو أشرك مع الله سبحانه وتعالى أحدًا في معرفة الغيب (5) . وساعد على ذلك أسلوب القصر في قوله: {لا يعلمها إلا هو} تعقيب ماقيل في مراعاة مقتضى الحال في المجالات السابقة يمكن أن يقاس عليه كل ما لم يُذكر هنا.   (1) سورة البقرة: 102 (2) سورة الإخلاص: 1-2 (3) تفسير أبي السعود، 9/212 (بتصرُّف) . (4) سورة الأنعام: 59 (5) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، 2/195 (بتصرُّف) ، ط (بدون) ، عالم الكتب، بيروت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 وما الاكتفاء بذكر بعض من كل في الأمثلة إلا لأن الأحوال كثيرة، ومقتضياتها مثلها، سواء كان ذلك في مجال مراعاة الظاهر أو مخالفته لضرورة بلاغية - كما أشرنا -، وسواء كان ذلك في الحذف أو الذكر أو التقديم أو التأخير أو الفصل أو الوصل أو الإيجاز - حيناً - أو الإطناب آخر أو عند الحاجة إلى التمثيل أو التصوير أو استعمال الكناية أو التعريض في بعض المواقف … … وما إلى ذلك من أساليب يرى البليغ ضرورة استخدامها لمراعاة حال السياق، أو المتكلم نفسه أو المخاطب وما يحيط بذلك المخاطب من ظروف بيئية وثقافية واجتماعية يصعب حصرها هنا، الأمر الذي يتطلب حذق المتكلم ومهارته مع استعداده الفطري واللغوي فضلاً عن ثقافته البلاغية ولباقته المطلوبة لبلورة حديثه وتشكيله وصياغته وفق الغرض الذي يريد، والمقام الذي يلقي فيه حديثه، ليأتي ذلك الحديث مطابقاً للحال مناسباً للمقام مصيباً للهدف واقعاً من نفس السامع أحسن موقع. يقول الجاحظ رحمه الله: (ومدار الأمر على إفهام كل قوم بمقدار طاقتهم، والحمل عليهم على أقدار منازلهم) (1) . لذا كان القرآن الكريم خير حديث وأوقع كلام في نفوس سامعيه، فيه لذات العقول والأرواح ومعه تكون الطمأنينة وراحة الوجدان (2) ، لا يصل إلى مرتبته البيانية بشر من الفصحاء ولا أديب من الأدباء - وإن عاون بعضهم بعضاً -. قال تعالى (3)   (1) البيان والتبيين (الجاحظ) ، تحقيق عبد السلام هارون، 1/93، ط سنة 1975م، دار المعارف، مصر. (2) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مصطفى صادق الرافعي، ص19 (بتصرُّف) ، ط (9) ، سنة 1973م، دار الكتاب العربي، بيروت-لبنان. (3) سورة الإسراء: 88 المصادر والمراجع القرآن الكريم. الاستئناف البياني (دلالته وفنيته) ، د. سعاد محمود نحلة، مجلة الزهراء، جامعة الأزهر، العدد (3) ، سنة 1415هـ. أساس البلاغة. جار الله ابي القاسم الزمخشري. تحقيق عبد الرحيم محمود. ط سنة 1982 م. دار المعرفة بيروت لبنان أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، شرح وتعليق د. محمد عبد المنعم خفاجي ود. عبد العزيز شرف، ط (1) سنة 1991م، دار الجبل - بيروت. إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مصطفى الرافعي، ط (9) ، سنة 1973م. الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، شرح وتعليق وتحقيق د. محمد عبد المنعم خفاجي، ط (5) ، سنة 1980م. البلاغة فنونها وأفنانها، د. فضل عباس (علم البيان والبديع) . البلاغة فنونها وأفنانها، د. فضل عباس (علم المعاني) ، ط (1) ، سنة 1985م، دار الفرقان للنشر والتوزيع. البلاغة في ثوبها الجديد، د. بكري شيخ أمين (علم المعاني) ، ط (3) ، سنة 1995م، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان. البيان والتبيين أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق د. عبد السلام هارون، ط سنة1975م، دار المعارف - مصر. التطور اللغوي والتاريخي، د. إبراهيم السَّمرائي، ط (3) ، سنة 1983م، دار الأندلس، بيروت - لبنان. تفسير البحرالمحيط، أبو حيان الأندلسي، ط (2) دار الفكر للطباعة والنشر. تفسير ابن كثير (أبو الفداء إسماعيل بن كثير) ، ط سنة 1981م، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت - لبنان. تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) ، محمد بن محمد العمادي، ط (بدون) ، دار إحياء التراث، بيروت. تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) ، أبو عبد الله محمد ابن أحمد الأنصاري القرطبي، كتاب الشعب. التلخيص في علوم البلاغة، جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الخطيب، ضبط وشرح عبد الرحمن البرقوقي ط (1) ، سنة 1904م، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان. خصائص التراكيب، دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني، د. محمد أبو موسى، ط (2) ، سنة 1980م، مكتبة وهبة القاهرة. دفاع عن البلاغة، أحمد حسن الزيات، مطبعة النهضة سنة 1967م، مطبعة الرسالة سنة 1945م. دلالة الألفاظ، د. إبراهيم أنيس، ط (5) ، سنة 1984م، مكتبة الأنجلو، القاهرة. دلالات التراكيب (دراسة بلاغية) ، د. محمد أبو موسى، ط (1) ، سنة 1979م، مكتبة وهبة، القاهرة. شرح المعلقات السبع، أبو عبد الله الحسين بن أحمد الزوزني، ط (3) ، سنة 1979م، دار الجيل، بيروت - لبنان. شروح التلخيص، ط (بدون) ، دار السرور، بيروت - لبنان. شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي، عباس العقاد، ط (3) ، سنة 1965م، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة. الصراع الأدبي بين القديم والجديد، د. علي العماري، ط سنة 1965م، دار الكتب الحديثة، القاهرة. العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، ط (4) ، سنة 1972م، دار الجبل، بيروت. فقه اللغة، د. علي عبد الواحد وافي، ط (7) ، دار نهضة مصر للطبع والنشر، الفجالة - القاهرة. القرآن المعجزة الكبرى، محمد أبو زهرة، ط سنة1970م، دار الفكر العربي. كتاب الطراز المتضمّن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، يحيى بن حمزة العلوي اليمني، ط سنة 1982م بإشراف جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، أبو القاسم جار الله محمد بن عمر الزمخشري الخوارزمي حقق الرواية محمد الصادق قمحاوي، ط (الأخيرة) ، سنة 1927م. معجم البلاغة العربية، د. بدوي طبانة، ط (3) ، سنة 1988م (مزيدة ومنقحة) ، دار المنارة للنشر (جدة) ، دار الرفاعي (الرياض) . المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ط (بدون) ، كتاب الشعب. معجم مقاييس اللغة. أبو الحسن أحمد بن فارس. تحقيق عبد السلام هارون. ط1 سنة 1368هـ. القاهرة. دار إحياء الكتب العربية. عيسى الحلبي وشركاه. مقدمة بن خلدون (عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون) ، تحقيق درويش الجويدي، ط (1) ، سنة 1995م، المكتبة العصرية، بيروت - لبنان. من أسرار اللغة، د. إبراهيم أنيس، ط (بدون) ، سنة 1994م، مكتبة الآنجلو المصرية. من بلاغة القرآن، أحمد أحمد بدوي، ط سنة1950م، دار نهضة مصر للطبع والنشر، مصر. الوساطة بين المتنبي وخصومه، علي بن عبد العزيز الجرجاني (القاضي الجرجاني) ، تحقيق أبو الفضل إبراهيم البجاوي ط سنة 1945م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 : {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا} • • • الهوامش والتعليقات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 ملامح تأثير الثقافة الإسلامية فى بلاد الملايو روسني بن سامح محاضر بقسم اللغة العربية وآدابها الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا ملخص البحث كان للإسلام والعرب دور بارز فى تغيير مجرى حياة الشعب الملايوى وافتتح عهد جديد للشعب بوصول الإسلام إليه وحدثت حركة تأثير فكرى واسعة المدى خطيرة النتائج حتى انتشرت الثقافة العربية الإسلامية فيه. وأحدث الإسلام تغيرات جذرية فى مجال حياة الشعب دينيا وسياسيا واجتماعيا وعلميا وثقافيا ولغويا وأدبيا. ومن أعظم مساهمة الثقافة الإسلامية: - وصول الحروف العربية للكتابة الملايوية التى لم تكن لها حروف إلا إشارات ورموز. - دخول الألفاظ العربية إلى اللغة الملايوية وأكثرها فيما يتعلق بتعاليم الإسلام حيث لم تكن للغة الملايوية كلمة تدل على معنى خاص ولذلك استخدمت الكلمة العربية للدلالة على ذلك المعنى ومن هذا المنطلق كثر دخول الكلمات والمصطلحات الدينية إليها. ومن حق هذا الكلمات المستعارة أنها تقبل النظام الصوتى الملايوى فيلحق بها اللواحق والسوابق. - تغيير مجرى القصة الملايوية ووصول القصة العربية الإسلامية. وقبل العصر الإسلامى كثر دخول القصة الهندية إلى الأدب الملايوى وتداولت على ألسنة الشعب ثم بدأ الدعاة فى تغيير مجراها ومقاصدها إلى المجرى الإسلامى وإدخال العناصر الإيمانية وكذا بدلوا الألفاظ والتعبيرات فيها إلى الألفاظ العربية الإسلامية وتعبيراتها وأحلوا أسماء أمجاد الإسلام والأنبياء والملائكة وأسماء الله محل أسماء الأبطال الهندية وأسماء الآلهة الهندية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 وبجانب هذه الجهود اجتهدوا فى تعريف الشعب بالقصة الإسلامية من القرآن الكريم والتاريخ الإسلامى وقصص الأبطال قبل الإسلام ومن أثر هذه الجهود كثر دخول القصة العربية الإسلامية إلى الأدب الملايوى مما له أصل دينىبما فيه من القصص عن النبى محمد وأصحابه والأنبياء وما له أصل صوفى وما له أصل بطولى وما له أصل أسطورى وما له أصل رمزى. - تأثر الشعراء الملايويين بالشعر الصوفى. وظهر ذلك وضوحا على يد حمزة الفنصورى الذى بدأ فى اختراع الشعر الملايوى الصوفى ويرجع فضله إلى تأثره بالصوفيين من خلال قراءة مؤلفاتهم ومنهم ابن عربى والبسطامى وجيلى والحلاج وذى النون المصرى. وهو أول من نظم الشعر الملايوى الصوفى من أثره رباعيات حمزة الفنصورى. وكذا تأثر الأدب الملايوى بالنظم والوغزل والمثنوى والقطعة وامتاز تيار هذه الأنواع بالنزعة الصوفية التى تتحدث عن العلاقة بين العبد وربه وعن الأخلاق والنصيحة. ويظهر من خلال هذا البحث المتواضع أن الإسلام لعب دوره البارز فى تغيير مجرى حياة الشعب الملايوى كما لعب دوره فى تغيير مجرى حياة العرب فى عهده الأول وما زال هذا الأثر يتزايد يومت فيوما حتى العصر الحديث. • • • مقدمة: لعب الإسلام دوره البارز فى تغيير مجرى حياة العرب وكان أثره يظهر جليا فى حياتهم الدينية والاجتماعية والسياسية والعقلية كما يتجلى أثره الكبير فى اللغة العربية من وحدة اللغة وانتشارها وذيوعها واتساع أغراضها وارتقاء معانيها وتهذيب ألفاظها والتوسع فى دلالتها. ويتجلى أيضا فى حياتهم الأدبية. ومن البديهى أن نعلم أن التغيير الذى حدث فى الآداب العربية منذ ظهور الإسلام لم يكن يرجع إلى شيء إلا إلى الإسلام وحده وكان المصدر الأول لهذا التغيير القرآن الكريم الذى كان وحده مصدر ثقافة المسلمين الدينية والعقلية والاجتماعية والأدبية. وكان هذا التغيير لم يحدث فجأة ولم يتم مرة واحدة وإنما حدث قليلا وظهر شيئا فشيئا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 وكذا شأن الإسلام عندما وصل إلى أرخبيل الملايو حيث لعب دوره كما لعبه فى منبعه الأصلى. ومن هنا يحاول هذا البحث الكشف على ملامح تأثير الثقافة الإسلامية فى بلاد الملايو ويقتصر حديثه فى العصر القديم منذ وصول الإسلام إليه ولم يجاوز ملامحه فى العصر الحديث وإن ورد فيه ذكر الأماكن المعاصرة. ويتناول موضوعات تمهيدية عامة من أثر الإسلام فى الحياة الملايوية الدينية والسياسية والاجتماعية والعلمية والثقافية وما فيها من التعريف بأرخبيل الملايو ودور حركة التجارة فى نشر الإسلام فيه ووصوله وعوامل انتشاره. ثم يتناول الموضوع الأساسى من أثر الإسلام واللغة العربية فى اللغة الملايوية من حروف الكتابة إلى الكلمات والأدب بما فيه من القصة والشعر. التعريف بأرخبيل الملايو: ينبغى قبل الشروع فى الحديث عن تأثير الإسلام وثقافته على أرخبيل الملايو التعريف بأرخبيل الملايو وموقعه الجغرافى والمعروف أن أرخبيل الملايو هو مصطلح جغرافى القديم يطلق على مجموعة ضخمة من الجزر وشبه الجزر التى تقع فى منطقة جنوب شرقى آسيا من القارة الآسيوية. ويعطينا التكوين الجيولوجى لتلك الجزر نفسها فكرة دقيقة عنها وهى تتكون من الجزر العديدة المبعثرة التى تمتد من أقصى الطرف الجنوبى الشرقى للقارة الآسيوية المتاخمة لجنوب بلاد التايلاند -THAILAND - شمالا حتى شمال القارة الأسترالية جنوبا بينما يحدها شرقا بحر الصين الجنوبى ويحدها غربا المحيط الهندى. ويتكون من ثلاث مجموعات رئيسية: اتحاد ماليزيا - FEDERATION OF MALAYSIA وجمهورية إندونيسيا - REPUBLIC OF INDONESIA وجمهورية الفلبين - REPUBLIC OF PHILIPPINES. ولهذه المجموعات الثلاث لغتها الخاصة الموحدة فضلا عن اللهجات المحلية وهى اللغة الملايوية التى يتكلم بها أهلها فى حياتهم اليومية وفى معاملاتهم الرسمية ويكتبون بها مؤلفاتهم الأدبية والعلمية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 حياة الملايويين قبل وصول الإسلام (1) : كان الملايويون فى تاريخهم الأول يعتقدون أنواعا من المعتقدات القديمة كما هو الواقع فى أنحاء العالم فكانوا يعتقدون بأن كل شيء فى هذا العالم له روح وقوة فالأشجار والجبال والأنهار والأحجار لها أرواح يخضع لها الناس ويجب عليهم أن يحترموها ويعبدوها لكيلا تغضب عليهم أو تنزل عليهم البلايا. ومن ثم ظهرت عبادة الطبيعة لديهم وبعد مرور الزمن وقعوا تحت التأثير الهندى منذ أن كثر الاختلاط بالقادمين إليهم من الهند بقصد التجارة طوال القرون المسيحية الأولى فظهر أثر ذلك عميقا فى أفكارهم وعباداتهم وعاداتهم وثقافتهم وآدابهم. وكانت العلاقات بين الهند وأرخبيل الملايو عريقة قديمة. وبواسطتها تسرب إليه أثر الثقافة الهندية وأدبها وكان ذلك عظيما وعميقا للغاية. وبذلك تأثرت فى أول الأمر الكتابة الملايوية بالحروف الهندية وهى معروفة بحروف كاوى - KAWI - التى ظهرت فى فترة ما بين عام أربعمائة وسبعمائة وخمسين للميلاد من أثر قدوم الثقافة الهندية إليه. وكذا تأثرت بالحروف الهندية المعروفة بحروف جاوة القديمة التى كانت أصلا من حروف ونجى التى نشأت لدى أفراد بالاوا المقيمين فى بلدة كورومنديل جنوب الهند. وبصفة عامة تأثرت اللغة الملايوية باللغة السنسكريتية لغة الهند القديمة نتيجة انتشار الهندوكية والبوذية الديانتين السائدتين فيه قبل انتشار الإسلام (2) .   (1) وقد تناول الباحث حياة الملايويين قبل الإسلام من حيث تأثرهم بغيرهم لا من حيث نشأتهم وتطورهم. (2) انظر - محمد زكى عبد الرحمن - أثر اللغة العربية فى اللغة الماليزية - رسالة الماجستير - كلية اللغة العربية - جامعة الأزهر - القاهرة - 1990 - ص 19 وما بعده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وكان الأدب الملايوى فى ذلك العصر أدبا لسانيا لم يكن فى متناول قرائه لأن حروف الكتابة كانت غير منتشرة إلا ما عرف من الحروف الهندية والإشارة والرموز. وكانت القصة قبل انتشار الإسلام مملوءة بالتأثير الهندى من كتاب بانجاتنترا ورامايانا ومهابراتا وغيرها من الكتب الهندية المشهورة. ويرى وينستد (1) WINSTEDT أن معظم الحكايات الملايوية القديمة مقتبسة من الحكايات الهندية القديمة أو بإعادة صياغتها الجديدة خاصة من حكايتى مهابراتا ورامايانا المشهورتين. كما عثر على الآثار الهندية فى قصص الحيوان وقصص التسلية والفكاهة وأعظم محتويات هذه القصص من كتاب بنجاتنترا ثم صيغت بصبغة ملايوية لتكون ملائمة لمتطلبات روح الشعب الملايوى. ولم يقتصر التأثير الهندى فى القصة الملايوية على الشخصيات أو الأحداث أو حبكة الحكاية بل تعدى ذلك إلى الألفاظ إذ وجدت فى القصة الملايوية بعض الألفاظ المستعارة من الألفاظ السنسكريتية فمثلا فى حكاية هانج تواه - HANG TUAH - الملايوية وجد لقب لقسمان - LAKSEMANA - وهذا اللقب هندى وهو مذكور فى حكاية رامايانا وسرى راما (2) . وكذا لا ينحصر التأثير الهندى فى الألفاظ فى القصة بل تجاوز ألفاظ الحياة اليومية. أثر التجارة فى نشر الإسلام وثقافته فى بلاد الملايو:   (1) See. R. Q. Winstedt. History of Classical Malay Literature. K. Lumpur. Oxford University Press. 1972. P. 3. (2) See: Ibrahim Mohd Salleh - Kesusasteraan Melayu Kelasik Dan Moden- Penerbit Asia - K.L Cet. 1 - p. 32 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 ترجع العلاقات بين العرب وأرخبيل الملايو إلى أزمنة قديمة مرت بمراحل ففى المرحلة الأولى كانت العلاقة تتمثل فى العلاقة التجارية أو الاقتصادية وهى أقدم علاقة بينهما وأبرز الوسائل التى انتقلت بواسطتها تيارات التأثير العربى الإسلامى إليه ثم تأتى المرحلة الثانية الخاصة بالعلاقة الدينية والسياسية نتيجة للعلاقة التجارية وهذه العلاقة تتمثل فى فترة وصول الإسلام إليه وانتشاره ونشوء الدولة الإسلامية فيه. وهى فترة استقبال أبناء البلاد الدين الإسلامى وتأثيره ثم تبرز المرحلة الثالثة كعلاقة التأثير الدينى والعقلى (1) . وهى فترة الاستيعاب والانعكاس والتفاعل بين تأثير العناصر العربية الإسلامية فى الأدب الملايوى وظروف انتقال الأدب الملايوى من العناصر الهندية. وتنقسم العلاقات التجارية بين العرب وأرخبيل الملايو إلى علاقتين: علاقة مباشرة وعلاقة غير مباشرة. فالعلاقة المباشرة تتمثل فى الاحتكاك المباشر بينهما إذ كان العرب يحتاجون إلى السلع التى لا توجد إلا فى أرخبيل الملايو مثل التوابل والبخور والكافور التى وجدت فى سومطرة (2) . ويرى بعض الباحثين أن الكافور كان من العوامل التى أدت إلى قيام العرب برحلات إليه (3) . ونشأت هذه العلاقة المباشرة فى عصر ما قبل الإسلام منذ القرن الخامس قبل الميلاد وكانت أهمية ميناءه كمركز تجارى مستمرة حتى عصر النبوة فى القرن السابع الميلادى والقرون التى تليه (4) .   (1) See: Azyumardi Azra - Jaringan Ulama Timur Tengah Dan Nusantara Abad Ke 7 Dan 8 - Penerbit Mizan - Cet. 1 - 1994 - p. 23 (2) ee: Abdul Rahman Hj. Abdullah - Pemikiran Umat Islam Di Nusantara -Dbp. Cet. 1 - 1990 - p. 25 (3) See: Abdullah Ishak - Islam Di India Nusantara Dan Cina - Nurin Cet. 1 - 1992 - p. 90 Enterprise- (4) See: Abdul Rahman Hj. Abdullah - 0p-cit - p. 26 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 وبجانب العلاقة المباشرة المتمثلة فى أهمية حصول البضائع التجارية منه، هناك علاقة غير مباشرة عندما نشأت العلاقة التجارية بين العرب والصين من طريق البحر الذى التجار العرب يستخدمونه للوصول إلى الصين. وهذا الطريق يعبر ميناء الهند وأرخبيل الملايو ثم البحر الصينى تبعا لحركة الرياح. كان معظمهم يتوقفون فى مراكز تجارية خاصة فى جزر الأرخبيل أثناء رحلتهم إلى الصين (1) . وكذا فى أثناء عودتهم. ويرى بدر الدين حى الصينى (2) أن العلاقة بين الصين والعرب نشأت قبل الإسلام بقرون بطريقة غير منتظمة ثم تطورت وازدهرت إلى علاقة منتظمة قبيل ظهور الإسلام. واستمرت بعد ظهوره. ... وفى القرن الثامن الميلادى انتظمت الرحلات البحرية بين الخليج العربى وأرخبيل الملايو والصين حيث انطلقت رحلات أبناء الخليج العربى التجارية من مراكز التجمع التجارى والملاحى على سواحل الخليج نفسه كلها من البصرة - فرضة العراق - وسيراف - فرضة الساحل الفارسى - والبحرين - فرضة الساحل العربى إلى أرخبيل الملايو والصين. ثم أخذت العلاقة تزدهر وتنمو فى القرن التاسع الميلادى إلى أن تم ازدهارها فى القرن الرابع عشر الميلادى (3) .   (1) See: Ibrahim T. Y. Ma - Perkembangan Islam Di Tiongkok - Bulan Bintang - Jakarta - 1969 - p. 32 (2) انظر: بدر الدين حي الصيني - العلاقات بين العرب والصين - مكتبة النهضة المصرية - الطبعة الأولى - سنة 1950 - ص - 8 (3) انظر: مرزوقى حاج محمود حاج طه - الإسلام فى أرخبيل الملايو - رسالة الدكتورة - كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر - 1977م ص 97 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 وتبرز هذه الهجرة التجارية كأقدم عوامل الصلات والتأثير بين الدول العربية وأرخبيل الملايو وهى أحد المنافذ التى تسربت من خلالها الثقافة العربية الإسلامية إليه وأصبحت قناة رئيسية لانطلاق عجلة التأثير العربى الإسلامى عليه. وبهذه العلاقة التجارية افتتح عهد جديد للشعب الملايوى وبدأت حركة تأثير فكرى واسعة المدى خطيرة النتائج بوصول الإسلام إليه وانتشاره بين شعوبه حتى أصبح دينا رسميا له. وترتب على ذلك انتشار الثقافة العربية الإسلامية فيه. وصول الإسلام إلى أرخبيل الملايو وانتشاره فيه: كانت هناك رحلات ومراكز تجارية بين بعض بلاد الجزيرة العربية وبين أرخبيل الملايو من قبل الإسلام وفى صدر الإسلام. فإن ذلك يستلزم بالتحقيق أن الإسلام وصل إلى هذه البلاد فى وقت مبكر (1) . وانتقل من خلال التجار العرب الذين كانوا يختلفون إلى هذه الجزر وخاصة تجار عمان وحضرموت واليمن. ولم يكن الإسلام مجرد دين للعبادة فقط بل بث روحا جديدة وحضارة راقية لدى سكان هذه الجزر (2) .   (1) انظر: أحمد شلبي - موسوعة التاريخ الإسلامي - مكتبة النهضة المصرية - الطبعة الثالثة 1993م - ج8 - ص 336 (2) انظر -محمد نصر مهنا - الإسلام في آسيا - المكتب الجامعي الحديث - اسكندرية - الطبعة الأولي 1990 - ص 550 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 ومن المحال أن نعرف على وجه التحقيق التاريخ الدقيق لوصول الإسلام إليه. وربما حمله إلى هنا تجار العرب فى القرون الأولى للهجرة وذلك قبل أن تصل إلينا أية معلومات تاريخية عن حدوث أمثال هذه المؤثرات فى تلك البلاد بزمن طويل ومما جعل هذا التاريخ أكثر احتمالا ما نعرفه من أن العرب زاولوا مع بلاد الشرق تجارة واسعة النطاق منذ وقت مبكر وفى مستهل القرن السابع الميلادى لقيت تجارتهم مراكز تجارية مهمة. وبالإضافة إلى ذلك كانوا سادة التجارة مع الشرق بلا منازع ويمكن الجزم بأنهم كانوا قد أسسوا مستعمراتهم التجارية فى بعض جزر الأرخبيل (1) . وبهذه الطريقة دخل الإسلام معهم إليه فى القرون الأولى للهجرة.   (1) انظر: سير توماس و. أرنولد - الدعوة إلى الإسلام - ترجمة د. حسن إبراهيم حسن ود. عبد المجيد العابدين - مكتبة النهضة المصرية 1970 - ص 401 - 402 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 كما يرى س. ق. فاطمى (1) -S. Q. FATIMI - أن الإسلام وصل إلى الأرخبيل فى القرن الأول الهجرى بواسطة التجار العرب والفرس الذين كانوا يترددون فيها من قبل. ولمساندة هذه الآراء، أكدت قرارات ندوة العلماء والباحثين حول موضوع دخول الإسلام إلى إندونيسيا وآسيا (2) بأن الإسلام دخل إلى أرخبيل الملايو أول مرة فى القرن الأول الهجرى وكان من بلاد العرب مباشرة وأن أول منطقة دخلها الإسلام هى سواحل سومطرا الشمالية وأن الدعاة الأولين كان بعضهم من التجار العرب والفرس وبعضهم من أبناء البلاد الذين أسلموا واستقوا الثقافة الإسلامية ثم قاموا بالمساهة فى الدعوة إلى الإسلام (3) . ومما تقدم نستخلص أن الإسلام وصل إلى سواحل أرخبيل الملايو فى القرن الأول الهجرى الموافق السابع الميلادى من بلاد العرب مباشرة وأما انتشاره فقد أصبح واضحا فى القرن الثالث عشر الميلادى على يد الدعاة الذين أكثرهم ينحدرون من أصلاب عربية. وكان معظمهم من الصوفيين (4) .   (1) See.S.Q. Fatimi- Islam Comes To Malaysia - Masri Singapore - 1963 - Ms. 99 (2) عقدت هذه الندوة فى مدينة ميدان بسومطرة الشمالية فى الفترة ما بين 17-20 من شهر مارس سنة 1963م برئاسة المؤرخ الأندونيسي محمد سعيد وحضرها عدد من الباحثين وعلماء أندونيسيا والأجانب المهتمين بدراسة تاريخ الإسلام فى جنوب شرقى آسيا. (3) انظر -محمد أحمد السنباطي - حضارتنا فى أندونيسيا - دار القلم - الكويت - 1983 - ص 180 (4) See. S. Q. Fatimi - op. cit - p. 100 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 وأول ما وصل إلينا من الأنباء عن انتشار الإسلام فى تلك البقاع ما جاء فى رحلة ماركوبولو (MARCOPOLO) الرحالة الإيطالى المشهور الذى زار شمال سومطرا فى عام 1292م وأخبر بأنه عثر على منطقة فى شرق سومطرا مشهورة باسم برلاق (PERLAK) اعتنق أهلها الإسلام وكان فيها ملك مشهور باسم إسلامه بجانب اسمه القديم ميرة سيلو - MERAH SILU - وهو الملك الصالح المتوفى سنة 1292م (1) . وفى هذا القرن ظهرت دولة برلاق (2) كدولة إسلامية أولى فى منطقة جنوب شرقى آسيا. ثم وزار هذه المنطقة ابن بطوطة الرحالة العربى المشهور ونزل فى ضيافة الملك الظاهر وتحدث عن سلطان هذه الولاية وحرصه على إقامة شعائر الدين واهتمامه بدراسة الفقه على مذهب الشافعى ووصفه بأنه من فضلاء الملوك وكرمائهم. شافعى المذهب. محب الفقهاء. يحضرون مجلسه للقراءة والمذاكرة. وهو كثير الجهاد والغزو. ومتواضع يأتى إلى صلاة الجمعة ماشيا على قدميه. وأهل بلاده شافعية. محبون للجهاد يخرجون معه تطوعا. وتغلبوا على من يليهم من الكفار. والكفار كانوا يعطونهم الجزية على الصلح (3) . عوامل انتشار الإسلام:   (1) See. Sopian Taimon - Intisari Sejarah Asia Tenggara. DBP. 1972. p. 22 (2) أحد مدن في جزيرة سومطرة أندونيسيا. (3) انظر: ابن بطوطة - رحلة ابن بطوطة - دار صادر - بيروت 1992 ص 618 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 وصل الإسلام إلى أرخبيل الملايو بطريق سلمى بواسطة التجار العرب وبدأ ينتشر متدرجا حتى ظهر انتشاره جليا فى القرن الثالث عشر الميلادى على يد الصوفيين. ومن العوامل التي ساعدت على انتشاره فيه زواج التجار العرب المسلمين بالنساء الملايويات منذ العهد المبكر للإسلام فنشأت عن ذلك أسر إسلامية فى ولاياته والبلدان الأخرى التى كانوا يتمركزون فيها وأصبحت تلك البيوت المزدوجة الجنسية منارات يهتدى بها السكان. ونتج من هذا آلاف من الأسر المسلمة التى ظلت تتزاوج فيما بينها وكانت النساء الملايويات بعد الزواج يتطبعن بطباع الإسلام التى أعجبت العديد من المواطنين وأقنعتهم حتى اعنتقوا الإسلام. ومن المسلمين من كان يتزوج بأكثر من واحدة حتى ساعد هذا الزواج على زيادة عدد المسلمين (1) . ومنها جهود الملوك والرؤساء الملايويين وتشجيعهم ومنهم من اعتنق الإسلام وأسهم إسهاما بارزا فى نشر الدعوة الإسلامية. وكان الشعب الملايوى معروفا بالولاء الكامل تجاه ملوكه فى كل شيء. وأدى هذا الولاء إلى سهولة انطلاق الدعوة لسكان هذه البلاد (2) . كما انتشر الإسلام فى مملكة ملقا (MELAKA) بشبه جزيرة الملايو عن طريق المصاهرة مع سلطان سامودرا (SAMUDERA) ثم صارت هذه المملكة الصغيرة إمبراطورية إسلامية عظيمة بسطت نفوذها على كثير من البلاد المجاورة وحيثما امتد سلطانها نشرت الإسلام فى مناطق نفوذها (3) . وأصبحت مملكة ملقا هى أكبر دولة إسلامية حيث أسلم سلطانها وهو بارا مسوارا - PARA MASWARA ثم غير اسمه إلى السلطان مجت اسكندر شاه - SULTAN MEGAT ISKANDAR SHAH- (4) .   (1) See. Abdullah Ishak. op. cit. pp. 113 - 114 (2) انظر: محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 35 (3) انظر: محمد عبد الرءوف - الملايو: وصف وانطباعات - الدار القومية- الكويت 1966 - ص 49 (4) See. Joginder Singh Jessy - Tawarikh Tanah Melayu 1400 - 1959 - DBP. CET. 2 - 1965 - p - 20 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 ومن عوامل انتشار الإسلام الظروف المستقرة الآمنة السليمة من موجات الحروب المضطربة حيث كان الدعاة الأوائل وبعضهم من التجار الذين حملوا الإسلام ونشروه بالطريق السلمى فالمؤكد المعروف أن الإسلام انتشر فيه بالسلام لا الحرب ويتعذر أن نعثر على موقعة عسكرية تبشر بالإسلام أو تفرض فرضا بعهد النصر فالناس فى هذه المناطق دخلوا فى الإسلام عن قبول وإقتناع ورغبة وكان دخولهم فى هذا الدين أفواجا بمنهج الحكمة والموعظة الحسنة والقدوة السليمة. وبالإضافة إلى ذلك قدَّم الإسلام الثقافة والحضارة الراقية التى أسهمت فى تكوين الشخصية الملايوية (1) . وكان للعرب سواء دعاة أم وعاظا أم تجارا فضل فى حمل رسالة الدعوة الإسلامية إلى موانئ أرخبيل الملايو بالطريق السلمى ومنهم من صاهره بعض ملوك الأرخبيل (2) . ومنها مميزات الدعاة العرب الأخلاقية فكان للتجار العرب المسلمين وما يمتازون به من أخلاق إسلامية فى البيع والشراء والمعاملة الأثر الكبير فى جذب أنظار سكان البلاد إلى الإسلام حتى ساد الإسلام فى ربوعه وأصبح ديانة سائدة فيها (3) . ومن خصائصهم أنهم تعودوا على عادات أهل البلاد التى ساعدت على سهولة اندماجهم واحتكاكهم بأهل البلاد المحليين وكان هذا الاحتكاك والاختلاط ييسر انطلاق عجلة الدعوة الإسلامية وبالإضافة إلى ذلك فإنهم استطاعوا بسهولة أن يتعلموا اللغات المحلية بسرعة فوثقوا بذلك صلاتهم مع أهل البلاد المحليين (4) .   (1) انظر - أحمد شلبي - السابق - ص 449. (2) انظر - مرزوقي حاج محمود حاج طه - السابق - ص 177 (3) انظر: محمد زيتون - المسلمون في الشرق الأقصي -دار الوفاء - القاهرة - الطبعة الأولى 1985 - ص 123 (4) انظر - أحمد شلبى - السابق - ص448 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 وقد أحدث الإسلام تغيرات جذرية فى شئون الحياة لدى أبناء الملايويين فى جميع النواحى دينيا وسياسيا وعلميا وثقافيا ولغويا وأدبيا ولم يقتصر انتشار الإسلام فيه باعتباره دينا فقط بل انتشرت معه الثقافة العربية والآداب العربية الإسلامية (1) . وقد ساهم الإسلام بدوره الفعال فى نقل الثقافة العربية الإسلامية وآدابها إلى تربة الملايو مثل انتقال الحروف العربية إلى الكتابة الملايوية واختلاط مفردات عربية فى اللغة الملايوية وانتشار الأنواع الأدبية العربية الإسلامية من القصة والشعر فى الأدب الملايوى. أثر الإسلام فى الحياة الملايوية: قد اتفق المؤرخون المسلمون من العرب أن اختيار شعب الملايو الدين الإسلامى اختيار لا إجبار فيه بل اعتنقه بالاقتناع التام قلبا وقالبا ولقى استجابة واسعة النطاق وهى ظاهرة لم يسبق لها مثيل فى تاريخ الشعب الملايوى حيث اعتنق الملايويون دين الإسلام. وبدءا من المواطن العادى الذى كان يعيش فى البيئة البدوية أو البدائية إلى طبقات الوزراء والأمراء والملوك. ومن الجدير بالذكر أن شعب الملايو أقبل على الإسلام ليس كإقباله على دين جامد يراه يهتم بمراسم العبادات وتشييع الجنازات والأحزان الأخرى بل استقبله كدين ومنهج شامل للحياة واتخذه وسيلة للتقدم فى جميع مجالات الحياة وقد أحدث الإسلام تغيرات جذرية فى شئون الحياة لدى أبناء الملايو فى جميع النواحى دينيا وسياسيا وعلميا وثقافيا ولغويا وأدبيا. وتظهر آثاره جليا فيها حيث توارثها الجيل بعد الجيل حتى يومنا الحاضر. 1- أثر الإسلام فى الحياة الدينية:   (1) See. Jamilah Bt. Hj. Ahmad - Kumpulan Esei Sastera Melayu Lama - BP. - CET. 1 - 1981 - p - 118 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 قد انتشرت الدعوة الإسلامية فى أرخبيل الملايو بسلام ولم توجد أية مقاومة ومعارضة تذكر حيث إن الملوك والرؤساء بجانب الشعوب أقبلوا على الإسلام طواعية وبجدية وإخلاص وبدون تردد. وهذه السمة هي التي ساعدت على سرعة انتشار الإسلام وتأثيره فى الأرخبيل وكان حضور عدد كبير من التجار والدعاة العرب إليه بوفود متتالية لمجرد تعليم أبناء البلاد مبادئ الإسلام وعلومه وأحكامه وأدبه حتى تركوا ما كانوا عليه من أديان أخرى وتلبسوا بشعائر الإسلام. وإن الهندوكية والبوذية اللتين جاءتا قبل الإسلام لم تسيطرا على قلوب الملايويين ونفوسهم بل كانتا تلعبان دورا رئيسيا فى أوساط الملوك والرؤساء والأغنياء منهم فقط دون أبناء الشعب ولم تؤثرا إلا فى أمور العادات والمناسبات والمعاملات (1) فحقيقة الأمر أن الشعب الملايوي تأثر بهما من الجانب المادي فحسب وأما الجانب الروحى فلم تتسربا إلي قلوبه لأنهما قامتا على أساس الخيال وجلب المصالح الشخصية بعيدا عن مخاطبة العقل والضمير. ومن منطلقات هذه الناحية اعتنق الملايويون دين الإسلام وتركوا المعتقدات القديمة من الهندوكية والبوذية والخرافات المضللة بسبب النشاط والتعاشر الكريم الذي أبداه المسلمون فى خلق كريم ومستوي رفيع من المعاملات والتوادد والوحدة الإسلامية ولقد ساعدت هذه العوامل على توسيع رقعة العقيدة الإسلامية حتي غدت ممالك بوذا والديانة الهندوكية فيه فى ذبول لفساد عقيدتها (2) . 2- أثر الإسلام فى الحياة السياسية:   (1) See. Syed Muhammad Naquib Al-Attas - (A) Islam Dalam Sejarah Dan Kebudayaan Melayu - ABIM - Cet 4 - 1990 - p. 12 (2) انظر: عبد الرءوف الشلبي - الإسلام في أرخبيل الملايو - دار القلم - كويت - الطبعة الثالثة 1983 - ص - 101 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 من هذه الناحية صار الإسلام عمادا حقيقيا فى توحيد صفوف أبناء الملايو منذ القدم لأن الإسلام دعا إلى تحقيق الأخوة والمحبة والوحدة بين شعوبه. وقد حدث التغيير البارز عندما ظهرت الدولة الإسلامية فيه نتيجة انطلاق حركة الدعوة الإسلامية وجهود الدعاة والوعاظ. وفى القرن التاسع الميلادي ظهرت أول دولة إسلامية فيه وهي دولة برلق. وأنشئت فى سنة 840 م وكان ملكها الأول السلطان السيد مولانا عبد العزيز شاه. ثم تلا هذه الدولة إنشاء دولة سمودرا باساي (SAMUDERA PASAI) سنة 1042 م. وكان ملكها الأول السلطان محمود شاه. ثم قامت دولة فطانى (PATANI) فى القرن الثالث عشر الميلادى (1) . وقد واجه الملايويون المؤامرات والهجمات المتعددة والمتكررة من جانب قوي الاستعمار المختلفة بقوة العقيدة الإسلامية ولم يغيروا عقيدتهم الإسلامية مهما كان الثمن حتي استطاعوا القضاء على امبراطورية ماجاباهيت (MAJAPAHIT) الهندوكية سنة 1478م ونقل شعارها إلي ديماك (DEMAK) عاصمة الدولة الإسلامية بجاوا (JAWA) وكان زعيمهم فى تلك الحالة رادين باتك (RADIN BATAK) وهو أول من أسلم من ملوك جاوا (2) . ثم نالوا الاستقلال للبلاد وطردوا المستعمرين الهولنديين والإنجليز عنها. ومن أعظم الممالك الإسلامية الملايوية: مملكة باساي (PASAI) ... … … … … … … … … … … .... سنة 1280م - 1400م مملكة ملقا (MELAKA) ... … … … … … … … … … .. … ... سنة 1400م - 1511م مملكة أتشية (ACEH) … … … … … … … … … … … … … … .. سنة 1511م - 1650م مملكة جوهور وريؤو (JOHOR DAN RIOU) … … . … … ... سنة 1650م - 1800م   (1) See. Abdul Rahman Hj. Abdullah. op. cit. p. 48 (2) See. Sopian Taimon - op. cit. p. 4 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 وبمجيء الإسلام تفتحت آفاق جديدة فى مجال الاقتصاد الخارجي حيث اتسع نطاق التعاون بين أرخبيل الملايو والدول الأخري فى الشرق الأوسط وأفريقيا وغرب أوربا. لأن المسلمين كانوا يملكون زمام التجارة العالمية بجانب السياسية الدولية. ويرى السيد نجيب العطاس أنه لم يكن من المبالغة لو أننا نقارن بين نفوذ الإسلام فى الأرخبيل بنفوذ الإسلام فى أوربا فى القرنين السابع والثامن للميلاد حيث تمكن دخول الإسلام ونفوذه من تشكيل الكيان أو الظروف الجديدة فى أوربا التي تعرف بالعصر الحديث كما يدل دخول الإسلام ونفوذه فى منطقة الأرخبيل على ظهور زمن جديد وبداية عصر جديد (1) . 3- أثر الإسلام فى الحياة الاجتماعية: من هذه الناحية الاجتماعية كان شعاع الإسلام أيقظ الملايويين وأنقذهم من الضلال وحثهم على تخطي العقبات فى طريق التقدم والازدهار. وعان الملايويون فى عهد نفوذ الهندوكي قبل الإسلام كثيرا من المشاكل الاجتماعية كوجود الطبقات والتعصب القبلى ودكتاتورية الحاكم واستغلال الأغنياء ومعاناة الفقراء وغير ذلك. وكان من أثر الإسلام فيه نجاحه فى محو تلك المشاكل بالقضاء على الفوارق الطبقية وإعلان أن الناس جميعا سواسية فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوي والأعمال الصالحة. ودعت هذه الدعوة الطيبة الملايويين إلى الدخول فى الإسلام ونبذ الهندوكية التى قامت على أساس الطبقات وعدم الاهتمام بشأن الفقراء والضعفاء (2) . وكانت الحقوق الفردية التى أعطاها الإسلام للمسلمين شعارا للملايويين يشعرون بالأمان والطمأنينة فى حياتهم فلا قهر ولا تعذيب بل العدل وسيادة القانون فى كل حال خلافا لما حدث فى الماضي من الإكراه والقيود التى أدت إلى تعطيل نشاط الحياة.   (1) See. Syed Muhammad Naquib Al-Attas -op. cit. p. 4 (2) See. Abdullah Ishak - op. cit. p. 126 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وقد رفع الإسلام حياة الملايويين من مجتمع بدائي متخلف إلى مجتمع حضاري متقدم. فالحضارة الإسلامية تغلبت على الحضارات القديمة التى بقيت فيه سنينا طويلة قبل الإسلام وأدت إلي ترقية الحياة الاجتماعية لديهم فالعصر الإسلامى هو عصر النهضة الفكرية والعلمية التى لم تحدث من قبل فيه وقد أحرز الإسلام تقدما عظيما فى تطوير سلوكيات المجتمع الملايوي وتغيير نظرة حياتهم ومبادئ ثقافتهم من حالة الجمود والتخلف إلى الواقعية والمنطقية (1) . ومن سمات تأثر المسلمين الملايويين بالإسلام أنهم سموا أنفسهم وأبنائهم بأسماء عربية إسلامية وغيروا الأسماء الهندية والمحلية القديمة والشعيبة بأسماء عربية ومثال ذلك لفظ أونج AWANG اسم شعبي فغيروه إلى محمود أو بكر. ويمكن القول إن المجتمع الإسلامى الملايوي فى القرون الماضية منذ اعتناقه الإسلام إلى اليوم كان مجتمعا متمسكا بالإسلام وتعاليمه ومبادئه حيث تسود فيه الأفكار الإسلامية والقيم الروحية وكذا يهتم المسلمون بالشئون الإسلامية والتعاليم الدينية والأعياد والاحتفالات الدينية المختلفة. 4- أثر الإسلام فى الحياة العلمية والثقافية: فى هذه الناحية كان للإسلام والدعاة المسلمين فضل كبير فى ترقية مستوي التفكير لدي الملايويين حيث كانوا يعيشون فى عالم الأساطير والخرافات أيام السيادة الهندوكية فى أراضيهم. فنقلهم الإسلام من تلك الضلالات والظلمات إلي عالم النور والإيمان والحضارة فى كل نواحي الحياة. وكان العقل الملايوي فى ظل الحكم الهندوكي مغلقا وصار ضحية التقليد الأعمي للرؤساء والملوك ولا مفر لهم من ذلك.   (1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 44 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 ومن نعم الله الكبري أن حرر الإسلام تلك العقول من قيود الخرافات وهداهم إلي حرية التفكير المنطقي والتفكير الفلسفى والخضوع الكامل للخالق الوحيد هو الله سبحانه وتعالى. وبالإضافة إلى ذلك لعبت التعاليم الإسلامية دورها فى نقل الملايويين من عبادة الأصنام والأوثان وما تقتضيه من الانحطاط فى النظر والإسفاف فى الفكر إلي عبادة إله واحد مقدس. ومن أبرز سمات أثر الإسلام فى الحياة العلمية والثقافية فيه محو الأمية لدي الشعب وتقليل عددها. بجانب إعداد العلماء المحليين البارزين (1) . وأدى وصول الإسلام إليه إلي انتشار العلوم الإسلامية التي كانت تدرس فى مراكز التعاليم الإسلامية المشهورة مثل باساي (PASAI) وأتشية (ACEH) وملقا (MELAKA) وفطاني (PATANI) وكلنتان (KELANTAN) . ولعبت هذه المراكز دورا بارزا فى نشر الإسلام وثقافته فى هذه المناطق وكانت مدينة باساي أول مركز للعلوم الإسلامية فيه ومنها انتشرت التعاليم الإسلامية إلي أنحاء الأرخبيل. ومن العوامل التي ساعدت على ازدهار التعليم الإسلامي جهود السلاطين والملوك نحو حركة التعليم مثل تشجيعهم العلماء والوعاظ لكي يكرسوا جهودهم وكذا مساهمتهم فى إنشاء المدارس والمساجد والبيوت لتكون مكانا للتعليم كما أصبح ركن من القصور مكانا للتعليم (2) .   (1) See. Abdul Rahman Hj. Abdullah. op. cit. p. 60 (2) See. Abdullah Ishak - op. cit. pp. 131 - 132 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 ولم ينتج الإسلام فى الشرق قوة سياسية لها خطرها وسيطرتها فحسب بل نشر العلم والعرفان فى ربوع البلاد وأبرز شخصيات علمية ذات يد طولي فى تطوير الفكر الملايوي وذات أثر أعظم فى اللغة وآدابها كما كان للإسلام فضل أكبر فى نشر الحضارة والأمن وتدريب معتنقيه على أداب النظافة والهندام ومراعاة العادات الصحية. وذلك كما جاء فى الملاحظات التي كتبها بعض الرحالة الصينيين الذين زاروا البلاد إبان انتشار الإسلام هناك (1) . وكان المعلم الذي ينهض بمهمة التعليم الديني نازحا من الجزيرة العربية أو من الهند أو ممن تخرج على أيديهم من أبناء البلاد. ومن الحجاج الملايويين من أقام بجانب المسجد الحرام حقبة من الدهر رغبة فى طلب العلم فكانوا يقومون بمهمة التدريس بعد رجوعهم إلي أهاليهم. وبعض هؤلاء الذين رحلوا إلي الأرض المقدسة تتلمذ على أيدي مشاهير العلماء والمتصوفة فى عصره وأصبحوا أنفسهم حجة فى العلم والدين وتركوا لمن خلفهم كنوزا ثمينة من تأليفهم وإنتاجهم (2) .   (1) انظر - محمد عبد الرءوف - الإسلام فى أرخبيل الملايو - السابق - ص 156 (2) See. Abdul Rahman Hj. Abdullah - op. cit. p. 59 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 وكان التعليم وسيلة لمعرفة الدين والعبادة وبدأ فى أول أمره بشكل الحوار بين الداعي والمستمع ثم تطور فانقسم إلي حلقات للوعظ فى المساجد ودروس التعليم للنشئ من أولاد المسلمين. وبعد مرور الزمان ظهرت فكرة بناء البيوت الصغيرة بجوار مسكن المعلم وذلك لتلبية زيادة أعداد كبيرة من المسلمين الراغبين فى تعلم الدين الإسلامي. وكثير منهم جاءوا من أماكن متفرقة بعيدة. ومن هنا بدأ نظام الكتاتيب أو ما يسمي بالماليزية الفندق أو بالأندونيسية البسنترين (1) . وما لبث أن انتشرت الكتاتيب فى أرخبيل الملايو حيث تدرس فيها تلاوة القرآن وعلوم الإسلام الأساسية مثل الفقه والتوحيد والتفسير والحديث وعلوم العربية مثل النحو والصرف والبلاغة والمنطق والمطالعة. وبالإضافة إلي ذلك عثر على أماكن أخري لدراسة التعاليم الإسلامية من بيوت العلماء المسلمين والمساجد والسوراو (2) التي كانت منتشرة فى أرجاء البلاد (3) . ومع هذا فإن الدور الذي لعبه الفندق والمسجد والسوراو وبيوت العلماء فى مجال التعليم كان مهما بارزا وذا تأثير عميق فى قلوب أبناء المسلمين فيه. وفى عهد الاستعمار الغربي نشأت من هذا الدور سلسلة من الحركات النضالية الإسلامية ضد الاستعمار الأجنبي فى هذه البلاد وهي تمثل معاقل الدين الإسلامي حيث ينهض فيها العلماء ويخرجون الفئات القادرة على حمل رسالة الإسلام. أثر الإسلام فى حروف الكتابة:   (1) هذا الاسم يطلق علي مكان التعليم الديني علي نظام الحلقات الدراسية القديمة. وهذا المكان عبارة عن مساحة تبلغ فدانا أو أكثر. وفيها مسجد أو سوراو. وهو مكان يتم فيه التعليم وبجانبه بيت للشيخ أو المعلم. وفي إطاره أكواخ أو بيوت صغيرة من الخشب يبلغ عددها مئات بل بعض الفندق تحتوى على آلاف منها. وقد بناها الطلبة بأنفسهم وهم يسكنون فيها. (2) هذا المكان بمثابة المصلى. (3) See. Abdullah Ishak - Islam Di India, op. cit. pp. 133 - 134 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 دخل الإسلام إلي أرخبيل الملايو بطريق سلمي واقتناع من المواطنين وتلقوا الدين الإسلامي بصدر رحب واقتناع وتركوا وراءهم الديانات الأخري وأخذوا منه الثقافات والحضارات والآداب ولم يكن الإسلام دينا فحسب ولكنه دين ومنهج للحياة والمجتمع والحضارة والثقافة والأدب. وعندما وصل إليه حمل معه أثرا فعالا من الحضارة والثقافة العربية الإسلامية وكان ذلك إرصادا بشروق مجال جديد فى تاريخ الحضارة والثقافة الملايوية ومن أقيم ما قدم لها الإسلام الكتابة بالحروف العربية. وقد أسهمت النهضة الإسلامية التي أسسها الإسلام فى شعوب الأرخبيل فى ترقية الملايويين ليتربعوا على أرضية صلبة من التقدم والرقي والتفكير (1) . وكان من الإصلاحات التي أحدثها الإسلام محو الأمية وابتكار طريقة لكتابة اللغة الملايوية لأول مرة بالكتابة العربية (2) .   (1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 86 (2) انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 153 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 وكانت أول مساهمة إسلامية هامة فى الثقافة الأدبية الملايوية هي الكتابة بالخط العربي وهذه الكتابة معروفة عند الملايويين باسم كتابة جاوية - TULISAN JAWI - وكانت الأعمال الأدبية القديمة وما تأثر بالأدب الهندي مكتوبة بهذا الخط (1) . وكان الفضل فى تعريف هذه الحروف إلي الثقافة الملايوية يرجع إلي التجار العرب الذين كانوا تجارا ودعاة من المتصوفة والمرشدين ولم يكفهم أن يعلن الفرد إسلامه فقط بل تجاوزوا إلى تعليمهم الصلاة والأدعية والأذكار الصوفية وتلاوة القرآن. ولم يكن عمليا أن يتعلم هذه الأشياء عن طريق اللغة العربية بل كان من الأيسر أن يتعلم هؤلاء الدعاة اللغة المحلية. ثم يعلموا أبناء الشعب مبادئ الدين عن طريق لغتهم. وقد اكتسبوا اللغة فيما يبدو عن طريق الاختلاط والتفاهم مع الشعب الملايوي ثم حاولوا أن يكتبوا هذه اللغة بالرموز العربية. وقد وفت الحروف العربية بجميع الأصوات فى اللغة الملايوية إلا القليل (2) مما سنشير إليه. وكانوا قبل وصول الثقافة الإسلامية لا يعرفون الأدب المكتوب بل كانوا يمارسون الأدب اللساني يتناقلون الحكايات والتواريخ بالذاكرة والفم وكان للقصاصين دور بارز فى عصور ما قبل الإسلام فى تطور الأدب الشعبى وأما الأدب الملايوي المكتوب فلم يظهر إلا فى العصر الإسلامي (3) بعد استخدام الحروف العربية للكتابة.   (1) See. Jamilah Bt. Hj. Ahmad - op. cit. - p. - 110 (2) انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 154 (3) See. Zuber Osman. Kesusasteraan Lama Indonesia. Abbas Bandong. 1978. p. 5 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 وقد أثيرت التساؤلات حول وجود الحروف للكتابة قبل وصول الإسلام. هل هناك حروف للكتابة أم رموز. فلقد أثبتت البحوث الأثرية أن الملايوين القدماء كانت لديهم حروف خاصة تكتب بها لغتهم. ومنها ما يسمي بحروف الكاوي (KAWI) وهي الحروف التي ظهرت فى أرخبيل الملايو بقدوم الثقافة الهندية فى فترة ما بين عام أربعمائة ميلادية وسبعمائة وخمسين ميلادية كما تعرفوا على حروف جاوة القديمة وهي أصلا من حروف ونجي (WINGI) التي نشأت لدى شعب بالاوا المقيمين فى بلدة كورومنديل جنوب الهند. وهناك نوع آخر من الحروف المستخدمة لكتابة اللغة الملايوية القديمة وهو ما يسمي بحروف رينتشونج (RENCUNG) التي ساد استعمالها فى منطقة جنوب جزيرة سومطرة وبلدة مينج كاباو (MINANG KABAU) وما زالت هذه الحروف تستخدم فى هذه المنطقة حتي القرن الثامن عشر الميلادي واستبدلت بعد ذلك بالحروف اللاتينية نتيجة زحف الاستعمار الهولندي فى ذلك القرن (1) . وبدخول الحروف العربية إلي الأرخبيل قد قضي على الحروف الأخرى المستخدمة من قبل. وذلك لأن الخط العربي أنسب فى التعبير والتسجيل لكتابة اللغة الملايوية لما فيها من السهولة الفائقة فى تهجية كلمات هذه اللغة بالمقارنة إلي استعمال الحروف الهندية القديمة وكانت الكتابة الجاوية تشبه الكتابة العربية تماما فقد استعارت جميع الحروف العربية غير أنها زادت زيادات أو أدخلت تعديلات للدلالة على أصوات لا نظير لها فى العربية.   (1) See.A. Samad Ahmad-Sejarah Kesusasteraan Melayu. Vol. 1. DBP. 1965. p. 27 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 وعدد الحروف الزائدة خمسة أحرف وهي بمثابة تكملة لحروف الهجاء العربى فالنون الساكنة المتبوعة بالجيم المصرية رمزوا لذلك بالحرف ع بثلاث نقط من أعلى. والنون الساكنة المتبوعة بحرف الياء رمزوا لذلك بالحرف ن بثلاث نقط من أعلى. والباء المهموسة التي لا نظير لها فى العربية رمزوا لها بالحرف ف بثلاث نقط من أعلى. والجيم المصرية رمزوا لها بالحرف ك بنقطة من أعلى. والتاء الساكنة المتبوعة بالشين رمزوا لها بالحرف ج بثلاث نقط من الوسط (1) . فمثال ذلك كما يلي: ... رسم حرف ... نطقه ... ... مقابله باللاتينية ... ج ... ... تشا/ ca ... C ... غ ... ... نجا/nja ... ... NG ... ق ... ... با/fa ... ... F ك ... ... جا/ga ... ... G ... ... ... ن/ن ... ... نيا/jna ... ... NY ... كما أنهم تصرفوا فى حروف العلة بحيث يزيدونها دون أن يكون هناك مد لتدل على ما يدل عليه الشكل فى العربية. وكذا يكتبون بالنون الساكنة بدلا من التنوين ويزيدون الواو أو الياء أو تارة الألف قبل النون الساكنة لتدل هذه الحروف على صوت الضمة أو الكسرة أو الفتحة. فمثال ذلك ما يلي: ... الكلمة ... ... الزيادة ... ... ... معناها ... كطاعتن ... ن بدلا من التنوين ... ... الطاعة ... محمدون ... ... وبدلا من الضمة ... ... ... اسم شخص ... مسليم ... ... ي بدلا من الكسرة ... ... المسلم ... خبران ... ... ابدلا من الفتحة ... ... ... الخبر   (1) انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 154 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 ويعتقد أن الملايويين ومعلميهم العرب اقتبسوا من الحروف الفارسية فى زيادة هذه النقط على الحروف العربية. وذلك لوجود علاقات وثيقة بينهم وبين الفرس فى العصور الإسلامية (1) . وعلى الرأي الآخر أن هذه الحروف الخمسة عربية الشكل وهي متسربة من أبجدية اللغة الفارسية أو التركية العثمانية أو الأردية أم اللونغورية. لأن أرخبيل الملايو لها علاقة وثيقة بهذه الدول منذ الزمان القديم (2) . ويري الأستاذ السيد محمد نجيب العطاس أن الحروف الخمسة الزائدة مبتدعة لتلائم أصوات لسان الملايويين وإنها مأخوذة من حروف عربية مع زيادة النقط فحرف ج مأخوذ من ج وحرف غ مأخوذ من غ وحرف ف مأخوذ من ف وحرف ك مأخوذ من ك وحرف ن مأخوذ من ن (3) . ومثال تلك الحروف الخمسة فى الكلمة كما يلي: الحروف ... الكلمات ... نطقها ... ... ... معناها ج ... جواجا ... ... CUACA/ تشواتشا ... ... الجو غ ... بوغا ... ... BUNGA/ بونجا ... ... ... الزهرة ... ف ... فلسو ... ... FALSU / فلسو ... ... ... التزوير ك ... كوا ... ... GUA / جوا ... ... ... الغار ن ... يات ... ... NYATA/ نياتا ... ... ... الوضوح ن ... بوكون ... BUKUNYA / بوكونيا ... ... كتابه وتنبغي الإشارة إلي أن حرف ن إذا كان من أصل حروف الكلمة فإنه يكتب هكذا ن بالنقط تحته وإذا كان ضميرا فيكتب هكذا ن بالنقط فوقه كما فى المثال الأخير. وترتيب الحروف الملايوية كما يلي: اب ت ث ج ح خ ج د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ غ ف ق ف ك ك ل م ن ن وهـ لاء ي   (1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق -ص 97-99 (2) انظر - عبد الرازق بن وان أحمد - اللغة العربية في ماليزيا بعد استقلال - رسالة الماجستير - كلية الآداب - جامعة الإسكندرية - 1990 - ص - 263 (3) See. Syed Mohammad Naquib Al-Attas - (B) Preliminirary Statment on A General Theory Of Islamization Of The Malay - Indonasian Archipelago - DBP. 1965 -pp. 27 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 وإن أول ما كتبت به اللغة الملايوية من المؤلفات كانت بالحروف العربية عند انتشار الإسلام فى القرن الثالث عشر الميلادي - فيما يبدو ولا تزال تكتب بها- وأول وثيقة وصلتنا كتبت بهذه الحروف نقوش أثرية عثر عليها فى العقد الرابع من هذا القرن فى الساحل الشرقي لشبه جزيرة الملايو تعرف بحجر ترنجانو وهو مودع الآن فى المتحف الوطني بالعاصمة وهو محفور من أربع جهات كتبت عليه قوانين رسمية (1) . وبعد أن عرف الملايويون استخدام الخط العربي لكتابة لغتهم بدأوا فى تدوين الحكايات والتواريخ التي تناقلوها شفهيا منذ أمد بعيد على شكل كتب ورسائل وغير ذلك (2) . وقد طبعت فى مكة المكرمة مجموعة كبيرة من الكتب الدينية الملايوية بهذه الحروف وأرسلت إلي كل أنحاء البلاد الملايوية. ولذلك ظهرت الكتب الكثيرة التي ألفت وترجمت إلي اللغة الملايوية فى التفسير والحديث والتوحيد والفقه والتصوف والآداب وغيرها وكانت الكتابة كلها بالحروف العربية. ثم اتسع استخدام هذه الحروف فى جميع المجالات وعلى كل المستويات وبها ازدهرت حركات التأليف والترجمة والمراسلة وبرز أعلام من الملايويين ينشرون أفكارهم ويرفعون شأن آدابهم ويسجلون حركات أمتهم وخواطرهم وتراثهم. وكذا اتسع نطاق استعمال الكتابة بقيام السلطات الإسلامية فى تنفيذ كتاباتها ومراسلاتها بالحروف العربية وتشجيع السلاطين المسلمين شعوبهم على القراءة وعلماءهم على مضاعفة تأليف الكتب باللغة الملايوية لتوجيه المسلمين وإرشادهم أو ترجمة ما ينفعهم من الكتب الإسلامية وكانت هذه الأعمال كلها مكتوبة بالحروف العربية.   (1) انظر -محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص - 61 (2) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص - 88 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 والأمر المهم الآخر فى دراسة أثر الإسلام فى هذا المضمار هو حركة التأليف والترجمة بالحروف العربية. فالدعاة والعلماء قاموا بإصدار كتب ومؤلفات فى الدراسات الإسلامية لأبناء الملايو باستعمال اللغة الملايوية مكتوبة بالحروف العربية. وكان أكثرهم يؤلفون كتبا دينية باللغة الملايوية بالحروف العربية نقلا أو مقتبسا عن الكتب العربية الإسلامية ليقرأها أبنائهم تيسيرا لهم فى فهم الإسلام. وقد بدأ فى أواخر القرن التاسع عشر الميلادى صدور عدد من الجرائد والمجلات باللغة الملايوية وكلها مكتوبة بالحروف العربية ولا يزال حتي اليوم توجد جهود مخلصة لإبقاء استعمال الحروف العربية ونشرها بين جموع المواطنين فى البلاد (1) وكانت المؤلفات الأدبية الملايوية القديمة التي ظلت حتي الآن بكتابة اليد أو طبعة الحجر على شكل مخطوطات كلها مكتوبة بالحروف العربية. ولم يبق حظ هذه الحروف على عرشها بعد انتشار زحف المستعمرين الإنجليز والهولنديين فحاولوا فى تغيير الشخصية الملايوية وصبغوها بصبغتهم. وظهرت جهودهم فى تغيير نظام كتابة اللغة الملايوية وفى أندونيسيا اقترح PYAPEL عام 1860م إلغاء الحروف العربية المستخدمة فى كتابة اللغة الملايوية وفى عام 1901م صدرت اللائحة الرسمية للأبجدية الملايوية أن تكون للغة الملايوية الأبجدية اللاتينية (2) . وأما فى ماليزيا فقد بذل R. J. WILKINSON جهده فى تغيير الحروف للكتابة وفى عام 1904م أدخل الحروف اللاتينية فى اللغة الملايوية (3)   (1) انظر - نفسه - ص 51 وما بعده (2) See. Research di Indonesia 1945-65. Urusan Reaearch Nasional. P. 141. فى رسالة ماجستير لزين العابدين سوتومو. اللغة العربية والثقافة الإسلامية فى أندونيسيا - جامعة القاهرة ص ص - 206-207 (3) See. Carmel H. L. Hsia. The Influence of English on the Lexical Expansion of Bahasa Malaysia. Ph.D Thesis. University of Edinburgh 1981 p. 73 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 واحتلت هذه الحروف مكانة الحروف العربية ونالت حظها. فظلت تستخدم حتى الآن. أثر الإسلام فى اللغة الملايوية: لو تتبعنا تاريخ انتشار الإسلام فى جنوب شرقى آسيا عبر عدة قرون لوجدنا أن اللغة العربية كانت تسير جنبا إلى جنب مع هذا الدين الحنيف الذي رافق هجرة العرب من شبه جزيرة العربية وبخاصة حضرموت واليمن بقصد التجارة ونشر الدين فى هذه البقاع فمهدت بذلك الطريق أمام اللغة العربية للزحف والنمو والاتساع عن طريق فتح المدارس الأولية - الكتاتيب - وتدريس العلوم الدينية فى المساجد باللغة العربية. وكان لانتشار الإسلام فى الأرخبيل واعتزاز الناس به أثر كبير فى تسرب مفردات اللغة العربية ومصطلحاتها وحروفها وأساليبها إلى اللغة الملايوية وكان استخدام المفردات العربية فى اللغة الملايوية يتناول جميع المجال مثل العلوم والفنون والهندسة والاحتفالات والولائم والاقتصاد وشؤون الإدارة والقانون والتعليم كما كان استخدامها فى الحياة اليومية منذ ولادة الإنسان حتي وفاته مثل العقيقة والموت والتلقين (1) وإلى جانب ذلك رفع الإسلام شأن اللغة الملايوية من صفتها البدائية ونطاقها الضيق إلى أن تكون لغة مشهورة لدي شعوب جنوب شرقي آسيا بفضل اصطحاب الإسلام بها فى مسيرة نشر تعاليمه فى أرجاء دول المنطقة.   (1) See. M. Abdul Jabbar Beg - Arabic Loan-Words In Malay - A Comparativ Study - University of Malaya - 1976 - P. 89 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 وقد أشار الدكتور محمد نجيب العطاس إلى هذا الأمر حينما ذكر أن أهم الأحداث التى تجري على أثر تطور الثقافة الإسلامية مباشرة هى توسيع استعمال اللغة الملايوية حتى تشمل النواحي الفلسفية. وإن استعمالها كلغة للأدب الفلسفى الإسلامى فى الأرخبيل أدي إلى تحسين وتزويد مفردات هذه اللغة ومصطلحاتها الخاصة (1) ومن الطبيعى أن يأخذ الإسلام اللغة الملايوية كأداة لنشر الأدب الإسلامي. وقد أدي هذا إلى تطوير هذه اللغة حتى صارت واسعة الانتشار فى أنحاءه. وجاء أثر الإسلام فى الناحية اللغوية عن طريق العرب الذين اختلطوا بشعوب الملايو واستقروا فيها حتي تمكنوا من تكوين جاليات عربية وكثير منهم أقام القري والمدن بمختلف الجهات التي تعد بمثابة مراكز لنشر الدعوة الإسلامية بل إن بعضهم أسس المدارس العربية والدينية. كما جاء أثر الإسلام فى اللغة عن طريق جهود علماء المسلمين المحليين الذين تربوا على أيدي مدرسيهم العرب سواء فى أرخبيل الملايو أو الأراضى العربية ثم قاموا بمهمة التدريس وتربية أبناء البلاد بعلوم الدين. ففى كلتا الحالتين لزم عليهم أن يستخدموا الكلمات والمصطلحات العربية والإسلامية لشرح الأفكار والدروس للملايويين ولجئوا فى كثير من الأحيان إلي استخدامها أيضا فى معاملاتهم اليومية وبمرور الأيام والأزمنة تلاحمت اللغة الملايوية باللغة العربية لتصبح اللغة العربية هي المسيطرة على الكتابة ولتصبح المفردات العربية هي البديلة والمتممة لمعظم الفراغات اللغوية (2) . الكلمات العربية الدخيلة:   (1) See. Syed Muhammad Naquib Al-Attas - (A) op. cit. p. 21 (2) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 51-52 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 إن أغلبية من تعرض لدراسات المفردات العربية الدخيلة فى الملايوية أقروا بأن عددها لايقل عن ألف كلمة ولا ريب فى أن عدد كلمات العربية المستعملة فى العصر القديم كان أكبر بكثير نظرا لعدم وجود مزاحمة من جانب اللغات الأوربية فى ذلك العصر (1) . والكلمات الدخيلة من العربية كان جلها من الأسماء سواء كانت جامدة أو مشتقة وقل أن تؤخذ من الأفعال والحروف. وبعد دخولها إلي اللغة الملايوية تحضع لنظام الصرف والنحو الملايويين فتلحق بها السوابق واللواحق والإضافات وغيرها لتؤدي المعاني المطلوبة من أحوال مختلفة لكل كلمة (2) . ومثال ذلك ما يلي: ... الكلمة ... ... معناها ... ... زيادتها ... برصبر ... ... يصبر ... ... بر فى أوله ... كصبران ... ... الصبر ... ... ك - ان ... كطاعتن ... ... الطاعة ... ... ك - ن وكذا تؤخذ على صيغة المفرد وقليل منها على صيغة الجمع والمراد به جمع التكسير ويعامل معاملة المفرد فى اللغة الملايوية. ومثال ذلك ما يلي: ... الكلمات ... المعاني ... أرواح ... ... الروح ... ... خواطير ... ... الخاطر ... عجايب ... ... العجيب ... وللحروف العربية قابلية الاندماج فى الكلمات الملايوية مع التغيير الصوتي المناسب فمثال ذلك أن حرف العين يقوم مقام حرف الكاف مثل نكمة بمعني نعمة وإكلان بمعني إعلان (3) . وقد حدث مثل هذا نتيجة استخدام الحروف اللاتينية لكتابة الأصوات العربية لأنه لا توجد بها رموز تدل على الأصوات العربية التي توجد فى بعض الكلمات العربية المستعارة فى اللغة الملايوية (4) .   (1) انظر - نفسه ص 148 (2) انظر - نفسه ص 149 (3) انظر - عادل محي الدين الألوسي - العروبة والاسلام في جنوب شرقى آسيا - دار الشئون الثقافية - بغداد - الطبعة الأولي - ص 78 (4) انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 62 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وكذلك وجدت كلمات عربية ركبها الملايويون بلغتهم لإبداع ألفاظ جديدة للتعبير عن أمور مستحدثة فى الحياة الفكرية والاجتماعية ومثال ذلك ما يلى: ... الكلمة ... ... المعنى ... ... الكلمة العربية ... حق ميليك ... الملك التام ... حق ... جوروحساب ... المحاسب ... ... حساب ... تاتا ترتيب ... الانضباط ... ترتيب وهذه الكلمات الدخيلة تنقسم إلي مجموعتين كبيرتين المجموعة الأولي تضم الكلمات العربية الدخيلة التي بقيت وحافظت على معانيها الأصلية أو إحدى معانيها ومثال ذلك ما يلي: ... الكلمة ... ... معانيها ... أسرة ... ... الأسرة ... سؤال ... ... السؤال ... شرح ... ... الشرح ... صبر ... ... الصبر وأما المجموعة الثانية فهي تضم الألفاظ العربية الدخيلة التي تغيرت مدلولاتها (1) ومثال ذلك كما يلي: ... ... الكلمات ... ... معناها ... ... ساعة ... ... ... الثانية ... ... مكتب ... ... ... المعهد العالي ... ... ... مادة ... ... ... القول البليغ ... ... ديوان ... ... ... القاعة ... ... مريد ... ... ... التلميذ وقد استعارت اللغة الملايوية كثيرا من الكلمات العربية والمصطلحات العربية وخاصة فى المجال الديني والعقلي مالم يكن هناك ألفاظ تدل على المعني نفسه قبل دخول الإسلام (2) إذ أن الدين الإسلامي هو العامل الرئيسي فى دخول اللغة العربية إلي بلاد الملايو ومن منطلق الإقناع أخذ الملايويون المصطلحات الدينية من العربية كلها تقريبا حتي أصبحت من ضمن متن اللغة الملايوية فقاموا بشرح معانيها ووضع التعريفات الواضحة لها فى المعاجم الملايوية وكتب الدين (3) . أثر الإسلام فى الأدب الملايوي:   (1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 150 (2) انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 62 (3) انظر - محمد زكي عبد الرحمن السابق - ص - 148 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 كان أثر الأدب العربي الإسلامي يظهر جليا فى الأدب الإبداعى من النثر القصصي والشعر وهناك أثر عربي إسلامي فى غير هذين النوعين المذكورين مثل الكتابة العلمية والمراد بها الكتب الدينية المكتوبة باللغة الملايوية وأنها متأثرة بتأثير عربي إسلامي من ناحية التبويب حيث وجدت فيها أبواب وفصول وكما تأثرت بمقدمة من حيث ذكر فيها الحمد لله والثناء على رسول الله ومن ناحية أخري أنها تأثرت بأسلوب التركيب العربي حيث وجد التركيب فيها تركيبا عربيا مع أن ألفاظها غير عربية (1) . والسبب فى ذلك أن المؤلف ألفها بطريقة ترجمة حرة من الكتب العربية أو أنها مقتبسة منها أو بإعادة صبغتها الجديدة من العربية. وبذلك تأثر بما قرأه من الأسلوب والمحتوى. القصة: قبل عصر الإسلام كانت قصة الأبطال الهندية مثل حكاية رامايانا ومحابراتا تحتل مكانا مرموقا فى أرخبيل الملايو. وعندما جاء الإسلام إليه استخدم الدعاة مثل هذه القصة من القصة العربية للتغلب على الأثر الهندي فى نفوس شعب الملايو وهذه القصة لا تخلو من الإضافات الفنية من الخيال والمغامرات والسحر والأسطورة لملاءمة ما ورد فى القصة الهندية (2) .   (1) See. Ibrahim Mohd Salleh - op. cit. - p. 33 (2) See. Ismail Hamid - Asas Kesusasteraan Islam - DBP - 1990 - p. 81 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 وإن القصة الهندية المشهورة فى أول عصر دخول الإسلام فى الأرخبيل لم تهجر بل إنها استخدمت كوسيلة للدعوة بعد وقوع تعديلات بالإضافة أو الحذف فيها أو بإعادة صبغتها بالصبغة الإسلامية أو بتحويل مجراها إلى المجرى الإسلامى ومثال ذلك حكاية شاهى مردان (SHAHI MARDAN) فيها ملك دار الهستان اسمه فكراما داتياجايا ((FIKRAMA DATARIAJAYA وابنه شاهي مردان (SHAHI MARDAN) يتعلم التعاليم الإسلامية على يد برهمين من دار الخيام. كما فيها ما يتعلق بأركان الإسلام كالصلاة وكانت عملية إسلامية القصة تتمثل فى أن تحذف كل العناصر الهندية فيها وتضاف عناصر عربية إسلامية محلها وتحل أسماء الأنبياء والملائكة محل أسماء آلهة هندية ثم تحل محل الشخصيات الهندية الشخصيات الإسلامية (1) . وقد اجتهد الدعاة والوعاظ لتغيير مجرى الأدب الملايوي الهندوكي القديم إلي صورة الأدب الملايوي الجديد الإسلامي وقد نجحوا بالفعل فى تحويل مجري الحكايات الهندوكية ومقاصدها إلي المجرى الإسلامي وإدخال العناصر الايمانية الإسلامية واستخدام أداة تعبيرها بالكلمات والمصطلحات الدينية والعربية مثل لفظ الجلالة وملك الكون وخالق العالم وأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والقضاء والقدر وغير ذلك من العناصر الإسلامية والمواصفات الثقافية العربية. ونذكر هنا بعض الحكايات الهندوكية الشهيرة التي تم تغيير موضوعها ومواصفاتها ومغزاها الهندوكي إلي صورتها الجديدة بصبغة الثقافة الإسلامية والعناصر الايمانية بعد تأثرها بالتيارات الإسلامية. ومن هذه الحكايات: 1- حكاية ماراكرما (HIKAYAT FIKRAMA) تم تغيير اسمها الهندوكي إلي اسمها الإسلامي الجديد هو: حكاية المسكين 2- حكاية سرنجا بايا (HIKAYAT SERANJABAYA) تم تغيير اسمها الهندوكي إلي اسمها الإسلامي الجديد هو: حكاية أحمد محمد   (1) See. Bakar Hamid - Diskusi Sastera Tradisi - DBP- 1974 - Vol. 1 - pp. 78-80 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 3- حكاية اندراجايا (HIKAYAT INDERAJAYA) تم تغيير اسمها الهندوكي إلي اسمها الإسلامي الجديد هو: حكاية شاهي مردان وأما القصص والحكايات فهي التي نالت اهتماما كبيرا فى أوائل العصر الإسلامي من جموع الناس خصوصا ما له طابع بطولي أو ديني ولذلك كثر دخول الحكايات التي تروي عن قصص الأنبياء وأبطال الإسلام والقصة التعليمية والصوفية وحكايات التسلية والفكاهة وهذه الحكايات منها ما ترجم من المصادر العربية أو ما اقتبس منها ومنها ما أعاد صياغته الأدباء الملايويون (1) . كما وصلت أيضا قصص ما قبل الإسلام من مثل قصة الاسكندر الأكبر والأمير حمزة وسيف بن ذي يزن وغيرهما من القصص لما فيها من سمات البطولة والدعوة الإسلامية (2) . وقد سجل وريندي قائمة لأسماء المؤلفات الملايوية القديمة فى كتابه النحو الملايوي الذي طبع فى هولندا (AMSTERDAM) سنة 1736م. وتضم القائمة 69 كتابا من الحكايات والكتب دينية وغيرها. ومن الحكايات الملايوية المتأثرة بالأدب العربي الإسلامي المذكورة فيها ما يلي (3) : حكاية ذو القرنين حكاية أمير المؤمنين عمر حكاية حمزة حكاية لقمان حكاية ملك سليمان حكاية عبد الله عمر حكاية كليلة ودمنة حكاية محمد على الحنفية حكاية معراج النبي محمد ( حكاية نور محمد حكاية النبي محمد ( حكاية النبي موسي حكاية النبي يوسف حكاية النبي سليمان حكاية عمر ويمكن حصر القصة المتأثرة بالأدب العربي الإسلامي إلي أقسام تالية (4) : - حكايات عن النبي محمد (. - حكايات عن قصص الأنبياء. - حكايات عن أصحاب النبي (. - حكايات عن الأبطال الإسلاميين. - حكايات عن الصوفيين والصالحين والشيعيين.   (1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص - 55 (2) See. A. Samad Ahmad, op. cit. p. 18 (3) See. R. Q. Winstedt - Malay Works Known By Wrendly In 1736 A. D. - Jsbras No. 82 - 1920 - pp. 163 - 165. (4) See. A. Samad Ahmad - op. cit p. 41 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 - حكايات عن الملوك المسلمين. - حكايات عن قصة الإطار أما عن تاريخ تأليف الحكايات الملايوية القديمة فلا يمكن تحديده لسبب عدم إفصاح المؤلفين عن أسماءهم وتاريخ إنتاجهم حتي لا يعرف الذين جاءوا بعدهم من الذي ألف هذا أو ذاك ومتي ألفه. ويعتقد أن معظم هذه الحكايات الملايوية قد دونت فى عهد السلطات الإسلامية فى مملكة ملقا فى القرن الخامس عشر الميلادي (1) حيث كانت ملقا حينئذ مزدهرة بكل فنون (2) . وكذا فى مملكة أتشيه فى القرن السادس عشر الميلادي بعد سقوط مملكة ملقا. بحيث يتمركز فيها العلماء والأدباء من العرب والفرس والهند وأبناء البلاد (3) . الشعر: عثر فى الأدب الملايوى القديم قبل وصول الإسلام على أنواع متنوعة من الكلام الموزون ومن أشهرها بنتون - PANTUN - وسلوكا - SELOKA- وجوريندم (4) - GURINDAM وبعد وصول الإسلام عرف الأدب الملايوى نوعا جديدا من الكلام المنظوم الذى عرف باسم شعر -SYAIR. وكان للشعر العربى الصوفى فضل بارز فى نشأته وازدهر فى القرن السادس عشر الميلادى فى أتشية على يد حمزة الفنصورى الذى كان رائدا فى إبداع الشعر الملايوى الصوفى وكان الفضل فى ذلك يرجع إلى تأثره بالأدب العربى الصوفى من خلال قراءته العميقة وانطباعاته فى آراء الصوفية مثل ابن عربى والحلاج وذى النون المصرى والبسطامى (5) .   (1) See. Ibid - p. 52 (2) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص - 57 (3) See. A. Samad Ahmad , op. cit. p. 10 (4) See: Ismail Hamid - Asas Kesusasteraan Islam - op-cit - p - 104. (5) See: Syed Mohammad Naguib Al Attas - (c) The Origin Of Malay Syair - DBP - Cet- 1 - 1968 - p. 5 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 وبدأ تأليف الشعر من سنة 1550 حتى سنة 1600 للميلاد وكانت مؤلفاته الشعرية من أوائل ما كتب فى الأدب الملايوى بالكلام المنظوم. وقد اقتبس واستوحى فى إنجاز شعره من أفكار الشعر العربى وأغراضه بالإضافة إلى إلمامه بالثقافة العربية والفارسية وانتهج فى أشعاره منهجا صوفيا وتتميز أشعاره بالصبغة الدينية التى تتحدث دائما عن الإيمان والعلاقة بين الإنسان وربه (1) . وكان الشعر يستخدم أيضا لمحاكاة القصص وأغلب القصص فى أول الأمر كتبت نثرا ثم تحولت إلي الشعر لأنه مشهور لدي الشعب خاصة لدي النساء (2) . وكانت فنون الشعر متنوعة منها شعر تعليمي وشعر صوفى وشعر نصيحة وشعر تاريخي وشعر غنائي وشعر تمثيلي وغيرها (3) . وقد اختلف المؤرخون فى تحديد أصل الشعر الملايوي وقد اكتشف على لفظ الشعر فى الكتاب الأدبي القديم مثل تاريخ الملايو. والمراد به نوع من الشعر العربي كما وجد فى كتاب تاج السلاطين وكان المراد به نوعا من الكلام الشعري الفارسي مثل الرباعي والمثنوي (4) .   (1) See: Ismail Hamid - op-cit - pp. 106 (2) See. Zuber Osman op. cit. p. 179 (3) See. Bakar Hamid - op. cit. p.87 (4) See. Ismail Hamid - op. cit.p. 105 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 ويري العطاس (1) أن الشعر العربي قد لعب دورا بارزا فى نشأة الشعر الملايوي وقد تسرب هذا النوع من الشعر إلي أرخبيل الملايو بواسطة الأدب الصوفى حيث كانت أتشية فى القرن السادس عشر الميلادي مركزا للعلوم الإسلامية وسادت فيه آراء صوفية أثارها علماء متصوفة مثل حمزة الفنصوري وعبد الصمد السومطراني والرانيري وغيرهم. وقد ساعد الأثر الصوفى فى نشأة الشعر الملايوي على يدي حمزة الفنصوري وهو رائد فيه. وكان الأدب الصوفى العربي قد ساعده على إبداع نوع جديد من الكلام الموزون فى الأدب الملايوي المعروف باسم شعر (SYAIR) وكذا قراءته العميقة وانطباعاته فى آراء الصوفية مثل ابن عربي والحلاج وذي النون المصري والبسطامي وغيرهم ألهمته فى إبداع هذا النوع من الشعر الملايوي. ... ويتبين من هنا أن نشأة الشعر الملايوي من أصل الشعر العربي من حيث الأغراض الشعرية ولكنه يختلفه تماما من حيث الشكل لأن الشعر الملايوي يتكون من أربعة أشطر متساوية أصوات فى آخرها أأ أأ A A A A ويحتوي كل شطر على أربع كلمات لها 8,9,10 أو12 من مقاطع الصوت (2) . ومثال ذلك ما يلي: INILAH GERANGAN SUATU MADAH MENGARANG SYAIR TERLALU INDAH MEMBUTOHI JALAN TEMPAT BERPINDAH DI SANA IKTIKAD DIPERBETULI SUDAH WAHAI PEMUDA KENALI DIRIMU INILAH PERAHU TAMTHIL TUBUHMU TIADA LAH BERAPA LAMA HIDUPMU KE AKHIRAT JUGA KEKAL HIDUP MU هذا هو قول رائع إبداع الشعر الرائع طلب المكان للانتقال ثمة اعتقاد مستقيم أيها الشباب اعرف نفسك هذه السفينة تمثيل لجسمك لا تبقي حياتك فى الآخرة تبقي   (1) See. Syed Mohammad Naguib Al Attas - (c) op. cit - 1968 - p. 5 (2) See. Ismail Hamid -op. cit. p 104 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 ومن صور الكلام الموزون المتأثر فى الأدب الملايوى نظم وغزل ومثنوى ورباعى وقطعة وأما النظم فكان لفظه مشتقا من الكلمة العربية وصار فى الأدب الملايوى مصطلحا لنوع خاص من الكلام الموزون الذى يأتى على شكل أبيات ويتكون من اثنتى عشر شطرا ويشتمل كل بيت فيها على شطرين. وفى كل شطرين أو أربعة أشطر قافية متحدة وهو شبيه ببحر الرجز فى الشعر العربى (1) . ومنها ما يسمى الغزل من أصل الكلمة العربية وجاء ذكره فى كتاب تاج السلاطين للبخارى الجوهرى سنة 1603 الميلادية وكان الغرض منه نفس الغرض فى الغزل العربى من تصوير أحاسيس الحب والعاطفة وكذا استخدمه الشعراء الملايويون للنصائح. ويتكون من ثمانية أشطر بالقافية المتحدة لكل شطر (2) . وكان المثنوى هو نوع آخر من الكلام الموزون ونشأ من تأثير الأدب الفارسى وكان من أغراضه فى الأدب الملايوى المدح ويتكون من عشر أو اثنتى عشر أو أربعة عشر مقطعا مع القافية المتحدة لكل شطرين مثل aa bb cc (3) . وكان الرباعى نوعا آخر من الكلام الموزون الموروث من الأدب العربى أو الفارسى واستخدم لتصوير التعاليم الصوفية والفلاسفة الإسلامية ويتكون من أربعة أشطر بالقافية المتحدة aaaa والنوع الأخير من الكلام الموزون يدعى قطعة وهى مأخوذة من الكلمة العربية وليس لها نظام معين ولا تعريف جامد مانع وهى مطلق نوع من الكلام المنظوم فقط (4)   (1) Cited by Ismail Hamid. The Emergence of Islamic Malay Literature: A Case Study of Hikayat. 1981 p. 109. (2) Ibib. P.108 (3) Ibib. P 109 (4) Ibib المراجع العربية أحمد شلبي - موسوعة التاريخ الإسلامي - مكتبة النهضة المصرية - الطبعة الثالثة 1993م - ج8 بدر الدين حي الصيني - العلاقات بين العرب والصين - مكتبة النهضة المصرية - الطبعة الأولى - سنة 1950 ابن بطوطة - رحلة ابن بطوطة - دار صادر - بيروت 1992 سير توماس و. أرنولد - الدعوة إلى الإسلام - ترجمة د. حسن إبراهيم حسن ود. عبد المجيد العابدين - مكتبة النهضة المصرية 1970 عبد الرءوف الشلبي - الإسلام في أرخبيل الملايو - دار القلم - كويت - الطبعة الثالثة 1983 عادل محي الدين الألوسي - العروبة والاسلام في جنوب شرقى آسيا - دار الشئون الثقافية - بغداد - الطبعة الأولي محمد نصر مهنا - الإسلام في آسيا - المكتب الجامعي الحديث - اسكندرية - الطبعة الأولي 1990 محمد أحمد السنباطي - حضارتنا فى أندونيسيا - دار القلم - الكويت - 1983 محمد عبد الرءوف - الملايو: وصف وانطباعات - الدار القومية- الكويت 1966 محمد زيتون - المسلمون في الشرق الأقصي -دار الوفاء - القاهرة - الطبعة الأولي 1985 الرسائل الجامعية زين العابدين سوتومو. اللغة العربية والثقافة الإسلامية فى أندونيسيا - رسالة ماجستير - كلية الآداب - جامعة القاهرة عبد الرازق بن وان أحمد - اللغة العربية في ماليزيا بعد استقلال - رسالة الماجستير - كلية الآداب - جامعة الإسكندرية - 1990 محمد زكى عبد الرحمن - أثر اللغة العربية فى اللغة الماليزية - رسالة الماجستير - كلية اللغة العربية - جامعة الأزهر - القاهرة - 1990 مرزوقى حاج محمود حاج طه - الإسلام فى أرخبيل الملايو - رسالة الدكتورة - كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر - 1977م Carmel H. L. Hsia. The Influence of English on the Lexical Expansion of Bahasa Malaysia. Ph.D Thesis. University of Edinburgh 1981. المراجع الأجنبية Samad Ahmad - Sejarah Kesusasteraan Melayu. Vol. 1. DBP. 1965. Abdul Rahman Hj. Abdullah - Pemikiran Umat Islam Di Nusantara - Dbp. Cet. 1 - 1990 Abdullah Ishak - Islam Di India Nusantara Dan Cina - Nurin Enterprise - Cet. 1 - 1992. Azyumardi Azra - Jaringan Ulama Timur Tengah Dan Nusantara Abad Ke 7 Dan 8 - Penerbit Mizan - Cet. 1 - 1994 Bakar Hamid - Diskusi Sastera Tradisi - DBP- 1974 - Vol. 1 Ibrahim Mohd Salleh - Kesusasteraan Melayu Kelasik Dan Moden - Penerbit Asia - K.L Ibrahim T. Y. Ma - Perkembangan Islam Di Tiongkok - Bulan Bintang - Jakarta - 1969 Ismail Hamid - Asas Kesusasteraan Islam - DBP - 1990 ---------------- - The Emergence of Islamic Malay Literature: A Case Study of Hikayat. 1981 Jamilah Bt. Hj. Ahmad - Kumpulan Esei Sastera Melayu Lama - DBP. 1981 Joginder Singh Jessy - Tawarikh Tanah Melayu 1400 - 1959 - DBP. 1965 Abdul Jabbar Beg - Arabic Loan-Words In Malay - A Comparative Study - University of Malaya - 1976 Q. Winstedt - History of Classical Malay Literature. K. Lumpur. Oxford University Press. 1972. ----------------- - Malay Works Known By Wrendly In 1736 A. D. - Jsbras No. 82 - 1920 Q. Fatimi - Islam Comes To Malaysia - Masri Singapore - 1963 Sopian Taimon - Intisari Sejarah Asia Tenggara. DBP. 1972 Syed Muhammad Naquib Al-Attas - (A) Islam Dalam Sejarah Dan Kebudayaan Melayu - ABIM - 1990 ---------------------------------------- - (B) Preliminirary Statment on A General Theory Of Islamization Of The Malay - Indonasian Archipelago - DBP. 1965 --------------------------------------- - (C) The Origin Of Malay Syair - DBP - 1968 Zuber Osman. Kesusasteraan Lama Indonesia. Abbas Bandong. 1978. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 ومن هذه الأنواع المذكورة من صور الكلام الموزون كان الشعر فى مقدمتها وتلقى حفاوة كبيرة ومنزلة رفيعة لدى الشعب وتدوول واسعا فى الأدب الملايوى حتى تغلب على أنواع صور الكلام الموزون التقليدى قبل مجيء الإسلام. ومن أعظم العوامل أدت إلى انتشاره فى أول وهلة طابعه الدينى لأنه يتحدث عن تعاليم الإسلام مع تصوير التعاليم الصوفية من العلاقة بين العبد وربه ثم تطور إلى تصوير الحقائق التاريخية. • • • الخاتمة يتضح مما سبق أن للإسلام فضلا ودورا بارزا فى تغيير مجرى حياة الشعب الملايوى من شتى نواح دينيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وأدبيا. وكانت معالم الإسلام تظهر فى تلك النواحى تدريجيا منذ وصول الإسلام إلى أرخبيل الملايو فى القرن الأول الهجرى من طريق التجار العرب من الدول العربية مباشرة. وكانت تلك المعالم تتجلى عندما بدأ الإسلام ينتشر فى القرن الثانى عشر والثالث عشر والرابع عشر للميلاد على أيدى الدعاة العرب الصوفية والفرس والهند. من أثر ذلك التطور ترك الشعب الملايوى ما كان آباءه يعتادون عليه من المعتقدات المضللة والحياة المنحرفة الموروثة من التقاليد الهندية بل أقبل على الإسلام وتعاليمه حتى تأسست حواضر إسلامية فى تلك البقع لتكون منطلقا للحركة الإسلامية والأدبية. من أبرز أثر الإسلام فى أرخبيل الملايو ما يلى: - تغيير مجرى اعتقاد الشعب الملايوى وحياته من التقاليد الهندية إلى الإسلامية. - ظهور الحروف الهجائية العربية للكتابة الملايوية - تسرب الألفاظ العربية ومصطلحاتها الإسلامية إلى اللغة الملايوية - انتقال القصة العربية الإسلامية إلى الأدب الملايوى - تسرب أنواع الشعر العربى إلى الشعر الملايوى. والله أعلم. الحواشي والتعليقات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 تهمة الرواة بعض الشعراء الأعراب الذين عاصروا نشأة الإسلام بجفاء الدين ورقته أ. د. عبد الله بن سليمان الجربوع الأستاذ بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة الملك سعود - الرياض ملخص البحث يعرض هذا البحث لجانب من جوانب السلوك الاجتماعي، عند ستة من شعراء الأعراب الذين عاشوا دهراً في الجاهلية ثم أدركوا الإسلام فأسلموا، وعاشوا فيه طويلاً حتى أدرك بعضهم بداية العصر الأموي. ويحاول الباحث عرض التهم التي ألصقت بالشعراء وإخضاعها للموازنة مع عدد من النصوص التي تنسب إلى هؤلاء الشعراء الذين وصفوا بجفاء الدين ورقته. ويظل القصد من ذلك هو إلقاء مزيد من الضوء يجلي تلك الانتقادات التي تناقلها الرواة في شأن هذه المسألة. • • • تصادفنا في كثير من أمهات المصادر العربية روايات مختلفة تتهم عدداً من شعراء العربية بجفاء الدين ورقته. وبالرجوع إلى تراجم هؤلاء الذين رموا بالفسق ورقة الدين، نجد من بين هؤلاء فريقا أدرك الجاهلية والإسلام فأسلم وكانوا معروفين للرواة بجودة الشعر والفسق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 ومن هؤلاء أربعة شعراء من شعراء الأعراب معَّمرين عاشوا في الجاهلية دهراً، ثم أدركوا الإسلام فأسلموا وعاشوا فيه طويلاً حتى أدرك بعضهم زمن الأمويين وهؤلاء هم: أبو الطمحان القيني وشبيل بن ورقاء وتميم بن أبَي بن مقبل والحطيئة. وهؤلاء الشعراء الأربعة تجمعهم صفات مشتركة فهم جميعا مخضرمون وشعراء أعراب، وتفيد أخبارهم التي تناقلها الرواة أنهم جميعاً لم يطمئنوا للإسلام، ولم يتمكن من نفوسهم. فقد نشأوا في الجاهلية، وتطبعوا بطبائع أهلها وتأثروا فيها، وتمكنت عاداتها وتقاليدها في نفوسهم، وحينما جاء الإسلام لم يتأثروا كثيرا به لجفائهم وغلظتهم وشدة تبديهم. ويظهر من أخبارهم أنهم لم يستطيعوا أن يتأقلموا مع الحياة الإسلامية، ومضوا يعيشون الحياة كما كانوا يعيشونها قبل الإسلام غير مبالين بتعاليم الدين وأوامره ونواهيه. وعلى الرغم من التحول الكبير الذي أحدثه الإسلام في نفوس العرب الذين آمنوا به حين بدلت الدعوة الكثير من المفاهيم الخاطئة والعادات الموروثة التي ألفها الناس واعتادوا عليها، إلا فئة قليلة منهم يظهر أن الإسلام أوقعها في حرج، فقد قبلته على مضض، ومن خلال سلوك بعض أفرادها بعد إسلامه ظهر أنه لا يمكنه الانقطاع عن ماضيه. ولهذا حدث تعارض بين قديمه الموروث وجديده المكتسب، عبّر عنه من خلال تصرفاته التي تخالف نهج الإسلام وطهارته. لقد حفظت لنا الروايات نزراً يسيراً من أخبار بعض شعراء البادية الذين أسلموا، لكن قلوبهم بقيت على ما كانت عليه قبل الإسلام. فلم يحفلوا بالإسلام ولم يتعمقوا أسرار الدين وشرائعه ولذلك ظل موقف بعضهم من العقيدة ومن فرائضها يلفه الغموض وعدم الالتزام. وذلك ناتج عن عدم تمكن هؤلاء الأعراب من فهم الإسلام الفهم الصحيح، فهم قوم لم يصحبوا الرسول (صحبة كافية. وبعد إسلامهم انصرفوا إلى ذواتهم وحياتهم المعتادة من قبل. ولم يستطيعوا مجاراة التحولات الكبيرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 والمتغيرات المتلاحقة التي مر بها المجتمع العربي في بداية عصر الخلفاء الراشدين. كما أنهم لم يستطيعوا الانفكاك من الوجدان القبلي الذي كان يصبغ حياتهم، ولم يستطيعوا التخلص من تأثيره. وظلوا متأرجحين بين عادات الجاهلية التي تأصلت في نفوسهم من قبل، وعالم من حولهم يتغير بسرعة متناهية. لقد امتد وجود بعضهم في الإسلام فترة تقترب من نصف قرن من الزمان، ومع ذلك ظلوا بعيدين عن فهم الإسلام، وظلوا معزولين عن الحياة الإسلامية. وباستثناء فئة قليلة منهم مسّ الإيمان قلوبهم وكانوا مسلمين رجال صدق من مثل لبيد بن ربيعة والنابغة الجعدي فإن فئة غير قليلة من شعراء الأعراب كانت صلتهم بالدين ضعيفة. فالإيمان لم ينفذ إلى قلوبهم ولم يتعمقوا فهم العقيدة وفرائضها. ولذلك لم يجد بعضهم حرجا في التصريح بارتكابه المحرمات فهم يقبلون عليها ولا يجدون فيها ما يشينهم أو يعيبهم. كما أن سلوك بعضهم ظل وثيق الصلة بالماضي ولذا عجزوا عن تغيير قيمهم الدينية والاجتماعية. فأبو الطمحان القيني (1) ذكره ابن قتيبة (2) فقال: ((هو حنظلة بن الشرْقيّ، وكان فاسقاً، وقال عنه الأصفهاني (3) : ((وكان أبو الطمحان شاعراً فارساً خارباً صعلوكاً، وهو من المخضرمين، أدرك الجاهلية والإسلام، فكان خبيث الدين فيهما كما يُذْكر. ووصفه البكري فقال (4) : ((وكان خبيث الدين جيد الشعر)) . وذكر ابن حجر (5) أن ابن قتيبة ذكر له في كتاب الشعراء شعراً يتبرأ فيه من الذنوب كالزنا وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير والسرقة)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 ولم أقف على أثر لهذا الشعر في المصادر القديمة التي اطلعت عليها. وتفيد رواية ابن قتيبة أن أبا الطمحان القيني، ظل بعد إسلامه رقيق الدين. فقصته مع المرأة التي نزل بها فآوته وأكرمته، فسطا على شرفها ومالها ثم هرب، تنافي المروءة التي عرف بها الصعاليك، كما تصور في الوقت نفسه إسفافه وابتذاله، وتمرده على الأخلاق والأعراف واستهانته بهما. هذه القصة التي يبدو أنها حدثت في الإسلام ارتبطت باسمه وتناقلها الرواة عن ابن قتيبة (6) وفيها دلالة على سوء سلوكه وفساده وفسقه فقد قيل له: ما أدنى ذنوبك؟ قال: ليلةُ الدّيرْ، قيل له: ما ليلة الدّيْر؟ قال: نزلت بدَيْرانيةٍ، فأكلت عندها طَفَيْشَلاً بلحم خنزير، وشربت من خمرها، وزنيت بها، وسرقت كساءها، ومضيت! ,, لقد عكست تلك الرواية مع نماذج قليلة وصلت إلينا من أشعار يرجح أنه قالها في الإسلام، خبث دينه وفساد عقيدته. أول تلك النماذج نتفة من بيتين قالهما في أواخر حياته. لقد أظهرت تلك النتفة أن أبا الطمحان كان من المعَّمرين وقد أوغل في الحياة الإسلامية وامتد به العمر. ومع ذلك غلب على شعره، قلة الشعور الديني، إذْ لم تُظْهِرْ تلك النماذج على قلتها تأثره بالإسلام وتعاليمه. بل لعلني لا أبعد عن الحقيقة حينما أزعم أن هذه النتفة وأمثالها من شعره تؤكد خبث أبي الطمحان وفساد طويته، وتجلي تلك النزعة التي عرف بها عند الرواة. في هذه النتفة يتفجع الشيخ على شبابه الذي غاب ربيعه ويجزع من شيبه وتقارب خطواته. هذان البيتان قالهما بعد أن داهمته الشيخوخة وكان يتوقع من أمثاله وقد قرب أجله أن يحذر الموت ويترقبه، ويخاف من الحساب وعذاب القبر ويؤمل الخير وحسن الخاتمة. يقول (7) : [الوافر] حنَتْني حانياتُ الدّهْرِ حتىّ كأنيّ خاتلٌ أدنُو لِصَيْدِ قصيرُ الخطْوِ يحسِبْ من رآني ولست مُقَيداً أني بِقَيدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ولعل في هذا السلوك الذي عبرت عنه هذه النتفة ما يعد مظهراً من مظاهر رقة الدين التي تحدث عنها الرواة. فقد غابت عنها المعاني الدينية وعكست ألفاظها طبيعة أخلاق أبي الطمحان ونظرته إلى الحياة. كذلك وصل إلينا من شعره مقطوعة يبدو أنه قالها بآخرة من عمره. يعبر فيها عن انحرافه الخلقي ويجاهر فيها برغبته بشرب الخمر قبل أن يقضي نحبه. وإذا كان الشعر يمثل فكر صاحبه والشاعر أحياناً لا يتحدث من فراغ، فإن مضمون تلك المقطوعة وألفاظها ومعانيها، حتى على افتراض أن الشاعر قالها على سبيل المجاز، تتصادم مع الدين والقيم والأخلاق والأعراف. تتصادم مع الدين لأنه لا يرى في الخمر رجساً من عمل الشيطان. وهي في المقابل ضد الأخلاق والتقاليد لأن شيخاً يدنو أجله، ويعيش في آخر أيامه، يتهالك على الملذات، ويعكف عليها، ويدعو لها. إنه على الأقل بهذه الواقعية يعري نفسه ويبتذلها، ويعبر عن حاجاته الطبيعية. وهو في هذا يخالف القيم والمثل التي تعارف عليها الناس وألفوها. يقول (8) : [الطويل] . ألا عَلّلاني قبْلَ نَوْح النَّوائِحِ وقبَل ارتقاءِ النفس بين الجوانحِ وبعد غدٍ يالهفَ نفسي على غدٍ إذا راحَ أصحابي ولستُ برائحِ إذا راح أصحابي تَفِيضُ عُيونُهم وغُودِرتُ في لحدٍ على صَفَائِحي يقولونَ: هل أصلحتُم لأخيكُم وما القبُر في الأرضِ الفضاءِ بصالحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 وله نتفة أخرى قالها يتذكر فيها ماضيه وأيام صعلكته، ويعبر فيها عن حنينه إلى الغارات وأسلوب الفتك واللصوصية. تلك العادة التي حاربها الإسلام وأنزل بأصحابها أشد العقوبات. وكادت تختفي زمن الرسول (والخلفاء الراشدين من بعده. ومع أنه لم يرد في أخباره ما يفيد بأنه ظل يمارس تلك العادة بعد إسلامه، أو أنه أقلع عنها، بل لعلنا نرجح أنه كف عن ذلك بسبب شيخوخته على الأقل، إلا أن تلك الأبيات قد أظهرت ارتباطه بماضيه، وبدلاً من أن يعلن ندمه في إسلامه على ما كان من إغارته ولصوصيته في الجاهلية، وتوبته واطمئنانه على حياته في ظل الإسلام نجده لم يخف حنينه لحياة السلب والإغارة التي أعتاد عليها من قبل. بل نراه يعتز بصعلكته، ويجتر ذكرياته حينما كان يجازف بحياته ويعرضها لركوب المخاطر يقول (9) : ياربّ مُظْلِمَةٍ يوماً لطيتُ لها تمضي عليّ إذا ما غاب نُصّاري حتى إذا ما انَجلتْ عني غَيَابتُها وَثبْتُ فيها وثوب المُخْدِرِ الضَّارِي لعل في تلك النماذج التي عرضنا لها في الأمثلة الماضية ما يمكن اعتباره شاهداً على رقة دين أبي الطمحان وفسقه. فهذا النزر اليسير من شعره الذي وصل إلينا فيه دلالة على أن روح الجاهلية ظلت تسيطر على تصرفاته. فقد اضطرب في سلوكه وخالف الإسلام وخرج على تعاليمه. وكان يتوقع منه وقد عاش دهراً في الإسلام أن يكون شعره عامراً بالتقى والصلاح والرغبة في النصح وعمل الصالحات. إلا أنه أظهر خلاف ذلك حنيناً إلى الماضي، وتهالكاً على المتع والملذات. وربما هذا هو ما جعل الرواة يتهمونه بفساد الدين وخبثه في الجاهلية والإسلام. لقد كان لشعراء البادية الآخرين صلة ضعيفة بالدين فابن قتيبة يصف شبيل بن ورقاء فيقول (10) : ((هو من زيد بن كليب بن يربوع، وكان شاعراً مذكوراً جاهلياً، فأدرك الإسلام وأسلم إسلام سَوْءٍ، وكان لا يصوم شهر رمضان فقالت له بنته، ألا تصوم؟ فقال: [الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 تَأْمُرُني بالصوْمِ لا دَرّ درها وفي القبْرِ صَوْمُ لا أبَاكِ طَوِيلُ وفي الاشتقاق بنحو مما في رواية ابن قتيبة (11) . وأخبار الرواة عن شبيل بن ورقاء نادرة. فلم أقف له على شيء يذكر في المصادر التي اطلعت عليها، إلا ما تقدم ذكره مما يجعل رسم صورة عن حياته أمراً غير ممكن. وفي ضوء خبر ابن قتيبة، يمكن القول إن الإسلام لم يتمكن من نفس شبيل، ولم يتعمق في قلبه. فظل بعد إسلامه جافياً رقيق الدين. يقترف الذنوب ويجاهر بها، ويصعب عليه صوم شهر رمضان، وفي هذا دلالة على فسقه واستهتاره، وضعف عقيدته، وتنكره للدين وفرائضه. وأشهر من يذكر في هذا المجال من شعراء الأعراب. شاعران هما: الحطيئة، جرول ابن أوس، وابن مقبل وسيأتي ذكر الحطيئة لاحقاً. أما تميم بن أُبَيّ بن مقبل فقد وضعه ابن سلام في الطبقة الخامسة من شعراء الجاهلية وقال عنه: ((وكان ابن مقبل جافياً في الدين، وكان في الإسلام يبكي أهل الجاهلية ويذكرها، فقيل له: تبكي أهل الجاهلية وأنت مسلم فقال: [الطويل] ومَالِيَ لا أَبكِي الديَارَ وأهْلَهَا وقد زارها زُوّارُعَكٍ وحِمْيَرَا وجاء قَطَا الأجْبَابِ مِنْ كُل جَانِبٍ فَوقّعَ في أعطانِنَا ثُم طَيّراَ وهذان البيتان يعبران عن غربة ابن مقبل في الإسلام فلم يكن انتقاله من عهد الجاهلية إلى الإسلام ليحدث تحولاً في حياته أو تبديلاً في نمط تفكيره. فهو يحن إلى أيام الجاهلية ويبكي أهلها ويتذكرهم، ويرى أن الزمان قد تغير وأن الأرض قد بدلت، وتغيرت أخلاق الناس فصار يرى نفسه غريباً يعيش في وسط غريب عنه. يفسر هذا ويجليه قوله في القصيدة التي منها البيتان السابقان: [الطويل] أَجِدّى أرى هذا الزمَان تَغيّرا وبَطْنَ الركاءِ من مَوالّي أقْفَرَا وكائِنْ ترى من مَنْهل بادَ أهلُهُ وعِيدَ على معروفِهِ فتنكرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 والقصيدة التي منها هذه الأبيات تسير على هذا النمط. فهي تمجد حياة الجاهلية وترى أن أيامها أحسن حالاً من أيام الإسلام فقد أخذ يتحسر على الماضي ويرى أن أيامه فيها لن تعود، فقد مضت ومضى معها أشراف الناس ومضى ابن مقبل يعبر عن قلقه، ويرى نفسه أصبح غريباً يعيش في مجتمع غريب عنه، له مُثل وقيم تختلف عن مُثل الجاهلية وقيمها يقول في هذا المعنى (14) : [الطويل] فَمَا نحْنُ إلا من قُرُونٍ تُنُقّصَتْ بأصْغَر مما قد لقيِتُ وأكْبَرا لقد كان فينا من يحُوطُ ذماَرنَا ويُحْذِي الكمِيّ الزاعبيّ المؤُمّرا لقد كان ابن مقبل، وهو يتباكي على أهل الجاهلية، ويتحسر ويتفجع على أهلها، يعيش صراعاً في نفسه بين قديمه البالي وجديده المشرق وهو بهذا لا يخفي تبرمه وضجره من التغير الذي حدث بعد الإسلام وذلك قوله (15) : [الطويل] أَلهْفِي على عِزٍ عزيزٍ وظِهْرَةٍ وظِلّ شَبابٍ كنتُ فيه فأدْبَرا وَلهْفِي على حَييّ حُنَيْفٍ كِلَيهِمَا إذا الغيثُ أمسَى كابَي اللون أغْبَرا ويرى الدكتور عزة حسن أن بكاء الجاهلية وذكر أيامها والشعور بالغربة في الإسلام ظاهرة غريبة لا نراها عند غير ابن مقبل من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية والإسلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 ويفسر هذه الظاهرة بقوله: ((إن ابن مقبل عاش طويلاً في الجاهلية، وانقضت أيام شبابه في بيئة البادية القائمة على حرية الفرد وانطلاقه من القيود والارتباطات وما يتبعها من أعراف وعادات وتقاليد قبلية كانت سائدة في البادية منذ أقدم الأزمان. فطبعت نفسه على مُثُل هذه البيئة، وتملكته أعرافها وأنماط الحياة فيها، فارتبط بها ارتباطاً لا ينفصم. فلما جاء الإسلام بفكرته الجديدة ومُثله التي لا عهد للعرب بها، ولا سيما الأعراب منهم، بشرائطها ودقائقها، لم يستطع ابن مقبل وكثيرون غيره من سكان البادية أن يوفقوا بين حياتهم القديمة التي ألفوها وبين حياتهم الجديدة التي طرأت عليهم بظهور الإسلام. بل لم تعجبهم هذه الحياة، ولم يُسْلِسُوا لها قيادهم في سهولة ويسر في أول الأمر، لأن أنماط حياتهم القديمة كانت قد ثبتت في أعماق نفوسهم، ولم يكن من السهل عليهم أن ينتقلوا انتقالاً من طور إلى طور، بين يوم وضحاه، وأن يبدلوا أفكاراً ومبادئ بأفكار ومبادئ أخرى، كما يخلع الإنسان عنه ثوبا قديماً بالياً ليلبس بدلاً عنه ثوباً جديداً قشيباً. هذا هو السبب، فيما أرى، في غربة ابن مقبل وأضرابه في بيئة الإسلام الجديدة، وحنينه إلى أيام الجاهلية. يضاف إلى ذلك أن الإسلام فرق بين ابن مقبل وبين زوجه “ الدهماء ” التي كان ورث نكاحها عن أبيه في الجاهلية. ويبدو أن ابن مقبل كان يعشق “ الدهماء ”، لأنه ما فتئ يذكرها في شعره بعد أن فرق بينهما الإسلام)) (16) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 والحق أن مرحلة التحول من عهد الجاهلية إلى الإسلام كانت بالغة القصر إذ ما قيست بالتحولات الكبيرة والمتلاحقة التي أصابت المجتمع العربي بعد ظهور الإسلام. وإذا أضفنا إلى هذه الحقيقة حقيقة أخرى وهي أن الأعراب في البوادي كانوا أقل تأثراً بالإسلام من أهل الحواضر، وذلك ناتج كما أشرنا من قبل إلى طبيعة حياة الأعراب. فقد أسلموا متأخرين ولم يواجهوا منذ البداية عبء الاتصال بقيم الإسلام ومُثُلِه التي أحدثها في نفوس أتباعه من الرعيل الأول. ولهذا لم يتمكنوا من فهم الإسلام وما حمله من مظاهر التغير في الطباع والأخلاق والسلوك والقيم الاجتماعية والروحية. كما أنهم لم يتعمقوا أسرار الدين وشرائعه كشعراء الحضر الذين آمنوا بالإسلام منذ البداية وشاركوا مشاركة مباشرة بنشر قيمه ومبادئه. وإذا كان شعراء الحضر من أمثال: حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك ممن عاشوا الجاهلية والإسلام واتصلوا بأحداثهما قد استطاعوا أن يلائموا بين ماضيهم وحاضرهم. ولم يكن إدراكهم لعصر الجاهلية ليحول بينهم وبين التكيف مع مظاهر التغيير التي حملها الإسلام، فقد أحسنوا التعبير عنه وعن قيمه وقضاياه، أما شعراء الأعراب من أمثال الحطيئة وابن مقبل وأضرابهما، فقد ظل شعرهم جاهلياً. ولم يكن إسلامهم ليغير كثيراً من طباعهم وأخلاقهم. وإذا كان ابن مقبل وغيره من شعراء الأعراب قد أخفقوا في مواجهة المتغيرات الجديدة التي جاء بها الإسلام , ولم يستطيعوا الوصول إلى معادلة جديدة ينفذون من خلالها إلى فهم المستجدات التي طرأت على حياة العرب بعد الإسلام، فهذه الظاهرة عند ابن مقبل يفسرها الدكتور عزة حسن بقوله: ((وليست حال ابن مقبل وجيله بدعة بين الحالات. فهذا الاضطراب والقلق والرجوع إلى القديم والحنين إليه شعور عام يشعر بن كل جيل اعتاد نمطاً من الحياة، وثبت عليه أمداً طويلاً، ثم اضطر أن يتخلى عنه دفعة واحدة، ويعتاد نمطاً آخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 من الحياة يختلف عن حياته الأولى اختلافاً كبيراً. هذه حال الأجيال القديمة المولية التي يكتب عليها أن تعيش في عهود الثورات الكبرى. فهي لا تستطيع البقاء على القديم الذي اعتادته، وقد تغير من حولها كل شيء ولا تستطيع السير مع الجديد الذي طرأ عليها، وقد ارتبطت بالقديم ارتباطاً وثيقاً. فيضيع أفرادها بين عهدين، لا هم في القديم ولا هم في الجديد)) (17) . وأعرابية ابن مقبل وجفاء طبعه، ظلت تلازمه حتى آخر حياته. فقد أدرك عصر الأمويين، ومع ذلك لا نجد له أخباراً تفيد بمشاركته في الأحداث السياسية الكبيرة التي حدثت في عصره، إلا قصيدتين واحدة قالها في رثاء عثمان رضي الله عنه تنادي بالأخذ بثأره (18) وأخرى تتصل بأحداث صفين (19) . وهذه القصيدة التي قالها في رثاء عثمان رضي الله عنه، دلل بها ابن رشيق على جفاء أعربية ابن مقبل (20) هذه القصيدة تدلنا على أن حياة ابن مقبل في الإسلام، امتدت فترة ليست بالقصيرة فقد أدرك زمن الأمويين، بيد أنه ظل بعيداً عن مسرح الأحداث الإسلامية الكبرى التي حدثت في أول الإسلام، وفي عهد الأمويين. فلم يُؤثر عنه أنه شارك في تلك الأحداث التي تعاقبت في تلك الفترة. وأخباره وأشعاره تخلو من أية إشارة إلى أي نوع من المشاركة إلا ما كان من تدخله كما قلنا بشعره في رثاء عثمان رضي الله عنه، فقد نادى بالأخذ بثأره وهدد بالانتقام من قتلته. وباستثناء هذه القصيدة فإن مجموع شعره الذي وصل إلينا لم يتأثر بالإسلام بخلاف قصيدته الأخرى التي سنتحدث عنها لاحقاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 وظلت موضوعاته تتصل بالأغراض التي ألفها شعراءُ الجاهلية المتبدون. لقد ظل ابن مقبل أعرابياً جافي الطبع، وظل شعره بعد إسلامه كما كان جاهلي الطابع. لم يتأثر بالإسلام، وفي الأخذ من تلك القيم والمثل السمحة التي جاء بها، وأبطل بها كثيراً من عادات الجاهلية وتقاليدها. إن هذه القصيدة هي الوحيدة من بين مجموع شعره التي عبرت عن روح الجماعة الإسلامية ووجدانها الجماعي. لقد أظهرت أن ابن مقبل وإن ارتبط بماضيه أكثر من ارتباطه بحاضره. فإن الإسلام قد مس قلبه ولم يظل بعيداً عن روحه وفكره. فقد استشعر بعض معانيه وتعاليمه على نحو قوله في رثاء عثمان رضي الله عنه (21) [الطويل] فَغُودِرَ مقتولاً بغير جريِرةٍ ألا حبَّذَا ذاك القتيلُ المَلحَّبُ قتيُلُ سَعيدٌ مؤمُنُ شَقِيْت بِهِ نفوسُ أعادِيهِ، شهيُدُ مطيَّبُ نَعَاء عُرَى الإسلامِ والعدلِ بعدَهُ نَعاءِ! لقد نابتْ على الناس نُوَّبُ نَعَاءَ ابن عفَّاَن الإمِام لمجتَدٍ إذا البرقُ للرَّاجِي سَنَا البرقُ خُلَّبُ نَعَاءٍ لفضْل الحلم والحَزْمِ والندى ومأوى اليتامى الغُبْرِ عَامُوا وأجْدَبوا وحينما هدد قتله عثمان رضي الله عنه، توعدهم برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يتدارسون القرآن ويعملون بموجبه، ويعتزون بالدين ويموتون في سبيله. ويبدو ذلك واضحاً من قوله (22) : وأشْمَطَ من طُولِ الجِهَادِ اسْتَخَفَّهُ مَعَ المُرْد حتى رأسُهُ اليومَ أشْيَبُ يُدَارِسُهُم أُمَّ الكِتابِ، ونفْسُهُ تُنَازِعُهُ وُثْقَى الخِصَالِ، ويَنْصَبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 وإذا كان ابن مقبل، قد استظل بظل الإسلام، وروح الدين وأخلاقه وأهدافه، عند رثائه لعثمان رضي الله عنه. فإنه في القصيدة الأخرى التي قالها في وقعة صفين، لم يستطع أن يتخلص من مظاهر الجاهلية التي استأثرت بمعظم شعره. فقد مال إلى الشر، وأفحش في القول، واستخف بأخلاق الإسلام وأهدافه. وورد له في هذه القصيدة من المعاني المبتذلة ما يتنافى مع روح الإسلام وتعاليمه وذلك قوله (23) : [الطويل] وجَاءتْ بِهِ حَيَّاكةٌ عَركِيةٌ تَنَازَعَها في طُهْرِها رَجُلان وأشعار ابن مقبل تُنْبئ أنه، وإن عاش في ظل الإسلام دهراً طويلاً، فإن إسلامه لم يحدث تحولاً كبيراً في حياته. لقد ظل قلبه معلقاً في الجاهلية، يحن إلى عاداتها وتقاليدها، ويجد فيها مثله الأعلى. ولذلك كان شعره صدى لتلك الحياة وترجمة لعواطفه وأهوائه، فقد غلبت على موضوعات شعره الروح الجاهلية، وظل شعره في مجمله جاهلي اللفظ والمعنى والغرض. لم يتأثر بالإسلام الذي غير مظاهر الحياة العربية جميعها، ومنها الشعر فحدد له قيماً، ورسم له أدواراً تتفق وتعاليمه. ولم يستطع ابن مقبل أن يعبر عن تلك القيم، أو أن يواجه تلك التحولات التي أفرزها الإسلام. وإذا كانت قصيدته في رثاء عثمان قد عبرت عن روح الجماعة الإسلامية وعواطفها، فإن باقي شعره يخلو من أي عاطفة دينية إلا فيما ندر. لقد كانت صلته بالحياة الإسلامية ضعيفة. ولهذا احتلت الموضوعات التي لها علاقة بالعقيدة مكاناً متواضعاً في شعره. فلم نقف له في ديوانه إلا على أبيات قليلة ضمنها قصيدتين له هما كل ما نعلم له، استوحى فيهما معنى إسلامياً هما قوله (24) : [الطويل] وما الدَّهر إلا تَارتان، فمنهما أموتُ، وأُخْرى أبْتَغِى العيشَ أكْدَحُ وكلتاهما قد خُطَّ لي في صَحِيفتي فَلَلْعَيشُ أشْهَى لي، وللمَوتُ أرْوَحُ وقوله في قصدية أخرى (25)) [البسيط] يا حُرَّ أمْسَيْتُ شَيْخاً قَدْ وَهَي بَصَرِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 والتَاثُ ما دونَ يَوْمِ الوعْدِ من عُمُري لَوْلا الحَيَاءُ ولَوْلا الدين عِبْتِكُمَا بِبَعْضِ ما فِيكُما إذْ عِبْتُما عَوَري أما بقية شعره على كثرته، فبحكم طبيعته التي عرف بها عند الرواة، انبرى يشيد فيه بمظاهر الحياة الجاهلية ولم يمنعه إسلامه من أن يضمنه مضامين جاهلية يأباها الإسلام. لقد ظل قلبه بعد إسلامه معلقا بزوجه الدهماء التي ورث نكاحها عن أبيه في الجاهلية، ففرق الإسلام بينهما، وظل شعره يحتفى بنزعات جاهلية أبطلها الإسلام. يعبر عن هذه النزعة الجاهلية، التي لم تتأثر كثيراً بالدين ويجليها قوله (26) : [البسيط] هَلْ عَاشِقٌ نالَ مِنْ دَهْماءَ حاجَتَهُ في الجاهِلِيةِ قبْلَ الدين مَرْحُومٌ إنْ ينقُصِ الدهرُ مِني فالْفَتَى غَرَضٌ لِلدهْرِ، من عوْدِهِ وافٍ ومَثْلُومُ وإنْ يَكُنْ ذَاك مِقْداراً أُصِبْتُ بِهِ فسيرَةُ الدهرِ تَعْوِيجٌ وتَقْويمٌ ما أطْيَبَ العيشَ لوْ أنَّ الفتى حَجَرٌ تَنْبُو الحوادِثُ عنْهُ وهو مَلْمُومُ لا يُحْرِزُ المرءَ أنْصَارٌ ورابِيَةٌ تَأْبَى الهوانَ إذا عُدّ الجراثِيمُ لا تْمَتَعُ المرءَ أحجاءُ البلادِ، ولا تُبْنىَ لَهُ في السَّموات السلالِيمُ ومن شعراء الأعراب المخضرمين الموصوفين بقلة عواطفهم الدينية الحطيئة وهو من فحول الشعراء ومتقدميهم وفصحائهم (27) عمر دهراً في الجاهلية (28) وعاصر ظهور الإسلام وما رافقه من تحولات قلبت وجه الحياة. وأدرك عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ويظن أن توفى في زمن سعيد بن العاص في ولايته لمعاوية على المدينة (49-55هـ) (29) . ويختلف الرواة في زمن إسلامه فيرى ابن قتيبة أنه لم يسلم إلا بعد وفاة النبي (، لأنه لم يسمع له بذكر فيمن وفد عليه من وفود العرب (30) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 ويرى المستشرق أجنتس جولد تسهير ((أن هذه الحجة غير مقنعة، لأن الحطيئة لم يكن رفيع المكانة في قبيلته حتى يكون بين الممثلين لها في الوفد الذي أرسلته إلى النبي محمد (والأخبار الخاصة بوفود القبائل تدل على أن أكبر أعيان القبيلة هم الذين كانوا يؤلفون الوفد (31) . ويرى ابن حجر وغيره أنه أسلم في عهد النبي (ثم ارتد، ثم أسر وعاد إلى الإسلام (32) ويتحدثون عن أخلاقه فيجمعون على القول أنه كان ذا شر وسفه (33) ويصفه ابن قتيبة بأنه كان رقيق الإسلام (34) ويتهمه الأصمعي وينفرد بالقول بأنه ((كان كثير الشر، قليل الخير، فاسد الدين)) (35) . ويرى عدد من الدارسين المحدثين أن الرواة القدامى، قد تحاملوا على الحطيئة وبالغوا في اتهامه، وصوروه بصورة بشعة جعلت الناس ينفرون منه ويخشونه (36) وإذا كان المؤرخون القدامى قد رسموا صورة شريرة للحطيئة، فإن بعض الدارسين المحدثين قد عنوا بدراسة الأسباب التي أثرت في سلوكه وشخصيته. ويتفقون على أن نشأته المتواضعة وفقره وتدافع نسبه بين القبائل، ودمامته وقبحه، كل ذلك جعله يشعر بالنقص الذي لازمه، ويقف موقف العداء ممن حوله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 ويتفق الدكتور شوقي ضيف مع الدكتور طه حسين على الأسباب التي أثرت في سلوك الحطيئة ويختلفون على زمن المدة التي حدث فيها اضطرابه وقلقه. فشوقي ضيف يرى أن قلق الحطيئة وغربته واضطرابه حدثت له في أول حياته، في العصر الجاهلي يقول في ذلك ((ولقب بالحطيئة لقصره أو لدمامته، وقد ولد لأمه تسمى الضراء، كانت لأوس ابن مالك العبسي. ونشأ في حجره مغموزاً في نسبه، وجعله ذلك قلقاً مضطرباً منذ أخذ يحس الحياة من حوله، وزاد في اضطرابه وقلقه ضعف جسمه وقبح وجهه. إذ كانت تقتحمه العيون، ولم يكن فيه فضل شجاعة يستطيع أن يتلافى به هوان شأنه في “ عبس ” على نحو ما صنع عنترة من قبله. ومن ثم نشأ يشعر بغير قليل من المرارة، ولعل هذا هو السبب في غلبة الهجاء عليه)) (37) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 أما الدكتور طه حسين فيرى أن اضطراب نفس الحطيئة وغربته إنما حدث له في الإسلام لا في العصر الجاهلي ويعلل ذلك بقوله ((يأس الحطيئة وحزنه لم يكونا فيما أرى مقصورين على حياته المادية، بل كانا يأتيانه من ناحتين أخريين: كانا يأتيانه من دخيلة نفسه التي لم تطمئن إلى الدين الجديد، ولم تؤمن به فيما يظهر إلا تكلفاً ورياء، واتقاء للسيف الذي لم يكن للعربي إلا أن يختار بينه وبين الإسلام، فنفس الحطيئة لم تكن ساخطة على حياته المادية وحدها، بل كانت ساخطة على حياته المعنوية أيضاً، كانت ساخطة على هذه الحياة التي حالت بين عواطفه الجاهلية، وبين أن تظهر وتنمو وتؤتي ثمرها كما يجب أن تؤتيه، وتذوق لذات الحياة وآلامها كما كان يحب أن يذوقها. والناحية الأخرى هي ناحية جسمه، فقد كان الحطيئة قصيراً جداً، قريبا من الأرض، ولهذا سمي الحطئية كما يقول الرواة، وكان دميماً قبيح المنظر مشوه الخلق لا تأخذه العين، ولا تطمئن إليه، فكان منظره بشعاً، وكان من غير شك يحس اقتحام الأعين له ونبوها عنه، فيسوءه ذلك ويؤذيه، أضف إلى هذا كله أنه لم يكن مستقر النسب، وإنما كان مدخولاً مضطرباً، ينتسب هنا وينتسب هناك، وكان العرب يعرفون منه ذلك ويذكرونه به، ويزدرونه من أجله، فكان الحطيئة مهاجماً من جميع نواحيه، مضطراً إلى أن يدافع عن نفسه من جميع نواحيه أيضاً، كان سيىء الدين، فكان محتاجاً إلى أن يتقى عواقب سوء الدين، كان سيئ الحال، فكان محتاجاً إلى أن يرد عن نفسه عوادي الفقر والبؤس والإعدام. كان مشوه الخلق، فكان مضطراً إلى أن يحمي نفسه من السخرية والاستهزاء، وكان كل شيء يقوي في نفسه سوء الظن بالناس، وقبح الرأي فيهم، وكان ابتلاؤه للناس يزيده إسراعاً إلى ذلك وإمعاناً فيه، فأصبح الحطيئة شيئاً مخوفاً مهيباً يكره منظره، ويتقي لسانه، ويشتري الأعراض منه بالأموال … كان الحطيئة بائساً شقياً، غريباً في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 هذا الطور الجديد من أطوار الحياة العربية، كأنما ارتحل العصر الجاهلي ونسيه وحيداً في العصر الإسلامي، فهو ضائع الرشد، ضائع الصواب، قد فقد محوره إن صح هذا التعبير. ولي على هذا دليلان. أحدهما: أن أكثر ما يروى عن الحطيئة من النوادر وغريب الأحاديث إنما يروى عنه في الإسلام لا في العصر الجاهلي، فما بقي لنا من أخباره في العصر الجاهلي لا يصوره شاذاً ولا غريباً ولا مضطرب النفس، إنما اضطربت نفسه في الإسلام، لأن سماحة هذا الدين لم تمس قلبه الجاهلي العريق في جاهليته. والآخر أن أكثر ما يروى من النوادر عن الحطيئة، لو حاولنا تاريخه، يكاد يرجع إلى أيام عمر وأوائل أيام عثمان، أي إلى هذا العصر الإسلامي الخالص الذي سيطر النظام الإسلامي الدقيق فيه على حياة العرب من جميع وجوهها. فلما تقدمت أيام عثمان، وأقبلت أيام معاوية وظهر من سادة قريش وشبابها من عادوا إلى شيء من حياة فيها غير قليل من بقايا الحياة الجاهلية، اطمأنت نفس الحطيئة بعض الشيء، ولعلها ابتسمت للحياة قليلاً، فقد اتصل الحطيئة بالوليد بن عقبة بن أبي معيط عامل عثمان على الكوفة، وكان الوليد سيداً من سادات قريش، لم تكد الفرصة تمكنه حتى استأنف حياة أقل ما توصف به أنها لم ترض المسلمين، وأنها حملت عثمان على عزله عن الكوفة، بل على أن يقيم عليه حد الشراب، فيما تحدث الرواة)) (38) . لقد أجمع الرواة على وصف الحطيئة بأن كان رقيق الإسلام، وربما لحقته هذه التهمة لأسباب من أهمها: شعره في الردة، فتنسب إليه أبيات يحرض فيها قبائل العرب على قتال المسلمين. كما يهزأ فيها من خلافة أبي بكر، ويهجو القبائل التي تمسكت بإسلامها (39) . مدحه لخارجة بن حصن وقومه حينما ارتدوا عن الإسلام، ومنعوا الزكاة وقاتلوا المسلمين (40) . حنينه إلى الجاهلية ويظهر ذلك جلياً في مديحه لشبث بن حَوْط (41) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 غلبة شعر الهجاء عليه، ولشدة وقع هجائه كان يخشاه الناس. كما أن معظم شعره يعكس صورة الأخلاق والعادات والتقاليد الجاهلية (42) . مجون الحطيئة ويعبر عن ذلك سخريته واستخفافه بشرائع الإسلام وأوامره. ويعكس ذلك شعره في حادثة سكر الوليد بن عقبة، ووصيته إن صحت، فقد أوصى بماله للذكور دون الإناث ‍! فقالوا له: إن الله لم يأمر بهذا! فقال: لكني آمر به. ومع أننا لا نستبعد أن الرواة قد تصرفوا وزادوا في هذه الرواية، إلا أن أصلها يظل شاهداً على استهتار الحطيئة ومجونه (43) . ولا تختلف نظرة الدارسين المحدثين عن نظرة القدامى، فالكل يصف الحطيئة بضعف العقيدة ورقة الإسلام. فطه حسين يرى أن الحطيئة ((اتخذ لنفسه من الإسلام رداء، لم يشك الرواة في أنه كان رقيقاً جداً يشف عما تحته من حب الجاهلية وإيثارها والحزن الشديد عليها)) (44) . ويلخص درويش الجندي موقف شعراء البادية من الدعوة الإسلامية فيقول: ((كانوا يقفون موقف الحياد والتربص، وكانوا يخشون انتصار هذه الدعوة التي تعمل على دك الصروح الجاهلية وتغيير قيمها ومثلها التي كانوا يعيشون في ظلالها بالتكسب بالشعر مدحاً وهجاء، وليس ذلك من وسائل الكسب المشروع في الإسلام، فلما كان ما يخشون من انتصار هذه الدعوة اضطروا إلى الدخول فيما دخل فيه الناس من دعوة الإسلام، ومنهم من اطمأن قلبه بالإيمان ككعب بن زهير، ومنهم من كان ضعيف العقيدة رقيق الدين كالحطيئة الذي ما كادت حروب الردة تشعل نيرانها حتى خلع ربقة الدين معاديا للإسلام بقلبه ولسانه، فلما استقرت الدعوة من جديد دخل في الإسلام مرة أخرى وحاول في ظلال الإسلام أن يسلك وسيلته الجاهلية في العيش، فتقلبت به الأحوال بين النجاح والإخفاق)) (45) . ويشير الدكتور الجبوري إلى المعاني الإسلامية في شعر الحطيئة، فيرى أنها لا تعني أن الحطيئة كان ذا حظ من الدين والورع (46) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 ويجمع عدد من المستشرقين على أن الحطيئة وإن أقلع عن الردة وعاد إلى الإسلام، فقد ظل رقيق الدين. ويتفقون على أن حياته زينها مؤرخو الأدب بنوادر مختلفة تصور أنه ساخر ماجن، ومسلم رقيق الدين (47) . ويرى شوقي ضيف أن الرواة بالغوا في اتهام الحطيئة بفساد الدين، قد يكون رقيقه، ولكنه ليس فاسده، فقد كان يستشعره في الهجاء بشهادة لسانه، فحينما عرض للزبرقان لم يقذع في هجائه بل مَسَّه برفق وعمد إلى التهكم والسخرية بمثل قوله يخاطبه: [البسيط] دَعِ المكَارِمَ لا تَرْحَلْ لبُغْيَتِها واقعُدْ فإنَّكَ أنت الطَّاعِمُ الكَاسِي ويعقب شوقي ضيف على ذلك بقوله ((ولا شك في أن الإسلام هو الذي خفف من حدة لسانه)) ومعنى ذلك أن الإسلام لم يظل بعيداً عن روح الحطيئة، بل أخذ يرسل فيها مثل هذه الإشاعات النيرة (48) . وعلى أن الرواة أجمعوا على وصف الحطيئة بأنه كان رقيق الدين، فإن الدارسين يكادون يجمعون على أن ما وصلنا من أخباره قد زاد فيها الرواة وتوسعوا. وربما كان لتلك الأخبار التي صاحبت ولادته ونشأته، أثر في تلك الأحكام التي أطلقت عليه، فنسبه متدافع بين قبائل العرب، وصفه الأصمعي فقال: بأنه مغموز النسب (49) وقال عنه ابن الكلبي ((كان الحطيئة مغموز النسب وكان من أولاد الزنا الذين شرفوا (50) وقد كان الحطيئة يشعر بتلك العقدة، فقد زعم الجاحظ أن الحطيئة لقي الزبرقان بن بدر، فسأله من أنت؟ قال: أنا أبو مليكة، أنا حسب موضوع (51) ! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 وتزامنت شهرة الحطيئة مع ظهور الإسلام، ولم تكن له به قدم راسخة، فقد اتصل بالحياة الإسلامية متأخراً، وكان أثر الدين في شعره خافتاً ضعيفاً، وامتدت به الحياة إلى عصر الراشدين، وظل ينظم شعره كما كان أسلافه يفعلون في الجاهلية يمدح السادات ويهجوهم، ويثير العداوات والنعرات وكان حريصاً على العادات الجاهلية ولم يلتزم بالعادات الإسلامية التي كان الخلفاء يحرصون على غرسها في نفوس الشعراء. ولعل هذا كان من أقوى الأسباب التي جعلت الإخباريين يضيفون إليه أخباراً فيها قدر كبير من المبالغة والتزيد، ويتناقلونها دون تمحيص. لهذا يبدو أن الحطيئة كان ضحية لتلك الروايات التي جعلت منه إنساناً شريراً يخشاه الناس ويتقون شره. وعلى الرغم من كل تلك الروايات التي تتهم الحطيئة برقة الدين، ولؤم الطبع، والبخل، ودناءة النفس. نقف له على شعر يكشف فيه عن نفس تواقة إلى التوبة، لا ترى السعادة بجمع المال ومتاع الدنيا، إنما السعادة الحقيقية في التقوى والعمل الصالح (52) كما أن من يطالع شعره يقف له على أبيات تصوره إنساناً رقيق القلب عطوفاً على امرأته وبنيه وبناته (53) كما أن هذا الشاعر الذي غلب عليه الهجاء، كان فيه على الرغم من كل ما يروى عنه نوازع كريمة. فقد كان يثني على من يحسن إليه، ويعترف بفضله ولا ينكره، ولهذا امتنع عن هجاء أوس بن حارثة الطائي حينما دعي إلى ذلك (54) . هذه الصور عن شخصية الحطيئة والتي لا تخلو من الملامح المتناقضة، تدفعنا إلى تصحيح تلك الأحكام التي أطلقت عليه وتجعلنا نحذر الانسياق وراء الأخبار التي حشدها الرواة وتناقلوها عن أخلاقه وطباعه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 وفي عصر الراشدين حال الخلفاء بين الشعراء وبين نزعاتهم وأهوائهم. فقد وجهوا الشعر وجعلوه في خدمة الدعوة وعارضوا أي شعر فيه خروج على فرائض الدين وشرائعه. وتكاد الروايات تجمع على أن الخلفاء لم يتسامحوا مع الشعراء الذين حاولوا الخروج على تعاليم الإسلام، فقد تعقبوهم وحاسبوهم، وضربوا على أيدي العابثين منهم، وألزموهم سلوك جادة الصواب والحق، نفروهم من فاحش القول ومن رفثه، ومن شعر الهجاء والتشبيب، وقد بلغ الأمر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عزل عامله على ميسان النعمان ابن عدي لأبيات قالها ذكر فيها الخمرة ووصف فيها مجالس اللهو والطرب (55) وتقدم إلى الشعراء بأن لا يُشَبب رجل بامرة إلا جُلِدَ (56) وأنكر على عبد بني الحسحاس صراحته في غزله ومجاهرته بالحب الجسدي مما ينافي الحياء العام وقال له: حينما سمعه ينشد بعض شعره ((إنك ويلك مقتول)) (57) وغَّرب أبا محجن لأنه جاهر بشرب الخمرة على الرغم من شعوره بالإثم في تعاطيها (58) وسجن الحطيئة لهجائه على الرغم من أن الحطيئة لم يقذع في هجاء الزبرقان، بل مسه برفق وعمد إلى التهكم والسخرية حينما قصر به عن بلوغ بعض المكرمات (59) وأنَّب حسان بن ثابت رضي الله عنه ووبخه حينما سمعه ينشد في مسجد رسول الله (ما كان يقول أيام الصراع بين المسلمين والمشركين (60) ، كما نهى أن ينشد الناس شيئاً من مناقضة الأنصار ومشركي قريش، وقال: في ذلك شتم الحي والميت، وتجديد الضغائن، وقد هدم الله أمر الجاهلية بما جاء من الإسلام (61) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 كان عمر رضي الله عنه حريصاً على الآداب الإسلامية، كارهاً لكل تقاليد الجاهلية، ولهذا ضَيَّق على الشاعر غير الملتزم بعض وجوه القول، فمنع نعت الخمر، ورفث القول والإقذاع في الهجاء، ونحو ذلك من الأغراض الشعرية التي لا تلتزم بالمثالية الخلقية للإسلام. لقد بدل الإسلام الحياة العربية وصاغها وفق مبادئه وتعاليمه. وقد أراد عمر من الشعر أن يكون صورة الحياة الإسلامية وتعبيراً عنها. وقد حاول شعراء صدر الإسلام الإفادة من فنهم الشعري لتحقيق هذه الغاية النبيلة. ولم يخرج عن هذا الإجماع إلا فئة قليلة من شعراء الأعراب، تمردوا على القيم والالتزام بأوامر الدين وفرائضه. وكان من أشهرهم شاعران عرفا عند الرواة بفحشهما وسوء أخلاقهما. والشاعران هما النجاشي الحارثي (قيس بن عمرو بن مالك) وضابئ بن الحارث بن أرطاة بن شهاب، من البراجم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 وقد شاع بين الرواة أن النجاشي كان فاسقاً رقيق الإسلام (62) أما أشعاره التي وصلتنا فإنها على قلتها تبرز سوء أخلاقه وطباعه، إذ تصوره قبيحاً فاحشاً يميل إلى الطيش والسفه، يهتك الحرمات، ويتمرد على القيم، ولا يبالي بمُثُل أو أعراف وكانت فوق ذلك تعبيراً عن سلوك تجاوز كل الحدود التي رسمها الإسلام من قَبْلُ للشعراء، وبدا هذا السلوك في مظاهر مختلفات: إجماع الرواة على ذلك الخبر الذي تواترت روايته في أمهات المصادر. فقد روي أنه شرب الخمر في رمضان فأقيم عليه الحد، وجلده علي رضي الله عنه مائة سوط (63) . إجماع الرواة هذا يثبت الخبر ويؤكد صحته. وفي طبيعة شعره، فقد اشتهر بالهجاء في عصر يعتبر فيه الهجاء جريمة يعاقب عليها فاعلها، ويبدو شره وسفهه في هجائه لأهل الكوفة (64) وفي هجائه لبني العجلان الذين عرفوا بتعجيل قرى أضيافهم، إلى أن هجاهم به النجاشي، فضجروا منه وسُبوا به واستعدوا عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسجنه، وقيل إنه حده (65) . واشتهر النجاشي بهجائه لتميم بن أبيّ بن مقبل (66) وعبد الرحمن بن حسان ابن ثابت (67) وقريشٍ (68) ومعاوية رضي الله عنه (69) . لقد جانب النجاشي في شعره الحياة العامة للمسلمين فجاهر بشرب الخمر في عصر لم تعد فيه المجاهرة بذلك مقبولة، وانصرف إلى الهجاء، وأحيا، رغم إسلامه، روح الجاهلية ورواسبها. وقد عكست المقطوعات الشعرية التي احتفظت بها المصادر قبح هجائه وفحشه، كما صورت رقة دينه وفساد أخلاقه، وسوء علاقته بالآخرين، وكانت امتداداً لصورة الهجاء القديم أو بعثاً لها. لقد استعاد الهجاء أنفاسه على يد النجاشي، وتحول إلى سباب وبذاءة يبلغان حد الإقذاع، ومن ذلك هجاؤه أهل الكوفة: [البسيط] إذَا سَقَى الله أرْضاً صَوْبَ غادِيَةٍ فلا سَقَى الله أرض الكُوفَةِ المَطَرَا التَّارِكين على طُهْرٍ نساءَهُم والناكِحين بِشَطَّي دِجْلَةَ البَقَرَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 والسارِقين إذا ما جَنَّ ليلُهُم والطَّالِبِين إذا ما أصْبَحوا السُوَرَا لقد حبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه النجاشي لهجائه لبني الحارث، وهدده بقطع لسانه إن عاد مرة أخرى للهجاء. إن النجاشي في هجائه بني العجلان لم يعمد إلى سباب أو شتم، بل حط من قدرهم وسخر منهم، ووصفهم بقلة الخير والخساسة واعتمد في ذلك على التصوير الحسي القائم على دلالة أخلاقية اجتماعية. [الطويل] إذَا الله عادَى أهْلَ لُؤْمٍ ودِقَةٍ فعَادى بَنِي العَجْلان رهْطَ ابن مُقْبِل قُبَيلَةٌ لا يَغْدِرُون بِذِمَّةٍ ولا يَظْلِمُون الناسَ حَبَّةَ خرْدَلٍ ولا يَرِدون الماءَ إلا عَشِيةً إذَا صَدَرَ الوُرادُ عن كُل مَنْهلٍ تَعَافُ الكِلابُ الضَّارياتُ لُحُومَهُم وتأكُلُ مِنْ كَعْبٍ وعوْفٍ ونَهْشَلِ وما سُمِّي العجْلانَ إلا لقولِهِم خُذِ القَعْبَ، فاحْطُبْ أيُها العبدُ واعْجَلِ لقد وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقفا حازماً من كل شعر يمكن أن ينبش أحقاداً مضت، أو يؤجج عداوات تثير العداء والبغضاء، وتسهم في إعادة الروح الجاهلية أو ترسخ عاداتها وتقاليدها. ولقد أخذ بالعقاب كل شاعر حاول أن يصرف الشعر عن موضوعاته التي تتصل بالحياة الإسلامية، ويعود به إلى بعض وظائفه الجاهلية التي يأباها الإسلام كالهجاء المقذع والغزل الفاحش المبتذل والمنافرات القبلية. وأمام خروج بعض الشعراء عن الإطار الخلقي الذي رسمه الإسلام حاول عمر رضي الله عنه أن يصل بالشعر إلى معادلة جديدة تربط الشعر بالحياة الإسلامية، وتحول بين الشعراء وبين الانعتاق من أوامر الشريعة وفرائضها، أو الاندفاع مع رغبات النفوس وأهوائها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 ومن شعراء الأعراب الذي وصفوا بالفحش وسوء الخلق: ضابئ بن الحارث بن أرطاة، من بني غالب بن حنظلة التميمي البرجمي. وصفه ابن سلام فقال: ((وكان ضابئ ابن الحارث رجلا بذيا كثير الشر)) (70) . وقال عنه المبرد: ((وكان فاحشاً)) (71) وحينما سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه شعره في أم ولد عبد الله بن هوذة قال ((ما أعلم في العرب رجلا أفحش ولا ألأم منك، وإني لأظن رسول الله (لو كان حياً لنزل فيك قرآن:)) (72) وساق ابن سلام وغيره من الرواة خبر حبس عثمان له لبعض جناياته ومنها (73) : - وطئ صبياً بدابته فقتله، فرفع إلى عثمان بن عفان فاعتذر بضعف بصره. - استعار كلب صيد من قوم من بني نهشل يقال له قرحان، فحبسه حولاً، ثم جاءوا يطلبونه وألحوا عليه حتى أخذوه فرمى أمهم به. - اضطغن علي عثمان ما فعل به، فلما دعي ليُؤَدّبَ شد سكيناً في ساقه ليقتل بها عثمان فعثر عليه فأحسن أدبه. وتحتفظ أمهات المصادر العربية بقدر يسير من شعر ضابئ، وهذا القدر على قلته يكفي للتدليل على صحة ما ذهب إليه الرواة. ففي بعض أبياته نقف له على معان ساقطة الفحش والإقذاع فيهما ظاهران يغنيان عن أقاويل الرواة ويكشفان عن نفس شريرة لا تتورع عن القذف والبهتان. ولعل أظهر ما يوضح أخلاق ضابئ وسوء طباعه وإسرافه في البغي والعدوان هجاؤه لأم ولد عبد الله بن هوذة. فقد أبرزت الأبيات استخفافه بالقيم الأخلاقية، والمثل العربية واندفاعه وراء السفه والبغي. والإسلام الذي أمر أتباعه بالتحلي بالأخلاق الفاضلة التي تقوم على نبذ الفواحش ما ظهر منها وما بطن، حرم الهجاء وذم الفحش. ويبدو أن رقة دين ضابئ دفعته إلى السقوط والإفحاش على هذه الشاكلة التي لا نرى أمثلة لها حتى في الشعر الجاهلي، حينما كان الشعراء يرمزون إلى ما يريدون ولا يصرحون بالمعنى الفاحش كما هو ظاهر في أبيات ضابئ (74) . [الطويل] فأُمُكُمُ لا تُسْلِموها لِكَلْبِكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 فإنّ عُقوقَ الأمَهاتِ كَبِيرُ وإنّكَ كلْبٌ قد ضَرِيتَ بما تَرى سَمِيِعٌ بِمَا فَوْقَ الفِرَاشِ بَصيرُ إذَا عثّنَتْ من آخر الليل دُخْنَةً يَبِيتُ لها فوقَ الفِرَاشِ هَرِيرُ إن هذا الشعر والنماذج الأخرى التي سقطت إلينا من شعر ضابئ بعيدة كل البعد عن فكر الإسلام وتصوره لطبيعة الشعر. فالإسلام الذي كان يستهدف الغاية الأخلاقية هذب أخلاق أتباعه، وأمرهم بالصدق في القول والعمل، وحذرهم من كل صنوف البغي، وقرن شرف المعنى في الشعر بالبعد الأخلاقي حتى في موضوع الهجاء. فالرسول (حينما دعا حسان بن ثابت لهجاء قريش أمره أن يلقى أبا بكر ((يعلمه هنات القوم)) (75) وقد جاء ذلك كله بأداء تعبيري يغلب عليه نقاء الألفاظ وعفة المعاني. وحينما تفرد حسان رضي الله عنه من بين شعراء المسلمين وأقذع في هجاء أعداء الإسلام، وعرض للعورات، وكشف السوءات كان أشد الناس بعداً عن التهافت والسقوط التي وصل إليها ضابئ في هجاء أم ولد عبد الله بن هوذة. هذا الجانب الفاحش الذي ورد في شعر ضابئ أو في شعر النجاشي عندما هجا أهل الكوفة، يعدان أمراً غريباً في ظل الإسلام وفي صدره الأول بالذات. ولعل تسامح عثمان رضي الله عنه، ولينه الذي اشتهر به شجع بعض شعراء الأعراب الذين عرفوا بضمور الوازع الديني على مثل هذا اللون من الهجاء الذي تنكره الأخلاق الفاضلة والتعاليم الدينية. إن تمزيق الأعراض وهتك الحرمات على هذه الشاكلة التي وردت في شعر ضابئ وفي شعر النجاشي أيضاً ما كان لهما أن يظهرا بهذه الصورة الجريئة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لقد ظل التلازم قائماً بين وظيفة الأدب والشخصية الإسلامية في عصر عمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 والملامح التي أبرزتها أخبار ضابئ وأشعاره تؤكد أن تعاليم الإسلام لم تتمكن من نفسه. وأنه ظل متأرجحاً بين عادات الجاهلية وتقاليدها وبين تعاليم الإسلام وأوامره ونواهيه. لقد كان شديد الصلة بالأخلاق الجاهلية، بعيداً عن المثالية الإسلامية والخلق الإسلامي. وكان مجافياً للإسلام، يبكي الجاهلية ويحن إلى تقاليدها وأخلاقها، ويرى نفسه غريباً عن المجتمع الذي يعيش فيه. يقول في هذا المعنى (76) . [الطويل] فَمَنْ يَكُ أمْسَى بالمدينَةِ رَحْلُةُ فإني وقّيار بِها لغَريبُ وفي بعض أشعاره التي سقطت إلينا من شعره يتبدى لنا ضابئ أعرابياً يميل إلى التهور والطيش والاستخفاف، فهو يستهين بالخلافة ويضطغن على الخليفة عثمان رضي الله عنه ويهم بقتله، يقول في هذا المعنى (77) : [الطويل] همَمْتُ ولم أفْعَلْ وكِدْتُ ولَيْتَنى تركْتُ على عثمانَ تَبْكِي حلائِلُه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 إن في القليل من الشواهد التي عرضنا لها من أخباره وأشعاره ما يكفي للتدليل على استخفافه بالإسلام وأهله. لقد ظل ضابئ متأرجحاً بين القيم الروحية التي تميلها عليه عقيدته وبيئته الإسلامية، وبين طباعه وأخلاقه التي جبل عليها. فهو في أخباره وأشعاره أقرب إلى الجاهلية وأخلاقها منه إلى الإسلام ونقائه وصفائه. وحينما نحاول أن نعلل ضعف الوازع الديني عند ضابئ وغيره من شعراء البادية لا نجد ما نسوغ به ذلك إلا شدة تمسكهم بأخلاقهم وطباعهم الجاهلية. فهم يقدسونها ويندفعون مع رغباتهم وأهواء نفوسهم غير مبالين بالدين وفرائضه، وذلك لجهلهم بالإسلام، وأنهم لا يعرفون حدوده، ولم يقفوا على حقائق العقيدة وأصول الشريعة، فغابت عن أكثرهم معالم الدين وحكمه ومراميه. وانساقوا وراء عادات الجاهلية وتقاليدها، وشغلوا أنفسهم بحياتهم الخاصة وابتعدوا عن جوهر الإسلام، وشرف غاياته ونبل مقاصده. فهذا ضابئ يتحلل من واجبات الإسلام ويخالف ما تفرضه العقيدة والمثل العربية والأخلاق الاجتماعية. فينتهك حرمات الأنفس والعورات، ويقذف المحصنات ويهتك أعراضهن ويهم بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، مستهيناً بسلطان المسلمين ونقمتهم وغضبهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 ومن خلال العرض السابق لسيرة الشعراء الستة الذين تقدم ذكرهم، تبين لنا وجود عناصر غريبة في سلوكهم تتعارض مع سماحة الإسلام وقيمه. فهم جميعا أدركوا الجاهلية وعاشوا بها ردحاً من الزمن، وامتد بهم الأجل طويلاً في الإسلام حتى أدركوا زمن الأمويين.وكان عليهم أن يلائموا بين حياتهم السابقة وبين ما حدث من تحولات جسيمة في المجتمع العربي بعد ظهور الإسلام. ومع ذلك لم تبرأ نفوسهم من ظلال الجاهلية، ولم تبدل الدعوة الكثير من المفاهيم التي توارثوها فظل ذلك يعيش معهم في حياتهم الجديدة في الإسلام. ومعنى هذا أن إسلامهم لم يعدل من مواقفهم الفردية، ولذلك لم يستطيعوا أن يتقيدوا بحدوده، أو أن يمتثلوا لأوامره ونواهيه. فهم كما يبدو قد طبعوا على الشر وكلفوا به وانصرفوا إليه وقد وجدوا في الشعر متنفساً لهم يعبرون فيه عن غربتهم في الإسلام، وسخطهم على قيمه وتعاليمه. وخلاصة القول فإن أبا الطمحان القيني جمع إلى لصوصيته المجون والفسق. وإذا كان قد أقلع عن اللصوصية في الإسلام لكبر سنه. فإن حياته في ظل الإسلام لم تخل من لهو وعبث يصل أحياناً إلى حد الخلاعة والمجون. وإذا كانت ليلة الدير، كما ذكر، هي أدنى ذنوبه فكيف يمكن أن نتصور أقصاها وأكثرها سوءاً. إن هذا الخبر الذي تواترت روايته يمثل تطرف أبي الطمحان في الإسلام وإيثاره لحياة اللصوصية. والتمرد على القيم والأخلاق والأعراف كما أن شعره على قلة ما وصل إلينا منه يعبر عن نوازع قلقه وغربته عن المجتمع الذي يعيش فيه وحنينه إلى مظاهر حياته في الجاهلية. أما شبيل بن ورقاء فقد ضاق صدره بالإسلام ولذلك أنكر على ابنته حينما أمرته بالصوم في شهر رمضان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 أما ابن مقبل فلم يتعمق الإسلام نفسه ربما الجاهلة ولذلك لم يجد حرجاً في أن يوجه شعره في الإسلام ليمجد به عادات الجاهلية وتقاليدها ويجعلها دائماً حاضرة في ذهنه. ولا يهتم بالإسلام ويتحدث عنه إلا فيما ندر. وقد وجد في البادية ملجأ يلوذ به، ويفلت به من أعين الرقباء. وإذا تجاوزنا هؤلاء الشعراء إلى الأسماء الأخرى نجد أن الحطيئة قد ارتد بعد إسلامه وشارك بشعره في حركة الردة وأعان به المرتدين ضد أبي بكر رضي الله عنه، ثم أدركته التوبة مرة أخرى. ومع ذلك ظل حتى آخر حياته موثراً لحياة الجاهلية، ونافراً من الحياة الإسلامية. واللحظات الأخيرة في حياته تصور مجونه واستهتاره، وتظهره رجلاً رقيق الدين. يسخر وهو على فراش الموت من فرائض الدين، ولا يعتد بما أمر الله به. وتدل كل إجابة في وصيته – إن صحت نسبتها إليه – على معنى مخالف للإسلام. فوصيته بماله للذكور دون الإناث تخالف صريح ما نصت عليه آية الميراث في سورة النساء (78) وحينما راجعوه وقالوا له: إن الله لم يأمر بهذا‍! أجاب لكني آمر به (79) وإلى جانب ذلك ظل الحطيئة حتى آخر حياته كلفاً بالشر، فقد تغير كل شيء من حوله في ظل الإسلام إلا نفسه، فقد نفرت من الحياة الإسلامية وآثرت عليها حياة الجاهلية لما فيها من لهو وحرية. ولهذا لم يجد حرجاً من مخالفته لأوامر الدين، وعدم التزامه بأحكامه وتعاليمه. وتطورت الأحداث السياسية منذ مقتل عثمان رضي الله عنه، ووجد بعض الشعراء متنفساً لهم في تلك الفتنة التي مرت بالجماعة الإسلامية، فانحرفوا عن جادة الدين والخلق. فالنجاشي الحارثي لا يلقى بالاً بحد من حدود الله، ولا يشعر بذنب أو خطيئة وهو يقبل على الخمرة ويحتسيها في رمضان. بل يمضي في تهتكه واستهتاره بالإسلام وقيمه. ويمثل في شعره سقوطاً آخر، يتجاوز فيه كل الحدود التي رسمها الإسلام للشعر. فالهجاء الذي كان يلقى معارضة شديدة من الخلفاء لأسباب دينيه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 يجد فيه قيس بن عمرو متنفساً له يخص به أتقياء الكوفة وقراءها. ويصور ذلك في هجاء مقذع يحتقر فيه أولئك الذين كانوا يكثرون من الصوم والصلاة وقراءة القرآن. أما ضابئ بن الحارث البرجمي، فقد قاده فحشه وشره إلى السجن وإقامة الحد، ثم انتهى به أخيراً إلى القتل. وهكذا تبين لنا من سيرة هؤلاء الشعراء الذين تقدم ذكرهم. أنهم مطبوعون على الشر، يغلب على أشعارهم الهجاء. فطائفة منهم لا تبالي في الوقوع في أعراض الناس، وأخرى يظهر من سلوكهم أنهم لا يحترمون تعاليم الإسلام وفرائضه. وقد برهنوا من خلال تلك الروايات والأشعار التي تقدمت الإشارة إليها من قبل، أنهم جميعاً يتصفون برقة الدين وقلة المروءة. وفي نهاية هذا البحث بقيت لي كلمة لا بد من الإفصاح عنها وهي: أدرك أن الخوض في أمور تمس العقائد والسلوك الاجتماعي، أمر شائك وصعب، فيه مزالق كثيرة، يجد المسلم نفسه في غنى عن الخوض فيها وفي تتبعها. وتزداد الأمور صعوبة وتعقيداً حينما تكون تلك الشخصيات قد عاشت في عصر مفضل، ومنهم من هو في عداد الصحابة رضوان الله عليهم – مثل – (أبو الطمحان القيني حنظلة بن شرقي) الذي ترجم له الحافظ بن حجر في (الإصابة 2/183) وعدد من الصحابة الذين أدركوا النبي (ولم يروه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 وهذه الدراسة لا تسعى إلى إثبات التهم التي تناقلها الرواة عن الشعراء أو رفعها عنهم، بل هي إلمامة إخبارية. قصد من حصرها وإيرادها عرضها وإخضاعها للدراسة من خلال الموازنة بينها وبين ما نسب إلى هؤلاء الشعراء من نصوص لا تخلو من صور انحراف في السلوك والأخلاق تتنافى مع طبيعة المسلم وفطرته. صحيح أن الذي وصلنا من هذه النصوص قليل، وبذلك تظل الصورة غير كاملة، ولهذا فلا بد أن نحذر من الانسياق وراء تلك الروايات التي لم تمحص من قبل. فمهما تناقل الرواة ومهما كان في شعر هؤلاء الشعراء من إسراف أو خروج على تعاليم الإسلام فإن هذا لا يحملنا على عدم الإنصاف في الحكم بسبب تلك الروايات أو تلك الأشعار التي تصور قلق الشعراء واضطرابهم وخروجهم على حدود الأخلاق والدين. الحواشي والتعليقات الطَّمَحان بفتح الطاء والميم بعدها حاء مهملة. فَعَلان من طمح بأنفه وبصره إذا تكبر والقين: الحداد، وكل صانع قَيْنٌ، والقين أيضاً موضع القيد من البعير. محمد بن يزيد المعروف بالمبرد، الكامل في اللغة والأدب ط ليبيسك، (بيروت، مكتبة المعارف، د. ت) ، ج 1 ص 30. عبد الله بن مسلم بن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق أحمد محمد شاكر (القاهرة. دار المعارف، 1966م) ج1، ص 388. وانظر: عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون (القاهرة، مكتبة الخانجي، 1400هـ 1981م) ج 8، ص ص 94 – 96. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 أبو الفرج بن علي بن الحسين الأصفهاني، كتاب الأغاني، (القاهرة، مصورة عن طبعة دار الكتب، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، د. ت) ج 13، ص 3. الخارب: سارق الإبل خاصة، ثم نقل إلى غيره اتساعاً قال الجوهري: خرب فلان بإبل فلان يَخْرُب خِرَابَة مثل كتب يكتب كتابة أي سرقها، وخرب فلان: صار لصاً. إسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، ط2، (بيروت دار العلم للملايين 1399هـ 1979م) ج 1، ص 119. عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري، سمْط اللالى في شرح أمالي القالي، تحقيق عبد العزيز الميمني، ط2 (بيروت، دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، 1404هـ، 1984م) ج1، ص 332. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق علي محمد البجاوي (القاهرة، دار النهضة مصر للطبع والنشر، د. ت) ج2، ص 183. ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1، ص 0388، الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج 13، ص 7، البغدادي، خزانة الأدب ج 8، ص 94. أبو هلال العسكري، ديوان المعاني (بيروت، عالم الكتب، د، ت) ج2 ص 161، الشريف المرتضى علي بن الحسين، أمالي المرتضى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، (بيروت، دار الكتاب العربي، 1387هـ 1967م) ج1 ص 257. ابن حجر العسقلاني، الإصابة، ج2، ص 184، أشعار اللصوص وأخبارهم، جمع وتحقيق عبد المعين الملوحي، ط2 (بيروت، دار الحضارة الجديدة، 1993م) ص ص 64، 77. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج 13، ص 12، أحمد بن محمد الحسين المرزوقي، ديوان الحماسة، نشرة أحمد أمين وعبد السلام هارون، ط2 (القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1388هـ 1983م) ج3، ص 1266. علي بن حسن البصري، الحماسة البصرية، تحقيق مختار الدين أحمد، ط3، (بيروت، عالم الكتب، 1403هـ – 1983م) ج 1، ص 281، أشعار اللصوص وأخبارهم، ص ص 73، 76. الشريف المرتضى، أمالي المرتضى، ج1، ص 260، أشعار اللصوص وأخبارهم، ص 78. عبد الله بن مسلم بن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1، ص 452. محمد بن الحسن بن دريد، الاشتقاق، تحقيق عبد السلام محمد هارون، (القاهرة، مطبعة السنة المحمدية 1378هـ 1958م) ص 232. محمد بن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمود محمد شاكر (القاهرة، مطبعة المدني، 1394هـ 1974م) ج 1، ص 150. تميم بن أبي بن مقبل، ديوان ابن مقبل، تحقيق الدكتور عزة حسن (دمشق، مطبوعات مديرية إحياء التراث القديم 1381هـ 1962م) ص 132. ديوان ابن مقبل، ص ص 137، 138. ديوان ابن مقبل، ص ص 140، 141. ديوان ابن مقبل، المقدمة، ص ص 12، 13. ديوان ابن مقبل، المقدمة، ص ص 13، 14. ديوان ابن مقبل، ق 3، ص ص 11 – 21. ديوان ابن مقبل، ق 42، ص ص 335 - 346. الحسن بن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد (القاهرة مطبعة السعادة، 1374هـ 1955) ج2، ص 152، ج2 ص 814 (تحقيق محمد قَرْقزان) . ديوان ابن مقبل، ص 14. ديوان ابن مقبل، ص 17. ديوان ابن مقبل، ص 346. ديوان ابن مقبل، ص ص 24، 25. ديوان ابن مقبل، ص ص 72، 76. ديوان ابن مقبل، ص ص 267، 272، 273. الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج1، ص 157. ابن سلام، طبقات فحول الشعراء، ج1، ص 110. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1 ص ص 325، 326، الإصابة ج2، ص ص 177، 178. ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص 322. دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي، ترجمها عن الألمانية والإنجليزية والفرنسية عبد الرحمن بدوي، ط1 (بيروت دار العلم للملايين، 1979 م) ص 161. ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج 2، ص 176، الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 157. الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 157، ابن حجر، الإصابة، ج 2، ص 176، البغدادي، خزانة الأدب ج 2، ص 407. ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص 322. الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 163، وانظر الخبر أيضاً في الخزانة، ج2، ص 408. طه حسين، حديث الأربعاء، ط 8، (القاهرة، دار المعارف، د. ت) ج 1، ص 134. وانظر شوقي ضيف العصر الإسلامي (القاهرة، دار المعارف د. ت) ص 99. وانظر مقدمة ديوان الحطيئة، تحقيق نعمان أمين طه، ط1 (القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، 1378هـ 1958م) ص 51. شوقي ضيف، العصر الإسلامي، ص ص 95، 96. طه حسين، حديث الأربعاء، ج 1، ص ص 131، 134. الحطيئة، جرول بن أوس، ديوان الحطيئة، تحقيق نعمان أمين طه، ط 1، (القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، 1378هـ 1958م) ص 329، محمد بن يزيد المبرد، الكامل، تحقيق محمد أحمد الدالي، ط1 (بيروت، مؤسسة الرسالة 1406هـ 1986م) ج 2، ص ص 509، 510. ديوان الحطيئة، ص 47. ديوان الحطيئة، ص ص 51 – 52. ينظر في هذا أخباره مع أشراف أهل المدينة، ومع عتبة بن النهاس العجلي، وحينما نزل ببني مقلد ابن يربوع، الأغاني ج2، ص ص 164، 167، 178، وانظر أحمد بن محمد بن عبد ربه، العقد الفريد، تحقيق أحمد أمين وآخرين، ط 3 (القاهرة، لجنة التأليف والترجمة، 1384هـ 1965م) ج1، ص ص 283، 284 وديوان الحطيئة، ص ص 66، 329. ديوان الحطيئة، ص ص 233، 237، 355، 358. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 حديث الأربعاء، ج 1، ص 129. درويش الجندي، الحطيئة البدوي المحترف، ط1، (القاهرة، مكتبة نهضة مصر، 1382هـ 1962م) ، ص 66. يحي الجبوري، شعر المخضرمين وأثر الإسلام فيه، (بغداد، مكتبة النهضة، د. ت ص 244) . دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي، ص 192، نالينو، تاريخ الآداب العربية من الجاهلية حتى عصر بني أمية، ط2، (القاهرة، دار المعارف، 1970م) ، ص 110، بلاشير، تاريخ الأدب العربي، ترجمة إبراهيم الكيلاني، ط2، (دمشق، دار الفكر، 1404هـ 1984م) ج2، ص 361. شوقي ضيف، العصر الإسلامي، ص ص 99، 97، 100. الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 163. الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 158. المبرد، الكامل، ج 2، ص 715، الأغاني، ج 2، ص 171. ديوان الحطيئة، ص 393. الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج 2، ص 177. ديوان الحطيئة، ص 86. [الطويل] من مبلغ الحسناء أن حليلها بميسان يسقي في زجاج وحنتم إذ شئت غنتني دهاقين قرية وصناجة تجذو على كل منسم لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا بالجوسق المتهدم إذا كنت ندماني فبالأكبر أسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم فلما بلغ عمر (رضي الله تعالى عنه) ، قال: والله إنه ليسوءني تنادمهم، فمن لقيه فليعلمه أني قد عزلته. وكتب في عزله فلما قدم عليه، قال: والله يا أمير المؤمنين، ما صنعت شيئاً مما ذكرت، ولكني أمرؤ شاعر، أصبت فضلاً من قوله فقلته فقال عمر: ((والله لا تعمل لي عملاً أبداً)) . أحمد بن يحيى البلاذري، أنساب الأشراف، تحقيق محمد حميد الله، (القاهرة، معهد المخطوطات بالاشتراك مع دار المعارف 1959م) ج 1، ص 127. قال ابن عبد البر في خبر له، قال: حدثنا محمد بن فضالة النحوي، قال: تقدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشعراء ألا يشبب رجل بامرأة إلا جُلِد، فقال حميد بن ثور: [الطويل] أبي الله إلا أن سرحة مالك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 على كل أفنان العِضَاة تروق فهل أنا إن عللت نفسي بسرحة من السرح موجود على طريق يوسف بن عبد الله بن محمد عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق على محمد البجاوي (القاهرة، مطبعة نهضة مصر، د. ت) ج1، ص 378. يقال سمعه عمر بن الخطاب ينشد [الكامل] ولقد تحدر من كريمة بعضهم عرق على جنب الفراش وطيب فقال له إنك مقتول. ويقال إنه أنشد عمر القصيدة اليائية وفيها: [الطويل] توسدني كفاً وتثني بمعصم عليَّ وتحنو رجلها من ورائيا فقال عمر: إنك ويلك مقتول. ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، 409. إذا مت فادفني إلى جنت كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنَني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مِت أن لا أذوقها ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 4، ص 1746، ابن حجر، الإصابة، ج 7، ص 263. ديوان الحطيئة، ص 206. ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 1، ص 345. ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 1، ص 345. ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1، ص 329، سمط اللالى، ص 890، ابن حجر، الإصابة، ج6، 493 البغدادي، خزانة الأدب، ج4، ص 76. ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص ص 329، 330، البكري، سمط اللالى، ص 890، ابن حجر، الإصابة ج 6، ص 492، البغدادي، خزانة الأدب، ج 4، ص 76. ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص 330. ابن رشيق، العمده، ج 1، ص 52. ابن سلام، طبقات فحول الشعراء، ج 1، ص 150. الزبير بن بكار، الأخبار الموفقيات، تحقيق سامي محمد العاني، ط2، (بيروت، عالم الكتب 1416هـ، 1996م) ص ص 198، 201، 206، 208. الزبير بن بكار، الأخبار الموفقيات، ص 199، وابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص ص 332، 333. نصر بن مزاحم، وقعة صفين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط3 (القاهرة، مكتبة الخانجي، 1401هـ 1981م) ص ص 58 – 59، 307، 372، 524 – 526. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 ابن سلام، طبقات فحول الشعراء، ج 1، ص 172. محمد بن يزيد المبرد، الكامل، تحقيق محمد أحمد الدالي، ج 1 (بيروت، مؤسسة الرسالة، 1406هـ 1986م) ج 2، ص 502. معمر بن المثنى، نقائض جرير والفرزدق، تحقيق أ. بيفان من منشورات كيمبرج 1905م واعتمدت على نسخة مصورة عن هذه الطبعة قامت بتصويرها دار الكتاب العربي، بيروت، دون تاريخ ج 1، ص 230، وانظر البغدادي، خزانة الأدب ج 9، ص 326. معمر بن المثنى، نقائض جرير والفرزدق، ج 1، ص ص 219، 222 ابن سلام طبقات فحول الشعراء، ج1 ص ص 171 – 175، المبرد، الكامل، ج 2 ص ص 502، 503 البغدادي، خزانة الأدب، ج 9، ص ص 324، 327 معمر بن المثنى، نقائض جرير والفرزدق، ج 1، ص 220. الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج 4، ص ص 138، 137. معمر بن المثنى، نقائض جرير والفرزدق، ج 1، ص 220. معمر بن المثني، نقائض جرير والفرزدق، ج 1، ص 221. سورة النساء، آية 11. ديوان الحطيئة، ص 356. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 المسافة بين الشعر ............................ والفكر ((أحمد جمال نموذجاً)) د. جميل محمود هاشم مغربي الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة الملك عبد العزيز ملخص البحث يتجلى الفرق بين طبيعة الشعر، كتجربة إبداعية، وطبيعة النثر، كعملية عقلية، بصورة أكثر وضوحاً، لدى أولئك الأدباء الذين استهلوا حياتهم بالدخول إلى الأدب عبر بوابة الشعر، ثم قيّض الله لهم الانتقال إلى عالم الفكر، وما يستتبعه من ممارسة عقلية، تنأى به عن عالم الشعر، وما يكتنفه من خيال وتجنيح، إلى عالم الفكر وما يقتضيه من وضوح ومباشرة، وجدلية تتطلع إلي الإقناع عبر الحجة والدليل. ولم يكن اختيار اجمد جمال باعتباره المثال الوحيد في بابه، ولكن باعتباره نموذجاً واضحاً بين الأدباء السعوديين لحالة الشروع في قرض الشعر، على نية الاستمرار فيه من خلال إطلاق اسم (الطلائع) على ديوانه الأول والوحيد، ثم إغلاق الباب على موهبة الشعر، والانتقال الى ميدان الفكر، والعكوف على الدراسات المتشعبة عنه. واقتضى ذلك مواكبة مرحلة التكوين والإرهاصات الشعرية الأولى لأحمد جمال، إلى ان استوت تلك الموهبة على سوقها، وتبلورت مرحلة الشعر في حياته. وتعين قبل الوصول الى عالم الفكر، ان نعبر الجسر الفاصل بين الحقلين، فوقف الباحث أمام قضية نقدية هامة لمناقشة طبيعة الشعر، وطبيعة النثر، وإيراد آراء وأقوال النقاد، من قدماء ومعاصرين، حول مظاهر الاختلاف بين الشعر والنثر وخصائص لغة كل منهما، وتوظيف الخيال في الشعر، والركون إلى الحقائق والأدلة في النثر. ثم حاول البحث تلمس بواعث انتقال أحمد جمال من الشعر إلى النثر، دون ان يغفل التمثيل على هذا الانتقال بنموذجين بارزين سبقا أحمد جمال إلى نفس المسار، وهما الأستاذ مصطفى صادق الرافعى، والأستاذ سيد قطب، رحمهم الله جميعا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 ثم أفضى البحث الى حقبة الفكر في حياة أحمد جمال، وهى المرحلة التي كرّس لها قدراً كبيراً من جهده، ومنحها جلّ وقته واهتمامه، فانتج فيها عدداً من المؤلفات في ميادين الثقافة الإسلامية، وقضايا الفكر الإسلامي، وشئون المسلمين. واقتضت معالجتنا وتحليلنا لهذه المرحلة إيراد بعض النصوص من مؤلفاته كاملة دون ابتسار، خشية الإخلال بالإطار العام، وحرصاً على ان يقف القارئ الذي لم تتح له فرصة الاطلاع على مؤلفات الأستاذ أحمد جمال الوقوف على تلك النصوص كاملة، إذ لا يكفى الحكم مع غياب النص. وإيراده كاملاً وإن طال أجدى من ابتسار النص والإخلال بالقصد وحفزنا على ذلك القناعة بان هيكلية كل بحث تنبع من داخله وخطته يرسمها مدلول البحث نفسه. وانتهى البحث إلى عقد موازنة بين أحمد جمال ومن شاركه في انتهاج النهج نفسه، وهما المرحومان الرافعى وسيد قطب، كشفت عن اتساع مساحة الاهتمام والإسهام الفكري لأحمد جمال حيث شملت التفسير وعلوم الحديث والدراسات الفكرية والاجتماعية وقضايا الأقليات المسلمة، وغير ذلك. بينما انحصرت جهود سيد قطب في نطاق التفسير البياني والدراسات البيانية، وتصدى الرافعى لمهمة الدفاع عن القضايا التي تمس العقيدة، ومكونات الفكر الإسلامي، مع استمرار إسهامه في القضايا الأدبية. وهى موازنة لا تقدح في جهودهما، ولا تمسّ المكانة السامية التي ظل يحظى بها ولا يزال كل منهما، في الجانب الأدبي، أو في إسهاماتهما في الدراسات الإسلامية كعلمين مميزين في كل منهما. ثم رست سفينة البحث على مرفأ النتائج. • • • المقدمة: تناقش هذه الدراسة ظاهرة انتقال الأدباء من دوحة الشعر التي استهلّوا بها حياتهم الأدبية إلى دوحة النثر وما يتفرّع عنها من دراسات دينية وفكرية واجتماعية وتربوية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 وانتقت الدراسة الأستاذ أحمد جمال، رحمه الله، كنموذج يتمحور حوله البحث، لما يمثّله نتاجه من سمات تجسد بعض ملامح هذه الظاهرة، حيث استهلّ حياته الأدبية شاعراً في ديوانه الطّلائع، ثم عزف عن قول الشعر، وعكف على الدراسات الدينية وما يتشعّب منها من اتجاهات، كالتفسير، والسيرة، النبوية (على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم) ، والقضايا الفكرية، والتربوية، والاجتماعية، والاقتصادية، وتعيّن تبعاً لذلك استعراض البواعث التي حدت بالشعراء للانتقال من الشعر، ليتحولوا إلى عالم الفكر والدراسات، دون عودة إلى نبع الشعر. كما اقتضى ذلك وقفة خاصة، لاستعراض طبيعة الشعر، وتبيان خصائصه المميزة كعملية خلق لغوي ترتكز على الخيال كعنصر فعّال في توليد الصور، وبلورة الأحاسيس، والمشاعر، وتحديد الفوارق بينه وبين النثر الذي يقوم على الوضوح، والمباشرة، ومحاولة الوصول إلى الفكرة، بعيداً عن الغموض، والاستغراق في الخيال، معتمدين في ذلك على آراء وأقوال أبرز النقاد من مختلف العصور الأدبية، قديمها وحديثها، انتهاء بآراء النقاد المعاصرين. وإذا كان احمد جمال نفسه يذهب في تعليله لهجر الشعر، إلي عالم النثر، بعدم طاقته على الانحباس لنظم بيت من الشعر، بسبب ازدحام الحياة بأسباب هذا الانصراف عن نظم القوافي، وتصيد كلمات القافية الواحدة، ومراقبة الوزن … بما يشبه المخاض كما سيتضح فيما بعد، فان البحث يتجاوز هذا التعليل دون ان يغفله إلى رؤية نقدية تشمل المباينة بين لغة الشعر ولغة النثر والفوارق الوظيفية والتاثيرية لكل منهما بما يستدعي توظيف الخيال في الأول والحرص على المباشرة والوضوح في الثاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 وقد استحضرت هذه الدراسة نموذجين بارزين سبقا أحمد جمال في الانتقال من عالم الشعر إلى عالم النثر، ونجحا في الجنسين الأدبيين، وهما الأستاذ سيّد قطب، والأستاذ مصطفى صادق الرافعي، رحمهما الله، مع الاستشهاد بعمل من أعمالهما في كلّ من الشعر والنثر، ليتسنى الوقوف على الخصائص الأسلوبية، والملامح الفنية، والاتجاهات الفكرية لكل شخصية، بما يتيح تشكيل صورة كاملة، ووضع تصور واف، بما يخدم الموازنة من جانب، ويقتضي الاقتضاب بما يتواءم مع طبيعة البحث. ثم أردفت ذلك باستعراض التوجّهات الفكرية التي أبحر قلم الأستاذ أحمد جمال في عبابها، لتبيان المساحة الفكرية التي ساحت فيها يراعته، وتقديم صورة كلية لتوجهاته الفكرية، بما يكشف عن غزارة إنتاجه، وتنوع الموضوعات التي طرقها، من تفسير وسيرة وتربية وفكر واقتصاد، وإبراز السمات والخصائص الأسلوبية لكل فرع طرقه، ليفضي بنا ذلك إلى تحديد النتائج بعد الموازنة. ويتعيّن أن أشير إلى أن سمة الوضوح التي يتصف به فكر أحمد جمال، اقتضت النزوع نحو الاستشهاد، وإيراد النصوص كاملة، وعدم ابتسارها، لتقديم صورة كلّية واضحة تفصح عن ملامح فكره، وتوجهه الأسلوبي، باعتباره من الشخصيات الأدبية التي تحبذ الوضوح والجلاء في تناول القضايا الفكرية التي تشرئب نحو الإقناع والتأثير، وهو بذلك يريح الباحث من خلال تقديم نفسه واضحاً وجلياً، فلا يعوز الباحث سوى قليل من الجهد عند الاستنباط، وإعمال الفكر، للوصول إلى المرامي والأهداف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 وذلك يتجانس مع طبيعة البحث القائم على الموازنة وإبراز الخصائص ويخالف رغبة الباحث الراغب في أن يظل صوته متصلاً دون خفوت. لذلك لم يتجانس هذا التوجه مع رغبتي في البحث، ولكنه تساوق مع مقتضيات المنهج العلمي، خاصة في الجانب الفكري من نتاج أحمد جمال، إذ خفت صوتي فيه كثيراً، وعولت فيه على الاستشهاد بأقوال الشخصية. ومرد ذلك هو طبيعة المنهج العلمي، الذي اختطّه أحمد جمال لنفسه، بانتقاله من واحة الشعر الوارفة الظلال والأخيلة، إلى عالم الفكر المتوهج والمشرق، بما لا يستدعي تدخّل الباحث بالتحليل والاستنباط إلا باليسير من الجهد والاستنتاج إذ أسهم الأستاذ جمال في تقديم رؤاه وأفكاره، واضحة جلية، خاصة وأنه يغمس يراعته في بحوث في مجالات الفكر، والدراسات الإسلامية بما يقتضي الوضوح والائتلاق للوصول إلى الإقناع والتأثير. وحرص البحث على مناقشة كل موضوع وجزئية بتجرد وحيدة سائلاً الله عز وجل أن يلهمنا الصواب في القول والعمل، مستمطراً إياه شآبيب الرحمة والمغفرة، على أرواح وأر ماس هؤلاء الأعلام،وأن يجعل ما قدموه في موازين أعمالهم، وقد حلوا بساحة أكرم الأكرمين. التكوين والإرهاصات: يتسنم الكاتب والمفكر الإسلامي أحمد محمد جمال ذروة إعجاب متنام،كمحصّلة للاهتمام الذي كان يحفه من قارئيه ومحبيه، ويتبوأ منزلة فريدة، قلّ أن يحظى بها مضارعوه من أرباب اليراع، ليس لأنه مفكر نذر نفسه وفكره وقلمه لقضايا عقيدته، مناقشة ودفاعاً وتحليلاً فحسب، بل لأنه إضافة إلى ذلك، استهل حياته منذ يفاعته، منتهجاً سبل التوجه الإسلامي قولا وعملا ومبدأ، متجافياً عمّا يخدش هذا المسار، ويمسه بشائنة، أو ظن، مقتنعاً بأن القدوة هي أنجع السبل للاقناع والتوجيه، محققا بذلك التضامن الرائع، بين المنهج والسلوك كوسيلة مثلى تغري الآخرين بالمحاكاة والاحتذاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 وللتدليل على ذلك من حياة أحمد جمال، فلقد قيض له أن يمنى بداء الربو مع صداع شديد في العقد الثاني من حياته، وأخذ يلتمس الدواء ليبلّ من مرضه، فعرض نفسه على الأطباء، فنصحه أحدهم بأن يتجرع شيئا من الخمر، ليبرأ من دائه، فاندهش أحمد جمال لذلك، وتحركت شاعريته بقصيدة حول مرضه، منها قوله في الرد على وصفة الطبيب المحرّمة، حيث قال: زعم الطبيب بأن بالصهباء تشتدّ أعصابي ويحسم دائي فرفضتها وأنا المريض ولم أكن لأريد بالخمر الحلال دوائي آمنت أن الله لم يجعل لنا فيما نهانا عنه أيّ شفاء آمنت أن الله سوف يقيمني من علّتي فبه عقدت رجائي وبحرمة الله التي عظّمتها تشتدّ أعصابي ويبرأ دائى (1) وعزوفاً عن اليسير، وحرصاً على التحدي والإصرار، يدلف أحمد جمال إلى عالم الأدب عبر بوابة الشعر، متنكباً عن بوابة النثر التي عُرف بها فيما بعد، ويذكر الاستاذ محمد على الجفرى على لسان الاستاذ احمد جمال، في ترجمته لحياته في كتابة (الاديب المكى) : إن ديوان الشاعر العراقي معروف الرصافي هو أول كتاب قرأه وحفظ منه القصيدة التالية: يا قوم لا تتكلّموا إنّ الكلام محرّم ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوّم ودعوا التفهُّم جانباً فالخير أن لا تفهموا وتثثبّتوا في جهلكم فالشرُّ أن تتعلموا أما السياسة فاتركوا أبدا وإلاّ تندموا لا يستحقّ كرامة إلاّ الأصم الأبكم وإذا ظُلمتم فأضحكوا طربا ولا تتظلّموا (2) ولعلّ ديوان الرصافي كان من المحفّزات التي قادته إلى أن يستهلّ حياته بكتابة الشعر، كما بدأها بقراءة الشعر. كما كان للمناخ الذي عاشه أحمد جمال دورٌ وتأثيرٌ في اتجاه بوصلته الأدبية صوب الشعر، فلقد سأل خدنه وصديقه على امتداد مراحل العمر، عبد العزيز الرفاعي (رحمه الله) حينما جمعتهما مقاعد الدراسة، عن قراءته (فقال: عبث الوليد قال أحمد جمال: وما عبث الوليد؟ قال الرفاعي: أحد مصنفات فليسوف العربية الكبير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 قال جمال: ومن هو؟ قال الرفاعي: أبو العلاء المعري طبعا. قال جمال: وما موضوعه؟ قال الرفاعي: كتاب يتحدث عن البحتري الشاعر. قال جمال: وأنت تقرأ كتابا كهذا؟! . قال الرفاعي: أصارحك القول، إنني حاولت أن أفهم ماذا يريد أن يقول أبو العلاء، فاستعصى على فهمه. فقد كانت لغته ومحتواه فوق مستواي، ولكني أكابر نفسي بأنني قرأت أبا العلاء المعري) (3) . ولقد بدا من تأثير صداقة الرفاعي لأحمد جمال، وكذلك ارتباطه الحميم بشقيقه الذي يكبره سناً صالح أنهم كانوا يرتادون المجالس الأدبية، فنما نتيجة لذلك تطلّع أحمد جمال في أن يصبح شاعرا تنصت لشعره الأسماع، وترحل به الركبان، مثل شوقي وحافظ إبراهيم (4) (رحمهما الله) ، ولعل صدى ذلك الإعجاب بشوقي والاهتمام المبكر بشعره يتجلّى في قيامه بتشطير بيت له وهو: (أكذب نفسي عنك في كل ما أرى) وأهزأ بالواشي إذا جاء يوقع أصمّ لدى لغو العواذل مسمعي (وأسمع أذني فيك ما ليس تسمع) (5) ومن المعروف لدى المتخصصين من الباحثين والدارسين ان الأدب العربي عرف ظاهرة الجمع بين الشعر والنثر لدى جمهرة من الأدباء كالمعري الذي تعاطي الشعر في ديوانيه (سقط الزند) في مرحلة الصبا و (اللزوميات) في مرحلة النضج وضم إليهما أعماله النثرية (رسالة الغفران) و (رسالة الصاهل والشاحج) و (رسالة الملائكة) و (الفصول والغايات) (6) . وليس آخر هؤلاء الأدباء العقاد الذي جمع بين الشعر والنثر، لكن المفارقة تكمن في الأدب الحجازي، والذي دأب أدباؤه على الجمع بين الشعر والنثر في الأغلب والأعم، إذ استهلّ أحد أكثر شعرائه شهرة أعماله بكتاب نثري، وهو الأستاذ محمد حسن عواد في (خواطر مصرحة) (7) ، واستهلّ أحد أشهر كتابه ولغوييه ومفكريه، وهو الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار حياته الأدبية بإصدار ديوان شعري هو (الهوى والشباب) (8) . حقبة الشّعر: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 ويتجانس مع هذا التوجه ما حدث من انتقال في حياة الأستاذ أحمد جمال الذي عُرف بالأعمال الفكرية العديدة والدراسات الدينية المتعاقبة فقد استهلّ حياته الأدبية والفكرية شاعراً، إلى جانب إسهاماته في الأجناس الأدبية الأخرى. فلقد أصدر في مطلع شبابه ديواناً ضمّ العديد من القصائد والمقطوعات الشعرية، التي نشرت من قبل في صحف المملكة ومصر وغيرهما، وسمّاه (الطلائع) (9) واسم الديوان ينطوي على مفارقة تكمن في أن هذه الطلائع لم يردفها الشاعر بتوابع تلحق بها، فقد انقضّت الطلائع على مدلولها واستحالت كما قال الشاعر نفسه إلى (الخواتيم) إذ لم يتسن للشاعر - بإرادته - أن ينشر، ولعله لم ينظم بعدها شعراً، يدلّل على استمرار اهتمامه بهذا الجنس الأدبي، لا لضمور في المقدرة الشعرية أو نضوب في معينها الممدّ والمتدفق، بل لسبب جلي وواضح، يسهل عزوه إلى عكوف أديبنا على قضايا الإسلام والأمة الإسلامية. ولذلك حينما قام نادي مكة الأدبي بإعادة نشر هذا الديوان، عمد إلى نشره تحت مسمى جديد، وهو (وداعا أيها الشعر) ، في إشارة من الشاعر إلى تغيير مساره الفكري والثقافي، حيث يبين بواعث هذا التغيير بقوله: (أما أنا فهذا بعض شعري الذي قلته منذ صباي ثم شبابي، وقد سميت الطبعة الأولى من ديواني (الطلائع) لأني كنت أحسب أني سأظل شاعراً، وأقول الشعر في مختلف مجالات الحياة وأحداثها ومسالكها. ولكن الله عز وجل أراد غير ذلك، فوجّهني إلى أدب الدراسات الإسلامية، فكتبت فيها المقالات، وألّفت الكتب، وألقيت المحاضرات ودرستها لطلاب الجامعة، في مكة المكرمة وجدة، وفي المؤتمرات الداخلية والخارجية. وبذلك التوجيه الذي أراده الله لي، كانت (الطلائع) (الخواتيم) ولكنها ذكريات عزيزة (10) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 والأمر يمثل ظاهرة تضاهي المنافسة المعروفة -بشد الحبل- ويكون الخاسر فيها في الأغلب والأعم هو الشعر فلقد دلف من بوابة الشعر الأستاذ مصطفى صادق الرافعي والأستاذ سيد قطب ثم عادا ادراجهما ليلجا بوابة الدراسات الإسلامية. والمرء يكمن قدره فيه، ويتوارى بين طيّات نفسه، حتى يتزامن مع أوان حينه، لينبلج على أديم الواقع متجسداً وملموساً، ومن يقرأ شعر أحمد جمال بعين ناقدة نافذة، ورؤى مستقبلية تتخطى تلال الزمان، وتستشرف غده، ليستطيع القطع بأن الشاعر سيتوقف عند مرحلة محددة، وسيسلم العصا -على غرار إبطال سباق التتابع- للكاتب والمفكر الإسلامي. فالتوجه الديني والخلقي سمة تلتمع بين ثنايا شعر يمثل صبا الشاعر ويفاعته، وهي فترة تمثل فورة التمرّد والجموح لدى أقرانه من الشعراء، وخير ما يمثل الشاعر في هذه الحقبة، قصيدته التي يرد بها على شاعر رمز لنفسه ح، س ولعله الشاعر الأستاذ حسين سرحان، الذي نظم قصيدة في خمسة عشر بيتا جاء فيها. ذكرتك والسحر الغريب مرفرف على شفتيك الّلعس أو خدك الدامي ومنها: مضى لك يوم في صباك محجّل ويا ربّ يوم في الغرام كأعوام ويا ربّ عطف لان منك على يد منزّرة النعمى مكثّرة الذّام ومنها: وفي كلّ نفس من غرورك بضعة تلوح وتخفى في جلاء وإبهام فأنشأ الأستاذ أحمد جمال قصيدته المعنونة ب (إفك مدفوع) وهو عنوان له دلالته المتجذّرة في الثقافة الإسلامية ويقول فيها: رميت أخاك العفّ في عرضه السامي فوا بؤس مرمي، ويا بئس من رام زعمت خلاف العقل والنقل أنني فتى مثل اترابي أسام لمستام وما ظفرت بالوصل مني خشارة ولا سقيت في الحب من فيضي الطامي ولا لان عطفي - وهو صعب- على يد منزّرة النعمى مكثّرة الذّام وأصوب ما أحجوه أنك ناضح بما فيك.. هل ما فيك نبعة إجرام فلو جئت تستفتي صحائف حاضري وغابرتي، أعظمتني أيّ إعظام حبست صباي الغض للدرس، أستقي من المنهل الأقصى لا ملأ أيامي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 فأي فتى لا يملأ الجدُ يومه يلم بأرجاس الصبا أيّ إلمام وكم أقدمت صوبي (ظباء) فمسّني هواها مساس النور … لامس إظلام فأكرب أن تقتادني سورة الهوى إلى نيل ما يبذلن بغية إكرامي فأذكر نفس وهي أمّالة العلا فارتد طوع النفس عن زور آرامي عناق. وتقبيل. وشكوى. ومعتب مشاغل أدريها عن المطمح السامي ستضحك عياباً علىّ حصانتي وترجم آمالي بخبل والآمي فأنت غريب اللب إلا عن الهوى هوى العيش تبغيه لذاذة آثام رويدك ما الدنيا علالة بائس وليست كما تحجو علالة مجرام لباس هي الدنيا لجان ومحسن سيجزيهما بالعدل أحكم علاّم فمن كان عريان الحجى في معاشه سيكسى بأخراه غلالة إضرام وما أنا لولا أن أتيت بظنّة مسوّأة - مدّاح نفسي لأفدام عفا الله عما نلت مني بفاحش من الشعر واستبقي عن السوء إحجامي (11) وبعض عناوين القصائد يكرّس ما ذهبنا إليه، ويشي بهذا البرق الذي سيعقبه مطر هتّان من الدراسات الإسلامية، فهي تتراوح بين ذكر (ثور) ، أي الجبل، (عام بأية سلم جئت يا عام) ، والقصيدتان ارتبطتا بمسمى اتحد في إطار (من وحي الهجرة) ثم العنوان التالي لقصيدة كان حقها السبق وهي (الحجُ أسمح فرصة) ثم (لم نبن دنيا ولا دينا حميناه) وهو عنوان مستقى من آخر أبيات القصيدة، ثم تقفوها مجموعة من القصائد والمقطّعات ك (بكاء ودعاء) و (ابتهال في الحرب) و (تضرعات) و (صلاة) و (شكوى) . ينتظمها فصل من الديوان سماه الشاعر (صلوات وتسابيح) ، وبحسب القارىء هذه الأسماء والمضامين صوى وإشارات، تدلّ على المنحى الإسلامي بين دفتي الديوان. على أن هناك بعض العناوين ذوات الصيغ الدينية وإن تجافت القصائد مضموناً عن تحقيق توجهات مسمياتها، مثل (الجبرية في الحب) و (مصير الرياض المغفلات) و (معدلة الأقدار) و (زجر) و (مذهبي) و (انتقام) و (صبر على جبر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 ورغم ما نمّت عليه من توجهات دينية والتزام خلقي دلالات هذه العناوين ومسميات هذه القصائد والمقطّعات إلاّ أن الشاعر استطاع تحقيق المعادلة التي توخاها والمرمى الذى استهدفه فطافت شاعريته رياض الشعر المخضوضرة وجابت آفاقه المتوردة كقوله: قسماً ما استطبت بعدك حبا يا حبيبا قد طاب بعدا وقربا ذكرياتي وذكرياتك ذخري من هناء الشباب قبلا وغبّا (12) دون أن يفقد الشاعر سمات الالتزام الذي ضربه على شاعريته، ودون أن يندّ عن المسار الذي اختطّه لنفسه، كما في قوله في قصيدته هجر بهجر: أذكر فما زلت مذكارا لسالفنا أيام ألفتنا … ساعات نجوانا أيام كنت توافيني على شغف فنختلي وعفاف الحب طيعانا (13) إلا أن هذا العقال لم يكن ليتواءم مع انطلاقة الشعر النافرة، فأفضى الى ما جسده طرفة في قوله: لكالطّول المرخى وثنياه باليد بيد أن أخطر القضايا التي ينطوي عليها شعر أحمد جمال، وتستوجب التأمّل والدراسة - في نظري- تتصل بمعجمه اللغوي الثري والمتنامي، وقدرته الفذة على التوليد والاشتقاق، بما يرتقي به إلى معارج التسمية بالشاعر الخلاق، فاللغة لديه لم تكن أسيرة القوالب النمطية، والصيغ المحكية، والعبارات التقليدية، رغم أنها سمة تفشت في تلك الفترة، ولم يفلت من زمامها إلا قلّة من الشعراء المبدعين، وبوسعك أن تلحظ بعض الصيغ والمفردات فيما قرأته من نماذج شعره، كقوله: (أسام) (لمستام) (منزرة) (ما أحجوه) (غابرتي) (فأكرب) (أمالة) (أدريها) (تحجوه) (مجرام) (مسوّأة) (طيعانا) لتتحقق من أن الشعر واللغة خسرتا بانحسار شاعرية الشاعر وجزرها عن الامتداد إلى عوالم أرحب تثري من خلالها المحتوى اللغوي، وتضيف إلى المعجم الكثير من الدلالات والتراكيب المخصبة والمتوالدة في نماء وازدهار، شأن الشعراء الذين كان يتبعهم اللغويون ليتلقفوا ما ابتكروه وأبدعوه من دلالات وصيغ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 وفي الديوان الكثير من النماذج والشواهد على بنى الألفاظ التي منحها الشاعر دفقة الحياة بإعادتها للاستخدام، ووهبها القدرة على الحركة، بعد أن كانت مواتا متوارية في المعاجم وكتب اللغة. وبوسعنا أن نقرر مطمئنين، أن السدّ الذي بناه الأستاذ أحمد جمال ليحول دون استمرارية تيار شاعريته وتدفقه، كان أمراً حتمياً، رغم قدرته على استمرار جريانه وتدفقه إلى جانب بقية التيارات، التي حفل بها قلمه ورعاها فكره. ولكن المتأمّل يتبيّن له تعذّر الجمع بين التيار الشعري وتوجه الفكر الإسلامي، فالشعر يتمحور حول الخلق اللغوي ويستلزم ضربا من التهويم والتحليق في عوالم الخيال وغابات الألفاظ، ومن أخص سماته أنه يستدعى قدرا من الغموض الذي تمليه طبيعته كما يستنتج ذلك أشهر دارس للغموض وليم أمبسون (William Empson) في كتابه المشهور (Seven Types of Ambiguity) . حيث يقول: (ان الغموض ليس مطلباً لذاته، ولا يعتد به كخدعة نسعى الى ايجادها ولكنه يتولد من الحالة الخاصة التى تبرر وجوده) (14) . لكي تتاح للقارىء فرصة إعمال الفكر والإسهام في خلق نصّه الخاص به والمتشكّل من خلال قراءته، وفق المنهج المعروف نقديا بمعاودة القراءة (Re-Reading) ، ولن ننأى عن ذلك بعيدا في الاستشهاد والتمثيل، اذ سنورد قصيدة لشاعرنا يفوق عنوانها مضمونها غموضا، وهي قصيدة (مؤوف) ، ويقول فيها: جمالك يغري العقل بالسبح في الهوى فبادرة الوجدان أعذر في السبح جمالك يوحي بالثناء لماهر أجادك تذكارا على بارىء سمح ولكن سراً فيك.. ينهش علمه فؤادي ويمتاح المدامع للسفح إذا الوردة الفيحاء سيم صيانها بكف أثيم الكف تعجل للصوح وتأنف أنف الطيبين شميمها ويرتدّ عنها الطرف يبخل باللمح أخي-وندائي ها هنا عطف اّسف- على بلبل يستبدل الطين بالدوح لهاتك بالذكر الأجلّ شجية محبّبة الترتيل بالسّنح والبرح وصوتك رقّاص الترانيم موفز عواطف مروىّ العواطف للنضح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 ووجهك ومّاض التقاسيم يطّبي تغزّل مكبوح التغزّل للجمح فليتك من حسن بخلقك بائن وخلقك- للحسن المروئي تستوحي أخي-وهتافي ليس توليف آبد- فما ائتلف البحران: عذب إلى ملح ولكنني - من حيرتي فيك - ابتغي لديك بيانا سوف اطويه في جنحي ترى الزين لا يؤتى الكمال؟ أم العلا محال على نبت الجرافات في السفح أم الزارع السهران أغفى بربوة فئيفت قطوف الباغ بالفلح والقدح أم الجذر معلول اللقاح فسارب إلى الفرع؟ أم ماذا؟ وويحك أم ويحي (15) بينما عالم الفكر الإسلامي الذي نذر أحمد جمال له نفسه يتسم بالوضوح والجلاء، فألق أفكاره، وسُطوع حججه مسألتان تستلزمهما اللغة وظيفيا لتبيان الخصائص والمزايا، ولمقارعة الحجة بالحجة، بل وحتى في مسائل التوعية وقضايا التنوير، يستدعي الأمر أن يصل ألق الفكرة عبر شعاع اللفظ مؤتلقاً جلياً، لا لبس فيه ولا غموض، إلى فئات تتباين ثقافتها ويتدرج وعيها، وتتفاوت درجة تقبلها، لتتضح الرؤية، وتستبين المسائل المتفاوتة غموضا ووضوحا. طبيعية الشعر وطبيعة النثر: عكف بعض الباحثين من النقاد على دراسة طبيعة الشعر وطبيعة النثر، وأما الشعر، فهو كما وصفه الناقد محمد مندور بقوله: (وأما الشعر فإنه بمجرد أن اهتدى إليه الإنسان أصبح فناً جميلاً، لا يُستخدم لأغراض الحياة العادية، بل ينظم بطريقة خاصة ولأهداف خاصة) (16) . ويعمّق هذا المفهوم باللجوء إلى الموازنة بين طبيعة الشعر وطبيعة النثر الدكتور عز الدين إسماعيل، حينما ينسب بتحفظ الانفعالات إلى الشعر، والأفكار إلى النثر، في قوله: (فالشعر هو الصورة التعبيرية الأدبية الأولى التي ظهرت في حياة الإنسان منذ العصور الأولى. وهذه الأقدمية ترجع إلى أنه كان في تلك العصور ضرورة حيوية بيلوجية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 إنه الطريقة الوحيدة التي اهتدى إليها الإنسان بحكم تكوينه البيلوجي والنفسي للتعبير والتنفيس عن انفعالاته. ومنذ ذلك الوقت تحددت لذلك الفن خصائص، استطعنا أن نتبينها في وضوح عندما ظهر أسلوب آخر للتعبير واستخدام اللغة هو النثر، فقد لوحظ أن الإنسان قد اهتدى إلى هذا الأسلوب، عندما أراد أن يعبر عن أفكاره، ومن هنا ارتبطت (الانفعالات) بالشعر، و (الأفكار) بالنثر. ولكن الخطأ في الفهم يأتي عادة من النظر إلى (الانفعالات) و (الأفكار) على أنها أشياء متعارضة أو متناقضة. وهذا من شأنه أن يجر إلى أخطاء كثيرة في فهم الشعر والنثر على السواء. وليس هناك تعارض، بل هو مجرد اختلاف) (17) . وهذا التقسيم بين ميداني الشعر والنثر، وربط الشعر بالانفعال والنثر بالأفكار، جال بأذهان بعض الباحثين، لارتباطه بنشاط المبدع وقدراته في التأثير على المتلقي، وتولد معه التساؤل: (إذا كانت أهمية الشعر نابعة من طريقته الخاصة في تقديم المعنى، وتأثيره في المتلقى، فهل ينحصر دوره في إحداث نوع من المتعة الشكلية الذهنية الخالصة، فيعجب المتلقى -مثلا- ببراعة الشاعر، ومهارته في الدلالة على معانيه فحسب؟ أم أن دور الشعر يتجاوز حدود هذه المتعة، ليصل إلى إثارة انفعالات المتلقي، إثارة خاصة تفضي به إلى اتخاذ وقفة سلوكية محددة؟ إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة تساهم - بلا شك - في معرفة تصور الناقد القديم لحقيقة الدور الذي يمكن أن يقوم به الشعر في المجتمع الإنساني، وتكشف في نفس الوقت عن تعدد الأدوار التي تعطي للشعر أهميته كنشاط إنساني متميز) (18) . وكأن تأثير الشعر في المتلقي ها هنا يشكل انعكاساً وامتداداً للمفهوم المتوارث حول أثر الشعر في متلقيه عند القدماء. وكما يصوره ابن طباطبا بقوله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 (فإذا ورد عليك الشعر اللطيف المعنى، الحلو اللفظ، التام البيان، المعتدل الوزن، مازج الروح ولاءم الفهم، وكان أنفذ من نفث السحر، وأخفى دبيباً من الرقى، وأشد إطرابا من الغناء فسلّ السخائم، وحلل العقد، وسخّى الشحيح، وشجّع الجبان وكان كالخمر في لطف دبيبه وإلهائه، وهزّه واثارته، وقد قال النبي (: (إن من البيان لسحرا) (19) . ونقطة الالتقاء بين المبدع والمتلقي، تكمن في جوهرها في ميدان النص، والمتشكل من النسيج اللغوي، وما يلونه من أخيلة وصور، ولذلك ينبه في الفصل بين لغة الشعر ولغة النثر الدكتور مصطفي ناصف، حتى في المواطن التي تستدعي المناداة بقيم أخلاقية، بقوله: (وما ينبغي أن نخلط التعبير المباشر عن القيم الخلقية بالتعبير الفني، إن الشاعر لا يصف الفضائل ولكنه يعانيها، وقد اتسع ديوان الشعر العربي لتعبيره المتواتر، بتلك الطريقة، عن الآداب والاخلاق، ثم نضبت الصورة الشعرية في كثير من النماذج لأن وصف الفضائل والآداب غاية لا تتصل في كثير بالمعاناة والتجربة التي يلح عليها المحدثون في التفرقة بين الشعر والنص الخلقي والعلمي والفلسفي) (20) . وهو ما يكرّسه بإيضاح الدكتور عز الدين إسماعيل، ملخصا آراء الناقد الأمريكي المعاصر دونالد استوفر، حيث يقول: (اللغة في الشعر هي أول ظاهرة تحتاج إلى النظرة. وواضح أن لغة الشعر تختلف عن لغة العلم والفلسفة، فالعلم والفلسفة في حاجة إلى لغة تصل إلى الهدف مباشرة أو توصل إليه. ولا بأس في الاستغناء عن اللغة المألوفة إذا وجدت اللغة التي تؤدي إلى هذا الهدف من أقرب طريق كما هو الشأن في لغة الجبر (أ+ ب = ج مثلا) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 أما اللغة في الشعر فلها شأن آخر، إن لها شخصية كاملة تتأثر وتؤثر وهي تنقل الأثر من المبدع إلى المتلقي نقلا أميناً. وليست المسألة مجرد نقل أمين فحسب، ولكنه النقل الأمين عن المبدع عندما يفكر أولاً وقبل كل شيء باعتباره فرداَ. لذلك كانت لغة الشعر ممتلئة بالمحتوى الذي تنقله نقلا أميناً. وهي بعد لغة فردية في مقابل اللغة العامة التي يستخدمها العلم. وهذه الفردية هي السبب في أن ألفاظ الشعر أكثر حيوية من التحديدات التي يضمها المعجم. والألفاظ الشعرية تعين على بعث الجو بأصواتها. فالعلاقة بين الأصوات في الشعر - كالموسيقا تماما - يمكن أن تثير متعة تذوق الانسجام الحي، سواء بالأجزاء المكررة أو المنوعة أو المتناسبة. والكلمة الشعرية لذلك يجب أن تكون أحسن كلمة تتوافر فيها عناصر ثلاثة: المحتوى العقلي، والإيحاء عن طريق المخيلة، والصوت الخالص، ويجب أن يكون اتصالها بالكلمات الأخرى اتصالا إيقاعيا يؤدي هذا التلوين الإيقاعي إلى الغاية المطلوبة) (21) . وإدراك أحمد جمال للتفريق بين وظيفة الشعر ووظيفة النثر لكي يحدد المنهج الذي يسلكه، لم يكن عسيراً، لتغلغل التفريق بين ماهية الشعر، وما هية النثر، في عمق تربتنا الثقافية، فلقد ناقش حازم القرطاجني في (المنهاج) الفوارق بين الماهيتين، متكئاً على آراء الفارابى وابن سينا، مبيناً ورود الكذب في الشعر، والذي يفسره بالخيال في قوله: (فلذلك كان الرأي الصحيح في الشعر أن مقدماته تكون صادقة وتكون كاذبة، وليس يعدَّ بعد شعراً من حيث هو صدق ولا من حيث هو كذب بل من حيث هو كلام مخيّل) (22) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 ويستفيض في إيضاح هذة النقطة الدكتور محمد جابر عصفور بقوله: (تخاطب الفلسفة - شأنها في ذلك شأن العلم - الجانب العقلي الخالص من المتلقي بلغتها المجردة، وبقضاياها أو بحججها الصحيحة التي تعتمد - أكثر ما تعتمد - على البرهان. أما الشعر فإنه يخاطب بمخيلاته - وقد تكون صادقة أو كاذبة، موجودة أو ممكنة أو ممتنعة - الجانب الذاتي من المتلقي. وإذا كانت الفلسفة تخاطب الجانب العقلي الخالص من المتلقي، فلا بد أن تقترن لغتها بالوضوح البالغ والتحديد الصارم الذي لا يترك مجالاً للاختلاف أو الإبهام أو اللبس، أما الشعر، فلأنه يخاطب الجانب الذاتي من المتلقي لا يتحقق فيه الوضوح أو التحديد على نحو ما يتحققان في المستويات الفلسفية. بل ربما كان الغموض مطلوباً في الشعر، ما دام يؤدى وظيفة داخل سياق القصيدة) (23) . وباختصار فإن الفكر عالم عقلاني، والشعر عالم خيالي، والفكر يصور أو يعالج الواقع القائم والمتجسد، بينما يستهدف الشعر تحسين الواقع وتزيينه، من خلال عملية خلق لغوى، أو تقديم تجربة لغوية، وهذا ما يفسّر أو يفسّر به موقف أفلاطون في جمهوريته، حينما اصطفى من الشعر ما يؤدي وظيفة تربوية، أو بعبارة أكثر دقة، اصطفى من الشعراء من لا تؤدى أساطيرهم إلى إفساد النشء (24) . بواعث الانتقال من الشعر إلى النثر: وهذا ما يفسر أيضاً انتقال الكثير من الشعراء ذوى النزعة الدينية العميقة، والعاطفة العقدية الكامنة، إلى الضفة الأخرى من النهر، مع أول بارقة تلوح وتحاول المساس بالعقيدة ومكوناتها أو بالمجتمع الإسلامي وأعرافه وقيمه، كسرب الظباء حينما يستوفز ويتحفز مع بارقة الخطر التي تلوح في أفق عالمه الساكن الوديع، كي يعود إلى الموقع الآمن بمنأى عن الخطر، ويترقب ويراقب من يتربصون للإيقاع به في شراكهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 فكأن مرحلة الشّعر تمثل الهدوء الذي يسبق العاصفة، أو هي بتصوير آخر مرحلة الاسترخاء والاستجمام، المقصود به التهيؤ لخوض عمار معركة، أو الاشتراك في منازلة، أو منافسة رياضية. وإن شئت من منظور آخر، فهي مرحلة تسخين، كما ينتهجها الرياضي استعداداً للنزال والتنافس، ليحظى بالتفوق في مباراته. أو هي فترة التدريب، ليتسنى للكاتب أن يحقق ارتفاع منسوب اللغة في معجمه، وتوسيع مقدرته اللغوية، من خلال الاستفادة من المرحلة الشّعرية بالتوليد والاشتقاق. فالشاعر أقدر على خلق اللغة من الناثر، وتحوير استخدام اللغة بما تتيحه أنظمتها من اشتقاق ونحت وتركيب. فحاجة الشاعر للّغة تفوق حاجة الناثر، فهو يحاول خلق لغة مطواعة، يهيمن عليها في مواجهة قيود الشعر الفنية وتخطى حواجزها الموسيقية. فالشعر يحتاج إلى لغة خاصة تتجانس مع إيقاعيته، وتغطي مختلف موضوعاته ومناسباته المختلفة، التي نعني بها مناخ القصيدة من عاطفة في الرثاء والحب، إلى النبرة الخطابية في الحماسة والتحفيز، أو الجزالة والفخامة في الفخر. فاللغة في الشّعر تتجانس مع مناخ القصيدة ومضمونها، وعنصر الخيال يظل الجذوة التي يقتبس منها الشاعر لإيقاد فكرته. واللغة في الشعر إشاريّة تعتمد على الاختزال والرمز والإيماء والإيحاء، وتتباين في ذلك عن لغة النثر، المتميزة بالشفافية والوضوح والمباشرة في الوصول إلى الهدف المتوخى. ولما كانت هذه اللغة، أعني لغة الفكر الإسلامي، والقضايا الإسلامية، لغة حسم ووضوح، فإنها تتفاوت وظيفياً صراحة ورقّة، بحسب مقتضيات الدور الذي ينيطه الكاتب بنفسه، وبحسب مناخ الخطر الذي يكتنف الكاتب، وبعبارة أدق وأشمل، يكتنف معتقده وقيمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 وأحمد جمال من حيث الحدة والصرامة الأسلوبية ورقتها وشاعريتها كمعيار، يتبوأ منزلة وسطى بين شاعرين انتقلا إلى مخيم الفكر الإسلامي، هما الأستاذ مصطفى صادق الرافعي، والأستاذ سيد قطب (رحمهما الله) . رحلة الرافعي من الشعر إلى النثر: من المفارقة العجيبة أن الرافعي الذي غرق واستغرق أدبه وفنه في رومانسية مغرقة في التراخي والحلم الحزين وهموم الذات، إن لم يكن باعثها حبه وهيامه بمي زيادة، كما اتهم بذلك (25) ، فتأجّج الولوع بالمدرسة الرومانسية ربما كان يكمن خلف ذلك، فقد كانت تشهد أوج ازدهارها في مناخنا الأدبي، وانعكست على صفحة شعره كما في قوله (26) : نرى النهر ينساب عن شاطىء ليجريه الشاطىء المستقر كذا يتدافع بحر الحياة فإنّ له رحمة الله بر لآمنت يا ربُّ مثل الصغير وراء الوجود أبوه الأبر نفرّ من الهمّ في زعمنا ولكنه هو منّا يفر ومنذ رأى في السماء الغيوم تقيم بها أبداً لا تمر؟ وهل في الوجود سوى سائر تدافع: شيء لشيء يجر فمن عرف الكون عرفانه ففي كل حال له ما يسر تعيش على الأرض جرذانها فكيف تعيش وفي الأرض هر؟ لعمرك ما تستقرّ الهموم تقيم بها أبداً لا تمر ومنذ رأى في السماء الغيوم على مؤمن روحه فيه حر وفي الدهر يسر وفي الدهر عسر وفي العمر حلو وفي العمر مر ولكنها حركات الحيا ة منها الحياة لنا تستمر ويأتي الشتا أغبراً كالحاً لأن الربيع به مستسر فلا دام في نفعه نافع ولا دام في ضرّه ما يضر ومنذ رأى في السماء الغيوم تقيم بها أبدا لا تمر فكن مرحاً لا تقر الأسى فعادة كلّ أمرىء ما يقر وما سر حظّك إلا لديك بلى!! فرح القلب للقلب سر تعود الحياة هلاكا لمن أراد الحياة على ما يصر فخذها حصى إن تكن من حصى ودرّا إذا كان في الحّظ در ومنذ رأى في السماء الغيوم تقيم بها أبداً لا تمر؟ ولا تزد الشر في وهمه بوهمك.. ذانك شرّ وشر خفاف السحاب تطير البروق وترمى الصواعق إذ تكفهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 وهذي الهموم كمثل النساء يضاعفهن خيالُُ يغُر حصاة.. يثقّل بالقلب من توهمها جبل مشمخر ومنذُ رأى في السماء الغيوم تقيم بها أبدا لا تمر؟ وهي قصيدة رومانسية، تشف عن نزعة إيمانية كامنة، لا يعسر الاهتداء إليها، وتتبع خطوطها بين ثنايا القصيدة وبين غيوم المناخ الرومانسي. فكأنها الغلاف الذي يشفّ عما تحته، كما تشي بتلك الرومانسية بل وتوحي بها عناوين كتبه. ومن أراد أن يرسم لوحة لأدب الرافعي يتعيّن أن يحتضن إطارها مسارين مميزين يحكمان مسيرة الرافعي الأدبية: 1- الاتجاه العاطفي ويتجلى في الرومانسية التي انطوت عليها كتبه مثل (أوراق الورد) و (حديث القمر) و (السحاب الأحمر) الذي يقول فيه: (رأيت وجه فتاة عرفتها قديما في ربوة من لبنان ينتهي الوصف إلى جمالها ثم يقف، كنت أرى الشمس كأنما تجرى في شعرها ذهبا، وتتوقد في خدها ياقوتاً، وتسطع في ثغرها لؤلؤة، وكنت أرى الورد الذي يزرعه الناس في رياضهم، فإذا تأمّلت شفتيها، رأيت وردتين من الورد، الذي يزرعه الله في جنته، وكانت لها حينا خفّة العصفور، وحينا كبرياء الطاووس، ودائما وداعة الحمامة المستأنسة، وكانت روحها عطرة، تنضح نفح المسك إذا تشامت الأرواح العزلة بالحاسة الشعرية التي فيها. وكنت إذا رأيتها بجملة النظر من بعيد، صور لها قلبي من الحسن، والهوى ما يموت فيه موتةً ثم يحيا، فإذا جالستها وأمعنت النظر فيها رأيتها في التفصيل شيئا بعد شىء، كما أنظر نجما بعد نجم بعد نجم: كلها شعاع وكلها نور وكلها حسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 وما نظرت مرة إلى النساء حولها إلا وجدت من الفرق بينها وبينهن ما يتضاعف من جهتها عالياً عالياً، ويتضاعف منهن نازلاً نازلاً، كأنه ليس في الأمر إلا أنها أخذت من السماء ووضعت بينهن. هي كالفتنة المحتومة تنبعث إلى آخرها فليس منها شيء إلا هو يحسّن شيئا ويشوق إلى شيء، وبعضها يزين بعضها. لقد تراخى الزمن بي وبها! فلو عدت لأحصيت مائة وخمسين قمرا منذ فارقتها، وما أحسب الأرض إلا انصدعت بيننا عن اقيانوس عظيم من الزمن، تملؤه الأيام والليالي فلا يخاض ولا يعبر ولا ينظر فيه أهل ساحل أهل ساحل غيره. وعلى أن هذا الزمن قد محا في قلبي من بعدها واثبت، فلا تزال تنشقّ لها زفرة من صدري كلما عرضت ذكراها، كأن القلب يسألني بلغته. أين هي؟ والقلب الكريم لا ينسى شيئا أحبه ولا شيئا ألفه، إذ الحياة فيه إنما هي الشعور، والشعور يتصل بالمعدوم اتصاله بالموجود على قياس واحد، فكأن القلب يحمل فيما يحمل من المعجزات بعض السّر الأزلي الذي يحيط بالأبعاد كلها إحاطة واحدة، لأنها كلها كائنة فيه، فليس بينك وبين أبعد ما مر من حياتك إلا خطوة من الفكر. هي للماضي اقصر من التفاتة العين للحاضر. ليس بجمال إلا ذلك الروح الذي يرفع النفس إلى أفق الحقيقة الجميلة، ثم ينفخ فيها مثل القوة التي يطير بها الطير ويدعها بعد ذلك تترامى بين أفق إلى أفق، فإما انتهى المحب إلى حيث يصير هو في نفسه حقيقة من الحقائق، وإما انكفأ من أعاليه وبه ما بالطيارة الهاوية: دفعت راكبها إلى حيث ترمى به ميتا أو كالمغشي عليه من مس الموت) (27) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 وجوهر المفارقة يكمن في أنّ الرافعي مزّق غلالة الرومانسية التي كان يتوشّح بها، لينبري فجأة كالفارس الكميّ الشاكي السلاح، ليجرّد حسام اللغة، ويقوّم سنان حروفه، في مواجهة الدكتور طه حسين حينما ألف في عام 1926م كتابه (في الشعر الجاهلي) ، والذي أصدره في العام الذي يليه بعنوان (في الأدب الجاهلي) وتبنّى فيه نظرية (رينيه ديكارت) في الشك المفضي الى اليقين، وإن كان طه حسين قد ضخّم في حقيقة الأمر ما تبناه وطرحه المستشرق مرجليوت الأستاذ في مدرسة الألسن التي أسسها رفاعة رافع الطهطاوي بمصر في بحثه المسمى ب (أصول الشعر العربي) (28) . فألّف الرافعي (المعركة بين القديم والجديد) و (تحت راية القرآن) ليصب فيهما جام لغته وغضبه على الدكتور طه حسين بمفردات نيزكية حادة وحارقة، كقوله: (لم ينفرد الأستاذ طه حسين بانتحال الجديد والتجديد، ولا هو أول من زعم ذلك أو حامى عنه أو كابر عليه، فقد سبقه آخرون لكنه أول من اجترأ على الأدب العربي بالمسخ والتكلّف وقال فيه بالرأي الأحمق) (29) . وقوله في الموضع نفسه: (وإنّ من عجز عن أن يعلو لا يعجزه أن يسفل، بيد أنا لم نجد ولم نعرف غير هذا الأستاذ أحداً يرضى لنفسه أن يُمتدح بالعيب ويتحسّن بالقبح) (30) . وهول صدمة الرافعي في ثقافة أمته ومكونات نتاجها الأدبي المسحوق تحت سنابك (الشك) والنفي، هي ما يبرر استهلاله كتابه على جلالة مسماه (تحت راية القرآن) ليقول في مقدمته: (وإنّ طائفة من الذباب لو أصابت حامياً مدافعاً من النسور، فجاءت تطنّ لتلوذ به وتنضوي إليه، ثم قصف النسر قصفة بجناحيه لأهلكها، أو بعثرها، وشردها) (31) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 بينما يمثل (وحي القلم) أحد أشهر أعمال الرافعي التي تحتضن جملة من المقالات التي نشرتها الصحف، ويعكس المحصّلة الثقافية الرصينة التي تمتع بها الرافعي، وجملة من الخصائص الأسلوبية التي عرف بها، كما يضم بين جنباته بعضاً من معاركة الأدبية والثقافية بشكل عام تمثل امتداداً لما عرفه المتلقي في (تحت راية القرآن) وتجسد ثباته على موقفه الفكري في التحاور والدفاع عن الثقافة، من منطلق ديني، دون أن يضعف أو يحيد عن الثوابت. رحلة سيّد قطب من الشعر إلى النثر: وشاعر آخر اقتنص فرصة هدوء التيار الشعري، ليسبح إلى الضفة الأخرى، والتي كان ينتظره على مرفئها مجد جديد ضمن أحضان التفسير البياني، والدراسات التصويرية والبيانية للقرآن، وأعني به الأستاذ سيد قطب، والذي ينسحب عليه ما ينسحب على خدينه من كمون النزعة الإيمانية المتوارية بين ثنايا أبياته، وتطل بين نسيج شعره العاطفي، حيث يقول: الآن والايام مد برة تولول بالنواح والأفق مخضوب الأديم ، وقد تأذّن بالرواح أقبلت ويحك تبسمين ، فأين كنت لدى الصباح وجه الخريف يطلّ فاس تمعي لإعوال الرياح * * * * بعثرت أيام الشّباب ، فويح أيام الشباب لا نستقي إلا على رنق، وأنفسنا غضاب لم تصف كاس حياتنا يوما، ولا لذّ الشراب والآن تنطلقين في لهف إليّ وفي ارتقاب * * * * عيناك والهتان لاهفتان كلهما دعاء وحنين ملهوف تطلّ ع في قنوت للسماء ويحي فأين أنا؟ وأي ن حنين أيامي الظّماء صمت الخريف يلفني وعليه شارات المساء ذهب الزمان هناك بالأ سحار، فامض أنت عني ما عاد يوقظني ندا ؤك خلسة، من بعد وهن ماتت مناي جميعها فعلام يخدعني التمنّي فرق الزمان طريقنا فامض، وحسبك ذاك مني * * * * هذي خطاي على الطري ق وتلك - واجفة - خطاك الريح تطمسها فلا خطو ولا أثر هناك شبحان ... قد عبرا فلم نشعر بهذا، أو بذاك تتلوهما الأشباح والأ يّام ماضية دراك (32) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 فإذا كان المقطع الثاني من القصيدة عبرّ عن الشباب ونزقه، فإن المقطع الثالث أتى ليمسح صورة ذلك الشباب المبعثر بتلك المشاعر التي تشع من عينين والهتين تضجّان باللهفة والدعاء والتطلع الخاشع في قنوت للسماء، وكلها ومضات إيمانية، تلتمع خلف مشاعر عاطفية وتومض بين حنايا قصيدة غزلية، ولذلك كان من الميسور لشاعر مثل سيد قطب أن تحتضنه، أو يولع ببيان القرآن، فهو التوجه المتجانس مع الشفافية الروحية، والتطلع الإيماني لديه، فاصطبغت أعماله بألوان الاهتمام البياني، كما في تفسيره في ظلال القرآن أو دراسته (التصوير الفني في القرآن) ورديفتها (مشاهد القيامة في القرآن) مستثنين من ذلك عمله الفكري مثل (معالم في الطريق) . ولنسترح ونستروح بتلك المشاهد التي يستعرضها سيد قطب حينما يقول: (والآن فلنعرض شطراً من قصص حقيقية، بعدما عرضنا قصص الأمثال. 1 - لنعرض مشهداً من قصة إبراهيم، وهو يبني الكعبة مع ابنه اسماعيل، وكأنما نحن نشهدهما يبنيان ويدعوان الآن، لا قبل اليوم بأجيال وأزمان. {وإذ يرفع ابراهيمُ القواعدَ من البيت وإسماعيل. ربنّا تقبّل منّا إنّك أنت السميعُ العليم. ربّنا واجعلنا مسلمين لك، ومن ذريتنا أمةّ مسلمة لك، وارنا مناسكنا، وتب علينا، إنّك أنت التوّاب الرحيم، ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة، ويزكّيهم. إنك أنت العزيز الحكيم} . لقد انتهى الدعاء، وانتهى المشهد، وسدل الستار. هنا حركة عجيبة في الانتقال من الخبر إلى الدعاء، هي التي أحيت المشهد وردته حاضرا، فالخبر: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) كان كأنما هو الإشارة برفع السّتار ليظهر المشهد: البيت، وإبراهيم وإسماعيل، يدعوان هذا الدعاء الطويل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 وكم في الانتقال من الحكاية إلى الدعاء من إعجاز فني بارز، يزيد وضوحا لو فرضت استمرار الحكاية، ورأيت كم كانت الصورة تنقص لو قيل: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل يقولان: ربنا … ..الخ. إنها في هذه الصورة حكاية، وفي الصورة القرآنية حياة. وهذا هو الفارق الكبير. إن الحياة في النص لتثب متحركة حاضرة. وسّر الحركة كلّه في حذف لفظة واحدة. وذلك هو الإعجاز. 2- ثم لنعرض مشهداً من قصة الطوفان: (وهي تجري بهم في موج كالجبال) . وفي هذه اللحظة الرهيبة، تتنبه في نوح عاطفة الأبوة، فإنّ هناك ابنا له لم يؤمن، وإنه ليعلم أنه مغرق مع المغرقين. ولكن ها هو ذا الموج يطغى فيتغلب (الإنسان) في نفس نوح على (النبي) ، ويروح في لهفة وضراعة ينادي ابنه جاهراً: (ونادي نوح ابنه - وكان في معزل - يابنيّ اركب معنا، ولا تكن مع الكافرين) ولكنّ البنوّة العاقة لا تحفل هذه الضراعة اللاهفة، والفتوة العاتية لا ترى الخلاص إلا في فتوتها الخاصة: (قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) . ثم ها هي ذى الأبوّة الملهوفة ترسل النداء الأخير: (قال: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) . وفي لحظة تتغير صفحة الموقف، فها هي الموجة العاتية تبتلع كل شيء: (وحال بينهما الموج فكان من المُغرقين) . إن السامع ليمسك أنفاسه في هذه اللحظات القصار، (وهي تجري بهم في موج كالجبال) ونوح الوالد الملهوف يبعث النداء، وابنه الفتى المغرور، يأبى إجابة الدعاء، والموجة القوية العاتية، تحسم الموقف في لحظة سريعة وخاطفة. وإن الهول هنا ليقاس بمداه في النفس الحية - بين الوالد والمولود - كما يقاس بمداه في الطبيعة - حيث يطغى الموج على الذرى والوديان. وإنهما لمتكافئان، في الطبيعة الصامتة، وفي نفس الإنسان) (32) . حقبة الفكر: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 بيد أن الأستاذ أحمد جمال قد احتذى الوسطية، في توجهه الأسلوبي، أو لنقل إن المناخ العام قد هيمن على توجهه الأسلوبي، تبعا للموضوعات والطروحات التي يناقشها ويخوض غمارها، فهي تتوزع بين قضايا فقهية وفكرية وما يتصل بروايات وأحداث السيرة النبوية، إضافة إلى ما يتصل بمشكلات العالم الإسلامي والمسلمين في شتى بقاعهم ومختلف اصقاعهم. أو تبعا للموضع أو الموضوع، كما يتجسد في القضايا الاجتماعية التي تناولها في الصحف والمجلات، وهي طروحات تتسم بخصائص أسلوبية تجنح إلى البساطة والوضوح، ليتسنى للسّواد الأعظم من القراء استيعاب مضامينها والتفاعل مع طروحاتها. ولذلك فإن نبرة الخطاب لدى الأستاذ جمال تتباين حسب الموضع والموضوع وقد قيّض الله له أن عاش في بلد لم تطأه قدم مستعمر، ولم يترك على ثراها أثرا من فتنه ومحنه وموبقاته، والمستثيرة لغضبة ونقمة الغيارى من كتّاب وسواهم، لذا لا يبدو محتداً إلا حينما تنتهك المحرّمات، أو يتحايل على حلّها، وتسويغها، كما هو الشأن في قناعته بأن دعوى تحرير المرأة تستهدف التغرير بها للخروج والانحلال بدعوى التطور، والمشاركة والاستجابة لمتطلبات العصر ومسلتزمات الحضارة فأطلق زأرته المشهورة في كتابه المعروف (مكانك تحمدي) وهو عنوان ينطوي على مفارقة لطيفة إذ يعيد المفكر في حالة تلبسه بالغضب، حميّة للعقيدة، وغيرة على الحرمات، إلى جذوره الشعرية، كما يكشف عن بعض مصادره الأدبية فقد استقاه من أبيات الشاعر عمرو بن الإطنابة الحماسية التي يقول فيها: أبت لي عفتي وأبى بلائي وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإقدامي على المكروه نفسي وضربي هامة البطل المشيح وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدى أو تستريحي لأكسبها مآثر صالحات وأحمي بعد عن عرض صحيح بذي شطب كمثل الملح صاف ونفس ما تقر على القبيح (33) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 ويدعم حجته بالاستشهاد ببعض آراء المفكرين الغربيين وأعلامهم حيث يقول: (وقال (شامفور) : إن أكثر ميلنا الى النساء جنسي، أما التوافق الروحي والعقلي فضعيف جداً، وشكا (روزفلت) أحد رؤساء أمريكا السابقين من عرض النساء أنفسهن لمزاولة الأعمال العامة بأجور أقل لانهن يقفلن بذلك الباب أمام الرجال الذين هم أحوج منهن الى المال، وقال: إن واجب المرأة المتزوجة أن تنهض بأعباء البيت، وتنظم شئون الأسرة، وعلى الفتاة أن تتزوج وتعيش من كدح زوجها ليتسنى لنا أن نربح من جهود المرأة في دائرة البيت أضعاف ما نربحه من جهودها في الاعمال الأخرى) (34) . ولا يفوت المؤلف قبل تفصيل القول في مكانة المرأة في الشريعة الإسلامية، أن يعرج على عقد مقارنة سريعة، لتبيان موقف العقائد والمجتمعات الأخرى من المرأة، وأساليب تعاملهم معها حيث يقول: (لا تعرف مكانة المرأة في التشريع الإسلامي، على حقيقتها، إلا بعد معرفة النظرة التي كان ينظر بها إلى المرأة في الحضارات والتشريعات السابقة، وإلا بعد إدراك المعاملة التي كانت تعامل بها قبل الإسلام، فقد كانت المرأة: - عند الإغريق والفرس متاعا للبيع والشراء، وكان الرجل صاحب سلطة عليها سواء كان أبا أو زوجا.. إذ لا أهلية فيها للتصرف. - وفي الهند كان حق الحياة أو حقها في الحياة ينتهي بوفاة زوجها، فتحرق على جثته، وإن سلمت من عملية الحرق عاشت ملعونة منبوذة طوال حياتها. - وفي الجاهلة العربية كانوا يئدون البنات، وكان الابن يرث زوجة أبيه بعد وفاته كما يرث متاعه، ويتحكم في تصرفاتها وفي حياتها. وعندما جاء الإسلام حرم هذه الشرعة الجاهلية: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها … .) (35) . - وعند قدماء المصريين المرأة هي علة الخطيئة، وسبب المصائب والنكبات. - وفي القانون الروماني: كانت المرأة قاصرا لا تستقل بحقوق منفصلة عن زوجها ولا تتصرف في أموالها إلا بإذنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 - وفي ظل التصور الرهباني المسيحي … كانت المرأة منبع المعاصي والفجور، وهي للرجل باب من أبواب جهنم، من حيث هي سبب تحريكه وحثه على الإثارة، وجمالها سلاح إبليس لا يوازيه سلاح من أسلحته المتنوعة الأخرى. - وفي أوربا المسيحية - بصفة عامة - إلى ما قبل قرون تعتبر المرأة مصدر الشرور والآثام، وخليفة الشيطان وليس لها حق التصرف في أموالها، وتنسلخ من رابطة أسرتها ونسبها إلى رابطة زوجها ونسبه، وكان الفلاسفة ورجال الكنيسة يطيلون الجدل حول كون المرأة شيئا أم شخصا؟ وهل لها روح إنسانية كالرجال؟ وهل تستحق مثله الحياة الأخرى؟ . - وانتهى المؤتمر الذي ناقش قضية المرأة في فرنسا عام 586 إلى قرار: أن المرأة خلقت لخدمة الرجل، دون أن تشارك في أوامره ونواهيه برأي أو مشورة. - وحتى سنة 1805 كان القانون في بريطانيا يعطي الزوج الحق في بيع زوجته لرجل آخر بسبب الكراهية أو الحاجة المادية. ثم صدر بعد ذلك قانون التحريم والمرأة الحديثة في الغرب - الذي يزعم أنه حر ومتحضر ومتقدم علميا - ماذا يرى الزائر هناك عنها؟ يرى المظاهرات التي تطالب فيها المرأة بالحرية.. وتصرخ من ظلم الحضارة الغربية للمرأة.. إن المرأة هناك تذهب إلى العمل وتعود منه لتبقى في غرفتها … وهي تعمل كالرجال ولكنها تعطى أجراً أقل. وهي حرة في أن تنام مع من تشاء ولكنها وحدها تتحمل الثمن، فإما أن تدفع 150 جنيها أجرة عملية الإجهاض، أو أن تعيش أماً غير متزوجة لترعى طفلها غير الشرعي. والمرأة الفرنسية - بحكم القانون - تابعة لزوجها شخصيا واسميا، حيث تتسمى باسم أسرته، ونظام الإرث الإنجليزي يسمح للزوج بالوصية بكل ماله لمن يشاء، حتى الكلاب والقطط. باسم الحرية الشخصية. وبهذا تحرم المرأة من حقها في مال زوجها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 أما المرأة الروسية فهي تعمل ايضا، ولكن بقسوة أكثر.. لا أنوثة تبدو عليها، ولا مساحيق على وجهها. تمسك بالمنجل والجرافة والمكنسة وتعمل في البناء وكنس الشوارع. وقد تشققت يداها من خشونة العمل. بل أدهى من ذلك تعمل الروسية في درس الحبوب في المزارع بدلا من الآلات الدارسة. بل بدلا من الثور، كما هي الحال في البلدان المتخلفة. وتعيب الكاتبة الأمريكية مريم جميلة (35) على (النسائيين) - أي دعاة تحرير المرأة المسلمة في العالم الإسلامي - تعيب عليهم فهمهم الخاطئ لمعنى (التحرير) ، على أنه الإباحية المطلقة للنساء في الاختلاط بالرجل حيث شئن وأنى ذهبن، دون قيد ولا شرط، وفي اختيار الأزياء غير المحتشمة وفي توظيفها خارج البيت. في الأسواق والمسارح ودور السينما، وفي مساهمتها في الحياة العامة، مهما تمزقت أوصال الأسرة، وانتهكت حرمات العفة والإباء. هذا ما تقوله (الكاتبة الأمريكية) التي ولدت وعاشت حياة حرة طليقة من كل قيد. حيث السفور والاختلاط، وعمل المرأة إلى جانب الرجل في كل مكان، وانطلاق الفتاة من تقاليد الأسرة وآدابها، ومصادقتها للفتيان، والذهاب معهم إلى ابعد حدود الحرية والانطلاق - تقول ذلك الكاتبة الأمريكية والغربية المتحررة، وتدعو بإخلاص بعد اعتناقها للإسلام ومعرفتها أحكامه وآدابه - إلى أن يعرف النساء المسلمات نعمة الله عليهن بهذا الدين الذي جاءت أحكامه وآدابه صائنة لحرمتهن، راعية لكرامتهن، محافظة على عفافهن وحيائهن من الانتهاك والضياع. ويؤيد هذا الرأي (رو برت ولزلي) وهو إنجليزي فيقول: (إن اكتساب المسلمين للثقافة الغربية، والعادات الأجنبية البذيئة كتقصير النساء لملابسهن حتى تتكشف أفخاذهن.. ليس من الإسلام، لأنه غاية الفساد) (36) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 والباعث على تأليف هذا الكتاب (مكانك تحمدي) يفسر الوضوح والمباشرة في أسلوب التناول، حيث يمثل موقفا مناهضا لدعوة نجمت في المجتمع الإسلامي، تحض على مشاركة المرأة في العمل وبناء المجتمع، فاقتضت مقارعة الحجج أن يلوذ الكتاب بالوضوح والتلقائية، وإيراد الشواهد والأقوال، وتحليلها في يسر وسهولة، ولكي يتحقق من منظور آخر تأثير أفكار الكتاب في أكبر عدد من المتلقين، على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم، وبازاء قضية خلافية انقسم حولها المجتمع. وينسحب الحكم نفسه على كتاب (نحو تربية إسلامية) ، إذ يستشهد فيه بقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي عن علاقة المدرس بطلابه: (إنها علاقة مدرس بتلاميذه، وإن ساعة الدرس ليست إلا وسيلة لتوطيد التعارف بينه وبينهم، وليست البحوث التي يلقيها عليهم إلا طريقا لاكتشاف مشكلاتهم، ومحاولة إيجاد حلول لها) (37) . وكما هو دأب الأستاذ أحمد جمال، فإن المفاهيم التربوية مستقاة من تعاليم الإسلام، ويؤكد على الرجوع إلى التعاليم الإسلامية، لاستنباط الأسس التربوية، لتعويد الناشئة على احتذائها، والالتزام بقيمها، كما في قوله: (إذا كان الخبراء النفسيون العصريون يقررون أن كثيرا من الأمراض النفسية والعصبية.. مرجعها ما وقعت عليه أنظار هؤلاء المرضى وهم أطفال، من مشاهد جنسية لآبائهم وأمهاتهم. فقد سبق علم النفس الإسلامي إلى تحذيرات وقائيه، تمنع حدوث هذه الأمراض النفسية والعصبية مستقبلا، يقول الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانهم، والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات، من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم) (38) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 فالأطفال ممنوعون - في منهج علم النفس الإسلامي - أن يقتحموا على آبائهم وأمهاتهم خلواتهم الثلاث: قبل الفجر وبعد الظهر، وبعد العشاء، فهي ساعات راحة ونوم، وتحرر من الثياب الساترة، ومباشرة لما أحل الله لهم (39) . ويأتي متدرجا في الترتيب التصنيفي ليقترب من نفس المدار كتيب (ماذا في الحجاز) وهو كتيب يتباين عنوانه عن موضوعه، إذ يحمل عنوانه نبرة الخطاب السياسي، ولذلك فهو يغري من يسمعه بالبحث عنه، ومعرفة محتواه، ولكن مضمونه يمثل مسحا للتطور التعليمي والتربوي في الحجاز، وما شيد به من مدارس ومعاهد أهلية وحكومية في بواكير نشأة التعليم في العهد السعودي في هذا الإقليم، مع التعريج على ذكر الأنشطة ذوات العلاقة بالحركة التعليمية، كالصحافة والطباعة، مردفة بذكر نماذج لرجال التعليم والأدب، خاتما ذلك بتقديم نماذج من الشعر الحجازي، وكأنه الشهادة على ما وصل إليه التعليم في هذا الإقليم في تلك الحقبة. ومبرر اختيار هذا العنوان يفصح عنه المؤلف بقوله: (وليس الدافع إلى إرسال هذه الإيماءة اللافتة إلى ما في الحجاز الحديث، هو أن في الحجاز شيئاً عظيما جداً جداً! لا فبصريح الاعتراف ليس الحجاز هذا الشيء العظيم، ولكن هناك - على كل حال - شيئاً.. حرام على إخواننا العرب المسلمين، في مد أقطارهم الدانية والقاصية، أن يجهلوه أو يتجاهلوه، ويصروا - بعد التعريف والتذكير - أن يظلوا جاهلين أو متجاهلين، إنما الدافع كل الدافع ما جاء في المزاعم التوالي: زعموا أننا نعيش كسالى ما لنا في الجلال غير ادّكاره زعموا أننا صنائع بر همّنا في السؤال أو في ابتكاره زعموا أنّنا نموت ونحيا في هوى يومنا وفي استدباره زعم الماكرون أشياء أخرى لم أرد ذكرها من استحقاره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 لا، بل سأذكرها أنا ولا أحقرها، لأن التّهم الكواذب لا تحتقر أولا وإنّما تدحض وتنقض عروة عروة، وعلى المتهم (الصدوق!!) بعد أن يرى عروش اتهاماته (الصوادق!!) خاوية هاوية، أن يتولى احتقارها بنفسه، وإلا فمن حق المتهم البرىء المحفوظ له، أن يشنّ إغارة الاحتقار. لقد زعموا أننا في مجال المعيشة الاقتصادية الاجتماعية نتخذ من الجبال أكنانا، ومن جلود الأنعام أكسية، ليس في حجازنا قصور، ولا دور ولا حدائق ولا فنادق، وحجّتهم الداحضة، أننا نعيش بواد غير ذي زرع، عند بيت الله المحرم. وزعموا أيضا أننا - في مجال الثقافة العامة بنوعيها تعليما وأدبا - نعيش أميين جهلاء، ليس في حجازنا مدارس ولا معاهد، ولا علماء ولا أدباء، ولا آثار لهؤلاء وهؤلاء. وزعموا ما شاء لهم الهوى أنْ يزعموا غير هذا و (أجمل!) من هذا (جمالا) يغضي القلم حياء منه فيؤثر الصمت، لأن الصمت في هذا المقام فحسب هو الذهب بعينه. زعموا حتى دلاّهم بغرور ما زعموا، فتساءلوا - استكثارا علينا - لم نبعث الإرساليات العلمية إلى الخارج؟ ما دام الحجاز ودايا غير ذي زرع صالح، وتربة صالحة، وحق لهم أن يزعموا تلك المزاعم الجاهلة، وأن يستكثروا علينا الثقافة الاجتماعية والاقتصادية، والدينية والعلمية، والسياسية والعمرانية، فقد دلاّهم جهلهم بغرور إلى غرور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 ويعزينا قليلا أو كثيرا، أن حجازنا لم يكن أولى فرائس هذا الاتهام الذي تضربنا به إحدى يدينا! فمنذ عام ويزيد تألّم الأستاذ على الطنطاوي باسم الأدب السوري، لإغفال أدباء مصر لهم، وكان ذلك في خطاب مفتوح نشره في مجلة الثقافة التي تصدر في مصر العزيزة، ومنذ شهرين إلا قليلا تكررت الشكوى ولكن بقلم الأستاذ تقي الدين خليل، باسم الأدب اللبناني وكان ذلك في مجلة آخر ساعة المصرية أيضاً. أما نحن الحجازيين فقد ضاقت مجلات مصر وصحفها على أدبنا بما رحبت لأدب غيرنا، فكم طويت لنا من رسائل عتاب، وكم أهملت لنا من مقالات شعر ونثر وخطاب! قد تعتذر بأنها غثة تافهة والرد حاضر على هذا الاعتذار المظنون، ذلك أنه ما كل ما تنشره مجلات مصر وصحفها غير غث ولا تافه، فلتكن موائدها في ضيافتنا الغثاثة والتفاهة، ولها منا موعدة التواضع الجم، والتسامح الشديد) (40) . ويأتي منسجما مع المسار التربوي، ومتجانسا مع الطروحات الفكرية للاستاذ احمد جمال خاصة في كتابه (مكانك تحمدي) ، كتاب (تعليم البنات بين ظواهر الحاضر ومخاطر المستقبل) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 والكتاب الذي نشر طبعته الأولى نادي الطائف الأدبي عام 1409 - 1988هـ، يمثل محاضرة ألقاها المؤلف في كلية الشريعة بالرياض يوم 5/4/1398هـ، بدعوة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تحمل نفس العنوان، ولذلك يوميء المؤلف في مقدمة كتابه إلى تمسكه بمواقفه حيث يقول: (وعنوانها صريح في تحديد موضوعها، وما توقعته من مخاطر مستقبل تعليم البنات تحقق فعلا. فقد بدت في الأفق مشكلات عديدة.. منها ظاهرة الطلاق المتزايد بين الأزواج والزوجات، نتيجة لما تشعر به الزوجة المتعلمة من مساواة ثقافية أو علمية مع زوجها، وربما يزيد راتبها إذا كانت مدرسة أو طبيبة.. فهي تتعامل معه بمشاعر الندّ تجاه الندّ، لا بعواطف الزوجة نحو زوجها. وهو بالتالي ربما يشعر بمركب النقص تجاه زوجته المساوية له، أو المتفوقة عليه ثقافيا أو اقتصاديا. كما أن بعض الشباب من الذكور يحجم عن الزواج بالجامعيات.. لأنه يخشى أن تتعامل معه زوجته الجامعية بكبرياء المثقفة، وغطرسة الموظفة. وقد نشأت في مجتمعنا ظاهرة أخرى، ظاهرة (العنوسة) ، أي تأخر كثير من المتعلمات المتخرجات من الجامعات عن الزواج، حتى اصبح بعضهن لا تستحي من الحديث بالرغبة في الزواج، بل إن بعضهن تزوجن أزواجا لهن زوجات وأولاد، ورضين مبدأ تعدد الزوجات!! وهناك ظاهرة إهمال الزوجات العاملات لبيوتهن وأولادهن وأزواجهن، وصحفنا تفيض بالحديث عنهن، وعن الخادمات الأعجميات، وغير المسلمات، اللائي أصبحن مسؤولات عن تربية أطفالنا، رجال المستقبل، وآمال الغد. ومع ذلك تشكو هؤلاء العاملات مرّ الشكوى من الإرهاق الذي يعانينه من العمل خارج البيت، ومتاعب الأسرة التي تنتظرهن عند العودة من أعمالهن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 وقد ضممت إلى المحاضرة حوارا جرى بيني وبين الطالبات والمدرسات في كليتي التربية للبنات بمكة وجدة، لاشتماله على موضوعات تتصل بالقضايا التي تتضمنها المحاضرة، مع ظواهر جديدة، في مجال التعليم النسوي، والعمل النسوي أيضاً. وأضفت أيضاً فصلا ثالثا، يتضمن عبراً ودروساً من تجارب الأمم والمجتمعات العربية والأوربية، التي سبقتنا الى تعليم المرأة وتوظيفها، وما تعانيه من مشكلات وأزمات، بسبب عدم التوفيق بين مسؤولية المرأة العاملة كزوجة وأم وبين واجباتها الوظيفية خارج البيت (41) . ومع ذلك فإن المؤلف يستدرك ما يحمله العنوان في تضاعيفه من إيحاءات ويبرز موقفه بوضوح من تعليم المرأة وحاجة المجتمع له، في حقول تقتضي الاستفادة من قدرات المرأة وإسهاماتها، حيث يقول: (وهو عنوان قد يوهم المستمع أني أعارض تعليم المرأة وتشغيلها خارج البيت فيما تستطيعه، وما يتفق مع طبيعتها الرقيقة، ولا يخالف ما شرع الله لها من حجاب وآداب. ومخافة من هذا الإيهام، الذي قد يحدثه عنوان المحاضرة بدأتها بالقول: 0إني في كل ما كتبت وما تحدثت، عبر أجهزة الإعلام الثلاثة (الصحافة، والاذاعة، والتلفاز) ،كنت وما أزال أدعو الى تعليم المرأة، وتوظيفها في أعمال مناسبة للطبيعة وآداب الشريعة وذلك: أولاً - لان الإسلام نفسه - يحثّ على تعليم الرجل والمرأة.. كل حسب استطاعته وحاجته، وحاجة المجتمع إليه والبيت والأسرة لا يداران إدرة صحيحة قويمة إلا بزوجة مسعدة، وأم مرشدة، والشباب الذين هم الأبناء والبنات، لا ينشأون التنشئة الصالحة الناجحة، إلا إذا كان آباؤهم قد أخذوا من الثقافة الدينية والاجتماعية والاقتصادية، والتربوية، بحظ وفير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 ثانياً: لأن أخلاقنا الإسلامية تمنع من الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل خارج البيت، ومجتمعنا كما يحتاج إلى تعليم الذكور من الشباب وتطبيبهم وتمريضهم وإدارة شؤونهم، يحتاج تماما إلى تعليم الإناث من الشابات وتطبيبهن وتمريضهن وإدارة شئونهن. فلابد، من مدرسات وطبيبات وممرضات ومديرات ومفتشات ومرشدات اجتماعيات، يتولين العمل في المؤسسات النسائية، ويكفينا عواقب الحاجة إلى الرجال.. وعمل الرجال مع النساء لإدارة شؤون النساء، مما رأيناه رأي العين في المجتمعات الأخرى، التي سبقتنا إلى هذه المفاسد والمنكرات. وإذن فتعليم البنات وتوظيفهن في حدود الطبع والشرع: حاجة لازمة لا ريب فيها، ولا جدال حولها، ولا اختلاف عليها) (42) . على أن ذروة الاهتمام التأليفي لدى الأستاذ أحمد جمال تتمحور حول الدراسات الدينية، تفسيراً وفكراً وقضايا وآراء ودراسات، مع الاحتزاز بالإشارة الى اصطباغ سائر أعماله، من تربوية وفكرية وصحفية وأدبية، بالصبغة الدينية وعدم مبارحته لمسارها، وتوجهاتها، وآدابها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 ومن أهم أعماله في حقل التفسير كتابه (مأدبة الله في الأرض) فقد هدف في هذا الكتاب الى جمع الآيات التي تتناول موضوعا واحدا، وتفسيرها، أو كما يصرح بقوله: (وقد نشأ عندي خلال دارستي للقرآن الكريم، حب لتفسيره تفسيراً موضوعياً.. أي جمع الآيات المتحدثة عن موضوع واحد، وتأمّلها ثم الحديث عنها بما يفتح الله. وقد بدأت تنفيذ هذه الفكرة بكتابي (على مائدة القرآن: دين ودولة) الذي صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1371هـ (1951م) ، ثم تكررت طبعاته سنة 1393هـ (1973م) وسنة 1400هـ (1980م) (43) وتناولت فيه موضوعات تتعلق بالعبادات والأخلاق، وبالتربية والأخلاق وبالعلم والعلماء والتعليم، ونظام الحكم والمجتمع، والفوارق بين الذكر والأنثى، وحقوق الرجل والمرأة، ونظام الاقتصاد الخ ونلاحظ أن معظم كتب التفسير القديمة والحديثة اتبعت طريق التفسير للسور مرتبة كما هي في المصحف. وهي طريق نافعة لا شك فيها، ولكن التفسير الموضوعي - من وجهة نظري - أفضل وأجمل، وأجمع لفهم القارىء، لكي يدرس أو يدرك حقيقة التوجيه القرآني في الموضوع الواحد، أو القضية الواحدة.. وكيف تدرّج القرآن في طرح الموضوع أو القضية، وفي الإقناع بتحريم الحرام، وتحليل الحلال، والاحتجاج بصواب الهدى، وبطلان الضلال) (44) . ويذكر الدكتور عبد الفتاح شلبي في التمهيد أن (كتاب مأدبة الله في الأرض يشتمل على سبعة فصول، أوردها المؤلف على النسق التالي: الفصل الأول: عن القرآن فهمه وتدبره وفضله. الفصل الثاني: عن العقائد والعبادات. الفصل الثالث: عن الإنسان، خلقا وتدبيرا، فردا وجماعة، ذكرا وأنثى، اهتداء وزيغا. الفصل الرابع: عن القرآن كمنهج تربوي للفرد والمجتمع، والدولة والأمّة. الفصل الخامس: عن جهاد الأعداء، وترقّب النصر. الفصل السادس: عن بعض قصص الأنبياء. الفصل السابع: عن بعض قصص اليهود والمنافقين) (45) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 وأحمد جمال في هذا الكتاب لم يقف عند حدود اّراء وأقوال القدماء، بل يوسّع آفاق التناول فيورد ما ذكره المفسرون والعلماء، ويستأنس برأي المفسرين المعاصرين، كإيراده تفسير الإمام ابن كثير عن الإمام البخاري (روي عن النبي (أنه قال لأصحابه: أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فشقّ ذلك عليهم وقالوا: أيّنا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: قل هو الله أحد ثلث القرآن العظيم. ثم يسأل أحمد جمال: لماذا كانت سورة الإخلاص ثلث القرآن؟ . وبعد أن يعرّج على أن عقيدة التوحيد هي الأساس والقاعدة والعماد لنظام الإسلام كلّه، يورد قول الإمام الغزالي: إن مهمات القرآن العظيم هي معرفة الله، ومعرفة الآخرة، ومعرفة الصراط المستقيم. فهذه المعارف الثلاث هي المهمة، والباقي توابع، وسورة الإخلاص تشتمل على واحدة من هذه الثلاث، وهي معرفة الله، وتقديسه وتوحيده عن مشارك في الجنس والفرع، وهو المراد بنفي الأصل والفروع والكفء. والوصف (بالصمد) ، يشعر بأنه السيد الذي لا يقصد في الحوائج سواه. واستئناسه بآراء المعاصرين يتجلى في تضمين رأي الدكتور عبد الجليل عبد الرحيم، في تعقيبه على معنى الحديث النبوي الشريف بأن سورة الإخلاص: هي ثلث القرآن الكريم: (إن الذي يخطر في هذا الموضوع أن الدين بأسره إنّما هو معرفة الله، بسائر شؤونه وتجليات أسمائه وصفاته، ثم العمل بموجب هذه المعرفة، وضبط السلوك عليها، مع الإخلاص لله في العلم والعمل) (46) . وتأبى الحاسة الصحفية التي عانقت أحمد جمال طوال حياته أن تتوارى عن مؤازرته في توجهه الديني، كما تؤازره معطيات المعاصرة بإنجازاتها العلمية في الاستفادة مما ينشر ويبث هنا وهناك، لتعضيد ما يذهب إليه من آراء، ففي تفسيره لقوله تعالي (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنّه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) (47) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 يستهلّ تفسير الآية بذكر أقوال بعض قدامى المفسرين، مردفا ذلك بما فتح الله به عليه، ويعقب بإيراد أقوال بعض رواد الفضاء، حينما تجلّى لهم بديع صنع الله في خلق هذا الكون، وتناغم كواكبه ونجومه في منظومة المجرات السماوية، فيما أتيح لهم مشاهدته عبر رحلاتهم الفضائية، فيورد أقوال جيمس اورين، الذي تحول إلى قسيس ليتفرغ للتأمّل في اعتقاده بالله والرائد ميشيل، وأخيراً الرائد شيبرد، الذي يقول: (إنّ رحلتي إلى القمر، وسّعت نظري إلى ابعد مما وراء حياتنا اليومية لقد كنت محدود التفكير، حين أتصور أنّ بلدي هو كل شيء في العالم، حتّى إذا سنحت لي فرصة النظر لكل هذا العالم عرفت ضخامة هذا الكون، وضآلة مجموعتنا الشمسية، وكم من آلاف السنين يبعد عنا أقرب نجم لأرضنا، وعندما غادرنا الأرض ونظرنا إليها من عل، وجدنا كوكبنا ليس بالكوكب الذي يذكر) (48) . ويأتي في نفس المسار كتاب (القرآن الكريم كتاب أحكمت آياته) ، إلا أنه في (مأدبة الله في الأرض) تمثلّ روح المعاصرة، من خلال الاستشهاد بأقوال وآراء بعض العلماء والمفكرين ورجال الفضاء لتبيان ما وصلوا إليه من قناعات من خلال الاكتشافات العلمية، التي تشهد بوحدانية الله، وعظمة الخالق المبدع في أرجاء هذا الكون وتكوينه، من مجرّات وكواكب، تجعل الملحد يتطامن أمم عظمة الخالق، وروعة البناء والتكوين. بينما اقتصر في (القرآن الكريم كتاب أحكمت آياته) على مناقشة آراء بعض المفسرين والعلماء القدامى والمعاصرين بما أوردوه من آراء وأقوال، في اجتهاد علمي، لمناقشة هذه الآراء ودحض بعضها ولذلك يحدّد في المقدمة موقفه من هذه الآراء، والمؤلفات التي تضمنتها بقوله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 (وهذه الفصول الأربعة عشر، هي تعقيبات متأنية ومتعمقة، على بعض الكتب القديمة والحديثة، التي وضعها علماء قدامى وكتاب معاصرون، حول القرآن الكريم: آياته وكلماته ومعانيه، وقد أسرف بعضهم في القول بنسخ معظم آيات القرآن، وهذا يعني أن الأحكام والمقاصد الأخلاقية لهذه الآيات أبطلت. كما أفرط فريق منهم في توهم الإشكال أو الاضطراب في آيات أخرى من القرآن، ثم محاولة الرد لبيان سلامة التركيب القرآني، لفظاً ومعنى. وقد صدرت قديما مؤلفات تحمل عناوين: (مشكل القرآن - أو غريب القرآن - أو مشكل الحديث النبوي - أو غريب الحديث النبوي) وفي رأينا: أنه لا مشكل، ولا غريب، ولا متناقض، ولا متعارض، في آيات القرآن الكريم، والحديث النبوي الحكيم الثابت سنداً ومتناً. وإنما الغرابة والاستغراب، والإشكال والاضطراب، في عقولنا نحن البشر، حيث نعجز أحيانا عن فهم آية، أو وعي حديث نبوي، أو نتوهم تناقضاً، أو اضطراباً في أحدهما. ولذلك أرى أن لا ينسب الإشكال أو الاضطراب إلى القرآن والحديث، وإنما ينسبان الى عقولنا وأفهامنا، كما أرى أن توهم بعض علمائنا، الغابرين والحاضرين، لهذا الاضطراب أو الإشكال، في آيات القرآن وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، أو افتعال هذه المشكلات والتناقضات، مما يفتح الباب لزلزلة أفكار الشباب، وبخاصة في عهدنا الحاضر، الذي يفيض بالمبادىء الهدامة، والتيارات الملحدة، والايحاءات المفسدة للعقيدة والأخلاق. وفي فصول أخرى من الكتاب، نقد لكتب تناول مؤلفوها القرآن، تناولهم لكلام البشر، وقاسوا قصصه على قصصهم، وعباراته على عباراتهم، وزعموا أن قصص القرآن كالأساطير، أو هي أساطير تماما … الخ. وقد تناولت نقدهم جميعا، وتصحيح ما اعتقدته من أخطاء وزلاّت في آرائهم: جوانب شتى … من العقيدة والفقه والخلق واللغة) (49) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 والمؤلف حصر مناقشة المؤلفين في الجزء الأول من الكتاب ولم يلتزم التسلسل التاريخي للمؤلفين، أو الكتب، وإنما ناقش ما تضمنته هذه المؤلفات من آراء دون تسلسل زمني، فهو يناقش آراء الشيخ محمد أمين الشنقيطي من المعاصرين بعد ابن حزم من المتقدمين، وقبل (المفيد في مشكل القرآن) ، المنسوب لسلطان العلماء. العز ابن عبد السلام، ويقدم نقده لكتاب الدكتور مصطفى محمود في كتاب (القرآن محاولة لفهم عصري) على مناقشته للخطيب الإسكافي في كتاب (درة التنزيل وغرة التأويل) ، والذي يردفه بنقد المستشرق اليهودي جولد تسيهر في كتابه (المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن) ويحمد للمؤلف تكريسه للقيم الخلقية الإسلامية في مناقشة المؤلفين، فالهدف يتسامى للبحث عن الحقيقة، وينأى عن الغض والتجريح، فهو يقول: (لفضيلة الشيخ محمد أمين الشنقيطي - رحمه الله - قدم صدق، ويد طولى في تفسير القرآن الكريم، وله كتاب قيم في ذلك، وهو (أضواء في علوم القرآن) ، وقد سعدت بقراءة مقالاته المتتابعة في مجلة الجامعة تحت عنوان (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) ، صال فيه وجال بعلمه الواسع وفكره الثاقب، وانتفعت بآرائه ونظرياته في التوفيق بين بعض المفهومات القرآنية، وبعضها الآخر، وإني لأدعو له حسن الجزاء، وجزيل المثوبة) (50) . وإذا كان أحمد جمال في الثناء على المؤلف دمثا وكريما، فإنه في المناقشة العلمية يتجافى عن المجاملة، وينتصب للتصدي للحقيقة العلمية، كما في قوله: (علّق الشيخ على هذه الآية (ذق إنك أنت العزيز الكريم) (51) بقوله: إنه يتوهم من ظاهرها ثبوت العزة والكرامة لأهل النار، مع أنّ الآيات القرآنية مصرحة بخلاف ذلك، مثل قوله: (سيدخلون جهنم داخرين) (52) أي صاغرين أذلاء، وقوله: (ولهم عذاب مهين) (53) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 والجواب أنها نزلت في أبي جهل لما قال: أيوعدني محمد؟ وليس بين جبليها أعز ولا أكرم مني، فلمّا عذبه الله قال: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) في زعمك الكاذب. قلت: إن سباق الآية، أو سياقها لا يساعد على تخصيص نزولها بأبي جهل، فهي عامة في كل كافر: (إنّ شجرت الزَقوم * طَعام الأثيم * كالمُهل يغلي في البُطُون* كغلي الحَميم * خُذُوهُ فاعلتوُه إلى سَوَاءِ الجَحيم * ثُم صُبوا فَوقَ رأسه من عَذاب الحميم * ذُق إنَّك أنت العَزيزُ الكريم) (54) . فالعذاب بالأكل من شجرة الزقوم عام للآثمين جميعا، والتقريع بقوله: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) ، شامل لكل واحد منهم بدون استثناء. ولو فرضنا - جدلا - أن الآية نازلة في أبي جهل، فلا تعارض بينها وبين الآيات الأخرى، ولا اضطراب في معناها. فالآيات التي تقرر الذل والهوان للمعذبين في النار، تقرر حقيقة مادية واقعة،لا ريب فيها، والآية موضوع البحث، تحكي موقف الملائكة - ملائكة العذاب طبعا- وهي تسخر من المعذبين في النار، وتذكرهم بحالهم في الدنيا من عز وغنى وجاه وسلطان وكرامة، وفي هذا النداء والتذكير: زيادة عذاب، ومضاعفة هوان. وهو أسلوب عربي بليغ معروف، ويسمي بتأكيد الذّمّ بما يشبه المدح، ومنه قول الشاعر: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي وفي المقابل: تأكيد المدح بما يشبه الذم، ومنه قول الشاعر أيضاً: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهنّ فلول من قراع الكتائب (55) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 وإذا كان الأستاذ أحمد جمال قد خصّص هذا الجزء لمناقشة الآراء والمؤلفات التي اختلف معها، ومع توجهات مؤلفيها فإنه أفرد الجزء الثاني لاستعراض بعض المفهومات القرآنية، بينما مزج بين الاتجاهين في الجزء الثالث. والمؤلف كان يهدف الى إنجاز مشروع علمي، يتوخى تفسير القرآن، ودراسة ما يتصل به من قضايا ومباحث، ولذلك يقول: (والمجموعة - على هذه الصورة - تشكل جزءا آخر من تفسير القرآن) (56) وكأن في ذلك إشارة إلى المؤلفات الأخرى، التي ذكرها الأستاذ عبد الله عبد الجبار للمؤلف بقوله: (ما وراء الآيات - يبحث فيه عن القصص الرمزي في القرآن. دين ودولة - عرض للفكرة الإسلامية، عقيدة وتربية وحكما، في ضوء القرآن. مع المفسرين والكتاب - نقد ودراسات لمذاهب وآراء القدامى والمحدثين والكتب الثلاثة الأخيرة من سلسلة على مائدة القرآن) (57) . ومع ذلك فإن أحمد جمال لم ينتهج التهج التقليدي في التفسير، والقائم على ذكر السور مرتبة وفق ترتيب المصحف والشروع في تفسير آياتها تباعا، بل جنح إلى انتقاء الآيات، التي تنطوي على مفهومات ارتأى الوقوف عندها بالتفسير والتحليل،أو وفق ما تمليه الآراء التي آثر مناقشة أصحابها، والرد عليهم. والملاحظ أن الدراسات الدينية، تحظى بنصيب الأسد من مشروع أحمد جمال الثقافي، وتحتل المساحة الكبرى من اهتماماته الفكرية، عقب عزوفه عن الشعر، وتتوزع إضافة إلى ما سبق، على مجال الدعوة، والتي يمثلها كتابه (خطوات على طريق الدعوة) وقضايا المسلمين، كما في كتابه (المسلمون حديث ذو شجون) ومجال الفتيا،وهو يمثل الفتاوى التي كانت ترد عليه، ويردّ على أصحابها في صحف (المدينة) و (المسلمون) و (الشرق الأوسط) ، ويتضمنها كتاب (يسألونك) ، ومجال التدريس الجامعي لمادة الثقافة الإسلامية، في جامعتي الملك عبد العزيز بجدة وأم القرى بمكة المكرمة، وضمّن هذه المحاضرات كتابه (محاضرات في الثقافة الإسلامية) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 وكان من الضروري أن يندرج ضمن اهتمامات الأستاذ جمال الدفاع عن الإسلام ضد خصومه، والرد عليهم، كما يمثل ذلك كتابه (مفتريات على الإسلام) ، وأن يصدع بآرائه في وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية، ووجوب الحكم بما أنزل الله والالتفاف حول عقيدة التوحيد، والتمسك بها، كما في كتابه (قضايا معاصرة في محكمة الفكر الإسلامي) ولذلك يستهل الكتاب في الفصل الأول ببحثه حول (تحكيم الشريعة الإسلامية واجب في كل زمان ومكان) ، ويردفه بفصل، (جهاد النفس أولاً) ، ثم (الميدان الأول للدعاة الإسلاميين) ، ثم يمضي في الحديث عن (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمكافحة الجريمة) ، و (الإسلام دين السلام) ثم (الإسلام بالمرصاد لتحديات أعدائه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 وكأنه في ذلك ينطلق من التأصيل، وهو تحكيم الشريعة، وتأسيس المسلم الخليق بالمسؤولية المنوطة به، وهو من يجاهد نفسه ليصبح بالتالي داعية إلى حياض ربه، لينتقل به خارج تخوم العالم الإسلامي، حينما يناقش اتهامات أعداء العقيدة، ليؤكد أن الإسلام دين السلام، وأنه بالمرصاد لأعدائه، وكل من يتربص به، أو يصمه بالإرهاب، أو يتطلع للنيل منه، أو تقويض قوته وانتشاره، حتى إذا فرغ من ذلك عاد لتناول القضايا الداخلية، التي يتردد صداها في العالم الإسلامي ويقف المسلمون منها موقف انقسام، بدعوى الضغوط الاقتصادية، كقضية (تناسل المسلمين بين التحديد والتنظيم) ، ثم يعرج المؤلف على تبيان (الاستعمار الذاتي في العالم الإسلامي) ، ويجلّى حقيقته بقوله: (خلال العقدين الخامس والسادس تخلصت الدول العربية والإسلامية من الاستعمار الغربي المباشر، ولكنها دخلت في (استعمار) جديد، باختيارها وطوعها وكان الأول استعمارا أجنبيا بالحديد والنار، وكانت سلطة وسيطرة مباشرة على سياسة البلاد العربية والإسلامية، واقتصادها وثقافتها.. أما الاستعمار الجديد، فكان عن طريق الفكر والقلم واللسان، أو عن طريق التحالف المزعوم، والصداقة المفتراة! لقد تقبل قادة الثورات التحررية، في البلاد العربية والإسلامية، بعد فوزهم بالحكم والقيادة والسيطرة على مقاليد الأمور في شعوبهم وأوطانهم، تقبّلوا واعتنقوا وارتضوا المباديء التالية: فكرة القومية والعنصرية. والعلمانية - فصل الدولة عن الدين. والاشتراكية الاقتصادية. ثم الشيوعية الخالصة) (58) . ثم ينتقل المؤلف إلى بعض القضايا التي كانت تشغل المجتمع، في المملكة خاصة، مع إرهاصات النهضة السعودية كقضية (تعليم البنات بين ظواهر الحاضر- ومخاطر المستقبل) وقضية أخرى يختتم بها المؤلف كتابه، تدور (حول التصوير المحرم: أهو المرقوم أم المجسم) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 وغنى عن القول أن الفصل قبل الأخير (تعليم البنات) ، قد أفرد له المؤلف كتيبا مستقلا، عرّجنا على ذكره، وتناوله فيما سلف. وبحكم الانطلاقة الأولى من دوحة الأدب، بجناحي الشعر في ديوان (الطلائع) ، والقصة في القصص الاجتماعية (سعد قال لي) ، فإن دائرة الاهتمام لدى الأستاذ أحمد جمال تتسع بحكم الحس الأدبي، لتشمل تناول (القصص الرمزي في القرآن) وليت المؤلف أبقى على العنوان الأصلي للكتاب، وهو (ما وراء الآيات) ، أو انتقى له عنوانا يتناسب وموضوعه القائم على ذكر بعض الآيات المتضمنة لمواقف وقصص، مع ذكر أسباب النزول، لما لمصطلح الرمزية من ظلال وتداعيات، تتباين مع المراد الذي هدف إليه المؤلف، وتضمنته الآيات والسور الكريمات، وهي الملاحظة التي أومأ إليها المؤلف نفسه في هامش مقدمته حينما قال: (اعترض بعض قراء الكتاب على وصف هذا اللون من قصص القرآن بأنه (رمزي) وقال: إنّ في هذا تشبيها بأدباء المهجر الذين عرف عنهم هذا اللون من الأدب.. وقد رددت على المعترض بأن (الرمز) يعنى في اللغة العربية: الإشارة دون الإفصاح. والآيات التي تناولتها بالبحث والبيان ترمز الى قصص وأخبار وحوادث دون أن تذكرها) (59) . ويعلّل ذلك في المتن بقوله: (وقد اخترت للكتاب اسم (القصص الرمزي في القرآن) بديلا عن الاسم الأول (ما وراء الآيات) لمناسبته للموضوعات، أو القضايا التي ترمز لها الآيات، ولا تفصح عنها) (60) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 ويؤكد موضوعية ملاحظتنا - وهي لا تتناقض مع احترامنا وتقديرنا لأستاذنا الجليل أحمد جمال - إخفاق الأستاذ الدكتور حسن ضياء الدين عِتر في الوصول الى تعليل مقنع - مع تقديرنا لجهده وعلمه - حينما سوّغ هذا التحول من الاسم الأول الى الاسم الثاني، مؤكدا على ما ذكره الأستاذ أحمد جمال في مقدمته، ومعتمدا عليه بالكلية في قوله عن القصص القرآني: (أفرد الأستاذ الداعية له كتابا مستقلاً بعنوان: (القصص الرمزي في القرآن) ولعل خيالك يجمح فيدفعك الى التساؤل: هل قصد الأستاذ الداعية أن في القرآن قصصا رمزيا بالإطلاق المعهود في عصرنا للقصص الرمزي والشعر الرمزي، إذ يسمع أحدنا الشاعر - مثلا - يقول: أنا حبيبتي نصف برتقالة!!؟ إذن أين طاح النصف الثاني!!؟؟ ويأخذ المؤلف رحمه الله عليه أو على بعض القراء سوء الظن، فيجيب في ختام تقديمه لكتابه بقوله: (وقد اخترت للكتاب اسم (القصص الرمزي في القرآن) بديلا عن الاسم الأول (ما وراء الآيات) لمناسبته للموضوعات أو القضايا التي ترمز لها الآيات ولا تفصح عنها) (61) . لكنه فصّل مراده من كتابه تفصيلا في مطلع تقديمه، إذ يفيدك بتقريره الضمنى أن قصص القرآن قصص حقيقي، واقعي. ويعلن صراحة أنه نوعان: أولاً: قصص نزل به القرآن، وذكر أحداثه الحقيقية وله أهداف عظيمة. قال الله عز وجل: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) (62) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 ثانياً: قصص نزل من أجله القرآن، فلم يذكر أحداثه ووقائعه ومشكلاته، إنما ذكّر بها تذكيراً، بأن أشار إليها، أو رمز لها برمز جلي لا لبس في مراده منها، وهي التي جاء القرآن العظيم ليعطي فيها العبرة والموعظة، أو الحكم أو الحل، أو يكشف سرّ أصحابها، من براءة أو خيانة، وصدق أو كذب، ووفاء أو غدر، وهو ما سمّاه المتحدثون القدامى عن علوم القرآن باسم (أسباب النزول) (63) . لذلك يتعين أن نورد إحدى تلك القصص، ليتسنى للقارىء الإسهام والمشاركة في الحكم، ولكي يتحقق الهدف الأساسي من بحثنا، وهو الوقوف على المظاهر الأسلوبية التي تميزّ أدب أحمد جمال، وتوجهه الفكري، حيث يقول في قصة: (يهودي متهم - يبرئه القرآن) يقول الله عز وجل - في سورة النساء: (إناّ أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما (105) واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما (106) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيماً (107) يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا (108) ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً (109) ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيماً (110) ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيماً (111) ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثما مبيناً (112) . ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً (115) . كان بنو أبيرق، من أهل المدينة مردوا على النفاق، وكان أحدهم (طعمة) يقول الشعر سفها، يريد أن يبلغ به الصحابة العلية، وما هو ببالغهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 وكان بيت أبيرق هؤلاء، بيت فاقة في الجاهلية والإسلام، والفاقة - كما تعلمون- إحدى السبل، بل أهدى السبل إلى (النفاق) وإلى الاستراق. هي إحدى السبل إلى النفاق لصاحبها الذي يستطيع أن يأكل بلسانه، يحركه بالكذب في المدح والقدح وهي إحدى السبل إلى الاستراق لصاحبها الذي لا يقدر على صناعة الكلام، فيعتاض عنها بيده يحركها في أموال الناس هنا وهناك التماساً أو اختلاساً. ولذلك حقت الكلمة المأثورة (كاد الفقر أن يكون كفراً) ، وكذلك مدّ طعمة بن أبيرق، في ظلام الليل يده إلى درع قتادة بن النعمان، وكانت في جراب تملؤه نخالة دقيق، فجعلت النخالة تتناثر من ثقب في الجراب على طول الطريق، حتى انتهى طعمة الى داره، فبدا له أن ينصرف (بفضيحته) من بابه إلى باب جاره اليهودي (زيد بن السمين) ليأتمنه عليها الى ميعاد. وحين أصبح قتادة افتقد درعه، ووجد النخالة - اثر جرابها - تخط خطاً فاتبعه، فإذا هو يهديه الى دار طعمة، وإذا طعمة يحلف بالله ما أخذها، وما له بها من علم، ثم اتبع قتادة بقية الأثر الى منزل اليهودي (زيد) ، فطرق الباب، وكان جواب زيد بعد خطاب قتادة في شأن درعه: إنها وديعة طعمة لديه!! لقد افتضح طعمة! وأسفت الفضيحة قومه، فأوحى إليهم أسفهم، أن ينكر صاحبهم الوديعة، وأن يعجلوهم إلى النبي (، ليجادلوا بين يديه عن طعمة، ويرموا بإثمه اليهودي، وتناسوا أن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة. وساعفهم في مسعاهم، ما غلب في ذلك العهد على المسلمين - ولم يكونوا هم من صادقيهم- من أمانة وصدق، وما غلب على اليهود من خيانة وكذب، مما حبّب الى النبى عليه الصلاة والسلام أن يكون الفلح في هذه القضية للمسلمين على اليهود. ولم يكن النبي (إلا بشراً يقضي بين الناس بنحو مما يسمع، ولعل بعض هؤلاء الناس ألحن بحجتهم من بعض وكذلك كان قوم طعمة الخونة ألحن بحجتهم من زيد بن السمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 يقول (: أيها الناس إّنّما أنا بشر، وإنكم تختصمون الى … . ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأقضى له على نحو ما أسمع. فمن قضيت له بحق أخيه، فلا يأخذه … فإنما أقضي له بقطعة من النار. ولكن الله بالمرصاد لكل جارم ولكل ظالم، فما هم نبيه - الذي لا يعلم الغيب - أن يفرض عقابا على زيد المتهم البراء حتى أدركه بوحيه ونهيه … ولما كان النفاق - في نفس صاحبه - مرضا لا تشفيه الآيات البيّنات، بل تزيده إلى رجسه رجساً، وإلى تعسه تعساً، وإلى استكباره نفوراً: مرّ طعمة بالآيات المبرئة لزيد، والمرغبة له في التوبة، والاستغفار كأن لم يسمعها، وفر إلى مكة معلناً كفره الصراح، ومعيدا جريمته في بيت مضيفه (الحجاج السلمي) ، لم يرع فيها حرمتين: حرمة الفعلة، وحرمة التضييف. هذه قصة زيد بن السمين اليهودي المتهم، الذي برّأه القرآن. كتاب الإسلام، دين العدل بين الناس جميعا. وهذا هو القرآن يرمز لهذا العدل ويخّلده: (إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً) الخ. ذلك فصل من فصول القرآن في قضية قد يحسبها العابرون بتلاوته هينة، وهي عند الله عظيمة.. الله الذي يعدل في محاكمة عباده، بين مسلمهم ويهوديهم ونصرانيهم، ويريد من عباده أن يعدلوا. الله الذي لا تناله في أحكامه الهدايا وصلات القرابة والصحابة، ويريد منا ألا تنالنا - الله الذي يقول الحق ويهدي السبيل ويريد منا أن نقول الحق، ونهدي السبيل. انظروا ماذا في دنيانا بين الناس من مظالم؟ مظالم يبكيها الضعفاء ولا يباليها الأقوياء.. مظالم سببها (الميل) ولا شيء غير الميل، الميل في جانب الكسب للأنفس والكسب للأموال … من حرام وحلال. إننا نريد أن نكسب أنفس رؤسائنا وأصدقائنا، ولو بالكذب والظلم نكذب في مدحهم وقدح أعدائهم - على عكس الواقع - لنرضيهم، ونظلم أعداءهم بما ننزل بهم من حيف، ونمنعهم من حق، لنسر أولئك الأقرباء والأصدقاء والرؤساء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 ونريد أن نكسب المال الجم، مهما كانت الوسائل والحبائل.. غشاً في الصناعة، واحتكاراً للبضاعة، أو غبناً للأخ في الوطن واللغة والدين، أو أكلاً لأموال الأيتام، أو فسوقاً عن وصايا الموتى، وشروط أصحاب الأوقاف الخيرية، وغير ذلك من سبل الآثام والحرام. أنحن إذن مسلمون؟! لقد أدّبنا القرآن، كتاب الإسلام، دين الحق والعدل والخير، فما راعينا أدبه، وأرهبنا فما بالينا رهبه، وظللنا نعيش - وعسى أن لا يطول بنا هذا العيش - كالغرباء بلا أدلاء، أو كتلك (الأشياء) ، وما أدراك ما تلك الأشياء. إن القرآن الكريم يضع بتلك الآيات الروائع، دستوراً خالداً، ونبراساً راشدا … .للقضاة الذين يحكمون بين الناس، وللمحامين الذين يتصدون للدفاع عنهم، لئلا تمنعهم عن قول الحق، حكما أو دفاعاً، وحدة جنس، أو صلة قربي، أو شفاعة صحبة، أو وساطة ذي سلطان. وحسبهم زجراً وردعاً وتأديباً..أن الله سبحانه يقول لنبيه الكريم، وهو من هو عدلاَ وفضلاً: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) وهذا هو الدرس الصارخ الأول للقضاة. ثم يقول لأصحابه والمسلمين في عهده: (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة.. أم من يكون عليهم وكيلاً) وهذا هو الدرس الصارخ الثاني، للمحامين (64) . فالملاحظ أن التناول في هذا الكتاب يتجه صوب الأسباب والمواقف التي شكلت بواعث أفضت الى نزول هذه الآيات، ولا تستهدف تحليل رموز وإشارات انطوت عليها الآيات، فهو يتناول ما خلف الآيات من أسباب النزول، ولا يحلّل ما تضمنته الآيات من رموز، ولذلك فإن هذه الملاحظة تنصب على العنوان، وبالتالي فهي ليست نقداً يستهدف المؤلف، أو المؤلف ولا تقدح في أهمية الموضوع، أو أسلوب تناوله، بقدر ما تنحصر في إطار الملاحظة على العنوان، وهو أمر خلافي، لتباين وجهات النظر حوله، باختلاف زاوية الرؤية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 والحكم نفسه، قد ينسحب على كتاب آخر وهو (في مدرسة النبوة) فإن المطالع لعنوان هذا المؤلف لأول وهلة يتبادر إلى ذهنه أن الموضوع ينصب على تناول السيرة النبوية، وما في حياة الرسول (من مواقف وأحداث، أو هذا ما عنّ لي وتبادر إلى ذهني، على أقل تقدير، فإذا ما تصفح القارئ الكتاب، أو وقف على مقدمته، وجد أنه يتضمن دروساً في الحديث النبوي الشريف، وما يتصل به من قضايا في التدوين والسند والمصطلح، ألقاها الأستاذ احمد جمال في مسجد السندي بحي الزاهر بمكة المكرمة، وهي فكرة حسنة، من حيث التطبيق أو النشر، حيث حرص على الإيجاز في الإلقاء، بأن لا يتجاوز الدرس الواحد أكثر من ثلاث أو خمس دقائق، حرصا منه على التخفيف، وملاحظة أحوال الناس، من مرض أو شيخوخة أو قضاء حاجة أو مواصلة عمل في متجر أو مكتب، ثم جمع هذه الدروس في هذا الكتاب، ومن تلك القضايا التي تناولها الأستاذ أحمد جمال حديثه (حول تدوين السنة والحديث الضعيف) الذي قال فيه: (بدعوة من الدكتور حسن خفاجي عميد كلية التربية بمكة المكرمة اجتمعنا بمكتبة الحرم المكي، ثم بداره مساء الخميس 11/10/1387هـ للاستماع إلى رأي الدكتور فؤاد سيزجين، وهو تركي الاصل، يدرس في جامعة فرانكفورت بألمانيا الغربية - حول كتابة السنة النبوية منذ القرن الأول الهجري. وكان الحضور: الشيخ على الطنطاوي، والدكتور محمد أمين المصري، والأستاذ محمد القاسمي، والأستاذ صلاح الأزهري، ومعالي الشيخ محمد سرور الصبان، والأستاذ صفوت السقا أميني، وآخرين من المدرسين والطلاب والشباب. استدل المحاضر على رأيه بأن السنة مكتوبة منذ العهد الأول، بصحف عبد الله بن عمرو بن العاص وسمرة بن جندب وجابر بن عبد الله والأشج الكوفي الأشجعي وهمّام بن منبّه وبكتاب زيد بن ثابت في الفرائض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 وقال: إلى سنة 70هـ كانت هناك كتابة متفرقة للحديث النبوي، ثم بدأ الجمع والتدوين والتصنيف عندما أمر عمر بن عبد العزيز بكتابة الحديث النبوي، وقد توفي سنة 101هـ. وكان رأي الأستاذين على الطنطاوي ومحمد أمين المصري، أن الدكتور فؤاد غير موفق في بحثه، وأنه ينحو نحو المستشرقين! وهو يقول: إنه بمحاولته إثبات كتابة السنة النبوية منذ القرن الهجري الأول إنما يرد على المستشرقين - وعلى رأسهم قولدزهير-، الذين يزعمون أن الحديث النبوي اختلقه الصحابة، ولم يقله الرسول (، لأنه لم يدون في حياته، ويستحيل أن تصح الرواية الشفاهية (الأسانيد) لإثبات أن هذه الأحاديث من كلام الرسول (. وشاركت في الحوار فقلت موجها الكلام إلى الأستاذ الطنطاوي والدكتور المصري: إنكما تردان على دعوى الدكتور فؤاد بالنهي الوارد عن الرسول (بعدم الكتابة عنه في قوله: (لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب شيئا فليمحه) . وأرى أن هذا النهي كان في بداية العهد بالإسلام، خوفا من التباس القرآن بالحديث،ثم أذن بالكتابة، بعد أن قوي الإيمان واستقر القرآن في الصدور، بدليل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (اكتب عني فو الله لا يخرج منه - وأمسك بلسانه - إلا الحق) أو كما قال (- كما حدث بالنسبة لزيارة القبور، فقد نهى الرسول (عنها في بادئ الأمر لحداثة العهد بالأصنام والأوثان وخوفاً من العودة الى الوثنية، ثم أذن بها (: (ألا فزوروها فإنها تذكّر الآخرة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 ثم تطرق الكلام والجدال بيننا إلى الحديث الضعيف، فكان من رأي الشيخين الطنطاوي والمصري أن (الحديث الضعيف) هو سبب البلبلة في قضية الأخذ بالسنة النبوية، وما جرت من مشكلات وخلافات، وأنه ينبغي إهماله كلياً. وكان من رأي الذي شاركني فيه الأستاذ محمد على الصابوني والأستاذ خير الله طاهر، أن الحديث الضعيف يؤخذ به في فضائل الأعمال، ومناقب الرجال - كما هو رأي السلف-، وأنه يتأيّد بغيره من الأحاديث فيصبح قوي الاعتبار، وأن الضعف إنّما هو في السند وليس في المتن، وقد كان أبو حنيفة يقدمه على القياس، الذي هو الأصل الثالث من أصول التشريع الإسلامي. فقال الدكتور المصري: إن الحديث الضعيف هو سبب الخلاف بين الأئمة والفقهاء، فهذا يراه قويا، وهذا يراه صحيحاً أو حسناً، ويجب أن ينتهي هذا الخلاف. قلت للدكتور أمين: إن هذا دليل على دراسة هؤلاء الأئمة للأسانيد، والاجتهاد في تنقية السنة النبوية، ومعرفة صحيحها من ضعيفها، وليس الحديث الضعيف وحده هو سبب الخلاف في فقه السنة، فقد اختلفوا في الأخذ بمفهوم الحديث الصحيح أيضاً، فهذا فهمه على وجه، وذاك فهمه على وجه آخر، من حيث المعنى لا من حيث السند فحسب. كما أن الخلاف في فقه السنة بدأ بين الصحابة قبل الأئمة - وفي حياة الرسول (نفسه، وبعد وفاته، فقد اختلفوا في فهم قوله (: (لا يصلينّ أحدكم العصر إلا في بني قريظة) فبعضهم صلاّها في الطريق، لأنه فهم من أمر الرسول، أنه الحثّ على الاسراع، وبعضهم صلاّها في بني قريظة، لأنه أخذ الأمر بحرفه، وقد أقرّ الرسول (كلا الفريقين على عمله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 كما اختلف أبو بكر وعمر على قتال مانعي الزكاة، فأبو بكر فهم من حديث الرسول (: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله) . أن قتال مانعي الزكاة صحيح بالاستثناء الوارد في الحديث النبوي (إلا بحقه) ، ولذلك قال أبو بكر ردا على اعتراض عمر: (والله لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال … الخ) في حين أن عمر فهم من الحديث نفسه، ألا يقاتل الخليفة من أقرّ بالشهادة فقط، ولو أهمل الصلاة ومنع الزكاة، ولكن عمر رجع الى رأى أبي بكر لما رأى صحة فهمه وسلامة عمله وثمرة قتال مانعي الزكاة من استقرار الحكم الإسلامي، الذي كان معرضاّ للانهيار لو سكت أبو بكر عن المرتدين. ثم هناك اختلافات الصحابة واجتهاداتهم، وقد سمعوا حديث الرسول (من فمه مباشرة، فلأبي بكر آراؤه وسياسته وفقهه - ولعمر كذلك - ولابن مسعود - ولابن عباس أيضا، مما لا يتسع المجال لتفصيله. وإذا فالحديث الضعيف ليس سببا في اختلاف الأئمة المتأخرين عن عهد الرسول (. وكان من تعليق الأستاذ الطنطاوي على قولي: إن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام جاء تكميلا وتفصيلا للقرآن الكريم، وأمرنا في القرآن نفسه بإطاعته في قوله تبارك وتعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله.. ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظا) (65) . وفي قوله سبحانه (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (66) . قال الأستاذ الطنطاوي: هذه - أي الآية الأخيرة - نزلت في تقسيم الفيء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 فقلت: إن العبرة في فقه القرآن، وتطبيق أحكامه ومواعظه، بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، كما يقول علماء الأصول، ورويت حديث عبد الله بن مسعود، الذي رواه علقمة قال: (لعن عبد الله - أى ابن مسعود - الواشمات - والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن، المغيّرات خلق الله، فقالت أم يعقوب ما هذا؟ قال عبد الله: ما لي لا ألعن من لعن رسول الله وفي كتاب الله قالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته! قال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وهكذا استدل ابن مسعود بالآية على عموم حكمها، باتباع الرسول فيما ينهى وفيما أمر، وكثير من آيات القرآن على عموم حكمها، باتباع الرسول فيما ينهى وفيما يأمر، وكثير من آيات القرآن نزلت في حوادث خاصة، سحب الفقهاء حكمها على القضايا الأخرى. ثم إن السنة النبوية - قولا وفعلا وإقراراً - مذكورة في القرآن باسم (الحكمة) في قوله تبارك وتعالى: (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) (67) وقوله عز وجل: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم، وكان فضل الله عليك عظيما) (68) . وقال ابن كثير: (يعني القرآن والسنة) كما قاله الحسن وقتادة ومقاتل بن حيان وأبو مالك والزمخشري في الكشاف والشافعي في (الرسالة) وابن رشد في مقدمته المدونة للإمام مالك) (69) . فهذا الدرس يشتمل على قضيتين، تتصلان بالسنة النبوية المطهرة، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهما: 1 - تدوين الحديث. 2 - حكم الحديث الضعيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 وجل الدروس تتناول الأحاديث النبوية بالتحليل والشرح والاستنباط، لاستقاء الأحكام والقيم، التي يجب أن تحتذى، ولا تعرج على ذكر سيرة الرسول (، من مولده ومبعثه وهجرته وغزواته، وما اعترى حياته من معوّقات ومكابدة ومجاهدة، وما عاشه من نصر وتمكين في سبيل نشر الدعوة، وما بيّنه لأصحابه من عظات ومواقف إلى وفاته (، كما قد يوحي عنوان الكتاب، ولعل عذر المؤلف في أن مدرسة النبوّة تشتمل كل ذلك، ولكننا نؤثر العنوان المحدد لمؤلف مثل الأستاذ جمال، متعدد القدرات، ومتنوع المواهب، في التأليف في شتى ضروب المعرفة الدينية، من تفسير وحديث، كأن يكون عنوان كتابه في ظلال الأحاديث، أو دروس من الحديث، خاصة وأن مدرسة النبوة شاملة،بل إن السنة تشتمل ما ورد عنه (من قول أو فعل أو تقرير. والتعدد في القدرات، والتنوع في المؤلفات، لدى الأستاذ أحمد جمال لا يقتصر على دائرة التناول الديني، فهو بحكم ارتباطه بالصحافة، والتزامه بالكتابة في عدد من الصحف والمجلات، تنوعت موضوعاته، وتعددت اهتماماته، ومن ثمرة ذلك، كتابه (الصحافة في نصف عمود) والذي يتناول في أحد موضوعاته (أدب أطفالنا كما ينبغي أن يكون) بقوله: (الأستاذ طاهر زمخشري: الأديب.. والشاعر والإذاعي المعروف - وصديقي العزيز علىّ،الكريم عندي، قبل ذلك كله- ظفر بامتياز مجلة للأطفال باسم (الروضة) وقد أشارت (الندوة) الى هذا النبأ في حينه، وهو الآن بسبيل إصدارها قوية - جذابة، لائقة بأطفالنا.. فلذات أكبادنا التي تمشى على الأرض،كما يقول شاعر قديم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 ومن حق الصديق الزمخشري على، وعلى كل كاتب في بلادنا يهتم بشئون التربية والتعليم والصحافة المدرسية … أن يبذل له من ذات نفسه ما يجد من معارف وتجارب ومآخذ ومقترحات، تنفع الأستاذ الزمخشري في توجيه مجلته (الروضة) نحو الطريق السوية.. على منهاج مدروس مرسوم. ومن رأي - إن كان لي رأي يتقبّله الصديق الزمخشري- أن تمتاز (الروضة) السعودية بشخصية مستقلة تنم عن بيئتها، وتعرف بسماتها. وأن يكتب ما ينشر فيها حول تقاليد أطفالنا في التربية والتعليم، بعد دراسة وتمحيص، بعيدا عن التقليد والمحاكاة: فلكل بيئة أعرافها وأحكامها. وأن تراعي استعمال الألفاظ والتعابير الوطنية الخاصة بنا، فمن الملاحظ أن لغتنا -في الإذاعة والصحافة - بالنسبة لموضوعات الأسرة والأطفال - خليط من مصرية وسورية ولبنانية وفلسطينية وسعودية! مع الأسف الشديد. وأن تحذر (الروضة) الدعوة - معبرة أو مصورة أو مقصوصة - إلى النظريات والأفكار التربوية الوافدة من الخارج قبل معرفة التجارب التي مرت بمن سبقنا إليها، والنتائج التي انتهوا عندها. وأن لا يكتب في (الروضة) كل من هبّ ودبّ، من الذين ينقلون ويقتبسون الأفكار والآراء والنظريات مخدوعين ببريقها، جاهلين لمفاهيمها ومعطياتها، قاصدين - قبل كل شئ - أن تظهر أسماؤهم فوق مقالات تربوية وعلمية أو تحتها، وأن يشار إليهم بأوصاف المربين الكبار! باختصار، على (الروضة) وهي تصدر في بلاد العروبة والإسلام أن تلتزم آداب العروبة والإسلام، ففيها المغنم والمغنى لأفضل تربية وأرفع تعليم للكبار والصغار على سواء) (70) . ومن أهم ما يلمحه الدارس لإنتاج أحمد جمال خارج دائرة الدراسات الدينية: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 1 - أن نتاجه لم يخل من مسحه دينية واضحة، تقتاد الموضوعات الى مسار أخلاقي، وتحدها بسياج من القيم والمثل كي لا تحيد عن المنهج المرسوم،فهيمنة التوجه الديني ظاهرة وجلية على أدبه، ومجمل إنتاجه في المجالات الاجتماعية والفكرية، ولذلك يذهب عبد الله عبد الجبار، بعد أن صنّفه ضمن التيار الكلاسيكي الى أن: (احمد جمال في كتاباته الاجتماعية أيضا،كثيرا ما يؤكد آراءه بنصوص دينيه من الكتاب والسنة) (71) . 2 - أن الأدب ظل إلى جانبه - وإن تخلّى عن الشعر - رافداً ومعينا فمقالاته في الصحافة تنقسم إلى قسمين: أ - مقالات دينية. ب - مقالات في موضوعات شتى تهيمن عليها سمتان: القيم الدينية والنزعة الأدبية ومن يقرأ موضوعات كتابه (الصحافة في نصف عمود) يجد أن عنوان الفصل الأول (في المحيط الأدبي) ويجد بين عناوين الموضوعات (شقشقة هدرت ثم قرت) و (بين الشيوخ والشباب) و (أدب الحيوانات) (الغذاء الفكري أم الغذاء الصحي) و (شهوة الكلام كشهوة الطعام) و (لماذا لا يكون لنا مجمع لغوي) و (هؤلاء إن لم يكونوا أدباء فماذا يكونون) و (المؤتمر الأدبي في موسم الحج) و (ماذا يقرأ شبابنا) و (ماذا نقرأ ولماذا نقرأ) و (نصيحة للأدباء الشباب) و (زيدان أديب غير مفهوم) و (تراجم الأدباء) و (المتاجرة بالأدب) و (عندما يكون العالم أديبا) و (إحياء سوق عكاظ) و (المطلوب من الصحافة العربية) و (هل الأدب سخرية وضحك على الذقون) و (الشاعر المجهول) و (أدباؤنا يجب أن يشاركوا في هذا المجال) و (حول السرقات الأدبية) و (الذين يستحقون التكريم) و (أسوة حسنة للأندية الأدبية) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 وكل هذه الموضوعات ذوات صبغة أدبية، وتفصح عن اهتمام أدبي ظل كامنا في نفس الأستاذ أحمد جمال يطل برأسه بين آونة وأخرى، ليس من خلال الموضوعات الأدبية التي تطرق إليها في الصحافة فحسب، بل من خلال دراساته الأدبية والاجتماعية أيضا، فهو حينما يتناول قضايا الشباب ومشكلاته من خلال كتيبه (من أجل الشباب) يأبى إلا أن يكون المدخل متصلا بالأدب من خلال بوابة اللغة، للإفصاح عن شدة اهتمامه باللغة والأدب، حيث يتحدث عن الشباب في اللغة بقوله: (إذا طالعنا المعاجم العربية نجد حديثها عن الشباب على النحو التالي: الشباب هو الفتاء والحداثة - واصله من شبّ النار إذا أوقدها، فتلألأت ضياءً ونوراً. ويقال: شب الجواد إذا رفع يديه معا إلى أعلى. فالشباب -إذن - يعني الطموح والارتفاع والتحفز. الناشئ: هو من بلغ العاشرة أو جاوزها قليلاً. والمراهق من كاد يبلغ الحلم أو بلغه والشباب بين الثلاثين والأربعين. الكاعب " هي التي برز ثدياها والناهد: إذا زاد بروزهما. والنصف: هي التي بين الشباب والكهولة) (72) . وينبني على ذلك أن الأديب لم يتوار داخل شخصية أحمد جمال، فلقد ظل كامنا يعمل في صمت، فهو وإن لم يستطع أن يتوازى، ويسير جنبا إلى جنب مع شخصية المفكر الإسلامي، المهتم بالتفسير والمباحث الفقهية وقضايا المجتمع المسلم وأحوال الأقليات الإسلامية والتركيز على تناول شخصية الفرد المسلم ودارسة أحوال المجتمع الإسلامي، فإنه لم يختف بالكلية، بل ظل في كل تلك الدراسات وسواها، المؤازر والمعين الذي يمد المفكر أحمد جمال بلغته ومفرداته وأسلوبه، بل ربما بمادته، حين يسعفه التداعي في استحضار الموروث الأدبي، وأحمد جمال نفسه يأخذ بيدنا للوصول إلى هذه النتيجة وحلّ هذه الإشكالية، حينما يقول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 (ما زال هناك - بيننا- من يظن (الأديب) هو الذي يكتب القصة العاطفية، أو ينظم القصيدة الغزلية، أو هو الذي يمارس الكتابة على مبدأ (الفن للفن) ولا أريد أن أعيد ما كتبته رداً على الأستاذ الأنصاري في الأدب أو ما قلته من قبل عن (الالتزام) التزام الأديب بشؤون بيئته، وانفعاله بالحياة حوله، ومشاركة الاحياء في مجتمعه، في آلامهم وآمالهم، بالمعالجة والإصلاح. وإنما قرأت - أخيراً نبأ أتأيّد به في وجهة نظري عن الأدب والأديب، وهو أن العالم الأزهري الشيخ أحمد الشرباصي - وهو خطيب أديب - وضع رسالته لنيل الدكتوراة عن رشيد رضا وأثره في الأدب واللغة العربية … تحدث فيها عن السيد رشيد رضا - رحمه الله - كمفكر إسلامي ومفسر قرآني، ومشتغل بالحديث النبوي، وخطيب وشاعر، ومهتم بشؤون اللغة العربية. وقد نال الأستاذ الشرباصي شهادة الدكتوراه من الجامعة المصرية، بعد مناقشة هذه الرسالة بين يدي هيئة علمية أدبية من أساتذة الجامعة. والعبرة، أو موضع الاستدلال من النبأ، هو اعتبار الشيخ رشيد رضا المعروف كمفسر للقرآن الكريم: أديباً كبيراً له (أثر في الأدب واللغة العربية) وأن تعطي شهادة الدكتوراة لمقدم الرسالة، على أساس صدق دعواه وتدليله عليها بما لا يقبل الجدل أو الرفض. فماذا يري الحاصرون (للأديب) في نطاق العاطفة الفنية أو الفن العاطفي (73) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 وإذا كان هذا الرأي يمثل الجانب التنظيري في القضية، فإن الجانب العملي والتطبيقي يتجسد في نزوع أحمد جمال نحو إصدار كتاب (أدب وأدباء) ، ليدلّل بأسلوب عملي على أن جذوة الأدب في دخيلته لم تخب، وأن اهتمامه الأدبي لا زال متأججا في دخيلته، لم تطفئه بقية الاهتمامات، وإنما ظل مستعراً، ليمدها بطاقة الاستمرار، وروافد العطاء، من أفكار وأسلوب يخيم فوقهما الوضوح بدرجة لا تقبل التأويل، ولا تنطوي على التواء ومواربة، يلجأ معها الدارس إلى الاستنباط وكدّ الذهن في الوصول إلى مضامينه، وترهقه في الكشف عما يتوارى خلف السطور، بل تريح الدارس بتقديم الفكرة واضحة، والرأي جليا، والكلمة نقية من الالتباس والتضاد. ولذلك فعوز الدارس لإنتاج أحمد جمال إلى الاستشهاد بأقواله وآرائه، يفوق الاعتماد على الاستنباط والتأويل. وولوج أحمد جمال عالم الفكر جعل عبارته الأدبية في تناوله لقضايا الأدب، تتساوق مع التوجه الفكري، بتجانسها مع الوضوح والمباشرة في الوصول إلى الفكرة، شأن كل من يتصدى للقضايا الإسلامية، ونأى بعبارته عن ظلال الأدب، بما تنطوي عليه أساليبه من محسّنات، أو غموض، أو اهتمام لفظي، تتوارى المعاني عن البروز بوضوح بين ثناياه، أو تستوجب إعمال الفكر للوصول إلى المرامي والمعاني، لغموضها أو لصعوبة الوصول إليها إلا بالتحليل والاستنباط. وللوقوف على هذا الملمح من خصائص أدب احمد جمال نلتمسه في كتابه أدب وأدباء، وهو يتناول فكرة تهمّ هذا البحث، حينما يرد على تساؤل أحد أقرانه من الأدباء، بتساؤل آخر هو (هل يبدأ الأديب شاعراً؟) ويجيب: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 (إن الأديب في الأعم الأغلب يبدأ شاعراً، لا أن الأديب ينبغي أن يكون شاعراً، أو إلا فما هو بأديب، ودليلي على رأي هو أن كثيراً من أدبائنا السعوديين بدأوا شعراء ثم اشتغلوا بالنثر، وانصرفوا عن الشعر … وفي مقدمتهم الأساتذة عبد الله عريف، ومحمد عمر توفيق، وعلى حافظ ومحمد على مغربي والساسي والزواوي والرفاعي وغيرهم، ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن. وكذلك شأن الأدباء العرب أيضاً، كالعقاد والمازني وزكي مبارك وأمثالهم، فقد بدأوا شعراء، ثم انصرفوا عن الشعر إلى النثر. وعلة ذلك … ازدحام الحياة بأسباب هذا الانصراف عن نظم القوافي وتصيّد كلمات القافية الواحدة، ومراقبة الوزن.. بما يشبه المخاض! إن ازدحام الحياة بالمشكلات والمطالب الحيوية للمجتمعات أرغم هؤلاء الأدباء على الاندفاع في تيارها، والاشتراك في معالجة شؤونها - بالأسلوب السهل الميسر- وأعني به النثر. وبالمناسبة كنت قد أصدرت مجموعة أشعاري في عام 1366هـ باسم (الطلائع) ، على أمل أنه الجزء الأول، وأني اتبعه بأجزاء أخرى، فإذا به رغماً عني يكون (الخواتيم) ، فلم أعد أطيق الانحباس لنظم بيت واحد من الشعر (74) ؟ الموازنة والنتائج: وهذه الشواهد تؤكد أن الأستاذ أحمد جمال يتبوأ منزلة وسطى، بين من انتقلوا من ساحل الشعر إلى ساحل الفكر الإسلامي، أو من دوحة الشعر الى خندق الفكر الإسلامي، وتحديداً بين الأستاذ سيد قطب والأستاذ مصطفي صادق الرافعي ليس على سبيل المفاضلة في المكانة والقيمة الأدبية والعلمية، وإنّما في تنوع موضوعات التأليف، ونصوص التناول الفكري. فإذا كان الأستاذ سيد قطب بارح عالم الشعر إلى ساحة الدراسات البيانية للقرآن، كما في (التصوير الفني للقرآن) و (مشاهد القيامة في القرآن) ، أو في تفسيره المشهور (في ظلال القرآن) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 والأستاذ مصطفي صادق الرافعي غادر عالم الشعر إلى توجهين متباينين، هما رومانسيته كما في (السحاب الأحمر) و (أوراق الورد) ، وصرامته في الدفاع عن الإسلام، كما في رده على الدكتور طه حسين في (تحت راية القرآن) ، فإن ساحة التناول عند أحمد جمال امتدت بامتداد المسافة بين الشعر والفكر، وتعددت موضوعاته بين فكرية وتربوية واقتصادية وأدبية، إضافة الى الركيزة الأساسية التي أوى الى ركنها الثابت، وحصنها المستقر، وهي التفسير والدراسات القرآنية والفقهية والسنة وشئون الدعوة والأقلياّت الإسلامية، وما يرتبط بهذه الموضوعات. ولذلك فقد احتذى الوسطية في توجهه الأسلوبي، أو لنقل إن المناخ العام قد هيمن على تشكيل وبلورة توجهه الأسلوبي وفقا للموضوعات والطروحات التي يناقشها، ويخوض غمارها. ونخلص من ذلك، الى أن المسافة بين الشعر والفكر تقاس بوحدتي اللفظ والخيال، إذ أن العقل هو ذات العقل القادر على الخلق والتوليد، كما يري تشومسكي في نظريته عن خواص اللغة: (الخاصية العامة الثانية للّغة الإنسانية التي سنتحدث عنها هنا هي طابعها الإبداعي (أو لا محدوديتها) ، ويقصد بذلك مقدرة جميع الناطقين بلغة ما على تكوين عدد ضخم غير محدود من الجمل، أو فهمه، دون أن يكون قد سبق لهم أن سمعوا بها من قبل، بل ربما لم يسبق أن تحدث بها أحد) (75) . إلا أن مجال الشعر يستدعي الخلق والتوليد، والابتكار اللفظي والخيالي، فاللفظ هو الحد الفاصل بين الخطاب النثري والخطاب الشعري، كما تبيّن لنا فيما سبق، كما أن الخيال هو أداة التحليق من عالم الواقع المعاش، إلى آفاق التجنيح الشعري، دون أن نغفل أن المناخ الشعري نفسه، المتمثل في الانكباب على قراءة نماذجه وإبداعاته، هو البيئة المؤازرة على الإخصاب والتوالد والتنامي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 ويبدو أن الشاعر في قرارة الأستاذ أحمد جمال كان طموحا وتواقا للاستمرار من خلال إطلاق اسم الطلائع على ديوانه الأول، على أنه جزء من شعره سيتبعه بأجزاء أخر كما ذكر، ولكن الشاعر أخفق في ذلك. ثم أبى أن يستسلم ويستقر ويركن إلى الدعة كما شاء له، فأخذ يطلّ ويشرئب من موضع تواريه، فبدا على غلاف أحد أعمال الأستاذ أحمد جمال الفكرية، في صورة عنوان استقطع من جزء من بيت وهو (مكانك تحمدي) إلا أن المفكر في نفس الذات أقسره على التواري والانزواء الى أن قبض الأستاذ أحمد جمال رحمه الله وهو كما علّل ذلك فيما سبق ب (ازدحام الحياة بالمشكلات والمطالب الحيوية للمجتمعات) (76) . ولذلك فإن عزوف الأستاذ احمد جمال عن قراءة الشعر - كما يبدو - ونظمه، وانصرافه بالكلية الى القضايا الفكرية من دينية واجتماعية أفضى الى انتقاله من ظلال اللفظ المتلون الى وهج الحقيقة الساطع فأضحى مفكراً بعد أن كان شاعراً. الهوامش والتعليقات الأديب المكي أحمد محمد جمال، محمد علي الجفري ص 57. السابق ص 32. السابق ص 42 وعبث الوليد هو شرح مختصر لأبي العلاء المعري على ديوان البحتري سنذكره في ثبت المصادر والمراجع. الأديب المكي ص 42. السابق ص 52. أفردت الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطىء فصلاً من كتابها (الغفران) لدراسة الغفران بين آثار أبي العلاء فعقدت لها موازنة مع رسالة الملائكة ومع ديوانه اللزوميات ومع كتابه الفصول والغايات ص 261- 271. أصدر الأستاذ محمد حسن عواد (خواطر مصرحة) عام 1345هـ وتحدث الدكتور عمر الطيب الساسي عن الكتاب وترجم لمؤلفه في كتابه (الموجز في تاريخ الأديب السعودي) ص 66. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 العطار هو أول من أقدم على جمع شعره ونشره في ديوان مستقل في سنة 1365هـ 1946م من بين أقرانه ومن سبقوه من الرُّواد في الأدب السعودي الحديث وقد كتب مقدمة ديوان (الهوى والشباب) الدكتور طه حسين (رحمه الله) وأثنى عليه وتنبأ له بمستقبل زاهر في الشعر ولكن العطار لم يواصل سيره في نظم الشعر، رغم أصالته المبكرة فيه لأن العلم صرفه عنه. الموجز في الأدب السعودي ص 187 وترجمة العطار ص 184 من الموجز. ولقد درس الدكتور عمر الساسي ظاهرة استهلال العواد حياته بالتأليف والعطار حياته بالشعر في بحثه المخطوط والمجاز للنشر من مجلة جامعة أم القرى بعنوان (ظاهرة التطور العكسي بعد اكتشاف الذات والقدرات الفعلية) . طبع بدار الكتاب العربي بمصر بدون تاريخ وذكر الناشر في مقدمته أن (صاحب الطلائع ليس غريباً عن قراء الأدب العربي في مد أقطارهم جميعاً فهم قد قرأوا الكثير من شعره ونثره في كبريات المجلات والجرائد في مصر والشام والعراق: الثقافة، الصباح، الساعة 12، الرابطة الإسلامية، الكتاب، الإخوان المسلمون، الشرق الجديد، الجمهور ببيروت، العرفان بصيدا، الرحاب ببغداد..الخ. وفي جرائد ومجلات الحجاز: أم القرى، صوت الحجاز، جريدة المدينة المنور، المنهل، تارة باسمه الصريح وتارات برمزيه المعروفين (ابن محمد) و (الفتى المعهدي) وأرّخ الناشر لمقدمته بصفر 1366هـ وجاء في الصفحة الأولى من (وداعاً أيها الشعر) أن تاريخ الطبعة الأولى 1366هـ والطبعة الثانية سنة 1397هـ وقد ذكر الأستاذ أحمد جمال ذلك ونصّ عليه في كتابه أدب وأدباء ص 122. ص 6. الطلائع ص 97-98. السابق ص 74. السابق ص 74. London, 1984-P235. الطلائع ص 39. الأدب وفنونه ص 12. الأدب وفنونه ص 130-131. نقد الشعر في القرن الرابع الهجري ص 292. عيار الشعر ص 29. الصورة الأدبية ص 239. الأسس الجمالية في النقد العربي 350. ص 63. مفهوم الشعر ص 327-328. جمهورية افلاطون ص 66. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 لم نكترث لتوثيق هذا الأمر على أن الاهتمام الأدبي المشترك كرّس الصلة بين الرافعي ومي فهو يخاطبها في إحدى رسائله قائلاً: سيدتي الآنسة النابغة.. لو أن فصل الكلام عندنا أمّا قبل بدلاً من أمّا بعد لحسن ذلك عندي إذ أشير بها إلى هنية كانت في قصرها كحياة الزهر، وفي منفعتها كزاد الدهر، وأي بليغ يراك ولا يعرف منك فناً جديداً في حسن معانيه وبيانه، ويعرفك ولا يرى فيك أبدع البديع في ما يعانيه من افتتانه. لله الحمد أن جعلنا أن نتلقى الماء ولم يجشمنا أن نصعد من أجله إلى السماء، ولك الفضل إذ قبلت وصفك على قدر ما يخط بالحبر لا ما يخط بالدماء. قدمت مع البريد شيئاً من كتبي ولاريب أنها قد رأت في كتابي إياها معنى من النقص فاليوم يسرني أن أهديها إليك لتستمتع من نظرك إليها بمعنى الكمال. وحفظك الله للفضل والأدب وللمعجب بك. مصطفى صادق الرافعي مي زيادة وأعلام عصرها رسائل مخطوطة لم تنشر ص 210. وينظر في ذلك كتاب (في صالون العقاد كانت لنا أيام) ص 131 وكتاب أحمد جمال نفسه أدب وأدباء ص 82-83. من الشعر الحديث ص 125-126. ص 27-29. مقدمة في أصول الشعر العربي ص 5. تحت راية القرآن ص 97. السابق ص 5. من الشعر الحديث ص 229-230. التصوير الفني في القرآن ص 50-52. الحماسة البصرية 1/3. ص 44. من الآية 19 من سورة النساء. اسمها قبل أن تُسلّم: مارجريت ماركوس المؤلف ص 49. ص 47-50. ص 96 والاستشهاد مأخوذ من كتاب الدكتور البوطي (تجربة التربية الإسلامية) كما ذكر المؤلف دون تحديد الصفحة. الآية 58 من سورة النور. ص 84-85. ص 13-15 ويحسن أن نلاحظ أن المؤلف لم يحدد تاريخ نشر مقالتي الأستاذ علي الطنطاوي والتي اكتفى بالإشارة الى أنها نشرت منذ عام أو يزيد ومقالة الأستاذ تقي الدين خليل التي أشار الى أنها نشرت منذ شهرين إلا قليلاً على أن تاريخ الطبعة الأولى للكتاب سنة 1364هـ - 1945م وكتبت مقدمة الطبعة الأولى في 1/9/1364هـ. ص 5--7. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 ص 13-15. صدرت الطبعة الرابعة من كتاب (على مائدة القرآن دين ودولة) سنة 1405هـ - 1985م) . مأدبة الله في الأرض المقدمة 23-24. ص 9-10. ص 57-58. الآية 53 من سورة فصلت. ص 91-92. 1/5-6 . السابق 1/79. الآية 49 ص سورة الدخان. الآية 60 من سورة غافر. الآية 178 من سورة آل عمران. الآيات 43-49 من سورة الدخان. القرآن الكريم كتاب أحكمت آياته 1/98 - 99. السابق 1/6 - 7. التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية، النثر: فن المقالة ص 67. ص 158-159. هامش المقدمة ص 11. نفسه. الآية 120 من سورة هود العناية بتفسير آي القرآن الكريم ضمن كتاب أحمد جمال الداعية - المفسر - الأديب ص 140 - 141. القصص الرمزي في القرآن ص 74-78. الآية 80 من سورة النساء. من الآية 7 من سورة الحشر. الآية 164 من سورة آل عمران. الآية 113 من سورة النساء. ص 20-25. ص 87-88. التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية، النثر، فن المقالة ص 67. ص 15. الصحافة في نصف عمود ص 54. ص 121-122. كتاب (نعوم تشومسكى) ص16. أدب وأدباء ص 122. المصادر والمراجع القرآن الكريم إبراهيم العريض: - من الشعر الحديث، ط 1، دار العلم للملايين، بيروت، 1958. أحمد بن سليمان التنوخي (أبو العلاء المعري) . - رسالة الصاهل والشاحج، تحقيق د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطىء) ، دار المعارف بمصر، 1975م. - رسالة الغفران، تحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطىء) ، ط 5، دار المعارف بمصر، 1969. - رسالة الملائكة، المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر، بيروت، بدون تاريخ. - سقط الزند: شرح الدكتور ن رضا، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1965م. - عبث الوليد، ط 8، نشر أسعد الطرابزوني الحسيني، مكتبة النهضة المصرية دون تاريخ. - الفصول والغايات: تحقيق محمد حسن زناتي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 - اللزوميات: تحقيق أمين عبد العزيز الخانجي، مكتبة الخانجي، القاهرة، دون تاريخ. أحمد جمال: - أدب وأدباء، ط 1، دار الثقافة، مكة المكرمة، 1413هـ - 1992م - تعليم البنات بين ظاهر الحاضر ومخاطر المستقبل:، ط1، نادي الطائف الأدبي، 1409هـ - 1988م. - خطوات على طريق الدعوة، سلسلة دعوة الحق، رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، 1413هـ - 1993م. - دين ودولة، ط4، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405هـ - 1985م. - الصحافة في نصف عمود، ط1، دار الثقافة، مكة المكرمة، 1412هـ - 1991م - الطلائع (ديوان) ، دار الكتاب العربي، مصر، 1966م. - في مدرسة النبوة، ط1، نادي مكة الثقافي الأدبي، 1414هـ. - القرآن الكريم كتاب أحكمت آياته، ط4، دار إحياء العلوم، بيروت، 1412هـ - 1991م. - القصص الرمزي في القرآن، ط4، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405هـ - 1985. - قضايا معاصرة في محكمة الفكر الإسلامي، ط2، دار الصحوة، القاهرة، 1407هـ - 1986م. - مأدبة الله في الأرض، ط2، دار إحياء العلوم، بيروت، 1408هـ - 1988م. - ماذا في الحجاز، ط2، دار الثقافة، مكة المكرمة، 1408هـ - 1988م. - المسلمون حديث ذون شجون، سلسلة دعوة الحق، رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، 1411هـ - 1991م. - مكانك تحمدي، ط5، دار إحياء العلوم، بيروت، 1406هـ. - من، أجل الشباب، ط3، دار الرفاعي، الرياض، 1408هـ. - نحو تربية إسلامية، ط3، دار إحياء العلوم، بيروت، 1407هـ - 1987م. - وداعاً أيها الشعر، ط2، نادي مكة الثقافي، 1397هـ - يسألونك، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1403هـ - 1983م. ... افلاطون: - الجمهورية تحقيق حنا خباز، ط1، دار القلم، بيروت، 1969م. أنيس منصور: - في صالون العقاد كانت لنا أيام، ط1، دار الشروق، بيروت - القاهرة، 1403هـ 1983م. البصري: - الحماسة البصرية، عالم الكتب، بيروت 1383هـ - 1963م. جابر عصفور (الدكتور) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 - مفهوم الشعر، مطبعة دار نشر الثقافة بالفجالة، نشر دار الإصلاح بالدمام دون تاريخ. جون ليونز: - نعوم تشومسكى ترجمة د. بابكر عمر عبد الماجد، المعهد الإسلامي للترجمة، منظمة المؤتمر الإسلامي الخرطوم 1997م. حازم القرطاجني (ابو الحسن) : - منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة، ط2، دا رالغرب الإسلامي، بيروت 1981م. د. س مرجليوث: - أصول الشعر العربي، ط1، مؤسسة الرسالة، 1398هـ - 1978م. سلمى الحفار الكزبري: - مي زيادة وأعلام عصرها، رسائل مخطوطة لم تنشر، جمع وتقديم وتحقيق ط1، مؤسسة نوفل، بيروت 1982م. سيد قطب: - التصوير الفني في القرآن، دار المعارف بمصر 1386هـ - 1963م. عائشة عبد الرحمن الدكتور (بنت الشاطىء) : - الغفران، ط3، دار المعارف بمصر 1968م. عبد الله عبد الجبار: - التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية، قسم النثر، مطبوع على الآلة، محاضرات ألقيت على طلبة معهد الدراسات العربية العالية بجامعة الدول العربية 1959م - 1960م. عز الدين إسماعيل: - الأدب وفنونه، ط7، دار الفكر العربي بمصر 1978م. - الأسس الجمالية في النقد العربي عرض وتفسير ومقارنة، دار الفكر العربي - بيروت بدون تاريخ. عمر الطيب الساسي (الدكتور) : - ظاهرة التطور العكسي بعد اكتشاف الذات والقدرات الفعلية، بحث مجاز للنشر في مجلة جامعة أم القرى وحصلت عليه بإهداء شخصي من أستاذنا الباحث. - الموجز في تاريخ الأدب العربي السعودي، ط1، تهامة، جدة، 1406هـ - 1986م. قاسم مومنى (الدكتور) : - نقد الشعر في القرن الرابع الهجري، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة 1982م. محسن باروم (السيد) وآخرون: - أحمد محمد جمال رحمه الله الداعية - المفسر - الأديب، سلسلة دعوة الحق 144 - رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، ذو الحجة 1414هـ. محمد أحمد بن طباطبا العلوي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 - عيار الشعر، تحقيق د. محمد زغلول سلام، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1980م. محمد علي حسن الجفري: - الأديب المكي، مؤسسة عكاظ، جدة، 1415هـ. محمد مندور (الدكتور) : ... - الأدب وفنونه، ط2، دار نهضة مصر. مصطفى صادق الرافعي: - تحت راية القرآن، ط6، مطبقة الاستقامة، القاهرة، 1385هـ - 1966م. - السحاب الأحمر، تحقيق محمد سعيد العريان، ط7، المكتبة التجارية بمصر، 1985م. - وحي القلم، دار الكتاب العربي، بيروت، بدون تاريخ. مصطفى ناصف (الدكتور) : - الصورة الأدبية، ط2، دار الأندلس، بيروت 1401هـ - 1981م. المراجع الأجنبية - EMPSON, WILLIAM - SEVEN TYPES OF AMBIGUITY, THE HOGARTH PRESS , LONDON , 1984. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 شرح العلاّمة الأمير على نظم العلاّمة السُّجاعيّ في " لاسيَّمَا " تحقيق ودراسة د. أحمد بن محمد بن أحمد القرشي الأستاذ المساعد في كلية إعداد المعلمين بالمدينة المنورة ملخص البحث هو الإمام العالم العلاَّمة الفاضل الفهَّامة محمَّد بن محمَّد بن أحمد بن عبد القادر السّنباويّ المالكيّ الأزهريّ المشهور بالأمير الكبير، صاحب التحقيقات الرَّائقة والأليفات الفائقة، انتهت إليه الرّياسة في العلوم بالدّيار المصريّة. صنّف عدّة مؤلفات اشتهرت بأيدي الطّلبة وهي في غاية التحرير، أكثرها حواش وشروح، ومن أشهرها حاشيته على مغني اللّبيب وكذا على المقدّمة الأزهريّة، وشذور الذّهب وغيرها. وشرْحُه لأبيات لاسيّما للسُّجَاعيّ لا يقلّ قيمة عن بقيّة كتبه؛ إذ إِنَّ الأمير حشد في شرحه جُلَّ ما يتعلق بأحكام (لاسيّما) من أمهات وبطون الكتب المتفرّقة جمعها في شرحه في أسلوب علميّ لا تكاد تجده في أيّ كتاب آخر، ممَّا دفعني إلى تحقيقه ودراسته ونشره حيث ناقش الأمير حكم دخول الواو على (لاسيّما) وإعرابها، وجوازِ حذف " لا " وعدمه، و " سيّ " من حيث الإعراب وعدمه، وكون " ما " موصولة أو نكرة موصوفة أو نكرة زائدة وغيره، وأوجه إعراب الاسم الواقع بعد (لاسيّما) إذا كان معرفة أو نكرة، وحلول الجملة محلّه وعدمه، وعن مجموع (لاسيّما) هل هو من أدوات الاستثناء؟ وغير ذلك من الأحكام. وقد حقّقت هذا الشّرح على ثلاث نسخ حاولت جاهداً وحرصت كل الحرص من خلال مقابلتها أن يخرج نصّ الكتاب كما أراده مؤلّفه ملتزما في ذلك الدّقّة والأمانة العلميّة في النّقل والتّحقيق الجيّد وختمت النّصّ المحقّق بفهرس للمصادر والمراجع الّتي اعتمدتّها في تحقيق ودراسة الكتاب. وصلّى الله على سيّدنا وحبيبنا محمّد وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً كثيراً، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. • • • كلمة المحقّق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم،،،،،،،،،،،، وبعد: فقد اهتم علماء العربيّة منذ بداية التأليف في النَّحو العربيّ بتتبّع معاني أدوات العربيّة وأحكامها النّحويّة لذا نجد سيبويه تعرّض لها في الكتاب، والمبردّ في المقتضب، وابن السّرّاج في الأصول، والزّجّاجيّ في الجمل وغيرهم، وزاد اهتمامهم بها فأفردوا لها مصنّفات مستقلّة خاصّة بأدوات المعاني كحروف المعاني للزّجّاجيّ، ومعاني الحروف للرّمّانيّ، والأزهية للهرويّ، ورصف المباني للمالقيّ، والجنى الدَّاني للمراديّ، ومغني اللَّبيب لابن هشام الأنصاريّ وغيرها؛ بل بعض النّحاة أفرد مصنّفا مستقلاً بأداة من أدوات المعاني كالزّجّاجيّ في كتاب اللاَّمات، وأحمد بن فارس في مقالة كلاّ، وأبي جعفر الطّبريّ في رسالة كلاّ في الكلام والقرآن، ومكّي بن أبي طالب في شرح كلاّ وبلى ونعم، وابن هشام الأنصاريّ في رسالته المباحث المرضية المتعلّقة بمن الشّرطيّة، وعثمان النّجديّ الحنبليّ في رسالة أيّ المشددة وغيرهم من النّحاة. ويجدر بالذّكر أنَّ المفسرين اهتموا ببيان معاني الحروف وتطبيقها في تفاسيرهم، كأمثال القرطبيّ في كتابه الجامع وأبي حيّان الأندلسيّ في كتابيه البحر المحيط والنَّهر المادّ، والسَّمين الحلبيّ في كتابه الدّر المصون وغيرهم من المفسّرين السَّابقين واللاَّحقين. لذا يطيب لي أن أقدّم لقرّاء العربيّة ومحبّيها شرحاً نفيساً تفرّد بالحديث عن (لاسيّما) للعالم الفاضل محمَّد بن محمَّد بن عبد القادر السّنباويّ الشَّهير بالأمير الكبير، وهو شرح على أبيات لاسيَّمَا للسُّجَاعي آمل من خلاله أن أكون قدَّمت عملاً ينير الطَّريق لمعرفة أحكامها، ويذلّل مسالكها، ويكون عوناً للباحثين في الدّراسة. • • • وعملي في هذا الشَّرح يقع في قسمين: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 القسم الأوَّل: الدّراسة، وتشتمل على مدخلٍ حول (لاسيّما) ، ثُمَّ ترجمةٍ موجزة لكلٍّ من الأمير والسُّجَاعيّ، ثُمَّ توثيق نسبة الشَّرح والنَّظم لهما، ثمَّ مصادر الأمير في الشَّرح، ثم وصف النُّسخ المعتمدة في التحقيق ومنهجي في تحقيقها. القسم الثاني: تحقيق الشَّرح وفق قواعد التحقيق؛ ثُمّ صنعت فهرساً للمصادر والمراجع. • • • وأودُّ أن أتقدّم بالشّكر الجزيل وعظيم العرفان لأستاذي الأستاذ الدّكتور سليمان بن إبراهيم العايد الّذي تعهّد هذا البحث من أوّل لحظة بالمتابعة والنّصح والتوجيه، فله منّي جزيل الشّكر سائلا الله عزَّ وجلَّ أن يجعل ذلك في ميزان حسناته. كما لا يفوتني أن أتقدَّم بالشّكر الجزيل والدُّعاء الخالص للزَّميل الأستاذ عبد الحفيظ محمَّد نور المعيد بقسم الدّراسات القُرآنيَّة بكليّة المعلمين بالمدينة المنوّرة على ما بذله من جهد خالصٍ في طباعة هذا البحث، ومن النُّصح والإرشاد سائلا الله عزَّ وجلَّ له أن يعينه على إنجاز دراسته العليا، وأن يكتب لنا وله التوفيق والسَّداد والقبول في كلّ أعمالنا إنّه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وصلَّى الله على نبيّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا. مدخل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 يطيب لي في هذا المدخل أن ألخص وأوجز الأقوال والآراء الَّتي أوردها الأمير في شرحه لمنظومة " لاسيَّما " للسُّجاعيّ إذ إنَّه في مقدِّمة الشَّرح بيَّن منهجه الَّذي سيسلكه حيث قال: (مقتضى الترتيب الوضعي في " ولاسيَّما " أن يبحث فيها أوَّلاً: عن " الواو " من حيث كونها اعتراضية أو غيره ممَّا يأتي؛ ثم عن " لا " من حيث جواز حذفها وعدمه وغيرهما ممَّا يأتي ثم عن " سيّ " من حيث الإعراب وعدمه؛ ثم عن " ما " من حيث كونها موصولة أو نكرة موصوفة أو نكرة زائدة وغيره ثم عن مجموع " ولاسيَّما " هل هو من أدوات الاستثناء؟ ثُمَّ عن الاسم الواقع بعدها من حيث إعرابه، وحلول الجملة محله وعدمه) . وأقول لاشكَّ أنَّ المؤلّف تناول في منهجه أقوال سابقيه، ولم يكتف بالنَّقل عنهم بل خرج إلى المناقشة والرَّدّ والتَّرجيح كما أنَّه قام بالرَّدّ على أقوال المعترضين عليه سالكاً أسلوب الجدل ليوقع بهم، وهذا أمر ظاهر لمن يقرأ الشَّرح قراءة فاحصة ممَّا جعل كلامه من ناحية في بعض المسائل مُلغزا، ومن ناحية أخرى جعل القارئ المتابع لآراء العلماء في المسألة الواحدة يجد عسراً ومشقَّة في معرفة آرائهم بسبب نثره للآراء هنا وهناك ومتابعته للمعترضين عليه، لذلك وغيره وضعت هذا المدخل وقد قسَّمته إلى مبحثين: المبحث الأول: إعراب " ولاسيَّما " والاسم الواقع بعدها، وفيه ستّ مسائل (1)   (1) اعتمدت في دراسة هذا المبحث – إلى جانب ما ذكره الأمير في شرحه – على المصادر والمراجع التالية: الكتاب 2/ 286، والأصول 1/ 305، وشرح المفصل 2/ 85، والإيضاح في شرح المفصل 1/ 368، وشرح الجمل لابن عصفور 2/ 262، وشرح التسهيل 2/ 318، وشرح الكافية الشافية 2/ 724، وشرح الكافية للرضي 1/ 248، والارتشاف 3/ 1549، ومغني اللبيب 148، والمساعد 1/ 596، وتعليق الفرائد 6/ 147، وهمع الهوامع 1/ 234، وشرح الألفية للأشموني 2/ 167، وحاشية الأمير على المغني 1/ 123، وحاشية الخضري على ابن عقيل 1/ 80، والنحو الوافي 1/ 401. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 : المسألة الأولى: إعراب " الواو " الداخلة على جملة " لاسيَّما كذا " ومحل الجملة من الإعراب: وفيها ثلاثة أوجه: أوَّلاً: أن تكون " الواو " اعتراضية، بناء على ما قيل بجواز الاعتراض في آخر الكلام، وعلى هذا فالجملة لا محل لها من الإعراب. ثانياً: أن تكون حاليةً نحو: (ساد العلماء ولاسيما زيدٌ) فجملة (لاسيَّما زيدٌ) حال من (العلماء) ، فيكون محلها نصباً أبدا؛ إذ المعنى: سادوا والحال أنّه لا مثل زيد موجود فيهم، أي لا مثله في السّيادة أو في العلم وهما متلازمان؛ إذ المعنى: سادوا لِعلْمهم. ثالثا: أن تكون عاطفة، وعلى هذا فالجملة تابعة لما قبلها محلاً وعدمه، فهي في نحو: (غايةُ ما تكلمت به الحقُّ أحقُّ بالاتباع ولاسيَّما الواضحُ) في محل رفع؛ إذ الجملة قبلها خبر عن (غاية) ؛ وإذا قلت ابتداء: (أكرمْ العلماءَ ولاسيَّما زيدٌ) فلا محل لها؛ لكون الجملة قبلها ابتدائية، ولا مانع من جعلها للاستئناف وهو ظاهر، وعليه لا محلّ لها من الإعراب. المسألة الثانية: إعراب " سيّ ": وفيها أربعة أوجه: الأوّل: اسم للا النافية للجنس منصوب؛ لأنها مضافة إلى (ما) في حالة رفع الاسم الَّذي بعدها؛ وفي حالة جرّه تكون (سيّ) مضافة إلى الاسم الذي بعد (ما) ، واسم " لا " في هاتين الحالتين يكون معربا؛ لأنه مضاف. الثاني: اسم للا النافية للجنس مبني على الفتح في محل نصب، إذا كان الاسم الذي بعدها منصوباً، وتكون " ما " زائدة و (سيَّ) في هذه الصّورة مبنيّة؛ لأنها غير مضافة ولا شبيهة بالمضاف. الثالث: قيل: إنّها في هذه الصّورة منصوبةٌ وليست مبنيّةً لشبهها بالمضاف، وحينئذٍ فتحتها فتحة إعراب لا بناء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 الرّابع: وقيل: (سيَّ) منصوب على الحال على أنَّ " لا " مهملةٌ وليست عاملةً النَّصب في (سيَّما) ، فإذا قيل: (ساد العلماء لاسيَّما زيد) أي: سادوا غير مماثلين زيداً في السّيادة، والعامل فيها الجملة السابقة، وهذا الرَّأي منسوب للفارسيّ (الارتشاف 3/ 1552) المسألة الثالثة: إعراب " ما " من " لاسيَّما ": وفيها ستّة أوجه على النّحو التالي: إذا كان الاسم الواقع بعدها مجروراً ففيها وجهان: الأوّل: " ما " حرف زائد لا محل له من الإعراب بين المضاف (سيّ) والمضاف إليه الاسم واقع بعد " ما ". الثاني: أن تكون " ما " نكرة تامة غير موصوفة بمعنى (شيء) مبنيّة على السّكون في محلّ جرّ مضافة إلى (سيّ) وإذا كان الاسم الواقع بعدها مرفوعاً ففيه وجهان: الأوّل: " ما " اسم مبنيّ على السّكون في محلّ جرّ مضاف إلى (سيّ) سواء أكانت (ما) اسماً موصولاً أم نكرة موصوفة بمعنى (شيء) ؟ . الثاني: قيل " ما " اسم موصول بمعنى الَّذي في محلّ رفع خبر (لا) ، و (سيَّ) اسمها؛ وهو منسوب للأخفش. (الارتشاف 3/ 1550) وإذا كان الاسم الواقع بعدها منصوباً ففيه – أيضا – وجهان: الأوّل: " ما " حرف زائدٌ كافٌّ عن الإضافة. الثاني: " ما " نكرة تامّة غير موصوفة بمعنى (شيء) مبنيّة على السّكون في محلّ جرّ مضافة إلى (سيّ) . المسألة الرَّابعة: إعراب الاسم الواقع بعد (لاسيَّما) إذا وقع نكرة أو معرفة: أوّلاً: إن كان مجروراً نحو: (قام القوم لاسيّما زيدٍ أو رجلٍ) ففيه وجهان: أحدهما: أن تكون (ما) زائدة، والاسم مجرورٌ بالإضافة إلى " سيّ "، فيكونُ التقدير: قام القوم لا مثل زيدٍ أو رجلٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 والوجه الثاني: أن تكون (ما) نكرة تامّة غير موصوفة بمعنى (شيء) في محلّ جرّ مضافة إلى (سيّ) ، فيكون زيدٌ أو رجلٌ بدلاً منها، فيكون التقدير: قام القوم لا مثل رجلٍ زيدٍ أو رجلٍ. وهذا الوجه لم يذكره الأمير. (الإيضاح في شرح المفصل 1/ 368، وشرح الكافية للرضي 1/ 249) ثانياً: إن كان مرفوعاً نحو: (قام القوم لاسيّما زيدٌ أو رجلٌ) ففيه وجه واحد: هو أنَّ الاسم المرفوع خبر لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: (هو زيدٌ، أو هو رجلٌ) ، وهذه الجملة سنبيّن موقعها في المسألة التالية. ثالثاً: إن كان منصوباً، فإن كان نكرة نحو: (قام القوم لاسيّما رجلاً) فهو تمييز إمّا لكلمة (سيّ) على أن تكون (ما) حرفا زائدا كافّا عن الإضافة، أو تمييزاً لكلمة " ما " على أنّها نكرة تامّة غير موصوفة بمعنى (شيء) مبنيّة على السّكون في محلّ جرّ مضاف، و (سيّ) مضافة إليها وهو الأحسن. وإن كان الاسم المنصوب بعد (لاسيّما) معرفةً نحو: (قام القوم لاسيّما زيداً) ففيه ثلاثة أوجهٍ: الأوَّل: مفعولٌ به لفعل محذوف وجوباً تقديره: أخصّ، أو: أعني، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنا، على أن تكون " ما " نكرة تامّة غير موصوفة بمعنى (شيء) في محلّ جرٍّ مضافة إلى (سيّ) . الثاني: تمييز على مذهب الكوفيين وغيرهم كالرّضيّ الَّذين أجازوا تعريف التمييز. الثالث: مستثنى منصوب، على أنَّ " ما " كافّةٌ عن الإضافة، و (لاسيّما) نُزّلت منزلة (إلاّ) في الاستثناء؛ واختُلف في نوع الاستثناء: فذهب ابن هشام الأنصاري على أنّه استثناء منقطع، وذهب الأمير على أنّه استثناء متّصل لدخول المستثنى في المستثنى منه. المسألة الخامسة: محلّ الجملة إذا كان الاسم الّذي بعد (لاسيّما) مرفوعاً: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 ذكرنا فيما سبق أن الاسم المرفوع بعد (لاسيّما) في نحو: (قام القوم لاسيّما زيدٌ) خبر لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: (هو زيدٌ) ، فالجملة إذاً من حيث الإعراب لها وجهان: أحدهما: الجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول (ما) المضاف إلى (سيّ) . الثاني: الجملة في محلّ جرٍّ صفة (ما) ؛ لأنها نكرة موصوفة بمعنى: شيء، وهي مضافة إلى "سيّ ". المسألة السادسة: خبر " لا ": بيّن النّحاة أنَّ خبر " لا " النَّافية للجنس الدَّاخلة على " سيّما " محذوف، سواء كان اسمها – أي: " سيّ " – معرباً أم مبنياً؟ قال أبو حيَّان: (و " سيَّ " في " لاسيّما " هو اسم " لا " منصوب، وخبرها محذوف لفهم المعنى، فإذا قلت: " قالم القوم لاسيّما زيدٌ " فالتقدير: لا مثلَ قيام زيدٍ قيامٌ لهم) . (الارتشاف 3/ 1552) وذهب الأخفش إلى أنَّ الخبر " ما " من " لاسيّما " وهي اسم موصول بمعنى " الَّذي ". المبحث الثاني: أحكام عامّة تتعلق ب " لاسيّما "، وفيه أحد عشر حكماً (1) : الأوَّل: حكم اقتران " لاسيّما " ب " الواو ": رأى بعض النّحاة كثعلب وجوب اقتران " لاسيّما " ب " الواو "، مستدلاًّ على ذلك ببيت امرئ القيس: " ولاسيّما يوم بدارة جُلجُلِ "، قال ابن هشام: (قال ثعلب: من استعمله على خلاف ما جاء – أي في البيت بدون الواو – فهو مخطئ) . (المغني 149) وجمهور النّحاة يرون جواز دخول " الواو " على " لاسيّما " نحو: (قام القوم ولاسيّما زيدٌ) ، وقد تحذف مستدلّين بقول الشَّاعر: فِهْ بالعُقود وبالأَيمان، لاسِيَما عقْدٌ وفاءٌ به من أعظم القُرَب   (1) اعتمدت في دراسة هذا المبحث على مصادر ومراجع المبحث السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 وأمَّا الرّضيّ فقد أجاز دخول الواو عليها وحذفها بشرط جعلها مصدراً، أي بمعنى: خصوصاً، قال: (ويجوز مجيء " الواو " قبل " لاسيّما " إذا جعلته بمعنى المصدر، وعدم مجيئها، إلاَّ أنَّ مجيئها أكثر) . (شرح الكافية 1/ 249) الثاني: حكم حذف " لا " من " لاسيّما ": تضاربت أقوال النّحاة في حذفها وعدمه، فمن النّحاة من أوجب دخولها على (سيّما) كثعلب وجعل استعمالها بدون " لا " خطأ؛ أمّا ابن يعيش فقد ذهب إلى أنه لا يجوز الاستثناء بها حتى تأتي " لا "، قال: (ولا يُستثنى ب " سيّما " إلاَّ ومعه جحْدٌ، لو قلت: " جاءني القوم سيّما زيدٌ " لم يجز حتى تأتي ب " لا "، ولا يُستثنى ب " لاسيّما " إلاَّ فيما يراد تعظيمه) . (شرح المفصل 2/ 86) وجعل أبو حيّان حذف " لا " غريباً وأنه يوجد في كلام المولَّدين، قال: (وكذلك حذف " لا " من " لاسيّما " إنّما يوجد في كلام الأدباء المولَّدين، لا في كلام من يحتجّ بكلامه) . (الارتشاف 3/ 1552) وذهب بعض النّحاة إلى جواز حذفها؛ وذلك لكثرة استعمالهم لها فتصرّفوا فيها تصرّفاتٍ كثيرة، منها حذف " لا ". الثالث: حكم تخفيف " سيّ " وعملها بعد التخفيف: ذهب ثعلب وتبعه ابن عصفور إلى أنه لا يجوز تخفيف الياء بل يجب تشديد يائها، مستدلاًّ ثعلب ببيت امرئ القيس السّابق في الحكم الأوّل؛ وابن عصفور حذراً من بقاء الاسم المعرب على حرفين. وذهب جمهور النّحاة إلى أنّه يجوز تخفيف " سيّ " من " لاسيّما " فيقال: " لاسِيَما " حكاه الأخفش وابن الأعرابي والنّحاس، وابن جنّيّ، واستدلّوا على جواز التخفيف بالبيت السّابق: (فهْ بالعقود … … إلخ) ؛ وفي ذلك ردٌّ على الزّاعمين بأنّها لا تخفف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 قال الرّضيّ: (وتُصُرِّف في هذه اللّفظة تصرّفات كثيرة؛ لكثرة استعمالها، فقيل: " سيّما " بحذف " لا " و " لاسيَما " بتخفيف " الياء " مع وجود " لا " وحذفها) . (شرح الكافية 2/ 249) ونصَّ الأخفش على جواز الخفض والرّفع حالة التّثقيل والتّخفيف، وذهب بعض النّحاة إلى أنّها إذا خُفّفت انخفض ما بعدها، وإذا ثُقّلت رفعت ما بعدها، وهو خلاف ما صرّح به الأخفش. ثُمَّ اختُلف بعد تخفيفها في المحذوف أهو عين الكلمة أم لامها؟ فقال أبو حيّان: (وأصل " سيّ ": سُوْي؛ والمحذوف عند ابن جنّيّ لام الكلمة، والأحسن عندي أن تكون المحذوفة عين الكلمة وقوفا مع ظاهر اللّفظ) . (الارتشاف 3/ 1552) الرّابع: حكم حذف " ما ": نصَّ النّحاة على أنَّ سيبويه ذهب إلى جواز حذف " ما " من " لاسيّما "، فتقول: (لاسيّ زيدٍ) قال سيبويه: (وسألت الخليل – رحمه الله – عن قول العرب: ولاسيّما زيدٍ، فزعم أنه مثل قولك: ولا مثل زيدٍ، و " ما " لغوٌ) (الكتاب 2/ 286) وفي قولهم ردٌّ على زعم ابن هشام الخضراوي بأنَّ سيبويه قال: إنَّ " ما " زائدة لازمة. الخامس: حكم دخول " الواو " على الجملة الّتي بعد " لاسيّما ": ذهب بعض النّحاة إلى أنه لا يجيء بعد " لاسيّما " بجملة مقترنة بالواو، قال أبو حيان: (وما يوجد في كلام المصنِّفين من قولهم: " لاسيّما والأمر كذلك " تركيبٌ غير عربيّ) (الارتشاف 3/ 1552) وهو ما نصَّ عليه – أيضاً – المراديّ. وذهب فريق آخر من النّحاة إلى جوازه كالرَّضيّ ومثَّلَ له بقوله: (أُحبُّه ولاسيّما وهو راكبٌ) . (شرح الكافية 1/ 249) وقد وافقه الدّمامينيّ حيث علّق على كلام الرَّضيّ بقوله: (وقد رأيت اشتماله على الحكم بصحة ما جعله الشَّارح – يعني المراديّ – تركيبا غير عربيّ) . (تعليق الفرائد 6/154) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 وهو ما أكَّده الصَّبَّان بقوله: (فقول المصنِّفين: " ولاسيّما والأمر كذا " تركيب عربيّ خلافاً للمراديّ) . (حاشية الصبان على الأشموني 2/ 168) السّادس: حكم وصل " ما " بالظرف أو الجملة الفعلية أو الجملة الشرطية: ذهب النّحاة إلى أنَّ " ما " من " لاسيّما " إن كانت موصولة بمعنى " الَّذي " فإنَّها قد توصل بظرفٍ كقولك: " يعجبني الاعتكاف ولاسيّما عند الكعبة "، و " يعجبني التهجّدُ ولاسيّما قرب الصّبح ". وقد توصل بجملة فعليّة، كقولك: " يعجبني كلامك لاسيّما تَعِظُ به ". وقد توصل بالجملة الشَّرطيّة، كما حكى الأخفش أنَّهم يقولون: " إنَّ فلاناً كريم ولاسيّما إنْ أتيته قاعدا ". (شرح الكافية للرضي 1/ 249) قال أبو حيّان: (وإذا جاء بعدها الشّرط كانت " ما " كافّة، وإن قُدّرت " ما " زائدة لم يجز؛ لأنَّه يلزم إضافة " سيّ " إلى جملة الشّرط، وذلك لا يجوز) . (الارتشاف 3/ 1552) وأمَّا وصلها بالجملة الاسمية فهو الغالب، قال الدّمامينيّ: (وهذه مسألة يُحاجى بها، فيقال: متى يكون وصل الموصول بالاسميّة غالباً وبالظّرف والفعليّة نادراً؟) . (تعليق الفرائد 6/ 151) السّابع: حكم إتيان " لاسيّما " بمعنى: خصوصا: انفرد الرّضيّ – رحمه الله – عن بقيّة النّحاة بهذا الحكم، أعني به نقل " لاسيّما " إلى المفعوليّة المطلقة، فيكون معناها: خصوصاً، وتقع الجملة بعدها، حيث قال: (وقد يحذف ما بعد " لاسيّما " على جعله بمعنى: خصوصا، فيكون منصوب المحلّ على أنه مفعول مطلق) ؛ ثُمَّ مثل لقيام " لاسيّما " مقام: خصوصا بقوله: (فإذا قلت: " أحبّ زيداً ولاسيّما راكبا " أو " على الفرس " فهو بمعنى: وخصوصا راكباً، ف " راكبا " حال من مفعول الفعل المقدّر، أي: وأخصّه بزيادة المحبّة خصوصا راكبا، وكذا في نحو: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1 " أحبّه ولاسيّما وهو راكب " وكذا قولك: " أحبّه ولاسيّما إن ركب " أي: وخصوصا إن ركب، فجواب الشّرط مدلول خصوصا، أي: إن ركب أخصّه بزيادة المحبّة، ويجوز أن يجعل بمعنى المصدر اللاّزم، أي: اختصاصا، فيكون معنى: وخصوصا راكبا، أي: ويختصّ بفضل محبّتي راكبا، وعلى هذا ينبغي أن يؤوّل ما ذكره الأخفش، أعني قوله: " إنَّ فلانا لكريم لاسيّما إن أتيته قاعدا " أي: بزيادة الكرم اختصاصا في حال قعوده) . (شرح الكافية 1/ 249) قال الدّمامينيّ: (ولا أعلم من أين أخذه) . (تعليق الفرائد 6/ 152) وقال أيضاً: (ولا أعرف أحدا ذهب إلى ما ذكره من أن " لاسيّما " منقول من باب " لا " التبرئة إلى باب المفعول) (حاشية الدماميني على المغني 1/ 284) الثامن: حكم جعل " لاسيّما " من أدوات الاستثناء: اختلف النّحاة في " لاسيّما " هل تعدّ من أدوات الاستثناء أم أنها ليست من أدواته؟ عدَّ الكوفيون وجماعة من النّحاة كالأخفش، وأبي حاتم، والفارسيّ، والنّحاس، والزّجّاج، وابن مضاء، والزّمخشريّ، وابن يعيش، من أدوات الاستثناء " لاسيّما "؛ لمّا رَأوا ما بعدها مخالفا لما قبلها بالأولويّة الّتي لما بعدها. وذهب جماعة من النّحاة إلى أنها ليست من أدوات الاستثناء، منهم ابن مالك حيث قال: (ومن النّحويين من جعل " لاسيّما " من أدوات الاستثناء، وذلك عندي غير صحيح؛ لأنَّ أصل أدوات الاستثناء هو " إلاَّ "، فما وقع موقعه وأغنى عنه فهو من أدواته، وما لم يكن كذلك فليس منها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 ومعلوم أن " إلاَّ " تقع موقع " حاشا، وعَدَا، وخلا، وليس، ولايكون، وغير، وسوى "، وغير ذلك ممّا لم يُختلف في الاستثناء به، فوجب الاعتراف بأنه من أدواته، و " لاسيّما " بخلاف ذلك فلا يعدّ من أدواته، بل هو مضادّ لها، فإنَّ الَّذي يلي " لاسيّما " داخل فيما قبله ومشهود له بأنه أحقُّ بذلك من غيره، وهذا المعنى مفهوم بالبديهة من قول امرئ القيس: ألا رُبّ يومٍ صالحٍ لكَ منهما ولاسيّما يومٌ بدارة جُلْجُلِ (شرح التسهيل 2/ 318) التاسع: معنى " سيّ ": قال الرّضيّ: (و " السّيّ " بمعنى " المثْل "، فمعنى: " جاءني القوم ولاسيّما زيدٌ " أي: ولامِثلَ زيدٍ موجود بين القوم الَّذين جاؤني، أي: هو كان أخصّ بي وأشدّ إخلاصا في المجيء) (شرح الكافية 2/ 249) وقال ابن يعيش: (و " السيّ " المثْل، قال الحطيئة: فإيّاكم وحيَّةَ بطْنِ وادٍ هَمُوز النَّاب ليس لكم بسيٍّ) . والتثنية " سِيّان "، قال أبو ذؤيب: وكان سِيّان أنْ لا يَسْرحوا نَعَماً أو يَسْرحوه بها واغْبرَّتِ السُّوحُ) . (شرح المفصل 2/ 85) قال ابن هشام: (واستغنَوا بتثنيته عن تثنية " سواء " فلم يقولوا: " سواءان " إلاَّ شاذّا) . (مغني اللبيب 1/ 149) وقال أبو حيَّان: (و " سيّ " معناه: مثْل، تقول: " أنت سيٌّ " و " هما سيَّان " و" هم أسْواء "، نحو: حِمْلٌ وأحْمالٌ) . (الارتشاف 3/ 1552) العاشر: لغات العرب في " لاسيّما ": قال السّيوطيّ: (وقد أبدلت العرب " سين " " سيّما " " تاء "، فقالوا: " لاتيّما " كما قالوا في " النَّاس ": " النَّات " وقرئ: {قل أعوذ بربّ النَّات} . وأبدلت أيضا " اللاّم " " نونا "، فقالوا: " ناسيّما "، كما قالوا: " قام زيدٌ نَا بَلْ عمرو "، أي: لا بل عمرو) . (همع الهوامع 1/ 235) الحادي عشر: حكم عمل الكلمات التي تشارك " لاسيّما " في معناها: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 نقل الروّاة أنَّ " لا سَواءَ ما، لا مثْلَ ما " يشاركان " لاسيّما " في معناها، وفي أحكامها الإعرابيّة الَّتي سبق ذكرها. أمَّا " لا تَرَ ما، لو تَرَ ما " بمعنى " لاسيّما " لكنَّهما يخالفانها في الإعراب، فإنَّه لا يكون في الاسم الّذي بعدهما إلاَّ الرَّفع؛ لأنَّ " تَرَ " فعلٌ فلا يمكن أن تكون " ما " زائدة وينجرّ ما بعدها، بل " ما " موصولةٌ مفعولٌ ب " تَرَ "، وفاعله ضمير مستتر، تقديره: أنت، والاسم المرفوع بعد " ما " خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، والجملة صلة " ما ". (الارتشاف 3/ 1553،همع الهوامع 1/ 235، النحو الوافي 1/ 406) ترجمة موجزة عن حياة الأمير الكبير (1) هو أبو عبد الله شمس الدّين محمَّد بن محمَّد بن أحمد بن عبد القادر بن عبد العزيز بن محمَّد السَّنباويّ المالكيّ الأزهريّ المشهور بالأمير الكبير وشهرته بالأمير إنّما جاءته من جدّه الأدنى أحمد، وسببه أنَّ جدّه أحمد وأباه عبد القادر كان لهما إمرة بالصّعيد.   (1) ينظر ترجمته في حلية البشر 3/ 1266، وعجائب الآثار 3/ 572، وفهرس الفهارس 1/ 133، وكنز الجوهر 161، وهدية العارفين 2/ 358، والفكر السامي 2/ 297، ومعجم المطبوعات 473، والأعلام 7/ 298، ومعجم المؤلفين 9/ 68، 11/ 183. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 ولد سنة 1154 هـ في شهر ذي الحجّة ب" سَنْبو " بلد من قسم منفلوط بمديريّة أسيوط، وأصله من المغرب نزل أجداده بمصر، ثُمّ ارتحلوا إلي ناحية سنبو وقطنوا بها حيث ولد المترجم له، ثُمّ ارتحل مع والديه إلي مصر وهو ابن تسع سنين وكان قد ختم القرآن، فجوّده على الشَّيخ المنير على طريقة الشَّاطبيَّة والدُّرّة، وحَبَّبَ إليه طلب العلم، إذ التحق بالأزهر وحصّل ودرس على أعيان عصره، ولم يدع فنّا إِلاَّ أتقنه ودرسه واجتهد في تحصيله، فأوّل ما حفظ متن الآجروميّة، وسمع سائر الصَّحيح والشِّفاءَ على الشَّيخ عليّ ابن العربيّ السَّقَّاط، ولازم دروس الشَّيخ الصَّعيديّ في الفقه وغيره من كتب المعقول، وحضر على السَّيّد البليديّ شرح السَّعد على عقائد النَّسفيّ، والأربعين النَّوويَّة، وسمع الموطّأ على الشَّيخ محمَّد التاوديّ بن سودة بالجامع الأزهر، ولازم المرحوم حسن الجبرتي سنين، وتلقّى عنه الفقه الحنفيّ وغير ذلك من الفنون كالهيئة، والهندسة والفلكيّات، والحكمة بواسطة تلميذه الشَّيخ محمَّد بن إسماعيل النَّفراويّ المالكيّ وكتب له إجازة مثبتة في برنامج شيوخه، كما جالس ولازم غيرهم من علماء عصره، وشملته إجازة الشَّيخ الملويّ، وتلقى عنه مسائل في أواخر أيّام انقطاعه بالمنزل. انتهت إليه الرّياسة في العلوم بالدّيار المصريَّة، إذ تصدَّر لإلقاء الدُّروس في حياة شيوخه واشتهر فضله، وذاع صيته وكبر قدره، وشاع ذكره في الآفاق وخصوصا بلاد المغرب وبخاصة بعد موت أشياخه، إذ كانت تأتيه الصِّلات من سلطان المغرب وتلك النَّواحي في كل عام. وفد عليه طلاب العلم للأخذ عنه والتلقّي منه والاستفادة من مصنّفاته الَّتي هي في غاية التحرير، وكان يُدَرِّس فقه مالك الَّذي هو مذهبه، وفقه الحنفيّ والشَّافعيّ، وتولى مشيخة السَّادة المالكيّة بالأزهر حتى توفي رحمه الله، ثم تولاّها ابنه الشَّيخ محمَّد الأمير الصَّغير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 له تآليف جمَّة في فنون كثيرة اشتهرت بأيدي الطَّلبة، أكثرها حواشي وشروح، من أشهرها: حاشية على مغني اللَّبيب لابن هشام (ط) . حاشية على شرح الشَّيخ خالد على مقدّمته الأزهريَّة (ط) . حاشية على شرح ابن هشام لشُذُورِ الذَّهب (ط) . إتحاف الإنس في العلميَّة واسم الجنس (ط) . حاشية على شرح عبد السلام لجوهرة التوحيد (ط) . المجموع في فقه المالكيَّة (ط) . ضوء الشّموع على شرح المجموع (ط) . الإكليل شرح مختصر خليل. الكوكب المنير في فقه المالكيّة (ط) . حاشية على شرح الملويّ على السَّمرقنديَّة في الاستعارات (ط) . تفسير المعوّذتين. تفسير سورة القدر. انشراح الصَّدر في بيان ليلة القدر. مطلع النَّيرين فيما يتعلق بالقدرتين. ثمر التمام في شرح آداب الفهم والإفهام. حُسْنُ الذِّكرى في شأن الأسرى شرح الأمير على أبيات (لاسيّما) للسُّجَاعيّ، الَّذي أقوم بتحقيقه، وغير ذلك من الحواشي والشّروح. كان رحمه الله رقيق القلب لطيف المزاج توفي بالقاهرة يوم الاثنين عاشر ذي القعدة سنة 1232 هـ، ودفن بالقرب من عمارة السُّلطان قايتباي وكثر عليه الأسف والحزن، وقد رثاه أهل عصره. ترجمة موجزة عن حياة السُّجاعيّ (1) هو أحمد بن شهاب الدّين أحمد بن محمّد السُّجَاعي البدراويّ الأزهريّ الشَّافعيّ. ولد بمصر ونشأ بها وقرأ على والده وعلى كثير من علماء عصره، وتصدَّر للتدريس والإقراء في حياة أبيه وبعد موته وصار من أعيان العلماء، وهو عالم مشارك في كثير من العلوم إِلاَّ أنه تميَّز بعلوم العربيّة لازم الشَّيخ حسن الجبرتي وأخذ عنه علم الحكمة والهداية وغير ذلك.   (1) ينظر ترجمته في عجائب الآثار 2/ 75، وهدية العارفين 1/ 179، ومعجم المطبوعات 1005، وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان 5/ 282، والأعلام 1/ 89، ومعجم المؤلفين 1/ 154. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 له تآليف كثيرة كلّها شروح وحواش، ورسائل ومتون منظومة في علوم الدِّين، والأدب، والتصوف، والمنطق، والفلك منها: الدُّرر في إعراب أوائل السُّور. شرح معلّقة امرئ القيس. الجواهر المنتظمات في عقود المقولات (ط) . حاشية على شرح القطر لابن هشام (ط) . شرح لامية السَّموأل (ط) . فتح الجليل على شرح ابن عقيل (حاشية السُّجاعي على شرح ابن عقيل) (ط) . فتح المنَّان في بيان مشاهير الرّسل الّتي في القرآن (ط) . النُّور السَّاري على متن مختصر البخاريّ لابن أبي جمرة. الكافي بشرح متن الكافي في العروض والقوافي. منظومة في المجاز والاستعارة (ط) . رسالة في إثبات كرامات الأولياء (ط) . بدء الوسائل في ألفاظ الدّلائل. تحفة الأنام بتوريث ذوي الأرحام. تحفة ذوي الألباب فيما يتعلق بالآل والأصحاب. السَّهم القويّ في نحر كل غبيّ وعويّ. فتح الغفَّار بمختصر الأذكار للنَّوويّ. فتح الرَّحيم الغفَّار بشرح أسماء حبيبه المختار. فتح المنَّان بشرح ما يذكَّر ويؤنَّث من أعضاء الإنسان القول النَّفيس فيما يتعلق بالخلع على مذهب الشَّافعيّ بن إدريس. المقصد الأَسْنَى بشرح منظومة الأسماء الحسنى. مناسك الحج. وغيرها من المصنَّفات وأكثرها غير مطبوعة، وهناك رسالة تشتمل على مؤلّفاته منها نسخة مخطوطة بالخزانة التيموريّة. توفى السُّجاعيّ رحمه الله بالقاهرة في شهر صفر سنة 1197 هـ، ودفن عند أبيه بالقرافة الكبرى بتربة المجاورين. توثيق نسبة الشَّرح للأمير جرت عادة المترجمين لأيّ عالم والمفهرسين لكتبه الَّتي صنَّفها ألاَّ يلموا بكل ما ألّفه المترجم له، غير أنَّ الشَّرح الَّذي قمت بتحقيقه – أعني شرح أبيات لاسيّما للأمير – لم أجد من المترجمين من أشار بأنه من مؤلّفاته، والَّذي يؤكّد نسبته للأمير ما يلي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 أوّلا: نصَّ على اسمه في مقدّمة الشَّرح بقوله: (فيقول العاجز الفقير إلي الغنيّ القدير، محمَّد بن محمَّد الملقّب بالأمير، … قد كنت رأيت أبياتا تتعلق بكلمة (ولاسيَّما) وهي في غاية الحسن والإتقان … ) . ثانيا: في حاشيته على المغني عند شرحه لكلمة (سيّ) نصَّ على أنَّ له كتابا حول لاسيَّما حيث قال: (وقد وضعنا في " ولاسيَّما " أوائل الاشتغال موضوعا مستقلا) (1) . ثالثا: بعد النَّظر والتّدقيق في المادَّة العلميَّة والآراء والنُّصوص الواردة في حاشيته على المغني وشرح أبيات لاسيَّما وجدتّ توافقا بينهما ممَّا يؤكّد صحة الشَّرح للأمير الكبير. توثيق نسبة الأبيات للسُّجَاعيّ لم تنصّ المصادر المترجمة للسُّجاعيّ بأنَّ له منظومة حول لاسيَّما والَّذي يؤكّد نسبتها له ما يلي: أوَّلا: أنَّ الأمير نصَّ بأنها للسُّجاعيّ في مقدّمة الشَّرح حيث قال: (قد كنت رأيت أبياتا تتعلّق بكلمة " ولاسيّما " … … وهي لحسَّان الزَّمان وبهجة الإخوان الشَّيخ أحمد بن الإمام الشَّيخ أحمد السُّجَاعيّ) ثانيا: أنَّ السُّجاعيّ أثبتها لنفسه في حاشيته على ابن عقيل (فتح الجليل على شرح ابن عقيل) في باب الموصول عند قول ابن عقيل: (وقد جوزوا في " لاسيّما زيد " … إلخ) حيث أورد السُّجاعي الأوجه النَّحويّة وتوجيهها والمسائل المتعلّقة ب " لاسيَّما "، ثُمَّ قال: (وقد نظمت ذلك فقلت: وما يلي لاسيّما إن نُكّرا فاجرر أو ارفع … إلخ) وذكر الأبيات (2) . وفي هذا دليل قاطع، وبرهان ساطع على نسبتها له. المصادر الّتي اعتمدها الأمير في الشَّرح   (1) ينظر حاشيته على المغني 1 / 123. (2) ينظر حاشيته على ابن عقيل 69. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 استفاد الأمير في شرحه لأبيات (لاسيَّما) للسُّجَاعيّ من المصادر النَّحويّة الموسوعيّة غير أنّه لم يصرّح بها في مقدّمة الشَّرح، وقد وردت إشارات إلى بعض منها في ثنايا شرحه، منها كتب ابن مالك كالألفيَّة حيث استشهد بها في موضعين: الأوَّل منهما قول ابن مالك: اسم بمعنى من مبين نكره * ينصب تمييزا بما قد فسّره (1) الثاني قول ابن مالك: ( … … … … وإن لم يستطل * فالحذف نزر … ) (2) كما أنّه استفاد من كتاب التسهيل وشرحه لابن مالك في اكثر من موضع حيث استفاد ممَّا أورده ابن مالك من الآراء والاستشهاد بالأبيات الشّعريّة كما أنّه نقل الأمثلة الَّتي مثّل بها ابن مالك في شرح التسهيل (3) . ومن المصادر الَّتي اعتمدها في الشَّرح مغني اللَّبيب لابن هشام الأنصاريّ، فقد صرّح بالمغني في أكثر من موضع وتجاهل التصريح في مواضع أخر (4) ، علما بأنّه ضمّن شرحه جميع ما أورده ابن هشام في المغني في مبحث (سيّ) بل أنه أورد نصًّا نقله عن المغني ولم أجده (5) ، والجدير بالذّكر أنَّ الأمير له حاشية على المغني ممَّا يؤكد اهتمامه بكتاب المغني واستفادته منه. ومن المصادر الَّتي اعتمدها في الشَّرح شرح الكافية لرضيّ الدّين الاستراباذيّ حيث أخذ برأي الرّضي في جواز كون الواو الدَّاخلة على (لاسيَّما) عاطفة (6) ، كما أنّه أورد نصًّا للرَّضيّ على جواز إتيان (لاسيَّما) بمعنى: خصوصا (7) .   (1) ينظر هامش 63. (2) ينظر هامش 79. (3) ينظر هامش 48، 68، 71، 106. (4) ينظر هامش 29، 30، 31، 32، 47، 48، 54، 55، 56، 58، 59، 61، 81، 83، 106 وغيرها. (5) ينظر هامش 55. (6) ينظر هامش 28. (7) ينظر هامش 87. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 ومن المصادر الَّتي استفاد منها شرح الدَّمامينيّ على المغني حيث صرّح بذلك في اكثر من موضع (1) ، واستفاد منه في قصة دارة جُلْجُلٍ، ومثَّل ببيت أبي العلاء المعريّ الَّذي مثَّل به الدَّمامينيّ (2) وغير ذلك. كما استفاد من كتاب الكافي في العروض والقوافي للخطيب التبريزيّ (3) ؛ ومن شرح شيخ الإسلام على متن الخزرجيّة (4) . هذه نماذج وأمثلة من المصادر الَّتي اعتمدها الأمير في شرحه لأبيات لاسيَّما وهي على سبيل التمثيل لا الحصر. وصف المخطوطات المعتمدة في تحقيق الشَّرح اعتمدت في تحقيق شرح أبيات (لاسيَّما) على ثلاث نسخ، وجميعها من محفوظات عمادة شؤون المكتبات التابعة لجامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميّة وقد رمزت لكل واحدة منهنّ برمز معيّن وهي: 1 – نسخة " أ ": تحتفظ بها المكتبة تحت الرَّقم (260) فهرس مخطوطات النَّحو والصَّرف، ورقم الحفظ (1337) ، وهي تقع في (عشر ورقات) من القطع المتوسط، وعدد الأسطر في كل صفحة (ثلاثة وعشرون سطرا) ، مُيّزت أبيات المنظومة بالحمرة، كتبت بالخطّ المعتاد، كتبها النَّاسخ أبو العينين الدَّلجمونيّ المالكيّ، وكان الفراغ من نسخها في الخامس عشر من شهر شوال لسنة (1253 هـ) ، كتب على الورقة الأولى منها (شرح الأمير على لاسيَّما) .   (1) ينظر هامش 85، 96. (2) ينظر هامش 105. (3) ينظر هامش 113. (4) ينظر هامش 118. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 وعلى الرَّغم من أنَّ هذه النُّسخة هي أقدم المخطوطات الثلاث الَّتي اعتمدتها في تحقيق الشَّرح، إِلاَّ أنّني بعد قراءتها قراءة دقيقة فاحصة وجدت أنّها لا ترقى أن تكون أصلا يعتمد عليها في تحقيق النَّصّ وذلك يرجع إلى كثرة الأخطاء الإملائيّة والنَّحويّة الَّتي وقع فيها النَّاسخ بالإضافة إلى كثرة التصحيفات والتحريفات ويوجد بها أيضا سقط في أكثر من أربعة عشرة موضعا يتراوح بين الجمل والسَّطر والسَّطرين والثلاثة والأربعة ويصل إلى ثمانية أسطر، كما أنَّ بها اضطرابا في عدة مواضع غير أننى لم اتبع اضطرابها، لهذه الأسباب وغيرها لم اعتمدها أصلا في التحقيق؛ لأنها فقدت أهميتها وأصبحت نسخة مساعدة لا أصلا يعتمد عليه، لذا استعنت بها عند المقابلة. 2 – نسخة "ب": وهي من محفوظات مكتبة جامعة الإمام كسابقتها تحت الرَّقم (261) فهرس مخطوطات النَّحو والصَّرف وهي تقع في (أربع عشرة ورقة) من القطع المتوسّط، وعدد الأسطر في كل صفحة (واحد وعشرون سطرا) ، كتبت بخطّ معتاد واضح، كتبها النَّاسخ محمّد شاوش، مُيّزت أبيات النَّظم بالحمرة، وكان الفراغ من نسخها في 30 محرم لسنة 1303 هـ، كتب على الغلاف: (هذه رسالة لاسيّما لمؤلّفها العالم العلاّمة الشَّيخ محمَّد بن محمَّد الملقَّب بالأمير، نفعنا الله به وبعلومه، آمين، آمين، آمين) . وهي من حيث القدم تأتي بعد نسخة " أ " إِلاَّ أنّني لم أجعلها أصلا معتمدا في تحقيق الشَّرح؛ لأنَّ النَّاسخ لا يختلف عن السَّابق – وإن كان أقلَّ منه – في الأخطاء الإملائيّة والنَّحويّة، والتصحيفات والتحريفات، بالإضافة إلى وجود السَّقط بالسَّطر والسَّطرين والثلاثة، مع وجود اضطراب في عدَّة مواضع؛ لهذه الأسباب استعنت بها كسابقتها في إكمال وتصويب ما وجد في النّسخة الأصليَّة. 3 – النّسخة الأصليَّة: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 وهي كالسَّابقتين من محفوظات مكتبة جامعة الإمام تحمل الرَّقم (262) فهرس مخطوطات النَّحو والصَّرف، ورقم الحفظ (6643) ، وهي تقع في (ست ورقات) من القطع الكبير، وعدد الأسطر في كل صفحة (تسعة وعشرون سطرا) مُيّزت أبيات المنظومة بالحمرة، كتبت بخطّ معتاد واضح، كتبها النَّاسخ محمَّد عبد الله الزُّرقانيّ، وكان الفراغ من نسخها يوم الاثنين 23 رجب لسنة 1330 هـ. كتب على الورقة الأولى منها: (هذا شرح العلاَّمة الأمير على نظم العلاَّمة السُّجاعيّ في لاسيَّما، نفعنا الله بهما والمسلمين) . وفي آخر ورقة من النُّسخة أورد النَّاسخ أرجوزة السُّجاعيّ في (لاسيّما) وهي تقع في سبعة أبيات. وتمتاز هذه النُّسخة بالدّقّة والوضوح، وندرة التحريف والتصحيف، والسَّقط الَّذي لا يتجاوز في غالبه كلمة وهو قليل لا يكاد يذكر، إلي جانب ما تميَّز به النَّاسخ من الضَّبط والإعجام، لذلك اتخذتها أصلا معتمدا وقابلتها بالنُّسختين " أ " و " ب " وسلكت في تحقيق النَّصِّ المنهج العلميّ التالي: - أغفلت الإشارة إلى ما يوجد في النُّسختين من تصحيفات وتحريفات وأخطاء إملائية ونحويَّة وسقط وذلك لكثرته ولا فائدة من الإشارة إليه. - أكملت السَّقط الموجود في الأصل وصوبت الأخطاء مع ندرتهما من النُّسختين وأشرت لذلك في التحقيق. - خرَّجت الآيات القرآنيّة والشَّواهد الشّعريّة وآراء النّحاة من مصادرها. - ضبطت النُّصوص الواردة في الشَّرح إلي جانب ضبط ما يُشكل. - وثّقت المسائل النَّحويّة والصَّرفيّة وغيرها من مصادرها. - صنعت فهرسا للمصادر والمراجع الَّتي اعتمدتها في تحقيق ودراسة الشَّرح. والله الموفّق هو حسبنا ونعم والوكيل النَّصُّ الْمُحَقَّقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 نحمدك اللَّهم يا من [وفّقتنا] (1) لعين الصَّواب، ونصلِّي ونسلِّم على أنبيائك الَّذين انتخبتهم من الخلق أيَّ انتخاب، ولاسيَّما سيّدنا ومولانا محمَّد الَّذي قرَّبته ورفعت له الحجاب، حتى دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو اشدّ اقتراب، محمَّد الَّذي أنزلت عليه يا مولانا في محكم التبيين، {فَتَوكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ المُبِينِ، إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْموتَى ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} (2) ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وتابعيهم إلى يوم الدّين، وبعد:   (1) في الأصل: وفقنا، وما أثبته من " أ " و " ب ". (2) آية 79 – 80 من سورة النمل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 فيقول العاجز الفقير إلى الغنيّ القدير محمَّد بن محمَّد الملقَّب بالأمير، عامله الله باللُّطف وحسن التدبير، قد كنت رأيت أبياتا تتعلّق بكلمة " ولا سِيّما " وهي في غاية الحُسن والإتقان، ناشئة عن تحقيق وتدقيق وإمعان، كيف وهي لحسَّان الزَّمان، وبَهْجَة الإخوان، الشَّيخ أحمد بن الإمام الشَّيخ أحمد السُّجَاعيّ عاملني الله وإيّاه والمسلمين بالإحسان، بجاه سيّدنا محمَّد سيّد ولد عدنان، فوضعت عليها تعليقا لطيفا في زمن قصير بُعيد العشاء، فاعتنى به بعض الأذكياء وحشّاه، وأورد عليه من الاعتراضات ما ستقف بفضل الله على معناه، ثم حشّاه بعض آخر مجيبا عن بعض تلك الاعتراضات لا عن جميعها، لعدم اطّلاعه على جميع الحاشية الأولى، وقد منَّ الله عليَّ باطلاعي عليها فوضعت هذا ثانيا في شأن ذلك مع مزيد فوائد، فأقول وبالله أستعين، قال المصنّف: (وَمَا يَلِي لَاسِيَّما) اعلم أنه يجب الابتداء بالبسملة والحمْدَلةِ في الأمور ذوات البال للحديث المشهور (1) ، ولا شكَّ أنَّ هذا التأليف من ذوات البال، وحاشا المصنّف أن لا يعمل بالحديث، فيجب أن يكون ابتدأ بهما نطقا وذلك كافٍ، إلاَّ أنه جرت عادة المؤلّفين بإدراجهما في مؤلّفاتهم لفظا ورسما، والمصنّف خالفهم في ذلك فلا بدَّ لمخالفتهم من نكتة، ولعلَّها – والله أعلم – هَضْمه نفسه بأنَّ تأليفه هذا ليس من المؤلّفات ذوات البال الَّتي جرت العادة فيها بما ذكر حتى يأتي على عادتها وهذا لا غبار عليه، وهو المراد بقولي في (   (1) السُّنّة في ابتداء جميع الأمور الحسنة ذوات البال أن يبدأ فيها بالبسملة والحمدلة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ش قال: (كل أمر ذي بال لا يبدأ بالحمد لله فهو أقطع) وفي رواية (بحمد الله) وفي رواية (بالحمد فهو أقطع) وفي رواية (أجذم) وفي رواية (ببسم الله الرحمن الرحيم) وهو حديث حسن. ينظر: شرح صحيح مسلم 1/ 43. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 الصَّغير) : " وكأنه ترَكَهما من النَّظم هضما لنفسه بأنَّ تأليفه هذا ليس من الأمور ذوات البال، وهذا حُسْنُ تواضعٍ من دأب الرَّجال " انتهى. قال المعترض ما نصَّه: " والأنسب في التعبير أن يقول: وكأنه ترَكَهما من النَّظم إشارة إلى عدم تعيُّن رسمهما؛ لأنَّ قول النَّبيّ (" لا يُبْدأُ فيه بِبسم الله 000 إلخ " أعمّ من أن يكون لفظا وخطَّا أو خطَّا لا لفظا أو لفظا لا خطَّا، لأنَّ حذف المعمول يُؤذن بالعموم، وإن كان الثواب المترتّب على لفظهما مع كتابتهما أكثرَ من الثّواب المترتّب على فعل أحدهما فقط؛ فأمَّا ما ذكره من "الهضْميّة " [1/ب] فلا ينهض عِلَّةً للترك، اللهم إلاَّ أن يكون بمعونة أنه ليس ممَّن يؤدي الحمد على ما ينبغي، لكنه لا يظهر في جانب البسملة لمن تأمّل " انتهى كلامه. وأقول: إنما الَّذي لا ينهض علّةً ما ذكره هو من الإشارة؛ إذ حيث كان الابتداء الرَّسمي داخلا في الحديث وإن لم يكن على سبيل التعيّن، وكان جمعه مع اللَّفظيّ أكثر ثوابا وجرت عادة المؤلّفين به قديما وحديثا، فلا ينبغي تركه لمثل هذه الإشارة إلى ما هو معلوم من خارج ممَّا لا ثواب فيه، بخلاف ما ذكرناه من التواضع ففيه ثوابٌ أعظم من ثواب الجمع لا ريب، فساغ العدول عن الجمع إليه ونهض الهضْم علة للترك؛ وقوله: من " الهضْمية " صوابه من " الهضْم " إذ الهضمية الحال المتعلقة بالهضم أعني: الكون هضما، كما أنَّ " العالميّة " الحال المتعلقة ب " العالم " أعني: الكون عالما، ونحن لم نجعل العلَّة الكون هضما بل نفس الهضم، فإن أجاب بتجوّزٍ أو تقدير قلنا: لا حاجة لما يحوج لذلك مع أنه خلاف الاختصار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 ثُمَّ قال المعترض أيضا ما نصّه: " ومع ذلك فالباء في قوله: " بأنَّ 000 إلخ " إمَّا للتعدية وهو باطل لامحالة، أو للسَّببيّة بمنزلة لام العلَّة للترك، فهي إمَّا علَّة ثانية للترك وهو باطل؛ لأنه قطعا من الأمور ذوات البال، فإن أريد أنه ليس من مهمات ذوات البال مُنع بأنَّ الأمر ذا البال في الحديث نكرة فيعمّ كل فرد، وإمَّا علَّة للعلَّة وبطلانه ظاهرُ البيان لعدم التئام الكلام، فتأمّله بالانصاف وعليك منّي السَّلام " انتهى كلامه. وأقول: كونها للتعدية للترك أو الهضْم لا يتوهّمه عاقل لعدم صحته، فلا ينبغي التعرّض له ولو على سبيل توسيع دائرة الاعتراض، وكونها للسّببيّة متعلقة بالترك غير مراد لنا، إنما هي للسَّببيّة متعلقة بالهضم، والمعنى: تركهما ليهضم نفسه بأنَّ تأليفه 000 إلخ، والكلام [بذلك] (1) في غاية الالتئام، فكيف يجعل عدم صحته لا تحتاج إلى بيان، ولا يخفى أنَّ كونها علَّة للعلَّة وهي هضما يقتضي تعلّقها بالعلَّة، فهو غير كونها بمنزلة لام العلَّة للترك المقتضى لتعلّقها به، لا أنَّه قسم مندرج تحته كما هو صريح عبارته.   (1) في " أ " و " ب ": (في ذلك) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 ولنرجع إلى المقصود فنقول: مقتضى الترتيب الوضعي في (ولاسِيّما) أن يبحث فيها أوَّلا: عن " الواو" من حيثُ كونها اعتراضية أو غيره ممَّا يأتي؛ ثمَّ عن " لا " من حيثُ جواز حذفها وعدمه وغيرهما ممَّا يأتي؛ ثمَّ عن " سيّ " من حيثُ الإعراب وعدمه؛ ثمَّ عن " ما " من حيثُ كونها موصولة أو نكرة [موصوفة أو نكرة] (1) زائدة وغيره؛ ثمَّ عن مجموع " ولاسِيَّما " هل هو من أدوات الاستثناء؟ ثمَّ عن الاسم الواقع بعدها من حيثُ إعرابه، وحلول الجملة محله وعدمه، والمصنّف خالف هذا الترتيب؛ لأنَّ قصده البيان على أيّ وجه كان، أو أنه اهتم بما قدَّمه على غيره بحسب ما ظهر له [فتأمّل] (2) . وأخلَّ بالبحث الأوَّل ولنتكلّم عليه فنقول: قرَّر بعض مشايخنا أنَّ (الواو) في (ولاسِيَّما) اعتراضية بناء على ما قيل بجواز الاعتراض في آخر الكلام (3) ؛ وأقول: - بفضل الله – هو غير متعيّن، إذ لا مانع من جعلها للحال (4) ، وجملة (لاسِيَّما كذا) حال من الاسم الواقع قبل (ولاسِيَّما) فيكون محلّها [نصبا] (5) أبداً، فإذا قلت:   (1) ما بين المعكوفين زيادة من " أ " و " ب ". (2) في الأصل: يتأمل: وما أثبته من " أ " و " ب ". (3) ممن يرى أن الواو اعتراضية الرضي حيث قال: (اعلم أن الواو التي تدخل على " لاسيما " في بعض المواضع … … اعتراضية … … ، إذ هي مع ما بعدها بتقدير جملة مستقلة) شرح الكافية 1/ 249 وينظر حاشية الأمير على المغني 1/ 123، والمعجم المفصل في النحو العربي 558. (4) قال أبوحيان في الارتشاف 3/ 1553: (ويجوز دخول الواو على " لاسيما " فتقول: " قام القوم ولاسيما زيد " والواو واو الحال) . (5) في الأصل: نصبٌ، وما أثبته من " أ " و " ب ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 (سَادَ العلماءُ ولاسِيَّما زيدٌ) فجملة (لاسِيَّما [زيدٌ] (1)) حال من (العلماء) ، والمعنى: سادوا والحال أنه لا مثلَ زيدٍ موجود فيهم، أي: لا مثله في السّيادة أو في العلم، وهما متلازمان؛ إذ المعنى: سادوا لِعلْمِهم؛ لأنَّ تعليق الحكم بمشتق مؤذن بعليّة مبدأ الاشتقاق، والعلَّة والمعلول متلازمان، وعلى كلٍّ فالمرادُ أنّ زيداً [2/أ] أفضل منهم، وإن صدق المدلول لغة بأنه انقص إلاَّ أنه غير مراد عُرْفا، ونظيره قولهم: (لا أحدَ أَعْرفُ من فُلانٍ) يريدون: أنه أعرفُ النَّاس وإن صدق بالتساوي، وكذا القول في: (أَكْرِمْ العلماءَ ولاسِيّما زيدٌ) إلاَّ أنَّك تقول هنا على المعنى الأوَّل فيما قبله ولا مثله في استحقاق الإكرام المأخوذ من قوة الكلام؛ إذْ لا يأمر عاقل بشيء إلاَّ لمن يستحقُّه، وكأنّه قيل: استحقَّ العلماءُ الإكرامَ ولا مثْلَ زيدٍ موجودٌ فيهم، أو تقول المراد: ولا مثْلَه في طلب الإكرام، المفاد من (اَفْعِلْ) ، وعلى هذا فهي حالٌ مُقَارِنَةٌ (2) في الموضعين على المعنيين، ولك في الموضع الثاني معنى ثالث هو: أنَّ المراد لا مثلهم في الإكرام بالفعل، وعليه فهي حالٌ مُنتَظَرَةٌ (3)   (1) ما أثبته زيادة من " أ " و " ب ". (2) الحال المقارنة: عرّفها الفاكهي في شرح الحدود في النحو (229) بقوله: (هي المبينة لهيئة صاحبها وقت وجود عاملها، كراكبا من " جاء زيد راكبا ") ؛ كما عرّفت في المعجم المفصل في النحو العربي (445) : (هي التي تلازم صاحبها فلا يختلف وقوع أحدهما عن الآخر، بل يتحقق معناها في زمن تحقق العامل، كقوله تعالى: {وَهَذا بَعْلِي شيخاً} ) [آية 72 من سورة هود] . وتسمى أيضا الحال المحقَّقَة. (3) الحال المنتظرة: عرّفها الفاكهي في شرح الحدود في النحو (230) بقوله: (هي التي يكون حصول مضمونها متأخرا في الخارج عن حصول مضمون عاملها ك " مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ") ؛ كما عرّفت في المعجم المفصل في النحو العربي (445) : (هي التي يتحقق معناها بعد وقوع معنى عاملها) ؛ كقوله تعالى في (سورة الحِجْر آية 46) : {اُدْخُلوها بِسَلامٍ آمِنينَ} ومثل: (مشى الطفلُ باكراً) ، وتسمى أيضا: الحال المستَقْبَلة، والمقدَّرَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 ، ولا مانع أيضا مِنْ جَعْلِها عاطفة في المثال الأوَّل اتْفاقا، وفي الثاني (1) عند مَن يجوّز عطف الخبر على الإنشاء (2) ، وعلى هذا فهي تابعة لما قبلها محلاًّ وعدمه، فهي في نحو: (غَايةُ ما تكلَّمتُ به الحقُّ أحقُّ بالاتّباع ولاسِيّما الوَّاضحُ) في محلّ رفع؛ إذ الجملة قبلها خبر عن (غاية) ، وفي نحو: (قلت له: انْصِفْ المُناظِر ولاسِيّما المتأدِّبُ) في محلّ نصب؛ إذ الجملة قبلها معمول القول، وفي نحو: (نطقتُ بِسادَ العلماءُ ولاسِيّما العاملون) في محلِّ جرٍّ، وإذا قلت ابتداءً: (أَكْرِمْ العلماءَ ولاسِيّما فُلانٌ) فلا محل لها؛ لكون الجملة قبلها ابتدائيّة، ولا مانع من جعلها للاستئناف وهو ظاهر وعليه لا محلَّ لها من الإعراب. وقد استدعى الكلام على (الوَّاو) الكلام على جملة (ولاسيّما كذا) من حيث محلّها من الإعراب وعدمه، وهو وإن لم أجده في النّقول مقبولا عند أولي العقول.   (1) يعني جعل الواو عاطفة في المثال الأول: (ساد العلماءُ ولاسِيّما زيدٌ) ، وفي المثال الثاني: (اكْرِمْ العلماءَ ولاسِيّما زيدٌ) . وممن أجاز أن تكون الواو عاطفة الرضي في (شرح الكافية 1/ 249) حيث قال: (ويجوز أن يكون – أي الواو – عطفاً، والأول – أي كونها اعتراضية – أولى وأعذب) ينظر هامش " 3 " السابق. (2) بعض النحاة أجاز عطف الخبر على الإنشاء وبالعكس، وبعضهم منع العطف. ينظر تفصيل المسألة في مغني اللبيب 535 – 538. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 وأمَّا الكلام على (الوَّاو) من حيثُ الحذف وعدمه، فنقول: جرى في الحذف خلاف (1) ، فذكر ثعلب أنه خطأ (2) ونقلوه مقدّمين له على جواز الحذف المنسوب لغيره، فظاهر كلامهم ترجيحه، وذكر الفارسيّ (3) ما يقتضي جواز حذفها، وذلك أنه جعل " سيّ " حالا ممَّا قبلها دخل عليها النَّافي، ومعنى قولك: (ساد العلماءُ لاسيّما زيدٌ) سادوا لا مماثلين لزيد فاعتُرِض عليه بأنَّ الحال المفردة لا تدخل عليها (الوَّاو) ، أي: إذا لم تكن عاطفة لها على حال أخرى قبلها كما هنا، فإن كانت عاطفة: {يا أيها النَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهداً ومُبشِّراً وَنَذِيراً، ودَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإذْنِهِ وسِرَاجًا مُّنِيرًا} (4) [دخلت] (5)   (1) ينظر الخلاف في وجوب دخول الواو على " لاسيما " وفي جواز حذفها: شرح الكافية للرضى 1/ 249 والارتشاف 3/ 1552، 1553، ومغني اللبيب 149، والمساعد 1/ 596، والهمع 1/ 235. (2) أوجب ثعلب دخول الواو على (لاسيما) ، قال: من استعمله على خلاف ما جاء … … فهو مخطئ. وجوّز غيره حذفها. ينظر مغني اللبيب 149، وتعليق الفرائد 6/ 147، والهمع 1/ 235. (3) ينظر رأيه في الارتشاف 3/ 1552، ومغني اللبيب 149، والهمع 1/ 235. (4) آية 45 – 46 من سورة الأحْزَاب. (5) تكملة من " أ " و " ب ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 فأجيب بأنه إنما يقول: بالحالية عند عدم دخول (الوَّاو) ، وأمَّا عند دخولها ف " سيّ " عنده اسم ل " لا " التبرئة كما يأتي (1) ، ولا تُحذف " لا " من " [لا] سِيّما " وكما لا تُحذف [لا] (2) لا تُحذف (الوَّاو) ، وأجاز بعضهم حذْفَها وبه قال الفارسيّ، زاد وهي حينئذٍ أي: حين حذف (الوَّاو) نصب على الحال (3) انتهى. وقول المعترض هناك: إنَّ الشَّارح أخلَّ بالاعتراض الأوَّل - يعني به هذا الاعتراض - سهو؛ لما علمت من الإشارة له بذكر جوابه. والاعتراض الثاني: أنَّ " لا " إذا دخلت على وصْفٍ أو حال وجب تكرارها ولم تكرر هنا. وأجيب بأنها مكررة معنى؛ إذ هو في قوة لا مساوين لزيد ولا زائدين عليه بل ناقصون وهذا كافٍ. إذا علمت هذا فقول المصنّف: " وَمَا يَلِي لَاسِيّما " إمَّا جارٍ على جواز حذف الوَّاو، وإلاَّ فهو يلي (ولاسِيّما) بالوَّاو لا مجردا عنها، أو أنّ مراده يلي (لاسِيّما) بعد تقدّم الوَّاو عليه، وحذَف الوَّاو مع أنها مرادةٌ ومع أنَّ ذكرها أوفق بالاستعمال للضَّرورة.   (1) ينظر رأيه في البغداديات 317. (2) تكملة من " أ " و " ب ". (3) قال أبوحيان في الارتشاف 3/ 1552: (وزعم أبو عليّ في " الهَيْتِيَّات " أن (لا) ليست عاملة النصب في (سيما) بل (سي) منصوب على الحال، والعامل فيها الجملة السابقة) . وينظر مغني اللبيب 149، والهمع 1/ 235 وحاشية على المغني 1/ 123. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 (إن نُكِّرا) ، أي: إن أُتي به نكرة نحو: (أكْرِمْ الرجالَ ولاسِيّما رجلٌ كريمٌ) ، (فَاجْرُرْ أَوِ ارْفَعْ) الفاء في جواب " إِنْ " لعدم صلاحيته للشَّرط وجملة الشَّرط، وجوابه [خبر] (1) (ما) وعائده ضمير (نُكِّرا) وألفه للاطلاق، [2/ب] وكذا مفعول (اجْرُرْ وَارْفَعْ) إذ أصله: اجرره أو ارفعه، فحذف المفعول منويا، ويحتمل أنه منزَّل منزلة اللاَّزم فلا يحتاج إلى تقدير مفعول، أي: فاحكم بالجرِّ أو الرَّفع، وليس قصده التخيير المستوي لما يأتي من أنهما مرتبان في الرّتبة كما رتبهما هنا في الذّكر، (ثُمَّ نَصْبَهُ اذْكُرَا) " ثُمّ " للترتيب الذِّكريّ (2) لا الرُتبي إذ لم يصرحوا بكون النَّصب أضعفها، وسيأتي لنا فيه كلام بفضل الله. تنبيهٌ: وجّه المصنّف الرَّفع والنَّصب بقوله: (وعِنْدَ رَفْعٍ مُبْتداً قدّرْ) وبقوله: (وَانْصِبْ مُميِّزا) وأهمل وجه الجرِّ وهو بالمضاف كما يأتي، فكان ينبغي أن يذكره أيضا وأن يذكر الثلاثة هنا؛ ليسلم من التشتيت الحاصل بالفصل بين هذه الأوجه وبين توجيهاتها بالكلام على المشار له بقوله: (في الجرِّ ما زِيدَتْ) وبين التوجيهات بالكلام على (سيّ) المشار له بقوله: (وفي رَفْعٍ وجَرٍّ أعْرِبَنْ سِيَّ تَفِي) والأمر سهل. نكتة (3) : أَلِفُ (اذْكُرا) منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، والسّر في الإتيان بها أنه لمَّا أتى بثُمَّ أوهم أنَّ النَّصب أضعف الأوجه مع أنه ليس موجودا في كلامهم، على أنه يأتي ما يفيد أنه أرجح من الرَّفع، فأتى بنون التوكيد لتعادل تقويتها ما أوهمه من الضَّعف، ويرجع الأمر إلى الترجيح الخارجيّ وسيأتي، فتأمَّلْه فإنه حَسَنٌ.   (1) في الأصل: جزما. (2) في " أ " و " ب ": الإخباري. (3) في " أ " و " ب ": تنبيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 (في الجرّ " ما ") حرفية (زِيدت) بين المضاف وهو (سيّ) والمضاف إليه وهو الاسم المجرور على حدِّها في {أَيَّمَا الأَجَلَينِ} (1) وقوله: (في الجرِّ) متعلق ب (زِيدَتْ) الواقع خبرا عن (ما) ، ففيه تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ على مذهب من يجيزه، وإنْ منعه بعضٌ محتجّا بأنَّ نفس الخبر الفعلي لا يتقدم لئلاَّ يلتبس التركيب بالفعل والفاعل فكيف يتقدم معموله؟ (2) إن قلتَ قد قلتَ: إنَّ (ما) [في] (3) حالة الجرّ حرفيَّة فكيف تقع مبتدءا في المصنَّفِ؟ قلتُ: هي في المصنَّف اسم إذ القصد منها لفظها، إن قلتَ إذا كانت اسما فكيف تحكم عليها بأنها حرف زائد؟ وهل هذا إلاَّ تنافٍ؟ قلتُ: المحكوم عليه بالاسميَّة لفظها والمحكوم عليه بالحرفيَّة والزّيادة مدلولها، وهو كلمات (ما) الواقعة في تراكيب (ولاسيّما) فهو لفظٌ مسماه لفظٌ. و (ما) في [حال ال] (4) رفعٍ اسميةٌ في محل جرّ بالمضاف وهو (سيّ) ، (أُلِفْ وَصْلٌ لها) بالجملة المركبة من الاسم المرفوع خبرا والضَّمير المقدَّر كما يأتي في قوله:   (1) آية 28 من سورة القصص. (2) المسألة فيها خلاف بين البصريين والكوفيين ينظر الإنصاف 1/ 65، والتبيين 245، وشرح التسهيل 1/ 289 وشرح ابن عقيل 1/ 228. (3) زيادة لاستقامة الكلام. (4) زيادة لاستقامة الكلام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 (وعِنْدَ رَفْعٍ مُبتدًا قَدّرْ) وهذه الجملة على هذا لا محل لها من الإعراب؛ [و] (1) إمَّا على أنّها نكرةٌ والجملة صفة لها المشار له بقوله: (قُلْ أو تَنَكُّرٌ وُصِفْ) فهي في محل جرّ؛ وضمير (وُصِفْ) إمَّا راجع للمتنكر المفهوم من (تنكُّرٌ) ، وإمّا للتنكّر مراداً به النكرة فهو استخدام، وإمّا له باقيا على معناه وهو من الحذف والايصال، والاصل: وُصِف فيه، أي: وُصِف (ما) في حالته إلاَّ أنَّ الحذف والايصال بابه السَّماع؛ هذا إن كان قوله: (وُصِفْ) ماضيا مبنيَّا للمجهول وعليه فلا فائدة لقوله: (قُلْ) إلاَّ تكملة الوَّزن، ويحتمل أنَّ (صِفْ) أمر من (وُصِفْ) ومفعوله محذوف أي: و (صِفْ) أنت (ما) في حالة التنكّر بالجملة، و (الوَّاو) فيه للعطف، ويكون فائدة قوله: (قُلْ) التوصل لقوله: (صِفْ) ليكون عطفا عليه إذ لا يصح عطفه على غيره ممَّا قبله، لأنه إنشاء وما قبله خبر، وإن كان يستغنى عنه على مذهب من يعطف الخبر على الإنشاء (2) ، أو يجعل (صِفْ) مستأنفا. وسكت المصنّف عن (ما) حال النَّصب ويأتي لنا فيه كلام عند قوله: (وَانْصِبْ مُميِّزَا) . (وَعِنْدَ رَفْعٍ مُبْتدًا قَدّرْ) وذلك المبتدأ هو رابط الصّفة وعائد الصّلة (3)   (1) زيادة لاستقامة الكلام. (2) ينظر هامش " 29 " السابق. (3) يعني بذلك أن الاسم المرفوع بعد لاسيّما في نحو " أكْرمْ العلماءَ ولاسيّما زيدٌ " يعرب خبراً لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره هو، والجملة من المبتدأ والخبر تكون صفة " ما " في محلّ جرّ باعتبار " ما " نكرة موصوفة بمعنى " شيء "، أو صلة الموصول لا محل لها من الإعراب باعتبار " ما " موصولية؛ وفي كلا الوجهين " ما " في محل جر مضاف إلى " سيّ " ينظر الإيضاح في شرح المفصل 1/ 386، وشرح الكافية 1/ 249، والارتشاف 3/ 1550، والمغني 149 والمساعد 1/ 597، والهمع 1/ 234. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 ، وحَذْفُه هنا ليس شاذاً بل واجب سواء طول الصّلة وعدمه (1) ، وذلك أنهم ألحقوا (لاسيَّما) ب (إلاَّ) الاستثنائية [3/أ] في عدم وقوع الجملة بعد كُلٍّ بجامع مخالفة ما بعد كُلٍّ لما قبله، وإن كان المخالفة في (إلاَّ) بكونه مُخرَجًا مما قبلها وفي (لاسيَّما) لكونه أولى منه بالحكم، وهذا التوجيه ذكره المحققون الذين لا يجعلون (ولاسيَّما) من أدوات الاستثناء (2) ، وهو لا يستلزم أنّ (لاسيَّما) من أدوات الاستثناء؛ إذ غايته إلحاق (ولاسِيّما) ب (إلاَّ) في عدم وقوع الجملة بعدها بجامع مطلق المخالفة، وأمَّا كونها من أدوات الاستثناء باعتبار ما معها من المخالفة أولا فمقام آخر لا تلازم بينه وبين هذا، فَقَولُ بعض (3) هذا على أنّ (لاسيَّما) من أدوات الاستثناء، وسيأتي أنَّ الرَّاجح خلافه غلط؛ و [ممَّا] يقتضي [وجوب] (4) الحذف أيضا أنَّ هذا كلام جرى في كثرة الاستعمال مجرى الامثال فلا يُغيّر عما سمع فيه من الحذف. ثُمَّ شرع في الكلام على (سيّ) فقال: (وفي رَفْعٍ وَجَرٍّ أعْرِبَنْ سِيّ تَفِي) وإعرابها نصْبٌ لأنها اسم للا التبرئة وهي مضافة ل (ما) حال الرّفع، وللنّكرة بعدها حال الجرّ، فيجب نصبها، ولا يلزم على الأوَّل إنْ قَدرت (ما) موصولة عمل (لا) في معرفة، لأنَّ (سِيّ) معناه (مِثْل) فهو متوغل في الإبهام فلا يتعرّف بالاضافة، وخبر (لا) محذوف أي: موجود.   (1) ينظر شرح التسهيل 2/ 319، ومغني اللبيب 149 – 150، وشرح ابن عقيل 1/ 166. (2) ينظر تفصيل المسألة في شرح الجمل لابن عصفور 2/ 262، والإيضاح في شرح المفصل 1/ 368، وشرح الكافية 1/ 248، وابن يعيش 2/ 85، وشرح التسهيل 2/ 318، والارتشاف 3/ 1549، والمساعد 1/ 596، والهمع 1/ 234. (3) في " أ " و " ب ": (البعض) . (4) في الأصل: [إنما، وجود] وما أثبته من " أ " و " ب ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 [فإن] (1) قلتَ: هل يجوز رفع (سيّ) على أنَّ (لا) عاملة عمل (ليس) قياسا وإن كان لم يُسمع إلاَّ بالنَّصب؟ قلتُ: لا يجوز لعدم ملاقاته القصد؛ إذ المراد بقولك: (ساد العلماءُ ولاسِيّما زيدٌ) نفي جنس المماثل لزيد بنفي جميع أفراده، لا النَّفي في الجملة الصَّادق بنفي الوَّاحد الَّذي لا ينافي ثبوت الأكثر كما هو مفاد [العاملة] (2) عمل (ليس) . وذهب بعضهم: إلى أنَّ (ما) في حالة الرَّفع خبر (لا) (3) قال في " المغني ": (ويلزمه كفّ (سيّ) عن الإضافة من غير كافٍّ، وأمَّا ما يقال يلزمه عمل (لا) في معرفة فيرده إمكان تقديرها نكرة موصوفة) (4) انتهى. وقوله: " أعْرِبَنْ " أي: وجوبا كما هو حقيقة (افْعِلْ) خصوصا وقد أكده بالنّون وقدَّم الجارّ والمجرور ليفيد الحصر، فأُخذ منه أنَّ النَّصب لا يجب فيه الإعراب ويأتي لنا فيه كلام. تنبيهٌ: أصل " سيّ " سِوْي دخله ما دخل (سيِّد) (5) ، ودليل أنَّ عينه (واو) قولهم في تصرف مادَّته: تساويا وتساوينا ومتساويان، وتثنيته (سيَّان) (6) ويُستغنى حينئذ عن الإضافة كما استُغني عنها مرادفه وموازنه (مثْل) في قوله:   (1) في الأصل: إنْ، وما أثبته من " أ " و " ب ". (2) في الأصل: المعاملة، وما أثبته من " أ " و " ب ". (3) ممن قال به الأخفش، أي: أن " سيّ " اسم " لا "و " ما " الموصولية في موضع رفع خبرها؛ ينظر الارتشاف 3/ 1550. (4) لم أجده في المغني. (5) أي: اجتمعت الواو والياء على وجه يقتضي قلب الواو ياء فقلبت وأدغمت الياء المنقلبة عن الواو في الياء الأصلية. ينظر الكتاب 4/ 365، والمنصف 2/ 15 – 18، والممتع 2/ 498، وشرح الشافية للرضي 3/ 139. (6) ينظر مادة " سوا " في اللسان 14/ 410 – 411، ومغني اللبيب 148 – 149. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 مَنْ يفعلِ الحسناتِ اللهُ يشكره والشرُّ بالشرِّ عندَ الله مِثْلانِ (1) واستغنوا بتثنيته عن تثنية " سواء " فلم يقولوا " سواءان " إلاَّ شاذًّا، كقوله: فيا ربِّ إنْ لم تقسمِ الحبَّ بيننا سواء ين فاجعل لي على حُبِّها جَلْدا (2) (وَانْصِبْ) الاسم النكرة (مُميِّزا) إمَّا (سيّ) (3) نفسها، فتكون (ما) حينئذٍ حرفا كافّاً عن الإضافة، وفَتحة " سيَّ " لإفرادها بناء، هكذا قال بعضهم (4) ، ونقلته في " الصَّغير "، وأقول: قد يُمنع إفراد " سيّ " في هذه الحالة، بل هي شبيهة بالمضاف ضرورة أنَّ التمييز الَّذي اتصل وتعلق بها شيء من تمام المعنى؛ إذ هو أولى بذلك من النعت؛ لأنه مبين للذات، والنَّعت مبين للصِّفة، والنَّعت داخل فيما هو من تمام المعنى، إلاَّ أنه لا يوجب الشَّبه بالمضاف لاشتراطهم فيما يوجبه أن يكون معمولا، والتمييز معمول لما ميَّزهُ، قال ابن مالك [في الخلاصة] (5) : اِسْمٌ بِمعْنَى مِنْ مُبينٌ [نكره] يُنصَبُ تَمييزًا بِمَا قَدْ فَسَّرهْ (6)   (1) البيت نُسب لأكثر من شاعر، فقد نسب لكعب بن مالك في ديوانه 288، كما نسب لحسان بن ثابت وليس في ديوانه، وأيضا نسب لعبد الرحمن بن حسان. وهو من شواهد: الكتاب 3/ 65، والمنصف 3/ 118، وابن يعيش 9/ 2، 3، مغني اللبيب 58، 114، وهمع الهوامع 2/ 60. (2) البيت نُسب لمجنون ليلى في ديوانه 94، وفيه " فاجعلني "، كما نسب لقيس بن معاذ في اللسان " سوا " 14/ 410، وهو من شواهد مغني اللبيب 149. (3) في " أ " و " ب ": لسيّ. (4) ممن قال به ابن هشام في مغني اللبيب 150. (5) ما بين المعكوفين زيادة من " أ " و " ب ". (6) ينظر الألفية 33، وشرح ابن عقيل 2/ 286؛ وفي الأصل: النكره، وما أثبته من " أ " و " ب ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 وحينئذٍ ففتحة " سيّ " على هذا إعراب؛ وإمَّا " ما " بناء على أنها نكرة تامة، و" سيٌّ " مضافةٌ إليها ففتحة إعراب (1) . ثم قلت في " الصَّغير ": (والوجه الثاني: أقرب وذلك أنَّ التمييز عين المميَّز معنى، والاسم النَّكرة ليس هو عين السّيّ، والمثل بل هو عين الشَّيء [3/ب] الَّذي قصد نفي المماثلة له وذلك هو مدلول " ما ") انتهى. وقولي: (أقرب) يفيد أنَّ الوجه الأوَّل صحيح إلاَّ أنه غير أقرب وكيف لا يكون صحيحا وقد صرَّح به المحقِّقون، ووجِّه بأنَّ المراد بالنَّكرة كرجل [في قولك] (2) : (أكْرِمْ الرِّجالَ ولاسيّما رجلاً كريمًا) مطلق فرد من ماهيتها وهو عين السّيّ فهو تمييز له، والسّيّ مضاف معنى إلى فرد مفهوم كرجل كريم معهود لك، هو الَّذي قصدت نفي المماثلة له وإن كَفّته (ما) عن الإضافة لفظا، ولا شكَّ أنَّ هذا التأويل في غاية البعد. وقولنا: (والاسم النَّكرة ليس هو عين السّيّ 000 إلخ) منظور فيه لفحوى الكلام بقطع النَّظر عن بعيد التأويل، وحينئذٍ فلا يحتم الفساد حتى ينافي ما يقتضيه قولنا: (أقرب) من صحة الثاني، إذا عرفت ذلك تبيّن لك فساد قول المعترض بعد نقل التوجيه المذكور مشيرا له، وإذا صح ذلك ارتفع الإشكال وبطل قول الشَّارح والاسم النَّكرة ليس هو عين السّيّ، وإلاَّ فهو أقرب إلى الإبطال لا أنه قريب للصّحة كما هو ظاهر عبارته؛ انتهى. ثمَّ أشار إلى أنّ قول امرئ القيس: أَلا رُبَّ يومٍ صَالحٍ لكَ مِنْهُما ولاسِيّما يومٌ بدَارَةِ جُلْجُلِ (3)   (1) أي: أن الاسم النكرة المنصوب يكون تمييزا إما ل " سي " وإما ل " ما " على ما ذكره. ينظر هذا التوجيه في الارتشاف 3/ 1551، وهمع الهوامع 1/ 234، والنحو الوافي 1/ 404. (2) في الأصل: فقولك، وما أثبته من " أ " و " ب ". (3) في ديوانه 10، 368. وهو من شواهد ابن يعيش 2/ 86، وشرح التسهيل 2/ 318، والارتشاف 3/ 1550، ومغني اللبيب 149، وشرح الكافية للرضي 1/ 249، والمساعد 1/ 597، وهمع الهوامع 1/ 234. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 مرويّ بالأوجه الثلاثة بقوله: (وقُلْ لاسِيّما * يومٌ بأَحْوالٍ ثَلاثٍ فَاعْلَما) . ودارةُ جُلْجُلٍ بجيمين اسم لغدير، وكان يهوى بنت عم له يقال لها: عُنيزة، فاتفق أنَّ الحيّ احتملوا وتقدَّم الرِّجال وتأخَّر النِّساء، فلمَّا رأى ذلك امرؤ القيس سار مع الرِّجال قَدْرَ غُلْوةٍ، ثم نكَزَ في غابة من الأرض حتى ورد النِّساء الغدير يغتسلن، فجاءهنَّ غوافل وجلس على ثيابهنَّ، وحلف لا يُعطى واحدة ثوبها حتى تخرج متجرِّدة، فأبين حتى تَعَالَى النَّهار فخرجن، وقلن له حبستنا فاجعتنا، فنحر لهن ناقته فشوينها، ولمَّا أردن الرَّحيل حملت كل واحدة منهنَّ شيئًا من متاعه، وحملته هو عُنيزة، ففي هذا معلقته المشهورة منها هذا البيت، ومنها (1) : ويومَ دَخلتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيزَةٍ فقالتْ لك الوَيْلاتُ إِنّكَ مُرْجِلي تقولُ وقد مَالَ الغَبِيطُ بِنا معاً عَقرْتَ بَعيري يا امْرأَ القَيسِ فَانْزلِ ويومَ عَقَرْتُ لِلْعَذارَى مَطِيَّتي فَياعَجَبًا مِنْ رَحْلِها المُتَحَمَّلِ ومُرْجِلى: مُسيّري راجلةً أي: ماشيةً بهَلْكِ البعير. تنبيهان: الأوَّل: قال المصنّف في شرحه ما نصُّه، قال ابن مالك (2) : (وإذا كانت (ما) موصولة جاز وصلها بفعل أو ظرف نحو: أعجبني كلامُك لاسيّما تَعِظُ به، ويعجبني التهجدُ لاسيّما عند زيدٍ) انتهى. قلتُ: (وقياسه إذا كانت نكرة جاز وصفها بهما، وعلى كلٍّ فهو معارِض لما سبق من أنَّ (لاسيّما) ملحقة بإلاَّ في عدم وقوع الجملة الظَّاهرة بعدها، فإن كان هذا معضَداً بسماعٍ بطل ما سبق وإلاَّ بطل ما هنا) هكذا عبارتي في " الصَّغير "   (1) الأبيات المذكورة مع القصة في ديوانه: 10 – 11، وينظر حاشيته على المغني 1/ 123. (2) ينظر شرح التسهيل 2/ 319. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 قال المعترض ما نصُّه: (هذا إنما يتمشّى على القول: بأن (لاسيَّما) من أدوات الاستثناء وهو ضعيف، والرَّاجح خلافه كما نصَّ عليه غير واحد من المحققين (1) ؛ لأنَّ ما بعدها أولى بالحكم ممَّا قبلها، فلا مخالفة بالنَّفي والإثبات الَّذي هو معتبَرٌ في الاستثناء، [ومجرد التخالف بالأولويَّة وعدمها لا يوجب كونها من أدوات الاستثناء] (2) كما هو ضروريٌّ وإذا علمت ذلك علمت بطلان الترديد المذكور في كلامه كما لا يخفى، وممَّا يرشح لذلك قول ابن مالك في " التسهيل " (3) : (والمذكور بعد لاسِيّما منبَّهٌ على أولويّته بالحكم لا مستثنى) انتهى كلامه. وأقول: قوله (هذا إنما يتمشّى 000 إلخ) قد سبق منعه في توجيه [وجوب] (4) حذف المبتدأ فلا يفيده؛ وأمَّا قوله: (لا مخالفة بالنَّفي والإثبات 000 إلخ) فيجيب عنه القائل: بأنها من أدوات الاستثناء و [بقوله] (5) هو مخرج من المساواة المفهومة من الكلام، ومعنى قولك: (ساد العلماءُ ولاسيّما زيدٌ) تساوى العلماء في السّيادة إلاَّ زيد فإنه فاقهم [فوجب] (6) التخالف بالنَّفي والإثبات وإن كان تكلُّفا، وأمَّا معارضة ما قاله ابن مالك لما سبق فظاهرة، وذلك أنَّ مقتضى [4/أ] ما سبق أنه لا يقع بعد ولاسيَّما جملة أصلا، وهو قد صرَّح بأنَّ الجملة تقع بعدها، فيلزمه جواز التصريح بالمبتدأ في نحو: (ساد العلماءُ ولاسيّما زيدٌ) فيقال: (ولاسيّما هو زيد) ، وأيّ فارقٍ بين الجملة الفعلية والاسميَّة حتى تقع الأولى بعدها دون الثانية؟   (1) ينظر مصادر الخلاف في هامش (49) . (2) ما بين المعكوفين زيادة من " أ " و " ب ". (3) ينظر التسهيل 107، وشرح التسهيل 2/ 312. (4) ما بين المعكوفين زيادة من " أ " و " ب ". (5) في الأصل: وبقول، وما أثبته من " أ ". (6) في الأصل: فوجد، وما أثبته من " أ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 وشافهني المعترض بأنَّ كلام ابن مالك فيما إذا كانت بمعنى: خصوصا، وحينئذٍ فتقع الجملة بعدها، وما سبق فيما إذا لم تكن بمعنى: خصوصا. وأقول: هو فاسد حال كونها بمعنى: خصوصا يكون مجموع (لاسيَّما) معناه خصوصا، وهو في محل نصب مفعول مطلق، وكلام ابن مالك ليس في هذا المقام بل في مقام رفع ما بعدها، وكون (ما) حال الرَّفع موصولة [أو نكرة] (1) ، ولاشك أنَّ هذا محلَّه إذا لم تكن بمعنى: خصوصا؛ على أنَّ ابن مالك لا يقول بإتيانها بمعنى: خصوصا لما يأتي من انفراد الرَّضيّ به (2) . وإذا علمت هذا علمت صحة قول الفاضل السَّيد محمَّد المغربيّ في حاشيته على " الصَّغير ": (المعارضة ظاهرة لا تحتاج لإيضاح، وإنكارها مكابرة، وفساد قول المعترض عليه، هذه عبارة فاسدة ناشئة عن ضلال قائلها، وسوء فهمه لعدم اطلاعه على كتب العربية، خصوصا وابن مالك مجتهد في النَّحو، بل المكابرة تسليم المعارضة) انتهى. وأقول: لله دَرُّ هذا المعترض من فهَّامة أدُوب، فسبحان من خصَّه بتحقيقات لم يُفتح بها على عاقل أبدا، زاده الله فهما وأدبا. وقوله: (خصوصا وابن مالك مجتهد ... إلخ) لا يفيده شيئا؛ إذْ ما سُبق منقولٌ عن مجتهدين وابن مالك مسلَّمٌ له فيما يظهر، ولو سمع عبارته مجنون لقال له: ما مرادك بالَّذي في كتب العربيَّة ولم يطلع عليه؟ فإن قال: هو نفس مذهب ابن مالك السَّابق، قال له: قد اطلع عليه حتى أورد عليه الاعتراض؛ وإن قال: هو أنَّ الجملة تقع بعد (لاسيَّما) إن كانت بمعنى: خصوصا، قال له: هذا مشهور لكلّ أحدٍ، وبَيَّن له أن كلام ابن مالك ليس فيه كما سبق.   (1) زيادة من " أ " و " ب ". (2) ينظر شرح الكافية 1/ 249. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 التنبيه الثاني: أرجح الأوجه السَّابقة الجرُّ؛ لأنّه لا حذف معه (1) ، وزيادة (ما) لكثرتها لا توجب ضعفه بخلاف الرَّفع، فإن فيه حذف العائد المرفوع وهو في حدِّ ذاته شاذٌّ قياسا وسماعا، إذا لم يحصل طول كما في بعض أمثلة ما نحن فيه، نحو: (أكْرِمْ الرجالَ ولاسيّما زيدٌ) بخلاف نحو: (ولاسيّما رجلٌ كريمٌ) للطول بالوصف، ومقتضى هذا أن يُقيَّد ضعف الرَّفع بعدم الطّول، لكنَّهم أطلقوا ضعف رجحان الجرّ عليه نظراً إلى أنّ الجرَّ ليس في جزئياته شذوذٌ ما، بخلاف الرَّفع فإنَّ بعض جزئياته شاذٌّ، ولاشكَّ أنّ ما كانت جميع جزئياته غير شاذَّة أقوى ممَّا بعض جزئياته شاذّ، هذا وإن كان الحذف بالنَّظر لهذا التركيب غير شاذّ كما سبق، (فإيجابُه الضَّعف من حيث ما هو الشَّأن فيه) ، هكذا قلت في "الصَّغير"، وقولي: (فإيجابه الضَّعف من حيث ما هو الشَّأن فيه) إشارة لجواب ما وجدته [بخطّ] (2) بعض الأذكياء على طرَّة شرح المصنّف، ومعناه: أنَّ الحذف هنا مستثنى من قول ابن مالك: (وإِنْ لَمْ يُسْتَطَلْ * فَالْحَذْفُ نَزْرٌ) (3) فما معنى التضعيف به وإلاَّ لزم التضعيف بكل مقيس أو التحكم أو بيان الفرق، وكَتَبَه المعترض اعتراضا عليّ، مع ما رأيت من محاولتي الجواب عنه المشعر به، فعجبي ممَّن لا يفهم كلام النَّاس كيف يتعرض [للكتابة] (4) عليه. ويمكن الجواب أيضا: بأنَّا لا نُسلّم أنه مستثنى من الشّذوذ السَّماعيّ والقياسيّ معًا بل من الأوَّل فقط، وهذا لا ينافي ضَعْفه من حيث التزام ما هو شاذّ في القياس.   (1) ينظر توجيه الجر في ابن يعيش 2/ 85، والايضاح في شرح المفصل 1/ 368، وشرح الكافية للرضي 1/ 249 ومغني اللبيب 149، والمساعد 1/ 597، وهمع الهوامع 1/ 234. (2) زيادة من " أ " و " ب ". (3) ينظر الألفية 11، وشرح ابن عقيل 1/ 163. (4) في الأصل: لكتابة، وما أثبته من " أ " و " ب ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 وأيضا: يُضَعِّفه أنه في نحو: (ولاسيّما زيدٌ) إطلاق (ما) على من يعقل (1) . وسكتوا فيما أعلم عن النَّصب، ويُؤخذ من تعليل أرجحيته الجرّ السَّابق أنه أولى من الرَّفع، وإنْ كان أدْونَ من الجرّ من حيث إطلاق (ما) على من [4/ب] يعقل في نحو: (ولاسيّما رجلا كريمًا) على الوجه الثاني الَّذي سبق استغرابه، هذا وإن أشعر تقديم الرَّفع على النَّصب في كلامهم بخلافه. ثُمَّ أخذ في مفهوم قوله: (إِنْ نُكِّرا) فقال: (وَالنَّصْبُ إِنْ يُعرِّفِ اسْمٌ فَامْنَعا) إذْ هو على التمييز وهو لا يكون إلاَّ نكرة وقدَّم المعمول لإفادة الحصر، فأُخِذ منه جواز الوجهين السَّابقين، أعني: الجرّ والرَّفع، وكذا يأتي جميع ما يتعلق ب " سيّ " وبما عليهما، وقيل: يجوز النَّصب أيضا، وكأنّه مبنيّ على جواز تعريف التمييز كما هو قول الكوفيين (2) .   (1) أي: يضعف القول بموصولية " ما " في نحو (ولاسيّما زيدٌ) حذف العائد المرفوع مع عدم الطول، وإطلاق " ما " على من يعقل؛ وممن قال به ابن هشام في مغني اللبيب 149، 150، وينظر تعليق الفرائد 6/ 150. (2) اختلف النحويون في التمييز أيجوز أن يكون معرفة أم لا؟ فذهب البصريون إلى أن التمييز لا يكون إلاّ نكرة؛ وذهب الكوفيون وابن الطراوة إلى أنه يجوز أن يكون معرفة، وورد منه شيء معرفا ب" أل " وبالإضافة؛ وتأوله البصريون على زيادة " أل "، والحكم بانفصال الإضافة واعتقاد التنكير. ينظر الإنصاف 1/ 312، وشرح الجمل لابن عصفور 2/ 281، وشرح التسهيل 2/ 385، وشرح الكافية للرضي 1/ 249، والارتشاف 4/ 1633، وشرح الألفية للمرادي 2/ 175، والمساعد 2/ 66، والهمع 1/ 252. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 وقال في " المغنيّ " (1) : (وأمَّا انتصاب الاسم المعرفة في (ولاسيّماً زيدًا) فمنعه الجمهور، وقال ابن الدّهان: لا أعرف له وجها، ووجّهه بعضهم بأنَّ (ما) كافّةٌ، وأنَّ (لاسيّما) نُزّلت منزلة " إِلاَّ " في الاستثناء؛ ورُدَّ بأنَّ المستثنى مُخرِجٌ وما بعدها داخل بالأَوْلى؛ وأُجيب بأنّه مُخرِجٌ ممَّا أفهمه الكلام السَّابق من مساواته لما قبلها، وعلى هذا فيكون استثناءً منقطعا) انتهى كلام " المغنيّ " حرفا بحرف. وقولُ المعترِض على النَّقل إنَّ قوله: (ورُدَّ) إلى قوله: (وعلى هذا) ليس من كلام " المغنيّ "، ممنوعٌ فإنَّه مصرَّح به [فيه] (2) هكذا، فلعلَّ المعترِض اطلع على نسخة محرَّفة؛ إلاَّ أنَّ جعْله الاستثناء منقطعا فيه نظرٌ؛ إذ هو مخرج من المحكوم عليهم بالمساواة، ومعنى (ساد العلماءُ ولاسيّما زيدٌ) تساوى العلماء في السّيادة إلاَّ زيد، وحينئذٍ فهو استثناء متصل لدخول المستثنى في المستثنى منه، وقد بيّنا ذلك في " الصَّغير " عند قول المصنّف: (وَامْنَعْ عَلَى الصَّحِيحِ الاِسْتِثْنا بِهَا) ، الَّذي هو بناء على ما سبق عن " المغنيّ "، كالعلَّة لقوله هنا: (والنَّصْبُ إِنْ يُعرَّفِ اسْمٌ فَامْنَعَا) ، وفي البدر الدَّمامينيّ على " المغنيّ " (3) لا مانع من نصب المعرفة بفعل محذوف، أي: ولا مثْل شيءٍ أعني زيدًا.   (1) ينظر مغني اللبيب 150. (2) زيادة من " أ " و " ب ". (3) ينظر شرح الدماميني على المغني 1/ 284 حيث قال بعد قول ابن الدهان في المغني: (ولا أعرف له وجهاً) أي: النصب، قال: (وقد يوجّه بأن " ما " تامة بمعنى: شيء، والنصب بتقدير الرأي: ولا مثل أرى زيداً) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 (وبَعْدَ سِيٍّ [جُملةً فَأَوْقِعا] (1)) : أطلق (سيّ) وأراد (سيّما) من إطلاق الجزء وإرادة الكلّ، أو أنّ فيه حَذْفَ (الوَّاو) وما عطفت، فالأصل: وبعد (سِيٍّ) وما لازمها أعني: كلمة " ما "، جملةً فأوْقِعا، أي: أجزْ وقوعها بعدها، وذلك إذا نُقلت (سِيّما) وجُعلت مفعولا مطلقا، كما هو صريح كلام الرَّضيّ الآتي، وإن كان كلام المصنّف لا يفيده؛ (أجَاز ذَا الرَّضِيْ) حيث قال (2) : (ويُحذف ما بعد " سِيّما " على جعله بمعنى: خصوصا، فيكون منصوبَ المحل على أنّه مفعول مطلق على بقائه على نصبه الَّذي كان له في الأصل [حين] (3) كان اسمَ لا التبرئة، فإذا قلت: (أُحبّ زيدًا ولاسِيّما راكباً) ف " راكباً " حال من مفعول الفعل المقدَّر، أي: وأخصُّه بزيادة المحبة خصوصا راكبا، وكذا في " أُحبُّه ولاسِيّما وهو راكبٌ ") انتهى. هكذا نقل المصنّف في شرحه، ومحلُّ الشَّاهد آخرُ العبارة، أعني قوله: (وكذا في: أُحبُّه ولاسِيّما وهو راكبٌ) ؛ لأنه هو الَّذي وقعت فيه جملةٌ بعد (ولاسيّما) ، فأمَّا قوله: (أُحبُّ زيدًا ولاسِيّما راكباً) فليس فيه جملةٌ لا بحسب الحال الرَّاهنة وهو ظاهر ولا قبل الحذف؛ إذ المحذوف مفرد هو لفظ (زيد) ، والأصل: (ولاسِيّما زيدٌ راكباً) هكذا يتعين ولا نقول بقول المصنّف إنَّ الشَّاهد فيه أيضا؛ لأنَّ فيه جملةً هي جملةُ (أخُصُّه) العامل في (ولاسِيّما) ، وتُقدّره مؤخَّرا ليكون واقعا بعدها؛ لأنَّ هذا يبطله أمور:   (1) ما بين المعكوفين زيادة من " أ " و " ب ". (2) ينظر شرح الكافية 1/ 249. (3) في الأصل و " ب ": (حيث) ، والمثبت من " أ " وهو موافق لما ورد في شرح الكافية 1/ 249. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 الأوَّل: أنّه حيث جعل الشَّاهد أوَّل العبارة تعيَّن عليه أن يقدّر العامل مؤخرا، وهو خلاف الأصل، فلا معنى لتعيّنه بل ولا لارتكابه لغير موجبٍ، ولئن سُلّم أنَّ هذا معنى كلام الرَّضيّ لرُدّ بشيءٍ آخر، هو أنّنا سمعنا العرب تقول: (أحبُّ زيدًا ولاسِيّما راكبًا) (1) ، فمن أين يأتينا أنَّ العامل مؤخَّرٌ حتى نقدّره كذلك ويكون من قبيل [5/أ] وقوع الجملة بعدها؟ . الثاني: أنَّ هذا التقدير على تسليمه ممكِنٌ في كلّ مثالٍ، فيقتضى أنَّ كلّ كلام وردت فيه (سِيّما) بمعنى: خصوصا لا يكون بعدها إلاَّ جملة، هي جملة العامل المؤخَّر، وتخصيصه ببعض الأمثلة مع إمكانه في جميعها تحكّمٌ، وهذا المقتضى مخالف لقولهم على مذهب الرَّضيّ تأتي (سيّما) بمعنى: خصوصا، فيقع بعدها [المفرد] (2) والجملة. الثالث: أنّه مخالف لتقدير الرَّضيّ نفسِه، إذ هو قدّر العامل مُقدَّما مُعبِّرا عن (سيّما) بخصوصا، حيث قال فيما سبق: (أي: وأخُصُّه بزيادة المحبة خصوصا راكبا) (3) ، وحَمَله على أنّه مجرّدُ [حَمْلِ] (4) معنى، وأنَّ الإعراب خلافه بعيد كلّ البعد.   (1) في الأصل: أضرب، وما أثبته من " أ " و " ب " وهو موافق لما ذكر في شرح الكافية للرضي 1/249. (2) في الأصل: المعرفة، وما أثبته من " أ " و " ب ". (3) ينظر شرح الكافية 1/ 249. (4) في الأصل: حل، وما أثبته من " أ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 الرَّابع: قولهم: ظاهر كلام الرَّضيّ أنه إذا لم يُحذف ما بعدها بل ذُكِر لا تكون بمعنى: خصوصا، فدلَّ هذا على أنَّ المحذوف شيء يمكن وجوده مع كونها ليست بمعنى: خصوصا، ولا يسع العاقل أن يقول: إنّ العامل فيها بناء على أنها بمعنى: خصوصا، يمكن وجوده مع كونها ليست بمعنى: خصوصا لما فيه من التنافي، فالحقّ أنَّ معنى كلام الرَّضيّ أنَّ (سيّما) تأتي بمعنى: خصوصا، فيقع بعدها المفرد كما هو المثال الأوَّل، والجملة كما هو المثال الثاني، وهو محلّ شاهدنا ولا تنافي في الكلام أبدا، خلافا لقول المصنّف أيضا: إنَّ هذا التقدير منافٍ لكلام الشَّارح أوَّلا، وذلك أنّه فرض الكلام أوَّلاً في وقوع الجملة بعدها، وهذا [التقدير] (1) يفيد أنَّ الواقع بعدها في المثال الأوَّل مفرد، فلو أنصف لَما قال ما قال والله يقول الحقّ وإليه المآل، انتهى. وقد عرفت أنّه لا تنافي إذ يكفينا [شاهدُ] (2) آخرِ العبارة، وأمَّا المثال الأوَّل فيتعيَّن أنّه من قبيل المفرد كما عرفتَ لِمَا عرفتَ، لا لكون العامل يمتنع تقديره مؤخَّرا كما توهّم بعضٌ أنّه دليلنا، فشنَّع علينا بأنَّ الحقّ جوازُ تقديره مقدَّما ومؤخَّرا، ومن ادّعى وجوب أحدهما فعليه البيان؛ إذِ الدّعاوى لا تقبل بلا بيّنة، وكَتَب هذا المعترض تبعا للمصنّف ما قاله المصنّف وقد علمت ردّه. تنبيه: ما سبق من نقل (لاسِيّما) إلى المفعولية المطلقة فتقع الجملة بعدها لم يوجد إلاّ للرَّضيّ (3) .   (1) في الأصل: التقرير، وما أثبته من " أ " و " ب ". (2) في الأصل: شاهداً، وما أثبته من " أ " و " ب ". (3) ينظر شرح الكافية 1/ 249. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 قال الدَّمامينيّ (1) : ولا أعرف أحداً ذهب إلى ما ذكره الرَّضيّ من أنَّ (لاسيَّما) منقول من باب " لا " التبرئة. وقال المراديّ (2) : (قولهم: " ولاسيّما والأمرُ كذا " تركيب فاسد) .   (1) قال الدماميني معلقا على ما ذهب له الرضي: (قلت: ولا أعرف أحدا ذهب إلى ما ذكره من أن " لاسيّما " منقول من باب " لا " التبرئة إلى باب المفعول) . ينظر شرح الدماميني على المغني 1/ 284. (2) قال المرادي: (لاسِيّما والأمر كذا، تركيب غير عربي، والرضي قد أجازه فتأمله) ينظر تعليق الفرائد 6/ 152 وشرح الدماميني على المغني 1/ 284، وقال أبوحيان في الارتشاف 3/ 1552: (لاسِيّما والأمر كذلك، تركيبٌ غير عربي) . والصّبان في حاشيته على الأشموني 2/ 168 أجازه، فقال: (فقول المصنفين: " ولاسيما والأمر كذا " تركيب عربي خلافا للمرادي) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 وأقول: يَرُدُّ عليه أيضا أنّه إن كان مراده أنّها بمعنى: (خصوصا) من حيث إنَّ ما بعدها أولى ممَّا قبلها ومخصوص بالزّيادة، قيل له: هذا ملازم لها البتة، فلا معنى لقوله على جعلها بمعنى: (خصوصا) المفيد أنّها قد لا تكون بمعنى: (خصوصا) ، وهو لا ينتج ما ذكره من أنَّ محلّها نصب مفعولا مطلقا، ولا يجوز وقوع الجملة بعدها، وإن أراد أنّها قائمة مقام (خصوصا) ، وأنَّ حقّ المقام ل (خصوصا) فنابت عنها (سيّ) وصارت مفعولا مطلقا، كما هو قاعدة النَّائب عن المصدر، فمن أين يأتيه هذا؟ وما الَّذي يدلُّ عليه من الاستعمالات العربيَّة؟ فالظَّاهر أن لا نقول بهذا النَّقل أصلا، ونجعل (راكبا) في مثاله تمييزا، وقد يأتي التمييز مشتقا، نحو: (لِلَّهِ درُّه فارسًا) (1) ، والمعنى: أُحبّ زيدا متصفا بجميع الأوصاف، ولا مثل شيء هو زيد المتصف بالرّكوب، أي: أنّ زيدًا إذا اتصف بالرّكوب أولى بالمحبَّة وأحقُّ منه إذا لم يتصف به.   (1) قال الأشموني: (حقّ الحال الاشتقاق، وحق التمييز الجمود، وقد يتعاكسان فتأتي الحال جامدة، ك " هذا مالك ذهبا) ، ويأتي التمييز مشتقا، نحو: " لله دره فارسا ") ينظر شرح الألفية 2/ 203؛ وابن يعيش 2/ 73، وشرح التسهيل 2/ 383، وشرح الكافية 1/ 220، والارتشاف 4/ 1629. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 وأمَّا المثال الثاني فهو فاسد كما قال المراديّ (1) ، وجزم به السّيوطيّ (2) ، بل ولو قلنا بالنَّقل فالقياس أنْ [لا] (3) يليها جملة أيضا؛ إذ سبب عدم وقوع الجملة بعدها إلحاقها ب " إلاَّ "، وسبب الإلحاق الجامع بينهما: هو مخالفة ما بعد كلٍّ لما قبله على ما سبق، وهذا الجامع موجود [5/ب] سواء كانت بمعنى: (خصوصا) أو لا، فإلحاقها ب " إلاَّ " في إحدى الحالتين دون الأخرى تحكُّمٌ، بل الواجب إلحاقها بها في الحالين، إذا علمتَ هذا علمت فساد قول المعترض على قولي في " الصَّغير"، ويَرِد عليه مثل ما ورد على ابن مالك سابقا، أي في قوله: بوصلها بالجملة الصَّريحة المعْنِيّ به ما عرفت ما نصّه هذا في محل المنع، فقد نصّ أهل العربيَّة على أنّها إذا كانت بمعنى: (خصوصا) تقع الجملة بعدها، وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى، ثم قال: (وحينئذٍ فقولهم: إن (لاسيّما) بمنزلة (إلاَّ) فلا يليها جملة، محلُّه إذا كانت باقية على معناها، وأمَّا إذا كانت بمعنى: (خصوصا) فقد خرجت عن معناها فلا تنزيل حينئذٍ، ومن زعم أنه لا بدّ من التنزيل في الحالتين وإلاَّ كان تحكُّما، فقد رَكِبَ متْنَ عَمْياء، وخَبَطَ خبْطَ عَشْواء، ولا [يدرى] (4) أين يتوجه) انتهى كلامه.   (1) يقصد به قول الرضي في شرح الكافية 1/ 249: (أَحبُّه ولاسِيّما وهو راكبٌ) أي: وقوع " الواو " بعد " لاسيّما ". (2) ينظر همع الهوامع 1/ 235. (3) زيادة من " أ " و " ب ". (4) في الأصل: يدي، وما أثبته من " أ " و " ب ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 وأقول: نصَّ أهل العربيَّة على ما ذكر مذهبا لهم لم يوجد، كيف وقد قال الدَّمامينيّ مع سعة اطلاعه: (لم أره لغير الرَّضيّ) ، على أنّهم لو قالوا به لورد عليهم ما علمت من التحكّم إذ هو مجرد اعتراضٍ عقليّ؛ وهذا آخر ما أورده المعترض [علينا] (1) ، وقد علمت ردّ جميع ما أورده من الاعتراضات الهوائيَّة، ولا نَرُدُّ عليه بمثل ما ذكره من النّزول الذَّميم، إذ لا يرتكبه إلاَّ كلُّ أحمق لئيم. ثم قال المصنّف: (وَلا تُحْذَفُ " لا " مِنْ " سِيّما ") ، الأَوْلى أن يقول: (مِنْ لاسِيّما) كما هو ظاهرٌ؛ إذْ حَذْفُ الشَّيء فرع ثبوته، وكأنّه ضَمّن (تُحْذَفُ) معنى: (تُفْصَلُ) ، أي: فصلا متحققا بحذف (لا) ، وإنما لم تُحذف لما سبق من أنه جارٍ مجرى الأمثال. (وسِيَّ خَفِّفْ) بحذف إحدى الياءين، ثُمَّ يُحتمل أنّها الأُولى أو الثانية وهو الظَّاهر لتطرّفها (2) ، (تَفْضُلا) ، كما في قول أبي العلاء المعريّ (3) : وللمَاء الفَضيلةُ كلَّ وقتٍ ولاسِيَما إذا اشتدّ [الأُوَارُ] وقولِ الآخَر (4) : فِهْ بالعُقود وبالأَيمانِ لاسِيَما عَقْدٌ وَفَاءٌ به من أعظَمِ القُرَبِ   (1) في الأصل: عليه، وما أثبته من " أ " و " ب ". (2) ينظر شرح التسهيل 2/ 319، وشرح الكافية 1/ 249، والارتشاف 3/ 1552، ومغني اللبيب 149، والمساعد1/ 598، وهمع الهوامع 1/ 235. (3) في ديوانه 133. وهو من شواهد شرح الدماميني على المغني 1/ 283، وقافيته في المخطوط " الأُوَامُ " وما أثبته من الديوان. والأُوَارُ: حرّ العطش. (4) لم يعرف قائله. هو من شواهد شرح التسهيل 2/ 319، ومغني اللبيب 149، والمساعد 1/ 598، وهمع الهوامع 1/ 235. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 يُكتب (فِهْ) ونحوه بهاء السَّكت ولا ينطق بها وَصْلاً في الفصيح؛ وذكر ثعلبٌ أنّه خطأ (1) ، وظاهر كلامهم ترجيحه (2) ، وقد قرَّر أنّه لم يوجد إلاَّ ضرورة، والمصنّف [حيث أجاب] (3) بقوله: (تَفْضُلا) يُوهم أنّه الرَّاجح وليس كذلك فلو أبدل (خَفِّفْ) ب (شَدّدْ) كان أنسب بقوله: (تَفْضُلا) . (وامْنَعْ على الصَّحِيحِ الاِسْتِثْنا بِهَا) وقال ابن السَّراج وابن با بشاذ (4) : إنّ بعضهم يَستثْنِى بها، وسبق وجهُه غير مرّة فلنكتف. (ثُمّ الصَّلاةُ على النَّبيّ ذِي البَهَا) أي: صاحبِ الحُسْن. [تنبيه] (5) في كلام المصنّف عيبُ الإصراف، وهو كما في [شرح] (6) شيخ الإسلام: (اقتران حركة الرَّويّ بحركةٍ تَبْعدُ منها ثِقَلا) ؛ ومعناه قول صاحب " الكافي ": (اختلاف المجرى بفتحٍ وغيره (7)) ، ووَجْهُ وجُودهِ في المصنَّف: أنَّ الرَّويّ (8)   (1) أي: تخفيف الياء من " لاسيّما " ينظر رأيه في مغني اللبيب 149، والهمع 1/ 235. (2) حكى الأخفش وغيره جواز تخفيف الياء. ينظر الارتشاف 3/ 1552، والمساعد 1/ 598، وهمع الهوامع 1/ 235. (3) في الأصل: (أجاب حيث خفف) ، وما أثبته من " أ " و " ب ". (4) رأى ابن السراج في الأصول 1/ 305. (5) زيادة من " أ " و " ب ". (6) زيادة مني. (7) ينظر الكافي للخطيب التبريزي 157؛ وينظر شواهد الإصراف في الكافي 160، ونهاية الراغب 369. (8) الروي: هو الحرف الذي بُنيت عليه القصيدة وتنسب إليه، ولا يكون حرف مدٍّ ولا هاء. ينظر: الكافي 150، ونهاية الراغب 350. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 لا جائزٌ أن يكون " الألف "؛ لأنّها في (بِهَا) زائدة، و " الألف " غير الأصليّة لا تكون رويّا، بل هي هنا خُروج (1) : (وهو حرف اللّين بعد " هاء " الوصل) ؛ ولا أن يكون " الهاء "؛ لأنَّ " الهاء " ضميرا كانت أو أصليَّة متحركا ما قبلها لا تكون رويّا بل هي وَصْل (2) ، فتعيّن أن يكون " الباء " وهو مكسور في الأوَّل مفتوح في الثاني، وعيب الإصراف لا يجوز ولا للمولَّدين كما قاله شيخ الإسلام بعد قول [متن الخزرجيّة] (3) : (والكُلُّ [مُتَّقَى] ) (4)   (1) ينظر الإقناع 81، والكافي 152، ونهاية الراغب 359. (2) الوصل: هو ما جاء بعد الروي من حرف مدٍّ أشبعت به حركة الروي، أو هاء وليت الروي. ينظر الإقناع 81، والكافي 151، ونهاية الراغب 356. (3) ما بين المعكوفين من " ب " وفي " أ " متن الجزريه؛ وفي الأصل: قول المتن. (4) ينظر مجموع مهمات المتون: متن الخزرجية 773. وما بين المعكوفين من " أ "، وفي الأصل: مقفى، وفي " ب " مقتفى. المصادر والمراجع ارتشاف الضّرَب من لسان العرب لأبي حيّان الأندلسيّ / تحقيق ودراسة رجب عثمان محمّد / ط1 1418 هـ / مكتبة الخانجي – القاهرة. الأصول في النّحو لابن السّرّاج / تحقيق عبد الحسين الفتلي / ط1 1405 هـ / مؤسسة الرسالة – بيروت. الأعلام تأليف خير الدّين الزّركلي / ط3 1389 هـ / بيروت. الإقناع في العروض وتخريج القوافي للصاحب ابن عبّاد / تحقيق محمد حسن آل ياسين / ط1 / المكتبة العلمية – بغداد. ألفية ابن مالك في النّحو والصّرف / 1410هـ/ مكتبة طيبة للنّشر – المدينة المنورة. الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات الأنباريّ / تحقيق محمّد محيي الدّين / 1407 هـ / المكتبة العصريّة – صيدا – بيروت. الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب / تحقيق موسى العليلي / مطبعة العاني – بغداد. البغداديات لأبي علي الفارسيّ / دراسة وتحقيق صلاح الدّين السّكاوي / مطبعة العاني – بغداد. تاريخ الأدب العربيّ / كارل بروكلمان – نقله إلى العربيّة عبد الحليم النّجار/ ط4 / دار المعارف. التبيين لأبي البقاء العكبري / تحقيق ودراسة عبد الرّحمن العثيمين / ط1 1406هـ / دار الغرب الإسلاميّ – بيروت. تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك / حقّقه محمّد كامل بركات / دار الكتاب العربيّ للطّباعة والنّشر 1387 هـ. تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد للدَّماميني / تحقيق محمّد عبد الرّحمن المفدّى / ط 1 – 1415 هـ -. توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك للمرادي / تحقيق عبد الرّحمن علي سليمان / ط 2 / مكتبة الكلّيات الأزهريّة. حاشية الأمير على مغني اللّبيب / دار إحياء الكتب العربيّة. حاشية السُّجَاعيّ على شرح ابن عقيل / طبع بمطبعة مصر 1349 هـ. حاشية الصّبّان على شرح الأشموني على ألفيّة ابن مالك / دار إحياء الكتب العربيّة. حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر / تأليف عبد الرّزاق البيطار / تحقيق محمّد بهجت البيطار / المجمع العلمي العربي – دمشق 1383 هـ. ديوان امرئ القيس / تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم / ط4 / دار المعارف. ديوان كعب بن مالك الأنصاريّ / دراسة وتحقيق سامي العاني / ط1 1966 م / مكتبة النّهضة – بغداد. ديوان مجنون ليلى / جمع وتحقيق عبد السّتار أحمد فرّاج / مكتبة مصر – القاهرة. سقط الزّند لأبي العلاء المعري / دار بيروت للطباعة والنشر 1400 هـ. شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك/تحقيق محمّدمحيي الدّين/ ط20 / 1400 هـ/دارالتراث القاهرة. شرح الأشموني على ألفيّة ابن مالك / دار إحياء الكتب العربيّة. شرح التسهيل لابن مالك / تحقيق عبد الرّحمن السّيّد ومحمّد المختون / ط1 - 1410 هـ / هجر للطّباعة والنّشر. شرح جمل الزّجّاجيّ لابن عصفور / تحقيق صاحب أبو جناح. شرح الحدود في النّحو للفاكهيّ / تحقيق المتولي الدّميري – 1408 هـ – دار التضامن – القاهرة. شرح الدّمامينيّ على مغني اللّبيب / المطبعة البهيّة - بمصر. شرح شافية ابن الحاجب لرضيّ الدّين الاستراباذيّ / حقّقه نخبة من العلماء / 1402 هـ / دار الكتب العلميّة – بيروت. شرح الكافية لرضيّ الدّين الاستراباذيّ / ط3 – 1402 هـ / دار الكتب العلميّة – بيروت. شرح المفصل لابن يعيش النّحوي / عالم الكتب – بيروت. صحيح مسلم بشرح النّوويّ / المكتبة المصرية. عجائب الآثار في التراجم والأخبار / للشّيخ عبد الرّحمن الجبرتي / دار الجيل – بيروت. فتح الجليل على شرح ابن عقيل = حاشية السُّجَاعيّ على ابن عقيل. الفكر السّامي في تاريخ الفقه الإسلامي / تأليف محمّد الحجوي / طبع المكتبة العلميّة - المدينة المنورة. فهرس الفهارس / تأليف عبد الحيّ الكتانيّ / عناية إحسان عبّاس/ ط2 1402هـ / دار الغرب الإسلاميّ – بيروت. الكافي في العروض والقوافي/ للخطيب التبريزيّ/تحقيق الحسّاني عبد الله/ مؤسسة الخانجي مصر. الكتاب لسيبويه / تحقيق عبد السّلام هارون / ط2 / مكتبة الخانجي – القاهرة. كنز الجوهر في تاريخ الأزهر / تأليف سليمان رصد الزّيّاتيّ. لسان العرب لابن منظور / دار صادر – بيروت. مجموع مهمات المتون / ط4 1369 هـ / مطبعة البابي الحلبيّ – مصر. المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل / تحقيق محمّد كامل بركات / 1400 هـ / دار الفكر – دمشق. معجم المؤلّفين / وضع عمر رضا كحّالة / مكتبة المثنى – بيروت. معجم المطبوعات العربيّة / جمعه يوسف سركيس / مطبعة سركيس – مصر / 1346 هـ. المعجم المفصّل في شواهد النّحو الشّعريّة / إعداد أميل يعقوب / ط1 1413 هـ / دار الكتب العلميّة – بيروت. المعجم المفصّل في النّحو العربيّ / إعداد عزيزة فوّال / ط1 1413 هـ / دار الكتب العلميّة – بيروت. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم / وضعه محمّد فؤاد عبد الباقي / ط2 1408 هـ / دار الحديث – القاهرة مغني اللّبيب لابن هشام الأنصاريّ / تحقيق مازن المبارك ومحمّد علي حمد الله / ط1 1399 هـ / دار نشر الكتب الإسلاميّة – لاهور. الممتع في التصريف لابن عصفور / تحقيق فخر الدّين قباوة / ط1 1407 هـ / دار المعرفة– بيروت. المنصف في شرح التصريف لابن جني / تحقيق إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين / ط1 1373 هـ / مطبعة الحلبي – مصر. النَّحو الوافي / تأليف عباس حسن / ط8 / دار المعارف – القاهرة – مصر. نهاية الرّاغب في شرح عروض ابن الحاجب / لعبد الرّحيم الإسنويّ / تحقيق شعبان صلاح / ط1 1408 هـ / مطبعة التقدّم. هديّة العارفين للبغداديّ / استانبول 1951 م / مكتبة المثنى – بغداد. همع الهوامع للسّيوطيّ / صحّحه محمّد النّعسانيّ / ط1 1327 هـ / مكتبة الكلّيات الأزهريّة - القاهرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 هذا وأتوسّل إلى الرَّؤف الرَّحيم، بحبيبه الكريم، أن يُعاملني ووالديّ، ومشايخي، وإخواني المسلمين، بلطفه في الدَّارين، وأن يُطيل عمرنا، ويرزقنا البركة فيه، وأن يُحسن عواقبنا، والحمد لله وحده والصَّلاة والسَّلام على عهدتنا وملاذنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا، والحمد لله ربِّ العالمين. تمَّت على يد كاتبها ومالكها الفقير الفاني، محمَّد عبد الله الزُّرقانيّ، يوم الاثنين 23 رجب سنة 1330 هجريّة، على صاحبها أتمّ السَّلام وأزكى التّحيّة آمين [6/أ] . نظم هذه الأرجوزة وَمَا يَلِي (لاسِيّما) إنْ نُكِّرا * فَاجْرُرْ، اوِ ارْفَعْ، ثُمَّ نَصْبَهُ اذْكُرا في الجرِّ (ما) زِيدتْ. وفي رَفْعٍ أُلِفْ * وَصْلٌ لها؛ قُلْ أو تَنكُّرٌ وُصِفْ وعِنْد رَفْعٍ مُبْتدًا قَدِّرْ. وفي * رَفْعٍ وجَرٍّ أعْرِبنْ (سِيَّ) تَفِي وَانْصِبْ مُميزًا. وقُلْ: (لاسِيّما * يومٌ) بأَحْوالٍ ثَلاثٍ فَاعْلَما وَالنَّصْبُ إنْ يُعرَّفِ اسْمٌ فَامْنَعا. * وَبعْدَ (سِيٍّ) جُملةً فأَوْقِعَا أَجَازَ ذَا الرّضِىْ. ولا تُحْذَفُ (لا) * مِن (سِيّما) .و (سِيَّ) خَفِّفْ تَفْضُلا وَامْنَعْ عَلى الصَّحِيحِ الاِسْتِثْنا بِهَا. * ثُمَّ الصَّلاةُ لِلنَّبيِّ ذِي البَهَا " تَمّتْ تَمّتْ تَمّتْ " الهوامش والتعليقات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 لباب الإعراب المانع من اللحن في السنة والكتاب لعبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني (ت: 973 هـ) دراسة وتحقيق د. مها بنت عبد العزيز العسكر د. نوال بنت سليمان الثنيان الأستاذتان المساعدتان في قسم اللغة العربية - كلية التربية للبنات بالرياض ملخص البحث الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين،،،،، وبعد. نقدم بين يدي القارئ الكريم كتاباً من كتب التراث، وهو متن من متون النحو والصرف، يحمل اسم “ لباب الإعراب المانع من اللحن في السنة والكتاب ” لعبد الوهاب بن أحمد الشعراني الصوفي المتوفى سنة (973 هـ) . وقد ألفه لعلماء عصره ومريديه من الصوفية بطريقة مختصرة ميسرة ليسهل الفهم والتطبيق منعاً للوقوع في اللحن في الكتاب والسنة. وقد اشتمل البحث على مقدمة وقسمين رئيسين هما الدراسة والتحقيق. وقد تم في الدراسة التعريف بالكتاب وبمؤلفه، وقد عرف الشعراني بنفسه في كتابه “ لطائف المنن ” تعريفاً شاملاً جامعاً، حيث عاش في عهد العثمانيين وهو العصر الذي انتشرت فيه كتب الشروح والمتون، وذلك شرحاً لكتب المتقدمين واختصاراً لها، وهو ابن عصره، فقد حذا حذوهم في هذا النوع من التأليف الذي يفيد الناشئة كثيراً، وقد سلكه من قبل عدد من العلماء، كالزمخشري في مفصله، وابن الحاجب في كافيته، وابن هشام في شذوره، وقد كثرت مؤلفاته بعد أن نضج علمه على أيدي شيوخه، فأخذ ينشر علمه بالتعليم والتأليف. أما كتابه هذا فهو مع صغر حجمه فقد جمع فيه مجموع ما في المطولات والشروح وأتى فيه بكل باب من أبواب النحو والصرف بطرف مستشهداً بآيات من القرآن الكريم والحديث الشريف وبعض الشواهد الشعرية، ثم ختمه بخاتمة جمع فيها خلاصة علم النحو. والله نسأل أن ينفع به ويجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم سبحانه. • • • المقدمة: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله. وعلى آله وصحبه وسلم ... وبعد فبعون من الله وتوفيقه يسر لنا العثور على هذه المخطوطة المعنونة ب (لباب الإعراب المانع من اللحن في السنة والكتاب) لعبد الوهاب بن أحمد الشعراني الصوفي، (ت 973هـ) ، للوقوف على آثار السابقين ومكانتهم العلمية إذ يتبين من العنوان الهدف الرئيسي من تأليفه، وهو منع الوقوع في اللحن في مصدري التشريع الإسلامي وهما: القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وهو مختصر من مختصرات النحو، جمع فيها أبوابه بصورة ميسرة مختصرة مبتعداً فيه عن المطولات والحواشي التي انتشرت في عصره خاصة وذلك لتقريبها إلى علماء عصره ليسهل فهمها وتطبيقها، وقد قسم الكتاب إلى ستة أبواب وخاتمة كما جاء في المقدمة. وقد قدمنا للكتاب بدراسة لمؤلفه، إذ هو من علماء النحو المغمورين مع شهرته في عصره. ويأتي هذا البحث في مقدمة وقسمين رئيسين هما: الدراسة والتحقيق. القسم الأول: الدراسة، وقد اشتمل على فصلين: الفصل الأول: (التعريف بصاحب الكتاب) وفيه مباحث، هي: اسمه ونسبه، مولده ونشأته، وتلاميذه، مؤلفاته، وفاته. الفصل الثاني: (التعريف بالكتاب) وفيه مباحث، هي: نسبة الكتاب، منهج المؤلف في الكتاب، وصف النسخة الخطية، المنهج المتبع في التحقيق. القسم الثاني: النص المحقق والتعليق عليه. وعلى الرغم من كثرة ما حقق أو طبع من مؤلفات الشعراني في شتى العلوم إلا أنه لم يقدم للمكتبة العربية كتاب في علم النحو سوى هذا الكتاب والذي نضعه بين يدي القارئ الكريم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 وقد نما إلى علمنا بعد الانتهاء من تحقيق الكتاب أنه سبق وأن حُقق قبل أربعة عشر عاماً من قبل د. زيان أحمد الحاج إبراهيم، ونشر في مجلة معهد المخطوطات العربية في الكويت المجلد30 الجزء الثاني، في شهر ذي القعدة 1406هـ صفحة: 501 574، ولم يتسن لنا الاطلاع عليه لندرة نسخ مجلة المعهد، وبعد السؤال عن النسخ التي اعتمدها المحقق المذكور كان الجواب أنه اعتمد نسختين غير النسختين المعتمدتين في تحقيقنا هذا. والله نسأل أن ينفع به وعملنا فيه ويجعله خالصاً لوجهه الكريم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الفصل الأول (التعريف بصاحب الكتاب) اسمه ونسبه: عرف الشعراني بنفسه في كتابه لطائف المنن، فقال: " فإني بحمد الله تعالى عبد الوهاب بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن محمد بن زوفا، ابن الشيخ موسى المكنى في بلاد البهنسا بأبي العمران، جدي السادس ابن السلطان أحمد ابن السلطان سعيد ابن السلطان فاشين ابن السلطان محيا ابن السلطان زوفا ابن السلطان ريان ابن السلطان محمد بن موسى بن السيد محمد بن الحنفية ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1) . وقد افتخر الشعراني بنسبه؛ إذ ذكر أن منّ النعم التي من الله تبارك وتعالى بها عليه شرف نسبه؛ لكونه من ذرية الإمام محمد بن الحنفية، وأنه من أبناء ملوك الدرنى (2) . وهو الشيخ العالم الزاهد، الفقيه المحدث، المصري الشافعي الشاذلي الصوفي الأنصاري. مولده ونشأته: ولد في قلقشندة بمصر في السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة (898هـ) ، ثم انتقل إلى ساقية أبي شعرة من قرى المنوفية، وإليها نسبته، فيقال: الشعراني، والشعراوي (3) . وفي أيامه انتقلت الديار المصرية من السلاطين المماليك إلى الدولة العثمانية (4) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 نشأ يتيم الأبوين؛ إذ مات أبوه وهو طفل صغير، ومع ذلك ظهرت عليه علامة النجابة ومخايل الرئاسة، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن ثماني سنين، وواظب على الصلوات الخمس في أوقاتها، ثم حفظ متون الكتب، كأبي شجاع في فقه الشافعية، والآجرومية في النحو، وقد درسهما على يد أخيه الشيخ عبد القادر الذي كفله بعد أبيه. ثم انتقل إلى القاهرة سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وعمره إذا ذاك ثنتا عشرة سنة، فأقام في جامع أبي العباس الغمري وحفظ عدة متون منها: كتاب المنهاج للنووي، ثم ألفية ابن مالك، ثم التوضيح لابن هشام، ثم جمع الجوامع ثم ألفية العراقي، ثم تلخيص المفتاح، ثم الشاطبية ثم قواعد ابن هشام، وغير ذلك من المختصرات. وعرض ما حفظ على مشايخ عصره (5) . ولبث في مسجد الغمري يُعَلِّم ويتعلم سبعة عشر عاماً، ثم انتقل إلى مدرسة أم خوند، وفي تلك المدرسة بزغ نجمه وتألق (6) . حبب إليه علم الحديث فلزم الاشتغال به والأخذ عن أهله، وقد سلك طريق التصوف وجاهد نفسه بعد تمكنه في العلوم العربية والشرعية (7) . شيوخه وتلاميذه: أفاض الشعراني في ذكر شيوخه في كتبه، وبين مدى إجلاله لهم خاصة في كتابه (الطبقات الكبرى) (8) ، وذكر بأنهم نحو خمسين شيخاً منهم (9) : الشيخ أمين الدين، الإمام والمحدث بجامع الغمري، والشيخ الإمام العلامة شمس الدين الدواخلي، والشيخ شمس الدين السمانودي، والشيخ الإمام العلامة شهاب الدين المسيري والشيخ نور الدين المحلي، والشيخ نور الدين الجارحي المدرس بجامع الغمري والشيخ نور الدين السنهوري الضرير الإمام بجامع الأزهر، والشيخ ملاعلي العجمي، والشيخ جمال الدين الصاني، والشيخ عيسى الأخنائي، والشيخ شمس الدين الديروطي، والشيخ شمس الدين الدمياطي الواعظ، والشيخ شهاب الدين القسطلاني، والشيخ صلاح الدين القليوبي، والشيخ العلامة نور الدين بن ناصر، والشيخ نور الدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 الأشموني، والشيخ سعد الدين الذهبي، والشيخ برهان الدين القلقشندي، والشيخ شهاب الدين الحنبلبي، والشيخ زكريا الأنصاري، والشيخ شهاب الدين الرملي، وجلال الدين السيوطي، وناصر الدين اللقاني، وغيرهم كثير، حيث قرأ عليهم عدة كتب في مختلف العلوم والفنون. أما مشايخ الصوفية الذين أخذ عنهم وصحبهم فهم: علي المرصفي، ومحمد الشناوي، وعلي الخواص (10) وقد صرح في مقدمة كتابه بتبعيته لهذا المذهب بذكر اسم أحد أئمة الجماعة ممن لم يعاصرهم وهو أبو الحسن الشاذلي. أما تلاميذه فهم كثر ولم تشر المصادر التي بين أيدينا إلى واحد منهم، وقد أنشأ مدرسة تبث تعاليمه وعلومه فتقاطر إليه الطلاب المريدون، وكان يأتي إلى بابه الأمراء، ويسمع لزاويته دوي كدوي النحل ليلاً ونهاراً (11) . مؤلفاته: خلف الشعراني آثاراً تزيد على خمسين كتاباً في موضوعات شتى، وقد دلت كتبه على أنه اجتمع بكثير من العلماء والأولياء الصالحين (12) ، منها: 1. أسرار أركان الإسلام (في شريعة الإسلام) : موضوعه: الإسلام، مبادئ عامة، العبادات في التصوف، وقد نشر سنة1400هـ 1980م بتحقيق: عبد القادر أحمد عطا، الذي نص في مقدمته أنه غير اسمه ليتطابق مع موضوعه تماماً، ولأن العناوين الطويلة لا تناسب العصر، وأن اسمه الأصلي (الفتح المبين في جملة من أسرار الدين) (13) . 2. الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية: موضوعه: التصوف وقد نشر في بيروت سنة 1408هـ 1988م. بتحقيق: طه عبد الباقي سرور، والسيد محمد عيد الشافعي. 3. البحر المورود في المواثيق والعهود. وقد نشر سنة 1378هـ. 4. البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير. موضوعه: الحديث والتخريج. وقد طبع بمصر سنة 1377هـ 1860م. وقد ذكر في هدية العارفين باسم: السراج المنير في غرائب أحاديث البشير النذير (14) . 5. الطبقات الصغرى، وقد نشر سنة 1390هـ 1970م، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 6. الطبقات الكبرى المسماة ب (لواقح الأنوار في طبقات الأخيار) ، وبهامشه الأنوار القدسية في بيان آداب العبودية. موضوعه: التصوف، تراجم مشاهير الأولياء من أبي بكر رضي الله عنه إلى أيامه، في مجلدين كبيرين. وقد طبع بمصر مراراً، كما طبع في بيروت. 7. الطبقات الوسطى. منها نسخة في الخزانة التيمورية. 8. الدرر المنثورة في بيان زبد العلوم المشهورة. تقديم، عبد الحميد صالح حمدان وهو موسوعة في علوم القرآن، والفقه وأصوله، والدين، والنحو، والبلاغة، والتصوف. منها نسخة في دار الكتب المصرية، وفي برلين وغوطا. 9. كشف الغمة عن جميع الأمة. في الفقه على المذاهب الأربعة، نشر سنة 1332هـ. 10. لطائف المنن والأخلاق في بيان وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق، وهي (المنن الكبرى) . موضوعه: التصوف، الأخلاق الإسلامية، وقد ترجم فيه لنفسه وطبع بمصر غير مرة. 11. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية، بهامشه كتاب: البحر المورود في المواثيق والعهود. موضوعه: التصوف وقد طبع غير مرة. 12. المختار من الأنوار في صحبة الأخيار. طبع سنة 1405هـ - 1985م. تحقيق: عبد الرحمن عميرة. 13. مختصر الألفية لابن مالك في النحو ولم تذكر المصادر عنه شيئاً. 14. مختصر التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (تذكرة القرطبي) . موضوعه: الموت، الحياة الأخرى، البرزخ، القيامة، وقد طبع بمصر مراراً. 15. مختصر تذكرة الإمام السويدي في الطب، وبالهامش تذكرة شهاب الدين أحمد سلاقة القليوبي الشافعي ولم تذكر المصادر عنه شيئاً. 16. مختصر كتاب صفوة الصفوة (لأبي الفرج بن الجوزي) . موضوعه: الصحابة والتابعون، الإسلام، تراجم. وقد طبع غير مرة. 17. مشارق الأنوار في بيان العهود المحمدية. طبع في القاهرة سنة: 1287هـ،وفي الأستانة أيضاً. 18. المقدمة النحوية في علم العربية ولم تذكر المصادر عنه شيئاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 19. الميزان الكبرى: موضوعه: الفقه الإسلامي، مذاهب أصول الفقه، وهو مدخل لجميع أقوال الأئمة المجتهدين ومقلديهم في الشريعة المحمدية. وقد طبع بمصر مراراً. 20. اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، وبهامشه الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر للمؤلف نفسه. موضوعه: التصوف، وحدة الوجود، وهو في عقائد الصوفية منه نسخة في مكاتب أوربا. وقد طبع بمصر مراراً وغيرها كثير (15) . وفاته: توفى في القاهرة، في جمادى الأولى سنة (973هـ) ، ودفن بجانب زاويته بين السورين. وقد قام بالزاوية بعده ولده الشيخ عبد الرحمن ثم توفى سنة إحدى عشرة بعد الألف (16) . الفصل الثاني: (التعريف بالكتاب) أولاً: نسبة الكتاب: لم تنص كتب التراجم التي ترجمت للشعراني على اسم هذا الكتاب ضمن مؤلفاته، وعلى الرغم من كثرة تآليفه في فنون شتى لم يذكر له من مؤلفات علم النحو سوى كتابين - سبق الإشارة إليهما في مؤلفاته - هما: مختصر الألفية لابن مالك في النحو، والمقدمة النحوية في علم العربية. ويبدو أن الكتاب الذي بين أيدينا هو الكتاب الثاني وليس الأول، لأن ترتيب الكتاب ليس على ترتيب أبواب الألفية كما أن مادته العلمية ليست مادة الألفية، إضافة إلى ما ذكره بعض الشراح على صفحة العنوان من أن هذا الكتاب مقدمة حيث قال: " اعلم أن ما على هذه النسخة من الحواشي كتبناه لمجرد التنبيه من غيرتحرير، وقد وقع التحرير بعد ذلك في شرح هذه المقدمة … " وقد قال الشعراني في مقدمة كتابه: " فهذا كتاب نفيس اقتبسته من نور كلام العرب الفصحاء … فأكرم به من كتاب جمع مع صغر حجمه مجموع ما في المطولات، وأغنى من طالعه عن جميع المختصرات " والمطلع عليه يرى بحق أنه مقدمة نحوية مختصرة في علم العربية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 إلا أن هذه المقدمة النحوية لم ينص من ترجم له على عنوانها، وقد نص عليها الشعراني نفسه في مقدمة الكتاب إذ قال: " وسميته بلباب الإعراب المانع من اللحن في السنة والكتاب " وقد ذكر العنوان نفسه على صفحة الغلاف، إضافة إلى وجود عدة نسخ للكتاب تنص على العنوان نفسه منسوباً إلى المؤلف نفسه. والله تعالى أعلم. ثانياً: منهج المؤلف في الكتاب: ألف المصنف هذا الكتاب في النحو وغرضه من تأليفه هذا ذكره في مقدمة الكتاب، قال: "فهذا كتاب نفيس اقتبسته من نور كلام العرب الفصحاء في نحو يوم رجاء أن أكتب في حزب أنصار دين الله تعالى، وليعرف به إخواننا المريدون لطريق الله عز وجل مواطن اللحن في كلام الله عز وجل وكلام رسوله (.. ". من هذا النص يتبين لنا أن الغرض من التأليف هو تفادي الصوفية اللحن في كلام الله عز وجل وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام. ومن أسباب تأليف هذا الكتاب أن يكون مرجعاً للفقراء من مريديه وأتباعه من المتصوفة دون أن يحوجهم للرجوع إلى كتب النحو الأخرى، نص على ذلك المصنف في نهاية خطبته فقال: " فأكرم به من كتاب جمع مع صغر حجمه مجموع ما في المطولات وأغنى من طالعه عن جميع المختصرات ". وقد قسم المصنف كتابه إلى ستة أبواب وخاتمة، والأبواب على النحو التالي: الأول: في بيان الاسم ومباحثه. الثاني: في المرفوعات وأنواعها الاثنى عشر. الثالث: في المنصوبات وأنواعها الخمسة عشر. الرابع: في المجرورات والمجزومات معاً. الخامس: في بيان التوابع لما قبلها في الإعراب. السادس: في بيان الأربعة أبواب الخارجة عن الإعراب. وكانت الخاتمة في بيان زبدة علم النحو، وأنه يدور على ثلاثة أقطاب: الفاعلية والمفعولية والإضافة. وبالنسبة لمصادره لم يصرح المصنف بمصادره من المصنفات أو العلماء الذين يمكن الوصول إلى مصادره من خلال مؤلفاتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 كان الكتاب مختصراً من مختصرات النحو، ومع ذلك كان نصيب الشواهد القرآنية في الكتاب كبيراً موازنة بغيرها من الشواهد، يكتفي غالباً بذكر موضع الشاهد من الآية، وقد يذكر الآية كاملة أحياناً. وقد يعقب بذكر القراءة الواردة في الآية، وذلك في ثلاثة مواضع فقط، هي كالتالي: - قوله تعالى:} وَقَالوْا يَا مَال ِ (الزخرف - من الآية: 77. - قوله تعالى:} فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا (يونس - من الآية: 8 - قوله تعالى:} فَهَبْ لِيْ مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِيْ وَيَرِثُ (مريم- من الآيتين: 5،6 اكتفى المصنف بنسبة القراءة الأولى فقط إلى قارئها. أما الأحاديث والآثار والأخبار التي استشهد بها المصنف فهي كالتالي: - " كَادَ الفَقْرُ أنْ يَكُوْنَ كُفْراً ". - " زُرْ غِبّاً تَزْدَدَ حُبّاً " - " إيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَن ". الأول منها: ضعف، وقيل عنه: لا يصح عن رسول الله (. والثاني: ليس فيه ما يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. والثالث: حديث ضعيف، نسب إلى عمر - رضي الله عنه - موقوفاً، وذكر مع الثاني من أمثال العرب. وأما الشواهد الشعرية في الكتاب فكانت شاهدين فقط هما: عَارٌ عَلَيْكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيْمُ - لا تَنْهَ عَنْ خُلُق ٍ وَتَأتِيَ مِثْلَه - أنَا أبُوْ النَّجْم ِ وَشِعِْري شِعِْري ومثل المصنف في موضعين بجزء من بيت شعر هو: خلِّ الطريق، وهو مأخوذ من قول جرير: وَابْرُزْ بِبَرْزَة َ حَيْثُ اضْطَرَّكَ القَدَرُ خَلِّ الطَّريْقَ لِمَنْ يَبْنِيْ المَنَارَ بِهِ ثالثاً: وصف النسخ: للكتاب عدة نسخ في أماكن مختلفة، وقد اعتمدنا في التحقيق نسختين هما: الأولى: نسخة مكتبة عارف حكمت. عدد أوراقها: 30 لوحاً، ومسطرتها: 15 سطراً، ومتوسط عدد الكلمات في السطر من 6 - 10 كلمات تقريباً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 أوراقها متسلسلة، وخطها واضح ومقروء، ضبطت بعض كلماتها، وكتبت أرقام الأبواب والفصول والمباحث بلون أغمق وأكبر من المستعمل في كتابة المخطوط. وهذه النسخة تميزت بكونها موثقة ومصححة، وعليها هوامش وحواش كثيرة جداً هي شروح للنص، وقد ذكر في صفحة العنوان أن ما على هذه النسخة من الحواشي لمجرد التنبيه من غير تحرير. نسخت - كما ورد في نهاية المخطوط - على يد الفقير أحمد بن علي العطيوي الشعراوي. أما تاريخ النسخ فقد ورد في آخر لوح من المخطوط - ورقة 30 ب ما يلي: " وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة المباركة في يوم الثلاثاء المبارك سابع شهر جمادى الآخر سنة ست وثلاثين من الهجرة النبوية ". وكان هناك تعليق في هامش هذا النص هو: " قف على خطأ هذا التاريخ " مما يدل على أن السنة المئوية قد سقطت من تاريخ النسخ المذكور. ورمزنا لهذه النسخة بالرمز (أ) واتخذناها أصلاً؛ للميزات التي ذكرت سابقاً. الثانية: نسخة جامعة الإمام محمد بن سعود المصورة من مكتبة سوهاج - مصر كان عدد أوراقها: 34 ورقة (غير مرقمة) ، عدد الأسطر: 23 سطراً، كلماتها: من 8-12 كلمة في السطر الواحد، غير مضبوطة بالشكل. فيها سقط، وهو النوع الثاني عشر من الباب الثالث بكامله؛ لذا أتت المنصوبات في هذه النسخة أربعة عشر نوعاً، وفي (أ) خمسة عشر نوعاً. فيها بياض وعدم وضوح في عدد من الأسطر من اللوح الأول إلى الرابع، خلت من الحواشي والشروح، وعليها تصحيح. الناسخ: هو محمد أبو علي الشافعي مذهباً، وتاريخ النسخ في غرة ربيع الأول عام ثمان وسبعين ومائتين وألف من الهجرة، وقد رمزنا لهذه النسخة بالرمز (ب) . المنهج المتبع في التحقيق: تم إثبات النص محققاً كما أراده مؤلفه وتوخي المنهج العلمي للتحقيق، وذلك باتباع الآتي: * ... الوصول إلى النص الصحيح وتحريره وفق القواعد الإملائية والنحوية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 مقابلة النسختين المعتمدتين، وإثبات الصواب منهما، والتنبيه على أوجه الاختلاف بينهما مع الإشارة إلى مواضع السقط والزيادة في المتن أو الحاشية حسب ما يقتضيه السياق، وحصر مايقتضيه السياق من سقط بين قوسين معكوفين في المتن. اتخاذ إحدى النسختين السابقتين أصلاً معتمداً في التحقيق، وقد رمز لها بالرمز (أ) ورمز للأخرى بالرمز (ب) . * ... العناية بتخريج الشواهد بأنواعها المختلفة، شعرية ونثرية، وضبطها. * ... توثيق الآراء والأقوال بالرجوع إلى مصادرها الأصلية أو مظانها. * ... مناقشة المسائل النحوية والصرفية والتعليق عليها. * ... تفصيل ما أجمله المؤلف وإيضاح ما أبهمه استئناساً بالمصادر والمراجع. النص المحقق بسم الله الرحمن الرحيم … … . وبه الإعانة - قال سيدنا ومولانا وأستاذنا العارف بالله تعالى، (والدال عليه) (17) مربي المريدين وقدوة السالكين وعمدة المحققين القطب الرباني والعالم الصمداني الشيخ عبد الوهاب ابن المرحوم الشيخ أحمد ابن المرحوم الشيخ علي الشعراني رضي الله تعالى عنه وأرضاه وجعل الجنة منقلبه ومثواه، وأعاد علينا وعلى المسلمين من بركاته وبركات علومه وأسراره في الدين والدنيا والآخرة، آمين. أحمد الله (18) رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، اللهم فصل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم أجمعين، وبعد: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 فهذا كتاب نفيس اقتبسته من نور كلام العرب الفصحاء في نحو يوم ٍ رجاء أن أكتب في حزب أنصار دين الله تعالى وليعرف به أخواننا المريدون لطريق الله - عز وجل مواطن اللحن في كلام الله عز وجل وكلام رسوله (ليحكوا الكلام على صورة ما جاء من الوحي، إذ غالب الفقراء (19) في زماننا لا يعتنون بإصلاح اللسان ويلحنون كثيراً في القرآن والأحاديث، وشرط الفقير أن يكون عالماً بجميع علوم الشريعة وتوابعها كما عليه جماعة سيدي الشيخ أبي الحسن الشاذلي (20) رضي الله تعالى عنه، وإنما صنعت هذا الكتاب للفقراء ولم أحوجهم إلى القراءة في كتب النحاة، لأن من سلك على يد أحد من أهل الطريق لا ينبغي له أن يأخذ علماً من العلوم إلا على لسان شيخه، فإن للفقهاء في ذلك مزيد ذوق يدركونه في نفوسهم (21) ولسان حال أهل الطريق يقول: من كان منا فلا يأخذ عن أحد إلا عنا. وقد رتبت هذا الكتاب على ستة أبواب وخاتمة: الباب الأول: في بيان الاسم، ومباحثه. الباب الثاني: في المرفوعات وأنواعها الاثني (22) عشر. الباب الثالث: في المنصوبات وأنواعها الخمسة عشر. الباب الرابع: في المجرورات والمجزومات (23) معاً. الباب الخامس: في بيان التوابع لما قبلها في الإعراب. الباب السادس: في بيان الأربعة أبواب الخارجة عن الإعراب. الخاتمة: في بيان زبدة علم النحو، وأنه كله يدور على ثلاثة أقطاب، وهي (24) : الفاعلية والمفعولية والإضافة. فأكرم به من كتاب جمع مع صغر حجمه مجموع ما في المطولات، وأغنى من طالعه عن جميع المختصرات وسميته: ب (لباب الإعراب المانع من اللحن في السنة والكتاب) جعله الله تعالى خالصاً لوجهه الكريم ونفع به المسلمين آمين ولنشرع في أبواب الكتاب، وأقول: وبالله التوفيق: الباب الأول: في بيان الاسم ومباحثه: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 اعلم يا أخي رحمك الله تعالى أن الاسم هو عبارة عن كل ما صح أن يخبر عنه بخبر (25) ، نحو: زيد، وعمرو، وفرس وحجر، ونحو ذلك. ثم هو معرب ومبني، فالمعرب ما تغير آخره بتغير العوامل الداخلة عليه، كقولك: جاء زيدٌ، ورأيت زيداً، ومررت بزيدٍ. فأما المبني فهو ما يستقر آخره على حالة واحدة، ولا يتغير بتغير العوامل الداخله عليه، كقولك: جاءني من ضربك ورأيت من ضربك، ومررت بمن ضربك. وحركات الإعراب ثلاثة: رفع ونصب وجر (26) ، وكلها تدخل على الاسم المتمكن وأما الفعل فيدخله الرفع والنصب ولا يدخله الجر، إلا أنهم وضعوا في الفعل المضارع مكان الجر الجزم، وفيما لا ينصرف الفتح، كما سيأتي. [وحركات البناء ثلاثة؛ ضم وفتح وكسر] (27) ، كقولك (28) : حيث، وكيف، وهؤلاء. فصل في بيان حروف تنوب عن الحركات (وهي على ثلاثة أضرب: الضرب الأول) (29) :في الأسماء الخمسة، التي هي: أبوك، وأخوك، وحموك، وفوك، وذو مال (30) ورفع هذه الأسماء يكون بالواو، ونصبها يكون بالألف، وجرها يكون (31) بالياء، تقول جاءني أخوك، ورأيت أخاك ومررت بأخيك. الضرب الثاني: في التثنيه والجمع - وذلك أن رفع التثنيه بألف تقول: جاءني الزيدان، ونصبها وجرها بالياء المفتوح ما قبلها، نحو: رأيت الزيدَين، ومررت بالزيدَين. وأما الجمع فيكون رفعه بالواو، نحو: جاءني المسلمون، وأما نصبه وجره فيكون بالياء المكسور ما قبلها، نحو: رأيت المسلمِين، ومررت بالمسلمِين. وتكون نون التثنية مكسورة، ونون الجمع مفتوحة، لِيُفْرَق بينهما (32) . وأما جمع المؤنث السالم، نحو مسلمات، وهندات، فيرفع بالضمة، تقول: جاءني مسلماتٌ، كما تقول، جاءني مسلمون، وأما في النصب والجر فهو على لفظ واحد، تقول: رأيت مسلماتٍ، ومررت بمسلماتٍ، كما تقول: رأيت مسلمِين ومررت بمسلمِين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 الضرب الثالث: الأفعال الخمسة، وهي: تفعلان، ويفعلان، وتفعلون، ويفعلون، وتفعلين، وعلامة الرفع فيها ثبوت النون، وأما في حالة النصب والجزم فتحذف النون، كقولك: لم يفعلا ولن تفعلا، ولم تفعلوا، ولن تفعلوا، ولم تفعلي ولن تفعلي. واعلم أن نون التثنية ونون الجمع يسقطان عند الإضافة، تقول في التثنية: جاءني غلاماك، ورأيت غلاميك، ومررت بغلاميك، وتقول في الجمع: جاءني صالحو قومك، ورأيت صالحي قومك، ومررت بصالحي قومك، بسقوط النون. فصل: في الاسم التام والناقص فالتام: هو ما تم آخره من غير نقصان، نحو: زيد وعمرو، وخالد. والناقص: ما نقص من آخره الحركة، نحو: الحبلى، والقاضي، وهو أعني الناقص على ثلاثة أنواع: النوع الأول: أن يكون في آخره ألف مقصورة زائدة عنه، نحو: حبلى، وسكرى، وصغرى، وكبرى، بغير تنوين؛ لأنها مما لا ينصرف فلا تنصرف. ولا فرق بين أن تكون الألف فيه أصلية أو منقبلة؛ إما عن الواو، نحو: عصا، وقفا، وإما عن الياء، نحو: رحى وهدى، و [حبلى] (33) ، ولكن لا يدخل هذا التنوين؛ لأنه غير منصرف. واعلم أن كلا هذين الضربين يكون على حالة واحدة في الرفع والنصب والجر، تقول: هذه حبلى وعصا، ورأيت حبلى وعصا، ومررت بحبلى وعصا، فالمثل (34) معربات بحركات مقدرة في آخرها، إلا أن الآخر على لفظ واحد، قال الله تعالى:} يَوْمَ لا يُغنِي مَْولَى عَنْ مَْولَى شَيْئاً { (35) ، الأول في موضع الرفع مرفوع، والثاني في موضع الجر مجرور ولفظهما واحد. النوع الثاني: أن يكون في آخره ياء قبلها كسرة، كالقاضي والرازي، فإنه يكون كالمنقوص في حال الرفع والجر، بمعنى أنه مقدر في الرفع والجر، ويكون منصوباً لفظاً في الحال تقول: جاء القاضي، ومررت بالقاضي، ورأيت القاضيَ، بفتح الياء، قال الله تعالى:} يَا قَوْمَنَا أجِيبُوا دَاعِيَ الله ِ { (36) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 واعلم أنه إذا كانت الياء والواو مشددة أو قبلها ساكن أعرب، تقول: هذا صبيٌّ وعدوٌّ، ورأيت صبيّاً وعدوّاً، ومررت بصبيٍّ وعدوٍّ. وتقول: هذا ظبْيٌ ودلْوٌ، ورأيت ظبْياً ودلْواً، ومررت بظبْي ٍودلْو ٍ. النوع الثالث: أن يكون آخره ألفاً أو ياءً أو واواً، وذلك خاص بالأفعال المستقبلة (37) ، نحو: يخشى ويرمي ويدعو، فأما (يخشى) فهو على حالة واحدة في حالة الرفع والنصب، نحو: هو يخشى ويرضى، ولن يخشى، ولن (38) يرضى، وأما في حالة الجزم فتحذف الألف، تقول: لم يخش، ولم يرض، وأما قولك: يرمي، ويدعو فيكون ساكناً في الرفع، نحو: هو يرمي ويدعو، ومنصوباً في النصب: لن يرميَ ولن يدعوَ، ومحذوفاً في الجزم نحو: لم يرم ِ، ولم يدعُ. فصل في الاسم المنصرف وغير المنصرف فأما الاسم المنصرف فهو ما تدخل عليه الحركات الثلاث مع التنوين، وأما غير المنصرف فهو ما لا يدخله جر ولا تنوين (39) ، ويكون في موضع الجر مفتوحاً، وموانع الصرف تسع، نظمها الشاعر في قوله: جَمْعٌ ونعْتٌ (40) وتَأنِيْثٌ ومَعْرفَة ٌ وعُجْمَة ٌ ثمَّ عَدْلٌ ثم تركِيبُ والنونُ زائدة ٌمِن قبْلِهَا (41) ألِفٌ وَوَزْنُ فِعْلٍ، وهذا القولُ تقريبُ (42) فكل اسم اجتمع (43) فيه سببان من هذه الأسباب التسعة - فهو غير منصرف، فإذا نقص منها سبب واحد عاد إلى الصرف. وجميع ما لا ينصرف أحد عشر نوعاً، وهي على قسمين: قسم منها لا ينصرف في المعرفة ولا في النكرة، وقسم منها لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة. فأما ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فكل ما كان على وزن (أفْعَل) صفة (44) ، نحو أحمر وأسود، المانع من الصرف فيه الوصف ووزن الفعل. وكل ما كان على وزن (فَعْلان) ومؤنثه على (فَعْلَى) (45) كعطشان وعطشى، وسكران وسكرى المانع من الصرف فيه: الوصف وزيادة الألف والنون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 وكل ما كان صفة معدولة في النكرة، نحو: مثنى، وثلاث، ورباع، فإنها معدولة عن اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة (46) ، المانع من الصرف فيه العدل والصفة (47) ، التي هي وصف للأجنحة في قوله تعالى:} أوْلِيْ أجْنِحَةٍ مَثْنى وثُلاثَ ورُباع { (48) . وكل ما كان في آخره ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة، فالمقصورة، نحو: حبلى وسكرى، والممدودة، نحو: حمراء وصفراء، المانع من الصرف فيهما: التأنيث والصفة (49) . وكل ما كان ثالثه ألفاً (50) ، وبعد الألف حرفان أو ثلاثة، نحو: مساجد، ومصابيح، المانع من الصرف فيه: تكرير الجمع مرتين (51) ، لأنه على صورة جمع الجمع، مثل: مفاعل، ومفاعيل، ونظير ذلك أسْورَة وأسَاور (52) جمع سوار، وكذلك عرب ثم أعاريب جمع الجمع، لأن جمعها وجمع عرب أعاريب (53) . وأما ما لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة فهو: كل ما كان على وزن أحمد ويزيد ويشكر، المانع من الصرف فيه المعرفة ووزن الفعل. ومنه الاسم الأعجمي العلم، نحو: إبراهيم واسماعيل وإسحاق، المانع من الصرف فيه المعرفة (54) والعجمة. ومنه ما في آخره ألف ونون نحو: سلمان وعثمان ومروان، المانع من الصرف فيه: المعرفة والألف والنون الزائدتان. ومنه ما كان مؤنثاً بالهاء كطلحة وحمزة (وفاطمة وعائشة - أو مؤنثاً بالمعنى كزينب) (55) وسعاد وسقر، المانع من الصرف فيه: المعرفة والتأنيث. ومنه ما كان معدولاً عن (فاعِل) ، إلى (فُعَل) نحو: عُمَر، وزُفَر (56) ، عدلا عن عامر وزافر، المانع من الصرف فيه المعرفة والعدل. ومنه كل اسمين جعلا اسماً واحداً، نحو: حضرموت، وبعلبك، ومعديكرب، المانع من الصرف فيه: المعرفة والتركيب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 فهذه الستة أقسام (57) لا تنصرف معرفة وتنصرف نكرة؛ لأنها إذا نكرت نقص منها المعرفة فيبقى فيها سبب واحد فتعود إلى الأصل، وهو الصرف، فتقول: رُبَّ أحمدٍ، ورُبَّ إبراهيم ٍ وعمر ٍ ومعديكربٍ وزفرٍ. واعلم أنه إذا وقع فيما لا ينصرف اسم على ثلاثة أحرف ساكن الوسط جاز فيه الصرف وتركه في المعرفة، نحو: دعْد وهِنْد، ونُوْح، ولُوْط، ومِصْر (58) ، وأما في النكرة فليس فيه إلا الصرف. قاعدتان: الأولى: جميع أسماء القبائل والأحياء والبلدان إذا قصدت به مؤنثاً - كقبيلة أو أرض أو بقعة لم ينصرف (59) وإن قصدت به مذكراً كان أو بلداً انصرف. القاعدة الثانية: أن جميع ما لا ينصرف إذا أضيف أو أدخل فيه الألف واللام انصرف لغلبة الاسمية عليه (60) ، تقول: مررت بالأحمر ِ والحمراءِ والمساجدِ، وتقول: مررت بعمِركُم وعثمانِنا.. إلى آخره. فصل في المعرفة والنكرة والمعرفة على خمسة أنواع (61) ، وما زاد عليها فهو نكرة، نحو: فرس ورجل، وثوب وأشباهها: النوع الأول من المعرفة: الاسم العلم، مثل: زيد وعمرو، وكذلك نحو: أبي محمد، وأبي زيد (62) . النوع الثاني: ما دخله الألف واللام، نحو قولك لآخر: جاءني الرجل، يعني: الرجل الذي عهدناه. والنوع الثالث: المبهم، نحو: هذا، وذاك، وهؤلاء. النوع الرابع: الضمير سواء كان متصلاً أو منفصلاً، فالمنفصل نحو: أنا، وأنت، ونحن، وهو، وهم، وأشباهها والمتصل، نحو: ضربت، وضربنا، وضربك، وأشباهها. النوع الخامس: ما كان مضافاً إلى واحد من هذه، نحو: غلام زيد، وغلام الرجل، وغلامك، وغلامه.. إلى آخره. فصل في المذكر والمؤنث قال العلماء: والمذكر أصل، والمؤنث فرع، وهو على ضربين: حقيقي وغير حقيقي. فالمؤنث الحقيقي: ما كان خلقة، كالمرأة والناقة، وسائر ذوات الفروج. والمؤنث غير الحقيقي أربعة أنواع: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 النوع الأول: ما كان في آخره التاء المتحركة التي يوقف عليها هاء، كالمعرفة والقدرة، ونحوها. النوع الثاني: ما كان فيه ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة، نحو: البشرى، والكبرى، والحمراء، والصفراء. النوع الثالث: ما كان فيه تقدير التاء، كالشمس والأرض، والدار [لأنك] (63) تقول في تصغيرها: شُمَيْسة، وأرَيْضة ودُوَيْرة (64) ، وهذا النوع سماعي لا قياسي (65) . النوع الرابع: ما كان جمعاً، وكل جمع مؤنث إلا ما جمع بالواو والنون، نحو: المسلمون، والزيدون، فإنه مذكر فلا يجوز أن تقول: خرَجَتِ المسلمون، - وأما بنون فيجوز، لأن الواحد فيه لم يسلم. فرع: كل ما كان في الجسد له ثان من الأعضاء فهو مؤنث، مثل: اليد والرِّجل، والكف، والأذن، والعين، واليمين والشمال، والفخذ، والقدم والساق، ونحوها، إلا الحاجب والخد والجنب، والهدب، والجفْن (66) . وكل ما ليس له ثان من الأعضاء فهو مذكر (67) . كالرأس، والعِذار (68) ، واللُّحى، والشعر، والوجه، والأنف اللسان، والقَفَا، ونحو ذلك. قاعدة: المؤنث الحقيقي يؤنث فعله سواء تقدم أو تأخر، تقول: خرجتِ المرأة ُ، والمرأة ُ خرجتْ، وغير الحقيقي يجوز في فعله التذكير والتأنيث إذا تقدم، نحو: طلعتِ الشمسُ، وطلعَ الشمسُ (69) ، وإذا تأخر فعله فليس إلا التأنيث، نحو: الشمس طلعت، ولا يجوز الشمس طلع، والله أعلم. الباب الثاني: في المرفوعات وأنواعها: اثنا عشر النوع الأول: مرفوع؛ لأنه فاعل والفاعل: هو كل اسم أسند إليه الفعل قبله سواء كان حقيقياً أو مجازياً (70) ، نحو: قام زيدٌ، وسقط الحائطُ، ومرض زيدٌ، وتحركتِ الشجرةُ، فأسندت الفعل إلى الحائط والشجرة مجازاً، والمعنى: أسقط الله الحائط وحرك الشجرة، وأمرض زيداً. وأما قولهم: لم يركبْ زيدٌ، ولم يخرجْ عمر، فمرفوع أيضاً، لإسناد نفي الفعل إليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 واعلم أنه يجوز تقديم المفعول على الفاعل إذا أمن اللبس، كقولك: أكل الطعامَ زيدٌ، وشربَ الماءَ عمروٌ، وفي القرآن:} ولَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذرُ { (71) . فإن خيف اللبس لم يكن الفاعل إلا المقدم، نحو: ضرب موسى عيسى، وشتم هذا هذا (72) ، وإذا تقدم الفعل على الاسم فلا يجوز أن يثنى ولا أن يجمع، قال الله تعالى: } قَالَ رَجُلان { (73) وقال:} قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ { (74) ، وأما إذا تأخر جاز أن يثنى ضميره ويجمع، نحو: الزيدان قاما، والزيدون قاموا. وأما قوله تعالى:} وأسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِيْنَ ظَلَمُوا { (75) ففيه تقديم وتأخير، كأنه قال: الذين ظلموا أسروا النجوى (76) . النوع الثاني: مرفوع لما لم يسم فاعله نحو قولك: ضُِربَ زيدٌ، وسِيْقَ البعيرُ، يريد أن ضارباً ضرب زيداً وسائقاً ساق البعير، ولكنك لم تذكر اسمه. واعلم أن الفعل على قسمين: لازم ومتعدٍّ (77) ، فاللازم: ما يلزم نفس الفاعل ولا يتعدى عنه إلى غيره، نحو: قام وغضب، وجاء، وذهب، فإذا لم تسمِّ الفاعل ضممت أول هذه الأفعال وكسرت ما قبل آخرها، فتقول: ذُهِبَ بزيد} وجِيْءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ { (78) ونحو ذلك. وأما المتعدي: فمنه ما يتعدى إلى مفعول واحد، نحو: ضرب زيدٌ عمراً، فإذا لم يسم الفاعل قلت: ضُِربَ عمروٌ وحذفت زيداً وأقمت عمراً مقامه. ومنه ما يتعدى إلى مفعولين، نحو: ظننت زيداً عالماً، وأعطيت زيداً درهماً، ونحو ذلك. فإذا لم تسم الفاعل قلت: ظُنَّ زيدٌ عالماً. وأعْطِيَ زيدٌ درهماً، ومنه ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، كقولك: أعْلَمَ اللهُ زيداً عمراً أخاكَ، فإذا لم تسم الفاعل قلت: أعْلِمَ زيدٌ عمراً أخاكَ، فأقمت المفعول الأول مقام الفاعل. النوع الثالث: مرفوع بالابتداء نحو: زيد قائم، فزيد رفع بالابتداء، وقائم رفع بخبر الابتداء (79) ، والابتداء عامل معنوي لا لفظي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 واعلم أنه قد يحذف المبتدأ من الكلام نحو قوله تعالى:} سُوْرَة ٌأنْزَلْناهَا { (80) (أي: هذه سورة أنزلناها) (81) وكذلك نحو ق ول يعقوب:} فَصَبْرٌ جَمِيْلٌ { (82) أي: أمري صبر جميل (83) . النوع الرابع: مرفوع برجوع الهاء إليه نحو قولك: زيد ضربته، وعمرو (84) أكرمته، رفعت زيداً وعمراً برجوع الهاء (إليهما، ولولا الهاء) (85) لكانا منصوبين (86) ، قال الله تعالى:} سُوْرَة ٌأنْزَلْناهَا { (87) . وقال:} أم ِالسَّمَاءُ بَنَاهَا { (88) فرفع (السماء) و (سورة) لرجوع الهاء إليهما. النوع الخامس: مرفوع ب (كان) وأخواتها وهي: كان، وصار، وأصبح، وأمسى، وظل، وبات، وما زال، وما دام وما برح، وما فتئ، وما انفك، وليس، وما يتصرف منها، نحو: يكون ويصير ونحوهما (89) ، فجميع هذه ترفع الأسماء وتنصب الأخبار، تقول: كان زيد قائماً، وصار زيد أميراً.. إلى آخره. النوع السادس: مرفوع ب (ما) النافية كقولك: ما زيد قائماً، فرفعت الاسم تشبيهاً ب (ليس) على لغة أهل الحجاز (90) ، قال الله تعالى:} مَا هَذا بَشَرَاً { (91) وقال:} مَا هُنَّ أمَّهَاتِهِم { (92) . قال شيخنا رحمه الله تعالى: فإن كان الكلام منقوضاً ب (إلا) نحو ما زيد إلا قائم رفعت الخبر (93) ، قال تعالى:} ومَا أمْرُ نَا إلا وَاحِدَة ٌ { (94) . النوع السابع: مرفوع بالحروف الرافعة وهي: هل، وبل، ولولا، وإنما، ولكنما، وليتما، ولعلما، وأنما (95) ومتى وأيان، وأين، وكيف، وحيث، وإذ، وإذا فإن هذه الحروف والظروف كلها ترفع الأسماء والأخبار عند الكوفيين، وأما عند البصريين فلا عمل ألبتَّة، وإنما يقع بعدها المبتدأ والخبر وهو الأصح (96) . فأما (هل) فحرف استفهام، تقول: هل زيد خارج؟ جوابه: لا، أو نعم. وأما (بل) فحرف عطف، تقول: ما جاءني زيدٌ بل عمروٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 وأما (لولا) فمعناه امتناع الشيء لوجود غيره، تقول: لولا زيد لهلك عمرو، فهلاك عمرو (97) ممتنع لوجود زيد. وأما إنما، ولكنما، وليتما، ولعلما، وأنما فحروف نواصب اتصلت بها (ما) فكفتها عن العمل، والأسماء الواقعة بعدها إنما هي مرفوعة على الابتداء (98) .قال الله تعالى:} إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ والمَسَاكِيْن ِ { (99) . وأما (متى) فهي سؤال عن زمان، لأن جوابها يقع بالزمان، تقول: متى زيد خارج؟ جوابه: يوم الجمعة أو يوم السبت وأما (أيان) فهي بمعنى (متى) أيضاً، قال تعالى:} أيَّانَ يَوْمُ الدِّيْن { (100) . وأما (أين) فسؤال عن المكان، لأن جوابها يقع بالمكان، تقول: أين زيد جالس؟ جوابه: في الدار أو في المسجد وأما (كيف) فسؤال عن الحال، لأن جوابها يقع بالحال، تقول: كيف زيد؟ الجواب صحيح أو سقيم. وأما (حيث) فظرف مكان، تقول: رأيته (101) حيث زيد يصلي. وأما (إذ) و (إذا) فظرفان للزمان، لكن (إذ) للماضي، و (إذا) للمستقبل، قال تعالى:} وإذ ْجَعَلْنَا البَيْتَ مَثابَة ً لِلنَّاس ِ { (102) ، وقال تعالى:} والليْل ِ إذا يَغْشَى { (103) . واعلم أن (إذا) قد تجعل الماضي مستقبلاً في المعنى، نحو} إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ { (104) والمعنى: إذا يجيء وكذلك (إذ) قد تجعل المستقبل ماضياً في المعنى، كقوله تعالى:} إذْ يَقُوْلُ المُنافِقُوْنَ { (105) ، والمعنى: إذ قال والله أعلم (106) . النوع الثامن: مرفوع ب (إن) وأخواتها وهي: إنَّ، ولكنَّ، وليت، ولعلَّ، وكأنَّ، وأنَّ بفتح الهمزة فهذه الحروف كلها تنصب الأسماء وترفع الأخبار، تقول: إن زيداً قائم، وليت زيداً خارج.. إلى آخرها (107) . وقال بعضهم: ليس (كأن) سادساً، وإنما هو (أنَّ) دخلها كاف التشبيه (108) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 ولا يجوز تقديم خبر هذه الحروف على اسمها، فلا يقال: إن قائم زيداً، إلا إذا كان الخبر ظرفاً كقولك: إن في الدار زيداً (109) ، قال الله تعالى:} أنَّ الله َ بَريْءٌ مِنَ المُشْركِيْنَ ورَسُوْلُهُ} (110) والله أعلم. النوع التاسع: مرفوع ب (نعم) و (بئس) نحو: نعم الرجلُ زيدٌ، ونعم سيدُ القوم زيدٌ، وبئس صاحبُ الدار عمروٌ ويجوز: نعم رجلاً زيد [وبِئْسَ غُلاماً عَمْرو] (111) تقديره، نعم الرجل رجلاً زيد، وبئس الغلام غلاماً عمرو (112) وقال تعالى:} كَبُرَتْ كَلِمَة ً تَخْرُجُ مِن أفْوَاهِهِمْ} (113) . النوع العاشر: مرفوع بحبذا وهي مركبة من كلمتين؛ إحداهما: حَبَّ، والأخرى ذا، فجعلا كلمة واحدة، تقول: حبذا زيد، وحبذا الرجل (114) ، وتقول: إذا كان نكرة: حبذا رجلاً زيدٌ. النوع الحادي عشر: مرفوع بأفعال المقاربة وهي: عسى، وكاد، وكَرب، وأوشك، تقول: عسى زيد أن يخرج، وقال تعالى:} عَسَى اللهُ أنْ يَكُفَّ بَأسَ الذِيْنَ كَفَرُوا { (115) ، وقال:} تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ { (116) ، وفي الحديث: " كَادَ الفَقْرُ أنْ يَكُوْنَ كُفْراً" (117) وكذا الحكم في كرَب وأوشك. النوع الثاني عشر: مرفوع بالحكاية نحو قولك: زيد خرج، وفي القرآن الكريم:} قالَ اللهُ عَلى مَا نَقُوْلُ وَكِيْلٌ { (118) ، وقد يضمر القول في نحو:} والمَلائِكَة ُ يَدْخُلُوْنَ عَليْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَليْكُمْ { (119) أي: يقولون سلام عليكم والله أعلم. الباب الثالث: في المنصوبات وأنواعها خمسة عشر نوعاً (120) : النوع الأول: منصوب، لأنه مفعول به والمفعول به (121) كل اسم أوقعت عليه الفعل وذكرت فاعله، نحو: ضربْتُ زيداً وشتمْتُ عمراً، وأعطيتُ زيداً درهماً، وكسوتُ عمراً جبة ً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 النوع الثاني: منصوب بأفعال الشك واليقين وهي سبعة: حسبت وظننت، وخلت، وعلمت، ووجدت، ورأيت، وزعمت إذا كن بمعنى علمت، وكلها تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبها جميعاً، تقول: ظننت زيداً أخاك، وعلمت زيداً فاضلاً ونحو ذلك (122) . النوع الثالث: منصوب، لأنه مفعول له وهو ما يقع الفعل لأجله وبسببه، نحو قولك: جئتُكَ ابتغاءَ معروفِك (أي بسبب ابتغاء معروفك) (123) ، وقال تعالى:} يَجْعَلُوْنَ أصَابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِق ِ حَذرَ المَوْتِ { (124) أي لحذر الموت، فتكون لام السبب مقدرة (125) في جميع ذلك. النوع الرابع: منصوب؛ لأنه مفعول معه كقولك: استوى الماءُ والخشبةَ، وكنتُ وزيداً كالأخوين، ونحو ذلك. وإنما هو مفعول معه؛؛ لأنك وضعت الواو مكان مع، أي: استوى الماءُ معَ الخشبةِ. النوع الخامس: منصوب، لأنه مفعول مطلق وهو المصدر، وإنما سمي مفعولاً مطلقاً؛ لأنه هو المفعول الذي أحدثه الفاعل وأوجده بعينه بخلاف سائر المفعولات (126) . وإنما سمي مصدراً؛ لأن الأفعال تصدر عنه (127) ، فشبه بمصدر الإبل وهو الماء الذي تصدر عنه الإبل وتذره (128) . وحد المصدر: كل اسم دل على معنى في زمان مجهول، تقول: ضربت ضرباً، وجلست جلسة، ومن ذلك قولهم: أهلاً وسهلاً ومرحباً، فإنها منصوبة بتقدير أفعال ليست من لفظ المصادر. المعنى: أتيت (129) أهلاً لا عَزَباً (130) ، وأتيت مكاناً سهلاً لا حَزناً (131) ، وأتيت مرحباً لا مضيقاً، ومنه أيضاً قولهم: لقيته عِياناً، ولقيته فجأة، وأخذته سماعاً. النوع السادس: منصوب، لأنه مفعول فيه: وهو الظرف، والظرف: الوعاء من الأزمنة والأمكنة، فأما الأزمنة فنحو قوله: قمت وقتاً من الأوقات، وسهرت ليلة من الليالي، وفي الحديث: " زُرْغِبّاً تَزْدَدَ حُبّاً " (132) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 وأما الأمكنة فالجهات الست وما في معناها، والجهات: خلف وقدام وفوق وتحت ويمين وشمال وأمام، وما في معناها (133) ، فكنحو، وعند، ووسط، تقول: مررت نحو (134) زيد، وقمت عندك، وجلست وسط الدار، ونحو ذلك. النوع السابع: منصوب بالحال والحال صفة مذكورة تجيء بعد كلام تام معرفة، كقولك جاء زيد راكباً، أي في حال ركوبه، ومنه هذا زيد قائماً، أي: في حال قيامه، وفي القرآن:} وَهَذا بَعْلِي شَيْخاً} (135) ، ومن ذلك قوله تعالى:} وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّ قاً} (136) ، وعلامة الحال أن يكون موضوعاً لجواب كيف، فإذا قيل لك: كيف جاء زيد؟ تقول: جاء راكباً، ونحو ذلك. النوع الثامن: منصوب بالتمييز ولا يكون التمييز إلا بعد كلام مجهول مبهم، تقول: امتلأ الإناء عسلاً، وتصبب زيد عرقاً، وقال تعالى:} وَضَاقَ بِهِمْ ذرْعاً} (137) ، ومنه قولهم: هو أحسنُ الناس ِ وجهاً وأ} رفهم أباً، قال الله تعالى:} أنَا أكْثَرُ مِنْكَ مَالاً، وَأعَزُّ نَفَراً} (138) ، ومنه قولهم: لله دره رجلاً، ودلوي مملوءة عسلاً، وقال تعالى:} مِلْءُ الأرْض ِ ذهَباً} (139) ، ومنه قولهم: ما في السماء قدرُ راحةٍ سحاباً، وعندي قَفِيْزَان (140) بُراً وعندي منوان (141) عسلاً، وعندي (142) ذراعان قَزّاً، وعندي عشرون درهماً، ومنه ثلاثة عشر رجلاً، قال تعالى:} أحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} (143) } وَكَفَى بِاللهِ وَلِيّاً} (144) } وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيْراً} (145) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 النوع التاسع: منصوب بالاستثناء ومعنى الاستثناء: إخراج الشيء مما دخل فيه، تقول: جاء القومُ إلا زيداً وقال تعالى:} فَشَرِبُوا مِنْهُ إلا قَلِيْلاً} (146) ، وتقول: ما جاء أحد إلا زيداً، وكذا الحكم في بقية أدوات الاستثناء، نحو: سوى، وسواء، وخلا، وعدا، وحاشا، وغير (147) ولكن يكون ما بعد هذه الأدوات مجروراً (148) بالإضافة، تقول: جاءني القوم غير زيدٍ وسوى زيدٍ.. إلى آخره. ويجوز نصب ما بعد خلا وعدا وحاشا، ولا يجوز فيما بعد (غير) إلا على التفصيل المذكور فيها. النوع العاشر: منصوب بالنداء: وحروف النداء خمسة، هي: يا، وأيا، وهيا، وأي، والألف (149) ، وقد تحذف الهمزة تخفيفاً، تقول، يا رجلاً خذ بيدي. ويا طالعاً جبلاً، ويا عبد الله (150) . قال تعالى:} يَا أهْلَ الكِتَابِ} (151) وإذا كان المنادى مفرداً علماً أو نكرة مقصودة بني على الضم (152) وجوبا (153) نحو: يا زيد ويا رجل، ولا تدخل (يا) على مافيه الألف واللام، فلا يقال: يا الرحمن، ولا يا الرجل. ويرخم المنادى إذا كان مفرداً علماً زائداً على ثلاثة أحرف، نحو قولك في حارث: يا حار، وفي جعفر، يا جعف كما قرأ (154) عبد الله بن مسعود (155) :} وَقَالُوْا يَا مَالِ} (156) يريدون (157) : يا مالك، ومنه قولهم (158) في طلحة: يا طلحَ بفتح الحاء على لغة من ينتظر، وهي الفصحى وفي فاطمة: يا فاطمَ (159) وفي منديل يا مندِ، وفي مروان يا مروَ (160) ، والله أعلم. النوع الحادي عشر: منصوب ب (لا) نحو لا غلامَ رجل قائم، ها هنا في نفي الجنس، ولا رجلَ في الدار، ولا إلهَ إلا الله. وإذا فصلت بين (لا) وما تعمل فيه فليس إلا الرفع، نحو: لا في الدار رجل، ولا عندي غلام (161) ، قال تعالى:} لا فِيْهَا غَوْلٌ} (162) والله أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 النوع الثاني عشر (163) : منصوب بالإغراء والتحذير تقول في الإغراء: عليك زيداً، على معنى احْفَظه، قال تعالى:} يَا أيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا عَلَيْكُمْ أنْفُسَكُمْ} (164) ، وحروف الإغراء: عليك، ودونك (165) ، وأما التحذير، فكقولك: الأسد الأسد، ... ... 1 خَلِّ الطريق ............................................. (166) قال الله تعالى:} نَاقَة َاللهِ وَسُقْيَاهَا} (167) ، أي احذورا ناقة الله ولا تمسوها بسوء، وفي الحديث: " إيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَن " (168) . النوع الثالث عشر: منصوب بفعل مضمر نحو قولهم: امرأعمل لنفسه، تقديره: رحم الله امرأ، ومنه قوله تعالى:} قُلْ بَلْ مِلَّة إبْرَاهِيْمَ حَنِيْفاً} (169) أي: اتبع ملة إبراهيم، وقال تعالى:} وَنُوْحاً إذ ْ نَادَى مِنْ قَبْلُ} (170) أي: واذكر نوحاً، ومنه أيضاً قولهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر (171) ، (معناه: إن كان خيراً فجزاؤه خير) (172) - ومنه قوله تعالى:} انْتَهُوْا خَيْراً لَكُمْ} (173) ، تقديره: انتهوا يكون خيراً لكم (174) ، والعرب لفصاحتها تنصب الأسماء كثيراً بأفعال مضمرة (175) . النوع الرابع عشر: منصوب بفعل التعجب نحو: ما أحسن زيداً، ولا يكون لصيغة فعل التعجب مستقبل ولا مصدر ولا فاعل ولا يتصرف، والله أعلم. النوع الخامس عشر: منصوب ب (أن) المخففة وأخواتها (176) نحو: أرجو أن تعطيني وأن تخرج، ونحو} وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيْعَ إيْمَانَكُمْ} (177) وتسمى هذه اللام لام الجحود، لأنها لا تقع إلا بعد النفي، ومنه قول الشاعر: 2 لا تَنْهَ عَنْ خُلُق ٍ وَتَأتِيَ مِثْلَه [عَارٌ عَلَيْكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيْمُ] (178) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 (فقوله (تأتي) منصوب بأن مقدرة، أي: وأن تأتي مثله، وقوله تعالى:} لَيْسَ لكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوْبَ عَلَيْهِم} ) (179) ، ومنه قوله تعالى:} ولا تَطْغَوْا فِيْهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (180) وقوله:} يَا لَيْتَنِيْ كُنْتُ مَعَهُمْ فَأفُوْزَ فَوْزاً عَظِيْماً} (181) ، وقوله تعالى} لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوْتُوْا} (182) فهذه وأمثالها كلها منصوبة بإضمار (أن) وعلامة صحة الجواب الفاء (183) والله أعلم. الباب الرابع: في المجرورات والمجزومات معاً أما المجرورات فأنواعها أربعة: النوع الأول: مجرور بالحروف الجارة وهي: من، وإلى، وعن، وعلى، وحتى، ومذ، وفي، ورب، والباء، والكاف، واللام. فأما (إلى) فأصلها لانتهاء الغاية، تقول: خرجت من الكوفة إلى البصرة (184) ، وقد تقع بمعنى (مع) (185) . وأما (عن) فللتعدي والانحطاط، تقول: رميت عن القوس (186) . وأما (على) فللاستعلاء، تقول: جلس الأمير على السرير، ووجب المال على زيد، وقد تقع بمعنى (مع) . وأما (حتى) فلها ثلاث خصال؛ الغاية، والعطف، والابتداء، تقول في الغاية: [أكلت السمكة حتى رأسِها بالجر] (187) أكلت السمكة حتى رأسَها بالفتح، وأكلت السمكة حتى رأسُها بالرفع أي حتى رأسها مأكول فرأسها (188) مرفوع بالابتداء. وأما (رُبَّ) فللتقليل، نحو: رُبَّ رجلٍ لقيته (189) . وأما (مِن) فهي لابتداء الغاية، نحو: خرجت من الدار، وهي ضد (إلى) (190) . وقد تقع بمعنى التبعيض كقولك: أخذت من المال أي: بعضه، والفرق بين (من) و (عن) أن (عن) تدل على الانقطاع. بخلاف (من) ، تقول: رجعت [عنه إليه] (191) . وأما (في) فأصلها التوعية، نحو: الدرهم في الكيس. وقد تقع بمعنى (على) كقوله تعالى} ولأ ُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذوْع النَّخْل ِ} (192) ؛ لأن الجذوع بمنزلة القبور (193) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 وأما (مذ) فأصله (194) (منذ) (195) وكلاهما يجر إذا وقعا بمعنى ابتداء الغاية، كقولك: ما رميت مذ يوم الجمعة ومنذ (196) يوم الجمعة، أي: من يوم الجمعة. وأما (الكاف) فهي للتشبيه، تقول: زيد كعمرو، أي: مثل عمرو، وقد تقع زائدة، كقوله تعالى:} لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (197) . وأما (اللام) فأصلها التمليك والاستحقاق، تقول: المال لزيد، والحمد لله، وقد تقع بمعنى (عند) كقوله تعالى:} أقِم ِالصَّلاة َ لِدُلُوْكِ الشَّمْس ِ} (198) أي عنده. وأما (الباء) فأصلها للإلصاق (199) ، كقولك: كتبت بالقلم (200) ، ومررت بزيد (201) وقد تقع بمعنى (مع) كقوله تعالى:} وقَدْ دَخَلُوْا بِالكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوْا بِه} (202) . وأما (خلا) و (عدا) و (حاشا) في الاستثناء فإن منهم من جعلها حروفاً تجر ما بعدها كما مر في النواصب (203) . النوع الثاني: مجرور بحروف القسم وهي ثلاثة: الواو، الباء، والتاء. فالباء، كقولك (204) : بالله لأفعلن كذا، والواو كقوله تعالى:} وَالعَصْرِ إنَّ الإنْسَانَ لَفِيْ خُسْرٍ} (205) والتاء كقوله تعالى:} وَتَاللهِ لأكِيْدَنَّ أصْنَامَكُم} (206) . واعلم أنه يقال في القسم: ايمن (207) الله، وايم (208) الله، ولَعَمْرُالله، كلها مرفوعة بالابتداء وخبرها محذوف التقدير: ايمن الله حلفي، ولَعَمْرُ الله قسمي، والعمر: البقاء، ولكن يستعمل في القسم بفتح العين. والحروف التي تصل القسم بالجواب الذي هو المقسم عليه، خمسة: (إنَّ) المشددة المكسورة، واللام المفتوحة، و (ما) و (إنْ) الساكنة، و (لا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 قال الله تعالى:} والعَصْرِ إنَّ الإنْسَانَ لَفِيْ خُسْر} (209) ، وقال:} فَوَرَبَّكَ لَنَسْألَنَّهُم} (210) وقال تعالى:} وَالنَّجِْم إذا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} (211) ، وقال تعالى:} تَاللهِ إنْ كُنَّا لَفِيْ ضَلالٍ مُبِيْن ٍ} (212) ، وقال تعالى:} وَأقْسَمُوْا بِاللهِ جَهْدَ أيْمَانِهِمْ، لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوْتُ} (213) . ثم لا يخفى أن هذه الحروف قد تحذف تخفيفاً، فيقال: والله قد جاءني زيد، أي لقد جاءني، وقال تعالى في جواب القسم:} والشَّمْس ِ وَضُحَاهَا ... قَدْ أفْلَحَ} (214) ، أي: لقد أفلح. وقد يحذف الجواب بالكلية كقوله تعالى:} ق~. والقُرْآن ِ المَجِيْدِ بَلْ عَجِبُوْا} (215) معناه: ق، والقرآن المجيد لتبعثن، وكذلك:} ص~ والقُرْآن ِ ذِيْ الذ ِّكْر} (216) ، وكذلك:} والنَّازِعَاتِ غَرْقاً} (217) ، والله أعلم. النوع الثالث: مجرور بالإضافة إلى الظروف، وكذلك الأسماء المخصوصة (218) بالجهات الست (219) التي هي: أعلى، وفوق، وتحت، وأسفل، وقبل، وقدام، وأمام، ومقابل، وتلقاء، وحذاء، وإذا، وجاه، وتجاه وحيال، وخلف، وبعد، ووراء، ويمين، وشمال، وكالأسماء الأخر الشائعة في الحالات كلها، ك (عندي، ولدى، ولدن ومع، وبين، ووسط، وطرف، وشطر، ونصف، وبعض، وكل، ونحو، وغير، ودون، وسواء، ومثل، ونظير، وذو وذا، وذات، وذوات) ونحو ذلك (220) . تقول: فوق السرير زيد، وتحت السرير عمرو، وأمام الفرس أسد، وعند زيد.. إلى آخره، فقولك: فوق السرير زيد (فوق) ظرف، و (السرير) مجرور ب (فوق) ، و (زيد) مرفوع بالابتداء، وخبره: فوق السرير، مقدم عليه (221) ، وكذا القول في بقية الظروف والحروف الجارة. النوع الرابع: مجرور بالإضافة إلى الأسماء المحضة كقولك: دار زيد، وغلام عمرو، يُريد (222) : الدار لزيد، والغلام لعمرو، وتسمَّى هذه الإضافة إضافة الكل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 وأما الإضافة بمعنى (من) ، فتسمى إضافة البعض، كقولك: ثوب خزّ، وخاتم فضة (223) . ومن هذا النوع الإضافة إلى الفاعل، نحو قولك: الحسن الوجه، والكريم الأب، تريد حسنُُ وجهه، وكريم أبوه. ومنه أيضاً الإضافة إلى المفعول كقولك: الضاربا زيدٍ، والراكبو الفرس، تريد: الضاربانِ زيداً، والراكبون الفرس قال تعالى:} والمُقِيْمِيْ الصَّلاةِ} (224) . فرع: لا يضاف الشيء إلى وصفه، فلا يقال: زيدُُ القائم، وعمروُُ الخارجِ، وقد يضاف على قلة (225) ، كقوله: مسجدُ الجامعِ، وقال (226) تعالى:} ذلِكَ الدِّيْنُ القَيِّم ُ} (227) ، وقال تعالى:} عِلْمَ اليَقِيْن ِ} (228) . والله أعلم وأما المجزومات فنوعان: الأول: مجزوم بحروف الجزم، وهي خمس: لَمْ، لَمَّا، ولا، في النهي، واللام في الأمر، وإن في الشرط والجزاء. تقول: لم يضرب زيد، بمعنى ما ضرب، وكذلك: لما يضرب، وتقول: لا تفعل، تنهى المخاطب عن ذلك الفعل، وقال تعالى:} لا تَقُمْ فِيْهِ أبَداً} (229) ، وقال تعالى:} لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْم ٍ} (230) ، وتقول في اللام المكسورة في الأمر للغائب: لينفق فلان، قال تعالى:} لِيُنْفِقْ ذوْ سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (231) . ثم لا يخفى أنه إذا تقدم هذه اللام حرف عطف جاز تسكينها (232) ، قال تعالى: } وَلْيَتَّق اللهَ رَبَّهُ} (233) ، وتقول في الأمر المخاطب بغير اللام: اذهب واضرب لكن الصحيح أن هذا مبني على الوقف وليس بمجزوم (234) . وقد جاءت (235) اللام في الأمر للمخاطب في قوله تعالى:} فَبِذلِكَ فَلْتَفْرَحُوْا} (236) . على قراءة، من قرأها بالتاء الفوقية (237) . وأما (إنْ) في الشرط والجزاء، فنحو قوله تعالى:} إنْ تَتَقُوْا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً) (238) أصلة (تتقون) ، حذفت النون للشرط، وجزم (يجعل) بالجزاء، وتقول: إن تكرمني أكرمك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 لا (239) يخفى أنه إذا كان الشرط والجزاء ماضيين جاز فيهما ترك الجزم، نحو، إن ضربتني ضربتك، وإذا كان الجواب مستقبلاً والشرط ماضياً جاز فيه الجزم وتركه (240) . فرع: وقد يقع الفعل المستقبل في الجواب موقع الصفة والحال (241) ، كقوله تعالى: } أنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَة ً مِنَ السَّمَاءِ تَكُوْنُ لَنَا عِيْداً} (242) ، فقوله (تكون) صفة للمائدة (243) ، وكذلك نحو قوله تعالى:} فَهَبْ لِيْ مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِيْ وَيَرِثُ..} (244) فيرثني ويرث، صفتان للولي على قراءة من رفعهما (245) . النوع الثاني: مجزوم بالأسماء التي تتضمن معنى الشرط، وهي تسعة، مَنْ، وَمَا، وأي، وأين، ومتى، وحيثما وإذما، وأنّى، ومهما. تقول: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (246) ، وقال تعالى:} مَا نَنْسَخ مِنْ آيَةٍ أو نُنْسِهَا، نَأتِ بِخَيْر ٍ مِنْهَا} (247) ، وتقول: أيكم يأتني أكرمه (248) ، وتقول: أين تذهب أذهب، وتقول: متى تخرج أخرج، وتقول: حيثما تكن أكن وإذ ما تكن أكن، وأنّى (249) تفعل أفعل، ومهما تفعل أفعل. فرع: إذا دخلت الفاء في جواب الشرط ارتفع الفعل المضارع بعده على إضمار مبتدأ، تقول: من يأتني فأكرمه، أي: فأنا أكرمه، وقال تعالى:} وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْه} (250) .} وَمَنْ كَفَرَ فَأمَتِّعُهُ قَلِيْلاً} (251) . أي: فأنا أمتعه، والله أعلم (252) . الباب الخامس: في التوابع وأنواعها خمسة: النوع الأول: تابع بالنعت. وهو على خمسة أقسام: الحلية، والفعل، والغريزة، والنسب، والوصف بأسماء الأجناس ب (ذو) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 فالحلية كقولك: رجل طويل وأسود ونحوها: والفعل كقولك: رجل قائم، وكاتب، وخياط. والغريزة كقولك: رجل كريم وظريف، وفطن، ونحوها. والنسب كقولك: بصري، هاشمي، قرشي، ونحوها. والوصف بأسماء الأجناس ب (ذو) كقولك: جاءني رجل ذو مال، ورأيت رجلاً ذا مال، ومررت برجل ذي مال (253) . فهذه الصفات كلها تتبع الموصوف في إعرابه، وتعريفه، وتنكيره، وتأنيثه، وتذكيره، وإفراده وتثنيته، وجمعه تقول: جاءني رجلٌ كريمٌ، والرجلُ الكريمُ، وامرأةٌ كريمةٌ، ورجلان كريمان، ورجال كرام. فرع: إذا تقدم صفة النكرة على الموصوف نصبتها على الحال، نحو: جاءني ظريفاً رجل (254) . النوع الثاني: تابع بالبدل وهو يجري مجرى الحال، فيتبع إعراب ما قبله، إلا أن البدل لا يكون إلا اسماً، وعلامة البدل أنه يجوز إسقاط ما قبله وإقامة الثاني مقام الأول، كما تقول: جاءني زيد أخوك، فيجوز أن تسقط زيداً، فتقول: جاءني أخوك. والبدل على أربعة أقسام: بدل الكل، وبدل البعض (255) ، وبدل الاشتمال، وبدل الغلط. فأما بدل الكل من الكل فهو كقولك: جاءني زيد أخوك وقال تعالى:} اهْدِنَا الصِّرَاط َ المُسْتَقِيْمَ صِرَاطَ الَّذِيْنَ} (256) . وأما بدل البعض، فقولك: ضربت زيداً رأسه، وقال تعالى:} وللهِ عَلى النَاس حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيْلاً} (257) ، ف} مَن ِ اسْتَطاعَ} بدل من (النَّاسِ) ؛ لأن المستطيع بعض الناس لا كلهم. وأما بدل الاشتمال، وهو أن يكون معنى الكلام الأول مشتملاً على الثاني، كقولك: سلب زيد عقله، وقال تعالى:} قُتِلَ أصْحَابُ الأخْدُوْدِ النَّار ِ} (258) ، فالأخدود مشتمل على النار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 وأما بدل الغلط، ولا يوجد ذلك في القرآن الكريم بل ولا في الشعر، وإنما يقع في أثناء كلام الناس، كقولك: مررت برجلٍ بحمار ٍ (259) ، كأنك تريد أن تقول: مررت برجلٍ وبحمار ٍ (259) ثم تذكرت فقلت: بحمار (259) ، ولا يصح في مثل هذا أن تقول بل حمار (260) . قاعدة: تبدل المعرفة من النكرة كقوله تعالى:} وإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ صِرَاطِ اللهِ} (261) وعكسه (262) ، كقوله تعالى:} لنَسْفَعاً بِالنَاصِيَةِ نَاصِيَةٍ} (263) . النوع الثالث: تابع بعطف البيان: وهو أن تضع الاسم الذي ليس بحلية ولا فعل ولا نسب مكان الصفة، كقولك: جاءني زيدٌ أخوك، ورأيت أبا عبد الله محمداً، ومررت بصاحبِك زيدٍ، فتبين الاسم الأول عن غيره بالاسم الثاني كما تبين بالصفة. والله أعلم. النوع الرابع: تابع بالتأكيد والتوكيد أيضاً يجري مجرى الصفة في الإيضاح والإتباع، وفائدته تخصيص المخبر عنه، كما إذا قلت جاءني زيد، فربما توهم المخاطب أن أمر زيد جاءك دون نفسه، فإذا قلت: جاء زيدٌ نفسُه أو عينُه خصصت المجيء ب (زيد) . وأسماء (264) التوكيد سبعة (265) وهي: النفس، والعين، وكل، وأجمعون، وأبصعُون، وأبتعون، وأكتعون (266) . تقول: جاءني زيدٌ نفسُه، ورأيت الفرسَ عينَه، وقال تعالى:} فَسَجَدَ المَلائِكَة ُ كُلُّهُمْ أجْمَعُوْن} (267) وتقول: جاء القومُ كلُّهم أبصعون. والبَصْع: الجمع (268) . وتقول: جاء القوم كلهم أبتعون، مشتق من (البتع) الذي هو القوة والشدة، ولا يستعمل أكتع (269) وأبصع وأبتع إلا بعد كل وأجمع (270) كما ذكرنا، وتقول: جاءني النسوة كلُّهن، جُمَعُ كُتَعُ بُصَعُ بُتَعُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 فرع: وتؤكد التثنية ب (كلا) وتكون مع غير المضمر بالألف أبداً على صورة [واحدة] (271) ، تقول: جاءني كلا الرجلين، ومررت بكلا الرجلين، ورأيت كلا الرجلين، وأما مع المضمر فترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء كسائر التثنية، فتقول: جاءني كلاهما، ورأيت كليهما، ومررت بكليهما، وفي المؤنث تقول: كلتا المرأتين بتاء زائدة. فائدة: قد يؤكد الاسم بتكرير اللفظ، كقولهم: هذا رجل رجل، ومنه: الله أكبر الله أكبر، وقال الشاعر: 3 أنَا أبُوْ النَّجْم وشِعِْري شِعِْري (272) والله تعالى أعلم. النوع الخامس: تابع بالعطف وحروف العطف عشرة: الواو، والفاء، وثُمَّ (273) ، وأم، وأو، ولا، وبلْ، وحتى، ولكن، وإمَّا (بكسر الهمزة) . فأما (الواو) فهي للجمع والاشتراك، ولا توجب الترتيب على الأصح، تقول جاءني زيدٌ وعمروٌ، ألا ترى أن (الواو) جمع بينهما في المجيء (274) . وأما (الفاء) فتكون للترتيب والتعقيب، تقول: جاءني زيدٌ فعمروٌ، فهي تدل على أن عمرا جاء بعد زيد. وأما (ثُمّ) فهي كالفاء إلا أنها أكثر مهلة، تقول: جاءني زيدٌ ثمَّ عمروٌ. وأما (لا) فمعناها إخراج الثاني مما دخل في الأول، تقول: جاءني زيد لا عمرو، ألا ترى أنك أخرجت عمراً ب (لا) عن المجيء. وأما (بلْ) فهي للإضراب عن الأول والإثبات للثاني، تقول: ما جاءني زيد بل عمرو. وأما (لكن) المخففة فمعناها الاستدراك (275) بعد النفي، تقول: ما جاءني زيد لكن عمرو، وإن شئت أدخلت الواو فيه قال الله تعالى:} مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أبَا أحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ولَكِنْ رَسُوْلَ اللهِ { (276) ، [فرسول الله] (277) معطوف على (أبا) . وأما (أو) فتكون تارة للشك، وتارة للتخيير، وتارة للإباحة، تقول في الشك، جاءني زيد أو عمرو، وفي التخيير: كل السمك أو اشرب اللبن، فليس له أن يجمع بينهما، وتقول في الإباحة: كل اللحم أو الثريد، فله الجمع بينهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 وأما (أم) فهي عديلة الاستفهام عما وقع فيه الشك، تقول: أزيد في الدار أم عمرو، وقال تعالى:} أهُمْ خَيْرٌ أمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} (278) وتقول في التسوية بين الشيئين: سواء عليه أقام أم قعد، وقال تعالى:} سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أأنَذرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} (279) . وأما (إمَّا) - بكسر الهمزة - فتجري مجرى (أو) في الشك وغيره، إلا أنها تأتي قبل الاسمين فتؤذن بالشك في أول الكلام، ولذلك كررت (280) ، تقول: رأيت إما زيداً وإما عمراً، قال (281) تعالى:} إمَّا شَاكِراً وإمَّا كَفُْوراً} (282) بخلاف (أمَّا) بفتح الهمزة فإنها وإن كانت من حروف العطف فلابد لها من جواب لما فيها من معنى الشرط، تقول: أمَّا زيدٌ فقائم، وقال تعالى:} وأمَّا ثَمُوْدُ فُهَدَيْنَاهُمْ} (283) ، وإن كررت فإنما هي لعطف كلام على كلام (284) بالواو، كقوله (285) تعالى:} فَأمَّا اليَتِيْمَ فَلا تَقْهَرْ وَأمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (286) . وعاشر الحروف (حتى) ، وتكون ناصبة، تقول: أكلتُ السمكة َ حتى رأسَها - بالنصب، وتكون لانتهاء الغاية وغير ذلك ذكرناه في مبحث الحروف من أصول الفقه (287) والله أعلم. فرع: لا يعطف اسم على اسم إلا إذا اتفقا في الفعل، نحو: قام زيدٌ وعمروٌ، فإن اختلفا لم يجز العطف، فلا يقال: ماتَ زيدٌ والشمسُ، إذ الشمس (288) لا توصف بالموت، وكذلك لا يعطف الفعل على الفعل، إلا إذا اتفقا، فلا يقال: قام ويقعد وأما قوله تعالى:} إنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا وَيَصُدُّوْنَ عَنْ سَبِيْل ِ اللهِ} (289) ، فالواو ليست للعطف وإنما هي واو الحال، المعنى: إن الذين كفروا فيما مضى وهم الآن يصدون عن سبيل الله (290) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 قالوا: ولا يجوز عطف الفعل على الاسم، وأما قوله تعالى:} أوَ لَمْ يَرَوْا إلَى الطَّيْر ِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} (291) ، فتقديره: صافات وقابضات؛ لأن الفعل المستقبل يضارع اسم الفاعل في المعنى؛ لاشتراكهما في الحال (292) . ولذلك سمي مضارعاً، يعني مشابهاً، فتقول: رأيت زيداً يصلي ورأيت زيداً مصلياً بمعنى واحد، والله أعلم. الباب السادس: في بيان الأربعة أبواب الخارجة عن الإعراب وهي: باب العدد، وباب الجمع، وباب التصغير، وباب النسب. وقد ذكرناها في أربعة فصول: الفصل الأول في بيان العدد: أعلم أن للعدد أربع مراتب: آحاد، وعشرات، ومئات، وألوف، وما جاوزها فهو مكرر. والآحاد: ما دون العشرة عندهم، وعدد المذكر يكون بالهاء من الثلاثة إلى العشرة، وعدد المؤنث يكون بغير الهاء من الثلاثة إلى العشرة، فيقال: ثلاثة رجال (293) ، وخمس نسوة، وعشرة أبواب، قال الله تعالى:} سَبْعَ لَيَال ٍ وَثَمَانِيَة َ أيَّام ٍحُسُوْماً} (294) . وأما من [الثلاثة إلى العشرة] (295) ، فيضاف إلى جمع القلة، نحو: أفْعِلَةٍ، وأفْعُلٍ، [وأفْعَالٍ] (296) ، ثم فِعْلَةٍ. فتزن جمع الجمع بهذا الميزان، تقول: خمسة أكلب، وثلاثة أجمال، وسبعة أرغفة وعشرة صبية (297) . واعلم أن الواحد والاثنين لا يضافان إلى المعدود، ولكن يجعلان صفة له، فتقول في المذكر: جاءني رجل واحد ورجلان اثنان، وفي المؤنث: امرأة واحدة (298) ، وامرأتان اثنتان. وأما [ما فوق العشرة إلى تسعة عشر] (299) فتجعل العددين اسماً واحداً وتبنيهما على الفتح في كل حال إلا (300) اثنى عشر رجلاً، فإن اثنى تختلف (301) للزوم التثنيه له، تقول: أحد عشر رجلاً، وإذا عددت المذكر ألحقت الهاء بأول العدد وأسقطتها من الثاني، فتقول: ثلاثة عشر رجلاً، وخمسة عشر غلاماً، وتسعة عشر ثوباً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وإذا عددت المؤنث أسقط الهاء من الأول وألحقها بالثاني على عكس المذكر، فتقول: ثلاث عشرة امرأة، وخمس عشرة جارية، وتسع عشرة سنة، فإذا بلغت العشرين استوى المذكر والمؤنث في العقود، نحو: عشرون رجلاً وعشرون امرأة، وكذلك ثلاثون وأربعون إلى المائة. فرع: إذا جاوز العدد العشرة إلى المائة توحد المعدود ونصب على التمييز، نحو} أحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} (302) وخمسون رجلاً، وتسعون نعجة، وأما قوله تعالى:} اثْنَتَي عَشْرَة َ أسْبَاطاً} (303) فبدل (304) من اثنتي عشرة أو عطف بيان فإذا بلغ العدد مائة أضيف إلى واحد، فكان شائعاً في الجنس، كقولك: مائة درهم، وكذلك مائتا درهم وثلاثمائة إلى تسعمائة، فلا يقال: ثلاثة مائة، لأن المائة مؤنثة. فإذا بلغ العدد الألف حكمت عليه حكم الواحد المذكر (305) ، فتقول: ثلاثة آلاف، وأربعة آلاف، إلى عشرة آلاف، كما يقال: ثلاثمائة، والله تعالى أعلم. الفصل الثاني: في بيان الجمع اعلم أن جميع الأسماء على ثلاثة أضرب: أحدها: بزيادة الحروف مثل: رجل ورجال، وحمْل وأحْمَال، ومسلم ومسلمين. الثاني: بنقصان الحروف، مثال (306) : كتاب وكُتُب، وراكِب ورَكْب، وصبور، وصُبْرٍ، ونَخْلةٍ ونَخْلٍ وثمرةٍ وثمرٍ، ونَحْلةٍ ونَحْلٍ، الفرق بين الواحد والجمع ثبوت تاء التأنيث وحذفها. الثالث: بتغيير الحركة، نحو: جُوالَِق وجَوالِق، الواحد مضموم، والجمع مفتوح (307) . واعلم أن كل جمع لم يسلم فيه بناء مفرد (308) واحده يسمى جمع التكسير، نحو: رجل ورجال، وبيت وأبيات. فرع: أبنية الجموع القليلة على أربعة أقسام: الأول: أفعُل (309) ، وهي جمع فعْل وفِعَال، تقول: كَلْب وأكْلُب (310) ، وذِرَاع وأذْرُع. القسم الثاني: أفْعَال، جمع فَعَل، وفَعِل، وفَعُل (311) ، وفِعَل، نحو: جمل وأجمال، وفخذ وأفخاذ، وعضد وأعضاد، وعِنَبٍ وأعْنَاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 الثالث (312) : أفْعِلة، وهي جمع فَعَال، وفُعَال، وفِعَال، وفَعِيل، تقول: متاع وأمتعة، وغراب، وأغربة ومثال وأمثلة، ورغيف وأرغفة. الرابع: فِعْلة، جمع فُعَال، وفعيل، نحو (313) : غُلام وغِلْمَةٍ، وصَبيٍّ، وصِبْيَة. فهذه أبنية جموع القلة من الثلاثة إلى العشرة (314) ، تقول: رأيتُ ثلاثة َ أكلبٍ، وأربعةَ أجمالٍ، وخمسة أغربةٍ وعشرةَ صبيةٍ. وأما أبنية الجموع الكثيرة فهي ثمانية أقسام (315) : الأول: فُعُول: وهو جمع فَعْل، وفَعَل، [وفَعِل] (316) مثاله: قَلْب وقُلُوب، وأسَد وأسُوْد، ونَمِر ونُمُور. الثاني: فِعَال: جمع فَعَل، وفَعُل، وفَعْل، ونحو ذلك، مثاله: جَمَل وجِمَال، وضَبُع وضِبَاع، وبَحْر وبِحَار الثالث: فُعُل، جمع فَعِيْل، وفَعِيْلة، وفُعُوْل، ونحو: نَذِير ونُذُر، وصَحِيْفَة وصُحُف، ورَسُول ورُسُل. الرابع: فُِعَل بكسر الفاء وبضمها نحو: نِعْمَة ونِعَم، ومِحْنة ومِحَن، وغُرفَة وغُرَف، وكُبْرى وكُبَر قال تعالى:} إنَّهَا لإحْدَى الكُبَر} (317) . الخامس: فُعْل، جمع أحْمَرْ وحَمْرَاء، وأصْفَرْ وصَفْرَاء، تقول في جمع ذلك: حُمْر وصُفْر. السادس: فُِعلان بضم الفاء وبكسرها جمع فَعَل نحو: حِلْفَان وجُِرْدَان (318) وغِلْمَان وصِبْيَان. السابع: ما يكون بالتاء، تقول في شَجَرَة شَجَرَات، وفي جمع جِفْنَة جَفَنَات، وفي جمع رَوْضَة رَوْضَات وصَحْفَة صَحفات، وسُرَادُقَات، ورَمَضَانَات وسُؤَالات وجَمَادَات، وتقول أيضاً في جمع صحِيفة صحائف وفي جمع رسالة رسائل، وفي جمع مِئْزَر مآزر، وفي جمع مِلْحَفَة مَلاحِف، وفي جمع الضفدع ضَفادع، وفي جمع الخُنْفُس خنافس. الثامن: فَواعِل، جمع فَاعِل، تقول، ناظر ونواظر، وحاجر وحواجز. خاتمة: في جموع الصفات: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 الفاعل يجمع على الفاعِلين في الأغلب، والفُعَّال، والفَعَلة، تقول: كافر، وكافرون [وكفار] (319) وكفرة والله أعلم الفصل الثالث: في بيان التصغير وأبنية (320) التصغير ثلاثة، فعيل، نحو، فليس، وفعيعل نحو: دريهم، وفعيعيل نحو: دنينير. وتصغير الأسماء على خمسة أنواع: تصغير الثلاثي، وتصغير الرباعي، وتصغير الخماسي، وتصغير المبهمات، وتصغير جمع التكسير. النوع الأول: تصغير الثلاثي، نحو عَبْد وعُبَيْد، وقَمَر وقُمَيْر، وفي فَتى فُتَيّ، وفي ظَبي ظُبَيّ، وفي جَدِي جُدَيّ. وإذا كان الاسم مؤنثاً على أكثر من ثلاثة أحرف لم تدخل الهاء في التصغير، فلا يقال في عقرب: عُقيربة، وإنما يقال عُقَيرب (321) . الثاني: تصغير الرباعي، تقول في جعفر: جُعيفر، وفي فِلفل فُليفل. الثالث: تصغير الخماسي نحو قولك في سفرجل: سُفَيْرج بحذف الآخر، وفي مصباح مُصيبيح، وفي قنديل قُنيديل وفي عصفور عُصيفير، وفي سكين سُكَيْكين، وفي سلطان سُلَيْطين، وفي حضرموت حُضَيْرموت، وفي بعلبك بُعيلَبك، ونحو ذلك (322) . الرابع: تصغير المبهمات، تقول في ذا، وهذا، ذ َيَّا وهَذ َيَّا للمذكر. وللمؤنث: تَيَّا وهَاتَيَّا، وفي التثنية هَذ َيَّان وهَاتَيَّان، وقس على ذلك (323) . ولا تصغر المضمرات من الأسماء البتة، نحو: أنت وهو، وأمس، وغدا، والبارحة، وعند، وأين، ومتى، وكيف وأسماء أيام الأسبوع، وشهور السنة لا يصغر شيء منها (324) . والله أعلم. النوع الخامس: تصغير جموع التكسير نحو: كلاب، وجمال، فتقول: أجَيْمِل وأكَيْلِب (325) وتقول في جمع: مساجد، ومصابيح، مُسَيْجدات، ومُصَيْبحات (326) ، وفي تصغير (327) السنين والأرَضين: سُنَيات وأرَيْضات (328) . والله أعلم. الفصل الرابع: في بيان النسب إذا نسبت شيئاً إلى شيء زدت في آخره ياء مثقلاً. والنسب على وجهين: مسموع ومقيس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 فالمسموع: نحو قولهم في النسبة [إلى] (329) العالية علوي (330) ، (وإلىالشتاء شَتوي (331) ، وإلى الزوج زوجاني) (332) ، وإلى الرب رباني، وإلى اللحية لحياني (333) ، وإلى الرازي رازيّ، وإلى الطائي طائي (334) ، وإلى اليمن يماني بغير تشديد (335) . وأما المقيس: فكقولهم في النسبة إلى زيد زيدي، وإلى خالد خالدي، وإلى أسد أسدي، وفي النسبة إلى النمر نمري وإلى الشعر شعري، وإلى ثعلب ثعلبي. وتقول في النسبة إلى الرحا رحَوي، وإلى القفا قفوي (336) ، وتقول في النسبة إلى نحو: حنيفة حَنَفِي، وإلى ربيعة رَبَعِي (337) ، وإلى جُهينة جُهَني (338) ، وتقول في النسبة إلى عيسى عِيْسَوي، وإلى موسى مُوْسَوي - وإلى الدنيا دُنْيوي (339) ، وتقول في النسبة إلى طلحة طلحي، وإلى الكوفة كوفي، وإلى البصرة بصري، وتقول في عماد الدين وفخر الدولة وتاج الملك، عمادي وفخري وتاجي، وتقول في النسبة إلى أبي بكر بكري، وإلى الزبير زبيري (340) ، وإلى حضرموت حضرمي (341) ، والله أعلم. • • • خاتمة الكتاب: وهي حاوية (342) لجميع ما في الكتاب، لأنه كله يرجع إليها لمن حسن تأمله. اعلم يا أخي أن كلام العرب كله يدور على ثلاثة أقطاب، وهي: الفاعلية، والمفعولية، والإضافة، ورتبة الفاعل (التقدم، ورتبة المفعول التأخير، والمضاف يكون بينهما، واستحق الفاعل) (343) الضمة؛ لأنها أخت الواو وهي من الشفة والمضاف الكسرة؛ لأنها أخت الياء وهي من وسط الحلق (344) ، واستحق المفعول الفتحة لأنها أخت الألف وهي من أقصى الحلق (345) . مثال كون المضاف واسطة: ضرب غلامُ زيدٍ جارية َ بكرٍ، والله أعلم. القطب الأول: الفاعلية: وكل مرفوع عائد إليها إما لكونه، فاعلاً، أو مشابهاً للفاعل (346) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 والفاعل هو: كل اسم اسند إليه الفعل نحو قولك: قام زيد، وطاب الخبز، ولم يقم عمرو، ودخل في ذلك مفعول مالم يسم فاعله؛ لأنه أقيم مقام الفاعل، ولذلك ارتفع (347) كما يرتفع الفاعل، كقولك: ضُِربَ عمرو (348) ، وسِيْقَ البعير، ونحوهما. ودخل في ذلك أيضاً المبتدأ؛ لأنه خبر عنه كالفاعل، نحو: قَامَ زيدٌ، وخَرَجَ عمروٌ، إلا أن خبر المبتدأ يكون بعده، عكس الفاعل، فتقول: زيدٌ قائمٌ، وعمروٌ خارجٌ. ودخل فيه أيضاً اسم (كان) وأخواتها، نحو قولك: كان زيد قائماً، يعني فيما مضى، (فأقمت (كان) مقام قولك فيما مضى) (349) ، فأعملت عمل الأفعال، فرفع المبتدأ بها، ونصب الخبر، فقيل: كانَ زيدٌ قائماً، كما قيل: ضرب زيد عمراً؛ لأنها فعل مثل (350) (ضرب) وإن كانت تدل على الزمان دون المعنى، و (ضرب) يدل على المعنى (351) والزمان معاً. ودخل في ذلك أيضاً خبر (إن) وأخواتها نحو: إن زيداً قائم؛ لأن الاسم يشبه المفعول، والخبر الفاعل، وقال بعضهم غير ذلك (352) . القطب الثاني: المفعولية: وكل منصوب عائد إليها إما لكونه مفعولاً أو مشابهاً للمفعول أو مشابهاً للمشابه للمفعول. فأما المفعول فيكون على خمسة أقسام: الأول: مفعول به، وهو ما وقع به الفعل المسند إلى الفاعل، نحو: ضربت زيداً. الثاني: مفعول فيه، (وهو ما وقع الفعل فيه) (353) ، ويسمى ظرفاً، نحو: سرت اليوم، وجلست عندك، وهو منصوب بنزع الخافض (354) . الثالث: المفعول له، وهو ما وقع الفعل لأجله ولسببه، نحو قولك: جئتك ابتغاء الخير، وهربت خوف الأسد. الرابع: مفعول معه، وهو ما اجتمع مع الفاعل على الفعل، نحو قولك: استوى الماء والخشبة. الخامس: مفعول مطلق، وهو المصدر، وسمي مصدراً مطلقاً؛ لأنه هو المفعول الحقيقي الذي أحدثه الفاعل وأوجده بعينه، كالماء الذي يصدر عنه الإبل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 ومن المنصوب العائد إلى المفعولية التعجب، كقولك: ما أحسن زيداً، ففي (أحسن) ضمير يعود إلى (ما) ، ومحل (ما) مرفوع بالابتداء. ومنه أيضاً المنادى، نحو: يا عبد الله، ويا رجلاً عاقلاً، وهما منصوبان بفعل مضمر يقوم مقامه (355) ، التقدير: أنادي عبدَالله، وأدعو رجلاً عاقلا، وما كان من المنادى مفرد (356) ، فمبني على الضم، نحو: يا زيدُ، وبيانه أن حق المنادى أن يكون ضميراً كالمخاطب، فقولك: يازيدُ، تقديره: ياك، فلما وضع الاسم المتمكن موضع الكاف بني على الضم نظير حروف الغاية، نحو قولك: من قبل ومن بعد، ومنه أيضاً الإغراء والتحذير، نحو قولك للرجل: الطريق الأسدَ (357) الأسدَ، ومنه قوله تعالى: } نَاقَة َاللهِ وَسُقْيَاهَا} (358) ، تقدير ذلك: خَلِّ الطريقَ (359) ، واحذر الأسدَ، واحذروا ناقة َ الله وسقياها. ومنه أيضاً المستثنى، نحو: جاء القوم إلا زيداً، (أي: أستثني زيداً) (360) فهو ملحق بالتمييز؛ لأنك أخرجته من القوم وصار بالاستثناء مميزاً عنهم. وأما المشابه للمفعول، فكخبر (كان) وأخواتها، واسم (إن) وأخواتها، كما مرّ. ومنه التمييز كقولك: فلانة أحسن الناس وجهاً، (فالوجه مشابه للمفعول) (361) ، وكذلك نحو: عشرون درهماً مشابه (362) للضاربين زيداً، ويقال للتمييز مفعول فيه. ومنها أيضاً الحال، نحو قولك: جئت راكباً، مشابه للمفعول فيه من أجل أن المختار في الظروف الفتح، لكن لا يخفى أن الحال أضعف نصباً من المفعول؛ لأن العامل فيها الفعل الذي لا يتعدى إلى مفعول به، ويقال للحال مفعولاً عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 وأما المشابه للمشابه للمفعول، فكقولك في نفي النكرة: لا رجلَ في الدار، العامل في (الرجل) (لا) وهي ملحقة ب (أنَّ) ؛ لأنها نقيضتها، وذلك لأن حرف (لا) يقتضي النفي، وحرف (أنّ) يقتضي الإثبات، فوجب أن تنصب الأسماء كما تنصبها، وإنما بُني الاسم مع (لا) ؛ لأنه جواب كقول القائل: هل من رجل في الدار، فتقول: لا من رجل في الدار، فلما حذف (من) تضمن الكلام معنى الحرف، والحروف كلها مبنية، وقيل (الرجل) مع حرف (لا) مشبه ب (خمسَة عشر) و (حضرَ موت) ونحوها، ولهذه العلة امتنع من التنوين، وهذا القسم يعود إلى المفعول به فافهم (363) . القطب الثالث: الإضافة: وكل مجرور عائد إليها، والإضافة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: إضافة اسم إلى اسم، نحو: ذا زيد، وغلام عمرو. والثاني: إضافة ظرف إلى اسم، نحو: عند ربِّك، وتحت زيدٍ، وفوق سطحٍ، ويوم الجمعةِ. والثالث: إضافة معنى إلى اسم، وذلك لا يحصل إلا بحروف المعاني، نحو: جئت من البصرة إلى الكوفةِ، وفي الدارِ زيد، وعلى السطح ِ عمرو، ومع زيدٍ سيف؛ ف (من) لابتداء الغاية، و (إلى) انتهائها (364) ، و (في) للظرف، و (على) للاستعلاء، و (مع) للمصاحبة. هذا قياس جميع أبواب النحو، فامتحن بذلك ما شئت من أبواب النحو تجده راجعاً إلى هذه الخاتمة، والله تعالى (365) أعلم. وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم (366) على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين. وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة المباركة في يوم الثلاثاء المبارك سابع شهر جمادى الآخر، سنة ست وثلاثين من الهجرة النبوية (367) ، على يد الفقير، أحمد بن علي العطيوي الشعرواي خرقة وتلميذاً ووطناً، غفر الله له ولوالديه ولمن دعا له بالمغفرة، ولسائر المسلمين والمسلمات آمين، اللهم آمين (368) . الهوامش والتعليقات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 لطائف المنن والأخلاق، للشعراني: 1/32. المصدر السابق: 1/5، 32. انظر: معجم المؤلفين، لعمر كحالة: 4/218، الأعلام للزركلي: 4/331. انظر السابق. انظر: لطائف المنن: 1/32 - 33. انظر: مقدمة محققي كتاب: الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية للشعراني:8. انظر: شذرات الذهب، للحنبلي: 8/372 - 373. انظر: الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار، للشعراني: 1/114. انظر: لطائف المنن: 1/33. انظر: لطائف المنن: 1/34 - 35، 49، والكواكب السائرة في أعيان المئة العاشرة للغزي: 3/176 - 177 شذرات الذهب: 8/372 - 373. انظر: شذرات الذهب: 8/374. الكواكب السائرة: 3/177. انظر: مقدمة كتاب: أسرار أركان الإسلام: 19. هدية العارفين للبغدادي: 5/641. انظر: شذرات الذهب: 8/373، هدية العارفين: 5/641، الأعلام: 4/331. انظر: شذرات الذهب: 4/374، هدية العارفين: 5/641. ما بين القوسين سقط من (ب) . في (أ) : الحمد لله، وقد أثبت ما في (ب) للتوافق في العطف بين أحمد، وأشهد. تكرر رسمها في هذا الموضع والمواضع التي تليه من (ب) : الفقهاء، وهو تحريف، وما أثبته من (أ) ، وهو المراد لأن مصطلح الفقراء يتداوله المتصوفة كثيراً، ولأنهم هم الذين لا يعتنون بإصلاح اللسان. هو علي بن عبد الله … بن هرمز، أبو الحسن الشاذلي المغربي، وشاذلة قرية من أفريقية، شيخ الطائفة الشاذلية من المتصوفة، وصاحب الأوراد المسماة (حزب الشاذلي) ، له رسالة: الأمين، والسر الجليل في خواص حسبنا الله ونعم الوكيل، ولابن تيمية رد على حزبه، توفي في صحراء عيذاب في طريقه إلى الحج، ودفن هناك في ذي القعدة سنة 656هـ. انظر: الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار 20/4، والأعلام: 5/120. النص من قوله: (كما عليه..: في نفوسهم) غير واضح في (ب) . في (ب) : الاثنا. سقطت من (ب) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 في (ب) : وهو حد الاسم عند جمهور النجاة: مادل على معنى في نفسه، ولم يقترن بزمان. وماذكره المصنف قريب من حد الأخفش الذي ذكره الزجاجي، وهو علامة من علامات الاسم. انظر الأصول في النحو: 1/36، 37، الإيضاح في علل النحو للزجاجي: 49 شرح المفصل: 1/22، شرح ابن عقيل: 1/15، 16، 21، الهمع: 1/7، 11. الرفع والنصب والجر أنواع الإعراب وألقابه، وأضاف النحاة - عدا الكوفيين والمازني - الجزم، وأما حركاته فهي الضمة والفتحة والكسرة، وللجزم السكون. انظر شرح الجمل لابن عصفور: 1/104 - 105، الهمع: 1/64 - 66. ما بين المعكوفين زيادة يقتضيها السياق، أضافها أحد الشراح في هامش الكتاب. يرى النحاة أن الضم والفتح والكسر بالنسبة للبناء ألقاب؛ لأنها ألقاب الحركات في نفسها، وأضافوا الوقف إذا خلى آخر الكلمة من الحركة. ما بين القوسين سقط من (ب) . أضاف النحاة اسماً سادساً هو: هنو، يكنى به عما يستقبح ذكره أو يستعاب. وأنكر الفراء مجيئه على الإتمام فيأتي على لغة القصر فقط، يقال: هن بالحركات. انظر: شرح المفصل: 1/51، وشرح ابن عقيل: 1/49. سقطت من (ب) . حركت نون المثنى، لالتقاء الساكنين خصت بالكسر لوجهين. أحدهما أن الأصل في التقاء الساكنين أن يحرك أحدهما بالكسر، والآخر: للفرق بينهما وبين نون الجمع - المحرك بالفتح. وهناك أقوال أخرى، انظر شرح المفصل: 4/141، شرح الجمل: 1/150، وشرح التسهيل لابن مالك: 1/72 والأشباه والنظائر: 1/194. ما بين المعكوفين زيادة يستقيم بها النص، لأن الكلمات: عصا، وقفا، ورحى، وهدى التنوين يدخل عليها لأنها منصرفة، أما حبلى فغير منصرفة. في (ب) : فالأمثال. الدخان من الآية: 41. الأحقاف، من الآية: 31. لأنها معربة. سقطت من (ب) . انظر الخلاف في حد الممنوع من الصرف في شرح المفصل: 1/58، الهمع: 1/76. في ب: (وصف) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 في (أ) و (ب) : (بعدها) ، والصحيح ما أثبت. ورد البيتان في أسرار العربية للأنباري: 307 وفي ألفية ابن مالك، انظر شرح ابن عقيل: 2/321. في ب: فكل ما يجتمع. بشرط ألا يقبل هذا الوزن التاء، وأن تكون الوصفية أصلية لا عارضة. انظر: شرح الجمل: 2/210، والهمع: 1/100. اختلف النحاة في شرط ما جاء صفة في آخره ألف ونون زائدتان، على ثلاثة آراء. الأول: أن يكون مؤنثه على فعلى، وهو ما ذهب إليه المصنف. الثاني: ألا يكون مؤنثه على فعلانه. الثالث: جمع بين الرأيين. انظر ما ينصرف ومالا ينصرف: 46، أوضح المسالك: 4/118، الهمع: 1/96 حاشية الصبان 3/174. يريد أن ألفاظ العدد المعدولة عن (فعال) و (مفعل) والمسموع منها من واحد إلى أربعة باتفاق يقال فيها: أحاد وموحد وهو قليل وثناء ومثنى، وثلاث ومثلث، ورباع ومربع. وأضاف بعضهم خماس ومخمس وعشار ومعشر. واختلف فيما عدا ذلك بين السماع والقياس، فذهب البصريون إلى أنه لا يقاس عليها وأجازه الكوفيون والزجاج وأجاز بعضهم القياس على (فعال) دون (مفعل) . انظر الخلاف بالتفصيل في: ما ينصرف وما لا ينصرف: 59، وشرح الجمل: 2/219، أوضح المسالك: 4/122 الهمع: 1/83. ومما منع من الصرف للعدل والوصف: أخر على وزن فعل، جمع أخرى مؤنث آخر وذلك في حال تنكيره فقط، أما في حال تعريفه فينصرف لذا لم يذكره المصنف لأنه في معرض الحديث عما لا ينصرف في النكرة والمعرفة. انظر ما ينصرف وما لا ينصرف: 54، شرح المفصل: 1/62، أوضح المسالك: 4/123. فاطر، من الآية: 1، وقوله تعالى: (مثنى وثلاث ورباع) زيادة من القرآن الكريم يقتضيها السياق، لأنها موضع الشاهد. ذهب المصنف إلى أن مانع الصرف مع ألفي التأنيث المقصورة أو الممدودة علتان، وهذا مخالف لما ذهب إليه جمهور النحاة في أن العلة واحدة، وهي: ما فيه ألف التأنيث مطلقاً، مقصورة كانت أو ممدودة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 انظر ما ينصرف وما لا ينصرف: 6 37، شرح المفصل: 1/59، شرح الجمل: 2/215 الهمع: 1/78. في (أ) : (ألف) بالرفع، والصحيح ما أثبت من (ب) . اتفق النحاة على أن إحدى العلتين الجمع، واختلفوا في العلة الثانية على ثلاثة آراء: الأول: خروجه عن صيغ الآحاد العربية، وهو مذهب أبي علي، ورجحه ابن مالك. الثاني: تكرار الجمع، اختاره ابن الحاجب، وبه قال المصنف. الثالث: جمع بين الرأيين السابقين، وهو قول ابن يعيش. انظر: شرح المفصل: 1/63، شرح الكافية: 1/54، وشرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ 850، حاشية الصبان: 3/183. في (أ) و (ب) : (أساوير) ، والصحيح ما أثبته، انظر: اللسان (سور) ومصادر أخرى. ذكر اللغويون أن أعاريب جمع أعراب وعرب، وعليه لعل الهاء في (جمعها) تعود على جمع مفرد أعاريب وهو (أعراب) . انظر التهذيب (عرب) : 2/360، والصحاح، واللسان: (عرب) في (ب) : (العلمية) . ما بين القوسين سقط من (ب) . من زفر الحمل: أي حمله، والزُّفْر: السيد الشجاع، وبه سمي الرجل زُفَر، لقوته في حمل الأشياء، اللسان (زفر) . أضاف بعض النحويين إلى هذه الأقسام الستة قسماً سابعاً، وهو: ما كان المانع من صرفه مع العلمية ألف الإلحاق المقصورة مختوماً بها، نحو عَلْقى، وأرْطى علمين. انظر: أوضح المسالك: 4/128، حاشية الصبان: 3/198. حكم المصنف على كل ما جاء علماً ثلاثياً ساكن الوسط بحكم واحد وهو: جواز الصرف ومنعه مخالفاً بذلك جمهور النحاة فيما جاء علماً ثلاثياً ساكن الوسط أعجمياً إذ ذهبوا إلى صرفه. قال سيبويه "وأما نوح وهود ولوط فتنصرف على كل حال لخفتها" الكتاب:3/35، 240، 241 وأما العلم الثلاثي الساكن الوسط المؤنث، نحو: دَعْد وهِنْد ففيه مذاهب: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 - الأول: يجوز المنع والصرف، قال أبو علي " فترك الصرف لاجتماع التأنيث والتعريف، والصرف لأن الاسم على غاية الخفة فقاومت الخفة أحد السببين " الإيضاح العضدي: 307، هو رأي سيبويه والجمهور، وقد جود سيبويه المنع ووافقه ابن جني وابن هشام والسيوطي .... - الثاني: يجب المنع، وهو قول الزجاج، قال: " أما ما قالوه من أنه لا ينصرف فحق صواب وأما إجازتهم صرفه.. وهذا خطأ " ما ينصرف وما لا ينصرف: 68. وانظر أوضح المسالك: 4/125، الهمع: 1/104، 108، حاشية الصبان: 3/191. لاجتماع علتى التعريف والتأنيث. لأن الإضافة والألف واللام من خصائص الاسم فيبتعد بهما عن الأفعال. ذهب أكثر النحويين المتقدمين كسيبويه والزجاجي والفارسي وغيرهم إلى أن أقسام المعرفة خمسة، وهي كما ذكرها المصنف، ولكن النحويين أدخلوا الاسم الموصول تحت قسم المبهم، أما المصنف فلم يشر للاسم الموصول في ذكره لأنواع المعارف، وكأنه بذلك يتبع ابن بابشاذ الذي جعل المعارف خمسة ليس منها الاسم الموصول. وقيل: المعارف ستة، وقيل: سبعة على خلاف. وقد أغفل المصنف المنادى، لأن النكرة المقصودة تتعرف بالنداء، فهي إذاً من أنواع المعارف. انظر الكتاب: 2/5، الجمل: 178، الإيضاح العضدي: 289، شرح المقدمة المحسبة لابن بابشاذ 1/170، شرح التسهيل: 1/115، 116، الهمع:1/190. أعطى المصنف تقسيماً للعلم بحسب معناه، وأضاف النحاة لهذا التقسيم: اللقب، وهو ما أشعر بمدح أو ذم وللعلم تقسيمات كثيرة بثها النحاة في مؤلفاتهم. انظر شرح ابن عقيل: 1/119، والهمع: 1/245 ما بين المعكوفين زيادة من (ب) يقتضيها السياق. في (أ) : (شُمَيْسَة، أريضة، دويرة) بدون واو. انظر المذكر والمؤنث لأبي بكر الأنباري: 1/213، اللسان: (أرض) (شمس) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 والثدي، والمنكِب، والكُوع، والشفر (حرف الجفن) ، والحِجَاج (العظم المشرف على غار العين) ، والمأق (طرف العين الذي يلي الأنف وهو مخرج الدمع من العين) … .وغير ذلك. انظر المذكر والمؤنث 1/: 335 343. هناك من الأعضاء ما ليس له ثان، ومع ذلك هو مؤنث، نحو الكَبِد، والكَِرش انظر: المذكر والمؤنث 1/: 348، 381. العِذار: الشعر النابت على جانبي اللحية. اللسان (عذر) . انظر حالات جواز إلحاق التاء للفعل مع الفاعل المؤنث وغيره بالتفصيل في شرح ابن عقيل 1/477 483. في حد الفاعل عند المؤلف أمران: الأول: أنه اكتفى بالقول أنه الاسم المسند إليه الفعل دون ذكر المشتقات الأخرى، لأن الفعل هو الأصل، والمشتقات فرع عنه بدليل أنها عملت لمشابهتها له. الثاني: أنه سار على مذهب البصريين في منع تقديم الفاعل على الفعل. انظر: الكتاب: 1/33، وشرح المفصل: 1/74، وشرح الجمل: 1/157، الارتشاف: 179، الهمع: 2/253. القمر، الآية: 41. يجب تقديم الفاعل على المفعول إذا خيف اللبس، وذلك إذا خفي الإعراب فيهما ولم توجد قرينة يتبين أحدهما من الآخر، هذا موضع من مواضع الوجوب مثل له المصنف. وانظر المواضع الأخرى بالتفصيل في شرح ابن عقيل: 1/487 489. المائدة من الآية: 23. المؤمنون، الآية: 1. الأنبياء، من الآية: 3. أخذ المصنف بوجه الرفع لقوله (الذين) من الآية، على أنه مبتدأ مؤخر، والجملة قبله خبر مقدم، وقد عزى هذا التوجيه للكسائي، وفي رفعه وجوه أخرى، وجاز فيه النصب والجر. انظر هذه الوجوه بالتفصيل في: البيان: 2/158، شرح التسهيل: 2/116، البحر: 6/297، الدر المصون: 8/132 في (أ) و (ب) : (متعدي) ، والصحيح ما أثبت. الفجر، من الآية: 23. في العبارة اضطراب، وتوجيهه من أحد وجهين: الأول: لعلة اضطراب في النسخ، وعبارة المصنف في الأصل: " وقائم رفع بالابتداء" الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 وعليه يكون قد سار على مذهب الأخفش والزمخشري وابن يعيش في أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء. الثاني: أن المؤلف بعبارته لا يريد العامل في المبتدأ والخبر، إنما مراده، الموضع الإعرابي ل (زيد) و (قائم) . انظر: شرح المفصل: 1/85، الارتشاف: 2/28، الهمع: 2/8. النور، من الآية: 1. ما بين القوسين سقط من (ب) . يوسف، من الآية: 18 ومواضع أخرى. بهذين الشاهدين القرآنيين جمع المصنف بين حذف المبتدأ جوازاً كما في الشاهد الأول لوجود دليل يدل عليه وبين حذفه وجوباً كما في الثاني لكون الخبر مصدراً نائباً مناب الفعل انظر هذه المواضع بالتفصيل في: شرح قطر الندى: 125، وشرح ابن عقيل: 1/255. في (أ) : (وعمر) . ما بين القوسين سقط من (ب) . ذهب المصنف مذهب الكوفيين في أن المبتدأ مرفوع بالخبر، أو بالراجع إليه من جملة الخبر، وذهب البصريون إلى أن المبتدأ مرفوع بالابتداء. ويجوز في (زيد) من زيد ضربته ... الرفع والنصب، والمختار الرفع انظر الإنصاف: 1/ 49. انظر: الإنصاف:1/549، وشرح المفصل:2/32، شرح ابن عقيل:1/528، الهمع:5/157. النور، من الآية: 1 النازعات، من الآية: 27. في (أ) : (ونحوها) . وهو رأي البصريين، وذهب الكوفيون إلى إلغاء شبه (ما) ب (ليس) . انظر المسألة بالتفصيل في الإنصاف: 1/165. يوسف، من الآية: 31 المجادلة، من الآية: 2 أجاز يونس والشلوبين النصب مع (إلا) مطلقاً. وقد اقتصر المصنف على ذكر شرط واحد لإعمال (ما) عمل (ليس) ، واشترط النحاة لإعمالها هذا العمل أربعة شروط وبعضهم ستة. انظر شرح المقدمة المحسبة لابن با بشاذ:2/324، ابن عقيل:1/303، الهمع:2/110. القمر، من الآية: 50 في (أ) : (لما) ، وفي (ب) : (أيما) ، ولعل ما أثبته هو المراد، اعتماداً على ما سيرد لاحقاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 لم يرد خلاف بين النحاة فيما بين يدي من مصادر في إعمال هذه الحروف والظروف عدا (لولا) فقد اشتهر الخلاف في العامل في الاسم المرفوع بعدها، فذهب البصريون إلى أنه مرفوع بالابتداء وذهب الكوفيون إلى أنه مرفوع ب (لولا) . انظر الخلاف مفصلاً في الإنصاف: 1/70. في (أ) : (عمر) . يبطل عمل (إن) وأخواتها بدخول (ما) عليها وتصبح حروف ابتداء عدا (ليت) فإنه يجوز فيها الإعمال والإهمال والإعمال أحسن. انظر شرح المفصل: 8/54، 58، الجنى الداني: 380، والهمع: 2/189. التوبة، من الآية: 60. الذاريات، من الآية: 12. في (ب) : (رأيت زيداً حيث … … ) . البقرة، من الآية: 125. الليل، الآية: 1. النصر، من الآية: 1. قال المصنف: والمعنى: إذا جيء، والصواب ما أثبت، لأنه يريد الاستقبال. الأنفال، من الآية: 49. (إذا) للاستقبال لا تخرج عنه، و (إذ) للمضي هو رأي الجمهور، وذهب جماعة منهم ابن مالك إلى أن (إذا) تخرج عن الاستقبال للمضي، و (إذ) تخرج للاستقبال، وكان رد الجمهور على حجج من أخرج (إذ) للاستقبال أنها من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة ما وقع. انظر: المغني: 129، 113، الهمع: 3/179، 172. وافق المصنف البصريين في أن هذه الحروف عملت فيما بعدها الرفع والنصب لشبهها بالأفعال، وقد فصل النحاة في وجوه هذا الشبه. وذهب الكوفيون إلى أنها تعمل في الاسم النصب ولم تعمل في الخبر الرفع، بل هو مرفوع على حاله. انظر شرح المفصل: 1/102، شرح الجمل: 1/422، شرح التسهيل: 2/5، 8. اختلف النحاة في (كأن) أبسيطة هي أم مركبة؟ فذهب قلة من النحاة منهم أبو حيان إلى أنها بسيطة لا تركيب فيها، وقال بتركيبها أكثر النحويين، منهم الخليل وسيبويه والأخفش وجمهور البصريين، والفراء وغيرهم. انظر: الكتاب: 2/171، شرح الكافية: 2/360، الجنى الداني: 581، المغني: 252، الهمع: 2/148، 151 152. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 في (أ) : إن في الدار زيداً ذاهب، وعليه يكون المتقدم معمول الخبر وليس الخبر. التوبة، من الآية: 3. ما بين المعكوفين سقط من النسختين، والعبارة مرادة بدليل وجودها في التقدير. يقصد بالمرفوع في هذه الأمثلة: فاعل (نعم) ، و (بئس) إذا كان ظاهراً معرفاً ب (أل) أو مضافاً إلى ما فيه (أل) أو كان ضميراً مستتراً. انظر: الجمل 1/600، الهمع: 5/29، 33. الكهف، من الآية: 5، وهي شاهد على حذف المخصوص بالذم، و (كلمة) منصوبة على التمييز مفسرة لهذا المحذوف، والتقدير: كبرت الكلمة كلمة.. انظر: البحر: 6/97، والدر المصون: 7/440. وهو قول سيبويه. انظر الكتاب: 2/180، شرح التسهيل: 3/23، اللسان (حبب) . النساء، من الآية: 84. مريم، من الآية: 90. جزء من حديث، نصه كاملاً: (كادت النميمة أن تكون سحراً، وكاد الفقرأن يكون كفراً) . قال ابن الجوزي: (هذا حديث لا يصح عن رسول الله () . وقال المباركفوري: ضعيف جداً. وقد أخرجه العُقيلي وابن الجوزي والشهاب القضاعي. انظر الضعفاء للعُقيلي:4/206، والعلل المتناهية لابن الجوزي:2/805، مسند الشهاب القضاعي:1/342، وتحفة الأجوذي شرح سنن الترمذي للمباركفوري:7 /17، وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني:4/377. يوسف، من الآية: 66. الرعد، من الآيتين: 23، 24. وانظر توجيه الآيتين في شرح الجمل: 2/464، الدر المصون: 7/44. سقطت من (ب) . سقطت من (ب) . اقتصر المصنف هنا على أفعال القلوب التي تدل على اليقين وعلى الرجحان، وهو ما مثل به عليها، ولم يشر لأفعال التحويل مثل: صير، وجعل التي بمعنى صير واتخذ.. وغيرها من الأفعال التي تنصب مفعولين. ما بين القوسين سقط من (ب) . البقرة، من الآية: 19. في (أ) : (فتكون لام السبب مقدراً) ، وفي (ب) : (فيكون لام السبب مقدرة) وما أثبته هو الصحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 قيل: سمي مفعولاً مطلقاً لدلالته على زمان مطلق بخلاف الفعل الذي يدل على زمان معين ومقيد، وقيل: سمي كذلك لعدم تقييده بحرف كالمفعول به، وله، وفيه، ومعه. انظر: الأصول: 1/137، الإنصاف: 1/237، شرح الكافية: 2/192، الهمع: 3/94. ذهب المصنف مذهب البصريين في أن المصدر أصل الاشتقاق، وخالف الكوفيين الذين ذهبوا إلى أن الأصل الفعل. انظر المسألة بالتفصيل في الإنصاف: 1/235. في (أ) : (يصدر.. ويذره) . سقطت من (ب) . العَزَب: الذي لا أهل له، اللسان (عزب) . الحَزْن: ما غلظ من الأرض وكان وعراً، وهو ضد السهل، اللسان (حزن) . قال ابن الجوزي عن هذا الحديث وأحاديث أخرى: (وهذه الأحاديث ليس فيها ما يثبت عن رسول الله () . وأخرجه الحارث، والبزار، والطبراني، والحاكم، والشهاب القضاعي. الغِبّ: الزيارة يوماً بعد يوم، وقيل: بعد يومين، وقيل: كل أسبوع، اللسان (غبب) وهو مثل يضرب في تكرر الزيارة وكثرتها فتؤدي إلى البغضاء والخصام، وأول من قال به: معاذ بن صِْرم الخُزاعي، وهو فارس خزاعة. انظر العلل المتناهية:2/739743، وانظر مسند الحارث للحارث بن أبي أسامة:2/863، مسند البزار:9/381 المعجم الكبير للطبراني:4/21، المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد الله النيسابوري: 3/390، مسند الشهاب القضاعي: 1/366، وانظر المثل في مجمع الأمثال: 1/408. في (أ) : (وما في معناه) . في (أ) : (خلف) ، وأثبتها (نحو) استناداً لما تقدم في النسختين. هود، من الآية: 72، وقد سقطت الواو من النسختين. البقرة، من الآية: 91. هود، من الآية: 77. الكهف، من الآية: 34. آل عمران، من الآية: 91. مثنى، مفرده قفيز، وهو نوع من المكاييل، اللسان (قفز) . مثنى، مفرده (منا) وهو نوع من الموازين، اللسان (مني) . في (أ) : (عند) . يوسف، من الآية: 4. النساء، من الآية: 45. الفرقان، من الآية: 31. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 البقرة، من الآية: 249. أضاف النحاة أدوات أخر، نحو: ليس، ولا يكون، وعند بعضهم: بيد، ولا سيما. انظر ذلك في شرح المفصل: 2/77، 78، 83 85، شرح الجمل: 2/248،249 الهمع: 3/282 291. في (أ) (مجرور) بالرفع. هذا على رأي سيبويه وجمهور البصريين، وحكى الكوفيون والأخفش: (آ) بالمد حرف من حروف النداء، وحكى الكوفيون أيضاً (آي) بالمد والسكون، وأجاز بعض النحويين أن ينادى ب (وا) في غير المندوب. انظر: الجنى: 249، 346، 398، المغني: 29، 482، الهمع: 3/36. يريد أن المنادي يكون منصوباً إذا كان نكره غير مقصورة أو شبيهاً بالمضاف أو مضافاً على حسب تمثيله. آل عمران، من الآية: 64 ومواضع أخرى. يريد: يبنى على ما يرفع به، ففي حال الإفراد وجمع التكسير وجمع المؤنث يبنى على الضم، والضم هو الأصل وغير الضم نائب عنه، وفي التثنية يبنى على الألف … … . وهكذا. سقطت من (ب) . في (ب) : (قال) . عبد الله بن مسعود بن غافل، أبو عبد الرحمن الهذلي المكي، أحد السابقين إلى الإسلام، صحابي جليل عرض القرآن على النبي (، كان إماماً في القرآن وترتيله وتحقيقه (ت:32هـ) . انظر: الإصابة: 4/198، طبقات القراء: 1/458. الزخرف، من الآية: 77. قرأ الجمهور الآية: (يَا مَالِكُ) ، وقرأ علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وابن وثاب والأعمش: (يامال) على لغة من ينتظر الحرف، وقرأها أبو السرار الغنوي (يامالُ) بالبناء على الضم. انظر: المحتسب: 2/257، الكشاف: 3/496، والبحر: 8/28. في (أ) و (ب) : (يريدوا) والصواب ما أثبت. في (أ) و (ب) : (قوله) ، ولعل الصواب ما أثبت. في (أ) : (يا فطم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 يرخم العلم إذا كان زائداً على ثلاثة أحرف غير مختوم بتاء بحذف الحرف الأخير منه، كما في مالك وحارث وجعفر، وإذا كان مفرداً مختوماً بناء التأنيث فإنه يرخم بنفس الطريقة دون اشتراط في عدد الأحرف أو العلمية كما مثل المصنف: طلحة وفاطمة وغيرها. ويرخم المنادى بحذف حرفين من آخره إذا كان ما قبل الأخير حرفاً ساكناً زائداً معتلاً وسبق بثلاثة أحرف فما فوقها نحو: منديل ومروان. انظر شرح التسهيل: 3/421، أوضح المسالك: 4/581. صرح المصنف لإعمال (لا) النافية للجنس عمل (إن) بشرط واحد، وهو عدم وجود الفاصل بينها وبين اسمها ويفهم الشرطان الآخران وهما الدلالة على نفي الجنس، وكون معموليها نكرتين من كلامه ومن أمثلته وشواهده وأضاف النحاة شروطاً أخرى لإعمالها نحو: عدم تكرارها. انظر: الارتشاف: 2/164. الصافات، من الآية: 47. سقط هذا النوع بكامله من النسخة (ب) ، فأتت المنصوبات في هذه النسخة أربعة عشر نوعاً فقط. المائدة من الآية: 105، والمعنى: احفظوا أو الزموا أنفسكم. انظر الإملاء لأبي البقاء العكبري: 1/228، والدر المصون: 4/451. تكررت (دونك) في (أ) . اكتفى المصنف في التمثيل للإغراء بوجه واحد وهو: أسماء الأفعال؛ عليك بمعنى الزم، ودونك بمعنى خذ، ولم يشر للإغراء بالتكرار أوالعطف، نحو:أخاك أخاك، وأخاك والإحسان إليه. انظر: أوضح المسالك: 4/79، 85، شرح ابن عقيل: 2/301، 303، الهمع: 3/28. هذا المثال مأخوذ من قول جرير: خَلِّ الطَّريْقَ لِمَنْ يَبْنِيْ المَنَارَ بِهِ وَابْرُزْ بِبَرْزَةَ حَيْثُ اضْطَرَّكَ القَدَرُ ديوان جرير: 219 وانظر شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي: 1/223، الأمالي الشجرية: 2/97، شرح المفصل: 2/30، اللسان: (برز) . الشمس، من الآية: 13. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 نصه كاملاً: " إيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَن. فقيل: وَمَا خَضْرَاءُ الدِّمَن؟ قال:المَرْأة ُ الحَسْنَاءُ فِيْ المَنْبَتِ السُّوْءِ " وهو ضعيف جداً، قيل: كذ َّبه الإمام أحمد والنسائي وابن المديني وغيرهم. وأخرجه الشهاب. ونسب إلى عمر رضي الله عنه موقوفاً، وذكر في كتب الأمثال، انظر مسند الشهاب القضاعي:2/96، مجمع الأمثال: 1/64، كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني: 1/272، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: 1/69. وباستشهاد المصنف بهذا الحديث يكون قد مثل واستشهد لأسلوب التحذير بطرقه الثلاث وهي: إياك، والتكرار، والعطف انظر: شرح المفصل: 2/25، الدر المصون: 11/24، أوضح المسالك: 4/76. البقرة، من الآية: 135. الأنبياء، من الآية: 76. أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث واثلة بن الأسقع .... سمعت رسول الله (يقول: "إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي إن خيراً فخير، وإن شراً فشر". وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث جندب بن سفيان قال: قال رسول الله (: "ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها إن خيراً فخير، وإن شراً فشر". وورد في كتب النحو على أنه قول من أقوال العرب، ونصه عند سيبويه: "الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر". انظر: الكتاب: 1/ 258، المعجم الكبير: 2/171، المعجم الأوسط: 8/44، 56. وقد ورد القول في نسخة ب: إن خيراً فجزاؤه خير. ما بين القوسين سقط من ب. النساء، من الآية: 171. في (ب) : (أي يكون خيراً) . للنحاة في توجيه آيتي البقرة والنساء السابقتي الذكر خلاف كبير: ففي آية البقرة وافق المصنف الخليل وسيبويه والفراء والأخفش ومكي في أن النصب بفعل مضمر، وقيل إضماره جوازاً قال الخليل: " وحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه في الكلام ولعلم المخاطب أنه محمول على أمر " الكتاب: 1/283. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وأجاز آخرون أن يكون التقدير: بل نكون أهل ملة، ورده بعضهم. وفي آية النساء نجد للمصنف توجيهاً آخر يوافق فيه الكسائي وأبا عبيدة في نصب (خيراً) بإضمار (كان) . ويذهب الخليل وسيبويه والزمخشري والسمين إلى نصبه على أنه مفعول به لفعل مضمر وجوباً، وفي الآيتين توجيهات أخرى لا مجال لذكرها هنا. انظر الكتاب: 1/257، 282، معاني القرآن للفراء: 1/72، 295، مجاز القرآن: 1/57، 143، معاني القرآن للأخفش: 1/150، مشكل إعراب القرآن: 1/73، 214، الكشاف: 1/314، 584، والدر المصون: 2/135، 4/164. يريد بها (أنْ) المصدرية الناصبة للفعل المضارع وأخواتها: لن، إذن، كي. و (أن) المخففة من (أنَّ) لا تنصب المضارع إلا إذا تلت (ظن) على الأرجح. انظر أوضح المسالك: 4/157، الهمع: 4/89. البقرة، من الآية: 143. الشطر الثاني من البيت لم يرد في (أ) . وقد اختلف في نسبة البيت، نسبه جماعة لأبي الأسود الدؤلي، وهو في ديوانه:165، ونسبه سيبويه في الكتاب: 1/42، وابن يعيش في شرح المفصل: 7/4 للأخطل، وليس في ديوانه، ونسبه السيرافي في شرح أبيات الكتاب: 2/188 لحسان بن ثابت، وليس في ديوانه، ونسبه النحاس في شرح أبيات سيبويه: 161 للأعشى، وليس في ديوانه، ونسبه الآمدي في المؤتلف والمختلف: 173، والمرزباني في معجم الشعراء: 410 للمتوكل الكناني الليثي، وهو في الأبيات المنسوبة إليه في شعره: 81، 284، ونسب لسابق البربري: وهو في شعره: 121، ونسب في الخزانة 3/618 للطرماح، وليس في ديوانه. آل عمران، من الآية: 128. ما بين القوسين سقط من (ب) . طه، من الآية: 81. والواو التي في بداية الآية سقطت من (أ) . النساء، من الآية: 73. فاطر، من الآية: 36. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 ذهب المصنف مذهب البصريين في أن المضارع منصوب ب (أن) المضمرة وجوباً بعد لام الجحود، وواو المعية وأو، وفاء السببية، وحتى، إلا أن الأخير لم يشر له المصنف. وذهب الكوفيون إلى أن المضارع منصوب بلام الجحود نفسها وحتى، ومنصوب على الصرف بعد واو المعية. وعلى الخلاف بعد فاء السببية. وفي المسألة آراء أخرى، انظر الخلاف مفصلاً في: الإنصاف: 2/555، 557، 575، 579، 593، 597 أوضح المسالك4/157، 170، 174، 177، 191، الهمع: 4/89، 108، 111، 116، 130، 136. في ب: من البصرة إلى الكوفة. وذلك عند الكوفيين وجماعة من البصريين، إذا ضممت شيئاً إلى شيء آخر مما لم يكن معه نحو قوله تعالى: "من أنصاري إلى الله" آل عمران 52. انظر: ارتشاف الضرب: 2/450، مغني اللبيب: 1/75. قال الفراء في هذه الآية " المفسرون يقولون: من أنصاري مع الله، وهو وجه حسن" معاني القرآن: 1/218. وقد ذكر النحويون ل (عن) في هذا المثال معنى آخر غير ما ذكر، وهو الاستعانة؛ لأنهم يقولون رميت بالقوس.الأزهية: 279، المغني: 1/147، 149. زيادة يقتضيها السياق. في ب: ومأكول رأسها. أيد المصنف ما ذهب إليه أكثر النحاة من أنها لا تكون إلا للتقليل فقط، وانظر الآراء الأخرى في: ارتشاف الضرب: 2/455، المغني: 1/134. انظر شرح المفصل لابن يعيش: 8/10، 14، 15، 41، 44. سقط من أ، زيادة يقتضيها السياق من (ب) . سورة طه، من الآية (71) . تكون (في) بمعنى (على) عند الكوفيين، أما البصريون فيقولون أن (في) على بابها، لأنه إنما يصلب في عراضها لا عليها. معاني الحروف للرماني: 96. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 قال أبو حيان في هذه الآية: " لما كان الجذع مقراً للمصلوب واشتمل عليه اشتمال الظرف على المظروف عدى الفعل ب (في) التي للوعاء، وقيل نقر فرعون الخشب وصلبهم في داخله، فصار ظرفاً لهم حقيقة حتى يموتوا جوعاً وعطشاً " البحر المحيط: 6/261. وقال ابن يعيش: " لما كان الصلب بمعنى الاستقرار والتمكن عدى بفي كما يعدى الاستقرار ". شرح المفصل: 8/21، وانظر: فتح القدير للشوكاني:3/376. في ب: فأصلها. هذا مذهب الجمهور، انظر: رصف المباني: 387، الجنى الداني: 304- 305، المغني: 1/336. وذهب ابن ملكون إلى أن (مذ) أصل؛ لأنه لا يتصرف في الحرف أو شبهه. ب: ومذ. سورة الشورى، من الآية: 11. الكاف في هذه الآية زائدة عند أكثر العلماء، لتوكيد نفي المثل، انظر الآراء المختلفة في الكاف في: معاني الحروف للرماني: 48-49، سر صناعة الإعراب: 1/291، رصف المباني: 278، الجنى الداني: 87-90، المغني: 1/179. سورة الإسراء، من الآية: 78. ذكر النحاة أن اللام في الآية الكريمة بمعنى (بعد) ، وأن اللام التي بمعنى (عند) جاءت في نحو قوله تعالى: " بل كذبوا بالحق لما جاءهم " ص (5) . انظر الأزهية: 289، الجنى الداني: 101، ارتشاف الضرب: 2/434 المغني: 1/213 وفي تفسير القرطبي ما يشير إلى أنها بمعنى (عند) حيث قال: " ... فذكر الله تعالى الصلوات التي تكون في حالة الدلوك وعنده.. " الجامع لأحكام القرآن الكريم: 1/197. وقيل: اللام للسببية؛ لأنها إنما تجب بزوال الشمس فيجب على المصلي إقامتها لأجل دلوك الشمس، تفسير النهر الماد من البحر المحيط: 6/69. وجاء في فتح القدير: 3/250 ".. والمعنى: أقم الصلاة من وقت دلوك الشمس إلى غسق الليل.. " فتكون اللام بمعنى (من) . لهذا اقتصر عليه سيبويه. الكتاب: 4/217، وانظر: الجني الداني: 36، المغني: 1/101. الباء في هذا المثال للاستعانة، وهي الداخلة على آلة الفعل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 انظر: سر الصناعة:1/23، رصف المباني:221، الجنى الداني:38، المغني:1/103. الإلصاق في هذا المثال مجازي؛ إذ المراد: ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد. انظر المصادر السابقة. سورة المائدة، من الآية: 61. لم يذكر المصنف من حروف الجر ما ذكره بعض النحاة وهي (كي) ، (متى) في لغة هذيل، و (لعل) في لغة عقيل، و (لولا) في بعض استعمالاتها، انظر: أوضح المسالك: 3/6-13 شرح ابن عقيل: 2/3-9 وانظر: باب المنصوبات النوع التاسع. ب: كقوله. سورة العصر، الآيتان: 1- 2. سورة الأنبياء، من الآية: 57. ذهب البصريون إلى أن (ايمن) اسم مفرد مشتق من اليمن والبركة، وهمزته همزة وصل مفتوحة، وذهب الكوفيون إلى أنه جمع يمين وهمزته همزة قطع. الإنصاف: 1/44، الأزهية: 20-21 ، شرح المفصل: 8/35- 36، رصف المباني:133، الجنى الداني: 133. تصرف العرب في (أيمن) بأنواع التخفيف لكثرة استعمالهم لها، وهذه لغة من لغاتهم العشرين، وهي حذف النون وفتح الهمزة أو كسرها. شرح المفصل: 8/36، ارتشاف الضرب: 2/481، الجنى الداني: 541. سورة العصر الآيتان: 1-2. سورة الحجر، من الآية: 92. سورة النجم، الآية: 1 ومن الآية: 2. سورة الشعراء الآية: 97. سورة النحل، من الآية: 38. سورة الشمس، الآية: 1، ومن الآية: 9. سورة ق الآية: 1، ومن الآية: 2. سورة ص الآية: 1. سورة النازعات، الآية: 1. وقد اختلف النحويون في جواب القسم في هذه الآيات فمنهم من أظهره ومنهم من قدره بتقديرات مختلفة منها التقدير المذكور في المتن وهو (لتبعثن) . انظر: إعراب القرآن للنحاس: 4/219، 5/141، التبيان: 2/1096، 1173، 1269، الفريد: 4/149، 343 417. ب: المخفوضة. انظر شرح المفصل: 2/126 - 127. المصدر السابق: 2/128 - 129. ب: مقدما. ب: وتريد. أضاف بعض النحاة نوعاً ثالثاً من أنواع الإضافة، وهي أن تكون بمعنى (في) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 انظر شرح الكافية: 1/272، الهمع: 4/267. قال ابن مالك: " وقد أغفل النحويون التي بمعنى (في) ، وهي ثابتة في الكلام الفصيح بالنقل الصحيح.. " شرح التسهيل: 3/221. وقد ذكر ابن الحاجب في كافيته: 121، أن تقدير (في) أقل من اللام أو من. وإنما كان جر المضاف إليه بهذه الأحرف المقدرة وليس بالمضاف كما ذكر بعض النحاة، لأن كل واحد من المضاف والمضاف إليه اسم ليس له أن يعمل في الآخر، وحسن حذف هذه الأحرف لنيابة المضاف إليه عنها وصيرورته عوضاً عنها في اللفظ. شرح المفصل:2/117، الهمع: 4/265. وهذا النوع من الإضافة يسمى الإضافة المعنوية أو المحضة وهي التي تفيد التعريف أو التخصيص. انظر: الأصول: 2/5-6، الخصائص: 3/26، شرح المفصل: 2/118. سورة، الحج من الآية: 35. وهذا هو النوع الثاني من أنواع الإضافة، وتسمى إضافة لفظية أو غير محضة، وهي التي تفيد التخفيف في اللفظ بحذف التنوين. انظر: الأصول: 2/6، شرح المفصل: 2/119، الهمع: 4/269. أجاز المصنف هنا إضافة الصفة إلى الموصوف بقلة مؤيداً في ذلك مذهب الكوفيين وجماعة من النحاة الذين أجازوا هذه الإضافة من غير تأويل بشرط اختلاف اللفظين، أما جمهور البصريين فقد ذهبوا إلى أن ما ورد عن العرب من ألفاظ ظاهرها من إضافة الموصوف إلى صفته فهي على تأويل أنها صفة لموصوف محذوف؛ لأن الصفة والموصوف شيء واحد، وإضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز. انظر: شرح المفصل: 3/10 11، ارتشاف الضرب: 2/506، الهمع: 4/276. وقد سمى ابن مالك هذا النوع من الإضافة (شبيهة بالمحضة) ، فالإضافة عنده على ثلاثة أنواع. انظر: شرح التسهيل: 3/225، 229، الهمع: 4/277. وقال أبو حيان: " ولا أعلم له سلفاً في ذلك ". ارتشاف الضرب: 2/505. كما ذهب أبو حيان إلى أن هذا النوع من الإضافة لا يتعدى السماع بل يحفظ ولا يقاس عليه. المصدر السابق: 2/506، وانظر: الهمع: 4/277. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 ب: قال. سورة التوبة، من الآية: 36، ومواضع أخرى، في الأصل (وذلك) . والصواب ما أثبت كما جاء في المصحف وهنا لم يضف الموصوف إلى صفته. سورة التكاثر من الآية: 5. لم يذكر المصنف من أنواع الجر، الجر بالتبعية والمجاورة. وما ذكر ظاهره إضافة الموصوف إلى صفته، والتأويل فيها على غير ذلك؛ إذ إن الصفة فيها لموصوف محذوف. انظر شرح المفصل: 3/10. سورة التوبة، الآية: 108. سورة الحجرات من الآية: 11. سورة الطلاق من الآية: 7. وذلك بعد الواو والفاء باتفاق بين النحاة، لشدة اتصالهما بما بعدهما لكونهما على حرف، وبعد (ثم) على خلاف بينهم لانفصالها عما يليها. انظر: المقتضب: 2/133 134، شرح التسهيل: 4/58 59، الارتشاف 2/541 الهمع: 4/307 308. سورة البقرة، من الآيتين: 282، 283. صحح مذهب البصريين القائل إن فعل الأمر للمواجه المعرى عن حرف المضارعة يكون مبنياً، في حين ذهب الكوفيون إلى أنه معرب مجزوم. الإنصاف: 2/524، وانظر: شرح التسهيل: 4/61. ب: جاء. سورة يونس، من الآية: 58. قرأ عثمان بن عفان وأبي وأنس والحسن ... بالتاء على الخطاب، ورويت عن النبي (، وهي لغة لبعض العرب. وقرأ الحسن بكسر اللام من (لتفرحوا) ، وسكنها بقية القراء. انظر: البحر المحيط: 5/172، النشر في القراءات العشر: 2/285، إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر: 252. سورة الأنفال من الآية: 29. ب: ولا. لعل المراد بقوله: (جاز فيهما ترك الجزم) ترك الجزم للفظهما لا محلهما بدليل عطف المضارع على محلهما بالجزم، ومعلوم أن الشرط والجزاء إذا كانا ماضيين فلا جزم لهما لفظاً لأن الجزم مختص بالمضارع، والضمير في قوله: (جاز فيه) يعود على المستقبل، لأنه هو الذي يجوز فيه الجزم وتركه لفظاً، انظر: الكتاب:3/66، 70- 71، المقتضب:2/68-70، شرح التسهيل: 4/77- 78، الارتشاف: 2/556، الهمع: 4/330. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 وذلك في جواب الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض، إذا لم يقصد الجواب والجزاء، والرفع على ثلاثة أشياء؛ الصفة، والحال، والقطع والاستئناف. شرح المفصل: 7/50-51. سورة المائدة: من الآية: 114. وقد قرأها ابن مسعود (تكن) ، والأعمش (يكن) بالجزم علىجواب الطلب. معاني القرآن 1/325، مختصر شواذ ابن خالويه: 36، الفريد في إعراب القرآن المجيد للهمداني: 2/107. وذلك في حال الرفع. سورة مريم من الآيتين (5و6) . قرأ أبو عمرو والكسائي من السبعة وغيرهما بجزم (يرثني ويرث) جواباً للطلب، وعطف عليه (ويرث) ، والباقون بالرفع على الصفة وهو أقوى من الأولى؛ لأنه سأل ولياً هذه صفته، والجزم لا يحصل بهذا المعنى. انظر السبعة لابن مجاهد: 407، إعراب القرآن للنحاس: 3/6، الكشف لمكي:2/84، التبيان للعكبري: 2/866 البحر المحيط: 6/174. ب: على قراءة رفعها. سورة النساء، من الآية: 123. سورة البقرة، من الآية: 106. أ: يأتيني أكرمه، والصواب ما أثبت، وفي ب: يأتني أكرمته. أ: وأيّا. سورة المائدة، من الآية: 95. سورة البقرة، من الآية: 126. ب: والله تعالى أعلم. انظر تفصيل هذه الأقسام الخمسة في: المقتضب: 1/26، المقتصد في شرح الإيضاح: 2/901، الارتشاف: 2/579، التصريح: 2/110. ب: رجلا. أجاز الأخفش والفارسي دخول (ال) على (كل) و (بعض) . الارتشاف: 2/515516 وقد أدخلها بعض النحاة عليهما كالمبرد في المتقتضب: 1/31، 3/243، وابن درستويه. تاج العروس (بعض) . وقد استعملها الزجاجي في جمله: 2324، فأدخل (ال) عليهما ثم اعتذر بأنه قالها مجازاً، وعلى استعمال الجماعة لها مسامحة وهو في الحقيقة غير جائز. انظر: البسيط في شرح الجمل: 1/400-401. سورة الفاتحة الآية: 6، ومن الآية: 7. سورة آل عمران، من الآية: 97. سورة البروج، الآية: 4 ومن الآية: 5. أ: بجمال. ب: بحمار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 وبدل الغلط أثبته سيبويه والمبرد وغيرهما من النحاة. انظر: الكتاب: 1/439، 2/16، 341، 3/87، المقتضب: 4/297، المقتصد: 2/935، شرح المفصل: 3/66، الارتشاف: 2/625، التصريح: 2/158159،الهمع 5/215 وأنكره قوم على الإطلاق. الهمع: 5/215. وجعله بعضهم من أقسام البدل المباين، وليس قسماً برأسه. التصريح: 2/158-159. سورة الشورى من الآيتين 52، 53. ذهب الكوفيون والبغداديون إلى اشتراط وصف النكرة إذا أبدلت من المعرفة، أو تكون النكرة من لفظ الأول وتبعهم بعض النحاة، كالسهيلي وابن أبي الربيع، وأطلق الجمهور الجواز للسماع. شرح التسهيل: 3/331، الارتشاف: 2/620، الهمع: 5/218. سورة العلق، من الآيتين: 15-16. ب: وأما. ب: فسبعة. انظر الكتاب: 1/377، 2/116، شرح التسهيل: 3/291، الارتشاف: 2/610، الهمع: 5/199. سورة الحجر الآية: 30، سورة ص الآية: 73. البَصْع: الجمع، ويقال: مضى بِصْع من الليل بالكسر، وأبْصع: كلمة يؤكد بها، وبعضهم يقوله بالضاد المعجمة، وليس بالعالي. اللسان (بصع) . أكتع: ردف لأجمع، وقيل كأجمع ليس بردف، وهو مأخوذ من قولهم: أتى عليه حول كتيع، أي: تام اللسان: (كتع) . أجاز الكوفيون وابن كيسان تقديم (أكتع) عليهما، واستعمالها وحدها دونهما، وأجاز ابن كيسان أيضاً أن تبدأ بأيهن شئت من هذه التوابع بعد (أجمع) . انظر: شرح المفصل: 3/46، الارتشاف: 2/611، الهمع: 5/201. زيادة يقتضيها السياق. البيت لأبي النجم العجلي في ديوانه: 99. انظر: الخصائص 3/337، المنصف: 1/10، التخمير: 1/274، شرح المفصل1/98، الهمع: 1/207. في (أ) و (ب) : ثم ومع. و (مع) ليست من حروف العطف، وهي زائدة على الحروف العشرة التي ذكرها المصنف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 وهو مذهب الجمهور، انظر الكتاب:4/216، المقتضب:1/10، الأصول:2/55، وخالفهم في ذلك قطرب والربعي والفراء وثعلب وغلامه أبو عمر الزاهد، وهشام وأبو جعفر الدينوري حيث قالوا بإفادتها للترتيب. انظر: الارتشاف: 2/633، الجنى الداني: 158-159، المغني: 2/354، الهمع: 5/224. في (أ) الاشتراك، وقد سقطت من ب. سورة الأحزاب، الآية: 40. سقطت من (أ) و (ب) ، وقد اختلف النحويون في دخول الواو على (لكنْ) . انظر: نتائج الفكر للسهيلي: 257، الجنى الداني: 558، المغني: 1/293، الهمع: 5/263. سورة الدخان، من الآية: 37. سورة البقرة، من الآية: 6، سورة يس من الآية: 10، وقد سقط موضع الشاهد (أم لم تنذرهم) من (أ) . انظر: الأصول: 2/56، شرح المفصل: 8/101. ب: وقال. سورة الإنسان، من الآية: 3. سورة فصلت، من الآية: 17. ب: الكلام. في أ، ب: وكقوله، والصواب ما أثبت بحذف الواو. سورة الضحى الآيتان: 10- 11. (حتى) حرف عطف عند البصريين، أما الكوفيون فهي عندهم ليست بعاطفة، ويعربون ما بعدها على إضمار عامل، انظر الجنى الداني: 546، والباب الرابع من هذا الكتاب. ب: والشمس. سورة الحج، من الآية: 25. وقيل الواو عاطفة، عطفت جملة على جملة، وقيل هو عطف على المعنى، والتقدير إن الكافرين والصادين عن المسجد الحرام. وقال الكوفيون: الواو زائدة، و (يصدون) خبر (إن) ، وقيل: الخبر محذوف. انظر: إعراب القرآن للنحاس: 3/92، المشكل لمكي: 2/489، التبيان: 2/938، البحر المحيط: 6/362. سورة الملك، من الآية: 19. قال أبو حيان: " ومثل هذا العطف أي عطف الفعل على الاسم فصيح، وعكسه عطف الاسم على الفعل أيضاً جائز إلا عند السهيلي فإنه قبيح ". البحر المحيط: 8/302. وانظر: الارتشاف: 2/664 665، وانظر رأي السهيلي في كتابه: نتائج الفكر: 319320. أ: رجلا، والصواب ما أثبت. سورة الحاقة، من الآية: 7. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 في المخطوط من العشرة إلى الألف، والصواب ما أثبت؛ لأن الأعداد من ثلاثة إلى عشرة هي التي تضاف إلى جمع القلة. انظر: الكتاب: 1/206، 3/557، المقتضب: 2/156 158، شرح المفصل: 6/19، 25. سقط هذا الوزن من (أ) و (ب) مع أنه قد ذُكِر مثال عليه عند التمثيل. ويجوز إضافته إلى بناء الكثير إن لم يكن له بناء قلة. انظر المقتضب: 2/156، 160-161، شرح المفصل: 6/25. سقطت من ب. في (أ) و (ب) . وأما العشرات فما فوقها إلى المائة، والصواب ما أثبت، انظر: الكتاب 1/206، المقتضب: 2/161. أ، ب: إلى. أ: تخلف. سورة يوسف، من الآية: 4. سورة الأعراف، من الآية: 160. والتقدير: اثنتي عشرة أمة أو فرقة أسباطاً، فلا يكون (أسباطاً) تمييزاً؛ لأنه جمع، وتمييز ماعدا العشرة إنما يكون مفرداً، وقد حذف التمييز لدلالة الحال عليه. انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج: 2/383، إعراب القرآن للنحاس: 2/156، التبيان: 1/599، الفريد: 2/373. أ: بدل. انظر: المقتضب: 2/169، شرح المفصل: 6/20. ب: مثل. انظر هذه الأضرب الثلاثة في: التكملة للفارسي: 398. والجوالق والجوالق: وعاء من الأوعية، أعجمي معرب، والجمع جوالق وجواليق. انظر: المعرب، 251، اللسان (جلق) . سقطت من (ب) . ب: أفعل وفعايل. أ، ب: أكالب، والصواب ما أثبت. سقط من ب. ب: القسم الثالث. ب: تقوم. لكل قسم من هذه الاقسام الأربعة أمثلة أخرى، بعضها مطرد، وبعضها الآخر حفظ عن العرب. انظر: التكملة: 399، شرح الشافية، 2/91، الارتشاف:1/195. حصر المصنف أبنية جموع الكثرة في ثمانية أقسام، في حين ذكر العلماء أقساماً أخرى تزيد عن الثمانية، كما ذكروا أيضاً أمثلة أخرى لكل بناء من الأبنية الثمانية غير ما ذكره المصنف. انظر المصادر السابقة. زيادة يقتضيها السياق. سورة المدثر، الآية: 35. ب: جدران. زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 وفي ب: كافر وكافرون وكافر وكفرة. أ، ب: والبنية. لأن الحرف الرابع ينزل عندهم منزلة علم التأنيث لطول الاسم به. انظر: أسرار العربية للأنباري: 365 شرح المفصل: 5/128. يصغر صدر المركب؛ لأنه عندهم بمنزلة المضاف، والآخر بمنزلة المضاف إليه، إذ كانا شيئين. انظر الكتاب: 3/475، شرح الشافية للرضي: 1/273. حق اسم الإشارة ألا يصغر، لغلبة شبه الحرف عليه، ولأن أصله وهو (ذا) على حرفين، إلا أنه لما تصرف تصرف الأسماء المتمكنة فوصف ووصف به وثني وجمع وأنث أجرى مجراها في التصغير، وكذلك الأسماء الموصولة؛ لأن مجراهما في الإبهام واحد. ولما كان تصغيرهما على خلاف الأصل خولف بتصغيرهما تصغير الأسماء المتمكنة، فلم تضم أوائلهما وزيد في الآخر ألف بدل الضمة، بعد أن كملوا لفظ (ذا) ثلاثة أحرف بزيادة الياء على آخره ثم أدخلت ياء التصغير ثالثة بعد الألف، وفتح ما قبلها فقلبت الألف ياء، فاجتمع ثلاث ياءات وفيه ثقل فحذفوا الياء الأولى. انظر: التكملة للفارسي: 505، شرح المفصل: 5/139، شرح الشافية: 1/284. انظر: الكتاب: 3/478 481. ذهب الكوفيون والمازني والجرمي إلى جواز تصغير أيام الأسبوع وأسماء الشهور: شرح المفصل: 5 / 139، شرح الشافية: 1/293. ب: أكيلب وأجيمل. جمع التكسير على ضربين، جمع قلة وهو يصغر على لفظه. وجمع كثرة، وهو إما أن يكون له من لفظه جمع قلة فيرد إليه ويصغر على لفظه كتصغير كلاب يرد إلى أكلب ويصغر على أكيلب، أو يرد جمع الكثرة إلى الواحد، ويصغر ذلك الواحد ثم يجمع بالواو والنون إن كان لمذكر عاقل ك (رُجَيْلون) وبالألف والتاء إن كان لمؤنث، أو لغير العاقل، ك (جُفَيْنات) و (دُرَيْهمات) . وإن لم يكن لجمع الكثرة من لفظه جمع قلة فيرد إلى واحده ثم يصغر كالسابق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 أما جمع السلامة فيصغر على لفظه سواء كان للمذكر أم للمؤنث، وكذلك أسماء الجموع تصغر على لفظها. وإنما لم يصغر جمع الكثرة على لفظه؛ لأن المقصود من تصغير الجمع تقليل العدد، وهو بناء يدل على الكثرة فلم يجز الجمع بينهما للتناقض والتضاد، بخلاف أسماء الجموع وجمع السلامة فهي مشتركة بين القلة والكثرة. انظر: الكتاب: 3/490، التكملة: 502، شرح المفصل: 5/132، شرح الشافية: 1/266. (327) ... ب: جمع. (328) يصغران بهذه الصورة، لأن الواو والنون فيهما عوض من اللام الذاهبة في السنة، والتاء المقدرة في (أرض) ، فترجعان في التصغير فلا يبدل منهما، ويجمعان على القياس، وهو الجمع بالألف والتاء. انظر: الكتاب: 3/495، شرح الشافية: 1/271. (329) سقط من أ، ب. (330) كأنه منسوب إلى العلو، والقياس: عالِيّ أو عالوَيّ، شرح الشافية: 2/81. (331) وقياسه (شتائي) على لفظه، الهمع: 6/173. وقيل إن (شتاء) جمع (شَتْوة) ك (صِحَاف) جمع صَحْفة، والجمع في النسب يرد إلى واحده، فعلى هذا يكون (شَتْويّ) على القياس. انظر: شرح المفصل: 6/12، شرح الشافية: 2/82. (332) ما بين القوسين سقط من ب. (333) زادوا الألف والنون للمبالغة للدلالة على عظمها. شرح المفصل: 6/12، شرح الشافية: 2/84، الهمع 6/174. (334) قال سيبويه: " ولا أراهم قالوا طائيّ إلا فراراً من طيْئي، وكان القياس طيئي، وتقديرها طيعيّ، ولكنهم جعلوا الألف مكان الياء " الكتاب: 3/371. وذلك قصداً للتخفيف لكثرة استعمالهم إياه، شرح الشافية: 2/32. (335) انظر: الكتاب: 3/337 338. (336) إذا كانت الألف ثالثة قلبت واواً مطلقاً عن الياء كان أصلها أو عن الواو. انظر: الكتاب: 3/342، التكملة: 242. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 (337) على وزن (فَعِيلة) بفتح الفاء وكسر العين ينسب إليها على (فَعَلي) ، بفتح العين وحذف الياء والتاء بشرط صحة العين وعدم تضعيفها. انظر: الكتاب: 3/339، شرح الشافية: 2/20، الهمع: 6/162. (338) على وزن (فُعَيلة) بضم الفاء وفتح العين ينسب إليها على (فُعَلي) بحذف الياء وتاء التأنيث كذلك بشرط عدم تضعيف العين فيها. انظر المصادر السابقة. (339) ويجوز فيها أيضاً حذف الألف، وزيادة الألف قبل الواو في حالة قلبها واواً، نحو: دُنْييّ، ودُنْيَويّ، ودُنياوي وذلك لأن الألف وقعت رابعة في كلمة ثانيها حرف ساكن. انظر: الكتاب: 3/353، التكملة: 242، شرح الشافية: 2/40. (340) انظر: الكتاب: 3/375، المقتضب: 3/141، التكملة: 254، شرح المفصل: 6/8، شرح الشافية: 2/75. (341) ... جميع أقسام المركبات ينسب إلى صدرها نحو: حضريّ في (حضر موت) و: بعليّ في (بعلبك) . وقد يجوز أن يُشتق منهما اسم يكون فيه من حروف الاسمين، نحو: حضرميّ، وقد ينسب إلى المركب من غير حذف إذا خف اللفظ نحو: بعلبكي. انظر: الكتاب: 3/374، المقتضب: 3/143، شرح الشافية: 2/71. (342) ب: ترجع. (343) ما بين القوسين سقط من ب. (344) لأن الكسرة متوسطة بين الثقل والخفة جعلت للمتوسط بين العمدة والفضلة. شرح التسهيل: 1/265. (345) انظر: أسرار العربية: 51، شرح التسهيل: 1/265. (346) اختلف في أصل المرفوعات، فقيل المبتدأ والخبر هما الأصل وغيرهما من المرفوعات محمول عليهما، ونسب إلى سيبويه وابن السراج، وقيل الفاعل هو الأصل ونسب إلى الخليل، وقيل كلاهما أصلان، ونسب إلى الأخفش وابن السراج واختاره الرضي. انظر: شرح الكافية: 1/23، شرح المفصل: 1/73، الهمع: 2/3. (347) ب: رفع. (348) ب: زيد. (349) ما بين القوسين سقط من ب. (350) ب: مثل فعل. (351) ب: المضي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 (352) مذهب البصريين أن (إنّ) وأخواتها ترفع الخبر وتنصب الاسم، لأنها قويت مشابهتها للفعل فعملت عمله ليكون المرفوع مشبها بالفاعل والمنصوب مشبهاً بالمفعول، ومذهب الكوفيين أنها لا ترفع الخبر، بل هو باق على رفعه قبل دخولها. الإنصاف: 1/17، وانظر الهمع: 2/155. لم يذكر المصنف جميع أنواع المرفوعات، وقد سبق أن ذكرها في الباب الثاني في المرفوعات وأنواعها. (353) ما بين القوسين سقط من ب. (354) أي يكون منتصباً على تقدير (في) . انظر: شرح المفصل: 2/41، الارتشاف: 2/22. (355) وهو مذهب الجمهور، انظر الآراء الأخرى في الهمع: 3/33. (356) ب: مفرداً. (357) ب: والأسد. (358) سورة الشمس، من الآية: 13. (359) وهو جزء من بيت لجرير، وقد سبق تخريجه. (360) ما بين القوسين سقط من ب. (361) ما بين القوسين سقط من ب. (362) أ: مشابها. (363) هذا على مذهب أكثر البصريين في أن حركة الاسم المفرد حركة بناء، وذهب الكوفيون والجرمي والزجاج والسيرافي والرماني إلى انها فتحة إعراب، وحذف التنوين منه تخفيفاً، ولشبهه بالمركب. انظر أسرار العربية: 246 شرح المفصل:1/105 106، 2/101 104، شرح التسهيل: 2/58، الارتشاف: 2/164، مغني اللبيب: 1/238، الهمع: 2/199. (364) ب: لانتهائها. (365) سقط من ب. (366) سقط من ب. (367) يوجد في حاشية المخطوط تعليق على تاريخ الفراغ من النسخة، وهو (قف علىخطأ هذا التاريخ) مما يدل على أن السنة المئوية قد سقطت من تاريخ النسخ. (368) في ب … . تم بحمد الله وعونه وحسن توفيقه على يد أفقر العباد وأحوجهم إليه تعالى محمد أبو علي الشافعي مذهبا، الشاذلي طريقة غفر الله ذنوبه وستر عيوبه، ومثل ذلك للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه وسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 وكان الفراغ منه في غرة ربيع الأول سنة 1278من هجرته صلى الله تعالى عليه وسلم. المصادر والمراجع (1) إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر، للشيخ أحمد الدمياطي، بيروت: دار الندوة الجديدة. (2) ارتشاف الضرب من لسان العرب، لأبي حيان، تحقيق د. مصطفى أحمد النماس، ط: القاهرة: مطبعة المدني ط 1، 1409هـ. (3) الأزهية في علم الحروف، للهروي، تحقيق: عبد المعين الملوحي، دمشق: مطبوعات مجمع اللغة العربية 1413هـ / 1993م. (4) أسرار أركان الإسلام، للشعراني، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار التراث العربي، ط1: 1400هـ / 1980م (5) أسرار العربية، لأبي البركات الأنباري، تحقيق: محمد بهجت البيطار، دمشق: مطبعة الترقي، 1377هـ 1957م. (6) الأشباه والنظائر في النحو، للسيوطي بيروت:، ط دار الكتب العلمية، ط:1، 1405هـ. (7) الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل عبد الموجود، والشيخ علي معوض، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1415هـ، 1995م. (8) الأصول في النحو لابن السراج، تحقيق: د. عبد الحسين الفتلي، بيروت: ط مؤسسة الرسالة،ط: 1، 1405هـ (9) إعراب القرآن، للنحاس، تحقيق: د. زهير غازي زاهد، بيروت: عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية 1405هـ، 1985م. (10) الأعلام، لخير الدين الزركلي، ط: الثالثة. (11) الأمالي الشجرية، لابن الشجري، تحقيق: د. محمود الطناحي، القاهرة: مطبعة المدني، ط:1، 1413هـ 1992م. (12) إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن لأبي البقاء العكبري، بيروت: دار مكتب الهلال. (13) الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، لأبي البركات الأنباري، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، ط دار إحياء التراث العربي وط: بيروت: دار الفكرالعربي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 (14) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، لابن هشام، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت: طبعة دار الجيل، ط: 5 1399هـ / 1979م. و: ط صيدا، بيروت، المكتبة العصرية. (15) الإيضاح العضدي، لأبي علي الفارسي، تحقيق د. حسن شاذلي فرهود، ط دار العلوم، ط: 2، 1408هـ. (16) الإيضاح في علل النحو للزجاجي، تحقيق د. مازن المبارك، بيروت، دار النفائس، ط:4، 1402هـ:1982م. (17) البحر المحيط، لأبي حيان، دار الفكر، ط: 2، 1398هـ / 1978م،: بيروت: دار الفكر، 1403هـ 1983م. (18) البسيط في شرح جمل الزجاجي، لابن أبي الربيع، تحقيق: د. عياد الثبيتي، بيروت ط دار الغرب الإسلامي ط: 1، 1407هـ. (19) البيان في غريب إعراب القرآن لأبي البركات الأنباري، تحقيق د. طه عبد الحميد طه، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1400هـ. (20) تاج العروس من جواهر القاموس، للزبيدي، دار الفكر. (21) التبيان في إعراب القرآن، للعكبري، تحقيق: علي محمد البجاوي، مصر، عيسى البابي الحلبي وشركاه. (22) تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي. لمحمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، بيروت: دار الكتب العلمية. (23) التخمير (شرح المفصل) ، للخوارزمي، تحقيق: د. عبد الرحمن العثيمين، بيروت: دار الغرب الإسلامي ط: 1، 1990م. (24) التصريح بمضمون التوضيح، للشيخ خالد الأزهري، دار إحياء الكتب العربية. (25) التكملة، للفارسي، تحقيق: د. كاظم بحر المرجان، الجمهورية العراقية، 1401هـ / 1981م. (26) تهذيب اللغة، للأزهري، تحقيق جماعة من العلماء، ط الدار المصرية للتأليف والترجمة. (27) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، بيروت: دار الكتب العلمية، 1413هـ /1993م. (28) الجمل في النحو، للزجاجي، تحقيق د. علي توفيق الحمد، بيروت، ط مؤسسة الرسالة ط:1، 1404هـ. وطبعة الأردن: دار الأمل، ط: 2، 1405هـ / 1985م. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 (29) الجني الداني في حروف المعاني، تحقيق د. فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فاضل، حلب: المكتبة العربية 1393هـ / 1976م. وطبعة أخرى بتحقيق: طه محسن، مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، 1396هـ / 1976م (30) حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك، ترتيب وضبط وتصحيح: مصطفى حسين أحمد، بيروت دار الفكر (31) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب على شواهد الكافية لعبد القادر البغدادي، بيروت، دار صادر، ط: 1. (32) الخصائص، لابن جني، تحقيق: محمد علي النجار، بيروت: دار الكتاب العربي. (33) الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، للسمين الحلبي. تحقيق: د. أحمد الخراط، دمشق: ط دار القلم ط: 1، 1406هـ. (34) ديوان الأخطل، شرح: راجي الأسمر، بيروت، دار الكتاب العربي، ط: 1، 1413هـ / 1992م. (35) ديوان أبي الأسود الدؤلي، صنعه أبو سعيد السكري، تحقيق محمد حسن آل ياسين، بيروت، دار الكتاب الجديد ط: 1، 1974م. (36) ديوان أبي النجم العجلي، صنعه وشرحه: علاء الدين أغا، الرياض: النادي الأدبي، 1401هـ / 1981م. (37) ديوان الأعشى، بيروت، دار صادر. (38) ديوان جرير، بيروت: دار صادر، دار بيروت، 1384هـ / 1964م. (39) ديوان حسان بن ثابت، بيروت، دار صادر. (40) ديوان الطرماح، تحقيق د. عزة حسن، بيروت، دار الشرق العربي، ط: 2، 1414هـ / 1994م. (41) رصف المباني في شرح حروف المعاني، للمالقي، تحقيق: د. أحمد محمد الخراط، دمشق: دار القلم، ط: 2 1405هـ / 1985م. (42) السبعة في القراءات، لابن مجاهد، تحقيق: د. شوقي ضيف، القاهرة: دار المعارف، ط: 2، 1980م. (43) سر صناعة الإعراب، لابن جني، تحقيق: د. حسن هنداوي، دمشق: دار القلم، ط: 1، 1405هـ 1985م الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 (44) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، للألباني، تخريج: محمد ناصر الدين الألباني، بيروت: دمشق، طبعة المكتب الإسلامي، ط: 5، 1405هـ / 1985م. (45) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، بيروت: المكتب التجاري للطباعة والنشر. (46) شرح أبيات سيبويه، لابن السيرافي، تحقيق: د. محمد علي سلطاني، دمشق، بيروت: ط دار المأمون للتراث 1979م. (47) شرح التسهيل، لابن مالك، تحقيق د. عبد الرحمن السيد، د. محمد بدوي المختون، مصر: هجر، ط:1 1410هـ / 1990م. (48) شرح جمل الزجاجي (الشرح الكبير) ، لابن عصفور، تحقيق: د. صاحب أبو جناح، العراق: مؤسسة دار الكتب (49) شرح شافية ابن الحاجب، للرضي، تحقيق: محمد نور الحسن، محمد الزقزاق، محمد محيي الدين عبد الحميد بيروت: دار الكتب العلمية، 1395هـ/1975م. (50) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مصر: مطبعة السعادة، ط: 14 1384هـ / 1964م. (51) شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ لابن مالك، تحقيق: عدنان الدورى، بغداد، مطبعة العاني، 1397هـ 1977م. (52) شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مصر: مطبعة السعادة ط: 11، 1383هـ / 1963م. (53) شرح الكافية في النحو للرضي، بيروت: دار الكتب العلمية ط: 2، 1399هـ / 1979م. (54) شرح المفصل، لابن يعيش، بيروت: عالم الكتب، ط القاهرة: مكتبة المتنبي. (55) شرح المقدمة المحسبة، لابن بابشاذ، تحقيق: خالد عبد الكريم، الكويت: المطبعة العصرية، ط:1، 1976م. (56) الشعر (شرح الأبيات المشكلة الإعراب) ، للفارسي، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي، القاهرة: مكتبة الخانجي ط: 1، 1408هـ / 1988م. (57) شعر المتوكل الليثي، د. يحيى الجبوري، بغداد، مكتبة الاندلس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 (58) الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، بيروت: دار العلم للملايين ط: 4، 1407هـ. (59) الضعفاء لأبي جعفر محمد بن عمر بن موسى العُقيلي. تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط: 1، 1404هـ. (60) الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار، لعبد الوهاب الشعراني، بيروت: دار الجيل ط: 1، 1408هـ / 1988م. (61) العلل المتناهية لعبد الرحمن بن علي الجوزي. تحقيق: خليل الميس، بيروت: دار الكتب العلمية ط: 1، 1403هـ. (62) غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري، عني بنشره، ج. برجستراسر، بيروت: دار الكتب العلمية ط: 2، 1400هـ. (63) فتح القدير، للشوكاني، بيروت: دار إحياء التراث العربي. (64) الفريد في إعراب القرآن المجيد، للهمداني، تحقيق: د. محمد حسن النمر، قطر: دار الثقافة، 1411هـ 1991م. (65) الكافية في النحو، لابن الحاجب، تحقيق: د. طارق نجم عبد الله، جدة: مكتبة دار الوفاء، ط: 1، 1407هـ 1986م. (66) الكتاب، لسيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، بيروت: عالم الكتب، ط:3، 1403هـ / 1983م. (67) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشري، ومعه حاشية الشريف علي الجرجاني.. بيروت: دار المعرفة. (68) كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني الجراحي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط: 3، 1351هـ. (69) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة، طبع بعناية وكالة المعارف الجليلة في مطبعة البهية 1362هـ / 1943م. (70) الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، لمكي القيسي، تحقيق: د. محيي الدين رمضان، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط: 2، 1401هـ/ 1981م. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 (71) الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة، للغزي، تحقيق: د. جبرائيل جبور، بيروت: محمد أمين دمج وشركاه. (72) لسان العرب، لابن منظور، بيروت: دار صادر. (73) لطائف المنن والأخلاق في بيان وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق (المنن الكبرى) ، للشعراني، 1311هـ 1893م. (74) ما ينصرف وما لاينصرف، للزجاج، تحقيق د. هدى قراعة، القاهرة: مكتبة الخانجي، ط:2، 1414هـ 1994م. (75) مجاز القرآن لأبي عبيد، تعليق محمد فؤاد سركين، مؤسسة الرسالة، ط: 2 1401هـ. (76) مجمع الأمثال، للميداني، تعليق نعيم حسين زرزور، بيروت: دار الكتب العلمية ط: 1، بيروت 1408هـ. (77) المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، لابن جني، تحقيق: علي النجدي ناصف ود. عبد الحليم النجار ود. عبد الفتاح إسماعيل شلبي، القاهرة: ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي، 1386هـ. (78) مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع، لابن خالويه، عنى بنشره: ج: برجستراسر القاهرة: مكتبة المتنبي. (79) المذكر والمؤنث، لأبي بكر بن الأنباري، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، مصر: وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لجنة إحياء التراث، 1401هـ. (80) المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بيروت: دار الكتب العلمية. (81) مسند البزار لأبي بكر أحمد بن عمرو البزار، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زبن الله، مكتبة العلوم والحكم، بيروت: ط: 1، 1409هـ. (82) مسند الحارث للحارث بن أبي أسامة، تحقيق: د. حسين أحمد صالح البكري، المدينة المنورة: مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، 1413هـ. (83) مسند الشهاب محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط: 2، 1407هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 (84) مشكل إعراب القرآن، لمكي القيسي، تحقيق: ياسين السواسي، دمشق: دار المأمون للتراث، ط: 2. (85) معاني الحروف، للرماني، تحقيق: د. عبد الفتاح شلبي، جدة: دار الشروق، ط: 2، 1401هـ / 1981م (86) معاني القرآن، للفراء، تحقيق: محمد علي النجار، وأحمد يوسف نجاتي، بيروت: عالم الكتب، 1980م. وط بيروت: عالم الكتب، ط: 3، 1403هـ. (87) معاني القرآن، للأخفش، تحقيق: د. فائز فارس، ط: 2، 1401هـ. (88) معاني القرآن وإعرابه، للزجاج، تحقيق: د. عبد الجليل عبده شلبي، بيروت: عالم الكتب، 1408هـ 1988م. (89) المعجم الأوسط لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد الحسيني القاهرة: دار الحرمين، 1415هـ. (90) المعجم الكبير للطبراني، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، ط: 2، 1404هـ. (91) المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، وضعه عدد من المستشرقين، نشر:د. أ. ي ونسنك، ليدن: مكتبة بريل 1936م. (92) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وضعه: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت: دار الفكر. (93) المعرَّب من الكلام الأعجمي، للجواليقي، تحقيق: د. ف. عبد الرحيم، دمشق: دار القلم، ط: 1، 1410هـ 1990م. (94) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت: دار إحياء التراث العربي. وطبعة أخرى بتحقيق د. مازن المبارك، ومحمد علي حمد الله، مراجعة: سعيد الأفغاني: بيروت، دار الفكر ط: 5، 1979م. (95) المقتصد في شرح الإيضاح، للجرجاني، تحقيق: د. كاظم بحر المرجان، منشورات وزارة الثقافة والإعلام العراق: دار الرشيد، 1982م. (96) المقتضب، للمبرد، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، بيروت: عالم الكتب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 (97) المنصف، لابن جني، تحقيق: إبراهيم مصطفى، عبد الله أمين، مصر: مصطفى البابي الحلبي، 1373هـ 1954م. (98) المؤتلف والمختلف للآمدي، تحقيق عبد الستار أحمد فراج: القاهرة دار إحياء الكتب العربية 1381هـ 1961م. (99) نتائج الفكر في النحو، للسهيلي، تحقيق: د. محمد إبراهيم البنا، الرياض: دار الرياض. (100) النشر في القراءات العشر، لابن الجزري، بيروت: دار الكتب العلمية. (101) هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، لإسماعيل البغدادي، بيروت: ط مكتبة المثنى واستانبول: طبعة وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية، 1955م. (102) همع الهوامع شرح جمع الجوامع للسيوطي، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، د. عبد العال سالم مكرم: الكويت: دار البحوث العلمية، 1394هـ / 1975م، وط: بيروت: مؤسسة الرسالة 1413هـ / 1992م. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 ملخص الدراسة (دفاعٌ عن المبني للمجهول في اللغة العربية) تفند هذه الدراسة خطأ الاعتقاد الشائع بأن اللغة العربية لا تسمح بذكر الفاعل في جملة المبني للمجهول. وتثبت الدراسة أن اللغة العربية في نسق تام مع الظواهر اللغوية الموجودة في لغات العالم في ما يخص صيغة المبني للمجهول؛ مثل استخدام حروف الجر في ذكر الفاعل وأغلبية عدم ذكر فاعل المبني للمجهول التي تجعل جملة المبني للمجهول الخالية من ذكر الفاعل هي السائدة، بل والطبيعية في لغات العالم. وتعد هذه الدراسة إسهاماً في دراسات اللغة العربية ودراسات المبني للمجهول بصفة عامة إذ كشفت عن تطورين جديدين في اللغة العربية. الأول بروز صيغة جديدة ومتميزة لجملة المبني للمجهول وذلك باستخدام الفعل تَمَّ مع المصدر. أما الإسهام الثاني فهو استخدام التمييز (تمييز الفاعل) للتعبير أو للدلالة على الفاعل في جملة المبني للمجهول. نبذة مختصرة عن الباحث (باللغة العربية) أحمد فتح الله التاروتي، دكتوراة من جامعة كاليفورنيا، لوس أنجيلوس، سنة 1991م، في علم اللغويات التطبيقية، وعنوان أطروحة ألد كتوراة: "التعبير عن الزمن والهيئة في قواعد اللغة العربية ونصوصها" (Temporality in Arabic Grammar and Discourse) . يعمل أستاذ علم اللغويات التطبيقية المساعد في قسم اللغات الأجنبية، جامعة الملك فيصل، المملكة العربية السعودية. اهتماماته البحثية تتمحور حول التحليل اللغوي، تعلم وتعليم اللغات، بحوث الصف الدراسي، ودور اللغة في التربية والتعليم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 العدد 20 فهرس المحتويات 1- معاني الركوع والسجود في القرآن المجيد 2- جزء فيه حديث أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخيارهم خيارهم لأهله رواية ودراية 3- البيان والتبيين لضوابط ووسائل تمييز الرواة المهملين 4- صفة الرضا بين الإثبات والتعطيل وأثر الإيمان بها في حياة المسلم 5- مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات 6- الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع 7- قواعد مهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء الكتاب والسنة 8- حكم الأواني الذهبية والفضية وما مُوِّه بهما استعمالاً وبيعاً وشراء 9- نظرة فقهية للإرشاد الجيني 10- العَقْلُ عند الأصوليين عَرْضُُ ودراسة 11- المجاز عند الأصوليين بين المجيزين والمانعين 12- العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والدولة البيزنطية في عهد الخليفة هارون الرشيد 13- الوجود الإسلامي في صقلية في عهد النورمان بين التسامح والاضطهاد 14- جهود الملك عبد العزيز في عمارة عين عرفة 15- خَلَلُ الأُصُولِ فِي مُعْجَمِ الجَمْهَرَة 16- الأبنية المختصة باسم أو صفة في كتاب سيبويه 17- القياس الشكلي 18- مفهوم المجاز بين ابن سينا وابن رشد 19- ظاهرة التَّلَطف في الأساليب العربية 20- صعوبات تعلم اللغة العربية لدى تلاميذ الطور الثاني من التعليم الأساسي في المناطق الناطقة بالبربرية والمناطق الناطقة بالعربية 21- المرأة الناقدة في الأدب العربي 22- كتاب الإغفال وهو المسائلُ المصلَحَةُ من كتاب (معاني القرآن وإعرابه) لأبي إسحاق الزَّجَّاج 23- كتاب الإغفال 24- دفاع عن كتاب الله - القرآن ... والضرورة الشعرية 25- محتويات الجزء الأول 26- محتويات الجزء الثاني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 معاني الركوع والسجود في القرآن المجيد د. إبراهيم بن سعيد بن حمد الدوسري الأستاذ المساعد في قسم القرآن وعلومه، كلية أصول الدين الرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ملخص البحث يتناول هذا البحث دراسة جميع ألفاظ الركوع والسجود في القرآن الكريم الواقعة في تسعة وأربعين موضعا من سوره المكية والمدنية. وقد عني بجانب التفسير التحليلي المقارن، وذلك برصد معانيهما اللغوية والشرعية والمجازية، وحسبما اقتضته الآيات جرى تصنيفها إلى ثلاثة عشر موضوعا، ومن ثَمَّ دُرس كل موضوع في مبحث يتناول تلكم الآيات من خلال ما جاء في تفسيرها من نصوص الكتاب والسنة والآثار وأقاويل السلف والمفسرين، كما اقتضت الدراسة الاعتبار بالسياق وكذلك النظائر وسائر القرائن والدلائل من المكي والمدني والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك مما ينتهي بالبحث إلى الصحيح من الأقوال، وتعقّب المعاني الضعيفة وما لا يعوّل عليه، وهذا بالإضافة إلى توضيح ما جاور ألفاظ الركوع والسجود من المفردات الغريبة، مما يستلزمه البحث، وكذلك الإشارة إلى بعض المعاني البلاغية. ويعتبر هذا البحث متصلا بعلم الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، وسلسلة ينبغي أن تتواصل على أيدي الباحثين، وإذا لم تستوعب مصادر الوجوه والنظائر ما في القرآن الكريم من المعاني فإن الدراسات في هذا الجانب المهم من علوم القرآن الكريم وتفسيره ضرورية لإبراز هدايات القرآن الكريم ودلالاته. والله ولي التوفيق. • • • الحمد لله الذي دانت لعظمته العباد، وخضعت لعزته الرقاب، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما، أما بعد: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 فإن مما يثير التساؤل ورود صيغ الركوع والسجود في القرآن الكريم لمعان متعددة، واختلاف المفسرين رحمهم الله في تأويلها كذلك، فما معنى قوله تعالى لبني إسرائيل: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} (البقرة /58) ؟ وهل المقصود في قوله تعالى في شأن داود عليه السلام {وَخَرَّ رَاكِعًا} (ص/24) الركوع الشرعي؟ وهل عفّر أبوي يوسف وأخوته وجوههم على الأرض سجدا ليوسف؟ وما كيفية سجود النجم والشجر وغيرهما؟ وهل هو حقيقة أو مجاز؟ كل ذلك يستدعي البحث والتدبر، مع ما للركوع والسجود من تاريخ عريق على اختلاف هيئاتها باختلاف الزمان وتعدد الأديان، ولا جرم أن أحدهما (1) كان أول تحية تلقاها البشر عند خلق العالم (2) ، وهما من أهم أركان الصلاة وأدلهما على العبودية لله رب العالمين. تعريف الركوع والسجود: معاني الركوع والسجود تدور على ثلاثة محاور، وهي: المعاني اللغوية. المعاني الشرعية. المعاني المجازية. المعنى اللغوي: الركوع: يكون في القلب بالخضوع، وفي الجسد بالانحناء وطأطأة الرأس (3) . والسجود: يشترك مع الركوع في معنييه، ويَفْضُلُ عليه بأنه يختص بوضع الجبهة على الأرض، ولا خضوع أعظم منه (4) والساجد أشد انحناء من الراكع (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 المعنى الشرعي: الركوع والسجود من أهم أركان الصلاة وأفضلها كما في صحيح مسلم (ت261هـ) عن ابن مسعود (ت32هـ) رضي الله عنه موقوفا: ((إن أفضل الصلاة الركوع والسجود (1)) ) ، ((أما الركوع فهو أن يخفض المصلي رأسه بعد القَومة التي فيها القراءة حتى يطمئن ظهره راكعاً (2) ، قال أحمد بن حنبل (ت241هـ) : ((ينبغي له إذا ركع أن يلقم راحتيه ركبتيه ويُفرِّق بين أصابعه، ويعتمد على ضَبْعَيه (3) وساعديه، ويسوي ظهره، ولا يرفع رأسه ولا يُنكِّسه (4)) ) ، ((وكل قومة يتلوها الركوع والسجدتان من الصلوات كلها فهي ركعة، ويقال ركع المصلي ركعة وركعتين وثلاث ركعات)) (5) . وأما السجود في الشرع فهو وضع الجباه على الأرض (6) ولا بد معه من الطمأنينة (7) ، وقد بينه الرسول (في الصلاة فيما رواه عنه ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما أن الرسول (قال: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة (وأشار بيده على أنفه) واليدين والركبتين وأطراف القدمين، ولا نكِفت الثياب ولا الشعر)) (8) . الحقيقة والمجاز: الحقيقة: ((اللفظ الدالّ على معنى بالوضع الذي وقع فيه ذلك التخاطب)) (9) . والمجاز: ((اسم لما أُريد به غير ما وُضع له لمناسبة بينهما كتسمية الشجاع: أسدا)) (10) وبين العلماء خلاف مشهور في وقوع المجاز في القرآن الكريم، بل وفي اللغة العربية، ومن نفاه يعتبر ما يُسمى مجازا - من الاستعارة والحذف والتعبير عن الكل بالجزء وغير ذلك - أسلوبا من أساليب اللغة، وذلك صيانة لكتاب الله تعالى من القول بجواز نفي ما أثبت، كنفي كثير من الصفات الثابتة لله جلّ وعلا في القرآن العظيم (11) . على أن من أجرى المجاز من المحققين قصَره على النصّ، وذلك بالرجوع إلى أهل اللغة المعتبرين، إذ إن المجازات واردة على خلاف الأصل الذي هو الحقيقة (12) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 وقد حاول الزمخشري (ت538هـ) أن يفرق بين الحقيقة والمجاز في الركوع والسجود، فقال رحمه الله: ((ومن المجاز لغبت (1) الأبل حتى ركعت، وهن رواكع إذا طأطت رءوسها وكبت على وجوهها … وركع الرجل انحطت حاله وافتقر (2)) ) وقال في مادة (سجد) : ((ومن المجاز شجر ساجد وسواجد وشجرة ساجدة: مائلة، والسفينة تسجد للرياح: تطيعها وتميل بميلها … وفلان ساجد المنخر إذا كان ذليلا خاضعا، وعين ساجدة: فاترة، وأسجَدت عينَها: غضَّتها … وسجد البعير وأسجد طأ من رأسه لراكبه (3)) ) ، واعتبار ماسبق من المجاز غير الدقيق، حيث اعتبرته أكثر المصادر الأخرى حقيقة (4) ، ولأنه كله يدل على الخضوع والانحناء، ((وإذا دار اللفظ بين احتمال المجاز واحتمال الحقيقة فاحتمال الحقيقة أرجح (5)) ) . وقد استعمل الركوع والسجود في أساليب متعددة أصولها راجعة إلى ما أشرت إليه في المعاني اللغوية والشرعية، وهي: أنه يقال للمصلي: راكع، ويقال له أيضا ساجد (6) . ويقال للساجد راكع، وللراكع ساجد (7) . وهذه الأساليب جميعها قد استعملت في القرآن الكريم على خلاف بين المفسرين في تأويلها، وللسياق والقرائن والدلائل اعتباراتها في ذلك، وإن كان أكثر هذا الاختلاف من قبيل التنوع لا التضاد. دراسة الآيات: وقعت ألفاظ الركوع والسجود في القرآن الكريم في تسعة وأربعين موضعا، وتنتظم موضوعاتها فيما يلي: أولا سجود المخلوقات جميعها لله رب العالمين. ثانيا- سجود الملائكة. ثالثا- سجود النبيين عليهم الصلاة والسلام. رابعا- الرُّكع السجود في قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام. خامسا- سجود أبوي يوسف وإخوته له. سادسا- سجود السحرة من بني إسرائيل. سابعا- أمر بني إسرائيل بأن يدخلوا القرية سجدا. ثامنا- ذكر ركوع نبي الله داود عليه السلام. تاسعا- سجود الصديقة مريم وركوعها. عاشرا- سجود مؤمني أهل الكتاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 حادي عشر- سجود الرسول محمد (وأمته وركوعهم. ثاني عشر- سجود الكفار وركوعهم. ثالث عشر- أمر اليهود بالركوع. أولا - سجود المخلوقات جميعها لله رب العالمين: قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (الرعد/15) . وقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (النحل/48،49) . وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (الحج/18) . وقال الله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} (الرحمن/6) . {بِالْغُدُوِّ} : أول النهار، {وَالْآصَالِ} آخره، وهو مابين العصر إلى مغرب الشمس (1) . {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ} بمعنى {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} ، فمعنى تتفيأ في هذه الآية: تتنقل وتتميل، فالظل يرجع من موضع إلى موضع، والمقصود ب {الْيَمِينِ} أول النهار، وب {وَالشَّمَائِلِ} أواخره (2) . {دَاخِرُونَ} : صاغرون (3) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 {وَالشَّجَرُ} : ما قام على ساق، وأما {وَالنَّجْمُ} فقد اختُلف فيه، ففسره ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما بالنبات الذي لا ساق له، واختاره ابن جرير (ت310هـ) ، وفسره مجاهد (ت104هـ) بنجم السماء، واختاره ابن كثير (ت774هـ) (1) ، وجمع الزجاج (ت311هـ) بين التفسيرين، فقال: ((ويجوز أن يكون النجم ههنا يعني به ما نبت على وجه الأرض وما طلع من نجوم السماء، يقال لكل ما طلع قد نَجَم (2) . اشتملت هذه الآيات على سجود كل شئ لله تعالى، إذ يقول الله تعالى: {مِنْ شَيْءٍ} (النحل/48) ، ونصّ على بعضه لما فيه من الدلالات الظاهرة على وحدانية الله كالظل، ولأن بعضه قد عُبد من دون الله كالشمس والقمر (3) ، والأصناف المنصوص عليها في الآيات الأربع هي: أهل السموات والأرض من العقلاء، كما يفيده التعبير ب {مَنْ} الواقعة على العقلاء. (الرعد/15، الحج/18) . الملائكة (النحل/49) . المؤمنون في قوله تعالى {وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ} (الحج/18) . الكفار، إذ هم معدودون ضمن العقلاء المذكورون أولا، ونص عليهم أيضا في قوله تعالى: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} أي وكثير حق عليه العذاب سجد (4) ، وقيل: بل المعنى وكثير أبى السجود (5) . كل مالا يعقل المعبر عنه ب ((ما)) . (النحل/48،49) . الظلال. (الرعد/15، النحل/48) . الشمس والقمر والنجوم. (الحج/18) . الجبال والشجر. (الحج/18، الرحمن/6) . الدوابّ. (النحل/49، الحج/18) . وقد اختلف العلماء في سجود هذه الأصناف على ثلاثة أقوال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 القول الأول: أنه السجود الشرعي، هو الوقوع على الأرض بقصد العبادة، واعتبروا من لم يسجد من أهل السموات والأرض كالكفار من العام المخصوص، واستدلوا بقوله تعالى: {وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} (الحج/18) على القول بأن بعض الناس غير داخل في هذا السجود (1) . القول الثاني: أن المقصود المعنى اللغوي، وهو الخضوع والخشوع (2) . وهذان القولان معتبران عند علماء التفسير، غير أن القول الأول يتعذر فيه السجود الشرعي في بعض الأصناف، وأما القول الثاني فيتعارض مع القاعدة الأصولية التي تنص على أن اللفظ إذا دار بين الحقيقة الشرعية واللغوية حمل على الشرعية، ولاشك أن الحقيقة الشرعية متحققة في بعض المخلوقات كالمؤمنين، ولولا إرادة ذلك لما أثبته لبعض الناس ونفاه عن بعضهم الآخر في قوله تعالى: {وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ} (الحج/18) (3) . القول الثالث: أن السجود كل شئ مما يختص به حسب حاله، وهذا هو الراجح (4) ، وعليه فيكون السجود فيما سبق من الأصناف على النحو التالي: الملائكة: سجودهم عبادة حقيقية، ويكون طوعا بلا خلاف (5) كما قال الرسول (: ((إني أرى مالا ترون وأسمع مالا تسمعون، أطَّت السماء (6) ، وحُقّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله … )) (7) . المؤمنون: سجودهم شرعي طوعا، وقيل إن الكره يكون في سجود عصاة المسلمين وأهل الكسل منهم، وهذا القول أجنبي عن المقصود بقوله تعالى: {طَوْعًا وَكَرْهًا} (8) . (الرعد/15) . الكفار: لهم السجودان: أما الشرعي فيكون كرها، ويصدق على المنافقين منهم، كما قال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} (9) (التوبة/54) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 وأما سجود الكافر خضوعاً على حسب ماهو في اللغة فلأنه منقاد لمشيئة الله وقدرته (1) ، وقال مجاهد (ت104هـ) : ((ظِل الكافر يسجد طوعا وهو كاره (( (2) ، وقال الزجاج (ت311هـ) : ((والكافر إن كفر بقلبه ولسانه وقصده فنفس جسمه وعظمه ولحمه وجميع الشجر والحيوان خاضعة لله ساجدة)) (3) . سجود الموات والجماد المعبر عنه ب (مالا يعقل) : مامن حيوان ولا نبات ولا جماد إلا وهو مطيع لله خاشع له مسبح له كما أخبر الله تعالى عن السموات والأرض: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (فصلت/11) ، وقال جل شأنه في وصف الحجارة: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (البقرة/74) ، وغير ذلك من الشواهد، مما يدل على أن الله قد أودعها فهما وإدراكا، والخشية لا تكون إلا لما أعطاه الله مما يختبر به خشيته، فهو سجود طاعة، وعلينا التسليم لله، والإيمان بما أنزله من غير تطلّب كيفية السجود وفقهه، إلا ما جاء النص فيه مما سيأتي إن شاء الله قريبا، وهذا مذهب أهل السنة. وقيل سجود الموات والنبات ونحوهما ظهور أثر الصنع فيها، على معنى أنه يدعو الغافلين إلى السجود عند التأمل والتدبر فيه وهذا مخالف لكثير من ظواهر الكتاب والسنة (4) . الظلال: لها سجود خاص غير سجود الأشخاص، وقيل: إن المراد بالظلال الأشخاص، وهو ضعيف مخالف للتفسير ولظاهر الآيات (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 وقد بين الله كيفية سجود الظلال في قوله تعالى: {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} (النحل/48) قال ابن جرير: ((وسجودها ميلانها ودورانها من جانب إلى جانب، وناحية إلى ناحية، كما قال ابن عباس: يقال من ذلك سجدت النخلة: إذا مالت، وسجد البعير وأُسجد: إذا أُميل للركوب (1)) ) ، ويتضمن ذلك خضوعها وانقيادها لأمر الله، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} (الفرقان/45،46) ولا يبعد أن يجعل الله للظلال عقولا تخشع بها وتدرك بها ونحن لا ندركها (2) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 الشمس والقمر والنجوم: قال أبو العالية الرِّياحي (ت90هـ) : ((مافي السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع لله ساجدا حين يغيب، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له، فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه)) (1) ، فهذا سجود حقيقي (2) ، ويشهد له ما رواه أبو ذرّ (ت32هـ) رضي الله عنه أن النبي (قال يوماً: ((أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال ((إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة. فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت فترجع، فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع، فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك، تحت العرش. فيقال لها: ارتفعي، اصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها)) ، فقال الرسول (: ((أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين {لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} (3)) ) (الأنعام/158) . فهذا نص صريح عن الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام في سجود الشمس يجب الإيمان به والتسليم به كما ورد، قال ابن العربي (ت543هـ) : ((أنكر قوم سجودها وهو صحيح ممكن)) (4) ، وقال ابن حَجَر (ت852هـ) : ((ويحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكّل بها من الملائكة أو تسجد بصورة الحال فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع في ذلك الحين)) (5) ، وما ذكره ابن حجر - عفا الله عنه - صرف لهذا النص عن ظاهره وحقيقته دون قرينة تصرفه إلى ما احتمله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 الجبال والشجر: نصّت آية الحج/18 على أن الجبال والشجر تسجد لله، وكذلك نصت آية الرحمن/6 على الشجر، ومعنى ذلك أن الله قد أودعهما فَهماً وإدراكا، فهي تسجد سجوداً تعبدياً حقيقياً لا نعلم كيفيته (1) ، وقال ابن جرير الطبري (ت310هـ) : ((سجود ذلك ظلاله حين تطلع عليه الشمس وحين تزول، إذا تحول ظل كل شئ فهو سجوده)) (2) ، والأظهر كما سبق أن للجبال والشجر ونحوهما سجوداً آخر خاصاً بها، ولظلالها سجوداً آخر خاصاً بها. وليس في آية الحج/18 ولا الرحمن/6 ذكر سجود الظلال، قال ابن كثير (ت774هـ) : ((وقال مجاهد أيضا: سجود كل شئ فيه، وذكر الجبال قال: سجودها فيها)) (3) . ومما يدل على أن هذا السجود غير سجود الظلال ما جاء عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما، قال: ((كنت عند النبي (، فأتاه رجل فقال:إني رأيت البارحة، فيما يرى النائم، كأني أصلى إلى أصل شجرة، فقرأتُ السجدة فسجدتُّ فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها تقول: اللهم احطط عني بها وزرا، واكتب لي بها أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا، قال ابن عباس: فرأيت النبي (قرأ السجدة فسجد، فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة)) (4) . الدوابّ: عامّ في جميع الحيوانات المميِّزة وغير المميِّزة (5) ، وهي داخلة بحسب اختلاف أنواعها فيما تم توضيحه آنفا. والله أعلم. إنه لا شيء أدل من السجود على الطاعة والخضوع، ولا جرم أن إخبار الله بسجود هذه المخلوقات له حث للناس على توحيده وطاعته والسجود له، ولهذا استُحب السجود في السور الثلاث الأُول التي أخبر الله فيها عن سجود أهل السموات والأرض (6) . واختيار صيغة المضارع في الآيات السابقة دلالة على تجدد ذلكم السجود واستمراره. ثانيا سجود الملائكة: ذكر الله تعالى في كتابه الكريم للملائكة نوعين من السجود: السجود لله تعالى طاعة وتعبدا، والسجود لآدم تكرمة وتحية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 أسجود الملائكة لله تعالى: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} . (الأعراف/206) . ورد عن العلماء في معنى السجود ثلاثة أقوال: 1 السجود الشرعي، وهو وضع الجباه بالأرض (1) . 2 الصلاة (2) . 3 الخضوع والتذلل (3) . والذي يظهر أن أصحها السجود الشرعي، لقول الرسول (: ((أطّت السماء وحُقّ لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله)) (4) ، ولهذا شُرع لِيُتشبه به بالملائكة في فعلهم (5) ، كما جاء في الحديث: ((ألا تصُفُّون كما تصُفّ الملائكة عند ربها؟)) فقلنا يا رسول الله وكيف تصفّ الملائكة عند ربها؟ قال يتمون الصفوف الأُول ويتراصون في الصفّ)) (6) ، والجمهور من العلماء على أن هذا أول مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم من حيث ترتيب السور (7) . أما الخضوع فقد أغنى عنه في الآية قوله تعالى: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} ، وأما القول بأن معناه ((ولله يصلون)) فهو الذي فسر به ابن جرير (ت310هـ) هذه الآية، وهو لا يختلف عن القول الأول، لأن السجود جزء من الصلاة، ولأن للملائكة صلاة كما قال تعالى عنهم: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} (الصافات/165-166) ، والمقصود بذلك صلاتهم (8) . ولا يخفى أن التعبير بصيغة المضارع في قوله تعالى {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} للدلالة على التجديد والاستمرار،وكذلك تقديم المعمول للدلالة على الاختصاص، أي ولا يسجدون لغيره، وفيه أيضا تعريض بالذين يسجدون لغير الله تعالى وتقدس (9) . ب سجود الملائكة لآدم: ورد سجود الملائكة لآدم في سبع سور من القرآن الكريم، وهي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 1 قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} . (البقرة /34) . 2 قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ} . (الأعراف/11) . 3- قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} . (الحجر/28-31) . 4 قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} . (الإسراء/61) . 5 قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} . (الكهف/50) . 6 قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} . (طه/116) . 7 قوله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} . (ص/71-74) . اشتملت هذه الآيات على فضيلة عظيمة لآدم حيث اسجد الله له ملائكته (1) ، وقد اختلف العلماء في كيفية هذا السجود على أربعة أقوال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 أنه مجرد الخضوع، دون إيماء ولا انحناء ولا نحوهما، وهذا يرجع إلى أحد معاني السجود اللغوية، والمقصود إقرارهم لآدم بالفضل والقيام بمصالِحه (1) . الإيماء والخضوع (2) . الانحناء المساوي للركوع، وذلك بالتكفَّي والتعظيم، كسلام الأعاجم (3) . أنه السجود المتعارف، وهو وضع الجبهة بالأرض (4) . وعزاه القرطبي (ت671هـ) إلى الجمهور (5) ، وهو الصواب ولا يُعكّر عليه أن السجود في الشريعة الإسلامية محرم، لأن ذلك خاص بآدم في العالم العلوي، وليس ذلك ضمن التكاليف المنوطة بأهل الأرض، فلا يقاس عليه (6) ، على أن هذا السجود كان جائزا قبل الإسلام كما سيأتي بيانه في السجود ليوسف عليه السلام. وقد اتفق العلماء على أن سجود الملائكة لآدم سجود تحية لا عبادة تكريما لآدم عليه السلام وإظهاراً لفضله (7) ، ولهذا اعترض إبليس على السجود كما أخبر الله تعالى عنه في قوله: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} (الإسراء/62) ، ولم يكن الأمر بالسجود له على أنه نُصب قبلة للساجدين كالكعبة للمسلمين، وذلك يقتضي أن تكون اللام بمعنى إلى في {لِآدَمَ} ، فيكون التقدير: اسجدوا إلى آدم، وذلك تكلف لا مُلجئ إليه (8) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 ومما يدلّ على أن سجودهم كان على الجباه قوله تعالى: {فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (الحجر/29،ص/72) ، حيث أمرهم بالوقوع وهو السقوط (1) ، قال ابن جرير (ت310هـ) في تفسير هذه الجملة: ((يقول فاسجدوا له وخِرّوا له سجدا)) (2) ، ومن المرجحات لقول الجمهور أن الأصل في حكم اللفظ أن يكون محمولا على بابه وحقيقته (3) ، ولا شك أن هذا يتأكد إذا كان معه قرينة تدل عليه كما في هذا السجود، ولهذا قال ابن عطية (ت541هـ) : ((وهذه اللفظة [فَقَعُوا] تُقوّي أن سجود الملائكة إنما كان كالمعهود عندنا لا أنه خضوع وتسليم واشارة كما قال بعض الناس)) (4) ، لكنه - رحمه الله - ناقض نفسه في موضع آخر من تفسيره، فقال: وقوله تعالى: {فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} لا دليل فيه، لأن الجاثي على ركبتيه واقع (5) ، وما اعتلّ به منقوض بكلامه الآنف الذكر، كما أن الجثيّ لا يلزم منه الإنحناء (6) ، فهذه هيئة مغايرة للهيئات التي ذكرها العلماء في سجود الملائكة لآدم عليهم السلام. والله أعلم. ثالثاً - سجود النبيين عليهم الصلاة والسلام: قال الله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَانِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (مريم/58) . {آيَاتُ الرَّحْمَنِ} : كلام الله المتضمن حججه ودلائله مما أنزله على أنبيائه في كتبهم (7) . {خَرُّوا} : الخرور هو السقوط والهوي إلى الأرض (8) . {وَبُكِيًّا} : بضم الباء وبكسرها لغتان مستفيضتان وقراءتان سبعيتان، جمع باك وهو فاعل على فُعول، كساجد وسُجود، لكن قلبت الواو ياء، فأدغمت نحو جاث وجثي (9) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 وقوله تعالى: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} اشتمل على ثلاثة أمور: خرور وسجود وبكاء، فهو صريح في السجود المعروف على الجباه (1) ، ((فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا اقتداء بهم واتباعا لمنوالهم (2)) ) ، كما استُحب البكاء عند تلاوة القرآن (3) . وقيل المقصود بالسجود في هذه الآية الصلاة، وقيل مجرد الخشوع، والخرور يأباهما (4) ، إلا إن القول الراجح _ وهو السجود على الوجه _ يتضمن الخشوع أيضا، ولذلك قال الطبري (ت310هـ) في تفسير هذه الآية: ((خروا لله سجدا استكانة وتذللا وخضوعا لأمره وانقيادا)) (5) . رابعاً - الرُّكع السجود في قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام: قال الله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} . (البقرة/125) . وقال الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (الحج/26) . {وَعَهِدْنَا} : وأََمَرْنا (6) ، وعُدِّي ب {إِلى} لأنه في معنى أوحينا (7) . {وَالْعَاكِفِينَ} : هم المقيمون بالبيت على سبيل الجوار فيه، ومنهم المعتكفون (8) . {بَوَّأْنَا} : ((جعلنا مكان البيت مبؤا لإبراهيم، والمبؤ المنزل)) (9) . {وَالْقَائِمِينَ} : أي في الصلاة (10) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} : جماعة القوم الراكعين لله، وجماعة القوم الساجدين لله، وقد تعددت عبارات المفسرين في ذلك، فقال ابن جرير الطبري (ت310هـ) : ((يعني تعالى ذكره بقوله: {وَالرُّكَّعِ} جماعة القوم الراكعين فيه له، واحدهم راكع، وكذلك {السُّجُودِ} : هم جماعة القوم الساجدين فيه له، واحدهم ساجد: كما قال: رجل قاعد، ورجال قعود، ورجل جالس، ورجال جلوس، فكذلك ساجد ورجال سجود، وقيل: بل عنى بالركع السجود: المصلين)) ، ثم أسند عن عطاء (ت114هـ) قوله: ((إذا كان يصلى فهو من الركع السجود)) ، وأسند عن قتادة (ت118هـ) قوله: {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} : أهل الصلاة)) (1) ((وقال الحسن (ت110هـ) : هم جميع المؤمنين)) (2) وقال الفرّاء (ت207هـ) : ((يعني أهل الإسلام)) (3) وقال: الزَّجَّاج (ت311هـ) (( {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} : سائر من يصلي فيه من المسلمين)) (4) ، وهذا إختلاف تنوع وعبارة لا تناقض ولا تضاد فمنهم من فسرها بهيئات الصلاة بالنظر إلى الألفاظ المذكورة في الآيتين، وهي القيام والركوع والسجود، وهي أعظم أركان الصلاة (5) ، ومنهم من فسرها بالصلاة ((لأن القيام والركوع والسجود هيئات المصلي)) (6) ، ومنهم من حملها على سائر أهل الإسلام أتباع ملة إبراهيم عليه السلام، لأنه لا يركع ولا يسجد لله إلا المسلمون كما أنه لم تجتمع هذه الأركان الثلاثة: القيام والركوع والسجود في صلاة إلا في صلاة المسلمين (7) ، ولهذا ذُكر الركوع والسجود مع البيت لأن الصلاة إليه في غالب الأحوال (8) ، وهو قبلة المسلمين، وقد نص غير واحد من العلماء أن اليهود لا ركوع في صلاتهم، قال أبو حيان (ت754هـ) ((المشاهد من صلاة اليهود والنصارى خلوها من الركوع)) (9) ، وقال البقاعي (ت885هـ) : ((تتبعت التوراة فلم أره ذكر فيها الركوع)) (10) ، وقال في موضع آخر: ((سألت عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 صلاة اليهود فأَخبرت أنه ليس فيها ركوع)) (1) . والظاهر أن مراد العلماء من قولهم لا ركوع في صلاتهم أي مثل ركوعنا الشرعي المعروف، فقد ذكر الله عن داود عليه السلام أنه خر راكعا في قوله تعالى: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (ص/24) ، وقال جل شأنه عن مريم البتول: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (آل عمران/43) ، وسيأتي ذكر أقوال العلماء في هاتين الآيتين في موضعه من هذا البحث فالحاصل أن قوله تعالى: , {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} يدل على أن إبراهيم عليه السلام وكذلك الأمم من قبلنا كانوا مأمورين بالصلاة وبما اشتملت عليها من هيئات، لكنها ليست مماثلة لصلاتنا في الأوقات والهيئات (2) . وقدم الركوع على السجود، كما تقدم القيام عليها باعتبار الزمان، وأما من حيث الأفضلية فإن السجود هو أفضل هيئات الصلاة على ما نص عليه جمع من الأئمة (3) ، وجنس الركوع والسجود أفضل من جنس القيام (4) ، وعن ابن مسعود (ت32هـ) رضي الله عنه موقوفا: ((إن أفضل الصلاة الركوع والسجود)) (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 وقد اشتمل قول الله تعالى: {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} على جملة من الأسرار البلاغية لخَّصها الإمام اللغوي أبو حيان (ت754هـ) في قوله: ((وجُمعا جمع تكسير لمقابلتهما ما قبلهما من جمعي السلامة، فكان ذلك تنويعاً في الفصاحة أيضا، وخالف بين وزني تكسيرهما تنوعيا في الفصاحة أيضا، وكان آخرهما على (فُعول) لا على (فُعَّل) لأجل كونها فاصلة، والفواصل قبلها وبعدها آخرها قبله حرف مد ولين، وعُطفت تينك الصفتان لفرط التباين بينهما بأي تفسير فسرتهما مما سبق، ولم يُعطف السجود على والركع لأن المقصود بهما المصلون، والركع والسجود وإن اختلفت هيئاتهما فيشملها فعل واحد وهو الصلاة، فالمراد بالركع السجود المصلون، فناسب ألا يعطف لئلا يُتوهم أن كل واحد منهما عباده على حيالها وليستا مجتمعتين في عبادة واحدة وليس كذلك)) (1) . خامساً - سجود أبوي يوسف وإخوته له: قال تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} . (يوسف/4) . وقال الله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} . (يوسف/100) . السجود المذكور في الآية الأولى رؤيا منام، والمذكور في الآية الأخرى هو وقوعها، وأبواه: يعقوب عليه السلام وأم يوسف وقيل بل خالته، وظاهر القرآن أنها أمه (2) ، والذين خروا له سجدا أبواه، وذلك مصداق رؤيا الشمس والقمر، وإخوته الأحد عشر وذلك مصداق رؤيا الأحد عشر كوكبا. {الْعَرْشِ} : سريره الذي يجلس عليه (3) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 وقد اختلف العلماء في المقصود من السجود في قصة يوسف على النحو الذي في قصة سجود الملائكة لآدم، هل كان خضوعا مجردا؟ أو مع إيماء؟ أو كان انحناء كالركوع؟ أو هو السجود المتعارف عليه من وضع الجبة بالأرض (1) ؟ وأسباب هذا الاختلاف أن السجود لغير الله شرك محرم في دين الله في جميع الأزمان، فلذلك صرف لفظ السجود عن ظاهره وهو تعفير الجباه إلى ما دونه من التأويلات، والذي عليه الأكثر أن السجود على وجه التحية والتكرمة كان جائزا كسائر التحايا مما جرت عليه عادة الناس في التوقير والتقدير، لا على وجه العبودية، فكان السجود سائغا في الشرائع السابقة على هذا النحو، ولم يزل مباحا إلى أن جاء الإسلام فجعله مختصاً بالله تعالى وحده حماية لجناب التوحيد ومساواة بين الناس في العبودية والمخلوقية (2) ففي الحديث: ((لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي (، قال: ((ما هذا يا معاذ؟)) ، قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددتُّ في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله (: ((فلا تفعلوا … )) (3) وفي بعض طرقه: ونهى عن السجود للبشر، وأمر بالمصافحة (4) ، وعن أنس بن مالك (ت93هـ) قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: ((لا)) قال: أفيلتزمه ويقبله، قال: ((لا)) قال: أفيأخذ بيده ويصفحه؟ قال: ((نعم)) (5) . وقد أجمع المفسرون أن سجود أبوي يوسف وإخوته على أي هيئة كان فإنما كان تحية لا عبادة (6) ، والأظهر أنه كان على الوجوه وليس انحناء ولا إيماء لقوله تعالى {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} (7) ، قال الجوهري (ت393هـ) : ((وخرَّ لله ساجدا يّخِرُّ خُرُورا أي: سقط)) (8) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 وقيل الضمير في {لَهُ} لله عز وجل وهو قول مردود (1) ، ولا يلتئم مع السياق، ولا يتوافق مع الرؤيا (2) في قوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (يوسف/4) . وقال الزمخشري (ت538هـ) : ((وقيل معناه: وخروا لأجل يوسف سجدا لله شكرا وهذا أيضا فيه نَبْوة)) (3) . وكل هذه التأويلات الضعيفة لأجل الخروج من أن يكون السجود لغير الله، ومن استبان له تاريخ السجود زالت عنه هذه الإشكالات. وأما سجود الكواكب والشمس والقمر في رؤيا يوسف عليه السلام فالأصل في الكلام حمله على ظاهره وحقيقته، ولا مانع أن يراها ساجدة له،ولهذا عبر عنها بما هو خاص بالعقلاء فلم يقل: رأيتها ساجدة،ولكنه قال {سَاجِدِينَ} : إظهاراً لأثر الملابسة والمقاربة (4) ، وقد سبق الكلام عن سجود ما لا يعقل في أول البحث. سادساً - سجود السحرة من بني إسرائيل: قال تعالى: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} (الأعراف/120) وقال تعالى: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} (الشعراء/45،46) . وقال تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} (طه/70) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 المراد بالسجود في هذه القصة السقوط على الوجوه لما عاينه السحرة من عظيم قدرة الله، وصدق نبوة موسى عليه السلام والتعبير بالإلقاء في الآيات الثلاث يفيد أنهم خروا لله تعالى متطارحين على الأرض مذعنين لله بالطاعة، وهو صريح في صفة سجودهم (1) ، وتساءل الزمخشري (ت538هـ) عن فاعل الإلقاء لو صرح به، فأجاب: ((هو الله عز وجل بما خولهم من التوفيق أو إيمانهم أو ما عينوا من المعجزة الباهرة، ولك أن لا تقدّر فاعلا، لأن ألقوا بمعنى خروا وسقطوا)) (2) وتعقّبه أبو حيان (ت754هـ) في القول الأخير فقال: (( … أما أنه لا يُقدّر فاعل فقول ذاهب عن الصواب)) (3) . وأما من حمل السجود على الخضوع اللغوي دون خرور الوجوه فهو مخالف لظاهر الآيات وليس له قرينة تدل عليه، فلا يُعّول عليه (4) . وأغرب من ذلك من جوّز أن يكون السجود دلالة على تغلب موسى على السحرة فسجدوا تعظيما له، وأشد غرابة منه تجويز أن يريدوا به تعظيم فرعون حيث جعلوا السجود مقدمة لقولهم {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} حذرا من بطشه (5) ، وينبغي أن ينزه كلام الله تعالى عن مثل هذه الأقوال الأجنبية. سابعاً- أمر بني اسرائيل بأن يدخلوا القرية سجدا: قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} (البقرة/58) . وقال الله تعالى: {وَقُلْنَا لَهُمْ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} (النساء/154) . وقال الله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} (الأعراف/161) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 المراد بالقرية عند الجمهور مدينة بيت المقدس، وهي المذكورة في قوله تعالى {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (المائدة/21) ، فمكنهم الله من دخولها بعد خروجهم من التيه بقيادة يوشع بن نون عليه السلام، ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب سجدا ويقولوا حطة شكرا لله وتواضعا (1) . و {الْبَابَ} أحد أبواب بيت المقدس (2) . {وَقُولُوا حِطَّةٌ} : الصحيح أنهم أمروا أن يقولوا هذه الكلمة بحروفها لقول الرسول (: ((قيل لبني اسرائيل {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} ، فبدلوا، فدخلوا يزحفون على أستاههم، وقالوا حبة في شعيرة)) (3) ، ولهذا استنبط العلماء منه: ((أن الأقوال المنصوصة إذا تعبد بلفظها لا يجوز تغييرها)) (4) ، وتفسير {حِطَّةٌ} : اللهم حط عنا ذنوبنا (5) أمروا به في سجودهم، أي ادخلوا الباب سجدا قائلين في سجودكم حطة، فقدم وأخر في سورتي البقرة والأعراف في لفظتي {سُجَّدًا} {حِطَّةٌ} ليُحرز المجموع أن المراد بهذا القول أن يكون في حال السجود لا قبله ولا بعده (6) ، وقد اختلف العلماء في معنى {سُجَّدًا} فمنهم من حمل السجود على المعنى اللغوي وهو الخضوع والتواضع حسب (7) ، وهذا القول لا ينسجم مع نص الحديث السابق الذي يدل على أنهم خالفوا الهيئة المطلوبة، ودخلوا يزحفون على أستاههم. ومنهم من حمله على معناه الشرعي، وهو وضع الجباه بالأرض (8) ، وهو متعذِّر، إلا على ضرب من التكلف (9) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 ومنهم من حمله على الركوع، وهو تفسير ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما (1) ، وتفسير الصحابي مقدم على غيره (2) ، ثم إن تفسير {سُجَّدًا} ب ركعا هو الأظهر، وإنما عبر بالسجود ولم يعبر بالركوع، لأن السجود أدخل في الخضوع وأبلغ من الركوع، فلو عبر بالركوع لتوهم أن المراد الهيئة فقط دون الخشوع والخضوع لله، ولهذا عبر بعض العلماء في تفسيره ب ((ركعا خضعا)) (3) ، والقول بأنه المقصود في الآية الركوع هو بمعنى الانحناء، ولهذا قال الطبري (ت310هـ) : ((وأصل السجود: الانحناء لمن سجد له معظما بذلك، فكل منحن لشيء تعظيما فهو ساجد … فذلك تأويل ابن عباس قوله: {سُجَّدًا} : ركعا لأن الراكع منحن)) (4) ، وقال الزمخشري (ت538هـ) معبراً عن هذا القول: ((السجود أن ينحنوا ويتطامنوا داخلين ليكون دخولهم بخشوع وإخبات)) (5) . أما عدّ الانحناء دون خضوع قولا مستقلا فليس بشئ (6) . ثامنا- ذكر ركوع نبي الله داود عليه السلام: قال الله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (ص/24) . ابتلي داود عليه السلام في حادثة، فأرسل الله إليه ملكين فاختصما إليه في نازلة قد وقع هو في نحوها، ومن ثَمَّ شعر وعلم أنه هو المراد (7) {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} ، أي رجع إلى رضى ربه بالتوبة (8) . ومعنى {رَاكِعًا} في هذه الآية: السجود على الوجه، هذا هو قول جمهور المفسرين، حتى قال ابن العربي: ولا خلاف بين العلماء أن الركوع هاهنا هو السجود لأنه أخوه)) (9) ، والصواب أن الخلاف موجود كما سيأتي، وإن كان المعنى الراجح أنه هو السجود، ووجوه الترجيح مايلي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 حديث الرسول (: ((أن النبي (سجد في ص، وقال: ((سجدها داود توبة ونسجدها شكرا)) (1) ، قال ابن تيمية (ت728هـ) : ((لا ريب أنه سجد كما ثبت بالسنة وإجماع المسلمين أنه سجد لله)) (2) ، واعتبر البقاعي (ت885هـ) هذا الحديث تفسير لهذه الآية، فقال: (( … ولأن النبي (فسره بالسجود)) (3) وذكر هذا الحديث، والصواب أن هذا ليس تفسيرا صريحا لهذه الآية، وإنما تضمن صفة سجود توبة داود، ولو كان تفسيرا للآية حقا لتعين المصير إليه في تفسيرها. عن مجاهد (ت104هـ) قال: ((قلت لابن عباس أنسجد في ص؟ فقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} حتى أتى {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} فقال: ((نبيكم (ممن أمر أن يقتدى بهم)) (4) ، يشير ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما إلى قوله تعالى: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} قال ابن الجوزي (ت597هـ) : ((قال ابن عباس: أي ساجدا)) (5) ، ولم أقف على تفسير ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما لهذه الآية مسندا فيما اطلعت عليه. وهذا الموضع من سورة ص من مواضع سجود التلاوة عند أكثر العلماء (6) . اقتران لفظ الركوع في الآية ب {خرّ} ، والخرور هو السقوط والهوي إلى الأرض (7) ، فدل ذلك على أن المراد هو السجود على الوجه، ((وعبر بالركوع عن السجود ليُفهم أنه كان عن قيام)) (8) ، ولهذا كان سجود التلاوة قائما أفضل منه قاعدا ((إذ هو أكمل وأعظم خشوعا، لما فيه من هبوط رأسه وأعضائه الساجدة لله من القيام)) (9) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 فكل هذه الدلائل تؤكد أن معنى {رَاكِعًا} في الآية: ساجدا، وقيل: معناه على ظاهره بمعنى الانحناء (1) ، وحاول بعضهم أن يجمع بين القولين بأن يكون ركع أولا ثم سجد بعد ذلك فيكون {خَرَّ} بمعنى سجد (2) ، أو أن الله سبحانه ذكر أول فعله وهو خروره راكعا، وإن كان الغرض منها الانتهاء به إلى السجود (3) ، وقيل بل معنى {رَاكِعًا} : ((مصليا)) على اعتبار أن الركوع يراد به الصلاة (4) ، والأَولى ما قدمته. والله أعلم. تاسعاً - سجود الصديقة مريم وركوعها: قال الله تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (آل عمران/43) . ((القنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع)) (5) ، ((وقيل لطول القيام في الصلاة قنوت)) (6) ، وهو المقصود في هذه الآية عند الجمهور (7) ، وذلك مناسب لقوله تعالى: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} (8) ، وقال سعيد بن جبير (ت95هـ) : ((أخلصي لربك)) (9) وبه تأوّل ابن جرير (ت310هـ) هذه الآية، فقال: ((فتأويل الآية إذا: يا مريم أخلصي عبادة ربك لوجهه خالصا)) (10) ، وهو مناسب للآية قبلها: {وَإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) } ، فإخلاص العبادة لله شكرا واعترافا يتسق مع ما خصها الله به من كراماته. واختلف العلماء في المراد من السجود والركوع في هذه الآية، فمنهم من أجراهما على هيئات الصلاة المعهودة، ومنهم من حملهما أو أحدهما على الصلاة مطلقا، ومنهم من اعتد بأصل المعنى اللغوي _ وهو الخشوع _ فيهما أو في أحدهما (11) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 وقد تقرر أن الأصل حمل الألفاظ على حقائقها الشرعية إلا أن تصرفها قرينة أو دلالة إلى أحد معانيها الأخرى، وعليه فإن معنى قوله تعالى: {وَاسْجُدِي} على ظاهره في معناه الشرعي (1) ، وخُص بالذكر وقدم على الركوع لشرفه وفضله على سائر هيئات الصلاة (2) ، أما الركوع فقد خلت منه صلاة اليهود والنصارى (3) ، فلهذا جاز حمله هنا على مطلق الصلاة أي صلي مع المصلين وقد تضمن ذلك الأمر بصلاتها مع جماعة، وتلك خِصِّيصة لها من بين نساء بني اسرائيل (4) ، والذين من قبلنا كانت لهم صلاة لكنها ليست مماثلة لصلاتنا في أوقاتها وهيئاتها (5) ، فلا يلزم أن يكون في صلاة من قبلنا ركوع مثل ركوعنا، وكذلك ما ذكر من السجود لا يلزم أن يكون على الصورة التي عليها شرعنا تماما، وإنما هو مطلق السجود (6) . ومن العلماء من اعتد بالأصل اللغوي في هذه الآية، وهو الخشوع، أي اخشعي لله مع من خشع له من خلقه شكرا له على ما أكرمك به من الاصطفاء (7) ، وذلك يتضمن معنى آخر للآية بالإضافة إلى الصلاة، لأن قوله تعالى: {وَاسْجُدِي} قد أفاد معنى الصلاة إذ هو جزء منها. ولما كان موضوع الآية في مقام الشكر على ما أنعم الله به على مريم من مزيد المواهب والعطايا (8) ((قال قوم: تأويلها اسجدي: أي صلي {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} : أي اشكري لله جل ثناؤه مع الشاكرين)) (9) ، نقل هذا التأويل اللغوي الحاذق ابن فارس (ت395هـ) مستشهدا به على أنه يقال: ((للساجد شكراً: راكع)) (10) . عاشراً - سجود مؤمني أهل الكتاب: قال الله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} (آل عمران/113) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (الإسراء/107_109) . المراد ب {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} وأهل الكتاب من أسلم من اليهود والنصارى (1) . {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} : أي ((مستقيمة عادلة)) (2) . والمتلوا في الآيتين: القرآن الكريم (3) ، وهو المراد بالوعد في قوله تعالى {إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} (4) . {آنَاءَ اللَّيْلِ} : أي ساعاته (5) . الأذقان: ((أسافل الوجوه، حيث يجتمع اللحيان، وهي أقرب ما في رأس الإنسان إلى الأرض، لا سيما عند سجوده)) (6) . وقد خص الله بالتنويه من آمن من أهل الكتاب في هذه الآيات وفي غيرها لما لهم من سابق إيمان، وتصديق بما جاء به الرسول (ومتابعة له، ولذلك وعدهم الله بأن يؤتيهم أجرهم مرتين، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمْ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} (القصص/51-54) . وامتدحهم الله بالسجود في آيتي آل عمران والإسراء فما معناه؟ وما كيفيته في تينك الآيتين؟. أما قوله تعالى: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} (آل عمران/ 113) : فللسجود في هذه الآية معنيان وجيهان: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 المعنى الأول: وهو يُصّلون، فالسجود اسم للصلاة، وإنما عبر عن الصلاة بالسجود لأنه أدخل في كمال الخضوع والخشوع والتضرع (1) ، ولأن التلاوة لا تكون في السجود (2) ، فهي على هذا جملة في موضع حال، أي يتلون آيات الله متلبسين بالصلاة (3) . المعنى الثاني: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ} في صلاتهم، وهم مع ذلك يسجدون فيها، فالسجود هو السجود المعروف في الصلاة)) (4) ، وهذا هو الظاهر من لفظ السجود (5) ، لأن الأصل في إطلاق الألفاظ الحقيقة الشرعية. والمراد بالصلاة – في أولى أقوال العلماء في هذه الآية – صلاة العشاء (6) لقول ابن مسعود (ت32هـ) رضي الله عنه ((أخَّر رسول الله (صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة، قال: ((أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم)) ، قال: وأُنزل هؤلاء الآيات: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} حتى بلغ {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (7) . وأما قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} فحمله الحسن (ت110هـ) على ظاهره وهو السجود على اللِّحى، وهذا القول لا يستقيم إلا إن كان المقصود بالذين أوتوا العلم السابقين ممن لم يدركوا الإسلام والقرآن وإنما عرفوه من خلال كتبهم، وكان كذلك سجودهم (8) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 والأصح ما ذهب إليه ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنه، وتابعه عليه جماهير المفسرين، وهو السجود على الوجوه وذلك أن الآية اشتملت على الخرور والسجود، والآية التالية – وهو قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} – اشتملت على الخرور والبكاء، فأفادت الآية الأولى أن أول ما يَلقى الأرض من الذي يَخر قبل أن يصوِّب جبهتَه ذقنُه، ففيها تصوير لحال سجودهم، وفيها أن الخرور عبادة مقصودة يحبها الله، وقد يكون خرور بدون سجود، كما هو الحال في الآية التالية، فقد يبكي الخاشع مع خرور دون أن يصل إلى حدّ السجود، وهذه عبادة مقصودة أيضا، غير أن مجموع الآيتين أفاد الخرور للأذقان، والسجود على الوجوه والبكاء مع الخشوع، كما في قوله تعالى: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (1) (مريم/58) ، وآية الإسراء من مواضع سجود التلاوة المتفق عليها (2) . وقيل: إن المقصود بالسجود في قوله تعالى: {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} ، {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} هو مجرد الخضوع والخشوع وهو قول ساقط لا يعوّل عليه (3) . وفيما ذكره الله من سجود مؤمِني أهل الكتاب معان بلاغية، منها: الجملة الاسمية في قوله تعالى: {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} تدل على الاستمرار، والضمير في {وَهُمْ} يدل على التوكيد، واختيار صيغة المضارع للدلالة على التجدد، وعطفت بالواو في {وَهُمْ} على ما قبلها من التلاوة لتشعر بأن تلك التلاوة كانت في صلاة (4) التعبير باللام بدل ((على)) في قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} ، وهذه اللام تعرف بلام الاختصاص، وهي تدل على تمام السجود وتمكّن الوجوه من الأرض من قوة الرغبة في السجود لما فيه من استحضار الخضوع لله سبحانه (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 جاء التعبير عن الخرور الأول بالاسم وعن الثاني بالفعل في قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} ، {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} ، وذلك لأن الفعل مشعر بالتجدد، والبكاء ناشئ عن التفكر، فهم دائما في فكرة وتذكر وخشوع، ولما كانت حالة السجود ليست تتجدد في كل وقت عبر فيها بالاسم (1) . حادي عشر - سجود الرسول (وأمّته وركوعهم: وقع الركوع والسجود فيما يتعلق بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وأمته في القرآن الكريم في ثلاثة عشر موضعا ما بين مكي ومدني وأمر ومدح وتشريع، ويمكن رصد معاني تلك الآيات ووجوهها من خلال تصنيفها على أربع مجموعات، وهي على النحو التالي: أ - ما خوطب به الرسول (في ذلك. ب- ما جاء في سجود أمته. ج- الركوع مفرداً. د- الركوع والسجود معاً. وسألقي الضوء على كل وحدة على حدة للوصول إلى أصح الأقوال في كل آية من خلال ماصح من أسباب النزول والآثار والاعتبار بالسباق واللحاق، وكذلك النظائر وسائر القرائن والدلائل. أ- ما خوطب به الرسول (في ذلك: قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ} . (الحجر/97- 98) . وقال الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} . (الشعراء/217-219) . وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) } . (ق/39-40) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} . (الإنسان/24-26) . وقال الله تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} . (العلق/19) . إن الناظر في هاته الآيات يلحظ أنها تضمنت تسلية الرسول (لما يلاقيه من مضايقة من قومه، وكان ذلك في العهد المكي ولهذا كانت جميعها مكية إلا سورة الإنسان فمختلف فيها (1) ، والأظهر أنها مكية، كما يبدو من أساليبها ومعانيها (2) ، على أنه من العلماء من قال بمدينتها إلا قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} إلخ (3) . ولقد كان رسول الله (إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة (4) ، قال ابن الأثير (ت606هـ) في ((حزبه)) : ((أي إذا نزل به مهم أو أصابه غمّ)) (5) ، فهذا منه عليه الصلاة والسلام أخذٌ بهذه الآيات (6) ، لما يجده في الصلاة من أُنس بمناجاة ربه، وإنما عبر بالسجود عن الصلاة لأنه حالة القرب من الله فيها السجود، وهي أكرم حالات الصلاة عند الله وأقمنها بنيل رحمته ولذة مناجاته (7) . فالمقصود من الأمر بالسجود في هذه الآيات بالجملة هو الصلاة، وليس السجود المجرّد من الصلاة، وتفصيل ذلك في كل آية كما يلي: قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ} (الحجر/97-98) : قال جمهور العلماء: وكن من المصلين (8) ، وعزاه ابن الجوزي (ت597هـ) إلى ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما (9) ، قال الطبري (ت310هـ) : ((وهذا نحو الخبر الذي رُوي عن رسول الله (: أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة)) (10) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 وقيل: معنى الآية وكن من المتواضعين، ونسب ذلك إلى ابن عباس رضي الله عنهما أيضا (1) ، وذلك مبني على قوله تعالى قبله: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (الحجر/88) ، غير أن الألصق بالسياق قول الجمهور، وجمع بينهما البغوي (ت516هـ) في تفسيره: ((من المصلين المتواضعين)) (2) . وخطَّأ ابن العربي (ت541هـ) من ظن أن المراد في الآية السجود نفسه (3) ، ولم أقف على نص - فيما اطلعت عليه - ذكر أن المراد من الآية السجود نفسه. قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} (الشعراء/217-219) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 جمعت هذه الآيات بين صلاة النبي (وحده وصلاته في الجماعة، والمعنى: ((يراك وحدك ويراك في الجماعة، وهذا قول الأكثرين)) (1) ، ((وهذا يجمع معنى العناية بالمسلمين تبعا للعناية برسولهم، فهذا من بركته (، وقد جمعها هذا التركيب العجيب الإيجاز)) (2) ، فمعنى {فِي السَّاجِدِينَ} : ((أي في أهل الصلاة، أي صلاتك مع المصلين)) (3) وقال بعضهم: معنى قوله تعالى {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} : أي تقلبك في صلاتك حين قيامك وحين ركوعك وسجودك، فالمقصود بالساجدين هو الرسول ((4) ، فهو من إطلاق الجمع وإرادة به المفرد، والمعنيان متقاربان، وكلاهما مروي عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما (5) ، إلا أن الأشمل هو القول الأول، ولذلك اختاره ابن جرير الطبري (ت310هـ) فقال رحمه الله: ((وأولى الأقوال في ذلك بتأويله قول من قال: تأويله: ويرى {تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} في صلاتهم معك، حين تقوم معهم وتركع وتسجد، لأن ذلك هو الظاهر من معناه)) (6) فالمقصود بالسجود في الآية الصلاة، غير أنه اختُلف في المراد بالساجدين بالتحديد، فمنهم من قال: هو الرسول (، ومنه من قال: عنى به أهل الصلاة من المؤمنين، وثمة أقوال أخرى في بيان المراد منهم، فقيل: جميع المؤمنين، وقيل جميع الناس، وقيل الأنبياء، وكلها أقوال أجنبية عن ألفاظ الآية المتضمنة بعض هيئات الصلاة (7) . وتفسير مجاهد (ت104هـ) لهذه الآية نحو قول الجمهور، حيث قال رحمه الله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 ((يعني في المصلين، وكان يقال: يرى مَن خلفه في الصلاة)) (1) ، ويشهد لهذا ما جاء في الصحيحين أن الرسول (قال: ((أقيموا الصفوف فإني أراكم خلف ظهري)) (2) ، فمعنى التقلب عند مجاهد رحمه الله إبصار الساجدين، وليس هو هيئات الصلاة من قيام وركوع وسجود، ولهذا اعتبره ابن عطية (ت541هـ) معنى أجنبيا هنا (3) تبعا للطبري (ت310هـ) حيث قال: ((وكذلك أيضا في قول من قال: معناه تتقلب في إبصار الساجدين، وإن كان له وجه فليس ذلك الظاهر من معانيه)) (4) . وهذه الآية شبيهة بآية الحجر - التي سبق الكلام عنها آنفا - في مقصدها ومعناها، حيث إن كلا منهما سُبقت ببيان موقف الكافرين من دعوة الرسول (، كما تضمنت كل منهما توجيه الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام بملازمة الصلاة، وفي الجمع في كل منهما في لفظ {السَّاجِدِينَ} إشارة إلى صلاة الجماعة (5) ، ولا سيما أن هذا التوجيه في السورتين سُبق بخفض الجناح للمؤمنين الذين بهم قوام صلاة الجماعة. قوله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} (ق/39-40) : {أَدْبَارَ} جمع دبُر، أي في أعقابه، وفي قراءة سبعية أخرى بكسر الهمزة مصدر أدبر يدبر إدبارا، والتقدير: وقت إدبار السجود (6) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 أجمع أهل التأويل على أن التسبيح في قوله تعالى: {وَسَبِّحْ} معناه: صلّ (1) ، وقد سبق أن هذه السورة مكية، قال ابن كثير (ت774هـ) : ((وكانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتان: قبل طلوع الشمس في وقت الفجر، وقبل الغروب في وقت العصر وقيام الليل كان واجبا على النبي (وعلى أمته حولا ثم نسخ في حق الأمة وجوبُه، ثم بعد ذلك نسخ الله ذلك كله ليلة الإسراء بخمس صلوات)) (2) ، وفي الصحيحين: أن النبي (نظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: ((إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون (3) في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (4) . وقوله تعالى: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} : أي فصلّ له، ويجوز أن يكون ذلك صلاة الليل في أي وقت صلى، ومن العلماء من خصها بصلاة المغرب والعشاء، ومنهم من قصرها على العشاء (5) ، والأولى العموم، وهو قول مجاهد (ت104هـ) ، واختيار ابن جرير الطبري (ت310هـ) ، لأنه لم يَحدّ وقتا من الليل دون الوقت (6) ، وهو المناسب لوقت نزول السورة. أما التسبيح أدبار السجود، فمن العلماء من أجرى التسبيح فيه على الصلاة، ومنهم من أبقاه على ظاهر معناه من أذكار التسبيح (7) ، وبذلك يتضح معنى السجود في هذه الآية، وتنتظم أقوال العلماء فيها في أربعة أقوال، وهي: القول الأول: مارواه البخاري (ت256هـ) في صحيحه عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما أنه قال: ((أمره أن يسبح في أدبار الصلوات كلها يعني قوله: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} )) (8) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 فالسجود هو جميع الصلوات المكتوبات (1) ، والتسبيح هو التسبيح باللسان، وقد ورد عن النبي (التسبيح في دبر كل صلاة ولم يذكر أنه تفسير للآية (2) ، وجاء ذلك في أحاديث كثيرة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: ((من سبّح الله في دُبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير - غُفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) (3) . القول الثاني: أن المراد بقوله تعالى: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} هما الركعتان بعد المغرب فالسجود في هذه الآية معناه صلاة المغرب وسمي التسبيح صلاة، لأنه تنزيه لله عما لا يليق به، والصلاة تشتمل على ذلك، من ذكر وقرآن وتسبيح كلها تنزيه لله تعالى (4) أما سبب تسمية الصلاة سجودا فقد سبق ذلك في مقدمة البحث وتضاعيفه. والقول بأنه الركعتان بعد صلاة المغرب مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين، منهم عمر (ت23هـ) وعلي (ت40هـ) وابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهم، ومجاهد (ت104هـ) والحسن (ت110هـ) وقتادة (ت118هـ) وغيرهم (5) وهو اختيار ابن جرير (ت310هـ) ، حيث قال رحمه الله: ((وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، قول من قال. هما الركعتان بعد المغرب، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك)) (6) . ورُوى ذلك مرفوعا، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال لي النبي (: ((يابن عباس ركعتان بعد المغرب أدبار السجود)) (7) ولو صح هذا الحديث لوجب المصير إليه، لكنه ضعيف كما نص عليه ابن حجر (8) (ت852هـ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 القول الثالث: أن المراد بقوله تعالى: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} النوافل بعد المفروضات، قاله ابن زيد (1) ، وقواه ابن جرير (ت310هـ) بقوله رحمه الله: ((لأن الله جل ثناؤه لم يخصص بذلك صلاة دون صلاة بل عمّ أدبار الصلوات كلها فقال: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} (2) . القول الرابع: حمل الآية على ظاهرها، وهو ماذكره الجصاص في أحكامه: ((إذا وضعت جبهتك على الأرض أن تسبح ثلاثا)) (3) ، واعتباره قولا رابعا في جانب الأقوال السابقة فيه تجوّز إذ لم أعثر عليه في مصدر آخر، بل نصّ الآية يقتضي أن يكون عقب السجود، وليس في السجود نفسه. ورجح بعض المحققين القول الأول (4) ، وهو الذي رواه البخاري (ت256هـ) عن ابن عباس رضي الله عنه (ت68هـ) رضي الله عنهما، وهو الموائم لوقت نزول السورة لأن صلاة المغرب لم تفرض بعد، فحَمْلُ التسبيح باللسان على عموم أدبار الصلوات هو الأولى، أما القول الثاني، وهو تخصيص ذلك بصلاة المغرب فقد تعقبّه الطبري (ت310هـ) بقوله رحمه الله: ((ولم تقم - بأنه معنيّ به دبر صلاة دون صلاة - حجة يجب التسليم لها من خبر ولا عقل)) (5) ، وأما القول الثالث فيمكن أن يُتعقب بأن بعض المفروضات لا نافلة بعدها. والله أعلم. قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} (الإنسان/24-26) : قوله تعالى: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} : ((أي أول النهار وآخره)) (6) ، والمقصود استغراق جميع وقت النهار، وقيل: {بُكْرَةً} : صلاة الصبح، {وَأَصِيلًا} : صلاة الظهر والعصر (7) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 والمقصود بالسجود في الآية الصلاة دون خلاف، إلا أن منهم من خصصها بصلاة المغرب والعشاء، والأولى العموم، إذ لم يرد خبر يجب التسليم به، ولا سيما أن هذه الآيات مكية، والظاهر أنها قبل فرض الصلوات الخمس كما سبق في الآية الماضية (1) . واقتران التسبيح بالصلاة في هذه الآية والآيات التي سبق التعليق عليها فيه دلالة على أنهما مما يعين على الصبر المأمور به. قوله تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (العلق/19) : فسر أكثر أهل العلم السجود في هذه الآية بالأمر بالصلاة، أي صلّ لله (2) ، ويؤيده قوله تعالى قبل هذه الآية: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى} (الآية/9-10) ، وكذلك مارواه البخاري (ت256هـ) في صحيحه قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن عنقه، فبلغ النبي (، فقال: ((لو فعل لأخذته الملائكة)) (3) ، والظاهر أن هذه الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس، لأنها من أوائل ما نزل من المكي، وكان الإسراء وفرض الصلوات الخمس قبل الهجرة بعام، حيث كانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتان: قبل طلوع الشمس في وقت الفجر، وقبل الغروب في وقت العصر (4) . وهذا القول هو الأظهر، وهذا يتفق مع معاني الآيات الآخرى الواردة في هذا الباب في حق الرسول (، حيث اتضح الراجح فيما سبق من الآيات من معاني السجود هو الصلاة. والله أعلم. ومن العلماء من حمل السجود هنا على ظاهره (5) ، وهو السجود الشرعي، وهذا القول قريب من سابقه، لأن السجود جزء من الصلاة، وهذه الآية معدودة في سجدات التلاوة عند جماعة من أهل العلم (6) ، وذلك مرجح لهذا المعنى. وقيل: بل المراد من السجود هنا الخضوع (7) ، وهو قول بعيد، لا يساعده أثر ولا نظر. ب - ما جاء في سجود أمة محمد (: قال الله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} (النساء/102) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (الفرقان/64) . وقال الله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (السجدة/15) . وقال الله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} (الزمر/9) . تضمّنت الآية الأولى صلاة الخوف، وأما بقية الآيات فهي ثناء على المؤمنين بخصال أعمالهم وخيارها من الإيمان بالله والسجود لوجهه وقيام الليل في صلاتهم. ولا بد من إلقاء الضوء على كل آية ليستبين المراد من السجود فيها أهو السجود الشرعي أم أن المقصود منه الصلاة أو صلاة بعينها، أم هو الركوع؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 قوله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} (النساء/102) قال ابن عطية ت541هـ) ((الضمير في {سَجَدُوا} للطائفة المصلية، والمعنى فإذا سجدوا معك الركعة الأولى فلينصرفوا، هذا على بعض الهيئات المروية، وقيل المعنى: فإذا سجدوا ركعة القضاء)) (1) ، فعلى المعنى الأول يكون المراد بالسجود ظاهره، وهو السجود الشرعي (2) ، وذلك أن هذه الطائفة إذا فرغت من سجدتي ركعتها التي صلت مع النبي (مضت إلى موقف أصحابها بإزاء العدو، وعليها بقية صلاتها (3) ، وعلى المعنى الثاني يكون المراد بالسجود الصلاة، ((تأويله فإذا صلوا ففرغوا من صلاتهم فليكونوا من ورائكم) (4) ، وهذا المعنى هو الراجح وعليه جمهور العلماء، وهو اختيار الطبري (ت310هـ) ، وبه أخذ مالك (ت179هـ) والشافعي (ت204هـ) وأحمد (5) (ت241هـ) وكون المراد بالسجود في الآية هو الصلاة لأنه أشد موافقة لسياق الآية، إذ يقول الله تعالى بعده: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} ، فدلّ ذلك على أن الطائفة الأخرى لم تشرع في الصلاة إلا بعد صلاة الطائفة الأولى ومفهومه أن الطائفة الأولى قد صلت جميع صلاتها (6) ، كما في صلاة الرسول (في غزوة ذات الرِّقاع ((أن طائفة صفّت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفُّوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم)) (7) ، قال مالك (ت179هـ) : ((وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف)) (8) . وهذه الهيئة أحوط للصلاة، فإن كل طائفة تأتي بصلاتها متوالية (9) ، وهي أبلغ في حراسة العدو (10) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (الفرقان/64) : المبيت: إدراك الليل (1) ، ومعنى {يَبِيتُونَ} في الآية: يصلون (2) ، والسجود والقيام على ظاهرهما (3) ، ((يراوحون بين سجود في صلاتهم وقيام)) (4) ، وفي ذكرهما دون سائر أفعال الصلاة تنويه بهما، وتقديم {سُجَّدًا} وإن كان فعله بعد القيام لفضل السجود، ولأجل فواصل آي السورة (5) ، والآية من الاحتباك، فذِكُر السجود دليل على الركوع، والقيام دليل على القعود، أي سجدا وركعا وقياما وقعودا (6) . قال الفراء (ت207هـ) : ((جاء في التفسير أن من قرأ شيئا من القرآن في صلاة وإن قلّت فقد بات ساجدا وقائما، وذكر أنهما الركعتان بعد المغرب وبعد العشاء ركعتان)) (7) ، ومنهم من أدخل فريضة العشاء، وقيل الشفع والوتر (8) ، والأَولى أنه وصف لعباد الرحمن بإحياء الليل أو أكثره (9) . قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (السجدة/15) : اختلف في المراد بالسجود في هذه الآية، فذهب الجمهور إلى أن المعنى خروا سجدا لله على وجوههم (10) ، والخرور هو السقوط والهوي إلى الأرض كما سبق (11) ، وهذا السجود يتناول سجود التلاوة وسجود الصلاة فليس هو مختصا بسجود التلاوة، كما قرّره ابن تيمية (12) (ت728هـ) رحمه الله، لأن قوله تعالى في الآية {بِآيَاتِنَا} ليس يعني بها آيات السجود فقط بل جميع القرآن. وقد أجمع العلماء على السجود في هذه الآية، تأسيا بمن أثنى الله عليهم في هذه الآية، خلافا لما يصنع الكفرة من الإعراض عند التذكير (13) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 قال ابن عطية (ت541هـ) : ((وقال ابن عباس رضي الله عنهما: السجود هنا بمعنى الركوع، وقد رُوي عن ابن جُريج ومجاهد أن هذه الآية نزلت بسبب قوم من المنافقين كانوا إذا أقيمت الصلاة خرجوا من المسجد، فكأنّ الركوع يقصد من هذا، ويلزم على هذا أن تكون الآية مدنية، وأيضا فمن مذهب ابن عباس رضي الله عنهما أن القارئ للسجدة يركع، واستدل بقوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} )) (1) . ولم أقف على قول ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما مسندا فيما فتشت فيه من المصادر، وما أورده من سبب نزول الآية ذكره الطبري (2) (ت310هـ) عن حجَّاج (ت206هـ) عن ابن جريج (ت150هـ) ، ولم يسنده أيضا، وحَمْل قول ابن عباس رضي الله عنهما عليه لا يتّجه، بل مقتضى سبب النزول هذا يفيد أن معنى السجود في الآية هو الصلاة، ولهذا قال الفراء (ت207هـ) : ((كان المنافقون إذا نودي بالصلاة، فإن خَفُوا عن أعين المسلمين تركوها، فأنزل الله: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا} ، إذا نودي إلى الصلاة أتوها فركعوا وسجدوا غير مستكبرين)) (3) ، ولخّص ابن الجوزي (ت597هـ) هذا القول ونصه: ((وقيل المعنى: إنما يؤمن بفرائضنا من الصلوات الخمس الذين إذا ذكروا بها بالأذان والإقامة خروا سجدا)) (4) ، وأما ما ذكره من مذهب ابن عباس رضي الله عنهما في سجود التلاوة واستدل به فدلالته غير ظاهرة في تفسير الآية، ولذلك لم يرتضه الآلوسي (5) (ت1270هـ) . والراجح في تفسير الآية ماذهب إليه الجمهور، ولفظة {خر} تقتضي ذلك، ومن ثَمَّ كان هذا الموضع من عزائم السجود (6) والله أعلم. قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} (الزمر/9) : ((القنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع)) (7) و {آنَاءَ اللَّيْلِ} : ساعاته (8) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ} : أي ((يحذر عذاب الأخرة)) (1) . وهذه الآية مثل الآية التي سبق الكلام عنها في سورة الفرقان قبل الآية السابقة، فالسجود على معناه الشرعي، والمعنى: ((أمن هو يقنت آناء الليل ساجدا طورا وقائما طورا، فهما حال من قانت)) (2) ، وما ذكر في آية الفرقان من التنويه بالسجود والقيام، وفضل السجود على القيام، والاحتباك يجري في هذه الآية كذلك. ج- الركوع مفردا: قال الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة/55) : جاء في المراد بالركوع في هذه الآية ثلاثة أقوال: الخشوع، الصلاة، الركوع الشرعي، والذي جرى عليه كثير من المحققين أنه الخشوع، وهو أحد معاني الركوع المعتبرة التي سبق الكلام عنها في أول البحث، والمعنى أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة في حال الركوع وهو الخشوع والإخبات والتواضع لله تعالى (3) ، وهذا كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (المؤمنون/60) . والقول الآخر: أن المراد به الصلاة، ((ومعناها وصفهم بتكثير الصلاة، وخص الركوع بالذكر لكونه من أعظم أركان الصلاة)) (4) ، ولما كان يلزم في هذا القول تكرير الصلاة لقوله تعالى: {يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} قبله لزم توجيه ذلك فقيل: التكرير على سبيل التوكيد (5) ، وقيل الركوع صلاة التطوع (6) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 والقول الثالث: أنه نفس الركوع، وهو الركوع الشرعي، والمعنى يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة (1) ، قيل: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب (ت40هـ) رضي الله عنه تصدق وهو راكع والصواب عند كثير من المحققين أن هذا المعنى غير مستقيم (2) ، وأن الخبر الوارد عن علي رضي الله عنه لا يصح منه شئ، قال ابن كثير (ت774هـ) : ((وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها)) (3) . د- الركوع والسجود معا: قال الله تعالى {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ} (التوبة/112) . وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج/77) . وقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (الفتح/29) . اجتمع وصف المؤمنين بالركوع والسجود في كل آية من الآيات السابقة، وتلك منقبة لهذه الأمة جعلت لها سمة من بين الأمم في الدنيا والأخرة، ومن ثم جاء التحريض عليها في تلك الآيات الكريمات. قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُون َ} (التوبة/112) : {السَّائِحُونَ} : قال الزجاج: ((وقوله: {السَّائِحُونَ} في قول أهل اللغة والتفسير جميعا: الصائمون)) (4) ، وقيل المجاهدون، وقيل طلاب العلم وقيل المهاجرون (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 والركوع والسجود في الآية على معناهما الشرعي (1) ، أي الراكعون في صلاتهم، الساجدون فيها (2) ، إذ لا تخلو الصلوات المفروضات من الركوع والسجود (3) ، ولذلك فسرهما بعضهم بالصلاة المفروضة (4) ، قال ابن عطية (ت341هـ) : ((ولكن لا يختلف في أن من يكثر من النوافل هو أدخل في الاسم وأغرق في الاتصاف)) (5) . فتحصّل من ذلك أن في معنى الركوع والسجود في الآية ثلاث معان، وهي: معناهما الشرعي. الصلوات المفروضة. الصلوات المفروضة والنوافل. وجميعها معان متقاربة، وإنما خص الركوع والسجود من بين أفعال الصلاة لأن سائر أشكال المصلي موافق للعادة عداهما فبهما يتبين الفضل بين المصلي وغيره (6) ، ((وهذا الوصف يفيد التذكير بهذه الهيئة وتمثيلها للقارئ والسامع)) (7) لمكانتهما البالغتين في الصلاة حيث يكمن فيهما الخشوع والتذلل لله رب العالمين. قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} (الحج/77) : الظاهر أن المراد بالركوع والسجود على الحقيقة الشرعية، أي اقصدوا بركوعكم وسجودكم وجه الله وحده (8) ، قال الفراء (ت207هـ) : ((وقوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} : كان الناس يسجدون بلا ركوع، فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع قبل السجود)) (9) . ومن العلماء من قال: إن معناهما صلوا، لأن الصلاة لا تكون إلا بالركوع والسجود، والمراد أن مجموعهما كذلك (10) ، وهو لا يختلف عن المعنى السابق. قال البقاعي (ت885هـ) : ((وخُصّ هذين الركنين في التعبير عن الصلاة بهما لأنهما _ لمخالفتهما الهيئات المعتادة _ هما الدالان على الخضوع، فحسن التعبير بهما عنها جدا في السورة التي جمعت جميع الفرق الذين فيهم من يستقبح _ لما غلب عليه من العتو _ بعض الهيئات الدالة على ذلك)) (11) ، وسيأتي ذكر بعض هؤلاء المعاندين في المبحث الثاني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 وقيل: المعنى ((اخضعوا لله تعالى وخُرُّوا له سجدا)) (1) وهذا القول لا يعوّل عليه، لأن فيه تفريقا بين معنيي الركوع والسجود بلا مستند، وفيه تكرار لقوله تعالى بعده: {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} ، الذي معناه: ((وذلوا لربكم واخضعوا له بالطاعة)) (2) . ولعلّ الداعي إلى هذا القول الضعيف التأكيد على كون هذه الآية من مواضع سجدات التلاوة، حيث اختلف العلماء فيها، فذهب الشافعي (ت204هـ) وأحمد (ت241هـ) وآخرون إلى عدها من السجدات، وهذا يتمشى مع من قال أن الركوع والسجود على حقيقتهما الشرعية (3) ، وذهب أبو حنيفة (ت150هـ) ومالك (ت179هـ) إلى عدم عدها، وهذا يتمشى مع من حمل الآية على الصلاة حيث جمع فيها بين الركوع والسجود (4) ، والراجح عدّها ضمن سجدات التلاوة، لما رواه أحمد (ت241هـ) في مسنده عن عقبة بن عامر (ت58هـ) رضي الله عنه أنه قال: قلت يارسول الله: أَفُضِّلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال: ((نعم، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما)) (5) . قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} . (الفتح/29) : تضمنت هذه الآية وصفا لجميع الصحابة رضي الله عنهم (6) ومعنى قوله تعالى: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} : أي ترى هاتين الحالتين كثيراً فيهم)) (7) ، فهما على معناهما الشرعي، ومن العلماء من فسرهما معا بالصلاة (8) ، فيتمحض الفعلان للصلاة، والمؤدى واحد، لأن الركوع والسجود لا يكونان إلا في صلاة، وهما أبين هيئات المصلي، والتعبير بالمضارع في {تَرَاهُمْ} يدل على استمرارهم على ذلك وكثرته منهم رضي الله عنهم (9) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 وكذلك اختلفت عبارات السلف في قوله تعالى: {مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} ، فمنهم من ذكر أنه السجود المعروف، ومنهم من عبر بالصلاة (1) ، ولا تضاد بينهما، ثم اختلفوا في {سِيمَاهُمْ} هل هي في الدنيا أو في الآخرة، والأولى العموم، كما قال الطبري (ت310هـ) : ((وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكرُه أخبرنا أن سيما هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في وجوههم من أثر السجود، ولم يخصّ ذلك على وقت دون وقت، وإذ كان ذلك كذلك، فذلك على كل الأوقات، فكان سيماهم الذي كانوا يعرفون به في الدنيا أثر الإسلام، وذلك خشوعه وهديه وزهده وسمته، وآثار أداء فرائضه وتطوّعه، وفي الآخرة ما أخبر أنهم يعرفون به، وذلك الغرّة في الوجه، والتحجيل في الأيدي والأرجل من أثر الوضوء، وبياض الوجوه من أثرالسجود)) (2) فلم تكن سيماهم حسية فحسب، وليس المراد أنهم يتكلفون إظهار ذلك على وجوههم، ولكنه يحصل من غير تعمّل ولا قصد رياء (3) . ثاني عشر - سجود الكفار وركوعهم: لقد انحى الله تعالى ذكره على الكافرين بالله الجاحدين لنعمه بأساليب متعددة في كتابه العظيم، إذ كان من حق الله عليهم الذي خلقهم وما يعملون أن يشكروا له ويسجدوا ويركعوا خشية وخضوعا، لقد استجابت سائر المخلوقات حتى ظل الكافر، الكل سجد تسبيحا لله واعترافا بفضله، فلماذا أبى الكافرون؟ إنه الاستنكاف والاستكبار عن الحق، أسوة بإبليس اللعين. والقرآن الكريم يبين موقف الكافرين في ذلك في سبعة مواضع من السور المكية (4) ، وكلها بلفظ السجود إلا موضعا واحدا عبر فيه بالركوع، وقد تناولت تلكم الآيات جميع أحوالهم، فكما صورت عنادهم في الدنيا كشفت الحجاب عن عاقبتهم في الآخرة وهو يحاولون السجود فلا يستطيعون. ويمكن أن تنتظم المواضع السبعة في مجموعتين، إحداهما فيما كان معدودا في سجدات التلاوة، والأخرى ماليس منها، وتفصيل ذلك فيما يلي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 المجموعة الأولى: قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (الفرقان/60) . قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (النمل/25-26) . قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (فصلت/37) . قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (النجم/62) . قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (الانشقاق/20-21) . تضمنت هذه الآيات ذم من سجد لغير الله أو امتنع عن السجود لغير الله، كما تضمنت أوامر صريحة ومطلقة بالسجود لله تعالى وحده، فسجدة الفرقان خبر مقرون بذم من أُمر بالسجود فلم يسجد، وكذلك سجدة النمل (1) ، وقرأ أبو جعفر (ت130هـ) والكسائي (ت189هـ) ويعقوب (ت205هـ) في رواية رُويس (ت238هـ) {أَلَّا يَسْجُدُوا} بتخفيف اللام على الأمر والمعنى ألا يا هؤلا اسجدو (2) ، وفي فصلت نهي وأمر صريحان: نهى عن السجود للشمس والقمر، وأمر بتخصيص السجود لله وحده، والنجم أمر صريح (3) ، والانشقاق تعجب يقتضي الأمر بالسجود (4) ، ولهذا شرع سجود التلاوة في المواضع الخمسة (5) - على اختلاف بين الفقهاء في بعضها - امتثالا لأمر الله ومخالفة للكافرين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 وبناء على ما تقرر في أول البحث أن الأصل حمل الألفاظ على حقائقها الشرعية فإن المراد بالسجود في المواضع الخمسة هو السجود على الوجه، لكن اختلف المفسرون في بعضها، حيث حُمل بعضها على الصلاة، والبعض الآخر على الخضوع، وسألقي الضوء على كل موضع على حدة فيما يلي: قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (الفرقان/60) : الظاهر حمل السجود على معناه الشرعي المعروف، ومنهم من حمله على الصلاة (1) ، وليس ثمة ما يلجئ إلى ذلك، وقد ضعّفه ابن تيمية (2) ، ومنهم من حمله على سجود الاعتراف له بالوحدانية (3) ، وهو بمعنى الخضوع والخشوع، لأن مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة لا طائل تحتها (4) ، والأظهر أن هذا الموضع على معناه الشرعي، وأما مسألة مخاطبة الكفار بالفروع ففيها خلاف مشهور بين العلماء، وعلى القول بأنهم غير مخاطبين فإن ذلك يطّرد في بقية المواضع الخمسة، ولم يقل أحد بذلك، فبقي هذا الموضع على الأصل الشرعي، ومما يدل على ذلك أن العلماء اتفقوا على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروع السجود عندها دون خلاف (5) ، وقال الضحاك (ت105هـ) : ((سجد رسول الله (وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعثمان بن مظعون وعمرو بن عنبسه، فرآهم المشركون فأخذوا في ناحية المسجد يستهزؤون فهذا المراد بقوله: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (6) (الفرقان/60) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (النمل/25-26) : قوله تعالى {أَلَّا} : سبق ذكر قراءة التخفيف ووجهها، وأما قراءة الباقين بتشديد ألّا فهي ((بمعنى: وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا لله)) (1) وهو موضع سجدة تلاوة على القراءتين خلافا للزجاج ومن تابعه حيث قصروا السجود على وجه التخفيف لأنه للأمر، والعمل على السجدة على القرائتين، لأن التشديد ذم للتارك للسجود، والله هو الحقيق بالسجود (2) ، قال ابن عطية (ت541هـ) : ((وتحتمل قراءة من شدد {أَلَّا} أن نجعلها بمعنى التحضيض، ويقدر هذا النداء بعدها، ويجئ في الكلام إضمار كبير، ولكنه متجه)) (3) ، ويؤيد هذا التوجيه قراءة الأعمش ((هلّا يسجدون)) (4) ، وهي قراءة شاذة لمخالفتها الرسم. قوله تعالى {الْخَبْءَ} : ((المخبوء في السموات والأرض من غيث في السماء، ونبات في الأرض، ونحو ذلك)) (5) . وقد جاءت هذه القصة في سياق قصة هدهد سليمان عن بلقيس ملكة سبأ، وكانت هي وقومها يعبدون الشمس ويسجدون لها وكانوا من الصابئة، وقيل: إنهم مجوس، وقيل غير ذلك (6) . قال ابن تيمية: ((والشمس أعظم ما يرى في علم الشهادة، وأعمه نفعا وتأثيراً، فالنهي عن السجود لها نهي عما هو دونها بطريق الأولى من الكواكب والأشجار، وغير ذلك)) (7) . ولم يقع بين العلماء اختلاف في تفسير السجود في هذه السورة فهو على أصله المعروف من السجود على الوجه (8) ، وقد سبق أنها من مواضع سجود التلاوة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (فصلت/37) : تدل هذه الآية على أن السجود للخالق لا للمخلوق مهما عظم قَدْرُه ونفعه، بل السجود لمن أبدعه وسخره فالشمس والقمر من أحسن الأجرام المشاهدة في العالم وأعمها نفعا، ومع هذا لم يؤذن بالسجود لهما، فغيرهما من المخلوقات من باب أولى (1) . وفي هذا الموضع آية سجدة بلا خلاف (2) . وجمهور العلماء على أن معنى السجود على ظاهره، وهو السجود على الوجه، وحمل بعضهم الأمر في قوله تعالى: {وَاسْجُدُوا لِلَّه} في هذه السورة على صلاة كسوف الشمس والقمر لما يظهر فيهما من التغيير والنقص المنزه عنه الخالق المعبود سبحانه وتعالى (3) ، وينبغي أن يكون هذا استنباطا فقهيا وليس تفسيرا للآية. والله أعلم. قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (النجم/62) : جرى أكثر المفسرين على أن السجود على ظاهره الشرعي واختلفوا في المراد منه، فمنهم من حمله على سجود التلاوة، ومنهم من حمله على سجود الصلاة (4) ، واختار الأول ابن تيمية (5) (ت728هـ) واختار الثاني الطبري (6) (ت310هـ) ، والأظهر أنه سجود تلاوة، حيث جاء قبله قوله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) } ، وهو القرآن الكريم من غير خلاف، حيث يقتضي أن سماعه سبب الأمر بالسجود (7) ، ولأن النبي (قرأ سورة النجم فسجد فيها، وسجد من كان معه، وليس هو سجود الصلاة (8) ، ولهذا اعتبر هذا الموضع سجدة في قول أكثر أهل العلم (9) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 ومن العلماء من فسر الأمر بالسجود في هذه الآية بالصلاة المفروضة (1) ، لأنها شعار الإسلام (2) ، وحمله بعضهم على الأصل اللغوي وهو الخشوع والخضوع (3) ، والأولى تفسير الآية على الأصل الشرعي، إذ لا مانع منه. وقوله تعالى: {وَاعْبُدُوا} هو من عطف العام على الخاص، واللام في {لِلَّهِ} لام الاختصاص، وتفيد اختصاص الله تعالى بذلك دون غيره (4) . قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (الانشقاق/20-21) : ورد في المراد من السجود في هذه الآية ثلاثة أقوال هي: القول الأول: لا يصلون، وهو المنقول عن مفسري السلف كابن السائب رضي الله عنه وعطاء (5) (ت114هـ) . الثاني: لا يخضعون ولا يستكينون، وهو قول الطبري (ت310هـ) والزمخشري (ت538هـ) وآخرين، وعزاه أبو حيان (ت754هـ) والآلوسي (ت1270هـ) إلى قتادة (ت118هـ) ولم أقف عليه مسندا (6) . الثالث: أنه سجود التلاوة، وهو السجود الشرعي، قال أبو حيان (ت754هـ) : ((وقال عكرمة: لا يباشرون بجباههم المصلى)) (7) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 والحق أن لكل قول من هذه الأقوال الثلاثة وجهة واعتباراً، أما القول الأول فهو قول السلف، وعليه عامة العلماء، كما قال ابن تيمية (1) (ت728هـ) ، وذلك أن الصلاة تشتمل على تلاوة وسجود، وهو ما تضمنته الآية الكريمة التي نحن بصددها، قال ابن تيمية (ت728هـ) : ((وهذه الآية توجب على من قرئ عليه القرآن أن يسجد، فإن قرئ عليه خارج الصلاة فعليه أن يسجد قريبا إذا حضرت وقت الصلاة، فإنه ما من ساعة يقرأ عليه فيها القرآن إلا وهو وقت صلاة مفروضة، فعليه أن يصليها، إذ بينه وبين وقت الصلاة المفروضة أقل من نصف يوم، فإذا لم يصلّ فهو ممن إذا قرئ عليه القرآن لا يسجد، فإذا قرئ عليه القرآن في الصلاة فعليه أن يسجد سجدة يخرّ فيها من قيام، وسجدة يخر فيها من قعود … )) (2) . وأما القول الثاني فقد اعتمده جبلان من جبال العلم والتفسير، وهما الطبري (ت310هـ) والزمخشري (ت538هـ) واختاره القاضي أبو يعلى (458هـ) ، قال: ((وقد احتج بها قوم على وجوب سجود التلاوة، وليس فيها دلالة على ذلك، وإنما المعنى لا يخشعون، ألا ترى أنه أضاف السجود إلى جميع القرآن، والسجود يختص بمواضع منه)) (3) والصواب أن فيها دلالة على ذلك حيث سجد فيها رسول الله (كما ثبت في صحيح مسلم ((أن أبا هريرة قرأ لهم إذا السماء انشقت فسجد فيها، فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله (سجد فيها)) (4) ، والسجود فيها قول جمهور العلماء كأبي حنيفة (ت150هـ) والشافعي (ت204هـ) وأحمد بن حنبل (ت241هـ) ، وهو قول ابن وهب (ت197هـ) من أصحاب مالك (ت179هـ) (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 وأما القول الثالث: فهو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ، وتؤيد سجدة التلاوة، إذ الصحيح أن هذا الموضع منها، وقوله جل شأنه: {لَا يَسْجُدُونَ} دون يخضعون ودون يصلون يدل على أن السجود مقصود لنفسه (1) ، وعليه فإن المقصود بالقرآن في الآية آيات مخصوصة، وهذه منها (2) ، والظاهر أن المقصود جميع القرآن إذ لا دليل على التخصيص، وإنما خصت هذه بالسجود كسائر آيات السجود لأنها هي الآمرة بالسجود عند قراءة القرآن، فكان لها الحظ من الأمر بالسجود مع عموم كونها من القرآن الكريم (3) والأصل في تحديد سجدات التلاوة ما جاءت به السنة. ولا يخفى ما فيه هذه الأقوال الثلاثة من تقارب وتجانس، إذ لا تناقض بينها فإن السجود أحد أفعال الصلاة، وهما يتناولان الخشوع كذلك، فلا فائدة من سجود ولا صلاة لا خشوع فيهما، وإذا كان السجود والصلاة ظاهرين ومن أفعال الجوارح فإن الخشوع باطن في القلب مؤثر على الجوارح، قال البقاعي (ت885هـ) : (( {لَا يَسْجُدُونَ} : أي يخضعون بالقلب ويتذللون للحق بالسجود اللغوي، فيسجدون بالقالب السجود الشرعي لتلاوته)) (4) المجموعة الأخرى في سجود الكفار وركوعهم: قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} (القلم/42-43) . قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} (المرسلات/48) . روي عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} يقول: يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وهذا الذي روي عنه رضي الله عنه يعني أن الموضعين السابقين يختص الأمر فيهما بيوم القيامة، وذلك ظاهر من السياق في سورة القلم حيث صرح الله فيه بهذا اليوم، وفي الحديث الصحيح: ((يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا)) (1) ، فالساق هي ساق الرحمن عز وجل كما يليق بجلاله، يجب الإيمان بها من غير تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل، والسجود هو السجود المعروف على الوجه، باتفاق المفسرين (2) ولا سيما أنه جاء في بعض الروايات ((فيخرون سجدا)) (3) ، وهذا الأمر على جهة التوبيخ والعقوبة، لأن الآخرة ليست بدار عمل، وأنه لا تكليف فيها (4) ، وأما من ذهب إلى أن الأمر بذلك في الدنيا حتى لا يتعارض مع كون الآخرة دار تكليف فهو مخالف للجمهور (5) والسياق يأباه، والحديث الصحيح يرده. وأما السجود في الموضع الثاني فجاء فيه ثلاثة معان: السجود الشرعي على الوجه، الصلوات المكتوبة، جميع الطاعات والمعنى متقارب (6) ، غير أن السجود الشرعي هو المتبادر، وإن كان يقتضي غيره، وإنما خص بالذكر لشرفه، ولأنه وقع به امتحانهم في الآخرة، ولهذا كان الإظهار في موضع الإضمار لزيادة التقرير (7) ، ووجه كونه الصلوات المكتوبة لأن السجود جزء منها، ولقوله تعالى: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ} ، قال سعيد بن جبير (ت95هـ) : ((المعنى: كانوا يسمعون النداء للصلاة وحي على الفلاح فلا يجيبون)) (8) ، ووجه معناه جميع الطاعات أنه على المعنى اللغوي الذي هو الخشوع، لأنهم كفار ومنافقون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 هذا، وأمّا ما روي عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: (( {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} أنه حين يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون (1) ، ففي ثبوته عنه نظر، لأنه جاء من طريق عطية العوفي (ت110هـ) وإسناده متكلَّم فيه، وطريقه غير مرضية (2) ، ثم إن السياق في سورة المرسلات لا يتسق مع هذا التأويل، لأن قبله قوله تعالى: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا} أي في الدنيا (3) ، ولهذا ذهب أكثر العلماء إلى أن الركوع المذكور في سورة المرسلات قيل لهم في الدنيا ومن ثم اختلفوا في معناه، فذهب مجاهد (ت104هـ) في آخرين إلى أن المعنى: ((إذا قيل لهم صلوا لا يصلون)) (4) وقال قتادة (ت118هـ) : إنه الركوع نفسه، وقال عند تفسيرها: ((عليكم بحسن الركوع)) (5) ، وذهب الطبري إلى أنه بمعنى الخضوع ونصه: ((وأولى الأقوال في ذلك أن يقال: إن ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم المجرمين أنهم كانوا له مخالفين في أمره ونهيه، لا يأتمرون بأمره ولا ينتهون عما نهاهم عنه)) (6) . والأقوال الثلاثة كلها قريبة بعضها من بعض، فالركوع جزء من الصلاة، وإنما خص بالذكر لأن كثيرا من العرب كان يأنف من الركوع، وفي الحديث أن وفد ثقيف طلبوا من الرسول (أن لا ينحنوا في الصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا خير في دين لا ركوع فيه)) (7) ، وعدّه بعضهم سببا لنزول هذه الآية (8) ، والصواب أنه بعد نزولها، لأن هذه السورة مكية، ووفد ثقيف كان بعد غزوة تبوك (9) ، ومع هذا فإن إبقاء الركوع على حقيقته الشرعية أولى، وأما من حمل الركوع على الخضوع فهو أعم وأشمل إذ الصلاة شعار الإسلام، والركوع مما يميز صلاة هذه الأمة عن غيرها من الأمم من اليهود والنصارى، كما سيأتي في المبحث التالي. والله أعلم. ثالث عشر - أمر اليهود بالركوع: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} . (البقرة/43) . أمر الله بني اسرائيل بالركوع بعد قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} ، لأن صلاتهم لا ركوع فيها، قال أبو حيان (ت754هـ) : ((المشاهد من صلاة اليهود والنصارى خلوها من الركوع، … ويحتمل أن يكون ترك الركوع مما غيرته اليهود والنصارى من معالم شريعتهم)) (1) ، وقال برهان الدين البقاعي (ت885هـ) : ((تتبعت التوراة فلم أره ذكر فيها الركوع)) (2) ، وقال في موضع آخر: ((سألت عن صلاة اليهود الآن فأُخبرت أنه ليس فيها ركوع)) (3) ، وصرح غير واحد من العلماء بأن صلاتهم لا ركوع فيها (4) ، وأثناء كتابة هذا البحث سألت من صلاة اليهود والنصارى فأُخبرت أنه ليس فيها ركوع ولا سجود، وإنما هو إيماء، ولا يبعد أن ذلك مما غيرته اليهود والنصارى في شرع الله. وفي هذا الأمر تأكيد لليهود المخاطبين على الإتيان بصلاة المسلمين، كما تضمن قوله تعالى: {مَعَ الرَّاكِعِينَ} إيقاعها في جماعة (5) ، فالمقصود بالركوع في الآية الركوع المعهود لأن الأصل في إطلاق الشرع المعاني الشرعية (6) ، ويمكن أن يراد به الصلاة نفسها، فعبر عنها بفعل لازم من أفعالها، وهو الركوع، وذلك يدل على فريضته فيها (7) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 ومن العلماء من حمل الركوع في الآية على المعنى اللغوي، وهو الخضوع لله بالطاعة، والدخول مع المسلمين في الإسلام والانقياد لما يلزمهم في دين الله (1) ، وهذا المعنى قوي اختاره ابن جرير الطبري (ت310هـ) ، وهو المناسب للسياق، فإن هذه الآيات افتتحت تذكر المنعم وذلك في قوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا} (البقرة/40) ثم اختتمت بالانقياد للمنعم والخضوع له تعالى، وما بينهما تكاليف اعتقادية وأهم الأفعال البدنية والمالية (2) ، ومما يؤيد هذا المعنى قوله تعالى بعده: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة/45) ، ولولا أن الأصل في إطلاق الشرع المعاني الشرعية لكان هذا المعنى وهو الخشوع مقدما على غيره، ولا يمنع أن يُراد بقوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} الخشوع وإنما اختير التعبير بالركوع للإيماء إلى ما سبقت الإشارة إليه من أن اليهود لا ركوع في صلاتهم ومن إيقاع الصلاة في جماعة.والله أعلم. وأما قول ابن العربي (ت543هـ) في الآية: ((وقيل: إنه الانحناء لغةً وذلك يعم الركوع والسجود)) (3) فلم أقف عليه إلا عنده رحمه الله، وفيه شئ من البعد. والله أعلم. جدول مواضع الركوع والسجود ومعانيهما: تقريبا لمعاني الركوع والسجود وضعت هذا الجدول حسب ترتيب آي القرآن الكريم، وقد راعيت فيه مايلي: استيفاء جميع الأقوال، والإحالة إلى مواضعها في الخانة الأخيرة من الجدول، لمعرفة الصحيح منها والضعيف. ترتيب الأقوال حسب الأولوية. العلامتان (**) في خانة أرقام الآيات تدل على أنها معدودة في سجدات التلاوة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 الحرف (ك) أمام رقم الآية يدل على أنها مكية، والحرف (د) يدل على أنها مدنية، وقد اعتمدت في ذلك على الراجح من خلال الإتقان، والتحرير والتنوير وما ترجّح في أثناء البحث. ما عليها تظليل فهي الآيات التي ورد فيها لفظ الركوع مجردا أو مع السجود. وفي آخر الجدول بعض الإحصائيات التي قد يحتاج إليها. م السورة الآية رقمها معاني الركوع والسجود موضعها في البحث 1. البقرة (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ( د/34 السجود على الوجه. الإنحناء المساوي للركوع. الإيماء والخضوع. مجرد الخضوع. ثانيا 2. البقرة (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ( د/43 الركوع الشرعي. الخضوع. الصلاة. مطلق الانحناء (الركوع والسجود) . ثالث عشر 3. البقرة (فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ( د/58 الركوع (الانحناء) . السجود على الوجه. الخضوع. سابعا 4. البقرة (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ( د/125 جماعة القوم الراكعين والساجدين لله تعالى. المصلون. جميع المؤمنين. رابعا 5. آل عمران (يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ( د/43 (وَاسْجُدِي (المعنى الشرعي، (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (: صلي مع المصلين. (وَاسْجُدِي (: المعنى الشرعي، (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (: اخشعي مع الخاشعين. السجود والركوع جميعه على المعنى الشرعي. السجود والركوع جميعه بمعنى الصلاة. السجود والركوع جميعه بمعنى الخشوع. (وَاسْجُدِي (: صلي، (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (: اشكري مع الشاكرين. تاسعا 6. آل عمران الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ( د/113 السجود الشرعي في الصلاة. الصلاة. الخشوع. عاشرا 7. النساء (فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ ( د/102 الصلاة. السجود الشرعي في الصلاة. حادي عشر 8. النساء (وَقُلْنَا لَهُمْ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ( د/154 الركوع (الانحناء) . السجود على الوجه. الخضوع. سابعا 9. المائدة (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ( د/55 الخشوع. الصلاة. الركوع الشرعي في الصلاة. حادي عشر 10. الأعراف (ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ( ك/11 السجود على الوجه. الانحناء المساوي للركوع. الإيماء والخضوع. مجرد الخضوع. ثانيا 11. الأعراف (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ( ك/120 السجود على الوجه. الخضوع. سادسا 12. الأعراف (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ( ك/161 الركوع (الانحناء) . السجود على الوجه. الخضوع. سابعا 13. الأعراف (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ( ك/206 ** السجود على الوجه. الصلاة. الخشوع. ثانيا 14. التوبة (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ ( د/112 معناهما الشرعي. المصلون الصلوات المفروضة. المصلون الصلوات النوافل. حادي عشر 15. يوسف (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ( ك/4 مطلق السجود. الخضوع. خامسا 16. يوسف (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ( ك/100 السجود على الوجه ليوسف تحية الانحناء المساوي للركوع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 الإيماء والخضوع. السجود لله على الوجه. مجرد الخضوع. خامسا 17. الرعد (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ( ك/15 ** سجود كل نوع على حسب حاله، وفيه تفصيل يراجع في موضعه. الخضوع. أولا 18. الحجر (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ( ك/30 السجود على الوجه. الانحناء المساوي للركوع. الإيماء والخضوع. مجرد الخضوع. ثانيا 19. الحجر (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ ( ك/98 الصلاة. التواضع. حادي عشر 20. النحل (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ( ك/48 _49 ** سجود كل نوع حسب حاله وفيه تفصيل يراجع في موضعه. الخضوع. أولا 21. الإسراء (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ( ك/61 السجود على الوجه. الانحناء المساوي للركوع. الإيماء والخضوع. مجرد الخضوع. ثانيا 22. الإسراء (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ( ك/107 ** السجود على الوجه. السجود على اللحى. الخشوع. عاشرا 23. الكهف (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ( ك/50 السجود على الوجه. الانحناء المساوي للركوع. الإيماء والخضوع. مجرد الخضوع. ثانيا 24. مريم (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَانِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ( ك/58 ** السجود على الوجه. الصلاة. الخشوع. ثالثا 25. طه (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا ( ك/70 السجود على الوجه. الخضوع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 سادسا 26. طه (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ( ك/116 السجود على الوجه. الانحناء المساوي للركوع. الإيماء والخضوع. مجرد الخضوع. ثانيا 27. الحج (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ( د/18 ** سجود كل نوع بحسَبه وفيه تفصيل يراجع في موضعه. الخضوع. أولا 28. الحج (وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ( د/26 جماعة القوم الراكعين والساجدين لله تعالى. المصلون. جميع المؤمنين. رابعا 29. الحج (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ( د/77 ** معناهما الشرعي. الصلاة. الركوع بمعنى الخشوع والسجود بمعناه الشرعي. حادي عشر 30. الفرقان (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَانِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ( ك/60 ** السجود الشرعي. الخضوع. الصلاة. ثاني عشر 31. الفرقان (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ( ك/64 السجود الشرعي. حادي عشر 32. الشعراء (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ( ك/46 السجود على الوجه. الخضوع. سادسا 33. الشعراء (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ( ك/218-219 الصلاة، والمراد بالساجدين: هم أهل الصلاة من المؤمنين. صلاة النبي صلى الله عليه وسلم نفسه. جميع المؤمنين. جميع الناس. الأنبياء. حادي عشر 34. النمل (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ( ك/25-26 ** الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 السجود على الوجه. ثاني عشر 35. السجدة (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا ( ك/15 ** السجود الشرعي. الركوع. حادي عشر 36. ص (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ( ك/24 ** السجود على الوجه. الركوع (الانحناء) . الصلاة. ثامنا 37. ص (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ( ك/72 السجود على الوجه. الانحناء المساوي للركوع. الإيماء والخضوع. مجرد الخضوع. ثانيا 38. الزمر (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا ( ك/9 السجود الشرعي. حادي عشر 39. فصلت (لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ( ك/37 ** السجود على الوجه. صلاة الكسوف. ثاني عشر 40. الفتح (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ( د/29 معانيها الشرعية. الصلاة. حادي عشر 41. ق (وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَالسُّجُودِ ( ك/40 الصلوات الخمس. صلاة المغرب. السجود الشرعي. حادي عشر 42. النجم (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ( ك/62 ** السجود على الوجه. الخضوع. الصلاة المفروضة. ثاني عشر 43. الرحمن (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ( ك/6 سجود كل نوع حسب حاله، وفيه تفاصيل يراجع في موضعه. الخضوع. أولا 44. القلم (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ( ك/42 السجود على الوجه. ثاني عشر 45. القلم (وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ( ك/43 السجود على الوجه. الصلوات المفروضة. جميع الطاعات. ثاني عشر 46. الإنسان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 (وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ ( ك/26 جميع الصلوات المفروضة. صلاة المغرب والعشاء. حادي عشر 47. المرسلات (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ( ك/48 الركوع الشرعي. الصلاة. الخضوع. السجود المذكور في الموضع الأول من سورة القلم/42. ثاني عشر 48. الانشقاق (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ ( ك/21 ** السجود الشرعي. الصلاة. الخضوع. ثاني عشر 49. العلق (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ( ك/19 ** الصلاة. السجود الشرعي. الخشوع. حادي عشر أهم الإحصائيات من خلال الجدول السابق: وقعت معاني الركوع والسجود في تسعة وأربعين موضعا، منها ثمانية مواضع ورد فيها الركوع. بلغ عدد المكي خمسا وثلاثين موضعا، والمدني أربعة عشر موضعا، وورد في كل منهما ذكر الركوع والسجود غير أن الركوع لم يرد في المكي إلا مرة واحدة، وذلك في المرسلات. أكثر المعاني دورا: المعنى الشرعي، الخضوع، الصلاة. جاء المعنيان الركوع الشرعي والصلاة في كل موضع من مواضع الركوع الثمانية. ورد معنى الصلاة في أربعة عشر موضعا، منها خمسة مواضع هي الراجحة في لفظ السجود، وموضع في سورة الإنسان لم يختلف فيه أنه بمعنى الصلاة وكذلك الذي في سورة ق فإن المعول عليه بمعنى الصلاة. الخشوع والخضوع والتواضع كلها بمعنى، وقد وقعت في اثنين وثلاثين موضعا. عدد سجدات التلاوة المتفق عليها والمختلف فيها خمس عشرة سجدة، وإليها الإشارة بالعلامتين. • • • خاتمة البحث: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 بعون الله وتوفيقه تمت دراسة جميع ألفاظ الركوع والسجود في القرآن الكريم، دراسة تحليلية مقارنة، وذلك برصد معانيهما اللغوية والشرعية والمجازية، وحسبما اقتضته الآيات جرى تصنيفها إلى ثلاثة عشر موضوعا، ومن ثَم دُّرس كل موضوع في مبحث يتناول تلكم الآيات من خلال ما جاء في تفسيرها من نصوص الكتاب والسنة والآثار وأقاويل السلف والمفسرين، كما اقتضت الدراسة الاعتبار بالسياق وكذلك النظائر وسائر القرائن والدلائل من المكي والمدني والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك مما ينتهى بالبحث إلى الصحيح من الأقوال، وتعقّب المعاني الضعيفة وما لا يعوّل عليه، وهذا بالإضافة إلى توضيح ما جاور ألفاظ الركوع والسجود من المفردات الغريبة، مما يستلزمه البحث، وكذلك الإشارة إلى بعض المعاني البلاغية. وقد تضمن هذا البحث في ألفافه جملة من النتائج، منها مايلي: أن معرفة أساليب العرب في كلامهم والحقائق الشرعية للألفاظ ودلالة السياق وتاريخ النزول من أهم أسس تفسير القرآن الكريم والعلم بمقاصده. أنه ما من شيء إلا وهو يسجد لله، ومذهب أهل السنة إثبات ذلك لكل الخلائق والتسليم لله به، ومنه ما نعلم كيفيته، ومنه ما لا نعلم كيفية سجوده. أن في سجود الموات والجماد وكذلك الملائكة حثا للناس على السجود لله وعدم مخالفته جل وعلا. الركوع في القرآن يخص العقلاء، بينما السجود يتناول كل مخلوق. أن من قبلنا كانت لهم صلاة، لكنها ليست مماثلة لصلاتنا في أوقاتها وركوعها وسجودها وهيئاتها، وأن اليهود والنصارى لا ركوع عندهم مثل ركوعنا. أن السجود لغير الله على الأرض كان قبل الإسلام جائزاً لغير الله إذا كان على وجه التحية فقط، أما إذا كان على وجه العبادة فذلك لم تحلّه شريعة من الشرائع السماوية في أي زمن من الأزمان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 أن الانحناء والإيماء على وجه التعظيم محرم في الشريعة الإسلامية، فيجب اجتناب هذه الهيئة التي شاع استعمالها عند بعض المسلمين. معرفة تاريخ الركوع والسجود وتدرج التشريع في فرض الصلوات يرفع كثيرا من الإشكالات التي اختلف فيها بعض المفسرين. اختلاف المفسرين في الركوع والسجود اختلاف تنوع لا تضاد، وبعض هذا الاختلاف إنما هو استطراد. مدار تفسير الركوع والسجود على معناهما الشرعيين والخضوع والصلاة. أن من أهم أسباب التنويه بالركوع والسجود والتعبير بهما لأن سائر أشكال المصلي موافق للعادة عداهما، فبهما يتبين الفضل بين المصلي وغيره، ولما يكمن فيهما من الخشوع والتذلل لله رب العالمين. لما كان السجود أكمل هيئات الخشوع كان هو أفضل هيئات الصلاة. جميع الآيات الخاصة بسجود الرسول صلى الله عليه وسلم مكية،وذلك لما يجده فيها من تسلية وعزاء مما يعتريه ويضيق به صدره الشريف من صد عن دعوته. أمر الكفار بالركوع والسجود والصلاة يقتضي دعوتهم إلى الإسلام، وإنما خص الأمر بهذه الأفعال لأنها شعار الإسلام وعموده. أن الآيات المعدودة في سجدات التلاوة فيها دلالة على أن المراد بلفظ السجود فيها هو السجود الشرعي على الوجه، وهذا في الغالب. أهمية صلاة الجماعة، فقد جاء التعبير بالجمع في كثير من هيئات الصلاة إشارة إليها. أن جميع الصلوات قبل الإسراء وبعده قد ورد ذكرها في القرآن الكريم، وكذلك النوافل بعد الصلوات الخمس. بيان السنة للقرآن الكريم في هيئات الركوع والسجود وكذلك أعدادهما وأذكارهما وغير ذلك مما يتصل بالصلوات قد أوضحته السنة بأحسن بيان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 وثمة نتائج أخرى حواها البحث في تضاعيفه، وإن من أهم ما تجدر العناية به دراسة ألفاظ القرآن الكريم وما فيها من الوجوه والنظائر، حيث إن المصادر التي تناولت مفردات الالفاظ والوجوه والنظائر لم تستوعب ما في القرآن الكريم من المعاني وربما غلب على بعضها الجمع، وما هذا البحث إلا إسهام ضئيل في بحر ذلكم العلم المحيط، الذي ينبغي أن يتواصل الباحثون في إثرائه لإبراز هدايات القرآن الكريم ودلالاته. اللهم اغفر لي زلاتي، وتجاوز عن خطيئاتي، وارحمني بالقرآن. والحمد لله رب العالمين. الحواشي والتعليقات () سيأتي ذكر الخلاف في موضعه من هذا البحث. (2) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 1/422. (3) انظر مادة (ركع) : الخليل بن أحمد: العين 1/200، الطبري: جامع البيان 1/257، ابن فارس: معجم مقاييس اللغة2/434، الجوهري: الصحاح 3/1222، ابن منظور: اللسان 8/133، النيسابوري: إيجاز البيان 1/96. (4) انظر مادة (سجد) : الجوهري: الصحاح 2/483، ابن فارس معجم مقاييس اللغة 3/133، ابن منظور: اللسان 3/204 الزَّبيدي: تاج العروس 8/172. (5) انظر الطبري: جامع البيان 1/300. (6) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها 1/563، رقم الحديث 275. (7) الأزهري: تهذيب اللغة 1/311. (8) أي عضديه. انظر الفيروز آبادي: القاموس مادة (ضبع) 956. (9) ابن قدامة: المغني 2/176. (10) الأزهري: تهذيب اللغة 1/311. (11) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/293، الزَّبيدي: تاج العروس 8/172. (12) انظر ابن تيميّة: مجموع الفتاوى 22/570. (13) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب السجود على الأنف، ومسلم في صحيحه باب أعضاء السجود 1/354 رقم الحديث 230، والكفت وهو الجمع كما في حاشية صحيح مسلم للنووي. (14) العلوي اليمني: الطراز 1/47. (15) الجرجاني: التعريفات 257. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 (16) انظر العلوي: الطراز 1/44، محمد الأمين: منع جواز المجاز (الرسالة الملحقة بآخر أضواء البيان) 10/6. (17) انظر العلوي اليمني 1/86، السيوطي: المزهر 1/362. (18) أي تعبت. انظر الزمخشري: أساس البلاغة، مادة (لغب) 2/345. (19) المصدر السابق: مادة (ركع) 1/368. (20) أساس البلاغة: مادة (سجد) 1/423. (21) انظر مادة (ركع) : الجوهري: الصحاح 3/1222، ابن فارس: معجم مقاييس اللغة 2/434، ابن منظور: اللسان 8/133، ومادة (سجد) في المصادر المذكورة آنفا على الترتيب 2/283، 3/133، 3/204. (22) السيوطي: المزهر 1/361. (23) انظر مادة (ركع) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة 2/435، مادة (سجد) : الراغب الأصفهاني 224. (24) انظر المصدرين السابقين، وابن العربي: أحكام القرآن 4/1639. (25) انظر الطبري: جامع البيان 13/132، الراغب الأصفهاني: المفردات مادة (غدا) 358. (26) انظر الطبري: جامع البيان 14/114، ابن عطية: المحرر الوجيز 8/430. (27) انظر الطبري: جامع البيان 14/116. (28) انظر المصدر السابق 27/116، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/476. (29) معاني القرآن 5/96. (30) انظر ابن عطية: المحرر 10/244، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/398. (31) انظر الطبري: جامع البيان 17/130. (32) انظر الفراء: معاني القرآن 2/219، المصدر السابق. (33) انظر ابن عطية: المحرر 8/435، الآلوسي: روح المعاني 13/126، محمد الأمين: أضواء البيان 3/99. (34) انظر المصادر السابقة. (35) انظر ابن قُدامة: روضة الناظر، الآلوسي: روح المعاني 1/247، محمد الأمين: أضواء البيان 3/100، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/226. (36) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/398 عبد الرحمن السعدي: تيسير الكريم الرحمن 4/97 محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/226. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 (37) انظر الطبري: جامع البيان 13/131، ابن عطية: المحرر 8/151، محمد الأمين: الأضواء 3/99. (38) ((الأطيط صوت اضطراب الرحل إذا كان عليه ثقل)) . عارضة الأحوذي 9/195. (39) أخرجه الترمذي: ((أبواب الزهد)) باب في قول النبي (: ((لوتعلمون ما أعلم … … )) 9/194 وقال: ((هذا حديث حسن غريب)) ، وقال ابن العربي في العارضة (حاشية الترمذي) ((وهو صحيح)) ، وأخرجه ابن ماجه: ((كتاب الزهد)) ((باب الحزن والبكاء)) 2/1402، والحاكم: ((كتاب التفسير)) ، ((تفسير سورة هل أتى على الإنسان)) ، وقال: ((صحيح الإسناد)) ، وسكت عنه الذهبي، وأخرجه أحمد في مسنده 5/173. (40) انظر ابن عطية: المحرر 8/15. (41) انظر الطبري: جامع البيان 13/131، المصدر السابق، محمد الأمين: الأضواء 3/99. (42) انظر الزجاج: معاني القرآن 3/202، أبا حيان: البحر المحيط 5/378. (43) الطبري: جامع البيان 13/131. (44) معاني القرآن 3/202. (45) انظر الزجاج: معاني القرآن 3/418، الأزهري تهذيب اللغة مادة (سجد) 10/572، معالم التنزيل 4/22 و 5/372 القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 9/302. (46) انظر الزجاج: معاني القرآن 3/144، أبا حيان: البحر 5/378. (47) جامع البيان 14/116. (48) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 9/302، الآلوسي: روح المعاني 13/126، محمد الأمين: الأضواء 3/100. (49) الطبري: جامع البيان 17/130، البغوي: معالم التنزيل 5/372، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/399. (50) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 12/24، الآلوسي: روح المعاني 17/130. (51) أخرجه مسلم في صحيحه، ((باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان)) 1/138 رقم الحديث 250، وأخرج البخاري نحوه في الصحيح، ((كتاب بدء الخلق)) ، ((باب صفة الشمس والقمر بحسبان)) 4/75. (52) فتح الباري 13/19. (53) المصدر السابق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 (54) انظر الأزهري: تهذيب اللغة، مادة (سجد) 10/572، ابن الجوزي: زاد المسير 4/454. (55) جامع البيان 17/130. (56) تفسير القرآن العظيم 4/494، وعن مجاهد روايات أخرى انظرها في ابن عطية: المحرر 14/181. (57) أخرجه الترمذي في ((أبواب الصلاة)) ، ((باب ما يقول في سجود القرآن)) 3/60، وقال: ((هذا حديث غريب من حديث ابن عباس لا نعرفه إلا من هذا الوجه)) ، وابن ماجة: ((كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها)) ، ((باب سجود القرآن)) 1/334 رقم الحديث 1053، والحاكم في المستدرك: ((كتاب الصلاة)) ، ((باب التأمين)) 1/219 وقال: ((هذا حديث صحيح رواته مكيون لم يذكر واحد منهم بجرح، وهو من شرط الصحيح ولم يخرجاه)) ، وقال الذهبي في التلخيص: ((صحيح ما في رواته مجروح)) ، وأخرجه البغوي في تفسيره معالم التنزيل 7/86. (58) انظر الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة (دبب) 164، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/399، ابن منظور: اللسان مادة (دبب) 1/370. (59) انظر ابن قدامة: المغني 2/352. (60) انظر أبا حيان: البحر 4/454، الشوكاني: فتح القدير 2/280، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 9/244. (61) انظر الطبري: جامع البيان 9/168. (62) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 7/356، الشوكاني: فتح القدير 2/280. (63) سبق تخريجه. (64) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 3/544، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 9/244. (65) أخرجه مسلم في صحيحه، ((باب الأمر بالسكون في الصلاة … )) 1/322 رقم الحديث 119. (66) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 7/357، ابن قدامة: المغني 2/352. (67) انظر الطبري: جامع البيان 9/168، 23/111. (68) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 9/244. (69) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/107. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 (70) انظر الراغب: المفردات، مادة (سجد) 224 النيسابوري: إيجاز البيان 1/89، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/293. (71) انظر ابن عطية: المحرر 1/244، أبا حيان: البحر 1/252. (72) انظر البغوي: معالم التنزيل 1/81، ابن العربي: أحكام القرآن 1/16، ابن الجوزي: زاد المسير 1/64. (73) انظر المصادر السابقة. (74) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/293. (75) انظر المصدر السابق، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 1/422. (76) انظر الفراء: معاني القرآن 2/88 والمصدرين السابقين. (77) انظر الجصاص: أحكام القرآن 1/32، الشوكاني: فتح القدير 1/66، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 1/422. (78) انظر ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (وقع) 6/133، أبا حيان: البحر 5/453، الآلوسي: روح المعاني 4/45. (79) جامع البيان 23/185. (80) انظر الجصاص: أحكام القرآن 1/32. (81) المحرر الوجيز 8/308. (82) المصدر السابق 1/244. (83) انظر ابن منظور: اللسان، مادة (جثا) 14/131. (84) انظر الطبري: جامع البيان 16/97، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/238. (85) انظر الجوهري: الصحاح، مادة (خرر) 2/643، أبا حيان: البحر 7/393. (86) انظر الطبري: جامع البيان 16/98، ابن مجاهد: السبعة 407، الراغب: المفردات، مادة (بكى) 58. (87) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/143، 151، الآلوسي: روح المعاني 16/108. (88) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/238. (89) انظر الآلوسي: روح المعاني 16/108. (90) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 16/235، المصدر السابق. (91) جامع البيان 16/97. (92) المصدر السابق 1/538. (93) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/248. (94) انظر الطبري: جامع البيان 1/539. (95) الزَّجَّاج: معاني القرآن 3/422. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 (96) انظر الطبري: جامع البيان 17/143، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/410. (97) جامع البيان 1/541. (98) أبو حيان: البحر 1/382. (99) معاني القرآن 1/77. (100) معاني القرآن 1/207. (101) انظر ابن عطية: المحرر 10/262. (102) انظر الزمخشري: الكشاف 1/310. (103) انظر الآلوسي: روح المعاني 17/143. (104) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/248. (105) البحر المحيط 2/457. (106) نظم الدرر 4/379. (107) المصدر السابق 4/379. (108) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 22/5، محمد رشيد: تفسير القرآن الحكيم 1/463. (109) انظر روح المعاني: الآلوسي 1/136، 143. (110) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/69، 80. (111) سبق تخريجه في أول البحث. (112) البحر المحيط 1/372. (113) انظر الطبري: جامع البيان 12/67، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 4/325. (114) انظر الزمخشري: الكشاف 2/344. (115) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 9/265، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 22/544، الآلوسي: روح المعاني 13/58. (116) انظر الزمخشري: الكشاف 2/344، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/293، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 4/335، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 13/56. (117) أخرجه ابن ماجه: ((كتاب النكاح)) ، ((باب حق الزواج على المرأة)) 1/595 رقم الحديث 1852، وأحمد في مسنده 4/381. (118) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/58. (119) أخرجه الترمذي: ((أبواب الاستئذان)) ، ((باب ما جاء في المصافحة)) 10/191 (عارضة الأحوذي) ، وابن ماجه: ((كتاب الأدب)) ، ((باب المصافحة)) 2/1220، رقم الحديث 3702، وأحمد في مسنده 3/198. (120) انظر ابن عطية: المحرر 8/80، القرطبي: الجامع 9/265. (121) انظر الزمخشري: الكشاف 2/344. (122) الصحاح: مادة (خرر) 2/643. (123) انظر ابن عطية: المحرر 8/80. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 (124) انظر أبا حيان: البحر 5/348. (125) الكشاف 2/344. (126) انظر المصدر السابق، الرازي: مفاتيح الغيب 12/88، الآلوسي: روح المعاني 12/180، محمد رشيد: تفسير القرآن الحكيم 12/254. (127) انظر الطبري: جامع البيان 9/22، 19/73، الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة (لقي) 453، ابن عطية: المحرر 6/39. (128) الكشاف 3/113. (129) البحر المحيط 7/16. (130) انظر الآلوسي: روح المعاني 9/26. (131) جوّز هاتين الدلالتين محمد الطاهر صاحب التحرير والتنوير 16/262. (132) انظر الزمخشري: الكشاف 1/283، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/139. (133) انظر الطبري: جامع البيان 1/299، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/140. (134) أخرجه البخاري في صحيحه: ((كتاب التفسير)) ، ((باب قوله حطة)) 1/197، ومسلم في كتاب التفسير 5/2312 رقم الحديث 1. (135) فتح الباري 17/180. (136) انظر ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (حطّ) 2/13، الراغب: المفردات، مادة (حطّ) 122. (137) انظر الغرناطي: ملاك التأويل 1/205. (138) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 3/94، أبا حيان: البحر 1/221، الآلوسي: روح المعاني 1/265. (139) انظر أبا حيان: البحر 1/222، الآلوسي: روح المعاني 1/263. (140) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 3/94، المصدرين السابقين. (141) أخرجه الطبري في جامع البيان 1/299 والحاكم في المستدرك 1/262 وقال: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)) ، وسكت عنه الذهبي، وذكره السيوطي في الدر المنثور 1/172. (142) انظر ابن تيمية: دقائق التفسير 1/111، الزركشي: البرهان في علوم القرآن 2/157. (143) انظر النيسابوري: إيجاز البيان 1/100. (144) جامع البيان 1/300. (145) الكشاف 1/283. (146) انظر الآلوسي: روح المعاني 1/265. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 (147) انظر الطبري: جامع البيان 23/146، ابن عطية: المحرر 12/439، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/237. (148) انظر الطبري: جامع البيان 23/146. (149) أحكام القرآن 4/1639. (150) أخرجه النسائي في سننه: ((كتاب الصلاة)) ، ((باب سجود القرآن)) 2/159، والدارقطني في سننه أيضا 1/407وعبد الرازق في المصنف 3/338، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 3/221. (151) مجموع الفتاوى 23/145. (152) نظم الدرر 16/363. (153) أخرجه البخاري في صحيحه: ((كتاب الأنبياء)) ، ((باب واذكر عبدنا داود)) 4/135. (154) زاد المسير 7/122. (155) انظر ابن قدامه: المغني 2/352، ابن حجر: فتح الباري 5/252. (156) انظر الجوهري: الصحاح مادة (خرر) 2/643، أبا حيان: البحر 7/393، البقاعي: نظم الدرر 16/363. (157) البقاعي: نظم الدرر 16/363. (158) ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/173. (159) انظر ابن عطية: المحرر 12/448، الآلوسي: روح المعاني 3/183، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/240. (160) انظر أبا حيان: البحر 7/393، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/52، الآلوسي: روح المعاني 23/183. (161) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/145. (162) انظر الزمخشري: الكشاف 3/371، الآلوسي: روح المعاني 23/184. (163) الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة (قنت) 413. (164) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (قنت) 5/31. (165) انظر ابن عطية: المحرر 3/115. (166) انظر الجصاص: أحكام القرآن 2/13، المصدر السابق. (167) انظر الطبري: جامع البيان 3/265. (168) المصدر السابق 3/266. (169) انظر المصدر السابق، الزمخشري: الكشاف 1/429، أبا حيان: البحر 2/456، الآلوسي: روح المعاني 3/155. (170) انظر النحاس: معاني القرآن 1/399، أبا حيان: البحر 2/456. (171) انظر ابن عطية: المحرر 3/115. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 (172) انظر أبا حيان: البحر 2/457، البقاعي: نظم الدرر 4/373، 379. (173) انظر المصدرين السابقين، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 4/244. (174) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 22/5. (175) انظر المصدر السابق 23/137. (176) انظر الطبري: جامع البيان 3/266، الرازي: مفاتيح الغيب 3/48، الآلوسي: روح المعاني 3/157. (177) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 3/48، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 3/244. (178) معجم مقاييس اللغة، مادة (ركع) 2/435، وانظر أبا حيان: البحر 2/457. (179) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (ركع) 2/435. (180) انظر الطبري: جامع البيان 15/180، الزمخشري: الكشاف 1/456، أبا حيان: البحر 3/34، 6/88. (181) انظر الزمخشري: الكشاف 1/456. (182) انظر الطبري: 15/180، الزمخشري: الكشاف 2/469، أبا حيان: البحر 3/34، 6/88. (183) انظر المصادر السابقة. (184) ابن عطية: المحرر 3/276. (185) المصدر السابق. (186) انظر الفراء: معاني القرآن 1/231، الزجاج: معاني القرآن 1/459، البغوي: معالم التنزيل 2/93. (187) انظر المصادر السابقة. (188) انظر ابن عطية: المحرر 3/278، أبا حيان: البحر 3/35. (189) انظر الطبري: جامع البيان 4/56. (190) انظر أبا حيان: البحر 3/35. (191) انظر الطبري: جامع البيان 4/56. (192) أخرجه أحمد في مسنده 5/286 رقم 3760 وقال الشيخ أحمد شاكر إسناده صحيح، وأخرجه الطبري في جامع البيان 4/55. (193) انظر الطبري: جامع البيان 15/180، ابن الجوزي: زاد المسير 5/97، أبا حيان: البحر 7/88، السيوطي: الدّرّ المنثور 5/346. (194) انظر المصادر السابقة، الزجاج: معاني القرآن 3/264، الزمخشري: الكشاف 2/470، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/142. (195) الجصاص: أحكام القرآن 3/209، ابن قدامة: المغني 2/357. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 (196) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 4/207، 15/70، الآلوسي: روح المعاني 4/34. (197) انظر أبا حيان: البحر 3/34، الآلوسي: روح المعاني 15/34. (198) انظر الزمخشري: الكشاف 2/470، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/158، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 15/234. (199) انظر أبا حيان: البحر 6/89، الآلوسي: روح المعاني 15/190. (200) انظر السيوطي: الإتقان 1/36. (201) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 29/370. (202) انظر السيوطي: الإتقان 1/36. (203) أخرجه أبو داود في سننه: ((باب وقت قيام النبي (من الليل)) 2/78 وأحمد في مسنده 5/388 من حديث حذيفة: ((كان رسول الله (إذا حزبه أمر صلى)) ، قال المنذري (حاشيه سنن أبي داود 2/78) : ذكر ((بعضهم أنه رُوي مرسلا)) . (204) النهاية 1/377. (205) انظر ابن عطية: المحرر 8/361، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 4/471. (206) انظر ابن عطية: المحرر 8/361. (207) انظر الطبري: جامع البيان 14/73، النحاس: معاني القرآن 4/47، ابن عطية المحرر الوجيز 8/361، ابن العربي: أحكام القرآن 3/1138، الآلوسي: روح المعاني 14/87، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 14/91. (208) زاد المسير 4/423. (209) جامع البيان 14/73، وقد سبق تخريج هذا الخبر آنفا. (210) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 4/423. (211) معالم التنزيل 4/397. (212) أحكام القرآن 3/1138. (213) ابن الجوزي: زاد المسير 6/148. (214) محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/204. (215) ابن عطية: المحرر 11/159. (216) انظر الطبري: جامع البيان 19/124. (217) انظر المصدر السابق. (218) المصدر السابق 19/125. (219) انظر المصدر السابق، ابن عطية: المحرر 11/159، الآلوسي: روح المعاني 19/137. (220) تفسير مجاهد 2/467. (221) أخرجه البخاري في صحيحه: ((كتاب الأذان)) ، ((باب تسوية الصفوف … )) 1/176. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 (222) انظر المحرر الوجيز 11/159. (223) جامع البيان 19/125. (224) انظر الآلوسي: روح المعاني 14/87، 19/137. (225) انظر ابن مجاهد: السبعة 607، الأزهري: القراءات وعلل النحويين 2/643، العُكبري: إملاء ما منَّ به الرحمن 2/243، أبا حيان: البحر 8/130. (226) انظر الجصاص: أحكام القرآن 3/410، ابن عطية: المحرر 13/571. (227) تفسير القرآن العظيم 7/386. (228) قال ابن الأثير في النهاية مادة (ضمم) 3/101: ((يُروى بالتشديد والتخفيف فالتشديد معناه: لا ينضم بعضكم إلى بعض وتزدحمون وقت النظر إليه، … ومعنى التخفيف: لا ينالكم ضيم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض، والضيم: الظلم)) . (229) أخرجه البخاري: ((كتاب التفسير)) ، ((سورة ق)) 6/48 ومسلم: ((باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما)) 2/439 رقم الحديث 633. (230) انظر الطبري: جامع البيان 26/180، ابن الجوزي: زاد المسير 8/23. (231) انظر الطبري: جامع البيان 26/180. (232) بل رُوي عن أبي الأحوص أنه قال في جميع التسبيح المذكور في الآيتين هو التسبيح باللسان. انظر ابن الجوزي: زاد المسير 8/24. (233) أخرجه البخاري: ((كتاب التفسير)) ، ((سورة ق)) 6/48. (234) انظر الطبري: جامع البيان: 26/180. (235) انظر الجصاص: أحكام القرآن 3/410. (236) أخرجه مسلم في صحيحه: ((باب استحباب الذكر بعد الصلاة)) 1/418 رقم الحديث 597. (237) انظر الجصاص: أحكام القرآن 3/410، محمد الأمين: أضواء البيان 3/203. (238) انظر الطبري: جامع البيان 26/180، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/387، السيوطي: الدر المنثور 7/610. (239) جامع البيان 26/182. (240) المصدر السابق 26/181. (241) انظر فتح الباري 18/228. (242) انظر الطبري: جامع البيان 26/182، ابن الجوزي: زاد المسير 8/24. (243) جامع البيان 26/182. (244) 3/410. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 (245) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1728، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/387. (246) جامع البيان 26/182. (247) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 8/319. (248) انظر الطبري: جامع البيان 29/225، الزمخشري: الكشاف 4/272، ابن عطية: المحرر 15/251، الرازي: مفاتيح الغيب 29/259، الآلوسي: روح المعاني 29/166. (249) انظر المصادر السابقة. (250) انظر الزمخشري: الكشاف 4/272، البغوي: معالم التنزيل 8/481، الرازي: مفاتيح الغيب 30/26، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 8/460. (251) أخرجه في ((كتاب التفسير)) ، سورة العلق 5/88. (252) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/386، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 30/443. (253) انظر الرازي: مفاتيح الغيب، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 9/128، الآلوسي: روح المعاني 30/188. (254) انظر ابن عطية: المحرر 15/517، ابن العربي: أحكام القرآن 4/1958، ابن قدامة: المغني 2/357. (255) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 30/26. (256) المحرر الوجيز 4/212. (257) انظر البقاعي: نظم الدرر 5/381. (258) انظر الطبري: جامع البيان 5/253، ابن قدامة: المغني 3/301. (259) الطبري: جامع البيان 5/251. (260) انظر المصدر السابق 5/258، ابن قدامة: المغني 3/310، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 5/372، ابن حجر: فتح الباري 5/101، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 5/186. (261) انظر البغوي: معالم التنزيل 2/278، ابن قدامة: المغني 3/302. (262) أخرجه البخاري: ((كتاب المغازي)) ، ((باب غزوة ذات الرقاع)) 5/52، ومسلم: ((باب صلاة الخوف)) 1/575 رقم الحديث 842. (263) ذكره البخاري بعد الحديث السابق. (264) انظر البغوي: معالم التنزيل 2/278، ابن قدامة: المغني 3/302. (265) انظر البغوي: معالم التنزيل 2/278، ابن حجر: فتح الباري 5/101. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 (266) انظر الزجاج: معاني القرآن 4/75. (267) انظر الطبري: جامع البيان 19/35، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/70. (268) انظر البغوي: معالم التنزيل 6/294، البقاعي: نظم الدرر 13/422. (269) الطبري: جامع البيان 19/35. (270) انظر أبا حيان: البحر 6/513، البقاعي: نظم الدرر 13/422. (271) انظر البقاعي: نظم الدرر 16/466. (272) انظر الفراء: معاني القرآن 2/272. (273) انظر ابن عطية: المحرر 11/68، الرازي: مفاتيح الغيب 19/108، الآلوسي: روح المعاني 9/45. (274) انظر المصادر السابقة. (275) انظر الطبري: جامع البيان 21/99، البغوي: معالم التنزيل 6/303، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/99. (276) انظر سجود النبيين عليهم السلام. (277) انظر مجموع الفتاوى 23/140 وما بعدها. (278) انظر ابن عطية المحرر 11/539، ابن قدامة: المغني 2/357، ابن حجر: فتح الباري 51/251. (279) المحرر 11/540. (280) انظر جامع البيان 21/98. (281) معاني القرآن 2/331. (282) زاد المسير 6/337. (283) روح المعاني 21/131. (284) انظر أبا حيان: البحر 7/202. (285) الراغب الأصفهاني المفردات، مادة ((قنت)) 413. (286) انظر الطبري: جامع البيان 23/202. (287) انظر المصدر السابق. (288) المصدر السابق. (289) انظر الزمخشري: الكشاف 1/624، ابن الجوزي: زاد المسير 2/384، أبا حيان: البحر 3/514، سليمان الجمل: حاشية الجمل على الجلالين 1/503، الآلوسي: روح المعاني 6/167، محمد رشيد: تفسير القرآن الحكيم 6/442، عبد الرحمن السعدي: تيسير الكريم الرحمن 2/310، تحقيق محمود شاكر وأحمد شاكر لجامع البيان 10/427، وقال: ((وهذا هو الصواب المحض إن شاء الله)) . (290) ابن عطية: المحرر 4/490. (291) انظر أبا حيان: البحر 3/514. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 (292) انظر البغوي: معالم التنزيل 3/73، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 6/222. (293) انظر الزمخشري: الكشاف 1/624، العكبري: إملاء ما منَّ به الرحمن 1/219. (294) انظر ابن عطية المحرر 4/491، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 3/129، محمد رشيد: تفسير القرآن الحكيم 6/442 محمد الطاهر: التحرير والتنوير 6/240. (295) تفسير القرآن العظيم 3/130. (296) معاني القرآن 2/472. (297) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 3/506. (298) انظر الآلوسي: روح المعاني 11/31. (299) انظر الطبري: جامع البيان 11/39. (300) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 11/41. (301) انظر الطبري: جامع البيان 11/39، الآلوسي: روح المعاني 11/31. (302) المحرر 7/56. (303) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 11/210. (304) محمد رشيد: تفسير القرآن الحكيم 11/54. (305) انظر الزجاج: معاني القرآن 3/439، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/139، الآلوسي: روح المعاني 21/208. (306) معاني القرآن 2/231. (307) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 5/454، الآلوسي: روح المعاني 17/207. (308) نظم الدرر 13/99. (309) الآلوسي: روح المعاني 17/208. (310) الطبري: جامع البيان 17/204. (311) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 3/1304، ابن الجوزي: زاد المسير 5/540، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/139. (312) انظر المصادر السابقة، وابن قدامة: المغني 2/356. (313) المسند 28/593 رقم 17364 بإشراف د. عبد الله التركي، وفيه ابن لهيعة، وتتبع شواهده ابن كثير في تفسيره 5/400، ثم قال: ((فهذه شواهد يشدّ بعضها بعضا)) . (314) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 5/446. (315) ابن عطية: المحرر 13/474. (316) انظر البغوي: معالم التنزيل 7/324، الآلوسي: روح المعاني 26/124. (317) انظر أبا حيان: البحر 8/102، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 26/205. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 (318) انظر الطبري: جامع البيان 26/110. (319) المصدر السابق 26/112. (320) انظر الآلوسي: روح المعاني 26/125، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 26/206. (321) انظر السيوطي: الإتقان 1/25. (322) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/138. (323) انظر ابن مجاهد: السبعة 480، الأزهري: علل القراءات 2/487، ابن الجزري: النشر2/337. (324) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/139. (325) انظر المصدر السابق، أبا حيان: البحر 8/448. (326) انظر ابن قدامة: المغني 2/357. (327) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 4/176، البقاعي: نظم الدرر 13/416. (328) انظر مجموع الفتاوى 23/139. (329) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/62. (330) انظر المصدر السابق. (331) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/129. (332) أبو حيان: البحر 6/509، وهو أيضا في الرازي: مفاتيح الغيب 19/106. (333) الطبري: جامع البيان 19/149. (334) انظر الزجاج: معاني القرآن 4/116، الأزهري: علل القراءات 2/487، الزمخشري: الكشاف 3/145، القرطبي: أحكام القرآن 13/187، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/256. (335) المحرر 11/196. (336) المصدر السابق. (337) الطبري: جامع البيان 19/150. (338) انظر الزمخشري: الكشاف 3/144، ابن عطية: المحرر 11/193، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/197، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/251، 24/299. (339) مجموع الفتاوى 23/146. (340) انظر أبا السعود: إرشاد العقل السليم 6/282. (341) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/146، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/170. (342) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1664، ابن قدامة: المغني 2/357. (343) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 15/365، ابن حجر: فتح الباري 5/227. (344) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 8/86. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 (345) انظر مجموع الفتاوى 23/157. (346) انظر جامع البيان 27/84. (347) انظر المصدر السابق 23/82، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/140. (348) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1735، ابن عطية: المحرر 14/136. (349) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/157، ابن حجر: فتح الباري 5/252. (350) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 8/86، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 4/176. (351) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 27/161. (352) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/443، المصدر السابق. (353) انظر الجمل: حاشية الجمل 4/240. (354) انظر البغوي: معالم التنزيل 8/376، ابن الجوزي: زاد المسير 9/68، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/151. (355) انظر الطبري: جامع البيان 30/125، الزمخشري: الكشاف 4/236، ابن الجوزي: زاد المسير 9/69، أبا حيان: البحر 8/448، الآلوسي: روح المعاني 30/83. (356) البحر 8/448، وهو في الرازي: مفاتيح الغيب 30/113، والجمل: حاشية الجمل على الجلالين 4/512، والآلوسي: روح المعاني 30/83. (357) مجموع الفتاوى 23/151. (358) المصدر السابق 23/153. (359) نقله عنه ابن الجوزي: زاد المسير 9/69. (360) أخرجه مسلم في باب سجود التلاوة 1/406 رقم الحديث 578. (361) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1911، ابن قدامة: المغني 2/353، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/153. (362) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/155. (363) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 30/113. (364) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/154. (365) نظم الدرر 21/349. (366) الطبري:جامع البيان 29/244، ابن الجوزي: زاد المسير 8/452، وسيأتي قريبا الإشارة إلى مدى صحة هذا الخبر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 (367) أخرجه البخاري في صحيحه: ((كتاب التفسير)) ، ((سورة ن والقلم)) 6/72، وهو في صحيح مسلم بنحوه: ((باب معرفة طريق الرؤية)) 1/168، رقم الحديث 183. (368) انظر الجمل: حاشية الجمل 4/390. (369) انظر الطبري: جامع البيان 29/39. (370) انظر ابن عطية: المحرر 15/51، ابن العربي: أحكام القرآن 4/1902، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 8/225. (371) انظر أبا حيان: البحر 8/315. (372) انظر ابن عطية: المحرر 15/51، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 18/251، أبا حيان: البحر 8/317، الجمل: حاشية الجمل 4/390. (373) انظر الآلوسي: روح المعاني 29/36. (374) ابن عطية: المحرر 15/51، أبو حيان: البحر 8/317. (375) سبقت الإحالة إلى مصادره. (376) انظر محمد حسين: التفسير والمفسرون 1/80. (377) انظر الطبري: جامع البيان 29/245، أبا حيان: البحر 8/408، البقاعي: نظم الدرر 21/185. (378) تفسير مجاهد 2/718، الفراء: معاني القرآن 3/48، الطبري: جامع البيان 29/245. (379) انظر الطبري: جامع البيان 29/245، ابن عطية: المحرر 15/273. (380) الطبري: جامع البيان 29/246. (381) أخرجه أحمد في مسنده 29/438 رقم 17913 إشراف د. عبد الله التركي. (382) انظر الزمخشري: الكشاف 4/205، ابن الجوزي: زاد المسير 8/452. (383) انظر ابن القيم: زاد المعاد 3/498. (384) البحر2/457. (385) نظم الدرر 4/374. (386) المصدر السابق 4/379. (387) انظر الجصاص: أحكام القرآن 1/32، البغوي: معالم التنزيل 1/88، أبا حيان: البحر 1/81، النيسابوري: إيجاز البيان 1/96، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 1/473. (388) انظر المصادر السابقة. (389) انظر الآلوسي: روح المعاني 1/247. (390) انظر الجصاص: أحكام القرآن 1/32، أبا حيان: البحر 1/181، عبد الرحمن السعدي: تيسير الكريم الرحمن 1/81. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 (391) انظر الطبري: جامع البيان 1/257، الزمخشري: الكشاف 1/277. (392) انظر أبا حيان: البحر 1/181. (393) أحكام القرآن 1/21. المصادر والمراجع ابن الأثير، المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناحي، بيروت. أحمد بن حنبل، المسند، محقق بإشراف د. عبد الله التركي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1413هـ، ونسخة أخرى بتحقيق أحمد شاكر، مصر، دار المعارف 1377هـ، ونسخة أخرى طبعة المكتب الإسلامي وإليها الإحالة عند الإطلاق. الأزهري، محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، ج1 تحقيق عبد السلام محمد هارون، ج10 تحقيق علي حسن هلالي، الدار المصرية. الأزهري، محمد بن أحمد، علل القراءات، تحقيق نوال الحلوة، الرياض، 1411هـ. الآلوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، الطبعة (4) 1405 هـ، بيروت، دار إحياء التراث العربي. البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، استانبول،1981م. البغوي، الحسين بن مسعود، معالم التنزيل، تحقيق محمد النمر وزملائه، الرياض، دار طيبة، 1409هـ. البقاعي، إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، الطبعة (2) ، 1413هـ، القاهرة، دار الكتاب الإسلامي. الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، (مع عارضة الأحوذي) ، دار الكتاب العربي. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، درء تعارض العقل والنقل، تحقيق د. محمد رشاد سالم، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1399هـ. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، دقائق التفسير، تحقيق د. محمد السيد الجليند، الطبعة (2) 1404هـ، بيروت مؤسسة علوم القرآن. ابن تيمية، أحمد عبد الحليم، مجموع الفتاوى، جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكة المكرمة، الرئاسة العامة لشؤون الحرمين، 1404هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات، تحقيق إبراهيم الإبياري، الطبعة (2) 1413هـ، بيروت، دار الكتاب العربي. ابن الجزري، محمد بن محمد الدمشقي، النشر في القراءات العشر، إشراف علي الضباع، بيروت، دار الكتب العلمية. الجصاص، أحمد بن علي، أحكام القرآن، بيروت، دار الكتاب العربي. الجَمَل، حاشية الجَمَل على الجلالين، بيروت، دار إحياء التراث العربي. ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد، زاد المسير في علم التفسير، الطبعة (3) 1404هـ، بيروت، المكتب الإسلامي. الجوهري، اسماعيل بن حمّاد الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة (3) 1404هـ، بيروت، دار العلم للملايين. الحاكم، المستدرك على الصحيحين، بإشراف د. يوسف المرعشلي، بيروت، دار المعرفة، ومعه التلخيص للذهبي. ابن حجر، أحمد بن علي بن محمد، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق طه عبد الرءوف وزميليه، القاهرة مكتبة الكليات الأزهرية، 1398هـ. أبوحيان، محمد بن يوسف، البحر المحيط، الطبعة (2) 1403هـ، بيروت دار الفكر. الخليل بن أحمد، كتاب العين، تحقيق د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1408هـ الدارقطني، علي بن عمر، السنن، تحقيق عبد الله هاشم، القاهرة. أبو داود، سليمان بن الأشعث، بيروت، دار الحديث، 1388هـ. الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، بيروت، دار الفكر. الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، ضبط محمد سيد كيلاني، بيروت دار المعرفة. الزبيدي، محمد مرتضى تاج العروس، ج5، ج8 تحقيق د. عبد العزيز مطر، مطبعة حكومة الكويت، 1390هـ. الزجاج، إبراهيم بن السّري، معاني القرآن، تحقيق د. عبد الجليل عبده شلبي، بيروت، دار عالم الكتب، 1408هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 الزركشي، محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، الطبعة (2) ، 1391هـ. الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق التنزيل، بيروت، دار المعرفة. الزمخشري، محمود بن عمر، أساس البلاغة، الطبعة (3) 1985م، الهيئة المصرية العامة للكتاب. السخاوي، علي بن محمد، جمال القراء، تحقيق د. علي البواب، مكة المكرمة، مكتبة التراث، 1408هـ. أبو السعود، محمد بن محمد، إرشاد العقل السليم، بيروت، دار إحياء التراث العربي. سيد قطب، في ظلال القرآن، الطبعة (7) 1398هـ، بيروت، دار الشروق. السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان في علوم القرآن، الرياض، مكتبة الباز، 1417هـ. السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير المأثور، بيروت، دار الفكر، 1403هـ. السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، المزهر في علوم اللغة، تحقيق محمد أبو الفضل وزميليه، الطبعة (3) ، القاهرة دار التراث. الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير، دار الفكر، 1401هـ. الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبعة (3) 1388هـ، القاهرة، مصطفى الحلبي وإلى هذه النسخة الإحالة عند الإطلاق. نسخة أخرى لجامع البيان، بتحقيق محمود أحمد شاكر، وعند الإحالة إليها تقيد بهذا التحقيق. عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، إشراف محمد زهري النجار، الرياض الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، 1404هـ. عبد الرزاق بن همام، المصنف، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، االطبعة (2) ، 1403هـ بيروت، المكتب الإسلامي. ابن العربي، محمد بن عبد الله، أحكام القرآن، تحقيق علي محمد البجاوي، بيروت، دار المعرفة. ابن العربي، محمد بن عبد الله، عارضة الأحوذي، دار الكتاب العربي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 ابن عطية، عبد الحق بن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق عبد الله الأنصاري وزملائه، الدوحة 1398هـ. العكبري، عبد الله بن الحسين، إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب، بيروت، دار الكتب العلمية، 1399هـ. العلوي، يحيى بن حمزة، الطراز المتضمن لأسرار البلاغة، الرياض، مكتبة المعارف، 1400هـ. الغرناطي، أحمد بن إبراهيم بن الزبير، ملاك التأويل، تحقيق د. سعيد الفلّاح، دار الغرب الإسلامي، 1403هـ. ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، الطبعة (3) 1402هـ، القاهرة الخانجي. الفراء، يحيى بن زياد، معاني القرآن، الطبعة (2) 1980م، بيروت، عالم الكتب. الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، ط (2) 1407هـ، بيروت، مؤسسة الرسالة. ابن القيم، محمد بن أبي بكر، زاد المعاد، تحقيق شعيب وعبد القادر ابنا الأرنؤوط، الطبعة (3) ، 1406هـ، بيروت مؤسسة الرسالة. ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، الطبعة (5) 1404هـ، بيروت، مكتبة المعارف. ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، تحقيق عبد العزيز غنيم وزميليه، القاهرة، الشعب. ابن قدامة، أحمد بن محمد، المغني، تحقيق د. عبد الله التركي، د. عبد الفتاح الحلو، القاهرة، هجر للطباعة 1406هـ. ابن قدامة: أحمد بن محمد، روضة الناظر، الطبعة (2) 1404هـ، الرياض، مكتبة المعارف. القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي. ابن ماجة، محمد بن يزيد، السنن، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، المكتبة العلمية. ابن مجاهد، أحمد بن موسى، السبعة، الطبعة (2) 1400هـ، القاهرة، دار المعارف. مجاهد بن جبر، تفسير مجاهد، تحقيق عبد الرحمن الطاهر، بيروت، المنشورات العلمية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية. محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، الرياض، 1403هـ. محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون، الطبعة الثانية 1396هـ، مصر. محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم، بيروت، دار المعرفة 1414هـ. محمد الطاهر بن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، تونس، الدار التونسية، 1984م. محمد ناصر الدين الألباني، صحيح الجامع الصغير، المكتب الإسلامي 1388هـ. مكي بن أبي طالب، الكشف عن وجوه القراءات السبع، تحقيق د. محي الدين رمضان، الطبعة (2) 1401هـ، بيروت مؤسسة الرسالة. ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر. النحاس، أحمد بن محمد، إعراب القرآن، تحقيق د. زهير غازي زاهد، الطبعة (2) 1405هـ، عالم الكتب. النحاس، أحمد بن محمد، معاني القرآن الكريم، تحقيق محمد علي الصابوني، مكة المكرمة، مركز إحياء التراث 1408هـ. النسائي، أحمد بن شعيب، السنن، بيروت، دار الكتاب العربي. النيسابوري، محمود بن أبي الحسن بن الحسين إيجاز البيان عن معاني القرآن، تحقيق د. علي العبيد، الرياض، مكتبة التوبة، 1418هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 جزء فيه حديث رسول الله ( ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخيارهم خيارهم لأهله)) رواية ودراية د. عبد الرحمن بن محمد بن شريف مدرس الحديث بقسم أصول الدين - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة قطر - الدوحة ملخص البحث تُعدُّ كتابة الأجزاء الحديثية أُسلوباً مِنَ أساليب التَّصنيف التي اتبعها المُحدِّثون مِن أجل أبراز هدف مِن الأهداف التي يهدف المُحَدِّثُ إلى إبرازها وإظهار نفعها للناس، ولقد تفنن المُحَدِّثون في التأليف في هذا المجال، وبحثنا هذا حاول أن يُبرزَ للقراء أهمية الأخلاق في الإسلام، ومدى عناية القرءان الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة المطهرة بمبدأ الأخلاق، كما أنَّ أسلوبَ تخريج الحديث وتتبع طرقه المختلفة، وشواهده المتعددة، قد أبرزت الجانب الموضوعيّ لدى المحدِّثين في إثبات صحة النُّصوص وتوثيقها.. • • • المقدّمة: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدِ الأوَّلين والآخرين سيِّدِنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم. أمَّا بعد: فقد أفرد كثير من العلماء أجزاءً حديثيَّة تهدف إلى تحقيق غرض من الأغراض العلميِّةِ مثل: ((جزء الأستاذ أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد ابن محمدٍ القطان الطبري المتوفى سنة (478) ، ذكر فيه مارواه أبو حنيفة عن الصحابة)) . وجزء فيه قول النبيِّ (( (نضَّرَ اللهُ امراً سَمِعَ مقالتي فَأداها)) للإمامِ أبي عمرو أحمد ابن محمدِ بن إبراهيم بن حكيم المديني، المتوفى سنة (333هـ) . (1) كما ألَّف الحافظ ابن حجر ((جزء في طرق حديث لاتسبُّوا أصحابي)) (2) وغير ذلك من الأجزاء الحديثية المتعددة الأغراض والتي خدم فيها أصحابها سنة الرسول (. ورغبة مني في خدمة سنة رسول الله (فقد اخترت: جزء فيه حديث رسو ل الله (: ((أَكْمَلُ الْمؤْمِنِينَ إِيماناً أحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَخِيارُهُمْ خِيارُهُمْ لأَهْلِهِ)) . رواية ودراية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 إنَّ هنالك أكثر من سبب دفعني لاختيار شرح وتخريج هذا الحديث المبارك، ومن هذه الأسباب: 1- أهمية الأخلاق ومنزلتها من الدِّين، وحاجة المسلمين في أيامنا هذه للعودة إلى هذا النبع الصافي لينهلوا من مورده العذب ويقتبسوا من الخلق الإسلاميِّ الرفيع، ليعودوا إلى عزهم ومجدهم ويتقدَّموا كما تقدَّمَ السلف الصالح وسادوا الأمم التي عاصروها بحسن خلقهم وطيبِ معدنهم. 2- الفوائد الحديثيَّةِ المتعددة الجوانب التي يستفيدها المشتغل بالسنة وعلومها من خلال تخريج هذا الحديث وتتبع طرقه المختلفةِ، ودراسة الأسانيد المتنوعة وترجمة رجال هذه الطرق عند الضرورة، والحكم على الأسانيد والروايات. 3- رغبة مني في جعل هذه المادة العلميَّة الدقيقة في متناول طلاب الحديث النَّبويِّ الشَّريف، وتبسيط هذه المادة ليتمكنوا من دراستها والاستفادة منها. أما مباحث الموضوع فهي على النحو الآتي: المقدمة وتناولت فيها الحديث عن أهمية الكتابة في الأجزاء الحديثية التي انقطع التأليف فيها منذ زمنٍ ليس بالقصير، واهتمام القرءان الكريم والسُّنَّة النَّبوية بالأخلاق الإسلامية وضرورة تربية المسلم نفسه على حُسن الخلق. المبحث الأوَّل: تخريج روايات الحديث وتتبع طرقه المختلفة. المبحث الثَّاني: شرح الحديث وبيان أهمية الأخلاق، وأن تستمد أخلاق المسلمين على ما ورد في الكتاب والسُّنَّة دون الجاجة إلى الأخذ من الأمم الأخرى، ذلك أنَّ رسولنا (إنَّما بُعث لإكمال مكارم الأخلاق. ولقد حرصتُ على الاختصار في شرح الحديث، وذلك أنَّ الحديث عن الأخلاق في الإسلام حديثٌ ذو شُجون، وقد أُلِّفت حولهُ مًصَنَّفات يطول ذِكْرها، وبحثنا هذا مرهون نشره برقم محدد مِن الأوراق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 وفي ختام هذا البحث لا يسعني سوى أن أتقدَّم بخالص الشكر وأصدق الدعوات لجامعة أم القرى بمكة المكرمة، متمثلة بمجلة جامعة أم القرى، ومدير تحريرها سعادة الدكتور سليمان بن إبراهيم العايد، على حُسن اللقاء مع عنايته بهذا البحث إضافة إلى السّرعة والدِّقَّة في الانجاز، وهذا ما تحتاجه معظم المؤسسات في وقتنا الحاضر ... ولا أنسى بالشكر والعرفان أخاً عزيزاً وهو سعادة الدكتور موفق بن عبد اللَّه بن عبد القادر، الأستاذ المشارك بجامعة أمِّ القرى الذي ساهم في إخراج هذا البحث، سواء بقراءته، أو إبداء نصحٍ ومشورة، رغم كثرة أشغاله.. فله من اللَّه الأجر والمثوبة، ومني التَّقدير والاحترام. والله أسأل التوفيق والسداد في القول والعمل، وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم إنه نعم المولى ونعم النصير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. المبحث الأوَّل: تخريج روايات الحديث والكلام على أسانيدِها. يُعدُّ علم تخريج الحديث النَّبوي الشَّريف مِنَ العلومِ التي شغلت حيِّزاً واسعاً في مجال علم الحديث النَّبويِّ الشَّريف، ولمَّا أن حديثنا المراد تخريجه مِنَ الأحاديث التي عدَّها بعض العلماء مِنَ الأحاديث المتواترة نظراً لكثرة طُرقه، لذا فإنِّي قد حرصتُ على تتبع طرق هذا الحديث، مع بيان درجة كلّ طريق قدر الإمكان.. ذلك أنَّ التَّخريج ليس هو غاية في حدِّ ذاته، وإنَّما المراد منه بيان درجة الحديث عند الضَّرورة.. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 إنَّ دعوى استيعاب كافة الطُّرق لهذا الحديث قد تجد أحياناً ما يُخالفها، وذلك لأنَّ معاني هذا الحديث قد ذُكِرَت في العديدِ مِنَ الأحاديثِ، وبعضهم يعدُّ تلك الأحاديث تابعة لهذا الحديث، أو شاهدة لهُ، وإن جاءت مِن طريقٍ آخر، عن الصَّحابيِّ الواحد، أو عن صحابيٍّ آخر، واختلاف وجهات النَّظر في هذا المجال مقبولة، كما أنَّ ذِكر الطُّرق المتكلَّم في صِحَّتها قد لا تُغني مِنَ الحقِّ شيئاً، لذا فإنِّي قد استوعبتُ معظم طُرق هذا الحديث مِن وجهة نظري، يُضاف إلى هذا أنَّ ذِكْري للشواهد والمتابعات للرِّوايات هدفها تقوية الطُّرق لهذا الحديث أحياناً. إنَّ الهدف مِن هذا التَّخريج هو المزيد مِن الفوائد لطلبة العلم، للأخذِ بالأسلوب العِلميّ في طرق التَّخريج، وبيان درجة الحديث عند الحاجة. والله أسأل التَّوفيق والسَّداد. 1- عن عبد الله بنِ عَمْروِ بنِ العاص (، أنَّ رسولَ الله (، لم يَكُنْ فاحِشَاً، وَلامُتَفَحِشَاً، وَكَانَ يَقُولُ: ((مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنِكُمْ أَخْلاقاً.)) . 2- عن أبي هُرَيْرَةَ (قال: قال رسولُ الله (: ((أَكْمَلُ الْمؤْمِنينَ إِيْماناً أحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَخِيارُهُمْ خِيارُهُمْ لأَهْلِهِ)) . 3- عن أنسِ بنِ مالكٍ (قالَ: قالَ رسولُ الله (: ((أَكْمَلُ النَّاسِ إِيماناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وإِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ دَرَجَةَ الصَّومِ والصَّلاةِ)) . 4- عن عائِشَةَ رضي الله عنها، قالت: قالَ رَسُولُ اللهِ (: ((إنَّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ.)) . 5- عن عُمَيْرِ بنِ قَتَادَةَ اللَّيْثِيّ (، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يارَسُولَ اللهِ أَيُّ الصَلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((طُولُ القُنوتِ)) . قَالَ: أَيُّ الصَدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((جُهْدُ المُقِلِّ)) . قَالَ: أَيُّ المُؤْمِنينَ أَكْمَلُ؟ قَالَ: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 6- عن جابر بن عبد الله (قالَ: قَالَ رسُولُ الله (: ((أكْمَلُ المُؤْمنينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) . 7- عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (( (أَكْمَلُ المُؤْمِنينَ إِيماناً أَحَاسِنُهُمْ أَخْلاقَاً الموطؤونَ أكْنافاً، الَّذينَ يَأْلِفونَ وَيُؤْلَفونْ، وَلا خَيرَ فيمَنْ لا يأْلَف ولايُؤْلَفْ.)) . 8- عن أبي ذَرٍّ (، قالَ: قُلتُ: ((يارسولَ اللهِ أَيُّ المُؤْمنينَ أكْمَل إِيمانَاً؟ قالَ: أَحْسَنَهُمْ خُلُقَاً.)) . 9- عن عَمْرو بنِ عَبْسَةَ (، قال: قُلتُ: يارسولَ اللهِ أَيُّ الإيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((خُلُقٌ حَسنٌ.)) . 10- عن عبد الله بن عمر (: قال: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ (، فَجاءَهُ رَجلٌ مِنَ الأنصَارِ فَسَلَّمَ على النَّبِيِّ (، ثُمَّ قالَ: يارَسولَ اللهِ أيُّ المؤْمِنينَ أفضَلُ؟ قالَ: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) قالَ: فايُّ المؤمنيَن أَكْيَسُ؟ قالَ: ((أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْراً، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْداداً، اُولئِكَ الأَكْياسُ.)) . 11- عن جابر بن سَمُرَةَ (، قال: كُنْتُ في مَجْلِسٍ فيه النَّبيٌّ (، قال: وأبي سَمُرَةُ جَالٍسٌ أمامي فقال رسولُ اللهِ (: ((إِنَّ الفُحشَ والتَّفَحُشَ لَيْسا مِنِ الإسلامِ، وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسلاماً أحْسَنُهُمُ إِسلاماً.)) . 12- عن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ رضي الله عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ (: ((إنَّ أَحَبَكُم إلَيَّ وأَقْرَبَكُم مِنِّي في الآخِرَةِ مَحَاسِنَكُم أخْلاَقَاً، وإنَّ أبغَضَكُم إلَيَّ وَاَبْعَدَكُم مِنِّي في الآخِرَةِ مَسَاوِئكم أخلاقَاً، الثَّرْثَارونَ المُتَفَيْهِقُونَ المُتَشَدِّقُونَ.)) . 13- عن ابنِ عباسٍ رضي اللَّهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلَّم: ((خِيَارُكُم أحاسِنُكُم أخلاقاً)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 14- عن أبي كَبْشَةَ رضي اللَّهُ عنهُ قال: سمِعْتُ رسولَ اللَّهِ (: ((خِيارُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ.)) . 15- عن عبدِاللَّه بنِ مسعودٍ رضي اللَّهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ (: ((ألا أُنبئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قالوا: بلى، قال: خِيارُكُم أَحاسِنُكُمْ أخلاقاً، أحسِبُهُ قال: المُوطَّؤنَ أكْنَافَاً.)) . 1) - عن عبد الله بنِ عَمْروِ بنِ العاص (، أنَّ رسولَ الله (، لم يَكُنْ فاحِشَاً، وَلامُتَفَحِشَاً، وَكَانَ يَقُولُ: ((مِنْ خِيَارِكُم أحَاسِنِكُمْ أَخْلاقاً.)) . التَّخْريج: أخرجه: أخرجه أحمد في ((المسند)) : 2/161 قال: ((ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمشُ، عن شَقيق، عن مسروق عن عبد الله بنِ عَمْروِ بنِ العاصِ)) الحديث (واللفظ له) . ... وأخرجه ابن أبي شيبة في ((المُصَنَّف)) : 8/514، وأحمد في ((المسند)) : 2/193، ومُسْلِم: 4/1810، في الفضائل باب كثرة حيائه (، وابن ماجه: 1/636، في النكاح، باب حسن المعاشرة، برقم: (1978) ، والخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (24) ، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) :10/192، وفي ((الأربعون الصغرى)) ، برقم: (107) ، كلهم من طرق عن الأعمش، بهذا الإسناد. ... وأخرجه أحمد في ((المسند)) :2/192، والطيالسي في ((المسند)) ، برقم: (2246) ، والبُخَارِيّ، برقم: (3559) ، في المناقب، باب صفة النبي (، و (3759) ، باب مناقب عبد الله بن مسعود (، و (6029) ، في الأدب، باب لم يكن النبي (، فاحشاً ولامتفحشاً، و (6035) ، في الأدب، باب حسن الخلق والسخاء ومايكره من البخل. والتِّرْمِذِيّ، برقم: (1975) ، في البر والصلة، باب ماجاء في الفحش والتفحش، والخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) برقم: (23) ، والبيهقي في ((الأربعون الصغرى)) ، برقم: (107) ، من طُرقٍ عن الأعمش، عن أبي وائلٍ شَقيقِ بنِ سَلَمَةَ، بهذا الإسناد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 .. وأخرجه البُخَارِيّ في ((الأدب المفرد)) ، برقم: (271) ، وابن حِبَّان في ((الصحيح)) ، كما في ((الإحسان)) : 2/226 برقم: (478) ، و:14/354، برقم: (6442) ، والبغوي في ((شرح السنة)) ، برقم: (3666) ، محمد بن كثير العبدي، عن سفيان الثَّوري، عن الأعمش، بهذا الإسناد. ... وانظر: ((تحفة الأشراف)) : (6/383 - 384) ، برقم: (8933) ، و (8934) . ... وذكر السيوطي في ((الجامع الصغير- مع فيض القدير)) ، من حديث عبدِالله بن عَمْروٍ ((أفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)) وعزاه للطبراني، ورمز لصحته، وقال المُناويُّ في ((فيض القدير)) : ((إسناده حسن ذكره الهيثميُّ.)) فيض القدير: (2/48-49) . 2) - عن أبي هُرَيْرَةَ (قال: قال رسولُ الله (: ((أَكْمَلُ الْمؤْمِنينَ إِيْماناً أحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَخِيارُهُمْ خِيارُهُمْ لأَهْلِهِ)) . التَّخْريج: أخرجه أحمد في ((المسند)) : 2/250 قال: ((ثنا ابنُ إدريس، قال: سمعتُ محمدَ بنَ عَمْرو، عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قالَ رسولُ اللهِ ()) الحديث. ... وأخرجه أحمد في ((المسند)) : 2/472 عن يحيى بن سعيد، عن محمدِ بنِ عَمْرو، قال: ثنا أبو سلمة، به. ... وأخرجه ابن حِبَّان في ((صحيحه)) كما في ((الإحسان)) : 2/227، برقم: (479) من طريق إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا ابنُ إدريس، به. ... وأخرجه الآجُرِّيُّ في ((الشريعة)) : (ص: 115) ، عن الفريابيِّ، عن إسحاق بن إبراهيم، بهذا الإسناد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 .. وأخرجه ابن أبي شَيْيَةَ في ((المُصَنَّف)) 8/515، وفي ((الإيمان)) : (17) ، والقضاعي في ((مسند الشهاب)) برقم: (1291) عن حفص ابن غِياث، وأخرجه ابن أبي شَيْيَةَ في ((المُصَنَّف)) : 11/27، وفي ((الإيمان)) : (18) عن محمد بن بِشْر، وأحمد في ((المسند)) : 2/472، ومن طريقه أبو داود في ((السُّنَن)) برقم: (4682) في السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، عن يحيى بن سعيد، وهنَّاد في ((الزهد)) : 2/592، برقم: (1252) ، والتِّرْمِذِيّ برقم: (1162) في الرضاع، باب ماجاء في حق المرأة على زوجها، من طريق عبدة بن سليمان، والخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) برقم (17) من طريق يزيد ابن هارون، والطحاوي في ((مشكل الآثار)) : 11/261، برقم: (4431) ، والحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) :1/3 من طريق عبد الوَّهَّاب بن عطاء، وأبو نُعيم في ((الحلية)) : 9/248، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) ، برقم: (27) والبغوي في ((شرح السنة)) ، برقم: (2341) و (3495) ، من طريق يعلى بن عبيد، وأخرجه ابن حِبَّان في ((صحيحه)) كما في ((الإحسان)) : 9/483، برقم: (4176) ، والمروزي في ((تعظيم قَدْر الصلاة)) : 1/441، برقم: (452) ، من طريق يزيد بن زُرَيع، كلهم عن محمد بن عَمْرو. ... وانظر: ((تحفة الأشراف)) : 11/13، برقم: (15059) . ... وهذا إسناد حسن لأنَّ مداره على ((محمد بن عَمْرو بن علقمة ابن وقاص الليثي المدني، مات سنة خمس وأربعين ومائة على الصحيح قال الحافظ: صدوق له أوهام. ع)) التقريب: 449 0 ... وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال) : 3/673 ((شيخ مشهور حسن الحديث.. قد أخرج له الشيخان متابعة.)) . ... وقال التِّرْمِذِيّ: ((حسنٌ صحيح)) . ... قلت: هو صحيح لما يأتي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 .. وقال الحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) : 1/3 ((هذا حديث صحيح لم يُخرَّ_ج في الصحيحين وهو صحيح على شرط مُسْلِم بن الحجاج)) . قلت: ذكر الحافظ ابن حَجَرٍ أنه ((روى له البُخَارِيّ مقروناً بغيره، ومُسْلِم في المتابعات.)) تهذيب التهذيب: 9/376 ... وأ خرجه ابن أبي شَيْيَةَ في ((المُصَنَّف)) : (6/516، و:11/27) ، وفي ((الإيمان)) : (20) وأحمد في ((المسند)) : 2/527، والدارمي في ((السُّنَن)) : 2/323، في كتاب الرقاق، باب ماجاء في حسن الخلق والحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) : 1/3، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) ، برقم: (26) ، ورقم: (7976) ، من طريق أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرىء عن سعيد بن أبي أيوب، والخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (14) ، عن أحمد بن منصور الرمادي، والطبراني في ((مكارم الأخلاق)) برقم: (9) ، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) ، برقم: (7977) ، والخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) : 2 /110، من طريق سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، وأخرجه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) : 11/260، برقم: (443) ، من طريق أنس بن عياض الليثي، وأخرجه البيهقي في ((السُّنَن الكبرى)) :10/192، من طريق يحيى ابن أبي أيوب كلهم عن محمد ابن عَجْلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح، عن أبي هُرَيْرَةَ. وهذا إسناد فيه ((محمد بن عَجْلان المدني صدوق إلاّ أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هُرَيْرَةَ مات سنة ثمان وأربعين ومائة. خت م4.)) التقريب: 496، وذكره الذهبي والمقدسي، والحلبي، في المدلسين وجعله الحافظ ابن حَجَرٍ في المرتبة الثالثة في ((طبقات المدلسين)) (1) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 .. قال ابن حِبَّان: ((يروي عن أبيه، وسعيد المَقْبُرِيّ، روى عنه الثوري، ومالك، عنده صحيفة عن سعيد المَقْبُرِيّ بعضها عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ، وبعضها عن أبي هُرَيْرَةَ نفسه، قال يحيى القطان: سمعت محمد ابن عَجْلان يقول: كان سعيد يحَدَّثَ عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، وعن أبي هُرَيْرَةَ، فاختلط علَيَّ فجعلتها كلها عن أبي هُرَيْرَةَ. ... وقد سمع سعيد المَقْبُرِيّ من أبي هُرَيْرَةَ، وسمع عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، فلمَّا اختلط على ابن عَجْلان صحيفته، ولم يميِّز بينهما اختلط فيها وجعلها كلها عن أبي هُرَيْرَةَ، وليس هذا بوهن يوهن الانسان به، لأنَّ الصحيفة كلها في نفسها صحيحة فما قال ابن عَجْلان: عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، فذاك ممَّا حمل عنه قديماً قبل اختلاط صحيفته عليه، وما قال: عن سعيد عن أبي هُرَيْرَةَ، فبعضها متصل صحيح، وبعضها منقطع لأَنَّهُ أسقط أباه منها، فلا يجب عند الاحتياط إلاّ بما يروي الثقات المتقنون عنه، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، وإنما كان يوهن أمره ويضعف لو قال في الكُلِّ: سعيد، عن أبي هُرَيْرَةَ. فإنه لو قال ذلك لكان كاذباً في البعض، لأنَّ الكل لم يسمعه سعيد، عن أبي هُرَيْرَةَ، فلو قال ذلك لكان الاحتجاج به ساقطاً على حسب ماذكرناه.)) (1) . قلت: وبناء على ماذُكِر يتبين لنا أنَ إطلاق القول ((اختلطت عليه أحاديث أبي هُرَيْرَةَ)) يحتاج إلى تقييد بروايته عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، وبروايته عن سعيد المَقْبُرِيّ، عن أبي هُرَيْرَةَ.. هذه واحدة. والثانية: أن الصحيفة كلها في نفسها صحيحة وليس هذا بوهن يوهن الانسان به كما قال ابن حِبَّان. والثالثة: إنَّ الرواية عن محمد بن عَجْلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيْرَةَ، وليست من روايته عن سعيد المَقْبُرِيّ عن أبي هُرَيْرَةَ، ولا من روايته عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ. والرابعة: إنَّ ابن عَجْلان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 قد توبع في هذه الرواية، وهو ((إمام صدوق مشهور، قال الحاكم: أخرج له مُسْلِم في كتابه ثلاثة عشر حديثاً كلَّها شواهد.)) كما قال الذهبي في ((الميزان)) (1) وقال الحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) :1 /3 بعد أن روى الحديث من رواية محمد بن عَمْرو، عن أبي سلمة عن أبي هُرَيْرَةَ: ((هذا حديث صحيح لم يُخرج في الصحيحين، وهو صحيح على شرط مُسْلِم بن الحجاج، فقد استشهد بأحاديث للقعقاع، عن أبي صالح عن أبي هُرَيْرَةَ، ومحمد بن عَمْرو، وقد احتج بمجمد بن عَجْلان)) . ... قلت: محمد بن عَجْلان أخرج له البُخَارِيّ تعليقاً، وأخرج له مُسْلِم في المتابعات، ولم يحتج به (2) . ... وأخرجه ابن حِبَّان في ((صحيحه)) كما في ((موارد الضمآن)) : 318، برقم: (1311) من طريق عَمْرو بن أبي عَمْرو عن المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب، عن أبي هُرَيْرَةَ، الحديث (3) . ... وهذا إسناد رجاله ثقات، إلاّ أنَّ فيه ((المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب بن الحارث المخزومي، صدوق كثير التَّدْليس والإرسال، من الرابعة. ر4)) التقريب: 534. ... قلت: لم يذكره الحافظ ابن حَجَرٍ في ((تعريف أهل التقديس)) في طبقات المدلِّسين، كما لم يذكره أحد في المُدلِّسين غير أنه عرف بالإرسال.. وذكر البُخَارِيّ في ((التاريخ الأوسط)) : 1/17 حديثاً من طريق محمد بن عبد الله، عن المطلب، عن أبي هُرَيْرَةَ ((دخلت على رُقيَّةَ بنت رسول الله ( ... )) قال البُخَارِيّ: ((ولايعرف للمطلب سماع من أبي هريرة ولا لمحمدٍ، عن المطلِّبِ، ولا تقوم الحجَّة.)) ... وقال أبو حاتمٍ الرازيُّ في ((المراسيل)) : 209 ((عن أبي هريرة مرسلاً)) ، وانظر: المراسيل لابن أبي حاتم:210. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 .. وأخرجه المروزي في ((تعظيم قَدْر الصلاة)) :1/442، برقم: (454) ، قال: حَدَّثَنا يحيى بن عثمان بن صالح السهمي ثنا أبي، ثنا ابن لَهيْعَةَ، حَدَّثَني عيسى بن سيلان، عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قال رسول الله (: ((أكملُ المؤمنينَ إيماناً أحاسِنُهُم أخلاقاً، وإنَّ المرءَ ليكونُ مؤمناً، وإنَّ في خُلُقِهِ شيئاً، فينقُصُ ذلكَ مِنْ إيمانه.)) . ... وهذا إسنادٌ فيه (يحيى بن عثمان بن صالح السَّهميُّ مولاهم، المصريُّ، صدوق رمي بالتَّشَيُّع، وليَّنهُ بَعضُهُم لكونهِ حَدَّثَ من غير أصله، مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين. ق.) التقريب: 594. وفيه (عبد الله بن لَهيْعَةَ بن عقبة الحضرميّ، أبو عبد الرحمن المصريّ، صدوق، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك، وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مُسْلِم بعض شىء مقرون، مات سنة أربع وسبعين ومائة. م د ت ق.) التقريب: 319. ... وفيه (عيسى بن سِيلان، اختلف في اسمه قيل هو جابر بن سِيلان، وقيل عبد ربه، وثقه ابن حِبَّان، وقال ابن حَجَرٍ: مقبول من الثالثة. د) . ترجمته في: تهذيب التهذيب: 2/40، التقريب: 136. ... وأخرجه ابن أبي شَيْيَةَ في ((المُصَنَّف)) : (11/46-47) ، برقم: (10484) ، وفي ((الإيمان) : 42، برقم: (125) عن ابن عليَّة، عن يونس، عن الحسن، قال: قال رسول الله (. ... وهذا مرسل صحيح الإسناد. ... وأخرجه الخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) برقم: (15) قال: ((حَدَّثَنا أحمد بن عبد الخالق بكرخ سُرَّ مَنْ رَأى، ثنا أبوخَلَفٍ الَحرِيريُّ عن يونسَ، عن ابن سيرينَ، عن أبي هُرَيْرَةَ.)) الحديث. ... وهذا إسنادٌ فيه عبد الله بن عيسى بن خالد الخزاز، بمعجمات، أبوخلف، ضعيف من التاسعة. رس.)) . التقريب: 217. ... قال الحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) : 1/3 ((وقد روي هذا الحديث عن محمد بن سيرين، عن أبي هُرَيْرَةَ، وشعيب بن الحَبْحَابِ، عن أنس)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 وأخرج البزار، كما في ((كشف الأستار)) : 2/406، برقم: (1971) ، من طريق محمد بنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ إبراهيمَ عن أبي سَلَمَةَ، عن أبي هُريرةَ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليهِ وسلم: ((خِيارُكُمْ أطوَلُكُم أعماراً وَأحسنُكُمْ أخْلاَقاً.)) . قال البزارُ: لا نعلمهُ بهذا اللفظِ بإسنادٍ أحسن من هذا الإسناد. وذكرهُ الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) : 8/22، وقال: وفيه ابنُ إسحاق، وهو مُدَلِّس. وأخرج الطَّبرانيُّ في ((المعجم الصَّغير)) : 2/25، من طريق صالح المُرِّيِّ، عن سعيد الجريريِّ، عن أبي عُثمانَ النَّهْدِيِّ، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليهِ وسلَّم: ((إنَّ أحبكُم إلَيَّ أحاسِنُكُم أخلاقاً، الموطَّؤنَ أكنافاً، الذينَ يألفونَ ويؤلفونَ، وإنَّ أبغضكم إليَّ المشَّاؤونَ بالنَّميمةِ المفرقونَ بينَ الأحِبَّةِ، الملتمسونَ للبراء العيب.)) . قال الطبرانيُّ: لم يروه عن الجريريِّ إلاَّ صالح المرِّيِّ. وذكره الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) : 6/21 وقال: رواهُ الطبرانيُّ في الصغير، والأوسط، وفيه صالح بن بَشير المرِّيّ وهو ضعيف. 3) - عن أنسِ بنِ مالكٍ (قالَ: قالَ رسولُ الله (: ((أَكْمَلُ النَّاسِ إِيماناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وإِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ دَرَجَةَ الصَّومِ والصَّلاةِ)) . التَّخْريج: أخرجه أبو يعلى في ((المسند)) : 7/184، برقم: (4166) قال: ((حَدَّثَنا محمد بن المثنى أبو موسى، حَدَّثَنا زكريا بن يحيى الطائي أبو مالك، حَدَّثَنا شعيب بن الحبحاب، عن أنسٍ)) الحديث. ... وأورده الحافظ ابن حَجَرٍ في ((المطالب العالية)) : 2/388، برقم: (2541) قال البوصيري: ((رواه أبو يعلى ورواته ثقات)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 .. وأخرجه: البزار كما في ((كشف الأستار)) : 1/27، برقم: (35) من طريق محمد بن المثنى، بهذا الإسناد. وقال: ((وهذا لانعلم رواه هكذا إلاّ زكريا، وحَدَّثَناه وهب ابن يحيى بن زمام القيسي)) . ... وأخرجه: أبو يعلى في ((المسند)) : 7/237، برقم: (424) : قال: (حَدَّثَنا أبو عبيدة بن فضيل بن عياض، حَدَّثَنا أبو سعيدٍ مولى بني هاشمٍ، حَدَّثَنا زَرْبِيُّ أبو يحيى قال: سَمِعتُ أنسَ بنَ مالكٍ يقولُ: قالَ رسولُ الله (: (( (أَكْمَلُ المؤْمنينَ إيماناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً)) . وهذا إسنادٌ ضعيف فيه ((زَرْبيُّ، بفتح أوله وسكون الراء بعدها موحدة، ثم مثناة، ثم شدة، ابن عبد الله الأزديُّ مولاهم، أبو يحيى البصريُّ، إمام مسجد هشام بن حسان، ضعيف ت ق)) التقريب: 215. و ((عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد البصري، أبو سعيد، مولى بني هاشم، نزيل مكة، صدوق ربما أخطأ مات سنة سبع وتسعين ومائة. خ صد س ق)) التقريب: 344. وقال الذهبي في ((الكاشف)) : 2/171 ((ثقة)) . وانظر ترجمته في: تهذيب التهذيب: (7/209-210) . وأخرج البزار كما في ((كشف الأستار)) : 2/406، برقم: (1970) من طريق سالم ابن نوحٍ، ثنا سُهيلُ بنُ أبي حَزم، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ (: ((ألا أُنَبئُكُمْ بِخِيارِكُم؟ قالوا: بَلَى، قَالَ: أَحَاسِنُكُم أخلاقاً، أو قَالَ: أَحْسَنُكُمْ خُلُقَاً.)) . قال البزارُ: لا نعلمُ رواهُ عن ثابتٍ، عن أنسٍ إلاَّ سُهيل. قال الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) : 8/22 وفيه سهيل بن أبي حزمٍ وثقه ابنُ مَعين، وضَعفه جماعة. وقال الحافظ في التقريب: ((ضعيف)) . 4) - عن عائِشَةَ رضي الله عنها، قالت: قالَ رَسُولُ اللهِ (،: ((إنَّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ.)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 التَّخْريج: أخرجه أحمد في ((المسند)) : 6/47 قال: ((ثنا إسماعيل، ثنا خالد الحذَّاء، عن أبي قِلابة، عن عائشةَ، رضي الله عنها)) الحديث. ... وأخرجه أحمد في ((المسند)) : 6/99، وابن أبي شَيْيَةَ في ((المُصَنَّف)) : (8/515، و:11/27) ، وفي ((الإيمان)) برقم: (19) ، والتِّرْمِذِيّ، برقم: (2612) ، في الإيمان، باب ماجاء في استكمال الإيمان ونقصانه، والنَّسائي في عُشرة، باب لطف الرجل أهله، برقم: (272) ((من السنن الكبرى)) ، وابن السُّنِّي في ((عمل اليوم والليلة)) ، برقم: (228) ، والحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) : 1/53، من طريق خالد الحذاء، عن أبي قِلابَةَ، عن عائشةَ. (1) ... قال أبوعيسى: ((هذا حديث صحيح، ولانعرفُ لأبي قِلاَبَةَ سماعاً من عائشة.)) (2) . ... وقال الحاكم: ((رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات على شرط الشيخين، ولم يُخَرِّجاه بهذا اللفظ)) . وتعقبه الذهبي فقال: ((فيه انقطاع)) . ... وقد نبه الحاكمُ إلى هذا الانقطاعِ في ((المُسْتَدْرَك)) : 1/3 فقال: (( ... وراه ابن عُلَيَّةَ، عن خالد الحذَّاء، عن أبي قلابة، عن عائشة، وأنا أخشى أنَّ أبا قِلابةَ لم يسمعه عن عائشة)) . ... قلت: أبو قِلابَةَ هو ((عبد الله بن زيد الجَرْمِيُّ البصريُّ، قال ابن حَجَرٍ: ثقة، فاضل، كثير الإرسال.. مات بالشام هارباً من القضاء، سنة أربع ومائة، وقيل بعدها. ع.)) (3) ... قال الذهبي في ((الميزان)) : ((..ثقة في نفسه، إلاّ أنه يُدلِّس عَمَّن لحقهم، وعَمَّن لم يلحقهم، وكان له صحف يُحَدِّثُ منها ويُدَلِّس.)) (4) . وتابع الذهبي على وصفه بالتَّدْليس العلائيُّ في ((جامع التحصيل)) ، والحلبي في ((التبيين)) (5) ، وابن حَجَرٍ في ((تعريف أهل التقديس)) . (6) ... قلت: إنَّ الذهبي هنا يُطلق التَّدْليس على الإرسال: وهو رواية الراوي عمَّن لم يعاصره ولم يدركه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 .. والتَّدْليس: هو أن يروي الراوي عمَّن لقيه، أو عاصره مالم يسمع منه، ولايقول في ذلك: حَدَّثَنا، ولا أخبرنا وما أشبههما، بل يقول: قال فلان، أو عن فلان، ونحو ذلك. ... وقد قيد الحافظ ابن حَجَرٍ التَّدْليس بقسم اللقاء وجعل المعاصرة إرسالاً خفيَّاً، قال: والذي يظهر لي من تصرفات الحذاق منهم أنَّ التَّدْليس مختص باللقي، فقد أطبقوا على أنَّ رواية المُخَضْرَمِيَن مثل: قيس ابن أبي حازم، وأبي عثمان النَّهدي وغيرهما عن النبيِّ (، من قبيل الإرسال. ... أي لوكان مجرد المعاصرة يُكتفى به في التَّدْليس لكان هؤلاء من المدلِّسين، لأَنَّهُم عاصروا النبي (قطعاً، وعلى هذا مشى الخطيب البغدادي، والعلائي، وقال: وعليه جمهور العلماء. ... قال ابن حَجَرٍ: والتحقيق فيه التفصيل وهو: أنَّ مَن ذُكِرَ بالتَّدْليس، أو الإرسال، إذا ذَكَرَ بالصيغة الموهمة عمَّن لقيه فهو تدليس، أو عمَّن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي، أو عمَّن لم يُدركه فهو مطلق الإرسال (1) . قال أبو حاتمٍ: ((وأبو قلابة لايعرفُ له تدليس)) (2) ، وقال أبو زُرْعة: أبو قِلابَةَ عن عليٍّ مرسل، وقال يحيى بن معين: أبو قلابة عن النعمان ابن بشير مرسل. (3) ... وقال الذهبي بعد أن نقل قول أبي حاتم: ((معنى هذا أنه إذا روى شيئاً عن عمرَ، أو أبي هُرَيْرَةَ مثلاً مرسلاً لا يدري مَنِ الذي حَدَّثَهُ به، بخلاف تدليس الحَسنِ البصريّ، فإنه كان يأخُذُ عن كلِّ ضرب، ثم يُسقطهم كعلي بن زيد تلميذه.)) (4) وقال ابن حَجَرٍ مُعَلِّقاً على قول أبي حاتمٍ: ((وهذا ممَّا يقوي من ذهب إلى اشتراط اللقاء في التَّدْليس لا الاكتفاء بالمعاصرة.)) (5) فوصف الذهبي أبي قلابة بالتَّدْليس فيه توسع لأَنَّهُ أدخل الإرسال في التَّدْليس، لذا فإن الحافظ ابن حَجَرٍ اكتفى بوصفه في التقريب بأنه: ((كثير الإرسال)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 .. أمَّا سماعه من عائشة، رضي الله عنها فقال العلائي: ((وبخط الضياء أنه لم يسمع من أبي ثعلبة، الخشنيّ، ولايعرف له سماع من عائشة رضي الله عنها. ... قلت: روايته عن عائشة في صحيح مُسْلِم، وكأنَّه على قاعدته.)) (1) والرواية في ((صحيح مُسْلِم)) : قال: ((وحَدَّثَنا عليُّ بنُ حَجَرٍ السَّعدي، ويعقوب بنُ إبراهيم الدَّوْرَقِيُّ، قال ابنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ، عن أيُّوبَ، عن القا سمِ وأبي قلابَةَ، عن عائشةَ، قالت: كان رسولُ اللهِ (، يَبْعَث بِالهدي، أفْتِلُ قَلاَئِدَهَا بِيَديَّ، ثُمَّ لايُمْسِكُ عن شيءٍ، ولايُمسكُ عنهُ الحلالَ.)) (2) ... وأخرجه البُخَارِيّ في ((التاريخ الكبير)) : 2/272، في ترجمة (الحارث بن عبد الرحمن) ، برقم: (2433) ، قال: (.. وقال أبو الأصبغ: حَدَّثَنا محمد ابن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الحارث بن عبد الرحمن ابن مغيرة بن أبي ذباب، عن أبي سلمة، عن عائشة، عن النبي (قال: ((أكملكم إِيمَاناً، أَحْسَنُكُمْ خُلُقَاً.)) قال أبو عبد الله: حَدَّثَني صاحب لنا عن أبي الأصبغ.) . ... وأخرجه الخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (44) ، حَدَّثَنا التُّرْفُقِيُّ، حَدَّثَنا أحمد بن خالد الوهبيُّ، ثنا محمد بن إسحاق، عن الحارث ابن عبد الرحمن، بهذا الإسناد. وفيه محمد بن إسحاق بن يسار المطَّلبي مولاهم، قال ابن حَجَرٍ: ((صدوق يُدَلِّس.. مات سنة خمسين ومائة، ويقال بعدها. خت م4)) ، التقريب: 467، فالإسناد حسن لو سَلِمَ من تدليس ابن إسحاق. ... وأخرجه الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)) : 7/212 من طريق جعفر بن حم بن حفص النخشبي، حَدَّثَنا محمد بن أيوب القعنبيِّ، حَدَّثَنا أفلح بن حُميد، عن القاسم ابن محمد، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (: ((إنَّ خِياركم أَحْسنكم أخلاقا وألطفكم بأهله.)) . الحديث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 .. وقد ترجم الخطيب البغدادي لجعفر بن حم بن حفص، أبي محمد النخشبي في ((تاريخ بغداد)) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. ... وقال: ((قدم بغداد حاجاً، وحَدَّثَ بها، عن محمد بن أيوب الرازيِّ، روى عنه علي بن عمر السُّكَّرِيُّ - قَدِمَ علينا حاجاً سنة عشرين وثلاثمائة - حَدَّثَنا أبومحمد جعفر بن حم ... )) الحديث. ... ويلاحظ على إسناد هذا الحديث قوله: ((حَدَّثَنا محمد بن أيوب القعنبي، حَدَّثَنا أفلح بن حميد..)) . فإنَ محمد بن أيوب لم يُنْسَب بالقعنبيِّ وإنما بالرازي (1) ، هذه واحدة. ... والثانية: أن محمد بن أيوب الرازي لم يرو عن أفلح بن حميد، وإنَّما روى عن عبد الله بن مَسْلِمةَ القَعْنَبِيِّ، وروى القعنبيُّ عن أفلح بن حُميد. (2) وعلى هذا فيحتمل أن يكون قد سقط من ((تاريخ بغداد)) : ((عن)) القَعْنَبِيِّ. وهذا إسنادٌ جيدٌ إن سَلِمَ جعفر بن محمد بن حم من الوهم، أو من الجرح. 5) - عن عُمَيْرِ بنِ قَتَادَةَ اللَّيْثيّ (، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يارَسُولَ اللهِ أَيُّ الصَلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((طُولُ القُنوتِ)) . قَالَ: أَيُّ الصَدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((جُهْدُ المُقِلِّ)) . قَالَ: أَيُّ المُؤْمِنينَ أَكْمَلُ؟ قَالَ: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) . التَّخْريج: أخرجه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) : (2/173-174) ، برقم: (911) ، قال: (حَدَّثَنا حوثرة بن الأشرس سويد أبو حاتم صاحب الطعام، عن عبد الله ابن عبيد بن عُمَير الليثي، عن أبيه، عن جده.) الحديث. ... وأخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) : (7/425-426) ، برقم: (1083) ، و7/122، برقم: (09712) ، من طريق سويد أبي حاتم، يهذا الإسناد. ... وأخرجه البيهقي أيضاً في ((شعب الإيمان)) : 7/123، برقم: (9713) ، من طريق عبد الله بن عبيد بن عُمَير، عن أبيه، عن النبي (، مرسلاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 .. وأخرجه الخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (16) ، قال: حَدَّثَنا عبد الله بن أحمد الدَّورَقِيُّ، ثنا أبو سلمة المِنْقَرِيُّ، ثنا سويد أبو حاتم صاحب الطعام، بهذا الإسناد. ... وأخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) :17، برقم: (103) ، قالَ: حَدَّثَنا عبدُالله ابنُ أحمدَ، وجعفَرُ بنُ مُحمدٍ الفِرْيابيُّ والحُسينُ بنُ إسحاقَ التُّسْتَريُ، قالوا: ثنا حَوْثَرَةُ بنُ أَشْرَسٍ، ثنا سويد أبوحاتم صاحب الطعام، بهذا الإسناد. ... وأخرجه أبونعيم في ((الحلية)) :3/357 من طريق حوثرة بن أشرس، أخبرني سويد أبو حاتم، بهذا الإسناد. ... قال أبونعيم: ((هذا حديث تفرد به سويد، موصولاً عن عبد الله، ورواه صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عبد الله، عن أبيه، من دون جده.)) . ... قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) :1/158 (رواه الطبراني في ((الأوسط)) ، وفيه سويد أبوحاتم اختلف في ثقته وضعفه) . ... قلت: مدار هذا الحديث على ((سويد بن إبراهيم الجحدري، أبوحاتم الحنَّاط، البصري، ويقال له صاحب الطعام، صدوق سيء الحفظ له أغلاط، وقد أفحش ابن حِبَّان فيه القول، مات سنة سبع وستين ومائتين. بخ)) ، التقريب: 260. ... وذكر هـ ابن عدي في ((الكامل)) : ((3/1257-1259) ، وساق له عدة أحايث، وقال: ((..ولسويد غير ماذكرت من الحديث عن قتادة، وعن غيره، بعضها مسقيمة، وبعضها لايتابعه أحدٌ عليها، وإنما يخلط على قتادة، ويأتي بأحاديث عنه لايأتي به أحدٌ عنه غيره، وهو إلى الضعف أقرب)) . ... قلت: الحديث هنا عن غير قتادة، كما أنَّ الحديث له شواهد كثيرة يتقوى بها. ... وللحديث علَّة أخرى، وهي رواية ((عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، عن أبيه، عن جده.)) . ... فقد ذكر البُخَارِيّ في ((التاريخ الكبير)) : 5/455، عن ابن جُرَيْج، أن عبد الله- مات سنة ثلاث عشرة ومائة- لم يسمع من أبيه شيئاًولايذكره)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 .. قال ابن قُطْلُوبُغا: ((وعندي في ذلك نظر، فقد حَدَّثَ عمَّن مات قبل أبيه.)) (1) . ... قلت: روى عن عائشة، ماتت سنة سبع وخمسين، وابن عباس مات ثمان وستين ... وقد ولد أبوه عبيد بن عمير بن قتادة في زمن النبي (، وقيل: رأى النبي (.. ومات قبل ابن عمر، وتوفي ابن عمرسنة ثلاث وسبعين في آخرها أو أول التي تليها. (2) ... وقال الحافظ ابن حَجَرٍ: ((روى أبو يعلى في مسنده من طريق عبد الله بن عبيد ابن عمير الليثي، عن أبيه، قال: أتيت إلى عمر (وهو يعطي النَّاس، فقلت: يابن الخطاب، أعطني فإنَّ أبي استشهد مع النبيِّ (. فأقبل إليَّ وضمَّني إليه ثمَّ قال ... فذكر قصة..)) قال ابن حَجَرٍ: ((فإن صح هذا فحديث عبيد بن عُمير، عن أبيه مرسل.)) . (3) ... وأخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) : 17 (105) ، من طريق بكر بن خُنيْس، عن أبي بدر، عن عبدِاللَّه بنِ عُبيد بن عُمير، به، قال الطبراني: ((أبو بدر هو عندي بشَّار ابن الحكم، صاحب ثابت البُناني.)) . قلت: وبشَّار بن الحكم الضَّبِيّ: ضعيف كما في ((لسان الميزان)) : 2/16. وأخرجه أيضاً أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) : 3 /357 من طريق بكر بن خُنَيْسٍ، عن عبد الله ابن أبي بدر، عن عبد الله بن عبيد ابن عمير عن أبيه، عن جده، في حديث جاء فيه: قلت: يارسول الله مالإيمان؟ قال: ((السماحةُ والصبر.)) ، قلت: فأيُّ المؤمنين أفضلُ إيماناً؟ قال: ((أحسنُهُمْ خُلُقَاً)) الحديث. ... وقال أبو نعيم: ((غريب من حديث عبد الله بن عمير لم نكتبه بهذا التمام إلاَّ من هذا الوجه.)) . قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 5/23 ((وفيه بكر بن خُنَيس وهو ضعيف.)) . 6) - عن جابر بن عبد الله (قالَ: قَالَ رسُولُ الله (: ((أكْمَلُ المُؤْمنينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 التَّخْريج: أخرجه البزار كما في ((كشف الأستار)) :1/27، برقم: (34) ، قال: ((حَدَّثَنا إبراهيم بنُ سعيدٍ الجوهريُّ، ثنا معلَّى بن منصور، ثنا أبو أيوبُ، عن محمد بنِ المُنْكَدرِ، عن جابرٍ.)) الحديث. ... قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 1/58 ((رواه البزار، وفيه أبو أيوب، عن محمد ابن المنكدر، ولاأعرفه.)) . ... قلت: أبو أيوب الراوي عن محمد بن المنكدر هو ((سليمان بن بلال التَّيميُّ، مولاهم، أبو محمد، وأبو أيوب، المدني قال ابن حَجَرٍ: ثقة، مات سنة سبع وسبعين ومائة. ع.)) . (1) ... ترجمته في: تهذيب الكمال: 11/372، تهذيب التهذيب: 4/304، التقريب:250. ... وأخرجه الطبراني في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (6) قال: ثنا عَمْرو (2) بن حفص السَّدوسيُّ، ثنا عاصم بن عليٍّ ثنا أبو معشَرٍ، عن محمد بن المنكدرِ، عن جابرٍ، قال: قال رسولُ الله (: ((ألا أُخبرُكُمْ بخِيارِكُمْ؟ قالوا: بلى. قال: أحْسنُكُمْ أخلاقَاً.)) . ... وهذا إسناد فيه (عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب الواسطي.. صدوق، ربما وهم، مات سنة إحدى وعشرين ومائتين. خ ت ق) . التقريب:286. ... وفيه (نجيح بن عبد الرحمن السندي، المدني، أبو مَعْشر، مشهور بكنيته، ضعيف، أسنَّ واختلط، مات سنة سبعين ومائة. 4.) التقريب:559. ... وأخرجه ابن أبي شَيْيَةَ في ((الإيمان)) :14، برقم: (43) ، قال: حَدَّثَنا حسين بن عليٍّ، عن زائدةَ، عن هشامٍ، عن الحسنِ، عن جابرِ بن عبد الله أنه قال: قيل يارسول الله، أيُّ الإيمان أفضل؟ قالَ: ((الصَبْرُ والسَّماحةُ)) ، قيلَ: فَأَيُّ المؤمنينَ أَكْمَلْ، قَالَ: ((أحسنُهُمْ خُلُقَاً.)) . ... ومن طريق أبي بكر بن أبي شَيْيَةَ أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) : 7/122، برقم: (9710) . هذا إسناد رجاله ثقات، ولاضرر من عنعنة الحسن البصري، عن جابرٍ، فإنَّ الحسن البصريَّ يروي عن جابرٍ، إمَّا سَماع وإمَّا وجادة. (3) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 قال ابن حَجَرٍ في ((المطالب العالية)) ، برقم: (3122) : ((إسناده حسن)) . قلت: تحسين الحافظ ابن حجر على مذهب مَن يرى جواز الرواية بالوجادة، وبالتالي لا تضر عنعنة الحسن البصري. ... وأخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) :7/426، برقم: (10838) ، من طريق إبراهيم بن أدهم، عن هشام بن حسَّان عن الحسن، قال: قال رسولُ اللهِ (، الحديث. ... قلت: رجاله ثقات غير أنَّه مرسل. وأخرجه وكيع في ((الزهد)) : 3/728، برقم: (420) عن مبارك، وربيع، عن الحسن، قال: قال رسول الله (: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً.)) . ... وهذا إسناد فيه مبارك بن فضالة صدوق، يرسل، ويدلس. ... والربيع بن صبيح، صدوق سيىء الحفظ. كما في ترجمتهما في ((التقريب)) . ... وأخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) : 7/122، يرقم: (9709) ، موقوفاً على الحسن. وفي إسناده: عبد الله بن الجرَّاح بن سعيد، وثقه النَّسائي، وابن حِبَّان، وقال: مستقيم الحديث، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال أبو حاتم: كثير الخطأ ومحله الصِّدقُ. وروى عنه. كما في: ((تهذيب الكمال)) . 7) - عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (( (أَكْمَلُ المُؤْمِنينَ إِيماناً أَحَاسِنُهُمْ أَخْلاقَاً الموطؤونَ أكْنافاً، الَّذينَ يَأْلِفونَ وَيُؤْلَفونْ، وَلاخَيرَ فيمَنْ لا يأْلَف ولايُؤْلَفْ.)) . التَّخْريج: أخرجه الطبراني في ((المعجم الصَّغير)) : 2/118، قال: (حَدَّثَنا ابن أبي داود، حَدَّثَنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، حَدَّثَنا يعقوب بن أبي عبَّاد القلزميُّ، حَدَّثَنا محمد بن عُيَيْنةَ، عن محمد ابن عَمْرو بن علقمة، عن أبي سَلَمَةَ بنِ عبدِالرَّحمن، عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ (، قال: قال رسولُ الله (.) الحديث. ... قال الطبراني: ((لم يروه عن محمد بن عيينة أخي سفيان إلاَّ يعقوب.)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 .. ويعقوب ابن أبي عباد هو ((يعقوب بن إسحاق ابن أبي عبَّاد العبديُّ المكيُّ البصريُّ، ثمَّ القَلْزُمِيُّ، بصريٌّ، أقام بمكة مدة، وقدم مصر، وكان بالقَلْزُم -بين مصر ومكة، وهي من بلاد مصر- وسكنها، فنسب إليها، حَدَّثَ، وكان ثقة وبالقَلْزُم كانت وفاته، نحو سنة عشرين ومائتين.)) (1) ، قال الشيخ الألباني: ((فثبت الإسناد، والحمد لله.)) (2) . 8) - عن أبي ذَرٍّ (، قالَ: قُلتُ: ((يارسولَ اللهِ أَيُّ المُؤْمنينَ أكْمَل إِيمانَاً؟ قالَ: أَحْسَنَهُمْ خُلُقَاً.)) . التَّخْريج: أخرجه الخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (12) ، قال: (حَدَّثَنا عليُّ ابنُ داودَ القَنْطَريُّ، ثنا سعيدُ بنُ سابقٍ الرَّشيديُّ، ثنا بشرُ ابنُ خَيثمةَ، عن إسماعيل بن أبي زيادٍ، عن أبي سُليمانَ الفِلَسطينيِّ، عن القاسمِ بنِ أبي بكرٍ، عن أبي إدريس الخولانيِّ، عن أبي ذَرٍّ..) الحديث. ... وهذا إسنادٌ مُظلمٌ فيه ((إسماعيل بن زياد، أو ابن أبي زياد، الكوفيّ، قاضي الموصل، متروك كذَّبوه، من الثامنة. ق)) التقريب:107. ... وأخرجه ابن حِبَّان في: ((صحيحه)) ، كما في: ((الإحسان)) : (2/76-79) ، برقم: (361) ، قال: (أخبرنا الحسن بن سفيان الفلسطيني، والحسن بن عبد الله القطان بالرقة، وابن قتيبة، واللفظ للحسن، قالوا: حَدَّثَنا إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، قال: حَدَّثَني أبي، عن جدي، عن أبي إدريس الخولانيِّ، عن أبي ذرٍّ.) ، وذَكَرَ حديثاً طويلاً وفيه: (قال: قلت: يارسول الله، فَأَيُّ المؤمنين أكملُ إيماناً؟ ... قالَ: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) (3) ، وأورده ابن حِبَّان في ((المجروحين)) : (3/129-130) ، في ترجمة (يحيى بن سعيد الشهيد) . ... وهذا إسنادٌ فيه: إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني الدمشقي، قال أبو حاتمٍ: كذاب، وكذبه أبو زُرعةَ، وهو صاحب حديث أبي ذرٍّ الطويل انفرد به، عن أبيه، عن جده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 .. قال الطبراني: لم يرو هذا عن يحيى إلاّ ولدُه وهم ثقات، وذكره ابن حِبَّان في الثقات، وغيره، وأخرج حديثه في الأنواع وقال الذهبي: أحد المتروكين الذين مشَّاهم ابن حِبَّان فلم يُصِب مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين. (1) ... وأخرجه بطوله أبو نُعيم في ((حلية الأولياء)) : (1/166-168) من طريق جعفر الفريابي، وأحمد بن أنس بن مالك عن إبراهيم بن هشام، بهذا الإسناد. ... وأخرج بعض ألفاظه الطبراني في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (1) ، وفي ((المعجم الكبير)) : (2/157158) برقم: (1651) ، تحت باب ((ومن غرائب مسند أبي ذرٍّ رحمه الله)) ، قال الطبراني: حَدَّثَنا أحمد ابن أنس بن مالك الدمشقيّ المقرىء، ثنا إبراهيم بن هشام ابن يحيى، بهذا الإسناد. ... قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 4/216 ((رواه الطبراني، وفيه إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، وثقه ابن حِبَّان، وضعفه أبو حاتم، وأبو زُرْعَة.)) . ... وأخرجه القضاعي في: ((مسندالشهاب)) : 1/378، برقم: (651) ، و: (1/431-432) ، برقم (740) ، و: 2/39 برقم: (837) ، من طريق جعفر بن محمدالفريابي، عن إبراهيم بن هشام، به. ... وأخرجه ابن ماجه في ((السنن)) : 2/1410، في الزهد، باب الورع والتقوى، برقم: (4218) ، قال: (حَدَّثَنا عبد الله بن محمد بن رُمحٍ، ثنا عبد الله بن وهب، عن الماضي ابن محمد، عن علي بن سليمان، عن القاسم بن محمد، عن أبي إدريسَ الخولانيِّ، عن أبي ذرٍّ، قال: قال رسولُ اللهِ (: ((لاعقلَ كالتّدَبيرِ، وَلاوَرَعَ كَالْكَفِّ، وَلاحسَبَ كَحُسْنِ الخُلُقِ.)) . ... قال البوصيري: ((في إسناده القاسم بن محمد المصري، وهو ضعيف.)) (2) . ... وأخرجه ابن عدي في ((الكامل)) : 7/2699 من طريق يحيى ابن سعد (3) الكوفي البصري السعدي، ثنا ابن جريج عن عطاء، عن عبيد ابن عُمير، عن أبي ذرٍّ. ... وأخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) :1/168، والبيهقي في ((السنن)) : 9/4 من طريق يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 .. وأورده ابن حِبَّان في ((المجروحين)) : (3/129-130) في ترجمة يحيى بن سعيد، وقال: ((شيخ يروي عن ابن جريج المقلوبات، وعن غيره من الثقات الملزقات، لايحل الاحتجاج به إذا انفرد ... )) . ... وقال ابن عدي في ((الكامل)) : 7/2699 ((.. وروى هذا الحديث الحسن بن إبراهيم البياضي، ومحمد بن غالب تمتام قالا: ثنا يحيى بن سعد السعدي، عن ابن جريج، عن عطاء، فذكر هذا الحديث بإسناده، وقولهما: يحيى بن سعد، هو الصواب. ... وهذا حديث منكر من هذا الطريق عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذرٍّ. ... وهذا الحديث ليس له من الطرق إلاّ من رواية أبي إدريس الخولاني، والقاسم بن محمد، عن أبي ذرٍّ، والثالث حديث ابن جريج، وهذا أنكر الروايات. ويحيى بن سعد هذا يعرف بهذا الحديث.)) . ... وأخرجه أحمد في ((المسند)) : (5/178و179) ، والنسائي في الاستعاذة في ((السنن الكبرى)) ، كما في ((تحفة الأشراف)) : 9/180، والبزار، كما في ((كشف الأستار)) : (1/93-94) ، برقم: (160) ، من طريق المسعودي عن أبي عمر الشامي، عن عبيد بن الخشخاش - بمعجمات، وقيل بمهملات - عن أبي ذرٍّ. ... قال البزار: (لم أره بتمامه. وعند النسائي طرف منه.) . ... وقال أيضاً: (لانعلمه بهذا اللفظ، إلاّ عن أبي ذر، ولانعلم روى عنه عبيد إلاّ هذا.) . ... وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 1/160: (فيه المسعودي، وهو ثقة، لكنه اختلط.) . ... قلت: هذا إسناد ضعيف فيه المسعودي، هو (عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفيُّ، المسعوديُّ صدوق، اختلط قبل موته، وضابطه: أنَّ من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، مات سنة ستين، وقيل سنة خمس وستين. خت 4.) التقريب: 344. و (أبو عمر الدمشقي، وقيل: أبو عَمْرو، قال الدارقطني: متروك، وقال ابن حَجَرٍ: ضعيف، من السادسة. س.) تهذيب التهذيب: 12/175، التقريب: 660. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 .. و (عبيد بن الخَشْخَاش: قال البُخَارِيّ: لم يذكر سماعاً من أبي ذرٍّ، وقال الدارقُطْنِيُّ: متروك، وذكره ابن حِبَّان في الثقات وقال ابن حَجَرٍ: ليِّن من الثالثة. س) . ترحمته في: تهذيب التهذيب: 7/64، التقريب: 376. 9) - عن عَمْرو بنِ عَبْسَةَ (، قال: قُلتُ: يارسولَ اللهِ أَيُّ الإيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((خُلُقٌ حَسنٌ.)) . ... التخريج: أخرجه الخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (13) ، قال: (حَدَّثَنا أبو الفضل أحمدُ بنُ عِصمةَ النَّيْسابوريُّ ثنا أسحاقُ بنُ راهوية، ثنا يَعلى ابنُ عُبيدٍ، ثنا الحجاجُ ابنُ دينارٍ، عن محمدِ بنِ ذَكْوانَ، عن شهرِ بنِ حَوشَبٍ عن عَمْرو بنِ عبْسَةَ.) الحديث. ... هذا إسناد فيه أحمد بن عصمة النيسابوري أبو الفضل شيخ الخَرَائِطِيّ قال الذهبي: متهم هالك، روى خبراً موضوعاً هو آفته. وقال ابن حَجَرٍ: روى عنه الخَرَائِطِيّ في كتاب ((مكارم الأخلاق)) حديثاً منكراً. (1) ... وفيه (محمد بن ذكوان البصري، الأزدي الجهضمي مولاهم: ضعيف، من السابعة. ق.) التقريب:477. ... وفيه (شهر بن حَوْشَب الأشعري الشامي، صدوق كثير الإرسال، والأوهام، مات سنة اثنتي عشرة ومائة. بخ م4.) التقريب:269. ... وأخرج أحمد في ((المسند)) : 4/385 عن ابن نُميرٍ، ثنا حَجَّاج -يعني ابن دينار، عن محمد بن ذكوان عن شهر بن حوشب، عن عَمْرو ابن عبسة، قال: أتيت النبيَّ (، فقلت: يارسولَ الله مَنْ تَبِعَكَ على هذا الأمْرِ؟ ... قالَ: ((حُرٌّ وَعَبْدٌ)) ... الحديث، وجاء فيه: قلتُ: أيُّ الإيمان أَفْضَلُ؟ قال: ((خُلُقٌ حَسَنٌ)) ..وفيه: قلتُ: فأيُّ الجهادِ أفضلُ؟ قال: ((مَنْ عُقِر جَوادُهُ، وأُهْريِقَ دَمُهُ.)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 .. وأخرج، ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شَيْيَةَ، ثنا يعلى بن عُبيدٍ، ثنا حجَّاج بن دينار، عن محمد بن ذَكوانَ، عن شَهْرِ بنِ حوشب، عن عَمْرو بن عبسةَ، قال: أتيتُ النَّبِيَّ (، فقلت: يارسول الله، أيُّ الجهادِ أفضلُ؟ قال: ((مَنْ أُهْريقَ دَمُهُ، وَعُقِرَ جَوادُهُ.)) . (1) ... وفي الزوائد: إسناده ضعيف، لضعف محمد بن ذكوان، وذكره الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : (1/60-61) وقال: (رواه الطبراني، في الكبير، وفيه شهر بن حوشب.) . ... وأخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) : 6/242، برقم: (8014، و8015) ، من طريق الحجاج بن دينار، به. 10) - عن عبد الله بن عمر (: قال: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ (، فَجاءَهُ رَجلٌ مِنَ الأنصَارِ فَسَلَّمَ على النَّبِيِّ (، ثُمَّ قالَ: يارَسولَ اللهِ أيُّ المؤْمِنينَ أفضَلُ؟ قالَ: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) قالَ: فايُّ المؤمنيَن أَكْيَسُ؟ قالَ: ((أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْراً، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْداداً، اُولئِكَ الأَكْياسُ.)) . ... التخريج: أخرجه ابن ماجه: 2/1423 في الزهد، باب ذِكر الموت والاستعداد له، برقم: (4259) قال: حَدَّثَنا الزبير بن بكَّار، ثنا أنس بن عياض، ثنا نافع بن عبد الله، عن فَرْوةَ بن قيس، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر، الحديث. ... وهذا إسناد فيه ((نافع بن عبد الله، أو ابن كثير، مجهول من السابعة. ق.)) التقريب: 558. ... و (فروة بن قيس، حجازي، مجهول، من السابعة. ق.) التقريب: 445. ... وفي الزوائد: (فروة بن قيس مجهول، وكذلك الراوي عنه، وخبره باطل، قاله الذهبي.) (2) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 .. وأخرجه: البزار كما في ((كشف الأستار)) : (2/268-269) ، برقم: (1676) ، والحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) (4/540-541) ، من طريق أبي الجماهر محمد ابن عثمان الدمشقيِّ، حَدَّثَني الهيثم ابن حُمَيدٍ أخبرني أبو مَعْبَدٍ حفص بن غيلان، عن عطاء ابن أبي رباح، قال: كنت مع عبد الله بن عمر ... الحديث. ... قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.)) ، وقال الذهبي: ((صحيح)) . ... وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 5/317 ((روى ابن ماجه بعضه، رواه البزار، ورجاله ثقات.)) . ... وأخرجه ابن حِبَّان في ((المجروحين)) : 2/67 في ترجمة (عبيد الله ابن سعيد بن كثير) ، وقال: (يروي عن أبيه، عن الثقات الأشياء المقلوبات، لايُشبه حديثه حديث الثقات. ... روى عن أبيه، عن مالك بن أنسٍ، عن عمِّهِ أبي سُهيل بن مالك، عن عطاء بن رباح، عن ابن عمر قال رجلٌ: يارسول اللهِ أيُّ المُسْلِمينَ أفضل؟ قال: أحسنهم خلقاً ..... )) فذكر حديثاً طويلاً، ليس من حديث مالكٍ، ولا من حديث أبي سُهيلٍ ولا من حديث ابن عمر .... ) . ... وأخرجه البيهقيُّ في ((الزهد الكبير)) : (الورقة:52ب) ، من طرق عبيد الله بن سعيد بن كثير، بهذا الإسناد. ... وأخرجه الطبراني في ((المعجم الصغير)) : (209) ، وفيه مُعلَّى الكندي ذكره البُخَارِيّ في ((التاريخ الكبير)) : 7/394 وقال: (عن محمد ابن عبد الرحمن، روى عنه الأعمش، يعد في الكوفيين، منقطع.) ، وذكره ابن أبي حاتم في: ((الجرح والتعديل)) : 8/330، ولم يذكر فيه جرحاً ولاتعديلاً، وذكره ابن حِبَّان في ((الثقات)) : 7/492. ... وقال الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) :10/309 ((رواه الطبراني في الصغير وإسناده حسن.)) . ... وأخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) : 8/333، من طريق جعفر الفريابي، ثنا سليمان بن عبد الرحمن، ثنا خالد بن يزيد، عن أبيه، عن عطاء بن أبي رباح، به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 11- عن جابر بن سَمُرَةَ (، قال: كُنْتُ في مَجْلِسٍ فيه النَّبيٌّ (، قال: وأبي سَمُرَةُ جَالٍسٌ أمامي فقال رسولُ اللهِ (( (إِنَّ الفُحشَ والتَّفَحُشَ لَيْسا مِن الإسلامِ، وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسلاماً أحْسَنُهُمُ إِسلاماً.)) . التَّخْريج: أخرجه أحمد في ((المسند)) : 5/89، وعبد الله ابنه في زوائده على ((المسند)) : 5/89 قال عبد الله: (حَدَّثَني أبي ثنا عبد الله بن محمد، وسمعته أنا من عبد الله ابن محمد، ثنا أبو أسامة، عن زكريا بن سِياه أبي يحيى، عن عمران بن رباح عن عليِّ بن عمارة، عن جابر بن سمرة. الحديث. ... وأخرجه ابن أبي الدنيا في ((الصمت)) ، برقم: (239) ، حدثنا الحسن بن الصبَّاح، حدثنا أبو أسامة، عن زكريا بن سِياه به. ... وعزاه الحافظ العراقي في تخريجه لأحاديث ((الإحياء)) : 3/166 إلى أحمد، وابن أبي الدنيا في الصمت، وقال: ((إسناده صحيح)) . ... وأخرجه ابن أبي شَيْيَةَ في ((المُصَنَّف)) : 8/514، ومن طريقه ... أخرجه عبد الله في زائده على ((المسند)) :5/99، وأبو يعلى في ((المسند)) : 13/458، برقم: (7468) ، والطبراني في ((المعجم الكبير)) : 2، برقم: (2072) . ... وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على ((المسند)) : 2/99 من طريق عبد الله ابن محمد بن نمير، ويوسف الصفار مولى بني أمية. ... وأخرجه البُخَارِيّ في ((التاريخ الكبير)) : 6/291 من طريق عبد الله العبسيِّ، جميعهم حَدَّثَنا أبو أسامة، به. ... وذكره الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 8/25 وقال: ((رواه الطبراني، واللفظ له، وأحمد، وابنه، وقال: .... ، وأبو يعلى بنحوه ورجاله ثقات.)) . ... وهذا إسناد فيه: (أبو أسامة حمَّاد بن أسامة القرشي، مولاهم الكوفيّ، مشهور بكنيته، قال ابن حَجَرٍ: ثقة، ثبتٌ، ربما دلَّسَ، وكان بأَخَرَةٍ يُحَدِّثَ من كتب غيره، مات سنة إحدىومائتين. ع) التقريب:177 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 .. قلت: إنَّ من اتهم أبا أسامة بتتبع كتب الرواة ونسخها، وأنَّه كان من أسرق الناس لحديث جبير هو سفيان بن وكيع (1) اتهمه أبو زُرعة بالكذب، وكان يتلقن، ويحَدَّثَ بأحاديث ليست من حديثه، وكان له ورَّاق سوء، أدخل عليه كثيراً ممَّا ليس من حديثه، ونُصح فلم ينتصح، فاستحق الترك. ... وقد أورد الذهبي رحمه الله كلام سفيان بن وكيع في أبي أسامة، في ((ميزان الاعتدال)) (2) ثم قال: ((أبو أسامة لم أورده لشىء فيه، ولكن ليُعْرَفَ أنَّ هذا القول باطل، قد روى عنه أحمد، وعليّ، وابن معين، وابن راهويه، وقال أحمد: ثقة، من أعلم الناس بأمور الناس وأخبارهم بالكوفة، وما كان رواه عن هشام، وما كان أثبته، لا يكاد يخطئ.)) . ... وقال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (3) : ((كان ثقة، مأموناً، كثير الحديث، يُدَلِّسُ ويبيِّنُ تدليسه.)) . ... لذا لم يذكره أحدٌ في المدلِّسين (4) سوى ابن حَجَرٍ في التقريب. ... وفيه: (عمران بن مُسْلِم بن رِياح، بكسر الراء، بعدها تحتانية، الثقفيُّ الكوفيُّ، وقد ينسب إلى جدِّهِ، مقبول، من السادسة. بخ.) ، التقريب:430 وفيه: علي بن عمارة ذكره البُخَارِيّ في ((التاريخ الكبير)) : 6/291، وابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) : 6/197، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، ووثقه ابن حِبَّان في ((الثقات)) : 5/163،والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 8/25. 12- عن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ رضي الله عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ (: ((إنَّ أَحَبَكُم إلَيَّ وأَقْرَبَكُم مِنِّي في الآخِرَةِ مَحَاسِنَكُم أخْلاَقَاً، وإنَّ أبغَضَكُم إلَيَّ وَاَبْعَدَكُم مِنِّي في الآخِرَةِ مَسَاوِئكم أخلاقَاً، الثَّرْثَارونَ المُتَفَيْهِقُونَ المُتَشَدِّقُونَ (5) .)) . أخرجهُ أحمد: في ((المسند)) : 1/193، قال: حدَّثنا محمد بنُ أبي عَدِيٍّ، عن داودَ، عن مَكحولٍ، عن أبي ثَعْلَبَةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 وهذا إسنادٌ رجالهُ رجال الصَّحيح، غير أنَّ مكحولاً الشَّاميّ لم يسمع من أبي ثعلبة الخُشَنِيِّ، وداود هو ابنُ أبي هند. وأخرجه ابنُ أبي شيبة في ((المصنَّف)) : 8/515، عن حفص بن غِياث، عن داود بن أبي هند. والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) : 1/22 برقم: (19) ، والبهيقيُّ في ((شعب الإيمان)) : 6/234، برقم: (7989) ، من طريق عليِّ بن عاصم، عن داود بن أبي هند، وعلي بن عاصم (صدوق يُخطئ وَيُصر، ورُمِيَ بالتَّشيُّع) ، كما في التقريب. وأخرجه الطبرانيُّ في ((الكبير)) : 22/ (588) ، وفي ((مسند الشَّاميين)) (3490) ، من طريق وهيب بن خالد، عن داود بن أبي هِند، عن مكحول، به. وأخرجه أحمد: في ((المسند)) : 4/194، عن يزيد بن هارون، وأبو نُعيم في ((حلية الأولياء)) : 3/97، و5/177 والبغوي في ((شرح السُّنَّة)) (3295) ، والبيهقي في ((شعب الإيمان) : 6/234، وفي ((السنن الكبرى)) : 10/193-194 من طرقٍ عن يزيد ابن هارون، عن داود بن أبي هند، عن مكحول، به وأخرجه ابن حِبَّان، كما في ((الإحسان)) : 2/231-232، من طريق حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند، عن مكحول، به وذكره الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) : 8/21، وقال: رواه أحمد، والطبرانيُّ، ورجاله رجال الصَّحيح.، ومثله قال المنذريُّ في ((الترغيب والتَّرهيب)) : 3/261. 13- عن ابنِ عباسٍ رضي اللَّهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلَّم: ((خِيَارُكُم أحاسِنُكُم أخلاقاً)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 التخريج: أخرجه عبد بن حميد في ((المسند)) ، برقم: (627) ، والخرائطيُّ في: ((مكارم الأخلاق)) : 1/25، برقم: (21) والحارث في ((مسنده)) : 1/314، من طريق طلحة ابن عمرو بن عثمان، عن ابن عباس. وطلحة ابن عمرو متروك، كما في ((التقريب)) . وأخرجه البيهقيُّ في ((شعب الإيمان)) : 6/234، من طريق زَمْعَة بن صالح، عن سلمة بن وَهران، عن عِكْرِمَةَ عن ابن عباسٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((خياركم أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤن أكنافاً، وإنَّ شراركم الثَّرثارونَ المتفيهقونَ المتشدِّقُونَ)) . وَزَمْعَةُ ابنُ الجَنَدِيُّ ضعيف، كما في ((التقريب)) . 14- عن أبي كَبْشَةَ رضي اللَّهُ عنهُ قال: سمِعْتُ رسولَ اللَّهِ (: ((خِيارُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ.)) . التخريج: أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) : 22 (854) ، وفي ((مسند الشَّاميين)) ، من طريق إسماعيل ابن عيَّاش ثنا عمر بن رُؤْبة، قال: سمعتُ أبا كَبْشَةَ يقول. وذكره الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) : 4/303، وقال: فيه عمر بن رؤبة وثقه ابنُ حِبان وغيره، وضعفه جماعة. وفي ((التقريب)) : صدوق. 15- عن عبدِاللَّه بنِ مسعودٍ رضي اللَّهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ (: ((ألا أُنبئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قالوا: بلى، قال: خِيارُكُم أَحاسِنُكُمْ أخلاقاً، أحسِبُهُ قال: المُوطَّؤنَ (1) أكْنَافَاً.)) . التخريج: أخرجه: البزار، كما في ((كشف الأستار)) : 2/405-406، برقم: (1969) من طريق صدقة بن موسى عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبدِاللَّهِ. قال البزار: لا نعلمه يُروى عن عبدِاللَّهِ إلاَّ بهذا الإسناد. وذكره الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) : 8/21، وقال: رواه الطبرانيُّ، والبزار، وفي إسنادهِ صدقة بن موسى، وهو ضعيف، وفي إسناد الطبراني عبد اللَّه الرَّماديّ ولم أعرفه. المبحث الثاني: شرح الحديث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 .. هذا الحديث النبوي الشريف من الأحاديث المتواترة، فقد ذكره كل من ألَّف في الأحاديث المتواترة، كالسيوطي، والكَّتَّاني وغيرهما، وهو يمثل جانباً مهماً من جوانب النظام الأخلاقي في الإسلام. ... والخُلُق بضمتين، لغة: الطبع والسَّجية (1) . ... واصطلاحاً: هو حالٌ للنفْس راسخةٌ تصدر عنها الأفعالُ من خيرٍ أو شرٍّ، من غير حاجةٍ إلى فكرٍ ورَويَّةٍ. (2) ... أهميَّة الأخلاق: تحتل الأخلاق في الإسلام منزلة عظيمة وذلك من وجوهٍ كثيرةٍ منها: أولاً: تعليل الرسالة بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارم الأخلاق، جاء في الحديث الشريف عن النَّبيِّ (: ((إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِمَ مكارمَ الأخلاقِ)) (3) . ثانياً: تعريف الدين بحُسنِ الخلقِ … ... كما ورد أنَّ رجلاً جاء إلى النَّبيِّ (فقال: يارسولَ الله مالدِّين؟ فقال الرسول (: ((حسن الخلق)) (4) . ... وهذا يعني أنَّ حسن الخلقِ ركن الإسلام العظيم الذي لا قيام للدين بدونه، كالوقوف في عرفات بالنسبة للحج، فقد جاء في الحديث الشريف ((الحج عرفة)) (5) أي أن ركن الحج العظيم الذي لايكون الحج إلاّ به الوقوف في عرفات. ثالثاً: من أكثر مايرجح كفة الحسنات يوم الحساب حسن الخلق، جاء في الحديث الشريف عن النبي (( (أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق)) . رابعاً: المؤمنون يتفاضلون في الإيمان، وأفضلهم فيه إيماناً أحسنهم أخلاقاً، جاء في الحديث: قيل: يارسول الله أيُّ المؤمنين أفضل إيماناً؟ قال: ((أحسنهم خلقاً)) . خامساً: إنَّ المؤمنين يتفاوتون في الظفر بحب رسول الله (وقربهم منه يوم القيامة، وأكثر المسلمين ظفراً بحب رسول الله (والقرب منه أولئك المؤمنون الذين حسنت أخلاقهم حتى صاروا فيها أحسن من غيرهم جاء في الحديث الشريف ((إنَّ أحبكم إليَّ وأقربكم مني مَجلساً يوم القيامةِ أحاسنكم أخلاقاً.)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 سادساً: أنَّ حسن الخلق أمر لازم وشرط لا بد منه للنجاة من النار والفوز بالجنان، وأن التفريط بهذا الشرط لايغني عنه حتى الصلاة والصيام، جاء في الحديث أنَّ بعض المسلمين قال لرسول الله (إنَّ فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيئة الخلق تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((لاخير فيها هي من أهل النار.)) (1) سابعاً: أنَّ النبي (كان يدعو ربه بأن يُحسن خلقه - وهو ذو الأخلاق الحسنة - وأن يهديه لأحسنها، فقد كان يقول في دعائه: ((اللهم حَسَّنْتَ خَلْقِي، فَحَسِّن خُلُقِي.)) (2) ، ويقول: ((اللهم اهدني لأحسن الأخلاق فإنه لايهدي لأحسنها إلاَّ أنت واصرف عني سيئها فإنه لايصرف سيئها إلاَّ أنت.)) (3) ، ومعلوم أن رسول الله (لايدعو إلاَّ بما يحبه الله ويقربه منه. ثامناً: مدح الله تعالى رسوله الكريم (بحسن الخلق، فقد جاء في القرءان الكريم {وَإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} (4) والله تعالى لايمدح رسوله إلاَّ بالشىء العظيم مما يدل إلى عظيم منزلة الأخلاق في الإسلام. تاسعاً: كثرة الآيات القرءانية المتعلقة بموضوع الأخلاق..فهي تشبه أمور العقيدة من جهة عناية القرءان بها في السور المكية والمدنية على حد سواء (5) . إنَّ الإسلام دين قام على توحيد الله تعالى وإخلاص العمل لوجهه الكريم، هذا وإنَّ العبادات التي شرعها الله تعالى واعتبرت أركاناً في الإسلام ليست شعائراً مبهمة من النوع الذي يربط الانسان بالغيوب المجهولة، ويكلفه بأداء أعمالٍ غامضة، وحركاتٍ لامعنى لها، إن الفرائض التي ألزم الإسلام بها المسلمين إنما هي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلاقٍ صحيحةٍ، وأن يظل مستمسكاً بهذه الأخلاق مهما تغيرت أمامه الظروف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 .. فالصلاة الواجبة عندما أمر الله بها أبان الحكمة من إقامتها فقال: {وأقِم الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ.} (1) . فالابعاد عن الرذائل والتطهير من سوء القول والعمل هو حقبقة الصلاة..والزكاة المفروضة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب، بل هي أولاً، غرس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات قال تعالى {خًذْ مِنْ أموالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (2) ، وكذلك شرع الإسلام الصَّوم فلم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من الأطعمة والأشربة، بل اعتبره خطوة لتعويد النفس على التخلص من شهواتها المحظورة ونزواتها المنكورة، ويذكرنا القرءان بثمرة الصوم بقوله {كُتِبَ عليكُمُ الصِّيامُ كما كُتُبَ على الذين من قبلِكُمْ لعلَّكُمْ تتَّقون} (3) ، وقد يحسبُ الانسان أنَّ السفرَ إلى البقاع المقدَّسةِ للحجِّ أو العمرةِ رحلة مجردة من المعاني الخلقيَّةِ، وهذا خطأٌ لأنَّ الله تعالى قال {الحجُّ أشهُرٌ معلوماتٌ، فَمَنْ فَرَضَ فيهِنَّ الحجَّ فَلا رَفَثَ، وَلا فُسُوقَ، ولاجِدالَ في الحَجِّ وما تفعلوا من خيرٍ يعلمهُ اللهُ، وتزودوا فإنَّ خيرَ الزادِ التَّقْوَى واتَّقُونِ يآأولي الأَلْبَاب} (4) . ... بهذا العرض المُجمَلِ لبعض العبادات التي اشتهر بها الإسلام وعُرِفت على أنها أركانه الأصلية نستبين منه متانة الأوامر التي تربط الدين بالخُلُقِ إنها عبادات مُتباينة في مظهرها، ولكنها تلتقي عند الغاية التي رسمها الرسول (في قوله: ((إنَّما بُعِثتُ لأُتممَ مكارمَ الأخلاق)) (5) ، فالصلاة والصيام والزكاة والحجّ، وما أشبه هذه الطاعات من تعاليم الإسلام هي المدارج للكمال المنشود، فإذا لم يستفد المرء منها مايزكي قلبه وينقي لُبَّه، ويهذب صلته باللهِ وبالناسٍ، فقد هوى (6) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 ولقد أوصى القرءانُ الكريم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بجملةٍ مِنَ الآداب بمثل قولهِ تعالى: {خُذْ بِالعَفْوِ وَأْمُر بالعُرفِ وأعرِض عن الجاهلينَ} (1) ، وقوله: {إنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وإيتاءِ ذي القُرْبَى وَيَنْهَى عَن الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ والبَغْي} (2) ، وقوله: {واصبر على ما أصابَكَ إنَّ ذلك مِن عزمِ الأمور} (3) ، وقوله: {وَلِمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزْمِ الأُمور} (4) ، وقوله: {فاعف عنهم واصفح إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحسنين} (5) ، وقوله: {وَليعفوا وليصفحوا ألا تُحبُّونَ أنْ يُغفر لكم} (6) ، وقوله: {ادفع بالتي هي أحسن فإذَا الذي بينَكَ وبينَهُ عَداوةٌ كأنَّهُ وَلِيٌّ حَميم} (7) ، وقولهُ: {والكاظمينَ الغَيظَ والعافينَ عنِ النَّاسِ واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسنين} (8) ، وقولهُ: {اجتنبوا كثيراً مِنَ الظنّ إنَّ بعض الظَّنِّ إثْمٌ ولا تَجسسوا ولا يَغْتَبْ بَعضُكُم بعضاً} (9) ، وقوله: {والعصر إنَّ الإنسانَ لَفي خُسْر إلاَّ الَّذينَ آمنوا وتواصوا بالحقِّ وتواصوا بالصَّبْر} (10) ، إنَّ أمثال هذهِ التَّوجيهات في القرءان الكريم والتي تدعوا إلى مكارم الأخلاق كثيرة، ولقد عَمِلَ بها رسولُ اللَّهِ (حتَّى وصفت عائشةُ أم المؤمنين رضي اللَّهُ عنها خُلُق رسول اللَّهِ (فقالت: ((كانَ خُلُقُهُ القرءان)) (11) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 ولقد كان (: أحلَم النَّاس، وأشجع النَّاسِ، وأعفّ النَّاس، لم تمس يده يد امرأة لا يملك رقمها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه، وكان أسخى النَّاس، لا يبيتُ عنده دينار ولا دِرهم وإن فضل منه شيء ولم يجد مَن يُعطيه وفجأه الليل لم يأوِ إلى منزلهِ حتَّى يتبرأ منهُ إلى مَن يَحتاج إليهِ، ولا يأخذ ممَّا آتاهُ اللَّه إلاَّ قوت عامه فقط مِن أيسرِ ما يجد مِنَ التَّمرِ والشَّعيرِ ويضع سائر ذلكَ في سبيلِ اللَّهِ تعالى، لا يُسأل شيئاً إلاَّ أعطاه، ثُمَّ يعودُ على قوت عامه فيؤثر منه حتى إنَّهُ رُبما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء، وكان يخصفُ النَّعل ويرقع الثَّوبَ ويخدم في مهنة أهلهِ، ويقطع اللحم معهنَّ، وكانَ أشدّ النَّاس حياء لا يثبت بصره في وجه أحد، ويجيبُ دعوة العبد والحُرّ، ويقبل الهدية ولو أنَّها جرعة لبن أو فخِذ أرنب ويُكافئ عليها ويأكلها ولا يأكل الصَّدقة، ولا يستكبر عن إجابة الأَمَة والمسكين، يغضب لربهِ ولا يغضب لنفسهِ، وينفد الحق وإن عاد عليهِ بالضَّرر أو على أصحابهِ، وعرض عليه الانتصار بالمشركينَ على المشركين وهو في قلة وحاجةٍ إلى إنسانٍ واحدٍ يزيده في عدد مَن معه فأبى وقال: ((أن لا أستنصرُ بمشركٍ)) ، ... وكان يعصبُ الحجر على بطنه مرَّة مِنَ الجوعِ ومرة يأكل ما حضره ولا يرد ما وجد ولا يتورع عن مطعمٍ حلال وإن وجد تمراً دون خبز أكله، وإن وجد شواء أكله، وإن وجد خبز بُرٍّ أو شعيرٍ أكله، وإن وجد حُلواً أو عسلاً أكله ... يجيب الوليمة، ويعود المرضى، ويَشهد الجنازة ويمشي وحده بين أعدائهِ بلا حارسٍ، أشد الناس تواضعاً وأسكنهم في غير كبرٍ، وأبلغهم في غير تطويلٍ، وأحسنهم بِشراً، لا يهولهُ شيء من أمور الدُّنيا..يحبُّ الطِّيبَ ويكره الرائحة الرديئة، ويُجالس الفقراء، ويواكل المساكين، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ويتألفُ أهل الشَّرف بالبر لهم، يصل ذوي رَحِمهُ مِن غير أن يؤثرهم على مَن هو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 أفضل منهم، لا يجفو على أحدٍ، يقبل معذرة المُعتذِر إليهِ، يمزح ولا يقولُ إلاَّ حقَّاً، يضحكُ مِن غير قَهقهة، يرى اللعب المُباحَ فلا يُنكرهُ، يُسابق أهلهُ، وترفع الأصوات عليه فيصبر ... (1) . ... هذا وإنَّ عناية الإسلام بالمرأة، ووصيته بحسن رعايتها، والإحسان إليها قد بلغ مرتبة عظيمة لم تصل إليها أرقى الأنظمة الأرضية التي تدَّعي أنها تحافظ على حقوق الانسان عامةً، والمرأة خاصةً، ولقد أوصى الله تعالى بالنساء خيراً فقال: {وَعاشِروهُنَّ بالمَعْروفِ} (2) . وعن أبي هريرة (قال: قال رسول الله (: ((استوصوا بالنِّساءِ خَيرأً.)) (3) ، وقال (: ((لايفْرِكْ مؤمِنٌ مؤمنةً إنْ كَرِهَ منها خُلُقَاً رَضِيَ منها آخَرَ)) ، أو قالَ: ((غَيْرَهُ)) . (4) ... وعن عمرو بن الأحوص الجُشَميِّ (أنه سمع رسول الله (يقول في حَجَّةِ الوداع: ((ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنَّما هُنَّ عَوَانٍ عِندَكُمْ ليس تملكون منهنَّ شيئاً غير ذلكَ، إلاَّ أن يأتين بفاحشةٍ مُبَيِّنَةٍ، فإن فعلنَ فأهجروهنَّ في المضاجعِ، واضربوهنَّ ضرباً غيرَ مُبَرِحٍ، فإن أطعنكُم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلاً، ألا إنَّ لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فحقُّكُمْ عليهنَّ ألاَّ يوطِئنَ فُرُشَكُم مَن تكرهونَ، ولايأْذَنَّ في بيوتِكمْ لمن تكرهون، ألا وحَقُهُنَّ عليكم أن تُحسنوا إليهِنَّ في كِسوتِهِنَّ وطعامهِنَّ.)) . (5) وعن معاوية ابن حَيدَةَ (قال: قلت: يارسول اللهِ ماحقُ زوجةِ أحدِنا عليهِ؟ قالَ: ((أنْ تُطْعِمَها إذا طَعِمْتَ وتكسوها إذا اكتَسيْتَ، ولاتضربِ الوجهَ، ولا تُقَبِّحْ، ولاتَهْجُرْ إلاَّ في البيتِ.)) . (6) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 .. إنَّ الحديث عن اهتمام الإسلام بالمرأة طويل، ولقد أفرد معظم من ألّفَ في السنن، والمصنَّفات الحديثيَّةِ، أبواباً في عشرة النساء وملاطفة البناتِ، والإحسان إليهنَّ والشفقةِ عليهنَّ، والوصية بالنساء، ولولا خشية الإطالة، والخروجِ عن أصل بحثي هذا المتضمن العناية بالصنعة الحديثيَّةِ، لأطلت واسترسلت في شرح هذا الحديث المبارك.. ولكني أكتفي بهذه الإشارات سائلاً العليَّ القديرَ أن يلهمني الصواب في القول والعمل، إنه هو السميع العليم، وصلى الله على سيدِنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم. • • • الخاتمة: ... مما سبق يتضح مايلي: * أهمية الأخلاق في حياة المسلم وأنَّ حُسن الأخلاق والمعاملة الطَّيِّيبة للآخرين دليل على سلامة عقيدة المسلم، وقوَّة إيمانه. * إنَّ النِّظام الأخلاقيّ في الإسلام مستمدٌ من كتاب اللَّهِ تعالى، وسُنَّةِ نبيه (، ولا يجوز للمسلمِ أن يقتبس الأخلاق والسلوكَ مِن مصادرَ أُخرى. * إنَّ المُصَنَّفات في مَجال التَّربية، والسّلوك عند المسلمين، ولا سيما المُحدِّثين منهم قد أخذت أنماطاً متعددة، فمنهم مَن صَنَّف في أخلاق النَّبيِّ (، ومنهم مَن صَنَّفَ في مكارم الأخلاق ومعاليها، ومنهم مَن ألَّفَ في مساوئ الأخلاق، ومنهم مَن صَنَّف في المحاسنِ والأضداد، وَمِنهم مَن صَنَّفَ في أخلاق الأتقياء والنَّجاة مِنَ الأشرار، ومنهم مَن كتبَ في أخلاقِ الملوك ومنهم مَن كَتَبَ في عِشرَة النِّساء، ومنهم مَن كتب عن خُلُقِ المُسْلِمِ، ناهيكَ عن كتبِ السُّلوكِ والآدابِ، والتَّرغيب والتَّرْهيبِ والتي لم يَخل منها عصر مِن العُصور. * عناية المحدثين بهذا الحديث حيث تعددت المصادر التي أخرجته. * تعدد طرق هذا الحديث، وأنّهُ قد بلغ مرتبة التواتر على اصطلاح بعض المُحَدِّثين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 * إنَّ دِراسة أسانيد هذا الحديث وطرقها والحُكم عليها يصلح أن يكون أنموذجاً يستفيد منهُ طلبة الحديث لدراسة فنّ التَّخريج ودراسة الأسانيد، والحُكم على الرُّواة. الحواشي والتعليقات (1) طبع بتحقيق بدر البدر، دار ابن حزم (1415-1944م) . (2) ضبطه وعلق عليه مشهور حسن محمود سلمان، دار عمَّار (1408هـ -1988م) . (3) انظر: التأنيس بشرح منظومة الذهبي في أهل التَّدْليس: 55، قصيدة المقدسي في المدلِّسين: 38، التبيين لأسماء المدلِّسين، لسبط ابن العجمي: 55، تعريف أهل التقديس لابن حجر: 106. (4) الثقات لابن حِبَّان: (7/386- 387) . (5) ميزان الاعتدال: 3/644. (6) انظر ترجمته ومصادرها في: تهذيب الكمال: (26/101- 108) ، تهذيب التهذيب: (9/341 - 342) . (7) هذا الحديث لم يُذكر في ((الإحسان في تقريب صحيح ابن حِبَّان)) للأمير علاء الدين ابن بَلْبان الفارسي المتوفى سنة 739، وهذه فائدة نافعة. (8) انظر: ((تحفة الأشراف)) :11/440، برقم: (16195) . (9) جامع التِّرْمِذِيّ:5/9 (10) التقريب: 304. (11) ميزان الاعتدال (2/425- 426) . (12) ص:65. (13) ص:39 (14) انظر: الكفاية:384، التمهيد:1/15، إرشاد الطالبين:1/205، تعريف أهل التقديس:11، فتح المغيث:1/169 تدريب الراوي:1/224، توضيح الأفكار:1/347، التدليس في الحديث: (206-207) . (15) الجرح والتعديل:2/58 (16) انظر: المراسيل:110، جامع التحصيل:257. (17) سير أعلام النبلاء:4/473. (18) تهذيب التهذيب:5/226 (19) جامع التحصيل:257، برقم:362 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 وقد وضح مُسْلِم قاعدته في مقدمة صحيحه فقال: (( ... أن القول الشائع عليه بين أهل العلم بالأخبار والروابات قديماً وحديثاً: أنَّ كل رجلٍ ثقة روى عن مثله حديثاً، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعاً كانا في عصرواحد وإن لم يأت في خبرٍ قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، فالروايةثابتة، والحجة بها لازمة إلاَّ أن يكون هنالك دلالة بيِّنة أنَّ هذا الراوي لم يلق مَن روى عنه، أو لم يسمع منه شيئاً، فأمَّا والأمر مبهم على الإمكان الذي فسَّرنا، فالرواية على السماع أبداً حتى تكون الدلالة التي بيَّنا .... )) صحيح مُسْلِم: (1/29-30) ، فمُسْلِم رحمه الله تعالى يشترط المعاصرة مع إمكان اللقاء أو السماع، دون التحقق من وقوعه.. مادام الراوي ثقة، ولايُعرف أنه مدلس. ... واشترط بعض المحدِّثين ثبوت السماع أو اللقاء في الجملة لا في كل حديث: منهم أبو عبد الله البُخَارِيّ، وعلي بن المديني، وغيرهما. قال ابنُ رُشَيْدٍ: ((وهو الصحيح من مذاهب المحدثين الذي يعضده النظر، فلا يحُمل منه على الاتصال إلا ماكان بين متعاصِرَين يُعلم أنهما قد التقيا من دهرهما مرة فصاعداً، ومالم يعرف ذلك فلا تقوم الحجة منه إلا بما شُهد له لفظ السماع أو التحديث، أو ماأشبههما من الألفاظ الصريحة إذا أخبر بها العدل عن العدل .... )) السنن الأبين: (31-32) ، وانظر: معرفة علوم الحديث:34، والكفاية:291، والتمهيد: (1/12-13) ، وعلوم الحديث لابن الصلاح:152، والنكت على ابن الصلاح لابن حجر: 2/584 ... ولعلَّ صنيع مُسْلِم رحمه الله تعالى في إيراده حديث أبي قلابة عن عائشة مقروناً، وكذلك إيراده للحديث من طرق أخرى يؤكد فيها صحة الحديث، وصحة سماع أبي قلابة عن عائشة، رضي الله عنها. والله تعالى أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 (20) مُسْلِم: 2/958، في الحج، باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لايريد الذهاب بنفسه، واستحباب تقليده وفتل القلائد وأنَّ باعثه لايصير محرماً، ولايحرم عليه شيء بذلك: برقم: (363) ويلاحظ أنَّ الرواية هنا جعلها مُسْلِم من المتابعات، كما أنه قرن أبا قلابة مع القاسم، كما كرر الرواية عن الأسود، عن عائشة، مُسْلِم: (2/958-959) . (21) وهو ((الحافظ، المحدِّث، الثقة، أبو عبد الله، محمدُ بن أيوب بن يحيى بن ضُريس، البجليُّ الرازيُّ. توفِّي سنة أربعٍ وتسعين ومائتين بالرَّي.)) . ترجمته في: الجرح والتعديل: 7/198، سير أعلام النبلاء: 13/449، تذكرة الحفاظ: 2/643، شذرات الذهب: 2/216. (22) انظر ترجمة (أفلح بن حُميد بن نافع الأنصاري) في تهذيب الكمال:3/321 (23) من روى عن أبيه، عن جده: (354-355) . (24) ترجمته ومصادرها في: تهذيب الكمال: (19/223-225) . (25) تهذيب التهذيب: (8/148-149) . (26) جاء قي حاشية ((مجمع الزوائد)) :1/58 ((أبو أيوب هذا هو سليمان بن بلال مدني ثقة مشهور، والحديث صحيح)) . (27) كذا في الأصل، وصوابه ((عمر بن حفص)) ، كما ورد اسمه في عدد من الأحاديث في كتاب ((الدعاء)) للطبراني، وقال الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)) : (11/216-217) ((عمر بن حفص، أبو بكر السدوسيُّ.. كان ثقة.. مات سنة ثلاثٍ وتسعين - ومائتين -) . (28) (قال ابن أبي حاتمٍ: سألت أبي سمع الحسن من جابر؟ قال: ماأرى، ولكن هشام بن حسان يقول عن الحسن:ثنا جابر، وأنا أنكر هذا، إنما الحسن عن جابر كتاب، مع أنَّه أدرك == == جابراُ..) ، انظر: تهذيب التهذيب: 2/267، وهنالك عدد كبير من المحدثين أجازوا الوجادة، (وعن الشافعي، وطائفة من نُظَّار أصحابه جوازه، وقطع بعض المحقيقين من الشافعيين بوجوب العمل بها عند حصول الثقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 انظر: علوم الحديث، ومحاسن الاصطلاح: 292، المحدِّث الفاصل: (287، 500) ، معرفة علوم الحديث:110 فتح المغيث: 2/135، شرح الكوكب المنير:2/526، 527، جمع الجوامع:2/105، توثيق النصوص وضبطها عند المحدِّثين: (49-53) . (29) ترجمته في: الجرح: 4/203 قال ابن أبي حاتم ((محله الصدق، لابأس به.)) ، ثقات ابن حِبَّان: 9/285، الأنساب: (10/216- 217) (القَلْزُم) ، وعند ياقوت في معجم البلدان:4/156 (القُلْزُم) بضم القاف. (30) سلسلة الأحاديث الصحيحة: 2/389، برقم: 751. (31) ولعلَّ من المفيد أن يراجع نص الحديث ليتمكن الباحث من المقارنة بين ألفاظه في المصادر التي أخرجته، ونص الحديث: عن أبي ذرٍّ قال: ((دخلت المَسجدَ، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، جالسٌ وحدَهُ. قال: ((ياأبا ذَرٍّ إنَّ للمسجِدِ تحيَّةً، وإنَّ تحيتَهُ رَكعَتانِ فقُمْ فاركَعهُما)) . قال: فقمت، فركعتهما، ثم عُدتُ فجلست إليه، فقلت: يارسول الله، إنك أمرتني بالصلاةِ، فما الصلاةُ؟ قالَ: ((خيرُ موضوع، استكثر أو اسْتَقِلَّ)) قال: قلتُ: يارسولَ الله، أيُّ العملِ أفضلُ؟ قال: ((إيمانٌ بالله، وجهادٌ في سبيل اللهِ)) . قال: قلتُ: يارسول اللهِ، فأيُّ المؤمنينَ أكملُ إيماناً؟ قال: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً)) . انظر نص الحديث بطوله في ((الإحسان)) : (2/76-79) ، برقم: (361) . (32) ترجمته في الجرح والتعديل: (2/142- 143) ، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي:1/59، برقم: (133) ، ميزان الاعتدال: (1/72-73) ، و:4/378، لسان الميزان: (1/122-123) . (33) قلت: ذَكر الذَّهبيُّ في ((ميزان الاعتدال)) : 4/533 (أبو سُليمان الفِلِسْطينيُّ، عن القاسم بن محمد، وعنه إسماعيل بن أبي زياد) . قال البخاري: حديث طويل منكر في القصص. ... قلت: (رواه عنه الماضي بن محمد.) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 .. قلت: لم يذكر الحافظ المزي في ((تهذيب الكمال)) ، ولا الحافظ ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) ، أنَّ علي بن سليمان، يُكنى بأبي سليمان، ولم يذكروا أنَّهُ فلسطيني، وجاء في ترجمته: كما في ((تهذيب الكمال)) : 20/454 (يُقال: إنَّهُ دمشقيّ صار إلى مصر.) ، كما أنَّ أبا سليمان الفلسطيني، لم يذكر في رجال ابن ماجه، فلعله هو نفسه، أو أنَّه من المُتَّفق والمفترق. واللَّهُ تعالى أعلم. (34) في الكامل ((يحيى بن سعد)) وفي المجروحين ((يحيى بن سعيد)) ، وقال ابن حجرٍ: ((ورجح ابن عدي أنه ابن سعد وليس سعيد.)) لسان الميزان:6/257. (35) ترجمته في: ميزان الاعتدال: 1/119، لسان الميزان: (1/220-221) (36) ابن ماجه:2/934 في الجهاد، باب القتال في شسبيل الله سبحانه وتعالى، برقم: (2794) . (37) انظر: (الورقة:287ب) (38) انظر ترجمة سفيان بن وكيع في: ((تهذيب التهذيب)) : (4/123-125) . (39) 1/588، وانظر: تهذيب التهذيب:3/3 (40) طبقات ابن سعد:6/395 (41) انظر: ((التَّدْليس في الحديث)) للدكتور مسفر بن غرم الله الدميني: (259-260) . (42) وقوله: محاسنكم: قال السِّنديُّ: جمع مَحسن بفتح الميم، وهذا لأنَّ القرب بقدر المناسبة، وهو صلى الله عليه وسلم معلوم بحُسن الخُلُقٍ، فيكون القرب إليه بذلك، والبعد عنه بخلافه. وقوله: الثَّرثارون: هم الذين يُكثرون الكلام تكلفاً وخروجاً عن الحقِّ، والثرثرة: كثرة الكلام وترديده. وقوله: المتفيقهون: أي الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم، مِنَ الفَهْقِ: وهو الامتلاء والاتساع، بلا احتياط، قيل: أراد به المستهزئ بالنَّاسِ، وقيل: هم الذين يتكلمون مِلء أفواههم تفاصحاً وتعظيماً لنطقهم. وقوله: المتشدقون: هم المتوسعون في الكلام. انظر: النهاية لابن الأثير: 2/353 (شدق) ، و3/483 (فَهق) . (43) الموطَّؤنَ أكنافاً: هم الذينَ جوانبهم وطيئة مذللة يتمكن فيها مَن يُصاحبهم ولا يتأذى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 (44) المصباح المنير:1/189، مجمل اللغة:1/300، لسان العرب، مادة (خلق) ، المعجم الوسيط:1/252 (45) إحياء علوم الدين:3/46، التعريفات للجرجاني:101 (46) أخرجه مالك، برقم: (8) ، والبخاري في ((الأدب المفرد)) : (ص:4) ، والحاكم في ((المستدرك)) : 2/613 وصححه. من حديث أبي هريرة. (47) سيأتي تخريجه بالتفصيل، وكافة الأحاديث التي في هذه المقدمة والتي سيأتي تخريجها سوف لن أخرجها في هذا الموضع. (48) أخرجه أحمد: 4/309، والحميدي (899) ، والترمذي (889) و (890) ، وأبو داود (1949) ، والحاكم: 1/464 وصححه من حديث عبد الرحمن بن يعمر الدِّيْلِيِّ. (49) أخرجه البيهقي، والطبراني، من حديث أبي هريرة، كنز العمال: 9/186 (25615) . (50) أخرجه أبو يعلى في ((المسند)) : 1/243، و1/249، والطيالسي: 1/656، وأحمد: 1/403، وصححه ابن حبان، كما في الإحسان: 3/239 (959) ، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 10/173: رواه أحمد، وأبو يعلى، ورجالهما رجال الصحيح، غير عوسجة بن الرماح، وهو ثقة. (51) أخرجه أحمد: 1/102، من حديث عليٍّ رضي الله عنه. (52) سورة القلم، الآية: 4. (53) أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان: (81 -82) . (54) العنكبوت، الآية:45 (55) التوبة الآية:103 (56) البقرة الآية:183 (57) البقرة الآية: 197 (58) مسند أحمد:2/381، ومالك في ((الموطأ)) :2/902، وهو حسن بمجموع طرقه. (59) انظر مقدمة كتاب ((خلق المسلم)) للشيخ محمد الغزالي رحمه الله تبارك وتعالى. (60) سورة الأعراف الآية: 199. (61) سورة النحل الآية: 90. (62) سورة لقمان الآية: 17. (63) سورة الشورى الآية: 43. (64) سورة المائدة الآية: 13. (65) سورة النور الآية: 22. (66) سورة فصلت الآية: 34. (67) سورة آل عمران الآية: 134. (68) سورة الحجرات الآية: 12. (69) سورة العصر الآية: (1-3) . (70) أخرجه مسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 (71) إحياء علوم الدين: 2/389-393، وقد قام الإمام العراقي رحمه الله تعالى بتخريج هذه الأحاديث والحكم عليها، ولا يتسع المجال لذكر هذه التخريجات. (72) النساء آية:19 (73) متفق عليه. (74) أخرجه مسلم، برقم: (1469) ، من رواية أبي هريرة، وقوله: ((يَفْرِكْ)) أي يَبْغِض. (75) أخرجه الترمذي، برقم: (1163) ، وقال: حديث حسن صحيح. (76) أخرجه أحمد:4/446،447،و5/3، وأبو داود، برقم: (2142) ، وابن ماجه، برقم: (1850) ، وإسناده حسن. المصادر والمراجع الآحاد والمثاني: للإمام أبي بكر أحمد بن عمرو بن الضحاك الشيباني، المعروف بابن أبي عاصم (ت287هـ) تحقيق الدكتور باسم فيصل أحمد الجوابرة، دار الراية، الرياض، الطبعة الأولى (1411هـ-1991م) . الآداب: للإمام أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) ، تحقيق محمد عبد القادر عطا، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1406هـ- 1986م) . الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: للإمام أبي الحسن علي ابن بَلبان الفارسي (ت 739هـ) ، تحقيق وتخريج الأستاذ شعيب الأرناؤط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى (1408هـ -1988م) . إحياء علوم الدِّين: للإمام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزَّالي (ت405هـ) ، طبع مصطفى البابي الحلبي مصر، الطبعة الأولى، (1358هـ-1939م) . أخلاق النبيِّ صلى الله عليه وسلم: لأبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني، المعروف بأبي الشيخ (ت369هـ) ، تحقيق أحمد محمد مرسي، مكتبة النهضة العربية، القاهرة 1972م. الأدب المفرد: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريِّ (ت256هـ) ، نشره قصي محب الدين الخطيب الطبعة الثانية القاهرة 1379هـ أصول الدعوة: تأليف الدكتور عبد الكريم زيدان، مكتبة القدس، ودار الوفاء، الطبعة الخامسة (1412هـ-1992م) . الإيمان: للإمام أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (ت235هـ) ، تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، دار الأرقم، الكويت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن: لأحمد ابن عبد الرحمن البنا الساعاتي (ت1377هـ) ، دار الأنوار للطباعة، القاهرة، الطبعة الأولى (1369-1950) . التاريخ الكبير: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) ، تحقيق مجموعة من العلماء، نشرته دار المعارف العثمانية بالهند سنة1360هـ، صورته دار الكتب العلمية بيروت. التأنيس بشرح منظومة الذهبي في أهل التدليس: للشيخ عبد العزيز الغماري، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى (1404هـ) . التبيين لأسماء المدلِّسين: للإمام برهان الدين بن محمد، المعروف بسِبْط ابن العجمي (ت841هـ) ، تحقيق يحيى شفيق، دار الكتب العلمية بيروت. تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف: للإمام أبي الحجَّاج يوسف ابن عبد الرحمن المزِّيِّ (ت742هـ) ، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، الهند، الطبعة الأولى (1384هـ-1965م) . تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هـ) ، تحقيق عبد الوهَّاب عبد اللطيف، دار الكتب الحديثة، القاهرة، الطبعة الثانية (1385هـ-1966م) . تعريف أهل التقديس: للإمام أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852 هـ) ، تحقيق الدكتور عبد الغفار البغدادي والأستاذ محمد أحمد عبد العزيز، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1405هـ) . تعظيم قَدْر الصلاة: للإمام أبي عبد الله محمد بن نصر بن الحجَّاج المروزيَّ، تحقيق الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، مكتبة الدار بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى (1406هـ) . تقريب التهذيب: للإمام أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا حلب، الطبعة الأولى 1406هـ. تهذيب التهذيب: للإمام أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن 1325هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 تهذيب الكمال: للإمام أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزِّيِّ (ت742هـ) ، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف طبع مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الثانية 1403هـ. جامع التحصيل في أحكام المراسيل: للإمام صلاح الدين أبي سعيدٍ خليل بن كَيْكَلْدي العلائي (ت761هـ) ، تحقيق الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الأولى (1398هـ-1978م) طبع وزارة الأوقاف العراقية. الجامع: للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَةَ الترمذي (ت279هـ) ، حققه أحمد شاكر، وآخرون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، وأولاده، مصر، الطبعة الأولى 1356هـ. الجرح والتعديل: للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس ابن المنذر الشافعيِّ المعروف بابن أبي حاتم (ت327هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، الطبعة الأولى (1371هـ-1952م) . حلية الأولياء وزينة الأصفياء: للإمام أبي نُعَيْم أحمد بن عبد الله الأصفهانيِّ (ت430هـ) ، مطبعة الخانجي، مصر الطبعة الأولى (1352هـ-1933م) . خُلُق المسلم: للشيخ محمد الغزالي دار القلم، دمشق، الطبعة الرابعة (1403هـ-1983م) . خير الكلام قي القراءة خلف الإمام: للإمام أبي عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري (ت256هـ) ، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة، الطبعة الثانية (1405هـ -1985م) . دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) ، تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1405هـ-1985م) . الزهد: للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي (ت241هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة الأولى (1403هـ-1983م) . الزهد: للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السِّجِستاني (ت275هـ) ، تحقيق ضياء الحسن السلفي، الدار السلفية الهند الطبعة الأولى (1413هـ-1992م) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 الزهد: للإمام عبد الله بن المبارك المروزيِّ (ت181هـ) ، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية بيروت. الزهد: للإمام هنَّاد بن السري الكوفيِّ التميميِّ (ت243هـ) ، تحقيق عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت، الطبعة الأولى (1406هـ-1985م) . الزهد: للإمام وكيع بن الجرَّاح (197هـ) ، تحقيق عبد الرحمن ابن عبد الجبار الفريوائي، مكتبة الدار المدينة المنورة، الطبعة الأولى (1404هـ-1984م) . سلسلة الأحاديث الصحيحة: للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة (1405هـ-1985م) . سلسلة الأحاديث الضعيفة: للمحدِّث محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت. السنن: للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بَهرام الدارمي التَّميميِّ (ت255هـ) ، بعناية أحمد محمد دهمان دار الكتب العلمية، بيروت. السنن: للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بَهرام الدارمي التَّميميِّ (ت255هـ) ، تحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني، حديث أكاديمي، باكستان (1404هـ-1984م) . السنن: للإمام أبي عبد الله محمد بن يزيد القَزويني، المعروف بابن ماجه (ت275هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياءالكتب العربية (1372هـ-1952م) . السنن: للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتانيِّ (275هـ) ، تعليق عزت، وعادل السيد، الطبعة الأولى (1388هـ) ، نشر محمد علي السيد، حمص، سوريا. السنن: للإمام أبي الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنيِّ البغدادي، (ت385هـ) ، تصحيح عبد الله هاشم يماني، دار المحاسن للطباعة القاهرة 1386هـ. السنن: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النَّسائي (ت303هـ) ، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى (1346هـ-1930م) . السنن الكبرى: للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن عليٍّ البيهقيِّ (ت458هـ) ، مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 السُّنَّة: للإمام أبي بكر أحمد بن عمرو بن الضحَّاك بن مَخْلَدٍ الشيباني، المعروف بابن أبي عاصم (ت287هـ) تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية (1405هـ-1985م) . سير أعلام النبلاء: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748هـ) ، تحقيق مجموعة من الأساتذة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى (1402هـ-1982م) . شرح السُّنَّة: للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغويِّ (ت516هـ) ، تحقيق شعيب الأرناؤط، وزهير شاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى (1394هـ-1974م) . شرح مشكل الآثار: للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321هـ) ، تحقيق شعيب الأرناؤط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى (1415هـ1994م) . شرح معاني الآثار: للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321هـ) ، تحقيق محمد زهدي النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1403هـ -1987م) . الشريعة: للإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجُّرِّيِّ (ت360هـ) ، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1403هـ-1983م) . شعب الإيمان: للإمام أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) ، تحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1410هـ- 1990م) . الشمائل المحمَّديَّة: للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى ابن سَوْرَةَ الترمذي (ت279هـ) ، حققه عزت عبيد الدعاس، دار الندوة الجديدة، بيروت (1406-1985م) . صحيح ابن خُزَيمة: لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السُّلَميِّ النَّيسابوريِّ (ت311هـ) ، تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى (1399هـ-1979م) . صحيح أبي عوانة: للإمام أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني (ت316هـ) ، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند، الطبعة الأولى (1362هـ-1942م) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 صحيح مسلم: للإمام أبي الحسن مُسْلِم بن الحَجَّاج بن مُسْلِمٍ القُشَيريِّ النَّيْسَابوريِّ (ت261هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى (1374هـ-1955م) . الضعفاء الصغير: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريِّ (ت256هـ) ، تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، الطبعة الأولى 1396هـ. وينظر طبعة بوران الضَّنَّاوي. الضعفاء الكبير: للإمام أبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العُقيلي (ت322هـ) ، تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1404هـ-1984م) . علل الحديث: للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر الشافعيّ ِ، المعروف بابن أبي حاتم (ت327هـ) ، تحقيق محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، (1405هـ-1985م) . عمل اليوم والليلة: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن عليٍّ النَّسائي (ت303هـ) ، تحقيق الدكتور فاروق حمادة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية (1406هـ-1985م) . عمل اليوم والليلة: للإمام أبي بكرٍ أحمد بن محمد بن إسحاق الدِّينَوَرِيِّ، المعروف بابن السُنِّيِّ (ت364هـ) ، تحقيق بشير محمد عيون، مكتبة دار البيان، دمشق، الطبعة الأولى (1407هـ-1987م) . فتح الباري شرح صحيح البخاري: للإمام أبي الفضل أحمد ابن عليِّ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، طبع المطبعة السلفية، بمصر. فتح المغيث شرح ألفية الحديث: للإمام أبي الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (ت902هـ) ، تحقيق عبد الرحمن بن محمد ابن عثمان، المكتبة السلفية، بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية (1388هـ-1968م) . الكاشف في معرفة مَن له رواية في الكتب الستة: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ، تحقيق عزت علي عيد عطية، وموسى محمد علي الموسى، دار الكتب الحديثة، القاهرة، الطبعة الأولى (1392هـ-1972م) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 الكامل في ضعفاء الرجال: للإمام أبي أحمد عبد الله بن عَدي الجرجانيِّ (ت365هـ) ، تحقيق لجنة من المختصين، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى (1404هـ-1984م) . كشف الأستار عن زوائد البزَّار: للإمام نور الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) ، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية (1404هـ-1984م) . كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: للبرهان فوري علاء الدين علي التقي بن حسام الدين (ت975هـ) ، تحقيق حسن رزوق، وآخرون، مؤسسة الرسالة، الطبعة الخامسة (1401هـ-1981م) . لسان العرب: لجمال الدين محمد بن مكرم، المعروف بابن منظور (ت771هـ) ، دار صادر بيروت. لسان الميزان: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر (ت852هـ) ، مجلس دائرة المعارف النظامية الهند، الطبعة الأولى 1331هـ. المجروحين من المحدِّثين والمتروكين: للإمام أبي حاتم محمد بن حِبَّان بن معاذ البُسْتيِّ التميميّ (ت354هـ) تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، الطبعة الأولى (1395هـ-1975م) . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للإمام أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عمر الهيثميِّ (ت807 هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت الطبعة الثانية 1967م. المراسيل: للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السِّجِستانيِّ (275هـ) ، تحقيق الأستاذ شعيب الأرناؤط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى (1408هـ-1988م) . المراسيل: للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الشافعيِّ المعروف بابن أبي حاتم (ت327هـ) ، بعناية شكر الله بن نعمة الله قوجاني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1397هـ. المستدرك على الصحيحين: للإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن حمدويه، المعروف بالحاكم النيسابوري (ت405هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند. المسند: للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت241هـ) ، المكتب الإسلامي، ودار صادر بيروت، الطبعة ألأولى 1398هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 المسند: للإمام أبي يعلى أحمد بن عليِّ بن المثنى الموصليِّ (ت307هـ) ، تحقيق الأستاذ حسين أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، وبيروت، الطبعة الأولى (1404هـ-1984م) . المسند: للإمام أبي بكر عبد الله بن الزبير الحُميديِّ (ت219هـ) ، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة. المسند: للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس الشافعي (ت204هـ) ، رتبه على الأبواب محمد بن عابد السندي (ت1257هـ) ، حققه يوسف علي الزواوي، وعزت العطار، دار الكتب العلمية، بيروت (1370هـ-1951م) . مسند الشهاب: للإمام أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي (ت454هـ) ، تحقيق حمدي عبد المجيد السَّلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى (1405هـ-1985م) . مسند الطيالسي: للإمام أبي داود سليمان بن داود بن الجارود الفارسي (ت 204هـ) ، دار المعرفة، بيروت. مصباح الزجاجة في زوائد بن ماجه: لشهاب الدين أحمد بن أبي بكر الكِنانيِّ البوصيريِّ (ت840هـ) ، تحقيق كمال يوسف الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، دار الجنان، بيروت، الطبعة الأولى (1406هـ -1986م) . المصنَّف: للإمام أبي بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم، المعروف بابن أبي شيبة العبسيِّ (ت235هـ) ، بإشراف مختار أحمد الندوي، الدار السلفية، بومباي، الهند. المصنف: لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت211هـ) ، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة الثانية (1403هـ-1983م) . المعجم الأوسط: للإمام أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبرانيِّ (ت360هـ) : تحقيق الدكتور محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1405هـ. المعجم الصغير: للإمام أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبرانيِّ (ت360هـ) ، دار الكتب العلمية بيروت (1403هـ-1983م) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 المعجم الكبير: للإمام أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبرانيِّ (ت360هـ) ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، طبع وزارة الأوقاف العراقية، الطبعة الثانية، مزيدة ومنقحة. المنتخب من المسند: للإمام أبي محمد عبد بن حُميد بن نصر الكسِّيِّ (ت249هـ) ، تحقيق صبحي السامرَّائي ومحمود محمد خليل الصعيدي، مكتبة السنة، القاهرة، الطبعة الأولى (1408هـ-1988م) . الموطأ: للإمام أبي عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي (ت179هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة (1370هـ-1951م) . ميزان الاعتدال في نقد الرجال: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ، تحقيق علي محمد البجاوي، دارالمعرفة، بيروت، الطبعة الأولى (1382هـ-1963م) . نصب الراية لأحاديث الهداية: للإمام جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي (ت762هـ) ، المجلس العلمي الهند، مطبعة دار المأمون، دمشق (1357هـ-1938م) . النهاية في غريب الحديث والأثر: لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد، المعروف بابن الأثير الجَزَرِيِّ (ت606هـ) ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 البيان والتبيين لضوابط ووسائل تمييز الرواة المهملين د. محمد بن تركي التركي أستاذ الحديث المساعد، بقسم الثقافة الإسلامية كلية التربية - جامعة الملك سعود ملخص البحث يقوم هذا البحث على معالجة أمر يعترض الباحثين كثيراً، ألا وهو ورود بعض الرواة في الأسانيد مهملين، كأن يذكر باسمه الأول، أو كنيته أو غير ذلك، مع وجود غيره ممن يشترك معه في الاسم والطبقة، ومن ثم لا يستطيع الباحث معرفة المراد بسهولة. وقد حاولت في هذا البحث استخراج القواعد والوسائل التي تعين على تمييز الراوي المهمل، وتحديده، ومن المراد به إذا ورد في هذا الإسناد أو ذاك. وقدمت لذلك بمقدمة موجزة، ثم ذكرت تعريف المهمل، والمبهم، والفرق بينهما، ثم ذكرت ما توصلت إليه من هذه الوسائل، مستعيناً بعدد من كتب المصطلح، والشروح الحديثية، وكتب الرجال وغيرها. وقد بلغ عددها حوالي عشر وسائل وضوابط كلية، ويندرج تحت بعضها عدة وسائل فرعية. وخلاصة ما ذكرته أنه يمكن تمييز المهمل عن طريق عدة وسائل، فمنها: أن يعرف المهمل عن طريق الراوي عنه. كأن يكون مشهوراً بالرواية عنه، أو مختصاً به، أو لا يروي عن غيره، وغير ذلك. ومنها أن يُعرف المهمل عن طريق شيخه، وفيه عدة وسائل تندرج تحته. كما يعرف المهمل عن طريق التخريج، أو طبقته، أو بلده، أو غير ذلك من طرق أخرى مذكورة بالتفصيل مع أدلتها والأمثلة عليها في ثنايا البحث. هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. المقدمة: ... إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون (. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم الَّذِيْ خَلَقَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرَاً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِيْ تَسَآلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً (. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدَاً يُصْلِح لَكُمْ أَعْمَالَكُم وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً (. أما بعد: فإن تمييز الراوي المهمل الذي يرد في بعض الأسانيد، أمر ليس باليسير، وقد يستغرق من الباحث وقتاً طويلاً لتحديد هذا الراوي وتعيينه، وقد لا يُوفق كل باحث لهذا الأمر. ولما نظرت في كتب المصطلح، لم أر من وضع قواعد ووسائل متكاملة تعين في تمييز الرواة المهملين، وإنما وجدت فوائد قليلة ومنثورة في بعض هذه الكتب وغيرها، تبعاً لبعض الحالات المشكلة من ذلك، ومن ثم التصدي لحلها، كما سيأتي بالتفصيل. كما لم أر من أفرد هذه القواعد والوسائل ببحث مستقل يجمعها. لذا فقد استعنت بالله وبدأت بالكتابة في هذا الموضوع، وحاولت أن ألم شتاته، وأجمع ما تفرق منه مستعيناً – بعد الله–بما وجدته في كتب المصطلح، والرجال، والشروح الحديثية، وغيرها، وبما طبقه علماء الحديث عملياً لتعيين الرواة المهملين. وفي الختام فهذا جهد متواضع، في موضع مهم وشائك، أرجو أن أكون قد وفيته حقه من الدراسة والبحث، وأن تكون النتائج التي توصلت إليها صائبة، أو قريبة من الصواب، وميسرة للباحثين تعيين وتحديد الرواة المهملين. وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكون ذا فائدة لطلاب علم السنة النبوية وأعتذر عما فيه من قصور وخلل؛ فهذا مما لا ينفك عنه بشر. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 المبحث الأول: تعريف المهمل والفرق بينه وبين المبهم تعريف المهمل: المهمل هو: من لم يتميز عن غيره. سواءً ذُكر باسمه أو كنيته أو لقبه، وذلك لوجود من يشاركه في هذا الاسم أو الكنية أو اللقب. فإن كان لا يشترك معه غيره في أحد هذه الأمور فحينئذ لا يعتبر مهملاً. ومثاله: أن الإمام البخاري – رحمه الله – له أكثر من شيخ اسمه إسحاق، ونجده في بعض الأحيان يقول: حدثنا إسحاق ولا ينسبه. فهنا نقول إن إسحاق ورد مهملاً. وكما لو وجدنا إسناداً ورد فيه ذكر سفيان غير منسوب، فهنا لا ندري هل المراد به الثوري أو ابن عيينة (1) ، أو ورد فيه حماد غير منسوب، فلا ندري هل هو ابن سلمة أو ابن زيد، وهكذا. ومن أبرز من عُرف من المتقدمين اعتناؤه بهذا النوع من علم الرجال الإمام الحافظ الخطيب البغدادي (ت 4639هـ) وأبو علي الجياني الأندلسي (ت498هـ) . فالأول ألف في بيان المهملين من الرواة عموماً كتاباً عُرف باسم: "المكمل في بيان المهمل" (2) . ولكن للأسف فهذا الكتاب يعتبر حتى الآن في عداد الكتب المفقودة (3) . والثاني ألف في بيان المهملين في أسانيد صحيح البخاري بخصوصه، وذلك في باب مستقل في كتابه الماتع: «تقييد المهمل وتمييز المشكل» (4) . وعلى هذين المؤلفين عوّل من جاء بعدهما، مع الإضافة أو التعقيب، كما يُعرف من مراجعة المؤلفات المتأخرة عنهما في الرجال أو الشروح الحديثية. تعريف المبهم: المبهم هو: من لم يتعين اسمه. كأن يقول أحد الرواة: حدثني رجل. أو: حدثني صاحب لي. أو نحو ذلك. ومنه يتبين الفرق واضحاً بين المهمل والمبهم. فالمهمل ذُكر اسمه لكنه التبس مع غيره، وأما المبهم فلم يُذكر اسمه أصلاً. وقد ألف في المبهمات غير واحد من العلماء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 ومن أشهر ما طُبع من هذه المؤلفات: كتاب الخطيب البغدادي: «الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة» وكتاب ابن طاهر المقدسي: «إيضاح الإشكال» ، وكتاب ابن بشكوال: «غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة» ، وكتاب النووي «الإشارات إلى بيان الأسماء المبهمات» (1) ، وكتاب العراقي: «المستفاد من مبهمات المتن والإسناد» ، وغيرها. وهناك أمور أخرى تتعلق بالمبهم، ليس هنا مجال ذكرها، وهي موجودة في كتب المصطلح. المبحث الثاني: ضوابط ووسائل تمييز الرواة المهملين تقدم القول بأني لم أقف في كتب المصطلح أو الرجال على من أفرد هذه القواعد بمبحث خاص، ولم أجد ضوابط كافية في تمييز الرواة المهملين عموماً، إلا من فوائد قليلة منثورة مفرقة (2) . ومن خلال تتبعي لهذه الكتب، وقراءتي لبعض كتب شروح الحديث وغيرها، أمكنني التوصل إلى ما يلي: يمكن تمييز الرواة المهملين من خلال عدة أمور: 1- عن طريق معرفة تلميذ الراوي المهمل. فإذا كان هذا الراوي المهمل يروي عنه راوٍ ما، ولا يروي عن غيره، ممن شاركه في الاسم، فهذا أمره واضح وبيّن. ومثاله: إذا روى الحميدي عن سفيان مهملاً، فمعلوم أنه يعني ابن عيينة، لأنه لا يروي عن الثوري، وكذا الإمام أحمد وغيرهما ممن لا يروي إلا عن ابن عيينة. ولذا كان من المهم تتبع تلاميذ الرواة المهملين، لكونه أحد الطرق في التمييز بينهم. ومما ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام أن كثيراً من المبتدئين من طلاب العلم يعتمدون في حصر الرواة عن راوٍ ما على كتاب تهذيب الكمال، وهذا ليس بصحيح، فلم يستوعب المزي جميع الرواة عن المترجم، بل ولم يشترط ذلك، ولذا ينبغي على الباحث أن لا يعتمد في نفي رواية راوٍ ما عن آخر لعدم ذكره ضمن الرواة عنه في تهذيب الكمال، وكذا الحال في شيوخ المترجم. 2- عن طريق معرفة شيخ الراوي المهمل. وهذا كالمتقدم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 ومثاله: أن يكون الثوري يروي عن شيخ لا يروي عنه ابن عيينة، فهذا أمره واضح بين أيضاً. ومنه يتبين أيضاً أهمية محاولة استيعاب شيوخ الرواة المهملين. 3- عن طريق النظر في علاقة الرواة عن هذا الراوي المهمل، ويتضمن ذلك عدة أمور: أ – فقد يكون التلميذ مختصاً بأحد الراويين المهملين دون الآخر، كأن يكون من المكثرين عنه، أو يكون راويته أو مشهوراً بصحبته، أو نحو ذلك، فهذا إذا أطلق اسم شيخه مهملاً حُمل على من كان مكثراً عنه، أو ممن كان معدوداً في أصحابه. وهذه قاعدة معروفة عند العلماء، وعمل بها عدد من الأئمة: قال الرامهرمزي: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، رويا جميعاً عن الأعمش وغيره، وروى عنهما الوليد بن مسلم وغيره. وحضرت القاسم المطرز، فحدثنا عن أبي همام أو غيره، عن الوليد، عن سفيان حديثاً. فقال له أبو طالب بن نصر: من سفيان هذا؟. فقال المطرز: هذا الثوري. فقال له أبو طالب: بل هو ابن عيينة. قال من أين قلت؟. قال: لأن الوليد روى عن الثوري أحاديث معدودة محفوظة، وهو مليء بابن عيينة، وسفيان الثوري أكبر وأقدم وابن عيينة أسند (1) . وقد سئل المزي فيما إذا ورد حديث لعبد الرزاق عن سفيان عن الأعمش، أي السفيانين هو؟ وإن كان أكثر روايته عن الثوري، فهل يُكتفى بذلك، أم يحتاج إلى زيادة بيان؟ . فأجاب بقوله: أما سفيان الذي روى عنه عبد الرزاق، فهو الثوري؛ لأنه أخص به من ابن عيينة، ولأنه إذا روى عن ابن عيينة ينسبه، وإذا روى عن الثوري فتارة ينسبه وتارة لا ينسبه، وحين لا ينسبه إما يكتفي بكونه روى له عن شيخ لم يرو عنه ابن عيينة، فيكتفي بذلك تمييزاً، وهو الأكثر، وإما يكتفي بشهرته واختصاصه به. وهذه القاعدة جارية في غالب من يروي عن سميَّين أو يروي عنه سميّان (2) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 وقال الحافظ ابن حجر في أحد روايات وكيع عند البخاري عن سفيان مهملاً: سفيان هو الثوري؛ لأن وكيعاً مشهور بالرواية عنه، ولو كان ابن عيينة لنسبه؛ لأن القاعدة في كل من روى عن مُتَفقي الاسم أن يحمل من أهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه، كما قدمناه قبل هذا، وهكذا نقول هنا؛ لأن وكيعاً قليل الرواية عن ابن عيينة بخلاف الثوري (1) . وقال الحافظ أيضاً: إن أبا نعيم مشهور بالرواية عن الثوري، معروف بملازمته، وروايته عن ابن عيينة قليلة، وإذا أطلق اسم شيخه حُمل على من هو أشهر بصحبته، وروايته عنه أكثر … وهذه قاعدة مطردة عند المحدثين في مثل هذا … الخ (2) . وقال الحافظ أيضاً: المهمل إنما يُحمل على من يكون لمن أهمله به اختصاص (3) . وقال أيضاً: القاعدة في المتفق إذا وقع مهملاً أن يُحمل على من للراوي عنه اختصاص (4) ، كما ذكره الخطيب في كتابه «المكمل في بيان المهمل» (5) . وقال أيضاً في رواية لأبي نعيم عن سفيان: أبو نعيم وإن كان روى عن سفيان بن عيينة، لكنه إذا روى عنه ينسبه وإذا روى عن الثوري ينسبه تارة ولا ينسبه أخرى، فإذا لم ينسب سفيان فهو الثوري؛ لأن الإطلاق ينصرف إلى من يكون المطلق أشد له ملازمة وأكثر عنه رواية، وأبو نعيم معروف بالرواية عن الثوري، قليل الرواية عن ابن عيينة (6) . ب أو يكون عُرف من عادة أحد الرواة أنه إذا أطلق اسم شيخه مهملاً فيعني به أحدهما دون الآخر. ويُعرف هذا بالاستقراء أو بتصريح من الراوي نفسه. ومثاله ما ذكره الرامهرمزي وغيره في الحمادين. قال الرامهرمزي: إذا قال عارم: حدثنا حماد، فهو حماد بن زيد، وكذلك سليمان بن حرب، وإذا قال التبوذكي: حدثنا حماد فهو حماد بن سلمة، وكذلك الحجاج بن منهال. وإذا قال عفان: حدثنا حماد، أمكن أن يكون أحدهما (7) . وروى الذهلي عن عفان، قال: إذا قلت لكم: حدثنا حماد، ولم أنسبه فهو ابن سلمة (8) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 وقال المزي: إلا أن عفان لا يروي عن حماد بن زيد إلا وينسبه في روايته عنه، وقد يروي عن حماد بن سلمة فلا ينسبه، وكذلك حجاج بن منهال، وهُدْبَة بن خالد، وأما سليمان بن حرب فعلى العكس من ذلك، وكذلك عارم (1) . وسئل المزي عن قول النسائي في مواضع: أخبرنا محمد بن منصور، أخبرنا سفيان، عن الزهري، وللنسائي شيخان كلٌ منهما محمد بن منصور، ويروي عن ابن عيينة، أحدهما أبو عبد الله الجواّز، والثاني أبو جعفر الطوسي العابد، فمن الذي عناه النسائي منهما؟. فأجاب بقوله: أما محمد بن منصور الذي يروي عنه النسائي ولا ينسبه، فهو المكي، لا الطوسي، وقد روى النسائي عن الطوسي عن أبي المنذر إسماعيل بن عمر، والحسن بن موسى الأشيب، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، وينسبه في عامة ذلك ولا أعلمه روى عنه عن ابن عيينة شيئاً (2) . وقال الحاكم: أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وأبو إسحاق سليمان بن فيروز الشيباني، وأبو إسحاق إسماعيل بن رجاء الزبيدي، وأبو إسحاق إبراهيم بن مسلم الهجري، قد رووا كلهم عن عبد الله بن أبي أوفى، وقد روى عنهم الثوري وشعبة. وينبغي لصاحب الحديث أن يعرف الغالب على روايات كل منهم، فيتميز حديث هذا من ذلك. والسبيل إلى معرفته أن الثوري وشعبة إذا رويا عن أبي إسحاق السبيعي لا يزيدان على أبي إسحاق فقط … وإذا رويا عن أبي إسحاق الشيباني فإنهما يذكران الشيباني في أكثر الروايات … وأما الزبيدي فإنهما في أكثر الروايات يسميانه ولا يُكنّيانه، إنما يقولان: إسماعيل بن رجاء … الخ (3) . وقال الجياني – بعد ذكره لإخراج البخاري عن إسحاق مهملاً - قال: والأشبه عندي أنه إسحاق بن منصور فإن البخاري إذا حدّث عنه كثيراً ما يبهمه ولا ينسبه (4) . وأخرج الجياني عن ابن السكن قال: (كل ما في كتاب البخاري مما يقول فيه: «حدثنا محمد قال: حدثنا عبد الله» فهو محمد بن مقاتل المروزي عن عبد الله بن المبارك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 وما كان فيه «حدثنا محمد» عن أهل العراق، مثل: أبي معاوية، وعبدة، ويزيد بن هارون، ومروان الفزاري. فهو محمد بن سلام البيكندي. وما كان فيه: «حدثنا عبد الله» غير منسوب، فهو عبد الله بن محمد الجعفي المسندي، وهو مولى البخاري من فوق. وما كان فيه: «عن يحيى» غير منسوب، فهو يحيى بن موسى البلخي المعروف بخَتّ. وسائر شيوخه فقد نسبهم، غير أصحاب ابن المبارك، فهم جماعة. وما كان فيه: «عن إسحاق» غير منسوب، فهو إسحاق بن راهويه) انتهى (1) . وقال الحافظ ابن حجر: ومن عادة البخاري إذا أطلق الرواية عن علي، إنما يقصد به علي بن المديني (2) . وقال الحافظ أيضاً: تقرر أن البخاري حيث يطلق محمد لا يريد إلا الذهلي، أو ابن سلام، ويُعرف تعيين أحدهما من معرفة من يروي عنه (3) . وفي سؤال للحافظ ابن حجر عن رواية للبخاري عن عبد الله بن محمد، قال: وقول الشيخ في عبد الله بن محمد: إنه المسندي، صواب. وقوله في مواضع أخرى: إنه ابن أبي شيبة، لا يظهر، بل الظاهر أن الصواب اطراد صنيع البخاري في ذلك، فحيث يطلق عبد الله بن محمد، فهو المسندي. وقد عُثِر على أنه إذا روى عن ابن أبي شيبة لا يسمي أباه، بل يقول: عبد الله بن أبي شيبة … وقد جزم المزي في عدة أحاديث يقول فيها البخاري: «حدثنا محمد بن عبد الله» بأنه الجعفي وهو المسندي، ولم يقل في واحد منها أنه ابن أبي شيبة، وكذا صنع أبو نعيم في مستخرجه (4) . وقال الحافظ أيضاً: والذي استقريته أن البخاري إذا أطلق محمد بن يوسف لا يريد إلا الفريابي … وإذا روى عن محمد بن يوسف البيكندي نسبه (5) . ج أن يكون بين تلميذ هذا الراوي المهمل وبين شيخه صلة قرابة ونسب. وهذا لم أر من نص عليه، ولكن عادة تُحمل رواية الراوي عن قريبه أكثر من غيره لما بينهما من الصلة والتي عادة تكون أكثر من غيره، إلا إن وُجِدت قرينة تدل على خلافه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 ومثاله رواية عمار بن محمد ابن أخت سفيان الثوري، لو وجد له رواية عن ابن عيينة أيضاً، فتُحمل روايته عن سفيان مهملاً إذا عُدمت المرجحات الأخرى على أنه يعني الثوري. 4- عن طريق معرفة أوطان الرواة. فرواية الراوي عن أهل بلده عادة أكثر من غيرهم. ومثاله: إذا روى أحد الرواة عن سفيان مهملاً، وكان هذا الراوي من أهل مكة مثلاً، ولم يكن هناك ثمة مرجحات أخرى فيترجح أنه يعني ابن عيينة. قال السخاوي في بيانه لطرق التمييز بين المهملين: أو بكونه كما أشير إليه في معرفة أوطان الرواة بلدي شيخه أو الراوي عنه، إن لم يُعرف بالرحلة، فإن ذلك وبالذي قبله يغلب على الظن بتبيين المهمل (1) . وقال سلمة بن سليمان: إذا قيل عبد الله بمكة فهو ابن الزبير، أو بالمدينة فابن عمر، أو بالكوفة فابن مسعود أو بالبصرة فابن عباس، أو بخراسان فابن المبارك (2) . وقد يكون الراوي معروفاً بالرواية عن أهل بلد دون غيرهم، وإن لم يكن هو من أهل ذلك البلد. قال أبو الوليد الباجي – عند ذكره لرواية محمد بن أبان عند البخاري، وكان شيخه من البصريين – قال: والأظهر عندي أن المذكور في جامع البخاري هو الواسطي، ومحمد ابن أبان البلخي يروي عن الكوفيين … ، والواسطي يروي عن البصريين (3) . 5- عن طريق معرفة طبقة الراوي، وتاريخ ولادته ووفاته. فرواية الراوي عادة أكثر ما تكون عن شيوخه الكبار، وقد يروي عن صغار شيوخه، وأحياناً يروي عن أقرانه وقد يروي في حالات عن تلميذه ومن في طبقته. فمعرفة طبقة الرواة عن هذا المهمل ضروري لمعرفته. قال الرامهرمزي: حماد بن سلمة وحماد بن زيد، رويا عن ثابت، وداو د، وأيوب، والتيمي، وروى عنهما أهل عصر سنة ثلاثين، وابن سلمة أكبر وأقدم؛ مات حماد بن سلمة في ذي الحجة سنة سبع وستين ومائة، ومات حماد بن زيد في شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومائة (4) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 وقال الذهبي: ويقع هذا الاشتراك سواء في السفيانين، فأصحاب سفيان الثوري كبار قدماء، وأصحاب ابن عيينة صغار لم يدركوا الثوري، وذلك أبين، فمتى رأيت القديم قد روى، فقال: حدثنا سفيان، وأبهم، فهو الثوري، وهم: كوكيع وابن مهدي، والفريابي، وأبي نعيم. فإن روى واحد منهم عن ابن عيينة بينه، فأما الذي لم يلحق الثوري، وأدرك ابن عيينة فلا يحتاج أن ينسبه لعدم الالتباس، فعليك بمعرفة طبقات الناس (1) . 6- عن طريق النظر في كيفية تحديث الراوي المهمل عن شيخه. ويتضمن هذا عدة صور: أ – فقد يكون من عادة الراوي المهمل استخدام صيغة واحدة من صيغ التحديث، لا يستعمل غيرها. وقد عُرف عن بعض الرواة أنهم يقتصرون على صيغة واحدة فقط، فلو وجدنا أحد المهملين ذكر صيغة أخرى لترجح أنه غير الأول، وهكذا. ففي الحمادين مثلاً، عُرف أن من عادة حماد بن سلمة أنه يقول: أخبرنا، ولا يقول: حدثنا. فلو وجدنا رواية لحماد مهملاً، وكانت صيغة التحديث: «حدثنا» ولم نجد مرجحات أخرى، لترجح أن حماد هو ابن زيد لأن ابن سلمة لا يقول هذه الصيغة في الغالب. وقد كانت هذه عادة عدد من الأئمة، أنهم كانوا يقولون: أخبرنا، ولا يقولون: حدثنا. قال الخطيب: وكان حماد بن سلمة، وهشيم بن بشير، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرزاق بن همام، ويزيد بن هارون ويحيى بن يحيى النيسابوري، وإسحاق بن راهويه، وعمرو بن عون، وأبو مسعود أحمد بن الفرات، ومحمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس، يقولون في غالب حديثهم الذي يروونه: «أخبرنا» ، ولا يكادون يقولون: «حدثنا» (2) . وقال نعيم بن حماد: ما رأيت ابن المبارك يقول قط: «حدثنا» ، كأنه يرى «أخبرنا» أوسع (3) . وقال أبو حاتم: لم أسمع عبيد الله بن موسى يقول: «حدثنا» ، كان يقول: «أخبرنا» (4) . ولذا فقد طبق هذه القاعدة الحافظ ابن حجر على كثير من الرواة المهملين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 فقد أخرج البخاري حديثاً، فقال فيه: حدثنا إسحاق، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم (1) . قال الحافظ ابن حجر: إسحاق، هو ابن إبراهيم، المعروف بابن راهويه، وإنما جزمت بذلك مع تجويز أبي علي الجياني أن يكون هو، أو إسحاق بن منصور؛ لتعبيره بقوله: «أخبرنا يعقوب بن إبراهيم» ، لأن هذه العبارة يعتمدها إسحاق بن راهويه، كما عُرف بالاستقراء من عادته أنه لا يقول إلا: «أخبرنا» ولا يقول: «حدثنا» ، وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من مسند إسحاق بن راهويه، وقال: أخرجه البخاري عن إسحاق انتهى (2) . وأخرج البخاري حديثاً آخر، وقال فيه: حدثنا إسحاق، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم (3) . فقال الحافظ ابن حجر: التعبير بالإخبار قرينة في كون إسحاق هو ابن راهويه؛ لأنه لا يُعبر عن شيوخه إلا بذلك (4) . وأخرج البخاري عن إسحاق قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم (5) . فقال الحافظ ابن حجر: إسحاق نسبه الأصيلي وابن السكن: «ابن منصور» ، وقد أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن يعقوب أيضاً، ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج، لكن يرجح كونه «ابن منصور» أن ابن راهويه لا يُعبر عن مشايخه إلا بصيغة: «أخبرنا» (6) . وقال البخاري: حدثني إسحاق، حدثنا عبد الصمد (7) . قال الحافظ ابن حجر: إسحاق، هو ابن منصور، وتردد أبو علي الجياني بينه وبين إسحاق بن راهويه، وإنما جزمت به لقوله: «حدثنا عبد الصمد» فإن إسحاق لا يقول إلا «أخبرنا» (8) . وأخرج البخاري حديثاً فقال: حدثنا محمد، أنبأنا أبو معاوية (9) . فرجح الحافظ ابن حجر أنه محمد بن سلام، وقال: ويؤيده أنه عبر بقوله «أنبأنا أبو معاوية» ، ولو كان ابن المثنى لقال: «حدثنا» لما عُرف من عادة كل منهما (10) . وبنحو ما تقدم سار الحافظ على هذا الترجيح في عدد من المواضع في الفتح (11) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 وقال الحافظ أيضاً: إن إسحاق إذا جاء في البخاري غير منسوب احتمل أن يكون ابن منصور، واحتمل أن يكون ابن راهويه، ويتميز بأن يُنظر في الصيغة، فإن كانت «أخبرنا» تعين أن يكون ابن راهويه، وإلا فهو ابن منصور، فقد أورد البخاري عن إسحاق بن إبراهيم عن يعقوب بن إبراهيم عدة أحاديث، ومعبراً بصيغة أخبرنا، وينسب إسحاق فيها فُيحمل ما أطلقه عليه، مع قرينة الإتيان بصيغة أخبرنا (1) . ب – وقد يُعرف عن بعض المحدثين – ممن قد يرد مهملاً – أنهم إذا رووا عن الضعفاء فإنهم لا يذكرونهم بأسمائهم المشهورة، وإنما بكناهم، أو العكس، فإن كان مشهوراً بكنيته ذكره باسمه، لكي لا يُعرف. فلو اشتبه علينا تحديد أحد المهملين، وكان أحدهما ممن يكني في روايته عن الضعفاء، وأما الآخر فلا، ووجدنا هذا المهمل يروي عن هذا الضعيف باسمه الصريح، لترجح لدينا أنه الآخر الذي لا يكني في روايته عن الضعفاء، وهكذا. وينطبق هذا على السفيانين، فقد عُرف عن الثوري أنه إذا حدّث عن الضعفاء كنّاهم. قال الحاكم: مذهب سفيان بن سعيد أن يُكني المجروحين من المحدثين إذا روى عنهم، مثل: بَحر السّقّاء، فيقول: حدثنا أبو الفضل، والصلت بن دينار، يقول: حدثنا أبو شعيب، والكلبي، يقول: حدثنا أبو النضر، وسليمان بن أرقم، يقول: حدثنا أبو معاذ (2) . وقال يعقوب بن سفيان عن عبيدة بن معتب الضبي: وحديثه لا يسوى شيئاً، وكان الثوري إذا حدّث عنه كنّاه، قال أبو عبد الكريم: ولا يكاد سفيان يُكني رجلاً إلا وفيه ضعف، يكره أن يُظهر اسمه فينفر منه الناس (3) . وقال يعقوب بن سفيان: سليمان بن قسيم أبو الصباح ضعيف، وكان سفيان يكنيه لكي يدلسه؛ قال: حدثني أبو الصباح بن قسيم (4) . وقال البخاري: حبيب بن أبي الأشرس … كان الثوري يروي عنه ولا ينسبه (5) . قلت: وحبيب هذا قال عنه البخاري: منكر الحديث (6) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن محمد الطنافسي، قال: سألت وكيعاً عن حديث من حديث ليث بن أبي سليم، فقال: كان سفيان لا يُسمي ليثاً (1) . قلت: يعني أنه يذكره بكنيته؛ لأنه ضعيف (2) . وقال شعبة: إذا حدثكم سفيان عن رجل لا تعرفوه فلا تكتبوا؛ فإنما يحدثكم عن مثل أبي شعيب المجنون (3) . وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن الصلت بن دينار، فقال: ترك الناس حديثه، متروك، ونهاني أن أكتب من حديثه شيئاً، وقال: سفيان الثوري يكنيه أبا شعيب (4) . وقال الآجري: سألت أبا داود عن عبد القدوس الشامي، فقال: ليس بشيء، وابنه شرٌ منه، روى عنه سفيان الثوري فقال: حدثنا أبو سعيد (5) . وقال عمرو بن علي: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن الحسن بن دينار، وكان سفيان الثوري يقول: أبو سعيد السليطي (6) . وقال عمرو بن علي: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وكان سفيان إذا حدث عنه قال: حدثنا أبو عباد (7) . ونقل الزركشي في كلامه عن التدليس عن ابن السمعاني قال: ومنه (يعني التدليس) تغيير الأسامي بالكنى، والكنى بالأسامي لئلا يُعرفوا، وقد فعله سفيان الثوري (8) . وروى البيهقي في المدخل عن محمد بن رافع، قال: قلت لأبي عامر: كان الثوري يُدلس؟ قال: لا. قلت: أليس إذا دخل كورة يعلم أن أهلها لا يكتبون حديث رجل، قال: حدثني رجل. وإذا عُرف الرجل بالاسم كنّاه، وإذا عُرف بالكنية سمّاه؟ قال: هذا تزيين ليس بتدليس (9) . وقال الذهبي في ترجمة الثوري: وكان يُدلس في روايته، وربما دلّس عن الضعفاء، وكان سفيان ابن عيينة مُدلساً ولكن ما عُرف له تدليس عن ضعيف (10) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 وبناءً على ما تقدم فلو وجدنا رواية ذُكر فيها سفيان مهملاً، وكانت هذه الرواية عن أحد المجروحين ممن اشترك الثوري وابن عيينة في الرواية عنهم، وعُدمت المرجحات الأخرى، فحينئذ يمكننا الترجيح بالنظر في تسمية شيخهما، فإن كان ذُكر باسمه ترجح أن سفيان هو ابن عيينة، وإن وجدناه مذكوراً بكنيته فيترجح هنا أن سفيان هو الثوري، وهكذا. ج – وقد يُعرف عن أحد الرواة المهملين أنه مختص بأحد شيوخه ممن اشترك هو وغيره في الرواية عنهم. فهنا يحمل هذا الراوي المهمل على من كان له اختصاص بهذا الشيخ. ومثاله: إذا وجدنا رواية لسفيان مهملاً، واتحد الراوي عنهما، وكان شيخ سفيان هو عمرو بن دينار مثلاً وهو من شيوخهما معاً، وعُدمت المرجحات الأخرى. فهنا نُرجح أن سفيان هو ابن عيينة؛ لأن ابن عيينة مشهور بالرواية عن عمرو، ومعدود من أخص أصحابه به، دون الثوري. د- ومنها أن يُعرف عن الراوي المهمل أنه مثلاً لا يملي الحديث، أو أنه أملى أحاديث معدودة، أو لإناس محدودين كما كان يفعل سفيان الثوري. قال ابن معين: كان سفيان الثوري لا يملي الحديث، إنما أملى عليهم حديثين؛ حديث الدجال، وحديث خطبة ابن مسعود. قيل له: فأهل اليمن؟ قال: قد أملى على أهل اليمن؛ كانوا عنده ضعافاً فأملى عليهم (1) . ويمكننا الاستفادة من النص السابق فيما لو وجدنا حديثاً، ورد فيه اسم سفيان مهملاً، ولم يترجح لنا تحديد أي السفيانين هو، ووجدنا الراوي عن سفيان يقول: حدثنا سفيان إملاءً، فإن كان هذا الراوي من غير أهل اليمن، ولم يكن الحديث من الحديثين المذكورين، فهنا يترجح أن سفيان هو ابن عيينة، لأن الثوري لم يكن من عادته إملاء الحديث، وهكذا. هـ – وقد يُعرف عن بعض المحدثين أنهم إذا كان الراوي مشهوراً بلقب، وكان لا يرضاه فإنهم لا يسمونه به وإن اشتهر به. ومن هؤلاء سفيان الثوري. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 قال الحاكم عند كلامه على الألقاب: إن فيهم – يعني المحدثين – جماعة لا يُعرفون إلا بها، ثم منهم جماعة غلبت عليهم الألقاب وأظهروا الكراهية لها، فكان سفيان الثوري إذا روى عن مسلم البَطين يجمع يديه ويقول: مسلم، ولا يقول: البطين (1) . وعلى هذا فلو وجدنا رواية لسفيان مهملاً وكانت عن مسلم البطين، ووجدنا اسم مسلم مقروناً بلقبه، فهنا يغلب على الظن أن سفيان هو ابن عيينة؛ لأن الثوري عُرف عنه أنه لا يذكره بلقبه. و وقد يُعرف عن أحد الرواة – ممن قد يرد مهملاً – أنه لا يُحدِّث أهل البدع، أو لا يروي عنهم، ونحو ذلك، فهذا أيضاً يفيد في تحديد الراوي المهمل أحياناً. وممن عُرف عنه أنه امتنع عن الرواية عن المبتدعة، ومنع الرواية عنهم: الإمام مالك، وابن عيينة، والحميدي وغيرهم (2) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا صالح، حدثنا علي، قال: سمعت سفيان – يعني ابن عيينة – وسئل عن عبد الرحمن بن إسحاق فقال: عبد الرحمن بن إسحاق كان قدرياً، فنفاه أهل المدينة، فجاءنا هاهنا فلم نجالسه (3) . وأخرج الخطيب من طريق سويد بن سعيد قال: قيل لسفيان بن عيينة: لم أقللت الرواية عن سعيد بن أبي عروبة؟ قال: وكيف لا أقل الرواية عنه وسمعته يقول: هو رأيي ورأي الحسن ورأي قتادة، يعني القدر (4) . وأخرج العقيلي عن ابن عيينة أنه قال: كان الفضل بن عيسى الرقاشي قدرياً، وكان أهلاً أن لا يُروى عنه (5) . وفي المقابل ذُكر أن الثوري ممن ذهب إلى قبول أخبار أهل الأهواء الذين لا يُعرف منهم استحلال الكذب (6) . وعلى هذا فلو وجدنا رواية لسفيان مهملاً، وعُدمت المرجحات الأخرى، ثم وجدنا شيخ سفيان من أهل البدع، فحينئذ يمكن أن نقول أن سفيان هنا هو الثوري؛ لأن ابن عيينة عُرف عنه أنه امتنع من الرواية عن المبتدعة. ز- وقد يُعرف عن الراوي المهمل أنه لم يرو عن شيخ من شيوخه إلا أحاديث معدودة، أو محددة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 كأن نعرف أن الثوري مثلاً لم يرو عن أحد شيوخه – ممن اشترك مع ابن عيينة في الرواية عنهم – إلا حديثاً واحداً فهنا يُحمل سفيان إذا ورد مهملاً على أنه ابن عيينة. ومن النصوص التي وقفت عليها في ذلك وكان الشيخ ممن اشتركا في الرواية عنه ما يلي: قال أحمد بن محمد الصفار: قال سفيان بن عيينة: لم أسمع من زياد بن علاقة إلا هذه الأربعة أحاديث، ثم حدث بحديث جرير: «بايعت النبي (على النصح» ، وحديث المغيرة: «قام النبي (حتى تورمت قدماه» ، وحديث زياد بن علاقة عن عمه قطبة بن مالك: «صليت خلف النبي (الفجر» ، وحديث أسامة بن شريك: حضرت الأعراب رسول الله (فجعلوا يسألونه فقال: «لا حرج» (1) . فمن خلال النص السابق لو وجدنا رواية لسفيان مهملاً، وكان شيخه فيها زياد بن علاقة، فحينئذ ننظر في الحديث فإن كان من هذه الأربعة المذكورة، احتمل أن يكون ابن عيينة، وإن كان غيرها ترجح أنه الثوري، وهكذا. وقال الإمام أحمد: لم يسمع سفيان – يعني ابن عيينة – من خالد بن سلمة إلا هذا الحديث، وذكره (2) . وخالد بن سلمة من المذكورين في شيوخهما معاً، فلو وجدنا رواية لسفيان عن خالد، ولم يتبين لنا من هو سفيان فنرجح أنه الثوري، إلا أن يكون الحديث هو نفس الحديث المذكور. ح – وقد يعرف عن أحد الرواة أنه لا يحدث بحضرة الآخر ممن يشاركه في الاسم. ومثاله ما أخرجه غير واحد عن الحسن بن قتيبة قال: قال سفيان الثوري لسفيان بن عيينة: مالك لا تُحدث؟ فقال: أما وأنت حيّ فلا (3) . فهنا لو وجدنا رواية لسفيان مهملاً، وعدمنا المرجحات الأخرى، وتبين لنا أن الراوي روى هذه الرواية بوجود السفيانين معاً، لرجحنا أن المراد هو الثوري، للنص المتقدم. 7- عن طريق النظر في الأسانيد القريبة من هذا الإسناد الوارد فيه هذا المهمل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 فقد يرد فيها منسوباً. كأن يسوق أحد المصنفين إسناداً من الأسانيد، ويرد فيه من رواية راوٍ ما عن سفيان مهملاً ثم يسوق بعده إسناداً آخر، وفيه نفس الراوي السابق، لكنه أورد اسم سفيان منسوباً، فهنا يحمل سفيان الوارد في الإسناد الأول على أنه هو المنسوب في الإسناد الثاني، وخاصة لو جاء شيخ سفيان في الإسنادين واحداً. وقد استدل بهذه الطريقة على تعيين المهمل غير واحد من العلماء: فقد أورد الحافظ الجياني روايتين للبخاري عن محمد عن سريج بن النعمان، ثم أورد رواية ثالثة قال البخاري فيها: محمد بن رافع عن سريج بن النعمان. فقال الجياني: والأشبه عندي أن يُحمل ما أهمل البخاري من نسبة محمد في الحديثين المتقدمين على ما بيّن في الموضع الثالث، فنقول: إن محمداً هذا هو ابن رافع النيسابوري، لا سيما والأحاديث الثلاثة من نسخة واحدة … وهي كلها في معنى الحج (1) . وفي موضع آخر ذكر رواية البخاري عن محمد عن عبد الأعلى. فقال الجياني: ولعله محمد بن المثنى الزمن؛ فقد قال بعد هذا بيسير: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى … الخ (2) . وعندما روى النخشبي حديثاً في تخريجه لفوائد الحنائي، جاء فيه رواية سعيد اللخمي عن حماد عن عمرو بن دينار وذكر حديثاً. فقال النخشبي: هكذا رواه حماد بن سلمة، وفي الأصل: «حماد» غير منسوب، وإنما عرفنا أنه حماد بن سلمة. لا حماد بن زيد؛ لأن قبله حديثاً عن سعيد عن حماد عن سماك، ولم يرو حماد بن زيد عن سماك، وإنما روى عنه حماد بن سلمة، وبعده حديث آخر عن سعيد عن حماد عن قيس بن سعد المدني. وحماد بن سلمة هو الذي روى عن قيس بن سعد المدني، دون حماد بن زيد، على أن الحديث مشهور عن حماد بن زيد ... الخ (3) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 وقال الحافظ ابن حجر في ترجيحه لنسبة أحد الرواة: ومما يدل على أنه هو أن البخاري قال في باب صلاة القاعد: «حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا روح بن عبادة» ، وقال بعده سواء: «وحدثنا إسحاق، حدثنا عبد الصمد» ، فهذه قرينة في أنه هو ابن منصور (1) . 8 – عن طريق تخريج طرق الحديث. فقد يرد هذا المهمل في بعض طرق الحديث منسوباً. قال السخاوي: ويزول الإشكال عند أهل المعرفة بالنظر في الروايات، فكثيراً ما يأتي مميزاً في بعضها (2) . ويترجح تعيين الراوي المهمل عن طريق التخريج إذا جاء من رواية الراوي عنه في إسناد آخر منسوباً، فهنا يترجح أن يكون هو، وأما إن جاء من رواية راوٍ آخر عن هذا المهمل، فهنا لا يصلح الترجيح؛ لاحتمال أن يكون الراوي الآخر قد رواه أيضاً. ومثاله: لو وجدنا رواية لسفيان مهملاً، وكان الراوي عنه أبو نعيم مثلاً، ثم وجدنا رواية أخرى لأبي نعيم وصرح فيها بتسمية سفيان وأنه الثوري، فهذه قرينة قوية في أن سفيان الوارد في الإسناد الأول هو الثوري، وأما إن وجدنا رواية أخرى وذكر اسم سفيان منسوباً، ولم تكن من رواية أبي نعيم، فهنا لا يصلح الترجيح؛ لاحتمال أن يكون ابن عيينة رواه أيضاً. ولكن إن وجدنا أكثر طرق الحديث ذُكر فيها اسم سفيان منسوباً، ووجدنا طريقاً واحداً فقط ذكر فيه مهملاً، فهنا قد نرجح بأنه هو الوارد منسوباً في الطرق الأخرى، ولكن لا نجزم بهذا. وقد يبقى الإشكال، أو يزداد؛ إذا تبين أن كلا الراويين يرويان الحديث نفسه. 9- وإذا لم يتضح المراد من الطرق السابقة جميعاً، فهنا يُحمل الأمر على الأقدم منهما والأشهر. ففي السفيانين، يحمل على أنه الثوري، وفي الحمادين يحمل على أنه ابن سلمة. وذلك ما يفهم من إطلاقات المحدثين، فدائماً ما يطلقون سفيان مهملاً، ويعنون به الثوري (3) . وإلى هذا أشار الذهبي في كلامه عن الحمادين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 قال الذهبي: فإن عري السند من القرائن – وذلك قليل – لم نقطع به أنه ابن زيد، ولا ابن سلمة، بل نتوقف، أو نقدره ابن سلمة (1) . فقوله: «ونقدره ابن سلمة» ، دلالة على أنه هو المراد إذا أطلق غالباً، والله أعلم. وقال الحافظ ابن حجر في أحد روايات البخاري عن علي: الأرجح أنه ابن المديني؛ لأن العادة أن الإطلاق إنما ينصرف لمن يكون أشهر، وابن المديني أشهر من اللبقي (2) . وسئل المزي عن عمرو بن خالد، الذي ذكره مسلم في مقدمة صحيحه، هل هو الواسطي، أو الأعشى؟ . فأجاب بقوله: أما عمرو بن خالد الذي ذكره مسلم في مقدمة كتابه، فهو الواسطي؛ لأنه المشهور دون الأعشى، وقد ذكره مسلم في معرض ضرب المثل، وإنما يُضرب المثل بالمشهور دون المغمور (3) . 10- ومما ينبغي التنبيه إليه إنه قد يهمل نسب الراوي إذا كان يؤمن أن يلتبس بغيره. كأن يكون مشهوراً وليس في طبقته من يوافق اسمه وشهرته، أو يكون اسمه فرداً، أو نحو ذلك. قال الخطيب: جماعة من المحدثين يُقتصر في الرواية عنهم على ذكر أسمائهم دون أنسابهم؛ إذا كان أمرهم لا يُشكل. ومنزلتهم من العلم لا تُجهل، فمنهم: أيوب بن أبي تميمة السختياني، ويونس بن عبيد، وسعيد بن أبي عروبة وهشام بن أبي عبد الله، ومالك بن أنس، وليث بن سعد، ونحوهم من أهل طبقتهم. وأما ممن كان بعدهم، فعبد الله بن المبارك يروي عنه عامة أصحابه فيسمونه، ولا ينسبونه. وقال أيضاً: وربما لم يُنسب المحدث إذا كان اسمه مفرداً عن أهل طبقته؛ لحصول الأمان من دخول الوهم في تسميته وذلك مثل: قتادة بن دعامة السدوسي، ومسعر بن كدام الهلالي … ، وهكذا من كان مشهوراً بنسبته إلى أبيه، أو قبيلته، فقد اكتفى في كثير من الروايات عنه بذكر ما اشتهر به، وإن لم يُسم هو فيه، وذلك نحو الرواية عن ابن عون، وابن جريج وابن لهيعة … ، وكنحو الرواية عن الشعبي، والنخعي، والزهري ... الخ (4) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 هذا ما تيسر لي جمعه وتحريره في بيان هذه القواعد والوسائل، أرجو أن أكون قد وفقت في عرضها وتوضيحها، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. • • • خاتمة البحث: وفي ختام هذا البحث أحمد الله عز وجل أن هيأ لي إتمامه على هذا الوجه، وأسأله أن يكون فيه فائدة لي وللمشتغلين بعلوم السنة النبوية، وأن تكون النتائج التي توصلت إليها صائبة أو قريبة من الصواب، كما أسأله عز وجل أن ينفعني به في الدنيا والآخرة. ويحسن بي في نهاية المطاف أن أسجل أهم نتائج هذا البحث، ومنها ما يلي: إن تمييز وتعيين الراوي المهمل أمر ليس باليسير، وقد يأخذ من الباحث وقتاً طويلاً، وقد حاولت في هذا البحث أن أبين بعض القواعد التي تعين على تيسير هذا الأمر قدر الإمكان. إن الراوي المهمل إذا ذكر فإنما ينصرف إلى الأشهر غالباً، فإذا أطلق سفيان فيراد به الثوري، وإذا أطلق حماد فيراد به ابن سلمة، وهكذا، وهذا ما يُفهم من صنيع كثير من الأئمة. إن الراوي إذا أطلق اسم شيخه مهملاً، فينصرف إلى من له به اختصاص وملازمة. إنه يمكن تعيين الراوي المهمل أحياناً بالنظر في صيغة تحديثه، حيث عرف عن بعض الأئمة ممن قد يردون مهملين أنهم يقتصرون على صيغة واحدة دون غيرها. إن الثوري إذا حدث عن الضعفاء فلا يذكرهم بأسمائهم وإنما بكناهم. إلى غير ذلك من الوسائل والقواعد المذكورة في ثنايا البحث. هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الحواشي والتعليقات () وقد كتب فيهما بحثاً طويلاً بعنوان «تمييز السفيانين عند ورودهما في الروايات مهملين» لعل الله أن ييسر نشره قريباً. (2) ذكره له غير واحد من العلماء، انظر المعجم المفهرس ص156، المجمع المؤسس 2/308، صلة الخلف ص410. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 (3) ذكر الشيخ الألباني – رحمه الله – في فهرس الظاهرية ص268، ضمن مؤلفات الخطيب: «قطعة في ما أبهم من الأسماء» ثم علق عليها بقوله: للمؤلف كتاب المكمل في بيان المهمل … فأنا أظن هذه القطعة من مختصر هذا الكتاب. والله أعلم. قلت: ذكر الشيخ أن القطعة في ما أبهم من الأسماء، وليس ما أهمل، والخطيب له مؤلف في المبهمات، وستأتي الإشارة إليه، ولعل هذه القطعة منه، والله أعلم. (4) وقد حقق هذا الباب بخصوصه فضيلة الشيخ د. عبد الله بن حمود التويجري في رسالته للماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. كما طبع هذا الباب مستقلاً باسم: «التعريف بشيوخ حدّث عنهم محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه وأهمل أنسابهم وذكر ما يُعرفون به من قبائلهم وبلدانهم» بتحقيق محمد السعيد زغلول. ثم طبع هذا الباب أيضاً في المغرب، وصدر عن وزارة الأوقاف المغربية في مجلدين. أما بقية الكتاب فقد حققه مجموعة من الباحثين في جامعة الإمام، وجامعة الملك سعود كرسائل ماجستير، ولم يطبع منها شيء حتى الآن، سوى جزء واحد، وهو المطبوع باسم: «التنبيه على الأوهام الواقعة في الصحيحين من قبل الرواة قسم البخاري» ، وهو بتحقيق محمد صادق آيدن، وصدر عن دار اللواء بالرياض. (5) وهذا الكتاب مطبوع في آخر كتاب الخطيب المتقدم، وإنما ذكرت ذلك لأني قد وجدت بعض طلبة العلم يظن أنه لا زال مخطوطاً. (6) انظر: المحدث الفاصل (ص279) ، وما بعدها، علوم الحديث لابن الصلاح (ص328) ، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/72، إرشاد طلاب الحقائق 2/738، التقريب والتيسير للنووي (ص99) ، تهذيب الكمال 7/269، سير أعلام النبلاء 7/464، المقنع في علوم الحديث 2/621، فتح المغيث 3/255، تدريب الراوي 2/830. (7) المحدث الفاصل ص 285، رقم (87) . وما ذكره أبو طالب ليس بصحيح، وقد فصلت ذلك في بحث لي بعنوان: «تمييز السفيانين عند ورودهما في الروايات مهملين» في ترجمة الوليد بن مسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 (8) انظر طبقات الشافعية للسبكي 10/406، 407. (9) فتح الباري 1/246، حديث رقم (111) . (10) فتح الباري 10/87، حديث رقم (5617) . (11) فتح الباري 13/312، حديث رقم (7317) . (12) وقع في المطبوع: «على من الراوي عنه باختصاص» ولعل الصواب ما أثبته، والمطبوعة كثيرة الأخطاء. (13) الأجوبة الواردة على الأسئلة الوافدة ص55. (14) الأجوبة الواردة على الأسئلة الوافدة ص56. (15) المحدث الفاصل ص284، رقم (84) . (16) تدريب الراوي 2/830. (17) تهذيب الكمال 7/269، ونقله الذهبي في السير 7/465، وزاد فيه قليلاً. (18) انظر طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 10/406، 408. (19) معرفة علوم الحديث ص230، 231. (20) التعريف بشيوخ حدّث عنهم محمد بن إسماعيل البخاري وأهمل أنسابهم (ص43) . (21) التعريف بشيوخ حدث عنهم البخاري (ص106) . (22) فتح الباري 4/512 (2259) . (23) فتح الباري 6/225، حديث رقم (3089) . (24) الأجوبة الواردة على الأسئلة الوافدة ص55. (25) الأجوبة الواردة على الأسئلة الوافدة ص57. (26) فتح المغيث 3/257. (27) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/73، فتح المغيث 3/256. (28) التعديل والتجريح 2/620. (29) المحدث الفاصل ص284، رقم (85) . (30) سير أعلام النبلاء 7/466. (31) الجامع لأخلاق الراوي 2/50، الكفاية ص284، 285. (32) الكفاية (ص285) . (33) الكفاية (ص285) . (34) صحيح البخاري (مع الفتح) 6/566، كتاب أحاديث الأنبياء، باب نزول عيسى، رقم 3448. (35) فتح الباري 6/566. (36) صحيح البخاري (مع الفتح) 3/72، كتاب التهجد، باب صلاة النوافل جماعة، رقم 1185. (37) فتح الباري 3/74. (38) صحيح البخاري (مع الفتح) 4/84، كتاب جزاء الصيد، باب حج الصبيان، رقم 1857. (39) فتح الباري 4/85. (40) صحيح البخاري (مع الفتح) 13/46، كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع جبريل، رقم 7485. (41) فتح الباري 13/ 470. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 (42) صحيح البخاري (مع الفتح) 13/370، كتاب التوحيد، رقم 7376. (43) فتح الباري 13/372. (44) انظر فتح الباري 2/125 (622، 623) ، 4/255 (1974) ، 4/572 (2312) ، 13/283 (7290) ، هدي الساري ص239، 240. (45) الأجوبة الواردة على الأسئلة الوافدة ص58. (46) سؤالات السجزي للحاكم ص88، رقم 51. (47) المعرفة والتاريخ 3/146. (48) المعرفة والتاريخ 3/65. (49) التاريخ الصغير 2/89. (50) التاريخ الكبير 2/313. (51) الجرح والتعديل 1/73. (52) انظر التقريب (5685) . (53) سؤالات الآجري 2/143، الضعفاء للعقيلي 2/210. (54) الضعفاء الكبير للعقيلي 2/210. (55) سؤالات الآجري 1/329 (556) . (56) الضعفاء الكبير للعقيلي 1/222. (57) الضعفاء الكبير للعقيلي 2/258. (58) النكت على مقدمة ابن الصلاح 2/99. (59) تدريب الراوي 1/265. (60) سير أعلام النبلاء 7/242. (61) تاريخ ابن معين برواية الدوري 2/213. (62) معرفة علوم الحديث ص210. (63) انظر شرح علل الترمذي 1/356. (64) الجرح والتعديل 1/47. (65) الكفاية ص 123، 124. (66) الضعفاء الكبير 3/443. (67) انظر الكفاية في علم الرواية ص 120. (68) تاريخ ابن أبي خيثمة ص417 – 419. (69) العلل 1/452 (1026) . (70) أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص352، رقم 286، وابن المقرئ في معجمه ص151، رقم 444. والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي 1/318، والقاضي عياض في الإلماع ص199، من طرق عن الحسن بن قتيبة به. (71) التعريف بشيوخ حدث عنهم البخاري (ص79) . (72) المصدر السابق (ص 74) . (73) فوائد أبي القاسم الحنائي الجزئي الثالث، ص34، 35، رقم 24. (74) هدي الساري (ص241) . (75) فتح المغيث 3/256، 257. (76) والأمثلة على ذلك كثيرة جداً يصعب حصرها، فكثيراً ما يطلق أحدهم سفيان، ويتبين أنه الثوري. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 انظر مثلاً: الجرح والتعديل 2/124، 294، 3/201، 239، 514، 527، 560، 475، 4/70، 184، 6/273، سنن النسائي 4/131، تحفة الأشراف 5/204، سير أعلام النبلاء 9/403، وغيرها كثير كما تقدم. وفي الجرح 6/269 (1485) ساق ابن أبي حاتم الرواة عن المترجم فقال: وسفيان، وشعبة، وابن عيينة. وكل هذا يدل على أن إطلاق اسم سفيان على الثوري اصطلاح معروف عندهم، والله أعلم. (77) سير أعلام النبلاء 7/464. (78) فتح الباري 4/512 (2259) . (79) انظر طبقات الشافعية للسبكي 10/407. (80) الجامع لأخلاق الراوي 2/72، 73. لمصادر والمراجع الأجوبة الواردة على الأسئلة الوافدة، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، تحقيق أبي يحيى الفيشاوي، دار الصحابة. طنطا، الطبعة الأولى 1412هـ. أخبار المكيين من تاريخ ابن أبي خيثمة: أحمد بن زهير (ت279) تحقيق إسماعيل حسن حسين، دار الوطن. الرياض، الطبعة الأولى 1418هـ. إرشاد طلاب الحقائق، للإمام النووي: أبي زكريا يحيى بن شرف (ت 676) ، تحقيق عبد الباري السلفي، مكتبة الإيمان، المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1408هـ. الإلماع إلى معرفة الرواية وتقييد السماع، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي (544) ، تحقيق السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، الطبعة الأولى 1398هـ. التاريخ، للإمام يحيى بن معين (ت233) ، برواية الدوري، تحقيق د. أحمد نور سيف، مركز البحث العلمي، جامعة الملك عبد العزيز، الطبعة الأولى 1399هـ – 1979م.- تاريخ ابن أبي خيثمة: انظر: أخبار المكيين من تاريخ ابن أبي خيثمة. التاريخ الأوسط (المطبوع باسم الصغير) ، للإمام البخاري: محمد بن إسماعيل (ت256) ، تحقيق محمود زايد، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ.- التاريخ الصغير، للبخاري، انظر: التاريخ الأوسط. التاريخ الكبير، للإمام البخاري، محمد بن إسماعيل (ت256) ، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، للحافظ المزي: يوسف بن عبد الرحمن (ت742) ، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، الهند، الطبعة الثانية 1403هـ. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، للحافظ السيوطي (ت911) ، تحقيق نظر الفريابي، مكتبة الكوثر، الرياض. الطبعة الثانية 1415هـ. التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح، لأبي الوليد الباجي (ت474) ، تحقيق د. أبو لبابة الطاهر حسين، دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى 1406هـ. التعريف بشيوخ حدّث عنهم محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه وأهمل أنسابهم وذكر ما يعرفون به من قبائلهم وبلدانهم، لأبي علي الحسين بن محمد الجياني الغساني (ت498) ، وهو جزء من كتابه تقييد المهمل، تحقيق أبي هاجر السيد زغلول، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1418هـ. التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير، للنووي يحيى بن شرف الشافعي (ت676) تحقيق عبد الله البارودي، دار الجنان، بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ. تقريب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا، الطبعة الأولى 1406هـ – 1986م. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للمزي: يوسف بن عبد الرحمن (ت842) ، تحقيق بشار عواد، مؤسسة الرسالة. بيروت، الطبعة الأولى. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي: أحمد بن علي (ت463) تحقيق محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1403هـ. الجرح والتعديل، للإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت327) ، تحقيق عبد الرحمن المعلمي، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية، الطبعة الأولى 1372هـ – 1953م. سنن النسائي الصغرى (المجتبى) ، للإمام النسائي (ت303) باعتناء عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية. بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ – 1986م. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 سؤالات مسعود السجزي للحاكم النيسابوري، تحقيق موفق عبد القادر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ 1988م. سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، محمد بن أحمد (ت748) ، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة. بيروت، الطبعة الأولى. شرح علل الترمذي، لابن رجب الحنبلي (ت795) ، تحقيق د. همام سعيد، مكتبة المنار، الأردن، الطبعة الأولى 1407هـ. صحيح البخاري، المطبوع مع فتح الباري، انظر: فتح الباري. صلة الخلف بموصول السلف، لمحمد بن سليمان الروداني (ت1094) ، تحقيق د. محمد الحجي، دار الغرب الإسلامي. بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ. طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي، عبد الوهاب بن علي (ت771) ، تحقيق محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو، مطبعة عيسى الحلبي، الطبعة الأولى 1383هـ. الضعفاء الكبير، لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي (ت322) ، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية. بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ. العلل ومعرفة الرجال، للإمام أحمد بن حنبل (ت241) ، تحقيق وصي الله عباس، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ – 1988م. علوم الحديث، للإمام ابن الصلاح: عثمان بن عبد الرحمن (ت643) ، تحقيق د. نور الدين عتر، المكتبة العلمية. بيروت، الطبعة الأولى 1401هـ. الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي: أحمد بن علي (ت462) ، مصورة عن الطبعة الهندية، المكتبة العلمية. المدينة النبوية. فتح الباري، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، تحقيق محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية، القاهرة، الطبعة الثانية 1400هـ. فتح المغيث، شرح ألفية الحديث، للسخاوي: محمد بن عبد الرحمن (ت902) تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة النبوية، الطبعة الثانية 1388هـ. فوائد أبي القاسم الحنائي (459) ، تخريج النخشبي، مصورة عن مخطوطة الظاهرية، إعداد محمود الحداد، دار تيسير السنة، الطبعة الأولى 1411هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 المجمع المؤسس للمعجم المفهرس، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، تحقيق د. يوسف المرعشلي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1413هـ. المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للرامهرمزي: الحسن بن عبد الرحمن (ت360) تحقيق محمد عجاج الخطيب. دار الفكر، الطبعة الثالثة 1404هـ. المعجم المفهرس … .، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، تحقيق محمد شكور المياديني، مؤسسة الرسالة. بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ. المعجم، لابن المقرئ (ت381) تحقيق أبي عبد الرحمن عادل بن سعد، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1419هـ. المعرفة والتاريخ، للفسوي، يعقوب بن سفيان (ت277) ، تحقيق د. أكرم العمري، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1401هـ – 1981م. المقنع في علوم الحديث، لابن الملقن: عمر بن علي (ت804) ، تحقيق عبد الله الجديع، دار فواز للنشر والتوزيع. الأحساء، الطبعة الأولى 1413هـ. هدي الساري، مقدمة فتح الباري، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، تحقيق محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية، القاهرة، الطبعة الثانية 1400هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 صفة الرضا بين الإثبات والتعطيل وأثر الإيمان بها في حياة المسلم د. سالم بن محمد القرني الأستاذ المشارك بكلية الشريعة وأصول الدين - جامعة الملك خالد ملخص البحث اشتمل البحث على: مقدمة: فيها أهميته، وسبب اختياره، والخطة التي سرتُ عليها فيه. ثُمَّ تسعة مباحث؛ بينت في الأول معنى الرضا في اللغة والشرع. وفي الثاني: قاعدة جامعة في إثبات الأسماء والصفات، والأسس التي يقوم عليها هذا التوحيد عند السلف، رحمه الله وفي الثالث: ذكرت الأدلة على إثبات صفة الرضا لله - تعالى -، من القرآن، والسنة، والأثر، ودلالة العقل عليها وفي الرابع: بينت اعتقاد السلف - أهل السنة والجماعة - في صفة الرضا. وفي الخامس: بينت أن صفة الرضا ذاتية لاتنفك عن الله - تعالى -، وفعلية اختيارية، تتعلق بمشيئته وإرادته. وفي السادس: أن صفة الرضا لله غير مخلوقة، وأن من قال إنها مخلوقة فقد خالف الحق والصواب. وفي السابع: ناقشت المخالفين لدلالة القرآن والسنة والأثر والعقل في صفة الرضا، من الجهمية، والمعتزلة ومن وافقهم، ورددت قولهم في أنها مخلوقة منفصلة عن الله. وقول الكلابية وموافقيهم من السالمية، في زعمهم أنها صفة ذات لا صفة فعل، وأنها لولا كانت صفة فعل لكانت مخلوقة. كما بينت الجواب عن شبهة التجسيم، وذكرت الردود العامة على من نفى صفة الرضا عن الله - تعالى -. وفي الثامن: أوضحت أثر الإيمان بصفة الرضا في حياة المسلم، وثمرته، ومنزلته، وفضله، وما يترتب على ذلك في الآخرة من التنعم برضا الله - تعالى -، وأنه أكبر من كل نعيم، وأن أثره في القبول أكبر من كل أثر. وفي التاسع: ذكرتُ بعض أسباب تحقق الرضا للمؤمن من الحمد، والشكر، والشوق إلى لقاء الله، والمبادرة إلى طاعاته، وإن اكتنفها مشقة، وخوف، أو نحو ذلك. ثُمَّ ختمتُ البحث بذكر نتائجه على وجه الاختصار. والله الموفق،،، • • • المقدمة: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً - أمَّا بعد: فلقد امتن الله عزّوجلّ على عباده أعظم منة، فأرسل إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين، تلوا عليهم آياته، وبصروهم بسبل مرضاته، وكان خاتمهم وآخرهم وسيدهم ولا فخر محمد (الذي هدى أمته إلى الصراط المستقيم الذي لا عوج فيها فلم يكن للعباد غنية عن هذه النعمة؛ لأنهم لولاها لوكلوا إلى عقولهم وأهوائهم، فضلوا وأضلوا، وما أمكن أحد من الخلق أن يعلم التحريم من التحليل، ولا الغيب من الشهادة، ولا عرف ثواباً ولا عقاباً، ولا بعثاً ولا حساباً، ولا تميز حق من باطل ولا كفر من إيمان ولا عبادة لإبليس من عبادة الرحمن فيكون الخلق عبثاً لا حكمة وراءه ولا معنى وهذا ما يتنزه عنه الحكيم الخبير {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (1) . فلم يدع العليم الخبير تقويم السلوك لعقل الإنسان المجرد وإنَّما جعله أداة يعقل بها مراده به سبحانه وتعالى فهو تبع لوحي الله وتشريعه، ليس له حق الابتداء على الخالق، وإنشاء الأحكام والتشريع. فكانت أمة محمد (- أتباعه وأصحابه ومن سار على نهجه - خير أمة في عقيدتها وسلوكها وتفكيرها، في عملها وأدائها لواجباتها، في ترابطها وتضامنها، في انضباطها وأمنها، وتسليمها لأمر الله وسنة نبيه محمد (، فأسست بنيانها على تقوى من الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في دار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين} (1) ، {أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} (2) . عرفت أمة محمد – (- ربها بأسمائه وصفاته وأفعاله، بتعليم ربها سبحانه ومعلمها وهاديها ونبيها عليه الصلاة والسلام. ثُمَّ عملت بأمره واجتنبت نهيه، فكانت خير أمة أخرجت للناس: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْء َامَنَ أَهْلُ الْكتابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (3) . إن الفلاح كل الفلاح معرفة الله بأسمائه وصفاته، وتوحيده وحده لا شريك له في عبادته ولا في ملكه ولا في أمره له الخلق وحده، وله الأمر وحده، فله العبادة وحده. وبهذا تكون النجاة من الهلاك والضياع والدمار المادي والمعنوي. ولقد علق ربنا سبحانه وتعالى فلاح العباد وفوزهم بطاعة الرسول – (-: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَي اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولائِكَ هُمُ الْفَآئِزُونَ} (4) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 عرفوا الله واتبعوا أمره؛ يبتغون بذلك رضوانه، فكانوا مثلاً يحتذى به، وقدوة صالحة لكل الأمم قبلهم وبعدهم: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْئَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمَا} (1) . أمَّا من خالف سنة المصطفى - (- في القول والفعل، فيما يعقل ويعلم، وفيما يعمل؛ فإنه لا حياة له في الدنياعلى الحقيقة، ومآله في الآخرة الإهانة والفضيحة: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (2) ، {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} (3) ، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (4) . فهما طريقان لا ثالث لهما: اتباع للرسول وطاعته، أو اتباع للهوى، فمن لم يتبع الرسول اتبع الهوى ولابد: {وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (5) ، فاتباع محض العقول دون ماجاء به الرسول اتباع للهوى وعدول عن الصراط المستقيم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) فالصراط المستقيم واحد، والحيد عنه يكون إلى سبل متشعبة ترجع إلى اتباع الهوى باتباع الشيطان ولقد صور ذلك رسول الله - (- فيما رواه عنه ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: خط لنا رسول الله - (- خطاً، ثُمَّ قال: {هذا سبيل الله} ثُمَّ خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثُمَّ قال: {هذه سبل متفرقة، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه} ثُمَّ قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} (2) (3) . وكان الصحابة والتابعون والسلف الصالح على منهج الهدى واتباع الرسول - (-. ثُمَّ خلف من بعدهم خلف لم يقنعوا بوحي الله وتشريعه، ورأوا أن هناك حاجة إلى ما زعموا من تصحيح وزيادة وحذف فأعملوا عقولهم، وأخضعوا الوحي لها، فتشعبت السبل بالناس، ووقع ما خاف من وقوعه النبي - (- كما قال: {إنَّما أخاف على أمتي الأئمة المضلين} (4) . وكما قال: {إن مِمَّا أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى} (5) . فوقع الاختلاف، وحصل الجدل بالباطل، وزين ذلك إبليس في أعين كثير من الناس، وحسبوه عين العقل والاستقامة. ولما كانت مسائل الأسماء والصفات من أعظم مطالب الدين، وأشرف علوم الأولين والآخرين، وأدقها في عقول أكثر العالمين - كان من أعظم ما حصل فيه الاختلاف ما أحدثته المبتدعة من الخوض في ذات الله وأسمائه وصفاته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 ومن أبين ذلك ما أحدثته الجهمية (1) من وصف الباري سبحانه بالنقائص، وتعطيل صفات الكمال التي أثبتها لنفسه وأثبتها له أعلم الخلق به رسول الله - (-، فاعتقدوا أن صفات الله ليست على الحقيقة، بل هي مجاز، وأراد مؤسس منهجهم إبطال الرسالة، كما يتضح ذلك من قوله: { ... لو وجدت سبيلاً إلى حكها لحككتها من المصاحف} يقصد: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2) . وتأثر كثير من المسلمين بذلك، وخاضوا في ذلك، فتفرقت الكلمة، وأعجب كل حزب برأيه، فظهر من نفى أسماء الله - تعالى - وصفاته، وظهر من نفى صفاته مع إثبات أسمائه، وظهر من أثبت الأسماء وبعض الصفات، وكان التأويل المذموم، وانحرف كثير من الناس بهذه الطرق والمناهج المبتدعة، وما يزال التأثر بها قوياً، رأينا أثره، ولمسنا نتائج التساهل به عند بعض المتعلمين، خاصة في هذا العصر الذي اختلطت فيه الثقافات، وكثرت وسائل النشر لهذه الاعتقادات وأصبح الحق فيه عند بعض الناس غريباً، واستعمل العقل في كثير من العلوم بعيداً عن الوحي، وقلت منزلة وعظمة أسماء الله وصفاته، التي تزيد الإيمان وتشعر العبد بعظمة الخالق الديان، وأنه الواحد الفرد الصمد، الذي تصمد إليه كل الخلائق هو وحده - سبحانه - المتصرف في هذا الكون، له الكمال المطلق في ذاته وصفاته. ولكن ضعف هذا الاعتقاد في نفوس كثير من المسلمين، الذين تأثروا بالفلسفات الغربية الحديثة والقديمة، وأصبحوا في حاجة إلى معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، كما يستحق - سبحانه - لتنتظم حياتهم وتصح عبوديتهم له، وطاعتهم لشرعه، ولاشك أن من لم يعظم ويثبت صفاته - سبحانه - على ما يليق به إثباتاً صادقاً يستشعر فيه عظمة الله - تعالى - فإنه سيقصر في امتثال شرعه والعمل بأحكامه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 فالجهم بن صفوان (1) المنكر لصفات الله، لما أنكرها وأنكر أسماءه - سبحانه - ضعف يقينه بالله، حتى شك في وجوده، وذكر أنه بقي أربعين يوماً لايصلي حتى يثبت أن له رباً يعبده (2) . فلا عبادة صحيحة ولا عمل بشرعه إلاَّ بإثبات ربوبية الله - سبحانه - وعظمته وكماله بأسمائه وصفاته. ويهدف هذا البحث في صفة الرضا إلى طريقة إثبات هذه الصفة، والتعريف بها؛ من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. وإلى كشف الزيف الذي تلبست به في كثير من كتب أهل الكلام. كما يهدف تجلية القاعدة الضابطة في إثبات هذه الصفة، كغيرها من صفات الله - عز وجل - الموضوعة حماية للعقول والقلوب من الانحراف في توحيد الأسماء والصفات: أهم مباحث الاعتقاد المصحح لسير العباد على منهج شرع الله القويم. فهذا هو المنهج الذي كان عليه السلف الصالح، والأئمة الحنفاء، وسار عليه أتباعهم بإحسان من بعدهم، وإن من مهمات هذا البحث بيان فساد الانحرافات التي شط أصحابها عن منهج أهل السنة والجماعة في صفة الرضا، بل وعن منهج القرآن والسنة من قبل ومن بعد. وبيان معرفة هل صفة الرضا من الصفات الذاتية أم من الصفات الفعلية. ثُمَّ أثر الإيمان بثبوت هذه الصفة لله على سلوك العبد، والتزامه شرع الله تعالى وسنة نبيه - (-. ولهذا كله عزمت أن أذكر مذهب السلف ومن اتبعهم بإحسان - رحمة الله عليهم - في صفة الرضا؛ ليسلك سبيلهم من أحب الاقتداء بهم والكون معهم في الدار الآخرة، إذ كان كل تابع في الدنيا مع متبوعه في الآخرة، وسالك حيث سلك موعوداً بما وعد به متبوعه من خير أو شر، دل على هذا قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (3) . فكذلك كل من اتبع إماماً في الدنيا في سنة أو بدعة أو خير أو شر كان معه في الآخرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 فمن أحب الكون مع السلف الصالح في الآخرة، وأن يكون موعوداً بما وعدوا به من الجنات والرضوان، فليتبعهم بإحسان: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأولائِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} (1) ، {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2) . ومن اتبع غير سبيلهم دخل في عموم قوله تعالى: {لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا، وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيرًا} (3) . وقد جعلت عنوانه {صفة الرضا بين الإثبات والتعطيل وأثر الإيمان بها في حياة المسلم وبعد مماته} وكان بعد هذه المقدمة في عدة مباحث: المبحث الأول: في تعريف الرضا في اللغة والشرع. المبحث الثاني: قاعدة في إثبات الأسماء والصفات. المبحث الثالث: في إثبات صفة الرضا. أ) - بالقرآن الكريم. ب) - بالسنة النبوية. ج) - بالأثر. د) - بالعقل. المبحث الرابع: في فضل صفة الرضا. المبحث الخامس: صفة الرضا غير مخلوقة. المبحث السادس: صفة الرضا ذاتية فعلية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 المبحث السابع: في مناقشة المعطلة لصفة الرضا. المبحث الثامن: في أثر الإيمان بصفة الرضا في حياة المسلم وبعد مماته. المبحث التاسع: في بعض أسباب حصول الرضا. ثُمَّ الخاتمة. وقد خرجت الأحاديث، وعرفت بالأعلام غير الصحابة والمشهورين، والفرق والملل، ووضعت فهارس عامة للآيات والأحاديث والآثار والأشعار والمراجع ومباحث الكتاب. وحسبي أني اجتهدت في بيان الحق لرضا ربي ورب الخلق، وأسأل الله لي ولوالدي المغفرة والرضوان، وإخلاص النية في الابتداء وحسن العمل وحسن المآل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه الكرام. المبحث الأول: الرضا في اللغة والشرع الرضا: مقصور، مصدر رضي يرضى، وهو ضد السخط، والسخط: الكراهية للشيء وعدم الرضا به (1) . والرضا من صفات القلب والذات، ومن صفات الأفعال (2) ، ورضي عنه وعليه، ورضيت الشيء ارتضيه، فهو مرضي ومرضو (3) . والرضا متضمن معنى الحب والإقبال، ويعدى ب على حملاً للشيء على نقيضه (4) . وفي التنزيل {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ"} (5) ، ومعناه: رضي عنهم أنفسهم، ورضي أفعالهم، ورضوا عن ربهم وعن ماجازاهم به (6) . وأرضاه أعطاه ما يرضى به، عكس ترضَّاه: أي طلب رضاه (7) . والرِّضوان بالكسر، والرُّضوان بالضم، والمرضاة مثله مصدر (8) . ويمد الرضاء إذا كان بمعنى المراضاة، ويقصر إذا كان مصدر رضي يرضى فيكون مصدراً محضاً (9) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 وقد جاءت نصوص إثبات صفة الرضا لله - تعالى - في النصوص الشرعية بصيغة الماضي، كما في قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (1) ، وقوله: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (2) . وقوله: {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} (3) ، {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (4) ، وقوله: {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} (5) ، {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} (6) . وجاء إثباتها بصيغة المضارع كما في قوله تعالى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (7) ، وقوله سبحانه: {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} (8) ، وقوله: {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} (9) ، وقوله: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} (10) ، وقوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (11) وغيرها، وقوله (: {إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ... } (12) . وجاء إثباتها بالمصدر، كما في قوله: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} (13) ، وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) } (14) ، وقوله: {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَآءَ مَرْضَاتِي} (15) . وقوله: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} (16) ، وقوله سبحانه: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَ! نٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} (17) وغيرهما، وفي الحديث: { ... أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً} (18) ، وفيه: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك} (19) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 ومعنى الرضا مفهوم معلوم، وكيفيته مجهولة، والإيمان برضا الله واجب على ما يليق به - سبحانه وتعالى -. قال الإمام الطبري في تفسيره: {واختلف في معنى الرضا من الله - جلّ وعزّ -، فقال بعضهم:الرضا منه بالشيء: القبول له والمدح والثناء. قالوا: فهو قابل الإيمان، ومزك له، ومثن على المؤمن بالإيمان، وواصف الإيمان بأنه نور وهدى وفضل. وقال آخرون: معنى الرضا من الله - جلّ وعز - معنى مفهوم، هو خلاف السخط، وهو صفة من صفاته على ما يعقل من معاني الرضا، الذي هو خلاف السخط، وليس ذلك بالمدح؛ لأن المدح والثناء قول، وإنَّما يثنى ويمدح ما قدر رُضِي. قالوا: {فالرضا معنى، والثناء والمدح معنى ليس به} (1) . والصحيح القول الثاني؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - عظيم، ومهما تخيل العبد من معاني العظمة فالله أعظم مِمَّا قد يتخيل، وكذلك صفته، ولو تخيل الإنسان عظمة صفات الله، فصفاته - سبحانه - أعظم مِمَّا قد يتخيل وكمالها أكبر مِمَّا قد يتخيل من الكمال، فله الكمال المطلق، وصفاته كمال مطلق - سبحانه وتعالى -. قال ابن تيمية - رحمه الله -: {من تصور شيئاً اعتقد أنه حقيقة الرب فالله بخلاف ذلك} (2) . والله أعلم بحقيقة رضاه سبحانه، بل بحقيقة كل صفاته؛ لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين - سبحانه وتعالى - إنَّما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فكذلك إثبات صفاته إنَّما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد ولا تكييف؛ وهو إثبات على الحقيقة. فالرضا صفته - سبحانه - معلوم معناها، نثبتها على مراده - سبحانه - على الحقيقة، ولانعلم لأحد ممن تقدم أو تأخر أنه يتكلف أو يقصد إلى قول من عنده في صفة الرضا، أو غيرها من الصفات، أو في تفسير كتاب الله، أو معاني حديث رسول الله - (-، أو زيادة على ما في النص أو نقصان منه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 قال ابن خزيمة: {إن الأخبار في صفات الله موافقة لكتاب الله - تعالى - نقلها الخلف عن السلف قرناً بعد قرن، من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا، على سبيل الصفات لله - تعالى - والمعرفة والإيمان به والتسليم لما أخبر الله - تعالى - في تنزيله ونبيه الرسول - (- عن كتابه، مع اجتناب التأويل والجحود وترك التمثيل والتكييف} (1) . المبحث الثاني: قاعدة في إثبات الصفات الأصل الذي تقوم عليه هذه الدراسة هو الوحي المنزل على محمد - (- فقد جاء معرفاً للعباد برب العباد والأصل في توحيد الصفات هو: {أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله نفياً وإثباتاً، فيثبت لله ما أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه عن نفسه} (2) . وقد كان السلف - رحمهم الله تعالى - على هذه القاعدة العظيمة وهذا الأصل الشريف، فيثبتون لله ما أثبته من الصفات، من غير تكييف ولا تمثيل، وينفون عنه ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير إلحاد، لا في أسمائه، ولا في صفاته، عملاً بقول الله - تعالى - في ذم الملحدين في أسمائه بقوله: {وَلِلَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3) وذم الملحدين في آياته بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيءَايَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيءَامِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (4) . وهذه الطريق هي الطريق المثلى، فهي تتضمن إثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات، إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل، كما في قوله - سبحانه وتعالى -: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (1) ، فقوله - سبحانه -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} نفي ورد للتمثيل والتشبيه وقوله - عزّوجل -: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} مناقض للإلحاد والتعطيل (2) . فهذا المذهب يقوم على أسس سليمة هي: 1) - أن أسماء الله وصفاته توقيفية، فما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله - (- وجب إثباته وما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله وجب نفيه، أمَّا ما لم يرد فيه نفي ولا إثبات، كالعرض (3) ، والجسم (4) والجوهر (5) . فيتوقفون فيه: لايثبتونه ولاينفونه. 2) - أن ما وصف الله به نفسه فهو حق على حقيقته، ليس فيه لغز ولا أجاج، بل معناه يعرف حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه، فهم يثبتون ألفاظ الصفات ومعانيها التي تدل عليها هذه الألفاظ. وبهذا الاعتبار فليس ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله، أو بعضه من المتشابه الذي لايعلم تأويله إلاَّ الله ويجب تفويض معناه إليه؛ لأن هذا معناه جعل أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لايُفهم، والله تعالى قد أمرنا بتدبر القرآن كله، وحضنا على عقْلِه وفهمه فكيف يجوز مع ذلك أن يُراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته؛ لأن هذا معناه أنه أمرنا باعتقاد ما لم يوضحّه لنا - تعالى الله عن ذلك -، فمعاني الصفات معلومة عند السلف وكيفيّتها مجهولة والإيمان بها واجب، والسؤال عن كيفيتها بدعة. وعلى هذا فألفاظ الصفات من قبيل المحكم، وليست من المتشابه، فإن معناها واضح ومعروف في لغة العرب التي نزل بها القرآن، وأمَّا كيفيتها فمما استأثر الله - تعالى - بعلمه، ومن نسب إلى السلف إدخال أسماء الله وصفاته أو بعضها في المتشابه، وأنهم يفوضون معناها فقد كذب عليهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 3) - أنهم يثبتون لله الصفات إثباتاً بلا تمثيل، فلايمثلونها بصفات خلقه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ} ؛ ولأن العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، والله تعالى - لا يَعْلَمُ كيفية ذاته إلاَّ هو فالكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن لله ذاتاً لاتشبه الذوات، فكذلك له صفات لاتشبه الصفات. 4) - وكما أنهم يثبتون لله الصفات التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسوله، من غير أن يشبهوها بصفات خلقه فهم كذلك ينزهون الله عن النقائص والعيوب، تنزيهاً لايفضي بهم إلى نفي صفاته وأسمائه الحسنى بتأويل معانيها أو تحريف ألفاظها عن مدلولها؛ كما يفعله المؤوّلة، فمذهبهم في ذلك وسط بين التمثيل والتعطيل، فتجنبوا التعطيل في مقام النفي والتنزيه، وتجنبوا التشبيه في مقام إثبات الصفات فسلموا من الإفراط والتفريط، ومن الغلو والتقصير: (الغلو للمشبهة والتقصير للمعطلة) . 5) - طريقتهم فيما يثبتونه لله من الصفات وما ينفونه عنه من النقائص هي: الإجمال في النفي، والتفصيل في الإثبات، دل على ذلك الكتاب والسنة، كما في قوله - تعالى -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (1) فأجمل في النفي، وهو قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، وفصّل في الإثبات، وهو قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ، وكما ذكر في آية الكرسي، وسورة الإخلاص، وغيرهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 ثُمَّ إنه يجب أن يُعلم أن النفي الوارد في هذا الباب ليس هو النفي المحض (1) ، وإنَّما هو النفي الذي يتضمن إثبات الكمال؛ لأن النفي المحض لا مدح فيه؛ لأنه عَدَمٌ محض والعدمُ ليس بشيء، ولذلك فكل النفي الذي جاء في هذا الباب فهو لإثبات ضده من الكمال، كقوله تعالى: {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (2) أي لكمال عدله، وقوله تعالى: {وَلاَ يئُودُهُ حِفْظُهُمَا} (3) أي لكمال قوته واقتداره، {لاَ تَأْخُذُهُ , سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} لكمال قيّوميته، والله أعلم. فهذه القاعدة التي تقوم على هذه الدعائم العظيمة: الإثبات المفصل، والنفي المجمل، وعدم التكييف والتمثيل، أو التأويل والتحريف، لمفضي إلى التعطيل، هي: القاعدة السليمة السديدة، التي تدل على علم السلف - رحمهم الله – بحقيقة ما وصف الله به نفسه في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله - (-. فكانوا أعرف الناس بربهم - سبحانه -، وأعلمهم بما يستحقه - سبحانه - من كمال، وأكثرهم تنزيهاً له عما لايليق به - عزّوجل - فلم يعطلوه من أسمائه وصفاته، أو يكيفوها أو يمثلوها بصفات خلقه، أو يؤولوا نصوصها بغير المعنى المراد تأويلاً أو تحريفاً يفضي إلى تعطيلها أو تعطيل معانيها. فكانوا أقرب الناس معرفة بمعاني الصفات، وأبعدهم عن الخوض فيما لم يحيطوا به علماً مِمَّا أخبر الله - تعالى - عنه من الغيب، فكما أنهم لم يحيطوا بذات الله علماً، لم يكونوا يحيطوا بصفاته علماً: إذ الكلام في الصفات كالكلام في الذات، أو كما قال السلف: {القول في الصفات كالقول في الذات} (4) . فكما أن له ذاتاً لاتماثل الذوات، فكذلك له صفات لاتماثل الصفات، إلاَّ أن صفاته كانت دليل المعرفة به - سبحانه -فهي معلومة المعاني مجهولة الكيف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 فالرضا: صفة الله على الحقيقة، ولها معنى يميزها عن غيرها من الصفات، تعرف العرب ذلك من كلامها، كما قال ابن عباس - رضي الله عنه -: {التفسير على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لايعذر أحد بجهله وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لايعلمه إلاَّ الله، من ادعى علمه فهو كاذب} (1) . فكيفية صفة الرضا وغيرها من الصفات لايعملها إلاَّ الله، ومن ادعى علم ذلك فهو كاذب. أمَّا معناها فذلك مِمَّا يعلمه العباد من لغة العرب. وهذا معنى ما يروى عن أم سلمة (2) أنها قالت في قول الله -تعالى-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (3) : {الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود له كفر} (4) . وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن (5) : {الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة ومن الرسول البلاغ، وعلينا التصديق} (6) . وقال مالك (7) لمن سأل عن كيفية الاستواء: {الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وأحسبك رجل سوء، وأمر به فخرج} (8) . فكيفية الصفات - ومنها كيفية صفة الرضا - مجهولة للعباد، مع العلم بمعانيها من لسان العرب ولغتها، فالإيمان بالصفة - كما أخبر الله بها مع الجهل بكيفيتها - واجب؛ لأنه من الإيمان بربوبية الله - تعالى - كما قال الرسول - (-: {رضيتُ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً} (9) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 وهذا هو المذهب الأسلم الأعلم الأحكم، وهو مذهب السلف -رحمهم الله- الذي حكاه الإمام أبو عثمان الصابوني (1) رحمه الله-عنهم بقوله: {ويعرفون ربهم - عزّوجل - بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله - (-على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه ويثبتون له - جلّ جلاله - منها ما أثبت لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله - (- ولايعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه} (2) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: {إن سلف الأمة وأئمتها كانوا على الإيمان الذي بعث الله به نبيه - (-يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل} (3) وقال - رحمه الله-: {ويقولون ماجاءت به النصوص النبوية، ودلت عليه العقول الزكية الصريحة، فلا ينفون عن الله - تعالى - صفات الكمال - سبحانه وتعالى -} (4) . المبحث الثالث: الأدلة على ثبوت صفة الرضا لله تعالى وصف الله تعالى نفسه بأكمل الأوصاف، وأعظمها، وأجلها في كتابه، وعلى لسان رسوله، ومن صفاته التي وصف بها نفسه: صفة الرضا، وقد ثبتت صفة الرضا لله بالقرآن، والسنة، والأثر، والعقل، وإليك بعض تلك الأدلة: أولاً: من القرآن الكريم: وصف الله نفسه بالرضا في آيات كثيرة من كتابه الكريم المنزل على رسوله محمد - (- منها: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (5) . وقوله - عزّوجل -: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (6) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 وقال - سبحانه -: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1) . وقال - تعالى -: {يَوْمَئِذٍ لاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} (2) . وقال - عزّوجل -: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (3) . وقال - تعالى -: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَ! نَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولائِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيْمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولائِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (4) . وقال: {وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَامُوسَى، قَالَ هُمْ أُولآءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (5) . وقال - سبحانه -: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (6) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 وقال - عزّوجل -: {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} (1) . وقال - تعالى -: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} (2) . وقال - سبحانه -: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (3) . وقال - تعالى -: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (4) . وقال - عزّوجل -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَيُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (5) . وقال - تعالى -: {قُلْ أَؤُنَبئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَ! جٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرُ بِالْعِبَادِ} (6) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 وقال - سبحانه -: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1) . وقال - سبحانه وتعالى -: {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولائِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (2) . وقال - عزّوجل -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفُ بِالْعِبَادِ} (3) . وقال - تعالى -: {لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحِ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (4) . ثانياً: من السنة: عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - قال: قال النبي - (-: {إن الله يقول لأهل الجَنَّة: يا أهل الجَنَّة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لانرضى يارب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك. فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك. فيقولون: يارب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً} (5) . وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - (-: {إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها} (6) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: فقدت رسول الله - (- ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: {اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك} (1) . وعن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - (- أنه قال: {عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط} (2) . وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - (- قال: {إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لايلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لايلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم} (3) . وعن بلال بن الحارث المزني قال: قال رسول الله - (-: {إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله - عزّوجل - له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله - عزّوجل - عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه} (4) . ثالثاً: من الأثر: وفي الأثر أن أبا بكر - رضي الله - عنه كان يقول في دعائه: {أسألك تمام النعمة في الأشياء كلها، والشكر لك عليها حتى ترضى، وبعد الرضى ... } (5) . قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - في معنى قول الله تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} (6) : {لما حجب قوم بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضا} (7) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 وذهب الإمام أحمد بن محمد بن حنبل - رضي الله عنه - إلى أن الله - عزّوجل - يغضب ويرضى، وأن له غضب ورضى، وقرأ أحمد قوله - عزّوجل -: {وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} (1) { ... والغضب والرضا صفتان له من صفات نفسه، لم يزل غاضباً على ما سبق في علمه أنه يكون ممن يعصيه، ولم يزل راضياً على ما سبق في علمه أنه يكون مِمَّا يرضيه} (2) . رابعاً: دلالة المعقول على صفة الرضا، وذلك من وجهين: الأول: إن الرضا صفة كمال، ونفيها نقص، والله - سبحانه وتعالى - لاتضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه كما قال - سبحانه -: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (3) ، فإن الله لا مثل له، بل له المثل الأعلى؛ كما أخبرنا بذلك في قوله - سبحانه -: {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (4) ، وقال - سبحانه -: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (5) . فلايجوز أن يشترك هو والمخلوق في قياس تمثيل، ولا في قياس شمول تستوي أفراده، ولكن يستعمل في حقه المثل الأعلى؛ وهو أن كل ما اتصف به المخلوق من كمال وهو يليق بالله فالله أولى به، وكل ما تنزه عنه المخلوق من نقص فالله أولى بالتنزه عنه (6) ، فإذا كان اتصاف المخلوق بالرضا كمال ونفيه عنه نقص، فالله - سبحانه وتعالى - أولى أن يتصف بالكمال ولايعطل منه؛ لأن تعطيل الكمال عنه وصف له بالنقص. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 إذن فالله موصوف بالرضا، وهو كمال في حقه - سبحانه -، بل صفة الرضا في حقه - سبحانه - أكمل من صفة الرضا في حق المخلوق، بل رضا الله - سبحانه وتعالى - لايماثل رضا المخلوق، فإذا كان المخلوق منزهاً عن مماثلة المخلوق مع الموافقة في الاسم أو اللفظ فالخالق -سبحانه- أولى أن ينزه عن مماثلة المخلوق وإن حصلت موافقة في اللفظ إذن فالله - سبحانه وتعالى - متصف بصفة الرضا، وهي صفة كمال لاتماثل صفات المخلوقين، ونفيها عنه نقص ولايجوز أن يوصف بالنقص، أو يعطل من الكمال. الثاني: الله - سبحانه وتعالى - وصف نفسه بالرضا في آيات كثيرة، وكذلك وصفه بها الرسول - (- كما تقدم وهي صفة كمال لائقة به - سبحانه -، فيكون نفيها تعطيلاً وردّاً للنصوص الشرعية وإلحاداً في آيات الله - سبحانه - كما قال - سبحانه -: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيءَايَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} (1) وإلحاد في أسمائه: {وَلِلَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) وتعطيل ما أودع الله ورسوله في كلامهما من إثبات صفة الرضا بالمعنى اللائق به - سبحانه - تكذيب لهما، وتعطيل لما يستحقه الرب - سبحانه - من الكمال (3) ، والجحود بها كفر؛ لأنه رد لخبر الله وكفر بكلامه - سبحانه -، ومن كفر بحرف متفق عليه فهو كافر. قال الشافعي: {لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيه، لايسع أحداً من خلق الله - تعالى - قامت عليه الحجة ردها؛ لأن القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله - (- القول بها، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله - تعالى -، فأمَّا قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لايدرك بالعقل، ولا بالرؤية ولا بالفكر} (4) . المبحث الرابع: القول الحق في صفة الرضا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 يعتقد السلف - رحمهم الله تعالى - أن لله - تعالى - صفة الرضا، وهي قائمة به غير بائنة عنه (1) ، لا ابتداء لاتصافه بها، ولا انتهاء، فهو يرضى متى شاء، كيف شاء - سبحانه وتعالى -، فلاتقوم بنفسها؛ لأن الصفة لاتقوم إلاَّ بالذات الموصوفة بها، كما أن الذات لابد لها من صفة تميزها عن الذوات. وكما أن جميع صفات الله غير مخلوقة فكذلك صفة الرضا غير مخلوقة، وأمَّا أثرها وهو ما يحصل للعبد من النعمة اندفاع النقمة، فذاك مخلوق منفصل عن ذاته - سبحانه وتعالى -. وقد يسمى الأثر باسم الصفة (2) . وهي على ما يليق به - سبحانه وتعالى -، فكما أن له - سبحانه - ذاتاً على الحقيقة فله صفة على الحقيقة وكما أن ذاته - سبحانه وتعالى - ليست كذوات خلقه، فكذلك صفته ليست كصفات خلقه. فرضاه - سبحانه وتعالى - ليس كرضا المخلوقين (3) . ولايصح أن يقاس رضا الله -تعالى- على رضا المخلوقين، فإذا كان الراضي ليس كالراضي، فإن الرضا ليس كالرضا. فلايصح أن يدخل رضى الله مع رضا المخلوق في قياس تمثيل، ولا قياس تستوي جميع أفراده فالله - سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (4) لا في ذاته، ولا في صفاته - سبحانه - {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} وله المثل الأعلى. فالله - سبحانه - حينما وصف نفسه بالرضا ووصف بعض المخلوقين بالرضا فليس الرضا كالرضا كما أنه ليس الراضي كالراضي، فرضاه - سبحانه - على ما يليق به رضاً يختص به ورضا المخلوق على ما يليق به، ولايلزم من تواطئ الصفتين أو اشتراكهما في الاسم العام المشترك في المعنى العام:التماثل والتشابه، فرضا الله - سبحانه - وإن أشبه رضى المخلوق من وجه فإنه مخالف له من وجه آخر. إن شابهه في اللفظ والمعنى العام، فإنه لايماثله في الحقيقة، فحقيقة رضا الله ليست كحقيقة رضا المخلوق، فكما أن حقيقة ذات الله - سبحانه وتعالى - ليست كحقيقة الذوات فكذلك صفته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 وصفة الرضا صفة ذاتية قائمة به - سبحانه وتعالى (1) - لاتنفك عنه. ولا منتهى لرضاه - سبحانه -، والرضا أحب إليه من الغضب (2) . كما أنها صفة فعل كما في قوله - تعالى -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (3) تقوم بمشيئته وقدرته، فهي صفة فعل اختيارية (4) . وصفات الذات وصفات الأفعال كلها كمال مطلق لله، عالية وعلية وعظيمة، وإن كان بعضهم يرى أن صفات الأفعال أدنى من صفات الذات (5) . والأدلة من الكتاب والسنة السابقة تدل على أنه يحصل أثر صفة الرضا في وقت دون وقت، وأنه قد يحل رضوانه ثُمَّ يسخط، كما يحل السخط ثُمَّ يرضى، وقد يحل الرضا أبداً، كما في حال أهل الجَنَّة في حديث البخاري ومسلم السابق، وفيه: {أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً} . وقول الله - تعالى -: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (6) بين أنه - سبحانه - رضي الله عنهم ذلك الوقت؛ لأن حرف إذ ظرف لما مضى من الزمان، فعلم أنه ذاك الوقت رضي عنهم بسبب ذلك العمل وأثابهم عليه، وكما يقال: المسبب لايكون قبل سببه، والمؤقت بوقت قبل وقته. وإذا كان راضياً عنهم من جهة، فهذا الرضا الخاص الحاصل بالبيعة لم يكن إلاَّ حينئذٍ، كما في الحديث السابق. { ... أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً} (7) . قال ابن تيمية - رحمه الله -: {والرضا مستلزم الإرادة، وإن لم يكن هو عين الإرادة ... ورضاه الذي يتضمن محبته ومشيئته} (8) . المبحث الخامس: صفة الرضا فعلية اختيارية ومعتقد أهل السنة والجماعة أن الله - سبحانه وتعالى - موصوف بالصفات الاختيارية؛ كالرضا، والكلام، والغضب. والسخط، والإتيان، والنزول، وغيرها من صفاته - سبحانه وتعالى - التي تقوم بمشيئته واختياره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 ومعنى تعلقها بمشيئته واختياره: أنه تعالى يرضى ويتكلم، ويأتي وينزل ويغضب ويسخط إذا شاء متى شاء فإن شاء غضب، وإن شاء رضي، وإن شاء لم يرض، وإن شاء تكلم، وإن شاء سكت (1) . والآيات والأحاديث السابقة دالة على أن صفة الرضا مع أنها صفة ذاتية فهي كذلك صفة فعلية اختيارية لتعلقها بمشيئته وإرادته - سبحانه وتعالى - مثل: 1 - قوله - عزّوجل -: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (2) . 2 - وقوله - سبحانه -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (3) مع قوله - سبحانه - عن موسى - عليه السلام -: {قَالَ هُمْ أُولآءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (4) . 3 - وقوله - تعالى -: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (5) مع قوله -عزّ من قائل -: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (6) . وكان النبي - (- يقول في دعائه: {اللهم إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وبرضاك من سخطك ... } . قال الجزري في النهاية: {بدأ بالمعافاة ثُمَّ بالرضا ... لأنها من صفات الأفعال .... } (7) . المبحث السادس: صفة الرضا غير مخلوقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 لاشك أن الله موصوف بالرضا، ورضاه - تعالى - صفة من صفاته غير مخلوقة (1) ، ومن المهم أن أشير إلى قضية مهمة في هذا قل ذكرها، هي: أن الكلام في أن الصفات مخلوقة أو غير مخلوقة: كلام حادث لم يكن في صدر الإسلام؛ لأنه من المسلم عند الصحابة والتابعين ومن اتبعهم: أن صفات الله غير مخلوقة، فلذلك ما كانوا ليخوضوا في ذلك. فصفة الرضا غير مخلوقة، وما قيل عنها إنها مخلوقة إلاَّ بعد ظهور الجهمية وأمثالها ممن قال بذلك، فاضطر السلف - رحمهم الله - إلى المناقشة والرد على هؤلاء المبتدعة؛ لأن حقيقة قول من قال: إنها مخلوقة هو إنكار صفة الله- تعالى - وتعطيلها. لكنهم لما علموا أن قولهم رد للنصوص الشرعية، وتكذيب لها، قالوا: هي مخلوقة. فلا يعقل أبداً أن يقال: إن صفة الرضا الثابتة بقول الله - تعالى -: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} (2) مخلوقة، فاللغة لا تساعد من قال ذلك، بل وكل الأدلة الدالة على معاني الألفاظ العقليَّة والنقلية تمنع ذلك. وإضافة صفة الرضا إلى نفسه - سبحانه وتعالى - في آيات كثيرة تدل على اتصافه بها، وأنها غير مخلوقة، مثل: 1 - قوله - سبحانه -: {لَّقَدّ رَضي الله عَن المُؤمِنينَ إذ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (3) ، فل يصح أن يقال: لقد خلق رضاه عن المؤمنين، فلا دليل على ذلك، ولا يعقل. 2 - قوله - سبحانه -: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (4) . 3 - وقوله - عزّوجل -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 وغير ذلك من الآيات السابقة وغيرها الدالة على أن صفة الرضا غير مخلوقة؛ بل هي تابعة للذات الموصوفة فذاته - سبحانه - متفق على أنها غير مخلوقة؛ فكذلك صفته، فلايتصف بصفة مخلوقة. ومِمَّا يدل على أنها غير مخلوقة: استعاذة النبي - (- بها فقد كان من دعائه واستعاذته - (-: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك} . فأثبت النبي - (- شرعية الاستعاذة بصفة الرضا، فلو كانت مخلوقة لكانت الاستعاذة بها شركاً؛ لأنها استعاذة بمخلوق، ومعلوم أن الاستعاذة بغير الله - تعالى - وأسمائه وصفاته شرك، فكيف يصح أن يعلِّم النبي - (- أمته ما هو شرك ظاهر، وهو الذي جاء هم بالتوحيد الخالص، ونهاهم عن الشرك؟ بل وكانت رسالته ورسالة الأنبياء قبله: الدعوة إلى التوحيد، والنهي عن الشرك. فدل هذا على أن صفة الرضا غير مخلوقة، بل وكل صفاته، فالاستعاذة بالرضا استعاذة بصفته -سبحانه وتعالى- إذ رضاه - تعالى - صفته التي يرضى بها عمن يشاء من عباده، وأمَّا المخلوق فهو أثر تلك الصفة من النعم ودفع النقم فذلك منفصل عن ذاته - سبحانه وتعالى - وإن سمي باسم الصفة (1) . فيجب التفريق بين الرضا صفة الله - تعالى -، وما سواه مِمَّا يحصل من أثره. والعقل الصريح المعافى من الشبهات والشهوات يدرك أن الرضا لو كان مخلوقاً فلايخلو من أحد حالين: الحال الأولى: أن يكون مخلوقاً قائماً بذات الله. الحال الثانية: أن يكون مخلوقاً منفصلاً عن الله بائناً عنه. وكلا الحالين باطل، بل كفر شنيع. أمَّا الأول: فيلزم منه أن يقوم المخلوق بالخالق، وهذا باطل في قول أهل السنة والجماعة، وعامة أهل البدع، فإن الله بائن من خلقه - سبحانه - مستغن عنهم من جميع الوجوه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 أمَّا في الحال الثانية فيلزم منه تعطيل الله - تعالى - من صفة الرضا؛ لأن الصفة لاتقوم إلاَّ بالموصوف- كما سبق - فإن قامت بغيره كان وصفاً لغيره، ولابد أن يوصف بها ذات أخرى، وهذا معناه أن الرب - سبحانه وتعالى- لم يتصف بصفة الكمال صفة الرضا، وهذا تنقص لله وهو كفر بيّن. وإذا علمت بأن الصفة لاتقوم بنفسها بل تقوم بغيرها ففي هذه الحال: إمَّا أن تكون صفة للخالق - سبحانه - قائمة به وإمَّا أن تكون صفة للمخلوق قائمة به ولابد، فالحياة والمحبة والإرادة والعلم والرضا والقدرة وغيرها من الصفات إذا أضيفت لشيء كانت وصفاً له تابعة لمن قامت به. فإذا أضيفت إلى الخالق - سبحانه - فهي صفات له قائمة به غير مخلوقة؛ لأنه الخالق - سبحانه - لكل شيء وإذا أضيفت إلى المخلوق فهي صفات له قائمة به مخلوقة؛ لأنه مخلوق. فلما أضاف لنفسه رضا، ووصف نفسه به؛ كان رضاه غير مخلوق؛ لأنه تابع له، فذاته غير مخلوقة، وكذلك صفته، إذ يتنزه عند أهل السنة والجماعة عن الاتصاف بمخلوق، كما أن أهل البدع ينزهونه عن قيام الحوادث به فيلزمهم ذلك: القول بأن الله متصف بالرضا والرضا غير مخلوق. المبحث السابع: مناقشة المخالفين للحق في صفة الرضا تمهيد: تستوقف المؤمن المتدبر لكتاب الله آيات إثبات صفة الرضا لله - سبحانه وتعالى -، بل وتدفعه إلى زيادة الإيمان بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً ونبياً، فيرغبه ذلك في امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والاستقامة على شرع الله، والاهتداء بهدي رسول الله - (-. ولكن في نفس الوقت يعجب كل العجب ممن يتأول هذه الصفة أو يعطلها، زاعماً أن ذلك هو الحق، وقد اشتبه عليه الحق بالباطل، فانقلبت لديه المفاهيم، فسوى بين المختلفات، وفرق بين المتماثلات. ولقد تبين لي بعد البحث والتأمل: أن ذلك يسبب قسوة في القلب، وبعداً عن الحق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 بل إن المتأمل في كلام المعطلة والمؤولة للصفات أو بعضها ومنها الرضا، ليجد أن العقل إذا لم يخضع للنصوص من الكتاب والسنة فيثبت ما أثبتت وينفي ما نفت، فإنه يزيغ عن الحق، ويبعد عن الهدى، ويفقد الاطمئنان، ولايذوق طعم الإيمان، كما يذوقه المؤمنون الصادقون الذين آمنوا بالله رباً، آمنوا بربوبية الله، آمنوا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا آمنوا بأن له - سبحانه - ذاتاً لاتماثل الذوات، وأن له أسماء وصفات لاتماثل سائر الصفات. ولقد أدرك كثير من المعطلة للصفات والمؤولة لها أنهم أخطأوا الطريق الصحيح ولكن متى في أواخر الأعمار فقال بعضهم لما وصل إلى الحيرة في هل الصفات زائدة على الذات أم لا؟ وهل الفعل مقارن للذات أو متأخر عنها؟ قال: من الذي وصل إلى هذا الباب؟ أو ذاق من هذا الشراب؟ ثُمَّ أنشد: نهاية إقدام العقول عقال وغاية سعى العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا (1) ثُمَّ قال: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولاتروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2) . {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (3) وأقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (4) ، {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (5) . ثُمَّ قال: {ومن جرّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي} (6) . وذكر الآخر أنه لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلاَّ الحيرة والندم، حيث قال: لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أرَ إلاَّ واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم (7) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 وقال الثالث: {لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني (1) وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي، أو قال على عقيدة عجائز نيسابور} (2) وغير هؤلاء كثير ممن أدرك ما وقع فيه من الخطأ والانحراف عن طريق الكتاب والسنة في هذا الباب. موقف المعطلة من صفة الرضا ومناقشتهم: وقد خالف الحق وجانب الصواب، وعارض الأدلة من الكتاب والسنة في صفة الرضا: المعطلة من الجهمية والمعتزلة (3) ، ومن وافقهم، فقالوا: إن الرضا لايقوم بالله - سبحانه -، بل هو مخلوق، فرضاه عن المؤمنين ثوابه والثواب مخلوق (4) والجواب عن ذلك - مع ما سبق - من وجوه: أحدها: أن هذا مفارقة للحق وأهله، من السلف، والأئمة، وأهل الفقه، والحديث، وجميع المثبتة للصفات (5) . ثانيها: أن الذي عليه جماهير المسلمين من السلف والخلف: أن الخلق غير المخلوق، فالخلق فعل الخالق والمخلوق مفعوله، ولهذا كان رسول الله - (- يستعيذ بأفعال الرب وصفاته كما سبق في قوله - (-: {أعوذ برضاك من سخطك} فاستعاذ برضاه والاستعاذة لاتكون إلاَّ بالله أو بصفته (6) . ثالثها: أن الاستعاذة كما في الحديث السابق لم تكن بمخلوق؛ لأن الاستعاذة بالمخلوق شرك، والرسول - (- إنَّما جاء يدعو إلى توحيد الله - سبحانه -، وعدم الإشراك معه، أو به غيره، بل هي رسالة الرسل جميعاً - كما سيأتي - فدل ذلك أن لله صفات، ومنها الرضا، وأنها غير مخلوقة، بل هي صفة ذاتية فعلية اختيارية، تقوم بمشيئته وقدرته. رابعاً: ما ذكره الخلال (7) في عقيدة الإمام أحمد بن حنبل، وهو: أن أصحاب الإمام أنكروا على من يقول: {إن الرضى مخلوق} ، وقالوا من قال ذلك لزمه أن رضا الله على الأنبياء والمؤمنين يفنى حتى لايكون راضياً (8) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 قلتُ: فالذي يفنى ويموت هو المخلوق، ولايبقى غير الخالق - سبحانه - بذاته وصفاته، وقد وصف نفسه بالرضا وذاته غير مخلوقة - فهو الخالق - فكذلك صفته؛ لأن الصفة تابعة للموصوف، والقول في الصفة كالقول في الذات. مناقشة الكلابية ومن وافقهم: أمَّا الكلابية (1) وموافقهم من السالمية (2) وغيرهم، فيقولون: تقوم بذاته بغير مشيئته وقدرته. أمَّا ما يكون بمشيئته وقدرته، فلايكون إلاَّ مخلوقاً منفصلاً عنه (3) . فيقولون: الرضا قائم بذاته، وليس فعلا له. وشبهتهم: أنه متصف بالصفات التي ليس له عليها قدرة، ولاتكون بمشيئته. وأن ما يكون بمشيئته فإنه حادث، والرب - تعالى - لاتقوم به الحوادث. ويسمون الصفات الاختيارية بمسألة حلول الحوادث، فإنه إذا رضي عن عبده بمشيئته وقدرته، كان ذلك الرضا حادثاً فلو اتصف الرب به لقامت به الحوادث فهو حادث، قالوا: ولأن كونه قابلاً لتلك الصفة: إن كان من لوازم ذاته كان قابلاً لها في الأزل، فيلزم جواز وجودها في الأزل، والحوادث لاتكون في الأزل؛ لأن ذلك يقتضي وجود حوادث لا أول لها وذلك محال (4) . 1 - قلتُ: يقال لهم: والرضا صفة كمال لا صفة نقص، ومن رضي بمشيئته أكمل ممن لايرضى بمشيئته، فكيف يتصف المخلوق بصفات الكمال دون الخالق؟ . 2 - فضلاء المشاركين لهم في هذا القول كالفخر الرازي (5) ، وسيف الدين الآمدي (6) وغيرهما معترفون بأنه ليس لهم حجة عقلية على نفي الصفات الاختيارية (7) . والأمر كذلك، فليس لهم دليل نقلي أو عقلي على ما قالوه، بل النص والعقل يدلان على خلاف ما قالوا، كما في الأدلة التي ذكرناها سابقاً. 3 - أن قولهم هذا يدل على جهلهم بالفرق بين صفة الله التي هي الرضا وبين أثرها الذي قد يسمى باسم الصفة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 فالصفة تابعة للذات غير مخلوقة، أمَّا أثرها فهو مخلوق، وفرق بينهما، فالأثر غير الصفة، والصفة غير الأثر وإن سمي باسمها، فيقال للمرضي به رضا، وللمأمور به أمراً، وللمرحوم رحمة ... لكن يقال له: هذا كله ليس هو حقيقة الصفة عند الإطلاق (1) . وبهذا يتبين خطأ قول من قال: {الرضا إمَّا ثوابه فيكون صفة فعل، وإمَّا ثناؤه فهو صفة ذات} (2) . 4 - أن الفعل نوعان: متعد ولازم، وفعل الرضا متعدٍ، وكلا الفعلين حاصل بمشيئته وقدرته والله متصف به (3) وفي الحديث: {فيسألونه الرضا، فيقول: رضاي أحلكم داري وأنا لكم كرامتي فسلوني، فيسألونه الرضا، فيشهدهم الرضا} (4) شبهة التجسيم والجواب عنها: ما من ناف لشيء من الأسماء والصفات إلاَّ ويزعم أنه قد قام عنده دليل العقل على أنه يدل على التجسيم، فيكون متشابهاً، فيلزم حينئذٍ أن تكون جميع الأسماء، والصفات متشابهات، وحينئذٍ فيلزم التعطيل المحض، وأن يفهم من الأسماء والصفات معنى، ولايميز بين معنى القدير والسميع والبصير والمؤمن والمتكبر والباري، ولا بين معنى الإرادة والرضا والعفو والغفران والخلق والاستواء ونحوها (5) . فإن قال أهل الشبهة: لايعقل رضا إلاَّ ما يقوم بقلب هو جسم. قيل لهم: ونحن لانعقل علماً إلاَّ ما هو قائم بجسم، ولا إرادة إلاَّ ما هو قائم بجسم، ولا سمعاً، ولا بصراً، إلاَّ ما هو قائم بجسم، فلم فرقتم بين المتماثلين، وقلتم إن هذه يُمكن قيامها بغير جسم، والرضا لايُمكن قيامه إلاَّ بجسم وهما في المعقول سواء؟ . فإن كان ما تثبتونه مماثلاً لصفات العبد؛ لزمكم التمثيل في الجميع، وإن كنتم تثبتونه على الوجه اللائق بجلال الله - تعالى - من غير مماثلة بصفات المخلوقين فاثبتوا الجميع على هذا الوجه، ولا فرق بين صفة وصفة في الإثبات (6) . من الردود على من نفى صفة الرضا: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 وقيل لهم أيضاً: من نفى صفة الرضا أو غيرها من الصفات فراراً بزعمه من التشبيه والتركيب والتجسيم؛ فإنه يلزمه فيما أثبته نظير ما ألزمه لغيره فيما نفاه هو، فإن كان ممن يثبت بعض الصفات كالحياة والعلم والإرادة وغيرها كالأشعرية ومن وافقهم على مذهبهم. يُمكن منازعته بما أثبته، وذلك بأنه يلزمه أن يثبت صفة الرضا كما أثبت العلم والحياة والإرادة وغيرها، فلا فرق بينهما (1) . فالقول في بعض كالقول في البعض الآخر. فإذا كان يقول: إن الله متصف بصفة العلم، أو الإرادة، أو القدرة، أو غيرها، ولايلزم من ذلك تشبيه، ولا تجسيم ولا تركيب فيلزمه أن يثبت الرضا وغيرها مِمَّا نفى، ولايلزم من إثباتها تشبيه، ولا تجسيم، ولا تركيب. وإن كان ممن ينفي الصفات، ويثبت الأسماء، فكذلك نقول له: يلزمك أن تثبت صفة الرضا، وغيرها، كما أثبت الأسماء. فإن قلت: أثبت الأسماء، ولا يُلزم من إثباتها تشبيه، ولا تجسيم. قلنا لك: فأثبت الصفات أيضاً، فإثباتها لا يلزم منه تشبيه ولا تجسيم، فالقول في بعض كالقول في البعض الآخر (2) 2 - وإذا قال: الرضا وغيرها من الصفات من صفات الأجسام، ولا نرى ما هو متصف بها إلاَّ ما هو جسم، قلنا له: وكذلك الإرادة التي تثبتها، والعلم، والسمع، والبصر، وغيرها، لانرى في الشاهد ما هو موصوف بها إلاَّ جسماً. فإن نفيت ما نفيت لكونك لا تعلمه إلاَّ صفة لما هو جسم؛ فانف الباقي؛ لأنك لاتجده في الشاهد إلاَّ لما هو جسم، بل والأسماء، بل وكل شيء، لأنك لا تجد متصفاً به، أو مسمى به، أو ما هو موجود إلاَّ جسماً. فالقول في بعض كالقول في البعض الآخر. وإن قال: أنا أثبت العلم والإرادة والحياة والحياة ونحوها على ما يليق بالله، فله إرادة لا تشبه إرادة المخلوق، وله علم لا يشبه علم المخلوق، وله سمع لا يشبه سمع المخلوقين - وهكذا -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 قلنا له: وكذلك له رضا ومحبة ورحمة لاتشبه رضا المخلوق أو محبته أو رحمته، فإن أثبت ما أثبت لكونها لا تماثل صفات المخلوقين؛ فقل مثل ذلك في الرضا، ونحوها من الصفات التي نفيتها (1) ، فيلزمكم فيما نفيتم من الرضا ونحوها نظير ما أثبتموه من الإرادة والعلم وغيرهما. فإمَّا أن تعطلوا الجميع، وهذا ممتنع، وإمَّا أن تمثلوه بالمخلوقات، وهو ممتنع، وإمَّا أن تثبتوا الجميع على وجه يختص به لا يماثله فيه غيره. وحينئذٍ لا فرق بين صفة وصفة من حيث الإثبات، فإثبات إحداهما ونفي الأخرى فراراً من التشبيه والتجسيم قول باطل يلزم منه التفريق بين المتماثلات، والتناقض في المقالتين (2) . ويقال لهم كذلك: ما مرادكم بالجسم؟ أتريدون بالجسم البدن المكون من المادة والصورة؟ ، فهذا لايطلق على الله - تعالى - أو تريدون ما يسمى بأسماء، ويوصف بصفات، فالله - عزّوجل - وصف نفسه بالرضا وغيرها من الصفات ووصفه بها أعلم الخلق به محمد - (-. فإن قال: إن العقل يدل على إثبات العلم، والإرادة، والحياة، والسمع، والبصر، والقدرة، والكلام دون الرضا وغيرها من الصفات. قلنا: الجواب عن ذلك من وجوه: الأول: أن دلالة العقل على ما تقول لايستلزم عدم الدليل على إثبات الرضا، وغيرها من الصفات. فلو أن العقل لم يثبت ما نفيته فإنه لاينفيه، وليس لك أن تنفيه بغير دليل؛ لأن النافي عليه الدليل على ما نفاه، كما أن على المثبت الدليل على ما أثبته، فيجب إثبات ما نفيته لثبوته بالدليل السمعي، مثل قوله - تعالى -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} (3) . الثاني: أنه يُمكن إقامة الدليل العقلي الذي أثبت به ما أثبت على إثبات صفة الرضا وغيرها مِمَّا نفيت، فإذا دلّ الدليل العقلي على إثبات الإرادة والسمع والبصر وغيرها مِمَّا أثبت وهو سالم عن المعارض فإنه يثبت أيضاً صفة الرضا وغيرها مِمَّا نفيت من غير دليل سمعي ولا عقلي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 الثالث: السمع دل على صفة الرضا، مثل قوله - تعالى -: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (1) ، وقوله: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (2) ، وغيرهما. وقوله - (- السابق: {إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها} والعقل لاينفي هذه الأدلة وغيرها، مِمَّا يدل على صفة الرضا، فيجب العمل بالدليل السالم عن المعارض (3) . الرابع: إن الرجوع إلى العقل في الإثبات والنفي مخالف لما كان عليه سلف الأمة، وأئمتها، من الصحابة، والتابعين ومن تبعهم، فما منهم أحد رجع إلى العقل في ذلك؛ وإنَّما يرجعون إلى كتاب الله وسنة نبيه محمد - (-، فما أثبته الله لنفسه أو أثبته له أعلم الخلق به - (- أثبتوه، وما نفاه عن نفسه في كتابه، أو نفاه عنه الرسول - (- نفوه، مع إثباتهم ما أثبته، إثباتاً بلا تمثيل، ونفياً بلا تعطيل. وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: {وصفاته منه وله ولانتعدى القرآن والحديث} (4) . وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -: {حرام على العقول أن تمثل الله - تعالى -، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الظنون أن تقطع، وعلى النفوس أن تفكر، وعلى الضمائر أن تعمق، وعلى الخواطر أن تحيط، وعلى العقول أن تعقل إلاَّ ما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه - (-} (5) . وبعضهم يرى أن الرضى والسخط والكراهة المراد بها أمره ونهيه، أو ثوابه وعقابه. أي أن الرضا هو الأمر، أو هو الثواب، والسخط هو العقاب. وهذا مذهب الأشاعرة (6) . وهذا تأويل، وتكلف، لم يدل عليه دليل لا سمعي ولا عقلي، إنَّما هو تحريف للكلم عن مواضعه. والواجب على المسلم الإيمان بصفات الله التي وصف بها نفسه، من غير تأويل، ولا تمثيل، ولا تعطيل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 وقد روي عن الإمام الشافعي أنه قال: {آمنت بما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله (} (1) . وقال سفيان بن عيينة: {كل ما وصف الله -تعالى- به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره، ولا كيف، ولا مثل} (2) المبحث الثامن: أثر الإيمان بصفة الرضا في حياة المسلم لقد قام هذا الدين على أصول ثلاثة، هي: 1 - معرفة العبد ربه. 2 - معرفة العبد دينه. 3 - معرفة العبد نبيه - (-. ومعرفة العبد ربه تتمثل في معرفته بأسمائه وصفاته وأفعاله، فلايكون الإنسان على حقيقة من دينه إلاَّ بعد العلم بالله - سبحانه وتعالى -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} (3) ، وأعلم الخلق بالله {بأسمائه وصفاته} أخشاهم لله وأتقاهم، ولذلك لايستطيع العباد إدراك حقيقة العبودية لله، وتحقيقها قولاً وعملاً إذا لم يعرفوا صفات الله - عزّوجل -. ومن نفى أسماءه وصفاته كان أجهل الناس به، وبمقدار ما ينفي العبد من صفات الله يغلب عليه الجهل، ويقسو قلبه وتنحرف عبادته. فهذا الركن العظيم من ركني التوحيد - توحيد العلم والاعتقاد وتوحيد الإرادة والقصد - تحقيقه تزكية للنفس وإقامة لها على طاعته، وسبب للعصمة من الزلل والانحراف، ويفتح الأمل، ويقي من الخمول والكسل. ولهذا كان رسول الله - (- يقرأ بما تتضمن العلم بالصفات والعمل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (4) و {قُلْ ياأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (5) في ركعتي الفجر والمغرب والطواف وغير ذلك (6) ، فعلم العبد بتفرد الرب بالخلق، والإحياء والإماتة والرزق، والرضا، وغيرها من الصفات، يورث العمل بمقتضياتها. ولهذا عظمت نصوص الأسماء والصفات؛ لأنها تتحدث عن الواحد الأحد صاحب الصفات العظيمة مثل آية الكرسي وقل هو الله أحد وغيرها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 بل إن العلم بالصفات والعمل بمقتضاها أصل للعلم بكل معلوم والأمر به، ولذلك يزيد إيمان المؤمن بإثبات صفات الله - تعالى - على ما أراده الله، وعلى ما أراده رسوله - (- فيما وصفه به. ولهذا قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: {آمنت بما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله - (-} (1) . وما أعظم ثواب من عمل بمقتضى صفات الله - تعالى - كما في الآيات التي ذكرتها في الأدلة على ثبوت هذه الصفة ولايتحقق تعظيم الله وتمجيده ودعاؤه إلاَّ بأسمائه وصفاته، وإثبات صفة الرضا والعمل بمقتضاها من تعظيم الله وتمجيده ودعائه، كما في الحديث السابق: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك} . وهذا هو الصراط المستقيم الذي التزمه مثبتة الصفات: أهل السنة والجماعة. وإليك أخي المؤمن نبذة يسيرة عن أثر هذه الصفة في حياة المسلم الموحد المثبت لصفة الرضا: الاستعاذة بصفة الله من كمال التوحيد، فكان من دعاء النبي - (-: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك ... } . قال ابن القيم - رحمه الله -: {فاستعاذ بصفة الرضا من صفة الغضب، وبفعل العافية من فعل العقوبة، واستعاذ به منه باعتبارين، وكأن في استعاذته منه جمعاً لما فصله في الجملتين قبله، فإن الاستعاذة به منه ترجع إلى معنى الكلام قبلها مع تضمنها فائدة شريفة وهي كمال التوحيد، وأن الذي يستعيذ به العائذ ويهرب منه إنَّما هو فعل الله ومشيئته وقدره فهو وحده المتفرد بالحكم، فإذا أراد بعبده سوءاً لم يعذه} (2) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 والمتأمل للحديث السابق يجد أن الرسول - (- استعاذ بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة فالأول للصفة، والثاني لأثرها المترتب عليها، ثُمَّ ربط ذلك كله بذاته - سبحانه - {وبك منك} ؛ لأن ذلك كله راجع إليه وحده دون سواه (1) . وأثر صفة الرضا دائم في الآخرة بدوام رضاه سبحانه وتعالى (2) . ويستحيل تخلف آثارها ومقتضاها عنها؛ لأن ذلك تعطيل لأحكامها كما أن نفيها نفي لحقائقها، وكلا التعطيلين محال عليه - سبحانه وتعالى -، فمن عطل صفاته - سبحانه -، فقد عطل الله مِمَّا يستحق، ومن لم يعمل بمقتضاها فقد عطل أحكامها وموجباتها، ومن جمع بين التعطيلين فقد حاز الكفر كله. إن الحصول على رضا الله سبحانه وتعالى - أثر الصفة - درجة رفيعة من درجات المؤمنين الصادقين، كما في قوله- سبحانه -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} في سورة المائدة، وفي سورة التوبة، وفي سورة البينة وغيرها. فهم يحصلون على درجة الرضا عنهم عند دخولهم الجنات وخلودهم فيها فيغمرهم رضاه - سبحانه - ويبلغوا درجة الرضا بما لقوا من نعيم ربهم الكريم. ورضا الله - سبحانه وتعالى - من أعظم ما يمتع به المؤمن الصادق، فهو بما يصحبه من نعيم مقيم إلاَّ إنه في ذاته هو النعيم فهو أعلى وأكرم مثوبة من الله {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (3) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 ما أعلى رضا الله - سبحانه - وأكمله، وما أندى وما أنعم وما ألذ أثر هذه الصفة العظيمة، أثر صفة الرضا عظيم وهو خاص بحزب الله المفلحين بخير البرية، هم أهله، وهم الراضون به، {إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولائِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (1) . قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير الآية: {ومقام رضاه أعلى مِمَّا أوتوه من النعيم المقيم} (2) . أمَّا الفاسقون العاصون لأمر الله وأمر رسوله - (- فهم المحرومون من رضى الله - سبحانه وتعالى - وأولهم المنافقون الذين يقولون بألسنتهم وظاهرهم: آمنا أو أسلمنا وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا، فهؤلاء، قال الله فيهم: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (3) ، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَآ أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} (4) . إن رضى الله عن العبد أكبر نعمة ينعمها الله على عبده: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ... } (5) . قال ابن كثير - رحمه الله -: {وصفهم بكثرة العمل وكثرة الصلاة، وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص فيها لله عز ّوجل -، والاحتساب عند الله - تعالى - جزيل الثواب وهو الجَنَّة، المشتملة على فضل الله - عز ّوجل - وهو سعة الرزق عليهم، ورضاه - تعالى - عنهم، وهو أكبر من الأول} (6) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1) . فرضا الله عن المؤمنين أكبر وأجل وأعظم مِمَّا هم فيه من النعيم. أكبر من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار المعدة للخلود فيها أبداً. وأكبر من المساكن الطيبة القرار، الحسنة البناء، الموصوفة من رسول الله - (- بقوله: {جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاَّ رداء الكبر على وجهه في جنة عدن} (2) . وقال رسول الله - (-: {إن للمؤمن في الجَنَّة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً من السماء للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلايرى بعضهم بعضاً} (3) . فرضا الله على المؤمن أكبر من الجَنَّة التي هي: {مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض} (4) . وصدق الله العظيم: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} . أخرج الإمام مالك، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - (- قال: {إن الله - عزّوجل - يقول لأهل الجَنَّة: يا أهل الجَنَّة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لانرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك. فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك. فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً} . وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (: {إذا دخل أهل الجَنَّة الجَنَّة قال الله - عزّوجل -: {هل تشتهون شيئاً فأزيدكم؟ قالوا: يا ربنا ما خير مِمَّا أعطيتنا؟ قال: رضواني أكبر} (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 وعن عروة قال: {أفضل ما أعطي العباد في الدنيا العقل، وأفضل ما أعطوه في الآخرة رضوان الله -عزّوجل-} (1) بل إن أكبر نعيم يتحقق للمؤمن يوم القيامة - وهو رؤيته سبحانه وتعالى - إنَّما تكون مع تحقق الرضا، كما في قوله سبحانه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُولائِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (2) . وعند مسلم، عن أبي سعيد الخدري في الرؤية من حديث طويل، وفيه: { ... فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية، قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجَنَّة:هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الجَنَّة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثُمَّ يقول: ادخلوا الجَنَّة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ فيقولون: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبداً} (3) وفي كتاب الزهد لابن المبارك: {وغضب الله ... لا دواء له إلاَّ رضوان الله - تعالى -} (4) . فليبشر المؤمن الصادق فله الرضا من الله، كما قال الله - تعالى -: {الَّذِينَءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولائِكَ هُمُ الْفَآئِزُونَ، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ، خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 ولقد قص الله علينا في كتابه الكريم أنباء وأخبار المستحقين لرضوانه – سبحانه وتعالى - على مستوى الجماعة وعلى مستوى الفرد، كما في قوله - عزّوجل -: {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولائِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (1) . قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسير الآية: {يقول تعالى مبيناً حال المستحقين لمال الفيء أنهم {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} أي: خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله ورضوانه {وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولائِكَ هُمُ الصّادِقُونَ} أي: هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم، وهؤلاء هم سادات المهاجرين} (2) . الذي يطلب رضا الله ويعمل من أجله هو الصادق في قوله وعمله، فهم يطلبون الرضا ويبتغون مرضاة الله، ولذلك قص الله - تعالى - أمر موسى - عليه السلام - حينما عجل لإرضاء ربه وحصوله على رضاه فقال - سبحانه -: {وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَامُوسَى، قَالَ هُمْ أُولآءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (3) ، وموسى ممن رضي الله عنهم ولكن كان شغوفاً ليزيد رضى الله عنه فسبق قومه لذلك فقال: {لِتَرْضَى} أي لتزداد عني رضا (4) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 وكم رغّب الله في رضاه، والحصول على أثر هذه الصفة العظيمة، في مثل قوله - سبحانه -: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرُ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (1) . فالآخرة كائنة لا محالة، حذر الله - سبحانه وتعالى - في هذه الآية من أمرها، ورغّب فيما فيها من الخير فقال - سبحانه -: {وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} فليس في الآخرة القريبة إلاَّ هذا أو هذا، إمَّا عذاب وإمَّا مغفرة من الله ورضوان (2) . فهي دعوة وترغيب في طلب رضوان الله ومغفرته. ولذلك فالمؤمن يطلب رضا الله حتى لو وصل به ذلك إلى إسخاط الناس، بل وليس الأباعد ولكن حتى لو سخط الأقارب كما قال - سبحانه -: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَاَنهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولائِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولائِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 قال ابن كثير - رحمه الله -: { ... وفي قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} سر بديع؛ وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله - تعالى - عوضهم الله بالرضا عنهم وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم والفوز العظيم، والفضل العميم} (1) . والاقتداء بالرسل في طلب رضا الله هو المأمور به في آيات كثيرة، منها: قوله - تعالى - عن إسماعيل - عليه السلام -: {وَاذْكُرْ فِي الْكتابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا، وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} (2) . ولقد كان محمد - (- أزكى من رضي الله عنهم، فكانت له الشفاعة العظمى. وكم من شافع لاتنفع شفاعته يوم القيامة؛ لأن الله لم يأذن، ولم يرض له قولاً، ولم يرض عن المشفوع له، كما قال - سبحانه -: {يَوْمَئِذٍ لاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} (3) ، وقال سبحانه: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّماوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيئا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَى} (4) ، وقال - عزّوجل -: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} (5) . فلابد في الشفاعة من الرضا: 1 - الرضا عن الشافع. 2 - الرضا عن المشفوع له، مع إذنه - سبحانه - بالشفاعة (6) . وهذا في الشفاعة العامة التي للنبي - (- ولسائر الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، أمَّا الشفاعة العظمى فهي خاصة به - (- وهي المقام المحمود، الذي يدل على أن محمداً - (- خير من رضي الله عنه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وكم هي أمنية المؤمن الصادق أن يحصل على رضا الله - تعالى - كما قال - سبحانه - عن سليمان - عليه السلام-: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذَآ أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ، فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (1) . قال ابن كثير - رحمه الله -: { {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} أي: عملاً تحبه وترضاه} (2) . وهذا التعبير من سليمان - عليه السلام -، يشير بنعمة الله عليه، ويصور نوع تأثره ورضاه بما أنعم الله عليه فهو بهذا: توجه بقوة وارتعاش وجدان، وارتياع بال، إلى طلب ما يحقق له رضا الله، بأن يوفقه إلى شكر نعمة الله عليه وعلى والديه، وإلى عمل ما يرضي الله - سبحانه -. والتشوق إلى رضا الله - عزّوجل - ورحمته في اللحظة التي تتجلى فيها نعمته منزلة شريفة يتميز بها عباد الله المخلصين الصادقين الصالحين. قال الله - تعالى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفُ بِالْعِبَادِ} (3) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 نزلت في صهيب بن سنان الرومي - رضي الله عنه -، وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله وإن أحب أن يتجرد ويهاجر فعل، فتخلص منهم وأعطاهم ماله، فأنزل الله فيه هذه الآية، فتلقاه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وجماعة إلى طرف الحرة في طرف المدينة النبوية، فقالوا له: ربح البيع، فقال: نعم، وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم، وما ذاك؟ فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية (1) . إي والله ربح البيع صهيب، وكل مجاهد، وكل مهاجر قد هجر الشرك، وهجر الكبائر والمعاصي، وفدا دينه وعبادته وتوحيده، وابتغى مرضاة الله - تعالى -. وفي الحديث: عن ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي - (- قال: {إن العبد ليلتمس مرضاة الله - تعالى - فلا يزال بذلك فيقول الله - عز ّوجل - لجبريل إن فلاناً عبدي يلتمس أن يرضيني، ألا وإن رحمتي عليه، فيقول جبريل: رحمة الله على فلان، ويقولها حملة العرش، ويقولها من حولهم، حتى يقولها أهل السموات السبع، ثُمَّ يهبط إلى الأرض} (2) ولا يستوي من طلب الرضا واتبع الرضا مع من باء بسخط الله واتبع الغواية، وانحرف عن عبادة الله، وأسخط ربه بشركه، وضلاله: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (3) قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: {أي لايستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه فاستحق رضوان الله وجزيل ثوابه وأجير من وبيل عقابه، ومن استحق غضب الله وألزم به فلا محيد له عنه، ومأواه يوم القيامة جهنم وساءت مصيراً} (4) قلتُ: لايستوي من أسس حياته على تقوى من الله ورضوانه، ومن أسس حياته على النفاق والصد عن رضا الله وفرّق بين المؤمنين أو حارب أمر الله ورسوله، أو تركه ولم يعمل به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 قال الله - تعالى -: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (1) . وقال - سبحانه -: {لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (2) . ولهذا كله يجب على كل مسلم إعانة طالب الرضا وعدم صده عن ذلك، فالله - سبحانه – يقول - وقوله الحق -: {يَاأَيّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ ولاء أمين الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَبِّهِمْ وَرِضْوَا نًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (3) . فمن معاني الآية: { ... لاتستحلوا قتال القاصدين إلى بيت الله الحرام، الذي من دخله كان آمناً، وكذا من قصده طالباً فضل الله وراغباً في رضوانه، فلاتصدوه ولاتمنعوه ولاتهيجوه} (4) . وقوله: {وَرِضْوَانًا} قال ابن عباس: {يترضون الله بحبهم} (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 ورضا الله -سبحانه وتعالى- من خير ما يعطيه لعباده الصالحين يوم القيامة، كما في حديث أنس - رضي الله عنه - وفيه: { ... ثُمَّ يتجلى لهم فيقول: أنا الذي صدقتم وعدي، وأتممت عليكم نعمتي، وهذا محل كرامتي فسلوني، فيسألونه الرضا، فيقول: رضائي أحلكم داري، وأنا لكم كرامتي، فسلوني، فيسألونه الرضا، فيشهدهم الرضا، ثُمَّ يفتح لهم ما لم تر عين، ولم يخطر على قلب بشر إلى مقدار منصرفهم من الجمعة ... } الحديث (1) . {قُلْ أَؤُنَبِّئكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرُ بِالْعِبَادِ} (2) أي: يحل عليهم رضوانه فلايسخط عليهم بعد أبداً. وفي معنى الحديث السابق قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: فبينا همو في عيشهم وسرورهم وأرزاقهم تجري عليهم وتقسم ذا هم بنور ساطع أشرقت له بأقطارها الجنات لا يتوهم تجلى لهم رب السموات جهرة فيضحك فوق ثُمَّ يكلم سلام عليكم يسمعون جميعهم بآذانهم تسليمه إذ يسلم يقول سلوني ما اشتهيتم فكل ما تريدون عندي أنني أنا أرحم فقالوا جميعاً نحن نسألك الرضا فأنت الذي تولي الجميل وترحم فيعطيهم هذا ويشهد جميعهم عليه تعالى الله فالله أكرم (3) عن ابن عباس عن جويرية أن النبي - (- خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح - وهي في مسجدها، ثُمَّ رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلتِ على الحال التي فارقتكِ عليها؟ قالت: نعم. قال النبي - (-: {لقد قلتُ بعدكِ أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته} (4) . فقوله: {ورضا نفسه} يتضمن أمرين عظيمين: أحدهما: أن يكون المراد تسبيحاً هو والعظمة والجلال سيان. والثاني: ولرضا نفسه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 فهو في الأول: مخبر عن تسبيح مساوٍ لعدد خلقه، والثاني مثبت لرضا نفس الرب لا نهاية له في العظمة والوصف. فالتسبيح ثناء عليه يتضمن التعظيم والتنزيه. فإذا كانت أوصاف كماله ونعوت جلاله لا نهاية لها ولا غاية، بل هي أعظم من ذلك وأجل؛ كان الثناء عليه بها كذلك إذ هو تابع لها إخباراً وإنشاء، وهذا معنى الأول من غير عكس. وإذا كان إحسانه - سبحانه - وثوابه وبركته وخيره لا منتهى له، وهو من موجبات رضاه وثمرته فكيف بصفة الرضا؟ . وقد ذكر في الأثر: {إذا باركت لم يكن لبركتي منتهى} فكيف بالصفة التي صدرت عنها البركة، وهي الرضا؟ . {والرضا يستلزم المحبة والإحسان والجود والبر والعفو والصفح والمغفرة، والخلق يستلزم العلم والقدرة والإرادة والحياة والحكمة، وكل ذلك داخل في رضا نفسه، وصفة خلقه} (1) . وهذا الحديث متضمن لثلاثة أصول: الأول: إثبات صفات الكمال لله - سبحانه - ومنها صفة الرضا، والثناء عليه بها. الثاني: محبته والرضا به. الثالث: اجتماع الحمد والتنزيه على أكمل الوجوه، وأعظمها قدراً، وأكثرها عدداً، وأجزلها وصفاً، وهذه مزية وفضل عظيمين. قبول الرضا: إن العمل اليسير المرافق لمرضاة الله وسنة المصطفى - (- خير وأحب إلى الله من العمل الكثير إذا خلا عن ذلك، أو عن بعضه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 يوضح ذلك آيات كثيرة، منها: قول الله - تعالى -: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (1) ، وقوله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (2) . وقوله - عزّوجل -: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (3) فالله - سبحانه وتعالى - خلق السموات والأرض والموت والحياة وزين الأرض بما فيها وما عليها ليبلو العباد أيهم أحسن عملاً لا أكثر عملاً. وحسن العمل هو: خلاصه وصوابه، وموافقته لمرضاة الله - تعالى - ومحبته، وليس الأكثر الخالي من ذلك كله أو بعضه، والتعبد لله بالأرضى له وإن كان قليلاً أرضى له من الأكثر الذي لايرضيه، فقد يتفق العملان في الصورة، وبينهما تفاضل كبير وعظيم، قد يصل مثل ما بين السماء والأرض. وهذا الفضل يكون بحسب رضا الله - سبحانه وتعالى - بالعمل وقبوله ومحبته وفرحه به كما قال - (-: {لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها} (4) . قال البيهقي في شرح الحديث: {قوله: أفرح: معناه لله أرضى بالتوبة وأقبل لها، والفرح قد يكون بمعنى الرضا. قال تعالى: {كُلُّ حِزْبِ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (5) أي: راضون} (6) . ولهذا كان قبول العمل بحسب رضا الرب - سبحانه وتعالى - به، فقد يتصدق اثنان أحدهما بكثير أو مرات متعددة والآخر بقليل، أو مرة، حسب استطاعته وغناه، ولكن صدقة هذا تفضل على صدقة الأول بكثير، وذلك بحسب محبة الله وقبوله لها، ورضاه قبل هذه وهذه. فقبول الرضا والمحبة والاعتداد والمباهاة شيء، وقبول الثواب والجزاء شيء؛ لأن القبول أنواع: النوع الأول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 قبول رضا، ومحبة، واعتداد، ومباهاة، وثناء على العامل بين الملأ الأعلى، كما تقدم في حديث ثوبان عن النبي - (- قال: {إن العبد ليلتمس مرضاة الله - عزّوجل - فلايزال كذلك، فيقول: يا جبريل إن عبدي فلاناً يلتمس أن يرضيني برضائي عليه، قال: فيقول جبريل - (- رحمة الله على فلان، وتقول حملة العرش، ويقول الذين يلونهم، حتى يقول أهل السموات السبع، ثُمَّ يهبط إلى الأرض، ثُمَّ قال رسول الله - (-: وهي الآية التي أنزل الله عليكم في كتابه: {إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (1) ، وإن العبد ليلتمس سخط الله، فيقول الله – عزّوجل - يا جبريل إن فلاناً يستسخطني، ألا وإن غضبي عليه، فيقول جبريل: غضب الله على فلان، وتقول حملة العرش، ويقول من دونهم، حتى يقوله أهل السموات السبع، ثُمَّ يهبط إلى الأرض} (2) . ويشهد لهذا المعنى ما أخرجه البخاري ومسلم (3) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - (-: {إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبوه، فيحبه جبريل، ثُمَّ ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثُمَّ يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثُمَّ ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضونه ثُمَّ توضع له البغضاء في الأرض} . وعن عمرو بن مالك الرواسي (4) قال: أتيت النبي - (- فقلت: يا رسول الله - (- ارض عني قال: فأعرض عني ثلاثاً، قال: قلت: يا رسول الله، إن الرب ليترضى فيرضى، قال: فرضي عني (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - (-: {يقول الله - تعالى - أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة} (1) . وعنه أيضاً قال: قال رسول الله - (-: {إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليَّ مِمَّا افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته} (2) . وكل هذا من أثر رضا الله عن العبد، وقبوله له قبول رضا ومحبة واعتداد ومباهاة. ومن المباهاة بالمؤمنين ما رواه أبو سعيد الخدري قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آلله ما أجلسكم إلاَّ ذاك؟ ، قالوا: والله ما أجلسنا إلاَّ ذاك، قال: أمَّا إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله - (- أقل عنه حديثاً مني، وإن رسول الله (خرج على حلقة من أصحابه فقال: {ما أجلسكم؟} ، قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومن به علينا، قال: {آلله ما أجلسكم إلاَّ ذاك؟} قالوا: والله ما أجلسنا إلاَّ ذاك. قال: {أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم؛ ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله – عزّ وجل - يباهي بكم الملائكة} (3) . النوع الثاني: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 قبول جزاء وثواب، وإن لم يقع موقع الأول، ولعل مِمَّا يوضح ذلك قوله - سبحانه -: {ثُمَّءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًي وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} (1) . قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: {أي جزاء على إحسانه في العمل وقيامه بأوامرنا وطاعتنا كقوله: {هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} (2) ... وقال قتادة: من أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الآخرة} (3) ويوضحه قول الله - تعالى -: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (4) فمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح فله الحسنى في الآخرة، كقوله - تعالى -: {هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} أمَّا قوله: {وَزِيَادَةٌ} فهذا تضعيف لمن استحق ذلك، فيضاعف له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ويشمل ذلك ما يعطيه الله المؤمنين في الجنان، من القصور، والحور، والرضا، وما أخفاه الله لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك كله أعلاه النظر إلى وجهه الكريم (5) . أمَّا النوع الثالث: {فقبول إسقاط للعقاب فقط، وإن لم يترتب عليه ثواب وجزاء، كقبول صلاة من لم يُحضر قلبه في شيء منها؛ فإنه ليس له من صلاته إلاَّ ما عقل منها} (6) . فإذا صلى بالصفة السابقة سقط عنه الفرض، لكنه لايثاب عليها، ومثل ذلك صلاة العبد الآبق، وصلاة من أتى العراف فصدقه فيما يقول، فقد قال بعض العلماء: إن صلاة هؤلاء لاتقبل ومع هذا لايؤمرون بالإعادة (7) . أمَّا من غلط فأوّل الصفات، أو عطّلها، ومنها صفة الرضا، فيرون أن الأعمال متساوية، والجزاء والثواب عليها واحد، ولا أثر لرضا الله - سبحانه وتعالى - فيها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 وهذا دليل على عدم الفقه في أسماء الله - تعالى - وصفاته، فإنه يتبع ذلك عدم الفقه في شرع الله وأمره، فلا فقه لهم في أعمال القلوب، وحقائق الإيمان بالله - تعالى - وبأسمائه وصفاته. المبحث التاسع: من أسباب حصول الرضا جعل الله - سبحانه - في مقابلة أسباب عصيانه وسخطه وغضبه أسباباً يحبها، ويرضاها، ويفرح بها أكمل فرح ولهذا استعاذ النبي - (- بصفة الرضا من صفة السخط، وما يستعاذ به صادر عن مشيئة الله وإرادته وقضائه، وأذن في وقوع الأسباب، فمنه السبب والمسبب. فإذا أغضبته - سبحانه - معاصي الخلق، وكفرهم، وشركهم، وظلمهم، أرضاه تسبيح ملائكته، وعبادة المؤمنين له، وحمدهم إياه، وطاعتهم له، فيعيذ رضاه من غضبه (1) . وهذه بعض تلك الأسباب على سبيل الاختصار: 1 - الحمد: فعن أنس مرفوعاً: {إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها} (2) . والحمد مكمل الرضا، ومنزلته عظيمة، وهو علامة رضى الله على عباده، وإنعامه عليهم. الحمد الذي افتتح الله به كتابه الكريم، وخلقه واختتمه. فله الحمد في الأولى والآخرة، أي: في جميع ما خلق، وما هو خالق، هو المحمود في ذلك كله (3) . قال علي - رضي الله عنه -: {الحمد كلمة أحبها الله ورضيها، وأحب أن تقال} (4) ، وفي الحديث: {أن أهل الجَنَّة يلهمونها مع التسبيح كما يلهمون النفس} (5) . 2 - الشكر: قال الله تعالى: {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} (6) ، فعلق الرضا بشكرهم، وجعله مجزوماً جزاء له، وجزاء الشرط لايكون إلاَّ بعده، فالشكر سبب الحصول على رضا الله، والرضا جزاء الشكر (7) . 3 - الشوق إلى لقاء الله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 الشوق إلى لقاء الله بالشوق إلى المبادرة إلى طاعته - سبحانه -، وإن كان ذلك يؤدي إلى الشهادة في سبيله، وكم يكون الشوق حادياً للحصول على الرضا، وسمة ذلك كما قال الشاعر: وأخرج من بين البيوت لعلني ... أحدث عنك القلب بالسر خالياً (1) فالشوق يحمل المحب على العجلة في رضا المحبوب، والمبادرة إليه على الفور، ولو كان فيها تلفه كما حصل من نبي الله موسى - عليه السلام - فيما حكاه الله عنه في القرآن الكريم: {وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَامُوسَى، قَالَ هُمْ أُولآءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (2) ، وقال بعض المفسرين للآية: {أراد شوقاً إليك فستره بلفظ الرضا} (3) 4 - المبادرة إلى طاعات الله وإن اكتنفها مشقة وخوف أو نحو ذلك: فأهل بيعة الرضوان الذين بادروا وتسابقوا في نصرة النبي - (- ونصرة دينه، والإخلاص في ذلك، قال الله –تعالى- فيهم: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا، وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (4) ، وفي الحديث: {لايدخل النَّار - إن شاء الله - من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها} (5) . وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله - (- قال: { ... لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} (6) ، وهذا كناية عن كمال الرضا، وصلاح الحال، وتوفيقهم للخير لا للترخص في كل فعل (7) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 والأسباب كثيرة، وبعضها أفضل من بعض، كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد في سبيل الله، وغير ذلك {وَمِنَ ا؟ لنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفُ بِالْعِبَادِ} (1) ، وما ذكرناه نماذج فقط، وبعضاً من الأسباب المتعددة، التي من حققها حصل على رضوان الله. وأمَّا الغضب مع الرضا والبغض مع الحب فهو أكمل ممن لايكون منه إلاَّ الرضا، والحب دون البغض والغضب للأمور المذمومة التي تستحق أن تذم وتبغض (2) . • • • الخاتمة: هذا ما تيسر جمعه وكتابته في هذا الموضوع المهم، وبهذا الأسلوب الواضح الجلي السهل، وقد قصدتُ بذلك أن يكون منهجاً لكل مسلم في الإيمان بكل اسم لله تعالى أو صفة من صفاته سبحانه. فالإيمان بها هو الإيمان بأن لله أسماء وصفات سمى نفسه ووصفها بهذه الأسماء والصفات إيماناً يتمثل في تعظيمه - سبحانه - وتقديسه والتعبد بها والعمل بمقتضاها. وهذه هي النتيجة الأولى والمهمة من نتائج هذا البحث، وإلاَّ فهناك نتائج مهمة مكملة لهذه، منها: 1 - إن من أعظم، بل أعظم العلوم: معرفة الله بأسمائه وصفاته - سبحانه -. 2 - حاصل تعريف الرضا في اللغة والشرع: إثبات صفة الرضا لله - تعالى -، من غير تكييف ولا تمثيل، معلوم معناها حق على حقيقتها، كأي صفة من صفات الله - تعالى -. 3 - أن العقل الصحيح الصريح يعلم أن نصوص كتاب الله وسنة نبيه - (- وكلام سلف الأمة: دلت على ثبوت صفة الرضا لله - تعالى -، فلايعطل من صفته اللائقة به، ولا تعطل النصوص مِمَّا دلت عليه من الكمال لله - تعالى -، وهذا هو الحق الذي عليه سلف الأمة، وأئمتها، ومن تبعهم بإحسان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 4 - أن الطريق الصحيح لمعرفة الله بأسمائه وصفاته واحد لايتعدد؛ هو كتاب الله وسنة نبيه - (-، فليس للعقل أن ينكر ذلك أو يدعى ما يخالف الوحي في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو نفاه عنها، وإلاَّ فهو ضال، بعيد عن الحق، وفهمه والالتزام به. 5 - أن من تأول صفة الرضا، أو قال بأنها مخلوقة، أو نفاها عنه - سبحانه -، وجعلها إمَّا مجازاً أو صفة لبعض مخلوقاته، فقد ضل عن الصواب، وتبرأ منه أهل الإثبات؛ أهل السنة والجماعة، بل وردوه عليه بالسمع، والعقل الموافقان للغة، والفطرة السليمة. 6 - إذا لم يكن للإيمان بصفات الله - عزّوجل - ومنها صفة الرضا - أثر على حياة المسلم وعمله فإنه لم يحقق التوحيد على الحقيقة؛ لأن العلم بالصفات دون العمل بمقتضاها، ليس هو الإيمان المطلوب، بل لابد مع العلم من العمل بما أخبر الله به عن نفسه، والعمل بما يدل عليه ذلك الخبر. 7 - فعل الأسباب المأمور بها يحقق للمؤمن رضى الله -تعالى- في الدنيا، والآخرة. كما قال الله -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفُ بِالْعِبَادِ} (1) . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين. • • • الحواشي والتعليقات سورة المؤمنون: الآيتان 115، 116. سورة التوبة: الآية 109. سورة آل عمران: الآية 162. سورة آل عمران: الآية 110. سورة النور: الآيتان 51، 52. آخر سورة الفتح: الآية 29. سورة النساء: الآية 14. سورة الأحزاب: من الآية 36. سورة طه: الآيات 124 - 126. سورة ص: من الآية 26. سورة الأنعام: الآية 153. سورة الأنعام: من الآية 153. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 حديث صحيح أخرجه الطيالسي برقم 244، وأحمد في المسند 1/435، والحاكم 2/318، وقال: {حديث صحيح الإسناد} ووافقه الذهبي، والبزار في كشف الأستار رقم 2212، والدارمي في المقدمة، باب: كراهية أخذ الرأي. أخرجه أبو داود في كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها 4/97، وابن ماجة في كتاب الحدود، باب من عمل عمل قوم لوط 2/856، والترمذي في كتاب الفتن، باب 50، والدارمي في المقدمة، باب كراهية أخذ الرأي، وباب إن الله كره لكم قيل وقال، وابن حبان في صحيحه 10/431، 15/110، والإمام أحمد في المسند 4/123، 5/278 284، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/221: {ورجال أحمد رجال الصحيح} . أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/420، 423، والطبراني في المعجم الصغير 1/309، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/188: {رواه أحمد والبزار والطبراني في الثلاثة ورجاله رجال الصحيح} ، وقال في 7/306: {رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح} ، وانظر: الترغيب والترهيب للمنذري 3/101. أتباع جهم بن صفوان: ينفون الصفات ويقولون بالإرجاء وبالجبر، وفناء الجَنَّة والنار، وخالفوا السلف في كثير من مسائل الاعتقاد. انظر: الفرق بين الفرق ص 199 - 200، والبداية والنهاية 10/26 - 27، والملل والنحل للشهرستاني 1/109 - 112. خلق أفعال العباد 1/38، والآية في سورة طه: الآية 5. هو: الكاتب المتكلم، أس الضلالة، صاحب الذكاء والجدال، المنكر للصفات، القائل بخلق القرآن، وأن الله في كل مكان، والإيمان بالقلب وإن نطق بالكفر، رأس الجهمية: الجهم بن صفوان، أبو محرز الراسبي مولاهم السمرقندي قيل: إن سلم بن أحوز قتله لإنكاره أن الله كلم موسى عليه السلام. انظر: سير أعلام النبلاء 6/26 - 27، وميزان الاعتدال 1/426، والملل والنحل 1/199 - 200. انظر: العقيدة الأصفهانية 2/167. سورة التوبة: من الآية 100. سورة النور: الآية 55. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 سورة التوبة: الآية 72. سورة النساء: الآيتان 114، 115. انظر: لسان العرب 14/323 - 224، 7/312 - 313، ومختار الصحاح ص 246. انظر: النهاية للجزري 2/232، باب الراء مع الضاد، ولسان العرب 14/323. انظر: لسان العرب 14/324، ومختار الصحاح ص 246، والمصباح المنير 1/272. انظر: لسان العرب 14/324، ومختار الصحاح ص 246. سورة البينة: من الآية 8. انظر: لسان العرب 14/324. انظر: لسان العرب 14/324. انظر: المصباح المنير 1/272، ولسان العرب 14/324. انظر: لسان العرب 14/324، ومختار الصحاح ص 246. سورة المائدة: من الآية 119، والتوبة 100، والمجادلة 22، والبينة 8. سورة الفتح: من الآية 18. سورة طه: من الآية 109. سورة المائدة: من الآية 3. سورة النور: من الآية 55. سورة الأنبياء: من الآية 28. سورة طه: من الآية 84. سورة الزمر: من الآية 7. سورة النمل: من الآية 19، والأحقاف: 15. سورة النساء: من الآية 108. سورة التوبة: من الآية 96. أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء ... باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب 4/2095، والنسائي في السنن الكبرى 4/202، في كتاب الدعاء بعد الأكل، وباب ثواب الحمد لله. سورة النساء: من الآية 114. سورة البقرة: من الآية 207. سورة الممتحنة: من الآية 1. سورة الفتح: من الآية 29، وسورة الحشر: من الآية 8. سورة التوبة: من الآية 72. متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع أهل الجَنَّة 12/487، ومسلم في كتاب الجَنَّة ونعيمها، باب إحلال الرضوان على أهل الجَنَّة فلايسخط عليهم أبداً 4/2176، وأخرجه البخاري بنحوه في كتاب الرقاق باب صفة الجَنَّة والنار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/352، ومالك في الموطأ في كتاب القرآن باب ماجاء في الدعاء، وابن خزيمة في صحيحه 1/335، في كتاب الصلاة، باب نصب القدمين في السجود، وباب الدعاء في السجود، وابن حبان في صحيحه 5/259، وغيرهم. تفسير الطبري 6/162. الاستقامة 137. ذم التأويل لابن قدامة ص 18. التدمرية لابن تيمية، تحقيق السعوي ص 7. سورة الأعراف: الآية 180. سورة فصلت: الآية 40. سورة الشورى: من الآية 11. انظر: التدمرية بتحقيق السعوي ص 7 - 8. العرض: ما لايقوم إلاَّ بغيره، مثل الألوان: السواد والبياض ونحو ذلك. انظر: التعريفات للجرجاني 2/193 والتعاريف للمناوي 2/510. الجسم: ما يقوم بنفسه كالحجر والجدار ونحو ذلك. انظر: الصحاح مادة (جسم) ، ولسان العرب 12/99. الجوهر: هو ما يقوم بنفسه كالحائط ونحوه إلاَّ أن الجسم أعم من الجوهر. انظر: لسان العرب 4/152 والتعاريف للمناوي 2/668، والتعريفات للجرجاني 2/108. سورة الشورى: من الآية 11. مثل: فلان لايكتب، ومثل قول الشاعر: قبيلة لايغدرون بذمة ... ... ولايظلمون الناس حبة خردل [انظر: شرح الطحاوية ص 69] . سورة الكهف: من الآية 49. سورة البقرة: من الآية 255. التدمرية ص 43. تفسير ابن كثير 1/6. هي: أم المؤمنين أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشية المخزومية، اسمها هند وقيل: رمكة، وأبوها حذيفة، وقيل: سهيل. وأمها عاتكة بنت عامر الكنانية من بني فراس، وأم سلمة كانت من المهاجرين إلى الحبشة هي وزوجها قبل الرسولشتوفيت في خلافة يزيد بن معاوية. انظر: الإصابة 8/221 - 224 والاستيعاب 8/1939. سورة طه: الآية 5. ذم التأويل لابن قدامة ص 25، وفتح الباري 13/406، واعتقاد أهل السنة للالكائي 3/397. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 هو: مفتي المدينة في وقته، وعالم الوقت، من أئمة الاجتهاد، ومن رواة الحديث، وأحد الحفاظ، شيخ الإمام مالك اسمه: ربيعة ابن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي بالولاء المشهور بربيعة الرأي، روى عن أنس بن مالك وعن التابعين، قال عنه مالك: {كان ربيعة أعجل شيء جواباً} وقال ابن الماجشون: {والله ما رأيت أحوط لسنة من ربيعة} ، مات ربيعة بالهاشمية من أرض الأنبار سنة 136 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 6/89 - 96، وتاريخ بغداد 8/420. ذم التأويل لابن قدامة ص 25، وانظر: سير أعلام النبلاء 6/90، وإثبات صفة العلو لابن قدامة 2/114. حجة الأمة، إمام دار الهجرة، مالك بن أنس بن مالك المشهور، امتحن وضرب بالسياط، ألف كثير من الناس في مناقب مالك، وهو صاحب الموطأ، وله رسالة في القدر، وله غير ذلك من الكتب، توفي سنة 79 هـ رحمه الله ورضي عنه. انظر: سير أعلام النبلاء 8/48 - 135، والبداية والنهاية 10/174 - 175، وغيرهما. ذم التأويل لابن قدامة ص 13، وانظر: اعتقاد أهل السنة للالكائي 3/398، والاعتقاد للبيهقي 2/116. أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن.. 1/288، والنسائي في السنن الكبرى 1/511، 6/203، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ماجاء في الدعاء بين الأذان والإقامة 1/145، وصححه الألباني وأخرجه الترمذي في باب الدعاء عند الأذان 2/27، وقال الألباني: {صحيح} . العلامة القدوة، المفسر، المذكر، المحدث، سيف السنة، ودامغ البدعة، الزاهد، أبو عثمان إسماعيل ابن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل النيسابوري الصابوني، المولود سنة 372 هـ، والمتوفى سنة 449 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 18/40 - 44، والنجوم الزاهرة 5/62. الرسالة في اعتقاد أهل السنة ص 3 - 4. مجموع الفتاوى 6/518. مجموع الفتاوى 12/173. سورة المائدة: من الآية 3. سورة المائدة: من الآية 119. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 سورة التوبة: من الآية 100. سورة طه: الآية 109. سورة الفتح: الآية 18. سورة المجادلة: الآية 22. سورة طه: الآيتان 83، 84. سورة النمل: الآية 19. سورة الأحقاف: من الآية 15. سورة النساء: الآية 108. سورة الزمر: الآية 7. سورة التوبة: الآية 96. سورة النور: الآية 55. سورة آل عمران: الآية 15. سورة التوبة: الآية 72. سورة الحشر: الآية 8. سورة البقرة: الآية 207. سورة النساء: الآية 114. سبق في ص 171. سبق في ص 171. سبق في ص 171. أخرجه الترمذي في كتاب الزهد، باب ماجاء في الصبر على البلاء 4/601 وقال: {حسن غريب من هذا الوجه} ، وابن ماجة في الفتن، باب الصبر على البلاء 2/1338، وقال الألباني: {حسن} ، وأخرجه القضاعي في مسند الشهابي 2/170. أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان ... أخرجه ابن حبان في صحيحه في ذكر رجاء المرء من رضوان الله ... 1/514، والحاكم في المستدرك من عدة طرق 1/107، والترمذي في الزهد، باب في قلة الكلام، وقال: {حسن صحيح} 4/559، وابن ماجة في كتاب الفتن باب كف اللسان في الفتنة، وأخرجه الإمام مالك في الموطأ، كتاب الكلام، باب ما يؤمر به من التحفظ في الكلام 2/985. الشكر لابن أبي الدنيا ص 40، وتفسير السيوطي 1/370. سورة المطففين: الآية 15. اعتقاد أهل السنة للالكائي 3/506، والاعتقاد للبيهقي 2/131، وحاشية ابن القيم على سنن أبي داود 13/42 سورة طه: من الآية 81. العقيدة للإمام أحمد برواية الخلال 2/109. سورة النحل: الآية 74. سورة النحل: الآية 60. سورة الروم: الآية 27. انظر: التدمرية ص 50. سورة فصلت: من الآية 40. سورة الأعراف: الآية 180. انظر: التدمرية ص 70. ذم التأويل ص 23. انظر: جواب أهل العلم والإيمان لابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى 17/152. انظر: المرجع السابق نفس الموضع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 انظر: الوابل الصيب لابن القيم 1/46. سورة الشورى: من الآية 11. انظر: رفع الاستار للصنعاني 2/142. انظر: المصدر السابق نفس الموضع. سورة المائدة: من الآية 119، وسورة التوبة: من الآية 100، وسورة البينة: من الآية 8. انظر: رسالة في الصفات الاختيارية ضمن مجموع الفتاوى 6/217. انظر: شرح السيوطي 1/104. سورة الفتح: من الآية 18. انظر: كتاب الإيمان الكبير ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 7/444. الاستقامة 1/215. وصفه - تعالى - بالسكوت ورد في السنة والأثر، فمن ذلك حديث أبي الدرداء يرفعه: {ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله عافيته؛ فإن الله لم يكن نسياً، ثُمَّ تلا هذه الآية {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} } [مريم: 64] أخرجه البزار في كشف الأستار، وقال: {إسناده صالح} ، والحاكم في المستدرك 2/375، وقال: {صحيح الإسناد} ، وأقره الذهبي، وأخرجه البيهقي في الكبرى 10/12 والدارقطني في المعجم الكبير 6/250، 261. وله شاهد عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: {كان أهل الجاهليَّة يأكلون أشياء، ويتركون أشياء تقذراً، فبعث الله - تعالى - نبيه - (- وأنزل كتابه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا: {قُل لاَ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا ... } إلى آخر الآية. أخرجه أبو داود في كتاب الأطعمة، باب ما لم يذكر تحريمه رقم 3800، والحاكم في المستدرك 4/115 وصححه، ووافقه الذهبي على ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: {فثبت بالسنة والإجماع أن الله يوصف بالسكوت} [مجموع الفتاوى 6/179] . سورة الزمر: الآية 7. سورة المائدة: من الآية 3. سورة طه: الآية 84. سورة البينة: من الآية 8. سورة التوبة: الآية 96. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 النهاية 2/232. وانظر: تحفة الأحوذي 10/9. انظر: جواب أهل العلم والإيمان لابن تيمية 17/152. سورة المائدة: من الآية 119، وسورة التوبة: من الآية 100، وسورة البينة: من الآية 8. سورة الفتح: من الآية 18. سورة المائدة: من الآية 119. سورة المائدة: من الآية 3. انظر: جواب أهل العلم والإيمان ضمن مجموع الفتاوى لابن تيمية 17/152. قال ذلك الفخر الرازي - عفا الله عنه -. شرح قصيدة ابن القيم 1/208، ووفيات الأعيان 4/250، وشرح الطحاوية ص 244. سورة طه: الآية 5. سورة فاطر: من الآية 10. سورة الشورى: من الآية 11. سورة طه: من الآية 110. شرح العقيدة الطحاوية ص 242، شرح قصيدة ابن القيم 1/208. قال ذلك الشهرستاني محمد بن عبد الكريم. شرح الطحاوية ص 244. أعلم المتأخرين، جامع طرق المذاهب، الإمام الكبير شيخ الشافعية، إمام الحرمين، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف ابن عبد الله ... الجويني، ثُمَّ النيسابوري، ولد سنة 419 هـ، وتوفي سنة 478 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 8/468 - 476، والأعلام 4/160، وطبقات الشافعية 3/249 - 253. شرح العقيدة الطحاوية ص 245. المعتزلة: إحدى الفرق المنتسبة إلى أهل القبلة، سموا بذلك لاعتزالهم المسلمين أو لاعتزالهم مجلس الحق فقد اعتزل رئيسهم مجلس الحسن البصري فسمّاهم الحسن معتزلة، وقد أجمعت على نفي الصفات والقول بخلق القرآن وأن العبد يخلق فعله، وأن مرتكب الكبيرة مخلد في النَّار، ونفوا الشفاعة ويرون الخروج على الأئمة. انظر: البرهان في عقائد أهل الأديان للسكسكي ص 36 - 27، والفرق بين الفرق ص 114 - 117. انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري ص 266، ومجموع الفتاوى لابن تيمية 17/149. انظر: جواب أهل العلم لابن تيمية ضمن الفتاوى 17/149. انظر: السابق 6/329. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 جامع علم الإمام أحمد، المفسر، العالم بالحديث، الحافظ الفقيه، شيخ الحنابلة وعالمهم، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الخلال، تتلمذ على المروزي وغيره من كبار العلماء، ورحل إلى فارس والشام والجزيرة يطلب فقه الإمام أحمد وفتاويه وأجوبته، توفي سنة 311 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 14/297 - 298، وتاريخ بغداد 5/112 - 113، والبداية والنهاية 11/148. انظر: العقيدة للإمام أحمد برواية الخلال 2/109. هم: أتباع أبو محمد عبد الله بن سعد بن كلاب القطان، وهم من أقرب المتكلمين إلى السنة، من أقوالهم: إن أسماء الباري لا الباري ولا غيره، والوصف لله بأنه كريم ليس صفات الفعل، والكلام من صفات النفس. انظر: سير أعلام النبلاء؟ /174 - 176، ومقاولات الإسلاميين ص 172، 179، 517. هم: أتباع أبي الحسن بن سالم القائلين بأن صفات الأفعال بغير المشيئة والإرادة، وأن القرآن حروف وأصوات قديمة، ويوافقون أهل السنة في أكثر مسائل الاعتقاد فهم من أقرب الطوائف إلى أهل السنة. انظر: النبوات لابن تيمية 2/143، وشرح قصيدة ابن القيم 1/279، 288. انظر: رسالة في الصفات ضمن مجموع الفتاوى لابن تيمية 6/217. انظر: السابق 6/220. أوحد زمانه في المعقول وعلوم الأوائل، إمام التفسير، المتكلم، أحد فقهاء الشافعية، والمشهور بالتصانيف الكبار والصغار، المعظم عند الملوك، أبو المعالي وأبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن علي القرشي التميمي البكري المشهور بالفخر الرازي المتوفى سنة 606 هـ. انظر: البداية والنهاية 13/55 - 56، والأعلام 6/313. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 صاحب المصنفات في الأصلين، الحنبلي ثُمَّ الشافعي، الأصولي المنطقي الجدلي، صاحب الأخلاق، سليم الصدر أبو الحسن سيف الدين علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي ثُمَّ الحموي ثُمَّ الدمشقي، المتوفى سنة 631 هـ. انظر: البداية والنهاية 13/140 - 141، وطبقات الشافعية 5/129، والأعلام 4/332. انظر: رسالة في الصفات لابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى 6/221. انظر: جواب أهل العلم ضمن فتاوى ابن تيمية 17/149. انظر: تفسير القرطبي 15/237. انظر: رسالة في الصفات ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 6/233. ذكره الضياء المقدسي في المختارة، وقال: {إسناده صحيح} 6/272 - 273، والدارقطني في رؤية الله 1/80، 81، والآجري في التصديق بالنظر 1/67 وقال: {حديث صحيح} ، والهيثمي في مسند الحارث 1/301، وفي مجمع الزوائد للهيثمي 10/421 - 422 وقال: {رواه البزار والطبراني في الأوسط بنحوه وأبو يعلى باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وقد وثقه غير واحد وضعفه غيرهم وإسناد البزار فيه خلاف} اهـ. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: {رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط بإسنادين أحدهما جيد ... } . انظر: رسالة في مسألة تأويل الصفات لابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى 6/44. انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 1/127 - 128. انظر: منهاج السنة 2/115. انظر: شرح حديث النزول ضمن فتاوى ابن تيمية 5/351، ومنهاج السنة 2/116. انظر: شرح حديث النزول ضمن فتاوى ابن تيمية 5/352. انظر: رسالة في مسألة تأويل الصفات لابن تيمية ضمن الفتاوى 6/46. سورة المائدة: من الآية 119. سورة الفتح: من الآية 18. سورة البينة: من الآية 8. انظر: رسالة في مسألة تأويل الصفات ضمن بمجموع فتاوى ابن تيمية 6/46، والتدمرية ص 32 - 33. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 بيان تلبيس الجهمية 1/431، 2/164، وذم التأويل لابن قدامة ص 22. ذم التأويل ص 23. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 12/10، والديباج للسيوطي 4/319. ذم التأويل لابن قدامة ص 11، تحقيق: بدر البدر. ذم التأويل ص 19. سورة محمد: من الآية 19. سورة الإخلاص: الآية 1. سورة الكافرون: الآية 1. انظر: الرسالة التدمرية ص 5. ذم التأويل لابن قدامة ص 11. طريق الهجرتين 1/431. انظر: مدارج السالكين 1/254. انظر: رفع الأستار للأمير الصنعاني 2/142. سورة التوبة: من الآية 100. سورة البينة: الآيتان 7، 8. تفسير ابن كثير 4/538. سورة التوبة: الآية 96. سورة محمد: من الآية 28. سورة الفتح: من الآية 29. تفسير ابن كثير 4/204. سورة التوبة: الآية 72. أخرجه البخاري في تفسير سورة الرحمن، باب: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} ، ومسلم في كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى 1/163. أخرجه مسلم في كتاب الجَنَّة، باب صفة خيام الجَنَّة وما للمؤمنين 4/2182، وأخرجه بنحوه البخاري في كتاب التفسير، باب حور مقصورات في الخيام. انظر: صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء، وصحيح مسلم كتاب الإمارة، باب بيان ما أعد الله للمجاهد في الجَنَّة من الدرجات. أخرجه الحاكم في المستدرك 1/82، وقال: {هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه} ووافقه الذهبي في التلخيص، وأخرجه الطبراني في الأوسط 9/26، وقال ابن كثير لما أورده في تفسيره 2/371: {رواه البزار من حديث الثوري، وقال الضياء المقدسي في مختاراته في كتاب صفة الجَنَّة: (هذا عندي على شرط مسلم) } قلتُ: لم أجده في المختارات. العقل وفضله لابن أبي الدنيا ص 41. سورة يونس: الآية 26. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية 1/170، والبخاري بنحوه في باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، والدارقطني في رؤية الله 1/26. ذكر ذلك ابن المبارك في الزهد ص 274 فيما روي من وصايا لقمان لابنه. سورة التوبة: الآيات 20 - 22. سورة الحشر: الآية 8. تفسير ابن كثير 4/337. سورة طه: الآيتان 83، 84. انظر: تفسير ابن كثير 3/161. سورة الحديد: الآية 20. انظر: تفسير ابن كثير 4/313. سورة المجادلة: الآية 22. تفسير ابن كثير 4/329. سورة مريم: الآيتان 54، 55. سورة طه: الآية 109. سورة النجم: الآية 26. سورة الأنبياء: من الآية 28. انظر: شرح حديث النزول للشيخ ابن عثيمين ص 57. سورة النمل: الآيات 17 - 19. تفسير ابن كثير 3/360. سورة البقرة: الآية 207. انظر: تفسير ابن كثير 1/248. رواه الإمام أحمد في المسند 5/279، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/202: {ورجاله رجال الصحيح غير ميمون بن عجلان وهو ثقة} ، وقال ابن حجر في الفتح 10/462: {ويشهد له حديث أبي هريرة الآتي في الرقائق ففيه: {ولايزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه} الحديث. وانظر: تحفة الأحوذي للمباركفوري 8/483. سورة آل عمران: الآية 162. تفسير ابن كثير 1/425، وانظر: تفسير الطبري 4/161. سورة التوبة: الآية 109. سورة النساء: الآية 114. سورة المائدة: الآية 2. تفسير ابن كثير 3/5. السابق 3/5. ذكره الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة 6/272 - 273، وقال: {إسناده صحيح} ، وسبق باقي تخريجه سورة آل عمران: الآية 15. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح 1/7. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء ... ، باب التسبيح أول النهار وعند النوم 4/2090، وابن حبان في صحيحه 3/113، وابن خزيمة في صحيحه 1/370، وأحمد في المسند 6/324، 429، والطبراني في المعجم الكبير 24/61، والترمذي في الدعوات، باب 104 وقال: {حسن صحيح} 5/555، وابن ماجة في كتاب الأدب، باب فضل التسبيح 2/1251، وغيرهم. المنار المنيف لابن القيم 1/36. سورة الملك: الآية 2. سورة الكهف: من الآية 7. سورة هود: 7. أخرجه مسلم في كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها، بألفاظ متعددة وطرق متعددة، والبيهقي في السنن الكبرى 10/188، وابن حبان في صحيحه 2/387، وأحمد في عدة مواضع من المسند منها 2/316. سورة المؤمنون: من الآية 53، وسورة الروم: من الآية 32. الأربعون الصغرى 2/30. قلتُ: وقول البيهقي - رحمه الله - هذا ليس هو الصحيح في إثبات صفة الفرح لله - تعالى - وإن كان يدل على معنى من معاني الرضا، والصحيح أن صفة الفرح لله - تعالى - على ما يليق بجلاله وعظمته، كسائر صفاته، وتأويلها بالرضا ليس صحيحاً، وإنَّما هو مذهب أهل التأويل والتعطيل، وإلاَّ فالصفة له على ما يليق به، معناها معلوم في اللغة العربيَّة وكيفها مجهول، والإيمان بها واجب، كما ثبتت في النصوص، ومنها هذا الحديث. سورة مريم: الآية 96. أخرجه الطبراني في الأوسط 2/57 - 58، وقال: {لايروى هذا الحديث عن ثوبان إلاَّ بهذا الإسناد تفرد به ميمون} ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/272 ثُمَّ قال: {رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات} . أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، وفي مواضع أخرى، وأخرجه مسلم في كتاب البر والصلة، باب إذا أحب الله عبداً حببه إلى عباده 4/2030. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 هو: عمرو بن مالك بن قيس بن بجيد الرواسي كوفي وفد على النبيشمع أبيه فأسلما، وقال قوم: إن الصحبة لأبيه. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة 4/675، والاستيعاب لابن عبد البر 8/1200، والطبقات الكبرى لابن سعد 1/300. أخرجه أبو يعلى في مسنده 12/236، والبيهقي في شعب الإيمان 6/312، وابن حبان في الثقات 3/270. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/202: {رواه البزار من رواية طارق عن عمرو بن مالك، وطارق ذكره ابن أبي حاتم ولم يوثقه، ولم يجرحه وبقية رجاله ثقات} اهـ أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء ... باب الحث على ذكر الله 4/2061، وباب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى 4/2067. أخرجه البخاري في كتاب الرقائق، باب التواضع، وابن حبان في صحيحه 2/58، وأحمد في المسند 6/256 وغيرهم. أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر 4/2075، وابن حبان في صحيحه 3/95، والطبراني في الدعاء ص 529، وأبو يعلى في مسنده 13/381، وأحمد في المسند 4/92 والترمذي في كتاب الدعوات، باب ماجاء في القوم يجلسون فيذكرون الله ... 5/459، وغيرهم. سورة الأنعام: الآية 154. سورة الرحمن: الآية 60. تفسير ابن كثير 2/192. سورة يونس: من الآية 26. انظر: تفسير ابن كثير 2/485. المنار المنيف لابن القيم ص 32. انظر: المنار المنيف ص 33. انظر: عدة الصابرين لابن القيم 1/238. سبق تخريجه في ص 9. وانظر: أصول الإيمان للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ص 44. انظر: تفسير ابن كثير 1/3. أخرجه ابن أبي حاتم كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره 1/23. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 أخرجه بنحوه مسلم في كتاب الجَنَّة وصفة نعيمها، باب في صفات الجَنَّة وأهلها ... 4/2181، وابن حبان في صحيحه 16/462، والدارمي في كتاب الرقاق، باب في أهل الجَنَّة ونعيمها. سورة الزمر: من الآية 7. انظر: رسالة في الصفات الاختيارية ضمن مجموع الفتاوى لابن تيمية 6/226. روضة المحبين لابن القيم ص 437. سورة طه: الآيتان 83، 84. روضة المحبين: ص 437. سورة الفتح: الآيتان 18، 19. أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان 4/1942، وأحمد في المسند 5/695، وقال: {حسن صحيح} ، وغيرهم. أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس، وقول الله تعالى: {لاَتَتَّخِذُوا عَدُوِّي ... } ، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة، وأحمد في المسند في مواضع منها 1/330، وأبو يعلى في مسنده 1/316. انظر: عون المعبود 12/264. سورة البقرة: الآية 207. الرسالة الأكملية لابن تيمية ضمن الفتاوى 6/94. سورة البقرة: الآية 207. المصادر والمراجع القرآن الكريم. الأحاديث المختارة: أو المستخرج من الأحاديث المختارة مِمَّا لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما، ضياء الدين، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي، ط الأولى 1412 هـ، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، دراسة وتحقيق: د. عبد الملك بن دهيش. الأربعون الصغرى: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: أبو إسحاق الحويني الأثري، ط الأولى 1408 هـ، نشر دار الكتاب العربي، بيروت. الاستقامة: لابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، ط الأولى 1404 هـ، طبع ونشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الاستيعاب في معرفة الأصحاب: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، تحقيق: علي محمد البجاوي، مطبعة نهضة مصر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 أصول الإيمان: للشيخ محمد بن عبد الوهاب، تحقيق: د. باسم الجوابرة. الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر العسقلاني، ط الأولى 1328 هـ، نشر: دار العلوم الحديثة. الاعتقاد: لأبي بكر البيهقي، تحقيق: أحمد عصام الكاتب، ط الأولى 1401 هـ، دار الآفاق الجديدة، بيروت. البداية والنهاية: لأبي الفداء الحافظ ابن كثير، نشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض، ومكتبة المعارف ببيروت. البرهان في عقائد أهل الأديان: للسكسكي، دار التراث العربي 1400 هـ. بيان تلبيس الجهمية: لابن تيمية، تحقيق: محمد بن عبد الرحمن القاسم، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة 1392 هـ. تأريخ بغداد، أو مدينة السلام: للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتب العالمية ببيروت. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: لمحمد بن عبد الرحمن المباركفوري، نشر دار الكتب العلمية ببيروت. التدمرية: لابن تيمية، تحقيق: د. محمد السعوي، ط الأولى 1405 هـ. الترغيب والترهيب: لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، ط الأولى 1417 هـ نشر دار الكتب العلمية ببيروت. التصديق بالنظر: لمحمد بن حسين الآجري، تحقيق: سمير الزهيري، ط الأولى 1408 هـ، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت. التعريفات: لعلي بن محمد الجرجاني، تحقيق: إبراهيم الأبياري، ط الأولى 1405 هـ، نشر دار الكتاب العربي ببيروت. التوقيف على مهمات التعاريف: لمحمد بن عبد الرؤوف المناوي، تحقيق: د. محمد رضوان الداية ط الأولى 1410 هـ، نشر: دار الفكر ببيروت ودمشق. تفسير القرآن العظيم: لأبي الفداء الحافظ ابن كثير، دار الفكر ببيروت، 1401 هـ. الثقات: لابن حبان البستي، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد، ط الأولى 1395 هـ، نشر: دار الفكر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، دار الكتب، نشر: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة 1387 هـ. جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ط الثالثة، البابي الحلبي بمصر 1388 هـ. الجامع الصحيح المختصر: لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: مصطفى البغا 1407 هـ، دار ابن كثير واليمامة. الجامع الصحيح (سنن الترمذي) : لمحمد بن عيسى أبي عيسى الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، وإبراهيم عطوة عوض، نشر المكتبة الإسلاميَّة. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح: لابن القيم الجوزية، نشر دار الكتب العلمية ببيروت. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: لابن القيم الجوزية، نشر دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1415 هـ. خلق أفعال العباد: لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: د عبد الرحمن عميرة 1398 هـ، نشر دار المعارف بالرياض. درء تعارض العقل والنقل: لابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، 1399 هـ. الدر المنثور في التفسير بالمأثور: لجلال الدين السيوطي، نشر دار الفكر ببيروت، سنة 1414 هـ. الدعاء: لسليمان أبي القاسم الطبراني، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط الأولى 1413 هـ نشر دار الكتب العلمية ببيروت. الديباج على صحيح مسلم: لجلال الدين السيوطي، تحقيق: أبي إسحاق الأثري، نشر دار ابن عفان بالخبر 1416 هـ. ذم التأويل: لموفق الدين ابن قدامة المقدسي، الدار السلفية، الكويت. رؤية الله: لعلي بن عمر الدارقطني، تحقيق: مبروك إسماعيل مبروك، نشر مكتبة القرآن بالقاهرة. الرسالة في اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث والأئمة، أو عقيدة السلف أصحاب الحديث: لأبي إسماعيل الصابوني، تحقيق: بدر البدر، نشر الدار السلفية بالكويت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 رفع الأستار: لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط الأولى 1405 هـ، نشر المكتب الإسلامي ببيروت. روضة المحبين ونزهة المشتاقين: لابن القيم الجوزية، نشر دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1412 هـ. الزهد: لعبد الله ابن المبارك المروزي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية ببيروت. الزهد وصفة الزاهدين: لأحمد بن محمد ابن الأعرابي، تحقيق: مجدي فتحي السيد، ط الأولى 1408 هـ نشر دار الصحابة بطنطا، مصر. سنن أبي داود: للحافظ سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: عزت الدعاس، دار الحديث بحمص سوريا. سنن أبي داود: للحافظ سليمان بن الأشعث، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر ببيروت. سنن الدارمي: لأبي محمد الدارمي، دار الكتب العلمية ببيروت، نشر دار إحياء السنة النبوية. سنن ابن ماجة: للحافظ أبي عبد الله محمد بن زيد بن ماجة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. السنن الكبرى: لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: د. عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي، ط الأولى 1411 هـ، دار الكتب العلمية ببيروت. السنن الكبرى: للبيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز بمكة المكرمة 1414 هـ. سير أعلام النبلاء: لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، مؤسسة الرسالة. شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لابن العماد الحنبلي، دار الآفاق الجديد ببيروت. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: لهبة الله بن الحسن اللالكائي، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان 1402 هـ، دار طيبة بالرياض. شرح الحافظ السيوطي لسنن النسائي: للحافظ جلال الدين السيوطي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة ط الثانية 1406 هـ، مكتبة المطبوعات الإسلاميَّة بحلب. شرح حديث جبريل عليه السلام: للشيخ محمد بن صالح العثيمين، دار الثريا للنشر والتوزيع، ط الأولى 1415 هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 شرح العقيدة الأصفهانية: لابن تيمية، تحقيق: إبراهيم سعيداي، ط الأولى 1415 هـ، مكتبة الرسالة بالرياض. شرح العقيدة الطحاوية: لابن أبي العز الحنفي، تحقيق: د. عبد الله التركي وشعيب الأرناؤوط مؤسسة الرسالة شرح قصيدة ابن القيم: لابن القيم الجوزية، تحقيق: زهير الشاويش، ط الثالثة 1406 هـ، نشر المكتب الإسلامي ببيروت. شعب الإيمان: لأبي بكر البيهقي، تحقيق: محمد السعيد زغلول، ط الأولى 1410 هـ، نشر دار الكتب العلمية ببيروت. الشكر: لابن أبي الدنيا، مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان: لمحمد بن حبان البستي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ط الثانية 1414 هـ مؤسسة الرسالة ببيروت. صحيح الإمام مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر ببيروت 1398 هـ صحيح مسلم بشرح النووي: للإمام النووي، دار الفكر ببيروت. طبقات الشافعية الكبرى: لتاج الدين السبكي، دار المعرفة للطباعة والنشر ببيروت. الطبقات الكبرى: لابن سعد، دار صادر ببيروت. طريق الهجرتين وباب السعادتين: لابن القيم الجوزية، تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر، ط الثالثة 1414 هـ، نشر دار ابن القيم بالدمام. عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين: لابن القيم الجوزية، تحقيق: زكريا علي يوسف، نشر دار الكتب العلمية ببيروت. العقل وفضله: لابن أبي الدنيا، تحقيق: لطفي محمد الصغير، ط الأولى 1409 هـ، نشر دار الراية بالرياض العقيدة: للإمام أحمد بن حنبل برواية الخلال، تحقيق: عبد العزيز السيروان، ط الأولى 1408 هـ نشر دار قتيبة بدمشق. فتح الباري شرح صحيح البخاري: لابن حجر العسقلاني، المكتبة السلفية. الفرق بين الفرق: لعبد القاهر البغدادي، دار المعرفة ببيروت. القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى: للشيخ محمد بن صالح العثيمين، عالم الكتب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 كشف الأستار عن زوائد البزار: لنور الدين الهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، ط الثانية 1404 هـ نشر مؤسسة الرسالة ببيروت. لسان العرب: لأبي الفضل بن منظور، دار صادر ببيروت. مجمع الزوائد ومنيع الفوائد: لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مؤسسة المعارف ببيروت. مجموع فتاوى ابن تيمية: جمع عبد الرحمن القاسم، ط رئاسة الحرمين. مختار الصحاح: لمحمد بن أبي بكر الرازي، دار الفكر ببيروت. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: لابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، ط الثانية 1393 هـ، نشر دار الفكر العربي ببيروت. المستدرك على الصحيحين: للإمام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وبذيله التلخيص للإمام الذهبي توزيع مكتبة المعارف بالرياض. مسند أبي يعلى: لأحمد بن علي الموصلي، تحقيق: حسين سليم أسد، ط الأولى 1404 هـ نشر دار المأمون للتراث بدمشق. المسند: للإمام أحمد بن حنبل، المكتب الإسلامي للطباعة، نشر دار الفكر ببيروت. مسند البزار: لأبي بكر أحمد بن عمرو البزار، تحقيق: د. محفوظ الرحمن وزين الله، ط الأولى 1409 هـ مؤسسة علوم القرآن ببيروت، ومكتبة العلوم والحكم بالمدينة. مسند الحارثي {بغية الباحث عن زوائد الحارث} : للحارث بن أبي أسامة والحافظ الهيثمي، تحقيق: د. حسين الباكري، ط الأولى 1413 هـ، نشر مركز خدمة السنة بالمدينة. مسند الشهاب: لمحمد بن سلامة القضاعي، تحقيق: حمدي السلفي، ط الثانية 1407 هـ، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت. مسند الطيالسي: لسليمان بن داود الطيالسي، دار المعرفة ببيروت. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: لأحمد بن محمد المقرزي الفيومي، توزيع دار الباز بمكة. المعجم الأوسط: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله، وعبد المحسن الحسيني 1415 هـ، نشر دار الحرمين بالقاهرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 المعجم الصغير: لابن القاسم الطبراني، تحقيق: محمد شكور، ط الأولى 1405 هـ، نشر المكتب الإسلامي دار عمار ببيروت وعَمّان. المعجم الكبير: لأبي القاسم الطبراني، تحقيق: حمدي السلفي، ط الثانية 1404 هـ، مكتبة دار الحكم بالموصل. مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: لأبي الحسن الأشعري، تحقيق: هلموت ريتر، ط الثالثة نشر دار إحياء التراث العربي ببيروت. الملل والنحل: لأبي الفتح الشهرستاني، دار المعرفة ببيروت. المنار المنيف في الصحيح والضعيف: لابن القيم الجوزية، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط الثانية 1403 هـ نشر مكتب المطبوعات الإسلاميَّة بحلب. منال الطالب في شرح طوال الغرائب: لمجد الدين أبي السعادات ابن الأثير، تحقيق: د. محمود الطناحي طباعة ونشر جامعة أم القرى. منهاج السنة النبوية: لابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، 1406 هـ. الموسوعة الحديثية {مسند الإمام أحمد} : تحقيق: د. عبد الله التركي، وشعيب الأرناؤوط ومن معهم مؤسسة الرسالة ببيروت. الموطأ: للإمام مالك بن أنس، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر: دار إحياء التراث العربي ببيروت. ميزان الاعتدال: للإمام محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة ببيروت. النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة: لابن تغري بردي. النبوات: لابن تيمية، نشر المطبعة السلفية بالقاهرة، 1386 هـ. النهاية في غريب الأثر: لأبي السعادات ابن الأثير الجزري، تحقيق: طاهر الزاوي، ومحمود الطباخي 1399 هـ، نشر دار الفكر ببيروت. الوابل الصيب من الكلم الطيب: لابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد عبد الرحمن عوض، ط الأولى 1405 هـ نشر الكتاب العربي ببيروت. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: لأبي العباس ابن خلكان، تحقيق: د. إحسان عباس، دار صادر ببيروت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات د. محمد بن خليفة بن علي التميمي الأستاذ المشارك بقسم العقيدة - كلية الدعوة وأصول الدين الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة ملخص البحث يتناول البحث جانباً من جوانب مسألة توحيد الأسماء والصفات وهو “ مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات ” وقد احتوى البحث على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، وتضمنت المقدمة أهمية الموضوع والخطة التي سار عليها البحث بينما خصص الفصل الأول لبيان موقف أهل السنة والجماعة من توحيد الأسماء والصفات، من خلال التعريف بهم وبيان وسطيتهم وموقفهم الإجمالي والتفصيلي من أسماء الله وصفاته والأسس والقواعد التي قام عليها معتقدهم في هذا الباب. واحتوى الفصل الثاني على بيان موقف المعطلة من هذا الباب وذلك من خلال التعريف بطوائف المعطلة وذكر قول كل طائفة وموقفها من أسماء الله وصفاته، فقد تم التعريف في المبحث الأول بالفلاسفة وطوائفهم وذكر درجات تعطيلهم لأسماء الله وصفاته. كما تم التعريف في المبحث الثاني بأهل الكلام وبيان العلاقة بينهم وبين الفلاسفة، وبيان أقوال فرقهم (الجهمية - المعتزلة - الكلابية - الأشاعرة - الماتريدية) في باب الأسماء والصفات. وأما الفصل الثالث فقد عقد لبيان موقف المشبهة من توحيد الأسماء والصفات وتضمن المبحث الأول ذكر من عرف بالتشبيه (وهم قدماء الرافضة وغلاة المتصوفة) وبيان أقوالهم. وأما المبحث الثاني فعقد لبيان من نسب إلى التشبيه، وخصص المطلب الأول لذكر الفرق بين التشبيه والتجسيم والمطلب الثاني لذكر من نسب إلى التشبيه وحقيقة أقوالهم. وختم البحث بخاتمة تضمنت بيان وسطية أهل السنة في هذا الباب وغيره، وسلامة منهجهم في التأصيل والتقرير. المقدمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَأيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ} [آل عمران 102] . {يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَّاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَّاتّقُواْ اللهَ الّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء 1] . {يَأَيّهَا االّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُّطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب 71 - 72] . أما بعد: فإنه على أساس العلم الصحيح بالله وأسمائه وصفاته يقوم الإيمان الصحيح، والتوحيد الخالص، وتنبني مطالب الرسالة جميعها؛ فهذا التوحيد هو أساس الهداية والإيمان، وهو أصل الدين الذي يقوم عليه، ولذلك فإنه لا يتصور إيمان صحيح ممن لا يعرف ربه، فهذه المعرفة لازمة لانعقاد أصل الإيمان وهي مهمة جداً للمؤمن لشدة حاجته إليها لسلامة قلبه، وصلاح معتقده، واستقامة جوارحه، فالمعرفة لأسماء الله وصفاته وأفعاله توجب للعبد التمييز بين الإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، والإقرار والتعطيل، وتنزيه الرب عما لا يليق به ووصفه بما هو أهله من الجلال والإكرام. وبهذه المعرفة تحصل زيادة الإيمان ورسوخه، فكلما ازداد العبد علماً بالله زاد إيمانه وخشيته ومحبته لربه وتعلقه به قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر 28] ، كما تجلب للعبد النور والبصيرة التي تحصنه من الشبهات المضللة والشهوات المحرمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 ولذا كان هذا العلم هو بحق أفضل ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس وأدركته العقول، وليست القلوب الصحيحة والنفوس المطمئنة إلى شيء من الأشياء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر ولا فرحها بشيء أعظم من فرحها بالظفر بمعرفة الحق فيه. وإن من واجب طالب العلم أن يتعمق في فهم الحق في هذا الباب المبني على الكتاب والسنة؛ فإنه بالنظر إلى كون باب الأسماء والصفات من أكثر الأبواب التي حصل فيها النزاع بين علماء السلف وخصومهم الأمر الذي تسبب في حدوث نزاع في مسائل كثيرة ومتعددة ترتب عليها انقسام الناس إلى ثلاثة أقسام: أهل السنة، وأهل التعطيل، وأهل التمثيل، ومثل هذا الحال يوجب على طالب العلم أن يميز بين قول أهل الحق في تلك المسائل وأقوال أهل الباطل، وأن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة مسائل هذا الباب، وأن تكون تلك المعرفة سالمة من داء التعطيل وداء التمثيل اللذين ابتلي بهما كثير من أهل البدع. فالمعرفة الصحيحة هي المتلقاة من الكتاب والسنة، وما روي عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فهذه هي المعرفة النافعة التي لا يزال صاحبها في زيادة إيمانه، وقوة يقينه، وطمأنينة أحواله ولما كان باب الصفات هو قلب هذا الباب ومحور النزاع مع الخصوم فيه فإن من الواجب على المسلم أن يدرس مسائل هذا الباب ويتعمق في فهمها وفق ما ورد في الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة،وأن يحذر من التيارات الفلسفية التي أضرت بأصحابها وأدخلتهم في دوامة الانحراف والضياع. ومن منطلق توضيح مسائل الصفات وبيان الخلاف الحاصل بين الطوائف فيها، أحببت جمع شتات تلك المسائل وترتيبها ليسهل على الراغب في دراستها الاطلاع عليها بأقصر طريق وأقل مؤنه. وقد سميت البحث ((مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات)) . ورتبت عناصره في ثلاثة فصول وخاتمة تسبقها مقدمة وفق ما يأتي: المقدمة: وفيها استهلال البحث وبيان بفصوله ومباحثه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 الفصل الأول: أهل السنة والجماعة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات وفيه مبحثان: المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة، وتحته مطلبان المطلب الأول: التعريف بهم. المطلب الثاني: بيان وسطيتهم. المبحث الثاني: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات، وانتظم ثلاثة مطالب المطلب الأول: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات عموماً. المطلب الثاني: موقفهم من باب الأسماء. المطلب الثالث: موقفهم من باب الصفات. الفصل الثاني: طوائف المعطلة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات، واحتوى مبحثين المبحث الأول: الفلاسفة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات، واشتمل مطلبين. المطلب الأول: التعريف بهم. المطلب الثاني: قولهم في توحيد الأسماء والصفات. المبحث الثاني: أهل الكلام وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات، وضمّ مطلبين. المطلب الأول: التعريف بهم. المطلب الثاني: مواقفهم من توحيد الأسماء والصفات. الفصل الثالث: المشبهة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات، واندرج تحته مبحثان. المبحث الأول: من عرف بالتشبيه وبيان أقوالهم. المبحث الثاني: من نسب إلى التشبيه. الخاتمة: وإني لا أدعي أني وصلت بهذا البحث إلى درجة الكمال، ولكن حسبي أني اجتهدت فإن وفقت فذلك بفضل من الله وحده، وإن حصل تقصير أو خطأ فهذا من طبيعة جهد البشر،وأسأل الله أن يتقبل مني هذا الجهد وأن يجعله عملاً صالحاً، ولوجهه خالصاً، وأن لا يجعل لأحد فيه شيئاً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الفصل الأول: أهل السنة والجماعة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات وفيه مبحثان المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة، وفيه مطلبان المطلب الأول: التعريف بهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 ((المقصود بأهل السنة والجماعة: هم الصحابة، والتابعون، وتابعوهم، ومن سلك سبيلهم، وسار على نهجهم، من أئمة الهدى ومن اقتدى بهم من سائر الأمة أجمعين. فيخرج بهذا المعنى كل طوائف المبتدعة وأهل الأهواء. فالسنة هنا في مقابل البدعة، والجماعة هنا في مقابل الفُرقة)) (1) . فعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى {يَوَمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران 106] قال: ((تبيض وجوه أهل السنة، وتسود وجوه أهل البدعة والفُرقة)) (2) . والجدير بالذكر هنا أن نعرف أن العلماء يستعملون هذه العبارة لمعنيين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فلفظ أهل السنة يراد به: 1 من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة (3) . 2 وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول: ((إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يُرَى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة)) (4) . ومقصودنا بعبارة (أهل السنة) هو المعنى الثاني الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية؛ ذلك لأن لأهل السنة أصولهم التي اتفقوا عليها ونصوا عليها في كتب الاعتقاد المعروفة. ولأهل السنة عدة مسميات منها: أهل الحديث، الفرقة الناجية، الجماعة، الطائفة المنصورة وغير ذلك. ويمكن حصر قواعد منهج أهل السنة في النِّقاط التالية: أولاً: ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها. ثانياً: التقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث. وذلك يتم ب: أالاجتهاد في تمييز صحيحه من سقيمه. ب الاجتهاد في الوقوف على معانيه وتفهمه (5) . ثالثاً: العمل بذلك والاستقامة عليه اعتقاداً، وتفكيراً، وسلوكاً، وقولاً، والبعد عن كل ما يخالفه ويناقضه. رابعاً: الدعوة إلى ذلك باللسان والبنان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 فمن التزم هذه القواعد في الاعتقاد، والعمل، فهو على نهج أهل السنة بإذن الله (1) . وأهل السنة قالوا: الأصل في الدين الاتباع والعقل تبع، فالعقل المجرد ليس له إثبات شيء من العقائد والأحكام، وإنما المرجع في ذلك إلى القرآن والسنة. ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء، ولبطل الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء (2) . والتقرير بأن النقل مقدم على العقل لا ينبغي أن يُفهم منه أن أهل السنة ينكرون العقل والتوصل به إلى المعارف والتفكير به في خلق السموات والأرض وفي الآيات الكونية الكثيرة، فأهل السنة لا ينكرون استعمال العقل، ولكنهم توسطوا في شأن العقل بين طائفتين ضلتا في هذا الباب هما: أهل الكلام: الذين يجعلون العقل وحده أصل علمهم ويفردونه ويجعلون الإيمان والقرآن تابعين له، والمعقولات عندهم هي الأصول الكلية الأولية، المستغنية بنفسها عن الإيمان والقرآن، فجعلوا عقولهم هي التي تثبت وتنفي، والسمع معروضاً عليها، فإن وافقها قُبِلَ اعتضاداً لا اعتماداً، وإن عارضها رُدَّ وطُرِح، وهذا من أعظم أسباب الضلال التي دخلت على الأمة. وأهل التصوف: الذين يذمون العقل ويعيبونه، ويرون أن الأحوال العالية والمقامات الرفيعة، لا تحصل إلا مع عدمه ويقرون من الأمور بما يكذِّب صريح العقل. ويمدحون السُّكْر والجنون والوَلَه، وأموراً من المعارف والأحوال التي لا تكون إلا بزوال العقل والتمييز، كما يصدقون بأمور يُعْلَمُ بالعقل الصريح بطلانها. وكلا الطرفين مذموم. وأما أهل السنة فيرون أن العقل شرط في معرفة العلوم، وكمال وصلاح الأعمال وبها يكمل العلم والعمل، ولكنه ليس مستقلاً بذلك. فالعقل غريزة في النفس وقوة فيها، بمنزلة البصر التي في العين. فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن، كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس أو النار. وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن إدراكها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 وإن عزل بالكلية كانت الأقوال والأفعال مع عدمه أموراً حيوانية. فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة، والأقوال المخالفة للعقل باطلة، والرسل جاءت بما يعجز العقل عن إدراكه ولم تأت بما يعلم بالعقل امتناعه (1) . المطلب الثاني: بيان وسطيتهم وقد توسط أهل السنة في كثير من مسائل الاعتقاد، منها ما يلي: 1 في أسماء الله وصفاته: فإن مذهب السلف هو إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها فتوسطوا بذلك بين المعطلة الذين نفوها فأبطلوا ما أثبته الله ورسوله، والمشبهة الذين خرجوا بها إلى ضرب من التشبيه والتكييف. 2 في أفعال الله ((القدر)) : فإن مذهب السلف هو أنهم أثبتوا لله فعلاً ومشيئة وأثبتوا للعبد فعلاً ومشيئة داخلة تحت مشيئة الله وقدرته، فتوسطوا بذلك بين الجبرية الذين أنكروا قدرة العبد ومشيئته، والقدرية الذين أنكروا قدرة الله في أفعال العباد. 3 في الإيمان: فإن مذهب السلف هو أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل يزيد وينقص، فتوسطوا بذلك بين المرجئة الذين أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان، والخوارج والمعتزلة الذين أنكروا زيادة الإيمان ونقصانه. 4 في وعيد الله ((أي مرتكب الكبيرة)) : فإن مذهب السلف هو أن مرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته، وهو مستحق للوعيد ولكنه تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه على قدر ذنبه ثم يخرجه من النار، وإن شاء غفر له وأدخله الجنة. فهم بذلك توسطوا بين المفرطين من المرجئة الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وبين الوعيدية (الخوارج والمعتزلة) ، فالخوارج يقولون: هو كافر في الدنيا، والمعتزلة يقولون: هو في منزلة بين المنزلتين ويتفقون على أنه في الآخرة خالد مخلد في النار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 5 في أصحاب رسول الله (: فإن مذهب السلف هو الاعتراف بفضل الصحابة جميعاً رضي الله عنهم وأرضاهم وأنهم أكمل هذه الأمة إيماناً وإسلاماً وعلماً وحكمةً، وأنهم عدول بتعديل الله لهم، ولكنهم لم يغلوا فيهم ولم يعتقدوا عصمتهم بل قاموا بحقوقهم وأحبوهم لعظيم سابقتهم وحسن بلائهم في نصرة الإسلام وجهادهم مع رسول الله (، فهم بذلك توسطوا بين الرافضة والخوارج. فالرافضة - قبحهم الله- يسبون الصحابة ويلعنونهم وربما كفروهم أو كفروا بعضهم، والغالية منهم مع سبهم لكثير من الصحابة والخلفاء يغلون في علي رضي الله عنه وأولاده ويعتقدون فيهم الإلهية (1) . والخوارج قابلوا هؤلاء الروافض فكفروا عليا ومعاوية ومن معهما من الصحابة وقاتلوهم واستحلوا دماءهم وأموالهم. والمقصود أن أهل السنة هم أعرف الناس بالحق، ولذلك فإن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين آثار رسول الله (، لا ينفردون عن طائفة أهل السنة إلا بقول فاسد، ولا ينفردون بقول صحيح، وكل من كان عن السنة أبعد، كان انفراده بالأقوال والأفعال الباطلة أكثر. فالسعيد من لزم السنة، والله الموفق وهو الهادي إلى سبيل الرشاد. المبحث الثاني: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات وفيه ثلاثة مطالب المطلب الأولى: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات عموماً معتقد أهل السنة في أسماء الله وصفاته، يقوم على أساس الإيمان بكل ما وردت به نصوص القرآن والسنة الصحيحة إثباتاً ونفياً، فهم بذلك: 1 يسمون الله بما سمى به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله (، لا يزيدون على ذلك ولا ينقصون منه. 2 ويثبتون لله عز وجل ويصفونه بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله (من غير تحريف (2) ، ولا تعطيل (3) ، ومن غير تكييف (4) ، ولا تمثيل (5) . 3 وينفون عن الله ما نفاه عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله محمد (، مع اعتقاد أن الله موصوف بكمال ضد ذلك الأمر المنفي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 فأهل السنة سلكوا في هذا الباب منهج القرآن والسنة الصحيحة، فكل اسم أو صفة لله سبحانه وتعالى وردت في الكتاب والسنة الصحيحة فهي من قبيل الإثبات فيجب بذلك إثباتها. وأما النفي فهو أن ينفى عن الله عز وجل كل ما يضاد كماله من أنواع العيوب والنقائص مع وجوب اعتقاد ثبوت كمال ضد ذلك المنفي. قال الإمام أحمد: ((لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله (لا نتجاوز القرآن والسنة)) (1) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وطريقة سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله (، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، إثبات الصفات ونفي ممثالة المخلوقات قال تعالى {ليس كمثله شيء} [الشورى 11] ، فهذا رد على الممثلة {وهو السميع البصير} [الشورى 11] رد على المعطلة. وقولهم في الصفات مبني على أصلين: أحدهما: أن الله سبحانه وتعالى منزه عن صفات النقص مطلقاً كالسِّنَةِ، والنوم، والعجز، والجهل، وغير ذلك. والثاني: أنه متصف بصفات الكمال التي لا نقص فيها، على وجه الاختصاص بما له من الصفات، فلا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات)) (2) . وقد ارتكز معتقد أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته على ثلاثة أسس رئيسة، هي (3) : الأساس الأول: الإيمان بما وردت به نصوص القرآن والسنة الصحيحة من أسماء الله وصفاته إثباتاً ونفياً. الأساس الثاني: تنزيه الله جلّ وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته شيئاً من صفات المخلوقين. الأساس الثالث: قطع الطمع عن إدراك كيفية اتصاف الله بتلك الصفات. وهذه الأسس الثلاثة هي التي تفصِّل وتميز عقيدة أهل السنة في هذا الباب عن عقيدة أهل التعطيل (من الفلاسفة وأهل الكلام) من جهة. وعن عقيدة أهل التمثيل (من الكرامية والهشامية وغيرهم) من جهة أخرى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 فالأساس الأول: فيه تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المعطلة، فأهل السنة يجعلون الأصل في إثبات الأسماء والصفات أو نفيها عن الله تعالى هو كتاب الله وسنة نبيه (، ولا يتجاوزنهما، فما ورد إثباته من الأسماء والصفات في القرآن والسنة الصحيحة فيجب إثباته، وما ورد نفيه فيهما فيجب نفيه. ((وأما ما لم يرد إثباته ونفيه فلا يصح استعماله في باب الأسماء وباب الصفات إطلاقاً، وأما في باب الإخبار فمن السلف من يمنع ذلك، ومنهم من يجيزه بشرط أن يستفصل عن مراد المتكلم فيه، فإن أراد به حقاً يليق بالله تعالى فهو مقبول، وإن أراد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده)) (1) . ومجمل القول أن في الأمر ثلاثة أبواب: 1 باب الأسماء: وهذا يجب الاعتماد فيه على الكتاب والسنة فقط. 2 باب الصفات: وهذا كذلك يجب الاعتماد فيه على الكتاب والسنة فقط. 3 باب الإخبار: وهذا لا يشترط فيه النصّ الشرعي، ولكن يشترط أن يكون معنى اللفظ المستعمل ليس بسيئ. أما أهل التعطيل: فقد جعلوا ((العقل)) وحده هو أصل علمهم، فالشُّبه العقلية هي الأصول الكلية الأولية عندهم، وهي التي تُثبِت وتَنفي، ثم يعرضون الكتاب والسنة على تلك الشبه العقلية، فإن وافقتها قُبِلَت اعتضاداً لا اعتماداً، وإن عارضتها رُدت تلك النصوص الشرعية وطُرِحت، وفي هذا يقول قائلهم: ((كل ما ورد السمع به ينظر فإن كان العقل مجوزاً له وجب التصديق به ... وأما ما قضى العقل باستحالته فيجب فيه تأويل ما ورد السمع به، ولا يتصور أن يشمل السمع على قاطع مخالف للمعقول. وظواهر أحاديث التشبيه يعني بها أحاديث الصفات أكثرها غير صحيح، والصحيح منها ليس بقاطع، بل هو قابل للتأويل)) (2) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 فهذا النقل يبين لك مدى تقديم هؤلاء لشبههم العقلية وتعصبهم لها، وكيف أنهم يجعلونها هي الأصول والسمع معروضاً عليها، فما أجازته عقولهم قبلوه، وما لم تُجزه عقولهم شككوا فيه وانتقصوه، ومن ثمَّ سعوا في تأويله وتحريفه، ومن يُلقي نظرةً على كتب الأشاعرة مثلاً يجد أن القوم يُقسِّمون أبواب العقيدة إلى إلهيات ونبوات وسمعيات، وهم في باب الإلهيات والنبوات لا يعتمدون نصوص الكتاب والسنة، ولذلك لن تجد في هذين البابين إلا الشبه العقلية المركبة وفق القواعد المنطقية، ويا عجبا أنأخذ ديننا من ملاحدة اليونان وتلامذتهم أم من كلام الله ورسوله (؟! وأما باب السمعيات أي البعث والحشر والجنة والنار والوعد والوعيد فهم يقبلون النصوص الشرعية، وبالتالي سموا هذا الباب بالسمعيات في مقابل باب الإلهيات والنبوات؛ إذ إنهم يعتمدون فيهما على العقليات، وهؤلاء شابهوا حال من قال الله تعالى فيهم {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُم إِلاَ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُنيَا وَيَومَ القِيَامَة يُرَدُّون إِلى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة 85] . وأما الأساس الثاني: وهو تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين، ففيه تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المعطلة من جهة وعن عقيدة المشبهة من جهة أخرى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 فأهل السنة: يعتقدون أن ما اتصف الله به من الصفات لا يماثله فيها أحد من خلقه، فالله (قد أخبرنا بذلك بنص كتابه العزيز حيث قال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى 11] ، فإذا ورد النص بصفة من صفات الله تعالى في الكتاب أو السنة فيجب الإيمان به والاعتقاد الجازم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والشرف والعلو مما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فالشر كل الشر في عدم تعظيم الله، وأن يسبق في ذهن الإنسان أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق، فعلى القلب المؤمن المصدق بصفات الله التي تمدح بها أو أثنى عليه بها نبيه (، أن يكون معظما لله (غير متنجس بأقذار التشبيه، لتكون أرض قلبه طيبة طاهرة قابلة للإيمان بالصفات على أساس التنزيه أخذاً بقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى 11] (1) . أما أهل التعطيل: فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات التي لا وجود لها إلا في أفهامهم الفاسدة، فعقيدة هؤلاء المعطلة جمعت بين التمثيل والتعطيل، وهذا الشر إنما جاء من تنجس قلوبهم وتدنسها بأقذار التشبيه، فإذا سمعوا صفة من صفات الكمال التي أثنى الله بها على نفسه كاستوائه على عرشه ومجيئه يوم القيامة وغير ذلك من صفات الجلال والكمال، فإن أول ما يخطر في أذهانهم أن هذه الصفة تشبه صفات الخلق فَلِتَلَطُّخ القلب بأقذار التشبيه لم يُقَدِّر الله حق قدره ولم يعظم الله حق عظمته حيث سبق إلى ذهنه أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق، فيكون أولا نجس القلب بأقذار التشبيه ثم دعاه ذلك إلى أن ينفى صفة الخالق جل وعلا عنه بادعاء أنها تشبه صفات المخلوق، فيكون فيها أولاً مشبهاً، وثانياً معطلاً ضالاً ابتداءً وانتهاءً متهجماً على رب العالمين ينفي صفاته عنه بادعاء أن تلك الصفة لا تليق (2) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 وأما عقيدة أهل التمثيل: فهي تقوم على دعواهم أن الله (لا يخاطبنا إلا بما نعقل، فإذا أخبرنا عن اليد فنحن لا نعقل إلا هذه اليد الجارحة، فشبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، فقالوا: له يد كأيدينا ونحو ذلك، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وأما العارفون به، المصدقون لرسله، المقرون بكماله فهم يثبتون لله جميع صفاته، وينفون عنه مشابهة المخلوقات فيجمعون بين الإثبات ونفي التشبيه، وبين التنزيه وعدم التعطيل، فمذهبهم حسنة بين سيِّئتين، وهدى بين ضلالتين. وأما الأساس الثالث: ففيه تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المشبهة، فأهل السنة يفوضون علم كيفية اتصاف الباري (بتلك الصفات إلى الله (، فلا علم للبشر بكيفية ذات الله تبارك وتعالى ولا تفسير كنه شيء من صفات ربنا تعالى كأن يقال استوى على هيئة كذا، فكل من تجرأ على شيء من ذلك فقوله من الغلو في الدين والافتراء على الله (واعتقاد ما لم يأذن به الله ولا يليق بجلاله وعظمته ولم ينطق به كتاب ولا سنة، ولو كان ذلك مطلوبا من العباد في الشريعة لَبَيَّنه الله تعالى ورسوله (فهو لم يدع ما بالمسلمين إليه حاجة إلا بيَّنه ووضحه، والعباد لا يعلمون عن الله تعالى إلا ما علمهم كما قال تعالى {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيء من علمه إلا بما شاء} [البقرة 225] فليؤمن العبد بما علَّمه الله تعالى وليقف معه، وليمسك عما جهله وليكل معناه إلى عالمه (1) . وأما المشبهة فقد تعمقوا في شأن كيفيات صفات الله وتقولوا على الله بغير علم، حيث يقول أحدهم: له بصر كبصري ويد كيدي، وقدم كقدمي، تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً. المطلب الثاني: موقفهم من باب الأسماء. يمكن إجمال معتقد أهل السنة في أسماء الله في النقاط التالية: أولاً: الإيمان بثبوت الأسماء الحسنى الواردة في القرآن والسنة، من غير زيادة ولا نقصان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 فمن الأمور المتقررة في عقيدة أهل السنة في باب أسماء الله الحسنى أن من ضابط أسماء الله الحسنى ورود النص بذلك الاسم فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله (. ولذلك يرى السلف أن من أحكام باب الأسماء ما يلي: 1 إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء الحسنى الواردة في نصوص القرآن والسنة الصحيحة. 2 ألاّ ننفي عن الله ما سمى به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله (. 3 ألاّ نسمي الله بما لم يسم به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله محمد (. وذلك لأنه لا طريق إلى معرفة أسماء الله تبارك وتعالى إلا من طريق واحد هو طريق الخبر (أي الكتاب والسنة) . ومن أقوال أهل العلم في تقرير هذه المسألة ما يلي: قال ابن القيم رحمه الله: ((أسماء الله تعالى هي أحسن الأسماء وأكملها، فليس في الأسماء أحسن منها ولا يقوم غيرها مقامها ولا يؤدي معناها، وتفسير الاسم منها بغيره ليس تفسيراً بمرادف محض، بل هو على سبيل التقريب والتفهيم. فإذا عرفت هذا فله من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمه معنى، وأبعده عن شائبة عيب أو نقص. فله من صفة الإدراكات: العليم الخبير دون العاقل الفقيه. والسميع البصير دون السامع والباصر والناظر. ومن صفات الإحسان: البر الرحيم الودود دون الشفوق. وكذلك العلي العظيم دون الرفيع الشريف. وكذلك الكريم دون السخي. وكذلك الخالق البارئ المصور دون الفاعل الصانع المُشكل. وكذلك سائر أسمائه تعالى يجري على نفسه منها أكملها وأحسنها وما لا يقوم غيره مقامه فتأمل ذلك، فأسماؤه أحسن الأسماء كما أن صفاته أكمل الصفات، فلا تعدل عما سمى به نفسه إلى غيره، كما لا تتجاوز ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله (إلى ما وصفه به المبطلون والمعطلون)) (1) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 وقال أبو سليمان الخطابي: ((ومن علم هذا الباب -أعني الأسماء والصفات- ومما يدخل في أحكامه ويتعلق به من شرائط، أنه لا يتجاوز فيها التوقيف، ولا يستعمل فيها القياس فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر وضع اللغة ومتعارض الكلام: ((فالجواد)) لا يجوز أن يقاس عليه السخي وإن كانا متقاربين في ظاهر الكلام، وذلك أن السخي لم يرد به التوقيف كما ورد بالجواد. و ((القوي)) لا يقاس عليه الجلْدُ، وإن كانا يتقاربان في نعوت الآدميين لأن باب التجلد يدخله التكلف والاجتهاد. ولا يقاس على ((القادر)) المطيق ولا المستطيع. وفي أسمائه ((العليم)) ومن صفته العلم، فلا يجوز قياساً عليه أن يسمى عارفاً لما تقتضيه المعرفة من تقديم الأسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء وكذلك لا يوصف بالعاقل. وهذا الباب يجب أن يراعى ولا يغفل، فإن عائدته عظيمة والجهل به ضار وبالله التوفيق)) (1) . وقال السفاريني في منظومته: لنا بذا أدلة وفية لكنها في الحق توقيفية ثم قال في شرحه: ((لكنها -أي أسماء الله- في القول الحق المعتمد عند أهل الحق توقيفية بنص الشرع وورود السمع بها، ومما يجب أن يعلم أن علماء السنة اتفقوا على جواز إطلاق الأسماء الحسنى والصفات على البارئ جل وعلا إذا ورد بها الإذن من الشارع، وعلى امتناعه على ما ورد المنع عنه)) (2) . من خلال ما تقدم من نقول يتضح لك مدى تمسك علماء أهل السنة بالتوقيف في باب الأسماء الحسنى، ومنعهم لاستخدام القياس اللغوي والعقلي في هذا الباب. وهذا هو القول الحق الذي تدل عليه النصوص الشرعية ومنها ما يلي: أولاً: قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى} [الأعراف 180] . فهذه الآية تدل على أن الأسماء توقيفية من وجهين: 1 قوله {الأسماء} فهي هنا جاءت (بأل) وهي هنا للعهد، فالأسماء بذلك لا تكون إلا معهودة، ولا معروف في ذلك إلا ما نص عليه في الكتاب أو السنة (3) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 2 قوله {الحسنى} فهذا الوصف يدل على أنه ليس في الأسماء الأخرى أحسن منها، وأن غيرها لا يقوم مقامها ولا يؤدي معناها (1) فلا يجوز بحال أن يدخل في أسماء الله ما ليس منها، فهذا الوصف يؤكد كونها توقيفية. ثانيا: قوله تعالى {وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} [الأعراف 180] . قال الإمام البغوي: ((قال أهل المعاني الإلحاد في أسماء الله تسميته بما لم يتسم به ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسوله ()) (2) . وقال ابن حجر: ((قال أهل التفسير: من الإلحاد في أسمائه تسميته بما لم يرد في الكتاب أو السنة الصحيحة)) (3) . قال ابن حزم: ((منع تعالى أن يسمى إلا بأسمائه الحسنى وأخبر أن من سماه بغيرها فقد ألحد)) (4) وبهذا يتبين أن هذه الآية دليل على أن أسماء الله توقيفية، وأن مخالفة ذلك وتسميته تعالى بما لم يسم به نفسه ميل بها عما يجب فيها، فالإقدام على فعل شيء من ذلك هو نوع من الإلحاد في أسماء الله. ثالثاً: قوله تعالى {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى 1] . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((ومن جعله تسبيحاً للاسم يقول المعنى: أنك لا تسم به غير الله، ولا تلحد في أسمائه فهذا ما استحقه اسم الله)) (5) . فإذا فسرت الآية بهذا الوجه ففيها دليل على ما سبق في الآية التي قبلها من اعتبار تسميته بما لم يسم به نفسه من أنواع الإلحاد في أسمائه. رابعاً: قوله تعالى {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} [البقرة 255] . وقوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء 36] . وقوله تعالى {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف 33] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 فإذا كانت هذه الآيات تحرم وتحذر من الخوض في الأمور المغيبة عند فقد الدليل الشرعي، فإن ذلك التحريم والتحذير يدخل فيه باب أسماء الله باعتباره من الأمور المغيبة التي لا تعرف إلا من طريق النص الشرعي. ولذلك من الواجب هنا الاقتصار على الأسماء الواردة في النصوص وترك ما سواها. خامساً: حديث ((ما أصاب عبداً قط هَمٌّ ولا غَمٌّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ... )) الحديث (1) . والشاهد من الحديث قوله: ((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك)) . قال ابن القيم: ((فالحديث صريح في أن أسماءه ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم)) (2) . و ((أو)) في قوله: ((سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك)) حرف عطف والمعطوف بها أخص مما قبله فيكون من باب عطف الخاص على العام فإن ما سمى به نفسه يتناول جميع الأنواع المذكورة بعده، فيكون عطف كل جملة منها من باب عطف الخاص على العام، فوجه الكلام أن يقال ((سميت به نفسك فأنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك)) (3) . ثانياً: الإيمان بأن الله هو الذي يسمي نفسه، ولا يسميه أحد من خلقه، فالله عز وجل هو الذي تكلم بهذه الأسماء وأسماؤه منه، وليست محدثة مخلوقة كما يزعم الجهمية، والمعتزلة، والكلابية، والأشاعرة، والماتريدية. فمن معتقد أهل السنة والجماعة في هذه المسألة أنهم يؤمنون بأن الله الذي سمى نفسه بأسمائه الحسنى وتكلم بها حقيقة، وهي غير مخلوقة وليست من وضع البشر، يستدلون لقولهم بما يلي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 1 حديث: ((ما أصاب عبداً قط هَمٌّ ولا غَمٌّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ... )) الحديث (1) . والشاهد من الحديث قوله: ((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك)) . فقد دل الحديث على أن أسماء الله غير مخلوقة بل هو الذي تكلم بها وسمى بها نفسه، ولهذا لم يقل بكل اسم خلقته لنفسك ولا قال سماك به خلقك؛ فالحديث صريح في أن أسماءه ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم، وأن الله سبحانه تكلَّم بتلك الأسماء وسمَّى بها نفسه (2) . 2 أن أسماء الله من كلامه، وكلامه تعالى غيرُ مخلوق، فأسماؤه غير مخلوقة، فهو المُسمِّى لنفسه بتلك الأسماء (3) . 3 أن الله عز وجل يُسألُ بهذه الأسماء، ولو كانت مخلوقة لم تجز أن يُسألَ بها. فإن الله لا يُقسَمُ عليه بشيء من خلقه (4) ، فالسائلَ لله بغير الله: أإما أن يكون مقسماً عليه. ب وإما أن يكون طالباً بذلك السبب، كما توسَّل الثلاثة في الغار بأعمالهم. فإن كان إقساماً على الله بغيره فهذا لا يجوز، وإن كان سؤالاً بسبب يقتضي المطلوب، كالسؤال بالأعمال التي فيها طاعةُ الله ورسوله مثل السُّؤال بالإيمان بالرسول ومحبته وموالاته ونحو ذلك فهذا جائزٌ (5) . 4 أن اليمين بهذه الأسماء منعقدةٌ، فمن حلف باسم من أسماء الله فهو حالف بالله، ولو كانت الأسماء مخلوقة لما جاز الحلفُ بها، لأن الحلف بغير الله شركٌ بالله، والله لا يُقسَمُ عليه بشيء من خلقه (6) . قال الإمام الشافعي: ((من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفَّارة؛ لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة أو بالصفَّا أو بالمروة فليس عليه كفَّارة لأنه مخلوق وذلك غير مخلوق)) (7) يعني أسماء الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 5 أن أسماء الله مشتقةٌ من صفاته، وصفاته قديمةٌ به، فأسماؤه غير مخلوقة (1) . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما سُئل عن قوله تعالى {وكان الله عزيزاً حكيماً} [النساء 58] . {غفوراً رحيماً} [النساء 96] قال: ((هو سمَّى نفسه بذاك، وهو لم يزل كذلك)) . فأثبت قدم معاني أسمائه الحسنى، وأنه هو الذي سمَّى نفسه بها (2) . والربُّ تعالى يُشتق من أوصافه وأفعاله أسماءٌ (3) ، ولا يُشتق من مخلوقاته، وكل اسم من أسمائه فهو مشتقٌ من صفة من صفاته، أو فعل قائم به، فلو كان يُشتق له اسم باعتبار المخلوق المنفصل لسُمِّيَ متكوِّناً أو متحركاً، وساكناً وطويلاً وأبيض وغير ذلك، لأنه خالقُ هذه الصفات، فلما لم يُطلق عليه اسم من ذلك مع أنه خالقه عُلم أنما تُشْتَقُّ أسماؤه من أفعاله وأوصافه القائمة به، وهو سبحانه لا يتصف بما هو مخلوقٌ منفصل عنه، ولا يتسمَّى باسمه (4) . ثالثاً: الإيمان بأن هذه الأسماء دالة على معانٍ في غاية الكمال، فهي أعلام وأوصاف، وليست كالأعلام الجامدة التي لم توضع باعتبار معانيها، كما يزعم المعتزلة. فمن الأمور المتقررة في عقيدة أهل السنة والجماعة أن أسماء الله الحسنى متضمنة للصفات، فكل اسم يدل على معنى من صفاته ليس هو المعنى الذي يدل عليه الاسم الآخر، فالعزيز متضمن لصفة العزة وهو مشتق منها، والخالق متضمن لصفة الخلق وهو مشتق منها، فأسماء الله مشتقة من صفاته وليست جامدة كما يزعم المعتزلة ومن وافقهم الذين ادعوا أنها أعلام لا معاني لها فقالوا سميع بلا سمع بصير بلا بصر وعزيز بلا عزة، فسلبوا بذلك عن أسماء الله معانيها. فالرب تعالى يشتق له من أوصافه وأفعاله أسماء ولا يشتق له من مخلوقاته، وكل اسم من أسمائه فهو مشتق من صفة من صفاته أو فعل قائم به. ولمزيد من الإيضاح وإلقاء الضوء على هذه المسألة وبيان عقيدة أهل السنة أود طرح ذلك في النقاط التالية: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 النقطة الأولى: أن أسماء الله الحسنى لها اعتباران: أسماء الله الحسنى كلها متفقة في الدلالة على نفسه المقدسة، ثم كل اسم يدل على معنى من صفاته ليس هو المعنى الذي دل عليه الاسم الآخر (1) . وذلك لأن أسماءه الحسنى لها اعتباران: اعتبار من حيث الذات. واعتبار من حيث الصفات. فهي أعلام باعتبار دلالتها على الذات. وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني. وهي بالاعتبار الأول: مترادفة لدلالتها على مسمى واحد هو الله عز وجل ف ((الحي، العليم، القدير، السميع، البصير الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم)) كلها أسماء لمسمى واحد وهو الله سبحانه وتعالى. قال تعالى {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء 110] . فأسماء الله تعالى تدل كلها على مسمى واحد، وليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى يضاد دعاؤه باسم آخر، بل كل اسم يدل على ذاته. وهي بالاعتبار الثاني: متباينة لدلالة كل واحد منها على معناه الخاص فمعنى الحي غير معنى العليم غير معنى القدير وهكذا (2) . النقطة الثانية: الوصف بها لا ينافي العلمية: قال ابن القيم: ((أسماء الله الحسنى هي أعلام وأوصاف، والوصف بها لا ينافي العلمية؛ بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم لأن أوصافهم مشتركة فنافتها العلمية المختصة، بخلاف أوصافه تعالى)) (3) . وقال رحمه الله: ((أسماء الرب تعالى وأسماء كتبه، أسماء نبيه (هي أعلام دالة على معانٍ هي بها أوصاف، فلا تُضادُّ فيها العلمية الوصف بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين فهو الله الخالق البارئ المصور القاهر فهذه أسماء له دالة على معان هي صفاته ... )) (4) . قال الدارمي: ((لا تقاس أسماء الله بأسماء الخلق، لأن أسماء الخلق مخلوقة مستعارة وليست أسماؤهم نفس صفاتهم بل مخلوقة لصفاتهم، وأسماء الله وصفاته ليس شيء منها مخالفاً لصفاته ولا شيء من صفاته مخالفاً لأسمائه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 فمن ادعى أن صفة من صفات الله مخلوقة أو مستعارة فقد كفر وفجر، لأنك إذا قلت (الله) فهو (الله) وإذا قلت (الرحمن) فهو (الرحمن) وهو (الله) فإذا قلت (الرحيم) فهو كذلك، وإذا قلت (حكيم - عليم - حميد - مجيد - جبار - متكبر - قاهر - قادر) فهو كذلك هو (الله) سواء، لا يخالف اسم له صفته ولا صفته اسماً. وقد يسمى الرجل حكيماً وهو جاهل، وحَكَماً وهو ظالم، وعزيزاً وهو حقير، وكريماً وهو لئيم، وصالحاً وهو طالح وسعيداً وهو شقي، ومحموداً وهو مذموم، وحبيباً وهو بغيض، وأسداً وحماراً، وكلباً وجدياً، وكليباً، وهراً وحنظلة، وعلقمة وليس كذلك. والله تعالى تقدس اسمه كل أسمائه سواء، ولم يزل كذلك ولا يزال. لم تحدث له صفة ولا اسم لم يكن كذلك، كان خالقاً قبل المخلوقين، ورازقاً قبل المرزوقين، وعالماً قبل المعلومين، وسميعاً قبل أن يسمع أصوات المخلوقين، وبصيراً قبل أن يرى أعيانهم مخلوقة)) (1) . رابعاً: احترام معاني تلك الأسماء، وحفظ ما لها من حرمة في هذا الجانب، وعدم التعرض لتلك المعاني بالتحريف والتعطيل كما هو شأن أهل الكلام. قال شيخ الإسلام ابن تيميه: ((ومذهب السلف أنه يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله (من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل. ونعلم أن ما وُصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه لا سيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما بقول، وأفصح الخلق في بيان العلم، وأفصح الخلق في البيان والتعريف، والدلالة والإرشاد)) (2) . فمن المعلوم أن نصوص الصفات ألفاظ شرعية يجب أن تحفظ لها حرمتها وذلك بأن نفهمها وفق مراد الشارع، فلا نتلاعب بمعانيها لنصرفها عن مراد الشارع. فمن الأصول الكلية أن يعلم أن الألفاظ نوعان: النوع الأول: نوع جاء به الكتاب والسنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 فيجب على كل مؤمن أن يقر بموجب ذلك، فيثبت ما أثبته الله ورسوله وينفي ما نفاه الله ورسوله. فاللفظ الذي أثبته الله أو نفاه حق، فإن الله يقول الحق وهو يهدي السبيل. والألفاظ الشرعية لها حرمة، ومن تمام العلم أن يبحث عن مراد رسوله بها ليثبت ما أثبته وينفي ما نفاه بالمعاني. فإنه يجب علينا أن نصدقه في كل ما أخبر. ونطيعه في كل ما أوجب وما أمر. ثم إذا عرفنا تفصيل ذلك كان ذلك من زيادة العلم والإيمان. وقد قال تعالى {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة 11] . النوع الثاني: الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة ولا اتفق السلف على نفيها أو إثباتها. فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده. فإن أراد بها معنى يوافق خبر الرسول أقر به. وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول أنكره (1) . خامساً: الإيمان بما تقتضيه تلك الأسماء من الآثار وما ترتب عليها من الأحكام (2) . قال ابن القيم رحمه الله: ((وكل اسم من أسمائه سبحانه له صفة خاصة. فإن أسماءه أوصاف مدح وكمال. وكل صفة لها مقتضً وفعل: إما لازم. وإما متعد. ولذلك الفعل تعلق بمفعول هو من لوازمه. وهذا في خلقه وأمره وثوابه وعقابه. كل ذلك أثار الأسماء الحسنى وموجباتها. ومن المحال تعطيل أسمائه عن أوصافه ومعانيها، وتعطيل الأوصاف عما تقتضيه وتستدعيه من الأفعال، وتعطيل الأفعال عن المفعولات، كما أنه يستحيل تعطيل مفعولاته عن أفعاله وأفعاله عن صفاته، وصفاته عن أسمائه، وتعطيل أسمائه وأوصافه عن ذاته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 وإذا كانت أوصافه صفات كمال، وأفعاله حكماً ومصالح، وأسماؤه حسنى ففرض تعطيلها عن موجباتها مستحيل في حقه؛ ولهذا ينكر سبحانه على من عطله عن أمره ونهيه، وثوابه وعقابه، وأنه بذلك نسبه إلى ما لا يليق به وإلى ما يتنزه عنه وأن ذلك حكم سيئ ممن حكم به عليه، وأن من نسبه إلى ذلك فما قدره حق قدره، ولا عظمه حق تعظيمه، كما قال تعالى {وما قدروا الله حق قدره إذا قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} [الأنعام 91] . وقال تعالى في حق منكري المعاد والثواب والعقاب {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} [الزمر 67] . وقال في حق من جوز عليه التسوية بين المخلوقين، كالأبرار والفجار، والمؤمنين والكفار {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} [الجاثية 21] ، فأخبر أن هذا حكم سيئ لا يليق به تأباه أسماؤه وصفاته. وقال سبحانه {أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} [المؤمنون 115-116] عن هذا الظن والحسبان، الذي تأباه أسماؤه وصفاته. ونظائر هذا في القرآن كثيرة ينفي فيها عن نفسه خلاف موجب أسمائه وصفاته إذ ذلك تعطيلها عن كمالها ومقتضياتها. فاسمه ((الحميد، المجيد)) يمنع ترك الإنسان سُدى مهملاً معطلاً، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب، وكذلك اسمه ((الحكيم)) يأبى ذلك. وكذلك اسمه ((الملك)) واسمه ((الحي)) يمنع أن يكون معطلاً من الفعل؛ بل حقيقة ((الحياة)) الفعل. فكل حي فعال. وكونه سبحانه ((خالقاً قيوماً)) من موجبات حياته ومقتضياتها. واسمه ((السميع البصير)) يوجب مسموعاً ومرئياً. واسمه ((الخالق)) يقتضي مخلوقاً. وكذلك ((الرزَّاق)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 واسمه ((الملك)) يقتضي مملكة وتصرفاً وتدبيراً، وإعطاءً ومنعاً، وإحساناً وعدلاً، وثواباً وعقاباً. واسمه ((البر، المحسن، المعطي، المنان)) ونحوها تقتضي آثارها وموجباتها إذا عرف هذا. فمن أسمائه سبحانه ((الغفار، التواب، العفو)) فلابد لهذه الأسماء من متعلقات. ولابد من جناية تغتفر، وتوبة تقبل، وجرائم يعفى عنها. ولابد لاسمه ((الحكيم)) من متعلق يظهر فيه حكمه. إذ اقتضاء هذه الأسماء لآثارها كاقتضاء اسم ((الخالق، الرازق، المعطي، المانع)) للمخلوق والمرزوق والمعطَى والممنوع. هذه الأسماء كلها حسنى. والرب تعالى يحب ذاته وأوصافه وأسماءه. فهو عفو يحب العفو، ويحب المغفرة، ويحب التوبة ويفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظم فرح يخطر بالبال. وكان تقدير ما يغفره ويعفو عن فاعله، ويحلم عنه، ويتوب عليه ويسامحه، من موجب أسمائه وصفاته. وحصول ما يحبه ويرضاه من ذلك. وما يَحمدُ به نفسه ويحمده به أهل سمواته وأهل أرضه، ما هو من موجبات كماله ومقتضى حمده. وهو سبحانه الحميد المجيد، وحمده ومجده يقتضيان آثارهما. ومن آثارهما: مغفرة الزلات، وإقالة العثرات، والعفو عن السيئات، والمسامحة على الجنايات. مع كمال القدرة على استيفاء الحق. والعلم منه سبحانه بالجناية ومقدار عقوبتها. فحلمه بعد علمه، وعفوه بعد قدرته، ومغفرته عن كمال عزته وحكمته، كما قال المسيح عليه السلام {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة 118] أي فمغفرتك عن كمال قدرتك وحكمتك. لست كمن يغفر عجزاً ويسامح جهلاً بقدر الحق، بل أنت عليم بحقك. قادر على استيفائه حكيم في الأخذ به. فمن تأمل سريان آثار الأسماء والصفات في العالم، وفي الأمر، تبين له أن مصدر قضاء هذه الجنايات من العبيد وتقديرها: هو من كمال الأسماء والصفات والأفعال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 وغاياتها أيضاً: مقتضى حمده ومجده، كما هو مقتضى ربوبيته وألهيته فله في كل ما قضاه وقدَّره الحكمة البالغة والآيات الباهرة، والتعرفات إلى عباده بأسمائه وصفاته، واستدعاء محبتهم له، وذكرهم له، وشكرهم له، وتعبدهم له بأسمائه الحسنى. إذ كل اسم له تعبد مختص به، علماً ومعرفة وحالاً. وأكمل الناس عبودية: المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر. فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر، كمن يحجبه التعبد باسمه ((القدير)) عن التعبد باسمه ((الحليم الرحيم)) . أو يحجبه عبودية اسمه ((المعطي)) عن عبودية اسمه ((المانع)) أو عبودية اسمه ((الرحيم العفو الغفور)) عن اسمه ((المنتقم)) أو التعبد بأسماء ((التودد، والبر واللطف، والإحسان)) عن أسماء ((العدل، والجبروت، والعظمة، والكبرياء)) ونحو ذلك. وهذه طريقة الكُمَّل من السائرين إلى الله، وهي طريقة مشتقة من قلب القرآن، قال الله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف 180] والدعاء بها يتناول دعاء المسألة، ودعاء الثناء، ودعاء التعبد. وهو سبحانه يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها. ويأخذوا بحظهم من عبوديتها. وهو سبحانه يحب موجب أسمائه وصفاته. فهو ((عليم)) يحب كل عليم، ((جواد)) يحب كل جود، ((وِتْرٌ)) يحب الوتر، ((جميل)) يحب الجمال، ((عفو)) يحب العفو وأهله، ((حيي)) يحب الحياء وأهله، ((بَرٌّ)) يحب الأبرار، ((شكور)) يحب الشاكرين، ((صبور)) يحب الصابرين، ((حليم)) يحب أهل الحلم. فلمحبته سبحانه للتوبة والمغفرة والعفو والصفح: خلق من يغفر له ويتوب عليه ويعفو عنه. وقدر عليه ما يقتضي وقوع المكروه والمبغوض له. ليترتب عليه المحبوب له والمرضى له ... )) (1) . المطلب الثالث: موقفهم من باب الصفات. يمكن إجمال معتقد أهل السنة في صفات الله في النقاط التالية: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 1- إثبات تلك الصفات لله عز وجل حقيقةً على الوجه اللائق به، وأن لا تعامل بالنفي والإنكار. 2- أن لا يتعدى بها اسمها الخاص الذي سماها الله به، بل يحترم الاسم كما يحترم الصفة، فلا يعطل الصفة، ولا يغير اسمها ويعيرها اسماً آخر. 3- عدم تشبيهها أو تمثيلها بما للمخلوق. فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. 4- اليأس من إدراك كنهها وكيفيتها. 5- الإيمان بما تقتضيه تلك الصفات من الآثار وما يترتب عليها من الأحكام. أما بالنسبة للنقطة الأولى: وهي إثبات الصفات لله عز وجل حقيقةً على الوجه اللائق به، وأن لا تعامل بالنفي والإنكار. فتفصيلها أن يقال: صفات الله تعالى كلها صفات كمال. قال تعالى {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم} [النحل 60] . وقال تعالى {وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} [الروم 27] . قال ابن كثير: (( {ولله المثل الأعلى} أي الكمال المطلق من كل وجه)) (1) . وقال القرطبي: (( {ولله المثل الأعلى} أي الوصف الأعلى)) (2) . فالله سبحانه وتعالى أخبر عن نفسه أن له الوصف الأعلى والكمال المطلق من كل وجه، فيجب الإيمان بما أخبر الله به عن نفسه وذلك بالاعتقاد الجازم بأن كل ما أخبر به في كتابه أو على لسان رسوله (من الصفات هي صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لأن الله تعالى هو الذي أخبر بها عن نفسه ووصف بها نفسه، وهو سبحانه المستحق للكمال من جميع الوجوه، كما دلت على ذلك النصوص المتقدمة وغيرها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ((وصف سبحانه نفسه بأن له المثل الأعلى فقال تعالى {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم} [النحل 60] ، فجعل مثل السوء المتضمن للعيوب والنقائص وسلب الكمال للمشركين وأربابهم، وأخبر أن المثل الأعلى المتضمن لإثبات الكمالات كلها له وحده، ولهذا كان له المثل الأعلى وهو أفعل التفضيل، أي أعلى من غيره ... والمثل الأعلى: هو الكمال المطلق، المتضمن للأمور الوجودية والمعاني الثبوتية، التي كلما كانت أكثر في الموصوف وأكمل كان أعلى من غيره، ولما كان الرب تعالى هو الأعلى ووجهه الأعلى وكلامه الأعلى وسمعه الأعلى وبصره وسائر صفاته عليا، كان له المثل الأعلى، وكان أحق به من كل ما سواه، بل يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى اثنان، لأنهما إن تكافآ لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتكافآ فالموصوف بالمثل الأعلى أحدهما وحده، ويستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى، مثل، أو نظير، وهذا برهان قاطع من إثبات صفات الكمال على استحالة التمثيل والتشبيه، فتأمله فإنه في غاية الظهور والقوة ... فهذه الآية من أعظم الأدلة على ثبوت صفات كماله سبحانه)) (1) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((يجب أن يعلم أن الكمال ثابت لله، بل الثابت له هو أقصى ما يمكن من الأكملية، بحيث لا يكون وجود كمال لا نقص فيه إلا وهو ثابت للرب تعالى، يستحقه بنفسه المقدسة، وثبوت ذلك مستلزم نفي نقيضه، فثبوت الحياة مستلزم نفي الموت، وثبوت العلم يستلزم نفي الجهل، وثبوت القدرة يستلزم نفي العجز، وإن هذا الكمال ثابت له بمقتضى الأدلة العقلية والبراهين اليقينية، مع دلالة السمع على ذلك (2) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 وثبوت ((معنى الكمال)) قد دل عليه القرآن بعبارات متنوعة، دالة على معاني متضمنة لهذا المعنى، فما في القرآن من إثبات الحمد لله، وتفصيل محامده، وأن له المثل الأعلى، وإثبات معاني أسمائه، ونحو ذلك كله دال على هذا المعنى. وقد ثبت لفظ ((الكمال)) فيما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير {قل هو الله أحد الله الصمد} [الإخلاص 1-2] ، أن الصمد المستحق للكمال، وهو السيد الذي كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحكم الذي قد كمل في حكمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الشريف الذي قد كمل أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه وتعالى. وهذه صفة لا تنبغي إلا له، ليس له كُفُواً ولا كمثله شيء، وهكذا سائر صفات الكمال. ولم يعلم أحد من الأمة نازع في هذا المعنى، بل هذا المعنى مستقر في فطر الناس، بل هم مفطرون عليه، فإنهم كما أنهم مفطورون على الإقرار بالخالق، فإنهم مفطورون على أنه أجل وأكبر، وأعلى وأعظم وأكمل من كل شيء، فالإقرار بالخالق وكماله يكون فطرياً ضرورياً في حق من سلمت فطرته، وإن كان مع ذلك تقوم عليه الأدلة الكثيرة، وقد يحتاج إلى الأدلة عليه كثير من الناس عند تغير الفطرة وأحوال تعرض لها)) (1) . ولقد وصف الله نفسه بصفات كثيرة في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه محمد (منها على سبيل المثال صفة الحياة أو العلم والسمع والبصر والرحمة والحكمة والعزة والعظمة والعلو والاستواء والقدرة والنزول والضحك والغضب واليدين والوجه وغير ذلك، وهذه الصفات التي أثبتها لنفسه كلها صفات كمال في حقه نثبتها لله حقيقة مع الاعتقاد الجازم بأنه ليس كمثله شيء في هذه الصفات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 وكما أثبت الله لنفسه صفات الكمال فقد نزه نفسه عن صفات النقص كالموت والجهل والنسيان والعجز والعمى والصمم ونحوها كما في قوله تعالى {وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان 58] وقوله عن موسى {في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى} [طه 52] وقوله {وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض} [فاطر 44] وقوله {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} [الزخرف 80] وقال النبي (في الدجال ((إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور)) (1) ، وقال ((أيها الناس اربعوا (2) على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً)) (3) . فالصفة إذا كانت صفة نقص لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله تعالى ولقد عاقب الله تعالى الواصفين له بالنقص وذمهم كما في قوله تعالى {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} [المائدة 62] وقوله تعالى {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق} [آل عمران 181] . ونزه نفسه عما يصفونه به من النقائص فقال سبحانه {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين} [الصافات180] وقال تعالى {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} [المؤمنون 91] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 ولقد أظهر الله بطلان ألوهية الأصنام بأنها متصفة بالنقص والعجز فقال تعالى {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون} [الأحقاف 5] ، وقال تعالى {والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهو يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون} [النحل 21] ، وقال عن إبراهيم وهو يحتج على أبيه {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً} [مريم 42] ، وعلى قومه {أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون} [الأنبياء 66] . وبهذه الأدلة وغيرها يُعلم أن الواجب على المسلم أن يثبت لله ما وصف به نفسه في كتابه أو سنة نبيه محمد (حقيقة وأن تلك الصفات هي صفات كمال اختص بها سبحانه وتعالىلا يماثله ولا يشابهه فيها أحد. كما يعلم ضلال من أنكر تلك الصفات أو بعضها بدعوى تنزيه الله تعالى عن النقص، فلقد نزه الله سبحانه نفسه عن النقص في مواطن متعددة من كتابه وعلى لسان رسوله (فلو كان ما نفوه من الصفات هي صفات نقص في حقه لنزه الله نفسه عنها ولم يثبتها لنفسه وكذلك لو كانت صفات نقص لما عاب علىالأصنام عدم إتصافها بها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 النقطة الثانية: ((وهي أن لا يتعدى بها اسمها الخاص الذي سماها الله به، بل يحترم الاسم كما يحترم الصفة، فلا يعطل الصفة، ولا يغير اسمها ويعيرها اسماً آخر. كما يفعل المعطلة الذين لم يريدوا تنزيه الله ووصفه بالكمال وإنما أرادوا أن يحولوا بين القلوب وبين معرفة ربها، ولذلك سموا إثبات صفاته وعلوه فوق خلقه، واستواءه على عرشه: تشبيهاً وتجسيماً وحشواً، فنفروا عنه صبيان العقول، وسموا نزوله إلى سماء الدنيا وتكلمه بمشيئته، ورضاه بعد غضبه، وغضبه بعد رضاه وسمعه الحاضر لأصوات العباد، ورؤيته المقارنة لأفعالهم ونحو ذلك: حوادث. وسموا وجهه الأعلى، ويديه المبسوطتين وأصابعه التي يضع عليها الخلائق يوم القيامة: جوارح وأعضاء. مكراً منهم كُبّاراً بالناس. كمن يريد التنفير عن العسل فيمكر في العبارة ويقول: مائع أصفر يشبه العذرة المائعة. أو ينفر عن شيء مستحسن فيسميه بأقبح الأسماء فعل الماكر المخادع فليس مع مخالف الرسل سوى المكر في القول والفعل. ولقد راج مكر هؤلاء المعطلة على أصحاب القلوب المظلمة الجاهلة بحقائق الإيمان وما جاء به الرسول (، فترتب على ذلك إعراضهم عن الله وعن ذكره ومحبته، والثناء عليه أوصاف كماله ونعوت جلاله، فانصرفت قوى حبها وشوقها وأنسها إلى سواه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 ومعلوم أنه لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا في الإيمان حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله، ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرفها: هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان. فمن جحد الصفات فقد هدم أساس الإسلام والإيمان وثمرة شجرة الإحسان، فضلا عن أن يكون من أهل العرفان وقد جعل الله سبحانه منكر صفاته سَيِّئ الظن به. وتوعده بما لم يتوعد به غيره من أهل الشرك والكفر والكبائر فقال تعالى {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداك فأصبحتم من الخاسرين} [فصلت 22] فأخبر سبحانه أن إنكارهم هذه الصفة من صفاته من سوء ظنهم به وأنه هو الذي أهلكهم وقد قال في الظانين به ظن السوء {عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً} [الفتح 6] ولم يجئ مثل هذا الوعيد في غير من ظن السوء به سبحانه، وجَحْدُ صفاته وإنكار حقائق أسمائه من أعظم ظن السوء به)) (1) . ((وطائفة المعطلة قد أساءت الظن بربها وبكتابه وبنبيه وبأتباعه: أما إساءة الظن بالرب: فإنها عطلت صفات كماله ونسبته إلى أنه أنزل كتاباً مشتملاً على ما ظاهره كفر وباطل، وأن ظاهره حقائقه غير مراده، وأما إساءة الظن بالرسول: فلأنه تكلم بذلك وقرره وأكده، ولم يبين للأمة أن الحق في خلافه وتأويله، وأما إساءة ظنها بأتباعه فنسبتهم لهم إلى التشبيه والتمثيل، والجهل والحشو)) (2) . وطائفة المعطلة لما فهمت من الصفات الإلهية ما تفهمه من صفات المخلوقين فرَّتْ إلى إنكار حقائقها، وابتغاء تحريفها وسمته تأويلاً فشبهت أولاً وعطلت ثانياً وأساءت الظن بربها وبكتابه ونبيه وأتباعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 فانظر إلى ما أدى إليه سوء فهم المعطلة لنصوص الأسماء والصفات ولم يكن المشبهة بأحسن حالاً من المعطلة فهم كذلك أدى بهم سوء فهمهم لنصوص الصفات إلى تشبيه الخالق سبحانه وتعالى بخلقه فقد فهموا منها مثل ما للمخلوقين وظنوا أن لا حقيقة لها سوى ذلك، وقالوا محال أن يخاطبنا الله سبحانه بما لا نعقله (1) . وهم بذلك عطلوا الله تبارك وتعالى عن كماله الواجب له حيث مثلوه وشبهوه بالمخلوق الناقص، وعطلوا كل نص يدل على نفي مماثلة الله لخلقه. وقد هدى الله أصحاب سواء السبيل للطريقة المثلى فأثبتوا لله حقائق الأسماء والصفات ونفوا عنه مماثلة المخلوقات فكان مذهبهم مذهباً بين مذهبين وهدى بين ضلالتين. فقالوا: نصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله (من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تشبيه ولا تمثيل بل طريقتنا إثبات حقائق الأسماء والصفات، ونفي مشابهة المخلوقات، فلا نعطل ولا نؤول ولا نمثل ولا نجهل، ولا نقول ليس له يدان ولا وجه ولا سمع ولا بصر ولا حياة ولا قدرة، ولا استوى على عرشه. ولا نقول له يدان كأيدي المخلوق ووجه كوجوههم وسمع وبصر، وحياة وقدرة واستواء، كأسماعهم وأبصارهم وحياتهم وقدرتهم واستوائهم. بل نقول: له ذات حقيقة ليست كذوات المخلوقين وله صفات -حقيقة لا مجازاً- ليست كصفات المخلوقين، وكذلك قولنا في وجهه تبارك وتعالى، ويديه، وسمعه وبصره، وكلامه، واستوائه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 ولا يمنعنا ذلك أن نفهم المراد من تلك الصفات وحقائقها كما لم يمنع ذلك من أثبت لله شيئاً من صفات الكمال من فهم معنى الصفة وتحقيقها، فإن من أثبت له سبحانه السمع والبصر أثبتهما حقيقة، وفهم معناهما فهكذا سائر الصفات المقدسة يجب أن تجري هذا المجرى وإن كان لا سبيل لنا إلى معرفة كنهها وكيفيتها فإن الله سبحانه لم يكلف العباد ذلك ولا أراده منهم ولم يجعل لهم إليه سبيلا. بل كثير من مخلوقاته بل أكثرها لم يجعل لهم سبيلاً إلى معرفة كنهه وكيفيته وهذه أرواحهم التي هي أدنى إليهم من كل دان قد حجب عنهم معرفة كنهها وكيفيتها. وقد أخبرنا سبحانه عن تفاصيل يوم القيامة وما في الجنة والنار، فقامت حقائق ذلك في قلوب أهل الإيمان وشاهدته عقولهم ولم يعرفوا كيفيته وكنهه فلا شك أن المسلمين يؤمنون أن في الجنة أنهاراً من خمر وأنهاراً من عسل وأنهاراً من لبن، ولكن لا يعرفون كنه ذلك ومادته وكيفيته إذ كانوا لا يعرفون في الدنيا الخمر إلا ما اعتصر من الأعناب، والعسل إلا ما قذفت به النحل في بيوتها، واللبن ما خرج من الضروع والحرير إلا ما خرج من فم دود القز، وقد فهموا معاني ذلك في الجنة من غير أن يكون مماثلاً لما في الدنيا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء)) (1) ولم يمنعهم عدم النظير في الدنيا من فهم ما أخبروا به في ذلك؛ فهكذا الأسماء والصفات لم يمنعهم إنتفاء نظيرها في الدنيا ومثالها من فهم حقائقها ومعانيها بل قام بقلوبهم معرفة حقائقها وانتفاء التمثيل والتشبيه عنها وهذا هو المثل الأعلى الذي أثبته سبحانه لنفسه في ثلاثة مواضع من القرآن. أحدها: قوله تعالى {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم} [النحل 60] . الثاني: قوله تعالى {وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} [الروم 27] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 الثالث: قوله تعالى {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى 11] . فنفى سبحانه المماثلة عن هذا المثل الأعلى وهو ما في قلوب أهل سمواته وأرضه من معرفته والإقرار بربويته وأسمائه وصفاته وذاته. فهذا المثل الأعلى هو الذي آمن به المؤمنون وأنس به العارفون وقامت شواهده في قلوبهم بالتعريفات الفطرية، المكملة بالكتب الإلهية، المقبولة بالبراهين العقلية. فاتفق على الشهادة بثبوته العقل والسمع والفطرة فإذا قال المثبت: ((يا الله)) قام بقلبه رباً قيوماً قائماً بنفسه مستوياً على عرشه مكلماً متكلماً، سامعاً رائياً، قديراً سديدا فعالاً لما يشاء يسمع دعاء الداعين، ويقضي حوائج السائلين، ويفرج عن المكروبين، ترضيه الطاعات وتغضبه المعاصي تعرج الملائكة بالأمر إليه وتنزل بالأمر من عنده)) (1) . النقطة الثالثة: وهي عدم تشبيهها أو تمثيلها بما للمخلوق. فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. فأما التمثيل: فهو اعتقاد المثبت أن ما أثبته من صفات الله تعالى مماثل لصفات المخلوقين. وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل. أما السمع: فمنه قوله تعالى {ليس كمثله شيء} [الشورى 11] وقوله {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} [النحل 17] وقوله {هل تعلم له سميا} [مريم 65] وقوله {ولم يكن له كفواً أحد} [الإخلاص 4] وقوله تعالى {فلا تضربوا لله الأمثال} [النحل 74] وقوله {ولله المثل الأعلى} [النحل 60] . أما العقل: فمن وجوه: الأول: أنه قد علم بالضرورة أن بين الخالق والمخلوق تبايناً في الذات وهذا يستلزم أن يكون بينهما تباين في الصفات لأن صفة كل موصوف تليق به كما هو ظاهر في صفات المخلوقات المتباينة في الذوات فقوة البعير مثلاً غير قوة الذرة، فإذا ظهر التباين بين المخلوقات مع اشتراكها في الإمكان والحدوث، فظهور التباين بينها وبين الخالق أجلى وأقوى (2) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 الثاني: أن يقال كيف يكون الرب الخالق الكامل من جميع الوجوه مشابهاً في صفاته للمخلوق المربوب الناقص المفتقر إلى ما يكمله، وهل اعتقاد ذلك إلا تنقص لحق الخالق فإن تشبيه الكامل بالناقص يجعله ناقصاً (1) . الثالث: أننا نشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية فنشاهد أن للإنسان يداً ليست كيد الفيل وله قوة ليست كقوة الجمل مع الاتفاق في الاسم، فهذه يد وهذه يد، وهذه قوة وهذه قوة وبينهما تباين في الكيفية والوصف فعلم بذلك أن الاتفاق في الاسم لايلزم منه الاتفاق في الحقيقة. والتشبيه كالتمثيل وقد يفرق بينهما بأن التمثيل: التسوية في كل الصفات. والتشبيه: التسوية في أكثر الصفات لكن التعبير بنفي التمثيل أولى لموافقة القرآن {ليس كمثله شيء} [الشورى 11] . وفي هذا الباب يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: ((الثالث: عدم تشبيهها بما للمخلوق، فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فالعارفون به، المصدقون لرسله، المقرون بكماله: يثبتون له الأسماء والصفات وينفون عنه مشابهة المخلوقات فيجمعون بين الإثبات ونفي التشبيه، وبين التنزيه وعدم التعطيل، فمذهبهم حسنة بين سيئتين، وهدى بين ضلالتين، فصراطهم صراط المنعم عليهم، وصراط غيرهم صراط المغضوب عليهم والضالين. قال الإمام أحمد: ((لا نزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين)) (2) وقال: ((التشبيه: أن تقول يد كيدي)) (3) تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً)) (4) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((التشبيه الممتنع إنما هو مشابهة الخالق للمخلوق في شيء من خصائص المخلوق أو أن يماثله في شيء من صفات الخالق. فإن الرب تعالى منزه عن أن يوصف بشيء من خصائص المخلوق، أو أن يكون له مماثل في شيء من صفات كماله وكذلك يمتنع أن يشاركه غيره في شيء من أموره بوجه من الوجوه)) (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 وقال أيضاً: ((وأما لفظ المشبهة، فلا ريب أن أهل السنة والجماعة والحديث من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم متفقون على تنزيه الله تعالى عن مماثلة الخلق، وعلى ذم المشبهة الذين يشبِّهون صفاته بصفات خلقه ومتفقون على أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله)) (1) . النقطة الرابعة: وهي اليأس من إدراك كنهها وكيفيتها. التكييف: هو أن يعتقد المثبت أن كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا من غير أن يقيدها بمماثل. وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل. أما السمع: فمنه قوله تعالى {ولايحيطون به علما} [طه 110] وقوله {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} [الإسراء 36] . ومن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفات ربنا لأنه تعالى أخبرنا عنها ولم يخبر عن كيفيتها فيكون تكييفنا قفوا لما ليس لنا به علم وقولاً بما لم يمكننا الإحاطة به. وأما العقل: فلأن الشيء لا تعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بكيفية ذاته، أو العلم بنظيره المساوي له، أو بالخبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق منتفية في كيفية صفات الله عز وجل فوجب بطلان تكييفها. وأيضاً فإننا نقول: أيّ كيفية تقدرها لصفات الله تعالى؟ إن أيّ كيفية تقدرها في ذهنك فالله أعظم وأجل من ذلك. وأيّ كيفية تقدرها لصفات الله تعالى فإنك ستكون كاذباً فيها لأنه لا علم لك بذلك. وحينئذ يجب الكف عن التكييف تقديراً بالجنان أو تقريراً بالسان أو تحريراً بالبنان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 ولقد سار السلف جميعهم على منع التكييف في صفات الله تعالى، ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن قوله {الرحمن على العرش استوى} [طه 5] كيف استوى؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحضاء (العرق) ثم قال: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)) (1) . وروى عن شيخه ربيعة أيضاً: ((الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول)) (2) . وقد مشى أهل العلم بعدهما على هذا الميزان. وإذا كان الكيف غير معقول ولم يرد به الشرع فقد انتفى عنه الدليلان العقلي والشرعي، فوجب الكف عنه. فالحذر الحذر من التكييف ومحاولته فإنك إن فعلت وقعت في مفاوز لا تستطيع الخلاص منها، وإن ألقاه الشيطان في قلبك فاعلم أنه من نزغاته فالجأ إلى ربك فإنه معاذك وافعل ما أمرك به فإنه طبيبك، قال الله تعالى {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} [الأعراف 200] )) (3) . وقال ابن القيم: ((والعقل قد يئس عن تعرف كنه الصفة وكيفيتها، فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله، وهذا معنى قول السلف ((بلا كيف)) أي بلا كيف يعقله البشر، فإن من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته، كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته؟ ولا يقدح ذلك في الإيمان بها ومعرفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك، وكما أنا لا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر، ولا نعرف حقيقة كيفيته، مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق. فعجزنا عن معرفة كيفية الخالق وصفاته أعظم وأعظم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 فكيف يطمع العقل المخلوق المحصور المحدود في معرفة كيفية من له الكمال كله، والجمال كله، والعلم كله، والقدرة كلها، والعظمة كلها والكبرياء كلها، من لو كُشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته السموات والأرض وما فيها وما بينهما، وما وراء ذلك. الذي يقبض سمواته بيده، فتغيب كما تغيب الخردلة في كف أحدنا، ونسبة علوم الخلائق كلها إلى علمه أقل من نسبة نَقْرَة عصفور من بحار العلم الذي لو أن البحر -يمده من بعده سبعة أبحر- مداد، وأشجار الأرض - من حيث خلقت إلى يوم القيامة- أقلام: لفني المداد وفنيت الأقلام، ولم تنفد كلماته. الذي لو أن الخلق من أول الدنيا إلى آخرها - انسهم وجنهم وناطقهم وأعجمهم- جعلوا صفاً واحداً: ما أحاطوا به سبحانه، الذي يضع السماوات على إصبع من أصابعه والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والأشجار على إصبع، ثم يَهْزُّهُنَّ، ثم يقول: أنا الملك. فقاتل الله الجهمية والمعطلة أين التشبيه ههنا؟ وأين التمثيل؟ لقد اضمحل ههنا كل موجود سواه، فضلاً ممن يكون له ما يماثله في ذلك الكمال ويشابهه فيه. فسبحان من حجب عقول هؤلاء عن معرفته، وولاها ما تولت من وقوفها مع الألفاظ التي لا حرمة لها، والمعاني التي لا حقائق لها)) (1) . النقطة الخامسة: وهي الإيمان بما تقتضيه تلك الصفات من الآثار وما يترتب عليها من الأحكام. أي الإيمان بما تضمنته من المعاني وبما ترتب عليها من مقتضيات وأحكام. فهذا ما جاء الأمر به والحثُّ عليه في القرآن والسنة. فمن القرآن قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف 180] ، والشاهد من الآية قوله {فادعوه بها} . ووجه الاستشهاد أنَّ الله يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها، ويأخذوا بحظهم من عبوديتها فإن الدعاء بها يتناول: دعاء المسألة: كقولك: ربي ارزقني. ودعاء الثناء: كقولك سبحان الله. ودعاء التعبد: كالركوع والسجود (2) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 ومن السنة قوله ش: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة)) متفق عليه (1) . الشاهد من الحديث: قوله ش: ((من أحصاها)) . ووجه الاستشهاد: أن معنى من أحصاها: أي حفظها ألفاظاً، وفهم معانيها ومدلولاتها، وعمل بمقتضياتها وأحكامها. فالعلم بأسماء الله وصفاته واعتقاد تسمي الله واتصافه بها هو من العبادة وإدراك القلب لمعانيها، وما تضمنته من الأحكام والمقتضيات، واستشعاره وتجاوبه لذلك بالقدر الذي يؤدي إلى سلامة تفكيره واستقامة سلوكه، هو عبادة أيضاً. فأهل السنة يؤمنون بما دلَّت عليه أسماء الله وصفاته من المعاني، وبما يترتب عليها من مقتضيات وأحكام، بخلاف أهل الباطل الذين أنكروا ذلك وعطَّلوه. ويجب تحقيق المقتضى والأثر لتلك الصِّفات، فلكُلِّ صفة عبوديةٌ خاصةٌ هي من موجباتها ومقتضياتها -أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها- فعلم العبد بتفرُّد الرَّبِّ بالخلق والرِّزق والإحياء والإماتة، يُثمر له عبودية ((التوكل)) . وعلم العبد بجلال الله وعظمته وعزِّه، يُثمرُ له الخضوع والاستكانة والمحبة. فالسَّلف يؤمنون بأسماء الله وصفاته، وبما دلَّت عليه من المعاني والأحكام، أما كيفيَّتها فيفِّوضون علمها إلى الله. وهم برآء مما اتَّهمهم به المعطلة الذين زعموا أن السلف يؤمنون بألفاظ نصوص الأسماء والصِّفات، ويُفوِّضون معانيها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 وهذا الزعم جهلٌ على السَّلف، فإنهم كانوا أعظم النَّاس فهماً وتدبُّراً لآيات الكتاب وأحاديث النبي ش، خاصة فيما يتعلق بمعرفة الله تعالى، فكانوا يدرون معاني ما يقرأون ويحملون من العلم، ولكنَّهم لم يكونوا يتكلَّفون الفهم للغيب المحجوب، فلم يكونوا يخوضون في كيفيَّات الصِّفات شأن أهل الكلام والبدع، فإنهم حين خاضوا في ذات الله وصفاته وقعوا في التأويل والتَّعطيل، وإنما ألجأهم إلى ذلك الضيقُ الذي دخل عليهم بسبب التَّشبيه، فأرادوا الفرار منه فوقعوا في التعطيل، ولم يقع تعطيلٌ إلا بتشبيه، ولو أنهم نزَّهوا الله تعالى ابتداءً عن مشابهة الخلق، وأثبتوا الصِّفة مع نفي المماثلة لسَلموا ونجوا ولوافقوا اعتقاد السلف ولبان لهم أن السلف لم يكونوا حملة أسفار لا يدرون ما فيها. ومن تدبَّر كلام أئمة السَّلف المشاهير في هذا الباب عَلِمَ أنهم كانوا أدقَّ النَّاس نظراً وأنهم أعلم النَّاس في هذا الباب وأن الذين خالفوهم لم يفهموا حقيقة أقوال السلف والأئمة، ولذلك صار أولئك الذين خالفوا مختلفين في الكتاب، مخالفين للكتاب، وقد قال تعالى {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} [البقرة 176] . ومن له اطلاع على أقوال السَّلف المدوَّنة في كتب العقيدة والتفسير والحديث عند الحديث عن نصوص الصِّفات يعلم أن السَّلف تكلموا في معاني الصِّفات وبيَّنوها ولم يسكتوا عنها، وهذه الأقوال هي أكبر شاهدٍ على فهم السَّلف لمعاني الصِّفات وإيمانهم بها والله أعلم (1) . الفصل الثاني: طوائف المعطلة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات المبحث الأول: الفلاسفة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات وفيه مطلبان: المطلب الأولى: التعريف بهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 ((الفلاسفة، اسم جنس لمن يُحِبُ الحكمة ويُؤثِرُها. وقد صار هذا الاسم في عرف كثير من الناس مختصاً بمن خرج عن ديانات الأنبياء، ولم يذهب إلا إلى ما يقتضيه العقل في زعمه. وأخص من ذلك أنه في عرف المتأخرين اسم لأتباع أرسطو وهم المَشَّاؤُون خاصة وهم الذين هذب ابن سينا طريقتهم وبسطها وقررها. وهي التي يعرفها، بل لا يعرفُ سواها المتأخرون من المتكلمين)) (1) . والذي ينبغي معرفته أن الفلاسفة لا يؤمنون بوجود الله حقيقة، ولا يؤمنون بوحي ولا نبوة ولا رسالة، وينكرون كل غيب، فالمباديء الفلسفية جميعها تقوم على أصلين هما: الأصل الأول: أن الأصل في العلوم هو عقل الإنسان، فهو عندهم مصدر العلم. الأصل الثاني: أن العلوم محصورة في الأمور المحسوسة المشاهدة فقط. فتحت الأصل الأول أبطلوا الوحي، وتحت الأصل الثاني أبطلوا الأمور الغيبية بما فيها الإيمان بالله واليوم الآخر. وقد تسلط الفلاسفة على المسائل الاعتقادية وزعموا أنها مجرد أوهام وخيالات لا حقيقة ولا وجود لها في الخارج، فلا الله موجود حقيقة، ولا نبوة ولا نبي على التحقيق، ولا ملائكة، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا نشور. فإيمانهم بالله تبارك وتعالى لا يكاد يتعدى الإيمان بوجوده المطلق، -أي بوجوده في الذهن والخيال دون الحقيقة- وأما ما عدا ذلك فلا يكادون يتفقون على شيء، فالمباحث العقدية عندهم من أسخف وأفسد ما قالوا به. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((أما الإلهيات فكلياتهم فيها أفسد من كليات الطبيعة، وغالب كلامهم فيها ظنون كاذبة فضلاً عن أن تكون قضايا صادقة)) (2) . ويتجلى فساد معتقد الفلاسفة في الله أكثر عندما نعرض لك بعض أقوالهم في ذات الله وصفاته. فالفلاسفة يطلقون على الله مسمى (واجب الوجود) ، وتوحيد واجب الوجود عندهم يكفي مجرد تصوره للعلم الضروري بفساده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 فالتوحيد عندهم يقتضي تجريده من كل صفات الكمال اللازمة له، فهو ليس له حياة ولا علم ولا قدرة ولا كلام، ولا غير ذلك من الصفات، ويقولون بدلاً من ذلك: ((إنه عاقل ومعقول وعقل، ولذيذ وملتذ ولذة، وعالم ومعلوم وعلم)) ، وجعلوا كل ذلك أموراً عدمية. ودفعهم إلى ذلك زعمهم أن تعدد الصفات موجب للتركيب في حق الله، وفساد هذا القول جلي واضح، فالله وصف نفسه بالصفات، ووصفه بها رسوله ش وثبت ذلك في الكتاب والسنة نقلاً. كما أن العقل يشهد بفساد قولهم، فإن تعدد الصفات لم تقل لغة ولا شرع ولا عقل سليم إنه يوجب تركيب الموصوف إلا عند الفلاسفة (1) . ومن شنيع كلامهم كذلك زعمهم أن الله لا يعلم الجزئيات، فهو عندهم لا يعرف عين موسى، ولا عيسى، ولا محمدٍ عليهم الصلاة والسلام، فضلاً عن الوقائع التي قصها القرآن وغيرها من أمور المخلوقات. وفساد هذا القول واضح جلي في النقل والعقل. أما النقل فالله يقول {ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} [الأنعام 59] وكذا العقل أيضاً شاهد بفساد هذا المعتقد، فكيف يجهل الله أموراً سيرها بأمره وأجراها بقدره وأخبر عنها في كتابه. ومن شنيع قولهم ما قالوه في قدرة الله من أنه فاعل بالطبع لا بالاختيار لأن الفاعل بالطبع يتحد فعله، والفاعل بالاختيار يتنوع فعله، وما دروا أنهم بهذا جعلوا الإنسان الفاعل بالاختيار أكمل من الله الفاعل بالطبع على حد زعمهم. وهذا القول مردود بقول الله {وربك يخلق ما يشاء ويختار} [القصص 28] ، ومردود بالعقل لأن الله هو أكمل الفاعلين فكيف يُشَبه فعله بفعل الجماد. فهذا ما عند هؤلاء من خبر الإيمان بالله عز وجل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 ((وأما الإيمان بالملائكة فهم لا يعرفون الملائكة، ولا يؤمنون بهم. وإنما الملائكة عندهم ما يتصوره النبيُّ بزعمهم في نفسه من أشكال نُورانِية، هي العقول عندهم، وهي مجرَّدات ليست داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوق السموات ولا تحتها، ولا هي أشخاص تتحرك، ولا تصعد، ولا تنزل، ولا تدبِّر شيئاً، ولا تتكلم، ولا تكتب أعمال العبد، ولا لها إحساس ولا حركة البتة ولا تنتقل من مكان إلى مكان، ولا تَصُفُّ عند ربها، ولا تصلي، ولا لها تصرف في أمر العالم البتة، فلا تقبض نفس العبد، ولا تكتب رزقه وأجله وعمله، ولا عن اليمين وعن الشمال قعيد، كل هذا لا حقيقة له عندهم البتة. وربما تقرب بعضهم إلى الإسلام، فقال: الملائكة هي القوى الخَيِّرة الفاضلة التي في العبد، والشياطين هي القوى الشريرة الرَّديئة، هذا إذا تقربوا إلى الإسلام وإلى الرسل. وأما الكتب فليس لله عندهم كلام أنزله إلى الأرض بواسطة الملك، فإنه ما قال شيئاً، ولا يقول، ولا يجوز عليه الكلام. ومن تقرب إليهم ممن ينتسب للمسلمين يقول: الكتب المنزلة فَيْضٌ فاضَ من العقل الفَعَّال على النفس المستعدة الفاضلة الزكية، فتصورت تلك المعاني، وتشكلت في نفسه بحيث توهم أصواتاً تخاطبه، وربما قَوِيَ الوهم حتى يراها أشكالا نورانية تخاطبه، وربما قوي ذلك حتى يُخَيِّلها لبعض الحاضرين، فيرونها ويسمعون خطابها، ولا حقيقة لشيء من ذلك في الخارج. وأما الرسل والأنبياء فللنبوة عندهم ثلاث خصائص، من استكملها فهو نبيُّ: أحدها: قوة الحدس، بحيث يدرك الحد الأوسط بسرعة. الثانية: قوة التخيل والتخييل، بحيث يتخيل في نفسه أشكالاً نورانية تخاطبه، ويسمع الخطاب منها، ويخيلها إلى غيره. الثالثة: قوة التأثير بالتصرف في هيولى العالم. وهذا يكون عنده بتجرد النفس عن العلائق، واتصالها بالمفارقات، من العقول والنفوس المجردة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 وهذه الخصائص تحصل بالاكتساب. ولهذا طلبَ النبوة من تصوف على مذهب هؤلاء كابن سبعين، وابن هود وأضرابهم. والنبوة عند هؤلاء صنعةٌ من الصنائع، بل من أشرف الصنائع، كالسياسة، بل هي سياسة العامة، وكثير منهم لا يرضى بها، ويقول: الفلسفة نبوة الخاصة. والنبوة: فلسفة العامة. وأما الإيمان باليوم الآخر فهم لا يقرون بانفطار السموات، وانتثار الكواكب، وقيامة الأبدان، ولا يقرون بأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، وأوجد هذا العالم بعد عدمه. فلا مبدأ عندهم، ولا معاد، ولا صانع، ولانبوة، ولا كتب نزلت من السماء، تكلم الله بها، ولا ملائكة تنزلت بالوحي من الله تعالى. فدين اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خير من دين هؤلاء. وحَسبُكَ جهلاً بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، من يقول: إنه سبحانه لو علم الموجودات لحقه الكلال والتعب واستكمل بغيره. وحسبك خذلاناً، وضلالاً وعمى: السير خلف هؤلاء، وإحسان الظن بهم، وأنهم أو لو العقول)) (1) . المطلب الثاني: قولهم في توحيد الأسماء والصفات. الفلاسفة يدأبون حتى يثبتوا واجب الوجود، ومع إثباتهم له فهو عندهم وجود مطلق، لا صفة له ولا نَعْتَ، ولا فعل يقوم به، لم يخلق السموات والأرض بعد عدمها، ولا له قدرة على فعل، ولا يعلم شيئاً. ولا شك أن الذي كان عند مشركي العرب من كفار قريش وغيرهم أهون من هذا، فعباد الأصنام كانوا يثبتون رباً خالقاً عالماً قادراً حياً، وإن كانوا يشركون معه في العبادة. وفساد أقوال الفلاسفة في الله لا يضاهيها فساد، فهم ينفون جميع الأسماء والصفات، سواء كانوا أصحاب فلسفة محضة كالفارابي (2) ، أو فلسفة باطنية رافضية إسماعيلية قرمطية كابن سينا (3) ، وإخوان الصفا، أو فلسفة صوفية اتحادية كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 قال شيخ الإسلام ابن تيميه: ((والتحقيق أن التجهم المحض وهو نفي الأسماء والصفات، كما يُحكي عن جهم والغالية من الملاحدة ونحوهم من نفي أسماء الله الحسنى، كفر بين مخالف لما علم بالاضطرار من دين الرسول)) (1) فهؤلاء جميعاً لا يثبتون الأسماء والصفات لله تعال. ويمنعون الإثبات بأي حال من الأحوال ولهم في النفي درجات: الدرجة الأولى: درجة المكذبة النفاة: وهي التي عليها طائفة من الفلاسفة (2) كابن سينا وأمثاله (3) . فهم يصفون الله بالصفات السلبية على وجه التفصيل ولا يثبتون له إلا وجوداً مطلقاً لا حقيقة له عند التحصيل وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان، يمتنع تحققه في الأعيان (4) فهؤلاء وصفوه بالسلوب والإضافات دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، وقد علم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن، لا فيما خرج عنه من الموجودات (5) . الدرجة الثانية: المتجاهلة الواقفة: الذين يقولون لا نثبت ولا ننفي، وهذه الدرجة تنسب لغلاة المعطلة من القرامطة الباطنية المتفلسفة (6) . فهؤلاء هم غلاة الغلاة (7) لأنهم يسلبون عنه النقيضين فيقولون: لا موجود، ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، لأنهم يزعمون أنهم إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات، وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات فسلبوا النقيضين، وهذا ممتنع في بداهة العقول؛ وحرفوا ما أنزل الله من الكتاب وما جاء به الرسول ش، فوقعوا في شر مما فروا منه، فإنهم شبهوه بالممتنعات إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين، كلاهما من الممتنعات (8) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فالقرامطة الذين قالوا لا يوصف بأنه حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز، بل قالوا لا يوصف بالإيجاب ولا بالسلب، فلا يقال حي عالم ولا ليس بحي عالم، ولا يقال هو عليم قدير ولا يقال ليس بقدير عليم، ولا يقال هو متكلم مريد، ولا يقال ليس بمتكلم مريد، قالوا لأن في الإثبات تشبيهاً بما تثبت له هذه الصفات، وفي النفي تشبيه له بما ينفي عنه هذه الصفات)) (1) . الدرجة الثالثة: المتجاهلة اللاأدرية: الذين يقولون: نحن لا نقول ليس بموجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت، فلا ننفي النقيضين، بل نسكت عن هذا وهذا، فنمتنع عن كل من المتناقضين، لا نحكم بهذا ولا بهذا، فلا نقول: ليس بموجود ولا معدوم ولكن لا نقول هو موجود ولا نقول هو معدوم. ومن الناس من يحكي نحو هذا عن الحلاج، وحقيقة هذا القول هو الجهل البسيط والكفر البسيط، الذي مضمونه الإعراض عن الإقرار بالله ومعرفته وحبه وذكره وعبادته ودعائه (2) . الدرجة الرابعة: أهل وحدة الوجود: الذين لا يميزون الخالق بصفات تميزه عن المخلوق، ويقولون بأن وجود الخالق هو وجود المخلوق. فعلى سبيل المثال هم يقولون بأن الله هو المتكلم بكل ما يوجد من الكلام وفي ذلك يقول ابن عربي: ألا كل قول في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه يعم به أسماع كل مكون فمنه إليه بدؤه وختامه (3) فيزعمون أنه هو المتكلم على لسان كل قائل. ولا فرق عندهم بين قول فرعون: {أنا ربُّكم الأعلى} [النازعات 24] {وما علمت لكم من إله غيري} [القصص 28] وبين القول الذي يسمعه موسى {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} [طه 14] . بل يقولون: إنه الناطق في كل شيء، فلا يتكلم إلا هو ولا يسمع إلا هو، حتى قول مسيلمة الكذاب، والدجال، وفرعون، يصرحون بأن أقوالهم هي قوله)) (4) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 وهذا قول أصحاب وحدة الوجود كابن عربي، وابن سبعين وابن الفارض، والعفيف التلمساني. وأصل مذهبهم: أن كل واحد من وجود الحق، وثبوت الخلق يساوى الآخر ويفتقر إليه وفي هذا يقول ابن عربي: فيعبدني وأعبده ويحمدني وأحمده (1) ويقول: إن الحق يتصف بجميع صفات العبد المحدثات، وإن المحدث يتصف بجميع صفات الرب، وإنهما شيء واحد إذ لا فرق في الحقيقة بين الوجود والثبوت (2) فهو الموصوف عندهم بجميع صفات النقص والذم والكفر والفواحش والكذب والجهل، كما هو الموصوف عندهم بصفات المجد والكمال فهو العالم والجاهل، والبصير والأعمى، والمؤمن والكافر، والناكح والمنكوح، والصحيح والمريض، والداعي والمجيب، والمتكلم والمستمع، وهو عندهم هوية العالم ليس له حقيقة مباينة للعالم، وقد يقولون لا هو العالم ولا غيره، وقد يقولون: هو العالم أيضا وهو غيره، وأمثال هذه المقالات التي يجمع فيها في المعنى بين النقيضين مع سلب النقيضين (3) . وهؤلاء الاتحادية يجمعون بين النفي العام والإثبات العام فعندهم أن ذاته لا يمكن أن ترى بحال وليس له اسم ولا صفة ولا نعت، إذ هو الوجود المطلق الذي لا يتعين، وهو من هذه الجهة لا يرى ولا اسم له. ويقولون: إنه يظهر في الصور كلها، وهذا عندهم هو الوجود الاسمي لا الذاتي، ومن هذه الجهة فهو يرى في كل شيء ويتجلى في كل موجود، لكنه لا يمكن أن ترى نفسه، بل تارة يقولون كما يقول ابن عربي: ترى الأشياء فيه، وتارة يقولون يرى هو في الأشياء وهو تجليه في الصور، وتارة يقولون كما يقول ابن سبعين: عين ما ترى ذات لا ترى وذات لا ترى عين ما ترى وهم مضطربون لأن ما جعلوه هو الذات عدم محض، إذ المطلق لا وجود له في الخارج مطلقاً بلا ريب، لم يبق إلا ما سموه مظاهر ومجالي فيكون الخالق عين المخلوقات لا سواها، وهم معترفون بالحيرة والتناقض مع ما هم فيه من التعطيل والجحود. (4) . وفي هذا يقول ابن عربي: فإن قلت بالتنزيه كنت مقيداً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 وإن قلت بالتشبيه كنت محدداً وإن قلت بالأمرين كنت مسدداً وكنت إماماً في المعارف سيداً فمن قال بالإشفاع كان مشركاً ومن قال بالإفراد كان موحداً فإياك والتشبيه إن كنت ثانياً وإياك والتنزيه إن كنت مفرداً فما أنت هو بل أنت هو وتراه في عين الأمور مسرحا ومقيداً (1) خلاصة أقوال غلاة المعطلة: كلام غلاة المعطلة المتقدم ذكره يدور على أحد أصلين: 1- الأصل الأول: النفي والتعطيل الذي يقتضي عدمه، بأن جعلوا الحق لا وجود له، ولا حقيقة له في الخارج أصلاً وإنما هو أمر مطلق في الأذهان. وهذا الذي عليه المكذبة النفاة، والمتجاهلة الواقفة، والمتجاهلة اللاأدرية. 2- الأصل الثاني: أن يجعلوا الحق عين وجود المخلوقات، فلا يكون للمخلوقات خالق غيرها أصلاً، ولا يكون رب كل شيء ولا مليكه. وهذا الذي عليه حال أهل وحدة الوجود الاتحادية في أحد حاليهم فهذا حقيقة قول القوم وإن كان بعضهم لا يشعر بذلك. ولذلك كان الغلاة من القرامطة والباطنية والفلاسفة والاتحادية نسخة للجهمية الذين تكلم فيهم السلف والأئمة، مع كون أولئك كانوا أقرب إلى الإسلام. فقد كان كلام الجهمية يدور أيضاً على هذين الأصلين فهم يظهرون للناس والعامة أن الله بذاته موجود في كل مكان، أو يعتقدون ذلك. وعند التحقيق يصفونه بالسلب الذي يستوجب عدمه كقولهم: ليس بداخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له ومحايث، ولا متصل به ولا منفصل عنه، وأشباه هذه السلوب. فكلام أولهم وآخرهم يدور على هذين الأصلين: 1- إما النفي والتعطيل الذي يقتضي عدمه. 2- وإما الإثبات الذي يقتضي أنه هو المخلوقات. أو جزء منها أو صفة لها. وكثير منهم يجمع بين هذا النفي وهذا الإثبات المتناقضين، وإذا حوقق في ذلك قال: ذاك السلب مقتضى نظري. وهذا الإثبات مقتضى شهودي وذوقي. ومعلوم أن العقل والذوق إذا تناقضا لزم بطلانهما أو بطلان أحدهما (2) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 وهذا حالهم يترددون بين هذا النفي العام المطلق، وهذا الإثبات العام المطلق، وهم في كليهما حائرون ضالون لا يعرفون الرب الذي أمروا بعبادته (1) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((نفاة الصفات تارة يقولون بما يستلزم الحلول والاتحاد، أو يصرحون بذلك. وتارة بما يستلزم الجحود والتعطيل، فنفاتهم لا يعبدون شيئاً، ومثبتتهم يعبدون كل شيء.)) (2) . ولا ريب أن هؤلاء المعطلة بصنيعهم هذا قد أعرضوا عن أسمائه وصفاته وآياته وصاروا جهالاً به، كافرين به، غافلين عن ذكره، موتى القلوب عن معرفته ومحبته وعبادته، وهذا هو غاية القرامطة الباطنية والمعطلة الدهرية أنهم يبقون في ظلمة الجهل وضلال الكفر، لا يعرفون الله ولا يذكرونه (3) . المبحث الثاني: أهل الكلام وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات. وفيه مطلبان: المطلب الأولى: التعريف بهم. وأما أهل الكلام فقد شاركوا الفلاسفة في بعض أصولهم، وأخذوا عنهم القواعد المنطقية والمناهج الكلامية، وتأثروا بها إلى درجة كبيرة. وسلكوا في تقرير مسائل الاعتقاد المسلك العقلاني على حد زعمهم، وهم وإن كانوا يخالفون الفلاسفة في قولهم: إن هذه الحقائق مجرد وهم وخيال، إلا أنهم شاركوهم في تشويه كثير من الحقائق الغيبية، فلا تجد في كتب أهل الكلام على اختلاف طوائفهم تقريراً لمسائل الاعتقاد كما جاءت بها النصوص الصحيحة، فبدل أن تسمع أو تقرأ قال الله أو قال رسوله ش أو قال الصحابة، فإنك لا تجد في كتبهم إلا قال الفضلاء، قال العقلاء، قال الحكماء، ويعنون بهم فلاسفة اليونان من الوثنيين، فكيف جاز لهم ترك كلام الله وكلام رسوله ش والأخذ بكلام من لا يعرف الله ولا يؤمن برسوله. والمطلع على كتب أهل الكلام يدرك عظم الضرر الذي جَنَتْهُ على الأمة المسلمة، إذ تسببت تلك الكتب في حجب الناس عن المعرفة الصحيحة لله ورسوله ولدينه، وجُعِلَ بدل ذلك مقالات التعطيل والتجهيل والتخييل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 وأهل الكلام ليسوا صنفاً واحداً بل هم عدة أصناف، وأشهرهم: 1- الجهمية. 2- المعتزلة. 3- الكلابية. 4- الأشاعرة. 5- الماتريدية. وهذه الأصناف الخمسة كل له قوله ورأيه بحسب الشبه العقلية التي استند إليها. أولاً: الجهمية، وهم أتباع جهم بن صفوان الذي أخذ عن الجعد بن درهم مقالة التعطيل عندما التقى به بالكوفة (1) وقد نشر الجهم مقالة التعطيل وامتاز عن شيخه الجعد بمزية المغالاة في النفي وكثرة إظهار ذلك والدعوة إليه نظراً لماكان عليه من سلاطة اللسان وكثرة الجدال والمراء. من أشهر معتقداتهم: 1- إنكارهم لجميع الأسماء والصفات كما سيأتي تفصيله. 2- إنهم في باب الإيمان مرجئة، يقولون: إن الإيمان يكفي فيه مجرد المعرفة القلبية، وهذا شر أقوال المرجئة. 3- إنهم في باب القدر جبرية، ينكرون قدرة العبد واختياره في فعله. 4- ينكرون رؤية الخلق لله يوم القيامة. 5- يقولون:إن القرآن مخلوق. 6- يقولون بفناء الجنة والنار. إلى غير ذلك من المعتقدات الباطلة التي قال بها الجهمية. ثانياً: المعتزلة، وهم أتباع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، وهم فرق كثيرة يجمعها ما يسمونه بأصولهم الخمسة وهي: 1- التوحيد. 2- العدل. 3- الوعد والوعيد. 4- المنزلة بين المنزلتين. 5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والاعتزال في حقيقته يحمل خليطاً من الآراء الباطلة التي كانت موجودة في ذلك العصر، فقد جمع المعتزلة بين أفكار الجهمية، والقدرية، والخوارج، والرافضة. فقد شاركوا الجهمية في بعض أصولهم، فوافقوهم في إنكار الصفات، فزعموا أن ذات الله لا تقوم بها صفة ولا فعل، كما سيأتي تفصيله. وقالوا بإنكار رؤية الله يوم القيامة وقالوا: إن القرآن مخلوق إلى غير ذلك. كما شاركوا القدرية في إنكارهم لقدرة الله في أفعال العباد، وأخذوا عنهم القول بأن العباد يخلقون أفعالهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 كما شاركوا الخوارج في مسألة الإيمان، وقالوا بقولهم إن الإيمان قول، واعتقاد، وعمل، لا يزيد ولا ينقص، وإنه إذا ذهب بعضه زال الإيمان. وبناءً على ذلك شاركوهم في مسألة مرتكب الكبيرة، فالمعتزلة وإن قالوا بأن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين في الدنيا، لكنهم وافقوا الخوارج في قولهم بأن مرتكب الكبيرة في الآخرة خالد مخلد في النار. وأخذوا كذلك عن الخوارج رأيهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما أنهم شاركوا الروافض في الطعن في أصحاب النبي ش، فقد كان من كلام واصل بن عطاء في أهل صفين قوله: ((إن كليهما فاسق لا بعين)) وقوله عن علي ومعاوية رضي الله عنهما: ((لو أن كليهما جاء عندي يشهد على حزمة بقل ما قبلت شهادتهما)) ، وأواخر المعتزلة كانوا أقرب إلى التشيع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وقدماء الشيعة كانوا مخالفين للمعتزلة بذلك (يعني مسائل الصفات والقدر) ، فأما متأخروهم من عهد بني بويه ونحوهم من أوائل المائة الرابعة ونحو ذلك، فإنهم سار فيهم من يوافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم، والمعتزلة شيوخ هؤلاء إلى ما يوجد في كلام ابن النعمان المفيد وصاحبيه أبي جعفر الطوسي، والملقب بالمرتضى ونحوهم هو من كلام المعتزلة، وصار حينئذ في المعتزلة من يميل إلى نوع من التشيع إما تسوية علي بالخليفتين، وإما تفضيله عليهما، وإما الطعن في عثمان، وإن كانت المعتزلة لم تختلف في إمامة أبي بكر وعمر. وقدماء المعتزلة كعمرو بن عبيد وذويه كانوا منحرفين عن علي حتى كانوا يقولون: لو شهد هو وواحد من مقاتليه شهادة لم نقبلها، لأنه قد فسق أحدهما لا بعينه. فهذا الذي عليه متأخروا الشيعة والمعتزلة خلاف ما عليه أئمة الطائفتين وقدماؤهم)) (1) . كما أخذوا عن الشيعة الرافضة أكثر آرائهم الخاصة بالإمامة. وعلى هذا فأفكار المعتزلة إنما هي خليط من آراء الفرق المخالفة في عصرهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 وأفكار المعتزلة يحملها اليوم كل من: الرافضة الإمامية، والزيدية، والإباضية، وكذلك من يسمون بالعقلانيين. ثالثاً: متكلمة الصفاتية (الكلابية - الأشاعرة - الماتريدية) . (1) - الكلابية، وهم أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان (1) (ت 243هـ) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((كان الناس قبل أبي محمد بن كلاب صنفين: فأهل السنة والجماعة يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها. والجهمية من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا وهذا. فأثبت ابن كلاب قيام الصفات اللازمة به، ونفى أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها. ووافقه على ذلك أبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري وغيرهما. وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه ثم قيل عن الحارث: إنه رجع عن قوله. (2) فهذا النهج الذي أحدثه ابن كلاب هو ما صار يعرف فيما بعد بمنهج متكلمة الصفاتية لأن ابن كلاب كان في طريقته يميل إلى مذهب أهل الحديث والسنة، لكن كان في طريقته نوع من البدعة، لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله، ولم يثبت قيام الأمور الاختيارية بذاته. وقد كانت له جهود في الرد على الجهمية (3) ولكنه ناظرهم بطريق قياسية سلم لهم فيها أصولاً هم واضعوها من امتناع تكلمه تعالى بالحروف، وامتناع قيام الصفات الاختيارية بذاته مما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال والكلام وغير ذلك (4) فأصبح بعد ذلك قدوة وإماماً لمن جاء بعده من هذا الصنف الذين أثبتوا الصفات وناقضوا نفاتها، لكن شاركوهم في بعض أصولهم الفاسدة التي أوجبت فساد بعض ما قالوه من جهة المعقول ومخالفته لسنة الرسول.)) (5) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 فابن كلاب أحدث مذهباً جديداً، فيه ما يوافق السلف وفيه ما يوافق المعتزلة والجهمية. وبذلك يكون قد أسس مدرسة ثالثة وهي مدرسة «الصفاتية» التي اشتهرت بمذهب الإثبات، لكن في أقوالهم شيء من أصول الجهمية (1) وقد سار على هذا النهج القلانسي، والأشعري، والمحاسبي، وغيرهم، وهؤلاء هم سلف الأشعري والأشاعرة القدماء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وكان أبو محمد بن كلاب هو الأستاذ الذي اقتدى به الأشعري في طريقته هو وأئمة أصحابه، كالحارث المحاسبي، وأبي العباس القلانسي، وأبي سليمان الدمشقي، وأبي حاتم البستي)) (2) فابن كلاب هو إمام الأشعرية الأول، وكان أكثر مخالفة للجهمية، وأقرب إلى السلف من الأشعري (3) . ولكن هذا النهج الكلابي ابتعد شيئاً فشيئاً عن منهج السلف، وأصبح يقرب أكثر فأكثر إلى نهج المعتزلة وذلك على يد وارثيه من الأشاعرة. فابن كلاب كما أسلفنا كان أقرب إلى السلف من أبي الحسن الأشعري، وأبو الحسن الأشعري أقرب إلى السلف من القاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي أبو بكر وأمثاله أقرب إلى السلف من أبي المعالي الجويني وأتباعه (4) ولهذا يوجد في كلام الرازي والغزالي ونحوهما من الفلسفة مالا يوجد في كلام أبي المعالي الجويني وذويه، ويوجد في كلام الرازي والغزالي والجويني من مذهب النفاة المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي الحسن الأشعري وقدماء أصحابه، ويوجد في كلام أبي الحسن الأشعري من النفي الذي أخذه من المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي محمد بن كلاب الذي أخذ أبو الحسن طريقه. ويوجد في كلام ابن كلاب من النفي الذي قارب فيه المعتزلة ما لا يوجد في كلام أهل الحديث والسنة والسلف والأئمة. وإذا كان الغلط شبراً صار في الأتباع ذراعاً ثم باعاً حتى آل إلى هذا المآل والسعيد من لزم السنة (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 وقد تلاشت الكلابية كفرقة، لكن أفكارها حملت بواسطة الأشاعرة، فقد احتفظ الأشعري وقدماء أصحابه بأفكار الكلابية ونشروها، وبذلك اندرست المدرسة الكلابية الأقدم تاريخاً والأسبق ظهوراً في الأشعرية. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والكلابية هم مشايخ الأشعرية، فإن أبا الحسن الأشعري إنما اقتدى بطريقة أبي محمد بن كلاب، وابن كلاب كان أقرب إلى السلف زمناً وطريقة. وقد جمع أبو بكر بن فورك (ت406هـ) كلام ابن كلاب والأشعري وبين اتفاقهما في الأصول)) (1) . فالكلابية أسبق في الظهور من الأشاعرة والماتريدية، فقد نشأت الكلابية في منتصف القرن الثالث، وهي أول الفرق الكلامية بعد الجهمية والمعتزلة، فقد توفي ابن كلاب سنة (243هـ) ، وفي أول القرن الرابع الهجري نشأت بقية فرق أهل الكلام وهم الأشاعرة المنتسبون إلى أبي الحسن الأشعري المتوفى سنة (324هـ) والماتريدية: أتباع أبي منصور الماتريدي المتوفى سنة (333هـ) وهي الفرق القائمة حتى زماننا هذا. (2) - الأشعرية: يُعَدُّ أبو الحسن الأشعري إمتداداً للمذهب الكلابي فأبو الحسن الأشعري الذي عاش في الفترة ما بين (260هـ-324هـ) كان معتزلياً إلى سن الأربعين، حيث عاش في بيت أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في البصرة، ثم رجع عن مذهب المعتزلة وسلك طريقة ابن كلاب وتأثر بها مدة طويلة، ولعل السبب في ذلك أنه وجد في كتب ابن كلاب وكلامه بغيته من الرد على المعتزلة وإظهار فضائحهم وهتك أستارهم، وكان ابن كلاب قد صنف مصنفات رد فيها على الجهمية والمعتزلة وغيرهم. ولكن فات الأشعري أن ابن كلاب وإن رد على المعتزلة وكشف باطلهم وأثبت لله تعالى الصفات اللازمة، لكنه وافقهم في إنكار الصفات الاختيارية التي تتعلق بمشيئته تعالى وقدرته، فنفى كما نفت المعتزلة أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته. كما نفى أيضاً الصفات الاختيارية مثل الرضى، والغضب، والبغض، والسخط وغيرها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 وقد مضى الأشعري في هذا الطور نشيطاً يؤلف ويناظر ويلقي الدروس في الرد على المعتزلة سالكاً هذه الطريقة. ثم التقى بزكريا بن يحيى الساجي فأخذ عنه ما أخذ من أصول أهل السنة والحديث (1) ، وكان الساجي شيخ البصرة وحافظها (2) ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أموراً أخرى وذلك بآخر أمره. ولكن كانت خبرته بالكلام خبرة مفصلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة، فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة واعتقد أنه يمكنه الجمع بين تلك الأصول، وبين الانتصار للسنة، كما فعل في مسألة الرؤية والكلام، والصفات الخبرية وغير ذلك (3) . وقال عنه السجزي: ((رجع في الفروع وثبت في الأصول)) (4) أي أصول المعتزلة التي بنوا عليها نفي الصفات، مثل دليل الأعراض وغيره (5) . وقال ابن تيمية: ((أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كُلاَّب البصري، وأبو الحسن الأشعري كانا يخالفان المعتزلة ويوافقان أهل السنة في جمل أصول السنة. ولكن لتقصيرهما في علم السنة وتسليمهما للمعتزلة أصولاً فاسدة، صار في مواضع من قوليهما مواضع فيها من قول المعتزلة ما خالفا به السنة، وإن كانا لم يوافقا المعتزلة مطلقاً)) (6) . وقال أيضاً: ((والذي كان أئمة السنة ينكرونه على ابن كلاب والأشعري بقايا من التجهم والاعتزال، مثل اعتقاد صحة طريقة الأعراض وتركيب الأجسام، وإنكار اتصاف الله بالأفعال القائمة التي يشأها ويختارها، وأمثال ذلك)) (7) وقد مرت الأشعرية بأطوار ومراحل كان أولها زيادة المادة الكلامية، ثم الجنوح الكبير للمادة الاعتزالية، ثم خلط هذه العقيدة بالمادة الفلسفية. ((فالأشعرية المتأخرة مالوا إلى نوع من التجهم بل الفلسفة وفارقوا قول الأشعري وأئمة أصحابه)) (8) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 فقدماء الأشاعرة يثبتون الصفات الخبرية بالجملة، كأبي الحسن الأشعري وأبي عبد الله بن مجاهد وأبي الحسن الباهلي والقاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي إسحاق الاسفرائيني، وأبي بكر بن فورك، وأبي محمد بن اللبان، وأبي علي بن شاذان، وأبي القاسم القشيري، وأبي بكر البيهقي وغير هؤلاء (1) . لكن المتأخرين من أتباع أبي الحسن الأشعري كأبي المعالي الجويني وغيره لا يثبتون إلا الصفات العقلية، وأما الخبرية فمنهم من ينفيها ومنهم من يتوقف فيها كالرازي والآمدي وغيرهما. ونفاة الصفات الخبرية منهم من يتأول نصوصها ومنهم من يفوض معناها إلى الله تعالى. وأما من أثبتها كالأشعري وأئمة أصحابه. فهؤلاء يقولون تأويلها بما يقتضي نفيها تأويل باطل، فلا يكتفون بالتفويض بل يبطلون تأويلات النفاة (2) . وهذا الاضطراب في العقيدة الأشعرية بين المتقدمين والمتأخرين سببه ما أسلفنا من ميل الأشاعرة بأشعريتهم إلى الاعتزال أكثر فأكثر بل إنهم خلطوا معها الفلسفة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فالأشعرية وافق بعضهم المعتزلة في الصفات الخبرية، وجمهورهم وافقهم في الصفات الحديثية، وأما الصفات القرآنية فلهم قولان: فالأشعري والباقلاني وقدماؤهم يثبتونها، وبعضهم يقر ببعضها، وفيهم تجهم من جهة أخرى. فإن الأشعري شرب كلام الجبائي شيخ المعتزلة، ونسبته في الكلام إليه متفق عليها عند أصحابه وغيرهم. وابن الباقلاني أكثر إثباتاً بعد الأشعري، وبعد ابن الباقلاني ابن فورك، فإنه أثبت بعض ما في القرآن. وأما الجويني ومن سلك طريقته فمالوا إلى مذهب المعتزلة فإن أبا المعالي كان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم، قليل المعرفة بالآثار، فأثر فيه مجموع الأمرين (3) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 فما إن جاء أبوبكر الباقلاني (ت403هـ) ، فتصدى للإمامة في تلك الطريقة وهذبها ووضع لها المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة، وجعل هذه القواعد تبعاً للعقائد الإيمانية من حيث وجوب الإيمان بها (1) وأسهم إلى حد كبير في تنظير المذهب الأشعري الكلامي وتنظيمه مما أدى إلى تشابه منهجي بين المذهب الأشعري والمذهب المعتزلي فقد كان الأشعري يجعل النص هو الأساس والعقل عنده تابع، أما الباقلاني فالعقيدة كلها بجميع مسائلها تدخل في نطاق العقل (2) ويعتبر الباقلاني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري (3) . ثم جاء بعده إمام الحرمين الجويني (ت 478 هـ) فاستخدم الأقيسة المنطقية في تأييد هذه العقيدة، وخالف الباقلاني في كثير من القواعد التي وضعها. وإن كان الجويني قد استفاد أكثر مادته الكلامية من كلام الباقلاني، لكنه مزج أشعريته بشيء من الاعتزال استمده من كلام أبي هاشم الجبائي المعتزلي على مختارات له، وبذلك خرج عن طريقة القاضي وذويه في مواضع إلى طريقة المعتزلة. وأما كلام أبي الحسن الأشعري فلم يكن يستمد منه، وإنما ينقل كلامه مما يحكيه عنه الناس (4) وعلى طريقة الجويني اعتمد المتأخرون من الأشاعرة، كالغزالي (ت505هـ) وابن الخطيب الرازي (ت606هـ) وخلطوا مع المادة الاعتزالية التي أدخلها الجويني مادة فلسفية، وبذلك ازدادت الأشعرية بعداً وانحرافاً. فالغزالي مادته الكلامية من كلام شيخه الجويني في "الإرشاد" و"الشامل" ونحوهما مضموماً إلى ما تلقاه من القاضي أبي بكر الباقلاني. ومادته الفلسفية من كلام ابن سينا، ولهذا يقال أبو حامد أمرضه الشفا، ومن كلام أصحاب رسائل إخوان الصفا ورسائل أبي حيان التوحيدي ونحو ذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 وأما الرازي فمادته الكلامية من كلام أبي المعالي والشهرستاني فإن الشهرستاني أخذه عن الأنصاري النيسابوري عن أبي المعالي، وله مادة اعتزالية قوية من كلام أبي الحسين البصري (ت436هـ) . وفي الفلسفة مادته من كلام ابن سينا والشهرستاني ونحوهما (1) والأشعرية الأغلب عليهم أنهم مرجئة في باب الأسماء والأحكام وجبرية في باب القدر، وأما الصفات فليسوا جهمية محضة بل فيهم نوع من التجهم، ولا يرون الخروج على الأئمة بالسيف موافقة لأهل الحديث وهم في الجملة أقرب المتكلمين إلى أهل السنة والحديث (2) . والأشاعرة يخالفون أهل السنة في الكثير من مسائل الاعتقاد ومنها على سبيل المثال: 1- أن مصدر التلقي عندهم في قضايا الإلهيات (أي التوحيد) والنبوات هو العقل وحده، فهم يقسمون أبواب العقيدة إلى ثلاثة أبواب: إلهيات، نبوات، سمعيات، ويقصدون بالسمعيات ما يتعلق بمسائل اليوم الآخر من البعث والحشر والجنة والنار وغير ذلك. وسموها سمعيات لأن مصدرها عندهم النصوص الشرعية وأما ما عداها أي الإلهيات والنبوات فمصدرهم فيها العقل. 2- زعمهم أن الإيمان هو مجرد التصديق، فأخرجوا العمل من مسمى الإيمان. 3- بناءً على تعريفهم للإيمان فقد أخرجوا توحيد الألوهية من تقسيمهم للتوحيد، فالتوحيد عندهم هو أن الله واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في أفعاله لا شريك له، وواحد في صفاته لا نظير له. وهذا التعريف خلا من الإشارة إلى توحيد الألوهية، فلذلك فإن أي مجتمع أشعري تجد فيه توحيد الإلهية مختلاً، وسوق الشرك والبدعة رائجة لأن الناس لم يعلموا أن الله واحد في عبادته لا شريك له. 4- وبناءً -كذلك- على تعريفهم للإيمان فقد أخرجوا الاتباع من تعريفهم للإيمان بالنبي ش فحصروا الإيمان بالنبي في الأمور التصديقية فقط، ومن أجل ذلك انتشرت البدع في المجتمعات الأشعرية. 5- خالفوا أهل السنة في أسماء الله وصفاته وهذا سيأتي بيانه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 6- خالفوا أهل السنة في باب القدر، فقولهم موافق لقول الجبرية. 7- خالفوا أهل السنة في مسألة رؤية الله من جهة كونهم يقولون يرى لا في مكان. 8- خالفوا أهل السنة في مسألة الكلام، فهم لا يثبتون صفة الكلام على حقيقتها بل يقولون بالكلام النفسي. إلى غير ذلك من أنواع المخالفات. (3) - الماتريدية: تعد الماتريدية شقيقة الأشعرية، وذلك لما بينهما من الائتلاف والإتفاق حتى لكأنهما فرقة واحدة، ويصعب التفريق بينهما. ولذلك يصرح كل من الأشاعرة والماتريدية بأن كلاً من أبى الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي هما إماما أهل السنة على حد تعبيرهم (1) . ولعل هذا التوافق مع كونه يرجع إلى سبب رئيس هو توافق أفكار الفرقتين وقلة المسائل الخلافية بينهما خاصة مع الأشعرية المتأخرة، هناك أسباب مهمة يرجع إليها يجب اعتبارها وأخذها في الحسبان ولعل أهمها التزامن في نشأة الفرقتين مع كون كل فرقة استقلت بأماكن نفوذ لم تنازعها فيها الفرقة الأخرى. فالماتريدية انتشرت بين الأحناف الذين كانوا متواجدين في شرق العالم الإسلامي وشماله فقل أن تجد حنفياً على عقيدة الأشاعرة إلا ما ذكر من أن أبا جعفر السمناني وهو حنفي، كان أشعرياً. بينما نجد الأشعرية قد انتشرت بين الشافعية والمالكية وهم اليوم يتواجدون في وسط وغرب وجنوب وجنوب شرق العالم الإسلامي، فجل الشافعية والمالكية على الأشعرية. والماتريدية تنسب إلى أبي منصور محمد بن محمد بن محمود بن محمد الماتريدي المتوفى سنة (333هـ) (2) كان معدوداً في فقهاء الحنفية، وكان صاحب جدل وكلام ولم يكن له دراية بالسنن والآثار (3) ، وقد نهج منهجاً كلامياً في تقرير العقيدة يشابه إلى حد كبير منهج متأخري الأشاعرة، وعداده في أهل الكلام من الصفاتية من أمثال ابن كلاب وأبي الحسن الأشعري وأمثالهما. وقد تابع الماتريدي ابن كلاب في مسائل متعددة من مسائل الصفات وما يتعلق بها (4) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 ومن المعلوم أن الأحناف وأهل المشرق عموماً كانوا من أسبق الناس تأثراً بعلم الكلام، فقد كانت بداية الجهم من تلك الجهات، وفي هذا يقول الإمام أحمد في معرض كلامه عن الجهم: ((وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة..)) (1) . فبشر بن غياث المريسي (228هـ) والقاضي أحمد بن أبي دؤاد (240هـ) وغيرهما كانوا من الأحناف، فلا غرابة أن يكون الماتريدي الحنفي من أولئك الذين ناصروا علم الكلام وسعوا في تأسيسه وتقعيده، إلى أن أصبح علماً من أعلامه وصاحب إحدى مدارس الكلام التي صارت فيما بعد تعرف باسمه. فالماتريدي لا يبعد كثيراً عن أبي الحسن الأشعري (في طوره الثاني) فهو خصم لدود للمعتزلة، إلا أنه كان متأثراً بالمنهج الكلامي على طريقة ابن كلاب من الاعتماد على المناهج الكلامية في تقرير المسائل الاعتقادية شأنه في ذلك شأن أبي الحسن الأشعري، فكلاهما يُعَدُّ امتداداً لمدرسة ابن كلاب التي عرفت كمدرسة ثالثة بعد أن كان الخلاف دائراً بين أهل السنة والجماعة من جهة، والجهمية والمعتزلة من جهة أخرى، فجاء ابن كلاب وأحدث منهجاً ثالثاً حاول فيه التلفيق بين النصوص الشرعية والمناهج الكلامية كما سبق الإشارة إلى ذلك عند الحديث عن الكلابية. فالمذهب الكلابي كان له وجوده في العراق والري وخراسان وكان له انتشار في بلاد ما وراء النهر التي كانت تغص بمختلف الطوائف والفرق (2) . ولم تتعرض الماتريدية للتطور الذي حصل على العقيدة الأشعرية والذي سبق بيانه في الحديث عن الأشعرية فالماتريدية بقيت على ما كانت عليه. المطلب الثاني: مواقفهم من توحيد الأسماء والصفات. 1 الجهمية: أتباع الجهم بن صفوان وهم ينفون جميع الأسماء والصفات أما في أسماء الله عز وجل فقد عرف عن الجهم بن صفوان أنه له مسلكان: الأول: نفيه جميع الأسماء الحسنى عن الله عز وجل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((جهم كان ينكر أسماء الله تعالى فلا يسميه شيئاً لا حيا ولا غير ذلك إلا على سبيل المجاز)) (1) الثاني: أن الله يسمى باسمين فقط هما "الخالق" و"القادر". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((كان الجهم وأمثاله يقولون: إن الله ليس بشيء، وروي عنه أنه قال: لا يسمى باسم يسمى به الخلق، فلم يسمه إلا "بالخالق" و"القادر" لأنه كان جبريا يرى أن العبد لا قدرة له)) (2) . وقال رحمه الله: ((ولهذا نقلوا عن جهم أنه لا يسمى الله بشيء، ونقلوا عنه أنه لا يسميه باسم من الأسماء التي يسمى بها الخلق: كالحي، والعالم، والسميع، والبصير، بل يسميه قادراً خالقاً، لأن العبد عنده ليس بقادر، إذ كان هو رأس الجهمية الجبرية)) (3) . وأما في صفات الله عز وجل فالجهمية ينفون جميع الصفات ولا يصفون الله إلا بالصفات السلبية على وجه التفصيل ولا يثبتون له إلا وجوداً مطلقاً لا حقيقة له عند التحصيل وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان، يمتنع تحققه في الأعيان (4) فهؤلاء وصفوه بالأسلوب والإضافات دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، وقد علم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن، لا فيما خرج عنه من الموجودات (5) . 2 المعتزلة ومن وافقهم: ومعهم النجارية والضرارية والرافضة الإمامية والزيدية والإباضية وابن حزم وغيرهم. وهؤلاء مشتركون مع الجهمية والفلاسفة في نفي الصفات (6) وإن كان بين الفلاسفة والمعتزلة نوع فرق (7) فالمعتزلة تجمع على غاية واحدة وهي نفي إثبات الصفات حقيقة في الذات ومتميزة عنها. ولكنهم سلكوا طريقين في موقفهم من الصفات. الطريق الأول: الذي عليه أغلبيتهم وهو نفيها صراحة فقالوا: إن الله عالم بذاته لا بعلم وهكذا في باقي الصفات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 والطريق الثاني: الذي عليه بعضهم وهو إثباتها اسماً ونفيها فعلاً فقالوا: إن الله عالم بعلم وعلمه ذاته وهكذا بقية الصفات، فكان مجتمعاً مع الرأي الأول في الغاية وهي نفي الصفات. والمقصود بنفي الصفات عندهم: هو نفي إثباتها حقيقة في الذات ومتميزة عنها، وذلك أنهم يجعلونها عين الذات فالله عالم بذاته بدون علم أو عالم بعلم وعلمه ذاته (1) . وهناك آراء أخرى للمعتزلة لكنها تجتمع في الغاية مع الرأيين الأولين، وهو التخلص من إثبات الصفات حقيقة في الذات ومتميزة عنها (2) . وهذه الآراء للمعتزلة حملها عنهم الزيدية والرافضة الإمامية (3) والإباضية. وابن تومرت (4) ، وابن حزم (5) . فالمعتزلة يرون امتناع قيام الصفات به، لاعتقادهم أن الصفات أعراض، وأن قيام العرض به يقتضي حدوثه فقالوا حينئذ إن القرآن مخلوق، وإنه ليس لله مشيئة قائمة به، ولا حب ولا بغض ونحو ذلك. وردوا جميع ما يضاف إلى الله إلى إضافة خلق، أو إضافة وصف من غير قيام معنى به (6) . 3 النجارية: وهم أتباع حسين بن محمد بن عبد الله النجار المتوفى سنة (220هجرية) تقريباً. وكان يزعم أن الله سبحانه لم يزل جواداً بنفي البخل عنه، وأنه لم يزل متكلماً بمعنى أنه لم يزل غير عاجز عن الكلام، وأن كلام الله سبحانه محدث مخلوق، وكان يقول بقول المعتزلة في التوحيد، إلا في باب الإرادة والجود، وكان يخالفهم في القدر ويقول بالإرجاء (7) . 4 الضرارية: وهم أتباع ضرار بن عمرو الغطفاني المتوفى سنة (190هجرية) تقريباً وكان يزعم أن معنى أن الله عالم قادر أنه ليس بجاهل ولا عاجز وكذلك كان يقول في سائر صفات الباري لنفسه)) (8) . فكل من النجارية والضرارية يحملون النصوص الثبوتية على المعاني السلبية، كما قال البغدادي عنهم: ((من غير إثبات معنى أو فائدة سوى نفي الوصف بنقيض تلك الأوصاف عنه)) (9) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 وكان الجهمية والمعتزلة والنجارية والضرارية هم خصوم أهل السنة زمن فتنة القول بخلق القرآن (1) . 5 الكلابية وقدماء الأشاعرة ومن وافقهم (نفاة الصفات الاختيارية المتعلقة بالمشيئة) . وهو قول الكلابية: أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب، وقول الحارث المحاسبي (2) وأبي العباس القلانسي، وأبي الحسن الأشعري في طوره الثاني، وقدماء الأشاعرة كأبي الحسن الطبري والباقلاني وابن فورك، وأبي جعفر السمناني ومن تأثر بهم من الحنابلة كالقاضي أبي يعلى وابن عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني والتميميين وغيرهم (3) . وهؤلاء يُسَمُّون الصفاتية لأنهم يثبتون صفات الله تعالى خلافاً للمعتزلة، لكنهم لم يثبتوا لله أفعالاً تقوم به تتعلق بمشيئته وقدرته، بل ولا غير الأفعال مما يتعلق بمشيئته وقدرته (4) . وأصلهم الذي أصَّلوه في هذا أن الله لا يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته (5) لا فعل ولا غير فعل (6) . والفرق بينهم وبين المعتزلة: أن المعتزلة تقول: ((لا تحله الأعراض والحوادث)) فالمعتزلة لا يريدون [بالأعراض] الأمراض والآفات فقط، بل يريدون بذلك الصفات. ولا يريدون [بالحوادث] المخلوقات، ولا الأحداث المحيلة للمحل ونحو ذلك -مما يريده الناس بلفظ الحوادث- بل يريدون نفي ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها فلا يجيزون أن يقوم به خلق، ولا استواء، ولا إتيان ولا مجيء، ولا تكليم، ولا مناداة، ولا مناجاة، ولا غير ذلك مما وصف بأنه مريد له قادر عليه. ولكن ابن كلاب ومن وافقه خالفوا المعتزلة في قولهم: " لا تقوم به الأعراض" وقالوا: " تقوم به الصفات ولكن لا تسمى أعراضاً ". ووافقوا المعتزلة على ما أرادوا بقولهم: لا تقوم به الحوادث من أنه لا يقوم به أمر من الأمور المتعلقة بمشيئته (7) . ففرقوا بين الأعراض -أي الصفات- والحوادث -أي الأمور المتعلقة بالمشيئة (8) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 فالكلابية ومن تبعهم ينفون صفات أفعاله (1) ، ويقولون: "لو قامت به لكان محلاً للحوادث. والحادث إن أوجب له كمالاً فقد عدمه قبله وهو نقص، وإن لم يوجب له كمالاً لم يجز وصفه به (2) . ولتوضيح قولهم نقول: إن المضافات إلى الله سبحانه في الكتاب والسنة لا تخلو من ثلاثة أقسام: أحدها: إضافة الصفة إلى الموصوف كقوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء مِن علمه} [البقرة 255] ، وقوله: {إن الله هو الرَّزَّاق ذو القوَّة} [الذاريات 58] ، فهذا القسم يثبته الكلابية ولا يخالفون فيه أهل السنة، وينكره المعتزلة. والقسم الثاني: إضافة المخلوق إلى الله. كقوله تعالى: {ناقة الله وسقياها} [الشمس 13] ، وقوله تعالى: {وطهر بيتي للطائفين} [الحج 26] ، وهذا القسم لا خلاف بين المسلمين في أنه مخلوق. والقسم الثالث: -وهو محل الكلام هنا- ما فيه معنى الصفة والفعل. كقوله تعالى: {وكلَّم الله موسى تكليما} [النساء 164] ، وقوله تعالى: {إن الله يحكم ما يريد} [المائدة 1] ، وقوله تعالى: {فَبَاءُوا بغضب على غضب} [البقرة 90] . فهذا القسم الثالث لا يثبته الكلابية ومن وافقهم على زعم أن الحوادث لا تحل بذاته. فهو على هذا يلحق عندهم بأحد القسمين قبله فيكون: 1- إما قديماً قائماً به. 2- وإما مخلوقاً منفصلاً عنه. ويمتنع عندهم أن يقوم به نعت أو حال أو فعل ليس بقديم ويسمون هذه المسألة: (مسألة حلول الحوادث بذاته) (3) وذلك مثل صفات الكلام، والرضا، والغضب، والفرح، والمجيء، والنزول والإتيان، وغيرها. وبالتالي هم يؤولون النصوص الواردة في ذلك على أحد الوجوه التالية: 1- إرجاعها إلى الصفات الذاتية واعتبارها منها، فيجعلون جميع تلك الصفات قديمة أزلية، ويقولون: نزوله، ومجيئه وإتيانه، وفرحه، وغضبه، ورضاه، ونحو ذلك: قديم أزلي (4) وهذه الصفات جميعها صفات ذاتية لله، وإنها قديمة أزلية لا تتعلق بمشيئته واختياره (5) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 2- وإما أن يجعلوها من باب «النسب» و «الإضافة» المحضة بمعنى أن الله خلق العرش بصفة تحت فصار مستوياً عليه، وأنه يكشف الحجب التي بينه وبين خلقه فيصير جائياً إليهم ونحو ذلك. وأن التكليم إسماع المخاطب فقط (1) . فهذه الأمور من صفات الفعل منفصلة عن الله بائنة وهي مضافة إليه، لا أنها صفات قائمة به. ولهذا يقول كثير منهم: "إن هذه آيات الإضافات وأحاديث الإضافات، وينكرون على من يقول آيات الصفات وأحاديث الصفات (2) . 3- أو يجعلوها «أفعالاً محضة» في المخلوقات من غير إضافة ولا نسبة (3) مثل قولهم في الاستواء إنه فعل يفعله الرب في العرش بمعنى أنه يحدث في العرش قرباً فيصير مستوياً عليه من غير أن يقوم بالله فعل اختياري (4) . وكقولهم في النزول إنه يخلق أعراضاً في بعض المخلوقات يسميها نزولاً (5) . ونفاة الصفات الاختيارية يثبتون الصفات التي يسمونها عقلية وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة، والسمع، والبصر والكلام. واختلفوا في صفة البقاء. ويثبتون في الجملة الصفات الخبرية كالوجه، واليدين، والعين ولكن إثباتهم لها مقتصر على بعض الصفات القرآنية على أن بعضهم إثباته لها من باب التفويض. وأما الصفات الخبرية الواردة في السنة كاليمين، والقبضة، والقدم، والأصابع فأغلب هؤلاء يتأولها (6) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((بل أئمة المتكلمين يثبتون الصفات الخبرية في الجملة، وإن كان لهم فيها طرق كأبي سعيد بن كلاب وأبي الحسن الأشعري، وأئمة أصحابه: كأبي عبد الله بن مجاهد وأبي الحسن الباهلي، والقاضي أبي بكر بن الباقلاني، وأبي إسحاق الاسفرائيني، وأبي بكر بن فورك، وأبي محمد بن اللبان، وأبي علي بن شاذان، وأبي القاسم القشيري وأبي بكر البيهقي، وغير هؤلاء. فما من هؤلاء إلا من يثبت من الصفات الخبرية ما شاء الله تعالى. وعماد المذهب عندهم: إثبات كل صفة في القرآن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 وأما الصفات التي في الحديث فمنهم من يثبتها ومنهم من لا يثبتها. (1) . 6- متأخرو الأشاعرة والماتريدية (من يقول بإثبات سبع صفات فقط أو ثمان ونفي ما عداها.) وهذا قول المتأخرين من الأشاعرة والماتريدية الذين لم يثبتوا من الصفات إلا ما أثبته العقل فقط، وأما ما لا مجال للعقل فيه عندهم فتعرضوا له بالتأويل والتعطيل. ولا يستدل هؤلاء بالسمع في إثبات الصفات، بل عارضوا مدلوله بما ادعوه من العقليات. وهذا القول لمتأخري الأشاعرة إنما تلقوه عن المعتزلة، لما مالوا إلى نوع التجهم، بل الفلسفة، وفارقوا قول الأشعري وأئمة أصحابه، الذين لم يكونوا يقرون بمخالفة النقل للعقل، بل انتصبوا لإقامة أدلة عقلية توافق السمع، ولهذا أثبت الأشعري الصفات الخبرية بالسمع، وأثبت بالعقل الصفات العقلية التي تعلم بالعقل والسمع، فلم يثبت بالعقل ما جعله معارضاً للسمع بل ما جعله معاضداً له، وأثبت بالسمع ما عجز عنه العقل. وهؤلاء خالفوه وخالفوا أئمة أصحابه في هذا وهذا، فلم يستدلوا بالسمع في إثبات الصفات، وعارضوا مدلوله بما ادعوه من العقليات (2) . فالصفات الثبوتية عند متأخري الأشاعرة هي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام (3) وزاد الباقلاني وإمام الحرمين الجويني صفة ثامنة هي الإدراك (4) . والصفات الثبوتية عند الماتريدية (5) هي ثمان: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام والتكوين (6) وهم قد خصوا الإثبات بهذه الصفات دون غيرها، لأنها هي التي دل العقل عليها عندهم، وأما غيرها من الصفات فإنه لا دليل عليها من العقل عندهم، فلذا قالوا بنفيها (7) . وهؤلاء لا يجعلون السمع طريقاً إلى إثبات الصفات ولهم فيما لم يثبتوه طريقان. 1- منهم من نفاه. 2- ومنهم من توقف فيه فلم يحكم فيه بإثبات ولا نفي ويقولون بأن العقل دلّ على ما أثبتناه ولم يدل على ما توقفنا فيه (8) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 وبهذا يعلم أنه ليس عند هؤلاء من الإثبات إلا الصفات السبع التي يسمونها صفات المعاني وهي، الحياة، والعلم والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام وما عداها من الصفات الثبوتية لا يثبتونها ولهم في نصوصها أحد طريقين إما التأويل أو التفويض وفي هذا يقول قائلهم: وكل نص أوهم التشبيها أوِّله أو فوِّض ورم تنزيها (1) فنصوص الصفات التي وردت في إثبات ما عدا الصفات السبع التي يثبتونها، يسمونها نصوصاً موهمة للتشبيه، فهم يصرفونها عن ظاهرها، ولكنهم تارة يعينون المراد كقولهم استوى: استولى، واليد: بمعنى النعمة والقدرة؛ وتارة يفوضون فلا يحددون المعنى المراد ويكلون علم ذلك إلى الله عز وجل. ولكنهم يتفقون على نفي الصفة لأن ناظمهم يقول: (ورم تنزيهاً) وشارح الجوهرة يقول: (أو فوض) أي بعد التأويل الإجمالي الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره، فبعد هذا التأويل فوض المراد من النص الموهم إليه تعالى (2) . فهم بذلك متفقون على نفي تلك الصفات، ويخيرون في تحديد المعنى المراد أو السكوت عن ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وأبو المعالي وأتباعه نفوا هذه الصفات -أي الصفات الخبرية- موافقة للمعتزلة والجهمية. ثم لهم قولان: أحدهما: تأويل نصوصها، وهو أول قولي أبي المعالي، كما ذكره في الإرشاد. والثاني: تفويض معانيها إلى الرب، وهو آخر قولي أبي المعالي كما ذكره في "الرسالة النظامية" وذكر ما يدل على أن السلف كانوا مجمعين على أن التأويل ليس بسائغ ولا واجب. ثم هؤلاء منهم من ينفيها ويقول: إن العقل الصريح نفى هذه الصفات. ومنهم من يقف ويقول: ليس لنا دليل سمعي ولا عقلي، لا على إثباتها ولا على نفيها، وهي طريقة الرازي والآمدي)) (3) . الفصل الثالث: المشبهة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات. وفيه مبحثان: المبحث الأول: من عرف بالتشبيه وبيان أقوالهم من المعلوم أن توحيد الأسماء والصفات له ضدان هما: 1- التعطيل ... ... 2- التمثيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 ولذلك ذم السلف والأئمة، المعطلة النفاة للصفات، وذموا المشبهة أيضاً. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((إن السلف والأئمة كثر كلامهم في ذم الجهمية النفاة للصفات، وذموا المشبهة أيضاً وذلك في كلامهم أقل بكثير من ذم الجهمية، لأن مرض التعطيل أعظم من مرض التشبيه)) . وتقوم عقيدة أهل التمثيل على دعواهم أن الله عز وجل لا يخاطبنا إلا بما نعقل، فإذا أخبرنا عن اليد فنحن لا نعقل إلا هذه اليد الجارحة، فشبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، فقالوا له يد كيدي، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. لكن المشبهة لا يمثلون الخالق بالمخلوق من كل وجه وإنما قالوا بإثبات التماثل من وجه والاختلاف من وجه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((مع أن مقالة المشبهة الذين يقولون: يد كيدي، وقدم كقدمي، وبصر كبصري، مقالة معروفة، وقد ذكرها الأئمة كيزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وغيرهم، وأنكروها وذموها، ونسبوها إلى مثل داود الجواربي البصري وأمثاله. ولكن مع هذا صاحب هذه المقالة لا يمثله بكل شيء من الأجسام، بل ببعضها، ولابد مع ذلك أن يثبتوا التماثل من وجه، لكن إذا أثبتوا من التماثل ما يختص بالمخلوقات كانوا مبطلين على كل حال)) (1) . وأكثر من عرف بمقالة التشبيه أولاً: قدماء الرافضة: فأول من تكلم في التشبيه هم طوائف من الشيعة (2) وإن التشبيه والتجسيم المخالف للعقل والنقل لا يُعرف في أحد من طوائف الأمة أكثر منهم في طوائف الشيعة. وهذه كتب المقالات كلها تخبر عن أئمة الشيعة المتقدمين من المقالات المخالفة للعقل والنقل في التشبيه والتجسيم بما لا يعرف نظيره عن أحد من سائر الطوائف. وقدماء الإمامية ومتأخروهم متناقضون في هذا الباب، فقدماؤهم غلو في التشبيه والتجسيم، ومتأخروهم غلو في النفي والتعطيل)) (3) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فهذه المقالات التي نقلت في التشبيه والتجسيم لم نر الناس نقلوها عن طائفة من المسلمين أعظم مما نقلوها عن قدماء الرافضة. ثم الرافضة حُرِموا الصواب في هذا الباب كما حُرِموه في غيره، فقدماؤهم يقولون بالتجسيم الذي هو قول غلاة المجسمة، ومتأخروهم يقولون بتعطيل الصفات موافقة لغلاة المعطلة من المعتزلة ونحوهم، فأقوال أئمتهم دائرة بين التعطيل والتمثيل، لم تعرف لهم مقالة متوسطة بين هذا وهذا)) (1) . وأما قدماؤهم فهم: 1- البيانية: من غلاة الشيعة وهم أتباع بيان بن سمعان التيمي الذي كان يقول: إن الله على صورة الإنسان وإنه يهلك كله إلا وجهه، وادعى بيان أن يدعو الزُهَرَة فتجيبه، وأنه يفعل ذلك بالاسم الأعظم، فقتله خالد بن عبد الله القسري (2) . 2- المغيرية: وهم أصحاب المغيرة بن سعيد، ويزعمون أنه كان يقول إنه نبي وإنه اسم الله الأكبر وإن معبودهم رجل من نور على رأسه تاج، وله من الأعضاء والخلق مثل ما للرجل، وله جوف وقلب تنبع منه الحكمة، وإن حروف (أبي جاد) على عدد أعضائه، قالوا: والألف موضع قدمه لاعوجاجها، وذَكَرَ الهاءَ فقال: لو رأيتم موضعها منه لرأيتم أمراً عظيما يعرِّض لهم بالعورة وبأنه قد رآه، لعنه الله وأخزاه (3) . 3- الهشامية: ويسمون بالهشامية نسبة إلى هشام بن الحكم الرافضي وأحياناً تنسب إلى هشام بن سالم الجواليقي وكلاهما من الإمامية المشبهة والجدير بالذكر أن الرافضة الإمامية كان ينتشر فيهم التشبيه وهذا في أوائلهم (4) . 4- الجواربية: أتباع داود الجواربي الذي وصف معبوده بأن له جميع أعضاء الإنسان إلا الفرج واللحية (5) . وقال: ((اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك)) (6) . تعالى الله عما يقوله علواً كبيراً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 وقال الأشعري في المقالات: ((وقال داود الجواربي: إن الله جسم، وإن له جُثةً وإنه على صورة الإنسان له لحم ودم وشعر وعظم، له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين، وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره)) (1) . وحكي عن داود الجواربي أنه كان يقول: إنه أجوف من فِيهِ إلى صدره، مُصْمَتٌ ما سوى ذلك (2) . قال أبو الحسن الأشعري في كتاب "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين": ((اختلف الروافض وأصحاب الإمامة في التجسيم وهم ست فرق: فالفرقة الأولى: (الهشامية) ، أصحاب هشام بن الحكم الرافضي. يزعمون أن معبودهم جسم، وله نهاية وحَدٌ، طويل، عريض، عميق، طوله مثل عرضه، وعرضه مثل عمقه، لا يُوفي بعضه على بعض، وزعموا أنه نور ساطع، له قدر من الأقدار، في مكان دون مكان، كالسبيكة الصافية، يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها، ذو لون وطعم، ورائحة، ومجسَّة، لونه هو طعمه، وطعمه هو رائحته)) وذكر كلاماً طويلاً. وذكر عن هشام أنه قال في ربه في عام واحد خمسة أقاويل، زعم مرة أنه كالبلورة، وزعم مرة أنه كالسبيكة، وزعم مرة أنه غير صورة، وزعم مرة أنه بشبر نفسه سبعة أشبار ثم رجع عن ذلك وقال: هو جسم لا كالأجسام. الفرقة الثانية: من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام، وإنما يذهبون في قولهم: إنه جسم، إلى أنه موجود، ولا يثبتون الباري ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة ويزعمون أن الله على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف. الفرقة الثالثة: من الرافضة يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان، ويمنعون أن يكون جسماً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 الفرقة الرابعة: من الرافضة (الهشامية) أصحاب هشام بن سالم الجواليقي يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً ويقولون هو نور ساطع يتلألأ بياضاً، وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان، له يد، ورجل وأنف، وأذن، وعين، وفم، وأنه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة عنده، وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وَفْرَة (1) سوداء وأن ذلك نور أسود. الفرقة الخامسة: يزعمون أن لرب العالمين ضياءً خالصاً، ونوراً بحتاً، وهو كالمصباح الذي من حيث جئته يلقاك بأمر واحد، وليس بذي صورة ولا أعضاء، ولا اختلاف في الأجزاء، وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان أو على صورة شيء من الحيوان. الفرقة السادسة: من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا بصورة ولا يشبه الأشياء ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس، وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج، وهؤلاء قوم من متأخريهم، فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه. قال شيخ الإسلام: ((وأما متأخروهم من عهد بني بويه ونحوهم من أوائل المائة الرابعة ونحو ذلك فإنهم صار فيهم من يوافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم)) (2) . وقال أيضاً: ((وكتب الشيعة مملوءة بالاعتماد في ذلك -يعنى مسائل الصفات والقدر- على طرق المعتزلة وهذا كان في أواخر المائة الثالثة، وكثر في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي والطوسي. وأما قدماء الشيعة فالغالب عليهم ضد هذا القول، كما هو قول الهشامية وأمثالهما. فالرافضة الإمامية وكذلك الزيدية على عقيدة المعتزلة في مسائل الصفات إلى يومنا هذا. ثانياً:غلاة المتصوفة قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((قال الأشعري: وفي الأمة قوم ينتحلون النسك، يزعمون أنه جائز على الله تعالى الحلول في الأجسام، وإذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري، لعله ربنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 ومنهم من يقول: إنه يرى الله في الدنيا على قدر الأعمال، فمن كان عمله أحسن رأى معبوده أحسن. ومنهم من يجوِّز على الله تعالى المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا، ومنهم من يزعم أن الله تعالى ذو أعضاء وجوارح وأبعاض: لحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان من الجوارح. وكان من الصوفية رجل يُعرف بأبي شعيب يزعم أن الله يسر ويفرح بطاعة أوليائه، ويغتم ويحزن إذا عَصَوْهُ. وفي النسَّاك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى منزلة تزول عنهم فيها العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم - من الزنا وغيره - مباحات لهم. وفيهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يروا الله، ويأكلوا من ثمار الجنة ويعانقوا الحور العين في الدنيا، ويحاربوا الشياطين. ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين (1) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 قلت: هذه المقالات التي حكاها الأشعري -وذكروا أعظم منها- موجودة في الناس قبل هذا الزمان. وفي هذا الزمان منهم من يقول بحلوله في الصور الجميلة، ويقول إنه بمشاهدة الأمرد يشاهد معبوده أو صفات معبوده أو مظاهر جماله، ومن هؤلاء من يسجد للأمرد. ثم من هؤلاء من يقول بالحلول والاتحاد العام، لكنه يتعبد بمظاهر الجمال، لما في ذلك من اللذة له فيتخذ إلهه هواه، وهذا موجود في كثير من المنتسبين إلى الفقر والتصوف. ومنهم من يقول إنه يرى الله مطلقاً ولا يعيِّن الصورة الجميلة، بل يقولون إنهم يرونه في صور مختلفة. ومنهم من يقول: إن المواضع المخضرَّة خطا عليها، وإنما اخضرت من وطئه عليها، وفي ذلك حكايات متعددة يطول وصفها. وأما القول بالإباحة وحل المحرمات -أو بعضها- للكاملين في العلم والعبادة فهذا أكثر من الأول، فإن هذا قول أئمة الباطنية القرامطة الإسماعيلية وغير الإسماعيلية وكثير من الفلاسفة، ولهذا يُضرب بهم المثل فيقال: فلان يستحل دمي كاستحلال الفلاسفة محظورات الشرائع، وقول كثير ممن ينتسب إلى التصوف والكلام، وكذلك من يفضل نفسه أو متبوعه على الأنبياء، موجود كثير في الباطنية والفلاسفة وغلاة المتصوفة وغيرهم، وبسط الكلام على هذا له موضع آخر. ففي الجملة هذه مقالات منكرة باتفاق علماء السنة والجماعة، وهي - وأشنع منها- موجودة في الشيعة. وكثير من النسَّاك يظنون أنهم يرون الله في الدنيا بأعينهم، وسبب ذلك أنه يحصل لأحدهم في قلبه بسبب ذكر الله تعالى وعبادته من الأنوار ما يغيب به عن حسه الظاهر، حتى يظن أن ذلك شيء يراه بعينه الظاهرة، وإنما هو موجود في قلبه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 ومن هؤلاء من تخاطبه تلك الصورة التي يراها خطاب الربوبية ويخاطبها أيضاً بذلك، ويظن أن ذلك كله موجود في الخارج عنه، وإنما هو موجود في نفسه، كما يحصل للنائم إذا رأى ربه في صورة بحسب حاله. فهذه الأمور تقع كثيراً في زماننا وقبله، ويقع الغلط منهم حيث يظنون أن ذلك موجود في الخارج. وكثير من هؤلاء يتمثل له الشيطان، ويرى نوراً أو عرشاً أو نوراً على العرش، ويقول: أنا ربك. ومنهم من يقول: أنا نبيك، وهذا قد وقع لغير واحد. ومن هؤلاء من تخاطبه الهواتف بخطاب على لسان الإلهية أو غير ذلك، ويكون المخاطب له جنيا، كما قد وقع لغير واحد. لكن بسط الكلام على ما يُرى ويُسمع وما هو في النفس والخارج، وتمييز حقه من باطله ليس هذا موضعه، وقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع. وكثير من الجهَّال أهل الحال وغيرهم يقولون: إنهم يرون الله عياناً في الدنيا، وأنه يخطو خطوات)) (1) . ((فأدخلوا في ذلك من الأمور ما نفاه الله ورسوله، حتى قالوا: إنه يُرى في الدنيا بالأبصار، ويصافح، ويعانق، وينزل إلى الأرض، وينزل عشية عرفة راكباً على جمل أورق يعانق المشاة ويصافح الركبان، وقال بعضهم: إنه يندم ويبكى ويحزن وعن بعضهم أنه لحم ودم، ونحو ذلك من المقالات التي تتضمن وصف الخالق جل جلاله بخصائص المخلوقين. والله سبحانه منزه عن أن يوصف بشيء من الصفات المختصة بالمخلوقين، وكل ما اختص بالمخلوق فهو صفة نقص، والله تعالى منزَّه عن كل نقص ومستحق لغاية الكمال، وليس له مثل في شيء من صفات الكمال، فهو منزه عن النقص مطلقاً، ومنزه في الكمال أن يكون له مثل، كما قال تعالى {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يلد ولم يكن له كفواً أحد} [الإخلاص 1-4] ، فبين أنه أحدٌ صمدٌ، واسمه الأحد يتضمن نفي المثل، واسمه الصمد يتضمن جميع صفات الكمال كما قد بيَّنا ذلك في الكتاب المصنَّف في تفسير قل هو الله أحد)) (2) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 وهذه القول توضح بجلاء تخبط بعض المتصوفة في هذا الباب، وهذا الشر إنما دخل على أكثرهم بسبب المنهج الباطني الذي تقوم عليه المبادئ الصوفية، والتي يُهمل فيها الجانب العلمي المعتمد على النصوص الشرعية، فالتصوف في مبادئه يقوم على الجانب العملي المنحرف عن نصوص الوحي، والمعتمد على بعض الرياضات النفسية والجسمية التي أحدثها أرباب هذا المنهج، والتي يتولد عنها الكثير من الأمور الفاسدة، كزعمهم رؤية الله عياناً وسقوط الشرائع والأحكام عنهم وغير ذلك مما تقدم ذكره، وذلك في حقيقته إنما هو من استدراج الشيطان لهم فهو الذي يخيل لهم مثل تلك الأمور، ولو كان عند هؤلاء فقه في دين الله ومعرفة للنصوص لعلموا أن ذلك لا صحة له. المبحث الثاني: من نُسب إلى التشبيه وفيه مطلبان المطلب الأول: الفرق بين التشبيه والتجسيم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وفي الجملة الكلام في التمثيل والتشبيه ونفيه عن الله مقام، والكلام في التجسيم ونفيه مقام آخر. فإن الأول دل على نفيه الكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة، واستفاض عنهم الإنكار على المشبهة الذين يقولون: يد كيدي، وبصر كبصري، وقدم كقدمي. وقد قال تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى 11] ، وقال تعالى: {ولم يكن له كفواً أحد} [الإخلاص 4] ، وقال: {هل تعلم له سميا} [مريم 65] ، وقال تعالى: {فلا تجعلوا لله أنداداً} [البقرة 22] ، وأيضا فنفي ذلك معروف بالدلائل العقلية التي لا تقبل النقيض، وأما الكلام في الجسم والجوهر، ونفيهما أو إثباتهما، فبدعة ليس لها أصل في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولا تكلم أحد من السلف والأئمة بذلك نفياً ولا إثباتاً. والنزاع بين المتنازعين في ذلك: بعضه لفظي، وبعضه معنوي. أخطأ هؤلاء من وجه وأخطأ هؤلاء من وجه. فإن كان النزاع مع من يقول: هو جسم أو جوهر، إذا قال: لا كالأجسام ولا كالجواهر، وإنما هو في اللفظ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 فمن قال: هو كالأجسام والجواهر، يكون الكلام معه بحسب ما يفسره من المعنى. فإن فسر ذلك بالتشبيه الممتنع على الله تعالى، كان قوله مردوداً. وذلك بأن يتضمن قوله إثبات شيء من خصائص المخلوقين لله، فكل قول تضمن هذا فهو باطل. وإن فسر قوله: جسم لا كالأجسام بإثبات معنى آخر، مع تنزيه الرب عن خصائص المخلوقين، كان الكلام معه في ثبوت ذلك المعنى وانتفائه. فلابد أن يلحظ في هذا إثبات شيء من خصائص المخلوقين للرب أو لا، وذلك مثل أن يقول: أصفه بالقدر المشترك بين سائر الأجسام والجواهر، كما أصفه بالقدر المشترك بينه وبين سائر الموجودات، وبين كل حي عليم سميع بصير، وإن كنت لا أصفه بما تختص به المخلوقات، وإلا فلو قال الرجل: هو حي لا كالأحياء، وقادر لا كالقادرين، وعليم لا كالعلماء، وسميع لا كالسمعاء، وبصير لا كالبصراء، ونحو ذلك، وأراد بذلك نفي خصائص المخلوقين، فقد أصاب. وإن أراد نفي الحقيقة التي للحياة والعلم والقدرة ونحو ذلك، مثل أن يثبت الألفاظ وينفي المعنى الذي أثبته الله لنفسه وهو من صفات كماله، فقد أخطأ. إذا تبين هذا فالنزاع بين مثبتة الجوهر والجسم ونفاته، يقع من جهة المعنى في شيئين: أحدهما: أنهم متنازعون في تماثل الأجسام والجواهر على قولين معروفين. فمن قال بتماثلها، قال: كل من قال: إنه جسم لزمه التمثيل. ومن قال إنها لا تتماثل، قال: إنه لا يلزمه التمثيل. ولهذا كان أولئك يسمون المثبتين للجسم مشبهة، بحسب ما ظنوه لازماً لهم، كما يسمى نفاة الصفات لمثبتيها مشبهة ومجسمة، حتى سموا جميع المثبتة للصفات مشبهة ومجسمة وحشوية، وغثاء، وغثراء، ونحو ذلك، بحسب ما ظنوه لازماً لهم. لكن إذا عرف أن صاحب القول لا يلتزم هذه اللوازم، لم يجز نسبتها إليه على أنها قول له، سواء كانت لازمة في نفس الأمر أو غير لازمة، بل إن كانت لازمة مع فسادها، دل على فساد قوله)) (1) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 ومن كلام شيخ الإسلام هذا يفهم الفرق بين اللفظين، فلفظ التمثيل والتشبيه نفيه ثابت في الكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة. أما لفظ التجسيم فإنه من الألفاظ المحدثة المجملة التي لا بد من الاستفصال عن مراد صاحبها قبل الحكم عليها كما بيَّن شيخ الإسلام هنا. ويترتب على ذلك أن بعض الفرق التي رميت بالتجسيم قد لا يكون مقصودها التشبيه والتمثيل المذموم ولذلك لا يصح رميها بالتمثيل والتشبيه، فهي لا تذم من هذا الوجه، وإن كان الذم قد يلحقها من وجه آخر كتوسعها في استعمال هذه الألفاظ المحدثة، وهذا ما سيأتي بيانه في المطلب التالي. المطلب الثاني: من نسب إلى التشبيه 1- الكرامية (1) هم أتباع محمد بن كرام بن عراق بن حزبة السجستاني المتوفى سنة (255هـ) . وهم في باب الصفات يثبتونها ولكنهم خالفوا أهل السنة في مسألتين: المسألة الأولى: أنهم يبالغون في الإثبات ويخوضون في شأن الكيفية، ودخل عليهم ذلك من جهة إطلاقهم لألفاظ مبتدعة كلفظ (الجسم) و (المماسة) . ومن بدع الكرامية أنهم يقولون في المعبود إنه جسم لا كالأجسام (2) . ومن بدعهم قولهم: إن الأزلي الخالق جسم لم يزل ساكنا (3) . ويقولون: إن الله جسم قديم أزلي، وإنه لم يزل ساكناً ثم تحرك لما خلق العالم، ويحتجون على حدوث الأجسام المخلوقة بأنها مركبة من الجواهر المفردة، فهي تقبل الاجتماع والافتراق، ولا تخلو من اجتماع وافتراق، وهي أعراض حادثة لا تخلو منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث. وأما الرب فهو عندهم واحد لا يقبل الاجتماع والافتراق، ولكنه لم يزل ساكناً. والسكون عندهم أمر عدمي، وهو عدم الحركة عمَّا من شأنه أن يتحرك، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة. وهؤلاء يقولون: إن الباري لم يزل خالياً من الحوادث حتى قامت به، بخلاف الأجسام المركَّبة من الجواهر المفردة، فإنها لا تخلو من الاجتماع والافتراق (4) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 ويقولون: إن الصفات والأفعال لا تقوم إلا بجسم، ويجوزون وجود جسم ينفك من قيام الحوادث به ثم يحدث فتقوم به بعد ذلك (1) . ويقول ابن كرام: إن الله مماس للعرش من الصفحة العليا (2) . ويقول كذلك: له حد من الجانب الذي ينتهي إلى العرش ولا نهاية له (3) . وقد غالى أتباع ابن كرام في شأن الكيفية فزعم بعضهم أنه تعالى على بعض أجزاء العرش (4) . وادعى بعضهم أن العرش امتلأ به بحيث لا يزيد على عرشه من جهة المماسة، ولا يفضل منه شيء على العرش (5) . المسألة الثانية: إن الكرامية يثبتون الصفات بما فيها أن الله تعالى تقوم به الأمور التي تتعلق بمشيئته وقدرته، ولكن ذلك عندهم حادث بعد أن لم يكن، أنه يصير موصوفاً بما يحدث بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن كذلك، وقالوا: لا يجوز أن تتعاقب عليه الحوادث ففرقوا في الحوادث بين تجددها ولزومها، فقالوا بنفي لزومها دون حدوثها. فعندهم أن الله يتكلم بأصوات تتعلق بمشيئته وقدرته، وأنه تقوم به الحوادث المتعلقة بمشيئته وقدرته، لكن ذلك حادث بعد أن لم يكن، وأن الله في الأزل لم يكن متكلماً إلا بمعنى القدرة على الكلام، وأنه يصير موصوفاً بما يحدث بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن كذلك (6) . ومعلوم أن عقيدة السلف تقوم على إثبات جميع الصفات الذاتية منها والفعلية، وأثبتوا أن الله متصف بذلك أزلاً، وأن الصفات الناشئة عن الأفعال موصوف بها في القدم، وإن كانت المفعولات محدثة (7) . 2- مقاتل بن سليمان (8) نُسب إلى مقاتل بن سليمان المفسر أنه من المشبهة وذكروا أنه هو الذي قال فيه الإمام أبو حنيفة: أتانا من المشرق رأيان خبيثان؛ جهم معطل، ومقاتل مشبه)) (9) . وقال ابن حبان: ((كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي وافق كتبهم، وكان يشبه الرب بالمخلوقات وكان يكذب في الحديث)) (10) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 وقال أبو الحسن الأشعري في "المقالات": ((وقال داود الجواربي ومقاتل بن سليمان: إن الله جسم وإنه جثة على صورة الإنسان لحمٌ ودمٌ وشعر وعظم، له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان وعينين وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره)) (1) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وأما مقاتل فالله أعلم بحقيقة حاله. والأشعري ينقل هذه المقالات من كتب المعتزلة وفيهم انحراف على مقاتل بن سليمان، فلعلهم زادوا في النقل عنه، أو من نقلوا عنه، أو نقلوا عن غير ثقة، وإلا فما أظنه يصل إلى هذا الحد. وقد قال الشافعي: من أراد التفسير فهو عيال على مقاتل (2) ، ومن أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة. ومقاتل بن سليمان وإن لم يكن ممن يحتج به في الحديث -بخلاف مقاتل بن حيان فإنه ثقة- لكن لا ريب في علمه في التفسير وغيره واطلاعه، كما أن أبا حنيفة وإن كان الناس خالفوه في أشياء وأنكروها عليه، فلا يستريب أحد في فقهه وفهمه وعلمه، وقد نقلوا عنه أشياء يقصدون بها الشناعة عليه، وهي كذب عليه قطعاً، مثل مسألة الخنزير البري ونحوها وما يبعد أن يكون النقل عن مقاتل من هذا الباب)) (3) . • • • الخاتمة: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، وقد عُرف عن أهل السنة وسطيتهم في جميع أمور الدين بما في ذلك مسائل العقيدة، والتي من بين أهم مسائلها مسألة الإيمان بأسماء الله وصفاته، وقد تبين من خلال ما تقدم عرضه في ثنايا البحث وسطية أهل السنة في هذا الباب بين الغلاة من المشبهة، والجفاة من المعطلة. الأمر الذي يشهد لمنهج أهل السنة والجماعة بأنه المنهج الأسلم والأعلم والأحكم، وذلك لموافقته لنصوص الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح من هذه الأمة. وبحمد الله كان متمسك أهل السنة في هذا الباب وغيره من مسائل الدين بهذه الأصول الثابتة التي بها يفصل النزاع بين الناس، فالناس لا يفصل بينهم النزاع إلا الشرع المنزل، فلا يمكن الفصل بينهم بالرد إلى عقولهم وأهوائهم، إذ لكل واحد منهم عقله وهواه، ولو تركوا لعقولهم لزعم كل واحد منهم أن عقله أداه إلى ما ينازعه فيه الآخر. ومن المعلوم أن العقل المجرد لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله تعالى من الأسماء والصفات على وجه التفصيل، فوجب الرجوع في علم ذلك على النصوص القرآن والسنة. فمن فضل الله ونعمته أن تَعَرَّف لعباده عن طريق ما أخبر به من أسمائه وصفاته الواردة في القرآن والسنة، فهما مليئان بالنصوص الصريحة الدالة على أسمائه وصفاته، وتلك النصوص هي من الوضوح والكثرة بمكان بحيث يستحيل إنكارها وتأويلها والتلاعب بنصوصها. وكلما ازداد المسلم إطلاعاً ومعرفة بتلك النصوص وما دلت عليه، لم يزده إنكار أهل الباطل لها إلا احتقاراً لهم ويقيناً بفساد معتقدهم وبطلانه. ولقد جاءت رسالة النبي (بإثبات الأسماء والصفات إثباتاً مفصلاً على وجه أزال الشبهة وكشف الغطاء، وحصل العلم اليقيني، ورفع الشك والريب فثلجت به الصدور، واطمأنت به القلوب، واستقر الإيمان في نصابه، ففصلت الأسماء والصفات والنعوت والأفعال أعظم من تفصيل الأمر والنهي، وقررت إثباتها أكمل تقرير في أبلغ لفظ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 وهذه الأصول الكلية هي التي ميزت عقيدة أهل السنة عن عقائد خصومهم، فضمنت لهم بحمد الله صحة المعتقد وسلامة المنهج. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم)) (1) . وما ضل من ضل في هذا الباب وغيره إلا بتركه لتلك الأصول الكلية التي يجب الرجوع إليها في جميع مسائل الدين كبيرها وصغيرها، فالسعيد من لزم السنة وتمسك بكتاب الله وسنة نبيه محمد (وفهم السلف الصالح. قال الإمام أحمد: ((اعلم رحمك الله أن الخصومة في الدين ليست من طريق أهل السنة، وأن تأويل من تأول القرآن بلا سنة تدل على معنى ما أراد الله منه، أو أُثر عن أصحاب رسول الله (، ويعرف ذلك بما جاء عن النبي (أو عن أصحابه فهم شاهدوا النبي (، وشهدوا تنزيله، وما قصه الله له في القرآن، وما عنى به، وما أراد به أَخاص هو أم هو عام. فأما من تأوله على ظاهره بلا دلالة من رسول الله (ولا أحد من الصحابة، فهذا تأويل أهل البدع؛ لأن الآية قد تكون خاصة ويكون حكمها حكماً عاماً، ويكون ظاهرها على العموم، وإنما قصدت لشيء بعينه، ورسول الله (هو المعبر عن كتاب الله وما أراد، وأصحابه أعلم بذلك منا، لمشاهدتهم الأمر وما أريد بذلك)) (2) . فهذه العبارة وما حوته من قواعد رسمت منهج أهل السنة والجماعة، ذلك المنهج الذي لم يتغير باختلاف المسائل ومرور العصور وتعدد الأجيال. فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الحواشي والتعليقات وسطية أهل السنة بين الفرق ص 92-94، وكتاب لزوم الجماعة ص 276-277. تفسير ابن كثير 1/390. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 قال شيخ الإسلام: ((ولا ريب أنهم (أي الرافضة) أبعد طوائف المبتدعة عن الكتاب والسنة، ولهذا كانوا هم المشهورين عند العامة بالمخالفة للسنة، فجمهور العامة لا تعرف ضد السني إلا الرافضي، فإذا قال أحدهم أنا سني فإنما معناه لست رافضي)) . مجموع الفتاوى 3/356. منهاج السنة 2/221 ط: جامعة الإمام محمد بن سعود. بيان فضل علم السلف على الخلف لابن رجب (ص150-152) ، وأصول اعتقاد أهل السنة للالكائي 1/9-10. معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات ص 54. انظر الحجة في بيان المحجة 1/321. مجموع الفتاوى 3/338-339 بتصرف. انظر تفصيل هذه المسألة في كتاب وسطية أهل السنة والجماعة بين الفرق للدكتور/ محمد باكريم. التحريف لغة: التغير والتبديل. والتحريف في باب الأسماء والصفات هو: تغيير ألفاظ نصوص الأسماء والصفات أو معانيها عن مراد الله بها. التعطيل لغة: مأخوذ من العطل الذي هو الخلو والفراغ والترك، والتعطيل في باب الأسماء والصفات هو: نفي أسماء الله وصفاته أو بعضها. التكييف لغة: جعل الشيء على هيئة معينة معلومة، والتكييف في صفات الله هو: الخوض في كنه وهيئة الصفات التي أثبتها الله لنفسه. التمثيل لغة: من المثيل وهو الند والنظير، والتمثيل في باب الأسماء والصفات هو: الاعتقاد في صفات الخالق أنها مثل صفات المخلوق. راجع في معاني هذه الألفاظ كتاب (معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات)) (ص70-81) . لمعة الاعتقاد ص 9. منهاج السنة 2/523. منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص 25. رسالة في العقل والروح لابن تيمية 2/46-47 (ضمن مجموعة الرسائل المنيرية) . الاقتصاد في الاعتقاد لأبي حامد الغزالي ص 132-133، وقال في كتابه المستصفى 2/137-138: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 ((كل ما دل العقل فيه على أحد الجانبين فليس للتعارض فيه مجال، إذ الأدلة العقلية يستحيل نسخها وتكذيبها، فإن ورد دليل سمعي على خلاف العقل، فإما أن لا يكون متواتراً فيعلم أنه غير صحيح، وإما أن يكون متواتراً فيكون مؤولاً ولا يكون متعارضاً)) . انظر منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص 21-22. انظر منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص 19-20. انظر معارج القبول 1/326-327. بدائع الفوائد 1/168. شأن الدعاء 111-113. لوامع الأنوار البهية 1/124. المحلى 1/29. بدائع افوائد 1/168. معالم التنزيل 3/307. فتح الباري 11/221. المحلى 1/29. مجموع الفتاوى 6/199. أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/391، 452، وابن حبان، انظر: موارد الظمآن ح2472، والحاكم في المستدرك 1/509، والطبراني في الكبير ح10352. شفاء العليل ص277. المصدر السابق ص276 (بتصرف) . أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/391، 452، وابن حبان، انظر: موارد الظمآن ح2472، والحاكم في المستدرك 1/509، والطبراني في الكبير ح10352. شفاء العليل ص 277 (بتصرف) . مجموع الفتاوى 6/186. شفاء العليل ص 277. قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص274. قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص277. شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/211. شفاء العليل ص277. مجموع الفتاوى 6/205. قال ابن القيم: ((أسماء الله الحسنى هي أعلام وأوصاف، والوصف بها لا ينافي العلمية، بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم، لأن أوصافهم مشتركة فنافتها العلمية المختصة، بخلاف أوصافه تعالى)) بدائع الفوائد 1/162. شفاء العليل ص271. الإيمان لابن تيمية ص175. بدائع الفوائد 1/162، جلاء الأفهام ص138، القواعد المثلى ص8. بدائع الفوائد 1/162. جلاء الأفهام ص 133، 134. الرد على المريسي ص365. مجموع الفتاوى 5/26. مجموع الفتاوى 12/113، 114. انظر تفاصيل هذه المسألة في كتاب ((معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى)) . مدارج السالكين 1/417. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 تفسير ابن كثير 2/573، ط: دار المعرفة. تفسير القرطبي 10/119، وقد ذكر القرطبي فائدة جليلة هي: ((فإن قيل كيف أضاف المثل هنا إلى نفسه وقد قال {فلا تضربوا لله الأمثال} فالجواب أن قوله {فلا تضربوا لله الأمثال} أي الأمثال التي توجب الأشباه والنقائص؛ أي فلا تضربوا له مثلاً يقتضي نقصاً وتشبيهاً بالخلق، والمثل الأعلى وصفه بما لا شبيه له ولا نظير)) . الصواعق المنزلة 3/1031، 1032 ((بتصرف)) . دلالة القرآن على الأمور ((نوعان)) : أحدهما: خبر الله الصادق، فما أخبر الله ورسوله به فهو حق كما أخبر الله به. الثاني: دلالة القرآن بضرب الأمثال وبيان الأدلة العقلية الدالة على المطلوب فهذه دلالة شرعية عقلية, فهي شرعية لأن الشرع دل عليها، وأرشد إليها. وعقلية لأنها تعلم صحتها بالعقل، ولا يقال: إنها لم تعلم إلا بمجرد الخبر. وإذا أخبر الله بالشيء، ودل عليه بالدلالات العقلية: صار مدلولاً عليه بخبره، ومدلولاً عليه بدليله العقلي الذي يعلم به فيصير ثابتاً بالسمع والعقل، وكلاهما داخل في دلالة القرآن التي تسمى ((الدلالة الشرعية)) . مجموع الفتاوى 6/71، 72. مجموع الفتاوى 6/71-73 ((بتصرف)) . متفق عليه: البخاري 13/90، ومسلم 18/59. اربعوا: أي ارفقوا (النهاية 2/187) . أخرجه البخاري 13/372 ح 7386. مدارج السالكين 3/347-350 ((بتصرف)) . مدارج السالكين 3/360. الصواعق المرسلة 2/425. أخرجه ابن جرير في تفسيره 1/174. وأبو نعيم في صفة الجنة 1/160 رقم 14-125. وأورده ابن كثير في تفسيره 1/91. والسيوطي في الدر المنثور 1/96. الصواعق المنزلة 2/425، 430 ((بتصرف)) . القواعد المثلى ص 26. المصدرالسابق. إبطال التأويلات 1/44 رقم 6. إبطال التأويلات 1/44 رقم 6. مدارج السالكين 3/359. كتاب الصفدية 1/100. منهاج السنة النبوية 2/523. أخرجه اللآكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/398. وابن قدامة في إثبات صفة العلو ص 28. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 أخرجه اللاكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/398. والبيهقي في الأسماء والصفات 2/151. والعجلي في تاريخ الثقات ص 158 رقم 431. وابن قدامة في إثبات صفة العلو ص 164. وأورده الذهبي في العلو ص 198. القواعد المثلى ص 25-28. مدارج السالكين 3/360. مدارج السالكين 1/420. أخرجه البخاري في صحيحه. انظر: فتح الباري 13/377، ح 7392، وأخرجه مسلم في صحيحه 8/63. معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات ص 103-104. إغاثة اللهفان (2/257) . الرد على المنطقيين (ص114) . الرد على المنطقيين ص 314. إغاثة اللهفان (2/261-262) . منهاج السنة (2/523، 524) . شرح العقيدة الأصفهانية (ص76) . النبوات (ص198) . مجموع الفتاوى (3/7-8) . الصفدية (1/299، 300) . مجموع الفتاوى (3/7) ، شرح الأصفهانية (ص51،52) . مجموع الفتاوى (3/8) . شرح العقيدة الأصفهانية (ص76) . مجموع الفتاوى (3/100) . مجموع الفتاوى (3/7-8) . شرح العقيدة الأصفهانية (ص76) . الصفدية (1/96،98) . الفتوحات المكية (4/141) ط: دار صادر، بيروت. بغية المرتاد (ص349) . فصوص الحكم (1/83) . بغية المرتاد (ص397، 398) . بغية المرتاد (ص408) . بغية المرتاد (ص473) . بغية المرتاد (ص527) . بغية المرتاد (ص410،411) . نقض تأسيس الجهمية (2/467) . مجموع الفتاوى (6/39) . مجموع الفتاوى (6/48) بتصرف. مختصر تاريخ دمشق (6/50) ، والبداية (9/350) . نقض تأسيس الجهمية (1/54-55) . مجموع الفتاوى (5/555) . درء تعارض العقل والنقل (2/1) . مجموع الفتاوى (12/366) . مجموع الفتاوى (12/376) . مجموع الفتاوى (12/366) . مجموع الفتاوى (12/206) . منهاج السنة (2/327) . مجموع الفتاوى (12/202،203) . مجموع الفتاوى (12/203) . بغية المرتاد (ص451) . الاستقامة (1/105) . مجموع الفتاوى (5/386) ، تذكرة الحفاظ (2/907) . العلو (ص150) ، تذكرة الحفاظ (2/907) . مجموع الفتاوى (12/204) . الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص168) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/367) . الاستقامة (1/212) . درء تعارض العقل والنقل (7/97) . المصدر السابق. مجموع الفتاوى (4/147، 148) . منهاج السنة (2/223، 224) . منهاج السنة (2/223،224) . مقدمة ابن خلدون (ص465) ، ط: مصطفى محمد. مقدمة التمهيد للباقلاني (ص15) ، بتحقيق الخضيري وأبو ريدة. نشأة الأشعرية وتطورها (ص320) . بغية المرتاد (ص448، 451) ، بتصرف. بغية المرتاد (ص448) ، بتصرف. مجموع الفتاوى (6/55) . مفتاح السعادة (2/151،152) تأليف: طاش كبرى زاده انظر ترجمته في كتاب الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات (1/209) للدكتور شمس الدين الأفغاني. العقيدة السلفية في كلام رب البرية (ص279) تأليف: عبد الله بن يوسف الجديع. مجموع الفتاوى (7/433) ، كتاب الإيمان (ص414) ، منهاج السنة (2/362) . الرد على الجهمية (ص103-105) . انظر أحسن التقاسيم للمقدسي (ص323) . مجموع الفتاوى (12/311) . منهاج السنة (2/526، 527) ، الانساب للسمعاني (2/133) . درء تعارض العقل والنقل (5/187) ، مجموع الفتاوى (8/460) . مجموع الفتاوى (3/7) ، شرح الأصفهانية (ص51،52) . مجموع الفتاوى (3/8) . مجموع الفتاوى (13/131) . مجموع الفتاوى (6/51) . المعتزلة وأصولهم الخمسة (ص100) . المصدر السابق (ص101) . لم يكن في قدماء الرافضة من يقول بنفي الصفات بل كان الغلو في التجسيم مشهوراً عن شيوخهم هشام بن الحكم وأمثاله، شرح الأصفهانية (ص68) . كان أبو عبد الله محمد بن تومرت على مذهب المعتزلة في نفي الصفات، شرح الأصفهانية (ص23) . درء تعارض العقل والنقل (5/249،250) . مجموع الفتاوى (6/147،148،359) . مقالات الإسلاميين (1/341-342) ، وانظر الفرق بين الفرق (ص207) ، والملل والنحل (1/89،90) . مقالات الإسلاميين 1 (/339) . الفرق بين الفرق (ص215) . مجموع الفتاوى (14/351،352) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وكان الحارث المحاسبي يوافقه -أي يوافق ابن كلاب- ثم قيل إنه رجع عن موافقته؛ فإن أحمد ابن حنبل أمر بهجر الحارث المحاسبي وغيره من أصحاب ابن كلاب لما أظهروا ذلك، كما أمر السري السقطي الجنيد أن يتقى بعض كلام الحارث؛ فذكروا أن الحارث رحمه الله تاب من ذلك. وكان له من العلم والفضل والزهد والكلام في الحقائق ما هو مشهور وحكى عنه أبوبكر الكلاباذي صاحب (مقالات الصوفية) : (أنه كان يقول إن الله يتكلم بصوت) ، وهذا يوافق قول من يقول: إنه رجع عن قول ابن كلاب)) . مجموع الفتاوى (6/521،522) . مجموع الفتاوى (5/411، 6/52،53، 4/147) ، شرح الأصفهانية (ص 78) . مجموع الفتاوى (6/520) . مجموع الفتاوى (6/524) . مجموع الفتاوى (6/522) . مجموع الفتاوى (6/520،521) . مجموع الفتاوى (6/525) . وتتميماً للفائدة فإن الخلاف في هذه المسألة على أربعة أقوال: قول المعتزلة ومن وافقهم: أن الله لا يقوم به صفة ولا أمر يتعلق بمشيئته واختياره وهو قولهم: (لا تحله الأعراض ولا الحوادث) . قول الكلابية ومن وافقهم: التفريق بين الصفات والأفعال الاختيارية فأثبتوا الصفات، ومنعوا أن يقوم به أمر يتعلق بمشيئته وقدرته لا فعل ولا غير فعل. قول الكرامية ومن وافقهم: يثبتون الصفات ويثبتون أن الله تقوم به الأمور التي تتعلق بمشيئته وقدرته، ولكن ذلك حادث بعد أن لم يكن، وأنه يصير موصوفا بما يحدث بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن كذلك، وقالوا لا يجوز أن تتعاقب عليه الحوادث، ففرقوا في الحوادث بين تجددها ولزومها فقالوا بنفي لزومها دون حدوثها. قول أهل السنة والجماعة: أثبتوا الصفات والأفعال الاختيارية وأن الله متصف بذلك أزلاً، وأن الصفات الناشئة عن الأفعال موصوف بها في القدم، وإن كانت المفعولات محدثة. وهذا هو الصحيح. مجموع الفتاوى (6/520،525،149) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 الصفات الفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، أو التي تنفك عن الذات: كالاستواء، والنزول، والضحك، والإتيان والمجيء، والغضب والفرح. مجموع الفتاوى (6/68، 5/410) . مجموع الفتاوى (6/69) ، وانظر الرد على هذه الشبهة (6/105) . مجموع الفتاوى (6/144،147) . مجموع الفتاوى (5/412) . مجموع الفتاوى (5/410) . مجموع الفتاوى (6/149) . مجموع الفتاوى (5/411،412) . مجموع الفتاوى (6/149) . مجموع الفتاوى (5/437) ، الأسماء والصفات للبيهقي (ص517) . مجموع الفتاوى (5/386) . مجموع الفتاوى (6/52) ، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/1034،1036) . مجموع الفتاوى (4/147،148) . درء تعارض العقل والنقل (7/97) . مجموع الفتاوى (6/358، 359) . تحفة المريد (ص76) ، وبعض الأشاعرة توقف فيها والبعض نفاها. انظر إشارات المرام (ص107، 114) ، جامع المتون (1208) ، نظم الفرائد (ص24) ، الماتريدية دراسة وتقويم (ص239) . أثبت الماتريدية صفة التكوين وعليه فهي صفة قديمة قائمة بذاته تعالى. وأما الأشاعرة فقد نفوها. انظر تحفة المريد (ص75) . الماتريدية دراسة وتقويم (ص239) . شرح الأصفهانية ص9، مجموع الفتاوى (6/359) . تحفة المريد (ص91) . تحفة المريد (ص91) درء تعارض العقل والنقل (5/249) . درء تعارض العقل والنقل (4/145) . نقض تأسيس الجهمية (1/54) ، ومنهاج السنة (2/217) . منهاج السنة (2/103) . منهاج السنة (2/242-243) . مقالات الإسلاميين (ص5) ، منهاج السنة (2/502) . مقالات الإسلامين (ص7) ، منهاج السنة (2/503-504) . شرح الأصفهانية (ص65) . الفرق بين الفرق (ص228) ، مقالات الإسلاميين (1/183) ، ودرء تعارض العقل والنقل (4/145) . الملل والنحل للشهرستاني (1/105) . المقالات (1/209) . منهاج السنة (2/618) . الوفرة، الشعر المجتمع على الرأس، أو ما سال على الأذنين، أو ما جاوز شحمة الأذن. المصباح المنير ص 667 مادة: وفر. نقض تأسيس الجهمية (1/54) . مقالات الإسلاميين ص 288-289. منهاج السنة (2/622-625) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 منهاج السنة (2/528-530) . درء تعارض العقل والنقل 4/145-148. يبلغ عدد طوائف الكرامية اثنتي عشرة فرقة وأصولها ستة هي: 1- العابدية، 2- النونية، 3 - الزرينية، 4- الإسحاقية، 5- الواحدية، 6- الهيصمية. (وهم في باب الإيمان مرجئة يقولون: إن الإيمان هو القول فقط فمن تكلم به فهو مؤمن كامل الإيمان، لكن إن كان مقراً بقلبه كان من أهل الجنة، وإن كان مكذباً بقلبه كان منافقاً مؤمناً من أهل النار، وبعض الناس يحكي عنهم أنه من تكلم به بلسانه دون قلبه فهو من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، بل يقولون إنه مؤمن كامل الإيمان وإنه من أهل النار) . انظر مجموع الفتاوى (13/56) . وانظر الكلام عن الكرامية في الفصل لابن حزم (4/45،204-205) ، لسان الميزان (5/353-356) ، والفرق بين الفرق (ص130-137) ، والملل والنحل (1/180-193) . لسان الميزان (5/354) . درء تعارض العقل والنقل (3/6) . درء تعارض العقل والنقل (7/227) . المصدر السابق (5/246) . الفرق بين الفرق (ص198) ، والملل والنحل (1/108-109) . التبصير في الدين (ص112) . الملل والنحل (1/109) . الفرق بين الفرق (ص199) ، وأصول الدين للبغدادي (ص73،112) ، والملل والنحل (1/109) . انظر مجموع الفتاوى (6/524-525) ، ودرء تعارض العقل والنقل (2/76) . انظر مجموع الفتاوى (6/149،520-525) . هو أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير، الأزدي بالولاء، البلخي، الخراساني، المروزي، أصله من بلخ وانتقل إلى البصرة ودخل بغداد وحدث بها. ذكره الذهبي في آخر ترجمة ابن حيان (تذكرة الحفاظ 1/174) وقال: (فأما مقاتل بن سليمان المفسر فكان في هذا الوقت، وهو متروك الحديث، وقد لطخ بالتجسيم مع أنه كان من أوعية العلم بحراً في التفسير) . وقد توفي بالبصرة سنة (150هـ) . وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (10/279-285) ، ميزان الاعتدال (3/196-197) ، تاريخ بغداد (13/160-169) ، وفيات الأعيان (4/341-343) . لسان الميزان (10/281) . ميزان الاعتدال (4/175) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 المقالات (ص209) . وجاء في "وفيات الأعيان" في ترجمة مقاتل بن سليمان: ((حكي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: الناس كلهم عيال على ثلاثة، على مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر، وعلى أبي حنيفة في الكلام)) وفيات الأعيان (4/341) . منهاج السنة (2/618-620) . منهاج السنة 5/83. كتاب الإيمان لابن تيمية ص373-374. المصادر والمراجع أحسن التقاسيم -محمد بن أحمد المقدسي- ط 1، 1906م، ليدن. الأسماء والصفات -أحمد بن حسين البيهقي- تحقيق عبد الله بن محمد الحاشدي، مكتبة السوادي للتوزيع، جدة المملكة العربية السعودية، ط1، 1413هـ/1993م. أصول الدين -البغدادي أبو منصور عبد القاهر بن طاهر- طبعة مصورة من الطبعة الأولى بإسطمبول، 1346هـ. الأنساب -عبد الكريم بن محمد السمعاني- تحقيق الشيخ عبد الرحمن بن يحي المعلمي، مصورة مكتبة المثنى بغداد، العراق، 1970م. الاستقامة -أحمد بن عبد الحليم بن تيمية- تحقيق محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ط1، 1403هـ. إشارات المرام من عبارات الإمام -كمال الدين أحمد البياضي الحنفي- تحقيق يوسف عبد الرزاق، ط 1، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، مصر. إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان -ابن قيم الجوزية- مكتبة المعارف، الرياض. الإيمان -شيخ الإسلام ابن تيمية- ضمن مجموع الفتاوى. الاقتصاد في الاعتقاد -أبو حامد الغزالي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. بدائع الفوائد -محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية- دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية أهل الإلحاد -شيخ الإسلام ابن تيمية- تحقيق موسى الدويش، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية. بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (نقض تأسيس الجهمية) -شيخ الإسلام ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم- مطبعة الحكومة، مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية، ط1، 1391هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 بيان فضل علم السلف على الخلف -ابن رجب الحنبلي- تحقيق: محمد بن ناصر العجمي، الدار السلفية. تاريخ بغداد -أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين -أبو المظفر الإسفراييني- تحقيق كمال يوسف الحوت عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط1، 1403هـ. تحفة المريد بشرح جوهرة التوحيد -إبراهيم اللقاني- دار الكتب العلمية، بيروت لبنان. تذكرة الحفاظ -محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي- تحقيق عبد الرجمن المعلمي اليماني، حيدر آباد، الهند، 1958. تفسيرالقرآن العظيم -أبو الفداء إسماعيل بن كثير- دار المعرفة، بيروت، لبنان. تهذيب التهذيب -أحمد بن علي بن حجر العسقلاني- مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند، ط1، 1325. جامع المتون في حق أنواع الصفات الإلهية والعقائد الماتريدية -أحمد ضياء الدين بن مصطفى- ط 1 على الحجر دار الطباعة العامرة، الآستانة، 1273هـ. الجامع لأحكام القرآن -القرطبي- دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. جلاء الأفهام -ابن قيم الجوزية- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. درء تعاض العقل والنقل -أحمد بن عبد الحليم بن تيمية- تحقيق د/ محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العرببة السعودية. الرد على الجهمية والزنادقة في ما شكوا فيه من متشابه القرآن -الإمام أحمد ابن حنبل الشيباني، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، 1971. الرد على المنطقيين -شيخ الإسلام ابن تيمية- إدارة ترجمان السنة، لاهور، باكستان. الرد على بشر المريسي -عثمان بن سعيد الدارمي- ضمن مجموعة عقائد السلف، منشأة المعارف، الإسكندرية. الرد على من أنكر الحرف والصوت -أبو نصر عبيد الله بن سعيد السجزي- تحقيق محمد باكريم با عبد الله مطبوعات المجلس العلمي، الجامعة الإسلامية، المدينة النبوية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 رسالة العقل والروح -شيخ الإسلام ابن تيمية- مطبوعة ضمن الرسائل المنبرية شأن الدعاء -أبو سليمان الخطابي- تحقيق: أحمد يوسف الدقاق، دار المأمون، القاهرة، مصر. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة -أبو القاسم اللالكائي- تحقيق: أحمد سعد الغامدي، دار طيبة، الرياض. شرح العقيدة الأصفهانية -شيخ الإسلام ابن تيمية- دار الكتب الإسلامية، مصر. شفاء العليل -ابن القيم الجوزية- دار المعرفة، بيروت، لبنان. صحيح مسلم بشرح النووي -مسلم بن الحجاج القشيري- دار الفكر، بيروت، لبنان، ط2، 1399هـ. الصفدية -شيخ الإسلام ابن تيمية- تحقيق محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العرببة السعودية. الصواعق المرسلة -ابن قيم الجوزية- تحقيق: علي محمد الدخيل الله، دار العاصمة، الرياض. الصواعق المنزلة -ابن قيم الجوزية- تحقيق: علي ناصر فقيهي، وأحمد عطية الغامدي، طبعة الجامعة الإسلامية المدينة المنورة. العقيدة السلفية في كلام رب البرية -عبد الله بن يوسف الجديع-.مطابع دار السياسة، الكويت. العلو للعي الغفار -أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي- المكتبة السلفية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية. فتح الباري شرح صحيح البخاري -ابن حجر العسقلاني- دار الفكر، بيروت، لبنان. الفتوحات المكية -محيي الدين ابن عربي- دار صادر، بيروت لبنان. الفرق بين الفرق -عبد القاهر بن طاهر البغدادي- تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت لبنان. الفصل في الملل والأهواء والنحل -أبو محمد، علي بن أحمد بن حزم الظاهري، مكتبة الخانجي، مصر. فصوص الحكم -ابن عربي- تحقيق محمود غراب، مطبعة زيد بن ثابت، 1405هـ. قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة -ابن تيمية- تحقيق: ربيع بن هادي المدخلي، دار لينة. القاموس المحيط.-الفيروزآبادي- عيسى البابي الحلبي، مصر، ط2. القواعد المثلى -محمد بن صالح العثيمين- مكتبة الكوثر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 لسان الميزان -علي بن حجر العسقلاني- مصورة عن طبعة دائرة المعارف بالهند، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت، لبنان، ط2، 1390هـ. لوامع الأنوار البهية -محمد بن أحمد الفارييني- مطبعة المدني. الماتريدية دراسة وتقويم -أحمد بن عوض الله الحربي- دار العاصمة، ط 1، 1413هـ. الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات د شمس الدين الأفغاني- مكتبة الصديق، الطائف، ط 1 1413هـ. مجموع الفتاوى -شيخ الإسلام ابن تيمية- جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، دار العربية، بيروت لبنان. المحلى -ابن حزم الأندلسي- مكتبة الجمهورية، القاهرة، مصر. مدارج السالكين -ابن قيم الجوزية- تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1972م. المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- دار الكتب العلمية، بيروت لبنان. المستصفى -أبو حامد الغزالي- دار المعرفة، بيروت لبنان. المسند -الإمام أحمد بن حنبل- دار صادر، بيروت لبنان. معارج القبول -حافظ بن أحمد الحكمي- المطبعة السلفية. معالم التنزيل -الحسين بن مسعود البغوي- دار المعرفة، بيروت لبنان. المعتزلة وأصولهم الخمسة - عواد بن عبد الله المعتق- دار العاصمة، الرياض، ط1، 1409هـ. معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى -د/ محمد خليفة التميمي- دار إيلاف الدولية، الكويت، ط1 1417هـ. معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات -د/ محمد خليفة التميمي- دار إيلاف الدولية، الكويت ط1، 1417هـ. المعجم الكبير -سليمان بن أحمد الطبراني- تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الدار العربية بغداد. مقالات الإسلاميين -أبو الحسن، علي بن إسماعيل الأشعري- تحقيق محمد محيي الدين، مكتبة النهضة، مصر 1389هـ. مقدمة ابن خلدون -مصطفى محمد- دار الفكر، بيروت لبنان. مقدمة التمهيد -الباقلاني- تحقيق الخضيري وأبو ريدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 الملل والنحل -أبو الفتح، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني- تحقيق محمد سيد الكيلاني، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهر، مصر، 1387. منهاج السنة -شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية- تحقيق محمد رشاد سالم، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، المملكة العربية السعودية. منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات - محمد الأمين الشنقيطي- طبعة الجامعة الإسلامية. موارد الضمآن في زوائد ابن حبان، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان. موقف ابن تيمية من الأشاعرة -عبد الرحمن المحمود- مكتبة الرشد الرياض. ميزان الاعتدال -محمد بن أحمد عثمان الذهبي- تحقيق علي البجاوي، دار المعرفة، بيروت، لبنان. النبوات -شيخ الإسلام ابن تيمية- دار الكتب العلمية، بيروت لبنان. نشأة الأشعرية وتطورها -جلال موسى- دار الكتاب اللبناني، بيروت لبنان، ط 1، 1395هـ. نظم الفرائد وجمع الفوائد -عبد الرحيم بن علي شيخ زاده- المطبعة الأدبية، القاهرة، ط 1، 1317هـ. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان -أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان- تحقيق: إحسان عباس. دار صادر بيروت، لبنان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع د. محمد بن عبد الرحمن الخميس الأستاذ المشارك - قسم العقيدة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض ملخص البحث الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فإن الهدف من هذا البحث هو بيان مدى مشروعية ما يفعله كثير من الناس، من الاجتماع في البيوت والمساجد في أوقات معينة، أو مناسبات معينة، أو بعد الصلوات المكتوبة لذكر الله تعالى بشكل جماعي، أو يردد أحدهم ويرددون خلفه هذه الأذكار. ولأن هذا الفعل قد كثر وشاع بين الناس في كثير من بلدان المسلمين، فقد جاء هذا البحث لبيان حكم الشريعة في مثل هذا الفعل. وقد اشتمل البحث على مقدمة، وتمهيد، وستة مباحث، وخاتمة. أما المقدمة: فهي في بيان أسباب اختيار الموضوع، وبيان خطة البحث، وكذلك بيان اعتقاد العامة في بعض البلدان وجوب الذكر الجماعي بعد الصلاة وغيرها، وذلك كمدخل للبحث. وأما التمهيد: فهو حول بيان منزلة الذكر كعبادة عظيمة، وتوضيح أن العبادات توقيفية لا مجال فيها للرأي ولا للاستحسان. وأما المبحث الأول: فهو في تعريف الذكر لغة وشرعاً. والمبحث الثاني: حول نشأة بدعة الذكر الجماعي من الناحية التاريخية، وتوثيق ذلك. والمبحث الثالث: في بيان حجج من جاز الذكر الجماعي، وقد سقتها مفصلة. والمبحث الرابع: في بيان حجج المانعين من الذكر الجماعي، وجوابهم على حجج المجيزين، مع بيان فتاوى للمتقدمين والمعاصرين في هذا. والمبحث الخامس: في بيان حكم الذكر الجماعي وذلك كنتيجة لهذا البحث. وأما المبحث السادس: فهو في بيان مفاسد الذكر الجماعي، وآثاره السلبية سواءً على فاعله، أو على غيره. وأما الخاتمة: فهي في بيان خلاصة البحث ونتائجه. فهذا ملخص البحث المذكور، وأسأل الله المغفرة والقبول، والحمد لله رب العالمين. المقدمة: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102] . {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} [النساء: 1] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} [الأحزاب: 70، 71] . أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد (، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (1) . وبعد: فقد انتشرت بين الناس بدع كثيرة في دين الله تعالى، واستبدلوها بسنن النبي (، حتى كادت معالم السنة تندثر وأصبح الباطل حقاً، والحق باطلاً. وأضحت البدعة سنة، والسنة بدعة. ومن صور العبادات التي انتشرت بين عامة المسلمين، ظاهرة الذكر الجماعي، في المساجد والبيوت، والمنتديات وغيرها، وذلك في كثير من البلدان الإسلامية، حتى عمت بها البلوى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 كما يوجد في بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن الدعاء بعد الصلوات المفروضة بشكل جماعي من مستحبات الصلاة. وهم يعتبرونها مثل الراتبة (2) التي تصلى بعد الفريضة، أو أكثر منها، ويحرصون عليها أشد الحرص، ويواظبون عليها. فإذا لم يدع لهم الإمام بعد الصلاة ولم يجتمع معهم على الذكر بصورة جماعية، رأوا أن صلاتهم ناقصة، وأساءوا الظن به، واتهموه بأنواع من التهم، ولما كان الذكر عبادة لله تعالى، والعبادات توقيفية لا مجال للابتداع فيها، أو للاستحسان. من أجل هذا كان لابد من بيان حكم هذا العمل، والكلام عليه، وذلك كما سيأتي إن شاء الله في مباحث هذا الكتاب. ولما كان بيان (السنة) والذب عنها، ورد البدعة من أوجب الواجبات على العلماء، وطلبة العلم، والدعاة إلى الله تعالى. ولما كانت ظاهرة الذكر الجماعي مما عمت به البلوى. وشاع بين العامة في كثير من البلدان، واختلف فيه الناس بين مانع منه، ومجوِّز له. وقد بحثت عمن ألَّف في هذا الموضوع خصوصاً، بحيث يستوعبه من جميع جوانبه، ويبين السنة فيه - لكني لم أقف على كتاب في هذا الموضوع. لذلك رأيت مستعيناً بالله تعالى أن يكون موضوع هذا البحث هو بيان مدى مشروعية الذكر الجماعي، هل يجوز أم لا؟ وقد جمعت أقوال المانعين منه وأدلتهم، والمجيزين له وأدلتهم، في محاولة لاستيعاب هذا الموضوع، والوقوف على مدى مشروعية هذا الفعل. وأسميت هذا البحث ((الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع)) . خطة البحث: اشتمل البحث على: خطبة الحاجة، ومقدمة، وتمهيد، وستة مباحث، وخاتمة. فأما المقدمة: فهي في أسباب اختيار الموضوع، مع بيان خطة البحث. وكذلك التنبيه على اعتقاد بعض العامة في بعض البلدان وجوب الذكر الجماعي بعد الصلاة وغيرها، وذلك كمدخل للبحث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 وأما التمهيد: فهو حول بيان منزلة الذكر كعبادة عظيمة، وتوضيح أن العبادات توقيفية لا مجال فيها للرأي ولا للاستحسان. وأما المبحث الأول: فهو في تعريف الذكر الجماعي. والمبحث الثاني: حول نشأة بدعة الذكر الجماعي. والمبحث الثالث: حجج المجوزين للذكر الجماعي وأدلتهم. والمبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم. والمبحث الخامس: في حكم الذكر الجماعي. والمبحث السادس: حول مفاسد الذكر الجماعي. والخاتمة: في بيان خلاصة البحث ونتائجه. والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص والتوفيق، والسداد، وأن يجنبنا الخطأ والزلل والزيغ، وأن يتقبل منا هذا العمل. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. تمهيد: مشروعية الذكر ووجوب الاتباع في العبادة من المعلوم أن الذكر من أفضل العبادات، وهو مأمور به شرعاً كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً. وسبحوه بكرةً وأصيلاً} [الأحزاب: 41، 42] . فالمسلم مطالب بذكر الله تعالى في كل وقت، بقلبه، وبلسانه، وبجوارحه، وهذا الذكر من أعظم مظاهر وبراهين التعلق بالله تعالى، ولاسيما أذكار ما بعد الصلاة، وطرفي النهار، والأذكار عند العوارض والأسباب، فإن الذكر عبادة ترفع درجات صاحبها عند الله، وينال بها الأجر العظيم دون مشقة أو تعب وجهد. لكن ينبغي للمسلم أن يكون في ذكره لله تعالى ملتزماً بحدود الشريعة ونصوصها، وهدي النبي (، وصحابته وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وذلك لأن الاتباع شرط لصحة العمل، وقبوله عند الله تعالى، كما قال (: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (3) أي باطل مردود على صاحبه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 ومما هو معلوم أن العبادات - ومنها الذكر - كلها توقيفية، أي: لا مجال فيها للاجتهاد، بل لابد من لزوم سنة النبي (وشريعته فيها، لأنها شرع من عند الله تعالى، فلا يجوز التقرب إلى الله بتشريع شيء لم يشرعه الله تعالى، وإلا كان هذا اعتداءً على حق الله تعالى في التشريع، ومنازعة لله تعالى في حكمه، وقد قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21] . قال السعدي في تفسير هذه الآية: ((.. {شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} من الشرك والبدع وتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله، ونحو ذلك، مما اقتضته أهواؤهم مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى، ليدين به العباد ويتقربوا به إليه. فالأصل: الحجر على كل أحد أن يشرع شيئاً ما جاء عن الله ولا عن رسوله ... )) أهـ (4) . فلا ينبغي، بل ولا يجوز التقرب إلى الله تعالى إلا بما شرع، وبما بيَّن على لسان رسوله (. ومن هنا كان لازماً على المسلم أن يلزم السنة في كل عباداته، وألا يحيد عنها قيد أنملة، وإلا أحبط عمله وأبطله إذا كان مخالفاً هدي رسول الله (في العمل. ولهذا فإن المسلم ينبغي له ألا يحدث في ذكره لله شيئاً مخالفاً لما كان عليه رسول الله (هو وأصحابه، وإلا كان مبتدعاً في الدين، محدثاً في العبادة ما ليس منها. ومهما استحسن الإنسان بعقله شيئاً في العبادة، فإنه - أي الاستحسان - ليس دليلاً على مشروعية تلك العبادة، بل إن هذا الاستحسان قد يكون مصادماً لحكم الله تعالى، فلا ينبغي أبداً أن يتعبد الإنسان لله تعالى إلا بما شرع الله على لسان رسوله (. المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي الذكر الجماعي يتركب من كلمتين، وإليك بيان معنى كل منهما: أولاً (الذِّكر) : بالكسر: الشيء الذي يجري على اللسان (5) ، وتارة يقصد به الحفظ للشيء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 قال الراغب في المفردات: ((الذكر: تارة يقال ويراد به: هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتباراً باحترازه، والذكر يقال اعتباراً باستحضاره. وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول. ولذلك قيل منهما ضربان: ذكر عن نسيان. وذكر لا عن نسيان، بل عن إدامة الحفظ)) (6) . وأما معنى الذكر في الشرع فهو كل قول سيق للثناء والدعاء. أي ما تعبدنا الشارع بلفظ منا يتعلق بتعظيم الله والثناء عليه، بأسمائه وصفاته، وتمجيده وتوحيده، وشكره وتعظيمه، أو بتلاوة كتابه، أو بمسألته ودعائه (7) . ثانياً: معنى (الجماعي) : هو ما ينطق به المجتمعون للذكر بصوت واحد، يوافق فيه بعضهم بعضاً (8) . والمقصود بكلامنا وقولنا: الذكر الجماعي هو ما يفعله بعض الناس من الاجتماع أدبار الصلوات المكتوبة، أو في غيرها من الأوقات والأحوال ليرددوا بصوت جماعي أذكاراً وأدعية وأوراداً وراء شخص معين، أو دون قائد، لكنهم يأتون بهذه الأذكار في صيغة جماعية وبصوت واحد، فهذا هو المقصود من وراء هذا البحث. المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي كان مبتدأ نشأة الذكر الجماعي وظهوره في زمن الصحابة رضي الله عنهم كما سيأتي ذلك مفصلاً في المبحث الرابع إن شاء الله وقد أنكر الصحابة هذه البدعة لما ظهرت وقد قل انتشار هذه الظاهرة، وخبت بسبب إنكار السلف لها. ثم لما كان زمن المأمون، أمر بنشر تلك الظاهرة. فقد كتب إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد يأمره أن يأمر الناس بالتكبير بعد الصلوات الخمس. فقد ذكر الطبري في تاريخه في أحداث عام 216 هـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 ما نصه: ((وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلوا، فبدؤوا بذلك في مسجد المدينة والرصافة، يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان، من هذه السنة)) (9) وجاء في تاريخ ابن كثير: ((وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد، يأمره أن يأمر الناس بالتكبير عقب الصلوات الخمس)) (10) . فكان هذا مبتدأ عودة ظاهرة الذكر الجماعي إلى الظهور وبقوة، بسبب مناصرة السلطان لها. ومن المعلوم أن السلطان إذا ناصر أمراً، أو قولاً ما، ونشره بالقوة بين الناس، فلابد أن ينتشر ويذيع، إذ إن الناس على دين ملوكهم. واستمرت هذه الظاهرة منتشرةً بين الرافضة والصوفية ومن تأثر بهم (11) . هذا وقد جمعوا بين أمرين، هما: الذكر الجماعي، والذكر بالاسم المفرد. وقد اختلف في جواز الذكر بالاسم المفرد، فذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لابد من الذكر في جملة لأنها هي المفيدة ولا يصح الاسم المفرد، مظهراً أو مضمراً، لأنه ليس بكلام تام ولا جملة مفيدة. ولم ينقل ذلك عن أحد من السلف. ومن صور هذا الذكر كذلك أن يزيدوا ياءً في (لا إله إلا الله) بعد همزة لا إله. ويزيدون ألفاً بعد الهاء في كلمة (إله) فتصبح (لا إيلاها) . ويزيدون ياءً بعد همزة إلا وبعد (إلا) يزيدون ألفاً فتصبح (إيلا الله) وكل ذلك حرام بالإجماع في جميع الأوقات (12) . وكذلك يلحن بعضهم في (لا إله إلا الله) . فيمد الألف زيادة على قدر الحاجة، ويختلس كسرة الهمزة المقصورة بعدها ولا يحققها أصلاً، ويفتح هاء له فتحة خفيفة كالاختلاس، ولا يفصل بين الهاء وبين إلا الله (13) . وكذلك من صوره أنهم يذكرون بالحَلْقِ، أي يحاولون إخراج الحروف من الحلق، وهذا يلزمهم بفتح أشداقهم، والتقعر في الكلام، والتكلف في النطق، ومعلوم أن مورد الذكر اللسان والحلق والشفتان لأنها هي التي تجمع مخارج الحروف (14) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 وقد تعددت صور ذلك. فمنهم من يجتمعون في بيت من البيوت، أو مسجد من المساجد فيذكرون الله بذكر معين وبصوت واحد: كأن يقولوا: لا إله إلا الله. مائة مرة (15) . قال الشقيري: ((والاستغفار جماعة على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة بدعة. والسنة استغفار كل واحد في نفسه ثلاثاً، وقولهم بعد الاستغفار: يا أرحم الراحمين - جماعةً - بدعة، وليس هذا محل هذا الذكر)) (16) . ومن صور الذكر الجماعي مما هو موجود عند جماعات من الناس: 1 - الاستغفار عقب الصلاة، والاتيان بالأوراد الواردة أو غيرها بصوت واحد مرتفع (17) . قال الأذرعي: ((حمل الشافعي رضي الله عنه أحاديث الجهر على من يريد التعليم)) (18) . 2 - أو أن يدعو الإمام دبر الصلاة جهراً رافعاً يديه، ويؤمن المأمومون على دعائه وبصوت واحد (19) . 3 - ومنه أن يجتمع الناس في مكان - مسجد أو غيره - ويدعون الله، وبصوت واحد إلى غروب الشمس ويجعلون الاجتماع لهذا الذكر شرطاً للطريقة (20) . وقد قال التيجاني: ((من الأوراد اللازمة للطريقة ذكر الهيللة بعد صلاة العصر يوم الجمعة مع الجماعة، وإن كان له إخوان في البلد فلابد من جمعهم وذكرهم جماعة. وهذا شرط في الطريقة)) (21) . وقال الرباطي: ((وترك الاجتماع من غير عذر شرعي يعرض في الوقت ممنوع عندنا في الطريقة، ويعد تهاوناً، ولا يخفى وخامة مرتع التهاون)) (22) . وقد أفتى العلماء ببطلان الذكر الجماعي، فقد جاء في بعض الأسئلة الواردة إلى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ما نصه: قال السائل: لنا جماعة هم أصحاب الطريقة التيجانية يجتمعون كل يوم جمعة ويوم الاثنين ويذكرون الله بهذا الذكر (لا إله إلا الله) ، ويقولون في النهاية (الله الله ... ) بصوت عال. فما حكم فعلهم هذا؟ الجواب: (بعد بيان ضلال هذه الطريقة) . والاجتماع على الذكر بصوت جماعي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 لا أصل له في الشرع، وهكذا الاجتماع بقول: (الله الله ... ) أو: (هو هو ... ) والاجتماع بصوت واحد هذا لا أصل له، بل هو من البدع المحدثة (23) . 4 - ومن صور الذكر الجماعي الموجودة أن يجتمع الناس في مسجد وقد وقع البلاء في بلد فيدعون الله بصوت واحد لرفعه. 5 - ومن هذه الصور كذلك ما يحصل عند بعض الناس في أعمال الحج من الطواف والسعي وغيرها، حيث إن بعضهم يؤجرون من يدعو لهم، ويرددون وراءه أدعية معينة لكل شوط، بدون أن يكون لكل أحد الفرصة للدعاء فيما يتعلق بحاجته الخاصة التي يريدها. وقد يكون بعض هؤلاء المرددين لصوت الداعي لا يعرفون معنى ما يدعو به الداعي: إما لكونهم لا يعرفون اللغة العربية. أو للأخطاء التي تحصل من الداعي، وتحريفه للكلام. ومع هذا يحاكونه في دعائه، وهذه الأدعية إنما صارت بدعة من وجهين: الأول: تخصيص كل شوط بدعاء خاص، مع عدم ورود ذلك. قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: ((وأما ما أحدثه بعض الناس: من تخصيص كل شوط من الطواف أو السعي بأذكار مخصوصة، أو أدعية مخصوصة فلا أصله له، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كافي)) (24) . الثاني: الهيئة الجماعية، مع رفع الصوت، وحكاية ألفاظ بدون تدبر واستحضار معنى. 6 - ومن صور الذكر الجماعي كذلك ما يقع عند الزيارة للقبر النبوي، أو قبور الشهداء، أو البقيع، أو غير ذلك من ترديد الزائرين صوت المزورين، قال الشيخ الألباني - رحمه الله - عند تعداده لبدع الزيارة في المدينة المنورة: ((تلقين من يعرفون بالمزورين جماعات الحجاج بعض الأذكار والأوراد عند الحجرة، أو بعيداً عنها بالأصوات المرتفعة، وإعادة هؤلاء ما لقنوا بأصوات أشد منها)) (25) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 7 - ومن هذه الصور كذلك اجتماع الناس في المساجد وأماكن الصلوات - ولاسيما في العيدين - ليرددوا التكبير جماعة خلف من يتولى التكبير في مكبر الصوت، ويرددون وراءه جماعة بصوت واحدٍ، فهذا كذلك من البدع. المبحث الثالث: حجج المجوزين للذكر الجماعي وأدلتهم احتج المجيزون للذكر الجماعي بحجج (26) ، نوجزها فيما يلي: ... أولاً: النصوص الشرعية الواردة في الثناء على أهل الذكر بصيغة الجمع بما يدل على استحباب الاجتماع على ذكر الله منها ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (قال: ((إن لله تعالى ملائكة سيارة، فضلاً يتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر، قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا، وصعدوا إلى السماء. قال: فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض، يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك ... )) وفي نهاية الحديث يقول الله: (( ... قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا ... )) (27) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 فيرى المجيزون للذكر الجماعي أن هذا الحديث يدل على فضل الاجتماع للذكر، والجهر به من أهل الذكر جميعاً، لأنه قال: ((يذكرونك، يسبحونك، ويكبرونك، ويمجدونك)) بصيغة الجمع، ثم استدلوا بقول الحافظ ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري حيث قال: ((المراد بمجالس الذكر هي المجالس التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرها، وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى، وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، وفي دخول الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر ... والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوها والتلاوة فحسب، وإن كانت قراءة الحديث ومدارسته، والمناظرة فيه، من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى)) (28) . ومن هذه الأحاديث كذلك ما أخرجه أحمد من طريق: إسماعيل بن عياش، عن راشد بن داود عن يعلى بن شداد، قال: حدثني أبي شداد بن أوس، وعبادة بن الصامت حاضر يصدِّقه، قال: كنا عند النبي (فقال: ((هل فيكم غريب؟)) يعني أهل الكتاب، فقلنا: لا يا رسول الله، فأمر بغلق الباب، وقال: ((ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله)) فرفعنا أيدينا ساعة، ثم وضع رسول الله (يده، ثم قال: ((الحمد لله، بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني عليها الجنة، وإنك لا تخلف الميعاد، ثم قال: أبشروا فإن الله عز وجل قد غفر لكم)) (29) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 قلت: الحديث ضعيف. فيه إسماعيل بن عياش. وهو مدلس. ولم يصرح بالسماع، ومدار هذا الحديث على راشد بن داود، قال ابن معين: ((ليس به بأس، ثقة)) ، وقال دحيم: ((هو ثقة عندي)) ، بينما ضعَّفه الإمام البخاري - رحمه الله - فقال: ((فيه نظر)) ، وهذا جرح شديد عنده، بمعنى أنه متهم أو غير ثقة. كما أشار إلى ذلك الحافظ الذهبي (30) ، وقال الدارقطني: ((ضعيف لا يعتبر به)) ، فاتفق مع البخاري في تضعيفه، وهو الظاهر من حاله، فإن في الحكم بالجرح زيادة علم عن الحكم بالتعديل، فإذا صدر من إمام عالم متمكن غير متشدد كان مقبولاً من غير شك، هذا من جهة. ومن ناحية أخرى، فلو فرضنا جدلاً صحة هذا الحديث فليس فيه دلالة على جواز الذكر الجماعي، فهو صريح الدلالة على أن ذلك كان للبيعة - أو لتجديد البيعة - وليس لمجرد الذكر، لاسيما وقد أمرهم النبي (برفع الأيدي، فهذا للمبايعة، ولا يشترط - بل ولا يستحب - في الذكر. ... ثانياً: الأحاديث الكثيرة الواردة في فضل مجالس الذكر، والتي منها: 1 - ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (: ((يقول تعالى: أنا عند ظن عبدي بي. وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ... )) (31) الحديث. والشاهد في قوله: ((وإن ذكرني في ملأ)) فدل على جواز الذكر الجماعي (32) . 2 - ما جاء في صحيح مسلم عن معاوية أن رسول الله (خرج على حلقة من أصحابه فقال: ((ما أجلسكم؟)) قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنَّ به علينا. فقال: ((الله ما أجلسكم إلا هذا؟)) قالوا: الله ما أجلسنا إلا ذلك. فقال: ((أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة)) (33) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 3 - ما رواه أبو داود في سننه أن النبي (قال: ((لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس - أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس - أحب إلي من أن أعتق أربعة)) (34) وغير ذلك من الأحاديث التي ورد فيها فضل مجالس الذكر وفضل الاجتماع عليه واستدلوا كذلك ببعض الأحاديث التي ورد فيها ذكر الدعاء الجماعي، وهي أقرب ما يمكن أن يُستدل به في هذا الموضوع؛ لو سلمت من الطعن، وها هي بين يديك، مع ما قاله الأئمة المعتمدون في علم الجرح والتعديل في رواتها وأسانيدها. الحديث الأول: عن أبي هريرة أن النبي (رفع يديه بعدما سلم وهو مستقبل القبلة، فقال: ((اللهم خلِّص الوليد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، من أيدي الكفار)) . أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (35) ، وابن جرير في تفسيره (36) . وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، قال ابن حجر في التقريب: ضعيف (37) ، ونقل الذهبي في السير (38) تضعيفه عن أحمد بن حنبل والبخاري والفلاس والعجلي، وغيرهم … انتهى. ومع الضعف الذي في علي بن زيد، فليس فيه دليل على الدعاء الجماعي، وهذه الرواية مخالفة لما جاء في الصحيحين، وهو أن النبي (كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول: ((اللهم أنج عياش ... )) (39) الحديث. أي يقول هذا الدعاء في قنوت الفجر، قبل الخروج من الصلاة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 الحديث الثاني: عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي قال: رأيت عبد الله بن الزبير ورأى رجلاً رافعاً يديه بدعوات قبل أن يفرغ من صلاته، فلما فرغ منها قال: إن رسول الله (لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته. رواه الطبراني في الكبير (40) وسنده ضعيف لضعف فضيل بن سليمان. فقد قال عنه ابن معين: ليس بثقة. وفي رواية: ليس هو بشيء ولا يكتب حديثه. وقال صالح جزرة: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ليس بالقوي. وقال النسائي: ليس بالقوي. وذكر أبو داود أنه استعار كتاباً من موسى بن عقبة فلم يرده. وكان عبد الصمد بن مهدي لا يحدث عنه. وقال أبو زرعة: لين الحديث، روى عنه علي بن المديني وكان من المتشددين ومع ضعف فضيل، ففي القلب شيء من رواية محمد بن أبي يحيى عن ابن الزبير، فلا أظنه أدركه، لأن وفاة ابن الزبير كانت سنة (73 هـ) ووفاة محمد كانت سنة (144 هـ) (41) . ومعنى الحديث أنه (ما كان يرفع يديه حتى يفرغ من الصلاة وهو غير رافع يديه للدعاء، أو أنه كان يرفع بعد الفراغ من الصلاة للدعاء؛ ولكن ليس فيه أنه كان يجهر بالدعاء ويجهر المأمون بالتأمين. وعليه، فليس فيه دليل للدعاء الجماعي، وإنما هو دليل للدعاء منفرداً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 الحديث الثالث: عن أنس رضي الله عنه عن النبي (أنه قال: ((ما من عبد يبسط كفّيه في دبر كل صلاة ثم يقول: اللهم إلهي وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وإله جبريل وميكائيل وإسرافيل، أسألك أن تستجيب دعوتي فإني مضطر وتعصمني في ديني فإني مبتلى، وتنالني برحمتك فإني مذنب، وتنفي عني الفقر فإني متمسكن. إلا كان حقاً على الله عز وجل ألا يرد يديه خائبتين)) . رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (42) ؛ والحديث فيه عبد العزيز بن عبد الرحمن وخصيف. أما عبد العزيز فقد ضعفه جمع من الأئمة، وأما خصيف فقد قال الحافظ ابن حجر فيه: صدوق سيء الحفظ خلط بأخرة، ورُمِي بالإرجاء. انتهى (43) . وإضافة إلى هذا الضعف الذي في هذا الحديث، فليس فيه دلالة على المطلوب، بل هو كالحديثين السابقين. الحديث الرابع: عن الأسود العامري، عن أبيه قال: صلَّيت مع رسول الله الفجر، فلما سلم، انحرف ورفع يديه ودعا قال العلامة المباركفوري (44) : الحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، كذا ذكر بعض الأعلام هذا الحديث بغير سند، وعزاه إلى المصنف. ولم أقف على سنده. فالله تعالى أعلم. أهو صحيح أو ضعيف؟ . انتهى من التحفة. والحديث أخرجه ابن أبي شيبة (45) ، وابن حزم في المحلى (46) . وليس فيه: ((ورفع يديه ودعا)) ، وإنما هو هكذا: حدثنا هُشيم قال: نا يعلى بن عطاء، عن جابر بن يزيد الأسود العامري، عن أبيه قال: صليت مع رسول الله الفجر، فلما سلم انحرف. ولفظ ابن حزم: فلما صلى انحرف. فإذن ليس في الحديث: رفع يديه ودعا. ولو سلمنا بثبوت هذه الجملة فإنها لا تكفي للوفاء بالاستدلال المقصود؛ لأنها ليس فيها الجهر بالدعاء من الإمام، ولا تأمين المأمومين جهراً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 الحديث الخامس: عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (: ((الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن، ثم تنفع يديك - يقول: ترفعهما إلى ربك مستقبلاً ببطونهما وجهك، وتقول: يا رب يا رب - ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا)) (47) . رواه أحمد والترمذي. وفي رواية للترمذي: فهو خداج. قال الترمذي (48) : سمعت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - يقول: روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربه بن سعيد، فأخطأ في مواضع. انتهى. والحديث ضعيف. فيه عبد الله بن نافع بن العمياء، وقال الحافظ في تقريب التهذيب: مجهول (49) . وحتى ولو فرضنا صحة الحديث، فليس فيه دليل للدعاء الجماعي، وإنما هو دليل للدعاء منفرداً كما هو واضح في سياقه وألفاظه. ثالثاً: ومن أدلتهم أيضاً بعض الآثار التي جاءت عن بعض السلف، فمنها: 1 - ما جاء عن عمر رضي الله عنه من أنه كان يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيراً (50) . 2 - أن ميمونة بنت الحارث زوج النبي (- ورضي الله عنها - كانت تكبر يوم النحر، وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد (51) . رابعاً: ومن أدلتهم أيضاً المصالح المترتبة على الذكر الجماعي لأن فيه - كما يرون - مصالح كثيرة، منها: 1 - أن فيه تعاوناً على البر والتقوى، وقد أمر الله بذلك في قوله: {وتعانوا على البر والتقوى} [المائدة: 2] . 2 - أن الاجتماع للذكر والدعاء أقرب إلى الإجابة. 3 - أن عامة الناس لا علم لهم باللسان العربي، وربما لحنوا في دعائهم، واللحن سبب لعدم الإجابة، والاجتماع على الذكر والدعاء بصوت واحد يجنبهم ذلك (52) . خامساً: ومما يستدلون به أن هذا العمل عليه أكثر الناس، والغالبية هي الجماعة والنبي (أوصى بلزوم الجماعة في غير ما حديث (53) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 سادساً: أن الذكر على هذه الهيئة وسيلة، والغاية منها عبادة الله، والقاعدة تقول: أن الوسائل لها حكم الغايات والمقاصد (54) ، وعبادة الله أمر مطلوب، وعليه فيكون الذكر الجماعي أمراً مطلوباً (55) . وأما جوابهم على أدلة المانعين من الذكر الجماعي، فإنهم يرون أن الآثار الواردة عن الصحابة في المنع من الذكر الجماعي، والإنكار على فاعليه، يرون أنها آثار معارضة بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة، وهذه الأحاديث مقدمة على تلك الآثار عند التعارض. قال السيوطي: هذا الأثر عن ابن مسعود (56) يحتاج إلى بيان سنده. ومن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهم؟ وعلى تقدير ثبوته فهو معارض بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة وهي مقدمة عليه عند التعارض (57) . المبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم استدل المانعون من الذكر الجماعي بأدلة. منها: أولاً: أن الذكر الجماعي لم يأمر به النبي (، ولا حث الناس عليه، ولو أمر به أو حث عليه لنُقل ذلك عنه عليه الصلاة والسلام. وكذلك لم يُنقل عنه الاجتماع للدعاء بعد الصلاة مع أصحابه. قال الشاطبي: ((الدعاء بهيئة الاجتماع دائماً لم يكن من فعل رسول الله ()) (58) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((لم ينقل أحد أن النبي (كان إذا صلى بالناس يدعو بعد الخروج من الصلاة هو والمأمومون جميعاً، لا في الفجر، ولا في العصر، ولا في غيرهما من الصلوات، بل قد ثبت عنه أنه كان يستقبل أصحابه ويذكر الله ويعلمهم ذكر الله عقيب الخروج من الصلاة)) (59) . ثانياً: فعل السلف من أصحاب النبي (والتابعين لهم بإحسان، فإنهم قد أنكروا على من فعل هذه البدعة، كما سيأتي ذلك في النصوص الآتية عن عمر وابن مسعود وخباب رضي الله عنهم، ولو لم يكونوا يعدون هذا العمل شيئاً مخالفاً للسنة ما أنكروا على فاعله، ولا اشتدوا في الإنكار عليه، فممَّن أنكر من الصحابة هذا العمل: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 1 - عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقد روى ابن وضاح بسنده إلى أبي عثمان النهدي قال: ((كتب عامل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إليه: أن ها هنا قوماً يجتمعون، فيدعون للمسلمين وللأمير. فكتب إليه عمر: أقبل وأقبل بهم معك فأقبل. فقال عمر، للبواب: أعِدَّ سوطاً، فلما دخلوا على عمر، أقبل على أميرهم ضرباً بالسوط. فقلت: يا أمير المؤمنين إننا لسنا أولئك الذي يعني، أولئك قوم يأتون من قبل المشرق)) (60) . 2 - وممن أنكر من الصحابة كذلك الاجتماع للذكر: عبد اله بن مسعود رضي الله عنه وذلك في الكوفة. فعن أبي البختري قال: أخبر رجل ابن مسعود رضي الله عنه أن قوماً يجلسون في المسجد بعد المغرب، فيهم رجل يقول: كبروا الله كذا، وسبحوا الله كذا وكذا، واحمدوه كذا وكذا، واحمدوه كذا وكذا. قال عبد الله: فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني، فأخبرني بمجلسهم. فلما جلسوا، أتاه الرجل، فأخبره. فجاء عبد الله بن مسعود، فقال: والذي لا إله إلا غيره، لقد جئتم ببدعة ظلماً، أو قد فضلتم أصحاب محمد علماً. فقال عمرو بن عتبة: نستغفر الله. فقال: ((عليكم الطريق فالزموه، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً)) (61) . 3 - وممن أنكر عليهم من الصحابة: خباب بن الأرت، فقد روى ابن وضاح بسند صحيح عن عبد الله بن أبي هذيل العنزي عن عبد الله بن الخباب قال: ((بينما نحن في المسجد، ونحن جلوس مع قوم نقرأ السجدة ونبكي. فأرسل إليَّ أبي. فوجدته قد احتجز معه هراوة له. فأقبل عليَّ. فقلت: يا أبت! مالي مالي؟! قال: ألم أرك جالساً مع العمالقة (62) ؟ ثم قال: هذا قرن خارجٌ الآن)) (63) ، كما أنكر عامة التابعين رحمهم الله تعالى كذلك هذه البدع ومن جملة ذلك: كراهية الإمام مالك الاجتماع لختم القرآن في ليلة من ليالي رمضان. وكراهيته الدعاء عقب الفراغ من قراءة القرآن بصورة جماعية (64) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 وقد نقل الشاطبي في فتاواه كراهية مالك الاجتماع لقراءة الحزب، وقوله: إنه شيء أُحدث، وإن السلف كانوا أرغب للخير، فلو كان خيراً لسبقونا إليه (65) . فهذه النقول، التي أوردناها في هذا الباب، كلها توضح أن السلف - رضي الله عنهم - كانوا لا يرون مشروعية الاجتماع للذكر بالصورة التي أحدثها الخلف. ولله در السلف! ما كان خير إلا سبقوا إليه، ولا كانت بدعة منكرة إلا كانوا أبعد الناس عنها، محذرين منها. فما من إنسان يخالف هديهم إلا كان تاركاً لسبل الخير، معرضاً عنها، مقتحماً أبواب الضلال. فلو كان الذكر الجماعي مشروعاً أو مستحباً لفعله السلف، ولو فعلوه لنُقل عنهم، ولَوَرَدَ إلينا. فلما لم يُنقل ذلك عنهم، بل نُقل عنهم ما يخالف من الإنكار على فاعله، كما حدث من ابن عمر، وابن مسعود، وغيرهما. دل ذلك على أن هذا العمل غير مشروع أصلاً. ثالثاً: النصوص العامة التي فيها المنع من الابتداع في الدين، كحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (66) . ومعلوم أن الذكر الجماعي لم يأمر به النبي (ولم يدل عليه، فلو شرعه النبي (لأمر به وحث الناس عليه، ولشاع ذلك عنه (بينهم مع قيام المقتضى. رابعاً: أن في القول باستحباب الذكر الجماعي استدراكاً على شريعة النبي (بحيث إن المبتدعين له شرعوا أحكاماً لم يشرعها النبي (، قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21] . فلما لم يشرع النبي (لأمته هذا العمل، دل ذلك على بدعيته. خامساً: ومن أدلة المانعين من الذكر الجماعي: أن في هذا الذكر بصوت واحد تشبهاً بالنصارى الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية بصوت واحد. هذا مع كثرة النصوص الشرعية التي وردت في النهي عن التشبه بأهل الكتاب، والأمر بمخالفتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 سادساً: ومن أدلة المانعين من الذكر الجماعي: أن فيه مفاسد عديدة تقطع بعدم جوازه، لاسيما وأنها تربو على ما له من منافع زعمها المجيزون له، فمن هذه المفاسد: 1 - التشويش على المصلين والتالين للقرآن مع ورود النهي عن هذا التشويش، ومنها على سبيل المثال قوله (: ((إلا إن كلكم مناج ربه. فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة)) (67) . 2 - الخروج عن السمت والوقار الذين يجب على المسلم المحافظة عليهما. 3 - أن اعتياد الذكر الجماعي قد يدفع بعض الجهال والعامة إلى الانقطاع عن ذكر الله إذا لم يجدوا من يجتمع معهم لترديد الذكر جماعة كما اعتادوا. 4 - أنه قد يحصل من بعض الذاكرين أحياناً تقطيع الآيات حتى يتمكن قصار النَفَس من الترديد مع طوال النَفَس. فهذه أظهر أدلة المانعين من الذكر الجماعي. وقد سقتها - على وجه التفصيل - في حدود ما وقفت عليه، مع تحري الأمانة فيما نقلت. وأما أدلة المجيزين للذكر الجماعي فقد أجاب المانعون عنها بما يلي: أولاً: الجواب على الدليل الأول: وهو احتجاجهم بالنصوص الواردة في مدح الذاكرين بصيغة الجمع، وادعاؤهم أن هذا يقتضي اجتماعهم على الذكر بشكل جماعي، وللجواب على هؤلاء يقال: إن الحث على الذكر بصيغة الجمع ومدح الذاكرين بصيغة الجمع لا يقتضي الدلالة على استحباب أو جواز الذكر الجماعي ولا يلزم منه ذلك. بل غاية ما في هذه النصوص الدلالة على استحباب الذكر لجميع المسلمين، والحث عليه، وسواء كان ذلك على وجه الانفراد، أو الاجتماع، ظاهراً، أو خفياً. ثانياً: الجواب على الدليل الثاني: وهو استدلالهم بعموم الأحاديث الدالة على فضل الاجتماع على ذكر الله ومجالس الذكر. فالجواب على هذا الدليل من وجهين: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 الوجه الأول: أن ذكر الله ليس مقصوراً على التسبيحات والدعوات، وما يقال باللسان، بل إن ذكر الله سبحانه وتعالى يشمل كل قول وفعل يرضي الله تعالى ومنه مجالس العلم والفقه، والقرآن، ولذلك فإن ما ورد في فضل مجالس الذكر ليس المقصود منها فقط ما ذكروه، بل وغير ذلك. ويدل على ذلك ما ورد في كتاب الحلية لأبي نعيم الأصبهاني، بسنده إلى أبي هزان قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: من جلس مجلس ذكر كفر الله عنه بذلك المجلس عشرة مجالس من مجالس الباطل. قال أبو هزان: قلت لعطاء: ما مجلس الذكر؟ قال: مجلس الحلال والحرام، وكيف تصلي، وكيف تصوم، وكيف تنكح، وكيف تطلق وتبيع وتشتري (68) وقال الحافظ ابن حجر: والمراد بالذكر: الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها، مثل: الباقيات الصالحات وهي: ((سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)) ، ونحو ذلك. والدعاء بخيري الدنيا والآخرة. ويطلق ذكر الله أيضاً، ويراد به: المواظبة على العمل بما أوجبه، أو ندب إليه: كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة (69) . قال العلامة المباركفوري (70) : ((المراد بالذكر - هنا -: الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها، والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات، وهي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وما يلتحق بها من الحوقلة، والبسملة، والحسبلة، والاستغفار، ونحو ذلك، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة. ويُطلق ذكر الله أيضاً ويُراد به المواظبة على العمل بما أوجبه، أو ندب إليه، كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم، والتنفل بالصلاة)) . فإن قال قائل من هؤلاء: إن الذكر بالألفاظ الواردة نوع من أنواع الذكر اللساني يشمله أحاديث فضل مجالس الذكر فدل ذلك على استحباب الاجتماع لأجل هذا الذكر اللساني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 فالرد عليه بالوجه الثاني: أن هذه الأحاديث لم تدل على الذكر الجماعي واستحبابه، وإنما هي دالة على استحباب الاجتماع على ذكر الله. وهناك فرق كبير بين هذا وذاك. فالاجتماع على ذكر الله مستحب مندوب إليه بمقتضى الأحاديث الواردة في فضله، ولكن على الوجه المشروع الذي فهمه الصحابة وعملوا به، فقد كانوا يجتمعون للذكر كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: ((كان أصحاب رسول الله (إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم يقرأ، والناس يستمعون. وكان عمر يقول لأبي موسى: ذكرنا ربنا. فيقرأ وهم يستمعون لقراءته)) (71) . وقال الطرطوشي: ((هذه الآثار (72) تقتضي جواز الاجتماع لقراءة القرآن الكريم على معنى الدرس له والتعلم والمذاكرة وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم، أو يقرأ المعلم على المتعلم، أو يتساويا في العلم، فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة والمدارسة هكذا يكون التعليم والتعلم، دون القراءة معاً. وجملة الأمر أن هذه الآثار عامة في قراءة الجماعة معاً على مذهب الإدارة، وفي قراءة الجماعة على المقرئ ... ومعلوم من لسان العرب أنهم لو رأوا جماعة قد اجتمعوا لقراءة القرآن على أستاذهم. ورجل واحد يقرأ القرآن، لجاز أن يقولوا: هؤلاء جماعة يدرسون العلم، ويقرؤون العلم والحديث. وإن كان القارئ واحد (73) . ثالثاً: وأما الآثار التي استدلوا بها عن عمر رضي الله عنه، وميمونة رضي الله عنها. فيجاب عنها من ثلاثة وجوه: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 الأول: أنها غير صريحة في التكبير الجماعي بالشكل الذي يدعو إليه من يقولون بمشروعية الذكر الجماعي، بل غاية ما فيها أن الناس تأسَّوا بعمر رضي الله عنه فكبروا مثله وبأصوات مرتفعة، وبسبب تداخل واختلاط الأصوات مع كثرة الحجيج فقد ارتجت منى بالتكبير. ولا يفهم منه أن عمر رضي الله عنه كان يكبر ثم يسكت حتى يرددوا خلفه بصوت رجل واحد. وإلا فإن أئمة المذاهب المتبوعة لم ينقل عنهم الإقرار للذكر والتسبيح والتكبير بصوت واحد فلو فهموا منه ما فهمه دعاة الذكر الجماعي لقالوا به. ولكنهم فهموا هذه الآثار - والله أعلم - على ما سبق ذكره في أول هذا الوجه. وأما أثر ميمونة فيقال فيه ما قيل في أثر عمر. وليس فيه إلا تكبير النسوة مع الرجال في المسجد. الثاني: أن عمر رضي الله عنه قد ثبت عنه أنه عاقب من اجتمعوا للدعاء والذكر وغيره كما في الأثر الذي رواه ابن وضاح. وقد سبق إيراده في بيان حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم. الثالث: أن مثل هذا التكبير من عمر والترديد من الناس لم ينقل في غير أيام منى، ووقت الحج. ولو جاز تعميم الحكم، والقول بجواز الذكر الجماعي في المساجد والبيوت، وبعد الصلوات وفي الأوقات المختلفة، لكان في هذا مخالفة واضحة للآثار السابقة عن عمر، وابن مسعود، وخباب، وغيرهم رضي الله عنهم جميعاً. رابعاً: وأما الأمر الرابع الذي استدلوا به: وهو دعواهم أن للذكر الجماعي مصالح عديدة، فيجاب عنه بما يأتي (74) : الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 1 - قولهم إن فيه تعاوناً على البر والتقوى باطل، يرده فعل النبي (. فإن النبي (هو الذي أنزل عليه {وتعانوا على البر والتقوى} وكذلك فعله عليه السلام، ولو كان الاجتماع للدعاء والذكر بعد الصلاة جهراً لمن شهد الصلاة، وفي غير ذلك من الأوقات. لو كان هذا كله من باب التعاون على البر والتقوى لكان أول سابق إليه هو النبي عليه السلام ولفاز بالسبق إليه أصحابه رضوان الله عليهم، ومن المعلوم أنهم لم ينقل عنهم ذلك قطعاً. وكذب من ادعى عليهم شيئاً من ذلك. 2 - وأما قولهم إن الذكر الجماعي أقرب للإجابة. فيجاب عليهم بأن هذه العلة كانت موجودة في زمانه عليه السلام بل هو (أعظم من تجاب دعوته ولا شك في ذلك، فهو عليه السلام كان أحق بأن يفعل ذلك ويدعو مع أصحابه - جماعة - خمس مرات في اليوم والليلة. ولكن رغم ذلك لم ينقل عنه أنه فعل ذلك. وبالتالي يصبح من الواجب الحكم على هذا الفعل بأنه بدعة بناء على ما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام، وبناء على الأدلة الكثيرة في بيان وجوب طاعته والاهتداء بهديه، والاقتداء بسنته. 3 - وأما قولهم إن الذكر الجماعي أبعد عن اللحن في الدعاء والذكر ولاسيما للعوام، فيجاب عليهم بما يلي: أ - أنه ليس من شروط صحة الدعاء عدم اللحن فيه، بل يشترط الإخلاص وصدق التوجه ومتابعة النبي (في ذلك. وقد كان الصحابة متوافرين بعد انتشار الفتوحات، وظهور العجمة في الألسنة بعد أن كثر العجم الداخلون في الإسلام وشاع بين الناس اللحن في الكلام، ومع ذلك لم ينقل عن الصحابة شيء من هذا الذكر الجماعي. ب - أن هذا اللحن الذي زعموه، والموجود في الدعاء، يوجد أيضاً من هؤلاء العوام في قراءة القرآن، وفي الصلاة وفي غيرها من شعائر الدين، وكان الجدير بهؤلاء أن يعلموهم بعد الصلوات تلك الأحكام، لأنها أمور واجب تعلمها على المسلم، أما الدعاء فهو أمر مستحب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 رابعاً: قولهم: إن هذا عمل الناس، وعليه الجماعة، وقد اجتمع عليه أكثر الناس. فيجاب عليهم بأن هذا احتجاج بالناس على الشرع، وهذا باطل. بل يحتج بالشرع وبالدليل على الناس، وعلى الرجال، وأما اتباع عامة الناس وأغلبهم في أمور الدين فهذا باب ضلال، وقد ذمه الله عز وجل في كتابه فقال: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} [الأنعام: 116] . ولسنا متعبَّدين بطاعة الناس واتباعهم، بل بطاعة النبي (واتباعه. وقد جاء عن أبي علي بن شاذان بسند يرفعه إلى أبي عبد الله بن إسحاق الجعفري قال: ((كان عبد الله بن الحسن - يعني ابن الحسن بن علي بن أبي طالب يكثر الجلوس إلى ربيعة فتذاكروا يوماً. فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل على هذا (أي أن عمل العوام يخالف ذلك) . فقال عبد الله: أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام، أفهم الحجة على السنة؟ فقال ربيعة: أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء)) (75) . فبيَّن عبد الله ابن الحسن أن كثرة الجهال والمبتدعين، وتسلطهم على الناس، ونشرهم لبدعتهم، ليس حجة على السنة وعلى الشرع، ولا ينبغي ولا يجوز أن يعارض شرع الله، وسنة الرسول (بفعل أحد من الناس، كائناً من كان. خامساً: دعواهم أن الذكر الجماعي وسيلة لها حكم غايتها، وغاية الذكر الجماعي عبادة الله. فيجاب عليهم بما يلي: 1 - أن هذه القاعدة ليست قاعدة مطردة على الدوام، بل إن لها موارد مقصورة عليها، فهذه القاعدة مقصورة على ما ورد في الشرع سواء كان وسيلة أم غاية. ومما يدل على ذلك أن الشيء قد يكون مباحاً، بل واجباً، ومع ذلك تكون وسيلته مكروهة أو محرمة. كمن يتوصل إلى تحصيل ماء الوضوء عن طريق الغصب أو السرقة. 2 - يدلك على هذا كذلك فعل السلف الصالح، فإنهم - رضي الله عنهم - كانوا يتحرون في أمور العبادات كلها تحرياً شديداً من غير التفات إلى الفرق بين ما يسمى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 ((وسائل)) و ((غايات)) (76) . سادساً: وأما قولهم: إن الآثار المانعة للذكر الجماعي تعارض الأحاديث الكثيرة التي تثبت مشروعية الذكر الجماعي (كذا زعموا) ، فتُقدَّم الأحاديث عليها. فيجاب عليهم بأنه لا تعارض بين هذه الآثار وتلك الأحاديث كما سبق، بل إن تلك الأحاديث ينبغي أن تفهم وتفسر في ضوء فهم السلف الصالح لها، وهذه الآثار الواردة عن السلف تفسر جانباً من هذه الأحاديث، كما سبق وأن ذكرناه. وأما ما رد به السيوطي أثر ابن مسعود بأنه لا يعرف له سند، فمردود بأنه أثر صحيح بمجموع طرقه رواه الدارمي في سننه، وابن وضاح في البدع (77) . والعجب أن الإمام السيوطي - رحمه الله - ذكر هذا في كتابه ((الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع)) (78) . وأما قول الدكتور الزحيلي (79) : ((فلا يصح القول بتبديع الدعاء الجماعي بعد الصلاة ... )) إلخ. فيقال: قوله: (لا يصح) . هذه كلمة شرعية، وإطلاق لحكم شرعي، وهذا يقتضي عدم الجواز. فمن أين أتى بهذا الحكم؟ ومَنْ سبقه بهذا من أهل العلم المعتبرين؟ ولا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة. ثم قوله: ((وجرى العمل بين المتأخرين بالاجتماع على الدعاء)) (80) أهـ. فيقال له: ومتى كان اجتماع الناس على عملٍ ما قاضياً على شرع الله عز وجل؟ فالحجة إنما هي في النصوص وفي عمل الرسول (، والصحابة الكرام، لا في عمل المتأخرين. ثم قوله في إنكار ابن مسعود على المجتمعين على الذكر: ((والواقع أن هذا الإنكار ليس بسبب اجتماعهم على الذكر. وإنما لشذوذهم وادعائهم أنهم أشد اجتهاداً في الدين من غيرهم)) (81) أهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 فيقال له: ما دليلك على هذا الكلام؟! وكل من روى هذه الواقعة فهم منها إنكار ابن مسعود للذكر الجماعي، ومثله إنكار خباب بن الأرت على ولده، وهل كان هناك شذوذ عند هؤلاء المذكورين غير اجتماعهم على الذكر الجماعي؟ إذ لا يمكن أن يقال إن شذوذهم كان بسبب أنهم يذكرون الله كثيراً. ومن هنا يتبين لك ضعف استدلال المجيزين للذكر الجماعي بالأدلة التي استدلوا بها، وأنها لا تنهض لهم بما أرادوا، وأن الحجة قائمة عليهم بحمد الله تعالى. وكذلك يتبين لك قوة أدلة المانعين من الذكر الجماعي. المبحث الخامس: حكم الذكر الجماعي سبق ذكر موقف السلف من الذكر الجماعي، وأنهم يعدونه محدثاً في الدين لم يفعله النبي (ولا الصحابة رضي الله عنهم، ولا من بعدهم. وكذلك الدعاء جماعة، سواء بعد الفريضة أو غيرها فهم يعدونه بدعة، إلا ما ورد به الدليل، وقد تعددت النقول عنهم في ذلك، وقد تقدم ذكر بعضها، ودرج على منوالهم فقهاء الإسلام على اختلاف مذاهبهم، فمن ذلك: 1 - ذكر الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في كتابه (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) (82) ، عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن رفع الصوت بالتكبير بدعة في الأصل، لأنه ذكر. والسنة في الأذكار المخافتة؛ لقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية} [الأعراف: 55] . ولقوله (: ((خير الدعاء الخفي)) (83) . ولذا فإنه أقرب إلى التضرع والأدب، وابعد عن الرياء فلا يترك هذا الأصل إلا عند قيام الدليل المخصص. انتهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 وقال العلامة المباركفوري في (تحفة الأحوذي) (84) : اعلم أن الحنفية في هذا الزمان، يواظبون على رفع الأيدي في الدعاء بعد كل مكتوبة مواظبة الواجب، فكأنهم يرونه واجباً، ولذلك ينكرون على من سلم من الصلاة المكتوبة وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم قام ولم يدع ولم يرفع يديه. وصنيعهم هذا مخالف لقول إمامهم الإمام أبي حنيفة، وأيضاً مخالف لما في كتبهم المعتمدة. انتهى. 2 - ومما يتعلق بمذهب مالك رحمه الله في الذكر الجماعي ما جاء في كتاب (الدر الثمين) للشيخ محمد بن أحمد ميارة المالكي (85) : كره مالك وجماعة من العلماء لأئمة المساجد والجماعات الدعاء عقيب الصلوات المكتوبة جهراً للحاضرين. ونقل الإمام الشاطبي في كتابه العظيم (الاعتصام) (86) قصة رجل من عظماء الدولة ذوي الوجاهة فيها موصوف بالشدة والقوة، وقد نزل إلى جوار ابن مجاهد. وكان ابن مجاهد لا يدعو في أخريات الصلوات، تصميماً في ذلك على المذهب - مذهب مالك - لأن ذلك مكروه فيه. فكأن ذلك الرجل كره من ابن مجاهد ترك الدعاء، وأمره أن يدعو فأبى فلما كان في بعض الليالي قال ذلك الرجل: فإذا كان غدوة غد أضرب عنقه بهذا السيف. فخاف الناس على ابن مجاهد فقال لهم وهو يبتسم: لا تخافوا، هو الذي تُضرب عنقه في غدوة غد بحول الله. فلما كان مع الصبح وصل إلى دار الرجل جماعة من أهل المسجد فضربوا عنقه. انتهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 3 - وأما مذهب الشافعي رحمه الله، فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في (الأم) (87) : وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تُعُلِّم منه ثم يُسِرُّ، فإن الله عز وجل يقول: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] يعني - والله تعالى أعلم - الدعاء، ولا تجهر: ترفع. ولا تخافت: حتى لا تسمع نفسك. انتهى. وقال الإمام النووي في المجموع (88) : اتفق الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى على أنه يُستحب ذكر الله تعالى بعد السلام، ويُستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره ... وأما ما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الإمام بصلاتي الصبح والعصر، فلا أصل له. انتهى. قلت: ولقائل أن يقول: نفيه للتخصيص في هذين الوقتين يدل على جواز الدعاء في جميع الصلوات، ويبطل هذا الزعم قول النووي نفسه في (التحقيق) (89) : يندب الذكر والدعاء عقيب كل صلاة ويسر به، فإذا كان إماماً يريد أن يعلمهم جهر، فإذا تعلموا أسر. انتهى. 4 - وأما ما يتعلق بمذهب الحنابلة، فقد قال ابن قدامة في (المغني) (90) : ويُستحب ذكر الله تعالى والدعاء عقيب صلاته، ويُستحب من ذلك ما ورد به الأثر، وذكر جملة من الأحاديث، فيها شيء من الأذكار التي كان (يقولها في دبر كل صلاة مكتوبة. وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (91) عن الدعاء بعد الصلاة، فذكر بعض ما نقل عنه (من الأذكار بعد المكتوبة، ثم قال: وأما دعاء الإمام والمأمومين جميعاً عقيب الصلاة فلم ينقل هذا أحد عن النبي (. انتهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 قلت: وفيما يختص بدعاء الإنسان منفرداً من غير جماعة فإنه إذا كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً فليس ثم مانع يمنعه من الدعاء إذا بدأ بالأذكار المسنونة والتسابيح المشروعة في أعقاب الصلوات، وقد دل على ذلك كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله الكريم (وهدي السلف الصالح رضي الله عنهم. أما الدليل من الكتاب العزيز، فقول الله تعالى: {فإذا فرغت فانصب. وإلى ربك فارغب} [الشرح: 7 - 8] . وقد ورد في الكلام على هاتين الآيتين، في إحدى الروايتين: فإذا فرغت من صلاتك، فانصب إلى ربك في الدعاء وسله حاجتك. نقل هذا ابن جرير الطبري (92) في تفسيره وابن أبي حاتم (93) ، والسمعاني (94) ، والقرطبي (95) ، وابن الجوزي (96) ، وابن كثير (97) ، والشوكاني (98) ، والسعدي، وغيرهم من المفسرين. قال السعدي رحمه الله في تفسير هاتين الآيتين: {فإذا فرغت فانصب} أي إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه فاجتهد في العبادة والدعاء. {وإلى ربك} وحده {فارغب} أي أعظم الرغبة في إجابة دعائك، وقبول دعواتك ولا تكن ممن إذا فرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره، فتكون من الخاسرين. وقد قيل: إن معنى هذا: فإذا فرغت من الصلاة، وأكملتها فانصب في الدعاء. {وإلى ربك فارغب} في سؤال مطالبك. واستدل من قال هذا القول على مشروعية الدعاء والذكر عقب الصلوات المكتوبات. والله أعلم (99) . انتهى. وأما من السنة، فعن أبي أمامة قال: قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال ((جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات)) . رواه الترمذي (100) وقال: هذا حديث حسن. وقد جاءت بذلك فتاوى العلماء قديماً وحديثاً: فمن القديم ما ذكره ابن مفلح قال: قال مهنا: سألت أبا عبد الله عن الرجل يجلس إلى القوم، فيدعو هذا، ويدعو هذا ويقولون له: ادع أنت. فقال: لا أدري ما هذا؟! أي: أنه استنكره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 وقال الفضل بن مهران: سألت يحيى بن معين وأحمد بن حنبل قلت: إن عندنا قوماً يجتمعون، فيدعون، ويقرأون القرآن، ويذكرون الله تعالى، فما ترى فيهم؟ قال: فأما يحيى بن معين فقال: يقرأ في مصحف، ويدعو بعد الصلاة، ويذكر الله في نفسه، قلت: فأخ لي يفعل ذلك. قال: أنهه، قلت: لا يقبل، قال: عظه. قلت: لا يقبل. أهجره؟ قال: نعم. ثم أتيت أحمد فحكيت له نحو هذا الكلام فقال لي أحمد أيضاً: يقرأ في المصحف ويذكر الله في نفسه ويطلب حديث رسول الله. قلت: فأنهاه؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يقبل؟ قال: بلى إن شاء الله، فإن هذا محدث، الاجتماع والذي تصف (101) . وقال الإمام الشاطبي في بيان البدع الإضافية ما نصه: ((كالجهر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان. فإن بينه وبين الذكر المشروع بوناً بعيداً إذ هما كالمتضادين عادة)) (102) . وقال ابن الحاج: ((ينبغي أن ينهى الذاكرون جماعة في المسجد قبل الصلاة، أو بعدها، أو في غيرهما من الأوقات. لأنه مما يشوش بها)) (103) . وقال الزركشي: ((السنة في سائر الأذكار الإسرار. إلا التلبية)) (104) . جاء في (الدرر السنية) : ((فأما دعاء الإمام والمأمومين، ورفع أيديهم جميعاً بعد الصلاة، فلم نر للفقهاء فيه كلاماً موثوقاً به. قال الشيخ تقي الدين: ولم ينقل أنه (كان هو والمأمومون يدعون بعد السلام. بل يذكرون الله كما جاء في الأحاديث)) (105) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 وجاء في فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا ما يلي: ((ختام الصلاة جهاراً في المساجد بالاجتماع، ورفع الصوت، من البدع التي أحدثها الناس، فإذا التزموا فيها من الأذكار ما ورد في السنة، كانت من البدع الإضافية)) (106) . وقال في موضع آخر: ((إنه ليس من السنة أن يجلس الناس بعد الصلاة بقراءة شيء من الأذكار، والأدعية المأثورة، ولا غير المأثورة برفع الصوت وهيئة الاجتماع.. وأن الاجتماع في ذلك والاشتراك فيه ورفع الصوت بدعة)) (107) . وجاء في الفتاوى الإسلامية للشيخ ابن عثيمين: ((الدعاء الجماعي بعد سلام الإمام بصوت واحد لا نعلم له أصلاً على مشروعيته)) (108) . وقال الشيخ صالح الفوزان: ((البدع التي أحدثت في مجال العبادات في هذا الزمان كثيرة، لأن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع شيء منها إلا بدليل. وما لم يدل عليه دليل فهو بدعة ... ثم ذكر بعض البدع. وقال: ومنها الذكر الجماعي بعد الصلاة لأن المشروع أن كل شخص يقول الذكر الوارد منفرداً)) (109) . فأصل الدعاء عقب الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، وإنما يباح منه ما كان لعارض، قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: ((لو فرضنا أن الدعاء بهيئة الاجتماع وقع من أئمة المساجد في بعض الأوقات: للأمر يحدث عن قحط أو خوف من ملم لكان جائزاً.. وإذا لم يقع ذلك على وجه يخاف منه مشروعية الانضمام، ولا كونه سنة تقام في الجماعات، ويعلن به في المساجد كما دعا رسول الله دعاء الاستسقاء بهيئة الاجتماع وهو يخطب)) (110) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 وإنما كان هذا الدعاء بعد الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، مع ثبوت مشروعية الدعاء مطلقاً، وورود بعض الأحاديث بمشروعية الدعاء بعد الصلوات خاصة، وذلك لما قارنه من هذه الهيئة الجماعية، ثم الالتزام بها في كل الصلوات حتى تصير شعيرة من شعائر الصلاة. فإن وقع أحياناً فيجوز إذا كان من غير تعمد مسبق، فقد روي عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه أجاز الدعاء للإخوان إذا اجتمعوا بدون تعمد مسبق، وبدون الإكثار من ذلك حتى لا يصير عادة تتكرر (111) ، وقال شيخ الإسلام: ((الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن مستحب إذا لم يتخذ ذلك عادة راتبة كالاجتماعات المشروعة ولا اقترن به بدعة منكرة)) (112) وقال: ((أما إذا كان دائماً بعد كل صلاة فهو بدعة، لأنه لم ينقل ذلك عن النبي (والصحابة والسلف الصالح)) (113) . المبحث السادس: مفاسد الذكر الجماعي سبق الإشارة إلى بعض مفاسد الذكر الجماعي باختصار ضمن المبحث الرابع. ونظراً لأهمية هذه المسألة فقد أفردتها بهذا المبحث المستقل. فأقول - مستعيناً بالله - إن من مفاسد الذكر الجماعي: الأولى: مخالفة هدي النبي (وأصحابه رضي الله عنهم، فإنهم لم ينقل عنهم شيء من ذلك. ولا شك أن ما خالف هدي النبي (وهدي أصحابه الكرام رضي الله عنهم، فهو بدعة ضلالة. ولو كان خيراً لفعله (، ولتبعه في ذلك الصحابة الكرام، ولنقل ذلك عنهم ولا شك. فلما لم ينقل ذلك عنهم دل على أنهم لم يفعلوه. وما لم يكن ديناً في زمانهم فليس بدين اليوم. الثانية: الخروج عن السمت والوقار، فإن الذكر الجماعي قد يتسبب فيب التمايل، ثم الرقص، ونحو ذلك، وهذا لا يجوز بحال، بل هو منافٍ للوقار الواجب عند ذكر الله تعالى، وحال أهل الطرق الصوفية معروف في هذا الباب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 الثالثة: التشويش على المصلين، والتالين للقرآن، وذلك إذا كان الذكر الجماعي في المساجد. ولاشك أن المجيزين له يعدون المساجد أعظم الأماكن التي يتم الالتقاء فيها للذكر الجماعي. الرابعة: أنه قد يحصل من الذاكرين تقطيع في الآيات، أو إخلال بها وبأحكام تلاوتها، أو بأذكار مما يجتمع عليها، كما لو أن أحدهم قد انقطع نَفَسُه ثم أراد إكمال الآية فوجد الجماعة قد سبقوه، فيضطر لترك ما فاته واللحاق بالجماعة فيما يقرأون. أو أن يكون بعض القارئين مخلاً بالأحكام فيضطر المجيد للأحكام إلى مجاراتهم حتى لا يحصل نشاز وتعارض، ونحو ذلك. الخامسة: أن في الذكر الجماعي تشبهاً بالنصارى الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية جماعة وبصوت واحد. وهذا التشبه بأهل الكتاب مع ورود النهي الشديد عن موافقتهم في دينهم دليل واضح على عدم جواز الذكر الجماعي. السادسة: أن فتح باب الذكر الجماعي قد يؤدي إلى أن تتبع كل طائفة شيخاً معيناً يجارونه فيما يذكر، وفيما يقول، ولو أدى ذلك إلى ظهور أذكار مبتدعة، ويزداد التباعد بين أرباب هذه الطرق يوماً بعد يوم؛ لأن السنة تجمع، والبدعة تفرق السابعة: أن اعتياد الذكر الجماعي قد يؤدي ببعض الجهال والعامة إلى الانقطاع عن ذكر الله إذا لم يجد من يشاركه، وذلك لاعتياده الذكر الجماعي دون غيره. ولاشك أن للذكر الجماعي مفاسد أخرى، وفيما ذكرت كفاية،،،، ولله الحمد. • • • الخاتمة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1 فمن خلال هذا البحث، وما ورد فيه، يتبين لنا أن الذكر الجماعي ليس له أصل في دين الله تعالى، إذ لم ينقل عن النبي (ولا عن الصحابة الكرام أنهم كانوا يذكرون الله جماعة، ولم يفعله السلف الصالح رضي الله عنهم، بل أنكروا على من فعل ذلك، ولم تنتشر هذه البدعة إلا بقوة السلطان، وذلك على يد المأمون بن هارون الرشيد، لما أمر به ودعا إليه ثم اعتاده الناس، وشاع بينهم حتى أصبح عندهم كالفريضة. وقد احتج أصحاب هذه البدعة بنصوص عامة لا تسعفهم صراحة عند الاستدلال بها. وقد استدلوا كذلك بمصالح - ادعوها - للذكر الجماعي، وقد سقنا - والحمد لله - الجواب عن حججهم، بل وذكرنا بعضاً من مفاسد هذه البدعة في مبحث مستقل خلال هذا البحث، وبينا بعضاً من أضرارها على صاحبها، وعلى غيره. وأسأل الله أن أكون قد وفقت في إخراج هذا البحث، وما كان فيه من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمني، والله ورسوله منه براء، وأسأل الله القبول، والحمد لله رب العالمين. الحواشي والتعليقات هذه خطبة الحاجة التي كان النبي (يستفتح بها خطبه، رواها الإمام أحمد في المسند (1 / 392 - 293) وأبو داود (2118) ، والترمذي (1105) ، وابن ماجه (1892) . وأخرج بعضها الإمام مسلم في صحيحه (867) و (868) وللشيخ الألباني رسالة مطبوعة في إثبات صحتها عن النبي (وقد صححها كذلك في صحيح أبي داود (860) وصحيح ابن ماجه (1535) ، وفي تخريج مشكاة المصابيح 3149) . انظر: تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي (1 / 246) . أخرجه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) من حديث عائشة. انظر: تفسير السعدي المسمَّى (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن) (6 / 609) ، ط مؤسسة السعيدية بالرياض. القاموس المحيط (507) ، لسان العرب لابن منظور (5 / 48) . مفردات الراغب (328) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 انظر: الموسوعة الفقهية (21 / 220) ، والفتوحات الربانية (1 / 18) . الموسوعة الفقهية (21 / 252) . تاريخ الأمم والملوك (10 / 281) . البداية والنهاية (10 / 282) . دراسات في الأهواء (ص 282) . انظر: الإبداع في مضار الابتداع (317) . الإبداع في مضار الابتداع (316) . الإبداع في مضار الابتداع (317) . السنن والمبتدعات (60) ، وعلم أصول البدع (151) . السنن والمبتدعات (60) . انظر: علم أصول البدع (151) . إصلاح المساجد (ص 111) . مسك الختام في الذكر والدعاء بعد السلام (123) . الحوادث والبدع (126) . تقديس الأشخاص (3361) . تقديس الأشخاص (1 / 336) . البدع وما لا أصل له (ص 425) . التحقيق والإيضاح لكثير من مناسك الحج والعمرة (35) . مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف للألباني (63) رقم (166) . انظر: حجج من أجاز الذكر الجماعي في كتاب (نتيجة الفكر في الجهر بالذكر) للسيوطي (2 / 23 - 29) مطبوع ضمن الحاوي للفتاوي وكتاب صفة صلاة النبي (لحسين السقاف (ص 244 - 257) . البخاري (6408) ، ومسلم (2689) عن أبي هريرة. فتح الباري (11 / 212) . رواه أحمد في المسند (4 / 124) ، والطبراني في الكبير (7 / 290 ح 7163) . انظر الموقظة للذهبي (ص 83) . البخاري (7405) ، ومسلم (2657) عن أبي هريرة. ما جاء في البدع (ص 48 رقم 25) . مسلم (2701) عن معاوية. أخرجه أبو داود (3667) وهو في صحيح أبي داود (3114) . تفسير ابن أبي حاتم (3 / 1048) . تفسير ابن جرير (4 / 438 ح 12081) . تقريب التهذيب (401) . سير أعلام النبلاء (5 / 206) . البخاري (2 / 225، 226) ، ومسلم (ح 392) في الصلاة، وأبو داود (ح 836) ، والنسائي (2 / 233) . المعجم الكبير (قطعة من جزء 13 رقم 324) من طريق فضيل بن سليمان عن محمد بن أبي يحيى، وسنده ضعيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 انظر: تهذيب الكمال وحاشيته (23 / 274، 275) . عمل اليوم والليلة لابن السني (ص 53) . تقريب التهذيب (193) . تحفة الأحوذي شرح الجامع للترمذي (1 / 246) . مصنف ابن أبي شيبة (1 / 337) . المحلى لابن حزم (4 / 261) . جامع الترمذي بشرح تحفة الأحوذي (1 / 299) ؛ ومسند أحمد (3 / 229 - 230) . جامع الترمذي بشرح تحفة الأحوذي (1 / 299) . تقريب التهذيب (1 / 317 / 3757) . أخرجه البخاري تعليقاً مجزوماً به (الفتح 2 / 534) ، وابن المنذر في الأوسط (4 / 299 / رقم 2197) والبيهقي في السنن الكبرى (3 / 312) . قال ابن حجر في الفتح (2 / 535) : ((وصله سعيد بن منصور من رواية عبيد بن عمير، ووصله أبو عبيد من وجه آخر بلفظ التعليق، ومن طريقه البيهقي)) وذكر ابن حجر نفس الكلام في تغليق التعليق (2 / 379) . أخرجه البخاري تعليقاً مجزوماً به (الفتح 2 / 534) . قال ابن حجر في الفتح (2 / 535) : ((وقد وصل هذا الأثر أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب العيدين)) . وهذه المصالح التي زعموها ذكرها الشاطبي في الاعتصام (1 / 461) وما بعدها. المرجع السابق (1 / 460) . القواعد والأصول الجامعة (ص 25) . هذه من الحجج التي احتج بها بعض الناس في إثبات كثير من المحدثات. انظر: علم أصول البدع ص 246. يعني الأثر الذي رواه الدارمي، والذي فيه إنكاره الذكر الجماعي. وكذلك وردت آثار أخرى عنه ذكر فيها إنكاره الذكر الجماعي كما في البدع لابن وضاح. الحاوي للفتاوي (2 / 132) . الاعتصام (1 / 219) . الفتاوى الكبرى (2 / 467) . ما جاء في البدع لابن وضاح (54) ، وابن أبي شيبة في المصنف (8 / 558) . وسنده حسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 الدارمي (1 / 68 - 69) بإسناد جيد، وابن وضاح في البدع (ص 8 - 10، 11، 12، 13) من عدة طرق عن ابن مسعود. وابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص 16 - 17) ، وأورده السيوطي في الأمر بالاتباع (ص 83 - 84) قال محقق كتاب (الأمر بالاتباع) للسيوطي: ((والأثر صحيح بمجموع طرقه)) . العمالقة: الجبابرة الذين كانوا بالشام من بقية قوم عاد. ويقال لمن خدع الناس ويخلبهم: عملاق، والعملقة: التعمق في الكلام. فشبَّه القصاص بهم لما في بعضهم من الكبر والاستطالة على الناس. أو بالذين يخدعونهم بكلامهم. وهو أشبه. قاله ابن الأثير في النهاية (3 / 301) . ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص 32 رقم 32) ، وابن أبي شيبة في المصنف (8 / 559) . كتاب الحوادث والبدع للطرطوشي ص 62، 63 - 68. فتاوى الشاطبي ص (206 - 208) . أخرجه: البخاري (2697) ، ومسلم (1718) عن عائشة. أخرجه أبو داود (1332) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1183) وفي صحيح الجامع الصغير (2639) ونسبه لأحمد والحاكم والبيهقي وابن خزيمة. الحلية (3 / 313) . الفتح (11 / 250) . تحفة الأحوذي (9 / 314) . مجمع الفتاوى (11 / 533) . أي التي تدل على فضل مجالس الذكر والاجتماع عليه. الحوادث والبدع ص 166. انظر: الاعتصام للشاطبي (1 / 461) بتصرف. الاعتصام (1 / 460) . علم أصول البدع ص 246. ما جاء في البدع (ص 400 وما بعدها) رقم (9، 17، 18، 19، 20، 23) . الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص 83) . البدع المنكرة (ص 47) . المصدر السابق (ص 47 - 48) . المصدر السابق (ص 48 - 49) . بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1 / 196) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 أخرجه الإمام أحمد في المسند (3 / 44) ، وأبو يعلى في مسنده (2 / 81) (731) ، وابن حبان في صحيحه (3 / 91) (809) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10 / 81) وقال: ((رواه أحمد وأبو يعلى، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن لبيب، قد وثقه ابن حبان ... وضعفه ابن معين وبقية رجاله رجال الصحيح)) . تحفة الأحوذي شرح الجامع للترمذي (1 / 246) . الدر الثمين والمورد المعين، للشيخ محمد بن أحمد ميارة المالكي (ص 173، 212) . الاعتصام، للشاطبي (2 / 275) ، بتصرف. الأم، للشافعي (1 / 111) . المجموع للنووي (3 / 465 - 469) . كتاب التحقيق للنووي (219) . كمال في كتاب مسك الختام (137 - 141) . المغني لابن قدامة (2 / 251) . مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22 / 515) . تفسير الطبري (12 / 628 - 629) . تفسير ابن أبي حاتم (10 / 3446) . تفسير السمعاني (6 / 252) ، ط دار الوطن. تفسير القرطبي (20 / 74) ، ط دار الكتب العلمية. تفسير ابن الجوزي (9 / 166) ، ط المكتب الإسلامي. تفسير ابن كثير (4 / 497) ، ط دار الكتب العلمية. تفسير الشوكاني (5 / 462) ، ط دار الوفاء. تيسير الكريم الرحمن (859) ، ط مؤسسة الرسالة. الترمذي (5 / 526 / ح 3499) ، وأبو داود (2 / 25) . الآداب الشرعية (2 / 75) . الاعتصام (4 / 318) . إصلاح المساجد للقاسمي (ص 111) . إصلاح المساجد للقاسمي (ص 111) . الدرر السنية (4 / 356) . (4 / 358) . (4 / 359) . (4 / 318) . الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد (ص 389) . الاعتصام للشاطبي (2 / 23) . الاقتضاء (304) . الاقتضاء (304) . الفتاوى الكبرى المصرية (1 / 188) ، مجموع الفتاوى (22 / 492) ، اقتضاء الصراط المستقيم (203) المصادر والمراجع إصلاح المساجد، للقاسمي. ط المكتب الإسلامي، بيروت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 اقتضاء الصراط المستقيم، لابن تيمية. ط بيروت، ت: محمد حامد الفقي، وطبعة أخرى تحقيق: د. ناصر العقل. الآداب الشرعية، لابن مفلح. ط بيروت. الإبداع في مضار الابتداع، لعلي محفوظ. ط دار الاعتصام بمصر. الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، لصالح الفوزان. ط دار العاصمة، الرياض. الاعتصام، للشاطبي. ط بيروت. الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع، للسيوطي. ط دار ابن القيم، الدمام، وطبعة أخرى مصرية. الأم، للشافعي. ط دار الشروق، بيروت. الأوسط، لابن المنذر. ط دار طيبة، الرياض. بدائع الصنائع، للكاساني. ط دار الكتاب العربي، بيروت. البداية والنهاية، لابن كثير. ط مكتبة المعارف، بيروت. البدع المنكرة، د. وهبة الزحيلي. ط دمشق. تاريخ الأمم والملوك، للطبري. دار سويدان، بيروت. تحفة الأحوذي، للمباركفوري. ط دار الكتاب العربي. تفسير القرآن العظيم، لابن كثير. ط دار الفكر. تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي لمحمد أحمد نوح. ط دار الهجرة بالدمام. تقريب التهذيب، لابن حجر. ط دار الرشيد، وط دار المعرفة. تيسير الكريم المنان، السعدي. ط السعيدية، وط الرسالة. التحقيق والإيضاح لكثير من مناسك الحج والعمرة، لعبد العزيز بن باز. ط الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض. الجامع الصحيح (سنن الترمذي) . ط دار الكتب العلمية. الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم. ط دار الكتب العلمية. حلية الأولياء، لأبي نعيم الاصبهاني. ط دار الكتب العلمية. الحاوي للفتاوي، للسيوطي. ط المكتب الإسلامي. الحوادث والبدع. ط دار الراية بالرياض. دراسات في الأهواء، د. ناصر العقل، ط دار الوطن. الدر الثمين والمورد المعين، لمحمد بن أحمد ميارة المالكي. الدرر السنية، جمع ابن قاسم. ط بيروت. سير أعلام النبلاء، للذهبي. ط مؤسسة الرسالة. السنن، لابن ماجه. ط دار الفكر العربي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 السنن، لأبي داود. ط دار الكتاب العربي، وط دار الحديث، سوريا. السنن، للدارمي. ط بيروت. السنن، والمبتدعات للشقيري. ط القاهرة. السنن الكبرى، البيهقي. ط دار المعرفة، بيروت. صحيح البخاري، للبخاري. ط مصطفى البغا. صحيح سنن ابن ماجة، الألباني. ط مكتب التربية العربي. صحيح سنن أبي داود، الألباني. ط مكتب التربية العربي. صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج. ط الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض. علم أصول البدع، علي عبد الحميد. ط دار الراية، الرياض. عمل اليوم والليلة، لابن السني. ت: أبي محمد السلفي، ط دار المعرفة، بيروت. عون المعبود، لشمس الحق العظيم آبادي. ط مكتبة ابن تيمية، القاهرة. فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا. ط بيروت. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني. ط السلفية، وط الريان. الفتاوى الإسلامية، لابن عثمين. ط دار الوطن. الفتاوى الكبرى المصرية، لابن تيمية. ط دار المعرفة. الفتوحات الربانية، لابن علان. ط دار إحياء التراث، بيروت. القاموس المحيط، للفيروزآبادي. ط مؤسسة الرسالة، بيروت. القواعد والأصول الجامعة، للسعدي. ط بيروت. كتاب التحقيق، للنووي. ط بيروت. كتاب الضعفاء والمتروكين، للنسائي. ط مؤسسة الكتب الثقافية، وط دار القلم. الكتاب المصنف، لابن أبي شيبة. ط الدار السلفية، الهند، وط بيروت. لسان العرب، لابن منظور. ط المؤسسة المصرية العامة للتأليف. وط دار صادر. لسان الميزان، لابن حجر. ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت. اللؤلؤ والمرجان. ط دار الحديث، القاهرة. ما جاء في البدع، لابن وضاح. تحقيق: البدر، ط دار الصميعي، وط دار الكتب العلمية. مجموع فتاوى شيخ الإسلام، لابن تيمية. ط مؤسسة الرسالة. مسك الختام في الذكر والدعاء بعد السلام، لأحمد بن سعيد الأنبالي، دار ابن حزم، بيروت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 مناسك الحج والعمرة، للألباني. ط بيروت. ميزان الاعتدال، للذهبي. ط دار المعرفة، بيروت. المجموع، للنووي. ط مكتبة ابن تيمية. المحلى، لابن حزم. ط دار الآفاق الجديدة. المسند، للإمام أحمد بن حنبل. ط المكتب الإسلامي. المغني، لابن قدامة. ط دار هجر بمصر. المفردات، للراغب. ط دار المعرفة، بيروت، وطبعة أخرى. الموسوعة الفقهية. ط وزارة الأوقاف والشئون الإسلامة، الكويت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 قواعد مهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء الكتاب والسنة د. حمود بن أحمد الرحيلي الأستاذ المشارك بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ملخص البحث يتضمن بحث “ قواعد مهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء الكتاب والسنة ” أهمية الموضوع وخطة البحث، ومنهجي في البحث، وسبع قواعد، وقد جاءت القواعد على النحو التالي: القاعدة الأولى: الشرع هو الأصل في تقرير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. القاعدة الثانية: العلم والبصيرة بحقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. القاعدة الثالثة: معرفة شروط إنكار المنكر. وهذه الشروط هي: 1 - التحقق من كونه منكراً. 2 - أن يكون المنكر موجوداً في الحال، وله ثلاث حالات، ولكل حالة ما يناسبها. 3 - أن يكون ظاهراً من غير تجسس مالم يكن مجاهراً. 4 - أن يكون الإنكار في الأمور التي لا خلاف فيها. القاعدة الرابعة: معرفة إنكار المنكر. وجاءت كما يلي: المرتبة الأولى: الإنكار باليد وشروطه. المرتبة الثانية: الإنكار باللسان وضوابطه. المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب. القاعدة الخامسة: تقديم الأهم على المهم. القاعدة السادس: اعتبار تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتعطيلها أو تقليلها. القاعدة السابعة: التثبت في الأمور وعدم العجلة. ثم خاتمة اشتملت على أهم نتائج البحث، بالإضافة إلى قائمة لأهم المصادر والمراجع العلمية، وفهرس بالموضوعات علماً أني لم أقف على من أفرد هذا البحث بهذا الاسم على حد علمي، وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. • • • الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. {يا أَيُها الذَّينَ آمَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأنْتُمْ مُسْلِمُون} (1) . {ياأَيُها النَّاسُ اتَّقُوا ربَكُمُ الذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الذِي تَسَاءَلُوَنَ بِهِ وَالأرَحَامَ إنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْبَاً} (2) . {يَاأيُهَا الذَّينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيْداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوْبَكُمْ وَمَنْ يُطِعَ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فُوْزَاً عَظِيْمَاً} (3) . أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد (، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبعد: فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل عظيم من أصول الإسلام، ولا شك أن صلاح العباد في معاشهم ومعادهم متوقف على طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله (، وتمام الطاعة متوقف على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُوْنَ بِالله} (4) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 وقد أولى القرآن الكريم والسنة النبوية هذا الأمر أهمية بالغة، ففيه تحقيق الولاية بين المؤمنين. قال تعالى {وَالمؤْمِنُونَ وَالمؤْمِنُاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمعْرُوفِ وَيَنْهُونَ عَنِ المنْكَرِ وَيُقِيْمُونَ الصَّلاةَ وُيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيْعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيْزٌحَكِيْم} (1) . وهو من أسباب النصر على الأعداء،والتمكين في الأرض. قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيْزٌ. الذِيْنَ إِنْ مَّكَّنَّهُمْ في الأرَضِ أَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالمعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ المنْكَرِ ولِلهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (2) . وفيه الأمن من الهلاك، والمحافظة على صلاح المجتمعات، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال النبي (: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استَهَموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)) (3) . وفيه دفع العذاب عن العباد. قال تعالى {لُعِنَ الذِيَنَ كَفَرُواْ مِنْ بَنِي إِسْرَائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَكَانُواْ يعتدون.كَانُواْ لا يَتَنَاهونَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (4) . وهو مطلب مهم لمن أراد النجاة لنفسه. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أُوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدَاً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (5) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 وفيه التوفيق للدعاء والاستجابة. فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي (قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ اللهُ أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم)) (1) . والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مكفرات الذنوب والخطايا، ففي الحديث الصحيح عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله (يقول: ((فتنة الرجل في أهله، وماله، ونفسه، وولده، وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (2) . والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب الظفر بعظيم الأجور، وتكثير الحسنات، قال تعالى: {لا خَيْرَ في كَثِيْرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} (3) . وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحيا السنن وتموت البدع، ويضعف أهل الباطل والأهواء، وهو من أبرز صفات المؤمنين وسماتهم، ومن أعظم الوسائل لقوتهم وتماسكهم، والغفلة عنه أو التهاون فيه، أو تركه، يجر من المفاسد الكثيرة، والأضرار الجسيمة. إلى غير ذلك من الفوائد والثمرات الكثيرة المترتبة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 وإنه على الرغم من كثرة الكتابات التي تناولت موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن هناك جوانب – في نظري – تحتاج إلى المزيد من الدراسة والعناية، وفي مقدمتها القواعد والضوابط التي تحكم طريقة القيام بهذا الواجب كما بينها العلماء على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة. لأن كثيراً ممن يريد القيام بهذا العمل لا يفقه أيسر الأسس التي يقوم عليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتجد بعضاً من الدعاة يأمر وينهى بغير علم، ويفتي بدون دليل، وبعضاً منهم يدعو إلى الفضائل والأخلاق، وهو يرى الشرك متأصلاً في أفعال الناس وأقوالهم، فلا يحرك لذلك ساكناً، ولا يصحح عقيدتهم، مع أن البدء بإصلاح عقائد الناس هو الأولى والأهم. وبعضاً من الدعاة يريد تغيير المنكر بيده وهو ليس أهلاً لذلك. وبعضاً لا يتثبت في الأمور، أو يكون قليل الصبر والتحمل، فيستعجل النتائج. فهؤلاء وأمثالهم –ممن خالف نهج النبي (في دعوته وفي أمره ونهيه – يسيئون إلى الإسلام، وإلى الدعوة، وإلى الناس، وإلى أنفسهم أيضاً. وبذلك يكون فسادهم أكثر من إصلاحهم. ... لذا فقد رغبت في تناول هذا الموضوع تحت مسمى ((قَوَاعِدُ مُهِمَّةٍ فَي الأمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهِيْ عَنِ المُنْكَرِ عَلى ضَوءِ الكِتَابِ والسُّنَةِ)) ، وإن كنت قصير الباع، قليل البضاعة في هذا الشأن، وإنما قصدت المشاركة،ولفت انتباه الدعاة إلى الله إلى العناية بهذا الأمر، والاهتمام به. خطة البحث: وقد اشتمل البحث على مقدمة وسبع قواعد وخاتمة. اشتملت المقدمة على أهمية الموضوع والخطة ومنهجي في البحث. وجاءت القواعد على النحو التالي: القاعدة الأولى: الشرع هو الأصل في تقرير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. القاعدة الثانية: العلم والبصيرة بحقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. القاعدة الثالثة: معرفة شروط إنكار المنكر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 القاعدة الرابعة: معرفة مراتب إنكار المنكر. القاعدة الخامسة: تقديم الأهم على المهم. القاعدة السادسة: اعتبار المصالح ودرء المفاسد. القاعدة السابعة: التثبت في الأمور وعدم العجلة. وأما الخاتمة فقد أوجزت فيها أهم نتائج البحث. منهجي في البحث: هذا وقد عزوت الآيات الكريمة إلى السور مع ترقيمها، كما خرجت الأحاديث النبوية التي ذكرتها في البحث، وإذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما، فإني قد اكتفي بتخريجه منهما أو من أحدهما لتلقي الأمة لهما بالقبول. وشرحت معاني الكلمات الغريبة - في نظري -. كما عزوت ما تناولته في البحث إلى المصادر والمراجع التي رجعت إليها. وقد حرصت على سهولة العبارة، ودقة التعبير، مع الاختصار، وعدم الإطالة ما أمكن. ثم ألحقت بالبحث قائمة بأسماء المصادر والمراجع مرتبة حسب حروف الهجاء، مبيناً اسم المؤلف، والطبعة وتاريخ النشر ما أمكن، وقائمة أخرى بالموضوعات. وأسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت فيما كتبت، وأن يتجاوز عن النقص والتقصير، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلَّى اللهُ وسلَّم على نَبِيِّنا محمَّد وعلى آلهِ وصحْبِهِ أجمَعِين. • • • القاعدة الأولى: الشرع هو الأصل في تقرير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ... إن الميزان في كون الشيء معروفاً أو منكراً هو كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وسنة رسوله الثابتة عنه (، وما كان عليه السلف الصالح لهذه الأمة، وليس المراد ما يتعارف عليه الناس أو يصطلحون عليه مما يخالف الشريعة الإسلامية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 .. فما جاء الأمر به في الكتاب والسنة، أو الندب إليه والحث عليه، أو الثناء على أهله، أو الإخبار بأنه مما يحبه الله تعالى ويرضاه، ويكرم أهله بالثواب العاجل والآجل، فهو من المعروف الذي يؤمر به. وما ورد النهي عنه في الكتاب والسنة، والتحذير منه، وبيان عظيم ضرره، وكبير خطره في الدنيا والآخرة، أو جاء ذم أهله ووعيد فاعله بالسخط والعذاب والخزي والعار، ودخول النار ونحو ذلك فهو من المنكر الذي ينهى عنه (1) . ... قال ابن منظور: (وقد تكرر ذكر المعروف في الحديث، وهو اسم جامع لكل ما عُرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع) (2) . وقال ابن الأثير: (والمنكر ضد المعروف وهو كل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه فهو منكر) . (3) وذكر ابن حجر عن أبي جمرة (4) : (يطلق اسم المعروف على ما عرف بأدلة الشرع من أعمال البر، سواء جرت به العادة أم لا) (5) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (الأمر والنهي من لوازم وجود بني آدم، فمن لم يأمر بالمعروف الذي أمر الله به ورسوله، وينه عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، ويُؤمر بالمعروف الذي أمر الله به.. ورسوله، ويُنهى عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، وإلا فلا بد أن يأمر وينهى، ويُؤمر ويُنهى، إما بما يضاد ذلك، وإما بما يشترك فيه الحق الذي أنزله الله بالباطل الذي لم ينزله الله، وإذا اتخذ ذلك ديناً: كان مبتدعاً ضالاً باطلاً) (6) . وقال ابن حجر الهيثمي: (المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بواجب الشرع، والنهي عن محرماته) (7) . ويصف الإمام الشوكاني - رحمه الله - أفراد الأمة الإسلامية بقوله: (إنهم يأمرون بما هو معروف في هذه الشريعة، وينهون عما هو منكر، فالدليل على كون ذلك الشيء معروفاً أو منكراً هو الكتاب والسنة) (8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 ومن هذا يتبين لنا أن كون الشيء معروفاً أو منكراً ليس من شأن الآمر والناهي، وإنما يعود ذلك إلى ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله (، على فهم السلف الصالح لهذه الأمة من اعتقاد أو قول أو فعل. القاعدة الثانية: العلم والبصيرة بحقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: من القواعد العامة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن يكون الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر عالماً بما يأمر به وبما ينهى عنه،.. يعلم ما هو المنهي عنه شرعاً حتى ينهى عنه، ويعلم ما هو المأمور به شرعاً حتى يأمر الناس به، فإنه إن أمر ونهى بغير علم فإن ضرره يكون أكثر من نفعه، لأنه قد يأمر بما ليس بمشروع، وينهى عما كان مشروعاً وقد يحلل الحرام ويحرم الحلال وهو لا يدري.. (1) ولأهمية العلم النافع أمر الله به، وأوجبه قبل القول والعمل، فقال تعالى: {فَاْعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلمُؤْمِنِينَ وَالمؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُم} (2) . وقد بوب الإمام البخاري – رحمه الله – لهذه الآية بقوله: (باب العلم قبل القول والعمل) (3) . وذلك أن الله أمر نبيه بأمرين: بالعلم، ثم بالعمل، والمبدوء به العلم في قوله تعالى: {فَاْعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ} ، ثم أعقبه بالعمل في قوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} ، فدل ذلك على أن مرتبة العلم مقدمة على مرتبة العمل، وأن العمل شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو مقدم عليهما، لأنه مصحح للنية المصححة للعمل (4) . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عند حديثه عن شروط الأمر والنهي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 (ولا يكون عمله صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه.. وهذا ظاهر فإن العمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً، واتباعاً للهوى وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام فلا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، ولا بد من العلم بحال المأمور وحال المنهي) (1) . وأضاف يقول: وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعاً ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد (لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به، فقيها فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه) (2) . ويقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – مخاطباً الداعية إلى الله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر: (أن تكون على بينة في دعوتك أي على علم، لا تكن جاهلاً بما تدعو إليه {قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلى اللهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ} (3) . فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإياك أن تدعو على جهالة، وإياك أن تتكلم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدم ولا يبني ويفسد ولا يصلح، وإياك أن تقول على الله بغير علم، لا تدع إلى شىء إلا بعد العلم به، والبصيرة بما قاله الله ورسوله والبصيرة هي العلم، فعلى طالب العلم وعلى الداعية أن يتبصر فيما يدعو إليه، وأن ينظر فيما يدعو إليه ودليله، فإن ظهر له الحق وعرفه دعا إلى ذلك، سواء كان ذلك فعلاً أو تركاً، يدعو إلى الفعل إذا كان طاعة لله ورسوله، ويدعو إلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله على بينة وبصيرة) (4) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 وأكد فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين – حفظه الله – على أهمية العلم والبصيرة للداعية إلى الله الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر فقال: (وإن أول زاد يتزود به الداعية إلى الله عز وجل أن يكون على علم مستمد من كتاب الله وسنة رسوله (الصحيحة المقبولة، وأما الدعوة بدون علم فإنها دعوة على جهل، والدعوة على جهل ضررها أكبر من نفعها، لأن الداعية قد نصب نفسه موجهاً ومرشداً، فإذا كان جاهلاً، فإنه يكون ضالاً مضلاً، والعياذ بالله. ثم قال: تأمل أيها الداعية إلى لله قول الله تعالى {عَلَى بَصِيْرَةٍ} أي على بصيرة في ثلاثة أمور: 1- على بصيرة فيما يدعو إليه بأن يكون عالماً بالحكم الشرعي فيما يدعو إليه، لأنه قد يدعو إلى شىء يظنه واجباً وهو في شرع الله غير واجب، فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، وقد يدعو إلى ترك شىء يظنه محرماً وهو في دين الله غير محرم،فيحرم على عباد الله ما أحل الله لهم. 2- على بصيرة من حالة المدعو، ولهذا لما بعث النبي (معاذاً إلى اليمن قال له: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب..الحديث (1) . 3- على بصيرة في كيفية الدعوة قال تعالى: {اُدْعُ إِلَى سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةٍ وَالموعِظَةِ الحَسَنةٍ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ} (2) . ... وإذا كان تزود الداعية بالعلم الصحيح المبني على كتاب الله وسنة رسوله (هو مدلول النصوص الشرعية، فإنه كذلك مدلول العقول الصريحة التي ليس فيها شبهات ولا شهوات، لأنك كيف تدعو إلى الله عز وجل وأنت لا تعلم الطريق الموصل إليه، وإذا كنت لا تعرف شريعته فكيف يصح أن تكون داعية؟ فإذا لم يكن الإنسان ذا علم فإن الأولى به أن يتعلم أولاً ثم يدعو ثانياً، قد يقول قائل: هل قولك هذا يعارض قول الرسول (( (بلغوا عني ولو آية)) (3) ؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 فالجواب: لا، لأن الرسول (يقول: ((بلغوا عني)) إذاً فلا بد أن يكون ما نبلغه قد صدر عن رسول الله (، هذا ما نريده ولسنا عندما نقول إن الداعية محتاج إلى العلم لسنا نقول إنه لا بد أن يبلغ شوطا بعيداً في العلم، ولكننا نقول لا يدعو إلا بما يعلم فقط، ولا يتكلم بما لا يعلم (1) أ. هـ. القاعدة الثالثة: معرفة شروط إنكار المنكر: إنَّ لإنكار المنكر شروطاً يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يعرفها ويراعيها عند إزالته للمنكر، حتى لا يقع أثناء تغييره للمنكر في منكر مساوٍ أو أكبر منه، وهذه الشروط هي (2) : 1) التحقق من كونه منكراً: والمنكر كل ما نهى عنه الشارع سواء كان محرما أو مكروهاً، وكلمة المنكر في باب الحسبة (3) تطلق على كل فعل فيه مفسدة أو نهت عنه الشريعة، وإن كان لا يعتبر معصية في حق فاعله إما لصغر سنه أو لعدم عقله، ولهذا إذا زنا المجنون أو هم بفعل الزنا، وإذا شرب الصبي الخمر كان ما فعلاه منكراً يستحق الإنكار، وإن لم يعتبر معصية في حقهما لفوات شرطي التكليف وهما البلوغ والعقل (4) . ويندرج في المنكر جميع المنكرات سواء من صغائر الذنوب أم من كبائرها، وسواء أكانت تتعلق بحق الله تعالى أم بحق خلقه. ولكن ما يجب معرفته أن الذي يملك الحكم على الشئ بأنه منكر أو غير منكر هو الشرع، فليس هناك مجال للأهواء أو العواطف، أو الأغراض الشخصية، ودور العلماء في ذلك إنما هو استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، والأصول والقواعد المستوحاة منهما، ومن ثم الحكم على هذا الأمر بأنه منكر أو غير منكر بالدليل القاطع والحجة البينة. 2) أن يكون المنكر موجوداً في الحال. وله ثلاث حالات: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 الحالة الأولى: أن يكون المنكر متوقعاً كالذي يتردد مراراً على أسواق النساء، ويصوب النظر إلى واحدة بعينها، أو كشابِ يقف كل يوم عند باب مدرسة بنات ويصوب النظر إليهن، أو كالذي يتحدث بهاتف الشارع بصوت مرتفع مع امرأة ويحاول أن يرتبط معها بموعد،أو يسأل بكثرة عن كيفية تصنيع الخمر وطريقة تركيبه. فعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في هذه الحالات الوعظ، والنصح، والإرشاد، والتخويف بالله سبحانه وتعالى من عذابه وبطشه. الحالة الثانية: أن يكون متلبساً بالمنكر كمن هو جالس وأمامه كأس الخمر يشرب منه، أو كمن أدخل امرأة أجنبية إلى داره وأغلق الباب عليهما ونحو ذلك، ففي هذه الحال يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الإنكار عليه ونهيه من ذلك طالما أنه قادر على إزالة المنكر ولم يخف على نفسه ضرراً أو أذى. الحالة الثالثة: أن يكون فاعل المنكر قد فعله وانتهى منه ولم يبق إلا آثاره، كمن شرب الخمر وبقيت آثاره عليه أو من عرف أنه ساكن أعزب وخرجت من عنده امرأة أجنبية عنه، ونحو ذلك. ففي هذه الحال فليس هناك وقت للنهي أو التغيير، وإنما هناك محل للعقاب والجزاء على فعل المعصية. وهذا الأمر ليس من شأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر – المتطوع – وإنما هو من شأن ولي الأمر أو نائبه، فيرفع أمره للحاكم ليصدر فيه الحكم الموافق للشرع (1) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 وقد أشار الغزالى إلى هذه الحالات بقوله: (المعصية لها ثلاثة أحوال: أحدها: أن تكون متصرمة، فالعقوبة على ما تصرم منها حد أو تعزير، وهو إلى الولاة لا إلى الآحاد، الثانية: أن تكون المعصية راهنة، وصاحبها مباشر لها، كلبسه الحرير، وإمساك العود والخمر، فإبطال هذه المعصية واجب بكل ما يمكن ما لم تؤد إلى معصية أفحش منها أو مثلها، وذلك للآحاد والرعية، والثالثة: أن يكون المنكر متوقعاً، كالذي يستعد بكنس المجلس وتزيينه وجمع الرياحين لشرب الخمر وبعد لم يحضر الخمر، فهذا مشكوك فيه، إذ ربما يعوق عنه عائق فلا يثبت للآحاد سلطة على العازم على الشرب إلا بطريق الوعظ والنصح، فأما التعنيف والضرب فلا يجوز.. إلا إذا كانت المعصية علمت منه بالعادة المستمرة، وقد أقدم على السبب المؤدي إليها، ولم يبق لحصول المعصية إلا ما ليس له فيه إلا الانتظار) (1) . ويقول العلامة ابن نجيم في بحث التعزير: (قالوا لكل مسلم إقامته حال مباشرة المعصية، وأما بعد الفراغ منها – أي المعصبة – فليس ذلك لغير الحاكم) (2) . 3) أن يكون ظاهراً من غير تجسس ما لم يكن مجاهراً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 وذلك أن الإسلام ضمن للإنسان أن يعيش في المجتمع آمنا مطمئنا محترما موقرا طالما أنه سلك الطريق الصحيح المستقيم، أما إذا حاد عن الطريق فإن الإسلام جعل لكل أمر معوج ما يناسبه من الاصلاح والتقويم، ومن الأمور التي شرعها الإسلام لاحترام الإنسان وأمنه النهي عن التجسس عليه، فلا يجوز للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتسور الجدران أو يكسر الأبواب ليطلع على بيوت الناس ويتجسس عليهم ما لم يظهر شىء من ذلك، إذ أن الله تعالى نهانا أن ندخل البيوت إلا بأذن من أصحابها، والأصل في هذا قول الله تعالى: {يَاأَيُهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَّكَرُونَ} (1) . بل إن الإسلام حرم النظر إلى داخل البيوت من أحد الثقوب أو الفتحات، وأسقط الشارع الحكيم حد القصاص والدية عمن فعل ذلك، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال أبو القاسم – (-: ((لو أنَّ امرأً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح)) (2) . وإذا كان الإسلام حرم الدخول إلى بيوت الناس والنظر إلى داخلها بغير إذن، فإنه - أيضاً – حرم التجسس يقول سبحانه: {يَاأَيُهَا الْذِّينَ آَمَنُواْ اْجْتَنِبُواْ كَثِيْرَاً مِنَ الْظَّنِ إِنَّ بَعْضَ الْظَّنِ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُواْ وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً} (3) . وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله (قال ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً)) (4) . وعن معاوية –رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله (يقول: ((إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)) (5) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 أما إذا جاهر الشخص بمعصيته سواء كانت مرئية كأن يخرج عند بابه ويضع الفيديو إلى جواره وفيه أفلام خليعة.. أو كانت مسموعة كأن يضع بآلة التسجيل شريطا به غناء ماجن أو موسيقى وغير ذلك، أو كانت مشمومة كأن تظهر رائحة الخمر والمسكر بحيث يشمها من هو خارج المنزل أو قريباً منه، ويتكلم معه، فإنه إذا فعل ذلك يكون قد أضاع الحق الذي أعطاه الإسلام له، ويكون بذلك قد عرض نفسه للإهانة والردع (1) . فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله (حيث يقول: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين (2) وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه)) (3) . قال ابن بطال: (في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله – (–وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم..) (4) . ومن خلال ما تقدم من أدلة يبدو لي – والله أعلم- أن الأدلة الواردة في النهي عن التجسس إنما هي خاصة بمن لم يجاهر بالمعصية، أما من يعلن معصيته ويجاهر بها، فإنه يشرع للمحتسب الاحتساب عليه، وذلك لردعه وكف شره. يؤيد ذلك ما رواه الإمام مالك بن أنس عن زيد بن أسلم –رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – (– ((من أصاب من هذه القاذورات شيئاً، فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله)) (5) . 4) أن يكون الإنكار في الأمور التي لا خلاف فيها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 من الأمور اللازمة لنجاح الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتسع صدره لقبول الخلاف فيما يسوغ فيه الخلاف. وهناك مسائل فرعية ليست من الأصول يختلف فيها الناس كثيراً، وتتباين أقوالهم فيها، وهي في الحقيقة مما يجوز فيه الخلاف، فمثل هذه المسائل لا يكفر من خالف فيها، ولا يُنكر عليه،لأنها مما وسع الله فيها على عباده،قال تعالى {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِيَن. إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (1) يذكر الإمام الغزالى – رحمه الله- من شروط الحسبة (أن يكون كونه منكراً معلوماً بغير اجتهاد، فكل ما هو محل الاجتهاد فلا حسبة فيه) (2) . وروى أبو نعيم بسنده عن الإمام سفيان الثوري –رحمه الله- قوله: (إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه) (3) . ويستثني القاضي أبو يعلى من ذلك إذا كان الخلاف ضعيفاً في مسألة من المسائل، وقد يؤدي عدم الإنكار إلى محظور متفق عليه، إذ يقول: (ما ضُعف الخلاف فيه، وكان ذريعة إلى محظور متفق عليه كربا النقد.. فيدخل في إنكار المحتسب بحكم ولايته) (4) . وقال النووي في الروضة: (ثم إن العلماء إنما ينكرون ما أجمع على إنكاره، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأن كل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد ولا نعلمه، ولم يزل الخلاف بين الصحابة والتابعين في الفروع ولا ينكر أحد على غيره وإنما ينكرون ما خالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً) (5) . وبهذا يتبين لنا أن الخلاف على نوعين: إما أن يكون سائغاً، وإما أن يكون غير سائغ، فالخلاف السائغ يمنع من الاحتساب على رأي بعض العلماء، وأما الخلاف غير السائغ، أو الشاذ، كمن يخالف ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله (، أو ما أجمعت عليه الأمة، أو ما عُلم من الدين بالضرورة، فهذا خلاف لا يُعتد به ولا يلتفت إليه لعدم قيامه على الدليل، ويُنكر على من أتى به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 فالإنكار إنما يكون فيما يكون فيه الحق واضحاً، والأدلة بينة من الكتاب والسنة والإجماع، أما إذا خلت المسألة من ذلك، فإنه ليس للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الإنكار في المسائل المختلف فيها، كما أنه لا التفات إلى الخلاف الشاذ وأن الواجب في الأمور الاجتهادية لزوم البيان والمناصحة، من قبل من تبين له وجه الحق في شىء من تلك المسائل. القاعدة الرابعة: معرفة مراتب إنكار المنكر: من القواعد العامة التي تحكم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معرفة مراتب إنكار المنكر وضوابطها: وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون بقدر الاستطاعة، فإن استطاع المسلم تغيير المنكر باليد كان ذلك هو الواجب في حقه، فإن كان عاجزاً عن التغيير باليد، وكان بمقدوره النهي باللسان كان ذلك هو الواجب عليه، وإن كان عاجزاً عن التغيير باللسان وجب عليه الإنكار بالقلب وكراهية المنكر، وهذا في مقدور كل إنسان. والأصل في ذلك حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- مرفوعاً ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) (1) . وعن عبد الله ابن مسعود –رضي الله عنه- أن رسول الله (قال: ((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خُلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل..)) الحديث (2) . وفيما يلي مراتب إنكار المنكر: المرتبة الأولى: الإنكار باليد وشروطه: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 وهي أقوى مراتب الإنكار وأعلاها، وذلك كإراقة الخمر، وكسر الأصنام المعبودة من دون الله، ومنع من أراد الشر بالناس وظلمهم من تنفيذ مراده، وكإلزام الناس بالصلاة، وبحكم الله الواجب اتباعه ونحو ذلك. وذلك لمن كان له ولاية على مرتكب المنكر كالسلطان أو من ينيبه عنه كوالي الحسبة وموظفيه كل بحسب اختصاصه وكذا المسلم مع أهله وولده، يلزمهم بأمر الله، ويمنعهم مما حرم الله، باليد إذا لم ينفع فيهم الكلام يقوم بهذا حسب الوسع والطاقة (1) . وقد جاء في القرآن الكريم عن إبراهيم –عليه السلام -: {وَتَاللهِ لأكِيْدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ. فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلا كَبِيْرَاً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} (2) فإبراهيم – عليه السلام- كسر الأصنام بيده. وقال تعالى: {وَاْنظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الْذِّي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفَاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فَي الْيَمِّ نَسْفَاً} (3) ، فأخبر-سبحانه – عن كليمه موسى-عليه السلام – أنه أحرق العجل الذي عبد من دون الله ونسفه في اليم. وقد ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((دخل النبي صلى لله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوْقَاً} (4) (5) . وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – (– ((والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد)) (6) . وعن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: ((كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي ابن كعب من فضيخ زهو وتمر (7) فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها فهرقتها)) (8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- عن النبي-صلى اله عليه وسلم- ((أنه نزع خاتم ذهب من يد رجل آخر)) (1) . وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري –رضي الله عنه- أنه كان مع النبي – (– في بعض أسفاره، ((فأرسل رسولاً أن لا يبقينَّ في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قُطعت)) (2) . وعن عائشة –رضي الله عنها – ((أن النبي- (– لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه)) (3) . وعنها –رضي الله عنها – أنها كانت قد اتخذت على سهوة (4) لها ستراً فيه تماثيل فهتكه (5) النبي- (– فاتخذت منه نمرقتين، فكانتا في البيت يجلس عليهما)) (6) . فهذه بعض الأدلة ونظيرها كثير تدل على تغيير المنكر باليد، بالقول والفعل من الرسول (وصحابته الكرام – رضوان الله عليهم- ومن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ولكن التغيير للمنكر باليد لا يصلح لكل أحد وفي كل منكر، لأن ذلك يجر من المفاسد والاضرار الشىء الكثير، وإنما يكون ذلك لولي الأمر أو من ينيبه، مثل رجال الهيئات والحسبة، الذين نصبهم ولي الأمر للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكالرجل في بيته يغير على أولاده، وعلى زوجته وعلى خدمه، فهؤلاء يغيرون بأيديهم بالطريقة الحكيمة المشروعة (7) . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- (وليس لأحد أن يزيل المنكر بما هو أنكر منه، مثل أن يقوم واحد من الناس يريد أن يقطع يد السارق ويجلد الشارب، ويقيم الحدود، لأنه لو فعل ذلك لأفضى إلى الهرج والفساد، لأن كل واحد يضرب غيره ويدعي أنه استحق ذلك، فهذا ينبغي أن يقتصر فيه على ولي الأمر) (8) . المرتبة الثانية: الإنكار باللسان وضوابطه: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 وذلك حينما لا يستطيع من رأى المنكر تغييره بيده لعدم سلطته على مرتكبه، أو لما يترتب عليه من المفسدة المساوية أو الراجحة، فإنه ينتقل إلى التغيير باللسان، وذلك بتعريف الناس بالحكم الشرعي بأن هذا محرم ومنهي عنه، فقد يرتكب المنكر لجهله به، فيمكن تغيير المنكر عن طريق الوعظ، والنصح، والارشاد، والترغيب، والترهيب، والتقريع،والتعنيف ونحو ذلك من البيان. وهذه المرتبة يلتقي فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالدعوة إلى الله، فكلاهما بيان للحق وترغيب فيه، وتنبيه على الباطل، وتحذير منه، وتخويف وترهيب عنه، بما يناسب حال المخاطب ويقتضيه المقام (1) . خطوات تغيير المنكر باللسان: ولتغيير المنكر باللسان أربع خطوات: الخطوة الأولى: التعريف باللين واللطف: وذلك بأن يعرف مرتكب المنكر – إما بالإشارة أو التعريض حسب الموقف – بأن هذا العمل لا ينبغي أو حرام، وأنت لستَ ممن يفعل ذلك بالقصد، فأنت أرفع من ذلك، فإن الجاهل يقدم على الشىء لا يظنه منكراً، فإذا عرف أنه منكر تركه وأقلع عنه، فيجب تعريفه باللطف والحكمة والرفق واللين، حتى يقبل ولا ينفر. ويقال له مثلاً: إن الإنسان لا يولد عالماً ولقد كنا جاهلين بأمور الشرع حتى علمنا العلماء.. وهكذا يتلطف به ليحصل التعريف من غير إيذاء (2) . فعن عائشة –رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – (-: ((إن الله يحب الرفق في الأمر كله)) (3) . وعنها –رضي الله عنها- قالت: قال: رسول الله – (-: ((إنَّ الرفق لا يكون في شىء إلا زانه، ولا ينزع من شىء إلا شانه)) (4) . وعنها –رضي الله عنها- قالت: ((كان النبي- (–إذا بلغه عن الرجل الشىء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا)) (5) . قال أحمد بن حنبل: كان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون، يقولون: مهلاً رحمكم الله (6) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 وجاء جماعة من اليهود فدخلوا على النبي- (- فقالوا: السام عليك يا محمد -يعنون الموت-، وليس مرادهم السلام – فسمعتهم عائشة –رضي الله عنها – قالت: عليكم السام واللعنة. وفي لفظ آخر: ولعنكم الله، وغضب عليكم. فقال رسول الله - (-: ((يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله)) قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: ((ألم تسمعي ما قلت لهم: وعليكم، وإنا نجاب عليهم، ولا يجابون علينا)) (1) . فالنبي (رفق بهم وهم يهود،رغبة في هدايتهم، لعلهم ينقادون للحق، ويستجيبون لداعي الإيمان. فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الموفق هو الذي يتحرى الرفق والعبارات المناسبة، والألفاظ الطيبة عندما يعظ وينصح الناس، في المجلس، أو في الطريق، أو في أي مكان، يدعوهم بالرفق والكلام الطيب، حتى ولو جادلوه في شيء خفي عليهم، أو كابروا فيه، فيجادلهم بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: {اُدْعُ إِلَى سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةٍ وَالموعِظَةِ الحَسَنةٍ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ} (2) . وقال سبحانه: {وَلا تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالْتَّي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الْذَّيْنَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} (3) . فهذا الأسلوب مع أهل الكتاب – وهم اليهود والنصارى وهم كفار – فما بالك مع المؤمنين؟ فإذا كان المقام مقام تعليم ودعوة وإيضاح للحق، فإنه يكون بالتي هي أحسن، لأن هذا هو أقرب إلى الخير، وأدعى لتقبل النصيحة كما كان يفعل النبي (في دعوته. فهذه طريقة السلف رحمهم الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحري الرفق مع العلم والحلم والبصيرة والعمل بما يدعون إليه، وترك ما ينهون عنه، وهذه هي القدوة الصالحة. الخطوة الثانية: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى: وهذه الخطوة تتعلق غالباً في مرتكب المنكر العارف بحكمه في الشرع بخلاف الخطوة الأولى، فهي في الغالب تستعمل للجاهل في الحكم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 وأما العارف بالحكم فيستعمل معه أسلوب الوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى، ويذكر له بعض النصوص من القرآن والسنة المشتملة على الترهيب والوعيد، كما يذكر له بعض أقوال السلف في ذلك، ويكون بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة.. وحتى لو كان عارفاً لهذه النصوص فلها تأثيرها، لأن ذلك من قبل الذكرى، والله تعالى يقول: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الْذِّكَرى تَنْفَعُ المؤمِنَيْنَ} (1) . ويبين له ما أعده الله للطائعين من عباده، ويذكره بالموت، وأنه ليس لمجيئه وقت محدد، بل يأتي بغتة، وربما يأتي إلى الإنسان وهو واقع في المعصية، فتكون خاتمته سيئة والعياذ بالله. يا مَنْ بدنياهُ اشتغلْ وغرَّه طولُ الأمل الموتُ يأتي بغتةً والقبرُ صندوقُ العملْ ويبين له أن هدفه من نصحه وإرشاده إنما هو من أجل حبه له، وخوفه عليه من العقاب، وأنه ما فعل ذلك إلا شفقة عليه ورحمة به، وليحرص كل الحرص، أن تكون الموعظة سراً بينه وبين المنصوح، حتى لا تأخذه العزة بالإثم فيرفض قبولها، وحتى يطمئن له وتتقبل نفسه لسماع النصيحة، وحتى يعلم بحق أنه ليس للناهي هدف سوى النصيحة وإرادة الخير له. قال سليمان الخواص: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما فضحه (2) . وعن عبد الله ابن المبارك قال: (كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره أمره في ستر، ونهاه في ستر، فيُؤجر في ستره ويُؤجر في نهيه، فأما اليوم فإذا رأى أحد من أحد ما يكره استغضب أخاه، وهتك ستره) (3) . ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول: تَعمدني بنصحكَ في انفرادٍ وجنبني النصيحةَ في الجماعةْ فإنَّ النصحَ بينَ الناسِ نوعٌ من التوبيخِ لا أرضى استَماعهْ فإنْ خَالفتني وعصيتَ أمْري فلا تجزعْ إذا لم ُتعطَ طاعةْ (4) الخطوة الثالثة: الغلظة بالقول: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 وهذه الخطوة يلجأ إليها المُنكر بعد عدم جدوى أسلوب اللطف واللين، فحينئذ يغلظ له القول، ويزجره مع مراعاة قواعد الشرع في ذلك. وعليه ألا ينطق إلا بالصدق، ولا يطيل لسانه بما لا يحتاج إليه بل على قدر الحاجة. وقد استعمل أبو الأنبياء إبراهيم – عليه السلام – هذا الأسلوب، قال تعالى حكاية عنه: {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (1) . الخطوة الرابعة: التهديد والتخويف: وهذه الخطوة هي آخر المحاولات في النهي باللسان، ويعقبها بعد ذلك إيقاع الفعل كأن يقال لمرتكب المنكر: إن لم تنته عن هذا الفعل لأفعلنَّ بك كذا وكذا. أو لأخبرن بك السُلطات لتسجنك وتعاقبك على فعلك. ولكن ينبغي أن يكون هذا التهديد والتخويف في حدود المعقول عقلاً وشرعاً حتى يعرف أن المنكر صادق في تهديده، لأنه لو هدده بأمور غير جائزة شرعاً وغير معقولة عرف أنه غير جاد في كلامه (2) . المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب: إذا عجز المؤمن عن الإنكار باليد واللسان، انتهى إلى الإنكار بالقلب فيكره المنأكر بقلبه، ويبغضه، ويبغض أهله – يعلم الله ذلك منه - إذا عجز عن تغييره بيده ولسانه – وهذا الواجب لا يسقط عن المؤمن بوجه من الوجوه، إذ لا عذر يمنعه ولا شيء يحول بينه وبينه، وليس هناك شيء من التغيير ما هو أقل منه، كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم ((وذلك أضعف الإيمان)) (3) يعني أقل ما يمكن به تغيير المنكر. وكذلك الحديث الآخر عن ابن مسعود رضي الله عنه ((وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)) (4) ، أي لم يبق بعد هذا من الإنكار ما يدخل في الإيمان حتى يفعله المؤمن ويثاب عليه، بل الإنكار بالقلب آخر حدود الإيمان. قيل لابن مسعود – رضي الله عنه – من ميت الأحياء؟ فقال: الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً (5) . وهذا هو المفتون الموصوف في حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – بأنه لا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرب من هواه) (1) . وهنا أود أن أشير إلى أن المرأة لها أن تنكر على من تستطيع الإنكار عليه من النساء، ومن أقاربها من الرجال. فقد وردعن عائشة – رضي الله عنها – أنها رأت امرأة بين الصفا والمروة عليها خميصة من صُلُب – أي ثوب عليه خطوط متصالبة – فقالت عائشة -: ((انزعي هذا من ثوبك فإن رسول الله – (– إذا رآه في ثوب قضبه)) (2) . وأوصت النساء بقولها: ((مُرْن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني استحييهم فإن رسول الله (كان يفعله)) (3) . كما ورد عنها – رضي الله عنها – أنها رأت أخاها عبد الرحمن يسرع في الوضوء ليدرك صلاة الجنازة على سعد بن أبي وقاص، فقالت: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله (يقول: ((ويل للأعقاب من النار)) (4) . قال ابن رجب – رحمه الله – عند شرحه لحديث أبي سعيد ((من رأى منكم منكراً)) بعد أن ساق عدة أحاديث (فدلت هذه الأحاديث كلها على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة عليه، وأما إنكاره بالقلب لا بد منه، فمن لم ينكر قلبه المنكر دل على ذهاب الإيمان من قلبه) (5) . وإذا لم يستطع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، تغيير المنكر بيده، ولا بلسانه، فإنه يجب عليه حينئذ إنكاره بقلبه – كما سبق بيانه – وعليه أن يهجر المنكر وأهله، فإن عجزه عن الإنكار ليس عذراً يبيح له مشاهدة ذلك المنكر أو مجالسة أهله. قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الْذِينَ يَخُوضُوْنَ فَي آيَاتِنا فَأْعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فَي حَدِيْثٍ غَيْرِهِ} (6) . وقال سبحانه: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فَي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوْضُواْ فَي حَدِيْثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذَاً مثْلُهُمْ} (7) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله – عند هذه الآية (وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يُستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتقتحم حدوده التي حدها لعباده..) (1) . وبهذا يتبين لنا أن الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر الداعي إلى الله على علم وبصيرة، لا بد له من معرفة مراتب إنكار المنكر وضوابطها وخطواتها، والالتزام بالعمل بها، حتى ينجح في دعوته، وتؤتي ثمارها الطيبة. القاعدة الخامسة: تقديم الأهم على المهم: إن البدء بالأهم فالأهم من القواعد التي تحكم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بأن يبدأ الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بإصلاح أصول العقيدة، فيأمر بالتوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، وينهى عن الشرك والبدع والشعوذة، ثم يأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ثم بقية الفرائض وترك المحرمات، ثم أداء السنن وترك المكروهات. والبدء بالدعوة إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله عز وجل هو منهج الرسل جميعاً، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فَي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُوْلاً أَنِ اْعْبُدُواْ اللهَ وَاْجْتَنِبُواْ الْطَّاغُوت} َ (2) . وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَّا فَاعْبُدُون} َ (3) . وقال عز وجل: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونَ الرَّحَمنِ آلهةً يُعْبَدُونَ} (4) . وقد تكررت مقولة الأنبياء عليهم السلام {.. يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (5) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 وقد سار خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد- (– على نهج إخوانه المرسلين – عليهم السلام – فقد بدأ بما بدأبه أنبياء الله، وانطلق من حيث انطلقوا، إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له وحده، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المسلِمِينَ} (1) . واستمر – (- ثلاث عشرة سنة في مكة، وهو يدعو الناس إلى التوحيد، وينهاهم عن الشرك، قبل أن يأمرهم بالصلاةوالزكاة والصوم والحج، وقبل أن ينهاهم عن الربا والزنا والسرقة وقتل النفوس بغير حق. اللهم ما كان يأمر به قومه من معالي الأخلاق، كصلة الرحم، والصدق، والعفاف، وأداء الأمانة، وحسن الجوار ونحو ذلك، ولكن الأمر الأساسي، والمحور الأهم، إنما هو الدعوة إلى التوحيد، والتحذير من الشرك (2) . ولما بعث النبي – (– معاذاً إلى اليمن قال له: ((إنك تأتي قوماً أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تُؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)) (3) قال الإمام ابن حجر –رحمه الله-: (وأما قول الخطابي إن ذكر الصدقة أُخر عن ذكر الصلاة لأنها إنما تجب على قوم دون قوم. وأنها لا تكرر تكرر الصلاة فهو حسن، وتمامه أن يقال بدأ بالأهم فالأهم، وذلك من التلطف في الخطاب، لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مرة لم يأمن النفرة) (4) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 لذا فإن المطلوب من الداعين إلى الله تعالى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، أن يوجهوا جهودهم ويولوا اهتمامهم بمنهج الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام –في الدعوة إلى الله تعالى، فيدعوا الناس إلى التوحيد أولاً وقبل أي شيء وليكن شغلهم الشاغل هو تصحيح العقيدة، وتصفيتها من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، ولا يعني من هذا الكلام إهمال الجوانب الأخرى بحال من الأحوال، ولكن ما أريد تقريره هو أن الاهتمام بأمور العقيدة يجب أن ينال الأولية في الدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم الأهم فالأهم. القاعدة السادسة: اعتبار المصالح والمفاسد: ... إن الشريعة الإسلامية مبنية على تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتعطيلها أو تقليلها، ولذا فإن من القواعد المهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتبار المصالح، فيشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن لا يؤدي إل مفسدة، أعظم من المنكر أو مثله، فإن كان إنكار المنكر يستلزم حصول منكر أعظم منه، فإنه يسقط وجوب الإنكار، بل لا يسوغ الإنكار في هذه الحالة 0 ومن الأدلة على ذلك من القرآن الكريم: 1- قول الله تعالى: {وَاْقْتُلُوْهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوْهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ القَتْلِ إلى قوله: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّيْنُ لِلهِ} (1) . فالقتال في سبيل الله تعالى يحقق مصلحة عظيمة وهي إعلاء كلمة الله تعالى، وإذلال الشرك وأهله، وفيه مفسدة إزهاق الأرواح، إلا إن المصلحة في بقاء الدين وإعلاء التوحيد وإذلال الشرك ورفع الفتنة لا تقاومها المضرة في إزهاق الأرواح، كما أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفوس 0 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 2- قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالميْسِرِ قُلْ فِيْهِمَا إِثْمٌ كَبِيْرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا 00} (1) . فشارب الخمر يترك العبادة،ويتعدى على الآخرين بالضرب والشتم والقتل وغير ذلك، وهذه المفاسد العظيمة لا تقاومها أي مصلحة أو منفعة مزعومة. 3- قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّواْ الذِّيْنَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم} (2) . في هذه الآية نهانا الله تعالى عن سب آلهة المشركين، وذلك للمفسدة الكبيرة المترتبة على ذلك، وهي سبهم لله تعالى مع أن سب آلهتهم وتحقيرها فيه مصلحة، إلا أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع 0 ومن الأدلة من السنة النبوية: 1- ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (قال لها: ((يا عائشة لولا قومكِ حديثٌ عهدهم –قال ابن الزبير: بكفر – لنقضتُ الكعبة فجعلت لها بابين: بابٌ يدخل الناس، وبابٌ يخرجون)) ففعله ابن الزبير (3) . وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: (باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يَقْصُرَ فهمُ بعض الناس عنه فيقعوا في أشدَّ منه) . قال ابن حجر – رحمه الله – (وفي الحديث معنى ما ترجم له لأن قريشاً كانت تعظم أمر الكعبة جداً، فخشيَ (أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالإسلام أنه غيّر بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك، ويُستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه) (4) . 2- ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((كان النبي (يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا)) (5) فترك (كثرة الوعظ والتعليم لدفع مفسدة النفور والفتور والانقطاع، ((وكان أحبَّ الدين إليه ما دام عليه صاحبه)) (6) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 3- ما رواه البخاري في صحيحه أن النبي (قال: لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه- ((يا معاذ بن جبل، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: يا معاذ، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، (ثلاثاً) ، قال: ما من أحدٍ يشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرَّمه الله على النار)) قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: ((إذاً يتكلوا)) ، وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً. (1) . وفي صحيح مسلم أن النبي (قال لأبي هريرة رضي الله عنه – ((فمن لقيتَ 00 يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، فبشره بالجنة)) ، فلقيه عمر – رضي الله عنه – فدفعه، وقال: ارجع يا أبا هريرة، ودخل على أثره فقال: يا رسول الله لا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس، فخلهم يعملون، فقال عليه الصلاة والسلام: ((فخلهم)) (2) . قال ابن حجر – رحمه الله -: (فكأن قوله (لمعاذ ((أخاف أن يتكلوا)) كان بعد قصة أبي هريرة، فكان النهي للمصلحة لا للتحريم 0 فلذلك أخبر به معاذ لعموم الآية بالتبليغ (3) أ. هـ. ولاطلاعه – رضي الله عنه – على أنه لم يكن المقصود من المنع التحريم كما هو ظاهر من قصة أبي هريرة رضي الله عنه 0 فتبليغ الناس بهذه البشارة وإدخال السرور عليهم بذلك مصلحة، واتكالهم على ذلك وعدم فهمهم وتركهم العمل مفسدة عظيمة، لذا اعتمد رسول الله ش ما رآه عمر – رضي الله عنه – في ذلك (4) . وروى البخاري – رحمه الله – عن علي – رضي الله عنه- أنه قال: ((حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّبَ اللهُ ورسولهُ)) (5) . قال ابن حجر – رحمه الله -: (وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يُذكر عند العامة) (6) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –: (.. إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات، أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منها، فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقلَّ أن تعوز النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالتها على الأحكام، وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعاً، أو يتركوهما جميعاً، لم يجز أن يؤمروا بمعروف، ولا أن ينهوا عن منكر، بل ينظر، فإن كان المعروف أكثر أمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله، وزوال فعل الحسنات، وإن كان المنكر أغلب نهى عنه، وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمراً بمنكر، وسعياً في معصية الله ورسوله، وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما، فتارة يصلح الأمر، وتارة يصلح النهي، وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي، حيث كان المعروف والمنكر متلازمين، وذلك في الأمور المعينة الواقعة (1) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 وقال ابن القيم – رحمه الله -: (إن النبي (شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله 00 ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان رسول الله (يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عَزَمَ على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم، ومنَعه من ذلك – مع قدرته عليه – خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر) (1) أ. هـ. وقال الشيخ حمد بن ناصر: (لكن إن خاف حصول منكر أعظم سقط الإنكار، وأنكر بقلبه، وقد نص العلماء على أن المنكر إذا لم يحصل إنكاره إلا بحصول منكر أعظم منه أنه لا ينبغي، وذلك لأن مبنى الشريعة على تحصيل المصالح وتقليل المفاسد) (2) . وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز بن محمد إبراهيم آل الشيخ: (مما ينبغي أن يُعلم أنه متى كانت مفسدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به ورسوله وإن كان ذلك في ترك واجب أو فعل محرم، فالمؤمن عليه أن يتقي الله في عباده وليس عليه هداهم، وليعلم أن الاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضال..) (3) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 ومن خلال ما تقدم من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وأقوال العلماء الأجلاء يتبين لنا أن الشريعة الإسلامية جاءت باعتبار المصالح ودرء المفاسد، فلا يجوز تغيير المنكر بمنكر أشد منه، أو مثله، فعلى الدعاة إلى الله أن يتنبهوا إلى هذه القاعدة عند أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ولا يخفى أن هذا الباب مزلة أقدام، وكثيراً ما يقع فيه الاختلاف والاشتباه، وتختلط فيه النزعات الشخصية بالاجتهادات الفقهية، والمعصوم من عصمه الله عز وجل، ولا مخرج من هذه الفتن إلا بالتمسك بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والأخذ بما يقرره أهل العلم الربانيون الموثوق بهم والاجتماع خير من الفرقة 0 القاعدة السابعة: التثبت في الأمور وعدم العجلة: على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، الداعي إلى الله تعالى التأكد من كل أمر والتثبت بشأنه، وعدم التسرع والعجلة، والحرص على الرفق والأناة بالناس وملاطفتهم حال أمرهم أو نهيهم، فإن في ذلك من الخير ما لا يحصى، وهو مما لا بد منه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي دعوة الناس إلى الخير 0 قال تعالى: {لا تُحْرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} (1) ، والتبين والتثبت صفة من صفات أهل اليقين من المؤمنين، يقول الإمام الطبري – رحمه الله -: عند قوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا الأيَاتِ لِقَوْمٍ يُوْقِنُونَ} (2) وخص الله بذلك القوم الذين يوقنون، لأنهم أهل التثبت في الأمور، والطالبون معرفة حقائق الأشياء على يقين وصحة، فأخبر الله جل ثناؤه أنه بين لمن كانت هذه الصفة صفته ما بين من ذلك، ليزول شكه، ويعلم حقيقة الأمر) (3) . وقد ذم الإسلام الاستعجال ونهى عنه، كما ذم الكسل والتباطؤ،ونهى عنه، ومدح الأناة والتثبت فيها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَنْ تُصِيْبُواْ قَوْمَاً بِجَهَالِةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِيْنَ} (1) . قرأ الجمهور {فَتَبَيَّنُواْ} من التبين، وهو التأمل، وقرأ حمزة والكسائي: {فَتَثَبَّتُوا} ، والمراد من التبين والتعرف والتفحص، ومن التثبت: الأناة وعدم العجلة، والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر (2) . والدعاة إلى الله تعالى أولى بامتثال أمر الله عز وجل بالتأني والتثبت من الأقوال والأفعال، والاستيثاق الجيد من مصدرها قبل الحكم عليها. والداعية الحصيف إذا أبصر العاقبة أمن الندامة، ولا يكون ذلك إلا إذا تدبر جميع الأمور التي تعرض له ويواجهها، فإذا كانت حقاً وصواباً مضى، وإذا كانت غياً، وضلالاً وظناً خاطئأ وقف حتى يتضح له الحق والصواب. والواقع المشاهد أن عدم التثبت وعدم التأني يؤديان إلى كثير من الأضرار والمفاسد في المجتمع، قال تعالى {وَيَدْعُ الإنِسَانُ بِالشِّرِ دُعَاؤَهُ بِالخَيْرِ وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُوْلاً} (3) . ولعظم أمر التثبت أمر الله به حتى في جهاد الكفار في سبيل الله. قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَاْ ضَرَبْتُمْ فَي سَبِيْلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنَاً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانُمُ كَثِيْرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَ اللهَ كَانَ ِبما تَعْمَلُونَ خَبِيْراً} (4) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 ومما يزيد الآية السابقة وضوحاً ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس – رضي الله عنهما – {وَلا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤمِنَاً} قال: ((كان رجل في غُنيمة له، فلحقه المسلمون، فقال السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غُنيمته، فأنزل الله في ذلك إلى قوله {عَرَضَ الحيَاةِ الْدُّنْيَا} تلك الغُنيمة)) (1) . وعن أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – قال: بعثنا رسول الله (إلى الحرقة من جهينة، قال: فصبحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، قال فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله، قال: فكف عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي (، قال: فقال لي: ((يا أبا أسامة، أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟ قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذاً، قال: فقال: أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قال فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم)) (2) . وفي رواية قال: قلت يا رسول الله: إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: ((أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا)) ،فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ (3) وفي رواية: ((كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟)) قال: يا رسول الله: استغفر لي، قال: ((وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟)) قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: ((كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة)) (4) . ولهذا كان النبي (أعظم الناس تثبتاً وأناة في الأمور، فكان (لا يقاتل أحداً من الكفار إلا بعد التأكد بأنهم لا يقيمون شعائر الإسلام، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – ((أن النبي (إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذاناً كف عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم..)) (5) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 ومن تعليمه وتربيته لأصحابه – (– على الأناة وعدم العجلة أن أبا هريرة – رضي الله عنه – قال سمعت رسول الله (يقول: ((إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) (1) ومن فقه قصة الخضر مع موسى عليه السلام، وقصة الهدهد مع سليمان عليه السلام وغيرهما من التوجيهات القرآنية والنبوية، استنبط العلماء أحكاماً في الإنكار، من التثبت والتروي والاستخبار قبل الإنكار، فهاهو القاضي أبو يعلى يذكر في الأحكام السلطانية، ما يتعلق بالمحتسب فيقول: (.. وإذا رأى وقوف رجل مع امرأة في طريق سالك لم تظهر منهما أمارات الريب لم يتعرض عليهما بزجر ولا إنكار، وإن كان الوقوف في مكان خال فخلوُّ المكان ريبة، فينكرها ولا يعجل في التأديب عليهما حذراً من أن تكون ذات محرم، وليقل (إذا كانت محرم فصنها عن موقف الريب، وإن كانت أجنبية فاحذر من خلوة تؤديك إلى معصية الله عز وجل) وليكن زجره بحسب الأمارات، وإذا رأى المحتسب من هذه الأمارات ما ينكرها تأنى وفحص وراعى شواهد الحال، ولم يعجل بالإنكار قبل الاستخبار) (2) . وبهذا يتبين لنا أنه ينبغي للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر الداعي إلى الله تعالى على بصيرة وحكمة أن يتثبت ويتأنى في الأمور، وأن ينظر إلى المصالح العامة، وما يترتب على الكلمة التي يقولها من عواقب، وأن يحترم علماءه، ويسمع لكلامهم ويأخذ بتوجيهاتهم، ويطيع ولاة أمره في غير معصية. وليعلم الداعي إلى الله أن التسرع والعجلة وعدم النظر قي العواقب يسبب الفشل والندامة له ولدعوته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 وأحب أن أنبه إلى أن العجلة المذمومة هي ما كان في غير طاعة الله تعالى، أما المسارعة في عمل الآخرة بالضوابط الشرعية التي شرعها الله تعالى فإنها غير داخلة في ذلك، قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فَي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبَاً وَرَهَبَاً وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعْيْنَ} (1) ، وقال موسى عليه السلام: {وَعَجِلِتُ إِلْيَكَ رَّبِي لِتَرْضَى} (2) . • • • الخاتمة: وفي ختام هذا البحث أود أن أسجل النتائج التالية: 1- إن كون الشىء معروفاً أو منكراً ليس من شأن الآمر والناهي، وإنما الميزان في ذلك هو ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله (، على فهم السلف الصالح لهذه الأمة من اعتقاد أو قول أو فعل. 2- من القواعد العامة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر عالماً بما يأمر به وبما ينهى عنه..، يعلم ما هو المنهي عنه شرعاً حتى ينهى عنه، ويعلم ما هو المأمور به شرعاً حتى يأمر الناس به.. 3- بيان أن للمنكر شروطاً يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يراعيها عند إزالته للمنكر وهي: أ -التحقق من كونه منكراً. ب- أن يكون المنكر موجوداً في الحال. وله ثلاث حالات تقدم شرحها في البحث. 4- من القواعد العامة التي تحكم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معرفة مراتب إنكار المنكر وضوابطها، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون بقدر الاستطاعة، فإن استطاع المسلم تغيير المنكر باليد كان ذلك هو الواجب في حقه، فإن عجز عن التغيير باليد وكان باستطاعته النهي باللسان كان ذلك هو الواجب عليه، وتغيير المنكر باللسان له أربع خطوات: الأولى: التعريف باللين واللطف. الثانية: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى. الثالثة: الغلظة بالقول بعد عدم جدوى أسلوب اللطف واللين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 الرابعة: التهديد والتخويف.. ولكن ينبغي أن يكون هذا التهديد والتخويف في حدود المعقول عقلاً وشرعاً. ... فإن عجز الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر عن الإنكار باليد واللسان، انتهى إلى الإنكار بالقلب، وهذا الواجب لا يسقط عن المؤمن بوجه من الوجوه، وليس هناك من التغيير ما هو أقل منه، وهو آخر حدود الإيمان، وإن الإنكار بالقلب يقتضي مفارقة المنكر وأهله، ولا بد للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر الداعي إلى الله تعالى على علم وبصيرة من معرفة مراتب إنكار المنكر وضوابطها وخطواتها، والالتزام بالعمل بها، حتى ينجح في عمله.. 5- ومن القواعد التي تحكم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يبدأ الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالأهم قبل المهم: وذلك بأن يبدأ بإصلاح أصول العقيدة، فيأمر بالتوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، وينهى عن الشرك والبدع والشعوذة، ثم يأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ثم بقية الفرائض، وترك المحرمات، ثم أداء السنن، وترك المكروهات. 6- ومن القواعد المهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتبار تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتعطيلها أو تقليلها، فيشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن لا يؤدي إلى مفسدة أعظم من المنكر الذي يُراد تغييره، أو مثله، فإن كان إنكار المنكر يستلزم حصول منكر أعظم منه، فإنه عندئذ يسقط وجوب الإنكار، بل لا يصح ولا يسوغ الإنكار في هذه الحالة. 7- ومن القواعد المهمة أنه على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر التأكد من كل أمر، والتثبت بشأنه، وعدم التسرع والعجلة، والحرص على الرفق والأناة بالناس وملاطفتهم حال أمرهم أو نهيهم، وأن ينظر إلى المصالح العامة وما يترتب على الكلمة التي يقولها من عواقب، وأن يحترم علماءه ويسمع لكلامهم، ويأخذ بتوجيهاتهم ويطيع ولاة أمره في غير معصية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 وليعلم الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر الداعي إلى الله تعالى أن التسرع والعجلة وعدم النظر في العواقب إن ذلك يسبب الفشل والندامة له ولدعوته. وكان المستند لهذا العمل هو ما جاء في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله (على فهم سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم، ولعل في ذلك بيان وجه الصواب لمن يرغب أن يكون من الأمة المفلحة، وأن يكون من أتباع الرسول (، لأن أتباع الرسول (هم الدعاة إلى الله تعالى على بصيرة. وفي الختام أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقني وجميع المسلمين إلى هداه، وإلى العمل بما يرضيه، كما أسأله تعالى أن يغفر لي كل ذنب زلت به القدم، أو زلل طغى به القلم. كما أسأله جلت قدرته أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به من يطلع عليه من المسلمين، إنه جواد كريم.وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. الحواشي والتعليقات سورة آل عمران، الآية 102. سورة النساء، الآية 1. سورة الأحزاب، الآيتان 70 – 71. سورة آل عمران، الآية 110. سورة التوبة، الآية 71. سورة الحج، الآيتان 40-41. صحيح البخاري مع الفتح، 5 / 132، كتاب الشركة، باب هل يُقرع في القسمة؟ والاستهام فيه، رقم 2493، و5 /292، كتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات، رقم 2686. سورة المائدة، الآيتان 78-79. سورة الأعراف، الآية 164. سنن الترمذي، 4 / 468، كتاب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رقم 2169، وقال: حديث حسن. صحيح البخاري مع الفتح، 2 / 8، كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلاة كفارة، رقم 252، ومسلم 1 / 128، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، رقم 144. سورة النساء، الآية 114. تذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 12-13 بتصرف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 لسان العرب، 9 /240، وانظر النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 3 /216 النهاية في غريب الحديث، 5 /115. هو عبد الله بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي، من علماء الحديث، من كتبه جمع النهاية اختصر به صحيح البخاري توفي بمصر، سنة 695 هـ، انظر الأعلام للزركلي، 4/221. فتح الباري، لابن حجر، 10 /448. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 42-43. الزواجر عن اقتراف الكبائر، 2/ 146. إرشاد الفحول، ص 77. انظر محاضرات في العقيدة والدعوة، للدكتور صالح الفوزان، 2 / 328. سورة محمد، الآية 19. صحيح البخاري مع الفتح، 1 / 159، كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل. انظر فتح الباري، 1 / 160، وحاشية الأصول الثلاثة، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص15. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 17. المرجع السابق، ص18، وانظر مختصر منهاج القاصدين، لابن قدامة، ص 131. سورة يوسف، الآية 108. الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وأخلاق الدعاة، ص 35، بتصرف. صحح البخاري مع الفتح، 3 / 357، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا رقم 1496، ومسلم 1 /50، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم 19، عن ابن عباس رضي الله عنهما. سورة النحل، الآية 125. صحيح البخاري مع الفتح، 6 / 496، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني اسرائيل، رقم 3461، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه انظر زاد الداعية، ص 6-10، باختصار وتصرف. انظر الكنز الأكبر، ص 217-220. الحسبة: هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله. انظر الأحكام السلطانية للماوردي ص 299 والأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء، ص 284. انظر أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان، 179، بتصرف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 انظر إحياء علوم الدين، 2/ 414، والكنز الأكبر ص 219، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، د/عبد العزيز المسعود 1/ 213 –215. إحياء علوم الدين، 2 / 413، 414. انظر البحر الرائق، شرح كنز الدقائق، 5 /45. سورة النور، الآية 27. صحيح البخاري مع الفتح، 12 /243، كتاب الديات، باب من اطلع في بيت قوم ففقأوا عينه فلا دية له رقم 6902. سورة الحجرات، الآية 12. صحيح البخاري مع الفتح، 10 / 484، كتاب الأدب، باب {ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن..} رقم 6066. سنن أبي داود، 5 / 199، كتاب الأدب، باب في النهي عن التجسس، رقم 4888، وصححه النووي، انظر رياض الصالحين، ص 596، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة. انظر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، د/ عبد العزيز المسعود، 1 / 221 بتصرف. ومعنى ((إلا المجاهرين)) أي الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها وكشفوا ما ستر الله عليهم، فيتحدثون بها لغير ضرورة ولا حاجة انظر شرح النووي على صحيح مسلم، 18 / 119. صحيح البخاري مع الفتح، 10 / 486، كتاب الأدب، باب ستر المؤمن على نفسه، رقم 6069 ومسلم 4 / 2291، كتاب الزهد، باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه، رقم 2990. فتح الباري، لابن حجر، 10 /487. الموطأ، 2 / 825، كتاب الحدود، باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا، وأخرجه البيهقي والحاكم على شرطهما، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه ابن السكن وغيره، انظر جامع الأصول، 3 / 598. سورة هود، الآيتان 118-119. إحياء علوم الدين، 2 / 286، وانظر مختصر منهاج القاصدين، لابن قدامة، ص 128. الأحكام السلطانية، لأبي يعلى الحنبلي، ص 297. الآداب الشرعية، 1 / 190. روضة الطالبين، 10 / 219-220، ط 3، 1412 هـ - 1991 م، المكتب الإسلامي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 صحيح مسلم، 1 / 69، كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، رقم 49، وسنن أبي داود،1 / 677 كتاب الصلاة باب الخطبة يوم العيد، رقم 1140، والترمذي، 4 / 469، كتاب الفتن، باب ما جاء في تغيير المنكر باليد، رقم 2172، وابن ماجه 2 / 1330،كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رقم 4013، وأحمد في المسند، 3 / 10، 20، 49، 52. صحيح مسلم، 1 / 70، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان..، رقم 50. انظر مجموع الفتاوى، 15 / 329، والكنز الأكبر، ص 245، وطبقات الحنابلة، 2 / 280، والآداب الشرعية، 1 / 185 ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله-،ص 16-17 وتذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعبد الله القصير، ص45. سورة الأنبياء، الآيتان 57 –58. سورة طه، الآية 97. سورة الإسراء، الآية 81.ولفظ الآية {وقل جاء الحق..} الآية. صحيح البخاري مع الفتح، 8 / 400، كتاب التفسير، باب وقل جاء الحق وزهق الباطل، رقم 4720 صحيح البخاري مع الفتح، 4 / 414، كتاب الأدب، باب قتل الخنزير، رقم 2222. الفضيخ اسم للبسر إذا شدخ ونبذ، وأما الزهو فهو البسر الذي يحمر أو يصفر قبل أن يترطب، وقد يطلق الفضيخ على خليط البسر والرطب، وكما يطلق على البسر وحده، انظر فتح الباري، 10 / 38. صحيح البخاري مع الفتح، 10 / 36-37، كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر وهي من البسر والتمر، رقم 5582. صحيح مسلم، 3 / 1655، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم خاتم الذهب على الرجال..، رقم 2090. صحيح البخاري مع الفتح، 6 / 141، كتاب الجهاد، باب ما قيل في الجرس ونحوه..، رقم 3005، ومسلم 3 / 1672، كتاب اللباس، باب كراهة قلادة الوتر في رقبة البعير، رقم 2115. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 صحيح البخاري مع الفتح، 10 / 385، كتاب اللباس، باب نقض الصور، رقم 5952. السهوة: صفة، وقيل خزانة، وقيل رف، وقيل طاق يوضع فيه الشىء. انظر فتح الباري، لابن حجر، 5 هتكه: أي شقه، والذي يظهر أنه نزعه ثم هي بعد ذلك قطعته،. انظر المرجع السابق، ونفس الصفحة. صحيح البخاري مع الفتح، 5 / 122، كتاب المظالم، باب هل تكسر الدنانات التي فيها خمر … ، رقم 2479 وأحمد في المسند 6 / 36، 85، 86، 103، 199، 208. انظر مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة، ص 29، 53. مختصر الفتاوى المصرية، ص580. انظر إحياء علوم الدين، للإمام الغزالي، 2 / 402، وتذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص 46. انظر مجموع الفتاوى، 15 / 339، و28 / 127، ومختصر منهاج القاصدين، لابن قدامة، ص،28. والكنز الأكبر ص236. صحيح البخاري مع الفتح، 10، 449، كتاب الأدب، رقم 6024، ومسلم، 4 / 1706، كتاب السلام، رقم 2165. صحيح مسلم، 4 / 2004، كتاب البر والصلة، رقم 2594. أصله في صحيح مسلم، 2 / 1020، كتاب النكاح، باب (1) ، رقم 1401، وأخرجه أبو داود في سننه 5 / 143، كتاب الأدب، باب في حسن العشرة، رقم 4788، وهذا لفظه، والنسائي 6 / 60، كتاب النكاح باب النهي عن التبتل. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للخلال، ص 47. صحيح مسلم، 4 / 1706، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، وكيف يرد عليهم، رقم 2165 عن عائشة رضي الله عنها،. سورة النحل، الآية 125. سورة العنكبوت، الآية 46. سورة الذاريات، الآية 55. أخرجه ابن أبي الدنيا بإسناد حسن، انظر كتابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 99، تحقيق صلاح الشلاحي مكتبة الغرباء الأثرية، بالمدينة النبوية، ط 1، 1418 هـ. روضة العقلاء، لأبي حاتم محمد بن حبان البستي، 158. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 ديوان الإمام الشافعي، ص 96. سورة الأنبياء، الآية 67. انظر إحياء علوم الدين، 2 / 420 –422، والكنز الأكبر، ص 234-143، وفقه الدعوة في إنكار المنكر ص 69-71، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعبد العزيز المسعود، 1 / 521 –525. تقدم تخريجه، ص379. تقدم تخريجه،ص 380. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لابن تيمية ص 9. صحيح مسلم، 1 / 128-129، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، رقم 144. أصله في صحيح البخاري، انظر صحيح البخاري، مع الفتح، 10 / 385، كتاب اللباس، باب نقض الصور، رقم 5952، ومسند الإمام أحمد، 6 / 225، وهذا لفظه. الترمذي، 1/ 30، كتاب الطهارة، باب ما جاء في الاستنجاء بالماء، رقم 19، والنسائي 1/ 43، كتاب الطهارة باب الاستنجاء بالماء وإسناده صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن جرير بن عبد الله البجلي وأنس، وأبي هريرة. انظر جامع الأصول في أحاديث الرسول، 7 / 140. صحيح مسلم، 1 / 213، كتاب الطهارة، باب غسل الرجلين بكمالهما، رقم 240. انظر جامع العلوم والحكم، 1 / 245. سورة الأنعام، الآية 68. سورة النساء، الآية 140. تيسير الكريم الرحمن، 2 / 93 – 94. سورة النحل، الآية 36. سورة الأنبياء، الآية 25. سورة الزخرف، الآية 45. سورة الأعراف، الآيات 59، 65، 73، 85، وسورة هود، الآيات 50، 61، 84. سورة الأنعام، الآيتان 161 – 162. انظر مقدمة فضيلة الدكتور / صالح الفوزان، على كتاب منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل للدكتور / ربيع المدخلي ص 5. بتصرف. صحيح البخاري مع الفتح، 3 / 357، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا رقم 1496، ومسلم 1 / 50، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم 19، عن ابن عباس رضي الله عنهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 فتح الباري، لابن حجر، 3 / 359. سورة البقرة، الآيات 191-193. سورة البقرة، الآية 219. سورة الأنعام، الآية 108. صحيح البخاري، مع الفتح، 1 /224، كتاب العلم، باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه، رقم 126. فتح الباري، 1 / 225. صحيح البخاري مع الفتح، 1 / 162، كتاب العلم، باب ما كان النبي (يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا رقم 68. صحيح البخاري مع الفتح، 1 / 101، كتاب الإيمان، باب أحب الدين إلى الله أدومه، رقم 43. صحيح البخاري مع الفتح، 1 / 226، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوماً دون قوم، رقم 128. صحيح مسلم 1 / 60-61، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً، رقم 52. فتح الباري، 1 / 228. الأدلة على اعتبار المصالح والمفاسد في الفتاوى والأحكام، جمع وترتيب أبو عاصم هشام عبد القادر، ص 18. صحيح البخاري مع الفتح، 1 / 225، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية ألا يفهموا، رقم 127. فتح الباري، 1 / 225. انظر مجموع الفتاوى، 28 / 129-130. إعلام الموقعين، 3 / 4. انظر الدرر السنية في الأجوبة النجدية، 8 / 61. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الماضي والحاضر، ص 33. سورة القيامة، الآية 16. سورة البقرة، الآية 118. تفسير الطبري، 1 /515. سورة الحجرات، الآية 6. فتح القدير، للإمام الشوكاني 5 /60. سورة الإسراء، الآية 11. سورة النساء، الآية 94. صحيح البخاري مع الفتح، 8 / 258، كتاب التفسير، سورة النساء، باب: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا. رقم 4591 صحيح البخاري مع الفتح، 7 / 517، كتاب المغازي، باب بعث النبي (أسامة إلى الحرقات. رقم 4269، وصحيح مسلم، 1 /97 كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلاالله، رقم 159. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 صحيح مسلم، 1 / 96، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، رقم 158. صحيح مسلم 1 / 97-98، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله. رقم 160. صحيح البخاري مع الفتح، 2 / 89، كتاب الأذان، باب ما يحقن بالآذان من الدماء، رقم 610، وصحيح مسلم 1/ 288، كتاب الصلاة باب الإمساك عن الإغارة إلى قوم في دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان، رقم 382. صحيح البخاري مع الفتح، 2 /390، كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة، رقم 908، ومسلم 1/420، كتاب المساجد، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، رقم 602. الأحكام السلطانية، لأبي يعلى الحنبلي، ص293، وانظر الآداب الشرعية، لابن مفلح، 1/ 302. سورة الأنبياء، الآية 90. سورة طه، الآية 84. المصادر والمراجع القرآن الكريم. الأحكام السلطانية، لمحمد بن الحسين بن محمد الفراء أبو يعلى (ت 458 هـ) ، ط 2، سنة 1386 هـ، 1966 م صححه محمد حامد الفقي، مطبعة البابي الحلبي. أحكام القرآن، للإمام أبي بكر أحمد بن علي الجصاص، المطبعة البهية، القاهرة. إحياء علوم الدين، للإمام أبي حامد الغزالي، (ت505 هـ) ، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع، القاهرة 1387 هـ. الآداب الشرعية،للإمام الفقيه المحدث أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي، (ت 763 هـ) ، ط 1، 1416هـ –1996 م، مؤسسة الرسالة، بيروت. الأدلة على اعتبار المصالح والمفاسد في الفتاوى والأحكام،جمع وترتيب أبو عاصم هشام بن عبد القادر، بدون ذكر الطبعة وتاريخها. إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي الشوكاني، (1255) ، ط 1، مصطفى البابي الحلبي وأولاده، بمصر، سنة 1356 هـ. أصول الدعوة، لعبد الكريم زيدان، جمعية الأماني، بغداد، ط 3، 1396 هـ، 1976 م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 إعلام الموقعين عن رب العالمين، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية (ت 751 هـ) ، دار الجيل، 1973 م، بيروت. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال، (311هـ) ، تحقيق ودراسة عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1406 هـ، 1986 م. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية (ت726 هـ) ، المكتبة القيمة، مصر. الأمر بالمعروف بين الماضي والحاضر، لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، بدون ذكر المطبعة وتاريخ الطبع. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،للسيد جلال الدين العَمْرى، نقله إلى العربية محمد أجمل أيوب الاصلاحي، شركة الشعاع، الكويت. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء كتاب الله وسنة رسوله (، د سليمان الحقيل، ط 3، 1413 هـ 1993 م، دار الشبل للنشر، الرياض. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وواقع المسلمين اليوم، لصالح بن عبد الله الدرويش، ط 1، 1412 هـ، دار الوطن للنشر، الرياض. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في حفظ الأمة،د / عبد العزيز المسعود، ط 2، 1414 هـ، دار الوطن الرياض. البحر الرائق شرح كنز الدقائق، للعلامة زين الدين ابن نجيم، ط 2، دار المعرفة، بيروت. بهجة المجالس، للإمام أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي، (ت 463 هـ) ، ط 2، تحقيق محمد مرسي الخولي، دار الكتب العلمية، بيروت. تذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،للشيخ عبد الله ابن صالح القصير، ط 1، 1411 هـ دار العاصمة، الرياض. تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير، (ت 774 هـ) ، مطبعة الفجالة، القاهرة، ط 1، 1384 هـ، نشر مكتبة النهضة الحديثة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين، وتحذير السالكين من أفعال الهالكين، للإمام محيي الدين أبي زكريا أحمد إبراهيم النحاس، (ت 814 هـ) ، تحقيق وتعليق عماد الدين عباس سعيد، دار الكتب العلمية، بيروت. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، (ت 1376 هـ) ، مطبعة المدني، 1408 هـ، القاهرة. جامع الأصول في أحاديث الرسول (، للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري (ت 606 هـ) ، نشر مكتبة الحلواني، دار البيان، توزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، بالسعودية جامع البيان عن تأويل آي القرآن، المعروف بتفسير الطبري،لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، (ت 310 هـ) شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، بمصر، ط 3، 1388 هـ. الجامع الصحيح للترمذي،للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى ابن سورة الترمذي، (ت 279 هـ) ، دار إحياء التراث العربي. جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم،للإمام الحافظ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي الدمشقي الشهير بابن رجب، (ت 795 هـ) ، ط 5، 1414 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، (ت 430هـ) ، مطبعة السعادة 1399 – 1979 م، بمصر. الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط 5، 1413هـ – 1992 م. الدعوة إلى الله سبحانه وأخلاق الدعاة، لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مكتبة المعارف، الرياض 1406 هـ – 1986 م. ديوان الإمام الشافعي، جمعه وحققه وشرحه د/ إميل بديع يعقوب، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط 1 1414هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 رياض الصالحين، للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي، (ت 676هـ) ، تحقيق وتعليق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 5، 1405 – 1984 م. زاد الداعية إلى الله،للشيخ محمد بن صالح العثيمين، ط 3، 1413 هـ، دار الوطن للنشر. الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر الهيثمي، دار الكتب العربية الكبرى، القاهرة. سنن ابن ماجة،للحافظ أبي عبد الله القزويني، (ت275 هـ) ، دار الفكر، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. سنن أبي داود، للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، (275 هـ) ، دار الكتب للطباعة بيروت، ط 1، 1388 هـ. سنن النسائي، للحافظ أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي، (ت 303 هـ) ، المكتبة العلمية، بيروت الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات، لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ط1، 1414 هـ– 1993 م، دار المجد للنشر والتوزيع، الرياض. صحيح البخاري، مع الفتح، للإمام محمد بن إسماعيل إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري، (ت 256 هـ) ، طبع المكتبة السلفية. صحيح مسلم، للإمام الحافظ أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، (ت 261 هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي،دار إحياء التراث العربي، بيروت. فتح الباري شرح صحيح البخاري، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، (ت 852 هـ) ، طبع المكتبة السلفية. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، لمحمد بن علي الشوكاني، (ت 1250 هـ) ، الناشر محفوظ العلي، بيروت. فقه الدعوة في إنكار الدعوة، لعبد الحميد البلالي، ط 2، 1409 هـ، 1989 م، دار الدعوة، الكويت. الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للإمام الشيخ عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود الحنبلي الدمشقي الصالحي، (856 هـ) ، ط 1، 1417هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، (ت 711) ، دار صادر، بيروت. مجموع الفتاوى،لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، وابنه محمد، الطبعة السعودية 1398 هـ. محاضرات في العقيدة والدعوة،للشيخ صالح بن فوزان الفوزان، دار العاصمة، النشرة الأولى، 1415 هـ. مختصر الفتاوى المصرية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، لبدر الدين أبي عبد الله محمد ابن علي الحنبلي البعلي (ت 777 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت. مختصر منهاج القاصدين، للإمام أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي، (ت 742 هـ) ، تقديم د / وهبة الزحيلي، ط 1، 1414 هـ، دار الخير، بيروت، توزيع مكتبة الوراق، الرياض. مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة، مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ صالح السدلان،ط 1، 1414 هـ - 1994 م، دار المعراج، الرياض. المسند للإمام أحمد بن حنبل الشيباني، (ت 241 هـ) ، دار صادر، بيروت. المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، ترتيب وتنظيم أ. ى. ونْسنْل، مطبعة بريل، ليدن. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة. منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل، د / ربيع بن هادي المدخلي، الدار السعودية السلفية، ط 1 1406 هـ، الكويت. الموطأ، للإمام مالك بن أنس، (ت 179 هـ) ، دار إحياء الكتب العربية. النهاية في غريب الحديث والأثر، للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير (ت 606 هـ) ، المكتبة الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي. وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، ط 1، 1412 هـ، دار العاصمة الرياض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 حكم الأواني الذهبية والفضية وما مُوِّه بهما استعمالاً وبيعاً وشراء د. صالح بن زابن المرزوقي البقمي أستاذ الفقه المشارك بقسم الاقتصاد الإسلامي كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى ملخص البحث يثير هذا البحث قضية يتعرض لها غالب المسلمين؛ وهي استعمال، أو شراء وبيع، أواني الذهب والفضة، أو ما موه بهما. وقد تناول البحث هذه القضية نظريا، وعمليا؛ فبين الحكم الشرعي لاستعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب وهو حرمة ذلك بالإجماع، ورد على منكريه. وتوصل الباحث إلى حرمة شراء وبيع هذه الأواني لهذا الغرض. وبين البحث أن ما يقال له الذهب الأبيض البلاتين يختلف عن الذهب مادة، وحكما؛ وهو جواز استعماله. وتعرض البحث لاستعمال أواني الذهب والفضة في سائر الاستعمالات الأخرى؛ غير الأكل والشرب ورجح الباحث حرمة ذلك. كما تعرض لحكم التضبيب بالذهب أو بالفضة. وقد تم إيراد العلل التي ذكرها الفقهاء، وتمت مناقشتها، ورجح الباحث أن علة التحريم هي تضييق النقدين والإسراف. كما اشتمل البحث على ذكر أهم المستثنيات من حكم الأصل. وتعرض البحث أيضاً لأحكام الإجارة على صياغة أواني الذهب والفضة، وأحكام الضمان إذا أُتلف أي منهما. وبيان حكم اتخاذ آنية الذهب والفضة؛ ورجح الباحث جوازه. وبعد ذلك اشتمل البحث على حكم المموه بهما أو بأحدهما، والحالات المشابهة للتمويه. وقد تم إجراء تحليل لطلاء هذه الأواني في المفاعل النووي في مركز التقنية البيئية التابع لكلية الأمبريل بجامعة لندن، تم التوصل من خلاله على معرفة مقدار هذا الطلاء، ونسبته بالنسبة للإناء، وقد أعان هذا التحليل على الوصول إلى الحكم الشرعي الذي رجحه الباحث لاستعمال وبيع وشراء هذا النوع من الآنية المموهة بالذهب أو الفضة؛ وهو الجواز. وانتهى البحث بخاتمة اشتملت على أهم النتائج. • • • المقدمة: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد: فإن تطور الصناعات، وسهولة المواصلات، وتقدم الاتصالات، وانفتاح معظم أسواق دول العالم، أعان على انتشار البضائع بجميع أشكالها، إضافة إلى جري الإنسان إلى تحقيق رغباته، وافتتان كثير منهم بكل جديد، وملفت للنظر، كل هذا أغرى المصانع العالمية، على التنافس والإبداع؛ فأغرقت الأسواق بأنواع مختلفة من الأواني المنزلية، ذات الألوان الجذابة كالذهبي والفضي. وكنت في حيرة وتردد في استعمال هذه الأواني، وربما قدمت القهوة أو الشاي إليّ في فنجان لونه ذهبي أو فضي فاحترت في أمره أهذا ذهب أم فضة أم هو مطليّ بهما، أو بأحدهما؟ ثم أجيب نفسي بأنه لا يعقل أن يكون كذلك مادام قيمة الفنجان ريالاً أو ريالين، أو نحوهما. فآخذه وأتناول ما فيه على مضض. ويزداد هذا الشعور حيناً، ويقل حيناً آخر. ولاشك أن هذا الشعور ينتاب غيري من المسلمين؛ فأيقنت أن الحاجة ماسة لمعرفة الحكم الشرعي في هذه النازلة ولا يتسنى الوصول إليه إلا ببحث يتناول أساس الموضوع، وجوانبه، ويتتبع الباحث أقوال العلماء السابقين فيه، ليطبقها أو يقيس عليها، ويستأنس بها، مع الاستفادة من التحاليل المخبر يه في المجال الصناعي، للوصول إلى حقيقة هذه المواد. أفيها ذهب أو فضة؟ أم لا؟ وإذا كان فيها شيء منهما ما مقداره؟ وما قيمته؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 ورغم ضيق الوقت، وكثرة المشاغل، وقلة البضاعة، استعنت بالله على الكتابة في هذا الموضوع، مع يقيني بأن الطريق محفوف بالمخاطر. وقد حصل لي ما توقعته؛ فقد كنت أطمع أن أجد الجواب عن نسبة الذهب والفضة في بعض الأواني لدى الصاغة في مكة المكرمة، لكن طلبي لم يتحقق، ثم زرت بعض الشركات المستوردة، فيممت وجهتي إلى جدة، أزور معاملها الحرية بذلك، والشركات المستوردة لهذه الأواني، ومع أنني زرت خمسة معامل مرموقة، واتصلت بأخرى إلا أنني لم أظفر بطائل. فكاتبت مصانع هذه الأواني في كل من اليابان، وهنج كنج، وكوريا، وقد عدت بخفي حنين. ثم كاتبت هيئة المواصفات والمقاييس السعودية، فلم أجد لديهم شيئا من بغيتي، وبعد هذا التجوال يسر الله لي اخوة أفاضل لا يسعني إلا أن أقدم لهم خالص الشكر وعظيم التقدير وهم سعادة الدكتور عيسى رواس عميد كلية العلوم التطبيقية بجامعة أم القرى، في مكة المكرمة، لما أبداه من استعداد وتشاور لتحقيق مطلبي، وأخص بالشكر سعادة الدكتور وليد جميل ألطف رئيس قسم الفيزياء بالكلية؛ الذي تولى مراسلة الجهات المعنية في بريطانيا، وسهل عليَّ كثيراً من الصعاب. وقد تم هذا ولله الحمد عن طريق المفاعل النووي، في مركز التقنية البيئية التابع لكلية الأمبريل بجامعة لندن، ببريطانيا. كما أشكر سعادة الدكتور بخيت المطرفي عميد كلية العلوم بالطائف على مراجعته للمسائل الرياضية في البحث. وحيث إن الذهب والفضة لهما في الشريعة الإسلامية أحكام كثيرة؛ منها ما يتعلق ببيعهما، وقد كتبت فيه بحثا مستقلا؛ ومنها ما يتعلق بلبسه، ومنها ما يتعلق باستعمال أوانيه؛ فقد استعنت بالله على الكتابة في الموضوع الأخير من جوانبه، وهو بحثنا هذا. وسميته: (حكم الأواني الذهبية والفضية وما مُوِّه بهما استعمالاً وبيعاً وشراء) وقد جعلته بعد المقدمة في خمسة فصول وخاتمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 الفصل الأول في: استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب، وبيعها وشرائها. الفصل الثاني في: استعمال أواني الذهب والفضة في غير الأكل والشرب. الفصل الثاني في: علة تحريم أواني الذهب والفضة. الفصل الثالث في:اتخاذ أواني الذهب والفضة. الفصل الرابع في: استعمال المموه بالذهب أو الفضة. وبيعه وشرائه. الخاتمة:أجمل فيها أهم النتائج. والحمد لله أولا وأخرا، وظاهرا وباطنا. الفصل الأول: استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب وبيعها وشراؤها وفيه مبحثان: المبحث الأول: استعمال أواني الذهب أو الفضة في الأكل أو الشرب وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: في معنى الاستعمال والفرق بينه وبين التحلي الاستعمال في اللغة: يأتي بمعان، منها: طلب العمل، أو توليته. ومنها الجعل والتصيير. فاستعمله أي: عمل به فهو مستعمل (1) . أي جعله محلاً للعمل. والاستعمال في اصطلاح الفقهاء لا يخرج عن معناه اللغوي. وهو: التلبس بالانتفاع؛ أي أن يستعمله الإنسان فيما أُعد له (2) ، أو فيما لا يعد له. وكما أن الشرب بآنية الذهب أو الفضة استعمال لها، فكذلك لبس الذهب استعمال بالتحلي، لكن العرف الفقهي خصص الاستعمال بغير ما كان من التحلي تفريقا بينهما، ولافتراقهما في الأحكام. والتفرقة بين التحلي والاستعمال هو أن كل ما ليس له فائدة سوى اللبس والزينة كالسوار والوسام فهو حلي واستعماله تحلٍّ، على سبيل التخصيص من عموم الاستعمال. وكل ما له فائدة جوهرية بالاستعمال، وفائدة عرضية بالزينة؛ كالقلم؛ فهو من متعلقات الاستعمال، بشرط انفصاله عن ملابسة الجسم على سبيل المصاحبة (3) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 وما اشتمل على فائدتي الاستعمال والزينة فإن كان إلى متعلقات التحلي أقرب منه إلى الاستعمال؛ لملابسته الجسد سواء أكان بتمام الاتصال؛ كتركيب أو تلبيس أسنان ذهبية أو فضية، أو دون الملابسة؛ كساعة الجيب وسلسلتها، وساعة اليد، والنظارة. فهو ملحق باللباس، والتحلي، فينبغي أن يلحق كل صنف بما غلب عليه؛ فإن غلبت عليه صفة الاستعمال ألحق بالآنية، وإن غلبت عليه صفة اللباس ألحق باللباس. المطلب الثاني: تعريف الآنية الإناء: مفرد. وجمعه آنية. كسقاء وأسقيه، ووعاء وأوعية. وجمع الآنية أوانٍ. والأصل أأني أبدلت الهمزة الثانية واوا، كراهية اجتماع همزتين كآدم وأو آدم. والإناء الذي يرتفق به. وهو مشتق من ذلك؛ لأنه قد بلغ أن يعتمل بما يعانى به، من طبخ أو خرز أو نجارة (1) . ومن الجدير بالذكر أن ما يقال له الذهب الأبيض ليس ذهباً، وليس له أي صلة بإذهب، لا من حيث معدنه، ولا لونه فلا تنطبق عليه أحكامه. واسمه الحقيقي بلاتين. وقد عرف الذهب بأنه (عنصر فِلِزِّيِّ، أصفر اللون، وزنه الذري197,2 وعدده الذري79، وكثافته19,4) (2) . المطلب الثالث: حكم استعمال أواني الذهب أو الفضة في الأكل أو الشرب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 يحرم استعمال أواني الذهب، أو الفضة؛ كالملاعق، والسكاكين، والشوكات، والصحون، والكاسات، ونحوها. في الأكل، أو الشرب منها، أو بها، على الرجال والنساء، بالإجماع في الشرب، إلا ما نقل عن معاوية بن قرة من إجازته ذلك (1) . وأما الأكل فأجازه داود والحديث الآتي في الأدلة يرد عليه، ولعله لم يبلغه، وقول قديم للشافعي بالكراهية لا بالتحريم (2) . قال النووي: (استعمال الإناء من ذهب أو فضة حرام على المذهب الصحيح المشهور، وبه قطع الجمهور. وحكي المصنف [الشيرازي] وآخرون من العراقيين والقاضي حسين وصاحباه المتولي والبغوي قولا قديما يعني للشافعي أنه يكره كراهية تنزيه ولا يحرم، وأنكر أكثر الخرسانيين هذا القول، وتأوله بعضهم على أن المشروب في نفسه ليس حراما … ومن أثبت القديم فهو معترف بضعفه في النقل والدليل) (3) . وقال: (واعلم أن هذا القديم لا تفريع عليه وما ذكره الأصحاب ونذكره تفريع على الجديد) (4) . وخلاصة القول أنه يحرم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة على مذاهب الأئمة الأربعة؛ بل هو إجماع عموم المسلمين. وقد عبر الحنفية عن الحرمة بالكراهية (5) . قال المرغيناني: (قال في الجامع الصغير: يكره ومراده التحريم) (6) . ومما يؤكد قول الإمام الشافعي رحمه الله ماجاء في الأم (فإن توضأ أحد فيها أو شرب، كرهت ذلك له، ولم آمره يعيد الوضوء، ولم أزعم أن الماء الذي شُرِبَ، ولا الطعام الذي أُكِلَ فيها محرم عليه، وكان الفعل من الشرب فيها معصية) (7) . فقد سمى الشرب في الأواني المذكورة معصية؛ وهي من أسماء الحرام. والأم من الجديد، وما فيها هو جار على الجديد (8) . المطلب الرابع: الأدلة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 استدل العلماء على حرمة استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب بما روى عبد الله بن عكيم قال: كنا مع حذيفة بالمدائن فاستسقى حذيفة فجاءه دِهْقَانٌ (1) بشراب في إناء من فضة فرماه به وقال:إني أخبركم أني قد أمرته ألا يسقيني فيه فإن رسول الله (قال:لا تشربوا في إناء الذهب والفضة ولا تلبسوا الديباج والحرير فإنه لهم في الدنيا وهو لكم في الآخرة يوم القيامة (2) . وفي بعض طرقه كما رواه البخاري (حدثني عبد الرحمن ابن أبي ليلى أنهم كانوا عند حذيفة، فاستسقى؛ فسقاه مجوسي، فلما وضع القدح في يده رماه به وقال: لولا أني نهيته غير مرة ولا مرتين، كأنه يقول لم أفعل هذا، ولكني سمعت النبي (يقول: لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ,لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها (3) فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة) (4) . ليس المراد بقوله في الدنيا إباحة استعمالهم لها، وإنما يعني أن الكفار هم الذين يستعملون هذه الأواني مخالفة لزي المسلمين، وقوله: ولنا في الآخرة أي تستعملونه مكافأة لكم على تركه في الدنيا، ويمنعه أولئك جزاء لهم على معصيتهم باستعمالها في الدنيا. ولنهيه (عن الشرب في آنية الفضة؛ وقال:من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة) (5) . وعن أم سلمة أن رسول الله (قال: (الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) (6) . متفق عليه. وسمي المشروب نارا لأنه يؤول إليها (7) ، كما قال تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا) (8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 وجاء تحريم الشرب في آنية الذهب مصرحا به في حديث حذيفة، ومفهوما من الأحاديث التي نصت على الفضة؛ لأن الذهب أشد حرمة من الفضة؛ بدليل أن الرسول (رخص في التختم بالفضة للرجال، ولم يرخص في الذهب؛ فكان النص الوارد في الفضة واردا في الذهب دلالة من طريق الأولى؛ كتحريم الضرب والشتم بدلالة النص على التأفيف. واستدلوا بالإجماع (1) . وقد قصرالبعض الإجماع على الشرب إلا عن معاوية بن قرة منهم ابن المنذر، والشوكاني (2) . أما محمد سعيد الباني (3) ؛ فقد نازع في الإجماع؛ حيث يرى أن أدلة التحريم إنما هي على الرجال، وأنها لا تشمل النساء. ويقول: (وأما الإجماع فإن كان حقيقيا بأن كان باتفاق كلمة علماء المسلمين فعلى الرأس والعين. وإن كان نسبيا بأن كان إجماع فقهاء مذهب أو أكثر فلا يصلح حجة على المخالفين. . ولكن يظهر أن الإجماع على اشتراك النساء مع الرجال بحظر الشرب بالآنية والأكل بالصحاف يكاد يكون إجماعا حقيقيا) (4) . والجواب على هذا أن الإجماع على تحريم الشرب والأكل في آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء إجماع حقيقي وليس إجماع علماء مذهب، أو بلد، وقد نقله كثيرمن علماء المسلمين الثقات المعتبر نقلهم، منهم النووي، وابن عبد البر، وموفق الدين ابن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن هبيرة، وابن مفلح، والشربيني، والرملي. والدسوقي، وغيرهم (5) . فهو حرام على الذكر والأنثى والخنثى؛ مكلفا كان أو غيره؛ بمعنى أن وليه يأثم بفعل ذلك له؛ لعموم الأخبار وعدم المخصص، وجواز تحلي النساء لا يقاس عليه استعمالهن للآنية؛ لأن التحلي جاز للنساء لحاجتهن للتزين للأزواج (6) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 وما روي عن معاوية بن قرة من جواز الشرب في آنية الفضة إن صح، وما روي عن داود الظاهري من جواز الأكل فيهما، والقول القديم للشافعي بالكراهة. فالجواب عليه من وجوه. أولها: بالنسبة للإمام الشافعي رحمه الله فقد عبر عن الحرام بالكراهة، ويقصد الكراهة التحريمية، كعادة العلماء في التورع عن التعبير بالحرام، يؤيده قوله في الأم (1) كما سبق أن نقلناه (وكان الشرب فيها معصية) . قال الشيرازي (وقال في الجديد يكره كراهة تحريم وهو الصحيح) (2) . وقال النووي: (والشافعي قد رجع عن هذا القديم، والصحيح عند أصحابنا وغيرهم من الأصوليين أن المجتهد إذا قال قولا ثم رجع عنه لا يبقى قولا له، ولا ينسب إليه. قالوا: وإنما يذكر القديم وينسب إلى الشافعي مجازا وباسم ما كان عليه، لا أنه قول له الآن) (3) . ثانيها: إن قولهم هذا مردود؛ لمخالفته الإجماع قبلهم (4) ؛ فمعاوية بن قرة تابعي، والشافعي، وداود الظاهري بعده ولم يذكر خلاف في هذا بين أحد من الصحابة؛ فكان الإجماع منعقدا قبل ما نسب إليهم من خلاف؛ فلا يؤثر قولهم هذا في صحة الإجماع. ثالثها: يعتذر لداود بأن النهي عن الأكل في آنية الذهب والفضة لم يبلغه، وكذلك معاوية بن قرة لعله لم تبلغه أحاديث النهي عن الأكل والشرب فيهما (5) . رابعها: لا يشترط في انعقاد الإجماع اتفاق الجميع بل ينعقد بالأكثر مع مخالفة الأقل. وهو قول محمد بن جرير الطبري والإمام أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، وأبي الحسن الخياط من المعتزلة (6) . المطلب الخامس:تضبيب آنية الأكل والشرب بالذهب أو الفضة (7) الضبة: قطعة من حديد، أو صفر أو نحوه، يشعب بها الإناء، وجمعها ضبات؛ مثل جنة وجنات. وضببته بالتثقيل جعلت له ضبة (8) . وقال الجوهري: (الضبة حديدة عريضة، يضبب بها الباب، ثم تستعمل من غير الحديد، وفي غير الباب) (9) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 المضبب: هو ما أصابه شق أو كسر ونحوه فيذاب في شقه شيء من الذهب أو الفضة أو نحوهما أو يربط كسره بسلك منهما، أو يوضع عليه صفيحة تضمه وتحفظه (1) . وسمي بالمضبب؛ لأن الضبة تضب كسره، أو شقه، فينضب. حكم التضبيب بالفضة: للفقهاء في تضبيب الآنية بالفضة قولان: القول الأول: يجوز التضبيب بالفضة؛ وهو قول الإمام أبي حنيفة، وهو المذهب عند الشافعية، والحنابلة، وعليه أكثر أصحاب المذهبين، وقول مرجوح في مذهب المالكية (2) . فأجاز الشافعية والحنابلة الضبة اليسيرة في الإناء إذا كانت من فضة، وكانت قليلة، لحاجة، والمراد بالحاجة أن يتعلق بها غرض غير الزينة، وإن كان غيرها يقوم مقامها (3) . فإذا ضبب الإناء تضبيبا جائزا فله استعماله مع وجود غيره من الآنية التي لا فضة فيها (4) . قال النووي: وهذا لا خلاف فيه، صرح به إمام الحرمين وغيره (5) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (معنى الحاجة أن يحتاج إلى تضبيب الإناء سواء كانت الضبة من فضة أو حديد أو نحاس فأما إن احتيج إلى نفس الفضة بأن لا يقوم غيرها مقامها فتباح وإن كان كثيرا ولو كان من الذهب) (6) . قال البهوتي: (فإن هذه ضرورة تبيح المنفرد) (7) . القول الثاني: يحرم التضبيب بالفضة؛ على الصحيح من مذهب المالكية (8) . (قال الإمام مالك في العتبية لا يعجبني أن يشرب فيه إذا كانت فيه حلقة فضة أو تضبب شعبه بها وكذلك المرآة تكون فيها الحلقة من الفضة لا يعجبني أن ينظر فيها الوجه) (9) . وحمل الباجي قول مالك لا يعجبني على المنع، وقال عياض كله مكروه. وقال ابن رشد التضبيب والحلقة كالعلم من الحرير، مالك يكرهه، وأجازه جماعة من السلف، وعن عمر أنه أجازه على قدر الأربع أصابع (10) . حكم التضبيب بالذهب: للفقهاء في التضبيب بالذهب قولان: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 القول الأول: يحرم التضبيب بالذهب في الأصح من القولين عند المالكية (1) . والصحيح من مذهب الشافعية والحنابلة سواء كثرت الضبة أو قلت، لحاجة أو لزينة. وعليه أكثر أصحاب المذهبين (2) . وقال أبو يوسف بكراهته [والمراد بها التحريم] (3) . القول الثاني: أجاز أبو حنيفة تضبيب الإناء بالذهب، وهو قول مرجوح في مذهب المالكية، وأحد الطريقين في مذهب الشافعية. وقول مرجوح في مذهب الحنابلة، أنه لا يحرم إذا كان قليلاً، وقيل لا يحرم لحاجة (4) . فقد استثنى أبو حنيفة من المنع الإناء المضبب بذهب أو فضة، والكرسي المضبب بهما، كما لو جعله في نصل سيف وسكين، ولم يضع يده موضع الذهب أو الفضة. وهو قول محمد ذكره في الموطأ. وقال أبو يوسف بالكراهة في الكل وقال المرغيناني وابن عابدين قول محمد يروى مع أبي حنيفة، ويروى مع أبي يوسف (5) . (وجه قول أبي يوسف إن استعمال الذهب حرام بالنص وقد حصل باستعمال الإناء فيكره. وجه قول [أبي حنيفة ومحمد] إن هذا القدر من الذهب الذي عليه هو تابع له، والعبرة للمتبوع دون التابع كالثوب المعلم والجبة المكفوفة بالحرير. وعلى هذا الخلاف الجلوس على السرير المضبب والكرسي والسرج واللجام والركاب والثفر (6) المضببة. وأما السيف المضبب والسكين فلا بأس به بالإجماع وكذا المنطقة المضببة) (7) . والمراد إجماع الحنفية. وقال بجواز استعمال الإناء المضبب بالذهب من الشافعية؛ الخراسانيون، وأكثر الشافعية، وقالوا: إنه كالمضبب بالفضة على الخلاف والتفصيل المذكور فيه لأنه لما استويا في الإناء فكذا في الضبة (8) . قال الرافعي: لكن معظم العراقيين قالوا: سواء كانت الضبة على شفة الإناء بحيث تلقى فم الشارب أو في موضع آخر. قال: (وهو أوفق للمعنى) (9) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 وحد الكثرة قيل ما استوعب أحد جوانب الإناء، وقيل ما لمع من بعد، وقيل ما عد كثيرا عرفا. وهو الراجح عند الحنابلة، وكثير من الشافعية (1) . أما الصورة التي ذكرنا جوازها وهي الضبة اليسيرة للحاجة فهي محل إجماع. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية والنووي والمرداوي (2) . قال المرداوي بعد أن حكاها: (ولا خلاف في جواز ذلك بل هو إجماع) (3) . لكن يعكر على هذا الإجماع ماروي عن الإمام مالك رحمه الله أنه لا يعجبه الشرب في الإناء المضبب بالفضة. ولعله لا يرى في حديث أنس حجة؛ لاحتمال أن الذي سلسل القدح هو أنس، بعد زمن رسول الله (وبعد وفاة أبي طلحة ((4) . ويمكن الإجابة على هذا بحديث أنس بن مالك (الثابت في الصحيحين وغيرهما (أن قدح النبي (انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة قال عاصم رأيت القدح وشربت فيه) (5) . فظاهره أن الذي سلسله رسول الله (. وإذا كان الذي سلسه أنس ففعل الصحابي الذي من هذا النوع ملحق بقوله وقول الصحابي حجة عند الإمام مالك (6) ؛ فيكون تضبيب القدح من أنس (على فرض أنه هو الذي ضببه حجة عند الإمام مالك؛ لأن تضبيب القدح مقصود؛ فلا يتطرق إليه الخطأ والنسيان من الصحابي. وما نقله العلماء من إجماع لعله بناء على ما تقرر من قول الإمام مالك إذا صح الحديث فهو مذهبي. وحيث إن أحاديث تضبيب قدح رسول الله (صحيحة؛ فإنها تكون حينئذ مذهبا للإمام مالك. أو لعل الإجماع بعد عصر الإمام مالك. ويقيد أبو حنيفة الجواز إذا كان يتقي موضع الفم؛ فلا يضع فمه على الفضة، وقيل وموضع اليد في الأخذ أيضا، وفي السرير والسرج موضع الجلوس؛ فالمراد الاتقاء بالعضو الذي يقصد الاستعمال به؛ ففي الشرب لما كان المقصود الاستعمال بالفم اعتبر الاتقاء به دون اليد (7) . ومن الشافعية من قال يحرم مباشرة الضبة عند الشرب، وقال الحنابلة تكره مباشرتها لغير حاجة (8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 ومعنى مباشرتها أنه إذا أراد أن يشرب في هذا الإناء المضبب شرب من الجهة التي عليها الفضة، فيضع شفتيه على الفضة. والذي يرجحه الباحث عدم جواز تضبيب الإناء بالذهب وكذلك جميع ما أورده بعض الفقهاء مثل الكرسي والسرج واللجام والثفر وسكين المقلمة؛ لأن التضبيب بالذهب باقٍ على أصل المنع. إلا السيف وجميع أنواع السلاح التي يناسب تضبيبها؛ لحديث مزيدة قال: دخل رسول الله (يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة. قال الترمذي: حديث حسن غريب (1) . وبقية السلاح مقيس على السيف؛ للاشتراك في العلة؛ وهي إرهاب العدو وإغاظته. أما التضبيب بالفضة فيرجح جوازه؛ لأنه استثني من المنع بحديث تضبيب قدح رسول الله (بالفضة. ونرى جوازه بها للحاجة؛ لأن قدح رسول الله (لم يضبب بالفضة إلا عندما احتاج لذلك؛ وهو انصداعه. والمراد بالحاجة أن يكون هناك داع لتضبيب القدح. فييجوز تضبيبه بالفضة ولو سد غيرها مسدها. وأرجحها سواء كانت صغيرة أوكبيرة. وأن مباشرة الضبة ليست مكروهة، ولا محرمة. سواء مباشرتها بالفم، أو باليد فيما يقبض، أو الجلوس فيما يجلس عليه، ونحوه من الاستعمالات؛ لأن الحرام، والمكروه، حكمان شرعيان لا يثبتان إلا بدليل شرعي؛ ولأن حديث تضبيب قدح رسول الله صلى الله (لم يرد فيه ولا في غيره أن رسول الله (كان يتجنب مباشرة الضبة عند شربه من القدح. إذا شرب بكفه وفيها خاتم فضة. قال الشافعية لو شرب بكفيه وفي أصبعه خاتم فضة لم يكره، وكذا لو صب الدراهم في إناء وشرب منه أو كان في فمه ذهب أو فضة سواء كانت أسنانه ملبسة أو مشدودة بأيٍّ منهما، أو كان في فمه من غير حاجة فشرب لم يكره (2) . وقال الحنفية: ولا بأس بأن يشرب من كف في خنصرها خاتم ذهب (3) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 والذي يظهر للباحث أن مقتضى أقوال الفقهاء الآخرين لا تمنع جواز ذلك؛ لأن الممنوع الشرب والأكل في إناء الذهب والفضة والخاتم ليس إناءً؛ ولأنه ثبت في صحيح مسلم أن الرسول (لبس خاتم فضة في يمينه فيه فص حبشي كان يجعل فصه مما يلي كفه (1) . وحيث إنه يأكل بيمينه والخاتم فيها، فدل هذا على جواز الأكل والشرب بالأيدي وفيها خاتم الفضة وكذلك جواز شرب المرأه باليد وفيها خاتم الذهب. ولأن بعض الصحابة وكثير من التابعين شدوا أسنانهم بالذهب فدل على جواز الشرب والأكل وفي فم الشارب والآكل شيْ من الذهب. المبحث الثاني: حكم شراء أواني الذهب والفضة للاستعمال بناء على حرمة استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب فإنه يحرم بيعها، وشراؤها عند الحنفية والمالكية والحنابلة (2) . إذا كان الشراء لغرض الاستعمال؛ لأن ما حرم استعماله حرم شراؤه. جاء في المدونة: (كان مالك يكره هذه الأشياء التي تصاغ من الفضة والذهب مثل الأباريق، وكان مالك يكره مداهن الفضة والذهب ومجامر الذهب والفضة سمعت ذلك منه والأقداح واللجم والسكاكين المفضضة وإن كانت تبعا لا أرى أن تشترى) (3) . والإمام مالك رحمه الله يعبر عن الحرام بالكراهة (4) . وقد نص الحنابلة على أنه لا يجوز بيع ما فيه منفعة محرمة (5) . أما الشافعية فيصح عندهم شراء أواني الذهب والفضة ما لم ينص في العقد على الاستعمال؛ وذلك بناء على عدم اشتراط مشروعية السبب عندهم (6) . وقد نص النووي، والقاضي أبو الطيب من الشافعية على صحة بيع أواني الذهب والفضة (7) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 والراجح عندي مذهب الجمهور وهو حرمة بيع وشراء أواني الذهب أو الفضة؛ إذا كان الشراء لغرض الاستعمال لقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (1) ؛ وبيع وشراء الأواني الذهبية والفضية، أو صناعتها، أو الإجارة على إصلاحها، ونحوه، لغرض استعمالها في الأكل، أو الشرب، كل ذلك من التعاون على الإثم ولأن الله سبحانه وتعالى إذا حرم شيئا حرم الوسائل والذرائع المؤدية إليه، والمعينة عليه. قال ابن القيم رحمه الله: (لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطها بها … فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه، فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقا لتحريمه، وتثبيتا له، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء) (2) . أما إذا كان شراء الأواني الذهبية والفضية لا لاستعمالها فيترجح عندي جوازه، والدليل على ذلك ما ذكره أبو الأشعث من حديث عبادة بن الصامت، قال غزونا غزاة وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس فبلغ عبادة فقام فقال:إني سمعت رسول الله (ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة. . إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى (3) . قال ابن رجب: (وحمل إنكار عبادة على ما كانت صياغته محرمة لأنه إنما أنكر بيع الأواني لا الحلي المباح) (4) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 وقول ابن رجب لأن عبادة إنما أنكر بيع الأواني. غير مسلم؛ فعبادة (لم ينكر بيع الأواني، وإنما أنكر التفاضل وعدم التقابض؛ بدليل قوله إلا سواء بسواء، عينا بعين. فالأثر دال على جواز بيع أواني الذهب والفضة. ولما كان استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب محرما بالأحاديث الصحيحة التي سبق إيرادها؛ فإنه حينئذ لابد من حمل جواز شراء آنية الفضة المذكورة في الحديث على اقتنائها، أو استعمالها في مباح؛ كتحويلها إلى غير آنية. وأما المنع من بيعها إذا كانت تستعمل فيما لا يجوز استعمالها فيه فإنه مأخوذ من عموم الأدلة الأخرى التي سبق بيانها، لا من أثر عبادة ولأن ما يحرم استعماله يحرم بيعه وشراؤه للغرض المحرم. وكذلك يحرم الاستئجار على صياغة أواني الذهب والفضة إذا كانت بقصد الاستعمال. وكذلك إذا كانت بقصد الاتخاذ عند من يحرمه. ويجوز ذلك عند من يرى جواز اتخاذها. فعند من يجوّز استعمال أواني الذهب والفضة في غير الأكل والشرب، أو اتخاذهما، أو استعمال المموه بهما ونحوه يجوّز بيعها، وشراءها، والاستئجار على صياغتها. ويقع الضمان على من كسرها، أو أتلف صنعتها. وعند من يحرّم استعمالها يحرّم ذلك كله. ولا يجب الضمان على من أتلف الصنعة، ويجب على من أتلف العين عند الجميع في كلتا الحالتين. وفي رواية عن الإمام أحمد يضمن الصنعة أيضا (1) . الفصل الثاني: استعمال أواني الذهب أو الفضة في غير الأكل والشرب وفيه مبحثان المبحث الأول: أقوال العلماء وأدلتهم للفقهاء في حكم استعمال أواني الذهب والفضة في غير الأكل والشرب قولان: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 القول الأول: قال جماهير الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وابن حزم كما أنه يحرم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب فكذلك يحرم على الرجال والنساء استعمالها في سائر الاستعمالات الأخرى؛ مثل الاكتحال والاستصباح؛ فيحرم استعمال مُكحلة أو مُدْهنة أو مُسعط (1) ، أو مبخرة؛ إذا احتوى عليها. وإذا لم يحتو عليها وجاءته الرائحة من بعيد فلا بأس، وينبغي أن يكون بعدها بحيث لا ينسب إليه أنه متطيب بها. أو محبرة (2) أو مرود (3) *أو مبولة أو إبرة أو خلال (4) ، أو كرسي أو سرير، ونحو ذلك من ذهب أو فضة، في سائر الاستعمالات (5) . ومحل حرمة استعمال الذهب ما لم يصدأ، فإن صدأ بحيث يستر الصدأ جميع ظاهره وباطنه جاز (6) . قال إمام الحرمين في المغشى ظاهره وداخله (الذي أراه القطع بجواز استعماله لأنه إناء نحاس أدرج فيه ذهب مستتر) (7) . ويستثني بعض الفقهاء من الحرمة ما دعت الضرورة إلى استعماله كمرود من فضة أو ذهب لجلاء العين (8) . أدلة الجمهور: استدل الجمهور بعموم الأحاديث السابقة؛ وعدم وجود ما يخصصها. وقالوا:نهى النبي (عن الأكل والشرب لأنهما أغلب الأفعال، فخرجا مخرج الغالب؛ فقيس غيرهما عليهما؛ ولأن غيرهما في معناهما؛ أي لأن الادهان مثلا من آنية الذهب أو الفضة في معنى الشرب منها؛ لأن كلا منهما استعمال لهما والمحرم هو الاستعمال؛ فالعلة الموجودة فيهما (9) ؛ وهي عين الذهب والفضة (10) ، أوهي مظنة السرف، أو تضييق النقدين في غير ما خلقا له، ومظنة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما ومظنة الفخر وكسر قلوب الفقراء موجودة في الاستعمالات الأخرى (11) . أدلة ابن حزم: 1 واستدل ابن حزم (12) بما رواه الإمام أحمد بسنده عن حذيفة قال نهى رسول الله (عن لبس الحرير والديباج وآنية الذهب والفضة، وقال هو لهم في الدنيا ولنا في الآخرة (13) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 2 وبما رواه الإمام أحمد والبخاري والبيهقي عن البراء بن عازب قال أمرنا رسول الله بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، ونصر المظلوم. ونهانا عن خواتيم الذهب، وآنية الفضة، والحرير، والديباج، والإستبرق، والمياثر الحمر والقسي (1) . قال ابن حزم: (هذان الخبران نهي عام عنهما جملة، فهما زائدان حكما وشرعا على الأخبار التي فيها النهي عن الشرب فقط أو الأكل فقط، والزيادة في الأصل لا يحل خلافها) (2) . ومع القول بحرمة استعمال آنية الذهب أو الفضة في جميع الاستعمالات، ومنها الطهارة؛ فإن جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والمذهب عند الحنابلة يرون صحة الطهارة من آنية الذهب أو الفضة؛ وضوءا كانت أو غسلا أو غيرهما؛ مع الحرمة؛ لأن التحريم لا يرجع إلى نفس العبادة، ولا إلى شرط من شرائط وجوبها وأدائها، فالإناء ليس شرطا للطهارة، فيعود النهي إلى خارج أشبه ما لو توضأ في أرض مغصوبة، أو صلى وفي يده خاتم ذهب (3) . ومن أصول الحنفية أن النهي إذا كان لوصف مجاور للمنهي عنه أن النهي يكون لغيره؛ فيكون الوصف المجاور صحيحا (4) . قال الدسوقي) فلا يجوز فيه أكل، ولا شرب، ولا طبخ، ولا طهارة، وإن صحت الصلاة) (5) . وقال الحنابلة:وتصح الطهارة بها؛ بأن يغترف الماء بالآنية المذكورة. وتصح الطهارة فيها؛ بأن يتخذ إناء كمغطس أو مسبح من ذهب أو فضة، يسع قلتين ويغتسل أو يتوضأ فيه. وتصح الطهارة إليها؛ بأن يجعلها مصبا لفضل طهارته، فيقع فيها المنفصل عن العضو بعد غسله (6) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 القول الثاني: وجه عند الحنابلة أنه لا تصح الطهارة من آنية الذهب والفضة؛ لأنه استعمل المحرم في العبادة، فلم يصح، كالصلاة في الدار المغصوبة. اختاره أبوبكر، والقاضي أبو الحسين، وشيخ الإسلام ابن تيمية. وصححه ابن عقيل. وهو قولٌ لابن حزم (1) . والراجح عندي قول الجمهور؛ وهو صحة الطهارة منها، وفيها، وبها، وإليها. (ويفارق هذا الصلاة في الدار المغصوبة؛ لأن أفعال الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود في الدار المغصوبة، محرم؛ لكونه تصرفا في ملك غيره بغير إذنه، وشغلا له، وأفعال الوضوء؛ من الغسل، والمسح، ليس بمحرم، إذ ليس هو استعمالا للإناء، ولا تصرفا فيه، وإنما يقع ذلك بعد رفع الماء من الإناء، وفصله عنه، فأشبه ما لو غرف بآنية الفضة في إناء غيره، ثم توضأ به ولأن المكان شرط للصلاة، إذ لا يمكن وجودها في غير مكان والإناء ليس بشرط) (2) . بعض المستثنيات: استثنى الفقهاء بعض الأشياء من المنع فأجازوا استعمالها. وسأعرض في هذا المطلب لجملة مما استثنوه من الأواني. فقد استثنى الحنفية حلقة المرآة من الفضة. قال أبو حنيفة لا بأس بحلقة المرآة من الفضة إذا كانت المرآة حديدا وقال أبو يوسف: لا خير فيه (3) . وعند الشافعية والحنابلة يحرم تحليتها (4) . ونقل الحصكفي وابن عابدين وقاضي زاده أن صاحب الدرر، من الحنفية يقول: إن المنع من استعمال أواني الذهب والفضة إذا استعملت ابتداء فيما صنعت له بحسب متعارف الناس، وإلا فلا كراهة؛ ففي الادهان أن يأخذ آنية الذهب والفضة ويصب الدهن على الرأس أما إذا أدخل يده فيها وأخذ الدهن ثم صبه على الرأس من اليد فلا يكره لانتفاء الابتداء (5) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 وقد أجاب ابن عابدين رحمه الله عن هذا القول. فقال (إن ما ذكره في الدرر من إناطة الحرمة بالاستعمال فيما صنعت له عرفا فيه نظر فإنه يقتضي أنه لو شرب أو اغتسل بآنية الدهن أو الطعام انه لا يحرم، مع أن ذلك استعمال بلا شبهة داخل تحت إطلاق المتون والأدلة الواردة في ذلك والذي يظهر لي على وجه لا يرد عليه شيء مما مر أن يقال إن وضع الدهن أو الطعام مثلا في ذلك الإناء المحرم لا يجوز لأنه استعمال له قطعا ثم بعد وضعه إذا ترك فيه بلا انتفاع لزم إضاعة المال فلابد من تناوله منه ضرورة فإذا قصد المتناول نقله من ذلك الإناء إلى محل آخر لا على وجه الاستعمال بل ليستعمله من ذلك المحل الأخر كما إذا نقل الدهن إلى كفه ثم دهن به رأسه أو نقل الطعام إلى الخبز أو إلى إناء آخر واستعمله منه لا يسمى مستعملا آنية الفضة أو الذهب لا شرعا ولا عرفا بخلاف ما إذا تناول منه ابتداء على قصد الادهان أو الأكل فإنه استعمال سواء تناوله بيده أو بملعقة ونحوها فإنه كأخذ الكحل بالميل وسواء استعمله فيما صنع له عرفا أولا) (1) . وبالنسبة للشافعية حكى إمام الحرمين عن والده أبي محمد في المكحلة الصغيرة وظرف الغالية ترددا في جواز ذلك إذا كان من فضة. وأطلق الغزالي خلافا في استعمال الإناء الصغير كالمكحلة ولم يخصه بالفضة. وكلامه محمول على ما ذكره شيخه وهو التخصيص بالفضة. وحكى إمام الحرمين أن شيخه حكى فيه وجهين. وقال الإمام:والوجه القطع بالتحريم (2) . وطريقة الخلاص من المعصية أن يصب الطعام أو الماء أو غيرهما في إناء آخر، ويستعمل المصبوب فيه (3) . حكي أن فرقد السبخي، والحسن البصري، حضرا وليمة بالبصرة، فقدم إليهما طعام في إناء من فضة، فقبض فرقد يده عن الأكل منه، فأخذ الحسن الإناء وأكبه على الخوان وقال: كل الآن إن شئت (4) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 القول الثاني: يحرم استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب. ويحل استعمالها في الاستعمالات الأخرى. مع الكرهة وهو قول الشافعي في القديم (1) . وقال الشوكاني؛ والشيخ محمد بن صالح العثيمين: يجوز استعمال أواني الذهب والفضة في سائر الاستعمالات بدون كراهة؛ ماعدا الشرب أو الأكل. وأجاز داود بن علي الظاهري الأكل فيها، وقصر الحرمة على الشرب فقط (2) . وفي الإنصاف (وقيل لا يحرم استعمالها بل يكره) (3) . قال المرداوي: وهو ضعيف جدا (4) . أدلة أصحاب القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بالأدلة التالية: (النبي (نهى عن شيء مخصوص وهو الأكل والشرب، ولو كان المحرم غيرهما لكان النبي (وهو أبلغ الناس، وأبينهم في الكلام، لا يخص شيئا دون شيء. بل إن تخصيصه الأكل والشرب دليل على أن ما عداهما جائز، لأن الناس ينتفعون بهما في غير ذلك. ولو كانت حراما مطلقا لأمر النبي (بتكسيرها، كما كان لا يدع شيئا فيه تصاوير إلا كسره، لأنها إذا كانت محرمة في كل الحالات ما كان لبقائها فائدة) (5) . 2 روى البخاري من حديث عثمان بن عبد الله بن وهب قال: (أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء، وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من قٌصةٍ فيها شعر من شعر النبي (وكان إذا أصاب الإنسان عينٌ أو شيءٌ بعث إليها مخضَبهُ فاطلعت في الجلجل فرأيت شعراتٍ حمرا) (6) . وفي الطبعة اليونينيت من صحيح البخاري (من قصة) . وفيها: وفي رواية أبي زيد (من فضة) (7) . وفي صحيح البخاري مع شرحه عمدة القاري، وفي الطبعة المنيرية من فضة) (8) . الجلجل:الجرس الصغير، وصوته الجلجلة (9) . وقد تنزع منه الحصاة التي تتحرك فيوضع فيه ما يحتاج إلى صيانته (10) . عثمان بن عبد الله بن موهب هو التميمي مولى آل طلحة. تابعي. (11) . إسرائيل:هو ابن يونس بن أبي إسحاق (12) . ثلاث أصابع:إشارة إلى صغر القدح (13) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 وقد اختلف في ضبط (قصة) هو بقاف مضمومة ثم صاد مهملة أو بفاء مكسورة ثم ضاد معجمة؟ (1) . قال ابن حجر) إن كان بالفاء والمعجمة فهو بيان لجنس القدح) [يعني فضة] . وإن كان بالقاف والصاد المهملة فهو من صفة الشعر، على ما في التركيب من قلق العبارة) (2) . قال ابن دحية: وقع لأكثر الرواة بالقاف والمهملة، والصحيح عند المحققين بالفاء والمعجمة، وقد بينه وكيع في مصنفه بعد ما رواه عن اسرائيل فقال (كان جلجلا من فضة صيغ صوانا لشعرات كانت عند أم سلمة من شعر النبي () (3) . (وقد ذكرالحميدي في الجمع بين الصحيحين بلفظ دال على أنه بالفاء والمعجمة، ولفظه {أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء، فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر الخ} ولم يذكر قول اسرائيل، فكأنه سقط على رواة البخاري قوله {فجاءت بجلجل} وبه ينتظم الكلام ويعرف منه أن قوله {من فضة} أنه صفة الجلجل، لا صفة القدح الذي أحضره عثمان بن موهب) (4) . قال القاضي عياض: (والأشبه عندي رواية من قال من فضة … لقوله بعد فاطلعت في الجلجل، ولمفهوم الحديث) (5) . ورجح القسطلاني، والموصلي، والعيني، أنها من فضة (6) . وجه الدلالة:استعمال أم سلمة رضي الله عنها لجلجل من فضة -على رأي من يرجح من العلماء أن اللفظة الواردة في الحديث هي من فضة وليست من قصة- لحفظ شعرات من شعر الرسول (دليل على جواز استعمال أواني الفضة في غير الأكل والشرب، والذهب مثلها. 3 ويمكن أن يستدل لهم بما جاء عن ابن عباس أن رسول الله (قد كان أهدى جمل أبي جهل الذي استلب يوم بدر في رأسه بُرَةٌ (7) من فضة عام الحديبية في هديه. وقال في موضع آخر: ليغيظ بذلك المشركين (8) . صححه الحاكم ووافقه الذهبي (9) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 4 الأصل الحل فلا تثبت الحرمة إلا بدليل. ولا دليل في المقام بهذه الصفة؛ فالوقوف على ذلك الأصل المعتضد بالبراءة الأصلية هو وظيفة المنصف لاسيما وقد أيد هذا الأصل (1) . حديث {ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا} روه أحمد وأبو داود (2) من حديث أبي هريرة. المبحث الثاني: مناقشة الأدلة وفيه مطلبان المطلب الأول: مناقشة أدلة أصحاب القول الأول ناقش أصحاب القول الثاني أدلة أصحاب القول الأول القائلين بحرمة استعمال أواني الذهب والفضة في سائر الاستعمالات بما يأتي: 1 الأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الأول تدل على تحريم الأكل والشرب وأما سائر الاستعمالات فلا. والقياس على الأكل والشرب قياس مع الفارق؛ فإن علة النهي عن الأكل والشرب هي التشبه بأهل الجنة، حيث يطاف عليهم بآنية من فضة، وذلك مناط معتبر للشارع، كما ثبت عنه (لما رأى رجلا متختماً بخاتم من ذهب فقال مالي أرى عليك حلية أهل الجنة، وكذلك في الحرير وغيره، وإلا لزم تحريم التحلي بالحلي، والافتراش للحرير؛ لأن ذلك استعمال وقد جوزه البعض من القائلين بتحريم الاستعمال (3) . (وقولهم إن النبي (حرمها في الأكل والشرب لأنه أغلب الاستعمال وما غلب به الحكم لكونه أغلب لا يقتضي تخصيصه به كقوله تعالى: {وربائبك اللاتي في حجوركم من نسائكم} (4) فتقييد تحريم الربيبة بكونها في الحجر لا يمنع التحريم، بل تحرم، وإن لم تكن في حجره على قول أكثر أهل العلم. صحيح لكن كون الرسول (يعلق الحكم بالأكل والشرب، لأن مظهر الأمة بالترف في الأكل والشرب أبلغ منه في مظهرها في غير ذلك، وهذه علة تقتضي تخصيص الحكم بالأكل والشرب، لأنه لاشك أن الذي أوانيه في الأكل والشرب ذهب وفضة، ليس كمثل من يستعملها في حاجات تخفى على كثير من الناس) (5) . 3 حكاية النووي للإجماع على تحريم الاستعمال لا تتم مع مخالفة داود والشافعي وبعض أصحابه (6) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 4 وبالنسبة لما استدل به ابن حزم يمكن أن يناقش بأن هاتين الروايتين رويتا بالمعنى، على تقدير حذف مضاف أي لا تشربوا ولا تأكلوا فيها، لأن بقية الروايات بينت المراد. المطلب الثاني: مناقشة أدلة أصحاب القول الثاني 1 القول إنما يحرم الشرب دون الأكل والطهارة وغيرهما غلط فاحش؛ ففي حديث حذيفة وأم سلمة من رواية مسلم التصريح بالنهي عن الأكل والشرب، وهذان نصان في تحريم الأكل وإجماع من قبل داود حجة عليه. ولأنه إذا حرم الشرب فالأكل أولى لأنه أطول مدة وأبلغ في السرف (1) . (أن النهي عن الشرب تنبيه على الاستعمال في كل شيء كما قال تعالى {لا تأكلوا الربا} (2) . وجميع أنواع الاستعمال في معنى الأكل بالإجماع، وإنما نبه به لكونه الغالب) (3) . 3 قولهم حكاية الإجماع لا تتم مع مخالفة داود والشافعي وبعض أصحابه يجاب عليها أن الإمام الشافعي رجع عن قوله القديم كما بيناه، وأن قوله الجديد موافق لما قاله جماهير العلماء. وأما داود فإجماع من قبله حجة عليه (4) . وهذا إنما يحتاج إليه على قول من يعتد بقول داود في الإجماع والخلاف، وإلا فالمحققون يقولون لا يعتد به لإخلاله بالقياس وهو أحد شروط المجتهد الذي يعتدبه (5) . وأما قوله بجواز الأكل في آنية الذهب والفضة فهو مردود بحديث أم سلمة عند مسلم حيث نص على الأكل والشرب ولعله لم يبلغه. ولما لم أجد مناقشة لبعض أدلة أصحاب القول الثاني؛ لأن الجمهور أصحاب القول الأول متقدمون، فلم يطلعوا على الرأي الأخير وأدلته؛ لذا فإني سوف أفترض لهم مناقشة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 4 قولهم لو كان المحرم غيرهما لكان النبي (وهو أبلغ الناس لا يخص شيئا دون شيء، يجاب عليه بأن هذا من بلاغة الرسول (، فقد اكتفى بالتنبيه على أهم أنواع الاستعمال؛ لأن غيرها مقيس عليها، ولو ذكر أنواعا من الاستعمال غيرها مثل لا تتوضأوا، ولا تتطيبوا، ولا تكتحلوا، لكان هذا غير ممكن، وغير محقق للمراد؛ لأن صور الاستعمال لا تنحصر، ولو انحصرت في عصره (فإنها لن تنحصر في العصور الأخرى؛ لأن أساليب الاستعمال تتعدد، وتتنوع من عصر إلى آخر، وبالتالي لا يتحقق المراد من قصد النهي عن عموم الاستعمال، ولأن تعداد أنواع الاستعمال الأخرى كما مثلنا سيتيح للمعارض الحجة بأن النص على النهي عن الوضوء يدل على جواز الاغتسال، والنهي عن التطيب يدل على جواز الادهان من آنية الذهب والفضة، فكان من مقتضى بلاغته (أن ينص على الأكل والشرب، وهذا فيه تنبيه كاف على النهي عن سائر الاستعمالات؛ لأنه ليس الشأن في ألفاظ الشارع أن تستقصي الجزئيات، وإنما آحاد الصور تطبق عليها الأحكام والألفاظ العامة. ولو أُخذ بهذا المبدأ وهو قصر الحكم على ما نص عليه الحديث، وعدم تعديته إلى ما يماثله لعُطلت كثير من الأحكام، فأحاديث الربا نصت على الأصناف الستة. لكن جماهير الفقهاء عللوا الربا، وعدوا الحكم إلى غيرها مما وجدت فيه العلة. وأنتم تقولون بالربا في غير الأصناف الستة. فكيف تعدون ما نص علية في الربا، ولا تعدون ما نص عليه في استعمال آنية الذهب والفضة؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 وقولهم: لو كانت حراما مطلقا لأمر النبي (بتكسيرها؛ لأنها إذا كانت محرمة في كل الاستعمالات ما كان لبقائها فائدة. يجاب عليه بأنها ليست محرمة في ذاتها، وإنما المحرم هو استعمالها آنية، ولذا فإن لبقائها فائدة، ويمكن الانتفاع بها؛ مثل تحويلها إلى نقود، أو حلي للنساء، أو خاتم فضة للرجال، أو قبيعة سيف، أو استعمالها فيما تدعو له الضرورة؛ كشد الأسنان بالذهب، أو اتخاذ أنف من ذهب، كما أمر به رسول الله (عرفجة بن أسعد. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي. وقال الترمذي:هذا حديث حسن غريب (1) . وقال النووي: حديث حسن (2) . وقولهم: كون الرسول (يعلق الحكم بالأكل والشرب لأن مظهر الأمة فيهما أبلغ منه في غيرهما، وأن هذه علة تقتضي تخصيص الحكم بهما؛ لأنه لاشك أن الذي أوانيه في الأكل والشرب ذهب وفضة ليس كمثل من يستعملها في حاجات تخفى على كثير من الناس. هذا القول غير مسلم؛ فمظهر الإنسان بالترف في استعمال حمام، أو مغطس، أو صنبور من الذهب، أو الفضة أبلغ من استعمال ملعقة أكل من ذهب أو فضة. وقولهم: لاشك أن الذي أوانيه في الأكل والشرب ذهب وفضة ليس كمثل من يستعملها في حاجات تخفى على كثير من الناس مردود؛ لأن الحكم غير منوط بعلم استعمالها أو خفائه، وإنما هو منوط باستعمالها. سواء علم أم خفي. فإن من يشرب في كأس من الفضة في مكان لا يراه الناس لا يمكن أن يقول أحد إنه جائز. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 5 والاحتجاج بالبراءة الأصلية غير مسلم، فأحاديث الباب شاملة بمفهومها سائر الاستعمالات، والحديثان اللذان رواهما الإمام أحمد وأبو داود وفيهما النهي عن آنية الذهب والفضة، دون ذكر للأكل أو الشرب، فيهما نهي عام فشمل سائر الاستعمالات، فانتفت البراءة الأصلية التي يحتج بها المجيزون. وتأييد الشوكاني لاحتجاجه بحديث {عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا} (1) . لم يظهر لي وجه الدلالة منه. ثم ما هو وجه التفريق بين الذهب والفضة في باب الآنية؟ وقد جاء في حديث حذيفة وأم سلمة النهي عن الشرب في الفضة، ثم إن هذا الحديث جاء في لباس الحلي، وموضوع الاستدلال على الأواني. والذي يظهر لي أن في هذا التأييد تعسفا. 6 بالنسبة لحديث الجلجل جاء نص الحديث ب {قُصةٍ} وهي رواية الأكثر، وهو من صفة الشعر (2) . وقد اختلف في ضبطها فقيل {فضة} . وهي صفة للقدح. وما دام وجد الاختلاف لاسيما في موطن الاستدلال فإنه لا يصلح للاحتجاج للقاعدة الأصولية الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال. وعلى فرض أن ضبطه فضة فيمكن أن يجاب عليه بأن هذا من باب الاحترام الزائد لشعر النبي (، والحرص الشديد عليه، لأنه شيء ثمين جدا، ولاسيما مع قلة الأواني الزجاجية، والفخارية في ذلك العصر، ولاسيما والجلجل صغير جدا لا يتسع لأكثر من ثلاثة أصابع. الترجيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 بعد عرض أدلة الفريقن، ومناقشتها فالراجح عندي رأي جماهير الفقهاء وهو حرمة استعمال آنية الذهب والفضة في سائر الاستعمالات. وقولي هنا قاصر على آنية الذهب والفضة، واستعمال الآلات المصنوعة منهما. كالقلم، ومقابض الأبواب، وصنابير الماء، ونحو ذلك. أما المطلي بهما فسيأتي بيان حكمه في مبحث قريب إن شاء الله. وأما اللباس من حلي وغيره فلا يشمله هذا الرأي، لأن فيه تفصيلا؛ فمنه ما يحل وما يحرم. وترجيحي لهذا القول بناء على قوة دليله فالنهي عن الأكل والشرب تنبيه على النهي عن استعمال آنية الذهب والفضة في كل شيء، وهذا من بلاغة الرسول (فقد اكتفى بالتنبيه على أهم أنواع الاستعمال؛ لأن غيرها مقيس عليها، ولو ذكر أنواعا من الاستعمال غيرها لكان هذا غير محقق لإحصاء أنواع الاستعمال؛ لأن صور الاستعمال لا تنحصر، ولو انحصرت في عصره (فإنها لن تنحصر في العصور الأخرى؛ لأن أساليب الاستعمال تتعدد، وتتنوع من عصر إلى آخر. ومثله نص الرسول (في أحاديث الربا على الأصناف الستة، وقد عدْا جماهير الفقهاء ومنهم أصحاب القول الثاني حكمه إلى غيرها. فكما لم يقصروا الربا على الأصناف الستة كان عليهم ألا يقصروا حرمة استعمال أواني الذهب والفضة على الأكل والشرب. وأما أن النبي (لم يأمر بتكسيرها فلأنها ليست محرمة في ذاتها، وإنما المحرم هو استعمالها آنية، ولذا فإن في بقائها فائدة، ويمكن الانتفاع بها مثل تحويلها إلى نقود، أو حلي للنساء، وغيره من الاستعمالات المباحة. الفصل الثالث: علة تحريم استعمال أواني الذهب والفضة تعريف العلة: العلة في اللغة مأخوذة من عل. وتأتي لمعانٍ، أشهرها ثلاثة: الأول: تكرار الشيء، أو تكريره، ومنه العلل، وهي الشربة الثانية (1) ، وسميت العلة بذلك؛ (لأن المجتهد يعاود النظر في استخراجها مرة بعد مرة) (2) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 الثاني: الضعف في الشيء، ومنه العلة للمريض، وسميت العلة بذلك؛ لأنها غيرت حال المحل أخذا من علة المريض؛ لأنها اقتضت تغيير حاله (1) . الثالث: السبب، تقول:هذا الشيء علة لهذا الشيء، أي سبب له، وسميت العلة بذلك، لأنها السبب في الحكم (2) . وفي الاصطلاح: ما يحصل من ترتيب الحكم على وفقه ما يصلح أن يكون مقصودا للشارع من جلب مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تقليلها (3) . اختلف الفقهاء في علة تحريم الشرب، والأكل، في آنية الذهب والفضة على أقوال هي: 1 العلة في ذلك الخيلاء وكسر قلوب الفقراء؛ قال بهذا جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنابلة (4) . 2 وقال القرافي من المالكية: (وعلته السرف أو الخيلاء على الفقراء، أو الأمران معا) (5) . 3 أضاف الحنابلة تضييق النقدين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لأن ذلك مظنة السرف باستعمال النقدين في غير ما خلقا له، والله لا يحب المسرفين، ومظنة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما، ومظنة الفخر، وكسر قلوب الفقراء والله لا يحب كل مختال فخور) (6) . وقال البهوتي: (لأن في ذلك سرفا وخيلاء، وكسر قلوب الفقراء وتضييق النقدين) (7) . 4 قال الشوكاني: (العلة هي التشبه بأهل الجنة؛ حيث يطاف عليهم بآنية من فضة. وذلك مناط معتبر للشارع، كما ثبت عنه لمارأى رجلا متختما بخاتم من ذهب فقال مالي أرى عليك حلية أهل الجنة، أخرجه الثلاثة من حديث بريدة وكذلك في الحرير وغيره، وإلا لزم تحريم التحلي بالحلي، والافتراش للحرير؛ لأن ذلك استعمال، وقد جوزه البعض من القائلين بتحريم الاستعمال) (8) . 5 قال ابن رشد العلة هي: التشبه بالأعاجم (9) . 6 وقال الشافعي: (إنما نهي عنه للسرف، والخيلاء، والتشبه بالأعاجم) (10) . والتشبه بالأعاجم يعني بهم الفرس من المجوس وغيرهم (11) . 7 قيل العلة عين الذهب والفضة (12) . مناقشة هذه الآراء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 مناقشة التعليل الأول: يمكن مناقشة القول بأن علة التحريم الخيلاء وكسر قلوب الفقراء بأن الخيلاء حرام في ذاتها وفي جميع الأحوال، سواء اقترنت باستعمال آنية ذهب أو فضة، أولم تقترن بها، حتى الفقير المتكبر لا ينظر الله إليه، ولا يزكيه وله عذاب أليم، وإن لم يستعمل آنية الذهب أو الفضة قال (:ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة أشيمط زان وعائل مستكبر ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلابيمينه رواه الطبراني في الثلاثة إلا أنه قال في الصغير والأوسط ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. (1) فذكره. قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح (2) . (وعلة الحظر التي يبنى عليها القياس يجب أن تكون مشتملة على المحظور على سبيل المساواة طردا وعكسا. والخيلاء لا تصلح أن تكون علة حظر استعمال الذهب لاطردا ولاعكسا؛ لأن الشرب بآنية الذهب والفضة محظورة بإجماع الفقهاء وإن لم يقصد بها الخيلاء. والزينة بالأحجار الكريمة مباحة باتفاق الجمهور ما لم يقصد بها الخيلاء) (3) . أما كسر قلوب الفقراء فيرد عليه جواز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة وغالبها أنفس وأكثر قيمة من الذهب والفضة ولم يمنعها إلا من شذ (4) كما أن الفقراء يصدع قلوبهم ما هو أعظم من استعمال أواني الذهب والفضة وذلك عندما يشم الفقير رائحة الطعام الزكية من مطابخ الأغنياء وهو يتضور جوعا لفقدانه كسيرة خبز تسد رمقه، وكذلك عندما ينظر ملابس الموسرين الفاخرة وهو يلبس الأسمال البالية التي لا تقيه حر القيظ، ولا زمهرير الشتاء (5) ، وحينما ينظر إلى من يركبون السيارات الفخمة الأنيقة المكيفة، وهو لا يجد ما يمكنه من ركوب سيارات الأجرة العامة، فهذا البائس وأمثاله من البؤساء المساكين لا يلتفتون إلى استعمال غيرهم لأواني الذهب أو الفضة، ولا يحسون في ذلك الاستعمال متعة فقدوها، بل لا يخطر لهم على بال، بل هم في شغل شاغل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 عن ذلك لانصراف قلوبهم إلى ما هو أهم وأعظم من الحاجات الضرورية، وإذا كان لذيذ الأطعمة، وجميل الألبسة، والتمتع بالسيارات الفارهة، والمساكن الجميلة، والبساتين الغناء، التي يمتلكها ويتنعم بها الأغنياء، غير محظور شرعا، ولا يقول بحرمته أحد من العلماء، قال تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) (1) ، وإذا كان هذا أشد انكسارا لقلوب الفقراء من استعمال أواني الذهب أو الفضة فلا يعقل أن تكون علة التحريم كسر قلوب الفقراء، على أن هذا التعليل يقتضي مساواة بني البشر في موارد الرزق، وهذا لم ترد به شريعة من الشرائع السماوية؛ لمصادمته نواميس الاجتماع البشري. نعم إن هذا الخاطر قد يجول في نفوس الطبقة الوسطى، الذين هم ما بين المترفين والمتوسطين، وهؤلاء في نظر الشرع ليسوا فقراء؛ لأنهم غير معوزين (2) . ويجاب على المعللين بالسرف بإباحة التحلي بالذهب والفضة للنساء؛ فلو كانت العلة السرف لحرم لبسهما عليهن لأن مقدار ما يلبسنه منهما أضعاف ما يمكن أن تصنع منه ملعقة أكل أو كأس شراب؛ ويرد عليهم أيضا بجواز استعمال الأواني المصنوعة من الجواهر النفيسة؛ لأنها أغلى ثمنا، فهي أقرب إلى الإسراف من أواني الذهب أو الفضة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 مناقشة التعليل بالتشبه بأهل الجنة: وما ذهب إليه الشوكاني من أن العلة هي التشبه بأهل الجنة حيث يطاف عليهم بآنية من فضة بعيد؛ لأنه قد ثبت أن لأهل الجنة كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وليس كل ما تشتهيه الأنفس محرما على المؤمنين في الدنيا، لأنه مباح لهم في الآخرة. إلا ما حرمه الشرع كالخمر، وهل يتبادر إلى عقل مسلم أن علة تحريمها لأنها مباحة في الجنة؟ كلا. فإن علة تحريمها هو الإسكار، ولو كانت علة تحريم الخمر التشبه بأهل الجنة لحرم علينا في الدنيا العسل؛ لأنه مما أعده الله لأهل الجنة. وقد استدل الشوكاني رحمه الله على إباحة استعمال آنية الفضة عنده فيما عدا الأكل والشرب بحديث (ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا) (1) . حديث حسن. إذ كيف يسوغ اللعب أو التحلي بالفضة فيما لو كانت العلة التشبه بأهل الجنة؛ لأنهم كما يطاف عليهم بآنية من فضة يحلون أيضا أساور من فضة (2) . ويرد عليه في احتجاجه بالحديث على فرض صحة الاحتجاج به من وجهين. أولها: ما وجه التفريق بين الذهب والفضة؟ مع أن حديث أم سلمة الذي جاء الوعيد بالنار هو في الشرب في آنية الفضة. ثانيها: أن هذا الكلام في الأواني، والحديث في لباس الحلي. والقائلون بأن العلة هي التشبه بالأعاجم. يرد عليهم بثبوت الوعيد لفاعله، ومجرد التشبه لا يصل إلى ذلك (3) . الترجيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 بعد عرض العلل التي علل بها الفقهاء حرمة استعمال أواني الذهب والفضة، ومناقشتها، والوصول إلى نقض التعليل بالخيلاء، والتشبه بأهل الجنة، والتشبه بالأعاجم، يترجح لي والله أعلم أن علة تحريم استعمال أواني الذهب والفضة وكذلك تحريم تحلي الرجال بالذهب والفضة ماعدا خاتم الفضة هو تضييق النقدين،والإسراف؛ مما يؤدي إلى التوسع والإغراق في التنعم، وهو تنعم لا ينتج عنه قصد صحيح؛ فلو أبيح للناس أن يشربوا في أكوابه، وفناجينه، ويأكلوا في صحافه وجفانه، وطشوته، وغير ذلك من أواني الشرب، والأكل، أو يستعملوا هذين المعدنين النفيسين في الأكل والشرب وغيرهمامن الاستعمالات؛ لكثرت صياغته، فكان هذا إسرافا؛ يؤدي بالضرورة إلى قلة الأثمان. وقلة الأثمان له أضرار اقتصادية كبيرة؛ إذ يترتب عليه حدوث الانكماش الاقتصادي؛ مما يؤثر على دورة الحركة الاقتصادية العامة، وتعطل تبادل المنافع، ووقوع ارتباك في الأسواق التجارية. ومن جهة أخرى فإن النقود الذهبية والفضية نقود سلعية؛ لها قيمة مادية في ذاتها، فإذا قلت، أو ندرت، بسبب استعمال معدنهما في الأواني أو لتحلي الرجال بها فإنها ترتفع قيمتها، مما يترتب عليه ارتفاع قيم الأسعار، ومنها أسعار المواد الغذائية، والملابس. وهذا فيه من الضرر الشديد على الأمة ما لا يخفى؛ مما يظهر أن من لطف الله بعباده شرع تحريم استعمال هذين المعدنين في الأواني ونحوها؛ لئلا يترتب عليه ما بينا من الأضرار. يؤيده نهي الشريعة عن كسر الدراهم الصحيحة؛ لأن الكسر يذهب شيئا من قيمة الدرهم بالنسبة إلى بقائه. يعضد ما ذهبنا إليه النهي عن التفاضل عند تبادل الجنس الواحد منهما؛ لأنه ربا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 قال الغزالي: (وكل من اتخذ من الدراهم والدنانير آنية من ذهب أو فضة فقد كفر النعمة وكان أسوأ حالا ممن كنز؛ لأن مثال هذا مثال من استسخر حاكم البلد في الحياكة والمكس والأعمال التي يقوم بها أخساء الناس، والحبس أهون منه. وذلك أن الخزف والحديد والرصاص والنحاس تنوب مناب الذهب والفضة في حفظ المائعات عن أن تبدد، وإنما الأواني لحفظ المائعات. ولا يكفي الخزف والحديد في المقصود الذي أريد به النقود) (1) . فإن قيل إن ما تستغرقه أواني الذهب والفضة في هذا العصر، وكذلك التحلي بهما من المقادير الذهبية والفضية لم يعد اليوم مؤثراً على النقود؛ لكثرة الذهب والفضة؛ فلم تعد العلة مؤثرة. وإن قيل إن الذهب والفضة قد اختفى التعامل بهما في عصرنا الحاضر كنقد بل إن بعض الدول في العصر الحاضر تمنع التعامل بهما كنقد، وقد حلت محلهما الأوراق النقدية، فأصبحت هي النقد الوحيد الذي يتعامل به الناس اليوم؛ وبناء عليه فهي النقود وحدها، أما الذهب والفضة فليسا وسيطا للتبادل، فتخلفت عنهما صفة النقدية، وإذا تخلفت العلة زال تأثيرها وإذا زال تأثيرها، زال حكم المعلول وهو حرمة استعمال أواني الذهب والفضة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 فالجواب على هذا هو أن دعوى اختفاء التعامل بهما غير مسلم؛ لأنه وإن لم يكن التداول بعينهما، لكنهما الداعمان للعملة الورقية، ومن أهم أسباب اعتبار قوة اقتصاد أي دولة من الدول حجم احتياطها من هذين المعدنين النفيسين. ومن جهة ثانية فإن حكم استعمال أواني الذهب والفضة منصوص علي حرمته من الرسول (، والعلة ليست منصوصة، وإنما هي مستنبطة، وهي علة احتمالية، وليست يقينية، ولذا لا يمكن أن يتغير حكم الأصل المنصوص عليه، لتخلف علة مستنبطة؛ ولا يمكن إلغاء العلة المذكورة؛ لأن من شروط العلة ألا تعود على حكم الأصل بالإبطال، والواقع كذلك. ولذا فإن التعامل بالنقود الورقية، أو ظهور عملات أخرى في الوقت الحاضر، أو في العصور القادمة لا يلغي صفة النقدية عن الذهب والفضة، ولا يصرف عنهما علة الربا وهي الثمنية. وعلى فرض تخلف علة تضييق النقدين، فإن علة السرف باقية. فيبقى الحكم بالعلة الأخرى (1) . الفصل الرابع: اتخاذ أواني الذهب والفضة الاتِّخاذ ُ: افتعالٌ من الأخذ، يقال:ائتخذوا في الحرب إذا أخذ بعضهم بعضا، ثم لينوا الهمزة وأدغموها فقالوا اتخذوا، ثم لما كثر استعماله على لفظ الافتعال توهموا أن التاء أصلية فبنوا منه فَعِلَ يَفْعَلُ، قالوا تخذ يتخذ (2) . وهو في القرآن الكريم على ثلاثة عشر وجها (3) . والاتخاذ يشمل الاقتناء وهو:مصدر اقتنى الشيء يقتنيه، إذا اتخذه لنفسه، لا للبيع أو للتجارة. أي المال المدخر. جاء في المصباح وغيره (قنوت الشيء أقنوه قنوا من باب قتل، وقنوة:بالكسر:جمعته، واقتنيته:اتخذته لنفسي قنية. لا للتجارة) (4) . قال تعالى: (وأنه هو أغنى وأقنى) (5) . أي أعطى ما فيه الغنى وما فيه القنية، أي المال المدخر. وجمع القِنْيَةِ قِنْياتٌ، وقنيت، واقتنيته. ومنه. قنيت حيائي عفة وتكرما (6) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 والمال المقتنى يستغل إذا كان من شأنه ذلك؛ مثل أن يستغل في الدر، أو النسل، أو الركوب. قنا العنز قَنْوا (1) . وأما اقتناء أواني الذهب والفضة فالمراد به من غيراستعمال (2) . لا خلاف بين العلماء على جواز اقتناء الذهب والفضة إذا كانت على غير صورة الأواني. أما الأواني فقد اختلف الفقهاء في حكم اتخاذها من الذهب والفضة، من غير استعمالها، على قولين. القول الأول:يجوز اتخاذ آنية الذهب والفضة، وهو مذهب الحنفية، وقول عند المالكية والشافعية، ورواية عند الحنابلة (3) . واحتجوا لما ذهبوا إليه بأن الشرع ورد بتحريم الاستعمال دون الاتخاذ، فيبقى الاتخاذ على مقتضى الأصل في الإباحة؛ ولأن التحريم لم يكن لذات الآنية، بل للاستعمال (4) . وقال القاضي أبو الوليد الباجي من المالكية لو لم يجز اتخاذها لوجب فسخ بيعها، وقد أجازها -أي الإمام مالك- في غير مسألة من المدونة. قال أبو بكر بن سابق هذا غير صحيح؛ لأن ملكها يجوز إجماعا، بخلاف اتخاذها. قال:وإنما يتصور فائدة الخلاف بأنا لا نجيز الاستئجار علي عملها، ولا نوجب الضمان على من أفسدها إذا لم يتلف من عينها شيئا، والمخالف يجيز الاستئجار ويوجب الضمان (5) . القول الثاني:يحرم اتخاذ آنية الذهب والفضة؛ لأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال، في المعتمد من مذهب المالكية، وإن لامرأة، والأصح من مذهب الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة (6) ؛ لأن سد الذرائع واجب عند المالكية والحنابلة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (يحرم اتخاذها في أشهر الروايتين، فلا يجوز صنعتها، ولا استصياغها ولا اقتناؤها، ولا التجارة فيها، لأنه متخذ على هيئة محرمة الاستعمال، فكان كالطنبور (7) وآلات اللهو، ولأن اتخاذها يدعو إلى استعمالها غالبا فحرم كاقتناء الخمر والخلوة بالأجنبية) (8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 قال الصاوي من المالكية: (والحاصل أن اقتناءه إن كان بقصد الاستعمال فهو حرام باتفاق، وإن كان لقصد العاقبة، أو التجمل به، أو لا لقصد شيء، ففي كل قولان [عند المالكية] ، والمعتمد المنع (1) . الترجيح الراجح عندي هو جواز اقتناء أواني الذهب والفضة؛ إذا كان الاقتناء لغرض ادخارها لعاقبة الدهر، أو لتحويلها لما يجوز استعماله؛ كحلي للنساء؛ أو لا لشيء؛ يدل على ذلك ما ذكره أبو الأشعث من حديث عبادة بن الصامت، قال غزونا غزاة وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إني سمعت رسول الله (ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة. . إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى (2) . فالأثر دال على جواز بيع أواني الذهب والفضة؛ لأن عبادة لم ينكر البيع، وإنما أنكر التفاضل، وعدم التقابض. ولما كان استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب محرما بالأحاديث الصحيحة التي سبق إيرادها؛ فإنه حينئذ لابد من حمل جواز شراء آنية الفضة المذكورة في الحديث على اقتنائها، أو استعمالها في مباح؛ وبهذا نكون قد وفقنا بين أحاديث النهي عن الأكل والشرب فيها، وبين الحديث الدال على جواز بيعها. ولأن النهي عن استعمالها، فيبقى اقتناؤها على البراءة الأصلية. ولأن تحريمها لا لذاتها، وإنما لاستعمالها. وقياسها على آلات اللهو والطنبور لا يصح في نظري؛ لأن هذه لا فائدة فيها، أما أواني الذهب والفضة فإن لها قيمة مادية في ذاتها بصرف النظر عن كونهما آنية، ولأنه يمكن تحويلهما والاستفادة منهما في غير الاستعمال المحرم. الفصل الخامس: استعمال وشراء المموه بالذهب أو الفضة المبحث الأول: استعمال وشراء الآنية المموهة بالذهب أو الفضة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 المموه: اسم مفعول، من موه الشىء. (ومنه التمويه:وهو التلبيس، ومنه قيل للمخادع مموه، وقد موه فلان باطله إذا زينه وأراه في زينة الحق) (1) . والتمويه:هو طلاء الإناء المصنوع من نحاس أو حديد أو نحوهما بماء الذهب أو الفضة (2) . مثل أن تطلى الأباريق، أو فناجيل الشاي، أو نحو ذلك من الأواني. والتمويه، والطلاء بمعنى واحد عند الحنفية والمالكية والشافعية (3) . وفرق الحنابلة بينهما؛ فالتمويه أن يذاب الذهب أو الفضة ويلقى فيه الإناء، من نحاس وغيره، فيكتسب منه لونه. والطلاء:أن يجعل الذهب أو الفضة كالورق، ويطلى به الحديد ونحوه (4) . ويعبر كثير من السلف عن المطلي، والمموه، بالمفضض. فجميعها بمعنى واحد. اختلف الفقهاء في حكم استعمال الآنية المموهة على قولين: القول الأول: قال الحنفية، والراجح من مذهب المالكية، والأصح عند الشافعية، وقول عند الحنابلة؛ إنه يجوز استعمال الآنية المموهة بذهب أو فضة؛ سواء في الأكل أو الشرب أو غير ذلك (5) . فالراجح من مذهب المالكية جواز المموه، والمكفت (6) . والمنع في المغشى، والمضبب، وذي الحلقة (7) . ورجح الدردير الجواز في المغشى (8) . قال الحطاب: (كلام ابن عبد السلام ميل إلى ترجيح المنع في المغشى، وأما المموه فالأظهر فيه الإباحة والمنع بعيد) (9) . وأجاز الشرب من الإناء المفضض من الصحابة أنس ابن مالك وعمران بن حصين ومن غيرهم سعيد بن جبير وطاوس والقاسم ابن محمد وأبو جعفر وعمر بن عبد العزيز ومحمد بن علي بن الحسين، والحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وحماد ابن أبي سليمان والحسن البصري وأبي العالية (10) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 لكن قيده الحنفية وبعض الشافعية بما إذا لم يتجمع منه شيء إذا عرض على النار؛ لقلة المموه فكأنه معدوم (1) . وأما ما يمكن تخليصه واجتماع شيء منه فعند أبي حنيفة ورواية عند محمد جواز استعماله. ويكره عند أبي يوسف ومحمد في الأشهر عنه (2) . فالاختلاف بين علماء الحنفية فيما يخلص منه شيء بالعرض على النار، أما المموه الذي لا يخلص منه شيء فلا بأس به عندهم بالإجماع. جاء في بدائع الصنائع (وأما الأواني المموهة بماء الذهب والفضة الذي لا يخلص منه شيء فلا بأس بالانتفاع بها في الأكل والشرب وغير ذلك بالإجماع … لأن التمويه ليس بشيء ألا يرى أنه لا يخلص) (3) . يعني أنه إذا صهر بعرضه على النار لا يتجمع منه شيء. وعند الشافعية وجهان:الأصح لا يحرم (4) . قال النووي: (لو اتخذ إناء من نحاس وموهه بذهب أو فضة قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط والرافعي وغيرهم إن كان يتجمع منه شيء بالنار حرم استعماله وإلا فوجهان بناء على المعنيين، والأصح لا يحرم قاله في الوسيط والوجيز) (5) . وذكر المرداوي القول الثاني عند الحنابلة وهو الذي عرضناه في القول الأول من هذا البحث بعد أن ذكر حكم المصمت. فقال: وقيل:لا (6) . أي ليس حكمها كالمصمت. وقيل: إن بقي لون الذهب أو الفضة (7) . يعني إن بقي لونهما إذا عرض أي منهما على النار فهو حرام، وإن لم يبق فهو حلال. وقيل واجتمع منه شيء إذا حُكَّ حرم. وإلا فلا (8) . يعني إذا عرض على النار وحك فإن اجتمع منه جسم له قيمة حرم، وإن كان يتفتت ولا يجتمع، أو أنه إذا اجتمع ليس له قيمة ذات بال فلا يحرم. القول الثاني: المذهب عند الحنابلة. والقول الثاني عند المالكية أنه يحرم استعمال الأواني المموهة بالذهب أو الفضة (9) . وقد كره الشرب في الإناء المفضض من الصحابة ابن عمر وعائشة (10) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 فعلى المذهب عند الحنابلة يحرم المطلي، والمطعم (1) ، والمكفت، والمنقوش، بذهب أو فضة كالمموه. إلا أن يستحيل لونه، ولم يحصل منه شيء بعرضه على النار (2) . قال المرداوي حكم المموه والمطعم ونحوه بأحدهما:كالمُصْمَتُ على الصحيح من المذهب (3) . الأدلة أدلة الفريق الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي: 1 أن المموه ليس إناء ذهب ولا فضة، وقال بعضهم نظرا لباطنه والطلي تبع (4) ، وقالوا: لأنه لا يتجمع منه شيء إذا صهر على النار (5) . وقالوا ورد النهي عن الشرب في إناء الذهب والفضة، وصدقه على المفضض والمضبب ممنوع (6) . ويمكن أن يستدل لهم بما جاء في مصنف ابن أبي شيبة وهو: 2 حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عمران أبي العوام القطان عن قتادة أن عمران بن حصين وأنس بن مالك كانا يشربان في الإناء المفضض (7) (8) . وهو عندي حديث حسن؛ لأن رواته كلهم ثقات (9) ، إلا عمران أبي العوام فإنه صدوق يهم (10) . وقد تعضد بحديث أنس الوارد في البخاري وغيره، وسيأتي قريبا في مناقشة الأدلة. 3 على فرض أن المجيزين أو بعضهم استدل بما أخرجه الطبراني من حديث أم عطية: (أن النبي صلى الله (نهى عن لبس الذهب وتفضيض الأقداح، ثم رخص في تفضيض الأقداح) (11) . هذا الحديث في سنده من لم يعرف (12) . 4 أن هذا القدر من الذهب أو الفضة الذي على الإناء تابع له والعبرة للمتبوع دون التابع كالثوب المعلم والجبة المكفوفة والجبة بالحرير (13) . 5 وُاستدل بزوال علة التحريم؛ وهي الفخر والخيلاء (14) . أدلة الفريق الثاني: 1 استدل الحنابلة على حرمة استعمال واتخاذ المموه ونحوه بما روى ابن عمر أن رسول الله (قال (من شرب من إناء ذهب أو فضة، أو إناء فيه شيء من ذلك، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم) (15) . الشاهد، أو فيه شيء من ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 2 ويمكن أن يستدل لهم بماروى ابن أبي شيبة والبيهقي بسنديهما عن ابن عمر أنه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضة ولا ضبة فضة (1) . صححه النووي (2) . وقال ابن حجر أخرجه البيهقي بسند على شرط الصحيح (3) . 3 روى ابن أبي شيبة بسنده عن أم عمرو بنت عمر قالت: كانت عائشة تنهانا أن نتحلى الذهب أو نضبب الآنية أو نحلقها بالفضة، فما برحنا حتى رخصت لنا وأذنت لنا أن نتحلى الذهب، وما أذنت لنا ولا رخصت لنا أن نحلق الآنية أو نضببها بالفضة (4) . قال النووي:أثر عائشة حسن، رواه الطبراني والبيهقي بمعناه (5) . 4 لأن العلة التي لأجلها حرم وهي الخيلاء وكسر قلوب الفقراء، وتضييق النقدين موجودة في المموه، ونحوه (6) . حكم شراء وبيع الأواني المموهة بالذهب أو الفضة: بناء على قول الشافعية بجواز بيع آنية الذهب والفضلة، فإنه من باب أولى القول بجواز بيع وشراء المموه عندهم. وبناء على جواز استعمال الآنية المموهة عند الحنفية والمالكية، وعلى قول في مذهب الحنابلة فإنه يجوز بيع وشراء الآنية المموهة عندهم أيضاً (7) . ولا يجوز شراء الآنية المموهة بالذهب والفضة على مذهب الحنابلة وعلى القول الثاني عند المالكية (8) . المبحث الثاني: المناقشة والترجيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 بعض الأشياء التي تصنع من الحديد، أو النحاس؛ أو الزجاج، كمقابض الأبواب، والأجزاء الثابتة من الثريات الكهربائية، والكاسات، تدهن بنسبة قليلة جدا من الذهب أو الفضة، لتعطيها منظرا جميلا، ولتحميها من الصدأ، ونحوه. ولقلة الذهب أو الفضة فيها، فإن الطلاء لا يثبت بنفسه، ولا يتحمل الاستعمال، كما لا يتحمل عوامل التعرية، فيضاف إليه نسبة من المعادن الأخرى لتقويته، كما تدهنه المصانع التي تصنع هذه الأواني بدهان يعمل على تثبيت الذهب أو الفضة على الإناء المطلي. وما يُرى من لون ذهبي أو فضي في البلاط، أو الرخام، أو القيشاني فليس فيه شيء من الذهب أو الفضة لأن التمويه بهما في الأشياء المذكورة لا يمكن بقاؤه، لأنه لا يتحمل الاستعمال الذي ينتفع به من هذه الأشياء. وبعد عرض أقوال العلماء وأدلتهم وتعليلاتهم في المموه، ونحوه فالراجح عندي جواز استعمال الأواني المموهة بالذهب أو الفضة وبيعها وشرائها؛ وهو رأي جمهور العلماء كما سبق بيانه ومع أنه مباح فيما أرى إلا أن التنزه عن استعماله في الأكل والشرب أولى، لاسيما إذا كان التمويه قد غطى جميعه، أو معظمه. وكذلك يترجح عندي جواز المطلي منهما والمكفت، والمطعم، والمنقوش، والمغشى؛ لأن المموه ونحوه ليس إناء ذهب ولا فضة؛ ولأن نصوص النهي جاءت بالمنع من استعمال أواني الذهب والفضة، وهذه ليست آنية ذهب ولا فضة، ولزوال علة التحريم على ما رجحناه، وهي تضييق النقدين، والإسراف؛ بناء على ما سنبينه قريبا إن شاء الله أما الأثر الذي رواه الطبراني عن أم عطية فقد قال عنه ابن حجر: في سنده من لا يعرف (1) . وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن معاوية إلا عمر بن يحي ولا سمعناه إلا عن هذا الشيخ (2) . ولذا لا يصلح حجة للمجيزين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 وأما أدلة المانعين: فالحديث الذي رواه الدارقطني وغيره، وضمنه (أوفيه شيء من ذلك) واستدل به بعض الحنابلة حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج، وممن صرح بضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية، بل قال عنه الذهبي: إنه حديث منكر. كما سبق بيانه (1) . وقال ابن القطان هذا لحديث لا يصح، وقال ابن حجر هذا حديث معلول بجهالة إبراهيم ابن مطيع وولده. وقال الشوكاني: (يحي بن محمد الجاري راوي تلك الزيادة قال البخاري يتكلمون فيه وقال ابن عدي هذا حديث منكر كذا في الميزان وفي الكاشف ليس بالقوي) (2) . يؤيد ما رجحناه من قول العلماء بضعفه معارضته للحديث الصحيح الثابت في الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك ((أن قدح النبي (انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة قال عاصم رأيت القدح وشربت فيه) (3) . لأن حديث ابن عمر جاء فيه (أو فيه شيء من ذلك) وقدح رسول الله (فيه شيء من ذلك؛ وهو ضبة الفضة. ولايعقل أن ينهى الرسول (عن شيء ويفعله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 ويجاب على هذه الآثار بأنها أقوال للصحابة، وقول الصحابي يكون حجة عند الجمهور إذا لم يعارضه قول صحابي آخر (1) ؛ فعدم إذن عائشة رضي الله عنها في تحليق الآنية وتضبيبها، وكراهة ابن عمر (الشرب من الإناء المفضض، عارضهما شرب عمران ابن حصين، وأنس ابن مالك (ما من الإناء المفضض، علما أن امتناع ابن عمر محمول على زيادة تورعه كما هو معروف عنه. وعدم إذن عائشة محمول على الحلقة ونحوها. كما جاء في الأثر، وكما قاله سعيد ابن أبي عروبة (2) . فأطلقه أنس وعمران ابن حصين، وحظره ابن عمر وعائشة. وليس قول واحد منهم في ذلك أولى من قول الآخر إلا بدليل يدل عليه، وسنذكر في قدح رسول الله في هذا الباب ما يدل على أن الأولى من ذينك القولين ما قاله أنس ابن مالك وعمران ابن حصين. وقد وجدنا رسول الله (قد نهى عن لباس الحرير، وأخرج من ذلك أعلام الحرير التي في الثياب من عين الحرير من الكتان ومن القطن. فكان مثل ذلك نهيه عن الشرب في آنية الفضة يخرج منه الشرب في آنية الزجاج، أو الخشب ونحوهما المموهة بقليل من الذهب أو الفضة فقد روى ابن أبي ليلى عن حذيفة قال: (رسول الله (نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة وعن لبس الحرير والديباج وقال دعوه لهم في الدنيا وهو لكم في الآخرة) (3) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 قال الطحاوي (ففي هذا نهى رسول الله (عن الشرب في آنية الذهب والفضة وليس الشرب في الآنية من الخشب التي قد خالطها الذهب والفضة من هذا في شيء. وقد كان مذهب عبد الله ابن عمر في القليل من الحرير يخالطه الثوب من غير الحرير كراهة لبس ذلك الثوب كما يكره لبسه لو كان حريرا كله، وقد خالفه في ذلك غيره من أصحاب رسول الله (وأباحوا من ذلك ما حظره، فمما قد روي عنه (ما جاء بسنده عن أبي عمر مولى أسماء قال:رأيت ابن عمر اشترى جبة فيها خيط أحمر فردها، فأتيت أسماء فذكرت ذلك لها، فقالت: بؤسا لابن عمر يا جارية ناوليني جبة رسول الله (فأخرجت إلينا جبة مكفوفة الجيب والكمين والفرج بالديباج) (1) . وفي صحيح مسلم من رواية أبي عمر قال: (فرجعت إلى أسماء فقالت: هذه جبة رسول الله (فأخرجت إليّ جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج فقالت كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتها وكان النبي (يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها) (2) . قال أبو جعفر: (أفلا ترى أن ابن عمر قد كره الجبة التي ليست من الحرير للخيط الذي كان فيها من الحرير، فكذلك كان مذهبه في الإناء من غير الفضة إذا كان فيه شيء من فضة يكرهه كما يكرهه لو كان كله فضة، وقد خالفته أسماء في ذلك، وحاجته فيه بجبة رسول الله (التي ليست من ديباج [ولكنها] مكفوفة الجيب والكمين والفرج بالديباج. ولم تكن رضوان الله عليها تحاجه بذلك إلا وقد وقفت على استعمال رسول الله (إياها بعد نهيه عن استعمال مثلها لو كانت كلها حريرا وقد خالفه في ذلك أيضا عبد الله ابن عباس) (3) . وما جاء في أثر عائشة رضي الله عنها أنها لم ترخص في تضبيب الإناء معارض للحديث الثابت في صحيح البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن قدح النبي (انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة قال عاصم رأيت القدح وشربت فيه) (4) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 وفي رواية للبخاري عن عاصم الأحول قال (رأيت قدح النبي (عند أنس بن مالك وكان قد انصدع (1) فسلسله (2) بفضة. قال: هو قدح جيد عريض من نضار (3) . قال قال أنس: لقد سقيت رسول الله (في هذا القدح أكثر من كذا وكذا) (4) . قال وقال: ابن سيرين (إنه كان فيه حلقة من حديد فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة فقال له أبو طلحة:لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله (. فتركه) (5) . ظاهر الحديث أن الذي وصله هو أنس، ويحتمل أن يكون النبي (، وهو ظاهر رواية أبي حمزة المذكورة بلفظ (أن قدح النبي (انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة) (6) . وما رواه البيهقي عن قتادة أن أنسا كره الشرب في المفضض (7) . فلعله من أوهام أبي العوام، التي وصف بها فيما قيل عنه:إنه صدوق يهم (8) . فرواه في الحديث الأول على الوجه الصحيح، وحكمنا عليه بالحسن لموافقته لقول وفعل أنس في قدح رسول الله (الثابت في الصحيحين وغيرهما؛ لأنه لا يمكن أن يروي حديثين بإسناد واحد يخالف أحدهما الآخر وحكمنا على الرواية التي أوردها البيهقي بالضعف لمخالفتها لقول أنس، وفعله، وإرادته؛ فقد قال: لقد سقيت رسول الله (في هذا لقدح أكثر من كذا وكذا. وأما فعله فهو:أن قدح رسول الله (انصدع فسلسله بفضة. والظاهر أن الذي سلسله أنس كما رجحه ابن حجر. وأما إرادته:فهو أنه كان للقدح المذكور حلقة من حديد فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة. فقال له أبو طلحة لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله ((9) . فهمه بتغيير الحلقة إلى الذهب أو الفضة دليل على أنه يجيز الشرب في المفضض. وأن عدوله عما هم به لا لأنه يراه غير جائز؛ ولكن تفضيلاً لبقاء القدح على الهيئة التي كان عليها شرب الرسول (منه. كما أن أبا طلحة رضي الله عنه لم يقل له إنه يكره، أو لا يجوز ذلك؛ ولكنه تفضيل منه لبقاء ما كان على ما كان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 ومما يؤيد ترجيحنا لرواية تجويز أنس على رواية منعه (أن رواية الجواز جاءت صريحة بشربه في الإناء المفضض ومقرونة بشرب صحابي آخر وهو عمران بن حصين، ورواية المنع ليس فيها قول ولا فعل من أنس وإنما جاءت بصفة من الراوي أن أنس يكره الشرب في الإناء المفضض، ومختصة به دون أن تقرر معه غيره. وأولى من ذلك كله في ترجيح الرواية الأولى على الثانية أن الأولى موافقة لفعل رسول الله (ولا يمكن أن يكره أنس الشرب في المفضض، ورسول الله قد شرب في القدح المضبب بالفضة. فإن قيل إن تضبيب القدح غير تفضيضه. قلنا: قد جاء في تعريف المفضض ما يشمل المضبب (1) . وقولهم تضييق النقدين. وهي العلة التي رجحها الباحث، يجاب عنها بأنها غير متحققة في المموه، لأن المموه ليس إناء ذهب ولا فضة، كما قاله كثير من العلماء منهم أبي عبيد وابن المنذر (2) . ولأن التمويه بالذهب أو الفضة مقداره قليل جدا، بالنسبة فيما لو كان الإناء مصنوعا منهما؛ فيتحقق فيه قول جمهور العلماء بجوازه إذا لم يتجمع منه شيء وقد ثبتت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 بالتحليل العلمي المخبري الذي سأعرضه قريبا. فإذا ثبت قلة الذهب والفضة المموه بهما لم يتحقق اتحاد العلة مع إناء الذهب والفضة وهي تضييق النقدين، والإسراف كما رجحناه. ولأني قمت بتحليل نسب عنصري الذهب والفضة في عينات من بعض الأواني المستخدمة للطعام، والشراب؛ ذات اللون الذهبي، والفضي، المستعملة في معظم المنازل، إن لم يكن في جميعها، في هذا العصر، والتي يظن الناس حتى بعض من يبيعها أنه ليس فيها شيء من الذهب أو الفضة؛ وذلك بسبب رخصها. ويقولون ليس من المعقول أن يكون فيها ذهب أو فضة وهي بهذا السعر، فوجدتها تشتمل على نسبة ضئيلة من المعدنين أو أحدهما، حيث ثبت من تحليل جدار فنجان شاي زجاجي مذهب وجود نسبة من الذهب، ونسبة من الفضة أقل منه، مع أنها غير مرئية. وقد تم إجراء التحليل المذكور لثلاث عينات، في مركز التقنية البيئية التابع للكلية الامبريل بجامعة لندن، ببريطانيا. وقد تم في هذا البحث دراسة كمية لتركيز عنصري الذهب والفضة في بعض الآنية المستخدمة للطعام والشراب. وكانت الطريقة المستخدمة لإيجاد تراكيز العناصر هي طريقة التحليل باستخدام التشعيع بالنيوترونات (1) آليا. أما العينات المستخدمة في الدراسة فقد تم تحضيرها على شكل قطع صغيرة مساحتها حوالي سنتيمترا مربعا، ثم يتم تحضير عينات من مادة عيارية مرجعية (2) ، لها نفس الخواص الفيزيائية للعينة المراد دراستها. وتعتمد طريقة التحليل على قصف (3) جميع العينات بالنيوترونات الحرارية في قلب مفاعل نووي حراري، ويؤدي ذلك إلى تنشيط العينة إشعاعيا (4) ، مما يؤدي إلى انبعاث أشعة جاما (5) من العينة. ويدرس طيف (6) أشعة جاما للعينة، ويقارن بالطيف الصادر من المادة العيارية المرجعية، ومن ثم يتم تحديد تركيز كل من عنصري الذهب والفضة في العينات التي تمت دراستها. بوحدة الميليجرام. علماً أن الكيلو جرام ألف جرام (1000) ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 والجرام ألف ميليجرام (1000) ملجم. والعينات التي تم تحليلها هي: 1 فنجان شاي صغير من الزجاج مذهب، والتذهيب في بعضه، دون البعض الآخر. 2 إبريق الشاي وارد شركة السيف بجدة، وتذهيبه عادي؛ أي أنه ليس لميعا. 3 ملعقة شاي مفضضة (1) . وكانت نتائج التحليل كالتالي: رقم العينة تركيزالفضة نسبة الخطأ تركيز الذهب نسبة الخطأ ملجم/كجم ملجم/كجم ملجم/كجم ملجم/كجم 1 52 7 286 8 2 136 5 3 25400 1400 وطريقة حساب كمية الذهب أو الفضة في الإناء تتم كالتالي: حيث إن الوحدة المستخدمة في وزن العينات هي الجرام، والتركيز الذي تم في المعمل بالمليجرام في الكيلو جرام لذا سنقوم بتحويل الجرامات (وزن العينات) إلى كيلو جرامات وذلك بالقسمة على 1000 ثم نطبق القاعدة التالية في حساب مقدار الذهب أو الفضة بالجرام. مقدار الذهب أو الفضة = وزن العينة (بالكيلوجرام) ×التركيز (تركيز الذهب أو الفضة بناء على نتيجة التحليل بوحدة الميللي جرام لكل كيلو جرام من العينة) . مثال: وزن فنجان الشاي بالجرام = 96جراماً وزن فنجان الشاي بالكيلو جرام=96÷1000= 96 0,0 كجم إذا مقدار الذهب الموجود في هذه العينة بالمليجرام= 96 0,0×286= 5 , 27 ملجم (2) . والجدول التالي يوضح مقدار الذهب والفضة في العينات بالمليجرام. رقم العينة واسمها وزنها بالجرام مقدار الذهب بالميليجرام مقدار الفضة بالميليجرام 1 فنجان شاي 96 5, 27 5 2 إبريق شاي 5و571 7و77 3 ملعقة شاي مفضضة 7و31 18و805 وبهذا يتضح أن مقدار الذهب في فنجان الشاي (العينة رقم1) 5, 27 مليجرام، وأن نسبة الذهب في الفنجان المذكور بالنسبة لوزنه هي 0286,% أي أقل من 0,03% أي ثلاثة من مائة في المائة. وهو ما يعادل ثلاثة أجزاء من عشرة آلاف جزء. وطريقة حساب النسبة في العينة المذكورة كالتالي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 تم تحويل وزن العينة بالجرامات إلى ملي جرام؛ وذلك بضربها في 1000 ثم قسمة مقدار الذهب بالملي جرام في العينة على وزن العينة بالمليجرام ثم الضرب في 100 لتحويلها إلى نسبة مئوية. فإذا كان ثمن جرام الذهب 40 ريالا فإن ثمن الذهب الذي في العينة المذكورة= 10و1 ريالا واحدا وعشر هللات تقريبا. ولمعرفة نسبة الفضة في العينة رقم 1نتبع الخطوات السابقة في إيجاد نسبة الذهب 5÷ 96000= 0,00005= 0005 0,0 = 00005,×100=005, % وهذا المقدار يعني أن نسبة الفضة هي خمسة أجزاء من مائة ألف جزء. ويلاحظ أن هذه النسبة ضئيلة جدا بحيث يمكن إهمالها. ومقدار الذهب في إبريق الشاي (العينةرقم2) 7و77 أي أقل من جرام واحد. ويزيد قليلاً عن جرام إلا ربع. وثمن الذهب في العينة المذكورة = 11و3 ثلاثة ريالات وأحد عشرة هللة تقريبا. ونسبة الفضة في الملعقة المفضضة (العينة رقم 3) المذكور حوالي 54 , 2 %من الجرام، ومع أنها أعلى نسبة والفارق بينها وبين غيرها من العينات كبير إلا أن مقدار الفضة في هذه العينة لا يبلغ جراما واحدا بل هو81 ,0 جم، مع أن وزن العينة المذكورة 7و31 جراما. • • • الخاتمة: وفيها أهم نتائج البحث: 1 توصل الباحث إلى أنه يحرم استعمال أواني الذهب أو الفضة في الأكل والشرب بالإجماع. ورد على منكري هذا الإجماع. كما رجح قول جمهور الفقهاء وهو حرمة استعمال أواني الذهب والفضة على الرجال والنساء في سائر الاستعمالات الأخرى. 2 رجح الباحث عدم جواز تضبيب الآنية المعدة للأكل أو الشرب بالذهب. ورجح جواز تضبيب السيف، وجميع أنواع السلاح التي يناسب تضبيبها. أما التضبيب بالفضة فيترجح جوازه للحاجة؛ والمراد بالحاجة أن يكون هناك داع لتضبيبه. وأن مباشرة الفضة ليست مكروهة ولا محرمة. 3 إذا شرب بكفه وفي أصبعه خاتم فضة لم يكره. وكذا إذا كان في فمه ذهب أو فضة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 4 رجح الباحث رأي الجمهور وهو حرمة بيع وشراء أواني الذهب أو الفضة إذا كان الشراء لغرض استعمالها في الأكل أو الشرب. وكذلك يحرم الاستئجار على صياغة أواني الذهب أو الفضة؛ إذا كان بقصد الاستعمال. 5 لا خلاف بين العلماء في جواز اقتناء الذهب والفضة إذا كان على غير صورة الأواني. 6 رجح الباحث جواز اتخاذ أواني الذهب والفضة؛ إذا كان الاتخاذ لا لقصد الاستعمال؛ سواء كان لغرض ادخارها لعاقبة الدهر، أو لتحويلها إلى ما يجوز لبسه أو استعماله، أولا لشيء. 7 يجوز الاستئجار على صياغتها، ويقع الضمان على من كسرها، أو أتلف صنعتها عند من يجيز استعمالها في غير الأكل والشرب، أو يجيز اتخاذها. 8 يحرم كل ذلك على من يحرم استعمالها، أو اتخاذها، ولا يجب الضمان على من أتلف الصنعة، وفي رواية عن الإمام أحمد يضمن الصنعة أيضا. ويجب ضمان من أتلف العين عند الجميع. سواء من قال بالجواز أو الحرمة. 9 اشتمل البحث على ذكر العلل التي علل بها العلماء حكم استعمال أواني الذهب والفضة، ورجح الباحث التعليل بتضييق النقدين، والإسراف. وناقش العلل الأخرى، وبين وجه ردها. 10 اشتمل البحث على ذكر جملة من الأواني التي استثناها الفقهاء من حكم التحريم. 11 قال الحنفية، والراجح من مذهب المالكية، والأصح عند الشافعية، وقول عند الحنابلة يجوز استعمال الآنية المموهة بذهب أو فضة في الأكل أو الشرب أو غيرهما. وقيده الحنفية والشافعية بما إذا لم يتجمع منه شيء إذا عرض على النار. والمذهب عند الحنابلة والقول الثاني عند المالكية أنه يحرم استعمال الأواني المموهة. 12 رجح الباحث جواز بيع وشراء المموه بالذهب والفضة. وهو مذهب الحنفية والشافعية والمالكية وقول عند الحنابلة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 13- اشتمل البحث على أدلة الفريقين، وتمت مناقشتها، وقد خلص الباحث إلى أن الراجح جواز استعمال الأواني المموهة بالذهب أو الفضة، وقد أجاب على أدلة المانعين، وبين أن التعليل بتضييق النقدين، والإسراف لا يتحققان في المموه؛ لقلته. ومع أنه مباح فيما أرى إلا أن التنزه عن استعماله في الأكل والشرب أولى، لاسيما إذا كان التمويه قد غطى جميعه، أو معظمه. 14 أيد الباحث ما توصل إليه بإجراء تحليل لعينات من الأواني عن طريق المفاعل النووي، في مركز التقنية البيئية التابع لكلية الأمبريل بجامعة لندن، ببريطانيا. 15 أظهر التحليل أن مقدار الذهب والفضة ضئيل جدا. فوزن إحدى العينات 5و571 جراما. ومقدار الذهب فيها 7و77 مليجرام. أي أنه لم يبلغ جراماً واحدا. 16 المقادير التي أظهرها التحليل، وما يقاربها زيادة أونقصا هي الغالب في الأواني المموهة في هذا العصر. تم الانتهاء منه بحمد الله وتوفيقه بيد كاتبه صالح بن زابن المرزوقي البقمي في العوالي بمكة المكرمة يوم الجمعة المبارك 16/محرم /1421هـ الموافق 21/ابريل/2000 م. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وأزكى الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وآله وصحبه. الحواشي والتعليقات لسان العرب؛ تاج العروس، المصباح المنير. مادة: عمل. الشرح الممتع 1/60، المصباح المنير، معجم لغة الفقهاء. مادة:عمل. الكوكب الدري المنير في أحكام الذهب والفضة والحرير ص 40؛ لمحمد سعيد الباني. لسان العرب؛ جواهر اللغة؛ تاج العروس؛ مادة:أنى. المعجم الوسيط 1/70. الفلز: عنصر كيماوي يتميز بالبريق المعدني، والقابلية لتوصيل الحرارة، والكهرباء. المعجم الوسيط. العدد الذري: عبارة عن عدد البروتونات داخل النواة. وهذه البروتونات جسيمات موجبة الشحنة. الوزن الذري: عبارة عن مجموع عدد البروتونات زائد عدد النيوترونات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 الكثافة: عبارة عن كتلة واحدة الحجوم من العنصر. والمراد بوحدة الحجوم هي مثل: السنتيمتر المكعب. معاوية بن قرة بن إياس بن هلال المزني، أبو إياس البصري ثقة عالم، ولد يوم الجمل، وتوفي سنة 113تهذيب التهذيب 10/216. رد المحتار5/217و224؛ الدرالمختار مع رد المحتار5/217؛ تبيين الحقائق 6/11؛ قال الزيلعي: (كره، المراد به: التحريم) . الفتاوى الهندية 5/334؛ الشرح الصغير1/60؛ عقد الجواهر الثمينة 1 / 32؛ المجموع1/310؛ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية21/83؛ شرح العمدة1/114؛ كشاف القناع1/51 شرح منتهى الإرادات1/25. نيل الأوطار1/67. مصنف ابن أبي شيبة 5/519؛ فتح الباري 1/94. سيأتي في الأدلة ومناقشتها مزيد بسط لهذه الآراء. المجموع1/310. وانظر: المهذب 1/11؛ الحاوي1/83. المجموع1/311. بدائع الصنائع 5/132؛ اللباب؛ للميداني4/158؛ العناية والهداية مع تكملة شرح فتح القدير10/5و6. الهداية 10/6. الأم 1/65 مسألة 231 تحقيق الدكتور أحمد حسّون. المصدر السابق 1/82. الدهقان:بكسر الدال وضمها، رئيس القرية، وزعيم فلاحي القرية. وهو معرب. النهاية في غريب الحديث. مادة: دهق. صحيح مسلم بشرح النووي 4/770؛ واللفظ له، صحيح البخاري بشرح فتح الباري9/554. المصنف5/517لابن أبي شيبة. * ... الصحاف: جمع صحفة، كقصعة وقصاع، والصحفة دون القصعة؛ قال الكسائي: القصعة ما تسع ما يشبع عشرة والصحفة ما يشبع خمسة. جواهر اللغة مادة قصع. وانظر: المجموع 1/308. صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 9/554؛ صحيح مسلم بشرح النووي4/772. صحيح مسلم بشرح النووي 4/769؛ المصنف 5/517؛ لابن أبي شيبة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 صحيح البخاري بشرحه10/96؛ صحيح مسلم بشرحه4/763 و764. واللفظ له؛ الموطأ2/705؛ سنن ابن ماجه2/1130؛ يجرجر: يردد من جرجر الفحل إذا ردد صوته في حنجرته. والجرجرة: هي صوت وقوع الماء بانحداره في الجوف. قال النووي: (يجرجر بكسر الجيم الثانية بلا خلاف، ونارا بالنصب على المشهور الذي جزم به المحققون وروي بالرفع على أن النار فاعلة، والصحيح الأول وهو الذي اختاره الزجاج والخطابي والأكثرون، ولم يذكر الأزهري وآخرون غيره) المجموع 1/307. شرح النووي على صحيح مسلم 4/763. النساء الآية 10. شرح النووي على صحيح مسلم 4/764؛ المجموع1/311؛ التمهيد16/104و105و108. فتح الباري10/94؛ نيل الأوطار1/67. محمد سعيد بن عبد الرحمن بن محمد الباني الدمشقي تولى منصب الإفتاء في بعض أقضية دمشق ثم مفتشا للجيش العربي ثم أنشئت هيئة دينية اختير أمينا عاما لها، توفي سنة1351 هـ. الأعلام؛ للزركلي6/143. الكوكب الدري ص111. بتصرف. شرح النووي على صحيح مسلم4/764؛ المجموع 1/311؛ التمهيد16/104و105و108؛ المغني1/101و102؛ مجموع فتاوى شيخ الإسلام21/84؛ الإفصاح1/63؛ المبدع1/66؛ مغني المحتاج1/29؛ نهاية المحتاج 2/89 حاشية الدسوقي 1/64، المغني 1/104؛ مجموع فتاوى شيخ الإسلام21/82؛ كشاف القناع1/ 52؛ شرح منتهى الإرادات1/25. 1/65. المهذب1/11، وانظر: المجموع1/311. شرح النووي على صحيح مسلم 4/765 المصدر السابق؛ نيل الأوطار1/67. فتح الباري10/94؛ نيل الأوطار؛ كشف الأسرار 3/245؛ العدة4/1118و1119؛ التمهيد3/261؛ البرهان1/721؛ الإحكام للآمدي المعتمد2/487 * ... أوردنا الكلام على حكم استثنا إناء الذهب والفضة هنا؛ لأنه يستعمل في الأكل والشرب؛ والمستثنتيات الأخري أتبعناها الكلام على استعمال أواني الذهب والفضة في غير الأكل والشرب؛ لأنها كذلك. المصباح المنير، تاج العروس، مادة: ضب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 الصحاح، مادة:ضبب. المطلع ص9. المجموع 1/317؛ مغني المحتاج1/30. رد المحتار 5/219؛ وانظر:الدر المختار معه؛ الهداية 10/7؛ بدائع الصنائع 5/132، المجموع 1/319و320؛ مغني المحتاج 1/30؛ الحاوي1/87؛ شرح العمدة 1/116؛ الإنصاف 1/81؛ شرح المنتهى1/25؛ الشرح الممتع1/64، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 59؛ الشرح الصغير 1/62. المجموع 1/319و320؛ مغني المحتاج 1/30؛ الحاوي1/87؛ شرح العمدة 1/116؛ الإنصاف 1/81؛ شرح المنتهى1/25؛ الشرح الممتع1/64. المجموع1/321. المصدر السابق. مجموع الفتاوى 21/81، شرح العمدة 1/116و117؛ وانظر: المغني1/105، كشاف القناع1/52و53؛ شرح المنتهى1/27؛ المجموع1/320؛ نهاية المحتاج106. شرح المنتهى1/27؛ الكشاف1/52و53. عقد الجواهر الثمينة1/33، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 59؛ الشرح الصغير 1/62. عقد الجواهر الثمينة 1/33. وانظر: مواهب الجليل 1/129؛ التاج والأكليل 1/129. التاج والأكليل 1/129، عقد الجواهر الثمينة1/33. الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 59؛ الشرح الصغير 1/62. المهذب1/12؛ المجموع1/317؛ الحاوي 1/87؛ فتح العزيز1/304؛ المغني1/105؛ الإنصاف1/83 الفروع 1/98؛ شرح العمدة1/117. رد المحتار 5/219؛ وانظر:الدر المختار معه؛ الهداية 10/7؛ بدائع الصنائع 5/132. المصادر السابقة، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 59؛ الشرح الصغير 1/62، المجموع 1/317 فتح العزيز 1/304، تصحيح الفروع1/97؛ الإنصاف 1/83 وانظر: المغني 1/104. رد المحتار 5/219؛ وانظر:الدر المختار معه؛ الهداية 10/7؛ بدائع الصنائع 5/132. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 الثًّفَرُ: للسباع ولذوات المخالب، كالحياء للناقة. وقال ابن فارس:الثفر الحياء من السّبعةِ وغيرها. والثفر:بالتحريك السير الذي في مؤخر السرج. (وهو المراد هنا) وأثفر الدابة:عمل لها ثفرا أو شدها به. وفي الحديث الشريف أمر (المستحاضة أن تستثفر. لسان العرب؛ المحكم؛ تاج العروس؛ معجم مقاييس اللغة. مادة: ثفر. بدائع الصنائع 5/132؛ اللباب4/158. المجموع 1/317؛ فتح العزيز 1/304. فتح العزيز 1/304. المجموع1/320؛ نهاية المحتاج1/106، الإنصاف1/83. المجموع 1/321، شرح العمدة1/116، الإنصاف1/81. الإنصاف1/8. المنتقى 7/336. صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 6/212 رقم الحديث 3109. سيأتي مزيد بسط لحديث أنس في المبحث الثاني من الفصل الخامس. وهو رأي المالكية، انظر: شرح تنقيح الفصول ص 445. الهداية10/7؛ تكملة فتح القدير10/8؛ رد المحتار5/218؛ الفتاوى الهندية5/234. المجموع 1/318؛ مغني المحتاج 1/30، شرح منتهى الإرادات1/26، كشاف 1/53. سنن الترمذي بشرح ابن العربي7/184؛ التلخيص الحبير1/52. المجموع 1/321. الفتاوى الهندية 5/335. صحيح مسلم بشرح النووي 4/804. رد المحتار5/230؛ المدونة 3/416؛ وانظر:المنتقى؛ للباجي 4/268 و269؛ و1/128؛ مواهب الجليل 4/330؛ العمدة 1/115؛ كشاف القناع3/152و154؛ شرح منتهى الإرادات 2/140و142. المدونة 3/416. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 ترتيب المدارك 1/145، حاشية الصاوي مع الشرح الصغير1/430. جاء فيها عند قول الدردير: [وحرم على المتخلف ابتداء صلاة] (أي وحملت الكراهة في المدونة وابن الحاجب على التحريم) . وانظر: الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي ص 160و161 لعبد العزيز بن صالح الخليفي، الموسوعة الفقهية34/222. ومما نقل عن الإمام مالك في هذا الشأن ما جاء في ترتيب المدارك: (لم يكن من أمر الناس ولا من مضى ولا من سلفنا الذين يقتدى بهم ويعول الإسلام عليهم أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقول أنا أكره كذا وأحب كذا. وأما حلال وحرام فهذا الافتراء على الله، أما سمعت قول الله تعالى (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالا، قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون) يونس، آية:59. لأن الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرماه) . كشاف القناع 3/152و154؛ شرح المنتهى 2/140و142، الخواتيم لابن رجب ص123. الأم 3/74؛ المجموع 1/307؛ 311؛ روضة الطالبين 1/46. المجموع 1/215؛ روضة الطالبين 1/46. المائدة من الآية 2. إعلام الموقعين عن رب العالمين3/175. صحيح مسلم 4/97. الخواتيم ص 123. رد المحتار5/230، الدر المختار5/230؛ الفتاوى الهندية5/335؛ عقد الجواهر الثمينة1/32، مواهب الجليل1/128؛ حاشية الدسوقي1/59؛ حاشية الصاوي مع الشرح الصغير1/61؛ روضة الطالبين5/23و24؛ المجموع1/313؛ مغني المحتاج1/29؛ المغي5/428؛ الكشاف5/107و108؛ أحكام الخواتيم؛ لابن رجب ص 138الموسوعة الفقهية 1/124. المكحلة: بضم الميم، إناء الكحل، وهي من النوادر التي جاءت بالضم، وقياسها الكسر لأنها آلة. المصباح المنير، مادة كحل. المدهنة: بضم الميم، ما يجعل فيه الدهن. اللسان: مادة: دهن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 المسعط:بضم الميم، الوعاء يجعل فيه السعوط، وهو من النوادر التي جاءت بالضم، وقياسها الكسر لأنه اسم آلة. المصدر السابق، مادة سعط. المحبرة: معروفة، وفيها لغات:أجودها فتح الميم والباء، والثانية بضم الباء، والثالثة كسر الميم لأنها آلة مع فتح الباء. المصباح، مادة: حبر. * ... المرود:بكسر الميم الميل الذي يكتحل به النهاية4/321. المبولة: بالكسر، كوزٌ يبال فيه. اللسان، تاج العروس، مادة:بول. أقول: يصدق على كل إناء يعد للبول فيه. خلال: مثل كتاب. العود يخل به الثوب والأسنان. المصباح، مادة: خلا. بدائع الصنائع 5/132؛ تكملة فتح القدير 10/6و7؛ الهداية 10/5 و6؛ اللباب للميداني 4/158 الشرح الكبير 1/58؛ حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 1/58؛ مواهب الجليل1/128؛ الخرشي على مختصر خليل 1/100؛ ومعه حاشية العدوي؛ عقد الجواهر الثمينة1/32؛ المجموع 1/311 و315و6/37، روضة الطالبين 1/44؛ فتح العزيز1/301و302؛ نهاية المحتاج1 /103و 104؛ كشاف القناع2/234؛ شرح منتهى الإرادات1/25؛ الروض المربع2/252؛ المستوعب3/292؛ الإنصاف5/80؛ شرح العمدة في الفقه 1/114؛ المحلى 1/293. عقد الجواهر الثمينة1/33، مغني المحتاج1/29، نهاية المحتاج 1/104. سيأتي في المبحث الخامس عند الكلام على المغشى ما يؤيد هذا القول. المجموع1/321. نهاية المحتاج1/104. المراد بالعلة هنا الحكمة، لا العلة عند الأصوليين. الموسوعة الفقهية 21/280. تكملة شرح فتح القدير10/6و7؛ شرح العناية على الهداية 10/6 شرح العمدة 1/115؛ المبدع 1/66. الكشاف1/52. المحلى 1/ 293 و294. المسند مع الفتح الرباني 17/252. صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 3/112، باب الأمر باتباع الجنائز، رقم الحديث 1239، مسند الإمام أحمد واللفظ له 3/4/138، تكملة تحقيق أحمد شاكر؛ السنن الكبرى 1/27. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 الديباج:ثوب سداه ولحمته إبريسم، وهو فارسي معرب. النهاية في غريب الحديث، المصباح المنير: الدال مع الباء. الإستبرق: هو ما غلظ من الحرير والإبريسم. وهي لفظة أعجمية معربة أصلها استبره. وقال الأزهري: إنها وأمثالها من الأبفاظ حروف عربية وقع فيها وفاق بين العجمية والعربية. النهاية في غريب الحديث. القسي: هو ضرب من ثياب كتان مخلوط بحرير يؤتى من مصر، نسب لقرية على ساحل البحر يقال لها القس. الفائق. المحلى 1/293و 294. حاشية الدسوقي1/58، الأم 1/65، المجموع 1/308؛ روضة الطالبين 1/46؛ المغني 1/103؛ كشاف القناع 1/52؛ شرح منتهى الإرادات1/25؛ الإنصاف 1/80؛ الروض المربع 1/104؛ شرح العمدة 1/115، شرح الزركشي 1/159؛ شرح النووي على صحيح مسلم 4/765 تيسير التحرير 1/377. قال ابن عابدين:في شرحه لعبارة الحصكفي [ويجوز رفع الحدث بما ذكر] قال: (أي يصح وإن لم يحلّ في نحو الماء المغصوب) . حاشية الدسوقي 1/58. الكشاف1/52؛ الروض المربع1/104؛ شرح منتهى الإرادات 1/25 المغني 5/103؛ شرح العمدة1/ 114، شرح الزركشي1/161، الإنصاف 1/81، الكشاف1/52. المحلى 1/293. المغني 5/103. رد المحتار 5/217. المجموع 6/38؛ كشاف القناع 2/234. رد المحتار؛ تكملة فتح القدير 10/7 و8. رد المحتار5/217. المجموع1/311و312. روضة الطالبين 1/114. الحاوي 1/84. الخُوانُ:ما يؤكل عليه الطعام، الُمعَّرب كما في الصحاح والعين. تاج العروس؛ اللسان. مادة خون. المجموع 1/310. نيل الأوطار 1/67، الشرح الممتع 1/62. 1 /80؛ وانظر: الفروع 2/474. الإنصاف 1/80. الشرح الممتع1/62. صحيح البخاري بشرحه 10/352. الطبعة السلفية، رقم الحديث 5896. 7/207. ومن الجدير بالذكر أنها أصح طبعات صحيح البخاري. صحيح البخاري بشرحه عمدة القاري 22/48، صحيح البخاري 7/294. لسان العرب، مادة جلل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 فتح الباري 10/353، تهذيب التهذيب7/132 فتح الباري 10/352، تهذيب التهذيب7/132. المصدر السابق. إرشاد الساري 8/464. فتح الباري 10/353. المصدر السابق. المصدر السابق. المصدر السابق. مشارق الأنوار على صحيح الآثار2/161. الجمع بين الصحيحين؛ لضياء الدين عمر بن بدر الموصلي 1/322 رقم 842؛ تحقيق الدكتور علي حسين البواب؛ مكتبة المعارف؛ الرياض؛ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 8/465، عمدة القاري. البُرة:حلقة تجعل في أنف البعير. وتجمع على الُبرين. معالم السنن للخطابي مع سنن أبي داود2/361. مسند الإمام أحمد؛ تحقيق أحمد شاكر 4/108، رقم الحديث 2362. وانظر سنن أبي داود 2/360 رقم الحديث 1749؛ السنن الكبرى 5/229، كتاب الحج؛ شرح مشكل الآثار 4/26؛ المستدرك 1/639. المستدرك1/639. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. المسند4/108. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن شرح مشكل الآثار 4/26. نيل الأوطار 1/67. سنن أبي داود 4/436 باب الخاتم؛ مسند الإمام أحمد 14/140و141؛ تحقيق الأرنؤوط وآخرون. هذا الحديث وقع في صلاحيته للاحتجاج خلاف. قال الألباني بعد أن أورد سنده:وهذا سند جيد، رجاله ثقات رجال مسلم، غير أسيد بن أبي أسيد البراد، فوثقه ابن حبان، وروى عنه جماعة من الثقات، وحسن له الترمذي في الجنائز (1003) ، وصحح له جماعة، ولذا قال الذهبي، والحافظ: (صدوق) . وقال الأرنؤوط وعادل مرشد:رجاله ثقات رجال الشيخين غير أسيد بن أبي أسيد البراد، خرج له أصحاب السنن، والبخاري في الأدب المفرد، وذكر البرقاني في سؤلاته للدار قطني (37) أنه قال:يعتبر به. انظر: آداب الزفاف ص224؛ للألباني؛ ومسند الإمام أحمد 14/140و141 تحقيق الأرنؤوط وعادل مرشد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 وقال الدكتور نور الدين عتر أستاذ الحديث في جامعة دمشق:هذا الحديث من رواية أسيد بن أبي أسيد البراد قال فيه الحافظ: (صدوق) وكل من قيل فيه هذا لا يكون حديثه صحيحا لأنه لم يوصف بالضبط. ماذا عن المرأة ص 90للعتر. وقد توصلت إلى القول بأنه حسن بناء على ما ذكره الحافظ ابن حجر عن أسيد بأنه صدوق، وإن كنت لا أقول بصلاحيته للاحتجاج فيما ذهب إليه الألباني من تحريم لبس الذهب المحلق على النساء. نيل الأوطار 1/67. سورة النساء الآية 23. الشرح الممتع 1/62 نيل الأوطار 1/67. المجموع 1/311؛ شرح العمدة1/114و115. البقرة من آية:275. المجموع 1/311. المجموع1/311. شرح النووي على صحيح مسلم بهامش إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 8/339؛ للقسطلاني، الطبعة السادسة؛ المطبعة الأميرية، مصر؛ سنة 1305 هـ. سنن أبي داود4/ 434، سنن الترمذي7/269و270، سنن النسائي8/172. وانظر: شرح مشكل الآثار4/30 وما بعدها. قال شعيب الأرنؤوط:حديث حسن. المجموع1/316. سبق تخريجه. فتح الباري10/353. لسان العرب؛ معجم مقاييس اللغة؛ مادة:عل. نزهة الخاطر العاطر 2/176؛ لابن بدران؛ إرشاد الفحول ص206. روضة الناظر 2/176؛ نشر مكتبة الكليات الأزهرية؛ القاهرة؛ الطبعة الثالثة؛ سنة 1411هـ 1991 م القاهرة الحديثة للطباعة؛ العدة 5/1423؛ البحر المحيط 5/111؛ إرشاد الفحول ص206؛ الصحاح، القاموس المحيط مادة: علل. اللسان. مادة:علل. هذا ما يفيده تعريف الآمدي بعد حذف كلمة الباعث؛ تجنبا لما يلاحظه كثير من الأصوليين عليها. والاستعاضة عنها بكلمة ما يصلح أن يكون مقصودا للشارع. كما نبه عليه الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله- في تعليقه على إحكام الأحكام 3/202؛ الطبعة الأولى؛ مؤسسة النور. وانظر:تيسير التحرير 3/302. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 فتح القدير 1/7؛ الذخيرة1/166؛ المجموع1/310؛ الحاوي1/83و84؛ المغني 1/102؛ كشاف القناع1/50؛ شرح الزركشي1/159؛ الفقه الإسلامي وأدلته3/546. الذخيرة 1/166. شرح العمدة1/114و115. شرح منتهى الإرادات 1/24. وانظر:الكشاف1/282 نيل الأوطار 1/67 البيان والتحصيل 18/540؛ وانظر: المجموع 1/310؛ نيل الأوطار1/67. المهذب 1/10؛ المجموع 1/310 المجموع1/310 نهاية المحتاج1/104؛ الموسوعة الفقهية 21/280. المعجم الكبير 6/246، المعجم الأوسط5/367، المعجم الصغير2/82. مجمع الزوائد 4/78. الكوكب الدري المنير 103. نيل الأوطار 1/67. الكوكب الدري المنير 239. الأعراف من الآية 32. الكوكب الدري المنير ص239. سبق تخريجه، وبيان أسباب الحكم عليه. الكوكب الدري ص 237. نيل الأوطار 1/67. إحياء علوم الدين 4/143. العدة 4/1396؛ الروض المربع مع حاشية العنقري1/108، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض سنة 1403هـ1983م. الصحاح، المصباح، تاج العروس، مادة:أخذ. تاج العروس مادة:أخذ. المصباح المنير، وانظر: لسان العرب، تاج العروس، الصحاح، القاموس المحيط، المغرب، مادة:قنا. التوقيف على مهمات التعاريف، فصل التاء. معجم المصطلات والألفاظ الفقهية 1/52،للدكتور محمود عبد الرحمن عبد المنعم. النجم آية: 48. المفردات في غريب القرآن ص414. تاج العروس، مادة:قنا. مواهب الجليل 1/128؛ نهاية المحتاج1/104. رد المحتار 5/218، الفتاوى الهندية 5/335؛ عقد الجواهر الثمينة1/32؛ الذخيرة1/167؛ التمهيد16/104، مواهب الجليل؛ والتاج والأكليل 1/128؛ المجموع 1/308و313 و6/37؛ مغني المحتاج 1/29؛ روضة الطالبين1/44. فتح العزيز1/302؛ نهاية المحتاج 1/104؛ 1الفروع1/97، الإنصاف 1/80، المبدع1/66. المجموع1/308. عقد الجواهر الثمينة1/32؛ مواهب الجليل1/128 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 عقد الجواهر الثمينة 1/32؛ الذخيرة1/167؛ الشرح الصغير1/61؛ وحشية الصاوي معه؛ الشرح الكبير وحاشية الدسوقي معه 1/58و59؛ مواهب الجليل 1/128؛ الأم4/ 151؛ المجموع1/308؛ روضة الطالبين1/44 فتح العزيز 1/302؛ مغني المحتاج1/29؛ نهاية المحتاج1/104؛ المغني 1/103؛ الإنصاف 1/80، كشاف القناع 1/51، الروض المربع1/104. الطنبور: فارسي معرب، وهي من آلات اللهو ذات عنق طويل. المخصص 4/13/13؛ وانظر المغني 1/103 قاموس الموسيقى العربيةص66؛ المعجم الوسيط2/588. شرح العمدة 1/115. وانظر:الشرح الكبير للدردير؛ وحاشية الدسوقي 1/58و59. حاشية الصاوي 1/61. صحيح مسلم بشرح النووي 4/97. المحكم؛ لسان العرب، مادة موه؛ المخصص لابن سيده 3/12/31. ماء الذهب:هو سائل ناتج عن إذابة قطعة من الذهب بوضعها في سوائل كيماوية مثل: نتريك أسد مع كلودريك أسد. فينتج عن هذا ماء الذهب، ويسمى الماء الملكي، فيطلى به، أو يكتب به، وعندما يتعرض للشمس يجف. رد المحتار، وانظر معه الدر المختار 5/219؛ شرح الخرشي 1/100؛ شرح روض الطالب 1/379؛ نهاية المحتاج 1/104، شرح منتهى الإرادات 1/25. كشاف القناع 1/51 و52. الهداية 10/7، رد المحتار والدر المختار5/219؛ بدائع الصنائع 5/133؛ الفتاوى الهندية 5/335؛ الفتاوى البزازية 6/369؛ الشرح الكبير1/59؛ حاشية الدسوقي 1/59؛ مواهب الجليل 1/128و129؛ حاشية الصاوي 1/62 المجموع 1/ 321 و322؛ روضة الطالبين1/44، مغني المحتاج1/29، فتح العزيز1/303؛ نهاية المحتاج 1/104 الفروع1/100، الكشاف1/52؛ الإنصاف1/81. التكفيت: (أن يبرد الإناء من حديد أو نحوه حتى يصير فيه شبه المجاري في غاية الدقة ثم يوضع فيها شريط دقيق من ذهب أو فضة يدق عليه حتى يلصق) . الكشاف 1/81، وانظر:مواهب الجليل1/128. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 الشرح الكبير 1/58و59؛ حاشية الدسوقي 1/59؛ الشرح الصغير1/62؛ حاشية الصاوي 1/62؛ مواهب الجليل 1/128 و129؛ الخرشي على خليل1/100. المضبب:سبق بيانه في ص11. ذو الحلقة:الحلقة كل شيء مستدير. اللسان. والمراد هنا حلقة الحديد ونحوها، المطلية بالذهب، أو الفضة. أو الإناء من غير الذهب والفضة تكون به حلقة منهما، أو من أحدهما. الشرح الكبير 1/58و59. المغشى: إناء من ذهب أو فضة غطي برصاص أونحاس أو غيره. مواهب الجليل 1/128. مواهب الجليل 1/128؛ وانظر:الشرح الكبير1/58و59؛ وحاشية الصاوي مع الشرح الصغير1/62. مصنف ابن أبي شيبة 5/518 و119؛ التمهيد 16/109. رد المحتار4/219؛ البدائع 5/133؛ اللباب 4/160. نهاية المحتاج 1/104؛ شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين 1/28؛ حاشية قليوبي1/28. وانظر:الهداية10/7. البدائع 5/133؛ اللباب 1/160؛ الوجيز1/11، المجموع1/321؛ 322؛ نهاية المحتاج1/104. 1/133. المجموع1/321 و322؛ نهاية المحتاج 1/104؛ شرح المحلى على منهاج الطالبين1/28؛ حاشية قليوبي 1/28. المجموع 1/321 و322. وانظر الوجيز:1/11. الإنصاف1/81. المصمت: قال المرداوي: (كالذهب أو الفضة الخالصين) . الإنصاف1/81. يقال ثوب مصمت: لونه لون واحد، لا يخالطه لون آخر. وفي حديث العباس:إنما نهي رسول الله (، عن الثوب المصمت من خز؛ وهو الذي جميعه إبريسم، لا يخالطه قطن ولا غيره. لسان العرب؛ مادة: صمت. وفي شرح منتهى الإرادات 1/25 المصمت أي (منفرد مما موه أو طلي أو طعم أو كفت به) . المصدر السابق. الإنصاف1/81. الفروع1/100، الإنصاف 1/81. كشاف القناع 1/51. الشرح الكبير 1/59؛ الشرح الصغير1/62؛ مواهب الجليل 1/128؛ الخرشي على خليل 1/100. مصنف عبد الرزاق 11/69. مصنف ابن أبي شيبة 5/519؛ السنن الكبرى 5/29؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 والمطعم: بذهب أو فضة بأن يحفر في إناء من خشب أوغيره حفراً ويوضع فيها قطع ذهب أو فضة على قدرها) . الإنصاف 1/81؛ الكشاف 1/52 وص282. انظر: المصدرين السابقين. الإنصاف 1/81؛ وانظر الكشاف 1/52. مواهب الجليل 1/128. الشرح الصغير 1/62؛ المجموع 1/321 و322؛ بدائع الصنائع 1/133. تكملة فتح القدير10/8. * ... المفضض: المموه بفضة أو مرصع بالفضة. اللسان، تاج العروس؛ مادة:فضض. وفي فتح الباري9/554 المفضض: (هو الذي جعلت فيه الفضة) وقال:واختلف في الإناء الذي جعل فيه شيء من ذلك إما بالتضبيب، وإما بالخلط وإما بالطلاء. مصنف ابن أبي شيبة5/518، التمهيد 16/109. انظر: تهذيب التهذيب 6/280 و8/351؛ تقريب التهذيب 1/592 و2/26. تقريب التهذيب 1/592. المعجم الأوسط؛ حرف الباء؛ 3/329، رقم الحديث 3311، نيل الأوطار 1/69. فتح الباري 10/101. بدائع الصنائع 5/132. العلم:رسم الثوب، وعلمه رقمه في أطرافه. وأعلمه:جعل فيه علامة. اللسان. وهو القطعة في الثوب من غير جنسه. والمراد هنا. طراز الحرير في الثوب من غير الحرير. الجبة: بالضم ضرب من مقطعات الثياب يلبس. اللسان. وهو كساء يلبس فوق الثياب ونحوها مفتوح من الإمام من أعلاه إلى أسفله يشبه العباءة إلا أنه ملاصق للبدن. المكفوفة:أي جعل لها كفة، بضم الكاف، وهو ما يكف به جوانبها ويعطف عليها، ويكون ذلك في الذيل، وفي الفرجين وفي الكمين. شرح صحيح مسلم، للنووي 4/778. عقد الجواهر الثمينة 1/33. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 سنن الدارقطني 1/27؛ السنن الكبرى 1/29. وقد رواه الدارقطني من طريق يحي بن محمد الجاري عن زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا. قال الدارقطني:إسناده حسن. وقال ابن تيمية:إسناده ضعيف. انظر: مجموع الفتاوى 21/85، الفتاوى الكبرى 2/422. قال الذهبي:في الميزان في ترجمة يحي الجاري 4/406 هذا حديث منكر، أخرجه الدارقطني وزكريا ليس بالمشهور. وقال الذهبي قال البخاري يتكلمون فيه يعني؛ الجاري. ووثقه العجلي، وقال ابن عدي:ليس به بأس. لسان الميزان7/436، تهذيب التهذيب11/274. وقال ابن حجر في فتح الباري10/101 حديث معلول بجهالة حال إبراهيم بن مطيع وولده. وقال ابن القطان:هذا الحديث لا يصح زكريا وأبوه لا يعرف لهما حال. انظر: الجوهر النقي لابن التركماني مع السنن الكبرى 1/29. وانظر التعليق المغني على الدارقطني 1/41، إرواء الغليل1/70. وبناء على ما ذكرناه من أقوال أهل العلم: فإن هذا الحديث لا يصلح الاحتجاج به؛ فهو حديث ضعيف، لسببين أولهما: أن يحي الجاري يتكلمون فيه. والثاني: جهالة زكريا وأبيه. مصنف ابن أبي شيبة 5/519؛ السنن الكبرى 1/29. وأثر ابن عمر عند عبد الرزاق (وكان ابن عمر إذا سقي فيه كسره) 11/70. المجموع 1/319. التلخيص الحبير1/54. ورد في السنن الكبرى أثرين عن ابن عمر أحدهما هو الذي ذكرنا حكم النووي وابن حجر عليه. والثاني لم نورده وقال ابن التركماني فيه:خصيف الجزري قال عنه ابن القطان غير محتج به. الجوهر النقي مع السنن الكبرى1/29. وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف. انظر:شرح مشكل الآثار 4/43. المصنف 5/519. وانظر: التمهيد 16/107. المجموع 1/319. شرح منتهى الإرادات 1/25، الكشاف 1/52. انظر ص 16 و 40 من هذا البحث. انظر ص 42. فتح الباري 1/101. المعجم الأوسط3/ 329و 330. وانظر:نيل الأوطار 1/69. انظر: ص 43. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 نيل الأوطار 1/69. وانظر: ميزان الاعتدال4/406، التعليق المغني على الدارقطني ص41، للعظيم آبادي إرواء الغليل1/70. وقد بسطنا القول فيه في ص43. فإن قال قائل نقلتم في ص45 أن ابن عدي قال في يحي الجاري ليس به بأس، وذكرتم هنا أنه يقول: حديث منكر، فالجواب توثيقه للراوي. أما حكمه على الحديث فلأسباب أخرى. بيناها هناك. صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 6/212 رقم الحديث 3109؛ روضة الناظر 1/315؛ نشر مكتبة الكليات الأزهرية. السنن الكبرى 1/29. سبق تخريجه. شرح مشكل الآثار 4/48. قال شعيب الأرنؤط حديث صحيح، رجاله رجال الشيخين غير المغيرة بن زياد فقد روى له أصحاب السنن، وهو صدوق، وقد توبع. انظر شرح مشكل الآثار 4/48. وقد رواه أبو داود 4/328 برقم (4054) عن مسدد عن عيسى بن يونس. ورواه الإمام أحمد، ومسلم من طرق عن أبي عمر مولى أسماء انظر المسند 6 /387 و388 ط الميمنية، صحيح مسلم 4/777. الديباج:ثوب سداه ولحمته إبريسم، وهو فارسي معرب , النهاية في غريب الحديث؛ المصباح المنير؛ الدال مع الباء. الجبة:سبق بيانها. صحيح مسلم بشرح النووي 4/777. طيالسة:إضافة جبة إلى طيالسة، والطيالسه جمع طيلسان. كسروانية: بكسر الكاف وفتحها وهو نسبة إلى كسرى. لبنة:بكسر اللام وإسكان الباء؛ وهي رقعة في جيب القميص. شرح النووي على صحيح مسلم4/778. شرح مشكل الآثار4/48. صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 6/212 رقم الحديث 3109. انصدع: انشق. فسلسله:أي وصل بعضه ببعض. العريض الذي ليس بمتطاول بل يكون طوله أقصر من عمقه. والنضار: بضم النون وتخفيف الضاد الخالص من العود ومن كل شيء، ويقال أصله شجر النبع. فتح الباري 10/100. وفي اللسان مادة نضر: النُّضار النبع، والنُّضار شجر الأثل، والنُّضار الخالص من كل شيْ. قلت النضار: شجر يشبه الأثل إلا أنه ليس له ثمر. صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 10/99. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 المرجع السابق. فتح الباري 10/100. السنن الكبرى 5/29. تقريب التهذيب 2/751 هو الإمام المحدث أبو العوام عمران بن دوار العمي البصري القطان كان حرورياً (أي من الخوارج) يرى السيف، مات في حدود الستين ومائة. وقال ابن حجر في قوله حروريا نظر ولعله شبه بهم. سير أعلام النبلاء 7/280. وانظر: تهذيب التهذيب. هذه الأحاديث سبق بيان مراجعها قريبا. انظر حاشية ص44. لأن من تعريف المفضض انه الذي جعلت فيه فضة، والمضبب يجعل فيه فضة تضب شقه. فتح الباري 10/101؛ وانظر: التعليق على شرح مشكل الآثار4/42. النيترونات جمع، مفردها نيترون؛ وهو أحد الجسيمات المكونة لنواة الذرة، وهو متعادل الشحنة، ويخترق أنوية (جمع نواة) الذرات حسب طاقته، ويؤدي إلى إثارة هذه الأنوية. عينة معلومة التركيب، مشابهة للعينة التي يجري عليها الاختبار، وهذا لغرض المقارنة؛ فإذا كانت العينة زجاجية فكذلك العينة المرجعية تكون زجاجية؛ لأنها تتفاعل بنفس الطريقة، كالعينة المراد اختبارها. قصف العينة بالنيوتروات: عملية تهدف إلى وضع العينة في طريق النيوترونات وذلك في قلب المفاعل النووي فتصبح العينة عرضة للارتطام بالنيوترونات مما يؤدي إلى إثارة أنوية ذرات العينة، وينتج عن ذلك انبعاث الأشعة من العينة، وتصبح العينة مستَحثة إشعاعيا. تنشيط العينة إشعاعيا، ويقال له:الحث الإشعاعي: يتم الحث الإشعاعي بتسليط طاقة على نواة الذرة بمقدار معين يحملها جسيم معين تؤدي إلى إثارة أنوية ذرات العينة، فتتخلص هذه العينة من الإثارة عن طريق بعث الإشعاعاعات المختلفة بحسب نوع التفاعل الحادث داخل العينة. انظر: De Soete D. ,Gijbels R. , and Hoste J. , “ Neutron Activation Analysis “ Wiley – Interscience, 1972. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 أشعة جاما: هي أشعة كهرو مغنيطيسية (مجال كهربائي ومجال مغناطيسي متعامدين) لا ترى بالعين المجردة. وهي ناتجة عن إثارة نواة الذرة وذلك نتيجة لاختراق النيوترون للنواة مؤديا إلى اضطراب الجسيمات داخل النواة؛ وهذه الجسيمات هي كل من البروتونات والفيوترونات. الطيف: إن الطاقات التي تنبعث من المصدر المشع الذي يشع أشعة جاما ينتج عنها طيف؛ يتمثل على هيئة شكل معين، وهذا الطيف يوضح توزيع الطاقات الصادرة من المصدر المشع. وهذا الطيف يعتبر خاصا للمصدر المشع، فالطيف لمصدر مشع يختلف عن الطيف الصادر من مصدر مشع آخر؛ فالطيف الصادر من نواة مشعة يميز تلك النواة وباتالي نستطيع أن نعرف الذرة التي لها هذه النواة. فما ينبعث من أشعة جاما مثلا من نويات الذهب يختلف عما ينبعث منه من نويات الفضة. وهكذا بقية العناصر. Kaplan I. , “ Nuclear Physics “ ,2 nd ” ed, Addison – Wesley, 1977 ملعقة الشاي، أي أنها ليست مخصصة للأكل، وهي ليست كالملاعق المستعملة في غالب البيوت اليوم، ويحس الناظر إليها أنها فضية، وهي جميلة في منظرها، رزينة في وزنها، غالية في ثمنها، قيمتها 120 ريالا سعوديا، وهذا ثمن خمسة درازن من الملاعق العادية الجيدة، وهي فرنسية الصنع، تستوردها وتبيعها شركة أركان القافلة بجدة. من الجدير بالذكر أن النتيجة هي 27,456 أي أقل من 5, 27 لكنا جعلناها كذلك تقريبا للقارىء؛ وحسب المتبع عند أهل الحساب. المصادر والمراجع أحكام الخواتيم وما يتعلق بها؛ لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي؛ تصحيح عبد الله القاضي الناشر دار الكتب العلمية؛ بيروت؛ الطبعة الثانية؛ سنة 1407هـ الإحكام في أصول الأحكام؛ لسيف الدين أبي الحسين علي بن أبي علي الآمدي؛ نشر مؤسسة الحلبي؛ القاهرة دار الاتحاد العربي للطباعة، مصر، 1387هـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 إحياء علوم الدين، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي؛ نشر دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1412هـ – 1992م. الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي، لعبد العزيز بن صالح الخليفي، الطبعة الأولى، المطبعة الأهلية، سنة 1414هـ. آداب الزفاف في السنة المطهرة، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتبة الإسلامية، عمان، دار ابن حزم للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثالثة، سنة 1417هـ 1996م. الاستذكار، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، دار قتيبة للطباعة والنشر، بيروت، دمشق، دار الوعي حلب، القاهرة، الطبعة الأولى، القاهرة، سنة 1414هـ1993م. إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني، نشر دار صادر دار بيروت، الطبعة السادسة، المطبعة الأميرية، مصر، سنة1305 إرشاد الفحول، لمحمد بن علي الشوكاني، الطبعة الأولى، مطبعة الحلبي، القاهرة، سنة 1356هـ إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق الطبعة الأولى، سنة 1399هـ 1979م. إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، تحقيق عبد الرحمن الوكيل، دار الكتب الحديثة، مطبعة المدني القاهرة، سنة 1389هـ 1969م. الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، سنة1980م. الإفصاح عن معاني الصحاح، للوزير عون الدين أبي المظفر يحي بن هبيرة، طبع ونشر المؤسسة السعودية الرياض، سنة، 1398هـ. الأم، للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق الدكتور أحمد حسون، دار قتيبة للطباعة والنشر بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1316هـ1996م. الانتصار في المسائل الكبار، لأبي الخطاب الكلوذاني، نشر مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى سنة 1413هـ، 1993م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 الإنصاف، لأبي سليمان المرداوي، تحقيق محمد حامد الفقي، الطبعة الأولى، مطبعة السنة المحمدية، مصر سنة 1374هـ. البحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1406هـ1986م. البرهان في أصول الفقه، لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، تحقيق الدكتور عبد العظيم الديب، مطابع الدوحة، قطر، سنة 1399هـ. بلغة السالك لأقرب المسالك، لأحمد الصاوي، وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف دولة الإمارات العربية المتحدة، المطبعة العصرية ومكتباتها، سنة 1410هـ1989 م. بلوغ المرام بشرحه توضيح الأحكام، لابن حجر، وتوضيح الأحكام للشيخ عبد الله البسام، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، الطبعة الأولى، سنة 1413هـ1986م. البيان والتحصيل، لأبي الوليد محمد بن رشد القرطبي، تحقيق الأستاذ أحمد الحبابي، نشر دار إحياء التراث الإسلامي، قطر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، سنة 1406هـ1986م. تاج العروس، للزبيدي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، سنة 1414هـ 1994م. التاج والأكليل لمختصر خليل، (بحاشية مواهب الجليل) دار الفكر، الطبعة الثالثة، سنة 1412هـ 1992م. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، لعثمان بن علي الزيلعي، الطبعة الأولى، المطبعة الأميرية، مصر، سنة 1313هـ. ترتيب المدارك وتقريب المسالك إلى معرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض، تحقيق الدكتور أحمد بكير محمود، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، دار مكتبة الفكر طرابلس، ليبيا، مطبعة فؤاد بيبان وشركاه، الشي، لبنان. سنة 1387 هـ 1967م تصحيح الفروع، لأبي سليمان المرداوي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الرابعة، سنة 1379هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 التعليق المغني على سنن الدارقطني، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، دار المحاسن للطباعة القاهرة، نشر السيد عبد الله هاشم يماني، المدينة. تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، التلخيص الحبير، لابن حجر العسقلاني، الناشر عبد الله اليماني، المدينة المنورة، شركة الطباعة الفنية القاهرة، سنة 1384هـ1964م. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البر، تحقيق مجموعة من الأساتذة،، الطبعة الثانية سنة 1402هـ1992م. تنقيح الفصول، للقرافي، تحقيق طه عبد الرءوف، نشر وطبع مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة. تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة. تيسير التحرير، لمحمد أمين المعروف بأمير باد شاه، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1403هـ1983م. الجمع بين الصحيحين، لضياء الدين عمر بن بدر الموصلي، تحقيق الدكتور علي حسين البواب، مكتبة المعارف، الرياض. جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي، نشر مكتبة الرياض الحديثة، الرياض. الجوهر النقي، لعلاء الدين بن علي التركماني، (مع السنن الكبرى) دار المعرفة، بيروت، سنة1413 هـ 1992م. حاشية العدوي، حاشية عميره، لشهاب الدين أحمد البرلسي الملقب بعميره، دار الفكر. حاشية القليوبي، لشهاب الدين أحمد بن سلامة القليوبي، دار الفكر. الحاوي الكبير، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، الناشر المكتبة التجارية، مكة المكرمة مطبعة دار الفكر، بيروت، سنة 1414هـ1994م. الخرشي على مختصر خليل، لمحمد الخرشي المالكي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة. الدر المختار شرح تنوير الأبصار، لمحمد بن علي الحصكفي (مع رد المحتار) . الذخيرة، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، حققها مجموعة من الأساتذة، نشر دار الغرب الإسلامي بيروت، الطبعة الأولى، مطبعة دار صادر، بيروت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 رد المحتار على الدر المختار،، لمحمد بن عابدين، دار إحياء التراث العربي، بيروت. روضة الطالبين، للنووي، طبع ونشر المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت. الروض المربع (ومعه حاشية العاصمي) للشيخ منصور البهوتي، الطبعة الثالثة، سنة1405هـ روضة الناظر، لموفق الدين بن قدامة، نشر مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، الطبعة الثالثة، سنة 1311هـ 1991م. سنن ابن ماجه، لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، مطبعة دار الكتب العربية. سنن أبي داود، لأبي سليمان بن الأشعث السجستاني، تعليق عزت الدعاس وعادل السيد، الطبعة الأولى، طبع ونشر دار الحديث، بيروت، سنة1391هـ1971م. سنن الترمذي بشرح ابن العربي، دار الكتاب العربي، بيروت. سنن الدارقطني، لعلي بن عمر الدارقطني، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت سنة1414. السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، دار الفكر، بيروت. سير أعلام النبلاء، للذهبي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، سنة 1402. شرح الزركشي على مختصر الخرقي، لمحمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق عبد الله الجبرين، الناشر مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، الرياض، سنة 1413هـ1993م. الشرح الصغير، لأحمد الدردير، نشر وزارة العدل بالإمارات العربية المتحدة 1410هـ. شرح العمدة، لشيخ الإسلام بن تيمية، تحقيق الدكتور سعود العطيشان، الناشرمكتبة العبيكان، الرياض الطبعة الأولى، 1413هـ 1993م. الشرح الكبير، لأبي البركات أحمد الدردير، توزيع دار الفكر، بيروت. شرح مشكل الآثار، للطحاوي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، 1415هـ1994م. الشرح الممتع على زاد المسقنع، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، مؤسسة آسام، الرياض، الطبعة الثانية سنة 1414هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، نشر المكتبة السلفية، المدينة المنورة. شرح منهاج الطالبين، لجلال الدين المحلي، دار الفكر، بيروت. الصحاح، للجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية سنة02 14 هـ1982م صحيح البخاري بشرحه فتح الباري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وشرحه لابن حجر العسقلاني طبع ونشر المطبعة السلفية ومكتباتها، مصر. صحيح البخاري بشرحه عمدة القاري، لبدر الدين العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، إدارة الطباعة المنيرية. صحيح البخاري، الطبعة اليونينيت. وهي النسخة التي صححها الشيخ علي بن محمد الهاشمي اليونيني، والتي قرأها ابن مالك الجياني، دار الجيل، بيروت. صحيح البخاري، نشر وطبع دار الطباعة المنيرية، دمشق. صحيح مسلم بشرح النووي، لمسلم بن الحجاج، مطبعة الشعب، القاهرة. العدة، للقاضي أبي يعلى، تحقيق الدكتور أحمد سير مباركي، الطبعة الثانية، سنة 1410هـ عقد الجواهر الثمينة، تأليف جلال الدين عبد الله بن شاس، تحقيق مجموع من المشايخ، نشر المجمع الإسلامي بجدة، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي، بيروت، سنة1415هـ1995م. العناية (مع فتح القدير) للبابرتي، الطبعة الأولى، مصر، سنة 1389هـ. فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، إشراف الرئاسة العمة لشئون الحرمين مكة المكرمة، طبع إدارة المساحة العسكرية، سنة 1385هـ1965م. الفتاوى البزازية، لمحمد بن محمد بن شهاب المعروف بابن البزاز الكردي الحنفي، بهامش الفتاوى الهندية. الفتاوى الهندية، للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، المطبعة الأميرية، مصر، سنة1399هـ. فتح العزيز شرح الوجيز، للرافعي، الناشر المكتبة السلفية، المدينة المنورة. فتح القدير، للكمال ابن الهمام، الطبعة الأولى، مطبعة الحلبي، مصر، سنة، 1389هـ1970م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 الفروع، لأبي عبد الله محمد بن مفلح، الطبعة الثالثة، عالم الكتب، بيروت، سنة 1388هـ 1967م. الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور وهبة الزحيلي، الطبعة الثانية، طبع ونشر دار الفكر، دمشق، سنة 1405هـ 1967م. القاموس المحيط، للفيروز أبادي، دار الفكر، بيروت. قاموس الموسيقى العربية، للدكتور حسين محفوظ. كشاف القناع، للبهوتي، مكتبة النصر الحديثة، الرياض. كشف الأسرار، لعبد العزيز البخاري، نشردار الكتاب الإسلامي، القاهرة، طبعة بالأوفست. الكوكب الدري المنير في أحكام الذهب والفضة والحرير، لمحمد سعيد الباني، مطبعة المفيد، دمشق، سنة 1349هـ 1931م. اللباب في معرفة الكتاب، للميداني، دار الباز للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، المكتبة العلمية بيروت، سنة 1400هـ1980م. لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت. لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، الطبعة الأولى، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة. ماذا عن المرأة، للدكتور نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، الطبعة الرابعة، 1402هـ1981 المبدع، لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن مفلح، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، سنة 1980م. مجمع الزوائد، للهيثمي، طبعة القاهرة، سنة 1352هـ. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع ابن قاسم العاصمي، نشر مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة مطبعة المساحة العسكرية، القاهرة، سنة 1404هـ. المجموع، للنووي، مع تكملته للسبكي، والمطيعي، الناشر زكريا يوسف، مطبعة الإمام. المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، لابن سيدة، نشر معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، الطبعة الأولى سنة1377 هـ 1958م. المحلى، لابن حزم، الناشر مكتبة الجمهورية العربية، مصر، مطبعة الاتحاد العربي للطباعة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 مختصر اختلاف العلماء، للطحاوي، اختصار أبي بكر الجصاص، طبع ونشر دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية، بيروت، سنة 1416هـ1996م. المخصص، لابن سيده، دار إحياء التراث العربي، بيروت. المدونة، للإمام مالك، رواية سحنون، طبعة بالأوفست. المستدرك على الصحيحين، للحاكم، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند. المستوعب، لنصير الدين محمد بن عبد الله السامري، تحقيق مساعد بن قاسم الفالح، مكتبة المطلع على أبواب المقنع، للبعلي، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، دمشق سنة 1385هـ1965م. المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، سنة 1413هـ 1993م. معجم المصطلحات في الألفاظ الفقهية، للدكتور محمود عبد الرحمن عبد المنعم، دار الفضيلة للنشر، القاهرة. طبع دار النصر، القاهرة. مسند الإمام أحمد، تحقيق أحمد شاكر، نشر دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، مطبعة دار المعارف، مصر سنة 1369هـ1950م. مسند الإمام أحمد مع الفتح الرباني، ترتيب أحمد الساعاتي، طبعة دار العلم، جدة. مسند الإمام أحمد تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1413هـ 1993م. مسند الإمام أحمد، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت، سنة 1413هـ1993م. مشارق الأنوار على صحيح الآثار، للقاضي عياض، طبع ونشر المكتبة العتيقة، تونس، دار التراث القاهرة. المصباح المنير، لأحمد بن علي المقري، مطبعة الحلبي، مصر. مصنف ابن أبي شيبة، لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق سعيد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1409هـ 1989م. المصنف، لعبد الرزاق الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي. المعتمد، لأبي الحسين البصري المعتزلي، المعهد العلمي الفرنسي، دمشق، سنة 1384هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 المعجم الأوسط، للطبراني، نشر دار الحرمين، القاهرة، سنة، طبع سنة 1415هـ. المعجم الصغير، للطبراني، المكتب الإسلامي، تحقيق محمد شكور، دار عمار، بيروت، عمان، الطبعة الأولى، سنة 1405هـ. معجم مقاييس اللغة، لأحمد بن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت. المعجم الكبير، للطبراني، تحقيق حمدي السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، الطبعة الثانية سنة 1404هـ. المغرب، لأبي الفتح ناصر بن عبد السيد المطرزي، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت. المغني، لموفق الدين ابن قدامة، تحقيق الدكتور عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، الطبعة الأولى، مطبعة هجر، القاهرة، سنة 1409هـ1989م. مغني المحتاج، لمحمد الشربيني، طبع ونشر شركة الحلبي المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، دار المعرفة، بيروت. ميزان الاعتدال، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الذهبي، تحقيق علي البجاوي، مطبعة الحلبي. المنتقى من الأخبار بشرح نيل الأوطار، المنتقى لمجد الدين عبد السلام بن تيمية، ونيل الأوطار للشوكلني، دار الجيل، بيروت، دار الحديث، القاهرة. المنتقى، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، الطبعة الثانية، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة. مواهب الجليل، للحطاب، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة، مصر، سنة 1329هـ. الموطأ، للإمام مالك، نشر دار الحديث،، القاهرة، طبع دار الحرمين، القاهرة. الموسوعة الفقهية، إصدار وزارة الأوقاف الكويتية، نشر مكتبة آلاء، الكويت، مطبعة ذات السلاسلا الكويت سنة 1412هـ1992م. المهذب، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، دار الفكر. ميزان الاعتدال، للذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، مطبعة البابي الحلبي. نزهة الخاطر العاطر، لعبد القادر بن أحمد بن بدران. (بحاشية روضة الناظر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 نهاية المحتاج، للرملي، الطبعة الأخيرة، شركة الحلبي، مصر، 1399هـ1967م. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، تحقيق محمود الطناحي، وطاهر الزواوي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، 1399هـ1979م. الهداية شرح بداية المبتدي، لبرهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني، (مع فتح القدير) . الوجيز، لأبي حامد الغزالي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، سنة1399هـ1979م. المرجع الأجنبي: 129 - De Soete D. ,Gijbels R. , and Hoste J. , “Neutron Activation Analysis ” Wiley – Interscience, 1972. 130 - Kaplan I., “Nuclear Physics “ ,2 nd “ ed, Addison Wesley, 1977. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 نظرة فقهية للإرشاد الجيني د. ناصر بن عبد الله الميمان الأستاذ المساعد بقسم الشريعة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة أم القرى ملخص البحث أدت الاكتشافات الحديثة إلى أن أنسجة جسم الإنسان مكونة من خلايا، وكل خلية تحوي المادة الإرثية التي لا يشاركه فيها إنسان آخر. وقد أدى تفسير تركيب المادة الوراثية إلى إحراز تقدم علمي في التشخيص المخبري للأمراض الوراثية، وأمكن توفير طرق عدة لإجراء الفحوص الوقائية من الأمراض، ومنها: 1– المسح الوراثي الوقائي. 2– التشخيص قبل الزواج. 3– التشخيص قبل زرع النطفة بعد الإخصاب خارج الرحم. 4– التشخيص في أثناء الحمل. ولهذه الطرق فوائد ومحاذير: أولاً فوائدها: 1 – الحد من اقتران حاملي المورثات المعتلة. 2– إثراء المعرفة. 3– الاكتشاف المبكر للمرض. 4– تقليل مساحة المرض داخل المجتمع. ثانياً محاذيرها: 1 – أن مفاهيم الجينيوم البشري وحقائقه غير واضحة المعالم. 2– عدم قطعية نتائج الفحوصات في كثير من الحالات. 3– الفحوصات المخبرية لا يمكن أن تحدد مدى الإصابة. وبحثنا هذا يحاول تسليط الضوء على هذه الطرق، وبيان الحكم الشرعي لها. التكييف الفقهي إن التكييف الفقهي لهذه النازلة يستند إلى أربعة مداخل رئيسة: الأول: القواعد الفقهية: وذلك من خلال القواعد التالية: 1– المشقَّة تجلب التيسير. 2– درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. 3– الأصل براءة الذمة. 4- الدفع أولى من الرفع. 5– يختار أهون الشرين وأضعف الضررين. 6– يحتمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام. الثاني: الاعتبار الشرعي للمصلحة المرسلة. الثالث: اعتبار المقاصد الشرعية في الأحكام. الرابع: اعتبار مآلات الأحكام. الحكم الفقهي أ – حكم المسح الوراثي الوقائي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 بناء على المصلحة المرسلة، ومقاصد الشريعة، وقواعد الشرع، يمكن القول بجواز هذا النوع، بشرط أن تكون الوسائل المستعملة مباحة وآمنة، ويجوز الإجبار عليه إذا انتشر الوباء في بلد بشروطه. ب – حكم الإرشاد الجيني قبل الزواج: استناداً على الفوائد المترتبة على هذه الوسيلة فإن عمل هذا الفحص جائز بشروطه، ويجب في حالات معينة، ولا يجوز القول بوجوبه مطلقاً؛ لما فيه من إيجاب حق لم يأت به الشرع. ج – حكم التشخيص قبل زرع النطفة: سبق أن أجاب الفقهاء بجواز هذه الطريقة للضرورة القصوى، وذلك في حكم طفل الأنابيب، لكن لا يمكننا القول بجوازها في الفحوص الوراثية لأنها ليست ضرورة في الوقت الحاضر. د – حكم الفحص أثناء الحمل: نرى جوازها بناء على ما تحققه من محافظة على مقاصد الشريعة، أما الإجبار عليها فيجوز إذا وجدت قرائن ظنيَّة باحتمال وجود المرض الوراثي. • • • مقدمة: الحمد لله الذي هدانا إلى الحمد إبقاء على نعمائه، وجعل لنا الشكر سياجا لمسارح آلائه. نحمده حق حمد نستديم به نعمته ونستزيد به فضله وعزته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد: فنحن على أعتاب الألفية الثالثة، وفي مطلع قرن ميلادي جديد يشهد العالم اليوم العديد من المتغيرات والمستجدات في جميع مجالات الحياة، اقتصادا وثقافة وسياسة، تعود في مجملها إلى ثورة علمية كبرى. وإذا كانت بدايات هذا القرن مشوبة بالثورات والحروب السياسية، فإن القرن القادم هو قرن الحروب العلمية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 ومن بين أهم المتغيرات التي يشهدها هذا العصر التطور العلمي الحديث الحاصل في حقل العلوم الوراثية، وفي مجال الجينيوم البشري والهندسة الوراثية على الخصوص، والتي اتسع مجال تطبيقاتها بشكل كبير، فأصبحت تشمل الإنسان والنبات والحيوان، بل أصبح في الإمكان أن تتدخل في تكييف نوعية الإنسان وعلاجه وغذائه. ومن هنا كان لابد للأخلاق والدين أن يتدخلا بالعمل على تقنين هذه الثورة ووضع حدود لها، لتكوِّن قنوات تصفية تُمِرُّ من خلالها ما يعود بالنفع للبشرية وتحجز ما يخلُّ بأمن البشر وحياتهم واستقرارهم. وفي حال انعدام هذه الرقابة، فلاشك أن الحياة على هذه الأرض ستكون مهددة بأنواع من الويلات والشرور مصدرها الإنسان نفسه. وتتمثل الرقابة الدينية والأخلاقية لهذا الموضوع في استحداث الأحكام الفقهية التي تحدد حكم هذه المستجدات في الحياة البشرية. وإن هذا الاستحداث يجب أن ينبني على أسس الدين ومقاصده العامة، كما يجب أن يكون محكوما بخصائص الوقائع المستجدة وعناصرها العينية فيما ينبني عليه من صورة، وفيما تؤدي إليه من أثر فيه صلاح أو فساد. ولا يجدي في هذا السبيل إسقاط الفتاوى المستحدثة لوقائع وأوضاع سابقة بل ولا الفتاوى المستحدثة لوقائع وأوضاع راهنة، بل تستحدث كل ظاهرة متميزة أحكامها الخاصة بها، بناء على تميزها، وذلك لأن "الواقع كل صورة من صوره النازلة نازلة مستأنفة في نفسها لم يتقدم لها نظير، وإن تقدم لها في الأمر نفسه فلم يتقدم لنا، فلابد من النظر فيها بالاجتهاد لاستحداث الحكم الشرعي الذي يناسبها" (1) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 وكلما تعقد واقع الحياة، وتشعبت علاقات الناس ببعضهم وعلاقاتهم ببيئاتهم، كلما تكاثرت النوازل المستأنفة، والصور الجديدة، إما تولداً من ذات المجتمع المعين، أو انفعالاً بمجتمعات أخرى، وهو ما يكون مدعاة لتكثيف النظر الاجتهادي بقصد تغطية كل صورة مستجدة بحكم شرعي يناسبها، في سبيل أن تنمو الحياة الإسلامية على هدي من الدين، دون أن يؤدي زخم التنامي المتسارع في شعب الحياة إلى الانفلات عن أحكام الشرع، وحتى تجد الأمة الإسلامية لمستأنفات نوازلها التي تجد عليها من اتصالها بحضارة الغرب ما يرشدها من أحكام شرعية، تكون مستهدية بأصول الدين ومقاصده، مبنية على ما تضمره تلك المستأنفات من مصالح ومن مفاسد. مدخل: في كثير من الأحيان عندما يراد تطبيق الأحكام الشرعية على الأوضاع الواقعية العينية، تواجه المسلم مشكلة التوفيق بين منطقية الفقه المجرد ومنطقية الواقع الجاري؛ إذ هذا الواقع قد تطرأ على عناصره من الملابسات، ما تصير به بعض أفعال الإنسان مؤدية لو أجريت بحسب الحكم الفقهي المجرد إلى إلحاق ضرر به في ناحية أخرى من نواحي حياته، قد يكون أبلغ من النفع الذي يحصل بذلك الإجراء، بسبب من ملابسات يقتضيها المنطق الذاتي لمجريات الأحداث الواقعية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 "وفي سبيل التوفيق بين الأحكام المجردة، والوقائع الجارية، بما يدفع حياة المسلم إلى ما يحقق المصلحة ويدرأ المفسدة، ينبغي صياغة الأحكام، بالنسبة لكل وضع واقعي مخصوص صياغة يؤخذ فيها بعين الاعتبار انعكاساته على مختلف جوانب ذلك الوضع، فإن واقع الحياة من طبيعته التفاعل المستمر بين عناصره المختلفة، فما هو اقتصادي يؤثر فيما هو اجتماعي، ويتأثر به، وكذلك الأمر بالنسبة لكل المجالات الأخرى. وقد تحصل للإنسان مصلحة في جانب من جوانب حياته، إلا أنها تكون مجحفة بجانب آخر، فتؤدي فيه إلى ضرر، ولذلك فإن المعيار النهائي للمصلحة هو غلبة النفع على الضرر، بعد التقويم العام لما يؤول إليه فعل ما، بحيث تتكامل المصلحة فيه، فيما يشبه تحوط الصيدلاني في صناعة الدواء من أن تكون لدوائه مضاعفات تلحق ببعض أجهزة الجسم ضرراً قد يفوق ما يحققه من شفاء من الداء المراد علاجه بحيث يجعله ذلك التحوط يعمل على تحقيق التكامل الإيجابي لآثار ذلك الدواء في جسم المريض" (1) . ... وإن زحمة الطوارئ في واقع الحياة لطبيعتها المتقلبة كثيرٌ ما تغري في سبيل استعجال الحلول الشرعية المناسبة لها بتناسي الأطر والأصول التي يجب أن تتنزل فيها تلك الحلول، فيأتي بعضها مناقضاً للمصلحة من جوانب أخرى. ... لذا فلابد من التصور العلمي الصحيح للحادثة والقراءة المتأنية لجميع أبعادها ودراسة تفاعل هذه العناصر بعضها مع بعض، وأثر ذلك على واقع الحياة البشرية، ثم بعد هذا كله إعطاء الحكم للنازلة، حتى تخرج الفتوى في صورة متكاملة في النظرة، منسجمة مع أدلة الشرع ومقاصده، محققة للمصلحة. التصور الطبي لمفهوم الوراثة (2) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 .. أدَّت الاكتشافات الحديثة، واختراع المجهر إلى تبين أن أنسجة الجسم مكونة من خلايا، وكل خلية تحتضن نواة هي المسئولة عن حياة الخلية ووظيفتها، كما بينت هذه الاكتشافات الحديثة أن النواة في كل خلية تحوي المادة الإرثية بداية من الخواص التي تجمع بين الجنس البشري، وانتهاء بالتفصيلات التي تختص بالفرد فلا يشاركه فيها آخر، منذ خلق الإنسانية إلى انتهائها. ... وتسكن المادة الوراثية كشبكية ملتفة في نواة الخلية، وتتكون من أجسام صغيرة جداً يسميها العلماء: الصبغيات CHROMOSOMES أو (الكروموزمات) وهي تراكيب تشبه الخيوط في نواة الخلية حينما تكون على وشك الانقسام ويوجد في كل خلية من خلايا الجسم الإنساني 46 صبغاً (كروموزوما) وهي على صورة ثلاثة وعشرين زوجاً: فرد من الأب وفرد من الأم، وقد تمكن العلماء من التعرف على هذه الأجسام الصغيرة، وترتيبها حسب تسلسلها، ابتداء من الزوج الأول وانتهاء بالزوج الثالث والعشرين. وتنقسم الكروموزمات إلى مجموعتين: إحداهما: الكروموزمات الذاتية، وهي (22) زوجاً تتشابه تشابهاً تاماً في كل من الذكر والأنثى وهي التي تؤثر في الصفات الجسدية، كطول القامة ولون الشعر ولون العين ولون البشرة، والقابلية للأمراض. والمجموعة الثانية: هي الكروموزمات الجنسية، وعددها زوج واحد، وهو متماثل في الأنثى يسمى: كروموزوم س X، بينما يختلف هذا الزوج في الذكر، ففرد من هذا الزوج يسمى: كروموزوم X وهو مماثل لكروموزوم X الموجود عند الأنثى، والفرد الآخر الأقصر يسمى: كروموزوم صY (1) . والكروموزومات الجنسية هي المسئولة عن الصفات الجنسية وبينت البحوث العلمية أن العوامل الوراثية تنتقل من خلية إلى خلية أخرى أثناء الانقسام الخلوي. والانقسام الخلوي يتنوع إلى نوعين: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 أحدهما: ... الانقسام الخيطي، أي الفتيلي، أو غير المباشر، وهو يؤدي إلى إيجاد خلية تماثل الخلية السابقة، الخلية الأم، وتحتوي نفس عدد الكروموزمات، أي: (46) كروموزماً. وهذا النوع من الانقسام الخلوي يحدث في كل خلايا الجسم الإنساني عدا الخلايا الجنسية أثناء النمو، والتئام الجروح، وتعويض الفاقد. والثاني: الانقسام الاختزالي، وهو يؤدي إلى إنتاج خلايا مختلفة عن الخلايا الأم، وبه يتم اختزال الكروموزمات ال (46) إلى نصفها، وهو: (23) كروموزوما. وهذا النوع من الانقسام يحدث أثناء تكوين الأمشاج في كل من خصية الرجل ومبيض الأنثى، ولهذا فإن النواة في كل من البيضة والحيوان المنوي تحتوي العدد النصفي من الكروموزمات، فإذا تم تلقيح البيضة بالحيوان المنوي فإن الخلية الناتجة، أي الملقحة أو المخصبة تكون النواة فيها محتوية للعدد الكامل للكروموزمات وهو: (23) زوجاً، أي: (46) كروموزماً (1) . ما هو الجين؟ يتكون الكروموزوم (الصبغ) من سلسلتين من الحامض النووي يرمز له باسم: (DNA) أو الدَّنا تلتفان على بعضهما البعض بشكل حلزوني وتكوِّنان لولباً مزدوجاً. ويقدر مجموع (DNA) في كل خلية بشرية على شكل شريط كاسيت طوله (2800) كم. والجين (المورِّث) هو جزء من هذا الحامض النووي الموجود في الكروموزوم تقدَّر نسبته بما يعادل (70%) من طول الدنا (DNA) فقط، ويختص بحمل المعلومات الوراثية. أما البقية الباقية من الدنا فلا يزال علماء الوراثة يجهلون وظيفتها. ويتكون الجين (المورِّث) من مجموعة كبيرة من النيكلوتيدات مرتبة ترتيباً خاصاً ضمن سلسلة الدنا، ومنها ما يصل عددها في الجين الواحد إلى (2000) نيكلوتيده تقريباً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 ويتحكم الجين كما أسلفت في الصفات الوراثية من طول الجسم وقصره وشكله ولونه، بل ونبرة الصوت ولون العين، وحدَّة شمِّ الأنف، وغير ذلك. وكذا الإصابة بالمرض الوراثي، ويشترك في إبراز كل صفة من الصفات جينات متعددة. ويعتقد الباحثون أن عدد الجينات (المورِّثات) في كل خلية من خلايا الجسم يتراوح ما بين (60.000-70.000) لكن ما يعمل منها عدد محدود في كل خلية حسب حاجة الخلية وتركيبها. كما وجد الباحثون أن (20%) من الجينات (المورِّثات) تقريباً تعمل في كل الخلايا لأنها تقوم بالوظائف الحيوية المهمة للخلية، فيما تختلف ال (80%) الباقية حسب الوظيفة والموقع والزمن. يقول البروفيسور دانيال كوهن: "ما نعرفه تماماً أن ما يمكننا قراءته واستيعابه علمياً حتى الآن تقدر نسبته ب1% من الدنا (DNA) ما هو فعال في جسم الإنسان فيقدر ب (5-10%) منه في الوقت الذي تبقى فيه النسب المتبقية (90-95%) قيد الفرضيات" (1) . مشروع الجينوم البشري: اجتاز علماء الوراثة مراحل كبيرة في معرفة الجينوم البشري، والكشف عن أسراره، وفي كل يوم تطالعنا المجلات العلمية وشبكات المعلومات والصحف بالمستجدات في هذا المجال فلا نزال نسمع الجديد عن عدد هذه الجينات، وموقع كل واحد منها على الخريطة الجينومية، ومهمته التي يقوم بها، والخطر المحدق بالإنسان عند نقصه أو فقده. ولأهمية هذا الموضوع ظهر على السطح مشروع الجينوم البشري، وهو مشروع ضخم تتعاون فيه الدول الكبرى الغنية وتتبادل فيه المعلومات لتحديد موقع كل جين، وفك الشفرة الخاصة به. وتبلغ تكلفة هذا المشروع ثلاثة آلاف مليون دولار، وابتدئ في تنفيذه عام 1990م، وسيتم الانتهاء منه بإذن الله في حدود عام 2005م، ومن فوائد هذا المشروع المتوقعة: 1 معرفة أسباب الأمراض الوراثية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 2 معرفة التركيب الوراثي لأي إنسان بما في ذلك القابلية لحدوث أمراض معينة كضغط الدم والنوبات القلبية والسكر والسرطانات وغيرها. 3 العلاج الجيني للأمراض الوراثية. 4 إنتاج مواد بيولوجية وهرمونات يحتاجها جسم الإنسان للنمو والعلاج (1) . طرق الإرشاد الجيني مدخل: من خلال التقدم العلمي الحاصل في علوم الوراثة وفي مجال التقنية البيولوجية فقد تم الكشف عن الأسس المرضية لأمراض الوراثة. وتنقسم الأمراض الوراثية استناداً إلى مسبباتها على النحو التالي: (1) اعتلالات تركيبية أو عددية تحدث للصبغيات نتيجة لحيودها عن عددها المعروف بست وأربعين صبغة في الخلية لدى الإنسان. (2) اعتلالات المورِّثة المفردة وهي مجموعة من الأمراض الوراثية التي تنتشر وتتكاثر في مناطق معينة في مجموعة عرقية معينة، ويتم توارث هذه الأمراض الوراثية من خلال اقتران حامليها كنمط وراثي محدد. (3) الأمراض عديدة المسببات وهذه الأمراض تحدث نتيجة تفاعل عوامل عدة وراثية وبيئية. ... كما أمكن تحديد بعض الأسباب الرئيسية للأمراض الوراثية وهي كما يلي: (1) مورِّثات معتلة يتوارثها الأبناء عن الآباء. (2) طفرات ناتجة عن: ... أالتعرض لأشعة: إكس. ... ... ب التعرض للأشعة فوق البنفسجية. ... ج التعرض للكيماويات. ... ... د بعض العقاقير. ... هـ عوامل بيئية. ... ... ... وتأخير سن الإنجاب. ... ز الإصابة بالفيروسات. ... ... ح طفرات ذاتية (2) . وبحلول عام 1994م استطاع العلماء حصر الأمراض الوراثية المنتقلة عبر جين واحد ب (6678) مرضاً، ولازالت قائمة هذه الأمراض تزداد يومياً باكتشاف المزيد منها بسبب تسارع البحث العلمي في مجال الجينات. بيان الطرق (3) : الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 لقد أدى تفسير تركيب المادة الوراثية إلى إحراز تقدم علمي ملحوظ في مجال التشخيص المخبري للأمراض الوراثية، وأمكن توفير وسائل وطرق عدَّة ترقى إلى نسبة عالية من الدقة وتشمل خيارات متعددة لا جراء الفحوص والوقاية منها في مراحل مختلفة من العمر، وفيما يلي نذكر بعضاً من هذه الطرق مع بيان فوائد ومساوئ كل طريقة منها: أولا: المسح الوراثي الوقائي (1) : ويتمثل هذا في تشخيص الأمراض الوراثية على نطاق واسع من المجتمع في مراحل مختلفة من العمر باستخلاص عينة دم للتشخيص الوراثي. فوائده: يهدف هذا المسح إلى الحدِّ من اقتران حاملي المورِّثات المعتلة، وبالتالي الحدِّ من الولادات المصابة بالمرض. ثانيا: التشخيص قبل الزواج: والمقصود به معرفة الحاملين لأمراض وراثية في مجموعة عرقية معينة أو في بلد معين حتى يتجنب ظهور الأمراض الوراثية. ويكتشف المرض بواسطة تحليل الدم والرَّحَلاَن الكهربائي، وكلفتها محدودة وإجراؤه قبل الزواج ممكن (2) . فوائده: تظهر فوائد إجراء الفحص الطبي قبل الزواج إلى تقليل عدد المصابين بكثير من الأمراض الشائعة في المجتمع كالتلاسيميا أو المنجلية إما بعدم تزاوج حاملي الجين أو إجراء الفحوصات عند الرغبة في الإنجاب، وكلفتها محدودة مقدور عليها. عيوبه: (1) إيهام الناس أن إجراء الفحص الطبي سيقيهم من الأمراض الوراثية، وهذا غير صحيح لأن الفحص الطبي الوراثي لا يبحث سوى انتشار مرض واحد أو اثنين في مجتمع معين، لذا فمن المستحيل أن يستطيع أحد القول بأن الفحص الطبي قبل الزواج سيؤدي إلى ذرية سليمة مائة بالمائة. (2) عدم التحكم في سرية نتائج الفحوصات وبالتالي يحدث أضراراً بأصحابها بعدم قيام شركات التأمين بالتأمين على المصابين في الجينات أو بمضاعفة المبالغ المطلوبة منهم، وفي ذلك ظلم لهؤلاء الأشخاص الذين لم يكن لهم يد في تكوينهم وحملهم لهذه الصفات الوراثية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 (3) تأثيرات ذلك الفحص على إحجام الشباب وعزوفهم عن الزواج وخاصة عند ظهور صفة وراثية غير مرغوب فيها في أحد الخاطبين وانتشار ذلك بين الناس مما يحدث مشاكل اجتماعية ونفسية لا تحمد عقباها. والخلاصة أن الفحص الطبي قبل الزواج المتعلق بالأمراض الوراثية سيؤدي إلى مساوئ كثيرة منها التعدِّي على الحرية الشخصية، كما يسبب مشاكل مالية ونفسية، منها التمييز العنصري في مجال التوظيف والزواج وتكليف الإنسان مبالغ كبيرة في شئ ليس مسؤولاً عنه، ولا يد له فيه (1) . ثالثا: التشخيص قبل زرع النطفة بعد الإخصاب خارج الرحم (الفحص قبل الانغراز) : وتتميز هذه الطريقة بأنها تتجنب الإجهاض وهو أمر مرفوض شرعاً. وأما عيوبها: (1) أنها باهظة التكاليف. (2) أنها تعرض الزوجين للكشف عن العورة المغلظة. (3) أنها ترهق الأسرة وتعطل أعمالها. (4) أن هذا الفحص غير متوفر إلا في مراكز محدودة في العالم (2) . رابعا: التشخيص في أثناء الحمل: (أ) بواسطة الزغبات المشيمية: ويتم إجراؤه في الأسبوع السابع والثامن إما عن طريق المِهْبَل أو عن طريق البطن بالاستعانة بالموجات فوق الصوتية، بفحص خلايا الزغبات المشيمية لأي خلل كروموزومي أو لمعرفة المرض الوراثي المحتمل حدوثه. وميزة هذا الفحص أنه يتم في فترة مبكرة من الحمل وبالتالي يمكن أن يتم الإجهاض لمن يسمح بالإجهاض قبل نفخ الروح في حالة وجود مرض خطير. (ب) إزالة السائل الأمينوسي وفحصه: عند وجود مرض وراثي في الأسرة أو عند وجود خلل كروموزومي في ولادة سابقة أو عندما تكون المرأة الحامل قد تجاوزت الخامسة والثلاثين. ويتم ذلك بسحب السائل بالجنين في الأسبوع الخامس عشر من الحمل. وميزة هذا الفحص: سهولته ويسره وتوفره في معظم دول العالم. وعيوبه: أنه يتم في مرحلة متأخرة من الحمل نسبياً بحيث لا يسمح بالإجهاض بأي حال من الأحوال. (ج) فحص دم الجنين: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 ويتم إجراؤه بأخذ عينة من دم الجنين من الحبل السري وبذلك يتمكن من معرفة العديد من الأمراض الوراثية والاستقلالية. وميزته: أنه يتم بسهولة ويسر ونسبة حدوث المضاعفات فيه قليلة. وعيبه: أنه يتم إجراؤه في الأشهر الأخيرة وبالتالي فلا فائدة منه في إتاحة فرصة الإجهاض لمن كانت تحمل جنيناً مشوهاً. فوائد الإرشاد الجيني: خلاصة لجميع ما تقدم من بيان طرق الإرشاد الجيني، وإيجابيات كل طريقة وسلبياتها، يظهر لنا أن من أهم فوائد الإرشاد الجيني ما يلي: 1 الحد من اقتران حاملي المورِّثات المعتلة، وبالتالي الحد من الولادات المصابة بالمرض الوراثي، وفي ذلك تحقيق لمبدأ الوقاية الصحية المطلوب شرعاً، كما دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة. 2 إثراء المعرفة العلمية عن طريق التعرف على المكونات الوراثية وتفسيرات وظائفها في حالات الصحة والمرض، ومعرفة أساسيات الاعتلالات المرضية ونمط حيودها. 3 الاكتشاف المبكر للمرض، ومن ثم التمكن من منع وقوعه أصلاً، أو المبادرة لعلاجه أو التخفيف منه قبل تفاقمه وانتشاره وذلك بفضل الإرشاد الجيني. 4 تقليل مساحة المرض داخل المجتمع بنشر الوعي الصحي عن طريق الاستشارة الوراثية والإرشاد الجيني (1) . محاذير الإرشاد الجيني: يمكن تلخيص أهم محاذير الإرشاد الجيني في النقاط التالية: 1 أن كثيراً من مفاهيم الجينوم البشري وحقائقه غير واضحة المعالم، ومازال الغموض يكتنف كثيراً من ماهيتها. 2 أن نتائج الفحوصات الجينية ليست قطعية في كثير من الحالات، ومعظم الأمراض ناتجة عن تفاعل أمراض تتفاعل فيها البيئة ونمط الحياة مع النمط الوراثي الجيني. 3 أن الفحوصات المخبرية الجينية لا يمكن أن تحدد وتثبت مدى الإصابة بهذه الأمراض على الرغم من التقدم الحاصل فيها، وإذا حدث المرض لا تدل على قوته من ضعفه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 4 أن الكثير من الأمراض الوراثية المعروفة لا تنتج بسبب الوراثة من الوالدين وإنما بسبب عوامل أخرى مثل الطفرات الجينية التي تحدث في البييضة، أو الحيوان المنوي، أو البيضة الملحقة. 5 أن الفحوصات الجينية يكتنفها بعض المشاكل الأخلاقية والاجتماعية والنفسية والمالية التي يمكن اغتفارها لو كانت المصلحة المتحققة منها أعظم من هذه المشاكل (1) . 6 – أن الأمراض الوراثية نسبة وجودها لبقية الأمراض تعتبر نسبة نادرة. وفي ضوء هذه السلبيات والإيجابيات الحاصلة في الإرشاد الجيني وما يترتب عليها من المصالح والمفاسد التي تنعكس على حياة الناس في جميع مناحيها الاقتصادية والشخصية والاجتماعية والنفسية من جراء خضوعهم لهذا الإرشاد، فإنه يمكن أن نضع التكييف الفقهي للمسألة بعد دراسة ومراجعة الأصول والقواعد الشرعية المتعلقة بهذه النازلة. التكييف الفقهي ... إن التكييف الفقهي لهذه النازلة العصرية يمكن إنتاجه بعد التأمل في أربعة مداخل رئيسة، وذلك بإدارتها على جانبي السلب والإيجاب: الأول: القواعد الفقهية: وذلك من خلال القواعد التالية: (1) المشقَّة تجلبُ التيسير. ... وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة ومعناها: أن أحكام الشريعة كلها مبنية على التيسير ومصالح العباد، فلا يكلف الشارع ابتداء العباد بما يشق عليهم ويوقعهم في الحرج، ثم إن أي حكم شرعي ينشأ من تطبيقه مشقة وحرج على المكلف في نفسه أو ماله فإن الشريعة تخففه بما يقع تحت قدرته من دون عسر أو إحراج (2) . (2) درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. ... ومعنى القاعدة أنه: إذا اجتمع في أمر من الأمور مفسدة ومصلحة، فإن دفع المفسدة أولى من تحصيل المصلحة لأن المفسدة منهي عنها والمصلحة مأمور بها، وعناية الشريعة بترك المنهيات أشد من عنايتها بفعل المأمورات (3) . (3) الأصل براءة الذمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 .. ومعناها: أن الأمر المتيقن هو أن الإنسان خلق خالياً من المسؤوليات والالتزامات، أو حقوق الآخرين فلا تشغل ذمته بأي حق أو التزام إلا بدليل أو بينة. ... قال العز ابن عبد السلام (ت 660هـ) : "الأصل براءة ذمته من الحقوق وبراءة جسده من القصاص والحدود والتعزيرات وبراءته من الانتساب إلى شخص معين، ومن الأقوال كلها والأفعال بأسرها" (1) . ... وعلى هذا يحكم بيقين انتفاء الأحكام وبراءة الذمة من التكاليف الشرعية، قبل مجيء الشرع وبعد مجيئه أيضاً عند عدم الدليل الشرعي، إذ يلجأ إليه المجتهد عند عدم وجود الأدلة. (4) الدفع أولى من الرفع. ... ومعناها: أنه إذا أمكن رفع الضرر قبل وقوعه، فهذا أولى وأسهل من رفعه بعد الوقوع (2) . (5) يختار أهون الشرين وأضعف الضررين ... الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ... إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما (3) . ... هذه القواعد الثلاث ذات معنى واحد تقريباً مفاده: أن الأمر إذا دار بين ضررين أحدهما أشد من الآخر فيتحمل الضرر الأخف ولا يرتكب الأشد. ... ويمكن أن يعبر عنه بأسلوب آخر وهو: أن من ابتلي ببليتين وهما متساويتان يأخذ بأيتهما شاء، وإن اختلفتا يختار أهونهما، لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة في حق الزيادة. (6) يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام. ... ... إذا اجتمع في أمر من الأمور ضرران أحدهما عام والآخر خاص، فإنه يجوز ارتكاب الضرر الخاص، بل يحمل عليه الإنسان في بعض الصور وذلك لدفع الضرر العام على الناس لأن الضرر الخاص أهون من الضرر العام (4) . الثاني: الاعتبار الشرعي للمصلحة المرسلة: ... إن المصالح والمفاسد التي تعتبر مقياساً للأمر والنهي في الشرع الإسلامي هي التي تتفق أو تتنافى مع مقاصد الشريعة. ... أول مقاصد الشريعة صيانة الأركان الخمسة الضرورية للحياة البشرية وهي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 1 الدين ... 2 والنفس ... 3 والعقل ... 4 والنسل ... 5 والمال ... وقد قسم الفقهاء رحمهم الله الأمور التي تعد من المصالح بالنظر الشرعي، بحسب دلائل نصوص الشريعة وأحكامها إلى ثلاثة أقسام: الأول: الضروريات: وهي الأمور التي تتوقف عليها صيانة الأركان الخمسة من أعمال وتصرفات وتدابير وأشياء وما إليها. الثاني: الحاجيات: وهي الأعمال والتصرفات التي لا تتوقف عليها صيانة تلك الأركان الخمسة، ولكنها تتطلبها الحاجة لأجل التوسعة ورفع الحرج. الثالث: التكميليات أو الكماليات أو التحسينات: وهي التي لا تتحرج الحياة بتركها ولكن مراعاتها من مكارم الأخلاق، أو من محاسن العادات، فهي من قبيل استكمال ما يليق والتنزه عما لا يليق. ... وعلى هذا فالأحكام التي شرعت لصيانة الأركان الضرورية هي أهم الأحكام وأحقها بالمراعاة، وتليها الأحكام المشروعة لضمان الحاجيات، ثم الأحكام المشروعة للتحسين والتكميل. ... ولا يراعى حكم تحسيني إذا كان في مراعاته إخلال بما هو ضروري أو حاجي ولا يراعى حكم حاجي إذا كانت مراعاته تخل بالضروري، لأن الفرع لا يراعى إذا كان في مراعاته والمحافظة عليه تفريط في الأصل. ... هذه هي الأسس التي يعتبرها الشرع الإسلامي في وزن المصالح المرسلة أنواعاً ودرجات، وهي ترسم مقاصد الشريعة كما تدل عليه دلائل نصوصها في شتى الموضوعات والقضايا والأحكام. فكل ما يؤيد هذه المقاصد الشرعية ويساعد على تحقيقها فهو مصلحة مطلوبة طلباً قوياً أو ضعيفاً بحسب موقعها من تلك الأقسام الكلية الثلاثة، وكل ما ينافيها فهو مفسدة ممنوعة منعاً شديداً أو ضعيفاً بحسب نوع المقصد الشرعي الذي تخل به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 .. ومن المسلم أن كل أمر من الأمور فيه جهة نفع وجهة ضرر متعادلتان أو متفاوتتان. فإذا كانت جهة النفع في الشيء هي الغالبة فهو مصلحة، وإن اشتمل على ضرر مغلوب، وإن كانت جهة الضرر هي الغالبة فهو مفسدة، وإن اشتمل على نفع مغلوب، ولذا كان الفعل ذو الوجهين منسوباً إلى الجهة الراجحة فيه من مصلحة أو مفسدة. ... وعلى هذا فكل شئ أو فعل إنما يكون مشروعاً أو ممنوعاً بحسب رجحان نفعه أو رجحان ضرره، وتقدير ذلك إلى نظر المجتهد. ... ومن المقرر في هذه الحال أن الجهة المرجوحة المغلوبة من نفع أو ضرر غير مقصودة للشارع في أوامره ونواهيه، بل هي متغاضى عنها في سبيل الجهة الراجحة. ... ومن المقرر أيضاً أن المصالح التي يعتبرها الشرع ويرعاها لا عبرة بكونها موافقة لأهواء المكلفين وشهواتهم أو مخالفة، وإنما هي ما يقيم شأن الدنيا على أن تكون جسراً للآخرة فتبني حياة صالحة فاضلة متعاونة على الخير والبر (1) . ... وقد أوضح الإمام الشاطبي هذا المعنى وقال: "وهذا النظر كله أساسه كون المصالح مشروعة لإقامة هذه الدنيا لا لنيل الشهوات ولا لإجابة داعي الهوى" (2) . الثالث: اعتبار المقاصد الشرعية في الأحكام: ... لكل حكم من الأحكام الدينية مقصد يهدف إلى تحقيقه في حياة الناس، وبتحققه في الواقع تتحقق للإنسان منفعة، أو تدرأ عنه مفسدة، راجعة إلى الأصول الخمسة التي تقدم ذكرها قبل قليل. ... والرابطة بين الحكم وبين مقصده هي: رابطة تلازم على مستوى التجريد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 .. إلا أن مقاصد الأحكام وإن كانت لازمة لها في ذاتها لزوماً منطقياً مجرداً، فإن وقوع الأحكام على عين الأفعال في الواقع لا يلازمه بالضرورة المطردة حصول المقاصد منها، لأن أفعال الإنسان العينية في واقعها الزمني قد تحف بها ملابسات وأعراض تحول دون تحقيقها للمقاصد من الأحكام التي أجريت عليها فتطبق حينئذ الأحكام على مجريات الأحداث وتتخلف المقاصد التي من أجلها وضعت. ... ولذلك فإن اعتبار المقاصد في الأحكام لا يكفي فيه الاجتهاد النظري، الذي يهدف إلى الكشف عن مقاصد الأحكام في منطقيتها التجريدية، بل لابد من مرحلة اجتهادية ثانية عند صياغة الأحكام، وهي المرحلة التي يتم فيها اعتبار المقاصد في الأحكام، من حيث حصولها في الواقع، عندما تطبق تلك الأحكام على مشخصات الأحداث، فيكون رجحان الظن بحصولها أو تخلفها، ميزاناً في صياغة الأحكام، اعتماداً لما يرجح الظن بتحقيقه مقصده في الواقع من الأحكام، وعدولاً عما يرجح الظن أنه لا يحقق مقصده لأعراض تلم بالواقعة المراد إجراء الأحكام عليها (1) . الرابع: اعتبار مآلات الأحكام: ... إن من أهم الأسس التي يجب اعتبارها عند التصدي لاستحداث حكم في نازلة عصرية اعتبار مآلات هذا الحكم في الواقع، فإن بعض الأحكام قد لا تكون مؤدية إلى الغايات التي وضعت لها. ... فلا يكفي اعتبار المطابقة بين الحكم وبين الفعل من حيث جنسه، بل لابد من النظر في الواقع وتقويم الفعل بناء على الخصائص الظرفية له، فقد يفضي ذلك الاعتبار إلى العدول عن الحكم الأصلي إلى حكم غيره تقتضيه خصوصيات الواقع وهذا ينبني على علم دقيق بأسباب التفاعل بين مجريات الأحداث في الواقع الذي يراد علاجه، بحيث يعرف بتلك الأسباب ما ينتج عن تطبيق حكم من آثار صالحة أو ضارة، وعلى هذا الأساس يقع إقرار ذلك الحكم أو العدول عنه إلى غيره بحيث ما يغلب على الظن أن تتحقق به المصلحة تدرأ به المفسدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 .. ويمكن التمثيل لهذا المدخل من باب الإيضاح بمسألة الملكية الفردية، فمثلاً: الحكم بإطلاق الإباحة في الملكية الفردية من شأنه أن يكون دافعاً إلى غزارة الإنتاج الذي يزدهر به الجانب الاقتصادي في حياة الأمة، ولكن في الظرف الذي تصير فيه الحاجات الضرورية للكافة غير مكفولة، بسبب قحط أو حرب أو غيرها، فإن هذا الحكم بإطلاق الإباحة في الملكية الفردية قد يفضي إلى ضرر اجتماعي كبير بتفاقم الحاجات الضرورية، وما يؤدي إليه ذلك من اضطراب اجتماعي، قد يكون مدمراً لوحدة الأمة، ففي هذا الظرف يعدل عن الحكم بإطلاق الإباحة في الملكية الفردية إلى الحكم بتقييدها بما يدرأ المفسدة الاجتماعية. ... يقول الشاطبي في شرح مراعاة مآلات الأفعال: "إن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظرة إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعاً لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه، أو لمصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك. فإن أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة، أو تزيد عليها فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية، ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للاجتهاد صعب المورد" (1) . صياغة الحكم الفقهي: ... بناء على ما تقدم من تصور طبي لهذه النازلة، وبعد استجلاء لطرق الإرشاد الجيني ووسائله الطبية، وتأسيساً على ما ذكرناه من المداخل الشرعية اللازمة لمعالجة هذه النازلة من خلال القواعد الفقهية والاعتبار الشرعي للمصلحة المرسلة، وباعتبار المقاصد الشرعية في الأحكام، واعتبار مآلات الأحكام أيضاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 .. فإنه يمكننا الخروج بالأحكام الفقهية التالية: ... لايمكن القول بإعطاء حكم مطلق للإرشاد الجيني، لأن طرقه متعددة ووسائل هذه الطرق مختلفة، وتستجد كلما تقدم الطب، فلابد أن تعطى كل طريقة من طرق الإرشاد الجيني حكماً مستقلاً بها وبوسائلها. أحكم المسح الوراثي الوقائي: ... بما أن هذه الطريقة تهدف إلى تقليل الأمراض الوراثية وتساعد الأطباء على وضع البرامج الوقائية لحماية الإنسان وابتكار الأدوية، كما تساعد في دفع الضرر قبل وقوعه. ... فإن المصلحة المرسلة ومقاصد الشريعة وقواعد الشرع المطهر تجيز هذا النوع بشرط أن تكون الوسائل المستعملة مباحة آمنة لا تضر بالإنسان، ويجب الإجبار على هذه الطريقة إذا انتشر الوباء في بلد معين، أو إذا أمر به الإمام بدافع المصلحة وبصرف النظر عن الضرر الخاص الواقع على الأفراد تحقيقاً لمصلحة دفع الضرر العام، مع وجوب المحافظة على نتائج هذا المسح حماية لأسرار الإنسان الخاصة، وحفاظاً على سمعته التي أمر الشرع بالمحافظة عليها والذب عنها. ... ولا تسعف الأدلة الشرعية بالقول بوجوب هذا المسح على الجميع، فإن المفاسد المترتبة على القول بوجوبه أعظم من المصالح المرجوة منه. ب حكم الإرشاد الجيني قبل الزواج: ... استناداً للفوائد المترتبة على هذه الوسيلة، وبناء على ما فيها من دفع للضرر قبل وقوعه، ولتحقيقها للمقاصد الشرعية في الأحكام من صيانة النفس والنسل، فإن عمل هذا الفحص جائز، مع اشتراط الوسيلة المباحة الآمنة، ويجب في الحالات التالية: ... 1 إذا انتشر الوباء في مجتمع معين أو مجموعة عرقية معينة. ... 2 إذا ألزم به ولي الأمر فإن طاعته واجبة في هذا المعروف لأنه تصرف منوط بالمصلحة، ويتحمل الضرر الحاصل فيه لأنه من قبيل تحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 .. والقول بوجوبه مطلقاً بعيد لأن فيه إيجاب حق لم يأت الشرع به ولم يدل عليه، وفيه حرج على المكلفين نفسياً ومالياً ويترتب على القول بوجوبه مطلقاً مفاسد ربما أدت إلى إحجام الشباب عن الزواج، وحيث أن هذا الفحص لا يبحث سوى مرض واحد أو اثنين ونتائجه ليست متحققة في الواقع بشكل كامل، وربما تخطئ وتصيب، وقد يحدث المرض الوراثي بعوامل أخرى تقدمت الإشارة إليها في التصور الطبي. ... وإذا قلنا بالوجوب المطلق فإن هذا الحكم ستكون مآلاته على خلاف ما قصد منه، فإنه بالنظر في الواقع إذا وزن القول بالوجوب المطلق بميزان المصالح والمفاسد يظهر لنا كثيراً من المفاسد التي ستنشأ عن تطبيق هذا الحكم، الأمر الذي يخالف مقصود الأصل الذي يسعى إليه المجتهد. ج حكم التشخيص قبل زرع النطفة: ... هي إحدى طرق التلقيح الاصطناعي الخارجي (الإخصاب المعملي) حيث يتم الإخصاب في وسط معملي يؤخذ فيه الماءان من زوج وزوجته فتوضع في أنبوب اختبار طبي حتى تلقح نطفة الزوج بويضة زوجته إلى أن تنمو مرحلة (النوتة) ثم تفحص وراثياً، فإن كانت معيبة تركت وإن كانت سليمة أعيدت إلى الرحم. ... وهذه الطريقة هي في الواقع أسلوب من أساليب طفل الأنابيب، وقد سبق أن أجاب الفقهاء رحمهم الله بجوازه للضرورة، حيث أن هذه الطريقة محفوفة بالمخاطر منها: الاحتمال الكبير بحدوث الخطأ في اختلاط النطف. ومنها: خطر طلب الانتقاء في المواليد. ... وعليه نرى عدم جواز هذه الطريقة من الإرشاد الجيني في الأحوال العادية حفاظاً على مقاصد الشريعة في صيانة النسل والنسب، ولأنها لا تجوز إلا للضرورة، ولا نرى الفحوص الوراثية من الضرورات على الأقل في هذا الوقت بناء على ما تقدم من تصور طبي لفوائدها ومحاذيرها ومصداقية نتائجها، ثم إنه قد يسلم الإنسان من المرض الوراثي بسبب الوراثة ولا يسلم منه لعوامل أخرى تقدم ذكرها، لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 د حكم الفحص في أثناء الحمل: ... لهذه الطريقة وسائل طبية متنوعة، ويمكن إجراؤها في مراحل مختلفة من الحمل، في أوله، ووسطه، وآخره، والذي وقفت عليه من الوسائل ثلاث وهي: ... 1 بواسطة الزغبات المشيمية. ... 2 بواسطة إزالة السائل الأمينوسي وفحصه. ... 3 بواسطة فحص دم الجنين. ... ولا يختلف الحكم في هذه الوسائل بحكم أن مؤداها واحد في نظري، فأرى جوازها بناء على ما تحققه من محافظة على مقاصد الشريعة بصيانة النسل، ولما فيها من دفع الضرر قبل وقوعه، وللمصلحة المترتبة. ... أما إجبار المرأة الحامل على هذا الفحص فيمكن القول بجواز الإجبار في جميع الحالات إذا وجدت قرائن ظنية، أو أمارات تفيد احتمال وجود المرض الوراثي (مثل حمل المرأة إذا تعدت سن 35 للفحص عن متلازمة داون) ، وكان ذلك بقول أهل الطب والخبرة الثقات، فإذا ظهر صحة ذلك وتحقق وجود المرض قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات، وبناء على الفحوص الفنية بالأجهزة والوسائل المختبرية أن الجنين مريضاً مرضاً خطيراً غير قابل للعلاج وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآلاماً عليه وعلى أهله فعندئذ يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين. ... وإذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوماً لا يجوز إسقاطه إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه دفعا لأعظم الضررين (1) . • • • خاتمة البحث: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 .. وهكذا فبالموازنة الشرعية السابقة بين المصالح والمفاسد الناتجة من إجراء الفحوصات الجينية ظهر لي عدم جواز إلزام المكلفين مالياً ونفسياً واجتماعياً بهذه الفحوصات التي لازالت في حيز التجربة الظنية، ويترتب عليها من المشاكل الاجتماعية والمالية والنفسية أعظم مما يمكن توقع حصوله من الفائدة، ولو أردنا السعي وراء المكتشفات والتوقعات الطبية من غير تَرَوٍّ وتبصرٍ لأدخلنا الناس في حرج عظيم، وفتحنا عليهم مجالاً كبيراً لإهدار الوقت والمال والعقل، فأرى الاكتفاء بجواز الاستفادة من هذه الفحوصات ضمن الحدود المتقدمة في هذا البحث إلى أن يظهر أمر جديد في هذه النازلة فيحدث له حكم بحدوثها. ... هذا وإن هذه النازلة الفقهية لا تزال بحاجة إلى المزيد من الدراسات والبحوث ومتابعة المعطيات الطبية المستجدة في مجال طرق الإرشاد ووسائله حتى نصل للحكم الشرعي الصحيح المتفق مع الأدلة الشرعية، وأرجو أن أكون وفقت في تقديم ما يخدم هذا الاتجاه في الندوة. ... على أن ما قدمته من رأي لا يعد نتيجة نهائية أو حكماً فصلاً، بل هو قول قابل للنقاش والأخذ والرد والرجوع عنه إن وجد الأقوى منه، والمبني على الدليل الشرعي. ... وختاماً.. ما أصبت فيه فمن الله هو المان وحده، وما أخطأت فيه فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء. ... والله أعلم وأحكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الحواشي والتعليقات (1) ... المدخل الفقهي العام، مصطفى أحمد الزرقا، الطبعة العاشرة، (دمشق: مطبعة طربين، عام 1387) . 2/924. (2) ... انظر: فقه التدين فهماً وتنزيلاً، د. عبد المجيد النجار، الطبعة الأولى، كتاب الأمة، (قطر: مطابع مؤسسة الخليج للنشر والطباعة، محرم 1410) ، 2/83-89 بتصرف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 (3) ... قد استقيت معظم التصور الطبي من بحث نظرة فاحصة للفحوصات الطبية الجينية (الفحص قبل الزواج والاستشارات الوراثية) للدكتور محمد علي البار، وبحث (الكائنات وهندسة المورثات) للدكتور صالح عبد العزيز كريم. فأغنت الإشارة هنا عن تكرار الإحالة. (4) ... انظر: بحث (الوراثة والهندسة الوراثية والجينيوم البشري والعلاج الجيني رؤية إسلامية) ، أ. د/ محمد رأفت عثمان ص 2-3. (5) ... انظر: بحث (الاستنساخ والإنجاب بين تجريب العلماء وتشريع السماء) د. كارم السيد غنيم، ص 21. (6) ... انظر: بحث (الكائنات وهندسة المورثات) ، د. صالح عبد العزيز كريم ص 4. (7) ... انظر: بحث (الجينيوم البشري) د. عمر الألفي، ص 2-3. (8) ... انظر: بحث (الاسترشاد الوراثي وأهمية التوعية الوقائية ومحاذيره الطبية والأخلاقية) أ. د. محسن بن علي فارس الحازمي، ص 1. (9) ... جملة هذه الطرق استفدتها من بحث (نظرة فاحصة للفحوصات الطبية الجينية) د. محمد البار، ص 9 – 17 وبحث (الاسترشاد الوراثي) أ. د. محسن علي فارس الحازمي ص 7 – 13. (10) ... انظر: الطب الإسلامي (3) الوقاية في الإسلام، (المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، السلسلة الثقافية، دولة الكويت) ، 1/116-126 بتصرف. (11) ... انظر: بحث (نظرة فاحصة للفحوصات الطبية الجينية) ، د. محمد البار ص 10-11 بتصرف. (12) ... انظر: المصدر السابق ص 19-20. (13) ... انظر: المصدر السابق. (14) ... انظر: بحث (الاسترشاد الوراثي: أهمية التوعية الوقائية ومحاذيره الطبية والأخلاقية) ، د. الحازمي ص 18. (15) ... انظر: بحث (نظرة فاحصة للفحوصات الطبية الجينية) ، د. محمد علي البار ص 19-20 بتصرف. (16) انظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ضوابطه وتطبيقاته، د. صالح بن عبد الله بن حميد، (الطبعة الأولى، جامعة أم القرى، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي عام 1403هـ) ص4849. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 (17) انظر: الأشباه والنظائر في الفروع، جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) وبهامشه كتاب المواهب السنية للعلامة الفاضل المحقق عبد الله بن سليمان الجوهري الشافعي. شرح الفوائد البهية نظم القواعد الفقهية للعلامة المحقق السيد أبي بكر الأهدل اليمني الشافعي، الطبعة (بدون) ، (مصر: المكتبة التجارية، مطبعة مصطفى محمد، التاريخ (بدون)) ص79. وشرح المجلة، سليم رستم باز اللبناني، الطبعة الثالثة (بيروت: دار الكتب العلمية) ، مجلد 1 مادة 30. والمدخل الفقهي العام، فقرة 594. شرح الكوكب المنير المسمَّى بمختصر التحرير، الشيخ ابن النجار (ت 972هـ) تحقيق د. محمَّد الزحيلي، ود. نزيه حمَّاد، الطبعة الأولى، (المملكة العربية السعودية، جامعة أم القرى، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، عام 1408هـ/1987م) ج4، ص: 447/448. الموافقات في أصول الشريعة، إبراهيم موسى بن محمد الشاطبي (ت 790 هـ) ، تعليق الشيخ: عبد الله دراز، (بيروت: دار المعرفة، عام (بدون) ، ج2، ص: 220. (18) ... قواعد الأحكام في مصالح الأنام، عبد العزيز بن عبد السلام السلمي (ت 660 هـ) ، الطبعة الثانية راجعه: طه عبد الرؤوف سعد، (بيروت: دار الجيل، عام 1400) . (19) ... انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 123. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 (20) ... انظر: المحصول في علم الأصول، لفخر الدين الرَّازي (ت606هـ) دراسة وتحقيق د. طه جابر فيَّاض العلواني، الطبعة الأولى، (الرياض: جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية، عام 1399هـ/1979م) ، ج2 ف3 ص146،242. جمع الجوامع، لتاج الدين السبكي (ت 771هـ) مطبوع مع حاشية البناني على شرح شمس الدين المحلي الطبعة الثانية، (مصر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، عام 1356هـ/1937م) ج2 ص356. الأشباه والنظائر، ابن نجيم الحنفي (ت970هـ) وبهامشه نزهة النواظر على الأشباه والنظائر، ابن عابدين (ت1252هـ) ، تحقيق وتقديم: محمد مطيع الحافظ، الطبعة الأولى، (دمشق: دار الفكر، عام 1403هـ = 1983م) ص 98، والأشباه والنظائر للسيوطي ص78. (21) ... انظر: المحصول 2/3/146. جمع الجوامع 2/356. الأشباه والنظائر لابن نجيم 95. الأشباه والنظائر للسيوطي ص84. شرح المجلة: ج 1 مادة 26، المدخل الفقهي العام فقرة 593. (22) ... انظر: المحصول 2/3/220،224. المستصفى في علم أصول الفقه، لأبي حامد الغزالي (505هـ) ، الطبعة الأولى (مصر: المطبعة الأميرية ببولاق عام 1322هـ) 1/184. مختصر ابن الحاجب (ت 646هـ) ومعه شرح العضد عليه وحاشيتا التفتازاني والشريف الجرجاني على الشرح المذكور، الطبعة (بدون) (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1393هـ/1973م) ج2 ص289. شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول لشهاب الدين القرافي (ت 684هـ) تحقيق عبد الرؤوف سعد، الطبعة الأولى (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1393هـ/1973م) ص446. وقواعد الأحكام، للعز بن عبد السلام 1/5. نهاية السول شرح منهاج الأصول، لجمال الدين الأسنوي (ت772هـ) الطبعة الأولى (القاهرة: مطبعة محمد علي صبيح، التاريخ بدون) 3/164. تيسير التحرير شرح كتاب التحرير، لابن بادشاه (ت987) الطبعة الأولى (القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبي سنة 1350) 4/171. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 (23) ... الموافقات في أصول الشريعة، 4/127-128. (24) ... انظر: فقه التدين فهماً وتنزيلاً 2/95-96. والبحث في تحقيق مقاصد الشريعة ينظر: المحصول 2/3/133. الموافقات للشاطبي 2/3. نهاية السول 3/152. (25) الموافقات 4/127-128. (26) ... انظر: قرارات المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، الدورة الثانية عشرة، عام 1410، ص 328. المصادر والمراجع الاسترشاد الوراثي: أهمية التوعية الوقائية ومحاذيره الطبية والأخلاقية، أ. د. محسن بن علي فارس الحازمي. بحث مقدم لندوة “ الوراثة والهندسة الوراثية والجينيوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية ” 13-15 أكتوبر 1998 م. الاستصلاح والمصالح المرسلة في الشريعة، مصطفى الزرقاء، الطبعة الأولى، دمشق: دار القلم، عام 1408هـ. الأشباه والنظائر، زين الدين بن إبراهيم بن نجيم الحنفي (ت970هـ) ، وبحاشيته: نزهة النواظر على الأشباه والنظائر، للعلامة خاتمة المحققين محمد أمين بن عمر المعروف بابن عابدين (ت 1252 هـ) تحقيق وتقديم: محمد مطيع الحافظ، الطبعة الأولى، دمشق: دار الفكر، عام 1403هـ = 1983 م. الأشباه والنظائر في الفروع، جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) وبهامشه كتاب المواهب السنية للعلامة الفاضل المحقق عبد الله بن سليمان الجوهري الشافعي، شرح الفوائد البهية نظم القواعد الفقهية للعلامة المحقق السيد أبي بكر الأهدل اليمني الشافعي، الطبعة (بدون) ، مصر: المكتبة التجارية، مطبعة مصطفى محمد، التاريخ (بدون) . بحث الاستنساخ والإنجاب بين تجريب العلماء وتشريع السماء، د. كارم السيد غنيم. تيسير التحرير، شرح كتاب التحرير، محمد أمين المعروف بأمير بادشاه الحنفي (ت987هـ) 4ج، الطبعة الأولى، القاهرة: مصطفى البابي الحلبي سنة 1350هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 جمع الجوامع، تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771هـ) ، مطبوع مع حاشية البناني على شرح المحلى عليه، 2ج، الطبعة الثانية، مصر: مصطفى البابي الحلبي سنة 1356هـ/1937م. الجينوم البشري، د. عمر الألفي. بحث مقدم لندوة “ الوراثة والهندسة الوراثية والجينيوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية ” 13-15 أكتوبر 1998 م. رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ضوابطه وتطبيقاته، د. صالح بن عبد الله بن حميد، الطبعة ألأولى، جامعة أم القرى: مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي عام 1403هـ. شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (ت684هـ) تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، الطبعة الأولى (القاهرة: طبعة مكتبة الكليات الأزهرية ودار الفكر سنة 1393هـ/1973م. شرح الكوكب المنير، المسمى بمختصر التحرير في أصول الفقه، محمد بن أحمد بن عبد العزيز علي الفتوحي الحنبلي، المعروف بابن النجار (ت972هـ) تحقيق: د. محمد الزحيلي، ود. نزيه حمَّاد، 4ج، الطبعة الأولى، مكة: جامعة أم القرى 1408هـ/1987م. شرح المجلة، سليم رستم باز (ت1338هـ) 2 ج، الطبعة الثالثة، بيروت: دار الكتب لعلمية، عام 1305 هـ. الطب الإسلامي (3) ، الوقاية في الإسلام، الجزء الأول، المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، السلسلة الثقافية، دولة الكويت. فقه التدين فهماً وتنزيلاً، 2 ج، د. عبد المجيد النجار، الطبعة الأولى، قطر: مطابع مؤسسة الخليج للنشر والطباعة، محرم 1410 هـ، كتاب الأمة. قرارات المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، الدورة الثانية عشرة، عام 1410هـ. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، عبد العزيز بن عبد السلام السلمي (ت660هـ) ، الطبعة الثانية، راجعه: طه عبد الرؤوف سعد، بيروت: دار الجيل، عام 1400هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 الكائنات وهندسة المورِّثات، د. صالح عبد العزيز كريم. بحث مقدم لندوة “ الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية ” 13-15 أكتوبر 1998م. المدخل الفقهي العام، مصطفى أحمد الزرقاء، الطبعة العاشرة، دمشق: مطبعة طربين، عام 1387هـ. المحصول في علم الأصول، فخر الدين الرَّازي (ت606هـ) تحقيق د. طه جابر فيَّاض العلواني، 6ج، الطبعة الأولى، الرياض: جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية، عام 1399هـ/1979م. مختصر ابن الحاجب، مختصر المنتهى، جمال الدين عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب (ت646هـ) ، ومعه شرح العضد عليه وحاشيتا التفتازاني والشريف الجرجاني على الشرح المذكور، 2ج، الطبعة (بدون) القاهرة: طبعة مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1393هـ/1973م. المستصفى في علم أصول الفقه، 2ج، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (505هـ) ، الطبعة الأولى، بولاق: المطبعة الأميرية عام 1322هـ. الموافقات في أصول الشريعة، إبراهيم موسى بن محمد الشاطبي (ت 790 هـ) ، تعليق: الشيخ عبد الله دراز، 4 ج، بيروت: دار المعرفة، عام (بدون) . نظرة فاحصة للفحوصات الطبية الجينية (الفحص قبل الزواج والاستشارة الوراثية) ، د. محمد علي البار، بحث مقدم لندوة “ الوراثة والهندسة الوراثية والجينيوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية ” 13-15 أكتوبر 1998 م. نظرة فقهية في الأمراض التي يجب أن يكون الاختبار الوراثي فيها إجباريا كما ترى بعض الهيئات الطبية، أ. د. محمد رأفت عثمان، بحث مقدم لندوة “ الوراثة والهندسة الوراثية والجينيوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية ” 13-15 أكتوبر 1998م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 العَقْلُ عند الأصوليين عَرْضُُ ودراسة د. علي بن سعد الضويحي أستاذ أصول الفقه المشارك - بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ملخص البحث - يتكون البحث من: مقدمة، وأحد عشر مبحثاً، وخاتمة. - أهم مستخلصات البحث ما يلي: 1 - العقل في اللغة يطلق على معان متعددة من أهمها: الحِجْر، الجَمْع، الْحَبْس، التَثبت في الأمور، التميُّز، الفَهْم، المَسْك، الملْجَأ. 2 - أرجح تعريفات العقل في الاصطلاح أنه: نور في الصدر به يبصر القلب عند النظر في الحجج. 3 - أرجح الأقوال في محل العقل أنه القلب لدلالة ظواهر الآيات القرآنية الكريمة على ذلك، ومع كونه في القلب فإن نوره يفيض إلى الدماغ. 4 - للخلاف في محل العقل ثمرة عملية تظهر في بعض المسائل الفقهية. 5 - الراجح من قولي الأصوليين تفاوت العقول لدى الناس لدلالة الشرع على ذلك، ولما يُشاهَد من اختلافهم في المدارك. 6 - المعتزلة يُقرِّون بإدراك العقل لحُسْن الأشياء وقبحها، ويرتبون على ذلك الثواب والعقاب. 7 - الأشاعرة ينكرون استقلال العقل بإدراك حُسْن الأشياء وقبحها. 8 - الظاهرية يثبتون حجج العقول رغم إنكارهم القياس. 9 - الشيعة قد وافقوا المعتزلة في ترتيب الثواب والعقاب على مدركات العقل. 10 - العقل عند علماء السلف يحسِّن ويقبِّح، والثواب والعقاب عندهم شرعيان لا عقليان. المقدمة: الحمد لله الذي كرَّم الإنسان بالعقل، والصلاة والسلام على نبي الرحمة والعدل، وعلى آله وأصحابه أهل العلم والفضل، أما بعد: ... فإنّ للعقل في الإسلام رتبةً سنيَّة ومكانة عليَّة، مَن تتبَّع نصوص الكتاب والسنّة وجد – ولله الحمد والمنَّة – برهان ذلك لائحاً ودليله واضحاً، فقد تجلَّى تكريم الإسلام لعقل الإنسان في صور عديدة، منها على سبيل التمثيل والبيان ما يلي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العقل مناط التكليف، كما أشار إلى ذلك بقوله: (رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ الحنث (1) وعن المجنون حتى يفيق) (2) . أن الحق تبارك وتعالى جعله وسيلة التدبر والتفكر لما في هذا الكون من بديع الخلق وإتقان الصُّنْع، وليس أدلَّ على ذلك من قوله سبحانه: (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) . (3) وقوله سبحانه: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت) (4) . كما جعل الحق تبارك وتعالى العقل وسيلة التدبر لكتابه الكريم، فقال سبحانه: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) (5) . وقال سبحانه: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (6) . وكثيراً ما يختم الحق تبارك وتعالى آيات ذِكْره الحكيم بقوله: (أفلا تعقلون) (7) . ليبين سبحانه لعباده أنهم لو وظفوا عقولهم التوظيف الصحيح بالتفكر في حالهم ومآلهم لأرشدتهم عقولهم بتوفيق الله تبارك وتعالى إلى معرفة الحق وسلوك الطريق المستقيم. 5- ولحماية العقل من الانحسار والجمود فقد نعى القرآن الكريم على أولئك المقَلّدين بلا هُدى تعطيل عقولهم تقديساً لما جرت عليه عادات الآباء والعشائر والأقوام، ومن ذلك قوله سبحانه: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) (8) . وقوله سبحانه: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون) (9) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 ولعظم مكانة العقل في الإسلام فقد رأيت أن أكتب بحثاً في " العقل عند الأصوليين " أستعرض فيه مواقفهم من بيان حقيقته حسب الاصطلاح المتعارف عليه عندهم، ثم موقفهم من تحديد مكانه، وهل هو على وتيرة واحدة أو أنه يختلف من إنسان لآخر نظراً لقوة إدراكه وضعفه؟ ثم موقفهم من كونه محلاً للاعتبار، وسِمَات ذلك عندهم، ثم هل القياس وحجة العقل متفقان أو مختلفان؟ وختام ذلك كله ببيان خلاصةٍ لدراسة مواقف الأصوليين من العقل. أسباب اختيار الموضوع: أهمية العقل، وعظم مكانته في الشريعة الإسلامية. كون العقل مناط التكليف، وإذا كان التكليف المتوقّف على العقل محل اهتمام الأصوليين، فكذلك العقل الذي هو مُتَعَلَّق التكليف يجب أن يكون محل الاهتمام. الوقوف على أهم سمات العقل عند كل فريق من الأصوليين لدراستها والحكم عليها في ضوء البحث العلمي المتجرد. الدراسات السابقة في الموضوع: ... لم أجد في كتب أصول الفقه القديمة ما يشفي العليل، أو يروي الغليل من دراسات حول هذا الموضوع الذي هو في غاية من الأهمية، وكل ما رأيته في هذه الكتب إنما هو محصور في تعريف " العقل "، والخلاف في محله، وفي تفاوت الناس فيه، وكذلك ذكرهم له على أنه شَرْط من شروط التكليف، وشَرْط لقبول رواية الراوي. وأما الدراسات الحديثة للعقل فقد اطلعتُ منها على الكتب الآتية: كتاب (بنية العقل العربي) لسعادة الدكتور محمد عابد الجابري، وهو كتاب يقع في (599) صفحة من القطع الكبير، نشره مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، وقد طُبع أربع طبعات آخرها عام 1992م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 وتحدث مؤلفه – وفقه الله تعالى – في القسم الأول منه عن البيان، ومما ذكره تحت هذا القسم: نظام الخطاب ونظام العقل، والعقل والوجود ومشكلة الكليات. ثم تحدث في القسم الثاني عن العرفان، وعن الحقيقة بين التأويل والشطح، وعن المماثلة، وعن النبوة والولاية. ثم تحدث في القسم الثالث عن البرهان وتطرق فيه إلى المعقولات والألفاظ، والواجب والممكن، والنفس والمعاد. ثم تحدث في القسم الرابع عن تفكك النظم ومشروع إعادة التأسيس، وختمه بخاتمة عامة تحت عنوان: " من أجل عصر تدوين جديد ". وأصل هذا الكتاب أنه امتداد لدراسة سابقة أعدها المؤلف نفسه في كتاب أسماه: " تكوين العقل العربي "، وقد نشرته دار الطليعة ببيروت عام 1984م، والحديث في هذا الكتاب يدور حول مكَوّنات العقل العربي وهي النظم المعرفية الثلاثة المسماة بالبيان والعرفان والبرهان. وقد جعل المؤلف هذه الدراسة اللاحقة بمثابة التحليل لتلك النظم المعرفية الثلاثة وفَحْص آلياتها ومفاهيمها ورؤاها وعلاقة بعضها ببعض مما يشكل البنية الداخلية للعقل العربي كما جاء ذلك في مقدمة كتابه. كتاب (العقل عند الأصوليين) لسعادة الدكتور عبد العظيم محمود الديب، وهو كتاب من القطع الصغير يقع في (78) صفحة، من منشورات دار الوفاء بالمنصورة الطبعة الأولى عام 1415هـ، وقد تحدث فيه مؤلفه – وفقه الله تعالى – عن الأصوليين والأدلة، وذكر أن الذين عّدوا العقل دليلاً مستقلاً بين الأدلة هم الغزالي، وابن قدامة، والشريف التلمساني رحمهم الله تعالى، ثم تحدث عن العقل عند المعتزلة وبيَّن حقيقة رأيهم في ذلك، كما تحدث عن الشيعة وقضية العقل، ثم ختم كتابه بذكر مجال العقل وأنه آلة النظر ووسيلة التدبر في الأدلة لاستنباط الأحكام منها.مع ملاحظة أنه لم يتطرق في بداية حديثه إلى تعريف العقل في اللغة والاصطلاح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 كتاب (العقل عند الشيعة الإمامية) لسعادة الدكتور رشدي محمد عليان، وهو كتاب مطبوع بمطبعة دار السلام في بغداد عام 1393هـ الطبعة الأولى، والكتاب من القطع الكبير ويقع في (486) صفحة، وأصله رسالة دكتوراه نوقشت بتاريخ 29/8/1971م في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر. وقد تطرق المؤلف في هذا الكتاب إلى تعريف العقل في اللغة وعند العلماء والحكماء، وإلى تقسيمات العقل ومدركاته، كما تطرق إلى مكانة العقل في الكتاب والسنة، وبيان مقامه عند المعتزلة والأشاعرة والشيعة، كما تطرق إلى مسألة الحُسن والقُبح، ومسألة الإجزاء بفعل المأمور به، ومسألة ما لا يتم الواجب إلا به، ومسألة الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده؟ ومسألة اجتماع الأمر والنهي ومسألة اقتضاء النهي الفساد. ومن خلال هذا العرض لتلك الدراسات يتبّين بجلاء أن الدراسة الأولى بعيدة الصلة عن موضوع البحث، إذ أن تلك الدراسة قد عُنيت بنقد العقل العربي عن طريق النظرة التحليلية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، فهي دراسة نقدية من منظور ثقافي وليست دراسة تقعيدية من منظور أصولي. وأما الدراستان الثانية والثالثة فلهما صلة بموضوع البحث من جهة بيان موقف المعتزلة والأشاعرة والشيعة من العقل إلا أنه يلاحظ على تلك الدراستين خلوهما من الأمور الآتية: الاعتناء بتفصيل أهم سمات العقل عند كل فرقة من الفرق الأصولية، مع دراسة تلك السمات لبيان ما لها وما عليها. بيان اختلاف الأصوليين في محل العقل. بيان اختلاف الأصوليين في تفاوت العقول. بيان موقف أهل الظاهر من العقل. بيان موقف علماء السلف من العقل. بيان الفارق بين القياس وحجة العقل. وبناء على ما تقدم فإن هذا البحث قد جاء مكملاً لسلسلة تلك الدراستين بإضافة هذه الأمور، لتكون هذه الدراسات بمجموعها محققة للفائدة الكبرى التي يتطلع القارىء إليها وتشتد رغبته فيها. خطة البحث: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 بَحْثُ هذا الموضوع مكون من: مقدمة، وأحد عشر مبحثاً، وخاتمة. المقدمة، وتشتمل على: سبب اختيار الموضوع. الدراسات السابقة في الموضوع. خطة البحث. منهج البحث. المباحث، وهي ما يلي: المبحث الأول: (حقيقة العقل في اللغة والاصطلاح) ، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: (حقيقة العقل في اللغة) . المطلب الثاني: (حقيقة العقل في الاصطلاح) . المطلب الثالث: (المناسبة بين الحقيقتين اللغوية والاصطلاحية للعقل) . المبحث الثاني: (محل العقل) وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: (أقوال الأصوليين في ذلك) . المطلب الثاني: (الأدلة والمناقشات) . المطلب الثالث: (الترجيح وبيان سببه) . المطلب الرابع: (ثمرة الخلاف في المسألة) . المبحث الثالث: (تفاوت العقل) ، وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: (أقوال الأصوليين في ذلك) . المطلب الثاني: (الأدلة والمناقشات) . المطلب الثالث: (الترجيح وبيان سببه) . المطلب الرابع: (ثمرة الخلاف في المسألة) . المبحث الرابع: (سبب الخلاف في تحكيم العقل) . المبحث الخامس: (العقل عند المعتزلة) ، وفيه مطلبان: المطلب الأول: (استعراض موقفهم من العقل) . المطلب الثاني: (دراسة ذلك الموقف) . المبحث السادس: (العقل عند الأشاعرة) ، وفيه مطلبان: المطلب الأول: (استعراض موقفهم من العقل) . المطلب الثاني: (دراسة ذلك الموقف) . المبحث السابع: (العقل عند الظاهرية) ، وفيه مطلبان: المطلب الأول: (استعراض موقفهم من العقل) . المطلب الثاني: (دراسة ذلك الموقف) . المبحث الثامن: (العقل عند الشيعة) ، وفيه مطلبان: المطلب الأول: (استعراض موقفهم من العقل) . المطلب الثاني: (دراسة ذلك الموقف) . المبحث التاسع: (العقل عند السلف الصالح) ، وفيه مطلبان: المطلب الأول: (استعراض موقفهم من العقل) . المطلب الثاني: (دراسة ذلك الموقف) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 المبحث العاشر: (الفارق بين القياس وحجة العقل) . المبحث الحادي العاشر: (خلاصة الدراسة لمواقف الأصوليين من العقل) . الخاتمة: وستشتمل على أهم نتائج البحث. منهج البحث: سيتم معالجة الخطة – بمشيئة الله تعالى – حسب المنهج العلمي الآتي: إيجاد المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي لما يراد تحديده من ألفاظ. نقل آراء الأصوليين من واقع كتبهم مباشرة من غير وساطة. التنبيه إلى ما ينبغي التنبيه عليه من عدم الدقة في نسبة الأقوال إلى أصحابها. استعراض الأقوال في مسائل الخلاف، مع ذكر الأدلة والمناقشات الواردة عليها. إيضاح وجه الاستدلال من الأدلة النقلية. بيان القول الراجح، وذكر سبب ترجيحه. الاعتناء بذكر ثمرة الخلاف في المسائل الخلافية. ترجمة الأعلام غير المشهورين. شَرْحُ الألفاظ الغامضة إن وجدت. عَزْو الآيات القرآنية إلى مواضعها من السور في كتاب الله تعالى. تخريج الأحاديث النبوية من كتب الحديث المعتمدة، مع بيان درجتها إن لم تكن من رواية البخاري ومسلم. وضع فهرس لمراجع البحث مرتباً حسب الحروف الهجائية. والله تعالى أسأل أن يمدني بعونه وتوفيقه لإنهاء هذا البحث على الوجه الذي يرضيه، وأن يجعله علماً نافعاً وعملاً صالحاً، وهو حسبي ونعم الوكيل. المبحث الأول: حقيقة العقل في اللغة والاصطلاح والكلام في هذا المبحث ينحصر في ثلاثة مطالب: المطلب الأول: حقيقة العقل في اللغة العقل في اللغة يطلق على معانٍ متعددة، سأكتفي منها بما يناسب هذا المقام: 1- الِحْجرُ والنُّهَى: ضِدُّ الحُمْق (1) . 2- الجَمْعُ، يقال: (رَجُلُُ عاَِقلُُ) ، أي: جامع لأمره ورأيه، مأخوذ من: (عَقَلْتَ الْبَعِيْرَ) إذا: جَمَعْتَ قوائمه (2) . 3- الْحَبْسُ، مأخوذ من قولهم: (قد اعْتُقلَ لسانُهُ) إذا حُبِسَ ومُنِعَ الكلامَ (3) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 4- التَّثَبُّتُ في الأمور، يقال: (إنسان عاقل) أي: مُتَثَبِّتُُ في أموره (1) . 5- التَّمَيُّزُ: وهو الذي يتميز به الإنسان من سائر الحيوان (2) . 6- الفَهْمُ، يقال: (عَقَلَ الّشْيء يَعْقِلهُ عَقْلاً) إذا فهمه (3) . 7- المَسْكُ، يقال: (عَقَلَ الدَّواءُ بطْنَهُ يَعْقُلهُ عَقْلاً) : أمسكه، وقيل: أمسكه بعد استطلاقه (4) . 8- الْمَلْجَأُ، يقال: (فُلان مَعْقِلُُ لقومه) أي: هو مَلْجَأ لهم (5) . وهذه المعاني كلها مجتمعةً تدل على أن (العَقْل) في مفهوم العرب هو العاصم الذي يعصم الإنسان – بعد توفيق الله تبارك وتعالى وهدايته – من الطيش والحمق والتسرُّع في الأمور دون روِيَّةٍ وأناة، وذلك بما يضفيه عليه ذلك العقل من الوعي والإدراك الأمر الذي يقيه مخاطر الزلل والخطل. المطلب الثاني: حقيقة العقل في الاصطلاح ... صرَّح بعض الأصوليين بأنه من الصعوبة بمكان بيان حقيقة (العقل) من الناحية الاصطلاحية، كما ذكر ذلك إمام الحرمين الجويني رحمه الله تعالى حين قال: (فإن قيل: فما العقل عندكم؟ قلنا: ليس الكلام فيه بالهيَن) (6) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 ولعلَّ مَرْجع هذه الصعوبة اختلاف اصطلاحات العلماء في تحديد معناه، نظراً لكونه اسماً مشتركاً يُطلق على عدد من المعاني، وهذا ما ترجمه الغزالي رحمه الله تعالى بقوله: (وكذلك إذا قيل: "ماحَدُّ العقل؟ " فلا تطمع في أن تحدَّهُ بحدٍ واحد، فإنه هَوَس، لأن اسم العقل مشترك يطلق على عدة معانٍ، إذ يطلق على بعض العلوم الضرورية، ويطلق على الغريزة التي يتهيّأ بها الإنسان لدَرْك العلوم النظرية، ويطلق على العلوم المستفادة من التجربة حتى إنَّ مَنْ لم تحنّكه التجارب بهذا الاعتبار لا يُسمَّى عاقلاً، ويطلق على مَنْ له وقار وهيبة وسكينة في جلوسه وكلامه، وهو عبارة عن الهدوء فيقال: " فلان عاقل " أي فيه هدوء، وقد يطلق على مَنْ جَمَعَ العمل إلى العلم حتى إنَّ المفسد وإن كان في غايةٍ من الكياسة يمنع عن تسميته عاقلاً … ، فإذا اختلفت الاصطلاحات فيجب بالضرورة أن تختلف الحدود (1) . ورغم هذه الصعوبة البالغة فقد اقتحم الأصوليون عُبابها وولجوا أبوابها فذكروا حدوداّ تبيَن حقيقة (العقل) من الناحية الاصطلاحية، ومن هذه الحدود ما يلي: عرَّفه السرخسي الحنفي رحمه الله تعالى بقوله: (العقل نورّ في الصدر به يُبصر القلب عند النظر في الحجج) . ثم أوضح ذلك بقوله: (بمنزلة السراج فإنه نور تبصر العين به عند النظر فترى ما يدُرك بالحواس، لا أنَّ السراج يوجب رؤية ذلك، ولكنه يدل على معرفة ما هو غائب عن الحواس من غير أن يكون موجباً لذلك، بل القلب يدرك بالعقل ذلك بتوفيق الله تعالى، وهو في الحاصل عبارة عن الاختيار الذي يبتني عليه المرء ما يأتي به وما يذر مما لا ينتهي إلى إدراكه سائر الحواس) (2) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 وعرفه القاضي أبو بكر الباقلاني المالكي رحمه الله تعالى بقوله: (العقل من العلوم، إذ لا يتّصف بالعقل خالٍ عن العلوم كلها، وليس من العلوم النظرية، فإنَّ النظر لا يقع ابتداؤه إلا مسبوقاً بالعقل، فانحصر في العلوم الضرورية وليس كلها، فإنه قد يخلو عن العلوم بالمحسوسات مَن اختلَّت عليه حواسُّه، وإن كان على كمالٍ من عقله) (1) . وعلى هذا فالعقل عند القاضي الباقلاني رحمه الله تعالى هو: (بعض العلوم الضرورية كجواز الجائزات واستحالة المستحيلات) (2) . أو هو: (عِلْمُُ بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات) (3) . 3- وعرفه الغزالي الشافعي رحمه الله تعالى بقوله: (والوجه أن يقال: هو صِفَةُُ يتهيأ للمتصف بها دَرْكُ العلوم والنظر في المعقولات) (4) . 4- وعرفه القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله تعالى بقوله: (والعقل ضَرْبُُ من العلوم الضرورية) (5) . وإذا أنعمنا النظر في هذه التعريفات رأينا أن القاضي أبا بكر الباقلاني حصر العقل في بعض العلوم الضرورية في حين أن الغزالي سلك مسلك التعميم، حيث جعل المتصف بالعقل مُهَيّأ لدرْك العلوم لا بعضها، ولعلَّ ذلك هو ما دفع الغزالي إلى أن يًزيَفّ تعريف الباقلاني، حيث قال بعد إيراده له: (وهو مُزيَّف، فإنّ الذاهل عن الجواز والاستحالة عاقل) (6) . وقد سبقه إلى هذا التزييف إمام الحرمين الجويني الذي لم يرتض تعريف الباقلاني وإنما أومأ إلى بطلانه، فقد قال بعد حكايته له في برهانه: (والذي ذكره رحمه الله فيه نظر، فإنه بنى كلامه على أنّ العقل من العلوم الضرورية، لأنه لا يتصف بالعقل عارٍ من العلوم كلها، وهذا يَردُ عليه أنه لا يمتنع كون العقل مشروطاً بعلوم وإن لم يكن منها، وهذا سبيل كل شَرطْ ومشروط. فإن قيل: ما الذي يبطل ما ذكره القاضي رحمه الله في معنى العقل؟ قلنا: نرى العاقل يذهل عن الفكر في الجواز والاستحالة وهو عاقل) (7) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 وأما القاضي أبو يعلى فقد وافق القاضي أبا بكر الباقلاني على حَصْر العقل في بعض العلوم الضرورية، ومَنَعَ جواز أن يكون المراد بالعقل جميع تلك العلوم فقال: (ولا يجوز أن يكون هو جميع العلوم الضرورية، ولا العلوم التي تقع عقيب الإدراكات الخمسة، لأن هذا يؤدي إلى أنّ الأخرس والأطرش والأكمه ليسوا بعقلاء، لأنهم لا يعلمون المشاهدات والمسموعات والمدركات التي تُعلم باضطرار ولا باستدلال، ولا يجوز أيضاً أن يكون العلم بُحسن حسن وقُبح قبيح، ووجوب واجب وتحريم محرَّم من جُمْلة العلوم التي هي عَقْل، لأنّ هذه الأحكام كلها معلومة من جهة السمع دون قضية العقل فوجب أنْ يكون بعض العلوم الضرورية) (1) . وحيث إن قضية الحَصْر والشمول محل نزاع فإن تعريف (العقل) بواحد منهما تعريف لا يَسْلَمُ مِنْ نقدٍ واعتراض ولذلك فإني أرى أنَّ تعريف السرخسي رحمه الله تعالى هو التعريف الراجح للعقل، فالعقل نور إلهي يقذفه الحق تبارك وتعالى في القلب ليتمكن به من المعرفة والإدراك. وهذا يعني أنَّ العقل ليس مكتسباً من العبد، بل هو هِبة إلهية ومنحة ربانية أنعم الله تبارك وتعالى بها على هذا الإنسان تمييزاً له عن سائر الحيوان. المطلب الثالث: المناسبة بين الحقيقتين اللغوية والاصطلاحية للعقل بين الحقيقتين اللغوية والاصطلاحية للعقل مناسبة كبيرة وارتباط وثيق، فإنَّ (العقل) الذي هو عبارة عن نور إلهي قذفه الله تبارك وتعالى في قلب الإنسان تكريماً له على سائر أنواع الحيوان، هذا العقل الذي هو بهذه الصفة يتناسب غاية التناسب مع كل معنى لغوي فسَّره به أهل اللسان العربي فهو متناسب مع المعنى الأول (الحِجْرُ والنُّهى) الذي يضاد (الحُمْق) فإنَّ لذلك النور أثره العميق في النفس البشرية يهذَب سلوكها، ويقوَّم أخلاقها، ويلهمها رُشْدها، فلا تتصرَّف بحمق ورعونة، بل تتعامل مع الأشياء حولها بإدراكٍ واعٍ وحكمة مُتَّزنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 ومتناسب مع المعنى الثاني وهو (الجَمْعُ) إذ القادر على استجماع كل التصورات المطلوبة للحكم على الأشياء واتخاذ القرار المناسب لها إنما هو العاقل الأريب الذي وَعى فأدرك ونظر فقدَّر. ومتناسب مع المعنى الثالث وهو (الحَبْسُ) فإنَّ العقل يحبس صاحبه على محاسن الأعمال ومكارم الصفات ويحبسه عن الانسياق خَلْف الشهوات التي لو أطلق الإنسان فيها لنفسه العنان لأصبح سابحاً في بحور الرذيلة لانفلاته من قيود الفضيلة. ومتناسب مع المعنى الرابع وهو (التثبُّت في الأمور) فهذا هو شأن العقلاء الذين وهبهم الله تبارك وتعالى العقل الراجح والفكر الثاقب الذي يَزِنون به الأمور وزناً دقيقاً دون اضطراب في الموقف، أو رعونة في التصرف. ومتناسب مع المعنى الخامس وهو (التميُّز) إذ مَصْدرُهُ العقل المستنير بالنور الإلهي، وغير العاقل لا يملك مقوَّمات التمييز الصحيح، بل يخبط خَبْط عشواء، ولربما ضرَّ نفسه وأفسدها مِنْ حيثُ يريد نَفْعَها وإصلاحها. ومتناسب مع المعنى السادس وهو (الَفهْمُ) إذ أنَّ ذلك النور كاشف لحقائق الأمور، فتبدو ناصعةً جليَّةً لا غبش يكدَّرها ولا غموض يعتورها، وهذا هو رُكْنُ الفهم وعماده. ومتناسب مع المعنى السابع وهو (المَسْكُ) فإنَّ العقل يمسك بصاحبه حتى لا يندفع إلى مالا ينبغي له، ولا يسترسل فيما لا يليق به، وهذا هو الفارق بين العاقل وغيره. ومتناسب مع المعنى الثامن وهو (الْمَلْجَأ) فإنَّ العقل ملجأ حصين لصاحبه يصونه من كل ما يشينه من أعمال ويحميه من كل ما يسوؤه من تصرُّفات إذا تغلَّب الإنسان على هوى نفسه بالاحتكام إليه والاستجابة لداعيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 ومن خلال هذا التناسب تتضح لنا أهمية العقل الكبرى في حياة الإنسان، وأنه نعمة عظيمة من نعم الله تبارك وتعالى على عباده جديرة بالحفظ والرعاية حتى يسير ذلك العقل في مساره الصحيح الذي رسمه له المولى الكريم دون حَيْدَةٍ عن الجادَّة أو انحراف عن الصراط المستقيم. المبحث الثاني: محل العقل وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: أقوال الأصوليين في ذلك اختلف الأصوليون في المحل الذي يستقر فيه العقل على ثلاثة أقوال: القول الأول: محل العقل هو القلب. ... ... وإلى هذا القول ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة (1) . القول الثاني: محل العقل هو الرأس. وهذا القول منسوب إلى الحنفية، ونسبه الباجي إلى الإمام أبي حنيفة، وهو المشهور عن الإمام أحمد (2)) . وفي تعميم نِسْبَة هذا القول إلى الحنفية رحمهم الله تعالى نَظَر، وذلك أنَّ مِن الحنفية مَنْ صَرَّح بأن العقل نور في القلب ومنهم فخر الإسلام البزدوي رحمه الله تعالى حيث قال: (أما العقل فنور يضيء به طريق يُبْتَدَأ به من حيثُ يَنْتَهي إليه دَرْكُ الحواس، فيبتدىء المطلوب للقلب فُيدْركه القلب يتأمّله بتوفيق الله تعالى) (3) . وكذلك السرخسي رحمه الله تعالى حيث عرف العقل بأنه " نور في الصدر" (4) . والصدر يحوي القلب لا الرأس. وعليه فالقائل بذلك بعضهم وليس جميعهم. القول الثالث: محل العقل هو القلب، وله اتصال بالدماغ. وهذا القول منسوب إلى أبي الحسن التميمي (5) وغيره من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله تعالى (6) . المطلب الثاني: الأدلة، والمناقشات أولاً: أدلة القول الأول: استدل القائلون بأن العقل في القلب بالأدلة الآتية: الدليل الأول: قول الحق تبارك وتعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) (7) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 وجه الاستدلال: أطلق الحق تبارك وتعالى القلب هنا وأراد به العقل، فدل على أن القلب محله، لأن العرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان مجاوراً له، أو كان بسبب منه. الدليل الثاني: قوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) (1) . وجه الاستدلال: أنه تعالى جعل العقل في القلب، ولو لم يكن القلب محلاً له لما جعله كذلك. الدليل الثالث: قوله سبحانه: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (2) . وجه الاستدلال: أن الله تعالى بيَّن أن العقول في الصدور، والمعنى: يتغطى على العقول التي في الصدور. الدليل الرابع: قوله عز وجل: (لهم قلوب لا يفقهون بها) (3) . وجه الاستدلال: أن الفقه هو العلم والفهم والمعرفة، وآلة إدراك هذه الأشياء هي العقل. الدليل الخامس: ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرحمة في الكبد، والقلب ملك ومسكن العقل القلب) ((4)) . وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن العقل في القلب، وهو نص في الموضوع. الدليل السادس: ما روي عن عدد من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم أنهم صرحوا بأن العقل في القلب، ومنهم: عمر بن الخطاب، وعلي ابن أبي طالب، وأبي هريرة، وكعب بن مالك، وغيرهم. وأقوالهم شاهدة على ذلك، كما روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال يوم صفين: (إن العقل في القلب) ((5)) . الدليل السابع: قالوا: إن العقل ضَرْب من العلوم الضرورية، والعلوم محلها القلب. أما الدليل على كون العقل ضرباً من العلوم الضرورية فهو أن العلم يشتمل على ضروري ومكتسب، ومعلوم أن الإنسان لو لم يكتسب العلم ولم يفكر في الدلائل فإنه يسمى عاقلاً، فإذا خرج منه العلم المكتسب لم يبق إلا أنه علم ضروري. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 وأما الدليل على أن العلوم محلها القلب فهو قول الحق تبارك وتعالى: (لهم قلوب لا يفقهون بها) ((1)) . والفقه هو العلم والفهم والمعرفة، ولو لم تكن القلوب محلاً للعلوم لما أضاف الحق تبارك وتعالى الفقه إليها. وإذا ثبت أن القلب محل للعلوم كان محلاً للعقل الذي هو بعض تلك العلوم (2) . ثانياً: أدلة القول الثاني: ... واستدل القائلون بأن العقل في الرأس بدليلين: الدليل الأول: ... أن العقلاء يضيفون العقل إلى الرأس، فيقولون: هذا ثقيل الرأس، وهذا في دماغه عقل. وعكس ذلك يقولون: هذا فارغ الدماغ، وهذا ليس في رأسه عقل. ولو لم يكن العقل في الرأس لما صح منهم ذلك. الدليل الثاني: ... أن الإنسان إذا ضُرب على رأسه زال عقله، ولو ضُرب على جميع بدنه لم يَزُلْ عقله. فدل هذا على أن العقل في الرأس ((3)) . ثالثاً: أدلة القول الثالث: استدلوا على أن محل العقل هو القلب بالأدلة نفسها التي استدل بها أصحاب القول الأول. واستدلوا على اتصال العقل بالدماغ فقالوا: إن العقل وإن كان محله في القلب إلا أن نوره يعلو إلى الدماغ فيفيض منه إلى الحواس ما جرى في العقل ((4)) . رابعاً: (المناقشات) : ناقش الفريقان الأول والثالث وهم القائلون بأن العقل في القلب الفريق الثاني القائلين بأن العقل في الرأس في دليليهما بما يلي: أولاً: ناقشوهم في دليلهم الأول من وجهين: الوجه الأول: أن قول العقلاء: " هذا ثقيل الرأس " و " هذا في دماغه عقل " لا يلزم منه أن العقل في الرأس، وإنما قولهم هذا يعني أن العقل نور في القلب يفيض إلى الرأس وإلى سائر الحواس. فإضافتهم العقل إلى الرأس إنما هي من هذه الحيثية. الوجه الثاني: أن منْ قال من العقلاء: " هذا فارغ الرأس "، و " هذا ليس في رأسه عقل " فمرادهم من ذلك أن جفاف الدماغ يؤثر في العقل وإن كان في غير محله، كما يؤثر في البصر وإن لم يكن في محله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 ثانيا: وناقشوهم في دليلهم الثاني: بأن إزالة العقل بالضرب على الرأس لا يدل على أن العقل في الرأس، بدليل أن الإنسان إذا عصرت أنثياه زال عقله، ولا قائل بأن العقل مستقر هنالك ((1)) . وقد يُناقَشُ الفريقان الأول والثالث فيما استدلوا به على أن العقل في القلب، بما يلي: أولاً: أن الآيات القرآنية الكريمة لا دلالة فيها على أن العقل في القلب، وإنما مقتضى الآية الأولى أن صاحب القلب السليم من الشبهة والشهوة هو الذي ينتفع بالمواعظ والزواجر. وكذلك هو مقتضى الآيتين الثانية والرابعة. وأما الآية الثالثة فهي صريحة الدلالة على أن القلب في الصدر، وهذا مما لا خلاف فيه وإنما الخلاف في محل العقل. ثانياً: أن الحديث والأثر المستدل بهما على أن العقل في القلب لا تنهض بهما حجة، لكون بعض أئمة الحديث ذكرهما في جملة الموضوعات. ثالثاً: أن القول بأن العلوم محلها القلب غير مسلَّم، ولو سُلَم فلا يدل على أن محل العقل هو القلب. المطلب الثالث: الترجيح، وبيان سببه من خلال استعراض الأقوال الثلاثة السابقة، والموازنة بين أدلة كل قول يترجح لدي أن العقل في القلب ويفيض نوره إلى الدماغ، وذلك لسببين: السبب الأول: ... أن استقرار العقل في القلب أو في الرأس أمْر خفي لا يمكن الاطلاع عليه، وما كان كذلك فالحكم فيه موقوف على الشارع، والذي دلت عليه النصوص القرآنية الكريمة في ظاهرها أن العقل في القلب، فيكون القول بمقتضى ذلك الظاهر أولى وأسلم. السبب الثاني: ... أن الذين نسبوا العقل إلى الرأس إنما نسبوه من قبيل أن العقل نور في القلب يفيض إلى الرأس، وكونه كذلك لا يدل على أن الرأس محل له، بل إن الرأس يتأثر بنور العقل وإن لم يكن مستقراً فيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 .. وعلى هذا فالخُطْب في هذه المسالة هين، فإن من نسب العقل إلى القلب نظر إلى المقر، ومن نسبه إلى الرأس نظر إلى الأثر، إذ أن اتقاد الذهن أثر لذلك النور المستقر في القلب، وهذا المعنى هو ما ترجمه الشوكاني رحمه الله تعالى بقوله: (ومعنى: " فتكون لهم قلوب يعقلون بها " أنهم بسبب ما شاهدوا من العبر تكون لهم قلوب يعقلون بها ما يجب أن يتعقلوه، وأسند التعقل إلى القلوب لأنها محل العقل، كما أن الآذان محل السمع، وقيل: إن العقل محله الدماغ، ولا مانع من ذلك، فإن القلب هو الذي يبعث على إدراك العقل وإن كان محله خارجاً عنه) ((1)) . المطلب الرابع: ثمرة الخلاف في المسألة أفصح الزركشي رحمه تعالى عن ثمرة الخلاف في هذه المسألة فقال: (ومما يتفرع على الخلاف في أن محله ماذا؟ مالو أُوضح (2) رجل فذهب عقله.فعند الشافعي ومالك يلزمه دية وأرش الموضحة، لأنه أتلف عليه منفعةً ليست في عضو الشجة تبعاً لها، وقال أبو حنيفة: إنما عليه دية العقل فقط، لأنه إنما شجَّ رأسه، وأتلف عليه العقل الذي هو منفعة في العضو المشجوج، ودخل أرش الشجة في الدية) (3) . ... قال النووي الشافعي رحمه الله تعالى: (يُنْظَرُفي الجناية التي ذهب بها العقل، فإنْ لم يكن لها أرش بأنْ ضرب رأسه أو لطمه فذهب عقله وجبت دية العقل، وإن كان لها أرش مُقدَّر كالموضحة واليد والرجل، أو غير مقدر كالجراحة الموجبة للحكومة فقولان: القديم أنه يدخل الأقل في الأكثر، فإن كانت دية العقل أكثر بأن أوضحه فزال عقله دخل أرش الموضحة وإن كان أرش الجناية أكثر بأن قطع يديه ورجليه أو يديه مع بعض الذراع فزال عقله دخل فيه دية العقل، والجديد: الأظهر لا تداخل، بل يجب دية العقل وأرش الجناية) (4) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 وقال المرغيناني (1) الحنفي رحمه الله تعالى: (ومَنْ شجَّ رجلاً فذهب عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة في الدية، لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء) (2) . المبحث الثالث: تفاوت العقل وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: أقوال الأصوليين في ذلك اختلف الأصوليون في تفاوت العقول من شخص لآخر على قولين: القول الأول: ... العقل يتفاوت من شخص لآخر. وممن ذهب إلى هذا القول من الأصوليين: القاضي أبو يعلى (3) ، وأبو الخطاب (4) ، والفتوحي (5) ، والبزدوي (6) ، ومحمد بن نظام الدين الأنصاري (7) (8) . القول الثاني: العقل لا يتفاوت، بل هو شيء واحد في جميع الناس لا يزيد ولا ينقص. وإلى هذا القول ذهب الأشاعرة والمعتزلة وابن عقيل الحنبلي (9) . المطلب الثاني: الأدلة والمناقشات أولاً: أدلة القول الأول: استدل القائلون بأن العقل متفاوت بالأدلة الآتية: الدليل الأول: ... ما رواه أبو سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أَضْحىَ أو فِطْرٍ إلى المُصّلَى فمرَّ على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدَّقْن فإني أُريتكنَّ أكثر أهل النار) ، فقلن: وبِمَ يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عَقل ودين أَذْهَبَ للب الرجل الحازم من إحداكن) ، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان عَقْلها، أليس إذا حاضت لم تُصَلَّ ولم تَصُم؟) قلن: بلى قال: (فذلك من نقصان دينها) (10) . ... وجه الاستدلال: أن هذا الحديث يدل على نقصان عقل النساء عن عقول الرجال مع وصفْهِنَّ بالعقل، ولو كان العقل شيئاً واحداً لا يتفاوت لما استقام ذلك. الدليل الثاني: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 .. قالوا: إن الإجماع منعقد على أن العقل متفاوت، وذلك لأن كل الناس يقولون: عَقْلُ فلان قليل، وعقل فلان أكثر من عقل فلان، وفلان غير عاقل. الدليل الثالث: ... قالوا: إن العقل منحة إلهية تفضلَّ الله تبارك وتعالى بها على عباده، وفَضْلُ الله تعالى يتفاوت بحسب قابلية المحل واستعداده، فيزيد عند بعض الناس، وينقص عند البعض الآخر. ... ولو كان العقل على حالة واحدة لما كان كذلك (1) . ثانياً: أدلة القول الثاني: ... استدل القائلون بأن العقل لا يتفاوت بدليلين: الدليل الأول: ... أن العقل من العلوم الضرورية، وتلك لا تختلف في حق عاقل، بل العقلاء في ذلك متساوون. الدليل الثاني: ... أنه لو كان أحد الناس أكمل عقلاً من الآخر لم يحصل لغير الكامل الغرض، وهو تأملَّ الأشياء ومعرفتها لأجل النقصان الذي حصل فيه (2) . ثالثاً: المناقشات: أ - نوقش القائلون بعدم تفاوت العقول فيما استدلوا به على ذلك بما يلي: أولاً: نوقشوا في دليلهم الأول: بأن تلك العلوم الضرورية لم يختلف ما يُدرك بها من النظر والشم والذوق، فلهذا لم تختلف هي في أنفسها، وليس كذلك العقل لأنه يختلف ما يُدرك به وهو التمييز والفكر، فيقلُّ في حق بعضهم ويكثر في حق البعض الآخر، ولذلك اختلف وتفاوت. ثانياً: ونوقشوا في دليلهم الثاني: بأنه إنما لم يحصل له الغرض الكامل لأنا نجد أنّ مَنْ لم يكمل عقله لا تكمل أحواله ولا يبلغ جميع أغراضه، ومَنْ كمل عقله بلغ أكثر أغراضه وأكمل أكثر أحواله (3) . ب- ونوقش القائلون بتفاوت العقول فيما استدلوا به على ذلك بما يلي: أولاً: نوقشوا في دليلهم الأول من وجهين: الوجه الأول: أن العقول لا يجوز أن تتفاوت بأصل الفطرة، وإنما تتفاوت بالعوارض وهذا لا يُعْتَدُّ به، وإذا كان غير معتد به فالرجال والنساء في العقل سواء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 الوجه الثاني: أن الرجال والنساء سواء في التكليف، فلا بُدَّ من الاستواء فيما هو مناط له وهو العقل (1) . ثانياً: ونوقشوا في دليلهم الثاني والثالث من وجهين أيضاً: الوجه الأول: أن العقل بَعْضُُ من العلوم فلا يقبل الزيادة والنقصان، لأن العلم الكسبي لا يقبل الزيادة، فيكون الضروري أولى بعدم قبولها. الوجه الثاني: ما ورد من نحو قولهم: " عقل فلان أكثر من عقل فلان " إنما هو من باب قولهم: " فلان أعلم من فلان " بمعنى أن معلوماته أكثر، فيكون المراد بزيادة العقل كثرة التجارب، والتجارب قد تجوَّز فيها قوم فقالوا: هي عقل ثانٍ، وقالوا في المشورة: عقل غيرك مُنْضَمُُّ إلى عقلك، وهذا كله مجاز، والحقيقة لا تقبل التزايد (2) . المطلب الثالث: الترجيح، وبيان سببه يترجح لديّ مما سبق عرضه ومناقشته أن العقل متفاوت، فهو يختلف قلةً وكثرةً من إنسان لآخر، وذلك لسببين: السبب الأول: ... أن الله تبارك وتعالى أمرنا برد كل شيء متُنَاَزعٍ فيه إليه سبحانه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) (3) . وقال: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) (4) . ... وقد رددنا هذه المسألة المتنازع فيها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فوجدنا أنه عليه الصلاة والسلام أخبرنا في الحديث المتفق عليه السابق ذِكْرُه (5) بأن النساء ناقصات عقل، وفي هذا الإخبار دلالة صريحة على نقصان عقول النساء عن عقول الرجال، ولو كانت العقول متساوية لما أخبرنا بذلك عليه الصلاة والسلام. السبب الثاني: ... أننا نجد في الواقع المحسوس الملموس اختلاف الناس في الإدراك العقلي، فبعضهم أكثر إدراكاً من بعض، وهذا يدل دلالة واضحة على تفاوت العقول بين الناس، إذ لو كانت متساوية لما وُجد ذلك الاختلاف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 المطلب الرابع: ثمرة الخلاف في المسألة حقَّق الغزالي رحمه الله تعالى في هذا المقام الأمر الذي لا تتفاوت فيه العقول بين الناس بعد أن بيَّن أن العقل يطلق بالاشتراك على أربعة معانٍ أولها: الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر البهائم، وهو الذي استعدَّ به لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية، وثانيها: العلوم الضرورية كالعلم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، وثالثها: العلوم المستفادة من التجارب بمجاري الأحوال، ورابعها: معرفة عواقب الأمور التي تفضي إلى قَمْع الشهوة وقَهْرها (1) . فقال: (قد اختلف الناس في تفاوت العقل، ولا معنى للاشتغال بنقل كلام مَنْ قَلَّ تحصيله، بل الأولى والأهم المبادرة إلى التصريح بالحق، والحق الصريح فيه أن يقال: إن التفاوت يتطرق إلى الأقسام الأربعة سوى القسم الثاني وهو العلم الضروري بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، فإنَّ مَنْ عَرَفَ أنّ الاثنين أكثر من الواحد عرف أيضاً استحالة كون الجسم في مكانين، وكون الشيء الواحد قديماً حادثاً، وكذا سائر النظائر، وكل ما يدركه إدراكاً محقَّقاً من غير شك، وأما الأقسام الثلاثة فالتفاوت يتطرق إليها) (2) . وهذا التحقيق الذي ذهب إليه الغزالي رحمه الله تعالى يجعل عدم التفاوت محصوراً فيما يتعلق بالعلوم الضرورية فقط، ومعنى ذلك أن (العقل الغريزي) وهو الذي ميَّز الله تبارك وتعالى به الإنسان عن البهائم قابل للتفاوت فيختلف فيه الناس بعضهم عن بعض بحسب اختلاف مداركهم ومعارفهم. إلا أن الزركشي رحمه الله تعالى قد خالف في تحقيقه تحقيق الغزالي، فذهب إلى أن (العقل الغريزي) ليس قابلاً للتفاوت حين قال: (والتحقيق: أنه إن أُريد الغريزي فلا يتفاوت، أو التجريبي فلا شك في تفاوته) (3) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 ومعنى ذلك أن العقل الغريزي يستوي فيه كل الناس دون تفاوت، بل التفاوت بينهم إنما هو في العقل التجريبي، إذ الناس مختلفون في تجاربهم قلةً وكثرة، وكلما كان الإنسان أكثر تجربة ازداد تعقُّلاً بشؤون هذه الحياة. ... وفي تصوري أنه بالموازنة بين هذين التحقيقين لا يستقيم خلاف معنوي بين ما قرره الغزالي والزركشي رحمهما الله تعالى، وذلك لوجهين: الوجه الأول: أنهما متفقان على أن العلوم التجريبية محلُُ لتفاوت العقول فيها، إذ أن تلك العلوم خاضعة في قلتها وكثرتها للتجارب التي يخوض الناس غمارها قلةً وكثرةً، أو أنها خاضعة للبحث والنظر، والبحث والنظر مما يختلف باختلاف المدارك والقدرات. الوجه الثاني: أن ما اختلفا فيه من كون العقل الغريزي قابلاً للتفاوت وعدمه لا تعارض فيه، إذ يمكن تخريجه عن طريق الجمع بحمل القول بعدم التفاوت على العلوم الضرورية لاستواء جميع العقلاء في إدراكها، وحمل القول بالتفاوت على العلوم النظرية التي يختلف فيها الناس بحسب قلة وكثرة تجاربهم، وبحسب اختلافهم في الاستعداد الذهني. وبهذا يؤول خلاف الفريقين في هذه المسألة إلى خلاف لفظي لا تنهض به ثمرة عملية. المبحث الرابع: سبب الخلاف في تحكيم العقل تصدَّى لبيان هذا السبب الشيخ محمد الخضري في أصوله حيث قرَّر أن هذا الخلاف يعود إلى المعَّرف لأحكام الله تبارك وتعالى، فمن رأى أن المعرف لها إنماهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خاصة ذهب إلى أنه لا سبيل إلى درك حكم الله تعالى بالعقل قبل البعثة، ومن رأى أن العقل يصلح أن يكون معَّرفاً ذهب إلى أن العقل يمكنه أن يستقل بدرك حكم الله تعالى في الفعل قبل البعثة بناء على ما يدركه من حُسن فيه أو قُبح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 ثم قال رحمه الله تعالى: (والرأي الأول إما أنه مبني على أنه ليس في الأفعال صفات حُسن وقُبح ذاتية بسببها يطلب الله فعلها أو تركها وإنما هو يطلب فعل ما يشاء فيكون حَسَناً، ويطلب الكف عما شاء فيكون قَبيحاً، فلا سبيل للعقل للعلم بحُسن فعلٍ أو قُبحه إلا متى علم بطلب الله لفعله على لسان رسله أو الكف عنه. وإما مبني على أن الأفعال فيها صفة حُسن أو قُبح ذاتية ولكن لا يلزم من اتصافها بذلك أن يكون حكم الله وفق ما أدركه العقل من ذلك، فلا تكليف قبل ورود الشرع فالنتيجة واحدة وهي نَفْيُ التكليف قبل ورود الشرع وإن اختلفت العلة. والرأي الثاني مبني على اتصاف الأفعال بالحُسن والقُبح اتصافاً ذاتياً، وأن العقل يمكنه الاستقلال بفهم ذلك قبل ورود الشرائع، وأنه يلزم أن تكون أحكام الله على وفق ما اتصفت به الأفعال من ذلك) (1) . وهذا ما نحى إليه المعتزلة حين قَرَّروا أن النقل إذا جاء مخالفاً للعقل فإما أن يُرَدَّ أو يُؤَوَّل، كما سيتضح في مبحث بيان موقفهم من العقل. المبحث الخامس: العقل عند المعتزلة وفيه مطلبان: المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل ... يُعَدُّ أصوليو المعتزلة من أكثر علماء أصول الفقه انحيازاً للعقل، حيث أحاطوه بهالة كبيرة من القداسة والتبجيل، لدرجة أنه ما ذُكر العقل إلا واتجهت الأنظار إليهم وكأنه أصبح عَلَماً لهم أو حِكْراً عليهم. ... ومن أبرز السمات التي تدل على انحياز المعتزلة للعقل ما يلي: السمة الأولى: ... (قَصْرُ العلم بأصول المقبَحات والمحسنَات على العقل فقط) : الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 .. فعندهم أن العقل هو الكاشف الوحيد عن كون الشيء حَسَناً أو قَبيحاً، حتى لو تعطَّل العقل عن إدراك ذلك لسُدَّ الطريق أمام التمييز بين الحَسَن والقبيح، وهذا ما ترجمه القاضي عبد الجبار بقوله: (اعلم أن الطريق إلى معرفة أحكام هذه الأفعال من وجوب وقُبْح وغيرهما هو كالطريق إلى معرفة غير ذلك، ولا يخلو: إما أن يكون ضرورياً، أو مكتسباً. والأصل فيه أن أحكام هذه الأفعال لابد من أن تكون معلومة على طريق الجملة ضرورة، وهو الموضع الذي يقول: إن العلم بأصول المقبحات والواجبات والمحسنات ضروري، وهو من جملة كمال العقل، ولو لم يكن ذلك معلوماً بالعقل لصار غير معلوم أبداً، لأن النظر والاستدلال لا يتأتَّى إلا ممن هو كامل العقل) (1) . السمة الثانية: ... (تأهيل العقل لتشريع الثواب والعقاب) : ... فقد قررَّ المعتزلة وجوب الاستجابة لداعي العقل فيما يمليه على صاحبه دون مخالفة أو عصيان، فإذا كَشَفَْ عن حُسْن الحَسَن وجب فعْلُه، فمن فَعَلَهُ استحق الثواب، ومن لم يفعله وهو قادر على فعله استحق العقاب، وإذا كشف عن قُبْح القبيح وجب تَركْه، فمن تركه أُثيب، ومن أقدم على فعله عوقب. ... وقد ترجم ذلك القاضي عبد الجبار بقوله: (القبيح هو ما يقع على وجه يقتضي في فاعله قبل أن يفعله أنه ليس له فِعْلُه إذا علم حاله، وعند فعله يستحق الذم إذا لم يكن يمنع، والحسن ما يوجد مختصاً لغرض وتنتفي وجوه القبح عنه ومن حقه إذا علمه القادر عليه أن يقع كذلك أن يكون له فعله، ولا يستحق الذم إذا فعله) (2) . ... وسار على هذا المنوال أبو الحسين البصري حين قال: (أما الحَسَنُ فهو فِعْلُُ إذا فعله القادر عليه لم يستحق الذم على وجه، … وأما القبيح فهو فِعلُُله تأثير في استحقاق الذم) (3) . السمة الثالثة: ... (تقديم معرفة العقل على دلالة النقل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 .. فالنقل عندهم محل الاعتبار إذا جاء موافقاً لحجج العقول، فإنْ جاء مخالفاً لها وجب تكييفه بما يتفق مع دلالة العقل إن أمكن ذلك، وإلا وجب ردّه أو تأويله. ... وبرُهان ذلك كله ما دلت عليه أقوالهم الصريحة بهذا الخصوص، فقد قال منظَر مذهبهم القاضي عبد الجبار في نصوص السنة المخالفة لقضايا العقول عندهم: (وإن كان مما طريقة الاعتقادات يُنْظَر: فإنْ كان موافقاً لحجج العقول قُبِل واعتُقِد موجبه، لا لمكانه بل للحجة العقلية، وإن لم يكن موافقاً لها فإنَّ الواجب أن يُرَدَّ ويحكم بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يقله، وإنْ قاله فإنما قاله على طريق الحكاية عن غيره، هذا إذا لم يحتمل التأويل إلا بتعسُّف، فأما إذا احتمله فالواجب أن يُتَأوَّل) (1) . المطلب الثاني: دراسة موقف المعتزلة من العقل من خلال استعراض أهم السمات التي دلت على تقديس العقل عند المعتزلة فإنَّ طبيعة الدراسة لتلك السمات التي حدَّدت بوضوح موقف أهل الاعتزال من العقل بوصفه حجة لها الأولوية الكبرى في مقام الاستدلال تقودنا إلى نَظْرةٍ تقويمية لكل سِمَةٍ على حدة لبيان ما لها وما عليها حسب ميزان الحق والإنصاف ودون حَيْفٍ أو إجحاف، وذلك وفق ما يلي: أولاً: أن السمة الأولى التي مقتضاها: " قَصْرُ العلم بأصول التقبيح والتحسين على العقل فقط " اشتملت في تصوري على ما يمكن قبوله والتسليم به، وعلى مالا يمكن قبوله والتسليم به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 أ) فأما ما يمكن قبوله والتسليم به فهو دعواهم أن " العقل كاشف عن الحُسْن والقُبْح في الأشياء " فهذه دعوى صحيحة لا ينكرها إلا مكابر، لأن الله تبارك وتعالى أودع في غرائز النفوس استحسان الحَسَن واستقباح القبيح، فالناس مفطورون على ذلك جميعهم، وهذا ما ترجمه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى بقوله: (فإن الله سبحانه فطر عباده على استحسان الصدق والعدل والعفّة والإحسان ومقابلة النعم بالشكر، وفطرهم على استقباح أضدادها، ونِسْبَةُ هذا إلى فطرهم وعقولهم كنسبة الحلو والحامض إلى أذواقهم، وكنسبة رائحة المِسك ورائحة النَّتن إلى مشامَّهم، وكنسبة الصوت اللذيذ وضده إلى أسماعهم، وكذلك كل ما يدركونه بمشاعرهم الظاهرة والباطنة، فيفرَقون بين طيبَه وخبيثه، ونافعه وضاره) (1) . ب) وأما مالا يمكن قبوله وتسليمه فهو دعواهم " أنَّ ذلك الإدراك للحُسْن والقُبْح لا يُعْلَمُ إلا من جهة العقل فقط "، وذلك لأن العقل مهما بلغ من الكمال والدقة والإتقان في الكشف عن حقائق الأمور وإدراك طبائعها فإنه قاصر عن الإحاطة بما يحقق مصلحة النفس البشرية في العاجلة والآجلة، والإحاطة بذلك كله إنما هو شأن العليم الخبير الذي وسع علمه كل شيء كما قال سبحانه: (وسع كل شيء علماً) (2) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 ومما يدل على قصور إدراك العقل للحُسْن والقُبْح أنَّ الشارع قد ورد باستقباح ما كانت عقول العرب تستحسنه في الجاهلية وطرفاً من الإسلام وهو (شُرْب الخمر) ، إذ كانت الخمرة عندهم معدودةً من الطيبات، بل إنها في عرفهم من ألذ الطيبات على الإطلاق فكانوا يتغنون بها في أشعارهم ويتسامرون بها في مجالسهم، فنبَّه الشارع الحكيم العقلاء إلى أنها قبيحة نظراً لما تفضي إليه مِنْ أضرار بالغة تتصادم في حقيقتها مع مصالح الدين والدنيا، وهذا ما أكَّده الحق تبارك وتعالى بقوله: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) (1) . وإذا كان الشارع الحكيم قد نبَّه العقلاء إلى خطأ ما استحسنته عقولهم فإن ذلك دليل على أن العقل ليس مستقلاً وحده بإدراك الحُسن والقبح. وثمَّة أمْر آخر وهو أنَّ حَصْر إدراك الحُسْن والقُبْح في العقل وحده يفضي إلى محذور شرعي كبير، وهو أنه ليس للشرع أنْ يعترض على حُكْم العقل بتقبيح ما استحسنه أو تحسين ما استقبحه، إذ ليس ذلك إليه بل هو من اختصاص العقل وحده دون منازع، وهذا وإنْ تنصَّل منه المعتزلة وزعموا أنهم لم يقصدوه إلا أنه لازم قولهم ومقتضى كلامهم. ثانياً: أن السمة الثانية التي مقتضاها: " تأهيل العقل لتشريع الثواب والعقاب " هي في حد ذاتها استئصال لقاعدة شرعية قرَّ رها الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم، وهي: " أنه لا عذاب إلا بعد إرسال الرسل " أَخْذاً من قوله سبحانه: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) (2) . وإذا انتفى العذاب قبل البعثة انتفى الثواب كذلك، ولو كان العقل مُؤَهَّلاً لتشريع الثواب والعقاب ومستقلاً بذلك لما جعل الحق تبارك وتعالى ثبوت العقاب والثواب خاصاً بورود الشرع دونه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 بل إنَّ الحق تبارك وتعالى بيَّن لنا في كتابه الكريم أنه لو عذَّب الناس على فعل ما تقَّرر في قضايا العقول قُبْحُه لاحتجوا عليه بمؤاخذته إياهم على شيء لم يثبت قُبْحهُ شرعاً لا بإرسال رسول ولا بإنزال كتاب وإنما بمجرد دلالة العقل، ولو كان العقل حقاً مستقلاً بذلك لما صح منهم هذا الاحتجاج، وفي ذلك يقول سبحانه: (ولو أنَّا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى) (1) . ويقول سبحانه: (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين) (2) . وفي هذا دلالة قاطعة على أن الثواب والعقاب قضية شرعية طريق ثبوتها الرسول المرسل والكتاب المنزل، وليس قضية عقلية يستأثر العقل بها، فللعقل أن يدرك الحسن والقبح من غير أن يرتب على ذلك ثواباً أو عقاباً، فليس هو رسولاً ولا كتاباً. ثالثاً: أن السمة الثالثة وهي: " تقديم معرفة العقل على دلالة النقل " تعني جعل العقل أصلاً للشرع، وهذا يفضي إلى نسف الشرائع من أصلها، فيكون إرسال الرسل وإنزال الكتب عبثاً محضاً، إذ يمكن الاستغناء بذلك عن الرسل والكتب، وإذا كان للشرع من فائدة تُذكر والحالة هذه فإنما هي تأكيد ما استقر في قضايا العقول، فهو بذلك رديف مساند إن جاء موافقاً للعقل قُبل، وإلا فالهيمنة للعقل الذي هو أصل التشريع ولب التفريع. وهذا بلا شك مزلة قدم خطيرة، إذ كيف يُقدَّم العقل الذي هو فكر بشري محدود بنطاق الزمان والمكان محفوف بنوازع الهوى على شرع إلهي صادر ممن أحاط علمه بالزمان والمكان من غير قصور في الإدراك أو خلل في الاستيعاب؟ ولقد أنكر الحق تبارك وتعالى ذلك أشد الإنكار حين قال: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ((3)) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 فمن جعل المعرفة العقلية مقدمة على الدلالة النقلية يكون بذلك متخذاً العقل مشرعاً في دين الله تعالى بما لم يأذن به سبحانه، وهذا والعياذ بالله غاية الإسفاف ونهاية الانحراف. ومن هذا كله نخلص إلى أن المعتزلة في بداية مسيرهم مع العقل لم يريدوا به أن يكون حاكماً على الشرع، بل أرادوا أن العقل طريق إلى العلم بالحكم الشرعي، ولكنهم بعد أن توغلوا في العقل بالغوا في تقديسه حتى جعلوه مقدماً على الشرع وحاكماً عليه، ومن هنا حذر الإسلام الحنيف من الغلو لأنه لا يأتي في نهاية مطافه إلا بعواقب وخيمة وأضرار جسيمة. المبحث السادس: العقل عند الأشاعرة وفيه مطلبان: المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل كان موقف الأشاعرة من العقل ناشئاً عن ردة فعل عنيفة من موقف المعتزلة منه، فحيث بالغ المعتزلة في تقديس العقل وتهويل شأنه فقد بالغ الأشاعرة في تجميد العقل وسلبه القدرة على إدراك الحسن والقبح في الأشياء التي تُلامَسُ وتُشَاهَد. ... وليس ذلك افتراءً عليهم، بل إن أقوالهم التي تفوهوا بها شاهد صدق على هذا المُدَّعَى، وإذا اكتفيتَ بمثالين على ذلك فخذهما من قول الغزالي رحمه الله تعالى (لا يستدرك حسن الأفعال وقبحها بمسالك العقول، بل يتوقف دركها على الشرع المنقول، فالحسن عندنا ما حسنه الشرع بالحث عليه، والقبيح ما قبحه بالزجر عنه والذم عليه) ((1) . ... ومن قول ابن برهان رحمه الله تعالى: (أطلق أهل الحق أقوالهم بأن حسن الأشياء وقبحها لا يدرك بقضيات العقول، إنما يدرك بالسمع المنقول) (2) . وهذا يعني إقصاء العقل عن أهلية الصدارة لإثبات حسن أو قبح في شيء من الأشياء، إذ ليس شأن ذلك إليه، بل هو شأن الشرع وحده. المطلب الثاني: دراسة موقف الأشاعرة من العقل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 موقف الأشاعرة من العقل ناشئ من تصورهم أن العقل لاحَظَّ له في إثبات الحسن أو القبح في الأشياء، وإنما مرجع ذلك إلى الشرع فيما ورد به الأمر والنهي، وهذا ما أكده إمام الحرمين الجويني رحمه الله تعالى بقوله: (من أحكام الشرع التقبيح والتحسين، وهما راجعان إلى الأمر والنهي، فلا يقبح شيء في حكم الله تعالى لعينه، كما لا يحسن شيء لعينه) ((1)) . فهما – أعني الحسن والقبح – ثابتان عندهم بنفس الأمر والنهي، وليس لكون الأمر أو النهي دليلاً معرفاً لحسن أو قبح قد سبق ثبوته بالعقل. ومن أجل وضع النقاط على الحروف في بيان حقيقة هذا الموقف فإن ما أطلقوه من القول بنفي إدراك العقل للحسن والقبح لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: ... أن يريدوا بذلك أن الفعل ليس له حسن أو قبح ذاتي ثابت له في نفسه، حتى يتفرع على ذلك القول بإدراكهما فيه من جهة العقل. ولعل هذا ما يشير إليه ابن الحاجب رحمه الله تعالى بقوله: (لا حكم إلا بما حكم به الله، فالعقل لا يحسن ولا يقبح أي: لا يحكم بأن الفعل حسن وقبيح لذاته، أو بوجوه واعتبارات في حكم الله تعالى) ((2)) . الحالة الثانية: أن يريدوا به أن العقل لا دخل له البتة بإثبات العقاب على ترك الحسن وفعل القبيح، أو الثواب على ترك القبيح وفعل الحسن، بل إن ذلك من اختصاص الشارع وحده. ... فإن كان الأول هو مغزى إطلاقهم فإنه غير مُسلَّم لهم، إذ القبح والحسن ثابتان للفعل في نفسه، وهو ما حققه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى بقوله (وتحقيق القول في هذا الأصل العظيم أن القبح ثابت للفعل في نفسه) ((3)) . ... وإن كان الثاني هو ما رموا إليه وعوَّلوا عليه فذلك محض الحق الذي لا مرية فيه، إذ الثواب والعقاب حكمان شرعيان طريق ثبوتهما الشرع لا العقل. والذي أراه راجحاً أن هذا هو مرادهم دون الأول. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 وبناءً على هذا الترجيح فإن مبالغتهم في نفي إدراك العقل لحسن الأشياء وقبحها إنما هو منصب على الثواب والعقاب لا على مطلق الإدراك. المبحث السابع: العقل عند الظاهرية وفيه مطلبان: المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل اشتهر عن أهل الظاهر عموماً إنكارهم حجية القياس في أحكام الشريعة حسب ما صرحوا به في كتبهم، حيث قال ابن حزم رحمه الله تعالى: (وذهب أصحاب الظاهر إلى إبطال القول بالقياس في الدين جملة، وقالوا: لا يجوز الحكم البتة في شيء من الأشياء كلها إلا بنص كلام الله تعالى، أو نص كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو بما صح عنه صلى الله عليه وسلم من فعل أو إقرار، أو إجماع من جميع علماء الأمة كلها مُتَيَقَّن أنه قاله كل واحد منهم دون مخالف من أحد منهم، أو بدليل من النص أو من الإجماع المذكور الذي لا يحتمل إلا وجهاً واحداً، والإجماع عند هولاء راجع إلى توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولابد، لا يجوز غير ذلك أصلاً، وهذا هو قولنا الذي ندين الله به) ((1)) . والناظر لأول وهلة في هذا القول يظن أو يكاد يجزم أنهم أعداء لقضايا العقول وأبعد الناس عن أن يقيموا لذلك ميزاناً ومعياراً، ولكن هذا الظن أو ذاك الجزم وَهْم من الخيال إذ الحقيقة على خلاف ذلك تماماً، فالعقل عندهم محل للاعتبار وسمات هذا الاعتبار تتجلى فيما يلي: السمة الأولى: ... أن ابن حزم رحمه الله تعالى عقد باباً في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام) أثبت فيه حجج العقول، وتصدى بالرد على الذين أبطلوا حجة العقل، ووصف ذلك بأنه تمويه فاسد ((2)) . السمة الثانية: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 .. أنه رحمه الله تعالى حكم بالصحة لما أوجبه العقل من أحكام كاستحالة اجتماع الضدين، وأن الكل أكثر من الجزء ونحو ذلك، فقال: (وقد سألوا أيضاً – يعني بهم مبطلي حجة العقل – فقالوا: بأي شيء عرفتم صحة العقل؟ أبحجة عقل أم بغير ذلك؟ فإن قلتم: " عرفناها بحجة العقل " ففي ذلك نازعناكم، وإن قلتم: بغير ذلك فهاتوه، … والجواب على ذلك وبالله التوفيق: أن صحة ما أوجبه العقل عرفناه بلا واسطة وبلا زمان، ولم يكن بين أول أوقات فهمنا وبين معرفتنا بذلك مهلة البتة، ففي أول أوقات فهمنا علمنا أن الكل أكثر من الجزء، وأن كل شخص فهو غير الشخص الآخر، وأن الشيء لا يكون قائماً قاعداً في حال واحدة، وأن الطويل أمدُّ من القصير، وبهذه القوة عرفنا صحة ما توجبه الحواس، وكلما لم يكن بين أول أوقات معرفة المرء وبين معرفته به مهلة ولازمان فلا وقت للاستدلال فيه، ولايدري أحد كيف وقع له ذلك، إلا أنه فِعْل الله عز وجل في النفوس فقط، ثم من هذه المعرفة أنتجنا جميع الدلائل) (1) . السمة الثالثة: ... بيَّن ابن حزم رحمه الله تعالى أن الخبر لا تعلم صحته، ولا يعرف كونه صدقاً أو كذباً إلا بحجة العقل، فقال: (فإذاً قد بطلت كل طريق ادعاها خصومنا في الوصول إلى الحقائق من الإلهام والتقليد، وثبت أن الخبر لا يعلم صحته بنفسه، ولا يتميز حقه من كذبه، وواجبه من غير واجبه إلا بدليل من غيره، فقد صح أن المرجوع إليه حجج العقول وموجباتها، وصح أن العقل إنما هو مميز بين صفات الأشياء الموجودات، وموقف للمستدل به على حقائق كيفيات الأمور الكائنات، وتمييز المحال منها) ((2)) . السمة الرابعة: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 .. أن وظيفة العقل عندهم إنما هي الفهم عن الله تبارك وتعالى لأوامره، وترك تعدي حدوده، والإقرار بأنه سبحانه فعال لما يشاء، وليست كونه يحلَلّ أو يحرَّم فذاك ليس إليه، وليست وظيفته كذلك بأن يقضي أن تكون صلاة الظهر أربعاً وصلاة المغرب ثلاثاً وصلاة الصبح ركعتين، فهذا مما لا مجال للعقل فيه. ... قال ابن حزم رحمه الله تعالى: (وقد بينا أن حقيقة العقل إنما هي تمييز الأشياء المدركة بالحواس وبالفهم، ومعرفة صفاتها التي هي عليها جارية على ما هي عليه فقط … ، فأما أن يكون العقل يوجب أن يكون الخنزير حراماً أو حلالاً، أو أن يكون التيس حراماً أو حلالاً، أو أن تكون صلاة الظهر أربعاً وصلاة المغرب ثلاثاً … فهذا لا مجال للعقل فيه لا في إيجابه ولا في المنع منه، وإنما في العقل الفهم عن الله تعالى لأوامره، ووجوب ترك التعدي إلى ما يخاف العذاب على تعديه والإقرار بأن الله تعالى يفعل ما يشاء، ولو شاء أن يحرم ما أحل، أو يحل ما حرم لكان ذلك له تعالى، ولو فعله لكان فرضاً علينا الانقياد لكل ذلك ولا مزيد) ((1)) . المطلب الثاني: دراسة موقف الظاهرية من العقل موقف الظاهرية من العقل بتلك السمات الأربع المذكورة يعد تأصيلاً شرعياً لمكانة العقل في الإسلام، تلك المكانة التي وضعت العقل في حجمه المناسب دون إفراط في المعيار أو تفريط في الاعتبار، وهذه وسطية محمودة تحقق توازناً في الحكم واعتدالاً في الموقف. فليس العقل عند أهل الظاهر كمّاً مهملاً لا قيمة له ولا حرمة، وليس إلهاً يملك سلطة التشريع بالتحليل والتحريم، بل هو آلة فهم ووسيلة معرفة، يجعل صاحبه على بصيرة من أمره فلا يصدر أحكاماً متناقضة، كما لا يرفض البديهيات المسلمة، ولا يتدخل بكبرياء وتيه فيما لا مجال له فيه، بل يدور في فلك الشرع مؤيداً ومسانداً لا نداً معانداً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 .. وبذلك يتضح امتياز الظاهرية على المعتزلة بنظرتهم التوازنية للعقل ووضعه في مكانه اللائق به شرعاً. المبحث الثامن: العقل عند الشيعة وفيه مطلبان: المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل العقل عند الشيعة هو الحجة الباطنة، وهو السبيل إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار ((1)) . وهناك سمتان بارزتان تدلان على موقف الشيعة من العقل وهما: السمة الأولى: (أنه لا سبيل لثبوت الشريعة والتوحيد والنبوة إلا بالعقل) : قال محمد رضا المظفر الشيعي: (وهل تثبت الشريعة إلا بالعقل؟ وهل يثبت التوحيد والنبوة إلا بالعقل؟ وإذا سلخنا أنفسنا عن حكم العقل فكيف نصدق برسالة؟ وكيف نؤمن بشريعة؟ بل كيف نؤمن بأنفسنا واعتقاداتها؟ وهل العقل إلا ما عُبد به الرحمن؟ وهل يعبد الديان إلا به؟ ((2)) . السمة الثانية: (أن استحقاق المدح والذم بمعنى الثواب والعقاب مَدْرَكُُ عقلي) : وفي ذلك يقول المظفر الشيعي: (ومعنى استحقاق المدح ليس إلا استحقاق الثواب، ومعنى استحقاق الذم ليس إلا استحقاق العقاب، لأنهما شيئان أحدهما يستلزم الآخر، لأن حقيقة المدح والمقصود منه هو المجازاة بالخير لا المدح باللسان، وحقيقة الذم والمقصود منه هو المجازاة بالشر لا الذم باللسان. وهذا المعنى هو الذي يحكم به العقل) ((3)) . المطلب الثاني: دراسة موقف الشيعة من العقل إن ما قرره الشيعة في السمة الأولى التي تقصر ثبوت الشريعة والتوحيد والنبوة على العقل فقط تقرير مجمل يحتاج إلى تفصيل حتى يحسن الحكم عليه. فإن قصدوا بذلك أن العقل قد استقل وحده بالإثبات بمعزل عن دلالة الشرع وهدايته فهذا باطل بلا شك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 وإن قصدوا به أن العقل طريق لإثبات ذلك بدلالة الشرع وهدايته فذاك حق لا جدال فيه، وهذا ما ترجمه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله: (واعلم أن عامة مسائل أصول الدين الكبار مثل الإقرار بوجود الخالق وبوحدانيته وعلمه وقدرته ومشيئته وعظمته، والإقرار بالثواب، وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك مما يعلم بالعقل وقد دل الشارع على أدلته العقلية، وهذه الأصول التي يسميها أهل الكلام العقليات وهي ما تعلم بالشرع، لا أعني بمجرد إخباره فإن ذلك لا يفيد العلم إلا بعد العلم بصدق المخبر، فالعلم بها من هذا الوجه موقوف على ما يعلم بالعقل من الإقرار بالربوبية وبالرسالة، وإنما أعني بدلالته وهدايته، كما أن ما يتعلمه المتعلمون ببيان المعلمين وتصنيف المصنفين إنما هو لما بينوه للعقول من الأدلة، فهذا موضع يجب التفطن له، فإن كثيراً من الغالطين من متكلم ومحدث ومتفقه وعامي وغيرهم يظن أن العلم المستفاد من الشرع إنما هو لمجرد إخباره تصديقاً له فقط، وليس كذلك، بل يستفاد منه بالدلالة والتنبيه والإرشاد جميع ما يمكن ذلك فيه من علم الدين) ((1)) . أما ما قرروه في السمة الثانية التي تجعل استحقاق الثواب والعقاب مدركاً عقلياً فهو بعينه إحدى السمات التي ظهر بها تقديس المعتزلة للعقل، وقد سبق جواب ذلك، والإحالة إليه هناك أولى من ذكره هنا خشية الإطالة والتكرار ((2)) . المبحث التاسع: العقل عند السلف الصالح وفيه مطلبان: المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل بَّين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى موقف السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم من العقل وأهم ملامح هذا البيان يتجلى في أربع سمات: السمة الأولى: ... (أن العقل عندهم يحسَّن ويقبَّح) : الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (القائلون بالتحسين والتقبيح من أهل السنة والجماعة من السلف والخلف يثبتون القدر والصفات ونحوهما مما يخالف فيه المعتزلة أهل السنة، ويقولون مع هذا بإثبات الحسن والقبح العقليين، … ونَفْيُ الحسن والقبح العقليين مطلقاً لم يقله أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، بل ما يؤخذ من كلام الأئمة والسلف في تعليل الأحكام وبيان حكمة الله في خلقه وأمره، وبيان ما في ما أمر الله به من الحسن الذي يعلم بالعقل، وما في مناهيه من القبح المعلوم بالعقل ينافي قول النفاة) ((1)) . السمة الثانية: ... (أن الثواب والعقاب على حسن الفعل وقبحه ثابتان عندهم بالشرع لا بالعقل) : ... قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة … ولكن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلا بالأمر والنهي، وقبل ورود الأمر والنهي لا يكون قبيحاً موجباً للعقاب مع قبحه في نفسه، بل هو في غاية القبح، والله لا يعاقب عليه إلا بعد إرسال الرسل) ((2)) . السمة الثالثة: ... (أن العقل عندهم لا يهتدي إلى تفاصيل النافع والضار إلا بالشرع) : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ولولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد، فمن أعظم نعم الله على عباده وأشرف مِنَّة عليهم أن أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبين لهم الصراط المستقيم، ولولا ذلك لكانوا بمنزلة الأنعام والبهائم، بل أشر حالاً منها، فمن قَبِلَ رسالة الله واستقام عليها فهو من خير البرية، ومن ردها وخرج عنها فهو من شر البرية) ((3)) . السمة الرابعة: (أن العقل الصريح عندهم لا يعارض النقل الصحيح) : قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ولا يوجد نص يخالف قياسياً صحيحاً، كما لا يوجد معقول صريح يخالف المنقول الصحيح) ((4)) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 ولذلك فقد ألف رحمه الله تعالى كتاباً أسماه: " درء تعارض العقل والنقل " ((1)) . المطلب الثاني: دراسة موقف السلف الصالح من العقل إن العقل عند السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم موظَّف للعمل بالنصوص الشرعية، ومُسْتَثْمَر في فهم مقاصدها ومعرفة دلالاتها، وهذا من شأنه أن يحرر العقل من أسر التقليد وغل العادات حتى يكون في مستوى المكانة التي وضعه فيها الإسلام الحنيف. ومنهج السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم في تعاملهم مع العقل منهج يقوم على الوسطية والاعتدال، فقد عرفوا ما أعطاه الله تبارك وتعالى للعقل من مساحة يتحرك خلالها ليؤدي وظيفته التي أرادها الله عز وجل منه وهي فَهْمُ مراده سبحانه من النصوص الشرعية حتى يوجه صاحبه للعمل بها دونما زيغ أو شطط. وجعلوا ذلك العقل في الوقت نفسه تابعاً للنقل لا يعارضه في حكم، ولا يستقل عنه بتصور، بل يستنير بنوره ويهتدي بهداه. ولو أن من شط بعقله سلك هذا المنهج الوسطي المعتدل لسعد بهذا العقل ولما شقي به أبداً، فإن كل من قاده عقله إلى طريق الشقاء إنما كان ذلك نتيجة الغلو في تعظيم العقل ووضعه في المقام الذي لا يناسب حجمه، أو نتيجة تعطيل ذلك العقل دون استثمار لطاقاته واعتبار لقدراته اتكالاً على تقليد أعمى، أو وقوفاً عند عادة من العادات حُتّم عليه اتباعها وحُرَّم عليه اجتنابها. المبحث العاشر: الفارق بين القياس وحجة العقل يلاحظ أن المنكرين لحجية القياس كالظاهرية ((2)) والشيعة ((3)) هم من القائلين بإثبات حجة العقل، فهل هذا يعني أنَّ هناك فارقاً بين القياس والعقل؟ ... ... وإذا لم يكن هناك فارق بينهما فهل يعني هذا أنَّ هناك تناقضاً لديهم في الموقف واضطراباً في الرؤية؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 .. الواقع أن الشيعة قد أحسوا بتناقض موقفهم واضطراب رؤيتهم فيما قرروا إنكاره وإثباته، فحاولوا جاهدين التوفيق بين إنكارهم حجية القياس حين صرَّحوا بأنَّ (دين الله لا يُصاب بالعقول) ، وإقرارهم بحجة العقل فقالوا: إنَّ المراد من عدم إصابة دين الله تعالى بالعقول هو أنّ الأحكام ومداركها لا تُصاب بالعقول على وجه الاستقلال، بل إنها تصاب من طريق الشارع، وفي ذلك يقول المظفَّر الشيعي: (وأما ما ورد عن آل البيت عليهم السلام من نحو قولهم: " إن دين الله لا يصاب بالعقول " فقد ورد في قباله مثل قولهم: " إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام، وأما الباطنة فالعقول "، والحل لهذا التعارض الظاهري بين الطائفتين هو: " أن المقصود من الطائفة الأولى بيان عدم استقلال العقل في إدراك الأحكام ومداركها في قبال الاعتماد على القياس والاستحسان لأنها واردة في هذا المقام، أي: أنَّ الأحكام ومدارك الأحكام لا تصاب بالعقول بالاستقلال، وهو حق كما شرحناه سابقاً ومن المعلوم أنَّ مقصود من يعتمد على الاستحسان في بعض صوره هو دعوى أنّ للعقل أنّ يدرك الأحكام مستقلاً ويدرك ملاكاتها، ومقصود مَنْ يعتمد على القياس هو دعوى أنَّ للعقل أن يدرك ملاكات الأحكام في المقيس عليه لاستنتاج الحكم في المقيس، وهذا معنى الاجتهاد بالرأي، وقد سبق أنَّ هذه الإدراكات ليست من وظيفة العقل النظري ولا العقل العملي لأن هذه أمور لا تصاب إلا من طريق السماع من مبلَغ لأحكام) (1) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 .. وأما وجه إنكار الظاهرية للقياس وإقرارهم حجة العقل فهو: أنَّ القياس عندهم تَشرْيع في الدين بما لم يأذن به الله تبارك وتعالى، وهذا باطل لا يصح، وفي ذلك يقول ابن حزم رحمه الله تعالى: (فقد كان الدين والإسلام لا تحريم فيه ولا إيجاب، ثم أنزل الله تعالى الشرائع، فما أَمَر به فهو واجب، وما نهى عنه فهو حرام، وما لم يأمر به ولا نهى عنه فهو مباح مطلق حلال كما كان، هذا أَمْر معروف ضرورة بفطرة العقول مِنْ كل أحد، ففي ماذا يُحتاج إلى القياس أو إلى الرأي؟ أليس مَنْ أقرَّ بما ذكرنا ثم أوجب مالا نَصَّ بإيجابه، أو حرمَّ مالا نَصَّ بالنهي عنه قد شرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى؟ وقال مالا يحل القول به؟ وهذا بُرهان لائح واضح وكافٍ لا مُعْتَرَض فيه) (1) . ... وأما حجة العقل عندهم فليست تشريعاً بما لم يأذن به الله تبارك وتعالى، بل هي طريق لإثبات صِدْق المخبر في خبره حتى يحصل اليقين في القلب باتباعه والانصياع إليه فيما أخبر به، وهذا ما دل عليه قول ابن حزم رحمه الله تعالى: (الخبر لا يُعلم صحته بنفسه، ولا يتميز حقه من كذبه، وواجبه من غير واجبه إلا بدليل من غيره، فقد صح أنَّ المرجوع إليه حجج العقول وموجباتها) (2) . ومِنْ هذا يُعلم أنَّ الفارق عند هؤلاء بين القياس وحجة العقل: أنَّ القياس تَشْريع من غير إذْنٍ إلهي، فهو بذلك محادَّة لله تبارك وتعالى ومضادَّة لرسوله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 وأما حجة العقل فليست كذلك، بل هي مساندة للشرع ومؤَّيدة له. ونحن وإن سلَّمنا لهم إقرارهم بالحجة العقلية – فلا نسلَم لهم بحال إنكارهم لحجية القياس، إذ القياس مما أذن الله تبارك وتعالى فيه وأذن فيه رسوله صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن كذلك لما أجمع الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم والتابعون لهم بإحسان رحمهم الله تعالى على العمل به دون منازع. قال الباجي رحمه الله تعالى (أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم من الفقهاء والمتكلمين وأهل القدوة على جواز التعبد بالقياس، وأنه قد ورد التعبد بالصحيح منه) (1) . ... وقال الرازي رحمه الله تعالى: (والذي نذهب إليه وهو قول الجمهور من علماء الصحابة والتابعين أن القياس حجة في الشرع) (2) . ... وكما أن القياس محل العمل والاعتبار عند الصحابة والتابعين فكذلك هو عند جمهور الأصوليين (3) . المبحث الحادي عشر: خلاصة الدراسة لموقف الأصوليين من العقل مما سبق دراسته من موقف الأصوليين من العقل حسب الطوائف التي ينتمون إليها برزت لنا حقيقتان: الحقيقة الأولى: ... أن المعتزلة، والأشاعرة، والظاهرية، والشيعة، والسلف الصالح، متفقون جميعاً على أن العقل حجة في إدراك المدركات العقلية كحُسْن الحَسَن، وقُبْح القبيح، واستحالة الجمع بين الضدين ونحو ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 .. ولا يعكّر هذا الاتفاق إنكار الأشاعرة إدراك العقل للحُسْن والقُبح، فإنهم – على فرض التسليم بصحة هذا التوجيه – أرادوا بهذا الإدراك (الثواب والعقاب) فقط وليس مطلق الإدراك، وهذا ما أفصح عنه الفخر الرازي رحمه الله تعالى بقوله: (الحًسْن والقُبح قد يُعْنىَ بهما كون الشيء ملائماً للطبع أو منافراً، وبهذا التفسير لا نزاع في كونهما عقليين، وقد يُراد بهما كون الشيء صفة كمال أو صفة نقص، كقولنا: العلم حَسنَ والجهل قبيح، ولا نزاع أيضاً في كونهما عقليين بهذا التفسير، وإنما النزاع في كون الفعل مُتَعَلَّق الذم عاجلاً وعقابه آجلاً) (1) . الحقيقة الثانية: ... انفرد المعتزلة والشيعة عن الأشاعرة والظاهرية وسلف الأمة الصالح بقولهم: " إن العقل يرتَّب الثواب والعقاب على الحَسَن والقبيح". ... وهذا الانفراد جعلهم ينحرفون بالعقل عن مساره الصحيح الذي يجب أن يوضع فيه، ونشأ عن ذلك شطحات فكرية كبيرة صادمت العقيدة وخالفت الشريعة، حتى أوجد ذلك نَفْرةً في القلوب من منهج المعتزلة من جهة، ومن منهج الشيعة من جهة أخرى. • • • الخاتمة بعد حَمْد الله تبارك وتعالى في البدء والختام فإنَّ أهم نتائج هذا البحث ما يلي: العقل في اللغة يُطلق على معانٍ متعددة من أهمها: الحِجْر، الجَمْع، الحَبْس، التثبت في الأمور، التميز، الفَهْم المَسْك، الملجأ. العقل في الاصطلاح تباينت فيه عبارات الأصوليين، ولعلَّ أرجح تعريفات العقل عندهم هو تعريف السرخسي رحمه الله تعالى حيث قال: (العقل نور في الصدر به يبصر القلب عند النظر في الحجج) . المناسبة قوية جداً بين الحقيقة اللغوية والحقيقة الاصطلاحية للعقل. اختلف الأصوليون في محل العقل على ثلاثة أقوال أرجحها أن محله القلب ويفيض نوره إلى الدماغ لدلالة ظواهر الآيات القرآنية الكريمة على ذلك. للخلاف في محل العقل ثمرة عملية تظهر في بعض مسائل الفقه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 اختلف الأصوليون في تفاوت العقل على قولين، والراجح منهما القول بتفاوت العقول لدلالة الشرع على ذلك واختلاف الناس في الإدراكات العقلية، إذ بعضهم أكثر إدراكاً من بعض كما هو ملموس ومشاهد. الخلاف في سبب تحكيم العقل يعود إلى الاختلاف في المعرَّف لأحكام الله تبارك وتعالى. المعتزلة يقرون بإدراك العقل لحُسْن الأشياء وقُبْحها، ويرتبَون على ذلك الثواب والعقاب، كما يقدَمون العقل على الشرع تقديم الأصل على الفرع. الأشاعرة ينكرون إدراك العقل لحُسْن الأشياء وقبُحها، ومرادهم من ذلك نَفْيُ أن يكون الثواب والعقاب ثابتين بالعقل. الظاهرية يثبتون حجج العقول رغم إنكارهم القياس، ووظيفة العقل عندهم فهْمُ مراد الله تعالى من الأوامر والنواهي، دون أن يملك تحريماً أو تحليلاً أو تدخلاً فيما لا مجال له فيه. الشيعة يجعلون العقل حجة باطنة، وسبيلاً إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار، ووافقوا المعتزلة على ترتيب الثواب والعقاب بالعقل. العقل عند علماء السلف الصالح يحسَن ويقبَح، والثواب والعقاب عندهم ثابتان بالشرع لا بالعقل، والعقل لا يهتدي عندهم إلى تفاصيل النافع والضار إلا بالشرع، ولا يوجد في الواقع تعارض عندهم بين صريح العقل وصحيح النقل. الفارق بين القياس وحجة العقل عند منكري القياس من الظاهرية والشيعة: أن القياس تشريع من غير إذن إلهي والحجة العقلية طريق لإثبات صِدْق المخبر في خبره حتى يحصل برد اليقين باتباعه. لا خلاف بين المعتزلة والأشاعرة والظاهرية والشيعة والسلف الصالح في كون العقل حجة في إدراك المدركات العقلية، بل الجميع متفق على ذلك. انفراد المعتزلة والشيعة عن الأشاعرة والظاهرية وسلف الأمة الصالح حين رتَّبوا الثواب والعقاب على مجرد إدراك العقل لحُسْن الأشياء وقُبحْها. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات الحواشي والتعليقات ... ... الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 الحِنْثُ يُطلق في اللغة على عدد من المعاني منها: الإثم، والخُلْفُ في اليمين، والميل من باطل إلى حق والعكس والتعبد، والإدراك، والبلوغ. (انظر القاموس المحيط، مادة " الحنث "1/165، تاج العروس، مادة " حنث " 1/616) . والمراد به هنا: البلوغ وإدراك سن التكليف. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، في كتاب " الحج "، باب "إثبات فرض الحج". (السنن الكبرى 4/325) . وهذا الحديث صححه الحاكم رحمه الله تعالى فقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ، ووافقه الذهبي رحمه الله تعالى على ذلك. (انظر المستدرك، وتلخيص الذهبي عليه 1/258- 259) . يونس: (101) . الغاشية: (17-20) . النساء: (82) . محمد: (24) . كما في الآية (44) من سورة البقرة، والآية (65) من سورة آل عمران. البقرة: (170) . المائدة: (104) . انظر لسان العرب 11/458 مادة " عقل " انظر المرجع السابق. انظر المرجع السابق انظر المرجع السابق انظر لسان العرب 11/459 مادة (عقل) . انظر لسان العرب 11/459 مادة (عقل) ، القاموس المحيط 4/18 مادة "العقل ". انظر لسان العرب 11 /459 مادة (عقل) ، القاموس المحيط 4/18 مادة "العقل". انظر لسان العرب 11 /465 مادة "عقل"، القاموس المحيط 4/19 مادة "العقل". البرهان 1/112. المستصفى 1/23 أصول السرخسي 1/346 – 347، ونحوه عند البزدوي في أصوله 2/731. نقله عنه إمام الحرمين في البرهان 1/111. انظر المستصفى 1/23. انظر المنخول ص 44. انظر المنخول ص45. العدة 1/83. المنخول ص 44. البرهان 1/112. العدة 1/87-88. انظر إحكام الفصول ص171، البحر المحيط 1/89، العدة 1/89، التمهيد 1/48، المسودة ص559، شرح الكوكب المنير 1/83. انظر إحكام الفصول ص171، البحر المحيط 1/89، العدة 1/89، التمهيد 1/48، المسودة ص559، شرح الكوكب المنير 1/84. أصول البزدوي مع شرحه كشف الأسرار للبخاري 2/731. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 انظر أصول السرخسي 1/346. هو أبو الحسن عبد العزيز بن الحارث بن أسد التميمي الحنبلي، له مصنفات في الكلام وفي الفقه وأصوله وفي الخلاف والفرائض، وقد اتُّهم بوضع الحديث. ولد سنة (317هـ) ، وتوفي رحمه الله تعالى سنة (371هـ) (انظر النجوم الزاهرة 4/140، المنهج الأحمد 2/66) . انظر العدة 1/89، شرح الكوكب المنير 1/84، المسودة ص559. ق: (37) . الحج: (46) . الحج: (46) . الأعراف: (179) . أخرجه السيوطي في اللآلئ المصنوعة، والشوكاني في الفوائد المجموعة، وحكما عليه بأنه حديث موضوع. (انظر اللآلئ المصنوعة 1/95، الفوائد المجموعة ص 467) . أخرجه البخاري في الأدب المفرد، في باب " العقل في القلب " ص 80. وهذا الحديث ذكره السيوطي في كتابه " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " 1/97. الأعراف: (179) . انظر هذه الأدلة في: أحكام الفصول ص 171، العدة 1/90-93، التمهيد 1/47-51، شرح الكوكب المنير 1/83-84. انظر العدة 1/90، المسودة ص 560، التمهيد 1/51-52. انظر العدة 1/89، المسودة ص 559، التمهيد 1/52. انظر العدة 1/93 – 94، التمهيد 1/52. فتح القدير للشوكاني 3/459. الموضحة من الشجاج: هي التي بلغت العظم فأوضحت عنه حتى بدى بياضه. (لسان العرب 2/635 مادة "وضح ") . البحر المحيط 1/90. روضة الطالبين 9/290. هو أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني العلامة المحقق. ولد سنة (511هـ) ، وتوفي رحمه الله تعالى سنة (593هـ) . ومن مصنفاته: كتاب " كفاية المنتهي " وكتاب " الهداية ". (انظر الجواهر المضية في طبقات الحنفية 2/627- 628) . الهداية 4/530. انظر العدة 1/94. انظر التمهيد 1/52. انظر شرح الكوكب المنير 1/85. انظر أصول البز دوي بشرحه كشف الأسرار للبخاري 2/733. انظر فواتح الرحموت 1/154. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 هو عبد العلي محمد بن نظام الدين محمد الأنصاري الهندي الحنفي، من نوابغ القرن الثاني عشر. من أشهر مصنفاته: " فواتح الرحموت " و" تنوير المنار "، و" رسائل الأركان " و" شرح سلم العلوم ". توفي رحمه الله تعالى سنة (1198هـ) (انظر كشف الظنون 4/481، الفتح المبين 3/132) . انظر المغني للقاضي عبد الجبار 14/1128، تمهيد الأوائل 1/120، البحر المحيط 1/88، العدة 1/94 التمهيد 1/53، الواضح في للباقلاني أصول الفقه 1/25، شرح الكوكب المنير 1/86. أخرجه البخاري واللفظ له في كتاب " الحيض "، باب " ترك الحائض الصوم " (صحيح البخاري 1/78) . ومسلم في كتاب " الإيمان "، باب " نقصان الإيمان بنقص الطاعات ". (مسلم بشرح النووي 2/65) . والحاكم في كتاب " الأهوال ". (المستدرك 4/603) . انظر شرح عمدة الأصول ورقة 7-8، العدة 1/98، 99-100، التمهيد 1/55، شرح الكوكب المنير 1/85-86. انظر شرح عمدة الأصول ورقة 7، العدة 1/100، التمهيد 1/56. العدة 1/100، التمهيد 1/57 انظر شرح عمدة الأصول ورقة 7. انظر الواضح 1/25، التمهيد 1/56. النساء: (59) . الشورى: (10) . انظر ص535. انظر إحياء علوم الدين 1/85. انظر إحياء علوم الدين 1/87. البحر المحيط 1/88. أصول الخضري ص21-22. المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار ص234. المغني للقاضي عبد الجبار 17/247. المعتمد 4/1. انظر شرح الأصول الخمسة ص770. وقد نقل ابن القيم رحمه الله تعالى في الصواعق المرسلة (3/1038) عن بشر المريسي قوله: (إذا احتجوا عليكم بالقرآن فغالطوهم بالتأويل، وإذا احتجوا بالأخبار فادفعوهم بالتكذيب) . كما نقل ابن قتيبة رحمه الله تعالى في تأويل مختلف الحديث (ص32) عن النظام قوله: (إن جهة العقل قد تنسخ الأخبار) . مدارج السالكين 1/253. طه: (98) . المائدة: (90-91) . الإسراء: (15) . طه (134) . القصص: (47) . الشورى: (21) . المنخول ص 8. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 الوصول إلى الأصول 1/56. البرهان 1/87. منتهى الوصول والأمل ص 29. مفتاح دار السعادة لابن القيم 2/7. الإحكام لابن حزم 7/386. الإحكام 1/15. الإحكام 1/17. الإحكام 1/28. الإحكام 1/29. انظر أصول الفقه لمحمد رضا المظفر الشيعي 2/122، 131. المرجع السابق 2/192. أصول الفقه للمظفر الشيعي 2/132. مجموع الفتاوى 19/230. انظر ص 543. الرد على المنطقيين ص 420-421. مدارج السالكين 1/254. مجموع الفتاوى 19/100. المرجع السابق 19/288. وهو كتاب مطبوع على نفقة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1401هـ بتحقيق الدكتور محمد رشاد سالم في تسع مجلدات. انظر الإحكام لابن حزم 7/386. انظر فرائد الأصول لمرتضى الأنصاري الشيعي 1/293، معالم الدين وملاذ المجتهدين للعاملي الشيعي ص 373، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد لمحمد مغنية الشيعي ص 246. أصول الفقه للمظفر الشيعي 12/131. الإحكام 8/515. المرجع السابق 1/28. إحكام الفصول ص531 المحصول 2/2/36. انظر التمهيد 3/365، روضة الناظر 3/806،المغني للقاضي عبد الجبار 17/296، المعتمد 2/215 التبصرة ص419، المستصفى 2/234، الوصول إلى الأصول 2/243، الإحكام للآمدي 4/5، شرح تنقيح الفصول ص385، البلبل ص146، كشف الأسرار 3/270، الإبهاج 3/9، فواتح الرحموت 2/311. المحصول 1/1/159-160. المصادر والمراجع الإبهاج في شرح المنهاج: علي بن عبد الكافي السبكي (ت: 756هـ) ، وولده عبد الوهاب بن علي السبكي (ت: 771هـ) ، مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة، الطبعة الأولى 1401- 1981م. إحكام الفصول في أحكام الأصول: سليمان بن خلف الباجي (ت: 474هـ) ، دار الغرب الإسلامي. الطبعة الأولى 1407هـ – 1986م، تحقيق عبد المجيد تركي. الإحكام في أصول الأحكام: علي بن أحمد بن حزم الظاهري (ت: 456هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1405- 1985م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 الإحكام في أصول الأحكام: علي بن محمد الآمدي (ت: 631هـ) ، المكتب الإسلامي. الطبعة الأولى 1387هـ – الرياض، الطبعة الثانية 1402هـ – بيروت. إحياء علوم الدين: محمد بن محمد الغزالي (ت: 505هـ) ، دار المعرفة، بيروت – لبنان. الأدب المفرد: محمد بن إسماعيل البخاري (ت:256هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان. أصول البزدوي: فخر الإسلام البزدوي (ت: 482هـ) ، ومعه شرح كشف الأسرار للبخاري (ت:730هـ) ، دار الكتاب العربي بيروت – لبنان، الطبعة الثانية 1414هـ – 1994م، ضبط وتعليق وتخريج محمد المعتصم بالله البغدادي. أصول السرخسي: محمد بن أحمد السرخسي (ت: 490هـ) ، لجنة إحياء المعارف النعمانية بحيدر أباد الدكن – الهند، تحقيق أبي الوفاء الأفغاني. أصول الفقه: الشيخ محمد الخضري بك، دار إحياء التراث العربي، بيروت. الطبعة السادسة 1389هـ. أصول الفقه: محمد رضا المظفر، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت، لبنان. البحر المحيط في أصول الفقه: محمد بن بهادر الزركشي (ت: 794هـ) ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، الطبعة الأولى 1409هـ – 1988م. البرهان في أصول الفقه: عبد الملك بن عبد الله الجويني (ت: 478هـ) ، دار الأنصار بالقاهرة، الطبعة الثانية 1400هـ، تحقيق د. عبد العظيم الديب. البلبل في أصول الفقه: سليمان بن عبد القوي الطوفي (ت: 716هـ) ، مؤسسة النور بالرياض، الطبعة الأولى 1383هـ. تأويل مختلف الحديث: ابن قتيبة الدينوري (ات: 276هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان. تاج العروس: محمد مرتضي الزبيدي (ت: 1205هـ) ، الطبعة الأولى بالمطبعة الخيرية بمصر 1306هـ. التبصرة في أصول الفقه: إبراهيم بن علي الشيرازي (ت: 476هـ) ، دار الفكر – 1400هـ – 1980م، تحقيق د. محمد حسن هيتو. تلخيص المستدرك: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 محمد بن أحمد الذهبي (ت:848هـ) ، مطبوع بذيل المستدرك للحاكم النيسابوري (ت: 405هـ) ، دار الفكر. بيروت – لبنان 1398هـ – 1978م. تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل: محمد بن الطيب الباقلاني (ت: 403هـ) ، المكتبة الشرقية، بيروت 1957م. التمهيد في أصول الفقه. محفوظ بن أحمد الكلوذاني (ت: 510هـ) ، مطبوعات جامعة أم القرى بمكة المكرمة، الطبعة الأولى 1406هـ – 1985م، تحقيق د. مفيد أبو عمشة، د. محمد بن علي بن إبراهيم. الجواهر المضية في طبقات الحنيفة: عبد القادر بن محمد القرشي (ت:775هـ) ، مطبعة عيسى البابي الحلبي 1398هـ، تحقيق د. عبد الفتاح محمد الحلو الرد على المنطقيين: شيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ) ، إدارة ترجمان السنة – لاهور، باكستان، الطبعة الثالثة 1398هـ. روضة الطالبين وعمدة المفتين: يحيى بن شرف النووي (ت:676هـ) ، المكتب الإسلامي. الطبعة الثالثة 1412هـ – 1991م. روضة الناظر وجنة المناظر: عبد الله بن أحمد بن قدامة (ت:620هـ) ، مكتبة الرشد بالرياض. الطبعة الثانية 1414هـ –1993م، تحقيق د. عبد الكريم بن علي النملة. السنن الكبرى. أحمد بن الحسين البيهقي (ت: 458هـ) . وبذيله الجوهر النقي لابن التركماني (ت: 745هـ) ، دار الفكر. شرح الأصول الخمسة: القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني (ت: 415هـ) ، مكتبة وهبة بالقاهرة. الطبعة الأولى 1384هـ-1965م تحقيق د. عبد الكريم عثمان. شرح تنفيح الفصول: أحمد بن إدريس القرافي (ت: 684 هـ) ، دار الفكر. الطبعة الأولى 1393هـ – 1973م، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد. شرح عمدة الأصول: حافظ الدين النسفي (ت: 701هـ) ، مخطوط برقم (367) بالمكتبة السليمانية باستانبول، مكتبة بغدادلي وهبي. شرح الكوكب المنير: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 محمد بن أحمد الفتوحي (ت: 972 هـ) ، مطبوعات جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة 1400هـ – 1980م تحقيق د. محمد الزحيلي، د. نزيه حماد. صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري (ت: 256هـ) ، المكتبة الإسلامية – استانبول، تركيا. صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري (ت: 261هـ) ، ومعه شرح النووي، دار الفكر، بيروت – لبنان. الطبعة الثالثة 1398هـ-1978م. الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: محمد بن أبي بكر = ابن القيم (ت: 751هـ) ، دار العاصمة بالرياض. الطبعة الأولى 1408هـ. تحقيق د. علي بن محمد الدخيل الله. العدة في أصول الفقه.: محمد بن الحسين الفراء (ت: 458هـ) ، تحقيق د. أحمد بن علي المباركي، الطبعة الثانية 1410هـ – 1990م. علم أصول الفقه في ثوبه الجديد: محمد جواد مغنية الشيعي، دار الكتاب الإسلامي. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير: محمد بن علي الشوكاني (ت: 1250هـ) ، دار الفكر. بيروت. الطبعة الثالثة 1393هـ – 1993م. الفتح المبين في طبقات الأصوليين: عبد الله مصطفى المراغي الناشر: محمد أمين دمج وشركاه، بيروت، الطبعة الثانية 1394هـ. فرائد الأصول: مرتضى الأنصاري الشيعي (ت: 1281هـ) ، مؤسسة النعمان – بيروت 1411هـ.تحقيق عبد الله النوراني. الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: محمد بن علي الشوكاتي (ت: 1250هـ) ، مطبعة السنة النبوية. الطبعة الأولى 1380هـ – 1960م، تحقيق عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني. فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت: محمد بن نظام الدين الأنصاري (ت: 1180هـ) ، مطبوع مع المستصفى للغزالي (ت: 505هـ) ، دار إحياء التراث العربي – بيروت. القاموس المحيط: محمد بن يعقوب الفيروزابادي (ت: 817هـ) ، دار الفكر، بيروت – لبنان، 1398هـ – 1978م. كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 عبد العزيز بن أحمد البخاري (ت: 730هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان. الطبعة الثانية 1414هـ – 1994م، ضبط وتعليق وتخريج محمد المعتصم بالله البغدادي. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: مصطفى بن عبد الله القسطنطني المعروف بحاجي خليفة (ت: 1067هـ) ، دار الفكر 1402هـ. اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر = جلال الدين السيوطي (ت: 911هـ) ، المكتبة التجارية الكبرى بمصر. لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور المصري (ت: 711هـ) ، دار صادر – بيروت الطبعة الأولى 1410هـ – 1990م. مجموع الفتاوي: شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ) ، جمع عبد الرحمن بن محمد العاصمي. الطبعة الأولى 1398هـ. المحصول في أصول الفقه: محمد بن عمر الرازي (ت: 606هـ) ، مطبوعات جامعة الإمام. الطبعة الأولى 1401هـ – 1981م، تحقيق د. طه جابر العلواني. المحيط بالتكليف: القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني: (ت: 415هـ) ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، الدار المصرية للتأليف والترجمة، تحقيق عمر السيد عزمي. مدارج السالكين: محمد بن أبي بكر = ابن القيم (ت: 751هـ) ، دار الكتب العلمية. بيروت – لبنان. الطبعغة الأولى 1403هـ – 1983م. المستدرك على الصحيحين: محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت: 405هـ) ، دار الفكر. بيروت – لبنان. طباعة عام 1338هـ – 1978م، وبذيله تلخيص الذهبي. المستصفى من علم الأصول: محمد بن محمد الغزالي (ت: 505 هـ) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان. مسلم الثبوت: محب الله بن عبد الشكور، مطبوع مع المستصفى للغزالي، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان. المسودة في أصول الفقه: لآل تيمية، جمعها شهاب الدين أبو العباس الحنبلي، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 معالم الدين وملاذ المجتهدين: الحسن بن زين الدين العاملي الشيعي (ت: 1011هـ) ، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي. المعتمد في أصول الفقه: محمد بن علي البصري (ت: 436هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1403هـ – 1983م) المغني: عبد الجبار بن أحمد الهمداني (ت: 415هـ) ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر. الدار المصرية للتأليف والترجمة - القاهرة، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه – 1385هـ – 1965م. مفتاح دار السعادة: محمد بن أبي بكر = ابن القيم (ت: 458هـ) ، دار المشرق، بيروت – لبنان، تحقيق د. وديع زيدان حداد. منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل: عثمان بن أبي بكر المقري = ابن الحاجب (ت: 646هـ) ، دار الباز بمكة المكرمة. الطبعة الأولى 1405هـ – 1985م. المنخول من تعليقات الأصول: محمد بن محمد الغزالي (ت: 505 هـ) ، دار الفكر – دمشق. الطبعة الثانية 1400هـ –1980م) ، تحقيق د. محمد حسن هيتو. المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد: عبد الرحمن بن محمد العليمي (ت: 928هـ) ، مطبعة المدني بالقاهرة 1383هـ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: ابن تغري بردي. دار الكتب المصرية. الهداية شرح بداية المبتدي: علي بن أبي بكر المرغيناني (ت: 593هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1410هـ – 1990م. الواضح في أصول الفقه: على بن عقيل البغدادي الحنبلي (ت: 513هـ) ، مؤسسة الرسالة. الطبعة الأولى 1420هـ، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي. الوصول إلى الأصول: أحمد بن علي بن برهان البغدادي (ت: 518هـ) ، مكتبة المعارف بالرياض 1403هـ – 1983م تحقيق د. عبد الحميد أبو زنيد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 المجاز عند الأصوليين بين المجيزين والمانعين د. عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله السديس الأستاذ المساعد بقسم القضاء بجامعة أم القرى ملخص البحث ... اشتمل البحث على مقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة. ... أما المقدمة فتشمل: (1) أهمية الموضوع وأسباب اختياره. (2) خطة البحث. (3) منهجي فيه. ... ثم التمهيد واشتمل على ثمانية مطالب أولها: تقسيم اللفظ باعتبارات عدة ومنها تقسيمه إلى حقيقة ومجاز على مذهب الجمهور، ثم تعريف الحقيقة في اللغة، ثم تعريف المجاز لغة وبعد ذلك تعريفهما في الاصطلاح، وأن الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له والمجاز اللفظ المستعمل في غير ما وضع له على وجه يصح، وفي المطلب السادس قسمت الحقيقة إلى ثلاثة أقسام لغوية وعرفية وشرعية ومثلت لكل قسم، وفي السابع قسمت المجاز إلى أقسام أربعة: مجاز الإفراد والتركيب، والمجاز العقلي، ومجاز النقص والزيادة ومثلت لكل قسم، وفي المطلب الثامن ذكرت تاريخ نشوء القول بالمجاز وأنه حدث بعد القرون الثلاثة المفضلة، وفي المبحث الأول من البحث ذكرت خلاف الأصوليين في القول بالمجاز وأن حاصل المذاهب فيه خمسة: الجواز وهو قول الجمهور، والمنع وهو قول عدد من المحققين منهم شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه العلامة ابن القيم والتفصيل على خلاف فيه، وفي المبحث الثاني ذكرت أدلة الأقوال والمناقشات الواردة عليها والترجيح حيث تبين لي صعوبة الترجيح لقوة أدلة كل فريق وبالتالي رجحت التفصيل على حسب الضوابط الشرعية وذلك جمعا بين الأقوال وتضييقا للخلاف في المسألة فلا يجوز القول بالمجاز في كلام الله وصفاته، أما ماعدا ذلك فالأمر فيه واسع بحمد الله وفي المبحث الثالث تساءلت هل للخلاف من ثمرة؟ وذكرت التفصيل في ذلك فمن الخلاف ماله ثمرة عملية ومنه ما هو اصطلاح لا مشاحنة فيه، وفي المبحث الرابع ذكرت أثر القول بالمجاز على النصوص الشرعية وبينت أنه كان من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 الأسباب لدى بعض المخالفين لمنهج السلف في تأويل النصوص وعقبت ببعض الأمثلة التي أوردها بعض الأصوليين للمجاز وبينت المنهج الصحيح والموقف السليم حيالها، ثم ختمت البحث بخاتمة أوردت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها وذيلت البحث بفهارس متنوعة شملت خمسة فهارس للآيات والأحاديث والأعلام والمراجع والموضوعات، وبذلك يتم البحث بحمد الله. ... سائلا الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح والإخلاص لوجهه الكريم والتسديد في الأقوال والأفعال إنه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. • • • المقدمة ... إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (1) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ... أما بعد: ... فإن للعلم الشرعي مكانة كبرى ومنزلة عظمى في هذا الدين، وإن من أجل العلوم الشرعية قدرا، وأعظمها أثرا وأكبرها فائدة علم أصول الفقه، لاسيما مسائله المتعلقة بالأدلة الشرعية ودلالاتها اللفظية، وإن من المسائل الأصولية المتعلقة بهذا القسم مسألة مهمة لها مكانتها الكبيرة ودلالاتها الكثيرة، بل وآثارها الخطيرة في هذا الفن وما يرتبط به من علوم العقيدة واللغة والقرآن والأحكام ونحوها، تلك هي مسألة "المجاز". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 .. ونظرا لأهمية هذه المسألة وتعلقها بمسائل شتى وفنون متعددة، وحاجة المكتبة الأصولية فيما أرى إلى من يجلي القول فيها تجلية مبنية على دراسة علمية تأصيلية مقارنة بعيدة عن التعصب والتعسف، فإن من المهم وجود بحث مستقل فيها، ولقد كنت ولازلت مهتما بهذه القضية في قراءاتي وأثناء تدريسي لمادة الأصول، وكانت هذه المسألة بحق تشكل على كثير من طلبة العلم فيطول النقاش فيها بين إثبات المجاز ونفيه، فرأيت أن أكتب في هذه المسألة كلاما يجمع أطرافها ويلم شتاتها، ويحرر القول والخلاف فيها بدليله، فاستعنت بالله في البحث فيها إسهاما في البحث العلمي، ومشاركة في التحصيل الموضوعي. ... ورأيت أن يشتمل البحث في هذه المسألة على مقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة. ... أولا: المقدمة: وتشمل ثلاثة مطالب: ... الأول: أهمية الموضوع وأسباب اختياره. ... الثاني: خطة البحث. ... الثالث: منهجي فيه. المطلب الأول: أهمية الموضوع وأسباب اختياره تأتي أهمية هذا الموضوع وترجع أسباب اختياره لاعتبارات عدة أهمها: ... 1 أنه يبحث في موضوع مهم في علم الأصول يمثل جوهرة في عقد وضاء، وحلقة في سلسلة مترابطة، ولبنة في بناء أصولي شامخ. ... 2 أن هذه القضية تعتبر مسألة جوهرية من مسائل اللغة والألفاظ لها علاقتها الوطيدة بعدد من العلوم في العقيدة لاسيما في صفات الباري جل وعلا، كما أن لها ارتباطا وثيقا بالأدلة خاصة المصدر الأول من مصادر التشريع "كتاب الله سبحانه". ... وقضية هذا شأنها، وتلك محاورها، جديرة بالبحث والدراسة. ... 3 أن هذه المسألة ليست نظرية صرفة ولفظية بحتة، بل لها آثار عملية كثيرة ويلزم منها لوازم خطيرة، ويترتب عليها أمور شنيعة، بل لقد كانت تكأة لكثير من المخالفين لمذهب السلف في الاعتقاد، بنوا عليها مذاهبهم، وعولوا عليها في استدلالاتهم، فكان لابد من تجليتها وإبانة الحق فيها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 .. 4 أن هذه القضية كانت ولازالت محل نقاش وإشكال وجدل بين طلاب العلم والباحثين ما بين مثبت وناف ومفصل ومتردد ومتوقف، فكان لابد من وجود بحث حر متجرد يتسم بالعرض والاستدلال والمناقشة الهادفة ومن ثم بيان الراجح على حسب قوة الدليل وصحة التعليل. ... 5 أن هذه المسألة مع كثرة عرضها والبحث فيها بين ثنايا كتب اللغة والأصول وغيرها لازالت بكرا في عرضها من الناحية الأصولية على أصول البحث العلمي الدقيق، وإن كنت لا أدعي السبق في ذلك لكني لم أطلع حسب علمي على رسالة متخصصة في علم الأصول على المنهج الذي أوردته وكل ما فيه عرض للمسألة من طرف وانتصار لها من زاوية معينة، أو رد على مخالف فيها فحسب، ولا ينافي هذا وجود دراسات مستقلة سابقة وأبحاث ورسائل علمية متخصصة حول هذه القضية من الناحية اللغوية لا من الناحية الأصولية التي لازالت بحاجة إلى دراسة مستقلة (2) . ... راجيا أن يسد هذا البحث هذه الثغرة الأصولية المهمة ويتحقق للقارئ فيه ما ينشده في المسألة، لما لشتاتها، وجمعا لأطرافها، وتصحيحا لما يقوى دليله فيها، والله المستعان. المطلب الثاني: خطة البحث تلخص لي من خلال النظر في مظان هذا البحث خطة تتضمن مقدمة وتمهيدا وأربعة مباحث وخاتمة. ... أما المقدمة فقد سبق الحديث في مضمناتها. ... وأما التمهيد فيشتمل على ثمانية مطالب مختصرة هي: ... المطلب الأول: توطئة في تقسيم اللفظ. ... المطلب الثاني: تعريف الحقيقة في اللغة. ... المطلب الثالث: تعريف المجاز في اللغة. ... المطلب الرابع: تعريف الحقيقة في الاصطلاح. ... المطلب الخامس: تعريف المجاز في الاصطلاح. ... المطلب السادس: أقسام الحقيقة وأمثلتها. ... المطلب السابع: أقسام المجاز وأمثلته. ... المطلب الثامن: تاريخ نشوء القول بالمجاز. ... المبحث الأول: أقوال العلماء في المجاز. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 .. المبحث الثاني: الأدلة والمناقشات والراجح ووجه ترجيحه. ... المبحث الثالث: هل للخلاف ثمرة؟ ... المبحث الرابع: أثر القول بالمجاز على النصوص الشرعية، وتعقيب على ما ذكره بعض الأصوليين من أمثلة على المجاز. ... الخاتمة: وفيها أبرز النتائج التي توصلت إليها. المطلب الثالث: منهجي في البحث يتسم منهجي في البحث بما يلي: ... 1 عرض المسألة عرضا علميا أصوليا مقارنا بذكر الأقوال والأدلة والمناقشات والراجح ووجه ترجيحه وثمرة الخلاف على طريقة البحث العلمي المقارن. ... 2 عزو الأقوال إلى أصحابها والنقول إلى مذاهبها المعتبرة. ... 3 التجرد عند سرد الأدلة والترجيح دون تعصب لرأي أو تقليد لمذهب، بل حسب قوة الدليل وصحة التعليل. ... 4 التوثيق العلمي من الكتب المعتبرة الأصيلة في كل مذهب، مع الاستفادة من المصادر المستقلة والمعاصرة في هذا الموضوع. ... 5 قمت بترتيب المذاهب على حسب الترتيب الزمني. ... 6 عزو الآيات إلى سورها بذكر رقم الآية واسم السورة. ... 7 تخريج الأحاديث من مظانها المعتبرة. ... 8 ترجمة الأعلام باختصار سوى المشهورين. ... 9 ذيلت البحث بفهارس متنوعة شملت خمسة فهارس للآيات والأحاديث والآثار والأعلام والمراجع والموضوعات. ... سائلا الله التوفيق والسداد والإخلاص لوجهه الكريم والإصابة في الأقوال والأعمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو المستعان، وعليه التكلان. التمهيد: ... قبل الدخول في حكم المجاز عند الأصوليين بين المنع والجواز أرى أنه يحسن وضع مدخل تمهيدي للبحث يتم فيه التعريف والتقسيم والتمثيل ونحو ذلك مما له علاقة وطيدة بالموضوع تهيئ القارئ للوقوف على حكم المسألة بالتفصيل. ... فكان هذا التمهيد المشتمل على المطالب الآتية: المطلب الأول: توطئة في تقسيم الألفاظ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 .. من المعلوم لدى المتخصصين أن الألفاظ لها أقسام كثيرة باعتبارات متعددة، فمنها تقسيم اللفظ باعتبار وضعه للمعنى كالعام والخاص والمطلق والمقيد والأمر والنهي ونحوها. ... ومنها تقسيم اللفظ باعتبار ظهور المعنى وخفائه كالنص والظاهر والمجمل والمؤول. ... ومنها تقسيم اللفظ باعتبار كيفية دلالته كالمنطوق والمفهوم بأقسامه المختلفة. ... ومنها تقسيم اللفظ باعتبار الاستعمال وهو المقسم إلى الاستعمال الحقيقي والمجازي. ... وهذه التقسيمات ليست محل اتفاق بين العلماء لكنها اصطلاحات ارتضاها بعضهم، وآخرون نظروا إلى الألفاظ باعتبارات أخرى لا تخرج في حقيقتها عما أوردته. ... والذي يهمنا في هذه الأقسام آخرها وهو تقسيم الألفاظ باعتبار استعمالها. ... وأنواع هذا القسم ليست محل اتفاق بين العلماء، لكنها المسلك الذي سار عليه جمهورهم. ... ولذلك فإني في هذا التمهيد سأسير على ماسار عليه الجمهور، ثم يأتي بيان الحكم في المباحث القادمة. ... ولأبدأ في هذا التمهيد بعد هذه التوطئة في التعريف لكل من الحقيقة والمجاز (3) . المطلب الثاني: تعريف الحقيقة في اللغة: ... الحقيقة في اللغة مأخوذة من حق يحق حقا وحقيقة، يقال: حق الشئ إذا وجب وثبت، ومنه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} (4) ، وقوله سبحانه: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} (5) . ... وحققت الأمر وأحققته أحقه إذا تيقنته أو جعلته ثابتا لازما، وحقيقة الشئ: منتهاه وأصله المشتمل عليه. ... قال ابن فارس (6) : " (حق) الحاء والقاف أصل واحد، وهو يدل على إحكام الشئ وصحته، فالحق نقيض الباطل، ثم يرجع كل فرع إليه بجودة الاستخراج وحسن التلفيق، ويقال: حق الشئ: وجب ... " (7) . ... ومن مجموع هذه المعاني اللغوية لكلمة "الحقيقة" يتبين أنها تطلق ويراد بها أحد المعاني الآتية: (أ) الوجوب، والثبوت، واللزوم، والوقوع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 (ب) الإحكام، والصحة، والإتقان، والجودة، والحسن. (ج) غاية الشئ، ومنتهاه، وأصله، وماهيته. (د) التيقن، والجزم، والقطع (8) . المطلب الثالث: تعريف المجاز في اللغة: ... المجاز لغة: مأخوذ من جاز، يجوز، جوزا، وجوازا، يقال جاز المكان، إذا سار فيه، وأجازه: قطعه، يقال جاز البحر: إذا سلكه وسار فيه، حتى قطعه، وتعداه. ويقال: أجاز الشئ: أي أنفذه، ومنه إجازة العقد: إذا جعل جائزا، نافذا ماضيا على الصحة. ... وجاوزت الشئ وتجاوزته: تعديته، وتجاوزت عن المسئ: عفوت عنه وصفحت (9) . ... قال ابن فارس: " (جوز) الجيم والواو والزاء أصلان، أحدهما: قطع الشئ، والآخر: وسط الشئ، فأما الوسط: فجوز كل شئ وسطه ... والأصل الآخر: جزت الموضع: سرت فيه، وأجزته: خلفته، وقطعته، وأجزته: نفذته.." (10) . المطلب الرابع: تعريف الحقيقة في الاصطلاح: ... للعلماء في تعريف الحقيقة اصطلاحا أقوال متعددة، أهمها: ... "أنها اللفظ المستعمل فيما وضع له"، ومن الأصوليين من زاد في هذا الحد قيدا وهو قولهم "في اصطلاح التخاطب" (11) لأنه إذا كان التخاطب باصطلاح، واستعمل فيه ما وضع له في اصطلاح آخر، لمناسبة بينه، وبين ما وضع له في اصطلاح التخاطب، كان خارجا عن حد الحقيقة، مع أنه لفظ مستعمل فيما وضع له، ومن تعريفاتها أنها: "اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا" (12) ، ليخرج مثل ما سبق إيراده في التعريف قبله. ... ومنها: "أنها ما أفيد بها ما وضعت له، في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به" (13) . ... ومنها: "أنها كل لفظ بقي على موضوعه" (14) . ... ومنها: "أنها كل اسم أفاد معنى على ما وضع له" (15) . ... هذه أهم التعريفات التي ذكرها الأصوليون لتعريف الحقيقة، وكما ترى أنها متقاربة، متحدة في أصل المعنى والمراد وإن اختلفت في الألفاظ (16) . المطلب الخامس: تعريف المجاز في الاصطلاح: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 .. كما تعددت عبارات الأصوليين في المراد بالحقيقة، فقد تعددت كذلك عباراتهم في تعريف المجاز، وإليك أهمها: ... أن المجاز: "ما كان بضد معنى الحقيقة". ... ومنها: "أنه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له" (17) . ... ومن الأصوليين من زاد على هذا الحد قيدا، وهو قولهم "في غير ما وضع له أولا"، ومنهم من زاد "على وجه يصح" وهو تعريف صاحب الروضة (18) ، وبعضهم زاد "في غير ما وضع له، لعلاقة مع قرينة" (19) . ... ومنهم من عبر بقوله: "قول مستعمل بوضع ثان لعلاقة". ... وعرفه بعضهم بأنه: "كل اسم أفاد معنى على غير ما وضع له" (20) . ... وذكروا في تعريفه "أنه كل اسم غير ما وقع عليه الاصطلاح على ما وضع له حين التخاطب" (21) . ... ومن خلال عرض هذه التعريفات يترجح لدي أن تعريف صاحب الروضة أرجحها لأنه جامع مانع وهذا واضح لمن تأمله بخلاف غيره فلم يسلم من المناقشات (22) . ... وهذا الترجيح مبني على القول بصحة التقسيم. والله أعلم. المطلب السادس: أقسام الحقيقة وأمثلتها: ... قسم العلماء الحقيقة إلى ثلاثة أقسام هي: (1) الحقيقة اللغوية (الوضعية) . (2) الحقيقة العرفية. (3) الحقيقة الشرعية. ... فاللغوية (الوضعية) : هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا في اللغة، كالأسد المستعمل في الحيوان الشجاع المعروف. ... والعرفية: هي اللفظ المستعمل فيما وضع له بعرف الاستعمال اللغوي وهي ضربان: عرفية عامة وعرفية خاصة. ... فمن الأول: أن يكون الاسم قد وضع لمعنى عام، ثم يخصص بعرف استعمال أهل اللغة ببعض مسمياتة، كاختصاص لفظ الدابة بذوات الأربع عرفا، وإن كان في أصل اللغة لكل مآدب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 .. ومنه: أن يكون الاسم في أصل اللغة بمعنى، ثم يشتهر في عرف استعمالهم بالمجاز الخارج عن الموضوع اللغوي بحيث إنه لا يفهم من اللفظ عند إطلاقه غيره، كاسم الغائط فإنه وإن كان في أصل اللغة للموضع المطمئن من الأرض، غير أنه اشتهر في عرفهم بالخارج المستقذر من الإنسان. حتى إنه لا يفهم من ذلك اللفظ عن إطلاقه غيره. ... ومن العرفية الخاصة ما تعارف عليه أهل كل فن كالحد والرسم عند المناطقة، والرفع والنصب عند النحاة، والكسر والقلب عند الأصوليين ونحو ذلك. ... والحقيقة الشرعية: هي اللفظ المستعمل فيما وضع له في أصل الشرع، كاسم الصلاة، والزكاة، والحج ونحوها (23) . المطلب السابع: أقسام المجاز، وأمثلته: ... قسم العلماء المجاز إلى أقسام متعددة، أهمها أربعة هي: (1) مجاز الإفراد. (2) مجاز التركيب. (3) المجاز العقلي. (4) مجاز النقص والزيادة. ... فمجاز الإفراد: هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له، لعلاقة مع قرينة صارفة عن قصد المعنى الأصلي كإطلاق لفظ الأسد على الرجل الشجاع. ... والتركيب: أن يستعمل كلام مفيد في معنى كلام آخر، لعلاقة بينهما دون نظر إلى المفردات، ومن ذلك جميع الأمثال السائرة، المعروفة عند العرب. ... والمجاز العقلي: هو ما كان التجوز فيه في الإسناد خاصة، لا في لفظ المسند إليه ولا المسند، كقولك "أنبت الربيع البقل"، فالربيع وإنبات البقل كلاهما مستعمل في حقيقته، والتجوز: إنما هو في إسناد الإنبات إلى الربيع، وهو لله جل وعلا. ... وأما مجاز النقص والزيادة: فمداره على وجود زيادة، أو نقص يغيران الإعراب، ويمثلون للنقص بقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (24) ، والمراد أهل القرية. ... ويمثلون للزيادة بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (25) ويقولون إن الكاف زائدة والمراد ليس مثله شئ (26) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 .. وهناك أقسام أخرى كمجاز التقديم والتأخير، وغيره، وليس هذا محل بسطه (27) . ... وينبغي أن يعلم أن أقسام المجاز هذه إنما هي عند الذين يرون المجاز في العربية، وفي القرآن، أما الذين لا يرونه فلا يعتبرون ذلك كله، وسيأتي لهذا الأمر تفصيل في صلب البحث عند ذكر الخلاف في المسألة. ... وقد أتيت بهذه التقسيمات لعلاقتها الوطيدة بالبحث. والله أعلم. المطلب الثامن: تاريخ نشوء القول بالمجاز: ... المستقرئ للجانب التاريخي لظهور المجاز يجد أن العرب لم يعرف عنهم تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز ولم يذكر عنهم التعبير بلفظ المجاز الذي هو قسيم الحقيقة عند أهل الأصول، وإنما هذا اصطلاح حدث بعد القرون المفضلة. ... يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: "فهذا التقسيم اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم ... بل ولا تكلم به أئمة اللغة ... ولا من سلف الأمة وعلمائها وإنما هو اصطلاح حادث ... فإن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز إنما اشتهر في المائة الرابعة وظهرت أوائله في المائة الثالثة وما علمته موجودا في المائة الثانية" (28) . ... وقال العلامة ابن القيم رحمه الله بعد رده تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز: "وهو اصطلاح حدث بعد القرون الثلاثة المفضلة بالنص" (29) . المبحث الأول: أقوال العلماء في المجاز ... اختلف العلماء في المجاز بين مجيز ومانع ومفصل، ولقد تتبعت أقوالهم فيه فتحصل لي خمسة مذاهب (30) هي: ... الأول: الجواز والوقوع مطلقا، وإليه ذهب الجمهور (31) . ... الثاني: المنع مطلقا، وإليه ذهب بعض العلماء والمحققين منهم أبو إسحاق الاسفراييني (32) من الشافعية، وأبو علي الفارسي (33) من أهل اللغة. ... وهو قول المحققين من العلماء (34) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 .. القول الثالث: المنع في القرآن وحده، وهو قول بعض العلماء منهم داود بن علي (35) ، ومن الشافعية ابن القاص (36) ، ومن المالكية ابن خويز منداد (37) . ... ومن الحنابلة جمع منهم: أبو الفضل التميمي بن أبي الحسن التميمي (38) ، وأبو عبد الله بن حامد (39) وغيرهم (40) . ... القول الرابع: المنع في القرآن والسنة دون غيرهما (41) . ... وهو قول ابن داود الظاهري (42) . ... القول الخامس: التفصيل بين ما فيه حكم شرعي وغيره، فما فيه حكم شرعي لا مجاز فيه ومالا فلا (43) . ... وإلى هذا التفصيل ذهب ابن حزم الظاهري (44) . المبحث الثاني: الأدلة والمناقشات والراجح ووجه ترجيحه أولا: أدلة الجمهور القائلين بجواز المجاز ووقوعه: ... استدلوا بأدلة كثيرة على ذلك، أهمها: ... 1 أن الاسم في لغة العرب منقسم إلى الحقيقة والمجاز، وهذا التقسيم معتبر عند علماء العربية، ومشتهر في استعمالات العرب، والقرآن هو أصل اللغة، ومعينها، فمحال أن يأتي بخلاف ما عليه أهل اللسان العربي، من تقسيم الاسم إلى حقيقة ومجاز. ... 2 أن الأمثلة على وقوع المجاز في القرآن وغيره كثيرة جدا، وهي أشهر من أن تنكر كقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ} (45) ، {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ} (46) ، {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} (47) ، وغيرها. ... ووجه الاستدلال من هذه الآيات أنها استعملت في غير ما وضعت له أولا في أصل الوضع. فقوله "جناح الذل" الجناح حقيقة للطائر من الأجسام، والمعاني والجمادات لا توصف به، فإثباته للذل مجاز قطعا. ... والسؤال لأهل القرية، وليس لها، فهو مجاز بالحذف. ... والجدار لا إرادة له، إذ الإرادة حقيقة، من خصائص الإنسان أو الحيوان، وإنما هو كناية عن مقاربته الانقضاض لأن من أراد شيئا قاربه فكانت المقاربة من لوازم الإرادة، فتجوز بها عنها (48) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 ثانيا: أدلة المانعين من وجود المجاز، ومناقشتهم للمجيزين: ... سأورد هنا أدلة المانعين للمجاز سواء في اللغة أم في القرآن وحده أم في القرآن والسنة لتقاربها، وتلافيا للتكرار وفي ثناياها مناقشة المخالف ومنها: ... (أ) أن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز لم يقع إلا في كلام المتأخرين، فهو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة المفضلة، ولم يتكلم في ذلك أحد من الصحابة والتابعين، ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم من أئمة المذاهب، وغيرهم، بل ولا تكلم فيه أئمة اللغة والنحو المعتبرون. ... (ب) أن علماء السلف الذين ألفوا في ضروب العلم المختلفة، كالفقه، والأصول، والتفسير، والحديث، لم يوجد فيما كتبوه هذا التقسيم. ... وهذا الإمام الشافعي أول من ألف في أصول الفقه لم يتكلم بتقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز. ... (ج) أن الذين أطلقوا كلمة المجاز من علماء السلف لم يعنوا بها ما هو قسيم الحقيقة، فأول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر ابن المثنى (49) في كتابه "مجاز القرآن"، ولكنه لم يعن بالمجاز ما يقابل الحقيقة وإنما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية. ... وقال الإمام أحمد في كتابه "الرد على الجهمية" في قوله تعالى "إنا" و"نحن" ونحو ذلك في القرآن، هذا من مجاز اللغة ومراده رحمه الله بذلك أن هذا مما يجوز استعماله في اللغة، ولم يرد أنه مستعمل في غير ما وضع له (50) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 .. (د) أن الذين قالوا بالتقسيم مطالبون بالدليل لكون الألفاظ العربية وضعت أولا لمعان، ثم بعد ذلك استعملت فيها، ثم تجوز بها عن ما وضعت له ولن يستطيعوا ذلك، لأنه ليس بإمكان أحد أن ينقل عن العرب أنه اجتمع جماعة، فوضعوا جميع الأسماء الموجودة في اللغة، ثم استعملوها بعد الوضع، وإنما المعروف المنقول بالتواتر استعمال العرب هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعاني، وأي دعوى خلاف ذلك فليست صحيحة لعدم نقلها إلينا (51) . ... (هـ) ... أن التقسيم ذاته غير صحيح من وجوه: (1) أن دعوى المجاز تستلزم وضعا قبل الاستعمال، وهذا غير معلوم. (2) أنه يستلزم تعطيل الألفاظ عن دلالتها على المعاني، وذلك ممتنع لأن الدليل يستلزم مدلوله من غير عكس. (3) أن التقسيم لا يدل على وجود المجاز، بل ولا على إمكانه، ولا يدل على ثبوت كل واحد من الأقسام في الخارج ولا على إمكانها، فإن التقسيم يتضمن حصر المقسوم في تلك الأقسام وهي أعم من أن تكون موجودة أو معدومة ممكنة أو ممتنعة. (4) أن هذا التقسيم يتضمن التفريق بين المتماثلين، فإن اللفظ إذا أفهم هذا المعنى تارة، وهذا تارة، فدعوى المدعي أنه موضوع لأحدهما دون الآخر تحكم محض. (5) أنه يلزم منه الدور، فإن معرفة كون اللفظ مجازا متوقف على معرفة الوضع الثاني، ومستفاد منه، فلو استفيد معرفة الوضع من كونه مجازا لزم الدور الممتنع، فمن أين علم أن هذا وضع ثان للفظ؟ ومن أين علم أن وضع اللفظ لأحد معنيين سابق على وضعه للآخر؟ (6) أن هذا التقسيم يتضمن إثبات الشئ ونفيه، فإن وضع اللفظ للمعنى هو تخصيص به، بحيث إذا استعمل فهم منه ذلك المعنى فقط، ففهم المعنى المجازي مع نفي الوضع، جمع بين النقيضين، وهو يتضمن أن يكون اللفظ موضوعا غير موضوع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 (7) أن المجاز هو ما يصح أن يقال لقائله إنه فيه كاذب لأنه يخبر بالشئ على خلاف حقيقته فيصح أن يقال لمن قال رأيت أسدا يرمي إنك كاذب حيث لم ير أسدا وإنما رأى رجلا شجاعا. وهذا ظاهر في ضعف تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز. (8) أن هذا التقسيم لا ينضبط بضابط صحيح، ولهذا فإن عامة ما يسميه بعضهم مجازا، يسميه غيرهم حقيقة، وكل يدعي أن اللفظ مستعمل في موضوعه وهذا يدل على بطلان هذا التقسيم، وتجرده من الحقيقة. ... وإذا بطل التقسيم بطل تقسيم التقسيم حيث قسموا كل قسم إلى أقسام وهذا ينقصه الدليل الصحيح، والنقل السليم (52) . ... (و) أن التعريفات التي عرفوا بها كلا من الحقيقة والمجاز لم تخل من مناقشة، وذلك أنهم عرفوا الحقيقة "باللفظ المستعمل في موضوعه"، والمجاز "ما استعمل في غير موضوعه"، وهذا يحتاج إلى إثبات الوضع السابق على الاستعمال وهو متعذر. ... ومنهم من زاد "في الاصطلاح الذي به التخاطب"، فيقال من أين يعلم أن هذه الألفاظ التي كانت تتخاطب بها العرب عند نزول القرآن وقبله لم تستعمل قبل ذلك في معنى شئ آخر؟ وإذا لم يعلم هذا النفي لا يعلم أنها حقيقة، ويلزم منه أنه لا يقطع بشيء من الألفاظ أنه حقيقة، ولا قائل بهذا (53) . ... (ز) أن الفروق التي يفرق بها بين الحقيقة والمجاز ليست صحيحة، كقولهم: إن المجاز يصح نفيه، والحقيقة ليست كذلك، وإن المجاز ما يتبادر غيره إلى الذهن، والحقيقة ما تتبادر إلى الذهن، وإن الحقيقة ما يفيد المعنى مجردا عن القرائن، والمجاز مالا يفيد ذلك المعنى إلا مع القرينة (54) . ... فهذه الفروق لم تخل من مناقشات طويلة، ومستلزمات غير سديدة، ثم ما ضابط القرائن، والعلائق التي تذكر؟ كل ذلك وغيره مما ليس له برهان ساطع، وضابط واضح يدل على عدم صحة هذه الفروق وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم (55) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 .. (ح) أن هذا التقسيم كثيرا ما استعملته الفرق الضالة، المخالفة لأهل السنة وجعلته تكأة لها في تأويل النصوص ورد الأحاديث الصحيحة، ولم ينقل عن السلف استعماله (56) . ... (ط) أن هذا الأمر يستلزم لوازم غير صحيحة، ويترتب عليه أمور غير سديدة، وما استلزم ذلك فهو مثله، فما أولت الآيات وردت الأحاديث، إلا بدعوى المجاز، وما عطلت الصفات العلي لله جل وعلا وحرفت إلا بدعوى المجاز، فقطع هذا الباب، وسده أسلم للشريعة، وأقوم للملة. ... ومن أشنع اللوازم على قول من فرق بين الحقيقة والمجاز، بأن الحقيقة مالا يصح نفيها، والمجاز ما يصح نفيه، وهذا باطل قطعا. وبهذا الباطل توصل القائلون بالتعطيل إلى نفي صفات الكمال والجلال الثابتة لله تعالى في الكتاب والسنة بدعوى أنها مجاز، كقولهم في استوى استولى وبتأويلهم اليد بالقدرة والنعمة، والمجيء بمجيء الأمر، وقس على هذا (57) . ثالثا: أدلة المانعين منه في القرآن ومناقشتهم للمخالفين: ... من ذلك إضافة إلى ما سبق: أننا لو أثبتنا المجاز في القرآن لصح أن نطلق على الله سبحانه اسم متجوز ومستعير وهذا لا يصح لأن أسماء الله توقيفية. ... كما أن دعواهم في القرآن بضرب الأمثلة المعروفة غير صحيحة، فالآيات والأمثلة التي ذكروها لا مجاز فيها، وإنما هي أساليب استعملتها العرب، ومعان حقيقية جاءت بها اللغة، فمثلا قوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (58) فيه حذف مضاف، وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أسلوب من أساليب العربية معروف (59) . لأنه مما يعلم وحذف ما علم جائز كما قرره علماء العربية. ... وأيضا: فإن العرب استعملت لفظ القرية ونحوه من الألفاظ التي فيها الحال والمحل، وهما داخلان في الاسم، كالمدينة والنهر، والميزاب وغيرها، وأطلقت هذه الألفاظ تارة على المحل، وهو المكان، وتارة على الحال وهو السكان، وهذا أسلوب مشهور من أساليب العربية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 .. فيقولون: حفر النهر، يريدون المحل، وجرى النهر، وهو الماء ووضعت والميزاب وهو المحل، وجرى والميزاب وهو الماء، ونحو ذلك (60) . ... ونظيره هذا المثال، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} فقد جاء استعمال العرب لها تارة للمكان، وتارة للسكان، وقد جاء القرآن بذلك كله. قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} (61) . ... وقال في آية أخرى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} (62) ، فالمراد بالقرية هنا السكان، وكذلك قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} (63) ، والمراد السكان. ... وقد أطلق لفظ القرية، وأريد به المكان، قال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} (64) الآية. ... فالحاصل أن العرب تطلق هذا اللفظ، وتريد به تارة المكان، وتارة السكان، والسياق هو الذي يحدد ذلك، وليس هذا اللفظ مجازا، وإنما أسلوب من أساليب العربية المعروفة (65) . ... وقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ} (66) ليس المراد به أن للذل جناحا، بل المراد بالآية الكريمة كما يدل عليه كلام جمع من المفسرين أنها من إضافة الموصوف إلى صفته، فيكون المعنى "واخفض لهما جناحك الذليل لهما من الرحمة"، وقد ورد ما يدل على ذلك في كلام العرب كقولهم "حاتم الجود" أي الموصوف بالجود. ... ووصف الجناح بالذل، مع أنه صفة الإنسان، لأن البطش يظهر برفع الجناح، والتواضع واللين يظهر بخفضه فخفضه كناية عن لين الجانب، وإضافة صفة الإنسان لبعض أجزائه أسلوب من أساليب العربية كما في هذا المثال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 .. وكما في قوله تعالى: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} (67) ، والمراد: صاحب الناصية (68) ، والله أعلم. ... وأما قوله تعالى: {جدارا يريد أن ينقض} فلا مجاز فيه من وجهين: ... أحدهما: أن المراد بالإرادة هنا إرادة حقيقية، لأن للجمادات إرادة حقيقية، لا نعلمها، وإنما يعلمها الله عز وجل ومما يؤيد ذلك سلام الحجر على الرسول ((69) ، وحنين الجذع الذي كان يخطب عليه لما تحول عنه إلى المنبر (70) ، وهذا كله ناشئ عن إرادة يعلمها الله تعالى وإن لم نعلمها، كما في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (71) . وأمثال ذلك كثير في الكتاب والسنة. ... الثاني: أن الإرادة تطلق على معان عدة، منها: المعنى اللغوي المعروف، ومنها: مقاربة الشئ، والميل إليه فيكون معنى إرادة الجدار ميله إلى السقوط، وقربه منه، وهذا أسلوب عربي معروف، وبه ينتفي ادعاء المجاز في الآية (72) . وأما قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} (73) فلا مجاز فيه كذلك، بل هو من إطلاق اسم المحل على الحال فيه وعكسه، وهذا أسلوب من أساليب العربية المشهورة، وكلاهما حقيقة في محله (74) . كما سبق نظيره في القرية، والنهر ونحوها. ... فحاصل الجواب على هذه الأمثلة التي ادعي فيها المجاز أن يقال: إن ذلك أسلوب من أساليب العرب على حقيقته. ... وقد استدل المانعون لوجود المجاز في اللغة والقرآن، بأدلة كثيرة، وناقشوا أدلة المجيزين بمناقشات طويلة وبينوا ما يلزم على القول بالمجاز من لوازم كثيرة. ... وقد كان من رواد هذا القول، والمتصدين لمخالفيه شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله، فقد تكلم عنه في مواضع متعددة، وشنع على القائلين به، ودحض حججهم (75) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 .. وتبعه في ذلك تلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله، فقد تصدى لرد هذا القول، ووصفه بالطاغوت، وناقشه من خمسين وجها، بل أكثر (76) . ... وسار على ذلك عدد من المتقدمين (77) ، وجمع من المتأخرين (78) . ... ومما ينبغي ذكره في هذا المقام، أن السلف كما قدمت (79) ، لم يعرفوا هذا المجاز بهذا المعنى الاصطلاحي المتأخر ولذا فلا يرد عليه عدم نقل إنكار المجاز عنهم. ... وبعد القرون المفضلة، ظهر هذا التقسيم، وأنكره عدد من العلماء ومنعوا وقوعه، إما مطلقا أمثال الأستاذ أبي أسحق الاسفرائيني، وهو من كبار الشافعية، وأبي علي الفارسي، وهو من كبار أهل اللغة. ... وإما منعوا وقوعه في القرآن خاصة كالظاهرية، وعلى رأسهم داود بن علي، ومن الحنابلة أبو عبد الله بن حامد وغيرهم كما سبق ذكرهم (80) . ... ويؤدي الاستدلال بالمنع في القرآن خاصة إلى المنع في اللغة، والله أعلم (81) . ... رابعا: ومما سبق من الأدلة والمناقشات على منع المجاز في القرآن يدخل فيها المنع في السنة لعموم كونها وحيا من الله تبارك وتعالى. ... خامسا: مناقشة الجمهور لأدلة نفاه المجاز. ... وقد ناقش الجمهور حجج المنكرين وأجابوا عن أدلتهم فمن ذلك: ... أن القول بأن العرب لم تقسم الكلام إلى حقيقة ومجاز فإن أردتم أنهم لم يضعوا هذا الاصطلاح فمسلم وإن أردتم أنه لا يوجد في كلامهم مجاز فغير مسلم بدليل ما ذكرناه من الأمثلة. ... وأما قولكم إن هذا الاصطلاح حادث لم يعرف إلا بعد القرون المفضلة فغير صحيح بل قد تكلم به عدد من الأئمة منهم معمر بن المثنى مما يدل على أنه استعمال قديم وقد يطلقون عليه لفظ الاتساع. ... وأما القول بأن المجاز يخل بالفهم فنحن اشترطنا لصحة القول بالمجاز وجود القرينة التي تمنع الإخلال بالفهم وتبين مراد المتكلم من لفظه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 .. وأما قولكم إن المجاز كذب وأنه يصح نفيه فغير مسلم لأنه وإن جاز نفيه فليس كذبا لأن المنفي هو إرادة المعنى الحقيقي وليس المجازي بدليل القرينة الموضحة للمراد. ... وأما دعوى أن المجاز يلزم عليه وصف الله سبحانه بأنه متجوز ومستعير فغير مسلم لأن الصفات توقيفية. ... تلك أهم المناقشات التي أوردها الجمهور على القائلين بنفي المجاز وإنكاره (82) . ... سادسا: أما التفصيل بين ما فيه حكم شرعي وما ليس فيه فيمنع في الأحكام الشرعية لما يترتب عليه من لوازم غير صحيحة، فالأحكام الشرعية مبنية على القرآن والسنة بلفظ العرب ولغتهم، فالأيمان والنذور والمعاملات والنكاح والطلاق ونحوها لا مجاز فيها، أما ما ليس فيه حكم شرعي فالأمر فيه واسع بحمد الله. والله أعلم (83) . سابعا: الراجح ووجه ترجيحه مما سبق من عرض المذاهب، والأدلة والمناقشات، أرى صعوبة الترجيح في هذه المسألة وإن كنت أميل إلى التفصيل على حسب الضوابط الشرعية وأهمها: (1) ألا يكون في القرآن والسنة. (2) ألا يكون في الاعتقاد لاسيما صفات الله سبحانه. (3) ألا يكون طريقا إلى تأويل النصوص وردها والتنصل من الأحكام الشرعية. ... والذي يظهر لي إذا دون تعصب ولا تقليد رجحان القول بعدم المجاز، لاسيما في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله (، لقوة أدلة المانعين، وضعف أدلة المجيزين مما ورد عليها من المناقشات القوية، التي أوهنتها. ... ولما يلزم على القول بالجواز المطلق من لوازم غير سديدة، كتعطيل صفات الكمال لله جل وعلا بحجة المجاز وتأويل النصوص على حسب الأهواء بهذه الحجة، ولعدم الضوابط السليمة التي يعرف بها ما قسموه، مما يوهن القول به ولما يترتب على التفريق بين ما قسموه، من جواز نفي بعض كلمات القرآن والسنة، لأن المجاز يجوز نفيه وهذا باطل قطعا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 .. ونحو ذلك مما تقدم عند أدلة المانعين، ومناقشتهم للمجيزين فيصار إلى القول بأن ما سموه بالمجاز يسمى أسلوبا من أساليب العرب المشهورة، التي درجت عليها وعرفت عنها، فالحاصل أن الراجح هو التفصيل والقول بجواز المجاز بالضوابط الشرعية، فما يتعلق بالاعتقاد والصفات وكلام الله فلا مجاز فيه بل كله حقيقة، أما المجاز فيما دون ذلك فأمره يسير بحمد الله. المبحث الثالث: هل للخلاف في المجاز ثمرة؟ بعد عرض الخلاف في المسألة ظهر لي أن الخلاف بين المانعين والمجيزين خلاف حقيقي ليس لفظيا وإن لم يترتب عليه كبير فائدة في الفروع بشرط ألا يتخذ القول بالمجاز ذريعة لتعطيل شئ مما جاء به الشرع. فالأمثلة السابقة المضروبة لهذه المسألة، يطلق عليها المجيزون مجازا ويطلق عليها المانعون أساليب عربية، تكلمت بها العرب، وهي حقيقة في معناها، لا تجوز فيها. ولهذا فقد أنكر المانعون كون الخلاف لفظيا (84) ، لأنهم لم يسلموا أصلا بصحة التقسيم. قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: "وتقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز تقسيم مبتدع، محدث لم ينطق به السلف، والخلف فيه على قولين وليس النزاع فيه لفظيا، بل يقال: نفس هذا التقسيم باطل، لا يتميز هذا عن هذا ... " (85) . ... ومن أثبت صحة التقسيم نفى أن يكون هناك ثمرة عملية لهذا الخلاف وإنما ينحصر الخلاف في العبارة، والتسمية. ... قال ابن قدامه (86) رحمه الله بعد إثباته المجاز وتمثيله له: "ومن منع فقد كابر، ومن سلم وقال لا أسميه مجازا، فهو نزاع في عبارة، لا فائدة في المشاحنة فيه، والله أعلم" (87) . ... قال الشارح (88) معلقا على كلام ابن قدامه هذا بعد أن ذكر المانعين: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 .. "ولما كان هؤلاء من العلم بمكان معروف، تردد المصنف في الأمر فجعل ذلك إما مكابرة، وإما نزاعا في عبارة وأقول: لا مكابرة، وإنما الصواب الثاني وشرح القول في ذلك ثم قال: "وحاصل الأمر تعذر معرفة تقدم وضع على وضع، فلا مجاز بالمعنى الذي قالوه، بل الكل موضوع، فرجع إلى أنه نزاع في العبارة" (89) . المبحث الرابع: أثر القول بالمجاز على النصوص الشرعية وتعقيب على أشهر الأمثلة التي ذكرها بعض الأصوليين للمجاز ... لقد كان للقول بالمجاز على إطلاقه أثر عظيم وخطير على الموقف الصحيح الذي يجب اتخاذه حيال النصوص الشرعية حيث يجب إثباتها على حقيقتها دون تحريف لها عن معانيها الحقيقية لاسيما فيما يتعلق بالأسماء والصفات. ... وقد سبق أن أوردت في حجج منكري المجاز ومناقشتهم للمثبتين له شيئا من ذلك بما يغني عن الإعادة (90) . ... وقد ذكر الأصوليون عددا من الأمثلة من القرآن على إثبات المجاز وحيث إن كثيرا منها يتعلق بصفات الباري جل وعلا، فإن ادعاء المجاز فيها يقتضي نفي حقيقتها، وتعطيل دلالتها على إثبات صفات الكمال لله عز وجل، التي أثبتها لنفسه في كتابه، وأثبتها له رسوله (، وسار عليها سلف هذه الأمة، وقد عرف عن بعضهم سلوكه مذهب الأشاعرة في العقيدة، لذا فقد وقعوا في تأويل بعض النصوص عن حقيقتها، بدعوى المجاز، ولاسيما في آيات الصفات وتلك عقيدة المخالفين لمنهج أهل السنة والجماعة في إثباتهم الصفات لله، كما جاءت، وإقرارها كما وردت، بدون تأويل، ولا تعطيل ولا نفي لحقيقتها، ولا ادعاء كونها مجازا. ... وإليك بعض الأمثلة التي ذكروها عفا الله عنهم تعد شواهد من كلامهم تبين خطورة القول بالمجاز في هذا المجال. ... المثال الأول: قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (91) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 .. وهذا المثال ذكره بعض الأصوليين لإثبات المجاز في القرآن (92) ، فعلى هذا المذهب أن في الآية مجازا يكون المعنى: أن الله منور السموات والأرض بالنور المخلوق أو هادي أهلها. ... والحق عند أهل السنة أن الآية على حقيقتها، لا مجاز فيها، وأن من أسمائه تعالى النور، وهو اسم تلقته الأمة بالقبول، وأثبت في الأسماء الحسنى ولم ينكره أحد من السلف، ومحال أن يسمي الله نفسه نورا، وليس له نور ولا صفة النور ثابتة له، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثباتها على حقيقتها (93) . ... المثال الثاني: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ... } (94) الآية. ... هذا المثال ذكره بعضهم لإثبات المجاز في القرآن، مع اختلافهم في معنى ايذاء الله تعالى. ... فيرى بعضهم أن معنى إيذاء الله: إيذاء رسوله (95) . ... ويرى آخرون أن معنى إيذاء الله: إيذاء أوليائه (96) . ... والذي اضطرهم إلى هذا التأويل الواضح ادعاؤهم المجاز فيها. ... والحق: أن كلا التفسيرين ليس صحيحا، بل تحمل الآية على حقيقتها وتجرى على ظاهرها، ويكون المعنى الصحيح لإيذاء الله: الكفر به، ومخالفة أوامره، وارتكاب زواجره، واتخاذ الأنداد والشركاء له، وتكذيب رسله عليهم الصلاة والسلام (97) ، ويدل على ذلك المعنى حديث "ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا، ويجعلون له أندادا، وهو مع ذلك يعافيهم ويرزقهم" (98) . ... وأما تفسير من أوله بأنه إيذاء رسوله فهو مردود، بما ذكر، ثم إن الله نص في الآية نفسها على إيذاء الرسول بعد ذكره إيذاءه، فقال: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} فيكون الكلام على هذا القول مكررا وهذا محال لمنافاته الأسلوب الصحيح، والتعبير السليم، الذي جرى عليه كتاب الله. ... وأما تفسير من قال بأنهم يؤذون أولياءه فهو غير صحيح من جهتين: ... الأولى: ما ذكر سابقا من المعنى الصحيح في الآية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 .. الثانية: أن الآية نفسها فيها ذكر للرسول، وللمؤمنين والمؤمنات وهم أولياء الله، فيكون في الكلام تكرار لا يليق بكتاب الله، ولو قيل به لحصل المحظور، وهو صرف الآية عن ظاهرها، وتأويلها على غير حقيقتها، والوقوع في التكرار الممنوع الذي يجعل المعطوف عليه بمعنى المعطوف فيكون معنى لفظ الجلالة "الله" بمعنى لفظ "الرسول" وبمعنى لفظ "المؤمنين"، وهذا غير مراد قطعا. ... المثال الثالث والرابع: قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (99) ، و {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} (100) . ... فهذان مثالان ذكرهما بعض الأصوليين لإثبات المجاز في القرآن (101) وليس الأمر كذلك، فلا مجاز في هذه الآيات وأمثالها، بل هي على حقيقتها، عند أهل السنة والجماعة، لأن مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلما له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه، عقوبة له بمثل فعله، كانت عدلا، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} (102) فكاد له كما كاد له إخوته لما قال له أبوه {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} (103) . ... ومعنى استهزاء الله ومكره: إيقاع استهزائهم، ورد خداعهم ومكرهم عليهم، وقيل: استدراجه لهم، وقيل: إنه يظهر لهم في الدنيا خلاف ما أبطن في الآخرة، وقيل: هو تجهيلهم، وتخطئتهم فيما فعلوه (104) . ... قال شيخ الإسلام ابن تيميه بعد ذكره لهذه الأمثلة والمعاني: "وهذا كله حق، وهو استهزاء بهم حقيقة" (105) . ... ومن الأمثلة التي ذكرها بعضهم: قوله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} (106) ، وقوله: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} (107) ، وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (108) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 .. وادعى أن هذه الآيات ليست على حقيقتها، وإنما هي مجاز، والراجح خلاف قوله، فإنها معان حقيقية لا مجاز فيها البتة، ومعانيها مبسوطة في مظانها المعروفة (109) . ... والأمثلة التي ذكرها القائلون بالمجاز ليس فيها مجاز على القول الراجح وإنما هي أساليب بلاغية، تكلم بها العرب وأرادوا بها الحقيقة. ... وأما آيات الصفات فهي حق، تمر على ظاهرها، وتجرى على حقيقتها، نوردها كما جاءت، ونثبتها كما وردت ولا نقع فيه تأويلا أو تعطيلا بدعوى المجاز، فهذا خلاف منهج السلف أهل السنة والجماعة والله تعالى أعلم. • • • الخاتمة ... وبعد هذه الرحلة العلمية مع المجاز إثباتا ونفيا وتفصيلا، وذكر الأدلة والمناقشات يحسن أن أورد بعض النتائج التي توصلت إليها باختصار وهي على النحو الآتي: (1) أهمية هذه المسألة ومكانتها العلمية والعملية. (2) أن للألفاظ تقسيمات شتى، منها على قول المتأخرين تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز. (3) أن هذا التقسيم محل خلاف بين العلماء، لأن السلف المتقدمين لم يقولوا به. (4) أن هذا التقسيم متأخر ولذا وقع فيه الخلاف. (5) أن حاصل المذاهب في المسألة خمسة: الجواز مطلقا، والمنع مطلقا والتفصيل على خلاف فيه. (6) أن لكل أدلة وعليه مناقشات. (7) أن الراجح هو القول بالتفصيل على حسب الضوابط الشرعية. (8) أنه فيما يتعلق بالاعتقاد وصفات الباري جل وعلا وكلامه سبحانه وكلام رسوله (وماله ارتباط بالأحكام الشرعية فالقول بمنع المجاز فيها هو المتعين لما يلزم على القول به من لوازم فاسدة. (9) أن ما ليس له علاقة بما سبق بل مجرد ألفاظ وأساليب واصطلاحات فحسب فالأمر فيه واسع بحمد الله فمجال اللغة رحب وميدانها فسيح ولا مشاحة في الاصطلاح. (10) أن الخلاف له ثمرة حقيقية فيما يتعلق بالعقيدة والقرآن والأحكام أما غيرها فاصطلاح لا مشاحة فيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 (11) التنبيه على عدد مما ذكره بعض الأصوليين في هذا الموضوع مما فيه تأويل لصفات الله سبحانه والقول فيها بغير قول السلف رحمهم الله. (12) أرى أن هذا الموضوع له ارتباط بقضايا وأحوال زماننا المعاصر، فلا يزال كثير من المخالفين لمنهج السلف في عدد من القضايا والمسائل يركزون فيها على هذه القضية وصارت عندهم سلما لرد النصوص وتأويلها والتنصل عن كثير من الأحكام الشرعية أو لي أعناقها وصرفها عن مرادها الحقيقي، مما يؤكد على حملة الشريعة التصدي لهذه الحملات ضد عقيدتنا وأحكام شريعتنا وسد الذرائع الموصلة إلى كل ما يخالفها، والله المستعان. ... وهو المسؤول أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه إنه خير مسئول وأكرم مأمول، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو حسبنا ونعم الوكيل. ... والحمد لله رب العالمين. ... وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. الحواشي والتعليقات (1) ... هذا صدر خطبة الحاجة التي كان النبي (يستفتح بها خطبه، وقد خرجها أهل السنن والحاكم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. ... انظر: 2/238 من سنن أبي داود، كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح، 3/413 من سنن الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء في خطبة النكاح، 3/105 من سنن النسائي، كتاب الجمعة، باب كيف الخطبة؟ ، 1/609 من سنن ابن ماجة، كتاب النكاح، باب خطبة النكاح، 2/182 من المستدرك للحاكم، باب النكاح، وللشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رسالة خاصة بها من طبع ونشر المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت. (2) ... ومن أشهرها كتاب الدكتور عبد العظيم المطعني المسمى "المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع" وكتاب د. لطفي عبد البديع المسمى "فلسفة المجاز بين البلاغة العربية والفكر الحديث" وغيرها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 (3) ... انظر في الألفاظ وشئ من أقسامها: ... ص20 وما بعدها من شرح تنقيح الفصول للقرافي، 1/14 من الأحكام للآمدي، 1/264 من المحلى على جمع الجوامع مع حاشية البناني، 1/296 وما بعدها من نهاية السول، 1/107 من شرح الكوكب المنير، ص273 من التعريفات للجرجاني ص368،369 من أصول الفقه للأستاذ محمد مصطفى شلبي. (4) ... آية رقم 6 من سورة غافر. (5) ... آية رقم 33 من سورة يونس. (6) ... هو اللغوي المشهور أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب الرازي كان إماما في اللغة وفي علوم شتى، وأعطى اللغة جل همه إلى أن أتقنها وصار فيها إماما وألف فيها المؤلفات المتعددة، كما له اهتمام بالشعر وله أشعار كثيرة حسنة. ... من أهم مؤلفاته "معجم مقاييس اللغة"، و"المجمل"، و"حلية الفقهاء"، توفي سنة 390هـ بالري. ... انظر ترجمته في: 1/118 من وفيات الأعيان لابن خلكان، 3/132 من شذرات الذهب لابن العماد. (7) ... 2/15 من معجم مقاييس اللغة. (8) ... انظر في مجموع هذه المعاني: 2/15 من معجم مقاييس اللغة، 1/143 من المصباح المنير، 4/1460 من الصحاح، 3/221 من القاموس المحيط. (9) ... انظر: 1/114 من المصباح، 3/870 من الصحاح، 2/170 من القاموس. (10) ... 1/494 من معجم مقاييس اللغة. ... وانظر في مجموع المعاني اللغوية لكلمة "المجاز" المراجع السابقة مجتمعة. (11) ... انظر: 1/203 من فواتح الرحموت، وانظر أيضا 1/127 من الإبهاج للسبكي، دار الكتب العلمية، بيروت توزيع دار الباز، مكة. (12) ... انظر 1/26 من الإحكام للآمدي. (13) ... انظر: 1/17 من المعتمد لأبي الحسين البصري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، سنة 1403هـ. (14) ... انظر: ص94-95 من التعريفات للجرجاني. (15) ... انظر: 1/77 من التمهيد لأبي الخطاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 (16) ... وانظر أيضا: 1/203 من فواتح الرحموت، ص42 من شرح تنقيح الفصول للقرافي دار الفكر، بيروت القاهرة، 1/105،341 من المستصفى، 1/300 من حاشية البناني على جمع الجوامع، 1/172 من العدة لأبي يعلى، ص64 من الروضة، 1/149 من شرح الكوكب المنير، ص21 من إرشاد الفحول. (17) ... وعبر صاحب المعتمد ب: "ما أفيد به غير ما وضع له" 1/11 من المعتمد للبصري. (18) ... انظر: ص64 منها. (19) ... وهو حد صاحب جمع الجوامع. انظر: 1/300 من حاشية البناني على الجمع وقريب منه حد شارح الكوكب المنير كما في 1/154 منه. (20) ... وهو تعريف أبي الخطاب صاحب التمهيد كما في 1/77 منه. (21) ... انظر في تعريف المجاز: ... 1/203 من فواتح الرحموت، 1/11 من المعتمد للبصري، ص44 من شرح تنقيح الفصول، ص20 من منتهى الوصول والأمل لابن الحاجب، 1/105،341 من المستصفى، 1/304-305 من حاشية البناني على جمع الجوامع، ص179 من التمهيد للاسنوي، 1/28 من الإحكام للآمدي، 1/172-174 من العدة لأبي يعلى، 1/77 من التمهيد لأبي الخطاب، ص64 من الروضة 1/154-155 من شرح الكوكب المنير، ص214 من التعريفات، ص21 من إرشاد الفحول للشوكاني، ص443 من أصول الفقه لشلبي. (22) ... انظر شيئا منها في: 1/11-14 من المعتمد، 1/29 من الإحكام للآمدي. (23) ... انظر في أقسام الحقيقة وأمثلتها: 1/203 من فواتح الرحموت، ص42 من شرح تنقيح الفصول، 1/14 من المعتمد لأبي الحسين البصري، 1/27-28 من الإحكام للآمدي، 1/301 من حاشية البناني على جمع الجوامع، 1/149-150 من شرح الكوكب المنير، ص21 من إرشاد الفحول، ص443 من أصول الفقه لشلبي. (24) ... آية رقم 82 من سورة يوسف. (25) ... آية رقم 11 من سورة الشورى. (26) ... وسيأتي مزيد إيضاح في ذلك في صلب البحث إن شاء الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 .. وانظر: 2/274-278 من البرهان في علوم القرآن للزركشي (ت794هـ) ، ط/دار المعرفة للطباعة، لبنان، 1/415 من جمع الجوامع، لعبد الوهاب السبكي (ت771هـ) مع حاشيته للشيخ حسن العطار، ط/مصطفى محمد الحلبي، مصر، 1/169-175 من شرح الكوكب المنير، ص62 من مذكرة الشنقيطي على الروضة. (27) ... انظر في أقسام المجاز والأمثلة: 1/203 من فواتح الرحموت، ص44 من شرح تنقيح الفصول، 1/14 من المعتمد، 1/341 من المستصفى، 1/309-317 من حاشية البناني على جمع الجوامع، 1/172 من العدة، 1/156-180 من شرح الكوكب المنير، ص214-215 من التعريفات، ص23-24 من إرشاد الفحول. (28) ... مجموع الفتاوى 7/88،89، 12/277. (29) ... مختصر الصواعق المرسلة 2/5. (30) ... أوردها كلها الزركشي في البحر المحيط 2/185. (31) ... انظر: 1/24 من المعتمد، 1/47 من الإحكام للآمدي، 1/80 من التمهيد لأبي الخطاب، ص564 من المسودة، 1/191 من شرح الكوكب، ص22 من إرشاد الفحول. (32) ... هو الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، الفقيه المتكلم الأصولي، أقر له أهل نيسابور، وكان يلقب بركن الدين، له تصانيف نافعة، منها الجامع، والتعليقة في أصول الفقه، توفي سنة 418هـ. ... انظر ترجمته في: 4/256 من طبقات الشافعية، 2/24 من البداية والنهاية، 3/209 من شذرات الذهب. ... وقد طعن في النقل عن أبي إسحاق الاسفراييني إمام الحرمين ظنا منه ولكن الأظهر ثبوته عنه، وقد دأبت كتب الأصول على إثباته عنه، وعن الفارسي في أكثرها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 وانظر: 2/21 من تيسير التحرير لأمير باد شاه، توزيع الباز، مكة، 1/230 من بيان المختصر للأصفهاني محمد بن عبد الرحمن (ت749هـ) ، ط/مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، 1/226 من البدخشي محمد بن الحسن على منهاج الوصول للبيضاوي، ط/صبيح بمصر، 1/296 من الإبهاج شرح المنهاج للتاج السبكي، ط/1 بيروت، سنة 1404هـ، 1/402-403 من جمع الجوامع حاشية العطار، 1/296 من نهاية السول، ط/دار الكتب العلمية، 7/89 من الفتاوى، وغيرها. (33) ... هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الأصل، أحد أئمة اللغة، ولد في فسا، وهي بلدة في فارس سنة 288هـ، ودخل بغداد سنة 307هـ صنف كتاب الإيضاح في قواعد اللغة، والتذكرة في عشرين مجلدا، توفي سنة 373هـ. ... انظر ترجمته في: 5/21 من سير أعلام النبلاء، ط/مؤسسة الرسالة، وانظر: 1/131 من وفيات الأعيان، 3/88 من شذرات الذهب. (34) ... كشيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه العلامة ابن القيم، وقد ذكرا من ذهب إليه، انظر 7/89 من الفتاوى، ص85 من كتاب الإيمان، ط/2، المكتب الإسلامي، بيروت 2/242-243 من مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم، اختصار محمد بن الموصلي دار الندوة الجديدة، بيروت، وانظر في ذلك أيضا: 1/80 من التمهيد لأبي الخطاب، ص165 من المسودة، 1/192 من شرح الكوكب المنير، 1/183 من شرح ابن بدران على الروضة، ص58 من مذكرة الشنقيطي. (35) ... هو داود بن علي بن خلف أبو سليمان الأصبهاني البغدادي، إمام أهل الظاهر، الإمام الزاهد الورع، كان من المتعصبين لمذهب الشافعي، ثم صار صاحب مذهب مستقل، له مؤلفات كثيرة منها إبطال القياس، والمعرفة والحيض والطهارة، وغيرها توفي سنة 270هـ. ... انظر: 2/284 من طبقات الشافعية للسبكي، 2/26 من وفيات الأعيان، 2/158 من شذرات الذهب، ص253 من طبقات الحفاظ والنقل عنه في أكثر المراجع الأصولية، وانظر 7/89 من الفتاوى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 (36) ... هو أبو العباس أحمد بن أبي أحمد، ابن القاص الطبري، أخذ عن ابن سريج، وسمي بابن القاص أو بالقاص لأنه دخل ديار الديلم، فوعظ بها وذكر، وكان من أخشع الناس، له تصانيف في الفقه كثيرة منها التلخيص والمفتاح، مات بطر سوس سنة 335هـ. ... انظر: 2/103 من طبقات الشافعية للسبكي، 1/51 من وفيات الأعيان، وانظر في النقل عنه بإنكار المجاز في القرآن وعن ابن خويز منداد أيضا: 1/120 من الإتقان للسيوطي، ط/الهيئة المصرية للكتاب، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. (37) ... هو محمد بن أحمد بن عبد الله، وقيل محمد بن أحمد بن علي، ابن خويز منداد، أبو عبد الله البصري المالكي كان يجانب علم الكلام وينافر أهله، ويحكم على الكل أنهم من أهل الأهواء، تتلمذ على الأبهري، وله كتب كثيرة في الأصول والفقه، وتكلم فيه أبو الوليد الباجي، توفي سنة 390هـ. ... ... انظر: 5/291 من لسان الميزان، وأيضا 2/229 من الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب للقاضي برهان الدين إبراهيم بن علي ابن فرحون، تحقيق الدكتور محمد الأحمدي أبو النور، ط/دار التراث للطبع والنشر بالقاهرة سنة 1974م ص103 من شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف، ط/بالاوفست عن الطبعة الأولى سنة 1349هـ. (38) ... هو عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد الفقيه، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد، توفي سنة 410هـ. ... انظر: 2/179 من طبقات الحنابلة للقاضي أبي يعلى الفراء (ت526هـ) ، مطبعة السنة المحمدية، مصر 1952م 7/295 من المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي (ت597هـ) ، حيدر آباد، الدكن، الهند 1359هـ. (39) ... هو الحسن بن حامد بن علي بن مروان أبو عبد الله البغدادي إمام الحنابلة في زمانه وفقيههم، له مصنفات في علوم شتى، توفي سنة 403هـ، وله شرح على مختصر الخرقي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 .. انظر: 2/171 من طبقات الحنابلة، 3/166 من شذرات الذهب، وقد عزا القول له وللتميمي شيخ الإسلام ابن تيميه انظر 7/89 من الفتاوى. (40) ... كأبي الحسن الخرزي من الحنابلة، ومنذر بن سعيد البلوطي، وقد ذكر شيخ الإسلام أن له مصنفا في منع المجاز في القرآن 7/89 من الفتاوى. (41) ... نسبه إليه الزركشي في البحر وقال تفرد به، انظر 3/185، وأورده ابن حزم في الإحكام 4/531. (42) ... هو أبو بكر محمد بن داود بن علي بن خلف الظاهري إمام ابن إمام، خلف أباه في التدريس وكان فقيها مناظرا أديبا شاعرا، له مصنفات عديدة منها اختلاف مسائل الصحابة والوصول إلى معرفة الأصول، والزهرة في الأدب وغيرها، مات سنة 297هـ. ... انظر: ص172 من طبقات الفقهاء للشيرازي، 4/259 من وفيات الأعيان. (43) ... أورده الزركشي في البحر 3/185، وانظر: 4/531-532 من الإحكام لابن حزم الظاهري. (44) ... هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، تفقه على مذهب الشافعي حتى صار حافظا فقيها مستنبطا حتى عد من أساطين مذهب الظاهرية، له مصنفات كثيرة منها المحلى، والإحكام في أصول الأحكام، والفصل في الملل والنحل، وغيرها مات سنة 456هـ. ... انظر: 3/13 من وفيات الأعيان، 3/299 من شذرات الذهب. (45) ... آية رقم 24 من سورة الإسراء. (46) ... آية رقم 77 من سورة الكهف. (47) ... آية رقم 43 من سورة النساء، وآية رقم 6 من سورة المائدة. (48) ... انظر: 1/182 من شرح ابن بدران للروضة. ... وانظر في أدلة المجيزين: 1/47 من الإحكام للآمدي، 1/80 من التمهيد لأبي الخطاب، 1/182 من شرح الروضة لابن بدران، ص23 من إرشاد الفحول. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 (49) ... أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري النحوي، ولد سنة 110هـ، كان من أوعية العلم، روى عن هشام بن عروة وأبي عمرو بن العلاء، وكان حافظا للعلوم، إماما في التصنيف حتى بلغت تصانيفه نحو مائتي مصنف وله مع العلماء مناظرات مشهورة، وقد أخذ عنه أبو عبيد القاسم بن سلام، توفي سنة 210هـ وقيل غير ذلك، عفا الله عنه. ... انظر: 5/235 من وفيات الأعيان، 2/24 من شذرات الذهب. (50) ... وقد صرح بمراده هذا، انظر ص26 من الكتاب، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية، الرياض، وانظر: 7/78 من الفتاوى، ص83 من الإيمان لابن تيميه، 20/403-404 من الفتاوى، 2/241-243 من مختصر الصواعق المرسلة 1/183-184 من شرح ابن بدران على الروضة، ص58-62 من مذكرة الشنقيطي. (51) ... انظر: 7/90-91 من الفتاوى، ص86-87 من الإيمان، 2/243-244 من مختصر الصواعق، ص62 من مذكرة الشنقيطي. (52) ... انظر في بطلان التقسيم وما يترتب عليه: 7/96-106 من الفتاوى، ص92-104 من الإيمان، 1/243-287 من مختصر الصواعق، فقد ذكر فيه خمسين وجها على بطلانه، لما يترتب عليه من لوازم فاسدة. (53) ... انظر: 7/96-97 من الفتاوى، ص92-93 من الإيمان، 2/243-249 من مختصر الصواعق. (54) ... انظر في الفروق بينهما: 7/96-115 من الفتاوى، ص92-101 من الإيمان، 2/247-261 من مختصر الصواعق، 1/25-27 من المعتمد، 1/86 من التمهيد لأبي الخطاب، ص25 من إرشاد الفحول. (55) ... وانظر في ذلك: 7/96-115 من الفتاوى، ص92-101 من الإيمان، 1/247-261 من مختصر الصواعق. (56) ... انظر: 7/88،118-119 من الفتاوى، ص84،114 من الإيمان، 1/241 من مختصر الصواعق، ص58 من مذكرة الشنقيطي. (57) ... انظر في اللوازم: 7/90 وما بعدها من الفتاوى، ص86 وما بعدها من الإيمان، 2/243-287 من مختصر الصواعق، ص58 من مذكرة الشنقيطي. (58) ... آية رقم 82 من سورة يوسف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 (59) ... انظر: ص59 من مذكرة الشنقيطي. (60) ... انظر: 7/112-113 من الفتاوى، ص108 من الإيمان، 20/263 من الفتاوى. (61) ... آية رقم 4-5 من سورة الأعراف. (62) ... آية رقم 13 من سورة محمد. (63) ... آية رقم 59 من سورة الكهف. (64) ... آية رقم 259 من سورة البقرة. (65) ... انظر: 7/112-113، 20/463 من الفتاوى، ص108 من الإيمان، 2/302-303 من مختصر الصواعق المرسلة. (66) ... آية رقم 24 من سورة الإسراء. (67) ... آية رقم 16 من سورة العلق. (68) ... انظر في ذلك كله: 20/465 من الفتاوى، 2/252 من مختصر الصواعق، ص58-59 من مذكرة الشنقيطي. (69) ... فقد قال ("إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث". حديث صحيح رواه مسلم وأحمد والترمذي عن جابر بن سمرة. انظر: 3/19 من فيض القدير للمناوي شرح الجامع الصغير للسيوطي، ط/2، دار المعرفة، بيروت 1391هـ، توزيع دار الباز، مكة. (70) ... كما في صحيح البخاري عن جابر: "كان جذع يقوم إليه النبي (فلما وضع له المنبر حن الجذع". انظر: 1/220 من صحيح البخاري، كتاب الجمعة، وانظر 2/62 من التلخيص الحبير لابن حجر. (71) ... آية رقم 44 من سورة الإسراء. (72) ... انظر: 7/108 من الفتاوى، ص103 من الإيمان، ص59 من مذكرة الشنقيطي. (73) ... آية رقم 43 من سورة النساء، وآية رقم 6 من سورة المائدة. (74) ... انظر: 7/97، 20/467 من الفتاوى، ص93 من الإيمان، ص60 من مذكرة الشنقيطي. (75) ... وقد طرق هذه المسألة في: 7/87-119، 20/400-499 من الفتاوى. (76) ... في مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة 2/241-423. (77) ... مضى ذكر بعضهم مع الإحالة إلى من ذكرهم ص30 من البحث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 (78) ... ومن أشهرهم العلامة محمد الأمين الشنقيطي في المذكرة ص58-62، وله رسالة مستقلة في ذلك اسمها "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز"، ومن أولئك أئمة الدعوة والمحققون من المعاصرين كالشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله وغيره. انظر 1/26 من الإحكام للآمدي، تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي. (79) ... انظر ص 29،30 من البحث. (80) ... انظر ص583. (81) ... انظر: 1/226 من شرح البدخشي محمد بن الحسن على منهاج الوصول للبيضاوي. (82) ... انظر في ذلك: 1/31 من المعتمد لأبي الحسين البصري، 1/212 من فواتح الرحموت، 2/22 من تيسير التحرير، ص179 من التبصرة للشيرازي، 1/1/464 من المحصول للرازي، 1/50 من الإحكام للآمدي، 2/700 من العدة، 2/648،913،1094 من كتاب المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع د. عبد العظيم المطعني، ط/مكتبة وهبة بالقاهرة (83) ... انظر 4/531 وما بعدها من الإحكام لابن حزم. (84) ... انظر: 1/46 من الإحكام للآمدي حيث جعله كذلك. (85) ... 7/113 من الفتاوى، وانظر 2/243 من مختصر الصواعق لابن القيم. (86) ... هو أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامه المقدسي، أحد العلماء الأعلام صاحب التصنيفات المهمة في الفقه والأصول، أشهرها المغني والكافي والمقنع والعمدة والروضة، ولد سنة 541هـ، وتوفي سنة 620هـ. ... انظر: 2/133 من ذيل طبقات النابلة لابن رجب، 5/88 من شذرات الذهب. (87) ... ص64 من الروضة. (88) ... هو الشيخ عبد القادر بن مصطفى بدران الدومي الدمشقي. (89) ... 1/183-184 من نزهة الخاطر العاطر شرح كتاب روضة الناظر. (90) ... ص586 مع المراجع في حاشية (52) . (91) ... آية رقم 35 من سورة النور. (92) ... كالغزالي، انظر 1/105 من المستصفى. (93) ... انظر: 20/468 من الفتاوى، 2/359 من مختصر الصواعق المرسلة. (94) ... آية رقم 57 من سورة الأحزاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 (95) ... 1/105 من المستصفى، ص64 من الروضة. (96) ... 1/105 من المستصفى، 2/696 من العدة. (97) ... انظر: 3/517 من تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ط/دار الفكر، 7/237 من تفسير القرطبي، ص60 من مذكرة الشنقيطي. (98) ... أخرجه البخاري في باب الصبر على الأذى من كتاب الأدب، انظر 7/71 من صحيحه، وأخرجه أحمد، انظر 4/401-405 من المسند، وانظر 5/363 من فيض القدير للمناوي، فقد عزاه إلى البيهقي والنسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. (99) ... آية رقم 15 من سورة البقرة. (100) آية رقم 30 من سورة الأنفال. (101) 1/105 من المستصفى. (102) آية رقم 76 من سورة يوسف. (103) آية رقم 5 من سورة يوسف. (104) انظر: 7/111، 20/471 من الفتاوى، ص106-107 من الإيمان، 2/258 من الصواعق المرسلة. (105) انظر: 7/112 من الفتاوى، ص107 من الإيمان. (106) آية رقم 64 من سورة المائدة. (107) آية رقم 29 من سورة الكهف. (108) آية رقم 11 من سورة الشورى، وانظر هذه الأمثلة في 1/105 من المستصفى. (109) سواء من كتب التفسير أم العقائد أم الأصول أم غيرها مما سطره علماء السلف رحمهم الله وأهم من تصدى لأمثلة مدعي المجاز في القرآن شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى وتلميذه ابن القيم في مختصر الصواعق، وقد مرت الإحالة على الصفحات في ثنايا البحث. ... وانظر في الأمثلة خاصة والقول الحق فيها 1/463-497 من الفتاوى، 2/307-419 من مختصر الصواعق المرسلة. المصادر والمراجع القرآن وعلومه: * الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، ط/الهيئة المصرية للكتاب، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. * البرهان في علوم القرآن للزركشي، ط/دار المعرفة، لبنان. * تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ط/دار الفكر. * تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) ، ط/دار الكتب المصرية ط/2، 1387هـ. الحديث وعلومه: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 * التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر العسقلاني، ط/المكتبة الأثرية، باكستان. * سنن أبي داود، ط/دار الفكر. * سنن الترمذي (جامع الترمذي) ، تحقيق أحمد محمد عثمان، ط/دار الفكر. * سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط/دار إحياء التراث العربي، بيروت. * سنن النسائي، ط/مصطفى البابي الحلبي، مصر. * صحيح البخاري، المكتبة الإسلامية، استانبول، تركيا. * فيض القدير للمناوي شرح الجامع الصغير للسيوطي، ط/2، دار المعرفة، بيروت، 1391هـ، توزيع دار الباز بمكة. * المستدرك للحاكم النيسابوري، ط/دار الكتاب العربي، بيروت. * المسند للإمام أحمد بن حنبل، ط/دار الفكر كتب اللغة: * الصحاح للجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، ط/3، 1404هـ. * المصباح المنير للفيومي، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان. * معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، إيران. * القاموس المحيط للفيروزآبادي، ط/الحلبي، القاهرة. كتب الأصول: * الإبهاج للسبكي، ط/1، 1404هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، توزيع دار الباز بمكة. * الإحكام للآمدي، تحقيق وتعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي، ط/المكتب الإسلامي، بيروت. * الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الظاهري، تحقيق محمد أحمد عبد العزيز، ط/1، 1398هـ، الناشر مكتبة عاطف بمصر. * إرشاد الفحول للشوكاني، ط/دار المعرفة، بيروت. * أصول الفقه، محمد مصطفى شلبي، ط/دار النهضة العربية، بيروت، ط/3، 1402هـ. * البحر المحيط للزركشي، تحقيق د. عمر الأشقر، ط/وزارة الشئون الإسلامية، الكويت. * بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب للأصفهاني محمد بن عبد الرحمن، تحقيق د. محمد مظهر بقا، ط/مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 * التبصرة في أصول الفقه لأبي إسحاق الشيرازي، تحقيق د. محمد حسن هيتو، دار الفكر، دمشق، 1400هـ. * التمهيد لأبي الخطاب، تحقيق د. مفيد أبو عمشة، ط/مركز البحث العلمي جامعة أم القرى، ط/1، 1406هـ. * التمهيد في تخريج الفروع على الأصول للاسنوي، تحقيق د. محمد حسن هيتو، ط/مؤسسة الرسالة، بيروت، ط/1، 1400هـ. * تيسير التحرير لأمير بادشاه، توزيع دار الباز، مكة، ط/دار الكتب العلمية، بيروت. * جمع الجوامع بشرح المحلى، ط/دار الفكر، 1402هـ. * حاشية الشيخ حسن العطار على جمع الجوامع لعبد الوهاب السبكي، ط/مصطفى الحلبي، مصر. * حاشية البناني على جمع الجوامع، ط/دار الفكر، 1402هـ. * شرح ابن بدران على الروضة (نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر) ط/المكتب الإسلامي، ودار الكتب العلمية، بيروت * شرح البدخشي (مناهج العقول) ، محمد بن الحسن على منهاج الوصول للبيضاوي، ط/صبيح مصر. * شرح تنقيح الفصول للقرافي، ط/دار الفكر، بيروت، القاهرة. * شرح المحلى على جمع الجوامع مع حاشية البناني، ط/دار الفكر، 1402هـ. * شرح الكوكب المنير لابن النجار، تحقيق د. محمد الزحيلي، ود. نزيه حماد، ط/مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى 1402هـ. * العدة لأبي يعلى، تحقيق د. أحمد سير المباركي، مؤسسة الرسالة بيروت. * فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت، مطبوع بهامش المستصفى، ط/دار إحياء التراث العربي، بيروت. * المحصول في أصول الفقه لفخر الدين الرازي، تحقيق د. طه جابر العلواني، ط1، 1400هـ، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. * مذكرة في أصول الفقه للشنقيطي محمد الأمين، ط/المكتبة السلفية المدينة المنورة. * المسودة لآل تيميه، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي، بيروت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 * المستصفى للغزالي، ط/مع فواتح الرحموت، مصورة عن المطبعة الأميرية، بولاق بمصر، نشر دار إحياء التراث العربي ومكتبة المثنى، بيروت، لبنان. * المعتمد لأبي الحسين البصري المعتزلي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، 1403هـ. * منتهى الوصول والأمل لابن الحاجب، ط/دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، سنة 1405هـ. * نهاية السول للاسنوي على منهاج الوصول للبيضاوي، ط/دار الكتب العلمية، عالم الكتب، بيروت. كتب التراجم: * البداية والنهاية لابن كثير، مكتبة المعارف، بيروت. * الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب للقاضي برهان الدين ابن فرحون، تحقيق د. محمد الأحمدي أبو النور، ط/دار التراث، القاهرة، 1974م. * ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب، صححه محمد حامد الفقي، ط/السنة المحمدية، سنة 1372هـ. * سير أعلام النبلاء للذهبي، ط/مؤسسة الرسالة. * شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف، ط/بالأوفست عن الطبعة الأولى سنة 1349هـ. * شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي، ط/دار الآفاق الجديدة، بيروت. * طبقات الحفاظ للسيوطي، ت/علي محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط/1973م. * طبقات الشافعية للسبكي، دار المعرفة، بيروت، ط/2. * طبقات الفقهاء للشيرازي، تحقيق د. إحسان عباس، نشر دار الرائد العربي، بيروت، 1970م. * لسان الميزان لابن حجر العسقلاني، نشر مؤسسة الأعلمي، بيروت. * المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي، ط/حيدر أباد الدكن، 1359هـ. * وفيات الأعيان لابن خلكان، تحقيق د. إحسان عباس، ط/دار صادر، بيروت. مصادر خاصة: * المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة بالقاهرة. * منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، مطبوع في آخر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للمؤلف، 1403هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 * فلسفة المجاز بين البلاغة العربية والفكر الحديث، د. لطفي عبد البديع، نشر النادبي، جدة، ط2، 1406هـ. كتب أخرى: * الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيميه، ط/2، المكتب الإسلامي، بيروت. * التعريفات للجرجاني، مكتبة لبنان، بيروت، 1978م. * الرد على الجهمية والزنادقة، للإمام أحمد بن حنبل، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية، الرياض. * مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه، جمع عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد، نشر الرئاسة العامة للبحوث العلمية الرياض. * مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم، اختصار محمد الموصلي، دار الندوة الجديدة، بيروت. * موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة عرضا ونقدا، د. سليمان بن صالح الغصن، دار العاصمة الرياض، ط1، 1416هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والدولة البيزنطية في عهد الخليفة هارون الرشيد 170 - 193 هـ / 786 - 808 م د. محمد بن ناصر بن أحمد الملحم أستاذ التاريخ الإسلامي المشارك - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الأحساء ملخص البحث يشتمل هذا البحث على: - العلاقة بين المسلمين والبيزنطيين قبل خلافة الرشيد، وتناولت العلاقة في عهد أبي جعفر المنصور، الذي اهتم بتحصين الحدود الإسلامية وحدد أسلوب القتال بالصوائف والشواتي، كما وضحت دور الرشيد في خلافة والده المهدي، حيث قاد الرشيد جيشاً كبيراً انتصر على الروم. - العلاقة بين المسلمين والبيزنطيين في خلافة الرشيد (170 - 193 هـ / 786 - 808 م) . وفيها عني الرشيد بإنشاء منطقة العواصم قرب إنطاكية، وبنى مدينة طرسوس، لتكون مركزاً استراتيجياً يغزون المسلمين منه، وحرّك جيوش الصوائف والشواتي ناحية الروم، كما بينت العلاقة بين الرشيد وإيريني - سنة 183 - 186 هـ / 799 - 802 م - والتي توقفت فيها الشواتي والصوائف على بلاد الروم، لإعلان إيريني الطاعة للمسلمين ودفع الجزية السنوية لهم ووضّحت - أيضاً - العلاقة العدائية بين الرشيد ونقفور - سنة 187 - 193 هـ / 802 - 808 م حيث تقدم الجيش الإسلامي صوب هر قلة وفتحها سنة 187 هـ / 802 م. وفي نهاية هذا البحث خاتمة بأهم نتائجه ومنها: أنه تحقق الهدف المنشود من الشواتي والصوائف، وأخذ صوت الإسلام يعلو في بعض المدن الرومية، وبدأ الروم يحسبون للمسلمين ألف حساب، باعتبارهم القوة الغالبة، ودخل الآلاف من الروم في دين الإسلام. • • • مقدمة: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، سيّدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 فإن العلاقات بين المسلمين والبيزنطيين - الروم الشرقية - قديمة، ترجع إلى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كما في سرية مؤتة وغزوة تبوك، وفي عصر الراشدين تمكن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب - (- أن يفتح بلاد الروم ويسترد بيت المقدس من أيديهم، ومن وقتها زادت حدة التوتّر بين المسلمين والروم، وغلب عليها الطابع العدائي؛ نظراً لاختلاف الديانة، ولأهمية مدينة بيت المقدس وكنيسة القيامة التي يحجّون إليها، إضافة إلى الحدود المتشابكة بين الطرفين والغارات المتواصلة، وعليه فقد أصبحت الحرب بين المسلمين والبيزنطيين في العصر العباسي لا تعدو تبادل الغارات وما يصحب ذلك من تدمير وتخريب وقتل وسبي، ولم تنقطع غزوات المسلمين عن بلاد البيزنطيين في عهد هارون الرشيد – 170 – 193هـ/786 - 808م - لكن كم عدد الحملات؟ وما نظامها؟ وما الهدف منها؟ وما سرّ انتصارات الجيوش الإسلامية فيها؟ وما موقف الإمبراطورة إيريني والإمبراطور نقفور منها؟ وما أهم النتائج التي حققتها؟ ولماذا توقفت هذه الحملات بعد وفاة الرشيد؟ . كل ذلك تناوله البحث وناقشه بالتفصيل من خلال المباحث التالية: أولاً: العلاقة بين المسلمين والبيزنطيين قبل خلافة الرشيد. أ. تمهيد عن العلاقة في عهد أبي جعفر المنصور وابنه المهدي. ب. دور الرشيد في هذه العلاقة في خلافة والده المهدي. ثانياً: أ. طبيعة العلاقات بين المسلمين والبيزنطيين في خلافة هارون الرشيد170 - 193هـ/ 786 – 808 م. ب. سياسة الصوائف والشواتي سنة170– 182هـ / 786 - 798م. ج. بين الرشيد وإيريني في الفترة 183 - 186هـ / 799 - 802م. د. بين الرشيد ونقفور في الفترة 187 - 193هـ / 802 - 808م. الخاتمة. أولاً: العلاقات بين المسلمين والبيزنطيين قبل خلافة الرشيد في الدولة العباسية: أ - تمهيد عن العلاقة في عهد أبي جعفر المنصور وابنه المهدي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 بعد أن أقام العباسيون دولتهم في العراق سنة 131هـ / 748م كان النفوذ البيزنطي قابعاً في شمال الشام حيث تحصن الروم في مواقع حصينة في جبال طوروس وآسيا الصغرى وبحر مرمرة (1) ، وأخذوا يطلّون منها على المسلمين ساعات الضعف أو الانشغال ويتراجعون إليها في ساعة القوة، وبدايةً انتهز الإمبراطور قسطنطين الخامس كوروليموس (2) (124 – 159هـ / 741 - 775م) فرصة انشغال العباسيين بأحداث إقامة دولتهم والتمكن لأنفسهم ومواجهة مشاكل المركزية والإقليمية وأغار في سنة (133هـ/ 750م) على منطقة الحدود (الحدود بين المسلمين والروم) - أي منطقة الثغور (3) - وأتى على جهود المسلمين في التحصين، ودمَّر خطّ حصون الفرات، ثم الخطّ الممتد من نهر الفرات إلى البحر الأبيض المتوسط، وهدّد النظام الثغري كله تهديداً خطيراً فحاصر ملطية (4) واستسلم أهلها له، ولذلك اهتم أبو جعفر المنصور (5) (137 - 158هـ/754 - 774م) بتحصين الحدود، فأمر عمّه - صالح بن علي - بإعادة تحصين ملطية (6) . ويبدو أنه أول من جعل لمنطقة الجزيرة كياناً إدارياً مستقلاً (7) ؛ فقد ولى عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام على الجزيرة والثغور، وسخّر في ذلك العمل الجليل جنود الدولة الجدد، فقد خرج الحسن بن قحطبة في سبعين ألفاً، وجمع العمال من كافة البلاد الإسلامية، ويذكر البعض أن الحسن كان يحمل الحجارة بنفسه احتساباً، وقد استطاع الجند الخراسانية أن يعيدوا بناء ملطية في نحو ستة شهور (8) ، ومن ذلك تبين أن المنصور هو الذي وضع أساس النظام الثغري الذي وصل إلى حدّ الكمال زمن المعتصم (9) (218 – 227هـ / 833 - 841) (10) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 كما حرص المنصور على وضع أسلوب للقتال وتقاليده، والذي حافظ عليه الخلفاء الذين تعاقبوا بعده، ففي عهده نظمت الصوائف والشواتي، فقد كانت هناك أوقات معيّنة يغير فيها المرابطون في الثغور تحدث في فصل الربيع والصيف وتسمى بالصوائف ويشير قدامة بن جعفر (1) إلى أن غزو الربيع كان يبدأ في منتصف مايو بعد أن تكون الخيل قد سمنت وقويت من رعيها، ويستمر الغزو ثلاثين يوماً (أي حتى منتصف شهر يونيو) وتجد الخيول أثناء هذه الغارات الغذاء الوفير والمرعى الخصيب في أراضي البيزنطيين التي تعيث فيها، ثم يركن المسلمون إلى الراحة حتى منتصف يوليو، فتبدأ غارات الصيف وتستغرق قرابة الشهرين. ويبدو أن ممن اشتهر بالبطولة في ميدان الصوائف في عهد المنصور رجل يدعى مالك بن عبد الله الخثعمي الذي بلغ من شدة بلائه في الحرب وظفره فيها وغنائمه الكثيرة منها أن سمي مالك الصوائف (2) . أما الشواتي فكانت تبدأ في مستهل فبراير والنصف الأول من مارس (3) وكانت غزوات المسلمين تتركز في الصيف وقلّما تحدث في الشتاء؛ نظراً للبرودة الشديدة في بلاد الروم، وخاصة أن الثغور يقع معظمها في أعالي جبال طوروس حيث تغطى بالثلج أغلب فصل الشتاء والربيع (4) ، وربما أيضاً لأن طبيعة العنصر العربي الشرقي لا يحتمل هذه البرودة وهذه الثلوج. وكذلك لأن تحركات الجند تكون بطيئة بسبب الأمطار والوحول وغيرها. وتابع محمد المهدي (5) (158 - 169هـ/ 774 – 785م) السير على درب أبيه في بناء الحصون، وحشد الجند ومحاولة تأمين حدود الشام من غارات البيزنطيين، فتصدى للإمبراطور البيزنطي ليو الرابع (159-164هـ775-780م) وأرسل عدة حملات، منها حملة بقيادة الحسن ابن قحطبة سنة (161هـ / 777م) الذي دخل بلاد الروم وثقلت وطأته على أهلها حتى صوّروه في كنائسهم (6) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 ولقد أثمرت استراتيجية المنصور وابنه المهدي في شمال الشام، وأصبحت مدنه - وفي مقدمتها ملطية - حصناً منيعاً للقوات الإسلامية يهاجمون منه القوات البيزنطية التي لا تفتأ في الإغارة على المسلمين من حين لآخر، وكانت سنّة حميدة طبّقها من جاء بعدهم من خلفاء بني العباس حتى إذا اكتملت أصبحت درعاً يقي المسلمين من أخطار أعدائهم. وكان للصوائف والشواتي أثرها الكبير في نفوس البيزنطيين، فبعد أن كانت الإدارة البيزنطية لا تعير المسلمين كثيراً من الاهتمام؛ لأنهم في نظرهم قبائل بدائية يفتقرون إلى النظام والوحدة (1) ، - وربما كان هذا قبل خلافة معاوية بن أبي سفيان - أصبحوا بعد ذلك يحسبون لهم ألف حساب، فقد أرغمتهم سياسة المسلمين في الشواتي والصوائف إلى إخلاء منطقة الحدود في أطراف دولتهم من السكان؛ حتى لا تتعرض لهجمات المسلمين في الصيف والشتاء، في حين أبقوا بعض الحاميات للدفاع عنها فقط، مما شجع خلفاء بني العباس بعد المهدي على انتهاج نفس السياسة. ب - دور الرشيد (2) في هذه العلاقة في خلافة والده المهدي: لم يكتف المهدي بما أحرزه الحسن بن قحطبة من نصر في أرض الروم؛ بل قرر أن يغزوهم بنفسه ويصحب معه ابنه هارون الرشيد، فتحرك الجيش الإسلامي من بغداد في جمادى الآخرة سنه 163هـ / 779م وجعل عليها ابنه موسى الهادي (3) (169 - 170هـ / 785 - 786م) وبعد أن وصل المسلمون حلب سلّم قيادة الجيش لابنه الرشيد لانشغاله بإدارة الدولة العباسية - فواصل الطريق مخترقاً آسيا الصغرى حتى بلغ مدينة صمالو (4) ، وحاصر قلعتها صمالو، ونصب المجانيق عليها ثمان وثلاثين ليلة حتى فتحها الله عليهم (5) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 ويعزى انتصار الرشيد إلى نشاطه وقوته، وكان لوجود المهدي معه دافعاً قوياً شجعه على التقدم إلى بلاد العدو، كما كان لوجود عناصر متعددة في جيشه من خراسان والعراق والشام دافعاً لهم على التنافس الشريف في إظهار القوة أمام الروم، فضلاً عن أنهم كانوا هيئوا أنفسهم للقاء الخصم مدة شهرين، حيث أقاموا بالبردان (1) وأنفق فيهم نفقة كبيرة، كما كان لآل برمك دور في التعجيل بالنصر فقد أظهروا بسالة في حربهم للروم. يقول ابن كثير: " وكان لخالد بن برمك في ذلك أثر جميل لم يكن لغيره وكذلك أبناؤه "، ثم صالحهم الرشيد على ألاّ يقتلوا ولا يرحّلوا ولا يفرّق بينهم (2) . وفي سنة 164هـ / 780م عاد عبد الكبير بن عبد الحميد (3) أدراجه مع الجيش الإسلامي – وكان قد بعث به المهدي على رأس الصوائف ذلك العام – حقناً لدماء المسلمين؛ لعلمه أن الروم استعدوا لهم في درب الحدث (4) في تسعين ألفاً يتقدمهم بطارقتهم (ميخائيل وطازاذا) (5) ، ولابد أنهم جاءوا لرد الاعتبار بعد هزيمتهم في قلعة صمالو، إلاّ أن المهدي أغاضه ذلك وعدّه انهزاماً (6) ، ولهذا بعث بابنه الرشيد في العام الذي يليه سنة 165هـ / 781م على رأس الصائفة لغزو الروم؛ لثقته في حسن قيادته، ولقد ألقت الدولة العباسية بثقلها كله في هذه الحرب، وهذا واضح في قول بعض المؤرخين (7) ((أن الجيش الذي قاده هارون الرشيد بلغ خمسة وتسعين ألفاً وسبعمائة وثلاثة وتسعين رجلاً، وكان معه من النفقة مائة ألف دينار وأربعة وتسعون ألف دينار وأربعمائة وخمسون ديناراً، ومن الفضة إحدى وعشرون ألف وأربعمائة ألف وأربعة عشر ألفاً وثمانمائة درهم)) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 وتقدم هارون الرشيد بهذا الجيش حتى توغل في بلاد الروم فافتتح حصن ماجدة (1) ، وتصدى له البيزنطيون بقيادة نقيطا Niceta قومس (2) القوامسة، ولكنهم هزموا، وواصل الرشيد توسعه في قلب آسيا الصغرى متجهاً إلى نقمودية (3) (نيقوميديا) ؛ ليحارب الدمسق – صاحب المسالح – وظل الرشيد ينتقل من نصر إلى آخر حتى أشرف على خليج البحر الذي على القسطنطينية عند مدينة كريزوبوليس Chrysopolis (4) (5) . وساعد الرشيد على إحراز هذا النصر الحاسم تردي الأوضاع للدولة البيزنطية فقد كان يحكمها (قسطنطين السادس بن ليو الرابع - 164 - 181هـ / 780 – 797م – وهو طفل لم يتجاوز حينئذ العاشرة من عمره بوصاية أمه إيريني (6) والتي لم يكن لها دراية كافية بسياسة المسلمين (7) ، كما أن الدولة البيزنطية لم تهيئ نفسها لمواجهة الجيوش الإسلامية التي بلغت استعداداتها ما بلغت، فضلاً عن رغبة المسلمين الأكيدة في رد الاعتبار للمسلمين الذين انسحبوا أمام البيزنطيين سنة 164هـ / 780م وقد أحدث هذا النصر أثره الواضح والعاجل إذ بادرت إيريني إلى طلب المصالحة مع المسلمين؛ خوفاً من اجتياح الرشيد بلادها. وكانت الهدنة تنص على توقف الحرب بين المسلمين والبيزنطيين مدة ثلاث سنوات، وتتعهد إيريني أن تدفع للمسلمين جزية سنوية وقدرها تسعون ألف قطعة دينار تؤديها في نيسان الأول من كل سنة وفي حزيران، وأن تمدّ الجيش العباسي بالأدلاء، وتيّسر لهم المؤن في الطريق عند كل منزلة (8) . ولقد بالغ المؤرخون المسلمون (9) حين ذكروا أن من قتل من الروم في هذه الصائفة أربعة وخمسون ألفاً، وما ذلك إلاّ لإظهار قوة الخلافة العباسية والحطّ من شأن البيزنطيين وفي هذه الغزوة يقول الشاعر مروان بن أبي حفصة: أطفت بقسطنطينية الروم مسنداً إليها القنا حتى اكتسى الذلّ سورها وما رمتها حتى أتتك ملوكها بجزيتها والحرب تغلي قدورها (10) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 وقبل انتهاء مدة الهدنة بأربعة أشهر تجدد القتال بين الطرفين (1) ؛ لامتناع البيزنطيين عن دفع الجزية للمسلمين ويظهر أن سوء الأحوال الاقتصادية كان سبباً مباشراً في ذلك، فقد رأت إيريني بنظرتها الخاطئة أن معالجة هذه الأوضاع لا يكون من الداخل؛ حتى لا تفقد محبة الناس لها وتستبعد عن الحكم، وبناء على ذلك تجاوزت عن كثير من الضرائب المقررة على السكان، وأمعنت في منح امتيازات للأديرة لما للرهبان من أهمية في تأييدها ومساعدتها (2) فرأت في الامتناع عن دفع الجزية تعويضاً لهذا؛ ظناً منها أن المسلمين بعيدون عن أراضيها وليس لهم في تلك الأموال أي حق يذكر، وأنهم لن يتمكنوا من عمل أي شيء في هذا الصدد. وعليه فقد سيّر المهدي سرية على رأسها علي بن سليمان (والي الجزيرة وقنسرين) ويزيد بن بدر بن البطال (3) - سنة 168هـ/ 784م – وصلت إلى بلاد الروم وقاتلت البيزنطيين وهدمت بعض القلاع التي على الحدود وغنموا وعادوا سالمين (4) . كما اصطدم معيوف بن يحيى الذي انطلق على رأس الصائفة سنة 169هـ/ 785م بالجيش البيزنطي الذي تحرك بأمر من إيريني؛ لرد اعتبار الروم بعد هزيمتهم الأخيرة، وتقابل الجيشان في منطقة الحدث وهُزم البيزنطيون وتوغل المسلمون في بلاد الروم حتى بلغوا مدينة أُشْنُة وأصابوا غنائم وفيرة وأسروا (5) خمسمائة رجل - تقريباً -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 وهكذا ساءت العلاقات بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية في عهد المهدي، والذي رأى ضرورة استمرار غزوات الصوائف والشواتي، مثلما كان عليه الحال في عهد أبيه المنصور؛ لأن إيقافها سيدفع البيزنطيين إلى التحرك لمهاجمة المسلمين كلما سنحت لهم الفرصة ويلاحظ اعتماده في قيادتها على ابنه هارون الرشيد، حيث كان محل ثقته من بين أبنائه ولذلك حققّ انتصارات كبيرة في معظم حملاته، حتى أشرف في أحدها – سنة 165هـ / 781م - على خليج البحر الأسود فكانت حملته تلك خاتمة الحملات العربية على البسفور كما أفاد بعض المؤرخين (1) المحدثين، حيث أظهر فيها من الحنكة والبطولة ما أهلّه لحمل لقب الرشيد قبل أن يتولى الخلافة (2) . وكان لانتصارات الرشيد على الإمبراطورية البيزنطية أثره في تشجيع البلغار (3) على توجيه حملاتهم ضدها، وتمكنوا من إحراز عدة انتصارات عليها دون أن تستطيع القيام بعمل إيجابي ضدّهم (4) ، فلقد كانت إيريني - إلى جانب مواجهة المسلمين لها - تعاني من الاضطرابات الداخلية، فقد بدأ ابنها - قسطنطين السادس - بعد أن بلغ سنّ الرشد يطالب بالعرش ودخل معها في صراع مرير، وساندته بعض العناصر الكارهة لأمه، كما كان عليها أيضاً أن تواجه أطماع شارلمان (5) في الغرب (6) . كما أن هذا النصر مكّن المهدي من أن يفرض الطاعة في آسيا الوسطى، فيشير اليعقوبي (7) إلى أن ملك كابل شاه (حنحل) وملك طبرستان (الاصبهبذ) وملك السغد (الإخشيد) وملك طخارستان (شروين) وغيرهم (8) دانوا له بالطاعة والولاء، ولعل هذه التطورات جعلت المهدي -قبل وفاته بعدة أشهر- يعزم على تقديم ابنه هارون على ابنه موسى الهادي، حيث بعث إليه وهو بجرجان بعض أهل بيته ليقطع أمر البيعة ويقدم أخيه الرشيد (9) . ثانياً: (أ) طبيعة العلاقات بين المسلمين والبيزنطيين في خلافة هارون الرشيد 70 - 193هـ / 786 – 808م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 كان للفترة التي عاشها الرشيد مع أبيه المهدي 158 – 169هـ / 774 - 785م أثرها الواضح في علاقته مع الروم بعد توليه الخلافة سنة 170هـ / 786م، فقد اطلع بنفسه على خطر البيزنطيين على المسلمين، ورأى أن خطرهم سيبقى قائماً طالما بقيت الحدود مفتوحة بين الجانبين لذا عوّل على إتمام ما بدأه أسلافه، فأنشأ التحصينات على المناطق المخوّفة لتكون جميعاً بمثابة الحصن الحصين الذي يحمي دار الإسلام من ناحية، وليتخذوها قواعد لهم يشنون منها حملاتهم على أراضي الدولة البيزنطية من جهة أخرى (1) . كما أقام منطقة جديدة قريبة من إنطاكية أطلق عليها العواصم (2) ؛ لأن المسلمين كانوا يعتصمون بها، فتعصمهم وتمنعهم من العدو البيزنطي – بإذن الله – إذا انصرفوا من غزوهم وخرجوا من الثغر الشامي (3) ، وأسكنها جنداً عرفوا بجند العواصم، واختار الرشيد هذه الجهة دون غيرها؛ لأن الروم اعتادوا مهاجمة المسلمين منها، فأخذوا يغيرون عليهم بين فترة وأخرى (4) . واهتم بطرسوس (5) - وكانت على حدود بلاد الروم –؛ للأخبار التي وصلت إليه من عزم الروم على الاتجاه إليها وتحصينها (6) ، لتكون مركزاً استراتيجياً يغزون المسلمين منه، ولهذا أرسل الرشيد سنة 171هـ / 787م جيشاُ بقيادة هرثمة بن أعين (7) ، وأمره - بعد أن ينتهي من غزو الروم - أن يهتم بأمر طرسوس، وينقل البنائين المهرة ليبنوا المساكن والحصون فيها، وينقل إليها الناس ليسكنوها، وتمصّر كبقية الأمصار الإسلامية الأخرى (8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 ولما أحرز هرثمة بن أعين النصر على الروم بادر في تنفيذ ما أوصاه به الرشيد، وأوكل هذه المهمة إلى فرج الخادم (1) ؛ لما له من خبرة واستعداد جيد للقيام بمثل هذه الأمور، يدل على ذلك مباشرته للعمل بنفسه، ولا بد أنه دعا كل من لديه معرفة ببناء المساكن والحصون وتخطيط المدن، وزودهم بما يحتاجونه من أدوات البناء، وجلب إليهم الطين والأحجار القوية لبناء الحصون، كما أغدق الأموال على البنائين، لمضاعفة العمل وإنجازه في وقت مبكر، وأحكم بناءها – بعد سنة تقريباً – وجعل لها خمسة أبواب، وحولها سبعة وثمانين برجاً، ولها نهر عظيم يشق في وسطها، عليه القناطر المعقودة (2) واتجه فرج الخادم إلى بغداد، ونقل المجموعة الأولى من السكان – وكانوا في الأصل من أهل خراسان ممن دخلوا بغداد بعد حركة الفتح الإسلامي وأقاموا فيها – وعددهم ثلاثة آلاف رجل، وكانت المجموعة الثانية من ألفي رجل ألف من المصيصة وألف من إنطاكية، وطلب من الجميع أن يعسكروا في المدائن (3) ريثما يستكمل بناء مساكن طرسوس وحصونها ومساجدها، وحين انتهى البناء منها سنة 172هـ / 788م (4) نقل إليها الجميع ومصّرها، وأقطع أهل طرسوس الخطط (5) ، وزاد كل رجل عشرة دنانير في أصل عطائه (6) . والحقيقة أنه ترتب على سياسة الرشيد على الحدود مع الروم أنهم لم يستطيعوا اختراق منطقة الثغور؛ لقوة تحصيناتها ومرابطة الجيوش الإسلامية الدائمة فيها، والذي مكنّهم من تسيير جيوشهم مرتين أو أكثر في السنة من غير تعب أو ملل وهذا ما سنبيّنه لاحقاً – إن شاء الله تعالى. ب – سياسة الصوائف والشواتي سنة 170 – 182هـ / 786 – 798م: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 بعد أن أكمل الرشيد تحصينات الثغور والعواصم، وضم طرسوس إلى حوزة المسلمين، ودفع بالجيش الإسلامي للمرابطة فيها لجأ إلى مجادلة البيزنطيين بالتي هي أحسن؛ إذ أرسل إليهم شارحاً حقائق الإسلام مؤكداً على ضرورة سيادة السلم بينهما وفق ما جاءت به الشريعة الإسلامية، وكان موقف البيزنطيين سلبياً (1) مما دفع بهارون الرشيد إلى مضاعفة جهده في تسيير الحملات إلى بلاد الروم، لا رغبة في زحزحتهم عن مراكزهم وفتح بلادهم، بل لتثبيت العواصم والثغور في حدود الروم (2) ، وإشعار البيزنطيين بقوة المسلمين، ليظلوا يهابوهم ولا يفكرون في مهاجمتهم تحت أية ظروف يمروا بها، فيأمن المسلمون جانبهم في حالة انشغالهم بتسكين الفتن والثورات التي تطلّ عليهم - من خراسان وبلاد ما وراء النهر وشمال أفريقية – من حين لآخر. وتحركت صائفة مع بدء خلافة الرشيد – سنة 170هـ / 786م -، وكان يقودها: سليمان بن عبد الله البكائي (3) فغزا بلاداً كثيرة – لم تبينها المصادر – في أرض الروم، ونصره الله عليهم، ورجع سالماً مع جنده، وهذا يفيد أمرين: الأول: أن الرشيد لم يشغله أمر تحصين الثغور سنة 170هـ / 786م عن إرسال حملة إلى العدو البيزنطي؛ حتى لا يستغل الفرصة ويشن هجومه على المسلمين. الثاني: كان نصر المسلمين في هذه الصائفة دافعاً قوياً لهم على إكمال بناء تحصينات الثغور، والسيطرة على طرسوس، ثم ضمها إلى حوزتهم سنة 171هـ / 787م (4) . وفي سنة 170هـ / 786م أيضاً قدم جماعة من الروم - لم تحدد المصادر عددهم - ليفدوا أسراهم (5) ، ويظهر أن هؤلاء هم الذين وقعوا في أسر المسلمين بعد دخول معيوف ابن يحيى بلادهم سنة 169هـ / 785م وسيطرته على مدينة أُشنة – كما أوردنا سلفاً – ودفع الروم مبالغ طائلة لفداء أسراهم، وعادوا معهم بعد أن أقاموا بين المسلمين سنة - تقريباً - تعلموا فيها دين الإسلام وكانوا نواة خير في بلادهم بعد رجوعهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 وتقدمت صائفة سنة 171هـ / 787م وعلى رأسها سليمان بن عبد الله الأصم، وتوغلت في أرض الروم واصطدمت بهم وأحرزت النصر عليهم، وغنمت الكثير ثم عادت سالمة (1) . وفي سنة 172هـ / 788م نزل الرشيد بالجيش في مرج القلعة (2) ، وبعث على الصائفة إسحاق بن سليمان بن علي (3) (4) ، كما غزا فيها – سنة 172هـ / 788م – زفر بن عاصم الهلالي (5) ، حيث أرسل ابنه عبد العزيز على قيادة الجيش، فمضى حتى أتى جيحان (6) ، وعاد بسبب البرد الشديد (7) . ويبدو أن جيش صائفة 172هـ / 788م غزا أرض الروم، ودار بينه وبين البيزنطيين معركة هزم فيها البيزنطيون وقتل قائدهم ديجنيس أكريتاس Digenis Akritas (بطل حرب الثغور البيزنطيين) (8) ، في حين انطلقت الأخرى في فصل الشتاء، إلاّ أنها لم تتوغل في أرض الروم لشدة البرودة، وفضلوا العودة، حتى لا يهلك الجيش. وقاد صائفة سنة 173هـ / 789م عبد الملك بن صالح بن علي (9) ، ولابد أنها وصلت إلى أرض الروم ولم تتوغل فيها (10) ، وعادت بعد النصر والغنيمة. وربما استقرت هذه الصائفة – بعد رجوعها من الغزو – في منطقة العواصم؛ ولهذا عاد عبد الملك بن صالح – بأمر من الرشيد – ليقود الصائفة – سنة 174هـ / 790م – وقدم ابنه عبد الرحمن على رأس الجيش حتى بلغ عقبة السيَّر (11) واصطدم بالروم، ونصره الله عليهم، فأسر وغنم (12) . كما قاد عبد الرحمن بن عبد الملك – أيضاً – الشاتية – سنة 175هـ / 791م – واستعان هذه المرة بأهل الثغور الشامية، وشكل الجميع جبهة واحدة، لم يستطع الروم مقاومتها ووصلوا إلى اقريطية (13) وفتحوها (14) ، ثم عاد أهل الثغور إلى أماكنهم؛ لحمايتها من البيزنطين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 وقاد عبد الرحمن بن عبد الملك – كذلك – الصائفة – سنة 176هـ / 792م – وفتح المسلمون أحد حصون الروم (1) كما فتحوا مدينة دبسة (2) ، ثم عادوا سالمين، وإن قيادة عبد الرحمن بن عبد الملك المتكررة يدل على أنه كان على اطلاع تام بسياسة البيزنطيين، ومعرفة واضحة بنقاط الضعف والقوة فيهم، وخبرة بأرض الروم، مما دفع الرشيد إلى أن يبعث به على قيادة الصوائف أكثر من مرة. وفي سنة 177هـ / 793م سيّر الرشيد ثلاث صوائف وشاتية، قاد الصائفة الأولى عبد الرزاق بن عبد الحميد التغلبي (3) ، وحين وصل المسلمون حدود أرض الروم (مساء السبت، السادس والعشرين من محرم) هبت ريح قوية، وتلوّنت السماء بالحمرة وأعقب ذلك ظلام دامس، فعاد المسلمون إلى معسكرهم في العواصم، وبعد ليلتين (مساء الثلاثاء الثامن والعشرين من محرم) حاولوا إعادة الكرة على الروم، وحال دون ذلك شدة الظلام، ثم حاولوا للمرة الثالثة بعد ثلاث ليالٍ (مساء الجمعة أول يوم من صفر) فعادت الريح قوية واشتد ظلام الليل، وعاد المسلمون إلى الشام (4) ، دون أن يلتقوا بالروم بسبب الظروف المناخية التي أرسلها الله إليهم؛ لتمنع وصولهم إلى أرض الروم حتى لا تصيبهم سيوف العدو الذي يفوقهم عدداً وعدة، أو يأخذهم الروم بغتة من حيث لا يشعرون في خضم هذه الأجواء المتقلبة. ويذكر ابن خياط (5) أن الصائفة الثانية – وكانت في ربيع أول سنة 177هـ/ 793م – كانت على يد عبد الله بن صالح بن علي (6) ، وأن الله تعالى أراد بهم خيراً، وكان الجو صافياً، ودخل المسلمون أرض الروم وغزوهم ورجعوا سالمين بعد أن أسروا وغنموا. وكانت الصائفة الثالثة – وكانت في جمادى أول سنة 177هـ / 793م – على يد يسار بن صقلاب (7) . وتقدم بأهل المصيّصة (8) عن طريق الصفصاف (9) ، ثم طوانة (10) ، حتى دخل أرض الروم، وهزمهم وعاد أدراجه بعد أن غنم الكثير وسلم من خطر الروم (11) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 كما أمر الرشيد سليمان بن راشد الثقفي أن يقود الشاتية سنة 177هـ/ 793م. فتقدم بالجيش حتى وصل ملطية (1) بعد معاناة كبيرة من شدة البرد، وتمكن المسلمون من هزيمة البيزنطيين ثم عادوا بعد أن مات بعضهم من شدة البرد (2) . وأدى نجاح يسار بن صقلاب وسليمان الثقفي إلى أن يسيّر الرشيد في سنة 178هـ/ 794م صائفة بقيادة معاوية بن زفر بن عاصم، وشاتية يقودها سليمان الثقفي (3) ، ولقد بلغ كلاهما أرض العدو واصطدما بالروم وحققا نصراً مؤزراً. أما في سنة 180هـ / 796م فقد قاد الرشيد الصائفة بنفسه؛ - لنقض الروم لعهدهم – وشاركه فيها معاوية بن زفر بن عاصم (4) ، وأقام الجيش في الرقة (5) شهراً يعدّ نفسه للغزو، ثم اتجه إلى بلاد الشام ووصل أرض الروم وفتح مدينة مَعْصوف (6) ، وأسر وغنم ثم عاد مرة أخرى إلى الرقّة، وأقام بها بقية عامه ذلك (7) . وقاد الرشيد – أيضاً – الصائفة سنة 181هـ / 797م، وشاركه فيها عبد الملك ابن صالح، ودخل أرض الروم وفتح الله عليهم حصن الصفصاف، وربما كان الرشيد يعلم خطورة هذا الحصن على المسلمين، إذ كان الروم يلجأون إليه ليعتصموا فيه بعد مهاجمتهم للمسلمين، ولهذا هدمه الرشيد وسوى به الأرض وحرم الروم منه. يقول الشاعر: مروان بن أبي حفصة: إن أمير المؤمنين المصطفى قد ترك الصفصاف قاعاً صفصفا (8) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 ودفع هذا النصر المؤزر الرشيد أن يرسل عبد الملك بن صالح في نفس السنة 181هـ / 797م على رأس صائفة إلى شمال أرض الروم (1) ، وفتح الله على أيديهم أنقرة (2) ومطمورة (3) كما غزا منطقة مالاجينا - قرب مطمورة - وغنم منها خيولاً ومعدات حربية، وعزز المسلمون هذا النصر بنصر آخر حين أرسل الرشيد عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح سنة 182هـ / 798م على رأس صائفة توغلت في أرض الروم ودار بينها وبين البيزنطيين - وقائدهم بول Paul - معركة قوية انتصر المسلمون فيها وغنموا وزحفوا إلى أفسوس (4) ، وانتصروا - أيضاً - وغنموا ثم عادوا (5) بعد أن أسروا سبعة آلاف بيزنطي (6) . ويظهر أن هذه الصائفة أفزعت الإمبراطورة إيريني، وجعلتها تدفع جزية مقدارها تسعين ألف دينار؛ لخوفها على عرشها من السقوط (7) ، وعاد الجيش الإسلامي إلى الشام بعد أن أبلى بلاءً حسناً في قتاله للروم. والحقيقة أن مقاومة البيزنطيين للصوائف والشواتي كانت ضعيفة جدّاً؛ لأن الإمبراطورية البيزنطية تعاني من اضطرابات داخلية، وأهمها الخلاف الذي دار بين إيريني وبين ابنها قسطنطين حول مطالبتها ببقاء الوضع على ما كان عليه – الوصاية على ابنها – ليصبح تحت سلطانها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 ووقف الجيش إلى جانب إيريني، وساندت العناصر من رجال الدين البارزين قسطنطين السادس، حتى تولى الحكم ولم يعد لأمّه من صفة غير والدة الإمبراطور، ولكن أعاد إليها ابنها لقب إمبراطورة لرغبة أمه وتوسلاتها الكثيرة، فبدأت الأم من هذا المنطلق في الإطاحة بابنها حتى تظل إمبراطورة من الناحية الرسمية والعملية، فأثارت رجال الدين ضدّه بعدّة طرق (1) ، فاضطر قسطنطين السادس إلى القبض عليهم وإنزال العذاب بهم ونفيهم، وأثارت جيش أرمينية عليه حينما أقدم على سمل عيني قائدهم الأرمني – الكسيوس – لمعارضته له وأغضبت أعمامه عليه – وهم الذين ساعدوه في الوصول إلى العرش – عندما سمل عيني أكبرهم – نقفور (2) – ونتيجة لذلك انفض الجميع من حوله وكرهوه وتمنوا الخلاص منه، فأمرت إيريني بإلقاء القبض عليه ثم سمل عينيه – سنة 182هـ / 797م (3) – ليبقى بقية عمره على هامش الحياة (4) ، وهذا يشير بوضوح إلى أنه ليس ابنها وإنما ابن زوجها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 جدير بالذكر أن هذه الخلافات استمرت حوالي عشر سنوات 170 – 181هـ / 786 – 797م (أي منذ بلوغ قسطنطين السادس سن الرشد حتى قرب دخول الجيش الإسلامي أفسوس) . وهذا يفيد انشغال إيريني بالأوضاع الداخلية فلم تلق بالاً للدولة البيزنطية، وكان همّها الأكبر أن تظل إمبراطورة من الناحية الرسمية والفعلية، وربما أثّر عدم اهتمامها بأمن بلادها على الشعب والجيش فلم يحرصا كذلك على الأمن، ولهذا كان دفاع الجيش عنها ضعيفاً، وهذا لا يعني ضعف استعدادات الروم وتساهلهم في قتال المسلمين، بدليل القتال المستمر بين الطرفين والانتصارات والهزائم والغنائم والأسرى، ولكن يبدو أنه لم يكن هناك جدّية في القتال من جانب الروم لا براً ولا بحراً. يذكر أحد المؤرخين (1) أنه في سنة 182هـ / 798م حدث لقاء بين الأسطولين الإسلامي والبيزنطي في الخليج المقابل لمدينة أضاليا، هُزم فيه الأسطول البيزنطي هزيمة ساحقة، وأسر قائدهم البيزنطي ثيوفيلوس Theopilus. ج – بين الرشيد وإيريني في الفترة - 183 – 186هـ / 799 – 802م: أصبحت إيريني الحاكم الفعلي على الإمبراطورية البيزنطية بعد سمل عيني ابنها قسطنطين، ونعتت نفسها بأنها إمبراطور Basilieus لا إمبراطورة Basilissa (2) ، والتمست الوسائل العديدة لتوطيد سلطانها، فتقربت إلى المسلمين بجزية سنوية مقدارها تسعين ألف دينار تدفعها كل سنة؛ لتوقف حملاتهم على بلادها، خشية تساقط المدن الرومية، مما يؤدي إلى ثورة الشعب عليها، وبالتالي زوال سلطانها، وبذلت الهبات والمنح لسكان العاصمة (بيزنطة) الذي يتوقف على رضاهم – إلى حدّ كبير – مصير حكومة قلقة غير مستقرة، وألغت ضريبة البلدية التي يدفعها سكان بيزنطة؛ لأنها تعتبر عبئاً ثقيلاً عليهم (3) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 واستفادت الخلافة العباسية من هذا الصلح الذي عقد بين الرشيد وإيريني - والذي توقفت فيه الشواتي والصوائف على أرض الروم في الفترة بين 183 – 186هـ / 799 – 802 م – ففضلاً عن هذه الجزية التي تسلّم للخلافة العباسية – تسعون ألف دينار – مع بداية كل سنة، أتيح للرشيد – خلال فترة الصلح – أن يوجّه اهتمامه للخزر (1) ، الذين دخلوا سنة 183هـ/ 799م على المسلمين من ثلمة (2) أرمينية بأكثر من مائة ألف، وهدموا بعض المدن، وقتلوا عدداً من سكانها وأسروا آخرين، فاضطر الرشيد أن يوجّه قوات الخلافة العباسية عليهم، يقودها: خازم بن خزيمة (3) ويزيد ابن مزيد الشيباني (4) ، فطردوا الخزر من أرض المسلمين، وسدّت الثلمة، وأصلحوا ما خرّبوه (5) . كما تفرغ الرشيد لتنفيذ بعض الأمور التي كانت تشغل باله ويتحين الفرصة المناسبة ليتخذ قراره بشأنها، ففي الداخل بدأ يتخذ خطوات فعالة للتخلص من نفوذ البرامكة (6) وفي الخارج اتخذ هارون واحداً من أقوى المواقف التي تحسب له؛ إذ اعترف بالأغالبة (7) أمراء مستقلون لشؤون تونس (أفريقية) ولكن في إطار التبعية الإسمية للخلافة العباسية (8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 ولم يدم الصلح – أعني الصلح الأخير (سنة 182هـ / 798م) الذي تعهدت فيه إيريني بدفع جزية سنوية للمسلمين مقدارها تسعون ألف دينار؛ مقابل عدم غزو المسلمين لأرضها – أكثر من أربع سنوات، فاتهمت - من القادة العسكريين وكبار الموظفين - إيريني بتدمير الموارد المالية للدولة البيزنطية (1) ، وخيّم على بلاطها جوّ التآمر والاستبداد، واشتدت المنافسة بين الطواشي (2) ستورياكوس Stauriacus والطواشي أيتوس Aetius على السلطة والنفوذ (3) مما أدى إلى نشوب ثورة بالقصر – 186هـ / 802م – دبرّها كبار الموظفين والقادة العسكريين، انتهت باختيار نقفور الأول 186هـ - 196هـ 802م - 811م (4) متولي الخزانة (بيت المال) إمبراطوراً، وتقرر نفي إيريني إلى جزائر الأمراء ثم إلى جزيرة لسبوس (5) سنة 192هـ / 807م ولم تلق الإمبراطورة من يدافع عنها، ويعيدها إلى عرشها الذي اغتصب منها، فكان الجزاء من جنس العمل (6) . د – بين الرشيد ونقفور في الفترة 187 – 193هـ / 802 - 808م: تولى نقفور حكم الإمبراطورية البيزنطية بعد أن كان مسؤولا عن الخزانة المالية فيها، فاهتم بتدعيم اقتصاد البلاد وإنقاذ الخزانة من الإفلاس، الذي نشأ عن إهمال حكومة إيريني، فألغى الأوامر التي أصدرتها إيريني، وامتنع عن دفع الجزية للمسلمين والبلغار، وأعاد الضرائب على سكان بيزنطة، واستولى على بعض أملاك الكنيسة، وأضافها إلى الضياع الإمبراطورية، غير أنه لم يخفض ما عليها من الضرائب، ليستعيد ما بذلته إيريني من الامتيازات والمنح للكنيسة والأديرة كما قام بإصلاح نظام الدفاع عن الإمبراطورية البيزنطية فجعل لكل جندي قطعة أرض مقابل أن يأتي على الفور عند الحاجة إليه بفرس وأداة حربية كاملة، وفرض الخدمة العسكرية على الفلاحين، على أن يلتزم أهل المدن والقرى بتجهيزهم بالعدة الحربية عن طريق ضريبة سنوية تدفع للحكومة (7) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 ونجح نقفور في إصلاح أوضاع الخزانة، وسدّت الحكومة البيزنطية العجز في قوتها الحربية عن طريق الجيوش الناشئة والتي درّبت أفضل تدريب على أحدث الأسلحة التي وصلت إليها الإمبراطورية البيزنطية آنذاك. حتى أنه استطاع القائد بارادنيس توركوس Bardans turcus أن يتصدى لحملة القاسم بن الرشيد وعبد الملك بن صالح التي انطلقت جمادى الثاني سنة 187هـ / 802م (1) ، لكن اهتمام المقاتلين البيزنطيين بالدفاع عن أرض الروم والذود عنها لم يكن في المستوى الذي هيأهم نقفور من أجله، ففي شعبان سنة 187هـ / 802م أرسل الرشيد ابنه القاسم على رأس الصائفة لنقض نقفور الصلح الذي عقده الرشيد مع إيريني سنة 182هـ / 798م وامتناعه عن دفع الجزية المفروضة عليهم وفرض الحصار على حصن قرّة (2) ، بينما حاصر العباس ابن جعفر (3) – وكان معه في الصائفة – حصن سنان (4) ويظهر أن المسلمين فاجأوا العدو البيزنطي وأحكموا الحصار حول الحصنين، لذلك رأى نقفور عدم الاصطدام بالمسلمين الذين هيأوا أنفسهم للقتال، لأن دخولهم الحرب يعني هزيمتهم وانهيار روحهم المعنوية، واستسلام المدن البيزنطية وضياعها من الإمبراطورية، وسارع نقفور إلى إخراج أسرى المسلمين من السجون البيزنطية – وكانوا ثلاثمائة وعشرين رجلاً – وسلّمهم القاسم ابن الرشيد مقابل أن يرحلوا عنهم (5) ، وهذا يفيد أموراً كثيرة: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 أولاً: حرص القاسم بن الرشيد على استعادة أسرى المسلمين الذين وقعوا في قبضة العدو البيزنطي أثناء غزوة عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح سنة 182هـ / 798م؛ لأنها توغلت في أرض الروم حتى بلغت أفسوس، وكان لاستراتيجية بيزنطة الدفاعية في مواجهة المسلمين دور في ذلك، فكانت تضع عصابات الروم في الممرات الجبلية لتعترض المسلمين أثناء عودتهم محملين بالغنائم وتهاجمهم (1) ، وقد فهم نقفور رغبة القاسم منذ قدومه بلاده، ولذلك بادر إلى إطلاق سراح الأسرى مقابل أن يرحلوا عن بلادهم. ثانياً: شدة حصار المسلمين للروم، مما دفعهم إلى طلب النجدة من نقفور وهذا يفهم من قول ابن الأثير ((فحصر العباس بن جعفر حصن سنان حتى جهد أهلها (تعبوا) فبعث إليه الروم ثلاثمائة وعشرين أسيراً من المسلمين على أن يرحل عنهم، فأجابهم ورحل عنهم صلحاً)) (2) . وفي نفس السنة أيضاً (سنة 187هـ / 802م – نهاية شعبان) كتب نقفور إلى الرشيد: ((من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب؛ أما بعد؛ فإن الملكة التي كانت قبلي. . . حملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثالها إليها لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن؛ فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك وإلاّ فالسيف بيننا وبينك)) (3) . اعتمد كتاب نقفور على محاور ثلاثة: الأول: الترضية للرشيد والاعتراف بمكانته الحقيقية على العرب وأنه ملك العرب، ليجعل نفسه في مصافّه بأنه ملك الروم؛ ليرتفع قدره أمام شعبه حين يخاطب بهذا اللقب في المكاتبات. ودفعه إلى ذلك عدم احترام السكان له، لما فرض عليهم من الضرائب التي كانت أعفتهم منها الإمبراطورة إيريني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 الثاني: النقد اللاذع لسياسة النساء وأولهن إيريني، واتهامهن بالحمق والضعف، بسبب الجزية التي كانت تدفعها للرشيد كل سنة؛ للمحافظة على عرشها ومكانتها بين السكان، ولو أنها رفضت دفع الجزية للرشيد وحدثت حرب بين الطرفين، لاتهمت أيضاً بالحمق والضعف لكونها لم تجنب شعبها خطر المسلمين. ثالثاً: إرهاب الرشيد وتخويفه بالحرب إن لم ينفّذ ما يطلبه نقفور منه، ويرد جميع الأموال التي بعثت بها إليه إيريني في الفترة بين سنة 164 – 186هـ / 780 – 802م، أي عليه أن يدفع لنقفور مليون وتسعمائة وثمانون ألف دينار (جزية اثنتين وعشرين سنة) ولعل دافعه إلى هذا حاجة الدولة البيزنطية إلى هذه الأموال؛ لإصلاح خزانتها المالية؛ بسبب عدم انضباط السكان في دفع الضرائب المفروضة عليهم، وتهاون نقفور في ذلك؛ خشية قيام ثورة داخلية تضعف الحكومة البيزنطية، وتصبح لقمة سائقة لجيرانها، وربما لإظهار نفسه بالمطالب بحقوق البيزنطيين من المسلمين – في الأموال – مما يرفع شأنه أمام شعبه، ولعل نقفور أراد أن يجرّب أسلوب الحرب النفسية مع الرشيد، ظناً منه أن هذا سيؤثر عليه ويدفعه إلى إرسال الأموال التي طلبها منه أو على الأقل يفاوض على بعضها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 ولم يقصد نقفور تحدي الرشيد على الحقيقة وإن كان في ظاهر الكتاب ما يشير إلى التحدي (وإلاّ فالسيف بيننا وبينك) لأنه يعلم أنه ليس في مستوى هذا التحدي، – لما يعرفه من التجارب السابقة مع الرشيد (1) – وأن الروم تنقصهم الشجاعة في مجابهة القوات الإسلامية في ميادين القتال. ولو علم نقفور أن هذا الكتاب سيجلب عليه نقمة الحرب لما أرسله ومن الواضح أن وظيفة نقفور السابقة كمسؤول عن المالية قد غلبت على سياسة الإمبراطورية التي تركزت على إصلاح انهيار الاقتصاد المالي للبلاد، ولكن لسوء حظه أنه افتقر إلى الحكنة السياسية وبعد النظر، وسوء تقدير قوة الخصم وبعبارة أخرى أساء نقفور تقدير وفهم خصمه الخليفة العباسي هارون الرشيد (2) . وكان موقف الرشيد من كتاب نقفور: أنه حين قرأه اشتد غضبه، ولم يمكّن أحداً أن ينظر إليه دون أن يخاطبه، فتفرق جلساؤه عنه؛ خوفاً من زيادة قول أو فعل يكون منهم، ورفض أن يستشير أحداً في أمر نقفور (3) . ودعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب: ((بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم؛ قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه. والسلام)) (4) . والحقيقة أن كتاب نقفور هو الذي حتّم على الرشيد هذا الموقف فما كان لخليفة مثل الرشيد قضى أربعة وعشرين سنة – 163 – 187هـ / 779 – 802م – يجاهد الروم أن يقبل هذا التهديد المشين، ولهذا كانت إجابته عليه واضحة جليّة وهي تجريد الجيش إليه، فوق إهانته وتحقيره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 وفي أول رمضان سنة 187هـ / 802م (1) سار الرشيد على رأس حملة من مائة وعشرين ألف (2) ؛ لتأديب نقفور، واتجه إلى هرقلة (3) ، وحين بلغ نقفور خبر تقدم هارون أمر قادته بسرعة اقتلاع الأشجار وإلقاءها أمام طريق هارون وإشعال النيران فيها؛ ليمنعه من الوصول إلى هرقلة، لكن هارون وصل النار ولبس ثياب النفاطين فخاضها ثم تبعه الناس حتى وصل هرقلة (4) ، وحاصرها عدة أيام حتى فتحها (5) عنوة، وغنم أموالاً كثيرة، وأسر عدداً من أهلها وفيهم ابنه ملكها، ولم يجد نقفور بداً – حين علم بذلك – من مصالحة الرشيد على جزية – تسعين ألف دينار (6) – كل سنة؛ ليبعد المسلمين عن بلاده؛ لانشغال عدد كبير من جيشه بالقضاء على ثورة بارادانس توركس Bardanus Torcus الذي دان لزعامته جميع ثغور آسيا الصغرى سنة 188هـ / 803م (7) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 أثبتت هذه الأحداث أن بيزنطة كانت تعاني من ضعف الحكام وافتقارهم إلى المقدرة السياسية، خصوصاً فيما يتعلق بمواجهة خصمها التقليدي وهو الخلافة العباسية، فنقفور الذي رفض مواصلة دفع جزية إيريني أصبح عليه الآن الالتزام بالدفع مرة أخرى، بمقتضى اتفاقه مع هارون على النحو الذي عرضنا له، بل إن نقفور يسيء تقدير المواقف مرة أخرى معرضاً بيزنطة للخطر من جانب هارون الرشيد، وذلك حينما خرق اتفاقيته السابقة مع الخليفة العباسي فبعدما تأكد نقفور أن هارون قد وصل إلى الرقة نقض الصلح الذي عقده مع الرشيد (1) ، ولعله ندم على مصالحته للرشيد، خاصة وأنه كرهه قبل ذلك، واتهم إيريني بالضعف والحمق بسببه، ولابد أنه وجد من سوّل له نقض الصلح وطمأنه بأن المسلمين عادوا إلى ديارهم، وأصبحوا بعيدين عنهم، وأنهم لن يتمكنوا من غزوهم في الشتاء القارس وأنهم سيتهيأون لقتالهم في الصيف القادم إن عادوا إليهم. ولعل نقفور قام بهذا العمل من قبيل محاولة الإعلان عن قوة بيزنطة منتهزاً فرصة انشغال هارون الرشيد ببعض الفتن داخل الخلافة العباسية (2) . ولما وصلت أخبار نقض الصلح إلى المسلمين ترددوا في إبلاغ الرشيد؛ إشفاقاً عليه وعلى أنفسهم من الكرّة عليهم في مثل تلك الأيام التي كان البرد فيها شديداً (3) ، لكن احتيل له بشاعر من جنده يقال له: الحجاج بن يوسف التميمي فقال للرشيد: نقض الذي أعطيته نقفور فعليه دائرة البوار تدور أبشر أمير المؤمنين فإنه غنمٌ أتاك به الإله كبير فلقد تباشرت الرعية أن أتى بالنقض عنه وافدٌ وبشير ورجت يمينك أن تعجل غزوة تشفي النفوس مكانها مذكور أعطاك جزيته وطأطأ خدّه حذر الصوارم والردى محذور فأجرته من وقعها وكأنها بأكفّنا شعل الضرام تطير وصرفت بالطول العساكر قافلاً عنه وجارك آمن مسرور نقفور إنك حين تغدر إن نأى عنك الإمام لجاهل مغرور أظننت حين غدرت أنك مفلت هبلتك أمك ما ظننت غرور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 ألقاك حينك في زواجر بحره فطمت عليك من الإمام بحور إن الإمام على اقتسارك قادر قربت ديارك أم نأت بك دور ليس الإمام وإن غفلنا غافلاً عمّا يسوس بحزمه ويديرُ ملك تجرّد للجهاد بنفسه فعدوّه أبداً به مقهور (1) ولما تأكد الرشيد من نقض نقفور الصلح الذي عقده معه تجهز إليهم وتحرك للمرة الثانية في شهر شوال سنة 187هـ / 802م - على رأس حملة من ثمانين ألفاً؛ لتأديب نقفور، واتجه صوب هرقلة، وكان البرد قارساً وعانى بسببه معاناة شديدة، وهذا واضح من قول ابن الأثير (2) ((فرجع إلى بلاد الروم في أشد زمان وأعظم كلفة)) وحاصر هرقلة (3) ورماها بالنفط والنار حتى سلّم أهلها (4) . يقول أبو العتاهية: ألا نادت هرقلة بالخراب من الملك الموفق للصواب غدا هارون يرعد بالمنايا ويبرق بالمذكرة القضاب ورايات يحلّ النصر فيها تمرّ كأنها قطع السحاب (5) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 هكذا كانت العلاقة بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية سنة 187هـ / 802م - وخاصة شهر شعبان ورمضان وشوال – عدائية فنقض نقفور الصلح مع الرشيد وامتنع عن دفع الجزية التي اعتادت إيريني دفعها كل سنة، فتمخض عن ذلك فتح المسلمين لبعض حصون الروم، كحصن قرة وحصن سنان، وطلب نقفور من الرشيد ردّ الأموال التي دفعتها إيريني خلال حكمها، فترتب على ذلك فتح هرقلة وتأديب نقفور، ودفعه للجزية المقررة عليه، وبعد عودة المسلمين إلى بلادهم نقض نقفور الصلح واسترد هرقلة، فعاد المسلمون واستردوها، وهذا يدل على أهمية هرقلة لدى الطرفين؛ لأنها تمثل مركزاً استراتيجياً باعتبار أنها مدخل أرض الروم بعد الثغور الشامية، ونهاية حدود الدولة الإسلامية من أرض الشام، كما يدل أيضاً على تحمل الرشيد والمسلمين للغزو وصبرهم عليه، فقد دخلوا أرض الروم ثلاث مرات خلال ثلاثة أشهر؛ بينما يدل على ضعف المقاتلين البيزنطيين؛ لأنهم يقاتلون من وراء الحصون والقلاع مهابة الموت تحت سيوف المسلمين ويتضح كذلك حب نقفور الشديد لنقض العهد والغدر بالآخرين، فقد حدث منه ذلك مع المسلمين ثلاث مرات، فكان من شرّ ما دبّ على وجه الأرض؛ لأنه كفر بالله تعالى، ونقض العهود والمواثيق أكثر من مرة فلا عهد له بعد ذلك ولا ذمة (1) . يقول الله تعالى: {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون} (2) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 وكعادته نقض نقفور الصلح سنة 188هـ / 803م، وامتنع عن دفع الجزية المقررة عليه – تسعون ألف دينار - فسيّر إليه الرشيد في جمادى الأولى سنة 188هـ / 803م جيش الصائفة بقيادة إبراهيم بن جبريل (1) ، ودخل أرض الروم من ناحية الصفصاف، وتقابل الفريقان في حرب شديدة، ترتب عليها هزيمة الروم وفرار نقفور من الميدان بعدما جرح ثلاث جراحات، وحصول المسلمين على أربعة آلاف دابة من الروم، وقتل أربعين ألفاً وسبعمائة من الجيش البيزنطي (2) ، وإن كان العدد مبالغاً فيه؛ لإظهار قوة الخلافة العباسية، إلاّ أنه يدل على أمرين: أحدهما: كثرة قتلى الروم والآخر: المعاناة التي بذلها المسلمون في هذه الغزوة، والآخر: اعتراف نقفور بقوة المسلمين، وإرساله الجزية للمسلمين، وأحدث كل هذا استياءً عاماً لدى الروم، وخاصة بعد قتل الأعداد الكبيرة منهم وأسر الآخرين، مما دفعهم إلى المطالبة باستعادة أسراهم، وتم لنقفور هذا في فداء سنة 189هـ / 804م، وكان عدد الأسرى المسلمين حوالي ثلاثة آلاف وسبعمائة أسير، أما الأسرى البيزنطيين فلم تمدنا المصادر ببيانات عددية عنهم – لكثرتهم - (3) ، وقد تولى القاسم بن الرشيد عملية فداء الأسرى التي تمت على نهر اللامس، وحضره العلماء والأعيان وخلق من أهل الثغور وثلاثون ألفاً من الجنود (4) فلم يبق بأرض الروم مسلم إلاّ فودي به (5) ، فقال مروان بن أبي حفصة في ذلك: وفكّت بك الأسرى التي شيّدت لها محابس ما فيها حميم يزورها على حين أعيا المسلمين فكاكها وقالوا سجون المشركين قبورها (6) واستفاد كلا الطرفين من هذه المناداة، فقد أظهر الروم الرضا عن نقفور، وخاصة بعد إعلانه الانتقام من المسلمين في وقت قريب واسترداد ما أخذ من غنائم وخيرات، وهذا ساعد على امتصاص غضب الروم وهدوء الأحوال في الدولة البيزنطية سنة 189هـ / 804م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 وفي محاولة من نقفور قطع على نفسه عهداً – بتأثير من الروم سنة 189هـ/ 804م – بردّ اعتبار الروم في أقرب وقت ممكن؛ كسباً لرضاهم ورفعاً لمكانته فيهم، وفوق هذا امتنع عن دفع الجزية للرشيد، وعليه تقدم في 20 رجب سنة 190هـ / 805م (1) بقوة من الروم ناحية المدن التي تحمي الجزيرة (الشمالية الشرقية) وأغار على عين زربي (2) وعلى الكنيسة السوداء (3) (بلد بالثغر من نواحي المصيصة) (4) ، وقاتل المسلمين المرابطين فيها وأسر عدداً منهم، إلاّ أنه لم يتمكن من المحافظة على هذا النصر، واستطاع أهل المصيصة أن يلحقوا بالروم – أثناء عودتهم إلى بلادهم – ويستنقذوا ما في أيديهم من الأسرى المسلمين (5) . وغضب الرشيد لهذه التطورات وسار في بداية شعبان سنة 190هـ / 805م وسار معه مائة ألف وخمسة وثلاثين ألف فيهم من المرتزقة سوى الأتباع وسوى المطّوعة وسوى من لا ديوان لهم (6) وساروا بعد أن أكملوا استعداداتهم وهيأوا أنفسهم للقاء الروم. ويذكر الجهشياري (7) أن الرشيد اتخذ دراعة (8) مكتوباً عليها (غاز حاج) فكان يلبسها فقال أبو المعالي الكلابي: فمن يطلب لقاءك أو يُرده فبالحرمين أو أقصى الثغور ففي أرض العدو على طمِرّ وفي أرض الترفّه فوق كور وما حاز الثغور سواك خلق من المتخلفين على الأمور (9) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 ولما وصل الرشيد أطراف بلاد الروم وزع قواده فيها (1) ؛ لئلا يؤخذ المسلمون على غرّة، ولا يتاح للروم الإعداد للقاء المسلمين في جهات متعددة، فأرسل: عبد الله بن مالك ناحية ذي الكلاع (2) ، فحاصرها وفتح حصنها عنوة بعد أيام، وغنم وعاد سالماً، ووجه داود بن عيسى بن موسى في سبعين ألفاً إلى أرض الروم، ففتح بلاداً كثيرة – لم تذكرها المصادر – وهدم بعض الحصون والقلاع وغنم وعاد مع المسلمين، وبعث شراحيل ابن معن بن زائدة ناحية حصن الصقالبة ودبسة فافتتحهما وأدبّ من فيها من الروم، ثم أسر منهم عدداً (لا يقل عن خمسين رجلاً) وعاد سالماً وأرسل يزيد بن مخلد إلى الصفّصاف وملقونية (3) ففتحهما عنوة وغنم وسبى، ووجه حميد بن معيوف الهمداني إلى ساحل البحر المتوسط فبلغ قبرص (4) ، فافتتحها (5) عنوة، وهدم بعض قلاعها وسبى من أهلها ستة عشر ألفاً (6) . والواضح أن الرشيد تحرك مع المسلمين صوب هرقلة؛ لتأديب نقفور وإخضاعه لدفع الجزية، إلاّ أنه لما وصل أطراف بلاد الروم غيّر استراتيجيته؛ لأنه علم أن نقفور أثار سكان المدن الرومية على المسلمين، وأمرهم أن يُعدّوا العدة للقائهم فأراد الرشيد أن يباغتهم قبل أن يكملوا استعداداتهم، ففرق القادة في أماكن متعددة من بلادهم – وكان نصيب الرشيد هرقلة والتي سنتحدث عنها لاحقاً – إن شاء الله – ففتحوا مدناً في البر والبحر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 وإن غزو حميد بن معيوف قبرص سنة 190هـ / 805م يدل على أن العباسيين أخذوا يسعون منذ خلافة الرشيد (170 – 193هـ / 786 – 808م) إلى استعادة السيادة البحرية الإسلامية في البحر المتوسط (1) ، ومما يثبت هذا السعي والاهتمام أن الرشيد أحبّ أن يوصل ما بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر مما يلي بلاد الفرما (2) فنصحه يحيى بن خالد البرمكي بالانصراف عن تنفيذ ذلك، وخوّفه من دخول مراكب الروم في البحر الأحمر وتهديد الحجاز، فعدل الرشيد عن المضي في تنفيذه (3) . أما أسرى قبرص فقد أقاموا مع المسلمين في الرافقة تسعة شهور، أظهروا فيها الاستقامة، فأمر الرشيد بردّهم إلى بلادهم (4) ، ولابد أنه أخذ عليهم عهداً بالنصيحة للمسلمين وإنذارهم الروم، وألاّ يقفوا إلى صفّهم في حالة هجومهم على المسلمين. وبعد فتح المسلمين للمدن والقلاع السابقة اتجهوا صوب هرقلة، وكان سكانها قد تحصنوا في قلعتها الحصينة التي أحيطت بخندق كبير لا يمكن الوصول إليه إلاّ بمشقة، فأقام المسلمون على حصارها شهراً، استخدموا فيه السهام والمجانيق والعرادات (5) . وحاول أهل هرقلة تخويف المسلمين، فأرسلوا لهم في اليوم الأول (3 شوال سنة 190هـ / 805م) رجلاً من أعلاج الروم (6) ، وأعلن تحديه لقتال المسلمين رجلاً رجلاً ثم رجلين رجلين وهكذا حتى وصل العشرين، ولم يردّ عليه أحد من المسلمين؛ سياسة منهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 وفي اليوم التالي (4 شوال سنة 190هـ / 805م) خرج العلج الرومي وتحدى المسلمين كاليوم الأول فخرج إليه رجل (يدعى ابن الجزري) عرف بالبأس والنجدة، وتقابل الرجلان وأخذ كلاهما يضرب ترس الآخر، حتى انهزم ابن الجزري أمام الرومي بعيداً عن الحصن، سياسة منه ليلحق بهم الرومي ثم يلتف عليه ابن الجزري ويقتله، ولما رأى الروم – وكانوا عشرين رجلاً – ذلك المشهد لجأوا إلى الحصن وأغلقوه عليهم، فأوصى الرشيد قادته بتحطيم أسوار القلعة بضربها بالمجانيق وكُتَل النار المشتعلة، ولما رأى الروم تهافت جنبات السور لجأوا إلى فتح أبواب القلعة وأعلنوا الولاء والطاعة للمسلمين ووافقوا على دفع الجزية، مقابل أن يعطوا الأمان على أنفسهم ولا يفرّق بينهم (1) . فقال الشاعر المكي الذي كان ينزل جدة: هوت هرقلة لما أن رأت عجباً ... حوائماً ترتمي بالنفط والنار كأن نيراننا في جنب قلعتهم مصبغات على أرسان قصَّار (2) وكان لفتح هرقلة أثره على نقفور الذي بادر إلى دفع الخراج عن أرضه والجزية عن رأسه وولي عهده وبطارقته وسائر أهل بلده خمسين ألف دينار منها عن رأسه أربعة دنانير وعن رأس ولده (إستبراق) ديناران (3) ، وهذا يدل على قوة المسلمين وضعف نقفور أمام المسلمين، الذين فتحوا كثيراً من مدنهم وحصونهم حتى أن هرقلة في هذا الفتح الأخير هُدِمَت أسوارها وحصونها وسُوّيت بالأرض؛ لئلا يتحصن بها الروم مرة أخرى. وزيادة في تأكيد هذا الغَرَض اشترط الرشيد على نقفور ألاّ يعمّرها، وأن يحمل إليه ثلاثمائة ألف دينار (4) ، وأبقى على حصن ذي الكلاع وصملة وسنان من غير تخريب (5) ؛ لأنها لا تشكل خطراً على المسلمين كهرقلة وقال أبو العتاهية في ذلك: إمام الهدى أصبحت بالدين معنّياً وأصبحت تسقي كل مستمطر ريّا لك اسمان شقا من رشاد ومن هدى فأنت الذي تدعى رشيداً ومهديا إذا ما سخطت الشيء كان مسخطاً وإن ترض شيئاً كان في الناس مرضيا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 بسطت لنا شرقاً وغرباً يَدُ العلا فأوسعت شرقياً وأوسعت غربيا ووشيت وجه الأرض بالجود والندى فأصبح وجه الأرض بالجود موشيا وأنت أمير المؤمنين فتى التقى نشرت من الإحسان ما كان مطويّا تجليّت للدنيا وللدين بالرضا فأصبح نقفور لهارون ذميا (1) وكان لفتح هرقلة أثره في الروم،فقد أعلن أهل الطوانة نقضهم للطاعة، وأرادوا الكيد للمسلمين، فتحرك الرشيد ناحيتهم لتأديبهم (15 شوال سنة 190هـ / 805م) وأقام عليها فأظهر أهلها الطاعة، وأقام مسجداً هناك، كما أقام معسكرات لا حصر لها (2) وخلف عليها عقبة بن جعفر وأمره ببناء منزل هنالك (3) . ليوافيه بأخبار أهلها. كما نقض أهل جزيرة قبرص الصلح الذي عقدوه مع حميد بن معيوف وأعلنوا عداءهم للمسلمين، فبعث الرشيد إليهم (22 شوال سنة 190هـ / 805م) معيوف ابن يحيى، فقاتلهم وسبى وقتل عدداً كبيراً من أهلها (4) . والحقيقة أن انتصارات المسلمين على الروم سنة 190هـ / 805م أكّدت لنقفور عدم مقدرته على التصدي عسكرياً للمسلمين في خلافة هارون الرشيد، مما جعله يلجأ إلى انتهاج سياسة اللين والموادعة، يدل على ذلك كتابه إلى الرشيد – أواخر سنة 190هـ / 805م -: ((لعبد الله هارون أمير المؤمنين من نقفور ملك الروم، سلام عليكم، أما بعد أيها الملك فإن لي إليك حاجة لا تضرّك في دينك ولا دنياك، هيّنة يسيرة أن تَهَبَ لابني جارية من بنات أهل هرقلة كُنْتُ قد خطبتها على ابني فإن رأيت أن تسعفني بحاجتي فعلت. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)) (5) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 ويظهر من هذا الكتاب مدى تذلل نقفور وتوسله إلى هارون الرشيد في طلب هذه الجارية بغرض تزويجها لابنه استبراق، كما يتضح تغير لهجته في الاعتراف لهارون أميراً للمؤمنين، كما صدّر كتابه بالسلام وختمه به، وأرسل مع هذا الكتاب هدية من الطيب وسرادقاً (1) ، ولهذا كله أجاب الرشيد إلى طلبه، وأمر بحمل الجارية على سرير ومعها هدايا من عطور وتمور ومتاع وأخبصة (2) وزبيب، فكافأه نقفور بأن بعث إليه هدية تتكون من وِقْر (حمل) برذون (3) دراهم مبلغه خمسين ألف درهم ومائة ثوب ديباج واثنتي عشر صقراً وأربعة أكلب من كلاب الصيد وثلاثة براذين (4) . ولم تثمر هذه العلاقة الجديدة وما تخللها من تبادل الهدايا في تحسين العلاقة بين الطرفين وتبيّن للرشيد أن الهدايا التي يبعث بها نقفور إليه ما هي إلاّ مكافأة له حين ردّ الجارية إليه، وأنها لا تعني اقتناعه بالرشيد، ولا تعني أيضاً وجود رغبة في إقامة علاقات ودية بينه وبين الرشيد. ففي جمادى الثاني سنة 191هـ / 806م وكعادة نقفور نقض عهده وامتنع عن دفع الجزية، فأرسل الرشيد إليه يزيد بن مخلد الهبيري (5) على رأس عشرة آلاف، فاعترضه الروم في أحد المضايق فقتلوه على مقربة من طرسوس مع خمسين رجلاً (6) ، ولما رأى المسلمون مهاجمة الروم لهم بأعداد كبيرة فضّلوا العودة إلى الشام حقناً للدماء وطلباً للنجدة من الرشيد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 وفي شعبان سنة 191هـ / 806م بعث الرشيد هرثمة بن أعين – ومعه مسرور الخادم – على رأس الصائفة، وضم إليه ثلاثين ألفاً من جند خراسان؛ لقوتهم وشدة مراسهم، وتقدمّهم الرشيد إلى درب الحدث، وأقام بها ثلاثة أيام من رمضان ومنها وجّه سعيد بن سلم بن قتيبة، فأقام مع المسلمين في مرعش (1) ، فأغارت الروم عليها وأصابوا من المسلمين، وانصرفوا وسعيد ابن سلم مقيم بها، فأرسل الرشيد إلى الروم محمد بن يزيد ابن مزيد يتتبعهم، فلحق بهم في طرسوس وأوقع بهم ثم عاد أدراجه مع المسلمين، وحين اطمأن الرشيد على الأوضاع في الثغور عاد إلى الرقة ليقيم فيها (2) . وولى الرشيد ثابت بن نصر بن مالك الخزاعي إمارة الثغور الشامية سنة 192هـ / 807م، فغزا الروم في الصائفة وفتح مطمورة (3) وكان لكثرة غزوات المسلمين في الفترة الأخيرة سنة 191 – 192هـ / 806 – 807م أثرها في إلقاء الرعب في قلوبهم، فقد ذهبت بسببها الآلاف منهم، مما دفعهم إلى التفكير في مصالحة المسلمين (4) . يقول ثيوفان (المؤرخ البيزنطي) أن هناك سفارة تكونت من ثلاثة من كبار رجال الدين لهذا الغرض وهم: المطران سينادا Synnada ورئيس دير جولياس Gulaias وأسقف أماستريس Amastris (5) ، إلا أنه لم يذكر ما حدث مع هذه السفارة، في حين أشارت المصادر الإسلامية إلى أن الصلح والفداء كان على يد ثابت بن نصر في قرية البذندون (6) ، حيث فودي في هذا العام من المسلمين في سبعة أيام نحو ألفين وخمسمائة رجل وامرأة (7) . وفي 5 جمادى الآخرة سنة 193هـ / 808م (8) توفي الخليفة هارون الرشيد، وتوقفت حملات الصوائف والشواتي على الإمبراطورية البيزنطية؛ لانشغال المسلمين بفتنة الأمين والمأمون في الفترة 193 – 198هـ / 808 – 813م (9) ، إلاّ أنه استطاع بعدها المأمون أن يُعيد وحدة الدولة العباسية، وأخذ يتفرغ لمواجهة البيزنطيين (10) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 ولم يظهر من جانب البيزنطيين عداء للمسلمين؛ لانشغالهم بحرب البلغار ومصرع نقفور الأول في 194هـ / 809م وتولية ستوراكيوس ثم ميشيل رانجابي صهره في نفس السنة، ثم عزل الأخير سنة 197هـ / 812م على يد ليو الأرمني الذي اعتلى العرش الإمبراطوري في الفترة 198 – 205هـ / 813 – 820م (1) ، ثم إن حملات الرشيد تركت أثراً كبيراً في الدولة البيزنطية، لم تفق منه بسهولة ويسر، يدل على هذا أنها لم تحاول أن تستغل التصدع في داخل الدولة العباسية إبان الفتنة بين الأمين والمأمون، وكانت الفتنة فرصة مواتية لأي هجوم مضاد يستعيد ما فقد في عهد الرشيد (2) . ومن أهم الأسباب التي حالت بين البيزنطيين وبين مواصلة العدوان التفاهم الذي توطّد بين العباسيين والفرنجة (3) - بخوفهم من تعاون الطرفين عليهم -، والذي لم يختف بوفاة الرشيد بل ظلت أواصره معقودة حتى أوائل عصر المأمون وحين نقرأ أن آخر السفارات التي وصلت إلى البلاط العباسي كانت سنة 216هـ / 831م (4) نعرف أن التفاهم بين الجانبين العباسي والفرنجي استمر بعد الرشيد مدة طويلة. وهكذا كانت العلاقة بين الدولة العباسية والإمبراطورية البيزنطية – خلال أيام الرشيد – عدائية متوترة، إلاّ ما تخلّلها من بعض المهادنات، فبعد أن استكمل الرشيد تحصينات الثغور المتاخمة للبيزنطيين، وأقام منطقة العواصم – وقاعدتها منبج – واصل سياسة آبائه وأجداده، وشنّ الحملات على أرض الروم، وأظهر القادة المسلمون وفي مقدمتهم الخليفة هارون الرشيد صوراً من البطولة والشجاعة جعلت الروم ينهزمون أمامهم مرات عديدة، فأمّن المسلمون ثغورهم وباغتوا عدوهم في داخل أرضه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 وأحسن المسلمون – بعد النصر – معاملة أسراهم، كما حدث مع زوجة استبراق ابن نقفور وإكرامها بالهدايا، وردّ أسرى قبرص إلى بلادهم، في حين أساء الروم إلى أسرى المسلمين فقد ذكر أنهم كانوا يغلون قدور الزيت ويلقون المسلمين فيها إرغاماً على النصرانية (1) . • • • الخاتمة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فنحمد الله على تيسيره إنجاز هذا البحث الذي تمخض عن الآتي: أولاً: كانت استراتيجية الخلافة العباسية – في عهد الرشيد – مع الروم استكمال تحصينات الثغور، وتحديد أسلوب القتال بالصوائف والشواتي، بينما قامت استراتيجية الإمبراطورية البيزنطية – في نفس الفترة – على إخلاء منطقة الحدود في أطراف دولتهم من السكان؛ لئلا تتعرض لهجمات المسلمين، وإبقاء بعض الحاميات للدفاع عنها. ثانياً: ترتب على سياسة الرشيد على الحدود الإسلامية أنه لم يستطع الروم اختراق منطقة الثغور لحصانتها القوية مما حقق الأمن في منطقة الثغور الشامية خاصة إنطاكية والمصّيصة والعواصم. ثالثاً: أثرت العلاقة بين الطرفين على اقتصاد الدولة البيزنطية، فقد ظلت إيريني تدفع الجزية للمسلمين في الفترة 164 – 186هـ / 780 – 802م، ثم دفع نقفور كذلك الجزية سنة 178هـ / 803م. رابعاً: كما تركت العلاقة أثرها على أمن الدولة البيزنطية، فحين وجد الجيش البيزنطي حرص إيريني على مركزها عند المسلمين وعند غيرهم ضعف دفاعه عن بلاده. خامساً: لم تكن سياسة نقفور في نقض الصلح مع المسلمين تحدياً منه لهم، بقدر ما كانت تهدئة لنفوس الروم من الشعب والجند حين اتهموه بالخوف والضعف وعدم القدرة على مجابهة المسلمين، والدليل على ذلك مبادرة نقفور إلى مصالحة المسلمين ودفع الجزية لهم حال علمه بوصولهم إلى بلاده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 سادساً: أكّد هذا البحث الجهود الكبيرة التي قدمّها الرشيد والقادة المسلمين في قتال الروم، فقد غزوهم ثنتين وعشرين صائفة وثلاث شواتي، وفتحوا مدناً أكثر من مرة كهرقلة وقبرص. . .، كما مصّروا بعض المدن كطرسوس. وأثبتت هذه الجهود تفوق المسلمون العسكري على البيزنطيين ولو استغل المسلمون الظروف الحرجة للبيزنطيين واستغلوا انتصاراتهم لتغير الحال (1) . سابعاً: إن تحمّل المسلمين لنقض العهد المتكرر من الروم لم يكن تخوفاً أو تهيباً بهم، وإنما لإتاحة الفرصة لهم كي يراجعوا أنفسهم ويعودوا إلى رشدهم. ثامناً: تبيّن للروم أن المسلمين لم يكونوا كالبلغار والفرنجة جاءوا للسيطرة على أراضيهم، إنما جاءوا لنشر الإسلام بينهم وإنقاذهم من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام، وذلك من خلال مكاتبة هارون الرشيد لهم بغرض شرح حقائق الإسلام لهم، والمعاملة الحسنة لأسراهم ومحاولة إدخالهم في الإسلام، ومن بينهم أسرى مدينة أشنه وانسحابهم من أراضيهم بعد انتصارهم عليهم. تاسعاً: كان الرشيد على قدر كبير من الحسّ السياسي والعسكري في علاقته مع الروم، خاصة حين أصدر قراره بهدم هرقلة سنة 189هـ / 804م، ليمنع الروم من التحصن بها ومهاجمة المسلمين. عاشراً: أكدّ البحث أن الروم لا ينزجرون إلاّ حين يرون قوة المسلمين، مثل إيريني ونقفور وإرغامهما على توقيع الصلح مع المسلمين من منطلق القوة، وفي هذا درس لعالمنا الإسلامي أن يأخذ بأسباب القوة التي أشار القرآن الكريم إليها في قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} (2) ليتفادوا الوهن والضعف الذي يعيشونه الآن؛ وإنقاذاً للمسلمين المستضعفين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 حادي عشر: أكّد البحث عدم صدق ووفاء الروم في عهدهم مع المسلمين، والدليل على ذلك نقض نقفور للعهد في سنوات 187هـ / 802م، 188هـ / 803م، 190هـ / 805م. وهذا يؤكد للمسلمين أن يكونوا على حذر من أعدائهم دائماً، تطبيقاً لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم. . .} (1) . ثاني عشر: أوضح البحث نبوغ وعبقرية الرشيد السياسية والعسكرية قبل توليه الخلافة، فقد قاتل إيريني حتى أرغمها على توقيع الصلح. ثالث عشر: ومن نتائج هذا البحث أيضاً بيان محاولة الروم استرداد أملاكهم في بلاد الشام بالإغارة عليها وقت الخلافات في الدولة الإسلامية أو انصراف المسلمين عنها وقتياً، وفي هذا توجيه للمسلمين بأن ينبذوا الخلافات فيما بينهم ويعملوا بقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. . .} (2) . رابع عشر: تحقق الهدف المنشود من الشواتي والصوائف وأخذ صوت الإسلام يعلوا في بعض المدن الرومية، وبدأ الروم يحسبون للمسلمين ألف حساب؛ باعتبارهم القوة الغالبة. خامس عشر: وتعرف المسلمون على المنافذ الرئيسة لبلاد الروم وأصبح لديهم تصوّر واضح عن أيسر الطرق للوصول إلى قلب الدولة البيزنطية، ولذلك حاول بعض الخلفاء كالمأمون والمعتصم بعد ذلك إزالة الدولة البيزنطية وضمها لأملاك الدولة الإسلامية، ومن ذلك محاولة المأمون مهاجمة القسطنطينية، فعمل على استقدام قوات من العراق والشام وشرع في تقوية الثغور، وكانت خطته تتلخص في حصار عمورية ثم فتحها، ومن ثم ضرب القسطنطينية إلا أن المنية عاجلته قبل تنفيذ خطته (3) . سادس عشر: وأخذ الروم في الانحدار والضعف، فقد لجأوا إلى طلب الصلح مع المسلمين بعدما كانوا أشدّ الناس معارضة له، كما قبلوا تسليم الجزية للمسلمين بعد أن رفضوها بشدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 وفي نهاية هذا البحث أسأل الله تعالى أن يوفقني إلى خير الأعمال، ويجعل عملنا خالياً من الرياء ويرزقنا الأجر والمثوبة وأن يكون عملنا خالصاً لوجهه الكريم إنه ولي ذلك وبالإجابة جدير، وصلى الله على نبيّنا وسيّدنا مُحمدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين. الحواشي والتعليقات حسن أحمد محمود وآخر، العالم الإسلامي في العصر العباسي (القاهرة، دار الفكر، ط4، 1980م) ص155. تولى حكم الدولة البيزنطية بعد موت والده ليو الثالث (99 - 124هـ / 717 – 741م) . تقدم على رأس حملة لقتال المسلمين سنة (125هـ / 742م) وتعرض جيشه أثناء اجتياز ثغر الأبسيق لمهاجمة ارتاباسدوس (زوج أخته) فحلت بقسطنطين الهزيمة ولجأ إلى عمورية، واشتبك جيشه البيزنطي مع البلغار (146هـ / 763م) فهزمهم واستمر في انتصاراته حتى مات سنة (159هـ - 775م) . (السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية (بيروت، دار النهضة، 1982م) ص186-220) . منطقة الثغور إذ ذاك إمّا ثغوراً جزرية خصصت للدفاع عن شمال العراق وأهم حصونها: ملطية، زبطرة، مرعش، الحدث، والمصيصة، أو الثغور الشامية وتقع في جنوب غرب الثغور الجزرية وقد خصصت للدفاع عن بلاد الشام ومن أشهر حصونها: طرسوس، أذنه، عين زربة، والهارونية (قدامة بن جعفر، الخراج (ليدن، 1889م) ص253، حسن محمود، العالم الإسلامي، ص158، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص160، 161) . مَلَطْية مدينة من بناء الاسكندر فيه جامعها من بناء الصحابة، وهي من بلاد الروم تتاخم بلاد الشام، وهي من أجلّ الثغور الإسلامية أمام الروم - (ياقوت الحموي، معجم البلدان (بيروت، دار صادر، 1404هـ) ج5 ص192، ابن عبد الحق (عبد المؤمن) ، مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع (بيروت، دار المعرفة، ط1، 1373هـ) ج3 ص1308، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية (بيروت، ط2، 1405هـ) ص152. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ثاني خلفاء بني العباس، أول من عني بالعلوم من ملوك العرب كان عارفاً بالفقه والأدب محباً للعلماء، ولد بالحميمة في الأردن سنة 95هـ / 713م وبنى مدينة بغداد ومن آثاره مدينة المصيصة والرافقة بالرقه، وزيادة في المسجد الحرام، توفي ببئر ميمون من أرض مكة وهو محرم بالحج سنة 158هـ 775م. ابن كثير (عماد الدين اسماعيل) ، البداية والنهاية (بيروت ط5 - 1409هـ) ج10 ص124، (ابن العماد الحنبلي شذرات الذهب في أخبار من ذهب (دار الكتب، بيروت) ج1 ص244، محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (الدولة العباسية) (بيروت، المكتب الإسلامي، ط3، 1407هـ) ج5 ص101 وما بعدها، خير الدين الزركلي، الأعلام (بيروت، دار العلم للملايين، ط7، 1986م) ج4 ص117. البلاذري (أبو الحسن) ، فتوح البلدان (بيروت، دار الكتب العلمية، 1403هـ) ص191. حسن محمود وآخر، العالم الإسلامي ص156. البلاذري، فتوح البلدان ص 191. محمد بن هارون الرشيد، أبو إسحاق المعتصم بالله العباسي، بويع بالخلافة سنة 218هـ / 833م وهو فاتح عمورية من بلاد الروم الشرقية، وباني مدينة سامراء سنة 222هـ / 836م، وهو أول من أضاف إلى اسمه اسم الله تعالى من الخلفاء فقيل المعتصم بالله، توفي بسامراء سنة 227هـ / 841م. (اليعقوبي (أحمد بن أبي يعقوب) ، تاريخ اليعقوبي، (دار بيروت) ج2 ص471 وما بعدها، ابن شاكر الكتبي (محمد بن شاكر) ، فوات الوفيات (دار بيروت) ج4 ص48، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص308، الزركلي، الأعلام ج7 ص127، 128. حسن أحمد محمود وآخر، المرجع السابق ص 156. الخراج ص 259. البلاذري، فتوح، ص195. قدامة بن جعفر، الخراج ص259. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 محمود شاكر، التاريخ الإسلامي ج5 ص170، وعن الصوائف والشواتي، انظر: إبراهيم أحمد العدوي، الإمبراطورية البيزنطية والدولة الإسلامية (القاهرة، سنة 1951م) ص 77 - 78. محمد بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن العباسي، أبو عبد الله المهدي، من خلفاء الدولة العباسية، تولى الخلافة سنة 158هـ / 774م، بنى جامع الرصافة، ووجّه رسلاً إلى الملوك يدعوهم إلى الطاعة، فدخل في طاعته ملك كابل شاه وملك طبرستان، وملك السغد وغيرهم توفي سنة 169هـ/ 785م (اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2 ص392، 397، ابن شاكر، فوات الوفيات، ج3 ص400-401، ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب، ج1ص266، الزركلي، الأعلام ج6 ص221 البلاذري، فتوح ص194. وسام عبد العزيز فرج، دراسات في تاريخ وحضارة الإمبراطورية البيزنطية (الإسكندرية، 1982م) ص157. هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو جعفر، خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق، ولد بالري سنة 149هـ / 766م، وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي سنة 170هـ / 786 م فقام بأعبائها، وازدهرت الدولة العباسية في أيامه، وكانت بينه وبين شارلمان ملك فرنسا مودة وكانا يتبادلان الهدايا، وله وقائع كثيرة مع الروم وملوكهم إيريني ونقفور (الصوائف والشواتي) وتوفي سنة 193هـ 809م في مدينة طوس بقرية سنباذ (المسعودي) (أبو الحسن علي بن الحسين) مروج الذهب ومعادن الجواهر (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1406هـ) ج3 ص412، ابن شاكر، فوات الوفيات ج4 ص225، ابن كثير البداية والنهاية ج10 ص222، الزركلي، الأعلام ج8 ص62. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 .. بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، أبو محمد، من خلفاء الدولة العباسية ببغداد، ولد بالري سنة 144هـ 761م وولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة 169هـ / 785م، واستبدت أمه الخيزران بالأمر، وكان شجاعاً جواداً، له معرفة بالأدب والشعر، تتبع الزنادقة وأعمل فيهم السيف مثل والده، ومات سنة 170هـ / 786م. (ابن شاكر الكتبي، فوت الوفيات ج4 ص173، 174، ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب ج1 ص271، الزركلي، الأعلام ج7 ص327. مدينة صمالو في الثغر الشامي قرب المصيصة وطرسوس (ياقوت الحموي، معجم البلدان ج3 ص423، ابن عبد الحق، مراصد الاطلاع ج2 ص851. أحمد اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي ج2 ص402، محمد الطبري، تاريخ الأمم والملوك (بيروت، دار سويدان) ج8ص148. إحدى قرى بغداد، على سبعة فراسخ منها قرب صريفين وهي من نواحي دجيل (ياقوت، معجم البلدان ج1 ص375. الطبري، تاريخ ج8 ص144، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص150. عبد الكبير بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، ذكر التاريخ له أنه غزا الروم سنة (164هـ / 780م) فلم يحالفه الحظ، وعاد مع المسلمين (الطبري، تاريخ ج 8 ص= =150، ابن الأثير (أبو الحسن عز الدين علي) الكامل في التاريخ، (بيروت، 1407هـ، ط 1) ج 5 ص 246) . الدرب المكان الذي بين طرسوس وبلاد الروم؛ لأنه مضيق كالدرب، والحدث: قلعة حصينة بين ملطية وسميساط ومرعش من الثغور (ياقوت الحموي، معجم البلدان ج2 ص227، 447، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج1 ص385 ج2 ص520. ابن الأثير، الكامل في التاريخ (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1407هـ) ج5 ص246. عبد الرحمن ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1 – 1412هـ) ج8 ص270. الطبري، تاريخ ج8 ص152، ابن الجوزي، المنتظم ج8 ص277، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص150. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 لم أعثر على ذكر لها في المعاجم، ويظهر أنه أحد الحصون الرومية التي انهارت بسبب ضرب المسلمين لها بالمجانيق القومس: الملك الشريف وقيل السيّد (ابن منظور، لسان العرب (بيروت، دار صادر) ج6 ص183. سماها الترك: أزنكميد، وهو ما تعرف به اليوم (كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص190) . (33) وتقع هذه المدينة غرب أسيا الصغرى، وتواجه القسطنطينية. انظر (ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص248، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر (بيروت، دار جمال، 1399هـ) ج3ص213، محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية (بيروت، دار النهضة، 1981م) ص114. حكمت الإمبراطورية البيزنطية كوصية على ابنها قسطنطين السادس سنة 164هـ / 780م حتى 181هـ - 797م واختلف معها هذا الابن حين بلغ سنّ الرشد، وواجهتها بعض = = المشاكل الداخلية مثل عبادة الأيقونات وبعض عناصر الجيش وكبار الموظفين في الدولة البيزنطية، كما كان عليها أن تواجه الخطر الإسلامي والخطر البلغاري وآمال شارلمان بشيء من الحكمة والتعقل، وجاءت نهايتها على يد نقفور الأول وزير خزانتها. انظر محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، ص12-17. المرجع نفسه، ص113، د. جوزيف نسيم يوسف، تاريخ الدولة البيزنطية، (الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، سنة 1988م) ص 134، 135، د. حسنين محمد ربيع، دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية (القاهرة، دار النهضة العربية، سنة 1414هـ) ص 122، د. محمود السيد، تاريخ الدولة البيزنطية (الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، بدون) ص 108، محمد محمد الشيخ، تاريخ الإمبراطورية البيزنطية (الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، سنة 1995م) ص 141. الطبري، تاريخ ج 8 ص 152، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص248. الطبري، تاريخ الأمم، ج8 ص153، ابن خلدون، العبر وديوان ج3 ص213. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص151. ابن الجوزي، المنتظم ج8 ص293، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص154. العريني، الدولة البيزنطية ص228. يزيد بن بدر، وقيل: البدر بن البطال، أحد الجنود الأكفاء الذين بعثهم المهدي إلى بلاد الروم في سرية سنة 168هـ 784م، فقاتل البيزنطيين وهزمهم ثم عاد سالماً. (الطبري، تاريخ، ج 8 ص 167، ابن الأثير ج 5 ص 257) . الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص167، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص257. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص203،204، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص269. حسن أحمد محمود وآخر، العالم الإسلامي في العصر العباسي ص159. المرجع السابق. اسم شعب لا يعرف أصله على وجه التحقيق، تكونت منه دولتان في أوائل القرون الوسطى، أحدهما على نهر الدانوب والأخرى على نهر أتيل (القلجا) . دائرة المعارف الإسلامية (مادة بلغار) لبارتولد (بيروت، دار المعرفة) ج4 ص88. محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص 114،115. إمبراطور القسم الغربي للإمبراطورية البيزنطية والتي تشمل: فرنسا وبلاد السكسون في ألمانيا والأراضي المنخفضة شمالاً وبلاد اللمبارديين جنوباً وبلاد الآفار شرقاً، والمارك الأسباني غرباً، وهو حامي الديانة النصرانية، خاض حروباً أعظمها: حروبه ضد السكسون في إقليم سكسونيا (ألمانيا الحالية) واستمرت ثلاثاً وثلاثين سنة –155 – 189هـ / 771 – 804م – وتمكن أخيراً من هزيمتهم. (سليمان ضفيدع الرحيلي) العلاقات السياسية بين الدولة العباسية ودولة= =الفرنجة (الرياض، دار الهدى) ص7،21. محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص115. اليعقوبي (تاريخ اليعقوبي) ج2 ص397. ... وملك باميان (الشير) وملك فرغانة (فرنران) وملك أسروشنة (أفشين) وملك الخرلخية (جيغويه) .. انظر المرجع نفسه. ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ، ج3 ص214. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 وسام فرج، دراسات في تاريخ وحضارة الإمبراطورية البيزنطية ص164. وتتكون من: منبج ودلوك ورعبان وقورس وأنطاكية وتيزين وما بين ذلك من الحصون، وهي جزء من أرض قنسرين والجزيرة، ففصلها الرشيد وجعل عاصمتها منبج (ياقوت، معجم البلدان ج4 ص165، البكري (عبد الله بن عبد العزيز) معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (بيروت، عالم الكتب، ط3 – 1403هـ) ج3 ص979. ياقوت، معجم البلدان ج4 ص165. حسن أحمد محمود، العالم الإسلامي في العصر العباسي ص160. مدينة بثغور الشام بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم، بينها وبين أذنة ستة فراسخ يشقها نهر البردان، وهي من أجلّ الثغور (ابن خرداذبه، المسالك والممالك (مطبعة بريل1889م) ص253، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج2 ص883، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص164. البلاذري، فتوح البلدان ص173،174. أمير من القادة الشجعان، له عناية بالعمران، بنى في أفريقية وأرمينية وغيرهما، ولاّه الرشيد مصر سنة 178هـ 794م، ثم وجهه إلى أفريقية؛ لإخضاع عصاتها، فدخل القيروان سنة 179هـ / 795م فأحسن معاملتهم … قتل بمرو سنة 200هـ / 816م (الكندي (أبو عمر محمد ابن يوسف) الولاة وكتاب القضاة (القاهرة – مؤسسة قرطبة) ص136، الزركلي الأعلام، ج8 ص81) . البلاذري، فتوح البلدان ص174. هو أبو سليم فرج الخادم التركي، كان من أهم أعماله إعمار مدينة طرسوس وإنزال الناس بها. (الطبري، تاريخ، ج 8 ص 234، ابن الأثير، الكامل، ج 5 ص 279) . اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي ج2 ص410. قرية صغيرة في الجانب الغربي من دجلة، بينها وبين بغداد ستة فراسخ (ياقوت، معجم البلدان ج5 ص75، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1243. البلاذري، فتوح البلدان ص174. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 الخطّة: الأرض تنزل من غير أن ينزلها نازل قبل ذلك، وخطّها لنفسه أن يعلّم عليها علامة بالخطّ؛ ليعلم أنه قد اختارها ليبنيها داراً (ابن منظور، لسان العرب ج7 ص288) . البلاذري، فتوح البلدان ص174. د. وديع فتحي عبد الله، العلاقات السياسية بين بيزنطة والشرق الأدنى الإسلامي (الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، سنة 1990م) ص 272. يوسف العش، تاريخ عصر الخلافة العباسية (دمشق، دار الفكر، ط1، 1402هـ) ص 80، 81. نسبة إلى البكاء وهو بطن من بني عامر بن صعصعة، ولم تذكر كتب التراجم ولا غيرها شيئاً عنه سوى قيادته لهذه الصائفة (السيوطي (جلال الدين عبد الرحمن) ، لبّ اللباب في تحرير الأنساب، تحقيق محمد أحمد عبد العزيز وآخر (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1 – 1411هـ) ج1 ص139) . الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص234، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص279. خليفة بن خياط، تاريخ ابن خياط (تحقيق أكرم العمري، الرياض، دار طيبة، ط2 – 1405هـ) ص448. ابن خياط، تاريخ ابن خياط، ص448. مكان بينه وبين حلوان منزل، وهو من حلوان إلى جهة همدان، وهو كثير الخيرات والمزارع، ولذلك سمي بمرج القلعة (ياقوت، معجم البلدان ج5 ص101، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1255) . .. بن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي، من أمراء الدولة العباسية، ولي إمرة المدينة سنة 170هـ/ 786م للرشيد، ثم ولي السند ومكران سنة 174هـ / 790م، وولي الإمارة بمصر سنة 177هـ/ 793م وتوفي بعد سنة 178هـ 794م (ابن تغري بردي (أبو المحاسن يوسف) ، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 – 1413هـ) ج2 ص113، الزركلي، الأعلام / ج1 ص295) . ابن الجوزي، المنتظم، ج8 ص343، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص285. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 أحد القادة الشجعان، تولى حلب سنة 137هـ / 754م، وكان على رأس الصائفة سنة 156هـ/ 772م وسنة 157هـ / 773م ولّي المدينة سنة 160هـ / 776م وعلى الجزيرة سنة 163هـ / 779م. (الطبري، تاريخ الأمم ج7 ص475 ج8 ص 51، 53، 132، 147. نهر بالمصّيصة بالثغر الشامي، مخرجه من بلاد الروم، ويمرّ إلى مدينة قرب المصّيصة (كفر بيّا) ، ويصبّ في بحر الشام ويقارب نهر الفرات في الكبر. (ياقوت، معجم البلدان، ج2 ص196، ابن عبد الحق، مرصد الإطلاع ج1 ص364 كي لسترنج، بلدان الخلافة ص164) . ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص448. Charles Diehl, Byzantium p. 50. العدوي، الإمبراطورية البيزنطية ص 148 – 149، فتحي عثمان، الحدود الإسلامية البيزنطية بين الاحتكاك الحربي والاتصال الحضاري (القاهرة، 1966م) ج 3 ص 275 - 276. .. بن عبد الله بن عباس، أمير من بني العباس، ولاه الهادي إمرة الموصل سنة 169م / 785م، وعزله الرشيد سنة 171هـ 787م، ثم ولاّه المدينة والصوائف، وولاّه مصر مدة قصيرة.. تولى إمارة الرقة حتى توفي فيها سنة 196هـ 811م. (ابن شاكر، فوات الوفيات، ج2 ص398، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة ج2 ص118) . ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص449. توجد بالثغور فرب الحدث، وهي عقبة ضيّقة طويلة (ياقوت، معجم البلدان ج4 ص 134) . وردت عقبة الركاب خطئاً (في ابن خياط، تاريخ، ص 449) ؛ لأنها قرب نهاوند، والصحيح عقبة السير؛ لأنها بالثغور قرب الحدث، (ياقوت، معجم البلدان، ج 4 ص 134) . لم أجد لها ذكراً في المعاجم، ولابد أنها مدينة على طريق الثغور الشامية. ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص449، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص288. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص254، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص20، ولم توضح المصادر اسم هذا الحصن؛ مما يدل على أنه ليس من الحصون العظيمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 السيوطي (جلال الدين) تاريخ الخلفاء (بيروت، دار الفكر) ص267، ولم أعثر فيما قرأت من المعاجم على اسم هذه المدينة، مما يفيد أنها كانت صغيرة جداً. لم أعثر له على ترجمة. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص255، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص29، ابن الأثير، الكامل ج5 ص301. تاريخ ابن خياط ص 450. أحد الأمراء القادة، تولى إمارة الجزيرة بعد زفر بن عاصم سنة 163هـ / 779م، وولاه الرشيد قيادة الصائفة سنة 177هـ / 793م.. (الطبري، تاريخ الأمم ابن الجوزي، المنتظم ابن الجوزي، المنتظم ج ص ص 8 ص149) . يسار بن صقلاب - ويذكر سقلاب - أحد الجنود الأكفاء الذين بعثهم الرشيد إلى البيزنطيين وفتح الله على يديه عدة مدن كالمصيصة والصفصاف وطوانة سنة 177هـ / 793م (ابن خياط، تاريخ، ص 450) . مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام، بين أنطاكية وبلاد الروم (ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1280) . في طريق القسطنطينية قرب لؤلؤة، وهو موضع فوستينوبوليس (كي لسترنج، بلدان الخلافة ص171) . بلد بثغور المصيّصة، على فم الدرب مما يلي طرسوس، غزاها المسلمون بقيادة سفيان بن عوف – في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان – فأصيب من المسلمين خلق كثير (ابن= =عبد الحق، مراصد الإطلاع ج2 ص895، (الحميري) محمد عبد المنعم، الروض المعطار في خبر الأقطار، (تحقيق إحسان عباس، بيروت، مكتبة لبنان، ط2 -1984م) ص400) . ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص450. بلدة من بلاد الروم مشهورة، تتاخم الشام، بناها عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام بن محمد ابن علي بأمر من أبي جعفر المنصور، ثم أسكنها الناس (ياقوت، معجم البلدان ج5 ص192-193، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1308) . ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص450. ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص36، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص179. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص266، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص48. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 مدينة بالعراق مما يلي الجزيرة، فتحت على يد القائد عياض بن غنم سنة 18هـ / 639م وعرفت بالرقّة السوداء تمييزاً لها عن غيرها (الحميري، الروض المعطار ص270، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص132) . لم أجد لها ذكراً في المعاجم، ويبدو أنها في وسط بلاد الروم. الدينوري (أحمد بن داود) الأخبار الطوال (تحقيق عبد المنعم عامر، القاهرة، 1379هـ) ص390. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص268، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص57، حسنين ربيع، دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية ص 127. ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص183. اسم لمدينة انكورية من بلاد الروم، نزلتها إياد لما نفاهم كسرى من بلاده (ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج1ص126) . وهي الآن عاصمة تركيا وأهم المدن الرئيسة فيها. بلد في ثغور بلاد الروم، بناحية طرسوس (ياقوت، معجم البلدان ج5 ص151) . بلد بثغر طرسوس، يقال هو بلد أصحاب الكهف (ياقوت، معجم البلدان ج1 ص231، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج1 ص101) . ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص67، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص317، ابن خلدون، العبر وديوان ج3 ص225) . Theophanes, Chronographia, Col 953. وديع عبد الله، العلاقات السياسية بين بيزنطة والشرق الأدنى الإسلامي، ص 273. محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص114. أحدها: عملت على الحطّ من قيمة ابنها من الناحية الخُلُقية؛ حتى تقللّ من شأنه إلى أقصى درجة ممكنة، فيخلوا لها كرسي العرش، فشجعت قسطنطين السادس على ترك زوجته الشرعية والزواج من إحدى وصيفات القصر (ثيودوت) بعد أن دفعته أمه إلى علاقة غرامية معها، فأثار ذلك رجال الدين ضدّه، واعتبروا أن الزواج الآخر علاقة غير شرعية (محمود عمران معالم تاريخ الامبراطورية البيزنطية ص116، محمد الشيخ، تاريخ الإمبراطورية البيزنظية ص 144. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 د. عبد القادر أحمد اليوسف، الإمبراطورية البيزنطية (دار المكتبة العصرية، بيروت، سنة 1984م) ص 109 - 110. السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية ص226، محمد الشيخ، تاريخ الدولة البيزنطية، ص 144. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص269، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص186، Deanesly , op.cit , 413. (محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص115-117) ، السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية ص225-227، د. أسمت غنيم، تاريخ الإمبراطورية البيزنطية (جامعة الإسكندرية، سنة 1987م) ص 59، محمد السيد تاريخ الدولة البيزنطية، ص 109. محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص114. Bury: Constitution of Later Roman Empire , p23. السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية ص228. جيل عظيم من الترك، بلادهم خلف باب الأبواب (الدربند) ، وهم صنفان: بيض وسمر، ولهم ملك عظيم يسمى بلك وفيهم مسلمون ونصارى ويهود وعبدة الأوثان.. (القزويني (زكريا ابن محمد) ، آثار البلاد وأخبار العباد (بيروت دار صادر) ص584،585. الثلمة: الخلل في الحائط (ابن منظور، لسان العرب ج12 ص79) . أبو العباس خازم بن خزيمة التميمي، أحد الجنود الذين غلبوا على مرو الروذ سنة 129هـ / 746م وقتل عامل نصر بن سيار عليها وبعثه أبو العباس السفاح سنة 134هـ / 751م إلى بسام بن إبراهيم الذي خالف وخلع الطاعة، فانهزم بسام وأصحابه وقتل أكثرهم، كما هزم الراوندية سنة 141هـ/758م (الطبري، تاريخ، ج 7 ص 360، 461، 506، ابن الجوزي، المنتظم، ج 7 ص 324، ابن الأثير، الكامل، ج 5 ص 130. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 يزيد الشيباني أحد القادة الأفذاذ، قاتل يوسف البَرْم بخراسان سنة 160هـ 776م وأسره وبعث به إلى المهدي، كما غلب على عسكر الروم بعد أن قتل نقيطا (قومس القوامسة) سنة 165هـ / 781م. (الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص124،152 ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص233،248) ابن الجوزي، المنتظم ج 9 ص83، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص189. استمر وجود البرامكة سبع عشرة سنة من 170هـ – 187هـ / 786 - 802م انتقلت فيها سلطة الحكم من العرب إلى الفرس، وكان ممن قتل من البرامكة جعفر بن خالد بن برمك (الطبري، تاريخ، ج 8 ص 287، ابن الأثير، الكامل، ج 5 ص 327، محمد بديع شريف، الصراع بين الموالي والعرب (القاهرة، سنة 1954م) ص 40 ص 51 - 52. حكمت دولة الأغالبة تونس طوال القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي، وأسسها إبراهيم بن الأغلب بن سالم التميمي، واعترف الرشيد بإمارته في سنة 184هـ / 800م (لسان الدين بن الخطيب، أعمال الأعلام، القسم الثالث، (الدار البيضاء، سنة 1964م) ص 14 - 19 ص 109 - 121، شارل جوليان، تاريخ أفريقية الشمالية (تونس، 1978م) ج 2 ص 60 - 61، جمال الدين الشيال تاريخ الدولة العباسية، (الإسكندرية، سنة 1967م) ص 65. د. وديع عبد الله، العلاقات السياسية، ص 279 - 280. السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية ص 228. الطواشي لقب عام للخصيان من الغلمان أما في عصر المماليك فكان لقب الطواشي يطلق على جند الأمراء في المكاتبات إليهم بتوقيع أو نحوه (حسن الباشا، الألقاب في التاريخ والوثائق والآثار (القاهرة - دار النهضة العربية - 1978م) ص382. - ostrogorowski G.: History Of The Byzantine State P.161. د. حسنين ربيع، دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية ص 125. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 ينتمي نقفور Nicaphorus. 1 إلى أصل عربي، ولد في بسيديا بآسيا الصغرى، وشغل وظيفة وزير الخزانة لدى الامبراطورة إيريني، واشتهر بالتعمق في العلوم الدينية والدنيوية فكان مثل أسلافه الأيسوريين، محطماً للتماثيل، رافضاً بشدة إعادة عبادتها، ولم يشجع عبّادها ومؤيديها، امتنع عن دفع الجزية للمسلمين أيام الخليفة هارون الرشيد، فسيّر إليه جيشاً قوياً استولى على هرقلة وطوانة.. وقتل نقفور في لقاءه مع البلغار سنة 196هـ / 811 (السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية ص235-245، د. جوزيف، تاريخ الدولة البيزنطية، ص 135، 136، د. حسنين ربيع، دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية ص 132 - 133. محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص117، أسمت غنيم، تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، ص 59 د. محمود السيد، تاريخ الدولة البيزنطية، ص 109. السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية ص236-239، حسنين ربيع، دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية، ص 77 وديع عبد الله، العلاقات السياسية، ص 282 هامش (2) . Theoph anes , Chronographia Col. 953. شرقي قونية، وتعرف بمدينة قرة حصار، وتسمى اليوم بأفيون (كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص181185) .. بن محمد بن الأشعث الكندي، أحد القادة الأفذاذ، ولاّه الرشيد خراسان سنة 173هـ / 789م وعزله عنها سنة 175هـ / 791م.. (الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص238،241،307، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص286،288،333) ذكر أنه في بلاد الروم، وفتحه عبد الله بن عبد الملك بن مروان في خلافة والده ولابد أنه قريب من حصن قرة الموجود في شرقي قونية (ياقوت، معجم البلدان ج2 ص264، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج2 ص742) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص458، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي ج2 ص423، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص137، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص333، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ص225. وسام فرج، دراسات في تاريخ وحضارة الإمبراطورية البيزنطية، ص166. الكامل في التاريخ ج5 ص333. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص307،308، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص333، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص138، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص201، السيوطي، تاريخ الخلفاء ص268 وأهمها: لقاء شعبان سنة 187هـ / 803 والذي تحاشى فيه الاصطدام بالمسلمين (ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص458، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي ج2 ص423) . د. وديع عبد الله، العلاقات السياسية، ص 289. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص308، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص138، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص333. ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص201، السيوطي، تاريخ الخلفاء ص268. ياقوت، معجم البلدان ج5 ص398. جاء هذا التحديد بناءً على عدد الجيش الذي قاده الرشيد – أيضاً – سنة 165هـ / 781م والذي بلغ أكثر من خمسة وتسعين ألفاً، وبناءً على أن الرشيد تحرك لتأديب نقفور، ويخشى أن يكون قد استعد للقائه مع المسلمين بأعداد كبيرة. مدينة ببلاد الروم، سميت بهرقلة بنت الروم بن اليفز بن سام بن نوح عليه السلام، وهي أراكلية الحديثة (ياقوت معجم البلدان ج5 ص398، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1456، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص166) . الأصفهاني، أبو الفرج، الأغاني (دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2، سنة 1412هـ) ج 18 ص 248. كانت قد فتحت للمرة الأولى سنة 77هـ / 696م على يد عبد الملك بن مروان (الذهبي، العبر في خبر من غبر ج1 ص65) . مقدار الجزية التي تدفعها إيريني للرشيد كل سنة؛ لأن الرشيد لن يقبل بأقل منها بعد هذا التحدي المباشر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 د. أسمت غنيم، تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، ص 61 - 62. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص308، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص334، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص138، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص201، السيوطي، تاريخ الخلفاء ص268. ومنها خروج رافع بن ليث بن نصر بن سيار بسمرقند ومخالفته لهارون وخلعه إياه، ابن خياط، تاريخ، ص 459 الطبري، تاريخ ج 8 ص 319. ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص201، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص138. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص308،309، الجهشياري، الوزراء والكتاب ص207. الكامل في التاريخ ج5 ص334. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص310. الجهشياري، الوزراء والكتاب ص207، ياقوت، معجم البلدان ج5 ص398. السيوطي، تاريخ الخلفاء ص268. ابن كثير (أبو الفداء إسماعيل) ، مختصر تفسير ابن كثير (تحقيق محمد الصابوني، بيروت ط3، 1399هـ) ج2 ص114. سورة الأنفال: آية 55-56. من القادة الأفذاذ، خرج مع الفضل بن يحيى البرمكي إلى خراسان سنة 178هـ / 794م وهو كاره للخروج، ولي أمر سجستان سنة 178هـ / 794م، وفتح كابل وغنم غنائم كثيرة في نفس السنة، ولاّه الرشيد أمر الصائفة سنة188هـ-803م ونصره الله على الروم (الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص258،259،313، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص154) . الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص313، (وقيل أن عدد القتلى من الروم أربعين ألفاً) . ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص207، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ص226. وديع عبد الله، العلاقات السياسية ص 274 - 275. ابن خلدون، العبر، ج 3 ص 225. ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص339، السيوطي، تاريخ الخلفاء ص268، ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب ج1 ص321، الذهبي، العبر، ج 1 ص 233. ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص163، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص209. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص320، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص211. بلد بالثغر من نواحي المصيصة (ياقوت، معجم البلدان ج4 ص177، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص160،161) . سميت بذلك لأن فيها حصناً منيعاً مبني بالحجارة السوداء (كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص162) . ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1183. ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص458، الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص320، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص180 الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص320، ابن خلدون، العبر وديوان ج3 ص226. الوزراء والكتاب ص206. وهي ضرب من الثياب التي تلبس، وهي جبة مشقوقة المقدّم (ابن منظور، لسان العرب ج8 ص82) . ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص211. ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص459. وهو حصن ذي القلاع؛ لأنه على ثلاثة قلاع فحرّف اسمه، من نواحي الثغور الرومية قرب المصيصة البلاذري فتوح البلدان ص174، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج1 ص407. بلد من بلاد الروم قرب قونية، على نحو خمسين ميلاً شرق آقسرا (ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1309 كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص182. جزيرة على البحر الأبيض المتوسط، قريبة من طرسوس، قطرها ستة عشر يوماً، وبها مدن ومزارع وقلاع وحصون (القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد ص240، الحميري، الروض المعطار ص453) . كان الفتح الأول سنة 28هـ / 648م (في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه) والثاني سنة 33هـ / 653م (في خلافة معاوية بن أبي سفيان) بقيادة جنادة بن أبي أمية (ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص160،167، البلاذري، فتوح البلدان ص158، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي ج2 ص431، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة ج1 ص109) . الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص320، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص341،342. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 (وذكر أن عدد السبي سبعة عشرة ألفاً) ، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ص226، ابن العماد، شذرات الذهب ج1 ص325،326، ابن العماد، شذرات الذهب، ج 1ص 325 – 326. عبد العزيز سالم وأحمد العبادي، تاريخ البحرية الإسلامية (بيروت، 1993م) ج1 ص38. مدينة على ساحل البحر الأحمر (ابن خرداذبه، المسالك والممالك ص154) وتعرف الآن ببورسعيد. السيوطي، تاريخ الخلفاء ص266. البلاذري، فتوح البلدان ص159. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص320، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص180،181. جمع علج، وهو الشديد الغليظ من الروم (ابن منظور، لسان العرب ج2 ص326) . ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص181،182، الحميري، الروض المعطار، ص 593، 594. الأصفهاني، الأغاني، ج 18 ص 253. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص321، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ص226. أغلب الظن أن هذا المبلغ هو جملة المتأخر عليه منذ إعتلائه عرش الدولة البيزنطية 187-190هـ / 802-805م. الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص321،322. ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص184. Cedrenus , Historiarum , Cols 918 - 919. الطبري، تاريخ الأمم، ج8 ص321. ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص211. الطبري، تاريخ الأمم، ج8 ص321. السرادق ما يمدّ فوق صحن الدار (الزبيدي، تاج العروس ج6 ص379) . جمع خبيصة وهي المعمول من التمر والسمن، وتطلق على الحلواء المخبوص (الزبيدي، تاج العروس ج4 ص385) . هي الخيل من غير نتاج العراب (ابن منظور، لسان العرب ج13 ص51) . ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص183. من القادة الأفذاذ، فتح سنة 190هـ / 805م الصفصاف وملقونية، وقتله الروم مع خمسين من المسلمين عند طرسوس سنة 191هـ / 806م (ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص342، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة ج2 ص172 الزركلي، الأعلام ج8 ص188) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص323، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ض226. مدينة بالثغور بين الشام وبلاد الروم، يسميها الروم مراسيون (Marasion) ، أحدث الرشيد لها سورين، وفي وسطها حصن يسمى المرواني … (ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1259، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص161) . ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص193،194، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ص226. كان الفتح الأول لمطمورة سنة 181هـ / 797م على يد عبد الملك بن صالح (ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص315) . ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص214. Theophanes , Chronographia. Col 969. قرية بينها وبين طرسوس يوم من بلاد الثغر، يسميها الروم بدندس (Podandos)) وهي في الجهة اليسرى من جامع طرسوس، ودفن فيها الخليفة المأمون (ياقوت، معجم البلدان ج1 ص361،362، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص351، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص165) . المسعودي، التنبيه والإشراف، ص161، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص351، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ص226. وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وشهراً ونصف (ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص460، وانظر: الدينوري، الأخبار الطوال ص392) . انظر في اختلاف الأمين والمأمون (ابن الجوزي، المنتظم ج10 ص3 وما بعدها، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص232 وما بعدها. عبد العزيز سالم، دراسات في تاريخ العرب العصر العباسي الأول ص227، الشريف، العالم الإسلامي في العصر العباسي ص166. عبد العزيز سالم، دراسات في تاريخ العرب ص227. الشريف، العالم الإسلامي في العصر العباسي ص165، أحمد العبادي، التاريخ العباسي والفاطمي (بيروت - دار النهضة - 1971م) ص92. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 لمعرفة هذه العلاقة اقرأ كتاب: العلاقات السياسية بين الدولة العباسية ودولة الفرنجة في عهدي الخليفة هارون الرشيد والإمبراطور شارلمان للدكتور: سليمان ضفيدع الرحيلي. أرشيبلد لويس، القوى البحرية والتجارية في حوض البحر المتوسط (القاهرة،1960م) ص198. ابن الجوزي، المنتظم ج8 ص329. عبد الجليل عبد الرضا الراشد، العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والأندلس (مكتبة النهضة، الرياض،1389هـ) ص 138. سورة الأنفال: آية 60. سورة النساء: آية 71. سورة آل عمران: آية 103. اليعقوبي، تاريخ، ج 2 ص 469. المصادر والمراجع 1- ... القرآن الكريم. إبراهيم بن أحمد العدوي. 2- ... الإمبراطورية البيزنطية والدولة الإسلامية - طبعة القاهرة - سنة 1951م. ابن الأثير (أبو الحسن عز الدين علي. ت 630هـ) . 3- ... الكامل في التاريخ – الطبعة الأولى – بيروت – 1407هـ. أحمد مختار العبادي. 4- ... التاريخ العباسي والفاطمي – بيروت – دار النهضة – 1971م. أرشيبلد لويس. 5- ... القوى البحرية والتجارية في حوض البحر المتوسط – القاهرة – 1960م. د. أسمت غنيم. 6- ... تاريخ الإمبراطورية البيزنطية (324هـ / 1453م) - مصر - دار المعرفة الجامعية - سنة 1987م. الأصفهاني (أبو الفرج. ت 356هـ) . 7- ... الأغاني - بيروت - دار الكتب العلمية - الطبعة الثانية - سنة 1412هـ. البكري (عبد الله بن عبد العزيز. ت 487هـ) 8- ... معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع – تحقيق مصطفى السقا – الطبعة الثالثة – بيروت – عالم الكتب – سنة 1403هـ. البلاذري (أبو العباس أحمد بن يحيى. ت 279هـ) . 9- ... فتوح البلدان – بيروت – 1403هـ. ابن تغري بردي (جال الدين أبو المحاسن يوسف. ت 874هـ) . 10- ... النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة – بيروت – دار الكتب العلمية – الطبعة الأولى – 1413هـ. جمال الدين الشيال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 11- ... تاريخ الدولة العباسية - طبعة الإسكندرية - سنة 1967م. الجهشياري (أبو عبد الله محمد بن عبدوس) . 12- ... الوزراء والكتاب – تحقيق مصطفى السقا وآخرون – الطبعة الثانية – مصر – 1401هـ ابن الجوزي (أبو الفرج عبد الرحمن بن علي. ت 597هـ) 13- ... المنتظم في تاريخ الأمم والملوك – تحقيق محمد عبد القادر عطا وأخيه – بيروت – دار الكتب العلمية – الطبعة الأولى – 1412هـ. د. جوزيف نسيم يوسف. 14- ... تاريخ الدولة البيزنطية (284هـ/ 1453م) - مصر- دار المعرفة الجامعية - سنة 1988م. حسن أحمد محمود وأحمد إبراهيم الشريف. 15- ... العالم الإسلامي في العصر العباسي – القاهرة – دار الفكر العربي – الطبعة الرابعة – 1980م. حسن الباشا 16- ... الألقاب في التاريخ والوثائق والآثار - القاهرة - دار النهضة العربية - 1978م. حسنين محمد ربيع 17- ... دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية - القاهرة - دار النهضة العربية - سنة 1414هـ. ابن الخطيب (لسان الدين) 18- ... أعمال الأعلام - القسم الثالث - الدار البيضاء - 1964م. ابن خلدون (عبد الرحمن بن محمد ت 808هـ) . 19- ... العبر وديوان المبتدأ والخبر – بيروت – 1399هـ. ابن خياط (خليفة بن خياط. ت 240هـ) . 20- ... تاريخ خليفة بن خياط – تحقيق الدكتور أكرم العمري – الطبعة الثانية – الرياض – دار طيبة – 1405هـ. الذهبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد. ت 748هـ) . 21- ... العبر في خبر من غبر – تحقيق محمد السعيد – بيروت – دار الكتب العلمية. الزبيدي (محمد مرتضى) . 22- ... تاريخ العروس من جواهر القاموس – طبعة بيروت – بدون. الزركلي (خير الدين) . 23- ... الأعلام – الطبعة السابعة – بيروت – 1986م. سليمان ضفيدع الرحيلي. 24- ... العلاقات السياسية بين الدولة العباسية ودولة الفرنجة في عهدي الخليفة هارون الرشيد والامبراطور شارلمان – الرياض– دار الهدى – بدون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 السيد الباز العريني. 25- ... الدولة البيزنطية 323هـ – 1081م – بيروت – دار النهضة العربية – 1982م. عبد الجليل عبد الرضا الراشد 26- ... العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والأندلس - طبعة الرياض - مكتبة النهضة - 1389هـ. السيد عبد العزيز سالم. 27- ... تاريخ البحرية الإسلامية في مصر والشام – الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة – 1993م. 28- ... دراسات في تاريخ العرب (العصر العباسي الأول) . الإسكندرية – مؤسسة شباب الجامعة – 1398هـ. السيوطي (جلال الدين عبد الرحمن. ت 911هـ) 29- ... لبّ الألباب في تحرير الأنساب – تحقيق محمد أحمد عبد العزيز وأخوه أشرف – الطبعة الأولى – بيروت – دار الكتب العلمية – 1411هـ. شارل جوليان 30- ... تاريخ أفريقية الشمالية - طبعة تونس - 1978م. ابن شاكر (محمد بن شاكر الكتبي. ت 764هـ) . 31- ... فوات الوفيات – تحقيق إحسان عباس – دار صادر – بيروت. الطبري (أبو جعفر محمد بن جرير. ت 310هـ) . 32- ... تاريخ الأمم والملوك – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم – بيروت – دار سويدان – 1386هـ. ابن عبد الحق (صفي الدين عبد المؤمن. ت 739هـ) . 33- ... مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع – الطبعة الأولى – بيروت – 1373هـ. عبد القادر أحمد اليوسف 34- ... الإمبراطورية البيزنطية - بيروت - دار المكتبة العصرية - 1984م. ابن العماد الحنبلي (أبو الفلاح عبد الحي. ت 1089م) . 35- ... شذرات الذهب في أخبار من ذهب – طبعة بيروت. فتحي عثمان 36- ... الحدود الإسلامية البيزنطية بين الاحتكاك الحربي والاتصال الحضاري - القاهرة - 1966م. قدامة بن جعفر 37- ... الخراج – طبعة ليدن – 1889م. القزويني (زكريا بن محمد) . 38- ... آثار البلاد وأخبار العباد – بيروت – دار صادر – بدون. ابن كثير (عماد الدين اسماعيل بن عمر. ت 774هـ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 39- ... البداية والنهاية – الطبعة الخامسة – بيروت – 1409هـ. الكندي (أبو عمر محمد بن يوسف. ت 350هـ) . 40- ... الولاة وكتاب القضاة – القاهرة – مؤسسة قرطبة – بدون. كي لسترنج. 41- ... بلدان الخلافة الشرقية – ترجمة بشير فرنسيس – الطبعة الثانية – بيروت – مؤسسة الرسالة – 1405هـ. محمد بديع شريف 42- ... الصراع بين الموالي والعرب - القاهرة - 1954م. محمد الحميري 43- ... الروض المعطار في خير الأقطار – تحقيق إحسان عباس – الطبعة الثانية – بيروت – مكتبة لبنان – 1984م. محمد محمد مرسي الشيخ 44- ... تاريخ الإمبراطورية البيزنطية - الإسكندرية - دار المعرفة الجامعية - 1995م. محمود سعيد عمران. 45- ... معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية – بيروت – دار النهضة العربية – 1981م. محمود السيد 46- ... تاريخ الدولة البيزنطية - الإسكندرية - مؤسسة شباب الجامعة - بدون. محمود شاكر. 47- ... التاريخ الإسلامي (الدولة العباسية) . الطبعة الثالثة – بيروت – المكتب الإسلامي – 1407هـ. المسعودي (أبو الحسن علي بن الحسين. ت 346هـ) . 48- ... التنبيه والإشراف – القاهرة – 1386هـ. ابن منظور (أبو الفضل محمد بن مكرم. ت 711هـ) . 49- ... لسان العرب – بيروت – دار صادر – 1374هـ. وديع فتحي عبد الله 50- ... العلاقات السياسية بين بيزنطة والشرق الأدنى الإسلامي (124هـ - 205هـ / 741م - 820م) - الإسكندرية - مؤسسة شباب الجامعة - 1990م. وسام عبد العزيز فرج. 51- ... دراسات في تاريخ وحضارة الإمبراطورية البيزنطية – الإسكندرية – 1982م. ياقوت (شهاب الدين أبو عبد الله الحموي. ت 626هـ) . 52- ... معجم البلدان – طبعة بيروت – 1404هـ. اليعقوبي (أحمد بن إسحاق. ت 292هـ) . 53- ... تاريخ اليعقوبي – بيروت – دار بيروت – بدون. يوسف العش 54- ... تاريخ عصر الخلافة العباسية – الطبعة الأولى – دمشق – دار الفكر – 1402هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 الدوريات والمراجع الأجنبية: 55- ... دائرة المعارف الإسلامية – مقال (بلغار) لبارتولد – بيروت – دار المعرفة. 56- ... . - Bury. J. B.: Ahistory of the Later Roman Empire 2 vols 57- ... Cedrenus , G , Historiarum , Compendium , P. G. M. Tome Cxxi - Cxxll. Paris , 1864et 1894 , Cols. 23 - 1166 , Cols 9 - 368 58- ... Deanesly. M. Ahistory Of Early Medieval Europe , 476 - 911 (London, 1960) . 59- ... Diehl , Charles , 60- ... Byzantium Greatness and Decline , New Brunswick , New Jersey, 1957. London 1923. 61- ... ostrogorowski G.: History of the Byzantine state. 62- ... Trans. Joan Hussey. oxford 1956. Theophanes Abbas Et Confessor Chronographia. P. G. m, Tome Cvlll, Paris. 1863. Cols - 9 - 1010. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 الوجود الإسلامي في صقلية في عهد النورمان بين التسامح والاضطهاد 444 – 591هـ / 1052 – 1194م د. علي محمد الزهراني الأستاذ المساعد بقسم الحضارة والنظم الإسلامية كلية الشريعة - بجامعة أم القرى ملخص البحث بذل المسلمون محاولات عدة لفتح جزيرة صقلية الواقعة في البحر المتوسط، واستمرت تلك المحاولات حتى تحقق لها النجاح في بداية القرن الثالث الهجري. ولأهمية موقع الجزيرة الاستراتيجي فقد بُذلت محاولات عدة لاستعادتها حتى سقطت في أيدي النورمان سنة 444هـ / 1052م، وخرج منها عدد كبير من المسلمين، واستقروا في البلدان الإسلامية الأخرى، وبقي فيها عدد آخر لا بأس به. وكان بين من بقي فيها علماء وأدباء وشعراء فضلاً عن بعض العامة. والحالة تلك نجد أن النورمان انتهجوا طريقتين متناقضتين في التعامل مع المسلمين فهم يتسامحون معهم في الوقت الذي يرون فيه أن المسامحة تحقق لهم مصالحهم. وهذه الطريقة أخذت مظاهر شتى تمثلت في رعاية العلماء والأدباء والشعراء، واتخاذ الأعوان من المسلمين كما حدث في قصور الحكام النورمان. وفي المقابل انتهج النورمان طريقة أخرى في التعامل مع المسلمين، من أهم مظاهرها محاولات التنصير، وتضييق الخناق عليهم في أداء بعض شعائرهم الدينية كمنعهم من صلاة الجمعة مثلاً، وفرض الجزية عليهم، واتخاذهم عبيداً يعملون في الأرض. كما أنه ومن خلال هذا الوجود الإسلامي في جزيرة صقلية حاول النورمان الاستفادة من حضارة وعلوم ومعارف المسلمين، وقد اتخذ ذلك مظاهر شتى. وهذه الطريقة وتلك وذلك الوجود والاستفادة منه هو ما بحثته هذه الدراسة وذلك على ضوء المصادر المتخصصة واستقراء معلوماتها. • • • مقدمة: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 لا يعرف الجيل الصاعد عن صقلية اليوم إلا أنها مركزٌ من مراكز نشاط المجرمين والخارجين عن القانون لكثرة ما يتردد اسمها من خلال وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة باعتبارها مقراً لما يعرف اليوم في عالم الجريمة باسم " المافيا " ولا يعرف عنها أولئك شيئاً مما كان للمسلمين فيها من نشاط فكري وعلمي جعلها مركزاً مهما من مراكز الحضارة الإسلامية لمدة تقرب من خمسمائة سنة، أكثر من نصفها كانت تحت السيادة الإسلامية، إذ أصبحت بذلك من أهم معابر الحضارة الإسلامية إلى أوربا في عصورها الوسطى المظلمة. وقد كنت كتبت قبل هذا البحث بحثاً يؤرخ للحياة العلمية في صقلية الإسلامية مدة سيطرة المسلمين عليها والتي استمرت من الفتح في سنة 212هـ / 826م، إلى بداية استيلاء النورمان عليها سنة 444هـ / 1052م وبالتالي سقوط آخر معاقلها سنة 484هـ / 1091 (1) ، وقد رأيت هنا ومن خلال هذا البحث أن أبين ما كان عليه حال المسلمين بعد سقوط صقلية، في عهد النورمان الذي استمر من سنة 444 هـ / 1052م إلى سنة 591هـ / 1194م، لأن دينا كالدين الإسلامي، وحضارة كحضارة المسلمين لا يمكن أن تزول من أي بلد وصلت إليه بمجرد استيلاء غير المسلمين عليه، وذلك لأن هذا الدين بجميع مبادئه وأهدافه وسلوكياته، وتلك الحضارة الرائعة بجميع خصائصها ومميزاتها، ولّد قناعةً لدى أولئك المستعمرين بالاستفادة من كل ذلك، مع ملاحظة أن ذلك البقاء لأولئك المسلمين لابد وأن يمر بحالتي التسامح والاضطهاد، وهذا ما أثبتته هذه الدراسة إلى جانب ما أثبتته من استفادة ذلك الغير من حضارة وعلوم ومعارف المسلمين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 وقبل الشروع في الحديث عن الوجود الإسلامي في صقلية خلال العصر النورماني كان لا بد من الحديث بإيجاز عن الفتح الإسلامي لصقلية وسقوطها من خلال هذه المقدمة المختصرة حتى يمكن لنا أن ندرك مدى المعاناة التي لقيها المسلمون أثناء عملية الفتح التي استمرت مدة طويلة من الزمن، فاقت المدة التي أمضاها المسلمون في عملية فتح الأندلس. ثم الحديث بعد ذلك عن هوانها على القادة المسلمين في فترة الفوضى والاضطراب وبالتالي سقوطها في أيدي النورمان، واستغلال أولئك للفرصة المتاحة أمامهم التي كانوا ينتظرونها والقضاء على السيطرة الإسلامية عليها. وإذا اتضحت تلك الصورة في الأذهان كان الدخول في الحديث عن مظاهر الوجود الإسلامي في صقلية بعد سقوطها أمراً يبدو مهماً يتضح من خلاله تفوق الحضارة الإسلامية إذ أثبتت وجودها رغم عدم استمرارية سيطرة المسلمين على تلك البقاع، وعلى الرغم من عدم تيسر الأوضاع التي يمكن أن يبدع فيها المسلمون، اللهم إلا في بعض حالات سنذكرها من خلال هذه الدراسة. وصقلية الإسلامية ليست إلا نموذجاً من كثير من النماذج الإسلامية التي لم يبق فيها للمسلمين إلا إشارات تدل على أنهم كانوا هنالك. وتعد صقلية أكبر جزر البحر الأبيض المتوسط الذي يعرف في المصادر القديمة ببحر الروم (2) ، إلى الجنوب من إيطاليا، ولا يفصلها عنها إلا مضيق صغير. وتبعد عن شمال أفريقية بحوالي 165 كيلا، وهي مثلثة الأضلاع، وتبلغ مساحتها حوالي (25815) كم2 (3) . ومن أهم مدنها: (بلرم) والتي كانت تعرف بالمدينة الكبرى، ومدينة (الخالصة) التي بناها المسلمون بعد الفتح لتكون مقراً للحكم، ومدينة (مسيني) ، ومدينة (طبرمين) ومدينة (سرقوسه) ومدينة (مازر) (4) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 وجزيرة صقلية تتميز بموقع استراتيجي مهم، جعل الدول تتسابق على امتلاكها حيث حكمها الرومان والبيزنطيون والمسلمون، فالنورمان، ثم أصبحت بعد ذلك ضمن أملاك الإمبراطورية الرومانية المقدسة. فقد كانت صقلية خاضعة للحكم الروماني مدة طويلة من الزمن، إلى أن تمكن القوط الشرقيون من الاستيلاء علهيا في سنة 493م، ثم أعيدت إلى حوزة الدولة الرومانية في عهد جستنيان (527 – 565م) (5) . وقد حاول المسلمون فتحها، وارتبطت تلك المحاولات بنمو البحرية الإسلامية الذي بدأ في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتحديداً في موقعة ذات الصواري سنة (31هـ / 651م) (6) . وقد استمرت المحاولات الإسلامية لفتحها ما يقرب من قرنين من الزمان، حيث ورد أول ذكر لغزو صقلية في المصادر الإسلامية في حوادث سنة (32هـ / 652م) (7) ولم ييأس المسلمون من محاولات الفتح، فقد ذكرت المصادر ما يقرب من عشرين محاولة لفتح جزيرة صقلية وقعت بين عامي (32 – 212هـ / 652 – 827م) (8) . وأخيراً تمكن الأغالبة في عهد أميرهم زيادة الله الأول (9) الذي حكم بين سنتي (201–223هـ/816–837 م) من فتح جزيرة صقلية فعلياً بواسطة القائد أسد ابن الفرات (10) وذلك في سنة (212هـ / 827م) (11) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 واستمر جهاد الأغالبة وحكمهم في صقلية إلى سنة (296هـ / 908م) ، حيث تمكن الفاطميون بواسطة داعيتهم أبي عبد الله الشيعي (12) من هزيمة آخر أمراء الدولة الأغلبية زيادة الله الثالث (13) ، ودخول عاصمتهم مدينة " رقاده " (14) ، حيث أصبحت صقلية تحت السيطرة الفاطمية، إلا أنهم منحوا الولاة الكلبين (15) حكم صقلية بداية من سنة (336هـ / 947م) ، حيث توارث الكلبيون الحكم بها خلفاً عن سلف (16) ، إلى أن بدأت فترة الفوضى واستقلال كل والٍ بما لديه، وبالتالي التمهيد لسقوطها في أيدي النورمان، سنة 444هـ وذلك عندما احتدم الخلاف بين حكام صقلية من الأسرة الكلبية، واستغلالهم للصراع العنصري الموجود بين سكان الجزيرة، فهذا جعفر بن يوسف حاكم صقلية (388-410هـ / 988-1109م) يختلف مع أخيه علي بن يوسف. فيستغل الأخير الصراع العنصري الموجود في الجزيرة لمصلحته، ويستميل العبيد، والبربر (17) إلى جانبه، مما اضطر معه الأمير تاج الدولة جعفر إلى مقاتلتهم، فقتل منهم خلقاً كثيراً، وأسر أخاه علي ثم قتله، بل تعدى الأمر ذلك فأمر بنفي البربر من الجزيرة وقتل العبيد (18) . أما حاكم صقلية أحمد بن يوسف المعروف " بتأييد الدولة " (410-427هـ / 1109 – 1035م) فقد اتبع سياسة التفرقة بين أهل صقلية، وأهل أفريقية، حيث درج على تأليب أحد الفريقين على الآخر والعكس (19) ، ظناً منه أن ذلك يمكنه من السيطرة عليهم، فكان العكس هو النتيجة. ذلك أن تلك السياسة جعلت أهل الجزيرة يستنجدون بالمعز بن باديس الزيري (20) (406-453هـ / 1015-1061م) مما آل إليه حالهم مع حكامهم من الأسرة الكلبية، قائلين له: (نحب أن نكون في طاعتك وإلا سلمنا الجزيرة للروم) (21) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 واستجاب الزيريون لطلب أهل صقلية، فدخلها عبد الله بن المعز بن باديس الزبري على رأس جيش كبير،، والنتيجة، قتل أمير صقلية، ثم بعد ذلك يثور الصقليون على الأمير الزيري ويخرجونه من صقلية، حيث تقاسمها الولاة بعد ذلك (22) . فهذا القائد عبد الله بن منكود يستقل بمدينتي (مازر وطرابنش) ؛ وعلي بن نعمة المعروف بابن الحواس ينفرد (بقصريانة وجرجنت) وغيرهما، أما ابن الثمنه والذي لقب نفسه (بالقادر بالله) فقد سيطر على مدينتي (سرقوسة وقطانية) (23) إلا أن الأخير كانت له السيادة والريادة بصفة عامة على جزيرة صقلية (24) . وتأتي الفرصة المناسبة لبداية سيطرة النورمان على صقلية أثر الخلاف الذي حدث بين ابن الثمنة، وابن الحواس (25) ، حيث هانت البلاد على ابن الثمنة ليستنجد بالنورمان على ابن الحواس سنة (444هـ / 1052م) قائلاً لهم: (أنا أملككم الجزيرة) (26) . ويستغل النورمان تلك الفرصة، ويتحرك روجر النورماني من مدينة (مليطو) في إيطاليا الجنوبية، ومعه ابن الثمنه، ليسيطر النورمان على ما مروا عليه في طريقهم دون مقاومة تذكر (27) . ويحاول الزيريون مجدداً إنقاذ صقلية، فيرسلون إليها أسطولاً ضخماً، مشحوناً بالرجال والعتاد، فتستقبله الريح في البحر وتغرقه (28) ، لتستمر بذلك الفرصة متاحة للنورمان في الاستيلاء على مدن ومعاقل صقلية، واحدة تلو الأخرى. وتسقط جميع مدن صقلية بآخر معاقلها سنة 484هـ / 1091م، ويملكها روجر النورماني، ويسكنها الروم والفرنج مع من بقي من المسلمين (29) . وبذلك سيطر المسيحيون على البحر المتوسط كأكبر نتيجة ترتبت على سقوط جزيرة صقلية، ولم نعد نرى الوقت الذي وصف فيه ابن خلدون النصارى بأنهم لا يستطيعون أن يطفوا لوحاً من الخشب في هذا البحر (30) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 ويستمر حكم النورمان لصقلية – على خلاف بين المؤرخين – من سنة (444هـ / 1052م) إلى تولي هنري السادس وزوجته كونستانس عرش صقلية سنة (591هـ / 1194م) ، حيث أصبحت ضمن أملاك الإمبراطورية الرومانية. مظاهر الوجود الإسلامي في صقلية في عهد النورمان يجدر بنا أن نشير هنا قبل الدخول في الحديث عن تلك المظاهر إلى الحديث عن مجتمع صقلية، فقد كان يتكون من المسلمين بعناصرهم المختلفة من العرب، والبربر، والفرس، ومن النصارى، واليهود (31) . وهذا التعدد في الطوائف السكانية، وما يتبعه من اختلاف في العقائد والمذاهب، والتوجهات، والطموحات، كان لابد معه من تفكير ملي من جانب حكام صقلية الجدد لمحاولة السيطرة على الجزيرة والخروج بها بعيداً عن الصراعات الدينية والعرقية، والعنصرية. وما يهمنا هنا بداية هو حال المسلمين مع أولئك الحكام النورمان، فقد خرج روجر الأول وهو أول حكام صقلية بعد سيطرة النورمان عليها، بفكرة وسياسة بقاء المسلمين في صقلية. وأسباب تلك السياسة لا تغيب عن أذهان المنصفين، ذلك أن الإسلام بعقيدته ومبادئه وأهدافه وسلوكه … هو دين الحياة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فهو الدين الذي يدعو إلى التسامح، وإلى العلم، والعمل، والإخلاص والدقة فيهما. والمسلمون هم الفئة المنتجة البناءة المخلصة في أي مجتمع يعيشون فيه؛ كما أنهم الأكثرية في المجتمع الصقلي هذا من جانب وفي الجانب الآخر فإن المسيطر الجديد (المستعمر) هم أقليه، وليست لهم حضارة كحضارة المسلمين في ذلك العصر والتي شملت كل مجالات الحياة. إذاً التسامح مع المسلمين هو الأفضل، على الأقل في تلك الفترة الأولى بعد خروجها من أيدي المسلمين، ولكنه ليس تسامحاً مطلقاً بل اعتراه بعض صنوف الاضطهاد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 وقد اتخذ ذلك التسامح والاضطهاد، مظاهر شتى من قبل روجر الاول (463- 495هـ / 1071 – 1101م) الذي وضع ما يمكن أن نسميه بالخطوط العريضة لسياسة النورمان تجاه المسلمين في صقلية. وتبدو لنا المعلومات بداية فيها نوع من التناقض، ففي الوقت الذي تشير فيه إلى أنه ترك للمسلمين حريتهم الدينية، ولم يعترض على إقامة تلك الشعائر، ولم يعمد إلى القتل والتعذيب (32) ، تذكر أيضاً أن من ضمن الإجراءات التي عملها هي تلك التي عمد فيها إلى تحويل المساجد إلى كنائس، وتعيين رئيس أساقفة عليها، وكان يونانياً (33) إما الإدريسي (34) وهو ممن عاش في البلاط النورماني – مما سنتحدث عنه لاحقاً – فيقول عن روجر الأول ممتدحاً: (ولما صار أمرها – أي صقلية – إليه واستقر بها سرير ملكه، نشر العدل في أهلها، وأقرهم على أديانهم وشرائعهم، وأمنهم في أنفسهم وأموالهم وأهليهم وذراريهم، ثم أقام على ذلك مدة حياته إلى أن وافاه الأجل المحتوم) (35) . ومن أهم ما أقدم على عمله روجر الأول لإثبات حسن نواياه تجاه المسلمين، أنه سك عملة نقدية، كتب على أحد وجهي تلك العملة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) (36) . وقد يبدو الهدف من ذلك هو ملاطفة عواطف المسلمين المغلوبين بعبارة هي رمز عزتهم، وعماد دينهم، فالإبقاء عليها من خلال العملة يوحي لهم بأن لهم مكانة بين شعوب الجزيرة من الأديان الأخرى، وبالتالي يجب على الفئات الأخرى أن تحترمهم، أو على الأقل تكف عن إيذائهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 وإذا عدنا إلى قول الإدريسي، وهو ممن عاش في البلاط النورماني، ففي رأيي أن كثيراً مما قاله لا يخلو من المجاملة لأرباب نعمته إذ أن ما ذكره ليس على الدوام وهو يكتب ذلك بعد انتهاء فترة حكم روجر الأول وأثناء حكم روجر الثاني. وهنا ابن الأثير، لا يوافق قوله معظم ما قال به الأدريسي، لأن ابن الأثير يرى أن المسلمين حرموا من كثير من ممتلكاتهم وأموالهم، وعقاراتهم، فيقول عن روجر الأول: " وملك روجر جميع الجزيرة وأسكنها الروم والفرنج مع المسلمين، ولم يترك لأحد من أهلها حماما، ولا دكاناً، ولا طاحونا " (37) . وهنا يجب أن لا ننسى أنه بالأمس القريب وأثناء فترة الغزو النورماني على مدن ومعاقل جزيرة صقلية، كان جيش روجر الأول وبأمر منه، يضيق الخناق على المسلمين في مدنهم وحصونهم، حتى أكلوا لحم الميتة، كما حدث عند حصارهم لمدينتي قصر يانه وجرجنت إذ بلغ شدة الحال بالمسلمين من جراء ذلك الحصار أن: (ضاق الأمر على أهلها، حتى أكلوا لحم الميتة، ولم يبق عندهم ما يأكلونه) (38) . أما عن حالات التسامح التي دعت روجر الأول إلى القيام بها مع المسلمين في البداية فترجع بعض أسبابها إلى انبهاره بحضارة المسلمين كما كان يريد أن يتخذ من صقلية نقطة انطلاق إلى شواطئ أفريقية الشمالية الخاضعة لحكم المسلمين، وذلك لن يتم إلا بمصادقة المسلمين الموجودين في الجزيرة، وبالتالي يتحقق له ما يريد، وعلى الأقل في الناحية الاقتصادية (39) . ولعل ما ذهب إليه روجر الأول هنا هو ما يعرف اليوم في علم السياسة بتأمين الجبهة الداخلية، وهي من أهم أسباب الاستقرار أو ضده. وطرق ذلك متعدده ومن أهمها سياسة التسامح في بعض الحالات ولفترة مؤقتة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 وهنا يجب أن لا يغيب عن البال أن روجر الأول جاء معه إلى صقلية بنظام الإقطاع الذي يطبق في أوربا، والذي يقضي على حرية المالك الصغير، ويصنف الناس إلى طبقات أعلاها الطبقة الحاكمة وأدناها رقيق الأرض (40) ، وهذا النظام لم يعهده المسلمون الباقون في صقلية بعد سقوطها، لأن دين الإسلام له مبادئه وضوابطه الخاصة فيما يتعلق بالملكية والعمل والأجرة وخلاف ذلك. ولتأكيد ما يريد أن يطبقه روجر في صقلية فقد عقد اجتماعاً في مدينة (مازر) سنة 486هـ / 1093م بحضور أصحابه وخاصته، وسلم كل واحد منهم صحيفة مكتوبة بالعربية واليونانية، فيها وصف للأرض التي تخصه وبيان بعدد الفلاحين والأرقاء في أملاكه (41) . وهذه الأراضي التي تم توزيعها على خاصته إنما هي لأناس مسلمين تم الاستيلاء عليها بالقوة أثناء غزو النورمان لصقلية. ومما يعزز نظرة روجر الأول تجاه المسلمين وأنها غير سليمة على الإطلاق ما عمله في مدينة (قطانيه) حين استولى عليها، فقد جعل أهلها المسلمين أرقاء، ومنحهم اقطاعاً للأسقف (42) . وإذا عدنا إلى ابن الأثير وآرائه فيما يتعلق بسقوط صقلية ومعاملة حكامها للمسلمين فإنه يبدي الامتعاض الشديد لما آل إليه حال المسلمين من الاستعانة بالكفار وانعكاسات ذلك على حياة المسلمين في صقلية وخاصة في عهد روجر الأول (43) . ومن مظاهر معاملة روجر الأول لمسلمي صقلية، أن معظم الأسرى الذي وقعوا في يده أثناء غزو صقلية، قد أرسلوا إلى إيطاليا وبيعوا عبيداً هناك (44) . وهناك وثيقة مكتوبة بالعربية، واليونانية، مؤرخة بسنة 488هـ / 1095م تشير إلى ذكر أسماء ثلاثين عبداً مسلماً تابعين لكنيسة قطانية (45) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 أما ما يعرف في صقلية باسم " رجال الجرائد " فهم أولئك المسلمون الكادحون في الأرض، والذين يشبه وضعهم وضع الرقيق، ويرثه الأبناء عن الآباء، وكان هذا النوع من الإسترقاق موجوداً في عهد روجر الأول، وقد ضمت تلك القوائم أسماء أعلام مسلمين مثل: محمد، وعلي، وعبد الله، كما ضمت أسماء أعلام يونانية ولاتينية (46) . كما دفع المسلمون الجزية لروجر الأول إلى جانب اليونان، حيث نقل احسان عباس ذلك عن أماري في تاريخ المسلمين في صقلية إذ يقول: " وليس في صقلية من يدفع الجزية السنوية إلا المسلمون واليونان، وهم وحدهم الذين يلحقهم اسم الأرقاء أي رجال الجرائد " (47) . ورجال الجرائد هؤلاء لم يكونوا يتمتعون بالحرية الشخصية بل مطلوب منهم تأدية الخدمة العسكرية متى ما طلب منهم ذلك، كما كانوا يخضعون لنظام السخرة في العمل (48) . وفي مقابل رجال الجرائد، كان هناك الأفاضل، وهم الأحرار من المسلمين يحق لهم امتلاك الأراضي مع حرية التصرف بممتلكاتهم، " ومن بينهم موظفون مدنيون يختصون بشئون الهبات والوصايا والبيع والعقود … وكانوا يساعدون القضاة والموثقين، كما كانوا في بعض الأحيان يتولون التحكيم بين الأطراف المتخاصمة " (49) . وفي عهد روجر الثاني (494 – 549 هـ / 1101 – 1154م) تتخذ سياسة التعامل مع المسلمين وضعاً أفضل مما كانت عليه في عهد روجر الأول، وذلك لشغف روجر الثاني بمدنية المسلمين وعلومهم وفنونهم وتراثهم فقد كان من أشد الحكام النورمان تعلقاً بالمسلمين وتراثهم، وفي ذلك يقول ابن الأثير عنه (50) : (سلك طريق المسلمين من الجنائب (51) ، والحجاب (52) ، والسلاحية (53) والجاندارية (54) ، وغير ذلك وخالف عادة الفرنج فإنهم لا يعرفون شيئاً منه) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 ولك أن تتصور حاكماً غير مسلم جنائبه وحجابه والمسؤلون عن سلاحه وملابسه كلهم من المسلمين، إن ذلك أمر له دلالته، ولو لم نخرج منه إلا بما يدلنا على عدل الإسلام وسماحته وعالمية مبادئه ونزعاته لكفى. وتزداد العلاقة الحسنة بين المسلمين وحاكم الجزيرة روجر الثاني النورماني، فيسمح بإنشاء ديوان المظالم ترفع إليه شكوى المظلومين، فيطلع على تلك الشكاوي، وينصف المسلمين ولو كان المخطئ ولده، ويرى إبن الأثير أن ذلك في غاية الكرم إذ يقول: (وجعل له ديوان للمظالم ترفع إليه شكوى المظلومين فينصفهم ولو من ولده وأكرم المسلمين، وفر بهم ومنع عنهم الفرنج) (55) فكانت نتيجة ذلك التعامل مع المسلمين، أن المسلمين (أحبوا) (56) روجر النورماني. ومن مظاهر العلاقة الحسنة بين المسلمين والنورمان في عهد روجر الثاني، أن الأساطيل الحربية في البحر كانت مشحونة بالمسلمين والفرنج على حد السواء (57) . ولعل السبب الذي جعل روجر ينهج هذا النهج في سياسته العسكرية، هو الاستفادة من النظام المتقن عند المسلمين فيما يتعلق بالجندية، إضافة إلى تفاني المسلمين وإخلاصهم ودقتهم في الأعمال الموكلة إليهم. ولم يقتصر روجر على الاستفادة من المسلمين في الأساطيل الحربية البحرية، وإنما عمد إلى اتخاذ المشاة والرماة منهم، وفرسان الخيول في الحروب، وخاصة في حروبه في إيطاليا (58) . كما نجد أن التأثيرات الإسلامية بلغت حداً كبيراً، لدى النورمان في عهد روجر الثاني، إذ تأثر بألقاب الخلفاء والسلاطين المسلمين، فلقب نفسه ب (المعتز بالله) (59) . ونتيجة لذلك ولتلك الرعاية التي حظي بها المسلمون من روجر الثاني، فإنه أتهم من بعض معاصريه بأنه أعتنق الإسلام (60) . بل نجد أن الأمر زاد على ذلك فضرب نقوداً ذهبية يتداولها الناس، اتبع فيها الصيغة الإسلامية في الوزن والطراز ورسم فيها اسمه وألقابه وشارته الخاصة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 فقد كتب على دائرة الوجه الأول: (الحمد لله حق حمده وكما هو أهله ومستحقه) . وفي دائرة القفا: (ضرب بأمر الملك المعظم رجار المعتز بالله بمدينة المهدية سنة ثلث وأربعين وخمسمائة) . وكتب في وسط الوجه: (المعتز بالله) . وفي وسط القفا: (الملك روجار) (61) . وضرب مثل هذه الدنانير بمدينة المهدية في شمال إفريقيا يدل على رغبة ملوك صقلية النورمان في إتباع سياسة اللين والتسامح التي ترمي في الواقع إلى تهدئة خواطر سكان البلاد التونسية واستمالتهم إلى قبول الاستيلاء الإفرنجي (62) . كما أستخدم روجر وأتباعه المظلة، التي اختص بها بنو عبيد الله، وهي شبه درقه في رأس رمح، محكمة الصنعة، يمسكها فارس من الفرسان، يعرف بها، فيقال له: صاحب المظلة، فيحاذي بها الملك من حيث كانت الشمس ليقيه حرها (63) . شخصيات علمية وأدبية في بلاط النورمان: يعد الأدريسي من أعظم الشخصيات العلمية المسلمة التي مثلت الوجود الإسلامي في صقلية بعد سقوطها، وذلك لشهرته الجغرافية، فهو أعظم الجغرافيين المسلمين في العصور الوسطى. واحتضن بلاط روجر الثاني الشريف الأدريسي. والمصادر لم تمدنا بمعلومات عن كيفية وصوله إلى بلاط روجر وكل ما أفادتنا به أنه استدعاه ليصنع له صورة الأرض، ويؤلف له كتاباً في شرحها. ولا نعلم كيف سمع به روجر، فإن الإدريسي لم يشتهر بالجغرافية قبل أن يستدعيه روجر، فهو لم يؤلف فيها قبل ذلك كتاباً، ولا سمع أحد في بلاد المسلمين نفسها أنه متضلع فيها، وكل الذي نعرفه من خلال المصادر أنه رحل إلى الشرق، وعاد إلى المغرب، ودخل الأندلس ودرس في قرطبة، ثم ظهر في صقلية لدى حاكمها روجر الثاني النورماني (64) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 ولعل المخرج من هذا أن روجر قد عرف الأدريسي معرفة شخصية من خلال البيت العربي المسلم الذي يرجع إلى الأدارسة العلويين، والمقيم في صقلية؛ وهذا البيت يعرف أفراده بالحموديين، وهم من نفس بيت بني حمود الذي ينتسب إليه الشريف الادريسي (65) . والحموديون هم الذين كان لهم سلطان كبير على بعض مدن صقلية مثل (جرجنت) و (قصريانه) ؛ وهم أيضاً الذين قاوموا النورمان في اللحظات الأخيرة قبل استيلائهم على جزيرة صقلية (66) . وقد اهتم روجر الثاني بالشريف الإدريسي اهتماماً كبيراً، فأكرم نزله، وبالغ في تعظيمه، ورغبة في المقام عند قائلاً له: (أنت من بيت الخلافة، ومتى كنت عندي أمنت على نفسك، ومتى كنت عند المسلمين عمل ملوكهم على قتلك) (67) . وقد أجابه الادريسي إلى ذلك، (ورتب له كفاية لا تكون إلا للملوك) (68) بل تعدى الأمر ذلك فيجلس الادريسي مكان روجر، حيث يتنحى عنه الأخير له (فيأتي الادريسي إلى روجر راكباً بغلة، فإذا صار عنده تنحى له عن مجلسه) (69) . وباستقرار الادريسي في بلاط روجر يبدأ في تحقيق رغباته، فيصنع له خريطة كروية للأرض من الفضة. وتذكر المصادر، أن روجر الثاني النورماني كان قد أعطى للادريسي وزن أربع مائة ألف درهم من الفضة ليضع له دوائر فلكية؛ فلما أتم صنعها الادريسي أعجب بها روجر. ولما كان صنعها لم يأخذ إلا ثلث تلك الفضة أو أكثر بقليل، فقد منح روجر الباقي كله للادريسي، بل أضاف إلى ذلك حمولة مركب جاء من برشلونة ببضائع ملكية (70) . وتلك الخريطة الضخمة الكروية للأرض التي صنعها الادريسي، هي ما حدت بروجر الثاني، أن يستدعى الصناع المهرة لينقشوا عليها صور الأقاليم السبعة ببلادها وأقطارها، وريفها، وخلجانها، وبحارها، ومجاري مياهها ومواقع أنهارها، وعامرها، وغامرها، وما بين كل بلد وبلد من الطرقات المطروقة، والأميال المحدودة والمسافات المشهودة، والمراسي المشهورة … . . (71) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 أما خير مثال للوجود الثقافي الإسلامي في عهد روجر الثاني، فهو ذلك العمل الضخم، الذي قام به الادريسي بتأليف كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) . والكتاب إلى جانب أنه تحقيق لإحدى رغبات روجر الثاني، فهو نتيجة من نتائج تلك الخريطة الضخمة الكروية للأرض التي صنعها الادريسي كما نص على ذلك الادريسي في مقدمته إذ أنه (كتاب مطابق لما في أشكالها وصورها ويزيد عليها بوصف أحوال البلاد والأرضين في خلقها وبقاعها، وأماكنها، وصورها، وبحارها، وجبالها ومسافاتها ومزروعاتها وغلاتها، وأجناس بنائها وخواصها، والاستعمالات التي تستعمل بها، والصناعات التي تنفق بها والتجارات التي تجلب إليها … .) (72) . وبتألف الأدريسي لكتابه (نزهة المشتاق) تتحقق رغبة روجر النورماني منه، وهي ما أشار إليها الادريسي من أنه كان يريد معرفة حقيقة البلاد التي تحت سيطرته وحدودها وكل ما يتعلق بها إضافة إلى معرفة غيرها من البلدان والأقطار، إذ يقول: (لما اتسعت أعمال مملكته، وتزايدت همم دولته، وأطاعته البلاد الرومية … أحب أن يعرف كيفيات بلاده حقيقة، ويقتلها يقينا وخبرة، ويعلم حدودها ومسالكها براً وبحراً … مع معرفة غيرها من البلاد والأقطار في الأقاليم السبعة … .) (73) . وقد مجد الادريسي في مقدمته، روجر الثاني النورمندي، ووصفه بأوصاف ولقبه بألقاب لا تكون إلا لخلفاء الإسلام، وقد ظهرت فيها المبالغة واضحة جلية، ومن ذلك قوله: (فإن أقل ما عني به الناظر، وأشعل الأفكار والخواطر، ما سبق إليه الملك المعظم رجار المعتز بالله، المقتدر بقدرته، ملك صقلية … الناصر للملة النصرانية، إذ هو خير من ملك الروم بسطاً وقبضاً … .) (74) . وقوله: (فمن بعض معارفه السنيه، ونزعاته الشريفة العلوية أنه لما أتسعت أعمال مملكته … ) (75) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 وكتاب (نزهة المشتاق) الذي جعلناه خير مثال للوجود الثقافي الإسلامي في صقلية في عهد روجر الثاني، هو بحق أفضل مؤلف جغرافي تلتقي فيه الجغرافيا القديمة بالجغرافيا الحديثة، فمعلومات الإدريسي فيه دقيقة جداً لدرجة تدعوا إلى الإعجاب، ولذلك لم يكن غريباً، أن يطلق عليه اسم (استرابون العرب) (76) . كما أن هذا الكتاب القيّم ظل ولعدة قرون هو المصدر الأساسي للكثير من المعلومات الجغرافية، وذلك لأنه تضمن وصفاً لمناطق كان هو الرائد فيها بين كتب الجغرافيين المسلمين، وعليه اعتمد اللاحقون فيما كتبوا. وهو أعظم موسوعة جغرافية خرجت من صقلية في القرون الوسطى، وأوفى كتاب جغرافي تركه لنا المسلمون لاشتماله على ما وصل إليه علم الأقدمين، إضافة إلى ما أطلع عليه الادريسي بنفسه، أو ما وصل إليه من دراسات ومشاهدات وخبرات، وما رواه السياح (77) . جاء في دائرة المعارف الفرنسية عن كتاب الادريسي أنه: (أو فى كتاب جغرافي تركه لنا العرب، وأن ما يحتويه من تحديد المسافات والوصف الدقيق، يجعله أعظم وثيقة علمية جغرافية في القرون الوسطى) (78) . يقول روم لاندو: (إن ما يعتقده الغربيون اليوم، أن ما يتعلق بكروية الأرض، وبعض الأمور الجغرافية الأخرى كاكتشاف منابع النيل، هو من اكتشاف الغرب، فذلك ليس صحيح، فقد سبقهم إلى ذلك الادريسي في العصور الوسطى) (79) . ونستمر في ذكر شهادات الغرب عن كتاب الادريسي حيث يقول سيديو: (على مدى ثلاثمائة وخمسين عاماً ظل رساموا الخرائط الأوربيون لا يفعلون شيئاً سوى إعادة نسخ هذا الكتاب مع بعض التغييرات الطفيفة) (80) . والغرب لم يعرف الجغرافيا المؤسسة على المراقبة والتجربة، فالأرض عندهم ترسم على أنها قطعة من الأرض يحيط بها بحر عالمي، وفي وسطها تقع الجنة، كما تمليها عليهم خرائط الأديرة، إلى أن خرج معلم الغرب من قصور ملوك صقلية، فأصبح نموذجاً يهتدي به (81) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 ولولا الخبرات الملاحية التي ورثتها الغرب عن العرب، ومفهوم كروية الأرض، لما استطاع كولمبس المخاطرة في حوض الأطلنطي، أو خطر له مجرد تصور فكرة هذه الرحلة (82) . ونحن عندما نذكر تلك المقولات عن كتاب الادريسي فإننا نؤكد أن ذلك كان عملاً ضخماً من ثمار الوجود الإسلامي في صقلية في العهد النورماني، ونتيجة من نتائج تبني البلاط النورماني للعلماء المسلمين، وإكرامهم وتمكينهم من إظهار علومهم ومعارفهم. ونختم الحديث عن الادريسي بالإشارة إلى أنه لم يكن جغرافيا فحسب، بل ألف وهو في ظل الحكم النورماني كتاباً في النبات والأعشاب، سماه، (جامع الصفات لأشتات النبات) (83) ، وهو كتاب درس فيه كثيراً من النباتات وخاصيتها العلاجية. كما أنه له كتاب آخر عرف باسم (الأدوية المفردة) (84) . ومن هنا يتضح لنا أنه ألف في الطب وبالتالي فإنه يعد موسوعة جغرافية، طبية، كما هو حال كثير من علماء المسلمين الذين لا يؤمنون بالتخصص الضيق، بل إن أحدهم يصعب تصنيفه في مجال معين. ويحتضن البلاط النورماني في عهد روجر الثاني عدداً من العلماء المسلمين حيث أغراهم بالبقاء لديه، وأكرمهم واستفاد من علومهم ومعارفهم. ومن هؤلاء ذلك العالم المغربي – الذي نسى اسمه ابن الأثير – كما قال – والذي كان يحضره روجر، ويرجع إلى قوله، ويقدمه على من عنده من الرهبان والقسيسين، وذلك لثقته الكبيرة فيه (85) . ومنهم الأديب ابن قلاقس الاسكندري (86) الذي جاء إلى البلاط النورماني حيث أجزلت له العطايا، ومدح روجر الثاني بعدة قصائد، فأكرمه على عادة الخلفاء والسلاطين والأمراء المسلمين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 واستغل ابن قلاقس وجوده في صقلية ليؤلف كتاباً لزعيم المسلمين في صقلية في ذلك الوقت، أبي القاسم ابن حجر (87) ، تحت عنوان (الزهر الباسم في أوصاف أبي القاسم) وهو كتاب قال عنه ابن خلكان أنه (أجاد فيه، وذكر فيه أسماء وتراجم الكثير من الشعراء المسلمين المقيمين في صقلية) (88) . ومن مظاهر الوجود الثقافي للمسلمين في صقلية، أن بلاط روجر الثاني النورماني احتضن عدداً من الشعراء المسلمين، أشارت المصادر إلى بعضهم، وأتلفت كثيراً من إنتاجهم الشعري الذي قيل في مدح ملوك النورمان، حتى لا ينقلوا إلى الأجيال تراثاً جاء في مدح ملك من ملوك النصارى، كما فعل العماد الأصفهاني في كتابه (خريدة القصر وجريدة العصر) الذي لم يثبت كثيراً من تلك الأشعار. ومن أولئك الشعراء عبد الرحمن رمضان المالطي، والذي يعرف بالقاضي، قال عند العماد (ومعظم شعره في مدح روجار الإفرنجي المستولي على صقلية، يسأله العودة إلى مالطة، ولا يحصل منه إلا على المغالطة) (89) . ولم يذكر له شيئاً من شعره في مدح روجر، بل ذكر له نماذج أخرى في بعض أغراض الشعر. ومنهم أيضاً عبد الرحمن بن محمد بن عمر البثيري الصقلي، والذي وصفه العماد بأنه: (حامل القرآن ومساجل الأقران) (90) . وأورد له قصيدة في مدح روجر النورماني، ووصف المباني العلية بصقلية. ومنها قوله (91) : أدر الرحيق العسجديه وصل أصطباحك بالعشيه واشرب على وقع المثا ني والأغاني المعبديه ما عيشه تصفو سوى بذرى صقلية هنيه في دولة أربت على دول الملوك القيصريه ومنها أيضاً (92) : وقصور منصورية حط السرور بها المطيه أعجب بمنزلها الذي قد أكمل الرحمان زيه والملعب الزاهي على كل المباني الهندسيه والقصيدة طويلة كما ذكر العماد الأصفهاني الذي اقتصر على بعضها لأنها: (في مدح الكفار) (93) فما أثبتها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 ومن الشعراء المسلمين في العهد النورماني، أبو الضوء سراج بن أحمد بن رجاء الكاتب، والذي وصفه العماد بأنه: (صحيح التصور، صادق التبجيل، سديد الرأي، حاد الخاطر، وأن شعره بديع الحوك، رفيع السلك) (94) . وذكر له بعضاً من قصيدة طويلة في رثاء ولد روجر، قال في أولها: بكاء وما سالت عيون وأجفان شجون وما ذابت قلوب وأبدان خبا القمر الأسنى فأظلمت الدنا وماد من العلياء والمجد أركان (95) والقصيدة في مجملها فيها تمجيد لابن روجر، وبكاء عليه، وحرقة أكباد، ومرض نفس، فرأيت أنه من الأولى الاكتفاء بما أشرنا إليه منها. على أنه من المعلوم أن الهدف من ذكر ذلك كله هو أن الشعراء المسلمين كانوا يعيشون في ظل حكم النورمان ومنحوا حرية الكلمة، وبالتالي امتدحوا ومجدوا أولياء نعمتهم، ومن يعيشون في كنفهم. تحول السياسة النورمانية تجاه المسلمين: في ختام حديثنا عن عهد روجر الثاني – يجدر بنا أن نتحدث عن الوجه الآخر لسياسته تجاه المسلمين، فهي ليست على كل الأحوال ذات تسامح، بل اعتراها بعض الاضطهاد، ويشترك في ذلك الاضطهاد الحكام وعامة الشعب من غير المسلمين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 ومن الأدلة التاريخية القاطعة على ما ذكرناه آنفاً ما ذكره ابن الأثير في أحداث سنة 548هـ / 1153م من عدم تسامح روجر مع أحد قادته العسكريين حيث أحرقه، لأنه تهاون مع بعض الأسرى المسلمين، قال ابن الأثير: (وفي هذه السنة – أي سنة 548 هـ – سار أسطول رجار ملك الفرنج بصقلية إلى مدينة بونه (96) ، وكان المقدم عليهم فتاه فيلب المهدوي، فحاصرها واستعان بالعرب عليها، فأخذها في رجب، وسبى أهلها، وملك ما فيها، غير أنه أغضى عن جماعة من العلماء والصالحين، حتى خرجوا بأهليهم وأموالهم إلى القرى … . وعاد إلى صقلية، فقبض عليه رجار لما اعتمده عليه من الرفق بالمسلمين في بونه … فجمع رجار الأساقفة والقساوس والفرسان، فحكموا بأن يحرق، فأحرق في رمضان؛ وهذا أول وهن دخل على المسلمين بصقلية) (97) . وهذا التحول الخطير في سياسة روجر تجاه المسلمين لابد وأن يكون له أسبابه، ولعل السبب الأقوى في ذلك هو ظهور الموحدين كقوة إسلامية كبيرة في شمال إفريقيا، وذلك في أواخر أيام روجر، وفعلاً فلقد كان الموحدون قوة خطيرة تمكنوا من استعادة المهدية من النورمان. ولذا فإن روجر خشي من تعاون المسلمين في صقلية مع الموحدين مستقبلاً، فعمد إلى تغيير سياسته تجاه المسلمين، حيث نهج سياسة تقضي بتنصير المسلمين واليهود المقيمين في جزيرة صقلية حتى لا يبقى إلا دين المسيحية في تلك الجزيرة. وهناك من يرى أن من جملة أسباب تلك السياسة التي انتهجها روجر تجاه المسلمين؛ أسباب شخصية كوفاة ثلاثة من أبنائه خلال فترة تسع سنوات، وسوء حالته الصحية، وأسباب سياسيه، كقيام الإمبراطور البيزنطي منويل كومنينوس بالحشد والتعبئة في منطقة البحر الإدرياتيكي (98) . وتنتهي فترة حكم روجر الثاني بوفاته سنة 549هـ / 1154م، وملك بعده ابنه غليالم الأول، الذي وصفه ابن الأثير بأنه كان (فاسد التدبير، سيئ التصوير) (99) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 ومن ملامح عهد غليالم الأول وتأثير المسلمين عليه، أنه كان يتكلم اللغة العربية، وكانت علامته (الحمد لله شكراً لأنعمه) (00 (1) . وبلغ تأثير المسلمين في صقلية على غليالم الأول، أنه ضرب نقوداً ذهبية، عربية في صيغتها، كما هو الحال بالنسبة لأبيه روجر الثاني، وقد لقب نفسه فيها بلقب (الهادي بالله) (101) . وقد كان غليالم الأول يعتمد على المسلمين في معظم مهام حكمه، وعلى وجه الخصوص في المهمات الدقيقة ومن ذلك أنهم كانوا ينضوون تحت لوائه لمقاومة الخصوم وإخماد نيران الفتن (102) . وهذه مهمة كبيرة وخطيرة في ذات الوقت، فلو لم يكونوا موالين له، لسهل عليهم نصرة خصومه. ويستمر غليالم الأول في اتباع سياسة أبيه نحو إكرام العلماء والأدباء والشعراء، فها هو يكرم الشريف الإدريسي الذي يعيش في بلاطه، كما عاش في بلاط والده من قبل، ويطلب منه أن يؤلف له كتاباً، فيقبل الإدريسي حيث ألف له كتاب (روض الإنس ونزهة النفس) والذي اشتهر فيما بعد باسم (كتاب المسالك والممالك) (103) .وقد عثر على خلاصات من هذا الكتاب في مكتبة باستانبول (104) . وما ذكرناه آنفاً ليس هو حال غليالم الأول مع المسلمين على الإطلاق، فهناك وجه آخر لسياسته مع المسلمين كما هو الحال مع من سبقه، ففي عهده ظهرت ملامح التعصب الاجتماعي، والعنصري ولم يستطع حماية المسلمين فأصبحت حياتهم في خطر. كما أن المسلمين لم يستطيعوا حماية أنفسهم، بعد أن جردوا من أسلحتهم في أعقاب انتصار الموحدين في المهدية واستردادها. وذلك الوضع في شمال إفريقية يعكس ما توقعه روجر الثاني كما سبق وأن أشرنا حيث كان يتوقع حدوث مثل ذلك من الموحدين بعد أن ظهروا كقوة كبيرة في شمال إفريقيا، وبالتالي تجريد المسلمين من أسلحتهم في صقلية وخاصة في مدينة بلرم العاصمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 وهنا وقع المسلمون فريسة سهلة للمتعصبين من النورمان وخاصة في أعقاب تلك الثورة التي قامت ضد الوزير مايون، وزير غليالم الأول سنة 555هـ / 1160م حيث انتهز المسيحيون الفرصة، وهاجموا المسلمين وأثخنوا فيهم قتلاً وذبحاً في شوارع مدينة بلرم، كما أنهم دخلوا إلى القصر الملكي ووجدوا فيه موظفين مسلمين وخصيان فقتلوهم كما قتلوا المسلمين الذين كانوا في الدواوين أو في الفنادق والحوانيت، ونزعوا الأكفان عن جثث الموتى (105) . ووصلت المذابح إلى الأرياف، والغابات والجبال، حيث هرب المسلمون إليها، ولحق بهم المسيحيون وقتلوهم ولم يراعوا في قتلهم عمراً ولا جنساً (106) . هذا ما حدث للمسلمين في عهد غليالم الأول عندما كشر أولئك المتعصبون عن أنيابهم وأظهروا حقدهم على المسلمين ممثلاً في القتل والتعذيب ومع ذلك فقد بقي في جيش غليالم الأول عدد كبير من المسلمين تمكنوا في نهاية المطاف من قمع الثورة (107) . وتنتهي حياة غليالم الأول في سنة 562هـ /1166م، وبوفاته تتضح صورة من صور تعلق المسلمين بالحكام النورمان، حيث يطمع المسلمون في حمايتهم والتقدم في دولتهم، لأن الحاقدين كثيرون، والحاكم هو خير من يستطيع ضبط الأجناس المختلفة، وعدم تعدي بعضها على بعض. وتلك الصورة هي ما أقدم عليه النساء المسلمات في مدينة بلرم حين توفي غليالم الأول، حيث لبسن الثياب الخشنة، ونشرن شعورهن، وملأن الفضاء بعويلهن، ورددن المراثي الشجية على نغمات الطنبور (108) . ومع ما في هذه الصورة من محاذير شرعية فإن لها دلالتها فيما يتعلق بالعلاقة بين المسلمين والبيت الحاكم في صقلية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 وينتقل الحكم في صقلية إلى غليالم الثاني (562 – 585هـ /1166-1189م) وذلك بعد وفاة والده غليالم الأول وقد كان صغير السن حيث لم يبلغ سن الرشد، وتولت والدته الملكة مارغريت الوصاية على العرش؛ واتخذت رجلاً يسمى أسطفان، مستشاراً لها، والذي قام بمحاولة إعادة التوازن إلى جزيرة صقلية. وقد هدأت النفوس أيام غليالم الثاني حتى أصبح عهده مضرب المثل في الهدوء والسكينة، حتى قيل (إن غابات صقلية في أيامه أكثر أمناً من المدن في البلاد الأخرى) (09 (1) . والحديث عن الوجود الإسلامي بجميع مظاهره في عهد غليالم الثاني، يرجع الفضل فيه إلى الرحالة ابن جبير الذي زار صقلية في سنة 580هـ /1185م، وقدم لنا صورة مفصلة عن حياة المسلمين هناك، ولذلك سوف نستعرض وبإيجاز بعض ماله علاقة بموضوعنا من خلال رحلة ابن جبير، في حالتي التسامح والاضطهاد. فقد أشار ابن جبير إلى حال المسلمين في عصر غليالم الثاني، وأنهم باقون على أملاكهم وضياعهم، والسيرة حسنة بين المسلمين والنصارى، عبدة الصلبان (110) . وهنا يذكر ابن جبير أن المسلمين يدفعون إتاوة للنصارى في فصلين من العام (111) . وفي تصوري أن هذا انعكاس للموازين فالمسلمون كانوا يأخذون من غيرهم الإتاوات، وهم الأعلون، ولكن تبدل الحال هنا في صقلية. وقد آلم ذلك الوضع ابن جبير حيث قال: (وحالوا – أي النصارى – بينهم وبين سعة في الأرض كانوا يجدونها والله عز وجل يصلح أحوالهم ويجعل العقبى لهم) (112) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 وينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن الملك النورماني غليالم الثاني، فيقول عنه: (وشأن ملكهم هذا عجيب في حسن السيرة واستعمال المسلمين، واتخاذ الفتيان المجابيب) (113) . ويضيف قائلاً: إنه (كثير الثقة بالمسلمين، ساكن إليهم في أحواله والمهم من أشغاله، حتى أن الناظر في مطبخه رجل من المسلمين، وله جملة من العبيد السود المسلمين وعليهم قائد منهم، ووزراؤه وحجابه الفتيان، وله منهم جملة كبيرة، هم أهل دولته، والمرتسمون بخاصته وعليهم يلوح رونق مملكته، لأنهم متسعون في الملابس الفاخرة والمراكب الفارهة) (114) . ولذلك فقد كان له الجواري من المسلمات؛ واتخذ عيون دولته كذلك من المسلمين (115) . ويشير ابن جبير ومن خلال وصفه لمدن جزيرة صقلية إلى كثرة المساجد بها، وأن بعضها كان محاضر لتعليم الصبيان القرآن (116) ، مما يشير إلى وجود عدد كبير من المسلمين في جميع مدن صقلية. وقد كان الملك النورماني غليالم الثاني يقرأ ويكتب العربية، كما أنه اتخذ علامة هي (الحمد لله حق حمده) ، كما أنه سك عملة نقدية كتب على أحد وجهيها كلمة (الله) وتحت كملة (الله) كتب، غليالم الثاني (117) . وقد اهتم غليالم الثاني بالعلماء والحكام، حيث كان يستدعيهم إلى بلاطه ويغدق عليهم الأموال والأرزاق طمعاً في بقائهم لديه وتسلية لهم عن أوطانهم (118) . وقد امتدح ابن قلاقس الأسكندري الذي قدم إلى بلاط ملوك النورمان، كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك، امتدح غليالم الثاني بقصيدة ذكر بعضها الصفدي، فكان مما جاء فيها قوله: يقر لغليلم المليك ابن غليلم سليمان في ملك وداود في حكم وتخدمه الأفلاك بالسعد في العدى فيسطو بسيف البرق أو حربة النجم فأي هلال ليس كالقوس راشقاً بأي شهاب ليس ينفذ كالسهم وما النصر إلا جنده حيث ما مضى على حبهات البر أو صفحة اليم (119) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 ولكن ما هي الصورة الأخرى لحياة المسلمين في صقلية في عهد غليالم الثاني والتي رواها لنا ابن جبير، وهل هناك تناقض بين روايته للحالين، أم أن هذا هو الواقع حقيقة في صقلية. يقول ابن جبير عن مدينة (مسيني) : (ويستوحش بها المسلم الغريب) (120) . وقوله هذا يدل على أن المسلمين بها قليل، أو لا يوجد منهم أحد فالكل من غير المسلمين. وابن جبير يجعلنا في حيرة أيضاً عندما يذكر لنا أن الملك غليالم الثاني اتخذ حجابه ووزراءه وفتيانه من المسلمين ثم يقول لنا (كلهم أو أكثرهم كاتم إيمانه، متمسك بشريعة الإسلام) (121) وهذا يدل على أن هناك تضييق على المسلمين فيما يتعلق بتأدية شعائرهم الدينية، وواجباتها وتكليفاتها. وينقل لنا ابن جبير صورة أخرى لحال المسلمين هناك، يتبين من خلالها الدور الدعوي الذي تقوم به النساء المسلمات من جواري القصر الملكي، ولكن ذلك يتم في سرية وتكتم. مما يدلل على الخناق الذي يلقاه المسلمون عامة في صقلية عند ذكر الحقيقة، فيذكر لنا أن (الأفرنجية من النصرانيات تقع في قصره، فتعود مسلمة تعيدها الجواري - المسلمات - مسلمة، وهن على تكتم من ملكهن في ذلك كله) (122) . ويروي لنا الرحالة ابن جبير حكاية عن رجل من وجهاء مدينة مسيني وكبرائها اسمه عبد المسيح، كان قد احتفل بابن جبير وأكرمه في منزله، وهذا الرجل تحركت فيه عواطفه ومشاعره الدينية، ويريد أن يسأل عن الأماكن المقدسة في مكة والمدينة والشام، ولكنه لم يستطع أن يقدم على تلك الأسئلة إلا بعد أن أزال من مجلسه ذلك كل من يشك فيه من خدامه، من أنه سينقل عنه شيئاً. وهذا أمر له دلالته فالمسلم هناك لا يستطيع أن يبوح بمشاعره وأحاسيسه الدينية خوفاً من أولئك النصارى من الحكام وغيرهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 يقول ابن جبير: (وباح لنا بسره المكنون بعد مراقبة منه في مجلسه، أزال لها كل من كان حوله ممن يتهمه من خدامه، محافظة على نفسه، فسألنا عن مكة قدسها الله، وعن مشاهدها المعظمة، وعن مشاهد المدينة المقدسة، وعن مشاهد الشام) (1) 12) . فأخبره ابن جبير عن ذلك كله (وهو يذوب شوقاً وتحرقاً) (124) . وينقل هذا الشخص صورة ما هم عليه لابن جبير، من كتمان لإيمانهم، وعبادة الله سراً، وغير ذلك فيقول لابن جبير (أنتم مدلون بإظهار الإسلام، فائزون بما قصدتم له، رابحون إن شاء الله في متجركم، ونحن كاتمون إيماننا خائفون على أنفسنا، متمسكون بعبادة الله وأداء فرائضه سراً، معتقلون في ملك كافر بالله، قد وضع في أعناقنا ربقة الرق..) (125) . إن ما ذكره هذا الشخص لابن جبير يؤكد لنا أن المسلمين على هذه الحالة إنما هم كالأرقاء، لا يتحركون إلا بأوامر سيدهم، ولا يستطيعون إظهار عزة أنفسهم، وعزة دينهم، بل هم في حالة خوف دائم على أنفسهم. ويؤكد لنا ابن جبير أن أداء فتيان الملك غليالم الثاني للصلاة المفروضة، لا يكون إلا سراً، حيث يخرجون من عنده فرداً فرداً فيصلون فريضتهم؛ (وربما يكونون بموضع تلحقه عين ملكهم فيسترهم الله عز وجل) (126) . وعند زيارة ابن جبير لمدينة (بلرم) العاصمة يذكر لنا حال المسلمين هناك في صورتين متناقضتين، من حيث أنهم يعمرون مساجدهم ويقيمون صلواتهم بأذان مسموع، ويصلون الأعياد بخطبة يدعون فيها للخليفة العباسي، ولهم قاض يرفعون إليه شكواهم، ويقبلون أحكامه، كما أنهم هم التجار في الأسواق … وهذه الصورة هي الحسنة التي كان يجب أن يكون عليها حال المسلمين على الدوام في ظل الحكم النورماني. ولكن يذكر لنا ابن جبير وأثناء تقديمه لهذه الصورة الحسنة، صورة أخرى لاشك وأن لها دلالة خاصة، وتلك الصورة أنهم كانوا لا يؤدون صلاة الجمعة، والسبب أن الخطبة محظورة عليهم (127) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 وفي تصوري أن منعهم من الخطبة يوم الجمعة، لما تتضمنه الخطبة في الغالب من ذكر لأحوال المسلمين، وتتبع الخطيب لمجريات الأحداث، أي أحداث الساعة، وبالتالي قد ينتقد وضع معين قام به النورمان، فتكون النتيجة استحثاث همم المسلمين لمقاومة السيطرة النورمانية على جزيرة صقلية، أو على الأقل إثارة قضية معينة تصعب السيطرة عليها، ولذلك قرر النورمان حظر خطبة الجمعة على المسلمين؛ وهذا فيه تعطيل كبير، وحرمان للمسلمين من عظمة ذلك اليوم، واجتماعهم فيه، ومناقشة أحوالهم، والنظر في متطلباتهم وطموحاتهم. ومن أعجب ما ذكره ابن جبير عن المسلمين في صقلية هذه الصورة التي سأذكرها، وأترك التعليق لمن يقرأها. قال: (ومن أعجب ما شاهدناه من أحوالهم التي تقطع النفوس إشفاقاً وتذيب القلوب رأفة وحناناً، أن أحد أعيان هذه البلدة – يقصد طرابنش – وجه ابنه إلى أحد أصحابنا الحجاج، راغباً في أن يقبل منه بنتاً بكراً صغيرة السن، فإن رضيها تزوجها، وإن لم يرضها زوجها ممن رضي لها من أهل بلده … وهي راضية بفراق أبيها وإخوتها طمعاً في التخلص من هذه الفتنة، ورغبة في بلاد المسلمين، فطاب الأب والأخوة نفساً لذلك لعلهم يجدون السبيل للتخلص إلى بلاد المسلمين بأنفسهم، إذا زالت هذه العقلة المقيدة عنهم، فتأجّر هذا الرجل المرغوب إليه بقبول ذلك، وأعنّاه على استغنام هذه الفرصة المؤدية إلى خيري الدنيا والآخرة، وطال عجبنا من حال تؤدي بإنسان إلى السماح بمثل هذه الوديعة المعلقة من القلب، وإسلامها إلى يد من يغر بها، واحتمال الصبر عنها، ومكابدة الشوق إليها والوحشة دونها … وذلك رغبة في الإسلام واستمساكاً بعروته الوثقى) (128) . ابن جبير وزعيم المسلمين في صقلية: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 سبق وأن أشرنا أن ابن قلاقس الأديب الاسكندري ألّف كتابا لزعيم المسلمين في صقلية بعنوان (الزهر الباسم في أوصاف أبي القاسم) ، وهذا الزعيم هو أبو القاسم بن محمد بن حمود، وينتسب إلى بيت عربي إسلامي كانت له السيادة قبل سقوط صقلية على بعض مدنها، واحتفظ بتلك المكانة بعد السقوط بما له من أملاك ومكانه، والسيادة هنا أسمية وشرفية، ولها وقعها المباشر على المسلمين. وقد لقي هذا البيت معاملة حسنة من جانب النورمان بداية حيث استسلم على شروط الأمان والاطمئنان إلى الإسلام وضمان حقوق من معهم من المسلمين (129) . ولكن الأحوال ساءت مع المسلمين، وبالتالي لابد أن تسوء مع رئيس البيت الحمودي وزعيم المسلمين في صقلية وخير من يدلنا على تلك الأحوال ابن جبير الذي التقى بزعيم المسلمين، حيث كان اللقاء في (طرابنش) إحدى مدن جزيرة صقلية سنة 580هـ / 1185م. وقد بدأ ابن جبير يذكر مآثر الرجل ومناقبه وصفاته ومكانته في صقلية، فقال: (ووصل هذه الأيام إلى هذه البلدة زعيم أهل هذه الجزيرة من المسلمين وسيدهم القائد ابو القاسم بن حمود، المعروف بابن الحجر، وهذا الرجل من أهل بيت بهذه الجزيرة توارثوا السيادة كابراً عن كابر، وقرر لدينا مع ذلك أنه من أهل العمل الصالح مريد للخير محب في أهله كثير الصنائع الأخروية من افتكاك الأسارى، وبث الصدقات في الغرباء والمنقطعين من الحجاج، إلى مآثر جمة ومناقب كريمة) (130) . وتظهر مكانة الرجل لدى عامة المسلمين من قول ابن جبير (وارتجت هذه المدينة لوصوله) (131) . ثم يحدثنا ابن جبير بعد ذلك عن حالته مع الملك النورماني غليالم الثاني الذي يصفه بالطاغية، فيقول: (وكان في هذه المدة تحت هجران من هذه الطاغية ألزمه داره بمطالبة توجهت عليه من أعدائه افتروا عليه فيها أحاديث مزورة نسبوا إليه فيها مخاطبة الموحدين أيدهم الله فكادت تقضي عليه) (132) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 أما عن العقوبة الصادرة بحقه فقد كانت عبارة عن مصادرات بلغت قيمتها أكثر من ثلاثين ألف دينار، (ولم يزل يتخلى عن جميع ديارة وأملاكه الموروثة عن سلفه حتى بقي دون مال) (133) . ويصل الحال بزعيم المسلمين في صقلية أن يقول: (كنت أود لو أباع أنا وأهل بيتي، فلعل البيع كان يخلصنا مما نحن فيه، ويؤدي بنا إلى الحصول في بلاد المسلمين) (1) 13) . وهنا نقف موقف المتأمل من هذا القول كما وقف ابن جبير متأملاً، من هذا الحال الذي آل إليه مع جلالة قدره وعظم منصبه، إذ أن مكانته قد بلغت عند المسلمين في الجزيرة مبلغاً عظيماً (فلو تنصر لما بقي في الجزيرة مسلم إلا وفعل فعله اتباعاً له، واقتداءاً به) (135) . ويختم ابن جبير الحديث عنه بقوله: (فسألنا له من الله عز وجل حسن التخلص مما هو فيه ولسائر المسلمين من أهل هذه الجزيرة، وواجب على كل مسلم الدعاء لهم في كل موقف يقفه بين يدي الله عز وجل، وفارقناه باكياً مبكياً، واستمال نفوسنا شرف منزعه، وخصوصية شمائله، ورزانة حصاته، وشمول مبرته وتكرمه، وحسن خلقه وخليقته) (136) . ويعطينا ابن جبير صورة يتبين من خلالها كيفية اعتناق بعض أبناء وبنات المسلمين الديانة المسيحية، فيقول: (وإن أعظم ما مني به أهل هذه الجزيرة، أن الرجل ربما غضب على ابنه أو زوجه، أو تغضب امرأة من ابنتها فتلحق المغضوب عليه أنفة، تؤدي به إلى الذهاب إلى الكنيسة فيتنصر، فلا يجد الأب للإبن سبيلاً، ولا الأم للبنت سبيلاً، فتخيل حال من يمنى بمثل هذا في أهله وولده) (137) . الحالة السابقة التي ذكرها ابن جبير تعود إلى سبب رئيسي واحد، وهو ضعف الإيمان في نفوس أولئك، وإلا لما هان عليهم إسلامهم بهذه السهولة، والتاريخ مليء بنماذج لأشخاص عذبوا كثيراً بسبب إيمانهم، ومع ذلك فقد صمدوا صمود الجبال الراسيات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 وبما أن الحديث عن مثل هذه الحالة فلن نذهب بعيداً وسنأخذ مثالاً آخر من رحلة ابن جبير، فهذا فقيه صقلي يعرف بابن زرعه، ضغط عليه عمال الملك النورماني، فأظهر فراق الإسلام، والانغماس في الدين النصراني، وحفظ الإنجيل، وأصبح قسيساً يستفتى في الأحكام النصرانية، وكان له مسجد بجوار داره فحوله إلى كنيسة (138) . وهذا إذا كان على حقيقته، بمعنى أنه تنصر فعلاً، فيعود سبب ذلك إلى ضعف إيمانه، وإن كان يظهر التنصر ويخفي الإيمان، فلعله داخل تحت الاستثناء في قوله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) (139) . وبعد فإن أهل النظر والمفكريين والعقلاء من المسلمين في صقلية، كانوا يخافون أن يصل بهم الحال ما وصل إليه حال إخوانهم في جزيرة قريطش والتي سقطت في أيدي البيزنطيين سنة 350هـ /961م، حيث استدرجهم النصارى شيئاً فشيئاً حتى تنصروا عن آخرهم، وفي ذلك يقول ابن جبير: (وأهل النظر في العواقب منهم يخافون أن يتفق على جميعهم، ما اتفق على أهل جزيرة أقريطش من المسلمين … حتى اضطروا إلى التنصر عن آخرهم، وفر منهم من قضى الله بنجاته، وحقت كلمة العذاب على الكافرين، والله غالب على أمره) (140) . وينتهي عهد غليالم الثاني بوفاته سنة 585هـ / 11289م، وتبدأ في صقلية فترة سياسية مضطربة، استمرت إلى سنة 591هـ /1194م، تولى الحكم خلالها تانكر يد، ثم غليالم الثالث والذي في عهده انتقل حكم صقلية إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة إثر تدخل هنري السادس الإمبراطور الألماني في شئونها بعد زواجه من ابنة الملك النورمندي غليالم الثاني. وقد كان وضع المسلمين في فترة الاضطراب تلك، لا يسر، فتاريخ تانكريد مليء بالأحداث القاسية تجاه المسلمين فهو الذي قاد حملة إبادة ضد المسلمين في مدينة بثيرة سنة 556هـ /1160م (141) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 وبعد توليه الحكم تعرض المسلمون لمذبحة عظيمة في مدينة بلرم سنة 585هـ/1189م، أدت بمن سلم منهم إلى الفرار إلى جبال صقلية الواقعة في الطرف الشمالي الغربي لجزيرة صقلية، حيث قاموا هناك بثورة كبرى ضده استمرت إلى شهر رمضان من سنة 586هـ/ 1190م. وبالقوة تارة والإقناع تارة أخرى انتهت تلك الثورة، وعاد أولئك إلى بلرم (142) . ومما يدلل على عدم اهتمام تانكربد بالمسلمين وبغضه لهم أن جميع الوثائق في عهده القصير لم تكتب باللغة العربية، كما هو الحال في عصور أسلافه، بل كتبت باللغة اللاتينية فقط (143) . وبعد فقد انتهى الحكم النورماني لجزيرة صقلية بعد احتلال الجرمان لها كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك آنفاً. ولم يبق فيها إلا القليل من المسلمين، حيث بدأوا في الهجرة منها إلى جنوب إيطاليا، وشمال إفريقيا، وذلك إثر التعذيب الذي تلقوه في أواخر حكم فريدريك الثاني ملك صقلية وإمبراطور ألمانيا (609 – 648هـ / 1212 – 1250م) ذلك التعذيب الذي وصل إلى حد الإحراق والصلب، ثم تابع مهمة التعذيب، وإخراج المسلمين من جنوب إيطاليا الملك شارل دانجو، حيث لم تأت سنة 700هـ /1300م، وهناك أحد من المسلمين في صقلية وجنوب إيطاليا. واختفى الإسلام والمسلمون من صقلية وجنوب إيطاليا، وهدمت مساجدهم التي هي رمز عبادتهم ودلالة وجودهم ومن فوق مآذنها كانت تدوي كلمة التوحيد. ولكن هل هناك الآن ما يدل على أن المسلمين كانوا هناك، نعم فلقد بقي بعض الشيء مما كان للمسلمين. فهناك بقايا قصور إسلامية، وعليها كتابات عربية، حيث ظلت أسماء عربية باقية إلى يومنا هذا في اللغة الصقلية والإيطالية، ومن ذلك أسماء القلاع والمراسي والشوارع، مثل قلعة النساء، وقلعة فيمي، وقلعة الحسن وقلعة البلوط. وكذلك كلمة مرسى، مثل مرسى علي، ومرسى المينا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 ومن الكلمات العربية الموجودة اليوم في صقلية: منزل، مثل منزل الأمير، ومنزل يوسف، ومنها أيضاً رمل الموز، رمل السلطانه، القنطرة، وادي الطين، رأس القلب، رأس الخنزير، رأس القرن (144) . يقول لويجي رينالدي: (إن الجزء الأعظم من الكلمات العربية الباقية في لغتنا الإطيالية التي تفوق الحصر إنما دخلت في اللغة لا بطريق الاستعمار العربي، ولكن بطريق المدنية التي كثيراً ما تؤلف وتؤاخي بين مظاهر الحياة المختلفة) (145) . وأضاف قائلاً: (وإن وجود هذه الكلمات في اللغة الإيطالية ليشهد بما كان للمدينة العربية من نفوذ عظيم في العالم المسيحي، وبما كان من العلاقات التجارية بين بلادنا وبين المسلمين في الشرق، وإفريقيا الشمالية وصقلية) (146) . وقد عدّ لويجي رينا لدي كثيراً من تلك الكلمات، ولا سيما في لغة العلم، ثم قال إن جنوة اضطرت أن تؤسس سنة 604هـ / 1207م مدرسة لتعليم العربية، وذلك يدل على وجود كلمات عربية في لغة هذه المدينة (147) . واستمرت العربية في صقلية مدة طويلة بعد خروج المسلمين منها، حتى أن النصارى استخدموها لغة للتخاطب والكتابة، كما استخدموا التاريخ الهجري (148) . ومما بقي من آثار المسلمين إلى اليوم بقايا قصر القبة بطابعه المعماري العربي في مدينة بلرم، بأقواسه الهندسية الرائعة، ونقوشه وكتاباته الكوفية، وعيونه الجارية التي تغذي النافورة الواقعة في وسط البهو الكبير ببصمات عربية رائعة. وكذلك بقايا قصر الفواره، الذي كانت تحيط به بركة صناعية، والقصر الملكي، الذي أنشأه المسلمون واستخدموه مقراً للإمارة، ثم استخدمه النورمان من بعدهم. ومما بقي من آثار المسلمين في صقلية قصر العزيز بطابعه الإسلامي النورماني والذي هو الآن المتحف الإسلامي في صقلية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 وإلى هنا وينتهي ذلك الدور الصقلي العظيم، الذي كانت فيه صقلية مركزاً مهماً من مراكز الحضارة الإسلامية بجميع فروعها وأنشطتها في العلوم والفنون والعمارة والزخرفة والطب والصيدلة، وغير ذلك مما برز فيه المسلمون على غيرهم من الأمم، ذلك الدور الذي بدأ من أول خطوة خطاها القائد الفاتح أسد بن الفرات الذي كان فتحه لها فتحاً علمياً وثقافياً، إذ أنه اصطحب معه في جيشه الكثير من العلماء والفقهاء والوجهاء، وأعلن لهم قبل المسير أن العلم هو سبب التفوق، فلله دره من قائد محنك، وعالم وفقيه فريد، ورحمه الله رحمة واسعة. أقول: نعم لقد كانت صقلية وفي خلال عصورها الإسلامية المختلفة مركزاً علمياً إسلامياً كبيراً على الرغم من اختلاف توجهات قادتها السياسية من سنيين وشيعة، فلقد كانت وبشهادة المصادر المعاصرة لتلك العصور مضاهية للأندلس في العلماء والأدباء والفقهاء، بل أصبحت لها مدارس فكرية وثقافية مستقلة ذات شخصية صقلية بحتة، مما أدى بعد ذلك إلى نشوء علاقات ثقافية بينها وبين البلدان الإسلامية المختلفة، إذ كان يطمع أولئك العلماء والفقهاء في البلدان الأخرى إلى التتلمذ على علماء وفقهاء صقلية إما مباشرة عن طريق التلقي أو عن طريق الإجازة. واستمر تميز صقلية الثقافي حتى بعد سقوطها في أيدي النورمان، مما أغرى أولئك المستعمرون لها على الإبقاء على هؤلاء المسلمين طمعاً في النيل من ثقافتهم وحضارتهم ومدنيتهم وكل مظاهر مثاليات إسلامهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 وهذا التوجه لدى أولئك المستعمرين أبقى على وجود الشخصية المسلمة في صقلية فترة تقرب من قرن ونصف بعد سقوطها من أيدي المسلمين. استغله أولئك القوم من الحكام الجدد في احتضان العباقرة من المسلمين وتمكينهم من التأليف، والترجمة حتى غدت صقلية مركزاً من مراكز العلم والترجمة في العصور الوسطى، وفيها بدأت نواة المدارس والجامعات التخصصية بتأثير مباشر من العلماء المسلمين ومؤلفاتهم المترجمة. واليوم لقد أصبحت جزيرة صقلية جزيرة منسية كما هو الحال للكثير من البلدان الإسلامية التي كان للمسلمين فيها الكلمة الفصل، ولم يعدنا بوسعنا إلا أن نقول: إن المسلمين كانوا هناك، والله غالب على أمره. الحواشي والتعليقات كان ذلك البحث عبارة عن رسالة دكتوراه نوقشت بجامعة أم القرى عام 1414هـ، وطبعتها الجامعة على نفقتها. الدمشقي، نخبة الدهر وعجائب البر والبحر، ص 140. انظر: الموسوعة العربية الميسرة، ص 1126. ابن حوقل، صورة الأرض، ج2، ص 113. الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، ج2 ص 590-595. حامد زيدان، تاريخ الحضارة الإسلامية في صقلية، ص 11-12. الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص 288. البلاذري، فتوح البلدان، ص 329. لمزيد من التفصيل انظر: علي محمد الزهراني، الحياة العلمية في صقلية الإسلامية، ص 37 وما بعدها. زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن عقال، تولى بعد أخيه عبد الله وكان من أفضل أهل بيته وأفصحهم لساناً، وأكثرهم بياناً، وكان يقول الشعر، ولا يعلم أحدٌ قبله سمي زيادة الله، توفي سنة 223هـ / 838م ابن الآبار، الحلة السيراء، ج1، ص 163. أبو عبد الله أسد بن الفرات الحراني، المغربي، الإمام، القاضي، روى عن مالك بن أنس كتابه الموطأ. ألف الأسديه في الفقه المالكي، توفي محاصراً لمدينة سرقوسه من جزيرة صقلية سنة 213هـ / 828م. ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج3، ص 182. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 المالكي، أبو عبد الله بن محمد، رياض النفوس، ج1، ص 188. ابن الأثير، الكامل، ج6، ص 335 أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن زكريا الصنعاني، من أهل صنعاء اليمن، وهو القائم بالدعوة العبيدية نسبة إلى عبيد الله المهدي، كان من الرجال الدهاه، الخبيرين بالجدل والحيل، دخل بلاد افريقية بلا مال ولا رجال، ولم يزل بها إلى أن ملكها، وقتل على يد عبيد الله المهدي سنة 298هـ / 910م - ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج2 ص 192. أبو مضر زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم، ويعرف بزيادة الله الأصغر، توفي بالرمله سنة 304هـ 916م - ابن خلكان، المصدر السابق، ج2، ص 193، ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 1، ص 175. مدينة رقاده بناها إبراهيم بن أحمد بن الأغلب واتخذها عاصمة له سنة 263هـ / 876م، وبنى بها قصوراً ومساجد وأسواقاً وحمامات ومكتبات. ياقوت، شهاب الدين أبو عبد الله، معجم البلدان، ج 3، ص 55. تنتمي الأسرة الكلبية إلى قبيلة قضاعة اليمنية، وقضاعة ترجع إلى العرب القحطانية، وينسبها البعض إلى العرب العدنانية. ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج6، ص 157. القلقشندي، نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، ص408. ابن الخطيب، أعمال الأعلام، القسم الثالث، ص 122، المقريزي، اتعاظ الحنفا، ج1، ص 85. البربر: هم من أبناء شانا بن يحيى بن صولات … بن كنعان بن حام ابن نوح عليه السلام.ابن حزم جمهرة أنساب العرب، ص 495، ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص 65، 66. لمزيد من المعلومات عن البربر انظر: الوزان، وصف افريقيا، ص 42. ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 194، ابن خلدون، العبر، ج4، ص 268. ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 195، النويري، نهاية الأرب، ج 24، ص 378، ابن خلدون العبر ج 4، ص 210. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 هو الوالي الرابع من ولاة بني زيري بالمغرب، وهو الذي قطع الخطبة للخليفة الفاطمي المستنصر، وخطب للخليفة العباسي القائم بأمر الله، كما ألزم جميع أهل المغرب على التمسك بمذهب الإمام مالك. ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج5، ص 233، الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج18، ص 140. ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 195، أبو الفدا، المختصر في أخبار البشر، ج2، ص 98، ابن خلدون العبر، ج 4، ص 210. الدوري، سقوط صقلية، مقال، ص7. ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 196، أبو الفدا، المختصر، ج2، ص 201، ابن خلدون، العبر ج4، ص 269. ابن خلدون، العبر، ج4، ص 269. لمزيد من التفصيل، ومعرفة أسباب ذلك الخلاف الذي كان للمرأة دورٌ أساسي ٌ فيه. انظر: ابن الأثير الكامل، ج10، ص 195، 196، أبو الفدا، المختصر، ج2، ص 201. ابن الأثير، الكامل، ج 10، ص 196. المصدر السابق، ج10 - ص 197. ابن الأثير، الكامل، ج 10، ص 197، أبو الفدا، المختصر، ج2، ص 201، النويري، نهاية الأرب ج24، ص 381. انظر: المصادر السابقة نفسها. ابن خلدون، المقدمة، ص 254، الدوري، سقوط صقلية، ص 8. للمزيد من المعلومات عن المجتمع الصقلي، انظر: علي بن محمد الزهراني، الحياة العلمية في صقلية الإسلامية، ص 101 وما بعدها. ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 198. عزيز أحمد، تاريخ صقلية، ص 79 - 80. أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن ادريس بن يحيى بن علي بن حمود.. ويتصل نسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولد في مدينة سبته سنة 493هـ / 1100م، وهو من الأدارسة العلويين، كان جغرافياً باهراً، اديباً شاعراً، توفي سنة 560هـ / 1166م انظر، نزهة المشتاق، في المكتبة الصقلية، ص 26. سعيد عاشور، المدنية العربية، ص 54. ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 198. ابن الأثير، المصدر السابق، ج10، ص 198. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 زيان، تاريخ الحضارة، ص 81. إحسان عباس، العرب في صقلية، بيروت، دار الثقافة، 1395هـ / 1975م، ص 141. المرجع السابق، ص 141. المرجع السابق، ص 141. ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 196 - 198. عزيز، أحمد تاريخ صقلية، ص 80. المرجع السابق، ص 80، إحسان عباس، العرب في صقلية، ص 143. المرجعان السابقان، ص 80، 143. إحسان عباس، المرجع السابق، ص 143. عزيز أحمد، المرجع السابق، ص 80، 81. المرجع السابق، ص 81. الكامل، ج10، ص 198. الجنائب: قال ابن منظور: جناب الرجل: الذي يسير معه إلى جنبه، والجنائب هي الخيول التي تسير وراء السلطان في الحروب لاحتمال الحاجة إليها، ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص 276، القلقشندي، صبح الأعشى ج4، ص 381. الحاجب: هو في أصله من يبلغ الأخبار من الرعية إلى الأمام، ويأخذ لهم الأذن منه- القلقشندي المصدر السابق، ج 5، ص 449. السلاحية: هم أولئك الذين يحملون سلاح الأمير أو السلطان - المصدر السابق، ج5، ص 456. الجناندار: هو الذي يستأذن على الأمراء في أيام المواكب عند الجلوس بدار العدل - المصدر السابق، ج5 ص 461. الكامل، ج10، ص 198. المصدر السابق، ج10، ص 198. ابن أبي دينار، المؤنس، في المكتبة الصقلية، ص 534. عزيز أحمد، تاريخ صقلية، ص 81. المرجع السابق، ص 37. زيان، تاريخ الحضارة، ص 82. حسني عبد الوهاب، ورقات، ج10، ص 451، 452. المرجع السابق، ج1، ص 452. وسقوط المهدية كان في عهد آخر أمراء بني زيري الحسن بن علي بعد أن حاصرها روجر الثاني، ودك أسوارها وحاميتها، واستسلمت في سنة 543هـ / 1148م، ودخلها دون مقاومة وبقيت كذلك إلى أن استردها عبد المؤمن صاحب مراكش سنة 554 هـ / 1159م. انظر: ابن الأثير الكامل، ج11، ص 125، 241. ابن حماد، نبذة المحتاجة في أخبار ملوك صنهاجه، في المكتبة الصقلية، ص 317. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 الصفدي، الوافي بالوفيات، ج1، ص 163، 164، عبد الرحمن حميده، أعلام الجغرافيين العرب، ص 316، الزهراني، الحياة العلمية، ص 567 مؤنس، أدارسة صقلية، مقال، ص 96. ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 198، مؤنس، أدارسة صقلية،ص 97. الصفدي، الوافي، ج14، ص 106. نفسه، ج14، ص 106. نفسه. نفسه. الإدريسي، نزهة المشتاق، ج1، ص 6. المصدر السابق، ج1، ص 7. نفسه، ج1، ص 5. نفسه، ج1، ص 3، 4. المصدر السابق، ج1، ص 5. عبد الرحمن حميده، أعلام الجغرافيين، ص 317، واسترابون هو جغرافي يوناني ولد في آسيا الصغرى سنة 58 قبل الميلاد، وتوفي سنة 21 أو 25 ميلادية وهو مؤلف كتاب ثمين إسمه (جغرافيا) ،انظر المرجع السابق ص 318. محمد مرسي، الشريف الإدريسي، ص 10، 11. أحمد فؤاد، التراث العلمي للحضارة الإسلامية، ص 120. روم لاندو، الإسلام والعرب، ص 256. سيديو، تاريخ العرب العام، ص374. هونكه، شمس العرب، ص 420. ستانوودكب، المسلمون في تاريخ الحضارة، ص 96. الخطابي، الطب والأطباء في الأندلس، ج1، ص 59. الدوري، دور صقلية في نقل التراث الطبي، مقال، ص 205. ابن الأثير، التاريخ الباهر، ص 70. أبو الفتوح نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن علي بن قلاقس اللخمي الملقب بالقاضي الأعز، كان شاعراً مجيداً وفاضلاً نبيلاً، صحب أبا الطاهر السلفي وانتفع به، توفي سنة 567هـ / 1171م، ابن خلكان، وفيات، ج5 ص385. ابن حجر: ذكره إبن جبير في رحلته فقال: هو زعيم أهل هذه الجزيرة من المسلمين وسيدهم أبو القاسم بن حمود المعروف بابن الحجر، وهذا الرجل من أهل بيت بهذه الجزيرة، توارثوا السيادة كابراً عن كابر، وهو من أهل العمل الصالح، مريد للخير، محب في أهله، كثير الصنائع الأخروية من إفتكاك الأسرى، وبث الصدقات في الغرباء والمنقطعين من الحجاج.انظر:ص 314. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 الطبري، تاريخ الأمم، ج4، ص 288. العماد الأصفهاني، خريدة القصر، ج1، ص 21. العماد، المصدر السابق، ج1، ص 23. المصدر السابق، ج1، ص 23. المصدر السابق، ج1، ص 23. المصدر السابق، ج1، ص 24. المصدر السابق، ج1، ص 276. المصدر السابق، ج1، ص 277. بونه: بالضم ثم السكون، مدينة بإفريقية بين مرسى الخرز وجزيرة بني مزغناي، ياقوت، معجم البلدان ج1، ص 512. الكامل، ج11، ص 187. عزيز أحمد، تاريخ صقلية، ص 81. الكامل، ج11، ص 187. ابن جبير، الرحلة، ص 298. حسن عبد الوهاب، ورقات، ج1، ص 452. المدني، المسلمون في صقلية، ص 166. العماد الأصفهاني، الخريدة، في المكتبة الصقلية، ص 611. عبد الرحمن حميده، أعلام الجغرافيين، ص 317. إحسان عباس، العرب في صقلية، ص 149. المرجع السابق، ص 149، عزيز أحمد، تاريخ صقلية، ص 82. عزيز أحمد، المرجع السابق، ص 82. إحسان عباس، العرب في صقلية، ص 149. المرجع السابق، ص 150. ابن جبير، الرحلة، ص 297. المصدر السابق، ص 297. المصدر السابق، ص 197. المصدر السابق، ص 297، والمجبوب هو الخصيّ الذي قد استؤصل ذكره وخصياه. انظر: ابن منظور لسان العرب، ج1، ص 249. ابن جبير، الرحلة، ص 297. المصدر السابق، ص 299. المصدر السابق، ص 305، 306. المصدر السابق، ص 298. المصدر السابق، ص 298. الصفدي، الوافي، ج14، ص 107. ابن جبير، الرحلة، ص 297. المصدر السابق، ص 297. المصدر السابق، ص 299. المصدر السابق، ص 299. المصدر السابق، ص 299. المصدر السابق، ص 300. المصدر السابق، ص 300. المصدر السابق، ص 305. المصدر السابق، ص 315، 316. المصدر السابق، ص 314. حسين مؤنس، أدارسة صقلية، مقال، ص 114. ابن جبير، الرحلة، ص 314. المصدر السابق، ص 314. المصدر السابق، ص 314. المصدر السابق، ص 314. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 المصدر السابق، ص 315. المصدر السابق، ص 314. المصدر السابق، ص 315. المصدر السابق، ص 313. سورة النحل، آية 106. ابن جبير، المصدر السابق، ص 315. عزيز أحمد، تاريخ صقلية، ص 85. المصدر السابق، ص 85. المصدر السابق، ص 85. محمد كرد، الإسلام والحضارة العربية، ج1، ص 287. لويجي، المدنية العربية في الغرب، مقال، ص 537. المصدر السابق، ص 538. محمد كرد، الإسلام والحضارة العربية، ج1، ص 287. المصدر السابق، ج1، ص 291. المصادر والمراجع المصادر المطبوعة: ابن الآبار: أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي البلنسي، ت 658هـ/1260م. الحلة السيراء، تحقيق حسين مؤنس، القاهرة، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر 1383هـ / 1963م. ابن أبي دينار: أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم القيرواني. كان حياً سنة 1110هـ / 1698م. المؤنس في أخبار إفريقية.في المكتبة الصقلية. ابن الأثير: عز الدين علي بن محمد الشيباني، ت 630هـ /1232م. أ- الكامل في التاريخ، بيروت، دار صادر، 1402هـ/1982م. ب- التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية بالمواصل، تحقيق عبد القادر أحمد طليمات، القاهرة، دار الكتب، 1382هـ 1963م. ابن جبير: أبو الحسين محمد بن أحمد الكناني الأندلسي البلنسي، ت:614هـ /1217م. الرحلة المسماه، اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك، بيروت، دار صادر، 1400هـ /1980م. ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي. ت 456هـ/1063م. جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، القاهرة، دار المعارف، الطبعة الأولى. ابن حوقل: أبو القاسم محمد بن حوقل النصيبي البغدادي الموصلي، توفي قريباً من سنة 367هـ / 977م. صورة الأرض، بيروت، دار مكتبة الحياة، 1399هـ /1979م. ابن الخطيب: لسان الدين محمد بن عبد الله السلماني. ت 776هـ /1374م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 أعمال الأعلام، القسم الثالث، تحقيق أحمد مختار العبادي ومحمد إبراهيم الكتاني. الدار البيضاء،د. ت. ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي. ت: 808هـ /1405م. - المقدمة، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الرابعة، د. ت. - العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، وضع حواشيه وفهارسه خليل شحاذة، وراجعه سهيل زكار، بيروت، دار الفكر، 1401هـ/1981م، مطبعة دار الباز 1399هـ 1979م. ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر. ت 681هـ/1282م. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس، بيروت، دار صادر، د. ت. ابن عذاري: أبو عبد الله محمد المراكشي، ت قريباً من سنة 712هـ /1312م. البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ومراجعة ج. س. كولان، وليفي بروفنسال، بيروت دار الثقافة الطبعة الثالثة، 1403هـ/1983م. ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم. ت 711هـ /1311م. لسان العرب، بيروت، دار صادر، الطبعة الأولى. د. ت. أبو الفدا: الملك المؤيد إسماعيل بن الأفضل. ت 732هـ /1331م. المختصر في أخبار البشر، بيروت، دار المعرفة، د. ت. الإدريسي: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس. ت 560هـ /1164م. نزهلة المشتاق في اختراق الآفاق، بريل، ليدن. البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر. ت 279هـ /892م. فتوح البلدان، تحقيق عبد الله أنيس الطباع، وعمر أنيس الطباع، بيروت، مؤسسة المعارف، 1407هـ /1987م. الدمشقي: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي طالب الصوفي الأنصاري المعروف بشيخ الربوة، ت 727هـ1327م نخبة الدهر وعجائب البر والبحر، بغداد، مكتبة المثنى، د. ت. الذهبي: الإمام أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد. ت 748هـ /1347م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 سير أعلام النبلاء، تحقيق مجموعة من الباحثين، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1406هـ/1986م. الصفدي: صلاح الدين خليل بين أيبك. ت 764هـ /1362م. الوافي بالوفيات، اعتناء مجموعة من الباحثين، ألمانيا، دار فرانز شتايز بقيسبادن، 1401هـ /1981م. الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير. ت 310هـ /922م. تاريخ الأمم والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، دار سويدان، الطبعة الثانية، 1387هـ /1967م. العماد: أبو عبد الله محمد بن محمد صفي الدين. ت 597هـ /1200م. جريدة القصر، وجريدة العصر، قسم شعراء المغرب، تحقيق محمد العروسي الطوي، والجيلاني بن الحاج يحيى ومحمد المرزوقي. تونس، الدار التونسية للنشر، الطبعة الثالثة، 1405هـ/1986م.وأيضاً الموجود في المكتبة العربية الصقلية. القلقشندي: أبو العباس أحمد بن علي. ت 821هـ /1418م. أ. صبح الأعشى في صناعة الإنشا - نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر. ب. نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب. تحقيق إبراهيم الإبياري، الطبعة الثانية 1400هـ /19801م. المالكي: أبو بكر عبد الله بن محمد. ت بعد سنة 460هـ / 1067م. رياض النفوس، تحقيق بشير البكوش، مراجعة محمد العروسي المطوي، بيروت، دار الغرب، 1403هـ /1983م. المقري: شهاب الدين أحمد بن محمد التلمساني، ت 1041هـ/1631م. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق يوسف الشيخ محمد، بيروت، دار الفكر، 1406هـ /1986م. المقريزي: تقي الدين أحمد بن علي. ت 8458هـ /1441م. أ. اتعاظ الحنفا بأخبا رالإئمة الحنفا، تحقيق جمال الدين الشيال، القاهرة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1387هـ /1967م. ب. السلوك، في المكتبة العربية الصقلية. النويري: شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب. ت 733هـ /1333م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 نهاية الأرب في فنون الأدب، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب بالقاهرة. ياقوت: شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، ت 626هـ/1228م. معجم البلدان، بيروت، دار صادر، دار بيروت، 1404هـ /1984م. المراجع: إحسان عباس: العرب في صقلية، بيروت، دار الثقافة، 1395هـ /1975م. أحمد فؤاد باشا: التراث العلمي للحضارة الإسلامية، القاهرة، دار المعارف، 1403هـ / 1983م. حامد زيان: تاريخ الحضارة الإسلامية في صقلية، القاهرة، دار الثقافة 1397هـ / 1977م. حسن حسني عبد الوهاب: ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية، تونس، مكتبة المنار، 1386هـ / 1966م. حسين مؤنس: أدارسة صقلية (مقال، مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد الحادي عشر 1384هـ /1964م. الدوري تقيى الدين عارف: - دور صقلية في نقل التراث الطبي إلى أوروبا (مقال) مجلة المؤرخ العربي، العدد التاسع والعشرون 1406هـ/ 1986م بغداد. ... ... - سقوط صقلية وانتهاء السيادة العربية عليها (مقال) مجلة أداب المستنصريه ببغداد، العدد الثامن 1404هـ / 1984م. روم لاندو: الإسلام والعرب، نقله إلى العربية منير البعلبكي، بيروت، دار العلم للملايين، 1397 هـ /1977م. الزهراني: علي بن محمد، الحياة العلمية في صقلية الإسلامية، مكة، مطبوعات جامعة أم القرى، 1417هـ /1996م. زيغريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون، وكمال دسوقي، بيروت، المكتب التجاري للطباعة، الطبعة الثالثة، 1399هـ /1979م. د. سعيد عبد الفتاح عاشور: أ. أوروبا العصور الوسطى، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة العاشرة، 1406هـ / 1986م. ب. المدنية العربية وأثرها في الحضارة الأوروبية، القاهرة، دارالنهضة العربية، 1383هـ /1963م. سنتوردكب: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 المسلمون في تاريخ الحضارة، ترجمة محمد فتحي عثمان، جدة، الدار السعودية للنشر والتوزيع، 1402هـ 1982م. سيديو: تاريخ العرب العام، ترجمة عادل زعيتر، القاهرة، مكتبة عيسى البابي الحلبي، الطبعةالثانية، 1389هـ 1969م. عبد الرحمن حميده: أعلام الجغرافيين العرب، دمشق، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1400هـ /1980 م. عزيز أحمد: تاريخ صقلية، ترجمة، أمين توفيق الطيبي، الدار العربية للكتاب، 1389هـ / 1969 م. محمد الخطابي: الطب والأطباء في الأندلس، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1408هـ / 1988م. محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف للترجمة والنشر، 1388هـ / 1968 م. محمد مرسي: الشريف الإدريسي ودور الرحلة في جغرافيته، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1405هـ / 1985 م. المدني أحمد توفيق: المسلمون في صقلية وجنوب إيطاليا، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1405هـ / 1985 م. لويجي رينالدي: المدنية العربية في الغرب، (مقال) ترجمة طه أفندي، مجلة المقتطف، مجلد (59) الجزء السادس 1921م. الوزان الزياتي: وصف إفريقيا، ترجمة من الإيطالية إلى الفرنسية، البولار، وترجمه من الفرنسية إلى العربية، عبد الرحمن حميده، وراجعه علي عبد الواحد، الرياض، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 جهود الملك عبد العزيز في عمارة عين عرفة د. عادل بن محمد نور غباشي أستاذ مشارك في قسم التاريخ والحضارة الإسلامية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى ملخص البحث ... تعد عين عرفة من أهم الموارد المائية لسقيا سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام، وتتضح أهميتها في موضع منبعها ومسار قناتها وكمية مياهها التي كان لها تأثير مباشر على حياة سكان البلد الأمين منذ القرن الثاني للهجرة ويقع منبع هذه العين في وادي نعمان، ومن هناك تم بناء قناة تمر بجبل الرحمة بعرفة ومنها إلى مزدلفة ثم إلى دقم الوبر ثم إلى العزيزية، حيث كان مصب المياه النهائي في موضع عرف ببئر زبيدة مجاورا لحديقة الطفل الحالية ونظرا لأهمية مياه هذه العين فقد بذلت جهود كبيرة لإيصالها إلى مكة المكرمة عام 969هـ / 1561م واستمر العمل فيها مدة عشر سنوات إلى أن وصلت المياه إلى مكة عام 979هـ/1571م. ... وكانت هذه العين تشكل موردا مهما لسقيا سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام، وقد مرت على العين وقناتها ترميمات في قرون عديدة إلى أن تمكن الملك عبد العزيز رحمه الله من ضم مكة المكرمة إلى دولته عام 1343هـ /1924م فأولى عين عرفة اهتماما عظيما، وذلك بأمره بصيانتها وعمارتها، وكان دافعه في ذلك عوامل عديدة منها حبه للخير وكسب الأجر والثواب من الله، وتحمله مسئولية العناية بسكان بلد الله الحرام وحجاجه الكرام وحاجة قناة العين إلى تتابع أعمال صيانتها وعمارتها، لتستمر في عطائها، علاوة على تطور عمران مكة وزيادة عدد سكانها وحجاج بيت الله الحرام مما استدعى زيادة كمية المياه عما كانت عليه في العصر السابق لمواجهة الطلب المتزايد على الماء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 .. وبالبحث الميداني عن أدلة أثرية تؤكد هذه الجهود العظيمة؛ تم العثور على خرزة (فتحة على القناة للسقيا والصيانة) مؤرخة بعام 1353هـ/1935م علاوة على وجود آثار تعلية جانبي القناة في المنطقة الواقعة بين عرفة ومزدلفة وكذلك في دقم الوبر والعزيزية، ويظهر أن بناء الخرزة وجانبي القناة اتفقت في طراز عمارتها مع طراز العمارة الذي كان سائدا قبل عهد الملك عبد العزيز. ... وقد تمحورت هذه الدراسة حول خمسة محاور هي: أهمية العين وتسميتها، ودوافع عمارة العين في عهد الملك عبد العزيز، وأعمال الملك عبد العزيز لعمارة عين عرفة، وطراز عمارة القناة وخرزاتها، ونقشان كتابيان يؤرخان لأعمال الملك عبد العزيز في عين عرفة. مدعما هذه الدراسة بالأشكال واللوحات الموضحة للمعلومات التي وردت في ثناياه. أولا: أهمية العين وتسميتها: ... اعتمد سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام، على الآبار لتأمين احتياجاتهم من الماء، في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر خلفائه الراشدين. وفي بداية الدولة الأموية وبالأخص في عهد معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه (40 60هـ / 660 680م) بدأت أول محاولة للإفادة من مياه العيون لسقيا السكان والحجاج، ثم توالت الأعمال لجلب مياه العيون إلى مكة المكرمة، إلى أن قامت السيدة زبيدة زوج هارون الرشيد، بجلب مياه عين وادي حنين إلى مكة سنة 194هـ/809م، ثم أجرت مياه عين عرفة من وادي نعمان إلى عرفة ثم إلى العزيزية حيث أوقفت العمل هناك، لوجود منطقة صخرية حالت دون إيصال مياه العين إلى مكة المكرمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 وفي عام 969هـ/1561م قلت المياه بمكة وظهرت الحاجة إلى إيصال مياه عين عرفة إلى مكة، وتأكد ذلك بدراسة أجرتها لجنة في ذلك التاريخ، أفادت فيها أن عين عرفة أقوى العيون وأكثرها غزارة بالمياه، وبناء على ذلك بدئ العمل في تكسير المنطقة الصخرية الممتدة من حديقة الطفل بالعزيزية إلى موضع مبنى إمارة مكة المكرمة الآن ووصلت المياه إلى مكة في عام 979هـ/1571م، وذلك بعد عمل استمر لمدة عشر سنوات (1) ، واستمرت العين في عطائها إلى العصر السعودي مع حاجة قناتها إلى الصيانة والعمارة. ... وتتضح أهمية مياه عين عرفة في سقيا سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام في العصر السعودي؛ فيما كتبه الشيخ محمد نور قمر علي رئيس قسم توزيع مياه عين زبيدة بمكة المكرمة، حيث تبين له من خبرته التي دامت 27 سنة في عمله، أن مياه عين عرفة احتلت أهمية كبيرة في سقيا السكان والحجاج، لتوقف وصول مياه عين حنين التي دمرتها السيول، وكان آخر إصلاح لها في سنة 1328هـ/1910م، وذلك باستثناء جزء يسير يأتي من عين الزعفران إحدى روافد قناة عين حنين حتى تاريخ 24 –5-1377هـ (2) . 16- 12-1957م ... أما تسمية العين فقد وردت في بعض المصادر والنقوش الكتابية والوثائق باسم "عين عرفة" (3) و"عين عرفات" (4) و "عين زبيدة" (5) بينما وردت في المصادر المتأخرة باسم "عين وادي نعمان"و"عين نعمان" (6) و "عين زبيدة" (7) وقد استمرت هذه التسمية الأخيرة في كتابة التقارير المنشورة بصحيفة أم القرى (8) ، واستمرت إلى الوقت الحاضر. ونظرا لقيام السيدة زبيدة بإجراء عين حنين إلى مكة؛ فإن تسمية عين عرفة "بعين زبيدة" قد يؤدي إلى تضارب المعلومات؛ مما يجعلنا نرجح التسمية الأولى "عين عرفة" التي وردت في المصادر والنقوش الكتابية والوثائق. ثانيا: دوافع عمارة العين في عهد الملك عبد العزيز: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 .. أولى الملك عبد العزيز رحمه الله عين عرفة عناية كبيرة؛ لأهميتها في سقيا سكان بلد الله الحرام وحجاجه الكرام؛ فأمر بصيانتها وعمارتها ليوفر للمسلمين حاجتهم من الماء، وكان من أهم الدوافع التي جعلت الملك عبد العزيز يقوم بعمارتها ما يلي: 1 عامل الدين والمسئولية: ... سبق عهد الملك عبد العزيز رحمه الله تشكيل لجنة في سنة 1295هـ/1878م، لجمع التبرعات والصرف منها لصالح مشروعات المياه بهذه المدينة ومشاعرها المقدسة أطلق عليها اسم "لجنة عين زبيدة"0وكان من أسباب قيامها ما لحظه بعض أعيان مكة وحجاج الهند من صعوبة في الحصول على الماء بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة وما ينال الحجاج من مشقة في سبيل ذلك لعدم كفاية الموارد المالية المخصصة من الدولة العثمانية لعمارة وصيانة منشآت المياه بالبلد الحرام ومشاعره المقدسة (9) . وقد استمرت اللجنة في أداء عملها بكل دقة واعتناء إلى أن حصل نوع من التدخل من طرف الولاة العثمانيين السابقين على صندوق عين زبيدة، فاستاءت اللجنة وتوقف العمل، ثم تشكلت لجنة جديدة تولى رئاستها عدد من وجهاء مكة، وفي سنة 1327هـ/1909م، تشكلت بمكة المكرمة هيئة جديدة لجمع التبرعات والصرف منها لصالح مشروعات المياه بمكة المكرمة، فاستمرت في أداء عملها إلى أوائل عام 1341هـ/1922م، عندما تم انتخاب أعضاء جدد لهيئة عين زبيدة (10) ، نظرا لوفاة أكثر الأعضاء السابقين، فقامت هذه الهيئة بأعمالها (11) . وبعد أن تمكن الملك عبد العزيز رحمه الله من ضم مكة المكرمة إلى دولته في عام 1343هـ/1924م، ثم جدة في عام 1344هـ/1925م (12) أصبح أمر العناية بالحجاج والزوار وتسهيل مهمتهم من أهم أعماله (13) ، ولهذا وجه اهتمامه منذ السنوات الأولى من حكمه في الحجاز إلى العناية بأمر توفير الماء (14) ، بما يمكن المسلمين من أداء فريضتهم في يسر وسهولة، ويوفر لهم سبل الحياة. قال تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي ((15) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 ونظرا لقيام هيئة عين زبيدة بمهمة الإشراف على عمارة وصيانة منشآت المياه بمكة كما سبقت الإشارة إلى ذلك أيد الملك عبد العزيز رحمه الله الهيئة في أعمالها وساعدها أتم مساعدة في جميع ما فيه خدمة وراحة لعموم الأهالي والوافدين وكان إصلاح وعمارة عين عرفة من صميم وأهم أعمالها (16) ، ولم يكتف رحمه الله بذلك بل تقدم بمساعدة الهيئة من ماله الخاص وأمدها برجاله، لتستطيع أداء عملها وتحقق أهدافها (17) . يقول الزركلي "دخل عبد العزيز الحجاز و (عين زبيدة) التي يستقي منها سكان مكة والحجيج، تسقي الناس من اثني عشر موردا وانصرفت العناية إليها فضوعفت مواردها" (18) . وقال الملك عبد العزيز رحمه الله بعد أن تسلم مدينة جدة في جمادى الآخرة عام 1344هـ/1925م: "إن بلد الله الحرام في إقبال وخير وأمن وراحة، وإنني- إن شاء الله تعالى-سأبذل جهدي فيما يؤمن البلاد المقدسة ويجلب الراحة والاطمئنان لها" (19) . ولاشك أن عنايته بعمارة عين عرفة لتوفير المياه لسكان مكة وحجاج بيت الله الحرام من أهم ما يجلب الراحة للمسلمين، وطريق من طرق الخير لكسب الأجر والثواب عند الله كما يقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها: "أنها قالت: يا رسول الله ما الشيىء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء والملح والنار. قالت: قلت يا رسول الله هذا الماء قد عرفناه فما بال الملح والنار؟ قال: يا حميراء من أعطى ناراً فكأنما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار، ومن أعطى ملحا، فكأنما تصدق بجميع ما طيب ذلك الملح، ومن سقى مسلما شربه من ماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق رقبة، ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث لا يوجد فكأنما أحياها" (20) . كما روى سعد بن عبادة أنه قال: "يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء" (21) . 2 حاجة العين إلى تتابع أعمال العمارة والصيانة: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 تصل مياه عين عرفة من منبعها بالعقم في وادي نعمان إلى الأبطح بمكة المكرمة عبر قناة طولها نحو 8, 24كم وهي مبنية بالحجارة بسعة تتراوح بين 50 65 سم وعمق يتراوح بين 70 170سم وفي مواضع أخرى وخاصة في الأماكن التي تختفي فيها عن سطح الأرض بنيت القناة بشكل يمكن الإنسان من السير داخلها لصيانتها وعمارتها. ونظرا لارتفاع موضع منبع العين عن مكة المكرمة؛ استغل ذلك لضمان انسياب المياه طبيعيا، وأدى إلى اتخاذ أساليب معمارية تتفق وطبيعة الأرض؛ منها: بناء القناة على عمق نحو 34م عن سطح الأرض في وادي نعمان وبناؤها متعلقة بسفوح الجبال في مزدلفة وبداية العزيزية بالنسبة للمتجه منها إلى المسجد الحرام (22) . وبناء على ما سبق تأثرت قناة العين بعدد من العوامل التي أدت إلى انقطاع أو قلة وصول مياه العين إلى بلد الله الحرام وكان ذلك من الدوافع المهمة لإجراء أعمال معمارية أو صيانة للقناة. ويمكن تتبع ذلك كما ورد في تقارير عين زبيدة بصحيفة أم القرى ابتداءا من عام 1353هـ/1935 إلى عام 1359هـ/1941م:- أإن قناة العين بحاجة مستمرة إلى العناية بتنظيفها؛ لإزالة ما يمنع جريان الماء من الأتربة ورمال تأتي مع الماء من منبع العين، ويلحظ أن كمية الرمال هنا وافرة جدا بحيث أنها تفترش القناة بطول يصل إلى ثلاثة آلاف متر (23) . ب إن بناء أجزاء من القناة في بطن وادي نعمان، أدى إلى تأثرها بمياه السيول آلتي تعد من العوامل المؤدية إلى دمار القناة أو انسدادها بالأتربة (24) . ج نتج من بناء القناة وصيانتها قبل العصر السعودي وجود حفرة كبيرة في وادي نعمان طولها 1200م وعرضها ما بين 20 إلى 40م وعمقها من 4 إلى 7م أطلق عليها اسم (الفري) ، وكان ذلك يؤثر بشكل مباشر في انهيار الأتربة على القناة خاصة في موسم الأمطار وجريان السيول؛ مما يؤدي إلى انسداد القناة بالأتربة، ويتوقف جريان المياه إلى بلد الله الحرام (25) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 د يتكون من الأتربة المنسابة مع المياه طبقة صلبة في جدران القناة، تعوق حركة جريان المياه؛ مما يستدعي إزالتها باستمرار (26) . (انظر لوحة رقم 8) هـ كانت تنمو مجموعة من الأشجار حول القناة، مما يؤدي إلى تهدم جدرانها؛ بسبب عروق الأشجار التي تخترقها (27) . وكانت وظيفة الفتحات الموجودة على القناة تسهيل حصول الناس على المياه، وتتأكد أهميتها في موسم الحج عندما يستقي منها الجم الغفير من الناس، ومع ذلك فقد كان لهذه الفتحات سلبيات تتمثل في أنها معبرا لسقوط الأوساخ والأتربة وغيرها إلى داخل القناة، مما يؤدي إلى انسدادها وفساد الماء (28) . (انظر اللوحات أرقام 7، 9، 10، 11) . ز نتج عن بناء القناة قبل عهد الملك عبد العزيز وجود مواضع من القناة قد سقفت بخشب العرعر المعرض للتلف بسرعة، مما يؤدي إلى سقوط الأتربة إلى داخل القناة فتسدها، علاوة على بناء القناة بشكل منخفض في بعض المواضع، مما يؤدي إلى تقليل أو توقف جريان المياه في هذه المواضع، ومن ثم تصدع جدرانها وخرابها (29) . 3 التطور العمراني لمكة المكرمة: ... شهدت مكة المكرمة في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله بزوغ عصر جديد من الاستقرار والأمن والرفاه فانعكست أثار ذلك على زيادة اتساع نمو عمران مكة المكرمة؛ لتواكب كثرة سكانها وزيادة عدد النازحين إليها من مختلف البلدان الإسلامية (30) 0 ويعني ذلك بطبيعة الحال الاهتمام بتطوير مصدرها المائي الأساسي (عين عرفة) ليوفر للناس ما يحتاجونه من الماء. 4 زيادة عدد الحجاج: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 .. أدرك الملك عبد العزيز رحمه الله قبل وصوله إلى مكة المكرمة أن الأمن أهم ما تحتاجه هذه الأرض المقدسة؛ لتسير حياة الناس وفق ما أنزل الله؛ فيأمن كل مسلم فيها على نفسه وماله وعرضه. لأن الأمن دون شك سيؤدي إلى زيادة وفود الحجاج إلى مكة (31) ؛ ولذلك جاء في خطابه الأول قبل دخول مكة قوله: "إني مسافر إلى مكة مهبط الوحي لبسط أحكام الشريعة وتأييدها" (32) ؛ وعلى هذا فقد بذل كل جهده ليحقق هدفه الخير، وبتوفيق الله تمكن من ذلك (33) ؛ فزاد عدد الحجاج، فبينما كان عددهم مائة آلف عام 1343هـ/1924م زاد إلى مائة وخمسين ألف عام 1344هـ/1925م ووصل إلى أكثر من خمسمائة ألف حاج عام 1378هـ/1958م (34) . ... وبناءا على ما سبق فإن الملك عبد العزيز قد أولى عين عرفة عناية كبيرة، ووجه إلى مواصلة العمل في عمارتها وصيانتها؛ ليضمن بمشيئة الله استمرار وزيادة كمية المياه الواصلة إلى هذه العاصمة المقدسة ومشاعرها المقدسة، ويوفر ما يؤمن حياة هذه الأعداد الكبيرة من الحجاج 0 ويؤيد ذلك ما ورد في تقرير يعود إلى عام 1355هـ/1937م يشير إلى أن الملك عبد العزيز بذل النفس والنفيس لعمارة عين عرفة وصيانتها، لتستمر في عطائها، وأشرف بنفسه على مراقبة العمل حتى يسر الله على يده دخول الماء إلى البلد الحرام (35) . ثالثا: أعمال الملك عبد العزيز لعمارة عين عرفة: 1 بداية اهتمام الملك عبد العزيز بعين عرفة: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 .. عرفنا فيما سبق أن عين عرفة أهم مورد مائي لسقيا سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام، وأن هيئة عين زبيدة تولت الإشراف على جمع الأموال لعمارتها وصيانتها قبل عهد الملك عبد العزيز. وفي يوم 1631344هـ 5 101924م، أثر سيل وادي نعمان على قناة عين عرفة بسدها بالأتربة وخرب ثلاث خرزات (فتحات على القناة للسقيا والصيانة) ، فانقطع الماء عن مكة المكرمة زهاء ثلاثة شهور (36) . ويلحظ أن هذا التاريخ يأتي في العام التالي لضم الملك عبد العزيز مكة المكرمة إلى دولته، ويعاصر جهوده العظيمة في الدفاع عن وحدة أرض شبه الجزيرة العربية (37) 0ورغم مسئولياته العظيمة، فإنه اتخذ عددا من الإجراءات التي يسرت بتوفيق الله تعمير ما تخرب ووصلت المياه إلى البلد الحرام وسقت عموم الناس في شهر جمادى الآخرة عام 1344هـ/1924م، ويمكن عرض تلك الإجراءات بما يلي (38) : أطلب أعضاء "هيئة عين زبيدة" وحثهم على بذل الجد والهمة لتعمير ما تخرب من قناة العين، وفتح لهم صدره الرحب وأمرهم بإجراء العمل. ب عندما أخبر أعضاء "هيئة عين زبيدة" الملك عبد العزيز بعدم وجود نقود في صندوق العين للقيام بهذا العمل أمر رحمه الله الشيخ عبد الله الدهلوي وأخاه عبيد الله الدهلوي بدفع جميع ما يلزم من المصاريف على حسابه الخاص وبلغ ذلك 2023 جنيها إنجليزيا. ج أمر بمباشرة تعمير الآبار الموجودة في داخل البلدة وخارجها؛ لمساعدة الأهالي والمجاورين في الحصول على الماء؛ ليكون ذلك مصدرا آخر يؤمن الحياة لسكان بلد الله الحرام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 د وجه مائة وخمسين من جنده إلى المشاركة في أعمال العمارة والصيانة، ليتم إيصال الماء إلى مكة في أقرب وقت، ودفع لكل فرد منهم من ماله الخاص ريالا مجيديا واحداً عن كل يوم طيلة مدة التعمير؛ تنشيطا لهمته وتقديرا لعمله، علاوة على صرفه الأرزاق لهم على حسابه الخاص أيضا، وقد بلغ ذلك ضعف ما تبرع به نقداً لصندوق "هيئة عين زبيدة"0 ولم يتوقف الملك عبد العزيز عند هذا الحد في هذه المرحلة المبكرة من حكمه لمكة المكرمة؛ بل واصل تشجيعه ودعمه لهيئة عين زبيدة فقامت في أوائل عام 1345هـ/1926م في توجيه العمال وتوفير مواد البناء والمؤن (يطلق عليها اسم الصرفات) إلى وادي نعمان لعمارة وتنظيف قناة عين عرفة وبناء الخرزات المحتاجة إلى ذلك، وتم لهم بناء خرزتين بالأحجار والنورة بعمق 30م عن مستوى سطح الأرض، وذلك للوصول إلى موضع القناة، كما أتموا بناء خرزتين آخرين سبق العمل فيهما سنة 1344هـ/1924م، وعملوا كل ما في وسعهم للحفاظ عليهما من تأثير السيول، وتمخض عن ذلك إقامة بناء حولهما، لتوجيه مياه السيل بعيدا عن القناة، ومنع وصوله إلى القناة كي لا يسدها كما حدث معهم في التجارب السابقة (39) . 2 صيانة القناة وتنظيفها: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 .. سبقت الإشارة إلى تأثير السيول وغيرها على قناة عين عرفة؛ مما يتطلب تنظيفها لإزالة ما يمنع جريان الماء وعلى هذا فقد تتابعت الأعمال في عهد الملك عبد العزيز الذي بذل جهدا كبيرا ليحقق استمرار وصول المياه إلى البلد الحرام؛ ففي عام 1350هـ/1931م تم الكشف على القناة بالقرب من منبعها بالعقم، فوجدوا عددا من الصخور قد سقطت داخل القناة، وأدت إلى منع جريان المياه، فأزالوا الصخور، فانساب الماء طبيعيا (40) . ويظهر أن كمية المياه الواصلة إلى مكة قد قلت في سنة 1353هـ/1935م، فوجهوا الفنيين إلى الكشف على قناة عين عرفة، فوجدوا بها كمية من الأتربة، فعملوا على إزالتها ابتداءا من منبعها بالعقم وحتى عرفة ثم استكملوا عملهم إلى أن وصلوا إلى مكة المكرمة (41) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 .. وفي سنة 1354هـ/1936م وسنة 1355هـ/1937م جرت محاولات عديدة لتنظيف مجرى الماء في المنطقة الممتدة من العزيزية بجوار حديقة الطفل – الآن – إلى الششة، حيث أن هذه المنطقة كانت في السابق جبلا فتم قطعه بعمق من 25 29م (42) سنة 979هـ/1571م، وذلك لبناء القناة وضمان إنسياب مياه عين عرفة إلى مكة طبيعيا (43) . ونتج عن ذلك تأثر قطع من الجبل فتسقط على مسار القناة وتعوق حركة المياه؛ مما يتطلب إزالتها كلما استدعى الأمر ذلك، كما تم في سنة 1355هـ/1937م تنظيف القناة وإزالة ما بها من عوائق تحول دون سير الماء (44) . وتابعت هيئة عين زبيدة أعمالها في تنظيف القناة في سنتي 1356هـ/1938م، 1357هـ/1939م واستطاعت إزالة الأتربة والأوساخ وغيرها المتخلفة من سقيا الحجاج المباشر من فتحات القناة، كما تابعت أعمالها في إزالة الصخور المتساقطة على القناة في المنطقة الممتدة من العزيزية إلى الششة حيث وجدت الهيئة الكثير من الصخور المتساقطة على القناة أسفل بازان القاضي بالششة وكانت أحجام الصخور كبيرة يصعب رفعها مباشرة؛ مما تطلب وقتا لتكسيرها إلى قطع صغيرة ليسهل رفعها وحملها إلى خارج القناة، ثم وجهت الهيئة جهدها إلى تفقد قسم من القناة شمال عرفة، فوجدت أن بناء القناة يقع تحت مستوى سطح الأرض بثلاثة أمتار، وظهر لها فيه وجود طبقة متحجرة داخل القناة؛ تكونت من نفاذ الأتربة إلى القناة، واختلاطها بالمياه، فتم توجيه عمال مهرة لهذا العمل، ليتمكنوا من إزالة العوائق المتحجرة دون تأثر بناء القناة، وتم لهم ذلك بطول 350م من القناة، كما قاموا بقطع أشجار السلم والحرمل المحيطة ببناء القناة، لإبعاد خطر نفاذ جذورها إلى داخل القناة (45) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 .. وفي سنة 1358هـ/1940م بادرت "هيئة عين زبيدة" بعد مغادرة الحجاج مكة المكرمة إلى بلادهم، بتوجيه العمال والمعلمين إلى منطقة الكسار في أعلى عرفة، وأمدتهم بالآلات وكل ما يحتاجونه لصيانة القناة، فأزالوا ما سقط فيها من الأوساخ والأتربة وغيرها؛ مما تخلف من آثار سقيا الجم الغفير من الناس في أيام الحج، واستمر العمال في عملهم من ذلك الموضع إلى مكة، وقاموا بمهمتهم خير قيام؛ فأصبح الماء نقيا خاليا من الأوساخ والعكار واستكملوا عملهم بإزالة طبقة متصلبة داخل القناة بطول 480م بالقرب من عرفة، ثم أزالوا أشجار الشوك والحرمل المنتشرة بشكل كبير على جانبي القناة، ونفذت جذورها إلى داخل القناة وكادت تؤدي إلى خرابها (46) . ... وقد استمرت أعمال صيانة ونظافة قناة عين عرفة طيلة عهد الملك عبد العزيز (ت1373هـ/1953م) ، حيث قامت أعمال كبيرة لتنظيف القناة في وادي نعمان حتى فاض الماء بمكة سنة 1371هـ/1952م (47) . ... وبناءا على ما سبق نرى أن الله سبحانه وتعالى قد وفق الملك عبد العزيز إلى دعم ومتابعة أعمال هيئة عين زبيدة، لأداء أعمالها في صيانة ونظافة القناة؛ فاستمرت العين في عطائها لسقيا سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام وكان ذلك ثمرة تواصل الأعمال وبذل الجهود وإخلاص النية. 3 ترميم وبناء الخرزات وأجزاء من القناة: ... تعددت أعمال الترميم والبناء في قناة عين عرفة وخرزاتها في عصر الملك عبد العزيز، وقد نشرت تقارير عن تلك الأعمال في سنين مختلفة بصحيفة أم القرى؛ وهو ما لم نعثر عليه في المصادر والمراجع المتوفرة على حد علمنا؛ وبناءً على ذلك سنعرض تلك الأعمال وفق تسلسلها التاريخي، ثم نتبعها بما عثرنا عليه من أدلة مادية تجلي لنا حقيقة تلك الأعمال وتقدم لنا صورة عن طراز عمارتها في عهد الملك عبد العزيز. أعمال الترميم والبناء: * الأعمال في سنة 1350هـ/1931م: (48) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 أتم بناء خرزات في وادي نعمان باستخدام الأحجار والنورة، وكان ذلك بعمق 35م من مستوى سطح الأرض إلى ظهر القناة. ب تم إعادة عمارة جانب من القناة بطول 70 م في المنطقة الواقعة بين عرفة ومزدلفة. ج تواصلت الأعمال لإنشاء قناة جديدة بطول 50م بدلا من القناة القديمة بمنطقة دقم الوبر (الواقعة بعد المزدلفة للمتجه إلى مكة) واستمر العمل في تجصيص القناة على مدار تلك السنة. * الأعمال في سنة 1351هـ /1933م (49) . أتم ترميم خمس خرزات بعرفة. ب تم إنشاء القناة الجديدة بدقم الوبر والتي بدأت أعمال بنائها عام 1350هـ/1931م. * الأعمال في سنة 1353هـ/1935م: (50) . أوجه العمال والفنيون للكشف على قناة عين عرفة من وادي نعمان إلى مكة المكرمة، ونتج عن ذلك تحديد منطقة الخلل بطول 200م في وادي نعمان، ولم يتمكن العمال من دخول القناة في ذلك الموضع لامتلائه بالماء وكان سبب ذلك قدم بناء القناة وانخفاضها عن مستوى الأجزاء الأخرى، فأصبحت موضعا لركود المياه وامتلائها بها فأثرت على جانبي القناة، وتسربت المياه إلى الرمال؛ ولذلك رأى الفنيون رفع جانبي القناة حوالي 40 سم لإصلاحها وتسقيفها بمجاديل (طبقات) حجرية مع استخدام النورة في تكوين مادة لصق الأحجار. كما وجدوا جزءا آخر من القناة بطول 152م يتسرب الماء من سقفه، لامتلائه بالماء، وقرروا إصلاحه بالطريقة السابقة نفسها؛ وبناءا على ما سبق شرعوا في أعمالهم وحققوا في إنجازها نجاحا علاوة على متابعتهم لأعمال الترميم في أجزاء أخرى من القناة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 ب في تاريخ 22/7/1353هـ/ 3110 1934م، سال وادي نعمان ودهم الموانع الترابية (العقوم) التي كانت موضوعة عند مدخل الفري. الذي كان يحوي عدة خرزات بعضها واهية البنيان؛ فدخل ماء السيل في ثلاث منها وخرب واحدة منها، وأدى بذلك إلى توقف جريان الماء ورجوعه إلى جهة منبع العين، مما أدى إلى حدوث خلل في قسم كبير من القناة بطول 2500م، ومما زاد الوضع سوءا أن المعلمين في المدة السابقة لعهد الملك عبد العزيز عمدوا لأسباب قاهرة إلى تسقيف سطح القناة بعيدان من خشب العرعر بدلا من المجاديل الحجرية، وبتأثر تلك الأخشاب بالمياه ارتفعت العيدان عن مواضعها، فانهالت الأتربة من فوق سطح القناة إلى داخلها وأدت إلى توقف جريان الماء وبسبب ذلك نشطت هيئة عين زبيدة وبذلت قصارى جهدها لمواجهة الموقف وقامت بإجراء الأعمال التالية: أخرجت عدة صرفات كل منها مؤلف من عدد من المعلمين والعمال وزودتهم بما يلزم من الأدوات لتبريح القناة من الأتربة التي دخلت مع ماء السيل وسببت منع وصول الماء إلى بلد الله الحرام. إخراج عيدان العرعر التي بداخل القناة، وتسقيفها بقوالب من الأسمنت القوي، ليؤدي وظيفة المجاديل (الطبقان) الحجرية، ويحول دون سقوط الأتربة في القناة. تم دفن الفري الكبير وتسويته بمتسوى الأرض من جانبيه كي لا يجتمع فيه الماء، فيؤدي إلى تكرار ما حدث. تم رفع جدران 34 خرزة وتجصيصها من الداخل والخارج؛ لتأمينها من خطر مياه السيول بباطن الفري بوادي نعمان. ... وبذلك تم إصلاح ما خربه السيل، ووضعت الحلول لمنع تكرار ما حدث، ووصل الماء إلى البلد الحرام بشكل أفضل مما سبق، كما تم في هذا العام أيضا ترميم قناة الماء عند جبل الرحمة؛ لتأمين المياه للحجاج أثناء وقوفهم بعرفة. * الأعمال في سنة 1354هـ / 1936م: (51) . أمتابعة أعمال إبدال أخشاب العرعر بقوالب إسمنتية في تسقيف القناة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 ب توجيه المعلمين والعمال إلى مواقع بين عرفة ومزدلفة؛ لترميم القناة ورفع جانبيها بطول 110 م مع تجصيصها بالنورة. ج – تعمير الخرزات الواقعة بين العزيزية والششة. * الأعمال في سنة 1355هـ/ 1937م: (52) . أتم دفن الفرى، وبذلك زال خطر تجمع مياه السيول وتأثيرها على القناة في وادي نعمان. ب ترتب على وجود فتحات السقيا فوق النقاة، سلبيات خطيرة كسقوط إنسان، أو حيوان إلى داخل القناة وتلويث مياهها، أو سقوط مواد مانعة لجريان الماء، فتم البدء بسد تلك الفتحات بعرفة وإنشاء حنفيات لتكون موردا بديلا للسقيا. ج نتج من تواصل أعمال نظافة القناة وصيانتها وبنائها؛ زيادة كمية مياه العين المتدفقة عبر القناة، فظهرت الحاجة إلى رفع جانبي القناة للمحافظة على كمية المياه الزائدة، ومنع تسربها وتأثيرها على البناء؛ وعلى هذا بدأت الأعمال المعمارية للمحافظة على البناء وتعليته في عدد من المواقع، وساروا على قاعدة تقديم الأهم على المهم وشمل العمل ما يلي: 186م من القناة في الموقع المعروف بالمعترضة. (بالقرب من منبع العين) 80م من القناة في العابدية. 264م من القناة في دقم الوبر. 69 من القناة في المفجر. إنشاء قناة جديدة بدقم الوبر بطول 55م واستخدام القناة السابقة دعامة للجديدة. * الأعمال في سنتي 1356هـ / 1938 /، (53) . 1357هـ/1939م: أاستعجال سد فتحات السقيا على القناة، وإنشاء حنفيات جديدة لسقيا الناس. ب استكمال أعمال تعلية جانبي القناة؛ لتتفق مع كمية المياه الزائدة عما سبق. * الأعمال في سنة 1358هـ/1940م: (54) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 أنتج من اهتمام الملك عبد العزيز المباشر بعين عرفة، قيام هيئة عين زبيدة، بإجراء أعمال مستمرة لتنظيف القناة وصيانتها، واتباع طرق جيدة للإفادة من مياه الأمطار والسيول التي تجري في وادي نعمان، فزادت كمية المياه بشكل كبير عما سبق، مما جعل القناة غير قادرة لاستيعاب هذه الكميات الكبيرة من المياه، فاتجه العمل إلى تعلية جانبي القناة بالبناء فوقه مقدار متر في بعض المواضع، وثلاثة أرباع المتر في مواضع أخرى، مما مكن الهيئة من إنجاز أعمالها في عدد من المواقع. ب بناء ثماني خرزات على ظهر القناة في منطقة الششة، ليمكن النزول إلى أسفل القناة فتسهل صيانتها وترميمها. ج رفع رقبة خرزة ببطن بازان القاضي بالششة. * الأعمال في سنة 1360هـ/1941م: (55) . قامت أعمال معمارية لإصلاح قناة عين عرفة؛ فأسفرت عن وصول ماء العين بعد انقطاعها عن بلد الله الحرام واستبشر السكان بذلك. * الأعمال في سنة 1368هـ / 1948م: (56) . بناءا على الأعمال السابقة وخطة إعمار قناة عين عرفة وصيانتها؛ فقد زادت كميات المياه الواصلة إلى مكة عن العصور السابقة؛ مما مكن القائمين على الإفادة منها، وخاصة في عام 1368هـ/1948م، حيث وضعت الخطوات التالية: أتعميم المياه في المواقع التي جد العمران بها كالعتيبية والطندباوي وجرول وما جاورها. ب تأمين زيادة الماء في الجهات التي زاد فيها عدد السكان مثل: سوق الليل وأجياد والمعابدة. ج الإسراع في إنفاذ أعمال تعلية جانبي قناة عين عرفة بطول 2000م. د إبقاء القناة مغطاة من وادي نعمان إلى مكة والتوسع في عمل مناهل لسقيا الناس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 .. وفي تاريخ 921372هـ / 28 101952م، صدر أمر صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية بتنفيذ المشروعات العمرانية المتعلقة بالحج والحجاج، وكان نصيب عين عرفة منها؛ إنشاء خط مواسير زهر بدلا من القنوات؛ لإيصال مياه عين عرفة إلى مكة، وتعميمها إلى أماكن لم يسبق وصول الماء إليها، واتخاذ التدابير لزيادة كمية الماء وتعميمه في الأماكن التي كان يصل إليها الماء على ضعف فيما سبق (57) . رابعا: طراز عمارة القناة وخرزاتها: سبقت الإشارة إلى تنوع الأعمال المعمارية في قناة عين عرفة في عهد الملك عبد العزيز، فشملت بناء الخرزات وتجصيصها من الداخل والخارج، وسد فتحات السقيا على القناة وتعلية جانبيها، وإعادة بناء أجزاء منها. وبالبحث الميداني عن تلك الأعمال، عثرنا على بعض آثارها متمثلة في خرزة في وادي نعمان مؤرخة بعام 1353هـ/1935م (اللوحات أرقام 1، 2، 13، والشكلان رقما 1، 2) ومواضع من الأعمال المعمارية لسد فتحات السقيا على القناة وتعلية جانبيها (اللوحات أرقام 5، 6، 9، 10، 11، 12 وشكل رقم 3) ، ويمكن عرض هذه الأعمال بما يلي: 1 خرزة مؤرخة بعام 1353هـ / 1935م الموقع: تقع في وادي نعمان على يمين المتجه إلى الطائف، وتبعد عن الجسر المجاور لمركز التفتيش في وادي نعمان بنحو 500م من الجهة الجنوبية الشرقية (لوحة رقم 1، والشكلان رقما 1، 2، وخارطة رقم 1) . تاريخها: عام 1353هـ كما هو مدون في نقش كتابي على جدار الخرزة من الخارج (58) (اللوحتان رقما 1، 13) . الوصف المعماري: تأخذ هذه الخرزة شكلا دائريا محيطه من الخارج 16, 8م وقطرها 60, 2م وسمك جدارها 90سم (اللوحتان رقما 1، 3، والشكلان رقما 1، 2) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 ولها فتحة مربعة طول ضلعها 80 سم للنزول إلى أسفل الخرزة عند موضع القناة، بواسطة حفر في جوانب جدار الخرزة. ويقدر عمقها من مستوى سطحها إلى قاعها بأسفل القناة بنحو 29م (لوحة رقم 4) أما ارتفاع جدار الخرزة عن مستوى الأرض الحالية فقد بلغ في المتوسط 80, 1م (لوحة رقم 1، وشكل رقم2) واستخدمت ثلاثة من أحجار البازلت نواتىء في جدار الخرزة من الخارج لاستخدامها سلما للصعود إلى أعلاها (لوحة رقم2) . وللمحافظة على بناء الخرزة من تأثير مياه السيول المناسبة عبر وادي نعمان، فقد تم تجصيصها من الخارج بشكل تام (اللوحتان رقما 1، 2) أما من الداخل وعلى عمق نحو 70, 1م من مستوى سطح الخرزة فقد تم تجصيص الفراغات بين أحجار البناء (اللوحتان رقما 3، 4) ؛ لتكون عاملا مساعدا في منع تسرب مياه السيول الخارجية إلى داخل الخرزة، مما يؤدي إلى سد القناة بالأتربة. 2 سد فتحات السقيا على القناة وتعلية جانبيها: يوجد على سطح القناة من الخارج فتحات للاستقاء وتنظيف القناة بعضها يأخذ شكلا مستطيلا طول ضلعه 55 سم أو 60 سم أو 70 سم أو 80 سم، وبعضها يأخذ شكلا مربعا طوله 60 سم وعرضه 50 سم، وتختلف المسافات بين كل فتحة وأخرى، وكان منها ما يتراوح بين 4 إلى 15 م وقد تم سد الفتحات باستخدام مجاديل حجرية وسد الفراغات بينها بأحجار صغيرة ثم غطيت بطبقة من المونة المكونة من خليط النورة بالتراب، لمنع استخدام الفتحات في الاستقاء ومنع تسرب مياه الأمطار والسيول إلى داخل القناة؛ مما نتج عنه المحافظة على حركة انسياب المياه عبر القناة، وذلك بمنع سقوط ما يمنع مرور الماء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 .. أما تعلية جانبي القناة فقد سبقت الإشارة إلى أنه نتج من أعمال الصيانة والعمارة لقناة عين عرفة في عهد الملك عبد العزيز؛ زيادة كمية المياه المتدفقة عبر قناتها، مما استدعى تعلية جانبيها لتستوعب كمية المياه الزائدة، وعثرنا في المنطقة الواقعة بين عرفة ومزدلفة على الطريق رقم (4) على آثار تلك الأعمال ظاهرة بارتفاع 60 سم في بعض المواقع (اللوحات أرقام 5، 6، 8، وشكل رقم3) وقد حدد نقش كتابي مؤرخ في 5 8 1355هـ (59) تاريخ تلك الأعمال (اللوحتان رقما 6، 14) . ... وللمحافظة على بناء القناة من الداخل وصيانتها وسهولة إزالة ما قد يسقط إلى داخلها من عوائق، فقد عمد المعمار إلى عمل مصبعات حديدية داخل القناة (لوحة رقم 7) ، كما عمد إلى تجصيصها من الداخل لمنع تسرب المياه إلى الخارج، علاوة على تجصيص سطحها من الخارج؛ لمنع تسرب مياه الأمطار والسيول إلى داخلها؛ مما قد يؤدي إلى خرابها (اللوحتان رقما 5، 7) . 3 المواد المستخدمة وأسلوب البناء: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 .. استخدمت أحجار البازلت الدبش والمهذبة نصف تهذيب تقريبا وبأحجام مختلفة منها في المتوسط: (40×30×20سم) ، (35×15×10سم) ، (50×10×17سم) ، (20×13×9) في بناء الخرزة وتعلية جانبي القناة والملاحظ أن هذا النوع من الأحجار يستخرج من كافة جبال مكة المكرمة (لوحة رقم 3، 4، 5، 8، 9، 10) كما استخدمت النورة في تكوين خليط المونة للصق أحجار البناء وتجصيصه، فجاء سمك جدار الخرزة 90 سم، وسمك جدار القناة 30 سم وسعتها 60سم (اللوحات أرقام 2، 3، 5، 7، 8) وبمقارنة ذلك بطراز عمارة قناة عين عرفة في العصر العثماني (60) نجد أن المعمار في عهد الملك عبد العزيز عمد إلى بناء الخرزة وتعلية جانبي القناة وفق طراز سبق استخدامه وهذا يؤكد حرص المعمار في العصر السعودي على الإفادة من الخبرات السابقة والمتفقة مع معطيات البيئة المحلية وإمكانات ذلك العصر، علاوة على أن المدة بين نهاية عصر العثمانيين في مكة وبداية حكم الملك عبد العزيز لها مدة قصيرة تقدر بحوالي تسع سنوات (61) ؛ مما يعني التأثر بالأساليب المعمارية السابقة لعهد الملك عبد العزيز إضافة إلى أن من المحتمل اشتراك معماريين في الأعمال المعمارية للقناة في العصر العثماني وعهد الملك عبد العزيز. خامسا: نقشان كتابيان يؤرخان لأعمال الملك عبد العزيز في عين عرفة: النقش الأول: (لوحة رقم 13) الموقع: يقع على الجدار الخارجي لخرزة في وادي نعمان تقع على يمين المتجه إلى الطائف، وتبعد عن الجسر المجاور لمركز التفتيش في وادي نعمان بنحو 500م من الجهة الجنوبية الشرقية. موضوعه: نص لعمارة خرزة على قناة عين عرفة. خطه: نسخ نفذ بطريةق الحفر البسيط. تاريخه: 1353هـ. مادته: حجر بازلت. نصه: السطر الأول: بسم الله ماشاء الله السطر الثاني: لاإله إلا الله. السطر الثالث: محمد رسول الله سنة السطر الرابع: 1353هـ. النقش الثاني: ... (لوحة رقم 14) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 الموقع: يقع على الجدار الخارجي لقناة عين عرفة في المنطقة بين عرفة ومزدلفة. موضوعه: نص لعمارة قناة عين عرفة. خطه: نسخ نفذ بطريقة الحفر الغائر. تاريخه: 5/8/1355هـ. عدد اسطره: 3. أبعاده: يأخذ شكلا نصف دائري تقريبا قطره حوالي 37سم. مادته: حجر بازلت. السطر الأول: تعميرات. السطر الثاني: عين زبيدة. السطر الثالث: 5/8/1355هـ. ملحوظات فنية: نفذت أحرف هذين النقشين وأرقامهما بطريقة الحفر البسيط جدا في النقش الأول والحفر الغائر في المتوسط من 1 إلى 3 ملم في النقش الثاني على حجر بازلت. ويعد الخط في هذين النقشين ضعيف جدا، لعدم التزام كاتبه بقواعد كتابة الخط وموازينه والنسب الجمالية لكتابة الحروف، مما يشير إلى عدم إلمامه بأصول الخط، ويؤيد ذلك كتابة بعض الحروف دون الالتزام بمنهج محدد، فحرف الراء في كلمة تعميرات في النقش الثاني ناقصا، ونقش حرف الياء في هذه الكلمة أيضا بأسلوب الرقعة والنسخ في آن واحد، فرسم الحرف رقعة بقطتيه نسخا0 ومما يظهر ضعف الخط في هذين النقشين مقارنة ذلك بنصوص نقشت في عهد الملك عبد العزيز، وقدم فيها الخطاط أو النقاش أسلوبا رفيعا يظهر مدى تمكنه من قواعد الخط (62) وموازينه. ومن المحتمل أن النقاش الذي عهد إلى تسجيل تاريخ الأعمال في هذين النقشين عمد إلى نقش الكلمات مباشرة دون محاولة رسم الحروف على الحجر قبل نقشها، علاوة على عدم إلمامه بقواعد الخط وعدم اهتمامه بكتابة صيغة العبارات بشكل جيد كما هو الحال في النصوص التي نقشت في عهد الملك عبد العزيز وهذا يجعلنا نرجح أن هدفه فقط تسجيل تاريخ العمل دون الاهتمام بمستوى الخط أو صيغة العبارات، فجاء مستوى الخط ضعيفا جدا في هذين النقشين. • • • الخاتمة: أتضح من دراستنا لجهود الملك عبد العزيز في عمارة عين عرفة ما يلي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 أولا: احتلت عين عرفة أهمية كبيرة في سقيا سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام في عهد الملك عبد العزيز لتوقف وصول مياه عين حنين باستثناء جزء يسير كان يأتي من أحد روافد قناتها. ثانيا: نظرا لقيام السيدة زبيدة بإجراء عين حنين إلى مكة؛ فإن تسمية عين عرفة "بعين زبيدة" كما ورد في المصادر المتأخرة قد يؤدي إلى التباس المعلومات بشأنها؛ مما يجعلنا نرجح التسمية الأولى "عين عرفة" التى وردت في المصادر والنقوش الكتابية والوثائق. ثالثا: أولى الملك عبد العزيز "عين عرفة" اهتماما كبيرا فأمر بصيانتها وعمارتها؛ ليوفر الماء لسكان مكة وحجاج بيت الله الحرام، وكان دافعه في ذلك عنايته بالسكان والحجاج والزوار، وكسب الأجر والثواب من الله علاوة على زيادة عدد سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام، وحاجة القناة إلى أعمال الصيانة والعمارة. رابعا: أكدت الدراسة اهتمام الملك عبد العزيز بتوفير المياه لعموم المسلمين في مكة المكرمة منذ السنوات الأولى من حكمه لها ونظرا لعدم توفر النقود في صندوق العين، فقد أمر بإصلاح قناة العين على حسابه الخاص، وكلفه ذلك مبلغ 2023 جنيها إنجليزياً في عام 1344هـ / 1924م. خامسا: نتج من الاهتمام بصيانة وعمارة قناة عين عرفة في عهد الملك عبد العزيز زيادة كمية المياه الواصلة إلى مكة عبر هذه القناة، مما تطلب تعلية جانبيها لتستوعب كمية المياه الزائدة، ولا تزال آثار تلك الأعمال باقية إلى الآن (1419هـ / 1999م) سادسا: نظرا لسلبيات فتحات السقيا على القناة، والمتمثلة في سقوط الناس أو الحيوانات أو الأدوات إلى داخل القناة؛ مما يعيق حركة مرور المياه، فقد تم سد تلك الفتحات؛ من أجل الحفاظ على بناء القناة وعدم تعرض مياهها للتلوث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 سابعا: عثرنا من خلال البحث الميداني على أدلة مادية لأعمال الملك عبد العزيز في عمارة عين عرفة؛ متمثلة في خرزة (فتحة للسقيا والصيانة على ظهر القناة) على قناة عين عرفة في وادي نعمان مؤرخة بعام 1353هـ، علاوة على وجود آثار تعلية جانبي القناة في المنطقة بين عرفة ومزدلفة وبها نقش كتابي يؤرخ لتلك الأعمال في 5/8/1355هـ. ثامنا: استخدم المعمار في عهد الملك عبد العزيز موادا محلية كأحجار البازلت والنورة لبناء الخرزة وتعلية جانبي القناة، وجاء بناءه في ذلك متفقا مع طراز العمارة الذي كان سائدا قبل عهده؛ مما يحتمل معه مشاركة معماريين في الأعمال المعمارية للقناة خلال العصر العثماني وعهد الملك عبد العزيز. تاسعا: من المحتمل أن النقاش الذي عمد إلى تسجيل تاريخ أعمال عمارة عين عرفة في النقشين، عمد إلى نقش الكلمات مباشرة دون محاولة رسم الحروف على الحجر قبل نقشها، ولم يكن ملما بقواعد كتابة الخط وموازينه إضافة إلى عدم اهتمامه بكتابة صيغة العبارات بشكل جيد كما هو الحال في نقوش مماثلة ترجع لأعمال أخرى في عهد الملك عبد العزيز، وكان هدف النقاش تسجيل تاريخ العمل فقط دون الاهتمام بمستوى الخط أو صيغة العبارات؛ فجاء الخط دون المستوى المطلوب. الحواشي والتعليقات غباشي، عادل بن محمد نور، "المنشآت المائية لخدمة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة في العصر العثماني دراسة حضارية" رسالة دكتوراه غير منشورة (مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1410هـ/1990م) ص ص 74، 75، 80،150، 153، 154، 158. الكردي، محمد طاهر، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة 1412هـ/ 1992م) ج6 ص ص 94، 95. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 الفاسي، أبو الطيب تقي الدين محمد بن أحمد، العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، تحقيق فؤاد سير، ط2 (بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، 1406هـ /1986م) ج3 ص ص 324، 325، العصامي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، (المطبعة السلفية ومكتبتها، د. ت) ج4 ص 85، الطبري، علي بن عبد القادر، الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء، تحقيق أشرف أحمد الجمال ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ /1996م) ص83، الفعر، محمد بن فهد بن عبد الله، تطور الكتابات والنقوش في الحجاز منذ فجر الإسلام حتى منتصف القرن السابع الهجري، ط1 (جدة: تهامة للنشر، 1405هـ/1984م) ص ص 304، 314، 316. النهروالي، محمد بن أحمد بن محمد، كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام، تحقيق هشام عبد العزيز عطا، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ/1996م) ص342. الفعر، محمد بن فهد بن عبد الله، "الكتابات والنقوش في الحجاز في العصرين المملوكي والعثماني. من القرن الثامن الهجري حتى القرن الثاني عشر الهجري" رسالة دكتوراه غير منشورة (مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1406هـ/1986م) ص ص 431 441. غباشي، المنشآت المائية، ملحق الوثائق ص ص 7، 9، 13، 51. الزواوي، السيد عبد الله بن محمد بن صالح، بغية الراغبين وقرة عين أهل البلد الأمين فيما يتعلق بعين الجوهرة السيدة زبيدة أم الأمين، ط1 (المطبعة الخيرية، 1330هـ) ص7. قلندر، عبد القادر ملا، الخلاصة المفيدة لأحوال عين زبيدة، (مكة المكرمة: مطبعة أم القرى، 1346هـ 1927م) ص11. صحيفة أم القرى، عدد 367 السنة 8، تاريخ 15/8/1350هـ/ 25 12 1931م. الزواوي، بغية الراغبين ص24، رفعت، إبراهيم، مرآة الحرمين والرحلات الحجازية والحج ومشاعره الدينية (بيروت: دار المعرفة، د. ت) ج1 ص 222. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 الكردي، التاريخ القويم، ج6 ص 77. قلندر، الخلاصة المفيدة، ص ص 9 11. السباعي، أحمد، تاريخ مكة، ط6 (مكة المكرمة: مطبوعات نادي مكة الثقافي الأدبي، 1404هـ/1984م) ص ص 640، 658. الزركلي، خير الدين، الوجير في سيرة الملك عبد العزيز، ط3 (بيروت: دار العلم للملايين، 1977م) ص355 الزركلي، الوجير، ص ص 149، 150. القرآن الكريم، سورة الأنبياء، آية رقم 30. قلندر، الخلاصة المفيدة، ص ص 10، 11. الكردي، التاريخ القويم، ج 6 ص 87. الزركلي، الوجيز، ص 238. الزركلي، الوجيز، ص ص 88، 89. ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، حقق نصوصه ورقم كتبه وأحاديثه وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي (القاهرة: دار الحديث، د. ت) ج2 ص ص 826، 827. ابن ماجه، سنن، ج 2 ص 1214. غباشي، المنشآت المائية، ص ص 349 365. صحيفة أم القرى، عدد 635، تاريخ 23/11/1355هـ/ 5 2 1937م. صحيفة أم القرى، عدد 535، تاريخ 3/12/1353هـ 8/3/1935م. صحيفة أم القرى، عدد 535، تاريخ 1353هـ. صحيفة أم القرى عدد 801، تاريخ 1831359هـ/ 264/1940م. . صحيفة أم القرى، عدد 801، تاريخ 1359هـ. صحيفة أم القرى، عدد 635، تاريخ 1355هـ. صحيفة أم القرى، عدد 535، تاريخ 1353هـ. الكردي، التاريخ القويم، ج5 ص ص 317، 416، 417، الزهراني، ضيف الله بن يحي وعادل بن محمد نور غباشي، تاريخ مكة التجاري، ط1 (مكة المكرمة: الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة، 1418هـ/1998م) ص ص 52 56. عسه، أحمد، معجزة فوق الرمال، ط3 (د. ن، 1391 1392هـ / 1971 / 1972م) ص ص 91، 95، 96، 101، 102، 104. الزركلي، خير الدين، شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، ط2 (بيروت: دار العلم للملايين، 1397هـ 1977م) ج1 ص 335. الفوزان، إبراهيم فوزان، إقليم الحجاز وعوامل نهضته الحديثة، (الرياض، د. ن، 1401/1980م) ص97. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 الكردي، محمد طاهر، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة 1385هـ/1965م) ج2 ص ص 187، 190. صحيفة أم القرى، عدد 636، تاريخ 1 12 1355هـ / 1221937م. قلندر، الخلاصة المفيدة، ص 11، الكردي، التاريخ القويم، ج6 ص87. الزركلي، الوجيز، ص ص 85 90. قلندر، الخلاصة المفيدة، ص ص 11 12، الكردي، التاريخ القويم، ج6 ص 87. قلندر، الخلاصة المفيدة، ص 12. صحيفة أم القرى، عدد 367، تاريخ 1350هـ. صحيفة أم القرى، عدد 535، تاريخ 1353هـ. صحيفة أم القرى، عدد 587، تاريخ 11 12 1354هـ / 63 1936م. غباشي، المنشآت المائية، ص ص 150 158. صحيفة أم القرى، عدد 636، تاريخ 1355هـ. صحيفة أم القرى، عدد 737، تاريخ 712 1357هـ / 27 1 1939م، عدد 738، تاريخ 14 12 1357هـ / 4 2 1939 م. صحيفة أم القرى، عدد 801، تاريخ 18 3 1359هـ / 26 4 1940م. صحيفة أم القرى، عدد 1426، تاريخ 1121371هـ / 20 8 1952م. صحيفة أم القرى، عدد 367، تاريخ 1350هـ. صحيفة أم القرى، عدد 428، تاريخ 29 10 1351هـ / 242 1933م. صحيفة أم القرى، عدد 535، تاريخ 1353هـ. صحيفة أم القرى، عدد 586، تاريخ 5 12 1354هـ/ 28 2 1936م، عدد587، تاريخ 1354هـ صحيفة أم القرى، عدد 635، تاريخ 1355هـ، 636، تاريخ 1355هـ. صحيفة أم القرى، عدد 687، تاريخ 4 12 1356هـ / 4 2 1937، عدد 2737، تاريخ 1357هـ صحيفة أم القرى، عدد 801، تاريخ 1359هـ. صحيفة أم القرى، عدد 862، تاريخ 3 6 1360هـ / 2761941م. صحيفة أم القرى، عدد 1234، تاريخ 4 1 1368 هـ / 511 1948م. صحيفة أم القرى، عدد 1436، تاريخ 12 21372هـ / 31101952م. عن قراءة هذا النقش انظر مايلي تحت عنوان "نقشان كتابيان يؤرخان لأعمال الملك عبد العزيز في عين عرفة" الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 عن قراءة هذا النقش انظر مايلي تحت عنوان "نقشان كتابيان يؤرخان لأعمال الملك عبد العزيز في عين عرفة". عن طراز عمارة قناة عين عرفة في العصر العثماني انظر، غباشي، المنشآت المائية، ص ص 355 363 انتهى حكم العثمانيين لمكة المكرمة بقيام ثورة الشريف الحسين بن علي أمير مكة على جنود العثمانيين فيها عام 1334هـ / 1916م، واستمر في حكمه لها إلى عام 1343هـ/1924م. السباعي، تاريخ مكة، ص ص 606، 607، 640، 641. غباشي، عادل بن محمد نور، أسبلة الملك عبد العزيز على الطريق بين مكة وجدة، مجلة الدارة، العدد الثالث السنة التاسعة عشرة (ربيع الآخر، جمادي الأولى، جمادي الآخرة 1414هـ) ص ص 213 217، غباشي، عادل بن محمد نور، "نقش كتابي يؤرخ لعمارة بازان، بمكة المكرمة في عصر الملك عبد العزيز "، مجلة الدارة، العدد الأول، السنة الحادية والعشرون (شوال، ذو القعدة، ذو الحجة 1415هـ) ص ص 111 113. المصادر والمراجع القرآن الكريم. ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجة، حقق نصوصه ورقم كتبه وأحاديثه وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي (القاهرة: دار الحديث، د. ت) . رفعت، إبراهيم، مرآة الحرمين والرحلات الحجازية والحج ومشاعره الدينية (بيروت: دار المعرفة، د. ت) . الزركلي، خير الدين،شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، ط2 (بيروت، دار العلم للملايين، 1397هـ 1977م) . - الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، ط3 (بيروت: دار العلم للملاييين، 1977م) . الزهراني، ضيف الله بن يحي وعادل بن محمد نور غباشي، تاريخ مكة التجاري، ط1 (مكة المكرمة: الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة، 1418/1998م) . الزواوي، السيد عبد الله بن محمد بن صالح، بغية الراغبين وقرة عين أهل البلد الأمين فيما يتعلق بعين الجوهرة السيدة زبيدة أم الأمين، ط1 (المطبعة الخيرية، 1330هـ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 السباعي، أحمد، تاريخ مكة، ط6 (مكة المكرمة: مطبوعات نادي مكة الثقافي الأدبي، 1404هـ/1984م) . الطبري، علي بن عبد القادر، الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء، تحقيق أشرف أحمد الجمال، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ/ 1996م) . عسه، أحمد، معجزة فوق الرمال، ط3 (د. ن، 1391 1392هـ / 1971 1972م) . العصامي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، (المطبعة السلفية ومكتبتها، د. ت) . غباشي، عادل بن محمد نور، "أسبلة الملك عبد العزيز على الطريق بين مكة وجدة "، مجلة الدارة، العدد الثالث، السنة التاسعة عشرة (ربيع الآخر، جمادي الأولى، جمادى الآخرة 1414هـ) . - "المنشآت المائية لخدمة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة في العصر العثماني، دراسة حضارية "، رسالة دكتوراة غير منشورة (مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1410هـ /1990م) . - "نقش كتابي " مؤرخ لعمارة بازان بمكة المكرمة في عصر الملك عبد العزيز" العدد الأول، السنة الحادية والعشرون (شوال، ذو القعدة، ذو الحجة 1415هـ) الفاسي، أبو الطيب تقي الدين محمد بن أحمد، العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، تحقيق فؤاد سير، ط2 (بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، 1406هـ / 1986م) . الفعر، محمد بن فهد بن عبد الله، "الكتابات والنقوش في الحجاز في العصرين المملوكي والعثماني. من القرن الثامن الهجري حتى القرن الثاني عشر الهجري " رسالة دكتوراة غير منشورة (مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1406هـ 1986م) . - الكتابات والنقوش في الحجاز منذ فجر الإسلام حتى منتصف القرن السابع الهجري، ط1 (جدة: تهامة للنشر، 1405هـ 1984م) . الفوزان، إبراهيم فوزان، إقليم الحجاز وعوامل نهضته الحديثة، (الرياض: د. ن، 1401هـ / 1980م) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 قلندر، عبد القادر ملا، الخلاصة المفيدة لأحوال عين زبيدة، (مكة المكرمة: مطبعة أم القرى، 1346هـ 1927م) الكردي، محمد طاهر، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة من ج 1 إلى ج 4، 1385هـ، 1965م، ومن ج 5 إلى ج 6، 1412هـ / 1992م) . النهروالي، محمد بن أحمد بن محمد، كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام، تحقيق هشام عبد العزيز عطا، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية 1416هـ /1996م) . صحيفة أم القرى: عدد: 367، تاريخ 15 8 1350هـ /25121931م. - عدد: 428، تاريخ 29101351هـ / 2421933م. - عدد: 535، تاريخ 3 121353هـ / 8 31935م. - عدد: 586، تاريخ 5121354هـ / 2821936م. - عدد: 587، تاريخ 11121354هـ / 631936م. - عدد: 635، تاريخ 23111355هـ / 521937م. - عدد: 636، تاريخ 1121355هـ / 1221937م. - عدد: 687، تاريخ 4 121356هـ /421937م. - عدد: 737، تاريخ 7121357هـ / 2711939م. - عدد: 738، تاريخ 14121357هـ / 421939م. - عدد: 801، تاريخ 1831359هـ / 2641940م. - عدد: 862، تاريخ 361360هـ /276/1941م. - عدد: 1234، تاريخ 411368هـ / 5111948م. - عدد: 1436، تاريخ 1221372هـ / 5111948م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 خَلَلُ الأُصُولِ فِي مُعْجَمِ الجَمْهَرَة د. عبد الرّزّاق بن فرّاج الصّاعديّ الأستاذ المشارك بقسم اللغويات - كلية اللغة العربية الجامعة الإسلامية بالمدينة ملخص البحث يُعَدُّ معجم ((الجمهرة)) لابن دريد (ت321هـ) من المعاجم الّلغويّة العربيّة القديمة الّتي خَطَتْ بالصّنعة المعجميّة خطوات موفقة إلى الأمام، ولكنه لم يسلم من بعض المآخذ، كالاضطراب في الأصول الّلغويّة. ... ويحاول هذا البحث الوقوف على خلل الأصول في هذا المعجم من خلال دراسة مستفيضة تأتي على حقيقته وبخاصّة فيما فيه تاء التّأنيث من الثّلاثيّ المُضعّف أو المعتلّ أو من الرّباعيّ، وكذلك ما فيه همزة أو حرف إلحاق أو نون زائدة. وتكشف عن أسباب ذلك الخلل الذي يوشك أن ينحصر في نظرة ابن دريد إلى بعض الحروف كتاء التّأنيث أو الحرف الزّائد اللازم (حرف الإلحاق) أو نظرته إلى صورة الّلفظ أو اضطراب المنهج عنده، بالإضافة إلى اعتماده على الارتجال والإملاء. • • • المقدمة: الحمد لله ربّ العالمين حمداً يُبلِّغ رضاه، ويمتري المزيد من فضله، ويُستوجب به ما أعدّ من الكرامة الجليلة، والنّعمة الجزيلة، في الدّار الّتي هي عُقبى المُتَّقين، وجزاءُ المحسنين. والصّلاة والسّلام على خير البريّة المخصوص بالرّفعة والفضيلة نبيّنا محمّد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين. أمّا بعد؛ فقد أدّى ظهور معجم ((الجمهرة)) لأبي بكر ابن دريد في مرحلة مبكّرة من تاريخ الصّنعة المعجميّة إلى أن تلقّاه العلماء بالتّرحيب؛ لشهرة مؤلّفه في اللغة، وغزارة محفوظة فيها، ولحاجة العصر إلى معجم جديد، يعضّد معجم ((العين)) ويسدّ ما فيه من نقص، ويتلافى ما فيه من عيوب، ثم تبيّن لبعضهم فيه ما يكدّر الصّفو، فنشأت طائفة تقدح فيه، وتذمّ مؤلّفه، وتتّهمه بالخلط في أصول الألفاظ، لضعفه في التّصريف كما زعموا حتّى وصف عبد القاهر الجرجانيّ تصريف ابن دريد بأنه كتصريف الصِّبيان (1) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 وقد حكى أبو حيّان التّوحيديّ عن أبي سعيد السّيرافيّ أنّه قال: ((كان أبو بكر ضعيفاً في التّصريف، والنّحو خاصّة وفي كتاب الجمهرة خللٌ كثير. [قال التّوحيديّ] : قلنا له: فلو فَصَّلْتَ بالبيان عن هذا الخلل، وفتحتَ لنا باباً من العلم. فقال: نحن إلى سَتْر زلاّت العلماء أحوجُ منّا إلى كشفها ... فلمّا نهضنا من مجلسه قال بعض أصحابنا: قد كان ينبغي أن نقول له: حراسةُ العلم أَوْلى من حراسة العالِم، وفي السّكوت عن أبي بكر إجلال، ولكن خيانة للعلم)) (1) . وكان أبو عليّ الفارسيّ يعرّض بابن دريد ويَتَنَقَّصُ منه، ويقلّل من علمه بأصول الألفاظ (2) . وقال ابن جنّيّ: ((وأمّا كتاب الجمهرة ففيه –أيضاً- من اضطراب التّصنيف وفساد التّصريف ما أعذر واضعه فيه لبعده عن معرفة هذا الأمر ... )) (3) . وقد رأيت في بعض مطالعاتي في ((الجمهرة)) شيئاً مما قيل، فأردت في هذا البحث أن أَتَبَيَّنَ ما جاء في هذا المعجم من خلل في الأصول واضطراب فيها، وأقف عن كَثَبٍ على أنواع ذلك الخلل، وأكشف عن أسبابه، من واقع النّصوص الواردة في أبواب الجمهرة، بعيداً عن العواطف، أو التأثر بأقوال العلماء مدحاً أو قدحاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 وفي إثبات مواضع الخلل في الجمهرة وبيان أنواعها، وكشف أسبابها خدمة للعلم وأهله، وتهذيب لمعجم كبير يُعَدّ من أقدم المصادر اللّغويّة المعتمدة، وليس فيه ضير على ابن دريد، والواجب يقضي بأن نقف موقف العدل من علمائنا ونحسن الظّنّ بهم، ونلتمس لهم الأعذار، ما وجدنا إلى ذلك سبيلا، وأن نقدّر لهم علمهم ونحلّهم منازلهم الّتي استحقّوها، فلا نغلو بإطرائهم، ولا نَحُطّ من أقدارهم، والحقّ أحقّ أن يتبع أين حَلَّ وحيث صقع، كما يقول ابن جنّيّ القائل عن معجمي ((العين)) و ((الجمهرة)) : ((ولو أنّ إنساناً تتبّع كتاب العين، فأصلح ما فيه من الزّيغ والاضطراب لم أُعنّفه في ذلك، ولرأيتُه مصيباً فيه مأجوراً على عمله، وإن وجدت فسحة أصلحت ذلك، وما في كتاب الجمهرة مما سها فيه مصنّفه رحمه الله)) (1) . ولكنَّ المصادرَ لم تذكر أنّ ابن جني وَفَى بما وعد به، فلعلّه لم يجد الفسحة المطلوبة لإنجاز مثل ذلك العمل العلميّ. أمّا أنا فلم أجد فيمن كتب عن ابن دريد قديماً وحديثاً من بحث في هذه المسألة بحث تفصيل، وإنما وجدتهم يشيرون إلى شيء من اضطرابه وخلله في الأصول، ويذكرون المثال أو المثالين، وينقل اللاّحق منهم عن السّابق. نعم، وقد اخترت عنوانا لهذا البحث، وهو ((خلل الأصول في معجم الجمهرة)) وهذا يعني أنني تركت مآخذ أخرى أُخِذَت على ابن دريد في الجمهرة، كاتّهامه بافتعال العربيّة، والتّصحيف والتّحريف ونحو ذلك، ولذا جاء البحث وَفْقَ الخطّة التّالية: المقدّمة الفصل الأوّل: الجمهرة في مرآة النّقد. المبحث الأوّل: ابن دريد والجمهرة. المبحث الثّاني: موقف العلماء من صاحب الجمهرة. الفصل الثّاني: خلل الأصول في الجمهرة: المبحث الأوّل: الخلل في الثّنائيّ وما ألحق به. المبحث الثّاني: الخلل في الثّلاثيّ وما ألحق به. المبحث الثّالث: الخلل في الرّباعيّ وما ألحق به. المبحث الخامس: الخلل في أبواب اللّفيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 المبحث السّادس: أخطاء صرفيّة صريحة. الفصل الثّالث: أسباب الخلل في الجمهرة. الخاتمة. فأرجو من الله العلي القدير أن يوفّقني إلى إتمامه، وأن ينفع به، وألاّ يحرمني ثوابه، وآمل ممن ينظر فيه أن يصلح ما طغى به القلم، وزاغ عنه البصر، وقصّر عنه الفهم، فالإنسان محلّ النّقص والنّسيان. الفصل الأوّل: الجمهرة في مرآة النّقد المبحث الأوّل: ابن دريد والجمهرة أولاً: ابن دريد: هو أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد بن عَتاهية بن الحسن بن حِمامِي الأزديّ (1) . ولد في البصرة سنة (223هـ) لأب من ذوي اليسار، وبها تأدّب وتعلّم اللّغة، وروى أشعار العرب، ثمّ صار إلى عُمان، فأقام بها مدّة (2) ، وعاد إلى العراق، وتنقّل في الجزائر البحريّة (3) ما بين البصرة وفارس، ثمّ ورد بغداد بعد أن أسنّ، فأقام بها حتّى توفّي سنة (321هـ) . وروى أبو بكر ابن دريد عن جماعة من علماء عصره، وأخذ علوم الأدب والعربيّة عنهم، ومن أبرزهم (4) : أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان الزّياديّ، المتوفّى سنة (249هـ) . وأبو حاتم سهل بن محمّد السّجستانيّ، المتوفّى سنة (250هـ) أو (255هـ) . وأبو عثمان سعيد بن هارون الأشناندانيّ، المتوفّى سنة (256هـ) . وأبو الفضل العبّاس بن الفرج الرّياشيّ، المتوفّى سنة (257هـ) . ويعدّ ابن دريد من علماء اللّغة والأدب المبرّزين ((فهو الّذي انتهى إليه علم لغة البصريّين)) (5) في عصره، وكان شاعراً مجيداً، فقيل: إنّه ((أعلم الشّعراء، وأشعر العلماء)) (6) . وكان شديد الذّكاء، سريع الحفظ، تُقرأ عليه دواوين العرب، ((فيسابق إلى إتمامها)) (7) . وتصدّرابن دريد في العلم ستّين سنة، كما قيل (8) ، وتخرّج عليه جماعة، وصاروا من علماء العربيّة، ومن أبرزهم: أبو عليّ القاليّ، المتوفّى سنة (356هـ) . وأبو العَباَّس إسماعيل بن ميكال، المتوفّى سنة (362هـ) . وأبو سعيد السيرافي، المتوفَّى سنة (368هـ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 وأبو عبد الله الحسن بن خالويه، المتوفّى سنة (370هـ) . وأبو الحسن علي بن عيسى الرّمّاني، المتوفّى سنة (384هـ) . وأبو القاسم الزّجّاجيّ، المتوفى سنة (393هـ) . وقد خَلَّفَ ابن دريد تراثاً لغوياً وأدبياً حافلاً من المصنَّفَات، من أبرزها: 1 جمهرة اللّغة. 2 الاشتقاق. 3 المجتنى. 4 السّرج واللّجام. 5 وصف المطر والسّحاب. 6 الملاحن. 7 أدب الكتّاب. 8 المقصور والممدود. 9 تقويم اللّسان. 10 فعلت وأفعلت. ثانياً: معجم ((جمهرة اللّغة)) افتتح الخليل بن أحمد التّأليف المعجميّ المنظّم في معجمه ((العين)) وابتدع نظاماً رياضياً محكماً لحصر الألفاظ وترتيبها، لكي لا يندّ منها شيء عند تطبيقه على وجهه الصّحيح الكامل، وهو النّظام القائم على عنصرين يكمل أحدهما الآخر، وهما: التّرتيب المخرجيّ الصّوتيّ. ونظام التّقليبات. ففتح بذلك آفاقا كانت مغلقة أمام صُنَّاع المعاجم في العربيّة، فقلّده بعضهم، ونسج على منواله، وحاول بعضهم التّجديد بالتّطوير والتّهذيب، كابن دريد في الجمهرة، الّذي استبدل التّرتيب الهجائيّ (الأبتثيّ) (1) بالنّظام الصّوتيّ، فخطا بذلك خطوة موفّقة في الصّنعة المعجميّة للّغة العربيّة، وفتح للعلماء من بعده مسالك كانت مغلقة، هدتهم إلى مناهج جديدة. ويعدّ معجم الجمهرة من النّاحية التّاريخية المعجم الثّاني بعد العين في سلسلة المعاجم المنظّمة الكبيرة ذات المنهج النّاضج (2) ، فتبوّأ المنزلة الرّفيعة بين معاجم العربيّة؛ لتقدّمه، ولمنهجه الهجائيّ، ومكانة مؤلّفه العلميّة بين العلماء. ويقوم منهج ابن دريد في الجمهرة -في جملته- على نظام الأبنية، وهو التّقسيم الخارجيّ للمعاجم، مع إخضاع المادّة في كلّ بناء إلى التّرتيب الهجائيّ (الأبتثيّ) والتزام نظام التّقليبات، فجاء منهجه على النّحو التّالي: أوّلا: التّرتيب الخارجيّ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 قسّم ابن دريد معجمه إلى أبواب رئيسة، بحسب الأبنية، وهي: الثّنائيّ، والثّلاثيّ، والرّباعيّ، والخماسيّ، ثمّ اللّفيف والنّوادر، فجاء على النّحو التّالي: أالثّنائيّ، وفيه من الأبواب: 1 الثّنائيّ الصّحيح (والمراد به الثّلاثيّ المضعّف نحو: عدّ وصبّ) . 2 الثّنائيّ الملحق ببناء الرّباعيّ المكرّر (والمراد به الرّباعيّ المضاعف نحو زلزل ودمدم) . 3 الثّنائيّ المهموز وما يتّصل به من الحروف في المكرّر (نحو: بَأْبَأَ وتَأْتَأَ وثَأْثَأَ وجَأْجَأَ ... ) . 4 الثّنائيّ المعتلّ وما تشعَّبَ منه (نحو: هوى وأتى) . ب الثّلاثي، وفيه من الأبواب: 1 الثّلاثيّ الصّحيح (نحو: ضرب وكتب) . 2 الثّلاثيّ الّذي فيه حرفان مثلان (نحو: الخَبَب والجَرَج والقَلَق) . 3 الثّلاثيّ الأجوف متّحد الأوّل والآخر (نحو: سُوس وليل وباب) . 4 الثّلاثيّ المعتلّ (نحو: أَبَتَ، والبيت، وأبق، وبكى، ويلاحظ أنّ الهمزة عنده من حروف العلّة) . 5 النّوادر في الهمز (نحو: أَسَنَ وجَسَأ) . ج الرّباعيّ، وفيه من الأبواب: 1 الرّباعيّ الصّحيح (نحو: الجُعْتُب، وجَعْفَر) . 2 الرّباعيّ المعتلّ، ويتفرّع منه أبواب، منها: الرّباعيّ الذّي فيه مثلان (نحو: دردق وقردد) . والرّباعيّ على أوزان مختلفة (نحو: فِعَلّ وفِعِلّ وفُعُلّ ... ) . والملحق بالرّباعيّ بحرف زائد (نحو: طِرْيَف وعِلْيَب) . د الخماسيّ، وفيه أبواب على أوزان مختلفة: وألحق به أبواباً مختلفة، تشتمل على أوزان متفرّقة. هـ أبواب اللّفيف: وهي أبواب قصيرة يلتفّ بعضها على بعض -كما يقول ابن دريد- (1) وهي أبواب مختلفة مبنية على الأوزان، فمنها الثّلاثيّ المزيد، ومنها الرّباعيّ المزيد، ومنها الخماسيّ المزيد، وهي تشتمل -أيضا- على أبواب لبعض الموضوعات، كالإتباع، والاستعارات، والمذكّر والمؤنّث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 وأبواب النّوادر، وهي خليط من أبواب الموضوعات، كالمعرّب واللّغات، والمصادر، والجموع، وما يوصف به السّهام، وما توصف به الخيل، وأسماء الأيام والشّهور في الجاهليّة، ونحو ذلك. ولا يدخل البابان الأخيران ((اللّفيف)) و ((النّوادر)) في النّظام المعجميّ القائم على ترتيب الألفاظ، وهما مما عيب به صاحب الجمهرة؛ لأنّ مكانهما معاجم المعاني والموضوعات. ثانياً: التّرتيب الدّاخليّ: أخضع ابن دريد ترتيب كلّ بناء من أبنيته الثّنائيّة والثّلاثيّة والرّباعيّة إلى التّرتيب الهجائيّ (الأبتثيّ) مع التزامه نظام التّقليبات. ويظهر من خلال هذا المنهج الّذي اتّبعه ابن دريد أنّه خالف صاحب ((العين)) في مسألتين مهمّتين. إحداهما: اختياره النّظام الهجائيّ (الأبتثيّ) بدلاً عن النّظام الصّوتيّ. والأخرى: جعله الأبنية أساس منهجه وترتيبه، وفي كلّ بناء يتكرّر التّرتيب الهجائيّ (الأبتثيّ) من أوّله إلى آخره. أمّا صاحب ((العين)) فإنّ أساس المنهج عنده هو النّظام الصّوتيّ للحروف، وفي داخل كلّ حرف تأتي الأبنية، فهو مثلاً يبدأ بكتاب العين، ويذكر داخله جميع الأبنية الثّنائيّة والثّلاثيّة والرّباعيّة والخماسيّة، ثمّ يكرّر ذلك في كلّ حرف. وهذا يعني أنّ الأبنية هي التّرتيب الخارجيّ عند ابن دريد، وهي التّرتيب الدّاخليّ عند الخليل، أمّا ترتيب الحروف فهو التّرتيب الدّاخليّ عند ابن دريد، وهو التّرتيب الخارجيّ عند الخليل. ولهذا فإنّ الأبنية تتكرّر عند الخليل، ولا تتكرّر عند ابن دريد، أمّا التّرتيب فإنّه يتكرّر عند ابن دريد، ولا يتكرّر عند الخليل. هذا مجمل الفروق الرّئيسة بينهما، أمّا الجزئيّات فاختلافهما فيها كثير، ولا حاجة لذكرها. كتب مؤلّفة عن الجمهرة: عكف العلماء على درس ((الجمهرة)) أو حفظها أو اختصارها أو الاستدراك عليها أو نقدها؛ فألّفت عنها مؤلّفات منها: ((فائت الجمهرة)) (1) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 لأبي عمرو الزّاهد، غلام ثعلب (345هـ) . ((سقطات الجمهرة)) (1) لأبي عمرو الزّاهد، غلام ثعلب، ولعلّه هو الكتاب السّابق. ((جوهرة الجمهرة)) (2) للصّاحب بن عبّاد (385هـ) . ((نشر شواهد الجمهرة)) (3) لأبي العلاء المعرّيّ (449هـ) . ((نظم الجمهرة)) (4) ليحيى بن معطي (628هـ) . ((مختصر الجمهرة)) (5) لشرف الدّين محمّد بن نصر بن عُنَين الأنصاريّ (630هـ) . وهذه الكتب مفقودة أو في عداد المفقود، ولا نكاد نعرف عنها إلاّ ما توحيه عنواناتها. المبحث الثّاني موقف العلماء من صاحب الجمهرة أدّى ظهور معجم ((الجمهرة)) في مرحلة مبكّرة من تاريخ الصّنعة المعجميّة في اللّغة العربيّة إلى أن تلقّاه العلماء في بادئ الأمر بالتّرحيب، لأسباب منها: أشهرة مؤلّفة ابن دريد في اللّغة، وغزارة محفوظه فيها. ب حاجة العصر إلى معجم جديد يعضّد معجم العين، ويسدّ ما فيه من نقص، ويتلافى ما فيه من عيوب. ج تخلّصه من المنهج الصّوتيّ الّذي اتّبعه معجم ((العين)) واستبداله المنهج الأبتثيّ به، على الرّغم من أنّ ابن دريد ساير صاحب ((العين)) في نظام التّقليبات. وبعد ذيوع هذا المعجم الجديد وانتشاره في المشرق العربيّ، واستقراره بأيدي طلبة العلم ومحبّي العربية، رأى فيه بعض العلماء ما يكدّر الصّفو، فأعادوا النّظر فيه، ونشأت طائفة تقدح فيه، وفي مؤلّفه، يتزعّمهم ابن عرفة الشّهير ب (نفطويه) ثمّ انتشر بين الأجيال المتعاقبة من العلماء نقد ((الجمهرة)) والطّعن في علم مؤلّفها. ومن أبرز الطّاعنين في علم ابن دريد وفي عمله في ((الجمهرة)) : الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 نفطويه (323هـ) ، وأبو سعيد السّيرافيّ (368هـ) ، وأبو منصور الأزهريّ (370هـ) ، وأبو عليّ الفارسيّ (377هـ) ، وأبو الفتح ابن جنيّ (393هـ) ، وأبو الحسين ابن فارس (395هـ) ، وعبد القاهر الجرجانيّ (471هـ) وبعض الدّارسين المعاصرين، وهم يأخذون على ابن دريد مآخذ وينتقدون صنعته في ((الجمهرة)) . ويمكن حصر المآخذ في نقاط رئيسة، ومن أبرزها: أالخلل في الأصول اللّغويّة واضطرابها لفساد التّصريف: ومن أوّل من اتّهم ابن دريد بهذه التّهمة أبو سعيد السّيرافيّ، فيما رواه أبو حَيَّان التَّوحيديّ، قال: ((سألتُ السّيرافيَّ عن قول من قال: المزاح سمِّي مزاحا، لأنّه أزيح عن الحقّ، فقال: هذا محكيّ عن ابن دريد، وهو باطل، والميم من سِنخ الكلمة، في: مزحت أمزح، ومن أُزيحَ تكون زائدة. وقال أبو سعيد: كان أبو بكر ضعيفاً في التّصريف، والنّحو خاصّة، وفي كتاب الجمهرة خلل كثير. قلنا له: فلو فصلت بالبيان عن هذا الخلل، وفتحت لنا باباً من العلم، فقال: نحن إلى سَتْر زلاّت العلماء أحوج منا إلى كشفها. وانتهى الكلام. فلما نهضنا من مجلسه قال بعض أصحابنا: قد كان ينبغي لنا أن نقول له: حراسة العلم أَوْلى من حراسة العالِم وفي السّكوت عن أبي بكر إجلال، ولكن خيانة للعلم)) (1) . وكان أبو علي الفارسي يُعَرِّض بابن دريد، ويتنقّص منه، ويقلّل من شأنه (2) . ومن تعريضه به قوله في بعض كتبه في أثناء كلامه عن كلمة ((يستعور)) : ((وقد كان شيخ من أهل اللّغة وَزَنَ هذه الكلمة ب (يَفْتَعُول) حتى نُبِّهَ عليه، وله فيما كان أملاه من الأبنية حروف كثيرة تحتاج إلى إصلاح)) (3) . ثمّ جاء ابن جنّي تلميذ أبي عليّ وصَدَحَ بكلمة مؤلمة في حقّ ابن دريد أوردها في ((الخصائص)) وهي قوله: ((وأمّا كتاب الجمهرة ففيه – أيضاً – من اضطراب التّصنيف، وفساد التّصريف، ما أعذر واضعه فيه، لبعده عن معرفة هذا الأمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 ولمّا كتبته وَقَّعْتُ في متونه وحواشيه جميعاً من التّنبيه على هذه المواضع ما استحييت من كثرته، ثمّ إنّه لماّ طال عليَّ أومأت إلى بعضه، وأضربت البتّة عن بعضه)) (1) . وقال السّيوطيّ مفسّراً كلمة ابن جني هذه: ((مقصوده الفساد من حيث أبنية التّصريف، وذِكرُ الموادّ في غير محالّها … ولهذا قال: أعذر واضعه فيه لِبُعْدِهِ عن معرفة هذا الأمر، يعني أن ابنَ دريد قصير الباع في التّصريف، وإن كان طويل الباع في اللّغة، وكان ابن جنّي في التّصريف إماماً لا يشقّ غباره، فلذا قال ذلك)) (2) . ويظهر صدى كلمة ابن جنيّ تلك في قول عبد القاهر الجرجانيّ في أثناء حديثه عن ((الملك)) واحد الملائكة: ((وأما ذِكْرُ ابن دريد المَلَكَ في تركيب (م ل ك) فلا اعتداد به؛ لأنّه قد ذكر–أيضاً– لِثَة مع ثهلان، ورِعَة مع عَاهِر، وغير ذلك، مما هو من تصريف الصّبيان)) (3) . ويشير عبد السّلام هارون إلى ذلك المطعن الّذي قاله ابن جّنّي في حقّ ابن دريد وجمهرته، ويقرّر أنّه لا سبيل إلى ردّ هذا المطعن، وأنّ الاعتذار عنه داخل في نطاق التّعمّل والتّكلّف (4) . ويأخذ عليه بعض الباحثين المعاصرين (5) إلى جانب ما ذكر في هذا الشّأن اضطرابه في تاء التّأنيث، وعدّها من أصول الكلمة، وهو ما أومأ إليه عبد القاهر الجرجانّي في كلمته السّابقة. وسنقف في الفصل الثّاني من هذا البحث -إن شاء الله- على حقيقة هذا الخلل والاضطراب من خلال الفحص الدّقيق للجمهرة، وتوجيه ما يمكن توجيهه. ب اضطراب المنهج واختلال التصنيف: وذلك في أبواب الجمهرة التي لا تقوم في تقسيمها وترتيبها على أساس واحد، بل تقسم على أساس الألفاظ تارة وعلى أساس الأبنية تارة أخرى، وعلى أساس الموضوعات والظّواهر اللّغويّة في بعض الأحيان (6) . وسيتّضح اضطراب المنهج وخلل التّصنيف من خلال الفصل الثّاني، إن شاء الله. ج افتعال العربية، والكذب على العرب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 ومن أقدم من وجّه هذه التّهمة لابن دريد أبو منصور الأزهريّ، في ((تهذيب اللّغة)) وهو القائل: ((وممن أَلَّفَ في عصرنا فوُسِمَ بافتعال العربيّة، وتوليد الألفاظ، الّتي ليس لها أصول، وإدخال ما ليس من كلام العرب في كلامهم أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد صاحب كتاب الجمهرة)) (1) . ويقول: ((وتصفّحتُ كتاب الجمهرة له فلم أَرَهُ دالاّ على معرفة ثاقبة، وعثرتُ منه على حروف كثيرة أزالها عن وجوهها، وأوقع في تضاعيف الكتاب حروفاً كثيرة أنكرتها، ولم أعرف مخارجها، فأثبتها من كتابي في مواقعها منه لأبحث عنها أنا أو غيري ممّن ينظر فيه، فإن صَحَّت لبعض الأئمّة اعتُمدت، وإن لم توجد لغيره وُقِفَتْ)) (2) . وسَرَت كلمة الأزهريّ هذه إلى بعض اللّغويين من بعده، وتأثّروا بها في أحكامهم على ابن دريد، ومن هؤلاء ابن فارس الّذي يقول: ((ولولا حُسْنُ الظّن بأهل العلم لترك كثير ممّا حكاه ابن دريد)) (3) . ولا يعنينا البحث في أسباب هذا المطعن؛ لخروجه عن نطاق هذا البحث، ولكن حسبنا أن نقول: إنّ أكثر علماء العربية وَثَّقوا ابن دريد وقبلوا ما جاء به في الجمهرة، ونقلوه في معجماتهم أو كتبهم؛ لمعرفتهم به، ولرؤيتهم ما يفيد تحرّيه الصّدق في معجمه، كتعقيباته الكثيرة على ما يشكّ فيه، بعبارات مختلفة، من مثل قوله: ((لا أدري ما حقيقته)) و ((ليس بثبت)) و ((لا أَحُقُّه)) و ((كذا زعموا)) و ((فإنّه مولّد لا يؤخذ بلغته)) ونحو هذا، وهو كثير مبثوث في الجمهرة. ولعلّ الأزهريّ كان متأثّرا بأقوال شيخه ((نفطويه)) وطعنه في ابن دريد، واتّهامه بسرقة ((العين)) وكان بين الرّجلين –ابن دريد ونفطويه– تنافس شديد، ومنافرة مشهورة، وقد تقرّر في علم الحديث أنّ كلام الأقران في بعضهم لا يقدح، كما يقول السّيوطيّ (4) . نعم، ولم تكن هذه الملحوظات وغيرها قادحة في علم ابن دريد، أو في معجمه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 ((الجمهرة)) عند كثير من العلماء، الّذين أقرّوا له بالحذق والاستيعاب في العربية، والتقدّم في صناعة المعاجم، فأثنوا عليه. ومن حقّ ابن دريد علينا أن نذكر بعضهم إنصافاً له وللعلم: فمن هؤلاء أبو عليّ القاليّ الّذي تتلمذ على ابن دريد، وتعلّم على يديه صناعة المعاجم، فأخرج معجمه ((البارع)) وكان كثير الثّناء على شيخه، ويصفه بأنّه: ((إمام هذه العلم في عصره، ومنقطع القرين فيه في دهره)) (1) . ولم يزل القالي يشهد لشيخه ابن دريد بثبات الذّهن، وكمال العقل، على الرّغم من علوّ سِنّه، ومناهزته التّسعين، وتعرّضه للأمراض، كالفالج وغيره، فيقول: ((وكنت أسأله عن شكوكي في اللّغة، وهو بهذه الحال، فيردّ بأسرع من النَّفَس، بالصّواب. وقال لي مَرَّةً – وقد سألته عن بيت شعر: لئن طُفِئَتْ شحمتا عينيّ لم تجد من يشفيك من العلم)) (2) . ومنهم أبو الطّيّب اللّغويّ، ومما قاله عنه: (( … فهو الذي انتهى إليه علم لغة البصريين، وكان أحفظ النّاس، وأوسعَهم علماً، وأقدَرَهم على شعر، وما ازدحمَ العلم والشّعر في صدر أحد ازدحامهما في صدر خلف الأحمر وأبي بكر بن دريد)) (3) . ومنهم أبو الحسن المسعوديّ، إذ قال ممتدحاً ابن دريد: ((انتهى في اللّغة، وقام مقام الخليل بن أحمد فيها)) (4) . ومنهم أبو بكر الزّبيديّ، وهو القائل في ترجمته: (( … وكان أعلم النّاس في زمانه باللّغة والشّعر وأيّام العرب وأنسابها وله أوضاع جمّة)) (5) . وكان أبو البركات الأنباريّ يقول عنه: إنّه ((من أكابر علماء العربيّة)) (6) . أمّا القفطيّ فجعله ((رأس أهل العلم، والمتقدّم في حفظ اللّغة وأشعار العرب)) (7) . وأثنى بعض علمائنا المعاصرين على ابن دريد (8) ووصفوه بأنّه صدوق، حافظ، ضابط، مُتَحَرٍّ للصّواب فيما يرويه (9) ، فتمكّن من علم العربيّة، وأنّ في الجمهرة ما يشهد بقدرته اللّغويّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 ويتّفق الفريقان -منتقدو ابن دريد وممتدحوه- على أنّه كان ذا حافظة قويّة، أفاد منها في تأليف معجمه، فأملاه من ذاكرته إملاء، من غير نظر في شيء من الكتب، إلاّ في بابي الهمزة واللّفيف، فإنّه طالع لهما بعض الكتب (1) . الفصل الثّاني خلل الأصول في الجمهرة تقدّم أنّ ابن دريد خالف الخليل في منهجه، فقسّم ((الجمهرة)) تقسيماً بنائياً، فجاءت الأبواب الرّئيسة عنده ستّة وهي: أبواب الثّنائيّ. أبواب الثّلاثيّ. أبواب الرّباعيّ. أبواب الخماسيّ. أبواب اللّفيف. أبواب النّوادر. وهذا الباب الأخير ليس من أبواب الأبنية، بل هو من أبواب الموضوعات –كما تقدّم– فلا يظهر فيه خلل الأصول خلافاً للأبواب الخمسة قبله، ولذا فإنّه من المناسب –في هذا البحث– أن نعرض خلل الأصول من خلال تلك الأبواب الخمسة الرّئيسة؛ ليكون الحكم عليها وَفْقَ منهج المعجم، ومفهوم صاحبه، وهو ما نأتي عليه في المباحث التّالية: المبحث الأوّل: الخلل في الثّنائيّ وما ألحق به في أبواب الثّنائيّ شيء غير قليل من الخلل في الأصول، وهو في جملته نوعان: أحدهما: اضطراب الأصول في الثّنائيّ المعتل. والآخر: الاضطراب في الرّباعيّ المكرّر، وفيما يلي بيانهما: أوّلاً: اضطراب الأصول في الثّنائيّ المعتلّ: أفرد ابن دريد الثّنائيّ المعتلّ بباب، ويعني به ما جاء فيه حرف واحد صحيح، ومعه حرفان من حروف العلّة الواو والياء وكذلك الهمزة، لأنّها من حروف العلّة عنده، ولهذا فإنّه يذكر رؤوس الموادّ (أصولها) على النّحو التّالي: (ب أوى) ، (ت أوى) ، (ث أوى) (ج أوى) ، (ح أوى) وهكذا، وهي ثلاثيّة الأصول، ويذكر لكلّ أصل منها تقليباته المستعملة فيه، ويترك المهمل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 ويلاحظ أنّ في أصل كلّ مادّة ثلاثية حرفاً صحيحاً واحداً، ومعه حرفان من حروف العلّة هذه، وهي (الهمزة والواو والياء) ولا تجتمع هذه الثّلاثة مع حرف صحيح في أصل كلمة واحدة في هذا الباب بل يأتي منها اثنان فحسب ليكملا مع الحرف الصّحيح الأصل الثّلاثيّ، ويتّضح هذا من تقليبات مادّة (ج أوى) مثلاً، وهي كما وردت في الجمهرة: (جوا) و (جأى) و (جوأ) و (وجأ) و (جيأ) و (جيا) وهذه التّقليبات السّتّة ثلاثيّة كما ترى، ولا اعتراض عليها، فهي توافق منهجه، ولا تخالف أبنية اللّغة وأصولها عند تطبيقها تطبيقاً صحيحاً، وقد سبقه إليها الخليل، فذكر في آخر كلّ كتاب من الثّلاثيّ باباً سماه: ((باب اللّفيف)) وجعل الهمزة مع حروف العلّة (1) . ولكن ثمّة اضطراب في الأبنية في هذا الباب عند ابن دريد، إذ يأتي –أحياناً– في بعض التّقليبات بأصول ليست من المادّة الّتي معه كقوله في مادّة (ف أوى) : ((فُوَّهة النّهر: الموضع الّذي يخرج منه ماؤه. وكذلك فُوَّهة الوادي … وأفواه الطّيب واحدها فُوهٌ)) (2) . و ((فُوّهة)) و ((فُوه)) و ((أفواه)) ليست من هذه المادّة، فهي من (ف وهـ) ومكانها باب الثّلاثيّ المعتلّ، وَفْقَ منهجه، وليس الثّنائيّ المعتلّ. وقال في مادّة (س أوى) : ((والسُّوس: هذه الدّابّة المعروفة. وساس الطّعام يَسَاس، إذا وقع فيه السّوس … ويقال: سِيسَ الطّعام فهو مَسُوس … وكذلك سَوَّس تسويساً … )) (3) وكلمة السّوس وما تفرّع منها من مشتقات ليست من هذه المادّة، فهي من (س وس) ومكانها باب ((ما كان عين الفعل منه أحد حروف اللّين)) (4) على منهجه، وهو من أبواب الثّلاثيّ، وقد ذكره هناك في موضعه (5) . وقال في مادّة (ط أوى) : ((والطُّوط: القطن … وطاط الفحلُ إذا هاجَ … )) (6) . وليس هذا من هذه المادّة بل هو من (ط وط) وهو كسابقه، وقد ذكره في موضعه (7) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 وقال في مادّة (ف أو ى) : ((الفُوف: الثّوب الرّقيق والفُوفة: القشرة على النّواة، وثوب مُفَوَّف: مُوَشًّى، فيه رِقَّةٌ والفُوف: البياض الّذي يخرج على أظفار الصِّبيان)) (1) . وليس هذا من هذه المادّة، فأصله (ف وف) وهو كسابقه. وقال في مادّة (ك أوى) : ((وكان أبو حاتم يقول: سمعت بعض من أثق به يقول: الكَيْكة: البيضة، ولم يسمع من غيره)) (2) . وهذا من مادّة (ك ي ك) وهو كسابقه. وقال في مادّة (ل أو ى) : ((واللّيل: ضد النّهار. واللّيل فَرْخُ الحُبارى وليلة ليلاء، ممدودة، أي صعبة، وكذلك ليل أَلْيَلُ … )) (3) . وهذا من مادّة (ل ي ل) وهو كسابقه. وقال في مادّة (م أو ى) : ((والمُوم: الشّمع، عربيّ، معروف … والمُوم: البِرْسام)) (4) . وهذا من مادّة (م وم) وهو كالّذي تقدم. وقد يضطرب ابن دريد، فيأتي في هذا الباب بألفاظ من الثّلاثيّ المضعّف، ممّا ورد عنده في الثّنائيّ الصّحيح، أو ممّا مكانه هناك وَفْقَ منهجه، كقوله في مادّة (ر أو ى) : ((ورجل مِئَرٌّ: كثير النّكاح)) (5) . وهذا ليس من هذه المادّة؛ لأنّ ((مِئرّاً)) على وزن (مِفْعَل) وأصله على هذا البناء (أر ر) وفي هذا الأصل وضعه الجوهريّ (6) وابن منظور (7) . أمّا ما نُقِل عن أبي عبيد أنّ قولهم: ((رجل مِئَرٌّ … مأخوذ من الأير)) (8) فلا يقبله التّصريف، وهو فاسد؛ لأنّ (مِفعلاً) منه – حينئذ – ((مِئْيَر)) وليس ((مِئَرّاً)) مثل ((مِخْيَط)) من الخيط. والوجه أنّه من قولهم: أَرَرْتُ المرأة أؤرّها أرّاً، إذا نكحتَها، وعلى هذا الفراء فيما ذكره الأزهريّ (9) ، عن أبي عبيد. وقد ذكره ابن دريد في (أرر) أيضاً – من باب الثّنائيّ الصّحيح (10) ، وهذا هو الصّواب. وقال ابن دريد في مادّة (س أوى) : ((وأُسّ البناء، والجمع آساس، معروف)) (11) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 وهذا ليس من هذه المادّة بل هو من (أس س) ومكانه على منهج صاحب الجمهرة في الثّنائيّ الصّحيح، وقد أورده هناك (1) . وقال في مادّة (ص أوى) : ((الأَصيصُ: البناء المحكم، مثل الرَّصيص، سواء)) (2) . وهذا من مادّة (أص ص) وهو كسابقه. وقال في مادّة (ل أوى) : ((الأَلِيلة: الثُّكْلُ … والإلّ (3) : جبل رمل، يقوم عليه الإمام بعَرَفَة … )) (4) وليس هذا من هذه المادّة، فأصله (أل ل) ومكانه الثّنائيّ الصّحيح. وقال في مادّة (م أرى) : ((وقد سَمّوا أُمامة … )) (5) وهذا من (أم م) وهو كسابقه. وقال – أيضاً – في مادّة (م أوى) : ((واليمام: ضرب من الطّير، الواحدة يمامة، وسُمّيت اليمامة بامرأة، كان لها حديث)) (6) . وهذا من مادّة (ي م م) . ثانياً: الاضطراب في الرّباعيّ المكرّر: ثمة نوع من الأصول الرّباعيّة يدعى الرّباعيّ المكرّر أو المضاعف، نحو ((زلزل)) و ((دمدم)) ووزنه عند جمهور اللّغويين (فعلل) (7) ولهذا وضع له ابن دريد باباً خاصاً ألحقه بباب الثّنائيّ، سمّاه: ((الثّنائيّ الملحق ببناء الرّباعيّ المكرّر)) (8) ولكن الأصول اضطربت لديه في تقليبات بعض الموادّ في هذا الباب، إذ نجده يورد ألفاظاً ثلاثيّة الأصول في موادّ رباعيّة، كقوله في مادّة (ع ب ع ب) معكوس (ب ع ب ع) : ((وعُباب كلّ شيء أوّله. وجاء بنو فلان يَعُبّ عُبابُهم؛ أي: جاءوا بكثرتهم)) (9) . وهذا ثلاثيّ، وهو من مادّة (ع ب ب) ، ومكانه –وفق منهج ابن دريد– ((باب من الثّلاثيّ يجتمع فيه حرفان مثلان في موضع الفاء والعين، أو العين واللاّم، أو الفاء واللاّم)) (10) وهو من الثّنائيّ على منهج الخليل في ((العين)) ومن سار على طريقته. وابن دريد نفسه يذكر أحياناً أشياء مثل هذا في باب الصّحيح خلافاً لمنهجه، ولا تكاد تخلو مادّة من ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 وقال في مادّة (ح ط ح ط) : ((والحَطَاط واحدها حطاطة، وهو بَثْرٌ صِغار أبيض يظهر في الوجوه، ومن ذلك قولهم للشّيء إذا استصغروه: حَطَاطة)) (1) . وهذا ثلاثيّ –أيضاً– من مادّة (ح ط ط) وهو كسابقه. ومثل ذلك قوله في مادّة (ك س ك س) : ((الكَسِيس: لحم يجفّف، ثمّ يدقّ كالسّويق، فيُتَزَوّد به في الأسفار)) (2) . وقوله في مادّة (ش ظ ش ظ) : ((أهملت في التّكرير إلاّ في قولهم: الشِّظاظان: خشبتان في عُرَى الجَواليق)) (3) . وقوله في مادّة (ك ي ك ي) : ((وزعم بعض أهل اللّغة أنّ البيضة تسمّى كَيْكَة، ولا أعرف غيره)) (4) . وهذا كلّه من الثّلاثيّ المضعّف وليس من الرّباعيّ المضاعف المذكور في هذا الباب. المبحث الثّاني: الخلل في الثّلاثيّ وما ألحق به كثر خلل الأصول في الثّلاثيّ عند ابن دريد، وهو يتركّز في ثلاثة أبواب، وهي: الصّحيح، والمعتلّ، والمهموز وفيما يلي بيانها: أوّلاً: الخلل في أبواب الثّلاثيّ الصّحيح: اضطرب ابن دريد في هذا في نوعين، أحدهما ما فيه تاء التّأنيث، والآخر: ما فيه حرفان مثلان، وهما ما يأتي: أ – المؤنّث بالتّاء: لابن دريد مذهب غريب في رؤيته للأصول اللّغويّة ووضعها في المعجم، وهو أنّه يعدّ هاء التّأنيث (تاء التّأنيث) أصلاً في بناء الثّلاثيّ الصّحيح، أي يعدّها حرفاً من حروف الكلمة الأصول، وهذا مذهب فاسد في الصّنعة المعجميّة ترتّب عليه خلل ظاهر في الأصول اللّغويّة، ولذا اضطربَ كثيراً في نوعين من الأصول، وهما: المضعّف المؤنّث بالتّاء والمعتلّ (5) المؤنّث بالتّاء، وهما كما يلي: 1 المضعّف: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 أورد ابن دريد أصولاً ثلاثية مضعّفة مؤنّثة بالتّاء في تقليبات أصول ثلاثيّة صحيحة لا تضعيف فيها، لنظرته الخاصّة لتاء التّأنيث، وجعلها من الأصول، فأورد ((الحَبَّة: واحد الحبّ)) (1) في تقليبات مادّة (ب ح هـ) وهي ليست منها، لأنّ أصلها (ح ب ب) ومكانها: المضعّف من الثّنائيّ على منهجه. وأورد ((السَّبَّة: الدّهر … )) (2) في تقليبات مادّة (ب س هـ) وهي من (س ب ب) . و ((الصُّبَّة: الكُثْبَة من الطّعام وغيره … )) (3) في تقليبات مادّة (ب ص هـ) وهي من (ص ب ب) . و ((البَطَّة: هذا الطّائر … والبُطَّة: إناء كالقارورة … )) (4) في مادّة (ب ط هـ) وهي من (ب ط ط) . وأورد ((بكّة: اسم لمكّة لتباكّ النّاس بها، أي: لازدحامهم)) (5) في مادّة (ب ك هـ) وهي من (ب ك ك) . و ((الكُبَّة من الغزل: عربيّة معروفة، والكَبَّة: الحملة في الحرب)) (6) في تقليبات مادّة (ب ك هـ) وهي من (ك ب ب) . و ((البَنَّة: الرّائحة الطّيّبة)) (7) في مادّة (ب ن هـ) وهي من (ب ن ن) وسار على هذه الطّريقة في كثير من موادّ الثّلاثيّ الصّحيح (8) . 2 المعتلّ: أورد ابن دريد في أصول ثلاثيّة صحيحة أصولاً ثلاثيّة معتلّة مؤنّثة بالتّاء، منها ما هو من المثال، ومنها ما هو من النّاقص. فممّا جاء من المثال في أبواب الصّحيح: ((السَّعَة: ضدّ الضّيق)) (9) ذكرها ابن دريد في مادّة (س ع هـ) ولكنّه أشار إلى أنّها ناقصة، ووعد بأن يعيدها في بابها، وهو يعني باب المعتلّ من الثّلاثيّ، وأصل ((السَّعَة)) (وس ع) وكان ينبغي ألاّ يذكرها في (س ع هـ) ولو على سبيل الإحالة؛ لأنّه لا صلة لها بهذا الأصل. وجعل ((الصِّلة من قولهم: وصلته صلةً حسنة)) (10) في مادّة (ص ل هـ) وهي من (وص ل) وأشار إلى أنّها ناقصة. وأورد ((العِظة من الوعظ)) (11) في تقليبات مادّة (ظ ع هـ) وهي من (وع ظ) وأشار– أيضاً – إلى أنّها ناقصة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 وممّا جاء من النّاقص: قوله: ((البُرَة: الحلقة الّتي تجعل في حِتار أنف البعير … )) (1) جعلها في مادّة (ب ر هـ) وليست من هذه المادّة، بل هي من (ب ر ى) . وذكر ((المِصْحاة: إناء يشرب فيه الماء من فضّة أو غيرها … )) (2) في تقليبات مادّة (ح ص هـ) وهي (مِفْعَلَة) من (ص ح و) . وأورد ((الحُمَة؛ مخفّفة: حرارة السّمّ … )) (3) في مادّة (ح م هـ) وليست هي من هذه المادّة، فأصلها (ح م و) ومثل هذا في ((الجمهرة)) كثير (4) . ب ما فيه حرفان مثلان: وهو بالنّظر إلى أصله إمّا ثلاثيّ، أورده في أبواب الثّنائيّ وإمّا رباعيّ مكرّر أورده في أبواب الثّلاثيّ الصّحيح، ومن الثّلاثيّ قوله في مادّة (ش ل ل) : ((ويقال: شَوَّلت بالقوم نِيَّة، وشالت؛ إذا استخَفَّتهم؛ أي: ارتحلوا)) (5) . وهذا ليس من المادّة في شيء، وهو من (ش ول) ومكانه الثّلاثيّ المعتلّ، على منهج ابن دريد. ومنه قوله في مادّة (س وو) : ((رَجُلُ سَوْءٍ)) (6) . وهو من مادّة (س وأ) وليس من الثّنائيّ المضعّف. وقوله في مادّة (ر ي ي) : ((الرِّيّ: مصدر رَوِيَ يَرْوَى رِيّا)) (7) . وينبغي أن يذكر هذا في مادّة (روي) من باب الثنائي المعتل، وما تشعب منه، على منهج ابن دريد؛ لأنّ الياء الأولى المدغمة في ((الرّيّ)) واو قلبت ياء للكسرة التي قبلها، وقد ذكره – أيضاً – في موضعه (8) على الصّواب. ومما أورده في أبواب الثّلاثيّ الصّحيح من الرّباعيّ المكرر قوله في تقليبات (ب د هـ) : ((الهُدَبِدُ: العَشَى في العين، وهو الّذي لا يبصر ليلاً … والهُدَبِد اللّبن الخاثر … )) (9) وقوله في تقليبات (د ق هـ) : ((الدَّهْدَقَة: تَقَطُّع اللحم، وتكسّر العظام … )) (10) وقوله في تقليبات (ج وهـ) : ((يَوْمُ جُهْجُوهٍ: يومٌ معروف، لبني تميم … )) (11) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 وهذه الثّلاثة ليست ثلاثيّة، ف ((الهُدَبِد)) و ((الدّهدقة)) و ((جُهْجُوه)) كلمات رباعيّة، وأوزانها على التّوالي: (فُعَلِل) و (فَعْلَلَة) و (فُعْلُول) وهذا مذهب الجمهور، وقد فصّل ابن جنّي (1) في هذا النّوع الرّباعيّ تفصيلاً لا مزيد عليه، ولا حاجة لإيراده هنا. ثانياً: الخلل في أبواب المعتلّ: وفي هذا النّوع خلل بَيِّنٌ، وهو في الجملة من نوع واحد، وخلاصته أن ابن دريد يأتي في بعض الموادّ من هذا النّوع بأصول ثلاثيّة صحيحة مضعّفة ليست منه، كقوله في تقليبات (ب ل – واي) : ((أَبَلَّ المريضُ يُبِلُّ إبلالاً من مرضه، وأَبَلَّ الرجل: أعيا فساداً وخبثاً … )) (2) وهذا -كما ترى– من مادّة (ب ل ل) ولا صلة له بالمعتلّ. وقوله في تقليبات مادّة (ب ن – واي) : ((أَبَنَّ بالمكان يُبِنُّ إبنانا، إذا أقام به فهو مُبِنٌّ)) (3) . وهذا من مادّة (ب ن ن) . وقوله في تقليبات (ش ط – واي) : ((أَشَطَّ يُشِطُّ إشطاطا، إذا جار في السَّوم، فهو مُشِطّ)) (4) . وهذا من (ش ط ط) ولا صلة له بالمعتلّ. ومن هذا إيراده ((الأَحَذّ)) في (ح ذ – واى) و ((فرس أَغَرّ)) في تقليبات (رغ – واي) و ((أَرَمّ القوم)) في (رم – واي) و ((أَشَظَّ يُشِظُّ)) في (ش ظ – واي) . وليست هذه من تلك، وهي كسابقتها من أصول ثلاثيّة مضعّفة. ثالثاً: الخلل في باب المهموز: عقد ابن دريد للمهموز في الثّلاثيّ باباً بعنوان: ((باب النّوادر في الهمز)) (5) أتى فيه على الألفاظ الثّلاثية الّتي في أصولها همزة في الفاء مثل: أَنَتَ الرَّجُلُ، وهو أشَدُّ من الأنين، أو في العين، مثل: أَذْأَرتُ الرجلَ بصاحبه إذآراً؛ أي: حَرَّشتُهُ وأولعتُهُ به، أو في اللام، مثل: أرجأت الأمر. ولكنّ ابن دريد – كعادته – اضطرب في بعض الأصول، فأورد ألفاظاً ثلاثية ليست مهموزة الأصول، نحو: ((أَلَبَّ بالمكان إلبابا)) (6) إذا أقام به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 و ((أَرَبَّ به إربابا)) (1) كذلك. و ((أَبَنَّ به إبنانا)) (2) – أيضاً. و ((أَلَجَّ القوم إلجاجا، إذا سمعت لهم لَجَّة؛ أي: صوتاً)) (3) . و ((أَرَنُّوا إرنانا، إذا سمعتَ لهم رنينا)) (4) . و ((أَزْنَنْتُ الرّجل بالشّيء إزنانا، إذا اتّهمته)) (5) . وأصول هذه الأفعال على التّوالي هي: (ل ب ب) و (رب ب) و (ب ن ن) و (ل ج ج) و (ر ن ن) و (ز ن ن) والهمزة فيها جميعاً زائدة، وهي على وزن (أفعل) . ولعلّ ابن دريد رأى هذه الهمزة في هذه الأفعال فظنّها أصليّة، أو ذهل عنها، أو عاملها معاملة الأصليّ. وجاء ابن دريد في هذا الباب بألفاظ مهموزة، ولكنّها ليست ثلاثيّة، كقوله: ((تكأكأتُ عنه: توقّفت)) (6) . و ((زأزأتِ المرأةُ، إذا حرّكت منكبيها في مشيتها)) (7) . و ((جُؤجُؤ الطائر، وهو الصّدر)) (8) . و ((البؤبؤ: الأصل)) (9) . وهذه من الرّباعيّ المضاعف، الّذي عقد له باباً في الثّنائيّ وسماه ((الثنائي الملحق ببناء الرّباعيّ المكرّر)) (10) وألحق به باباً خاصاً للمهموز منه (11) . المبحث الثّالث: الخلل في الرّباعيّ وما ألحق به أورد ابن دريد ألفاظاً ليست رباعيّة الأصول في أبواب الرّباعيّ، وهو يضطرب هنا فيما فيه تاء تأنيث، وما فيه حرف علّة زائد، وما فيه نون ثانية زائدة، وما فيه حرف مكرّر للإلحاق، ونحو ذلك. ويمكن بيان هذه الأنواع فيما يأتي: أوّلاً: ما فيه تاء تأنيث: وأعني به الأسماء المؤنّثة بتاء التّأنيث، وهذا النّوع ممّا يكثر فيه الخلط والاضطراب في الجمهرة، وقد تقدّم منه أشياء في المبحث السّابق في الكلام على الثّلاثيّ. وفي أبواب الرّباعيّ – هنا – أسماء ليست رباعيّة مؤنّثة بتاء التّأنيث جعلها ابن دريد من الرّباعيّ لعلّة نذكرها – إن شاء الله – في الفصل الثّالث، في الحديث عن أسباب الخلل والاضطراب في الجمهرة، وحسبنا – هنا – أن نعرض الخلل في الأصول، كما هو. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 ومن هذه الألفاظ الّتي أوردها ابن دريد في الرّباعيّ لنظرته إلى تاء التّأنيث وعدّها من أصل الكلمة: ((والثَّبْرَة: الأرض السّهلة)) (1) وهي من الثّلاثيّ (ث ب ر) وليست من الرّباعيّ و ((البَثْنَة الأرض السّهلة اللّينة، وبه سُمّيت بَثْنة وبُثَينة)) (2) وهي من الثّلاثيّ (ب ث ن) . و ((بُجْرة: اسم)) (3) وهي من (ب ج ر) و ((الرُّجْبَة: بناء يبني تحت النّخلة إذا مالت)) (4) وهي ليست من الرّباعيّ. و ((الجِربة: القَراح، الّذي يُزرع فيه)) (5) وهي كسابقتها. و ((الجَعْبة للنَّشَّاب كالكنانة للنّبل)) (6) وهي ثلاثيّة كسابقتها. و ((الخِنَّابة والخُنَّابة: خِنَّابة الأنف، وهي جانبا الأنف، أو وتريه)) (7) . و ((العُنتة … وهو المبالغ في الأمر إذا أخذ فيه)) (8) . و ((التُّلُنَّة: البقيّة من الشّيء)) (9) . و ((الخَثْلَة: أسفل البطن)) (10) . و ((دَعْثَة: اسم أبي بطن من العرب)) (11) . ومثل هذا كثير (12) ، وابن دريد لا يجهل أنّه من الثّلاثيّ، وأنّ هاء التّأنيث فيه ليست من أصل بنائه، ولكنّه أورده لعِلَّة نذكرها لاحقاً -إن شاء الله- كما أشرت آنفاً. ثانياً: ما فيه حرف علّة زائد أورد ابن دريد في باب الرّباعيّ الصّحيح ألفاظاً ملحقة بالرّباعيّ بحرف علّة، وهي ثلاثيّة الأصول، نحو: ((البَحْوَن: الرّمل المتراكب)) (13) فهذا ثلاثيّ على وزن (فَعْوَل) وهو ملحق بالرّباعيّ (فَعْلَل) كجعفر، وموضعه الثّلاثيّ (ب ح ن) . ومنه: ((البَيْقَر: عَدْوٌ يطأطئ الرّجل فيه رأسه)) (14) وهو من الثّلاثيّ (ب ق ر) والياء فيه زائدة للإلحاق بالرّباعيّ، ووزنه (فَيْعَل) ملحق ب (فَعْلَل) . ومنه ((الحَوْكَلَة: أن يمشي الرّجل ويضع يديه في خصره، يعتمد عليهما)) (15) . فهو من (ح ك ل) والواو زائدة للإلحاق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 وينبغي أن تذكر مثل هذه الألفاظ في أبواب الثّلاثيّ، وليس لذكرها في الرّباعيّ الصّحيح مسوّغ مقبول. ويلحق بهذا ما ذكره تحت بعض العناوين الخاصّة، ك ((باب ما جاء على فِيَعْل وفِوَعل)) (1) . ومما أورده فيه: ((رجل حِيَفْسٌ: ضخم آدم ... ورجل زِيَفْنٌ: طويل)) (2) . وحرف العلة في هاتين الكلمتين زائد، وهما ثلاثيتان، ومكانهما أبواب الثّلاثيّ. ومن ذلك ما ذكره تحت عناوين مختلفة، مثل ((باب فَيْعَل)) (3) و ((باب ما جاء على فَوْعَل)) (4) و ((باب ما جاء على فَعْوَل)) (5) و ((باب فَعَلَى من الأسماء والصّفات)) (6) و ((باب ما جاء على فُعَلَى)) (7) ، و ((باب ما جاء على فَعْلَى)) (8) و ((باب ما جاء على فُعْلَى)) (9) . ومكان هذه الأبواب هو الثّلاثيّ وما ألحق به؛ لأنّ حرف العلّة في هذه الأبنية زائد، والأصل فيها ثلاثيّ. ثالثاً: ما فيه نون ثانية زائدة: أدرج ابن دريد في باب الرّباعيّ كلمات على أربعة أحرف في الصّورة ثانيها نون، ونصّ على زيادة تلك النّون، فهي ثلاثيّة الأصول، كقوله: ((عَنبَسٌ: من أسماء الأسد، والنّون زائدة؛ لأنّه من العُبوس)) (10) . ومكانه إذا كانت النّون زائدة مادّة (ع ب س) من أبواب الثّلاثيّ، ولم يشر إلى ذلك مع أنّه ذكره هناك (11) على الوجه الصّحيح على منهج معاجم الألفاظ الّتي تقوم على الأصول. ومنه قوله: ((حَنْدَم: اسم، النّون فيه زائدة، وهو من الحَدْم، والحَدْم شدّة التهاب النّار وحرارتها)) (12) . وهذا ثلاثيّ مع إقراره بزيادة النّون، ولم يذكره في موضعه من الثّلاثيّ. ومثله قوله: ((حَنْكَش: اسم، والنّون زائدة، وهو من الحَكْش، والحَكْشُ: التّجمع)) (13) . وقوله: ((شُندُق: اسم، النّون فيه زائدة، وهو من الشَّدَق)) (14) . وهذا النّوع أقرب إلى خلل المنهج في صناعة المعجم؛ لأنه نبه على الأصل، كما ترى. رابعاً: ما فيه حرف مكرّر للإلحاق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 أورد في أبواب الرّباعيّ المعتلّ ما فيه حرفان مثلان في آخره، ومنه قوله: ((شُرْبُب: موضع. ودُعْبُب: ثمر نبت. وحُلْبُب –أيضاً– مثله. وصِندِد: اسم جبل معروف. ورِمْدِد –وهو الرّماد– ويقال: رمدداء –أيضاً- ممدود. وسُرْدُد: موضع … وقَرْدَد: أرض صلبة شَديدة)) (1) . وهذه الألفاظ ثلاثيّة الأصول، كُرِّرَ الحرف فيها لإلحاق الثّلاثيّ بالرّباعيّ، كقولهم في ضرب: ضربب (2) ، إلحاقا بدحرج، وليست هي رباعيّة الأصول، ف ((شُرْبُب)) و ((دُعْبُب)) و ((سُرْدُد)) ملحقة ب ((جُؤذُر)) و ((صِنْدِد)) و ((رِمْدِد)) ملحقان ب ((زِبْرِج)) و ((قَرْدَد)) ملحق ب ((جَعْفَر)) خامساً: ما فيه تضعيف: وهذا على نوعين: أحدهما ما ضعّفت لامه، والآخر ما ضعّفت عينه، وهما كما يلي: 1 ما ضعّفت لامه: وجعل له بابا عَنْوَنَه بقوله: ((باب ما جاء من الرّباعيّ على فِعَلّ وفِعِلّ وفُعُلّ وإن كان لفظه ثلاثياً فهو رباعيّ يلحق بباب فَعْلَل)) (3) . ومما أورده فيه قوله: ((وخِدَبّ، بعير خِدَبّ، إذا كان عظيم الخَلْق)) (4) . و ((هِبِلّ: عظيم الخلق من الإبل، والنّاس)) (5) . و ((رجل كُبُنّ وحُبُنّ، إذا كان منقبضاً، وربما سُمّي البخيل كُبُنًّا)) (6) . 2 ما ضعفّت عينه: وجعل له بابين، أحدهما: ((باب ما جاء على فُعَّل لفظه الثّلاثيّ، وهو رباعيّ)) (7) والآخر بعنوان: ((باب ما جاء على فَعَّل)) (8) . وممّا أورده في الأوّل قوله: ((غُرّب: موضع)) (9) . و ((غُبَّر: باقي اللّبن في الضّرغ، وكذلك غُبَّر الحيض)) (10) . و ((زُمَّج: ضرب من الطّير، فارسيّ معرب، وقد تكلّمت به العرب)) (11) . ومما أورده في الثّنائيّ: ((خَضَّم: وهو لقب العنبر بن عمرو ... وبَذَّر: موضع)) (12) ، ويقال في هذا النّوع ما قيل في سابقه مما ضُعّفت لامه. سادسا: كلمات متفرّقة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 ثمّة كلمات متفرقة وضعت في أبواب الرّباعيّ وليست رباعيّة، فمنها قوله في الرّباعيّ الصّحيح: ((جَحْمَرِش: عجوز كبيرة)) (1) . وهذا اللّفظ خماسيّ كما ترى. ومنها قوله فيه: ((الغَضَف: خُوص طوال يشبه خوص المُقْل، وليس به؛ يقال له نخل الشّيطان)) (2) ، وهذا ثلاثيّ كما ترى. وقوله: ((فأمّا المُقْرَم فالفحل من الإبل، لا يبتذل بحمل، ولا يذلّل، وبذلك سمّي السّيّد مُقْرَماً)) (3) وهذا ثلاثي والميم فيه زائدة، ووزنه (مُفْعَل) من أَقْرَمَهُ، أي جعله قَرْماً، فهو مُقْرَم (4) . وذكر في باب (فَوْعَل) : ((القَسْوَر: نبت، والقَسْوَر أيضاً: اسم من أسماء الأسد، زعموا، وهو القَسْوَرَة ... )) (5) . وهذا ليس من باب (فَوْعَل) وفوق ذلك ليس رباعياً، ووزنه (فَعْوَل) ولعلّه سهو من ابن دريد. المبحث الرّابع ا: لخلل في الخماسيّ وما ألحق به توسّع ابن دريد في مفهوم الخماسيّ كثيراً، فأورد فيه ألفاظا ثلاثيّة الأصول أو رباعيّتها، ولهذا جاء الباب حافلا بالألفاظ والأبنية. ولو خلّصه مما جاء فيه من غير الخماسيّ ما بقي فيه سوى القليل. ويمكن بيان ذلك بما يأتي: أوّلا: الأصول الثّلاثيّة أورد ابن دريد ألفاظاً ثلاثيّة الأصول في أبواب الخماسيّ، أشار إلى أوزانها في عناوين الأبواب، ولكثرة هذه الألفاظ وتنوّعها أكتفي بذكر نماذج منها، من خلال أوزانها: أ- (فَعَنعَل) وهو ما جاء بزيادة نون ثالثة ساكنة، وتكرير العين، مثل: عَقَنقَل، وهو ما ارتكم من الرّمل، وتعقّل بعضه ببعض. وابن دريد يجعل هذا من الخماسيّ، فأورد منه ما وسعه جمعه من ألفاظه. ومن ذلك على سبيل المثال: ((عَقَنقَس: سَيِّءُ الخلق)) (6) و ((عَصَنصَر: موضع)) (7) و ((خَزَنزَر: سَيِّءُ الخلق)) (8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 وهذه ألفاظ ثلاثيّة الأصول بزيادة النّون الوسطى وتكرير العين، ووزنها (فَعَنعَل) وهي ملحقة ب ((سَفَرْجَل)) وأصولها على التّوالي: (ع ق س) و (ع ص ر) و (خ ز ر) فهي إذن ليست من الخماسيّ. ب- (فَعَنلَل) وهو قريب مما تقدّم، أي فيه نون ثالثة ساكنة، إلاّ أنّ التّكرير فيه للام وليس للعين ولهذا يوهم وزنه بأنّه رباعيّ مزيد بحرف، وهو ثلاثيّ مزيد بحرفين؛ لأنّ اللام الأخيرة ليست أصلا، فهي للتّكرير، أي: للإلحاق. ومما ذكره ابن دريد من هذا النّوع، وأورده في أبواب الخماسيّ: ((ضَفَندَد: ضخم لا غَناء عنده)) (1) . ((عَلَندَد:)) (2) ، وهو الملجأ. ((عَرَندَد: صلب شديد)) (3) . وهذه الكلمات ثلاثيّة الأصول ملحقة بالخماسيّ (فَعَلّل) نحو ((سَفَرْجَل)) وأصولوها على التّوالي: (ض ف د) و (ع ل د) و (ع ر د) . ج- (فَعَلْعَل) وهو الثلاثيّ الملحق بالخماسيّ بتكرير حرفين: العين واللام، نحو: ((السَّرَعْرَع)) وهو الشّابّ الرُّؤد النّاعم (4) . و ((سَمَعْمَعٌ: خفيف سريع)) (5) . و ((شَمَقْمَقٌ: طويل)) (6) . وهذه ألفاظ ثلاثيّة مزيدة، أصولها: (س ر ع) و (س م ع) و (س م ق) فهي ليست من الخماسيّ. د- باب (فَعَوَّل) وهذا عنوان باب سماه ((باب ما جاء على فَعَوَّل من الخماسيّ)) (7) ومما جاء فيه: ((رجلٌ عَذَوَّر: سَيِّءُ الخلق)) . و ((عَطَوَّد: طويل)) . و ((حَزَوَّر: غلام قد أيفع)) . وأصول هذه الألفاظ: (ع ذ ر) و (ع ط د) و (ح ز ر) . هـ- باب (فِعِّيل) ومما جاء فيه (8) : ((رجل سِكِّير: دائم السّكر)) . و ((شِمِّير: مُشمِّر في أموره)) . و ((عِمِّيت: لا يهتدي لجهته)) . وأصول هذه الألفاظ: (س ك ر) و (ش م ر) و (ع م ت) وهي ليست خماسيّة كما ترى. و باب (إفْعِيل) ومما جاء فيه (9) : ((إزميل، وهي الشّفرة الّتي تكون للحَذَّاء)) . و ((الإغريض: الطّلع)) . و ((إحْرِيض: صِبْغٌ أحمر، وقالوا العُصْفُر، لغة لبني حنيفة)) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 وأصول هذه الألفاظ: (ز م ل) و (غ ر ض) و (ح ر ض) وهي ثلاثيّة. ز-باب (أُفْعُول) ومما جاء في هذا الباب (1) : ((أُفْحُوص القطاة: موضع بيضها، وكلّ موضع فَحَصْتَه، فهو أُفْحُوصٌ)) . و ((الأُلْهُوب: ابتداء جري الفرس)) . و ((الأُسلوب: الطّريق، يقال: أخذ في أساليبَ من الحديث، أي في فنون منه)) . وأصول هذه الكلمات: (ف ح ص) و (ل هـ ب) و (س ل ب) ح- باب (أُفْعُولة وإِفْعِيلة) ومما جاء فيه (2) : ((يقال: هذه أُحْدُوثة حسنة للحديث الحسن)) . و ((أُطْرُوحة: مسألة يطرحها الرّجل على الرّجل)) . و ((أُدْحِيّة: موضع بيض النّعام)) . وأصول هذه الكلمات: (ح د ث) و (ط ر ح) و (د ح و) وهذا الأخير واويٌّ، وليس يائيا (3) ، ولكن دخله الإعلال بالقلب والإدغام. ط- باب (يَفْعُول) ومما جاء فيه (4) : ((يَسْرُوع: دُوَيبّة تكون في الرّمل)) . و ((يَعْسُوبُ النّحل: الذَّكر العظيم منها، الّذي تتبعه)) . و ((يَرْبُوع: دُوَيبّة أكبر من الفأرة، وأطول قوائمَ وأذنين)) . والأصول الثّلاثيّة لهذه الألفاظ كما يلي: (س ر ع) و (ع س ب) و (ر ب ع) . ي- باب (فِعْوَال) ومما جاء فيه (5) : ((نخلة قِرْوَاح: ملساء)) . و ((ناقة هِلْوَاع: شهمة الفؤاد)) . و ((عِصْوَاد: مستدار القوم في حرب أو صخب)) . وأصول هذه الكلمات: (ق ر ح) و (هـ ل ع) و (ع ص د) . ك- باب (فِعْيَال) ومما جاء فيه (6) : ((هِلْيَاغ: ضرب من السِّباع)) . و ((رجل حِرْيَاض: عظيم البطن)) . و ((السِّرْيَاح: الجراد)) . وأصولها الثّلاثيّة: (هـ ل غ) و (ح ر ض) و (س ر ح) . ل- باب (فَيْعُول) ومما جاء فيه (7) : ((عَيْشُوم: ضرب من النّبت)) . و ((هَيْنُوم: صوت تسمعه ولا تفهمه، وهو مأخوذ من الهَيْنَمَة)) . و ((قَيْصُوم: نبت طَيِّبُ الرّيح)) . وأصولها الثّلاثيّة: (ع ش م) و (هـ ن م) و (ق ص م) . م- باب (تِفْعَال) ومما جاء فيه (8) : ((رجل تِكْلاَم: كثير الكلام)) . و ((رجل تِمْسَاح: كذّاب)) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 و ((تِنْبَال: رجل قصير لئيم)) . وأصولها: (ك ل م) و (م س ح) و (ن ب ل) . ن- باب (فَاعُول) ومما جاء فيه (1) : ((السَّاجُور: الخشبة تجعل في عنق الأسير، كالغُلّ)) . و ((صَاقُور: فأس تُكسر بها الحجارة)) . و ((حَاذُور: خائف من النّاس … لا يُعاشرهم)) . وأصولها: (س ج ر) و (ص ق ر) و (ح ذ ر) س- باب (فَيْعَال) ومما جاء فيه (2) : ((عَيْثَام: ضرب من الشّجر، يقال: إنّه الدُّلْب)) . و ((غَيْدَاق: ممتلىء الشّباب، وصبيّ غَيْدَاق، إذا تَمَّ شبابه)) . و ((هَيْذَار: كثير الكلام، وربّما قالوا: هَيْذارة بَيْذارة)) . وأصولها الثّلاثيّة: (ع ث م) و (غ د ق) و (هـ ذ ر) . ع-باب (فُعَالَى) ومما جاء فيه (3) : ((زُبَانَى العقرب: طرفُ قرنها، ولها زُبانَيان)) . و ((شُكاعَى: ضرب من النّبت)) . و ((السُّلامَى والسُّلامَيات: عظام صغار يشتمل عليها عصب الكفّين والقدمين)) . وأصولها الثّلاثيّة: (ز ب ن) و (ش ك ع) و (س ل م) . ف- باب (فَعُّول) ومما جاء فيه (4) : ((خَرُّوبٌ: نبت)) و ((قَعُّور: بئر عميقة)) . و ((بَلُّوق: أرض لا تنبت شيئا، تزعم العرب أنّها من بلاد الجنّ)) . وأصولها ثلاثيّة كما ترى وهي: (خ ر ب) و (ق ع ر) و (ب ل ق) . ص- باب (فَعَوْعَل) ومما جاء فيه (5) : ((رَنَوْنَى: دائم النّظر)) . و ((قَطَوْطَى: متقارب الخطو)) . و ((عَثَوْثَى: جافٍ غليظ)) . وأصولها الثّلاثيّة: (ر ن و) و (ق ط و) و (ع ث و) . ق- باب (يَفْعِيل) ومما جاء فيه (6) : ((يَعْضِيد: نبت)) . و ((يَعْقِيد: ضرب من الطّعام يُعقد)) و ((يَقْطِين: وهو كلّ شيء انبسط على وجه الأرض من الدُّبّاء)) . وأصولها الثّلاثيّة: (ع ض د) و (ع ق د) و (ق ط ن) . ر- باب (فُعَالِيَة) ومما جاء فيه (7) : ((الهُبارية: ما يسقط من الرّأس، إذا مُشط)) . و ((صُراحية: أمر مكشوف واضح)) . و ((عُفارية ... : الشّعر النّابت وسط الرأس)) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 وأصولها الثّلاثيّة: (هـ ب ر) و (ص ر ح) و (ع ف ر) . ش- باب (فَعَالية) ومما جاء فيه (1) : ((حِمار حَزابية: غليظ)) . و ((رجل عَباقية: داهية مُنكَر)) . و ((جَراهية: جماعة من النّاس)) . وأصولها الثّلاثيّة: (ح ز ب) و (ع ب ق) و (ج ر هـ) . ثانياً: الأصول الرّباعيّة: أورد ابن دريد ألفاظاً رباعيّة كثيرة في أبواب الخماسيّ، أشار إلى أوزانها في عناوين الأبواب، بما يشبه ما تقدّم عرضه آنفاً من الأصول الثّلاثيّة المذكورة في أبواب الخماسيّ من خلال أوزان ثلاثيّة مزيدة. ومن الأوزان الرّباعيّة المزيدة المذكورة في الخماسيّ: (فَعَلَّل) و (فَعْنلَل) و (فَعَيْلَل) . و (فَعَوْلَل) و (فِعْلِيل) و (فُعْلُول) و (فِعْلال) و (فُعالِل) و (مُفْعَلِلّ) و (فَيْعَلول) و ((فِعِلاّل)) و ((فُعُلُّلة)) وهي على النّحو الآتي: أ- باب (فَعَلَّل) وهذا الوزن يكون رباعيا مزيداً، ويكون خماسيا مجرداً، فإن كان وزنا لكلمة مضعّفة اللاّم الأولى، مثل عَدَبَّس فهو رباعيّ مزيد، وإن كان وزنا لكلمة خماسية مثل (سَفَرْجَل) فهو خماسيّ مجرد، وأكثر الألفاظ التي أوردها ابن دريد في هذا الوزن رباعيّة مزيدة بالتّضعيف، فمكانها الصّحيح الرّباعيّ، ومما جاء في هذا الباب (2) : ((بعير عَدَبَّس: شديد الخَلْق شرس الخُلُق)) . و ((بعير هَمَلَّع: سريع السّير)) . و ((حَبَلَّق: قصير زَرِيّ)) . وأصولها الرّباعيّة: (ع د ب س) و (هـ م ل ع) و (ح ب ل ق) ب- باب (فَعَنلَل) ذكر هذا الوزن في بابٍ ألحقه بالباب السّابق (3) ، ومما جاء فيه: ((شَرَنبَث: غليظ الكفَّين والقدمين)) . و ((جَحَنفَل: غليظ الشفة)) . و ((قَفَندَر: سمج قبيح المنظر)) . وأصولها الرّباعيّة: (ش ر ب ث) و (ج ح ف ل) و (ق ف د ر) . ج- باب (فَعَيْلَل) ومما جاء فيه (4) : ((سَمَيدع: سيد كريم)) . و ((سَبَيطر: طويل، وربّما قالوا: سُباطر)) . و ((قَليذَم: بئر كثيرة الماء)) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 وأصولها الرّباعيّة: (س م د ع) و (س ب ط ر) و (ق ل ذ م) . د- باب (فَعَوْلَل) ومما جاء فيه (1) : ((حَبَوكر: اسم من أسماء الدّاهية)) . و ((سَرَومط: وعاء يكون فيه زِقُّ الخمر، ونحوه)) . و ((قَلَوبع: لعبة يلعب بها الصّبيان)) . وأصولها: (ح ب ك ر) و (س ر م ط) و (ق ل ب ع) . هـ- باب (فِعْلِيل) ومما جاء فيه (2) : ((رجل عِتْرِيف: غاشم)) . و ((القِطْمِير: الحَبَّة التي تكون في باطن النواة، تنبت منها النخلة)) . و ((غِمْلِيس: وهو الغَمْر، وهو صغار البقل الذي ينبت تحته كباره)) . وأصولها الرّباعيّة: (ع ت ر ف) و (ق ط م ر) و (غ م ل س) . و باب (فُعْلُول) ومما جاء فيه (3) : ((دُملُوج: وهي الجبارة التي تجعلها المرأة في عَضُدها)) . و ((دُعمُوس: دودة سوداء تكون في الماء الآجن)) . و ((السُّرعُوب: ابن عِرس)) . وأصولها الرّباعيّة: (د م ل ج) و (د ع م ص) و (س ر ع ب) . ز- باب (فِعْلاَل) ومما جاء فيه (4) : ((جِرْفَاس: من وصف الأسد، وهو الغليظ العُنُق)) . و ((الفِرْضَاخ: النّخلة الفتيّة)) . و ((طِرْبَال: وهي الصّخرة العظيمة المشرفة من جبل أو جدار)) . وأصولها: (ج ر ف س) و (ف ر ض خ) و (ط ر ب ل) . ح- باب (فُعالِل) ومما جاء فيه (5) : ((عُلاكِم: صلب شديد)) . و ((جُراضِم: عظيم البطن، وقالوا: النّهم الأكول)) . و ((قُراشِم: خَشِنُ المَسِّ)) . وأصولها الرّباعيّة: (ع ل ك م) و (ج ر ض م) و (ق ر ش م) ط- باب (مُفْعَلِلّ) ومما جاء فيه (6) : ((ماء مُزْمَهِلّ: إذا كان صافيًا)) . و ((مُقْفَعِلّ، يقال اقْفَعَلّت يده، إذا تقبّضت من برد)) . و ((شعر مُقْلَعِطّ: شديد الجعودة)) . وأصولها الرّباعيّة: (ز م هـ ل) و (ق ف ع ل) و (ق ل ع ط) ي- باب (فَيْعَلول) ومما جاء فيه (7) : ((خَيْتَعُور: لا يدوم على العهد)) . و ((عَيْطَمُوس: تامّة الخلق من الإبل)) . و ((ناقة عَيْسَجُور: سريعة نشيطة)) . وأصولها: (خ ت ع ر) و (ع ط م س) و (ع س ج ر) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 ك- باب (فِعِلال) ومما جاء فيه (1) : ((سِجِلاط: وهو النَّمَطُ يطرح على الهَوْدَج)) . و ((طِرِمَّاح: طويل)) و ((جِهِنَّام: رَكِيّ بعيدة القعر)) . وأصولها: (س ج ل ط) و (ط ر م ح) و (ج هـ ن م) . ل- باب (فُعُلُّلة) (2) ومما جاء فيه (3) : ((قُرُنبُضة: قصيرة)) . و ((خُرُنفُقة: قصيرة أيضا)) . و ((جُلُندُحة: صلبة شديدة)) . والنّون المتوسّطة في هذه الكلمات زائدة، وهي رباعيّة الأصول من: (ق ر ب ض) و (خ ر ف ق) و (ج ل د ح) ومكانها الرّباعيّ، وليس الخماسيّ. المبحث الخامس: الخلل في أبواب اللّفيف بعد أن انتهى ابن دريد من عرض المادّة المعجميّة اللّغويّة على الأبواب السابقة الثّنائيّة والثّلاثيّة والرّباعيّة والخماسيّة، أراد أن يفرد بعض الأوزان، ويجعلها في باب سمّاه ((أبواب اللّفيف)) (4) لقصر أبوابه والتفاف بعضها ببعض، كما يقول (5) . وأتى فيه على قدر صالح من الأبنية (الأوزان) أورد فيها ما جاء عليها من الألفاظ، ولكنه كعادته -في هذا المعجم- لم يخل من الاضطراب في الأصول. وأعرض -هنا- نماذج لما جاء في هذه الأبنية (الأوزان) من خلل في الأوزان لاضطراب الأصول: أ- باب (فُعَلْعال) . أورد فيه كلمتين (6) : ((جُلَنْداء)) اسم قبيلة، و ((السُّلَحْفَاء)) لغة في السُّلَحفاة، والأولى منهما ثلاثيّة مزيدة وهي على وزن (فُعَنْلاء) . وتأتي مقصورة: ((جُلَنْدى)) ووزنها حينئذ (فُعَنْلَى) كما ذكر ابن عصفور (7) . والأخرى رباعيّة، ووزنها (فُعَلاّء) . والكلمتان ليستا من وزن (فُعَلعال) . ب- باب (فَعَلَّلَى) . ومما جاء فيه (8) : ((الزَّبَنْتَرَى: من أسماء الدّواهي)) . و ((الحَدَبْدَبَى: لعبة يلعبون بها)) . والأولى منهما رباعيّة، ووزنها (فَعَنلَلَى) أمّا الثّانية فهي ثلاثيّة، ووزنها (فَعَلْعَلَى) بتكرير العين واللام، وزيادة الألف آخراً. ج- باب (فَنْعَلِل) . ومما جاء فيه (9) : الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 ((عجوز جَحْمَرِش: يابسة)) . و ((كَمَرة: قَهْبَلِس: عظيمة)) . وهاتان الكلمتان خماسيّتان على وزن (فَعْلَلِل) وليستا رباعيّتن، كما يفهم من وزن ابن دريد، والعجيب أنّه ليس فيهما نون زائدة تقابل ما في الميزان الذي ذكره، ولعلّ الميزان محرف. د- باب (فِعْلِلاء) . ومما جاء فيه (1) : ((الجِرْبِياء: وهي الرّيح الشّمال)) . و ((القِرْحِياء: الأرض الملساء)) . وهما ثلاثيّتان على وزن (فعلياء) ووزن ابن دريد يوحي بأنّهما رباعيّتان، وليستا كذلك. وقد أشار محقّق الكتاب إلى أنّه ورد في بعض النّسخ (فِعْلِياء) وهذا هو الصّحيح. هـ- باب (فِعْليان) . ومَثَّلَ له ب ((هِذْرِيان)) كثير الكلام. ومما جاء فيه (2) : ((عِفِّتان)) وهو الرّجل القويّ الجافي. وليس هذا من هذا الوزن، فهو: (فِعِّلان) والعجيب أنّه ليس في كلمة ((عِفِّتان)) ياء لتظهر في الميزان، ولولا ما صحبها من ألفاظ أخرى لقلت: إنّ الوزن الّذي ذكره مصحّف من (فِعْلِتان) . و باب (فَعَلَّلان) . وجاء فيه بكلمتين (3) ، وهما: ((هَزَنْبَزَان: سَيّء الخلق)) . و ((دَعَنْكَران: متدرّئ على النّاس)) . وليس هاتان الكلمتان من هذا الوزن فهما من (فَعَنللان) بزيادة النّون. ز- باب (فَوْعَلان) . ومما جاء فيه (4) : ((يوم أَرْوَنان: شديد في الخير والشّرّ)) . وليس هذا منه، فهو (أَفْعَلان) كما ذكر سيبويه (5) وغيره (6) . ح- باب (فُعَلْعِيل) . ومما جاء فيه (7) : ((شُرَحْبِيل: اسم)) رجل. وهذا خماسي مزيد على وزن (فُعَلِّيل) وقد ذكره ابن دريد في وزنه الصّحيح، في غير هذا الموضع (8) . ط- باب (فِعْلِيت) . ومما جاء في هذا الباب (9) : ((عِتْرِيس: يُعَتْرِسُ الشّيءَ، أي: يأخذه غصباً. وعِتْرِيف: اسم. وصِمْلِيل: ضرب من النّبت. وقِرْمِيد: الآجُرّ، أو نحوه، روميّ معرب. وقِنْدِيد: عصير عنب يُطبخ بأفاويه)) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 وليست هذه الكلمات من ذلك الباب، فهي على وزن (فِعْلِيل) والغريب أنّه ليس في آخرها تاء حتّى يتردد الرّأي في أصالتها أو زيادتها كما في ((حلتيت)) . ي- باب (فِعَلْنَة) . وجاء فيه: ((أرض دِمَثْرَة: سهلة)) (1) . وليس في هذه الكلمة نون قبل تاء التّأنيث، ووزنها الصّحيح (فِعَلّة) وليس فيها نون، كما في الميزان. ك- باب (فَعْلَلَّى) . وجاء فيه: ((مَرْحَيَّا: كلمة تقال عند الإصابة في الرمي. وبَرْدَيّا: موضع)) (2) . والياء المضعّفة في هاتين الكلمتين زائدتان، ووزنهما (فَعْلَيّا) وهي كذلك عند سيبويه (3) ، إلاّ أنّها محرّكة العين، هكذا: فَعَلَيّا، وكذلك رواها ابن الدّهّان (4) ، وابن عصفور (5) . المبحث السّادس: أخطاء صرفيّة صريحة لابن دريد -بعد ذلك- آراء أو اجتهادات صرفيّة غير موفّقة في أوزان ألفاظ، أو تحديد زوائد فيها، أو إعادتها إلى أصولها اللّغويّة، كقوله في مادّة (م ح ق) : ((فأمّا قول الشّاعر: يُقِلِّبُ صَعْدَةً جَرْدَاءَ فيها نَقِيعُ السُّمِّ أو قَرْنٌ مَحِيقُ فليس من هذا، وهو من حُقْتُ الشّيءَ أَحِيقُهُ، وأَحُوقُه؛ إذا دَلَكْتَه، فهو محيق: مدلوك. وهو فعيل في معنى مفعول)) (6) . فكيف يكون ((المَحِيق)) من حُقْتُ، ويكون على وزن (فعيل) ؟ والوجه أن المحيق إما أن يكون من أصل ثلاثيّ صحيح، وهو (م ح ق) وإمّا أن يكون من أصل أجوف، وهو (ح وق) أو (ح ي ق) فإن كان من (م ح ق) فوزنه (فعيل) وإن كان من (ح وق) أو (ح ي ق) فوزنه (مَفْعِل) . ومن أخطائه الصّرفيّة قوله: ((ليس في كلامهم فُعْلُول موضع الفاء منه ميم إلاّ في هذا الحرف: مُغْرُود ومُغْفُور، وهو صَمْغٌ يسقط من الشّجر حُلْوٌ ينقع، ويشرب ماؤه حلواً)) (7) . وقال في موضع آخر: ((والمَغافير: لَثًي من لثى الشّجر، وهو الصّمغ؛ الواحد: مُغْفُور، وهو أحد ما جاء على فُعْلُول موضع الفاء ميم)) (8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 والصّواب أن ((مُغْرُوداً)) و ((مُغْفُوراً)) على وزن (مُفعول) لأنّ الميم زائدة. وفي هذا يقول ابن خالويه: ((ليس في كلام العرب اسم على (مُفْعُول) إلا مُغْرُود، وهي الكمأة، ومُعْلُوق: شجر، ومُنْخُور: لغة في المَنخِر، ومُغْثُور ومُغْفُور من المَغَافير: صَمْغٌ حلو)) (1) . ومثل هذا ما حُكي عن الفرّاء (2) . ومنه قوله في مادّة (ن س س) : ((ونَسَّ فلان إبله يَنُسُّها نساً، إذا ساقها، والمِنسَاة غير مهموز مِفْعَلَة من هذا)) (3) . وقوله: إنّ المنساة (مِفعلة) صحيح، ولكن كيف تكون من هذا؛ أي: من هذا الأصل: (ن س س) ؟ لو كانت من هذا لقالوا: ((المِنَسَّة)) مثل ((المِخَدَّة)) من (خ د د) . والصّواب أنّ ((المِنْسَاة)) -وهي العصا- من أصل مهموز وأصلها ((المنسأة)) بالهمز من (ن س أ) وتخفّف فكأنّها -حينئذ- من المعتلّ: (ن س و) أو (ن س ي) وقد ذكرها ابن منظور في الأصلين المهموز والمعتلّ، وقال في المهموز: ((المِنسأة: العصا، يهمز ولا يهمز؛ يُنسَأُ بها. وأبدلوا إبدالا كلّياً، فقالوا: مِنسَاة، وأصلها الهمز)) (4) . ومنه قوله في تقليبات مادّة (رم - واي) : ((ومن همز المُرُوءة أخذها من حُسْنِ مَرآة العين)) (5) . وهذا الاشتقاق لا يستقيم عند ربطه بالمادّة الّتي ورد فيها وهي مقلوب (رم - واي) لأنّ مرآة العين (مَفْعلة) من الرّؤية، ومادّتها (ر أى) وليست الميم فيها أصليّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 ولذا ردّ عليه تلميذه أبو عليّ الفارسيّ، فقال وهو يعنيه: ((وزعم بعض رواة اللّغة أنّ المُرُوءة مأخوذة من قولهم: هو حَسَنٌ في مَرآة العين. وهذا من فاحش الغلط، وذلك أنّ الميم في مرآة زائدة، ومُرُوءة: فُعُولة، فلو كانت من المَرآة لكانت: رُئِيَّة، ولكنّها مأخوذة من أحد شيئين: إمّا أن تكون فُعُولة من المَرْء، كالرّجولة من الرّجل، وإمّا أن تكون من مَراءة الطّعام؛ لأنّ الآخذ بها يهضم نفسه لها، فيكفّ عن كثير مما يرتكبه المُطَّرِح لها، قال أبو زيد: مَرُؤَ مُرُوءة، فدلّت (1) حكاية أبي زيد هذا على أنّ الميم فاء)) (2) . وأنكر الراغب الأصفهاني -أيضاً- أن تكون ((المُرُوءة)) مشتقّة من قولهم: حَسُنَ في مرآة العين، وقال: ((هذا غلط؛ لأنّ الميم في مرآة زائدة، ومُرُوءة فُعُولة)) (3) . الفصل الثّالث: أسباب الخلل في الجمهرة وقفنا في الفصل السابق على ما في الجمهرة من خلل في الأصول واضطراب فيها، وهو كثير كما رأينا من خلال المباحث الستة. فما أسباب هذا الخلل والاضطراب؟ هل نساير السّيرافّي وابن جنّي ومن لفّ لفهما فنعزو هذا الخلل إلى ضعف ابن دريد في التّصريف؟ وإذا أخذنا بهذا الرّأي فكيف نُفسر ما يتبدّى لقارئ الجمهرة من براعة ابن دريد اللّغويّة، وحذقه في التّصريف في مواضع متفرّقة كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر قوله: ((واستعمل الاعتياص، وهو الافتعال من قولهم: اعتاص يعتاص اعتياصاً، وهذه الألف أصلها ياء كأنه: اعتَيَصَ)) (4) . وقوله في مادّة (ل ت ت) : ((زعم قوم من أهل اللّغة أنّ اللاتَ التي تعبد في الجاهليّة صخرة كان عندها رجل يَلُتُّ السّويق وغيره للحاجّ، فلمّا مات عُبدت. ولا أدري ما صحّة ذلك؛ لأنّه لو كان كذلك كان يكون: اللاتّ: بتثقيل التّاء لأنّها تاءان)) (5) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 وقوله في مادّة (ذ خ ر) : ((وادّخرت ادّخاراً، وهو افتعلت من الذُّخر؛ الأصل فيه اذتخرتُ، فقلبوا التّاء دالا، لقرب مخرجها منها، وأدغموا الذّال في الدّال، وكذلك يفعلون في نظائرها، مثل ادّكر، ونحوه)) (1) . وقوله: ((المُدالاة: المفاعلة من الرِّفق، من قولهم: دَلَوته في السّير أدلوه دَلواً، إذا رفقت به في السير)) (2) . وقوله في مادّة (ك ور) : ((كار الرّجل إذا أسرع في مشيته يكور كَوْراً، واستكارَ استكارة. قال أبو بكر: وهذه الألف الّتي في استكار مقلوبة عن الواو، وكان الأصل: استكوَرَ، فألقيت فتحة الواو على الكاف، فانقلبت ألفاً ساكنة: وسمّي الرّجل مستكيراً من هذا)) (3) . وقوله في مادّة (ف ر ع) : ((وأمّا فرعون فليس باسم عربيّ يُحكّم فيه التّصريف. وأحسب أنّ النون فيه أصليّة؛ لأنّهم يقولون: تفرعن، وليس من هذا الباب)) (4) . ومثل هذا كثير في ((الجمهرة)) ، وهو يدلّ دلالة واضحة على تمكّن ابن دريد من التّصريف، إلى الحدّ الذي يؤهّله لوضع معجم لغويّ يقوم أساساً على معرفة أصول الألفاظ، وما يعتريها من زوائد، وهل يصحّ بعد هذا ما يردّده بعض الباحثين المعاصرين، وهو ((أنّ معظم أخطاء ابن دريد قد نتجت عن عدم خبرته بعلم الصّرف)) (5) . إنّ لخلل الأصول في الجمهرة أسباباً مختلفة منها ما يتّصل بمنهج ابن دريد، ومنها ما يتّصل برؤيته الخاصّة لبعض المسائل اللّغويّة، ومنها ما يحمل على السّهو. وفيما يلي أبرز الأسباب التي أدّت إلى الخلل والاضطراب في هذا المعجم: الأوّل: اضطراب المنهج: إنّ نظام التّقليبات وكثرة الأبواب والتّفريعات والملحقات غير المحكمة أوقعت ابن دريد في شيء غير قليل من خلل الأصول، فالمعجم مقسّم عنده إلى الثّنائيّ وما يلحق به، فالثّلاثيّ وما يلحق به، فالرّباعيّ وما يلحق به، فالخماسيّ وما يلحق به، ثمّ أبواب اللفيف وأبواب النّوادر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 ويلحق بباب الثّنائيّ أبوابٌ للثّنائيّ الملحق ببناء الرّباعيّ المكرّر، فباب للهمزة، وما يتّصل بها من الحروف في المكرّر، فباب للثّنائيّ في المعتلّ وما تشعّب منه. ويلحق بأبواب الثّلاثيّ الصّحيح باب لما يجتمع فيه حرفان مثلان في موضع الفاء والعين أو العين واللام أو الفاء واللام، فباب لما كان عين الفعل منه أحد حروف اللّين، فباب للنّوادر في الهمز. ويلحق بأبواب الرّباعيّ أبواب للرّباعيّ المعتل، فباب لما فيه حرفان مثلان من الرّباعيّ، ثمّ أَلْحَقَ به عشرين بابا لأوزان مختلفة، حتّى يخيّل للقارئ أنّه أمام معجم من معاجم الأبنية لا الألفاظ. أما أبواب الخماسيّ وما يلحق بها من أبواب مبنيّة على الأوزان، وكذلك أبواب اللّفيف والنّوادر فهي إلى معاجم الأبنية أقرب، وفيها أدخل، والاضطراب فيها فاش. وللّفيف عند ابن دريد مفهوم يختلف عمّا اصطلح عليه الصّرفيون، وهو لا يريد به إلاّ الأبواب القصيرة، يقول: ((سمّيناه لفيفاً لقصر أبوابه والتفاف بعضها ببعض)) (1) هكذا. وبسبب هذا الاضطراب في المنهج تَشَتَّتَت الألفاظ والأبنية، وتكرّرت، واضطربت الأصول، ونتج عن ذلك الاضطراب في المنهج أن أورد ابن دريد ألفاظاً ثلاثيّة الأصول في أبواب الرّباعيّ، وأورد ألفاظاً ثلاثيّة الأصول أو رباعيّتها في أبواب الخماسيّ، واضطرب في أوزان كثير منها. ولو أحكم أبن دريد منهجه وقلّل من التّفريعات والملحقات، وساير الخليل في تقسيم الأبنية ما وقع في كثير ممّا وقع فيه، ممّا قد يحمل على ضعف التّصريف، وليس الأمر كذلك. الثّاني: الإملاء: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 تقدّم أنّ ابن دريد أملى الجمهرة من حفظه، وارتجلها ارتجالاً، ولم يستعن عليها بالنّظر في شيء من الكتب إلاّ في الهمزة واللّفيف فإنّه طالع لهما بعض الكتب، وهذا يفسر شيئاً مما وقع في الجمهرة من خلل واضطراب؛ لأنّ السّهو مع الإملاء لا يدفع. ولهذا تقدّم ابن دريد معتذراً عن التّقصير في آخر باب المعتلّ من الثّلاثيّ لما أحسّ بأنّ زمام المعجم يكاد يفلت من يده، فقال: ((هذا آخر الثّلاثيّ سالمه ومعتلّه، وذي الزّوائد منه، وإنّما أملينا هذا الكتاب ارتجالاً لا عن نسخة، ولا تخليد من كتاب قبله، فمن نظر فيه فليخاصم نفسه بذلك، فيعذر إنْ كانَ فيه تقصير أو تكرير)) (1) . وكرّر اعتذاره في آخر المعجم قائلاً: ((وإنّما كان غرضُنا في هذا الكتاب قصد جمهور الكلام واللّغة، وإلغاء الوحشي المستنكر، فإنْ كنا أغفلنا من ذلك شيئاً لم ينكر علينا إغفاله، لأنّا أمليناه حفظاً، والشّذوذ مع الإملاء لا يدفع)) (2) . وهكذا غلبت حافظة ابن دريد، وحُبّه التّفرد، وغلبة الأقران، وانتزاع الإعجاب من التلامذة على ما كان ينبغي له أنْ يأخذ به نفسه في معجم لغويّ كبير، يقوم على منهج متشعّب الفروع. والإملاء إنّما يحسن في نوادر الأدب، لا في اللّغة والمعاجم، ولذا لم يعذر ابن دريد حينما رأى علماء العربيّة في معجمه خللاً واضطراباً. وفي ظنّي أنّ ابن دريد لو تجنّب الارتجال ما وقع في كثير من الهنات والمآخذ، التي نُحصيها عليه اليوم. الثّالث: هاء التّأنيث: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 لابن دريد مذهب غريب في رؤيته لأصول الألفاظ، وهو أنّه يعدّ هاء التّأنيث (تاء التّأنيث) من أصول الكلمة كما تقدّم في المبحثين الثّاني والثّالث من الفصل الثّاني، وهذا مذهب فاسد في الصّنعة المعجميّة، نتج عنه خلل ظاهر في الأصول. ولهذا اتَّهَمَ عبدُالقاهر الجرجانيُّ ابنَ دريد بالجهل بأصول الألفاظ، وبأنّ تصريفه كتصريف الصبيان (1) ؛ لأنّه ذكر ((لَثَة)) في تقليبات ((ثهلان)) (2) و ((رِعَة)) في تقليبات ((عاهر)) (3) مع اختلاف الأصول. فهل كان ابن دريد يجهل أنّ هاء التّأنيث لا تكون أصلاً من أصول الكلمة، فاختلط عليه أمرها؟ لا، ليس الأمر كذلك، فإنّ زيادة هذا الحرف في الكلمة أمر لا يخفى على المبتدئين، فكيف يخفى على لغويّ مقتدر كابن دريد؟ لقد تعمّد ابن دريد إدخال هاء التّأنيث في أصول الكلمة عند التقليب، فكان صنيعه ذلك ناشئاً عن قصد، وهو أنّه ينظر إلى الكلمة، فإن كان لها مذكر من لفظها لم يعدّ الهاء من أصولها، وإن لم يكن لها مذكر من لفظها عدّ الهاء من أصولها؛ لأنّها كالحرف اللازم في الكلمة، فالتّاء في ((البَكْرَة)) -وهي الفَتِيّ من الإبل- ليست لازمة لها، لأنّه يقال للمذكّر ((بَكْر)) فلذلك ذكرها ابن دريد في مادّة (ب ك ر) (4) .وأمّا ((الجَمْحَة)) وهي العين، فالهاء فيها لازمة، فلا يقال: ((جَمْح)) ولذلك ذكرها في الرّباعيّ (ج م ح هـ) (5) . فالعبرة عنده بلزوم الحرف وبقائه في الكلمة، وكذلك يفعل فيما فيه زوائد لازمة غير الهاء، كما سيأتي. ولم يتركنا ابن دريد نستنتج ذلك فنصيب أو نخطئ،.ولكنّه نصّ عليه في غير موضع من معجمه، كقوله في باب الرّباعيّ: ((القِرْبة: معروفة، وليس لها مذكر، ولذلك أدخلناها في الرّباعيّ مع هاء التّأنيث)) (6) . وقوله: ((حَرْدَة: اسم موضع، وهذه الهاء هاء التّأنيث، وليس له مذكر في معناه، فاستجزنا إدخاله في هذا الباب)) (7) أي في الرّباعيّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 وقوله: ((الجَمْحَة: العين ... وإنّما أدخلناها في هذا الباب، لأنّه لا مذكر لها، فالهاء كالحرف اللازم)) (1) . وقوله: ((الحَسَكة ... الحقد في القلب، وأدخلناه في هذا الباب؛ لأنّه لا مذكر له من لفظه، إلاّ أن تقول: حَسَكٌ، تريد جمع حسكة)) (2) . وقوله: ((درهم قَفْلَة؛ أي: وازن، الهاء أصلية، وهي هاء التّأنيث، لازمة له، لا تفارقه، ولا يقال: درهم قَفْلٌ)) (3) . وقوله: ((الصُّفَّة: صُفَّة البيت، وصُفُّة السّرج. قال أبو بكر: وإنّما أدخلناها في هذا الباب؛ لأنّه لا مذكر لها، والهاء تقوم مقام حرف ثالث)) (4) . هذا شأنّ ابن دريد في هاء التّأنيث، ونقف معه هنا ثلاث وقفات: الأولى: أنّ هذا الصنيع غير مألوف في صناعة المعاجم الّتي تقوم على الأصول، وليس له مبرر مقنع. أمّا دفاع المستشرق ((كرنكو)) عن ابن دريد في هذه المسألة، وذكره أنّ الدّافع لابن دريد في ارتكاب هذا هو جهل النّاس في عصره، وعدم استطاعتهم التّفريق بين ما فيه الهاء الأصليّة، وما فيه هاء زائدة للتّأنيث (5) ، فأمر غير مقبول، لما فيه من إساءة الظّنّ بالنّاس؛ ولأنّه لايمكن أن يتّخذ جهل الجاهلين وسيلة لارتكاب مثل هذا الشّذوذ، في صنعة محكمة. الثانية: أنّ ابن دريد اضطرب عند التّطبيق، فذكر ألفاظاً مؤنّثة بتاء لازمة في أصولها الصّحيحة، أي دون أن يعتدّ بالهاء، فذكر في مقابل ذلك ألفاظاً مؤنّثة بتاء ليست لازمة في أصل فيه الهاء، أو ذكرها في موضعين ك ((الغُصَّة)) ذكرها في (غ ص ص) (6) و (غ ص هـ) (7) و ((الشّقّة)) ذكرها في (ش ق ق) (8) و (ش ق هـ) (9) ومثل هذا كثير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 الثّالثة: أنّ عَدَّهُ هاء التّأنيث من أصول الكلمة أوقعه في خطأ آخر في الثّلاثيّ المضعّف (الثنائي عند ابن دريد) وهو إسقاط لام الكلمة وإحلال الهاء محلّها، كإيراده ((مكّة)) في تقليبات (م ك هـ) والصّواب أنّها من (م ك ك) فأسقط لام الكلمة وأحلّ محلّها الهاء، وبذلك وقع في خطأين، إدخال الهاء في أصول الكلمة، وحذف لامها الأصليّة، وهي الكاف. ومثل هذا جعله ((البَنَّة: الرّائحة الطّيّبة)) في (ب ن هـ) (1) وهي من (ب ن ن) وجعله ((الفِضّة)) في تقليبات (ف ض هـ) (2) وهي من (ف ض ض) . أمّا في الثّلاثيّ المعتلّ فإنّ هذه الهاء تكون على حساب حرف العلّة؛ فاء الكلمة في المثال، أو لامها في النّاقص ك ((السّعة)) ذكرها في مادّة (س ع هـ) (3) وهي من (وس ع) ، و ((البُرَة)) في (ب ر هـ) (4) وهي من (ب ر و) . الرّابع: الحرف الزائد للإلحاق: يَعُدُّ ابن دريد الحرف الزّائد اللازم في الكلمة من أصولها، وهو الحرف الّذي لا يزاد لمعنى، وإنّما يزاد لإلحاق أصل بأصل، أونحو ذلك، فالواو في ((كَوْثَر)) والياء في ((سَيْطَرَ)) والدال في ((قَرْدَد)) من أصول الكلمة عنده، فهي رباعيّة لأنّ هذه الحروف لازمة لا تسقط من الكلمة، أمّا الميم والواو في ((مكتوب)) أو الياء في ((شديد)) فليست لازمة، ولهذا لا يعدّها في أصول الكلمة. وهذا ما يفسّر كثيراً مما جاء في الرّباعيّ والخماسيّ واللّفيف ممّا نعدّه خللا بمقاييسنا، وهو ينصّ عليه صراحة في بعض العناوين، كقوله في أبواب الخماسيّ: ((باب ما جاء على فُعالل مما ألحق بالخماسيّ للزوائد الّتي فيه، وإنْ كان الأصل غير ذلك)) (5) . وقوله: ((باب ما جاء على فُعالَى فألحق بالخماسيّ للزّوائد، وإنْ كان الأصل غير ذلك)) (6) . الخامس: صورة اللفظ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 قد ينظر ابن دريد إلى صورة الكلمة فيضعها في أصل غير أصلها الصّحيح، كقوله في الرّباعيّ: ((وأيهم: اسم، يقال اللهم إنّا نعوذ بك من الأيهمَين السّيل والجمل الصَّؤول. قال أبو بكر: وأَيْهَم إن شاء قائل أن يقول: في وزن (أفعل) كان قولا، ولكنّا أدخلناه في هذا الباب؛ لأنّ اللّفظ يشبه لفظ (فيعل) لأنّ أوّله همزة، كأنّه عَيْهَم)) (1) . وقوله في الرّباعيّ: ((والتّولج والدّولج ... وليست الواو زائدة؛ لأنّه من الولوج، والواو فاء الفعل، إلاّ أنّه في وزن فوعل)) (2) . وهو يقصد هنا الوزن الصّوتيّ، أي: تمثيل نطق الكلمة، كما تقول: تولج على وزن شوحط، أو يريد أنّها شابهت وزن (فوعل) فكأنّها منه، فذكرها فيه، و (فوعل) عنده من الرّباعيّ؛ لأنّ الواو لازمة. وقوله في تقليبات مادّة (ر ض م) : ((والمُرِضّة ليس من هذا الباب، ولكن اللّفظ أشبه اللّفظ، لأنّ الميم فيها زائدة، وأصلها من الرّضّ)) (3) . ويلحق بهذا أنّه قد يجعل الهمزة الزّائدة في أوّل الثّلاثيّ من أصله، كجعله ((الأَحَذّ)) في تقليبات الأصل الثّلاثيّ: (ح ذ - وا ي) و ((أرمّ القوم)) في تقليبات الأصل الثّلاثيّ: (رم - وا ي) ، ومثلهما: ((فرس أَغَرّ)) . ويبدو أنّه رأى الهمزة الزّائدة في أوّل هذه الكلمات مع إدغام العين في اللام، فاشتبه عليه الأصل، كأنّه نظر إلى صورة اللّفظ من غير تدقيق في أصله، والهمزة على منهجه من حروف العلّة، وتأتي في تقليبات المعتلّ، إلاّ أنّها في مثل هذه الألفاظ زائدة، ووزنها (أفعل) ولو دقّق ابن دريد فيها عرف الأصل. السّادس: تداخل الأصول اللّغويّة: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 قد يتداخل أصلان لغويان في كلمة واحدة فيلتبسان، ك ((المدينة)) يتداخل فيها أصلان (م د ن) و (د ي ن) ويتداخل في كلمة ((الملائكة)) ثلاثة أصول: (ل أك) و (أل ك) و (م ل ك) ، ويتداخل في كلمة ((الذُّرِّيَّة)) أربعة أصول: (ذ ر أ) و (ذ ر ر) و (ذ ر و) و (ذ ر ي) وهذا باب واسع، لا يكاد يبرأ منه أحد من صنّاع المعاجم، ومنهم ابن دريد، فقد يضع الكلمة بسبب التّداخل في غير موضعها، وقد يضعها في موضعين. ومما وضعه في غير موضعه بسبب التّداخل كلمة ((الغَوْغَاء من النّاس الّذين لا نظام لهم ... أُخِذَ من غَوْغَاء الدَّبَى)) أوردها في تقليبات مادّة (غ أوي) (1) من باب الثّنائيّ في المعتلّ. وليست هذه الكلمة من هذا الأصل، وهي تحتمل أصلين، أحدهما ثلاثيّ، وهو (غ وغ) والآخر رباعيّ وهو (غ وغ و) ، ومن العرب من يجعلها بمنزلة ((عَوْراء)) فيؤنَّث، ولايصرف، فيقول ((غوغاءُ)) فالهمزة -حينئذ- زائدة، والأصل (غ وغ) . ومنهم من يقول ((غَوْغَاءٌ)) بالتّذكير والصّرف، فهي عنده بمنزلة ((القَمْقَام)) و ((القَضْقَاض)) أي أنّه يجعل الغين والواو مضاعفين بمنزلة القاف والميم في ((القمقام)) والقاف والضاد في ((القضقاض)) وأصلها على هذا ((الغوغاو)) فقلبت الواو همزة، لتطرّفها بعد مدّ، فهي من باب الرّباعيّ المضاعف، وأصلها (غ وغ و) . ولم يضعها ابن دريد في أحد هذين الأصلين، ولكنّه ابتدع لها أصلاً ثالثاً وضعها فيه، وهو (غ وى) ووضع ((الشّاءَ)) -واحدها شاة، وصاحبها شاويّ- في تقليبات مادّة (ش أوي) (2) من باب الثّنائيّ المعتلّ، وهي تحتمل أحد أصلين ثلاثيّين أحدهما أجوف، والآخر لفيف مقرون. فالأوّل، وهو (ش وهـ) فيه تفصيل ذكره المبرّد (3) ، ورجّحه العلماء (4) ولا حاجة لذكره هنا. والثّاني مذهب مرجوح، وهو أنّه لفيف مقرون من (ش وو) أو (ش وي) وقد فصّلت فيه في بحث ((تداخل الأصول)) (5) بما لا حاجة لذكره هنا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 أما الآخر وهو ما وضعه في موضعين، فمنه قولهم ((برأل الحُبارى، إذا نشر برائله، لفزع أو قتال)) وضعه في أصلين: ثلاثيّ ورباعيّ، وهما (ب ر ل) (1) و (ب ر أل) (2) . ووضع ((صَدَّاء)) -وهو ماء- في موضعين: (ص د د) (3) و (ص د ى) (4) ، فيجوز أن تكون ((صدّاء)) (فَعلاء) من (ص د د) فكأنّها تصدُّ طالبها. ويجوز أن تكون (فَعَّالاً) من (ص د ي) من صَدِيَ يَصْدَى؛ وهو شدّة العطش. وهي -أيضاً- تحتمل أصلاً ثالثاً، هو (ص د أ) ووزنها حينئذ (فعّال) أيضاً، ولذلك وضعت في بعض المعاجم (5) في المهموز. ووضع ((المجلّة)) في موضعين: (ج ل ل) (6) و (م ج ل) (7) . ووضع ((الدّكان)) في موضعين (د ك ك) (8) و (د ك ن) (9) . ومثل هذا كثير في ((الجمهرة)) . • • • الخاتمة: وقفنا في هذا البحث على ثلاث مسائل رئيسة من خلال فصول البحث: الأولى: التّعريف الموجز بابن دريد، ومعجمه الجمهرة، والمنهج الّذي ارتضاه لنفسه، ثمّ التّعرّف عن كثب على مواقف العلماء من ابن دريد في معجمه، واختلافهم في أمره بين مادح وقادح، ورصد أبرز مآخذهم عليه. الثّانية: الوقوف على خلل الأصول في الجمهرة في أبواب الثّنائيّ والثّلاثيّ والرّباعيّ والخماسيّ واللّفيف وملحقاتها. الثّالثة: الكشف عن أسباب الخلل في الأصول واضطرابها في الجمهرة. ويمكن أن نخرج ببعض النّتائج، ومن أبرزها: ألم يخل باب من أبواب الجمهرة من خلل الأصول أو اضطرابها، وكَثُرَ الخلل في: 1 ما فيه هاء تأنّيث (تاء تأنّيث) وبخاصّة الثّلاثيّ المضعّف والثّلاثيّ المعتلّ والرّباعيّ. 2 ما فيه همزة. 3 الثّلاثيّ المعتلّ. 4 الثّلاثيّ المزيد بحرف للإلحاق. 5 الرّباعيّ المزيد بحرف للإلحاق. 6 ما فيه نون ثانية زائدة. 7 ما فيه نون ثالثة ساكنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 ب لم يكن جمهور الخلل في معجم الجمهرة ناشئاً عن قصور ابن دريد في التّصريف، كما قال بعض العلماء بل هو ناشيء عن أسباب مختلفة، منها ما يتّصل بمنهج ابن دريد، ومنها ما يتّصل برؤيته الخاصّة لبعض المسائل اللّغويّة ومنها ما يحمل على السّهو، ومن أبرز تلك الأسباب: 1 اضطراب منهجه. 2 ارتجاله الجمهرة وإملاؤه إيّاها من محفوظه. 3 نظرته الخاصّة إلى هاء التّأنيث. 4 نظرته الخاصّة إلى الحرف الزّائد اللاّزم (حرف الإلحاق) . 5 نظرته إلى صورة اللّفظ. 6 تأثُّره بتداخل الأصول اللّغويّة. ولذا ينبغي أنْ تحفظ لابن دريد مكانته العلميّة الّتي تليق بعالم لغويّ متقدّم خَطَا بالصّنعة المعجميّة خطوة موفّقة إلى الأمام، وبرع في اشتقاق الألفاظ، ولم يقصّر في التّصريف، ولا يضيره ألاّ نضعه في منزلة أبي عليّ الفارسيّ أو تلميذه ابن جنّي، فهذان من أعلام التّصريف في العربية، ومن رواده المشهود لهم بالتفوّق. وحَسْبُ ابن دريد أنّ يقال: إنّه كان على قدر كافٍ من الإلمام بالتّصريف، إلى الحدّ الذي يُؤهّله لوضع معجم لغويّ يقوم أساساً على معرفة أصول الألفاظ، وما يعتريها من زوائد، ولولا الأسباب السّتة التي ذكرتُها في هذا البحث لجاء معجم ((الجمهرة)) في وضع أفضل. رحم الله ابن دريد، وأجزل له المثوبة، كفاء ما بذله من جهد في سبيل صناعة المعاجم العربية. الحواشي والتعليقات ينظر: المقتصد في شرح التكملة 2/833. البصائر والذخائر 9/20. ينظر: البغداديات 96. الخصائص 3/288. سر صناعة الإعراب 2/568، 569. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 ينظر ترجمته في: مراتب النحويين 135، وطبقات النحويين واللغويين 183، والفهرست 67، وتاريخ بغداد 2/195، والأنساب 5/342، ونزهة الألباء 191، ومعجم الأدباء 6/2489، وإنباه الرواة 3/92، والمحمدون من الشعراء 1/241، ووفيات الأعيان 4/323 والوافي بالوفيات 2/339، وطبقات الشافعية الكبرى 3/138، والبداية والنهاية 11/176، وبغية الوعاة 1/76، وطبقات المفسرين للداودي 2/122، وشذرات الذهب 2/289، وخزانة الأدب 3/119. ينظر: معجم الأدباء 1/2490. هي الجزر الواقعة في شط العرب. ينظر: الفهرست 67. مراتب النحويين 135. خزانة الأدب 3/120. تاريخ بغداد 2/196. ينظر: معجم الأدباء 6/2491. الترتيب الأبتثي كلمة منحوتة من: أب ت ث أما الأبجدي فهي من: أب ج د، ولهذا فإن كلمة ((الأبتثي)) في رأيي المتواضع أدق من قولنا: الألف بائي لأن ألف باء هي -أيضا- في: أب ج د ((أبجد)) فقد يقع اللبس، ومع ذلك لا مشاحّة في الاصطلاح. وبهذا يستبعد معجم ((الجيم)) للشيباني. ينظر: الجمهرة 3/1227. ينظر: الفهرست 83. ينظر: التكملة والذيل والصلة للصغاني 1/8. ينظر: معجم الأدباء 2/698. ينظر: المصدر السابق 1/329. ينظر: بغية الوعاة 2/344. ينظر: كشف الظنون 1/606. البصائر والذخائر 9/02. ينظر: البغداديات 96،وبقية الخاطريات 54، والخصائص 3/882، والمحكم 1/68. البغداديات 96. الخصائص 3/288. المزهر 1/93. المقتصد في شرح التكملة 2/832، 338، وينظر: الجمهرة 2/981. الاشتقاق (مقدمة المحقق ص 14) . ينظر: المعجم العربي 034، والمعاجم العربية 52، والبحث اللغوي عند العرب 205، والمعاجم العربية المجنسة 120، ودراسات في المعاجم العربية 46، والمعاجم اللغوية العربية 81، والمعاجم العربية: دراسة تحليلية 62. ينظر: المعجم العربي 410، 420، ومحمد بن دريد وكتابة الجمهرة 317، والمعاجم اللغوية 90. التهذيب 1/31. المصدر السابق 1/31. المجمل (قزب) 2/752. ينظر: المزهر 1/94. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 المقصور والممدود للقالي 299. وفيات الأعيان 4/327. مراتب اللغويين 135، 136. مروج الذهب 4/299. طبقات النحويين 184. نزهة الألبا 191. المحمدون من الشعراء 1/241. ينظر: الفوائد المحصورة (مقدمة المحقق 22) ومحمد بن دريد وكتابه الجمهرة 323، والجمهرة (مقدمة المحقق الدكتور رمزي بعلبكي 1/26) وأبو علي القالي 64. ينظر: الجمهرة (مقدمة المحقق محمد السورتي ص 7) ، طبعة حيدر آباد. ينظر: معجم الأدباء 6/2496، وكشف الظنون 1/605. ينظر: العين، على سبيل المثال 6/196 – 199. الجمهرة 1/245. المصدر السابق 1/238. المصدر السابق2/1014. المصدر السابق 2/1015. المصدر السابق 1/243. المصدر السابق 1/1014. المصدر السابق 1/245. المصدر السابق 1/246. المصدر السابق 1/247. المصدر السابق 1/248، والبِرسام: عِلّة يُهْذَى فيها. ينظر: القاموس (برسم) 1395. المصدر السابق1/237. ينظر: الصحاح (أرر) 2/578. ينظر: اللسان (أرر) 4/16. المصدر السابق (أرر) 4/16. ينظر: التهذيب (آر) 15/327. ينظر: الجمهرة 1/56. المصدر السابق 1/238. المصدر السابق1/57. المصدر السابق 1/241. كذا في الجمهرة 1/247 (بتحقيق الدّكتور رمزي بعلبكي) وهو تحريف، وينظر: الجمهرة 1/189 (بتحقيق محمد السورتي) ومعجم ما استعجم 1/185. الجمهرة 1/247. المصدر السابق 1/248. المصدر السابق 1/248. ينظر: الكتاب 4/294، والمنصف 2/178، وسر الصناعة 1/180،181، ورسالة الملائكة 280، ودقائق التصريف 183، والمقتصد في شرح التكملة 2/823، والتسهيل 296، وشرح الشافية للرضي 1/62، والملخص 2/257. ينظر: الجمهرة 1/173 – 225. الجمهرة 1/176. المصدر السابق 2/999. المصدر السابق 1/187. المصدر السابق 1/204. المصدر السابق 1/206. المصدر السابق 1/222، وأعادها ابن دريد في (ك أوي) 1/246، و (ك هـ وا ي) 2/1084. أعني ما ورد منه في أبواب الثلاثي الصحيح، وهو اضطراب من ابن دريد. الجمهرة 1/287. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 المصدر السابق1/341. المصدر السابق 1/352. المصدر السابق 1/362. المصدر السابق 1/378. المصدر السابق 1/378. المصدر السابق 1/382. ومن ذلك جعله ((البُحَّة)) في (ب ح هـ) 1/278، و ((الصُّبَّة)) في تقليبات (ب ص هـ) 1/352 و ((الضّبّة)) في تقليبات (ب ض هـ) 1/356، و ((الطِّبّة)) في تقليبات (ب ط هـ) 1/363، و ((القبّة)) في تقليبات (ب ق هـ) 1/376، و ((اللّبّة)) في تقليبات (ب ل هـ) 1/380، و ((التِّكّة)) في (ت ك هـ) 1/409، و ((الخُثَّة في تقليبات (ث خ هـ) 1/418، و ((ناقة ثَرَّة)) في (ث ر هـ) 1/425، و ((العُثَّة)) في تقليبات (ث ع هـ) 1/427، و ((الثَّلّة)) في (ث ل هـ) 1/432، و ((الثُّنّة)) في (ث ن هـ) 1/434 و ((الحُجّة)) في تقليبات (ج ح هـ) 1/443، و ((الجُدّة)) في (ج د هـ) 1/452، و ((العُجّة)) في تقليبات (ج ع هـ) 1/486 و ((الجَفَّة)) في (ج ف هـ) 1/490، و ((اللُّجّة)) في تقليبات (ج ل هـ) 1/494، و ((الجَمَّة)) في (ج م هـ) 1/495، و ((الجَنّة)) في (ج ن هـ) 1/498، و ((الحَرَّة)) في (ح ر هـ) 1/526، و ((الحَزّة)) في (ح ز هـ) 1/531، و ((الحِصّة)) في (ح ص هـ) 1/544، و ((الصِّحّة)) في تقليبات (ح ص هـ) 1/544، و ((الحِطّة)) في (ح ط هـ) 1/552، و ((الفحّة)) في تقليبات (ح ف هـ) 1/557، و ((الحَمَّة)) في (ح م هـ) 1/574، و ((حَنّة الرجل)) (ح ن هـ) 3/575، و ((الزّخّة)) في تقليبات (خ ز هـ) 1/597 و ((الخُلّة)) في (خ ل هـ) 1/621، و ((النّخّة)) في تقليبات (خ ن هـ) 1/622، و ((المَخَنَّة)) في (خ ن هـ) 1/623، و ((الدّرّة)) في (درهـ) 2/641، و ((الدُّقَّة)) في (دق هـ) 2/ 678، و ((الصَّرّة)) في تقليبات (ر ص هـ) 2/745، و ((القُذَّة)) في تقليبات (ذ ق هـ) 2/700، و ((الضَّرَّة)) في تقليبات (ر ض هـ) 2/753، و ((الطُّرّة)) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 في تقليبات (ر ط هـ) 2/762، و ((العُرَّة)) في تقليبات (رع هـ) 2/776، و ((الرِّمّة)) في (ر م هـ) 2/803، و ((الرَّنّة)) في (ر ن هـ) 2/807، و ((الزِّلّة)) في (ز ل هـ) 2/827 و ((السَّلَّة)) في (س ل هـ) 2/860، و ((الشُّقّة)) في (ش ق هـ) 2/876، و ((القِشّة)) في تقليبات (ش ق هـ) 2/876، و ((الغُصَّة)) في تقليبات (ص غ هـ) 2/890، و ((الصُّفّة)) في (ص ف هـ) 2/893، و ((القُصَّة)) في تقليبات (ص ق هـ) 2/895، و ((الصَّلّة)) في (ص ل هـ) 2/898، و ((الصِّمّة)) في (ص م هـ) 2/899، و ((النُّصّة)) في تقليبات (ص ن هـ) 2/900، و ((الضَّفّة)) في (ض ف هـ) 2/908، و ((الفِضّة)) في تقليبات (ض ف هـ) 2/908، و ((القِضّة)) في تقليبات (ض ق هـ) 2/910، و ((ضِنّة)) في (ض ن هـ) 2/913، و ((الطّلّة)) في (ط ل هـ) 2/927، و ((الكِظّة)) في تقليبات (ظ ك هـ) 2/933، و ((الظُّلّة)) في (ظ ل هـ) 2/935 و ((الظّنّة)) في (ظ ن هـ) 2/935، و ((العُكّة)) في (ع ك هـ) 2/948، و ((العُنَّة)) في (ع ن هـ) 2/955، و ((الغُفّة)) في (غ ف هـ) 2/959، و ((الغُلّة)) في (غ ل هـ) 2/962، و ((الغُمَّة)) في (غ م هـ) 2/963، و ((الغُنَّة)) في (غ ن هـ) 2/964، و ((القُفَّة)) في تقليبات (ف ق هـ) 2/968، و ((الفَكَّة)) في (ف ك هـ) 2/970، و ((كِفّة الميزان)) في تقليبات (ف ك هـ) 2/970، و ((القُلّة)) في (ق ل هـ) 2/976، و ((قِمّة الرأس)) في (ق م هـ) 2/978، و ((القُنَّة)) في (ق ن هـ) 2/979، و ((الكِلّة)) في (ك ل هـ) 2/982 و ((كَنّة الرجل)) في (ك ن هـ) 2/985، و ((اللَّمَّة)) في (ل م هـ) 2/987، و ((المَلَّة)) في تقليبات (ل م هـ) 2/988، و ((المُنَّة)) في (م ن هـ) 2/992، ... وكل هذا من المضعف، وليس في أصله هاء. الجمهرة 2/844. المصدر السابق 2/898. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 المصدر السابق 2/931. المصدر السابق 1/331. المصدر السابق 1/544. المصدر السابق 1/574. ينظر على سبيل المثال في الجمهرة: 1/363، 496، 544، 574، 2/678، 696، 905، 987. الجمهرة: 1/139. المصدر السابق 1/136. المصدر السابق 1/128. المصدر السابق 1/135. المصدر السابق1/303. المصدر السابق 2/678. المصدر السابق 1/498. ينظر: الخصائص 2/58. الجمهرة: 2/1027. المصدر السابق 2/1028. المصدر السابق2/1075. المصدر السابق 2/1086. المصدر السابق 2/1091. المصدر السابق 2/1091. المصدر السابق 2/1091. المصدر السابق 2/1091. المصدر السابق2/1091. المصدر السابق 2/1091. المصدر السابق 2/1094. المصدر السابق 2/1107. المصدر السابق 2/1107. المصدر السابق 2/1107. المصدر السابق 1/173-225. المصدر السابق 1/226-228. المصدر السابق 2/1111. المصدر السابق 2/1112. المصدر السابق2/1113. المصدر السابق 2/1113. المصدر السابق 2/1113. المصدر السابق 2/1113. المصدر السابق 2/1117. المصدر السابق 2/1129. المصدر السابق 2/1129. المصدر السابق 2/1130. المصدر السابق: 2/1131. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 ومنه (أي مما جاء في أبواب الرباعي وهو ثلاثي) : ثجرة النّحر 2/1130، وطَيثرة: اسم وهو مأخوذ من الطثر 2/1131 والرَّعْثة: القُرط 2/1131، والعَثْرَة من قولهم: عَثَر عَثرة سوء 2/1131، والنَّثْرَة: الدرع ونجوم في السماء 2/1131، والثَّفِنَة: آثار مواقع أعضاء البعير على الأرض 2/1132، وتُكْمَة: اسم امرأة 2/1132، والثُكْنة: الجماعة من الطير والناس 2/1133، والثُّلْمَة: الفتح في الشيء: 2/1133 والثُّمْلة: البقية من الطعام 2/1133، ومُثْلَة: فاقة 2/1133، والنَّثْلَة: الدرع 2/1133، والجَحْرَة: السنة المجدبة 2/1134، والحُجْرة: الموضع المحجور عليه 2/1134، والحَجْفة: ترس يتخذ من جلود الإبل 2/1135، والجُحْفة: موضع من مواقيت الحج 2/1135، والجَحْمة: العين 2/1135، وحَرْدَة: اسم موضع 2/1140، والحَسَكة: الحقد في القلب 2/1142، والخَفْقة: الأرض الواسعة المنخفضة 2/1145، والقِشْدَة: خلاصة السمن 2/1148، والصَّدُقة: الصَّداق 2/1148، والصَّدَقة: ما تصدق به الإنسان 2/1148، والغُرْفة: الحجرة 2/1154، والرُّفْقة: الرفاق 2/1154 الرَّقَلة: النخلة الطويلة 2/1154، والقَرْمَة: جُليدة تقتطع من أنف البعير ثم تفتل 2/1154، والزُّنْمة والزَّنَمَة: لحمة معلقة تحت فكّي العنز والتيس 2/1155، والسِّلعة: البضاعة 2/1156، وعجوز شَهْلة: كهلة 2/1157، والقصعة: معروفة 2/1158، وصَنْفَة الثوب: حاشيته 2/1158 والعُضْلة: الداهية 2/1158، العُظْمة: ما تضعه المرأة على عجزها لتعظمه به 2/1159، ودرهم قَفْلة: أي وازن 2/1160، المُقْلَة: مقلة العين 2/1160، الكَلِمَة: واحدة الكَلِم 2/1161. الجمهرة 2/1116. المصدر السابق 2/1136. المصدر السابق 2/1141. المصدر السابق2/1165. المصدر السابق 2/1165. المصدر السابق 2/1168. المصدر السابق 2/1173. المصدر السابق 2/1178. المصدر السابق 2/1180. المصدر السابق 2/1181. المصدر السابق 2/1181. المصدر السابق 2/1182. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 المصدر السابق2/1125. المصدر السابق 1/338. المصدر السابق 2/1140. المصدر السابق 2/1142. المصدر السابق 2/1148. المصدر السابق2/1163. ينظر: الكتاب 4/424، 425، والمقتضب 1/203، 204، وشرح المفصل لابن يعيش 7/156، وشرح الشافية للرضي 1/64 والتسهيل 298، والمساعد 4/74، والهمع 2/216. الجمهرة 2/1164. المصدر السابق 2/1164. المصدر السابق2/1164. المصدر السابق 2/1164. المصدر السابق 2/1165. المصدر السابق 2/1166. المصدر السابق 2/1165. المصدر السابق 2/1165. المصدر السابق 2/1165. المصدر السابق 2/1166 المصدر السابق2/1134 المصدر السابق 2/1158،1159. المصدر السابق 2/1154. ينظر: اللسان (قرم) 12/473. الجمهرة 2/1176. المصدر السابق 2/1185. المصدر السابق 2/1186. المصدر السابق 2/1186. المصدر السابق 2/1186. المصدر السابق 2/1187. المصدر السابق 2/1187. المصدر السابق 2/1186. المصدر السابق 2/1186. المصدر السابق 2/1186. المصدر السابق 2/1188-1189. ينظر: المصدر السابق 2/1191-1192. ينظر: المصدر السابق 2/1192-1195. ينظر: المصدر السابق 2/1193-1195. ينظر: المصدر السابق 2/1195. ينظر: القاموس (د ح و) 1654. ينظر: الجمهرة 2/1200-1201. ينظر: المصدر السابق 2/1203-1204. ينظر: المصدر السابق 2/1204. ينظر: المصدر السابق 2/1204-1205. ينظر: المصدر السابق 2/1205. ينظر: المصدر السابق 2/1205-1207. ينظر: المصدر السابق 2/1207. ينظر: المصدر السابق 2/1213-1214. ينظر: المصدر السابق 2/1214. ينظر: المصدر السابق 2/1216. ينظر: المصدر السابق 2/1216. ينظر: المصدر السابق 2/1222-1223. ينظر: المصدر السابق 2/1123. ينظر: المصدر السابق 2/1184-1185. ينظر: المصدر السابق 2/1185-1187. ينظر: المصدر السابق 2/1187-1188. ينظر: المصدر السابق 2/1188. ينظر: المصدر السابق 2/1189-1191. ينظر: المصدر السابق 2/1195-1200. ينظر: المصدر السابق 2/1201-1203. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 ينظر: المصدر السابق 2/1208-1213. ينظر: المصدر السابق 2/1219-1221. ينظر: المصدر السابق 2/1221-1222. ينظر: المصدر السابق 2/1222. ورد اسم هذا الباب في طبعة البعلبكي (2/1223) على الصورة التالية: ((باب ما جاء على فُعُعْللة)) (هكذا) ، والوزن -كما ترى- غريب، وليس هو من أوزان العربية المألوفة، وقد مثل له ابن دريد ب ((ثُرُعْطُطَة)) وهو حساء رقيق. والصواب في الوزن ما أثبته وهو ((فُعُلُّلة)) بفاء مضمومة، وعين مضمومة، ولام مشددة مضمومة، بعدها لام مفتوحة، ثم تاء التأنيث، وقد جاء الوزن على هذا الوجه الصحيح في إحدى النسخ الخطية للجمهرة كما أشار المحقق الفاضل في الهامش. وهو يوافق ما جاء في طبعة حيدر آباد (3/405) . ينظر: الجمهرة 2/1223. ينظر: المصدر السابق 3/1227-1273. ينظر: المصدر السابق 3/1227. ينظر: المصدر السابق 3/1227-1228. ينظر: الممتع 1/101. ينظر: الجمهرة 3/1228. ينظر: المصدر السابق 3/1228. ينظر: المصدر السابق 3/1229. ينظر: المصدر السابق 3/1236. ينظر: المصدر السابق 3/1239. ينظر: المصدر السابق 3/1239. ينظر: الكتاب 4/248. ينظر: أدب الكاتب 596، والممتع 1/133، وشرح الشافية للرضي 2/397. ينظر: الجمهرة 3/1240. ينظر: المصدر السابق 3/1227. ينظر: المصدر السابق 3/1244. ينظر: المصدر السابق 3/1244. يظر: المصدر السابق 3/1245. ينظر: الكتاب 4/265. ينظر: شرح أبنية سيبويه 46،152. ينظر: الممتع 1/132. الجمهرة 1/561. المصدر السابق 1/86. المصدر السابق 2/779. ليس في كلام العرب 51. ينظر: اللسان (غرد) 3/325. الجمهرة 1/136. اللسان (نسأ) 1/169. الجمهرة 2/1069. في الأصل: فدل. المسائل الحلبيات 59. المفردات (روى) 376. الجمهرة 1/400. المصدر السابق 1/80. المصدر السابق 1/581. المصدر السابق 2/629. المصدر السابق 2/800. المصدر السابق 2/767. البحث اللغوي عند العرب 206. الجمهرة 3/1227. المصدر السابق2/1085. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 المصدر السابق 3/1339. ينظر: المقتصد في شرح التكملة 2/833. ينظر: الجمهرة 1/433. ينظر: المصدر السابق 2/776. ينظر: المصدر السابق 1/325. المصدر السابق 2/1135. المصدر السابق 2/1124. المصدر السابق 2/1140. المصدر السابق 2/1135. المصدر السابق 2/1142. المصدر السابق 2/1160. المصدر السابق 2/893. ينظر المعاجم العربية 25. ينظر: الجمهرة 1/142. ينظر: الجمهرة 2/890. ينظر: المصدر السابق 1/138. ينظر: المصدر السابق 2/876. ينظر: المصدر السابق 1/382. ينظر: المصدر السابق 2/908. ينظر: المصدر السابق 2/844. ينظر: المصدر السابق 1/331. المصدر السابق 2/1208. المصدر السابق 2/1213. المصدر السابق 2/1173. المصدر السابق 2/1174. المصدر السابق2/752. ينظر: المصدر السابق1/244، وذكر المحقق أمامها أصل (غ وغ) وهو من اجتهاده، وليس من عمل ابن دريد. المصدر السابق 1/239. ينظر: المقتضب 1/153، 154. ينظر: المنصف 2/144،145. ينظر: تداخل الأصول اللغوية (رسالة دكتوراه) 567،568. ينظر: الجمهرة 1/328. ينظر: المصدر السابق 2/1210. ينظر: المصدر السابق 1/111. ينظر: المصدر السابق 2/658، أما الأصل الذي وضعه المحقق الفاضل (ص د د) فهو من اجتهاده، وليس من عمل ابن دريد والكلمة مذكورة في تقليبات (د ص ى) والأصل الذي يريده ابن دريد ويقتضيه التقليب هو ما ذكرته: (ص د ى) . ينظر: اللسان (ص د أ) 1/109. ينظر: الجمهرة 1/91. ينظر: المصدر السابق 1/492، واجتهد المحقق ووضع أمام الكلمة أصل (ج ل ل) ولم يرد ابن دريد هذا الأصل، إنما أراد (م ج ل) لأنه ذكرها في تقليبات مادة (ج ل م) . ينظر: المصدر السابق 1/114. ينظر: المصدر السابق 2/680. المصادر والمراجع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 - أبو عليّ القالّي، وأثره في الدّراسات اللّغوية والأدبيّة في الأندلس، لعبد العليّ الودغيري، اللّجنة المشتركة للنشر وإحياء التّراث الإسلاميّ بين حكومة المملكة المغربيّة وحكومة دولة الإمارات العربيّة المتّحدة 1403هـ/1983م. - أدب الكاتب، لابن قتيبة، بتحقيق الدّكتور محمّد أحمد الداليّ، مؤسّسة الرسّالة، بيروت 1402 - الاشتقاق، لابن دريد، بتحقيق عبد السّلام هارون، الخانجي، القاهرة 1378هـ - إنباه الرواة على أنباه النحاة، للقفطيّ، بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، القاهرة، ومؤسّسة الكتب الثّقافيّة، بيروت 1406هـ. - الأنساب، لأبي سعد السّمعانيّ، بتحقيق الشّيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلميّ، الناشر محمّد أمين دمج، بيروت 1440هـ، الطّبعة الثّانية - البحث اللّغويّ عند العرب مع دراسة لقضيّة التّأثر والتّأثير، للدّكتور أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة 1981م - البداية والنّهاية، لأبي الفداء ابن كثير القاهرة 1348هـ. - البصائر والذخائر، لأبي حيان التوحيدي، بتحقيق الدّكتورة وداد القاضي، دار صادر، بيروت 1984م - البغداديّات، لأبي عليّ الفارسيّ، بتحقيق صلاح الدّين عبد الله السّنكاويّ، مطبعة العاني، بغداد 1983م - بغية الوعاة في طبقات اللّغويّين والنحاة، للسّيوطيّ، بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة 1964م. - بقيّة الخاطريّات، لأبي الفتح عثمان بن جنّيّ (وهي ما لم ينشر في المطبوعة) بتحقيق الدّكتور محمّد أحمد الدّالي، مجلّة مجمّع اللّغة العربيّة بدمشق، م 67 ج 3 (المحرم 1413هـ يوليو 1992م) . - تاج العروس من جواهر القاموس، للزّبيديّ، المطبعة الخيريّة، القاهرة، 1306هـ. - تاريخ بغداد، للخطيب البغداديّ، دار الكتاب العربيّ، بيروت (بدون تاريخ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 - تداخل الأصول اللّغويّة، وأثره في بناء المعجم العربيّ من خلال مدرسة القافية، لعبد الرّزاق ابن فراج الصاعدي، (رسالة دكتوراه من الجامعة الإسلامية، سنة 1414هـ) . - التّسهيل (تسهيل الفوائد وتكمل المقاصد) لابن مالك، بتحقيق الدّكتور محمّد كامل بركات، دار الكتاب العربيّ، القاهرة 1387هـ. - التّكملة والذّيل والصّلة لكتاب تاج اللّغة وصحاح العربيّة، للصّغانيّ، بتحقيق عبد العليم الطّحاوي وآخرين، مطبعة دار الكتب، القاهرة 1970م. - تهذيب اللّغة، للأزهريّ، بتحقيق عبد السّلام هارون وآخرين، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف، القاهرة 1384هـ. - جمهرة اللّغة، لابن دريد، بتحقيق الدّكتور رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت 1987م (وإحالاتي في هذا البحث هي على هذه الطّبعة) . - جمهرة اللّغة، لابن دريد، بتحقيق محمّد السورتي، حيدر آباد، الهند 1351هـ. - الجيم، لأبي عمر الشيباني، بتحقيق إبراهيم الإبياري، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميريّة، القاهرة 1394هـ. - الحلبيات = المسائل الحلبيات - الخاطريات = بقيّة الخاطريّات - خزانة الأدب ولبّ لباب لسان العرب، لعبد القادر البغدادي، بتحقيق عبد السّلام هارون، الخانجي، القاهرة 1409هـ، الطّبعة الثّالثة. - الخصائص، لابن جنّيّ، بتحقيق محمّد عليّ النّجار، دار الكتب المصريّة، القاهرة 1371هـ. - دراسات في المعاجم العربيّة، للدّكتور أمين محمّد فاخر، مطبعة حساّن، القاهرة 1404هـ. - دقائق التّصريف، للقاسم بن محمّد بن سعيد المؤدّب، بتحقيق أحمد ناجي القيسيّ، والدّكتور حاتم صالح الضّامن والدّكتور حسين تورال، مطبوعات المجمع العلميّ العراقيّ، بغداد 1987م - رسالة الملائكة، لأبي العلاء المعريّ، بتحقيق محمّد سليم الجندي، دار الأفاق الجديدة، بيروت 1979م مصورة عن طبعة التّرقي دمشق. - سر صناعة الإعراب، لابن جنّيّ بتحقيق الدّكتور حسن هنداوي، دار القلم، دمشق 1405هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 - شذرات الذّهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبليّ، القاهرة 1358هـ. - شرح أبنية سيبوية، لابن الدّهان النّحويّ، بتحقيق الدّكتور حسن شاذلي فرهود، دار العلوم، الرّياض 1408هـ. - شرح الشّافية، للرّضي، بتحقيق محمّد نور الحسن ومحمّد الزّفزاف ومحمّد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلميّة، بيروت 1402هـ. - الصحاح (تاج اللّغة وصحاح العربيّة) ، للجوهريّ بتحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت. - طبقات الشافعيّة الكبرى، لابن السّبكيّ، بتحقيق عبد الفتاح الحلو، ومحمّد محمود الطّناحي، مطبعة عيسى البابي الحلبيّ، القاهرة 1383هـ. - طبقات المفسرين، للداوودي، دار الكتب العلمية، بيروت. - طبقات النّحويّين واللّغويّين، لأبي بكر الزّبيديّ، بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة 1984م. - العين، للخليل بن أحمد الفراهيديّ، بتحقيق الدّكتور مهدي المخزوميّ، والدّكتور إبراهيم السّامرائي، مؤسّسة الأعلميّ بيروت 1408هـ. - الفهرست، لابن النّديم، بتحقيق رضا تجدد، دار المسيرة، بيروت 1988م. - الفوائد المحصورة في شرح المقصورة، لابن هشام اللّخميّ، بتحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار مكتبة الحياة بيروت 1400هـ. - القاموس المحيط، للفيروزاباديّ، مؤسّسة الرّسالة، بيروت 1407هـ. - الكتاب، لسيبويه، بتحقيق عبد السّلام محمّد هارون، عالم الكتب، بيروت 1403هـ. - كشف الظّنون عن أسامي الكتب والفنون، للحاجّ خليفة، دار الفكر، بيروت 1402هـ. - لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت - ليس في كلام العرب، لابن خالوية، بتحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت 1399هـ. - مجمل اللّغة، لابن فارس، بتحقيق الدّكتور محسن سلطان، مؤسّسة الرّسالة، بيروت 1404هـ. - المحكم والمحيط الأعظم في اللّغة، لابن سيده، بتحقيق جماعة من العلماء، القاهرة، 1377هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 - محمّد بن دريد وكتابه الجمهرة، للدّكتور شرف الدّين على الرّاجحيّ، دار المعرفة الجامعيّة، الإسكندريّة 1985م. - المحمّدون من الشّعراء، للقفطيّ، بتحقيق محمّد عبد السّتّار خان حيدر آباد، الهند، 1385هـ. - مراتب النّحويّين، لأبي الطّيّب اللّغويّ، بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة 1955م. - مروج الذّهب ومعادن الجوهر، للمسعوديّ، وضع فهارسه يوسف أسعد داغر، دار الأندلس، بيروت 1404هـ، الطّبعة السّادسة - المزهر في علوم اللّغة وأنواعها، للسّيوطيّ، بتحقيق محمّد جاد المولى وعلى البجاوي ومحمّد أبوالفضل إبراهيم، دار الفكر، بيروت. - المسائل الحلبيّات، لأبي عليّ الفارسي، بتحقيق الدّكتور حسن هنداوي، دار القلم، دمشق 1407هـ. - المسائل المشكلة = البغداديّات. - المعاجم العربيّة، لعبد الله درويش، الفيصليّة، مكّة المكرّمة 1406هـ. - المعاجم العربيّة: دراسة تحليلية، للدّكتور عبد السّميع محمّد أحمد، دار الفكر العربيّ، بيروت 1984م. - المعاجم العربيّة المجنّسة، للدّكتور محمّد عبد الحفيظ العريان، دار المسلم، بور سعيد 1404هـ. - المعاجم اللّغويّة العربيّة بداءتها وتطوّرها، للدّكتور إميل يعقوب، دار العلم للملايين، بيروت 1985م. - معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) ، لياقوت الحمويّ، بتحقيق الدّكتور إحسان عبّاس، درا الغرب الإسلاميّ، بيروت 1993م. – معجم البلدان، ليلقوت الحموي، دار صادر، بيروت، 1404هـ. – المعجم العربيّ، للدّكتور حسين نصّار، دار مصر للطّباعة، القاهرة 1956م. – معجم ما استعجم في أسماء البلاد والمواضع، لأبي عبيد البكري، بتحقيق مصطفى السّقّا، مكتبة الباز، مكة المكرمة. - المفردات، للراغب الأصفهاني، بتحقيق صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، والدار الشامية، بيروت، 1412هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 - المقتصد في شرح التّكملة، لعبد القاهر الجرجانيّ، بتحقيق أحمد بن عبد الله الدويش، رسالة دّكتوراه من كليّة اللّغة العربيّة في جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميّة، الرّياض، لعام 1411هـ. - المقتضب، للمبرّد، بتحقيق محمّد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت. - المقصور والممدود، لأبي عليّ القاليّ، بتحقيق الدّكتور أحمد عبد المجيد هريدي، الخانجي، القاهرة 1419هـ. - الملخّص في ضبط قوانين العربيّة، لابن أبي الرّبيع، بتحقيق الدّكتور عليّ بن سلطان الحكمي، كراتشي 1408هـ. - الممتع في التّصريف، لابن عصفور، بتحقيق الدّكتور فخر الدّين قباوة، دار الأفاق الجديدة، بيروت 1397هـ. - المنصف، لابن جنّيّ، بتحقيق إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة 1373هـ. - نزهة الألباء في طبقات الأدباء، لأبي البركات الأنباريّ، بتحقيق الدّكتور إبراهيم السّامرائي، مكتبة المنار، عمَّان 1405هـ. - الوافي بالوفيات، لخليل بن أبيك الصَّفديّ، باعتناء جماعة من العلماء، دار صادر، بيروت 1969م. - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان، لابن خلّكان، بتحقيق الدّكتور إحسان عبّاس، دار صادر، بيروت 1398هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 الأبنية المختصة باسم أو صفة في كتاب سيبويه د. عبد الله بن ناصر القرني الأستاذ المساعد في قسم اللغة والنحو والصرف بكلية اللغة العربية جامعة أم القرى ملخص البحث كشف البحث وجه التفريق بين الأسماء والصفات، وأشار إلى مكان الأبنية من الدراسة عند القدماء، وأومأ إلى فائدة دراسة الأبنية. ثم عرض للأبنية المختصة فتناول بالدراسة مائة وتسعة وسبعين بناءً مختصاً ذُكِرَت في كتاب سيبويه، اختصت الأسماء منها بمائة وتسعة وثلاثين بناءً، واختصت الصفات بأربعين بناءً. وأبان البحث بأن الاختصاص في الأبنية المجردة قليل. وأن أكثر الاختصاص في الأبنية المزيدة، يتقدمها الثلاثي ثم الرباعي، ثم الخماسي. وخلص البحث إلى أن ورود بعض الأمثلة من الأسماء على أبنية مختصة بالصفات أو العكس يمكن توجيهه بما يتفق مع ضوابط الاختصاص، فإما أن تكون في الأصل صفات استعملت أسماءً ثم وصف بها على الأصل. وإما أن تكون أسماءً وصف بها، وإما أن تكون صفات غالبة. وانتهى البحث إلى أن سيبويه لم يكن يخفى عليه كثيرٌ من الأبنية التي استدركت عليه، بل كان له في ذلك نظرته إذ من منهجه أنه لا يَعْتَدُّ أحياناً بما ورد لِقِلَّتِهِ وزارته، ونَفْيُهُ عَدَمَ ورود ِشيءٍ من ذلك يكون على سبيل جَعْلِ القليل في كلام العرب بمنزلة ما لم يكن؛ وإن كان لا يضير سيبويه أن يُسْتَدْرَك عليه، ولن تكون كلمة أخيرة في قضايا اللغة لسعتها وكثرة الشذوذ فيها. وبالله التوفيق. • • • مقدِّمة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 فحين كنت أُقَلِّبُ كتاب سيبويه للنظر في بعض المسائل التي لها علاقة بأبحاث سابقة لحظت إشارات وتصريحات في أبواب الأبنية. إذ كان يَذكر أن هذا البناء جاء في الأسماء ولا يعلم أنه جاء في الصفات، وأن بناءً آخر جاء في الصفات ولا يعلم أنه جاء في الأسماء، فوقع في نفسي أن هذه مسألة جديرة بالعناية والتأمل، فقيدتها. وبعد فراغي مما كنت فيه عدت إليها، وكنت في بداية الأمر أتهيب الولوج في الموضوع خشية قلة المادة، ولكن عند قراءتي لفهارس الكتاب التي صنعها الشيخ محمد عبد الخالق عضيمه - رحمه الله - وجدت المادة وفيرة ومتنوعة، وقد خَصَّ الاسم والصفة بعنوان مستقل، أَوْرَدَ فيه أبنية جاءت في الأسماء والصفات، وأبنية جاءت في الأسماء ولم ترد في الصفات، وأبنية جاءت في الصفات ولم ترد في الأسماء. وإن كان - رحمه الله - لم يقف عند المراد بكل منهما، إذ الصفة من الأسماء. فلما رأيت ذلك أيقنت أن في بحث هذا الموضوع خيراً، وأنه جديرٌ بالنظر والدراسة، ويمكن أن يكون ذلك من خلال هذه المسائل في فصول تتم دراستها في ضوء ما ذكره سيبويه، وما ذكره الخالفون من بعده. ولابد في هذا البحث من بيان أمور ولو باختصار، منها: المراد بالأسماء والصفات على هذا النحو. وموضع الأبنية من الدراسة عند القدماء. وفائدة دراسة الأبنية. فأما المراد بالأسماء والصفات في هذا الموضع فلا يخفى أن الصفات أسماءٌ إذا لم تكن جملاً. فما وجه الفصل بينهما؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 وجه السيرافي ذلك في شرحه لكتاب سيبويه فقال: ((أما ما كان قوله: ما بنت العرب من الأسماء والصفات فلسائل أن يسأل فيقول: ما وجه فصله بين الأسماء والصفات، والصفات أيضاً أسماء؟ فالجواب أَنَّ الصفاتِ وإن كانت أسماءً ففي الكلام أسماء ليست بصفات، وأسماء هي صفات، وإنما أراد الفصلَ بين الأسماء التي هي صفات والأسماء التي ليست بصفات نحو: زيد وعمرو وسائر الأعلام، وأسماء الأجناس كرجل وفرس؛ لأن لكل واحد من هذين النوعين أحكاماً يفارق بها الآخر في موضع ... من ذلك جمع (أَفْعَل) نعتاً (فُعْلٌ) نحو: (أحمر) و (حُمْر) و (أشهب) و (شُهب) وجمع (أَفْعَل) اسماً (أفاعل) نحو (أفكل) و (أفاكل) و (أحمد) و (أحامد) ... )) (1) . ففي هذا حَصْرٌ للأسماء في الأعلام وأسماء الأجناس، ثم أدخل فيها بعد ذلك المصادر في قوله: ((وربما كثر بناءٌ من الأبنية في أحد هذين النوعين - أعني الاسم والصفة - وقل في الآخر، كما كثر (إِفْعَال) في المصادر نحو إسلام وإخراج وإنفاق، وهي مصادر أسلم وأخرج وأنفق، وقلّ في الصفات كقولهم: رجل إسكاف)) (2) . وذكر السيرافي بعد ذلك فروقاً أُخَرَ، منها ما ذكره سيبويه من أن الصفة قد جاءت على (مُفَاعِل) نحو (مُقاتل) و (مُجاهد) ولم يأت من الأسماء التي ليست بصفات شيء على هذا البناء؛ لأن مُفاعِلاً إنما يجيء مشتقاً (3) . وأشار بعض الباحثين المعاصرين إلى هذا التقسيم فقال: ((وقسم سيبويه الأسماء إلى نوعين: قسم يسمى به وهو الأسماء، وقسم يوصف به سواء أكان مشتقاً أم غير مشتق، وسماه الصفات. وقد بحث هذين القسمين معاً ولم يفصل بينهما)) (4) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 أما عناية القدماء بالأبنية فقد كانت الأبنية علماً مستقلاً، لا يقل في أهميته عن علم الصرف، وقد بذلوا جهداً كبيراً في تحديد أبنية العربية، حتى إن منهم من صنف معاجم لغوية على أساس الأبنية، كما فعل الفارابي في ديوان الأدب. أما فائدة دراسة الأبنية فلاشك أن دراسة الأبنية ذات أهمية بالغة في دراسة صرف العربية. إذ به تعرف حروف الكلمة الأصلية وما زيد فيها من غير حروفها الأصول. وحصر أبنية العربية يفيدنا في معرفة العربي من العجمي، إذ جعل علماء العربية لألفاظها أمثلة، وخرجوا من تتبع ما تكلمت به العرب بأبنية تختص بالأفعال، وأخرى تختص بالأسماء، وقسموا أبنية الأسماء - تبعاً للاستعمال - إلى أبنية للأسماء، وأبنية للصفات، وذكروا ذلك، وصنفوا فيه، ومازال اللاحق يستدرك على السابق، حتى أتوا على كل ألفاظ العربية، فما خرج عن ذلك عُدّ من قبيل الدخيل، فإن أرادوا استعماله أخضعوه لقوانين التعريب المعروفة في كتب اللغة. ولما أيقنت أن النظر في هذه المسائل، وجمع شتاتها، وتبويبها - على نحو ما صنعت - عمل لم يُفْرَدْ ببحثٍ مستقلٍّ - حسب علمي - استعنت بالله، وشرعت فيما عقدت عليه العزم وقسمت البحث إلى فصلين: الفصل الأول: ما اختصت به الأسماء من أبنية دون الصفات وفيه مباحث: المبحث الأول: ما اختص به الاسم من أبنية الثلاثي الذي حذف أحد أصوله واستعمل على حرفين. المبحث الثاني: ما اختص به الاسم من أبنية الثلاثي ومزيده. المبحث الثالث: ما اختص به الاسم من أبنية الرباعي ومزيده. المبحث الرابع: ما اختص به الاسم من أبنية الخماسي ومزيده. الفصل الثاني: ما اختصت به الصفات من أبنية دون الأسماء وفيه مباحث: المبحث الأول: ما اختصت به الصفات من أبنية الثلاثي ومزيده. المبحث الثاني: ما اختصت به الصفات من أبنية الرباعي ومزيده. المبحث الثالث: ما اختصت به الصفات من أبنية الخماسي ومزيده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 ولا أزعم لعملي هذا الكمال فذلك محال، ولكن حسبي أني بذلت الجهد. والله أسأل أن يوفقنا للصواب وبالله التوفيق. الفصل الأول ما اختصت به الأسماء من أبنية دون الصفات المبحث الأول: ما اختص به الاسم من أبنية الثلاثي الذي حُذِفَ أحد أصوله واستعمل على حرفين غالب كلام العرب من الأسماء والأفعال يكون على ثلاثة أحرف، لأن المتحدث يحتاج إلى حرف يبتدئ به، وحرف يقف عليه، وحرف يكون مسافة بينهما، ولا يكون الاسم والفعل على أقل من ذلك إلا قليلاً. فإذا تقرر ذلك فما معنى جعل سيبويه هذا من أبنية الثنائي؟ قال سيبويه: ((ثم الذي يلي ما يكون على حرف ما يكون على حرفين، وقد تكون عليه الأسماء المظهرة المتمكنة والأفعال المتصرفة، وذلك قليل، لأنه إخلال عندهم بِهِنّ، لأنه حذفٌ من أقل الحروف عدداً. فمن الأسماء التي وصفت لك: يدٌ، ودَمٌ، وحِرٌ، وسَتٌ، وسَهٌ - يعني الاست - ودَدٌ وهو اللهو ... فإذا ألحقتها الهاء كَثُرَتْ، لأنها تقوى، وتصير عدتها ثلاثة أحرف)) (1) . وقال أيضاً: ((ولا يكون شيءٌ على حرفين صفة حيث قل في الاسم وهو الأول الأمكن)) (2) . ومقصود سيبويه بهذا ما يكون على حرفين استعمالاً مما حُذِف لامه، وأصله ثلاثي، ولذا قال: ((لأنه حذفٌ من أقل الحروف عدداً)) (3) . وأوضح ابن عصفور ذلك بقوله: ((أبنية الأسماء الأصول أقل ما تكون ثلاثة، وأكثر ما تكون خمسة. ولا يوجد اسم متمكنٌ، على أقل من ثلاثة أحرف، إلا أن يكون منقوصاً، نحو (يَدٌ) و (دم) وبابهما)) (4) . فما ذكره سيبويه على حرفين في الأسماء هو مما جاء في كلامهم محذوفاً من هذا النوع. وأما (حِر) فوزنه (فِعٌ) ؛ ثم حُذِفَت لامه، إذ هو في الأصل (حِرْحٌ) على (فِعْلٌ) ودليل ذلك ((قولهم أفعال في جمعه، بمنزلة جِذْع وأَجْذَاع)) (5) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 وأما دَدٌ فأصلها (دَدَنٌ) على (فَعَلٍ) أيضاً و ((فيه لغاتٌ، يقال: اللَّهْوُدَدٌ مثل يَدٍ، ودَدَاً مثل قفاً وعصاً، ودَدَنٌ مثل حَزَن)) (1) . أما (دَم) فقد جعل سيبويه أصله (فَعْلاً) حينما جعله يُكَسَّر على (فِعال وفُعول) مثل: دماء ودُمِيُّ، قياساً على ظَبْيٍ ودَلْوٍ، إذ تجمع على ظِباءٍ ودُلِيٍّ (2) . وخالفه المبرد في ذلك فجعله (فَعَلاً) بتحريك العين (3) . ورَدَّ ذلك عليه ابن ولاَّدٍ في الانتصار (4) . وأما سَتٌ وسَهٌ فأصلها قبل الحذف (سَتَةٌ) ووزنها (فَعَلٌ) ((كَجَبَلٍ، بدليل أستاه ... وفيه ثلاث لغات: است وسَتٌ، وسَهٌ)) (5) . ف (يَدٌ) حُذِفَتْ منها اللام، إذ أصلها (يَدْيٌ) و ((وزنها فَعْلٌ يَدْيٌ، فحذفت الياء تخفيفاً، فاعتقبت حركة اللام على الدال)) (6) . ويدل على ذلك ((أنك تقول: أيْدٍ في الجمع، وهذا جمع فَعْل)) (7) . وبهذا يتبين أن أصل هذه الكلمات ثلاثي، ولذا قال الزبيدي: ((وقد يجيء من الأسماء المتمكنة ما يكون على حرفين محذوفاً عن أصل بنائه، وليس ذلك بالكثير نحو يَدٍ ودمٍ وغَدٍ)) (8) . و (غَدٍ) ((أصله (غَدْوٌ) حذفوا الواو بلا عِوَضٍ)) (9) . وهذه الألفاظ التي سبق ذكرها هي مما استعمل على حرفين بلا عِوَضٍ، وذكر سيبويه ألفاظاً أخرى، عُوِّضَ فيها عن الحرف المحذوف هاءٌ فقال: ((وما لحقته الهاء من الحرفين أقلُّ ممّا فيه الهاء من الثلاثة؛ لأن ما كان على حرفين ليس بشيءٍ مع ما هو على ثلاثة، وذلك نحو: قُلَةٍ، وثُبَةٍ، ولِثَةٍ، وشِيَةٍ، وشَفَةٍ، ورِئَةٍ، وسَنَةٍ، وزِنَةٍ وعِدَةٍ وأشباه ذلك)) (10) . وهذه الألفاظ على نوعين: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 الأول: كانت محذوفة اللام، وهي: سَنَةٌ وشَفَةٌ ووزن أصليهما (فَعَل) . وقُلَة أصلها قَلْوٌ على (فَعْل) ورئة أصلها رِئْيَةٌ على (فِعْلَة) ولِثَة أصلها لِثَيٌ على (فِعَل) وثُبَة بمعنى الجماعة، أصلها ثُبَيٌ على فُعَل. والآخر: ما كانت محذوفة الفاء، وهي: شِيَةٌ، وزِنَةٌ، وعِدَةٌ، فكلها على وزن عِلَةِ، إذ فاء الكلمات الثلاث واوٌ محذوفة. وكل هذه الكلمات أسماء، وأشباهها كثير لا أريد الإطناب باستقصائها في هذا البحث. المبحث الثاني: ما اختص به الاسم من أبنية الثلاثي ذكر العلماء أبنية يختص بها الاسم الثلاثي دون الصفة، وهذه الأبنية كلها مزيدة، ولم يرد شيء مجرد منها إلا بناء واحدٌ هو (فِعِل) إذ جاء عليه (إِبِل) . قال سيبويه: ((وهو قليل، لا نعلم في الأسماء والصفات غيره)) (1) . وقال الأزهري: ((أما إِبِلٌ وإِبدٌ فمسموعان، وأما نِكِحٌ وخِطِبٌ فما حفظتها عن ثقةٍ، ولكن يقال: نِكْحٌ وخِطْبٌ)) (2) وأورد غيرهما ألفاظاً أخرى بعضها أسماء وبعضها صفات. قال ابن القطاع: ((وعلى فِعِلٍ نحو: إِبِلٍ، وامرأة بِلِزٍ للضخمة القصيرة، وإِطِلٍ لِلْخَصْرِ، وأَتَانٍ إِبِدٍ للوحشية، ولا أفعل ذلك أَبَدَ الإِبِدِ حكاه ابن دُرَيْدٍ. وبِلِصٍ لِلْبَلَصُوص، ووِتِدٍ عن أبي عمروٍ لغة في الوَتد، ومِشِط لغة في الْمُشْطِ، وإِثِرٍ لغة في الإِثْرِ وفَرَسٍ إِجِدٍ لغة في أُجُد، ولُعْبَة للصبيان يقولون جِلِخْ جِلِبْ ... وخِطِبٍ ونِكِح لغة)) (3) . هذا ما كان على هذا البناء مجرداً، وما ورد في الأشعار من غيره في القوافي المقيدة من مثل مِسِك، وجِلِد ورِجِل، وحِجِل فكل ذلك خاص بها؛ لأن الأصل فيها سكون العين، لكنهم كسروا العين إتباعاً للهمزة ليمكن الوقف بالسكون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 ولذلك لم يسلم ابن عصفور بما استدرك على سيبويه من ألفاظ، إذ قال: ((فأما (إِطِل) فلا حجة فيه؛ لأن المشهور فيه (إِطْل) بسكون الطاء. ف (إِطِل) يمكن أن يكون مما أتبعت الطاء فيه الهمزة للضرورة؛ لأنه لا يحفظ إلا في الشعر ... وكذلك (حِبِرة) الأفصح والمشهور فيها إنما هو (حِبْرة) . و (حِبِرة) ضعيف. وكذلك (بِلِز) لا حجة فيه؛ لأن الأشهر فيه (بِلِزٌّ) بالتشديد. فيمكن أن يكون (بِلِزٌ) مخففاً منه)) (1) . وبهذا يُعْلَمُ أن سيبويه لم يكن غافلاً عن مثل هذه الأمثلة، وإنما تركها لعدم تطابقها مع ما أراد. أما ما لحقته الزوائد فكثير، وسأُرَتِّبُها على حسب نوع الحرف الزائد، وعدد حروف الزيادة، فأبدأ بما زيد فيه حرف واحد مبتدئاً بالهمزة فالألف فالتاء فاللام فالميم فالنون فالواو فالياء، ثم أتبع ذلك بما زيد فيه حرفان، ثم بما زيد فيه ثلاثة، ثم بما زيد فيه أربعة؛ لأن أقصى ما ينتهي إليه الاسم الثلاثي والرباعي بالزيادة سبعة أحرف. مراعياً في كل ذلك ترتيب حروف الهجاء، على نحو ما أسلفت. ما زيد فيه حرف واحد أولاً: الهمزة. وردت أبنية في العربية على أربعة أحرف، منها ثلاثة أصول وواحد زائد هو الهمزة من ذلك: إِفْعِل: نحو إِثْمِدٍ، وإِصْبِعٍ، وإِجْرِدٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء صفة)) (2) . فالإثمد: ((حجر يتخذ منه الكحل، وقيل: ضرب من الكحل، وقيل: هو نفس الكحل، وقيل: شَبِيهٌ به)) (3) . و ((الإِصْبِع مثال اضْرِب)) (4) واحدة الأصابع. وإِجْرِدٌ، بتخفيف الدال لُغَةٌ في الإجْرِدّ ((نبت يدل على الكمأة، واحدته إِجْرِدَّة)) (5) وكل هذه أسماء لا يوصف بها لأنها أسماء أجناس. إفْعَل: نحو إِصْبَعٍ، وإِيْرَمَ، وإِبْيَنَ، وإِشْفىً، وإِنْفَحَة. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء صفة)) (6) . فَإصْبَعٌ: واحدة الأصابع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 وإِبْرَمُ: اسم مكان. وضبط في اللسان والقاموس والتكملة بفتح الهمزة (1) . وضبطه ياقوت بكسرها (2) . وتمثيل سيبويه به على وزن (إِفْعَل) يرجح ضبط ياقوت. وإِبْيَنُ: ((طول جزيرة العرب، وهي من العُذَيْبِ إلى عَدَن)) (3) . والإِشْفَى: الْمِثْقَبُ للأساقي والمزاود والْقِرَبِ وأشباهها (4) . والإِنْفَحَة، بكسر الهمزة وفتح الفاء مخففة: كرش الحمل أو الْجَدْيِ مالم يأكل (5) . وكل هذه الكلمات - كما ترى - خالية من معنى الحدث ودلالته، لا يوصف بها. ((فَأما قولهم في المرأة: إِشْفَى المرفق؛ فعلى أنهم توهموا الاسم وصفاً، وهذا على نحو قولهم: فلانٌ أُذُنٌ وعلى نحو قولهم في الناقة: نابٌ)) (6) . أَفْعِل: قال سيبويه: ((وهو قليل، نحو: أَصْبِعٍ، ولا نعلمه جاء صفة)) (7) . والأَصْبِعُ لغة في الإِصْبَعِ: واحدة الأصابع، وهي اسم. أُفْعُل: قال سيبويه: ((وهو قليل نحو: أُبْلُمٍ، وأُصْبُع، ولا نعلمه جاء صفة)) (8) . فالأُصْبُع: معروف. و ((الأُبْلُمُ: خُوصُ الْمُقْلِ)) (9) . واستدرك الزبيدي على هذا فقال: ((وقد جاء صفة، قالوا: شَحْمٌ أُمْهُجٌ: ذو وَدَكٍ، عن أبي زيدٍ)) (10) . وجعله ابن جني محذوفاً من (أُمْهُوج) ك (أُسْلُوب) . وقال: ((وجدت بخط أبي علي عن الفراء: لَبَنٌ أُمْهُوجٌ فيكون أُمْهُجٌ مقصوراً منه لضرورة الشعر، وأنشد أبو زيدٍ: يُطْعِمُها اللَّحْمَ وشحماً أُمْهُجا (11) . وذكر فيه وجهاً آخر، وهو أن يكون مما وُصِفَ فيه بالاسم الجامد، لما فيه من معنى الصفاء والرقة، كما يوصف بالأسماء الضامنة لمعنى الأوصاف (12) . فَعْأَل وفَأْعَل: قال سيبويه: ((شَمْأَلٌ وشَأْمل، وهو اسم)) (13) . فالشَّمْأَلُ: لغة في الشمال، ريح تهب من قِبَلِ الشام (14) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 والشَّأْمَلُ: مقلوبٌ (1) ، وجعل ابن قتيبة هذين في شواذ التصريف، ونقل عن الفراء أنه قال: ((ومما همزوه ولاحَظّ له في الهمزة ... (الشَّمأَلُ) و (الشَّأْمَل) وأصله من الشمال)) (2) . ثانياً: الألف. فَاعَلٌ: ورد هذا البناء في الأسماء، ذكر ذلك سيبويه فقال: ((ويكون فَاعَلاً نحو: طابَقٍ وخَاتَمٍ، ولا نعلمه جاء صفة)) (3) . فالطابَق: العضو من أعضاء الإنسان كاليد والرجل ونحوهما. وبهذا فسره ابن الأثير في الأثرين اللَّذَيْنِ أوردهما في غريبه. أحدهما عن علي رضي الله عنه ((إنما أُمِرْنا في السارق بقطع طَابَقِهِ)) أي: يده. والآخر ((فخبزنا خبزاً وشويت طابَقاً من شاةٍ)) أي: مقدار ما يأكل منه اثنان أو ثلاثة (4) . والخاتَم من الْحَلْيِ معروفٌ، وهذه إحدى اللغات الواردة فيه. فَعْلًى: جاء ذلك في أسماء نحو: عَلْقًى، وتَتْرًى، وأَرْطًى. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً إلا بالهاء، قالوا: ناقة حَلْبَاة رَكْبَاة)) (5) . وهذه الأمثلة تنون وتمنع التنوين، فمن نَوَّنَ جعل ألفها للإلحاق، ومن منع التنوين جعلها للتأنيث. فالْعَلْقَى: شجر تدوم خضرته في القيظ، والأَرْطَى: شجر ينبت بالرمل (6) . وتَتْرَى: من المواترة، وكل هذا لِمَا كانت ألفه للإلحاق، أما ما كانت ألفه للتأنيث فإنه لا ينون، ولذا جعلها سيبويه مشتركة بين الأسماء والصفات فقال: ((وتلحق الألف رابعة للتأنيث فيكون على (فَعْلَى) فيهما. فالاسم: سَلْمَى، وعَلْقَى، ورَضْوَى. والصفة: عَبْرَى وعَطشَى)) (7) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 فِعْلًى: جاء هذا البناء في الأسماء نحو ذِفْرًى ومِعْزًى. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً إلا بالهاء)) (1) . ومثل ابن عصفور لذلك فقال: ((نحو امرأة سِعْلاةٌ ورجل عِزْهاةٌ. فأما قولهم: رجل كيصىً فهو اسم وصف به وليس بجارٍ على فعله، ولا يلزمه أن يستعمل تابعاً، فيكون ذلك دليلاً على أنه ليس بصفة في الأصل، ومما يدل على أنه ليس بصفة في الأصل استعمالهم له جارياً على المؤنث بغير هاءٍ، فيقولون امرأة كيصًى)) (2) . ومعاني هذه الأمثلة، الذِفْرى: ((الحبل المشرف عن يمين نقرة القفا وشمالها)) (3) . ومِعزىً: جمع مَاعِز، والميم فيها أصلية (4) . والسعلاة: الغول أو ساحرة الجن. والعزهاة: اللئيم (5) . وكِيصًى ((بالتنوين، ينزل وحده، ويأكل وحده)) (6) . فُعَلَى: جاء هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل في الكلام، نحو: شُعَبَى، والأُرَبَى والأُدَمَى أسماءٌ)) (7) . وأورد أبو علي القالي هذا البناء في باب ما جاء من المقصور على مثال فُعَلَى بغير تنوين اسماً ولم يأت صفة (8) فَشُعَبَى: موضع. وَأُرَبَى: الداهية. وأُدَمَى: مكانُ (9) . ثالثاً: التاء. وردت أبنية في العربية على أربعة أحرف منها ثلاثة أصول، وواحد منها زائد، وهذا الزائد هو حرف التاء، من هذه الأمثلة. تَفْعُل: ورد ذلك ((في الأسماء نحو: تَنْضُب، وتَتْفُلٌ، والتّضُرَّة، والتَّسُرَّة)) (10) . فالتَّنْضُبُ: شجرٌ ينبت بالحجاز له شوك، وله جنىً مثل العنب الصغار (11) . والتَّتْفُل: الثعلب. ((والتَّسُرَّة والتَّضُرَّة: من السرور والضرّ)) (12) . تَفْعَلَة: جاء ذلك في الأسماء ((وهو قليل، قالوا: تَتْفَلَةٌ)) (13) . والتَّتْفَلَةُ: أنْثَى الثعلب، وهذا البناء أحد اللغات الجائزة فيها، وفيها أيضاً تَتْفُلَة، وتُتْفُلَةٌ، وتُتْفَلَةٌ (14) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 تَفْعِلَةٌ: ورد ذلك في الأسماء نحو: تَدْوِرَة، وتَنْهِيَة، وتَوْدِية. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (1) . فالتَّدْوِرَة: دارة بين جبال، وهي من دَارَ يدورُ، والتَّنْهِيَةُ: المكان الذي ينتهي إليه الماء. والتَّوْدِيَةُ: عود على قدر ضرع الناقة تُصَرُّ به (2) . فَعْلَتَةٌ: ورد ذلك في قولهم: ((سَنْبَتَةٌ، وهو اسم)) (3) نحو: ((سَنْبَتَةٌ من الدهر)) (4) وهي الحقبة، والتاء زائدة؛ لقولهم: مرت عليه سَنْبَةٌ من الدهر، على وزن تَمْرَة (5) . رابعاً: الميم. من الأبنية التي وردت فيها الميم زائدة ما يلي: مَفْعُل: ورد هذا البناء في الأسماء مزيداً بحرف الميم، ولكنه يكون بالهاء في الأسماء، نحو: مَزْرُعَةٍ والْمَشْرُقَة، ومَقْبُرَة. قال سيبويه: ((ولا نعلمه صفة)) (6) . فالْمَزْرُعَة: مَوْضِعُ الزرع. والْمَشْرُقَةُ مُثَلَّثَة الراء: موضع القعود في الشمس بالشتاء. والْمَقْبُرَة، بفتح الباء وضمها: موضع القبور. ومثلها الْمَشْرُبَةُ للغرفة (7) . قال أبو بكر ((قد روى الكوفيون (مَفْعُلاً) بغير هاءٍ، قالوا: مَكْرُم ومَعُون ومَقْبُر)) (8) . قال الفارابي: ((هذا قول الكسائي. وقال الفراء: هو جمع مَكْرُمَة. فعنده أن مَفْعُلاً ليس من أبنية الكلام. فأما هذا وقول جَميل: بُثَيْنَ الْزَمِي (لا) إِنَّ (لا) إِنْ لَزِمْتِهِ على كَثْرَةِ الواشين أيُّ مَعُونِ فهما جمع، وعند الكسائي أنهما واحد)) (9) . مِفْعِل: ورد هذا البناء في قولهم: ((مِنْخِر، وهو اسم)) (10) . وجعل منه ابن القطّاع (مِنْتِن) على حين أشار سيبويه إلى أنه ليس منه فقال: ((فأمّا مِنْيّنٌ ومِغِيرةٌ فإنما هما من أغار وأَنْتَنَ ولكن كسروا كما قالوا: أَجُوءُكَ ولإِمِّك)) (11) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 فيكون الكسر هنا للإتباع كما قالوا: أَجُوءُك ولإمِّك، أي: أن الكسر فيهما إتباع لحركة الحرف الثالث من الكلمة ورَدَّ ابنُ القطّاع قول من جعله من (نَتُنَ) فقال: ((ولا تلتفت إلى قول ابن قتيبة في قوله: من قال مِنْتِنٌ أخذه مِنْ نَتُنَ فهذا غلط فاحش، وقد غلط فيه جماعة من العلماء قبله، لأنه يلزمهم على هذا أن يقولوا من خَبُثَ مِخْبِثٌ، ومِنْ حَسُنَ مِحْسِنٌ. وهذا لا يقوله أحدٌ)) (1) . مُفْعُل: ورد هذا البناء في الأسماء نحو: مُنْخُل، ومُسْعُط، ومُدُقّ، ومُنْصُل. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء صفة)) (2) . وهذه الكلمات من جملة الكلمات التي حكيت مضمومة الميم والعين من أسماء الآلة، وعدها بعضهم شاذة لخروجها عن الصيغ الثلاث (مِفْعَل، ومِفْعال، ومِفعَلَة) فالْمُنْخُل: ما يُنْخَلُ به الدقيق، والمُسْعُط: وعاء السعوط. والمُدُقُّ: آلة الدقّ، وكذلك المُدْهُنُ: ما يُجْعَلُ فيه الدُّهْنُ (3) . خامساً: النون. تكون النون زائدة في أبنية ثلاثية الأصول، وتكون منفردة، أو مع غيرها، ومن الأبنية التي وردت فيها النون زائدة ما يلي: فُنْعَل: ورد ذلك في أسماءٍ وذلك: قُنْبَرٌ، وعُنْظَبٌ، وعُنْصَلٌ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه صفة)) (4) . فالْقُنْبَرُ: طائر، يقال فيها: القُبَّرَة، ويقال لها: الحُمَّرَةُ أيضاً (5) . والْعُنْظَبُ: ذكر الجراد. والْعُنْصَلُ: نَبْتٌ (6) . فِنْعَلٌ: ورد من ذلك مثال واحد ممَّا جعل سيبويه يحكم له بالقلة إذ قال: ((وهو قليل، قالوا: جِنْدَبٌ، وهو اسم)) (7) لغة في الجُنْدَب، وهو ذكر الجراد (8) . واستدرك الزبيدي على سيبويه في هذا فقال: ((وقد جاء صفة، قالوا: لِحْيَةٌ كِنْثَأَة)) (9) . وقد يجاب عن هذا بأنها لا تكون صفة بغير التاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 فِعْلِن: أورد سيبويه من ذلك مثالاً واحداً، ومن ثم حكم له بالقلة فقال: ((وهو قليل، قالوا: فرسِنٌ)) (1) وهو للبعير بمنزلة اليد والرجل (2) . فَعَنْلَةٌ: ورد هذا البناء في الأسماء ((قالوا: جَرَنْبَةٌ، وهو اسمٌ)) (3) للجماعة من الناس (4) . قال ابن منظور - بعد أن ذكر تفسير جَرَبَّة -: ((وإنما قالوا جَرَنْبَة كراهية التضعيف)) (5) . سادساً: الواو. فِعْوَل: ورد هذا البناء في الأسماء نحو خِرْوَعٍ وعِلْوَدٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (6) . فالخروع: نبت لَيِّنٌ. أما عِلْوَد فَتُرْوَى في المعاجم بتشديد الدال، ومشدد الدال يأتي صفة، فيقال: رَجُلٌ عِلْوَدٌّ وامْرَأة عِلْوَدَّةٌ. وهو الشديد ذو القسوة. ومن الرجال والإبل الْمُسِنُّ (7) . وأوردها سيبويه في (فِعْوَلّ) (8) . وذكر ابن عصفور على بناء (فِعْوَل) خِرْوَع وعِتْوَد (9) . قال الجوهري: ((وعِتْوَدٌ: اسم وادٍ. وليس في الكلام فِعْوَلٌ غيره وغير خِرْوَعٍ)) (10) ولعل ما في الكتاب قد تَحَرَّفَ عنه. فُعُول: جاء ذلك في أبنية من العربية ((وهو قليل في الكلام، إلا أن يكون مصدراً أو يُكَسَّرُ عليه الواحد للجمع، قالوا: أُتِّيٌّ وهو اسم، والسُّدُوس وهو اسمٌ)) (11) . فالمصدر نحو القُعود. والجمع نحو الفُلُوس. والأُتِّي: السيل. والسُّدوس: الطّيْلَسَان (12) . فُعْلُوَة: ورد هذا البناء في الأسماء ((نحو: الخُنْذُوَةِ، والعُنْصُوَةِ)) (13) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 فالخُنْذُوَة: الشعبة من الجبل. وحكيت بكسر الخاء، وهو قبيح؛ لأنه لا يجتمع كسرة وضمة بعدها واو، ليس بينهما إلا ساكن؛ لأن الساكن غير مُعْتَدٍّ به، وكأنه خِذُوَة. وحُكِيَتْ جِنْذِوة، وخِنْذِوَة وحِنْذِوَة، لغات في جميع ذلك حكاه بعض أهل اللغة، وكذلك وجد في بعض نسخ كتاب سيبويه، وهذا لا يعضده القياس ولا السماع، أما الكسرة فإنها توجب قلب الواو ياءً، وإن كان بعدها ما يقع عليه الإعراب وهو الهاء، وقد نفى سيبويه مثل ذلك، وأما السماع فلم يجئ لها نظير، وإنما ذكرت هذه الكلمة بالحاء والخاء والجيم؛ لأن نسخ كتاب سيبويه اختلفت فيها (1) . والعُنْصُوَة: الشَّعَرُ اليسير، ويقال ما بقي له إلا عُنْصُوَة، أيْ: قطعة (2) . فَعْلُوَة: ورد هذا البناء في الأسماء نحو: تَرْقُوَةٍ، وعَرْقُوَةٍ، وقَرْنُوَةٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (3) فالتَّرْقُوَةُ: واحدة التراقي ((وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق)) (4) . وعَرْقُوَة الدَّلْوِ ((الصليب الذي على رأسه)) (5) . ((والقَرْنُوَةُ: نبت يُدْبَغُ به)) (6) . فِعْلُوَة: جاء ذلك في أمثلة ((نحو حِنْذُوَة، وهو اسم وهو قليل، والهاء لا تفارقه، كما أن الهاء لا تفارق حِذْرِيَةً وأخواتها)) (7) . فالحنذُوَة: القطعة من الجبل (8) ، وقيل شعبة فيه (9) . والمشهور خُنْذُوَة بالخاء مضمومة، وحكيت بكسر الخاء، وبالجيم مكسورة مع كسر الذال (10) وتقدم في البناء الذي قبلها بيان ذلك. سابعاً: الياء. يَفْعَل: ورد هذا البناء في الأسماء نحو: الْيَرْمَع، والْيَعْمَلِ، والْيَلْمَقِ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (11) . فالْيَرْمَعُ: حَجَرٌ رقيق يتفتت. والْيَعْمَلُ: الْجَمَلُ الْقَوِيُّ (12) . ((والْيَلْمَقُ: القباء الْمَحْشُوُّ، وهو بالفارسية يَلْمَهْ)) (13) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 فأما قولهم: رَجُلٌ يَلْمَعٌ فمن الوصف بالاسم (1) . فُعْيَل: جاء ذلك في قولهم ((عُلْيَب، وهو اسم وادٍ)) (2) . قال ابن سيده: ((وعُلْيَبٌ وعِلْيَبٌ: وادٍ معروف، على طريق اليمن، وقيل موضع، والضم أعلى، وهو الذي حكاه سيبويه. وليس في الكلام فُعْيَلٌ، [بضم الفاء وتسكين العين وفتح الياء] غيره ... واشتقه ابن جني من الْعَلْبِ الذي هو الأَثَرُ والْحَزُّ، وقال: ألا ترى أن الوادي له أثرٌ)) (3) . الزيادة بتكرير حرف أصلي أولاً: العين. فُعُّل: ورد هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: تُبُّعٌ)) (4) بضم التاء والباء مع التشديد. والتُّبُّعُ: الظّلّ قال الزبيدي: ((التُّبَّع: الظل. ويقال التُّبَّع ضرب من اليعاسيب. وأما التُّبُّع بالضم فلا أعلمه)) (5) . فِعِّل: يأتي هذا البناء في الاسم نحو: حِمِّصٍ، وجِلِّقٍ، وحِلِّزٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (6) . قال الجوهري: ((الحِمِّصُ: حَبٌّ. قال ثَعْلَبٌ: الاختيار فتح الميم. وقال المبرد: هو الحِمِّصُ، بكسر الميم. ولم يأت عليه من الأسماء إلا حِلِّز؛ وهو الْقَصِيرُ. وجِلِّق؛ وهو اسم موضع بناحية الشام)) (7) . وقال الزبيدي: ((قد جاء صِفَةً. يقال امْرَأَةٌ حِلِّزةٌ؛ للقصيرة. ومنه الحارث بن حِلِّزة)) (8) . ثانياً: اللام. وردت أبنية في العربية على أربعة أحرف، ثلاثة أصول، وواحد زائد هو اللام. ومن أمثلة هذه الأبنية: فَعْلَل: ورد هذه البناء في الاسم، وذلك نحو: قَرْدَدٍ، ومَهْدَدٍ. وهو ملحق بالرباعي (جَعْفَر) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (9) . فالْقَرْدَدُ: جَبَلٌ، أو ما ارتفع من الأرض. وجمعه قرادد (10) . ومَهْدَد: اسم امرأة (11) . فَعِلّ: وكذا هذا البناء ورد في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: تَئِفَّةٌ، وهو اسم)) (12) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 والتَّئِفَّةُ: الحين والأوان. ((يقال: جاء على تَئِفَّةِ ذاك وتَفِيئَة ذاك، أي على حينه ووقته)) (1) . وفي أصل هذه الكلمة خلاف، هل هي (فَعِلَّة) أو (تَفْعِلَة) ، ويبدو أن اللبس في وزنها قديم؛ منذ عهد سيبويه فقد اختلفوا في النقل عنه خلاف ما وصلنا في الكتاب، قال ابن السراج: ((وهذا الحرف في بعض النسخ [يعني نسخ الكتاب] قد ذُكِرَ في باب التاء، وجُعِل على مثال (تَفْعِلَة)) ) (2) . فُعَلَّة: جاء هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل، قالوا: دُرَجَّةٌ وهو اسم)) (3) لطائرٍ أصغر من الدرّاج، ورواها يعقوب دُرَجَة بالتخفيف (4) . فَعُلَّة: كذا هذا البناء ورد في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: تَلُنَّة وهو اسمٌ)) (5) والتَّلُنَّةُ: الحاجة واللبث أيضاً. ثالثاً: العين واللام. فُعَلْعَلٌ: ورد هذا البناء في الأسماء ((نحو: ذُرَحْرَحٍ، وجُلَعْلَعٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (6) . فالذُّرَحْرَحُ: السُّمُّ القاتل. والْجُلَعْلَع، بضم الجيم: خنفساء نصفها طين (7) . ما زيد فيه حرفان زيادة الهمزة والألف: إِفْعَلَى: ورد في الأسماء هذا البناء. قال سيبويه: ((قالوا: إِيجَلَى، وهو اسمٌ)) (8) . قال القالي: ((أحسبه موضعاً - والله أعلم - ولم يأت على هذا المثال غيره)) (9) . فِعْلاء: ورد هذا البناء في الأسماء نحو: عِلْبَاء، وخِرْشاء، وحِرْباء. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً لمذكر ولا لمؤنث)) (10) . فالْعِلْبَاءُ: عِرْقٌ في العُنُقِ. والخِرْشاءُ: قِشْرُ البَيْضَةِ، وجِلْدُ الْحَيَّة، ورُغْوَةُ اللَّبَنِ وكلُّ شيء فيه انتفاخ (11) . والحِرْباء: دُويبَّةٌ شَبِيهَةٌ بالْعَظَاءَةِ؛ إلا أنها أكبر (12) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 وذكر القالي عدداً من الألفاظ التي جاءت على هذا البناء (1) . ((وهذا كله ملحق ب (فِعْلال) (2)) ) ؛ لأن الهمزة بمنزلة اللام الثانية من فِعْلال، وفي هذا التعيم نظر، إذ الهمزة في بعضها للتأنيث كما في (حرباء) . فُعْلاء: هذا البناء من أبنية العربية ورد في الأسماء؛ ولكنه قليل، وهذا ما عناه سيبويه بقوله: ((قد يكون على (فُعْلاء) في الكلام، وهو قليل، نحو: قُوباء وهو اسْمٌ)) (3) . والقُوباء: ((التّحَزُّز في جلد الإنسان)) (4) . وجعل القاليّ هذا المثال في باب ما جاء من الممدود على مثال فُعْلاء من الأسماء ولم يأت صفة، ثم مثل بها في باب ما جاء من الممدود على مثال فُعَلاء من الأسماء والصفات (5) . وجعلها الفارابي في باب فُعَلاء بضم الفاء وفتح العين ممدود (6) . فاتفق بذلك مع القالي. وبناءُ فُعَلاء يكون في الأسماء والصفات، وهذا معنى قول ابن السكيت: ((والأصل فيها تحريك العين)) (7) . وقال ابن قتيبة: ((بفتح الواو مؤنثة لا تنصرف، وجمعها (قُوَبٌ) ، وإن سكنت الواو ذُكِّرَتْ وصُرِفتْ)) (8) . ولَعَلَّ سيبويه أراد أن الأسماء من هذا البناء تختص بالتخفيف فتسكن العين منها. وهذا ما يدل عليه تفريق القالي للبنائين في بابين متتابعين. فِعَلاء: هذا البناء يكون في الاسم، وهو قليل في الكلام نحو: الخِيَلاء، والسِّيَراء. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (9) . وهذان المثالان ومثلهما العِنَباء والحِوَلاء جعلها القالي في باب ما جاء من الممدود على مثال فِعَلاء اسماً ولم يأت صفة (10) . والحِوَلاء هو الحُوَلاء بالضم، وهو أكثر من الكسر: الماء الذي يخرج مع الولد. والخِيَلاء لغة في الخُيَلاء. والسِّيَراء: ثوب فيه خطوط تعمل من القَزِّ، والذَّهَبُ، وضَرْبٌ من النبت (11) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 فَعَلاء: هذا البناء يكون في الاسم. قال سيبويه: ((وهو قليل، نحو: قَرَماء وجَنَفَاء. وقال السُّلَيكُ (1) : على قَرَماءَ عاليةً شَواه كَأَنَّ بَيَاضَ غُرَّتِهِ خِمارُ وقال (2) : رَحَلْتُ إليك من جَنَفاء حَتَّى أَنَخْتُ فِنَاءَ بَيْتِكَ بالمطالي ولا نعلمه جاء وصفاً)) (3) . وقَرَماء وجَنَفاء: موضعان. قال ابن قتيبة: ((وقد جاء (فَعَلاء) في حرف واحد؛ وهو صفة، قالوا للأَمَةِ ثَأْداء، بتسكين الهمزة، وثَأَدَاء بفتحها)) (4) . ومثل ذلك مقلوبها: دَأْثَاء. زيادة الهمزة وتكرير حرف أصلي: أُفْعُلَّةٌ: جاء هذا في أبنية الأسماء ((وهو قليل، نحو: أُسْكُفَّةٍ، وأُتْرُجٍّ، وأُسْطُمَّةٍ، وهي أسماء)) (5) . فالأُسْكُفَّةُ: عَتَبَةُ الباب (6) ، والأُتْرُجُّ مَعْرُوفٌ. والأُسْطُمَّةُ: وسَطُ الْحَسَبِ ومُجْتَمَعُه (7) . زيادة الألف مع حرف آخر تقدم في المبحث السابق زيادة الألف مع الهمزة. وسأتناول هنا: زيادة ألفين في بناء واحد فاعال: ورد هذا البناء في الأسماء. قال سيبويه: ((وهو قليل نحو: ساباط، وخاتام وداناق للدانَق والخاتَم، ولا نعلمه جاء صفة)) (8) . ((السَّابَاطُ: سَقِيفَةٌ بين دَارَيْنِ من تحتها طَرِيقٌ نَافِذٌ)) (9) . والخَاتَامُ: لغة في الخاتم، والغريب أن ابن سيده جزم بأنّ سيبويه لم يعرف خاتاماً (10) ، أخذ ذلك من قول سيبويه ((إن الذين قالوا خواتيم إنما جعلوه تكسير فاعال؛ وإن لم يكن في كلامهم)) (11) . ولكن سيبويه قال بعد ذلك: ((غير أنهم قد قالوا: خاتام، حدثنا بذلك أبو الخطّاب)) (12) . والدّاناق: لغة في الدّانق من الأوزان (13) . فُعَالَى: ورد هذا البناء ((في الاسم نحو: حُبَارَى، وسُمانَى، ولُبَادَى. ولا يكون وصفاً إلا أن يكسر عليه الواحد للجمع نحو: عُجالَى، وسُكارَى، وكُسَالَى)) (14) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 ف ((الحُبارَى: طائر، يقع على الذكَرِ والأُنْثَى واحدها وجمعها سواء)) (1) . و ((السُّمَانَى: طائرٌ، وجمعه سُمَانَيَاتٌ، واللُّبادَى: طائر يلبد بالأرض، فلا يكاد يطير إلا أن يطار)) (2) . وذكر القالي أن هذا الضرب ينقاس، ولذلك استغنى عن ذكره، وجَمَعَ أمثلة لِمَا كان اسماً على هذا البناء (3) . زيادة الألف والتاء: تَفَاعِل: جاء من هذا البناء في الأسماء التَّتافِل والتَّناضِب. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء في الوصف)) (4) . وذكر ابن عصفور أنه قد يكون صفة بالقياس. قال: ((وقد يجيء صفة بالقياس؛ لأنهم قالوا (تُحْلُبَةٌ) فإذا كَسَّرته على القياس قلت تَحالِب)) (5) . تِفْعال: هذا البناء جاء في الاسم نحو: تِجْفاف، وتِمْثال، وتِلْقاء، وتِبْيان. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (6) . وقد ورد هذا البناء في صفات ولكن بالهاء؛ إذ جاء رَجُلٌ تِلْقامَةٌ وتِلْعابَةٌ وتِقْوَالَةٌ وتِبْذارَةٌ وتِرْعَايَةٌ ولكنه قليل. والتمس ابن عصفورٍ مخرجاً لذلك فقال: ((وقد يمكن أن يكون من قبيل ما وُصِف به، وهو اسم في الأصل، نحو قولهم: نِسْوَةٌ أَرْبَعٌ. ومما يُبَيِّن ذلك جريانه على المذكر وفيه تاء التأنيث. إذ حق الصفة أن تكون مطابقة للموصوف)) (7) . وكذلك خَرَّجَ ما حُكِيَ عن الكسائي من قولهم ناقة تِضْرَابٌ على أنه اسم وصف به لعدم قولهم تِضْرَابَةٌ؛ إذ لفظه مذكر، وهو صفة لمؤنث (8) . زيادة الألف واللام: فَعَالَّة: هذا البناء مزيد بالألف وبتكرير اللام وهو حرف أصلي، وجاء في الأسماء ((نحو: الزَعارَّة، والحمارَّة، والعبالَّة. ولم يجئ صفة)) (9) . فالزعارَّة: سُوءُ الْخُلُقِ. وحمارَّة الصيف أو القيظ: شِدَّةُ حَرِّهِ. والعبالَّة: الثَّقِيل (10) وبهذا تكون صفاتٍ غالبة أصبحت أعلاماً، ومثل ذلك: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 ((صبارَّة الشتاء، يعني شدة البرد وأتيتك على حبالَّة ذلك، أي: حينه ... ويقال أتوني بزرَافَّتِهم، أي: بجماعتهم. قال أبو عبيد: لا أحفظ التشديد عن غيره)) (1) . فُعْلال: جاء هذا البناء في الأسماء نحو: قُرْطاط، وفُسْطاط. قال سيبويه: ((وهو قليل في الكلام ولا نعلمه جاء وصفاً)) (2) . ف ((الْقُرطاط: برذعة الحمار)) (3) وفُسْطاط: مدينةٌ بمصر، وضَرْبٌ من الأبنية (4) . فُعَلَّى: ورد هذا البناء في الكتاب بضم العين، والصواب الفتح؛ لأن مضموم العين سيأتي بعد ويكون في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: عُرَضَّى، وهو اسم)) (5) من الاعتراض (6) . وذكر القالي هذا المثال في باب ما جاء من المقصور على مثال (فُعَلَّى) بضم الفاء وفتح العين، ولم يذكره في باب (فُعُلَّى) بضم الفاء والعين (7) . وذكره ابن سيده في بناء (فُعُلَّى) بالضم فيهما، وقال: ((قال الفارسي: كُلُّ فُعَلَّى فَفُعُلَّى فيه مقولة)) . وذكر معها الحُذُرَّى من الحذر، والحُظُبَّى: الظهر، والغُلُبَّى: الْغَلَبَة، والكُفُرَّى: وعاء طلع النخل وبُذُرَّى: من البذر (8) . فُعُلَّى: أورد سيبويه هذا البناء بعد جملة من الأبنية بينه وبين البناء المتقدم بفتح العين وأورد عليه أمثلة قال: ((قالوا: حُذُرَّى، ونُذُرَّى وهو اسم)) (9) . فِعَلَّى: ورد هذا البناء في أبنية الأسماء ((وهو قليل، قالوا: دِفَقَّى، وهو اسمٌ)) (10) . والدِّفَقَّى: اسم للمشية، يقال هو يمشي الدِّفَقَّى. ومثلها: الْهِمَقَّى: مشية فيها تَمَايُلٌ. والجِيَضَّى، بفتح الياء: مشية فيها اختيال. ودِمَمَّى: موضع معروف (11) . زيادة الألف وتكرار عين الكلمة: فِعّال: ورد هذا البناء في الأسماء نحو: الحِنّاء، والقِثّاء، والكِذّاب. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً لمذكر ولا لمؤنث)) (12) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 وقالوا: رجلٌ دِنَّابَةٌ؛ للقصير الغليط. وخرجه ابن عصفور بأنه من الوصف بالاسم، إذْ لم يطابق موصوفه (1) . وذكر القالي الحِنّاء والقِثَّاء ثم قال: ((وما جاء من هذا المثال قليل جداً، لا نعلم جاء منه غير هذين الحرفين)) (2) . فُعَّلَى: جاء هذا البناء في الأسماء. قال سيبويه: ((وهو قليل. قالوا: السُّمَّهَى، وهو اسم والبُدَّرَى، وهو اسم ولا نعلمه وصفاً)) (3) . فالسُّمَّهَى: الباطل. والبُدَّرَى: من البِدارِ (4) . زاد القالي، الحُلَّكَى: النوع من السويق بالْبُرِّ (5) . وزاد ابن دريد، لُبَّدَى: للقوم المجتمعين (6) . زيادة الألف والنون: فِعْلان: ورد هذا البناء في الأسماء ((نحو: ضِبْعان، وسِرْحان، وإنْسان وهو كثير فيما يكسر عليه الواحد للجمع، نحو: غِلْمان وصِبْيان)) (7) . هذا ما ذكره سيبويه، ونقل ابن قتيبة عن بعض البغداديين في (إِنْسان) أن ((الأصل (إنسيان) على زنة إِفْعِلان فحذفت الياء استخفافاً؛ لكثرة ما يجري على ألسنتهم، فإذا صغروه قالوا: أُنْيَسان فردوا الياء؛ لأن التصغير ليس يَكْثُر ككَثْرَة الاسم مُكَبَّراً، وقالوا في الجميع: أَنَاسِيّ)) (8) . ونسب إلى البصريين أن وزنه فِعْلان، زيدت الياء في تصغيره، كما زيدت في تصغير لَيْلَة، فقالوا: (لُيَيْلَةٌ) . وفي تصغير رجُل فقالوا (رُوَيْجِل) (9) . ولم يجزم سيبويه بعدم مجيء الصفة على هذا البناء، وقد قالوا: رجل عِلْيَانٌ وخرج أبو حيان ذلك بأنه من قَبِيل الوصف بالاسم (10) ؛ لأنهم قد قالوا: ناقة عِلْيَانٌ (11) ولم يُدْخِلوا عليها التاء. فَعِلان: نُقِل هذا البناء في الأسماء. قال سيبويه: ((وهو قليل، نحو الظَّرِبان، والقَطِران، والشَّقِرَان. ولا نعلمه جاء وصفاً)) (12) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 فالظَّرِبان دُوَيْبَّة مُنْتِنَةُ الرِّيحِ. والشَّقِرَان نَبْتٌ (1) . والْقَطِران معروف. فَعُلان: يأتي على هذا البناء الاسمُ ((وهو قليل، قالوا: السَّبُعان وهو اسم بَلَدٍ. قال ابن مقبل: ألا يا ديار الحي بالسَّبُعان أَمَلّ عليها بالبِلَى الْمَلَوانِ)) (2) وجزم ابن قتيبة بأنه لم يأت على هذا البناء إلا هذه الكلمة (3) . فُعُلان: يأتي على هذا البناء الاسم ((وهو قليل، قالوا: السُّلُطانُ، وهو اسم)) (4) : لغة في السُّلْطان (5) . فِعَلْنَى: هذا من الأبنية التي جاءت في الاسم ((وهو قليل. قالوا: العِرَضْنَى، وهو اسمٌ)) (6) . والمراد بالعِرَضْنَى: الاعتراض في المشي. ونقل ابن سيده عن الفارسي أنه لا يوصف. وعن أبي عبيد أنه لا يوصف بالْعِرَضْنَةِ (7) . وقال القالي: ((ولا نعرف من هذا المثال غيره)) (8) . فُعَنْلَى: ورد هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: جُلَنْدَى، وهو اسْمٌ)) (9) . قال القالي: ((اسْمُ رَجُلٍ. ولا نَعْلَمُ من هذا المثال غيره)) (10) . فَعَنْلى: هذا البناء من أبنية الأسماء ((قالوا: بَلَنْصَى اسم طائر)) (11) مع بَلَصُوصٍ، على غير قياسٍ. ((قال الأصمعي: قال الخليل: رأيت أَعْرَابِيًّا يَسْأَلُ أَعْرَابِيًّا، فقال: ما الْبَلَصُوصُ؟ فقال: طَائِرٌ. فقال: كيف تَجْمَعُهُ؟ فقال: الْبَلَنْصَى (12) ... )) . قال القالي: ((لم أسمع التنوين في هذا الحرف وحده، وقياسه التنوين، فَأَمَّا ما جاء على بِنَائِهِ فسمعته بالتنوين)) (13) . زيادة الألف والواو: فُوعال: ورد هذا البناء في العربية اسماً. قال سيبويه: ((وهو قليل في الكلام، وهو طومارٌ، وسُولافٌ اسْمُ أَرْضٍ ولا نعلمه جاء وصفاً)) (14) . وطومار: الصحيفة. وذكره ابن دريد على أنه مُعَرَّبٌ (15) . ورد ذلك ابن سيده لاعتداد سيبويه في الأبنية (16) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 فَوْعَالٌ: هذا كذلك من الأبنية التي جاءت في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: تَوْرَابٌ وهو اسْمٌ للتراب)) (1) وذكر الفارابي الدَّوْلاب وهو مُعَرَّبٌ. وأما حَوْقالٌ فإنما أراد المصدر ففتح، ولم يفتح إلا استيحاشاً من أن يصير الواو ياءً (2) . فُعْوال: هذا أيضاً من أبنية الأسماء ((وهو قليل، قالوا: عُصْوادٌ، وهو اسْمٌ. ومثله عُنْوانٌ وعُتْوَارَةٌ)) (3) . وكذا عُلْوان. والْعُصْواد: مستدار القوم في حَرْبٍ أو خصومة. والْعَصْوَدَة: اختلاط الأصوات في حَرْبٍ أو شَرٍّ. وقالوا للقليلة اللحم من النساء عُصْواد، كما قال الشاعر: يا مَيُّ ذَاتَ الْخَالِ والمِعْضادِ فَدَتْكِ كُلُّ رَعْبَلٍ عُصْوادِ (4) وبهذا يكون اسماً وُصِفَ به، ولذا لم يؤنث بالتاء. والعُصْواد بالضم لغة، ورواية البيت في الديوان بكسر العين (5) . ومثلها عُِتْوَارَةُ بكسر العين وضمِّها حَيٌّ من كنانة (6) . وعُلْوانُ الكتاب: سِمَتُهُ. قال الأزهري: ((ويقال: عُلْوان الكتاب لِعُنْوانه. والعرب تبدل اللام من النون في حروف كثيرة ... وكأن عُلْوان الكتاب اللام فيه مبدلة من النون)) (7) . فَوْعَلَى: هذا من أبنية الأسماء ((قالوا: الْخَوْزَلَى)) (8) ومثلها الْخَوْزَرَى، وهما مثل الْخَيْزَلَى في المعنى (9) . والْخَيْزَلَى، مشية فيها تفكك. فُعُولَى: ورد هذا البناء في قولهم ((عُشُورَى، وهو اسم)) (10) . قال ابن ولاَّدٍ: ((وعُشُورَاء (بضم العين والشين) وزعم سيبويه أنه لم يُعلم في الكلام شيءٌ على وزنه، ولم يذكر تفسيره. وقرأت بخط بعض أهل العلم أنه اسم موضع، ولم أسمع تفسيره من أحد)) (11) . ولعل ابن وَلاَّدٍ وَهِمَ في ذلك، فإن سيبويه لم يَذْكُرْهُ ممدوداً، وإنما ذَكَرَهُ مقصوراً. زيادة الألف والياء: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 فَعَايِل: هذا البناء ورد في الأسماء نحو: العثاير، والحثايل؛ جمع الْحِثْيَل والْعِثْيَر. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء في الصفة لَمَّا لم يجئْ واحده)) (1) . وبهذا يكون سيبويه منع مجيئه في الصفة، ولكن الزبيدي قال: ((قد ذُكِر في باب زيادة الياء رَجُلٌ طِرْيَمٌ، فيجب أن يكون جَمْعُه طَرَايم مُكَسَّراً صفة)) (2) . ((والعَثاير: جمع عِثْيَرٍ؛ وهو الغبار. والحثايل: جمع حِثْيَلٍ وهو شجر)) (3) . أما الطِّرْيم فإن من معانيه: السحاب، والعسل، والوقت، فلعله إذا قيل رجل طِرْيَم، بمعنى طويل (4) يكون اسماً وُصِفَ بِهِ. ومما جاء على هذا البناء من غير الجمع: مَرَايِض؛ اسم لِمَوْضِعٍ، وهو مُفْرَدٌ (5) . يَفَاعِل: هذا البناء من أبنية الأسماء كالْيَحَامِدِ والْيَرَامِعِ. قال سيبويه: ((وهذا قليل في الكلام، ولم يَجِئْ صِفَةً)) (6) . وهذه الصيغة جَمْعٌ ((وتَطَّرِدُ في مزيد الثلاثي، ولا يحذف الزائد أثناء الجمع)) (7) . وقد جاء من الصفات: جَمَلٌ يَعْمَلٌ وجمال يَعَامِلٌ، وذلك ((من قبيل الوصف بالاسم، بدليل انصرافه كما تَقَدَّم وبدليل ولايته العوامل قال الشاعر: يا زيدُ زيدَ اليعملات الذُّبَّلِ تَطَاوَلَ اللَّيْلُ عَلَيْكَ فَانْزِل)) (8) فِعْيال: ورد هذا البناء في الاسم نحو: جِرْيَالٍ، وكِرْياسٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (9) . والْجِرْيَالُ: الْخَمْرَةُ؛ عن الْفَرَّاءِ (10) . والكِرْياس: الْكَنِيفُ الذي يكون مُشْرِفاً على سَطْحٍ بقناةٍ إلى الأَرْضِ (11) . غير أنه ورد: جِرْياض للضخم العظيم، أو العظيم البطن (12) . وسِرْياح للطويل وشِرْياف لورق الزرع إذا طال (13) . فِيعالٌ: ورد هذا البناء في الأسماء مثل: دِيماسٍ، ودِيوان. قال سيبويه: ((ولا نعلمه صفة)) (14) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 ودِيماسٌ: سجن كان للحجاج بن يوسف ومثله الدِّيباج، والدّينار، والقيراط، والريبال للأسد (1) . فَيْعَلَى: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: الْخَيْزَلَى، وهو اسْمٌ)) (2) . والْخَيْزَلَى: مشية فيها تَفَكُّكٌ. ومثلها الْخَيْزَرَى وهي بمعناها. والْخَيْسَرَى: خَاسِرٌ. والْهَيْذبَى: أن يَعْدُوَ الْفَرَسُ في شِقٍّ (3) . زيادة التاء وحَرْف آخر: تَقَدَّمَ ما يُبَيِّن زيادة التاء مع الهمزة والألف، وسأكمل بما يُبَيِّن زيادتها مع بقية الحروف. زيادة التاء مع تكرير حرف أصلي: التَّفَعُّل: ورد هذا البناء ((في الأسماء غير المصادر، وهو قليل، قالوا: التَّنَوُّطُ وهو اسْمٌ)) (4) . ((فالتَّنَوُّطُ كالتّكَرُّمِ، والتُّنَوِّط بِضَمِّ التاء وكَسْرِ الواو: طائرٌ يُدَلِّى خيوطاً من شجرة، ويَنْسُجُ عُشَّهُ كقارورة الدُّهْنِ منوطاً بتلك الخيوط، الواحدة بِهَاءٍ)) (5) . التُّفُعِّل: هذا من الأبنية التي جاء في الاسم على وجه القِلَّةِ. ((قالوا: تُبُشِّرٌ وهو اسم)) (6) وضم الباء لغة وفيه لغة أخرى هي فتح الباء (تُبَشِّرٌ) . والتُّبُشِّرُ: طَائِرٌ (7) . التِّفِعِّل: ورد هذا البناء ((وهو قليل، قالوا: التِّهِبِّط، وهو اسم)) . قال الفيروزابادي: ((التِّهِبِّط؛ بكسرات مشددة الباء: طائرٌ أَغْبَرٌ، يتعلق بِرِجْلَيْهِ، ويُصَوِّتُ بِصَوْتِ، كَأَنَّهُ يقول: أنا أموت. أنا أموت)) (8) . زيادة التاء والواو: تَفْعُول: جاء هذا البناء في الاسم مثل التَعْضُوض، والتَّحْموت، والتَّذْنُوب. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (9) . فالتَّعْضُوضُ: ضَرْبٌ من التمر، والتَّذْنُوبُ منه الذي يُرْطِبُ من قِبَلِ أذنابه (10) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 أما التَّحْمُوتُ فبالحاء المهملة: نوعٌ من التمر شديد الحلاوة (1) . وكذلك الزِّقُّ الذي يكون فيه السَّمْنُ (2) . وورد في طبعة الشيخ عبد السلام هارون بالخاء المعجمة، وليس كذلك. تُفْعُول: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: تُؤْثُورٌ، وهو اسم)) (3) لِحَدِيدَة يُؤَثَّرُ بها خُفُّ البعير (4) . زيادة التاء والياء: تَفْعِيل: هذا البناء يكون في الأسماء، كالتَّمْتينِ والتَّنْبِيتِ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً ولكنه يكون صِفَةً على تَفْعِيلة، وهو قليل في الكلام، قالوا: تَرْعِيَّةٌ)) (5) . فالتَّنْبيتُ: أول خروج النبات، ولغة في التَّبْتِيت الذي هو قطع السنام، وما شُذِّبَ على النخلة من شوكها وسعفها للتخفيف عنها. والتَّمتين: الخيط الذي يُضَرَّبُ به الفسطاط (6) . وكذلك ((تَرْعِيب للسنام وتَنْعِيم لمكان بمكة)) (7) . زيادة الميم وتكرير حرف أصلي: مِفْعِلٌّ: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: مِرْعِزٌّ)) (8) لغة في الْمِرْعِزَاء والْمِرعِزَّى. قال الجوهري: ((المِرْعِزَّى: الزَّغَبُ الذي تحت شعر العنز، وهو مُفعِلَّى؛ لأن فِعْلَلَّى لم يجئ، وإنما كسروا الميم إتباعاً لكسرة الهمزة، كما قالوا: مِنْخِرٌ ومِنْتِنٌ، وكذلك المِرْعِزاء، إذا خفَّفْت مَدَدْت، وإن شَدَّدْت قصرت، وإن شئت فتحت الميم، وقد تحذف الألف فيقال: مِرْعِزّ)) (9) . زيادة الميم والواو: مُفْعُول: جاء هذا البناء في كلامهم ((وهو غريبٌ شاذٌ ... وذلك قولهم: مُعْلوق للمعلاق)) (10) . ووجه الشذوذ فيه أنه ليس في كلامهم مُفْعُول؛ وإنما فيه فُعْلُول. ولذلك عَدّ ابن عصفور مُغْفُور ومُغْرود على وزن فُعْلول (11) على حين جعلها ابن القطاع في (مُفْعُول) (12) . زيادة النون وتكرير حرف أصلي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 فَعَنْعَلٌ: ورد هذا البناء في الاسم، مثل: عَقَنْقَل وعَصَنْصَر. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (1) . فالْعَقَنْقَلُ: الكثيب من الرمل، والوادي العظيم المتسع، وقانصة الضّبّ (2) . ((وعَصَنْصَر: موضع، عن ابن دُريد)) (3) . وقيل طائرٌ صغيرٌ (4) . زيادة النون والواو: فَعَلْنُوة: ورد البناء في الاسم، ((قالوا: قَلَنْسُوَةٌ، وهو اسم. والهاء لازمة لهذه الواو كلزومها وَاوَ تَرْقُوَةٍ)) (5) . والْقَلَنْسُوَة: ((من ملابس الرؤوس معروف، والواو في قَلَنْسُوَة للزيادة غير الإلحاق وغير الْمَعْنَى، أما الإلحاق فليس في الأسماء مثل (فَعَلُّلَة) وأما المعنى فليس في قلنسُوَة أكثر مما في قَلْسَاةٍ)) (6) . زيادة النون والياء: فِعْلِين: ورد هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل، قالوا: غِسْلِين، وهو اسم)) (7) . والْغِسْلِينُ: ما يسيل من جلود أهل النار كالقيح وغيره، زيد فيه الياء والنون (8) .فُعَلْنِيَةٌ: ورد هذا البناء في ((نحو بُلَهْنِيةٍ، وهو اسم، والهاء لازمة كلزومها فِعْلِيَة)) (9) . والْبُلَهْنِيةُ: العيش الناعم (10) . ومثلها ((رُفَهْنِية، أي سعة)) (11) . وجعلها الفارابي على بناء فُعَلِّيَة، فيكون بهذا رباعيّاً مزيداً، والراجح أنه ثلاثي مزيدٌ، لقولهم: عَيْشٌ أَبْلَهُ، أي: واسع (12) . فُعَنْلِيةٌ: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: قُلَنْسِيةٌ، وهو اسم، والهاء لا تفارقه)) (13) . وهي القَلَنْسُوَة؛ لباس للرأس معروف. زيادة الياء مع الياء: يَفْعِيلُ: ورد في الأسماء مثل: يَقْطِين، ويَعْضِيد. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (14) . ((واليقطين: كل شجر لا يقوم على ساقٍ، مثل الدُّبَّاء والحَنْظَل وما أشبهه، والْيَعْضِيدُ: من أحرار البقول مُرٌّ وله زَهْرٌ أصفر ولبن لَزِجٌ)) (15) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 ما زيد فيه ثلاثة أحرف زيادة الهمزة ومعها أَلِفٌ وهمزة زائدان: أَفْعِلاَء: جاء هذا البناء في الأسماء. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء إلا في الأَرْبِعاء)) (1) . قال القالي: ((هو في الواحد قليل جدًّا، كثير في الجمع - إذا كَسَّرْتَ عليه الواحد - اسم وصفة، نحو: أَوْلِياء وأَصْفِياء وأَصْدِقَاء)) (2) . وأما أَرْمِدَاء فقد اخْتُلِفَ فيها، فقيل مُفْرَدٌ يُرَادُ بها الرماد، وقيل جَمْعٌ إِذْ يقال: هذه أَرْمِداءٌ كثيرة (3) . إِفْعِلاءٌ: ورد هذا البناء في الأسماء. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء إلا في الإِرْبِعاء، وهو اسمٌ)) (4) . وذكر الشيخ عبد السلام هارون أنه جاء في إحدى النسخ: ((وهو اسم عمود من أعمدة الْخَيْمَةِ)) . لكن الذي بمعنى العمود في كُلٍّ من اللسان والقاموس هو (الأُرْبُعاء) بضم الهمزة والباء. أ. هـ ونسب ابن قتيبة إلى سيبويه الضم في الهمزة والباء (5) ، فلعل الكسر فيهما خطأ. زيادة الهمزة ومعها ألفان زائدان: فَاعِلاء: ورد هذا البناء في الأسماء كالقاصعاء، والنافقاء، والسابياء. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء صفة)) (6) هكذا قال، وتبعه القالي إذ جزم بعدم مجيئه صفة (7) . والقَاصِعاء: جُحْرٌ من جِحَرَة اليرابيع، وكذا النافقاء (8) . ((والسابياء: المشيمة التي تخرج مع الولد. والسابياء أيضاً: النّتاج)) (9) . زيادة الهمزة والألف وتكرار اللام: أَفْعَالٌّ: ورد هذا البناء في الأسماء كالأَسْحَارّ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً ولا صفة غير هذا)) (10) . ولم يحدد سيبويه إن كان هذا البناء اسماً أو صفة. والمراد بها ((بَقْلَةٌ من أَحْرَارِ الْبَقْلِ)) (11) فتكون بهذا التفسير اسماً. زيادة الهمزة والألف والميم: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 مَفْعِلاَءُ: ورد هذا البناء في الاسم ((قالوا: مَرْعِزَاءُ، وهو قَلِيلٌ)) (1) . والْمَرْعِزَاءُ: الزَّغَبُ الذي تحت شعر الْعَنْزِ. واستدرك ابن مالك عليه هذا البناء، إذ جعل الميم أصلاً في الكلمة؛ لقولهم: كِسَاءٌ مُمَرْعَزٌ دون مُرَعَّزٍ فهو (مُفَعْلَل) لا (مُفَعّل) فَدَلَّ على أنّ الميم أصل والألف هي الزائدة فقط (2) . وليس هذا دليلاً كافياً، فقد يكون من باب توهم الزائد أصليّاً، كما في (تمندل وتمدرع وتمسكن) وهي من المنديل والمدرعة والمسكين، والميم زائدة، ولكنهم توهموا فيها الأصالة. زيادة الهمزة والألف والنون: فُنْعُلاء: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: عُنْصُلاء، وهو اسم)) (3) . وذكر القاليّ هذا البناء في باب ما جاء من الممدود على مثال (فُنْعُلاء) من الأسماء ولم يأت صفة. أما سيبويه فلم يجزم بعدم وُرُودِهِ صِفَةً. والْعُنْصُلاء: البصل الْبَرِّيُّ (4) . فُنْعَلاء: ورد هذا البناء في الاسم، ولكنه ((قَلِيلٌ، قالوا: خُنْفَسَاء، وعُنْصَلاء، وحُنْظَباء، وهي أسماءٌ)) (5) . والحُنْظَبَاءُ: ذَكَرُ الْخَنَافِسِ. وذكر القالي هذه الأمثلة في هذا البناء، وأضاف إليها العُنْظَبَاء لِذَكَرِ الجراد. وذكر عن الأصمعي أنه لا يقال في خُنْفَساء خُنْفَسَاءة؛ بالهاء. وقال القالي: ((ويجوز عندي في هذه الأحرف الضَّمُّ، كما جاز في عُنْصَلاء؛ لأن الأبنية إذا تقاربت دخل بعضها في بعضٍ)) (6) . زيادة الهمزة والألف والْوَاوُ: فَوْعَلاء: هذا البناء ورد في الأسماء ((وهو قليل، قالوا: حَوْصَلاء، وهو اسْمٌ)) (7) . والْحَوْصَلاءُ: حَوْصَلَةُ الظَّلِيم وكُلِّ طائر. وحَوْصَلاء: اسم مَوْضِعٍ (8) . فَعُولاء: يكون هذا البناء في الأسماء. قال سيبويه: ((وهو قليل، نحو: دَبُوقاء، وبَرُوكاء، وجَلُولاء، ولا نعلمه جاء وصفاً)) (9) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 فالدَّبُوقاءُ: الْعَذِرَةُ. وبَرُوكاءُ: من البروك والْبَرَكَةِ. وجَلُولاء: بَلَدٌ. ومِثْلُها حَرُورَاء (1) . ونسب السيوطي إلى سيبويه أنه لم يأت منه إلا عَشُوراء (2) ، ولعله أراد (عَشُورَى) على (فَعُولَى) . زيادة الهمزة والألف والياء: إِفْعِيلَى: ورد هذا البناء في الأسماء، نحو: إِهْجِيرَى، وإِجْرِيَّا. قال سيبويه: ((وهما اسمان ولا نعلم غيرهما)) (3) . فالإِهْجِيرَى، ويقال أيضاً هِجِّيرَى: الكلام والدَّأْب والشَّأْنُ (4) . ((والإِجْرِيَّا بالكسر: الْجَرْيُ والعادة مما تأخذ فيه)) (5) . فَعيلاَء: ورد هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: عَجِيسَاء، وهو اسْمٌ وقَرِيثاء وهو اسم)) (6) . وجعلهما ابن دريد وصفين، إذ قال في تفسيرهما: ((فَحْلٌ عَجِيساء وعَجَاساء: عَاجِزٌ لا ينزو ... وتَمْرٌ قَرِيثَاءٌ وكَرِيثاءٌ. وظَلِيلاءٌ: موضع)) (7) . فيكون البناء بهذا يأتي اسماً وصفة، فالاسم ظَلِيلاء، والصفة عَجِيساء وقَرِيثاءٌ وكَرِيثاءٌ. زيادة ألفين وتضعيف حرف أصلي: فُعَّالَى: ورد هذا البناء في الأسماء كخُضَّارَى، وشُقَّارَى، وحُوَّارَى. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (8) . وجعل القالي هذه الأمثلة على مثال فُعَّالَى اسماً ولا يعلمه أتى صفة، وأضاف إليها القُوَّارَى والخُبَّازَى وزُبَّادَى (9) فالخُضَّارَى والشُّقَّارَى والخُبَّازَى وزُبَّادَى أسماء لأنواع من النبات. والعُوَّارَى: ضرب من الشجر (10) والحُوَّارَى: الدقيق الأبيض (11) . زيادة ألفين ونون: فَعَالاَن: ورد هذا البناء في الأسماء كسَلاَمان، وحَمَاطان. قال سيبويه: ((وهو قليل، ولم يجئ صفة)) (12) . وسَلامان: اسمٌ عَلَمٌ على شَخْصٍ ومَاءٍ، وجَمْعُ سلامانة: ضَرْبٌ من الشجر (13) . وضُبِطَتْ في القاموس بضم السين (14) . زيادة أَلِفٍ وتاءٍ وواوٍ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 فَعَلُوتَى: ورد هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل، قالوا: رَغَبُوتَى ورَهَبُوتى، وهما اسمان)) (1) من الرّغْبَة والرّهْبَة. ومثلهما رَحَمُوتَى من الرَّحْمَةِ (2) . زيادة أَلِفٍ وتاءٍ وياءٍ: تَفاعِيل: جاء منه التَّجَافِيفُ والتّماثِيلُ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (3) . وهذا البناء من الصِّيَغِ التي عُدَّتْ للجمع مُشْبِهَةً (فَعَالِل) وقد ورد عليها ألفاظ لَها مُفْرَدٌ مثل: التَآشِير، والتماريد والتصاريف، والتهاويل، والتصابيح، والتنابيت، والترابيق، والتحاسين، والتماتين، والتنابيل، والتجاويز. وورد عليها ألفاظ لا مفرد لها مثل: تباديد، والتباشير، والتعاشيب، والتساخين، والتفاطير، والتعاجيب (4) . و ((قد جاء رَجُلٌ تِلْقامَةٌ، ورَجُلٌ تِقْوَالَةٌ عن الكسائي، وتِبْذَارَةٌ يُبَذِّرُ ماله عن أبي زَيْدٍ، وتِرْعَابَةٌ، فلا يمتنع ذا أن يجمع على تفاعيل، فيكون على تلاعيب، وتلافيح)) (5) . وهذه صفات. ولذا جعله بعض المحدثين مقيساً في بعض الأبنية فقال: ((يُجْمَعُ بها مزيد الثلاثي؛ بالإضافة إلى الحركة الطويلة التي تسبق آخره، كما هو في استخراج وجمعه تَخَارِيج)) (6) . وجَزَمَ ابنُ عصفورٍ بأن هذه الصيغة مختصة بالأسماء، وما جاء من هذه الأمثلة فمن قبيل الوصف بالمصدر (7) زيادة الألف مع تضعيف العين وزيادة النون: فُعَّلان: ورد هذا البناء في الاسم. قال سيبويه: ((وهو قليل جدًّا. قالوا: قُمَّحان وهو اسْمٌ ولم يجئ صفة)) (8) . والقُمَّحان: الزَّبَد لِلْخَمْرِ (9) . زيادة الألف وتضعيف العين وزيادة الياء: فُعَّيْلَى: جاء هذا البناء ((في الأسماء مثل: لُغَّيْزَى، وبُقَّيْرَى، وخُلَّيْطَى. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء صفة)) (10) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 فَلُغَّيْزَى: حُفَيْرَةٌ ملتويةٌ يحفرها اليربوع. وبُقَّيْرَى: لُعْبَةٌ للصبيان. وخُلَّيْطَى: من الاختلاط (1) . وذكر القالي من ذلك: العُمَّيْهَى: يقال للإبل إذا تفرقت في كل وَجْهٍ ذهبت إبله الْعُمَّيْهَى. واللُّزَّيْقَى: نَبْتَةٌ. والرُّطَّيْنَى: من الرطانة. والنُّهَّيْبَى: للانتهاب. والكُمَّيْهَى والسُّمَّيْهَى: مِثْلُ الْعُمَّيْهَى. وسُرَّيْطَى: من الاستراط وهو الابتلاع (2) . زيادة الألف وتضعيف اللام مع زيادة الميم: مَفْعِلَّى: ورد هذا البناء في الاسم ((نحو مَرْعِزَّى وهو اسْمٌ)) (3) للزَّغَبِ الذي تحت شعر العنز. قال القالي: ((ولا نعلم من هذا المثال غيره)) (4) . زيادة الألف وتضعيف اللام مع زيادة النون: فَعِلاَّن: ورد هذا البناء في الأسماء ((قالوا: تَئِفَّان، وهو اسْمٌ، ولم يَجِئْ صِفَةً)) (5) . و ((التَّئِفَّان: النشيط، وقيل أَوَّلُ الشَّيْء)) (6) . فِعِلاَّن: ورد كذلك في الاسم نحو: فِرِكَّان، وَعِرِفَّان. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (7) . فَفِرِكَّان: أَرْضٌ. وعِرِفَّان: دويبَّةٌ (8) ، واسم رَجُلٍ (9) . فِعِنْلاَل: ورد كذلك في الاسم ((وهو قَلِيلٌ. قالوا: الفِرِنْدَادُ وهو اسم)) (10) وهو ((جبل بناحية الدهناء)) (11) . زيادة الألف والميم والنون: مَفْعَلان: ورد هذا البناء في الأسماء مثل: مَكْرَمَان، ومَلأَمان، ومَلْكَعان مَعَارِف. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (12) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 وهذه الأمثلة صفات غالبة استعملت استعمال العلم قال ابن منظور: ((يقولون للرجل الكريم مَكْرمان؛ إذا وصفوه بالسخاء وسعة الصدر)) (1) وكذا إذا وصفوا رجلاً باللؤم على سبيل المبالغة قالوا: يا مَلأَمان. ومَلْكَعان كذلك وَصْفٌ للمراد باللَّكاعَةِ على سبيل المبالغة، ولذا ورد شرحها عند ابن برهان بأنها وصْفٌ للكريم ولِلَّئيم ولِلأَحْمَق (2) . ولكن مراد سيبويه أنها صفات غالبة خرجت عن الوصف إلى العلم. زيادة الألف والنون والواو: سبق بيان الأبنية التي زيدت فيها النون مع الألف مع حرف آخر أسبق من النون في الترتيب مثل الألف والتاء وتضعيف العين أو اللام وزيادة الميم، وفي هذا ذِكْرُ زيادة النون مع الألف مع حرف بعد النون في الترتيب هو الواو. فُعْلُوان: ورد هذا البناء ((في الاسم كالعُنْظُوَان والعُنْفُوَان. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (3) . ف ((العُنْظُوان: من الْحمض؛ وهو أغبر ضخام، وربما استظل الإنسان في ظل العُنْظُوَانة. والعُنْظُوَان أيضاً الفَاحِشُ. وعُنْفُوان كُلِّ شَيْءٍ أَوَّلُهُ)) (4) ومنه عُنْفُوَان الشباب. فَوْعَلان: ورد كذلك في الاسم ((وهو قليل، قالوا: حَوْتَنَانُ، وحَوْفَزَانُ، وهو اسْمٌ ولم يَجِئْ صفة)) (5) . ف ((حَوْتنان: واديان في بلاد قيس، كلٌّ منهما يقال له حَوْتنان)) (6) . و ((حَوْفَزَان: اسم رجل، سُمِّيَ بذلك لأن بسطام بن قيس حفزه بالرمح حين خشي أن يفوته، فَسُمِّيّ الْحَوْفَزَان لتلك الحفزة)) (7) . ومثل ذلك عَوْبَثَان (8) . زيادة الألف مع النون والياء: فَعَالِين: ورد هذا البناء في الاسم نحو: سراحين، وضباعين، وفرازين وقرابين. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء في الصفة)) (9) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 وهذه الأمثلة جموع فسراحين جمع السِّرحان، وضباعين جمع الضِّبْعان، وفرازين جمع الفِرْزان من لُعَبِ الشطرنج أعجمي معرب. والقرابين: جمع قربان والقربان جليس الملك وخاصته (1) . زيادة الألف مع تضعيف اللام وزيادة الياء: يَفْعَلَّى: جاء هذا البناء في الاسم ((وهو قليل. قالوا: يَهْيَرَّى، وهو الباطل وهو اسْمٌ)) (2) . وذكر أبو حيان أنه قيل في وزنه (فَعْفَلَّى) (3) . فعلى هذا تكون الياءان أَصْلِيَّتَيْنِ في الكلمة. لكن السيرافي أزال اللبس في ذلك بقوله: ((ومنه: يَهْيَرَى ويَهْيَرَّى من ذوات الثلاثة؛ لأنهم يقولون: يَهْيَرْ ويَهْيَرّ فَيُعْلَم أن الياء الأولى زائدة؛ لأنها بِمنزلة الياء في يرمع ويعمل، ولا تجعل الثانية زائدة؛ لأنا لو جعلنا الياء الثانية زائدة لجعلنا الأولى أصلية، وصارت الكلمة على فَعْيَل، وليس في الكلام إلا حَرْفٌ واحدٌ زعموا أنه مصنوع وهو صَهْيَلٌ)) (4) . زيادة الألف مع ياءين: فعاييل: ورد هذا البناء في الاسم مثل: كَرَايِيسٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (5) . ((فالكراييس واحدها كِرْياس، وهو الكنيف الذي يكون مشرفاً على سطحٍ بقناة إلى الأرض، فإذا كان أسفل فَلَيْسَ بِكِرْياسٍ)) (6) . فَعَلَيَّا: ورد كذلك في الاسم ((وهو قليل. قالوا: الْمَرَحَيَّا، وهو اسْمٌ. وبَرَدَيَّا وهو اسْمٌ، وقَلَهَيَّا وهو اسْمٌ أيضاً)) (7) . فالْمَرَحَيَّا: كلمة تقال عند الإصابة في الرمي (8) ، ويقال هو موضع. وبَرَدَيَّا وقَلَهَيَّا: موضعان (9) . وذكرهما ابن دريد في (يَفْعَلَّى) (10) ولا وجه لذلك. زيادة تاءين وواو: تَفْعَلُوت: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: تَرْنَمُوت، وهو اسمٌ)) (11) . والتَّرْنَمُوت: اسْمٌ لِتَرَنُّمِ القوس عند النَّزْعِ (12) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 ما زيد فيه أربعة أَحْرُفٍ فَاعُولاء: ورد هذا البناء في الاسم. مثل: عاشُوراء. قال سيبويه: ((وهو قليل، ولا نعلمه جاء صفة)) (1) . هكذا قال، وتبعه القالي إذ قال: ((ولم يأت صفة، وهو قليل جدًّا)) (2) . وقال الأزهري - بعد أن نقل تفسير الليث له بأنه اليوم العاشر من محرم -: ((ولم أسمع في أمثلة الأسماء اسماً على فاعولاء إلا أحرفاً قليلة. قال ابن بزرج: الضاروراء: الضَّرَّاءُ، والسَّاروراء: السَّراء، الدَّالُولاء: الدَّالَّة. وقال ابن الأعرابي: الخَابُوراء: مَوْضِعٌ)) (3) ((وقد أُلْحِق به تاسوعاء)) (4) . المبحث الثالث: ما اختص به الاسم من أبنية مزيد الرباعي لم يرد ذِكْرٌ في كتاب سيبويه للرباعي المجرد من حيث اختصاص الاسم أو الصفة بأبنية معينة، وإنما ورد ذلك في مزيد الرباعي، وسأتناول ذلك بالصورة التي سبقت من حيث ترتيبها حسب عدد حروف الزيادة، مبتدئاً بما زيد فيه حرف واحد، ثم ما زيد فيه حرفان ثم ما زيد فيه ثلاثة، ولا يكون الرباعي مزيداً بأكثر من ثلاثة أحرف؛ لأن أقصى ما يبلغ به الاسم مع حروف الزيادة سبعة أحرف. وأرتب المواد حسب ترتيب حروف الزيادة بين حروف الهجاء مبتدئاً بالألف؛ لعدم ورود الهمزة. ما زيد فيه حرف واحد أولاً: الألف. ورد من ذلك أبنية منها: فَعْلَلَى (5) : ورد هذا البناء في الاسم، جاء على ذلك: العَرْقَلَى: مشية فيها تبختر. والْقَهْقَرى: الرجوع إلى الخلف. وجَحْجَبَى: اسم رجل.وقَرْقَرَى: موضع، وقيل ماء لبني عبس. وجَلَسَ القَعْفَزَى: جلس مُسْتَوْفِزاً.وصَعْنَبَى: موضع بالكوفة. وفَرْتَنَى: اسم امرأة (6) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء صفة)) (7) . وألحق به من الثلاثي الْخَيْزَلَى ونحوه. على حين أن الخيزلى: مشية فيها تَفَكُّكٌ على وزن (فَيْعَلَى) (8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 فُعُلَّى: هذا من أبنية الأسماء، وهو قليل، وجاء في: حُذُرَّى: من الْحَذَر. والخُطُّبَّى: الظَّهْر. والغُلُبَّى: المغالبة. والبُذُرَّى: من الْبَذْرِ والتَّفْرِيقِ (1) . والْعُرُضَّى: من الاعتراض. والكُفُرَّى: وعاء طلع النخل. وسُقُطْرَى: جزيرة بقرب ساحل اليمن. ونقل ابن سيده عن الفارسي قوله: ((كُلُّ فُعَلَّى فَفُعُلَّى فيه مَقُولَةٌ)) (2) . فِعَلَّى: ورد هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: السِّبَطْرَى وهو اسْمٌ والضِّبَغْطَى، وهو اسْمٌ)) (3) . فالسِّبَطْرَى: اسم لمشية فيها تَبَخْتُرٌ والضِّبَغْطَى: كلمة يُفَزَّع بها الصبيان (4) . ومثل هاتين الكلمتين الزِّبَعْرَى: للضخم (5) . فِعْلَلَى: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل. قالوا: الْهِرْبَذَى وهو اسمٌ)) (6) . والهِرْبَذَى: مشية فيها اختيال كَمَشْي الْهَرَابِذة، وهم حكام المجوس. ونسب ابن منظور إلى أبي عبيد قوله: ولا نظير لهذا البناء (7) . فِعْلِلَى: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل. قالوا: الْهِنْدِبَى، وهو اسْمٌ)) (8) لِبَقْلَةٍ معروفة. قال القالي: ((ولا نعرف من هذا البناء غيره، وغير ما حكاه الفراء في قولهم: جلس الْقُرْفُصاء، قال الفراء: إذا ضَمَمْتَ أَوَّلَها مَدَدْت، وإذا كسرت قصرت، فقلت: جلس الْقِرْفِصَى)) (9) . فُعْلال: ورد هذا البناء في الأسماء من نحو قُرطاس، وقُرْناس. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء صفة. وما أُلْحِق به من بنات الثلاثة: قُرْطاط)) (10) . وقال الفارابي: ((لم يأت على فُعْلال شيءٌ من أسماء العرب من الرباعي السالم إلا مُكَرَّراً نحو: الفسطاط والقُرطاط. فإن جاء فهو قليل نحو: قُرْناس وقُرْطاس فأما الْقُسْطاس فَحَرْفٌ رُومِيٌّ وقع إلى العرب فتكلمت به)) (11) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 فالْقُرْطاس: الصحيفة التي يكتب فيها (1) . والقُرطاط: بَرْذَعَة الحمار. والقُرْنَاسُ: شَيْءٌ يشخص من الجبل (2) . والفُسْطاط: الْمَضْرَب العظيم (3) . والقُسطاس: بضم القاف وكسرها أعدل الموازين وأقومها (4) . ثانياً: تضعيف اللام. جاء ذلك في الأبنية التالية: فُعُلُّل: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل. قالوا: الصُّفُرُّق والزُّمُرُّد وهما اسمان)) (5) . فالصُّفُرُّق بضمات ثلاث مع تشديد الراء على بناء (فُعُلُّل) : نَبْتٌ (6) . وذكر ابن منظور أنه صُفرُوقٌ بواوٍ بعد الراء من غير تشديد (7) أما الزُّمُرُّد فهو ضرب من الجواهر (8) . وذكر ابن القطاع في هذا البناء (حُبُقُّر) (9) والذي يظهر أنه على بناء (فَعَلُلُّ) ومعناه الْبَرَدُ. يقال: أَبْرَدُ من حَبَقُّر. وأصله حَبُّ قَرٍّ. والْقَرُّ: الْبَرَدُ (10) . ثالثاً: النون. جاء ذلك في أبنية منها: فَنَعْلُل: هذا من أبنية الأسماء ((وهو قليل، قالوا: كَنَهْبُل، وهو اسْمٌ)) (11) لِشَجَرٍ عِظَامٍ. وقد جعله الفارابي (فَنَعْلَل) بفتح اللام الأولى. وذكر أنه يختلط ببناء فَعَلَّل لاستوائهما في حركة البناء (12) . وحكم بعضهم فيه بزيادة النون حملاً للباب على الأوسع إذ أبنية الأصول قليلة، وأبنية المزيد كثيرة (13) . فَعَنْلُل: ورد هذا البناء ((في الاسم وهو قليل، قالوا: عَرَنْتُن، وقَرَنْفُل)) (14) . والْعَرَنْتُنُ: شَجَرٌ يُدْبَغُ بِعُرُوقِهِ، والنون فيه تلزم زيادتها؛ لأنها متوسطة ساكنة في خماسي، وقد استعملوه بدونها فقالوا: (عَرَتُن) وذلك من باب التخفيف، كما خَفَّفُوا عَلاَبط فقالوا عُلَبِط (15) . وأما الْقَرَنْفُلُ: فَحَمْلُ شَجَرَةٍ هندية (16) . وجزم ابن عصفور بأن هذا البناء لم يجئ إلا اسماً (17) . ما زيد فيه حرفان أولاً: ما زيد فيه همزة وألف ورد ذلك في الأبنية التالية: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 فِعْلَلاَء: ورد هذا البناء في الأسماء كقولهم: ((هِنْدَباء، وهو اسم)) (1) لبقلة معروفة، معتدلة، نافعة للمعدة والكبد والطحال أكلاً، ولِلَسْعَةِ العقرب ضماداً بأصولها (2) . قال القالي: ((ولم نسمع في هذا المثال غيره. وقال أبو حاتم: قال الأصمعي: يقال الهِنْدَبا؛ مفتوحة الدال مقصورة، وآخرون يكسرون الدال فيمدون فيقولون الْهِنْدِباء. قال أبو علي: أما الْمَدّ مع فتح الدال، فكذا رويناه في كتاب سيبويه)) (3) . وجعلها ابن القطاع على بناء (فِنْعَلاء) (4) . فُعْلُلاء: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: الْقُرْفُصاء، وهو اسم)) (5) ومثلها الْخُنْفُسَاء وعُنْصُلاء: للبصل البَرِّي، وعُنْظُباء: لذَكَرِ الجراد (6) . ونقل القالي عن أبي حاتم: ((القُرْفُصا مقصورة، وقعد القُرْفُصاء مَمْدُودٌ)) (7) . ومعنى قعد القُرْفصاء، أي: اجتمع في قعدته. فَعْلَلاء: ورد هذا البناء في الأسماء من نحو: بَرْنَسَاء، وعَقْرَباء، وحَرْمَلاء، وكَرْبَلاء وثَرْمَدَاء قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وَصْفاً)) (8) . وكل هذه الأمثلة أسماء أمكنة ومواضع (9) . ثانياً: ما زيد فيه ألفان جاء ذلك في أبنية منها: فُعالِلَى: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليلٌ. قالوا: جُخَادِبَى وهو اسْمٌ، وقد مَدَّ بعضهم - وهو قليل - فقالوا: جُخَادِبَاء)) (10) . وجعله القالي مِمَّا يُمَدُّ ويُقْصَرُ، وهو الدابّة التي يقال لها الجُخْدُب، وقال: ((لا نعلم من هذا المثال غيره)) (11) . ثالثاً: ما زيد فيه ألف ووَاوٌ ورد ذلك في هذا البناء: فَعَوْلَلَى: جاء في قولهم ((حَبَوْكَرَى، وهو اسم)) (12) . والْحَبَوْكَرَى: اسْمٌ من أسماء الداهية، وكذلك الْحَبَوْكَر (13) . ((وقد وُصِفَ به والألف للتكثير لا للإلحاق، وقيل للتأنيث)) (14) . غير أن الواو للإلحاق بقبعثرى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 رابعاً: ما زيد فيه ألف وياء ورد ذلك في ابناءٍ واحد هو: فُعالِيلٌ: هذا من أبنية الأسماء ((وهو قليل، قالوا: كُنابِيلٌ، وهو اسمٌ)) (1) لأَرْضٍ (2) . خامساً: ما زيد فيه تاء للتأنيث أو لغيره مع الواو جاءت زيادة تاء التأنيث مع الواو في هذا البناء: فَعَلُّوَةٌ: ورد هذا ((في الأسماء، وذلك نحو: قمَحْدُوَةٌ، وهو قليل في الكلام، ونظيره من بنات الثلاثة قَلَنْسُوَةٌ والهاء لازمة لهذه الواو كما تلزم في واو تَرْقُوَةٍ)) (3) . وجعل ابن القطاع هذا المثال على بناء (فَمَعْلُوة) والميم زائدة (4) . والْقَمَحْدُوَة: مؤخرة رأس الإنسان التي تصيب الأرض إذا استلقى عليها (5) . وجاءت زيادة التاء التي لغير التأنيث مع الواو في بناء: فَعْلَلُوت: ورد هذا ((في الاسم نحو: عَنْكبُوت، وتَخْرَبُوت، لحقت الواوَ التاءُ، كما لحقت في بنات الثلاثة في مَلَكُوت)) (6) . فالْعَنْكَبُوتُ معروف. والتَّخْرَبُوت: الناقة الفارهة (7) . وجُعِلَتْ تاءُ (تخربوت) أصلاً؛ لأنها لا يحكم عليها بالزيادة في أول الكلمة إلا بدليل (8) . سادساً: زيادة تاء التأنيث مع الياء جاء ذلك في هذا البناء: فُعَلِّية: ورد هذا في الأسماء وذلك نحو: سُلَحْفِيَةٍ، وسُحَفْنِيَةٍ، وما لحقها من بنات الثلاثة: البُلَهْنِية، وقُلَنْسِيَة. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً. والهاء لازمة كما لزمت واوَ قَمَحْدُوَةٍ)) (9) . فالسُّلَحْفِيَةُ هي السُّلْحُفَاة. وهذا المثال وحده هو الذي يَصْدُق عليه هذا البناء أما الأمثلة الأخرى ففيها نظر. قال الزبيدي: ((رجلٌ سُحَفْنِيَةٌ محلوق الرأس. يقال سحفه: إذا حلقه، وهو على هذا التفسير (فُعَلْنِية) وقد ذكره سيبويه في (فُعَلِّية)) ) (10) . ومثلها بلهنية وقلنسية فإنهما على فُعَلْنِيَةٍ. وقد أورد ابن القطاع سُحَفْنية وبلهنية فيه (11) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 سابعاً: زيادة الواو مع الياء جاء ذلك في هذا البناء: فَعْلَوِيل: ورد هذا في الأسماء. قال سيبويه: ((وهو قليل، قالوا: قَنْدَوِيل، وهَنْدَويل. ولم يجئ صفة، ولا نعلم لهما نظيراً من بنات الثلاثة)) (1) . فالقَنْدَوِيلُ العظيم الهامة والرأس من الإبل والدَّوَابِّ والطويل. والْهَنْدَوِيلُ: الضخم الرأس، والأَنُوكُ المسترخي، والضعيف (2) . ما زيد فيه ثلاثة أحرف أولاً: ما زيد فيه همزة وألفان جاء ذلك في هذا البناء: فَعْلالاء: ورد هذا في الاسم ((وهو قليل، قالوا: بَرْناساء وهو اسْمٌ)) (3) . وقال القالي: ((يقال ما أدري أي الْبَرْناساء هو: أَيْ أَيُّ الناس هو. وما علمنا أتى منه غير هذا الحرف الواحد)) (4) ويقال أيضاً: ((بَرْنَسَاء)) (5) . وقَدْ مَرَّ في (فَعْلَلاء) . ثانياً: ما زيد فيه ألف ونون ووَاوٌ جاء هذا في بناء واحد هو: فَعَوْلُلان: جاء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: عَبَوْثُران، وهو اسم)) (6) . ((والْعَبَوْثُرَان: من ريحان الْبَرِّ طَيِّبُ الريح)) (7) وذكره الفارابي بفتح اللام الأولى (8) ، على حين وجدته بضمها كما عند سيبويه في أبنية ابن القطاع (9) . وقال الفيروزآبادي: ((العَبَوْثُران والعبيثُران وتفتح ثاؤهما نباتٌ مَسْحُوقُهُ إن عُجِنَ بِعَسَلٍ واحتملته المرأة سخّنها وحَبَّلَها)) (10) . ثالثاً: ما زيد فيه ألف ونون وياء. جاء ذلك في هذا البناء: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 فَعَيْلُلان: ورد هذا في الأسماء: كَعَرَيْقُصان، وعَبَيْثُران. قال سيبويه: ((ولا نعلمه صفة)) (1) . وهما نبتان (2) . وقد مَرَّ ذكر الْعَبَيْثَران في بناء (فَعَوْلُلان) وذكر ابن القطاع (عرنقصان) بالنون بدل الياء، فقال: ((وعلى فَعَنْلُلان نحو: عَرَنْقُصَان)) (3) . وذكر سيبويه في موضع آخر أنه يُقَالُ بالنون وبدونه، فيقال ((الْعَرَقُصان فإنما حذفوا من عَرَنْقُصان، وكلتاهما يتكلم بها)) (4) . وبهذا يعلم أنه إذا قيل: عَرَقُصان، بحذف الحرف الثالث فالمحذوف النون لا الياء. المبحث الرابع: ما اختص به الاسم من أبنية الخماسي أبنية الخماسي قليلة في العربية؛ لأن أغلب كلام العرب ثلاثة أحرف، ولم يرد في الخماسي المجرد ما يختص بالاسم دون الصفة، وإنما ورد بناءٌ واحدٌ مَزِيدٌ هو: فَعْلَلُول: فورد منه: عَضْرَفوط: ذَكَرُ الْعَظا، ويقال ضَرْبٌ من العظا، أكبر منه وليس بِذَكَرِهِ (5) . وقَرْطَبُوس: الناقة العظيمة الشديدة (6) . ويَسْتَعُور: موضع قَبْلَ حَرَّة المدينة (7) . وقيل شجرة، ويقال هي الداهية (8) . وجعله السيوطي على بناء يَفْتَعُول (9) . الفصل الثاني ما اختصت به الصفات من أَبْنِيَةٍ دون الأسماء سبق أن بينا في الفصل الأول أن الاسم يكون على حرفين استعمالاً وإن كان ((ذلك قليل؛ لأنه إخلال عندهم ... لأنه حَذْفٌ من أقل الحروف عدداً)) (10) . وبَيَّنَّا أنه على حرفين استعمالاً، ولكنه على ثلاثة أحرف حكماً، إِذْ حُذِف أَحَدُ أُصُولِه في الاستعمال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 أما الصفات فليس لها ذلك، لأن الاسم يكتفي بالقليل من الحروف ليدل على مسماه، أما الصفات فإنها بحاجة إلى تكثير الحروف لتدل على المعنى المراد، الذي هو أكبر من معنى الاسم؛ لأن معنى الاسم مفرد أما الوصف فهو معنًى متعدد؛ وكلما طالت الكلمة في الوصف كانت دلالتها أقوى، بعكس الاسم الذي إن طال أو قصر فدلالته واحدة، ((ولا يكون شَيْءٌ على حرفين صِفَةً، حيث قَلَّ في الاسم، وهو الأول لأمكن)) (1) . أما ما كان أكثر من ذلك في الأبنية فقد جاء في الصفة، وإليك بيانها على النحو التالي: المبحث الأول: ما اختصت به الصفات من أبنية مزيد الثلاثي لم تختص الصفات ببناء من الثلاثي المجرد، وإنما اختصت بأبنية من المزيد على النحو التالي: ما زيد فيه حرف واحد أولاً: ما زيد فيه اللام جاء ذلك في بناء واحد تكررت فيه لام (فعل) فكانت: فِعْلِلٌ: ورد هذا البناء في الصفة من نحو قولهم: رِمادٌ رِمْدِدٌ وهو صفة (2) وهذا المثال ثلاثي ملحق بالرباعي؛ ولذلك لم يُدْغم الحرفان، وهذا متفق في الصورة مع الرباعي المجرد مثل زِبْرِج. ثانياً: ما زيد فيه الميم ورد ذلك في الأبنية التالية: فِعْلِم: ورد هذا البناء في الصفات من نحو قولهم: دِلْقِم للدَّلْقاءِ (3) ، وهي الناقة التي تتكسر أسنانها من الكبر فتمج الماء (4) . ودِقْعِم للدقعاء (5) : عَامَّةُ التراب، وقيل التراب الدقيق على وجه الأرض (6) . ودِرْدِم للدّرْدَاءِ توصف به المرأة فيقال: مَرَةٌ دِرْدِمٌ تذهب وتجيء بالليل. وتوصف به الناقة المسنة أيضاً (7) . ثالثاً: ما زيد فيه النون ورد ذلك في أبنية كانت النون ثانية، وكانت ثالثة، وكانت آخر الكلمة، على النحو التالي: فَنْعَل: ورد هذا البناء في الصفة من مثل: عَنْسَلٍ وعَنْبَسٍ، وهما صفتان (8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 ((فالْعَنْسَلُ: الناقة الخفيفة، الوثيقة الْخَلْقِ. والْعَنْبَسُ من صفات الأسد مأخوذ من العبوس)) (1) . وقد يكون عَنْبَس اسماً. فتقول عَنْبَسَةُ غير مصروف إذ خَصَصْت الأَسَدَ به، كما تقول: أسامة. وعَنْبَسُ بن ثعلبة صَحَابِيٌّ (2) والتسمية بالوصف يرد كثيراً كما سموا مجاهداً ومقبولاً ونحوهما. فُعُنْل: جاء هذا البناء في الصفات ((وهو قليل. قالوا: عُرُنْد للشديد، وهو صفة)) (3) . ومثله تُرُنْجٌ للأُ تْرُجِّ فيكون اسماً؛ وإن كان الأزهري عده من كلام العوام إذ قال: ((والأُتْرُجُّ: معروفٌ. والعوام يقولون: أُتْرُنْجٌ وتُرُنْجٌ. والأولى كلام الفصحاء)) (4) . فَعْلَنٌ: ورد هذا البناء في الصفات من نحو: رَعْشَنٍ وضَيْفَنٍ، وعَلْجَنٍ قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (5) والرَّعْشَنُ من الرجال: الْمُرْتَعِشُ (6) . و ((الضَّيْفَنُ: الذي يجيء مع الضيف مُشْتَقٌّ منه، والنون زائدة، وهو فَعْلَنٌ وليس بِفَيْعَلٍ)) (7) . ((والعَلْجَنُ: الناقة الكِنازُ اللَّحْمِ والمرأة الماجنة)) (8) . رابعاً: زيادة الياء جاء ذلك في بناء واحد مُخْتَصٍّ بالصفة هو: فِيَعْلٌ: ورد هذا البناء في الصفة من نحو قولهم: حِيَفْسٌ، وصِيَهْمٌ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (9) فالْحِيَفْسُ: القصير الغليظ من الرجال. والصِّيَهْمُ: الجمل الضَّخْمُ (10) . ما زيد فيه حرفان أولاً: ما زيد فيه الهمزة والألف وَرَدَ ذلك في بناء واحد هو: فُعائِلٌ: ورد هذا البناء في الصفات من نحو: الحُطَائط: الصغير، عن أبي عبيدة. والْجُرَائِض: الجَمَلُ العظيم الشديد. ويقال: نعجة جُرَائِضَةٌ، أي: ضخمة عن الأصمعي (11) . وذكر الجوهري عن أبي بكر ابن السراج أنه يوصف به الرجل فيقال: رَجُلٌ جُرَائِضٌ وجُرَئِضٌ مثل عُلابِطٍ وعُلَبِطٍ (12) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 ثانياً: ما زيد فيه الألف والميم ورد ذلك في بناء واحد هو: مُفَاعِلٌ: ذكره سيبويه في أبنية الصفات، وذكر أنه لا يَعْلَمُه جاء اسماً (1) . وهو بناء لازِمٌ في اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المزيد بحرف بعد فائه. ولذلك رأى أبو بكر الزبيدي أنها لا تُذْكَر في الأبنية؛ لأنها غير محصورة، إذ قال: ((ذكر سيبويه في أبنية الأسماء والصفات ضارب وحابِس ومضروب ومجاهد ومسافر، وذكر إعطاء وإسلام فإن كان هذا لازماً ذكرُهُ في الأبنية فقد كان ينبغي أن يُذْكَر في باب لَحْق النون مُنْطَلِقٌ ونَحْوُهُ في باب التاء مُعْتَرِف ومُتَكَلِّم، ويذكر الافتعال والانفعال والاستفعال، كالاستماع والانطلاق والاستخراج كما ذكر الإسلام والإعطاء؛ وإن كان ذا لا يلزم ذكرُه؛ لأنها أبنية من الصفات والمصادر أتت على أفعالها فلا وجه لذكرها)) (2) . ثالثاً: ما زيد فيه التاء مع تاء التأنيث جاء ذلك في البناء التالي: تِفْعِلَةٌ: ورد هذا في الصفات ((قالوا: تِحْلِبَةٌ، وهو صفة)) (3) فيقال: عنز تِحْلِبَةٌ وناقة تِحْلِبَةٌ. ومثلها تِتْفِلَةٌ (4) ، إلا أن تِتْفِلَةً أنثى التتفل، وبهذا يكون البناء ورد في الاسم، على لغة من يكسر التاء والفاء. ثالثاً: ما ضعفت فيه العين مع زيادة حرف آخر ما كان ذلك مع زيادة الواو ورد ذلك في بناءين هما: فَعَوْعَل: ورد هذا البناء في الصفات، نحو: عَثَوْثَل للضَّخْمِ المسترخي. والْقَطَوْطَى للحمار يقطو في مشيته والقصير الظهر أيضاً. والغَدَوْدَن لِلطَّوِيل المسترخي. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (5) . وذكر الزبيدي أنها أسماءٌ (6) وقد جاء الشَّجَوْجَى اسماً لِلْعقعَقِ والأنثى شَجَوْجَاةٌ، والشَّجَوْجَى في الأصل صفة للطويل المفرط (7) ومن الصفات الواردة عَثَوْثَن بمعنى عَثَوْثَل (8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 قال الزبيدي: ((قد قال في غير هذا الموضع أن قَطَوْطًى وشَجَوْجًى على زنة فَعَلْعَلٍ)) (1) أخذ ذلك من قول سيبويه: ((وأما الْمَرَوْراة فبمنزلة الشجوجاة، وهما بمنزلة صَمَحْمَحٍ، ولا تجعلهما على عَثَوْثَل؛ لأن مثل صَمَحْمَحٍ أكثر. وكذلك قَطَوْطَى)) (2) . فُعُّول: ورد هذا البناء في الصفة نحو سُبُّوح، والسُّبُوح الذي ينزه عن كل سوءٍ وكذا القُدُّوس بمعنى المبارك أو الطاهر وهما صفتان (3) . ونسب ابن قتيبة إلى سيبويه أنه لم يأت (فُعُّول) اسماً ولا صفة (4) ، وما في كتاب سيبويه يخالف ذلك إذ قال: ((ويكون على فُعُّول، قالوا: ((سُبُّوح وقُدُّوس، وهما صفة)) )) (5) . والمشهور أنه ليس على بناء (فُعُّول) بضم الفاء غير هاتين الصفتين. وذكر كراع عن اللحياني أنهم قالوا: ذُرُّوح لِدُوَيبَّةٍ، وفُرُّوج لِلْفَتِيِّ من ولد الدجاج بالضم لغة (6) . وورد قولهم أيضاً دِرْهَمٌ سُتُّوفٌ: زَيْفٌ بَهْرَجٌ لا خير فيه (7) . رابعاً: ما ضُعّفت فيه اللام مع زيادة حرف آخر ما كان ذلك مع زيادة النون فَعَنْلَل: ورد هذا البناء في الصفات، ومثل سيبويه على هذا البناء ب (ضَفَنْدَد) و (عَفَنْجَج) (8) وهما الضخم الأخرق. وزاد الزبيدي: حَزَنْبَلٍ للقصير، وعَبَنْقَسٍ لولد الأَمَةِ وفَلَنْقَسٍ للذي أحاطت به الإماء، وجَحَنْفَلٍ للغليظ الشفة (9) . وجعل الفارابي هذه الأمثلة على بناء (فَعَلَّل) (10) ، وسبب ذلك أنه يُجْعَلُ من الملحق بالخماسي. قال الفارابي: ((باب فَعَلَّل، ويختلط به فَعَنْلَل لاستوائهما في حركة البناء)) (11) . وذكر الزبيدي أن عَفَنْجَج وصَفَنْدَد من الثلاثي الملحق بَحَزَنْبَل. وحَزَنْبَل هو الذي لحق ببنات الخمسة (12) . قال سيبويه: ((ولا نعلم فَعَنْلَل اسماً)) (13) وبعضهم عَدَّ (جَحَنْفَل) اسماً وذكروا أن هذا البناء قليل في الاسم (14) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 ما ضُعِّفت فيه اللام مع زيادة الواو ورد ذلك في البناء التالي: فَوَعْلَلٌ: ورد هذا في الصفات: ((وهو قليل، قالوا: كَوَألَلٌ، وهو صِفَةٌ)) (1) . والكَوَأْلَلُ: القصير، وقيل: القصير مع غِلَظٍ وشِدَّةٍ (2) . ولم يذكر سيبويه أنه لم يرد اسماً، ولكن الأمثلة الواردة على هذا البناء ليست أسماءً، فدل على أنه من الأبنية المختصة بالصفة. خامساً: زيادة الميم مع الواو جاء ذلك في بناء واحد هو: مَفْعُول: ذكره سيبويه في أبنية الصفات، وذكر أنه لا يعلمه جاء اسماً (3) . مثله في ذلك مثل بناء (مفاعل) . و (مفعول) بناء لازمٌ في اسم المفعول من الفعل الثلاثي المجرد وقد استدرك الزبيدي عليه هذا؛ إذ هو من الأبنية غير المحصورة، وقد سبق الحديث عن ذلك في بناء (مفاعل) فيكتفى به منعاً للتكرار (4) . سادساً: ما زيدت فيه النون مع الواو ورد ذلك في بناء واحد هو: فِنْعَلْوٌ: ورد هذا في الصفة. قالوا: رجل سِنْدَأْوٌ وقِنْدَأْوٌ وهو الخفيف. وجَمَلٌ كِنْدَأْوٌ وهو الغليظ الشديد. والحِنْظَأْو: العظيم البطن (5) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (6) . ومثل الأمثلة المتقدمة كِنْتَأْوٌ وكِنْثَأْوٌ - بالتاء والثاء - للعظيم اللِّحْيَة. وحِنْصَأْوٌ: للقصير والضئيل الضعيف. وحِنْتَأْوٌ للقصير (7) . ((وقيل وزن سِنْدَأْوٍ فِنْعَأْلٌ من السِّدْوِ وحِنْصَأْوٍ كذلك من حَصَوْتُهُ إذا مَنَعْتَهُ. وقال الفراء: وزنه فِنْعَلٌّ، النون فيه زائدة لا غير ولَيْسَ يَعْضُدُه الاشتقاق)) (8) . وذكر صاحب العين أن النون زائدة والواو وُصْلَةٌ لأنه لم يجئ بناءٌ على لفظ (قِنْدَأْوٍ) إلا وثانيه نون، فلما لم يجئ على هذا البناء بغير نون عُلِمَ أن النون زائدة فيه (9) . سابعاً: ما كانت زيادته بالواو مضعفةً ورد ذلك في بناء واحد هو: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 فَعَوَّل: ورد هذا في الصفات ((نحو: عَطَوَّدٍ وكَرَوَّسٍ، صفتان)) (1) . والْعَطَوَّد: الانطلاق السريع، والْكَرَوَّسُ: العظيم الرأس من الرجال. وذكر كراعٌ عدداً من الصفات جاءت على هذا البناء فذكر الْعَكَوَّك للسمين والْهَكَوَّك للمكان الصُّلْبِ الغليظ، والْعَذَوَّر للسَّيء الخلق. والْهَقَوَّر للطويل والقَنَوَّر للعبد. والْحَزَوَّر للصبي المترعرع. والسَّنَوَّر لجملة السلاح. أما كَرَوّس فجعلها مما جاء على فَعَوُّل بضم الواو وذكر أنه لا يعرف مثاله (2) . ثامناً: ما كانت زيادته بالياء مضعّفةً ورد ذلك في بناء واحد هو: فَعَيَّلٌ: ورد هذا في الصفة نحو: هَبَيَّخ والهَبَيَّغ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (3) . والْهَبَيَّخُ - عن أهل اليمن - الغلام والأحمق المسترخي، ومن لا خير فيه، والوادي العظيم، والنهر الكبير والْهَبَيَّخَةُ الجارية، ويقال هي المرأة المرضع (4) . وامرأة هَبَيَّغَةٌ: لا ترد كفَّ لاَمِسٍ. ونَهْرٌ هَبَيَّغٌ وَوَادٍ هَبَيَّغٌ: عظيمان والْهَبَيَّغُ: وادٍ بِعَيْنِهِ (5) . فعلى هذا يكون مشتركاً بين الاسم والصفة، ويمكن أن يقال عنه إنه مِمَّا سُمِّي به من الصفات. والهَبَيَّغُ من الكلمات التي جاءت فيها الهاء مع الغين (6) . ما زيد فيه ثلاثة أحرف لم يرد من هذا بناء إلا والألف واحد من هذه الأحرف الثلاثة، فقد جاءت الألف زائدة مع الهمزة، ومعهما النون في بناء واحد هو: أَفْعَلان: ورد هذا في الصفات. قال سيبويه: ((وهو قليلٌ؛ لا نعلمه جاء إلا أنْبَجَانٌ وهو صفة. يقال: عَجِينٌ أَنْبَجَانٌ. وأَرْوَنانٌ وهو وَصْفٌ، قال النابغة الجعدي: فَظَلَّ لِنِسْوَةِ النُّعمان مِنَّا على سَفَوانَ يَوْمٌ أَرْوَنَانُ)) (7) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 ((وعَجِينٌ أنْبَجَانٌ أي: مُدْرِكٌ مُنْتَفِخٌ)) (1) ((ويَوْمُ أَرْوَنانٍ - مضافاً ومنعوتاً - صَعْبٌ وسَهْلٌ ضدٌّ)) (2) . وذهب ابن الأعرابي إلى أنه (أَفْوَعالٌ من الرَّنِينِ، على حين يأخذه سيبويه من قولك: كشف الله عنك رُونَةَ هذا الأمر، أي: غُمَّتَه وشدَّتَهُ (3) . ما زيدت فيه الألف مع التاء والياء ورد ذلك في بناء واحد هو: فَعَالِيت: ورد في أبنية الصفات ((وهو قليل نحو: عفاريت، وهو وَصْفٌ)) (4) جمع عِفْرِيتٍ، وهو الْخَبِيثُ الْمُنْكَرُ، ويجمع على هذا البناء ما دَلَّ على الواحد وزيد في نهايته حَرْفُ مَدٍّ وتَاءٌ (5) . نحو سَبَاريت صِفَةً جمع سُبْرُوتٍ للقفر لا نبات فيه، والشيء القليل، والفقير (6) . قال الزجاج: ((الْعِفْريت: النافذ في الأمر المبالغ فيه مع خُبْثٍ ودَهَاءٍ)) (7) ، وقال ابن منظور: ((وهذا مما تحملوا فيه تَبْقِيَةَ الزَّائِدِ مع الأصل في حال الاشتقاق توفية للمعنى ودلالة عليه)) (8) . وذكر أبو بكر الزبيدي أن سيبويه ذكر في كتابه في باب التصغير ملاكيت جمع ملكوت، وهو اسْمٌ (9) فبهذا يكون البناء مشتركاً بين الاسم والصفة أو مِمَّا سُمِّيَ به من الصفات. ما زيدت فيه الألف مع تكرير العين وزيادة الياء جاء ذلك في بناء واحد هو: فُعَاعِيل: ورد هذا في الصفة. قال سيبويه: ((وهو قليل في الكلام، قالوا: ماءٌ سُخَاخِينٌ صِفَةً، ولا نعلم في الكلام غيره)) (10) . والسُّخاخِينُ: السُّخْنُ. قال الفيروزآبادي: ((وسُخَاخِينُ - بالضم ولا فُعاعِيلَ غيره -: حَارٌّ)) (11) . ما زيدت فيه الألف مع تكرير حرف اللام وزيادة الميم ورد ذلك في بناء واحد هو: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 مَفْعَلَّى: ورد هذا في الصفة ((وهو قليل، قالوا: مَكْوَرَّى، وهو صفة)) (1) . يوصف به ((العظيم الروثة من الدوابّ. وقال بعضهم: الْمَكْوَرَّى: العظيم روثة الأنف من الرجال، مأخوذة من الكارة؛ لأنها مُكَوَّرَةٌ)) (2) . ووصف سيبويه لهذا البناء بالقلة فيه تَجَوُّزٌ إذ لم يذكروا غير هذا المثال. قال القالي: ((ولا نعلم غير هذا الحرف وحده من هذا المثال)) (3) . ما زيدت فيه الألف مع الواو والياء جاء ذلك في بناء واحد هو: فَعَاويل: ورد هذا في الصفات من مثل: ((القراويح، جمع قِرْوَاحٍ، وهي الأرض التي لا شجر فيها، ولم يختلط بها شيءٌ. والماء القَراحُ الذي لم يختلط به شيء من هذا. والْجَلاَوِيخُ: جمع جِلْوَاخٍ وهو الواسع من الأودية)) (4) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (5) . واستدرك أبو بكر الزبيدي على هذا، لأن سيبويه ذكر أن عِصْوَاداً وقِرْوَاشاً اسمان ويجمعان على عصاويد وقراويش (6) ، والواحد يدل على جمعه فيكون (فعاويل) على هذا ليس خاصاً بالصفات. المبحث الثاني: ما اختصت به الصفات من أبنية مزيد الرباعي لم يرد فيما ذكره سيبويه من أَبْنِيَةٍ الرُّبَاعِيِّ المُجَرَّدِ ما يختص بالاسم أو الصفة. وقد ورد من المزيد ما يكون مختصاً بأحدهما. وفي هذا المبحث نتناول ما اختص بالصفة دون الاسم من مزيد الرباعي مرتبة على حسب عدد حروف الزيادة وترتيبها بين حروف الهجاء. فنبدأ بما زيد فيه حرف واحد: أولاً: ما زيد فيه الألف جاء ذلك في بناء واحد هو: فَعَلَّى: ورد هذا في الصفة نحو حَبَرْكَى للطويل الظهر القصير الساق وجَلَعْبَى: للشديد من كل شيء. يقال رجل جَلَعْبَى العين وامرأة جَلَعْبَاةُ العين وهي الشديدة البصر. وقال أبو عمرو: الجلعباة من الإبل الواسعة الجوف (7) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء إلا وصفاً)) (8) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1 وألحق به الزبيدي من الثلاثي حَبَنْطًى ونحوه. ثانياً: ما كانت زيادته بتضعيف عينه جاء ذلك في الأبنية التالية: فِعَّلٌّ: هذا من أبنية الصفات نحو: الْعِلَّكْدِ: للغليظ الشديد العنق، والهِلَّقْسِ: للغليظ الشديد. والشِّنَّغْمِ: لِلْحَرِيصِ: ويروى بالعين المهملة (1) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء إلا صفة)) (2) . وذكر السيوطي أنه قد جاء اسماً نحو صِنَّبْرٍ لِلْبَرْدِ. وهنَّبْرٍ للثور والفرس والأديم الرديء (3) . ويوصف ب (صِنَّبْر) فيقال: غَدَاة صِنَّبْرٌ: باردة. فُعَّلّ: ورد ذلك في الصفة نحو الشُّمَّخْر: لطامح النظر من الرجال. والضُّمَّخْر: للفحل الجسيم والدُّبَّخْس: للضخم (4) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (5) . ونقل السيوطي أنهم قالوا: كُمَّهْرَة للحشفة (6) فعلى هذا يكون اسماً بالتاء. فَعَّلِل: ورد هذا البناء في الصفة قالوا: الهَمَّرِش للعجوز الكبيرة (7) وحكم سيبويه عليه بالقلة. وذكر ابن القطاع أن أبا الحسن الأخفش زعم أن أصله هَنْمَرِش وحروفه كلها أصول، ووزنه فَعْلَلِل؛ وفَعَّلِل لغة فيه (8) . وقال ابن سيده: ((جعلها سيبويه مرة فَنْعَلِلاً، ومرة فَعَّلِلاً. وردّ أبو علي أن يكون فَنْعَلِلاً، وقال: لو كان كذلك لظهرت النون؛ لأن إدغام النون في الميم من كلمة لا يجوز ... وهي عند كراع فَعَّلِل، قال: ولا نظير له)) (9) على حين أن الموجود في المنتخب لكراع: ((ولا يكون يوجد على مثال فَنْعَلِل إلا قولهم: ... وهَمَّرِش ... )) (10) وبهذا تكون عنده على غير ما نقل عنه ابن سيده، إلا أن يكون ذلك في غير المنتخب من كتبه. ثالثاً: ما كانت زيادته بتضعيف أحد لاميه جاء من ذلك ما كانت زيادته بتضعيف لامه الأولى وذلك في: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 فَعَلَّل: ورد هذا البناء في الصفة نحو: سَبَهْلَلٍ لِلْفَارِغِ لا شيء معه، وللباطل أيضاً وقَفَعْدَدٍ لِلْقَصِير. وذكر أبو بكر أنه سمع أن القَفَعْدَد نبتٌ فيكون على هذا اسماً (1) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء إلا وصفاً)) (2) . وجاء منه ما كانت زيادته بتضعيف لامه الثانية وذلك في: فُعْلُلّ: ورد هذا البناء في الصفة نحو: قُسْقُبٍّ للضخم، وقُسْحُبٍّ للضخم أيضاً وطُرْطُبٍّ صِفَةً لثدي المرأة إذا كان طويلاً (3) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (4) . وذكر الزبيدي بدل قُسْقُبّ قُهْقُمًّا وفسره بأنه الذي يبتلع كل شيء. وقال: ((وقع في الكتاب قُهْقُبٌّ بالباء، وقد ذكرنا أن الميم تبدل من الباء كثيراً. فأما القُهْقُبْ بالتخفيف فالضخم الْمُسِنّ)) (5) . رابعاً: ما كانت زيادته بحرف النون جاء ذلك في بناء واحد هو: فَعَنْلَل: ورد هذا البناء في الصفات نحو: حَزَنْبَلٍ للقصير. وعَبَنْقَسٍ لِوَلد الأَمَةِ وفَلَنْقسٍ للذي أحاطت به الإماء (6) . وذكر سيبويه أنه جاء اسماً في جَحَنفَلٍ للعظيم الشفة. وبهذا التفسير يكون وصفاً ينطبق عليه قول: ((ولا نعلمه جاء إلا وصفاً)) (7) . وذكر السيوطي أنه قليل في الاسم كثير في الصفة (8) . خامساً: ما كانت زيادتُهُ بحرف الواو ورد ذلك في بناء واحد هو: فَعَلْوَل: ورد هذا البناء في الصفات من نحو قولهم: كَنَهْوَرٌ للمطر الدائم (9) . وبَلَهْوَرٌ لِكُلِّ عظيم من ملوك الهند (10) . وتفسير الزبيدي لِكَنْهَور بأنها قطع من السحاب واحدته بالتاء ولِبَلَهْوَر بأنه اسْمُ مَلِكٍ يَجْعَلُ هذا البناء للأسماء (11) دون الصفات، ولم ينص سيبويه على أنه لا يأتي اسماً. ولكنه ذكر أن المثالين صفتان، وأن هذا البناء قليل في الكلام. سادساً: ما كانت زيادته بحرف الياء ورد ذلك في بناءين كانت الياء في الأول ثالثة وذلك في: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 فَعَيْلَل: ورد هذا في الصفات نحو: سَمَيْدَع للسيد الموطأ الأكناف، والْعَمَيْثَل للطويل، والْمُبْطِئُ من كل شَيْءٍ (1) وذكر سيبويه مثالاً ثالثاً هو الْحَفَيْبل، ولم يفسره الزبيدي. ويوافق هذا البناء في الصورة الثلاثي المزيد بالياء وتضعيف اللام نحو حَفَيْلَل وخفيدد، وهما اسم وصفة (2) . وكانت الياء في الثاني رابعة في: فُعْلَيْلٌ: ورد على هذا البناء غُرْنَيْقٌ وجعله سيبويه صِفَةً (3) مع أنه اسم لطائر ووَصْفٌ للشاب من الرجال ((فعلى هذا يكون اسماً وصفة)) (4) ، أو أنه حكم له بالصفة لما فيه من معنى الوصف. وذكر أبو حيان هذه اللفظة في مزيد الثلاثي فجعلها على (فُعْنَيْل) (5) ثم جعلها في مزيد الرباعي وأشار إلى تقدمها في مزيد الثلاثي (6) . وجعل ابنُ الدهان تَفْسِيره السّيِّد (7) . ما زيد فيه حرفان أولاً: ما زيدت فيه الهمزة مع الألف ورد بناء واحد زيدت فيه الهمزة مع الألف هو: فِعْلِلاء: جاء هذا البناء في الصفة نحو: طِرْمِسَاء للظلمة. يقال: ليلة طِرْمِساءُ وطِلْمِسَاءُ. وجِلْحِطَاءُ لأرض لا شجر فيها، ورُوِيَ جِلْحِظاء بالظاء معجمة (8) وألحق به الزبيدي من الثلاثي حِرْبِياء (9) . وذكر سيبويه أنه من القليل. ثانياً: ما زيدت فيه الألف مع النون ورد ذلك في بناء واحد هو: فِعِنْلال: ورد هذا في الجِحِنْبَار للقصير (10) . وقيل الرَّجُلُ الضَّخْمُ (11) . وكذلك جِعِنْبَارٌ للضخم أيضاً (12) . ونص سيبويه على أنه قليل في الكلام. ومِثْلُ المثالين المذكورين جِعِنْظَارٌ للقصير الرجلين الغليظ الجسم. ورجل جِعِنْظَارٌ إذا كان أكولاً قويّاً عظيماً جسيماً (13) . وبهذا يكون بناء (فِعِنْلال) مشتركاً بين الثلاثي المزيد بثلاثة أحرف والرباعي المزيد بحرفين. فالثلاثي المزيد بثلاثة مُخْتَصٌّ بالاسم، والرباعِيُّ المزيد بحرفين مُخْتَصٌّ بالصفة (14) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 ثالثاً: ما زيد فيه حرفان أحدهما كان من تضعيف اللام ورد من ذلك بناء واحد كانت الياء مع تضعيف اللام وذلك في: فَعْلَلِيل: ورد هذا في الصفات ((مُضَعَّفَاً، قالوا: عَرْطَليل وهو صفة وعَفْشَلِيل وهو صفة. ومثله: جَلْفَزِيزٌ وغَلْفَقيقٌ، وقَفْشَلِيلٌ، وقَمْطَريرٌ)) (1) . فالْعَرْطَلِيلُ: الْعُنُقُ الغليظة (2) . والْعَفْشَلِيلُ: الجافي (3) . والْجَلْفَزيز: العجوز الكبيرة (4) والْغَلْفَقيق: الداهية (5) . والْقَفْشليل: الْمِغْرَفَةُ، وأصله بالفارسية كَفْجليز (6) . والْقَمْطَرِيرُ: الشديد (7) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (8) . ثالثاً: ما زيد فيه النون والياء. وكان ذلك في بناء واحد هو: فَنْعَلِيل: ورد هذا في الصفة: ((وهو قليل، قالوا: خَنْفَقِيقٌ، وهو صفة وخَنْشَلِيلٌ)) (9) . فالْخَنْفقيق: المرأة الخفيفة، ويقال الداهية أيضاً. والخنشليل: الماضي من الرجال في أموره. وقيل إن نونه أَصْلٌ غير زائدة، وأنها رباعية على وزن فَعْلَلِيل (10) . ومثل هذين المثالين فَنْطَلِيس لِلْكَمَرَةِ (11) . المبحث الثالث: ما اختصت به الصفة من أبنية الخماسي جاء بناء واحد مجرَّدٌ في الصفات هو: فَعْلَلِل: قالوا: قَهْبَلِسٌ للمرأة العظيمة. وجَحْمَرِشٌ للأفعى الغليظة (12) . وصَهْصَلِقٌ للشديدة الصوت الصَّخّابَةِ (13) . وفسر الزبيدي الْقَهْبَلِس بالمرأة العظيمة وحشفة الذكر (14) فعلى هذا تكون اسماً وصفة. مع أن سيبويه قال عن هذا البناء: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (15) . أما المزيد من الخماسي فلا يكون إلا بزيادة حرف واحد، وقد جاء بناءان خماسيان مزيدان بحرف واحد خاصان بالصفة هما: أولاً: المزيد بالألف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 فَعَلَّلَى: ورد هذا البناء في أمثلة منها: قَبَعْثَرَى للعظيم الْخَلْقِ، الكثير الشعر من الإبل والناس. والضَّبَغْطَرَى للرجل الأحمق وهما صفتان (1) . وذكر الزبيدي أن قطرباً فسر الضَّبَغْطَرى بالضبع فعلى هذا يكون اسماً أو سُمِّيَ بوصف. ثانياً: المزيد بالواو فِعْلَلُول: ورد هذا البناء في الصفة نحو: قِرْطَبُوس للناقة العظيمة وهذا البناء قليل (2) . • • • الخاتمة: بعد هذه الوقفات مع الأبنية المختصة باسم أو صفة يتبين ما يلي: 1 - أن وجه الفصل بين الأسماء والصفات هو أن المراد بالأسماء الأعلام، وأسماء الأجْناس، والمصادر. والمراد بالصفات الأسماء التي يوصف بها سواء أكانت مشتقة أم غير مشتقة. 2 - أن المقصود من الأبنية المذكورة في هذا البحث، تلك الأبنية التي ليست صفاتٍ ولا مصادر أتت على أفعالها؛ لأن الصفات والمصادر التي أتت على أفعالها لا وجه لذكرها هنا. 3 - أن عدد الأبنية المختصة بالاسم المذكورة في كتاب سيبويه مائة وتسعة وثلاثون بناءً، والمختصة بالصفة أربعون بناءً، وبهذا تظهر كثرة أبنية الأسماء وقلة أبنية الصفات. 4 - أنه قد يحكم للبناء بأنه مختص بالاسم دون الوصف، مع ورود أمثلة على ذلك البناء اسْتُعْمِلت صفات، فإما أن تكون صفات غالبة اسْتُعْمِلت على سبيل المبالغة، فكأنها خرجت عن الوصف إلى العلم مثل: مَكْرَمان ومَلأَمان ومَلْكَعان، ونحوها. وإما أن تكون أسماءً وصف بها مثل: تِلْقامة ونحوها. 5 - أنهم قد يختلفون في بعض الأمثلة، فيلحقها بعضهم ببناء حُرُوفُهُ أُصولٌ، ويلحقها آخرون ببناء آخر مزيد. وعند ذلك يُرَجَّح المزيد حملاً للباب على الأوسع؛ إِذْ إِنّ أبنية الأصول قليلة، وأبنية المزيد كثيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 6 - أنه قد يكون اختصاص أحد النوعين بالبناء على اللغة المشهورة، ولا يمنع أن يكون هناك لغة أخرى في مثال تُدْخِلُهُ فيما يخص النوع الآخر، مثل بناء (تِفْعِلَة) فقد جعلوه مختصاً بالصفة، وجاء على هذا البناء الاسم فقالوا: تِتْفِلَةٌ لغة في تَتْفُلَة. 7 - أنه لم يكن يخفى على سيبويه كلُّ ما استُدْرِك عليه من الأبنية، وإنما كان يغفل ذلك ((لأنه لم يَعْتَدّ بما ورد لقلته ونزارته. ويدل على صحة ما قاله أن العرب تقول: قَلَّما جاءني زَيْدٌ وتستعمله على ضربين: تارة تريد: ما جاءني زَيْدٌ، فتكون نفياً عامّاً، ويكون على هذا لم يَأْتِهِ. وتارة يكون قد جاء مجيئاً قليلاً فلا يُعْتَدّ به ويجعله كالنّفْي العامّ. فقد بان لك أن القليل في كلام العرب قد يُجْعَلُ بمنزلة مالم يَكُن، ويُنْفَى نفياً عامّاً، فهذا يُعَضِّدُ ما قاله سيبويه وذهب إليه)) (1) . ولا يضير سيبويه ما استدركه عليه من جاء بعده، إذ مازال اللاحق يستدرك على السابق، ولن تكون في اللغة كلمة أخيرة، لسعتها، وتشَعُّبِ قضاياها، وكثرة الشذوذ فيها. الحواشي والتعليقات شرح كتاب سيبويه 5 / 210. المصدر السابق. الكتاب 4 / 250. أبنية الصرف في كتاب سيبويه ص 135. الكتاب 4 / 219. المصدر السابق 4 / 220. المصدر السابق 4 / 219. الممتع 1 / 60. المقتضب 1 / 368. تهذيب اللغة للأزهري 14 / 69. انظر الكتاب 3 / 597. المقتضب 1 / 366. انظر ما نقله الشيخ عضيمة في حاشية المصدر السابق عن الانتصار. شرح الشافية 2 / 259. اللسان (يدي) . المقتضب 1 / 367. الاستدراك على سيبويه ص 2. الصحاح (غدا) . الكتاب 4 / 220. المصدر السابق 4 / 244. تهذيب اللغة 14 / 208. أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 63. الممتع 1 / 65، 66. الكتاب 4 / 245. اللسان (ثمد) . المصدر السابق (صبع) . اللسان (جرد) . الكتاب 4 / 245. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 انظر مادة (برم) في المصادر المذكورة. معجم البلدان 1 / 80. شرح أبنية سيبويه ص 29. انظر اللسان (شفى) . الصحاح (نفح) . المخصص 16 / 3. الكتاب 4 / 245. المصدر السابق. اللسان (بلم) والْمُقْل: حمل الدَّوْمِ. الاستدراك على سيبويه ص 7. الخصائص 3 / 194. ولم ينسب البيت لأحد. انظر: المصدر السابق 3 / 195. الكتاب 4 / 248. انظر تهذيب اللغة 11 / 371. اللسان (شمل) . أدب الكاتب ص 495. الكتاب 4 / 249. النهاية في غريب الحديث والأثر 3 / 114. الكتاب 4 / 255. انظر اللسان (علق) و (أرط) . الكتاب 4 / 255. المصدر السابق. الممتع لابن عصفور 1 / 88. شرح أبنية سيبويه ص 89. انظر تهذيب اللغة 2 / 159. انظر اللسان (سعل) و (عزه) . اللسان (كيص) . الكتاب 4 / 256. المقصور والممدود ص 246. شرح أبنية سيبويه ص 33، و 104. الكتاب 4 / 270. اللسان (نضب) . الاستدراك على سيبويه ص 23. الكتاب 4 / 271. انظر شرح السيرافي 5 / 227. الكتاب 5 / 271. انظر الاستدراك على سيبويه ص 23. الكتاب 4 / 272. أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 222. انظر التكملة للفارسي ص 241. الكتاب 4 / 273. انظر اللسان (زرع) و (شرق) و (قبر) و (شرب) . الاستدارك على سيبويه ص 24. وورد فيه (مَعُور) بدل (مَعُون) والصحيح (مَعُون) . ديوان الأدب 1 / 287. الكتاب 4 / 273. المصدر السابق 4 / 273. أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 97. الكتاب 4 / 273. انظر شرح الشافية 1 / 186، 187. الكتاب 4 / 269. الاستدراك على سيبويه ص 22. انظر شرح أبنية سيبويه ص 129. الكتاب 4 / 269. انظر اللسان (جدب) وفيه ((وحكى سيبويه في الثلاثي جِنْدَب، وفسره السيرافي بأنه الْجُنْدَب)) . الاستدراك على سيبويه ص 22. الكتاب 4 / 270. شرح أبنية سيبويه ص 134. الكتاب 4 / 270. شرح أبنية سيبويه ص 62. اللسان (جرب) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 الكتاب 4 / 274. اللسان (علد) . الكتاب 4 / 274. الممتع 1 / 84. الصحاح (عَتَد) . الكتاب 4 / 274. انظر الاستدراك على سيبويه ص 25. الكتاب 4 / 275. اللسان (خنذ) . الاستدراك على سيبويه ص 25. الكتاب 4 / 4 / 275. شرح أبنية سيبويه ص 54. المصدر السابق ص 122. الاستدراك على سيبويه ص 25. الكتاب 4 / 275. شرح أبنية سيبويه ص 75. الاستدراك على سيبويه ص 25. انظر اللسان (خنذ) . الكتاب 4 / 265. انظر شرح أبنية سيبويه ص 166، 167. اللسان (لمق) . انظر ارتشاف الضرب 1 / 51. والْيَلْمَعُ: اللذاب. الكتاب 4 / 268. المحكم 2 / 119. الكتاب 4 / 276. الاستدراك على سيبويه ص 27. الكتاب 4 / 276. الصحاح (حمص) . الاستدراك على سيبويه ص 26. الكتاب 4 / 277. انظر أبنية الصرف في كتاب سيبويه ص 510. الاستدراك على سيبويه ص 26. الكتاب 4 / 278. الاستدراك على سيبويه ص 27. الأصول في النحو 3 / 212. الكتاب 4 / 278. الاستدراك على سيبويه ص 27. الكتاب 4 / 278. المصدر السابق. انظر اللسان (ذرح) و (جَلَعَ) . الكتاب 4 / 247. المقصور والممدود ص 207. الكتاب 4 / 257. انظر الاستدراك على سيبويه ص 17، وشرح أبنية سيبويه ص 79. المقصور والممدود للقالي ص 451. انظر المصدر السابق. ديوان الأدب للفارابي 2 / 12. الكتاب 4 / 257. الاستدراك على سيبويه ص 79. المقصور والممدود ص 481 فما بعدها. ديوان الأدب 3 / 382. إصلاح المنطق ص 221. أدب الكاتب ص 456. الكتاب 4 / 258. المقصور والممدود ص 456. انظر المصدر السابق. انظر تخريج البيت في المقصور والممدود للقالي ص 397. نسبه القالي لابن مقبل انظر المصدر السابق ونسبه غيره لزبان بن سيار الفواري. انظر اللسان (طلا) . الكتاب 4 / 258. أدب الكاتب ص 479. الكتاب 4 / 247. الصحاح (سكف) . المصدر السابق (سطم) . الكتاب 4 / 249. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 المقصور والممدود للقالي ص 301. المحكم 5 / 96. الكتاب 3 / 425. المصدر السابق. انظر اللسان (دنق) . الكتاب 4 / 254. الصحاح (حبر) . الاستدراك على سيبويه ص 17. المقصور والممدود ص 247. الكتاب 4 / 252. الممتع 1 / 96. وانظر الجمع المتناهي في اللغة العربية للدكتور إبراهيم بركات ص 149، 150. ... وانظر في معاني التتافل والتناضب صيغة (تَفْعُل) المتقدمة. في هذا البحث ص14. الكتاب 4 / 256. الممتع 1 / 109. انظر الممتع 1 / 109. الكتاب 4 / 255. شرح أبنية سيبويه ص 73، 74، 117. المنتخب لكراع 2 / 568. الكتاب 4 / 256. شرح أبنية سيبويه ص 139. انظر اللسان (فسط) . الكتاب 4 / 261. انظر المخصص 15 / 207. انظر المقصور والممدود ص 258، 259. المخصص 15 / 207. الكتاب 4 / 261. المصدر السابق. انظر المقصور والممدود للقالي ص 199، والمخصص 14 / 206، 207. الكتاب 4 / 257. الممتع 1 / 99. المقصور والممدود ص 459. الكتاب 4 / 264. المقصور والممدود ص 256. المصدر السابق. الجمهرة 3 / 422. الكتاب 4 / 259. أدب الكاتب ص 499. المصدر السابق. ارتشاف الضرب 1 / 39. انظر الاستدراك على سيبويه ص 13. الكتاب 4 / 259. انظر الاستدراك على سيبويه ص 17، 18. الكتاب 4 / 259 والبيت في ديوان ابن مقبل ص 335. وانظر حاشية محقق الكتاب فقد عزاه إلى مصادر عدة. أدب الكاتب 483. الكتاب 4 / 260. انظر الاستدراك على سيبويه ص 18. الكتاب 4 / 261. المخصص 16 / 5. المقصور والممدود ص 206. الكتاب 4 / 261. المقصور والممدود ص 260. الكتاب 4 / 261. المقصور والممدود ص 163. المصدر السابق. الكتاب 4 / 258. الجمهرة 3 / 421. انظر المخصص 13 / 8، واللسان (طمر) . المصدر السابق 4 / 260. ديوان الأدب 2 / 59، 60. الكتاب 4 / 260. الاستدراك ص 18. اللسان (عصد) . المصدر السابق (عتر) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 تهذيب اللغة 3 / 189. الكتاب 4 / 261. انظر المقصور والممدود ص 158. الكتاب 4 / 263. المقصور والممدود ص 79. الكتاب 4 / 252. الاستدراك على أبنية سيبويه ص 11. المصدر السابق ص 16. انظر شرح أبنية سيبويه ص 115. انظر القاموس للفيروزابادي (مرض) . الكتاب 4 / 253. الجمع المتناهي في اللغة العربية ص 150. الممتع لابن عصفور 1 / 95 والبيت من شواهد الكتاب واخْتُلِف في نسبته. انظر ما ذكره محقق الممتع في الحاشية. الكتاب 4 / 260. الاستدراك على أبنية سيبويه ص 18. الممتع 1 / 84. اللسان (جرض) . ديوان الأدب 2 / 74. الكتاب 4 / 260. ديوان الأدب 1 / 373، 374. الكتاب 4 / 261. انظر المقصور والممدود للقالي ص 157. الكتاب 4 / 272. القاموس (نوط) . الكتاب 4 / 272. انظر أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 94. القاموس (هبط) . الكتاب 4 / 271. الاستدراك على أبنية سيبويه ص 23. انظر القاموس (حمت) . شرح أبنية سيبويه ص 53. الكتاب 4 / 71. الاستدراك على أبنية سيبويه ص 23. الكتاب 4 / 271. انظر اللسان (نبت) و (متن) . أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 93. الكتاب 4 / 273. الصحاح (رعز) . الكتاب 4 / 273. الممتع 1 / 248. انظر أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 99. الكتاب 4 / 270. انظر أبنية الصرف ص 502. الاستدراك على سيبويه ص 22. انظر أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 157. الكتاب 4 / 276. اللسان (قلس) . الكتاب 4 / 269. انظر اللسان (غسل) . الكتاب 4 / 269. شرح أبنية سيبويه ص 49. ديوان الأدب 2 / 92. انظر المحكم 4 / 234. الكتاب 4 / 269. الكتاب 4 / 265. الاستدراك على سيبويه ص 21. الكتاب 4 / 248. المقصور والممدود ص 301. انظر الاستدراك على سيبويه ص 8. الكتاب 4 / 248. أدب الكاتب ص 483. الكتاب 4 / 250. المقصور والممدود ص 301. انظر الصحاح (قصع) و (نفق) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 المصدر السابق (سبى) . الكتاب 4 / 245. الاستدراك على سيبويه ص 9. الكتاب 4 / 264. ينظر شرح الأشموني على ألفية ابن مالك 4 / 261. وأبنية الصرف في كتاب سيبويه ص 165. الكتاب 4 / 261. المقصور والممدود للقالي ص 488. الكتاب 4 / 261. المقصور والممدود ص 487، 488. الكتاب 4 / 261. المقصور والممدود ص 398. الكتاب 4 / 263. انظر المقصور والممدود للقالي ص 398، 399، والمخصص 16 / 73. انظر المزهر 2 / 56. الكتاب 4 / 247. انظر تهذيب اللغة 6 / 43. اللسان (جرا) . الكتاب 4 / 263. الجمهرة 3 / 422. الكتاب 4 / 257. المقصور والممدود ص 256. انظر المصدر السابق. اللسان (حور) . الكتاب 4 / 254. انظر اللسان (سلم) . القاموس (سلم) . الكتاب 4 / 265. انظر المقصور والممدود للقالي ص 162. الكتاب 4 / 252. انظر الفيصل في ألوان الجموع ص 188، 254 فما بعدها. الاستدراك على سيبويه ص 11. الجمع المتناهي في اللغة العربية ص 165. انظر الممتع 1 / 130. الكتاب 4 / 263. شرح أبنية سيبويه ص 144. الكتاب 4 / 264. انظر الاستدراك على سيبويه ص 19. المقصور والممدود ص 257. الكتاب 4 / 265. المقصور والممدود ص 171. الكتاب 4 / 264. شرح أبنية سيبويه ص 51. الكتاب 4 / 262. الاستدراك على سيبويه ص 19. شرح أبنية سيبويه ص 122. الكتاب 4 / 263. معجم البلدان 4 / 256. الكتاب 4 / 263. اللسان (كرم) . انظر شرح أبنية سيبويه ص 154، 155. الكتاب 4 / 262. الاستدراك على سيبويه ص 19. الكتاب 4 / 264. معجم البلدان 2 / 316. الاستدراك على سيبويه في الأبنية ص 19. أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 135. الكتاب 4 / 252. انظر اللسان (سرح) و (ضبع) و (فرزن) و (قرب) . الكتاب 4 / 265. انظر ارتشاف الضرب 1 / 51. شرح كتاب سيبويه 6 / 64، 65. الكتاب 4 / 253. غريب الحديث لأبي عبيد الهروي 1 / 443. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 الكتاب 4 / 265. الجمهرة 3 / 422. الاستدراك على سيبويه ص 19. انظر الجمهرة 3 / 422. الكتاب 4 / 271. انظر شرح الشافية 2 / 334. الكتاب 4 / 250. المقصور والممدود ص 301. تهذيب اللغة 1 / 409. اللسان (عشر) . الكتاب 4 / 296، والمقصور والممدود للقالي ص 155، 156. شرح أبنية سيبويه ص 135. الكتاب 4 / 296. المقصور والممدود للقالي ص 157، والممتع 1 / 112. المقصور والممدود للقالي ص 259، 260. المخصص 15 / 207. الكتاب 4 / 296. الاستدراك على سيبويه ص 34. المقصور والممدود للقالي ص 199. الكتاب 4 / 296. اللسان (هربذ) . ولم أقف على قول أبي عبيد في الغريب المصنف. الكتاب 4 / 296. المقصور والممدود ص 206. الكتاب 4 / 295. ديوان الأدب 2 / 62. اللسان (قرطس) . شرح أبنية سيبويه ص 139 و 141. المصدر السابق ص 136. انظر اللسان (قَسْطَسَ) . الكتاب 4 / 298. انظر القاموس (صفرق) . انظر اللسان (صفرق) . شرح أبنية سيبويه ص 95. أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 297. القاموس (حبقر) . الكتاب 4 / 297. ديوان الأدب 2 / 85. الممتع 1 / 58. الكتاب 4 / 297. انظر الممتع 1 / 68. التهذيب 9 / 416. الممتع 1 / 148. الكتاب 4 / 296. انظر القاموس (هندب) . المقصور والممدود ص 458. أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 144 وأيد ذلك شارح القاموس إذ قال: ((إنما أورد المؤلف هذه المادة هنا بناءً على أن النون أصلية، ولا قائل به، ولذا أوردها الجوهري في (هدب)) ) . الكتاب 4 / 296. أبنية الأسماء، والأفعال والمصادر ص 140. المقصور والممدود ص 292. الكتاب 4 / 295. انظر المقصور والممدود للقالي ص 406. الكتاب 4 / 294. المقصور والممدود ص 292، 489. الكتاب 4 / 291. الاستدراك على سيبويه ص 30. أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 306. الكتاب 4 / 294. انظر الاستدراك على سيبويه ص 31. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 الكتاب 4 / 292. أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 236. انظر اللسان (قمحد) . الكتاب 4 / 292. الاستدراك على سيبويه ص 30. انظر اللسان (تخرب) . الكتاب 4 / 293. الاستدراك على سيبويه ص 31. أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 224. الكتاب 4 / 291. انظر الاستدراك على سيبويه ص 30، والقاموس (قندل) و (هندل) . والأنوك: الأحمق. الكتاب 4 / 295. المقصور والممدود ص 407. انظر المصدر ص 406. الكتاب 4 / 291. الاستدراك على سيبويه ص 30. ديوان الأدب 2 / 91. أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 312. القاموس المحيط (عبثر) . الكتاب 4 / 293. انظر الاستدراك على سيبويه ص 31. أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 412. الكتاب 4 / 289. الاستدراك على سيبويه ص 37. شرح أبنية سيبويه ص 140. معجم البلدان 5 / 436. الاستدراك على سيبويه ص 37. المزهر 2 / 23. الكتاب 4 / 219. المصدر السابق 4 / 220. وسبق في المبحث الأول من الفصل الأول. انظر الكتاب 4 / 277. انظر الكتاب 4 / 273، والاستدراك على سيبويه ص 24. انظر اللسان (دلق) . انظر الكتاب 4 / 273، والاستدراك على سيبويه ص 24. اللسان (دقع) . انظر الصحاح (درم) ، واللسان (دردم) . انظر الكتاب 4 / 269. الاستدراك على سيبويه ص 22. القاموس (عنبس) . الكتاب 4 / 270. التهذيب 11 / 3. الكتاب 4 / 270. الاستدراك على سيبويه ص 22. الصحاح (ضيف) . القاموس (علج) . الكتاب 4 / 267. الاستدراك على سيبويه ص 21. انظر الكتاب 4 / 248، والاستدراك على سيبويه ص 10. الصحاح (جرض) . الكتاب 4 / 250. الاستدراك على سيبويه ص 11. الكتاب 4 / 271. أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 203. الكتاب 4 / 275. الاستدراك على سيبويه ص 25. انظر اللسان (شجى) . انظر أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 179. الاستدراك على سيبويه ص 25. الكتاب 4 / 394. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 انظر الكتاب 4 / 275، واللسان (سبح) . أدب الكاتب ص 477. الكتاب 4 / 275. المنتخب 2 / 561. انظر المصدر السابق 2 / 549، واللسان (ستق) . الكتاب 4 / 270. الاستدراك على سيبويه ص 34. ديوان الأدب 2 / 84، 85. المصدر السابق 2 / 84. الاستدراك على سيبويه ص 34. الكتاب 4 / 270. المزهر 2 / 30. الكتاب 4 / 274. اللسان (كأل) . الكتاب 4 / 272. انظر ص 63 من هذا البحث. انظر الكتاب 4 / 269، 270، والاستدراك على سيبويه ص 22. الكتاب 4 / 270. انظر أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 155. المصدر السابق 155، 156. العين 5 / 195. الكتاب 4 / 273. المنتخب 2 / 572. الكتاب 4 / 267. انظر الاستدراك على سيبويه ص 21، والقاموس (هبخ) . انظر الاستدراك على سيبويه ص 21، واللسان (هبغ) . اللسان (هبغ) . الكتاب 4 / 248. وانظر ديوان الجعدي ص 180، وفيه (أرْوَنَانِيّ) . قال ابن سيده: ((وحكى السيرافي: يومٌ أرْونانِيٌّ، على إضافة الشيء إلى نفسه. قال: وعليه روى بعضهم بيت النابغة ... ورواية سيبويه بالرفع، وذهب من رواه بالجرّ إلى تضعيف رواية سيبويه إغتراراً بقوله في الشعر: أحقاً أن أخطلكم هجاني وهذا لا يفتّ في رواية سيبويه؛ لأن الإقواء في شعرهم كثير، ولا سيما بين المرفوع والمجرور)) . المخصص 9 / 62. اللسان (نبج) . القاموس (رون) . انظر اللسان (رَنن) . الكتاب 4 / 253. الجمع المتناهي في اللغة العربية ص 164. انظر المزهر 2 / 26، والقاموس (سبرت) . معاني القرآن وإعرابه 4 / 120. اللسان (عفر) . الاستدراك على سيبويه ص 12، وانظر الممتع 1 / 142. الكتاب 4 / 254. القاموس (سخن) . الكتاب 4 / 265. الاستدراك على سيبويه ص 19. المقصور والممدود ص 170. الاستدراك على سيبويه ص 17. الكتاب 4 / 253. الاستدراك على سيبويه ص 12. انظر الكتاب 4 / 295، والاستدراك على سيبويه ص 33. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 الكتاب 4 / 295. انظر الكتاب 4 / 298، والاستدراك على سيبويه ص 35، واللسان (شنغم) . الكتاب 4 / 298. المزهر 2 / 29، واللسان (صنبر وهنبر) . انظر الكتاب 4 / 298، والاستدراك على سيبويه ص 35. الكتاب 4 / 298. المزهر 2 / 28. انظر الكتاب 4 / 298، والاستدراك على سيبويه ص 35. أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 288 و 291، وانظر المزهر 2 / 29. المحكم 4 / 343. المنتخب 2 / 571. انظر الكتاب 4 / 299، والاستدراك على سيبويه ص 36، وشرح أبنية سيبويه ص 142. الكتاب 4 / 299. انظر الكتاب 4 / 299. وشرح أبنية سيبويه ص 114 و 141. الكتاب 4 / 299. الاستدراك على سيبويه ص 36. انظر الكتاب 4 / 297، والاستدراك على سيبويه ص 34. الكتاب 4 / 297. المزهر 2 / 30. انظر الكتاب 4 / 291، وأبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 295. اللسان (بلهر) . انظر الاستدراك على سيبويه ص 30، وأبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 295، والمزهر 2 / 30. انظر الكتاب 4 / 292، والاستدراك على سيبويه ص 31. انظر الكتاب 4 / 267. الكتاب 4 / 293. المزهر 2 / 30. انظر ارتشاف الضرب 1 / 37. المصدر السابق 1 / 61. شرح أبنية سيبويه ص 132. انظر الكتاب 4 / 296. والاستدراك على سيبويه ص 33. المصدر السابق ص 32. انظر الكتاب 4 / 295. والاستدراك على سيبويه ص 33. اللسان (جحنبر) . شرح أبنية سيبويه ص 63. انظر المنتخب 1 / 165، واللسان (جعنظر) . انظر ص 46 من هذا البحث. الكتاب 4 / 294. شرح أبنية سيبويه ص 122. المصدر السابق ص 125. المصدر السابق ص 64. المصدر السابق ص 133. أدب الكاتب ص 383. شرح أبنية سيبويه ص 143. الكتاب 4 / 294. المصدر السابق 4 / 269. انظر الاستدراك على سيبويه ص 20 و 22. انظر أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 161. انظر الكتاب 4 / 302، والاستدراك على سيبويه ص 36. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 انظر المصدرين السابقين وشرح أبنية سيبويه ص 110. الاستدراك على سيبويه ص 36. الكتاب 4 / 302. انظر الكتاب 4 / 303، والاستدراك على سيبويه ص 37. المصدرين السابقين. شرح التصريف للثمانيني ص 264. المصادر والمراجع - أبنية الأسماء والأفعال والمصادر، لأبي القاسم علي بن جعفر السَّعْدي المعروف بابن القطاع (ت 515 هـ) ، رسالة دكتوراه، دراسة وتحقيق د/ أحمد محمد عبد الدايم، جامعة القاهرة، كلية دار العلوم، 1400 هـ / 1980 م. - أبنية الصرف في كتاب سيبويه، د/ خديجة الحديثي، مكتبة النهضة، بغداد، ط. أولى 1385 هـ / 1965 م. - أدب الكاتب، لابن قتيبة (ت 276 هـ) ، تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر، ط. الرابعة 1382 هـ / 1963 م. - ارتشاف الضرب من لسان العرب، لأبي حيان الأندلسي (ت 745 هـ) ، تحقيق د/ مصطفى النماس. مطبعة النسر الذهبي، ط. أولى 1404 هـ / 1984 م. - الاستدراك على سيبويه في كتاب الأبنية والزيادات على ما أورده فيها مُهَذَّباً، تأليف أبي بكر محمد ابن الحسن الزُّبيدي (ت 379 هـ) ، نشر المستشرق الإيطالي اغناطيوس كُويدي، طُبِعَ برُوما سنة 1890 م، توزيع مكتبة المثنى ببغداد. - إصلاح المنطق، لابن السكِّيت (ت 244 هـ) ، شرح وتحقيق الشيخين أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف القاهرة، ط. الرابعة. - التكملة، لأبي علي الفارسي (ت 368 هـ) ، تحقيق د/ حسن شاذلي فرهود، الرياض 1401هـ. - التكملة والذيل والصلة للصاغاني (ت 650 هـ) ، تحقيق عبد العليم الطحاوي وعبد الحميد حسن، مطبعة دار الكتب بالقاهرة، 1970 م. - تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت 370 هـ) ، تحقيق عبد السلام هارون وآخرين، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1384 هـ / 1964م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 - الجمع المتناهي في اللغة العربية، للدكتور إبراهيم بركات، مجلة الآداب جامعة المنصورة، العدد (5) . - جمهرة اللغة، لابن دريد (ت 321 هـ) ، صورة عن طبعة الهند سنة 1345 هـ. - الخصائص، لابن جني (ت 392 هـ) ، تحقيق محمد علي النجار - صورة. - ديوان ابن مقبل، تحقيق د/ عزت حسن، دمشق 1381 هـ. - ديوان الأدب، للفارابي (ت 350 هـ) ، تحقيق د/ أحمد مختار عمر، ومراجعة د/ إبراهيم أنيس، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 1395 هـ / 1975 م. - ديوان النابغة الجعدي، جمع وتحقيق د/ واضح الصمد، دار صادر، بيروت، ط. أولى 1998 م. - شرح أبنية سيبويه، لابن الدهان النحوي (ت 569 هـ) ، د/ حسن شاذلي فرهود، ط. أولى، دار العلوم 1408 هـ / 1987 م. - شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، طبع الحلبي 1366 هـ، القاهرة. - شرح التصريف للثمانيني (ت 442 هـ) ، تحقيق د/ إبراهيم بن سليمان البعيمي، مكتبة الرشد، الرياض، ط. أولى 1419 هـ / 1999 م. - شرح شافية، ابن الحاجب للرضي النحوي (ت 686 هـ) ، تحقيق محمد نور الحسن وزميليه، دار الكتب العلمية 1402 هـ / 1982 م، بيروت، لبنان. - شرح كتاب سيبويه، للسيرافي، مخطوط. - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) ، لإسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393 هـ) ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار الكتاب العربي بمصر. - العين، للخليل بن أحمد (ت 175 هـ) ، تحقيق د/ مهدي المخزومي، ود/ إبراهيم السامرائي مؤسسة دار الهجرة، ط. الثانية في إيران 1409 هـ. - غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط. أولى 1406 هـ / 1986 م. - فهارس كتاب سيبويه، للشيخ محمد عبد الخالق عضيمة، مطبعة السعادة، ط. أولى 1395 هـ / 1975 م. - الفيصل في ألوان الجموع، تأليف عباس أبو السعود، دار المعارف بمصر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 - القاموس المحيط، للفيروزآبادي (ت 817 هـ) ، دار الجيل، بيروت. - كتاب سيبويه، لأبي بشر عمرو بن عثمان (ت 180 هـ) على الأرجح، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، عالم الكتب، ط. ثالثة 1403 هـ / 1983 م. - لسان العرب، لابن منظور (ت 711 هـ) ، دار الفكر - صورة. - المخصص، لابن سيده (ت 458 هـ) ، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، دار الباز، مكة المكرمة - صورة. - المزهر في علوم اللغة وأنواعها، للسيوطي (ت 911 هـ) ، شرحه وضبطه محمد أحمد جاد المولى وزميلاه، دار الفكر - صورة. - معاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق الزجاج (ت 311 هـ) ، تحقيق د/ عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب، ط. أولى 1408 هـ / 1988 م. - معجم البلدان لياقوت الحموي (ت 626 هـ) ، دار صادر، بيروت. - المقتضب، لأبي العباس المبرد (ت 285 هـ) ، تحقيق الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة، مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة 1399 هـ. - المقصور والممدود، لابن وَلاَّدٍ (ت 332 هـ) عني بتصحيحه محمد بدر النعساني، مطبعة السعادة، مصر، ط. أولى 1326 هـ / 1908 م. - المقصور والممدود، للقالي (ت 356 هـ) ، تحقيق د/ أحمد عبد المجيد هريدي، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط. أولى 1419 هـ / 1999 م. - الممتع في التصريف، لابن عصفور (ت 669 هـ) ، تحقيق د/ فخر الدين قباوه، دار القلم العربي بحلب، ط. ثانية 1393 هـ / 1973 م. - المنتخب من غريب كلام العرب لكراع النمل (ت 310 هـ) ، تحقيق د/ محمد العُمَري، مطبوعات جامعة أم القرى ط. أولى 1409هـ/ 1989م. - النهاية في غريب الحديث والأثر (ت 606 هـ) ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود الطناحي، المكتبة العلمية بيروت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 القياس الشكلي د. سعود غازي أبو تاكي الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية - كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الملك عبد العزيز ملخص البحث يتناول هذا البحث نوعاً هاماً من أنواع القياس هو"القياس الشكلي " لأن القياس قد أخذ طابعاً شكلياً، ولم يعد يعتمد على قياس الظواهر واستقراء مادتها. وقد أراد النحاة بهذا القياس " الشكلي " استنباط شيء جديد من الصيغ والدلالات والتراكيب، نتيجة للحاجة الملحة إلى ألفاظ جديدة يعبّر بها عن المخترعات والمسميات الجديدة، واهتم بموجبه باشتقاق الجديد من الألفاظ والصيغ وإلحاقها بغيرها في الحكم النحوي في المجمعات اللغوية. وقد استفاد النحاة بالمنطق الشكلي في إلحاق الصيغ بعضها ببعض في العمل والدلالة بحجة المشابهة في الشكل. وقد مهد الباحث بشرح مفهوم القياس النحوي وبيان أهميته واتصاله بالمنطق الشكلي، ثم ما حدث بعد ذلك من التحول التام للقياس الشكلي، فالمفهوم الشكلي للقياس النحوي، إذ لم يعد الأمر يتعلق باطراد الظواهر واستقراء مادتها والقياس على ما شاع منها واطرد؛ بل تحول الأمر إلى مفهوم جديد للقياس النحوي هو مجاراة الشكل. ثم أجرى الباحث تطبيقاً عملياً للقياس الشكلي، محاولاً انتقاء المسائل التي يجري فيها القياس الشكلي كالحركة الإعرابية والحرف الإعرابي، والاتحاد في اللفظ والصيغة والاتحاد في اللفظ والمعنى معاً لكي لا تدخل على مسائل القياس الشكلي ما ليس منها من أنواع القياس الأخرى، ثم ختم البحث بذكر نتائجه وما يستفاد منه. • • • مفهوم القياس يفهم القياس من قول ابن الأنباري: " إعلم أن القياس في وضع اللسان بمعنى التقدير، وهو مصدر قايست الشيء بالشيء مقايسة وقياساً: قدّرته، ومنه المقياس أي المقدار، وقَيْسَ رمح أي قَدْرَ رمح " (1) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 أما القياس في الاصطلاح، فمفهوم شامل يدل على مفهومات متعددة، فمنه" قياس الاستعمال" أو " القياس اللغوي " و " القياس النحوي" و "القياس المنطقي"، والذي يهمنا هنا هو النوع الأول والثاني، أما القياس الأول فيقوم به المتكلم وأما الثاني فيقوم به الباحث، وإذا كان القياس الأول هو " قياس الأنماط " فالثاني هو " قياس الأحكام"، وإذا كان الأول هو " الانتماء " فإن الثاني هو "النحو"، ولعل الذي دعا ابن سلام إلى وصف الحضرمي بأنه " مد القياس " (1) هو معرفته أن الحضرمي قد حول النحو من طابع الانتماء التطبيقي الذي رسمه علي بن أبي طالب بقوله: " انح هذا النحو يا أبا الأسود " إلى الطابع النظري الذي يتسم بقياس حكم غير المسموع على حكم المسموع الذي في معناه. فلا بد لنا إذن أن نفرق بين هذين النوعين من القياس، " فالقياس اللغوي هو مقارنة كلمات بكلمات أو صيغ بصيغ أو استعمال باستعمال، رغبة في التوسع اللغوي، وحرصاً على اطراد الظواهر اللغوية " (2) وهذا القياس يقوم به المتكلم - كما قلنا - وهو الذي يلجأ إليه الأطفال عندما يقيسون ما لم يسمعوه من جمل أو صيغ على ما سمعوه من قبل وقد يحدث أن يخطئ الأطفال عندما يقيسون ما لم يسمعوه من جمل أو صيغ على ما سمعوه من قبل، يحدث هذا في مرحلة اكتساب اللغة، وهي مرحلة مبكرة جداً من عمر الإنسان، وقد يحدث أن يخطئ الطفل في قياسه، وهنا يبرز دور الأسرة في إرشاده إلى الاستعمال الصحيح، فالطفل يسمع مثلاً: كبير وكبيرة، وصغير وصغيرة، وطويل وطويلة فيظن أن الفرق بين المذكر والمؤنث ينحصر في " تاء التأنيث " فحسب، لذا يقيس على هذه الكلمات التي سمعها ما لم يسمعه فيقول: أحمر وأحمرة، وأعرج وأعرجة، وهذا ما يعرف بالقياس الخاطئ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 ويستمر هذا القياس مع ابن اللغة في مراحله المختلفة، فالكبير أيضاً يستخدم القياس فيقيس ما لم يسمعه من قبل على ما لديه من مخزون لغوي، فليس من المعقول أن يكون قد سمع كل الصيغ والجمل وطرق صياغتها وكذا الأسلوب لذا نراه يلجأ دائماً إلى القياس، وقد يحدث أن يخطئ أيضاً في قياسه. ولا شك أن العربي القديم قبل الإسلام قد لجأ في كلامه إلى القياس، وأخطأ أيضاً في قياسه، ولكن قياسه لم يكن يوصف بأنه صواب أو خطأ في كثير من الأحيان، ولعل كثيراً من الصيغ والاستعمالات العربية التي نعدها - نحن الآن - فصيحة صحيحة قد كانت نتيجة هذا القياس الخاطئ. حتى إذا جاء الإسلام وارتبطت العربية بالقرآن، لم يعد يسمح لهذا القياس بالانتشار، فوضعت القوانين والقواعد لحفظ الألسنة من اللحن خاصة بعد انتشار الإسلام خارج الجزيرة العربية، ولولا ارتباط العربية بهذا النص الخالد لتطورت كغيرها من اللغات نتيجة لهذا القياس. وما تفعله المجامع اللغوية الآن من صياغة الجديد من المصطلحات والألفاظ قياساً على طرق الصياغة العربية - لهو نفسه "القياس الاستعمالي "،وذلك لمسايرة التقدم الحضاري وما يصحبه من ضرورة صياغة الجديد من الألفاظ والمصطلحات للاكتشافات والعلوم الجديدة التي لم تكن معروفة في أصل هذه اللغة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 بل إن أحد الباحثين (1) يرى أن أساليب الأدباء تجري على نوع من صوغ القياس (ويقصد به القياس الاستعمالي) فالمرء يكوّن أسلوبه بطريق القراءة وحفظ النصوص الأدبية ثم الكتابة مع محاولة تقليد ما قرأ وما حفظ، وبعد هذا الجهد يعجب المرء بطرق خاصة في رصف الجملة، وفي اختيار المفردات، بل وفي اختيار الزاوية التي ينظر فيها إلى الموضوع كذلك، عندئذ يبدأ في صياغة أسلوبه قياساً على هذه المثل الجمالية التعبيرية التي كونها لنفسه واختزنها في جهازه العصبي، ولكن أسلوب المرء لا يأتي والحالة هذه مطابقاً لأي أسلوب معين من الأساليب التي قرأها وحفظها بل يكون كنتيجة التفاعل الكيميائي بين مادتين مختلفتين، حيث تكّون هذه النتيجة مادة ثالثة، ليس لها صفات أيّ من هاتين المادتين. فهذا النوع من القياس هو ما يقصده ابن جنى بقوله: "ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب " (2) وهو ما يقصده السيوطي عندما ينقل عن ابن الأنباري قوله: " اعلم أن إنكار القياس في النحو لا يتحقق لأن النحو كله قياس ولهذا قيل في حده النحو: علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب " فمن أنكر القياس فقد أنكر النحو، ولا يُعْلَم أحد من العلماء أنكره، لثبوته بالدلالة القاطعة، وذلك أنا أجمعنا على أنه إذا قال العربي: " كتب زيد " فإنه يجوز أن يسند هذا الفعل إلى كل اسم مسمى يصح منه الكتابة، نحو: " عمرو" و " أردشير" و"بشر" إلى مالا يدخل تحت الحصر، وإثبات مالا يدخل تحت الحصر بطريق النقل محال، وكذلك القول في سائر العوامل الداخلة على الأسماء والأفعال، الرافعة، والناصبة، والجارة، والجازمة، ... فلو لم يجز القياس، واقتصر على ما ورد في النقل من الاستعمال لبقي كثير من المعاني لا يمكن التعبير عنها لعدم النقل، وذلك مناف لحكمة الوضع، فوجب أن يوضع وضعاً قياسياً عقلياً لا نقلياً.. (3) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 أما النوع الثاني من القياس فهو "القياس النحوي " أو قياس الأحكام "، وهذا النوع يقوم به الباحث، ويعرّفه النحاة بأنه (1) حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه"، أو " هو قياس حكم شيء على حكم شيء آخر لسبب يوردونه.."، أو بعبارة أخرى " حمل غير المنقول على المنقول في حكم لعلة جامعة"، " أو حمل فرع على أصل لعلة وإجراء حكم الأصل على الفرع " أو " إلحاق الفرع بالأصل بجامع"، وهذا القياس هو المقابل النظري للقياس الاستعمالي، فإذا كان ما يرمي إليه القياس الاستعمالي " هو الصوغ العملي فإن ما يرمي إليه القياس النحوي هو الحمل النظري ويجب أن يكون الموقف من القياس النحوي منطلقاً من اللغة نفسها، ولا يحكم بمعايير غير لغوية في قياسه، وهذا ما حدث بالفعل في القرنين الأول والثاني الهجريين، ثم تحول موقف الباحث حيث بدأ يحكم معايير غير لغوية - وخاصة المنطقية منها - في دراسة اللغة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 " وهذا الحمل إما أن يكون مبنياً على علة أو غير مبني على علة، فإن لم يكن مبنياً على علة فهو ما يسمونه الشبه"، وهو أقرب أنواع القياس النحوي إلى القياس الاستعمالي، وإن لم يكن منه تماماً، ومثاله إعراب المضارع لشبهه باسم الفاعل أما إذا كان مبنياً على علة فإما أن تكون العلة مناسبة أو غير مناسبة، فإذا كانت العلة مناسبة سمي القياس " قياس العلة" ويلزم حينئذ أن يكون هناك أصل وفرع وعلة وحكم، فإذا كانت العلة غير مناسبة سمي " قياس الطرد" ومثال قياس العلة قياس رفع نائب الفاعل قياساً على الفاعل بعلة الإسناد في كل منهما، ومثال قياس الطرد أن " ليس " مبنية بسبب اطراد البناء في كل فعل غير متصرف، وكان الأفضل من هذه العلة أن يقال إنها مبنية لأن الأصل في الأفعال البناء فهذا يشكل علة مناسبة.." (1) وفي الحقيقة هذا التقسيم السابق للقياس النحوي إنما هو تقسيم عقلي محض، وبخاصة إذا علمنا أن أركان القياس الأساسية موجودة في جميع هذه الأنواع وخاصة العلة التي بني على أساسها هذا التقسيم، فأركان القياس متوفرة في قياس الشبه وهي أربعة: أصل وفرع وحكم وعلة فالأصل هو اسم الفاعل، والمضارع هو الفرع، والحكم هو الإعراب، وشبه الفرع بالأصل هي العلة. أو ليست اللام في قول الباحث " لشبهه باسم الفاعل " هي لام التعليل؟ والنوع الثالث وهو ما سماه ابن الأنباري " قياس الطرد " فتتوفر فيه الأركان الأربعة كذلك، وهي: أصل وفرع وحكم وعلة. • • • أهمية القياس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 تتعلق بهذه القضية مسألة بالغة الأهمية تتمثل في مدى قدرتنا على الرؤية الشاملة لفهم وتحديد أهمية القياس، أو بعبارة أخرى الأمر الذي تثيره هذه المسألة يتعلق بتساؤل نطرحه على عجل عما يمكن أن يقدمه القياس باعتباره أصلاً من الأصول النحوية التي حكمت فكر النحاة في وضع القواعد واستنباط الأحكام حتى نستطيع تفسير وفهم موقف النحاة القدماء والمحدثين على حد سواء من تلك القضية التي جذبت انتباه القدماء بحثاً وتأليفاً، وشغلت خلد المحدثين وتضاربت فيها الآراء. ... بداية وقبل أن نشرع في تحديد موقف النحاة القدماء والمحدثين لابد أن نقرر حقيقة غاية في الأهمية مؤداها أن الأصول النحوية عامة والقياس خاصة كالشمعة المضيئة التي تأبى أن تذوب إلا بعد أن تؤدي رسالتها وتنشر نورها في الآفاق، وهذا ما تقتضيه الحقائق التي تنبئ عنها دون التجارب العابرة التي تذهب بذهاب الأيام، ومما يؤكد ذلك ويقويه محاكاتنا وسيرنا على درب النحاة القدماء، وتطبيق القواعد التي ارتضوها، واحتذاؤنا عين مثالهم، والسير على مناولهم، إيماناً منا بأنهم جهابذة ينأون عن الخطأ، لأنهم اتخذوا القرآن الكريم بقراءاته، والشعر في عصر الاستشهاد مداداً لا ينضب، ووقوداً لا ينفذ لقواعدهم،.. وكوننا نستعمل قواعدهم ونطبقها فهو القياس بعينه، وعلى ذلك يكون القياس من الحقائق المتعالية التي لا يكون العلم علماً إلا به، وناهيك عن كثير من الادعاءات والترهات التي تحكم عليه بالتجمد والقصور، وكأنه رجس من عمل الشيطان فمن يخوض فيه يتبوأ مقعده من النار. ... وإنه لمن التفاهة أن تردد مثل هذه الادعاءات التي لا تسمن ولا تغنى من جوع، لأنها نظرة قاصرة تحول دون التأمل وإعمال الفكر وهي بعيدة كل البعد عن الواقع اللغوي الذي يشهد بأهمية القياس باعتباره معياراً من معايير القبول والرفض، والحكم على الظاهرة بالصواب أو الخطأ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 ومما لا يدع مجالاً للشك أن لكل علم فلسفة لا تأتي إلا بعد اكتمال العلم وكذلك لكل علم أصول ومقومات لا يقوم إلا بها، فهي قوامه وعماده، التي لا غنى عنها ولا يتأتى إلا بها، ولا يكون العلم علماً إلا بها، وليس أدل على ذلك من موقف الكسائي الذي لم يكن يرى النحو إلا قياساً لذلك يؤثر عنه. ... إنما النحو قياس يتبع ... ... وبه في كل أمر ينتفع (1) ... وابن الأنباري أدرك تلك الأهمية لذلك يرى أن من أنكر القياس في النحو فقد أنكر النحو، لأن قولهم: نحن لا ننكر النحو لا نه ثبت استعمالاً ونقلاً لا قياساً وعقلاً، باطل لإجماع النحاة على أنه إذا قال العربي " كتب زيد " فإنه يجوز أن يسند هذا الفعل إلى كل اسم مسمى تصح منه الكتابة سواء كان عربياً أم أعجمياً نحو: زيد) و (عمرو) و (بشير) و (أرد شير) وإلى مالا يدخل تحت الحصر، وإثبات مالا يدخل تحت الحصر بطريق النقل محال، وكذلك القول في سائر العوامل الداخلة على الأسماء والأفعال الرافعة والناصبة والجازمة، فإنه يجوز إدخال كل عامل منها على مالا يدخل تحت الحصر فإنه يتعذر في النقل دخول كل عامل من العوامل على كل ما يجوز أن يكون معمولاً له (2) . ... وخلاصة الأمر أنه يثبت أن النحو إذا بطل أن يكون رواية ونقلاً، وجب أن يكون قياساً وعقلاً، لأن عوامل الألفاظ يسيرة محصورة، والألفاظ كثيرة غير محصورة " فلو لم يجز القياس، واقتصر على ما ورد في النقل من الاستعمال لأدّى ذلك إلى ألا يفي ما تخص بما لا تخص وبقي كثير من المعاني لا يمكن التعبير عنها لعدم النقل، وذلك مناف لحكمه الوضع فلذلك وجب أن يوضع وضعاً قياسياً عقلياً لا نقلياً " (3) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 .. والقياس له عظيم الفائدة للغة وقواعدها فهو بمثابة شهادة ضمان للغة والدرع الواقي لقواعدها من اللحن والتحريف والزيغ وبه أغلقت الأبواب أمام عبث العابثين ولغو اللاغين، ولهو اللاهين، ونزق المستهزئين الذين يبذلون جهوداً ضخمة للتقليل من لغة القرآن لأنهم يدركون أن قوة الإسلام تكمن في لغته وبالتالي فهو بمثابة الضامن للغة حتى لانفتح أبواباً على اللغة من البلاء تسارع بها قدماً إلى الفناء، وقد وافق الدكتور إبراهيم أنيس المحدثين، وذهب إلى ما ذهب إليه المجددون من الباحثين الذين ينادون بإباحة القياس اللغوي للموثوق بهم من أدبائنا وشعرائنا، لا إلى جعل القياس في اللغة بأيدي الأطفال وعامة الناس كما هو الحال في كل لغة يترك أمرها لسنة التطور (1) . ... ومن الحقائق التي لا ينكرها أحد أن القياس له عظيم الفائدة فهو أدعى إلى الاختصار والإيجاز باعتباره يقيس الظاهرة على ظاهرة أخرى ويحكم لها بحكمها، فتأخذ الظاهرة المقيسة حكم الظاهرة المقاس عليها، ولا أبالغ إذ أقول إن القياس يساعد النحوي ويمكنه من تقرير وإثبات القواعد بل وارتجالها ارتجالاً كأنه ينتشل من بحر لا من بئر تضطرب فيه الأرشية، وقد أدرك القدماء فائدته لذلك يقول أبو علي الفارسي " أخطئ في خمسين مسألة في اللغة، ولا أخطئ في واحدة من القياس " (2) ويقول عنه ابن جنى " مسألة واحدة من القياس أنبل وأنبه من كتاب لغة عند عيون الناس " (3) وأشار إلى أهمية القياس الشيخ محمد الخضر حسين، حيث يرى أن القياس طريق يسهل به القيام على اللغة بحيث يكون وسيلة تمكن الإنسان من النطق بآلاف من الكلم والجمل دون أن تقرع سمعه من قبل أو يحتاج إلى الوثوق من صحة عربيتها، إلى مطالعة كتب اللغة والدواوين الجامعة لمنثور العرب ومنظومها (4) . بداية الإتصال بالمنطق الشكلي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 كانت بداية الاتصال بالثقافة الإغريقية في عهد المنصور (ت 136هـ) ، وكان هذا الاتصال ضعيفاً، فالترجمة حينذاك كانت تتسم بالفردية والترجمة غير المباشرة أما الاتصال الحقيقي بهذه الثقافة فقد بدأ بعصر المأمون (ت 198هـ) ، حيث العصر الذهبي للترجمة، فسمعنا بيوحنا بن ماسويه، وحنين بن إسحاق (ت 260هـ) وغيرهما من كبار مترجمي الثقافة الإغريقية عامة، والمنطق الأرسطي بصفة خاصة. وقد كان لهذه الترجمة، وبخاصة ترجمة الفكر الإغريقي " أخطر الآثار وأعمقها في الفكر الإسلامي، فإن المتصلين بهذه الأفكار من المترجمين وتلاميذهم أدركوا بوضوح أنهم يقفون على فكر يختلف إلى أبعد غايات الاختلاف عن العلوم المختلفة التي تفرع إليها النشاط العلمي في العالم الإسلامي في المادة والمضمون معاً، ثم في المناهج التي تعالج هذه المادة وهذا المضمون جميعاً، ... وما لبث هذا أن ميز بين اتجاهين أساسيين في القرن الثاني الهجري الاتجاه الأول يضم هؤلاء المترجمين وتلاميذهم ممن اتصلوا بالثقافات الأجنبية بعامة، وبالثقافة الإغريقية بصفة خاصة وبالمنطق اليوناني والفلسفة اليونانية على نحو أخص، والاتجاه الثاني يجمع أولئك الملتزمين بأصول العلوم الإسلامية كما قررتها القواعد الدينية وتفاصيلها وكما شكلتها الحاجات الاجتماعية وصاغتها التطورات الذاتية للثقافة الإسلامية. و" ... كان أهم ما التفت إليه المفكرون الإسلاميون في نقد المنطق اليوناني خلوه من ملاحظة المضمون جملة أي شكلية هذا المنطق (1) ... ومرد هذا الموقف الحاسم من المفكرين الإسلاميين إلى أسباب كثيرة، ليس من بينها رفض الإفادة من التراث البشري الذي يعد ملكاً مشتركاً للحضارات الإنسانية بأسرها، بل يمتد هذا الموقف من المنطق اليوناني عن التحليل الدقيق له من وجهة النظر الإسلامية. ومن تلك الأسباب: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 1- إنه مشكوك فيه إلى حد كبير، ويرجع هذا الشك إلى أسباب كثيرة، أهمها عدم قدرة المترجمين أنفسهم على الإحاطة بالتراث اليوناني.. 2- أنه يرتكز على دعامتين لا سبيل إلى تجريده منهما: ميتافيزيقا أرسطو، واللغة اليونانية التي ينبني المنطق في جانب كبير من تحليلاته للقضية عليها. 3- شكلية هذا المنطق، فهو مجرد من كل عنصر مادي، بل مجرد ميزان صوري شكلي يراد به استعماله في العلوم على اختلافها، فهو ميزان عقلي صرف. 4- أنه لا يتسم في ذاته - بالسلامة أيضاً. ومن الطبيعي أن ينشب الصراع حاداً بين هاتين المدرستين في أواخر القرن الثاني الهجري، واستمر في بعض الحالات إلى القرن الرابع، وفي حالات أخرى طيلة القرن الخامس أيضاً (1) . وكان النحو أحد العلوم العربية التي تأثرت في هذه المرحلة بالفكر الإغريقي بمعطياته الميتافيزيقية وقوانين المنطق فقد تأثر فيها التفكير النحوي في جملته ببعض الأفكار الفلسفية اليونانية كما تأثر بعض النحاة بالبناء المنطقي لهذا الفكر، وكان لهذا صداه الخافت أولاً في دراسات النحاة لظواهر اللغة التركيبية وتقنينهم لها، ثم تدخل آخر الأمر في مجال تقنين الظواهر وتفسيرها وتحديد أصولها جميعاً (2) . ويمكن أن نلمس بذور التأثير المنطقي في القياس في هذه المرحلة، فقد كان هذا التأثير (على حد تعبير الدكتور أبو المكارم) " أشبه بتسلل الحذر منه باقتحام القادر " (3) ومع ذلك " فطن كثير من النحاة – وبخاصة في بداية هذه المرحلة – إلى أن الغزو الفكري يمكن أن يبدأ بالتسلل، فهاجموا الاتجاهات المنطقية نظراً وتطبيقاً.. لكن هذا الموقف ما لبث أن تغير في أخريات هذه المرحلة، إذ اكتفى النحاة برفض المنطق نظرياً في الوقت الذي قبلوا فيه بعض نتائجه تطبيقياً" (4) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 وأخذ تأثير المنطق الشكلي في القياس اللغوي في هذه المرحلة يظهر في بعض الأقيسة وبعض الحدود وبعض التعليلات حيث كانت البداية هي استخدام المنطق الأرسطي لتنمية الحصيلة اللغوية باشتقاق الجديد من الألفاظ والصيغ " فقد أحس اللغويون والنحاة بضرورة الأخذ بالقياس الشكلي الصوري المنطقي لتنمية الحصيلة اللغوية حتى تلاحق التطور الاجتماعي وتلبي احتياجاته المتعددة التي يقصر المحفوظ من اللغة عن التعبير عنها" (1) . وهكذا تم إلحاق صيغ بأخرى في الحكم لمجرد المشابهة بينهما اعتماداً على المنطق الشكلي. " ومن ثم ليس من شك في أن الأخذ بالقياس الشكلي في هذه المرحلة في مجال "الصيغ" و " الأحكام النحوية "، هو الذي مهد بصورة حاسمة لنمو التأثيرات المنطقية وتراكمها في البحوث النحوية في المرحلة التالية حتى أصبح الركيزة الأساسية " للحكم" النحوي، والمحور الرئيسي " للاستدلال " في كافة المجالات التي تفرع إليها البحث النحوي، بما في ذلك تلك الجوانب التي ظلت - طيلة هذه المرحلة - بمنأى عن التأثر بالقياس، وفي مقدمتها الأحكام النحوية التي تعتمد على " النصوص " المطردة، بعد أن أصبحت هذه الأحكام النحوية - وإن اعتمدت على النصوص - لا تثبت " بالنص " وإنما تثبت " بالعلة " (2) وكما تأثر القياس في هذه المرحلة بالمنطق الشكلي تأثرت العلل النحوية أيضاً، حيث تغير هدفها من تسويغ "الموجود بالفعل" من الظواهر اللغوية و" المقنن في الواقع" من القواعد النحوية فأصبح التعليل " محور البحث النحوي "، بعد أن أصبحت العلة ركيزة الحكم في القياس بمفهومه الجديد المستمد من المنطق (3) . وهكذا مهدت هذه المرحلة للسيطرة التامة للمنطق الشكلي في المرحلة التالية. التحول التام للقياس الشكلي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 .. كانت نشأة العلوم اللغوية بعامة والنحو وأصوله بصفة خاصة نشأة إسلامية عربية خالصة استجابة للظروف التي أدت إلى هذه النشأة، واتبع النحاة منهجاً إسلامياً خالصاً، حتى كانت ترجمة الفكر الإغريقي عامة والمنطق بصفة خاصة في عهد المأمون (ت 198هـ) ، فتجاور المنهج الإسلامي مع المنهج المنطقي لكن المنهج الإسلامي كان هو الأغلب وتأثيره أقوى في النحو العربي وأصوله، وظل الأمر هكذا حتى كان منتصف القرن الرابع الهجري " فانعكس الوضع، فإن الخصائص المنطقية قد أصبح لها الغلبة على فكر النحاة وآثارهم، وصارت الخصائص الذاتية للمنهج الإسلامي من القلة والضآلة بحيث لم تعد ملموسة في الأصول العامة، وإنما يمكن أن تدرك آثارها في بعض جزئيات هذه الأصول " (1) . ... " لقد كان تجاور النظريتين في الأصول العامة للتفكير النحوي فترة طويلة كافيّا لإحداث قدر من التلاحم بين النظريتين، بحيث لم يستطع النحاة التفرقة بين الخصائص الإسلامية والخصائص المنطقية في الأصول النحوية، وقد ساعد على ذلك - دون شك - الوحدة الشكلية لبعض الأصول النحوية منطقياً وإسلامياً، ففي الأصول الإسلامية قياس وفي المنطق قياس، وفي الأصول الإسلامية تعليل، وفي المنطق تعليل، ... ولكن فات النحاة أن القياس والتعليل والتعريف في المنهج الإسلامي - كلاً - يختلف في خصائصه وشرائطه وغاياته عن نظيره في المنطق الإغريقي " (2) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 إذن بدأ هذا التحول من الفكر الإسلامي إلى المنطقي من النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، وتظل خصائص هذا التحول " تمتد عبر القرون التالية حتى العصر الحديث، فإن الدراسات النحوية التقليدية المعاصرة تتبع في دقة اتجاهات النحاة في هذه المرحلة، وتلتزم بأصولهم عن وعي حيناً ودون إدراك أحياناً، ودون تمرد على هذه الأصول دائماً " (1) .. وقد بلغ القياس ذروته في هذه المرحلة (2) على يد أبي علي الفارسي (ت 377هـ) ، وتلميذه ابن جني (ت 392هـ) فنادوا بذلك الرأي المشهور: " ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب " (3) ، وقد بلغ من اعتزاز أبي علي بالقياس أن روي عنه أنه قال: " لأن أخطئ في خمسين مسألة مما بابه الرواية أحبّ إليّ من أن أخطئ في مسألة واحدة قياسية " (4) وهكذا نهض هذان الإمامان بالقياس نهضة لم يحظ بمثلها أحد قبلهما ولا بعدهما حتى اليوم. أما الفارسي فقد عشق القياس الذي بهره وأخذ على فكره السبل، فصار يمتحن به كل مسألة تعرض له، وعلى رسومه يصدر فتواه ويعتقد آراءه.. فقد سأله ابن جني يوماً: " هل يجوز لنا في الشعر من الضرورة ما جاز للعرب أم لا؟ " فقال: " كما جاز أن نقيس منثورنا على منثورهم، فكذلك يجوز لنا أن نقيس شعرنا على شعرهم، فما أجازته الضرورة لهم أجازته لنا، وما حظرته عليهم حظرته علينا، وإذا كان كذلك فما كان من أحسن ضروراتهم فليكن من أحسن ضروراتنا، وما كان من أقبحها عندهم فليكن من أقبحها عندنا، وما بين ذلك بين ذلك " (5) ... وقد سار ابن جنى على منهج أستاذه أبى على الفارسي في القياس، ويتضح ذلك من كثرة الآراء التي رواها عنه في كتابه " الخصائص"، كما أن ابن جنى قد خطا بالقياس إلى الأمام خطوات واسعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 وممن أيدوا مذهب أبي علي الفارسي في القياس-الزمخشري (ت 538هـ) ، فقد كان يرى الاحتجاج بأقوال المولدين، والقياس عليها، مستشهداً في تفسيره ببيت لأبي تمام، لأنه يرى أنه ممن يوثق بقوله، وقد تبعه في هذا العلامة الرضي (ت 688هـ) فقد استشهد بشعر لأبي تمام في عدة مواضع من شرحه لكافية ابن الحاجب " (1) ويرى الشيخ الطنطاوي في كتابه (نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة) أن استشهاد الرضي بأقوال المحدثين مما يؤخذ عليه فيقول، " إنما المؤاخذة عليه في استشهاده بشعر المحدثين، والنحاة لاينظرون إليه في اتخاذه اساساً للقوانين النحوية وقد ذكر منه مقداراً كبيراً سأذكر لك بعضاً منه.." (2) ثم يذكر بعض الأبيات ومنها استشهاده بقول بشار في باب" الحال ": ... إذا أنكرتني بلدة أونكِرتها ... ... خرجت مع البازي عليّ سواد وبقول أبي الطيب المتنبى: ... قبلتها ودموعي مزج أدمعها ... وقبلتني على خوف فماً لفم وبقوله: بدت قمراً وبانت خُوط بان ... ... وفاحت عنبراً ورنت غزالاً وفي باب اسم الفاعل بقول ربيعة: ... لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغربن حاتم تم يعقب بقوله:" ولا ريب أن استشهاده بالمحدثين إحدى الهنات الملاحظة عليه" (3) إذا كان هذا موقف الشيخ الطنطاوي وأمثاله، نجد أحد الباحثين يرى أن هؤلاء الذين لايرون الاستشهاد بأقوال المولدين هم غلاة اللغويين وهم المتزمتون أو المحافظون الذين قسموا لنا الظواهر اللغوية أقساماً: 1- المطرد في القياس والسماع. 2- المطرد في السماع الشاذ في القياس. 3- المطرد في القياس الشاذ في السماع. 4- الشاذ قياساً وسماعاً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 وهؤلاء الذين يقصدهم الدكتور " أنيس " هم الذين تأثروا في أحكامهم التقعيدية والتعليمية معاً بخصائص الحكم الفلسفي، وبصفة خاصة بما يميز هذا الحكم من طرد الأحكام الممتدة عن بعض الظواهر إلى ظواهر أخرى، اكتفاء" بنوع من الاتساق النظري بينها دون الإعتماد على ركائز يقينية، وإنما تشيده التصورات الذهنية وحدها، بصرف النظر عن الوجود الواقعي لها، ومن ثم صح عند ابن جني أن يجعل من بين أقسام الكلام من حيث الاطراد والشذوذ: " ما كان مطرداً في السماع شاذاً في القياس، وما كان مطرداً في القياس شاذاً في السماع " دون أن يحس بتناقض هذا التفاوت في الحكم بين السماع والقياس، إذ لم يعد المسموع والمروي ذا قيمة مؤثرة في الفكر النحوي بعد أن أغنى عنهما الإدراك العقلي للنصوص اللغوية، ومن هنا فإن ما يبدو عجيباً من تناقض الأحكام مع الواقع اللغوي يبدو مبرراً منطقياً مع منهج البحث النحوي في هذه المرحلة (1) . يتضح لنا إذن أن الصراع كان ناشباً بين المجددين والمحافظين، فينتصر المجددون حين تبرق بارقة من الحرية في القول، كتلك التي كانت على يد المعتزلة، وتخبو جذوتهم حين تشيع روح المحافظة كتلك التي كانت أيام المتوكل الذي نكل بالمعتزلة ومن على شاكلتهم، فقد كان لحرية الرأي في الأمور الفلسفية والاجتماعية صدى في البحوث اللغوية أيضاً (2) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 ولكن السمة الغالبة على هذه الفترة كانت الخضوع التام والتبعية الكاملة للمنطق في كافة البحوث النحوية، ويظهر أثر ذلك بإلقاء نظرة فاحصة على النتاج الثقافي اللغوي والنحوي منه بصفة خاصة، وقد رأينا كيف دفع ذلك ابن جنى إلى تقسيم الظواهر اللغوية إلى أربعة أقسام لا وجود لها في الواقع اللغوي، لكن القسمة العقلية المنطقية تقتضي ذلك حتى أننا نجده يذكر لنا النوع الرابع الشاذ قياساً وسماعاً ويذكر له بعض الكلمات القليلة وينسبها إلى بعض البغداديين ولم يسمّ أحداً منهم، ولست أدرى كيف يكون من اللغة ذلك الشاذ في القياس والسماع كليهما، وكيف يعد قسماً من أقسام الظواهر اللغوية؟! ... وقد عقد الدكتور أبو المكارم في كتابه" تقويم الفكر النحوي " فصلاً كاملاً تناول فيه صور التأثير الإغريقي في النحو العربي، ويهمنا هنا ما يتعلق بمادة هذا البحث، وهو التأثير الإغريقي في مجال القياس، فيقول: " وتتجلي تلك التبعية وهذا الالتزام في امتداد خصائص القياس النحوي في هذه المرحلة عن الخصائص المميزة للقياس المنطقي " (1) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 .. فشكلية القياس النحوي واضحة في تحليل المقيس، وبصورة خاصة في مجال قياس الظواهر، حيث يلحق النحاة ما يشاءون من الأحكام بما يشاءون منها، ويعتبرون ما يلحقونه به أصلاً وما يلحقونه فرعاً، ولا يتحرجون في هذا المجال من أن يقيسوا ما ثبت من الأحكام على ما اختلف في ثبوته، كما لا يترددون في إلحاق ما يشكون فيه بما يشكون فيه أيضاً، دون أن يستندوا في كل ذلك إلى سند موضوعي أو يعتمدوا على أساس من الملاحظة الدقيقة المستوعبة للظواهر، ومن ثم فإن القياسات النحوية لم تبدأ بما كان ينبغي أن تبدأ منه بتصنيف الظواهر وتحديد علاقاتها لاكتشاف مقوماتها وبلورة خصائصها مما كان يقدم أساساً مقبولاً للتعامل المباشر مع الظواهر من حيث إلحاق بعضها ببعض، ومن ثم امتداد الأحكام من بعضها إلى بعض، وإنما على العكس من ذلك بدأت بنقل الأحكام من ظاهرة إلى أخرى بتطبيق القواعد الشكلية للإلحاق، فقفزت إلى النتائج دون أن تلم بالمؤثرات الموضوعية التي أسلمت إليها. ... وشكلية القياس النحوي جلية أيضاً في المقيس عليه، وبشكل بارز في القياس على القليل وعلى الشاذ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 .. " وإذا كانت شكلية القياس المنطقي قد أحدثت آثارها في الأقيسة النحوية، فإن ميتافيزيقية القياس المنطقي قد تركت صداها في الأقيسة النحوية أيضاً، وأهم المجالات التي تتضح فيها هذه المتيافيزيقية هي الحكم، ذلك أن الحكم النحوي لا ينبني في تصور النحاة على النصوص التي تحمله، ولا يعتمد على الظواهر التي تؤيده، وإنما يمتد عن الفكرة الذهنية للقياس النحوي المستمدة في جوهرها من الصورة الميتافيزيقية للقياس المنطقي، ومحور هذه الصورة تجريد الحكم من مقوماته المادية التي ينبني عليها، وجعله مرتبطاً ارتباطاً ذهنياً صرفاً عن طريق التلازم العقلي بالقضايا والأشكال ... ومن ثم يصح عندهم نقله من مجاله الموضوعي الذي وردت به النصوص والظواهر معاً إلى مجالات لم ترد لها نصوص ولم تشر إليها ظواهر، بل أمكن عندهم نتيجة لهذا التصور الذهني نقل الحكم إلى حيث تناقضه الظواهر والنصوص جميعاً " (1) . ثم ينتهي من هذا كله إلى نتيجتين على قدر كبير من الأهمية تَرَكَهُمَا الأخذُ بخصائص القياس المنطقي في القياس النحوي وهما: إهمال النصوص، وتناقض الأحكام. ... ويرى أن ذلك كان وراء كثير من صور التعارض بين الأدلة في التراث النحوي، مما اضطر النحاة إلى ابتكار وسائل جديدة لترجيح الأحكام من ناحية، وتأييدها بالنصوص من ناحية أخرى، فكان أن استعاروا من المنهج الإسلامي ما تحدد في علم أصول الفقه من أساليب لترجيح الأدلة حين تتعارض (2) . واستمر الأمر هكذا حتى كانت مبشرات النهضة الحديثة أواخر القرن الماضي. المفهوم الشكلي للقياس النحوي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 شهد أواخر القرن الثالث الهجري وبدايات القرن الرابع تحولاً في مفهوم القياس، فلم يعد يعنى باطراد الظواهر واستقراء مادتها والقياس على ما شاع منها واطرد، بل بدأ يأخذ طابعاً شكليا يعتمد على حمل فرع على أصل لعلة جامعة بينهما، سواء أكان هذا الحمل هو حمل المسموع على مسموع، أو مفترض على مسموع أو حكم نحوي على آخر (1) . ولم يكن هذا التحول فجأة، بل إن من النحاة من أنكره ولم يسلم به، وتشبث بما درج عليه الأوائل من فهم له، ولا أدل على ذلك من الفصل الذي عقده ابن الأنباري " في شُبَه تورد على القياس " تمثلت فيما يأتي (2) : 1- لو جاز حمل الشيء على الشيء بحكم الشبه لما كان حمل أحدهما على الآخر بأولى من صاحبه، فإنه ليس حمل الاسم المبني لشبه الحرف على الحرف في البناء بأولى من حمل الحرف لشبه الاسم على الاسم في الإعراب 2- إذا كان القياس حمل الشيء بضرب من الشبه، فما من شيء يشبه شيئاً من وجه إلا ويفارقه من وجه آخر فإذا كان وجه المشابهة يوجب الجمع، فوجه المفارقة يوجب المنع. 3- " لو كان القياس جائزاً لكان ذلك يؤدي إلى اختلاف الأحكام لأن الفرع قد يأخذ شبهاً من أصلين مختلفين فإذا حمل على كل واحد منهما وجد التناقض في الحكم وذلك لا يجوز، فإن (أن) الخفيفة المصدرية تشبه (أنّ) المشددة من وجه، وتشبه (ما) المصدرية من وجه، و (أنّ) المشددة معمله و (ما) المصدرية غير معمله، فلو حملنا (أن) الخفيفة على (أنّ) المشددة في العمل، وعلى (ما) المصدرية في ترك العمل لأدى ذلك إلى أن يكون الحرف الواحد معملا وغير معمل في حال واحدة، وذلك محال " (3) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 وهذه الاعتراضات لمنكر القياس قد أجاب عنها ابن الأبناري بما يثبت تأييده للقياس والرد على من أنكره وهى تعبير عن رفض فئة من النحاة للقياس بمفهومه الشكلي، ولقد بلغ هذا المفهوم الشكلي للقياس قمة نضجه واكتماله على يد ابن الأنباري، ثم السيوطي من بعده، فقد تحددت عندهما حدوده، وأنواعه، وأقسامه، واعتمدا في كثير مما جاءا به على ما كتبه ابن جني في الخصائص. فقال: " أعلم أن القياس في وضع اللسان بمعنى التقدير، وهو مصدر قايست الشيء بالشيء مقايسة وقياساً، أي قدرته، ومنه المقياس أي المقدار وهو في عرف العلماء عبارة عن تقدير الفرع بحكم الأصل، وقيل هو حمل فرع على أصل بعلة تقتضي إجراء حكم الأصل على الفرع، وقيل: هو ربط الأصل بالفرع بجامع، وقيل: هو اعتبار الشيء بالشيء بجامع، وهذه الحدود كلها متقاربة" (1) " وهذه المحاولة - بما تسعى إليه من إخفاء صفة الأصالة وبما فعلته من الربط بين المدلولين: اللغوي والاصطلاحي - قد وقعت في خطأين بارزين: أولهما: أن تلمُّس الصلة بين هذين المعنيين قد أبعد النحاة عن مقتضيات الدقة العلمية، إذ لو كان لفظ القياس قد أخذ هذا المدلول الجديد عليه في البحث النحوي، لعرف به من قديم، ولترك آثاره في التفكير النحوي وفي البحث النحوي معا، وذلك غير صحيح. والثاني: أن اعتبارهم المعنى اللغوي أساس المعنى الاصطلاحي جعلهم ينصرفون عن تحليل المؤثرات الحقيقية في المعنى الجديد للقياس وتقويم آثارها فيما أصابه من تطور ومن ثم ظلت أسباب هذا التطور ومصادره بعض النقاط الغامضة في البحث النحوي (2) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 ولعل ملامح هذا القياس الشكلي تتضح بالوقوف على أركانه التي يقوم عليها وقد حددها ابن الأنباري بأربعة أركان ثم ذكر مثالاً تتحقق الأركان الأربعة فيه، فقال: " ولا بد لكل قياس من أربعة أشياء: أصل وفرع وعلة وحكم وذلك مثل أن تركب قياساً في الدلالة على رفع ما لم يسم فاعله فتقول: اسم أسند الفعل إليه مقدما عليه، فوجب أن يكون مرفوعاً قياساً على الفاعل، فالأصل هو الفاعل والفرع ما لم يسم فاعله، والعلة الجامعة هي الإسناد، والحكم هو الرفع، والأصل في الرفع أن يكون للأصل الذي هو الفاعل، وإنما أجري على الفرع الذي هو ما لم يسم فاعله بالعلة الجامعة التي هي الإسناد. وعلى هذا النحو تركيب كل قياس من أقيسة النحو " (1) . ونعرض الآن لهذه الأركان: 1- المقيس عليه: وهو الأصل الثابت بداهة أو بحكم الثابت ولا خلاف عليه. 2- المقيس: وهو الفرع أو الشيء المجهول الذي نقيم القياس لنلحقه بالمقيس عليه. 3- العلة: وهي الشيء الذي أدّى بنا إلى إلحاق المقيس " الفرع " بالمقيس عليه " الأصل " للإشتراك بينهما. 4- الحكم: وهو النتيجة التي نخرج بها إلى إلحاق المقيس بالمقيس عليه للعلة الجامعة المشتركة بينهما. وحتى لا يطول الحديث في تفصيل تلك الأركان التي تطرق لها عدد ليس بقليل من الباحثين والمؤلفين، فإننا نتحول إلى التطبيق على القياس الشكلي الذي أدت إليه الحاجة لاستنباط شيء جديد في صورة صيغ أو دلالات أو تراكيب للتعبير بها عن الحياة الجديدة. التطبيق على القياس الشكلي: ونتطرق للتطبيق على القياس الشكلي من خلال المسائل التالية: 1- قياس النصب على الجر: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 فإنه من المسلم به في اللغة العربية أن المثنى يرفع بالألف، نحو: حضر الزيدان، وينصب ويجر بالياء، نحو: أكرمت الطالبين، ونظرت إلى الرجلين. وجمع المذكر السالم يرفع بالواو، نحو صام المسلمون، وينصب ويجر بالياء كالمثنى نحو: هنأت المسلمين بقدوم العيد، وسررت من المسلمين. فالمثنى وجمع المذكر السالم ينصبان ويجران بالياء إلا أن النصب فيهما محمول على الجر، أما في المثنى، فلا يمكن أن يكون النصب بالألف، لئلا يقع في الكلام لبس فإذا دخل عامل الجر على المثنى، قلبت الألف ياء لأجل المناسبة، وبقيت الفتحة قبلها إشعاراً بكونها ألفاً في الأصل. فكان حمل النصب على الجر، ذلك أن المنصوب والمجرور متآخيان في أشياء: منها أن كلاً منهما فضلة، يجيئان بعد تمام الكلام، ومنها اتفاق ضميرهما في الغيبة والخطاب، كقولك: كتابك وكتابه، ومنها اتفاقهما في المعنى واتفاقهما في المخرج، فالفتح من أقصى الحلق، والكسر من وسط الفم. لهذه المناسبة والمشابهة بين المنصوب والمجرور حمل النصب على الجر في المثنى " لأن الجر أخف من الرفع، فلما أرادوا الحمل على أحدهما كان الحمل على الأخف أولى من الحمل على الأثقل، وهو الرفع (1)) . وكذلك حمل النصب على الجر في جمع المذكر، لأنه لو قلبت الواو ألفاً في النصب، لأدى ذلك إلى الالتباس بالمثنى المرفوع،" فكان الحمل على الجر بالياء أولى من غيره، لأن دلالة الياء على الجر أشبه من دلالتها على النصب، لأن الياء من جنس الكسرة، والكسرة تدل في الأصل على الجر فكذلك ما أشبهها (46) ". هذا وقد جاء نصب جمع المؤنث بالكسرة حملاً على جره بها، كما حمل النصب على الجر في جمع المذكر إجراء للفرع على وتيرة الأصل. هكذا رأينا أن النصب بالياء في المثنى وجمع المذكر جاء محمولاً على الجر بها كما أن النصب بالكسرة في جمع المؤنث جاء محمولاً على الجربها أيضاً، وكل ذلك من قبيل حمل الفرع على الأصل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 2- قياس الجمع على المفرد إعلالاً وتصحيحاً ... من مواضع قلب الواو ياء " وقوعها عينا لجمع صحيح اللام، وقبلها كسرة وهي في المفرد معلة. وذلك نحو: دار وديار، وقيمة وقيم، وديمة وديم (1) ". الأصل دور وقوم ودوم، فقد أعلت الواو في الجمع قياساً على إعلالها في المفرد، فإذا صحت عين المفرد صحت عين جمعه قياساً عليه، فصحت عين "طوال " لصحتها في عين مفرده طويل. وصحت عين الجمع في نحو أسواط وأحواض لعدم كسر ما قبلها، وصحت عين الجمع في ثورة وزوجة قياساً على صحتها في المفرد ثور وزوج" هكذا: أعلت عين الجمع حين أعلت عين مفرده، وصحت حين صحت عين مفرده، فقد حمل الجمع على المفرد إعلالا وتصحيحا حمل فرع على أصل، لأن الجمع فرع على الإفراد، وقد تساويا في علة الإعلال، كما تساويا في علة الصحة (2) ". 3- قياس الحذف للنصب على الحذف للجزم: كل فعل مضارع اتصل به ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، نحو: يضربان وتضربان ويضربون وتضربون وتضربين، فإنه يرفع بثبوت النون وينصب ويجزم بحذفها. " بيد أن الحذف في حالة النصب مقيس على الحذف في حالة الجزم، لأن الحذف للجزم أصل (3) " وإنما كان أصلاً لمناسبة الحذف للسكون الذي هو الأصل الأصيل في الجزم، لذلك كان حمل النصب على الجزم في الحذف من قبيل حمل الفرع على الأصل. 4- قياس الصفة المشبهة على اسم الفاعل: يجوز في الصفة المشبهة أن تعمل الرفع والنصب والجر، فالرفع على الفاعلية والنصب على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة، والجر على الإضافة، وذلك في نحو: قولك: هذا الحسن الوجه. " فالوجه يجوز رفعه على الفاعلية، ونصبه على التشبيه بالمفعول به، وجره بإضافته إلى الحسن (4) ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 ولكن سيبويه أجاز للجر وجهاً آخر، " وهو أن يكون جره بالحمل على جر الرجل في قولهم: هذا الضارب الرجل (1)) "، كما أجازوا - أيضاً - النصب في قولهم: هذا الحسن الوجه، حملا له منهم على " هذا الضارب الرجل ". فقد حمل النحاة - حينئذ - نصب الوجه في الصفة المشبهة، على وجه النصب في اسم الفاعل بيد أن سيبويه حمل وجه الجر في الصفة المشبهة على وجه الجر في اسم الفاعل. " وهذا من قبيل حمل الفرع على الأصل، لأن الصفة المشبهة فرع على اسم الفاعل في العمل، لذلك قصرت عنه فلم تعمل في متقدم ولا في غير سببي (2) ". 5- قياس الفعل المعتل على الصحيح: الفعل الماضي مبني اتفاقا، وبناؤه على الفتح نحو: أكل وشرب، ما لم يتصل به واو الجماعة فيضم نحو: أكلوا وشربوا، أو ضمير رفع متحرك فيسكن نحو: أكلت وأكلنا، وشربت وشربنا. والمضارع معرب، ما لم تتصل به نون التوكيد أو نون النسوة. فمثال نون التوكيد المباشرة: تقرأنّ؟ ، فالفعل معها مبنى على الفتح. ومثال نون النسوة، قوله تعالى: {والوالدات يرضعن} (3) ، والفتيات يلعبن، فالفعل معها مبني على السكون. أما الفعل الأمر فقد أختلف في بنائه: فذهب الكوفيون إلى أن فعل الأمر معرب مجزوم بلام الأمر المقدرة، وأصلة: لتضرب فحذفت اللام تخفيفا، فصار: تضرب، ثم حذف حرف المضارعة قصداً للفرق بين هذا وبين المضارع غير المجزوم عند الوقف عليه، فاحتيج بعد حذف حرف المضارعة إلى همزة الوصل توصلا للنطق بالساكن، فصار: اضرب واستدلوا على أنه معرب مجزوم بلام مقدرة، أنك تقول في المعتل: اغز، ارم، اخش، فتحذف الواو والياء والألف كما تقول: لم يغز، لم يرم، لم يخش، بحذف حرف العلة، فدل ذلك على أنه مجزوم بلام مقدرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 " أما البصريون فقد ذهبوا إلى أن فعل الأمر مبني على السكون في نحو: اضرب لأنه صحيح الآخر، ومبنى على حذف حرف العلة في نحو: اغز، اخش، ارم، لأنه معتل الآخر. فقد حذفت الواو والألف والياء من هذه الأفعال للبناء لا للإعراب. وتم هذا الحذف قياساً للفعل المعتل على الصحيح، وذلك أنه لما استوى الفعل المجزوم وفعل الأمر الصحيح في قولك: لم يخرج، واخرج في سكون الآخر، وإن كان أحدهما مجزوما والآخر مبنياً، سوي بينهما في الفعل المعتل بحذف حرف العلة. " وإنما وجب حذفها في الجزم، لأن هذه الأحرف التي هي الواو والألف والياء جرت مجرى الحركات لشبهها بها فكما أن الحركات تحذف للجزم، فكذلك هذه الأحرف، فلما وجب حذف هذه الأحرف في المعتل للجزم، فكذلك يجب حذفها من المعتل للبناء، فحذفت فيهما حملا للمعتل على الصحيح، لأن الصحيح هو الأصل، والمعتل فرع عليه، فحذفت حملا للفرع على الأصل (1) . والخلاصة أن المضارع والأمر المعتلين حملا - في حذف حرف العلة - على المضارع والأمر الصحيحين حمل فرع على أصل، للتشابه بين حروف العلة والحركات في أن كلا منهما يحذف عند وجود المقتضى. وقد ساق ابن جني رأيا لطيفا فذكر أنه إذا كان المراعى هو جانب الحركات والحروف، بغض النظر عن الصحة والاعتلال، كان من قبيل حمل الأصل على الفرع، لأن الحركات زوائد والحروف أصول (2) . 6- قياس الجر على النصب: ... الكسرة هي العلامة الأصلية للجر، والفتحة هي العلامة الأصلية للنصب، تقول: مررت بزيد، وأكرمت زيداً. ولكن مالا ينصرف من الأسماء جر بالفتحة نيابة عن الكسرة، فجر مالا ينصرف - حينئذ - بالفتحة مقيس على نصبه أى أن الجر فيما لا ينصرف - والجر خاص بالأسماء أصيل فيها - حمل على النصب المشترك بين الأسماء والأفعال (3) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 فالفتحة علامة فرعية للجر، والكسر علامة أصلية، وقد جر بالفتح ما حقه أن يجر بالعلامة الأصلية. لهذا كان حمل الجر على النصب فيما لا ينصرف من باب حمل الأصل على الفرع " وعلة الحمل هنا، هو أن المجرور والمنصوب فضلتان في الكلام فلما لم يكن من الحمل بد، حمل أحدهما على الآخر، كما في المثنى والمجموع، ولما كانت الفتحة إلى الكسرة أقرب من الضمة إليها، حمل على الأقرب منه، وهو الفتحة، حمل أصل على فرع، بخلاف حمل النصب على الجر في التثنية والجمع لأنه حمل فرع على أصل. وقد سمى النحاة حمل الجر على النصب فيما لا ينصرف وحمل النصب على الجر في التثنية والجمع سموه بالتقارض. وذكر ابن جني أن النحاة شبهوا الأصل بالفرع في المعنى الذي أفاده ذلك الفرع من ذلك الأصل، لأنهم " لما شبهوا الفعل المضارع بالاسم فأعربوه تمموا على المعنى بينهما بأن شبهوا اسم الفاعل بالفعل فاعملوه (1) ". " وكما حمل النصب على الجر في التثنية والجمع الذي على حد التثنية، كذلك حمل الجر على النصب فيما لا ينصرف، لأن " العرب إذا شبهت شيئاً بشيء فحملته على حكمه عادت أيضاً فحملت الآخر على حكم صاحبه، تثبيتاً لهما، وتتميماً لمعنى الشبه بينهما (2) "، وذلك يدلك على قوة تداخل هذه اللغة واتصال أجزائها وترابطها. 7- قياس التثنية على الجمع: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 من قبيل حمل الأصل على الفرع قياسهم تثنية الممدود على جمعه في قلب همزته واواً إذا كانت للتأنيث فقالوا في تثنية صحراء وحمراء: صحراوان وحمراوان قياساً على قلبها واواً في الجمع حيث قالوا: حمراوات وصحراوات. وإنما قلبت همزة الممدود واواً في الجمع لأن بقاءها دون قلب يؤدى إلى اجتماع شبه ثلاث ألفات لوقوعها بين ألفين لأن الهمزة من مخرج الألف، وخصت بالقلب واوا، لأن الياء قريبة من الألف، فلو قلبت ياء لأدى إلى اجتماع شبه ثلاث ألفات كذلك، لهذا اختير قلبها واواً لبعد شبهها بالألف وإنما كان حمل المثنى على الجمع من قبيل حمل الأصل على الفرع، لأن المثنى أقرب إلى الواحد وأبعد عن الجمع، فقربه من الواحد جعله أصلاً كما أن بعد الجمع عن الواحد جعله فرعاً (1) . 8- قياس بعض الآحاد على المثنى والمجموع للإعراب علامات أصلية، وعلامات فرعية. فالآحاد تعرب بعلامات أصلية وهي الحركات، نحو: هذا عالم فاضل ورأيت عالماً فاضلاً، واستمعت إلى عالم فاضل. والتثنية والجمع يعربان بالحروف - وهي علامات فرعية - نحو: جاء الزيدان، وأكرمت الزيدين، ومررت بالزيدين. وأيضاً صام المسلمون، واحترمت المسلمين، وسررت من تآزر المسلمين، ولكن بعض الآحاد جاء معرباً بالحروف نحو: هذا أخوك، واحترم أباك، وجلست مع حميك قياساً للمفرد على التثنية والجمع. وهو حمل للأصل على الفرع (2) لأن ما حقه أن يعرب بالحركات، جاء معرباً بالحروف.وهذا على المشهور في إعراب الأسماء الستة وهو أسهل المذاهب وأبعدها عن التكلف بخلاف ما ذهب إليه سيبويه والفارسي وجمهور البصريين من أنها معربة بحركات مقدرة على الحروف (3) "، فإن فيه تكلف وبُعد. 9- قياس الظاهر على المضمر في استواء النصب والجر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 " النصب والجر يستويان في المظهر المثنى والمجموع نحو: كافأت الطالبين، وسررت من الطالبين، وشجعت الصائمين، وسررت من الصائمين. كما تساويا في المضمر نحو: رأيتكما ومررت بكما، ورأيتكم ومررت بكم. فقد جاء المنصوب بلفظ المجرور، لأن المضمر مبني، فهو خال من الإعراب، فلا يظهر أثر فيه، بخلاف المظهر لأنه معرب، لذلك قاسوه على المضمر في التثنية نصباً وجراً، مع أنه أصل، لهذا كان حمل المظهر على المضمر في التثنية حمل أصل على فرع، من حيث أن المظهر معرب، والإعراب أصل في الأسماء. والمضمر مبني، والبناء فرع على الإعراب، فالمراعى حينئذ هو أمر الإعراب والبناء، وليس شيئاً آخر. 10- قياس المصدر على الفعل من أنواع ما حمل فيه الأصل على الفرع، قياس المصدر على فعله. وهذا القياس قد يكون في العمل، كما يكون في الإعلال أو التصحيح، وهذا هو البيان: أولاً: القياس في العمل: ذهب البصريون إلى أن المصدر أصل المشتقات لكونه بسيطا لأنه يدل على الحدث فقط والفعل مشتق منه وفرع عليه، لأن الفعل يدل على الحدث والزمن، وكل فرع يتضمن الأصل وزيادة عليه، فثبتت فرعية الفعل وأصلية المصدر لأنه دل على بعض ما يدل عليه الفعل. وذهب الكوفيون إلى أن الفعل أصل، والمصدر مشتق من الفعل وفرع عليه لأن المصدر يجيء بعده في التصريف، نحو: ضرب ضرباً وقام قياما (1) . ومما يدل على أصالة الفعل أن المصدر يصح لصحة الفعل ويعتل لاعتلاله وأن الفعل يعمل في المصدر، فوجب أن يكون فرعا له، لأن رتبة العامل قبل رتبة المعمول. وأن المصدر يذكر تأكيداً للفعل، ولا شك أن رتبة المؤكَّد قبل رتبة المؤكّد، فدل ذلك على أن الفعل أصل، والمصدر فرع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 والصحيح مذهب البصريين، لأن من شأن الفرع أن يكون فيه ما في الأصل وزيادة، والفعل والوصف بالنسبة إلى المصدر كذلك. إذ المصدر يدل على مجرد الحدث، والفعل يدل على المصدر والزمان، والوصف يدل على المصدر والفاعل وبناء على ذلك يكون عمل المصدر عمل فعله من قبيل حمل الأصل "المصدر" على فرعه "الفعل". فإن كان فعله المشتق منه لازماً فهو لازم، وإن كان متعديا فهو متعد إلى ما يتعدى إليه بنفسه أو بحرف الجر. وقد عمل المصدر عمل فعله وحمل عليه في ذلك بسبب قوة مشابهته للفعل، لأنه أصل للفعل وفيه حروفه، وهو يعمل عمل فعله على ضروبه الثلاثة، مضافا كان أو مجردا أو مقترنا بأل (1)) ". ولا يخفى أن عمل المصدر عمل فعله "عند الكوفيين" يكون من قبيل حمل الفرع على الأصل، لأن المصدر عندهم مشتق من الفعل وفرع عليه. ثانياً: قياس المصدر على الفعل في الصحة والاعتلال: يقاس المصدر على الفعل في الصحة. وفي الاعتلال، فقد صحت عين المصدر في الحول والعور والغيد والجوار قياساً على الفعل: حول، وعور، وغيد، وجاور. كما أعلت عينه في نحو: صيام وقيام، والأصل: صّوام وقوام، قياساً على إعلالها في الفعل في: صام وقام، والأصل: صوم وقوم. وعلى ذلك فقد صحت عين المصدر حين صحت عين فعله، واعتلت حين اعتلت عين فعله، فقد قيس المصدر على فعله صحة واعتلالا. بيد أنه لا يخفى أن هذا القياس من قبيل حمل الأصل على الفرع عند البصريين، خلافا للكوفيين الذين يرون أنه من قبيل حمل الفرع على الأصل بناء على أن الفعل أصل المشتقات والمصدر فرع عليه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 ومنه عدم إضافة اسم الفاعل إلى فاعله قياساً على عدم إضافته إلى فاعله المضمر حيث إن الأصل في اسم الفاعل عدم إضافته إلى فاعله مضمراً كان أو مظهراً إلا إذا كان غير متعد، وقصد ثبوت معناه، فإنه يعامل معاملة الصفة المشبهة، وتسوغ إضافته إلى مرفوعة، نحو: زيد قائم الأب، برفع الأب ونصبه وجره على حد قولهم: زيد حسن الوجه، أى أنه يعامل معاملة الصفة المشبهة في رفع السببي ونصبه وجره بالإضافة. ولما كان الأصل في اسم الفاعل منع إضافته إلى فاعله مطلقا، مضمراً أو مظهراً، على رأى الجمهور، فإن عدم إضافته إلى المظهر مقيس على المنع في المضمر لأن المضمر أقوى حكما في باب الإضافة من المظهر، لذلك قيس المظهر عليه وإن كان هو الأصل لقوته ووفور صورته (1) . كان هذا من قبيل حمل الأصل على الفرع بناء على أن المراعى هنا هو أمر الإعراب والبناء، فالمضمرات مبنية، والبناء فرع الإعراب في الأسماء. فحين يقاس المظهر على المضمر يكون من باب حمل الأصل على الفرع، ومنه أيضاً إضافة المصدر إلى الفاعل الظاهر قياساً على جواز إضافته إليه مضمراً، حيث إن إضافة المصدر إلى الفاعل الظاهر قد جازت قياساً على جواز إضافته إلى فاعله المضمر، من قبل أن " المضمر أقوى حكما في باب الإضافة من المظهر لأن المظهر بلطفه، وقوة اتصاله، مشابه للتنوين بلطفه وقوة اتصاله". ولذلك لا يجتمعان في نحو: ضاربانك وقاتلونه، أي لا يجتمع التنوين والإضافة، ولكنك تثبت التنوين مع المظهر لقوته فتقول: ضاربان زيداً. وكانت إضافة المصدر إلى فاعله المظهر مقيسة على إضافته إلى فاعله المضمر. وإن كان المظهر هو الأصل، لأن المراعى هنا أمر الإعراب والبناء وليس الأصالة والفرعية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 لذلك كان جواز قياس إضافة المصدر إلى فاعله الظاهر، على أضافته إلى فاعله المضمر، من قبيل حمل الأصل على الفرع. إلا إذا روعي أصالة المضمر في مشابهته التنوين، وفرعية المظهر عليه في ذلك، فإنه يكون من قبيل حمل الفرع على الأصل (1) . 11- قياس الحرف على نظيره ... من أنواع القياس الشكلي، قياس الحرف على نظيره، وهذا مثل نون (عنتر) ، فإن الدليل يقضى بكونها أصلاً لأنها مقابلة للعين في (جعفر) الذي هو على وزن فعلل، وهذا الوزن موجود في أمثلتهم (2)) " أما إذا لم يقم الدليل فأنت في هذه الحالة محتاج إلى النظير، وهذا كالواو والياء من كلمة (عِزوِيت) فإنه لما لم يقم دليل على أنهما أصلان لجأت إلى التعليل بالنظير، وحملته على (فِعْلِيت) لوجود النظير وهو: عِفْرِيت ونِفْرِيت، لأن الحمل على ماله نظير أولى من الحمل على غيره. ومنعت أن يكون على (فعويل) لعدم النظير، لأن (فعويلاً) بناء لم يجئ في الأمثلة الأصيلة، ولا في المزيد فيها فلا يجوز أن تجعله (فعويلاً) لأنه يترتب عليه كون الواو أصلاً في ذوات الأربعة غير مكررة، وهي لا تكون أصلاً في ذوات الأربعة إلا مع التكرار كالوصوصة والوجوجة والوحوحة. فإذا لم يجز أن يكون على الوزنين الأخيرين (فعويل فعليل) ثبت أنه على وزن (فعليت) فالواو حينئذ لام الكلمة مثل عفريت، والتاء هي الحرف الزائد. ومن ذلك أيضاً - أرنب وأفكل فإنه لمّا لم يقم الدليل على أصالة الهمزة أو زيادتها لجأت إلى الحكم بزيادة الهمزة فيهما لوجود النظير بكثرة زيادتها فيما علم اشتقاقه كقولهم: أفضل، أشرف، أمجد، أحمد. " وهكذا فإن هذا النوع من الحمول لا يلجأ إليه إلا عند فقد الدليل، كما أن تحقيق النظير بعد قيام الدليل نوع من الإيناس فقط (3)) " 12- قياس اللفظ على نظيره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 قياس النظير على النظير جعله السيوطي من القياس المساوي (1) ، كما إنه ارتأى أن يحمل النظير على النظير في اللفظ، أو في المعنى، أو فيهما، فمن أمثلة الأول بناء حذام على الكسر تشبيها له بدراك وتَرَاكِ ونَزَالِ، وبناء حاشا الاسمية لشبهها في اللفظ بحاشا الحرفية (2)) . ومن أمثلة الثاني إهمال أن المصدرية مع المضارع حملا على ما المصدرية وقد أشار إلى ذلك ابن مالك بقوله: ... وبعضهم أهمل أن حملا على ... ما أختها حيث استحقت عملا ونحو: غير قائم الزيدان، قياساً على ما قام الزيدان، لأنه في معناه. ومنه قياس اسم التفضيل على فعل التعجب في رفع الظاهر بشروط (3) ، وذلك لشبهه بأفعل التعجب وزناً وأصلاً وإفادة للمبالغة. وكذلك قياس الكوفيين "أفعل" في التعجب على "اسم التفضيل" فأجازوا تصغيره لأنه اسم عندهم، وقد أشبه اسم التفضيل في الوزن والأصالة والدلالة على المبالغة. وفيه فروع كثيرة نذكر منها: (أ) كلمة مروان: يحتمل أن يكون وزنها فعلانا، أو مفعالا، أو فعوالا. فالأخيران مثالان لم يجيئا، والأول له نظير فيحمل عليه، لأن الحمل على ماله نظير أولى، فوزن " مروان" حينئذ - فعلان (4) . (ب) ألف كلا: هذه الألف ليست زائدة، لئلا يبقى الاسم الظاهر على حرفين، وليس ذلك في كلامهم أصلاً. فحمل الألف على الأصالة، حمل على ماله نظير وهو عصاً ورحاً. بخلاف القول بأنها زائدة للتثنية لأنه حمل على ما ليس له نظير (5) . (ج) كلتا: ذهب سيبويه إلى أن التاء فيها بدل من لام الكلمة، كما أبدلت منها في بنت وأخت، وألفها للتأنيث، ووزنها (فعلى) كذكرى" (6) . والتاء فيها ليست متخصصة للتأنيث، بل فيها رائحة منه، وإنما لم تتمخض التاء فيها للتأنيث لعدم فتح ماقبلها، ولأنها لم تقلب في الوقف هاء. وذهب الجرمى إلى أن التاء في (كلتا) للتأنيث، والألف فيها لام الكلمة، كالألف في كلا ووزنها على (فعتل) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 والحق ماذهب إليه سيبويه لأنه حمل على النظير، وهو (ذكرى) ووزنهما معاً (فعلى) . وما ذهب إليه الجرمى ليس له نظير، لأنه ليس في الأسماء (فعتل) كما أنه لم يعهد أن تكون تاء التأنيث حشواً في كلمة واحدة. (د) الأسماء الستة: هي عند البصريين معربة من مكان واحد، والواو والألف والياء هي حروف الإعراب، وعند الكوفيين معربة من مكانين، فالضمة والواو علامة للرفع والفتحة والألف علامة للنصب والكسرة والياء علامة للجر (1) . وما ذهب إليه البصريون هو الصحيح، لأنه له نظير في كلام العرب، فإن كل معرب في كلامهم له إعراب واحد، فلا حاجة إلى جمع الإعرابين في كلمة واحدة لأن أحدهما يقوم مقام الآخر. أما ما ذهب إليه الكوفيون من الجمع بين علامتي إعراب فهو فاسد، لأن ذلك لا نظير له في كلامهم، والمصير إلى ماله نظير أولى من المصير إلى ما ليس له نظير (2) . (هـ) التثنية والجمع: ذهب البصريون إلى أن الألف والواو والياء في التثنية والجمع حروف إعراب، نابت عن الضمة والفتحة والكسرة. وذهب أبو عمر الجرمي إلى أن انقلابها هو الإعراب، وهذا الرأي فاسد لأنه يؤدى إلى أن الإعراب بغير حركة ولا حرف، وهذا لا نظير له في كلامهم. (و) صفة اسم (لا) المبني: يجوز فتح صفة اسم (لا) المبني في نحو: لا رجل ظريف في الدار، وفي هذه الحالة تكون فتحة الصفة فتحة بناء، لأن الموصوف والصفة جعلا كالشيء الواحد، فهما بمنزلة العدد المركب نحو: خمسة عشر. ثم دخلت "لا" عليها بعد التركيب، ولا يجوز أن تكون دخلت عليهما وهما معربان فبنيا معها، لأنه يؤدي إلى جعل ثلاثة أشياء كشيء واحد، وذلك لا نظير له (3)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 (ز) حمل فعل التعجب على اسم التفضيل: إذا كان فعل التعجب معتل العين نحو: ما أطول زيدا، وأطول به، وجب تصحيح عينه في الصيغتين قياساً على اسم التفضيل، لأنه نظيره في الوزن والدلالة على المزية. حيث قالوا: هذا المثال أبين من غيره وأقوم منه، بصحة عينه وعدم إعلالها. فقد رأيت أن عين فعلا التعجب صحت حملا على صحتها في عين اسم التفضيل الذي صحت عينه لكونه اسما أشبه المضارع في الوزن والزيادة وما كان كذلك لا يعل. (ح) صرف الجمع الذي له نظير في الآحاد: مما يمنع من الصرف الجمع الذي على صيغة منتهى الجموع، نحو: مساجد ودراهم ومصابيح لأن الجمع متى كان بهذه الصفة كان فيه فرعية اللفظ بخروجه عن صيغ الآحاد العربية، وفرعية المعنى بالدلالة على الجمعية، فاستحق المنع من الصرف بسبب هاتين العلتين الفرعيتين، أي أن المانع من صرف ما جاء على مفاعل، أو مفاعيل هو عدم النظير في الآحاد. أما الجمع الذي له نظير في الآحاد فيصرف نحو: أفعل وأفعال وأفعلة، فأفعل مثل: أفرس وأكلب نظيره في فتح أوله وضم ثالثه ما جاء على مثال تفعل مثل (تتفل وتنضب) (1) . أما " أفعال " فمثل: أفراس وأجمال، ونظيره في فتح أوله وزيادة ألف رابعة تفعال نحو: تجوال وتطواف، وفعلال نحو: صلصال وخزعال، وفاعال نحو: ساباط وخاتام (2) . وأما افعله فنظيره في فتح أوله وكسر ثالثه وزيادة هاء التأنيث في آخره، تفعلة نحو: تذكرة وتبصرة. فقد رأيت أن الجمع الذي له نظير في الآحاد، يوازية في الهيئة وعدد الحروف يكون مصروفا، لهذا صرف ما جاء من المجموع على وزن أفعل وأفعال وأفعلة لوجود النظير. ومنع صرف ما ليس له نظير في الآحاد مثل ما جاء على صيغة منتهى الجموع. 13- قياس بعض الأفعال على بعض: (أ) قياس رضيَ على سخط (3) : الأصل في الفعل (رضي) أن يتعدى ب (عن) تقول: رضي الله عن أبى بكر كما أن الفعل (سخط) يتعدى ب" على " تقول: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 سخطت على الجهل. وقد يحمل الفعل رضي على سخط فيتعدى ب"على" حملا للشيء على نقيضه، لأن الرضى ضد السخط. وقد استحسن الفارسي قول الكسائي في قول الشاعر: ... إذا رضيت علي بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها لما كان " رضيت " ضد " سخطت " عدى رضيت بعلى حملا للشىء على نقيضه، كما يجعل على نظيره، لأن التصرف في الأفعال أولى من التصرف في الحروف. (ب) قياس شكر على كفر في التعدية بالباء: يتعدى الفعل " شكر " بنفسه وباللام وبالياء، بيد أن التعدي بالباء جاء حملا على ضده "كفر " الذي يتعدى بنفسه وبالباء فيقال: كفر نعمة الله، وكفر بها (1) . فقد حمل الفعل " شكر " على الفعل "كفر" في التعدي بالباء، حمل نقيض على نقيضه، والشيء يجري مجرى نقيضه كما يجري مجرى نظيره، لأن الذهن ينتبه لهما معاً بذكر أحدهما. (ج) حمل بعض على كل: كلمة "كل" لفظها مفرد مذكر، ومعناها بحسب ما تضاف إليه، فإن أضيفت إلى نكرة وجب مراعاة معناها (2) . لذلك جاء الضمير مفرداً مذكراً في قوله تعالى: {وكلُّ شيءٍ فعلُوه في الزُّبُر} (3) ومفرداً مؤنثاً في قوله تعالى: {كُلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ} (4) ومجموعاً مذكراً في قوله تعالى: {كل حزب بما لديهم فرحون} (5) . أما إذا أضيفت إلى معرفة فإنه لا يلزم مراعاة المعنى، بل يجوز مراعاة لفظ "كل" في الإفراد والتذكير، فتقول: كلهم ذاهب، ومراعاة المعنى فتقول: كلهم ذاهبون. هذا وقد حمل النحاة " بعضاً " على "كل " في عدم التثنية والجمع لأنه نقيض وحكم النقيض أن يجري على نقيضه، لذلك منع تثنية بعض وجمعها. قال النحاس:" لا يثنى بعض ولا يجمع حملا على كل لأنه نقيض، وحكم النقيض أن يجري على نقيضه" (6) . • • • نتائج البحث بعد أن قدم الباحث تصوراً موجزاً للقياس في النحو العربي، بعامة والقياس الشكلي بخاصة يأتي لسرد أهم النتائج التي توصل إليها وهي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 1- يعتبر القياس الشكلي تطوراً للتشبيه وما التشبيه إلا أولى مراحل القياس. 2- تحول مفهوم القياس في أواخر القرن الثالث الهجري، وبدايات القرن الرابع الهجري، فلم يعد يعنى باطراد الظواهر واستقراء مادتها والقياس على ما شاع منها واطُّرد - وهو القياس الاستقرائي - بل بدأ يأخذ طابعاً شكلياً يعتمد على حمل فرع على أصل لعلة جامعة بينهما - وهو القياس الشكلي. 3- لابد من التفرقة بين " القياس اللغوي" أو " قياس الأنماط" الذي يقوم به المتكلم، " وبين القياس النحوي أو" قياس الأحكام " الذي يقوم به الباحث. 4- " القياس اللغوي " لابد منه لمسايرة التقدم الحضاري، وهو يختلف عن " القياس النحوي " الذي يتم فيه إلحاق حكم شيء بآخر لعلة جامعة بينهما. 5- في " القياس النحوي " يجب ألا تتم عملية إلحاق الظواهر لمجرد المشابهة الشكلية بل تقوم على استقراء الظواهر في نصوصها اللغوية، ثم تتم عملية الإلحاق عند وجود علة الأصل في الفرع. 6- نشأت فكرة القياس نشأة إسلامية عربية خالصة، ثم تأثرت بعد ذلك بالأفكار الفلسفية والمنطقية. 7- أنه يجب إدراج النتاج الثقافي للعلماء ذوي السليقة السليمة في عصرنا الحاضر وما قبله من عصور، أمثال: أبي تمام والمتنبي والمعري وشوقي والمنفلوطي.. وأمثالهم، يجب إدراجها تحت " المقيس عليه " الذي يصح لنا أن نحاكيه. 8- للقياس الشكلي أهمية كبرى أثبتها الواقع اللغوي باعتباره معياراً من معايير القبول والرفض والحكم على الظاهرة بالصواب أو الخطأ. 9- للقياس الشكلي أهمية كبرى لأن المتكلم لن يسمع كل ما يقوله العرب وإنما يسمع أمثلة ويقيس على شاكلتها. وهذا سوف يؤدي إلى توسيع اللغة والنحو، ويجعل اللغة وسيلة للنطق بآلاف الكلم. دون أن تقرع السمع أو يحتاج إلى التثبت من صحة عربيتها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 10- القياس الشكلي هو بمثابة شهادة ضمان للغة العربية، وهو الدرع الواقي لقواعدها من اللحن والتحريف والزيغ بل أغلق الباب أمام عبث العابثين ولغو اللاغين. 11- يعتبر القياس الشكلي بالغ الأهمية لمسايرة التطورات والحاجة الملحة إلى ألفاظ جديدة كتسمية بعض المخترعات، وإلحاق الصيغ بغيرها في العمل والدلالة وحمل بعضها على بعض في الحكم النحوي. الحواشي والتعليقات (1) لمع الأدلة - تحقيق سعيد الأفغاني 93 (2) طبقات الشعراء، المقدمة (3) من أسرار اللغة، أنيس، 9 (4) اللغة بين المعياريّه والوصفيّة 31 وما بعدها. (5) الخصائص 1/357، 2/25 (6) الاقتراح 71 (7) انظر: الاقتراح 70، ولمع الأدلة 93، وفي أصول النحو 68 و 69 (8) الأصول، ص 168-169 ولمع الأدلة ص 105 وما بعدها. (9) الشاهد وأصول النحو 230 وأخبار النحويين البصريين 32-33 (10) لمع الأدلة في أصول النحو 99 (11) السابق نفس الصفحة (12) أنظر من أسرار اللغة 28-29 (13) الخصائص 2/88 وأنظر الشاهد وأصول النحو 231 (14) السابق، الصفحة نفسها وأنظر في أصول النحو 86 (15) الشاهد وأصول النحو 430، وانظر دراسات في اللغة العربية وتاريخها 25 (16) تقويم الفكر النحوي 53 (17) السابق 57 - 61 (بتصرف) (18) السابق 78 (19) السابق 83 (20) السابق، نفس الصفحة. (21) السابق، نفس الصفحة. (22) السابق 85 (23) انظر: السابق 90 وما بعدها. (24) السابق 105 (25) السابق 102 (26) السابق 93 (27) انظر في ذلك: من أسرار اللغة، ص 13، وفي أصول النحو، ص 76 وما بعدها. (28) الخصائص 1/357 و 2/25 (29) الخصائص 2/ 88 (30) الخصائص 1/329. (31) من أسرار اللغة 14 (32) نشأة النحو 149 - 151. (33) السابق 151 (34) من أسرار اللغة 15 (35) تقويم الفكر النحوي 114 - 115 (36) السابق 107 (37) السابق 116 - 117 (38) السابق 117 (39) أصول التفكير النحوي 13 (40) لمع الأدلة 100 (41) لمع الأدلة ص 49 - 50 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 (42) الخصائص ص 1/301 (43) أصول التفكير النحوي 76 (44) لمع الأدلة 93 (45) الحمل في لغة العرب 281 (46) السابق: 281 (47) الاقتراح 101 (48) الحمل في لغة العرب 283 (49) حاشية الصبان على شرح الاشموني للألفية 95. (50) الخصائص: 1/208 (51) الكتاب 1/195 (52) الحمل في لغة العرب 282 (53) سورة البقرة: 233 (54) الإنصاف في مسائل الخلاف 311 (55) انظر الخصائص 1/310 (56) انظر الخصائص 1/306، والأشباه والنظائر 1/195 (57) الخصائص 1/300-312 (باب من غلبة الفروع على الأصول) (58) السابق: 1/308 (59) الأشباه والنظائر 1/196 (60) انظر الخصائص 1/309 (61) الخصائص: 2/255 (62) الإنصاف: المسألة 28 (63) الأشباه والنظائر 1/197 (64) الخصائص 2/355 (65) الخصائص 2/ 355 (66) الاقتراح 105 والخصائص 1/197. (67) الحمل في لغة العرب 349 (68) الاقتراح 105 (69) هذه الشروط هي: أن يسبقه نفى، وأن يكون مرفوعة أجنبياً مفضلاً على نفسه (70) الأشباه والنظائر 1/175 (71) الأشباه والنظائر 2/83 (72) الكتاب 3/364 (73) نفسه 3/364 وأنظر الأشباه والنظائر 2/83 (74) الإنصاف المسألة (2) (75) الإنصاف مسألة رقم (2) 1/21 (76) الأشباه والنظائر 1/176 (77) التتفل: ولد الثعلب، والتنضب: شجر يتخذ سهاماً. (78) الخاتام: لغة في الخاتم. (79) الخصائص 2/311 (80) أنظر الأشباه والنظائر 2/123 (81) أنظر الأشباه والنظائر 2/120 (82) سورة القمر 52 (83) سورة آل عمران 185 (84) سورة الروم 32 (85) الأشباه والنظائر 1/191 المصادر والمراجع 1- أخبار النحويين البصريين، السيرافي، تحقيق محمد إبراهيم البنا، دار الاعتصام، الطبعة الأولى 1985م. 2- الأشباه والنظائر في النحو، السيوطي، راجعه فايز ترحيني، دارالكتاب العربي، الطبعة الأولى 1984م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 3- الأصول في النحو، أبو بكر بن السراج (ت 316هـ) ، تحقيق عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الثانية 1988م. 4- الأصول، دراسة بستمولوجيا الفكر اللغوي عند العرب، د. تمام حسان، الهيئة المصرية العامة 1982م. 5- أصول التفكير النحوي، د. علي أبو المكارم، منشورات الجامعة الليبية - كلية التربية. 6- أصول النحو العربي، محمد عيد، عالم الكتب ط: 1410م. 7- أصول النحو القياسية دراسة ونقد، غريب عبد المجيد نافع، دكتوراه، كلية اللغة العربية - جامعة الأزهر 1970م. 8- أمالي ابن الشجري، هبة الله بن علي بن حمزة الحسنى العلوي (ت 542هـ) تحقيق محمود محمد الطناحي، مكتبة الخانجي بالقاهرة. 9- الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، لأبى البركات الأنباري (ت 616هـ) ، المكتبة العصرية – صيدا – بيروت. 10- إنباه الرواة على أنباه النحاة، القفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة دار الكتب المصرية - القاهرة 1972م. 11- بين أصول النحو وأصول الفقه، محمود أحمد نحلة، دار العلوم العربية للطباعة والنشر - بيروت - لبنان 1987م. 12- تقويم الفكر النحوي - أبو المكارم، بيروت، دار الثقافة. 13- حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، دار إحياء الكتب العربية. 14- الحمل في لغة العرب، دردير أبو السعود، الطبعة الأولى 1985م. وهو موجود في دار الكتب المصرية تحت رقم 16719هـ. 15- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، عبد القادر البغدادي (ت 1093هـ) تحقيق وشرح عبد السلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب. 16- الخصائص، ابن جني، تحقيق محمد علي النجار، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م. 17- الشاهد وأصول النحو في كتاب سيبويه، خديجة الحديثي، مطبوعات جامعة الكويت 1974م. 18- شرح جمل الزجاجي، ابن عصفور، تحقيق صاحب أبو جناح، دار الكتب - جامعة الموصل بالعراق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 19- شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. 20- طبقات النحويين واللغويين، الزبيدي (ت 379هـ) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 1954م. 21- الفهرست، ابن النديم، مطبعة الاستقامة، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة 1978م. 22- في أدلة النحو، عفاف حسنين، المكتبة الأكاديمية، الطبعة الأولى 1996م وهو موجود بمكتبة القاهرة الكبرى برقم 1 و 415. 23- في أصول النحو، سعيد الأفغاني، مطبعة الجامعة السورية، الطبعة الثانية 1951م. 24- القاموس المحيط، الفيروزابادي، مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثانية 1952م. 25- الاقتراح في علم أصول النحو، السيوطي، تحقيق أحمد محمد قاسم، مطبعة السعادة 1976م. 26- القياس في النحو من الخليل إلى ابن جنى، دكتوراه بكلية الآداب جامعة القاهرة، إشراف خليل نامي 1975 إعداد صابر بكر أبو السعود. 27- الكتاب، سيبويه، (ت 180هـ) ، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي - القاهرة. 28- لسان العرب، ابن منظور (ت 711هـ) ، دار بيروت للطباعة - بيروت 1955م. 29- لمع الأدلة، ابن الأنباري - تحقيق: سعيد الأفعاني - سوريا مطبعة الجامعة السورية. 30- مجلة الحصاد في اللغة والأدب - جامعة الكويت، العدد الأول السنة الأولى 1401هـ. 31- المدارس النحوية، شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة ط6. 32- مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو، مهدي المخزومي، دار المعرفة - بغداد 1955م. 33- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام الأنصاري، تحقيق مازن المبارك وآخرون،دار الفكر - بيروت ط3 1972م. 34- المقتضب، المبرد (ت 285هـ) ، تحقيق محمد عبد الخالق، عالم الكتب - بيروت. 35- من أسرار اللغة إبراهيم أنيس، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية ط /1975م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 36- نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء، الأنباري (ت 577هـ) ، تحقيق إبراهيم السامرائي، مكتبة الأندلس - بغداد ط2 1970م. 37- النحو العربي والدرس الحديث، بحث في المنهج، عبده الراجحي، دار النهضة العربية - بيروت 1979م. 38- اللغة بين المعيارية والوصفية، تمام حسان، القاهرة - مكتبة الانجلو المصرية 1958م. 39- نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة، الشيخ الطنطاوي، القاهرة. دار المنار سنه 1412هـ. 40- همع الهوامع السيوطي صححه السيد/ محمد بدرالدين الافغاني. مكتبة الكليات الأزهرية ط 1327هـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 مفهوم المجاز بين ابن سينا وابن رشد د. محمود درابسة الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية - جامعة اليرموك اربد - الأردن ملخص البحث هذا البحث مفهوم يتناول المجاز ووظيفته عند فيلسوفين مسلمين هما ابن سينا (ت 428هـ) وابن رشد (ت 595هـ) بوصفهما أكثر نضجاً وعمقاً وفهماً في دراسة الفكر النقدي اليوناني من غيرهما من الفلاسفة المسلمين. وقد تكون البحث من تمهيد، تناول فيه الدارس مفهوم المجاز وأنواعه بين الفكر النقدي اليوناني ممثلاً بأرسطو والفكر النقدي والبلاغي العربي القديم عموماً. كما تناول البحث مفهوم المجاز ووظيفته عند ابن سينا ثم عند ابن رشد، إضافة إلى الخاتمة التي أبرزت دور الناقدين في فهم المجاز وشرح وظيفته، فضلاً عن وجوه الاتفاق والاختلاف بينهما حول دور المجاز في العمل الإبداعي. • • • أولاً- تمهيد: المجاز بين الموروث البلاغي العربي واليوناني. لقد جسدت العلاقة بين لغة الشعر ولغة النثر موضوع اهتمام الدارسين قديماً وحديثاً سواء عند العرب في موروثهم النقدي والبلاغي واللغوي أو عند اليونان من خلال كتابي فن الشعر والخطابة لأرسطو، فضلاً عن دور هذين المصدرين وأثرهما عند الفلاسفة المسلمين من أمثال الفارابي ت (339هـ) وابن سينا (ت 428هـ) وابن (ت595هـ) . وقد شكل المجاز في الدراسات البلاغية والنقدية حداً فاصلاً بين اللغة الشعرية وبين لغة النثر العادي المعتمد على الوصف اللغوي، والتعبير المباشر عن الحقيقة. حيث لا يعد المجاز ركناً أساسياً في بناء النثر العادي. فالمجاز يعني لغة التجاوز والعدول عن الأصل والمألوف عند العرب، وهو مصدر العمل الإبداعي سواء أكان شعراً أم نثراً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 ولما كانت اللغة الشعرية انحرافاً وتجاوزاً للمألوف في التعبير اللغوي، فقد شكل المجاز الطاقة المولدة لشعرية النص. فالمجاز هو الانحراف والخروج على المألوف في اللغة، بحيث يأخذ المجاز دوراً حاسماً في إغناء الدلالة الأسلوبية في النص الإبداعي، مما يجعل هذه الدلالات الأسلوبية في لغة النص وتراكيبه قابلة للتأويل، والتفسير، وتعدد المعنى والاحتمالات، وهذا ما يمنح النص الإبداعي خصوصيته الفنية، وخلوده المتواصل عبر الزمن. وقد تعددت ضروب المجاز عند البلاغيين والنقاد العرب القدماء، إذ شملت معظم الضروب البلاغية التي تشكل جوهر النص الإبداعي وأساسه، كما تشكل الطاقة المولدة لشعرية النص وإبداعه. ومن هنا فقد وصفه سيبويه (ت 180هـ) في كتابه "الكتاب" بقوله: "استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى لا تساعهم في الكلام، والإيجاز والاختصار" (1) . فالتعبير عن الأساليب المجازية عند سيبويه يعني الاتساع، ويعني هذا الخروج على المألوف في التعبير اللغوي والتجاوز لقواعد النحو الصارمة في الوصف اللغوي، والتعبير عن الأشياء. وهذا الاتساع والتجاوز للمألوف هو المبالغة بمفهومها الفني، تلك المبالغة التي ارتبطت بالكذب من حيث دلالته الفنية لا الأخلاقية، وقد وصف سيبويه المجاز بالمستقيم الكذب، وعبر عن هذا الفهم بالأمثلة التالية التي تشرح مفهوم المجاز عنده، ذلك المفهوم الذي يعني الاتساع والخروج على المألوف، حيث يقول موضحاً هذا الفهم: حملت الجبل، وشربت ماء البحر (2) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 ولهذا، فقد تعددت ضروب المجاز وتسمياته، حيث شكلت هذه الضروب المختلفة للمجاز دلالات أسلوبية تجعل من النص مجالاً للجدل والحوار والتأويل، حيث تتعدد معانيه وإيحاءاته، وتتعدد إمكانية التأويل والاحتمال لدى دارسيه. فقد عد ابن منظور المصري (ت 711هـ) في معجم لسان العرب الحذف في التركيب اللغوي للنص الإبداعي مجالاً هاماً من مجالات المجاز، حيث يترك هذا الحذف للقارئ متعة ولذة عارمة. يقول ابن منظور بهذا الخصوص محدداً معنى الحذف: "الحذف ضرب من الاتساع" (3) . ولعل البلاغيين والنقاد العرب القدماء قد توسعوا في مجالات المجاز في تجسيد الطاقة المولدة لشعرية العمل الإبداعي، وأنه يمنح النص الإبداعي خصوصيته الفنية، كما يشكل حداً فاصلاً بين لغة الشعر وبين لغة النثر العادي. الذي يعتمد إلى حد بسيط على النواحي البلاغية. ومن هنا فقد أحصى ابن قتيبة (ت276هـ) ضروب المجاز عند العرب بحيث شملت كل ضروب البيان والبديع والمعاني في البلاغة العربية تقريباً. يقول: ضروب المجاز عند العرب هي: "الاستعارة، والتمثيل، والقلب، والتقديم والتأخير، والحذف، والتكرار، والإخفاء، والإظهار، والتعريض، والإفصاح، والكناية، والإيضاح، ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع، ومخاطبة الجميع خطاب الواحد، والواحد والجميع خطاب الاثنين، والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم وبلفظ العموم لمعنى الخصوص" (4) . كما أضاف ابن أبي الإصبع المصري (ت 654هـ) في كتابه تحرير التحبير ضروباً أخرى تؤكد أهمية المجاز عند البلاغيين والنقاد العرب، ودوره في تشكيل النص الإبداعي وبنائه، حيث يقول: "والمجاز جنس يشتمل على أنواع كثيرة. كالاستعارة والمبالغة والإشارة، والإرداف، والتمثيل، والتشبيه. وغير ذلك مما عدل فيه عن الحقيقة الموضوعة للمعنى المراد" (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 وأما في الموروث النقدي والبلاغي اليوناني، فقد أسهب أرسطو في شرح مفهوم المجاز ودلالته وضروبه المختلفة لما لهذا اللون البلاغي من دور هام في تحديد الفرق بين اللغة العادية المعبرة عن الحقيقة وعن الوصف اللغوي المباشر وبين اللغة الإبداعية التي يشكل المجاز بضروبه المتعددة جوهرها وأساسها، فضلاً عن أن المجاز يشكل كذلك الطاقة المتجددة للغة الإبداعية في النصوص الأدبية. ولهذا فقد بين أرسطو أن المجاز ضرب من ضروب الإبداع والموهبة. يقول: "فمن المهم استخدام كل ضرب من ضروب التعبير التي تحدثنا عنها: من أسماء مضاعفة مثلاً أو كلمات غريبة، وأهم من هذا كله البراعة في المجازات لأنها ليست مما نتلقاه عن الغير، بل هي آية المواهب الطبيعية، لأن الإجادة في المجازات معناها الإجادة في إدراك الأشباه" (6) . كما وضح أرسطو الفرق بين اللغة العادية واللغة الإبداعية، حيث بين أن اللغة العادية هي التي تعبر عن المسميات، والوصف المباشر للأشياء، بينما اللغة الإبداعية هي المعبرة عن دلالة الأسماء. يقول: "الأسماء على نوعين: اسم بسيط (وأعني بالبسيط ما ليس بمركب من أجزاء دالة، مثل أرض واسم مضاعف، والأخير مركب إما من جزء دال وجزء غير دال، ولا نقصد أنه في الاسم نفسه هو دال أو غير دال أو من أجزاء دالة" (7) . ومن هنا، فإن المجاز يتمحور حول اللغة الإبداعية ذات الدلالات المتعددة التي تدخل ضمن التأويل والتفسير، وتعدد الاحتمالات، وهذا ما وصفه ارسطو بالنقل أي تغير الدلالة حسب التركيب والاستخدام في اللغة الإبداعية، ذلك النقل الذي يعتمد على الاستعارة وضروب المجاز المختلفة. يقول: "والمجاز نقل اسم يدل على شيء إلى شيء آخر: والنقل يتم إما من جنس إلى نوع، أو من نوع إلى جنس، أو من نوع إلى نوع، أو بحسب التمثيل" (8) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 فالمجاز بهذا التحديد عند أرسطو يعني كل ما يتجاوز التعبير الحقيقي البسيط إلى التعبير المنطلق من تعدد الدلالات أو احتمالات التأويل والتفسير، وهذا يتحقق في الاستعارة، وضروب البلاغة المختلفة، ومن ثمة فإن المجاز يتعلق بأسلوب الكاتب أو الشاعر من حيث قدرته على الابتكار والإبداع (9) . كما وضح أرسطو ضروب المجاز المختلفة التي تتعلق بأسلوب الكتابة الإبداعية مثل الألغاز التي هي مجازات تحتاج إلى التأويل والكشف والتفسير، حيث ترتبط هذه الألغاز بالمعنى. فالمجاز يتشكل من هذه الألغاز التي تثير دهشة المتلقي في التأمل والتأويل، وإدراك العلاقات بين أجزاء الكلام في النص. يقول: "فيمكن أن نستخرج من الألغاز المتقنة مجازات موافقة، لأن المجازات إن هي إلا ألغاز مقنعة، وبهذا نعرف مقدار نجاح نقل المعنى. فقد ينبغي أن يكون المجاز منتزعاُ من الأمور الجميلة" (10) . وتناول أرسطو كذلك المثال وجعله ضرباً من ضروب المجاز، حيث يعني به الصورة الفنية، وهي نوع من التغيير أي التوسع والخروج على المألوف في التركيب اللغوي. يقول: "ثم إن المثال (image الصورة) أيضاً تغيير (metaphore المجاز) لكنهما يختلفان قليلاً. فيقول القائل في أخيلوس إنه وثب وثبة أسد هو تغيير، فمن أجل أنهما جميعاً كانا شديدين/سمى أخيلوس بالتغيير والاختلاف أسداً" (11) . كما يبين أرسطو أن روعة العبارة الأدبية تكمن فيما تحتويه من استعارة، وتقابل، وطباق، فهذه الضروب البلاغية تشكل المجاز البلاغي. يقول: "وكلما تضمنت العبارة معاني، ازدادت روعة: مثل أن تكون الألفاظ مجازية، وكانت الاستعارة مقبولة، وثم تقابل أو طباق وثم فعل" (12) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 وقد قرن أرسطو المحاكاة بالمجاز، لأنها ضرب من الرسم والصورة والابتكار، كما تقوم على أساس التبديلات اللغوية، وهذه التبديلات تجسد تعدد المعاني والدلالات، والاحتمالات المختلفة للتركيب اللغوي، ولعل هذا ما يميز بشكل جوهري اللغة العادية عن اللغة الأدبية. يقول: لما كان الشاعر محاكياً شأنه شأن الرسام، وكل فنان يصنع الصور فينبغي عليه بالضرورة أن يتخذ دائماً إحدى طرق المحاكاة الثلاث: فهو يصور الأشياء إما كما كانت أو كما هي في الواقع، أو كما يصفها الناس وتبدو عليه أو كما يجب أن تكون. وهو إنما يصورها بالقول، ويشمل: الكلمة الغريبة والمجاز، وكثيراً من التبديلات اللغوية التي أجزناها للشعراء (13) . كما ربط أرسطو المجاز بالأسلوب مبيناً دور المجاز في خلق التعبيرات الرشيقة ذات الدلالات المتعددة التي تحدث تمويهاً مثيراً للدهشة والتساؤل والاستغراب لدى المتلقي، بحيث يشعر معها بلذة الكشف، ومتعة المواجهة لتمويهات المبدع من خلال لغته المبنية على المجاز بكل ضروبه وأساليبه. يقول: "ومعظم التعبيرات الرشيقة تنشأ عن التغيير (المجاز) وعن نوع من التمويه يدركه السامع فيما بعد، ويزداد إدراكاً كلما ازداد علماً، وكلما كان الموضوع مغايراً لما كان يتوقعه، وكأن النفس تقول: هذا حق! وأنا التي أخطأت. واللطيف الرشيق من الأمثال ما يوحي بمعنى أكثر مما يتضمنه اللفظ" (14) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 ولعل وظيفة المجاز هنا عند ارسطو مرتبطة بالتخييل بأبعاده المنطقية والنفسية والجمالية التي تمثل جوهر فكرة المجاز، وكذلك بالأسلوب الإبداعي لدى الكاتب أو الشاعر، وذلك لما لهذه الوظيفة من أهمية في ربط عناصر الإبداع الثلاثة: المبدع والنص والمتلقي معاً. حيث حرص أرسطو على ضرورة إحداث المتعة واللذة لدى المتلقي نتيجة مواجهته لأسلوب النص ولغته ذات الدلالات المتعددة، تلك الدلالات التي تقوم على المجاز والتورية والخروج على المألوف في الكتابة. يقول: "التعبيرات الجديدة تدعو إلى الرضا. وتبلغ هذه الغاية إذا كان الفكر خارجاً على المألوف، غير متفق مع الآراء الجارية … والتورية تؤدي إلى الأثر نفسه، أعني إلى إثارة الدهشة. وهذه الحيلة تجدها في الشعر حينما لا يجيء حسبما يتوقعه السامع، ومثاله: سار، والأقدام تكسوها الشقوق. فإن السامع كان يتوقع من الشاعر أن يقول: الحذاء لكن لابد أن يتضح المعنى لدى سماع الجملة. أما التورية فقيمتها ناشئة من كونها تدل على ما يبدو في الظاهر منها، بل على معنى الكلمة في صورتها المغيرة" (15) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 فاللغة المجازية هي التي تضفي الروعة والجمال على الكتابة الإبداعية سواء أكانت كتابة شعرية أم نثرية. ولعل المجاز هو جوهر العملية الإبداعية وأساسها، حيث يتشكل المجاز في العمل الإبداعي من خلال الصورة والاستعارة والتشبيه والمبالغة والأمثال، فهذه الصيغ المختلفة تشكل الطاقة المولدة في العمل الإبداعي، وتجعل من أسلوب المبدع أكثر إمتاعاً للمتلقي. يقول أرسطو: "وكلما تضمنت العبارة معاني، ازدادت روعة: مثل أن تكون الألفاظ مجازية، وكانت الاستعارة مقبولة، وثم تقابل أو طباق أو فعل. أما الصور فكما قلنا من قبل إنها تغييرات (مجازات) موموقة جداً. وتتألف من حدين، مثل الاستعارة التمثيلية، فمثلاً حينما نقول: الدرع كأس الإله آراس (المريخ) والقوس قيثارة بغير أوتار. وفي هذا نستخدم تغييراً ليس بسيطاً، أما إذا قلنا: القوس قيثارة، أو: الدرع كأس، فهنا تغيير بسيط. ومن نوع هذه الصور تشبيه عازف الناي بقرد، وتشبيه ضعيف النظر بمصباح مبتل الذبالة، إذ في كليهما انقباض للملامح. والصورة تجمل إذا تضمنت تغييراً … والصور كما قلنا مجازات (تغييرات) . والأمثال هي الأخرى تغييرات … وصيغ المبالغة الأشد إمتاعاً هي الأخرى تغييرات (مجازات) " (16) . ومن هنا، يلاحظ الدارس أن الموروث النقدي والبلاغي العربي وكذلك اليوناني ممثلاً بأرسطو في كتابيه فن الشعر والخطابة قد بين الحد الفاصل بين لغة النثر العادي وبين لغة الإبداع المتمثلة بلغة الشعر والنثر. تلك اللغة الإبداعية التي تقوم أساساً على المجاز، الذي يشكل خروجاً على المألوف، وتجاوزاً للدلالات المحددة في الوصف اللغوي، لتصبح هذه الدلالات المتعددة للتراكيب اللغوية في العمل الإبداعي أكثر إمتاعاً ودهشة للمتلقي، وبهذا أصبح المجاز عنصراً جوهرياً في بنية اللغة الإبداعية، وفي ربط المبدع والنص والمتلقي معاً. فالمجاز هو الذي يجعل العمل الإبداعي عملاً إبداعياً مدهشاً وممتعاً ومقلقاً للمتلقي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 ثانياً- المجاز عند ابن سينا. لقد حاول الفلاسفة المسلمون الوقوف على الخصائص والعلامات التي تميز اللغة العادية عن لغة الإبداع والشعر والكتابة الفنية. وقد توصل الفلاسفة –ومن بينهم ابن سينا- إلى اعتبار التغيير أي الانحراف عن المألوف، وتجاوز ما هو مصطلح عليه، جوهر الإبداع، والفارق الأساسي بين اللغة العادية ولغة الإبداع (17) . ولهذا فقد تعددت دلالات مصطلح التغيير عند ابن سينا لتشمل كل عناصر البلاغة التي تشكل جوهر العمل الإبداعي وأساسه. فقد أصبح التغيير بمفهومه الواسع يعني المجاز بأوسع معانيه ودلالاته، فالمجاز هو تجاوز المألوف، وانتهاك حرمة اللغة، وخروج على القواعد التي تكبل التراكيب وتحد من دلالاتها وإيحاءاتها. حيث أصبح المجاز عند ابن سينا يعني الاستعارة والتشبيه وهما جوهر اللغة الإبداعية الذي تتميز فيها عن اللغة العادية ذات التراكيب الواضحة المحددة الدلالة والمعنى (18) . يقول ابن سينا: "أما الكلام في الشعر وأنواع الشعر وخاصة كل واحد منها ووجه إجادة قرض الأمثال والخرافات الشعرية، وهي الأقاويل المخيلة، وإبانة أجزاء كل نوع بكميته وكيفيته- فسنقول فيه إن كل مثل وخرافة، فإما أن يكون على سبيل تشبيه بآخر، وإما على سبيل أخذ الشيء الاستعارة أو المجاز، وإما على سبيل التركيب منهما" (19) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 وقد أضاف ابن سينا عناصر أخرى للغة الإبداع تنطلق من المفهوم الواسع للمجاز الذي يتجسد في اللغة غير العادية وهي لغة الشعر والكتابة الفنية مثل الرمز والتقديم والتأخير والالتفات وغير ذلك من ضروب بلاغية تندرج تحت قسمي الإغرابات في التراكيب اللغوية. ولعل هذه الألوان هي ضروب يتشكل المجاز منها بمفهومه بالواسع. يقول: "واللغة تستعمل للإغراب والتحيير والرمز، والنقل أيضاً كالاستعارة، وهو ممكن، وكذلك الاسم المضعف. وكلما اجتمعت هذه كانت الكلمة ألذ وأغرب وبها تفخيم الكلام، وخصوصاً الألفاظ المنقولة. فلذلك يتضاحكون بالشعراء إذا أتوا بلفظ مفصل أو أتوا بنقل أو استعارة يريدون الإيضاح. ولا يستعمل شيء منها للإيضاح" (20) . وقد بين ابن سينا أن اللغة التقريرية التي تستخدم في الأسلوب الخطابي تختلف عن اللغة المستخدمة في الشعر وألوان الكتابة الفنية، وهذا الاختلاف يعود إلى المجاز وضروبه المتمثلة بالاستعارة والتشبيه، وأنواع الإغراب في التراكيب اللغوية من التفات وتقديم، وتأخير وإيجاز واطناب (21) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 يقول ابن سينا: "إن الشعراء يجتنبون اللفظ الموضوع ويحرصون على الاستعارة حرصاً شديداً، حتى إذا وجدوا اسمين للشيء، أحدهما موضوع، والآخر فيه تغيير ابن سينا، ما، مالوا إلى المغير، مثلاً إذا كان شيء واحد يحسن أن يقال: مستراح، ويقال له مسكن ومبيت، وكان تسميته بالمسكن أولى، لأنه مكان المرء ووطنه، سموه بالمستراح، لأنه يدل على تغيير ما" (22) . وأما لغة الخطاب فإنها تحتاج إلى أسلوب وصفي تقريري بعيد عن المجاز وتجاوز المألوف. يقول ابن سينا: "والقول الخصومي يحتاج أن يجعل قولاً شديد التقريب من الغرض، وأن يكون اللفظ فيه شديد المطابقة للمعنى، لا سيما حيث لا يكون كالخطبة، بل يكون بين يدي حاكم واحد ومجلس خاص، وذلك لأن تكلف الخصومة في مثل هذا الموضع يكون أيسر منه على رأس الملأ المزدحم، فإن مثل هذا الموضع يحتاج إلى عمل واحد من الخطابة وهو حسن العبارة، ولا يحتاج إلى كثرة الاستعارات والتشبيهات والتهويلات" (23) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 كما قرن ابن سينا المجاز والتشبيه والاستعارة بعملية التخييل، وعدها وسائل يتحقق من خلالها فعل التخييل (24) . ولعل غاية التخييل هنا هو المتلقي للعمل الإبداعي. ولذلك فإن إثارة المتلقي وإحداث اللذة والمتعة عنده ترتبط بالمجاز وضروبه المختلفة، وهذه المتعة تعد وظيفة أساسية للمجاز، ذلك المجاز الذي يتحقق في الشعر والعمل الفني عموماً. يقول: "أما الكلام في الشعر وأنواع الشعر وخاصة كل واحد منها ووجه إجادة قرض الأمثال والخرافات الشعرية، وهي بالأقاويل المخيلة، وإبانة أجزاء كل نوع بكميته وكيفيته–فسنقول فيه إن كل مثل وخرافة فإما أن يكون على سبيل تشبيه بآخر، وإما على سبيل أخذ الشيء نفسه لا على ما هو عليه، بل على سبيل التبديل، وهو الاستعارة أو المجاز، وإما على سبيل التركيب منهما. فإن المحاكاة كشيء طبيعي للإنسان، والمحاكاة هي إيراد مثل الشيء وليس هوهو، فذلك كما يحاكى الحيوان الطبيعي بصورة هي في الظاهر كالطبيعي. ولذلك يتشبه بعض الناس في أحواله ببعض ويحاكي بعضهم بعضاً ويحاكون غيرهم. فمن ذلك ما يصدر عن صناعة، ومن ذلك ما يتبع العادة، وأيضاً من ذلك ما يكون بفعل" (25) . ومن هنا، فإن ابن سينا يقد استطاع تحديد مفهوم المجاز المرتبط بالخروج على المألوف، فضلاً عن ربطه المجاز وضروبه بالتخييل، وهذا ما يتعلق بالمتلقي الذي يشكل ركناً رئيساً في العملية الإبداعية. فالمجاز يحدث لدى المتلقي من خلال وسائله الأسلوبية المختلفة هزة ولذة عارمة حيث يحفز المتلقي كذلك على الكشف والتأويل والتفسير لدقائق العمل الفني وإيحاءاته وصوره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 فالمجاز مرتبط عند ابن سينا بالتغيير، وهذا هو جوهر العمل الإبداعي، فبدون المجاز وضروبه لا يمكن أن تتشكل اللغة الإبداعية التي تدهش المتلقي بحيلها وتمويهاتها الفنية. وبالتالي فقد استطاع ابن سينا من خلال المجاز وربطه بالتخييل أن يضع حداً فاصلاً بين لغة الكلام أو الكتابة العادية ولغة الإبداع المتمثلة بالشعر والكتابة الفنية. وهذا يعني أن ابن سينا قد أدرك بشكل واضح أن هناك مستويين للغة: المستوى العادي الذي لا تخرج فيه الألفاظ عن دلالتها ومعانيها المحددة، والمستوى الأدبي أو الجمالي الذي تخرج فيه الألفاظ عن دلالتها المحددة إلى دلالات أخرى يقتضيها السياق أو التركيب، وهذا ما سماه ابن سينا بالتغيير أي الإنحراف عن التراكيب اللغوية المعتادة إلى تراكيب فيها حذف وتقديم وتأخير (26) ، يقول ابن سينا كذلك: "واعلم أن القول يرشق بالتغيير. والتغيير هو أن لا يستعمل كما يوجبه المعنى فقط، بل أن يستعير، ويبدل، ويشبه" (27) . ثالثاً- المجاز عند ابن رشد لقد توسع ابن رشد في تحديد مفهوم المجاز وضروبه المختلفة اكثر من ابن سينا. حيث بين ابن رشد أولاً أنه يعني بالمجاز الاستعارة والتشبيه. يقول: " ان المجاز استعارة وتشبيه (28) . كما ذكر ضروبا أخرى من المجاز حاصرا إياها بالتغيير وهو الخروج على المألوف في التركيب والصياغة الأدبية. يقول: "والتغييرات تكون بالموازنة والموافقة والإبدال والتشبيه، وبالجملة: بإخراج القول غير مخرج العادة، مثل: القلب والحذف والزيادة والنقصان والتقديم والتأخير وتغيير القول من الإيجاب الى السلب ومن السلب إلى الإيجاب، وبالجملة: من المقابل الى المقابل، وبالجملة: بجميع الأنواع التي تسمى عندنا مجازاً" (29) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 فالأساس الذي يقوم عليه مفهوم المجاز عند ابن رشد هو التغيير، وهذا التغيير يرتبط بالقول الشعري. فالتغيير هو المجاز، وهو الذي يجعل من القول قولاً شعرياً، ومن العمل الإبداعي عملاً إبداعياً، لأنه يعتمد على تجاوز المألوف من خلال استخدام الصور المبنية على الاستعارة والكناية والتشبيه، فضلا عن ابن رشد قد أضاف بعداً جديداً في نظرته وتحديده لمفهوم المجاز من خلال تركيزه على أساليب المعاني مثل: التقديم والتأخير والزيادة والإيجاز والحذف. ولعل هذه الأساليب هي التي تميز العمل الإبداعي عن غيره من صور الكلام أو الكتابة العادية. كما أضاف ابن رشد ضروباً أخرى إلى المجاز والتغيير مثل الأسماء الغريبة والرمز واللغز، ولعل الغرابة هنا تعني الدلالات المتولدة والجديدة التي تنتج عن الصياغة والتركيب الذي يخرج فيه المبدع عن المألوف. يقول:" وأما الأقاويل العفيفة المديحية فهي الأقاويل التي تؤلف من الأسماء المبتذلة ومن الأسماء الأخر أعني المنقولة الغريبة والمغيرة واللغوية، لأنه متى تعرى الشعر كله من الألفاظ الحقيقية المستولية كان رمزاً ولغزاً، ولذلك كانت الألغاز والرموز هي التي تؤلف من الأسماء الغريبة أعني بالغريبة: المنقول، والمستعار، والمشترك، واللغوي، والرمز- واللغز هو القول الذي يشتمل على معان لا يمكن أو يعسر، اتصال تلك المعاني الذي يشتمل عليها بعضا ببعض حتى يطابق بذلك أحد الموجودات" (30) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 فالمجاز إذاً محصور بفعل التغيير، وهذا التغيير مرتبط بالقول الشعري، لأن الشعر عمل إبداعي فيه تجاوز للمألوف وخروج عن القواعد المتعارف عليها صوتيا أو دلالياً أو تركيبياً. وقد وضح ابن رشد هذا الفهم من خلال مثال شعري طالما اختلف النقاد العرب القدماء في تفسيره وتقييمه فنياً. يقول ابن رشد: "والقول إنما يكون مختلفاً، أي مغيراً عن القول الحقيقي من حيث توضع فيه الأسماء متوافقة في الموازنة والمقدار، وبالأسماء الغريبة، وبغير ذلك من أنواع التغيير. وقد يستدل على أن القول الشعري هو المغير أنه إذا غير القول الحقيقي سمي شعراً أو قولاً شعرياً، ووجد له فعل الشعر، مثال ذلك قول القائل: ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الأباطح إنما صار شعراً من قبل أنه استعمل قوله: أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا، وسألت بأعناق المطي الأباطح، بدل قوله: تحدثنا ومشينا" (31) . كما أكد ابن رشد فهمه للتغيير بأنه يعني الغلو والإفراط والتجاوز للمألوف أيضاً، وهذا الفعل مرتبط بالشعر بوصفه عملاً إبداعياً. يقول: "ومن التغييرات أيضاً الإفراطات في الأقاويل والغلو فيها" (32) . وهذه التغييرات تطرح صيغة غير مألوفة في الكتابة أو الكلام العادي. يقول ابن رشد بهذا الخصوص: "والإغرابات التي تنجح في هذه الصناعة من قبل التركيب الغير المعتاد في الأقاويل هي أيضاً تغييرات، يريد بحسب التركيب لا بحسب الألفاظ المفردة، وذلك فيما أحسب مثل التقديم والتأخير والحذف والزيادة والإغرابات الغريبة" (33) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 وقد تجلى معنى المجاز من خلال شرح ابن رشد لكيفية التغيير، الذي يعني الصورة غير المطابقة للأصل، وإنما يعني الصورة الشبيهة، ولذا حصر ابن رشد التغيير الناتج عن المجاز في جميع ضروب البلاغة مثل البيان والمعاني والبديع، وبهذا يكون المجاز قد أصبح يعني البلاغة العربية، تلك البلاغة التي تقوم على فعل التغيير والتجاوز للمألوف. يقول: "ومعنى التغيير أن يكون المقصود يدل عليه لفظ ما فيستعمل بذلك اللفظ لفظ آخر. وهذا التغيير يكون على ضربين: أحدهما أن يستعمل لفظ شبيه الشيء مع لفظ الشيء نفسه ويضاف إليه الحرف الدال في ذلك اللسان على التشبيه. وهذا الضرب من التغيير يسمى "التمثيل" و "التشبيه"، وهو خاص جداً بالشعر. والنوع الثاني من التغيير يؤتى بدل ذلك اللفظ بلفظ الشبيه به، أو بلفظ المتصل به من غير أن يؤتى معه بلفظ الشيء نفسه، وهذا النوع في هذه الصناعة يسمى "الابدال" وهو الذي يسميه أهل زماننا بالاستعارة والبديع" (34) . كما عد ابن رشد التخييل حداً فاصلاً بين الأقاويل الخطبية والأقاويل الشعرية، فالتخييل بالشعر. ولذلك فالمجاز هو الطاقة المولدة للشعرية التي تحدث التخييل وتصنعه، ولعل فعل التخييل مرتبط بالمتلقي من حيث الاستفزاز والدهشة واللذة التي تصيب المتلقي نتيجة تفاعله مع العمل الإبداعي. يقول: "فلذلك ما ينبغي في هاتين الصناعتين أن تحصر الأحوال التي إذا استعملت في الألفاظ كانت بها الأقاويل البلاغية أتم إقناعاً والشعرية أتم تخييلاً" (35) . وقد بين ابن رشد أن وظيفة المجاز ممثلة بالتغيير بصفة خاصة تنحصر في إحداث التخييل واللذة لدى المتلقي. يقول: "فقد تبين من هذا أن الضمائر والمثالات المنجحة في هذه الصناعة إنما هي التي تؤلف من أمثال هذه المعاني وأن الألفاظ المنجحة هي المغيرة –أعني المستعارة- تغييراً يفعل بالالتذاذ والتخييل" (36) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 كما أن الغرابة المتمثلة في النص الإبداعي تحدث لدى المتلقي لذة ودهشة كبيرة، وهذه اللذة تنتج عن محاولة المبدع فك أسرار النص وتحليلها. يقول ابن رشد: "والتغيير بالجملة يعطي في المعنى جودة إفهام وغرابة ولذة" (37) . ولهذا فإن ابن رشد قد استطاع تحديد مفهوم المجاز ووظيفته المرتبطة بالمتلقي من خلال اللذة والتخييل، ولعل اللذة ناتجة عن دور المجاز في بنية النص، فضلاً عن ضروب المجاز المختلفة التي تجعل من النص الإبداعي نصاً إبداعياً متميزاً عن النص العادي الذي يكتب بلغة وصفية تقريرية. • • • رابعاً- الخاتمة. لقد كان موضوع الفصل بين اللغة الشعرية ولغة البرهان التقريرية ديدن النقاد قديماً وحديثاً. حيث أدرك أرسطو في كتابيه فن الشعر والخطابة الفرق بين لغة الشعر الإبداعية ولغة البرهان التقريرية، وذلك من خلال فهمه وتحديده لمصطلح المجاز الذي يرتبط ارتباطاً جوهرياً بالقول الشعري والعمل الإبداعي بشكل عام. فالمجاز يجسد الطاقة المولدة للعمل الإبداعي، ومن خلال المجاز تتحقق المتعة واللذة عند المتلقي. فانتقال أسلوب الكلام من المخاطب إلى الغائب أو من الإيجاز إلى الإطناب أو إلى التورية والكناية يجعل العمل الإبداعي أكثر إثارة ودهشة وحفزاً للمتلقي على تأمل النص الإبداعي ومحاولة تفسيره وسبر أغواره. كما كان هذا الدور المهم للمجاز موضع عناية النقاد والبلاغيين العرب القدماء، حيث ناقش النقاد موضوع المجاز وضروبه، وكذلك علاقة هذا المصطلح بتفسير القرآن الكريم، مما جعل منه الغاية التي يسعى إليها النقاد للوقوف على دوره وأهميته في الإبداع وتحريك ذهن المتلقي ومخيلته في الكشف عن جماليات النص الإبداعي وأسراره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 ولذا، فقد كان لهذه المرجعية النقدية عند اليونان والعرب أثرها عند الفلاسفة المسلمين إدراكاً منهم لأهمية المجاز في اللغة، والصياغة، والإبداع بشكل عام، فضلاً عن دور المجاز في تحديد الفرق بين لغة القول الإبداعي وبين لغة النثر العادي الذي لا يشكل المجاز جوهراً أساسياً في بنائه وتركيبه. ومن هنا، فقد برز ابن سينا وابن رشد ناقدين هامين في دراسة الفكر النقدي اليوناني وشرحه. حيث حدد ابن سينا مفهوم المجاز وبعضاً من ضروبه، مبيناً دوره في تشكيل اللغة الإبداعية وصياغتها، كما ربط ابن سينا المجاز بالتغيير وهو يعني بشكل واضح الانحراف عن المألوف والمتعارف عليه في اللغة بحيث يصبح للتراكيب اللغوية في العمل الإبداعي دلالات جديدة. بيد أن ابن سينا لم يتوسع في شرح هذا الموضوع، حيث بقي أسيراً للتنظير وبخاصة أنه كان رائداً قبل غيره من النقاد في إدراك أهمية المجاز وضروبه. إضافة إلى ذلك، فقد ربط ابن سينا المجاز بالتخييل واللذة وهو فهم عميق لدور المجاز في البنية الشعرية، وعلاقة ذلك بالمتلقي بوصفه طرفاً أساسياً في العملية الإبداعية (38) . وأما مفهوم المجاز عند ابن رشد فقد جاء أكثر وضوحاً وعمقاً بحكم تأخر ابن رشد، فضلاً عن تذليل كثير من الصعوبات أمامه من قبل النقاد والفلاسفة الذين سبقوه. فقد تجاوز التنظير إلى التطبيق على الشعر. فقد حدد ابن رشد المجاز بالقول الشعري فقط، كما بين دور المجاز في الخروج على المألوف، وكسر القواعد المتعارف عليها في الصياغة والتركيب ودلالات الألفاظ. وقد تجاوز ما جاء عند أبن سينا، حيث رأى أن الانحراف يتضمن الجانب الصوتي والدلالي والتركيبي في اللغة (39) . كما توسع ابن رشد في جعل المجاز هو التغيير، ومن ثم تعددت ضروب المجاز عنده أكثر من ابن سينا لتشمل موضوعات علم المعاني والبيان والبديع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 إضافة إلى ذلك، فقد ربط ابن رشد المجاز باللذة والدهشة والغرابة والعجب إدراكاً منه لأهمية المجاز ووظيفته الفنية. إذ إن المجاز أصبح يشكل عنده جوهر العمل الإبداعي وأساسه، فضلاً عن إدراكه لطبيعة المجاز التخييلية وغايته الجمالية. الحواشي والتعليقات 1- سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان: الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، دار القلم، بيروت د. ت، ج211/. انظر كذلك ج2/98. 2- المصدر نفسه، ج3/47-48. انظر. معلوف، سمير أحمد: حيوية اللغة بين الحقيقة والمجاز، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1996، ص317. 3- ابن منظور المصري: لسان العرب، مادة حذف. 4- ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم: تأويل مشكل القرآن، دار الكتب العلمية، ط3، بيروت 1918، ص5. انظر معلوف: حيوية اللغة بين الحقيقة والمجاز، ص407. هاينريكس فلفهارت: أراء حول الاستعارة ومعنى المصطلح "استعارة" في الكتابات المبكرة في النقد العربي، ترجمة سعاد المانع، مجلة فصول، الجزء العاشر، العددان الثالث والرابع، 1992، ص209. ابن أبي الإصبع المصري: تحرير التحبير، تحقيق حفني محمد شرف، القاهرة 1383هـ، ص457. أرسطو طاليس: فن الشعر، تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت 1973، ص64. المصدر نفسه، ص57. المصدر نفسه، ص85. انظر ABU Deep, Kamal: Al-Jurjani’s Cassification of Istiara with special Reference to Aristotle's of Metaphor, Journal of Arabic literature2 (1971) . PP. 48-75. انظر، هلال، محمد غنيمي: النقد الأدبي الحديث، دار الثقافة ودار العودة، بيروت 1973، ص118، 126. أرسطو طاليس: الخطابة، تحقيق عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات –الكويت ودار القلم- بيروت 1979 ص190. المصدر نفسه، ص195-196. المصدر نفسه، ص223. أرسطو: فن الشعر، ص71-72. أرسطو: الخطابة، ص220. المصدر نفسه، ص220-221. المصدر نفسه، ص223-224. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 الروبي، ألفت: نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1984، ص219. المرجع نفسه، ص219. ابن سينا، ابو علي الحسين بن عبد الله: فن الشعر من كتاب الشفاء (ضمن كتاب فن الشعر لأرسطو) تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت 1973، ص167-168. المصدر نفسه، ص193. انظر الروبي: نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين، ص199-200. ابن سينا، ابو علي الحسين بن عبد الله: الخطابة من كتاب الشفاء، تحقيق محمد سليم سالم، وزارة المعارف العمومية، القاهرة 1954، ص217. المصدر نفسه، ص234-235. عصفور، جابر: الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، المركز الثقافي العربي، بيروت 1992 ص161. ابن سينا: فن الشعر من كتاب الشفاء، ص 167-168. الروبي: نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين، ص178. ابن سينا: الخطابة من كتاب الشفاء، ص202. ابن رشد، الوليد: تلخيص الخطابة، تحقيق عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات- الكويت، دار القلم-بيروت 1959، ص294. ابن رشد، الوليد: تلخيص كتاب أرسطو طاليس في الشعر (ضمن كتاب فن الشعر لأرسطو) تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت 1973، ص243. المصدر نفسه، ص238. المصدر نفسه، ص242-243. ابن رشد: تلخيص الخطابة، ص301. المصدر نفسه، ص301. المصدر نفسه، ص254-255. المصدر نفسه، ص252-253. المصدر نفسه، ص292. المصدر نفسه، ص264. ابن سينا: فن الشعر من كتاب الشفاء، ص 168،170. انظر: ابن رشد: تلخيص كتاب أرسطو طاليس في الشعر، ص208-211. الروبي: نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين، ص221. المصادر والمراجع العربية 1- أرسطو طاليس: -الخطابة، تحقيق عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات- الكويت ودار القلم- بيروت 1979. - فن الشعر، تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت 1973. 2- ابن أبي الإصبع المصري: تحرير التحبير: تحقيق حفني محمد شرف، القاهرة 1383هـ. 3- ابن رشد، الوليد: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 - تلخيص الخطابة، تحقيق عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات –الكويت ودار القلم-بيروت 1959. - تلخيص كتاب أرسطو طاليس في الشعر (ضمن كتاب فن الشعر لأرسطو) ، تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت 1973. 4- الروبي، ألفت: - نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1984. 5- سبيويه، أبو بشر عمرو بن عثمان: -الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، دار القلم، بيروت، د. ت. 6- ابن سينا، ابو علي الحسين بن عبد الله: - الخطابة من كتاب الشفاء، تحقيق محمد سليم سالم، وزارة المعارف العمومية، القاهرة 1954. - فن الشعر من كتاب الشفاء (ضمن كتاب فن الشعر لأرسطو) ، تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت 1973. 7- عصفور، جابر: - الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، المركز الثقافي العربي، بيروت 1992. 8- ابن قتبيبه، محمد عبد الله بن مسلم: - تأويل مشكل القرآن، دار الكتب العلمية، ط3، بيروت 1981. 9- معلوف، سمير أحمد: - حيوية اللغة بين الحقيقة والمجاز، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1996. 10- ابن منظور المصري: لسان العرب. 11- هاينريكس: فلفهارت: - آراء حول الاستعارة ومعنى المصطلح "استعارة" في الكتابات المبكرة في النقد العربي ترجمة سعاد المانع، مجلة فصول، المجلد العاشر، العددان الثالث والرابع 1992. 12- هلال، محمد غنيمي: - النقد الأدبي الحديث، دار الثقافة، بيروت 1973. المراجع الأجنبية ABU Deep, Kamal: Al-Jurjani’s Cassification of Istiara with special Reference to Aristotle's Aristototle's of Metaphor, P.P. 48-75, Journal of Arabic literature2 (1971) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 ظاهرة التَّلَطف في الأساليب العربية (دراسة دلالية لتقبل الألفاظ لدى الجماعة اللغوية) د. محمد بن سعيد بن إبراهيم الثبيتي الأستاذ المساعد - بمعهد اللغة العربية - قسم التخصص اللغويّ والتربويّ جامعة أم القرى ملخص البحث هذا البحث محاولة لإبراز أهمية الجانب الاجتماعي في دراسة اللغة والكشف عن أسرارها ذات الصلة بحياة المجتمع وخاصة ما تكون عليه الجماعة اللغوية من حشمة وأدب ونحوهما فتلجأ تجاه هذا النمط الاجتماعي من حياتها إلى ظاهرة التلطف في اللغة، فتبلغ بذلك غرضها بأسلوب راق مراعية بذلك الآثار النفسية والقيم الاجتماعية في حياة الفرد والمجتمع. وعلى ضوء ذلك تناولت الدراسة هذه الظاهرة من عدة جوانب، وهي: 1- التلطف لغة واصطلاحاً: وفيه تعريف موجز بمعنى كلمة التلطف في اللغة، وبيان معناها الاصطلاحي لدى القدماء والمحدثين. 2- المواقف التي يعمد المتكلم فيها إلى التلطف: وقد أشارت الدراسة إلى موقفين، أحدهما: فردي يعتمد على سرعة البديهة والفطنة والذكاء. والآخر: جماعي يحاكي فيه الفرد مجتمعه فيخضع إلى ما يقرره المجتمع في خطابه محاكياً له في جل الدوافع التي تعود إلى الحياة الاجتماعية كالكياسة والتأدب، والتطير والتفاؤل، والخوف والفزع ونحو ذلك. 3- دوافع التلطف وأسبابه: حيث أشارت الدراسة إلى أهمية هذه الدوافع لدى القدماء والمحدثين وخلصت إلى بيان أبرزها وهي: الكياسة والتأدب – التفاؤل والتشاؤم – التبجيل والتعظيم. ... ... 4- ثم ختمت الدراسة، بيان أهم وسائل التلطف وهي الاستعمال المجازي عن طريق الكناية ونحوها، والتحريف الصوتي عن طريق الإبدال ونحوه. والله أسأل أن يوفق الجميع لخدمة لغة القران، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين. • • • التمهيد: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 إنَّ اللغاتِ تتأثرُ بحضارات الأمم ونظمِها، وتقاليدها، وعقائدها، واتجاهاتها النفسية والثقافية وغير ذلك من شئون الحياة الاجتماعية، وكلّ تطور يحدث في ناحية من هذه النواحي يتردد صداه في أداة التعبير وهي اللغة، لذلك تُعَدُّ اللغات أصدق سجل لتاريخ الشعوب. فكلما اتسعتْ حضارةُ الأمةِ، وكَثُرتْ حاجاتُها، ورقي تفكيرها، وتهذيتْ اتجاهاتُها النفسيةُ، نهضت لغتُها وسمتْ أساليبُها وتعددتْ فيها فنونُ القول. وهلم جرا (1) . واللغة العربية أصدق شاهدٍ على ما نقول فقد عُدَّتْ في مقدِّمة اللغات الراقية لما وصلت إليه من تهذيب في ألفاظها وسموٍّ في أساليبها، ودقةٍ في تراكيبها، ومرونة في التعبير عن حاجاتها، وتنوعت فنون القول فيها حتى سحرت كثيراً من الباحثين - قدماء ومحدثين - فرأوها أفضل اللغات وأفصحها، وأجملها، وفي ذلك يقول ابن جنيِّ من القدماءِ: ((وذلك أنّا نسأل علماءَ العربيةِ مِمَّنْ أصلُه عَجَميٌّ وقد تدرب بلغته قبل استعرابه عن حال اللغتين، فلا يجمع بينهما، بل لايكاد يقبل السؤال عن ذلك، لبعده في نفسه، وتقدم لطف العربية في رأيه وحسهِ. سألت غيرَ مرَّةٍ أبا عليٍّ - رضي الله عنه.. عن ذلك، فكان جوابه عنه نحواً مما حكيته ... ولم نر أحداً من أشياخنا فيها - كأبي حاتم وبُنْدَار وأبي عليٍّ، وفلان وفلان - يُسوُّون بينهما، ولا يُقرّبون بين حاليهما. وكأنَّ هذا موضعٌ ليس للخلاف فيه مجالٌ لوضوحه عند الكافَّةِ)) (2) . ويقول ابن خلدون: ((وكانتِ الملكةُ الحاصلة للعرب من ذلك أحقَّ الملكاتِ وأوضَحها بياناً عن المقصد)) (3) . ويرى ابن فارس أن اللغة العربية أفضل اللغات وأوسعُها، وذلك دليلٌ على أنَّ اللَّهَ اختارها لأشرف رسله وخاتم رسالاته، فأنزل بها كتابه المبين (4) . وإلى مثل هذا ذهب السيوطيُّ وغيره من القدماء (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 وخلاصة القولِ أنَّ اللغة مرآةٌ ينعكس فيها كلُّ ما يسير عليه الناطقون بها في شئونهم الاجتماعية العامة والخاصة ويشمل ذلك العقائد والعادات، والتقاليد، والمبادئ وغير ذلك مما يصبغ اللغة بصبغة خاصّةٍ في جميع مظاهرها: في الأصواتِ، والمفرداتِ، والدِّلالة، والقواعد، والأساليب ... وهلم جرا. فما يكون عليه الأفراد على سبيل المثال - من حشمةٍ وأدبٍ في شئونهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض ينعكس صداه في لغتهم، فاللاتينيون مثلاً (1) يعبرون عن العورات والأمور المستهجنة والأعمال الواجب سترها بعباراتٍ صريحة ومكشوفةٍ، على حين أنَّ العرب تتلمسُ أحسنَ الحيلِ وأدناها إلى الحشمةِ والأدب في التعبير عن هذه الأمور وغيرها مماله آثارٌ نفسيةٌ فتلجأُ إلى التَّلَطُف في الكلام، فتبلغ غرضها بأسلوبٍ ألطفَ وأحسنَ من الكشفِ والتصريحِ ويعيبون على الرّجل إذا كان يكاشفُ في ذلك، ويقولون: ((فلانٌ لا يحسنُ التعريضَ إلا ثَلْبا)) (2) والتعريض خلافُ التصريحِ. والعربُ تُعبرُ عن الأفعال التى تُستر عن العيونِ وتتأذّى منها النفوس بألفاظٍ تدل عليها غير موضوعةٍ لها، تنزهاً عن إيرادها على جهتها وتَحَرُّزاً عمّا وُضِع لأجلها إذ الحاجة إلى ستر أقوالهم كالحاجة إلى سترِ أفعالهم فيتحرزون عن التصريح بالتعريضِ فيكنون عن لفظه، إكراماً لأنفسهم عن التلفظ به (3) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 وفي القرآن الكريم من التَّلَطُف في الأسلوب ما يدلُّ على كريم العبارات ونبيل الألفاظ، من نحو قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرثَكُمْ أَنَّى شِئتُمْ} (1) وقوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّساء} (2) ، وقولِهِ: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} (3) ، وقولِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةََ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (4) ، وقوله: {فَتَحْرِيْرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسا} (5) . وقد كنى القرآن الكريم عن العمليّة الجنسية (العلاقة بين الرجل والمرأة) بألفاظٍ كريمة هي: السّر والحرثُ، والملامسة، والإفضاءُ، والرفثُ، والدخول، وغيرها (6) . التَّلَطُف لغة واصطلاحا التَّلَطُف في اللغة من مادةِ ((لطف)) والمادةُ كما يرى ابنُ فارس تدورُ حول معنىً عامٍ واحدٍ هو الترفقُ (7) . وفي التهذيب للأزهريّ: يروى عمروُ عن أبيه أنَّه قال: اللطيف: ((الذي يُوصِل إليك أَرَبك في رفق ... واللطيف من الكلام ما غَمُضَ معناه وخفي)) (8) ، وزاد في اللسان: والتَّلَطُف للأمر: الترفق له (9) . وفي أساس البلاغة للزمخشريّ: ((ومن المجاز ... وتلطفتُ بفلانٍ: احتلتُ له حتى اطّلعتُ على أسراره)) (10) . وفي معجم ألفاظ القرآن الكريم لمجمع اللغة العربية، والتَّلَطُف في قوله تعالى: {فَلَيَأتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} (11) أىّ وليترفّق في الحصول على ما يريد (12) . ومما سبق يتضح لنا أنّ التَّلَطُف في اللغةِ يعني الترفق، غيرَ أنّه ترفقٌ لا يعدم الحيلة والفطنة والذكاء. وقد فطن القدماء من علماء العربية لهذه الظاهرة ودرسوها تحت مباحث الكناية وأنواعها ودوافعها، واستعملوا بعض المصطلحات المتصلة بها مثل: تحسين اللفظ، وتلطيف المعنى، والكنايات اللطيفة، والتعريض، يقول المبرد: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 ((ويكون من الكناية - وذاك أحسنها - الرغبة عن اللفظ الخسيس المفحش إلى ما يدل على معناه من غيره. قال الله عزوجل: {أُحِلَّ لكم ليلةَ الصّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكم} (1) ، وقالَ جلّ ثناؤه: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} (2) ... ومن ذلك قولهم: جاء فلان من الغائِط، كناية عن الحدث، وإنما الغائط الوادي، قال عمرو بن مَعْدِي كَرِب: وكم من غائِطٍ من دون سلمى ... قليل الإنس ليس به كَتِيعُ)) (3) ويقول ابن فارس تحت باب الكناية: ((الكناية لها بابان: أحدهما: أن يُكْنى عن الشيء فيذكر بغير اسمه تحسيناً للفظ، أو إكراماً للمذكور، وذلك كقوله جلّ ثناؤه: {وَقَالوا لِجُلُودِهِمْ: لِمَ شَهِدّتم عَلَيْنَا؟} (4) قالوا إن الجلود في هذا الموضع كناية عن آراب الإنسان. وكذلك قوله جل ثناؤه: {وَلَكِنْ لاتُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} (5) … كل هذا تحسين اللفظ. والكناية التى للتبجيل قولهم: ((أبو فلان)) صيانة لاسمه عن الابتذال. . .)) (6) . وقد عقد الثعالبي في كتابه ((فقه اللغة وسر العربية)) لها فصلاً أسماه: فصل في الكناية عما يستقبح ذكره بما يستحسن لفظه ومن أمثلته التى ذكرها (7) ، قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (8) . وقول النبي - (- لقائد الإبل التى عليها نساؤه: ((رفقاً بالقوارير)) . بل إنه أفرد هذه الظاهرة بكتاب أسماه: ((الكناية والتعريض)) قال في وصفه: إنه كتاب خفيف الحجم، ثقيل الوزن، صغير الجرم، كبير الغنم، في الكنايات عمّا يستهجن ذكره، ويستقبح نشره ... بألفاظ مقبولة تؤدي المعنى، وتفصح عن المغزى، وتحسن القبيح، وتلطف الكثيف (9) . وممن أفرد هذه الظاهرة بالتأليف القاضى أبوالعباس أحمد بن محمد الجرجاني (ت482هـ) بكتاب أسماه: ((المنتخب من كنايات الأدباء وإرشادات البلغاء)) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 ذكر من فوائده، التحرز عن ذكر الفواحش السخيفة بالكنايات اللطيفة مستشهداً على ذلك بقوله تعالى: {وإِذَا مرُّوا باللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} (1) . . . أي كنوا عن لفظه، ولم يوردوه، فإنهم أكرموا أنفسهم عن التلفظ به، كما روى عن بنت أعرابي صرخت صرخة عظيمة، فقال لها أبوها: مالك؟ قالت: لدغني عقرب. قال لها أين؟ قالت: في الموضع الذي لا يضع فيه الراقى أنفه. وكانت اللدغة في إحدى سوأتيها، فتنزهت بذكرها عن لفظها (2) . وسيأتي الحديث عن الكتابين السابقين بشيء من التفصيل في موضعهما من هذا البحث إن شاء الله (3) . أمّا التَّلَطُف بالمعنى الاصطلاحي فقد عُرِف في الدراسات الغربية الحديثة بمصطلح يوناني (Euphemism) تعنى الدلالةُ الحرفيةُ له الكلامَ الحسن (Well speaking) (4) . وقد تُرْجِمَ هذا المصطلح في العربية بألفاظٍ مختلفةٍ، فهو عند الدكتور كمال بشر ((حسنُ التعبير)) (5) ، وعند الدكتور كريم زكي ((تحسينُ اللفظ)) (6) ، وعند الدكتور أحمد مختار ((التَّلَطُف)) (7) . وعند الدكتور محمد علي الخولي ((لطف التعبير)) (8) . وقد عرّفه أولمان بأنه: وسيلة مقنعة بارعةٌ لتلطيفِ الكلامِ وتخفيفِ وقعه (9) . وعرّفه أحمد مختار بأنه: إبدال الكلمةِ الحادةِ بكلمةٍ أقل حِدّةٍ أو أكثرَّ قبولاً (10) . وعرّفه محمد علي الخولي: بأنه استبدال تعبير غير سار بآخر أكثر مقبولية منه (11) . ويُعَدُّ هذا الأسلوبُ الوجهَ المشرق لظاهرةِ اللامِسَاسِ أو المحظوراتِ اللغوية، حيث يرى بعض علماء اللغة المحدثين أنَّ استبدال الكلماتِ اللطيفةِ الخالية مِن أىِّ مغزى سيءٍ أو مخيفٍ بكلمات اللامساسِ أو المحظورات اللغوية يُعَدُّ ضرباً من ضروب التَّلَطُف أو حسن التعبير أو تحسين اللفظ (12) . مواقف التَّلَطُف في الكلام يعمد المتكلمُ إلى هذا الأسلوب في موقفين: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 أحدهما: فرديٌّ حيث يعمد المتكلمُ إلى التَّلَطُف في موقفٍ خاصٍ، وذلك لايتأتى لكل أفراد المجتمع، بل هو من خصائصِ ذوي الفطنة، وسرعةِ البديهةِ والذكاءِ، وقد أشار القدماءُ من علماء العربية إلى هذا الموقف وحاولوا علاجَه تحت بابِ ما أَسْمَوْهُ: ((التخلصُ من الكذب بالتورية عنه)) مستشهدين على ذلك بما روي عن النبي (( ()) : ((إنَّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب)) . ومن أمثلة ذلك ما يُروى من أنَّ الخليفةَ المنصورَ كان في بستانٍ ومعه الربيع، فقال له: ما هذه الشجرةُ؟ قال الربيع: شجرةُ الوِفاق يا أمير المؤمنين، وكان اسم تلك الشجرةِ شجرةَ الخلافِ، فتفاءلَ المنصورُ بذلك وعَجِبَ من ذكائه (1) . ومن ذلك مارُوى عن الخليفة المأمون أنه كان بيده مساويك، فسأل الحسنَ بنَ سهلٍ ما هذه؟ فقال: ضدُّ محاسنك يا أميرَ المؤمنين، وكره أن يقولَ مساويك (2) . ويبدو أنَّ هذا الموقفَ هو الذى أوحى لابنِ دريدٍ بفكرةِ تأليفِ كتابهِ ((الملاحن)) حيثُ إنَّ الفكرةَ الأساسيةَ التى يقوم عليها الكتابُ هي استخدامُ اللفظِ المشتركِ على سبيلِ التوريةِ لمعانٍ أخرى خلاف ماهو ظاهرٌ، أو كما قال عنه مؤلفه: ((هذا كتابٌ ألفناه ليفزعَ إليه المجبرُ المضطهدُ على اليمينَ المكره عليها، فيعارضُ بما رسمناه، ويضمرُ خِلافَ ما يُظهرُ ليسلمَ من عادية الظالم ... )) (3) . ويشتمل الكتابُ على خمس وسبعينَ ومائةِ يمينٍ تقريباً، بعضها اشتمل على لفظٍ واحد، كقوله: ((واللهِ ما سألتُ فلاناً حاجةً قط)) والحاجةُ الضربُ من الشجر له شوكُ، والجمع حاج ... )) (4) . وبعضها اشتمل على أكثر من لفظٍ، كقوله: ((واللهِ ما سببتُ له أمّاً ولا جداً ولا خالاً، فالأمّ أمُّ الدِّماغِ، والجدُّ الحظُ، والخالُ الأكمةُ الصغيرة)) (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 الموقف الآخر: ليس فردياً وإنما يعود إلى تواضع الجماعة اللغويّة أو المجتمع بشكل عام، فاللغة بوصفها ظاهرةً اجتماعيةً تخضع الفردَ لِمَا ترسمه فالدوافع النفسيةُ أو العاطفيةُ التي تفرضُ على الجماعةِ اللغوية نهجاً محدداً في التعبير ليس للفرد إلا محاكاتُها واتباعُها، وذلك ينطبق على جُلِّ الدوافع التي تعود إلى الحياة الاجتماعية كالكياسة والتأدبِ والخوفِ والتطيرِ والتفاؤلِ والتشاؤمِ ونحوها من الدوافع التي تلجأ الجماعة اللغويةُ إلى التَّلَطُف بشأنها بعباراتٍ كريمةٍ وألفاظٍ نبيلةٍ، وقد مرّ معنا أنَّ العربَ مثلاً يعيبون على الرجل إذا كان يكاشفُ ويصرحُ فيما حَقُهُ السترُ والتحرزُ والأدبُ. والأسباب الاجتماعية واضحةٌ جداً في مراعاة التَّلَطُف في مثل هذا الموقفِ، ولكنَّ الحالةَ الاجتماعية تختلفُ من أمّةٍ إلى أمةٍ، ومن بيئة إلى بيئة، ومن جيلِ إلى جيلٍ، فلعل ما يدعو إلى التَّلَطُف عند أمّةٍ لايدعو إليه عند أمّةٍ أخرى، ولا أدَلَ على ذلك إلا ما سبق وأشرنا إليه من أنّ اللاتين مثلاً يعبرون عن العورات والأمور المستهجنة بعبارات صريحة مكشوفة على حين أنَّ العرب تتلمس أحسنَ الحيل وأدناها إلى الحشمةِ والتأدب في التعبير عن هذه الأمورِ بأسلوبٍ ألطفَ وأحسنَ (1) . وهذا الموقف هو الذى دفع كلاًّ من الثعالبيِّ والجرجانيِّ إلى إفراد هذه الظاهرة بالتأليفِ. يقول الثعالبيِّ عن كتابه: ((هذا كتابٌ، خفيفُ الحجمِ، ثَقِيلُ الوزنِ، صَغيرُ الجرمِ، كَثيرُ الغُنْمِ، في الكنايات عمَّا يُستهجنُ ذكرُه، ويستقبحُ نشرُه، أو يستحيا من تسميته، أو يُتطيرُ منه، أو يسترفعُ ويُصانُ عَنْهُ، بألفاظِ مقبولةٍ تؤدي المعنى، وتفصح عن المغزى، وتحسن القبيحَ، وتلطف الكثيفَ ... )) (2) . ويقول الجرجانيُّ عن كتابه أيضاً: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 ((فمن فوائده التحرزُ عن ذكرِ الفواحشِ السخيفة بالكنايات اللطيفة، وإبدال ما يَفْحُشُ ذِكْرُه في الأسماع، بما لاتنبو عنه الطباعُ،.. ومنها تركُ اللفظِ المتطير به إلى ماهو أجملُ منه ... ومنها الأمورُ الجاريةُ بين البلغاءِ والأدباءِ ومداعباتهم بمعاريضَ لايفطن لها إلا البلغاءُ ... ومنها التوسعُ في اللغاتِ، والتفنِنُ في الألفاظِ والعبارات..)) (1) . أمَّا المَعِينُ الذي نهلا منه مادَة كتابيهما فهو القرآن الكريمُ، وأخبارُ الرسول (( ()) وكلامُ العربِ من قلائد الشعراءِ، ونصوصِ البلغاءِ، وملح الظرفاءِ في أنواع النثر والنظم (2) . وبالتأمل في أبوابِ الكتابين نلحظ أنَّ أبوابَ الثعالبي في كتابه (الكنايةِ والتعريض) أشملُ للدوافعِ النفسيةِ والعاطفية التى تدفع المتكلمين إلى التَّلَطُف، ففي حين قصر الجرجانيُّ معظمَ أبوابه على العلاقة بين الرجل والمرأة -الألفاظ الجنسية- وما يتصل بها، نجد الثعالبيَّ يضيفُ أبواباً جديدة تتعلق ببعض العاداتِ والعقائدِ العربيةِ كالتفاؤلِ والتشاؤمِ والعيوب الخَلْقِيةِ والخُلُقِيةِ وما يتصل بها. ومن أمثلة الكتابين ما يلي: يقول الثعالبيُّ: ((العربُ تكنى عن المرأة بالنعجة والشاةِ والقلوص والسرحة والحرثِ والفراشِ والعتبةِ والقارورةِ ... وبكلها جاءت الأخبارُ ونطقت الأشعارُ ... )) (3) ثم يأتي بشواهد على ذلك من النثر والشعرِ وأحياناً من القرآن الكريم. ويختمُ كلامه حول هذه الكناياتِ الخاصةِ بالمرأة بقوله (4) : ((وإنما تقع مثلُ هذه الكنايةِ ممّن لايجسرون على تسميتها أو يتذممون من التصريح بها)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 وفي الكناية عمّا يجرى بين الرجالِ والنساء من الشهوةِ والتماسِ اللذة، يقول (1) : ((ولا أحسنَ ولا أجملَ ولا ألطفَ من كنايةِ اللهِ تعالى عن ذلك بقوله: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} (2) وقولِهِ عزوجل: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} (3) وقولِهِ تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (4) وقوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوْهُنَّ وابْتَغُوا مَاكَتَبَ اللهُ لَكُمْ} (5) وقوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (6) وقوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (7) . وقوله في الكناية عن طالب ذلك حكايةً عن يوسفَ عليه السلام: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نّفْسِي} (8) . ويقول الجرجانيُّ (9) : ((وتقول العربُ: في الكنايةِ عن دخول الإنسان بأهله: بنى فلانٌ على أهله، وأصلُه أنَّ كلَّ من أراد الزّفافَ بنى على زوجتهِ قبةً، فقيل لكل داخل بانٍ)) . وفي الكنايةِ عن الختانِ، يقولُ الثعالبيُّ: ((ويكنى عن الختان بالطهر والتطهير)) . ويقول: ((ومن لطائف الأَطِبَاءِ كِنَايَتهُمْ عن حشوِ الأمعاءِ بالطبيعةِ وعن البولِ بالماءِ، وعن القيء بالتعالج ... )) (10) . ويقول في الكنايةِ عن بعض الصفاتِ الخَلْقِيةِ والخُلُقيَّة، ويكنى عن الأعمى بالمحجوبِ، وعن الأعورِ بالممتعِ وعن البخيلِ بالمقتصد (11) . وفي الكناية عن القتل والموت، يقول الثعالبيُّ (12) : وتقول العرب في الكناية عن الموت: استأثر اللهُ به، أسعده اللهُ بجواره، نقله اللهُ إلى دار رضوانه، اختاره الله ويقول الجرجانيُّ (13) : ومن ذلك قولُهم لحق فلان باللطيف الخبير، ولعق فلانٌ اصبعه، واستوفى أكله، واصفرت أناملهُ، ومضى لسبيله وَدُعِيَ فأجاب، وَقَضَى نحبه، والنحب النذر. ويقول الجرجانيُّ (14) : الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 ((واعلم أنَّ العربَ كما يكنون عن الموت تطيراً من ذكره، كذلك يكنون عن القتل، فيقولون: ركب فلانٌ الأغرَّ الأشقَر إذا قُتل، ويكنى عن قتل الملوك خاصة بالمشعرة، إذ كانوا يكبرون أن يقولوا قُتِل، فيقولون أشعر من إشعار البدن)) . ويقول الثعالبيُّ في الكناية عمّا يُتطيرُ من لفظه: ((يكنى عن اللديغ بالسليم، وعن الأعمى بالبصير، وعن المهلكةِ بالمفازة)) (1) . ويقول الجرجانيُّ: وأعلم أنّ العربَ تتطير من ذكر البرصِ، فتكنى عنه بالوضحِ، ومنه سُمِّيَ جذيمةُ الوضاحُ. ويقولُ: ومما يُتَفَاءَل بذكره قولُهُمْ للفلاةِ مفازةٌ؛ لأن القفارَ في ركوبها الهلاكُ فكان حقُها أن تسمّى مَهْلَكَةً ولكنهم أحسنوا لفظها تطيراً بها، وعكسوه تفاؤلاً، ومن ذلك تسمية اللديغ سليماً والأعور ممتعاً تطيراً من ذكر العور (2) . دوافع التَّلَطُف وأسبابه يرى أولمان أنّ دوافع التَّلَطُف (حسن التعبير) دوافعٌ نفسيّةٌ، وأنَّ المتكلمَ يعمد إلى استعمالِ هذا الأسلوبِ مع كلِّ شيءٍ مقدسٍ أوذى خطرٍ، أو مثيرٍ للرعب والخوفِ، كما يطبقه على الأشياءِ الشائنةِ، أو غيرِ المقبولةِ لدى النفس (3) . وَيُجْمِل بعضُ اللغويين المعاصرين هذه الدوافعَ في ثلاثةٍ هي: الخوفُ والفزعُ، الكياسةُ والتأدبُ، الخجلُ والاحتشامُ (4) وما قاله أولمان وغيرُه، نلحظه عند القدماءِ من علماء العربيةِ ممن اهتموا بهذا الأسلوب، كالثعالبيِّ والجرجانيِّ – على سبيل المثال – حيث أشار كلّ منهما في مقدمة تأليفه إلى أبرز هذه الدوافع وهي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 التَحرزُ عن ذكرِ الفواحشِ السخيفةِ بالكنايات اللطيفةِ التى تفصحُ عن المغزى، وتحسِّنُ القبيحَ، وتلطّفُ الكثيفَ فيحصل المرادُ، وَيلَوُحُ النجاحُ، مع العدولِ عمّا ينبوُ عنه السمعُ، ولا يأنسُ به الطبعُ إلى ما يقومُ مقامَهُ، وينوبُ منابَه من كلامٍ تأذنُ له الأذنُ، ولا يحجبه القلبُ، وما ذلك إلا من البيان في النفوسِ وخصائصِ البلاغةِ، ولطائفِ الصناعةِ (1) . ونستطيع القولَ بأنَّ أبرز دوافع التَّلَطُف، وأسبابه لدى الجماعة اللغوية، ما يلي: أولاً: الكياسةُ والتأدبُ والاحتشامُ: ويعد مجالُ المرأة وعلاقتها بالرجل وما يتصلُ بذلك من أحوالٍ أو أفعالٍ أو أعضاءٍ أبرز وأكبرَ المجالات التى تدفعُ المتكلمُ إلى التَّلَطُف بشأنها، إذ التَّلَطُف في هذا المجال من باب التحرز عن ذكر هذه الألفاظ أو التصريح بها، فيعدل المتكلم إلى الكناية، وهي مطلوبةٌ مستحبةٌ ليس في العربية فحسب بل في معظم اللغاتِ، لأن كلماتِ هذا المجالِ مفضوحةٌ ينفر منها الناس (2) . وقد سبقت الإشارة إلى تعليلِ الجرجانيُّ لكثرةِ الكناياتِ عن المرأة عند العرب، وأنّها من باب التذمم من التصريح باسم المرأة. كما هو الحال في وقتنا الحاضر. وفيما يتعلق بهذا المجال يقول أحدُ المحدثين من علماء العربية: وكان قد لفت نظري ورودَ جُملةٍ في كتاب ((فقه اللغة)) للثعالبيِّ هي: ((لعل أسماءَ النكاح تبلغُ مائة كلمةٍ عن ثقاتِ الأئمةِ بعضُها أصليٌّ، وبعضُها مَكْنيٌ)) وكنت في أثناء قراءاتي المتكررة للقاموس المحيط للفيروز آبادي، أستغرب كثرة الألفاظِ الجنسيةِ، حتى خُيِّل إلىّ أنَّه لا تخلو مادةٌ من موادِ المعجم العربيّ من لفظٍ جنسيّ دالٍ على اسمٍ أو فعلٍ أو حالٍ لذلك الجانبِ من حياة البشر وحياة الحيوان، ثم يستطرد قائلاً: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 وعددتُ أنا الألفاظ المتعلقةَ بهذا المدركِ في القاموسِ فوجدتُها تزيدُ على ألفٍ ومائتين ... وحاولت تعليلاً لهذه الكثرة.. فبان لي أن جانباً كبيراً منها من باب الكناية ... حيث كان العربيُّ يَكْنى به عن المدرك الجنسيّ بلفظٍ ... فإذا اشتهر هذا اللفظُ ودلَّ على ماكان يُكْنى عنه صراحةً استحيا العربيُّ من الاستمرارِ في استعمالِه فانتقلَ إلى كنايةٍ جديدةٍ غامضةٍ)) (1) . ثانياً: التفاؤل والتشاؤم: حيثُ يُعَدُّ من أبرزِ دوافعِ التَّلَطُف في اللغاتِ، ويشملُ كلَ الكناياتِ الخاصةِ بالمجالاتِ التى نستبينُ منها الضعف الإنسانيَّ كالموتِ والمرضِ وأسماءِ بعضِ الحيواناتِ، والجنِ، والسوامّ، ونحوِها مما يلعب التفاؤلُ والتشاؤمُ فيها دوراً كبيراً، فهي مجالاتٌ تثير ألفاظُها الخوفَ والهلعَ في نفوسِ البشر وينفرون من سماعها، ويتفادون ذِكْرَها، فِراراً مما تبعثه في الأذهانِ من آلام. وسرُّ التَّلَطُف في هذا المجالِ، هو ما استقر في أذهانِ الناسِ منذ القدمِ من الربط بين اللفظِ ومدلولهِ ربطاً وثيقاً حتى إنّه يُعتقدُ أنّ مجردَ ذكرِ الموتِ يستحضرُ الموتِ، وأنّ النطق بلفظٍ الحيةِ يدعوها من جحرها فتنهشُ من ناداها أو ذكرَ اسمَهَا (2) . ولعل هذا يفسر لنا تعددَ مسمياتِ بعضِ الألفاظِ المترادفةِ في العربيةِ كلفظ الداهيةِ التي قال عنها حمزة الأصفهانيُّ: ((إنَّ تكاثرَ أسماءِ الدواهي من إحدى الدواهي)) (3) . ثالثاً: التبجيل والتعظيم: حيث يعدُّ التبجيلُ والتعظيمُ في العربية من أبرزِ دوافع التَّلَطُف، ويشمل الكناياتِ الخاصةَ بالمجالاتِ التى نستبينُ منها التبجيل الإنسانيَ للأشياءِ ويدخل في هذا المجالِ الهيبةُ والاحترام والولوعُ بالشيءِ وحبه. ومن أمثلةِ ذلك: إطلاقُ لفظِ الأَبِ على العمِ، وإطلاقُ لفظ الأمِّ على الخالةِ، ونحو ذلك (4) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 ولعل هذا يفسر لنا - أيضاً - تعدد مسمياتِ بعضِ الألفاظِ المترادفةِ في العربية، كلفظِ الحبِّ الذى ذكروا له ستين اسماً (1) ، ولفظِ العسَلِ الذى ذكروا له ثمانين اسماً (2) ، ونحو ذلك. إنّ ماتدل عليه هذه الألفاظُ لا يُعدُّ في حقيقته مصدرَ استهجانٍ لدى المجتمع كما هو الحالُ في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة وما يتصل بذلك، كما أنّه لايعدّ مصدرَ ضعفٍ لدى الجماعة اللغوية كألفاظ الموتِ والمرضِ ونحوها، بل إنَّها أسماء نابعة من شدةِ ولوعِ المجتمعِ العربيّ بما تدل عليه هذه الألفاظُ وما ذاك التعددُ لمسمياتها إلا لتعلق القلوب بها وتبجيلها. وتفسير ذلك أن اللفظَ إذا شاع استعمالُه في الدلالةِ على هذه المعاني فقد تأثيرهُ، ففقد قيمتَه الدلالية التعبيريةَ، من أجل ذلك كان العربيُّ ينتقلُ باللفظ من مجازٍ أصبح مألوفاً ضعيف التأثيرِ إلى مجازٍ جديدٍ أحسنَ وقعاً في النفس وأكثرَ أثراً (3) ، على عكس ما حدث في الألفاظِ المستهجنةِ ونحوها. وسائل التَّلَطُف في الكلام بيَّنا فيما سبق دوافع التَّلَطُف وأسبابه في الكلام، والمواقفَ التى تفرض على المتكلمِ التَّلَطُف بشأنها، أما عن الوسائلِ التى يقصدها المتكلمُ حالَ تلطفه، فأهمها: أولاً: الاستعمال المجازيُّ: يعدّ المجاز من أهم الوسائلِ التي يتوسل بها المتكلمُ للتعبير عن المعاني المحظورةِ أو المقدسةِ لديه، فيعمدُ إلى الكنايةِ أو التوريةِ أو التعريضِ ونحوِها يقول الجرجانيُّ: ((واعلم أنَّ الأصلَ في الكناياتِ عبارةُ الإنسانِ عن الأفعالِ التى تُستر عن العيونِ عادةً من نحو قضاءِ الحاجةِ والجماعِ، بألفاظِ تدل عليها غير موضوعةٍ لها، تنزهاً عن إيرادها على جهتها وتحرزاً عمّا وُضِعَ لأجلها، إذ الحاجةُ إلى سَتْرِ أقوالِها كالحاجةِ إلى سترِ أفعالِها، فالكنايةُ عنها حِرْزٌ لمعانيها)) (4) . ويقول أحدُ المحدثين: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 ((والكنايةُ ليست إلا صورةً مهذّبةً متحضرةً مما يُسمّى تحريمُ المفرداتِ فكثيراً ما يقع لدى المتكلمين أن يكونَ لبعض الألفاظِ طابعُ السريةِ والخفاءِ فيمنعُ الأفرادَ، من استعمالِها)) (1) . ولعل هذا يفسر لنا ترادفَ الكثيرِ من الألفاظ في العربيةِ كلفظِ الداهية، والموتِ، والأسدِ ونحوها تبعاً للتسميةِ المجازيةِ عن طريق الكنايةِ وصيرورتها إلى الحقيقةِ بفعل الاستعمال (2) . وبيان ذلك أنّ معظمَ هذه الألفاظِ المترادفةِ إنَّما هي كناياتٌ شاعَ استعمالُها على الألسنِ حتى أصبحتْ حقائقَ، ومَرَدُّ ذلك أنَّ معظمَ هذه الألفاظِ ممّا يتحرجُ الناسُ من التعبير عنها بأسمائها الصريحة مراعاةً للآداب الاجتماعيةِ والاعتباراتِ الأخلاقية والنفسيةِ، ولهذا تلجأ الجماعةُ اللغويةَ إلى الكنايةِ بلفظٍ مرادفٍ، ومما يعزز ذلك ما حكاه أبوحيان التوحيديِّ عن ابن فارسٍ، حيث قال: ((حدثني ابنُ فارس: جرى بين يديه أسماءُ الفرْج وكثرتُها، فقال بعضُ الحاضرين: ماذا أرادتِ العربُ بتكثيرها مع قبحها؟ فقال: لما رأوا الشيءَ قبيحاً جعلوا يكنون عنه، وكانت الكنايةُ عند فشوها تصيرُ إلى حد الاسمِ الأولِ فينتقلون إلى كنايةٍ أخرى ... وعلى هذا كثرت الكناياتُ وليس غرضُهُمْ تكثيرُهَا)) (3) . ولا يقتصر الأمرُ على الألفاظِ التى يتحرجُ الناسُ عن التعبير عنها بألفاظها الصريحةِ - كالألفاظِ الدالةِ على النكاحِ أو الألفاظِ الدَّالةِ على الخوفِ كلفظ الداهية، بل يتجاوَزُهُ إلى الألفاظِ ذاتِ القدسيةِ في حياة المجتمعِ كلفظِ الحبِّ، وكلِّ ما عَلِق بالقلبِ، يقول ابنُ قيمِ الجوزيةِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 ((بابُ أسماءِ المحبةِ: لما كان إلفُهُمْ لهذا المسمى أشدَّ وهوَ بقلوبهم أَعْلَقَ كانت أسماؤه لديهم أكثر. وهذا عادتُهم في كلِّ ما اشتدَّ إلْفُهُمْ له أو كَثُرَ خُطُورُه على قلوبهم، تعظيماً له، أو اهتماما به، أو محبة له، فالأول: كالأسدِ والسيفِ، والثاني: كالداهيةِ، والثالث: كالخمرِ، وقد اجتمعت هذه المعانيِ الثلاثةُ في الحبِّ، فوضعوا له قريباً من ستين اسماً، وهي: المحبَّةُ، والعلاقةُ، والهوى، والصَبْوةُ، والصبابةُ، والشَّغَفُ، والمِقَه والوَجْدُ، والكلفُ، والتتيّمُ، والعشقُ، والجوى، والدَنَفُ، والشجوُ، والشوقُ ... الخ)) (1) . فهذه الألفاظُ تَفْقِدُ عند شيوعها على الألسنِ تأثيرهَا البلاغيُّ، فتفتقدُ بذلك قيمتها الاجتماعية، فيلجأ العربيُّ إلى لفظٍ آخرَ أقوى أثراً في النفس وأحسن وقعاً على الآذان، وعلى هذا تعددتْ مسميات الشيءِ الواحدِ من باب التبجيلِ والتعظيمِ لا الاستهانةِ والاستهجانِ. بل إن من أبرزِ أسبابِ ظاهرةِ التضاد في العربية التعبيرُ بلفظِ محبوبٍ عن لفظٍ مكروهٍ لأسبابٍ نفسيّةٍ حيثُ لعبت غريزةُ التفاؤلِ والتشاؤمِ عند العربِ دوراً كبيراً في نشأةِ بعضِ ألفاظِ هذه الظاهرةِ، فرأينا العربَ تعدلُ عن الألفاظِ الدالةِ على المعنى الحقيقيِّ إلى ضدِّها تشاؤماً من التصريح بها، وتفاؤلاً بضدها، يقول ابنُ قتيبةَ: ((ومن المقلوبِ أن يوصفَ الشيءُ بضدِّ صفتِهِ للتطيرِ والتفاؤلِ كقولِهم للديغِ سليمُ تطيراً من السُقْمِ وتفاؤلاً بالسلامة، وللعطشان ناهلٌ أيّ سينهلُ يعنون يروى، وللفلاة مفازةٌ أي منجاة وهي مَهْلَكَةٌ ... )) (2) . ويقاسُ على ذلك قولُ العربِ بصيرٌ للأعمى، وقافلةٌ للمسافرين تفاؤلاً برجوعهم إذ الأصل فيها الدلالةُ على الراجعين من السفر. ونحو ذلك (3) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 بل تجاوز العربُ ذلك إلى المبالغةِ في الوصفِ، فوصفوا الأشياءَ بغير صفاتِها الحقيقيةِ خوفاً عليها من العينِ والحسدِ، قال أبوعبيدةَ: ((مهرةٌ شوهاءُ قبيحةٌ وجميلةٌ، قال أبوحاتم مفسراً ذلك: لا أظنهم قالوا للجميلةِ شوهاء إلا مخافةَ أن تُصيبَها عينٌ، كما قالوا: للغراب أعورَ لحدةِ بصرِهِ)) (1) . ثانياً: التحريفُ الصوتيُّ: إنّ الأثرَ الناجم من التحرّج من استعمال المفرداتِ لاينحصرُ في الاستعمالِ المجازيِّ بل يتجاوَزُهُ إلى التحريفِ الصوتيِّ للكلمةِ، وذلك عن طريقِ الإبدالِ لتخفيفِ ما تنطوي عليه الكلمةُ من الخطرِ أو الاستهجان، دون أن ينقص ذلك من قيمتها الدلاليةِ - على حد قول بعض المحدثين (2) - وفي استطاعة كلِّ إنسان في هذه الحالةِ أن يفهمَ المرادَ على الفورِ، وكأنَّ اللسانَ قد زلَّ وهو ينطق الكلمة ولكنَّ الخطأَ هنا متعمدٌ لغاياتٍ خفيةٍ أو لمراعاة التَّلَطُف. ونلاحظ هذا التحريفَ الصوتيِّ للكلماتِ واضحاً في مجالِ العلاقةِ بين الرجل والمرأة ومايتصل بها، ومن أمثلة ذلك (3) : قولُهم: بكَّ الرجلَ المرأةَ يبكها بكا، وهكها يهكها هكا. وقولهم: طفزها وطعسها وطخزها وطحسها ودعزها ودعسها (4) . وكلها كنايات عن الجماع. وقولهم (5) : عسلها وغسلها، وحَطَأَها وفَطَأها، عَصَدَها وعَزدها ودَسَمَها ودَفَسَها، وفَحَجَها وفَخَجَها، كلٌ ذلك إذ نَكَحَها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 كما نجد في المعاجمِ وكتب الإبدالِ أيضاً كلماتٍ كثيرةً ذاتَ دلالاتٍ سلبيةٍ تتميزُ بالتحريف الصوتيِّ كالكلماتِ الدَّالةِ على ضعفِ الإنسانِ أو دمامته ونحو ذلك، مثل قولِهم: رجلٌ حَزَوَّرٌ وَهَزَوَّرٌ للضعيف، ورجل حَبَلَّقٌ وَهَبَلَّقٌ إذا كان دميماً، ورجل قَنْثَرٌ وَكَنْثَرٌ إذا كان صغير الحجمِ (1) . وعَشَبَةٌ وعشمةٌ إذا كان يابساً من الهزال، وقَحْبَةٌ وَقَحْمَةٌ لكل كبيرةٍ مسنة، ورجل بُحْتُر وبُهْتُر قصيرٌ، وموتٌ ذُؤَافٌ وذُعافٌ وزؤأف وهو الذى يعجل القتل، والجَلَهُ والجلَحُ وهو انحسار الشعرِ عن مُقَدَّم الرأسِ، وأَيْمٌ وأَيْنٌ للحية (2) . ونحو ذلك مما يمكنُ تفسيرُه تبعاً للتحريفِ الصوتي الذى يتوسلُ به المتكلمُ بغرضِ التَّلَطُف، وتعليلُ ذلك وبيانه أنَّ هذه الألفاظَ مما يتحرجُ الناسُ من التَعبيرِ عنها بألفاظِها الصوتية مراعاةً للآداب الاجتماعية والاعتباراتِ الأخلاقيةِ والنفسيَّةِ، ولهذا تلجأ الجماعةُ اللغويَّةُ إلى التحريفِ في صورةِ الكلمةِ كلما شاع استعمالُها كما لجأت إلى الكنايةِ بالمرادفِ والمضادِّ وغيرها من الألفاظ التى تتقاسمُ معها المجالَ نفسَهُ والدوافِعَ نَفْسَهَا، مما سبقت الإشارةُ إليه. الحواشي والتعليقات ينظر: اللغة والمجتمع د. على عبدا لواحد وافى، شركات مكتبات عكاظ ط4 المملكة العربية السعودية 1403هـ/1983م، ص13. الخصائص، صنعة أبي الفتح عثمان بن جنى. تحقيق / محمد على النجار، دار الكتاب العربي بيروت لبنان 1/243. مقدمة ابن خلدون، ط دار احياء التراث العربي - بيروت (بلا تاريخ) ص 546. الصاحبي لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395هـ) - تحقيق السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي وشركاه - القاهرة (بلا تاريخ) ص 16. المزهر في علوم اللغة وأنواعها للعلامة عبد الرحمن جلال الدين السيوطي شرح وضبط محمد أبوالفضل وغيره، دار الفكر 1/321. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 ينظر: اللغة والمجتمع د. على عبد الواحد وافى ص17، وعبقرية اللغة العربية د. عمر فروّخ - دار الكتاب العربي، بيرون - لبنان 1401هـ – 1981م ص 55. ينظر: الكناية والتعريض، للثعالبيّ ص75. والثلْبُ: شِدَّة اللوم والأخذ باللسان، ومنه رجل ثَلْبٌ – بفتح الثاء وكسرها – أي معيب. ينظر: المنتخب من كنايات الأدباء وارشادات البلغاء، للجرجاني ص5. البقرة، الآية 223. النساء، الآية 4. النساء، الآية 21. البقرة، الآية 187. المجادلة، الآية 58. ينظر: دلالة الألفاظ، دكتور إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية 1980م ط4 ص142. ينظر: مقاييس اللغة لابن فارس مادة (لطف) . مادة (لطف) 13/347. مادة (لطف) . مادة (لطف) ص409. سورة الكهف الآية: 19. ينظر: مادة (لطف) . سورة البقرة، الآية 187. سورة النساء، الآية 43، وسورة المائدة، الآية 6. الكامل لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد، تحقيق: محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1 1986م، 2/856. سورة فصلت، الآية 21. سورة البقرة، الآية 235. الصاحبي، لأبي الحسين أحمد بن فارس، تحقيق: السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه القاهرة، ص439. فقه اللغة وسر العربية، لأبي منصور الثعالبي، تحقيق: مصطفى السقا وشركاه، 1972م، ص386. سورة البقرة، الآية 223. تنظر: مقدمة المؤلف، ص 3. سورة الفرقان، الآية 72. تنظر: مقدمة المؤلف، ص 10. طبع الكتابان في مجلد واحد، بدار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ بلا تحقيق علميّ. المحظورات اللغوية د. كريم زكي حسام الدين ط 1985م مكتبة الانجلو المصرية ص17. دور الكلمة في اللغة. تأليف ستيفن أولمان، ترجمة د. كمال محمد بشر. مكتبة الشباب 1992م. ص196 المحظورات اللغوية ص17. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 علم الدلالة د. أحمد مختار عمر ط الأولى 1402هـ/1982م مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع الكويت ص240. معجم علم اللغة النظري ص 88. دور الكلمة في اللغة ص196. علم الدلالة ص240. معجم علم اللغة النظري ص 88. ينظر: دور الكلمة في اللغة ص196، والمحظورات اللغوية ص14. الكناية والتعريض ص71. المصدر السابق، الصفحة نفسها. الملاحن للإمام أبي بكر بن الحسن بن دريد، تصحيح وتعليق إبراهيم الطفيش، بيروت، دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1407هـ/1987م ص15. المصدر السابق ص18، 19. المصدر السابق ص26. انظر: ص 4 من هذا البحث. ينظر: مقدمة الكتاب ص 3. ينظر: المقدمة ص 4،5. ينظر: مقدمة الكتابين. الكناية والتعريض ص50. المصدر السابق ص6. المصدر السابق ص13. النساء، الآية 21. الأعراف، الآية 189. البقرة، الآية 187. لمصدر السابق. البقرة، الآية 223. النساء، الآية 24. يوسف، الآية 26. المنتخب ص23. الكناية والتعريض ص24. الكناية والتعريض ص 46، 47. المصدر السابق ص62. المنتخب ص64. المصدر السابق ص67، 69 بتصرف. الكناية والتعريض ص71. المصدر السابق ص70 فما بعدها. دور الكلمة في اللغة ص196 فما بعدها. المحظورات اللغوية ص51. ينظر: مقدمة الكتابين. ينظر: دلالة الألفاظ د. أنيس ص142. ينظر: عبقرية اللغة د. عمر فروّخ ص57 فما بعدها بتصرف. ينظر: دلالة الألفاظ، أنيس ص144. التنبيه على حدوث التصحيف، حمزة بن الحسن الأصفهاني (ت370هـ) تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين الطبعة الأولى، مطبعة المعارف، بغداد 1387هـ/1967م ص 132. ينظر: فقه اللغة للثعالبي ص367. ينظر: روضة المحبين ونزهة المشتاقين، لابن القيم الجوزية، دار الباز للطباعة والنشر، مكة المكرمة ص16. ينظر: المزهر في علوم اللغة وأنواعها، السيوطي، ص1/402. ينظر: عبقرية اللغة ص58. ينظر: المنتخب ص 5، 6. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 ينظر: اللغة، فندريس، تعريب عبد الحميد الدواخلى ومحمد القصاص، ص 281. ينظر: الترادف في اللغة، حاكم مالك لعيبى، منشورات وزارة الثقافة والاعلام 1980م، الجمهورية العراقية. ص125. ينظر: مثالب الوزيرين الصاحب بن عباد وابن العميد، لأبى حيان التوحيديّ، تحقيق د. إبراهيم الكيلاني، دار الفكر، دمشق 1961م، ص254. روضة المحبين ص16. تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر، القاهرة، دار التراث، ط3، 1973م ص185 ينظر: في اللهجات العربية، إبراهيم أنيس، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة 1992م، ص29، البلاغة وقضايا المشترك، عبد الواحد الشيخ، مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والنشر، الإسكندرية، 1986م، ص120. ثلاثة كتب في الأضداد، الأصمعي والسجستاني وابن السكيت، المطبعة الكاثوليكية، بيروت لبنان 1912م ص137. ينظر: في اللهجات العربية، أنيس ص209. ينظر: اللغة، فندريس ص280. ينظر: الإبدال لابن السكِّيت تحقيق: حسين محمد شرف، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة 1398هـ، 1/88، المحظورات اللغوية، كريم ص62. ينظر: الإبدال لابن السكِّيت 2/119، المحظورات اللغوية، كريم ص62. ينظر: المنتخب من غريب كلام العرب، لكراع النمل، تحقيق: محمد العمريّ، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث، جامعة أم القرى، ط1، 1409هـ، 1/138. ينظر: الإبدال لأبي الطيب اللغوى، تحقيق: عز الدين التنوخي، مطبوعات المجمع العلمى العربي بدمشق، 1960، 1/321، 325، 2/357. المحظورات اللغوية ص62 ينظر: الإبدال لابن السكيت ص71، 77، 85، 92، 93. المصادر والمراجع - القرآن الكريم. - الإبدال لأبي الطيب اللغوى، تحقيق: عز الدين التنوخي، مطبوعات المجمع العلمى العربي بدمشق. - الإبدال لابن السكِّيت تحقيق: حسين محمد شرف، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة 1398هـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 - أساس البلاغة، لجار الله الزمخشري، دار صادر، بيروت 1399هـ. - البلاغة وقضايا المشترك، عبد الواحد الشيخ، مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والنشر، الإسكندرية 1986م. - تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر، القاهرة، دار التراث، ط3، 1973م. - الترادف في اللغة، حاكم مالك لعيبى، منشورات وزارة الثقافة والإعلام 1980م، الجمهورية العراقية. - التنبيه على حدوث التصحيف، حمزة بن الحسن الأصفهاني (ت370هـ) تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين الطبعة الأولى، مطبعة المعارف، بغداد 1387هـ/1967م. - تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهريّ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الدَّار المصرية للتأليف والترجمة 1384هـ. - ثلاثة كتب في الأضداد، الأصمعي والسجستاني وابن السكيت، المطبعة الكاثوليكية، بيروت لبنان 1912م. - الخصائص، صنعة أبي الفتح عثمان بن جنى. تحقيق / محمد على النجار، دار الكتاب العربي بيروت لبنان - دلالة الألفاظ، دكتور إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية 1980م ط4. - دور الكلمة في اللغة. تأليف ستيفن أولمان، ترجمة د. كمال محمد بشر. مكتبة الشباب 1992م. - روضة المحبين ونزهة المشتاقين، لابن قيم الجوزية، دار الباز للطباعة والنشر، مكة المكرمة. - الصاحبي لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395هـ) - تحقيق السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي وشركاه - القاهرة. - عبقرية اللغة العربية، عمر فرّوخ، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان 1401هـ - 1981م. - علم الدلالة د. أحمد مختار عمر ط الأولى 1402هـ/1982م مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع الكويت. - فقه اللغة وسر العربية، لأبي منصور الثعالبي، تحقيق: مصطفى السقا وشركاه، 1972م. - في اللهجات العربية، إبراهيم أنيس، مكتبة الأَنجلو المصرية، القاهرة 1992م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 - الكامل لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد، تحقيق: محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1 1986م. - لسان العرب، لابن منطور، دار الفكر، بيروت. - اللغة، فندريس، تعريب عبد الحميد الدواخلى ومحمد القصاص. - اللغة والمجتمع د. على عبد الواحد وافى، شركات مكتبات عكاظ ط4، المملكة العربية السعودية 1403هـ /1983م. - مثالب الوزيرين الصاحب بن عباد وابن العميد، لأبى حيان التوحيديّ، تحقيق د. إبراهيم الكيلاني، دار الفكر دمشق 1961م. - المحظورات اللغوية د. كريم زكي حسام الدين ط 1985م مكتبة الأَنجلو المصرية. - المزهر في علوم اللغة وأنواعها للعلامة عبد الرحمن جلال الدين السيوطي شرح وضبط محمد أبوالفضل وغيره، دار الفكر. - معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية، القاهرة، دار الشروق 1401هـ. - معجم علم اللغة النظري ((انكليزي – عربي)) وضع الدكتور محمد علي الخولي، مكتبة لبنان. - مقاييس اللغة لابن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، مصطفى البابي الحلبى واولاده، مصر الطبعة الثالثة 1391هـ. - مقدمة ابن خلدون، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت (بلا تاريخ) . - الملاحن للإمام أبي بكر بن الحسن بن دريد، تصحيح وتعليق إبراهيم الطفيش، بيروت، دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1407هـ/1987م. - المنتخب من غريب كلام العرب، لكراع النمل، تحقيق: محمد العمريّ، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث جامعة أم القرى، ط1، 1409هـ. - المنتخب من كنايات الأدباء وإرشادات البلغاء، للقاضي أبي العباس الجرجاني ويليه كتاب الكناية والتعريض لأبي منصور الثعالبيّ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط1، 1405هـ – 1984م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 صعوبات تعلم اللغة العربية لدى تلاميذ الطور الثاني من التعليم الأساسي في المناطق الناطقة بالبربرية والمناطق الناطقة بالعربية (دراسة ميدانية مقارنة) من إعداد الدكتور علي تعوينات معهد علم النفس وعلوم التربية جامعة الجزائر ملخص البحث تطرح هذه الدراسة مشكلة تعلم اللغة العربية لدى التلاميذ الناطقين بالبربرية (بمختلف لهجاتها مع أخذ القبائلية نموذجا) في الجزائر، حيث الدولة لم تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المناطق التي يعيش فيها هؤلاء التلاميذ، مما أفرز فوارق في التربية أجحفت أبناء هذه المناطق، نتيجة للصعوبات التي يعانونها في تعلمهم للغة العربية باعتبارها مادة دراسية وأداة لتعليم المواد الدراسية الأخرى. قمنا بالدراسة المقارنة الحالية للتأكد من الآثار الفعلية لهذه المشكلة بتطبيق المنهجية العلمية (الوصف والتحليل) واستخدام الأدوات المناسبة لذلك (الاختبارات التحصيلية واختبار لقياس الاتجاهات نحو تعلم اللغة العربية والاستبيانات للمعلمين والأولياء) . ونظرا لكون اللغة الأولى للطفل البربري ليست العربية فإن ذلك يعني أن تعلمه لهذه الأخيرة تجعله مزدوج اللغة، مما جعلنا نتناول نظريا الجوانب التالية في الدراسة: الازدواجية اللغوية والازدواجية الثقافية والتثاقف. من حيث عينات البحث، فقد شملت عينة المعلمين 385 فردا (220 في المناطق البربرية و 165 في المناطق الناطقة بالعربية) . وعينة التلاميذ 4609 فردا ينتمون إلي السنتين الخامسة والسادسة أساسي (3357 في المناطق الأمازيغية و 1252 في المناطق الناطقة بالعربية) ؛ وعينة الأولياء 2030 فردا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 النتائج: بينت نتائج البحث إن تلاميذ المناطق البربرية يعانون من صعوبات جمة في تعلمهم للغة العربية، أكثر من زملائهم الناطقين بالعربية؛ وأن المدرسة من خلال منهاج هذه اللغة تعامل هؤلاء بنفس معاملة الناطقين بالعربية. كما تبين أن الطريقة المستعملة من أهم أسباب هذه المشكلة، وأن تكوين المعلم لا يأخذ هذه المناطق بعين الاعتبار. تبين أيضا أن هناك تأثيرا للمستوى في اللغة العربية على المستوى في المواد الدراسية الأخرى مثل التربية الرياضية (الحساب) . هذا المنهاج بني على أساس البيئة اللغوية والاجتماعية للناطقين بالعربية مما جعله يحابي هؤلاء ويغبن غيرهم من التلاميذ. وقد تبين أن هناك علاقة بين الاتجاه ومستوى التحصيل في هذه اللغة لأفراد العينة، تبين من النتائج أن أغلب الأخطاء المرتكبة من قبل أفراد العينة خاصة (ن. أ) يعود أساسا إلي النقل من اللغةالأولى، وإلى عدم حصول التعلم للدروس (للتراكيب والقواعد النحوية والصرفية) المقدمة من قبل المعلم، وأن أساليب التقييم بعيدة عن القواعد العلمية والتربوية كما أنه من النادر تصحيح وتقويم أخطاء التلاميذ في المواد المختلفة وخاصة اللغة العربية (بدعوى ضيق الوقت لكثافة المنهاج واكتظاظ الصفوف بالتلاميذ) . • • • مقدمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 لقد بحث موضوع "صعوبات تعلم اللغة العربية لدى الناطقين بها وبغيرها من قبل عدد من الباحثين على مستوى العالم العربي (1) ؛ وبُحث في الجزائر من الموضوع ما يتعلق بالمتعلمين الناطقين بالعربية دون غيرهم (2) علما بأن ما يقرب من 40 % من السكان هم من أصل بربري (أمازيغي) ، مسلمون لكنهم احتفظوا بلهجاتهم في تعاملهم اليومي، إلا أن هذا الاختلاف لم يؤخذ بعين الاعتبار من قبل القائمين على إعداد المناهج الدراسية وتعليم اللغة العربية. وقد أظهرت دراسة استطلاعية قمنا بها انخفاض نسب النجاح في الامتحانات الرسمية لأبناء هذه المناطق، والسبب الأساسي يعود إلى ضعفهم في مادة اللغة العربية. انطلاقا من هذه الدراسة الاستطلاعية من جهة، ومن الشكاوي المتكرّرة التي يقدمها المعلمون في هذه المناطق حول المستوى التعليمي الضعيف لتلاميذهم، خاصة في اللغة العربية، والتي هي لغة التعليم، قمنا بدراسة المشكلة لمعرفة درجة استفحالها في الوسط المدرسي البربري، وحصرنا إجراء الدراسة في الطور الثاني من التعليم الأساسي والذي يبدأ بالصف الرابع وينتهي بالصف السادس. وقد اخترنا هذا الطور للتأكد من وجود الصعوبات فعلا في تعلم اللغة العربية، لأن المتعلم يكون قد تكيّف في المدرسة بعد أن مرت عليه ثلاث سنوات. كما أن مسألة النضج قد خطا فيها خطوات وأن الصعوبات اللغوية التي قد تظهر في بداية التعلم تكون قد اختفت. ولا يبقى إلا تلك الصعوبات التي قد بعاني منها أغلب المتعلمين أو تلك الخاصة بالمتعلمين غير الناطقين بها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 وللعلم فإن منهاج اللغة العربية في الطورين الأول والثاني محصور في وثائق ومذكرات موحدة، أعدتها وزارة التربية الوطنية خصيصا للتقيد بها فقط دون غيرها، مما لايترك أي مجال لتكييف الدروس حسب بيئات ومستويات المتعلمين. كما أن منهاج الطور الأول طيلة سنواته الثلاث يتميّز باستراتيجية تخزين مضمون هذا المنهاج تخزينا آليا لدى المتعلمين، وعندما ينتقل المتعلم إلى الطور الثاني يجابه مشكلتين، تتمثل الأولى في اتساع المنهاج الجديد بالإضافة إلى المعارف والنشاطات اللغوية الجديدة (النحو والصرف ودراسة النصوص ... ) ، ومطالبته باستعمال مكتسباته القبلية والحالية وهو الشيء الذي لم يتدرّب عليه من قبل. كما أن دراسة على مستوى رسالة الماجستير ناقشناها مؤخرا (1) قد بيّنت بأن منهاج اللغة العربية في السنة الأولى أساسي لا يقدم للمتعلم سوى37 % من الرصيد اللغوي الذي يتلقاه المتعلم المغربي أو الفرنسي في نفس المستوى. ما هي المشكلات التي تنجم عن ارتباط المعلمين بالمذكرات الوزارية وغياب المرونة في التدريس؟ ظهرت مطالب سكان المناطق البربرية الخاصة بالاعتراف بلهجتهم كلغة وثقافتهم مما أدى إلى ظهور نوع من الازدراء نحو اللغة العربية، فهل يمكن للاتجاهات الجديدة نحو هذه اللغة أن تؤثر في تلاميذ المدارس، بحيث تؤدي إلى خفض حوافزهم ودوافعهم نحو تعلمها؟ وأخيرا أين تكمن المشكلة بالضبط؟ هل تكمن في التلميذ أم في المدرسة أم في البيئة المحيطة بهذا حالتلميذ؟ المشكلة: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 على المستوى اللغوي التربوي: إن نوع الازدواجية الذي يخضع له الطفل البربري المتمدرس هو نوع خاص، إذ يمتلك لخجة محلية وعند دخوله المدرسة يجد لغة جديدة،. لذلك فهو يجابه هذه الوضعية منذ هذا الوقت ولا يتعلم إلا مبادئ أولية منها حتى تظهر لغة أخرى، ليس لها أي ارتباط بالأولى ولا بالثانية، ولا بمحيطه الاجتماعي والثقافي وهي الفرنسية. ومن هنا نجد إمكانيات الطفل اللغوية تتوزع على ثلاثة سجلات مختلفة وعلى هذا الأساس تضعف دافعية المتعلم وتتوزع جهوده على تعلم أكثر من لغة في هذا المستوى التعليمي. لم يُحضّر الأطفال مسبقا لمجابهة الاختلاف القائم بين لغة البيت وما تتطلبه المدرسة في ميدان التفاعل اللغوي في الصف، مما يمكن أن يعرقل الطفل على المشاركة في العملية التعليمية. فالاختلافات في الضوابط اللغوية بين البيت والمدرسة، إضافة إلى اعتبار اللهجات والاختلافات اللغوية أمرا معيقا للعملية التعليمية، قد يفسّرالقصور في السيطرة على لغة المدرسة، والملاحظ عند أبناء المناطق البربرية بصفة خاصة. وهذا قد يكون سببا للعجز في القدرة على تعلم اللغة العربية حسب المستوى المنتظر. وانطلاقا من الصعوبات والأخطاء التي يقع فيها المتعلم والتي قلما يعالجها المعلم، فالطفل لا ينتبه وبالتالي يبقى مستمرا في الخطأ بل وتتراكم عليه أنواع أخرى من الصعوبات والأخطاء اللغوية؛ مما يتسبب في بقاء هذه الصعوبات طوال المسار التعليمي لهذا المتعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 أما المشكلة الثالثة فتتمثل في الاتصال التربوي داخل الصف، والصعوبات التي تتخللها أثناء تقديم الدروس عامة ودروس اللغة خاصة. فالمعلم يعمل غالبا على تطبيق المذكرات الجاهزة طريقة ومضمونا دون محاولة إحداث أي تغيير فيها، حسب متطلبات ومستوى وبيئة المتعلمين البربر. بالإضافة إلى ظاهرة استخدام الترجمة في الدروس من العربية إلى البربرية. إذ من خلال هذه الترجمة قد يتغير معنى مضمون الرسالة التربوية عما يقصده المعلم وبذلك يتضح أن عملية الاتصال قد تبقى جامدة. وبالنسبة للمستوى الاجتماعي الثقافي، فقد أُهملت الأوساط الثقافية واللغوية للمتعلم في منهاج اللغة العربية، مع عدم الاعتماد على دراسات ميدانية لتبني سياسة تربوية ولغوية صحيحة، مما أفرز مجموعة من العوائق نتج عنها عدم احترام مبدأ تكافؤ الفرص في التربية، والانتقاء غير المباشر، والتأخر الدراسي، وظهور الطبقية ذات الأصل التربوي مستقبلا والتي تحاربها (أو كانت) الجزائر بكل الوسائل. الفرضيات: أ. فعلى المستوى اللغوي نفترض أن تكون الثنائية اللغوية المركبة بربري عربي، عائقا ضد تعلم اللغة العربية لدى الأطفال المتمدرسين في المناطق البربرية، وقد يظهر ذلك في التعبير الكتابي وفي الخلط بين المفردات والتراكيب المستعملة. ب. وعلى المستوى التربوي: 1. نفترض أن تكون المذكرات الوزارية لتعليم اللغة العربية، من العوامل المساهمة في تكوين صعوبات تعلم هذه المادة لدى أبناء المناطق البربرية. 2. وقد تكون الترجمة المستعملة أثناء تقديم دروس اللغة عائقا في تعلم هذه المادة. 3. نفترض أن يكون استعمال الطريقة الحالية المعتمدة في المدرسة، في تعليم اللغة العربية أحد العوائق الأساسية في تعلم الطفل البربري لهذه اللغة. ج. أما على المستوى الاجتماعي والثقافي فنفترض أن يساهم نوع اتجاه المتمدرس البربري واتجاه أوليائه نحو اللغة العربية في تحديد مستوى تعلم هذه اللغة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 منهج البحث وأدواته: منهج البحث: استخدمنا المنهج الوصفي الذي من خلاله قمنا بتحليل وتفسير ومقارنة المعطيات والبيانات المستخلصة من البحث، لدى عينتي المتعلمين الناطقين بالعربية والناطقين بالبربرية، نظرا للصعوبات الإدارية (1) التي قوبلنا بها عند محاولة التدخل لاستخدام المنهج التجريبي. أدوات البحث: 1. استبيان المعلم: وضُمّن كل ما يتعلق بتعليم اللغة العربية (المنهاج والطريقة والوسائل ونظرة المعلمين إلى ذلك وعملية التقويم) . 2. استبيان بالأولياء: ويهدف إلى معرفة أنواع المشكلات التي يعاني منها التلاميذ البربر في المدرسة وكذا معرفة نوع الاتجاهات التي يكنونها للغة العربية. 3. اختبار لقياس الاتجاهات: يتكون الاختبار من ثمانية أسئلة، وقد طرحت بأساليب متنوعة بهدف التأكد من نوع الاتجاه الذي يبديه المتعلم. 4. اختبار التربية الرياضية: ويهدف إلى قياس القدرة على فهم نصوص التمارين والمسائل الحسابية، لذلك فالعمل الأساسي يتمثل في مدى فهم اللغة في هذه المادة. ومجموع درجات هذا الاختبار هو 30. 5. اختبار التحصيل في اللغة العربية: بُني هذا الاختبار بهدف تحديد مستويات متعلمي الطور الثاني في اللغة العربية، وتحديد أنواع الصعوبات التي يعاني منها هؤلاء. وقد أُخذت أنماط تمارين الاختبار من كتيب التمارين الرسمية مع تغيير طفيف في المضمون، وقد شمل الرصيد اللغوي وتركيب الجمل والنحو والصرف مع كتابة فقرة. يتألّف من ستين مطلبا ولكل مطلب درجة. مناطق إجراء البحث: أجري البحث في كل من المناطق الناطقة بالبربرية (مجموع المدارس بها هو 28) والمناطق الناطقة بالعربية (مجموع المدارس بها هو 13) عينات البحث: المعلمون: تتكون عينة المعلمين من 385 (200 في المناطق البربرية و 165 في المناطق بالعربية) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 المتعلمون: يتكون العدد الإجمالي لأفراد العينة في المناطق البربرية من 3357 تلميذا، (1528 منهم في الصف الخامس و 1829 في الصف السادس) . وفي المناطق الناطقة بالعربية من 1252 تلميذا (642 في الصف الخامس و 610 في الصف السادس) . عينة أولياء أمور التلاميذ: تتكون عينة هؤلاء الأفراد من 3020 شخصا أو عائلة. الأساليب الإحصائية المدعمة للبحث: استعنا برائز /ت/. وبرائز كا² الذي يقيس الفروق بين العينات. مدخل نظري 1 الازدواجية اللغوية: نظرا لكون الطفل البربري يعيش ظاهرة الازدواجية (الثنائية) اللغوية بين لهجته واللغة العربية من جهة، وبين هذه الأخيرة واللغة الفرنسية من جهة أخرى، فإننا نتناول فيما يلي بعض مفاهيم الازدواجية اللغوية. مفاهيم الازدواجية اللغوية: ونذكر ثلاث فئات من المفاهيم حسب ما يلي: 1. الازدواجية تعني اتقان اللغة الثانية كاللغة الأولى: ويرى هذا الرأي كل من بلومفيلد (Bloomfield 1935) ومارتيني (A.Martinet 1970) وبيزييه (Beziers) وفان أوفرباك (Van Overback عن فيتوري 1983) . وليوبولد (Leopold) (عن دو غريف وباسل (De Grève وPassel 1973) . 2. الازدواجية هي الحصول على أدنى مهارة في اللغة الثانية: يعتقد هذا الاعتقاد مكنامارا (Mac Namara 1967) . وبين هذين المفهومين المغاليين، توجد مجموعة معاني أخرى وسطية للمفهوم، ونذكر تعريف تيتون (سابق) كمثال. فهو يرى في الازدواجية " قدرة الفرد على التعبير بلغة ثانية مع احترام المفاهيم والبنيات الخاصة بهذه اللغة دون اللجوء إلى الترجمة بلغته الأولى". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 3. الازدواجية هي عدم كون الفرد أحادي اللغة: تؤكد هذا الرأي جان مارتينيه (Martinet J 1980) في تعريف لِ هوغان (Haugen) حيث تقول: "الازدواجية اللغوية هي حالة كل الأفراد الذين يشتركون في صفة عدم كونهم أحاديي اللغة ". كما يحدد أوكامبس (Aucamps عن تيتون) الازدواجية اللغوية: "بالحالة التي تتواجد فيها لغتان حيتان جنبا إلى جنب، حيث تستعمل كل لغة من قبل جماعة وطنية تمثل نسبة هامة من المجتمع". إذا أردنا مقارنة مفاهيم الازدواجية اللغوية من حيث أوجه الاختلاف وأوجه الاتفاق يمكننا أن نميز بين ثلاثة أنواع منها: 1. المفاهيم التي تأسست على ملاحظة ظواهر الازدواجية اللغوية ونتائجها، وهي تعاريف وصفية. 2. والمفاهيم التي تستند على توقع نتائج ومفاهيم الازدواجية وهي تعاريف معيارية. 3. والمفاهيم التي تستند على الاعتقاد بأن ظواهر الازدواجية معقدة ومتنوعة لكي توضع في إطار مشترك وموحد، ونظرا لاعتبارات منهجية، فإنه من الضروري إيجاد مفهوم عملي محدد. فهذه المفاهيم غير دقيقة وصعبة التطبيق، فهي لا تبين بدقة معنى: "المتكلم الأصلي"، وهي كفاءة متنوعة جدا داخل مجتمع أحادي اللغة. ولا معنى "مهارة دنيا في اللغة الثانية "، ولا احترام المفاهيم والبنيات المتعلقة باللغة. فهل يمكن مثلا إقصاء الفرد الذي يتميز بكفاءة عالية في اللغة الثانية، دون أن يتصف بالفصيح أي الأصلي بسبب نغمته الأجنبية، عن هذه اللغة؟ أو كيف يمكن مراقبة عدم تدخل اللغة الأولى في اللغة الثانية؟ ومن جهة أخرى فإن هذه التعاريف لا تتناول إلا جانبا واحدا من الازدواجية، وهو كفاءة الفرد في اللغة الثانية. انطلاقا من هذه الملاحظات يمكن قبول مفهوم أوكامبس (Aucamps) رغم كونه وصفي، لأنه يطابق وضعية الطفل البربري المتمدرس، والذي يستعمل لغته (لهجته) المحلية خارج المدرسة، بينما يستعمل اللغة العربية داخلها، أو عندما يضطر لاستعمالها أو الاستماع للمتكلم بها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 يستند كل مفهوم من المفاهيم السابقة الى نوع من أنواع الازدواجية التالية: 1 الازدواجية اللغوية التكميلية: وفيها تستخدم اللغة الأولى مثل اللغة الثانية، وكل واحدة ذات مرجع ثقافي خاص بها. ويخص هذا النوع من الازدواجية الطفل الذي ينشأ على لغتين أصليتين غير متصارعتين. 2 الثنائية اللغوية (Diglossie) : لتمييز الثنائية اللغوية استند فيرغوسون (Ferguson 1959) إلى معيارين متباينين، أولهما يتمثل في "التنافس بين شكلين لغويين ينتميان إلى نفس اللغة، وثانيهما يتمثل في وجود وضع لغوي مختلف عن الشكلين المذكورين، حيث نجد أحد النوعين يختص بالاستعمالات اليومية للغة، والثاني يفرض نفسه كمعيار رسميّ في المدارس، وفي المحاكم والصحافة والجيش". ويميل اللغويون لتعيين، تحت عبارة الثنائية اللغوية، حسب دابن (Daben 1994) " وضعية اجتماعية/ لغوية حيث توظف لهجتان بتنافس في وضع اجتماعي وثقافي متباين، أحدهما معتبر محليا وهو شكل لغوي مكتسب أوليا ومستخدم في الحياة اليومية، والثاني يمثل اللغة التي تستعمل في بعض الظروف ومفروضة من قبل الذين يمثلون السلطة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 3 الازدواجية اللغوية غير المتزنة أو شبه الازدواجية: في هذه الحالة إذا استخدمت اللغة الأولى أو اللغة الثانية فإن ذلك يؤدي إلى الاستخدام المتزامن للمرجعين الثقافيين أيضا. نجد في هذه الوضعية تداخلات دائمة ومتصارعة بين الأنظمة الرمزية، حتى ولو كان هذا الصراع بعيدا عن وعي الفرد المتكلم. ويحمل في نفس الوقت رسالتين مختلفتين تبينان انتماءهما المضعف، حيث تجعلان الفرد لا يستطيع أن يتموضع ثقافيا بصفة واضحة. وزيادة عن الغموض في الهوية الثقافية، فإن الظاهرة تغطي إشكالية السيطرة التي تتضح في عدم إتقان أي من النظامين اللغويين. وحتى اللغة الأولى التي بإمكانها أن تقوم بوظيفة مضعفة: "الأداتية والرمزية "، لا تتمكن من ذلك لأنها أصبحت لغة مسودة. كما لا تتمكن اللغة الثانية هي الأخرى من القيام بالوظيفة الرمزية، حتى وإن كانت سائدة وبالتالي تصبح اللغتان فاقدتين لوظيفة التبليغ. شكل الازدواجية اللغوية المقابلة للمناطق البربرية: منذ اليوم الذي يدخل فيه الطفل البربري المدرسة، وهو يشرع في مجابهة وضعية الازدواجية اللغوية بالمعنى الحقيقي. إلا أن اللغة العربية ليست أجنبية بالمعنى الذي يفهمه الغريب. فهي لغة المسجد والإدارة والإعلام. وأكثر من هذا فهي لغة المدرسة ولغة السلطة، إضافة إلى وجود ما يقرب من 43% من المفردات البربرية مقتبسة من اللغة العربية، حسب دراسات أوروبية (د. كوهين D.Cohen 1973) (1) وهي لغة الثقافة الجزائرية عامة ومنها البربرية رغم وجود بعض العناصر الخصوصية في هذه المناطق فالازدواجية الحادثة من تمدرس الأطفال البربر تتوافق والازدواجية غير المتزنة، حيث اللغة الأولى (اللهجة) تسيطر على الوضع طول مدة الحياة ما قبل المدرسية والمدرسية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 فهذا الطفل الذي يخضع إلى ظاهرة الازدواجية اللغوية (عربية/بربرية) قبل أن يكتسب لغته كاملة، ويتعلم المواد الدراسية الأخرى بنفس اللغة التي لم يتعلمها بعد،؛ وهنا سوف لن يبقى الوضع سليما، إذ أن مشكلات سوء التكيف والتخلف الدراسيين ... ستطرح لا محالة. وقبل اكتساب لغة المدرسة باعتبارها اللغة الأولى حسب السياسة التربوية، فإن لغة جديدة، وهي الفرنسية، تضاف ابتداءا من السنة الرابعة إلى المنهاج. مما يفرض عليه وضعية التعدد اللغوي دون أن يكتسب أيا منها اكتسابا طبيعيا. يمكن أن نستخلص من هذا أن الطفل مزوّد تكوينيا بقدرة على تعلم أو اكتساب لغة أو أكثر، وذلك مهما كان بلده أو وسطه أو طبقته الاجتماعية الاقتصادية أو الثقافية؛ وأن أي عجز في إمكانيته اللغوية يتحمّل مسؤوليته من يحيط به ومن يشرف على أمور التربية والتعليم؛ حيث ينبغي للمدرسة أن تقوم بمهامها الخاصة بالعدالة في التربية عامة، وفي تعويض كل نقص قد يتسبب فيه الوسط العائلي أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها هذا الطفل. إلا أن المدرسة لا تعمل على تعويض هذه النقائص فحسب، وإنما تُوسّع الهوة أكثر كلما ارتقى الطفل في سلمه التعليمي، بين الذين تحابيهم والذين تنبذهم. لهذا نرى أنه من الضروري أن يأخذ النظام التربوي فكرة العدالة في الانطلاق في التعليم بعين الاعتبار، وذلك بإعطاء الفرص المناسبة لكل طفل في أن يتعلم لغة المدرسة، حسب الظروف التي يعيش فيها وحسب إمكانياته الخاصة، مع تخصيص الإطار الكفء في المناطق التي تتظلب دراية كبيرة بمشكلات تعلم اللغات، خاصة إذا كانت لغة المدرسة تختلف عن اللغة الأولى للطفل. 2 الازدواجية الثقافية والتثاقف: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 إن فرض الاستعمار الفرنسي نفسه بشتى الطرق على الشعوب المغاربية عامة وعلى الشعب الجزائري خاصة قد أدى إلى تغيير عميق في مكوّناته الاجتماعية والثقافية (وحتى العقائدية) ؛ إلا أن ما تبقى من الزوايا في بعض الأرياف وفي الجنوب وما استنهضته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قد أدى إلى تخليد ما كانت الجزائر عليه بالرغم من احتكاك وتداخل الثقافتين العربية والفرنسية، وتصارع كل من التعليمين العربي والفرنسي قد أنشأ وضعية تصارعية بين عامة الشعب، والتي امتدت إلى الاستقلال ومازالت باقية إلى اليوم. ويمكن القول أن الظاهرة الاستعمارية قد جعلت الفرد الجزائري " في ميدان معركة حيث يواجه عالَمان ثقافيان". فإذا كانت الثقافة العربية الإسلامية قد أنشأت هوية الشعوب المغاربية عامة، وكان لها قدرة إدماج هذه الشعوب وبالتالي تقبلها بكل رضى واطمئنان. فإن المستعمر" فرض ثقافته وأراد أن يدمج فيها هذه الشعوب بقوة. وكان يقصد من ذلك ابتلاعها وإدماجها في الشعوب المستعمرة (بكسر الراء) ، مما جعل السياسيين ورجال الدين يقاومون هذا التوجه الاستعماري المفروض مقاومة عنيفة بالبندقية والقلم ". الازدواجية الثقافية وصراع الثقافات: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 "إن وعي الشباب بالاختلال الموجود بين الثقافتين العربية الاسلامية من جهة والغربية من جهة أخرى، قد أظهر وُلوعا مفرطا تجاه الثقافة الغربية المعتبرة كوسيلة وحيدة للرقي الاجتماعي والثقافي من ناحية، وقد أخذ موقف المنسلخ عن الثقافة العربية الإسلامية من ناحية أخرى، التي اعتُبرت متخلّفة ". (فيتوري 1983) وفي "الحقيقة أن الأمر لا يتعلق بالصراع بين ثقافتين فحسب، وإنما الأمر يتعلق بتمزق الشخصية التي وجدت نفسها بين العصرنة (المبهرة) والتقليد (القديم) . وقد ساهمت المدرسة في تشكيل هذه الوضعيات التوترية، باعتبارها مصدر الناشر والموزع للتثاقف (acculturation) . وانطلاقا من تفتح المدرسة على العالم المعاصر من خلال الازدواجية الثقافية التي تعد إحدى خصائصها، لا تعمل إلا على تدعيم أوضاع التوتر التي يعاني منها الشباب، لأن التأقلم مع الثقافة العصرية يتولد عنه حاجات جديدة، ليس على المستوى الذهني فحسب ولكن بصفة أخص على المستوى الانفعالي أيضا ". ولهذا نتساءل: هل ينبغي أن يكون كل من الجو الاجتماعي والجو المدرسي ملائمين؟ وهل يمكن للتربويين الواعين بهذه الأوضاع، أن يحققوا هذا التأقلم للشباب مع الثقافة المزدوجة دون إحداث تمزق عميق أو تشويه أو تحريف للثقافات؟ إن التثاقف يتطلب " التأثير المستمر والثقيل الذي تقوم به ثقافة مسيطرة على ثقافة مسيطر عليها والتي لا تتمكن من التخلص من هذه السيطرة، هذا التأثير الذي أدى إلى تحوّلات عميقة في الثقافة المسيطر عليها، وذلك تبعا لدرجة مقاومة هذه الأخيرة. ويظهر أثر هذه التحوّلات على بنيات المجتمع وعلى الأفراد ظهورا صريحا؛ علما بأن الثقافة تحدد طرق الانتظام الاجتماعي، وتساهم في التعريف بأهم مكونات الوسط الذي يسلك فيه الفرد كما أن استقرار وانسجام الوسط الثقافي من شروط تكامل الشخصية ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 وفي هذا الصدد يرى رالف لينتون (R.Linton 1965) : أن " فردا يعيش في مجتمع ذو ثقافة مستقرة نسبيا، يرى شخصيته في صيرورة متكاملة ومنسجمة كلما كبر وتقدم في السن. فالفرد الذي يجد نفسه في هذه الحالة يكون سعيدا أكثر من ذلك الذي يرى نفسه مرغما على ملاحظة نماذج من السلوكيات الظاهرية التي تتباين مع الأنظمة القيمية المواقفية التي نشأ عليها من خلال خبراته الأولى، ونتيجة هذا التباين تتضح أكثر عند أولئك الأفراد الذين بدأوا حياتهم في إطار ثقافة معينة ثم حاولوا التكيف فيما بعد مع ثقافة جديدة. في هذه الشروط الثقافية قد يتمكن الفرد من التعلم كيف يتصرف أو حتى يفكر في إطار الثقافة الجديدة " إلا أن ما يصعب عليه تعلمه هو أن يشعر ضمنها بما يشعر به في ثقافته الأصلية. فكلما وجد نفسه أمام قرار ينبغي أن يتخذه إلا ويكتشف أنه يعوزه نظام المرجعية الثابت، كما تغيب عنه الموجهات التي تكون عند الفرد الأصيل في هذه الثقافة ". ويصرّح مارك ريشل (M.Richelle 1960) " إذا كان تكامل الشخصية تابعا أساسا لوسط ثقافي معين، فإن أي تغيّر قد يحدث في نظام هذه الثقافة يكون تكامل الشخصية معنيا بشكل مباشر". وتؤكد س. حسن الساعاتي (1983) العلاقة بين الثقافة والشخصية بقولها: " ... فكما أن الفرد يولد داخل مجتمع ما فهو يولد أيضا داخل ثقافة خاصة تشكّل شخصيته". هذا " التصور للعلاقة بين الشخصية والثقافة يؤدي عموما إلى الاستنتاج بأن كل وضعية تثاقف تقود بالتعريف إلى تفكك الشخصيات التي تعيش هذا التثاقف، وأنها تحمل في طياتها اختلالات وتشوّهات مرَضية. إذا كانت هذه القاعدة عامة فقد يحق لنا اعتبار ظاهرة التثاقف كاختلال للنظام الثقافي، أي كمرض حقيقي يصيب الثقافة ". الازدواجية الثقافية والازدواجية اللغوية والتثاقف: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 في نظر كلود لفيس ستروس (C.Levi-Strauss 1958) : "اللغة هي في آن واحد فعل ثقافي في غاية الجودة وهي بواسطتها تنشأ وتنبني كل أشكال الحياة الاجتماعية وتصبح ذات ديمومة ". ونستوضح مع فيتوري هذه المقولة بما يلي: إذا ما طبقت هذه المقولة على الحقيقة المغاربية فإنها تسمح بالوعي بعمق الآثار التي نجمت وتنجم عن التثاقف على لغة الأفراد. إذ يكفي مد الأذن في أروقة المدارس وفي الأماكن العامة لمعرفة حالة التلف الذي توجد فيه لغة هؤلاء الناس. وقد ساهم التمدرس والازدواجيتان اللغوية والثقافية في تكريس ذلك؛ فهذا الخليط اللغوي بين العربية والفرنسية يترجم بجلاء الغموض الذي أنجزه التثاقف. فمنذ حلول الاستعمار إلى يومنا هذا ولغة طلبة الجامعة أو التلاميذ في المدارس أو حتى العوام لا تخلو جملة يتلفظون بها من مفردتين فرنسيتين مكيَفتين، هذا عن من يدرس بالعربية فماذا يقال عن الذين درسوا في المعاهد العليا الفرنسية وعن الناطقين بالبربرية؟ [نحن نؤكد] الثقافة وتعدد اللغات: إن النفوذ إلى ثقافة ما يتطلب بالضرورة التحكم في اللغة المطابقة لها. لكن بعد أن تأمل فيرنيتش (Weinreich 1973) في العلاقة لغة / ثقافة صرّح قائلا: "لو أن التواصل قد حُصر في حدود الطوائف اللغوية فسيكون في الإنسانية عدد من الثقافات المتنوعة الذي يماثل عدد اللغات. وهذا الأمر غير منطقي، فوجود التشابهات الثقافية المدهشة بين أقطار ذات لغات مختلفة اختلافا كبيرا لدليل على أن التواصل يمكن، بل ويجب أن يحدث بحيث يتعدى الحدود اللغوية ". وحسب فيرنيتش دائما فالثقافة لا تحدد بالضرورة اللغة نظرا لكون التشابه الثقافي يمكن أن يتأقلم بالتنوع اللغوي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 وإذا كان هذا الأمر حقيقة فإن بعض الشروط ينبغي أن تتوفّر لقبول هذا الافتراض: كأن تكون اللغات التي تلتقي في نفس الثقافة تنتمي إلى نفس العائلة اللغوية مثلا، أو أن اللغة الأولى واللغة الثانية قد تعيشتا دون صراع أو رفض أو نبذ، أو أن تكون الثقافة التي تلتقي فيها لغتان أو أكثر أكثر ثراء وأوسع أفقا، بحيث يطمح متحدثو هاتين اللغتين إلى تشرّب هذه الثقافة دون أية عقدة أو شعور بالنقص. والشرط الثالث الذي يمكن إضافته يكمن في عدم تصارع العقيدة مع أيٍ من اللغات المتواجدة في نفس الثقافة التي تحتوي هذه العقيدة. هذه الشروط تنطبق على كل من العربية والبربرية بصفة الأولى لغة العقيدة (لكن التثاقف قد كوّن مشكلات أدت الى التراجع عن قبول العربية من قبل الناطقين بالبربرية خاصة الحاملين للثقافة الفرنسية والفقراء إلى الدين واللغة العربية) مما جعلنا نبحث الموضوع وآثاره على الأطفال المتمدرسين وبصفتنا ننتمي الى هذه الشريحة من المجتمع الجزائري ونغار على لغة الضاد والقرآن. ويرى كل من هامرز (Hamers) وبلان (Blanc) (1983) "أن الطفل عندما يدخل المدرسة يكون قد استخدم لغته من قبل، من خلال مختلف الوظائف (التواصلية والعاطفية ثم تدريجيا الوظيفة المعرفية) . فإذا كانت هذه الوظائف المعرفية قد نمت نسبيا نموا ناقصا وأن المدرسة تستثير الطفل على تنميتها وتطويرها من خلال لغة أخرى فإن ذلك يُحدث نوعا من الانقطاع المجحف لنموه المعرفي. وعكس ذلك إذا كان الطفل قد دخل المدرسة بنمو لغوي تام في اللغة الأولى، وأن هذه الأخيرة مقيّمة ومعتبرة في كل من العائلة والمدرسة فلن تكون لديه عقبات لاكتساب لغة ثانية في المدرسة ". ومن هنا طالبنا بأن يُلحق أبناء الناطقين بغير العربية بالتعليم ما قبل المدرسي من أجل تحضيرهم لتعلم اللغة العربية بشكل سليم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 وحسب روندال (Rondal وآخرون 1983) فالطفل يسهل عليه أن ينتمي انتماء ثقافيا مضعفا إذا كانت الطائفة التي ينتمي إليها تتقبل هذه الفكرة مما لو كانت ترفضها. فالصراع الناتج عن التمييز اللغوي بين العربية والبربرية قد يمدد إلى المجال الثقافي، رغم انتماء هذه الأخيرة إلى أسرة الثقافة العربية الاسلامية منذ أكثر من سبعة قرون. فالطلب الذي كان ملحا للإعتراف بالأمازيغية أسبابه سياسية لكن جذوره تمتد إلىأسباب ثقافية، ولهذا السبب ينبغي بحث هذا الجانب النفسي/الاجتماعي وأثره على تعلم اللغة العربية عند أطفال هذه المناطق. الدراسات السابقة: لقد أجري عدد من الدراسات حول مشكلات تعل|م اللغة العربية في مراحل التعليم العام، وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي في الجزائر. كان البعض منها بهدف الحصول على إجازة جامعية، بينما أنجز البعض الآخر بهدف الكشف عن الموضوع. أما الدراسات الأجنبية حول صعوبات تعل|م اللغة العربية في الجزائر فلم نعثر عليها. وأما دراسة المشكلة في المناطق الناطقة بالبربرية فلم ينجز من قبل. وفيما يلي نستعرض أهم نتائج هذه الدراسات: في سنة 1989 ظهر كتاب مليكة بودالية قريفو (Grefou) بعنوان "المدرسة الجزائرية من ابن باديس إلى بافلوف". فقد بينت الدارسة بالمقارنة الدقيقة أن أهداف تعليم اللغة العربية في الطور الأول، هي نفس أهداف تعليم اللغة الفرنسية في أقسام التكييف الخاصة بالمتخلفين تخلفا عقليا بسيطا بفرنسا، وأن منهاج هذه اللغة هو نفس منهاج اللغة في هذه الأقسام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 أما عن الطريقة المتبناة لتدريس اللغة العربية، فتتمثل في تلك التي تتبناها اللغات الأجنبية في بداية ظهورها، وهي المنبثقة من المذهب "السلوكي البافلوفي". وقد صرّح بها واضعو المناهج في كتيب المعلم الخاص بالتوجيهات (سنة رابعة أساسي) . إلا أن المؤلفة قد طرحت مشكلة هامة وكان من الأفضل أن تستخلص من خلال دراسة ميدانية استطلاعية شاملة، حتى يكون لها أثر أقوى في نفوس المسؤولين عن التربية والتعليم، ويبحثون عن الحلول المناسبة لها. كما أنها لم تقدم حلولا للمشكلة المطروحة حتى يستفاد منها في الانطلاقة في العلاج المناسب لها. كما قامت الأستاذة خولة طالب الإبراهيمي بدراسة (باللغة الفرنسية) حول مدى استجابة منهاج اللغة العربية في التعليم الأساسي لحاجات المتعلمين ولمتطلبات تعلّم اللغة التي تدرّس بها المواد الدراسية (لغة المدرسة) . فتمثلت النتائج في النقاط التالية: * تجاهل واضعو منهاج اللغة العربية مما أتى به علم الاجتماع وعلم النفس اللغويين والتربية العملية والتعليمية من نتائج علمية حول تعليم اللغات. وهنا اتفقت مع مليكة قريفو حول طريقة تعليم اللغة العربية. * وبينت أن ذلك أدى إلى إحداث قطيعة على المستوى الاجتماعي/اللغوي تتمثل في الرفض المتصلب للخبرة المعيشة والمكتسبات اللغوية للطفل في مرحلة ما قبل المدرسة. فلغة المدرسة لغة مصطنعة لا يمكن أن تتحقق في حياة المتكلم الجزائري، وهي في نفس الوقت لا تنطبق على اللغة الشفهية المتصفة بالعفوية. * وترى أن الوضع الذي تدرس من خلاله هذه اللغة يكوّن أهم أسباب الرسوب وعدم السيطرة على اللغة، ويؤدي ذلك إلى نفور التلاميذ من تعلمها ومن كل ما يمت بصلة إليها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 * ومن ناحية الاستمرارية اللغوية بين أطوار التعليم ترى الباحثة أن " الانتقال من لغة مصطنعة مفصولة عن بيئتها الطبيعية إلى سجل لغة أكثر ثراء ومطبوعة بدقة البلاغة يؤدي إلى قطيعة خطيرة في استمرارية اللغة. مما يجعل التلاميذ يفقدون معالمهم الاجتماعية اللغوية، لأن لغة المدرسة أو اللغة المدرسية في المدرسة لا علاقة لها بحقيقة بيئتهم ... في نهاية المسار التعليمي، لا يسيطر التلاميذ على أي من اللغتين المكتوبتين (العربية والفرنسية) المتنافستين باستمرار في المجتمع. وقد نتج عن هذه الظاهرة فقدان هؤلاء لمعالمهم اللغوية والثقافية ووصل الأمر بهم إلى عدم معرفتهم كيفية التبصّر والتفكير وتأليف نصوص منتظمة. وحسب المؤلفة دائما أن المدرسة اعتبرت لغة الطفل ما قبل المدرسة لغة خاطئة لذلك فهي تحتاج إلى تصحيح بحيث تطابق سجلا هو الوحيد الذي يعتبر مشروعا ويكون ذلك بإحداث قطيعة عنيفة بين عالم المعرفة للطفل وعالمه المدرسي وذلك من خلال تغطيسه في عالم من الترويض البافلوفي الآلي والمنفّر والذي يفقد معاني الإبداع، وذلك بوضعه في قالب معد مسبقا، عن طريق الترويض الذي يساهم، بطابعه التكراري، في إفقار قدرات التلميذ والتي قلصت إلى مستوى الببغاوة، إثر تعليم آلي "بنيوي" مؤسس على النموذج: مثير -> استجابة، أساس المنهجيات المباشرة والسمعية البصرية البنيوية الكلية التي سيطرت على تعليم اللغات طوال عشرات السنين، نموذج تعليم الذي ذُمّ من قبل عدد من المختصين منذ الشروع في تطبيقه. في النهاية اقترحت المؤلفة عددا من الاقتراحات نلخصها فيما يلي: الاهتمام بخبرات الطفل ما قبل المدرسة وبرصيده اللغوي الذي يساعده على ترقية الرثيد الذي سيحثل عليه في المدرسة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 ينبغي الاضطلاع والأخذ على العاتق الثنائية اللغوية (المعبر عن المسافة بين لغة الطفل ولغة المدرسة) وليس بالتنديد والإبعاد للغات المحلية من حقل تعليم/تعلم اللغة. وبالعكس ينبغي العمل على تسهيل دخول الطفل إلى كل سجلات الذخيرة اللغوية الشفهية المستعملة في المجتمع الجزائري. وفي الختام لتحديد الاستعمالات التدريسية في تعليم اللغة العربية ينبغي: أن يقدم في هذا التعليم المقاربة النصية (استعمال النصوص) التي تتحمل على عاتقها كل أبعاد إنتاج نص (إذا خطابا) ، وما يجعل فعل القراءة فعلا منتجا ومحركا للنشاطات اللغوية الأخرى إذ هناك نشاطات عدة يمكن تحقيقها في الصف. وذلك باستخدام الاشتقاق في العمليات الكبرى للتصنيف الدلالي والنحوي، والذي يشكل جهاز تنظيم وبناء العمليات اللغوية التي يحققها المتكلم عندما يتحدث ... تحديد يجعل من التلاميذ والمعلمين الممثلين الأساسيين للفعل التربوي التعليمي". وهناك دراسة قامت بها شريفة غطاس (في إطار تحضير أطروحة دكتوراه) حول "الطفل الجزائري وتعلم اللغة العربية في المدرسة الأساسية " (1995) وأهم النتائج التي توصلت إليها ما يلي: يملك الطفل الجزائري كفاءة لغوية أرقى بكثير من تلك التي الكفاءة التي تعمل المدرسة على تنميتها وتوطيدها. يتمكن الأطفال ذوي عمر الخامسة والسادسة من إنتاج نص التعبير الشفهي غير محرف وخال من الأخطاء طوله يماثل طول نص أطفال هذا العمر، وعدد الجمل التي يحتوي عليها النص أكثر بكثير من المضمون المبرمج في الكتاب المدرسي، وهي جمل منسّقة ومرتبة ومنسجمة مع المضمون المقصود. بينت الدراسة أن كفاءة الأطفال في سرد قصص تختلف حسب نوع الاختبار المقترح على الطفل، وقد أظهر أفراد العينة، سواء في إنتاج قصص حرة أو مرددة كفاءة أكثر من غيرهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 تبيّن أن إنتاج القصص الحرة والمرددة تتصف باستعمال تراكيب معقدة ومفردات غنية أكثر من سرد قصص انطلاقا من صور. وحسب المؤلفة كل هذه الملاحظات تؤدي إلى تأكيد تنوّع المهام في الإطار المدرسي، عكس التعليم المؤسس على نموذج جامد أكد عدم فعاليته وجدواه على المستوى اللغوي والتربوي. إذ أن الطريقة مبنية على مبدأ النموذج الجامد الأحادي الأساس والاتجاه الذي يمتد لمدة السنوات الثلاث الأولى لاكتساب اللغة في الإطار المدرسي، فهي تدعم وتحابي البسيط مقابل المركب، والتجاور والتقريب مقابل الانتظام والتناسق، والجملة مقابل النص، والتكرار والحفظ للجمل مقابل إبداعها. إن تبني هذا النظام البسيط والآلي قد تولّد عنه نموذج الاكتساب الببطئ، فهو يظهر كنموذج قابل لأن يكوّن حواجز ويوقف مسار تعلم اللغة وتطور النمو الفكري. كما أن التوجيه التربوي يقف كعائق ضد تنمية المستوى اللغوي والاكتساب الذي يبني المستوى الحقيقي للمتعلمين. وفيما يتعلق بالاقتراحات التي تراها كحلول للمشكلة التي درستها فقد مست جوانب مما ذكرته الأستاذة خولة طالب منها: الاهتمام بلغة الطفل الأولى في المدرسة، وجعل الطفل محور عملية تعلم اللغة بواسطة جعله طرفا أساسيا في تعليم اللغة العربية مع الاعتناء الكبير بقدراته الذهنية التي لا ينبغي تجاهلها مثلما هو عليه اليوم، ثم اعتماد التنوع التربوي في مجال اللغة، بحيث يعرض الطفل إلى كل أنواع النصوص اللغوية شفهيا وكتابيا، ولا يمكن نسيان أهمية اللغة المكتوبة وقواعد اللغة والكتابة وذلك بالأساليب التي تناسب الأطفال وبالاعتماد على الطرق المناسبة له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 لقد أجريت دراسات أخرى حول مشكلات تعلّم اللغة العربية في المرحلة الإعدادية من قبل " رشيد مرجانة، وفي مرحلة التعليم الثانوي مثل ساعد زغاش، لكنها دراسات في إطار تحضير رسائل ماجستير. وتوصّل الإثنان إلى أن سبب انخفاض المستوى الدراسي للمتعلمين يعود إلى ضعفهم في تحصيل مادة اللغة العربية. لا شك في أن نتائج هذه الدراسات تساهم مساهمة فعالة في حل المشكلات العديدة التي يعاني منها أبناؤنا في المدرسة في جميع المراحل التعليمية، بدءا بالطور الأول من التعليم إلى السنة الأخيرة من التعليم الجامعي وحسب ما هو ملاحظ فإن للغة ضلع كبير في ذلك، إذ بواسطتها يتعلم المتعلم المواد الدراسية الأخرى، وهي في نفس الوقت تدخل ضمن هذه المواد. إضافة إلى ما ظهر من تجاهل المدرسة للغة الطفل العائلية وغير ذلك مما تسببت فيه المدرسة في حد ذاتها. إلا أن الموضوع خطير بشكل أكثر مما طرح أعلاه بالنسبة للأطفال الناطقين بالبربرية؛ فإذا كانت الطريقة المعتمدة في تعليم اللغة العربية في المدرسة منبثق من منهجيات تعليم اللغات الأجنبية (للكبار طبعا) ، وأن المنهاج والطريقة المعتمدين في المدرسة قد أديا إلى ما هو عليه أطفالنا، فإن ذلك أخطر في المناطق الناطقة بالبربرية رغم تطبيق الطريقة التي يدّعى أنها تناسبهم أكثر من غيرهم لأنهم لا يتكلمونها في حياتهم اليومية لهذا، إضافة إلى ما تُوصل إليه من نتائج فإن البحث الحالي سيكشف، من خلال الفرضيات المطروحة، على جوانب عدة منها ما هو تربوي تعليمي، ومنها ما هو لغوي، ومنها ما هو اجتماعي لغوي ونفسي لغوي. نتائج البحث الميداني النتائج العامة للدراسة: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 تتناول هذه النتائج كل البييانات والمعطيات التي جُمعت من خلال أدوات البحث مع تحليلها، والمتمثلة في الدرجات التي تحصّل عليها أفراد العينتين الناطقين بالبربرية والناطقين بالعربية، في كل من الاختبارين التحصيليين في اللغة العربية والتربية الرياضية (الحساب) ، وما قدّمه المعلمون من آراء حول مضمون وطريقة تدريس منهاج اللغة العربية، في الطورين الأول والثاني من التعليم الأساسي (المرحلة الابتدائية) . وكذا النتائج المستخلصة من خلال اختبار قياس الاتجاهات نحو اللغة العربية وتعلّمها لدى الأطفال الناطقين بالبربرية وذويهم. كما نقوم بعرض أسباب الصعوبات التي يعاني منها المتعلمون كدليل على معاناتهم لهذه لصعوبات في تعلّم هذه اللغة، وخاصة الناطقين بالبربرية منهم، وبعد ذلك نقدّم أهم الاقتراحات التي نراها حلولا مناسبة للمشكلة. ونبدأ عرض هذه النتائج بعرض نتائج اختبار التحصيل في اللغة العربية: 1. نتائج اختبار اللغة العربية: جدول (1) يوضح درجات تلاميذ الصفين 5 و6 في اختبار اللغة العربية. فئات الدرجات نا. بالبربرية % نا. بالعربية % 11-8 272 8 ,10 12 0,96 15-12 287 8 ,55 14 1,12 19-16 438 13 ,05 19 1,52 23-20 459 13 ,37 31 2,47 27-24 499 14 ,86 81 6,47 31-28 529 15 ,76 150 11,98 35-32 383 11 ,41 188 15,02 39-36 278 8 ,28 215 17,17 43-40 147 4 ,38 230 18,37 47-44 48 1 ,43 168 13,42 51-48 13 0 ,4 86 6,97 55-52 4 0 ,11 49 3,91 60-56 0 0 9 0 ,72 مجموع 3357 100 1252 100 إذا ما انطلقنا في هذه النتائج من المتوسط الحسابي لكلا العينتين البربرية والناطقة بالعربية، فإنه بلغ لدى الأولين (العينة البربرية) 25,03 بينما بلغ لدى الناطقين بالعربية 35,77، من أصل 60 درجة. وأما النتائج حسب مستويات التحصيل فهي كالتالي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 المستوى المتفوق: لا يوجد في هذا المستوى سوى 6,32% من التلاميذ التاطفين بالبربرية (ن. ب) مقابل 43,29% من التلاميذ الناطقين بالعربية (ن. ع) (1) . يلاحظ هنا نسبة تفوّق (ن. ع) الكبير مقارنة بنسبة زملائهم (ن. ب) ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن (ن. ب) أكثر معاناة لصعوبات تعلم هذه اللغة من غيرهم. المستوى المتوسط: بالنسبة للمستوى المتوسط (تتراوح درجاته ما بين 26 و 39) نجد 42.3% من (ن. ب) ، إلا أن أغلب التلاميذ يتواجدون في فئات الدرجات الدنيا (34-26) . بينما نجد نسبة التلاميذ (ن. ع) تبلغ 53,11% لكنهم يتجمعون في فئات الدرجات العليا (39 -32) . المستوى الضعيف: يوجد ضمن هذا المستوى 51,38% من (ن. ب) و 3.4% من (ن. ع) ، ويتضح أن التلاميذ (ن. ب) أكثر ضعفا من زملائهم (ن. ع) . وللتحقق من هذه الفروق طبقنا اختبار {ت} فكانت قيمته هي 38,12؛ الفرق دال عند مستوى الدلالة 0,001. ومن خلال هذه النتائج يمكن أن نستخلص ما يلي: 1. إن الدرجات التي تحصّل عليها التلاميذ البربر تنخفض انخفاضا ملحوظا عن تلك التي تحصّل عليها زملاؤهم ويلاحظ انتشار الضعف والصعوبات عند الأولين عنه عند الأخيرين. 2. اتضح أن تلاميذ الصف السادس أكثر حصولا على الدرجات من زملائهم في الصف الخامس، وهذا في كلا العينتين (ن. ب) و (ن. ع) . 3. تبين من خلال النتائج أن نسبة المتفوقين مرتفعة عند (ن. ع) عنه عند (ن. ب) . 4. ينتشرالتلاميذ في المستوى المتوسط أكثر منه في المستويين الآخرين، علما بأن التلاميذ (ن. ب) ينتشرون في الفئات الدنيا للدرجات وذلك عكس زملائهم (ن. ع) . 5. وأخيرا تبيّن أن التلاميذ البربر يعانون ضعفا كبيرا في تحصيلهم للغة العربية، بينما يبقى مستوى تحصيل زملائهم مقبولا بل وحسنا، مما يدلّ على أن تدريس هذه اللغة يحابي هؤلاء الأخيرين. 2. نتائج اختبار التربية الرياضية: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 الهدف، كما ذكرنا أعلاه، من هذا الاختبار هو معرفة مدى استفادة التلاميذ من الرصيد اللغوي المتعلم في اللغة العربية لفهم لغة الرياضيات، (وقد اخترنا هذه المادة لأهميتها مقارنة بالمواد الدراسية الأخرى التي تدرّس بواسطة اللغة العربية) . وقد ظهر ذلك من خلال الدرجات المحصّل عليها في اختبار التربية الرياضية والموضّح حسب المستويات، في الجدول التالي: جدول رقم (2) يبيّن الدرجات المحصّل عليها في التربية الرياضية مقارنة بالمستويات التحصيلية التلاميذ/المستوى صفر م. ضعيف م. متوسط م. متفوق ص5. نا. ب. 1528 10,93 64,40 33,83 1,77 نا. عرب 642 6,54 38,32 50,78 10,9 ص6. نا. ب 1829 10,28 72,88 23,84 3,28 نا. عرب 610 3,44 30,65 46,58 22,79 حددنا المستويات كالتالي: المستوى الضعيف يتراوح بين 0 و 10 درجات، المستوى المتوسّط ويتراوح بين 11 و 20 درجة، المستوى المتفوّق ويتراوح بين 21 و 30 درجة. يوجد من 69,02% التلاميذ البربر في المستوى الضعيف مقابل 34,58% من زملائهم (ن. ع) . ويوجد 28,38% من التلاميذ و 48,72 % من (ن. ع) في المستوى المتوسّط، أما في المستوى المتفوق فلا يوجد سوى 2,60م% من التلاميذ (ن. ب) مقابل 16,69% من التلاميذ (ن. ع) . هذه النتائج تبيّن بوضوح الفروق الموجودة بين تلاميذ العينتين في هذه المادة أيضا؛ علما بأن عدد الكلمات التي لم يفهمها التلاميذ (ن. ع) لا يتعدى 3، بينما بلغ هذا العدد عند (ن. ب) ال 18 كلمة في نصوص التمارين الرياضية. لقد بين اختبار {ت} الفرق الواضح بين تلاميذ العينتين، إذ أن قيمته تساوي إلى 7,197، وهي دالة عند مستوى 0,001. لقد ظهرت صعوبات فهم اللغة في التربية الرياضية من خلال عدد الكلمات غير المفهومة من قبل أفراد العينتين، إذ طُلب منهم نقل كل تمرين ثم وضع خط تحت كل كلمة غير مفهومة، وبعدها تنجز هذه التمارين. ويظهر عدد الكلمات غير المفهومة في كلا العينيتن من خلال الجدول التالي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 جدول (3) يبين عدد الكلمات غير المفهومة في الصفين الخامس والسادس في اختبار التربية الرياضية. مستو/كلمات فهم كلي 3-1 6-4 9-7 12-10 15-13 18-16 مجموع نا. بربر 504 874 1299 464 153 17 - 2807 % 15,01 26,03 38,69 13,82 4,56 0,5 0,11 83,73 نا. عرب 655 493 30 - - - - 493 % 52,39 39,38 2,39 - - - - 41,77 يظهر من الجدول السابق أن 15,01% فقط من التلاميذ البربر، لم يصرحوا بوجود كلمات صعبة في نصوص تمارين التربية الرياضية، وأغلبهم يوجدون في المستوى المتفوق في الاختبارات الخاصة باللغة العربية والتربية الرياضية. وبالمقابل يوجد 52,39 % من التلاميذ الناطقين بالعربية الذين يوجدون في نفس الوضعية. وهذا الفارق الكبير بين النسبتين، يبيّن الاختلاف الواضح في مستوى تلاميذ المنطقتين من جهة، والضعف الواضح الذي يعانيه التلاميذ البربر في تعلم اللغة العربية من جهة ثانية، مع عدم الاستفادة منها في تعلم المواد الدراسية الأخرى (ومنها التربية الرياضية) . وللتأكد من هذا الفارق بين العينتين طبقنا كا² فكانت قيمته تساوي إلى 574,8 وهي دالة عند المستوى 0.001. ويظهر من هذه النتائج أنه كلما كان مستوى التلاميذ منخفضا في اللغة العربية، تبعه انخفاض في مستوى نتائج اختبار التربية الرياضية والعكس، (وقد يعمّم ذلك على المواد الدراسية الأخرى، لكون اللغة العربية هي مادة دراسية ولغة التعليم معا. وبالنسبة للعلاقة بين المستوى في هذه اللغة وبين التربية الرياضية طبقنا معامل الارتباط الذي بلغت درجته 0.83 وهي علاقة قوية وموجبة ودالة عند مستوى 0,001. هذه العلاقة تبين بوضوح مدى تأثير اللغة العربية، لغة التعليم، في تعلم المواد الأخرى ولعل المشكلة قد اتضحت أكثر هنا وظهرت خطورتها. تفسير أسباب صعوبات تعلم اللغة العربية: ما يمكن ذكره حول أهم الأسباب ما يلي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 لم يفهم ولم يكتسب تلاميذ المناطق البربرية ما تعلموه (إن حدث هناك تعليم وتعلم) ، من حروف الربط والأدوات التي تُدخل التغيرات على الحركات الإعرابية في الاسم أو الفعل، ولا القوالب والتراكيب اللغوية التي قدمتها له المدرسة رغم طول المدة (خمس أو ست سنوات) . وقد نتج عن عدم الفهم هذا عدم القدرة على التمييز بينها ومن ثمة صعوبة استخدامها عند الحاجة: فلا فرق بين النفي عامة والنفي في الماضي أو في المستقبل، ولا بينه وبين النهي. ونفس الشيء ينطبق على المجالات الأخرى من القواعد التركيبية للجملة، والروابط التي تصل بين عناصرها. يتضح أن المضمون التعليمي الذي قدم لهؤلاء التلاميذ، أنه لم يحقق الأهداف التي خطط من أجلها. فالمردود ضعيف جدا مقارنة بما ينبغي أن يتحقق، علما بأن الجانب التركيبي للغة يشرع في تدريسه منذ السنة الأولى من التعليم. لذلك نلفت انتباه القائمين على بناء المناهج على أخذ خصوصيات هذه المناطق بعين الاعتبار، من حيث الجوانب التربوية أو من حيث مضامين البرامج والمناهج الدراسية، وكذلك ما يتعلق بتكوين المعلمين. يتبين من خلال الأخطاء التي ارتكبها التلاميذ أن المشكلة ناجمة عن عدم القدرة على التعرف على الفعل أصلا، وبالتالي عدم التمييز بينه وبين غيره من الكلمات. عدم القدرة على التعرف على أنواع الأفعال وأزمنتها. القدرة على التعرف على الأفعال التي درست في القسم فقط دون غيرها. عدم التمييز من حيث الاصطلاح بين الفعل والفاعل والمفعول به وكذلك من حيث الوظيفة النحوية. صعوبة التمييز بين الأفعال المصرفة في المثنى أو في الجمع عنه إذا كانت في المفرد الغائب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 تعليق: تعود الصعوبات التي يعاني منها تلاميذ الصفين الخامس والسادس، في مجال القواعد النحوية أساسا إلى السطحية والهشاشة التي تقدم بها دروس هذا النشاط اللغوي من جهة، وإلى النقص الكبير في الأعمال التطبيقية والتدريبات التي تساهم في ترسيخ هذه الدروس في أذهان التلاميذ، إضافة إلى غياب المراجعات وعدم التأكيد على أسس اللغة المكتوبة في تدريس اللغة العربية في هذا الطور. ومن حيث كون التلاميذ الناطقين بالبربرية أكثر معاناة للصعوبات فإن الطريقة المتبعة في تقديم دروس اللغة العربية، ولا سيما ما يتعلق بالجانب التركيبي للغة لا تتماشى وطبيعة المحيط اللغوي لهؤلاء التلاميذ، وهي لا تساعد الناطقين بالعربية أيضا، إلا أن المجتهدين يتعلمون رغم الصعاب. لذلك ينبغي التأكيد على الطريقة الاستقرائية والمعتمدة على التدريس بالمفاهيم في نفس الوقت بحيث يتمكن التلاميذ من الاكتساب الصحيح للتراكيب اللغوية؛ وقبل الاهتمام بالبنية اللغوية ينبغي الاهتمام بتعليم اللغة كوسيلة اتصال أولا وقبل كل شيء. من حيث الرصيد اللغوي، بيّنت النتائج أن التلاميذ يعانون نقصا كبيرا في هذا المجال. ولعل من بين الأسباب التي أدت إلى ذلك هو الفصل التام بين لغة التلميذ ولغة المدرسة، حتى في المناطق الناطقة بالعربية. وفيما يلي نذكر بعض المظاهر لذلك: 1. الترتيب الخاطئ لكلمات الجملة من خلال الوظيفة النحوية 2. تكرار عناصر من الجملة مما يفسد المعنى 3. جمل ناقصة بناء ودلالة 4. جمل ذات بنية صحيحة ودلالة غامضة 5. رصف كلمات دون روابط 6. جمل خالية من الكلمات الوظيفية والأدوات 7. الاستعمال الخاطئ للكلمات الوظيفية والأدوات 8. حشو الكلمات الوظيفية والأدوات وأغلب الصعوبات سببها النقل من اللهجة البربرية نحو اللغة العربية. بعض أسباب الفروق بين الجملة المنقولة من البربرية ومقابلها بالعربية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 نقدم فيما يلي بعضا من الأسباب التي أدت إلى اختلاف بُنى الجمل العربية المنقولة أساسا من البربرية الظاهرة في كتابات التلاميذ الموجهة أو الحرة. 1 تُطبّق في البربرية صيغة الجمع على العدد الأكثر من الواحد (غياب المثنى) ، وذلك على كل المعدودات: الإنسان والحيوان والجماد. 2 موضع اسم الإشارة يأتي بعد المشار إليه وذلك عكس اللغة العربية. 3 يمكن للجملة البربرية أن يرصف فيها عدد من الكلمات دون أدوات الربط في بعض الوضعيات ولا ينطبق ذلك على الجملة العربية. 4 هناك عدد من ظروف المكان التي يجوز استخدامها في البربرية ولا تنطبق على الجملة العربية. 5 ظاهرة النكرة في البربرية بالنسبة للمفرد يسبق /يِوَنْ/ أي أحد، أو بدون هذا الظرف الأخير. أما المعرفة فتأتي علامتها بعد الاسم النكرة خلاف العربية، إلا ما يتعلق بالمعرف بالإضافة، مثل: /أًرْقَزْ/ [argaz] (رجل) /يِوَنْ وَرْقَزْ/ [yewen wergaz] (رَجُلٌ) كذلك. 6 هناك مجموعة من الاسماء جنسها مذكر أو مؤنث وهي عكس ذلك في اللغة العربية. 7 يوجد في البربرية مجموعة من الاسماء التي صيغت في الجمع وبقيت دون تصريف. 8 هناك مجموعة من الروابط التي تختلف بين اللغتين أو تستخدم في البربرية روابط حيث لا تتطلب العربية ذلك. (صدمتها في رجلها = صدمت رجلها) . 3. دور المدرسة في تكوين صعوبات تعلم اللغة العربية: نهدف هنا إلى معرفة مدى إمكانية تدخل العامل المدرسي المتمثل في المعلم والمنهاج والطريقة، في المساهمة في تكوين صعوبات تعلم اللغة العربية، في كلتا المنطقتين الناطقة بالعربية أو بالبربرية. ونظرا للنقائص التي يتصف بها كل من المنهاج والطريقة في اللغة العربية، يلجأ معلمو المناطق البربرية إلى الترجمة كمخرج لا مفر منه في دروسهم وفي تواصلهم التربوي، (حسب آراء المعلمين) . هذه الترجمة التي قد تصبح هي الأخرى عاملا من عوامل الصعوبات، إذا ما عممت على مجمل نشاطات اللغة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 لقد تبيّن أن منهاج الطور الأول يركز أساسا على دراسة تراكيب اللغة، دون إعطاء أي اهتمام للرصيد اللغوي الذي ينبغي أن يحصل عليه اللتلاميذ ولا على المعارف والخبرات التي تفيدهم، مما أدى بتلاميذ الطور الثاني (بصدد الدراسة) إلى الضعف في اللغة العربية وفي المعارف العامة. وأما عن طريقة التدريس في الطورين الأول والثاني (المرحلة الابتدائية) ، فتتمثل في تلك التي تتبناها اللغات الأجنبية في بداية ظهورها، وهي المنبثقة عن المذهب "السلوكي". وقد صرّح بذلك واضعو منهاج اللغة في كتيب المعلم الخاص بالتوجيهات (سنة رابعة أساسي) ؛ وهذا ما أكدته نتائج الدراسات السابقة. فالطريقة التي تدرس بها هذه اللغة تعدّ من أهم أسباب الرسوب وعدم السيطرة على اللغة، ويؤدي ذلك إلى نفور التلاميذ من تعلمها ومن كل ما يمت بصلة إليها. علما بأن التلاميذ يسجنون في ترسيمة مبسطة ومختصرة في الحوار الذي لا يسمح بالاكتساب ولا بالسيطرة على الميكانزمات الأساسية للغة العربية الشفهية منها والمكتوبة. 1 آراء المعلمين حول منهاج اللغة العربية: استعنا بآراء المعلمين حول مواصفات المنهاج المتضمّن في مذكرات مطبوعة من قبل وزارة التربية، وخصائص طريقة تدريس اللغة العربية التي اتبعتها هذه المذكرات نوضّحها في الجدول التالي: جدول (4) يبين آراء المعلمين حول منهاج اللغة العربية المذكرات جيدة مقبولة غير تامة لافائدة د. جواب المجموع المعلمون x x x x x x مناط. ب 20 134 13 40 6 213 % 9.09 60.90 5.9 18.18 2.75 96.92 مناط. عر 22 98 x 40 5 165 % 13.33 52 x 24.24 3.03 100 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 صرّح 35.45 % فقط من معلمي المناطق البربرية بأنهم يطبقون مضمون المذكرات دون أي تغيير فيها، بينما يُجري بعض التعديلات الطفيفة 64.55 % الآخرون (بسبب مراقبة المشرف) . أما معلمو المناطق الناطقة بالعربية فلا يحدث 74.54 % أي تغيير اقتناعا بصلاحيتها، مقابل 20 % الذي يعدلون فيها. أما على مستوى الأهمية من عدمها فيتبين من الجدول (4) ، أن 60,90% من معلمي المناطق البربرية و 52% من زملائهم بالمناطق العربية بأنه (المضمون) مقبول ويمكن الاعتماد عليه في تدريس اللغة العربية. بينما ترى النسبة الباقية من المعلمين (39,10 % م. ب، و 48% م. ع) بأنها لا جدوى منها بسبب المضمون الذي لا يحقق الأهداف التي سطرت لتعليم اللغة. وعموما فامنهاج المتضمن في المذكرات يشجع المعلمين على الكسل وعدم الاكتراث، كما ترسخ الاتجاه السلبي نحو البحث والمطالعة الواسعة التي يتطلبها التحضير الجيد للدروس. موضوعات المنهاج وعلاقتها بمحيط الطفل: يرى 84.54 % من معلمي المناطق البربرية بُعدها عن محيط الطفل؛ بينما يرى 89.7 % من المعلمين في المناطق العربية قربها من محيط الطفل الناطق بالعربية. ملاحظات المعلمين حول مواوضيع منهاج للغة العربية. * تجاهلت الموضوعات البيئة التي يعيش فيها الطفل البربري. * أغلب الموضوعات خالية من الخبرات على المستوى المعرفي. * أعدت الموضوعات إعدادا اصطناعيا ولا تتناول حقائق المحيط الاجتماعي والعائلي للتلاميذ. * ولا يستجيب القليل من المعارف التي تحتوي عليها الموضوعات لحاجيات التلاميذ، كما أنها ذات طابع تقليدي مما يجعلها عديمة الفائدة بالنسبة لهؤلاء. * أُعدت على نفس النموذج وعرضت بنفس الطريقة وهذا يؤدي بالتلاميذ إلى الملل والنفور منها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 * تقوم الموضوعات بتكوين إشراط لدى التلاميذ عوض أن تحرر قدراتهم التعبيرية والذهنية، فهذه العملية تسجنهم في مكتسبات ضيقة ومحدودة في المجال المدرسي، دون تمكينهم من ممارسة التعبير الحر والتلقائي في الحياة العامة. بعض أسباب صعوبات تعلم اللغة العربية حسب آراء المعلمين في المناطق البربرية. - لا يقدم المنهاج سوى نماذج منعزلة من المعارف السطحية. - لا يأخذ تكوين المعلمين بعين الاعتبار خصوصيات هذه المناطق. - صعوبة فهم خطاب المعلم في دروس اللغة. - الترجمة التي يستخدمها التلاميذ من العربية إلى البربرية ثم العودة الى العربية. - هناك موضوعات بعيدة جدا عن اهتمامات التلاميذ. - طريقة تعليم اللغة ذات مسؤولية كبيرة في ظهور صعوبات في تعلم هذه المادة. الترجمة ودروس اللغة العربية: يستخدم 80.60% من معلمي (م. ب) الترجمة في دروسهم كضرورة ملحة لأجل إيصال المعلومات إلى التلاميذ ليفهموها، مقابل 11.5% من زملائهم الناطقين بالعربية. وهناك مجموعة من العوامل التي قد تتسبّب في ظهور صعوبات تعلم اللغة العربية منها ما يلي: تعتبر السياسة اللغوية اللغة العربية هي اللغة الأولى في كامل التراب الوطني، وتتجاهل الوضعية التي يعيش فيها الأطفال البربر، مما قد يكوّن مشكلا بسبب عدم تحضير هؤلاء لمواجهة تعلم اللغة الجديدة. غياب التكوين النوعي للمعلمين الذين يدرّسون في المناطق البربرية، خاصة في ميدان علم اللغة وعلم النفس وارجتماع اللغويين. غياب الدعم التربوي الذي قد يساهم في حل بعض المشكلات التي يعاني منها التلاميذ في تعلمهم لهذه اللغة، فحصة الاستدراك للمواد الأساسية كل أسبوع، لا تحقق الهدف الذي وضعت من أجله وذلك لعدم تطبيق منهجية الدعم حسب الشروط التي يتطلبها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 يمكن للترجمة أن تساعد التلاميذ على فهم مضمون رسالة المعلم، لكن دون الاستفادة من المفردات والمحتوى اللغوي الذي وضعت فيه الفكرة. فهذه الترجمة تبقى عاملا معرقلا لتعلم اللغة العربية، لأن التلميذ يتمكن من تذكر الشيء أو الكلمة التي أخذت من لغته في الترجمة لإفهامه، لكن لا يتذكر بسهولة الكلمات أو العبارات الخاصة باللغة الهدف. لذلك تبقى الترجمة في هذه الحالة عاملا معرقلا للتعلم المراد بلوغه. هكذا يتضح لنا أن المدرسة عوض أن تساهم في لعب دوها التربوي /التعليمي نجدها تساهم هي الأخرى في تكوين صعوبات التعلم عند التلاميذ وخاصة الناطقين بالبربرية منهم. 4. اتجاهات التلاميذ وأوليائهم نحو تعلم اللغة العربية وأثر ذلك على المستوى في هذه اللغة (1) لقد بيّنت عدة دراسات أهمية الاتجاه الإيجابي نحو تعلّم لغة غير اللغة الأم (ماكي Mackey 1967) وأثر ذلك في النجاح وفي سرعة تعلّمها، بينما يؤدي الاتجاه السلبي إلى صعوبة تعلم هذه اللغة. ونظرا لظهور الاتجاه السلبي نحو اللغة العربية من قبل نسبة من السكان البربر في نهاية الثمانينات، افترضنا بأن ذلك قد يؤثّر في تحصيل هذه اللغة لدى تلاميذ عينتنا، مما يمكن أن يؤثر على المستوى الدراسي العام. جاءت النتائج حسب ما يلي: جدول (5) يبين اتجاهات التلاميذ البربر نحو اللغة العربية بعلاقتها بدرجاتهم فيها. لغ. عر/ف. درج إ. إيجابي % إ. حيادي % إ. سلبي % مجموع % 11-8 20 1 52 1 ,56 196 5,87 268 8,03 15-12 43 1 ,29 52 1,56 189 5,66 284 8,57 19-16 85 2 ,54 79 2,37 272 8,15 436 13,06 23-20 83 2 ,49 115 3,45 254 7,61 452 13,54 27-24 112 3 ,35 122 3,65 263 7,88 497 14,89 31-28 215 6 ,44 105 3,15 204 6,11 524 15,70 35-32 217 6 ,50 74 2,22 103 3,10 394 11,81 39-36 154 4 ,61 43 1,29 55 1,65 252 7,52 43-40 108 3 ,23 23 0,69 31 0,93 162 4,85 47-44 43 1 ,29 4 0,12 2 0,06 43 1,47 51-48 12 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 0,36 1 0,03 1 0,03 14 0,42 55-52 5 0 ,15 x x x x 5 0,15 مجموع 1097 32,87 670 20,07 1570 47,05 3357 100 بيّن اختبار الاتجاهات من خلال درجات الجدول أن هناك % 32,87 من التلاميذ البربر لهم اتجاه إيجابي نحو تعلم اللغة العربية. وإذا أضفنا ذوي الاتجاه الحيادي إلى الإيجابي تصبح النسبة 52,94 %. أما التلاميذ الذين صرحوا باتجاههم السلبي فتبلغ نسبتهم 47,05%، وهؤلاء قد بيّنوا رفضهم تعلم هذه اللغة. لقد وجدنا أن هناك تأثيرا لكل من الاتجاهين في مستوى التحصيل في اللغة العربية لدى تلاميذ العينة البربرية. طبقنا اختبار كا² لمعرفة الفروق بين التلاميذ ذوي الاتجاهين السلبي والإيجابي مع المحايد، فكانت قيمته تساوي إلى 440,03 وهي أكثر من القيمة المجدولة، والتي تعد دالة عند مستوى 0,001. هذه القيمة تبيّن بوضوح أن هناك فرقا دالا وجوهريا بين التلاميذ ذوي الاتجاه الإيجابي أو المحايد وبين ذوي الاتجاه السلبي، مع العلاقة الإيجابية أو السلبية بالدرجات المحصل عليها في اختبار اللغة العربية. لقد كان نوع الاتجاه لدى التلاميذ يتطابق نوعا ما واتجاه أهلهم، وإن كان الأبناء أكثر ميلا نحو اللغة العربية من ذويهم. وأما عن العلاقة بين الاتجاه والمستوى في اللغة العربية فتظهر في الجدول التالي: جدول (6) يوضح توزيع التلاميذ حسب الاتجاه والمستوى في اختبار اللغة العربية. المستوى/ الاتجاه إيجابي سلبي حيادي م. ضعيف 288 1056 362 % 16,88 61,90 21,22 % الى المجموع 8,63 31,64 10,85 م. متو.+متف. 809 514 308 % 49,60 31,51 18,88 % الى المجموع 24,24 25,40 9,23 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 يلاحظ من خلال هذه التكرارات والنسب للمستويين المذكورين في الجدول (6) أن نسبة التلاميذ الضعفاء في الاتجاه الإيجابي، هي أقل من نسبة زملائهم من نفس الاتجاه في المستوى المتوسط والمتفوق بثلاث مرات. وهذا يختلف عن نسبة التلاميذ ذوي الاتجاه المحايد، حيث نجد النسبتين متقاربتين جدا في كلا المستويين. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الاتجاه فعلا حيادي، إذ لا يؤثر سلبيا ولا إيجابيا في تعلم اللغة العربية عند هؤلاء التلاميذ. أما التلاميذ ذوي الاتجاه السلبي فإن نسبتهم في المستوى الضعيف تساوي أكثر من نصف زملائهم في المستوى المتوسط والمتفوق -- (61,90%، مقابل 31,51%) . بالنسبة للتلميذ الذي يكون متوسطا أو متفوقا في اللغة العربية، إضافة إلى اتجاهه الإيجابي نحوها مع الظروف البيئية والثقافية المنسبة، إضافة إلى المكانة التي يحرز عليها في القسم، مما يساعده على التقدم في تعلم هذه المادة وكذلك المواد الدراسية الأخرى. فالمكانة والدعم والطموح مع النتائج المرضية ... كل هذا يمكن أن يدفع التلميذ إلى العمل والنجاح أكثر؛ وهذه الوضعية قد تنطبق أيضا على التلميذ الذي يكون اتجاهه سلبيا، لكن مكانته الدراسية في الصف جيدة مما قد يشجعه على الاجتهاد وغض الطرف عن الاتجاه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن أغلب التلاميذ الذين يتصف اتجاههم نحو اللغة العربية بالإيجاب أو الحياد يوجدون في المستوى المتوسط أو المتفوق (33,47 %) أما في المستوى الضعيف فيوجد 19,48% وأما ذوي الاتجاه السلبي فيوجد 15,40% في المستوى المتوسط والمتفوق، و 31,64% في المستوى الضعيف. ولكي نتمكن من معرفة العلاقة بين المستوى في اللغة وبين الاتجاه، عن طريق معرفة الفروق بين الاتجاهات طبقنا اختبار كا² لمعرفة الفروق بين التلاميذ ذوي الاتجاهين السلبي والإيجابي مع المحايد، وكانت قيمته تساوي إلى 440,03 وهي أكثر بكثير من القيمة المجدولة، والتي تعد دالة عند مستوى 0,001. هذه القيمة تبيّن بوضوح أن هناك فرقا دالا وجوهريا بين التلاميذ ذوي الاتجاه الإيجابي أو المحايد وبين ذوي الاتجاه السلبي، مع العلاقة الإيجابية أو السلبية بالدرجات المحصل عليها في اختبار اللغة العربية. واليوم نتساءل: هل أن الاعتراف الرسمي بالبربرية (الأمازيغية) والسماح بتعليمها يمكن أن يحل الصراع بين اللهجات البربرية واللغة العربية، وبالتالي تقليص الصعوبات في تعلم اللغة العربية؟ أم أن هذا الاعتراف سيشجع أكثر على رفضها من قبل المتعلمين البربر وذويهم وبالتالي تطرح المشكلة بصفة أكثر حدة وعمقا؟ الاقتراحات: نقدّم فيما يلي مجموعة من الاقتراحات التي لا تعني أبناء المناطق البربرية فقط، وإنما تعني كل المتعلمين في الطورين الأول والثاني (المرحلة الابتدائية) ، في مجال تعليم اللغة العربية وأنواع المواضيع التي ينبغي أن يتضمّنها المنهاج الذي من خلاله تقدّم مادة هذه اللغة. أ. ما يتعلق بالمضمون: 1. على مستوى الموضوعات والنصوص: أن تنتقى موضوعات النصوص بحيث يكون بعض منها من اهتمامات التلاميذ ومتماشية مع الهدف المقصود: تثقيفي، تكويني، تاريخي، أدبي، تربوي ... أن تتضمّن النصوص المعلومات والمعارف ذات الأثر الفعّال في تنمية شخصية التلميذ.0 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 أن تنتقى النصوص التي تكوّن الجانب النفسي والاجتماعي والفكري والأدبي للتلميذ، وأن يظهر فيها التوجيه المراد بلوغ هدفه. نرى أنه من الأفيد أن تقدم النصوص التي تسمح بالحصول على الخبرات والمعارف مع الأصالة والدقة، عوض كثرة النصوص وسطحيتها، حتى وإن كانت النصوص المقترحة طويلة بعض الشيء. ينبغي أن يكون النص مرجعا يفيد التلميذ في مطالعته الشخصية في البيت، وملجأ في وحدته ومعينا لحل مشاكله، عوض أن يقدّم في حصص القراءة فقط 2 على مستوى الرصيد اللغوي. 1. أن يُشرع في تعليم الرصيد اللغوي ابتداء من السنة الأولى من التعليم. 2. أن يشجّع التلاميذ على استعمال رصيدهم اللغوي المكتسب في كتاباتهم وفي اتصالاتهم الشفهية بعد أن يتدرّبوا على ذلك. 3. أن يتبع المعلمون طريقة مناسبة في التدريب على استعمال الرصيد اللغوي مثل: تبديل الكلمات في نصوص القراءة بمرادفاتها، بحيث يقوم التلميذ كعمل منزلي باستبدال المفردات والعبارات بأخرى في فقرات من نصوص القراءة، وكذا توسيع عبارة أو تلخيص فقرة ... إضافة إلى تركيب جمل انطلاقا من كلمات الثروة اللغوية المدروسة. 4. أن تنتقى مسبقا وضمن المنهاج قائمة الرصيد اللغوي التي يدرسها التلميذ في كل صف دراسي، وتقدم الإرشادات المناسبة لعملية التدريس وللطريقة، وكذا نماذج التدريبات الممكن إنجازها. 5. أن يُعلّم التلاميذ كيفية استخدام المنجد وكيفية البحث عن كلمة ومعانيها، ثم ينتقي المعنى الذي يناسب الكلمة الموجودة في سياق الجملة أو النص. 3 على مستوى النحو والصرف: (نظرا للضعف الشديد الذي يعاني منه التلاميذ في النحو والصرف فإنه ينبغي الاكتفاء بالموضوعات الضرورية لكل سنة من سنوات الطور) . 1. أن تنقل الموضوعات التي هي فوق المستوى الحالي للتلاميذ إلى الصف الموالي. 2. الإبقاء على الموضوعات الضرورية التي يستفيد منها التلميذ بصفة مباشرة في لغته الشفاهية والمكتوبة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 3. أن تستبدل طريقة تدريس النحو والصرف الحالية بطريقة أكثر نجاعة، وهي الانطلاق من النص والمحور المعتمد في الأسبوع، مع التركيز على الأخطاء التي يرتكبها التلميذ كمنطلق لتدريس موضوع من موضوعات النحو، خاصة إذا كانت هذه الأخطاء شائعة. ويفضّل استخدام طريقة التدريس بواسطة المفاهيم، لأننا وجدنا متعلمي العينتين لا يفهمون معاني المصطلحات النحوية كالحال والنعت والمفعول ووظائف الأدوات كالجر والفتح ... (نذكر مثالا في الأخير عن هذه الطريقة) . 4. أن تكثر التدريبات التطبيقية والمراجعات والتطبيقات الموزعة على فترات متباعدة عوض التدريبات الفورية ثم ينقطع التلميذ انقطاعا شبه نهائي عن الموضوع. ب الطريقة ذكرنا سابقا أن الطريقة المعتمدة في تدريس اللغة العربية في الطورين الأول والثاني من التعليم الأساسي، هي الطريقة المنبثقة عن المذهب السلوكي المنتقد انتقادا لاذعا من قبل عدد من المختصين في اللسانيات وفي علم النفس اللغوي، أمثال تشومسكي وبياجيه وغيرهما ... وقد ظهر المذهب المعرفي الذي غيّر النظرة نحو متعلّم اللغة، سواء كان الأمر متعلقا باللغة الأولى أو الثانية. لهذا قبل تقديم اقتراحات عملية حول كيفية تدريس النشاطات اللغوية، سواء في الطور الأول (السنوات الثلاث الأولى من التعليم الابتدائي) ، أو في الطور الثاني (السنوات الثلاث الباقية من هذه المرحلة) ، نقترح على مسؤولي المدرسة الجزائرية استخدام الطريقة المعرفية المنبثقة عن المذهب المعرفي تعليم اللغة. هذه الطريقة التي تقدّم خصائصها فيما يلي: ب. 1. الطريقة الذهنية المعرفية: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 لقد بدأت المنهجيات والطرق الخاصة بتعليم اللغات تأخذ بعين الاعتبار الجانب الذهني المعرفي الذي نادى به كل من تشومسكي (Chomsky) وجان بياجيه (J.Piaget) ومن حذا حذوهما. رغم أن الطريقة الذهنية المعرفية قد ظهرت منذ الستينات على يد كارول (J.B.Carrol) في مجلة: (modern language journal) في سنة 1965 ثم صدرت في كتاب فالدمان (Valdman) (Trends in language teaching، سنة 1966) . أهم ملامح الطريقة: 1. " تعريف المتعلم بالنظام الصوتي والنحوي والصرفي ودلالات اللغة. فالأساس الأول لتمكين المتعلم من ممارسة اللغة، هو أن يسيطر بوعي على نظامها متفهما له مستوعبا لحقائقه. 2. يُشرع في الدرس بشرح القاعدة (ولو بشكل سطحي) ثم ضرب الأمثلة عليها، أي تتبع الطريقة الاستنباطية في تعليم اللغة. الهدف من المثال هو تدريب المتعلم على تطبيق القاعدة بشكل واع. يتبع هذه الأمثلة والتدريبات أوجه نشاط لغوي أخرى، ويسمى هذا العمل في مجال النظرية التحويلية "بالكفاية الاتصالية ". ويعتبر العمل هذا "طلاقة" في النظرية المعرفية لتعليم الرموز وتقدم الأنشطة في مواقف ذات معنى، وتشتمل على حوارات وألعاب لغوية ولعب الدور وغيرها. 3. قد تستخدم اللغة الوسطية منذ الحصة الأولى في حالة كون اللغة الهدف هي لغة ثانية، بحيث يُستعان بها في شرح القاعدة باعتبارها جديدة على المتعلمين. 4. إن الهدف من تدريس القواعد ليس حصر المواقف التي يمكن أن يمر بها المتعلم ثم تدريبه عليها، وإنما هو تدريب هذا المتعلم على الاستخدام الواعي للقاعدة في مواقف جديدة، يصعب التنبؤ بها وبالتالي حصرها. فالكفاية اللغوية لا تقاس بقوة ذاكرة المتعلم في ترديد ما يسمع فحسب، بل في قدرته على تطبيق قاعدة تعلمها على عدد لا يحصى من الأمثلة في اللغة سماعا وإنتاجا ". (طعيمة 1984) تقييم الطريقة الذهنية المعرفية: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 1. تهتم هذه الطريقة اهتماما كبيرا بتعليم المهارات اللغوية الأربع في نفس الوقت، والتي لا تهتم بنفس المستوى والوقت أية طريقة أخرى. 2. تعتبر السيطرة على نظام اللغة شرطا لممارستها، ويدخل ضمن النظام: التراكيب والقواعد النحوية وأنماط المفردات وكيفية اشتقاقها. 3. تضمن لنا هذه الطريقة أن تكون ممارسة اللغة ممارسة واعية، وليست تكرارا آليا لتدريبات نمطية. 4. تزود هذه الطريقة المتعلمين بإمكانات إدارة الحوار مثلما تعتمد عليه الطرائق الحوارية وهي تعتبره أساسا في الدرس. فهذه الطريقة تدعو المتعلم إلى ممارسة الاتصالية بعد عرض النص ودراسته وإجراء التمرينات عليه. أما الاقتراحات على المستوى العملي حسب النشاطات اللغوية فنذكرها فيما يلي: ب. 2. التعبير: بالنسبة لتدريس التعبير ينبغي الانطلاق من الموضوعات التي تستجيب لحاجات المتعلم أولا، ومن الموضوعات التي تنمي فكره، خاصة تلك التي تتميز بالأصالة. ونظرا لقلة فرص التمارين التدريبية الكتابية، ونظرا لكون اكتساب اللغة يتم بواسطة المران، فإن ما ينبغي التركيز عليه في الطور الثاني هو المطالعة المستمرة للنصوص الأصيلة والثرية، التي تزخر بها اللغة العربية وآدابها وكذا التعبير الكتابي، وتدريب التلاميذ على الكتابة من خلال أنشطة مختلفة: كالنسخ والتلخيص والتحويل والوصف ... فالتحكم في اللغة المكتوبة يعد من أهم أهداف تعليم اللغة في هذا الطور وذلك لأسباب أهمها: أن اللغة المكتوبة هي التي تميّز بين التلاميذ، وأنها الوسيلة الوحيدة في دراسة وتعلم المواد الأخرى، وأنها الوسيلة الأساسية للتثقيف وتنمية الرصيد المعرفي ... ويعتبر العجز فيها عجزا في هذه الجوانب أيضا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 ب. 3. الرصيد اللغوي: إن من أهم وسائل الإثراء اللغوي لدى التلميذ، هو تعلمه لمعاني ولقوانين الأوزان الخاصة بالمزيد من الأفعال، وتحوّل هذه الأفعال إلى اسماء، أي الاشتقاقات الاسمية مثل: قبل/ أقبل/ تقابل/ استقبل/ مقبلٌ/ مستقبل/ مقابل/. فبواسطة تعلم قواعد المزيد والاشتقاق والمعاني العامة لكل صيغة مزيدة أو مشتقة، يتمكن التلميذ من اختصار الطريق نحو إثراء رصيده اللغوي، الذي ينبغي أن يتعلمه في هذا المستوى. وعلى المعلم أن يدرب التلاميذ على هذا الأسلوب من التعليم والتعلم بواسطة التمارين التطبيقية المتعددة لكل موضوع مدروس. إلى جانب هذا الأسلوب هناك أسلوب ثان ينبغي للمعلم أن يستخدمه في تدريسه للرصيد اللغوي، وهو انتقاء الكلمات الأساسية، أي المفاصل التي تحدد معنى الفقرة في النص، وعادة ما تتضمن الفقرة كلمة أو كلمتين، ويتضمن النص عددا محددا منها. يقوم المعلم بانتقاء أهمها فيشخّص دلالة كل كلمة عن طريق إدخالها في جمل من طرف التلاميذ، كما يبحث عن أوزانها من خلال تحديد نوع الاشتقاق؛ وبعدها يدرب التلاميذ على البحث عن مرادفات لها نفس الدلالة في المنجد، كما يستخدم أسلوب دراسة أضداد هذه الكلمات. كل هذا يساهم في ترسيخ الرصيد اللغوي المكتسب ويعمل على تعميق فهم النصوص أكثر. ب. 4. تعليم النحو بواسطة المفاهيم: لتعليم المفهوم (النحوي) وضع ميريل (Merrill) وتنيسون (Tennyson) (منذ السبعينات) ، مجموعة من الخطوات التي تعتبر بمثابة موجهات توجه المعلم نحو تحديد الإستراتيجية الصحيحة، واستخدامها بشكل صحيح في تدريسه للمفاهيم. وفيما يلي نقدم ملخصا لها: 1. تحديد محتوى الدرس وتحديد المفاهيم المراد تعليمها وتحضير الدرس لها بحيث يتضمن: - الأهداف التدريسية أو التعليمية، - تعريف المفهوم، - أمثلة ولا أمثلة (1) على المفهوم، - تقويم التعلم الحادث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 2. تزويد المتعلمين بالأهداف التعليمية لكل درس قبل القيام بمهمة التدريس. 3. تقديم تعريف للمفهوم بحيث يتضمن اسم المفهوم وخصائصه الضرورية والعلاقات التي تربطها (يقدم فقط للإعلام) . 4. تقديم مجموعة كافية من الأمثلة واللاأمثلة على المفهوم، بحيث يراعى فيها: أ. تقارب الأمثلة واللاأمثلة. ب. استخدام قاعدة التقابل (مثال / لامثال) . ج. استخدام قاعدة عزل الخاصية، وذلك باستخدام الوسائل المتنوعة من شأنها أن تظهر الخصائص المميزة للمفهوم بشكل بارز وملفت للنظر. د. التدرج في مستوى صعوبة الأمثلة واللاأمثلة بحيث يبدأ بالسهل منها والانتقال تدريجيا نحو الأصعب. 5. تقديم التدريب الاستجوابي، ويتضمن تقديم أمثلة ولاأمثلة جديدة على المفهوم بترتيب عشوائي، وبطريقة تجعلنا نطالب التلميذ بتصنيفها إلى ما هو مثال ينتمي للمفهوم وما هو لامثال على المفهوم، مع توضيح سبب ذلك. 6. تقديم التغذية الرجعية الصحيحة بعد صدور الاستجابة مباشرة. • • • الخاتمة: لقد طرحنا في هذا المقال مشكلا من أهم المشاكل التي ينبغي للمدرسة العربية عامة والجزائرية خاصة أن تولي له أكبر اهتمام وأن تتصدى له، ألا وهو صعوبات تعلم اللغة العربية في المدرسة. وقد استخدمنا الميدان للتأكد من صحة ما نلاحظه يوميا، وما هذا الوصف إلا لفت الاتنباه إلى أن العدالة في التربية والحق في التعليم مشروع يجب على المجتمعات أن تحميه وتدافع عنه. الحواشي والتعليقات أمثال: صيني 1982، وبراهام ع. ع. 1980، ومحمد أحمد 1980 وغيرهم ... أمثال: تعوينات ع. 1992، بودالية قريفو م. 1989 وغيرهم ... تازروتي ح.: لغة الطفل بين المحيط والمدرسة، دراسة إفرادية، معهد اللغة العربية وآدابها، جامعة الجزائر 1999 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 كان هدفنا إجراء دراسة باستخدام المنهج التجريبي المعتمد على المتغير التجريبي والمتمثل في تطبيق طريقة التدريس المقترحة والمتغيرات المستقلة، لكن الإدارة رفضت التدخل بهذا الشكل وسمحت بالأدوات التي استخدمناها فقط. Encyclopedie Berbere (1984) : Union International des Sciences Anthropologiques et Ethnographiques, Aix en Province, France, Edissud. ن. ع. = ناطقون بالعربية / ن. ب. = ماطقون بالبربرية. بحثنا موضوع الاتجاهات واللغة مع أبناء المتاطق البربرية فقط. المثال هو ذلك المثال الذي ينطبق على موضوع الدرس. واللامثال هو ذلك المثال الذي يشبه كثيرا المثال ولكنه يخالفه في خاصية عدم تطابقه مع موضوع الدرس. المصادر والمراجع 1- اسماعيل صيني محمد وإسحاق محمد أمين (1982) : التقابل اللغوي وتحليل الأخطاء، عمادة شؤون المكتبات، جامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية. 2- أحمد عبد الرحمان حماد، (1982) : عوامل التطور اللغوي، دراسة في نمو وتطور الثروة اللغوية، دار الأندلس، بيروت، لبنان. 3- برهام، ع. ع. (1980) : مشكلة تعليم العربية لغير الناطقين بها مع حلول علمية وعملية، السجل العلمي للندوة العالمية الأولى لتعليم العربية لغير الناطقين بها، صص 119 130. 4- بودالية، غريفو مليكة (1989) : المدرسة الجزائرية من ابن باديس إلى بافلوف، المؤسسة الجزائرية للطباعة. 5- تعوينات، ع. (1983) : التأخر في القراءة في مرحلة التعليم المتوسط، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر. 6- تعوينات، ع. (1992) : صعوبات تعلم اللغة العربية المكتوبة في الطور الثالث من التعليم الأساسي ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر. 7- تازروتي، ح. (1999) : لغة الطفل بين المحيط والمدرسة، دراسة إفرادية، ماجستير في اللغة العربية، معهد اللغة العربية وآدابها جامعة الجزائر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 8- حسن الساعاتي، (1983) : الثقافة والشخصية، دار النهضة العربية، مصر. 9- حمادة إبراهيم (1987) : الاتجاهات المعاصرة في تدريس اللغة العربية واللغات الحية الأخرى لغير الناطقين بها، دار الفكر العربي. 10- رشدي أحمد طعيمة، (1982) : الأسس المعجمية والثقافية لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، جامعة أم القرى، وحدة البحوث والمناهج /سلسلة دراسات في تعليم اللغة العربية (3) ، مكة المكرمة. 11- = = =، (1984) : تعليم العربية لغير الناطقين بها مناهجه وأساليبه، جامعة المنصورة، مصر. 12- ريشل، م. (1984) : اكتساب اللغة، ترجمة كمال بكتاش، بيروت لبنان. 13- زغاش ساعد (1984) : انحراف الساوك اللغوي لدى تلاميذ الثانوية، دبلوم الدراسات المعمقة، معهد علم النفس وعلوم التربية، جامعة الجزائر. 14- سيجوان وماكي (Siguan، Mackey) ، (1995) : التعليم وثنائية اللغة، ترجمة د. إبراهيم بن محمد ود. عاطف مجاهد، جامعة الملك سعود، عمادة شؤون المكتبات الرياض. 15- الصوري، ع. (1989) : تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها الأداة والثقافة، التدريس، مجلة مغربية لعلوم التربية، العدد 14، السنة، ص 10. 16- القاسمي، ع. (1980) : الكتاب المدرسي لتعليم العربية لغير الناطقين بها، في السجل العلمي للندوة العالمية الأولى لتعليم العربية لغير الناطقين بها، ج.2، الرياض، صص 75 108. 17- الكندري، عبد الله عبد الرحمان ومحمد عطا إبراهيم (1992) : تعليم اللغة العربية للمرحلة الابتدائية، مكتبة الفلاح، الكويت. 18- مدكور، ع. أ. (1991) : تدريس فنون اللغة العربية، مكتبة الفلاح، الكويت. 19- محمود كامل الناقة (1981) : الأخطاء النحوية عند طلاب قسم اللغة العربية بكليات التربية، سلسلة دراسات وبحوث تربوية، جامعة أم القرى، كلية التربية، مكة المكرمة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 20- مرجانة رشيد (1990) : التاخر الدراسي اللغوي لدى تلاميذ السنة التاسعة أساسي، ماجستير في علم النفس التربوي، معهد علم النفس وعلوم النربية، جامعة الجزائر. المراجع باللغة الأجنبية: 21 - ABOU, S. (1979) : Les Conditions d’une Culture Nationale à Partir du Bilinguisme dans les Etats Multilingues, Problème et Solution Travaux du Centre International de Recherche sur le Bilinguisme, Université de Laval Quebec. 22 - ACHOCHE, M (sd) : La Situation Linguistique en Algérie, in Langues et Migration, Centre de Didactique des Langues, Publication de l’Univsesité des Langues , et des Lettres de Grenoble pp. 39-49. 23 - BASSET, A. (1929) : La Langue Berbère, Morphologie, le Verbe, Etude des Thèmes, Paris. 24 - BOUTON , C.P. (1971) : l’Acquisition d’une Langue Etrangère Aspects Théorique et Pratique, Conscequences Pédagogiques., édit. Klincksieck, Paris. 25 - BOUTON , C.P. (1979) : le Developpement du Langage , Aspects Normal et Pathologique , Masson les Presses de l’Unesco. 26- BROHEET , J.M. Confaid ,J. P. (1995) : coll. Interlangue et DidactIque, P.U du Mirail. 27 - DABENE , L. (1994) : Repères Sociolinguistiques pour l’Enseignement des Langues Hachette , Paris , France. 28- DABENE , L. (1993) : L’Enseignement Précoce d’une Langue Etrangère: Conditions d’une Réussite dans l’Enseignement de la Langue Française à l’Ecole Elémentaire Italienne BCLE , Rome , Eds. Analisi. 29 - DE GREVE, M. (1985) : Langue Dominante Langue Dominée, le Status des Langues dans une Société Plurilinguiste , in «le Langage et l’Homme» vol.20, fasc.3, octobre, n° 59. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 30 - FITOURI,C. (1983) : Bilinguisme , Biculturalisme , et Education ,. Delachaux et Niestlet 31 - GHETTAS, CH. (1995) : l’Enfant Algérien et l’Apprentissage de la Langue Arabe à l’Ecole Fondamentale , Essai d’Analyse des Compétences Narratives et Textuelles de L’Enfant Algérien Entre Cinq et Neuf Ans , Thèse de Doctorat en Linguistique et Didactiques des Langues , Université Stendhal , Grenoble 3 , U.F.R. des Sciences du Langage , pp.323-328. بتصرف. 32 - GAONAC’H , D. (1982) : Psychologie Cogniyive et Approche Communicative en Didactique des Langues Etrangères , Revue de Phonétique Appliquée, 61, 159-175. 33 - MARTINET, J. (1980) : Théories Linguistiques et Enseignement de la Langue , P.U.F. 34 - OVERBACK ,Van. (1976) : Mécanisme de l’Interférence Linguistique , Madrid. 35 - PIATELI - PALMARINI, (1979) : Théories du Langage - Théories de l'Apprebtissage, le Débat Entre Jean Piaget et Noam Chomsky , Paris , Seuil. 36 - PUREN , C. (1988) : Histoire des Méthodologies de l’Eseignement des Langues , Nathan , Clé Internationnal. 37 - RONDAL ,J A. (1983) : Problèmes de Psycholinguistiques , Bruxelles, P.Mardaga.. 38- TALEB IBRAHIMI, K. (1993) : A Propos de l’Ecole Algérienne d’Ibn Badis à Pavlov , de M. Boudalia - Greffou , Quelques Réfflexions sur l’Enseignement de la Langue Arabe dans le Système Educatif Algérien. in NAQD , Revue d’Etudes et de Critiques Sociales:<< Culture et Système Educatif >> n° 5 , Avril - Aout 39 - TITONE , R. (1972) : Le Bilinguisme Précoce , trad.par G. Soto ,Bruxelles Eds. Charles Dessart. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 40 - UNESCO, (1984) : Encyclopedie Berbere (1984) : Union International des Sciences Anthropologiques et Ethnographiques, Aix en Province, France, Edissud. 41 - UNESCO , (1988) : la Langue , Identité et Communication. 42 - VOGEL, K. (1995) : l’ Interlangue , la Langue de l’Apprenant , traduction de. l'Allemant par J.M Brohéet et J.P. Confaid , P.U du Mirail 43 - WEINREICH, U. (1973) : Unilinguisme et Multilinguisme, in Dossiers Pédagogiques, Paris Janv./Fév. ,n° 3. ملحق استمارة الاتجاهات نحو اللغة العربية خاصة بالأولياء. الى السادة والسيدات الأولياء المحترمين، في إطار إجراء دراسة علمية حول الاتجاهات نحو تعلم اللغة العربية نوجه إلى حضرتكم هذه الاستمارة قصد الإجابة عن عدد من الأسئلة التي نطرها عليكم، ونرجو أخذها بعين الاعتبار قدر الإمكان. (للإجابة ضع دائرة حول نعم أو لا، وما يتطلب الكتابة أجب خلف الورقة مع وضع رقم السؤال) . الجنس: ذكر: أنثى: المهنة: المستوى الثقافي للأب: للأم: عدد الإخوة: 1 هل تعتقد أن تواجد اللغات (فرنسية، عربية، بربرية) في محيط الطفل البربري يعرقل عملية التعلم؟ نعم، لا 2 هل ترى أن تعليم الفرنسية مبكرا يعرقل الطفل على التعلم؟ نعم، لا 3 هل تعتقد أن طريقة تدريس العربية حاليا صالحة للطفل البربري؟ نعم، لا 4 هل تعتبر اللغة العربية أجنبية على الطفل البربري؟ نعم، لا 5 يعاني أطفال البربر صعوبات في تعلم اللغة العربية، ما هي الأسباب في رأيك؟ 6 هل تعتقد بأن البيئة الاجتماعية واللغوية للطفل البربري تكونعائقا ضد تعلمه اللغة العربية؟ 7 كثر الكلام عن وجوب تعليم البربرية، هل يمكن أن يؤثر ذلك على تعلم الطفل للغة العربية وللمواد الأخرى؟ 8 هل سما الطفل لكلام الكبار حول معاداة اللغة العربية يمكن أن يكون اتجاها سلبيا نحو اللغة العربية؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 9 هل توافق أن يسبق ابنك في تعلم العربية ثم بعدها الأمازيغية أم العكس؟ 10 ما رأيك في السكان الأمازيغ الذين يرفضون تعليم اللغة العربية لأبنائهم؟ استمارة استبيان خاصة بالمعلمين (مناطق أمازيغية عربية) تعليمات حضرة المعلم والمعلمة، يشرفني أن أتقدم إليكم بهذا الاستبيان الذي يهدف الى جمع معلومات حول كيفية تعليم اللغة العربية والصعوبات التي يواجهها أطفال المناطق الأمازيغية في تعلم هذه المادة، باعتبار لغتهم الأولى تختلف عن لغة المدرسة، ثم المساهمات التي يقدمها المعلمون لعلاج هذه الصعوبات. زميلي (ة) المحترم (ة) أرجوأن تطلع على وثيقة الاستبيان قبل الشروع في الاجابة عن الأسئلة، حتى تعرف المجالات التي تتناولها، كما يرجى منك أن تدلي بالمعلومات بكل موضوعية، علما بأن ذلك يستغلّ في بحث علمي تربوي لا غير، يساهم في حل بعض مشكلات التربية والتعليم في المدرسة عامة وفي المناطق الناطقة بالأمازيغية خاصة. لذلك أتمنى أن يؤخذ هذا العمل مأخذ الجد ويوضع في إدارة المدرسة عند إتمامه. وفي النهاية تقبل مني تحيتي الخالصة ملاحظات: 1 الإجابة عن الأسئلة التي تحتوي على نعم ولا تكون بوضع دائرة حول الجواب المناسب. 2 الإجابة التي تتطلب رأيك تكون كتابية ويمكن متابعة الكتابة خلف الصفحة، بوضع عبارة تابع لرقم ... 1 المعلم اللقب والاسم: العمر: المستوى العلمي: الشهادة المهنية: الأقدمية في التعليم: الأقدمية في تعليم الطور 1: الطور 2: المستويات المشتغل فيها: المشاركة في الدروس التطبيقية وفي الندوات التربوية. نعم، لا هل يَعتبِرُ التكوين والندوات خصوصيات المناطق الأمازيغية؟ نعم، لا 2 الكتب المدرسية: هل يعتبر عرض المحاور في الكتاب مناسبا؟ نعم لا، إذا كان لا ماهو الكتاب الذي يوجد فيه خلل في العرض؟ هل تعمل أحيانا على تقديم محاور وتاخير أخرى؟ نعم لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 هل توجد محاور ودروس مرتبطة بمحيط الطفل الأمازيغي؟ نعم لا إذا كان نعم هل تمثل ½ المحاور، 1/3، ¼، أقل من ¼ هل توجد دروس ومحاور بعيدة جدا عن محيط الطفل الأمازيغي؟ نعم لا ما هي الدروس التي يفهمها الطفل الأمازيغي أكثر؟ تلك التي تتصل بمحيطه، تلك التي لا تتصل بمحيطه، كل المواضيع، لا يفهم بسهولة كل الدروس والمواضيع، لا يفهم إلا نادرا الدروس. هل يفهم الأطفال والمفردات المستعملة في كتاب القراءة: بسهولة، بصعوبة، لا يفهمونها، لا يفهمون رغم الشرح، يفهمون فهما سطحيا، يفهمون لكن ينسون بسرعة، أخرى ... هل يفهم الأطفال عبارات ومفردات دروس التعبير الشفهي: بسهولة، بصعوبة. هل ينجز الأطفال الأعما لالمنزلية والتمارين اللغوية: بسهولة، بصعوبة، ينجزونها لكن خطأ، أخرى ... 3 المذكرات: هل تتبع المذكرات الرسمية بكاملها؟ نعم لا إذا كان نعم في أي مجال تتدخل؟ ما رأيك في هذه المذكرات؟ جيدة، مقبولة، غير مفيدة، تعلّم الأطفال عناصر مشتتة من المعارف اللغوية، أخرى ... ما هي العيوب التي تجدها في هذه المذكرات؟ +اقتراحات حول طريقة تدريس اللغة للأطفال الأمازيغيين: 4 صعوبات تعلم اللغة: مستوى قسك في اللغة العربية متفوق، عادي، ضعيف ضعيف جدا. المستوى الذي يأتي به الطفل من الطور الأول: مقبول، ضعيف، ضعيف جدا. إذا كان ضعيفا الى ماذا يرجع ذلك في نظرك؟ ما هي النشاطات اللغوية التي يظهر فيها الأطفال ضعفا؟ القراءة، التعبير الشفهي، الكتابي، النحو، أخرى ... 5 فهم المقروء: هل يفهم أغلب الأطفال ما يقرأونه؟ نعم لا، إذا كان لا ما هي النسبة بالتقريب؟ أكثر من نصف القسم، نصف القسم، ثلث القسم ربع، أقل الى ماذا يرجع عدم فهم المقروء في نظرك؟ الضعف في فهم المفردات، صعوبات القراءة، عدم القدرة على الربط بين الجمل، عدم إدراك الوظائف النحوية، أخرى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 كيف تساهم في علاج صعوبات القراءة لدى الأطفال؟ كيف تشرح محتوى نصوص القراءة؟ تقضي الوقت المخصص للدرس، تقضي وقتا أكثر، دائما، أحيانا. 6 التعبير: أالتعبير الشفهي: ما هي نسبة الأطفال الذين يعانون صعوبات في التعبير الشفهي؟ ربع، ثلث، نصف، أكثر من نصف،. ما هي أسباب ذلك في نظرك؟ كيتساهم في علاج هذه الصعوبات عند الأطفال؟ ب التعبيرالكتابي: ما هي الجوانب التي يظهر الأطفال التخلف فيها؟ عدم القدرة على بناء الجملة، الخلط بين العربية واللغة المحلية، العجز على استخدام النحو، أخرى ... كيف تساهم في علاج هذا التخلف؟ 7 النحو والصرف: ما هي الصعوبات التي يعاني منها الأطفال في النحو والصرف؟ الخلط بين بنيات النحو العربي والأمازيغي، عدم فهم المصطلحات النحوية، العجز على استعمال ما تعلموه، عدم فهم وظيفة القواعد النحوية، الخلط بين القواعد المختلفة ما هي الحلول التي يمكن أن تقدمها للقضاء على هذه الصعوبات؟ عندما يتفوّق طفل أمازيغي في اللغة الى ماذا يعود ذلك في نظرك؟ 8 التراكيب اللغوية: هل يتعلم الأطفال التراكيب اللغوية بسهولة؟ نعم، لا. إذا كان لا كيف يظهر عدم تعلمهم لها؟ إذا كان نعم هل يستخدمونها في كتاباتهم؟ نعم، لا. هل يخلطون بين هذه التراكيب وتراكيب اللغة الأمازيغية؟ نعم لا. هل تعتقد أن ضعف الطفل في المواد الدراسية الأخرى يعود الى ضعفه في اللغة؟ نعم لا إذا كان نعم كيف تساهم في علاج ذلك؟ 9 الازدواجية: هل تعتقد بأن اللغة العربية أجنبية على أبناء المناطق الأمازيغية؟ نعم لا إذا كان نعم هل ترى بأنها ينبغي تعليمها كلغة أجنبية؟ نعم لا. هل تعتقد بأن المحيط الاجتماعي ةاللغوي للطفل الأمازيغي يمكن أن يكون عائقا ضد تعلم اللغة العربية في المدرسة؟ نعم، لا. يقال أن الطفل الأمازيغي يحيا الازدواجية اللغوية قبل دخوله الى المدرسة (عربية/أمازيغية) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 هل هذا صحيح في نظرك؟ نعم لا، إذا كان نعم كيف يظهر ذلك؟ هل يستطيع طفل الطور الثاني التمييز بين الفصحى والعامية واللهجة المصرية؟ نعم لا أيمكن أن يستخدم اللغات الثلاث في عمله المدرسي؟ نعم لا هل تعتقد أن الطفل يعيش الازدواجية بين العربية والأمازيغية في المدرسة؟ نعم لا ما هي المشكلات التي يمكن أن تنجرّ عن هذه الازدواجية؟ هل تعتقد بأن الانطلاق من اللغة المحلية للطفل يسهّل تعلم اللغة العربية؟ نعم لا. عندما يصعب عليك شرح عناصر من الدرس بالغربية هل تلجأ الى الأمازيغية أو الفرنسية (التي يعرفها الأطفال) للشر؟ نعم لا في أي ميدان من ميادين اللغة تلجأ فيه الى الأمازيغية؟ شرح المفردات، التراكيب اللغوية، النحو والصرف العبارات، أخرى ... هل تلجأ الى هذه الترجمة مرارا، عدة مرات في الأسبوع، أحيانا 10 التقييم: متى تعتبر تلميذك ضعيفا في اللغة؟ هل الحصول على درجات منخفضة في التعبير الكتابي يمكن أن يكون مقياسا لمعرفة الصعوبات اللغوية؟ نعم لا ما هي المقاييس التي تستخدمها لتعتبر التلميذ ضعيفا في اللغة؟ هل تعتقد بأن الأطفال غير الأمازيغ يتعلمون اللغة العربية بسهولة أكثر؟ نعم لا إذا كان نعم ماهي الأسباب في نظرك؟ 11 اقتراحات عامة: أرجو من حضتك تقديم اقتراحات خاصة بكيفية تحسين تعليم وتعلم اللغة العربية في الطورين الأول والثاني. بالنسبة للإستمارة الموجهة للمعلمين في المناطق الناطقة بالعربية، قمنا بتعويض اللغة الأمازيغية بكلمة العامية أو المحلية. كما تكلمنا عن الازدواجية بين كل من الفصحى والعامية بالإضافة الى الفرنسية المتداولة ضمن الخليط اللغوي المستعمل يوميا. وأما الجوانب الأخرى فقد بقيت كما هي في الوثيقة أعلاه. (نماذج مستخلصة من انجازات التلاميذ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 1 أمثلة عن صعوبات في التراكيب: نقوم هنا بعرض مجموعة من الأمثلة من خلال ورودها في التمارين ذاتها بحيث نبيّن الخطأ الذي ارتكبه المتعلمون مع تكرار الخطأ في نفس الوقت. السنة الخامسة المطلوب وضع اسماء الإشارة المقترحة في فراغات الجمل. الاسم المقترح الخطأ النسبة ن. أن. ع ذلك: أولئك، تلك، هؤلاء، أولئك. % 37 % 9 تلك: هذا، ذلك، أولئك، هؤلاء، هذه. % 34 % 3 تلك:أولئك، هذه، هذا، هؤلئك، ذلك. % 41 % 7 هذا: أولئك، تلك، هؤلاء، ذلك، هؤلئك. % 21 x أولئك: ذلك، تلك، هؤلاء. % 7 x خطأ: استخدام أدوات أخرى % 17 x عدم الانجاز. % 13 % 2 * مثال: هذا الأشخاص هم أفراد أسرتي (عوض هولاء) . قدمت جمل تحتوي على اسم موصول خاطئ طلب تصحيحه. التصحيح خاطئ. % 43 % 7 عدم الانجاز. % 5 x * مثال: أخي هو التي /الذين يساعدني في فروضي (عوض الذي) . تركيب جملة فيها أياك. تعويض أياك بأداة أخرى. % 7 x تغيير أماكن الكلمات بحيث تحتل أياك مكانا خاطئا. % 27 % 2 جملة ناقصة أو ذات بناء خاطئ. % 23 %4 * مثال: لا تذهب المدرسة إلى أياك (ترتيب خاطئ لعناصر الجملة) * مثال: سأزورك مهما جاء العيد / ترتوي الأرض إذْ سقط المطر. وضع إلا وماعدا كل في جملة. استعمال إلا كحرف جر. استعمال ماعدا كفعل عاد. معدل النسب = % 29,3 %7,33 ترتيب خاطئ لأحدهما أو الاثنين. * مثال: ماعدا أبي من العمل / ذهبت أمي إلا خالتي. تركيب جملة ب "ماكاد ... حتى". عدم تصريف كاد حسب الضمير. وضع الفعل الثاني مصدرا أو اسما. معدل النسب = %14,33 %2,3 دون النموذج. وضع الفعل الثاني في الماضي. تركيب الجملة خاطئ. * مثال: ما كاد النار اشتعل جاء الإطفاء حتى طفاها. انتقاء جمل صحيحة من الخاطئة. اعتبار كل الجمل صحيحة. عدم التمييز بين الصواب والخطأ. معدل النسب = %19,36 %3,66 الاقتصار على جواب واحد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 تعيين الأجوبة الخاطئة فقط عوض الصحيحة فقط. 2 أمثلة عن الصعوبات الخاصة بالنحو والصرف: وضع أداة نصب مناسبة في مكان النقط من الجمل % 43 % 13 (أدوات نصب مقترحة) . الوضعية الصحيحة للإجابة بالترتيب: لكيلا، كي، لكيلا أو حتى لا. الحالات الأربع للأجوبة المقدمة: حتى، حيث، لأن. لأن، لكيلا، حيث. حتى، لكي، لأن. لكي، حتى، حيث. المطلوب وضع الخطوط تحت الأفعال: ماضي، مضارع، أمر. خلط بين الأزمنة. %35 %16 تعرف على بعض الأفعال فقط وترك الباقي. %42 %4 عدم التمييز بين الفعل وغيره. %51 x خلط بين الفعل والفاعل. %18 %3 تحويل أفعال من جملة حسب ضمائر مقترحة. [%57 %11] خلط بين الأزمنة. تصريف الأفعال في زمن زاحد عوض الأزمنة المطلوبة. عدم التطابق بين الأفعال والضمائر. حذف النون حيث ينبغي تثبيته. إسناد أحرف المضارعة للماضي. تحريف جذور الأفعال أو الأحرف اللواحق. الخلط بين المثنى والجمع. وضع أسماء مفردة في المثنى والجمع. [%49 %15] . أفي المثنى: ترديد العمل في المفرد مع إضافة "ال"، أو ترديد المفرد فقط. خلط بين المفرد والمثنى والجمع. اختراع كلمات جديدة. ب في الجمع: إضافة "ون" للمفرد (حتى وإن كان الجمع جمع تكسير) . الخلط الكبير بين أنواع الجموع. * مثال: مثنى: أختوان، معلموان، كتابن.وفي الجمع:زهرتون، كتابون، شجرتون وضع إشارة للجمل الاسمية وأخرى للفعلية. %37 %3 تعيين كل الجمل على أنها اسمية أو فعلية. عدم التمييز بين الجمل الاسمية والفعلية. وضع خط تحت الفعل وخطين تحت الفاعل في فقرة صغيرة. خلط بين الفعل والفاعل. %33 %4 إنجاز مطلب واحد جزئيا. %18 %3 خلط بين المطلوب وغيره. % 42 %3 وضع خط تحت أغلب الكلمات. %7 x انتقاء وترتيب حروف الجر حسب فراغات في فقرة مقترحة. وضح حروف الجر في غير محلها. اتيان بحروف جديدة ليست للجر. %27 x الإنجاز الجزئي للمطلب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 تثنية عدد من الأسماء في بضع جمل المتوسط [%31 %3] . خلط بين المفرد والمثنى والجمع. تحويل المطلب وغيره. عدم احترام الاعراب، وإنجاز جزئي للمطلب. تحويل عدد من الكلمات من المفرد إلى الجمع أو العكس [%47 %10] . الترديد، والانجاز في غير المطلب. تحريف الجمع (كلاب= كلابون، كاتبة=كاتبتون) . تحويل كل الكلمات الى جمع مذكر سالم. الإتيان بصفات مع الكلمات المقترحة. خروج عن موضوع المطلب. الحاق زوائد بالمفرد (هن، تن، كم، صيادتن،) . تحويل خاطئ (جرحى=جُرْح، نظارات=نظرة) . الخلط بين الحالات الثلاث للاسم. تحريف الكلمات المحولة (جرحى=جرحاء، فتيات=فتوة) . إدخال كان وأخواتها في فراغات بفقرة مقترحة. متوسط [%46 %9] . رفع خبر كان وأخواتها. أفعال ناقصة مستعملة في غير مكانها (عدم فهم المعنى) . ترديد المطلب. الخلط مع أخوات إن. إنجاز جزئيي والإتيان بأفعال تامة، أو عدم التصريف. وضع دائرة بجانب كل جملة مبنية للمجهول بها نائب الفاعل [%53 %11] . تعيين جمل لمعلوم. خلط بين المعلوم والمجهول. إنجاز جزئي. 3 أمثلة عن الصعوبات الخاصة بالثروة اللغوية (سنة سادسة فقط) . الإتيان بأضداد عدد من المفردات (أفعال وصفات) . [%28 %5,3] . الإتيان بالمرادفات، أو بضد خاطئ. الدمج بين المرادفات والأضداد. الإتيان بأفعال أو اسماء (وضع اسم للفعل وفعل للاسم) . تعيين مجموعة من أدوات ووضعها في الأماكن المناسبة لاستعمالها [%24,33 , %5,66] . الخلط الكلي أو الجزئي في تعيين المكان. تعيين أماكن جديدة غير مقترحة.أو وضع كلمات لا علاقة لها بالمقترح. 4 أمثلة عن الصعوبات في التعبير الكتابي (الفقرة) . 4 1 التراكيب الخاصة بالجملة: 4 1 1 الترتيب الخاطئ لمفردات الجملة ووظائفها النحوية: + التلاميذ (ن. أ) : الجمل المنقولة من اللغة الأولى. حتى الآن الشرطة مازالوا هناك./ قاست كم من المترات صدمتها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 ذهبت إلى الحانوت فاشتريت الرسالة هذه./ منذ نهضت في يوم العيد في الصباح. أخذت أقترب منها حتى رأيتها تجري إليَحتى أكلتني وأنا رعشان في هذا الحلم. بنت عمّي تحكي لنا عندما نفطر (نتغذى) ماذا نلبس./ جلسنا معا كلنا. + التلاميذ (ن. ع) : جمل منقولة من العامية: أنت الذي ثعلب مخيف./ ذات يوم ذهبت وخرجلي وأنا ناؤمة ثعبان./ كانت أمي ليست هنا./ ذهب ليأكلني ففطنت من منامي./ عندما استيقضت ذهبت لأن ذلك حلم./ كانت هذه الوحوش غير مشبهة للإنسان بكثير وكثير./ لقد لصوص سرقوا هاجر صديقتي. 4 1 2 تكرار عناصر من الجملة مما يخل بالمعنى. + التلاميذ (ن. أ) : جمل منقولة: أعطتلي أمي العشاء لأتعشى / بعدما بقيت ساعة أنظرها وهي تنظرني./ ذهبت إلى دار عمي وأنا فرحت وأنا امشي./ حتى رأيته رجع رأسه كرأس الكلب./ يوم الفرح السرر نفرح كلنا./ شربت رحت لبست ثياب والملبس والحذاء./ أخذنا نهرب والأولاد هربو وأنا لم أستطع الهرب./ نمت في ساعة متأخرة من الليل وكنت أحلم ورأيت كنت أسير./ كنت أحلم وأحلم وأنا أحلم أتت امرأة عندنا./ في وقت النوم ذهبت إلى النوم ونمت./ ذهبت لزيارة خالتي ولأزور جدتي. +التلاميذ (ن. ع) : في الليل كنت نائما وبينما أنا نائم حلمت بحلم./ كنت نائمة حتى بدأت في حلم فحلمت./ وجدت أمي قتلت وهي في الحقيقة أمي ليست مقتولة./ كنت نائمة حتى نمت نوما حتى نهضت أصرخ من النوم./ ذهبت إلى البحر حتى كنت في داخله أعوم حتى كنت أخرج. 413 جمل ناقصة بناء أو دلالة. + التلاميذ (ن. أ) : جمل منقولة: بدأت أكتب قلت". لكي إذا لم تأتي الى بيتنا./ كنت أتجول في تيزي وزو لصوص هجموا عليَّ فهربت حمدو الله على نجاتي./ كانت السيرات تروح؟ بعد أخرى./ بدأت أكتب./ انتهى من؟ القهوة. يجب على الناس؟ في العيد./ أتمنى؟ كلكم بخير./ خرجت الى الشارع كي أنتظر؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 + التلاميذ (ن. ع) : خفت وهربت يجريان ورائي./ خرج وحش من المقابر وفي الليل وأنا هارب حتى أمسكني./ رأيت في نومي ونحن الآن أحكي./ حلمت فرأيت كنت أنا وأختي. 4 14 جمل ذات بنية صحيحة ودلالة خاطئة +التلاميذ (ن. أ) : هنا يحاول أفراد العينة عن طريق الحشو أن يركبوا جملا صحيحة لكن مع ذلك يقعون في أخطاء الدلالة. جمل منقولة أو مترجمة: نغسل الكرش وكل ما في بطنه./ ذهبت لأفطر منتصف النهار./ أخاف أن هذه الوحوش صحيحة./ نذهب إلى المقابر لنزور الناس الذين ماتوا./ قبلنا كلنا عليهم. + التلاميذ (ن. ع) : نهضت مستيقظة./ عندما نظرت إلى الشجرة حتى نظرت إلى صديقتي./ في أحد الأيام كنت نائمة في منتصف الليل./ دار بي رجال لا يلبسون شيئا. 4 1 5 رصف كلمات دون روابط: +التلاميذ (ن. أ) : جمل منقولة: حلمت أصبحت شريرة بعض الرجال مثلي./ بدأت أحلم جلست قرب صخرة./ حلمت أتى رجا بسكين. جمل أخرى محرفة: حلمت حلمة ذهبت للغابة أتجول./ خفت شدة الخوف الحلم./ عندما المشي وراء الناس. +التلاميذ (ن. ع) : لا توجد هذه الظاهرة لدى التلاميذ الناطقين بالعربية. 42 استخدام أدوات في غير محلها أو غيابها.: 1 حمل خالية من الحروف والأدوات + التلميذ (ن. أ) : أخبرك فرحتي يوم العيد ذهبت جدتي./ ما كدت أقدم مترين أخذني رجل. خرجت من الغرفة أطفأت ضوء خرجت الأشباح./ نظر أبي أطلب النجدة./ يوم العيد فرجت تلفاز شبعت. +التلاميذ (ن. ع) : ذهبت أرى ... / كنت خائفا أن يكلني./ لو كنت مكاني خفت. 2 الاستعمال الخاطئ للحروف والأدوات +التلاميذ (ن. أ) : أحدثك على كيف حالك./ بات يتحكم علينا./ الفرنسيون يحاربون على الجزائر. ذهبت لزيارة أبي الى المدينة./ جاءت سيارة الإسعاف نقلتها./ سلمنا معهم. الخوف مازال بين نفسي./ ضربهم كلهم حتى أنقذني./ شربت القهوة والحلوى. ماذا حالتك./ رأيت كلبا ينبح لكن أنا كنت خائفة./ لا يحس بكل شيء. + التلاميذ (ن. ع) : لا شيء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 44 كلمات في غير محلها. 1 كلمات مخلة بالمعني جزئيا + التلاميذ (ن. أ) عملت القهوة./ دهمتها سيارة./ فجازت في الطريق./ نهضت من النعاس. بقيت أنظرها. + التلاميذ (ن. ع) : مرضت مرضا قويا./ نضع المنازل بالتراب./ نمت نوما شديدا./ حلمت حلما رديئا. 5 القواعد النحوية. +التلاميذ (ن. أ) : ذهبت الى أقاربي لنزورهم./ أزور صديقتي وألعب معهما./ أمي وعمتي تعملن الطعام./ نحن كانوا يتفرجون/ جدي وجدتي يدورون /الحيوانات جئن./ دخلوا الناس وسمع الشرطة. +التلاميذ (ن. ع) : كلبان يبحثون علي/الكلاب يجروا/قبضوا عليه الشرطة/جدتك ليس مريضة/اقتربوا (أنا) 3 زمن الفعل ودلالة الجملة: +التلاميذ (ن. أ) : أخذ السكين ليضربني فخفت وأتراجع إلى الوراء/أخذو أمي وأنا أبحثها/ في الغد رجعت إلى دار الشرطة/كلب أكلني في رجلي وأجري/كنت أجلس في الدار أحد طرق الباب. +التلاميذ (ن. ع) : وغدا رويت لأصدقائي/كلما أصعد شجرة صعدها/نمت حتى تظهر الشمس./ بعد غد بحثت على الخبيث./ غدا في الصباح رايت. 7 تدخل اللغة الأولى في لغة المدرسة: +التلاميذ (ن. أ) :1 النقل من الأمازيغية مباشرة: مازال أقرأ في السنة الخامسة./ كم أخذت في الامتحان./ أكلت العشاء./ لقيت مع رفاقي فسلمت عليهم./ أتمنى أن يكون كل الأيام أعياد./ يكملون غفرهم./ مازال ما انتهينا من الاختبار. 2. الجملة خاطئة في العربية وصحيحة في الأمازيغية أو في العامية: +التلاميذ (ن. أ) : يعطينا الكراريس الذين ننظر إليهم كم أخذنا./ مبروك في عيدك./ فاستحمت جسمي./ لآخذ الملابس وألبسهم./ كتفها اليمنى./ أخذت الحلويات إلى بيت خالتي لكي إذا لم تأتي إلى بيتنا. 8 صعوبات في الرسم الإملائي: حذف المد أو إضافة المد في غير محله. ضم كلمتين إو إضافة حرف أو أكثر لكلمة. تعويض مد بآخر أو حرف بآخر. حذف حرف أو اكثر. كتابة الهمزة ومشاكل ذلك. كتابة التاء في الأفعال والاسماء. كتابة التنوين بالنون. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 المرأة الناقدة في الأدب العربي د. محمد أحمد المجالي أستاذ مشارك - قسم اللغة العربية جامعة مؤتة - الأردن ملخص البحث يتناول هذا البحث جهود المرأة الناقدة في الأدب العربي، وهو بحث يقوم على دراسة هذه الظاهرة منذ العصر الجاهلي حتى الآن. وقد قدّمت لهذا الموضوع بتمهيد أشرت فيه إلى بدايات الحركة النقدية النسائية، وبينت من خلاله أن هذه البدايات قد جاءت متأخرة قياساً على حركة النقد النسائي، وأن الوجود الحقيقي لهذا النقد لم يلحظ إلا في منتصف هذا القرن. ثم تحدثت عن أهم الاتجاهات التي سيطرت على هذا النقد، وبينت أنها قد سارت في اتجاهين اثنين هما: الاتجاه الفني الذي جاء بارزاً عند عدد من الناقدات ممّن أقمن نقدهن على التحليل والتمحيص والدراسة العميقة، والاتجاه التاريخي الذي سيطر على عدد كبير من الدراسات الأكاديمية الجامعية. وبينت أن حركة النقد النسائي قد شملت معظم الأقطار العربية، وأن معظم هذا النقد قد جاء منصباً على نقد المرأة للرجل، وأن جزءاً يسيراً منه قد جاء في نقد المرأة للمرأة، ثم إن مضامين هذا النقد قد جاءت منصبة بالدرجة الأولى على أعمال أدبية حديثة، وإن عدداً قليلاً من الأعمال النقدية قد تناول الأعمال الأدبية القديمة. • • • يسعى هذا البحث إلى الكشف عن جانب مهم من جوانب النقد العربي، يتمثل في الحديث عن دور المرأة العربية في تطوير حركة النقد العربي، من خلال الوقوف على أهم الإسهامات النقدية التي قدمتها في هذا الميدان، ودورها في ترسيخ منهج نقدي متطور تستطيع معه أن تثبت وجودها في الساحة النقدية، ثم تحديد الفترة الزمنية التي استطاعت فيها أن ترسم الخطوط العريضة لهذا المنهج، والتعريف بعدد من الناقدات المتميزات ممن لعبن دوراً مهما في هذا المجال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 وقد شجعني على تناول هذا الموضوع عدة عوامل، أهمها أن موضوع هذا البحث يشكل لبنة جديدة في عالم النقد النظري ونواة لدراسات أخرى قد تكون اكثر عمقا وشمولا على أيدي الباحثين والناقدين، لا سيما انه لم يدرس دراسة مستقلة تخفف من عناء الباحثين في متابعة جوانبه واستقصائها، وثمة عامل آخر دفعني إلى اختيار الموضوع هو باعث ذاتي، فلقد وجدت نفسي تميل إلى هذه القضية ميلا ظاهرا بالقراءة عنها تارة، وتارة أخرى بمناقشة الباحثين فيها ومحاولة الوصول إلى جزئياتها والوقوف على بواعثها. وأرتأيت أن لا أتناول أنموذجا نقديا واحدا ليمثل هذه الدراسة، ذلك أن هذا المنهج لا يمكن أن يعطي انطباعا كاملا عن الموضوع المطروح، لا سيما أن هذا الموضوع لم يدرس بصورة مستقلة من قبل، لذا فقد اعتمدت منهجا يقوم على دراسة الموضوع دراسة شاملة، ويتناول اكبر عدد من الدراسات النقدية النسائية من مختلف الأقطار العربية. ثم قدمت للموضوع بتمهيد أشرت فيه إلى بواكير الحركة النقدية النسائية، ثم جعلت البحث في قسمين: تناول الأول منهما الأعمال النقدية المتخصصة في دراسة بعض الأعمال الأدبية المميزة وتناول الثاني الإصدارات النقدية التي بحثت في الظواهر والقضايا العامة. وقد أفدت في كتابة هذا البحث من مجموعة من الآثار النقدية المختلفة سواء ما جاء منها على شكل كتب أو مقالات موزعة في الدوريات العربية المختلفة، وأخص بالذكر هنا مجلة فصول التي تخصصت في نشر كل الأعمال النقدية الجادة ومجلة الآداب اللبنانية التي كان لها الدور الأكبر في نشر معظم النتاج النقدي النسائي. وحرصت على أن تكون هذه الدراسة موضوعية ما وسعني الجهد، وتوخيت أن تكون نائية عن العاطفة والهوى بريئة من التحيز والتعصب، كيلا يؤدي ذلك إلى خلل فني في البحث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 ومهما يكن من أمر فان التصدي لهذا الموضوع يظل محاولة لرصد ظاهرة تستحق اكثر من دراسة، آملا أن أكون قد فتحت من خلال هذه الدراسة الباب للباحثين لمواصلة البحث والاستقصاء. تمهيد: استعملت اللغة العربية لفظ النقد لمعان مختلفة: الأول: تمييز الجيد من الرديء، قالوا: نقدت الدراهم وانتقدتها إذا أخرجت منها الزيف ومنه التنقاد والانتقاد وهو تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها. الثاني: العيب والانتقاص: قالوا: وما زال فلان ينقد بصره إلى الشيء إذا لم يزل ينظر إليه، والإنسان ينقد الشيء بعينه وهو مخالسة النظر لئلا يفطن إليه، وفي حديث أبي الدرداء أنه قال: إن نقدت الناس نقدوك وإن تركتهم تركوك، ومعنى نقدتهم أي عبتهم واغتبتهم قابلوك بمثله وهو من قولهم نقدت رأسه بإصبعي أي ضربته ونقدت الجوزة أنقدها إذا ضربتها (1) . واستعمل الأدباء العرب كلمة النقد بالاستعمالين لنقد الكلام شعره ونثره على السواء، وبدأ ظهور ذلك في القرن الثالث الهجري على وجه التقريب حيث ألف قدامه كتابه " نقد الشعر " وألّف ابن رشيق " العمدة في صناعة الشعر ونقده ". وسار النقاد العرب في نقدهم على كل من الاستعمالين حيث استعملوه في القديم والحديث على معنى التحليل والتمييز والحكم، فالنقد عندهم دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها المشابهة لها، أو المقابلة، ثم الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها، واستعملوه كذلك بمعنى العيب والمؤاخذة والتخطئة فألّف المرزباني كتابه "الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء " ويريد بالعلماء النقاد، ولا يزال النقد مستعملا بهذا المعنى حتى اليوم عند بعض النقاد المعاصرين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 ويعرّف المحدثون النقد بناء على المعنى الأول في الاستعمال اللغوي فيقولون: إنه التقدير الصحيح لأي أثر فني وبيان قيمته في ذاته ودرجته بالنسبة إلى سواه، فكلمة النقد تعني في مفهومها الدقيق الحكم، وهو مفهوم نلحظه في كل استعمالات الكلمة حتى في اشدها عموما (2) . وبهذا يصبح الناقد لا مجرد متعقب للأخطاء بل صاحب دور إيجابي متمم لدور المؤلف، فهو أقدر على فهمه من فهمه لنفسه (3) . ولعل وظيفة النقد الأساسية تتمثل في أنه ينير سبل الأدب أمام القرّاء ويغريهم بالسير فيه ويلفت أنظارهم إلى ما فيه من جمال لا يستطيعون أن يدركوه بأنفسهم، ذلك أن القارئ مهما كان ذكيا قادرا على فهم الأدب فإنه يظل بحاجة إلى معونة الناقد الذي تهيأت له كل أدوات النقد الصحيح، فعن طريقه يستطيع القارئ العادي أن يرى ما يكمن في روائع الأدب من صفات القوة والجمال، والناقد كثيرا ما يعطي وجهة نظر جديدة تماما، أو ينقل إلى تعبير محدد واضح بعض احساسات القراء الشائعة المبهمة، أو يرشد إلى جوانب غير منظورة فيما يمر به القراء في طريقهم (4) . وحتى تتحقق وظيفة النقد بالشكل الصحيح لا بد أن تتوافر في أي ناقد مجموعة من الشروط، أهمها أن يكون ذا موهبة قادرة على تذوق مواطن القوة والجمال الأدبي وعلى الكشف عنها وجلائها وبيان أسبابها ووجودها، خبيرا بالأدب عالما بفنونه، ضليعا فيه، واسع الاطلاع عليه والمخالطة له دارسا لآراء الأقدمين حوله، عارفا بطرقهم ومناهجهم واتجاهاتهم، ملما من كل فن بطرف، متجردا من استبداد الهوى به، معتدلا في حكمه، جاعلا الحق وصواب الرأي هدفه وغايته (5) سريع الاستجابة لكل التأثيرات، قوي الفهم للأساسيات (6) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 وقد رأيت أن جميع الدارسين لآراء النقاد القدماء لم يميزوا في شرحهم لماهية النقد وشروط الناقد الجيد بين رجل وامرأة وانهم قد نظروا لمعايير النقد نظرة مرنة لا ترتبط من قريب أو بعيد بالذكورة والأنوثة، وأن الدارس الوحيد الذي استوقفني ولفت نظري في هذا المجال وجعل النقد خاصا بالرجال هو محمد زغلول سلام الذي وقف عند قول ابن سلام " وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم به كسائر أصناف العلم والصناعات، منها ما تثقفه العين ومنها وما تثقفه الأذن .... ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم لا تعرف جودتهما بلون ولا مس ولا طراز، ولا وسم ولا صفة ويعرفه الناقد عند المعاينة، فيعرف بهرجها وزائفها (7) وقول ابن رشيق " وقد يميز الشعر من لا يقوله كالبزاز يميز من الثياب ما لم ينسجه والصيرفي يخبر من الدنانير ما لم يسبكه ولا ضربه حتى إنه ليعرف مقدار ما فيه من الغش وغيره فينتقص قيمتها" (8) . وقال معقبا عليهما: "ومن كلام ابن سلام وابن رشيق يتعين مفهوم الناقد عند العرب، وهو الرجل الذي يستطيع أن يميز بين الجيد والرديء وكذلك الحال في ناقد البيان - والشعر خاصة - فهو إذن الرجل الخبير به الذي يستطيع أن يتعرف على بواطنه فيدل على جودته أو يخبر بقبحه " (9) . وقد يقودنا هذا الرأي إلى مجموعة أسئلة تعد مدخلا مهما لهذا البحث هي: هل النقد كفن جزء من العمل الذكوري فقط؟ وهل هناك نقد خاص بالرجال وآخر بالنساء؟ وان لم يكن الأمر كذلك فلماذا تم الفصل في هذا البحث بين الجنسين وتم اعتماد الموضوع تحت عنوان " المرأة الناقدة ". أقول: - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 إنني ضد فكرة الفصل ما بين المرأة والإبداع في أي مجال من مجالات الحياة. فالمرأة منذ اقدم العصور فرضت وجودا مميزا في المجالات السياسية والاجتماعية والأدبية ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقلل من شأنها ونجعلها مخلوقا ضعيفا غير قادر على مواصلة التأليف والإبداع، وقد تكون نظرتنا الدونية إليها وإخراجنا لها من دائرة الإبداع انعكاسا لترسبات بالية تدخلنا في دائرة الجهل والاستبداد كما ترى د. يمنى العيد حيث تقول: " طويلة هي المسافة ... وشرط الكتابة يبقى تاريخا، ولأننا جميعا معنيون بهذا التاريخ، أرى بأنه إن كان ثمة من تفاوت فظيع أحيانا، بين ما هو متوفر للرجل وما هو متوفر للمرأة في انصراف كل منهما إلى ممارسة الكتابة، أو الإبداع في مجال من مجالات الفنون، فان ثمة تفاوتا افظع بين رجل ورجل في نظرة كل منهما إلى حق المرأة في الحياة والإبداع إن الحد الذي يقوم عليه شرط الكتابة والإبداع ليس بين المرأة والرجل أو بين الأنوثة والذكورة بل هو بين الجهل والعلم بين الاستبداد والحرية، وعلى هذا تصبح المسألة لا مسألة المرأة والإبداع، بل مسألة الإنسان العربي والإبداع (10) . وإذا كنت التقي مع يمنى العيد في أن المرأة هي جزء من دائرة الإبداع ولا يمكن إخراجها منه إطلاقا، فإنني اختلف معها في تأكيدها على فكرة عدم الفصل بين إبداع الرجل وإبداع المرأة في كافة المجالات حيث تقول: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 " إن القول بإبداع رجل وبإبداع امرأة، أي تمييز الإبداع على أساس جنس الفاعل هو قول لا يخلو من خطورة، خطورة قراءة الأثر بقراءة صاحبه لا بمعنى إضاءة الأثر بمرجعية في صاحبه، بل بمعنى المماثلة بين الأثر وصاحبه، أو إسقاط الثاني على الأول، وفي ذلك تقديم للفاعل على الموضوع أو للشخص على الإبداع أو للعارف على المعرفة أو للمحاكم على القول أو للسلطة على الثقافة. . . . وإذ توضع المرأة خلف الرجل يصير كل ما يكتبه الرجال افضل من كل ما تكتبه النساء، كما قد يصير ما يكتبه الأسياد أفضل مما يكتبه (11) . إن مثل هذا الإصرار على تجاوز التمايز في أي ظاهرة إبداعية بين الرجل والمرأة قد يقلل - في رأيي - من أهمية هذا الظاهرة ويولد قلقا واضطرابا في فهمها ومتابعة خيوطها والوقوف على ابرز روادها ودورهم في تطويرها وإثرائها ففي الوقت الذي كنا نتجاوب فيه مع المرأة في مطالبتها بعدم الفصل بين أدب الرجال وأدب النساء في أي قطر عربي على اعتبار أن المرأة الأديبة قد أدّت رسالتها الأدبية منذ اقدم العصور شعرا ونثرا وسجلت بصمات واضحة في هذا الميدان منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث، فإننا نجد انه من الصعب أن نقر بهذا المطلب، وان نتجاوز هذا التمايز في حقل النقد. فثمة فارق كبير جدا بين نقد الجنسين كما وكيفا. . هذا إذا ما علمنا أن الحركة النقدية النسائية تكاد تكون حركة وليدة. . . لا يتجاوز عمرها الحقيقي بضع سنوات وتقتصر على عدد معين من الناقدات في حين أن نقد الرجال قد رافق الأدب منذ اقدم العصور، وحقق إنجازا واسعا على كافة الأصعدة. المرأة وحركة النقد. . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 إن دراسة متأنية لواقع النقد النسائي عبر العصور المختلفة تشير إلى أن هذا النقد يكاد يكون مختفيا تماما منذ العصر الجاهلي وحتى بداية هذا القرن، وقد قمت بدراسة مسحية لهذا الموضوع بينت من خلالها أن العصور العربية المختلفة لم تعرف إلا عددا قليلا من الناقدات منهن الناقدة أم جندب امرأة امرئ القيس بن حجر حيث ذكرت المصادر أن امرأ القيس وعلقمة بن عبده (علقمة الفحل) تنازعا أيهما اشعر، فقال كل واحد منهما: أنا أشعر منك. فقال علقمة: قد رضيت بامرأتك أم جندب حكما بيني وبينك. فحكّماها. فقالت أم جندب لهما: قولا شعرا تصفان فيه فرسيكما على قافية واحدة وروى واحد فقال امرؤ القيس: خليليّ مرّا بي على أم جندب نُقضّ لبانات الفؤاد المعذب وقال علقمة: ذهبت من الهجران في غير مذهب ولم يك حقاً طول هذا التجنّب فأنشداها جميعا القصيدتين. فقالت لامرئ القيس: علقمة أشعر منك. قال وكيف؟ قالت: لأنك قلت: فللسوط أُلهوب وللساق دِرَّةٌ وللزجر منه وقع أخرب مهذب الأخرج ذكر النعام والخرج بياض في سواد وبه سمي فجهدت فرسك بسوطك في زجرك ومريته فأتعبته بساقك. وقال علقمة: فأدركهنّ ثانيا من عنانه يمرُّ كمرِّ الرائح المتحلّب فأدرك فرسه ثانيا من عنانه لم يضربه بسوطٍ ولم يتعبه. فقال: ما هو بأشعر مني ولكنك له عاشقة. وطلّقها. فخلف عليها علقمة فسمي الفحل لذلك (12) . وأشارت المصادر كذلك للناقدة السيدة سكينة بنت الحسين بن علي والتي قال عنها صاحب الأغاني: " إنها كانت عفيفة تجالس الأجلّة من قريش وتجمع إليها الشعراء " ومن نقدها أنها سمعت نصيبا يقول: أهيم بدعد ما حييتُ فإن أمت فوا حزنا من ذا يهيم بها بعدي فعابت عليه انه صرف همه ورأيه إلى من يعشقها بعده وفضلت أن يقول: أهيم بدعد ما حييتُ فإن أمت فلا صلحت دعد لذي خُلَّةٍ بعدي وتسمع الأحوص يقول: من عاشقين تراسلا وتواعدا ليلاً إذا نجم الثريا حلّقا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 باتا بأنعم ليلةٍ وألذّها حتى إذا وضح الصباح تفرّقا تقول: كان الأولى أن يقول تعانقا بدل تفرقا (13) وهو نقد - في حدود تقديري - يكاد يكون إنطباعياً تأثريا لا يستند إلى قواعد صحيحة بل هو أشبه بمحاولات تجريبية تحكمها بعض عوامل البيئة. ومن نقدها أيضا تفضيلها لجرير على الفرزدق حين زعم الفرزدق أمامها أنه أشعر الناس، فقالت له: كذبت، أشعر منك الذي يقول: بنفسي من تجنبه عزيز عليّ ومن زيارته لمام ومن أمسى وأصبح لا أراه ويطرقني إذا هجع النيام فقال: والله لو أذنت لي لأسمعتك أحسن منه. قالت أقيموه فأُخرج. ثم عاد إليها من الغد فدخل عليها، فقالت: يا فرزدق من أشعر الناس؟ فقال: أنا، قالت: كذبت! صاحبك جرير أشعر منك حيث يقول: لولا الحياء لعادني استعبار ولزُرتُ قبرك والحبيب يزار لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ليل يكرّ عليهم ونهار فقال: والله لئن أذنت لي لأسمعتك أفضل منه، فأمرت به فأُخرج. ثم جاء في اليوم الثالث ليتكرر الموقف ولتنشد سكينة ما أعجبها من قول جرير: إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهنّ أضعف خلق الله أركانا أتبعتهم مقلة إنسانها غرقٌ هل ما ترى تارك للعين إنسانا (14) كما أشارت بعض المصادر إلى عقيلة بن عقيل بن أبي طالب التي كانت تجلس للناس دائما وتنقدهم ومما ذكره المرزباني في كتابه الموشح عنها في هذا المجال انه وبينما هي جالسة إذ قيل لها: العذري بالباب. فقالت: ائذنوا له. فدخل. فقالت له: أأنت القائل: فلو تركت عقلي معي ما بكيتها ولكن طِلابيها لما فات من عقلي إنما تطلبها عند ذهاب عقلك، لولا أبيات بلغتني عنك ما أذنت لك، وهي: علقتُ الهوى منها وليدا فلم يزل إلى اليوم ينمى حبها ويزيدُ فلا أنا مرجوعٌ بما جئت طالباً ولا حبها فيما يبيد يبيدُ يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ويحيى إذا فارقتها فيعودُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 ثم قيل: هذا كُثيّر عز ة والأحوص بالباب. فقالت " ائذنوا لهما. ثم أقبلت على كُثيّر، فقالت: أما أنت يا كثير فألأم العرب عهدا في قولك: أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثلُ لي ليلى بكل سبيلِ ولم تريد أن تنسى ذكرها؟ أما تطلبها إلا إذا مثلت لك! أما والله لولا بيتان قلتهما ما التفت إليك، وهما قولك: فيا حبّها زدني جوى كلَّ ليلة ويا سلوةَ الأيام موعدُك الحشرُ عجبت لسعي الدهر بيني وبينها فلما انقضى ما بيننا سكن الدهرُ ثم أقبلت على الأحوص فقالت: وأما أنت يا أحوص فأقل العرب وفاء في قولك: من عاشقين تراسلا فتواعدا ليلا إذا نجمُ الثرّيا حلّقا بعثا أمامهما مخافة رقبة عبدا ففرّق عنهما ما أشفقا باتا بأنعم عيشةٍ وألذها حتى إذا وضح الصباحُ تفرّقا ألا قلت: تعانقا، أما والله لولا بيت قلته ما أذنت لك، وهو: كم من دنيّ لها قد صرتُ أتبعه ولو صحا القلبُ عنها صار لي تبعا ثم أمرت بهم فأُخرجوا إلا كثيرّا، وأمرت جواريها أن يكتّفنه، وقالت له: يا فاسق، أنت القائل: أإِنْ زُمّ أجمال وفارق جيرة وصاحَ غُرابُ البين أنتَ حزينُ أين الحزن إلا عند هذا؟ خرقن ثوبه يا جواري. فقال: جعلني الله فداءك إني قد أعقبت بما هو أحسن من هذا. ثم أنشدها: أأزمعت بينا عاجلاً وتركتني كئيباً سقيما جالسا أتلدد وبين التراقي واللهاة حرارة مكان الشّجا ما تطمئنّ فتبرُدُ فقالت: خلين عنه يا جواري. وأمرت له بمائة دينار وحلة يمانية، فقبضها وانصرف (15) . وغير عقيلة فقد ذكرت المصادر أم جحدر بنت حسان المرية التي فضلت ابن ميادة على الحكم وعملس فغضبا وقال كل منهما أبياتا في هجائها (16) . وأشارت بعض المصادر إلى ولادة بنت المستكفي الأميرة المتحررة التي انشأت ندوة للمساجلة الشعرية في العصر الأندلسي (17) وهي بهذا تكون قد تركت بصمة واضحة في ميدان النقد لأن ندوات المساجلة هي بحد ذاتها نواة طيبة لحركة نقدية فاعلة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 ثم يختفي صوت المرأة الناقدة بعد ذلك تماما، حتى إذا ما وصلنا عصر النهضة وتوقعنا أن تكون البداية الحقة مع مطلع هذا العصر وجدنا بأن الأدب لم يعرف إلا النساء الكاتبات أمثال مي زيادة التي اشتهرت بمقالاتها وأبحاثها الاجتماعية وخواطرها ومحاولاتها المسرحية والقصصية وبعض المحاولات النقدية التي سآتي على ذكرها فيما بعد (18) . وملك حفني ناصف (1886 - 1918) التي كانت تراسل الصحف وتخطب في الأندية داعية إلى تعليم المرأة (19) وماري عجمي في سوريا (1888 – 1965) التي انشأت مجلتها " العروس " ووجدت فيها ميدانا لبث دعوتها الإصلاحية (20) . ومع ظهور مدرستي الرابطة القلمية والعصبة الأندلسية في المهجر كنا نتوقع أن تظهر بوادر النقد النسائي بحكم القرب من الغرب، لكن ذلك لم يحصل إطلاقا، فكل ما ذكرته لنا الكتب التي اهتمت بدراسة الأدب المهجري وجود ناثرات فقط يقول الناعوري: " فلم تكن المرأة عنصر تأثير في أدب المهجر، بل كانت عنصر تأثر فحسب، تترسم في حياتها الأدبية خطى الرجل، ولست أعرف في أديبات المهجر إلا الناثرات" (21) ، ويقول أيضا: " ومن بين مهاجري الشمال لا اعرف أية امرأة أسهمت بقلمها في خدمة الضاد إسهاما يستحق الذكر، وأما اللواتي برزت أسماؤهن في ميادين الصحافة والأدب فهن من المهجر الجنوبي، وكلهن ممن أقمن في البرازيل وشاركن الرجال هناك في مهنة القلم " (22) . ويشير الناعوري بهذا الصدد إلى الأديبات السيدة سلمى صائغ مؤلفة كتاب "ذكريات وصور " والسيدة أنجال عون شليطا والسيدة سلوى سلامه أطلس (23) . وقد لا نستغرب غياب النقد النسائي عن الأدب المهجري، ما دامت المؤلفات المختلفة لا تذكر لنا عن نقد الرجال في المهجر سوى كتابين نقديين هما: "الغربال" لميخائيل نعيمه، "والمنقار الأحمر " لشكر الله الجر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 وفي ذلك يقول د. علي جواد الطاهر " وإذا كان النقد الغربي - بالمعنى الصحيح - قد ولد في القرن التاسع عشر فليس غريبا أن يولد نقدنا متأخرا عنه ... متأثرا به ... في القرن العشرين - إن شئت قلت متأثرا ... والمسألة اكثر من تأثر" (24) . ولكي يكتمل الحديث عن النقد النسائي عبر العصور المتعاقبة لا بد أن أجتهد في تحديد الأسباب التي أدت إلى اختفاء هذا النقد منذ من العصر الجاهلي وحتى منتصف هذا القرن تقريبا، وعلى النحو التالي: 1- إن دور المرأة في بناء الحضارات القديمة يكاد يكون هامشيا لأن مشاركتها الفكرية لم تكن ناضجة، ولما كان النقد جزءا من الفكر فإنه من غير المأمول أن يكون للمرأة دور مميز في ذلك. 2- إن العادات والتقاليد التي تحكم مجتمعنا كانت - وما زالت - عائقا أمام المرأة في مزاولة مختلف الأشكال الأدبية ولذلك فان معظم أعمالها الأدبية جاءت تحت أسماء مستعارة، وهذا الأمر ينسحب على النقد، لا بل قد يكون اكثر تعقيدا وصعوبة. 3- إن الثقافة التي كانت تتمتع بها المرأة تكاد تكون متدنية ولا تساعد في امتلاك أدوات النقد الحقيقية. ومع حلول منتصف هذا القرن، شهدت الحركة النقدية النسائية نقلة واسعة - كما وكيفا - وأضحى هذا النوع من النقد عملا مستقلا لا يمكن إغفاله بأي حال من الأحوال، وظهر اثر تطوره واضحا من خلال إسهامه في دفع حركة النقد العربية المعاصرة إلى الأمام واحتلالها مكانة مميزة ومرموقة، ولعل هذا التطور عائد لغير عامل أهمها: 1- أن دخول المرأة للحياة العملية واحتكاكها من خلال العمل بالرجال قد أعطاها دفعة قوية وجعلها اكثر ثقة بنفسها. 2- شعور المرأة بان النقد رسالة أدبية واجتماعية وسياسية يؤديها الناقد، وأنها جزء من هذا المجتمع وعليها أن تحمل هذه الرسالة بكل أمانة وإخلاص. 3- التحصيل الثقافي العالي الذي صارت تتمتع به المرأة وهو جزء من الثقافة العالية التي صار يتمتع بها المجتمع بشكل عام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 4- وعي المجتمع للدور الذي تقوم به المرأة في عملية الإبداع والبناء وتشجيعه لها من خلال تقديم كافة التسهيلات 5- انتشار المطابع والمكتبات ودور النشر مما سهل توافر المادة المطبوعة من خلال الصحف والمجلات والكتب المختلفة. 6- دور الجامعات والمعاهد الفعال في تطوير مفهوم النقد عند المرأة وتشكيل الأدوات الحقيقية لممارسته. 7- مشاركة المرأة في العديد من الندوات والمؤتمرات العالمية والعربية والمحلية مما كان له اكبر الأثر في تحقيق المهارة والدربة والممارسة. 8- الاطلاع على معظم الآثار النقدية الغربية بفعل حركة الترجمة والتأثر بها. ولم يكن هذا التطور مقتصرا على قطر عربي بعينه، بل شمل كافة الأقطار العربية، ومن ابرز الأسماء التي كان لها الدور المهم في تشكيل حركة النقد النسائية المعاصرة: نازك الملائكة، خالدة سعيد، رضوى عاشور، ريتا عوض، يمنى العيد، روز غريب، أمينة غصن، نجاح العطار سلافة العامري، رندة حيدر، فريدة النقاش، سلمى الخضراء الجيوسي، أمينة رشيد، أمينة العدوان، فدوى مالطي دوجلاس، نبيلة إبراهيم، فريال جبوري غزول، اعتدال عثمان، سيزا قاسم، منى ميخائيل، نجوى الرياحي القسنطيني، فاطمة حسن، بشرى موسى صالح، جليلة رضا، فاطمة المرنيسي، بشرى الخطيب، عزيزة مريدن نبال خماش، ثريا ملحس، لطيفة الزيات، هند حسين طه، فاطمة محجوب، عواطف عبد الكريم، سامية أحمد أسعد سحر مشهور، ديزيره سقال، فاطمة الزهراء أزرويل، سهير القلماوي، نعمات أحمد فؤاد، إخلاص فخري عمارة ثناء أنس الوجود. وقد تبين لي من خلال دراسة نتاج معظم هذه الأسماء أن المحاولات النقدية قد سارت في اتجاهين هما: 1- الوقوف على عمل كامل لأديب ما أو دراسة ظاهرة مميزة ضمن هذا العمل. 2- دراسة الظواهر العامة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 وسوف أحاول أن أعرض لكل اتجاه منهما بشكل مفصل أوضح من خلاله طبيعة الأثر النقدي والاتجاه الذي كان يمثله في عالم النقد. دراسة الأعمال الأدبية ويحتل هذا النوع من الدراسات مساحة واسعة من حجم النقد النسائي، ويسير في اتجاهين اثنين هما: الوقوف على أثر كامل لأديب ما أو دراسة ظاهرة معينة في أدبه، وتكاد تنصب معظم هذه الدراسات على موضوعات حديثة معاصرة، وتتميز بعمق في التحليل واتباع منهج فني ناضج بعيد عن النزعة التاريخية، وقد ارتأيت أن أجعل هذه الدراسة في ثلاثة موضوعات هي: أ- نقد المرأة للرجل. ب- نقد المرأة للمرأة. ج - نقد المرأة لذاتها. أ - نقد المرأة للرجل: اهتمت المرأة الناقدة كثيرا بالوقوف على آثار الأدباء المختلفة، وقد اتسعت دائرة هذا النوع من النقد لتشمل أعمال الأدباء في مختلف الأقطار العربية، إذ تبين لي من خلال الاطلاع على معظم النتاج النقدي النسائي في هذا الاتجاه أن المرأة الناقدة تناولت أدب الرجال بموضوعية وقدرة واضحة في إصدار الأحكام، كما بدا واضحا أن ثقتها بنفسها قد ظهرت عالية تماما وبخاصة في تعاملها مع بعض الأعمال المشهورة والمميزة. وتقف في مقدمة الناقدات في هذا الاتجاه نازك الملائكة التي شكلت بأعمالها النقدية ثقافة شاملة حين درست مجموعة أعمال مسرحية وروائية وشعرية وقصصية لتؤكد أن المرأة ليست أقل ثقافة من الرجل، وأنها قادرة على التصدي لكل الأعمال الأدبية، ومن أبرز الدراسات التي قدمتها نازك في هذا المجال:- أ - الحب والموت في شعر ابن الفارض. ب - الجانب العروضي من مسرحية شوقي. ج - ملامح عامة في شعر إيليا أبي ماضي. د - إيليا أبو ماضي في ديوانه الجداول. هـ- - الصومعة والشرفة الحمراء. و مسرحية "الايدي القذرة " لسارتر. . ز - مسرحية " السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم. ح - مسرحية " يا طالع الشجرة " لتوفيق الحكيم. ط - رواية " الخندق الغميق " لسهيل إدريس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 ي - رواية " عبث الأقدار " لنجيب محفوظ. ك - رواية " الشيخ والبحر " لارنست همنغوي. ولعل المتابع لكل هذه الأعمال سيلاحظ أنها تشكل دراسات نقدية جادة لأعمال إبداعية رصينة ذاعت شهرتها بين أوساط المثقفين، ثم إن نازك لم تكن لتقف عند الجوانب الإيجابية في هذه الأعمال بل تميزت بجرأة فائقة في الحديث عن سلبياتها، فهي مثلا حين تقف عند مسرحية " الأيدي القذرة " لسارتر تؤكد أن الزمن قد عولج بأسلوب ليس فيه ابتكار حيث تقول: "إن هذا الأسلوب في معالجة الزمن ليس جديدا في الأدب المعاصر، فقد نجح فيه مارسيل بروست في سلسلته القصصية البديعة " بحثا عن الزمن الضائع " .... غير أن سارتر لم يوفق كثيرا في استعمال هذا الأسلوب في تقديم الزمن" (25) . ثم ترى أن الحكيم كان موفقا في احتواء الحكاية التي بنى عليها مسرحيته " السلطان الحائر " فقد استخدم أسلوب العرض الفني والتزم تخطيطا عاما في الفصول كلها: فكان يبدأ الفصل بعرض المشكلة من وجهة نظر الجمهور الذي يمثله شخص أو شخصان ثم ينتقل ويعرض وجهة نظر السلطان وحاشيته (26) . وتقول في مدح رواية " الخندق الغميق " لسهيل إدريس " لعل اعمق ما تعيش به رواية الخندق الغميق في نفس قارئها هو الجو السحري المعطر الذي يحف بها من أولها إلى آخرها، فهذه رواية ذات نكهة خاصة بها تغلفها وتترك أثرها المضمخ في حس القارئ " (27) . وهي لا تعالج في نقدها القضايا الشكلية فقط، ذلك أنها تؤمن أن المضامين على درجة من الأهمية، ولأنها تنظر إلى الأثر الأخلاقي للأدب فإنها تقول في تقديرها للجوانب الأخلاقية في رواية " عبث الأقدار" لنجيب محفوظ " ومما يزيد هذا الظل المعنوي وضوحا أن النبرة العامة في رواية عبث الأقدار نبرة أخلاقية (28) . وتؤكد على أهمية الشكل في شعر أبي ماضي حيث تقول: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 " وإن أكرم تأبين لإيليا أبي ماضي أن نلتفت في أيامنا الشعرية الحرجة هذه إلى القوة وكمال الشكل في قصائد فنتلقى عنه دروسا في الإيجاز والوضوح، فلعلنا لا نبالغ مطلقا إذا قلنا إننا حتى بعد انصرام ثلاثين سنة كاملة على صدور مجموعة الجداول، ما زلنا محتاجين إلى أن نتعلم منه دروسا تفيدنا في سلوكنا نحو مستقبل أكمل للشعر العربي" (29) . ولعل أهم دراساتها النقدية وأكثرها جرأة هي دراستها لشعر علي محمود طه الموسومة ب" الصومعة والشرفة الحمراء " تناولت فيها الناقدة قضايا الشكل المضمون معا حيث تحدثت عن شهرة علي محمود طه ووازنت بينه وبين نزار قباني في اكثر من غرض ثم فصلت القول في شعره الغزلي والفكري وشعر المناسبات، وتحدثت عن بعض القضايا الفنية في شعره كالموسيقى والصورة الشعرية والعروض وأخذت على الشاعر مآخذ كثيرة في هذا الجانب أهمها: أ - السقوط في الألفاظ الحوشية:حيث ترى نازك انه كان يلجأ إليها لضرورة عروضية تقول: " ولكن شاعرنا يسقط في الألفاظ الحوشية في بعض شعره، فيأتي بكلمات قاموسية فيها غرابة وخشونة وجفاف وبعد عن روح العصر، ويغلب أن يقع له هذا حين تضايقه متعرجات الوزن ومتطلبات القافية الموحدة فيضطر إلى اللجوء إلى القاموس واستخراج كلمات ملائمة " (30) ثم تمثل على هذه الظاهرة من خلال قوله: وما هي أسطر كتبت ولكن معانٍ في القلوب لهنّ علبُ وهبّت في نواحي الأرض دنيا لحق يجتبى ومنى تلبّ تقول نازك " فما من قارئ معاصر يستسيغ كلمتين مثل علب وتلب في قصيدة حديثة (31) . ب - كثرة استعمال المترادفات في البيت الواحد كقوله: يا باعث الروح الفتيّ بأمّةٍ تسمو به آماله وتحلق فانين في حب الإله فلن ترى بعد الألوهة ما يُحب ويُعشق وحديث أرواح يضوع عبيره ومن الطهارة ما يضوع ويعبق تقول نازك " أليس تسمو وتحلق في معنى واحد؟ وهل يحب غير يعشق، أم هل يضوع تختلف كثيرا عن يعبق؟ (32) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 ج - الأخطاء العروضية - وهي كثيرة في شعره كما تراها نازك ومنها قوله: لم أقبلت في الظلام إليّ ولماذا أطرقت بابي ليلا " فقد جاء فيه ب" فاعلات " دونما إشباع في خاتمة الشطر الأول مع أن الصحيح هو " فاعلاتن " لأن البيت من البحر الخفيف ". وقوله: يا لها كيف استقرّت ثم فرّت لحظة مرّت ولكن ما وعاها " وفيه كان عروض الرمل " فاعلاتن " في غير ما تصريع، وهو خطأ ظاهر لأن الصحيح أن تصير " فاعلن " وعلى ذلك جرى الشعر العربي كله (33) . د - الأخطاء النحوية - وترى نازك أنها قد تعددت في شعره علما أن بعضها لا يحتاج إلى أدنى ثقافة لمعرفتها، ومن الأمثلة عليها قوله: هات كفيك ولا تضطربي لا تخالي ريبة في ناظري " فقد خاطب المؤنث فيه بكلمة "هات " حاذفا ياء المخاطبة على غير ما وجه يسوغ ذلك " وقوله: ما عجيب أن تردّيه عليا بل عجيب أنني لا زلت حيا " فقد استعمل فيه " لا زال " لغير الدعاء والصواب " ما زلت "كما لا يخفى على أي تلميذ ذكي من تلاميذ الثانوية" وقد يجزم الفعل المضارع دون داع إلى جزمه كما في قوله: أقسمت لا يعص جبار هواها أبد الدهر ولو كان إلها تقول نازك: " فان حق الفعل " لا يعصي " فيه هو الرفع لا الجزم ولعل في ذهن الشاعر التباسا يتعلق بالجملة التي يتصدرها ما يشعر بالقسم أو نحوه، وهو وهم ظاهر ليس له أساس في النحو " (34) ثم تطالعنا الناقدة ريتا عوض التي قدمت مجموعة من الدراسات المهمة في هذا الاتجاه أهمها دراستها " بنية القصيدة الجاهلية " التي تجلت فيها روح النقد الحقيقية من خلال الوقوف على موضوع " الصورة في شعر امرئ القيس " إذ ابتعدت في طريقة طرحها عن الأساليب التقليدية وحاولت إرساء منهج جديد في دراسة هذا الشعر بعد أن شعرت أن الدراسات السابقة التي قامت على دراسة هذا الشعر لم تصل إلى زيادة الوعي بهذا الشعر من حيث هو عنصر حيوي في التراث الحضاري (35) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 وغير هذه الدراسة فقد قدمت ريتا عوض للساحة النقدية سلسلة من الكتب وقفت فيها عند مجموعة من الشعراء المتميزين في العصر الحديث وهم: احمد شوقي، أبو القاسم الشابي، بدر شاكرالسياب، الياس أبو شبكه. وكانت تتحدث في كل كتاب منها عن حياة كل شاعر ومذهبه ومؤلفاته ثم تعرض لأبرز قصائده مع تحليل أولي لواحدة منها، وهي في هذه المجموعة النقدية لم تظهر كما ألفناها في أعمالها النقدية الأخرى، إذ غاب عنها الجانب التحليلي الرصين وظهر عليها الاستعجال واضحا في كل ما قدمته. ومن دراساتها الأخرى المهمة " الجنون في أدب جبران " (36) وصورة الإنسان العربي في ديوان " الرعد الجريح لحاوي " (37) و " خليل حاوي الشاعر والناقد والفيلسوف " (38) . ثم تطالعنا أيضا الناقدة يمنى العيد التي استطاعت أن تثبت وجودها في الساحة النقدية من خلال ما قدمته من أعمال نقدية رائعة شكلت بعدا قويا وواضحا في الحركة النقدية النسائية، ولعل أهم ما يميز نقد يمنى العيد أنها كانت تقف فيه أمام الأعمال الأدبية الرصينة بكل ثقة وجرأة وهي في ذلك تقول: " إن اختيار الأثر، يقوم على علاقة بينه وبين الناقد، وان هذه العلاقة يحددها الطرفان: الأثر بما يحمل، والناقد لمؤهلاته، فلا الناقد قادر على تناول أي اثر ولا كل اثر جدير بالنقد، بدون هذه العلاقة يصبح النقد قسرا للناقد واغتصابا للأثر " (39) . ولعل حرصها الشديد على نقدنا العربي يظهر واضحا من خلال تأكيدها على أن هناك قصورا في هذا النقد يجب أن نتنبه إليه قبل كل شيء حيث تقول: " إذا كان الأثر يحمل إضاءة في علاقته مع الواقع فإن النقد يحمل إضاءة في علاقته مع الأثر، وإذا كان من مهمات النقد تطوير الأدب وترقيته فنحن بحاجة إلى نقد " بديل " يساهم في تطوير نقدنا الحاضر وترقيته " (40) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 وترى كذلك أن أي اثر أدبي يمكن أن يدرس دون معرفة صاحبه: " هكذا كنت انطلق من الأثر وقد اعرف شيئا عن صاحبه وآثارا له، وقد اجهل كل شيء عن صاحبه ولا أعرف له إلا هذا الأثر، ولكنني في كلا الحالين كنت أرى أن الأثر الأصيل هو اصدق وجود لصاحبه. . . صورة مارون عبود تجلت لي في وضوح مدهش يوم قرأت كل آثاره، ومعاناة أبي شبكة الشاعر البائس امتلكتها يوم قرأت دواوينه والكثير من منشوراته الشعرية والنثرية في مختلف المجلات والصحف " (41) . ولعل من ابرز الموضوعات التي وقفت عليها في هذا المجال للناقدة يمنى العيد: أ- البناء الفني في قصص محمد عيتاني. ب- تنامي الوعي والبعد الرمزي في رواية غسان كنفاني. ج - قراءة قصة قصيرة " شرف العائلة " لعبد الستار ناصر. د - مشروع رؤية جديدة للفكر في العصر الوسيط / د. طيب تيزيني. هـ - حول كتاب عز الدين إسماعيل " القصص الشعبي في السودان - دراسة في فنية الحكاية ووظيفتها –". و حول كتاب غالي شكري " التراث والثورة ". ز - الموقف والرؤية الفكرية في كتابات مارون عبود. ولعل أكثر ما يميز يمنى العيد في محاكمتها لهذه الأعمال الجرأة البارزة، والموضوعية والصدق في إصدار أحكامها سواء كانت أحكاما إيجابية أم سلبية، فهي مثلا تدافع عن محمد العيتاني وترد على الذين اتهموه بالتخلف عن المعاصرة فتقول: " إن أسلوب هذا القصاص الذي قال فيه من كتب وتحدث عنه إنه أسلوب واقعي وبالتالي متخلف عن المعاصرة وإنه في واقعيته كثيرا ما كان مباشرا وعاديا، هو هنا ذو واقعية متميزة وهذا في نظري أمر هام، فالمعاصرة أو القيمة الفنية لأسلوبه لا تكمن في كونه واقعيا أو رمزيا أو غيرهما، بقدر ما تكمن في قدرة الأديب على الأداء المميز بهذا الأسلوب أو ذاك، أداء يحملنا مرغمين باقتناع على وعي وامتلاك ما يقوله فنيا لنا " (42) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 وتمتدح أيضا أسلوب كنفاني في رواياته المختلفة مؤكدة على أهمية البعد الرمزي في هذا الأسلوب: " إن الرمز أو البعد الرمزي في أسلوب كنفاني ليس لعبة فنية، ليس فنتازيا بل أداة فنية، لها دور هام في إيصال المعنى إلى القارئ، المعنى الذي يبغيه الأديب القائم عنده في مسافة البعد الذاتي، المشحون بزخم، هو زخم الرؤيا الهادفة المريدة، المنتمية المتطلعة إلى المستقبل في آن واحد " (43) . ثم تحمل على الكاتب عز الدين إسماعيل في دراسته للقصص الشعبي في السودان مؤكدة على أن مفهومه لبناء الحكاية هو مفهوم يفصل بن الشكل والمضمون بحيث يعطي الشكل وجودا مستقلا قائما بذاته ولا يرى فيه بناء عضويا يقوم عليه لنسج الحكاية كعمل فني معين، وان تحليله للحكاية يقصره في معظم الأحيان على رصد ما فيها من ظاهرات تميزها دون أن ينفذ إلى جذور هذه الظاهرات التي تعلل وجودها، وأن تحليله أيضا يفتقر إلى الدقة العلمية في تحديد عناصر الحكاية وخصائصها، يضاف إلى ذلك أنه قد اغفل الكلام على كل ما يتعلق بجمالية الأداء فيها وأنه يميل إلى رصد المعتقدات اكثر من التعمق في تحليلها وتعليلها (44) ويظهر أيضا الاتجاه النقدي عند الكاتبة في تناولها لشعر المقالح تحت عنوان " شعر المقالح: مرجعيته وشعريته " (45) وهو إن دل على شيء فإنما يدل على أن يمنى العيد لم تقف عند غرض أدبي واحد في نقدها بل جمعت في نقدها بين الشعر والنثر بأسلوب متميز وبصيرة نافذة ورأي ثاقب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 ومن الناقدات المتميزات في هذا المجال أيضا خالدة سعيد التي أثرت الحركة الأدبية النقدية بكتابها الرصين "حركية الإبداع " وكانت قبله قد أصدرت كتابها " البحث عن الجذور " سنة (1960) الذي كان يشكل خطوة رائدة لمنهجية النقد واستقلاليته خاصة إذا ما قورن بالنتاج المزامن له. أما "حركية الإبداع " فهو يعد بحق من الكتب النقدية المتقدمة عالجت من خلاله موضوعات شاملة تتعلق بالشعر والرواية والقصة وغيرها من خلال الوقوف على أعمال مختلفة أهمها: “ثرثرة فوق النيل " لنجيب محفوظ و " الاي اي " ليوسف إدريس، وقصة " الشاطئ" لغسان كنفاني، و " النهر والموت " لبدر شاكر السياب وغيرها الكثير وفقا للمنهج البنيوي، وفي ذلك يقول نبيل سليمان في كتابه مساهمة في نقد النقد الأدبي: " وهكذا تعمد الناقدة إلى معالجة النص على أنه نظام مترابط من الدلالات، وفقا لحرفية المنهج البنيوي" (46) وإذا كان عملها في هذا الكتاب يدخل في باب الإبداع الفني فإنه لا يخلو أيضا من بعض المآخذ وبخاصة في دراستها للرواية التي اخذ عليها النقاد فيها الاستعجال وعدم التعمق حيث يقول نبيل سليمان في ذلك: " وعلى أي حال، فإن دراسة الناقدة للرواية العربية تتسم بالعجالة وتفتقر إلى التعمق، وهذا ما تعكسه بقوة تصنيفاتها ومصطلحاتها أيضا، فهي تسمى جيل طه حسين والعقاد والحكيم من الروائيين بالمثاليين لأنهم اغنوا الرواية ببعد فكري، فهل تعني المثالية إغناء الرواية كجنس أدبي وبالتالي الأدب بالبعد الفكري؟ هل يؤدي البعد الفكري إلى المثالية تلقائيا؟ إن الناقدة تطلق مصطلح الرواية الفكرية على رواية لويس عوض " العنقاء " وروايتي يوسف حبشي الأشقر "أربعة أفراس حمر – لا تنبت الجذور في السماء " لأن هذه الروايات خاضت في مسائل فكرية، فأين هي المثالية هنا؟ وأين هو البعد الفكري؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 والناقدة تتردد في اعتبار رواية صنع الله إبراهيم " تلك الرائحة " بالرواية أو القصة الطويلة دون أن تخوض في حيثيات كل تصنيف، على الرغم من أهمية هذه المسألة إصلاحيا ونقديا " (47) . وهناك الناقدة لطيفة الزيات التي قدمت دراسة متميزة بعنوان " من صور المرأة في القصص والروايات العربية " وقفت من خلالها عند عدد من الروايات والقصص الهامة منها: "الرباط المقدس " لتوفيق الحكيم و " ريح الجنوب " للكاتب الجزائري عبد الحميد هدوقه و " البحر يكشف كل الأقنعة " لعبد الله الطوخي و " دمشق الحرائق " لزكريا تامر و " الأبنوسة البيضاء " لحنا مينا و " البنات والصيف " لإحسان عبد القدوس و " أين عمري "لإحسان عبد القدوس و " موسم الهجرة إلي الشمال " للطيب صالح ... وقد استبعدت الناقدة أجيالا من الكتاب ربما كانت تحتل مكان الصدارة في القصص التي تنحو منحى الواقعية التقليدية واعتمدت في دراسة صورة المرأة في القصص العربي منهج التحليل للنص الروائي والقصص وتوصلت إلى المعنى العام للنص عن طريق تحليله إلى جزيئات وإظهار العلاقات التي تندرج بمقتضاها هذه الجزيئات في كلية فنية مستقلة ذات معنى عام، والكاتبة لم تتوقف في هذه الدراسة عند معنى النص ولا حتى عند المنطلق الفلسفي الذي ينبع منه ولا عند جمالياته، ولم تقتصر على المنهج التحليلي إذا أملت الدراسة عليها ضرورة تعدد المناهج النقدية وكانت تدخل شخصياتها في معظم الأحيان فتقول مثلا: إن وجهة نظر حنا مينا للمرأة سليمة في مجموعها وإن لم تخل من هنات " (48) . وحتى تصل إلى المنهج التحليلي التطبيقي، فإنها تقيم دراسة نقدية على روايات نجيب محفوظ تحت عنوان: المرأة في روايات نجيب محفوظ (1945 – 1973) . المنظور المثالي للشخصية الروائية والمرأة في روايات نجيب محفوظ (1939 – 1967) . وهي تبدو في هذه الدراسات التطبيقية جريئة وبخاصة في نقدها لشخصيات نجيب محفوظ في رواياته حيث تقول: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 " وفي العالم الروائي لنجيب محفوظ ينطبق المنظور المثالي في الأعم على الشخصيات الروائية من الرجال دون الشخصيات الروائية من النساء ويعني هذا سواء وعي الكاتب الحقيقة أو لم يعها، إدراج الرجل في دائرة الإنسان الذي هو امتداد للذات العليا وإخراج المرأة عن هذه الإنسانية في مفهوم الكاتب، والرجل إنسان من خلال هذا المنظور المثالي لماهية الإنسان والمرأة ليست كذلك، وفي هذا ما فيه من انتقاص من وضعية المرأة، ومن المفارقة أن هذا الانتقاص ذاته للمرأة هو الذي ينقذ شخصيات نجيب محفوظ من النساء في غالب الأحيان من الجمود والتشييء الناتج عن صراع لا يتلقى الحل أو انحباس في قالب أحادي واحد، وهو الذي يمنح بعض الشخصيات النسائية وخاصة في الروايات الواقعية الامتلاء كشخصيات روائية جامعة للمتناقضات، وقادرة على المصالحة بين هذه المتناقضات ومن ثم فنية الانتقاص تتحول في التجسيد الروائي إلى إعلاء " (49) . أما عزيزة مريدن فقد قدمت في كتابها " القصة الشعرية في العصر الحديث "أنموذجا متقدما للنقد التحليلي الأصيل، فعلى الرغم من أن أي قارئ قد يتخيل أن العنوان يشي بمنهج تاريخي صرف، إلا أن الواقع غير ذلك، ذلك أن الناقدة قد انصرفت في دراستها للقصة الشعرية إلى العناية بالخصائص الفنية العامة لكل نوع من قصصها، فضلا عن النواحي التحليلية والدراسة النقدية التي اتبعتها في كل قصة، وقد حرصت الناقدة على تناول كل قصة من زاويتها الفنية المتميزة بها عن غيرها وذلك من حيث الحدث والتصوير والإيماء والحوار وغيرها. ولعل ما لفت انتباهي في هذه الدراسة قدرة الناقدة على مواجهة الأعمال الأدبية المختلفة بالأحكام الثاقبة ومعارضتها لعدد من النقاد حول آرائهم في هذه الأعمال، وذلك كما ورد في تحليلها لقصة أحمد عبد المعطي حجازي " مذبحة القلعة" وموقف رجاء النقاش منها (50) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 والناقدة تظهر متميزة في إصدار أحكامها وإدخال شخصيتها في تعليقها على قصة شبلي الملاط " عاشقة الطيار " حيث تقول: " ويؤخذ على الشاعر تدخله في بعض الحوادث أحيانا مما يصرف ذهن القارئ عن تسلسل القصة، وهذا واضح في المقطع الثالث منها، إذ بعد ما يصف لنا ذلك الشيخ المتصابي الذي وقع في الحب، يترك الأحداث ليلتفت إلى الفتاة ويخاطبها متعجبا من تصابي ذلك الشيخ ... إن بتر الوقائع على هذه الصورة يجزئ أوصال القصة ويقطع على القارئ لذة متابعتها" (51) . وتخص الناقدة فاطمة حسن أدب نجيب محفوظ بالدراسة في كتابها "الرمزية في أدب نجيب محفوظ " وتشير ضمن ذلك إلى الاتجاهات المختلفة في روايات نجيب محفوظ وتحدد فترتها الزمنية مع تعليل مقبول لأسباب انتشارها، فهي مثلا ترى أن نجيب محفوظ قد التزم المنهج الواقعي ابتداء من "القاهرة الجديدة " وحتى " الثلاثية" لأن الوقت الذي كانت فيه الرمزية قد أخذت مكانها في الرواية العالمية لم يواكب محفوظ الأساليب الحديثة في الرواية، ذلك أن المناخ الثقافي الذي بدأ الكتابة فيه لم يكن مستعدا لتقبل مثل هذه الروايات الرمزية التي تتطلب مشاركة ذهنية من القارئ فلم يشأ محفوظ أن يقدم روايات تتبع احدث الاتجاهات الأدبية حتى لا يحد ذلك من انتشار رواياته انتشارا كبيرا ثم إنه ظل حريصا على رغبة الانتشار حتى في المرحلة التالية التي اتسمت بالرمزية حيث ضمن رمزيته عناصر من الواقع تجذب القارئ العادي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 وترى الناقدة أن محفوظ قد توسع في استخدام أساليب المدرسة الرمزية في المرحلة الجديدة لكن دون إسراف، فأصبح الرمز مكثفا يقدم أكثر من دلالة رمزية، وتلحظ الناقدة في قصص وروايات هذه المرحلة غلبة الحوار على السرد والحديث الباطني لأن الحوار يناسب تلك القضايا الفكرية التي يعالجها وترى أن الأسلوب ارتفع في كثير من الأحيان إلى مستوى الشعر، فقد م حالات شعورية لا يتفق معها التعبير باللغة العادية، وقدم محفوظ في هذه المرحلة الروائية مضمونا يجمع بين القضايا المحلية وقضايا فلسفية عامة (52) . وأما نجوى الرياحي القسنطيني فقد قدمت دراسة بعنوان "الحلم والهزيمة في روايات عبد الرحمن منيف " وهي من أكثر الدراسات النقدية دقة وتفصيلا وعمقا، حيث بدت صاحبتها على درجة من الوعي والثقافة، وعلى درجة فائقة من القدرة على التحليل الفني الرصين، وقد وقفت في هذه الدراسة على ثلاث روايات هي: " الأشجار واغتيال مرزوق " و" شرق المتوسط" و " حين تركنا الجسر". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 وقد تحدثت عن المفهوم النظري للحكم والهزيمة عند عبد الرحمن منيف وملامح الحكم والهزيمة في الروايات الثلاث ثم فصلت القول في مكان الهزيمة وزمانها ولغتها، وأشارت إلى صورة الشرق العربي بين الموجود والمنشود في هذه الروايات وقد استخلصت الناقدة مجموعة من الاستنتاجات أهمها أن الروايات الثلاث تقرن بين الاتجاه الذاتي والموضوعي فتذهب من استبطان الشخصية وعرض تجاربها الفردية الخاصة إلى الاهتمام بقضايا المجتمع، وأن هذه الروايات كانت شهادة واضحة على عصرها تكشف عن سلبيات المجتمع وعن كثير من أزمات الأقطار العربية ومظاهر تخلفها، وأنها تحمل تحذيرا للأمة من نكبات لم تحصل، إضافة إلى أن عبد الرحمن منيف لم يكن أحادي الجانب في نظرته إلى أوضاع العالم العربي بل نقد السلطة السياسية والإنسان العربي كذلك، ولم يكن في رواياته تشاؤميا سوداويا ولم يكن مغتربا عن الشرق موليا وجهه نحو الغرب كما رأى بعض النقاد. والناقدة في تناولها لأعمال عبد الرحمن منيف تميزت باهتمامها البالغ بها حيث كانت تصغي إليها قدر الإمكان ثم تحلل ما يبلغها عنها من أصوات وتؤلف بينها من خلال الغوص فيها ولم يكن في تأويلها وتفسيرها لنصوص عبد الرحمن منيف تعسف وإسقاط وقسر، فهي لم تخضعه لمنهج لا يتلاءم معه حيث جمعت في دراستها لهذا الموضوع بين المنهج النفسي والاجتماعي الفني. فكان بحثها في هذه الروايات بحثا في المضامين والأبعاد والفنيات (53) . وغير هذه الدراسات فإننا نقع على دراسات أخرى كثيرة في مواقع متعددة، منها دراسة فريال جبوري غزول وعنوانها " فيض الدلالة وغموض المعنى في شعر محمد عفيفي مطر " وهي تحاول فيها أن تفسر ظاهرة الغموض في شعر محمد مطر، مؤكدة أنه شاعر متميز، وأن عدم الإقبال على دراسة شعره يعود لغموضه، تقول: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 " فبالرغم من غزارة مطر وعطائه، لا نقع إلا على دراسات نادرة لشعره وهناك إجماع سائد بين النقاد والشعراء بان لمحمد عفيفي مطر صوتا منفردا، وقدرة إبداعية وشاعرية متميزة، وأثرا بالغا على حركة الشعر الجديد، وإذا كان لبعضهم تحفظات على مطر فذلك بسبب غموضه وصعوبة شعره " (54) . ثم دراسة سيزا قاسم وعنوانها "قراءة في اختناقات العشق والصباح " لإدوار الخراط، حيث وقفت على جملة عناوين في هذا الكتاب هي: (نقطة دم، قبل السقوط، أقدام العصافير على الرمل، على الحافة، محطة السكة الحديد ") حيث عالجت فيها موضوعات التناص والعمل المفتوح والبعد المعرفي وغيرها. تقول: " لقد استمتعنا حقا بقراءة هذا الكتاب الذي ينطوي على عنف عارم وحب حميم، ولا حاجة بنا لأن نؤكد أن العشق والصباح يختنقان في واقعنا هذا، وان الكاتب يثور على هذا الاختناق ويحاول الإفلات منه أو مناهضته، ولكن الرسالة التي يبثها هذا الكتاب اخطر من أن تنحصر في " النقد الاجتماعي " إنها مناشدة إلى الخلق والإبداع وما أحوجنا أليهما والإنسان لا يعيش بالنقد وحده، اجتماعيا كان أو سياسيا أو غيرهما، ولكنه يعيش بالإبداع والمشاركة" (55) . ودراسة رضوى عاشور " الإنسان والبحر " (56) التي عمدت فيها إلى إجراء مقارنة بين نصين هما " الشيخ والبحر " لهمنغواي و " الكلب الأبلق الراكض على حافة البحر" لأتيماتوف، وقد تعمدت الناقدة إجراء مقارنة بينهما لأن إطارهما واحد هو إطار الرواية القصيرة المرتكزة إلى قصة رمزية أركان صورتها الأساسية هي البحر والصياد والرحلة. وكذلك دراسة منى ميخائيل "الست هدى - تحليل للمضمون الفكري والاجتماعي " والتي استطاعت من خلالها أن تكشف عن مزايا إبداع شوقي في مسرحية الست هدى حيث تقول: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 " لقد نجح شوقي في اتخاذ موقف واضح إزاء هذه القضية، وقدم شخصيات تتمتع بخصوصية إنسانية ونفسية متميزة، كما استطاع أن يفجر إمكانات جديدة للكوميديا وللخطاب الشعري على السواء، لقد اعتمد شوقي على الأوزان التقليدية للشعر الغنائي دون أن يعوقه ذلك عن الاستغلال البارع للمستويات اللغوية المتعددة " (57) . وقد تركت اعتدال عثمان بصمات واضحة في هذا الميدان من خلال مجموعة من الأعمال أهمها: " نحو قراءة نقدية إبداعية لأرض محمود درويش " (58) وكذلك نبيلة إبراهيم في أعمالها " شعبيه شوقي وحافظ " (59) و "خصوصية التشكيل الجمالي للمكان في أدب طه حسين " (60) وفدوى مالطي دوجلاس في دراساتها " الوحدة النصية في ليالي سطيح" (61) و " البطل والرواية الإبداع الأدبي في الجنوبي " (62) وأمينة غصن في دراستها"خليل حاوي أو رأس اورفيوس المقطوع المغني " (63) وسلافة العامري في دراستها " الحب في أدب نجيب محفوظ " (64) ونجاح العطار في دراستها " الياس أبو شبكه الشاعر المتمرد " (65) وأمينة رشيد في دراستها "رواية (الأرض) بين القيمة وعلاقة الزمان بالمكان" (66) وقدمت الناقدة أمينة العدوان أعمالا متميزة في هذا المجال، إذ وقفت على مجموعة من الأعمال الشعرية والقصصية والمسرحية، والقارئ لنقدها لهذه الأعمال يلمس مقدرتها على المعالجة النقدية القائمة على استعدادات متباينة من الثقافة والحس النقدي الأصيل، ووضوح الرؤيا ومعرفة قواعد النقد الحديث، وهي لم تلتفت في نقدها إلى اختيار روايات معينة تعبر عن اتجاه فكري محدد، لكنها انتقت دون هدف محدد. كما أنها لم تقف في نقدها عند المضامين فقط بل وقفت عند الشكل الفني من حيث استخدام السرد والتقطيع والتداعي واللغة والحمل والحوار وغيرها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 وقد تعددت آراء النقاد في أعمالها، إذ يقول الناقد سمر روحي الفيصل في نقد كتابها "مقالات في الرواية العربية المعاصرة ": " في اعتقادي أن الكتاب مجموعة من المقالات كتبت في أوقات متباعدة ثم جمعتها المؤلفة بين دفتي كتاب واحد، لهذا فقد الكتاب منهجا نقديا محددا تنظر الكاتبة من خلاله إلى الروايات كلها، على أن المرء إذا وضع في ذاكرته كون المؤلفة لا تريد من الكتاب أن يقدم دراسات عن الروايات، وإنما مقالات عنها، إذا التفت المرء إلى هذه الناحية فانه سيغض الطرف عن قضية المنهج ويروح يشكر للمؤلفة نظرتها النقدية الصائبة المتفرقة أشتاتا في مقالات الكتاب " (67) . ويقول إبراهيم العجلوني أيضا مبديا رأيه في الناقدة نفسها: " إن لأمينة العدوان قدرة فائقة على تقصي الأعمال الأدبية المحلية وتشريحها وإعادة تقديمها إلى القارئ، مما يعطي كتاباتها صفة وثائقية، إن لأمينة العدوان شغفا لا ينكر في استقصاء جزئيات العمل المنقود وفي دراسته بأناة، وفي الوقوف مليا إزاء بنائه الفني، وتلك هي ميزة الناقد الأصيل الذي يسبر أغوار النصوص ويستخلص من ثم حيثيات حكمه" (68) . ويقول د. عصام الموسى: " أمينة العدوان غير هؤلاء هي لا تصنف، ولا تتهم، ولا تدعي، أمينة دارسة ناقدة، تقرأ العمل الأدبي، تتفهمه وتتمثله وتدرك قيمته، تتفهم الدوافع التي جاءت به، فتدرسه من ناحية علاقته بالمجمتع، تدرس الشخصيات وتحللها، وتبين علاقة الشخصيات ببعضها، وعلاقتها بالأحداث التي تسيرها، وردة الفعل التي تتركها الأحداث في نفوس الشخوص، وهي في هذا واعية كل الوعي لواقع ما تنقد واتصاله بالمجتمع والإنسان، من هنا نحس بصوتها الغاضب يكاد ينبعث من كلماتها الناقدة يرفض هذا الواقع الذي يصور عجز الإنسان العربي وتقوقعه وانهزاميته " (69) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 وقد تعددت أعمالها النقدية في هذا المجال، ولم تقتصر في نقدها على أعمال الأدباء الأردنيين بل تعد ت ذلك ليشمل الأدباء من كافة الأقطار العربية مع تركيز واضح على الذين اتجهوا في تفكيرهم اتجاها وطنيا، ولعل من أبرز هؤلاء جمال الغيطاني وهاشم غرايبة ورشاد أبو شاور وصنع الله إبراهيم وإسماعيل فهد إسماعيل وغالب هلسا وتيسير السبول ومحمود سيف الدين الإيراني وجمال أبو حمدان وإبراهيم العبسي ومحمد القيسي وبدر عبد الحق وغيرهم. وقد اتضح لي من خلال الوقوف على معظم آرائها النقدية أنها ذات ثقافة عالية، وموضوعية مميزة وجرأة فريدة فهي مثلا تقول في نقد رواية تيسير السبول " أنت منذ اليوم:" تبنى الرواية على استحضار مقاطع غير مترابطة ولا متسلسلة هي عبارة عن تراكم وتتالي صور مفاجئة متناقضة - مزج وتقطيع الصور أو المونتاج السينمائي بدلا من العقدة والصور - والصور التي تستحضر هي صور رمزية مجازية بديلة عن مواقف الكاتب الفكرية والاخلاقية " (70) . وتقول في مسرحية " الرجال لهم رؤوس " للمخرج شعبان حميد: " تعتبر هذه المسرحية من افضل المسرحيات التي عرضت نصا وإخراجا، حيث استطاع المخرج شعبان حميد أن يحمل المتفرج على فهم الدلالات العامة " (71) . وتقول في مسرحية " مذكرة من جبل النار " للمخرج احمد شقم: " وبالرغم من ضعف النص الذي تجسد في تفاهة الحوار وعدم تحديد ملامح فارقة للشخصيات، إلا انه استطاع أن يقدم للمشاهد ما يجب أن تكون عليه الشخصيات والإنسان عامة أمام قوى الاحتلال " (72) . ب - نقد المرأة للمرأة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 لم يشكل هذا النوع من النقد حيزا واسعا من مساحة الحركة النقدية النسائية، ولعل ذلك عائد في - حدود تقديري - إلى غير عامل، أهمها قلة النتاج الأدبي النسائي الذي يمكن أن يشكل مادة صالحة للنقد مقارنه مع أدب الرجال، ثم ميل المرأة إلى نقد الأعمال الخاصة بالأدباء ولا سيما المشهورين منهم، يضاف إلى ذلك شعور المرأة الداخلي بان الرجل اكثر مرونة وتقبلا للنقد من غيره، ومحاولتها تلافي كل ما يدعو إلى الحساسية واضطراب العلاقة الشخصية بينها وبين المرأة الأديبة. ونلتقي في مقدمة الناقدات في هذا المجال بمي زيادة التي وضعت كتابين نقديين هما: " وردة اليازجي "و "عائشة تيمور " وهذان الكتابان يمثلان المحاولات الأولى لمي زيادة في عالم النقد، لأن تركيز الناقدة فيهما جاء منصبا على التعريف بحياة الأديبتين، وذكر أبرز أغراضهما الشعرية والنثرية دون الوقوف عند المظاهر النقدية الأخرى. فهي في كتابها " وردة اليازجي " تحاول التعريف بحياتها واستعراض أغراضها الشعرية والتمثيل عليها ببعض المقطوعات الشعرية دون أن تصدر أحكامها وتعليلاتها على أعمالها المختلفة، فنجدها مثلا تكتفي بالتعليق عليها في موقع معين بالقول: " وهكذا نراها تهتدي شيئا فشيئا إلى التعبير البليغ المجرد من التعمل لان الشعور بالحزن لا يترك مجالا للتطويل " (73) . وتقول في موضع آخر من الكتاب نفسه: " على أن اجمل مراثيها وأمتنها نظما وأشبعها عاطفة، ولو أن المعاني فيها غير جديدة لنا، قيلت في ولدها أمين شمعون، وفي أخيها الشيخ إبراهيم، فهي تتجرد في مرثاة ولدها أمين شمعون من الخواطر التي ليست هي حزنها مباشرة، فلا تأمل هناك ولا فلسفة ولا دروس في حكمة الموت " (74) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 أما في كتابها " عائشة تيمور " فقد بدت مي زيادة اكثر نضجا وعمقا وقدرة على التحليل، إذ وقفت وقفة تفصيلية عند الجوانب التاريخية والاجتماعية والنفسية المحيطة بالأديبة، وربطت بينها وبين طبيعة شعرها ونثرها، كل ذلك بموضوعية واضحة، وأحكام رصينة: حيث تقول: " جميع هذه العيوب في ديوان التيمورية حيث لا تنظيم ولا تنسيق حتى ولا تبويب على الأبجدية، ولا أثر للتاريخ في القصائد، إلا القصائد التاريخية في السطر الأخير منها ولئن جرت على عادة العرب في التعبير، أي الإفصاح عن عواطفها غالبا باستعارات من سبقها، فالأمر الذي يسبيني في شعرها أن شخصيتها تبدو من خلال المحفوظات كما يبدو الجسد في لوحة تصويرية من خلال الأنسجة الشفافة وقد تفلتت من عيب " المفاخرة " بذويها وأهلها، ولا هي تبدأ بالتغزل لتنتهي بالإطناب، وليس للأطلال والمضارب ذكر في قصائدها، وأما من حيث الصدق فأظنها في مقدمة الصادقين من شعرائنا، ومعظم استسلامها للغلو في جزء خارج عنها وهو شعر المجاملة بينا هي في شعرها الذي يرسم نفسها ساذجة مخلصة تروي حديثها بأسلوب ليس هو بالهندسي الذي لا يقدر أنصار القديم سواه إنما هو كما يقول الفرنجة روائي يجري عليه بعض شعراء العصر " (75) . ومن الناقدات المتميزات في هذا المجال أيضا أمينة العدوان التي وقفت عند عدد لا بأس به من الأعمال الأدبية النسائية ومنها: رواية " لم نعد جواري لكم " لسحر خليفة ورواية " الحب والصمت " لعنايات الزيات ورواية "الغائب " لنوال السعداوي، ورواية " لنظل إلى الأبد أصدقاء " لإقبال بركة، واكثر من عمل مسرحي ل"مرجريت ملا تجيان" ولعل الخيط الذي كان يربط معظم هذه الأعمال قد جاء بارزا في تركيز الناقدة على الجانب الاجتماعي عند المرأة، ثم إن أمينة العدوان قد تناولت جميع هذه الأعمال بموضوعية وجرأة فائقة في إصدار الأحكام دون أن يكون في ذلك تجريح أو تشهير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 فهي مثلا تعالج رواية إقبال بركة " لنظل إلى الأبد أصدقاء " وتقول معلقة على سلبيات الرواية: " والحوار مليء بالكلمات الجاهزة أو الكليشيهات والأفكار المتداولة المألوفة، ويعيبه انه مليء بالتجريدات الممتلئة بالوعظ والخطابة والمبالغة في المدح والذم، وهو يتضمن المناقشات اليومية والتبريرات والأحكام والتعميمات (أسلوب الريبورتاج) (76) . وتعالج أيضا رواية سحر خليفة “ لم نعد جواري لكم " لتعلن بكل جرأة وصراحة عن عيوب عملها لا سيما ما يتعلق منه بقضايا الشكل من حوار وشخصيات وغيرها فتقول: " كما أن تصوير جانب واحد من الشخصية جعل تطور ونهاية الأحداث مفتعلا وغير مقنع، كما أن عرض تطور الأحداث وتغير الشخصيات بطريقة تقريرية فصلت بين الشخصيات والأحداث وأعطت للشخصية وجودا ثابتا غير متطور وغير نام وكأن الأحداث التي جرت للشخصيات عبارة عن مصادفة. . . كما أن كثرة المناقشات في الرواية عن مساواة المرأة بالرجل التي تحولت إلى دروس أخلاقية ومقالات أدبية في الفن والأدب وضعت على حساب البناء الروائي، حيث إن هذه المناقشات لم تساعد على تطوير الأحداث ونمو الشخصيات " (77) . وهي لا تتناول الجوانب السلبية في كل نقدها، بل كثيرا ما كانت تركز على الجوانب الإيجابية وتمتدح بعض الإضاءات في العمل الأدبي كما هو الحال في نقدها لرواية " الحب والصمت " لعنايات الزيات حيث تقول: " وأجادت المؤلفة في اختيار الأحداث التي تبدو كأنها أتت بالصدفة. . . أجادت في تصوير العالم الداخلي والخارجي للشخصية مثل شخصية نجلاء وتجسد ذلك في حيوية المواقف مثل تصوير الصراع بين الشخصية " (78) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 أما روز غريب فقد وقفت عن نقد أمينة العدوان وقفة مميزة، وتحدثت عن أعمالها النقدية المتمثلة بكتابيها: "مقالات في الرواية العربية المعاصرة " و " دراسات في الأدب الأردني المعاصر" وقد امتدحت في الناقدة أكثر من قضية أهمها حسن اطلاعها على الأدب العربي المعاصر الذي استوحاه قسم كبير من المؤلفين في الدراستين، وحسن اطلاعها على تقنية القصة الحديثة والمسرح الحديث أصول إخراجه ثم محاولتها التعبير عن وعي جديد وعميق لمشكلات الشخصية العربية باقتحامها دروب الرمز واللامعقول في فن القصة والمسرح يضاف إلى ذلك أنها تضع خلاصة جامعة في نهاية كل فصل تسهل على القاريء استيعاب المضمون، لكنها أخذت على الناقدة أيضا أسلوب السرعة والاختزال الذي تعتمده ويسوقها أحيانا إلى بتر المعنى وإهمال توضيحه والتغاضي عن أخطاء لغوية كثيرة، وأخذت عليها كذلك أنها تنعت شعر إبراهيم طوقان بالتقليدي كما تعتبر المسرح السابق ليونسكو مسرحا تقليديا (79) . ج- نقد المرأة لذاتها وهذا النوع من النقد يكاد يكون قليلا في الحركة النقدية العربية بشكل عام، ولعل ذلك عائد في رأيي إلى عدة عوامل أهمها: أ - الفهم الخاطيء لمعنى النقد والمقتصر في تقدير كل ناقد على نقد الآخرين فقط. ب - العامل النفسي الذي يشعر صاحبه بالكمال في كافة الجوانب. ج - عدم وجود الدربة والمهارة لممارسة هذا النوع من النقد بأسلوب فني مناسب. د - الخوف من التجرد من " الموضوعية " المقياس الأهم في نقد العمل الأدبي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 ولان هذا التقصير يكاد ينسحب على الحركة النقدية بشكل عام، فمن المتوقع أن لا نجد على المستوى النسائي شيئا في هذا المجال، ولعل الناقدة الوحيدة التي انفردت بهذا النوع من النقد هي " نازك الملائكة "التي تعرضت بالنقد لقصيدة شعرية خاصة بها بعنوان " أغنية لطفلي " وقد دفعها لذلك ما كتبه عنها الأستاذ عبد الجبار داوود البصري تحت عنوان " الطفل في الشعر العراقي الحديث " علما بأنها لم تكن سابقا ترد على النقاد إيمانا منها بحرية النقد واحتراما لمهمة الناقدة تقول نازك: " وكان موقفي هذا ولم يزل يصدر عن إيماني بحرية النقد واحترامي لمهمة الناقد، ولذلك لم يحدث عبر ثلاثين عاما من حياتي الأدبية أن اشتبكت مع باحث أو دارس في حوار مطبوع، فأنا اقرأ ما يكتبون عني واستمتع به أو أضيق. فلا اكتب ردودا ولا تعليقات، بحيث أصبحت هذه ظاهرة معروفة عني في مختلف الأوساط الأدبية (80) . ثم تحاول نازك أن تعلل خروجها عن المألوف وتصديها للأستاذ البصري فتقول: " إنني أتصدى للكتابة مدفوعة بالشوق إلى أن أخوض تجربة جديدة في النقد " (81) ثم تبين أنها ستقف عند قصيدتها بكل موضوعية، فتقول: " أرجو أن يكون ملحوظا أنني حاولت أن اقف من القصيدة المنقودة موقف الناظر من الخارج لا موقف الشاعرة التي نظمتها وبذلك عاملتها كما لو كانت قصيدة شاعرة غيري " (82) . وهي في معرض نقدها لهذه القصيدة تركز على قضايا الشكل والمضمون مؤكدة أن القصيدة تخلو تماما من التلكف والتناقض كما ذكر البصري، ذلك أن اللغة العلمية تختلف عن اللغة الشعرية، فاللغة الشعرية تهوم وترمز وتشع وتشحذ الخيال في حين أن اللغة العلمية تلتزم بالمعنى المتفق عليه للألفاظ التزاما تاما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 وتشير نازك إلى الأساليب التي استخدمتها في قصيدتها، فتبين أنها جاءت بها لإثارة الاهتمام. . ثم إنها كانت تحمل وظائف جمالية وتربوية وقصصية، وأما التكرار فقد كان لإقناع الطفل بوسيلة لفظية تسره، ولان هذا التكرار يربط آخر كل شطر بأول الشطر التالي، إضافة إلى الوظيفة التعليمية له. وتؤكد نازك أن هذه القصيدة تحمل معاني كثيرة أهمها أنها تعطي صورة حزينة لحياة الشعب العراقي، وتعكس ظاهرة الإيمان الديني العميق الذي يتصف به الشعب العراقي (83) وهي بهذا تحاول أن تدافع عن قصيدتها مؤكدة أنها تحمل هموما وأبعادا واضحة، وأن لها دورا توجيهيا مميزا في الحياة. وفي موقع آخر تنتقد نازك الملائكة ذاتها بكل موضوعية وتجرد معتذرة عن بعض الآراء التي اتخذتها بشأن الشعر الحر في كتابها " قضايا الشعر المعاصر " حيث تقول: " في عام 1962 صدر كتابي هذا في طبعته الأولى، وكنت قد أوردت فيه كل ما استطعت الوصول إليه من قواعد الشعر الحر ومسائله، ولذلك لم احتج إلى كتابة مقدمة له، أما الآن وأنا اصدر الطبعة الرابعة منه، فإن اثنتي عشرة سنة قد مر ت على الشعر الحر بعد وضعي لقواعده ودارستي لمسائله. وهذه السنوات قد جاءت بنقد كثير للكتاب، وقد أثار النقاد تساؤلات متعددة حول بعض آرائي فيه، بحيث أجدني مضطرة إلي أن اكتب لهذه الطبعة مقدمة أشخص فيها موقفي من الشعر الحر تشخيصا جديدا. ذلك أن المد العظيم من القصائد الحرة الذي غمر العالم العربي قد استثار عندي آراء جديدة، وأعطاني فرصة لاستكمال قواعد الشعر الحر، أو على الأقل للإضافة إليها، وغربلتها، ثم إن طائفة من القواعد التي وضعتها أصبحت تبدو لي على شيء من التزمت لأن سمعي نفسه قد تطو ر، وليس هذا غريبا وإنما هو مألوف في تاريخ التقنين للحركات الشعرية والبلاغية الجديدة " (84) . دراسة الظواهر العامة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 ظهر هذا الاتجاه واضحا في النقد النسائي المعاصر، حيث اتجه عدد من الناقدات إلى دراسة بعض القضايا العامة دراسة تفصيلية يغلب عليها الجانب الفني القائم على الاتصال المباشر بالعمل الأدبي بالقواعد والأصول الفنية، في حين اتجه عدد آخر إلى اتخاذ التاريخ السياسي والاجتماعي وسيلة لتفسير الأعمال وتعليل ظواهرها وخواصها. وتقف الناقدة نازك الملائكة في مقدمة الناقدات اللواتي اهتممن بالجانب الفني في دراستها لبعض الظواهر العامة، فهي مثلا في كتابها " قضايا الشعر المعاصر " تحاول أن تحدد العلاقة بين الشعر والمجتمع، فتهاجم كل الذين نادوا بان يكون الشعر اجتماعيا وتبين أن هذا لا يمكن أن يحدث وأنه يسيء للشعر، حيث تقول: " والدعوة بصورتها الحالية تحتمل نقدا شديدا من جهاتها كلها: فنيا، وإنسانيا، ووطنيا وجماليا، وأبرز مواطن الضعف فيها أنها لا ترتكز إلى أسس فنية شعرية ولم يحاول كاتب واحد بعد أن يحددها من وجهتها النظرية " (85) . ثم تنبه على النتائج الخطيرة لهذه الدعوة، مؤكدة على أن نهاية الشعر العربي ستكون على أيدي هؤلاء الدعاو: " فماذا سينتهي إليه الشعر العربي إن قدّر للدعوة الاجتماعية أن تنجح؟ لا شك في انه سيصبح نمطا واحدا مصطنعا لا يملك الشاعر أن يحيد عنه، وفي هذا سيلقي الشعر مصيره، وإذا مات الشعر فكيف سيتاح له أن يكون عامل خير في حياتنا العربية؟ هذا هو المحذور الذي ينساه دعاة الاجتماعية في اندفاعهم العاطفي، وان اعظم ما نخشاه أن تؤدي بنا دعوتهم إلى أن نخسر أصالة شعرنا دون أن ننجح في أن نفيد الأمة العربية " (86) . وهي لا تتوقف عند هذا الحد في نقدها، بل نجدها تصرخ بقوة في وجه كل النقاد الذين يتهاونون في معالجة الأخطاء اللغوية والإملائية في نقدهم لكثير من الأعمال الناشئة منطلقين في تبريرهم لذلك من أهمية التركيز على المضامين فقط، تقول: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 " تتجلى لمن يراقب النقد العربي المعاصر ظاهرة خطيرة شائعة فيه، ملخصها أن النقاد يتغاضون تغاضيا تاما عن الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية، فلا يشيرون إليها ولا يحتجون عليها، وكأنهم بذلك يفترضون أن من حق أي إنسان أن يخرق القواعد الراسخة وان يصوغ الكلمات على غير القياس الوارد وأن يبتدع أنماطا من التعابير الركيكة التي تخدش السمع المرهف، وكأن من واجب الناقد أن يوافق على ذلك كله موافقة تامة فلا يشير إلى الأخطاء ولا يحاول أن يعطي تلك الأخطاء تخريجا أو مسامحة ... أفلا ينطوي هذا الموقف من النقاد على تشجيع واضح للجيل كله على الاستهانة باللغة العربية والاستخفاف بقواعدها الرصينة، وإلى أي مدى ينبغي أن يعد الناقد نفسه مسؤولا عن لغة الشعر المعاصر " (87) ثم تقسو على شعراء القصيدة الحرة، وتؤكد أن الضعف الذي أصاب القصيدة الحرة لا يعود إلى طبيعة القصيدة نفسها فقط، بل إلى الشعراء الذين أخذوا على عاتقهم تحقيق السيرورة لها: " لم تكن طبيعة الشعر الحر ولا ظروف العصر الذي نشأ فيه هي وحدها التي أضعفت مكانته لدى الجمهور، وإنما ساهم الشاعر الذي ينظم هذا الشعر مساهمة فعالة في إشاعة الفوضى في أساليبه وتفاصيله، وفي تشويه صفحته العروضية لدى الجمهور والأدباء " (88) . ثم تخص بالنقد الشعراء الناشئين الذين يدخلون معترك الشعر بحثا عن الشهرة دون أن يمتلكوا أدنى مقومات الثقافة الشعرية، فتقول: " وهكذا انطلق الشعراء الناشئون يخطئون أفظع الأخطاء وهم يحسبون انهم يأتون بأعظم التجديد، ومضى الناقد يسب ويهاجم ويسخر دون أن يستطيع مساعدة هؤلاء الناشئين الذين يحتاجون إلى التوجيه والرعاية والتشجيع" (89) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 ونازك الملائكة لا تتوقف عند هذه الظواهر العامة بل نجدها في كتابها " سيكولوجية الشعر ومقالات أخرى " توسع دائرة النقد لتناقش قضايا أخرى أهمها " سيكولوجية القافية " و " سيكولوجية القصيدة المدورة " و " الخليل والدوائر الشعرية " و " القافية في الشعر العربي الحديث " وغيرها (90) . وتناولت مثل هذه القضايا العامة الناقدة بشرى موسى صالح في كتابها " الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث " حيث فصلت القول في الصورة كمصطلح نقدي وحاولت تكثيف دلالات المصطلح لتوضيح مفهومه ومشكلاته عند النقاد المحدثين لا سيما من عني منهم بالصورة مؤكدة على الطبيعة المراوغة لهذا المصطلح وتعذر الإلمام بماهيته في تعريفه مما يعني حالة عدم الاستقرار والثبوت في تحديده. كما وقفت على مصادر الصورة الشعرية والعوامل المؤثرة في تشكيلها وفصلت القول في أبرز مصادرها ثم وقفت عند عناصرها ووسائل تشكيلها ثم أساليب بنائها. ولعل أهم ما يميز هذه الدراسة اطلاع الكاتبة على معظم الدراسات النقدية الحديثة واستفادتها منها ثم محاولتها الربط بين اكثر من موقف من اجل الوصول إلى نتائج مميزة، وهي بحق تعد من الدراسات المهمة في إثراء نقدنا المعاصر، ويبدو الاتجاه الفني الناضج فيها واضحا (91) . وتشكل دراسة الناقدة سلمى الخضراء الجيوسي تحت عنوان " بنية القصيدة العربية عبر القرون - المقاومة والتجريب" بعدا نقديا بارزا ضمن هذا الاتجاه حيث حاولت من خلالها الدفاع عن بنية القصيدة العربية رغم كل محاولات الهجوم عليها والتغيير فيها في الوزن والقافية، وهي ترى أن كل الثائرين على هذه القصيدة لا يعرفون عنها شيئا وأن القصيدة العربية لم تعط أسرارها قط لأولئك الذين قاربوها بسذاجة نقدية أو سوء ظن حيث تقول: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 " في العصر الحديث بدأت محاولات كثيرة لتحرير الشكل الشعري، وكانت كلها في البدء تستهدف القافية إما بتنويعها أو بإلغائها كليا فيما سماه الشعراء التجريبيون وقتها بالشعر المرسل، قام بهذه المحاولة الزهاوي وعبد الرحمن شكري ومحمد فريد أبو حديد واحمد زكي أبو شادي، كما قام الأخير بمحاولة مزج البحور الشعرية العربية في القصيدة الواحدة دون نجاح، غير أن كتابة الشعر المقطعي بقواف متراوحة أو محاولة كتابة الشعر المرسل مع الإبقاء على شكل الشطرين لم تفعل شيئا نحو تحرير الشكل لأن قضية الشكل الموروث برهنت على أنها ليست قضية قواف بل قضية تقسيم البيت إلى شطرين متكافئين بعدد معين من التفاعيل. . . إن محاولة الكشف عن سر هذه المناعة في وزن الشطرين هو عمل النقد الإيجابي ولا شك أنها تعود إلى أسباب جمالية متداخلة في بنية القصيدة ولا علاقة لها فيما يزعمون من جمود العقل العربي وعجزه عن التغير " (92) . ولعل الناقدة في موقفها هذا إنما تعتمد على قواعد عقلية تستند إليها في الحكم. أما دراسة الناقدة فاطمة الزهراء أزرويل الموسومة ب" المجتمع العربي القديم والإبداع النسائي " فتجيب عن كثير من الأسئلة المهمة وهي: كيف اقتحمت المرأة مجال الإبداع في مجتمع أبوي تسيطر عليه قيم الذكورة؟ كيف تقبل المجتمع مساهمتها؟ ولماذا تباينت مواقف الوسط العربي تجاه المرأة التي أنتجت الشعر والمرأة التي احترفت الغناء؟ ولعل الجرأة قد ظهرت عند الناقدة في محاولتها لتفسير غزارة شعر الرثاء عند النساء حين جعلته مظهرا من مظاهر تبعية المرأة للرجل حيث تقول: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 " من دراسة نماذج شعر النساء في الرثاء، أمكننا ملاحظة مدى تعبير هذا الشعر عن المحيط الضيق الذي تتحرك فيه المرأة، والحصار الذي تعاني منه واستغلال المكان والعلاقات الاجتماعية، لا شيء يمنع أن تكون المرأة شاعرة لكن علاقتها بالزوج والأخ تشكل كل عالمها وإن اختفى أحدهم إلى غير رجعة ندبته كل أيام حياتها، ولذلك يمكن اعتبار طغيان شعر الرثاء واستئثاره بالنصيب الأكبر في إبداع المرأة مظهرا من مظاهر تبعية المرأة للرجل في المجتمع الأبوي المرتبط بتقسيم الأدوار بين الجنسين " (93) . وهي تجتهد كذلك في تفسير ظاهرة الغزل في كل القصائد القديمة وتقول: " ومن تدقيق أشعار المعلقات أو غيرها نجد أن الشعر الغزلي تعبير عن الحب من طرف واحد هو الرجل، أما المرأة الملهمة لهذا الشعر فإن حضورها لا يتعدى مجال الخيال " (94) . وتفرد الناقدة ديزيرة سقال أكثر من دراسة في هذا المجال هي:- أ - حركة الحداثة - طروحها وإنجازاتها - ب - الأرض الخراب الشعر العربي الحديث. ج - الكتابة والخلق الفني. د - بحوث إسلامية. هـ - من الصورة إلى الفضاء الشعري. ولعل دراستها " من الصورة إلى الفضاء الشعري " تشكل أثرا واضحا وناضجا في مجال الإبداع النقدي القائم على التجديد والابتكار، فهي تحاول من خلال هذه الدراسة الغوص إلى جوهر الموضوع وتسجيل كل جديد في دراسة الصورة وقد اعتمدت في هذه الدراسة على الجانب التطبيقي للنصوص فدرست الصورة والفضاء الشعريين ومدى ذاكرة الكلمات التي منها يتشكل المعجم المختص بالنص والتي تحدد طبيعة استخدامها شعرية النص أو نثريته، ثم قامت بتجميع عناصر " الدليل " ودرست طريقة تشكلها وتمحورها وإمكانية تشكيل النص المفتوح (95) . وتترك الناقدة خالدة سعيد بصمة واضحة في هذا الجانب من الدراسات العامة بدراستها " الملامح الفكرية للحداثة " التي تحاول من خلالها الوقوف على أبرز ملامح الحداثة حين تقول: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 " إن الحداثة تحول معرفي سمته الأولى الانتقال من المشابهة السكونية إلى الاختلاف والتحول أو الجدل، أي من التكرار إلى التوليد والتجاوز، وهذا يجعل الحداثة حالة عقلية قبل كل شيء، أي وضعية فكرية ومسارا، فالحداثة ليست إنجازا محددا يمكن تقليده أو استبداده أو حتى تصديره، إنها نقيض كل تقليد أو محاكاة أو استلهام لمثال وهي كذلك لأنها نقدية تحديا " (96) . وغير هذه الدراسة فإن دراستها للمسرح اللبناني تحت عنوان " المسرح اللبناني مصطلحا وصاحب مشروع" (97) تكاد تكون رائدة وتجديدية في هذا المجال، وغيرها أيضا فإن دراستها "الحداثة المسرحية ومسيرة البحث عن الذات " دراسة في مسرح"فرقة الحكواتي " تنبئ عن اهتمام واضح بالأعمال المسرحية، فقد أقدمت خالدة سعيد علي نقد مسرحية " أيام الخيام " مؤكدة على المستوى الرفيع الذي حظيت به والأسلوب الفني الرائع الذي تميزت به حيث تقول: " هذه المسرحية التي تبدو محافظة لأنها تقد م الراهن المتحقق لا المحتمل على انه الصورة الكاملة وتوهم بالواقعية التي تنقل الواقع في جزئياته، إنما هي قراءة كاشفة ترسم الخط الواصل بين الظاهر والأعماق، بين ظاهر مبعثر وباطن يتوحد فيه الحب والموت والحياة" (98) . ولا بد من الإشارة أيضا إلى عدد من الدراسات المميزة التي عالجت عددا من الظواهر العامة بأسلوب نقدي ناضج يرتكز على المعالجة الفنية الهادفة ويراوح في طرحه بين طرافة الشكل والمضمون وأهمها: - أسطورة الموت والانبعاث في الشعر العربي الحديث وأدبنا الحديث بين الرؤيا والتعبير للناقدة ريتا عوض. - المرأة العربية والابداع - يمنى العيد (99) - تغيير المشهد من القراءة إلى الصياغة -يمنى العيد (100) - الكتابة الشعرية والتراث - مكانية القصيدتين القديمة والحديثة -ريتا عوض (101) - تعدد التصويت في الموسيقى -عواطف عبد الكريم (102) - الشعر والموت في زمن الاستلاب -اعتدال عثمان (103) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 - النقد المسرحي والعلوم الإنسانية - سامية أحمد أسعد (104) - نحو تنظير سيميو طبيقي لترجمة الإبداع الشعري - فريال جبوري غزول (105) - العملية الإبداعية من منظور تأويلي - سحر مشهور (106) - المفارقة - نبيلة إبراهيم (107) - لغة الضد الجميل في شعر الثمانينات - النموذج الفلسطيني - فريال جبوري غزول (108) - قص الحداثة - نبيلة إبراهيم (109) - نقاط أولية حول الاغتراب القسري والرواية العربية - فريدة النقاش (110) - القصة الفلسطينية الجديدة بين تيارين - رندة حيدر (111) أما الدراسات التي تناولت الظواهر العامة بمنهج تاريخي يعمد إلى ربط الظواهر الأدبية بالتاريخ السياسي والاجتماعي فهي كثيرة، وتكاد تكون في معظمها دراسات أكاديمية جامعية تخلو من الحداثة النقدية القائمة على تجاوز البدهيات والغوص إلى جوهر الموضوع وكثيرا ما كانت هذه الدراسات تعتمد على الاستقراء الناقص وإصدار الأحكام القاطعة واللجوء إلى التعميمات، وهي أحيانا تستفيد من المنهج الفني في تدعيم بعض الجوانب التاريخية. ولعل من ابرز هذه الدراسات الدراسة الموسومة ب" القيم الروحية في الشعر العربي " للناقدة ثريا ملحس وهي تركز فيها على القيم الروحية في الشعر العربي قديمه وحديثه من حيث الجمال والكمال والفن والحب والسعادة والحرية والدين والوطنية وغيرها، وقد وقفت فيها على عدد من الدواوين الشعرية المشهورة، لكنها اتكأت على مصادر أولية في دراسة الفكر المختلفة ولم تقف على المصادر الرئيسة، وكانت تكتفي بإيراد المقطوعات الشعرية والتقديم لها دون أن تلجأ إلى التحليل الفني العميق لها فمثلا تقول: " كذلك يقف فوزي المعلوف حائرا متسائلا عن سر مجيئنا وعن سر وجودنا " (112) وتقول أيضا: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 " ويتأمل جبران في الإنسان، فيرى الضعيف الفقير الذي يسرق ليسد رمقه مذموما محتقرا، أما القوي الغني الذي يسرق أموال شعبه فلا يجرؤ أحد أن يلومه خوفا من سطوته، فقاتل الجسد يقتل بفعلته أما قاتل الروح فلا يدري به أحد " (113) . وغيرها فإن من الدراسات التاريخية الأخرى "القصة والحكاية في الشعر العربي " للناقدة بشرى الخطيب وهي في هذه الدراسة تفرد قسما كبيرا للحديث عن تحديد مصطلح القصة والرواية والحكاية وبداية ظهورها في الشعر الجاهلي والإسلامي، ثم تقف عند عدد من القصص الاجتماعية والعاطفية وقفة سطحية تعتمد فيها على إعادة تلخيص ما ورد في القصة دون أن يكون لشخصيتها دور في توضيح الأبعاد المختلفة داخل النص، فمثلا كانت تقول في نقد قصة حميد بن ثور: " وقد اخترنا لتمثيل تلك القصص أجملها وأبرزها في نظرنا وهي قصة لحميد بن ثور، ويبدؤها بالقسم الموثق بالله بأنه لن ينسى حبيبته " جملا" ولن يتراجع عن حبها لو أعطيت له الدنيا أو ما يعادلها بل لن يتغير حبه لها حتى لو كانت لغيره وذلك لأنها تستحق حبه وتقديره " (114) . أما دراسة هند حسين طه " الشعراء ونقد الشعر منذ الجاهلية حتى نهاية القرن الرابع الهجري " فقد حاولت الناقدة من خلالها أن تقدم صورة عن نقد الشعراء للشعر منذ العصر الجاهلي وحتى نهاية حياة الشريف الرضي، وعرضت فيه إلى ما تجمع لديها من آراء الشعراء في أشعار بعضهم مراعية في ذلك كله المنهج التاريخي، ولم تقصر الرؤية عند من اشتهر من هؤلاء النقاد، بل تعرضت لكل من وجدت عنده نشاطا في هذا الميدان محاولة رصد الآراء النقدية التي كان لها دور مهم في مبادئ النظرية النقدية عند العرب، وكانت أحيانا تحاول أن تجتهد في تعليل بعض الظواهر الفنية كأن تقول: - " وذوق الفرزدق النقدي هو الذي جعله يرفض الألفاظ الغريبة وينكرها " (115) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 وتقول أيضا " وعلى هذا فمن كانت هذه ثقافته، فلا عجب أن يخوض في السرقات الشعرية في فترة شاعت فيها فكرة تتبع السرقات " (116) . وغير هذه الدراسات فقد ظهرت دراسات أخرى منها " وقفة مع الشعر والشعراء" للناقدة جليلة رضا وقد مالت فيها إلى الوقوف عند بعض المقطوعات الأدبية لعدد من الأدباء وكانت تعرضها وتشرحها بطريقة أولية سطحية ثم تنطلق لتعطي حكما عليها كثيرا ما كان يتكئ على المجاملة والمبالغة وإظهار العاطفة كأن تقول: " وبعد، فما زلت أقول: إن الخفاجي أديب كبير قبل أن يكون شاعرا وقد استنزف أيامه في مزاولة الأدب في أسلوبه النثري مما اكسبه اتقانا وبراعة وأصالة، فلما زاول الشعر وتمرس جاء ديوانه " أشواق الحياة " وفيه من شفافية الروح ما جعل قارئه يكاد يرى صاحبه من خلال السطور " (117) . ومن أبرز الأدباء الذين وقفت عليهم الناقدة في هذه الدراسة: أحمد هيكل، عوض الوكيل، يوسف عز الدين، فتحي سعيد، مختار الوكيل، طاهر زمخشري، عبده بدوي، محمد عبد المنعم خفاجي، فؤاد الخطيب، عبد العزيز شرف وغيرهم. ثم دراسة فاطمة محجوب " قضية الزمن في الشعر العربي" وهي دراسة جمعية تاريخية وقفت فيها الناقدة على مرحلة الشباب ومدح الشباب وذمه ثم حلول الشيب وسوء منظره وقد أفردت بابا صغيرا للحديث عن موقف البحتري من الشيب ومقارنته بما ورد عن الشعراء (118) . • • • وبعد فإن دراسة متأنية لكل ما ذكر في هذا البحث تبين لنا ما يلي: - إن بدايات النقد النسائي قد جاءت متأخرة قياسا بحركة الأدب النسائية إذ إن الوجود الحقيقي لهذا النقد يكاد تكون في منتصف هذا القرن فقط. - إن الاتجاهات التي سيطرت على هذا النقد قد تمثلت في اتجاهين اثنين هما: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 الاتجاه الفني، وقد برز واضحا عند عدد لا بأس به من الناقدات ممن أقمن نقدهن على التحليل والتمحيص والدراسة العميقة، والاتجاه التاريخي الذي سيطر على عدد كبير من الدراسات الأكاديمية الجامعية. - إن حركة النقد النسائية لم تكن لتقف عند حدود قطر عربي بعينه بل امتدت لتشمل معظم الأقطار العربية وبخاصة مصر وسوريا ولبنان والعراق ودول المغرب العربي. - إن معظم هذا النقد قد جاء في نقد المرأة للرجل، وإن جزءا قليلا فقط قد جاء في نقد المرأة للمرأة. - إن الغاية الحقيقية من هذا النقد قد تعدت حدود العمل من أجل كسب الشهرة لتشمل بكل فاعلية العمل على النهوض بالأدب العربي ودفعه إلى الأمام. - إن مضامين هذا النقد قد جاءت منصبة بالدرجة الأولى على معالجة قضايا مختلفة في أدبنا الحديث، وإن عددا قليلا من الأعمال النقدية قد تناول موضوعات قديمة جاءت ضمن الدراسات التاريخية الأكاديمية. - إن الموضوعية والجرأة في إصدار الأحكام كانتا من ابرز الصفات التي ميزت الناقدات في معظم أعمالهن وبخاصة أعمال الناقدات المشهورات على مستوى الوطن العربي. - إن بعض الناقدات قد استفدن من المناهج النقدية الحديثة في دراسة الأعمال الأدبية لا سيما المنهج البنيوي الأكثر انتشارا في عالم النقد الحديث. - إن معظم هذه الأعمال النقدية قد جاءت على شكل مقالات نقدية موزعة في الكتب والدوريات المختلفة وأخص بالذكر هنا مجلة الآداب اللبنانية ومجلة فصول. الحواشي والتعليقات (1) ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، باب الدال، ص425-426. (2) د. محمد عبد المنعم خفاجي، مدارس النقد الأدبي الحديث، الدار المصرية اللبنانية، ص9-11. (3) محمد زغلول سلام، النقد الأدبي الحديث، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1981، ص156. (4) انظر: عبد العزيز عتيق، في النقد الأدبي، ط2، دار النهضة العربية، 1972، ص268. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 (5) انظر: محمد طاهر درويش، النقد الأدبي عند العرب، دار المعارف، 1979، ص34-41. (6) في النقد الأدبي، ص272. (7) النقد الأدبي الحديث، ص143. (8) المصدر نفسه، ص144. (9) المصدر نفسه، ص144. (10) يمنى العيد، المرأة العربية والإبداع، الآداب، عدد4-6، سنة39، 1991، ص24. (11) المصدر نفسه، ص25. (12) عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، ج1، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، ص217. (13) أحمد أمين، النقد الأدبي، ط4، دار الكتاب العربي، بيروت، 1967، ص455. (14) مي يوسف خليف، الشعر النسائي في أدبنا القديم، مكتبة غريب، ص24-25. (15) المرزباني، الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995، ص194-196. (16) الشعر النسائي في أدبنا القديم، ص24-25. (17) روز غريب، نسمات وأعاصير في الشعر النسائي، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص14. (18) المصدر نفسه، ص39-40. (19) المصدر نفسه، ص50. (20) المصدر نفسه، ص57-58. (21) عيسى الناعوري، أدب المهجر، ط3، دار المعارف، مصر، ص35. (22) المصدر نفسه، ص35. (23) المصدر نفسه، ص36-38. (24) علي جواد الطاهر، وراء الأفق الأدبي، منشورات وزارة الإعلام، 1977، ص263. (25) عبد الرضا علي، نازك الملائكة الناقدة، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1995، ص214 (26) المصدر نفسه، ص216. (27) المصدر نفسه، ص200. (28) المصدر نفسه، ص202. (29) المصدر نفسه، ص218. (30) نازك الملائكة، الصومعة والشرفة الحمراء، ط2، دار العلم للملايين، بيروت، 1979، ص176. (31) المصدر نفسه، ص176-177. (32) المصدر نفسه، ص180. (33) المصدر نفسه، ص212-213. (34) المصدر نفسه، ص216. (35) ريتا عوض، بنية القصيدة الجاهلية، ط1، بيروت، دار الآداب، 1992، ص20. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 (36) ريتا عوض، الجنون في أدب جبران، الآداب، عدد8، سنة22، 1974، ص36-39. (37) ريتا عوض، صورة الإنسان العربي في ديوان الرعد الجريح لحاوي، الآداب، عدد4-6، سنة39، 1991 ص29-39. (38) ريتا عوض، خليل حاوي - الشاعر – الناقد – الفيلسوف، الآداب، عدد6، سنة40، 1992، ص28-36. (39) يمنى العيد، ممارسات في النقد الأدبي، دار الفارابي، بيروت، 1975، ص98. (40) المصدر نفسه، ص8. (41) المصدر نفسه، ص8-9. (42) المصدر نفسه، ص29. (43) المصدر نفسه، ص38. (44) انظر: المصدر نفسه، ص115-132. (45) يمنى العيد، شعر المقالح – مرجعيته وشعريته -، الآداب، عدد4-6، سنة34، 1986، ص28-36. (46) نبيل سليمان، مساهمة في نقد النقد الأدبي، ط2، دار الحوار للنشر والتوزيع، 1986، ص48. (47) المصدر نفسه، ص51. (48) لطيفة الزيات، من صور المرأة في القصص والروايات العربية، دار الثقافة الجديدة، ص31. (49) المصدر نفسه، ص163-164. (50) عزيزة مريدن، القصة الشعرية في العصر الحديث، ط1، دار الفكر، 1984، ص85-86. (51) المصدر نفسه، ص196. (52) انظر: فاطمة حسن، الرمزية في أدب نجيب محفوظ، ط1، المدرسة العربية للدراسات والنشر، 1981 ص257-260. (53) انظر: نجوى القسنطيني، الحلم والهزيمة في روايات عبد الرحمن منيف، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية 1995. (54) فريال جبوري غزول، فيض الدلالة وغموض المعنى في شعر محمد عفيفي مطر، فصول، مجلد4، عدد3 1984، ص176. (55) سيزا قاسم، حول بويطيقيا العمل المفتوح، قراءة في اختناقات العشق والصباح لإدوار الخراط، فصول مجلد4، عدد2، 1984، ص241. (56) رضوى عاشور، الإنسان والبحر، فصول، مجلد3، عدد3، 1983، ص121-127. (57) منى ميخائيل، الست هدى، فصول، مجلد3، عدد1، 1982، ص198. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 (58) اعتدال عثمان، نحو قراءة نقدية إبداعية لأرض محمود درويش، فصول، مجلد5، عدد1، 1984، ص191-210. (59) نبيلة إبراهيم، شعبية شوقي وحافظ، فصول، مجلد3، عدد2، 1983، ص213-223. (60) نبيلة إبراهيم، خصوصية التشكيل الجمالي للمكان في أدب طه حسين، فصول، مجلد9، عدد1-2، 1990 ص49-59. (61) فدوى مالطي دوجلاس، الوحدة النصية في ليالي سطيح، فصول، مجلد3، عدد2، 1983، ص109-118. (62) فدوى مالطي دوجلاس، البطل والرواية (الإبداع الأدبي في الجنوب) ، فصول، مجلد6، عدد4، 1986 ص203-208. (63) أمينة غصن، خليل حاوي أو رأس أورفيوس المقطوع المغني، الآداب، عدد6، سنة40، 1992، ص51-56 (64) سلافة العامري، الحب في أدب نجيب محفوظ، الآداب، عدد1، سنة22، 1974، ص59-62. (65) نجاح العطار، إلياس أبو شبكة الشاعر المتمرد، الآداب، عدد5-12، سنة30، 1982، ص22-27. (66) أمينة رشيد، رواية الأرض بين القيمة وعلاقة الزمان بالمكان، فصول، مجلد5، عدد4، 1985، ص203-210. (67) أمينة العدوان، الأعمال النقدية، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص322. (68) المصدر نفسه، ص333. (69) المصدر نفسه، ص318. (70) المصدر نفسه، ص51. (71) المصدر نفسه، ص281. (72) المصدر نفسه، ص295. (73) مي زيادة، وردة اليازجي، ط2، بيروت، مؤسسة نوفل، 1980، ص47. (74) المصدر نفسه، ص48. (75) مي زيادة، عائشة تيمور، ط2، بيروت، مؤسسة نوفل، 1983، ص100. (76) أمينة العدوان، الأعمال النقدية، ص77. (77) المصدر نفسه، ص93-94. (78) المصدر نفسه، ص138. (79) المصدر نفسه، ص312-316. (80) نازك الملائكة، سيكولوجية الشعر ومقالات أخرى، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1993، ص145. (81) المصدر نفسه، ص146. (82) المصدر نفسه، ص146. (83) انظر: المصدر نفسه، ص145-146. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 (84) نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، دار العلم للملايين، بيروت، ص5-6. (85) المصدر نفسه، ص296. (86) المصدر نفسه،ص302-303. (87) المصدر نفسه، ص325-326. (88) المصدر نفسه، ص162. (89) المصدر نفسه، ص176. (90) انظر هذه المقالات في كتابها سيكولوجية الشعر ومقالات أخرى. (91) انظر: بشرى موسى صالح، الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، ط1، المركز الثقافي العربي، 1994. (92) سلمى الخضراء الجيوسي، بنية القصيدة العربية عبر القرون: المقاومة والتجريب – المؤثرات الأجنبية في الشعر العربي المعاصر – الحلقة النقدية في مهرجان جرش الثالث عشر، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1995 ص34. (93) فاطمة المرنيسي وآخرون، صور نسائية، ط1، 1996، ص159-160. (94) المصدر نفسه، ص163. (95) ديزيرة سقال، من الصورة إلى الفضاء الشعري، ط1، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1993. (96) خالدة سعيد، الملامح الفكرية للحداثة، فصول، مجلد4، عدد3، 1984 ص32. (97) خالدة سعيد، المسرح اللبناني مصطلحا وصاحب مشروع، الآداب، عدد4-5، سنة42، 1992، ص58-67 (98) خالدة سعيد، الحداثة المسرحية ومسيرة البحث عن الذات – دراسة في مسرح فرقة الحكواتي، فصول، مجلد4 عدد4، 1984، ص121. (99) يمنى العيد، المرأة العربية والإبداع، الآداب، عدد4-6، سنة39، 1991، ص24-27. (100) يمنى العيد تغيير المشهد من القراءة إلى الصياغة، الآداب، عدد7-9، سنة33، 1985، ص9-11. (101) ريتا عوض، الكتابة الشعرية والتراث – مكانة القصيدتين القديمة والحديثة، الآداب، عدد7-9، سنة39 1991، ص2-13. (102) عواطف عبد الكريم، تعدد التصويت في الموسيقى، فصول، مجلد5، عدد2، 1985، ص100-106. (103) اعتدال عثمان، الشعر والموت في زمن الاستلاب، فصول، مجلد4، عدد1، 1983، ص221-228. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 (104) سامية أحمد أسعد، النقد المسرحي والعلوم الإنسانية، فصول، مجلد4، عدد1، 1983، ص155-162. (105) فريال جبوري غزول، نحو تنظير سيميو طبيقي لترجمة الإبداع الشعري، فصول، مجلد10، عدد1، 1991 ص116-125. (106) سحر مشهور، العملية الإبداعية من منظور تأويلي، فصول، مجلد10، عدد1، 1991، ص91-104. (107) نبيلة إبراهيم، المفارقة، فصول، مجلد7، عدد3، 1987، ص131-142. (108) فريال جبوري غزول، لغة الضد الجميل في شعر الثمانينات – النموذج الفلسطيني، فصول، مجلد7، عدد1 1987، ص192-202. (109) نبيلة إبراهيم، قص الحداثة، فصول، مجلد6، عدد4، 1986، ص95-107. (110) فريدة النقاش، نقاط أولية حول الاغتراب القسري والرواية العربية، الآداب، عدد2-3، سنة28، 1980 ص33-38. (111) رندة حيدر، القصة الفلسطينية الجديدة بين تيارين، الآداب، عدد10، سنة22، 1974، ص28-30. (112) ثريا ملحس، القيم الروحية في الشعر العربي، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني، بيروت، ص277. (113) المصدر نفسه، ص116. (114) بشرى الخطيب، القصة والحكاية في الشعر العربي، ط1، دار الشؤون الثقافية والعامة، بغداد، 1990 ص219. (115) هند طه حسين، الشعراء ونقد الشعر، ط1، بغداد، 1986، ص56. (116) المصدر نفسه، ص61. (117) جليلة رضا، وقفة مع الشعر والشعراء، ج2، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989، ص134. (118) انظر: فاطمة محجوب، قضية الزمن في الشعر العربي، دار المعارف، القاهرة. المصادر والمراجع 1- ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت. 2- أحمد أمين: النقد الأدبي، ط4، دار الكتاب العربي، بيروت، 1967. 3- أمينة العدوان: الأعمال النقدية، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بدون تاريخ. 4- بشرى الخطيب: القصة والحكاية في الشعر العربي، ط1، دار الشؤون الثقافية والعامة، بغداد، 1990. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 5- بشرى موسى صالح: الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، ط1، المركز الثقافي العربي، 1994. 6- ثريا ملحس: القيم الروحية في الشعر العربي، مكتبة المدرسة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، بدون تاريخ. 7- جليلة رضا: وقفة مع الشعر والشعراء، ج2، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989. 8- ديزيرة سقال: من الصورة إلى الفضاء الشعري، ط1، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1993. 9- روز غريب: نسمات وأعاصير في الشعر النسائي، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بدون تاريخ. 10- ريتا عوض: بنية القصيدة الجاهلية، ط1، بيروت، دار الآداب، بدون تاريخ. 11- سلمى الخضراء الجيوسي: بنية القصيدة العربية عبر القرون – المقاومة والتجريب – الحلقة النقدية في مهرجان جرش الثالث عشر، ط1 المؤسسة العربية للدراسات والنشر. 12- عبد الرضا علي: نازك الملائكة الناقدة، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، بدون تاريخ. 13- عبد العزيز عتيق: في النقد الأدبي، ط2، دار النهضة العربية، 1972. 14- عزيزة مريدن: القصة الشعرية في العصر الحديث، ط1، دار الفكر، 1984. 15- علي جواد الطاهر: وراء الأفق الأدبي، منشورات وزارة الإعلام، بدون تاريخ. 16- عمر رضا كحالة: أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، ج1، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، بدون تاريخ. 17- عيسى الناعوري: أدب المهجر، ط3، دار المعارف، مصر، بدون تاريخ. 18- فاطمة حسن: الرمزية في أدب نجيب محفوظ، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1981. 19- فاطمة محجوب: قضية الزمن في الشعر العربي، دار المعارف، القاهرة، بدون تاريخ. 20- فاطمة المرنيسي وآخرون: صور نسائية، ط1، 1996. 21- لطيفة الزيات: من صور المرأة في القصص والروايات العربية، دار الثقافة الجديدة، بدون تاريخ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 22- محمد زغلول سلام: النقد الأدبي الحديث، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1981. 23- محمد طاهر درويش: النقد الأدبي عند العرب، دار المعارف، 1979. 24- محمد عبد المنعم خفاجي: مدارس النقد الأدبي الحديث، الدار المصرية اللبنانية، بدون تاريخ. 25- المرزباني (أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني) : الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء، ط21، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ. 26- مي زيادة: وردة اليازجي، ط2، بيروت، مؤسسة نوفل، 1980. : عائشة تيمور، ط2، بيروت، مؤسسة نوفل، 1983. 27- مي يوسف خليف: الشعر النسائي في أدبنا القديم، مكتبة غريب، بدون تاريخ. 28- نازك الملائكة: سيكولوجية الشعر ومقالات أخرى، دار الشؤون الثقافية والعامة، بغداد، 1993. : الصومعة والشرفة الحمراء، ط2، دار العلم للملايين، بيروت، بدون تاريخ. : قضايا الشعر المعاصر، دار العلم للملايين، بيروت، بدون تاريخ. 29- نبيل سليمان: مساهمة في نقد النقد الأدبي، ط2، دار الحوار للنشر والتوزيع، 1986. 30- نجوى قسنطيني: الحلم والهزيمة في روايات عبد الرحمن منيف، كلية العلوم الإنسانية الاجتماعية، 1995. 31- هند طه حسين: الشعراء ونقد الشعر، ط1، بغداد، 1986. 32- يمنى العيد: ممارسات في النقد الأدبي، دار الفارابي، بيروت، 1975. الدوريات الآداب اللبنانية: عدد1، سنة22، 1974. عدد8، سنة22، 1974. عدد10، سنة22، 1974. عدد2-3، سنة28، 1980. عدد5-12، سنة30، 1982. عدد7-9، سنة33، 1985. عدد4-6، سنة34، 1986. عدد4-6، سنة39، 1991. عدد7-9، سنة39، 1991. عدد4-5، سنة42، 1992. عدد6، سنة42، 1992. فصول: عدد1، مجلد3، 1982. عدد1، مجلد4، 1983. عدد2، مجلد4، 1983. عدد3، مجلد3، 1983. عدد2، مجلد4، 1984. عدد3، مجلد4، 1984. عدد4، مجلد4، 1984. عدد1، مجلد5، 1984. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 عدد2، مجلد5، 1985. عدد4، مجلد6، 1986. عدد1، مجلد7، 1987. عدد3، مجلد7، 1987. عدد1-2، مجلد9، 1990. عدد1، مجلد10، 1991. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 كتاب الإغفال وهو المسائلُ المصلَحَةُ من كتاب (معاني القرآن وإعرابه) لأبي إسحاق الزَّجَّاج المتوفَّى سنة 311 هـ تأليف العلاَّمة أبي عليٍّ الحسنِ بنِ أحمدَ بنِ عبد الغفَّار الفارسيِّ النَّحويِّ المتوفَّى سنة 377 هـ تحقيق د. عبد الله بن عمر الحاج إبراهيم أستاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية والعربية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن - الظهران ملخص البحث هذا العمل هو تحقيق لنص من النصوص اللغوية التراثية، قائم حول مواضع من كتاب “ معاني القرآن وإعرابه ” لأبي إسحاق الزجاج. عمد فيه مؤلفه أبو علي الفارسي إلى إصلاح ما وقع في كتاب “ معاني القرآن ” من أخطاء لغوية. سبقت النص مقدمة موجزة تناولت فيها باختصار التعريف بصاحب الكتاب (أبي علي الفارسي) ، وأهم الملامح في هذا الكتاب، ونسخه الخطية. وقد حاولت جاهداً إظهار نص الكتاب واضحاً سليماً إلى حد أرجو أن يكون مقبولاً فضبطته بالشكل، وعلقت عليه بحسب ما تدعو إليه الحاجة وتقتضيه عملية تحقيق النصوص من إيضاح، وتفصيل وتخريج للأقوال والمسائل والشواهد، والتعريف بما تدعو الحاجة إلى تعريفه، وكذلك مقابلة مسائله وإرجاعها إلى المصادر الأصلية في هذا الفن. وأرجو بعملي المتواضع هذا أن أكون قد وفقت إلى إظهار نص تراثي مهم بعيداً عن أيدي الباحثين والمختصين فترة طويلة من الزمن - على الرغم مما عانيته من ذلك وصرفت فيه من وقت وجهد - ومعتذراً للإخوة الأفاضل عما قد يكون فيه من قصور. والحمد لله أولاً وآخراً. أوَّلاً: مقدمة التحقيق. ترجمة المؤلف. كتاب (الإغفال) موضوعه منهجه أهميته. اسم الكتاب، وزمن تأليفه. نسخ الكتاب، ومنهج التحقيق. مقدمة التحقيق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، أحمدُهُ على عظيم مِنَنِهِ، وسابِغِ نِعَمِهِ، حمْدَ الشَّاكرين، وأسألُهُ المزيدَ من فضله. وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على أشرف خَلْقِه محمَّدِ بنِ عبدِ الله، صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليه، وعلى آله وصحابته الكرام البررة، والتَّابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين. وبعد، فيَسُرُّني أنْ أُقَدِّمَ إلى سَدَنَة كتاب الله العظيم، وعُشَّاق لغته الغالية، هذا الأثرَ النَّفيسَ من آثار سَلَفِنَا الصَّالح رضوانُ الله ورحماتُهُ عليهم أجمعين، هؤلاء الأفذاذ الذين بذلوا الغاليَ والنَّفيسَ، فضربوا الأكباد، وهجروا لذيذَ الرُّقاد، لصون هذه الُّلغة العظيمة، لغة القرآن الكريم، وحمايتها من الاندثار والأفول، فكان النَّتاجُ آثاراً نفيسةً، تدلُّ على رسوخِ قَدَمٍ، وعُلُوِّ كعبٍ، وسُمُوِّ هِمَّةٍ. فرحِمَ الله هؤلاء الأعلام، وأعلى مقامهم في الخالدين. هذا الأثرُ هو كتاب (الإغفال) وهو، (المسائل المصلحة من كتاب معاني القرآن وإعرابه للزّجَّاج) . أمَّا مؤلِّفُهُ (أبو عليٍّ الفارسيُّ) فهو عَلَمٌ مبرِّزٌ من هؤلاء الأشياخ الذين قلَّ أن يجهَلَهم طالبُ علمٍ، لِمَا لهم من أيادٍ بيضاءَ سابغةٍ، شهد لهم بها القاصي والدَّاني. وقد قيَّضَ الله لأبي عليٍّ باحِثِينَ وأساتذةً أجِلاَّءَ قاموا بنفض غبار الزَّمن عمَّا وَصَلَ إلينا من مؤلفاته؛ إذ قد طُبِعَ إلى اليوم أكثرُهَا، وتقبَّلَهَا أهلُ العربيَّة بقَبولٍ حسَنٍ. إلاَّ أنَّني رأيتُ بعضَ كتبِ أبي عليٍّ لا تزالُ رهينةَ أرفف المكتبات، ورأيتُ كثيراً من أهل العربية يُحجِمون عن تحقيقها وإخراجها، وهي بذلك جديرةٌ، وله مستوجبة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 ولَمَّا صَحَّت عزيمتي في إخراج بعض تلك الكُتُبِ التي غُمِطَتْ أقدارُها، وضُرِبَ عنها صفحاً، وجَّهتُ شطري نحو كُتُبِ أبي عليٍّ (رحمه الله) لعلِّي أكونُ أحدَ خَدَمَتِهَا، فرأيتُ منها كتابَين جليلَين، لهما نُسَخٌ متوافرةٌ لَمَّا يَرَيَا النورَ بعدُ، وهما ينتظران العناية والاهتمام: أولهما: كتابُ ((الإغفال)) ، وهو موضوع تحقيقنا. وثانيهما: كتاب ((المسائل الشِّيرازيَّات)) . وهذا الكتاب قد قيَّضَ الله له أستاذَنَا الفاضلَ الدُّكتور حسن بن موسى الشَّاعر؛ حيث ندب نفسه لإخراجه، فسح الله في مدَّته، وسهَّلَ أمره لإتمامه. ولَمَّا كانت لأبي عليٍّ رحمه الله تلك الشُّهرةُ الذَّائعةُ بين أهل العربيَّة، وكان كثيرٌ من الأساتذة والباحثين قد أفاضوا في الحديث عنه، وعن حياته العلميَّة، ومؤلَّفاته، وسائرِ جوانب حياته، وعلى رأسهم أستاذيَ الفاضلُ الدُّكتور عبد الفتَّاح إسماعيل شلبي في سِفْره النفيس ((أبو عليٍّ الفارسي)) ؛ إذ كان وافياً شافياً. أضِف إليه مقدِّمات المحقِّقين الأفاضل الذين قاموا بنشر كتبه، وتحدَّثوا في صدر تحقيقاتهم عنه بإسهابٍ؛ لهذا سوف أقتضب الحديث عن أبي عليٍّ وسيرته فأعطي منها صورةً مقتضبةً لمن أرادها على طرف الثُّمام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 وإني إذ أحمدُ الله سبحانه على توفيقه لي في الشروع في تحقيق هذا الكتاب، كلِّي أملٌ أن يقع عملي هذا موقع الرِّضَا والقَبُولِ لدى أهل العربيَّة الخالدة. وقد بذلتُ فيه ما وسعني من جهدٍ، ولم أضنَّ عليه بوقتٍ أو بحثٍ أو مشورة فإن أصبتُ فيما أسلَفْتُ فمن الله سبحانه، وأسألُهُ أن يجعَلَ عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، ومُدَّخراً لي في صالح العمل، أزدلفُ به إليه يوم الحشر الأكبر، وإنْ كنتُ أخطأتُ أو أسأتُ في عملي، فأستغفرُ الله العظيم منه، وأُذكِّرُ كلَّ مَن يقفُ على شيءٍ من ذلك بقول الإمام الخطابي (1) (رحمه الله) : ((وكلُّ مَن عَثَرَ منه على حرفٍ أو معنًى يجبُ تغييرُهُ فنحنُ نناشدُهُ الله في إصلاحه وأداءِ حقِّ النَّصيحة فيه، فإنَّ الإنسانَ ضعيفٌ لا يَسْلَمُ من الخطأ إلاَّ أنْ يعصِمَهُ الله بتوفيقه، ونحنُ نسألُ الله ذلك، ونَرْغَبُ إليه في دَرَكِهِ، إنَّه جَوَادٌ وَهُوبٌ)) . والشُّكرُ مزجًى إلى كلِّ مَن يقفُ على خطأٍ فيه فيُرشدُني إليه، ورَحِمَ الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي. والرجاء موصولٌ لكلِّ مَن ينظُرُ فيه أن يخصَّني بدعوةٍ صالحةٍ بظهر الغيب. وآخِرُ دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمِّد وعلى آله وصحبه وسَلَّمَ تسليماً كثيراً. • • • أبو عليٍّ الفارسيُّ: هو الحسنُ بنُ أحمدَ بنِ عبدِ الغفَّار بنِ سليمانَ الفارسيُّ الفَسَويُّ النَّحويُّ، أبو عليٍّ (2) ، المشهورُ في العالم اسمُهُ المعروفُ تصنيفُهُ ورسمُهُ، أوحدُ زمانه في علم العربيَّة. من أكابر أئمَّة النَّحويين. عَلَتْ منزلتُهُ بينهم حتى فضَّله قومٌ من تلامذته على المبرِّد. قال فيه أبو طالبٍ العبديُّ: ما كان بين سيبويه وأبي عليٍّ أفضلُ منه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 وُلد أبو عليٍّ بمدينة (فسا) من مدن بلاد فارس (1) سنة (288هـ) ، وتجوَّل في كثير من البلدان، فقدم بغداد واستوطنها سنة (307 هـ) ، ورحل إلى الموصل سنة (337 هـ) ، وفيها لقيه ابن جني، ثم رحل إلى حلب سنة (341هـ) ، وأقام بها مدة عند سيف الدولة، ثم عاد إلى فارس وصحب عضد الدولة البويهي، وتقدم عنده، وعلت منزلته وعنه أخذ عضدُ الدولة النحو حتى قال فيه: أنا غلام أبي عليٍّ النحوي الفَسَوي في النحو. وله صنَّف أبو عليِّ كتاب ((الإيضاح)) في النحو، فلما حمله إليه استقصره عضد الدولة، وقال له: ما زدتَ على ما أعرفُ شيئاً وإنما يصلُحُ للصِّبيان، فمضى أبو عليٍّ وصنف كتاب ((التكملة)) وحملها إليه، فلما وقف عليها عضدُ الدولة قال: غضب الشَّيخُ، وجاء بما لا نفهمه نحن ولا هو. ثم رحل أبو عليٍّ إلى بغداد واستقرَّ فيها إلى أن وافته منيَّتُهُ سنة (377هـ) ، وقد جاوز التسعين من عمره. رحمه الله رحمةً واسعة. أخذ أبو عليٍّ عن جلَّةٍ من علماء زمانه، أشهرهم (2) : أبو إسحاق الزجَّاج (ت 311 هـ) ، وأبو الحسن علي بن سليمان الأخفش الأصغر (ت 315 هـ) ، وأبو بكر محمد بن السري بن السراج (ت316 هـ) ، وأبو بكر بن الخياط (ت 320 هـ) ، وأبو بكر محمد بن الحسن بن دريد (ت321 هـ) ، وأبو بكر بن مجاهد (ت 324 هـ) ، وأبو بكر مبرمان (ت325هـ) . وبرع له تلامذةٌ أجلاَّءُ أشهرُهُم: أبو الفح عثمان بن جني (ت 392 هـ) ، وأبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (ت393 هـ) ، وأبو طالب العبدي (ت 406 هـ) ، وأبو عبد الله محمد بن عثمان بن بلبل (ت 410 هـ) ، وعلي بن عبد الله السمسمي (ت415 هـ) ، وأبو الحسن علي بن عيسى الربعي (ت 420 هـ) ، وأبو علي المرزوقي (ت421 هـ) ، وابنُ أخته أبو الحسين محمد بن الحسين بن عبد الوارث الفارسي النحوي (ت 421 هـ) ، وغيرهم (3) . وقد عاصر أبا عليٍّ ثلَّةٌ من العلماء، كان من أبرزهم: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 أبو القاسم الزجاجي (ت 337هـ) ، وأبو سعيد السيرافي (ت 368 هـ) ، وابن خالويه (ت370هـ) ، وأبو الحسن علي بن عيسى الرماني (ت384هـ) . رحمهم الله جميعاً. أمَّا عن آثاره فقد رحلَ أبو عليٍّ الفارسيُّ (رحمه الله) عن الدُّنيا تاركاً لنا ميراثاً عزيزاً غزيراً، ومصنَّفاتٍ عجيبةً حسنةً لم يُسْبَقْ إلى مثلها، نشير إلى أهمِّها فيما يلي (1) : 1 الحجة للقراء السَّبعة (2) . 2 الإغفال أو (المسائل المصلحة من كتاب إبي إسحاق الزجاج) . وهو موضوع تحقيقنا. 3 الإيضاح (3) . 4 التكملة (4) . 5 المسائل العسكريات (5) . 6 المسائل البغداديات (6) . 7 المسائل العضديات (7) . 8 المسائل الحلبيات (8) . 9 المسائل المنثورة (9) . 10 المسائل البصريات (10) . 11 المسائل الدمشقية. 12 المسائل الكرمانية. 13 المسائل الشيرازيات. 14 المسائل المجلسيات. 15 المسائل الذهبيات. 16 المسائل القصرية. 17 الهيثيات. 18 الأهوازيات. 19 العوامل المائة. 20 المقصور والممدود. 21 أبيات المعاني. 22 نقض الهاذور (وهو ردٌّ على ابن خالويه في ردِّه على الإغفال الذي قيل: إنه سماه بالهاذور) . 23 إيضاح الشعر (أو شرح الأبيات المشكلة الإعراب) (11) . 24 التعليقة على الكتاب (12) . 25 التذكرة، (وهو كبير في مجلدات) . وغيرها. أمَّا عن قرض الفارسيِّ للشعر فيروي لنا تلميذُهُ ابنُ جني (رحمه الله) قائلاً (13) : ((لم أسمع لأبي عليٍّ شعراً قطُّ، إلى أن دخل إليه في بعض الأيام رجلٌ من الشُّعراء، فجرى ذِكْرُ الشِّعر، فقال أبو عليٍّ: إنِّي لأغبطُكُم على قولِ الشِّعر، فإنَّ خاطري لا يواتيني على قولِهِ، مع تحقُّقي للعلوم التي هي من موارده. فقال له ذلك الرَّجُلُ: فما قلتَ قطُّ شيئاً منه البتَّةَ؟ فقال: ما أعهد لي شعراً إلا ثلاثة أبياتٍ قلتُها في الشَّيب، وهي قولي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 خَضَبْتُ الشَّيْبَ لَمَّا كَانَ عَيْباً وَخَضْبُ الشَّيْبِ أَولَى أَنْ يُعَابَا وَلَمْ أَخْضِبْ مَخَافَةَ هَجْرِ خِلٍّ وَلاَ عَيْباً خَشِيْتُ وَلاَ عِتَابَا وَلَكِنَّ المشِيْبَ بَدَا ذَمِيْماً فَصَيَّرْتُ الخِضَابَ لَهُ عِقَابَا فاسْتَحْسَنَّاها وكَتَبْنَاها عنه)) . كتاب الإغفال (موضوعه، منهجه، أهميته) : يُعَدُّ كتاب ((الإغفال)) صورةً واضحةً لذلك اللَّون من النَّشاط النَّحوي الذي شاع في القرن الرَّابع الهجري والمتمثِّل في تعقُّب النُّحاة وتتبُّع بعضهم بعضاً، كما يُعدُّ الكتابُ صورةً صادقةً لضلاعة أبي عليٍّ وتمكُّنه العلمي وتبحُّره، ومن ثَمَّ رأينا ابنَ قاضي شهبة (رحمه الله) يصفُ كتابَ ((الإغفال)) بأنَّه كتابٌ نفيسٌ (1) . يدور موضوع هذا الكتاب حول مسائل أخذها أبو عليٍّ على شيخه أبي إسحاق الزَّجَّاج في كتابه ((معاني القرآن وإعرابه)) ، فذكَرَ نصَّها، وأبدى موضع المؤاخَذَةِ منها، ثم عرض لها بالتَّفنيد والرَّدِّ والإصلاح،كما أشار في بداية الكتاب حيث قال: ((هذه مسائلُ من كتاب أبي إسحاق الزَّجَّاج في إعراب القرآن، ذَكَرْنَاها لِمَا اقتضَتْ عندنا من الإصلاح للإغفال الواقع فيها، ونحنُ ننقلُ كلامَهُ في كل مسألةٍ من هذه المسائل بلفظه، وعلى جهته من النُّسخة التي سمعناها منه فيها، ثم نُتبِعُهُ بما عندنا فيه، وبالله التَّوفيقُ)) . تناول أبو عليٍّ في الكتاب ما يزيد على مائةِ مسألةٍ. وهي في مجملها قضايا نحويَّةٌ وصرفيَّةٌ وصوتيَّةٌ تناولها أبو عليٍّ بالشَّرح والتَّحليل. وقد أطنب في بعضها كثيراً بحيث لم يترك زيادةً لمستزيد، وفي بعضها كان يقتضبُ القول اقتضاباً بما يوضِّحُ موضعَ الإغفال من كلام الزجاج، وفي بعضها الآخر نراه يسكُتُ فلا يُعقِّبُ بشيء بعد ذِكْرِ موضع الإغفال، ولعله اكتفى بكلامه عنه في مكانٍ آخَرَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 كان من منهج أبي عليٍّ في ((الإغفال)) أنَّه يبتدئُ بذِكْرِ نصِّ أبي إسحاقَ، وقد يشير إلى مواضعَ أخرى من (معاني القرآن وإعرابه) تكرَّرَ فيها كلامُ أبي إسحاق، ثمَّ يُتْبِعُ أبو عليٍّ ذلك بكلامه مبتَدِئاً بقوله: ((قال أبو عليٍّ)) ، ثمَّ يأخُذُ بتفنيد رأي أبي إسحاق، ودحضه بالأدلة والبراهين، ويصف في بعض الأحيان قولَه بالغلط والنِّسيان، وأحياناً بالفساد والبُعْدِ عن قول سيبويه. كتابُ ((الإغفال)) يصدُرُ عن نزعةِ التَّقدير التي وَقَرَت في صدر أبي عليٍّ لسيبويه، ومن أجل ذلك هاجم مَن هاجَمَ كالمبرِّد والزَّجَّاج، وسالَمَ مَن سَالَمَ كأبي زيدٍ وقُطْرُب، معتبراً في ردِّهِ وهجومه ومسالمته ما يرى أنَّه الحقُّ أوَّلاً وما يبدو من موقفِ المهاجم أو المسالم ثانياً (1) . كتاب ((الإغفال)) يدلُّ دلالةً واضحةً وصادقةً على تفهُّم أبي عليٍّ لكتاب سيبويه، وعكوفه عليه، وتعمُّقه في دراسته، لذا فقد كان أبو عليٍّ يضمِّنُ كلامَه كثيراً من عبارات سيبويه وأمثلتِهِ، حتَّى إنَّكَ لتراه يجري على لسانه كأنَّه يحفظُهُ عن ظهر قلب، حتى إن عباراته تداخلت مع نص الكتاب في بعض نسخه (2) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 وكثيراً ما يتكلَّمُ بكلام سيبويه، ويمثِّل بأمثلته دونما إشارة، فإذا عدتَ إلى الكتاب رأيت الكلام لسيبويه. ولَمَّا كان لسيبويه (رحمه الله) المكانة الأولى بين النحاة، فلا غرابة في أن يجري أبو عليٍّ في فلكه. ويرى الأستاذ الدكتور عبد الفتاح شلبي أنَّ هناك أسباباً خاصة أخرى جعلت أبا عليٍّ يقفُ هذا الموقف من إمام النُّحاة؛ فكلاهما فارسيٌّ، بل إن قبر سيبويه موجود بشيراز تلك المدينة التي بقي فيها أبو عليٍّ قرابة عشرين سنة أيام صباه، ثم عاد إليها بعد رحلته إلى بغداد واتصاله بعضد الدولة ليقيم فيها عشرين سنة أخرى، فهذه أربعون عاماً قضاهاً بجوار ذلك الإمام، ولعلَّ كلَّ ذلك دافِعٌ لأنْ يقِفَ أبو عليٍّ ذلك الموقف الصُّلب مدافعاً عن إمام النحاة (سيبويه) ضدَّ معارضيه (رحمهم الله جميعاً) (1) . وأقولُ: بل ربما يكونُ الدَّافعُ الأهمُّ في هذه الحملة التي قادها أبو علي ضدَّ شيخه هو الخلاف المذهبي بين أبي إسحاق السني، وأبي عليٍّ المعتزلي. ((لقد قرأ أبو عليٍّ (رحمه الله) كتاب سيبويه قراءةً فاحصةً واعيةً، ووازن نسخه بعضها ببعض، وردَّ ما يُتَوهَّمُ في الكتاب من التَّدافع، وصحَّحَ مذهبه، واحتجَّ به، واحتجَّ له، ونصَّ على أنَّ القولَ قولُ سيبويه، وبنى على ما يرويه، وقاس على ما يحكيه)) (2) ، ومن ثَمَّ فإنَّ أبا عليٍّ يُتعِبُ مَن يتصدَّى إلى تحقيق مؤلفاته، في إرجاع اقتباساته من كلام سيبويه إلى ((الكتاب)) ، لذا فقد تعبتُ في تتبُّع مسائله في الكتاب، وأخفقتُ في الوصول إلى بعضها ممَّا حكاه عن سيبويه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 كلُّ هذا في ((الإغفال)) يدلُّ بوضوحٍ على صدق قول أبي حيَّان التوحيدي في أبي عليٍّ و ((الكتاب)) حيث قال (1) : ((وأما أبو عليٍّ فأشدُّ تفرُّداً بالكتاب، وأشدُّ إكباباً عليه، وأبعدُ من كلِّ ما عداه مما هو علمُ الكوفيين، وما تجاوز في اللُّغة كتبَ أبي زيدٍ، وأطرافاً مما لغيره، وهو متِّقدٌ بالغيظِ على أبي سعيد، وبالحسد له، كيف تمَّ له تفسيرُ كتاب سيبويه من أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ بغريبه، وأمثاله، وشواهده، وأبياته)) . ومن ثَمَّ رأينا أبا عليٍّ يدافع عن سيبويه، وعن آراء سيبويه، ضد المعترضين وبخاصَّةٍ المبرِّدُ الذي اعترض على سيبويه وخطَّأه في كتابه المسمى ب (الغَلَط) ، ولعلَّ هذا ما جعل الفارسيَّ يعمد إلى الزَّجَّاج تلميذ المبرد فيتعقَّبُهُ في كتابه ((معاني القرآن وإعرابه)) ويَرُدَّ عليه في هذا الكتاب الذي نحن بصدد تحقيقه، ولعل ذلك أيضاً كان الحامل على مسالمته في الأعم الأغلب لأحمد بن يحيى (ثعلب) خصم المبرد (2) . على أنَّ أبا حيَّان (رحمه الله) أرجَعَ ذلك إلى أنَّ أبا عليٍّ كان محبًّا للرَّدِّ على الزَّجَّاج وتخطئته، قال: ((لأنَّه كان مولَعاً بذلك)) (3) . لقد جاء كتاب ((الإغفال)) شرحاً لكثير من نصوص كتاب سيبويه، وتطبيقاً للقواعد التي فيه، فقد رأيتُهُ حريصاً بشكل كبير على شرح كلام سيبويه أينما مرَّ به، وكان يعمدُ في كثير من الأحيان إلى بسط القولِ في المسائل لأنَّ لها ارتباطاً بكلام سيبويه، فنراه يقول (4) : (( ... وإنمَّا شَرَحْنَا هذا لأنَّهَا من مسائل الكتاب، وهذا لفظُ سيبويه، قال: وممَّا جاء من هذا الباب في القرآن وغيرِه قولُهُ: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيْمٍ تُؤْمِنُوْنَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ وَتُجَاهِدُوْنَ في سَبِيْلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} ، فلما انقضت الآية قال: {يَغْفِرْ لَكُمْ} )) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 وقد يشرحُ أبو عليٍّ نصاً لسيبويه لا نجدُهُ له في كتبه الأخرى، ولا في تعليقته التي وضعها على الكتاب، وخاصَّة إذا كان يُوردُ أكثرَ من رواية لنص سيبويه كما هي عادته في كثير من المواطن، ومن ذلك ما فعله مع نص سيبويه الذي قال فيه (1) : ((اعلَمْ أنَّ قولَهم في الشِّعْرِ: إِنْ زَيدٌ يَأْتِكَ يكنْ كذا، إنمَّا ارتَفَعَ على فِعْلٍ هذا تفسيرُهُ،كما كان ذلك في قولِكَ: إِنْ زَيْداً رَأيتُهُ يكُنْ ذلك؛ لأنَّه لا يُبْتَدَأ بعدها الأسماءُ ثُمَّ يُبْنَى عليها)) . قال (أي: سيبويه) : ((فإنْ قلتَ: إِنْ تَأتِنِي زَيدٌ يَقُلْ ذاكَ، جاز على قولِ مَنْ قالَ: زَيداً ضَرَبْتُهُ، وهذا موضعُ ابتداءٍ وفي نسخةٍ أخرى: وليس هذا موضعُ ابتداءٍ، ألا ترى أنَّكَ لو جِئْتَ بالفاء فقلتَ: إِنْ تَأْتِنِي فَأنَا خيرٌ لكَ، كان حَسَناً. وإنْ لم تَحمِلْهُ على ذلك رُفِعَ، وجاز في الشِّعْرِ كقوله: * ... ... اللَّهُ يَشْكُرُهَا * ومثلُ الأوَّلِ قولُ هِشَامٍ الْمُرِّيِّ: فَمَنْ نَحْنُ نُؤْمِنْهُ يَبِتْ وَهْوُ آمِنٌ وَمَنْ لاَ نُجِرْهُ يُمْسِ مِنَّا مُفَزَّعَا)) فقد تكلم الفارسيُّ على هذا النصِّ (في كلتا روايتيه) بإسهابٍ، وبيَّن مقصوده فيه. إنَّ أبا عليٍّ يقفُ باقتدارٍ عجيبٍ على دقائق كلام سيبويه، ونراه (رحمه الله) ينبِّهُ على وجود كلامٍ في كتاب سيبويه يوحي بالتَّناقض بين موضعٍ وآخَرَ، وأنَّه يجب التنبُّه إلى ذلك فيُتَفَقَّدَ ويُمَحَّصَ فلا يحمل على التناقض، استمع إليه يقولُ (2) : ((كثيرٌ من الكتاب يجب أن يُتَفَقَّدَ فلا يُحمَلَ على ما يتناقَضُ. وهو غير قليلٍ)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 ومن مظاهر عنايته واهتمامه وتفرده بالكتاب أنه قد يجمع لنا ما يخص المسألة من كلام سيبويه المتفرق في كتابه، ويشير إلى ذلك فيقول (1) : (( ... فقد نصَّ كما ترى على أنَّ (فَعَلْتُ) قد وقع موقع (أَفعَلُ) في غير الجزاء، فإنمَّا غرضُهُ في وقوع هذه الأمثلة بعضِها مكان بعضٍ، ما تقدَّمَ حكايتنا له. وهذه المواضع التي جمعناها فيما أردْنَاه من الاتِّساع في هذه الأمثلة متفرِّقةٌ في ((الكتاب)) غيرُ مجتمعةٍ، فقِفْ عليها)) . وإذا لم يكن لسيبويه نصٌّ في الموضوع الذي يتحدَّثُ فيه الفارسيُّ نَصَّ على ذلك فقال: ((وليس لسيبويه فيه نصٌّ)) (2) . ورُبمَّا قوَّى رأيَ غيرِ سيبويه عليه،كما في المسألة السادسةَ عشرَةَ حيث أيَّدَ رأيَ الأخفش في أنَّ الألِفَ واللاَّمَ في ((الرجل)) من قولهم: ((ما يحسُنُ بالرَّجُل مثلك)) زائدةٌ فقال: ((ومذهبُهُ عندي أقوى)) (3) . عرَضَ أبو عليٍّ في كتابه هذا كثيراً من المسائل النَّحْويَّة واللُّغويَّة والصَّرفيَّة، وهذه المسائلُ في أغلبها مسائلُ اعتمد فيها الزَّجَّاجُ على كلام للخليل وسيبويه، إلاَّ أنَّه فَهِمَهُ على غير الوجه الذي فَهِمَهُ عليه الفارسيُّ، ومن هنا كان الطَّابَعُ العامُّ لهذه المسائل طابعاً نحوياً صرفياً، وفي القليل كان تعقُّبُهُ عليه من جهة التَّفسير، ولعلَّ أكبر دليل على ذلك هو أنَّكَ تمضي في الكتاب إلى صفحة (100) تقريباً فلا تراه يتناول إلا ثلاثَ مسائلَ هي: (لفظ الجلالة وتصريفه) و (إيَّا) ، و (حروف التَّهجِّي في أوائل السور) . وقد اقتضب أبو عليٍّ الحديث في بعضها، وأطال في بعضها الآخر واستطرَدَ مستشهداً على كل ما يقول في غالب الأحيان بأقوال سيبويه، والأئمة من اللغويين أمثال أبي زيدٍ وقطرُبٍ، ومستدلاً على ما يقول بأشعار العرب وأمثالهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 شخصيَّةُ أبي عليٍّ واضحةٌ غاية الوضوح في ((الإغفال)) ، فتراه يصحِّحُ ويقوِّي، ويخطِّئ ويوهِّنُ ما يراه وتراه يختارُ مشيراً إلى الأحبِّ من الآراء إليه فيقولُ: ((والأول أعجبُ إلينا)) ، أو يستبعدُ ما لايراه قوياً فيقول: ((ولا أستحسنُ هذا)) (1) . كان أبو عليٍّ (رحمه الله) يُقَدِّرُ العلماءَ الثِّقات، بل إنَّه يرى وُجُوبَ اعتبارِ ما رَوَوه وإنْ جاء مخالفاً للعام الشَّائع، فتراه يقولُ عن قُطْرُبٍ في روايته ل ((إسوار)) بالكسر: ((فأمَّا ما حكاه قُطْرُبٌ من أنَّه يُقالُ فيه: ((إِسْوَارٌ)) فهذا الضَّرْبُ من الأسماء قليلٌ جدّاً، إلاَّ أنَّ الثِّقَةَ إذا حَكَى شيئاً لَزِمَ قَبُولُهُ. ونظيرُهُ قولُهُم: الإِعْصَارُ ... )) . يعمَدُ أبو عليٍّ في كثيرٍ من الأحيان إلى استقصاء المعنى في مادَّةٍ لغويَّةٍ ما، وذِكْرِ الكَلِمِ المصَرَّفة منها،كما في (شور) (2) و (آن) (3) وغيرها. يَشيعُ في ((الإغفال)) النَّزعةُ المنطقيَّةُ الجدليَّةُ التي اتَّسَمَ بها أسلوبُ أبي عليٍّ، ومن ثَمَّ فإنَّكَ واجدٌ عباراته: (فإن قال قائلٌ ... قيل له) و (فإن قيل: ... قيل) ، و (فإن قلتَ ... فالجواب) مبثوثةً في كل مسألة. أمَّا الاستطرادُ والخروج عن موضوع المسألة المعتَرَضِ عليها فأمر واضحٌ أيضاً، ولذلك رأيناه يقولُ في غير مكان: ((وهذا شيءٌ قد عرض في المسألة ثمَّ عدنا إليها)) (4) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 يجمَعُ أبو عليٍّ بعضَ المسائل مع بعضها لمناسبة بينها، ومن ثَمَّ فإن بعض الآيات يتقدَّم ذكرها عن مكانها الحقيقي في سورتها، ولا يعيد أبو علي ذكرها في مكانها، أو أنه يذكرها ويحيل على ما تقدم فيها،كما حدث في الآية: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوْعِ} ، وهي الآية (155) من سورة البقرة، فقد أوردها الفارسيُّ حين حديثه عن الآية (38) في المسألة الثامنة، في حين أن هناك آيات أخرى متقدمة عليها جاءت بعدها، كما ذَكَرَ في هذا المكان أيضاً قولَه تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ في أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} وهي الآية (186) من سورة آل عمران، وقولَه: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ الله بِشَيءٍ مِنَ الصَّيْدِ} وهي الآية (94) من سورة الأنعام وهكذا، وقد صنعت فهرساً عامّاً للآيات الواردة في الكتاب يمكن من خلاله الوصول إلى مكان أي آية. يُحيلُ الفارسيُّ كثيراً في كتاب ((الإغفال)) إلى بعض كتبه الأخرى وخاصةً كتاب: ((المسائل المشكلة)) المعروف ب ((البغداديات)) ، على أنه تجدُرُ الإشارةُ أيضاً هنا إلى شيء مهمٍّ وهو أنَّ الفارسيَّ (رحمه الله) قد أحال أيضاً في كتابه ((المسائل المشْكِلَة)) المعروف ب ((البغداديَّات)) إلى كتاب ((الإغفال)) ، وذلك قد أوقع بعضَ الباحثين في حيرةٍ من أمرهم، هل كتاب ((المسائل المشْكِلَة)) غيرُ كتاب ((البغداديَّات)) ؟ أم أنَّهما كتابٌ واحدٌ؟ وإذا كان كذلك، فكيف وقعت الإحالةُ في كلِّ كتابٍ منهما على الآخَرِ؟ ذهب الدُّكتورُ عبد الفتَّاح شلبي في استنتاجه إلى أنَّهما كتابان: أوَّلهما ((المسائل المشْكِلَة)) . وثانيهما ((البغداديَّات)) . ويكونُ ترتيبُ تأليفهما مع ((الإغفال)) على النحو التَّالي: ((المسائل المشْكِلة)) أوَّلاً، ثمَّ ((الإغفال)) ، ثمَّ ((المسائل البغداديَّات)) (1) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 على أنَّ محقِّقَ ((المسائل المشْكِلَة)) المعروفة ب ((البغداديَّات)) ذهب إلى أنَّ كتاب ((المسائل المشْكِلَة)) هو نفسُهُ كتاب ((البغداديَّات)) ، فهما كتابٌ واحدٌ، وفسَّر الإحالة من كلِّ كتابٍ على الآخر بأنَّ كتاب ((المسائل المشكلة)) قد تقدَّمت بعضُ مسائله على كتاب ((الإغفال)) فأحال منه إليها، وتأخَّرت بعضُ مسائله عن ((الإغفال)) فأحال منها إليه، فتكون فترة تأليف ((المسائل المشكلة)) أطولَ زمناً من ((الإغفال)) (1) . أمَّا أهميَّة الكتاب فتكمن في: تعلقه بكتاب الله تبارك وتعالى، فقد أقامه على مواضع من كلام شيخه أبي إسحاق الزجاج في كتابه ((معاني القرآن وإعرابه)) ، حيث أصلح مواطن الخطأ والإغفال فيه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 ومن أهميته أيضاً: ذِكْرُهُ لنصوصٍ من كتبٍ مفقودةٍ لم يصل إلينا منها إلاَّ أسماؤها، ككتاب ((الغلط)) وكتاب ((المسائل المشروحة من كتاب سيبويه)) (1) كلاهما لأبي العبَّاس المبرِّد، وشرحُهُ لهذه النصوص وردُّهِ عليها وإصلاحُهُ لبعض المسائل المشهورة عن أبي العبَّاس المبرِّد، ومن ذلك النَّصُّ الذي جاء عنه في كتاب ((الغلط)) (2) الذي نصَّ فيه على جواز نداء (الذي) إذا سُمِّيَ به حيث قال فيه المبرِّدُ (3) : (( ... وقد صار اسماً فخَرَجَ من أنْ تقولَ فيه: يا أيُّهَا، ولكن تقولُ: يا الذي رأيتُهُ،كما تقولُ: يا ألله اغفِرْ لي)) . ويعقِّبُ الفارسيُّ على هذا النَّصِّ بقوله (4) : ((وأَظُنُّ أنَّ أبا العبَّاسِ لم يقطَعْ بهذا الذي قالَه في كتابه المترجَم ب (الغَلَط) ؛ لأنَّ بعضَ مَن أخَذَ عنه حَكَى عنه في هذه المسألة أنَّه قال: يجبُ أن يُنظَرَ فيه، بل لا أشُكُّ؛ لأنِّي قرأتُ على أبي بكر بن السَّرَّاج في كتابِ أبي العبَّاس المترجَم ب (المسائل المشروحة من كتاب سيبويه) ما يخالفُ هذا، وهذا لفظُ ما قال: فأمَّا قولُ سيبويهِ: إنَّهُ إنْ سُمِّيَ رَجُلاً (الرَّجُلُ منطلِقٌ) ناداه فقال: يا الرَّجُلُ منطَلِقٌ، فهو كما قال؛ لأنَّ هذا ابتداءٌ وخبرٌ سَمَّى بهما رَجُلاً، ليس أحدُهما الاسمَ دون الآخَرِ، والألفُ واللاَّمُ بهما ثَمَّ للاسم كلِّهِ، وليسَتَا ل (الرَّجل) دون (منطَلِقٌ)) ) . ومن الكتب التي ذكرها أيضاً كتاب ((التهذيب)) الذي كتبه إملاءً من شيخه أبي بكر بن السَّرَّاج، ولم أقف على حقيقته. كما أن بعض النصوص التي نقلها عن ابن السراج أظنها من شرحه على الكتاب (5) ، وهو مفقود. ذكر لنفسه كتاباً كرره كثيراً بقوله (6) : ((وفي كتابي عن أبي العباس في تفسير هذه الآية ... )) ولم أقف على هذا الكتاب، أو المقصود به، والله أعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 ذكر بعض النصوص النادرة عن المازني معترضاً على سيبويه (1) . أشار أبو عليٍّ في بعض المواضع إلى نسخ أخرى من كتاب سيبويه فيها بعض زيادات عن غيرها. كما نصَّ على بعض المصادر التي عاد إليها ككتاب (الغلط) للمبرد، و (النَّوادر) لأبي زيدٍ وغيرهما. اسم الكتاب، وزمن تأليفه: اسم الكتاب هو ((الإغفال)) كما هو واضح على مخطوطة الكتاب التركية، وكما تواترت عليه المصادر التي ترجمت لأبي عليٍّ الفارسي، وأفادت من الكتاب ونقلت عنه. وللكتاب اسم آخر هو: ((المسائل المصلحة من كتاب أبي إسحاق الزجاج)) ، كما هو واضح من نسخة دار الكتب المصرية، وكما ذكره الفارسي نفسه في بعض كتبه الأخرى (2) ،كما ذكره في مكان آخر باسم ((مسائل إصلاح الإغفال)) (3) . والأول هو الأشهر. إلا أنَّ وهماً وقع عند بعض المترجمين، فياقوت الحموي بعد أن ذكر الكتاب باسمَيه للفارسي عاد وذكر له كتاباً باسم ((المسائل المصلحة من كتاب ابن السراج)) (4) ، ومعنى ذلك أن للفارسي كتابان في المسائل المصلحة أحدهما على الزجاج، وثانيهما على ابن السراج، والمعروف أن المسائل التي أصلحها الفارسي هي على شيخه الزجاج، وهو المسمى ب ((الإغفال)) . وفي إنباه الرواة (5) جاء اسم الكتاب: ((كتاب الإغفال فيما أغفله الزجاجي من المعاني)) ، ولعله من وهم النساخ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 وهل هو (الأغفال) بالفتح أو (الإغفال) بالكسر؟ فهذا ما لم تحدده المصادر، إلاَّ أن الضبط الواضح على مخطوطة (شهيد علي) التركية هو بالكسر، وسوف أعتمد ما ورد فيها، ولعلَّه الأقرب، وبخاصَّة أن أبا عليٍّ نفسَهُ قد كرَّره كثيراً في ثنايا الكتاب، فقال في مفتتح الكتاب: ((هذه مسائلُ من كتاب أبي إسحاقَ الزَّجَّاجِ في إعراب القرآن، ذَكَرْناها لِمَا اقتضت عندنا من الإصلاح منها للإغفال الواقع فيها، ونحن ننقُلُ كلامَه في كلِّ مسألةٍ من هذه المسائلِ بلفظه، وعلى جهته، من النُّسخة التي سمِعْناها منه فيها، ثُمَّ نُتْبِعُهُ بما عندنا فيه، وبالله التَّوفِيقُ)) ، ونراه يكرر ذلك كثيراً في المسائل فيقول: ((وهذا موضع الإغفال منها)) ، ويقول: ((موضع الإغفال من هذه المسألة أنه حكى ... )) (1) ويقول (2) : (( ... ثبت موضع الإغفال من المسألة)) . ووجهه أنه من باب الإعجام، فتكون الهمزة للسَّلب. أما (الأغفال) فهو جمع (غُفْل) ، والله أعلم. أما زمن تأليف ((الإغفال)) فقد كان مبكراً، وهو من كتب أبي عليٍّ الأولى، وكان ذلك قبل ارتحاله إلى حلب حيث أحال عليه في مسائله ((الحلبيَّات)) في عدة أماكن (3) . ومهما يكن من أمرٍ فإنَّ أبا عليٍّ بإصلاح مسائل الإغفال في هذا الوقت المبكر من حياته، وبتعقُّبِهِ شيخِهِ الزَّجَّاج وهو مَن هو في مكانته بين العلماء والشُّيوخ في عصره جعَلَ لنفسه شهرةً سبقَتْهُ إلى حلب حيث بلاطُ سيف الدولة، وإلى شيرازَ حيث عضدُ الدَّولة الذي استدعاه فيما بعد (4) . عملي في الكتاب ومنهج التحقيق: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 قمتُ بنسْخِ الكتاب، ومعارضته بالنُّسخِة الأخرى، وإثباتِ أهمِّ الفروق بين النُّسختين، والأسقاط الحاصلة فيهما إن وُجِدَت، وجعلتها بين معقوفين مع الإشارة إلى ذلك أحياناً وتركه أحياناً أخرى. وقد وجَّهتُ أكبر عنايتي لنصِّ الكتاب وإخراجِهِ صحيحاً سليماً قدرَ المستطاع، وقُمْتُ بضبط أغلب ألفاظِهِ ونصوصِهِ. وقد عانيتُ يعلمُ الله في قراءة نصِّ الكتاب كثيراً، ومن الله أرجو الأجرَ والمثوبَةَ، وأكثرُ ما أتعبني فيه هو القِسْمُ السَّاقطُ من النُّسخة (ص) ، واعتمادي على النُّسخة (ش) ، وهذه النُّسخةُ كثيرة الأوهام والأغلاط كما سيأتي شرحه، فاجتهدتُ قدرَ الإمكان من أجل الوصول إلى الوجه الصَّواب في النَّصِّ، على أنَّني أقول: إنَّ هناك بعضَ المواضع التي ما تزالُ قابلةً للنَّظر. أرْجَعْتُ غالبَ كلام أبي عليٍّ إلى مقابله من كلام سيبويه، وإلى مواضعه من كُتُبِ أبي عليٍّ الأخرى. خرَّجْتُ أقوالَ العلماء والنُّصوصَ المنقولةَ عنهم من مصادرها المعتَمَدَة، وأشيرُ إلى أنَّني اعتمدتُ في بعض المصادر ك (كتاب الشعر لأبي عليٍّ) على أكثرَ من تحقيقٍ، وأشرتُ في الحواشي إلى أحد التحقيقين، وتركتُ الإشارةَ إلى الآخَرِ علامةً عليه، فليُتَنَبَّهْ لذلك. خرَّجْتُ الشَّواهدَ والأمثالَ، وذَكَرْتُ نِسْبَةَ ما ترك أبو عليٍّ نسبَتَهُ منها وهو الأغلب فيها. تتبَّعْتُ القراءاتِ القرآنيَّةَ التي أشار إليها أبو عليٍّ وأحلْتُهَا إلى مصادرها من كتب القراءات السَّبعيَّةِ والشَّاذة وفيما يتعلَّقُ بالقراءات السَّبعيَّة فقد كنتُ أُحيلُ القارِئَ فيها غالباً إلى ما قاله هو في كتابه (الحجَّة للقرَّاء السَّبعة) وكثيراً ما يتَّفقُ كلامُهُ هنا وهناك مع زيادة تفصيلٍ في أحدهما. ترجمتُ للرِّجال المغمورين الذين ورَدَ لهم ذِكْرٌ في الكتاب بما يكشف عن واقعهم، ويُبيِّنُ حالهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 صنعتُ فهارسَ متنوعةً تعينُ الباحثين على الإفادة من الكتاب. نسخ الكتاب المخطوطة: وقفتُ على مصوَّرَتَين لنسختَين عتيقتَين من هذا الكتاب: أولاهما: نسخةٌ محفوطةٌ بدار الكتب المصرية برقم (52) تفسير، وهي نسخةٌ كتبت في القرن السادس الهجري (على وجه التقريب) ، وتقع في ثلاث وعشرين ومائة ورقة، وهي نسخةٌ صحيحةٌ في الغالب، قليلةُ التَّحريف والتَّصحيف، ومن ثَمَّ كان اعتمادي عليها أكثرَ من الثَّانية، إلاَّ أنَّ خَرْماً وقع في أولها ذهب بلوحة العنوان، وباللوحة رقم (3) ، وخَرْماً آخرَ وقع في وسطها في آخر اللوحة (70/أ) ، أقدِّرُهُ بعشر لوحاتٍ، ذهب فيها ما يقرب من خمس عشرة مسألةً، وكان اعتمادي في هذا الجزء على النسخة الأخرى، وقد عانيتُ في قراءته ما عانيتُ كما أشرتُ سابقاً في منهج التحقيق. تحتوي كل ورقة من أوراق هذه المخطوطة على (26) سطراً، في كل سطر (18) كلمةً تقريباً. وقد رمزتُ لها بالحرف (ص) . وثانيتهما: نسخةٌ محفوطةٌ بالمكتبة السُّليمانيَّة باستانبول (مكتبة شهيد علي) برقم: (298) ، وهي من مخطوطات القرن السَّابع الهجري، حيث انتهى ناسخُها منها سنة (654 هـ) . تقعُ هذه النُّسخةُ في جزأين، عدد أوراقهما (425) ورقة، في الجزء الأول (196) ، وفي الجزء الثَّاني (229) ورقة، في كل ورقة (13) سطراً، في كل سطر (10) كلماتٍ تقريباً. وكتب في لوحة العنوان من الجزأين: ((في نوبة الفقير إبراهيم بن إيبك بيك)) . وفي لوحة عنوان الجزء الثاني كتب أيضاً بخط حديث: ((ملكه الفقير عيسى المغربي لطف الله به من الشيخ إبراهيم البلبيسي وما قبله بثمانية قروش)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 والنَّسخةُ مكتوبة بخطٍّ نسخي جميلٍ جداً، سالمةً من الخروم، غير أنَّها مشحونةٌ بالأغلاط والتَّصحيفات، ولذلك فقد أغفلتُ منها قدراً جماً لم أرَ في ذكره والتَّنبيه عليه فائدةً، ولم أنبِّه إلاَّ على ما رأيتُ في الإشارة إليه فائدة. وقد رمزتُ لهذه النُّسخة بالحرف (ش) . ومن ثَمَّ فإني اعتمدْتُ على النُّسختين كلتيهما في إثبات النص مع الاتكاء بشكل أكبر على النسخة (ص) ، وإثبات بعض الفوارق التي تؤثِّرُ في المعنى فيما بين النُّسختَين. اعتمدتُ في تقسيم الجزأَين على التَّقسيم الوارد في النسخة (ش) . وهناك نسختان أخرَيَان بدار الكتب المصريَّة حديثتان منقولتان عن نسخة دار الكتب المصرية آنفة الذكر، وهما مليئتان بالأخطاء والأسقاط، ومن ثمَّ لم ألتفت إليهما لوجود أصلهما، والحمد لله رب العالمين. • • • نماذج مصورة من مخطوطتي الكتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 ثانياً: النص المحقق الجزء الأوَّل (1) من كتاب الإغفال صَنْعَةُ أبي عليٍّ الفارسيٍّ (رحمه الله) بسم الله الرَّحمن الرَّحيم (صلى الله على محمَّدٍ وآله. قال أبو عليٍّ أحمدُ بنُ الحسن بنِ عبدِ الغفَّار الفَسَوِيُّ الفارسيُّ النَّحْويُّ) (2) : هذه مسائلُ من كتاب أبي إسحاقَ الزَّجَّاجِ في إعراب القرآن، ذَكَرْناها لِمَا اقتضت عندنا من الإصلاح منها للإغفال الواقع فيها، ونحن ننقُلُ كلامَه في كلِّ مسألةٍ من هذه المسائلِ بلفظه، وعلى جهته، من النُّسخة التي سمِعْناها منه فيها، ثُمَّ نُتْبِعُهُ بما عندنا فيه، وبالله التَّوفِيقُ. المسألة الأولى (3) ذَكَرَ أبو إسحاقَ اسمَ الله تعالى فقال (4) : ((أَكْرَهُ أنْ أذْكُرَ ما قاله النَّحْويُّون في هذا الاسم تنزيهاً لله تعالى)) ، ثمَّ قال في سورة الحشر (5) في قوله تعالى: {هُوَ الله الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ} : ((جاء في التَّفسير أنَّها تسعةٌ وتسعون اسماً، ونحن نُبَيِّنُ إنْ شاء الله تعالى هذه الأسماءَ واشتقاقَ ما ينبغي أن يُبيَّنَ منها)) . فبدَأَ بتفسير هذا الاسم فقال: ((قال سيبويه: سألتُ الخليلَ عن هذا الاسمِ فقال: الأصلُ فيه (6) (إِلاَهٌ) ، فأُدْخِلَت الألفُ واللاَّمُ بدلاً من الهمزة. وقال مرةً أخرى: الأصلُ: (لاَهٌ) ، وأُدخِلَت الألفُ واللامُ لازمة)) انتهى كلامُ أبي إسحاقَ. قال أبو عليٍّ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 ما حكاه عن سيبويهِ عن الخليل سهوٌ، ولم يحكِ سيبويهِ عن الخليل في هذا الاسم أنَّه ((إِلاهٌ)) ، ولا قال: إنِّه سأله عنه. لكن قال الخليلُ (1) : إنَّ الألفَ واللامَ بدلٌ من الهمزة في حدِّ النِّداء في الباب المترجَم ب (هذا ما ينتصبُ على المدح أو التَّعظيم أو الشَّتم لأنَّه لا يكونُ وصفاً للأوَّلِ، ولا عطفاً عليه) . وأوَّلُ الفَصْلِ (2) : ((اعْلَمْ أنَّه لا يجوزُ لكَ أنْ تناديَ اسماً فيه الألفُ واللاَّمُ البتَّةَ؛ إلاَّ أنَّهم قالوا: يا ألله اغْفِرْ لي)) . وهو فصلٌ طويلٌ في هذا الباب إذا قرأتَهُ وقفْتَ منه على ما قُلْنَا. والقولُ الآخَرُ الذي حكاه أبو إسحاقَ فقال: ((وقال مرةً أخرى ... )) ،لم ينسبْهُ سيبويه أيضاً إلى الخليل، لكن ذكَرَه في حدِّ القَسَم في أوَّلِ بابٍ منه (3) . قال أبوعليٍّ: ورُوِيَ عن ابن عبَّاسٍ في قوله تعالى: {وَيَذَرَكَ وَإلاَهَتَكَ} (4) قال: عِبَادَتَكَ. فقولنا: ((إِلاَهٌ)) من هذا كأنَّه ذو العبادة، أي: إليه تُوَجَّهُ، وبها يُقصَدُ ويُعتَمَد. قال أبو زيدٍ (5) : تألَّهَ الرجُلُ إذا نَسَكَ، وأنشَدَ: سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي (6) ونظيرُ هذا في أنَّه في الأصل اسمُ حَدَثٍ، ثمَّ جَرى صفةً للقديم سبحانه قولُنَا: السَّلام. وفي التَّنزيل: {السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ} (7) فالسَّلام مِن سَلَّمَ كالكلام من كَلَّمَ (8) ، والمعنى: ذو السَّلام، أي: يُسَلِّمُ من عذابه مَنْ لم يستحقَّهُ،كما أنَّ المعنى في الأوَّل: أنَّ العبادةَ تجِبُ له. فإن قلتَ: فَأَجِزِ الحالَ عنه وتَعَلُّقَ الظَّرفِ به،كما يجوزُ ذلك في المصادر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 فإنَّ ذلك لا يَلزَمُ؛ ألا ترى أنَّهم أَجْرَوا شيئاً من المصادر واسمِ الفاعل مُجْرَى الأسماء التي لا تُناسِبُ الفعل، وذلك قولُهُم: ((للهِ دَرُّكَ)) (1) ، وزَيدٌ صاحبُ عمرٍو، (فلم يجيزوا إعمالَهما عملَ الفعل وإنْ كانا في مواضعهما) (2) . وأمَّا ما حكاه أبو زيدٍ من قولهم: ((تَألَّهَ الرَّجُلُ)) ، فإنَّه يَحتَمِلُ عندي ضربَين من التَّأويل: يجوزُ أنْ يكونَ كقولهم: تَعَبَّدَ والتَّعَبُّد. ويجوزُ أنْ يكونَ مأخوذاً من الاسم دون المصدر على حدِّ قولكَ: اسْتَحْجَرَ الطِّينُ، واسْتَنْوَقَ الجَمَلُ، فيكونُ المعنى: يفعَلُ الأفعالَ المقرِّبَةَ إلى الإلهِ، والمستحقَّ بها الثَّوابَ. وتُسَمَّى الشَّمسُ إلاهَةَ والإلاهَةَ (3) ، رُوِيَ لنا عن قُطْرُبٍ ذلك، وأنشَدَ: تَرَوَّحْنَا مِنَ اللَّعْبَاءِ قَصْراً وَأَعْجَلْنَا الإِلاَهَةَ أَنْ تَؤُوبَا (4) فكأنَّهم سَمَّوها ((إِلاَهَةَ)) على نحو تعظيمهم لها، وعبادَتِهِم إيَّاها. وعن ذلك نهاهُمُ الله تعالى، وأمَرَهُم بالتَّوجُّهِ / في العبادة إليه (جلَّ وعزَّ) دون ما خلَقَهُ وأَوجَدَه بعد أنْ لم يكُنْ، فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} (5) . ويدلُّكَ على ما ذَكَرْنا من مذهب العرب في تسميتهم الشَّمسَ ((إِلاَهَةَ)) ما حكاه أحمدُ بنُ يحيى (6) من أنَّهم يُسَمُّونها ((إلاهةَ)) غيرَ مصروفٍ، فقرَّبَ ذلك أنَّه منقولٌ؛ إذ كان مخصوصاً. وأكثرُ الأسماء المختصَّة الأعلامِ منقولةٌ نحو (7) : أَسَدٍ وزَيدٍ، وما يكثُرُ تَعدادُهُ من ذلك. فكذلك ((إلاهةُ)) ، يكونُ منقولاً من ((إلاهةٍ)) التي هي العبادةُ لِمَا ذَكَرْنَا. وأُنْشِدَ البيتُ: وَأَعْجَلْنَا إِلاَهَةَ أَنْ تَؤُوبَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 غيرَ مصروفٍ (1) ، وبلا ألفٍ ولامٍ. فهذا معنى ((الإلاهةَ)) في اللُّغة، وتفسيرِ ابنِ عبَّاسٍ لِمَنْ قرأ: ((وإِلاَهَتَكَ)) . وقد جاء على هذا الحدِّ غيرُ شيءٍ؛ قال أبو زيدٍ (2) : ((لَقِيْتُهُ النَدَرَى، وفي النَّدَرَى، وفَيْنَةً، والفَيْنَةَ بعد الفَيْنَةَ)) . وفي التَّنزيل: {وَلاَ يَغُوْثَ وَيَعُوْقَ وَنَسْراً} (3) . وقال الشَّاعرُ (4) : أَمَا وَدِمَاءٍ لاَ تَزَالُ كَأَنَّهَا عَلَى قُنَّةِ العُزَّى وبِالنَّسْرِ عَنْدَمَا فهذا مثلُ ما ذكَرْنَاه من ((إلاهةَ)) و ((الإلاهةَ)) في دخولِ لامِ المعرفة الاسمَ مرَّةً، وسقوطِها أخرى. فأمَّا مَنْ قرأ (5) : {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} فهو جمعُ ((إِلاَهٍ)) ،كقولكَ: إزارٌ وآزِرَةٌ، وإناءٌ وآنيةٌ. والمعنى على هذا: أنَّه كان لفرعونَ أصنامٌ يعبدُها شِيْعَتُهُ وأتباعُهُ، فلمَّا دعاهم موسى - عليه السلام - إلى التَّوحيد حَضُّوا فرعونَ عليه وعلى قومه وأغْرَوه بهم. ويُقوِّي هذه القراءةَ: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسْرَائِيلَ البَحْرَ فَأَتَوا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} (6) ، ففي هذا دلالةٌ على تعظيمهم لها وعبادَتِهِم إيَّاها في ذلك الوقت. وأمَّا قولُنا: ((الله)) فقد حمله سيبويهِ على ضَرْبَين (7) : أحدهما: أنْ يكونَ أصلُ الاسم ((إلاه)) (8) ، ففاءُ الكلمة على هذا همزةٌ، وعينُها لامٌ، والألفُ ألفُ (فِعَالٍ) الزَّائدةُ واللاَّمُ هاءٌ. والقولُ الآخَرُ: أن يكون أصلُ الاسم ((لاَهٌ)) ، ووزنُهُ (فَعَلٌ) . فأمَّا إذا قَدَّرْتَ أنَّ الأصلَ ((إلاهٌ)) (9) ، فيَذهبُ سيبويه فيه عندي إلى أنَّهُ حُذِفَت الفاءُ حذفاً لا على التَّخفيف القياسيِّ على حدِّ قولكَ: ((الخَبُ)) في الخبْءِ، و ((ضَوٌ)) في ضَوْءٍ (10) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 فإن قال قائل: ولِمَ قدَّره هذا التَّقديرَ؟ وهلاَّ حمَلَهُ على التَّقدير القياسيِّ؛ إذ تقديرُ ذلك سائغٌ فيه، غيرُ ممتنعٍ منه والحملُ على القياس أَولى من الحمل على الحذف الذي ليس بقياسٍ؟ قيل له: إنَّ ذلك لا يخلو من أنْ يكونَ على الحذف كما ذهب إليه سيبويه، أو على تخفيف القياس في أنَّه إذا تحرَّكت الهمزةُ وسَكَنَ ما قبلها حُذِفَت، وأُلقِيَتْ (1) حَرَكَتُهَا على السَّاكن، فلو كان طَرْحُ الهمزة على هذا الحدِّ دون الحذف، لَمَا لَزِمَ أنْ يكونَ منها عِوَضٌ؛ لأنَّها إذا حُذِفَت على هذا الحدِّ فهي وإنْ كانت مُلْغاةً من اللَّفظ مبَقَّاةٌ في النيَّة (2) ومعاملةٌ معاملةَ المثبَتَةِ غيرِ المحذوفة. يدلُّ على ذلك تَرْكُهُم الياءَ مُصَحَّحةً في قولهم: ((جَيْأَل)) إذا خَفَّفوا فقالوا: ((جَيَل)) (3) ، ولو كانت محذوفةً في التَّقدير كما أنَّهَا محذوفةٌ من اللَّفظ لَلَزِمَ قَلْبُ الياء أَلِفاً. فلمَّا كانت الياءُ في نيَّةِ سُكُونٍ لم تُقلَبْ،كما قُلِبَتْ في ((نابٍ)) (4) ونحوِهِ. ويدلُّ على ذلك تحريكُهُم الواوَ في ((ضَوٍ)) وهي طَرَفٌ إذا خُفِّفَتْ، ولو لم تكُنْ في نيَّةِ سكونٍ لقُلِبَت ياءً، ولم تَثْبُتْ آخِراً. ويدلُّ عليه أيضاً تَبْيِيْنُهُم للواو في ((نُوْيٍ)) إذا خَفَّفَ ((نُؤْي)) ، ولولا نيَّةُ الهمزة لقُلِبَتْ ياءً وأُدغِمَتْ،كما فُعِلَ في ((مَرْمِيٍّ)) (5) ونحوه، فكما أنَّ الهمزةَ في هذه المواضعِ لَمَّا كان حذفُها على التَّخفيف القياسيِّ،كانت / (6) منويَّةً في المعنى،كذلك لو كان حذفُها في اسم ((الله)) تعالى على هذا الحدِّ، لَمَا لَزِمَ أنْ يكونَ مِنْ حَذْفها عِوَضٌ؛ لأنَّها في تقدير الإثبات للأدلَّة التي ذَكَرْناها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 وفي تعويضهم من هذه الهمزة ما عَوَّضوا ما يَدُلُّ على أنَّ حَذْفَهَا عندهم ليس على حدِّ القياس ك ((جَيَلٍ)) في ((جَيْأَل)) ، ونحوِ ذلك، بل يَدُلُّ العِوَضُ منها على أنَّهُم حَذَفوها حَذْفاً على غيرِ هذا الحدِّ. فإن قالَ: فما العِوَضُ الذي عُوِّضَ من هذه الهمزة (1) لَمَّا حُذِفَت على الحدِّ الذي ذَكَرْتَ، وما (2) الدلالة على كونه عِوَضاً؟ قيلَ: أما العِوَضُ منها فهو الألفُ واللاَّمُ في قولهم: الله. وأمَّا الدَّلالةُ على أنَّها عِوَضٌ فاستجازَتُهُم لقَطْعِ الهمزة الموصولة الدَّاخلةِ على لام التَّعريف في القَسَم والنِّداء وذلك قولُهُم: ((أفألله لَتَفْعَلَنَّ)) ، و ((يا ألله اغْفِرْ لي)) (3) ؛ ألا ترى أنَّها لو كانت غيرَ عِوَضٍ لم تَثْبُتْ،كما لم تَثْبُتْ في غير هذا الاسم، فلمَّا قُطِعَت هنا واسْتُجِيزَ ذلك فيها، ولم يُسْتَجَزْ في غيرها من الهَمَزَات الموصولة، علِمْنَا أنَّ ذلك لمعنًى اختَصَّتْ به ليس في غيرها. ولا شيءَ أَولى بذلك المعنى من أنْ يكونَ العِوَضَ من الحرف المحذوف الذي هو الفاء. فإن قال قائلٌ: فما أنكَرْتَ ألاَّ يكونَ ذلك المعنى العِوَضَ، وإنمَّا يكونُ كَثْرَةَ الاستعمالِ، فغُيِّرَ بهذا كما يُغَيَّرُ غيرُهُ ممَّا يَكْثُرُ في كلامهم عن حال نظائره وحَدِّه؟ قيلَ: لا يخلو من أنْ يكونَ (4) ذلك العِوَضَ،كما ذَكَرْناه، أو يكونَ كثرةَ الاستعمال، أو يكونَ لأنَّ الحرفَ ملازمٌ للاسمِ لا يفارقُهُ. فلو كان كثرةُ الاستعمال هو الذي أوجَبَ ذلك دون العِوَض، لَلَزِمَ أنْ تُقطَعَ الهمزةُ أيضاً في غير هذا ممَّا يَكْثُرُ استعمالُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 ولو كان لِلُزُومِ الحرفِ، لَوجَبَ أن تُقطَعَ هَمْزَةُ ((الذي)) للزومها، ولكثرة استعمالها أيضاً، ولَلَزِمَ قَطْعُ هذه الهمزةِ فيما كَثُرَ استعمالُهُ. وهذا فاسدٌ؛ لأنَّه قد يَكْثُرُ استعمالُ ما فيه هذه الهمزةُ فلا تُقطَعُ، فإذا كان كذلك ثَبَتَ أنَّه للعِوَض، وإذا كان للعِوَض لم يَجُزْ أنْ يكونَ حَذْفُ الهمزة من الاسم على الحدِّ القياسيِّ؛ لِمَا قَدَّمْناه؛ فلهذا حمَلَهُ سيبويه على هذا الوجه دون الوجه الآخَرِ فقال (1) : ((كأنَّ الاسمَ والله أعلمُ إلاهٌ، فلَمَّا أُدخِلَ فيه الألِفُ واللاَّمُ حَذَفُوا الألِفَ وصارت الألِفُ واللاَّمُ خَلَفاً منها، فهذا أيضاً ممَّا يُقَوِّيه (2) أنْ يكونَ بمنزلة ما هو من نَفْسِ الحرف)) . فإن قال قائلٌ: أَفَلَيسَ قد حُذِفَت الهمزةُ من ((النَّاس)) ،كما حُذِفَت من هذا الاسم حذفاً، فهل تقولُ: إنَّهَا عِوَضٌ منها،كما أنَّ الألفَ واللامَ عِوَضٌ من الهمزة المحذوفة من اسم ((الله)) - عز وجل -؟ قيلَ له: ليس الألِفُ واللامُ عِوَضاً في ((النَّاس)) كما كانا عوضاً في هذا الاسم، ولو كانا عِوضاً لَفُعِلَ بهما ما فُعِلَ بالهمزة في اسم ((الله)) لَمَّا جُعِلَت [في] الكلمة التي دخلت عليها عوضاً من الهمزة المحذوفة (3) . فإن قلتَ: أليس قد قال سيبويهِ بعد الكلام الذي ذكَرْتَهُ له: ((ومثلُ ذلك (أُنَاسٌ) ، فإذا أَدْخَلْتَ الألِفَ واللاَّمَ قُلْتَ: النَّاس)) ؟ قيلَ: إنَّه قال هذا، ومعنى قوله: ((ومثلُ ذلك أُناسٌ)) أي: مثلُهُ في حَذْفِ الهمزة منه في حال دُخُولِ الألِفِ واللاَّمِ عليه، لا أنَّه بدلٌ من المحذوف كما كان في اسم ((الله)) - عز وجل - بَدَلاً. ويُقوِّي ذلك ما أنشَدَه أبو العبَّاسِ عن أبي عثمانَ: إِنَّ المَنَايَا يَطَّلِعْنَ على الأُنَاسِ الآمِنِينَا (4) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 فلو كان عوضاً لم يكن ليجتمع مع المعوَّضِ منه. فإذا حُذِفَت الهمزةُ ممَّا لا يكونُ الألِفُ واللاَّمُ عِوَضاً منه، كان حذْفُهَا فيما يَثْبُتُ أنَّ الألفَ واللامَ عوضٌ منه أَولى وأَجْدَرَ. فتبَيَّنَ من هذا أنَّ الهمزةَ التي هي فاءٌ محذوفةٌ من هذا الاسم. فإن قال قائلٌ: فما أنكَرْتَ أنْ يكونَ قَطْعُ الهمزة في هذا الاسم في الوصل لا لشيءٍ مماَّ ذكَرْتَ من العِوَض، وكَثْرَةِ الاستعمال، ولا لِلُزُومِ الاسمِ، ولكن لشيءٍ آخَرَ غير ذلك كلِّهِ؛ وهو أنَّهَا همزةٌ مفتوحةٌ وإنْ كانت موصولةً والهمَزَاتُ الموصولةُ في أكثرِ الأمر على ضربَين: مكسورةٌ ومضمومةٌ، فلمَّا خالف هذا ما عليه الجمهورُ والكثرةَ اسْتُجيزَ في الوصل قطعُها؛ لمشابهتها بانفتاحها الهمزةَ في ((أحمر)) ونحوه من المقطوعة، فقُطِعَت لمشابهتها إيَّاها في انفتاحها لا لغير ذلك. قيلَ له: إنَّ كونَهَا مفتوحةً (1) لا يُوجِبُ في الوصل قَطْعَهَا وإنْ شابَهَتْهَا في الزِّيادة والانفتاح؛ ألا ترى أنَّ الهمزةَ في قولهم: ((ايْمُ [اللهِ] )) ، و ((ايْمُنُ الله)) همزةُ وصلٍ، وأنَّها مفتوحةٌ مثلَ المصاحِبَةِ للام التَّعريف، ولم تُقطَعْ في موضعٍ من مواضع وَصْلِها كما قُطِعَت هذه، فهذا يدلُّ على أنَّ قطعَهَا ليس لانفتاحها، ولو كان قَطْعُهَا لانفتاحها لوجبَ أن تُقطَعَ في غير هذا الموضع؛ لدُخُولِ الانفتاح، فلمَّا لم تُقطَعْ في الحرف الذي ذَكَرْنَاهُ وهو ((اَيْمُ)) و ((اَيْمُنُ)) ولم تُقطَعْ في غير هذا الاسم، علِمْنَا أنَّ الانفتاحَ ليس بعلَّةٍ مُوجِبةٍ للقطع، وإذا لم يكن ذلك ثَبَتَ ما ذَكَرْناه من العِوَضِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 فإنْ قدَّرْتَه على التَّخفيف القياسيِّ فكأنَّ الأصلَ ((الإلاه)) ، ثُمَّ خَفَّفْتَ الهمزةَ وما قبلها ساكنٌ فحذَفْتَهَا وألقَيْتَ حَرَكَتَهَا على السَّاكن، فاجتمع مِثْلان، فسَكَّنْتَ الأوَّلَ وأَدْغمْتَ. وعلى هذا التَّقدير قولُهُ - عز وجل -: {لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي} (1) إلاَّ أنَّ توجيهَ الاسم على ما ذهب إليه سيبويه القولُ؛ لِمَا ذكرْتُ لكَ. وذكَرَ أبو بكرٍ عن أبي العبَّاس أنَّ الكِسَائيَّ (2) أجازَ: {بِمَا أُنْزِلَّيْكَ} في قوله: {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} (3) فأدغَمَ اللاَّمَ الأُولى في الثَّانية، وشَبَّهَهُ بقوله: {لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي} . قال أبو العبَّاس (4) : هذا خطأٌ؛ لأنَّ ما قبلَ الهمزة من ((لكنْ أنا)) ساكنٌ، فإذا خَفَّفْتَ حَذَفْتَ فَأَلْقَيْتَ الحركةَ على السَّاكن. وما قبل الهمزةِ في {أُنْزِلَ إِلَيْكَ} متحرِّكٌ، فإذا خَفَّفْتَ لم يَجُزِ الحذفُ،كما جاز في الأَوَّلِ، لكن تجعَلُ الهمزةَ بين بين (5) ، فإذا لم يَجُزِ الحذفُ لم يَجُزِ الإدغامُ لحجز الحرفِ بين المِثْلَين. وهذا الذي قاله أبو العبَّاس ظاهرٌ بيِّنٌ. فإن قال قائلٌ: تُحذَفُ الهمزةُ حذفاً كما حُذفت من ((الناس)) . قيلَ: أماَّ الخطأُ في التَّشبيه فحاصلٌ؛ إذ شَبَّهَ بين مختلِفَين من حيثُ شَبَّهَ. أمَّا هذا الضَّرْبُ من الحذف فلا يجوزُ تسويغُهُ حتَّى يتقدَّمَهُ سماعٌ. ألا ترى أنَّه لا يجوزُ حَذْفُ الهمزةِ من ((الإباء)) و ((الإياب)) ،كما كان في ((النَّاس)) وليس كذلك الحذفُ فيما كان من الهمَزَات ما قبله ساكنٌ؛ لأنَّ حَذْفَ ذلك قياسٌ مُطَّردٌ مستمرٌّ. فإن قال قائلٌ: أفليس الهمزةُ قد حُذِفَت من قولهم: ((وَيْلِمِّهِ)) (6) ، وفي قولهم: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 ((ناسٌ)) (1) ، وفي اسم ((الله)) - عز وجل -، وكلُّ ذلك قد حكاه سيبويه (2) ، وذهَبَ إلى حذْفِ الهمزة فيه، فما أنكَرْتَ أنْ يكونَ حَذْفُ الهمزة المبتدَأَةِ كثيراً يجوزُ القياسُ عليه، ورَدُّ غيره إليه. وقد ذهب الخليلُ (3) إلى حذفِ الهمزةِ من ((أنْ)) في قولهم: لَنْ يَفْعَلَ، وقال: هو ((لاَ أَنْ)) ؟ قيلَ له: ليست هذه الحروفُ من الكثرة والسَّعةِ بحيث يُقاسُ غيرُها عليها، إنمَّا هي حروفٌ كَثُرَ استعمالُها فحُذِفَ بعضُها، وعُوِّضَ من حَذْفِهِ. وليست الهمزةُ في الآية إذا حُذِفَتْ عند الكِسَائيِّ بمعُوَّضٍ منها شيءٌ، بل يُحذَفُ معها غيرُها من الكلام للإدغام، والقياسُ / على هذه الحروفِ لا يُوجِبُ حَذْفَها؛ إذ لا عِوَضَ منها،كما حُذِفَت من هذه الحروف لماَّ عُوِّضَ منها. فإن قلتَ: فإنَّ [في] قولهم: ((وَيْلِمِّهِ)) حَذْفٌ، ولم يُعوَّضْ منه شيءٌ؟ فإنَّ القياسَ على هذا الفَذِّ (4) الشَّاذِّ غيرُ سائغٍ، ولاسيَّما إذا كان المقيسُ عليه فيه معنًى أوجَبَهُ شيءٌ ليس في المقيس مثلُهُ؛ وهو كثرةُ الاستعمال. ألا ترى أنَّكَ تقولُ: لا أدْرِ، ولم أُبَلْ (5) فتَحْذِفُ لكثرَةِ الاستعمال، ولا تقيسُ عليه غيرَهُ إذا كان متعرِّياً من المعنى الموجِبِ في هذا الحذفَ. وكذلك لا تقيسُ على ((وَيْلِمِّهِ)) ما في الآية من حذْفِ الهمزة؛ إذ لا يخلو الحذفُ فيها من أنْ يكونَ لكثرة الاستعمال كما ذَكَرْنَا، أو لأنَّهَا همزةٌ مبتدَأَةٌ، فلو كان الحذْفُ لأنَّها همزةٌ مبتَدَأَةٌ لوجَبَ حذْفُ كلِّ همزةٍ مبتَدَأَةٍ، وذلك ظاهرُ الفساد. فثَبَتَ أنَّه كما ذَكَرْناه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 ويَفْسُدُ حَذْفُ هذه الهمزة من جهةٍ أخرى؛ وهي أنَّهُ إذا سَاغَ الحذفُ في بعض الأسماء أو الأفعال لكَثْرَةِ الاستعمال أو الاستثقال، أو ضَرْبٍ من الضُّروب،لم يَجُزْ حَذْفُ الحروف قياساً عليها؛ لأنَّها قَبيلٌ غيرُها ونوعٌ سواها، فحُكمُهُ في الحذف غيرُ حُكمها؛ ألا ترى أنَّ الحذفَ لم يجئ في شيءٍ من الحروف إلاَّ في بعض ما كان مضاعَفاً نحو: ((رُبَّ)) و ((إنَّ)) و ((كأنَّ)) ، ولم يجئ في كل ذلك، لم نعلَمْهُم حذفوا مِن ((ثمَّ)) ولا ((لعلَّ)) ، وليس ((إلى)) بمضاعَفٍ فيجوزُ ذلك فيه (1) . ولهذا ذهب أهلُ النَّظَرِ في العربيَّةِ (2) إلى تغليب معنى الاسم على ((مُذْ)) لِمَكان الحذْفِ، وتغليبِ معنى الحرف على ((مُنْذُ)) لتمامها، فلو جاء الحذفُ في الأسماء في نحو ذا لم يَجُزِ الحذفُ من الحروف قياساً عليها؛ لقلَّةِ الحذفِ من الحروف. ولم نَعْلَمِ الحروفَ حُذِفَ منها شيءٌ إلاَّ ما ذَكَرْنَاه، والألِفَ من ((ها)) التي للتَّنبيه في قولهم: ((هَلُمَّ)) (3) ، وذلك لكَثْرَةِ استعماله، وبنائِهِ مع غيره. وليس في الحرْفِ الذي في الآية شيءٌ من ذلك، فتجويزُ هذا فاسِدٌ في العربيَّةِ وقياسِهَا لِمَا ذَكَرْناه. فأمَّا ما ذهب إليه الخليلُ في ((لَنْ)) ، فلم يَتْبَعْهُ في ذلك سيبويهِ (4) ، ولا أحدٌ ممَّن رواهُ من أصحابِهِ، وذهبوا كلُّهُم إلى فسادِهِ (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 ويَفْسُدُ قياسُ حَذْفِ الهمزة من ((إلى)) على التي في ((وَيْلِمِّهِ)) ، وعلى الألف في ((هَلُمَّ)) من جهةٍ أخرى وهي: أنَّ هذَين الحرفَين لَمَّا ضُمَّا إلى الاسمين غيرهما، وكَثُرَ استعمالُهُما، صارا كالكلمة الواحدة المتَّصلة من أجل اللُّزُوم، والحذْفُ وسائرُ حروفِ التَّغيير والاعتلالِ إلى المتَّصلِ أسْرَعُ (1) ، وفيه أوْجَدُ منه إلى المنفصل. فالحذفُ في هذَين الحرفَين يَسُوغُ ما لا يَسُوغُ في غيرهما؛ لِمَا ذَكَرْنَاه من شِدَّة الاتِّصال. ويدلُّكَ على شدَّةِ اتِّصَالهما: أنَّهُم اشتقُّوا منهما وهما مُرَكَّبَان،كما يُشتَقُّ من المفرَدَين؛ قال أبو زيدٍ (2) : يُقالُ: ((هو رَجُلٌ ويْلِمَّةٌ)) ، والوَيْلِمَّةُ من الرِّجال: الدَّاهيةُ. وقال الأصمعيُّ (3) : إذا قال لكَ: هَلُمَّ، فقُلْ: لا أَهَلُمُّ. فهذا يدلُّ على إجرائهم الكلمتَين في الموضعَين مُجْرَى المفرَد، فاشْتُقَّ منهما كما اشْتُقَّ من المفرَد، فعلى حسَبِ هذا حسُنَ الحذْفُ منهما،كما يُحْذَفُ من الكَلِمِ المفرَدة. والمفرَدُ والمتَّصِلُ وما جرى مَجْراهما يكونُ فيهما من الحذْفِ ما لا يكونُ في غيرهما من المنفصل في جميع أبواب العربيَّة، ألا ترى أنَّكَ تُدغِمُ مثل: مَدَّ وفَرَّ، وما أشْبَهَ ذلك، لا يكونُ فيه غيرُ الإدغام (4) ، وأنتَ في ((جَعَل لَّكَ)) و ((فَعَل لَّبيدٌ)) (5) ونحوِ ذلك مخيَّرٌ بين الإدغام والبَيَان، فكذلك ما في الآية، يمتنعُ الحذفُ من الحرف فيه لأنَّه منْفَصِلٌ. فهذه جهةٌ أخرى يمتنعُ لها الحذفُ من الحرفِ ويَضْعُفُ. فأمَّا مثلُ: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الجَبَلِ} (6) ، و {انْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ} (7) / و {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} (8) . فحَذْفُهُ مُطَّرِدٌ قياسيٌّ، وليس من هذا الباب. فهذا شيءٌ عَرَضَ في هذه المسألة مما يتَعَلَّقُ بها، ثمَّ نعودُ إليها: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 فأماَّ القولُ الآخَر الذي قاله سيبويهِ في اسم ((الله)) تعالى، فهو أنَّ الاسمَ أصلُهُ ((لاهٌ)) ، وَزْنُهُ على هذا (فَعَلٌ) ، اللاَّمُ فاءُ الفعل، والألفُ منقلبةٌ عن الحرف الَّذي هو عينٌ، والهاءُ لامٌ. والذي دلَّهُ على ذلك أنَّ بعضَهم يقول: ((لَهْيَ أبوكَ)) ، قال سيبويه (1) : ((فقَلَبَ العينَ وجعلَ اللامَ ساكنةً؛ إذْ صارت مكانَ العَين،كما كانت العينُ ساكنةً، وتركوا آخِرَ الاسم مفتوحاً،كما تركوا آخِرَ ((أَيْنَ)) مفتوحاً. وإنمَّا فعلوا ذلك به حيث غيَّروه لكَثْرَتِهِ في كلامهم، فغَيَّرُوا إعرابَهُ كما غَيَّرُوهُ)) . فالألفُ على هذا القول في الاسم منقلبةٌ عن الياء (2) ؛ لظهورها في موضع اللاَّمِ المقلوبةِ إلى موضع العَين، وهي في الوجه الأوَّلِ زائدةٌ ل (فِعَالٍ) ، غيرُ منقلبةٍ عن شيءٍ، واللَّفْظَتان على هذا مختلفتان، وإنْ كان في كلِّ واحدةٍ منهما بعضُ حروف الأخرى. وذَكَرَ أبو العبَّاس هذه المسألةَ في كتابه المترجَم ب ((الغَلَط)) ، فقال (3) : ((قال سيبويه فيه: إنَّ تقديره (فِعَالٌ) لأنَّه ((إِلاَهٌ)) ، والألفُ واللاَّمُ في ((الله)) بدلٌ من الهمزة، فلذلك لَزِمَتَا الاسمَ مثل: ((أُناس)) و ((النَّاس)) ، ثمَّ قال: إنَّهم يقولون: ((لَهْيَ أبوكَ)) في معنى: للهِ أبوكَ، فقال: يُقَدِّمون اللاَّمَ، ويؤخِّرُونَ العينَ)) . قال أبو العبَّاس (4) : ((وهذا نقضُ ذلك؛ لأنَّه قال أوَّلاً: إنَّ الألفَ زائدةٌ؛ لأنَّها ألفُ (فِعَال) ، ثمَّ ذَكَرَ ثانيةً أنَّها عينُ الفعل)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 قال أبو عليٍّ: وهذا الذي ذَكَرَهُ أبو العبَّاس من أنَّ هذا القولَ نَقْضٌ مغالَطةٌ، وإنمَّا كان يكونُ نَقْضاً لو قال في حرفٍ واحدٍ من كلمةٍ واحدةٍ وتقديرٍ واحدٍ: إنَّه زيادةٌ، ثمَّ قال فيها نفسِها: إنَّها أصلٌ، فهذا لو قاله في كلمةٍ بهذه الصِّفة لكان لا محالةَ فاسداً، كما أنَّ قائلاً لو قال: إنَّ التَّاءَ في ((تَرْتُب)) (1) زائدةٌ، ثمَّ قال: إنَّها في ((تَرْتُبَ)) أصلٌ، والكلمةُ لمعنًى واحدٍ من حروفٍ بأعيانها في الكلمة الأُولى، لكان فاسداً منتَقِضاً؛ لأنَّه جعلَ حرفاً واحداً من كلمةٍ واحدةٍ زائداً أصلاً، وهاتان حالتان يتنافى اجتماعُهُما في حرفٍ واحدٍ من كلمةٍ واحدةٍ في تقديرٍ واحدٍ. فلا يستقيمُ لذلك أنْ يُحكَمَ بهما عليه. فأمَّا إذا قَدَّرَ الكلمةَ مُشْتَقةً من أصلَين مختلفَين، لم يمتنع أن يُحكَمَ بحرفٍ فيه أنَّهُ أصلٌ، ويُحكَمَ على ذلك الحرفِ أنَّهُ زائدٌ؛ لأنَّ التَّقديرَ فيهما مختلفٌ وإنْ كان اللَّفظُ فيهما متَّفقاً؛ ألا ترى أنَّكَ تقولُ: مَصِيرٌ ومُصْرَانٌ ومَصَارِينُ، و ((مَصِيرٌ)) مِن صَارَ يَصِيرُ، فتكونُ الياءُ من الأُولى زائدةً (2) ، ومن الثَّانية أصلاً، فلا يمتنعُ لاتِّفاقِهِما في اللَّفظ من أنْ يُحْكَمَ على هذا بالزِّيادة، وعلى هذا بأنَّه أصلٌ (3) . وكذلك ((مَسِيلٌ)) إن أخذْتَهُ مِن سَالَ يَسِيلُ [كان مَفْعِلاً] (4) ، و ((مَسِيلٌ)) إنْ أخَذْتَه مِن مَسَلَ (5) كان (فَعِيلاً) . وكذلك مَوْأَلَةٌ إنْ جعَلْتَهُ (مَفْعَلَة) (6) مِن وَأَلَ، وإنْ جَعَلْتَه مِن قولهم: ((رَجُلٌ مَأْلٌ وامرأةٌ مَأْلَةٌ)) (7) ،كان (فَوْعَلَة) وكذلك ((أُثْفِيَّةٌ)) ، إنْ أخَذْتَه من قولهم: ((هو يَثْفُوهُ)) (8) ، و ((أُثْفِيَّةٌ)) إن أخَذْتَه مِن تَأثَّفْنَا بالمكان (9) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 وكذلك ((أرْوَى)) (1) إن نوَّنْتَهُ جاز أنْ يكون (أَفْعَل) مثل ((أفْكَل)) (2) ، وأن يكون (فَعْلَى) مثل ((أرْطى)) (3) ، فإنْ لم تنوِّنْهُ كان (فَعْلَى) والألفُ فيه مثلُ ألفِ حُبْلَى (4) . وكذلك ((أُرْبِيَّةٌ)) لأصل الفَخِذِ (5) ، إن أخذْتَهُ من الأَرَبِ الذي هو التَّوَفُّرُ من قولكَ: أَرَّبْتُ الشَّيءَ إذا وَفَّرْتَهُ وقولِهم: ((فلانٌ أريبٌ)) / أرادوا أنَّه ذو توفُّرٍ وكمالٍ، (لأنَّه عضوٌ له من التَّوفُّر والكمال ما ليس لغيره) (6) ، وإنْ أخذْتَهُ من رَبَا يرْبُو إذا ارتَفَعَ؛ لأنَّهُ عُضْوٌ مرتفعٌ في القَصَبَة والخِلْقة، فاللَّفظتان متَّفقتان، والمعنيان مختلفان. وهذا كثيرٌ جداً، تتَّفِقُ الألفاظُ فيه، وتختلفُ المعاني والتَّقديرُ. فكذلك هذا الاسم الذي نقولُ: ((لَهْيَ)) ، عند سيبويه يُقدِّرُهُ مقلوباً من (لاهٍ) . و (لاهٌ) على هذا الألفُ فيه عينُ الفعل (7) غير التي في ((الله)) إذا قدَّرْتَه محذوفاً منه الهمزة التي هي فاءُ الفعل، فحُكِمَ بزيادة الألف من غير الموضع الذي حُكِم فيه بأنَّهَا أصلٌ، وبأنَّها أصلٌ من غير الموضع الذي حُكِمَ فيه بأنَّهَا زائدةٌ، فإذا كان كذلك سَلِمَ قولُهُ من النَّقض، ولم يكُنْ فيه دَخَلٌ (8) . فإن قال قائلٌ: ما تُنكِرُ أنْ يكونَ ((لاهٌ)) في قول مَن قال: ((لَهْيَ أبوكَ)) هو أيضاً من قولكَ: ((إلاهٌ)) ، ولا يكونُ كما قدَّره سيبويهِ من أنَّ العينَ ياءٌ؛ لكن تكونُ الياء (9) في ((لَهْيَ)) منقلبةً عن الألِفِ الزَّائدَةِ في ((إلاهٍ)) ؟ قيلَ: الذي يمتنعُ له ذلك ويَبعُدُ أنَّ الياءَ لا تنقلِبُ عن الألِفِ الزَّائدةِ على هذا الحدِّ، إنمَّا تنقلِبُ (10) واواً في ((ضَوَاربَ)) ، وهمزةً في ((كنائنَ)) ، وياءً في ((دنانير)) ، فأمَّا أنْ تنقلِبَ ياءً على هذا الحدِّ فبعيدٌ،لم يجئْ في شيءٍ عَلِمْنَاه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 فإن قلتَ: فقد قالوا: زَبَانيٌّ (1) وطائيٌّ، فأبدلوا الألفَ من ياءَين زائدَتَين، فكذلك تُبدَلُ الياءُ من الألِفِ الزَّائدةِ في ((لَهْيَ)) . فالجوابُ: أنَّ إبدالَهُم الألِفَ من الياء في ((زَبَانيّ)) ليس بإبدالِ ياءٍ من الألفِ، فيَجُوزُ عليه ((لَهْيَ)) ، ومَن أبدلَ الياءَ من الألِف في نحو قوله: لَنَضْرِبَنْ بِسَيْفِنَا قَفَيْكَا (2) لم ينبغ لكَ أن تُجيزَ هذا قياساً عليه؛ لأنَّ ذلك لغةٌ ليست بالكثيرة؛ ولأنَّ ما قبل المبدَلِ قد اختَلَفَ (3) . ألا ترى أنَّ العينَ في ((قَفَيكا)) متحرِّكةٌ، وما قبلَ الياء في ((لَهْيَ)) ساكنٌ. ومماَّ يُبعِدُ ذلك أنَّ القلبَ ضَرْبٌ من التَّصريف تُردُّ فيه الأشياءُ إلى أصولها. ألا ترى أنَّكَ لا تكادُ تجدُ مقلوباً محذوفاً منه، بل قد يُرَدُّ منه في بعض المقلوب ما كان محذوفاً قبلَ القلب كقولهم: ((هارٍ)) (4) ، وذلك لأنَّهُ لَمَّا أُزِيلَتْ حُرُوفُ الكلمة فيها عن نَظْمها ونَضْدِها كما فُعِلَ ذلكَ بالتَّكسير والتَّصغير أشبَهَهُمَا. فإذا أشبَهَهُمَا من أجل ما ذَكَرْنا (5) ، وجَبَ رَدُّ المحذوفِ إليه من أجل هذا الشَّبَه،كما رُدَّ إليهما. فلهذه المضارَعَةِ التي في القلْب بالتَّحْقير والتَّكسيرِ تَرَجَّحَ عندنا قَولُ مَنْ قال في ((أَيْنُقٍ)) : إنَّهَا (أعْفُل) ، قُلِبَتْ العينُ فيها فاءً (6) على غير قياسٍ على قولِ مَنْ قالَ: إنَّهَا (أيْفُل) وذهب إلى الحذفِ وتعويضِ الياء منها (7) . ويُقَوِّي الوجهَ الأوَّلَ ثَبَاتُهُ في التَّكسير في قولهم: أَيَانِق. أنشَد أبو زيدٍ (8) : لَقَدْ تَعَلَّلْتُ عَلَى أَيَانِقِ صُهْبٍ قَلِيلاَتِ الْقُرَادِ اللاَّزِقِ فإن قلتَ: فإذا كان الاسمُ على هذا التَّقدير (فَعَلاً) بدلالة انقلاب العين ألفاً، فهَلاَّ كان في القلب أيضاً على زِنَتِهِ قبل القلب؟ (9) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 قيلَ: إنَّ المقلوبَ قد جاء في غير هذا الموضع على غير زِنَةِ المقلوب عنه. ألا ترى أنَّهُم قالوا: ((له جاهٌ عند السُّلطان)) ، فجاء على (عَفَلٍ) (1) ، وهو مقلوبٌ عن ((الوجه)) ، فهذا وإنْ كان عكسَ ما ذَكَرْناه من القلب الذي ذهب إليه سيبويه في الاسم في الزِّنَةِ، فإنَّه مثلُهُ في اختصاص المقلوب ببناءٍ غيرِ بناء المقلوب عنه، وهذا يؤكِّدُ ما ذكَرْناه من مشابهة القلب بالتَّحقير / والتَّكسير. ألا ترى أنَّ البناءَين اختَلَفَا،كما اختَلَفَ التَّحقيرُ والتَّكسيرُ. ومثلُ ذلك قولُهُم: فُوْقٌ وفُقًا (2) ، قال: وَنَبْلِي وَفُقَاهَا كَ عَرَاقِيبِ قَطًا طُحْلِ (3) ومثلُ ذلك في البناء دون القلب: نُوْيٌ ونُؤْيٌ. فأمَّا بناءُ الاسم فلأنَّه تَضَمَّنَ معنى لامِ المعرفة كما تَضَمَّنَها ((أمسِ)) ، فبُني كما بُني، ولم يُجعَل في القلب على حدِّ ما كان قبل القلب، فكما اختلَفَ البناءان،كذلك اختلف الحذفان، فكان في القلب على حدِّه في ((أمسِ)) دون ((سَحَر)) ، وقبلَ القلبِ على حدِّ الحذف من اللَّفْظِ للتَّخفيف لاجتماع الأمثال وتقديرِ الثَّبات في اللَّفظ، نحو: {تَذَكَّرُوْنَ} (4) في مَن خَفَّف، و ((يَسْطِيع)) وما أشبه ذلك. وحَكَى أبو بكرِ بنُ السَّرَّاج أنَّ أبا العبَّاس اختارَ في هذا الاسم أنْ يكونَ أصلُهُ: ((لاهاً)) ، وأنْ يكونَ ((لَهْيَ)) مقلوباً، وأنَّ القولَ الآخَرَ الذي لسيبويه فيه من أنَّه من قولهم: ((إلاهٌ)) (5) ، وتشبيهَ سيبويه إياه ب ((أُناس)) ليس كذلك، وذلك أنَّهُ يقال: أُنَاسٌ والأُناسُ (6) ، فإذا أدخَلَ الألِفَ واللاَّمَ ثبَتَت الهمزةُ. قال: وأنشَدَني أبو عثمانَ المازنيُّ: إِنَّ الْمَنَايَا يَطَّلِعْنَ على الأُنَاسِ الآمِنِيْنَا (7) فكذلك ثبَتَت الهمزةُ في ((الإلاه)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 قال أبو عليٍّ: وقد قدَّمْتُ في هذا الفصل (1) ما يُستَغنَى به عن الإعادة في هذا الموضع، وصحَّةَ ما ذهب إليه سيبويه من حَذْفِ الهمزة التي هي فاءٌ، وكونَ الألِفِ واللاَّمِ عِوَضاً منها؛ ألاَ ترى أنَّكَ إذا أثْبَتَّ الهمزةَ في ((الإلاه)) ولم تحذِفْ، لم تكن الألفُ واللاَّمُ فيه على حدِّها في قولنا: ((الله)) ؛ لأنَّ قَطْعَ همزةِ الوصل لا يجوزُ في ((الإلاه)) كما جاز في قولنا: ((الله)) ؛ لأنَّهُمَا ليسا بعِوَضٍ من شيءٍ، كما أنَّها في اسم ((الله)) تعالى عِوَضٌ بالأدلَّة التي أَرَينا. فأمَّا قولُهُم: ((لاهِ أبوكَ)) فقال سيبويه (2) : ((حذفوا إحدى اللاَّمَين من قولهم: ((لاهِ أبوكَ)) ، حَذَفوا لامَ الإضافة أو اللاَّمَ الأخرى)) (3) . وذَكَرَ أبو بكرِ بنُ السَّرَّاج عن أبي العبَّاس أنَّه قال: ((إنَّ بعضَهم قال: إنَّ المحذوفَ من اللاَّمَين الزَّائِدَةُ، وقال آخَرون: المحذوفُ الأصلُ، والمُبَقَّى الزَّائِدُ خلافَ قولِ سيبويه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 قال: فمِن حُجَّتَهِم أنْ يقولوا: إنَّ الزَّائِدَ جاء لمعنًى، فهو أَولى بأنْ يُترَكَ فلا يُحذَفَ؛ إذ الزَّائِدُ لمعنًى إذا حُذِفَ زالت بحذْفِهِ دلالتُهُ التي جاء لها، وقد رأيناهم يحذفون من نفس الكلمة في قولهم: لَم يَكُ، ولا أَدْرِ، ولم أُبَلْ (1) ؛ إذا كان الذي أُبقِيَ يدلُّ على ما أُلغِيَ، فكذلك يكونُ المحذوفُ من هذا الاسم ما هو من نَفْسِ الحرف، ويكونُ المبَقَّى الزَّائِدَ وأيضاً فما يُحذَفُ من هذه المكرَّراتِ إنمَّا يُحذَفُ للاستثقال، وإنمَّا يقعُ الاستثقالُ فيما يتكرَّر لا في المبدوءِ به الأَوَّلِ فالأَولى أنْ يُحذَفَ الذي به وقَعَ الاستثقالُ، وهو الفاءُ وحرفُ التَّعريف. ألا ترى أنَّهُم يُبدِلونَ الثَّانيَ مِن نحو: ((تَقَضَّيتُ)) ونحوِهِ، و ((آدَمَ)) وشبهِهِ، وكذلك حُذِفَتِ النُّونُ التي تكونُ مع علامةِ المتكلِّم المنصوبِ (2) من ((كأنِّي)) لَمَّا وقَعَت بعد النُّونِ الثَّقيلةِ. وأيضاً فإنَّ الحرفَين إذا تكرَّرا فكان أحدُهما لمعنًى، وكان الآخَرُ من كلمةٍ، حُذِفَ الذي من الكلمة، وتُرِكَ الذي جاء لمعنًى وذلك نحو: ((تكَلَّمُ)) ، فالمحذوفُ تاءُ (تَفَعَّلُ) لا التَّاءُ التي فيها دليلُ المضارَعَةِ، وكذلك يكون قولُهُم: ((لاهِ أبوكَ)) . انتهت الحكايةُ عن أبي العباس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 قال أبو عليٍّ: والجوابُ عن الفصل الأوَّل: أنَّ حرفَ المعنى قد حُذِفَ حذفاً مُطَّرِداً (1) في نحو قولهم: ((واللهِ أفعلُ)) إذا أرَدْتَ: واللهِ لا أفعلُ، وحُذِفَ أيضاً في قولهم: ((لأَضْرِبَنَّهُ ذَهَبَ أو مَكَثَ)) ، وحُذِفَ أيضاً في قول كَثيرٍ من النَّحْويِّين [من] نحو: هذا زيدٌ قَامَ، تريدُ: قد قام (2) /، و {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} (3) . وليس في هذه الضُّرُوب المطَّرِدةِ الحذفِ دلالةٌ تدلُّ عليها من اللَّفظ. فإذا ساغ هذا فحذفُ الذي يبقى في اللَّفظ دلالةٌ عليه منه أَسْوَغُ. وقد حُذفت همزة الاستفهام في نحو قول عِمرانَ بنِ حِطَّانَ (4) : فَأَصْبَحْتُ فِيهِم آمِناً لاَ كَمَعْشَرٍ أَتَونِي فَقَالُوا مِنْ رَبِيْعَةَ أَو مُضَرْ وأبياتٍ أُخَر (5) . وحُذِفَت اللاَّمُ الجازمةُ في نحو قولِ الشَّاعر (6) : مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ إِذَا مَا خِفْتَ مِنْ قَومٍ تَبَالاَ وأنشَد أبو زيدٍ (7) : فَتُضْحِي صَرِيْعاً مَا تَقُومُ لِحَاجِةٍ وَلاَ تُسْمِعُ الدَّاعِي وَيُسْمِعْكَ مَنْ دَعَا وأنشَدَ البغداديُّونَ (8) : وَلاَ تَسْتَطِلْ مِنِّي بَقَائِي وَمُدَّتِي وَلَكِنْ يَكُنْ لِلْخَيرِ مِنْكَ نَصِيْبُ وأنشَدوا (9) : فَقُلْتُ ادْعِي وَأَدْعُ فإِنَّ أَنْدَى لَصَوتٍ أَنْ يُنَادِيَ دَاعِيَانِ وقال الكِسَائيُّ في قولِهِ تعالى: {قُلْ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا يَغْفِرُوا} (10) إنماَّ هو لِيَغْفِرُوا (11) ، فحَذَفَ اللاَّمَ. وقياسُ قوله هذا عندي أنْ تكونَ اللاَّمُ محذوفةً من هذا القَبِيْلِ، نحو قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِيْنَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاَةَ} (12) ، وقالوا: ((اللهِ لأفعَلَنَّ)) (13) . وحُذِفَ الحرفُ في ما كان من نحو: ((ما كان لِيَفْعَلَ)) ، ومع الفاء والواو وأو وحتَّى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 فإذا حُذفَ في هذه الأشياء لم يمتنعْ حذفُهُ في هذا المواضعِ أيضاً؛ لأنَّ الدلالةَ علىحذفه قائمةٌ. ألا ترى أنَّ انجِرَارَ الاسمِ يدلُّ عليه،كما أنَّ انتصابَ الفعل في المواضع التي ذكَرْنا يدلُّ عليه. فالحذفُ في هذا الحرفِ الزَّائدِ كالحذف في الحروف الأصليَّة؛ إذ الدلالةُ قائمةٌ على حَذْفِهِ،كالدَّلالة على الحذْفِ من الأصل نحو: ((لم أُبَلْ)) وأَبْلَغُ؛ لأنَّ الجرَّ في الاسم يدلُّ على الجارِّ المحذوفِ، وقد حُذِفَ الحرفُ الزَّائِدُ كما حُذِفَ الأصل نحو: إنِّي ولعلِّي، وكحَذْفِهِم التَّاءَ من ((استطاع)) (1) . وكذلك يَسُوغُ حَذْفُ هذا الزَّائدِ الجارِّ. وقد حذفوا الجارَّ أيضاً في قولهم: ((مَرَرْتُ برَجُلٍ إنْ صالِحٍ وإنْ طالِحٍ)) (2) . فليس في شيءٍ ذَكَروهُ في الفصل الأوَّلِ ما يمتنعُ له حَذْفُ الحرفِ من قولهم: ((لاهِ أبوكَ)) . وأمَّا ما ذَكَروه في الفصل الثَّاني من أنَّ الحذفَ إنما يكونُ فيما يتكرَّرُ من الحروفِ؛ لأنَّ الاستثقالَ به يكونُ، فقد حُذِفَ الأوَّلُ من الحروف المتكرِّرَة، كما حُذِفَ الثَّاني منها، وذلك قولُهُم: ظَلْتُ ومَسْتُ (3) ونحو ذلك. فإن قلتَ: فما الدَّليلُ على أنَّ المحذوفَ الأوَّلُ، وما يُنكِرُ أنْ يكونَ الثَّانيَ؟ فالدَّليلُ على أنَّهُ الأوَّلُ قولُ مَن قال في ((ظَلِلْتُ)) : ظِلْتُ، وفي ((مَسِسْتُ)) : مِسْتُ (4) ، فأَلْقَى حركةَ العينِ المحذوفةِ على الفاءِ،كما ألقاها عليها في ((خِفْتُ)) و ((هِبْتُ)) و ((طُلْتُ)) (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 ويدلُّ أيضاً سُكُونُ الحرف قبلَ الضَّمير في ((ظِلْتُ)) و ((طُلْتُ)) ،كما سُكِّنَ في ((ضَرَبْتُ)) . ولو كان المحذوفُ اللاَّمَ دون العين لَتَحَرَّكَ ما قبلَ الضَّمير، ولم يُسَكَّن (1) . فقد دلَّكَ هذا على أنَّ المحذوفَ الأَوَّلُ لا المتكرِّرُ. وقالوا: ((عَلْمَاءِ بنو فلان)) (2) ، يريدونَ: على الماء، و ((بَلْحَارث)) (3) ، فحذفوا الأوَّلَ. وأماَّ ما ذَكَرُوه في الفصل الثَّالث: من أنَّ التَّخفيفَ والقلبَ يَلْحَقُ الثَّانيَ من المكرَّرِ دون الأوَّلِ، فقد يَلْحَقُ الأوَّلَ من المكرَّر (4) ،كما يلحقُ الثَّانيَ وذلك قولُهُم: دينارٌ وقِيراطٌ ودِيوانٌ ونحو ذلك؛ ألا ترى أنَّ القَلْبَ لَحِقَ الأوَّلَ كما لَحِقَ الثَّانيَ في ((تَقَضَّيْتُ)) و ((أَمْلَيْتُ)) ونحوِ ذلك، وقد خُفِّفَت الهمزةُ الأُولى كما خُفِّفَت الثَّانيةُ في نحو: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} (5) ونحو ذلك. وأمَّا ما ذَكَرُوه من قولهم: ((كَأَنِّي)) ، فقد حُذِفَ غيرُ الآخِر من الأمثال إذا اجتمعت / نحو قولِهِم: ((إنَّا نَفعلُ)) فالمحذوفُ ينبغي أنْ يكونَ الأوسطَ دون الآخِرِ. ألا ترى أنَّ النُّونَ الثَّانيةَ قد حُذِفَتْ من ((أنَّ)) في نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} (6) . والنُّونُ من ((فَعَلْنَا)) لم تُحْذَفْ في موضعٍ، فلذلك جَعَلْنَا المحذوفةَ الوسْطَى (7) . وعَمِلَتِ المخفَّفَةُ في المضمَرِ على حدِّ ما عَمِلَت في المظهَر (8) في نحو: إنْ زيداً منطلقٌ ولَمُنْطَلِقٌ، وقد أجازه سيبويه (9) ، وزعم أنها قراءةٌ. وقد يجيء على قياسِ ما أجازَهُ في الظَّاهر هذا البيتُ الذي أنشَدَهُ البغداديُّون (10) : فَلَوْ أَنْكِ في يَومِ اللِّقَاءِ سَأَلْتِنِي فِرَاقَكِ لَمْ أَبْخَلْ وَأَنْتِ صَدِيقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 إلاَّ أنَّ هذا القياسَ إنْ رُفِضَ كان وجهاً؛ لأنَّ ما يُحذَفُ مع المظهَرِ أو يُبدَلُ إذا وُصِلَ بالمضمَرِ رُدَّ إلى الأصل ألا ترى أنَّهُم يقولونَ: ((مِن لَدُ الصَّلاة (1)) ) ، فإذا وَصَلوا بالمضمَرِ قالوا: ((مِن لَدُنْهُ)) ، و ((مِن لَدُنِّي)) وقالوا: ((واللهِ لأفعلنَّ)) ، فلما وُصِلَ بالمضمَرِ قالوا: ((به لأفعلنَّ)) (2) . ويذهب سيبويه إلى أنَّ ((أنَّ)) المفتوحَةَ إذا خُفِّفَت أُضمِرَ معها القِصَّةُ والحديثُ، ولم يَظهَرْ في موضِعٍ (3) . فلو كان اتِّصالُ الضَّمير بها مخفَّفَةً سائغاً لكان خليقاً أنْ يتَّصِلَ بالمفتوحةِ مخفَّفةً. وقالوا: ذيَّا وتيَّا في تحقير ((ذا)) و ((تا)) . فاجتمعوا على حذْفِ الأوَّل من الأمثال الثَّلاثة. فليس في هذا الفصل أيضاً شيءٌ يمنعُ جوازَ قولِ سيبويه. وما قالوه من الحذف في ((تَكَلَّمُ)) و ((تَذَكَّرُ)) فإنمَّا كان الحذْفُ في الثَّاني دون الأوَّل؛ لأنَّهُ الذي يعتلُّ بالإدغام في نحو: ((تَذَكَّرُ)) ، ولأنَّه لو حُذِفَ حرفُ المضارَعَة لوَجَبَ إدخالُ ألفِ الوصلِ في ضَرْبٍ من المضارع نحو: تَذَّكَّرُ ودُخُولُ ألفِ الوصلِ لا مسَاغَ له هنا، كما لا يدخُلُ على أسماء الفاعلِين والمفعولِين، ولأنَّ حذفَ الجارِّ أقوى من حذْفِ حرفِ المضارَعَة؛ للدَّلالة عليه بالجرِّ الظَّاهرِ في اللَّفظ. فلهذا حُذِفَ الثَّاني في هذا النَّحو دون حرفِ المضارَعَة (لا لأنَّ الحذفَ غيرُ سائغٍ في الأوَّل ممَّا يتكرَّرُ) (4) ، لأنَّكَ قد رأيتَ مساغ الحذف في الأوَّلِ في هذه المتكرِّرَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 فليس في شيءٍ ممَّا احتجُّوا به في أنَّ المحذوفَ الآخِرُ دون الأوَّلِ حُجَّةٌ. ويَثبُتُ قولُ سيبويه في أنَّ المحذوفَ الأوَّلُ (1) بدلالةٍ وهي أنَّ اللاَّمَ منفتحةٌ، ولو كانت اللاَّمُ في الكلمة لامَ الجرِّ لوَجَبَ أنْ تَنْكَسِرَ؛ لأنَّ الاسمَ مُظهَرٌ، وهذه اللاَّمُ تُكسَرُ مع المظهَرَة في الأمر الأكثرِ، فكما لا يجوزُ لِتَحُرُّكِ اللاَّمِ أنْ يُقَالَ: إنَّها لامُ التَّعريف؛ لأنَّ تلك ساكنةٌ، كذلك لا يجوز لِتَحَرُّكِهَا بالفتح أن يُقَالَ: إنَّها الجارَّةُ؛ لأنَّ تلك تُكسَرُ مع المظهَر ولا تُفتَحُ (2) . فإن قلتَ: فقد فُتِحَت في قولهم: يَا لَبَكْرٍ ... ... ... ... (3) ونحوِهِ، فما يُنكِرُ أنْ تكونَ مفتوحةً في هذا الموضع أيضاً؟ فالجوابُ: أنَّ ذلك لا يجوزُ هنا من حيث جاز في قولهم: ((يا لَبَكْرٍ)) ، وإنمَّا جاز فيه لأنَّ الاسمَ في النِّداء واقعٌ موقعَ المضمَر، ولذلك بُنِيَ المفرَدُ المعرفةُ فيه، فكما جاز بناؤُهُ، جاز انفتاحُ اللاَّمِ معه. فإن قلتَ: تكونُ اللاَّمُ الجارَّةُ هنا مفتوحةً لمجاوَرَتها الألِفَ؛ لأنَّهَا لو كُسِرَت كما تُكسَرُ مع سائر المظهَرِ، انقلب الحرفُ الذي بعدها. قيل: هذا القولُ لا يستقيمُ لقائله أنْ يقولَهُ؛ لِحُكْمِهِ فيما يُتَنَازَعُ فيه بما لا نظيرَ له، ولا دلالةَ عليه، وسائرُ ما لحقَتْهُ هذه اللاَّمُ في المظهَرِ يدفَعُ ما قاله لمخالفته له. ويمتنعُ من وجهٍ آخَرَ: وهو أنَّه إذا جَعَلَ هذه اللاَّمَ هي الجارَّةُ فهي غيرُ ملازمةٍ للكلمة، وإذا لم تكن ملازمةً للكلمة لم يُعتَدَّ بها، وإذا لم يُعتَدَّ بها فكأنَّهُ / قد ابتدأ بساكنٍ، فمِن حيث يمتنع الابتداءُ بالسَّاكن، يمتنع ما ذَهَبَ إليه في هذا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 وممَّا يؤكِّدُ ذلك: أنَّ أهلَ التَّخفيف لم يخفِّفُوا الهمزةَ المبتدَأَةَ؛ لأنَّ التَّخفيفَ تقريبٌ من السَّاكن، فإذا رفضوا ذلك لتقريبه من السَّاكن مع أنَّه في اللَّفظ ووَزْنِ الشِّعر بمنزلة المتحرِّك، فأَلاَّ يُبتَدَأَ بالسَّاكن المحْضِ ويُرفَضَ في كلامهم أَجْدَرُ ألا ترى أنَّ مَنْ كان مِن قوله تخفيفُ الأُولى من الهمزتين إذا التَقَتَا (1) وافَقَ الذين يخفِّفُون الثَّانيةَ (2) ، فتَرَكَ قولَهُ في نحو: {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} (3) ؛ لِمَا كان يَلْزَمُهُ من الابتداء بالحرف المقرَّبِ من السَّاكن، وإذا كانوا قد حَذَفوا الألفَ من ((هَلُمَّ)) ؛ لأنَّ اللاَّمَ التي هي فاءٌ لَمَّا كانت متحرِّكةً بحركةِ غيرها، صار كأنَّه في تقدير السُّكون، فحُذِفَ كما كان يُحذَفُ مع السَّاكن، مع أنَّ الحرفَ بُني مع الفعل حتَّى صار كالكلمة الواحدة. فأنْ تكونَ اللاَّمُ في ((لاهٍ)) هي الجارَّةُ أَبْعَدُ لأنَّه يَلْزَمُ أنْ يُبْتَدَأَ بساكنٍ؛ لأنَّ اتِّصَالَ الجارِّ به ليس كاتِّصالِ حرْفِ التَّنبيه بذلك الفعل؛ ألا ترى أنَّه قد بُني معه على الفتح،كما بُني مع النُّونِ في ((لأفْعَلَنَّ)) على الفتح، فإذا قدَّرُوا المتحرِّكَ في اللَّفظ تقديرَ السَّاكنِ فيما هو متَّصِلٌ بالكلمة لمكان البناء معها، فالسَّاكنُ الذي ليس بمتحرِّكٍ مع ما هو في تقدير الانفصال منه أجدرُ أن يَبْعُدَ في الجواز. فأمَّا ما أنشَدَهُ بعضُ البصريِّين من قول الشَّاعر: أَلاَ لاَ بَارَكَ اللَّهُ في سُهَيلٍ إِذَا مَا اللَّهُ بَارَكَ في الرِّجَالِ (4) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 فمِمَّا يجوزُ في الشِّعر دون الكلام. وينبغي أنْ يُوَجَّه هذا على أنَّه أخرَجَهُ على قول مَنْ قال: إنَّ أصلَ الاسم ((إلاهٌ)) فحَذَفَ الألفَ الزَّائِدَةَ،كما يُقصَرُ الممدودُ في الشِّعر، ولا نَحمِلُهُ على الوجه الأخير فيَلْزَمُهُ فيه أنَّهُ حَذَفَ العينَ؛ لأنَّ ذلك غيرُ مستقيمٍ، ولا موجودٍ إلاَّ في شيءٍ قليلٍ. فهذا مما يُبيِّنُ لكَ أنَّ الأَوْجَهَ من القولين هو أنْ يكونَ أصلُ الاسم ((إلاهٌ)) . قال أبو عليٍّ: فأماَّ الإمالةُ في الألف من اسم ((الله)) تعالى فجائزٌ في قياس العربيَّة. والدَّليلُ على جوازها فيه أنَّ هذه الألِفَ لا تخلو من أنْ تكونَ زائدةً ل (فِعَالٍ) كالتي في ((إزارٍ)) و ((عِمَادٍ)) ، أو تكونَ عينَ الفعل. فإن كانت زائدةً ل (فِعَالٍ) جازت فيها الإمالةُ من جهتَين: إحداهما: أنَّ الهمزةَ المحذوفةَ كانت مكسورةً، وكسرُها يُوجِبُ الإمالةَ في الألِفِ، كما أنَّ الكسرةَ في ((عِمادٍ)) تُوجِبُ إمالةَ أَلِفِهِ. فإن قلتَ: كيف تُمالُ الألِفُ من أجل الكسرة وهي محذوفةٌ؟ فالقولُ فيها: إنَّهَا وإنْ كانت محذوفةً مُوجِبةٌ للإمالة،كما كانت تُوجِبُهَا قبلَ الحذف؛ لأنَّهَا وإنْ كانت محذوفةً فهي من الكلمة، ونظيرُ ذلك ما حكاه سيبويهِ (1) من أنَّ بعضَهُم يُمِيلُ الألِفَ في ((مَادٍّ)) و ((شَادٍّ)) (2) للكسرة المنْوِيَّةِ في عين (فَاعِلٍ) المدغَمَةِ، قال (3) : ((ومنهم مَن يقولُ: هذا مَاشٍ فَيُمِيلُ الألِفَ في الوقف وإن لم يكنْ في لفظِهِ بالكلمة كسرةٌ)) . فكذلك الألِفُ في اسم ((الله)) - عز وجل -، يجوزُ إمالَتُهَا وإنْ لم تكن الكسرةُ ملفوظاً بها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 ويجوزُ إمالَتُهَا من جهةٍ أخرى؛ وهي أنَّ لامَ الفعلِ منجَرَّةٌ (1) ، فتجوزُ الإمالةُ لانجِرَارِهَا. قال سيبويه (2) : ((سمعناهم يقولونَ: مِنْ أَهْلِ عَادٍ)) . قال: ((وقالوا (3) : مَرَرْتُ بِعَجْلانِكَ، فأَمَالُوا)) ، فكذلكَ أيضاً تجوزُ الإمالة في الألِفِ من اسم ((الله)) . فإنْ كانت الألفُ في الاسم عَيناً ليست بزائدةٍ، جازت إمالَتُهَا وحَسُنَتْ فيها؛ إذ كان / انقلابُهَا عن الياء بدلالةِ قولهم: ((لَهْيَ أبوكَ)) ، وظهورُ الياء لَمَّا قُلِبَت إلى موضع اللاَّمِ. فإذا لم تَخْلُ الألِفُ من الوجهَين اللَّذَين ذَكَرْنَا، وكان جوازُ الإمالَةِ فيها على ما أَرَيْنَا، عَلِمْتَ صحَّتَهُ، فإنْ ثَبَتَت بها قراءةٌ، فهذه جهةُ جوازِهَا. * * * [سورة الفاتحة] المسألة الثَّانية قال (4) في قوله - عز وجل -: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الآية: 4] (5) : (( [موضعُ] (إيَّاك) نصبٌ بوقوع الفعل عليه، وموضع الكاف في (إيَّاكَ) خفضٌ بإضافة (إيَّا) إليها، و (إيَّا) اسمٌ للمضمَر المنصوب إلاَّ أنه ظاهرٌ يُضافُ إلى سائر المضمَرَات (6) نحو قولكَ: إياكَ ضربتُ، وإيَّاه حَدَّثتُ (7) ، ولو قلتَ: إيَّا زيدٍ حَدَّثْتُ كان قبيحاً؛ لأنه خُصَّ به المضمَرُ، وقد رُوِيَ عن العرب رواه الخليلُ (8) : ((إذا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإيَّاهُ وإيَّا الشَّوَابِّ)) ومَن قال: إنَّ (إيَّاكَ) بكماله الاسمُ، قيل له: لم نرَ اسماً للمضمَر ولا للمظهَر يُضَافُ، وإنمَّا يتغيرُ آخِرُهُ ويبقى ما قبل آخِرِه على لفظٍ واحدٍ، والدَّليلُ على إضافته قولُ العرب: ((إيَّاهُ وإيَّا الشَّوابِّ)) ، وإجراؤُهُمُ الهاءَ في (إيَّاه) مُجراها في (عصاه)) ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 قال أبوعليٍّ (أيَّدهُ الله) (1) : الدَّليلُ على أنَّ هذا الاسمَ مضمَرٌ ليس بمظهَرٍ أنَّه في جميع الأحوال منصوبُ الموضع وليس في الأسماء الظَّاهرة اسمٌ يَلزَمُهُ الانتصابُ، ولا يَرتَفِعُ إلاَّ ما كان ظرفاً، وليس (إيَّا) بظرفٍ فيَلزَمَ إجازةُ هذا الحكمِ عليه، فكونُهُ منتصباً أبداً دليلٌ أنَّه ليس بظاهر (2) . ويدلُّ أيضاً على أنَّه ليس بظاهر تغيُّرُ ذاتِهِ، وامتناعُ ثباته في حال الرَّفع والجرِّ، وليس كذلك الأسماءُ الظَّاهرَةُ ألا ترى أنَّها تَعتَقِبُ عليها الحركاتُ في آخِرِها، ويُحكَمُ لها بها في موضعها من غير تغيُّر نفسِهَا، فمخالفةُ هذا الاسمِ في هذا الذي وصَفْنَاه للمظهَر تدلُّ على أنَّه مُضْمَرٌ ليس بمظهَر. فإن قلتَ: ما يُنكِرُ أن يكونَ هذا الاسمُ محكوماً له في موضعه بالنَّصْب، وأنْ يكونَ حرفُ العلَّة آخِرَهُ في موضع نَصْبٍ،كما أنَّهُ من ((عَصًا)) ونحوه من المعتلِّ كذلك، فلا يكونُ حينئذٍ خارجاً مماَّ عليه جملةُ الأسماءِ الظَّاهرة؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 فالقول: إنَّ هذا التَّقديرَ فيه غيرُ سائغٍ؛ ألا ترى أنَّ ((عصًا)) وما أشبهها ممَّا يُحكَمُ في حرف العلَّة منه بالنَّصب يَثْبُتُ في حال الرِّفعِ والجرِّ ثَباتَهُ في حال النَّصْب، وليس ((إيَّا)) كذلك؛ لأنَّها تقعُ في موضع النَّصْبِ دون الموضعَين الآخَرَين (1) ، (فليس ((إيَّا)) إذاً مثلَ ((مِعْزى)) ونحوِهِ، فيكونُ الآخِرُ منه في موضعِ نَصْبٍ) (2) ،كما أنَّ الأواخِرَ من الظَّاهرة كذلك لكنَّه في موضع نصبٍ، (كما أنَّ الكافَ مِن ((رأيتُكَ)) في موضع نَصْبٍ) (3) ، وكما أنَّ ((هُوَ)) و ((أنتَ)) في نحو: ((ما جاء إلاَّ أنتَ)) ، و ((ما قام إلاَّ هُوَ)) في موضع رَفْعٍ؛ لأنَّ ((إيَّا)) كنايةٌ لازمةٌ لموضِعٍ،كما أنَّ الكافَ و ((هُوَ)) و ((أنتَ)) ونحوَها كناياتٌ لازمةٌ لمواضِعَ، فكما لا يُحكَمُ لآخِرِ ((هُوَ)) و ((أنتَ)) ونحوِهما بحركةٍ تكونُ بها في موضع رَفْعٍ، كذلك لا يُحكَمُ لآخِرِ ((إيَّا)) بحركةٍ تكونُ بها في موضع نَصْبٍ. وقولُ أبي إسحاقَ في آخِرِ الفصل: ((إنَّ الهاء في (إيَّاهُ) مَجْرَاها كالَّتي في عَصَاهُ)) إنْ أرادَ به شرحَ ما ذهب إليه من أنَّ ((إيَّا)) اسمٌ ظاهرٌ في موضع نَصْبٍ، كما أنَّ الأواخِرَ من المعتلَّة نحو: ((عصًا)) و ((مِعْزًى)) محكومٌ في مواضعها بحسَبِ الإعراب الذي يستحقُّهَا، فهو فاسدٌ لِمَا ذَكَرْنَاه، وإنْ أرادَ أنَّ اتصالَهُ بالهاء على حدِّ اتصالِ ((عصًا)) به في أنَّ الألِفَ تبقى على سكونها وصورتها،كما يكونُ في ((عصًا)) كذلك، ولا تنقلبُ ياءً كما تنقلب التي في ((إليه)) و ((عليه)) فهو صحيحٌ. ويدل أيضاً على أنَّه اسمٌ مضمَرٌ أنَّه في المنصوب / نظيرُ ((أنتَ)) في المرفوع، فكما أنَّ ((أنتَ)) مضمَرٌ،كذلك قولُنا: ((إِيَّاكَ)) مضمَرٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 فإن قال قائلٌ: إذا كان اسماً مضمَراً فكيف جاز إضافتُهُ في قولهم: إيَّاكَ وإيَّاهُ ونحوِ هذا، والمضمَرُ لا يُضافُ لأنَّ الإضافة للتخصيص، والمضمَرُ أشدُّ المعارف تخصيصاً؟ فالقولُ: إنَّ النُّظَّارَ في العربيَّة اختلفوا في ذلك (1) ؛ فحَكَى أبو بكر محمَّدُ بنُ السَّرِيِّ السَّرَّاج، عن أبي العبَّاس محمَّدِ بنِ يزيدَ أنَّ الخليل (2) يذهب إلى أنَّ ((إيَّا)) مضمَرٌ مضافٌ. وحُكِيَ عن المازنيِّ مثلُ هذا القول المحكيِّ عن الخليل في أنه اسمٌ مضمَرٌ مضافٌ. وحَكَى أبو بكرٍ عن أبي العبَّاس (3) عن أبي الحسن الأخفشِ، وأبو إسحاقَ عن أبي العبَّاس غيرَ منسوبٍ إلى الأخفش أنَّه اسمٌ مفرَدٌ (4) مضمَرٌ، يتغيَّرُ آخِرُهُ كما يتغيَّرُ أواخِرُ سائر المضمَرات لاختلاف أعداد المضمَرين وأنَّ الكافَ في ((إيَّاكَ)) كالتي في ((ذلك)) في أنَّه دلالةٌ على الخِطاب فقط مجرَّدةً من كونها علامةً للمضمَر. ولا يجيزُ أبو الحسن فيما حُكِيَ عنه: إيَّاكَ وإيَّا زيدٍ، وإيَّايَ وإيَّا الباطلِ، فقال قائلٌ مُنْكِراً عليه قولَه ورَادّاً: إنَّ الكافَ التي في ((إيَّاكَ)) ليست كالَّتي في ((ذلك)) ؛ لأنَّ ((إِيَّا)) قد تُضافُ إلى الهاء فيقالُ: إيَّاهُ وإيَّاهما، وتُضافُ إلى المتكلِّم أيضاً في ((إيَّايَ)) ونحوِهِ، فاعتقابُ هذه الأوصافِ (5) عليه يدلُّ أنَّه ليس بمنزلة الكاف في ((ذلك)) وأنَّه ضميرٌ. والجوابُ: أن لأبي الحسن أنْ يستَدِلَّ بترْكِهِم تأكيدَ هذا المضمَرِ في ((إيَّاكَ)) وقلَّةِ إضافتِهِم له إلى المظهَرِ أنَّ سائرَ علاماتِ الضَّمير في ((إيَّا)) سوى الكاف حروفٌ غيرُ أسماءٍ. ألا تَرَى أنَّه لم يُسْمَعْ: إيَّاكُم كُلِّكُم، وإيَّاكَ نفْسِكَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 فإن قلتَ: فقد قال سيبويه (1) عن الخليل: ((لو أنَّ قائلاً قال: إيَّاكَ نفسِكَ لم أعنِّفْهُ)) فليس ذلك بروايةٍ، ولا محضَ إجازةٍ، وهو قياسٌ على ما حكاه سيبويه من قوله (2) : ((حدَّثَني مَن لا أَتَّهِمُ عن الخليل أنَّه سمِعَ أعرابيّاً يقولُ: إذا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإيَّاهُ وإيَّا الشَّوابِّ)) ، وكأنَّ أبا الحسن استقلَّ هذه الروايةَ ولم يجدها كثيرةً، فلم يَقِسْ عليها ولم يعتَدَّ بها. ألا تَرَى أنَّه لم يُجِزْ: إيَّاكَ وإيَّا الباطلِ، ولا يَستَحْسِنُ الجميعُ إضافةَ هذا الاسمِ إلى الظَّاهر. فهذان الأمران يُقَوِّيَان أنَّ هذه العلاماتِ في هذا الاسمِ ليست بأسماءٍ. وبعدُ، فإذا جاز أن تكونَ الكافُ والياءُ والألِفُ والواوُ تارةً أسماءً، وتارةً حروفاً، جاز ذلك في سائر هذه العلامات ولم يمتنع، فتكونُ الكافُ (3) والهاءُ في هذا الاسم لعلامة الخطاب والغيبة فقط،كما كانت تلك الحروفُ الأُخَرُ لهما من غير أن تكون اسماً، فيكون تغُيُّرُ هذا الآخِرِ بتغيُّرِ المضمَرِين كتغيُّرِ ((ذلك)) وما أشبهه من علامات الخطابِ. فما اعتلَّ به مَنْ ذَكَرَ أنَّه اسمٌ ظاهرٌ من الإضافة ليس بحجَّةٍ؛ لاحتماله أنْ يكونَ غيرَ مضافٍ بما ذَكَرْنَاه، وثبَتَ بما قدَّمْنَاه من الأدلَّة أنه مضمَرٌ ليس بمظهَرٍ. وشَبَّهَ هذا القائلُ في ((إيَّا)) : إنَّه اسمٌ مظهَرٌ هذا الاسمَ ب ((كِلا)) ، فذَكَرَ أنَّه مثلُ ((كِلا)) في أنَّه يُتَوصَّلُ به إلى المضمَر كما يُتَوصَّلُ ب ((كِلا)) إليه. قال أبو عليٍّ: وليس ((كِلا)) مثل ((إيَّا)) ؛ لأنَّهَا تتَصَرَّفُ، وتُضافُ إلى المظهَرِ إضافةً مطَّردةً كما تُضافُ إلى المضمَر، وتُضَافُ إلى المفرَدِ الذي يُرادُ به الكثرةُ، وينقلب حرفُ الإعراب فيه كما ينقلب في ((أخيك)) و ((أبيك)) و ((فيك)) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 والتثنيةِ والجمعِ،/ ويؤنَّثُ، ويُبدَلُ من لامِ فِعْلِهِ التَّاءُ. فليس ((إيَّا)) مثلَ ((كِلاَ)) ؛ لأنَّ ((كِلاَ)) اسمٌ مُفْرَدٌ مُظْهَرٌ يَدلُّ على الاثنين (1) ،كما أنَّ ((كُلاًّ)) اسمٌ مفرَدٌ مُظْهَرٌ يدلُّ على الجميع، والذي يَلْزَمُنَا أنْ نُفَصِّلُ من حيث شَبَّهَ فنرى أن ((كِلاَ)) ليس بوُصْلَةٍ إلى المضمَرِ؛ لإضافَتِهِم إيَّاه إلى الظَّاهر، نحو قولِهِ: كِلاَ الفريقَين، وأنشَدَ: وَكِلاَهُمَا في كَفِّه يَزَنِيَّةٌ والهُنْدُوَانِيَّاتُ يَخْطَفْنَ الْبَصَرْ (2) وقال الشَّمَّاخُ: كِلاَ يَوْمَي طُوَالَةَ وَصْلُ أَرْوَى ظَنُوْنٌ، آنَ مُطَّرَحُ الظَّنُونِ (3) ونحو هذا، فليس ((كِلاَ)) متوَصَّلاً به إلى المضمَر، لكنَّه اسمٌ ظاهرٌ؛ لإبدالهم اللاَّمَ منه كإبدالهم إيَّاه من ((أُخْت)) ، ولِلَحاق علامةِ التَّأنيث به. وبَدَلُ الحروف، والتَّأنيثُ، وانقلابُ حروفِ الإعراب لا يلحَقُ شيءٌ منه الأسماءَ المضمَرَةَ، فَبَيِّنٌ أنَّ ((إيَّا)) ليس ك ((كِلا)) ؛ إذ لم نجدْ شيئاً مماَّ وجَدْناه في ((كِلا)) فنَستَدِلَّ به على أنَّه اسمٌ ظاهرٌ، ويَبْطُلُ أنْ يكونَ ((إيَّا)) مثل ((كِلاَ)) في أنَّه مُتَوَصَّلٌ به إلى المضمَر؛ لاطِّراد إضافة ((كِلا)) إلى الظَّاهر وامتناع إضافة ((إيَّا)) إليه مطَّرداً. وقولُ أبي إسحاقَ (4) : ((مَن قال: إنَّ (إيَّاكَ) بكماله الاسم (5) ، قيلَ له: لم نَرَ اسماً للمضمَر ولا للمظهَر يُضافُ إنما يَتَغيَّرُ آخِرُهُ، ويبقى ما قبل آخِرِه على لفظٍ واحدٍ)) . في عبارته اختلالٌ، وأحسَنُ ما نصرِفُهُ إليه أن نوجِّهَهُ على أنه يريد به تضعيفَ قول أبي الحسن (6) : ((إنَّه اسمٌ مفرَدٌ مضمَرٌ)) ، وقد قدَّمْنَا ذِكْرَ ما لَهُ أن يَحتَجَّ به. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 فأمَّا ما حكاه أبو العبَّاس عن الخليل أنه مضمَرٌ مضافٌ، وما حَكَيْتُهُ عن المازنيِّ من ذلك، فهو مستبعَدٌ لا أعلَمُ له سماعاً يَعْضُدُهُ، ولا قياساً يُثْبِتُهُ. وحُكي عن أبي عثمانَ أنَّه قال: ((لولا قولُهُم: (وإيَّا الشَّوابِّ) ، لكانت الكافُ للمخاطبة كالتي في (ذلك)) ) . والذي عندي أنَّ حَمْلَ هذه الحكايةِ على الشُّذوذ أسهلُ من إضافته إلى المضمَر؛ إذ الغرضُ في الإضافة التَّخصيصُ والمضمَرُ على نهاية التَّخصيص، فلا وجهَ إذاً لإضافته. ويُقَوِّي قولَهُم يعني (المازنيَّ والخليلَ في أنَّ ((إيَّا)) مفرَدٌ مضمَرٌ) (1) ما حكاه سيبويهِ (2) من أنَّ بعضَهُم سمِعَ: ((خَرَجْتُ مَعَهُم)) ، فقال: معَ مَنِينَ؟ فاستفهَمَ عن المضمَرِ كما يُستَفهَمُ عن المنكور. ألا ترى أنَّ ((منًا)) و ((مَنِينَ)) ونحوَه يقَعُ استفهاماً عن النَّكَرات دون المعارفِ والمختَصَّاتِ. * * * [سورة البقرة] : المسألة الثَّالثة قال (3) في قوله - عز وجل -: {الم * ذَلِكَ} [الآيتان: 1 2] : ((ففي فتح الميم قولان: أحدهما: لجماعةٍ من النَّحْويين (4) وهو أنَّ هذه الحروفَ مبنيةٌ على الوقف، فيجب بعدها قطعُ ألف الوصل فيكون الأصلُ: {المْ * أَلله} (5) ، ثمَّ طُرِحَت فتحةُ الهمزة على الميم، وسَقَطَت الهمزة، كما تقول: واحدْ، إثْنَان، وإنْ شئْتَ قلتَ: واحدِ اثْنان، فأَلقَيْتَ كسرةَ همزةِ ((إِثنين)) على الدَّال. وقال قومٌ من النَّحْويين: لا يَسُوغُ في اللَّفظ أن يُنطَقَ بثلاثة أحرفٍ سَوَاكِنَ، فلا بدَّ من فتحة الميم التي في: {المَ * الله} لالتقاء السَّاكنين، (أعني الميمَ واللاَّمَ التي بعدها) . وهذا القولُ صحيحٌ لا يمكنُ في اللَّفظ غيرُه (6) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 وأمَّا مَنْ زعَمَ أنَّه إنمَّا ألْقَى حركةَ الهمزة فيجبُ أن يقرأَ: {المِ * الله} ، وهذا لا أعلَمُ أحداً قرأَ به إلا الرُّؤَاسيَّ (1) ، فأمَّا مَن رواه عن عاصمٍ فليس بصحيح الرِّواية. وقال بعضُ النحويين: لو كانت متحرِّكةً لالتقاء السَّاكنين لكانت مكسورةً. وهذا غَلَطٌ بَيِّنٌ، لو فعلنا ذلك في التقاء السَّاكنين إذا كان الأوَّلُ ياءً لَوَجَبَ أن تقول: أينِ زَيدٌ، وكيفِ زَيدٌ، وإنمَّا وقع الفتح (2) لِثِقَلِ الكسرة بعد الياء)) . قال أبو عليٍّ / (أيَّده الله) : هذه الحروفُ موضوعةٌ على الوقف عليها دون الوصل بها، والدَّليلُ على ذلك قولُهُم في التَّقطيع والتَّهجِّي: قاف صاد، لام، ونحو ذلك ممَّا جاء على أكثرَ من حرفَين فلم تُحرَّك أواخِرُهُنَّ. ونظيرُ هذه الحروف في أنَّها موقوفةٌ غيرَ موصولةٍ أسماءُ العدد نحو: ثلاثه، أربعه، وما بعد ذلك، فإذا أَخبَرْتَ عن حروف الهجاء أو أسماءِ الأعداد فقد أخرَجْتَهَا بذلك من حيِّزِ الأصوات، وأدْخَلْتَهَا في جملة الأسماء المتمكِّنَةِ، واستَحَقَّتْ أنْ تُعرَبَ للإخبار عنها، وأنَّه لا معنى للحرفيَّة فيها؛ إذ زال إرادةُ الحكاية بها، فدخَلَتْ بذلك في حدِّ المتمكِّنَات، وخَرَجَتْ من باب الأصوات، (وكذلك العددُ إذا أردْتَ به معدوداً ولم تُرِدِ العددَ وحدَه دون المعدود أعْرَبْتَ) (3) . وكذلك إذا عَطَفْتَ؛ لأنَّ الأصواتَ ليس حكمُها أن تُعطَفَ بحروف العطف؛ إذ حالُ (4) العطف كالتَّثْنِيَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 وأمَّا قولُهُ - عز وجل -: {الم * الله} فمذهبُ سيبويهِ (1) فيه أنَّه حُرِّكَ لالتقاء السَّاكنين، والسَّاكنُ الذي حُرِّكَ له الميمُ هو لامُ التَّعريف. والدَّليل على صحة ذلك أنه لا يخلو من أن يكون محرَّكاً لالتقاء السَّاكنين كما ذهب إليه، أو حُرِّكَ لأنَّ فتحةَ الهمزة أُلْقِيَت عليه،كما قال مَن خَالفَه (2) ، فتبيَّنَ أنه لا يجوزُ أنْ تكونَ (3) الحركةُ للهمزة؛ إذ هذا الحرفُ رَسْمُهُ وحُكْمُهُ أن يُجتَلَبَ (4) في الابتداء إذا احتِيجَ إلى اللَّفظ بحرفٍ ساكنٍ دون الصِّلة والإدراج. فإذا اتَّصل السَّاكنُ المجتلَبُ له هذا الحرفُ بشيءٍ قبلَه، استُغْنِيَ عنه فحُذِفَ، ولم يُحتَجْ إليه فاطُّرِحَ. فإن كان المتَّصلُ به السَّاكنُ متحرِّكاً بقي على حركته، نحو: ذَهَبَ ابنُكَ، وإن كان حرفاً ساكناً غيرَ لِينٍ أو مضارِعاً لِلِّين حُرِّكَ نحو: {عَذَابٍ ارْكُضْ} (5) و {أَنْ لَّوِ اسْتَقَامُوا} (6) وزَيدُنِ العاقلُ، ونحو ذلك، فكذلك الهمزةُ في اسم ((الله)) من قوله: {الم * ألله} إذا اتَّصَلَ بما قبلها لَزِمَ حذفُها،كما لَزِمَ إسقاطُها فيما ذَكَرْنَا، فإذا لَزِمَ حذفُها لَزِمَ حَذْفُ حركتها أيضاً؛ لأنَّكَ لا تجدُ هذه الهمزةَ المجتَلَبَةَ في موضعٍ مُلقَاةً (7) وحَرَكَتُهَا مُبقَاةٌ، فإذا لَزِمَ حَذْفُها من حيث ذَكَرْنَا، لم يَجُزْ إلقاؤها على الحرف السَّاكن. فليس حركةُ الميم إذاً بحركة الهمزة، وإذا لم تكن (8) حركةَ الهمزة بدلالة ما ذَكَرْنَا، ثَبَتَ أنَّهَا حركةُ التقاء السَّاكنين؛ إذ لا قِسمَ ثالثاً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 ويدلُّ أيضاً على امتناع قولِ مَن قال بذلك: أنَّ (هذه الهمزةَ في الابتداء) (1) في التوصُّلِ إلى النُّطق بالسَّاكن نظيرُ الهاء التي تلحَقُ في الوقف لتَبْيِين الحركة وإثباتِها، فكما أنَّ الحرفَ الذي تُجتَلَبُ له الهاءُ في الوقف إذا اتَّصَلَ بشيءٍ بعده لم تَتَبَيَّن حركتُهُ بها؛ لقيام ما يتَّصِلُ به مَقَامَه، فحَذَفْتَهُ ساكناً كان أو متحرِّكاً، كذلك يَلْزَمُ أنْ تُحذَفَ الهمزةُ إذا اتَّصل ما اجتُلِبَت لسكونه بشيءٍ قبلَه، وإثباتُها في الوصل خطأٌ، (كما أنَّ إثباتَ الهاء في الوصل خطأٌ) (255) . فإنْ قال: إنَّ هذه الحروفَ موضوعةٌ على الوقف (دون الوصل) (255) ، فإذا كان كذلك وَجَبَ أنْ تَثْبُتَ الهمزةُ ولا تُحذَفَ،كما تَثْبُتُ في الابتداء مفتوحةً، فإذا لَزِمَ ألاَّ تُحذَفَ كما لا تُحذَفُ في الابتداء،لم يمتنع أن تُلقَى حركَتُهَا على ما قبلها. قيلَ: إنَّ وضْعَ هذه الحروفِ على الوقف دون الوصل لا يُوجِبُ قطعَ ألِفِ الوصل وإثباتَه في المواضع التي يسقُطُ فيها، كما لا يُوجِبُ / تغييرَ حركتِهِ، وكما لا يُوجِبُ أن يجتلبَه لمتحرِّكٍ، وأنت إذا ألقيتَ حركتَهَا على السَّاكن فقد وصَلْتَ الكلمة التي فيها بما قبلها (وإن كان ما قبلها) (2) موضوعاً على الوقف. فقولُكَ: ألقَيْتُ حركَتَه عليه، بمنزلة قولكَ: وصَلْتُهُ؛ إذ لا تُلقَى حركةُ الهمزة على ساكنٍ قبلَها إلاَّ في الوصل؛ ألا ترى أنَّكَ إذا خَفَّفْتَ: ((مَنْ أَبُوكَ)) قلتَ: مَنَ بُوْكَ (3) ، ولو وَقَفْتَ لم تُلْقِ الحركةَ عليها، فإذا وصَلْتَهَا بما قبلها لزمَ إسقاطُها، وكان إثباتها مخالفاً لأحكامها في سائر متصرَّفَاتها وفاسداً من أجل ذلك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 فإن قال قائلٌ: إذا جاز أن تَثبُتَ هذه الهمزةُ إذا تحرَّكَ ما بعدها (1) في نحو قولهم: أَلَحْمَر (2) ، وإن كانت الحركةُ فيما بعدها قد تحذِفُها في نحو: ((سَلْ)) و ((رَهْ)) (3) ، فلِمَ لا يجوزُ ثَبَاتُها إذا اتَّصَلَ بما قبلها في الآية، وإنْ كان قد يُحذَف إذا اتَّصَلَ بما قبلها في مثل: {لَوِ اسْتَطَعْنَا} (4) ونحوِهِ من السَّواكن؟ قيلَ: إنمَّا جاز ثَبَاتُهَا في هذا الموضع وحَسُنَ من حيث كانت النيَّةُ بما بعدها السُّكونَ، فكما ثبتت إذا كان ما بعدها ساكناً، كذلك تثبُتُ إذا كان في نيَّةِ سكونٍ، وكما أُجْرِيَ المتحرِّكُ مُجْرَى السَّاكن إذا كان التَّقديرُ به السُّكونَ، كذلك أُجْرِيَ السَّاكنُ مُجْرَى المتحرِّك إذا كان التَّقديرُ به الحركةَ. ألا تراهم قالوا: ((لَقَضْوَ الرَّجُلُ)) (5) ، فتُرِكَت الياءُ على انقلابها مع زوال الضَّمَّة التي قَلَبَتْهَا في اللَّفظ، وإنمَّا لم يُعتَدَّ بالحركة في لام التَّعريف وبالسُّكون في عين (فَعُلَ) لكونهما زائلَين غيرَ ثابتَين. ألا ترى أنَّ مَن حقَّقَ أسْكَنَ اللام في ((الأحمر)) ، ومَن لم يخفِّف الضَّمَّة حَرَّكَ العين (6) ، فلما كانا غيرَ لازمَين لم يُعتَدَّ بها،كما لم يُعتَدَّ بواو ((وُوْرِيَ)) وواو ((نُوْي)) (7) ، ونحو ذلك ممَّا لا يَلْزَم. فلا يجوزُ قَطْعُ الألِفِ في {الم * الله} من حيث تَثْبُتُ في هذا الموضع. ألا ترى أنَّ مَن يقولُ: ((ألَحْمَر)) فيُثْبِتَهَا مع تحرُّكِ ما بعدها، لا يُثبِتُهَا إذا اتَّصَلَ بشيءٍ قبلَهَا ساكناً كان أو متحرِّكاً، فيقولُ: هذا لَحْمَر (8) فيَحذِفُ،كما يقولُ: عُمَرُ لَحْمَر فلا يُثْبِتُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 فإلقاءُ الحركة من اسم ((الله)) على الميم السَّاكنة لا يجوزُ من حيث جاز قطعُ الهمزة وإثباتُها في قولهم: ((ألَحْمَر)) ، وقد قالوا: ((لَحْمَر)) ، فأَسْقَطوا الهمزةَ لتحرُّكِ ما اجتُلِبَت له، وإن كانت الحركةُ غيرَ لازمة،كما قالوا: ((رُيَّا)) (1) فأَدْغَموا وإن كانت الواوُ غيرَ لازمةٍ. فإن قال: إذا كانت النيَّةُ بهذا الحرف السُّكونَ، ومِن أجل ذلك ثَبَتَت الهمزةُ في قولهم: ((أَلَحْمَر)) ، فكيف وَجْهُ قراءة أبي عمرٍو: {عَاداً لُّوْلَى} (2) بإدغام النُّون في اللاَّم، والمدغَمُ فيه لا يكونُ إلاَّ متحرِّكاً، فإذا كان التَّقديرُ باللاَّم الإسكانَ، فهلاَّ امتنع الإدغامُ فيها،كما يمتنع في الحرف السَّاكن؟ قيل: إنَّها وإنْ كان منوِيّاً بها الإسكانُ، فإنَّ الإدغامَ غيرُ ممتنع؛ ألا تراهم أَدْغَموا ((عَضَّ)) و ((فِرَّ)) ونحوَ ذلك، والحرفُ الثَّاني ساكنٌ لوقوعه موقوفاً للأمر، فكما لم يمتنع الإدغامُ في هذه اللاَّمات لسكونها، كذلك لا يمتنع في لام التَّعريف في ((الأُولى)) ، وإنْ كان التقديرُ بها الإسكانَ. وقد ذَكَرْنَا ذلك بأبسَطَ من هذا في موضَعٍ آخَرَ (3) . قال أبو عثمانَ: وإليه ذهب أبو عمرٍو (4) . فإن قال قائلٌ: فهلاَّ جاز إلقاءُ حركة هذه الهمزة على ما قبلها في الوصل كما جاز ثَبَاتُها فيه في قولهم: ((يا أللَّهُ اغْفِرْ لي)) ، وفي قولهم: ((أفأللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ)) (5) ، وقولهم: ((أاَلرَّجُلُ قال ذا)) . ألا ترى أنَّ الهمزةَ قد ثبتت في هذه المواضعِ وهي مُدرَجَةٌ ليست بمبتدَأَةٍ، فكذلك تقديرُ إثباتِهَا موصولةً في الآية، / وإذا ثبتت موصولةً ولم يلزَمْ حذفُها،لم يمتنع أن تُلقَى حركَتُهَا على السَّاكن الذي قبلها في الآية؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 قيل: إنَّ ثباتَ الألِفِ في هذه المواضع نادرٌ شاذٌ عمَّا عليه الكثيرُ وجاء عليه الجمهورُ، فلا يجب أن يُترَكَ الكثيرُ إلى القليل (1) ، والشَّائعُ إلى النَّادر، ومع ذلك ففي كل موضعٍ من هذه المواضع التي أُثبِتَت فيها الهمزةُ في الوصل معنًى له جاز قطعُ هذه الألف وإثباتُها في الصِّلة والدَّرْجِ ليس بموجودٍ في الآية، (فإذا لم يوجد شيءٌ من هذه المعاني في الاسم الذي قبله) (2) لم يجز أن يُجعَلَ حُكْمُهُ حُكْمَ ما بعد فاتحة السُّورة في القطع. أمَّا قولُهُم: ((أفأللَّهِ)) فإنمَّا جاز إثباتها في الصلة لمعاقبتها حرفَ القَسَم، وقيامها مَقَامه، وكونِها بدلاً منه، فلما كانت بدلاً مما يَثبُتُ ثَبَتَتْ لتدلَّ عليه. وهذا مذهبُ سيبويه. وأمَّا ثَبَاتُها مع همزة الاستفهام فللفصل بين الخبر والاستخبار. وأمَّا قولهم: ((يا أللَّهُ)) فلأنَّ النِّداءَ مَوضِعُ تغييرٍ، يُغيَّرُ فيه الشَّيءُ بالزِّيادة والنُّقصان منه، والتَّغيير عمَّا يكونُ عليه في غيره. وليس شيءٌ من هذه المعاني التي ذَكَرْنَاها في هذه المواضع في الفاتحة، فيجوزُ قطعُ الهمزة فيها وإلقاءُ حركَتِهَا منها على السَّاكن قبلها. فإن قال: إنَّ هذا الاسمَ فيها (3) محذوفٌ منه الهمزةُ، والألفُ واللاَّمُ عِوَضٌ من المحذوف عندكم، فهلاَّ جاز ثَبَاتُها في الوصل لكونها عِوَضاً،كما جاز ثَبَاتُهَا فيه لَمَّا كان عِوَضاً في قولك: أفأللهِ لَتَفعَلَنَّ؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 قيل: إنَّ قطْعَهَا (1) في الفاتحة لا يَلزَمُ؛ لكونها بدلاً من الهمزة، ولو وجب ذلك لَلَزِمَ أن تُقطَعَ وتَثْبُتَ في اسم ((الله)) في كلِّ مَوضِعٍ؛ إذ كانت الهمزةُ منها محذوفةً في سائر المواضع، كما أنَّها في هذا الموضع محذوفةٌ، فلو كان ذلك عِوَضاً لثَبَتَت غيرَ (2) موصولةٍ في كلِّ مَوضِعٍ،كما ثبتت في قولهم: ((أفأللهِ)) ، فإذا لم تَثْبُتْ في موضِعٍ عِوَضاً من حذف الفاء في الدَّرْجِ، كذلك لا يلزَمُ أنْ تثبُتَ مُدْرَجَةً في الفاتحة. على أنَّ أبا عثمانَ يذهبُ (فيما حكاه أبو بكرٍ عن أبي العبَّاس) (3) إلى أنَّ حرفَ التَّعريف في هذا الاسمِ وفي ((النَّاس)) ليس بعِوَضٍ من حذف الهمزة (4) ، واستدلَّ على ذلك بقول الشَّاعر: إِنَّ المَنَايَا يَطَّلِعْنَ على الأُنَاسِ الآمِنِينَا (5) (6) فقد ثبت فيما قدَّمْناه أنَّ هذه الهمزةَ إثباتُها غيرُ جائز في الوصل، وإذا لم يجُزْ إثباتُهَا لم يجُزْ إلقاءُ حركَتِهَا على الميم وتحريكُهَا بها. فأمَّا ما احتجَّ به مَنْ زَعَمَ أنَّ الميمَ من قوله تعالى: {الم * الله} متحرِّكَةٌ بحركة الهمزة من أنَّه بمنزلة قولكَ: ((واحدِ اثْنَان)) في أنْ ألْقَى حركةَ الهمزةِ من ((اثنين)) على آخِرِ ((واحد)) فحُرِّكَ بالكسر، فلم يحكِهِ سيبويه، لكنَّهُ زَعَمَ (7) أنهم يُشِمُّون الآخِرَ من ((واحد)) الضَّمَّ، وأنَّهم فعلوا ذلك به دون غيره من أسماء العدد لتمكُّنِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 فإن ثَبَتَ ما حَكَى من الكسر من ((واحد)) فلالتقاء السَّاكنَين دون إلقاء حركةِ الهمزة الموصولة من ((اثنين)) على آخِرِ الاسم. وكلُّ ما دفَعَ أنْ تُلقَى حركةُ الهمزةِ الدَّاخلةِ على لام التَّعريف في اسم ((الله)) على الميم، فهو بعينه يدفَعُ أن تُلقَى حركةُ هذه الهمزةِ على آخِرِ هذا الاسم؛ لأنه مثلُهُ وداخلٌ في حُكْمِهِ، وإن كان وضعُ العدد على الوقف،كما أنَّ وضعَ حروف التَّهجِّي على الوقف (1) . ألا ترى أنَّ السَّاكنين في امتناع اللَّفظ بهما مُدْرَجَين / في الكلام كامتناع الثَّلاثة، فمن حيث لَزِمَ (أنْ تُحرَّكَ الميمُ بعد الياء للدَّرْجِ والوصل بما بعده،كذلك لَزِمَ) (2) أنْ يُحَرَّكَ السَّاكنُ الأوَّلُ من ((واحدِ اثْنان)) لإدراج السَّاكن الثَّاني من ((اثنين)) بما قبله، فليس لهم في هذا حجَّةٌ، ولا للقول بذلك قوَّةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 فإذا لم يجز أن تكون الحركةُ في الميم لإلقاء حركة الهمزة عليها، عُلِمَ أنَّها لالتقاء السَّاكنَين، وإذا كان لالتقاء السَّاكنَين فلا يخلو من أن يكونَ للسَّاكن الثَّالث كما ذهب إليه سيبويه (1) ، أو للسَّاكن الثَّاني، فالذي يدُلُّ على أنَّ الحركةَ للسَّاكن الثَّالث دون الثَّاني ما تقدَّمَ (2) أنَّ هذه الحروفَ مبنيَّةٌ على الوقف دون الوصل، وإذا كان كذلك لم يمتنع فيها الجمعُ بين السَّاكنَين. ألا ترى أنَّه لو كانت الحركةُ للثَّاني لَزِمَ أن تُحَرَّكَ له سائرُ الفواتِحِ الَّتي اجتمع فيها ساكنان نحو: {الم} ، و {حم * عسق} (3) ونحو ذلك، فامتناعُهُم من تحريك هذه الحروفِ وجمعُهُم بين السَّاكنين فيها، دليلٌ على أنَّها في {الم * الله} ليس بمتحرِّكٍ للسَّاكن الثَّاني لكنَّه للسَّاكن الثَّالث لِما أعْلَمْتُكَ؛ (إذ لو كان للثَّاني لم يُحَرَّك كما لم يُحَرَّك سائرُ ما أَعْلَمْتُكَ ممَّا أشبهه. فإذا لم يَجُزْ أن تكون الحركةُ في الميم للسَّاكن الثَّاني لِمَا أَعْلَمْتُكَ، ثبتَ أنه للسَّاكن الثَّالث) (4) كما ذهب إليه سيبويه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 فأمَّا ما حكاه أبو إسحاقَ عن بعض النَّحْويين من أنَّ هذا الحرفَ لو كان متحرِّكاً لالتقاء السَّاكنين لوجب أن يُكسَرَ، وتغليطُهُ له في ذلك، فقد قال بإجازة الكسر في هذا الحرف بعينه لالتقاء السَّاكنين أبو الحسن (1) ، ولم يَحْكِ سيبويهِ (2) الكسرَ في شيءٍ من ذلك لالتقائهما، وذَكَرَ (3) قراءةَ مَنْ قَرَأَ: قَافَ، فزَعَمَ أنَّ الذي فتَحَهُ جعلَهُ اسماً للسورة كأنه قال: أَذْكُرُ (4) . وأجاز أيضاً أنْ يكونَ اسماً غيرَ متمكِّنٍ فأُلزِمَ الفتحَ كما حُرِّكَ نحو: كيفَ وأينَ وحيثُ وأمسِ (5) . وهذه الأشياءُ التي حُكِيَتْ بها هذه الأصواتُ المتقطِّعةُ في مدارجها ليس يمتنعُ تحريكُها لالتقاء السَّاكنين بضربٍ من الحركات،كما لم يمتنع تحريكُ ما حُكِيَ به غيرُ ذلك من الأصوات نحو: ((مَاءٍ)) و ((غَاقٍ)) في حكاية صوت الشَّاة والغُراب. فمَن قرَأَ: ((قافَ)) فجائزٌ أنْ يكونَ فتَحَهُ لالتقاء السَّاكنين، كما أنَّ مَن قَرَأَ: ((قافِ)) حرَّكه بالكسر لهما، فلم يكن يمتنع على قول مَن قال: ((قافِ)) فكسَرَ لالتقاء السَّاكنين أن يقولَ: ((ميمِ)) (6) فيَكسِرُ الميمَ لسكون الياء. قال أبو الحسن: ((ولا أعلَمُهُ إلا لُغةً)) (7) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 فأمَّا ما ذَكَرَه أبو إسحاقَ (1) من أنَّ ذلك غَلَطٌ بَيِّنٌ، وأنه لو جاز ذلك لجاز: كيفِ الرَّجُلُ، فخطأٌ لا يَلزَمُ، ولو ورد بذلك سماعٌ لم يدفعه قياسٌ، بل كان يُثْبِتُهُ ويقَوِّيه ويَعْضُدُهُ ولا ينافيه؛ ألا تراهم قالوا: ((جَيْرِ)) ، و ((كان من الأمر ذَيْتِ وذَيْتِ)) ، و ((كَيْتِ وكَيْتِ)) ، و ((حيثِ)) ، فحُرِّكَ السَّاكنُ بعد الياء بالكسر،كما حُرِّكَ بعدها بالفتح في ((أَيْنَ)) ، فكما جاز الفتحُ بعد الياء لقولهم: ((أَيْنَ)) ،كذلك يجوزُ الكسرُ بعدها لقولهم: ((جَيْرِ)) . ويدلُّ على جواز التَّحريك بالكسر لالتقاء السَّاكنين فيما كان قبلَه ياءٌ جوازُ تحريكِهِ بالضَّمِّ كقولهم: ((حَيْثُ)) ، فإذا جاز الضَّمُّ كان الكسرُ أسهَلَ وأجْوَزَ. ولو قال له قائلٌ: لو جاء (2) ميمٌ مفتوحةٌ بعد الياء لالتقاء السَّاكنين، لَمَا جاز لقولهم: ((جَيْرِ)) وأخواته فقَلَبَ عليه ما ذَكَرَه، وعَكَسَ قولَه، لَمَا اتَّجَهَ له عليه برهانٌ، ولا وجَدَ لقوله مِن بيان. والقولُ في هذا: إنَّه لو جاء مكسوراً لالتقاء السَّاكنين كان جيِّداً، كما أنَّه لو وَرَدَ مفتوحاً لاجتماعهما كان حَسَناً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 ويدلُّ على جواز الكسر في هذا الحرف لو أُدْرِكَ في سَمْعٍ أنَّ أصلَ التَّحريك لالتقاء السَّاكنين الكسرُ، وإنما يُترَكُ إلى غيره في الأسماء والأفعال لِمَا يَعرِضُ في بعض المبنيَّات / من كونه متمكِّناً قبل حاله المُفْضِيَةِ به إلى بنائه أو لاتِّبَاعِ الْمُشاكِلِ مُشَاكِلَهُ، أو لخلاف هذا الوجه من كراهية اجتماع المِثْلِ مع المِثْلِ، فإذا جاء الشيءُ على بابه فلا وجهَ لرَدِّه ولا مساغَ في دفْعِهِ، على أنَّه لو جاء مخالفاً لبابه لَلَزِمَ أنْ تَتَّبِعَهُ، ولم يجز لنا أن ندفَعَهُ فيما نُعَلَّمُهُ ونُدَوِّنُهُ من هذه القوانين، إنمَّا هو أن نتوصَّلَ بها إلى النُّطق باللِّسَان، ونُسوِّيَ بين مَن لم يكن من أهل اللغة بتعلُّمِهِ إيَّاها وتمسُّكِهِ بها، بأهل الفصاحة والبيان، فإذا ورد السَّمعُ في نحو هذا بشيءٍ وجَبَ اتِّباعُهُ، ولم يَبْقَ غَرَضٌ مطلوبٌ بعده. فإن قال قائلٌ: ما تنكِرُ أنْ يكونَ في منعه الميمَ أن يكونَ محرَّكاً لالتقاء السَّاكنين بالكسر مصيباً؛ إذ كان ((جَيْرِ)) وما ذكَرْتَهُ من الشَّاذِّ عن القياس، وإنْ كان مطَّرداً في الاستعمال، فلا يَسُوغُ أن يُجيزَ تصحيحَ العين في نحو: ((استقام)) ، وإنْ جاء ((استَحْوَذَ)) مُطَّرِداً في الاستعمال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 قيل له: إنمَّا كان يجب أن يُحكَمَ بشذوذِ ((جَيْرِ)) ونحوه عن القياس ممَّا حُرِّكَ بالكسر في التقاء السَّاكنين وقبله ياءٌ لو كان المتحرِّكُ بالفتح أكثرَ منه وأَشْيَعَ، فأمَّا والمتحرِّكُ بالكسر مما قبلَه الياءُ أكثَرُ من المتحرِّك بالفتح، أو مثلُهُ، أو قريبٌ منه، فلا يَسُوغُ أن يُحْكَمَ عليه بالشُّذوذ عن الاستعمال؛ ألا ترى أنَّ ((استحْوَذَ)) و ((أَغْيَلَت)) (1) وبابَه إنما قلنا فيه: إنه شاذٌّ عن القياس لكثرة المعتل في هذا الباب وقلَّة الصَّحيح، ولو كان المصحَّحُ أكثَرَ من المعتلِّ لَمَا قلنا فيه: إنه شاذٌّ في الاستعمال. فتَبَيَّنَ أنَّ منْعَ مجيء الميمِ مكسورةً لالتقاء السَّاكنين غيرُ سائغٍ من هذا الوجه؛ إذ كانت المتحرِّكاتُ بالكسر من نحوه مثلَ المتحرِّكات بالفتح، بل أكثرُ منه. * * * المسألة الرَّابعة قال أبو إسحاق (2) : ((فأمَّا ((صاد)) فقرأها الحسن (3) : {صَادِ * وَالقُرْآنِ} فكَسَرَ الدَّالَ، فقال أهلُ اللُّغة: معناه: صَادِ القرآنَ بعملك؛ أي: تَعَمَّدْهُ، وسقطت الباءُ للأمر)) . قال: ((ويجوز أنْ يكونَ كُسِرَت الدَّالُ لالتقاء السَّاكنين إذا نَوَيْتَ الوَصْلَ. وكذلك قرأ عبدُ الله بنُ أبي إسحاقَ (4) لالتقاء السَّاكنين، وقرأ عيسى (5) : {صادَ * والقُرْآنِ} ، وكذلك: {نُوْنَ} و {قَافَ} بالفتح أيضاً لالتقاء السَّاكنين)) . قال: ((وقال أبو الحسن (6) : يجوزُ أن تكونَ ((صَادَ)) و ((قَافَ)) و ((نُونَ)) أسماءً للسُّوَر منصوبةً إلاَّ أنَّهَا لا تُصرَفُ كما لا تُصرَفُ جملةُ أسماء المؤنَّث)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 قال (1) : ((والقولُ الأوَّلُ أعني الفتحَ والكسرَ من أجل التقاء السَّاكنين أَقْيَسُ؛ لأنه (2) يزعُمُ أنه يَنصِبُ هذه الأشياءَ كأنه قال: اذْكُرْ صادَ، وكذلك يُجيزُ في ((حم)) و ((طس)) و ((يس)) النَّصبَ أيضاً على أنها أسماءٌ للسُّوَر، ولو قرَأَ بهذا قارِئٌ لكان وجهُهُ الفتحَ لالتقاء السَّاكنين)) . قال أبو عليٍّ (أيَّده الله) (3) : أقولُ: إنَّ ما حكاه أبو إسحاقَ من أنَّ أهلَ اللغة قالوا في قراءة الحسن: {صَادِ} معناه: ((صادِ القرآنَ بعَمَلِكَ)) تمثيلٌ ليس بالجيِّد؛ ألا ترى أنَّ الواوَ على التمثيل غيرُ متعلِّقٍ بشيءٍ، فلا يَعرِفُ المبتدِئُ ومَن فَوقَهُ أيضاً ما معناها، وبأيِّ شيءٍ تَعَلُّقُهَا. والجيِّدُ في مثالِ هذا أن يُقالَ: معناه: صادِ بالقرآن عَمَلَكَ (4) ؛ لِيُعلَمَ بالمثال من الاستدلال أنَّ الواوَ عِوَضٌ من الباء الجارَّة على هذا التَّأويل (5) ،كما أنَّها عِوَضٌ منها في القَسَم، وأنَّ قولَهُ: {وَالقُرْآنِ} في موضع / نصبٍ بالفعل الظَّاهر، وليس بالفعل المضمَر كقراءة مَنْ أَسْكَنَهَا أو فَتَحَهَا، و ((صَادِ)) على هذا التَّأويل مأخوذٌ من الصَّدَى (6) الذي هو اسمٌ لما يُعارِضُ الصَّوتَ في الجَبَلِ ونحوِه من الأجسام الصَّقيلة والكثيفة (كأنَّه صوتٌ آخَرُ) (7) . قال الشَّاعرُ (8) : صَمَّ صَدَاهَا وعَفَا رَسْمُهَا وَاسْتَعْجَمَتْ عَنْ مَنْطِقِ السَّائِلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 فكأنَّ المعنى والله أعلَمُ: ليَتَّبِعْ عَمَلُكَ القرآنَ مطابِقَاً وموافِقاً له،كقوله: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (1) ، وهذا القولُ (2) إن ثَبَتَتْ رِوَايةٌ به عن الحسن فهو الذي لا يُدفَعُ عن التَّأويل والعلمِ بوجوه التَّنزيل، وإن لم تثبُتْ به روايةٌ عنه، وإنمَّا تأوَّلَهُ أهلُ اللُّغةِ، فحَمْلُهُ على أنَّ كَسْرَهُ لالتقاء السَّاكنين كما أنَّ فتْحَهُ لذلك أَجْوَدُ؛ إذ لم نجد الواوَ تُبدَلُ من الباء الجارَّةِ في غير القَسَم، ووجدْنَا هذه الفواتِحَ في أوائل السُّوَرِ قد حُرِّكَت لالتقاء السَّاكنين، وكُسِرَت كما فُتِحَت، فحَمْلُها على ما عليه غيرُها أَحسَنُ من إخراجها عن جملتها إلى ما لا نظيرَ له. ألا ترى أنَّكَ إذا تأوَّلْتَ الكسرَ في ذلك على أنَّه أمرٌ بزِنَةِ (فَاعِلْ) خالفْتَ بها قراءةَ مَن فتَحَها بعَينِها، ومَن كسَرَ {قَافِ} ، وجَعَلْتَ الواوَ بَدَلاً من الباء في غير القَسَم، وكانت الواوُ (3) خلافَ التي في قول مَن فَتَحَ فقرأ: {صَادَ * وَالقُرْآنِ} ، وإذا قدَّرْتَ الكسرةَ للسَّاكنَين، تشاكَلَت القراءتان وتطابَقَتَا، ولم تخالِفْ واحدةٌ منهما الأخرى، ومع هذا فليس بممتنعٍ في اللَّفظ، ولا بمردودٍ في المعنى، بل كِلاَ الأمرَين يَعْضُدُه ويُثبِتُهُ ولا يَدفَعُهُ. أمَّا اللَّفظُ فلأنَّ الكلمةَ على زِنَةٍ (4) لا تُنكَرُ، والواوُ من الباء في غيره قد أُبدِلَ. وأمَّا المعنى فلأنَّ ما أشبَهَهُ من الأمر في التَّنزيل قد ثَبَتَ وحُضَّ عليه وكُرِّرَ كقوله - عز وجل -: {وَاتَّبِعْ مَا يُوْحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (5) ، ونحو ذلك من الآي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 وزعمَ الفرَّاءُ (1) أنَّ قولَهُ: {صَاد} معناها كقولِكَ: وَجَبَ واللهِ، كأنَّهُ قالَ: وَجَبَ والقرآن، فإنْ كان ذلك رُوِيَ عن بعض المفسِّرين، وإلاَّ فلستُ أعرِفُهُ. فأمَّا تمثيلُهُ إيَّاه ب ((وَجَبَ)) فرديءٌ؛ لأنه ذَكَرَ فِعْلاً لم يُسْنِدْهُ إلى فاعلٍ، فليس يُعلَمُ ما فاعلُ الوجوب، ولا بم يتعلَّقُ، وإذا كان ذلك كذلك لم يكن كلاماً. فإن قال قائلٌ: فيكونُ فاعلُهُ المصدَرَ،كأنَّهُ وجَبَ الوُجُوبُ،كما قُلْتُمْ في قوله: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِيْنٍ} (2) المعنى: ثُمَّ بدا لهم بَدْوٌ (3) . قيلَ له: لا يُشْبِهُ هذا ((وَجَبَ)) ؛ لأنَّ ((بدا لهم بَدْوٌ)) بمنزلة ظَهَرَ لهم رَأيٌ، ثم فُسِّرَ ذلك الرَّأيُ ما هو بالجملة التي هي ((لَيَسْجُنُنَّهُ)) ، فلذلك كان حسناً مفيداً؛ إذ كان في المعنى بمنزلة قولكَ: ثمَّ بَدَا لهم سَجْنُهُ، فإنْ شَبَّهَ ((وَجَبَ الوجوب)) بما تَلَوناه، فقدجَمَعَ بين مختلفَين، ووفَّقَ بين أمرين غير مشتبهين. وزعَمَ (4) أنه يُقَالُ: إنَّهُ أرادَ: لَكَمْ أهلكنا، فلمَّا فصَلَ بينهما حَذَفَ اللاَّمَ، مثلُ قولِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (5) بعد قوله: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} . وهذا الذي ذَكَره (6) غيرُ جائزٍ البتَّةَ (7) عندنا؛ وذلك أنه لا مَدخَلَ لشيءٍ من اللاَّمات على ((كم)) ، أمَّا التي للابتداء فتمتنعُ من الدُّخُول عليها من جهتَين: إحداهما: لانتصاب ((كم)) بالفعل الذي بعده، وهي لا تَدخُلُ على المفعولات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 والجهةُ الأخرى: أنَّ هذه اللاَّمَ إنمَّا تدخُلُ على المبتدأ الذي تتسلَّطُ عليه الأفعالُ الدَّاخلةُ على المبتدأ والخبر وما ضارعها، فإذا لم يجُزْ دخولُ هذه الأفعالِِ عليه، لم يجُزْ دخولُ لامِ الابتداء؛ لأنها تبقى متعلِّقةً، و ((كم)) في كلتا جهتيها الخبرِ والاستفهامِ لا يَعمَلُ فيها ما قبلها، ولا تُبنَى عليه، وإنمَّا تُبنَى الجملةُ التي هي فيه على ما قبلها،/ فالحكْمُ لها من دونها. وأمَّا الداخلةُ على الأفعال دون الأسماء نحو: لَيَنْطَلِقَنَّ، ولقد قام زَيدٌ، فإنها تختصُّ بالدُّخُول على الأفعال دون الأسماء، وإذا كان كذلك لم يكن لها على ((كم)) مَدْخَلٌ؛ إذ كانت اسماً. فإن قال قائلٌ: فما يُنكِرُ أنْ تكونَ اللاَّمُ التي تَدخُلُ على الأفعال مُرَادةً في ((كم)) محذوفةً لطول الكلام، وأنَّ دخولها في ((كم)) العاملُ فيه ((أهلَكْنا)) بمنزلة دخولِهَا على ((إلى)) المعلَّقة بالفعل المنتصبةِ الموضعِ في قوله تعالى: {لإِلى اللهِ تُحْشَرُوْنَ} (1) فكما جاز دخولها على الجارِّ المنتصب الموضع، كذلك يجوز دخولها على ((كم)) المنتصبة؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 فالجوابُ عندي: أنَّ التَّقديرَ بهذه اللاَّم في قوله - عز وجل -: {لإِلى اللهِ تُحْشَرُوْنَ} أن تكون داخلةً على ((تُحشَرون)) . ألا ترى أنَّ القَسَم إنما وقع على أنهم يُحشَرون لا على الجارِّ والمجرور، فالمقسَمُ عليه الفعلُ، وهو المؤكَّدُ باللاَّم والمتلَقِّي للقَسَم. وإنمَّا دخلت اللاَّمُ على الجارِّ لتقدُّمِهَا عليه، ولم تدخل إحدى النُّونَين على الفعل لوقوعه على الحرف،كما لم تدخُلْ في قوله: {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} (1) لوقوعه على الحرف، وجاز دخولها على الحرف في كلا الموضعين إذ المرادُ به التَّأخيرُ، كما جاز دخولُ لام الابتداء في مثل: إنَّ زيداً لطَعَامَكَ آكِلٌ، إذ المرادُ به التَّأخيرُ إلى الخبر. فإذا كان التَّقديرُ ما ذَكَرْنَا، لم يجز أن يكونَ {كَمْ أَهْلَكْنَا} بمنزلة {لإِلى اللهِ تُحْشَرُوْنَ} في جواز دخول اللاَّم عليها، كدخولها في ((كم)) ؛ إذ كان دخولها في قوله تعالى: {لإِلى اللهِ تُحْشَرُوْنَ} بمنزلة دخوله على الفعل حسب ما تكون عليه هذه اللامُ في سائر مواضعها ومتصرَّفاتها. وليس يَسُوغُ تقديرُ دخولها على الفعل في ((كم)) . فإن قال قائلٌ: فقَدِّرْ دخولهَا على الفعل الذي هو ((أهلَكْنَا)) وبعد ((كم)) كما قَدَّرْتَ دخولَهَا على الفعل الذي بعد الجارِّ. فالجوابُ: أنَّ اللاَّمَ التي للقَسَم لا يجوزُ تقديرها بعد ((كم)) ، ووقوعُهَا على الفعل النَّاصب له؛ لأن ((كم)) لا تخلو من أن تكون خبراً أو استفهاماً، وفي كلتا جِهَتَيْهَا لا يتعلَّقُ شيءٌ مما قبلها بها، فلو قَدَّرْتَ اللاَّمَ داخلةً على قوله: ((أهلَكْنَا)) ، لم يجُزْ أنْ تكونَ جواباً؛ لِمَا ذَكَرْتُ من انقطاع ذلك في كِلاَ وجهَيه مما قبله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 فإذا امتنع بما ذَكَرْنَا دخولُ واحدةٍ من اللاَّمَين على ((كم)) ، ولم يَسُغْ تقديرُها فيها لِمَا بَيَّنَّا،كما جاز تقديرُها في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} ، تبيَّنَ أنَّ قولَ الفرَّاء: (( {كَمْ أَهْلَكْنَا} جوابٌ للقَسَم)) خَطَأٌ. وقد ذَكَرْنَا وجوهَ اللاَّماتِ في هذا الكتاب عند ذِكْرِنَا لقوله - عز وجل -: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} (1) ذِكْراً يستوفيها بوجوهها قريباً من تقصِّيها. قال الفرَّاءُ: وقيل (2) : {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} (3) قال: وذلك بعيدٌ لذِكْرِ قَصَصٍ مختلفةٍ جَرَتْ بينهما (4) . وليس يمتنع عندي لِجَرْيِ هذه القَصَصِ أن تكون عليه، وإن كان الأحسَنُ غيرَه، وليس الفصلُ بهذه القَصَصِ بينهما بأبعَدَ من ذِكْرِ أمرٍ في سورةٍ يكونُ الجوابُ عنه في سورةٍ أخرى،كقوله - عز وجل - حكايةً عن قائِلِه: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ} (5) ، وقوله: {وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي في الأَسْوَاقِ} (6) ، و {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً} (7) ، ثمَّ قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوْحِي إِلَيْهِمْ} (8) ، و {مَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَ يَأْكُلُوْنَ الطَّعَامَ} (9) ونحو هذا، فكذلك هذا لا يمتنع، والله أعلم. فأمَّا ما حكاه أبو إسحاقَ (10) عن أبي الحسن (11) مِن جواز كونِ ((صادَ)) و ((قافَ)) و ((نونَ)) أسماءً للسُّوَرِ منصوبةً، إلاَّ أنَّهَا لا تنصرفُ كما لا تنصرفُ أسماءُ المؤنَّث. فقد قاله سيبويهِ (12) ، وزعم أنَّ انتصابه على ((اذكُرْ)) . وينبغي أنْ يُعلَمَ أنَّ سيبويهِ (لم يُرِدْ) (13) بتمثيله انتصابَ / هذا أنَّهُ على جهة القَسَم بهذه الفواتح كقوله (14) : الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 أَلاَ رُبَّ مَنْ قَلْبِي لَهُ اللهَ نَاصِحُ لأنَّ ذلك ممتنعٌ غيرُ سائغ. فإن قلتَ: فمِنْ أينَ امتنع وهذه السُّوَرُ قرآنٌ، وقد أقسَمَ الله - عز وجل - به ظاهراً وعلى ما لا إشكالَ فيه كقوله تعالى: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} (1) {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيْدِ} (2) ونحو ذلك؟ فالذي يمتنع هذا له من الجواز أنَّ القَسَمَ على هذا التَّأويل يبقى غيرَ متعلِّقٍ بمُقْسَمٍ عليه. ألا ترى أنَّهُ إذا قال: ((قافَ)) و ((صادَ)) فنَصَبَه بأنَّهُ مُقْسَمٌ به، لم يتلَقَّهُ محلوفٌ عليه. يدلُّكَ على ذلك استئنافُكَ باسمٍ آخَرَ لا يجوز عطفُهُ على هذا الاسم الأوَّلِ إذا قدَّرْتَهُ مُقْسَماً به لانجراره بالواو. فهذا التَّأويلُ الذي ذَكَرْنَا امتناعَهُ في هذه الفواتح لا يخلو الاسمُ المنجَرُّ فيه من أحد أمرَين: إمَّا أنْ يكونَ معطوفاً على ما قبله، وإمَّا أن يكون مستأنَفاً منه منقطعاً. فلا يجوز أن يكون معطوفاً على ما قبله؛ لانجراره وانتصاب المعطوف عليه. فإذا لم يجز ذلك ثبَتَ أنه منقطعٌ مما قبله، وأنَّ الواوَ للقَسَم لا للعطف، وإذا كان كذلك لم يكن الأوَّلُ قَسَماً. ألا ترى أنَّ الخليلَ وسيبويهِ لم يُجيزا في قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} (3) كونَ الواوَين اللَّتَين بعد الأُولى قَسَماً كالأُولى، فقالا فيهما (4) : إنَّهما للعطف لماَّ كان يلزَمُ في إجازة ذلك من بقاء القَسَمِ الأوَّلِ غيرَ متعلِّقٍ بمُقسَمٍ عليه. فإن قلتَ: فما يُنكِرُ أنْ يكونَ قولُهُ: ((اُذْكُر القرآنَ)) مَخْرَجُهُ على غير القَسَم، وأنَّهُ مُقسَمٌ عليه،كأنَّهُ قال: اُذْكُرْ صادَ والقرآنِ. فتكونُ هذه الأشياءُ مُقسَماً عليها، ويكون ما بعدها قَسَماً كقولك: اُذْكُرْ زَيداً واللهِ؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 فذلك غيرُ جائزٍ من أجل أنَّ هذه الأسماءَ المقسَمَ بها المنْجَرَّةَ بالواو قد تُلُقِّيَتْ بما هو أجوبةٌ لها؛ ألا ترى أنَّ قولَهُ تعالى: {وَالْقَلَمِ} (1) قد أُجِيب بقوله: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} . وكذلك {صَاد} وسائرُ هذه الأسماء المقسَم بها. فالوجْهُ عندنا فيمَن فَتَحَ شيئاً من هذه الفواتح أنْ تُحْمَلَ على التقاء السَّاكِنَين، كما أنَّ مَنْ كَسَرَ لم يكُنْ إلاَّ كذلك. * * * المسألة الخامسة قال (2) في قوله - عز وجل -: {الَّذِيْنَ يُؤْمِنُوْنَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيْمُوْنَ الصَّلاَةَ} [البقرة: 3] بعد كلامٍ كثيرٍ ذَكَرَه في حذف الهمزة من (أَفْعَل) الذي هو فعلٌ ماضٍ في المضارع: ((الأصلُ في (يُقِيم) : يُؤَقْيِمُ ولكنَّ الهمزة حُذِفَت لأنَّ الضَّمَّ دليلٌ على ذوات الأربعة، ولو ثَبَتَ لوَجَبَ إذا أنبأتَ عن نفسِكَ (أن تقولَ) (3) : أنا أُؤَقْيِمُ (4) ، فتجتمعُ همزتان فاستُثْقِلَتَا، فحُذِفَت الهمزةُ التي هي فاءُ الفعل، وتبعَ سائرُ الفعل ذلك)) . قال أبو عليٍّ (أيَّدَهُ الله) (5) : اعْلَمْ أنَّ الأفعال لا تخلو من أن تكون ثلاثيةً أو رباعيةً، والثلاثيةُ لا تخلو من أن تكون أصولاً أو ذواتَ زوائِدَ وكذلك الرباعيُّ، وجميعُ هذه الأصناف في اختلافها تَنْتَظِمُ أبنيَةُ مُضَارِعِهَا ما يتضمَّنُ أمثلةَ ماضيها إلاَّ أنْ يكونَ الأوَّلُ حرفاً مجتَلَباً في الابتداء لسُكُونِ ما بعدَه، أو حرفَ علَّةٍ. وحروفُ العلَّةِ: الواوُ والياءُ والهمزةُ. فالأوَّلُ الذي يُحذَفُ فيه حرفُ العلَّةِ في المضارع على ضربَين: أحدهما: أنْ يكونَ الحرفُ أوَّلَ ثلاثيٍّ أصلٍ. والآخَرُ: أن يكون أوَّلَ ثلاثيٍّ ذي زيادةٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 فالحرفُ الأوَّلُ المعتلُّ من بنات الثَّلاثة ينقسمُ بانقسام حروف العلَّة وهي: الياءُ والواوُ والهمزةُ، والذي يطَّرِدُ حذفُهُ من ذلك الواوُ من المضارع إذا كانت فاءً واقعةً بين ياءٍ وكسرةٍ، ثمَّ يتبَعُ سائرُ حروف المضارَعَةِ الياءَ، فتُحذَفُ الواوُ معهنَّ كما حُذِفَت معها، ولا تُحذَفُ في غير (يَفعَلُ) . فأمَّا الياءُ إذا كانت فاءً، فلا يُحذَفُ في المضارعة كيف كان بناؤُهُ. وحَكَى سيبويهِ (1) على جهة الشُّذوذ: ((يَئِسُ)) مثل: يَعِدُ. ونظيرُ هذا في القلَّةِ ما حَكَى من / قولهم في مضارع ((وَجَدَ)) : يَجُدُ (2) . والهمزةُ مثل الياء في الإتمام وتركِ الحذف إلاَّ ما جاء من قولهم: كُلْ وخُذْ. والضَّرْبُ الآخَرُ الذي يُحذَفُ فيه الحرفُ الأوَّلُ من الثُّلاثيِّ ذي الزِّيادة الثَّابتِ في الماضي من المضارع هو بناءُ (أَفْعَلَ) نحو: أَكْرَمَ، وأَعْطَى، وآمَنَ، وهذه الهمزةُ تُحذَفُ في المضارع كراهيةً لاجتماع الهمزتَين،كما ذَكَرَ سيبويهِ (3) ، ثمَّ أُتبِعَ سائرُ الحروف الهمزةَ، كما أُتبِعَ في باب ((وعَدَ)) الياء. والدَّليلُ على أنَّ حذْفَهَا لكراهية التقائهما: أنَّهُ حيثُ أُبدِلَ منها حرفٌ مُقارِبٌ لها أُتِمَّ ولم يُحْذَفْ، فقالوا: يُهَرِيقُ (وجاء على ما كان يَلزَمُ أن يكونَ عليه هذا المثالُ، هذا في مَنْ فَتَحَ فقالَ: يُهَرِيقُ) (4) . فأمَّا مَنْ أسْكَنَ فقالَ: أَهْرَقْتُ أُهْرِيقُ، فإنَّهَا عنده مِثْلُ: أَسْطَعْتُ وأُسْطِيعُ. جعَلَ الهاء عِوَضاً ممَّا دخل الكلمةَ من الضَّعف والتَّهيُّؤ للحذف في الجزم والوقف، كما أنَّ السِّينَ في ((أسْطَعْتُ)) كذلك، وحذفُها مطَّرِدٌ في الكلام، وربمَّا أثبَتَهَا الشَّاعرُ في الضَّرورة. أنشَدَ سيبويهِ (5) : كُرَاتُ غُلاَمٍ في كِسَاءٍ مُؤَرْنَبِ فأمَّا قولُهُ (6) : وَصَالِيَاتٍ كَكَمَا يُؤَثْفَيْنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 فعلى هذا وجْهُهُ. و ((أُثْفِيَّةٌ)) على قياس قوله هذا (أُفْعُولَةٌ) (1) . قال: أحمدُ ابنُ يحيى (2) عن ابن الأعرابيِّ (3) : جاء فلانٌ يَثْفُوهُ، ويَثْفِيهِ، ويَثِفُهُ، ويَكْسُوهُ، ويَذْنُبُهُ، ويَدْمُرُهُ،كُلُّهُ بمعنًى واحدٍ. ف ((يُؤَثْفَيْنْ)) على هذا (يُؤَفْعَلْنْ) ، ويجوزُ أنْ يكونَ (يُفَعْلَيْنْ) مثل: يُسَلْقَيْنْ (4) . قال أبو زيدٍ (5) : (( [يقالُ] : تأثَّفْنَا بالمكان إذا أَلِفُوهُ ولم يَبْرَحُوهُ)) ، ف ((يُؤَثْفَيْنْ)) على هذا (يُفَعْلَيْنْ) ، وأُثْفِيَّة (فُعْلِيَّة) ، ومن كلا المعنيين يجوز أن نأخُذَ أُثْفِيَّةً؛ لأنَّهُم يَصِفُونها في أشعارهم بالخُلُود والإقامة والعَكْفِ والرُّكُود. وتأثَّفنا: أقَمْنَا، كما أنَّ يَثْفُوهُ: قَامَ مَقَامَه. وحَمْلُهَا على أنَّهَا (أُفْعُولَة) والهمزةُ زائدةٌ كأنَّهُ أقوى؛ لأنَّ هذه الكلمةَ أكثَرُ تصرُّفاً، ولا يمتنعُ الوجهُ الآخَرُ. ويجوزُ في ((أُثْفِيَّة)) في مَنْ جعَلَها (أُفْعُولَة) أنْ تكونَ اللاَّمُ ياءً إذا أخَذَه مِن ((يَثْفِيه)) ، ويجوزُ أنْ تكونَ واواً. وكونُهُ من الواو أكثَرُ؛ لأنَّ ((يَثِفُهُ)) لا يكونُ إلاَّ من الواو. فإن قلتَ: هلاَّ قلتَ: إنَّهُ من الياء (6) مِن قولِ مَنْ قال: يَثْفِيْه؛ إذ لو كانت من الواو (7) لَصَحَّت؛ لأنَّهُ لا شيءَ يُوجِبُ قلبَهَا ياءً من كسرةٍ وياءٍ مُدغَمٍ فيها؟ قيل له: إنَّ (أُفْعُول) قد تُقلَبُ اللامُ فيه إذا كانت واواً كثيراً؛ ألا تراهم قالوا: ((أُدْحِيُّ النَّعَامِ)) (8) وهو مِن دَحَا يَدْحُو. وحروفٌ كثيرةٌ مثله، فكذلك ((أُثْفِيَّة)) . فأمَّا قولهم: ((الأُرْوِيَّة)) للأنثى من الوُعُول، فقد شرحناه في ((المسائل المشكلة)) (9) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 وأمَّا ((الأُرْبِيَّة)) [لأصلِ الفَخِذِ] (1) فتكون (أُفْعُولَة) مِن رَبَا يَرْبُو أُرْبِيَّةً لارتفاعِهِ على سائر أعْظُمِ الرِّجْلِ في النِّصْبَةِ، أو لزيادتها عليه في الخِلْقَة. وإنْ شئتَ كان (فُعْلِيَّة) من ((الإِرْب)) الذي هو بمعنى التَّوَفُّر (2) ، من قوله في الحديث: ((أنَّهُ أُتِيَ بِكَتِفٍ مُؤَرَّبَةٍ)) (3) ، ومن قولهم: ((فلانٌ أَرِيبٌ)) (4) إذا وُصِفَ بالكمال وتوفُّرِ العقل. وقال أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ الحسنِ بنِ دُرَيد (5) : ((قالوا: جاء فلانٌ في أُرْبِيَّةٍ؛ إذا جاء في جماعةٍ من قومه)) . فأمَّا ((الأُثْبِيَّةُ)) للجماعة ف (أُفْعُولَة) ؛ لقولهم: ثُبَةٌ، فالمحذوفُ اللامُ، وقالوا: ((ثَبَّيْتُ الرَّجُلَ)) (6) إذا جمعْتَ محاسِنَهُ، فالهمزةُ زائدةٌ ولا تكون فاءً. * * * مسألةٌ من هذا الباب (7) : أنشَدَنا مَن نَثِقُ بروايته عن الدِّمَشْقيِّ (8) عن قُطْرُبٍ (9) للأعْشَى (10) : وَمَا أَيْبُلِيٌّ عَلَى هَيْكَلٍ بَنَاهُ وَصَلَّبَ فِيْهِ وَصَارَا قال أبو عليٍّ: فقوله: ((أَيْبُلِيٌّ)) لا يخلو من أحد أمرين: إمَّا أن يكونَ الاسمُ أعجمياً أو عربيّاً، فإن كان الاسمُ أعجميّاً فلا إشكالَ فيه؛ لأنَّ الأعجميَّ إذا عُرِّبَ لا يُوجِبُ تعريبُهُ أن يكونَ موافقاً / لأبنية العربيِّ (11) ، وإن كان عربياً جاز عندي أن يكونَ أَيْبُليٌّ (فَيْعُلِيٌّ) (12) من قوله (13) : بِهِ أَبَلَتْ شَهْرَيْ رَبِيْعٍ ... ونحوِه، إذا اجتزَأَتْ بالرُّطْب عن الماء (14) . فكذلك هذا الرَّاهِبُ قد اقتصر بما على هَيكَلِهِ، واجتزأ به، وانقطَعَ عن غيره. فإن قلتَ: فقد قال سيبويهِ (15) : ليس في الكلام على مثل: (فَيْعُل) ، فكيف يصحُّ ما ذَكَرْتَه من ((أيْبُليٌّ)) ؟ فإنِّهُ يجوزُ أنْ يكونَ لم يَعْتَدَّ بهذا الحرف لقلَّتِهِ، وقد فعل مثلَ ذلك في حروف نحو: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 ((إنْقَحْل)) (1) . وأيضاً ففي النِّسبة مثل: تَحَوِيٌّ إذا أضفْتَ إلى ((تحيَّة)) ، فهذا لكَ فيه بعضُ الاستئناس أنه قد يجيء في بناء النِّسبة ما لا يجيءُ في غيره. ولا يَبعُدُ هذا،كما جاء مع الهاء بِنَاءٌ لم يجئ بلا هاءٍ، والتَّاءُ وياءُ النِّسبة أَختان. ألا ترى أنَّ ((زنجيّاً)) و ((زنجاً)) كثيرٌ، مثل شَعِيرةٍ وشعير (2) . فكما جاء (مَفْعُلَة) مع الهاء، ولم يجئ بلا هاءٍ كذلك يجوز أن يكون مع ياءَي النَّسب ما لا يجيءُ مع غيرهما لمشابهتهما لهما فيما ذَكَرْنَا (3) . ولماَّ كانت الفاءاتُ من ذوات الثَّلاثة كما ذَكَرْنَا في انقسامها بعدد حروف العلَّة، وكان هذا البناءُ يُنقَلُ إلى (أَفْعَلَ) بالهمزة لمعانٍ سِوَى الإلحاق، نُقِلَ ما كان الفاءُ منه هَمْزةً، كما نُقِلَ غيرُهُ وزِيدَتْ فيه الهمزةُ وذلك نحو: آمَنَ وآتَى وآذَنَ. وشَرْطُ المضارع أنْ ينتظِمَ حروفَ الماضي إلا ما استُثْنِيَ من هذه الهمزة وغيرِها، فكما أنَّ المحذوفَ من نحو: ((أَكْرَمَ)) و ((أَقْعَدَ)) في المضارع الهمزةُ دون الفاء، كذلك المحذوفُ ممَّا كانت فاؤُهُ همزةً هذا الحرفُ الزَّائدُ دون الذي هو فاءٌ. فقولُهُ في آخِرِ الفصل الذي كتبناه: ((حُذِفَت الهمزةُ التي هي فاءُ الفعل (4)) ) سَهْوٌ بَيِّنٌ، والتَّذكير بما ذَكَرْنَاه من هذا يُجزِئُ عن الاحتجاج والإكثار، ولولا أنَّ غَرَضَنَا في هذه المسائل إصلاحُ مواضعِ السَّهْو لَتَرَكْنَا ذِكْرَ هذا وما أشبَهَه لوُضُوحِهِ، وتجاوَزْنَاهُ إلى غيره. ألا ترى أنَّ آمَنَ مثلُ أَقْعَدَ، فكما تقولُ: يُقْعِدُ فتَحْذِفُ الهمزةَ وتُثبِتُ الفاءَ، كذلك في قولك: يُؤْمِنُ، تحذِفُ الهمزةَ الزَّائدةَ ل (أَفْعَلَ) ، وتُثْبِتُ التي هي فاءٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 ولكَ في مضارع آمَنَ وآذَنَ (1) واسمِ الفاعل منه وفي نحوه ضربان: تخفيفُهَا وتحقيقُهَا، ولكِلا الأمرين وَجْهٌ فجهةُ التَّحقيق أنَّكَ كنتَ خفَّفْتَ في الماضي لاجتماع همزتين، وفي المضارع لاجتماع همزتين أو ثلاثٍ. فإذا زال المعنى الموجِبُ للتَّخفيف رَجَعْتَ إلى التَّحقيق، فقُلْتَ: يُؤْمِنُ، ومُؤْمِن، فخفَّفْتَ الفاءَ التي كنتَ أبدَلْتَ لاجتماع الهمزتين لزوال اجتماعهما، والتَّخفيفُ عندي أقوى في مقاييس العربيَّة وأَوْجَهُ؛ لأنَّ الأفعالَ المعتلَّةَ إذا لَحِقَ بناءً منها علَّةٌ لمعنى أُتبِعَ سائرُ الأبنيةِ العاريةِ من تلك العلَّة المعتلَّ. يَدُلُّكَ على ذلك قولُهُم: يقومُ، ويبيعُ، وأَقَالَ، ويُقِيلُ، ويَعِدُ، ونَعِدُ، وأَعِدُ ويُكرِمُ، فكما تُعَلُّ هذه الأشياءُ لإتباع بعضها بعضاً، كذلك يُعَلُّ ((يؤمِنُ)) و ((مؤمن)) لإتباعه ((آمَنَ)) . بل الإعلالُ للإتباع في هذا يزدادُ قوَّةً وحُسْناً على غيره؛ لأنَّهُ يَلزَمُهُ أيضاً الاعتلالُ في قولهم: ((أُؤْمِنُ)) للإبدال. فإذا أُتبِعَ ما اعتلَّ في موضعٍ واحدٍ سائرَ الأبنية نحو ما مثَّلنا، فما اعتلَّ في موضعَين أَولى بالإتباع (2) ، وما ذَكَرْنَاهُ من الحجَّة لإيثار التَّخفيف حُجَّةٌ لأبي عمرٍو في قراءته: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 {يُوْمِنُونَ} (1) ، واختيارُهُ ذلك على التَّحقيق، وذلك أنَّ حرفَ المضارَعَة المضمومَ صادَفَ حرفاً ينقلبُ ألِفاً قبلَ أن يَلحَقَهُ، فلمَّا وَلِيَ المضمومَ، انقلبت الألِفُ واواً، فعلى هذه الجهة يُوَجَّهُ التَّخفيفُ في قوله، لا على مَن قال: ((جُوْنَة)) في تخفيف ((جُؤْنَة)) (2) ، وإنْ كان (3) اللَّفظان واحداً، ومِن ثَمَّ قَرَأَ: {يَا صَالِحُ ايْتِنَا} (4) فتَرَكَ الفاء مُعَلَّةً للزوم العلَّة لها في غير هذا الموضع، كما تركها مُعلَّةً / في: {يُوْمِنُوْنَ} ، ولم يحقِّق الهمزةَ ولم يُرْجِعْهَا، كما لم يحقِّقْهَا في {يُوْمِنُوْنَ} . (وقد ذَكَرْنا هذا مستقصًى في موضعٍ آخر (5) ، وذَكَرَ الشَّيخُ أنَّ هذه المسألةَ فيها زيادةٌ لم تتمَّ) (6) . * * * الحواشي والتعليقات غريب الحديث 1/49. أبرز مصادر ترجمته: تاريخ بغداد 7/275، ونزهة الألبا: 232، وإنباه الرواة 1/308، ومعجم الأدباء 7/232، ووفيات الأعيان 2/80، وإشارة التعيين: 83، وبغية الوعاة 1/496، وشذرات الذهب 3/88، وكتاب ((أبو علي الفارسي)) للدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي. ومراجع أخرى تراها في حواشي تلك الكتب. بينها وبين شيراز أربع مراحل. انظر معجم البلدان 4/260 (فسا) . انظر كتاب أبو علي الفارسي: 117. انظر كتاب أبو علي الفارسي: 132. انظرها مفصلةً في كتاب أبو علي الفارسي: 147 148. حققه الأستاذان: بدر الدين قهوجي، وبشير جويجاتي، وطبع بدمشق متتالياً ابتداء من سنة 1404 هـ 1413 هـ. حققه الدكتور حسن شاذلي فرهود، وطبع بالرياض سنة 1408هـ. حققه الدكتور حسن شاذلي فرهود، وطبع بالرياض سنة 1401هـ، كما حققه الدكتور كاظم بحر المرجان، وطبع بالموصل سنة 1401هـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 طبع بثلاثة تحقيقات: بتحقيق الدكتور إسماعيل عمايرة بعمَّان 1401هـ، والدكتور علي جابر المنصوري ببغداد سنة 1402هـ، والدكتور محمد الشاطر أحمد بالقاهرة سنة 1403هـ. حققه صلاح الدين السنكاوي، وطبع ببغداد. حققه الدكتور علي جابر المنصوري، وطبع ببيروت سنة 1406 هـ. حققه الدكتور حسن هنداوي، وطبع بدمشق سنة 1407هـ. حققه الأستاذ مصطفى الحدري، وطبع بدمشق سنة 1406هـ. حققه الدكتور محمد الشاطر أحمد، وطبع بالقاهرة سنة 1405هـ. حققه الدكتور حسن هنداوي، وطبع بدمشق سنة 1407هـ، كما حققه الدكتور محمود الطناحي، وطبع بالقاهرة سنة 1408هـ. حققه الدكتور عوض القوزي، وطبع بالقاهرة متتالياً ابتداءً من سنة 1410هـ. انظر معجم الأدباء 7/251 252. طبقات النحاة واللغويين: 295، وانظر كتاب ((أبو علي الفارسي)) : 487. أبو علي الفارسي: 483. انظر نهاية المسألة [33] وقارنه بما جاء في الكتاب 3/129 الحاشية (1) . انظر: أبو علي الفارسي 130. أبو علي الفارسي: 129. الإمتاع والمؤانسة 1/131 132. أبو علي الفارسي: 130. البحر المحيط 1/331 332، وانظر كتاب ((أبو علي الفارسي)) : 477. انظر اللوحة: [50/ب] . الكتاب 3/113 114. وانظر اللوحة [93/ أب] . انظر اللوحة: [18/ب] . انظر اللوحة: [50/أ] . انظر مثلاً المسألة (10) اللوحة [24/أ] ، واللوحة [24/ب] . انظر المسألة (16) اللوحة: [40/ب] . انظر المسألة (82) اللوحة: [102/ب 103/أ] . انظر اللوحة: [42/ب] . انظر اللوحة: [44/أ] . انظر مثلاً اللوحات: [4/ب] ، و [44/ب] ، و [83/أ] . انظر كتاب ((أبو علي الفارسي)) : 467. انظر مقدمة تحقيق المسائل المشكلة (البغداديات) : 31 34. انظر اللوحة: [40/أ] . كما نقله ابن ولاَّد في ((الانتصار)) : 208. وهذا المشهور عنه في كتب النحاة. انظر: شرح التسهيل لابن مالك 3/398، والمساعد 2/502. انظر اللوحة: [40/أ] . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 انظر نهاية المسألة (83) اللوحة: [105/ب] . انظر مثلاً نهاية المسألة [24] اللوحة: (55/أ) . المسألة [43] ، اللوحة: [52/59 60] . انظر المسائل الحلبيات: 262، 377. انظر المسائل البغداديات: 312. انظر معجم الأدباء 7/240 241، وانظر: الفهرست: 95. إنباه الرواة 1/309. انظر بداية كلام الفارسي في المسألة [65] . انظر نهاية المسألة [99] اللوحة: [121/أ] . انظر المسائل الحلبيات ص: 262، 377، والمسائل البغداديات: 312. أبو علي الفارسي: 477. هذا التقسيم من نسخة (ش) . ما بين القوسين من نسخة (ص) ، وقد جاء عنوانُ الكتاب فيها بعد البسملة هكذا: ((كتاب المسائل المصلحة من كتاب أبي إسحاق)) . رقَّمَت النُّسختان المسائلَ، ولم يستمرَّ التَّرقيمُ إلى نهاية الكتاب، بل وقف في المنتصف تقريباً، على أنَّه لم يبتدئ من أولها أيضاً بل ابتدأ في نسخة (ص) من المسألة (20) ، وفي نسخة (ش) من المسألة (3) . وقد قمتُ بترقيم المسائل الرئيسية كلِّها من أول الكتاب إلى نهايته، دون المسائل الفرعية الواردة في أثناء المسائل الأصلية، حيث سأفردها بالذكر في فهرس مسائل الكتاب إن شاء الله تعالى. معاني القرآن وإعرابه 1/43. وقد نقل ابن سيده (رحمه الله) هذه المسألة بتمامها في المخصص 17/136 151، كما نقل البغدادي ردَّ ابن خالويه على (الإغفال) ، وردَّ الفارسيِّ عليه في كتابٍ له آخر سمَّاه (نقض الهاذور) . انظر الخزانة 2/281 287، 10/356 360. من الآية: 24، وانظر كلام الزجَّاج في معاني القرآن وإعرابه 5/151 152. سقطت كلمتا ((الأصل فيه)) من (ش) . انظر الكتاب 2/197. الكتاب 2/195. الكتاب 3/498 ولا دليل فيه على ما قصده المصنف. وانظر: اشتقاق أسماء الله للزجاجي: 27، ومجالس العلماء له: 57، والبارع للقالي: 108، والصحاح (ليه) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 سورة الأعراف: من الآية: 127. وهي قراءةٌ شاذة رُويت عن بعض الصحابة، انظرها في تفسير الطبري (جامع البيان) 13/39 40، ومختصر الشَّواذّ: 45، والمحتسب 1/256. وانظر كتاب العين 4/91، وتفسير ابن عباس: 232. كتاب الهمز: 9 10. البيت لرؤبة في ديوانه: 165، وقبله: لله دَرُّ الْغَانِيَاتِ الْمُدَّهِ وأنشده أبو زيد في كتاب الهمز: 9 10. وانظر: العين 4/90، والمسائل الحلبيات: 336، والمحتسب 1/256 وشرح المفصل 1/3 سورة الحشر: من الآية: 23. أي: أنه اسم مصدر. قال ابن دريد في جمهرة اللغة 1/110: ((وفسَّر بعض العلماء باللغة قولهم: (لله درك) قال: أرادوا صالح عملك؛ لأن الدر أفضل ما يُحتَلَبُ)) . وانظر: الفاخر: 55، والزاهر 1/391، وجمهرة الأمثال 2/210. ما بين القوسين ساقط من (ش) ، ومن نص المخصص 17/137. انظر: الجيم لأبي عمرو الشيباني 3/225، والصحاح (أله) . وفي تكملته للصغاني (أله) : أنَّ ((الإلاهة)) اسمٌ للهلال أيضاً عن أبي عمرو. البيت من الوافر لميَّة بنت عتيبة بن الحارث (أم البنين) كما في الجيم لأبي عمرو الشيباني 3/225، وقيل: لبنت عبد الحارث اليربوعي، ويقال: لنائحة عتيبة بن الحارث. انظر جمهرة اللغة 2/991، وسر الصناعة 2/784، والمحتسب 2/123، ومعجم البلدان 5/18، والتاج (أله) . (وراجع تخريج البيت في الجمهرة 1/367) . واللعباء: موضع بالبحرين. سورة فصلت: من الآية: 37. ومن قوله: ((روي عن ابن عباس)) إلى هنا، نقله ابنُ سيده في المخصص 13/9697. ثعلب، ولم أقف على حكايته هذه مع أنه تعرض للكلام على قوله تعالى في قراءة: {وَيَذَرَكَ وَإِلاَهَتَكَ} وقال: ((وإلاهَتَكَ أي: عبادتك، ومَن قرأ: {وإلاهَتَكَ} أراد: أنك تُعبَدُ ولا تَعْبُدُ، ومَن قرأ: {وآلِهَتَكَ} أراد التي يعبدها)) . انظر مجالس ثعلب 1/180 181 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 العبارة في (ش) : ((منقولةٌ من أسماء الأجناس نحو ... )) . قوله: ((غيرَ مصروفٍ)) ساقطٌ من (ش) . النوادر: 403. سورة نوح: من الآية: 23. هو عمرو بن عبد الجن. والبيت من الطويل، وقد أنشده أبو علي في المسائل الحلبيات: 287، وانظر: سر الصناعة 1/359، وأمالي ابن الشجري 1/235، 3/121، والإنصاف: 318، والخزانة 7/214. وقنة العزى: أعلاها، والعَنْدَمُ: صبغٌ أحمر، ويُسَمَّى البقَّمُ، فارسيٌّ معرَّبٌ. انظر المعرَّب: 59، وقصد السبيل 1/292. وهي قراءة السَّبعة. سورة الأعراف: من الآية: 138. انظرهما في الكتاب 2/194 196 و 3/498، وانظر مجالس العلماء: 56 57. وهذا القول هو أعلى قولَي سيبويه رحمه الله كما قال ابن جني في الخصائص 3/150، وراجع التعليقة على الكتاب 1/278. في (ش) : ((لاه)) . انظر الكتاب 3/556. كلمة ((ألقيت)) ساقطة من (ش) . العبارة في (ش) : ((فهي وإن كانت ملقاة متقاة في النية ... )) . جيْألُ وجيْألَةُ: الضَّبُعُ. انظر: التعليقة على الكتاب 4/12، واللسان (جأل) ، وفيه: ((قال أبو عليٍّ النحويُّ: وربما قالوا: جَيَل بالتخفيف، ويتركون الياء مصحَّحَةً؛ لأن الهمزة وإن كانت ملقاةً من اللفظ، فهي مُبَقَّاةٌ في النيَّة معاملةٌ معاملةَ المثبَتةِ غير المحذوفة)) . في (ش) : باب، وفي (ص) : ((قاب)) .، ولعل ما أثبته الصحيح. حيث إن الأصل: مرموي، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياءً، وأدغمت الياء في الياء فأصبح مرميّ. اللوحة (3/أب) سقطت بكاملها من النسخة (ص) ، وهي تبدأ من اللوحة (5) في نسخة (ش) . أي: التي في ((إله)) . في (ش) : ((وأما الدلالة)) ، وانظر المخصَّص 17/139. انظر الكتاب 2/195، 3/500، والتعليقة عليه لأبي علي 1/340. قوله: (من أن يكون) ساقطٌ من (ش) . الكتاب 2/195. في (ش) : (مما يقربه) ، وانظر الكتاب 2/195. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 لابن خالويه رد على أبي علي في مسائل هذا الكتاب، ولأبي علي ردٌّ عليه في كتابٍ سماه ((نقض الهاذور)) ،. وقد أورد العلامة البغدادي منه قدراً مهماً فيما يخص هذه الفقرة. انظر الخزانة 2/281، وراجع التعليقة على الكتاب 1/278. البيتُ من مجزوء الكامل، وهو لذي جَدَن الحميري كما نصَّ السِّجستاني في كتابه (المعمَّرون والوصايا) ص: 43، وانظر: مجالس العلماء: 57، والخصائص 3/151، وأمالي ابن الشجري 1/188، 2/193، والخزانة 2/280. كلمة ((مفتوحة)) ساقطة من (ش) . سورة الكهف: من الآية: 38. ورد هذا التشبيه ابن كيسان انظر: إعراب القرآن للنحاس 1/183، والخصائص 3/141. وراجع: إعراب القراءات للعكبري 1/111، والتبيان 1/19، والبحر المحيط 1/41. سورة البقرة: من الآية: 4 وغيرها. لم أقف على قوله في المقتضب والكامل اعتماداً على فهارسهما. انظر الكتاب 3/541، قال السيرافي: ((معنى قولنا: بين بين في هذا الموضع وفي كل موضع يرد بعده من الهمز أن تجعلها من مخرج الحرف الذي منه حركة الهمزة، فإذا كانت مفتوحة جعلناها متوسطة إخراجها بين الهمزة وبين الألف؛ لأن الألف من الفتحة، وذلك قولك: سال إذا خففنا سأل، وقرا يا فتى إذا خففنا قرأ، وإذا كانت مضمومة فجعلناها بين بين أخرجناها متوسطة بين الهمزة والواو كقولنا: لوم تخفيف لؤم، وإذا كانت مكسورة جعلناها بين الياء وبين الهمزة)) انظر شرح الكتاب 5/5 أ (مخطوط) . انظر الكتاب 3/5، وسر الصناعة 1/113، 118، 2/745، واللسان (ويل) . في (ش) : ((أناس)) . الكتاب 2/195 196، 3/5. العين 8/350، وانظر الكتاب 3/5. الفَذُّ: جاء في اللسان (فذذ) : ((وكلمةٌ فذَّةٌ وفاذَّةٌ: شاذةٌ)) . انظر الكتاب 2/196، والمنصف 2/227. يردُّ على الكسائي الذي حذف الهمزة من ((إليك)) في النقل المتقدم عنه ص: 49. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 انظر المقتضب 3/31، ورصف المباني: 387، والجنى الداني: 304. لأنها مركبةٌ من ((ها)) للتنبيه)) و ((لُمَّ)) فعلُ أمرٍ من لمَّ الله أمرَه أي: جمعه. قال: ((ولو كانت على ما يقول الخليل لما قلتَ: أما زيداً فلن أضربَ؛ لأن هذا اسمٌ والفعل صلةٌ، فكأنه قال: أما زيداً فلا الضربُ له)) . الكتاب 3/5. العبارة في (ش) : ((سيبويه ولا كثير من أصحابه ويفسد قياس ... )) . في (ش) : ((أسوغ)) . النوادر: 583، وانظر الكتاب 3/5. نقله ابن جني في سر الصناعة 1/234 عن شيخه أبي علي. في (ش) : ((لا يكونُ فيه الإدغام)) . انظر الكتاب 4/437. سورة الأعراف: من الآية: 143. سورة الروم: من الآية: 50. سورة المائدة: من الآية: 24. الكتاب 3/498، وانظر: الانتصار: 233، والتعليقة على الكتاب 1/278، وكتاب الشعر: 45 وما بعدها (تحقيق د. الطناحي) ، والمسائل البصريات 2/909، والصحاح (ليه) . قوله: ((عن الياء)) ساقطٌ من (ش) . انظر قولَ أبي العبَّاس وردَّ ابن ولاَّدٍ عليه في الانتصار: 233، وانظر كلام سيبويه في الكتاب 2/195 196، 3/498. والعبارة في (ش) : ((فقال سيبويه: إن تقدير فعال ... )) . النص في الانتصار: 233. ويقال أيضاً (تُرْتَب، وتُرْتُب) . ومعناها: الأمر الثَّابت. والتاء الأولى فيها زائدة لأنه ليس في الكلام كجَعْفُر، وكذلك الاشتقاق يدل عليه لأنها من الشيء الراتب. الكتاب 3/196، والتعليقة عليه لأبي عليٍّ 3/11 12. وانظر: المسائل البصريات 2/794، وسر الصناعة 1/120، 158، 168، والصحاح (رتب) . حيث هي من (مَصَرَ) . والمصير منها هو المِعَى، والجمع: أمصرةٌ ومُصران مثل: رغيف ورُغفان. انظر اللسان (مصر) . قوله: ((وعلى هذا بأنه أصل)) ساقط من (ش) . زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 والمسَلُ والمسيلُ بمعنى المكان الذي يسيل فيه ماء السيل، والجمع: أمسلة ومُسُل ومُسلان ومسايل. انظر اللسان (سيل، مسل) . وهو قول سيبويه. انظر الكتاب 4/93، وسر الصناعة 1/154. رجلٌ مأْلٌ: ضخمٌ كثير اللحم تارٌّ. اللسان (مأل) . أي: يتبعه. فعلى الأول (هو يثفوه) معناه: هو يَتْبعُهُ، ووزنه على هذا (أُفْعُولَة) ، والثاني (تأثَّفنا بالمكان) قال أبو زيد في النوادر: 325: ((يقال: تأثَّفنا بالمكان تأثُّفاً إذا أَلِفُوهُ فلم يبرحوهُ)) ووزنه على هذا (فُعْلُوْيَة) . وانظر كلام الفارسي على ((أثفيَّة)) فيما يأتي من هذا الكتاب عند قول الشاعر: وَصَالِيَاتٍ كَكَمَا يُؤَثْفَيْنْ وراجع: المنصف 2/185، واللسان (ثفا) 14/114. الأروى: جمع أُروية، وهي أنثى الوعول. وانظر المسائل البغداديات: 127. الأفْكل: رِعْدةٌ تعلو الإنسان. ولا فعلَ له. اللسان (فكل) . الأرطى: شجرٌ ينبت بالرمل. انظر اللسان (روى) 14/351. انظر: المنتخب 1/85، والصحاح (ربا) والتاج (أرب، ربو) . ما بين القوسين ساقطٌ من (ش) . قوله: ((عين الفعل)) ساقط من (ش) . الدَّخَلُ: العيبُ. في (ش) : ((لكون الياء)) . أي: الألف. نسبة إلى ((زبينة)) اسم قبيلة. انظر الكتاب 3/335 336. رجزٌ لرجل من حِمْيَر كما في النوادر: 347، وقد أنشده أبو علي في المسائل العسكريات: 114، وقبله: يَا بْنَ الزُّبيرِ طَالَ مَا عَصَيْكَا وَطَالَ مَا عَنَّيْتَنَا إِلَيْكَا وانظر سر الصناعة 1/280، والخزانة 4/428، وشرح شواهد شرح الشافية: 425. في (ش) : ((قد اختلف فيه)) . في الصحاح (هور) : ((هار الجرفُ يهور هوراً وهُؤوراً، فهو هائرٌ، ويقالُ: جرفٌ هارٍ، خفضوه في موضع الرفع وأرادوا هائرٌ، وهو مقلوبٌ من الثلاثي إلى الرباعي، كما قلبوا شائك السلاح إلى شاكي السلاح)) . في (ش) : ((فيما ذكرنا)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 فأصل الكلمة على هذا (أنْوُق) على (أفْعُل) ، قدمت الواو على النون فصارت: (أونُق) ، ثم قلبت الواو ياء فأصبحت (أيْنُق) على (أعْفُل) . انظر شرح التصريف للثمانيني: 324 325، وشرح الشافية 1/22. وفي نسخة (ش) : ((ياء)) . وهو الذي ذهب إليه المصنف في تعليقته على الكتاب 4/264، وهو قول سيبويه في الكتاب 4/285 حيث قال: ((كما جعلوا ياء أينق وألف يمان عوضاً)) . وانظر شرح التصريف للثمانيني: 324 325، والنكت 2/1166. النوادر: 392 دون نسبة، وهما في المخصص 14/118، 17/145، واللسان (زهق) . ويروى معهما بيتٌ ثالث هو: وذاتِ أَلْيَاطٍ وَمُخٍّ زَاهِقِ انظر هذا التساؤل والجواب عنه في إيضاح الشعر: 57. في النسختين (فعل) . في اللسان (فوق) : ((الفُوقُ من السَّهم: موضع الوتر، والجمع: فُقًا، مقلوبٌ)) وأنشد البيت. من الهزج، وهو للفِنْدِ الزِّمَّاني (شهل بن شيبان) في شعره: 310، وينسب إلى امرئ القيس بن عابس، وهو في شعره: 377 (ضمن أشعار المراقسة) . وقد أنشده الفارسي في المسائل البصريات 2/920. من الآية: 152 من سورة الأنعام، وسور أخرى. وانظر السبعة: 272. في (ش) : ((لاه)) . ((الأناس)) سقطت من (ش) . سبق في صفحة: 47. انظر صفحة: 43 وما بعدها. الكتاب 3/498. في (ش) : ((حذفوا اللامين من قولهم: لاه أبوك، حذفوا لام الإضافة واللام الأخرى)) . انظر الكتاب 2/196، والمنصف 2/227. في (ش) : ((علامة المنصوب)) . انظر كلام أبي علي عن هذه المسألة في كتابه إيضاح الشعر: 50. في (ش) : ((جاءني زيد قامَ، تريدُ: قد قام زيدٌ)) . سورة البقرة: من الآية: 28. التقدير: ((وقد كنتم)) انظر معاني القرآن للفراء 1/24. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 الخارجي، يمدح قوماً من الأزد نزل بهم متنكراً فأكرموه. والبيت من الطويل وهو في شعر الخوارج: 182، وراجع تخريحه هناك. وقد أنشده الفارسي في إيضاح الشعر: 68، 420، وانظر أمالي ابن الشجري 1/407. كقول الكميت: طَرِبْتُ وَمَا شَوْقاً إِلى الْبِيْضِ أَطْرَبُ وَلاَ لَعِباً مِنِّي وَذُوْ الشَّيْبِ يَلْعَبُ أراد: أوَ ذو الشيب يلعب. وكقول عمر بن أبي ربيعة: ثُمَّ قَالُوا تُحِبُّهَا قُلْتُ بَهْراً عَدَدَ الْقَطْرِ وَالْحَصَى وَالتُّرَابِ أراد: أتحبها، يدل عليه ما قبله. وانظر كلام ابن جني على ذلك في الخصائص 2/281. من الوافر، وقد اختلف في نسبته، فنسب إلى أبي طالبٍ، وإلى حسَّان رضي الله عنه، ولم أقف عليه في شعرهما. وانظر: الكتاب 3/8، والمقتضب 2/130، وسر الصناعة 1/391، والإنصاف 2/530، وشرح المفصل 7/35، والمغني: 297، وشرح أبياته 4/335، والخزانة 9/11. من الطويل، ولم أجده في النوادر اعتماداً على فهارسه، وقد أنشده أبو عليٍّ في المسائل البغداديات: 469 منسوباً إلى عمران بن حطان الخارجي، ولم أجده في شعره، ونقله عنه تلميذه ابن جني في سر الصناعة 1/390. وانظر: شرح المفصل 7/6، 9/24. من البسيط، يخاطب الشَّاعر به ابنه لما سمع أنه يتمنى موته. انظر: معاني القرآن للفراء 1/159، ومجالس ثعلب 2/456، وسر الصناعة 1/390، والمغني: 297، وشرح أبياته 4/333. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 من الوافر، وهو لدِثار بن شيبان النَّمَري، ونُسِبَ في الكتاب 3/45 إلى الأعشى، ونسبه القالي في أماليه 2/102 إلى الفرزدق، ولم أجده في ديوانيهما. قال الأعلم في تحصيل عين الذهب: 399: ويروى للحطيئة، وهو في ملحق ديوانه: 338. وفي شرح المفصل 7/33 هو لربيعة بن جشم. وانظر: معاني الفراء 2/314، ومجالس ثعلب 2/456، ومختارات ابن الشجري: 415، والإنصاف 2/531، وضرائر الشعر: 150، والمغني: 519، وشرح أبياته 6/229، وشرح الشواهد للعيني 4/392. والنَّدى: بُعْدُ الصوت، والتقدير: لتدعي ولأدعُ على معنى الأمر. سورة الجاثية: من الآية: 14. قال الفراء في معاني القرآن 3/45: ((فهذا مجزوم بالتَّشبيه بالجزاء والشَّرط كأنه قولك: قم تصبْ خيراً)) . ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا} [الإسراء: 53] . والجزم في (يغفروا) و (يقيموا) و (يقولوا) مختلف فيه على أقوال انظرها في التبيان 2/769، والدر المصون 4/269 (وهو أوفاها) ، والمغني: 298، 840. وانظر: الكتاب 3/98، ومعاني القرآن للفراء 2/425، والمقتضب 2/81 82، ومعاني القرآن وإعرابه 3/162، وإعراب القرآن للنحاس 4/143، ومشكل إعراب القرآن 1/405، والمحرر الوجيز 13/304، وأمالي ابن الشجري 2/477، وشرح الكافية 2/248، والبحر المحيط 5/426. سورة إبراهيم: من الآية: 31. وقد نسب السمين الحلبي إلى أبي علي أنه يقول: ((إنه مضارع صرف عن الأمر إلى الخبر، ومعناه: أقيموا)) قال: ((وهذا مردود ... )) . الدر المصون 4/270. انظر الكتاب 3/498. انظر الكتاب 1/25، 4/285، 483، وسر الصناعة 1/199، 202. انظر الكتاب 1/262، والأصول 2/248، وإيضاح الشعر: 63. انظر الكتاب 4/482، والأصول 4/432. انظر الكتاب 4/482، 484. هِبت وخِفت على (فَعِلتُ) ، وطُلْتُ على (فَعُلْتُ) لقولهم: طويل. انظر المنصف 1/238، 247. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 في (ش) : ((ولم يسكن في ضربت، ولو كان المحذوف فقد دلَّك ... )) . قال سيبويه: ((ومثل هذا قول بعضهم: ((علْمَاءِ بنو فلان، فحذف اللام، يريد: على الماء بنو فلان. وهي عربية)) . الكتاب 4/485. وانظر الأصول 3/434. قال سيبويه في الكتاب 4/484: ((ومن الشَّاذ قولُهُم في بني العنبر وبني الحارث: بَلْعَنْبَر وبَلْحَارث بحذف النون)) ، والأصل: بني الحارث، وبني العنبر، واللام والنون قريبتا المخارج. وانظر الأصول 3/433. في (ش) : ((المكرر من الأول)) . سورة محمد ش: من الآية: 18. وتخفيفُ الهمزة الأولى رواه سيبويه عن أبي عمرو. انظر الكتاب 3/549، والإقناع 1/380 سورة المزمل: من الآية: 20. من (كأنِّي) حيث إن الأصل: كأنَّني، فحُذفت النون الوسطى. عمل (إنْ) المخففة في الاسم الظاهر مسألة خلافية. انظر الإنصاف 1/195 208، والتبيين: 347 352. أي: أجاز عمل (إنْ) المخففة في المضمَر. وليس سيبويه الذي زعم أنها قراءةٌ، بل نقل ذلك فقال في الكتاب 3/166: ((وزعموا أنَّهَا في مصحف أُبيٍّ: {أَنْهُمْ لا يَقْدِرُونَ} )) . والضَّبطُ في الكتاب (أنَّهم) بتشديد النون، وهو خطأ. من الطويل، وهو مجهول القائل، انظر: معاني القرآن للفراء 2/90، والمنصف 3/128، والأزهية: 62، والإنصاف 1/205، ورصف المباني: 196، والخزانة 5/426، وغيرها. قال ابن جني بعد الاستشهاد بالبيت: ((خفَّفها وأعملها في المضمر، وهذا بعيدٌ؛ لأن الإضمار يَرُدُّ الأشياء إلى أصولها، وكان حكمُهُ إذا أعملها في المضمر أن يثقِّلَها، ولكنه حمل المضمر على المظهر، وهو شاذٌّ)) . انظر الكتاب 3/505، والمسائل البغداديات: 162، وسر الصناعة 2/546. في (ش) : ((بك لأفعلن)) . قال سيبويه (رحمه الله) في الكتاب 3/163 164: ((لا تُخفِّفُها في الكلام أبداً وبعدها الأسماءُ إلاَّ وأنتَ تريدُ الثَّقيلةَ مضمراً فيها الاسم)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 ما بين القوسين ساقط من (ص) . أي:من ((لاه)) ، فالمحذوف على قول سيبويه لام الجر؛ لأن الأصل: لله، وراجع ما سبق في صفحة: 61. في (ش) : ((لا تكسر مع المظهر ولا تفتح)) . وانظر إيضاح الشعر: 56. من بيت مهلهل بن ربيعة: يا لَبَكْرٍ أَنشِرُوا لي كُليباً يَا لَبَكْرٍ أيْنَ أَيْنَ الفِرَارُ وهو من المديد في ديوانه: 32، وانظر الكتاب 2/215، وشرح أبياته 1/466، واللاَّمات: 87، والخصائص 3/229 والخزانة 2/162 وهو مذهب أبي عمرٍو فيما حكاه عنه سيبويه. انظر الكتاب 3/549، والإقناع 1/380. تخفيف الثانية قراءة ورش وقنبل. انظر الإقناع 1/378، 380، 381. سورة هود: آية: 72. من الوافر، ولم أقف على نسبته. وانظر: سر الصناعة 2/721، والخصائص 3/135، والمحتسب 1/181، 299، والممتع 2/611، وضرائر الشعر: 131، ورصف المباني: 341، والخزانة 10/355. وجه الاستشهاد أنه حذف الألف التي بعد اللام من لفظ الجلالة في الشَّطر الأوَّل. الكتاب 4/132. الذي في الكتاب 4/132: مادٌّ وجادٌّ. انظر الكتاب 4/122، 132 بغير لفظه، وانظر التعليقة عليه لأبي عليٍّ 4/190. في (ش) : ((متحركة)) . الكتاب 4/122. في الكتاب: ((وقالوا في الجرِّ ... )) . معاني القرآن وإعرابه 1/48 49. جاء الحديث عن الآية (7) من سورة الفاتحة في المسألة [17] حيث جمعها الفارسيُّ مع الآية (71) من سورة البقرة كما هي عادته في جمع بعض الآيات مع غيرها لمناسبة بينها. هذا رأي الخليل، وأغلب البصريين على أنه اسمٌ مضمرٌ والضمائر المتصلة به حروف لا موضع لها. وذهب الكوفيون إلى أن الضمائر المتصلة به هي الضمائر المنصوبة، وأن (إيا) عماد، وبعضهم ذهب إلى أنه بكماله هو الضمير. والمسألة خلافية انظرها في الإنصاف 2/695. وراجع: إعراب القرآن للنحاس 1/173، ومشكل إعراب القرآن 1/69 70. في (ص) : إياك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 انظر الكتاب 1/279، والإنصاف 2/695. والشوابُّ: جمع شابَّة. عبارة ((قال أبو علي رحمه الله)) أو ((أيده الله)) تكررت كثيراً في نسخة دون أخرى، ولن أكرر الإشارة إليها. انظر الحديث عن (إيا) مفصلاً في سر الصناعة 1/312، 2/655. قوله: ((دون الموضعين الآخرين)) وضعت في (ش) بعد كلمة (النصب) السابقة. ما بين القوسين ساقطٌ من (ش) . ما بين القوسين ساقط من (ص) . في هذه المسألة خلاف واسع بين العلماء انظر تفصيله في: سر صناعة الإعراب 1/312 318، 2/655، حيث نقل ابن جني عن أبي عليٍّ جلَّ كلامه هنا، والإنصاف 2/695، وراجع كتاب من آراء الزجاج النحوية ص: 37 46 ففيه بسطٌ للمسألة. انظر العين 8/440 441. والمرجع السابق. في (ش) : وحكى أبو العباس عن أبي الحسن ... أي: غير مضاف. في (ش) : الإضافات. الكتاب 1/279. الموضع السابق. في النسختين: ((التاء)) ، ولعل ما أثبت الصواب. البصريون يرون أن (كِلا) ومثله (كلتا) اسمٌ مفرَدٌ لفظاً مثنى معنى، أما الكوفيون فيرون أنها مثنى لفظاً ومعنى. انظر تفصيل ذلك في شرح أبيات الإيضاح للقيسي 1/404408، والإنصاف 2/439، وقد استوفى الفارسي رحمه الله الحديث عن (كلا) وما تضاف إليه في ((المسائل الشيرازيات)) : 108 125 (مخطوط) . العبارة من قوله قبل الشاهد: ((نحو قوله)) إلى هنا من نسخة (ش) ، وفي ص: جاءت العبارة هكذا: ((نحو قوله: وَكِلاَهُمَا في كَفِّه يَزَنِيَّةٌ كِلاَ الفرِيقَين اشتَهَرْ والسُّرَيْحِيَّاتُ يَخْطَفْنَ الْقَصَرْ وقال الشماخ: ... )) . ويظهر أن فيه خلطاً وتحريفاً. وقوله: ((والسُّرَيْحِيَّاتُ يَخْطَفْنَ الْقَصَرْ)) بيتٌ للعجاج في ديوانه: 42، وصحة روايته: ((وبالسريحيات يخطفن القصر)) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 والسُّريحياتُ: ضربٌ من السُّيوف منسوبةٌ إلى شيء. ورواها ابن سيده: ((السريجيات)) بالجيم المعجمة، قال: ((والسُّريجيات (بالجيم) منسوبةٌ إلى قينٍ يقالُ له: سُرَيجٌ، قال العجاج: والسُّريجيَّات يخطفنَ القَصَر)) والقَصَرُ: أصولُ الأعناق، الواحد: قَصَرَة. انظر جمهرة اللغة 3/1281، والمخصص 6/25. ويَزنيَّةٌ: رماحٌ منسوبةٌ إلى ذي يزن (أحد ملوك حمير) ، تنسب إليه لأنه أول من عملت له. اللسان (يزن) . والهندوانيَّات: السُّيُوفُ المنسوبة إلى حديدِ بلاد الهند. وقد أنشد الفارسي الشطر الأول من الشاهد في مسائله الشيرازيات: 110 (مخطوط) ، والشطر الثاني في اللسان (خطف) . من الوافر، وهو للشَّمَّاخ بن ضرار الغطفاني في ديوانه: 319، وهو مطلع قصيدة له في مدح عَرَابةَ بنِ أوسٍ رضي الله عنه (من بني مالك بن الأوس، صحابي جوادٌ، من سادات المدينة المشهورين، أدرك حياة النبي e وأسلم صغيراً، وفد الشام في أيام معاوية رضي الله عنه، وله معه أخبارٌ، توفي بالمدينة نحو سنة (60 هـ) ، اتصل به الشماخ ومدحه، وهو الذي يقول الشماخ فيه: إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ باليَمِيْنِ فأجزل عَرَابةُ عطاءه. انظر الإصابة ترجمة: 5500، والخزانة 4/349، 353) . والبيت في: المحتسب 1/321، والإنصاف 1/67، وشرح المفصل 3/101. وطُوالةَ: موضعٌ ببرقان فيه بئرٌ ... وقال نصر: طُوالةَ: بئرٌ في ديار بني فزارة لبني مرة وغطفان قال الشماخ ... )) وأنشد البيت. انظر معجم البلدان 4/45. وأروى: اسم محبوبته. معاني القرآن وإعرابه 1/49. وهو قول الكوفيين. انظر مشكل إعراب القرآن 1/70، والإنصاف 2/695. انظر ما سبق في صفحة: 76. ما بين القوسين ساقط من (ش) . انظر الكتاب 2/410 411، والذي في الكتاب: ((وزعم يونس أنه سمع أعرابياً يقول: ضَرَبَ مَنٌ مَنًا)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 معاني القرآن وإعرابه 1/65 66. وفي (ش) جاء في البداية قوله: ((ومن السورة التي يذكر فيها البقرة قال في قوله عز وجل)) . انظر معاني القرآن للفراء 1/9، ومعاني القرآن للأخفش 1/19، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/59. سورة آل عمران: 1 2. وهو قول سيبويه كما سيمر بعد قليل، وانظر الكتاب 4/153. محمد بن الحسن بن أبي سارة الكوفي، أستاذ الكسائي والفراء، كان رجلاً صالحاً، وهو أول من وضع كتاباً في النحو من الكوفيين. انظر أخباره في: طبقات اللغويين والنحويين: 125، ونزهة الألبا: 54، وبغية الوعاة 1/82. ولم أقف على هذه القراءة فيما اطلعت. في (ش) : ((وقع الفعل)) . ما بين القوسين ساقط من (ش) . في (ش) : ((إدخال)) . الكتاب 4/153. أجازه الأخفش مع إجازته قولَ سيبويه أيضاً، قال في معاني القرآن 1/22 23: ((فالميم مفتوحةٌ لأنها لَقِيَهَا حرفٌ ساكنٌ، فلم يكن من حركتها بدٌّ. فإن قيل: فهلاَّ حُرِّكت بالجرِّ؟ فإن هذا لا يلزم فيها؛ إنما أرادوا الحركة، فإذا حرَّكوها بأيِّ حركةٍ كانت فقد وصلوا إلى الكلام بها، ولو كانت كُسِرت لجاز، ولا أعلمها إلاَّ لغة)) . وانظر ما يأتي في صفحة: 91 وما بعدها. في (ش) : تخفيف. في (ص) : يختلف. سورة ص: الآيتان: 41 42. سورة الجن: آية: 16. في (ص) : ملغاة. في (ش) : وإذا أمكن. ساقطٌ من (ش) . ساقط من (ش) . انظر الكتاب 3/545، ومعاني القرآن للأخفش 1/23. في (ش) : ((قبلها)) . انظر الكتاب 3/545. في (ش) : سدورة. وانظر المسائل المشكلة (البغداديات) : 190. سورة التوبة: آية: 42. يقال: ((لَقَضْوَ الرَّجُلُ)) إذا بالغتَ في الخبر عنه بجودة القضاء. قُلبت الياء واواً لانضمام ما قبلها، حيثُ إن الأصل (لقَضُوَ الرجل) بضم الضاد، ثم أسكنت ونويت الضمة فيها. من ((لقَضْوَ)) فيقال: لَقَضُوَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 مخفف ((نؤي)) حيث أقروا الواو وإن كانت ساكنة قبل ياء، وإنما هو لما فيها من نية الهمزة. انظر المنصف 2/125، وسر الصناعة 2/486. والنُّؤي: الحفير جول الخيمة يمنع عنها ماء المطر. انظر اللسان (نأى) . انظر التكملة: 214، والمسائل البغداديات: 189، وسر الصناعة 2/485. الأصل: ((رُوْيا)) تخفيف ((رؤيا)) ، إلا أنهم أجروا الواو في ((روْيا)) وإن كانت بدلاً من الهمزة مجرى الواو اللازمة، فأبدلوها ياءً وأدغموها في الياء بعدها فقالوا: رُيَّا،كما قالوا: طويتُ طَيَّا، ... وشويتُ شيَّا، وأصلها: طوْياً وشوْياً، ثم أبدلوا الواو ياءً، وأدغموها في الياء فصارت طيّاً وشيّاً، فعلى هذا قالوا: رُيّا. انظر سر الصناعة 2/486. سورة النجم: آية: 50، وانظر السبعة: 615، والحجة لأبي علي 6/237، والمسائل البغداديات: 191 192. بسطه في المسائل البغداديات: 190 194، والحجة 6/237 240. انظر التكملة: 215، والمسائل البغداديات: 191، والحجة 6/237. انظر الكتاب 4/445، والمسائل البغداديات: 189، والنكت 2/1253. في (ص) : القليل إلى الكثير. ساقط من (ش) . أي: في الفاتحة. أي: همزة الوصل من (أل) التعريف. في (ش) : لثبتت موصولة. جاءت هذه العبارة في (ش) بعد البيت مع زيادة غير واضحة كما سيأتي. انظر ماسبق في صفحة: 46 47. سبق ذكره في صفحة: 47. جاء النص في نسخة (ش) : ((وهذا حكاه أبو بكرٍ عن أبي العبَّاس عن أبي عثمانَ، وحكى حكايةً عن زيادٍ فيها والالا فيه)) . قال في الكتاب 3/265: ((فإن قلتَ: ما بالي أقول: واحدُ اثنان فأُشِمُّ الواحد، ولا يكون ذلك في هذه الحروف؟ فلأن الواحد اسم متمكنٌ، وليس كالصوت)) . انظر معاني القرآن للأخفش 1/19. ساقط من (ص) . الكتاب 4/153. انظر بداية كلام أبي علي. سورة الشورى: الآيتان: 1 2. ساقط من (ص) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 معاني القرآن 1/22 قال الأخفش: ((ولو كانت كُسِرت لجاز، ولا أعلمها إلا لغة)) . في (ش) : ولم يحك عن سيبويه. الكتاب 3/258، وهي قراءة عيسى بن عمر. انظر: معاني القرآن للأخفش 1/20، وإعراب القرآن للنحاس 3/449، ومختصر الشواذ: 144، والمحتسب 2/281. انظر إعراب القراءات الشواذ 2/388، 505. قال في الكتاب 3/258: ((ويجوزُ أيضاً أن يكون (ياسينُ) و (صادُ) اسمين غير متمكنين، فيُلزَمان الفتحَ، كما ألزمْتَ الأسماءَ غير المتمكنة الحركاتِ نحو: كيفَ، وأينَ، وحيثُ، وأمسِ)) . يقصد كسر الميم من {الم الله} . معاني القرآن 1/22. معاني القرآن وإعرابه 1/66. في (ش) : جاز. يقال: أغيلت المرأة ولدها: سقته الغَيل وهو لبن المأتية أو لبن الحبلى، وأغيَلَت الغنم إذا نُتجت في السنة مرتين. اللسان (غيل) معاني القرآن وإعرابه 1/63 65. من باب فواتح السور، وهذه المسألة متقدمة على سابقتها عند الزجاج في المعاني، حيث إنه قدم قبل البدء بسورة البقرة بباب عن حروف التهجي ذكر فيه (ص) وغيره من الحروف التي افتتحت بها بعض السور. الحسن بن يسار البصري، إمام أهل زمانه علماً وعملاً، توفي سنة 110 هـ. غاية النهاية 1/235. وانظر القراءة في: معاني القرآن للأخفش 1/20، ومختصر الشواذ: 139، والمحتسب 2/230، وإعراب القراءات الشواذ 2/386، والبحر المحيط 7/383. عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي مولاهم، المقرئ النحوي البصري. توفي سنة 117 هـ. أخبار النحويين البصريين: 42، ومراتب النحويين: 31، وإنباه الرواة 2/104. عيسى بن عمر الثقفي، المقرئ النحوي البصري، أخذ عن ابن أبي إسحاق، وعنه أخذ الخليل ابن أحمد. من تصانيفه الإكمال والجامع في النحو، وهما مفقودان. توفي سنة 149 هـ. أخبار النحويين البصريين: 49، وإنباه الرواة 2/104، ومعجم الأدباء 16/146. معاني القرآن 1/20. أي: الزجاج. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 أي: الأخفش. انظر معاني القرآن 1/20. في (ش) : (فآ أقول) وهو رمز للفارسي نفسه كما ورد في مصنفاته الأخرى كالبصريات كثيراً. انظر المحتسب 2/230. وفي معاني القرآن للأخفش 1/20: ((كأنه قال: صاد الحقَّ بعملك أي: تعمَّدْه)) . انظر معاني الحروف المنسوب إلى الرماني: 61، وجواهر الأدب: 198، والجنى الداني: 154. نقله عنه ابن جني في المحتسب 2/230. وردت هذه العبارة في (ش) عقب البيت مباشرة. من السريع لامرئ القيس في ديوانه: 119، وانظر الخصائص 3/76. وهو ثاني أبيات قصيدته التي مطلعها: يَا دَارَ مَاوِيَّةَ بِالحَائِلِ فَالسَّهْبِ فَالخَبْتَينِ مِنْ عَاقِلِ سورة القيامة: آية: 18. أي: قراءة الحسن البصري ((صادِ)) بالكسر. في (ش) : القراءة. في (ش) : وجه. سورة الأحزاب: آية: 2. معاني القرآن 2/396. سورة يوسف: آية: 35. وهذا قول أبي العبَّاس المبرد حيث اعترض على سيبويه، وخطَّأَ تفسيره، وأبدى رأيه قائلاً: ((كأنه والله أعلم: ثم بدا لهم بَدْوٌ، قالوا: ليسجننه، ولم يذكر (قالوا) لدلالة الكلام عليه)) . انظر: الانتصار: 187. وهناك قولان آخران: أولهما: لسيبويه وهو أنَّ الفاعل (ليسجننه) . وثانيهما: أن معنى بدا له في اللغة؛ أي: ظهر له ما لم يكن يعرفه، فالمعنى: ثم بدا لهم أي: لم يكونوا يعرفونه، وحذف هذا لأن في الكلام عليه دليلاً ... انظر الكتاب 3/110، وإعراب القرآن للنحاس 2/329. أي الفراء. انظر معاني القرآن 2/397. سورة الشمس: آية: 9. في (ش) : ((ذكرناه)) . في (ش) : ((في النية)) . سورة آل عمران: آية: 158. سورة الشعراء: آية: 49. وفي (ش) : ((ولسوف)) . سورة الحج: آية: 13. وانظر المسألة [89] . أي: في جواب القسم. انظر معاني القرآن 2/397. سورة ص: آية: 64. وقد أقحم في نسخة (ش) بعد الآية كلمة (فالجواب) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 عبارته في معاني القرآن 2/397: ((فلا نجد ذلك مستقيماً في العربية والله أعلم)) . سورة المؤمنون: آية: 34. سورة الفرقان: آية: 7. سورة الإسراء آية: 47، وسورة الفرقان: آية: 8. سورة يوسف: آية: 109، والنحل: آية: 43. وفي (ش) : {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً} وهي في الأنبياء: 7. سورة الأنبياء: آية: 8. معاني القرآن وإعرابه 1/64. معاني القرآن 1/20، وانظر: ما ينصرف وما لا ينصرف: 84، وإعراب القرآن للنحاس 3/450. وراجع ما سبق من حديث عن ((صاد)) وقول أبي الحسن فيها في المسألة السابقة. الكتاب 3/258. قال سيبويه: ((وقد قرأ بعضهم: {ياسينَ والقرآنِ} ، و {قافَ والقرآنِ} ، فمَن قال هذا فكأنه جعله اسماً أعجمياً، ثم قال: اذكُر ياسينَ. وأما صادُ فلا تحتاج إلى أن تجعله اسماً أعجمياً، لأن هذا البناء والوزن من كلامهم، ولكنه يجوز أن يكون اسماً للسورة فلا تصرفه)) . ساقطٌ من (ش) . صدرُ بيتٍ لذي الرمة في ملحق ديوانه 3/1861، وهو بتمامه: أَلاَ رُبَّ مَنْ قَلْبِي لَهُ اللهَ نَاصِحُ ومَن قلبُهُ لي في الظِّبَاءِ السَّوَانِحِ وانظر: الكتاب 2/109، 3/498، وتحصيل عين الذهب: 513، والمخصص 13/111، وشرح المفصل 9/103. والشاهد فيه: نصب المقسَم به وهو لفظ الجلالة لما حذف حرف الجر، وأوصل إليه الفعلَ المقدرَ، والتقدير: أحلف بالله، ثم حذف الجارَّ، فعملَ الفعلُ فنصَبَ. والسانحُ من الظباء: ما أخَذَ عن ميامن الرامي فلم يمكنه رميُهُ حتى يتحرَّفَ له فيتشاءمَ به. سورة ص: آية: 2. سورة ق: آية: 2. سورة الليل: الآيات: 1 3. انظر الكتاب 3/501. سورة القلم: آية: 2. معاني القرآن وإعرابه 1/72 73. ساقط من (ش) . في (ش) : أقيم. عبارة: ((قال أبو علي أيده الله)) ساقطة من (ش) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 الكتاب 4/54، قال سيبويه (رحمه الله) : ((وزعموا أنَّ بعضَ العرب يقولُ: يَئِسَ يَئِسُ فاعلم، فحذفوا الياءَ مِن (يفعِلُ) لاستثقال الياءات ههنا مع الكسَرَات، فحذف كما حذف الواو، فهذه في القلَّة مثلُ: يَجُدُ)) . الكتاب 4/54 55، قال سيبويه (رحمه الله) : ((وإنمَّا قلَّ مثلُ (يَجُدُ) لأنهم كرهوا الضَّمَّةَ بعد الياء،كما كرهوا الواوَ بعد الياء فيما ذَكَرْتُ لكَ، فكذلك ما هو منها، فكانت الكسرةُ مع الياء أخفَّ عليهم، كما أنَّ الياءَ مع الياء أخفُّ عليهم ... )) . الكتاب 4/279، وانظر: التعليقة عليه 4/260 261، والنكت 2/1165. ساقطٌ من (ص) . الكتاب 4/280، وهو عجز بيت من الطويل لليلى الأخْيَلِيَّة في ديوانها: 56، وفيه (مرنب) بدل (مؤرنب) . وصدره: تَدَلَّتْ عَلَى حُصِّ الرؤُوْسِ كَأَنَّهَا تصفُ قَطاةً تدلَّت على فراخها وهي حُصُّ الرُّؤوس لا ريش لها، والحُصُّ: جمع أحص وحصاء من حصَّ شعره إذا انجرد وتناثر. وكُرات: جمع كُرة. وانظر الشاهد في: المقتضب 2/38، والمنصف 1/192. من السريع، وهو لخُطام المجاشعي، انظر: الكتاب 1/32، 408، 4/280، والمنصف 1/192، وشرح شواهد شرح الشافية: 59. والبيت أنشده المصنف في المسائل البغداديات: 398، والمسائل البصريات 1/538، وراجع الخزانة 2/313 وأماكن أخرى منه. انظر المنصف 1/193، وسر الصناعة 1/173، وشرح شواهد شرح الشافية: 59 60. ثعلب المتوفى سنة 291 هـ. ولم أقف على نقله هذا فيما اطلعت عليه من كتبه. هو محمد بن زياد الأعرابي، نحويٌّ عالم باللغة والشعر، راويةٌ كثيرُ الحفظ. سمع الأعرابَ واستكثر منهم. قرأ على المفضل، وجالس الكسائيَّ. من أشهر تصانيفه (النوادر) . توفي سنة 231 هـ. انظر أخباره في: طبقات النحويين: 195، وإنباه الرواة 3/128، ومعجم الأدباء 18/189، ووفيات الأعيان 4/306. المنصف 1/193. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 النوادر: 325. وكلمة ((يقال)) ساقطة من النسختين، والتوجيه من النوادر. في (ص) : الواو. في (ص) : الياء. أدْحِيُّ النعام: هو موضعها الذي تفرخ فيه. وهو (أُفعولٌ) على هذا، انظر الصحاح (دحا) . قال ابن سيده في المحكم: ((يكون من الياء والواو)) المحكم 3/329. وهي المسائل المعروفة ب (البغداديات) : 127 130. تكملة يستقيم بها السياق، وانظر اللسان (ربا) . انظر اللسان (أرب) ، والتاج (أرب) 1/301. انظر غريب الحديث لابن الجوزي 1/18، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 1/36. وتكملته: ((أنَّهُ أُتِيَ بِكَتِفٍ مُؤَرَّبَةٍ فأكلها وصلَّى ولم يتوضَّأ)) . ومؤَرَّبة: أي متوفِّرة لم ينقص منها شيءٌ. انظر الصحاح واللسان (أرب) . المتوفى سنة 321 هـ، ولم أقف على قوله هذا في الجمهرة، وانظر اللسان (ربا) 14/307. انظر اللسان (ثبا) . أي باب ((أُربيَّة)) و ((أثفيَّة)) و ((وأُرويَّة)) التي سبق الحديث عنها آنفاً. لم أقف عليه. أبو علي محمد بن المستنير النحوي المعروف ب (قطرب) ، لازم سيبويه وكان يدلج إليه، فإذا خرج رآه على بابه فقال له: ما أنت إلا قطرب ليلٍ، فلقب به. توفي سنة 206 هـ. انظر معجم الأدباء 19/53، وبغية الوعاة 1/252. من المتقارب، في ديوانه: 103، يمدح قيس بن معديكرب. وقد أنشده أبو علي في المسائل البصريات 1/267، والمسائل الحلبيات: 368، 374. وانظر: شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف: 293، والخصائص 3/194، والمحتسب 1/63، والمنصف 1/163، والمخصص 13/101، والخزانة 7/218 (عرضاً) . وأَيْبُليٌّ (ويقال: أبيلي) : صاحب أيبل وهي العصا التي يُدَقُّ بها الناقوس، وفيها لغاتٌ انظرها في الخزانة نقلاً عن صاحب القاموس. والهيكل: موضعٌ في صدر الكنيسة يقرب فيه القربان. وصُلَّب: صُوِّرَ فيه الصليب. (الديوان) ، وانظر المعرب: 31. انظر المسائل البصريات 1/267، والمعرب: 31. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 قال أبو علي في المسائل البصريات 1/267: ((وإن كان على (أَفْعُليٍّ) فهو خارجٌ عن أمثلتهم ... ولو قيل: هو (أفْعُليٌّ) ولكنه جاز لأن فيه ياءي النسب، وهما يشبهان هاء التأنيث بدلالة: زنجيٍّ وزنجٍ، وروميٍّ ورومٍ، وقد جاء في هاء التأنيث (مفْعُلَة) ، وليس في الأصول (مفْعُل) ، فكذلك يجوز: أفْعُليٌّ وإن لم يكن في الأصول (أفْعُلٌ) لكان وجهاً)) . من الطويل، وهو جزء من صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح ديوان الهذليين 1/72 وفيه: ((بها أبلَتْ ... )) ، والضمير راجع إلى الظبية المتقدم ذكرها. وتكملة البيت: فَقَدْ أَبَلَتْ شَهْرَيْ رَبِيْعٍ كليهِمَا فَقَدْ مَارَ فيها نَسْؤُهَا واقتِرَارُهَا مارَ: ماج وذهب وجاء. ونسؤها: بدء سمنها. واقترارها: يقال: تقرَّرت الإبل إذا أكلت اليبيس والحِبَّة فعقدت عليها الشحمَ، فخثرت أبوالها فيتجسَّدُ على أفخاذها. (شرح الديوان) . انظر جمهرة اللغة 2/1027. الكتاب 4/266، قال رحمه الله: ((ولا نعلمُ في الكلام فَيْعُل ولا فَيْعِل في الاسم والصفة)) . رجلٌ إنقَحْل وامرأةٌ إنقحْلَةٌ: مخلَقَان من الكبر والهرم، أنشد الأصمعي في كتاب الإبل: 163 (ضمن الكنز اللغوي) : لَمَّا رأتْني خَلَقاً إنقَحْلاَ قال ابن جني: ينبغي أن تكون الهمزة في (إنقحل) للإلحاق بما اقترن بها من النون في باب (جِرْدَحْل) . انظر الخصائص 1/229، وشرح التصريف للثماميني: 263. وجاء رسم العبارة في نسخة (ش) : ((وذلك في حروف حري واسمل)) . ياء النسب عديلة هاء التأنيث في السقوط، فتثبت في المفرد، وتسقط في الجمع. انظر المحكم 7/213، والمخصص 16/101. من قوله: ((أنشدنا)) في أول المسألة، إلى هنا نقله ابن سيده في المخصص 13/101. معاني القرآن وإعرابه: 1/73. في (ص) : آزر. في (ش) : بالاعتلال. هي كثيرة في القرآن، وانظر: السبعة: 133، والإقناع 1/408. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 قال ابن سيده في المحكم 7/341: ((الجؤنة: سُلَيلة مستديرة مغشَّاة أَدَماً يُجعل فيها الطيب والثياب، والجمع: جُؤَن، وكان الفارسيُّ يختار جونة بغير همز، ويقول: هو من الجَوْن الذي هو أسود؛ لأن الجونة موضعُ الطيب، والغالب على لون الطيب السواد)) ، وانظر الصحاح (جون) . كلمة ((كان)) ساقطة من (ص) . سورة الأعرف: آية: 77، وسورة هود: آية: 62. قال سيبويه رحمه الله في كتابه 4/338: ((وزعموا أن أبا عمرٍو قرأ: {يَا صَالِحُيْتِنَا} جعل الهمزةَ ياءً، ثم لم يقلبها واواً، ولم يقولوا هذا في الحرف الذي ليس منفصلاً. وهذه لغةٌ ضعيفةٌ؛ لأنَّ قياسَ هذا أن تقولَ: يا غلامُوجَلْ)) . تحدث الفارسي عن تخفيف الهمز في المسألة [107] فلتنظر. ما بين القوسين لم يرد في (ش) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 دفاع عن كتاب الله (القرآن ... والضرورة الشعرية) أ. د. أحمد مكي الأنصاري أستاذ الدراسات النحوية بقسم الدراسات العليا كلية اللغة العربية - جامعة أم القرى - سابقاً ملخص البحث العنوان: ((دفاع عن كتاب الله: القرآن ... والضرورة الشعرية)) . هذا البحث ... جديد كل الجدة.. لم يمسسه قلم منهجي من قبل، وهو يدافع عن كتاب الله دفاعاً مجيداً، وذلك بتسديد بعض الثغرات التي نفذ منها الطاعنون في القرآن الكريم مثل بعض المستشرقين، وبعض المسلمين المارقين المنحرفين عن جادة الدين الحنيف. والثغرة التي يعالجها هذا البحث علاجاً منهجياً لأول مرة في التاريخ هي ثغرة ((الضرورة الشعرية)) حيث جاء في بعض النصوص القديمة ما يثبت الضرورة الشعرية في كلمة (الغوانِ) من قول الأعشى: وأخو الغوانِ متى يشأْ يَصرِمْنَهُ ويكُنَّ أعداءً بُعَيْد وِدَادِ حيث جاءت كلمة (الغوانِ) محذوفة الياء وهي من الأسماء المنقوصة ... ولما كان في القرآن الكريم نظائر لهذه الكلمة تماماً ... يستطيع أعداء الإسلام أن ينفذوا من هذه الثغرة ويقولون: إن القرآن فيه ضرورة شعرية ... محتجين بأن القاعدة الأصولية تقول: ((ما جاز على أحد المثلين جاز على الآخر)) . ومن هذا المنطق دافع هذا البحث دفاعاً قوياً منهجياً مَدْعوماً بالأدلة القاطعة بأن القرآن الكريم منزّه عن الضرورات الشعرية محتجاً بالأدلة العلمية من ناحية، وبالآية الكريمة الصريحة القاطعة من ناحية أخرى: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين} - وقد أثبت البحث أن حذف الياء من كلمة (الغوانِ) في بيت الأعشى إنما هو للتخفيف وليس للضرورة الشعرية بدليل مجيئه في النثر العربي العريق، وأكثر من هذا أنه جاء في القرآن الكريم في آيات متعددة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 وقد عالج البحث هذه القضية علاجاً منهجياً غير مسبوق، كما يرى القارئ المنصف ذلك واضحاً كل الوضوح وسيقدّره كل التقدير إن شاء الله - والله ولي التوفيق. • • • أبادر فأقول متسائلاً: هل تتأتى الضرورة الشعرية في القرآن الكريم؟ هذا السؤال هو المحور الذي تدور عليه الدراسة في هذا البحث ... وقبل الإجابة عن ذلك ينبغي أن نستعرض معاً بعض ما جاء في تراثنا العربي العريق، وإليك البيان بالتفصيل: جاء في كتاب سيبويه إمام النحويين أجمعين.. ثلاثةُ أبواب عن الضرورة الشعرية، جاء أولُها وأطولُها تحت عنوان: (هذا باب ما يحتمل الشعر) (1) . وقد أوْرد فيه الإمام العبقري كثيراً من الشواهد التي تدخل في هذا الإطار، وكان كعادته دائماً متألِّقاً ومحلِّقاً في الأفق البعيد ... ذلك الذي يعزّ على كثير من فطاحل العلماء في السابقين واللاحقين، وفي الشرق والغرب على السواء هذا إلى أن بعض الشواهد التي أوردها الإمام الملهم تستحق الوقوف عندها، وتستوجب النظر فيها ... ومن تلك الشواهد قول الأعشى: (وأخو الغوانِ متى يشأْ يَصرِمْنَهُ ويكُنَّ (2) أعداءً بُعَيْدَ وِدَادِ) حيث جعل حذف الياء من كلمة (الغوانِ) من باب الضرورة الشعرية ... وفي ذلك نظر أيّ نظر! وقبل أن نخوض في غمار البحث … … ... وقبل أن نقرر شيئاً من الأحكام ... ينبغي أن نلقي الضوء الساطع على ((مفهوم الضرور الشعرية)) ليكون القارئ الكريم على بيّنة من القضية التي يعالجها هذا البحث ... وإليك البيان بالتفصيل: سيبويه ومفهوم الضرورة الشعرية: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 على الرغم من طول صحبتي لكتاب سيبويه، ورجوعي إليه، والتصاقي به، وملازمتي إياه، ودراسته لطلاب وطالبات الدراسات العليا وقراءته قراءة متأنية فاحصة واعية ... على الرغم من كل ذلك لم أوفق في العثور على نص صريح في مفهوم الضرورة الشعرية عند سيبويه، وكل ما نُسب إليه من الآراء في ذلك كان مأخوذاً أخذاً من كلام سيبويه، ومستنبطاً مجرد استنباط فقط دون تصريح بهذا التعريف أو ذاك، ولهذا اختلف العلماء من بعده في مفهوم الضرورة الشعرية اختلافاً كبيراً كما سيأتي بالتفصيل بعد قليل. عالج سيبويه ظاهرة الضرورة الشعرية في ثلاثة أبواب، جاءتْ متفرقة متباعدة في ((الكتاب)) وكان أولها ما جاء بعنوان: ((هذا باب ما يحتمل الشعر)) (3) ، وقد صالَ فيه وجال، وتناول كثيراً من القضايا التي تتعلق بالضرورات الشعرية. ومع ذلك (لم يَسْتَقْصِ) (4) كما يقول السيرافي شارح ((الكتاب)) ، وكما اعترف بذلك سيبويه نفسه في آخر هذا الباب حين قال: ((وما يجوز في الشعر أكثر من أن أذكره لك هنا؛ لأن هذا موضع جُمَل، وسنبين ذلك فيما يُستقبل إن شاء الله)) (5) . وعلى الرغم من هذه العزيمة الصادقة - فيما يبدو - لم يتمكن سيبويه من الوفاء بما وعد من ذكر التفاصيل ... حينما تعرض للضرورة الشعرية في بابين اثنين آخرين في ((الكتاب)) خصصهما للضرورة الشعرية فيما بعد؛ لأن المنية عاجلتْه في ريعان الشباب (6) قبل أن يحقق ما أراد - رحمه الله رحمة واسعة، أما البابان الآخران فعنوانهما كالآتي بالنص: 1 - ((هذا باب ما رخّمت الشعراءُ في غير النداء اضطراراً)) (7) . 2 - ((هذا باب ما يجوز في الشعر من (إيّا) ولا يجوز في الكلام)) (8) . وقد أدرك الإمام السيرافي هذا الاختصار عند سيبويه، فاستدرك عليه وشرح هذا الباب شرحاً موسعّاً مطولاً استحق أن يطبع في كتاب مستقل فيما بعد (9) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 وعلى الرغم من هذا الشرح المستفيض من الإمام السيرافي ... لم يبيّن لنا بياناً شافياً في مفهوم الضرورة الشعرية، بل إنّه لم يتطرق إلى ذلك على الإطلاق، لأنّه شُغِلَ بذكر الأقسام والتفاصيل الدقيقة الأخرى، ((وقد سماه باب ما يشتمل الشعر)) (10) ، ولم يبعد كثيراً عن تسمية سيبويه لهذا الباب. ولم يكن السيرافي وحيداً في عدم بيان ((مفهوم الضرورة الشعرية)) ، بل إنّ شرّاح الكتاب جميعاً - فيما أحصيت - لم يتعرضوا لمفهوم الضرورة الشعرية، ومن هؤلاء الشراح الرماني (11) ، والصفار (12) ، وابن خروف (13) وغيرهم (14) ممن كانت له عناية خاصة بكتاب سيبويه كأبي علي الفارسي في كتاب (التعليقة) (15) ، وأبي نصر المجريطي القرطبي (ت 401 هـ) في مؤلف قيم له سماه (شرح عيون كتاب سيبويه) (16) . وكذلك فعل شرّاح شواهد الكتاب، وأصحاب ((النكت)) على الكتاب، وما أكثر هؤلاء وأولئك، ومنهم على سبيل المثال فقط، الأعلم الشنتمري، وابن السيرافي. هذا وبعد أن فشلتُ في العثور على نص صريح لسيبويه في كل ما أشرت إليه من المراجع السابقة ... اتجهتُ إلى شريحة أخرى من المراجع الخاصة بالضرائر الشعرية ... لعلها تكون قد نقلتْ بعض النصوص من المخطوطات التي لم تنشر بعد، وما أكثر المخطوطات التي تحتاج إلى نشر، وقد قدرها بعض المختصين بحصر المخطوطات في العالم من المكتبات العامة والخاصة ... قدروها بما يربو على ثلاثة ملايين مخطوطة لم تَرَ النور بعد!! وبعد جهد جهيد، وبعد ((اللّتيّا والتي)) كما يقولون خرجتُ من هذه الشريحة بخفّيْ حنين، أو كما يقول الحريري في مقاماته، خرجتُ منه ((خاليَ الوِفاض، باديَ الإِنْفاض)) فلم أعثر على أي نص إطلاقاً، ولم يكن حظي معها بأسعدَ من حظي مع أخواتٍ لها سابقات!! الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 وما أكثر المراجع التي تناولت الضرورة الشعرية في بحوث مستقلة، أو ضمن المؤلفات العامة التي تشتمل على الضرورة وغيرها من الموضوعات الأخرى (17) . اختلاف العلماء في مفهوم الضرورة الشعرية: لقد رأينا العلماء الأجلاء يختلفون اختلافاً كبيراً في مفهوم الضرورة الشعرية، وأبرز خلاف (18) رأيته في ذلك هو ما كان بين الإمامين ابن مالك الجياني، وأبي حيان الأندلسي - فأبو حيان ينكر على ابن مالك فهمه لضرورة الشعر حيث يقول ابن مالك في أكثر من موضع: ليس في هذا البيت ضرورة، لأن قائله يتمكن من أن يقول كذا ... - ففهم أن الضرورة في اصطلاحهم هي الإلجاء إلى الشيء - فعلى زعمه لا توجد ضرورة أصلاً، لأنه ما من ضرورة إلا ويمكن إزالتها باستعمال تركيب آخر غير ذلك التركيب. ويبدو من مناقشة أبي حيان لابن مالك أنّ الضرورة الشعرية عند أبي حيان مقصورة على وقت الإنشاد، أي أن الشاعر لم يستطع الإفلات منها حينما أنشد هذا البيت أو ذاك، أما لو أراد بعد ذلك أن يتفادى هذه الضرورة بتعديل البيت أو تغييره نهائياً فإنّه يستطيع ذلك، وبناء عليه لا تكاد توجد ضرورة على الإطلاق. ويخيّل إليّ أن رأي أبي حيان يتفق مع رأي سيبويه في مفهوم الضرورة الشعرية، غير أن الألوسي يرى أن ابن مالك هو الذي يتفق مع سيبويه في ذلك. فكيف نوفق بين هذا وذاك؟ يلوح لي أن التوفيق لا يتأتي إلا في ظلال التعمق في فهم النصوص الواردة عن ابن مالك، وبعد البحث والتقصي بدا أنّ الإمام ابن مالك له رأيان في الضرورة الشعرية. الرأي الأول يتفق مع المأخوذ من كلام سيبويه، وهو أنّ الضرورة الشعرية هي التي لا مندوحة للشاعر عنها وقت الإنشاد، وذلك لأننا رأينا في أكثر من موقف يُثْبِت الضرورة الشعرية، ويعترف بوجودها، من ذلك مثلاً ما جاء في باب إعراب المتعل الآخر من كتاب التسهيل وشرحه لابن مالك نفسه (19) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 الرأي الثاني هو الذي فهمه أبو حيان من كلام ابن مالك، وبناء عليه أخذ يحاسبه حساباً عسيراً، وينقده كما سلف به البيان، أي أنّ الضرورة الشعرية هي التي لا مندوحة للشاعر عنها في أيّ وقت من الأوقات. وهناك آراء أخرى في الضرورة الشعرية حيث يرى العلامة حازم القرطاجني في كتابه ((منهاج البلغاء)) أنّ الضرورة الشعرية لابدّ أن تكون مستساغة في الذوق البلاغي، ولا يكفي أن تكون جائزة في القواعد اللغوية والنحوية (20) . والذي يعنينا الآن هو الجانب النحوي اللغوي، وخلاصة ما قيل فيه تتجلّى في الآراء الآتية: 1 - الضرورة هي التي تقع في الشعر سواء أكان للشاعر منها مندوحة أم لا. 2 - الضرورة هي التي لا مندوحة للشاعر عنها في أي وقت من الأوقات. وهذا هو الذي فهمه أبو حيان من كلام ابن مالك كما سلف به البيان. 3 - الضرورة هي التي لا مندوحة للشاعر عنها وقت الإنشاد - وهذا ما يؤخذ من كلام سيبويه، وتابعه فيه كثير من العلماء، منهم أبو حيان وابن مالك في أحد قوليه - وهو الراجح في نظري. وجاء في شرح الصفار لكتاب سيبويه رأيان أخران فيهما شيء من الطرافة حيث قال: 4 - ((ومنهم من لم يشترط في الضرورة أن يضطر الشاعر إلى ذلك في شعره، بل جُوِّز له في الشعر ما لا يجوز في الكلام وإن لم يضطر، لكون الشعر قد أُلِفَتْ فيه الضرائر، وإلى هذا ذهب أبو الفتح بن جني ومن أخذ بمذهبه)) (21) . 5 - ((ومنهم من ذهب إلى أن الشاعر يجوز له في كلامه وشعره ما لا يجوز لغير الشاعر في كلامه، لأن لسان الشاعر قد اعتاد الضرائر، فجُوِّزَ له ما لم يجز لغيره، وهو مذهب الأخفش)) (22) . إلى هنا نكتفي بهذه العجالة في ((مفهوم الضرورة الشعرية)) إيثاراً للإيجاز - ومن أراد المزيد فعليه بالرجوع إلى أمهات الكتب القديمة والحديثة على السواء (23) . القرآن وظاهرة حذف الياء: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 الآن آن لنا أن ندخل في صلب الموضوع ... لنرى أمثال كلمة (الغوانِ) في القرآن الكريم ... هل لها وجود؟ نعم لها وجود بدليل أن لها نظائر متعددة في القرآن الكريم ... وما دام لها نظائر بَطَلَ كونُها من الضرورة الشعرية لأنّ القرآن الكريم ليس من الشعر في شيء، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين} (24) . ومن المعلوم أن كلمة (الغوان) في بيت الأعشى تُمثّل ظاهرة من الظواهر اللغوية، وهي حذف الياء من المنقوص، وقد جاء هذا الحذف في القرآن الكريم بصور متعددة، وفي حالات متنوعة ... جاء في الأسماء والأفعال وفي الفواصل في رءوس الآيات، كما جاء في وسط الآيات في كثير من المواضع ... إلى آخر ما هناك من الكلمات المختلفة في الشكل ولكنها متفقة في ظاهرة الحذف (حذف الياء من المنقوص) وإليك البيان بالتفصيل: لا أريد أن أستشهد هنا بآية الفجر: {والليل إذا يَسْرِ} (25) ، حيث جاءت فيها كلمة (يسر) محذوفة الياء - وكذلك كلمة (نَبْغِ) من قوله تعالى في سورة الكهف: {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} (26) ومثلهما آية هود حيث جاءت فيها كلمة (يأتِ) محذوفة الياء كذلك في قوله تعالى: {يوم يأتِ لا تَكَلّمُ نفسٌ إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد} (27) . لا أريد أن أستشهد بشيء من ذلك ... خشية أن يقال: إن وجه الشبه لم يكتمل بينها وبين كلمة (الغوانِ) في بيت الأعشى لاختلاف النوع بينهما، فالغوانِ اسم من الأسماء، وتلك أفعال مضارعة كما هو معلوم للجميع، ولا يجوز ولا يصح أن نقيس الأسماء بالأفعال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 وأقول: إن الاعتراض وجيه إلى حدٍّ ما، أو حد كبير، ومهما يكن من أمر فإنني أخرجتُ هذه الأفعال من قائمة الشواهد على الرغم من أنها تصلح شاهداً على حذف الياء من المنقوص بوجه عام، دون نظر إلى نوعه إن كان من الأسماء أو من الأفعال - ومع الاطمئنان التام إلى هذه الصلاحية بوجه عام.. إنني آثرت أن أنتقل إلى شريحة أخرى من الشواهد الواردة في القرآن الكريم تلك التي جاءت فيها الأسماء المنقوصة محذوفة الياء، وهي مقترنة بأداة التعريف من ذلك كلمة (المتعال) من قوله تعالى: {عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال} (28) . وكذلك كلمة (التلاق) من قوله تعالى: {رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق} (29) . وكذلك كلمة (التناد) من قوله تعالى: {يا قوم إنِّي أخاف عليكم يوم التناد} (30) وكذلك كلمة (بالواد) من قوله تعالى: {وثمود الذين جابوا الصخر بالواد} (31) . ورب قائل يقول: إن وجه الشبه لم يكتمل أيضاً بين هذه الشريحة وبين كلمة (الغوان) حيث وقعت هذه الكلمات في أواخر الآيات مما يصح معه القول بأن الياء حذفت للوقف على الفواصل، ولا يتأتى ذلك في كلمة (الغوان) حيث جاءت في وسط الكلام كما هو واضح للجميع في قول الأعشى: وأخو الغوانِ متى يشأْ يصرمْنه ... (البيت) ونزولاً على رغبة القارئ النابه ... أنتقل إلى شريحة أخرى يكتمل فيها وجه الشبه بإذن الله، مع علمي التام بأن هذه الشريحة مثل أخواتها السابقات صالحة للاستشهاد بها بوجه عام. والآن آن لنا أن نَدْلف إلى الشريحة المكتملة، تلك التي جاء فيها الاسم المنقوص محذوف الياء مع أنّه مقترن بألْ وجاء موقعه في وسط الكلام، مثل كلمة (الغوان) تماماً بتمام، وإليك البيان بالتفصيل: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 من تلك المواطن كلمة (الداعِ) من قوله تعالى في سورة البقرة: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان فلْيستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (32) . وكذلك كلمة (المهتد) من قوله تعالى: {ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له أولياء من دونه} (33) . تلك في سورة الإسراء ومثلها في سورة الكهف كلمة (المهتد) من قوله تعالى: { ... من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن يجد له ولياً مرشداً} (34) وكذلك كلمة (والباد) من قوله تعالى في سورة الحج {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} (35) ، وكذلك كلمة (المنادِ) من قوله تعالى: {واستمع يوم يناد المنادِ من مكان قريب} (36) ، ومثلها كلمة (الداع) في آيتين اثنتين من سورة القمر: الأولى في قوله تعالى: {فتولّ عنهم يوم يدعو الداعِ إلى شيء نكر} (37) ، والثانية في قوله تعالى: {مهطعين إلى الداعِ يقول الكافرون هذا يوم عسر} (38) . كل ما سبق من الكلمات القرآنية تلتقي مع كلمة (الغوان) في بيت الأعشى وتتفق معَها في أنّها من الأسماء المنقوصة المقرونة بأداة التعريف وجاءت في وسط الكلام، وليست في الأواخر. وهناك بعض الكلمات القرآنية اتفقت مع كلمة (الغوان) في كل ما سبق آنفاً وزادتْ عليها أنّها جمع تكسير مثل (الغوان) تماماً بتمام، وهذا يعطينا دفعة أقوى وأقوى في الترقي بالأدلة القاطعة إلى أعلى الدرجات والحمد لله رب العالمين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 من تلك الكلمات التي وردتْ جمع تكسير كلمة (الجوابِ) جمع (جابية) في قوله تعالى: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدورٍ راسيات اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور} (39) ، ومثلها تماماً من حيث الجمع كلمة (الجوارِ) جمع (جارية) في قوله تعالى: {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام} (40) . تلك هي المواضع التي استطعت الحصول عليها ... وقد بلغتْ زهاء عشرة مواضع، وبالتحديد هي تسعة فيما أحصيت حتى الآن، وربما كان هناك شيء فاتَنِي في أثناء الحصر والاستقصاء - وجلّ من لا يسهو -. ولعلك توافقني بأن هذا العدد كافٍ جداً في إثبات القضية التي نحن بصددها، وهي أن ظاهرة حذف الياء من المنقوص ليستْ مقصورة على الشعر فقط، وإنّما هي موجودة في النثر كذلك وفي أعلى نص في الوجود وهو القرآن الكريم، وما دام الأمر كذلك فإن جَعْلها من الضرورات الشعرية غير صحيح ولا مستقيم. على أن إثبات هذه القضية يكفي فيه وجود آية واحدة فقط فما بالك بهذا الكم الوفير! ويعجبني في هذا المقام ما جاء في المبدأ الإسلامي الخالد، ذلك الذي يقول: ((آية واحدة من القرآن الكريم أوثق من كلام البشر أجمعين)) بقي علينا أن نعرف العلة في هذا الحذف ما دمنا قد رفضنا العلة التي جاء بها شيخنا العظيم سيبويه إمام النحويين أجمعين بلا جدال ولا مراء. ولهذا نقول - وبالله التوفيق - إن العلة في هذا الحذف بالذات هي ((الخفة)) أو ((التخفيف)) كما يقولون - وكلاهما سواء - وعلة التخفيف واردة في اللسان العربي المبين، لأن اللغة العربية ((لغة اقتصادٍ في الجهد العضلي)) كما يقول علماء اللغة قديماً وحديثاً على سواء، والدليل القاطع على أن الحذف هنا للتخفيف وليس للضرورة الشعرية مجيء هذا الحذف في النثر الصحيح، وأكثر من هذا أنه ورد في القرآن الكريم في مواطن متعددة كما رأينا فيما أسلفنا منذ قليل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 ومن نافلة القول أن نقول: ((إن لغة القرآن أفصح أساليب العربية على الإطلاق)) (41) . كما قال أسلافنا الأوائل من قبل، وكما يشهد به الواقع الماثل لكل ذي بصر وبصيرة، وكما شهد به كثير من المستشرقين المنصفين - ((والفضل ما شهدت به الأعداء)) - ولولا خشية الإطالة لذكرت من ذلك الكثير والكثير، ولكن المقام هنا لا يسمح بأكثر من ذلك، ((وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق)) . ولو سلمنا بأن هذا الحذف من باب الضرورة الشعرية.. لَلزم علينا أن نسلّم بأن القرآن فيه ضرورة شعرية ... وذلك محال كما هو معلوم بالضرورة لكل مسلم، بل ولكل منصف من غير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على السواء، وحسبنا ما جاء في محكم التنزيل حيث يقول: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين} (42) . ذلك هو المزلق الخطير الذي يدخل منه كل من يريد الطعن في القرآن الكريم، وأنَّى لهم ذلك والمسلمون الصادقون لهم بالمرصاد في كل زمان ومكان، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (43) من هذا المنطلق - منطلق الدفاع عن القرآن الكريم - قام هذا البحث بالدفاع المستميت عن حوزة الدين وكتابه المبين، ذلك الكتاب الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (44) . وقصارى القول أن ظاهرة الحذف من هذا المنقوص بالذات إنما هي وليدة ((التخفيف)) لا غير سواء أكان ذلك في القرآن الكريم أم في الشعر العربي الأصيل - ولست أزعم أن التعليل بالتخفيف في القرآن هو من بنات أفكاري ... كلا إنّه تعليل قديم قدم كتب التفسير لهذه الآيات الكريمة، ومن أراد التأكد من ذلك فلْيرجع إلى أمهات كتب التفسير (45) - وما أكثرها - وهي قريبة المنال لكل من يريد كأنها ((الثُّمام)) على قارعة الطريق، والله ولي التوفيق. تعقيب واعتراف (1) - التعقيب (ويشتمل على ما يأتي) : الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 (أ) لماذا لم أستشهد بالمنثور من كلام العرب؟ (ب) وهل يدخل الحديث النبوي الشريف تحت قسم المنثور؟ وما حكم الاحتجاج به؟ (ج) المستشرقون والثغرات المتعددة! وإليك البيان بالتفصيل: (أ) الآن بعد أن فرغنا من إيراد الحجج الدامغة ... تلك التي تمثلتْ في الآيات القرآنية المتعددة ... نجد أنفسنا أمام هذا السؤال الذي يطرح نفسه علينا فيقول: لماذا لم نستشهد بالمنثور من كلام العرب، واقتصرنا على الاستشهاد بالقرآن الكريم فقط؟ والجواب أنني لم أشأ أن أستشهد بشيء من كلام العرب المنثور لكيلا يقال: إنّه يتطرق إليه الشك أو احتمال التغيير والتبديل؛ لأن القاعدة الأصولية تقول: ((إنّ الدليل إذا دخله الاحتمال سقط به الاستدلال)) . والتزاماً مني بالمنهجية العليا تلك التي تنشد الأدلة القاطعة.. رأيتُ أن أضرب صفحاً عن الاستشهاد هنا بكلام العرب مع أنّه موضع الثقة عندي إلى حد كبير ... ذلك أنني وجدتُ طلبتي وضالتي المنشودة في أوثق كلام في الوجود، وأقدس كتاب نزل من السماء، وهو القرآن الكريم، ذلك الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (46) ، لهذا كان مصوناً ومحفوظاً من أي تغيير أو تبديل، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (47) . لكل ما سبق رأيت أن أكتفي بالشواهد القرآنية فقط عزوفاً عن مواطن الضعف في الكلام العربي المنثور عند من يرون ذلك، عملاً بالحكمة التي تقول: ((في لُجة البحر ما يغني عن الوشَلِ)) (48) ، وتطبيقاً للمثل المشهور ذلك الذي يقول: ((ومن وَرَدَ البحر استقلَّ السواقيا)) (ب) مما لا شك فيه أن الحديث النبوي الشريف داخل في قسم المنثور من الكلام، ولكن: هل اتفق العلماء على الاحتجاج به أو أنهم اختلفوا في ذلك؟ الجواب أنهم اختلفوا اختلافاً كبيراً ... قديماً وحديثاً على السواء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 وقد أُلّفَتْ في ذلك مؤلفات كثيرة (49) ومنها رسائل جامعية متعددة، والذي يعنينا الآن هو معرفة الموقف الذي نرتضيه ونؤيده كل التأييد، فما هو؟ لقد أعفانا المجمع اللغوي الموقر من متاعب البحث والتنقيب فأصدر قراره الموفق بعد جلسات متعددة مطولة ... ومناقشات حامية واعية، وإليك خلاصة هذا القرار العظيم: ((يحتج بالحديث المدون في الكتب الصحاح الست فما قبلها على الوجه الآتي: (أ) - الأحاديث المتواترة والمشهورة. (ب) - الأحاديث التي تستعمل ألفاظها في العبادات. (ج) - الأحاديث التي تُعد من جوامع الكلم. (د) - كتب النبي ش. (هـ) - الأحاديث المروية لبيان أنّه كان ش يخاطب كل قوم بلغتهم. (و) - الأحاديث التي دونها من نشأ بين العرب الفصحاء. (ز) - الأحاديث التي عُرف من حال رُواتها أنهم لا يجيزون رواية الحديث بالمعنى مثل: القاسم بن محمد ورجاء بن حَيْوَة، وابن سيرين. (ح) - الأحاديث المروية من طرق متعددة، وألفاظها واحدة)) (50) . (ح) المستشرقون والثغرات: لكي نكون من المنصفين ينبغي أن نقول: ((بعض المستشرقين)) وليس كل المستشرقين، ذلك أن فيهم من كتب عن الإسلام كتاباتٍ يعتزّ بها الإسلام والمسلمون، ودافعوا عن هذا الدين الحنيف دفاع الأبطال أو دفاع الأسد عن عرينه كما يقولون، ومنهم من ألّف كتاباً قيّماً بعنوان ((العظماء الخالدون مائة وأعظمهم محمد)) ، لهذا ينبغي أن نكون من المنصفين في كل الظروف، وبخاصة في البحوث العلمية المتخصصة، غير أننا ينبغي كذلك ألا نكون من المفرّطين المتساهلين في حقوق الإسلام ضد الأعداء الألداء، سواء أكان هؤلاء الأعداء من المستشرقين أم من المسلمين المارقين المنحرفين عن جادة الدين الحنيف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 ومن هذا المنطق دافعتُ في هذا البحث عن ثغرة من الثغرات التي ينفذ منها الطاعنون المتعصبون ... وما أكثر الثغرات التي فتحتْ باباً واسعاً للطعن في القرآن وفي الإسلام بوجه عام، وقد استغلها الأعداء أسوأ استغلال، ولولا خشية الإطالة لذكرت كثيراً من تلك الثغرات، فالمقام هنا لا يتسع للإفاضة في هذه الثغرات المتعددة، ومن أراد المزيد فعليه بالإطلاع على ما كتبه بعض المستشرقين من أمثال جولد تسيهر، ونولدكة، وفندريس، وآثر جفري، ويوهان فك، وبرجشتراسر، وغيرهم كثير وكثير (51) . ومن فضل الله تعالى أن بعض المحققين والمترجمين لكتب المستشرقين دافع عن الإسلام دفاعاً قوياً مجيداً، ومن أبرزهم في هذا الميدان أستاذنا العلامة الدكتور عبد الحليم النجار - طيب الله ثراه، ورحمه رحمة واسعة جزاء ما قدّم من خدمة جليلة للإسلام والمسلمين أجمعين. (2) - الاعتراف: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 كنتُ أظن أنني أول من تنبّه لهذا المأخذ ضد شيخنا وشيخ النحاة أجمعين سيبويه العبقري العظيم ... وكنت أيام الشباب سعيداً بهذا السبق إلى حد كبير ... وظللتُ حيناً من الدهر أرْصُدُ هذه القضية بدقةٍ واعية، وألحظها بعينٍ لا تغفل وأرقُبها بعقل متيقّظٍ متوهّج دَءُوب .... إلى أن جاءت المفاجأة السارة بالعثور على نص صريح في شرح السيرافي للكتاب، يذكر فيه أن قوماً كثيرين أنكروا هذه الفكرة التي تقول: إن حذف الياء من المنقوص المقرون بالألف واللام هو من الضرورة الشعرية، ولكن هذا الإنكار جاء خالياً من كل تفصيل أو تحليل، واكتفى بذكره موجزاً غاية الإيجاز وإليك النص بحذافيره كما جاء في شرح السيرافي حيث قال: ((وأما حذف الياء مع الألف واللام فإنّ سيبويه ذكره في باب ضرورة الشاعر، فأنكره كثير من الناس وقالوا: قد جاء في القرآن بحذف الياء في غير رءوس الآي، وقرأ به عِدّةٌ من القراء كقوله تعالى: {من يهد الله فهو المهتدِ ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً} (52) . وفي آيٍ غيرها وما جاء مثله في القرآن وقرأتْ به القُراء لم يدخل مثلُه في ضرورة الشعر)) (53) . ومهما يكن من أمر فإن فرحة السبق قد ضاعت مني ولكنني مع ذلك جِدّ سعيد حيث وجدتُ من العلماء الأجلاء من يؤيدني في هذا الإنكار، ولم أكن بدعاً ولا وحيداً في هذه القضية، ومن هذا المنطلق أحسستُ بالسعادة الغامرة، ولست أدري بأيّ الأمرين أنا أسعد: بالسبق أم بالتأييد؟ هما أمران كلاهما حلو المذاق عند من ينشد الحق والحقيقة أيّاً كانت وكيفما كانت، وحيثما تكون - فالمهم عندي هو صحة الفكرة من حيث هي فكرة، ولا يعنيني بعد ذلك إن كنت من السابقين أو من اللاحقين! الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 صحيح أنه ضاع مني السبق الذي كنت أعتزّ به، ولكن أصحُّ من هذا أن الوصول إلى الحقيقة العلمية أعزّ من هذا وأكبر، لأن الحقيقة هي ضالة المؤمن ينشدها أنّى وجدها، ولا يبالي بعد ذلك بما يفوته من الاعتزاز أو الزهو أو الإعجاب، أو غير هذا وذاك من كل ما يدخل في دائرة الرعونة أو طيش الشباب. وإن أنْسَ لا أنْسَ أن أسلافنا الأوائل هم أصحاب الفضل الأول علينا بعد الله تعالى، رضوان الله عليهم أجمعين - جزاهم الله عن العلم وأهله خير ما يجزي به العلماء الأبرار. ولله در الشاعر الوفي (ابن مقبل) حين قال - وما أجمل ما قال -: ولو قبل مبكاها بكيتُ صبابةً بسُعْدَى شفيتُ النفس قبل التندم ولكن بكتْ قبلي فهَيّج لي البكا بكاها فقلت: الفضل للمتقدم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،، الحواشي والتعليقات في طبعة - بولاق 1 / 8، وفي تحقيق هارون 1 / 26. في رواية أخرى (ويَعُدْنَ) بدلاً من (ويكُنّ) والمعنى مستقيم في كلتيهما كما ترى. 1 / 8 بولاق و1 / 26 هارون. عبارة السيرافي (لم يَتَقصَّه) والمعنى متحد كما ترى. ((الكتاب)) 1 / 12 بولاق - وفي هارون 1 / 32. مات سيبويه وعمره ثلاث وثلاثون سنة في أرجح الأقوال - انظر أخبار النحويين البصريين للسيرافي ص 37 ط (1) سنة 1374 هـ - 1955 م - وكتاب طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ص 74 ط (1) 1373 هـ - 1954 م، وإنباه الرواة للقفطي 2 / 353 طبع دار الكتب المصرية 1369 هـ - 1950 م. 1 / 342 بولاق، وفي هارون 2 / 269. في بولاق 1 / 382، وفي هارون 2 / 362. حققه الدكتور رمضان عبد التواب ونشره بعنوان: (ضرورة الشعر لأبي سعيد السيرافي) كما أن الدكتور عوض القوزي حققه تحقيقاً آخر ولكن نشره بعنوان: ((ما يحتمل الشعر من الضرورة)) ، وسيأتي بيان الطبعات لكل منهما في فهرس المراجع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 ينظر كتاب سيبويه وشروحه للدكتورة خديجة الحديثي ص 186 ط (1) بغداد 1386 هـ - 1967 م. حقق الجزء الأول منه الدكتور محمد إبراهيم شيبة في رسالته للدكتوراه بإشراف الدكتور أحمد مكي الأنصاري - كما حقق سائر الأجزاء الأخرى الدكتور المتولي الدميري. حققت جزءاً منه (الدكتورة منيرة محمد علي حجازي) في رسالة الماجستير بكلية دار العلوم بعنوان: (الضرورة الشعرية عند الصفار - شرح باب ما يحتمل الشعر من كتاب سيبويه) . حقق جزءاً منه الدكتور صالح الغامدي في رسالته للدكتوراه بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. من باب التخفيف على الهوامش رأيت ألا أثقلها بذكر المراجع التي لم أعثر فيها على نص صريح، واكتفيت بذكرها مفصلة في فهرس المصادر والمراجع لمن يريد الرجوع إليها تحقيقاً للفائدة. حققه الدكتور عوض القوزي، ونشره في ستة أجزاء مع الفهارس. حققه الدكتور عبد ربه عبد اللطيف عبد ربه - الطبعة الأولى سنة 1984 م. ومنها على سبيل المثال فقط ((الكتاب)) لسيبويه، والعمدة لابن رشيق، وعروس الأفرح للسبكي، ومنهاج البلغاء للقرطاجني، والإفصاح للفارقي، وقد طبع في تونس 1966 م كما أن الأستاذ سعيد الأفغاني حققه للطبعة الثالثة 1980 م - طبع بيروت (مؤسسة الرسالة) . هذا المبْحث مستخلص من بحث للدكتور أحمد مكي الأنصاري بعنوان (سيبويه عملاق النحو العربي) تحت الطبع ينظر التسهيل وشرحه في باب إعراب معتل الآخر. انظر منهاج البلغاء ص 222 طبع تونس 1966 م. مأخوذ من نص طويل للصفار جاء في ((كتاب سيبويه وشروحه)) للدكتورة خديجة الحديثي ص 229 ط بغداد. المصدر السابق. منها على سبيل المثال فقط كتاب (ما لا يجوز للشاعر في الضرورة) للقزاز القيرواني، وكتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 (ضرائر الشعر للألوسي) ، وكتاب (الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر) لابن عصفور، وهناك مخطوطة بعنوان (موارد البصائر في الفوائد الضرائر) تأليف الشيخ محمد سليم بن حزيم - ومنها نسخة بدار الكتب المصرية تحت رقم (60) أدب. ونسخة أخرى بمكتبة محمد الفاتح باستنبول رقم (4129) مكتوبة سنة 1117 هـ. ومن المراجع الحديثة كتاب ((أوهام شعراء العرب في المعاني)) تأليف العلامة أحمد تيمور وقد نشرتْه لجنة إحياء آثاره بمصر - وكتاب ((الضرورة الشعرية في النحو العربي)) تأليف الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف - نشر مكتبة دار العلوم بمصر سنة 1979 م - وكتاب ((الضرورة الشعرية: دراسة أسلوبية)) تأليف السيد إبراهيم محمد - طبع بيروت - وكتاب ((سيبويه والضرورة الشعرية)) للدكتور حسن إبراهيم حسن ط (1) 1403 هـ - 1983 م. سورة يس - آية 69. آية رقم 4. آية 64. آية 105. سورة الرعد - آية 9. سورة غافر - آية 15. سورة غافر - آية 32. سورة الفجر - آية 9. سورة البقرة - آية 186. سورة الإسراء - من آية 97. من آية 17 - الكهف. سورة الحج - آية 25. سورة ق - آية 41. سورة القمر - آية رقم 6. سورة القمر - آية رقم 8. سبأ - آية 13. سورة الشورى - آية 32. ينظر كتاب (أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة - للدكتور أحمد مكي الأنصاري - نشر دار المعارف بمصر سورة يس - آية 69. الحجر - آية 9. سورة فصلت - آية 42. من ذلك مثلاً تفسير البحر المحيط لأبي حيان، وتفسير الطبري والقرطبي، وتفسير ابن كثير، وتفسير الزمخشري (الكشاف) ، وتفسير ابن عطية، وتفسير ابن عاشور، والتفسير القيم للإمام ابن القيم، وتفسير الدر المصون للسمين الحلبي، إلخ. سورة فصلت - آية 42. سورة الحجر - آية 9. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 الوشَل هو الماء القليل مطلقاً أو هو الماء الذي يتحلّب من بين الصخور، مادة (وشل) من اللسان، ولسان اللسان، والصحاح، والقاموس المحيط. منها كتاب (موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف - للدكتورة خديجة الحديثي - دار الرشيد للنشر (1981 م) بغداد. قرارات المجمع اللغوي - طبع مجمع اللغة العربية بالقاهرة. ينظر في ذلك كتاب ((مذاهب التفسير الإسلامي)) للمستشرقين جولد زيهر، وكتاب ((العربية)) ليوهافك، وكتاب ((اللغة)) لفندريس، وغير ذلك من كتابات المستشرقين في المؤلفات المستقلة أو في الدوريات المتخصصة. من آية 17 من سورة الكهف - وقد جاء في الهامش خطأ مطبعي حيث قال (سورة الكهف 18 / 17) . شرح كتاب سيبويه لأبي سعيد السيرافي (ت 368 هـ) ج 2 ص 156 فما بعدها تحقيق الدكتور رمضان عبد التواب - طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب 1960 م (مركز تحقيق التراث) . المصادر والمراجع 1- القرآن الكريم. 2- أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة - للدكتور أحمد مكي الأنصاري - نشر دار المعارف مصر 1384 هـ - 1964 م. 3- إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر - للبنا الدمياطي - ط - المشهد الحسيني. 4- أخبار النحويين البصريين للسيرافي (ت 368 هـ) ط 1، 1374 هـ - 1955 م. 5- الإفصاح في شرح أبيات مشكة الإعراب للفارقي. (أ) - طبع تونس 1966 م. (ب) - طبع بيروت تحقيق الأستاذ سعيد الأفغاني، ط3 - مؤسسة الرسالة، بيروت. 6- إنباء الرواة على أنباه النحاة - للقفطي - تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم طبع دار الكتب المصرية 1396 هـ - 1950 م. 7- أوهام شعراء العرب في المعاني - تأليف العلامة أحمد تيمور وقد نشرتْه لجنة إحياء آثاره بمصر. 8- تاج العروس من جواهر القاموس - أبو الفيض محب الدين محمد مرتضى الزبيدي طبع الأميرية 1307 هـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 9- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك تحقيق الدكتور محمد كامل بركات طبع دار الكتاب العربي بمصر. 10- ((التعليقة)) على كتاب سيبويه لأبي علي الفارسي، تحقيق الدكتور عوض القوزي، ونشره في ستة أجزاء مع الفهارس. 11- تفسير ابن عطية المسمى (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) لأبي محمد عبد الحق بن عطية الغرناطي (ت 541 هـ) تحقيق أحمد صادق الملاح. 12- تفسير ابن عاشور المسمى (التحرير والتنوير) تأليف الشيخ محمد الطاهر بن عاشور. (ثلاثون جزءاً) طبع الدار التونسية للنشر. 13- تفسير الطبري المسمى (جامع البيان في تفسير القرآن) ط - بيروت 1961 م. 14- تفسير الألوسي المسمى (روح المعاني) طبع المطبعة الأميرية. 15- تفسير القرطبي المسمى (الجامع لأحكام القرآن) ط دار الكتب المصرية 1373 هـ - 1954 م. 16- تفسير الطبرسي المسمى (مجمع البيان في تفسير القرآن) . (أ) - طبع طهران 1314 هـ. (ب) - طبع بيروت 1961 م. 17- تفسير الفخر الرازي المسمى (مفاتيح الغيب) 1289 هـ. 18- التفسير القيم للإمام ابن القيم (ت 751 هـ) جمْع محمد أويس الندوي تحقيق محمد حامد الفقي نشر دار الفكر - بيروت. 19- تفسير الكشاف للزمخشري: (أ) - طبع المطبعة الشرقية 1307 هـ. (ب) - نشر دار الكتاب العربي بيروت وبذيله أربعة كتب: الأول: الانتصاف لابن المنير، والثاني: الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر، والثالث: حاشية المرزوقي على تفسير الكشاف، والرابع: مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف للمرزوقي أيضاً - رتبه وضبطه وصححه مصطفى حسين أحمد / خادم السنة المحمدية. 20- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب - عبد القادر البغدادي: (أ) - طبع السلفية 1347 هـ. (ب) - تحقيق عبد السلام محدم هارون طبع القاهرة 1406 هـ. 21- دراسات لأسلوب القرآن الكريم - الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة - مطبعة السعادة بمصر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 22- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - للسمين الحلبي (ت 756 هـ) تحقيق الدكتور أحمد محمد الخراط - طبع دار القلم دمشق 1407 هـ. 23- ديوان الأعشى الكبير (ميمون بن قيس) تحقيق الدكتور محمد حسين - مكتبة الآداب. 24- ((السبعة)) في القراءات لابن مجاهد - تحقيق الدكتور شوقي ضيف ط - دار المعارف بمصر. 25- سيبويه عملاق النحو العربي - للدكتور أحمد مكي الأنصاري (تحت الطبع) . 26- سيبويه والضرورة الشعرية للدكتور حسن إبراهيم حسن ط (1) 1403 هـ - 1983 م. 27- ((سيبويه في الميزان)) للدكتور أحمد مكي الأنصاري - بحث نشر بمجلة المجمع اللغوي بمصر في الجزء الرابع والثلاثين: شوال 1394 هـ - نوفمبر 1974 م. 28- شرح السيرافي على كتاب سيبويه: (أ) - مخطوط دار الكتب رقم 136 نحو. (ب) - تحقيق الدكتور رمضان عبد التواب - طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب 1960 (مركز تحقيق التراث) 29- شرح الرماني (ت 384 هـ) على كتاب سيبويه (الجزء الأول) : (أ) - تحقيق الدكتور محمد إبراهيم شيبة - رسالة دكتوراه بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. (ب) - تحقيق الدكتور المتولي رمضان أحمد الدميري (سائر الأجزاء) 1408 هـ - 1988 م. 30- شرح ابن خروف لكتاب سيبويه - حقق جزءاً منه الدكتور صالح الغامدي في رسالته للدكتواره بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 31- شرح الصفار على كتاب سيبويه - حققتْ جزءاً منه الدكتورة (منيرة محمد علي حجازي) في رسالة الماجستير بكلية دار العلوم بعنوان: (الضرورة الشعرية عند الصفار - شرح باب ما يحتمل الشعر من كتاب سيبويه) . 32- شرح عيون كتاب سيبويه - لأبي النصر المجريطي القرطبي (ت 401 هـ) تحقيق الدكتور عبد ربه عبد اللطيف عبد ربه ط (1) 1984 م. 33- شرح أبيات الكتاب للأعلم الشنتمري - على هامش ((الكتاب)) ط بولاق 1316 هـ. 34- شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (يوسف ابن سعيد) : الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 (أ) - تحقيق الدكتور محمد علي الريح 1974 م. (ب) - تحقيق الدكتور محمد علي سلطاني - دمشق 1979 م. 35- شرح أبيات سيبويه - لأبي جعفر النحاس (338 هـ) : (أ) - تحقيق أحمد خطاب (جامعة الموصل: كلية الآداب) مطابع المكتبة العربية - حلب 1974م. (ب) - تحقيق الدكتور وهبة متولي عمر سالمة - طبع القاهرة 1405 هـ. 36- شرح التسهيل لابن مالك - تحقيق الدكتور عبد الرحمن السيد، والدكتور محمد بدوي - ط (1) 1410 هـ. 37- الصحاح للجوهري (إسماعيل بن حماد) - طبع دار الكتاب العربي 1956 م. 38- الضرورة الشعرية في النحو العربي - تأليف الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف - نشر مكتبة دار العلوم بمصر 1979 م. 39- الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر - لابن عصفور الإشبيلي - تحقيق السيد إبراهيم محمد - دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع - ط (1) 1980 م. 40- الضرائر اللغوية في الشعر الجاهلي - للدكتور عبد العال شاهين - دار الرياض للنشر والتوزيع بالرياض 1983م 41- الضرورة الشعرية: دراسة أسلوبية - تأليف السيد إبراهيم محمد - طبع بيروت. 42- ضرائر الشعر للألوسي. 43- طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ط (1) 1373 هـ - 1954 م. 44- طبقات القراء لابن الجزري - الطبعة الأولى. 45- ((العربية)) - يوهان فك - ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار - طبع دار الكتاب العربي. 46- العمدة في صناعة الشعر ونقده - ابن رشيق القيرواني - طبع السعادة بمصر. 47- فهارس كتاب سيبويه - الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة - ط (1) 1975 م. 48- القاموس المحيط للفيروزبادي - المطبعة الحسينية 1330 هـ. 49- قرارات المجمع اللغوي - طبع مجمع اللغة العربية بالقاهرة. 50- ((الكتاب)) لسيبويه. (أ) طبعة بولاق 1316 هـ - 1900 م - بمصر. (ب) تحقيق عبد السلام محمد هارون 1966 م بمصر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 51- ((كتاب سيبويه وشروحه)) - للدكتورة خديجة الحديثي - ط (1) بغداد - 1386 هـ -1967 م. 52- الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها - مكي بن أبي طالب القيسي - تحقيق الدكتور محيي الدين رمضان - طبع دمشق 1394 هـ - 1974 م. 53- لسان العرب لابن منظور - المطبعة الأميرية. 54- لسان اللسان تهذيب لسان العرب لابن منظور بعناية المكتب الثقافي لتحقيق الكتب إشراف الأستاذ عَبْد أ. علي مهنا - نشر دار الكتب العلمية بيروت ط (1) 1413 هـ - 1993 م. 55- ((اللغة)) - فندريس - ترجمة الدكتور محمد القصاص. 56- ما يجوز للشاعر من الضرورة - - للقزاز القيرواني - تحقيق الدكتور رمضان عبد التواب - والدكتور صلاح الدين الهادي مكتبة العروبة - الكويت 1401 هـ. 57- مجمع الأمثال للميداني - تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - دار المعرفة بيروت - مصورة عن طبعة السعادة بمصر 1379 هـ. 58- مذاهب التفسير الإسلامي - جولد زيهر - ترجمة وتحقيق الدكتور عبد الحليم النجار. 59- معاني القرآن للفراء (207 هـ) تحقيق مجموعة من العلماء الأجلاء - طبع دار الكتب المصرية. 60- معاني القرآن للأخفش (ت 215 هـ) تحقيق الدكتور فائز فارس - الكويت ط (2) 1401 هـ. 61- معجم القراءات القرآنية - الدكتور عبد العال سالم مكرم، والدكتور أحمد مختار عمر - مطبوعات جامعة الكويت 1408 هـ - 1988م. 62- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم - محمد فؤاد عبد الباقي - ط 1378 هـ. 63- معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم - وضعه الدكتور إسماعيل عمايرة - والدكتور عبد الحميد مصطفى السيد، طبع بيروت مؤسسة الرسالة 1986 م. 64- معجم آيات القرآن الكريم - محمد منير الدمشقي - طبع مكتبة التراث الإسلامي بالقاهرة. 65- معجم شواهد العربية - عبد السلام محمد هارون - نشر الخانجي بمصر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 66- معجم شواهد النحو الشعرية - د. حنا جميل حداد (جامعة اليرموك) ط (1) نشر دار العلوم للطباعة والنشر بالرياض - المملكة العربية السعودية 1404 هـ - 1984 م. 67- المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية - د. إميل بديع يعقوب - طبع دار الكتب العلمية بيروت (ثلاثة أجزاء) 68- مفردات الراغب الأصفهاني - تحقيق محمد سيد كيلاني - طبع الحلبي بمصر 1381 هـ. 69- المقتضب للمبرد - تحقيق الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة - ط المجلس الأعلى بمصر. 70- منهاج البلغاء تأليف حازم القرطاجني - طبع تونس 1966 م. 71- موارد البصائر في الفوائد الضرائر - تأليف الشيخ محمد سليم بن حزيم - (مخطوطة) منها: (أ) - نسخة بدار الكتب المصرية تحت رقم (60) أدب. (ب) - نسخة أخرى بمكتبة محمد الفاتح باستانبول رقم 4129 مكتوبة سنة 1117 هـ. 72- موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف - الدكتورة خديجة الحديثي - دار الرشيد للنشر 1981 م - بغداد. 73- النشر في القراءات العشر لابن الجزري (ت 833 هـ) ط - بيروت دار الكتب العلمية. 74- نظرية النحو القرآني - للدكتور أحمد مكي الأنصاري - نشر دار القبلة بجدة المملكة العربية السعودية 1405 هـ 75- ((النكت)) في تفسير كتاب سيبويه للأعلم الشنتمري - تحقيق الدكتور زهير عبد المحسن سلطان، نشر معهد المخطوطات بالكويت 1407 هـ. 76- همع الهوامع على جمع الجوامع للسيوطي (ت 911 هـ) . (أ) - تصحيح السيد محمد بدر الدين النعساني - دار المعرفة بيروت. (ب) - تحقيق الدكتور عبد العال سالم مكرم - مؤسسة الرسالة بيروت ط (2) 1407 هـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 محتويات الجزء الأول أولاً: القسم العربي: أ - دراسات في الشريعة وأصول الدين 1 - معاني الركوع والسجود في القرآن المجيد د. إبراهيم بن سعيد الدوسريّ ... 3 - 86 2 - جزء فيه حديث رسول الله (: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ... )) رواية ودراية د. عبد الرحمن بن محمد شريف ... 87 - 134 3 - البيان والتبيين لضوابط ووسائل تمييز الرواة المهملين د. محمد بن تركي التركي ... 135 - 161 4 - صفة الرضا بين الإثبات والتعطيل، وأثر الإيمان بها في حياة المسلم د. سالم بن محمد القرني ... 163 - 234 5 - مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات د. محمد بن خليفة التميمي ... 235 - 325 6 - الذكر الجماعيّ بين الإتباع والابتداع د. محمد بن عبد الرحمن الخميس ... 327 - 364 7 - قواعد مهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء الكتاب والسنة د. حمود بن أحمد الرُّحيلي ... 365 - 412 8 - حكم الأواني الذهبيّة والفضية وما مُوَّه بهما استعمالاً وبيعاً وشراءً د. صالح بن زابن المرزوقي ... 413 - 488 9 - نظرةٌ فقهية للإرشاد الجيني د. ناصر بن عبد الله الميمان ... 489 - 516 10 - العقل عند الأصوليين: عرض ودراسة د. علي بن سعد الضويحي ... 517 - 571 11 - المجاز عند الأصوليين بين المجيزين والمانعين د. عبد الرحمن بن عبد العزيز السُّديس ... 573 - 610 ب - دراسات في التاريخ والحضارة: 12 - العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والدولة البيزنطية في عهد الخليفة هارون الرشيد د. محمد بن ناصر الملحم ... 613 - 667 13 - الوجود الإسلامي في صقلية في عهد النورمان بين التسامح والاضطهاد (444 - 591 هـ / 1052 - 1194 م) د. علي بن محمد الزهراني ... 669 - 711 14 - جهود الملك عبد العزيز في عمارة عين عرفة د. عادل بن محمد نور غباشي ... 713 - 752 ج - دراسات في اللغة العربية وآدابها: 15 - خلل الأصول في معجم الجمهرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 د. عبد الرزّاق فرّاج الصاعديّ ... 755 - 823 16 - الأبنية المختصّة باسمٍ أو صفة في كتاب سيبويه د. عبد الله بن ناصر القرني ... 825 - 902 17 - القياس الشّكليّ د. سعود غازي أبو تاكي ... 903 - 939 18 - مفهوم المجاز بين ابن سينا وابن رشد د. محمود درابسة ... 941 - 958 19 - ظاهرة التلطّف في الأساليب العربية د. - محمد بن سعيد الثبيتي ... 959 - 981 20 - صعوبات تعلّم اللغة العربية لدى تلاميذ الطور الثاني من التعليم الأساسيّ في المناطق الناطقة بالبربرية والمناطق الناطقة بالعربيّة د. علي تعوينات ... 983 - 1035 21 - المرأة الناقدة في الأدب العربي د. محمد أحمد المجالي ... 1037 - 1086 د - نصوص تراثية محققة 22 - كتاب الإغفال، لأبي عليّ الفارسي (ت 377 هـ) تحقيق د. عبد الله بن عمر الحاج إبراهيم ... 1089 - 1176 هـ - الآراء والقضايا 23 - دفاع عن كتاب الله (القرآن والضرورة الشعرية) أ. د. أحمد مكي الأنصاري ... 1179 - 1200 ثانياً: القسم الإنجليزي: أ - ملخصات الأبحاث العربية باللغة الإنجليزية ... 1203 - 1235 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 محتويات الجزء الثاني ب - دراسات في التاريخ والحضارة: 12 - العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والدولة البيزنطية في عهد الخليفة هارون الرشيد د. محمد بن ناصر الملحم ... 613 - 667 13 - الوجود الإسلامي في صقلية في عهد النورمان بين التسامح والاضطهاد (444 - 591 هـ / 1052 - 1194 م) د. علي بن محمد الزهراني ... 669 - 711 14 - جهود الملك عبد العزيز في عمارة عين عرفة د. عادل بن محمد نور غباشي ... 713 – 752 ج - دراسات في اللغة العربية وآدابها: 15 - خلل الأصول في معجم الجمهرة د. عبد الرزّاق فرّاج الصاعديّ ... 755 - 823 16 - الأبنية المختصّة باسمٍ أو صفة في كتاب سيبويه د. عبد الله بن ناصر القرني ... 825 - 902 17 - القياس الشّكليّ د. سعود غازي أبو تاكي ... 903 - 939 18 - مفهوم المجاز بين ابن سينا وابن رشد د. محمود درابسة ... 941 - 958 19 - ظاهرة التلطّف في الأساليب العربية د. - محمد بن سعيد الثبيتي ... 959 - 981 20 - صعوبات تعلّم اللغة العربية لدى تلاميذ الطور الثاني من التعليم الأساسيّ في المناطق الناطقة بالبربرية والمناطق الناطقة بالعربيّة د. علي تعوينات ... 983 - 1035 21 - المرأة الناقدة في الأدب العربي د. محمد أحمد المجالي ... 1037 – 1086 د - نصوص تراثية محققة 22 - كتاب الإغفال، لأبي عليّ الفارسي (ت 377 هـ) تحقيق د. عبد الله بن عمر الحاج إبراهيم ... 1089 - 1176 هـ - الآراء والقضايا 23 - دفاع عن كتاب الله (القرآن والضرورة الشعرية) أ. د. أحمد مكي الأنصاري ... 1179 - 1200 ثانياً: القسم الإنجليزي: أ - ملخصات الأبحاث العربية باللغة الإنجليزية ... 1203 - 1235 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 العدد 21 فهرس المحتويات 1- الرضا بالقضاء 2- الحديث المقلوب تعريفه، وفوائده، وحكمه، والمصنفات فيه 3- المباحث الغيبية 4- قول الفلاسفة المنتسبين للإسلام في توحيد الربوبية 5- حكم نقض الوضوء بأكل لحم الإبل 6- من مفاهيم ثقافتنا الإسلامية 7- كتاب الصوائف-المُستخرَج 8- التنمية والتقارب والاندماج في مجتمع المملكة العربية السعودية قديماً وحديثاً 9- الترتيب الصرفي في المؤلفات النحوية والصرفية إلى أواخر القرن العاشر الهجري 10- الزِّياديُّ النَّحويُّ 11- التذكير والتأنيث 12- الألفاظ المشتركة المعاني في اللغة العربية طبيعتها أهميتها مصادرها 13- الكم الزمني لصويت الغنة في الأداء القرآني 14- نحو علم لغة خاص بالعلوم الشرعية 15- التصغير في اللغة 16- مقدمة القصيدة الجاهلية عند حسان بن ثابت رضي الله عنه 17- عمرو بن مسعدة الصولي - السيرة، والتراث النثري 18- الصورة الفنية لحقول التراجيدي في الشعر الجاهلي 19- ظاهرة التكرار في شعر أبي القاسم الشابي 20- مجلة جامعة أمِّ القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 الرضا بالقضاء د. سالم بن محمد القرني الأستاذ المشارك بكلية الشريعة وأصول الدين - جامعة الملك خالد ملخص البحث تضمن البحث مقدمة، ثُمَّ تعريفاً للرضا، والقضاء والقدر في اللغة، وفي الاصطلاح، ثُمَّ حقيقة الرضا، وأقوال الناس فيه، وهل هو مقام أم حال؟ ، وأن المقامات قد تحصل بفعل الأسباب ومن غير فعلها، وفي كلا الحالتين فالموجد لها: الله، وأمَّا الحال فشرعية هي: التصرف بما أمر الله ورسوله وترك ما نهيا عنه وغير شرعية، وهي: السخط والاعتراض، وعدم التسليم. ثُمَّ الصلة بين الرضا والتوكل، وأن التوكل والتفويض يكون قبل وقوع القضاء، والرضا بعد وقوعه وهو الثمرة. ثُمَّ الأمر بالرضا بالقضاء والحث عليه، والرضا وفعل الأسباب، وبعض الشبهة ومناقشتها، ومنزلة الرضا وفضله، وأنواع القضاء: الديني، والمراد به، والأمر به، وحكم الرضا به. الكوني، والمراد به، وأقسامه: الأول: الموافق لمحبة العبد، وإرادته، ورضاه، وحكم الرضا به. الثاني: ما جاء على خلاف مراد العبد، ومحبته مِمَّا لايلائمه ولايدخل تحت اختياره، وأنه قسمان: أ - ما للعبد استطاعة، واختياره، وإرادة في منازعته ومدافعته بكل ممكن، وحكم الرضا به. ب - ما ليس للعبد فيه اختيار، ولا طاقة، ولا حيلة في منازعته، ومدافعته، وحكم الرضا به. ثُمَّ حكم الرضا بالمصائب، وقولي العلماء، وأدلتهم، والراجح. الثالث: وهو الجاري باختيار العبد وقضاء الرب، مِمَّا يكرهه الله ويسخطه ((الرضا بالمعاصي)) وحكم الرضا به. ثُمَّ بعض ما ينافي الرضا؛ كالاعتراض على قضاء الله الشرعي، وترك التوكل على الله، والسخط بما قسم، والحزن على ما فات، والنياحة، وتمني الموت لضر أو بلاء، وعدم الرضا بالمقسوم من الرزق، والجزع والهلع عند المصيبة. ثُمَّ مذهب الصوفية في الرضا بالقضاء، وأسباب ضلالهم ودرجات الرضا عندهم، ومناقشتهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 ثُمَّ خاتمة بأهم النتائج، وقائمة بالمراجع والمصادر. • • • المقدمة: حمداً لله على نعمائه، وجوده، وكرمه، ورضاه، ونستعينه، ونطلب الهداية والتوفيق والسداد منه، ونستعيذ برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، وبه منه، ونسأله الرضا بعد القضاء، والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، والقناعة بما قسم لنا، من خير وإبعادنا عن الشر، والإعانة على الصبر على القضاء، والابتداء، والاقتداء بمحمد - (- أمَّا بعد: فالرضا بالقضاء مأمور به في كتاب الله، وفي سنة المصطفى - (- وفعل الأنبياء، والصالحين، والصديقين، والشهداء، ومن اقتفى أثرهم، واهتدى بهداهم، وقد تعبدنا الله به، وهو من كمال تحقيق العبودية لله - تعالى -، وسبب للخلاص من الشرك، وإكمال للتوحيد، وخضوع، وتسليم لأمر الله، ونهيه، ويقين بأن الأمر كله لله، بيده كل شيء، فهو المعطي لمن يشاء، المانع لمن يشاء، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه. تحقيقه هداية، يحمل على الإخلاص، فيكون الباعث له في جميع الأعمال: امتثال أمر الله، واجتناب نهيه، والعلم بأنه ماشاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، يقود صاحبه إلى الرضا بالقليل، والعفاف عما في أيدي الناس، ويبعده عن التملق لغير الله، أو الانشغال بغير عبادة الله، ورضاه، أو إرضاء الناس بسخط الله، ويورث العزم في متانة، ويربط القلب، فيمضي صاحبه حتى يبلغ الغاية (1) . فالمؤمن بالقضاء، الراضي به، صبور متجلد، يتحمل المشاق، ويتضلع بالأعباء، وخاصة في العصور المتأخرة، فكيف بالوقت الذي يكون {القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر} (2) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 أمَّا ضعيف الرضا بالقضاء، الذي لايقوى على احتمال المصائب، ولايصبر على أدنى شيء منها، فهذا لضعف إيمانه، ورخاوة نفسه، وانزعاجها العظيم للشيء الحقير، فما أن يصاب بالتافه من الأمر حتى تراه حرج الصدر، فتقض مضجعه، وتؤرق جفنه، وهي - وأكبر منها - لو وقعت لمن هو أقوى منه إيماناً ورضاً بالقضاء لم يلق لها بالاً، ولم تحرك منه نفساً، ولنام ملء جفونه رضيَّ البال، قرير العين. فالذي يجزع لأتفه الأسباب، قد يصل إلى الجنون، أو الوسوسة، أو تعاطي المسكرات، على اختلاف مستوياتها، أو قتل النفس، أو الانتحار. وما أكثر هذه الأمور في المجتمعات التي لاترضى بقضاء الله - تعالى -. فالذي لايرضى بما يصيبه من المصائب: يدب إلى روعه القنوط، ويظن أنها قاصمة الظهر، ونازلة النوازل، ويرمي نفسه في وحل اليأس، وسجن الظلم. أمَّا المؤمن بالقضاء والقدر، الصابر على المصيبة، وعن المعصية، فلاتراه إلاَّ متفائلاً في جميع أحواله، منتظراً الفرج من الله، مؤقناً بأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسراً، وأن العاقبة للتقوى، وأن قضاء الله نافذ لا محالة، فلايأس، ولا قنوط، ولا كسل، ولا هوان، ولا تهاون، تسمو به الحال، فيصل إلى منزل الرضا، فيرضى عن الله، ويرضى الله عنه. سبب اختيار الموضوع: ولقد كان السلف الصالح - من عهد النبوة وعبر القرون الفاضلة - على هذا الاعتقاد، وهذا المستوى في الرضا بالقضاء، بيد أنه ظهر بعد ذلك خلل في هذا، من قبل غلاة المتصوفة، الذين أهملوا الوحي، وحكموا العاطفة، وتسابقوا في ترك الأسباب، والغلو في ذلك، حتى قال بعضهم: {الرضا: ألا نسأل الله الجَنَّة، ولانستعيذه من النَّار} (1) ، وقال الآخر: أصبحت منفعلاً لما يختاره مني ففعلي كله طاعات (2) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 ثُمَّ في هذا الزمان فرط كثير من المسلمين في الرضا بحكم الله، شرعاً، وكوناً، وقدراً، فضعف الرضا، واليقين، واتبعت الشهوات والشبهات، وتأثر المسلمون بالطرق الشيطانية، الصارفة عن الرضا بقضاء الله. ولو ضربنا أمثلة عن التقصير، في الرضا بالقضاء الشرعي، أو القضاء الكوني في كل ميدان من ميادين الحياة العملية، والعلمية، التجارية، والسياسية، الدينية، والمالية، الأسرية، والاجتماعية، لطال بنا المقام. ولكن أترك الأمر للقارئ الكريم؛ ليطبق ما ذكرته في هذا البحث المتواضع، على واقع الناس في هذا الزمان، آملاً ألا يغفل جانباً من جوانب الحياة، سائلاً المولى عزّوجل أن يكتب المغفرة للجميع. فلهذا وذاك رأيت أن أكتب في الرضا بالقضاء؛ للحاجة الملحة إلى ذلك، ولأنني لم اطلع على كتابة في الموضوع، مفردة، مرتبة متناولة لكل مسائل الرضا بالقضاء، على هذا الترتيب الذي جعلته في هذا البحث. وقد اشتمل البحث على هذه المقدمة، وعلى تعريف الرضا والقضاء والقدر في اللغة والاصطلاح وبيان حقيقة الرضا بالقضاء، وأقوال الناس فيه، وهل الرضا مقام أم حال؟ ، والصلة بين الرضا والتوكل، والأمر بالرضا والحث عليه، في القرآن والسنة وأقوال السلف، ثُمَّ الرضا بفعل الله، وحكم الرضا به، والقضاء الشرعي وأدلته، وحكم الرضا به، والقضاء الكوني القدري وأدلته، والمراد به، وأقسامه: 1 - الموافق لمحبة العبد، وإرادته، ورضاه، وحكم الرضا به. 2 - ماجاء على خلاف مراد العبد ومحبته مِمَّا لايلائمه ولايدخل تحت اختياره، وهو قسمان أيضاً: أ) - ما للعبد فيه استطاعة، واختيار، وإرادة في منازعته ومدافعته بكل ممكن، وحكم الرضا به. ب) - ما ليس للعبد فيه اختيار، ولا طاقة، ولا حيلة في منازعته ومدافعته، وحكم الرضا به. ثُمَّ حكم الرضا بالمصائب، وأقوال العلماء في ذلك، وبيان الراجح منها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 3 - القسم الثالث من الكوني: وهو الجاري باختيار العبد، وقضاء الرب، مِمَّا يكرهه الله، ويسخطه، وينهى عنه {المعاصي} ، وحكم الرضا به. وتفصيل تلك المسائل باختصار غير مخل - إن شاء الله -. ثُمَّ ذكر بعض ما ينافي الرضا بالقضاء، على وجه الاختصار، مثل: 1 - الاعتراض على قضاء الله الشرعي الديني. 2 - ترك التوكل على الله. 3 - السخط بما قسم الله. 4 - الحزن على ما فات. 5 - النياحة. 6 - تمني الموت لضر نزل أو بلاء. 7 - عدم الرضا بالمقسوم من الرزق. 8 - الجزع والهلع. ثُمَّ مناقشة الصوفية في انحرافهم في الرضا بالقضاء، على وجه الاختصار غير المخل - بإذن الله تعالى -. هذا وقد آثرت الإيجاز، مع الحرص على الوفاء بالموضوع، ليسهل على القارئ والمطلع الإفادة، وأسأل الله أن يسدد أعمالنا، ويغفر زلاتنا وتقصيرنا، وأن ينفع بهذا البحث، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. الرضا في اللغة الرضا: مصدر، مقصور: ضد السخط، والسخط: الكراهية للشيء، وعدم الرضا به (1) ، وفي حديث الدعاء: {اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء} (2) ، وقد رضي يرضى رضا ورُضا ورِضواناً ورُضواناً - الأخيرة عن سيبويه (3) - فهو راض من قوم رُضاة (4) . ورضيت عنك، وعليك، رضى، ومثله: رضيت الشيء، وارتضيته، فهو مرضي، ومرضو أيضاً، على الأصل، مقصور: مصدر محض، والاسم الرضا ممدود (5) عن الأخفش (6) . قال القحيف العقيلي (7) : إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها ولاتنبو سيوف بني قشير ... ولاتمضي الأسنة في صفاها (8) عدّاه بعلى؛ لأنه إذا رضيت عنه أحبته، وأقبلت عليه، فلذلك استعمل على بمعنى عن (9) . وقال ابن جني (10) : وكان أبو علي (11) يستحسن قول الكسائي (12) في هذا، لأنه لما كانت رضيت ضد سخطت عدى رضيت بعلى، حملاً للشيء على نقيضه، كما يحمل على نظيره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 قال: وسلك سيبويه هذه الطريق في المصادر كثيراً، فقال: قالوا كذا، كما قالوا كذا، وأحدهما ضد الآخر (1) ، وقوله - جلّ وعلا -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (2) تأويله: أن الله - تعالى - رضي عنهم أفعالهم، ورضوا عنه ما جازاهم به. وأرضاه: أعطاه ما يرضى به (3) . وترضَّاه: طلب رضاه؛ قال: إذا العجوز غضبت فطلق ... ولاترضَّاها ولاتَملق (4) أثبت الألف من ترضاها في موضع الجزم تشبيهاً بالياء في قوله: ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بِمَا لاقت لبون بني زياد (5) والرضي: المرضي، وارتضاه: رآه أهلاً، والرجل الرضا (6) أي العدل. وقالوا: رضيت عنه رضا، وإن كان من الواوي: لمكان الكسر وحقه: رضو. قال أبو منصور (7) : إذا جعلت الرضا بمعنى المراضاة فهو ممدود، وإذا جعلته مصدر رضي يرضى فهو مقصور. قال سيبويه: وقالوا: عيشة راضية، على النسب أي: ذات رضا. ومن الألفاظ التي بمعنى الرضا: 1 - الركون: كما في قول الله - تعالى -: {وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (8) ، أي لاترضوا أعمالهم (9) . 2 - العُتبى بالضم: بمعنى الرضا (10) ، ومنه قوله - (- في الدعاء: {لك العتبى حتى ترضى} (11) ، واستعتب: طلب أن يرضى عنه، كما تقول: استرضيته فأرضاني المعتب: المرضي، ومنه الحديث: {لايتمنين أحدكم الموت إمَّا محسناً فلعله يزداد، وإمَّا مسيئاً فلعله يستعتب} (12) أي: يرجع عن الإساءة ويطلب الرضا ومنه في الحديث: {ولا بعد الموت من مستعتب} (13) أي ليس بعد الموت من استرضاء، لأن الأعمال بطلت، وانقضى زمانها، وما بعد الموت دار جزاء، لا دار عمل (14) . 3 - الدّقع: - محركة - الرضا بالدون من العيشة، وسوء احتمال الفقر (15) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 4 - القانع: كما في قول الله - تعالى -: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (1) ، وهو من القنوع: الرضا باليسير من العطاء، وقد قنع يقنع قنوعاً وقناعة بالكسر: إذا رضي، وقنع بالفتح يقنع قنوعاً، إذا سأله، ومنه ما ورد في الحديث: {القناعة كنز لايفنى} (2) لأن الإنفاق منها لاينقطع، كلما تعذر عليه شيء من أمور الدنيا قنع بما دونه ورضي (3) . والقناعة: الرضا بالقسم، وبابه سلم، وهو قنع وقنوع، وأقنعه الشيء: أي أرضاه، وقال بعض أهل العلم: إن القنوع أيضاً قد يكون بمعنى الرضا، والقانع بمعنى الراضي ... ، ويجوز أن يكون السائل سمي قانعاً لأنه يرضى بما يعطى قلّ أو كثر، ويقبله، ولايرده، فيكون معنى الكلمتين راجعاً إلى الرضا (4) . 6 - القنى: بمعنى الرضا، ومنه قول الله - تعالى -: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} (5) ، وقني الرجل - بالكسر - قنى، بوزن رضا، أي صار غنياً، وراضياً، والقنى - كإلى -: الرضا؛ قناه الله، وأقناه: أرضاه، وأقناه أيضاً: رضَّاه، ويقال: أعطاه الله وأقناه: أي أعطاه ما يسكن إليه (6) . 7 - ويأتي الحمد بمعنى الرضا، فيقال: بلوته فحمدته، أي: رضيته، ويقال: أحمد إليكم كذا: أي أرضاه لكم (7) . والرضا نقيض الغضب (8) ، والغضبة ضد الرضا (9) . والرضا والغبطة: ضد الندامة والحسرة (10) . والرضا والوفاء: ملزوم أحدهما بالآخر (11) . والتسليم: بذل الرضا بالحكم (12) . القضاء في اللغة: القضاء - ممدود - مصدر معرف، أصله: قَضَايٌ، لأنه من قضيت، إلاَّ أن الياء لما جاءت بعد الألف همزت (13) ، فعله: قضى يقضي، ومصدره: قضاء وقضية، والفاعل: قاضٍ، والقاضي: القاطع للأمور المحكم لها (14) . واستقضي فلان: أي جُعل قاضياً. والقضايا: جمع قضية وهي الأحكام. والقضاء يأتي بعدة معان، منها: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 1 - الفصل في الحكم، يقال: قضى يقضي قضاءً إذا حكم وفصل، قال - تعالى -: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} (1) أي: لفصل وحكم بينهم (2) . 2 - ويأتي بمعنى الإتقان، والفراغ منه: فيكون على هذا بمعنى الخلق، قال الله - تعالى -: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} (3) أي: ففرغ من خلقهن (4) . 3 - بمعنى أداء الشيء وتمامه، قال الله - تعالى -: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ} (5) أديتم وفرغتم (6) ، ويدخل في المعنى السابق. 4 - ويأتي بمعنى: إمضاء القدر، كما في قوله - سبحانه -: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} (7) أي: أمضينا قضاءنا على سليمان بالموت (8) . 5 - التمام: كما في قول الله - تعالى -: {وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} (9) فمعنى ((لقضي الأمر)) : لتم إهلاكهم (10) . 6 - الإكمال والوفاء: ومنه قوله - تعالى -: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} (11) أي: فلما وفى، وأكمل صاحبه الأجل (12) . 7 - الحتم: ومنه قوله - تعالى -: {ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّي عِندَهُ} (13) ، فالمعنى حتم بذلك. 8 - الصنع والعمل: يدل على ذلك قول الله - تعالى -: {فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ} (14) أي: اصنع وافعل واعمل ما أنت صانع أو فاعل أو عامل (15) ، وتقول: قضى الشيء قضاء صنعه وقدره. وهذا هو القضاء الكوني القدري. 9 - الإعلام: ومنه قول الله - عزّوجل -: {وَقَضَيْنَآ إِلَى بَنِي إِسْرَاءِيلَ فِي الْكِتَابِ} (16) أي: أعلمناهم إعلاماً مقطوعاً به (17) . 10 - إنهاء العمر أو الحياة: من ذلك ما ورد في قصة موسى - عليه السلام - من قول الله - تعالى -: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} (18) أي: قتله وأنهى حياته بالوكز (19) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 11 - الأمر (1) : من ذلك قول الله - تعالى - في الوصية والأمر بعبادته - سبحانه -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} (2) أي: أمر وأوصى، أمراً محتوماً ووصية مقطوعاً بها (3) . وهذا هو القضاء الشرعي الديني. وأكثر المعاني السابقة تعود إلى الفراغ، وإتمام الشيء وانقطاعه، وهناك اشتقاقات أخرى غير هذه، ذكرها أهل اللغة، يُرجع إليها في مظانها، في مادة {قضى} والله الموفق. القدر في اللغة: القدر: بفتح القاف والدال: اسم يطلق على الحكم والقضاء، أو القضاء الموفق (4) . ومن ذلك حديث الاستخارة، وفيه: {فاقدره لي ويسره لي} (5) . وقال الله - تعالى -: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (6) أي: إنا خلقنا كل شيء بمقدار قدرناه وقضيناه (7) . وقال - سبحانه وتعالى -: {فَالْتَقَي الْمَآءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} (8) أي: على أمر قد قدره الله، وقضاه أي: قضاه في اللوح المحفوظ (9) . وقال - سبحانه -: {إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} (10) أي: قضى إليه فيها؛ إنها لمن الباقين ثُمَّ هي مهلكة بعد (11) . وقال - سبحانه -: {إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (12) وهي الليلة التي تقدر فيها الأرزاق، وتقضى (13) . ويأتي بمعنى: التضيق (14) {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ} (15) أي: ويقتر على من يشاء منهم في رزقه وعيشه، فيضيقه عليه؛ لأنه لايصلحه إلاَّ الإقتار (16) ، وقوله - تعالى -: {وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} (17) . ويأتي: بمعنى الخلق: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} (18) أي: والذي قدر خلقه فهدى (19) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 والقَدَر: بفتح القاف والدال أيضاً: الطاقة والوسع (1) ، كما يدل على ذلك قول الله - عزّوجل -: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} (2) وقَدّر الشيء - بالتشديد -: قضاه، ويجوز التخفيف. والقَدْر: بفتح القاف وإسكان الدال: الوسع والطاقة، أيضاً، وبمعنى المقدار، فقدر كل شيء مقداره أي: مقياسه، يقال: قدره به قدراً إذا قاسه، والقدر من الرحال والسروج: الوسط (3) . وقدرت الشيء أقدره من التقدير، ومنه قوله - (- في الحديث: {فإن غم عليكم فاقدروا له} (4) أي: قدروا له عدد الشهر ثلاثين يوماً، وقيل: قدروا له منازل القمر، فإنه يدلكم على أن الشهر تسعة وعشرون يوماً أم ثلاثون يوماً (5) . والقَدْر، والتقدير: تبيين كمية الشيء، يقال: قَدَرته وقدّرْته وقدره بالتشديد، أعطاه القدرة، يقال: قدَّرَني الله على كذا وقواني عليه. فتقدير الله الأشياء على وجهين: أحدهما: إعطاء القدرة. والثاني: بأن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة. فأحدهما بالحكم منه - سبحانه -، أن يكون كذا أولا يكون كذا (6) ، كما في قول الله - تعالى -: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (7) . والمراد أن الله علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها، ثُمَّ أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد، فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته، فهو قضاؤه. القضاء والقدر في الاصطلاح: مِمَّا سبق في تعريف القضاء والقدر في اللغة، وما تدل عليه النصوص الشرعية، يتبين لنا أن القضاء والقدر في الاصطلاح، أو في الشرع: تقدير الله الأشياء في الأزل وقضاؤها وكتابتها في اللوح المحفوظ، وعلمه - سبحانه - بوقوعها في أوقات معلومة عنده، على صفات مخصوصة بمشيئته، وقدرته، وخلقه وأمره، والأمر باليقين والعمل لذلك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 قال الله - تعالى -: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (1) . وقال - سبحانه -: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا} (2) . وقال - عزّوجل -: {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (3) . وقد عرفه الإمام أحمد بقوله: {القدر: قدرة الله} (4) . وعرف بتعريفات أخرى، كلها تدل على علم الله بكل ما أراد إيجاده، أو إفناؤه، من العوالم، والخلائق، والأحداث، والأشياء، وتقدير ذلك، وكتابته في اللوح المحفوظ، كما هو: كميته، وصفته، وكيفيته، وزمانه، وأسبابه، ومقدماته، ونتائجه، بحيث لايتأخر شيء من ذلك عن وقته، ولايتقدم، ولايتبدل (5) . ومعنى قولهم: {القدر سر الله في خلقه} : أن الله قد أخفى علمه عن خلقه، فلايطلع عليه أحد لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فهو - سبحانه - أوجد وأفنى، وأفقر وأغنى، وهدى وأضل، {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ} (6) . وقد روي عن ابن عمر مرفوعاً: ((لاتكلموا بشيء من القدر فإنه سر الله فلاتفشوا سر الله)) (7) . وسئل علي - رضي الله عنه - عن القدر، فقال: {سر الله فلا تكشفه} (8) . {والقضاء والقدر: أمران متلازمان لاينفك أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس؛ وهو القدر، والآخر بمنزلة البناء؛ وهو القضاء} (9) . فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء، ونقضه، فالمقضي مقدر، والمقدر مقضي، ولا دليل على التفريق بينهما (10) ، إلاَّ أن الذي أراه أنهما إذا اجتمعا فإن لكل لفظ من لفظيهما زيادة بيان عن الآخر من وجه، كما هو الحال في ألفاظ اللغة العربيَّة ومترادفاتها، ومن ذلك ألفاظ القرآن الكريم ثُمَّ إن لذكر اللفظ مع الآخر في موضع أو سياق له دلالته، والله أعلم. وقد جاء في تعريف الرضا بالقضاء أقوال كثيرة، منها: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 قيل: {الرضا: ارتفاع الجزع في أي حكم كان} (1) . وقيل: {سكون القلب تحت مجاري الأحكام} (2) . وقال بعضهم الرضا: {ترك الخلاف على الله فيما يجريه على العبد} (3) . وقال آخر الرضا: {سرور القلب بمر القضاء} (4) . وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: {الرضا: أن لاترضي الناس بسخط الله، ولاتحمد أحداً على رزق الله ولاتلم أحداً على ما لم يؤتك الله، فإن الرزق لايسوقه حرص حريص، ولايرده كراهية كاره، والله بقسطه وعلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط} (5) . وقيل: الرضا: ألاّ يتمنى خلاف حاله (6) . وقيل: الرضا: ترك الاختيار (7) . وقيل: الرضا: استقبال الأحكام بالفرح (8) . وقال بعضهم الرضا: نظر القلب إلى قديم اختيار الله للعبد؛ فإنه اختار له الأفضل (9) . وسئل أحدهم عن الرضا، فقال: {من لم يندم على ما فات من الدنيا، ولم يتأسف عليها} (10) . وقال الآخر: {معنى الرضا: فيه ثلاثة أقوال: ترك الاختيار، وسرور القلب بمر القضاء، وإسقاط التدبير من النفس حتى يحكم لها عليها} (11) . ولما سئل أحدهم عن الرضا، قال: {الرضا بالحق، والرضا عن الحق، والرضا له} . فقال: الرضا به: مدبراً ومختاراً، والرضا عنه: قاسماً ومعطياً، والرضا له: إلهاً ورباً} (12) . وقال شقيق البلخي (13) : {وتفسير الرضا على ثلاث (14) خصال: أولها: أمن من الفقر، والثاني: حب القلة والثالث: خوف الضمان، وتفسير الضمان: ألا يخاف إذا وقع في يده شيء من أمر الدنيا؛ أن يقيم حجته بين يدي الله، في أخذه، وإعطائه، على أي الوجوه كان} (15) . وقال الراغب الأصفهاني (16) : {ورضا العبد عن الله: أن لايكره ما يجري به قضاؤه، ورضا الله عن العبد: هو أن يراه مؤتمراً لأمره، ومنتهياً عن نهيه} (17) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 والرضا عمل قلبي، ليس بقول اللسان، ولا عمل الجوارح، ولا هو من باب العلوم والإرادات. ولهذا يُمكن أن يكون تعريف الرضا تبعاً لمعناه في اللغة، وما سبق من هذه الأقوال جميعاً، وما يوافق نصوص كتاب الله، وسنة رسوله - (- هو: التسليم بالقضاء، والقناعة بما قسم، قل أو كثر، والسكون إلى الله، وحمده على ما قضاه، وترك الندم أو الحسرة أو الحزن على ما فات من رزق، وعدم التسخط، أو الاعتراض على ما وقع من قضاء الله الكوني، وحب أمر الله، والعمل به، وترك معاصيه، واجتنابها، والبشر والإكرام، والغنى عما في أيدي الناس، واليقين بأن الله المعطي، المانع وحده لا شريك له. أو نقول: الإيمان بالقضاء والقدر هو: التصديق الجازم بأن كل خير وشر فهو بقضاء الله وقدره، واليقين بأنه - سبحانه - الفَعَّالُ لما يريد، لايكون شيء إلاَّ بإرادته، ولايخرج عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره ولايصدر إلاَّ عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر، ولايتجاوز ما خط في اللوح المحفوظ، وأنه خالق أفعال العباد، من الطاعات، والمعاصي، ومع ذلك فقد أمر العباد، ونهاهم، وجعلهم مختارين لأفعالهم، غير مجبورين عليها، بل هي واقعة بحسب قدرتهم، وإرادتهم. يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (1) . ثُمَّ الرضا بعد وقوع كل ذلك، وتحققه بما يجري عليه من هذا القضاء والقدر، وعدم الجزع، أو الاعتراض على ما قضي، والتسليم للأمر والنهي، وما وقع من خير أو شر، وأن لله حكمة في ذلك، لايعلمها إلاَّ هو، قد تكون خيراً للعبد، وهو يظن أنها ليست كذلك، فيحسن الظن بالله - تعالى -، ويقنع بما يحصل له من رزق، وغيره، ولاتتوق نفسه إلى غير ما قضي، وقدر له، مع فعل الأسباب المأمور بها. حقيقة الرضا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 والرضا - وإن كان من أعمال القلوب - فله حقيقة تترجمه إلى واقع ملموس، ومشاهد، ويتفاوت الناس عند الله - تعالى - في هذه الأعمال، فما هي حقيقة الرضا؟ . لقد تحدث الكثير عن حقيقة الرضا، وأمسك البعض وظن أن حقيقة الرضا لاتعرف، ولاتعلم (1) ، وبالغ آخرون، فجعلوا الرضا من جملة الأحوال التي ليست بمكتسبة بل هو موهبة محضة (2) ، وبعضهم جعله الانطراح والتسليم لما يجريه الله دون العمل، حتى يقول: {الرضا أن لاتسأل الله الجَنَّة ولاتستعيذ به من النَّار} (3) . وإليك أقوال الناس عن حقيقة الرضا: قيل: حقيقة الرضا من رضي الله في كل شيء فقد بلغ حد الرضا (4) . وقيل: عدم الحرص على الازدياد، فهذا غنى النفس، الذي هو الناشيء عن الرضا بقضاء الله - تعالى - والتسليم لأمره؛ وأنَّ ما عنده خير وأبقى، فيعرض صاحبه عن الحرص والطلب، كما قال القائل: غنى النفس ما يكفيك من سد حاجة فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقراً (5) وقال سفيان الثوري: {لايكون غنياً أبداً حتى يرضى بما قسم الله له؛ فذلك الغنى} (6) . وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: {ما أبالي إذا رجعت إلى أهلي على أي حال أراهم، أبسراء أم بضراء، وما أصبحت على حال فتمنيت أني على سواها} (7) . وقيل للفضيل بن عياض: من الراضي عن الله؟ قال: الذي لايحب أن يكون على غير منزلته التي جعل فيها (8) . وقيل عن الرضا: من لم يتكلم بغير الرضا فهو راض (9) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 وقيل: اشتكى عمران بن حصين - رضي الله عنه - فدخل عليه جار له، فاستبطأه في العيادة، فقال له: يا أبا نجيد، إن بعض ما يمنعني من عيادتك ما أرى بكم من الجهد. قال: فلاتفعل، فإن أحبه إليّ أحبه إلى الله، فلاتبتئس لي بما ترى، أرأيت إذا كان ما ترى مجازاة بذنوب قد مضت، وأنا أرجو عفو الله على ما بقي، فإنه قال: {وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (1) (2) . وقيل: إن سفيان الثوري قال عند رابعة (3) : {اللهم ارض عني} فقالت له: أما تستحي أن تطلب رضا من لست عنه براض (4) ؟ . قال سهل (5) : إذا اتصل الرضا بالرضوان اتصلت الطمأنينة، فطوبى لهم وحسن مآب. يريد قوله - جلّ وعزّ -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (6) . فمعناه: أن الرضا في الدنيا تحت مجاري الأحكام، يورث الرضوان في الآخرة بما جرت به الأقلام. قال الله - تعالى -: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (7) (8) . وقيل: {الرضا عن الله ينتظم الصبر انتظاماً} (9) . وقيل: {ثلاثة من أعلام التسليم: مقابلة القضاء بالرضا، والصبر عند البلاء، والشكر عند الرضا} (10) . وقيل لسفيان بن عيينة: ما حد الزهد؟ قال: {أن تكون شاكراً في الرضا، صابراً في البلاء} (11) . وقال نفطويه (12) : {كان يقال: العاقل من كرم صبره عند البلاء، ولم يظهر منه ترفع عند الرضا} (13) . وسئل بعضهم عن أصول الدين، فقال: {اثنان: صدق الافتقار إلى الله - عزّوجل – وحسن الاقتداء برسول الله - (- وفرعه أربعة: الوفاء بالعهود، وحفظ الحدود، والرضا بالموجود، والصبر على المفقود} (14) . وقال الساجي (15) : ((قال لي رجل لو جُعلت لي دعوة مستجابة ما سألت الفردوس، ولكن أسأله الرضى: هو تعجيل الفردوس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 الرضى: إنَّما هو في الدنيا، يقول: {رضي الله عنهم، ورضوا عنه، وأعد لهم هناك في الآخرة، والرضى: ملك يفضي إلى ملك، وهم أوجه الخلق عندهم، ولم تكن لهم أعمال تقدمت شكرهم عليها، ولا شغفا لهم عنده، ولكنه كان ابتداء منه، وقد فرغ الله مِمَّا أرادوا، أسعد بالعلم من قد عرف، وإنَّما العقوبات على قدر الملمات، إذا لم يكن شيء جاءت عقوبات ذلك بقدره} (1) . وقال أحدهم: {وثلاثة من أعلام الرضا: ترك الاختيار قبل القضاء، وفقدان المرارة بعد القضاء، وهيجان الحب في حشو البلاء} (2) . وقيل: {الرضى سكون القلب إلى قديم اختيار الله للعبد أنه اختار له الأفضل فيرضى به} (3) . قال ابن القيم - رحمه الله - بعد ذكر هذا القول: {قلت: وهذا رضى بما منه، وأمَّا الرضا به: فأعلى من هذا، وأفضل، ففرق بين من هو راض بمحبوبه، وبين من هو راض بما يناله من محبوبه، من حظوظ نفسه، والله أعلم} (4) . وقال أيضاً - رحمه الله -: {ومنها - أي من حكمته - أنه - سبحانه - يذيق ألم الحجاب عنه، والبعد، وزوال ذلك الأنس، والقرب، ليمتحن بده، فإن أقام على الرضا بهذه الحال، ولم يجد نفسه تطالبه حالها الأول مع الله، بل اطمأنت، وسكنت إلى غيره، علم أنه لايصلح، فوضعه في مرتبته التي تليق به ... } (5) . وقال ابن تيمية - رحمه الله -: {والرضا وإن كان من أعمال القلوب فكماله الحمد، حتى إن بعضهم فسر الحمد بالرضا، وذلك يتضمن الرضا بقضائه} (6) . وقال: {والله يستحق الرضا لذاته} (7) . وقد رأى بعضهم أن حقيقة الرضا هي: الزهد، كما روي عن الفضيل بن عياض أنه قال: {الزهد: الرضا عن الله} (8) . وقد رأى بعض العلماء أن الرضا هو: غنى النفس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: {ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس} (1) ، وغنى النفس إنَّما ينشأ عن الرضا بقضاء الله، والتسليم لأمره، علماً بأن الذي عند الله خير وأبقى، فهو معرض عن الحرص، والطلب. فالمتصف بغنى النفس يكون قانعاً بما رزقه الله، لايحرص على الازدياد لغير حاجة، ولايلح في الطلب، ولايلحف في السؤال، بل يرضى بما قسم الله له، فكأنه واحد أبداً (2) . وهذا ما عناه النبي - (- عندما استعاذ من فتنة الغنى، وفتنة الفقر؛ لأنهما حالتان تخشى الفتنة فيهما، بالتسخط، وقلة الصبر، والوقوع في حرام، أو شبهة للحاجة، ويخاف من الأشر، والبطر، والبخل بحقوق المال، أو إنفاقه في إسراف، وفي باطل، أو في مفاخر ... قال الخطابي: {إنَّما استعاذ - (- من الفقر الذي هو فقر النفس، لا قلة المال} (3) . وقال القاضي عياض: {وقد تكون استعاذته من فقر المال، والمراد الفتنة في عدم احتماله، وقلة الرضا به ... } (4) . وبعضهم يرى أن حقيقة الرضا: القناعة، أو أن القناعة أول الرضا (5) . وروي عن أبي سليمان الداراني قوله: {إذا سلا العبد عن الشهوات فهو راض} (6) . وعلى هذا إنَّما يمنع العبد من الرضا والقناعة طلب نفسه لفضول شهواتها، فإذا لم يحصل سخط، فإذا سلا عن شهوات نفسه، رضي بما قسم الله له من الرزق (7) . وقال أعرابي في الرضى، والقناعة (8) ، وذم السؤال: علام سؤال الناس والرزق واسع وأنت صحيح لم تخنك الأصابع وللعيش أوكار وفي الأرض مذهب عريض وباب الرزق في الأرض واسع فكن طالباً للرزق من رازق الغنى وخل سؤال الناس فالله صانع (9) وقال مسلم بن الوليد (10) : أقول لمأفون البديهة طائر مع الحرص لم يغنم ولم يتمول سل الناس إني سائل الله وحده وصائن عرضي عن فلان وعن فل (11) وقال بعض العلماء نظماً: تقنع بِمَا يكفيك واستعمل الرضا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 فإنك لاتدري أتصبح أم تمسي (1) قال أبو ذؤيب الهذلي (2) : والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنع (3) وقال لبيد (4) : فمنهم سعيد آخذ بنصيبه ومنهم شقي بالمعيشة قانع (5) قلتُ: ويُمكن أن تكون حقيقة الرضا، هي: لزوم ما جعل الله رضاه فيه، من الأحكام الشرعية، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، لاسيما إذا قام بواجبها، ومستحبها، وعمل ما أبيح له من غير تعد إلى المحظور، مع اليقين والصبر، وعدم طلب فضول الشهوات، والقناعة بما يقضيه الله له في عيشه، وما يحتاج إليه في حياته، وعدم حسد الخلق، أو مخاصمتهم، أو تمني ما في أيديهم، أو سخط ما آتاه الله، وإن كانت نفسه تكرهه طبعاً، وتظنه ليس خيراً، والتسليم بذلك، مع فعل الأسباب المأمور بها، وكراهة المعاصي، والابتعاد عنها، كما تدل عليه النصوص الكثيرة، منها قوله - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولائِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (6) . وما في الصحيح عن أبي هريرة، عن النبي - (- قال: {إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مِمَّا افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته} (7) . وستتضح حقيقة الرضا بالحديث عن أنواع الرضا بالقضاء وأنواع القضاء - إن شاء الله تعالى -. الرضا مقام أم حال؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 واختلف أهل التصوف في حقيقة الرضا هل هو مقام مكتسب، أم حال موهبي؟ إلى ثلاث فرق أو طرق هي: 1 - طائفة - أو فرقة - قالت: الرضى مقام مكتسب، هو نهاية التوكل، يُمكن أن يتوصل إليه العبد باكتسابه، وهؤلاء متصوفة خراسان، في القرن الثامن، ومن تبعهم عليه (1) . واحتجت هذه الطائفة بأن الله مدح أهله، وأثنى عليهم، وندبهم إليه، فدل ذلك على أنه مقدور لهم (2) . 2 - طائفة - أو فرقة - قالت: الرضا حال من جملة الأحوال، وليس كسبياً للعبد، بل هو نازلة تحل بالقلب، كسائر الأحوال، أي أنه موهبة محضة (3) . 3 - وطائفة ثالثة؛ منهم القشيري - صاحب الرسالة القشيرية وغيره - قالوا: بداية الرضا مكتسبة للعبد، وهي من جملة المقامات، ونهايته من جملة الأحوال، وليست مكتسبة، فأوله مقام ونهايته حال (4) . واعتبروا هذا جمعاً - أو حكماً - يُمكن الجمع به بين مذهب الطائفتين السابقتين. قال ابن القيم - رحمه الله -: {فمما اختلفوا فيه: الرضا، هل هو حال أم مقام، فيه خلاف بين الخراسانيين والعراقيين، وحكم بينهم بعض الشيوخ فقال: إن حصلت بكسب فهو مقام، وإلاَّ فهو حال. والصحيح في هذا: أن الواردات والمنازلات لها أسماء باعتبار أحوالها، فتكون لوامع، وبوارق، ولوائح عند أول ظهورها وبدُوّها، كما يلمع البارق، ويلوح عن بعد، فإذا نازَلَتْه، وباشرها فهي أحوال، فإذا تمكنت منه، وثبتت له من غير انتقال، فهي مقامات، وهي لوامع، ولوائح في أولها، وأحوال في أوسطها، ومقامات في نهاياتها} (5) . فهو يرى - رحمه الله - أن الرضى كسبي باعتبار سببه، موهبي باعتبار حقيقته، فقال: {فيمكن أن يقال بالكسب لأسبابه، فإذا تمكن في أسبابه، وغرس شجرته: اجتنى منها ثمرة الرضى، فإن الرضى آخر التوكل} (6) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 قلتُ: والفرق بين المقامات، والأحوال عند الصوفية: أن المقامات عندهم من المكاسب، أمَّا الأحوال فهي مجرد المواهب. والصحيح: أن المقامات قد تحصل بفعل الأسباب من العبد، وقد تحصل من غير فعل العبد، وفي كلا الحالتين فالموجد لها هو الله - سبحانه وتعالى -، فمقام الرضا بالقضاء: مقام عظيم، وأصل من أصول الإيمان، ومن قواعد الدين، التي يطلب بها حظوظ الدنيا، وأمور الدين، وهي في أمور الدين أعظم، كالتوكل، والإنابة، والاستعانة، وغيرها (1) . وقد يحصل على الرضا بسبب، وقد لايحصل عليه، فالسبب والمسبب من الله - تعالى -، ولذلك طلب الرسول - (-: الرضا بالقضاء: {وأسألك الرضا بعد القضاء} . أمَّا الحال فهي التي يكون عليها العبد عند القضاء وهي قسمان: 1 - حال شرعية: وهي التصرف بما أمر الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه، ورسوله، فهذه الأحوال مواهب من الله، وكرامات للصالحين من هذه الأمة. 2 - حال غير شرعية: وهي السخط، والاعتراض، وعدم التسليم، وهي حال فاسدة لايتمثل صاحبها ما أمر الله به ورسوله، ولايتصرف بها في ذلك. فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة، ولايدل إعطاؤهم، أو إمهالهم، على محبة الله لهم. الصلة بين الرضا والتوكل التوكل من مقامات المؤمنين لا انفكاك للمؤمن منه. والرضا أعلى درجات التوكل، بل هو باب الله الأعظم، كما قيل، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين ونعيمهم، وحياة المخبتين، وقرة عيون المشتاقين} (2) . فالرضا ثمرة التوكل، والتوكل نصف الإيمان، وهما من أعلى مقامات الإحسان التي هي أعلى المندوبات (3) . وقد قيل: إن حقيقة التوكل: الرضا؛ لأنه لما كان ثمرته، وموجبه، استدل له عليه استدلالاً بالأثر على المؤثر، وبالمعلول على العلة، لا أن التوكل هو الرضا، أو الرضا التوكل (4) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 وقد سئل أبو بكر الواسطي عن ماهية التوكل، قال: {الصبر على طوارق المحن، ثُمَّ التفويض، ثُمَّ التسليم، ثُمَّ الرضا، ثُمَّ الثقة} (1) . قال الله - تعالى -: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَآءَاتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} (2) . قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: {فتضمنت هذه الآية الكريمة أدباً عظيماً، وسراً شريفاً، حيث جعل الرضا بما آتاه الله ورسوله، والتوكل على الله وحده، وهو قوله: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} ، وكذلك الرغبة إلى الله وحده، في التوفيق لطاعة الرسول - (- وامتثال أوامره، وترك زواجره، وتصديق أخباره، والاقتضاء بآثاره} (3) . فعلى هذا لابد من فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه، في التوكل والرضا، ومن قال فيهما بترك الأسباب، والركون إلى مسبب الأسباب، فقد طعن في سنة الرسول - (- كما سيأتي - إن شاء الله - في فصل الرضا، وفعل الأسباب. وقال ابن تيمية - رحمه الله -: {والرضا والتوكل يكتنفان المقدور، فالتوكل قبل وقوعه، والرضا بعد وقوعه} (4) . فما يكون قبل القضاء إنَّما هو عزم على الرضا، وهو التوكل لا حقيقة الرضا، فهو بعد القضاء، فالعبد لابد أن يتوكل على الله، ويعزم على الرضا، فيما لو وقع ما لايحب، أو ما لايرى فيه فائدته في الظاهر، وإذا وقع المقدر، رضي به، على ما سيأتي في حكم الرضا بالقضاء - إن شاء الله -. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 ولهذا كان النبي - (- يقول في الصلاة ما روي عن الصحابي الجليل: عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: كان النبي - (- يقول في الصلاة: {اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، وأسألك القصد في الفقر، والغنى، وأسألك نعيماً لاينفد، وأسألك قرة عين لاتنقطع، اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك، من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين} (1) . قال بعضهم في معنى قول النبي - (-: {أسألك الرضا بعد القضاء} قال: {لأن الرضى قبل القضاء عزم على الرضا، والرضى بعد القضاء هو الرضا} (2) . وقال أبو سعيد الخراز (3) : {الرضا قبل القضاء تفويض، والرضا بعد القضاء تسليم} (4) . وقيل: {ثلاثة من أعلام الرضا: ترك الاختيار قبل القضاء، وفقدان المرارة بعد القضاء، وهيجان الحب في حشو البلاء} (5) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: {ولهذا كان طائفة من المشائخ يعزمون على الرضا قبل وقوع البلاء، فإذا وقع انفسخت عزائمهم، كما يقع نحو ذلك في الصبر وغيره} (6) . واستشهد بعدة آيات منها قول الله - تعالى -: {وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} (7) وقال - تعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} (8) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 وهذه الآية نزلت في أناس من المؤمنين، تمنوا معرفة أحب الأعمال، وأفضلها، ليعملوا بها، فلما أخبر الله نبيه بذلك قصروا في ذلك فعوتبوا (1) . فالحاصل أن التوكل والتفويض يكون قبل وقوع المقدور، والرضا بعده، وهو الثمرة. قال رسول الله - (- في دعاء الاستخارة: {اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر - ثُمَّ تسميه بعينه - خيراً لي في عاجل أمري وآجله، قال: أو في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي، ويسره لي ثُمَّ بارك لي فيه، اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري، وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثُمَّ رضني به} (2) . فهذه حاجته التي سألها متوكلاً عليه - سبحانه -، ولم يبق عليه إلاَّ الرضى بما يقضيه له، فقال: {اقدر لي الخير حيث كان، ثُمَّ رضني به} (3) . فالرضا إنَّما يأتي بعد الاستعانة، والتوكل على الله؛ لأن اليقين بالقضاء الذي لم يقع ليس برضا، وإنَّما يكون بعد وقوع المقضي، أمَّا قبل وقوعه فاستعانة وتوكل فقط، فمن بلغ الرضا فلاشك أنه استعان بالله وتوكل عليه، ومن استعان بالله وتوكل عليه فقد بلغ الرضا. الأمر بالرضا بالقضاء والحث عليه حث الإسلام على الرضا بالقضاء والقدر، وأمر به في نصوص كثيرة، منها: 1 - قول الله - تعالى -: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسى أَن تَكْرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (4) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 فهذه الآية تضمنت الحض على التزام أمر الله، وإن شق على النفوس، وعلى الرضا بقضائه، وإن كرهته النفوس، فهو - سبحانه - كما هو العليم في اختياره من يختاره من خلقه، وإضلاله من يضله منهم: العليم الحكيم بما في أمره، وشرعه من العواقب الحميدة، والغايات العظيمة. فبين - سبحانه - أن ما أمرهم به يعلم ما فيه من المصلحة، والمنفعة لهم، التي اقتضت أن يختاره، ويأمرهم به، وهم قد يكرهونه، إمَّا لعدم العلم، وإمَّا لنفور الطبع، فهذا علمه بما في عواقب أمره مِمَّا لايعلمونه (1) . 2 - وقوله - عزّوجل -: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَآءَاتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَيُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (2) . فما أصاب العبد من مصيبة في الأرض، من قحط، وجدب، وذهاب زرع، وغير ذلك، أو في الأنفس من الأمراض، والأوجاع، حتى خدش العود، ونكبة القدم، إلاَّ مقدر مقضي في اللوح المحفوظ، من قبل أن يخلقها الله، فلايحزن العبد على ما فاته، أو يفرح فرح مختال متكبر، ولكن لابد له من الرضا بما يصيبه من القضاء، إن خيراً، وإن غير ذلك (3) . 3 - ومنها قوله - سبحانه -: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ، اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (4) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 أي: لم يصب أحداً من الخلق مصيبة إلاَّ بإذن الله، أي بقضائه، وتقديره، ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله، وقدره، يوفق الله قلبه بالاحتساب، والتسليم لأمره، والرضا بقضائه، وعوضه الله عما فاته من الدنيا: هدى في قلبه، ويقيناً صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيراً منه. وروي عن ابن عباس: {يعني يهدي قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه} (1) . وفي آخر هذه الآية الكريمة، الأمر بالتوكل، وأعلى درجات التوكل الرضا بالقضاء. 4 - ومنها ما في القرآن الكريم أنه - سبحانه - المعطي والذي يجعل المعطَى راضياً بما أعطاه، قال - سبحانه -: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} (2) أي: أعطى فأرضى (3) . ومن السنة والأثر: 1 - قوله - (-: {ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً} (4) . وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله - (- أنه قال: {من قال حين يسمع المؤذن أشهد ألا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه} (5) . 2 - ومنها: حديث الاستخارة السابق: {اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر - ثُمَّ تسميه بعينه - خيراً لي في عاجل أمري وآجله، قال: أو في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي، ويسره لي ثُمَّ بارك لي فيه، اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري، وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثُمَّ رضني به} (6) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 ففي هذا الحديث: بيان لحاجة العبد إلى فعل ما ينفعه في معاشه، ومعاده، وعلم ما فيه مصلحته، وتيسير الله له ما قدره له من الخير، فهو القادر - سبحانه وتعالى - على كل شيء، والعبد عاجز إن لم ييسر الله له ما فيه مصلحته، ولذلك أرشده النبي - (- إلى طلب فضله - سبحانه - وتيسيره، ثُمَّ إذا اختاره له بعلمه، وأعانه عليه بقدرته، ويسره له من فضله، فهو يحتاج إلى البقاء عليه، وثبوت هذا الفضل، ونموه، ثُمَّ إذا فعل ذلك كله فهو محتاج إلى أن يرضيه، فإنه قد يهيء له ما يكرهه فيظل ساخطاً والخيرة فيه. 3 - ومنها: ما أخرج مسلم عن أنس أن رسول الله - (- قال: (ولد لي الليلة غلام فسميته بأبي إبراهيم)) ، ثُمَّ دفعه إلى أم سيف، امرأة قين يقال له: أبو سيف، فانطلق يأتيه واتبعته. فانتهينا إلى أبي سيف، وهو ينفخ بكيره قد امتلأ البيت دخاناً، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله - (- فقلت: يا أبا سيف، أمسك، جاء رسول الله - (- فأمسك، فدعا النبي - (- بالصبي فضمه إليه، وقال: ماشاء الله أن يقول. قال أنس: لقد رأيته وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول الله - (- فدمعت عينا رسول الله - (- فقال: {تدمع العين، ويحزن القلب، ولانقول إلاَّ مايرضي ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون} (1) . 4 - ومنها: ما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كنت خلف النبي - (- يوماً فقال: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلاَّ بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلاَّ بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف} (2) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله - (- لابن عباس (1) : {يا غلام، أو يا غليم، احفظ عني كلمات، لعل الله أن ينفعك بهن: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، احفظ الله في الرخاء يحفظك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فلو جهد الخلائق لم يعطوك شيئاً لم يقدره الله - عزّوجل - لك ما استطاعوا، أو يمنعوك شيئاً قدره الله لك، ما استطاعوا ذلك، اعمل باليقين مع الرضا، واعلم أن مع العسر يسراً، واعلم أن مع العسر يسراً} . وفي معنى هذا الحديث ما روي عن الوليد بن عبادة، قال: دخلت على أبي، وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه أوصني، واجتهد لي، فقال: أجلسوني، فلما أجلسوه، قال: يا بني، إنك لن تجد طعم الإيمان، ولن تبلغ حقيقة العلم بالله - تبارك وتعالى - حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت: يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني إني سمعت رسول الله - (- يقول: إن أول ما خلق الله القلم، ثُمَّ قال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النَّار} (2) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 5 - ومنها: ما ورد في قصة إسماعيل وأمه وأبيه وزوجتيه: عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقاً لتعفي أثرها على سارة، ثُمَّ جاء بها إبراهيم، وبابنها إسماعيل، وهي ترضعه، حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق زمزم، في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذٍ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جراباً (1) فيه تمر، وسقاء، فيه ماء، ثُمَّ قفى (2) إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مراراً، وجعل لايلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا، قال: نعم. قالت: إذن لايضيعنا. وفي الرواية الأخرى: قالت: رضيت بالله. ثُمَّ رجعت فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عند الثنية، حيث لايرونه، استقبل بوجه البيت، ثُمَّ دعا بهؤلاء الكلمات، ورفع يديه، فقال: {رَبَّنَآ إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} حتى بلغ {يَشْكُرُونَ} (3) ، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، أو قال: يتلبط (4) . فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثُمَّ استقبلت الوادي، تنظر هل ترى أحداً، فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثُمَّ سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثُمَّ أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً، فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 قال ابن عباس: قال النبي - (-: {فذلك سعي الناس بينهما، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه - تريد نفسها - ثُمَّ تسمعت فسمعت أيضاً فقالت، قد أسمعت إن كان عندك غواث (1) ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال: بجناحه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه (2) ، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعدما تغرف} . قال ابن عباس: قال النبي - (-: {يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم - أو قال: لولم تغرف من الماء - لكانت زمزم عيناً معيناً. قال: فشربت، وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لاتخافوا الضيعة، فإن هاهنا بيت الله، يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لايضيع أهله، وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم (3) ، أو أهل بيت من جرهم، مقبلين من طريق كداء (4) ، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائراً عائفاً (5) ، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء؛ لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جرياً أو جريين (6) ، فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا، قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ ، فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء. قالوا: نعم} . قال ابن عباس: قال النبي - (-: {فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام، وتعلم العربيَّة منهم، وأنفسهم، وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل، يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، ثُمَّ سألها عن عيشهم، وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق، وشدة، فشكت إليه (7) } الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له: يغير عتبة (1) بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس (2) شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم. جاءنا شيخ، كذا وكذا، فسألنا عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء، قالت: نعم؛ أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك. قال ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك، فطلقها، وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ماشاء الله. ثُمَّ أتاهم بعد، فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم وسألها عن عيشهم، وهيئتهم، فقالت: نحن بخير، وسعة، وأثنت على الله (3) ، فقال: ما طعامكم، قالت: اللحم، قال: فما شرابكم، قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء، قال النبي- (-: ولم يكن لهم يومئذٍ حب، ولو كان لهم دعا لهم فيه، قال: فهما لايخلو عليهما أحد بغير مكة إلاَّ لم يوافقاه، قال: فإذا جاء زوجك، فاقرئي عليه السلام، ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل، قال: هل أتاكم من أحد، قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك، فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ ، قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك، ثُمَّ لبث عنهم ماشاء الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 ثُمَّ جاء بعد ذلك، وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد، والولد بالوالد، ثُمَّ قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، وأشار إلى أكمة (1) مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه، وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2) قال: فجعلا يبنيان، حتى يدروا حول البيت، وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} (3) . 6 - قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: {إذا قضى الله قضاء أحب أن يرضى بقضائه} (4) . 7 - وعن أبي العلاء مطرف بن عبد الله المشهور بابن الشخير - رضي الله عنه -، يرفعه إلى النبي - (- قال: {إذا أراد الله بعبده خيراً أرضاه بما قسم له، وبارك له فيه، وإذا لم يرد به خيراً لم يُرضه بما قسم له، ولم يبارك له فيه} (5) . 8 - وقال الشعبي: سمعت المغيرة بن شعبة على المنبر، يرفعه إلى رسول الله - (- يقول: {إن موسى - عليه السلام - سأل ربه، فقال: أي رب، أي أهل الجَنَّة أدنى منزلة؟ قال: رجل يأتي بعدما يدخل أهل الجَنَّة، فيقال له: ادخل. فيقول: كيف أدخل وقد نزلوا منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ قال: فيقال له: أترضى أن يكون لك ما كان لملك من ملوك الدنيا؟ ، فيقول: نعم، أي رب، قد رضيت، فيقال له: فإن لك هذا وعشرة أمثاله، فيقول: رضيت أي رب، فيقال: فإنه لك مع هذا ما اشتهت نفسك ولذت عينك} (6) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 9 - وعن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - (- يقول: {إن من التواضع الرضا بالدون من شرف المجالس} (1) . 10 - وروي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: {إن من رأس التواضع أن ترضى بالدون من شرف المجلس، وأن تبدأ بالسلام من لقيت، وأن تكره من المدحة والسمعة والرياء بالبر} (2) . 11 - وروي أن عبد العزيز بن أبي رواد (3) قال: {كان يقال: من رأس التواضع الرضا بالدون من شرف المجالس} (4) . 12 - وجاء في كتب أهل الكتاب، في وصف أمة أحمد - (-: {علماء، حكماء، أبرار، أتقياء، كأنهم من الفقه أنبياء، يرضون من الله باليسير من الرزق، ويرضى الله منهم اليسير من العمل، يدخلهم الجَنَّة بشهادة أن لا إله إلاَّ الله} (5) . والأدلة كثيرة: منها: أدلة التوكل على الله من الكتاب والسنة؛ لأن الرضا ثمرة التوكل، وهو أعلى درجاته. ومنها: أدلة الإيمان بالقضاء والقدر، ومراتبه فإن الإيمان الصادق بقضاء الله وقدره يثمر الرضا به. ومنها: أدلة الشكر، التي منها قوله - تعالى -: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (6) ، فالشكر مقام أعلى من الرضا بالقضاء، فهو متضمن للرضا، والشكر ينتظم الرضا انتظاماً. ومنها: أدلة الفرح بفضل الله، وبرحمته، مثل قوله - سبحانه -: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (7) ؛ لأن الفرح أعلى من الرضا، فالرضا داخل في الفرح. ومنها: أدلة الزهد، والقناعة، وغيرها. الرضا وفعل الأسباب العبدُ دائرٌ بين مأمور بفعله، ومحظور بتركه، فوظيفته، أو عمله، أو ما يجب فعله: فعل المأمور، واجتناب المنهي، وهو بهذا يفعل الأسباب المأمور بها، ويترك المنهي عنها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 ومن الأسباب التي لابد له من فعلها - أي هو مأمور بها -: ما يحفظ حياته من الطعام، والشراب، واللباس، والمسكن، وكذلك الأسباب الموجبة لبقاء نوع الإنسان من النكاح والتسري، وما يحافظ على عقله، وماله، وغير ذلك من ضرورات الحياة، بل وكل الأمور التي تحافظ على عقله ودينه. وتعطيل شيء مِمَّا أمر الله به، أو الوقوع فيما نهى الله عنه، يفسد حياته، وآخرته. ولايكون فعل الأسباب مانعاً من الرضا، بل هي من الرضا بقضاء الله وقدره، ولايتحقق الرضا بالقضاء إلاَّ بفعل الأسباب المأمور بها. {إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (1) . وقال - سبحانه -: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيْمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 وغيرهما من الآيات الكثيرة، التي تدل على أن فعل الأسباب من الإيمان، والعمل الصالح، بكل أنواعه، وأشكاله، وكيفياته، ومنه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والحب في الله، والبغض فيه وله، والجهاد في سبيل الله، وابتغاء الرزق الحلال من غير جشع، أو طمع، يوقع فيما يغضب الله، أو يخالف أمره، وشرعه، والإنفاق في وجوه الخير، وغير ذلك من العبادات: الواجبات والمسنونات والمستحبات. وكما قيل: {من أراد أن يبلغ محل الرضا فليلزم ما جعل الله رضاه فيه} (1) . ومن قال، أو ظن، أو فهم، أن الرضا ترك التدبير، أو ترك الأسباب، فقد طعن في الشريعة التي جاء بها محمد - (-، وأن الله - عزّوجل - يقول: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا} (2) والغنيمة: اكتساب. وقال تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاق وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (3) فهذا عمل. وكان أصحاب رسول الله - (- أحرص ما يكون على العمل، ولما قال النبي - (-: {ما منكم من أحد، وما من نفس منفوسة: إلاَّ كتب مكانها من الجَنَّة والنار، وإلاَّ كتبت شقية، أو سعيدة، قال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، وقرأ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (4) } (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 فالرضا والتسليم لله، والإيقان بأن قضاء الله وقدره ماض، واتباع سنة الرسول - (- في السعي فيما لابد منه من الأسباب، من مطعم ومشرب، وتحرز من عدو، وإعداد الأسلحة، واستعمال ما تقتضيه سنة الله - تعالى - المعتادة: هو الحق والصواب، والخير والفلاح للعبد في ذلك، والدعاء وطلب الدواء من فعل الأسباب، التي يستحب عملها، وذلك لاينافي الرضا، أو الاتصاف بالصبر المحمود. شبهة ورد: الإلحاح في الدعاء، أو المبالغة فيه: يقدح في الرضا. والجواب: إذا كان يلح في الدعاء للحصول على أغراضه، وحظوظه العاجلة الفانية الدنيوية، مثل المال والجاه، من غير سكون القلب بما قسم الله، وغير ذلك، فإن ذلك يقدح في الرضا (1) . وأمَّا إذا ألَحّ على الله في سؤاله بما فيه رضاه والقرب منه، فإن ذلك لايقدح في مقام الرضا أصلاً، بل هو من الرضا بالقضاء الشرعي الديني؛ لأن الله قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) ، وقال - سبحانه -: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (3) ، وقال: {وَلِلَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (4) ، وقال عزّ وجل: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (5) ، والآيات في هذا كثيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 وفي الحديث: {لما كان يوم بدر قال: نظر النبي - (- إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي - (- القبلة، ثُمَّ مد يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثُمَّ قال: ((اللهم أين ما وعدتني، اللهم أنجز ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلاتعبد في الأرض أبداً، قال: فما زال يستغيث ربه - عزّوجل - ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر - رضي الله عنه - فأخذ رداءه، ثُمَّ التزمه من ورائه، ثُمَّ قال: يا نبي الله: كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. وأنزل الله - عزّوجل -: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (1) } الحديث (2) . وكذلك الحديث السابق: { ... فاقدر لي الخير كله، ثُمَّ رضني به} ، وعند الترمذي وغيره: {من لايسأل الله يغضب عليه} (3) ، فإذا كان سؤال الله يرضيه، لم يكن الإلحاح فيه منافياً لرضاه (4) . أمَّا سؤال العباد، والغضب للنفس، فإن ذلك يطفيء الرضا، ويذهب بهجته، وتبدل حلاوته مرارة، ويتكدر صفوه (5) ومن قال من الصوفية: إن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم. فالجواب عليه: إن الطلب من الله ليس ممنوعاً، بل هو عبادة من أجل العبادات أمر الله بها كما قال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (6) . وقال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (7) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 والاشتغال بالذكر والدعاء استغناء بما يقسمه الله للعبد ويقدره له، ويفعله به، وهو أفضل من السؤال، ويعطى الذاكر أفضل مما يعطاه السائل، كما في الحديث: {من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل مِمَّا أعطي السائلين} (1) . وذلك أن السائلين سألوه، فأعطاهم الفضل الذي سألوه، أمَّا الراضون فرضوا عنه، فأعطاهم رضاه عنهم، وهذا ليس معناه أن نمنع العبد سؤال أسباب الرضى، بل إن أصحابه ملحون في سؤال الله ذلك (2) . منزلة الرضا وفضله بلوغ مقام الرضا لايكون بالتحلي ولا بالتمني، كما ورد في الأثر عن الإيمان: {ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل} (3) . وليس بالادعاء والكبرياء، كما في قصة قارون لما وعظه قومه بشأن ماله، فقال لهم: إنَّما أوتيت هذه الكنوز على فضل علم عندي، علمه الله مني، فرضي بذلك عني، وفضلني بهذا المال عليكم، لعلمه بفضلي عليكم، فأنزل الله - تعالى - في ذلك: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} إلى قوله: {قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلاَ يُسْئلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} (4) . وفي تفسير الطبري في قوله: {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} قال: {لولا رضا الله عني، ومعرفته بفضلي، ما أعطاني هذا} (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 فليس المال وكثرته وحده هو الذي يبلغ به العبد درجة الرضا، فكم مع قارون؟ وكم ملك قارون؟ وما أغنى عنه شيئاً، وما رضي عن الله، ولا بقضائه، لقد تمنى من تمنى ممن رأى قارون في زينته، وماله، وجبروته، أن يحصلوا على ما حصل عليه، فقالوا: {يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (1) . وظنوا أنه بلغ مقام الرضا، ولكن الله أخبر أن المال ليس بدليل على رضا الله عن صاحبه، فإن الله يعطي ويمنع، ويضيق ويوسع، ويخفض ويرفع، وله الحكمة التامة - سبحانه -، والحجة البالغة. ولهذا لما أدرك المتمنون ما حصل لقارون، وأنه بعيد كل البعد عن رضا الله أولاً، والرضا بما أعطاه قالوا: {لَوْلاَ أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) ، فلولا لطف الله بنا، وإحسانه إلينا لخسف بنا كما خسف به (3) . والرضا حال من أحوال أهل الجَنَّة، لايفارق صاحبه المتحلي به في الدنيا، مادام مع أمر الله راضياً بقضائه في الدنيا، وفي الآخرة، كما في الآيات والأحاديث السابقة (4) . فالرضا بالقضاء من تمام الإيمان بالقضاء والقدر (5) . والرضا غاية يسعى لها المؤمن الصادق، كما في حديث الاستخارة السابق: { ... واقدر لي الخير حيث كان ثُمَّ رضني به} . ولهذا كان النبي - (- يدعو في صلاته أن يعطيه الله الرضا بعد القضاء، كما في حديث عمار ابن ياسر - رضي الله عنه - السابق: {وأسألك الرضا بعد القضاء} . والرضا بالقضاء له منزلة عظيمة عند الله - تعالى -، ولذلك فإن ثوابه عظيم أيضاً، كما في الحديث، الذي أخرجه الترمذي وغيره عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: {وإن الله - تعالى - إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط} (6) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 فهو من منازل الشهداء، كما في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء ناس إلى النبي - (- فقالوا: أن ابعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار يقال لهم: القراء، فيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن، ويتدارسونه بالليل، يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء، فيضعونه بالمسجد، ويحتطبون؛ فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة (1) ، وللفقراء، فبعثهم النبي - (- إليهم، فعرضوا لهم، فقتلوهم؛ قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا، أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا، قال: وأتى رجل حراماً، خال أنس، من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة! فقال رسول الله - (- لأصحابه: {إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا} (2) . وهو من سعادة المؤمن في الدنيا والآخرة، كما في حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: {من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له} (3) . وقيل: إن الله جعل الروح والفرح في الرضا بقضاء الله - تعالى - كما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - (- قال: {لاترضين أحداً بسخط الله، ولاتحمدن أحداً على فضل الله، ولاتذمن أحداً على ما لم يرد الله، فإن رزق الله لايسوقه إليك حرص حريص، ولايرده عنك كراهة كاره، وإن الله بقسطه وعدله جعل الروح والراحة والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في السخط} (4) . و {الرضا من مقامات الإحسان التي هي من أعلى المندوبات} (5) . ومرتبة الإحسان هي أعلى مراتب الدين، كما في حديث جبريل - عليه السلام - المشهور (6) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 وروي أن أبا الدرداء قال: {ذروة الإيمان أربع خلال: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب} (1) . ومقام الرضا أعلى من مقام الصبر. قال ابن القيم - رحمه الله -: {فمقامات الإيمان لاتعدم بالتنقل فيها، بل تندرج وينطوي الأدنى في الأعلى، كما يندرج الإيمان في الإحسان، وكما يندرج الصبر في مقامات الرضا، لا أن الصبر يزول، ويندرج الرضا في التفويض، ويندرج الخوف والرجاء في الحب، لا أنهما يزولان} (2) . ثُمَّ إن الرضا من المقامات التي توصل الطمأنينة؛ لأنها مقام جامع للإنابة والتوكل والرضا والتسليم، فهي معنى ملتئم من هذه الأمور إذا اجتمعت صار صاحبها صاحب طمأنينة، وما نقص من هذه الأمور نقص من الطمأنينة (3) . وكم يتمنى العبد الحصول على الطمأنينة فالرضا من الأمور التي تسبب في وصول العبد إليها، فهو باب الله الأعظم (4) . قال ابن القيم - رحمه الله -: {ولذلك كان الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العارفين، وحياة المحبين، ونعيم العابدين، وقرة عيون المشتاقين} (5) . وقال ابن تيمية - رحمه الله -: {وإن ارتقى إلى الرضا رأى أن الرضا جنة الدنيا، ومستراح العابدين وباب الله الأعظم} (6) . وقال الفضيل بن عياض: {الرضا عن الله درجة المقربين ليس بينهم وبين الله - تعالى - إلاَّ روح وريحان} (7) . ومن الكلام الحسن في فضل الرضا، وبيان منزلته، ما روي عن الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: {أمَّا بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلاَّ فالصبر} (8) . وما روي عن الفضيل بن عياض - رحمه الله -: {الرضا أفضل من الزهد في الدنيا؛ لأن الراضي لايتمنى فوق منزلته} (9) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 وسئل أبو سهل محمد بن سليمان (1) عن الشكر والصبر أيهما أفضل، فقال: {هما في محل الاستواء فالشكر مطية السراء، والصبر فريضة الضراء، قال: وقيل: الصبر أسنى الأمرين؛ لأن الشكر استجلاب واستدعاء، والصبر استكفاء وارتضاء، وموضع الرضا يفضل موضع الدعاء ... } (2) . وروي عن مجاهد عن ابن عباس: {أوحى الله إلى موسى - عليه السلام - إنك لم تتقرب إليّ بشيء أحب من الرضا بقضائي} (3) . وقال الذهبي - رحمه الله - في كتاب الكبائر: {أجمع سبعون رجلاً من التابعين، وأئمة المسلمين، والسلف، وفقهاء الأمصار، على أن السنة التي توفي عليها رسول الله - (- أولها: الرضا بقضاء الله وقدره، والتسليم لأمره، والصبر تحت حكمه، والأخذ بما أمر الله به، والنهي عما نهى الله عنه، وإخلاص العمل لله، والإيمان بالقدر، خيره وشره، وترك المراء، والجدال، والخصومات في الدين ... } (4) اهـ. ومِمَّا قيل في فضل الرضا بالقضاء: وما لي من عبد ولا من وليدة وإني لفي فضل من الله واسع بنعمة ربي ما أريد معيشة سوى قصد حال من معيشة قانع ومن يجعل الرحمن في قلبه الرضا يعش في غنى من طيّب العيش واسع إذا كان ديني ليس فيه غميزة ولم أشْرِه في بعض تلك المطامع ولم أبتع الدنيا بدين أبيعه وبائع دين الله من شر بائع ولم تشتملني مرديات من الهوى ولم أتخشع لامرئ ذي بضائع جموع لشر المال من غير حله ضنين بقول الحق للزور راتع (5) ومن الشعر أيضاً: ولاتجزعي يا نفس من نازل جرى بتقدير خلاق إله البرية فإن الرضا والصبر في كل محنة لمن أخلاق أصحاب النفوس الرضية (6) أنواع القضاء وحكم الرضا به القضاء ثلاثة أنواع: 1 - القضاء الديني. 2 - القضاء الكوني. 3 - القضاء الذي هو وصف الله تعالى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 وهذا النوع الثالث الذي هو وصف الله سبحانه ونفس فعله كعلمه وكتابه وتقديره ومشيئته وإرادته، فالرضا به من تمام الرضا بالله رباً وإلهاً ومالكاً ومدبراً (1) . ولا سبيل إلى إدراك كيفية الربوبية - الصفات - بالعقول. فلابد في ذلك من الرضا والتسليم، والإيمان والتصديق، من غير تكييف، ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (2) ، وكما قال الإمام مالك بن أنس - رحمه الله تعالى - وشيخه ربيعة، ومن قبلهما، ومن بعدهما من السلف الصالح - رحمهم الله -: {الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة} (3) . فالعباد لايدركون، ولايعرفون كيفية صفاته - سبحانه وتعالى -. ومن صفاته أيضاً: الرضا، والرضا صفة الرب - سبحانه وتعالى - على ما يليق به، كما يدل عليها قوله - تعالى -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} (4) ، وغيرها من الآيات، والأحاديث التي أثبت فيها - سبحانه وتعالى - لنفسه هذه الصفة، وأثبتها له رسوله (، وقد أفردت هذه الصفة {صفة الرضا} في بحث مستقل سميته: {صفة الرضا بين الإثبات والتعطيل، وأثر الإيمان بها في حياة المسلم} . فالقضاء الذي هو الحكم، أو القدر، أو المقضي، هو إمَّا ديني، أو كوني، كما سبق، وسيكون الحديث هنا عن هذين النوعين: أولاً: القضاء الديني: وهو الشرعي، أو ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. فما شرعه الله لعباده، وأمرهم به، ونهاهم عنه في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله محمد - (- هو ما قضاه الله، وأمر به شرعاً، وكذلك ما نهى عنه، في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله - (-. وما أمر به - سبحانه - أو قضاه هو المذكور في حديث شعب الإيمان {فأفضلها قول: لا إله إلاَّ الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان} (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 قال الله - تعالى -: {وَمَآءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) ، وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} (2) . وهذا القضاء هو المذكور في قول الله - تعالى -: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَآءَاتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَي اللَّهِ رَاغِبُونَ} (3) . قال ابن تيمية - رحمه الله - عن هذه الآية: {وذكر الرسول هنا يبين أن الإيتاء هو الإيتاء الديني الشرعي لا الكوني القدري} (4) . وفي الحديث الصحيح السابق عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - (- يقول: {ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً} . وفي صحيح مسلم - أيضاً - عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عن رسول الله - (- أنه قال: {من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه} . ومدار رحى الإسلام على هذين الحديثين الذي معناهما: أن يرضى العبد بعبادة ربه وحده، وأن يسخط عبادة غيره، والعبادة هي الحب مع الذل. فكل من ذل الإنسان له - غير الله -، وأطاعه، مع حبه له، وحبه لأمره فقد عبده، وهذا شرك أكبر، لايطهره إلاَّ الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً. وهذه الأمور الثلاثة المذكورة في الحديثين هي أركان التوحيد: ألا يتخذ سواه رباً، ولا إلهاً، ولا غيره حكماً. قال الله - تعالى -: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} (5) . وقال - سبحانه -: {أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} (6) يعني معبوداً، وناصراً، ومعيناً، وملجأ، وهو ما يتضمن الحب والطاعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 وقال - عزّوجل -: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} (1) . ولو تأملت الآيات الثلاث لرأيتها نفس الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً. فحقيقة الرضا بالله رباً ... أن يترك ويسخط عبادة ما دون الله من الآلهة الباطلة، ويعبد الله وحده حباً، وخوفاً، ورجاء، وتعظيماً، وإجلالاً. فجميع أقوال اللسان وأعماله، وأقوال القلب وأعماله، تنبني على توحيد الله - عزّوجل - وعبادته، وسخط عبادة ما سواه. فهو المحبوب وأمره المحبوب، وبهذا يجد العبد حلاوة الإيمان، كما قال رسول الله - (-: {ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مِمَّا سواهما، وأن يحب المرء لايحبه إلاَّ لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار} (2) . لكن كثير من الناس يرضي بالله رباً، ولايبغي رباً سواه، لكنه لايرضى به وحده ولياً وناصراً، بل يوالي من دونه أولياء طناً منه أنهم يقربونه إلى الله، وأن موالاتهم كموالاة خواص الملك، وهذا عين الشرك، بل التوحيد: أن لايتخذ من دونه أولياء، والقرآن مملوء من وصف المشركين بأنهم اتخذوا من دونه أولياء. وهذا غير موالاة أنبيائه ورسله، وعباده المؤمنين فيه، فإن هذا من تمام الإيمان ومن تمام موالاته. فموالاة أوليائه لون واتخاذ الولي من دونه لون، ومن لم يفهم الفرقان بينهما فليطلب التوحيد من أساسه؛ لأن هذه المسألة أصل التوحيد وأساسه. وكثير من الناس يبتغي غيره حكماً، يتحاكم إليه، ويخاصم إليه، ويرضى بحكمه. وفي المنهيات وتركها الخير كل الخير للمؤمن، فإذا نهى عن شيء، ولو رأى أنه بحاجته، أو يحبه، أو غير ذلك، فإنه إن تركه تنفيذاً لنهى الله عنه، أو نهي رسوله، عوضه الله خيراً، كما في الحديث: {إنك لن تدع شيئاً اتقاء لله إلاَّ أعطاك الله خيراً منه} (3) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 وقال سفيان - رحمه الله -: {إنه بلغني أنه ليس أحد يدع من الدنيا شيئاً لله إلاَّ عوضه الله خيراً من ذلك} (1) . فعلى المؤمن أن يرضى بطاعة الله عن معصيته، وأن يترك المعصية لله - تعالى - يكتب له الأجر، ويرضى الله عنه، فيكون له الرضى. وقد روي عن أبي سليمان الداراني المتصوف: {إذا سلا العبد عن الشهوات فهو راض} (2) . قال ابن تيمية - رحمه الله - معلقاً على هذا القول: {وذلك أن العبد إنَّما يمنعه من الرضا والقناعة طلب نفسه لفضول شهواتها، ... ، فإذا سلا عن شهوات نفسه رضي بما قسم الله له من الرزق} (3) . وهذا معناه الطمأنينة إلى أحكام الله، وأوامره، والانتهاء عما نهى الله عنه. وقد ذم الله تارك الرضا بما أمر به، وفاعل ما نهى عنه في نصوص كثيرة منها: قوله - تعالى -: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (4) . وقوله - سبحانه -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَآ أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} (5) . وقوله - عزّوجل -: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ} (6) . ومن الناس من يبعد عن الأمر الشرعي، ويسترسل حتى ينسلخ من الإسلام بالكلية، ويبقى واقفاً مع هواه والقدر. ومن هؤلاء من يموت كافراً، ومنهم من يتوب فيتوب الله عليه، ومنهم من يموت فاسقاً، ومنهم من يتوب فيتوب الله عليه. وهؤلاء ينظرون إلى الحقيقة القدرية، معرضين عن الأمر الشرعي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 ولابد لهم مع ذلك من اتباع أمر ونهي غير الأمر الشرعي، إمَّا من أنفسهم، وإمَّا من غير الله ورسوله، إذ الاسترسال مع القدر مطلقاً ممتنع لذاته؛ لأن العبد مفطور على محبة أشياء، وبغض أشياء، وإن من يتولى عن الرضا بما جاء به محمد - (- فإن العقوبة ووقوع المصائب على المتولي غير بعيدة في عاجل الدنيا، فترك الرضا بأمر الله، وأمر رسوله، سبب وقوع المصائب، والعقوبات العاجلة والآجلة، كما قال الله في شأن اليهود: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (1) . قال ابن جرير في تأويل هذه الآية: {فاعلم أنهم لم يتولوا عن الرضا بحكمك، وقد قضيت بالحق إلاَّ من أجل أن الله يريد أن يتعجل عقوبتهم في عاجل الدنيا، ببعض ما قد سلف من ذنوبهم} (2) . حكم الرضا بالقضاء الشرعي الديني: الرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب من لوازم الإسلام (3) ، بل إنه أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان. فيجب على العبد أن يكون راضياً به بلا حرج، ولا منازعة، ولا معارضة، ولا اعتراض، يدل على ذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (4) . فقد جاء القسم في هذه الآية مؤكداً أنهم لايؤمنون حتى يحكموا رسول الله في كل شيء، وحتى يرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه - (- وحتى يسلموا لحكمه تسليماً ما بعده منازعة، ولا معارضة، ولا اعتراض، وهذا حقيقة الرضى بحكمه - ((5) -. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 قال ابن القيم - رحمه الله -: {فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان} (1) . فعلى الناس أن يرضوا بما أمر الله به، فليس لأحد أن يسخط ما أمر الله به، كما في الآية الكريمة (2) ، وكما في الحديث: {وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب} (3) انقلبت النفوس الأمارة بالسوء إلى نفوس لوامة على المعاصي، ثُمَّ إلى نفوس راضية، وادعة، تتلقى أحكام ربها بصدور واسعة منشرحة، وهذا هو الرضا بالقضاء الديني المحبوب لله - عزّوجل - ولرسوله - (-. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 ولما نزلت على رسول الله - (- {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله - (- فأتوا رسول الله - (- ثُمَّ بركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية، ولانطيقها، قال رسول الله - (-: {أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا، وعصينا، بل قولوا: سمعنا، وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير} ، قالوا: سمعنا، وأطعنا، غفرانك ربنا، وإليك المصير، فلما اقترأها القوم، ذلت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها {ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (2) ، فلما فعلوا ذلك نسخها الله - تعالى - فأنزل الله - عزّوجل - {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: نعم. {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} قال: نعم. {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: نعم. {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (3) قال: نعم} (4) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 قال ابن القيم - رحمه الله - في حكم الرضا بالقضاء الشرعي، أو الديني: { ... حكم شرعي ديني، فهذا حقه أن يتلقى بالمسالمة والتسليم، وترك المنازعة، بل بالانقياد المحض، وهذا تسليم العبودية المحضة، فلايعارض بذوق، ولا وجد، ولا سياسة، ولا قياس، ولا تقليد، ولا يرى إلى خلافه سبيلاً البتة، وإنَّما هو الانقياد المحض، والتسليم، والإذعان، والقبول، فإذا تلقى بهذا التسليم، والمسالمة، إقراراً، وتصديقاً بقي هناك انقياد آخر، وتسليم آخر، له إرادة وتنفيذاً وعملاً، فلاتكون له شهوة تنازع مراد الله من تنفيذ حكمه، كما لم تكن له شبهة تعارض إيمانه وإقراره، وهذا حقيقة القلب السليم، الذي سلم من شبهة تعارض الحق، وشهوة تعارض الأمر، فلا استمتع بخلاقه، كما استمتع به الذين يتبعون الشهوات، ولا خاض في الباطل خوض الذين يتبعون الشبهات، بل اندرج خلاقه تحت الأمر، واضمحل خوضه في معرفته بالحق، فاطمأن إلى الله، معرفة به، ومحبة له، وعلماً بأمر، وإرادة لمرضاته، فهذا حق الحكم الديني} (1) . {ولم ينازع العلماء أن الرضا بما أمر الله به ورسوله واجب، محبب، لايجوز كراهة ذلك وسخطه، وأن محبة ذلك واجبة، بحيث يبغض ما أبغضه الله، ويسخط ما سخطه الله من المحظور، ويحب ما أحبه، ويرضى ما رضيه لله من المأمور} ، كما قال الله - تعالى -: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَآءَاتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَي اللَّهِ رَاغِبُونَ} (2) . ثانياً: القضاء الكوني القدري: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 والمراد به ما لايتعلق بالأمر والنهي، فهو القدر، أو المراد كوناً وقدراً، فما شاء الله قدراً من غير اشتراط محبته إياه، أو الرضا به، يدخل في الكوني، فيدخل فيه الإيمان والكفر والطاعة والمعصية، والمحبوب والمكروه، فكل ما يقع بمشيئته الشاملة لجميع الحوادث يدخل في الكوني القدري، وهذا ما يعبر عنه المسلمون بقولهم: {ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن} (1) . ومن ذلك قول ابن تيمية - رحمه الله -: فما شاء مولانا الإله فإنه ... يكون، وما لا لايكون بحيلة (2) فما يكون بفعل الله قدراً، أو من فعل المخلوق بخلق الله وإرادته الكونية القدرية، فهو كوني قدري. ولابد فيه من تحقق مراد الله - تعالى -، فما أراد الله كوناً وقع، فلا راد لهذا القضاء أبداً، قال الله - تعالى -: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (3) ، فما يكون من غنى أو فقر، أو راحة أو تعب، أو عافية أو سقم، أو حياة أو موت، أو إيمان أو كفر، فهو بقضاء الله وقدره الكوني. وعلمُ ذلك قبل وقوعه وبعد وقوعه عند الله - تعالى - ومكتوب في اللوح المحفوظ، ومقدر: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ، وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعْمَلُونَ} (4) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 فإذا وقع المقدر المعلوم، فهو بمشيئة الله وقدره، وإرادته: {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} (1) ، {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2) يخلق ما يخلقه بغير سبب معلوم لنا، أو بسبب معلوم لنا، فهو القادر - سبحانه - على أن يقول للشيء كن فيكون {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (3) . والقضاء الكوني القدري على ثلاثة أقسام: الأول: قسم موافق لمحبة العبد وإرادته، ورضاه، من صحة، وغنى، وعافية، ولذة. فهذا أمر لازم بمقتضى الطبيعة، لأنه ملائم للعبد، محبوب له، فليس في الرضا به عبودية، لكن العبودية فيه مقابلته بالشكر، والاعتراف بالمنة، ووضع النعمة في المواضع التي يحب الله - تعالى - أن توضع فيها، وأن لايعصي العبد بها المنعم - سبحانه وتعالى (4) -. فيجب الرضا بذلك، ويجب شكرها؛ لأن الرضا بالنعم من تمام شكرها وبركتها، كما قال الله - تعالى -: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (5) . الثاني: ماجاء على خلاف مراد العبد ومحبته، مِمَّا لايلائمه، ولايدخل تحت اختياره. وذلك مثل المرض، والفقر، وأذى الخلق، والحر والبرد، والآلام، ونحو ذلك من المصائب التي تصيب العبد المؤمن. فالمؤمن من أكثر الناس بلاء، ولكنه أعظمهم قدراً، والمصائب ابتلاء، واختبار للعبد، أيرضى أم يسخط، ويبتلى المؤمن على قدر إيمانه. وقد ورد في الحديث الصحيح: {من يرد الله به خيراً يصب منه} (6) . فمن يثبت مع المصائب، ويصبر، ويحتسب، ويرضى بقضاء الله - تعالى - وقدره، يبلغ المنى، وتكفر خطاياه، كما في الصحيح: {ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلاَّ رفعه الله بها درجة، وحط بها عنه خطيئة} (7) . وفي الحديث أيضاً: {ما ضرب من مؤمن عرق إلاَّ حط الله عنه به خطيئة، وكتب له به حسنة، ورفع له به درجة} (8) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 وفي صحيح مسلم: {ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلاَّ حط الله به سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها} (1) وفي جامع الترمذي كما سبق: {إذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط} . وورد عن عمرو بن قيس في تفسير قول الله - تعالى -: {فَصَبْرٌ جَمِيْلٌ} (2) قال: {الرضا بالمصيبة والتسليم} (3) والرضا هو بحسب معرفة العبد بعدل الله، وحكمته، ورحمته، وحسن اختياره، فكلما كان بذلك أعرف كان به أرضى. فقضاء الله - سبحانه - في عبده دائر بين العدل والمصلحة، والحكمة والرحمة، لايخرج عن ذلك البتة، كما قال رسول الهدى - (- في الدعاء المشهور عن ابن مسعود: {اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، ما قالها أحد قط إلاَّ أذهب الله همه وغمه، وأبدله مكانه فرجاً} قالوا: أفلا نتعلمهن يا رسول الله؟ قال: {بلى ينبغي لمن يسمعهن أن يتعلمهن} (4) . فقوله - (-: {عدل فيّ قضاؤك} يتناول كل قضاء يقضيه الله على عبده، من عقوبة، أو ألم، وسبب ذلك فهو - سبحانه - الذي لايقضي للمؤمن قضاء إلاَّ كان خيراً له، {وليس ذلك إلاَّ للمؤمن} ، كما في الحديث: {عجبت للمؤمن، لايقضي الله له شيئاً إلاَّ كان خيراً له} (5) . وعن صهيب قال: قال رسول الله - (-: {عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلاَّ للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له} (6) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 فيدخل في ذلك الذنب بشرطه، وهو ما يترتب عليه من الآثار المحبوبة لله، من التوبة، والانكسار، والندم، والخضوع، والذل، والبكاء، وغير ذلك. وأجر المصائب إنَّما هو على الصبر والرضا بالقضاء، لا على المصيبة: الصبر والرضا عظم التكفير والأجر، أمَّا المصيبة فقد تكون تارة كفارة لذنب يوازيها، أو دفعاً لمصيبة أعظم منها (1) ، كما في الآحاديث الآنفة الذكر، وغيرها. وعلى هذا فالمصائب رحمة، ونعمة في حق عموم الخلق، إلاَّ أن يدخل صاحبها بسببها في معاص أعظم مِمَّا كان قبل ذلك، فتكون شراً عليه من جهة ما أصابه في دينه، فهذا تكون العافية من المصائب خير له من جهة ما أورثته المصيبة، لا من جهة المصيبة، كما أن من أوجبت له المصيبة صبراً وطاعة كانت في حقه نعمة دينية، فهي بعينها فعل الرب - عزّوجل -، رحمة للخلق، والله - سبحانه - محمود عليها (2) . أمَّا الجزع من القضاء، أو النياحة (3) ، أو الحلق (4) ، أو الشق (5) ، أو الصلق (6) ، فإن هذا يشعر بعدم الرضا بالقضاء، ومناف له، وترك للصبر على المصائب (7) ، كما سيأتي - إن شاء الله -. ويجوز التألم من الأمراض، والأوجاع، والإخبار بما يجده الإنسان من ذلك، كالإخبار بما يجده من الجوع والفقر، من غير ضجر، أو جزع، أو سخط من ذلك كله، بل للتسلية والتصبر (8) ، قال الله - تعالى - في حال موسى - عليه السلام -: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُءَاتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} (9) أي: تعباً (10) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 وقد خرج النبي - (- ذات ليلة فإذا هو بأبي بكر، وعمر، فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوموا فقاموا معه فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت: مرحباً وأهلاً، فقال لها رسول الله - (-: أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله - (- وصاحبيه، ثُمَّ قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني، قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية فقال له: رسول الله - (-: إياك والحلوب، فذبح لهم فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا، قال رسول الله - (- لأبي بكر وعمر: {والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثُمَّ لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم} (1) . وقال الله عنه يعقوب - عليه السلام -: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (2) . وقال الله - تعالى - عن أيوب - عليه السلام -: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ... } (3) . فالتألم والشكوى إلى الله، لاينافيان الرضا بالقضاء، فهما زيادة عبادة لله - تعالى -، إذا لم يصاحبهما تسخط على المقدور، ثُمَّ إن الألم لايقدر أحد على رفعه إلاَّ الله، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك، فلايستطاع تغييرها عما جبلت عليه (4) . وفي صحيح البخاري (5) أن عائشة قالت: وا رأساه ... فقال النبي - (-: ((بل أنا وا رأساه)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 قال ابن القيم - رحمه الله -: {وقد أشكل على بعض الناس اجتماع الرضا مع التألم، وظن أنهما متباينان، وليس كما ظنه، فالمريض الشارب للدواء الكريه متألم به، راض به، والصائم في شهر رمضان في شدة الحر متألم بصومه، راض به ... فالتألم كما لاينافي الصبر لاينافي الرضا به. وهذا الخلاف بينهم إنَّما هو في الرضا بقضائه الكوني، وأمَّا الرضا به رباً، وإلهاً، والرضا بأمره الديني؛ فمتفق على فرضيته، بل لايصير العبد مسلماً إلاَّ بهذا الرضا، أن يرضى بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً} (1) . فإخبار المريض بشدة مرضه، وقوة ألمه جائز، إذا لم يقترن بذلك شيء مِمَّا يمنع، أو يكره، من التبرم، وعدم الرضا، وهذا أثناء المرض. فعن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه - رضي الله عنهما - قال: دخلت على أبي بكر - رضي الله عنه - في مرضه الذي توفي فيه، فسلمت عليه وسألته؛ كيف أصحبت؟ فاستوى جالساً، فقلت أصبحت بحمد الله بارئاً؟ قال: أمَّا إني على ما ترى وجع} (2) . وقال عروة: دخلت أنا وعبد الله بن الزبير على أسماء - يعني بنت أبي بكر وهي أمهما - وأسماء وجعة، فقال لها عبد الله: كيف تجدينك؟ قالت: وجعة (3) . وإذا كان ذلك أثناء المرض فمن باب أولى جواز الإخبار بذلك بعد البرء (4) . شبهة وجوابها: بعض الناس يظن أن من شرط الرضى ألا يحس بالألم والمكاره، وطعنوا فيه وقالوا: هذا ممتنع على الطبيعة، وإنَّما هو الصبر، وإلاَّ فكيف يجتمع الرضى والكراهة؟ وهما ضدان. والجواب من وجوه: 1 - أنه لاتناقض بينهما، فوجود التألم، وكراهة النفس له لاينافي الرضى، كرضى المريض بشرب الدواء الكريه، ورضى الصائم في اليوم الشديد الحر بما يناله من ألم الجوع والظمأ، ورضى المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح، وغيرها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 2 - أن طريق الرضى طريق مختصرة، قريبة جداً، موصلة إلى غاية، ولكن فيها مشقة، ومع هذا فليست مشقتها بأصعب من مشقة طريق المجاهدة، ولا فيها من العقبات والمفاوز ما فيها، وإنَّما عقبتها همة عالية، ونفس زكية، وتوطين النفس على كل ما يرد عليها من الله. ويسهل ذلك إذا وطن نفسه على الرضا بما قدره الله عليه، ولايتكلف من الأسباب ما لا طاقة به له (1) . وهذا القسم من الكوني أيضاً على نوعين: النوع الأول: ما للعبد فيه استطاعة واختيار وإرادة في منازعته ومدافعته بكل ممكن: ومثاله الجوع، والعطش، أو البرد ونحو ذلك، فإن العبد يترك الانقياد له، ومسالمته، ويدفعه بقدر آخر من الأكل والشرب واللباس ونحوه. فإذا وقع حريق - مثلاً - في دار، أو متجر، أو مركب، فهذا بقدر الله - تعالى - والعبد لايستسلم له، ويسالمه، ويتلقاه بالإذعان، بل عليه أن ينازعه، ويدافعه بالماء والتراب، وغير ذلك مِمَّا يطفيء الحريق، وما خرج في ذلك عن قدر الله. بل يجب أن يفعل الأسباب في عدم حصول ذلك أصلاً، كما في الحديث: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فحدث بشأنهم النبي - (-، قال: {إن هذه النَّار إنَّما هي عدو لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم} (2) . ومن ذلك تغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب، وذكر اسم الله عليها، وإطفاء السرج عند النوم، وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب (3) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 وهكذا إذا أصاب المؤمن مرض، فهذا بقدر الله - تعالى - وقضائه الكوني، فإن له أن يدافعه، وينازعه بقدر الله أيضاً، فيستعمل الأدوية الدافعة للمرض، فإن غلبه وقهره حرص على دفع آثاره وموجباته بالأسباب التي نصبها الله لذلك، فيكون قد دفع القدر بالقدر، كما في قصة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وقوله عندما عوتب على فراره من الطاعون، وعدم دخوله أرض الشام بمن معه من الصحابة، والتابعين - رضي الله عنهم جميعاً - فقالوا له: {أفراراً من قدر الله؟} ، فقال عمر - رضي الله عنه -: {نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت إن كانت لك إبل هبطت وادياً له عدوتان: إحداهما: خصيبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف - وكان متغيباً في بعض حاجته - فقال: إن عندي في هذا علماً، سمعت رسول الله (يقول: ((إذا سمعتم به بأرض فلاتقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلاتخرجوا فراراً منه} قال: {فحمد الله عمر، ثُمَّ انصرف} (1) . قال ابن القيم - رحمه الله -: {ومن لم يستبصر من هذه المسألة ويعطها حقها لزمه التعطيل للقدر أو الشرع شاء أو أبى، فما للعبد ينازع أقدار الرب بأقداره في حظوظه، وأسباب معاشه، ومصالحه الدنيوية، ولاينازع أقداره في حق مولاه، وأوامره ودينه، وهل هذا إلاَّ خروج عن العبودية، ونقص في العلم بالله وصفاته وأحكامه} (2) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 وعلى هذا، فإنه لابد أن يرضى بهذا المقضي، ولايجزع، ولايعترض على قدر الله وقضائه، وإن كره، أو تألم، أو أبغض المقدر، أو طلب تغييره إلى ما هو أحسن، مع علمه بأنه قد يكون ما أصابه من ذلك خير مِمَّا هو يحب أن يصيبه، مِمَّا ظاهره الخير، فهو غير مأمور بمدافعة القضاء الكوني {وَعَسى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (1) . النوع الثاني: ما ليس للعبد فيه اختيار، ولا طاقة، ولا حيلة في منازعته ومدافعته. وهذا ما أشار إليه حديث عبادة - رضي الله عنه - السابق: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} الحديث. فهذا لاتنفع فيه المنازعة، ولا المدافعة، فهذا يقابل بالرضا، والاستسلام، وترك المخاصمة والسخط، والعلم والإيمان بأن الأمر والحكم والقضاء لله من قبل ومن بعد، وأنه - سبحانه - له حكمة في ذلك هو يعلمها - سبحانه -، وهو عدل في قضائه، والقدر المقضي ينزل مواقعه، ويحل محله لا راد له، وذلك أوجب للرب - سبحانه - عدله، وحكمته، وعزته، وملكه، وموجب أسمائه وصفاته، فله عليه أكمل الحمد، وأتمه، والرضا، والتسليم (2) . وهذا ما دل عليه قوله - تعالى -: {أَوَلَمَّآ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3) أي: يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه (4) . وقال - سبحانه -: {مَآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} (5) . وقوله - تعالى -: {وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (6) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 وقوله - عزّوجل -: {وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةُ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ} (1) . قال ابن القيم - رحمه الله - بعد ذكر هذه الآيات في هذا المقام: {فمن نزل هذه الآيات على هذا الحكم علماً، ومعرفة، وقام بموجبها إرادة، وعزماً، وتوبة، واستغفاراً، فقد أدى عبودية الله في هذا الحكم، وهذا قدر زائد على مجرد التسليم والمسالمة ... } (2) . حكم الرضا بالمصائب تنازع العلماء، والمشائخ من أصحاب الإمام أحمد، وغيرهم في الرضا بالقضاء في المصائب، هل هو واجب، أم مستحب، على قولين: القول الأول: أنه واجب، وعلى هذا فهو من أعمال المقتصدين، ومعنى ذلك أنه فرض وعبادة كالصبر وغيره. القول الثاني: أنه مستحب، وعلى هذا فهو من أعمال المقربين، أي أن الرضا به قربة لله - تعالى - يتقربها العبد لربه (3) . وهذا بيان أدلة كل قول ومناقشتها وبيان القول الراجح: القول بالوجوب: هو قول في مذهب الإمام أحمد (4) - رحمه الله - وممن ذهب إلى ذلك الإمام القرطبي المفسر - رحمه الله - قال: {فالواجب على كل امرئ الرضا بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه له فيما يحب} (5) . وقال ابن حجر - رحمه الله -: {في قصة موسى والخضر من الفوائد: أن الله يفعل في ملكه ما يريد، ويحكم في خلقه بما يشاء، مِمَّا ينفع، أو يضر، فلا مدخل للعقل في أفعاله، ولا معارضة لأحكامه، بل يجب على الخلق الرضا والتسليم، فإن إدراك العقول لأسرار الربوبية قاصر، فلايتوجه على حكمه} (6) . ومعنى ذلك أنه يجب الرضا بالقضاء في المصائب والأوامر معاً. أدلة أصحاب هذا القول: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 1 - قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: {ومن أوجبه قال: السخط حرام، ولا خلاص عنه إلاَّ بالرضا، وما لا خلاص عن الحرام إلاَّ به فهو واجب} (1) . قلتُ: فجعلوه من باب: ما لايتم الواجب إلاَّ به فهو واجب. 2 - قالوا: إن ذلك من تمام الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً (2) . 3 - أنه إذا لم يكن راضياً بقضاء الله وقدره فهو ساخط، إذ لا واسطة بين الرضا والسخط، وسخط العبد على قضاء الله - تعالى - مناف لرضاه به (3) . 4 - أن عدم الرضا بالقضاء والقدر يستلزم سوء الظن بالله، ومنازعة في اختياره لعبده، وأن الرب - سبحانه - يختار شيئاً ويرضاه، فلايختاره العبد ولايرضاه، وهذا مناف للعبودية (4) . 5 - ما روي في الأثر: {من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلواي فليتخذ رباً سواي} (5) . ويجاب عن هذه الأدلة بما يلي: 1 - أن الرضا بكل ما يخلقه الله ويقضيه ليس عليه دليل من كتاب الله ولا من سنة رسوله - (- ولا قال به أحد من السلف، أمَّا الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، فهو واجب، دل على وجوبه الكتاب والسنة (6) . 2 - أن الرضا يشرع بما يرضى الله به، والله قد أخبر أنه {لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ} (7) و {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (8) ، وقال - تعالى -: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} (9) . وهذا أمر موجود من أقوال العباد، وقد أخبر الله أنه لايرضاه، فإذا لم يرضه كيف يأمر العبد بأن يرضاه، بل الواجب أن العبد يسخط ما يسخطه الله، ويبغض ما يبغضه، ويرضى بما يرضاه الله. قال الله - تعالى -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَآ أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (10) ، فذم من اتبع مساخطه وكره مراضيه، ولم يذم من كره مساخطه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 3 - أمَّا قوله: {إنه لايتخلص من السخط على ربه إلاَّ بالرضى عنه، إذ لا واسطة بين الرضا والسخط} . فكلام مدخول؛ لأن السخط بالمقضي لايستلزم السخط على من قضاه، كما أن كراهة المقضي وبغضه، والنفرة عنه، لاتستلزم تعلق ذلك بالذي قضاه وقدره، فالمقضي قد يسخطه وهو راض عمن قضاه وقدره، بل قد يجتمع تسخطه والرضا بنفس القضاء (1) ، فالسخط شيء، والشكاية شيء آخر. 4 - قولهم: {إنه يستلزم سوء ظن العبد بربه، ومنازعته له في اختياره} . فليس كذلك، بل هو حسن الظن بربه في الحالتين، فإنه إنَّما يسخط المقدور وينازعه بمقدور آخر، كما ينازع القدر الذي يكرهه ربه بالقدر الذي يحبه ويرضاه، فينازع قدر الله بقدر الله بالله لله، كما يستعيذ برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، ويستعيذ به منه. فأمَّا {كونه يختار لنفسه خلاف ما يختاره الرب} فهذا موضع تفصيل لايسحب عليه ذيل النفي والإثبات، فاختيار الرب - تعالى - لعبده نوعان: أحدهما: اختيار ديني شرعي، فالواجب على العبد أن لايختار في هذا النوع غير ما اختاره له سيده، قال - تعالى -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (2) ، فاختيار العبد خلاف ذلك مناف لإيمانه وتسليمه، ورضاه بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً. النوع الثاني: اختيار كوني قدري، لايسخطه الرب، كالمصائب التي يبتلي الله بها عبده، فهذه لايضره فراره منها إلى القدر الذي يرفعها عنه، ويرفعها ويكشفها، وليس في ذلك منازعة للربوبية، وإن كان فيه منازعة للقدر بالقدر، وكما تقدم عن عمر وأبي عبيدة - رضي الله عنهما -. فهذا يكون تارة واجباً، وتارة يكون مستحباً، وتارة يكون مباحاً مستوي الطرفين، وتارة يكون مكروهاً، وتارة يكون حراماً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 وأمَّا القدر الذي لايحبه ولايرضاه - مثل قدر المعائب والذنوب - فالعبد مأمور بسخطها، ومنهي عن الرضا بها، وهذا هو التفصيل الواجب في الرضا بالقضاء (1) . 5 - أن الأثر المستدل به من الآثار الإسرائيلية، فلاتقوم الحجة به؛ لأنه لايعرف ثبوته عن الله، وليس يصح عن النبي - ((2) -. القول بالاستحباب: قال أصحابه: الرضا بالمصائب مستحب، وليس بواجب، وهذا قول أكثر العلماء (3) ، وهو قول في مذهب الإمام أحمد (4) . أدلة أصحاب هذا القول: 1 - قالوا: الإيجاب يستلزم دليلاً شرعياً على الوجوب ولا دليل على ذلك (5) . 2 - أن الرضا من القرب التي يتقرب بها، وليس من الفرائض، أو الواجبات، كما قال الخليفة عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -: {الرضا عزيز، ولكن الصبر معول المؤمن} (6) . 3 - قالوا: لم يجئ الأمر بالرضا في القرآن الكريم، ولا في السنة المطهرة، مثل الصبر، فالصبر أمر الله به في مواضع كثيرة من كتابه - سبحانه -، وأمَّا الرضا فلم يأمر به في آية واحدة (7) . 4 - أن القول بوجوبه يلزم منه الرضا بما حرم الله، مثل الرضا بمصيبة الكفر والفسوق وغيرهما (8) من القضاء الكوني القدري. 5 - أنه قد روي عن ابن عباس يرفعه: {إن استطعت أن تعمل لله بالرضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً} (9) . وهذا فيه الحث على الرضا لا الأمر به (10) . 6 - أن المأمور به هو الرضا المشروع الديني، ولم يأمرنا بالرضا بالمقدور الكوني (11) . 7 - قالوا: أجمع العلماء على أنه مستحب، مؤكداً استحبابه (12) ، قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: {وأكثر العلماء على أن الرضا بذلك مستحب وليس بواجب} (13) . والصحيح أن المصائب هي قضاء الله ومنسوبة إليه على وجهين: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 الأول: كونها فعل الله القائم بذاته - تعالى -، فهذا يجب الرضا به، والتصديق والتسليم له، ومن ذلك عدل الله، وحكمته، وقدرته، وعلمه - سبحانه - وخلقه، فالرضا بالمصائب من هذا الوجه واجب لاشك في ذلك. الثاني: المقضي المنفصل عن الله، المفعول له، فهذا قسمان: مصائب ومعائب، فالمعايب لاشك أنه يحرم الرضا بها، كما سيأتي. وأمَّا ما يصيب الإنسان فقسمان - أيضاً -: ما كان من صحة وغنى ولذة وغيرها من النعم، وهذا القسم يجب الرضا به، وأنه فضل وإحسان من الله يحمد عليه ويشكر. وأمَّا ما يصيب العبد المؤمن من فقر، ومرض، وجوع، وأذى، وحر وبرد، وغير ذلك مِمَّا يكرهه ويبغضه العبد، فيستحب الرضا به، ولو عمل الأسباب لتغييره إلى ما هو أحسن. والأدلة على استحباب ذلك كثيرة هي ما ذكره أصحاب القول الثاني وغيرها كثير: منها: أن الله - سبحانه وتعالى - أثنى على أهل الرضا بقوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (1) فأثنى عليهم ولم يوجب ذلك عليهم (2) ، قال ابن القيم - رحمه الله -: {وأمَّا الرضا فإنَّما جاء في القرآن مدح أهله، والثناء عليهم لا الأمر به} (3) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 ومن ذلك: ما ورد في القرآن الكريم من مدح الراضين بما يفعله الله بعبده من المصائب، كقوله - تعالى -: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَءَاتَي الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلا ةَ وَءَاتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولائِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (1) والبأساء: الفقر، والضراء: المرض، وحين البأس: حين القتال (2) . وقوله - تعالى -: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَءَامَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (3) . قال ابن تيمية - رحمه الله -: {البأساء في الأموال، والضراء في الأبدان، والزلزال في القلوب} (4) . الرضا بالمعاصي القسم الثالث: وهو الجاري باختيار العبد، وقضاء الرب، مِمَّا يكرهه الله ويسخطه، وينهى عنه، وهو ما يسمى: الرضا بالمعصية: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 لقد فتح إبليس لكثير من الناس باب الأهواء، فلايتوبون، ولايستغفرون، ولايرون إلاَّ أنهم على الحق، وهو يرضى بذلك منهم دائماً (1) {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} (2) أي: هيأنا لهم شياطين، أو سلّطنا عليهم قرناء، يزينون لهم المعاصي، وهم من الجن ومن الإنس أيضاً، فآثروا المعاصي على أمر الله، وركنوا إلى أعمالهم في الدنيا، ونسوا الآخرة، فوجب عليهم العذاب، فكانوا من الخاسرين لأعمالهم في الدنيا، وأنفسهم وأهليهم في الآخرة (3) {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ، إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (4) . بل إن الشيطان يحب أن يرى العبد يفعل ما يرضيه، ويفرحه، كما ورد في معنى حديث: {إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب} (5) ، فالشيطان يحب التثاؤب ويرضى به، لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه (6) ، {والتثاؤب من الشيطان} (7) . والمعاصي والمنكرات أمور مضرة للعاصي ولغيره، ومع ذلك يبقى بعض الناس معها ومع طبعه وذوقه، وينسلخ عن دين الله، ورُبَّما دخل في الشرك الأكبر كالقول بوحدة الوجود، أو الاتحاد والحلول المطلق، أو يقول بالحلول والاتحاد في بعض المخلوقات، كالمسيح - عليه السلام - في زعم النصارى أو علي - رضي الله عنه - في زعم الإسماعيلية النصيرية - أو غيرهما - كالدروز عبدة الحاكم بأمر الله -، أو المشايخ، أو بعضهم، أو الملوك، أو المردان - عياذاً بالله -. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 فيقول بحلول الإله في الصور الجميلة، ويعبدها، ومنهم من يتدين فقط بحب الصور الجميلة من النساء الأجانب والمردان، وغير ذلك، ويزعم أن هذا من الجمال الذي يحبه الله، فهو يحبه فيلبس المحبة الطبيعية له المحرمة بالمحبة الدينية الشرعية، ويجعل ما حرمه الله - تعالى - مِمَّا يقرب إليه، كما قال الله عنهم، وعن أمثالهم: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَآءَابَآءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (1) . وبعض الناس يبرر ما هو عليه من معاصٍ بادعاء أن الإيمان في القلب، ويستدل بما ثبت في الصحيح: {إن الله لاينظر إلى صوركم وأموالكم؛ ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم} (2) . وما أكثر من يتعبد الله بما حرمه الله عليه، ويعتقد أنه طاعة وقربة، وحاله في ذلك شرٌّ من حال مَنْ يعتقد ذلك معصية وإثْماً، ويبغض مع ذلك مخالفه في هذه المحرمات والبدع المنكرة، بل ويشتد غضبه عليه كما قيل: نظروا بعين عداوة لو أنها ... عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا (3) وقيل: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا (4) وهذا استقباح للحق، ورضى بالباطل، والبدعة، والمعصية. وفيه شبه بالنصارى الضالين، الذين يتعبدون بما لايصدقه عقل عاقل، وينكرون على أهل الحق ما نص عليه المشرع، وتجوزه العقول (5) . قال سفيان الثوري - رحمه الله -: {إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن البدعة لايتاب منها، والمعصية يتاب منها} (6) . وقد تتمكن المعصية من القلب فيرضى بها صاحبها، بل ويغلو في ذلك، وذلك على حساب دينه، وصحته، وعقله، فيصير مثله مثل من قال في جاريته: أرى ماء وبي عطش شديد ولكن لا سبيل إلى الورود أما يكفيك أنك تملكيني وأن الناس كلهم عبيدي وأنك لو قطعت يدي ورجلي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 لقلت من الرضا أحسنت زيدي (1) وإيواء أهل المعاصي رضى بالمعصية، وتعاوناً عليها، والله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2) . وعن أبي الطفيل؛ عامر بن واثلة قال: كنت عند علي بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النبي - (- يسر إليك؟ قال: فغضب وقال: ما كان النبي - (- يسر إليّ شيئاً يكتمه الناس، غير أنه قد حدثني بكلمات أربع، قال: فقال ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: {لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غير منارالأرض} (3) . فمن نصر جانياً وآواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه فقد رضي بفعله. فالإيواء فيه الرضا به والصبر عليه. وإذا رضي أحد بالبدعة، وأقر فاعلها، ولم ينكرها، فقد آواه (4) ، وخالف بذلك أمر الله - تعالى - وأمر رسوله - (- فهو مأمور بالإنكار، ويستلزم عدم الإيواء، أو الرضا بالمنكر، أو البدعة، وإذا لم ينكر، فإنه يتحمل تبعة تقصيره، ويكون قد رضي بالمعصية. عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن رسول الله - (- قال: {ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع} قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: {لا، ما صلوا} (5) . فقوله: {ولكن من رضي وتابع} دليل على وجوب ترك الإيواء أو الرضا بالمعصية. وقريب من هذا معاشرة أهل البدع، وأهل الفسق والعصيان، ومنادمتهم، وتقريبهم، وإقصاء أهل الإيمان، وأهل الطاعة، وهذه تسمى مداهنة. والأولى بالمسلم أن لايداهن أهل العصيان، ويرضى بما هم عليه من الفسوق، ويسكت سكوت راض بما هم فيه من غير إنكار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 صحيح أن مداراة الناس، وخفض الجناح لهم، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، من أقوى أسباب الألفة، وقبول الحق، وهي مندوبة، كما في النصوص الشرعية الموضحة لذلك، مثل: 1 - قوله - تعالى - في خطاب الرسول - (-: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (1) . 2 - وقوله - سبحانه -: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (2) . 3 - وقوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (3) . فالرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لايظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولاسيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك أمر مطلوب مستحب. أمَّا الرضا بوقوع المعصية من العبد، والسكوت على ذلك، وتأييده ولو بغير تصريح، فإن هذا من الرضا بمعصية الله، وهذا مخالف لأمر الله، وأمر رسوله - ((4) -. قال رسول الله - (-: {إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها، وقال مرة: فأنكرها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها} (5) . وهذه مسألة عظمى؛ لأن الرضا بالمعصية معصية (6) ، فقد جاء رجل إلى الشعبي فحسن عنده مقتل عثمان - رضي الله عنه - فقال الشعبي: {شركت في دمه} (7) . فجعل الرضا بالقتل قتلاً - رضي الله عنه -. قال الله - تعالى -: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْءَايَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (8) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 فهذا دليل على وجوب اجتناب أهل المعاصي إذا ظهر منهم منكر، وهذا عدم الرضا بالمعصية؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، كما دل عليه قوله: {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} فكل من جلس في معصية ولم ينكرها يكون مع أهلها في وزرهم، فينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية، أو عملوها، فإن لم يستطع الإنكار، فينبغي أن يقوم عنهم حتى لايكون من أهل هذه الآية. يروى أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أخذ قوماً يشربون الخمر فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم، فحمل عليه الأدب (1) ، وقرأ هذه الآية {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} (2) أي: إن الرضا بالمعصية معصية، ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم. ولاشك أن هذه المماثلة ليست في جميع الصفات، لكن إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة، وقد قال الشاعر: عن المرء لاتسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي (3) فتجنب أهل الأهواء والبدع واجب لغير الناصح والمعلم لهم، وليس مثلهم في الأهواء والبدع، لقوله - تعالى -: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} (4) . ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله - (- آية ولا حديث يأمر العباد أن يرضوا بكل مقضي مقدر من أفعال العباد حسنها وسيئها، {فهذا أصل يجب أن يعتنى به} (5) . فالرضا بالمعاصي محرم يعاقب صاحبه عليه، وهو مخالفة لأمر الله - تعالى - وأمر رسوله - (-. {وقالت طائفة ترضى من جهة كونها مضافة إلى الله خلقاً، وتسخط من جهة كونها إلى العبد فعلاً، وكسباً، وهذا القول لاينافي الذي قبله} (6) . فالأصل واحد، وهو إنَّما قدر - سبحانه - الأشياء لحكمة، فهي باعتبار تلك الحكمة محبوبة مرضية، وقد تكون في نفسها مكروهة ومسخوطة (7) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 فالذي عليه أئمة الدين أنه لايجوز الرضا بالكفر والفسوق والعصيان، فعلى المسلم أن لايرضى بذلك؛ لأن الله لايرضاه، كما قال - سبحانه -: {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (1) . وقال - سبحانه -: {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ} (2) . وقال - عزّوجل -: {فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (3) . وقال - سبحانه -: {فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (4) . وقال - تعالى -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَآ أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} (5) . وقال - تعالى -: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ} (6) . وقال - سبحانه -: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} (7) . وقال - تعالى -: {فَلَمَّآءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} (8) . فإذا كان الله - سبحانه - لايرضى لهم ما عملوه، بل يسخط ذلك، وهو يسخط عليهم، ويغضب عليهم، فكيف يشرع للمؤمن أن يرضى ذلك، وأن لايسخط ويغضب لما يسخط الله ويغضبه. ومن المعلوم أن أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله، وقد أمرنا الله أن نأمر بالمعروف، ونحبه، ونرضاه، ونحب أهله، ونهى عن المنكر، وأمرنا أن ننهى عنه، ونبغضه، ونسخطه، ونبغض أهله، ونجاهدهم بأيدينا وألسنتنا وقلوبنا، فكيف نتوهم أنه ليس في المخلوقات ما نبغضه ونكرهه، وقد قال الله - تعالى - لما ذكر من المنهيات: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} (9) ، فإذا كان الله يكرهها وهو المقدر لها فكيف لايكرهها ويبغضها العبد المأمور بذلك (10) ؟ . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 قال الله - تعالى -: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} (1) . وقال - سبحانه -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} (2) . وقال - سبحانه -: {وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} (3) . فبين أنه يرضى الدين الذي أمر به، فلو كان يرضى كل شيء لما كان له خصيصة. وفي الصحيحين عن النبي - (- أنه قال: { ... إن من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته} (4) ، وقال - (-: {إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله} (5) ، ولابد في الغيرة من كراهة ما يغار منه وبغضه. وبهذا التفصيل يتبين الصواب ويزول اللبس في هذه المسألة العظيمة التي هي مفرق طرق بين الناس. بعض ما ينافي الرضا بالقضاء 1 - الاعتراض على قضاء الله الشرعي: والاعتراض قد يكون على قضاء الله الديني الشرعي، وقد يكون على قضاء الله الكوني القدري، وخاصة ما يخالف ما يحب العبد ويهوى. فمن الأول: ما ورد عن المنافقين الذين قالوا في غنائم حنين: {إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله} ، ونحو ذلك. فهذا الاعتراض معصية لله ولرسوله - (- يخاف على صاحبه النفاق وإن لم يكن منافقاً، وهو ينافي الرضا بقضاء الله الشرعي الديني (6) . وأعظم من ذلك سب النبي - (- وهذا من أعظم الاعتراض على الله وعلى قضائه الشرعي، والتكذيب بالقدر، ومن أظهر الاعتراض على النبي - ((7) - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 وقريب من ذلك الاعتراض على سنة من سنن الرسول - (-، فهذا الاعتراض مناف للرضا بالقضاء، ومعارض لقول المسلم: {رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً} ، قال الله - تعالى - محذراً من ترك الرضا بحكم الرسول - (-: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (1) . وهذا تعريف من الله - تعالى - ذكره للمنافقين، بأن تركهم طاعة الله وطاعة رسوله - (- والرضا بحكمه إنَّما هو للسابق لهم من خذلانه، وغلبة الشقاء عليهم، ولولا ذلك لكانوا ممن أُذن له في الرضا بحكمه والمسارعة إلى طاعته (2) . وقال - سبحانه -: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3) ، فأقسم بنفسه - سبحانه - على نفى إيمان من لم يجمع ثلاثة أمور هي: تحكيمه فيما شجر بينهم، ثُمَّ أن لايجد في نفسه حرجاً، والتسليم. وهذا يوجب أنه ليس في أمره ونهيه ما يوجب الحرج عن امتثال ذلك، فإن حكمه لابد فيه من أمر ونهي وإن كان فيه إباحة أيضاً، فلو كان المأمور به والمنهي عنه مضرة للعبد، ومفسدة، وألماً بلا لذة راجحة، لم يكن العبد ملوماً على وجود الحرج فيما هو مضرة له ومفسدة. فعلى المؤمن أن يحب ما أحب الله، ويبغض ما أبغضه الله، ويرضى بما قدره الله (4) ، ويسلم لحكم رسول الله - (-، وكل مقدور قدر للعبد إذا عمل فيه بطاعة الله ورسوله، وإنَّما يكون شراً لمن عمل بمعصية الله ورسوله. 2 - ترك التوكل ترك لأمر الله في آيات كثيرة: منها قوله - تعالى -: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 ومن لم يفوض أمره إلى الله، ويعمل الأسباب متوكلاً على الله فليس براض عن الله، أو عن قضاء الله وقدره، وفي الأثر: {من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ... ، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده} (1) . 3 - السخط: والسخط ضد الرضا، وفيه شقاوة الساخط، كما في الحديث الذي مرّ {ومن شقاوة العبد تركه الاستخارة، وسخطه بما قسم الله له} . وقد جعل الله فيه الهم والغم والحزن، وشتات القلب، وكف البال، وسوء الحال، والظن بالله خلاف ما هو أهله، وقلة اليقين، كما في حديث أبي سعيد الخدري السابق، قال: قال رسول الله - (-: {إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله ... } . وأمَّا الرضا فيفرغ القلب، ويقلل همه وغمه، فيتفرغ لعبادة الله بقلب خفيف من أثقال الدنيا، وهمومها، وغمومها (2) . والسخط من سوء الخلق (3) ؛ لأن الساخط مخاصم لله - تعالى - فيما لم يرض به، من أمره ونهيه، أو قضائه ورزقه، وما يصيبه من نوائب ومصائب. وهذه المخاصمة هي أصل منهج إبليس مع ربه، فقد كان منهجه: عدم الرضا بأقضيته وأحكامه الدينية والكونية القدرية، فلو رضي لم يمسخ من الحقيقة الملكية إلى الحقيقة الشيطانية الإبليسية (4) . والسخط يفتح باب الشك في الله، وقضائه وقدره، وحكمته وعلمه، فقل أن يسلم الساخط من شك يداخل قلبه، ويتغلغل فيه، وإن كان لايشعر به، لكن لو فتش نفسه غاية التفتيش، واختبرها، لوجد إيمانه معلولاً، وتصديقه مدخولاً ورضاه منقوضاً، فإن الرضا واليقين صاحبان لايكادان يفترقان، كما أن السخط والشك قرينان؛ أحدهما قرين الآخر (5) . وهذا ما دل عليه الحديث السابق إن استطعت أن تعمل بالرضا مع اليقين فافعل. وكذلك حديث {من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله} (6) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 فالرضا بالقضاء من أسباب السعادة، والسخط على القضاء من أسباب الشقاوة. والسخط يوجب اضطراب قلب العبد وريبته وانزعاجه وعدم قراره، كما أنه يوجب تلون العبد وعدم ثباته مع الله، فإنه لايرضى إلاَّ بما يلائم طبعه ونفسه، والمقادير تجري دائماً بما يلائمه، وبما لايلائمه، وكلما جرى عليه منها ما لايلائمه أسخطه، فلاتتحقق عبوديته لله - تعالى -. فإذا ابتلى الله - سبحانه وتعالى - عبده في رزقه، أو غير ذلك من أمور حياته، فإنَّما ذلك امتحان له أيرضى أم يسخط، يدل على ذلك آيات منها: {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} (1) . لأن الإكرام والإهانة لايدوران على المال وسعة الرزق، ونحو ذلك، فقد يوسع على الكافر لا لإكرامه، ويقتر على المؤمن لا لإهانته، لكن لحكمة هو يعلمها - سبحانه -، وقد يكون إكراماً له ومنعاً من شر الغنى كما تقدم. 4 - الحزن على مافات: قال الله - تعالى -: {لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَآءَاتَاكُمْ} (2) ، فهذه دعوة للعباد إلى ترك الحزن على الدنيا، بل نهى الله عنه، وإن تعلق بالدين، كقوله - تعالى -: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} (3) ؛ لأنه لايجلب منفعة، ولايدفع مضرة، فلا فائدة فيه (4) . أمَّا الحزن على موت قريب، أو فوات عبادة، أو نحو ذلك مِمَّا ليس فيه طمع أو سخط أو اعتراض على المقدر، فهو رحمة من الله، وهو حزن القلب، وحزن القلب لايؤاخذ به العبد إذا لم يصحبه اعتراض على قدر الله - تعالى -، فالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - حزنوا، ولم يكن ذلك دليلاً على عدم يقينهم بالله، ورضاهم بقضائه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 والنبي - (- لما كان ابنه إبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا النبي - (- تذرفان، فقال له عبد الرحمن ابن عوف وأنت يا رسول الله؟ فقال: يا ابن عوف إنها رحمة الله، ثُمَّ أتبعها بأخرى، فقال: {إن العين تدمع والقلب يحزن ولانقول إلاَّ ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنونون} (1) . ولما اشتكى سعد بن عبادة - رضي الله عنه - فأتاه النبي - (- يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنهم -، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله، فقال: قد قضى؟ قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي - (-، فلما رأى القوم بكاء النبي - (- بكوا، فقال - (-: {ألا تسمعون إن الله لايعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ... } (2) . وأمَّا ما نهى عنه من الحزن في مثل قول الله - تعالى -: { ... وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (3) ، وقوله سبحانه: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (4) وغيرهما من الآيات إنَّما هو نهي عن الحزن مقرون بما يوجب زواله، ثُمَّ إنه لم يوجد هذا الحزن المنهي عنه، بل النهي لئلا يوجد هذا النوع من الحزن الذي رُبَّمَا يكون معصية، أو ينهى عن الافراط فيه، أو قد يكون تسلية أو أمراً باكتساب قوة تدفعه عنه؛ ليثاب على ذلك (5) . فالحزن الذي لايخرج الإنسان من كونه صابراً راضياً، أي كان قلبه مطمئناً فإنه لايؤاخذ عليه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: {ولهذا لم يؤمر بالحزن المنافي للرضا قط، مع أنه لا فائدة فيه، بل قد يكون فيه مضرة، لكنه عفي عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه الله} (6) . 5 - النياحة: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 ومِمَّا يضاد الرضا وينافيه النوح من النساء، أو الرجال، وهو عادة يكون من النساء عند القبور، وعند نزول المصائب، وهذا من الجزع والاعتراض على القضاء، لما يصحبه من صك الوجه، أو لطم الخد، أو الدعاء بالويل والثبور، أو سب الدهر عند المصيبة، أو رفع الصوت بالبكاء والويل، اعتراضاً على القضاء والقدر، عند موت محبوب، أو قريب، أو فوات أمر دنيوي، وغير ذلك مِمَّا نهى عنه النبي - (- في مثل قوله: {ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية} (1) . وما في الصحيح أن أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - وجع وجعاً شديداً، فغشي عليه، ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً، فلما أفاق قال: {أنا برئ ممن برئ منه رسول الله - (- فإن رسول الله - (- برئ من الصالقة، والحالقة، والشاقة} (2) . والنياحة ضلال عظيم، تتضمن فعل ما نهى الله عنه، وترك ما أمر به، ففيها ترك الصبر، وفيها الجزع، وقول الهجر، ودعاء غير الله، وترك إخلاص الدين لله (3) . والنائحة تعاقب على النياحة، كما في الحديث الصحيح عن أبي مالك الأشعري أن النبي - (- قال: {أربع في أمتي من أمر الجاهليَّة لايتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب} (4) . والإنسان يعذب بالأمور المكروهة التي يشعر بها، مثل الأصوات الهائلة، والأرواح الخبيثة، والصور القبيحة. ولذلك فإن الميت المناح عليه، إذا رضي بذلك وهو في حياته، أو أوصى به، أو دعا إليه، ولم ينه عنه، فإن له نصيبه من عذاب النياحة، لما ورد في الحديث: {إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه} (5) . بل قد عد أهل العلم: صناعة الطعام من أهل الميت، ودعوة الناس إليه من النياحة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 والاجتماع لهذا في حد ذاته من النياحة (1) . فالنياحة وما يحفها ويقترن بها من المخالفات الشرعية تنافي الرضا بالقضاء، وهي أيضاً من التسخط الذي هو ضد الرضا. ومِمَّا يحدث الشيطان لفئة من الناس - وهم الرافضة - بدعتي الحزن والنوح يوم عاشوراء، من اللطم، والصراخ، والبكاء، والعطش، وإنشاد المراثي، وما يفضي إليه ذلك من سب السلف الصالح، ولعنهم ... إلخ. وهذا من الجزع والنياحة للمصائب القديمة، وهو من أعظم ما حرم الله ورسوله، ويخالف الرضا بالقضاء، وينافيه (2) أمَّا البكاء على الميت حين وفاته، على وجه الرحمة، فقد أخبرنا النبي - (- أنها {رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنَّما يرحم الله من عباده الرحماء} (3) . 6 - مِمَّا ينافي الرضا بالقضاء: تمني الموت لضر نزل أو مصيبة: ففي الحديث: {لايتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لابد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي} متفق عليه (4) . فالحديث دليل على النهي عن تمني الموت، للوقوع في بلاء، أو محنة، أو خشية ذلك من عدو، أو مرض، أو فاقة، أو نحوها من المصائب التي تصيب الإنسان في حياته، لما في ذلك من الجزع، وعدم الصبر على المقدر، وعدم الرضا بالقضاء. وهذا بخلاف تمني الشهادة في سبيل الله، فإن هذا حسن مطلوب؛ لأنه ذروة الإيمان، يدل على الصبر والثبات والرضا بما يصيبه في ذلك مِمَّا يقدره الله عليه. عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - (- قال: ((والذي نفسي بيده، وددت أني أقاتل في سبيل فأقتل، ثُمَّ أحيا، ثُمَّ أقتل، ثُمَّ أحيا، ثُمَّ أقتل)) (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 وكذلك طلب الموت على الإسلام عند الاحتضار، كما في قول الله - تعالى - عن يوسف - عليه السلام -: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ} (1) ، وقول النبي - (- عند موته: ((اللهم في الرفيق الأعلى)) (2) ثلاثاً، وحتى في غير الاحتضار، فيطلب أن يموت على الإسلام عند انتهاء أجله، أو خوفاً من فتنة في الدين عامة، كما في إخبار الله عن السحرة، لما أرادهم فرعون عن دينهم، وتهددهم بالقتل، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} (3) . وقال عن مريم - عليها السلام - لما علمت من أن الناس يقذفونها بالفاحشة؛ لأنها لم تكن ذات زوج ... ، وجاءها المخاض - أي الطلق - إلى جذع النخلة: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنسِيًّا} (4) . فكل هذا جائز، ليس فيه جزع أو اعتراض على المقدر، فلاينافي الرضا بالقضاء (5) . 7 - عدم الرضا بالمقسوم من الرزق: ما قدره الله للعبد من الرزق سيصله؛ وإن كان لابد من الاكتساب، وفعل الأسباب. ومن الكسب ما يكون واجباً، وهذا عند احتياج العبد إلى النفقة على نفسه، أو عياله، أو قضاء دينه، وهو قادر على الكسب، ولايشغله ذلك عن ما هو أفضل عند الله، وهذا من الرضا بالقضاء الشرعي، وهو واجب عند العلماء، وتركه فيه معصية لله - تعالى -. ومنه ما هو مستحب، وهو ما اكتسبه العبد، لنفع نفسه، والإنفاق في وجوه الخير (6) ، كما في الحديث: ((على كل مسلم صدقة)) قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ((فيعمل بيده فينفع نفسه، ويتصدق)) قالوا: فإن لم يستطع؟ أو لم يفعل؟ قال: ((فيعين ذا الحاجة الملهوف)) ، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: ((فليأمر بالخير)) أو قال: ((بالمعروف)) ، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: ((فليمسك عن الشر؛ فإنه له صدقة)) (7) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 ومنه ما هو مذموم، وهو ما اكتسب لغير الحاجة، أو الإنفاق في وجوه الخير، أو أشغل عن ذكر الله - تعالى - وعبادته. يدل على ذلك مثل قول الله - تعالى -: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (1) ، وقول النبي - (-: ((تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض)) (2) وغيره (3) . وقد تعوذ منه النبي - (- في قوله: { ... اللهم إني أعوذ بك من علم لاينفع، ومن قلب لايخشع، ومن نفس لاتشبع، ومن دعوة لايستجاب لها ... } (4) . فالحرص والطمع والشرك وتعلق النفس بالآمال البعيدة (5) : ترك للرضا ينافي الرضا بالقضاء، ويورث صاحبه في الدنيا حسد الأغنياء، والطمع في أموالهم، والتذلل بما يدنس العرض، ويثلم الدين. أمَّا ما اكتسب من طريق محرم؛ كالربا، وأكل أموال الناس بالباطل، وبغير حق، ونحو ذلك، فصاحبه لاتحمد عاقبته في الآخرة، فلصاحبه العذاب المهين يوم القيامة (6) . 8 - الجزع والهلع: المصيبة تورث نوعاً من الجزع، يقتضي لوم من كان سببها، فإذا تبين العبد أن هذه المصيبة وسببها مقدوراً، مكتوباً، فعليه الصبر على قدر الله، ويسلم لأمر الله؛ فإن هذا من جملة ما أمره الله به؛ كما في قوله تعالى: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (7) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 قال ابن مسعود: {هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم} (1) ، والجزع ضعف النفس، وخوف القلب، يمده شدة الطمع والحرص، ويتولد من ضعف الإيمان بالقدر، وصاحبه معاقب به، فيحرمه الراحة التي يرتاحها العابدون الراضون، ويخرب القلب، ويحرم رضوان الله في الآخرة، {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} (2) والهلع أفحش الجزع (3) ، وفي الحديث: {شر ما في المرء شح هالع وجبن خالع} (4) . فالهلع له معان منها: الحرص، والشح، والضجر، والبخل، والشره، والإمساك، والذي لايشبع، وضيق القلب، والعجلة، وهذه المعاني كلها تنافي الرضا بالقضاء. والجزع ضد الصبر الآيل إلى الرضا، فلا خير في العجز ولا في الجزع، كما نجده في حال كثير من الناس، حتى بعض المتدينين إذا ظلموا أو رأوا منكراً فلاينتصرون ولايصبرون بل يعجزون ويجزعون. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - (- أنه قال: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولاتعجز، وإن غلبك أمر فلاتقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وماشاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان} (5) . {فلايعجز المؤمن عن مأمور، ويجزع من قضاء مقدور} (6) . فمن أراد بلوغ مقام الرضا فليحبس نفسه عن الجزع، والهلع، والتشكي، والتسخط باللسان عن الشكوى، وبالجوارح عما لاينبغي فعله، وهذا هو ثبات القلب على الأحكام القدرية والشرعية. وليس هذا معناه أن يقسو قلبه ويمنعه من الانفعال والتأثر بالنوازل، فمن لم يتأثر بها لغلظة قلبه وقساوته لا لصبره واحتماله فليس من الراضين بالقضاء والقدر (7) . مذهب الصوفية في الرضا بالقضاء وممن ضل في هذا الباب أكثر أصحاب الطرق الصوفية، وكان سبب ضلالهم في الرضا بالقضاء أمور، أشهرها باختصار: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 1 - أنهم رأوا أن الراضي بأمر لايطلب غيره، ثُمَّ إنهم رأوا أقصى المطالب وأعظمها الجَنَّة، وأدناها وأكرهها النَّار، فقالوا ينبغي ألا يطلب شيئاً غير ما هو فيه. 2 - أنهم ظنوا أن الرضا بكل قضاء يحبه الله ويرضاه، من خير أو شر، إيمان أو كفر، معصية أو طاعة، وهذا ضلال بُيِّنَ خطأه وخطره في هذا البحث بما يكفي إن شاء الله. 3 - أنهم لايفرقون بين الدعاء الذي أمروا به إيجاباً، أو استحباباً، وهو من أسباب الرضا بالله، وعن الله، والذي نهوا عنه، أو لم يؤمروا به، ولم ينهوا عنه؛ لأن الدعاء ثلاثة أنواع: نوع مأمور به إيجاباً، أو استحباباً، كما في قوله - سبحانه -: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (1) . ونوع منهي عنه، وهو الاعتداء في الدعاء، مثل أن يسأل العبد ما هو من خصائص الرب، أو الأنبياء، مثل أن يسأل الله أن يجعله بكل شيء عليماً، أو يرفع عنه كل حجاب حتى يطلع على الغيب ونحو ذلك. ويتبعه دعاء {اللهم اغفر لي إن شئت} (2) ونحوه. ونوع منه ما هو مباح، كطلب المباحات التي لا معصية فيها. والرضا عند الصوفية ثلاث درجات: الأولى: رضى العامة، وهو الرضا بالله رباً، وتسخط عبادة ما سواه. قالوا: وهذا قطب رحى الإسلام، وهو يطهر من الشرك الأكبر (3) . ومنه رضاهم - أي العوام - بما قسمه الله، وأعطاهم (4) . الدرجة الثانية: الرضا عن الله، وهو الرضا عنه في كل ما قضى وقدر. ويقولون: إن هذا من أوائل مسالك أهل الخصوص (5) . وقد ظن بعضهم أن هذا من توابع المحبة لله (6) . ويقولون: إن هذه الدرجة لاتصح إلاَّ بثلاثة شرائط: 1 - استواء الحالات عند العبد. 2 - وسقوط الخصومة مع الخلق. 3 - والخلاص من المسألة والإلحاح (7) . ويدخل في ذلك الرضا بالمعاصي، والكفر، والفسوق (8) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 وهم بذلك لم يفرقوا بين القضاء الشرعي والكوني، ولا بين الإرادة والمحبة والرضا، ولا بين المأمور والمحظور، ولا بين أولياء الله وأعدائه. ويسمون هذه الدرجة رضى الخواص (1) . {الدرجة الثالثة: الرضا برضى الله، فلايرضى العبد لنفسه سخطاً، ولا رضى، فيبعثه على ترك التحكم، وحسم الاختيار، وإسقاط التمييز، ولو أدخل النَّار} (2) . وهذه الدرجة هي التي عبر عنها الداراني فيما روي عنه في تعريف الرضا {الرضا أن لايسأل الله الجَنَّة ولايستعيذ به من النار} (3) . وقال بعضهم: {لقد أوتيت من الرضا نصيباً لو ألقاني في النَّار لكنت بذلك راضياً} (4) . وقال الآخر: وليس لي في سواك حظ ... ... فكيما شئت فاختبرني (5) ويسمون هذه الدرجة: رضى خواص الخواص به بدلاً من كل ما سواه (6) . وإليك بعض الردود عليهم باختصار: 1 - أن الدرجة الأولى أعلى شأناً وأرفع قدراً، فإنها مختصة بعباد الله الصالحين، الذين يرضون بربوبية الله، ولايعبدون إلاَّ إياه، ويرضون بذلك، وبأسمائه وصفاته وأفعاله، كما في الحديث: {ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً} . ومن أقوال بعض الصوفية الحسنة في هذا: {من أراد أن يبلغ محل الرضا فليلزم ما جعل الله رضاه فيه} (7) ، فالتزام ما جعل الله رضاه فيه من امتثال أمره واجتناب نهيه - ويتناول المباح من غير تعد إلى المحظور - هذا هو الرضا بالله رباً، كما سبق، وهذه هي درجة الصديقين. أمَّا الثانية فهي مشتركة بين المؤمنين وغيرهم؛ لأنها الرضا بالقضاء، والرضا بالقضاء يصح من المؤمن وغيره؛ لأن غايته التسليم لقضاء الله وقدره، وقد يحصل من الكافر لا لله، ولكن مجرد رضى بالقضاء، وتسليماً بالقدر، {فأين هذا من الرضى به رباً، وإلهاً، ومعبوداً؟} (8) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 2 - الرضا بالله رباً فرض، بل من آكد الفروض بالاتفاق، فمن لم يرض بالله رباً، لم يحصل له إسلام، ولا عمل، ولا حال. وأمَّا الرضا بقضائه (المصائب) فهو مستحب، كما سبق عند أكثر العلماء، فالفرق بين الدرجتين فرق ما بين الفرض والندب، فالفرض وهو الرضى بالله رباً ... فعله الأولى والآكد، ومقدم على فعل المستحب، وهو الرضا بالقضاء، كما في الحديث الإلهي السابق: {يقول الله - عزّوجل -: ما تقرب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه} . 3 - أن الرضا بالله رباً هو الإيمان بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله - ربوبيته العامة والخاصة - وأنه الخالق المدبر، الآمر الناهي، الملك القدوس، المعطي المانع، الوكيل الولي، الحكم والحاكم، والناصر والمعين، والكافي، والحسيب والرقيب، والمبتلي والمعافي، والقابض والباسط، فهو المتصف بجميع صفات الربوبية. أمَّا الرضا بالقضاء، أو الرضا عنه: فهو رضى العبد بفعل الله، وبما يعطيه عبده، ولهذا كان الترغيب فيه فيما يخص الثواب والجزاء، كما في قوله - تعالى -: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً} (1) ، فهي ترضى بما يحصل لها من كرامة وثواب عملها الصالح. وكذلك قوله - سبحانه وتعالى -: {خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَالِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (2) . 4 - أن الرضا بالله رباً متضمن للرضا بالقضاء والقدر، ومستلزم له؛ لأنه إذا رضي بالله رباً: رضي بأمره ونهيه، ويستلزم ذلك أن يرضى بما يقسمه له ويقدره عليه، ويعطيه إياه، ويمنعه عنه، فمن لم يرض بذلك كله لم يرض بالله رباً من جميع الوجوه. إذاً فالرضى بالله رباً يستلزم الرضا بالقضاء ويتضمنه بلا شك (3) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 5 - أن الرضا بالله رباً أصل، والرضا بالقضاء أو الرضا عنه كما يقولون فرع، أو ثمرة للرضا بالله رباً، ولعل مِمَّا يدل على هذا ما صح عن رسول الله - (- أنه قال: {ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً} ، فإنه علق ذوق طعم الإيمان بالرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً، التي هي أصول الإسلام التي لايقوم إلاَّ بها وعليها، ولم يعلق ذلك على الرضا بالقضاء أو ما يسمونه الرضى عنه. فالرضا بالقضاء والقدر تابع لهذا الرضا، فمن رضي بالله رباً، رضيه الله له عبداً، ومن رضي بما أعطاه الله، أو منعه، وما أصابه من بلاء وعافية دون أن يرضى بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، لم يحقق الإسلام والإيمان ولايحصل له رضى الله - سبحانه - يوم القيامة، كما يدل على ذلك قول النبي - (-: {من قال كل يوم: رضيتُ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، إلاَّ كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة} (1) . 6 - أن الرضا بالله رباً ... يتضمن أنواع التوحيد، ومن ذلك عبادته وحده والإنابة إليه، والتوكل عليه، وخوفه ورجاؤه ومحبته، والصبر على طاعته وعن معصيته، وعلى قضائه وقدره، والشكر على نعمه ظاهرة وباطنة، وهذه هي حقيقة شهادة ألا إله إلاَّ الله، وطاعة رسوله محمد - (- فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلاَّ بما شرع، وهذا هو حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله، وهو الرضا بمحمد رسولاً، والتزام عبودية الله، وطاعته، وطاعة رسوله - (- هو الرضا بالإسلام ديناً، فهذا هو الدين كله، ومنه الرضا بالقضاء الذي يلزم كل مسلم، ويستحب منه، أو يجب عليه؛ كما سبق. 7 - طلب الجَنَّة والاستعاذة من النَّار طريق أنبياء الله ورسله، وجميع أوليائه المقربين وأصحاب اليمين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 وقد سأل النبي - (- رجلاً: ما تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد ثُمَّ أقول: اللهم إني أسألك الجَنَّة، وأعوذ بك من النَّار، أما والله ما أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ، فقال النبي - (-: {حولها ندندن} (1) . وحديث: {إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثُمَّ صلوا عليَّ ... ثُمَّ سلوا الله الوسيلة، فإنها منزلة في الجَنَّة، لاتنبغي إلاَّ لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو ... } (2) ، فلا مطلوب أعلى من الجَنَّة، ولها يعمل العاملون، ويدعو الداعون، ويرضى الراضون، ويشكر الشاكرون. 8 - قد علم بالاضطرار من دين الإسلام؛ أن طلب الجَنَّة من الله، والاستعاذة به من النَّار هو أعظم الأدعية المشروعة لجميع المرسلين، والنبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وأن ذلك لايخرج عن كونه واجباً أو مستحباً. وأولياء الله لايخرجون عن هذا الطريق (3) . 9 - أن ما قاله هؤلاء أصحاب الدرجة الثالثة: متناقض في نفسه، فاسد في صريح المعقول. وذلك أن الرضا عن الله محبته ومحبة أمره، وذلك بامتثال الأمر واجتناب النهي، ومن ذلك السؤال والطلب، ومن لايسأل الله الجَنَّة، ويستعيذه من النَّار ليس محباً لله، ولا عاملاً بأوامره، إذن فليس راضياً عن الله على ما ادعاه ولا بالله، فكيف يكون راضياً عن الله، غير عامل بما يرضى الله، ويكون سبباً في رضا العبد (4) . وأمَّا ما يشاركون فيه القدرية أو الجهمية وغيرهم فالجواب عنه فيما مضى، والله الموفق. • • • الخاتمة: هذا ما تيسرت كتابته وبحثه في هذا الموضوع المهم في حياة المسلمين جميعاً. وإن من أهم النتائج التي توصلت إليها فيه ما يأتي: أن الرضا بالقضاء من أعمال القلوب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 أن الرضا بالقضاء هو اليقين القلبي المؤثر في السلوك، الداعي إلى عدم الركون إلى الظلم وأهله، والدافع إلى استرضاء الرب - سبحانه - بالأعمال الصالحة، واحتمال الفقر، والدون من المعيشة، والقناعة باليسير، وسكون القلب إلى فعل الله، وحمده على ما قضاه. أن الرضا بالقضاء من تمام الإيمان بالقضاء والقدر، وأنه غاية شريفة، ومنزلة عظيمة عند الله، وثوابه عظيم، فهو من منازل الشهداء، وأنه من مقامات الإحسان التي هي من أعلى المندوبات. أن حقيقة الرضا بالقضاء هي: لزوم ما قضاه الله وقدره، وذلك بعد فعل الأسباب المأمور بها، فلايتحقق الرضا إلاَّ بذلك. أن الرضا بالقضاء يكون بعد وقوع المقضي والمقدر، وما قبله هو التوكل بفعل الأسباب المأمور بها، فالرضا ثمرة التوكل، وأعلى درجاته. أن الرضا بالقضاء حال شرعية، حقيقتها التصرف بما أمر الله به، وترك ما نهى عنه بعد وقوع المقدور، وهذه من خصائص العابدين وكرامات الصالحين من عباد الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ((والمؤمن يخضع لأمر ربه طوعاً، وكذلك لما يقدره من المصائب، فإنه يفعل عندها ما أمر به من الصبر وغيره طوعاً، فهو مسلم لله طوعاً، خاضع له طوعاً، والسجود مقصوده الخضوع ... )) (1) . أن القضاء المأمور بالرضا به قسمان: ديني شرعي يجب الرضا به، وكوني قدري يستحب الرضا به، ما لم يكن معصية لله - تعالى -، فإن المعصية لايرضى بها إلاَّ من جهة أنها مصيبة، أمَّا من جهة أنها عمل يغضب الله - تعالى - فلايرضى بها من هذا الوجه، أي من وجه أنها معصية، فترضى المصائب لا المعاصي والمعايب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 مِمَّا يجب الابتعاد عنه؛ لأنه ينافي الرضا بالقضاء: الاعتراض على قضاء الله الديني الشرعي، وترك التوكل على الله، والسخط من المقدور، والحزن على ما فات، والنياحة، وتمني الموت لضر نزل أو مصيبة، وعدم الرضا بالمقسوم من الرزق، والجزع من المصائب، والهلع، والشح، والضجر، ونحو ذلك. تبين ضلال بعض الصوفية في باب الرضا بالقضاء؛ حيث زعموا أن الرضا ثلاث درجات: رضى العامة؛ الذي يصفونه بأنه الرضا بالرب، وتسخط عبادة ما سواه، والرضا عن الله في كل ما قضى وقدر، وأن هذا من مسالك الخاصة، وما علموا أن ذلك يدخل فيه الرضا بالمعاصي، والكفر، والفسوق. والرضا الباعث على ترك الأسباب، وإسقاط التمييز حتى لايسأل الراضي - في زعمهم - الجَنَّة ولايستعيذه من النَّار. وقد كانت مناقشتهم في هذا البحث في ضوء نصوص كتاب الله وسنة رسوله - (-. وإني لأرى أن تكون الأبحاث في كل فن مبنية على النصوص الشرعية وبعيدة عما يعن ويخطر من المجادلات العقليَّة الظنية، فإن الطريق الأول: الاستضاءة بوحي الله من الكتاب والسنة هو الأسلم والأحكم وفي نفس الوقت هو الذي يوصل إلى الحقائق العقليَّة الصحيحة السليمة إن وجدت. وأمَّا الطريق الثاني: المبني على البراهين والحجج والجدل العقلي فحسب، بعيداً عن نور النصوص الشرعية أو لوي أعناقها وصرفها عن معانيها الحقيقية فإنه لايوصل إلى حقيقة ولايفيد الإنسان في حياته ولا في دنياه، ولايؤهله إلى العلم الصحيح النافع. لذا فإنني عمدت إلى هذا الأسلوب في هذا البحث راجياً الله تعالى أن ينفع به من كتبه وقرأه. غير مدّع العصمة أو الكمال فإنه لايكمل في هذا الميدان أحد، فكل يؤخذ من كلامه ويرد إلاَّ محمد - (- وإخوانه الأنبياء، فإن لهم العصمة من الله فيما بلغوه للناس، ولم يُحفظ مِمَّا بلغوه الناس إلاَّ ما جاء به محمد - (-: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1) فيجب على كل باحث مسلم أن يبني دراساته وبحوثه على هذا الذكر الذي حفظه الله للعالمين، ليستقي النور والهداية والسداد والعلم والفهم منه، فما من علم من علوم الدنيا والآخرة إلاَّ قد أعطاه الله ما يستحق في هذا الذكر علم ذلك من علمه وجهله من جهله، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . (2)   (2) الحواشي والتعليقات انظر: عدة الصابرين لابن القيم ص 124. من حديث أخرجه: الترمذي، في كتاب الفتن، باب 73، 4/526، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه، والإمام أحمد، في المسند 2/390، وعبد الرحيم العرافي، في الأربعين العشارية ص 205، 216 - 217، وذكره الهيثمي، في مجمع الزوائد 7/281، وقال: {رواه أحمد، وفيه بن لهيعة، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح} اهـ. عزاه القشيري إلى أبي سليمان الداراني. انظر: الاستقامة لابن تيمية 2/65. نسبه ابن تيمية في الفتاوى 8/257 لابن إسرائيل الشاعر المشهور محمد بن سوار الشيباني المتوفى سنة (677 هـ) ، وترجمته في العبر 5/316. انظر: لسان العرب 14/323، 7/312 - 313، والمصباح المنير 1/272. أخرجه الحاكم في المستدرك 1/697 وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، والطبراني في المعجم الكبير 5/119، والنسائي في الكبرى 1/387، وفي المجتبى 3/55، وقال الألباني: صحيح. هو: إمام النحاة، وأول من بسط علم النحو، لم يصنع قبله ولا بعده مثله في النحو، واسمه عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، ولد في إحدى قرى شيراز، وقدم البصرة فلزم الخليل بن أحمد الفراهيدي في العربيَّة ففاقه، ورحل إلى بغداد، فناظر الكسائي، وأجازه الرشيد بعشرة آلاف درهم، وعاد إلى الأهواز فتوفي بها عام 180 هـ، وقيل: وفاته وقبره في شيراز، سمي سيبويه لأن أمه كانت ترقصه وهو صغير وتقول له ذلك، وسيبويه بالفارسية: رائحة التفاح. انظر: تأريخ بغداد 12/195، والبداية والنهاية 10/176، والأعلام 5/81. انظر: مختار الصحاح ص 246. انظر: مختار الصحاح ص 246، والمصباح المنير 1/272، ولسان العرب 14/323. هو: سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، البلخي، ثُمَّ البصري، النحوي، الأخفش الأوسط، أخذ العربيَّة عن سيبويه، توفي سنة 215 هـ. أمَّا الأكبر فهو عبد الحميد بن عبد المجيد، مولى قيس بن ثعلبة، أبو الخطاب، من كبار العلماء بالعربيَّة، لقي الأعراب، وأخذ عنهم، وأمَّا الأصغر، فهو علي بن سليمان بن الفضل، أبو المحاسن، نحوي، من أهل بغداد، له شرح كتاب سيبويه، وغيره، توفي 315 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 10/206، والأعلام 3/102، 288، 4/291. هو: القحيف بن خمير بن سليم العقيلي، شاعر، عده بعض الكتاب من الطبقة العاشرة من الإسلاميين، وكان معاصراً لذي الرمة، توفي نحو 130 هـ. انظر: الأعلام 5/191. لسان العرب 14/323 - 324. انظر: لسان العرب 14/323 - 324. هو: من أئمة الأدب، والنحو، وله شعر، كان المتنبي يقول: ابن جني أعرف بشعري مني، وهو عثمان بن جني الموصلي، المولود في الموصل بأرض العراق الآن، أبوه كان مملوكاً رومياً لسليمان الأزدي الموصلي، له تصانيف كثيرة في الأدب واللغة، توفي ببغداد سنة 392 هـ. انظر: تأريخ بغداد 11/311، وشذرات الذهب 3/140، والأعلام 4/204. هو: أحد الأئمة في علم العربيَّة، له فيها تصانيف متعددة، منها المقصور والممدود، كان متهماً بالاعتزال، اسمه الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، الفارسي الأصل، ولد في فسا من أعمال فارس، وتجول في كثير من البلدان، ودخل بغداد سنة 307 هـ، وقدم حلب سنة 341 هـ، فأقام مدة عند سيف الدولة، وعاد إلى فارس، فصحب عضد الدولة ابن بويه، وتقدم عنده، وعلمه النحو، وصنف له الإيضاح في قواعد اللغة العربيَّة، توفي ببغداد، سنة 377 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 16/379 - 380، والأعلام 2/179 - 180. هو: إمام في اللغة، والنحو، والقراءة، قرأ النحو بعد الكبر، مؤدب الرشيد العباسي وابنه الأمين، ثُمَّ أصبح من جلسائه ومؤانسيه، اسمه علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، أصله من أولاد فارس، ولد في إحدى قرى الكوفة، وتعلم بها، وتنقل في البادية، وسكن بغداد، وتوفي بالري سنة 189 هـ عن سبعين عاماً. انظر: تاريخ بغداد 11/403، والأعلام 4/283. انظر: لسان العرب 14/324. سورة المائدة: من الآية 119، والتوبة 100، والمجادلة 22، والبينة 8. انظر: لسان العرب 14/324. شرح السيوطي 5/187، ولسان العرب 14/324. لسان العرب 14/324، وشرح السيوطي 5/187. انظر: الزهد لابن المبارك ص 439. هو: العالم المتفنن، والإمام الكبير، الفقيه، الأصولي، الشافعي، المتكلم، الحبر، عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادي التميمي، الإسفراييني، ولد ونشأ في بغداد، ورحل إلى خراسان، فاستقر في نيسابور، ثُمَّ فارقها على إثر فتنة التركمان، كان يدرس في سبعة عشر فناً، له صولة وجولة مع القدرية والنفاة، توفي في أسفرائين سنة 429 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/238، والأعلام 4/48، وتبيين كذب المفترى ص 253. سورة هود: من الآية 113. انظر: تفسير الطبري 12/127. انظر: القاموس المحيط: مادة (عتب) . أخرجه الطبراني في الدعاء ص 315، والضياء المقدسي في المختارة 9/181. أخرجه البخاري في كتاب التمني، باب ما يكره من التمني، وابن حبان في صحيحه 7/268. أخرجه القضاعي في مسند الشهاب مرفوعاً 2/204، والبيهقي في شعب الإيمان 7/360، والأصبهاني في دلائل النبوة 2/139. انظر: النهاية لابن الجزري، باب العين مع التاء، وشرح السيوطي 4/3، ولسان العرب 1/578. انظر: القاموس المحيط مادة (د ق ع) ، ولسان العرب 8/89. سورة الحج: من الآية 36. ذكره المنذري في الترغيب والترهيب برقم 233، وقال: {رواه البيهقي في كتاب الزهد، ورفعه غريب} . انظر: النهاية (باب القاف مع النون) ، ولسان العرب 8/297 - 298. انظر: مختار الصحاح ص 552 - 553. سورة النجم: الآية 48. انظر: مختار الصحاح ص 553 - 554، ولسان العرب 15/202 - 203. انظر: تفسير القرطبي 1/134، ولسان العرب 3/156. لسان العرب 1/648. القاموس المحيط مادة (غ ض ب) . انظر: شعب الإيمان للبيهقي 7/366. انظر: فتح الباري 11/255. انظر: مختار الصحاح ص 311، ولسان العرب 12/295. انظر: لسان العرب 15/186، والصحاح للجوهري 6/2463، وتاج العروس 10/296. انظر: لسان العرب 15/186. سورة فصلت: من الآية 45. انظر: تفسير الطبري 24/129. سورة فصلت: من الآية 12. انظر: تفسير الطبري 24/99. سورة البقرة: من الآية 200. انظر: تفسير القرطبي 2/431. سورة سبأ: من الآية 14. تفسير الطبري 22/73. سورة الأنعام: من الآية 8. انظر: تفسير القرطبي 6/393. سورة القصص: من الآية 29. انظر: تفسير القرطبي 20/67، وتفسير ابن كثير 3/387. سورة الأنعام: من الآية 2. سورة طه: من الآية 72. انظر: تفسير الطبري 16/189، وتفسير ابن كثير 3/159. سورة الإسراء: من الآية 4. انظر: تفسير الطبري 15/20، وتفسير ابن كثير 3/25. سورة القصص: من الآية 15. انظر: الصحاح 6/2463، ولسان العرب 15/187. انظر: لسان العرب 15/186، وتاج العروس 10/296. سورة الإسراء: من الآية 23. انظر: تفسير الطبري 15/62 - 63، وابن كثير 3/34. انظر: لسان العرب 5/74. أخرجه البخاري في مواضع منها: كتاب التهجد، باب ماجاء في التطوع مثنى مثنى حديث 1162، وفي التوحيد، باب قول الله - تعالى -: {قُلْ هُوَ الْقَاهِرُ} ، وأبو داود في أول الوتر. سورة القمر: الآية 49. انظر: تفسير الطبري 27/110. سورة القمر: من الآية 12. انظر: تفسير الطبري 27/92، 93. سورة الحجر: الآية 60. انظر: تفسير الطبري 14/41. سورة القدر: الآية 1. انظر: لسان العرب 5/74. انظر: تفسير الطبري 30/182، ولسان العرب 5/78. سورة الرعد: من الآية 26. انظر: تفسير الطبري 13/144. سورة الفجر: من الآية 16. سورة الأعلى: الآية 3. انظر: تفسير الطبري 30/152. انظر: لسان العرب 5/77. سورة البقرة: من الآية 236. انظر: ترتيب القاموس المحيط 3/570، وتاج العروس 3/482، ولسان العرب 5/76. أخرجه البخاري في مواضع منها: كتاب الصيام، باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ... حديث 1899، ومسلم في كتاب الصيام، باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال 2/759 - 760، حديث 1080. النهاية في غريب الحديث 4/23، وانظر: لسان العرب 5/78. انظر: المفردات في غريب القرآن ص 395. سورة الطلاق: من الآية 3. سورة القمر: الآية 49. سورة الأحزاب: من الآية 38. سورة البقرة: من الآية 117. شفاء العليل ص 28، وأخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى 2/262، برقم 1879، ط دار الراية - الرياض وجدة، تحقيق: عثمان آدم الأثيوبي. انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 253، ولوامع الأنوار البهية، للسفاريني 1/348، واالقضاء والقدر للدكتور عبد الرحمن المحمود ص 39، وغيرها. سورة فاطر: من الآية 8. وانظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 320. أخرجه اللالكائي في شرح أصول أهل السنة ... وقال محقق الكتاب - د. أحمد بن سعد حمدان -: ((سنده ثقات، ما عدا شيخ المؤلف وشيخه، فإني لم أجدهما)) اهـ. أخرجه الآجري في الشريعة ص 202، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وابن بطة في الإبانة (2/207) ، والطبراني من قول ابن عباس - رضي الله عنهما - في الكبير 10/260. لسان العرب 15/186، والنهاية في غريب الحديث 4/78. ذكر أقوال من فرق بين القضاء والقدر، وأدلته: جمع من العلماء، والباحثين، أمثال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في مجموعة التوحيد (ص 235) ، ود. عبد الرحمن المحمود في القضاء والقدر ص 39، ود. عمر الأشقر في القضاء والقدر ص 27 - 28، وغيرهم، ولم أرَ مناسبة لذكرها هنا. مدارج السالكين 2/177. مدارج السالكين 2/177. شعب الإيمان للبيهقي 1/227. التعريفات للجرجاني 2/148، وانظر: التعاريف للمناوي 2/366. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان للبيهقي 1/222، هكذا من قول ابن مسعود، وفي الأربعين الصغرى عنه مرفوعاً (2/99) ، وانظر: ص 45 هامش (3) من هذا البحث. الرضا لابن أبي الدنيا ص 34. التعريف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي ص 102. التعريف للكلاباذي ص 102. التعريف لمذهب أهل التصوف ص 102. شعب الإيمان للبيهقي 1/228. شعب الإيمان للبيهقي 1/228. المرجع السابق نفسه. هو: الزاهد الصوفي، المجاهد، أبو علي، شقيق بن إبراهيم بن علي الأزدي، البلخي، من مشاهير مشائخ خراسان، وهو أول من تكلم في علوم الأحوال الصوفية، استشهد في غزوة كولان بما وراء النهر سنة 194 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 9/313، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 2/21، والأعلام 3/171. في الأصل: أربع. حلية الأولياء 8/61. هو: العالم، الأديب، الحكيم، اللغوي، المفسر، صاحب التصانيف الكثيرة، أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الأصفهاني، سكن بغداد، واشتهر حتى يقال: كان يقرن بالإمام الغزالي، توفي سنة 502 هـ. انظر: تأريخ حكماء الإسلام للبيهقي ص 112 - 113، معجم المؤلفين 4/59، والأعلام 2/255. المفردات في غريب القرآن ص 197. سورة الأنبياء: 23. انظر: إحياء علوم الدين للغزالي 4/315. انظر: مدارج السالكين 2/171. الاستقامة 2/65. انظر: الزهد وصفة الزاهدين لابن الأعرابي ص 34، والرضا عن الله لابن أبي الدنيا ص 88. فتح الباري 11/272. الرضا لابن أبي الدنيا ص 84. المرجع السابق نفس الصفحة. أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 10/131. الرضا لابن أبي الدنيا ص 34. سورة الشورى: الآية 30. الرضا لابن أبي الدنيا ص 64. هي: الصالحة المشهورة، من أهل البصرة، أم الخير، رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية، لها أخبار في العبادة، والنسك، ولها شعر، توفيت بالقدس سنة 135 هـ، وقيل: بالبصرة سنة 185 هـ. انظر: وفيات الأعيان 2/285 - 288، والأعلام 3/10. التعرف لمذهب أهل التصوف ص 102. هو: أحد أئمة الصوفية، وعلمائهم، والمتكلمين فيما يسمونه علوم الإخلاص، والرياضات وعيوب الأفعال، أبو محمد سهيل بن عبد الله بن يونس التستري، توفي سنة 283 هـ. انظر: حلية الأولياء 10/189، والأعلام 3/143. سورة المائدة: من الآية 119، والتوبة 100، والمجادلة 22، والبينة 8. سورة الزمر: من الآية 75. التعرف لمذهب أهل التصوف ص 102. شعب الإيمان للبيهقي 7/231. شعب الإيمان للبيهقي 1/228، 7/228. شعب الإيمان للبيهقي 7/228. هو: الإمام الحافظ، النحوي، الفقيه، العلامة، الأخباري، أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان، العتكي، الأزدي، الواسطي، صاحب التصانيف المشهور بنفطويه؛ سمي بذلك لتأييده مذهب سيبويه في النحو، وهو على مذهب داود الظاهري، توفي سنة 323. انظر: سير أعلام النبلاء 15/75 - 77، وتاريخ بغداد 6/159. شعب الإيمان للبيهقي 7/228. شعب الإيمان للبيهقي 7/229. هو: المتصوف، العجاج، أبو عبد الله الساجي، سعيد بن يزيد، أقواله في التصوف كثيرة، ذكر كثيراً منها أبو نعيم في الحلية 9/310 - 317. حلية الأولياء 9/315. حلية الأولياء 9/342. مدارج السالكين 2/175. مدارج السالكين 2/175. مفتاح دار السعادة 1/296. التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/43. الكلام على أن الحسنة من الله والسيئة من النفس، ضمن فتاوى ابن تيمية 8/207، والحسنة والسيئة له أيضاً 14/301. الزهد وصفة الزاهدين ص 21. أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب الغنى غنى النفس، ومسلم في كتاب الزكاة، باب: ليس الغنى عن كثرة العرض 2/726. انظر: تحفة الأحوذي 7/36. شرح صحيح مسلم 17/28. شرح صحيح مسلم 17/28. انظر: الزهد وصفة الزاهدين لابن الأعرابي ص 26. سؤال عما ذكر عن أبي سليمان الداراني في تعريف الرضا ضمن فتاوى ابن تيمية 10/686. الزهد وصفة الزاهدين لابن الأعرابي ص 21. القناعة: الرضى بالقسمة، وعرفاً: الاقتصار على الكفاف، ويقال: الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها. وفي اصطلاح الصوفية: السكون عند عدم المألوفات. انظر: التعاريف للمناوي 2/590، والقناعة للدينوي ص 40، والتعريفات للجرجاني 2/229. التمهيد لابن عبد البر 4/111. هو: شاعر الغزل، صريع الغواني، وأول من أكثر من البديع، أبو الوليد مسلم بن الوليد الأنصاري بالولاء، الكوفي، ثُمَّ البغدادي، اتصل بالفضل بن سهل، فولاه بريد جرجان إلى أن مات سنة 208 هـ. انظر: النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة 2/186، وتاريخ بغداد 13/96. التمهيد لابن عبد البر 4/111. تفسير القرطبي 5/340. هو: الشاعر الفحل، المخضرم، أشعر هذيل من غير مدافعة، خويلد بن خالد بن محرّث، أدرك الجاهليَّة والإسلام، وفد على النبي - (- ليلة وفاته، فأدركه وهو مسجّى وشهد دفنه، وسكن المدينة، وعاش إلى أيام عثمان - رضي الله عنه -، واشترك في الغزو والفتوح، إلى أن مات بمصر أو بإفريقية نحو سنة 27 هـ. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة 2/364، والاستيعاب 8/1648، والأعلام للزركلي 2/325. القناعة للدينوري ص 40. هو: أحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهليَّة، أبو عقيل لبيد بن ربيعة بن مالك العامري من عالية نجد، أدرك الإسلام، ووفد على النبي - (-، ويعد من الصحابة، ومن المؤلفة قلوبهم، سكن الكوفة، وكان كريماً، توفي سنة 41 هـ. انظر: جمهرة أشعار العرب طبعة جامعة الإمام 1/347، وطبقات ابن سعد 6/20. القناعة للدينوري ص 40. سورة البينة: الآيتان 7، 8. أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب التواضع، وابن حبان في صحيحه 2/85، والبيهقي في السنن الكبرى 10/219، وبنحوه الإمام أحمد في المسند 6/256، وغيرهم. انظر: مدارج السالكين 2/171. انظر: مدارج السالكين 2/172. انظر: مدارج السالكين 2/171. انظر: مدارج السالكين 2/171. مدارج السالكين 1/135. مدارج السالكين 1/173. انظر: التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/5، 6. انظر: فتاوى ابن تيمية 17/27، والفوائد لابن القيم 1/93. انظر: التوكل على الله للباحث ص 42، 86. انظر: طريق الهجرتين 1/500، ومدارج السالكين 2/174، وشفاء العليل ص 278، وجواب أهل العلم ضمن فتاوى ابن تيمية 17/27. شعب الإيمان للبيهقي 2/110. سورة التوبة: الآية 59. تفسير ابن كثير 2/364. التحفة العراقية.. ضمن فتاوى ابن تيمية 10/37. أخرجه الحاكم في المستدرك 1/697 وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وابن حبان في صحيحه 5/305، والنسائي في المجتبى 3/55، وصححه الألباني، وفي الكبرى 1/387 برقم 1230، وأبو يعلى في مسنده 3/195، وأحمد في المسند 5/191، والطبراني في مسند الشاميين 2/351، والدارقطني في رؤية الله 1/133، 134، 158، والسنة لابن أبي عاصم 1/186، وقال الألباني: إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات. مدارج السالكين 2/177. هو: شيخ الصوفية، أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز، البغدادي، قيل: أول من تكلم في علم الفناء، والبقاء، له تصانيف في علوم القوم، توفي سنة 286 هـ. انظر: شذرات الذهب 2/192، وسير أعلام النبلاء 13/421، وتذكرة الحفاظ 2/637. شعب الإيمان للبيهقي 1/217. مدارج السالكين 2/177. التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/37. سورة آل عمران: الآية 143. سورة الصف: الآيات 2 - 4. انظر: تفسير الطبري 28/83، 84، وتفسير ابن كثير 4/358. سبق تخريجه في ص 11. انظر: التوكل على الله للمؤلف ص 87. سورة البقرة: الآية 216. انظر: شفاء العليل لابن القيم ص 33. سورة الحديد: الآيتان 22، 23. انظر: تفسير الطبري 27/233 - 235، وتفسير ابن كثير 4/313 - 314. سورة التغابن: الآيات 11 - 13. انظر: تفسير الطبري 28/123، وتفسير ابن كثير 4/375. سورة النجم: الآية 48. انظر: فتح الباري 8/606. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من رضي بالله رباً ... فهو مؤمن ... 1/62، والترمذي في كتاب الإيمان، باب 10، 5/14، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه في ذكر طعم الإيمان 4/592. أخرجه مسلم في الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن ... 1/288، والنسائي في الكبرى 1/511، 6/23، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ماجاء في الدعاء بين الأذان والإقامة 1/145، وصححه الألباني، وأخرجه الترمذي في باب الدعاء عند الأذان 2/27 وقال الألباني: صحيح. سبق تخريجه ص 11. أخرجه البخاري - بغير هذا اللفظ - في كتاب الجنائز، باب قول النبي (: {إنا بك لمحزونون} ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته بالصبيان والعيال ... 4/1807. أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة، والرقائق، والورع، باب 59، 4/667، وقال: هذا حديث حسن صحيح. قال الألباني: وهو كما قال. وأخرجه النقاش في فوائد العراقيين، وقال محققه: {صحيح وإسناده حسن} ، وأحمد في المسند 2/293، ومواضع أخرى بألفاظ أخرى، وله ألفاظ أخرى، وأسانيد بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف. في باب التوكل، وفي سنده يحيى بن ميمون بن عطاء، أبو أيوب متروك، عن علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف. انظر: هامش السنة لابن أبي عاصم 1/138 - 139، وأخرجه من نفس الطريق عن أبي سعيد أبو يعلى الموصلي في معجمه ص 101، وقد حكم الألباني على جميع طرقه وألفاظه في تخريجه الحديث عند تحقيق كتاب السنة لابن أبي عاصم، وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة، فليرجع إلى ذلك من رغب الاستزادة. أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/317، والترمذي بنحوه في كتاب القدر، باب 17، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. وذكر الضياء المقدسي في مختاراته في 8/351، وقال: إسناده حسن بالمتابعة، وفي 8/353. الجراب: الوعاء، وقيل: المزود، يصنع من الإهاب، أي الجلد. انظر: لسان العرب 1/261. قفى: رجع. انظر: صحيح البخاري موضع هذا الحديث الرواية الأخرى. سورة إبراهيم: من الآية 37. يتلبط: أي يتمرغ مضطجعاً. انظر: لسان العرب 7/388. في الرواية الأخرى: {أغث إن كان عندك خير} . تحوضه: تعمل له أحواضاً حتى لايجري ظانة أنه بجريانه ينتهي. جرهم: قبيلة من تهائم اليمن، لحقوا بمكة، ونزلوا على إسماعيل عليه السلام، ولو أمر الكعبة بعد ولد نابت بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وآخر ملوكهم الحارث مضاض بن عمرو، أجلتهم خزاعة من مكة. انظر: معجم البلدان 5/2004، 442، وتفسير ابن كثير 4/496، وفتح الباري 6/548. كداء: بفتح أوله، ممدود، لايصرف لأنه مؤنث: جبل بمكة، يقال: هو عرفة، وقيل: هو ثنية كدي، ولعله الصحيح. انظر: عون المعبود 5/226، ومعجم ما استعجم للبكري 4/1117. عائفاً: العائف: الكاره للشيء. انظر: منال الطالب في شرح طوال الغرائب لابن الأثير ص 530، ومختار الصحاح ص 466. الجري: الوكيل الواحد، أو الرسول، أو الغلام. انظر: لسان العرب 14/142، ومختار الصحاح ص 101. وهذا تسخط وعدم رضا. العتبة: أسكفة الباب التي يوطأ عليها. انظر: مختار الصحاح ص 410، والمصباح المنير 1/464. آنس: الأنس ضد الوحشة، والأنيس الذي يستأنس به. انظر: إكمال الإعلام بتثليث الكلام 1/54، المشوف المعلم 1/82، والمصباح المنير 1/34. وهذا رضا بالقدر المقضي من الرزق لهم. الأكمة: الرابية. انظر: منال الطالب لابن الأثير ص 111، والمصباح المنير للفيومي 1/25. سورة البقرة: من الآية 127. أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب: يزفون النسلان في المشي، والبيهقي في الكبرى 5/98، والنسائي في الكبرى 5/101 وغيرهم. أخرجه ابن المبارك في الزهد ص 32. أخرجه ابن المبارك في الزهد ص 32. أخرجه الترمذي في كتاب التفسير، باب ومن سورة السجدة 5/347، وقال الترمذي: {هذا حديث حسن صحيح، وروى بعضهم هذا الحديث عن الشعبي عن المغيرة، ولم يرفعه، والمرفوع أصح} ، وأخرجه الطبري في تفسيره 21/304. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/114، والبيهقي في شعب الإيمان 6/299، وذكر الضياء المقدسي في المختارة وقال: إسناده حسن. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/59: {رواه الطبراني وفيه أيوب بن سليمان بن عبد الله بن حدلم، ولم أعرفه ولا والده، وبقية رجاله ثقات} . انظر: الزهد لابن أبي عاصم 2/210، والزهد لابن السري 2/414، وأورده ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول، عن يحيى بن كثير ص 155. هو: شيخ الحرم، أحد الأئمة العباد، عبد العزيز بن ميمون - وقيل ابن أيمن - بن بدر، مولى الأمير المهلب بن أبي صفرة، الأزدي المكي، كان على مذهب المرجئة، مات على بدعته سنة 159 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 7/184 - 187، وطبقات ابن سعد 5/493. سير أعلام النبلاء 7/185، والجامع لأخلاق الراوي 1/177، وحلية الأولياء 8/192. هداية الحيارى لابن القيم 1/128. سورة إبراهيم: من الآية 7. سورة يونس: الآية 58. سورة البينة: الآيتان 7، 8. سورة المجادلة: الآية 22. الاستقامة 2/80. الأنفال: 69. سورة الأنفال: من الآية 12. سورة الليل: الآيات 5 - 10. أخرجه البخاري في عدة مواضع في صحيحه، منها في تفسير سورة الليل، ومسلم في أول كتاب القدر 4/2040، وابن حبان في مواضع منها 2/46، وغيرهم. انظر: مدارج السالكين 2/238، التوكل على الله للباحث ص 88. سورة غافر: من الآية 60. سورة البقرة: من الآية 186. سورة الأعراف: من الآية 180. سورة الأعراف: من الآية 55. سورة الأنفال: الآية 9. أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1/30، 32 بإسناد حسن في الموضعين، انظر: المسند بتحقيق: الأرناؤوط وزملائه (1/336، 346) ، وابن حبان في صحيحه 11/114، والترمذي في كتاب التفسير، باب: ومن سورة الأنفال، وقال: {هذا حديث حسن غريب لانعرفه من حديث عمر إلاَّ من حديث عكرمة ... } ، ومسلم - بغير هذا اللفظ - في كتاب الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر ... 3/1383، 1383. أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب 2، وأحمد في المسند 2/442، وقال محققو المسند: {إسناده ضعيف} 15/438، وأبو يعلى في مسنده، وقال المحقق الشيخ حسين أسد: {إسناده حسن} 12/10، والحاكم في المستدرك 1/667، 668، وصححه. انظر: مدارج السالكين 2/238. انظر: مدارج السالكين 2/231. سورة البقرة: الآية 186. سورة يونس: الآية 12. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 6/34، والقضاعي في مسند الشهاب 1/340، والبخاري في خلق أفعال العباد، والبيهقي في شعب الإيمان 1/413، 414، 3/467، والبزار في مسنده (1/247) ، والترمذي في سننه بلفظ: ((من شغله القرآن ... )) في كتاب فضائل القرآن، باب [25] . انظر: مدارج السالكين 2/217. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 1/80 من قول الحسن البصري، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة 4/8391 عن أبي هريرة يرفعه إلى النبي (، والصحيح أنه من كلام الحسن، والله أعلم. سورة القصص: من الآية 76 - 78. انظر: تفسير الطبري 20/113. سورة القصص: من الآية 79. سورة القصص: من الآية 82. انظر: تفسير ابن كثير 3/402. انظر: مدارج السالكين 2/174. انظر: شفاء العليل ص 278. أخرجه الترمذي في كتاب الزهد ... ، باب ماجاء في الصبر على البلاء، وقال: {وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه} ، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، وقال الألباني: {حسن} ، والشهابي في مسنده، عن أنس عن رسول الله - (- أنه قال: {إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله - عزّوجل - إذا أحب ... } إلخ 2/170. هم: الفقراء الغرباء، الذين كانوا يأوون إلى مسجد النبي - (-، وكانت لهم في آخره صفة - مكان منقطع من المسجد مظلل يبيتون فيه -. انظر: تفسير الطبري 26/21، وتفسير القرطبي 8/108، وهامش صحيح مسلم الموضع الآتي. أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب ثبوت الجَنَّة للشهيد 3/1511، وأحمد في المسند 3/270. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 1/219، والشاشي في مسنده 2/224، وأبو يعلى في مسنده 2/6، وقال الشيخ حسين أسد: {إسناده ضعيف} ، والبزار في مسنده 3/305، والترمذي بنحوه في كتاب القدر، باب ماجاء في الرضا بالقضاء 4/455، وقال: {هذا حديث غريب لانعرفه إلاَّ من حديث محمد بن أبي حميد ... وليس بالقوي عند أهل الحديث} . وانظر: مجمع الزوائد 2/279. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 10/215، وقال الهيثمي: {فيه خالد بن يزيد العمري واتهم بالوضع} . مجمع الزوائد 4/74، وأخرجه البيهقي في الأربعين الصغرى 2/99 مرسلاً عن سفيان الثوري عن منصور عن خيثمة عن ابن مسعود، لكن ذلك يدل أن له طريقاً آخر موصولاً غير طريق خالد بن يزيد العمري، ولعله من قول ابن مسعود، كما سبق ص 15. شفاء العليل ص 278. انظر: صحيح مسلم في أول كتاب الإيمان 1/37. أخرجه ابن أبي الدنيا مرفوعاً إلى النبي - (- بسند حسن 2/85، والبيهقي في شعب الإيمان 1/219، وأبو نعيم في الحلية 1/216، وابن المبارك في الزهد ص 31 موقوفاً على أبي الدرداء. عدة الصابرين 1/124. انظر: مدارج السالكين 1/137. انظر: تحفة الأحوذي 1/529. مدارج السالكين 2/174، وانظر: الفوائد 1/93. جواب أهل العلم والإيمان ضمن فتاوى ابن تيمية 17/27. حلية الأولياء 8/97. ذكره ابن تيمية في الاستقامة 2/84 وقال: ((هذا الكلام كلام حسن، وإن لم يعلم إسناده)) . الاستقامة 2/81. هو: الإمام، العلامة، الفقيه، الشافعي، المتكلم، النحوي، المفسر، اللغوي، الصوفي، شيخ خراسان، حبر زمانه، وبقية أقرانه، محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن هارون العجلي، الصعلوكي النيسابوري، من بني حنيفة، تلميذ ابن خزيمة، والسراج وغيرهما، ومن أبرز تلاميذه: أبو عبد الرحمن السلمي، ولد أبو سهل سنة ست وتسعين ومائتين، وتوفي في ذي القعدة سنة تسع وستين وثلاثمائة للهجرة. انظر: سير أعلام النبلاء 16/235 - 239، وشذرات الذهب 3/69 - 70. شعب الإيمان للبيهقي 3/107. تهذيب مستمر الأوهام لابن ماكولا ص 103، وانظر: ذيل التقييد لأبي الخطيب 2/233. ص 156. تاريخ ابن معين برواية الدوري 4/406. الشقائق النعمانية، والعقد المنظوم 2/340. انظر: شفاء العليل لابن القيم ص 278. سورة الشورى: من الآية 11. أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، 3/398، وانظر: ذم التأويل لابن قدامة ص 13، والاعتقاد للبيهقي 2/116. سورة المائدة: من الآية 119، والتوبة 100، والمجادلة 22، والبينة 8. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان 1/63، وابن حبان في صحيحه في ذكر البيان بأن قوله - (-: {الإيمان بضع وسبعون باباً ... } 1/420، 407، ومواضع أخرى. سورة الحشر: من الآية 7. سورة الإسراء: من الآية 23. سورة التوبة: الآية 59. مراتب المحبة، ضمن فتاوى ابن تيمية 8/190. سورة الأنعام: من الآية 114. سورة الأنعام: من الآية 13. سورة الأنعام: من الآية 164. أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب من كره أن يعود في الكفر، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن ... 1/66، وأحمد 3/103، وغيرهم. أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/78، عن أبي قتادة، وقال العجلوني في كشف الخفاء 2/239: {ورجاله رجال الصحيح} . شعب الإيمان للبيهقي 5/53، وقد ذكره أبو نعيم بمعناه في الحلية 2/196 عن ابن عمر مرفوعاً إلى النبي - (- وقال: غريب، من حديث الزهري ولم نكتبه إلاَّ من هذا الوجه، قال العجلوني: وأخرجه ابن عساكر عن ابن عمر مرفوعاً - أيضاً - إلى النبي - (- بلفظ: {ما ترك عبد لله أمراً لايتركه إلاَّ لله عوضه الله منه ما هو خير له منه في دينه ودنياه} كشف الخفاء 2/239. الاستقامة 2/80 - 81. المرجع السابق نفس الموضع. سورة التوبة: الآية 58. سورة محمد: من الآية 28. سورة التوبة: الآية 62. سورة المائدة: الآية 49. تفسير الطبري 6/273. انظر: شفاء العليل ص 278. سورة النساء: الآية 65. انظر: مدارج السالكين 2/192، وتفسير الطبري 5/198 - 159. مدارج السالكين 2/192. انظر: الفتاوى 8/190. جزء من حديث أخرجه البخاري في التفسير، باب {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا ... } ، ومسلم في الجهاد والسير، باب كتاب النبي (إلى هرقل 3/1393 - 1397، وأحمد في المسند 1/262 وغيرهم. سورة البقرة: الآية 284. سورة البقرة: الآية 285. سورة البقرة: الآية 286. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلاَّ ما يطاق 1/115، والإمام أحمد في المسند 2/412. طريق الهجرتين 1/66 - 67. سورة التوبة: الآيتان 58، 59. شرح العقيدة الطحاوية ص 80. مجموع الفتاوى 8/246. سورة يس: الآية 82. سورة الأنعام: الآيتان 59، 60. سورة آل عمران: من الآية 47، وسورة المائدة: من الآية 17. سورة الأعراف: من الآية 54. سورة البقرة: من الآية 117. انظر: مدارج السالكين 2/193. سورة إبراهيم: من الآية 7. أخرجه البخاري في أول كتاب المرضى وفيه عدة أحاديث لهذا المقام. أخرجه مسلم في البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه 4/1991، وابن حبان في صحيحه 7/167، والترمذي في أول الجنائز وقال: {حسن صحيح} ، والبيهقي في الكبرى في كتاب الجنائز، باب: ما ينبغي لكل مسلم أن يستشعره من الصبر على جميع ما يصيبه بلفظ مقارب لهذا. أخرجه الحاكم في المستدرك 1/347، وقال: {صحيح الإسناد} ووافقه الذهبي فقال: {صحيح} ، والبيهقي في شعب الإيمان 7/165. أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه ... 4/1991، والنسائي في الكبرى 4/352، في كتاب الطب، باب شدة المرض، وباب وضع اليد على المريض 4/357، والبيهقي في الكبرى في كتاب الجنائز، باب: ما ينبغي لكل مسلم ... 3/372، وبنحوه البخاري في كتاب المرضى، باب شدة المرض. سورة يوسف: من الآيتين 18، 83. عدة الصابرين لابن القيم 1/78. أخرجه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك 1/509، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، فإنه مختلف في سماعه عن أبيه، وابن حبان في صحيحه 3/253، والطبراني في الدعاء ص 315، وأبو يعلى في مسنده 9/200، وأحمد في المسند 1/391. أخرجه ابن حبان في صحيحه 2/507، وذكره الضياء في المختارة 5/196، وقال: {إسناده صحيح} ، وأحمد في المسند 5/24. أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير 4/2295، وابن حبان في صحيحه 7/155، والبيهقي في الكبرى 3/375، والإمام أحمد في المسند 4/332، 333، وغيرهم. انظر: فتح الباري لابن حجر 10/105. انظر: تيسير العزيز الحميد ص 518. النياحة: رفع الصوت بالبكاء مع ما يصاحب ذلك من الدعاء بالويل والثبور، ونحو ذلك. انظر: تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبد الله ص 455، 514. الحلق: حلق الشعر إظهاراً للتسخط من القضاء والقدر. انظر: لسان العرب 10/60. الشق: شق الثوب إظهاراً للتسخط أيضاً. انظر: تيسير العزيز الحميد ص 515. الصلق: رفع الصوت، وقد يصاحبه ضرب الخد. انظر: لسان العرب 10/60، 205. انظر: نيل الأوطار للشوكاني 4/156. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 13/212. سورة الكهف: الآية 62. انظر: تفسير القرطبي 11/14. أخرجه الإمام مسلم في كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يتق برضاه بذلك ويتحقق تحققاً تاماً، 3/1609، وانظر: كتاب الزهد لابن المبارك ص 412، ومسند أبي يعلى بإسناد قوي 11/41، والمعجم الكبير للطبراني 19/257. سورة يوسف: من الآية 86. سورة الأنبياء: الآية 83، وجزء من الآية 84. انظر: فتح الباري 10/124، والعبودية، لابن تيمية ص 93 - 95، ومجموع الفتاوى 14/58. أخرجه البخاري في كتاب المرضى، باب ما رخص للمريض أن يقول: إني وجعٌ، أو وا رأساه، أو اشتد بي الوجع. مدارج السالكين 1/112. فتح الباري 10/124. فتح الباري 10/124. انظر: فتح الباري 5/368. انظر: مدارج السالكين 2/175، وفتح الباري 9/120. أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان، باب طول النجوى ... ومسلم في كتاب الأشربة، باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب، وذكر اسم الله عليها، وإطفاء السراج والنار عند النوم، وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب 3/1596. انظر: المواضع السابقة في صحيحي البخاري ومسلم وغيرها، وغيرهما. أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، ومسلم في كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها 4/1737. طريق الهجرتين ص 68. سورة البقرة: من الآية 216. انظر: طريق الهجرتين لابن القيم 1/69. سورة آل عمران: الآية 165. انظر: تفسير ابن كثير 1/425. سورة النساء: من الآية 79. سورة الشورى: الآية 30. سورة الشورى: من الآية 48. طريق الهجرتين ص 70 انظر: التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/40، والاستقامة لابن تيمية 2/74. انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 3/204. تفسير القرطبي 11/38. فتح الباري 1/221. مدارج السالكين 1/111. انظر: منهاج السنة النبوية 3/204. انظر: مدارج السالكين 2/188. انظر: مدارج السالكين 2/188. منهاج السنة النبوية 3/204، وشفاء العليل ص 278، وهو من الإسرائليات، كما سيأتي - إن شاء الله -. انظر: منهاج السنة النبوية 3/205، ومدارج السالكين 1/256. سورة البقرة: من الآية 205. سورة الزمر: من الآية 7. سورة النساء: من الآية 108. سورة محمد: الآية 28. مدارج السالكين 2/188. سورة الأحزاب: من الآية 36. انظر: مدارج السالكين 2/188، 189. انظر: منهاج السنة 3/205. انظر: منهاج السنة النبوية 3/204، وشفاء العليل ص 278. انظر: التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/40. انظر: شفاء العليل ص 278. انظر: التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/40. انظر: شفاء العليل ص 278، ومنهاج السنة النبوية 3/204. انظر: منهاج السنة النبوية 3/205. أخرجه هناد بن السري في الزهد في باب التوكل 1/304 - 305، والبيهقي في شعب الإيمان 7/203. انظر: التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/40. انظر: منهاج السنة النبوية 3/204. انظر: مدارج السالكين 2/171. منهاج السنة النبوية 3/204. سورة المائدة: من الآية 119، والتوبة 100، والمجادلة 22، والبينة 8. انظر: منهاج السنة النبوية 3/204. مدارج السالكين 2/171. سورة البقرة: الآية 177. انظر: تفسير الطبري 1/98 - 101، وتفسير ابن كثير 1/209. سورة البقرة: الآية 214. التحفة العراقية ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 10/41. انظر: فتح القدير للشوكاني 1/382، وتفسير السيوطي 2/326. سورة فصلت: الآية 25. انظر: تفسير القرطبي 15/354 - 355. سورة الشعراء: الآيتان 88، 89. أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، وأبو داود في كتاب الأدب، باب إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، وأحمد في المسند 2/256، وفي مواضع أخرى. انظر: عون المعبود لآبادي 13/352، وفتح الباري 10/612. أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، ومسلم في كتاب الزهد والرقاق، باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب 4/2293، وابن حبان في صحيحه 6/121. سورة الأعراف: الآية 28. أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ... 4/1986، وابن ماجة في كتاب الزهد، باب القناعة 2/1388. إغاثة اللهفان 2/181، والقائل والله أعلم محمد بن الحسين الرضا. انظر: المنتظم لابن الجوزي 7/281. مفتاح دار السعادة لابن القيم 1/141. انظر: الإعلام للقرطبي ص 221. التصوف والسلوك ضمن فتاوى ابن تيمية 11/472. تاريخ الطبري 4/593، وقائلها: قيل الرشيد، الخليفة، وفيه نظر فكثيراً ما نسبت إليه أمور لاتليق، وقيل: التوزي. انظر: البداية والنهاية لابن كثير 10/219، وتاريخ الطبري الموضع السابق. سورة المائدة: من الآية 2. أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله - تعالى - ولعن فاعله 3/1567، والنسائي في الكبرى، في ما ذبح لغير الله - عزّوجل - 3/67، وفي المجتبى 7/232، وصححه الألباني، وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه 14/571. انظر: شرح السيوطي 7/234. أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا 3/1480، 1481، وأحمد في المسند 6/295، 302، 321، وأبو داود في السنة، باب في الدجال 4/242، وصححه الألباني، وأخرجه الترمذي في الفتن، باب 78، 4/529 وقال: {حسن صحيح} وغيرهم. سورة الحجر: من الآية 88. سورة آل عمران: من الآية 159. سورة فصلت: من الآية 34. انظر: فتح القدير للشوكاني 1/382. أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم، باب: الأمر والنهي 4/124. انظر: تفسير القرطبي 4/295. تفسير القرطبي 4/295. سورة النساء: الآية 140. أي: قام بتأديبه تعزيراً. تفسير القرطبي 5/418. قاله عدي بن زيد. انظر: تفسير الطبري 5/88، ومصنف ابن أبي شيبة 5/235. سورة الأنعام: من الآية 69. مراتب الإرادة ضمن فتاوى ابن تيمية 8/190. التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/42. انظر: شفاء العليل ص 278. سورة النساء: من الآية 108. سورة البقرة: من الآية 205. سورة التوبة: من الآية 96. سورة النساء: من الآية 93. سورة محمد: من الآية 28. سورة التوبة: من الآية 68. سورة المائدة: من الآية 80. سورة الزخرف: من الآية 55. سورة الإسراء: من الآية 38. انظر: مراتب الإرادة ضمن فتاوى ابن تيمية 8/191. سورة الحجرات: من الآية 7. سورة النور: من الآية 55. سورة الزمر: من الآية 7. أخرجه البخاري في كتاب الكسوف، باب الصدقة في الكسوف، ومسلم في كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف. أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الغيرة، ومسلم في كتاب التوبة، باب غيرة الله وتحريم الفواحش 4/2114. انظر: الصارم المسلول لابن تيمية 2/370. انظر: المصدر السابق نفسه 2/383. سورة النساء: من الآية 64. انظر: تفسير الطبري 5/157. سورة النساء: الآية 65. انظر: قاعدة في المحبة ضمن مجموع الفتاوى لابن تيمية 3/193. سورة المائدة: من الآية 23. أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الزهد (2/295) عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس مرفوعاً، وبلفظ من أحب أن يكون ... ، أخرجه الحاكم في المستدرك (4/270) ، وقال: ((هذا حديث قد اتفق هشام بن زياد النصري، ومصارف بن زياد المدني، على روايته عن محمد بن كعب القرظي، والله أعلم، ولم أستجز إخلاء الموضع منه فقد جمع آداباً كثيرة)) اهـ. وبيّن الذهبي بطلانه في التلخيص بهامش المستدرك، وأخرجه القضاعي في مسنده (1/234) ، وعبد بن حميد في مسنده أيضاً ص 225، بنحو لفظ الحاكم. انظر: مدارج السالكين 2/224. انظر: مدارج السالكين 2/220. انظر: مدارج السالكين 2/212. انظر: مدارج السالكين 2/208. انظر: مدارج السالكين 2/207. سورة الفجر: الآيتان 15، 16. سورة الحديد: من الآية 23. سورة آل عمران: من الآية 139. انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 10/16 - 17، وانظر: نفس المرجع 34/16، ومنهاج السنة 8/463 - 465. أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب قول النبي - (-: {إنا بك لمحزونون ... } ومسلم بنحوه في كتاب الفضائل، باب رقمه - (- الصبيان والعيال ... 4/1807. أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض. سورة النحل: جزء من الآية 127، والآية 128. سورة التوبة: من الآية 40. انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 8/464 - 466. التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/46. أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ليس منا من شق الجيوب. أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى من الحلق عند المصيبة، ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريمه ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهليَّة 1/10. انظر: الجواب الباهر في زوار المقابر ضمن فتاوى ابن تيمية 27/380. أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة 2/644، وأحمد في المسند 5/342، 343، 344، وابن ماجه في الجنائز باب في النهي عن النياحة 1/503، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنائز، باب ما ورد من التغليظ في النياحة 4/63، وابن حبان في صحيحه 7/412، وأبو يعلى في مسنده 3/148 بإسناد صحيح. أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب قول النبي - (- يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه ... ، وفي مواضع أخرى، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه 2/638. انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 24/316. انظر: منهاج السنة 4/554. أخرجه البخاري في المرضى، باب عيادة الصبيان، ومسلم في الجنائز، باب البكاء على الميت 2/635. أخرجه البخاري في المرضى، باب نهي تمني المريض الموت، وفي الدعوات، باب الدعاء بالموت والحياة، ومسلم في الذكر والدعاء ... باب تمني كراهة الموت ... 4/2064. أخرجه البخاري في الجهاد، باب الجهاد من الإيمان، وباب تمني الشهادة، وفي أول كتاب التمني. سورة يوسف: من الآية 101. أخرجه البخاري في عدة مواضع، منها: كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي - (-: ((لو كنت متخذاً خليلاً ... )) ، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة - رضي الله عنها - 4/1894، وغيرهما. سورة الأعراف: من الآية 126. سورة مريم: من الآية 23. انظر: تفسير ابن كثير 2/493. انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 8/536. أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب حق الجوار في قرب الأبواب، ومسلم في كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف 2/699. سورة الجمعة: الآية 11. أخرجه البخاري في أكثر من موضع، منها: كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال. انظر: العبودية لابن تيمية ص 102. أخرجه مسلم في الذكر والدعاء ... ، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، 4/2088، وابن حبان في صحيحه 3/293، والنسائي في المجتبى في باب الاستعاذة من دعاء لايستجاب، وصححه الألباني 8/285، وغيرهم. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 17/41، والديباج للسيوطي 6/71. انظر: تفسير ابن كثير 1/561. سورة التغابن: من الآية 11. نسخة وكيع عن الأعمش ص 59، وسنن البيهقي الكبرى 4/66. سورة التوبة: من الآية 72. انظر: منال الطالب في شرح طوال الغرائب لابن الأثير ص 398. أخرجه ابن حبان في صحيحه 8/42، وأحمد في المسند 2/302، 320، وأبو داود في الجهاد، باب في الجرأة والجبن، والبيهقي في الكبرى 9/170. أخرج مسلم في القدر، باب الأمر بالقوة وترك العجز ... 4/2052، وابن حبان في صحيحه 13/29، وأبو يعلى بإسناد صحيح في مسنده 11/125، وأحمد في المسند 2/366. رسائل متفرقة ضمن فتاوى ابن تيمية 16/37، 38. انظر: الروح لابن القيم 1/241. سورة الفاتحة: الآية 6. أخرجه البخاري في التوحيد، باب قول الله - تعالى -: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا ... } ، ومالك في الموطأ، في كتاب القرآن، باب ماجاء في الدعاء 1/113، ومسلم في الذكر والدعاء ... ، باب العزم بالدعاء ولايقل إن شئت، 4/2063. انظر: مدارج السالكين 2/181. انظر: مدارج السالكين 2/177. منازل السائرين للهروي الصوفي يداخل مدارج السالكين لابن القيم 2/183. انظر: التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/47. منازل السائرين للهروي الصوفي، ضمن مدارج السالكين لابن القيم 2/206. انظر: سؤال عما ذكر عن أبي سليمان الداراني ضمن فتاوى ابن تيمية 10/684، 685. انظر: منازل السائرين ضمن مدارج السالكين 2/177. منازل السائرين للهروي الصوفي ضمن مدارج السالكين 2/240. سؤال عما ذكر عن سليمان الداراني ضمن فتاوى ابن تيمية 10/678، وذكر ابن تيمية - رحمه الله - أن هذه المقولة مرسلة عن الداراني بإرسال لاتثبت بمثله. انظر: الاستقامة 2/65، سؤال عما ذكر عن سليمان الداراني ضمن فتاوى ابن تيمية 10/689، وانظر: الاستقامة 2/86. سؤال عما ذكر عن سليمان الداراني ... 10/60، والاستقامة 2/88، وقائله: سحنون الصوفي. انظر: مدارج السالكين 2/177. سؤال عما ذكر عن أبي سليمان الداراني ضمن فتاوى ابن تيمية 10/681، والاستقامة 2/72. مدارج السالكين 2/184. سورة الفجر: الآيتان 27، 28. سورة البينة: من الآية 8. انظر: مدارج السالكين 2/184. أخرجه النسائي في الكبرى في عمل اليوم والليلة، باب ثواب من قال حين يصبح وحين ... 6/4، وباب ما يقول إذا أمسى 6/145، وابن ماجه في الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى 2/1273، وقال في الزوائد: {إسناده صحيح، رجاله ثقات} ، والحاكم في المستدرك 1/518، وقال: { ... صحيح الإسناد ولم يخرجاه} وصححه الذهبي. الدندنة: الكلام الذي لايفهم، والحديث أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، في كتاب الصلاة، باب إباحة الدعاء بعد التشهد ... 1/356، وابن حبان في صحيحه 3/149، وأبو داود في الصلاة، باب تخفيف الصلاة 1/292 - 293، وابن ماجة في إقامة الصلاة، باب ما يقال في التشهد والصلاة على النبي - (- 1/295. أخرجه مسلم في الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن ... 1/288، وأحمد في المسند 2/168، 265، وابن خزيمة في صحيحه 1/218، وابن حبان في صحيحه 4/590، وغيرهم. انظر: سؤال عما ذكر عن أبي سليمان الداراني ضمن فتاوى ابن تيمية 10/714 - 715، والاستقامة 2/116، 117، 118. انظر: سؤال عما ذكر عن أبي سليمان الداراني ضمن فتاوى ابن تيمية 10/705 - 708، والاستقامة 2/116 - 127. مجموع الفتاوى 1/45. سورة الحجر: الآية 9. المصادر والمراجع القرآن الكريم. الأحاديث المختارة: أو المستخرج من الأحاديث المختارة مِمَّا لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما، ضياء الدين، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي، ط الأولى 1412 هـ، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، دراسة وتحقيق: د. عبد الملك بن دهيش. إحياء علوم الدين: لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، دار القلم ببيروت. الأربعون الصغرى: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: أبو إسحاق الحويني الأثري، ط الأولى 1408 هـ، نشر دار الكتاب العربي، بيروت. الأربعون العشارية: لعبد الرحيم العراقي، تحقيق: بدر عبد الله البدر، دار ابن حزم 1413 هـ. الاستقامة: لابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، ط الأولى 1404 هـ، طبع ونشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الاستيعاب في معرفة الأصحاب: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، تحقيق: علي محمد البجاوي، مطبعة نهضة مصر. أصول الإيمان: للشيخ محمد بن عبد الوهاب، تحقيق: د. باسم الجوابرة. الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر العسقلاني، ط الأولى 1328 هـ، نشر: دار العلوم الحديثة. الاعتقاد: لأبي بكر البيهقي، تحقيق: أحمد عصام الكاتب، ط الأولى 1401 هـ، دار الآفاق الجديدة، بيروت. البداية والنهاية: لأبي الفداء الحافظ ابن كثير، نشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض، ومكتبة المعارف ببيروت. الأعلام ((قاموس التراجم)) : لخير الدين الزركلي، ط الخامسة، دار العلم للملايين ببيروت 1980 م. الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام: للقرطبي، تحقيق: أحمد السقا، دار التراث بالقاهرة. البرهان في عقائد أهل الأديان: للسكسكي، دار التراث العربي 1400 هـ. بيان تلبيس الجهمية: لابن تيمية، تحقيق: محمد بن عبد الرحمن القاسم، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، 1392 هـ. تاج العروس من جواهر القاموس: لمرتضى الزبيدي، دار ليبيا ببنغازي. تاريخ الأمم والملوك: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. تأريخ ابن معين برواية الدوري: ليحيى بن معين أبو زكريا، تحقيق: د. أحمد نور سيف، ط الأولى، 1399 هـ. تأريخ بغداد، أو مدينة السلام: للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتب العالمية ببيروت. تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري: لعلي بن الحسن ابن عساكر، دار الكتاب العربي ببيروت 1399 هـ. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: لمحمد بن عبد الرحمن المباركفوري، نشر دار الكتب العلمية ببيروت. ترتيب القاموس المحيط: لمحمد طاهر الزاوي، ط الثانية، عيسى البابي الحلبي وشركاه. التدمرية: لابن تيمية، تحقيق: د. محمد السعوي، ط الأولى 1405 هـ. تذكرة الحفاظ: لشمس الدين محمد الذهبي، تحقيق: عبد الرحمن المعلمي، دار الكتب العلمية ببيروت 1374 هـ. الترغيب والترهيب: لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، ط الأولى 1417 هـ، نشر دار الكتب العلمية ببيروت. التصديق بالنظر: لمحمد بن حسين الآجري، تحقيق: سمير الزهيري، ط الأولى 1408 هـ، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت. التعرف لمذهب أهل التصوف: لأبي بكر محمد الكلاباذي، دار الكتب العلمية ببيروت 1400 هـ. التعريفات: لعلي بن محمد الجرجاني، تحقيق: إبراهيم الأبياري، ط الأولى 1405هـ، نشر دار الكتاب العربي ببيروت. تفسير القرآن العظيم: لأبي الفداء الحافظ ابن كثير، دار الفكر ببيروت، 1401 هـ. التوقيف على مهمات التعاريف: لمحمد بن عبد الرؤوف المناوي، تحقيق: د. محمد رضوان الداية ط الأولى 1410 هـ، نشر: دار الفكر ببيروت ودمشق. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، ط 1387 هـ. التوكل على الله: للدكتور سالم بن محمد القرني، دار المجتمع بجدة، ط الأولى 1417 هـ. تهذيب مستمر الأوهام: لأبي النصر علي بن وهبة الله المشهور بابن ماكولا، تحقيق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية ببيروت، 1410 هـ. تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد: لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، المكتب الإسلامي. الثقات: لابن حبان البستي، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد، ط الأولى 1395 هـ، نشر: دار الفكر. جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ط الثالثة، البابي الحلبي بمصر، 1388 هـ. الجامع الصحيح المختصر: لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: مصطفى البغا 1407 هـ، دار ابن كثير واليمامة. الجامع الصحيح (سنن الترمذي) : لمحمد بن عيسى أبي عيسى الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، وإبراهيم عطوة عوض، نشر المكتبة الإسلاميَّة. الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، دار الكتب، نشر: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة 1387 هـ. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، تحقيق: د. محمود الطحاون، مكتبة المعارف بالرياض 1403 هـ. جمهرة أشعار العرب في الجاهليَّة والإسلام: لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، تحقيق: د. محمد بن علي الهاشمي، ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة 1401 هـ. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح: لابن القيم الجوزية، نشر دار الكتب العلمية ببيروت. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: لابن القيم الجوزية، نشر دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1415 هـ. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، ط الرابعة، دار الكتاب العربي ببيروت 1405 هـ. خلق أفعال العباد: لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: د عبد الرحمن عميرة 1398هـ، نشر دار المعارف بالرياض. درء تعارض العقل والنقل: لابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، 1399 هـ. الدر المنثور في التفسير بالمأثور: لجلال الدين السيوطي، نشر دار الفكر ببيروت، سنة 1414 هـ. الدعاء: لسليمان أبي القاسم الطبراني، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط الأولى 1413 هـ نشر دار الكتب العلمية ببيروت. دلائل النبوة ومعرفة أصحاب الشريعة: لأبي بكر البيهقي، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية ببيروت 1405 هـ. الديباج على صحيح مسلم: لجلال الدين السيوطي، تحقيق: أبي إسحاق الأثري، نشر دار ابن عفان بالخبر 1416 هـ. ذم التأويل: لموفق الدين ابن قدامة المقدسي، الدار السلفية، الكويت. ذيل التقييد في رواة السنن والمسانيد: لأبي الطيب محمد بن أحمد الفاسي، تحقيق: كمال الحوت، دار الكتب العلمية ببيروت 1410 هـ. رؤية الله: لعلي بن عمر الدارقطني، تحقيق: مبروك إسماعيل مبروك، نشر مكتبة القرآن بالقاهرة. الرسالة في اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث والأئمة، أو عقيدة السلف أصحاب الحديث: لأبي إسماعيل الصابوني، تحقيق: بدر البدر، نشر الدار السلفية بالكويت. الرضا عن الله: لابن أبي الدنيا، تحقيق: ضياء السلفي، ط الأولى 1410 هـ، دار السلفية بومباي. رفع الأستار: لمحمد بن إسماعيل، الشهير بابن الأمير الصنعاني، تحقيق: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط الأولى 1405 هـ، نشر المكتب الإسلامي ببيروت. الروح في الكلام على أرواح الأموات والأحياء: لابن القيم الجوزية، دار الكتب العلمية ببيروت 1395 هـ. روضة المحبين ونزهة المشتاقين: لابن القيم الجوزية، نشر دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1412 هـ. الزهد: لابن أبي عاصم، تحقيق: عبد العلي عبد الحميد، ط الثانية، دار الريان للتراث 1408 هـ. الزهد: لعبد الله ابن المبارك المروزي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية ببيروت. الزهد: لهناد بن السري الكوفي، تحقيق: عبد الرحمن الفريوائي، ط الأولى 1406 هـ، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي. الزهد وصفة الزاهدين: لأحمد بن محمد ابن الأعرابي، تحقيق: مجدي فتحي السيد، ط الأولى 1408 هـ، نشر دار الصحابة بطنطا، مصر. سنن أبي داود: للحافظ سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: عزت الدعاس، دار الحديث بحمص سوريا. سنن أبي داود: للحافظ سليمان بن الأشعث، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر ببيروت. سنن الدارمي: لأبي محمد الدارمي، دار الكتب العلمية ببيروت، نشر دار إحياء السنة النبوية. سنن ابن ماجة: للحافظ أبي عبد الله محمد بن زيد بن ماجة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. السنن الكبرى: لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: د. عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي، ط الأولى 1411 هـ، دار الكتب العلمية ببيروت. السنن ((المجتبى)) : للنسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط الثانية 1406 هـ، مكتب المطبوعات الإسلاميَّة بحلب. السنن الكبرى: للبيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز بمكة المكرمة 1414 هـ. سير أعلام النبلاء: لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، مؤسسة الرسالة. شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لابن العماد الحنبلي، دار الآفاق الجديد ببيروت. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: لهبة الله بن الحسن اللالكائي، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان 1402 هـ، دار طيبة بالرياض. شرح الحافظ السيوطي لسنن النسائي: للحافظ جلال الدين السيوطي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة ط الثانية 1406 هـ، مكتبة المطبوعات الإسلاميَّة بحلب. شرح حديث جبريل عليه السلام: للشيخ محمد بن صالح العثيمين، دار الثريا للنشر والتوزيع، ط الأولى 1415 هـ. شرح العقيدة الأصفهانية: لابن تيمية، تحقيق: إبراهيم سعيداي، ط الأولى 1415هـ، مكتبة الرسالة بالرياض. شرح العقيدة الطحاوية: لابن أبي العز الحنفي، تحقيق: د. عبد الله التركي وشعيب الأرناؤوط مؤسسة الرسالة. شرح قصيدة ابن القيم: لابن القيم الجوزية، تحقيق: زهير الشاويش، ط الثالثة 1406 هـ، نشر المكتب الإسلامي ببيروت. شعب الإيمان: لأبي بكر البيهقي، تحقيق: محمد السعيد زغلول، ط الأولى 1410هـ، نشر دار الكتب العلمية ببيروت. شفاء العليل: لابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد بدر الدين أبو فراس الحلبي، دار الفكر ببيروت 1398 هـ. الشكر: لابن أبي الدنيا، مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت. الصارم المسلول على شاتم الرسول: لابن تيمية، تحقيق الحلواني وشودري، ط الأولى، دار ابن حزم ببيروت 1417 هـ. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان: لمحمد بن حبان البستي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ط الثانية 1414 هـ، مؤسسة الرسالة ببيروت. صحيح الإمام مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر ببيروت 1398 هـ. صحيح مسلم بشرح النووي: للإمام النووي، دار الفكر ببيروت. طبقات الشافعية الكبرى: لتاج الدين السبكي، دار المعرفة للطباعة والنشر ببيروت. الطبقات الكبرى: لابن سعد، دار صادر ببيروت. طريق الهجرتين وباب السعادتين: لابن القيم الجوزية، تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر، ط الثالثة 1414 هـ، نشر دار ابن القيم بالدمام. العبر في خبر من غبر: لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، دائرة المطبوعات بالكويت. عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين: لابن القيم الجوزية، تحقيق: زكريا علي يوسف، نشر دار الكتب العلمية ببيروت. العقل وفضله: لابن أبي الدنيا، تحقيق: لطفي محمد الصغير، ط الأولى 1409 هـ، نشر دار الراية بالرياض. العقيدة: للإمام أحمد بن حنبل برواية الخلال، تحقيق: عبد العزيز السيروان، ط الأولى 1408 هـ نشر دار قتيبة بدمشق. عون المعبود شرح سنن أبي داود: لمحمد شمس الحق آبادي، ط الثانية، دار الكتب العلمية ببيروت 1415 هـ. فتح الباري شرح صحيح البخاري: لابن حجر العسقلاني، المكتبة السلفية. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير: لمحمد بن علي الشوكاني، ط الثالثة دار الفكر ببيروت 1393 هـ. الفرق بين الفرق: لعبد القاهر البغدادي، دار المعرفة ببيروت. فوائد العراقيين: لمحمد بن علي النقاش، تحقيق: مجدي السيد، مكتبة القرآن بالقاهرة. القاموس المحيط: لمجد الدين الفيروزبادي، دار الفكر للجميع. القضاء والقدر: للدكتور عمر الأشقر، دار النفائس ببيروت، ط الرابعة، 1419هـ. القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة: للدكتور عبد الرحمن المحمود، ط الثانية، دار الوطن 1418 هـ. القناعة: لأبي بكر أحمد الدينوري، تحقيق: عبد الله الجديع، ط الأولى 1409 هـ، مكتبة الرشد بالرياض. القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى: للشيخ محمد بن صالح العثيمين، عالم الكتب. كشف الأستار عن زوائد البزار: لنور الدين الهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، ط الثانية 1404 هـ، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت. كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: لإسماعيل العجلوني تحقيق: أحمد العلاش، ط الرابعة، 1405 هـ، مؤسسة الرسالة ببيروت. لسان العرب: لأبي الفضل بن منظور، دار صادر ببيروت. لوامح الأنوار البهية: لمحمد بن أحمد السفاريني، المكتب الإسلامي ببيروت، مكتبة أسامة بالرياض، ط الثانية، 1405 هـ. مجمع الزوائد ومنيع الفوائد: لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مؤسسة المعارف ببيروت. مجموع فتاوى ابن تيمية: جمع عبد الرحمن القاسم، ط رئاسة الحرمين. مجموعة التوحيد أو الجامع الفريد: دار الأصفهاني بجدة، الطبعة الثانية، تقديم: الشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله -. مختار الصحاح: لمحمد بن أبي بكر الرازي، دار الفكر ببيروت. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: لابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، ط الثانية، 1393 هـ، نشر دار الفكر العربي ببيروت. المستدرك على الصحيحين: للإمام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وبذيله التلخيص للإمام الذهبي، توزيع مكتبة المعارف بالرياض. مسند أبي يعلى: لأحمد بن علي الموصلي، تحقيق: حسين سليم أسد، ط الأولى 1404 هـ نشر دار المأمون للتراث بدمشق. المسند: للإمام أحمد بن حنبل، المكتب الإسلامي للطباعة، نشر دار الفكر ببيروت. مسند البزار: لأبي بكر أحمد بن عمرو البزار، تحقيق: د. محفوظ الرحمن وزين الله، ط الأولى 1409 هـ، مؤسسة علوم القرآن ببيروت، ومكتبة العلوم والحكم بالمدينة. مسند الحارثي {بغية الباحث عن زوائد الحارث} : للحارث بن أبي أسامة والحافظ الهيثمي، تحقيق: د. حسين الباكري، ط الأولى 1413 هـ، نشر مركز خدمة السنة بالمدينة. مسند الشهاب: لمحمد بن سلامة القضاعي، تحقيق: حمدي السلفي، ط الثانية 1407 هـ، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت. مسند الطيالسي: لسليمان بن داود الطيالسي، دار المعرفة ببيروت. المشوف المعلم في ترتيب الاصطلاح على حروف المعجم: لأبي البقاء عبد الله العكبري، نشر جامعة أم القرى. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: لأحمد بن محمد المقرزي الفيومي، توزيع دار الباز بمكة. المصنف في الأحاديث والآثار: لابن أبي شيبة، تحقيق: كمال الحوت، ط الأولى 1409 هـ مكتبة الرشد بالرياض. المعجم الأوسط: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله، وعبد المحسن الحسيني، 1415 هـ، نشر دار الحرمين بالقاهرة. معجم البلدان: لياقوت الحموي، دار الفكر ببيروت. المعجم الصغير: لابن القاسم الطبراني، تحقيق: محمد شكور، ط الأولى 1405 هـ، نشر المكتب الإسلامي، دار عمار ببيروت وعَمّان. المعجم: لأبي يعلى الموصلي، تحقيق: إرشاد الأثري، ط الأولى 1407 هـ، إدارة العلوم الأثرية - فيصل آباد. المعجم الكبير: لأبي القاسم الطبراني، تحقيق: حمدي السلفي، ط الثانية 1404 هـ، مكتبة دار الحكم بالموصل. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: لأبي عبد الله البكري، تحقيق: مصطفى السقا، عالم الكتب ببيروت 1403 هـ. معجم المؤلفين: لعمر رضا كحالة، مكتبة المثنى، ودار إحياء التراث ببيروت. مفتاح دار السعادة: لابن القيم الجوزية، دار الكتب العلمية ببيروت. المفردات في غريب القرآن: لحسين الراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة ببيروت. مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: لأبي الحسن الأشعري، تحقيق: هلموت ريتر، ط الثالثة نشر دار إحياء التراث العربي ببيروت. الملل والنحل: لأبي الفتح الشهرستاني، دار المعرفة ببيروت. المنار المنيف في الصحيح والضعيف: لابن القيم الجوزية، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط الثانية 1403 هـ، نشر مكتب المطبوعات الإسلاميَّة بحلب. منال الطالب في شرح طوال الغرائب: لمجد الدين أبي السعادات ابن الأثير، تحقيق: د. محمود الطناحي، طباعة ونشر جامعة أم القرى. المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: لعبد الرحمن ابن الجوزي، ط الأولى 1358 هـ، دار صادر ببيروت. منهاج السنة النبوية: لابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، 1406 هـ. الموسوعة الحديثية {مسند الإمام أحمد} : تحقيق: د. عبد الله التركي، وشعيب الأرناؤوط ومن معهم، مؤسسة الرسالة ببيروت. الموطأ: للإمام مالك بن أنس، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر: دار إحياء التراث العربي ببيروت. ميزان الاعتدال: للإمام محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة ببيروت. النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة: لابن تغري بردي، دار الكتب المصرية بالقاهرة. النبوات: لابن تيمية، نشر المطبعة السلفية بالقاهرة، 1386 هـ. نسخة وكيع عن الأعمش: لوكيع بن الجراح، تحقيق: عبد الرحمن الفريوائي، ط الثانية 1406 هـ، الدار السلفية بالكويت. النهاية في غريب الأثر: لأبي السعادات ابن الأثير الجزري، تحقيق: طاهر الزاوي، ومحمود الطباخي، 1399 هـ، نشر دار الفكر ببيروت. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار: للشوكاني، دار الجيل ببيروت 1973 م. الوابل الصيب من الكلم الطيب: لابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد عبد الرحمن عوض، ط الأولى 1405 هـ، نشر الكتاب العربي ببيروت. هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى: لابن قيم الجوزية، الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النبوية. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: لأبي العباس ابن خلكان، تحقيق: د. إحسان عباس، دار صادر ببيروت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 * * * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 الحديث المقلوب تعريفه، وفوائده، وحكمه، والمصنفات فيه د. محمد بن عمر بن سالم بازمول الأستاذ المشارك بقسم الكتاب والسنة - كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى ملخص البحث الحديث المقلوب من أنواع علوم الحديث! وقد قام الباحث بدراسة موضوعية تعريفية، ناهجاً سبيل التحليل والعرض لبيان هذا النوع وإلقاء الضوء عليه، فبدأ بتعريف الحديث المقلوب مستعرضاً كلام أئمة المصطلح، واقفاً عند عباراتهم لاستبيان مرادهم رحمهم الله في التعريف، وقدّم في نهاية ذلك التعريف المختار ثم ثنّى ببيان فوائد معرفة الحديث المقلوب. وثلث ببيان حكم الحديث المقلوب، ومرتبته! وفصّل في ذلك بحسب صوره وأحواله. ثم بيّن الطريق التي يُعْرف بها القلب في الحديث. ثم أورد أمثلة للحديث المقلوب متناً. وذكر بعد ذلك الأئمة الذين استعملوا في عباراتهم الوصف بالقلب! وأخيراً ذكر المصنفات في الحديث المقلوب! وجاءت بعد ذلك الخاتمة والتي تتضمن أهم نتائج البحث. ومن هنا جاء عنوان البحث: "الحديث المقلوب تعريفه وفوائده وحكمه والمصنفات فيه" وقد تحرّى الباحث في بحثه أن يمدّه بما تجمّع لديه من نصوص للأئمة منثورة في ثنايا كتب التخريج والجرح والتعديل والشروح، فلم يقتصر البحث في مادته على ما جاء في كتب المصطلح! والباحث يرجو أن يسد ببحثه هذا فراغاً في المكتبة الحديثية حيث لا توجد حسب علمه دراسة مفردة لهذا النوع الحديثي مع أهميته! • • • إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أمّا بعد: فهذا كتاب قصدت فيه بيان الحديث المقلوب وما يتعلق به، وقد أسميته: الحديث المقلوب تعريفه وفوائده وحكمه والمصنفات فيه وقسمته على تمهيد وخمسة مقاصد وخاتمة، وتفصيل ذلك هو التالي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 أمّا التمهيد: ففي دائرة الحديث المقلوب! أمّا المقصد الأول: ففي تعريف الحديث المقلوب أمّا المقصد الثاني: في فوائد معرفته. المقصد الثالث: حكم الحديث المقلوب! المقصد الرابع: كيف يعرف القلب في الحديث؟ المقصد الخامس: أمثلة للحديث المقلوب متناً. المقصد السادس: الأئمة الذين استعملوا في عباراتهم الوصف بالقلب! المقصد السابع: المصنفات في الحديث المقلوب! أمّا الخاتمة: ففي أهم النتائج التي انتهت إليها الدراسة. أسأل الله تبارك تعالى أن يتقبله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يرزقني فيه القبول في الدنيا والآخرة، وأن يتقبل جميع عملي خالصاً لوجهه الكريم، وداعياً إلى سنة نبيه الرؤوف الرحيم (. تمهيد: دائرة الحديث المقلوب لم يقتصر دور قلب الحديث عند حدِّ استعماله وسيلة من وسائل الكشف عن حال الراوي في الضبط، ومعرفة مدى حفظه لمرويه؛ بل تعدّى ذلك إلى كونه وصفاً يوصف به الراوي لبيان نوع وهمه وخطئه، فهو بصفة عامة من الجرح المفسر غير المجمل، كما أصبح بالاستقراء علامة على نكارة حديث الراوي بدرجات متفاوتة قد تخف إلى درجة لا تخرج الراوي عن حيز القبول، وقد تزيد إلى درجة تخرج الراوي إلى حيز الرد، بل أحياناً إلى درجة الضعيف جداً الذي لا يقبل حديثه التقوي والانجبار بتعدد الطرق. وسيأتي ذكر الأئمة الذين كانوا يستعملون الوصف بالقلب في كلامهم عن الرجال أو في بيان حال الأحاديث، ومنها ما جاء عن شعبة (ت160هـ) وحماد ابن سلمة (ت167هـ) ، وابن معين (ت233هـ) رحمهم الله. بل يُعْرف قدر حفظ الراوي بأنه لم يُقْلب عليه إسناد! قال عمرو بن محمد الناقد (ت232هـ) : "ما كان في أصحابنا أعلم بالإسناد من يحي بن معين ما قدر أحد يقلب عليه إسناد قط" (1) . وتتسع دائرة المقلوب فتتداخل مع أنواع حديثية عديدة يأتي فيها صورة الحديث المقلوب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 ولمّا ذكر ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله أنواع جرح الضعفاء، ذكر النوع العاشر وقال: "ومنهم من كان يقلب الأخبار ويسوّي الأسانيد كخبر مشهور عن صالح يجعله عن نافع وآخر لمالك يجعله عن عبيد الله بن عمر ونحو هذا. كإسماعيل بن عبيد الله التيمي وموسى بن محمد البلقاوي وعمر بن راشد الساحلي، وذويهم وقد رأينا في عصرنا جماعة مثلهم يُسرون الأحاديث"اهـ (1) . وقال الحاكم (ت405هـ) رحمه الله، لمّا ذكر أنواع الجرح والمجروحين على عشرة طبقات: "الطبقة الثانية من المجروحين: قوم عمدوا إلى أحاديث مشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد معروفة ووضعوا إليها غير تلك الأسانيد فركبوها عليها ليستغرب بتلك الأسانيد منهم: إبراهيم بن اليسع وهو ابن أخي حية يُحدِّث عن جعفر بن محمد الصادق وهشام بن عروة، فيركب حديث هذا على حديث ذلك، وكذلك حمّاد بن عمرو النصيبي وبهلول بن عبيد وأصرم بن حوشب، وغيرهم"اهـ (2) . وفي الصفحات القادمة سنتبين الحديث المقلوب وأقسامه وما يتعلق به! المقصد الأول: تعريف الحديث المقلوب وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الحديث المقلوب لغة المطلب الثاني: تعريف المقلوب اصطلاحاً. وإليك البيان: المطلب الأول: تعريف الحديث المقلوب لغة المقلوب لغة: المقلوب اسم مفعول من (قلب) . ومادة "ق. ل.ب" لها في اللغة أصلان صحيحان: أحدهما يدل على خالص شيء وشريفة. والآخر يدل على رد شيء من جهة إلى جهة. والأصل الثاني هو المراد هنا. ومنه: القليب: البئر قبل أن تطوى، وإنما سمِّيت قليباً لأنها كالشيء يقلب من جهة إلى جهة، وكانت أرضاً فلمّا حفرت صار ترابها كأنه قلب فإذا طويت فهي الطَّوى ولفظ القليب مذكر. والحوّل القلب: الذي يقلب الأمور ويحتال لها (3) . المطلب الثاني: تعريف المقلوب اصطلاحاً. المقلوب اصطلاحاً: المقصود هنا تعريف المقلوب في اصطلاح علماء الحديث، دون غيرهم (4) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 وسأستعرض هنا تعاريف أهل العلم للحديث المقلوب، مسجلاً عقب كل تعريف أورده ما لدي من ملاحظات عامة، خاتماً ذلك ببيان التعريف المختار. تعريف ابن الصلاح (ت643هـ) رحمه الله: قال عليه من الله الرحمة والرضوان: "هو نحو حديث مشهور عن سالم جُعِل عن نافع ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه، و [هو] كذلك [جعل] متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر"اهـ (1) . وتلاحظ الأمور التالية: 1 تابع ابن الصلاح على تعريفه الذين اختصروا كتابه أو نظموه، ومن هؤلاء: النووي (ت676هـ) رحمه الله (2) . وابن جماعة (ت733هـ) رحمه الله (3) . والطيبي (ت743هـ) رحمه الله (4) . وابن كثير (ت774هـ) رحمه الله (5) . والعراقي (ت806هـ) رحمه الله (6) . 2 جرى ابن الصلاح في تعريفه على التعريف بالمثال (7) ، وهو تعريف بالرسم الناقص. وفائدة هذه الملاحظة بيان أنه لا يتوجه عليه رحمه الله نقد في تعريفه من جهة أنه لم يكن جامعاً مانعاً؛ لأنه لم يقصد أصلاً التعريف بالحد التام أو الرسم التام. 3 اقتصر ابن الصلاح رحمه الله في تعريفه بالمثال على قسمين أو صورتين من المقلوب في السند، دون ذكر المقلوب في المتن. كما أنه أطلق الكلام فهو شامل لحال العمد والوهم! وقد ذكر ذلك ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله أثناء تنبيهه على وقوع القلب في متن حديث أخرجه مسلم في صحيحه، قال: "وقع في صحيح مسلم مقلوبا: "حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله" (8) وهو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله ابن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب (9) لكنه قصره على ما يقع في الإسناد، ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح (10) ... وقال شيخنا: ينبغي أن يسمى هذا النوع المعكوس (11) . انتهى. والأولى تسميته مقلوبا؛ فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في المدرج سواء، وقد سماه بعض من تقدم: (مقلوبا) ."اهـ (12) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 4 وبناء على هذا فإن ابن الصلاح رحمه ومن تابعه وجماعة من أهل العلم، لم يأت في تعريفهم إلا القلب في الإسناد! وعلل أهل العلم سبب ذلك أنه قصداً للغالب والأكثر من صور القلب وهو القلب في السند. قال السخاوي (ت902هـ) رحمه الله: "وقسّموا (أي: أهل الحديث) المقلوب السندي خاصة، لكونه الأكثر كاقتصارهم في الموضوع على المتني لكونه الأهم"اهـ (1) . قال عطية الأجهوري (ت1194هـ) رحمه الله: "وهذا التعريف يخص القلب في السند واقتصر عليه في التعريف لكثرته في السند وقلته في المتن"اهـ (2) . قال اللكنوي (ت1304هـ) رحمه الله: "و [مقلوب السند] أكثر وقوعاً بالنسبة إلى [مقلوب المتن] ولذا سكت عن ذكر [مقلوب المتن] كثير من المصنفين في هذا الفن، كما أنهم اقتصروا في بحث الموضوع على المختلق متناً لكثرة وقوعه مع أنه قد يكون الحديث صحيحاً والسند موضوعاً"اهـ (3) . والحق الذي لا مرية فيه أن كلام أئمة الجرح والتعديل المتعلق بالمقلوب أكثره وجلّه متعلق بالقلب في السند، بل لا استحضر الآن كلاماً صريحاً لأحد من المتقدِّمين في القلب في المتن (4) ويؤيد هذا الواقع: الصور المندرجة تحت القلب في السند فإنها صورتان وصورة واحدة للمتن، وصورة مشتركة بينهما، وعدّها الأكثر من صور قلب السند. 5 ذكر ابن الصلاح في تعريفه مثالين للمقلوب، أحدهما: أن يجعل سند الحديث لمتن الآخر، وسند الآخر لمتن هذا، وهذه الصورة للقلب عدّها جمهور المصنفين في مصطلح الحديث من قبيل القلب في السند، وعدّها بعضهم من قبيل قلب المتن (5) . وقد ذكر ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله مثالاً للقلب في المتن ينطبق على هذه الصورة حيث قال: "وأمّا في المتن فكمن يعمد إلى نسخة مشهورة بإسناد واحد فيزيد فيها متناً أو متوناً ليست فيها كنسخة معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد زاد فيها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 وكنسخة مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما زاد فيها جماعة عدة أحاديث ليست فيها، منها القوي والسقيم وقد ذكر جلّها الدارقطني في غرائب مالك"اهـ (1) . فإذا اعتبرنا أن القسم الثاني من المقلوب الذي ذكره ابن الصلاح وهو جعل متن هذا الإسناد لإسناد آخر ... الخ" من المقلوب متناً فإنه يكون رحمه الله قد أشار في تعريفه إلى القلب في السند وفي المتن. وينحصر القصور في تعريفه في جهة واحدة وهي كونه لم يشمل جميع أنواع المعرّف في كل صوره أو أفراده؛ مكتفياً بالإشارة إلى محله فالقلب إمّا أن يكون في السند وإمّا أن يكون في المتن، واكتفى بالتمثيل بمثال واحد لكل منهما. وفائدة هذا: التنبيه أنه لا يتوجه نقد ابن الصلاح بأنه لم يشر إلى القلب في المتن. 6 اقتصر بعض العلماء الذين جاؤوا بعد ابن الصلاح على نحو تعريف ابن الصلاح مقتصرين على تعريف المقلوب بحسب الغالب والأكثر؛ من هؤلاء: ابن دقيق العيد (أبي الفتح القشيري) (ت702هـ) رحمه الله، حيث اقتصر على تعريف القلب في السند، مقتصراً على صورة واحدة منه وهي إبدال راوٍ في السند بآخر في طبقته (2) . الذهبي (ت748هـ) رحمه الله،، حيث اقتصر على تعريف القلب سنداً، فذكر صورتين منه؛ القلب بتركيب إسناد حديث إلى متن آخر بعده، أو أن ينقلب عليه اسم راوٍ مثل: "مرّة بن كعب" ب "كعب بن مرّة"، و "سعد بن سنان" ب "سنان بن سعد" (3) . ابن الملقن (ت804هـ) رحمه الله، حيث عرّف القلب مقتصراً على القلب في السند، فقال عن القلب إنه: "إسناد الحديث إلى غير راويه"اهـ (4) . الشريف الجرجاني (ت816هـ) رحمه الله، فعرَّفه بتعريف ابن الصلاح باختصار (5) . وكذا صنع محمد بن محمد بن علي الفارسي (ت873هـ) رحمه الله (6) . ومحي الدين الكافيجي (ت879هـ) رحمه الله (7) . وجمال الدين يوسف ابن عبد الهادي (ت909هـ) رحمه الله (8) . تعريف الزركشي (ت794هـ) رحمه الله: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 قال رحمه الله: "جعل إسناد لمتن آخر وتغيير إسناد بإسناد"اهـ (1) . ويلاحظ مايلي: 1 أن الزركشي رحمه الله اعتبر تعريفه هذا مبيناً لحقيقة المقلوب، وقاله بعد أن تعقّب ابن الصلاح في تعريفه بقوله: "لم يتعرّض للقلب في المتن" (2) . وقد قدّمت لك ضمن الملاحظات تحت تعريف ابن الصلاح أنه يمكن اعتبار ابن الصلاح قد تعرّض للتعريف بالمقلوب في المتن، على الطريقة التي جرى عليها بعضهم، حيث ذكر المثال الثاني في تعريفه: "و [هو] كذلك [جعل] متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر"، وهذه الصورة يمكن أن تعتبر من المقلوب في المتن بالنظر إلى المتن؛ وعليه فلا تعقب على ابن الصلاح هنا! 2 بل لا بد من اعتبار ذلك في تعريف الزركشي حتى يصح كلامه في أن التعريف الذي ذكره (يعني: الزركشي) يبين حقيقة المقلوب! وعندها يأتي سؤال: إذا كان هذا هو المراد، فما وجه تعقبه على ابن الصلاح بأنه لم يتعرّض للقلب في المتن؟ الجواب: إن تعريف ابن الصلاح بذكر المثال الثاني جاء بطريقة قد توهم أن محل التعريف عنده هو فقط قوله: "هو نحو حديث مشهور عن سالم جُعِل عن نافع ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه" لأن ذكره للجزء الثاني في التعريف جاء في سياق ذكره لقصة البخاري (ت256هـ) مع أهل بغداد لمّا قلبوا له الأحاديث فميزها! فكأن والله اعلم الحافظ الزركشي رحمه الله اعتبر الجزء الأول من كلام ابن الصلاح هو فقط التعريف فأورد عليه إيراده ذاك! 3 إذا تقرر ما ذكرته؛ فلا تعقب على ابن الصلاح أصلاً من هذه الجهة، ويبقى أن يتعقب الزركشي في تعريفه بما سبق من تعقيب على ابن الصلاح من أن التعريف لم يشمل جميع صور القلب. تعريف ابن الجزري (ت833هـ) رحمه الله: قال رحمه الله: والخبر المقلوب أن يكون عن وقيل فاعل هذا يسرق قلت: وعندي أنه الذي وضع للحافظ البخاري في بغداد منقلب وأصله كما يجب كمثل للفارس سهمين للفرس إن ابن مكتوم ليل يُسْمَع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 سالم يأتي نافع ليرغبن ثم مركب على ذا أطلقوا إسناد ذا لغيره كما وقع والمزِّ أيضاً بابن عبد الهادي يسبق لفظ الراو فيه ينقلب للنار ينشيء الله خلقاً انعكس وقبل جمعة يُصَلِّي أربع (1) وتلاحظ الأمور التالية: 1 أن ابن الجزري رحمه الله أطلق المقلوب على صورة واحدة، منصوره، وهي: "حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه". 2 سمّى الصورة الثانية من صور المقلوب عند ابن الصلاح وهي: "جعل متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر"، سمّاها ب "المركب"، وقال: هي أولى بهذه التسمية من الصورة الأولى التي سمّاها بعض المحدثين بذلك. وهذا اصطلاح من ابن الجزري ولا مشاحة فيه. 3 ذكر صورة القلب في المتن التي هي: "أن يكون الحديث على وجه فينقلب بعض لفظه على الراوي فيتغيّر معناه وربما انعكس" (2) ، وسمّاها ب "المنقلب". وأشار رحمه الله أن في قلب المتن عكس للمتن. وقد قال السراج البلقيني (ت805هـ) رحمه الله: "يمكن أن يسمى ذلك بالمعكوس، فينبغي أن يفرد بنوع خاص ولكن لم أر من تعرض له"اهـ (3) . وابن الجزري رحمه الله في ذكره لهذه الصورة قد تميّز عمن قبله، بل إنه رحمه الله ذكر أمثلة لهذا القسم توضحه وتبينه، فجزاه الله خيراً. 4 يستدرك عليه رحمه الله أنه لم يذكر صورة القلب في الأسماء، وهو: "أن ينقلب عليه اسم راوٍ مثل: "مرّة بن كعب" ب "كعب بن مرّة"، و "سعد بن سنان" ب "سنان بن سعد". 5 جرى القاسمي (ت1332هـ) رحمه الله على نحو اصطلاح ابن الجزري رحمه الله، حيث قال القاسمي رحمه الله، تحت الأنواع التي تختص بالضعيف: "المقلوب وهو ما بدل فيه راوٍ بآخر في طبقته أو أخذ إسناد متنه فركب على متن آخر ويقال له المركب" (4) . وعدّ في الأنواع التي تشترك في الصحيح والحسن والضعيف: "المنقلب: الذي ينقلب بعض لفظه على الراوي فيتغير معناه"اهـ (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 قلت: ويلاحظ أن القاسمي لم يرد في كلامه ذكر لصور من صور القلب وهي: إبدال اسم الراوي مع اسم أبيه. كما أنه صرّح بأن الصورتين اللتين ذكرهما من نوع الضعيف. وهو يعني بذلك والله اعلم أنهما من نوع الضعيف من جهة السند، أمّا المتن فقد يكون صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً أو حتى موضوعاً؛ ولذلك تراه رحمه الله لمّا ذكر القلب المتعلق بالمتن وسمّاه ب "المنقلب" أدرجه تحت الأنواع التي تشترك في الصحيح والحسن والضعيف. تعريف ابن الوزير اليماني (ت840هـ) رحمه الله: قال رحمه الله: "هو قسمان: أحدهما: أن يكون الحديث مشهوراً براوٍ فيجعل مكانه راوٍ آخر في طبقته ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه كحديث مشهور بسالم يجعل مكانه نافع ونحو ذلك ... القسم الثاني: أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر، ومتن هذا فيجعل بإسناد آخر. القسم الثالث (1) : ما انقلب على راويه ولم يقصد قلبه. نوع آخر من المقلوب: وهو ما انقلب متنه على بعض الرواة"اهـ (2) . ويلاحظ عليه الأمور التالية: 1 أن تعريفه جاء شاملاً للقلب في السند والمتن، مفرداً القلب في المتن بصورة خاصة غير مشتركة. 2 أن جميع هذه الصور عنده في المقلوب، ولم يصطلح لها أسماء خاصة. 3 يستدرك عليه رحمه الله أنه لم يذكر صورة القلب في الأسماء، وهو: "أن ينقلب عليه اسم راوٍ مثل: "مرّة بن كعب" ب "كعب بن مرّة"، و "سعد بن سنان" ب "سنان بن سعد". تعريف ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 قال رحمه الله: "حقيقته إبدال من يعرف برواية بغيره فيدخل فيه إبدال راوٍ أو أكثر من راوٍ حتى الإسناد كله وقد يقع ذلك عمداً إمّا بقصد الإغراب أو لقصد الامتحان وقد يقع وهماً فأقسامه ثلاثة وهي كلها في الإسناد وقد يقع نظيرها في المتن وقد يقع فيهما جميعاً"اهـ (1) . وقال أيضاً: "إن كانت المخالفة بتقديم أو تأخير أي في الأسماء ك "مرة بن كعب" و"كعب بن مرّة"؛ لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر فهذا هو المقلوب، وقد يقع القلب في المتن أيضاً" (2) . ثم قال: "وقد يقع الإبدل عمداً لمن يريد اختبار حفظه امتحاناً من فاعله كما وقع للبخاري والعقيلي وغيرهما. وشرطه أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة، فلو وقع الإبدال عمداً لا لمصلحة بل للإغراب مثلاً فهو من أقسام الموضوع ولو وقع غلطاً فهو من المقلوب أو المعلل"اهـ (3) . ويلاحظ ما يلي: 1 أن تعريف ابن حجر رحمه الله هذا لم يأت في محل واحد بل جاء مفرقاً في أكثر من موضع وفي أكثر من كتاب؛ فالمقطع الأول جاء في كتابه النكت على كتاب ابن الصلاح، والمقطع الثاني جاء في كتابه "نزهة النظر"، في موضعين منه. 2 أنه اصطلح على تسمية ما وقعت فيه "المخالفة بتقديم أو تأخير في الأسماء ك "مرة بن كعب" و"كعب بن مرّة"، ب "المبدل" مع تسميته له ب "المقلوب" (4) فهو مقلوب مبدل. 3 اصطلح على أن ما وقع فيه الإبدال (يعني: إبدال من يعرف برواية بغيره فيدخل فيه إبدال راوٍ أو أكثر من راوٍ حتى الإسناد كله) عمداً لا لمصلحة بل للإغراب مثلاً فهو من أقسام الموضوع، وهو بذلك لا يمنع تسميته بالمقلوب بل يقيده بأنه مقلوب موضوع، أمّا لو وقع غلطاً فهو من المقلوب أو المعلل، فحصر القلب في الوهم فهو الذي يطلق عليه أنه "مقلوب" دون أي قيد. 4 أن تعريف ابن حجر رحمه الله بالنظر إلى مجموعه جاء شاملاً لجميع صور المقلوب، وستأتي إن شاء الله تعالى في آخر هذا الاستعراض لتعريف المقلوب عند علماء المصطلح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 5 في كلام ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله في نزهة النظر ما قد يوهم أن شرط المقلوب المبدل أن يقع وهماً وغلطاً (1) ، وسبب هذا والله اعلم عبارة ابن حجر رحمه الله نفسه حيث قال:"وقد يقع الإبدل عمداً لمن يريد اختبار حفظه امتحاناً من فاعله كما وقع للبخاري والعقيلي وغيرهما. وشرطه أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة، فلو وقع الإبدال عمداً لا لمصلحة بل للإغراب مثلاً فهو من أقسام الموضوع ولو وقع غلطاً فهو من المقلوب أو المعلل"اهـ (2) . ويزول هذا الإيهام إن شاء الله تعالى إذا تنبهت إلى أن مراد الحافظ ابن حجر والله اعلم أن وقوع الإبدال عمداً يدخل في الموضوع لا أنه لا يسمى مقلوب، بل يكون مقلوباً موضوعاً، فلا يطلق عليه اسم القلب فقط؛ ويدل على هذا الأمور التالية: أنه نص أن الإبدال يقع عمداً ووهماً، ويسمى في جميع حالته قلباً وذلك في قوله رحمه الله: "حقيقته (يعني: المقلوب) إبدال من يعرف برواية بغيره فيدخل فيه إبدال راوٍ أو أكثر من راوٍ حتى الإسناد كله وقد يقع ذلك عمداً إمّا بقصد الإغراب أو لقصد الامتحان وقد يقع وهماً فأقسامه ثلاثة وهي كلها في الإسناد وقد يقع نظيرها في المتن وقد يقع فيهما جميعاً"اهـ (3) . أنه نص على أن إبدال اسم الراوي بالتقديم والتأخير من المقلوب حيث قال: "إن كانت المخالفة بتقديم أو تأخير أي في الأسماء ك "مرة بن كعب" و"كعب بن مرّة"؛ لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر فهذا هو المقلوب، وقد يقع القلب في المتن أيضاً". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 فتحصل من النصين أن الإبدال في الحديث سنداً أو متناً بجميع صوره عنده من المقلوب، وجميعه عنده يقع عمداً أو سهواً، وعليه؛ فإن مراده باصطلاح "المبدل": أن المقلوب في حالة حصوله عمداً سواء كان في اسم الراوي بالتقديم أو التأخير أو بإبدال راوٍ مكان راوٍ أو إبدال السند جميعه وهو ما مثل له في كلامه في "النزهة" بقوله: "كما وقع للبخاري والعقيلي"، فالإبدال في جميع هذه الصور إذا وقع عمداً فهو من أقسام الموضوع، ولا يزول عنه اسم المقلوب، فيكون مقلوباً موضوعاً. يساعد هذا قوله في معرض ذكر أصناف الوضاعين: "الصنف الثالث: من حمله لشره ومحبة الظهور على الوضع ممن رق دينه من المحدثين فيجعل بعضهم للحديث الضعيف إسناداً صحيحاً مشهوراً كمن يدّعي سماع من لم يسمع وهذا داخل في قسم المقلوب"اهـ (1) . فهنا أدخل هذا في المقلوب، وهناك أدخل الإبدال في حال العمد في الموضوع، فليس مراده إذا أنه لا يسمى مقلوباً إنما مراده أنه يسمى مقلوباً مع قيد الوضع، لأن راويه تعمد ذلك! فاسم "المقلوب" مطلقاً دون قيد شرطه: وقوع القلب وهماً لا عمداً. وهذا هو ما أشار إليه السيوطي (ت911هـ) رحمه الله في قوله: القلب في المتن وفي الإسناد قر واحد نظيره ليغربا لآخر وعكسه إغراباً أو وهو يسمى عندهم بالسرقة إمّا بإبدال الذي به اشتهر أو جعل إسناد حديث اجتبى ممتحناً كأهل بغداد حكوا وقد يكون القلب سهواً أطلقه (2) فقوله: "وقد يكون القلب سهواً أطلقه" يشير إلى المعنى الذي ذكرته لك. وهذا في الحقيقة يتفق مع ما تقرر في علم المصطلح عن الحديث الموضوع من أنه "لاتحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقروناً ببيان وضعه بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب" (3) . 6 وفي فلك تعريف ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله يدور تعريف تلميذه السخاوي (ت902هـ) رحمه الله (4) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 وكذا السيوطي (ت911هـ) ، حيث أشار إلى تعريف المقلوب بأنه: "إبدال الذي به اشتهر الحديث سنداً أو متناً"، مع ملاحظة أنه اقتصر في الصور على ما ذكره ابن الصلاح رحم الله الجميع (1) . وكذا زكريا الأنصاري (ت925هـ) رحمه الله، حيث عرّفه بأنه: "هو تبديل شيء بآخر على الوجه الآتي [في أقسام المقلوب] "اهـ (2) . وكذا اللكنوي (ت1304هـ) رحمه الله (3) . وكذا محمد محمد أبوشهبة (ت1403هـ) رحمه الله (4) . وكذا محمد محمد السماحي (ت1404هـ) رحمه الله (5) . وكذا صبحي الصالح (ت1407هـ) رحمه الله (6) . وكذا السيد قاسم الإنديجاني رحمه الله (7) . وكذا محمد أديب الصالح حفظه الله (8) . وكذا نور الدين عتر حفظه الله (9) . وكذا محمد لطفي الصباغ حفظه الله (10) . وكذا محمود الطحان حفظه الله (11) . وكاد تعريف محمد عجاج الخطيب حفظه الله، أن يكون من التعاريف الجامعة حيث قال: "هو الحديث الذي انقلب فيه على راوٍ بعض متنه أو اسم راوٍ في سنده أو سند متن مشهور به لآخر"اهـ (12) . ويلاحظ ما يلي: 1 أن تعريفه فيه دور، حيث فسر الحديث المقلوب بالحديث الذي انقلب، ولم يأت في كلامه ما يوضح حقيقة القلب! 2 أن تعريفه غير جامع لصور المعرّف، إذ لم يذكر صورة القلب بالتقديم والتأخير في الأسماء، ولم تأت عبارته واضحة في صورة القلب ب إبدال ما اشتهر براوٍ فيجعل مكانه راوٍ في طبقته ليصير غريباً مرغوباً فيه. تعريف طاهر الجزائري (ت1338هـ) رحمه الله: قال رحمه الله، معرفاً للمقلوب وقد عدّه في أقسام الحديث الضعيف: "هو ما وقعت المخالفة فيه بالتقديم والتأخير ... والغالب في القلب أن يكون في الإسناد". ثم قال: "وقال الأكثرون: القلب أعم من ذلك وجعلوا القلب في الإسناد قسمين ... وذكر نحواً من تقسيم ابن الصلاح". ثم قال: "وقد عرّف بعضهم القلب في المتن بقوله: أن يعطي أحد الشيئين ما اشتهر للآخر"اهـ (13) . ويلاحظ ما يلي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 1 أنه نظر في تعريفه إلى تعريف ابن حجر رحمه الله في كتابه نزهة النظر، وقد تقدّم، لكنه جعله عاماً ولم يخصّه بكونه في أسماء الرواة بل جعله شاملاً للسند والمتن. 2 يمكن أن يتعقب تعريفه بكون القلب أعم من أن يكون بالتقديم والتأخير، وهذا ما أشار إليه في كلامه عندما ذكر تعريف المقلوب عند الأكثرين! ويبدو أن مراد الشيخ رحمه الله أن حصر القلب في هذه الصورة أولى، ويكون هذا اصطلاحاً خاصاً به، ولا مشاحة في الاصطلاح! 3 تقدّم التنبيه على أن ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله في مجموع كلامه في النزهة لا يفيد حصر المقلوب في التقديم والتأخير في الأسماء، وإنما وقع إيهام في عبارته بسبب الفصل، ويؤكد أنه لم يرد حصر المقلوب في التقديم والتأخير في الأسماء أمور سبق ذكرها، فارجع غير مأمور إلى تعريف ابن حجر والملاحظات تحته! 4 ويتعقب أيضاً بأنه أدرج المقلوب تحت أقسام الضعيف، هكذا مطلقاً دون تفصيل، والواقع أن المقلوب منه ما يكون صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً. التعريف المختار: وبعد: فقد مررنا في هذا الاستعراض بجملة من تعاريف أهل العلم الجامعة المانعة التي يصلح كل واحد منها أن يكون تعريفاً مختاراً، ومن ذلك: ما نستخلصه من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله من أن المقلوب: حقيقته إبدال من يعرف برواية بغيره فيدخل فيه إبدال راوٍ أو أكثر من راوٍ حتى الإسناد كله، أو بتقديم أو تأخير أي في الأسماء ك "مرة بن كعب" و"كعب بن مرّة"؛ لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر. وقد يقع ذلك عمداً إمّا بقصد الإغراب أو لقصد الامتحان وقد يقع وهماً فأقسامه ثلاثة وهي كلها في الإسناد وقد يقع نظيرها في المتن وقد يقع فيهما جميعاً. ومنه نعلم أن أركان القلب في الحديث هي التالية: 1 صرف وتحويل وتبديل للحديث عن وجهه. 2 يكون في السند أو المتن، أو فيهما. 3 يقع عمداً أو سهواً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 4 صرف الحديث عن وجهه لا يكون مقلوباً إلا إذا كان فيه إبدال في السند أو المتن أو فيهما على صورة من الصور التالية: القلب بإبدال الراوي المشهور بالسند بآخر في طبقته. وهذا قلب في الإسناد. ويسميه بعض أهل الحديث كما أشار ابن الجزري ب "المركب" (1) . القلب بإبدال راوٍ بآخر في السند مطلقاً، ومن أشهر صوره القلب بإبدال الراوي المشهور بالسند بآخر في طبقته. ويسميه بعض أهل الحديث كما أشار ابن الجزري ب "المركب" (2) . ومن صوره أن يكون الحديث من رواية الأكابر عن الأصاغر فيقلبه ويرويه على الجادة. أو أن يكون الحديث من باب المدبج في رواية الأقران فينقلب عليه. وهذا قلب في الإسناد. القلب بالتقديم والتأخير ونحو ذلك في اسم الراوي في السند. وهذا قلب في الإسناد. ويسميه ابن حجر ب "المبدل" (3) فهو عنده "مقلوب مبدل". القلب بإعطاء أحد المذكورين في الحديث ما اشتهر للآخر. وهذا قلب في المتن. ويسميه ابن الجزري ب "المنقلب". وقال السراج البلقيني (ت805هـ) رحمه الله: "يمكن أن يسمى ذلك بالمعكوس، فينبغي أن يفرد بنوع خاص ولكن لم أر من تعرض له"اهـ (4) . وتبع القاسميُّ رحمه الله ابن الجزري رحمه الله في اصطلاحه. القلب بجعل سند هذا الحديث لمتن الآخر ومتن الآخر لسند هذا الحديث. وهذا قلب في الإسناد عند الأكثرين، وقلب للمتن عند بعضهم، وهو في حقيقته مشترك بينهما (5) . ويسميه ابن الجزري كما سبق ب "المركب"، وتابعه على ذلك القاسمي. وهذه الصور مشتملة على أقسام المقلوب؛ فهو ينقسم باعتبار موضعه إلى قسمين: مقلوب في السند. مقلوب في المتن. وينقسم باعتبار تعمده أو عدمه إلى ثلاثة أقسام: القلب عمداً بقصد الإغراب. القلب عمداً بقصد الامتحان. القلب بدون قصد، وهماً وغلطاً. والعلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي: عموم وخصوص مطلق، فكل مقلوب اصطلاحي مقلوب لغة ولا عكس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 إذ القلب في اللغة عام في كل صرف لأي شيء عن وجهه، وفي الاصطلاح عند المحدثين خاص بصرف الحديث عن وجهه على هيئة مخصوصة. المقصد الثاني: فوائد معرفة الحديث المقلوب بعد أن تعرفنا على حقيقة وماهية الحديث المقلوب عند علماء الحديث، نقف هنا على فوائد معرفة الحديث المقلوب، وهي كثيرة الأفراد أذكر مجملها في النقاط التالية: 1 من فوائد معرفة المقلوب: أن الحديث يُظن فائدة، وليس كذلك، إذ يُكتشف أنه مقلوب. قال شعبة (ت160هـ) رحمه الله: "أفادني ابن أبي ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة" (1) . 2 من فوائده: كشف تحقق حصول الاتصال من عدمه. قال ابن أبي حاتم رحمه الله: "سمعت أبي يقول: إسماعيل بن أبي خالد الفَدَكي لم يدرك البراء. قلت: حدّث يزيد بن هارون عن سيّار عن يحي بن أبي كثير عن إسماعيل بن أبي خالد الفدكي أن البراء بن عازب رضي الله عنه حدّثه في الضحايا؟ قال: هذا وهم، وهو مرسل"اهـ (2) . قلت: ومعنى هذا أن الرواية انقلبت على أحدهم فرواه بصيغة السماع بين إسماعيل بن أبي خالد والبراء بن عازب، والحقيقة أنه لا سماع بينهما. قال أبوزرعة الرازي (ت264هـ) رحمه الله، في "عبد الرحمن بن أبي الموال": "لا بأس به، صدوق". وذكر الذهبي في الميزان (3) حديثاً يرويه عبد الرحمن بن أبي الموال عن عبيد الله بن موهب عن عمرة عن عائشة. قال أبوزرعة: "هذا خطأ. الصحيح عن ابن موهب عن علي بن الحسين، مرسل". قلت: وهذا بمعنى أنه أخطأ فقلبه! والملحوظ هنا أن قلبه أوهم اتصال سند الحديث! ومن هذا القبيل ما تراه في بعض الأسانيد من صيغة السماع بين راويين صرّح أهل العلم بأنه لم يقع بينهما! ولا ينبغي العدول عن تصريح أهل العلم لمجرد وقوع مثل هذا الأمر في الأسانيد، إذ يغلب على الظن عندها أن وقوع ذلك هو من قبيل القلب (4) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 قال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله، في ترجمة: "سالم بن عبد الله الخياط": "يقلب الأخبار ويزيد فيها ما ليس منها ويجعل روايات الحسن عن أبي هريرة سماعاً، ولم يسمع الحسن عن أبي هريرة شيئاً. لا يحل الاحتجاج به" (1) . 3 ومن فوائد معرفة المقلوب: أن القلب يوهم التفريق بين رجلين لوجود اسمين وهما واحد، يُعرف هذا بمعرفة أن الحاصل من الاسمين إنما هو من باب قلب الأسماء. ومن هؤلاء الذين انقلبت أسماؤهم بالتقديم والتأخير فظُن أنهما اثنان كثير ممن يوردهم الحافظ ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله في كتابه "الإصابة"، في القسم الرابع من كل حرف، والذي خصصه رحمه الله فيمن ذكر في الكتب التي اعتمد عليها في تصنيف كتابه على سبيل الوهم والغلط وبيان ذلك، فمن هؤلاء: بشر بن رافع السلمي، قلبه بعضهم إلى "رافع بن بشر" السلمي (2) . بلال بن الحارث المزني انقلب اسمه إلى "الحارث بن بلال المزني" وهو هو! (3) . الحارث بن شريح بن ذؤيب النميري، انقلب اسمه في رواية عند عمر بن شبة إلى "شريح بن الحارث" (4) . حصين بن ربيعة بن عامر الأحمسي، قيل فيه: "ربيعة بن حصين" كأنه انقلب اسمه! (5) . فتمييز هؤلاء ومعرفتهم إنما كانت بإدراك وقوع القلب في أسمائهم، وهذا من فوائد معرفة المقلوب ( 4 ومن فوائد معرفة المقلوب: أن الحديث الواحد يُعد أحاديث إذا وقع القلب في اسم الصحابي، فيتبين بمعرفة وقوع القلب فيه أنه حديث واحد، وليس حديثين ( قال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: "يوجد ذلك في كلام الترمذي فضلاً عمن دونه حيث يقال: وفي الباب عن فلان وفلان، ويكون الواقع أنه حديث واحد اختلف على راويه"اهـ (6) . من ذلك ما جاء عند ابن حبان في ترجمة: "سعيد بن أوس أبوزيد الأنصاري، من أهل البصرة" (7) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 قال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله: "يروي عن ابن عون ما ليس من حديثه روى عنه البصريون لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به من الأخبار، ولا الاعتبار إلا بما وافق الثقات في الآثار. روى عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بلال اسفر بالصبح فإنه أعظم للأجر". ثناه الحسين بن إسحاق الأصبهاني بالكرخ، ثنا القاسم بن عيسى الحضرمي ثنا سعيد بن أوس. وليس هذا من حديث ابن عون ولا ابن سيرين ولا أبي هريرة؛ وإنما هذا المتن من حديث رافع بن خديج فقط. فيما يشبه هذا مما لا يشك عوام اصحابنا أنها مقلوبة أو معمولة"اهـ (1) . قلت: فهذا الحديث يُظن بسبب القلب أن له رواية عن أبي هريرة، وليس كذلك! 5 ومن فوائده حصر الخلاف وتقليله فيمن اختلف في اسمه من الرواة، كما تراه في ترجمة أبي هريرة (واختلافهم في اسمه والواقع أنه وقع قلب في بعض الأقوال في اسمه، نبه عليه ابن حجر رحمه الله في الإصابة. 6 ومن فوائده كشف زيف تعدد الطرق لبعض الأحاديث وعند التحقيق ليس للحديث إلا طريق واحد انقلب على بعض الرواة فظُن طريقان ( 7 ومن فوائد معرفة المقلوب: أن متن الحديث يُظن حديثاً آخر وهو حديث واحد انقلب على راويه. كما في حديث: "كان صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الجمعة أربعاً"، وهذا الحديث مقلوب، انقلب على الراوي من حديث: "كان يصلي بعد الجمعة أربعاً" (2) . 8 ومن فوائده: أنه يبرز صورة من صور تدليس الشيوخ، بأن يتعمد المدلس قلب اسم شيخه مع اسم أبي شيخه ( وفي الرواة: محمد بن سعيد المصلوب. ت.ق. قال عبد الله بن أحمد بن سوادة: "قلبوا اسمه على مائة اسم وزيادة، قد جمعتها في كتاب"اهـ (3) . قال الذهبي (ت748هـ) رحمه الله: "وقد غيّروا اسمه على وجوه ستراً له وتدليساً لضعفه"اهـ (4) . 9 ومن فوائد المقلوب: أنه يكتشف به حال الراوي من الضبط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 قال الخطيب البغدادي (ت463هـ) رحمه الله: "إذا سلم الراوي من وضع الحديث وادعاء السماع ممن لم يلقه وجانب الأفعال التي تسقط بها العدالة غير أنه لم يكن له كتاب بما سمعه فحدّث من حفظه لم يصح الاحتجاج بحديثه حتى يشهد له أهل العلم بالأثر والعارفون به أنه ممن قد طلب الحديث وعاناه وضبطه وحفظه ( ويعتبر اتقانه وضبطه بقلب الأحاديث عليه"اهـ (1) . وقد ذكر ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله تعالى أن ممن كان يفعل قلب الأحاديث لقصد الامتحان شعبة (ت160هـ) رحمه الله، حيث كان يفعله كثيراً لقصد اختبار حفظ الراوي فإن أطاعه على القلب عرف أنه غير حافظ وإن خالفه عرف أنه ضابط (2) . 10 من فوائد معرفة المقلوب: أن الحديث يروي بزيادة، تُظن مفسرة، وهي مقلوبة، وهم فيها الراوي، يُعرف ذلك بمعرفة أنها مقلوبة. جاء عن شعبة عن قتادة أنه سمع زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين: أن رسول الله (صلى بأصحابه الظهر، فقال: أيكم قرأ بسبح اسم ربك الأعلى؟ فقال رجل: أنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرفت أن رجلاً خالجنيها. قال شعبة: فقلت لقتادة: كأنه كرهه؟ فقال: لو كرهه لنهى عنه" (3) . قال البيهقي (ت463هـ) رحمه الله: "في سؤال شعبة وجواب قتادة في هذه الرواية الصحيحة تكذيب من قلب هذا الحديث وأتى فيه بما لم يأت به الثقات من أصحاب قتادة"اهـ (4) . يشير إلى أن الرواية التي جاءت لهذا الحديث عن قتادة وفيها: "النهي عن القراءة" مقلوبة؛ إذ رواية قتادة لا تفيد النهي، والراوي أدرى بمرويه؛ فمن رواه عن قتادة على النهي فقد انقلب عليه الحديث، وهو ماجاء عن ابن صاعد عن يوسف عن سلمة بن الفضل عن حجاج بن أرطاة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس ورجل يقرأ خلفه فلما فرغ قال: من ذا الذي يخالجني سورتي فنهى عن القراءة خلف الإمام". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 قال ابن صاعد (ت318هـ) : قوله: "فنهى عن القراءة خلف الإمام" تفرد بروايته حجاج، وقد رواه عن قتادة: شعبة وابن أبي عروبة ومعمر وإسماعيل ابن مسلم وحجاج وأيوب بن أبي مسكين وهمام وأبان وسعيد بن بشر فلم يقل أحد منهم ما تفرد به حجاج. قال شعبة: سألت قتادة كأنه كرهه؟ قال: لو كرهه لنهى عنه"اهـ (1) . ومعنى هذا الكلام: أن الرواية التي جاءت للحديث من طريق قتادة وفيها التصريح بالنهي عن القراءة مطلقاً خلف الإمام؛ رواية مقلوبة، انقلبت على الراوي عن قتادة، إذ رواية قتادة ليس فيها النهي عن القراءة خلف الإمام، بل قتادة نفسه الراوي لها صرّح بذلك، فكيف يكون في رواية الحديث عن طريقه التصريح بالنهي مع تصريحه بأنها لم تتضمن النهي عن القراءة؟! 11 ومن فوائد معرفة المقلوب: أن الراوي قد يقلب سند الحديث فيُظن أنه صحابي وهو تابعي! يكشف ذلك بمعرفة وقوع القلب في السند على الراوي. في الرواة: أشعث بالمثلثة بن عمير بن جودان. يروي عن أبيه. وقع في بعض الروايات عمير بن أشعث بن جودان عن أبيه. فجعل عمير اسم لولده، يروي عن أبيه أشعث، فظُنّ الأب (أشعث) من الصحابة! والصواب: عن أشعث بن عمير بن جودان عن أبيه. قاله ابن منده وغيره. وقال أبو نعيم (ت430هـ) : "قلبه بعض الرواة"اهـ (2) . وفي الرواة: ثابت بن معبد تابعي أرسل حديثا أو وصله فانقلب على بعض رواته، فتُوهِّم أنه صحابي. ذكره ابن منده وبين جهة الوهم فيه قال: "روى عمرو بن خالد عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن رجل من كلب عن ثابت بن معبد أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن امرأة من قومه أعجبه حسنها الحديث". هكذا قال: "عمرو"! ورواه علي بن معبد وغيره عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك عن ثابت بن سعيد عن رجل من كلب بهذا. قال ابن منده (ت395هـ) : "هذا هو الصواب قلبه عمرو بن خالد"اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 وقال البخاري (ت256هـ) رحمه الله: "ثابت بن معبد روى عنه عبد الملك ابن عمير منقطع حديثه في الكوفيين"اهـ (1) . وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: "ثابت ابن معبد، روى عن عمر بن الخطاب روى عنه عبد الملك"اهـ (2) . وقال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله: "ثابت بن معبد يروي عن عمه، روى عنه عبد الملك بن عمير"اهـ (3) . وقال ابن مندة (ت395هـ) : "تابعي عداده في أهل الكوفة "اهـ (4) . المقصد الثالث: حكم الحديث المقلوب ومرتبته قلب الحديث إمّا أن يقع عمداً بقصد الامتحان أو بقصد الإغراب، وإما أن يقع سهواً. فإن وقع سهواً بلا تفريط في حق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر فيه قريب (5) ، ولا إثم على من وقع منه ذلك والحال هذه، إن شاء الله تعالى. لكن حديثه وضبطه يُخْدَش بذلك بحسب كثرة الخطأ، فإن كان الغالب عليه الخطأ وعدم الحفظ، فكثر القلب في حديثه فهو منكر الحديث، وإن لم يكن غالباً فبحسبه، فتارة يكون صاحبه من شرط الحسن وتارة من شرط الصحيح لكن لا في أعلى درجاته، ما دام أن ذلك لم يكن غالباً ولا كثيراً في مروياته! قال سفيان الثوري (ت161هـ) رحمه الله: "ليس يكاد يفلت من الغلط أحد، إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط. وإن كان الغالب عليه الغلط ترك" (6) . قال ابن مهدي (ت198هـ) رحمه الله: "الناس ثلاثة: رجل حافظ متقن فهذا لا يختلف فيه. وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك حديثه. وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه" (7) . قال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله في ترجمة إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم، بعد أن وصفه بقلب الحديث: "فالاحتياط في أمره الاحتجاج بما وافق الثقات من الأخبار، وترك ما انفرد من الآثار"اهـ (8) . وقال أيضاً رحمه الله: "من ساء حفظه حتى كان يقلب الأسانيد ويروي عن الثقات ما ليس من حديثه لا يجوز الاحتجاج به"اهـ (9) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 وقد ينسب من وقع منه ذلك إلى الكذب بمعنى مخالفة الواقع في مرويِّه لا بمعنى أنه وضاع طالما أنه لم يتعمّد، فتنبه! كما تراه في وصف البيهقي لمن قلب حديثاً وليس في السند من يوصف بأنه وضاع، فقال، بعد أن ذكر رواية صحيحة تبين القلب وتكشف وقوع الخطأ في رواية كان يتكلم عنها، قال: "في هذه الرواية الصحيحة تكذيب من قلب هذا الحديث وأتى فيه بما لم يأت به الثقات من أصحاب قتادة"اهـ (1) . الشاهد أنه قال: "تكذيب من قلب"؛ قلت: وليس في السند الذي ذكره هناك مَنْ يوصف بأنه يضع الحديث، فأطلق التكذيب ومراده الخطأ، ووجه ذلك أن الكذب يطلق في الأصح على عدم مطابقة الواقع مطلقاً، سواء بعمد أو بغير عمد (2) ، وهذه لغة أهل الحجاز كما نبه على ذلك أهل العلم (3) . وإن وقع القلب عمداً بقصد الامتحان فقد استنكره حرَمي بن عمارة (ت201هـ) رحمه الله ووجه ذلك والله اعلم لما يترتب عليه من تغليط من يمتحنه فقد يستمر على روايته لظنه أنه صواب وقد يسمعه من لا خبرة له فيرويه ظناً منه أنه صواب (4) . قال حماد بن زيد: "سألت سلمة بن علقمة عن شيء فرفع ثم نظر إليّ فقال: إن سرّك أن يكذب صاحبك فلقنه، ثم رجع". وفي رواية: "لقنت سلمة بن علقمة حديثاً فحدثنيه ثم رجع عنه، وقال: إذا سرّك أن تكذب أخاك فلقنه" (5) . عن مطر الوراق قال: قال أبو الأسود: "إذا سرّك أن تكذب صاحبك فلقنه" (6) . عن بهز بن أسد العمي (مات بعد المائتين وقيل قبلها) وسأله حرمي بن عمارة (ت201هـ) عن أبان بن أبي عياش؟ فذكر له عن شعبة (ت160هـ) رحمه الله أنه قال: كتبت حديث أنس عن الحسن، وحديث الحسن عن أنس، فدفعتها إلى أبان بن أبي عياش فقرأها عليّ! فقال حرمي: بئس ما صنع، وهذا يحل؟ (7) . وممن كان يكره القلب على الشيوخ: عبد الله بن إدريس (ت192هـ) رحمه الله، ويحي بن سعيد القطان (ت198هـ) رحمه الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460 قال خلف بن سالم: حدثني يحي بن سعيد، قال: قدمت الكوفة وبها ابن عجلان وبها من يطلب الحديث: مليح بن وكيع، وحفص بن غياث، وعبد الله ابن إدريس، ويوسف بن خالد السمتي، فقلنا: نأتي ابن عجلان. فقال يوسف بن خالد: نقلب على هذا الشيخ حديثه، ننظر تفهمه. قال: فقلبوا فجعلوا ماكان عن سعيد عن أبيه، وما كان عن ابيه عن سعيد، ثم جئنا إليه، لكن ابن إدريس تورّع وجلس بالباب وقال: لا استحل، وجلست معه ... القصة (1) . وجمهور أهل الحديث على جواز القلب لامتحان ضبط الراوي؛ فإن أطاعه على القلب وقبل التلقين به عرف أنه غير حافظ، وإن خالفه عرف أنه ضابط، وهذه المصلحة أكثر من المفسدة فيه، وشرطه أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة. قال الحافظ العراقي (ت804 هـ) رحمه الله في حديثه عن قلب الحديث: "وقد يُفعل اختباراً لحفظ المحدِث وهذا يفعله أهل الحديث كثيراً، وفي جوازه نظر، إلا أنه إذا فعله أهل الحديث لا يستقر حديثاً وإنما يُقصد اختبار حفظ المحدث بذلك أو اختباره هل يقبل التلقين أوْ لا"اهـ (2) . وقال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: "وشرطه أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة"اهـ (3) . وممن نقل عنه أنه فعل ذلك: شعبة بن الحجاج (ت160هـ) رحمه الله، وتقدّم النص في ذلك في قصة حرمي! عن بهز بن أسد العمي (مات بعد المائتين وقيل قبلها) وسأله حرمي بن عمارة (ت201هـ) عن أبان بن أبي عياش؟ فذكر له عن شعبة (ت160هـ) رحمه الله أنه قال: كتبت حديث أنس عن الحسن، وحديث الحسن عن أنس، فدفعتها إلى أبان بن أبي عياش فقرأها عليّ! ... (4) . وممن فعل ذلك: حماد بن سلمة (ت167هـ) رحمه الله. عن حماد بن سلمة (ت167هـ) رحمه الله، قال: "قلبت أحاديث على ثابت فلم تنقلب، وقلبت على أبان بن أبي عياش فانقلبت" (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461 وعنه قال: "كنت أقلب على ثابت البناني حديثه، وكانوا يقولون: القصاص لا يحفظون وكنت أقول لحديث أنس: كيف حدثك عبد الرحمن بن أبي ليلى؟ فيقول: لا إنما حدثناه أنس! وأقول لحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى: كيف حدّثك أنس؟ فيقول: لا إنما حدثناه عبد الرحمن بن أبي ليلى"اهـ (1) . وممن فعل ذلك يحي بن معين (ت233هـ) رحمه الله. قال أحمد بن منصور الرمادي: "كنا عند أبي نعيم نسمع مع أحمد بن حنبل (ت241هـ) ويحي بن معين (ت233هـ) قال: فجاءنا يوماً يحي ومعه ورقة قد كتبت فيها أحاديث من أحاديث أبي نعيم (يعني: الفضل بن دكين) وأدخل خلالها ما ليس من حديثه، وقال: أعطه بحضرتنا حتى يقرأ. وكان أبونعيم إذا قعد في تيك الأيام للتحديث كان أحمد على يمينه ويحي على يساره فلمّا خفّ المجلس ناولته الورقة، فنظر فيها كلها ثم تأملني ونظر إليها ثم قال وأشار إلى أحمد: أمّا هذا فآدب من أن يفعل مثل هذا، وأمّا أنت فلا تفعلن وليس هذا إلا من عمل هذا، ثم رفس يحي رفسة رماه إلى أسفل السرير، قل: علي تعمل، فقام إليه يحي وقبله، وقال: جزاك الله عن الإسلام خيراً، مثلك من يحدث إنما أردت أن أجربك"اهـ (2) . وممن فعل ذلك: الحارث بن سريح النقال الفقيه (3) . قال مجاهد بن موسى المخزومي: "دخلنا على عبد الرحمن بن مهدي (ت198هـ) في بيته فدفع إليه حارث النقال رقعة فيها حديث مقلوب، فجعل يحدثه حتى كاد أن يفرغ ثم فطن، فنقده فرمى به، وقال: كاذب والله كاذب والله". وفي رواية أن ابن مهدي (ت198هـ) قال بعد أن رمى بالحديث الذي أدخل في الصحيفة: "كادت والله تمضي كادت والله تمضي" (4) . أمّا إن وقع القلب عمداً، بقصد الإغراب فهذا من أقسام الموضوع (5) . وهو حرام (6) . وفاعله على هذه الصفة من الوضاعين (7) . وحديثه مردود (8) . وبعض صوره ووجوهه أغلظ تحريماً من الأخرى، وصوره هي التالية: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 462 الصورة الأولى: أن يقلب اسم الراوي بالتقديم والتأخير، أو نحوه، وتعمّد هذا القلب من صور تدليس الشيوخ، إذا كان بغرض الستر على الشيخ الضعيف أو المتروك فهو حرام. واثم تدليس الكذاب الوضاع أكثر إثماً من تدليس الضعيف. قال ابن الجوزي (ت597هـ) رحمه الله: "من دلّس كذاباً فالإثم لازم له؛ لأنه آثر أن يؤخذ في الشريعة بقول باطل"اهـ (1) . قال العلائي (ت761هـ) رحمه الله: "وأمّا تدليس الشيوخ فهو يختلف باختلاف الأغراض؛ فمنهم من يدلس شيخه لكونه ضعيفاً أو متروكاً حتى لا يعرف ضعفه إذا صرّح باسمه. ومنهم من يفعل ذلك لكونه كثير الرواية عنه كي لا يتكرر ذكره كثيراً. أو لكونه متأخر الوفاة قد شاركه فيه جماعة فيدلسه للإغراب. أو لكونه أصغر منه أو لشيء بينهما كما وقع للبخاري مع الذهلي. وكلها سوى النوع الأوّل أمره خفيف. وقد تسمّح بذلك جماعة من الأئمة، وأكثر منه الحافظ الخطيب في كتبه، وليس فيه إلا تضييع للمروي عنه وتوعيره لطريق معرفته على من يروم ذلك (2) . وأمّا النوع الأوّل فهو مذموم جداً لما فيه من تغطية حال الضعيف والتلبيس على من يتنكب الاحتجاج به"اهـ (3) . الصورة الثانية: أن يركب سند الحديث مع متن حديث آخر، ويجعل متنه مع سند آخر، أو أن يدخل حديثاً في نسخة تروى بسند واحد، ولها وجوه: أن يركب إسناداً صحيحاً على متن صحيح. أن يركب إسناداً صحيحاً على متن ضعيف. أن يركب إسناداً ضعيفاً على متن صحيح. أن يركب إسناداً ضعيفاً على متن ضعيف. أن يختلق إسناداً على وصف الصحة يركبه على متن صحيح. أن يختلق إسناداً على وصف الصحة يركبه على متن ضعيف. أن يختلق إسناداً على وصف الضعف يركبه على متن صحيح. أن يختلق إسناداً على وصف الضعف يركبه على متن ضعيف. فالوجوه الأربعة الأخيرة من الوضع الظاهر للحديث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 463 أمّا الوجوه الأولى فهي مع كونها حرام لاتجوز، إلا أن بعضها أخف إثماً من بعض، إذ الوجوه التي لا تختلف فيها مرتبة الحديث أخف إثماً من الوجوه التي تختلف فيها مرتبة الحديث! الصورة الثالثة: أن يقلب لفظ الحديث وله وجوه: أن يُعطي ما اشتهر لأحد المذكورين في الحديث ما جاء للآخر. أن يكون الحديث مفيداً لحكم فيصرفه ويحوله عن وجهه. والوجه الثاني هنا أعظم جرماً من الأول. الصورة الرابعة: أن يبدل راوٍ في السند اشتهر الحديث بروايته، براوٍ آخر في طبقته، وله وجوه: أن يُبدل راوٍ ثقة بآخر ثقة. أن يُبدل راوٍ ثقة بضعيف. أن يُبدل راوٍ ضعيف بثقة. أن يُبدل راوٍ ضعيف بضعيف. أن يُبدل راوٍ ثقة بآخر يختلقه. أن يُبدل راوٍ ضعيف بآخر يختلقه. وهنا تتفاوت درجة الاثم وغلظته بحسب أثر هذا الإبدال في درجة الحديث! الصورة الخامسة: أن يقع القلب في السماع، أو أن يسرق السماعات ويدّعي سماع مالم يسمعه من الكتب والأجزاء. فهذا كذب، ولكنه ليس كالكذب في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. قال الذهبي (ت748هـ) رحمه الله في كلامه عن المقلوب: "فمن فعل ذلك خطأ فقريب! ومن تعمّد ذلك وركب متناً على إسناد ليس له فهو سارق الحديث، وهو الذي يقال في حقه: فلان يسرق الحديث. ومن ذلك أن يسرق حديثاً ما سمعه فيدعي سماعه من رجل. وإن سرق فأتى بإسناد ضعيف لمتن لم يثبت سنده فهو أخف جرماً ممن سرق حديثاً لم يصح متنه وركب له إسناداً صحيحاً؛ فإن هذا نوع من الوضع والافتراء، فإن كان ذلك في متون الحلال والحرام؛ فهو أعظم اثماً، وقد تبوأ بيتاً في جهنم! وأمّا سرقة السماع وادعاء ما لم يسمع من الكتب والأجزاء فهذا كذب مجرّد ليس من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، بل من الكذب على الشيوخ ولن يُفلح من تعاناه وقلّ من ستر الله عليه منهم. فمنهم من يفتضح في حياته. ومنهم من يفتضح بعد وفاته. فنسأل الله الستر والعفو"اهـ (1) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 464 وهذا (أعني: التعمد في القلب) يُفسر وصف بعض الرواة بالقلب أو بالسرقة مع وصفهم بالوضع، فكأنه دليل على أنهم كانوا يتعمدون قلب الأسانيد، فحديثهم موضوع مقلوب. أمّا حكم رواية الحديث المقلوب: فالظاهر أن ما كان من القلب يأخذ حكم الوضع، فحكم روايته حكم رواية الحديث الموضوع، وما لا يأخذ حكم الوضع فحكم روايته حكم رواية الحديث الضعيف. قال الترمذي (ت279هـ) رحمه الله: "قَالَ سَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ" قُلْتُ لَهُ: مَنْ رَوَى حَدِيثًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ إِسْنَادَهُ خَطَأٌ أَيُخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إِذَا رَوَى النَّاسُ حَدِيثًا مُرْسَلًا فَأَسْنَدَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ قَلَبَ إِسْنَادَهُ يَكُونُ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: لَا إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا رَوَى الرَّجُلُ حَدِيثًا وَلَا يُعْرَفُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلٌ فَحَدَّثَ بِهِ فَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ"اهـ (1) . قال ابن الصلاح (ت643هـ) رحمه الله عن الحديث الموضوع أنه: ""لاتحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كن إلا مقروناً ببيان وضعه بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب"اهـ (2) . أمّا مرتبة الحديث المقلوب: فقد علمت مما سبق أن الحديث المقلوب إمّا أن يقع وهماً أو عمداً بقصد الإغراب أو بقصد الامتحان. ووقوعه بقصد الامتحان خارج البحث هنا، إذ في مثل هذه الحالة لا تطلب مرتبة الحديث المقلوب! الجزء: 5 ¦ الصفحة: 465 ويبقى وقوع القلب وهماً أو عمداً بقصد الإغراب، فما هي مرتبة الحديث في هذه الحال؟ الجواب: سبق أن القلب عمداً بقصد الإغراب من أقسام الموضوع، وهذه جملة سبق الكثير من تفاصيلها قريباً في أوّل هذا المطلب، فلا يحسن التكرار. ويبقى ما هي مرتبة الحديث المقلوب وهماً من الراوي؟ والجواب: الحديث المقلوب عموماً لا يخرج عن كونه معلولاً أو شاذاً (1) . ولكن هل كل شذوذ أو علة تخرج الحديث عن حيز القبول؟ أو بعبارة أخرى: هل كل علة أو شذوذ تقدح في ثبوت الحديث؟ الجواب: قد حرر أهل العلم أن وصف العلة والشذوذ المشترط انتفاؤه عن الصحيح والحسن إنما هو العلة القادحة والشذوذ القادح. ومعنى هذا الكلام: أنه قد يجتمع وصف الصحة والحسن مع العلة والشذوذ بشرط أن لا تكون العلة قادحة، ولا يكون الشذوذ قادحاً! (2) . وعليه؛ فقد يجتمع وصف القلب والاضطراب مع الصحة أو الحسن، بشرط أن لايكون القلب والاضطراب قادحاً (3) . نعم إذا كان القلب قادحاً فالحديث ضعيف. المقصد الرابع: كيف يُعْرَف القلب. الأصل في معرفة وقوع القلب في الحديث وكشفه هو جمع طرقه والنظر فيها، ومقابلتها بأحاديث الثقات. قال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله، سمعت محمد بن إبراهيم بن أبي شيخ الملطي يقول: "جاء يحي بن معين (ت233هـ) إلى عفان ليسمع منه كتب حمّاد ابن سلمة، فقال له: ما سمعتها من أحد؟ قال: نعم حدثني سبعة عشر نفساً عن حماد بن سلمة! فقال: والله لا حدّثتك! فقال: إنما هو وَهْم، وانحذر إلى البصرة واسمع من التبوذكي. فقال: شأنك! فانحدر إلى البصرة، وجاء إلى موسى بن إسماعيل فقال له موسى: لم تسْمع هذه الكتب عن أحد؟ قال: سمعتها على الوجه من سلعة عشر نفساً وأنت الثامن عشر! فقال: وما تصنع بهذا؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 466 فقال: إن حمّاد بن سلمة كان يخطيء فأردت أن أميِّز خطأه من خطأ غيره، فإذا رأيت أصحابه قد اجتمعوا على شيء علمت أن الخطأ من حماد نفسه، وإذا اجتمعوا على شيء عنه وقال واحد منهم بخلافهم علمت أن الخطأ منه لا من حمّاد، فأميِّز بين ما أخطأ هو بنفسه وبين ما أخطيء عليه" (1) . وقال يحي بن معين (ت233هـ) رحمه الله: "لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهاً ما عقلناه" (2) . ولا يتوقف الحال على هذا؛ بل هم يعتبرون حديثه بأحاديث الثقات. عن عبد الرحمن بن مهدي (ت198هـ) رحمه الله قال: "كنا عند شعبة (ت160هـ) فسئل: يا أبا بسطام حديث من يترك؟ قال: من يكذب في الحديث، ومن يكثر الغلط، ومن يخطيء في حديث مجتمع عليه فيقيم على غلط فلا يرجع، ومن روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون. وليس يكفيه في الرجوع أن يمسك عن رواية ذلك الحديث في المستقبل حسب، بل يجب عليه أن يظهر للناس أنه كان قد أخطأ فيه وقد رجع عنه" (3) . وقال أحمد بن حنبل (ت241هـ) رحمه الله: "توهمت أن بقية لا يحدِّث بالمناكير عن المشاهير فعلمت من أين أتي" (4) . قال الحاكم (ت405هـ) رحمه الله: "إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط، وإنما يُعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ليظهر ما يخفى من علة الحديث"اهـ (5) . قال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: "إنما يظهر أمر [المقلوب] بجمع الطرق واعتبار بعضها ببعض ومعرفة من يوافق ممن يخالف فصار المقلوب أخص من المعلل والشاذ، فكل مقلوب لا يخرج عن كونه معللاً أو شاذاً"اهـ (6) . وكان من طرقهم في كشف القلب: أنهم يحفظون أحياناً النسخ الموضوعة وأحاديث المتهمين، وأحاديث غير الحافظين حتى إذا جاء أحد فقلبها فضحوا أمره، وصاحوا به! الجزء: 5 ¦ الصفحة: 467 قال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله: "سمعت أحمد بن إسحاق السني الدينوري يقول: رأى أحمد بن حنبل (ت241هـ) رضي الله عنه يحي بن معين (ت233هـ) في زاوية بصنعاء وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، فإذا اطّلع عليه إنسان كتمه، فقال أحمد بن حنبل رحمه الله له: تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، وتعلم أنها موضوعة فلو قال لك القائل: أنت تتكلم في أبان، ثم تكتب حديثه على الوجه؟ قال: رحمك الله يا أبا عبد الله أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق (ت211هـ) عن معمر عن أبان عن أنس وأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة حتى لا يجيء إنسان، فيجعل بدل أبان ثابتاً ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس، فأقول له: كذبت إنما هي أبان لا ثابت" (1) . وقد كان عليّ بن المديني (ت234هـ) رحمه الله يتعمد حفظ أحاديث بعض المتهمين حتى لا يأتي أحدهم ويقلبه. قال أبوغسان (ت219هـ) : جاءني عليّ بن المديني فكتب عني عن عبد السلام بن حرب، أحاديث إسحاق بن أبي فروة فقلت: أي شيء تصنع بها؟ قال: أعرفها لا يقلب! (2) . قال يحي بن حسان: جاء قوم ومعهم جزء فقالوا: سمعناه من ابن لهيعة! فنظرت فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث ابن لهيعة، فجئت إلى ابن لهيعة فقلت: ما هذا الذي حدثت به ليس فيه من حديثك ولا سمعتها قط؟! فقال: ما اصنع؟ يجيئوني بكتاب ويقولون: هذا من حديثك فأحدثهم به! " (3) . فإن قيل: إذا كان الراوي ثقة فلم لا يجوز أن يكون للحديث إسنادان عند شيخه حدّث بأحدهما مراراً وبالآخر مراراً؟ قلنا: هذا التجويز لا ننكره، ولكن مبنى هذا العلم على غلبة الظن، وللحفاظ طريق معروفة في الرجوع إلى القرائن في مثل هذا، وإنما يقول في ذلك منهم على النقاد المطلعين منهم، ولهذا كان كثير منهم يرجعون عن الغلط إذا نبهوا عليه (4) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 468 قال ابن حجر رحمه الله: "كذا خطّأ يحي القطان (ت198هـ) شعبة (ت160هـ) حيث حدّثوه بحديث: "لايجد عبد طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر"، عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي. وقال: حدثنا به سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن ابن مسعود وهذا هو الصواب. ولا يتأتى ليحي أن يحكم على شعبة بالخطأ إلا بعد أن يتيقن الصواب في غير روايته، فأين هذا ممن يستروح فيقول مثلا: يحتمل أن يكون عند أبي إسحاق على الوجهين فحدّث به كل مرّة على أحدهما. وهذا الاحتمال بعيد عن التحقيق إلا أن جاءت رواية عن الحارث يجمعهما ومدار الأمر عند أئمة هذا الفن على ما يقوى في الظن، أمّا الاحتمال المرجوح فلا تعويل عندهم عليه"اهـ (1) . ومما جاء في تخطئة بعض الحفاظ في أحاديث ورجوعهم عن الخطأ: عن العلاء بن حسين قال: حدثنا سفيان بن عيينة (ت198هـ) حديثاً في القرآن فقال له عبد الله بن زيد: ليس هو كما حدثت يا أبا محمد قال: وما علمك يا قصير؟ قال: فسكت عنه هنية، ثم قام إلى سفيان فقال يا أبا محمد أنت معلمنا وسيدنا فإن كنت أوهمت فلا تؤاخذني. قال: فسكت سفيان هنية ثم قال: يا أبا عبد الرحمن قال: لبيك وسعديك! قال: الحديث كما حدثت أنت، وأنا أوهمت" (2) . قال ابن عمار (ت242هـ) : رددت على المعافى بن عمران حرفاً في الحديث فسكت فلما كان من الغد جلس في مجلسه من قبل أن يحدث وقال: إن الحديث كما قال الغلام، قال: وكنت حينئذ غلاماً أمرد ما في لحيتي طاقة (3) . عن يحي بن معين (ت233هـ) رحمه الله، قال: "حضرت مجلس نعيم بن حماد فجعل يقرأ كتاباً من تصنيفه قال فقرأ منه ساعة ثم قال: ثنا ابن المبارك (ت181هـ) عن ابن عون، فذكر أحاديث فقلت له: ليس هذا عن ابن المبارك، فغضب، وقال: ترد عليّ! قلت: نعم أريد بذلك زينك فأبى أن يرجع! الجزء: 5 ¦ الصفحة: 469 فقلت: والله ما سمعت أنت هذه الأحاديث من ابن المبارك من ابن عون فغضب هو وكل من كان عنده وقام فدخل البيت فأخرج صحائف فجعل يقول: نعم يا أبا زكريا غلطت، وكانت هذه صحائف يعني مجموعة فغلطت فجعلت أكتب من حديث ابن المبارك عن ابن عون وإنما رواها لي عن ابن عون غير ابن المبارك، قال: فرجع عنها" (1) . قال البخاري (ت256هـ) رحمه الله: خرجت من الكتاب ولي عشر سنين فجعلت اختلف إلى الداخلي يعني فقال يوماً وهو يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم فقلت له: يا أبا فلان إن أبا الزبير لم يروه عن إبراهيم فانتهرني فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك. فدخل ونظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف قلت يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم فقال: صدقت وأخذ القلم مني فاحكم كتابه. وكان للبخاري يومئذ إحدى عشرة سنة" (2) . المقصد الخامس: أمثلة للحديث المقلوب متناً سبق عند تعداد فوائد معرفة الحديث المقلوب أمثلة للقلب في الأسماء، وسيأتي أثناء ذكر الأئمة الذين استعملوا الوصف بالقلب في عباراتهم ذكر جملة من الأحاديث التي انقلبت أسانيدها، وقد أفردت دراسة خاصة مستقلة في الأحاديث التي وقع القلب في متونها، أكتفي هنا منها بإيراد هذه الأمثلة، سائلاً الله تعالى التوفيق والهدى والرشاد والسداد! الحديث الأول قال مسلم رحمه الله: "حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي خُبَيْبُ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 470 "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ. وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ. وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ. وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ". وقال مسلم: "حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَالَ: وَرَجُلٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ" (1) . قلت: وقع في سياق الحديث عند مسلم قلب، إذ قال: "وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ". قال القاضي عياض (ت544هـ) رحمه الله: "والمعروف الصحيح: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"، وكذا وقع في الموطإ (2) والبخاري (3) وهو وجه الكلام؛ لأن النفقة المعهود فيها باليمين"اهـ (4) . وقال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله، في شرحه لهذا الحديث: "وقع في صحيح مسلم مقلوبا: "حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله" وهو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله ابن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب (5) لكنه قصره على ما يقع في الإسناد (6) ، ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح (7) ... وقال شيخنا [يعني: البُلقيني] : ينبغي أن يسمى هذا النوع المعكوس (8) . انتهى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 471 والأولى تسميته مقلوبا؛ فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في المدرج سواء، وقد سماه بعض من تقدم (1) : (مقلوبا) ."اهـ (2) . وقد اختلف في ممن وقع الوهم في هذه الرواية التي جاءت في صحيح مسلم: قال عياض (ت544هـ) رحمه الله: "يشبه أن يكون الوهم فيها من الناقلين عن مسلم، بدليل إدخاله بعده حديث مالك، وقال: "بمثل حديث عبيد الله"، وتحرّى الخلاف فيه في قوله: "رجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود" فلو كان مارواه خلافاً لرواية مالك لنبه عليه، كما نبّه على هذا"اهـ (3) . قلت: كذا قال رحمه الله، لكن نبه الحافظ ابن حجر إلى ورود ما يدل على أن الوهم فيه من شيخ مسلم أو من شيخ شيخه. قال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: "وليس الوهم فيه ممن دون مسلم ولا منه بل هو من شيخه أو من شيخ شيخه: يحيى القطان؛ فإن مسلما أخرجه عن زهير بن حرب وابن نمير كلاهما عن يحيى وأشعر سياقه بأن اللفظ لزهير، وكذا أخرجه أبو يعلى في مسنده عن زهير، وأخرجه الجوزقي في مستخرجه عن أبي حامد بن الشرقي عن عبد الرحمن ابن بشر بن الحكم عن يحيى القطان كذلك، وعقبه بأن قال: سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول: يحيى القطان عندنا واهم في هذا، إنما هو "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" (4) . قلت (ابن حجر) : والجزم بكون يحيى هو الواهم فيه نظر؛ لأن الإمام أحمد قد رواه عنه على الصواب، وكذلك أخرحه البخاري هنا عن محمد بن بشار وفي الزكاة عن مسدد، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق يعقوب الدورقي وحفص بن عمرو كلهم عن يحيى، [يعني: رووه على الصواب عنه] . وكأن أبا حامد لما رأى عبد الرحمن قد تابع زهيرا ترجح عنده أن الوهم من يحيى، وهو محتمل بأن يكون منه لما حدث به هذين خاصة، مع احتمال أن يكون الوهم منهما تواردا عليه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 472 وقد تكلف بعض المتأخرين توجيه هذه الرواية المقلوبة، وليس بجيد لأن المخرج متحد ولم يختلف فيه على عبيد الله بن عمر (1) شيخ يحيى فيه ولا على شيخه خبيب ولا على مالك رفيق عبيد الله بن عمر فيه. وأما استدلال عياض على أن الوهم فيه ممن دون مسلم بقوله في رواية مالك مثل عبيد الله فقد عكسه غيره فواخذ مسلما بقوله مثل عبيد الله لكونهما ليستا متساويتين، والذي يظهر أن مسلما لا يقصر لفظ المثل على المساوي في جميع اللفظ والترتيب، بل هو في المعظم إذا تساويا في المعنى، والمعنى المقصود من هذا الموضع إنما هو إخفاء الصدقة والله أعلم"اهـ (2) . قلت: وهناك احتمال ثالث أرجح عندي من الاحتمالين السابقين: أن الوهم من عبيد الله بن عمر؛ فقد قال أبونعيم: "حدثنا أحمد بن يوسف بن خلاد، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا مسدد ثنا حمّاد بن زيد (3) . ح وحدثنا محمد بن نصر ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ثنا محمد بن بكير ثنا عباد ابن عباد. وحدثنا عبد الله بن محمد ومحمد بن إبراهيم، قالا: ثنا أحمد بن علي حدثنا أبوخيثمة زهير بن حرب ثنا يحي بن سعيد. كلهم عن عبيد الله أخبرني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله عزوجل، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما ينفق شماله ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" (4) . قلت: وهذا السياق صريح في أن الوهم من عبيد الله إذ اتفق يحي بن سعيد وعباد بن عباد وحماد بن زيد في روايته عنه على الوهم! الجزء: 5 ¦ الصفحة: 473 وما وقع في صحيح البخاري وغيره (1) من رواية يحي عن عبيد الله بن عمر على الصواب بدون قلب، يحتمل أن عبيد الله رواه مرّة على الصواب ومرّة على الخطأ (2) ، ويؤكد سلامة يحي بن سعيد من تعصيب الوهم به، والله اعلم! الحديث الثاني قال الطبراني (ت360هـ) رحمه الله: "حدثنا إبراهيم قال: أخبرنا علي بن عثمان اللاحقي، قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وحماد عن محمد بن زياد عن أبي هريرة: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم اختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوه، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ما استطعتم" (3) . وهذا حديث مقلوب! (4) قال الهيثمي (ت807هـ) رحمه الله: "هو في الصحيح بعكس هذا"اهـ (5) . قلت: رواية الشيخين عكس هذا الذي عند الطبراني، وسياقها: قال البخاري (ت256هـ) رحمه الله: "حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (6) . الحديث الثالث قال الطحاوي (ت321هـ) رحمه الله: "حدثنا أحمد بن أبي داود قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج قال: حدثنا وهيب، عن إسماعيل بن أمية ويحي بن سعيد وعبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحي بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر، قال: رقيت فوق بيت حفصة، فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم جالس على مقعدته، مستقبل القبلة مستدبر الشام". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 474 وقال أيضاً: "حدثنا ابن أبي داود قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: حدثنا يحي ابن أيوب قال: حدثني محمد بن عجلان، عن محمد يحي، عن واسع بن حبان، عن ابن عمر، أنه قال: يتحدّث الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغائط بحديث، وقد اطلعت يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهر بيت، يقضي حاجته، محجوباً عليه بلبن، فرأيته مستقبل القبلة" (1) . قال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله: "أخبرنا الحسنُ بنُ سُفيان، قال: حدثنا إبراهيمُ بنُ الحجاج السَّامي، قال: حدثنا وهيبٌ، عن يحيى بنِ سعيدٍ الأنصاري، وإسماعيل بن أمية، وعبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن عمه: واسع بن حَبَّان، عن ابن عمر، قال: رقِيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ، فَإِذا أَنَا بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، جَالِساً عَلَى مَقْعَدَتِهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ مُسْتَدْبِرَ الشَّامِ" (2) . قوله: "فرأيته مستقبل القبلة"، وفي الرواية الأخرى:"مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ مُسْتَدْبِرَ الشَّامِ" مقلوب! والصواب ما جاء عند البخاري ومسلم: قال البخاري (ت256هـ) رحمه الله: "حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 475 وقال أيضاً: "حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ أَنَّ عَمَّهُ وَاسِعَ بْنَ حَبَّانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ قَالَ: "لَقَدْ ظَهَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" (1) . وقال مسلم (ت261هـ) رحمه الله: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ فَلَمَّا قَضَيْتُ صَلَاتِي انْصَرَفْتُ إِلَيْهِ مِنْ شِقِّي فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَقُولُ نَاسٌ إِذَا قَعَدْتَ لِلْحَاجَةِ تَكُونُ لَكَ فَلَا تَقْعُدْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلَا بَيْتِ الْمَقْدِسِ! قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَلَقَدْ رَقِيتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ". وقال أيضاً: "حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَقِيتُ عَلَى بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ" (2) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 476 نص على وقوع القلب في الحديث ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله (1) والسخاوي (ت902هـ) رحمه الله (2) ، واللكنوي (ت1304هـ) رحمه الله (3) . قال السخاوي رحمه الله عن هذا الحديث: "فرواه ابن حبان كما في نسخة صحيحة معتمدة قديمة جداً من طريق وهيب عن بن عبيد الله بن عمر وغيره عن محمد بن يحي، بلفظ: "مستقبل القبلة مستدبر الشام"، ورواه عن الحسن بن سفيان عن إبراهيم بن الحجاج عن وهيب، وهو مقلوب! وقد رواه الإسماعيلي في مستخرجه عن أبي يعلى عن إبراهيم فقال: "مستدبر القبلة مستقبل الشام" كالجادة فانحصر في الحسن بن سفيان أو ابن حبان"اهـ (4) . قلت: كذا قال رحمه الله! والواقع أنه بالنظر إلى الطريقين الذين عند الطحاوي لا يتعين أن القلب من ابن حبان أو شيخه الحسن بن سفيان، بل الذي يظهر لي والله أعلم أنه من يحي بن سعيد الأنصاري أو محمد بن يحي ابن حبان والله اعلم. المقصد السادس: الأئمة الذين استعملوا في عباراتهم الوصف بالقلب! جاء استعمال وصف القلب في عبارات أئمة الجرح والتعديل في أحيان كثيرة بذكر اسم (القلب) ، وفي أحيان بذكر اسم (الإحالة) وفي أحيان (دخل حديث في حديث) وفي أحيان أخرى باسم (السرقة) ، وأحياناً باسم (التدليس) مع ما يوضح أنه قلب، وأحياناً بذكر معناه وهيئته. وأسوق أسماء الأئمة الذين وقفت لهم على عبارات في ذلك، دون استيعاب لجميع عباراتهم، فقط أورد بعضها للدلالة على أنهم استعملوا الوصف بالقلب، فمن هؤلاء: 1 شعبة بن الحجاج (ت160هـ) رحمه الله. ذكر الخطيب في كتابه "الجامع لأخلاق الراوي وأدب السامع" (5) بسنده عن بهز بن أسد العمي (مات بعد المائتين وقيل قبلها) وسأله حَرَمِيّ بن عمارة (ت 201هـ) عن أبان بن أبي عياش؟ فذكر له عن شعبة رحمه الله أنه قال: "كتبت حديث أنس عن الحسن وحديث الحسن عن أنس، فدفعتها إلى أبان بن أبي عياش، فقرأها عليّ". فقال حَرَمِيّ: بئس ما صنع وهذا يحل؟! ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 477 قال شعبة رحمه الله: "أفادني ابن أبي ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة" (1) . 2 حماد بن سلمة (ت167هـ) رحمه الله. عن حمّاد بن سلمة: "قلبت أحاديث على ثابت البناني فلم تنقلب، وقلبت على أبان بن أبي عياش فانقلبت" (2) . وقال: "كنت أسمع أن القصاص لا يحفظون الحديث، قال: فكنت أقلب الأحاديث على ثابت أجعل أنس لابن أبي ليلى وأجعل ابن أبي ليلى لأنس أشوش بينهما فيجريهما على السواء" (3) . 3 حماد بن زيد (ت179هـ) رحمه الله. قال سليمان بن حرب عن حماد بن زيد: "ثنا علي بن زيد وكان يقلب الأحاديث. كان يحدثنا اليوم بالحديث ثم يحدثنا غداً فكأنه ليس ذلك" (4) . 4 صدقة أظنه ابن خالد (ت184هـ) رحمه الله. قال صدقة: "دفن يوسف بن أسباط كتبه فكان بعد تنقلب عليه فلا يجيء به كما ينبغي فاضطرب في حديثه روى عنه أبو الأحوص" (5) . 5 يحي بن سعيد القطان (ت198هـ) رحمه الله قال خلف بن سالم: حدثني يحي بن سعيد، قال: قدمت الكوفة وبها ابن عجلان وبها من يطلب الحديث: مليح بن وكيع، وحفص بن غياث، وعبد الله ابن إدريس، ويوسف بن خالد السمتي، فقلنا: نأتي ابن عجلان. فقال يوسف بن خالد: نقلب على هذا الشيخ حديثه، ننظر تفهمه. قال: فقلبوا فجعلوا ماكان عن سعيد عن أبيه، وما كان عن ابيه عن سعيد، ثم جئنا إليه، لكن ابن إدريس تورّع وجلس بالباب وقال ك لا استحل، وجلست معه. ودخل حفص، ويوسف بن خالد، ومليح، فسألوه، فمرّ فيها، فلما كان عند آخر الكتاب انتبه الشيخ فقال: أعد العرض فعرض عليه، فقال: ما سألتموني عن أبي فقد حدثني سعيد به، وما سألتموني عن سعيد فقد حدثني به أبي، ثم أقبل على يوسف بن خالد، فقال: إن كنت أردت شيني وعيبي فسلبك الله الاسلام، وأقبل على حفص، فقال: ابتلاك الله في دينك ودنياك، وأقبل على مليح، فقال: لا نفعك الله بعلمك! قال يحي: فمات مليح ولم ينتفع به، وابتلي حفص في بدنه بالفالج، وبالقضاء في دينه، ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة" (6) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 478 6 عبد الرحمن بن مهدي (ت198هـ) رحمه الله. قال ابن مهدي رحمه الله عن فرج بن فضالة: "حدّث عن أهل الحجاز بأحاديث منكرة مقلوبة" (1) . 7 محمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ) رحمه الله: لم يأت عنه صراحة اسم (القلب) في المتن، ولكن جاءت صورته، والعلماء مثلوا بها في المقلوب متناً، وهو ما جاء في كلام للبيهقي بعد روايته من طريق عبد الله يعني ابنَ عُمَرَ العُمَرِيَّ عن نافع عن ابنِ عُمَرَ: "أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ يومَ خَيْبَرَ للفارسِ سهمينِ، وللراجلِ سهماً". قال البيهقي (ت458هـ) رحمه الله: "عبدُ الله العُمَرِيُّ كثيرُ الوَهَمِ. وقد رُوِيَ ذلكَ من وَجْهٍ آخَرَ عن القَعْنَبِيِّ عن عبدِ الله العُمَرِيِّ بالشكِ في الفارسِ أَو الفَرَسِ. قالَ الشَّافِعيُّ في القديمِ: كَأَنَّهُ سمعَ نافعاً يقولُ: للفرسِ سهمينِ وللرجلِ سهماً، فقالَ: للفارسِ سهمينِ وللراجلِ سهماً. وليسَ يَشُكُّ أحدٌ مِنْ أهل العلم في تَقْدِمَةِ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ على أخيه في الحِفْظِ"اهـ (2) . قلت: والشافعي يشير بهذا إلى أن عبد الله العمري قد وهم فقلب الحديث فقلب لفظ (الفرس) إلى (الفارس) ، وجعل ما للفرس له، فصار الأمر: أن للفارس هو وفرسه: سهمين، وللراجل سهماً واحداً فقط، فقلب الحديث الذي كان: للراجل سهماً، وللفرس سهمين، فيصير للفرس وصاحبه ثلاثة أسهم! 8 أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي (ت227هـ) رحمه الله. قال أبو الوليد الطيالسي رحمه الله، في الربيع بن صبيح السعدي: "كان الربيع لا يدلس، وكان المبارك أكثر تدليساً منه" (3) . قلت: مراده - والله اعلم - أن الربيع كان يقلب أسماء الرواة وأسانيد الأحاديث فيًظن تدليساً، وما هو بتدليس، وكان المبارك يتحقق فيه وصف التدليس أكثر من الربيع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 479 ويدل على نفي وصف التدليس عن الربيع قول عثمان بن سعيد الدارمي (ت280هـ) : "المبارك [بن فضالة] عندي فوق [الربيع بن صبيح] فيما سمع من الحسن، إلا أنه ربما دلّس" (1) . قلت: مفهوم هذا أن الربيع بن صبيح لا يدلس! ويؤكده ثبوت وصف الربيع بأن أحاديثه مقلوبة، كما قال عفان بن مسلم (ت261هـ) رحمه الله: "أحاديثه كلها مقلوبة" (2) . 9 يحي بن معين (ت233هـ) رحمه الله. قصته مع أبي نعيم الفضل بن دكين مشهورة! قال ابن معين رحمه الله في الحسين بن فرج الخياط: "كذاب يسرق الحديث" (3) . وقال رحمه الله: "أحاديث زيد بن الحباب عن سفيان الثوري مقلوبة" (4) . قال ابن معين رحمه الله، في سليمان بن داود ابن الشاذكوني: "ابن الشاذكوني ليس بثقة، ولا مأمون، إذا بلغه حديث عن انسان قلبه عن غيره، لا ينبغي يكتب عنه الحديث ولا كرامة" (5) . 10 ابن نمير (ت234هـ) رحمه الله قال ابن نمير رحمه الله في محمد بن يزيد بن محمد بن كثير العجلي أبوهشام الرِّفاعي: "كان أبوهشام يسرق الحديث" (6) . 11 أحمد بن حنبل (ت241هـ) رحمه الله. قال عبد الله عن أبيه أحمد بن حنبل رحمهم الله، في حبيب بن أبي حبيب: "ليس بثقة. قال: قدم علينا رجل (أحسبه قال: من خراسان) كتب عنه كتاباً عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن سالم والقاسم، فإذا هي أحاديث ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران، عن قاسم، وسالم. قال أبي: (أحالها) على ابن أخي ابن شهاب. قال أبي: كان يكذب، ولم يكن أبي يوثقه ولا يرضاه، وأثنى عليه شراً وسوء اً" (7) . استعمل الإمام أحمد هنا (الإحالة) بمعنى القلب! وقال رحمه الله: "كان شعبة يقلب أسامي الرجال" (8) . وقال رحمه الله في عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العُمري، من أهل المدينة (9) : "ليس بشيء. وقد سمعت منه ومزقته وكان يقلب حديث نافع عن ابن عمر يجعله عن عبد الله بن دينار". وقال مرّة: "أحاديثه مناكير". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 480 12 محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) رحمه الله. قال البخاري رحمه الله، في عيسى بن عبد الرحمن بن فروة أبوعباد الزرقي.: "عيسى بن عبد الرحمن عن الزهري. روى عنه عمرو بن قيس منكر الحديث. وابن لهيعة عن عيسى بن عبد الرحمن عن الزهري مقلوب" (1) . وقال رحمه الله، في فرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم التنوخي أبوفضالة الحمصي: "كان عبد الرحمن لا يحدث عن فرج بن فضالة ويقول: حدّث عن يحي ابن سعيد أحاديث منكرة مقلوبة" (2) . وقال في "زهير بن محمد": "أنا أتقي هذا الشيخ كأنه حديث موضوع وليس هذا عندي زهير بن محمد، وكان أحمد بن حنبل يضعف هذا الشيخ. ينبغي أن يكون قلب اسمه أهل الشام. يروون عن زهير بن محمد هذا مناكير"اهـ (3) . 13 عفان بن مسلم (ت261هـ) . قال عفان بن مسلم رحمه الله، في الربيع بن صبيح: "أحاديثه كلها مقلوبة" (4) . 14 أبوالحسن أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي العجلي (ت261هـ) رحمه الله. قال: "ما خلق الله أحداً كان أعرف بالحديث من ابن معين (ت233هـ) لقد كان يؤتى بالأحاديث قد خلطت وقلبت فيقول هذا كذا وهذا كذا فيكون كما قال" (5) . 15 أبوزرعة الرازي (ت264هـ) رحه الله. قال أبوزرعة الرازي رحمه الله، في أسباط بن نصر الهمداني أبو يوسف ويقال أبو نصر الكوفي: "أمّا حديثه فيعرف وينكر وأمّا في نفسه فلابأس به. حدثنا محمد بن إدريس قال: سمعت أبا نعيم وقال له رجل: سمعت من أسباط بن نصر؟ قال: كان أسباط بن نصر يقلب الحديث. حدثنا محمد قال: سمعت أبا جعفر الجمال يذكر عن أبي نعيم، قال: ذكر له أسباط بن نصر، فقال: هالك هو" (6) . قال ابن أبي حاتم (ت327هـ) رحمه الله: "سألته (يعني: أبازرعة) : عن حديث أبي الأحوص عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشربوا في الظروف ولا تسكروا". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 481 قال أبوزرعة: فوهم أبوالأحوص فقال عن سماك عن القاسم عن أبيه عن أبي بردة قلب من الإسناد موضعاً وصحّف في موضع. أمّا القلب فقوله: عن أبي بردة أراد عن ابن بريدة ثم احتاج أن يقول ابن بريدة عن أبيه، فقلب (في المطبوع: فقلت) الإسناد بأسره، وأفحش في الخطأ! وأفحش من ذلك وأشنع تصحيفه في متنه: "اشربوا في الظروق ولا تسكروا" وقد روي هذا الحديث عن ابن بريدة عن أبيه. أبوسنان ضرار بن مرة وزبيد اليامي عن محارب بن دثار. وسماك بن حرب والمغيرة بن سبيع، وعلقمة بن مرثد والزبير بن عدي وعطاء الخرساني وسلمة بن كهيل كلهم عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا في السقاء فاشربوا في الأسقية ولا تشربوا مسكراً" وفي حديث بعضهم قال: "واجتنبوا كل مسكر" ولم يقل أحد منهم: "ولاتسكروا" وقد بان وهم حديث أبي الأحوص من اتفاق هؤلاء المسمين (في المطبوع: وهو لا المشمس) على ما ذكرنا من خلافه"اهـ (1) . ورأيته يصف حديثاً بأنه مرسل مقلوب (2) . 16 فضلك الرازي أبوبكر الفضل بن العباس (ت270هـ) رحمه الله. قال أبوأحمد العسال: سمعت فضلك الرازي يقول: دخلت على محمد بن حميد وهو يركب الأسانيد على المتون" (3) . 17 محمد بن عوف (ت272هـ) رحمه الله قال محمد بن عوف، في عبد الوهاب بن الضحاك: قيل له: إنه كان يأخذ فوائد أبي اليمان فيحدث بها عن إسماعيل بن عياش، وحدّث بأحاديث كثيرة موضوعة. قال: فخرجت إليه فقلت: ألا تخاف الله! فضمن لي أن لا يحدِّث بها بعد ذلك (4) . 18 أبوداود (ت275هـ) صاحب السنن رحمه الله. روى أبوعبيد الآجري عن أبي داود أنه قال: الحسن بن مدرك كذاب كان يأخذ أحاديث فهد بن عوف قيقلبها على يحي بن حمّاد" (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 482 وفي الرواة مصعب بن سلام (1) ، قال الآجري: "سألت أباداود عن مصعب بن سلام؟ فقال: ضعفوه بأحاديث انقلبت عليه أحاديث ابن شبرمة". 19 أبوحاتم محمد بن إدريس بن المنذر الرازي (ت277هـ) رحمه الله. قال ابن أبي حاتم رحمه الله: "سألت أبي (يعني: أباحاتم) وأبازرعة عن حديث رواه يحي بن يمان عن الثوري عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت فاستسقى فأتي بنبيذ فشمه فقطب وجهه فقيل: أحرام هو يارسول الله؟ قال: لا". فقلت لهما: ما علة هذا الحديث؟ وهل هو صحيح؟ فقالا: أخطأ ابن يمان في إسناد هذا الحديث وروى هذا الحديث عن الثوري عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة عن النبي صلى الله عليه وسلم! قال أبي: والذي عندي أن يحي بن يمان دخل حديث له في حديث: رواه الثوري عن منصور عن خالد بن سعد مولى أبي مسعود: "أنه كان يشرب نبيذ الجر". وعن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه كان يطوف بالبيت ... الحديث؛ فسقط عنه إسناد الكلبي فجعل اسناد منصور عن خالد عن أبي مسعود لمتن حديث الكلبي. وقال أبوزرعة: وهم فيه يحي بن يمان إنما هو الثوري عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم"اهـ (2) . 20 عبد الرحمن بن خراش (ت283هـ) ، رحمه الله. قال عبدان: قلت لعبد الرحمن بن خراش (ت283هـ) : هذه الأحاديث التي يحدث بها غلام خليل من أين له؟ قال: سرقها من عبد الله بن شبيب وسرقها عبد الله بن شبيب من النضر بن سلمة شاذان ووضعها شاذان" (3) . 21 البرذعي أبوعثمان سعيد بن عمرو (ت292هـ) رحمه الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 483 قال البرذعي: "سمعت أبازرعة يقول: هشام بن سعد واهي الحديث. أتقنت ذلك عن أبي زرعة، وهشام عند غير أبي زرعة أجل من هذا الوزن، فتفكرت فيما قال أبوزرعة؛ فوجدت في حديثه وهماً كبيراً، من ذلك: أنه حدّث عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة: في قصة المواقع في رمضان، وقد روى أصحاب الزهري قاطبة، عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن وليس من حديث أبي سلمة، وقد حدّث به وكيع، عن هشام، عن الزهري، عن أبي هريرة، كأنه أراد الستر على هشام في قوله عن أبي سلمة" (1) . قلت: فقلب هشام الحديث فجعله عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة! وهذا من البرذعي ذكر للقلب عن طريق ذكر صورته! 22 صالح بن محمد الأسديُّ الحافظ، صالح جزرة (ت293هـ) رحمه الله. قال صالح جزرة، في محمد بن حميد: "كنا نتهم ابن حميد في كل شيء، ما رأيت أجرأ على الله منه. كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضها على بعض". وقال: "كان كل ما بلغه من حديث سُفيان يُحيله على مِهْران، وما بلغه من حديث منصور يُحيله على عَمرو بن أبي قيس، وما بلغه من حديث الأعمش يحيله على مثل هؤلاء، وعلى عَنْبَسة، ثم قال: كل شيء كان يحدثنا ابن حُميد كنا نتهمه فيه. وقال في موضع آخر: كانت أحاديثه تزيد وما رأيت أحداً أجرأ على الله منه، كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضها على بَعْضٍ. وقال في موضع آخر: ما رأيتُ أحداً (أحذق) ، بالكَذِب من رَجُلَين: سُلَيْمان الشَّاذكونيّ، ومحمد بن حُميد الرازي، كان يُحْفَظ حديثه كله، وكان حديثه كل يوم يَزِيد" (2) . 23 أحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ) رحمه الله. قال النسائي رحمه الله، في النعمان بن راشد الرقي: "ضعيف كثير الغلط". وقال مرّة: "أحاديثه مقلوبة". وقال مرّة: "ضعيف" (3) . 24 عبدان الأهوازي، عبد الله بن أحمد بن موسى (ت306هـ) رحمه الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 484 قال ابن عدي (ت365هـ) رحمه الله: "سمعت عبدان يقول: قلت لعبد الرحمن بن خراش: هذه الأحاديث التي يحدث بها غلام خليل من أين له؟ فقال: سرقه من عبد الله بن شبيب وسرقه ابن شبيب من النضر بن سلمة شاذان ووضعها شاذان" (1) . 25 ابن خزيمة (ت311هـ) رحمه الله ذكر صورة القلب في المتن، وقال: "قلب ابن نمير المتن على مارواه أبومعاوية. وتابع شعبة في معنى المتن! وشعبة وابن نمير أولى بمتن الخبر من أبي معاوية، وتابعهما أيضا سيار أبوالحكم عن أبي وائل عن عبد الله قال: خصلتان أحداهما سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى أنا أقولها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات وهو يجعل لله نداً دخل النار، وأنا أقول: من مات وهو لا يجعل لله نداً دخل الجنة"اهـ (2) . 26 أبوحاتم محمد بن حبان البستي (ت354هـ) رحمه الله. وكلامه في ذلك كثير جداً، لا تكاد تمر صفحات من كتابه المجروحين إلا وتجد له وصفاُ بالقلب أو السرقة! وهو أكثر أئمة الجرح والتعديل وصفاً بالقلب! فمن ذلك: قوله في ترجمة أبان بن أبي عياش: "سمع عن أنس بن مالك أحاديث وجالس الحسن فكان يسمع كلامه ويحفظه فإذا حدث ربما جعل كلام الحسن الذي سمعه من قوله عن أنس عن النبي (وهو لا يعلم. ولعله روى عن أنس أكثر من ألف وخمسمائة حديث ما لكبير شيء منها أصل يرجع إليه"اهـ (3) . وقوله في إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم أبي إسحاق البغدادي: "كان يقلب الأخبار ويسرق الحديث، فعمد إلى حديث تفرد به رجل واحد لم يره فجاء به عن شيخ آخر" ثم قال: "فالاحتياط في أمره الاحتجاج بما وافق الثقات من الأخبار وترك ما انفرد به من الآثار"اهـ (4) . وقوله في إبراهيم بن إسحاق الواسطي: "شيخ يروي عن ثور بن يزيد ما لا يتابع عليه، وعن غيره من الثقات المقلوبات، على قلة روايته. لا يجوز الاحتجاج به"اهـ (5) . 27 ابن عدي (ت365هـ) رحمه الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 485 وكلامه رحمه الله في وصف الرواة بالقلب والسرقة كثير، وقد لهج في كتابه الكامل باستعمال وصف سرقة الحديث، فهو أكثر الأئمة استعمالاً لهذا الوصف في الرواة المتكلم فيهم! فمن ذلك: قوله في إبراهيم بن بكر الشيباني، الأعور: "كان ببغداد يسرق الحديث. ... ثم قال: وإبراهيم بن بكر هذا هو الشيباني يسرق هذا الحديث من الهذيل ولا أعلم له كبير رواية وأحاديثه إذا روى إما أن تكون منكرة بإسناده أو مسروقاً ممن تقدمه"اهـ (1) . وقوله في إبراهيم بن عبد السلام المخزومي المكي: "ليس بمعروف. حدّث بالمناكير. وعندي أنه يسرق الحديث" (2) . وقوله في أحمد بن الحسن بن أبان: "حدّث عن أبي عاصم بأحاديث مناكير عن ابن عون وعن الصوري وشعبة، ويسرق الحديث، ضعيف"اهـ (3) . 28 أبوأحمد الحاكم (ت378هـ) رحمه الله. قال أبو أحمد الحاكم (ت378هـ) رحمه الله في محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: "عامة أحاديثه مقلوبة" (4) . 29 علي بن عمر الدارقطني (ت385هـ) رحمه الله. قال الدارقطني رحمه الله، في عبد الوهاب بن الضحاك: "له مقلوبات وبواطيل" (5) . قال الدارقطني رحمه الله، في عبيد الله بن تمام: "بصري. عن التيمي وداود ابن أبي هند ويونس أحاديث مقلوبة" (6) . وفي علل الدارقطني: "735 وسئل عن حديث شقيق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا عالم أو متعلم وذكر الله"؟ فقال: يرويه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان. واختلف عنه؛ فرواه أبو المطرف مغيرة بن مطرف عن بن ثوبان عن عبدة ابن أبي لبابة عن شقيق عن عبد الله! وهذا إسناد مقلوب؛ وإنما رواه ابن ثوبان عن عطاء بن بن قرة عن عبد الله ابن ضمرة عن أبي هريرة وهو الصحيح"اهـ (7) . وفيها أيضاً: "1061 وسئل: عن حديث خالد بن سعيد عن أبي مسعود: "أن النبي صلى الله عليه وسلم عطش فاستسقى بنبيذ من السقاية فشمه فقطب فدعا بماء فصبه عليه وشربه"؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 486 فقال: يرويه يحيى بن يمان عن الثوري عن منصور عن خالد بن سعيد عن أبي مسعود. ويقال: إن يحيى وهم فيه وإنما روى الثوري يعني هذا عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة عن النبي صلى الله عليه وسلم! والكلبي متروك الحديث. ولا يحفظ هذا من حديث منصور إلا من رواية يحيى بن يمان عن الثوري. وقد تابعه عبد العزيز بن أبان وهو متروك عن الثوري. وتابعهما أيضا اليسع بن إسماعيل وهو ضعيف عن زيد بن الحباب عن الثوري. وإنما حديث الكلبي الذي عند الناس والثوري عن منصور عن خالد ابن سعد عن أبي مسعود: "إنه كان يمسح على الجوربين"؛ فيقال: إن يحيى بن يمان انقلب عليه هذا الحديث ودخل عليه في حديث الكلبي عن أبي صالح عن المطلب والله أعلم! حدثنا محمد بن سليمان بن علي وأحمد ابن محمد بن بحر العطار بالبصرة قالا: ثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب قال: ثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود: "إن النبي صلى الله عليه وسلم عطش وهو يطوف فاستسقى فأتى بنبيذ من السقاية فشمه ... " الحديث"اهـ (1) . 30 أبوسليمان الخطابي (ت388هـ) رحمه الله قال الخطابي رحمه الله: "ولا أعلم خلافاً بين أهل الحديث في أن هذا الخبر لم يصح مسنداً عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من رواية عمر بن الخطاب رضي الله، وقد غلط بعض الرواة فرواه من طريق أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 487 حدثنا إبراهيم بن فراس قال حدثناه موسى بن هارون، قال حدثنا نوح بن حبيب قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد قال: حدثنا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية ولكل امريء مانوى". فذكر نحواً من حديث عمر رضي الله عنه، وهذا عند أهل المعرفة بالحديث: مقلوب، وإنما هو إسناد حديث آخر ألصق به هذا المتن! ويقال: إن الغلط إنما جاء فيه من قبل نوح بن حبيب البذشي"اهـ (1) . 31 أبوعبد الله الحاكم (ت405هـ) رحمه الله. قال الحاكم (ت405هـ) رحمه الله، في سعيد بن داود الزنبري: "يروي عن مالك أحاديث مقلوبة وصحيفة أبي الزناد أيسر من غيرها، فإن أحاديث أبي الزناد محفوظة، وإن لم يكن لمالك في بعضها أصل. وقد روى خارج النسخة عن مالك أحاديث موضوعة" (2) . وقال ايضاً رحمه الله: "يزيد بن أبي زياد كان يذكر بالحفظ فلما كبر ساء حفظه فكان يقلب الأسانيد ويزيد في المتون ولا يميز" (3) . 32 أبونعيم الأصبهاني (ت430هـ) رحمه الله. قال أبونعيم رحمه الله، عن علي بن سعيد بن شهريار: "روى عن يزيد بن هارون (ت206هـ) والأنصاري حديثين مقلوبين" (4) . 33 أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) رحمه الله. قال البيهقي رحمه الله في أحد الراوة: "كان يقلب الأسانيد ويسرق الحديث حتى كثر ذلك في روايته وسقط عن حد الاحتجاج". وقال مرّة: "ضعيف" (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 488 وقال مرّة: "أخبرناه أبو سعدٍ المَالِيْنِيُّ أنبأ أبو أحمدَ بنُ عَدِيَ الحافظُ أنبأ الحسنُ بنُ سفيانَ ثنا أبو مَعْمَرٍ ثنا ابنُ يَمَانٍ ح وأنبأ أبو بكرِ بنُ الحارثِ الأَصْبِهَانِيُّ أنبأ عليُّ بنُ عُمَرَ الحافظُ ثنا أبو علي محمد بنُ سليمانَ وأحمد ابنُ محمدِ بنِ بحرٍ العَطَّارُ جميعاً بالبَصْرَةِ قالا ثنا إسحقُ بنُ إبراهيمَ بنِ حبيبِ ابنِ الشهيدِ ثنا يحيى بنُ يَمَانٍ عن سفيانَ عن منصورٍ عن خالد بن سعدٍ عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ قالَ: عَطِشَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حولَ الكعبةِ، فَاسْتَسْقَى فَأُتِيَ بنبيذٍ من السقايةِ، فَشَمَّهُ فَقَطَّبَ، فقالَ: "عَلَيَّ بِذَنُوبٍ مِنْ زَمْزَمَ"، فَصَبَّهُ عليهِ، ثم شَرِبَ، فقالَ رجلٌ: حَرَامٌ هو يا رسولَ الله، قالَ: "لا". لفظُ حديثِ الشَّهِيدِيِّ. وحديثُ أبي مَعْمَرٍ مختصرٌ: سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو في الطوافِ: أَحَلاَلٌ هو أَمْ حَرَامٌ، قالَ: "حَلالٌ" يعني النبيذَ. قالَ عليُّ بنُ عُمَرَ (هو الدارقطني) : هَذَا حديثٌ معروفٌ بيحيى بنِ يَمَانٍ، ويقالُ: إِنَّهُ انْقَلَبَ عليهِ الإسنادُ واخْتَلَطَ بحديثِ الكَلْبِيِّ عن أبي صالحٍ، والكَلْبِيُّ متروكٌ، وأبو صالحٍ ضعيفٌ. ثم قال: "أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمِيُّ أنبأ أبو الحسن المحموديُّ ثنا أبو عبد الله محمد بن علي الحافظ ثنا أبو موسى قالَ: ذَكَرْتُ لعبدِ الرحمنِ بنِ مَهْدِيَ حديثَ سفيانَ عن منصورٍ في النبيذِ قالَ: لا تُحَدِّثْ بِهَذَا. قال الشيخ: وقد سَرَقَهُ عبدُ العزيزِ بنُ أَبَانَ فرواهُ عن سفيانَ، وسَرَقَهُ اليَسَعُ بنُ إسمعيلَ فرواهُ عن زيدِ بنِ الحُبَابِ عن سفيانَ، وعبدُ العزيزِ بنُ أَبَانَ متروكٌ، واليَسَعُ بنُ إسمعيلَ ضعيفُ الحديثِ"اهـ (1) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 489 وقال أيضاً: “سمعتُ أَبَا عبدِ الله الحافظَ يقولُ: سمعتُ أَبَا عبدِ الله محمدَ ابنَ يعقوبَ الحافظَ غيرَ مرةٍ يقولُ: كانَ أبو بكرٍ الجَارُودِيُّ إِذَا مَرَّ بقبرِ جَدِّهِ في مقبرةِ الحسينِ بنِ معاذٍ يقولُ: يا أَبةِ، لو لَمْ تُحَدِّثْ بِحَدِيثِ بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ لَزُرْتُكَ. قال الشيخ: وقد سَرَقَهُ عنهُ جماعةٌ من الضعفاءِ، فَرَوَوْهُ عن بَهْزِ بنِ حكيمٍ، ولم يَصِحَّ فيهِ شىءٌ"اهـ (1) . 34 أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت463هـ) رحمه الله. قال الخطيب البغدادي رحمه الله، في ترجمة سعيد بن داود الزنبري: "سكن بغداد وحدّث بها عن مالك، وفي أحاديثه نكرة، ويقال: قلبت عليه صحيفة ورقاء عن أبي الزناد فرواها عن مالك" (2) . هذا ما تيسر لي الوقوف عليه من أسماء الأئمة الذين استعملوا في عبارات وألفاظ الجرح والتعديل اسم القلب أو السرقة، أو ما يدل عليهما، وبعد الخطيب يأتي الإمام الجامع لأطراف أنواع علوم الحديث أعني ابن الصلاح رحمه الله ثم الأئمة من بعده وقد أفردوا المقلوب في كتبهم بنوع خاص من أنواع علوم الحديث، وقد نقلت عباراتهم في التعريف بهذا النوع في المقصد الأول. ولعل من أهم الملاحظات العامة التي أسجلها هنا الأمور التالية: 1 في جميع عبارات هؤلاء الأئمة الذين وقفت على كلامهم لم أجد بوضوح الإشارة إلى القلب في المتن، إلا ما رأيته في عبارة ابن خزيمة (ت311هـ) رحمه الله، والبيهقي (ت458هـ) رحمه الله! نعم جاءت صورة القلب في المتن في عبارة الإمام الشافعي، لكن ليس فيها تصريح باسم القلب! وهذا يبين لك سبباً من الأسباب التي دعت الحافظ ابن الصلاح أن يقتصر في تعريف المقلوب بالمثال على صورتين فقط وهما ما تكرر في عبارات هؤلاء الأئمة الأعلام! الجزء: 5 ¦ الصفحة: 490 2 تبين من خلال التسلسل التاريخي أن استعمال القلب للكشف عن حال الرواة جرى في القرن الثاني قبل المائتين، خلافاً لما ذكره الذهبي (ت748هـ) رحمه الله حيث قال: "لم يكن ظهر لهم قلب الأسانيد على الشيوخ، إنما فعل هذا بعد المئتين.."اهـ (1) ؛ فقد اثبت التتبع والتسلسل التاريخي أنهم استعملوه قبل المئتين كما تراه مع شعبة (ت160هـ) وحماد بن زيد (ت167هـ) رحمهما الله، ويؤكد هذا أن التلقين أمر معروف قديماً وصورته صورة القلب! نعم إذا أراد الحافظ الذهبي أنه بعد المئتين اشتهر وتفشى فهذا هو الواقع، والله اعلم! 3 أن الإمام ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله قد لهج في كتابه المجروحين باستعمال الوصف ب (القلب) ، كما لهج الإمام ابن عدي (ت365هـ) رحمه الله في كتابه في الضعفاء باستعمال الوصف ب (السرقة) ! 4 للعلماء عبارات متنوعة عن القلب أشهرها (القلب) ، ثم (الإحالة) ، إدخال حديث في حديث، وأنهم يعبرون في بعض الرواة بحسب حالهم من الضبط ب (السرقة) ، أو (التدليس) . المقصد السابع: المصنفات في الحديث المقلوب لم أقف على شيء من المصنفات في الحديث المقلوب، لكن وقفت على تسمية بعض الكتب في هذا العلم، وهي الآتية: 1 للخطيب البغدادي (ت463هـ) رحمه الله تعالى، كتاب في المقلوب في الأسماء. ذكره الحافظ ابن الصلاح رحمه الله في آخر كلامه عن النوع السادس والخمسون: معرفة الرواة المتشابهين في الاسم والنسب المتمايزين بالتقديم والتأخير في الابن والأب، فقال عن هذا النوع: "مثاله: (يزيد بن الأسود) ، و (الأسود بن يزيد) : فالأول: يزيد بن الأسود الصحابي، (الخزاعي) ، و (يزيد بن الأسود الجرشي) ، أدرك الجاهلية، وأسلم، وسكن الشام، وذكر بالصلاح، حتى استسقى به معاوية في أهل دمشق، فقال: "اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا". فسقوا للوقت، حتى كادوا لا يبلغون منازلهم. والثاني: (الأسود بن يزيد النخعي) ، التابعي الفاضل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 491 ومن ذلك (الوليد بن مسلم) ، و (مسلم بن الوليد) . فمن الأول: (الوليد بن مسلم البصري التابعي) ، الراوي عن جندب بن عبد الله البَجلي. والوليد بن مسلم الدمشقي المشهور، صاحب (الأوزاعي) ، روى عنه (أحمد بن حنبل) والناس. والثاني: (مسلم بن الوليد بن رباح المدني) ، حدث عن أبيه وغيره، روى عنه عبد العزيز الدراوردي وغيره، وذكره (البخاري) في (تاريخه) فقلب اسمه ونسبه، فقال: (الوليد بن مسلم) وأُخذ عليه ذلك. وصنف (الخطيب الحافظ) في هذا النوع كتاباً سماه (كتاب رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب) وهذا الاسم ربما أوهم اختصاصه بما وقع فيه مثل الغلط المذكور في هذا المثال الثاني، وليس ذلك شرطاً فيه، وأكثره ليس كذلك، فما ترجمناه به إذا أولى، والله أعلم "اهـ (1) . وقد سمى هذا النوع الحافظ العراقي (ت804هـ) رحمه الله في ألفيته: "المشتبه المقلوب" (2) ، وتابعه على هذه التسمية الحافظ السيوطي (ت911هـ) في ألفيته (3) . وسمّاه ابن الجزري (ت833هـ) رحمه الله: "من وافق اسمه اسم والد الآخر واسم والد الآخر اسمه" (4) . وقال عن هذا النوع الحافظ السخاوي (ت902هـ) رحمه الله: "هذا فن حسن وهو موافقة اسم الراوي لاسم والد راو آخر واسم أبيه لاسمه، فربما اتفق انقلاب أحدهما بحيث يكونان متفقين في الاسم واسم الأب، وللخطيب فيه رافع الارتياب"اهـ (5) . قلت: فهذا الكتاب لا يختص بالمقلوب وهماً أو عمداً، إنما هو أعم من ذلك، بخلاف ما تشعر به عبارة الحافظ ابن حجر (ت852هـ) رحمة الله عليه حيث قال: "إن كانت المخالفة بتقديم أو تأخير أي: من الأسماء ك "مرة بن كعب" و "كعب بن مرة" لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر، فهذا هو "المقلوب". وللخطيب فيه كتاب "رفع الارتياب""اهـ (6) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 492 وقال السخاوي (ت902هـ) رحمه الله تلميذ ابن حجر، أثناء كلامه عن المقلوب السندي: "ومن هذا القسم ما يقع الغلظ فيه بالتقديم في الأسماء والتأخير ك (مرة بن كعب) فيجعله (كعب بن مرة) و (مسلم بن الوليد) فيجعله (الوليد بن مسلم) ، ونحو ذلك مما أوجبه كون اسم أحدهما اسم أبي الآخر. وقد صنف كل من الخطيب وشيخنا في هذا القسم خاصة؛ فأمّا الخطيب ففيما كان من نمط المثال الأخير فقط وسمّاه (رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب) وهو مجلد ضخم"اهـ (1) . فتحصلنا من جميع ما سبق الأمور التالية: أن للخطيب كتاباً اسمه "رافع الإرتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب". أن موضوع الكتاب في موافقة اسم الراوي لاسم والد راو آخر واسم أبيه لاسمه، فربما اتفق انقلاب أحدهما بحيث يكونان متفقين في الاسم واسم الأب. أن الكتاب ليس مقصوراً على أسماء الرواة الذين وقع فيها القلب، بل هو أعم من ذلك. ومن فوائده: أمن توهم القلب (2) . 2 ولابن البُلْقِيني جلال الدين أبي الفضل عبد الرحمن بن عمر بن رسلان (ت824هـ) رحمه الله، جزء مفرد جمع فيه مقلوب المتن، ونظمها في أبيات. قال الحافظ السخاوي (ت902هـ) رحمه الله في كلامه عن الأحاديث المقلوبة متناً: "ما اعتنى بجمعها بل ولا بالإشارة إليها إلا أفراد منهم من المتأخرين: الجلال ابن البُلْقِيني، في جزء مفرد ونظمها في أبيات"اهـ (3) . وقال أيضاً رحمه الله: "وقد أفرد الجلال البلقيني رحمة الله تعالى عليه كثيراً من أمثلة هذا النوع [يعني: المقلوب متناً] لكن لا نطيل بإيرادها"اهـ (4) . قلت: ولم أقف على كتابه، وقد اعتنيت بجمعها وتتبعها بقدر ما تيسر لي، وخرّجتها وأفردتها بدراسة خاصة ولله الحمد على توفيقه! 3 ولشمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد القيسي الدِّمشقي المعروف ب "ابن ناصر الدين" (ت842هـ) رحمه الله كتاب اسمه: "السراق والمتكلم فيهم من الرواة" (5) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 493 وموضوعه كما يظهر من ترجمته: في جمع الرواة الذين وصفوا بسرقة الحديث، وهم داخلون في الرواة الموصوفون بقلب الحديث، وقد جمعتهم في معجم، أفردته لتراجم مختصرة لهم، ولله الحمد والمنة! 4 ولابن حجر (ت852هـ) رحمه الله كتاب في المقلوب، سمّاه: "جلاء القلوب في معرفة المقلوب"، ويُسمى "نزهة القلوب في معرفة المبدل والمقلوب"، وورد اسمه في بعض المصادر: "نزهة القلوب في معرفة المبدل من المقلوب" (1) . ذكره تلميذه السخاوي (ت902هـ) رحمه الله ونقل من مقدمته مع زيادة وحذف منه، فقال: "وأمّا شيخنا (يعني: ابن حجر) فإنه أفرد من علل الدارقطني (ت385هـ) مع زيادات كثيرة ماكان من نمط المثالين اللذين قبله (2) . وسمّاه "جلاء القلوب في معرفة المقلوب" وقال: إنه لم يجد من أفرده مع مسيس الحاجة إليه بحيث أدّى الإخلال به إلى عدِّ الحديث الواحد أحاديث إذا وقع القلب في الصحابي، ويوجد في كلام الترمذي (ت279هـ) فصلاً عمن دونه حيث يقال: وفي الباب عن فلان وفلان، ويكون الواقع إنه حديث واحد اختلف على راويه. وقد كان بعض القدماء يبالغ في عيب من وقع له ذلك، فروينا في مسند الإمام أحمد (3) عن يحي بن سعيد القطان (ت198هـ) أنه قال: حدّث سفيان الثوري (ت161هـ) عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي (أنه قال: لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس فقلت له: تعست يا أبا عبد الله (أي: عثرت) فقال: كيف هو؟ قلت: حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن أبي الجراح عن أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت. وقد اشتمل هذا الخبر على عظم دين الثوري وتواضعه وإنصافه، وعلى قوّة حافظة تلميذه القطان وجرأته على شيخه حتى خاطبه بذلك ونبهه على عثوره حيث سلك الجادة لأن جلّ رواية نافع هي عن ابن عمر، فكان قول الذي يسلك غيرها إذا كان ضابطاً أرجح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 494 كذا خطّأ يحي القطان شعبة (ت160هـ) حيث حدّثوه بحديث: "لايجد عبد طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر"، عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي. وقال: حدثنا به سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن ابن مسعود وهذا هو الصواب، ولا يتأتى ليحي أن يحكم على شعبة بالخطأ إلا بعد أن يتيقن الصواب في غير روايته، فأين هذا ممن يستروح فيقول مثلا: يحتمل أن يكون عند أبي إسحاق على الوجهين فحدّث به كل مرّة على أحدهما. وهذا الاحتمال بعيد عن التحقيق إلا إن جاءت رواية عن الحارث يجمعهما ومدار الأمر عند أئمة هذا الفن على ما يقوى في الظن، أمّا الاحتمال المرجوح فلا تعويل عندهم عليه"اهـ (1) . قال السخاوي عقب ما نقله عن شيخه ابن حجر من مقدمة كتابه "جلاء القلوب": "واختار في تسمية قسمي العمد: الإبدال لا القلب"اهـ (2) . هذا هو ما وقفت عليه من أسماء المصنفات في هذا النوع الحديثي! سائلاً الله تعالى التوفيق والهدى والرشاد والسداد. • • • الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج التي انتهت إليها هذه لدراسة، وهي التالية: 1 بيان أن الإمام ابن الصلاح رحمه الله اقتصر في تعريفه للمقلوب على تعريف المقلوب إسناداً، وأنه يمكن الاعتذار عنه بعدة أمور: منها أنه لم يقصد الحد بالرسم التام، إنما عرّف بالمثال وهو تعريف بالرسم الناقص! ومنها أنه رحمه الله قد أورد مثالاً يصلح أن يكون للقلب في السند كما يصلح أن يكون للقلب في المتن؛ فيكون كلامه فيه إشارة للقلب في المتن، ومنها أنه جرى على تعريف ما غلب وكثر في عبارات الأئمة وهو القلب في السند! 2 تحرير التعريف الجامع المانع للحديث المقلوب، وبيان أقسامه وأنواعه! وأن ابن الصلاح رحمه الله كان دقيقاً في التعبير عن الواقع لدى أئمة الحديث في تعريفه للمقلوب، إذ تطابق الواقع في عباراتهم مع تعريفه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 495 3 أن القلب عرف لدى أئمة الجرح والتعديل منذ بداياته، في القرن الثاني، خلافاً للذهبي الذي قرر أن القلب على الشيوخ لم يُعرف إلا بعد القرن الثاني! 4 تحرير حكم قلب الحديث، وبيان مرتبته، وأنه قد يجتمع القلب مع الصحة والحسن بشرط أن لا يكون قادحاً في ثبوت الحديث! 5 تبين أن الإمام ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله من أكثر الأئمة لهجاً بالوصف بالقلب، وأن ابن عدي (ت365هـ) رحمه الله من أكثر الأئمة لهجا بالوصف بالسرقة! 6 إبراز طريقة أهل الحديث في الكشف عن وجود القلب في الحديث، وأن لهم في ذلك عبارات متعددة تدل على دراية تامة بحقيقة القلب وصوره ومدى تأثيره في الرواة، فتارة يصفون الراوي بالقلب، وتارة يصفونه بالسرقة، وتارة يعبرون عنه بالإحالة، وتارة يعبرون بالتدليس! 7 بيان أن هناك تداخلاً كبيراً للقلب مع أنواع ومصطلحات حديثية متعددة، كالتلقين والشذوذ والنكارة، والرواية على الجادة، والتدليس وغيرها، وقد أفردت هذا بدراسة خاصة! وختاماً الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأسأل الله بأن له الحمد الحنان المنان بديع السموات والأرض أن يتقبل عملي خالصاً لوجهه الكريم وداعياً إلى سنة نبيه الرؤوف الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الحواشي والتعليقات تهذيب التهذيب (11/283) . المجروحين (1/73) . المدخل إلى الإكليل ص59، ونقله عنه ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول (1/139140) . معجم مقاييس اللغة (5/17) . يأتي القلب في اصطلاح علماء البلاغة وعلماء الصرف بمعاني اصطلاحية خاصة بهم، من ذلك: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 496 يأتي القلب في علم الصرف بمعنى تقديم بعض حروف الكلمة على بعض، ويسمى القلب المكاني، وأكثر ما يتفق في المهموز المعتل، فقد تقدم عين الكلمة على الفاء، كما في كلمة: "جاه" مقلوب "وجه"، و "أيس" مقلوب "يأس". وقد تقدم ... للام على الفاء كما في "أشياء" مقلوب "شيء". وقد تتأخر الفاء عن اللام كما في "الحادي" مقلوب "الواحد" انظر: معجم لقواعد العربية في النحو والصرف ص341. يأتي القلب في علم البلاغة في مواضع منها: في باب الحصر والقصر، إذ من ضروب الحصر الإضافي باعتبار حال المخاطب: "قصر القلب"، حيث يخاطب به من يعتقد عكس الحكم الذي أثبته المتكلم فيقلبه عليه باستعمال أسلوب القصر. في باب الجناس، في نوع الجناس غير التام، ويسمى جناس العكس، وفيه نوعان: قلب البعض، وقلب الكل. المقلوب من عيوب ائتلاف المعنى والوزن عند قدامة بن جعفر، وهو أن يضطر الوزن الشعري إلى إحالة المعنى فيقلبه الشاعر على خلاف ما قصد. كقول عروة بن الورد: فلو أني شهدت أبا سعاد فديت بنفسه نفسي ومالي غداة غدا بمهجته يفوق وما آلوك إلا ما أطيق أراد أن يقول: "فديت نفسه بنفسي" فقلب المعنى. في باب التشبيه، "التشبيه المقلوب" وهو الذي يقلب فيه طرفي التشبيه، فيجعل المشبه به مشبهاً، والمشبه يُجعل مشبهاً به. نظر: معجم البلاغة العربية ص553558. المقلوب من فنون العرب في كلامها كما يقال: عرضت الناقة على الحوض، أي: عرضت الحوض على الناقة. وهذا من لتوسعة في كلامهم. انظر الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي (1/327) ، معجم علوم اللغة ص323. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 497 قد استعمله بعض أهل الحديث في بيان معنى حديث: "زينوا القرآن بأصواتكم". قال الخطابي (ت388هـ) رحمه الله في معالم السنن (2/137138) : معناه زينوا أصواتكم بالقرآن، هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث، وزعموا أنه من باب لمقلوب كما يقال: عرضت الناقة على الحوض، أي: عرضت الحوض على الناقة ... والمعنى: اشغلوا أصواتكم بالقرآن والهجوا بقراءته واتخذوه شعاراً وزينة."اهـ، وانظر: غريب الحديث للخطابي (1/357) . قال السندي رحمه الله في حاشيته على سنن ابن ماجة (1/404) : "ولما رأى بعضهم أن القرآن أعظم وأجل من أن يحسن بالصوت بل الصوت أحق أن يحسن القرآن؛ قال: معناه زينوا أصواتكم بالقرآن هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث زعموا أنه من باب القلب"اهـ قال مجد الدين المبارك ابن الأثير (ت606هـ) رحمه الله، في النهاية في غريب الحديث والأثر (2/325326) :" "زَيِّنُوا القرآن بأصْواتِكم" قيل: هو مَقْلوبٌ، أي زَيِّنوا أصواتَكم بالقُرآن. والمعنى: الْهَجُوا بقِراءتِه وتَزَينُوا به، وليس ذَلك على تَطْريب القَول والتَّحْزين، كقوله: "ليسَ مِنَّا من لم يَتَغَنَّ بالقُرآن"أي: يَلهج بِتلاوته كما يلهج سائر النَّاس بالغِناء والطَّرَب. هكذا قال الهرَوى الخطَّابي ومن تقدَّمهما"اهـ. ولم يسلّم هذا؛ ومحل بيانه في الدراسة التي أفردتها لدراسة الأحاديث المنقلبة متناً، والله الموفق! علوم الحديث ص91. تقريب النواوي مع شرحه تدريب الراوي (1/291) . المنهل الرّوي ص53. الخلاصة في أصول الحديث ص73. اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث ص87. في ألفيته مع شرحها "التبصرة والتذكرة" له (1/282) . النكت لابن حجر (2/864) . أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، حديث رقم (1031) . وهو النوع الثاني والعشرون من أنواع علوم الحديث عند ابن الصلاح في كتابه، ص91. انظر محاسن الاصطلاح ص285. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 498 محاسن الاصطلاح ص286، ونص عبارته: "ويمكن أن يسمى ذلك بالمعكوس، فينبغي أن يفرد بنوع خاص، ولكن لم أر من تعرّض له"اهـ. فتح الباري (2/146) . فتح المغيث (1/319) . حواشي الأجهوري على شرح الزرقاني للبيقونية ص6465. ظفر الأماني ص405. إلا كلاماً للإمام الشافعي (ت204هـ) رحمه الله لم يأت فيه صراحة اسم (القلب) في المتن، ولكن جاءت صورته، والعلماء مثلوا بها في المقلوب متناً وهو ما جاء في كلام البيهقي في السنن الكبير (6/325) ، حيث قال بعد روايته من طريق عبد الله يعني ابنَ عُمَرَ العُمَرِيَّ عن نافع عن ابنِ عُمَرَ: "أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ يومَ خَيْبَرَ للفارسِ سهمينِ، وللراجلِ سهماً". قال البيهقي: "عبدُ الله العُمَرِيُّ كثيرُ الوَهَمِ. وقد رُوِيَ ذلكَ من وَجْهٍ آخَرَ عن القَعْنَبِيِّ عن عبدِ الله العُمَرِيِّ بالشكِ في الفارسِ أَو الفَرَسِ. قالَ الشَّافِعيُّ في القديمِ: كَأَنَّهُ سمعَ نافعاً يقولُ: للفرسِ سهمينِ وللرجلِ سهماً، فقالَ: للفارسِ سهمينِ وللراجلِ سهماً. وليسَ يَشُكُّ أحدٌ مِنْ أهل العلم في تَقْدِمَةِ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ على أخيه في الحِفْظِ"اهـ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 499 ووجدت كلاماً صريحاً في المقلوب متناً ولكن لعلمين من القرن الرابع والخامس أحدهما: الإمام ابن خزيمة (ت311هـ) رحمه الله في كتاب التوحيد ص360، حيث ذكر صورة القلب في المتن، وقال: "قلب ابن نمير المتن على مارواه أبومعاوية. وتابع شعبة في معنى المتن! وشعبة وابن نمير أولى بمتن الخبر من أبي معاوية، وتابعهما أيضا سيار أبوالحكم عن أبي وائل عن عبد الله قال: خصلتان أحداهما سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى أنا أقولها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات وهو يجعل لله نداً دخل النار، وأنا أقول: من مات وهو لا يجعل لله نداً دخل الجنة"اهـ وثانيهما: الإمام البيهقي (ت458هـ) رحمه الله، في كتابه معرفة السنن والآثار (2/4849) ، حيث قال في كلام له عن حديث: "في هذه الرواية الصحيحة تكذيب من قلب هذا الحديث وأتى فيه بما لم يأت به الثقات من أصحاب قتادة"اهـ. قلت: والذي وقع في الرواية التي تكلم عليها البيهقي قلب في المتن! وقد تكلمت عن ذلك بالتفصيل في الدراسة التي أفردتها للأحاديث لمقلوبة متناً! من هؤلاء: محمد محي الدين عبد الحميد في تعليقه على توضيح الأفكار (2/100) ، والطحان في كتابه تيسير مصطلح الحديث ص108، وصاحب صقل الأفهام بشرح منظومة البيقونية ص161. والخطب في ذلك سهل! إذ الأمر كما قال ابن دقيق العيد في الاقتراح ص236: "وقد يطلق المقلوب على اللفظ بالنسبة إلى الإسناد، والإسناد بالنسبة إلى اللفظ"اهـ وعدّ السماحي في غيث المستغيث ص90، هذه الصورة من أمثلة القلب في المتن والسند جميعاً! النكت لابن حجر (2/865) . الاقتراح ص236. الموقظة ص60. تذكرة ابن الملقن مع شرحها التوضيح الأبهر ص58. مختصر الجرجاني ص92. جواهر الأصول ص7980 بتصرّف يسير. المختصر في علم الأثر ص136137. بلغة الحثيث إلى علم لحديث ص27. نكت الزركشي على كتاب ابن الصلاح (2/299) . النكت للزركشي (2/305) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 500 الهداية في علم الرواية مع شرحها الغاية للسخاوي (1/339343) . الغاية شرح الهداية (1/343) . محاسن الاصطلاح ص286. قواعد التحديث ص132. قواعد التحديث ص126. كذا! مع قوله في أوّل الكلام أن المقلوب قسمان، ونبّه في توضيح الأفكار (2/105) ، إلى ذلك. تنقيح الأنظار مع شرحه توضيح الأفكار (2/98106) . النكت على كتاب ابن الصلاح (لابن حجر) (2/864) . ونص في فتح الباري (2/146) على أن القلب يقع تارة في السند، وتارة في المتن، كما قالوه في المدرج سواء. نزهة النظر شرح نخبة الفكر ص101، 102. كما صرّح بذلك في النزهة ص101. نقله عن بعضهم في اليواقيت والدرر (2/86) . نزهة النظر شرح نخبة الفكر ص101، 102. النكت على كتاب ابن الصلاح (لابن حجر) (2/864) . النكت لابن حجر (2/852) . ومنه تعلم ما في كلام الطوخي الذي نقله الشيخ عطية الأجهوري في حواشيه على شرح الزرقاني لنظم البيقونية ص65، حيث قال: "وأمّا لو أتى بسند كذباً من عنده ليس بسند لحديث أصلا فوضعه لمتن مشهور فلا يسمى قلباً باصطلاحهم بل هو حرام. وأمّا عكسه وهو ذكر سند مشهور لحديث موضوع فلا يسمى قلباً أيضاً"اهـ قلت: إن أراد أنه لايسمى مقلوباً مطلقاً إلا مقيداً بوصف الوضع فالأمر كما قال، وقد سبق التنبيه عليه تحت الملاحظات على تعريف الحافظ ابن حجر رحمه الله، وأمّا إن أراد نفي تسميته بالمقلوب أصلاً حتى بالقيد فهو خلاف ما تراه من كلام أهل العلم، والله الموفق. ألفية السيوطي ص69. علوم الحديث لابن الصلاح ص89. فتح المغيث (1/318) ، (1/328) . ألفية السيوطي ص69. فتح الباقي (1/282) ، بتصرف. ظفر الأماني ص405. الوسيط في علوم ومصطلح الحديث ص315. غيث المستغيث ص90. علوم الحديث ومصطلحه ص191. المصباح ص108. لمحات في أصول الحديث ص251. منهج النقد في علوم الحديث ص435. الحديث النبوي مصطلحه بلاغته كتبه ص218. تيسير مصطلح الحديث ص107. المختصر الوجيز في علوم الحديث ص154155. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 1 توجيه النظر ص574،577، 578، 581، بتصرف يسير واختصار. الهداية مع شرحها الغاية (1/340) . الهداية مع شرحها الغاية (1/340) . فتح المغيث (1/328) ، الغاية شرح الهداية (1/339) . محاسن الاصطلاح ص286. تقدّم أن من هؤلاء: محمد محي الدين عبد الحميد في تعليقه على توضيح الأفكار (2/100) ، والطحان في كتابه تيسير مصطلح الحديث ص108، وصاحب صقل الأفهام بشرح منظومة البيقونية ص161. والخطب في ذلك سهل! إذ الأمر كما قال ابن دقيق العيد في الاقتراح ص236: "وقد يطلق المقلوب على اللفظ بالنسبة إلى الإسناد، والإسناد بالنسبة إلى اللفظ"اهـ وعدّ السماحي في غيث المستغيث ص90، هذه الصورة من أمثلة القلب في المتن والسند جميعاً! ترجمته في: المجروحين (2/243) ، الميزان (3/613) ، الكاشف (2/197) ، التهذيب (9/301) ، التقريب ص871. المراسيل لابن أبي حاتم ص20، جامع التحصيل ص 146. الميزان (2/592) . والقضية عندي مثل قضية اثبات الصحبة لراوي جاء في سند من الأسانيد تصريحه بالنقل عن رسول الله (، مع وجود تصريح الأئمة بأن هذا الراوي ليس بصحابي، فهل لنا أن نقول: هو صحابي لوقوع روايته عن الرسول (في هذه السند!! كذا الحال هنا في هذه الأسانيد التي يأتي فيها التصريح بالسماع بين راويين نص أهل العلم على عدم سماعهما من بعض، ويوضحه إن شاء الله تعالى أن تعلم أن العنعنة من غير المدلِّس مع إمكان اللقاء محمولة على السماع، فاحتمال الوهم في قلبها بين راويين إلى صيغة صريحة بالتحديث وارد جداً، ويكشف وقوع القلب في ذلك تصريح الأئمة بعدم حصول السماع بين الراويين، ومثل هذه القضية تتكرر كثيراً في كتب المراسيل، وانظر إن شئت تحفة التحصيل، في الترجمة الأولى منه، فإن فيه مثالاً لما نحن فيه، وقع في صحيح مسلم، مع التنبيه أن هذه العلة في الحديث الذي في صحيح مسلم غير مؤثرة في ثبوت المتن!! والله الموفق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2 ترجمته في: المجروحين (1/342) ، الكاشف (1/422) ، التهذيب (3/439) ، التقريب ص360، الجامع (1/281) . الإصابة (1/529) . الإصابة (1/385) . الإصابة (2/171) . الإصابة (1/531) . نقله عنه في فتح المغيث (1/326327) . ترجمته في: المجروحين (1/324) ، الكاشف (1/432) ، التهذيب (4/3) ، التقريب ص374، الجامع (1/290) . المجروحين (1/324) . قد أفردت الأحاديث المقلوبة متناً بدراسة خاصة خرّجت فيها هذا الحديث وغيره! ميزان الاعتدل (3/563) . ميزان الاعتدال (3/561) . الجامع لأخلاق الراوي (1/135) . النكت لابن حجر (2/866) . تخريجه في الدراسة التي أفردتها للأحاديث المقلوبة متناً. معرفة السنن والآثار (2/4849) . سنن البيهقي (2/162) . الترجمة منقولة جميعها بتصرف من أسد الغابة (1/117118) ، الإصابة (1/ 125) . التاريخ الكبير (2/169) . الجرح والتعديل (2/457) . الثقات (4/92) . الترجمة منقولة جميعها بتصرف يسير من أسد الغابة (1/277) ، الإصابة (رسالة ما جستير على الآلة الكاتبة، تحقيق الأخ عبد الله عرالي، من حرف الثاء إلى نهاية حرف الحاء) (1/81) . الموقظة ص60. الكفاية ص144. الكفاية ص143. المجروحين (1/120) . المجروحين (3/103) . معرفة السنن والآثار (2/4849) . فتح الباري (1/201) . فتح الباري (2/490) . النكت لابن حجر (2/866) . الكفاية ص146، 149. الكفاية ص149. الجامع لأخلاق الراوي (1/136) . أخرجها الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص398399، وستأتي إن شاء الله بطولها. التبصرة والتذكرة (1/284) . نزهة النظر ص102. الجامع لأخلاق الراوي (1/136) . الجامع لأخلاق الراوي (1/136) . الجامع لأدب الراوي (1/135) . المجروحين (1/33) ، وبنحوها في تاريخ بغداد (12/353354) ، وانظر تهذيب التهذيب (8/274) ، والنكت لابن حجر (2/866) ، فتح المغيث (1/323) ، وسااقها بسياق آخر الخطيب في الجامع (1/136) . ترجمته في: الكامل (2/615) ، المتروكين (1/181) ، الديوان ص69، الجامع (1/141) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 تنبيه: وقع اسم والده بالشين المعجمه (شريح) في المتروكين، وهو تصحيف. ضعفاء العقيلي (1/220) ، الجامع لأخلاق الراوي (1/136) . نزهة النظر ص102، اليواقيت والدرر (2/100) . التبصرة والتذكرة (1/284) ، فتح الباقي (1/286) . انظر: الكشف الحثيث ص29،166، 177،183، 198، 273، النكت لابن حجر (2/852) . اليواقيت والدرر (2/100) . نقله عنه الذهبي (ت748هـ) في الميزان (3/563) في ترجمة محمد بن سعيد المصلوب. هذا صحيح لكن عندي أنه ينبغي التفريق بين من دلّس أسماء الشيوخ لغير الغرض الأول فوعّر طريقة معرفتهم وضيع المروي، أقول: ينبغي التفريق في هذا بين من يتوقف الحكم على الحديث عليهم، وبين من لا يتوقف الحكم على الحديث عليهم، كمن يقع اسمه في أسانيد الإجازات والأثبات والمشيخات؛ فهذا أهون كثيراً، ولعل لهذا السبب تسهّل من تسهّل من المتأخرين كالخطيب وابن الجوزي رحمهما الله، أما إذا كان الوقوف على درجة الحديث لا يتم إلا عن طريق هذا الإسناد الذي فيه هذا الشيخ ثم يُدلّس اسمه فيوعر طريق معرفته على من يروم ذلك، فهذا ضرر متحقق لا يجوز، فيما يظهر لي والله اعلم. جامع التحصيل ص104. الموقظة ص60. سنن الترمذي كتاب العلم، باب من روى حديثاً وهو يرى أنه كذب، عقب الحديث رقم (2669) . علوم الحديث لابن الصلاح ص89. النكت لابن حجر (2/874) . انظر: النكت لابن حجر (1/235) ، فتح المغيث (1/1819) ، تدريب الراوي (1/6566) . اليواقيت والدرر (2/9899) . المجروحين (1/32) . المجروحين (1/33) . الكفاية ص145، وذكره في المجروحين مقتصراً على بعضه (1/74) ، وكذا ساقه في الكفاية ص142. المجروحين (1/7374) . معرفة علوم الحديث ص5960. النكت لابن حجر (2/874) . المجروحين (1/32) . ضعفاء العقيلي (1/102) ، تهذيب التهذيب (1/241) . الكفاية ص152. النكت لابن حجر (2/875) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 نقله في فتح المغيث (1/327328) من مقدمة كتاب الحافظ ابن حجر "جلاء القلوب"، وقال عقبه: "انتهى مع زيادة وحذف، وكلام الحافظ في النكت (2/875) قريب منه. الكفاية ص146. الكفاية ص147. الكفاية ص146، ونقلها في ابن حجر في النكت (2/876) . النكت لابن حجر (1/877) . أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الزكاة باب فضل إخفاء الصدقة، حديث رقم (1031) . في كتاب الجامع باب ما جاء في المتحابين في الله، حديث رقم (1777) . في مواضع من صحيحه، وهي التالية: في كتاب الأذان باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، حديث رقم (660) ، وفي كتاب الزكاة باب الصدقة باليمين حديث رقم (1423) ، وفي كتاب الرقاق باب البكاء من خشية الله، تحت رقم (6479) بسياق مختصر، وفي كتاب الحدود، باب فضل من ترك الفواحش، حديث رقم (6806) . إكمال المعلم (3/563) . وهو النوع الثاني والعشرون من أنواع علوم الحديث عند ابن الصلاح في كتابه، ص91. لم يأت في كلام ابن الصلاح ذكر المقلوب متناً صراحة، ولكنه مثل للمقلوب بمثالين، يصلح المثال الثاني أن يكون من أنواع القلب في المتن، وقد نبهت على هذا في المقصد الأول في الملاحظات على تعريف ابن الصلاح فارجع إليه غير مأمور‍‍ ( محاسن الاصطلاح ص285. محاسن الاصطلاح ص286 ونص عبارته:"ويمكن أن يسمى ذلك بالمعكوس، فينبغي أن يفرد بنوع خاص، ولكن لم أر من تعرّض له"اهـ. من ذلك ما جاء في كلام للبيهقي في معرفة السنن والآثار (2/4849) حيث سمى ما وقع من ذلك في المتن (قلباً) . وسبق التنبيه عليه في المقصد الأول، عند تسجيل الملاحظات على تعريف ابن الصلاح رحمه الله! فتح الباري (2/146) . إكمال المعلم (3/563) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 وكذا جزم بأن الوهم من يحي ابن خزيمة في صحيحه (1/186، حديث رقم 358) فقال بعد روايته للحديث من طريق يحي عن عبيد الله بن عمر به،: "هذه اللفظة، "لاتعلم يمينه ما تنفق شماله" قد خولف فيها يحي بن سعيد، فقال من روى هذا الخبر غير يحي: "لايعلم شماله ما تنفق يمينه"! "اهـ وكذا أبونعيم في مستخرجه على مسلم (3/104) قال عقب ذكره للحديث مقلوباً: "لفظ زهير عن يحي رواه مسلم عن زهير ومحمد بن المثنى عن يحي"اهـ وهذا منه بيان أن اللفظ المقلوب ليس الوهم فيه من زهير لأنه توبع عليه، وتأكيد أنه من يحي! كذا قال، رحمه الله، ولكن سياق الروايات عند أبي نعيم، يُشعر بحصول اختلاف على عبيد الله بن عمر في روايته، وأن احتمال الوهم منه حاصل بل قوي جداً، وبيان ذلك سيأتي بعد قليل في الأصل! فتح الباري (2/146) . من طريق حمّاد بن زيد عن عبيد الله أخرجه ايضاً البيهقي في الشعب (549،7357) ، وابن عبد البر في التمهيد (فتح المالك 10/214) . وانظر مسند أحمد (الرسالة 15/415) المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم (3/103، تحت رقم 2305) . أخرج الحديث من طريق يحي عن عبيد الله بن عمر: أحمد في المسند (الرسالة 15/414، تحت رقم 9665) ، والبخاري في صحيحه وسبق ذكر مواضعه، وأرقامه عنده (660، 1423،6479) ، ومسلم وسبق بيان موضعه، وأن رقمه عنده (1031) ، والترمذي في كتاب الزهد باب ما جاء في الحب في الله، حديث رقم (2391) وأحال في لفظ المتن، وابن خزيمة تحت رقم (358) ، والبيهقي في السنن (4/190، 8/162) . ويؤكده حصول اختلاف على عبيد الله بن عمر، فقد أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (5845) من طريق الليث أن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم حدّثه عن جدِّه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ستة يظلهم الله في ظله ... " وبلم يذكر قصة الرجل الذي فاضت عيناه! ... ذكر هذا الطريق محققو مسند أحمد (الرسالة 15/415) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 أخرجه الطبراني في الأوسط (3/135) . قال الطبراني عقبه: "لم يروه عن أيوب إلا حماد. ولا رواه عن حماد إلا علي"اهـ قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/158) : "هو في الصحيح بعكس هذا. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات "اهـ تدريب الراوي (1/293) . مجمع الزوائد (1/158) . أخرجه البخاري في كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله، حديث رقم (7288) ، وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل باب توقيره وترك اكثار سؤاله، تحت رقم (1337) ، وفي كتاب الحج باب فرض الحج مرة في العمر، تحت رقم (1337) . شرح معاني الآثار (4/234) . صحيح ابن حبان (الإحسان 4/266، تحت رقم 1418) . أخرجه في كتاب الوضوء باب التبرز في البيوت، حديث رقم (148149) . أخرجه في كتاب الطهاارة، باب الاستطابة، حديث رقم (266) . النكت على كتاب ابن الصلاح (2/883) . فتح المغيث (1/329) . ظفر الأماني ص408. فتح المغيث (1/329) . (1/136) . تهذيب التهذيب (9/301) ، وانظر المجروحين (2/244) . (1/136) . الكامل (2/527) . التهذيب (7/323) . التاريخ الكبير (8/385) ، التهذيب (11/408) . أخرجها الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص398399، وذكرها الذهبي (ت748هـ) في ميزان لاعتدال (3/645) وقال: ومع كون ابن عجلان متوسطاً في الحفظ فقد ورد ما يدل على جودة ذكائه فروى أبومحمد الرامهرمزي ... وذكر القصة"اهـ، وساقها في سير أعلام النبلاء (6/321) ، وقال: "فهذه الحكاية فيها نظر! وما أعرف عبد الله هذا (يعني: شيخ الرامهرمزي) ومليح لا يدرى من هو، ولم يكن لوكيع بن الجراح ولد يطلب أيام ابن عجلان، ثم لم يكن ظهر لهم قلب الأسانيد على الشيوخ، إنما فعل هذا بعد المئتين.."اهـ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 قلت: كذا قال يرحمه الله، وقد اعتمد القصة هو نفسه في الميزان كما رأيت، واعتمدها ابن حجر في النكت (2/871872) ، والسخاوي في فتح المغيث (2/323) . وقوله: "لم يكن ظهر لهم قلب الأسانيد على الشيوخ، إنما فعل هذا بعد المئتين"، لا يطابق الواقع فهذا شعبة (ت160هـ) وحماد بن زيد (ت167هـ) قد استعملاه! ثم التلقين قديم وصورته صورة القلب! فسبحان الله! التهذيب (8/261) . السنن الكبير (6/325) . التهذيب (3/247) . التهذيب (3/247) . الميزان (2/41) ، التهذيب (3/247) . المتروكين (1/216) ، الديوان ص90. الميزان (3/100) ، التهذيب (3/403) . تاريخ أبي سعيد هاشم الطبراني عن أبي زكريا يحي بن معين ص34، اللسان (3/84) . الميزان (4/68) . العلل ومعرفة الرجال (1/252، تحت رقم 1445) ، وانظر: الكامل (2/818) ، التهذيب (2/180) . تنبيه: وقع سقط من كلام ابن عدي، في ترجمته من التهذيب، يًعرف بمراجعة كلام ابن عدي في الكامل. التهذيب (4/338) ، بحر الدم ص204. ترجمته في: المجروحين (2/53) ، الكامل (4/1587) ، الكاشف (1/633) ، التهذيب (6/213) ، التقريب ص586، الجامع (2/79) . التاريخ الكبير (3/391، تحت رقم 2741) ، وانظر الكامل (5/1885) ، الميزان (3/317) ، الجامع (2/341) . التهذيب (8/260) ، الجامع (2/357) . ترتيب علل الترمذي الكبير (2/953) . الميزان (2/41) ، التهذيب (3/247) . التهذيب (11/288) ، النكت لابن حجر (2/645) ، فتح المغيث (2/321) . الميزان (1/157) ، التهذيب (1/211) . علل الحديث لابن أبي حاتم (2/2425) . علل الحديث (1/456) . وانظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/281) . المجروحين (2/303) ، الكشف الحثيث ص227، التهذيب (9/127) . المجروحين (2/148) ، التهذيب (6/447) . تهذيب الكمال (المخطوط) (1/279) ، ميزان الاعتدال (1/523) ، الكشف الحثيث ص95، هدي الساري ص397، تهذيب التهذيب (2/323) . تنبيه: كلام أبي داود لم أجده في المطبوع من سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 وقد اختلفت كلمة "فيقلبها" في النص المنقول عن أبي داود، فجاءت كما أثبتها في ميزان الاعتدال، والكشف الحثيث، وهدي الساري، وهو الصواب، ووقعت في تهذيب الكمال (المخطوط) : "فيعلقها"، وفي طبعة بشار عواد: "فيلقنها"، وفي تهذيب التهذيب: "فيلقيها". ويدل على أن صوابها: "فيقلبها" تفسير ابن حجر المذكور عنه من كتابه هدي الساري، وبالله التوفيق. ترجمته في: المجروحين (3/28) ، الكامل (6/2360) ، الكاشف (2/267) ، التهذيب (10/161) ، التقريب ص946، بحر الدم ص403، الجامع (3/1330) . علل الحديث لابن أبي حاتم (2/2526) . المجروحين (2/47) ، الكامل (4/1574) . المجروحين (3/89) ، الميزان (4/298) ، التهذيب (11/39) . المجروحين (2/303) ، الكشف الحثيث ص227، التهذيب (9/127) . الميزان (4/265) ، التهذيب (10/452) ، الجامع (3/219) . الكامل (6/2494) . كتاب التوحيد ص360. المجروحين (1/96) . المجروحين (1/119،120) . ترجمته في: المجروحين (1/113) ، المتروكين (1/22) ، الميزان (1/18) ، المغني (1/9) . الكامل (1/256) . تنبيه: تعقب في اللسان (1/41) ، قول الذهبي في الميزان (1/24) : "قال ابن عدي يسرق الحديث" بقوله: "وأمّا قول المؤلف عن ابن عدي: قال كان يسرق الحديث؛ ففيه نظر! ... إلى آخره"؛ أقول: كلام ابن عدي كما نقله الذهبي رحمه الله، وذلك أن ابن عدي رحمه الله صدر الترجمة بالكلام الذي نقله الذهبي عنه، ثم قال في آخرها الكلام الذي نقله ابن حجر رحم الله الجميع. الكامل (1/258) . الكامل (1/200) . الميزان (3/613) ، التهذيب (9/301) . الضعفاء والمتروكين للدارقطني (مجموع في الضعفاء والمتروكين) ص339، ترجمة 346، التهذيب (6/447) ، الجامع (2/150) . الضعفاء والمتروكون (ضمن مجموع في الضعفاء والمتروكين) ترجمة رقم 329، الجامع (2/155) . العلل الواردة في الأحاديث (5/89) . تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الدين السلفي، دار طيبة الطبعة الأولى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 العلل الواردة في الأحاديث (6/192) . وانظر نحو هذا أيضاً في سنن الدراقطني (التعليق المغني 4/264) . أعلام الحديث (1/110111) . قلت: تعقبه الحافظ العراقي في طرح التثريب (2/4) فقال: "وقول الخطابي: "إنه يقال إن الغلط إنما جاء من قبل نوح بن حبيب الذي رواه عن ابن أبي رواد"؛ فليس بجيد من قائله؛ فإنه لم ينفرد به نوح عنه، بل رواه غيره عنه، وإنما الذي تفرد به ابن أبي رواد كما قال الدارقطني وغيره"اهـ تاريخ بغداد (9/81) ، التهذيب (4/24) . الميزان (4/425) ، نصب الراية (1/402) ، التهذيب (11/328) . الضعفاء لأبي نعيم ص118. معجم الجرح والتعديل (في السنن الكبرى) ص115. السنن الكبرى (8/304) . السنن الكبرى (10/210) . تاريخ بغداد (9/81) ، التهذيب (4/24) . سير أعلام النبلاء (6/321) . علوم الحديث مع محاسن الاصطلاح ص637. ألفية العراقي مع شرحها التبصرة والتذكرة (3/223) . ألفية السيوطي في علم الحديث ص279. الهداية في علم الرواية لابن الجزري مع شرحها الغاية للسخاوي (2/505) . الغاية شرح الهداية (2/505) . نزهة النظر ص101. فتح المغيث (1/326) . وانظر منه (4/290) . فتح الباقي (3/223) . فتح المغيث (1/328) . الغاية شرح الهداية (1/346) . ذكره في مؤلفاته محقق كتابه "توضيح المشتبه" في مقدمة التحقيق (1/75) . الجواهر والدرر (2/680) ، ابن حجر العسقلاني مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة (1/205) . يعني من مقلوب الإسناد: القلب بإبدال راوٍ اشتهر الحديث به بآخر في طبقته، أو بإعطاء سند هذا الحديث لمتن حديث آخر، وسند الآخر لمتن غيره، سواء وقع عمداً بقصد الإغراب، أو وهماً وغلطاً. (6/426) . نقله في فتح المغيث (1/327328) ، وقال عقبه: "انتهى مع زيادة وحذف". تح المغيث (1/328) . المصادر والمراجع الآحاد والمثاني / لابن أبي عاصم (ت287هـ) / تحقيق: باسم فيصل الجوابرة/ دار الراية/ الطبعة الأولى 1411هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان / لعلاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت739هـ) / تحقيق شعيب الأرنؤوط/ مؤسسة الرسالة/ الطبعة الأولى 1412هـ إختصار علوم الحديث، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير (ت774هـ) ، مع شرحه الباعث الحثيث لأحمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت. الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر مطبوع بهامش الإصابة = الإصابة. أسد الغابة في معرفة الصحابة/ لعز الدين ابن الأثير علي بن محمد الجزري (ت630هـ) / تحقيق محمد البنا وزملائه/ مطبعة دار الشعب. الأشباه والنظائر في النحو/ لجلال الدين السيوطي (ت911هـ) / توزيع دار الباز/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1405هـ. الإصابة في تمييز الصحابة/ لأحمد بن علي بن حجر (ت852هـ) العسقلاني (ت852هـ) / وبهامشه الاستيعاب لابن عبد البر النمري (ت463هـ) / مطبعة السعادة/ مصر/ الطبعة الأولى/ 1328هـ. أعلام الحديث في شرح الجامع الصحيح/ لحمد بن محمد الخطابي (ت388هـ) / تحقيق محمد بن سعد/ من مطبوعات مركز إحياء التراث/ جامعة أم القرى/ الطبعة الأولى 1409هـ. إعلام الموقعين عن رب العالمين/ لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي (ت752هـ) / راجعه وعلق عليه طه عبد الرؤوف/ دار الجيل. الاقتراح في بيان الاصطلاح وما أضيف إلى ذلك من الأحاديث المعدودة من الصحاح/ لتقي الدين بنن دقيق العيد (ت702هـ) / تحقيق قحطان عبد الرحمن الدوري/ مطبعة الإرشاد - بغداد 1402هـ. إكمال المعلم بفوائد مسلم/ لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (ت544هـ) / تحقيق: د. يحي إسماعيل/ دار الوفاء/ مكتبة الرشد/ الرياض/ الطبعة الأولى 1419هـ. ألفية السيوطي في علم الحديث/ لجلال الدين السيوطي (ت911هـ) / تصحيح وشرح الأستاذ الشيخ أحمد شاكر/ توزيع دار الباز/ مكة / دار المعرفة للطباعة والنشر. ألفية العراقي = التبصرة والتذكرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم/ ليوسف بن حسن بن عبد الهادي (ت909هـ) / حققه وصي الله بن محمد بن عباس/ دار الراية/ الطبعة الأولى 1409هـ. بلغة الحثيث إلى علم الحديث/ لأبي المحاسن يوسف بن عبد الهادي (ابن المبرد) (ت909هـ) / تحقيق صلاح بن عايض الشلاحي/ دار ابن حزم/ 146هـ. بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام/ لابن القطان الفاسي (ت628هـ) / تحقيق د. حسين آيت سعيد/ دار طيبة/ الطبعة الأولى 1418هـ. تاريخ أبي سعيد هاشم بن مرثد الطبراني (ت278هـ) عن أبي زكريا يحي بن معين (ت233هـ) / تحقيق نظر محمد الفريابي/ الطبعة الأولى 1410هـ. تاريخ بغداد / لأبي بكر أحمد البغدادي (الخطيب البغدادي) (ت463هـ) / دار الكتب العلمية. التاريخ الكبير / لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) / طبع المكتبة الإسلامية/ ديار بكر - تركيا. التبصرة والتذكرة (ألفية الحديث للعراقي) مع شرحها / للحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي (ت806هـ) / ومعها فتح الباقي بشرح ألفية العراقي/ لزكريا الأنصاري (ت925هـ) / بتصدير محمد بن الحسين العراقي الحسيني/ دار الكتب العلمية. تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل / لولي الدين أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين أبي زرعة العراقي/ ضبط نصه وعلّق عليه: عبد الله نوّاره/ مراجعة مكتب السنة للبحث لعلمي/ مكتبة الرشد/ الرياض/ الطبعة الأولى 1419هـ تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي / لجلال الدين السيوطي (ت911هـ) / تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف/ دار إحياء السنة النبوية/ الطبعة الثانية 1399هـ. تذكرة ابن الملقن (ت806هـ) = التوضيح الأبهر ترتيب علل الترمذي الكبير/ (ترتيب أبي طالب القاضي) / تحقيق حمزة ديب مصطفى/ مكتبة الأقصى/ عمان - الأردن/ الطبعة الأوزلى 1406هـ. التعليق المغني على سنن الدارقطني = سنن الدارقطني الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 تقريب التهذيب / لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) / تحقيق أبو الأشبال صغير أحمد شاغف/ دار العاصمة/ الرياض/ النشرة الأولى 1416هـ. تقريب النواوي = تدريب الراوي. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد / لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري (ت463هـ) = فتح المالك. تنقيح الأنظار / لمحمد بن إبراهيم الوزير (ت840هـ) = توضيح الأفكار تهذيب التهذيب / لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) / طبع مطبعة مجلس دائرة المعارف بحيدر أباد - الدكن/ الطبعة الأولى - نشر دار صادر. تهذيب الكمال/ لأبي الحجاج يوسف المزي (ت742هـ) / قدم له عبد العزيز رباح، وزميله/ صورة المخطوطة/ دار المأمون للتراث. توجيه النظر إلى أصول الأثر/ لطاهر الجزائري (ت1338هـ) / اعتنى به عبد الفتاح أبوغدة/ نشر مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب/ الطبعة الأولى 1416هـ. التوحيد وإثبات صفات الرب عزّوجل/ لمحمد بن إسحاق بن خزيمة (ت311هـ) / راجعه وعلّق عليه محمد خليل هرّاس/ توزيع دار الباز/1398هـ. التوضيح الأبهر لتذكرة ابن الملقن في علم الأثر/ لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) / تحقيق عبد الله بن عبد الرحيم البخاري/ اضواء السلف/ الطبعة الأولى 1418هـ. توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار/ لمحمد بن إسماعيل الصنعاني (ت1182هـ) / تحقيق محمد محي الدين/ دار إحياء التراث العربي/ الطبعة الأولى 1366هـ. تيسير مصطلح الحديث/ لمحمود الطحان/ مكتبة المعارف/ الرياض/ الطبعة السابعة 1405هـ. الثقات / لمحمد بن حبان (ت354هـ) / مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية/ حيدر آباد الدكن/ الطبعة الأولى. الثقات (تاريخ اسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم) / لعمر بن أحمد بن عثمان (ابن شاهين) (ت385هـ) / حققه وعلق عليه عبد المعطي أمين قلعجي/ توزيع دار الباز/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1406هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم/ لمجد الدين أبي البركات ابن الأثير (ت606هـ) / تحقيق عبد القادر الأرنؤوط/ دار الفكر/ الطبعة الثانية 1403هـ. جامع التحصيل في أحكام المراسيل/ لصلاح الدين أبي سعيد بن خليل العلائي (ت761هـ) / تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي/ عالم الكتب/ مكتبة النهضة العربية/ الجامع الصحيح/ لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي/ مع شرحه فتح الباري/ المطبعة السلفية. الجامع الصحيح/ لمسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261هـ) / تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي/ دار إحياء التراث. الجامع في الجرح والتعديل/ جمع السيد أبوالمعاطي، ومحمد مهدي (ت198هـ) المسلمي، وزملائهم/ عالم الكتب/ الطبعة الأولى 1412هـ. الجامع لأخلاق الرّاوي وآداب السامع/ للخطيب البغدادي (463هـ) / تحقيق محمود الطحان/ مكتبة المعارف/ 1403هـ. الجرح والتعديل/ لعبد الرحمن بن محمد إدريس الرازي (ت327هـ) / تحقيق عبد الرحمن بن يحي المعلمي/ (وتقدمة الجرح والتعديل في أول الكتاب) / مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية/ حيدر آباد الدكن/ الهند 1271هـ. جواهر الأصول في علم حديث الرسول/ لمحمد بن محمد الفارسي (ت873هـ) / تعليق صلاح محمد عويضة/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1413هـ. الجواهر والدرر في ترجمة شيخ افسلام ابن حجر/ لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) / تحقيق إبراهيم باجس/ دار ابن حزم/ الطبعة الأولى 1419هـ. حاشية السندي على سنن ابن ماجة/ لأبي الحسن نور الدين بن عبد الهادي السندي (ت1138هـ) / دار الجيل/ بيروت. ابن حجر العسقلاني مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة/ لشاكر محمود عبد المنعم/ مؤسة الرسالة/ الطبعة الأولى 1417هـ. الحديث النبوي مصطلحه بلاغته كتبه/ محمد بن لطفي الصباغ/ المكتب الإسلامي/ الطبعة الخامسة 1407هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 حواشي الشيخ عطية الأجهوري (ت1194هـ وقيل 1190هـ) على شرح الزرقاني على منظومة البيقونية/ شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر/ الطبعة الأخيرة (!) 1368هـ. الخلاصة في اصول الحديث/ للحسين بن عبد الله الطيبي (ت743هـ) / تحقيق صبحي السامرائي/ عالم الكتب/ الطبعة الأولى 1405هـ. الدراية في تخريج أحاديث الهداية/ لابن حجر العسقلاني (ت852هـ) / صححه وعلّق عليه عبد الله هاشم اليماني/ توزيع عباس الباز/ دار المعرفة. ديوان الضعفاء والمتروكين وخلق من المجهولين وثقات فيهم لين/ لشمس الدين الذهبي (ت748هـ) / حققه حماد الأنصاري/ نشر مكتبة النهضة الحديثة. سنن الدارقطني / لعلي بن عمر الدارقطني (ت385هـ) / وبذيله "التعليق المغني" للآبادي/ عني بتصحيحه وتنسيقه وترقيمه وتحقيقه عبد الله هاشم يماني المدني (ت 1386هـ) / دارالمحاسن للطباعة/ القاهرة. سنن أبي داود/ لسليمان بن الأشعث السجستاني أبوداود (ت275هـ) / إعداد وتعليق عزت عبيد الدعاس/ دار الحديث الطبعة الأولى 1388هـ. سنن البيهقي = السنن الكبير (الكبرى) سنن الترمذي/ لمحمد بن عيسى الترمذي (ت279هـ) / تحقيق أحمد شاكر ج1/2 ومحمد فؤاد عبد الباقي ج3وإبراهيم عطوة ج4/ 5 وفي آخره العلل الصغير للترمذي أيضاً/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت. السنن الكبرى / لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ) / تحقيق د. عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن/ دار الكتب العلمية/ الطبعة 1411هـ. السنن الكبير (الكبرى) / لأحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) / وفي ذيله "الجوهر النقي"/ مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية/ الهند 1344هـ. سنن النسائي/ لأحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ) / وبهامشه زهر الربى على المجتبى/ لحلال الدين السيوطي (ت911هـ) / وحاشية السندي لأبي الحسن نور الدين بن عبد الهادي السندي (ت1138هـ) / دار إحياء التراث () كما رجعت لطبعة دار المعرفة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 سير أعلام النبلاء، لشمس الدين أحمد بن محمد بن عثمان قيماز الذهبي، (ت748هـ) ، أشرف على تحقيقه شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1402هـ شرح معاني الآثار/ لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321هـ) / حققه وضبطه ونسقه وصححه محمد زهري النجار/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1399هـ. صحيح ابن حبان = الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان. صحيح ابن خزيمة/ لمحمد بن إسحاق بن خزيمة (ت311هـ) / حققه وعلق عليه وخرّج أحاديثه وقدّم له الدكتور محمد مصطفى الأعظمي/ المكتب الإسلامي/ 1390. صحيح البخاري = الجامع الصحيح للبخاري صحيح مسلم = الجامع الصحيح لمسلم صقل الأفهام الجلية بشرح المنظومة البيقونية/ لأبي سلام مصطفى بن محمد سلامة/ مكتبة الحرمين/ الطبعة الثانية 1413هـ الضعفاء/ لأبي نعيم الأصبهاني (430هـ) / حققه فاروق حمادة/ دار الثقافة/ الدار البيضاء/ الطبعة الأولى 1405هـ. ضعفاء العقيلي = الضعفاء الكبير الضعفاء الكبير / لمحمد بن عمرو العقيلي (ت322هـ) / حققه عبد المعطي قلعجي/ توزيع دار الباز/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى/ 1404هـ. ظفر الأماني في مختصر الجرجاني/ لمحمد عبد الحي اللكنوي (ت1304هـ) / تحقيق تقي الدين الندوي/ الجامعة الإسلامية أعظم كده الهند/ دار القلم/ الأمارات/ الطبعة الأولى 1415هـ. علل الحديث/ لابن أبي حاتم (ت327هـ) / توزيع دار الباز/ دار المعرفة/ 1405هـ العلل الواردة في الأحاديث/ لعلي بن عمر الدارقطني (ت385هـ) / تحقيق محفوظ الرحمن زين الدين السلفي/ دار طيبة الطبعة الأولى. علوم الحديث/ لأبي عمرو عثمان ابن الصلاح (ت643هـ) / تحقيق نور الدين عتر/ المكتبة العلمية/ 1401هـ. علوم الحديث ومصطلحه/ لصبحي الصالح/ دار العلم للملايين/ الطبعة السادسة عشرة 1986م. غريب الحديث / لحمد بن سليمان الخطابي (ت388هـ) / تحقيق عبد الكريم العزباوي/ مطبوعات مركز إحياء التراث الإسلامي/ جامعة أم القرى/ 1402هـ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 غيث المستغيث في علم مصطلح الحديث/ لمحمد محمد السماحي (ت1404هـ) / دار العهد الجديد للطباعة/ الطبعة الثانية. الغاية في شرح الهداية في علم الرواية/ لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) / تحقيق ودراسة محمد سيدي محمد محمد الأمين/ دار القلم/ دمشق/ الدار الشامية/ بيروت/ الطبعة الأولى 1413هـ. فتح الباري بشرح صحيح البخاري/ لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) / تحقيق عبد العزيز بن باز إلى كتاب الجنائز (ج1-3) / ترتيب وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي/ المكتبة السلفية. فتح الباقي بشرح ألفية العراقي/ لزكريا الأنصاري (ت925هـ) / ومعه التبصرة والتذكرة (ألفية الحديث للعراقي) مع شرحها / للحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي (ت806هـ) / بتصدير محمد بن الحسين العراقي الحسيني/ دار الكتب العلمية. فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر على موطأ الإمام ملك/ لمصطفى صميدة/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1418هـ. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) ، تحقيق علي حسين علي، إدارة البحوث الإسلامية بالجامعة السلفية ببنارس، الطبعة الأولى 1407هـ. قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث/ لمحمد جمال الدين القاسمي (ت1332هـ) / دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1399هـ. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة/ لشمس الدين الذهبي (ت847هـ) / ومعه حاشية السبط ابن العجمي (ت841هـ) / تحقيق محمد عوامة/ شركة دار القبلة/ ومؤسسة علوم القرآن/ الطبعة الأولى 1413هـ. الكامل في ضعفاء الرجال / لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني (ت365هـ) / دار الفكر/ الطبعة الأولى 1404هـ. الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث/ لبرهان الدين الحلبي (ت841هـ) / حققه صبحي السامرائي/ عالم الكتب/ مكتبة النهضة العربية/ الطبعة الأولى 1407هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 الكفاية في علم الرواية/ لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت463هـ) / تحقيق عبد الرحمن بن يحي المعلمي/ دائرة المعارف العثمانية/ حيدر آباد الدكن/ يطلب من المكتبة العلمية. الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات/ لأبي البركات محمد بن أحمد المعروف بابن الكيال (ت939هـ) / تحقيق ودراسة د. عبد القيوم عبد الرب النبي/ المكتبة الإمدادية/ الطبعة الثانية 1420هـ. لسان الميزان/ لأحمد بن علي بن حجر (ت852هـ) / مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند/ حيدر آباد الدكن/الطبعة الأولى 1331هـ لمحات في اصول الحديث/ لمحمد أديب الصالح/ المكتب الإسلامي/ الطبعة الرابعة 1405هـ. المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين/ لأبي حاتم محمد بن حبان البستي (ت354هـ) / تحقيق محمود إبراهيم زايد/ توزيع دار الباز/ مكة. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) / دار الكتاب العربي/ الطبعة الثالثة 1402هـ. محاسن الاصطلاح وتضمين ابن الصلاح/ للسراج الدين البُلْقيني (ت805هـ) / تحقيق عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطيء) / الفيصلية/ مكة/ دار المعارف/ مصر/ الطبعة الثانية 1411هـ. المحدِّث الفاصل بين الرّاوي والواعي/ لحسين بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت360هـ) / تحقيق محمد عجاج الخطيب/ دار الفكر/ الطبعة الأولى 1391هـ. مختصر الجرجاني/ للشريف الجرجاني (ت816هـ) / ومعه المختصر في علم الأثر/ لمحي الدين الكافيجي (ت879هـ) / تحقيق علي زوين باسم (رسالتان في مصطلح الحديث) / دار الرشد/ الرياض/ الطبعة الأولى 1407هـ. المختصر في علم الأثر/ لمحي الدين الكافيجي (ت879هـ) / ومعها/ رسالة في اصول الحديث للجرجاني (مختصر الجرجاني) / للشريف الجرجاني (ت816هـ) / تحقيق علي زوين باسم (رسالتان في مصطلح الحديث) / دار الرشد/ الرياض/ الطبعة الأولى 1407هـ. المختصر الوجيز في علوم الحديث/ لمحمد عجاج الخطيب/ مؤسسة الرسالة/ الطبعة الأولى 1405هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 المدخل إلى كتاب الإكليل/ لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405هـ) / تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد/ دار الدعوة. المراسيل / لأبي محمد بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي (ت327هـ) / علّق عليه أحمد عصام الكاتب/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1403هـ. مستخرج أبي نعيم على صحيح مسلم = المسند المستخرج مسند أحمد بن حنبل/ لأحمد بن محمد بن حنبل (ت241هـ) / الطبعة الميمنية/ وبهامشه المنتخب من كنز العمال/ المكتب الإسلامي/ بيروت/ الطبعة الثانية 1398هـ () . مسند أبي داود الطيالسي/ لسليمان بن داود بن الجارود الطيالسي (ت204هـ) / دار المعرفة/ بيروت. مسند إسحاق بن راهويه/ لإسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي (ت238هـ) / تحقيق عبد الغفور عبد الحق البلوشي/ توزيع مكتبة الإيمان/ المدينة المنورة/ الطبعة الأولى 1410هـ. المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم/ لأبي نعيم الأصبهاني (ت430هـ) / حققه محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1417هـ. المصباح في اصول الحديث/ للسيد قاسم الأندجاني/ مكتبة الزمان/ المدينة المنورة/ الطبعة الثانية 1408هـ معالم السنن/ شرح سنن أبي داود/ لحمد بن محمد الخطابي (ت388هـ) / ومعه مختصر السنن للمنذري/ وتهذيب السنن لابن القيم/ تحقيق محمد حامد الفقي/ وأحمد محمد شاكر/ دار المعرفة 1400هـ. المعجم الأوسط / لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ) / قسم التحقيق بدار الحرمين/ أبومعاذ طارق بن عوض الله بن محمد، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني/ منشورات دار الحرمين بالقاهرة/ 1415هـ معجم البلاغة العربية/ لبدوي طبانة/ دار المنارة / جدة/ دار الرفاعي/ الرياض/ الطبعة الثالثة 1408هـ. معجم الجرح والتعديل لرجال السنن الكبرى مع دراسة إضافية لمنهج البيهقي في نقد الرواة في ضوء السنن الكبرى/ لنجم عبد الرحمن خلف/ دار الراية/ الطبعة الأولى 1409هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 معجم علوم اللغة العربية (عن الأئمة) / لمحمد سليمان عبد الله الأشقر/ مؤسسة الرسالة/ الطبعة الأولى 1415هـ. معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذيل بالإملاء / لعبد الغني الدقر/ دار القلم/ دمشق/ الطبعة الأولى 1406هـ معجم مقاييس البلاغة بين الأدباء والعلماء/ للدكتور حامد صالح خلف الربيعي/ مطبوعات معهد البحوث العلمية وإحياء التراث/ سلسلة بحوث اللغة العربية/ 1416هـ. معرفة السنن والآثار / لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي/ تحقيق سيد كسروي/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1412هـ. المغني في الضعفاء/ لشمس الدين الذهبي (ت748هـ) / حققه نور الدين عتر/ مقدمة تحقيق توضيح المشتبه لابن ناصر الين محمد بن عبد الله القيسي (ت842هـ) / لمحمد نعيم العقسوسي/ مؤسسة الرسالة/ الطبعة الثانية 1414هـ. المنهل الرّوي في مختصر علوم الحديث النبوي/ لبدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة (ت733هـ) / تحقيق محي الدين عبد الرحمن رمضان/ دار الفكر/ الطبعة الثانية 1406هـ. موطأ مالك / لمالك بن أنس الأصبحي (ت179هـ) / تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي/ دار إحياء التراث العربي 1406هـ. منهج النقد في علوم الحديث/ لنور الدين عتر/ دار الفكر/ الطبعة الثالثة 1401هـ. الموقظة "في علم مصطلح الحديث"/ لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (ت748هـ) / اعتنى به عبد الفتاح أبوغدة/ نشر مكتب المطبوعات الإسلامية/ بحلب/ الطبعة الأولى 1405هـ. ميزان الاعتدال في نقد الرجال/ لأحمد بن محمد عثمان قايماز الذهبي (ت748هـ) / تحقيق علي محمد البجاوي/ دار المعرفة/ بيروت/ الطبعة الأولى 1382هـ. نزهة النظر شرح نخبة الفكر/ لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) / تحقيق عمرو عبد المنعم/ نشر مكتبة ابن تيمية/ القاهرة/ توزيع مكتبة العلم بجدة/ الطبعة الأولى 1415هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية / جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي (ت762هـ) / مع حاشيته "بغية الألمعي"/ نشر المكتبة الإسلامية/ الطبعة الثانية 1393هـ. النكت على كتاب ابن الصلاح / لابن حجر العسقلاني (ت852هـ) / تحقيق ربيع بن هادي عمير/ مطبوعات الجامعة الإسلامية/ بالمدينة المنورة/ الطبعة الأولى 1404هـ. النكت على مقدمة ابن الصلاح/ لمحمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (ت794هـ) / حققه زين العابدين بن محمد بلا فريج/ أضواء السلف/ الطبعة الأولى 1419هـ. النهاية في غريب الحديث والأثر / لمجد الدين أبوالسعادات المبارك بن محمد الجزري (ت606هـ) / تحقيق طاهر الزاوي ومحمود التناجي/ نشر المكتبة الإسلامية. الهداية في علم الرواية/ لمحمد بن محمد الجزري (833هـ) = الغاية هدي الساري مقدمة فتح الباري = فتح الباري. الوسيط في علوم الحديث ومصطلحه/ لمحمد بن محمد أبوشهبة (ت1403هـ) / عالم المعرفة/ جدة/ الطبعة الأولى 1403هـ. اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر/ لمحمد المدعو عبد الرؤوف المناوي (ت1031هـ) / تحقيق المرتضى الزين أحمد/ مكتبة الرشد/ الطبعة الأولى 1420هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 المباحث الغيبية د. عبد الشكور بن محمد أمان العروسي الأستاذ المساعد بقسم العقيدة - كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى ملخص البحث يتعلق هذا البحث بأهم قضايا يتطلع إليها البشر في عصورهم المتعاقبة، لعلهم يحظون بعلم خباياها، ويظهرون على كوامنها وخفاياها. تلك هي القضايا الغيبية بجميع أنواعها وأقسامها. وهذا البحث تناول في مباحثه الأربعة عشر أنواع الغيوب وأقسامها، وبين ما يمكن العلم منها وما لا يمكن، ومقدار ما يمكن علمه والوسائل الشرعية التي يعلم بها. وجاء فيه إيضاح أن تصور القضايا الغيبية بدون تلك الوسائل، وفوق ما تسمح به غير ممكن. ولما كانت أسماء الله الحسنى، وصفاته العلى على رأس القضايا الغيبية، تم تأليف هذا البحث لبيان المعيار الشرعي في تصور الغيبيات بأنواعها وأقسامها، وذلك تجنباً للانحرافات العقدية التي وقعت فيه عديد من الفرق الإسلامية نتيجة للتصور الخاطئ لقضايا الغيب حيث جعلوا عالم الشهادة أصلاً تقاس عليه كل الغيبيات. فمن أجل ذلك عطل من عطل، وأول من أول، بدعوى التنزيه، وشبه من شبه بدعوى الإثبات لما جاءت به النصوص، وتوقف من توقف ولم يقل إلا بإثبات ألفاظ غير قابلة للتفسير وهو المفوضة. وقد تناول هذا البحث أيضاً أن قياس الغائب على الشاهد فيما اختلفت أجناسه من الخلق قياس غير صحيح، فكيف يستقيم قياس الخالق على خلقه في أسمائه وصفاته؟ فمن علم أنواع الغيب، واستوعب حقائقها، وحظ الإنسان منها، ووسائلها في تصورها، سلم من حيرة المؤولين، وضلال المعطلين وغلو المشبهين. وسار على منهج السلف الصالح في إثبات ما أثبتته نصوص الوحي بلا تمثيل، ونفى ما نفته بلا تعطيل، تصديقاً لقوله تعالى: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير (فهو ليس كمثله شئ، ومع ذلك له صفة السمع والبصر. وهذا ما بني عليه هذا البحث عسى الله تعالى أن يهدي به القلوب، ويظهر به معايير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 الغيوب، ويكشف به الكروب، وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل. • • • المقدمة: الحمد لله الملك الكريم، البر الرحيم، رب السماوات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم، عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم، وصلاته وسلامه المتتابعان على رسوله المبعوث بالدين القويم، والداعي إلى الصراط المستقيم، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. ... وبعد: فإن الله تعالى خلق الإنسان ومنّ عليه بنعم جليلة، وهبات جزيلة، وفضله على كثير من خلقه تفضيلا ولم يخلقه عبثا، ولم يتركه سدى، بل خلقه لعبادته وحده لا شريك له فأرسل بذلك رسله، وأنزل كتبه، وبين فيها لعباده ما لا بد من العلم والإيمان به من الغيب وما لا بد من العمل به مما أوجب عليهم، وما يجب تجنبه مما حرم عليهم، وما أحل لهم من الطيبات من طعام وشراب ونكاح وأقوال وأفعال. فبلَّغت الرسل ما أنزل عليهم إلى أممهم البلاغ المبين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فكان كل رسول يتميز بالفصاحة والفطنة والذكاء المفرط، لتقوم الحجة على العباد، ولم يخاطبوا أممهم بما لا يفهمون من الكلام. ولهذا قال تبارك وتعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ((1) . فبلغوا ما أوحى الله تعالى إليهم البلاغ المبين. فكان مما أرسلوا به القسم العلمي التصديقي الذي لا عمل فيه سوى التصديق، وهو الجانب الاعتقادي من الدين الذي امتحن الله تعالى به قلوب عباده، أتُسلم لله تسليما مؤمنة بالغيب برضا وطمأنينة، فتنشط الجوارح في العمل بالجانب العملي التطبيقي من الدين، أم ترتاب في التصديق بالغيب، فتتكاسل الجوارح وتتقاعس عن العمل. فكلما قوى الإيمان بالغيب، كان العمل بالجوارح قويا، وكلما ضعف الإيمان بالغيب، كان العمل بالجوارح ضعيفا، وإذا انعدم الإيمان بالغيب، أدى ذلك إلى انعدام العمل. فالإيمان الصحيح والعمل الصالح لا ينفصلان وجوداً في قلوب الصادقين وجوارحهم، وذكراً في نصوص الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 الشرع. وذلك راجع إلى هذا المعنى. وإن مما يفقد العمل الصالح جماله ورونقه، ضعف ما في القلب من الإيمان الذي بقوته وصلاحه تصلح الأعمال. قال (: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) (1) . فكما أن في الجسد مضغة يتوقف صلاحه على صلاحها، فكذلك يكون للدين لب، إذا صلح صلح الدين كله، وإذا فسد فسد الدين كله، وإن مما يزيل الإيمان من القلوب أو يضعفه النفاق والجهل والبدع. فالنفاق يزيل الإيمان والجهل والبدع يضعفان الإيمان في القلوب والعمل في الجوارح. ولما كان من البدع الشنيعة نفي أسماء الله تعالى وصفاته، أو تأويلها بدعوى التنزيه مما أدى إلى تعطيله عز وجل عن أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكذلك تشبيه ربنا تبارك وتعالى بخلقه من قبل المشبهة بدعوى الإثبات. وكان منشأ ذلك إما غلوا في التنزيه المؤدي إلى التعطيل، أو غلوا في الإثبات الذي يؤدي إلى التمثيل، قمت بدراسة هذا الانحراف وسببه فوجدت أن كثيرا من هؤلاء أتوا من جهة اعتبارهم أن دلالة اللغة على صفات المخلوقات في عالم الشهادة هي الأصل، وأن استعمالها في عالم الغيب، أو غيب الغيوب هو الخروج عن الأصل، فلا بد إذن من قياس الغائب المجهول على الشاهد المعلوم، فرأت المشبهة أن هذا هو الذي ينبغي أن يسار إليه ويقال به، فشبهت الله تعالى بخلقه، وشبهت عالم الغيب بعالم الشهادة سواء بسواء. وأما المعطلة فقد سلكوا مسلك المشبهة أولاً فاستقبحوا ذلك ففروا من التشبيه إلى التعطيل. أي أنهم ما عطلوا إلا بعدما شبهوا. ولما رأوا أن التشبيه لا يليق بالله تعالى عدلوا إلى التعطيل والله المستعان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 وكلا الفريقين أصبحا بعد ذلك في اتجاهين متعارضين بعد أن أخذوا جزءاً من الحق وهو الإثبات عند الممثلة وأضاف إليه باطل التمثيل، والتنزيه عند المعطلة بعد أن أخذوا جزء من الحق وهو التنزيه، فتجاوزوا حد التنزيه حتى نفوا ما أثبته الله تعالى لنفسه أو نفاه عنه رسوله مما لا يليق به تعالى. ولو أن كلا من الفريقين لم يتطرفا فيما ذهبا إليه لكان ما تفرق بينهما من الحق قد اجتمع. فهدى الله تعالى أهل الحق لما اختلف فيه الفريقان فجمعوا ما تفرق من الحق، فصح لهم ما لم يصح لغيرهم. وهذا ما قصدت إيضاحه في هذه المباحث، وقد بذلت جهدي مستعينا بالله تعالى في إبراز جوانب متفرقة من أمور الغيب بأنواعها وأقسامها، وحظ الإنسان من العلم بها، ووسائله التي يستعين بها على علم ما غاب عنه وخفي عليه مما يقر شرع الله تعالى استخدامها، أو التصديق بنتائجها والعمل بها. والله تعالى أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم. ورحم الله تعالى من نظر في هذا البحث بعين النصح والتهذيب والتصويب، فأوقفني على ما ظهر فيه من العيب والتقصير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المجتبى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته البررة الصادقين، ومن سار على نهجه واقتفى أثره، واتبع هديه إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين. • • • المبحث الأول: مكانة الإيمان بالغيب في الإسلام إن للإسلام جانبين رئيسين لا يغني أحدهما عن الآخر، ولا يكون المرء مسلماً إلا بهما، وهما: الجانب العلمي التصديقي: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 وهو جميع القضايا الاعتقادية التي يجب التصديق بها تصديقاً جازماً وتمثل هذا الجانب أركان الإيمان الستة، ويضاف إليه اعتقاد جازم بوجوب ما أوجب الله من الأعمال كالصلاة والصيام والزكاة وغيرها من أركان الإسلام، لأن الإيمان بوجوبها جانب علمي وتصديقي، وواجب شرعي، وكذلك يضاف إلى هذا اعتقاد حرمة ما حرم الله تعالى على عباده مما لا خلاف في حرمته كشرب الخمر والزنا، وقول الزور، وشهادة الزور، وغير ذلك مما علم من الدين بالضرورة حرمته. الجانب العملي التطبيقي: وهي الأقوال والأفعال المأمور بأدائها في شرع الله تعالى، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر والدعاء وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، وإغاثة الملهوف وغير ذلك مما يطول ذكره من شرائع الإسلام التي تتعلق بالجانب العملي التطبيقي منه. فإذا صح اعتقاد العبد وصدق إيمانه بالجانب الأول، وهو العلمي التصديقي، أثمر ذلك العمل الصادق في الجانب الثاني الذي هو العملي التطبيقي. فمن زعم أنه يكتفي بالجانب الأول دون الثاني فهو كافر كذاب، ومن زعم أنه يكفيه الجانب الثاني فهو منافق لأنه أبطن الكفر وأعلن الإسلام أي الاستسلام العلني. إن أعظم الجانبين وأهمهما وأولهما: هو الأول، فإن الاعتقاد مقدم على القول والعمل، وهذا الجانب برمته هو الإيمان بالغيب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 فمعنى هذا أن الإيمان بالغيب له المكانة الفضلى والمرتبة العليا في الإسلام، وأن الله تعالى لا يقبل من أحد ديناً إلا به، ولا يكون عمل ما زاكياً صالحاً إلا إذا كان مبنياً على الإيمان بالغيب. ولهذا أثنى الله على عباده المؤمنين بالغيب في آيات كثيرة من كتابه الكريم فمن ذلك قوله تعالى في وصف المتقين الذين جعل لهم الهداية في كتابه الكريم: (فيه هدى للمتقين (الذين يؤمنون بالغيب (1) (وقوله عز وجل: (الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون (2) (وقوله تعالى (إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير ((3) وقوله سبحانه: (إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرةٍ وأجرٍ كريم (4) (وقوله عز وجل (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيب ((5) وقوله جل شأنه: (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبير ((6) وهذه الآيات وغيرها تدل على مكانة الإيمان بالغيب، وخشية الله تعالى بالغيب، لأن من آمن بالغيب إيماناً صادقاً راسخاً نشطت جوارحه في الأعمال وحسنت أعماله وأقواله، وأحواله كلها فيعيش راضياً مرضياً، يتقلب في طاعة ربه، شاكراً على السراء، صابراً على الضراء خاشعاً لله ظاهراً وباطناً، موقناً بوعده، خائفاً وجلاً من وعيده متمكناً من المرابطة بين الخوف والرجاء. فمن لم يؤمن بالغيب فلا نصيب له من الطمأنينة في الدنيا، والفلاح والظفر في الآخرة. بل يعيش قلقاً حائراً ساخطاً غير راض بقضاء الله تعالى وقدره. وهو في الآخرة من الخاسرين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 .. والإيمان بالغيب معناه أن يؤمن المرء بما غاب عن حسه، أي إن الغيب هو الأمر الذي يجب الإيمان به مما غاب عن الحس ومما أخبرت بوجوده نصوص الوحي. وقال بعض أهل العلم (1) : معنى الإيمان بالغيب هو أن يؤمن المرء وهو غائب بما أمر أن يؤمن به. أي إن الغيب في القول الأول وصف للأمور الغائبة عن الحس، وفي القول الثاني وصف للمؤمنين أي يؤمنون وهم غائبون. فكلا القولين لا تنافر بينهما، بل هما متلازمان، لأن المؤمن بما غاب عن الحس قد آمن به وهو غائب عنه، ومن آمن وهو غائب فقد آمن بما غاب عنه فليتأمل. المأمورات والمنهيات مبناها على الاعتقاد: إن أركان الإسلام الخمسة وغيرها من شرائع الإسلام بأوامرها ونواهيها مبنية على الاعتقاد بأن الله تعالى أوجب الواجب منها وحرم المحرمات التي أوجب تركها وتجنبها، وتصديق الشرع في ذلك (2) . فأول أركان الإسلام: الشهادتان، فمجرد قولهما باللسان دون التصديق بالقلب لا يدخل قائلها الإسلام أي أن التصديق بالجنان هو الذي يترتب عليه النطق باللسان. فمن لم يصدق بقلبه لم يكن مؤمناً عند ربه. وثاني أركان الإسلام: إقام الصلاة، فإقامتها لا تتأتى إلا بعد التصديق بأن الله تعالى فرضها علينا ومن لم يعتقد بأن الله تعالى فرضها فهو عند الله تعالى ليس بمؤمن ولو تظاهر بإقامتها. وثالثها: إيتاء الزكاة، فإن من لا يعتقد بشرعيتها ووجوبها، ليس بمؤمن عند الله تعالى، وعمله مردود عليه مهما بلغ حجمه. ورابعها: صيام رمضان، فالمؤمن الصادق هو الذي يصوم رمضان معتقداً بأن الله فرضه على عباده فإذا لم يصدق بوجوبه وفرضيته على عباد الله لم يكن من المؤمنين عند الله تعالى. وخامسها: حج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً، فمن حج وهو لا يصدق بأن الله تعالى فرضه على من استطاع إليه سبيلاً فهو غير مؤمن عند الله تعالى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 وكذلك ما حرم الله على عباده من الأمور، لابد من اعتقاد أن الله حرمها على عباده، ومن لا يؤمن أن الله تعالى حرم الفواحش، وقتل النفس بغير حق، وشهادة الزور، وقول الزور، وشرب الخمور، لم يكن مؤمناً عند الله تعالى، سواءً ارتكب تلك المحرمات أم تركها. والمراد باعتقاد الوجوب، هو الوجوب العام على العباد، لأن بعض الفرائض تسقط فرضيتها عن البعض لأمور طارئة، كسقوط فرضية الصلاة عن النساء في حالة الحيض أو النفاس، وسقوط فرضية الصيام عن المسافر حتى يقيم، فإذا أقام قضى. وعدم وجوب الزكاة على من لا يملك نصاباً، وعدم وجوب الحج على من لم يستطع إليه سبيلاً. والمراد إذن إنكار الوجوب العام على العباد. وبهذا يتبين أن دائرة الإيمان تشمل دائرة الأعمال بالجوارح كما تشمل اعتقاد وجوب ترك ما حرم الله فعله من المحرمات. المبحث الثاني: أثر الإيمان بالغيب للإيمان بالغيب آثار جلية في نفوس المؤمنين وسلوكهم، وآثار في معاملاتهم، وعلاقاتهم بربهم، وعلاقاتهم ببعضهم، وعلاقاتهم بغيرهم، ونظرتهم إلى الكون من حولهم، ونظرتهم إلى ما يأتي في أقدار الله تعالى من خير أو شر، أو حلو أو مر. أثر الإيمان بالغيب في تعلق العبد بربه: المؤمن بالغيب يكون صادقا مع الله تعالى في السر والعلانية، يطيع أوامر ربه، وأوامر رسوله (مستسلما راضياً يرجو ثواب الله تعالى، ويحرص على ما فيه رضوانه. فتكون طاعة الله تعالى وذكره وعبادته بما شرع، راحة نفسه، وقرة عينه، ومنية قلبه، ومنتهى رغبته. ولصدقه في إيمانه بالغيب يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 والمؤمن بالغيب موقن بأنه (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيد ((1) وبأن حركاته وسكناته، وما يدور بخلده وما توسوس به نفسه، أو يختلج في صدره، خاضع لمراقبة الله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ((2) . (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ((3) ، (وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون ((4) ، (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ((5) ، (فلا يحزنك قولهم إنَّا نعلم ما يسرون وما يعلنون ((6) ، (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله بكل شيء عليم ((7) . (وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ((8) . (قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً ((9) وهو سبحانه يعلم خبايا النفوس وخفاياها: (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ((10) (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ((11) ، ولا يدرك حقيقة علمه المحيط الشامل لكل شيء زماناً ومكاناً إلا من آمن بالغيب إيماناً صادقاً جازماً، ولهذا كانت قرة عين رسول الله (، أي أن راحة نفسه، وسكينة قلبه، وطمأنينته، في ذكر ربه الكريم. وهو يستيقن أنه أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد. والمؤمن بالغيب يكون الله تعالى، ورسوله أحب إليه مما سواهما، فإذا أحب أحب لله، وإذا أبغض أبغض من أجل لله، وإذا أعطى أعطى لله، وإذا منع منع من أجل الله، وهو في سرائه شكور، وفي ضرائه صبور. والمؤمن بالغيب يعلم علم يقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويعلم أن الحذر لا ينجي من القدر، وأن الله تعالى قدر كل شيء في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وأنه تعالى يضع الموازين القسط ليوم القيامة، وأنه لا يظلم أحدا من خلقه ولا يبخسه من حقه، ولا تزر وازرةُ وزر أخرى، وأنه أحكم الحاكمين، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 وأسرع الحاسبين، وأرحم الراحمين، وأنه من أجل هذا يعبد ربه طامعاً في رحمته ومغفرته ورضوانه، خائفاً من غضبه وعقابه وأليم عذابه، فيكون في حياته متوازناً، لا الرجاء في رحمة الله يطغى عليه حتى يأمن من مكره، ولا الخوف من عقابه يوقعه في اليأس من رحمته، ولكنه يدعوه خوفاً وطمعاً ويعبده رغباً ورهباً عملاً بقوله تعالى: (وادعوه خوفاً وطمعاً ((1) وقوله في وصف عباده الأخيار: (ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ((2) . أثر الإيمان بالغيب في سلوك المؤمن: إن أثر الإيمان بالغيب في سلوك المؤمن أثر عظيم. فالمؤمن بالغيب يصدق بوعد الله ووعيده. وتصديقه بوعد الله يجعله في شوق إلى لقاء الله تعالى، وما وعد به أهل طاعته من النعيم المقيم والرضا الدائم، فكأنه يرى ما أعد الله للمؤمنين من نعيم الجنان والحور العين رأي العين فيبادر إلى طاعة ربه، ويسارع في الخيرات، وتصديقه بوعيد الله يجعله يخاف من غضبه وسطوته وعقابه، وأليم عذابه فكأنه يرى نار جهنم وأغلالها وما فيها من شدائد وأهوال ونكال. فيبتعد عما حرم الله تعالى ورسوله (، ويعيش في توازن تام بين الخوف والرجاء والرغبة والرهبة من غير أن يطغى جانب على جانب، لا خوفه يطغى على رجائه رحمة ربه الواسعة، ولا رجاؤه يتغلب عليه حتى لا يخشى من عذاب الله وعقابه. فبذلك يكون خيراً لنفسه وخيراً لأهله، وخيراً لأمته، وخيراً للخلق أجمعين. أمثلة من أثر الإيمان بالغيب إن الأمثلة على أثر الإيمان بالغيب من واقع هذه الأمة كثيرة جداً تزيد عن العد والحد، فعلى سبيل التقريب لا التحديد والتعديد إليك أمثلة خاصة لأفراد هذه الأمة تليها أمثلة عامة توضح لمن تدبرها ما وصل إليه سلف هذه الأمة من كمال الإيمان، وترقيهم إلى أعلى درجات اليقين: 1- أنس بن النضر بن ضمضم يوم أحد رضي الله عنه: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 روى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قصة عمه أنس بن النضر فقال: "غاب عمي عن قتال بدر فقال: يا رسول الله؛ غبت عن أول قتال قاتلت فيه المشركين، والله لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ فقال: أين يا سعد (1) ؛ هذه الجنة ورب أنس أجد ريحها دون أحد، قال سعد بن معاذ: فما استطعت ما صنع، فقاتل. قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ما بين ضربةٍ بسيف، أو طعنةٍ برمح، أو رميةٍ بسهم، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون، فما عرفته أخته الربيع بنت النضر إلا ببنانه. قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: (من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه ((2) الآية " (3) . هكذا صدق هذا المؤمن ما عاهد الله عليه أمام رسول الله (حيث قال: "ليرين الله ما أصنع"، فصنع ما وعد به وعاهد عليه ربه، وما ذاك إلا أثراً عظيماً من آثار الإيمان بالغيب، بل إنه رضي الله عنه قد وجد ريح الجنة دون أحد. وهذا قمةٌ في التصديق بوعد الله تعالى بالغيب حتى إنه من شدة تصديقه غمرت ريح الجنة وأريجها حاسة شمه حيث حلف على ذلك قائلاً: "هذه الجنة ورب أنس أجد ريحها دون أحد". قال تعالى: (جنات عدنٍ التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتياً ((4) وهذا التصديق القوي بوعده تعالى بالغيب كان من آثاره الوعد الصادق، ثم الوفاء بالوعد بالصدق عند اللقاء. 2 – عمير بن الحمام في يوم بدر رضي الله عنه: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 لقد حرض رسول الله (المؤمنين على القتال يوم بدر، فذكر ما للمؤمنين المجاهدين عند ربهم من أجرٍ عظيمٍ فقال: " والذي نفس محمدٍ بيده، لا يقاتلهم اليوم رجلٌ فيقتلهم صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة. فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة، وفي يده تمرات يأكلهن: بخٍ بخ، أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم وهو يقول: ركضاً إلى الله بغير زاد إلاّ التقى وعمل المعاد والصبر في الله على الجهاد إن التقى من أعظم السداد وخير ما قاد إلى الرشاد وكل حيٍ فإلى نفاد ثم حمل، فلم يزل يقاتل حتى قتل (1) . وروى الإمام مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله (قال يوم بدر: " … قوموا إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض " قال: عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله ‍: جنةٌ عرضها السماوات والأرض؟ قال: " نعم " قال: بخٍ بخ " فقال رسول الله (: " ما يحملك على قولك: بخٍ بخ "؟ قال: لا، والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها. قال: " فانك من أهلها ". فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن. ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياةٌ طويلة. قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل " (2) . وقد وردت في صحيح البخاري روايةٌ أخرى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رجلٌ للنبي (يوم أحد: أرأيت إن قتلت فأين أنا؟ قال: " في الجنة ". فألقى تمراتٍ في يده، ثم قاتل حتى قتل (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 إن القصتين متشابهتان في دلالتهما على صدق الإيمان بالغيب وظهور ثمراته على سلوك المؤمنين في هذه الحياة حتى إن هذا الصحابي ليرى استمراره على الحياة حتى ينتهي من أكل ما في يده من التمرات تأخراً طويلاً عن الوصول إلى جنة الله التي وعد المتقون. فبادر وسارع حتى يدخلها فجاد بنفسه تصديقاً بوعد الله على لسان رسوله (. وهل بعد هذا الجود من جود؟ والجود بالنفس أقصى غاية الجود. لقد أدرك عظم ما وعد الله به المؤمنين الصادقين، فهانت لديه الدنيا، فجاد لله الكريم بنفسه راضياً متوثباً إلى نعيم لا ينفد، وعطاءٍ لا يزول ولا يحول، فرضي الله عنه وأرضاه. وما ذلك إلا آثار الإيمان الصادق بالغيب، حتى لكأنه يرى الجنة وسعتها وما فيها من النعيم الخالد رأي العين فاشتاق وانساق إلى لقائها فحقق الله له ما أراد. 3 – الخنساء (تماضر بنت عمرو بن الشريد رضي الله عنها) يوم القادسية: هي امرأة اشتهرت في الجاهلية بالبكاء والرثاء والجزع والعويل على قتل أخويها صخر ومعاوية. فكانت لا تكف عن البكاء والرثاء حتى أصبح لا ينافسها أحد من الرجال والنساء في شعر الرثاء. والعبرة هنا ليس في كثرة شعرها في الرثاء ولا في جودته. ولكن العبرة في جزعها وحزنها الشديد وعدم كفها عن البكاء عشرات من السنين، ولم يتوقف بكاؤها ورثاؤها ولم ينقطع، إلا بسيف الإيمان الصادق الذي بتر الله به كل حبلٍ يمت إلى الجاهلية بصلة " كما بين ذلك رسول الله (حين قال لعمرو (1) بن العاص: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله " (2) فانقلب قلب الخنساء طاهراً نظيفاً يملؤه نور الإيمان بحيث لم يترك أي فراغ في قلبها لأثر من آثار الجاهلية ونزعة من نزعاتها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 وبعد أن أرضعتها الجاهلية وغذتها بلبانها العكر، فطمها الإسلام وفرغ قلبها من شوائب الجاهلية وطهره من دنسها ورجسها، وملأه بنور الإيمان، فانتقلت من ظلمات الجهل والكفر والهوان، إلى ضياء القرآن، وطاعة الرحمن. ففي يوم القادسية أرسلت أربعةً من أبنائها الشجعان للجهاد والاستبسال في سبيل الله والفوز بالشهادة، ووصتهم ليلة القادسية قائلةً: " يابَنيَّ إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجلٍ واحد كما إنكم بنو امرأةٍ واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غبرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خيرٌ من الدار الفانية يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (" (1) . فإن أصبحتم غداً إن شاء لله سالمين؛ فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين فإذا رأيتم الحرب قد شمرت (2) عن ساقها واضطرمت لظى (3) على سياقها وحللت (4) ناراً على أوراقها (5) فتيمموا وطيسها (6) ، وجالدوا رئيسها، عند احتدام خميسها (7) ، تظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة. فخرج بنوها قابلين لنصحها عازمين على قولها. فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم (8) . فقاتل أبناؤها فقتلوا رحمهم الله تعالى. فبلغها ذلك فما زادت على أن قالت: " الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته " (9) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 هكذا يتجلى أثر صدق الإيمان بالغيب في قصة هذه المرأة المؤمنة التي تجسدت الجاهلية الجهلاء في بكائها ونياحها دهراً طويلاً حتى كف بصرها قبل إسلامها. لقد كانت كذلك حينما كانت شابة جلدة تقوى على التجلد والصبر، ولكنها بعد الإيمان بالغيب أصبحت خلقاً جديداً، فتحولت تحولاً عجيباً، فإذا بها لا ترى إلا الآخرة وما وعد الله فيها لأهل طاعته فاختارت الباقية لنفسها ولبنيها على الفانية، لا الرغبة في استشهادهم ضعفت ووهنت، ولا الصبر الجميل بعد استشهادهم خانها وفارقها. وما هذا كله إلا أثرٌ من إيمانها بالغيب كأحسن ما يكون الإيمان. فالمرأة في أصل خلقتها ضعيفة الصبر كثيرة الجزع بما جعل الله فيها من الرحمة والحنان والعطف. فإذا أصيبت بمصيبة الموت في أهل بيتها كان جزعها أشد من جزع الرجال، وصبرها أقل من صبرهم. وهذا ما كانت عليه الخنساء في الجاهلية ولم ينافسها في ذلك أحد من النساء أما بعد الإيمان فهي قد ضربت مثلاً أعلى للصبر على ما جرى لبنيها الأربعة من الاستشهاد في سبيل الله تعالى بل إنها وطنت نفسها وأعدتها لهذا المقام، قبل نزول الحمام. وكان هذا أثراً عظيماً من آثار الإيمان بالغيب. ومن أثر هذا الإيمان القوي على بنيها، أن استبسلوا في الجهاد راغبين فيما عند الله راضين بنصيحة أمهم منفذين لأوامرها. فكل واحدٍ منهم، ينشد أبياتاً من الشعر قبل أن يقتحم صفوف الأعداء مشيداً بنصيحة تلك الأم الصالحة، مبدياً رغبته الشديدة فيما عند الله تعالى من الأجر الجزيل والثواب الجليل. فرضي الله عنها وأرضاها ورضي عن أبنائها الشهداء، وسلام عليهم في المؤمنين المخلصين الخالدين. 4 – مثال من أمثلة التأثر الجماعي بالإيمان بالغيب وأثر ذلك: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 هذا المثال ينتظم مجموعة قد ارتقت درجات الإيمان واليقين وتمكن التصديق بوعد الله ووعيده من قلوبهم أيما تمكن. بين لنا ذلك رسول الله (حيث قال: " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم، وهو أعلم منهم، ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً، وأكثر لك تسبيحاً. قال: يقول: فماذا يسألونني؟ قال يقولون: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبةً. قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: كيف ولو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منه فراراً وأشد لها مخافة. قال: فيقول: اشهدوا أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة. قال هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم " (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 هؤلاء هم عباد الرحمن الذين آمنوا بالغيب، آمنوا بربهم وهم لم يروه ذلك الإيمان الذي جعلهم يسارعون في طلب رضوانه، والفرار إليه من سخطه، وغضبه، آمنوا بالجنة وما فيها من النعيم الدائم، فشمروا عن ساق الجد في طلبها طول أعمارهم وهم لم يروها. آمنوا بأن النار حق فجدوا بطلب السلامة والنجاة منها. هؤلاء الصالحون الذين عبدوا ربهم كأنهم يرونه وهم لم يروه، فكيف تكون عبادتهم لو رأوه؟ وقد طلبوا منه الجنة وهم في غاية الشوق إليها من غير أن يروها، فكيف لو رأوها؟ وقد استعاذوا بربهم من النار خائفين وجلين وهم لم يروها، فكيف يكون خوفهم وفرارهم منها لو رأوها؟ ولكن مراتب المؤمنين بالغيب لا تساويها مراتب من يرى الغيب ويشاهده. ... هؤلاء هم الفائزون بما طلبوا، طلبوا رضوان الله تعالى، فرضي عنهم، طلبوا جنته، فاستجاب لهم، استعاذوا به من النار فنجاهم. وأشهد على مغفرته لهم ملائكته بياناً لفضلهم وإظهاراً لمكانتهم وقدرهم: " اشهدوا أني قد غفرت لهم ". وبركة هذا الإيمان الراسخ المثمر للعمل الصالح، شملت الجلساء الذين لم يغشوا مجلس الذكر رغبة فيه وإنما جاءوا لبعض شؤونهم. لأن الجليس الصالح له على من يجالسه أثر عظيم. ومن ذلك هذا الأثر الطيب المبارك: "هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" والجليس الصلح شبهه النبي (بحامل المسك الذي ينالك نفعه في كل حال، إما بشراء المسك منه، أو بأن يمنحك شيئاً منه، أو بأن تجد منه ريحاً طيبة. وهو في كل حالٍ تنال منه الخير والنفع. وأعظم الخير وأفضلهم بركة ما يوصل إلى غفران الله ورضوانه. أثر الإيمان بالغيب في نفس المؤمن: إن للإيمان بالغيب أثراً عظيماً في سلوك المؤمن كما سبقت أمثلته آنفاً. وأثراً عظيماً في نفس المؤمن كما سيأتي بيان ذلك في الأمور الآتية: أثره في غرس الطمأنينة في النفس: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 الإيمان بالغيب يورث الطمأنينة في نفس المؤمن لأنه يحبب إلى النفس ذكر الله تعالى على كل الأحيان كما قال الله تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ((1) . أي أن الإيمان الصادق هو الذي يثمر الاطمئنان إلى ذكر الله تعالى، لأن التلذذ بذكر الله تعالى لا يكون إلا ثمرة منه ثمار الإيمان بالغيب وأثراً من آثاره. صاحب هذا الإيمان يوطن نفسه على أن كل شيءٍ في هذا الكون بقضاء الله وقدره، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه كما قال صلوات الله وسلامه عليه لابن عباس رضي الله عنهما: " … فلو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك، لم يقدروا عليه. وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا " (2) . أثره في الصبر على البلاء والخروج من العسر إلى اليسر: إن الذي يؤمن بالغيب يعلم علم اليقين أن الصبر على بلاء الله تعالى من مقتضيات إيمانه ومتطلباته، وأن الله تعالى يحب الصابرين، وهو معهم بعونه وتوفيقه، وتفريج كرباتهم، وتيسير ما صعب من أمورهم، مصداقاً لقول النبي (: " وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا ". ولقوله تعالى: (فإن مع العسر يسرا (إن مع العسر يسرا ((3) ولقوله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ((4) ، وقوله: (وبشر الصابرين (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ((5) . وقوله جل ذكره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 : (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ((1) ، وقال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ((2) وقال: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ((3) . هكذا يثق المؤمن بمعية الله عز وجل وهو متمسك بدينه عامل بشرعه مصدق بوعده وكلماته ونصره وتأييده، فترتاح نفسه، ويهدأ باله، ويطمئن قلبه، ويسكن فؤاده، وتنشط أعضاؤه وجوارحه في طاعة ربه، ويلهج لسانه بذكره، فلا تؤثر فيه المحن، ولا تربكه الفتن، ولا تزعجه حوادث الزمان، ولا تكدر صفو حياته غوائل الحدثان. لأنه على هدى من ربه، إذ يعلم أنه ملك لله تعالى يتصرف فيه كيف يشاء، فما عليه إلا أن يرضى بحكمه ويسلم لأمره، ويؤمن بقضائه وقدره، وذلك هو أثر الإيمان. أثره في المعاملة: إن أثر الإيمان بالغيب يظهر جلياً في معاملة المؤمن للناس، قريبهم وبعيدهم، صديقهم وعدوهم مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم. فالمؤمن الصادق في إيمانه، يعامل الناس، وليس له من وراء ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله تعالى. فيكون براً بوالديه واصلاً لرحمه، موقراً للكبير راحماً للصغير معيناً للمحتاجين مطعماً للفقراء والمساكين آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، مشفقاً على العباد، معيناً على النوائب والمصائب. سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، إذا كال أو وزن وفى، وإذا وعد وفى، وإذا قال صدق، وإن شهد أو حكم عدل، وإن خاصم أنصف، وهو في هذا كله يهدي بالحق وبه يعدل، وبشرع الله القويم يصول ويجول، وفي روضات القرآن الندية يسرح ويرتع، ومن رحيق أزهاره العطرة يرشف، ومن بحاره الزاخرة يغرف، وفي ساحاته الرحبة الطاهرة يعكف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 فهو إن أعطى لا يمن على أحد من الخلق لأنه يؤمن إيماناً يمنعه من المن والأذى يهتدي في هذا بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوانٍ عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيءٍ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ((1) . وهو كذلك إن أعطى يخفي عطاياه خشية الرياء، ويهتدي في هذا بقول رسول الله (في أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: " ورجل تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ". يتحرى في صدقته السرية ليقينه بأن الله تعالى يرى ما يخفيه، ويتقبله ويضاعفه له. وإن أطعم أطعم ابتغاء رضوان الله تعالى مهتدياً بقوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً (إنَّا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً ((2) . إنه إن أطعم لا يرجو من وراء ذلك شكراً من أحد، وإنما يرجو ثواب الله تعالى ويخاف من سوء الحساب في ذلك اليوم الشديد هوله الذي تعبس فيه الوجوه، وتتقطب فيه الجباه. وإذا باع لا يطفف ولا يخسر، يهتدي في ذلك بقول الله تعالى: (ويلٌ للمطففين (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليومٍ عظيم (يوم يقوم الناس لرب العالمين ((3) . إنه لا يفعل ما يفعله المخسرون الخاسرون من التطفيف في الوزن والكيل، إذ إنهم حينما يكتالون يأخذون حقهم وافياً، أما إن اكتال الناس أوزنوا عندهم، فهم يبخسون حقوقهم ويخسرونهم. وهذه حال من لا يؤمن أن الله سيبعثه في ذلك اليوم العظيم الذي يقوم فيه الناس لربهم ليجزوا ويحاسبوا على أعمالهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 وهو في قوله وفعله يعدل بين الناس قريبهم وبعيدهم غنيهم وفقيرهم عدوهم وصديقهم، لأنه يؤمن ويعمل بقول الله تعالى: (ولا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ((1) . وقوله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بها ولا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً ((2) . هذا هو المبدأ الذي عمل به الرعيل الأول من سلف هذه الأمة، وهم صحابة رسول الله (الذين عادوا قرابتهم في الله تعالى، وجاهدوهم في سبيل الله. وأسوتهم في ذلك خليل الله ورسوله إبراهيم عليه السلام والذين معه. وقد قال الله تعالى فيهم: (قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ((3) . فرباط الدين هو الذي تشد به العلائق بين الناس في دين الله، إذ الإيمان رحم بين أهله فإذا خرج أولو الأرحام عن دائرة الإيمان فلاعتبار لعلاقة النسب وحدها. ولأن الله تعالى يقول: (ونفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون ((4) ويقول: (ولا يسأل حميمٌ حميماً ((5) ويقول: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والدٌ عن ولده ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ((6) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 وحينما كان أولو القربى لرسول الله (وصحابته رضوان الله تعالى عليهم خارجين عن دائرة الإيمان، معادين لأهل الإيمان، كان من العدل أن يعلنوا معاداتهم، ويتبرأوا من موالاتهم فجرت الخصومة والحروب بينهم. وفيهم يقول الله تعالى: (هذان خصمان اختصموا في ربهم ((1) . وفي هذا إشارة إلى ما وقع يوم بدر من المبارزة بين المؤمنين من المهاجرين، وبين أقاربهم المشركين من أهل مكة. ولكن الذين غمر الإيمان قلوبهم لم يبالوا برابطة القرابة والقومية التي خلت من الإيمان بدين الله، واتباع رسول الله (. فالمؤمن يحب الله تعالى ورسوله ودينه، والكافر يبغض الله تعالى ورسوله ودينه، والمؤمن يحب ما يحبه الله ويرضى، ويبغض ما يبغضه الله. ولذلك لا يوجد مؤمن صادق في إيمانه يحب أعداء الله ويواليهم. قال الله تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه ((2) . وهو إن غضب لا يستبد به الغضب، بل يكظم غيظه، عملاً بقول الله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ((3) . وإذا انتصر عفا وتجاوز (والعافين عن الناس (. ومع أن الانتصار على أهل الظلم مشروع ما لم تترتب عليه مفسدة أعظم، فإن العفو عن الظالم عند المقدرة من عزم الأمور: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون (وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذابٌ أليم (ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور ((4) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 وهو إن أحب يحب لله تعالى وفيه، لأن الحب في الله تعالى من مقتضيات الإيمان الراسخ وثمراته كما قال صلوات الله وسلامه عليه: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار " (1) . فمن وجد حلاوة الإيمان يكون حبه لأخيه المسلم في الله تعالى لا لغرض من أغراض الدنيا ولا لمصلحةٍ من مصالحها الفانية، لا يحبه لنسبه إن بطأ به عمله ولكنه يحبه لدينه وخلقه وأمانته، إن كان ذا دينٍ وخلق وأمانة لأنه يؤمن بأن الله تعالى سيقول يوم القيامة: " أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي" (2) . كما بين ذلك رسول الله (. إنه يحب أخاه المسلم لأن ذلك من متطلبات الإيمان الصحيح. ولقد بين رسول الله عليه صلاة ربي وسلامه بقوله: "والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 إن أكمل المؤمنين إيماناً، أكثرهم تحابباً في الله تعالى، وتعاضداً، وتعاوناً وتناصحاً وتواسياً. وكلما ضعف الإيمان ضعفت هذه العلائق، بين المسلمين. ولهذا قال الناصح الأمين (: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (1) . إنه مبدأ عظيم من مبادئ الإسلام الذي لو قام به كل مسلم ومسلمة لما وجدت المحاكم خصومات تقضي فيها بين المسلمين، فالذي يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، لا يظلمه، ولا يحقره ولا يؤذيه، ولا يشهد عليه زوراً، ولا يخونه في عرضه وماله ولا يصل إليه منه ما يكدر صفو حياته من قولٍ أو فعل. فمتى قام كل فرد من أفراد المسلمين من ذكورٍ وإناثٍ بالعمل بهذا المبدأ العظيم؛ أصبح المجتمع المسلم مجتمعاً طاهراً، من مظالم الحقد والأضغان والخصومات، تتجلى فيه الخيرية التي ذكرها الله تعالى في وصف هذه الأمة في قوله: (كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ((2) . والذين تحابوا في الله تعالى يظلهم الله في ظل عرشه يوم الدين، يقول رسول الله (: " يقول الله عز وجل: المتحابون بجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي" (3) . وروى عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله (قال سمعت رسول الله (يقول عن ربه تبارك وتعالى: " حقت محبتي على المتحابين فيَّ، وحقت محبتي على المتناصحين فيَّ، وحقت محبتي على المتزاورين فيَّ وحقت محبتي على المتباذلين فيّ وهم على منابر من نور، يغبطهم النبيون والصديقون بمكانهم " (4) . وصاحب الإيمان الصادق يؤدي الأمانة إلى من ائتمنه، ولا يخون من خانه، لقوله (: " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " (5) . ولأن الله عز وجل يقول: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ((6) ولقد عد النبي (تضييع الأمانة من أشراط الساعة حينما سأله رجلٌ عن الساعة: قال له: " فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " (7) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 إن مفهوم الأمانة في الإسلام لا يقتصر على المعاملات المالية والودائع المستودعة، ولكنه شامل لجوانب حياة الإنسان المسلم كلها. فالدين أولى الأمانات وأجلها. وهو المعني بقول الله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً ((1) . وحفظ أمانة الدين التصديق بأخباره ووعده ووعيده، والعمل بأوامره، والانتهاء عن مناهيه، والدعوة إليه، والموالاة فيه، والمعاداة من أجله. فمن فعل ذلك فقد قام بأداء الأمانة ولذلك قال (: " احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك " (2) أي احفظ دين الله تعالى الذي هو أمانة الله عندك، يحفظك الله تعالى كما حفظت دينه. ثم حقوق العباد بعضهم على بعض من الأمانات التي تجب لبعضهم على بعض فالأبناء أمانة على الوالدين، ومن أداء أمانة الأبناء على الوالدين اختيار الأسماء الحسنة والتربية الحسنة وتعليمهم مبادئ الإسلام، وإبعاد كل ما يسيء إليهم في صحتهم الجسدية، والعقلية، والدينية، والخلقية. وكذلك من أداء الأمانة القيام ببر الوالدين الواجب للأباء على الأبناء، وخدمتهما والإحسان إليهما وطاعتهما بالمعروف، والدعاء لهما والاستغفار لهما، والترحم عليهما، وصلة أرحامهما. وإكرام أصدقائهما. ومن أداء الأمانة حفظ الحقوق الزوجية بين الزوجين، بحسن المعاشرة والتناصح والتعاون بينهما، وعلى الزوج أداء حقوق الزوجة التي أوجبها الله تعالى لها عليه من النفقة والكسوة والسكن والعلاج. وعلى الزوجة حفظ حقوق زوجها في غيبته وحضوره وحسن التبعل وحفظ أسرار الزوج وممتلكاته، والنصح له وطاعته في المعروف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 ولا يتأتى ذلك على الوجه الصحيح إلا لمن وجد حلاوة الإيمان، وصدق في اعتقاده وقوله وعمله. وكلما تعمق المؤمن في الإيمان الصحيح، ظهرت على جوارحه الأعمال المصدقة لإيمانه، المترجمة لما في قلبه من الصدق والإخلاص حيث تصدر منه الأعمال بسهولةٍ ويسر وسلاسة بلا تكلفٍ أو تنطع. أو تكاسل أو رياء. كل هذا من آثار الإيمان بالغيب وثماره على الأفراد الذين يكونون لبنات صالحة لبناء صرح المجتمع المسلم المتضامن المتعاون المتآخي الذي يخلو من الأحقاد والضغائن والتباغض والتدابر والتنافر والتقاطع، مجتمع الإيمان والأمن والأمان. والله تعالى أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا الإيمان الصادق الصحيح الذي تظهر آثاره، وتينع ثماره، إنه سميعٌ مجيب. المبحث الثالث: العالم وأقسامه العالم هو كل ما سوى الله عز وجل، سمي كذلك لأنه علم على وحدانية الله في ربوبيته وألوهيته وصفاته ويجمع العالم على: عالمون ويعامل معاملة جمع المذكر السالم في إعرابه. ولهذا تضاف كلمة: رب وإله إذ يقال لله تبارك وتعالى: رب العالمين، وإله العالمين. فمن ذلك قول الله عز وجل في فاتحة الكتاب: (الحمد لله رب العالمين (وقد وردت هذه الكلمة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم في نحو أربعين موضعاً. وهذا يدل على أن العالم علويه وسفليه مخلوق لله تعالى، وأنه تعالى خالقهم وربهم ومليكهم ومدبر أمورهم، ومصلح شؤونهم وأن العالم تحت سلطانه وقهره وملكوته وجبروته وكل ما سواه يدل على ذلك بحاله ومقاله وخصاله وفعاله. والعالم ينقسم إلى قسمين: القسم الأول / عالم الغيب: وهو كل ما خلقه الله تعالى ولم يظهر عليه أحداً من خلقه إلا من أذن له من رسله. ولا تتعلق غيبته بأمر خارج منه، وإنما الغيبية صفةٌ ملازمةٌ له. القسم الثاني / عالم الشهادة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 وهو كل ما خلقه الله مهيأ للمشاهدة والظهور عليه إما بالوسائل الخلقية، وإما بالوسائل الصناعية المستحدثة. وهذا القسم غيبه نسبي والغيبية في غيبه ليست صفة من صفاته الملازمة له، وإنما هي حالةٌ طارئة عليه أو على من خفي عليه لأمرٍ خاص به. أما القسم الأول فيسمى بالغيب المطلق لأنه مطلق عن القيد إذ لم يعتبر غيباً نسبياً وإنما هو غيب من جميع الوجوه حيث خلقه الله تعالى غيباً مكنوناً لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى. وفي ذلك يقول الله ربنا الكريم تبارك وتعالى: (قل لا يعلم من في السماوات الأرض الغيب إلا الله ((1) أي إن أحداً من خلقه لا يعلم الغيب المطلق. وقال تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ((2) فذكر في هذه الآية أنه يطلع من ارتضاهم من الرسل على غيبه، فالإظهار على الغيب لا يعني علم الغيب. فإذا كان المراد بالغيب هو الغيب المطلق يكون التعبير عن ذلك بالإظهار أو الاطلاع لا بالعلم، لأن العلم بالغيب المطلق من صفات ربنا الخاصة به تبارك وتعالى. وفي هذا وردت نصوص كثيرة دلت دلالة جلية على أن علم الغيب خاص بالله تعالى فمن ذلك قوله تعالى: (وعند مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ((3) وقوله: (عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير ((4) وقوله: (إن الله عالم غيب السماوات والأرض ((5) وقوله: (قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب ((6) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 فتبين من هذا أن علم الغيب خاص بربنا تبارك وتعالى. وأما الاطلاع والظهور على الغيب فمعناهما واحد فهو العلم الجزئي بالشيء الذي أذن الله تعالى لرسله أن يعلموا به. والعلم الجزئي بالشيء ليس كالعلم الكلي الشامل المحيط بالشيء. ولعل السر في هاتين الكلمتين في حق العباد، الإشارة إلى هذا المعنى فالعلم لله تعالى، والاطلاع والظهور على بعض هذه الغيبيات لمن اصطفاهم الله تعالى من رسله عليهم الصلاة والسلام. ومما يجدر التنبيه عليه هنا، أن في كتاب الله تعالى نصوصا دلت على أن الله تعالى أعلم بعض عباده من الرسل والأتباع فكانوا على علم بتلك الغيوب التي أوحى الله تعالى بها إلى رسوله (وذلك كقوله تعالى: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ((1) وقوله: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ((2) ويفيد هذا انهم علموا بأنباء الغيب بعد أن أوحى الله تعالى بها إلى نبيه (. فإن قيل أو ليس قد سبق أن عباده المصطفين يظهرون على بعض الغيب ولا يعلمون به لأن العلم هو الإحاطة والشمول وذلك ليس إلا لربنا عز وجل؟ فالجواب أن الآيات المفيدة بأن الرسول (وأتباعه علموا بأنباء الغيب بعد وحي الله تعالى إليه جاءت في الغيب النسبي وليس في الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل. وأيضا إن الله تعالى أخبرهم بما قد جرى ووقع في زمن قد مضى وانقضى لم يكن رسول الله (وقومه في ذلك الزمان أو المكان، ولو كانوا ثمّ لعلموا به كما علم من كان بذلك الزمان والمكان ولذلك قال الله تعالى بعد ذلك: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه … ((1) . وقال في قصة يوسف واخوته بعد أن قصها على نبيه (: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ((2) . وقال عقب قصة موسى (: (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ((3) . وهذان المعنيان يفهمان من سياق الآيات القرآنية في الفرق بين الإطلاع والظهور، وبين العلم بأخبار الغيب، فالعلم بأخبار الغيب المتعلقة بعالم الشهادة له مصادر شتى كما سيأتي بيانه في موضعه. غير أن الوحي أهم المصادر وأصدقها وأجلها وأدقها. وأما الغيب المطلق فليس للإطلاع عليه مصدر آخر غير الوحي الرباني. وكأن المطلع عليه يطلع عليه من نافذة الوحي كما يطلع المرء من نافذة منزله أو كوة فيه على ما في الخارج، فإنه لا يحيط به من جميع الجوانب. وهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الاطلاع والظهور على الغيب معناهما مشاهدة الغيب نفسه، وإن كان بلا إحاطة. وأما أخبار الغيب التي يوحى بها فهي لا تعني أن من أوحى بها إليه شاهد الغيب واطلع عليه ولكنه أخبر به. فمثال الاطلاع على الغيب مشاهدات الرسول (ليلة الإسراء والمعراج، ورؤيته للمسجد الأقصى بعد ذلك وهو بمكة حينما سألته قريش عن صفاته حتى وصف لهم وصفا دقيقا حيث جلاه الله تعالى له (4) . ومثال العلم بأخبار الغيب عن طريق الوحي، ما جاء من قصص الأنبياء وأممهم في القرآن. المبحث الرابع: أنواع الغيب وأقسامه الغيب من حيث إطلاق لفظ الغيب عليه ثلاثة أنواع: النوع الأول: غيب الغيوب: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 وهو الغيب الخاص بذات الله وأسماءه وصفاته. وهذا النوع هو قمة الغيب وأعظمه وأبعده عن علم الخلق. ولم يكن هذا النوع قسيم غيب العالم بقسميه المطلق والنسبي، لأن الله تعالى ليس من العالم، بل هو رب العالمين تبارك وتعالى. إن ذات ربنا وصفاته غيب استأثر الله تعالى بعلمه، ولا يعلم كيف هو إلا هو، ولا يعلم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى غيره تعالى. فعباده تعالى لا يعلمون من ذلك إلا ما علمهم عن طريق الوحي إلى رسله وأنبيائه. وما علمهم الله تعالى من ذلك قليل من كثير استأثر الله تعالى به في علم الغيب. وإلى ذلك أشار النبي (في قوله: " أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك … " (1) . ولهذا لا يجوز تجاوز ما جاء في نصوص الوحي في أسماء الله تعالى وصفاته، لأنها قمة الغيب وذروته التي لا يحيد عنها إلا هالك، ومن حاد عنها وأرخى الزمام لعقله القاصر وقال في صفات الله تعالى برأيه نفيا وإثباتا فقد ضل ضلالا مبينا. وهذا النوع هو الذي كان باعثا لتأليف هذه المباحث لعلي أبين حدود العقل البشري وموقفه من هذه الحمى الذي اقتحمه طائفة من البشر بلا هدى ولا كتاب منير، فزاغوا عن الحق وأزاغوا. النوع الثاني: غيب العالم، وهو قسمان: القسم الأول: الغيب المطلق (2) : وهو المتعلق بعالم الغيب. وعالم الغيب هو المخلوق على وضع لا يصل الإنسان إلى العلم به بحواسه التي يتوصل بها إلى العلم بعالم الشهادة، أو هو كل ما خلقه الله تعالى غير قابل لوصول الحواس إليه، وذلك كالملائكة والجن والشياطين فمتى أذن الله تعالى لمن شاء من عباده بذلك حصل ما أذن له به، في وقت أذن به، بقدر ما أذن به على هيئة أذن بها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 فمن ذلك رؤية الرسول (لجبريل عليه السلام على هيئته الملكية في النزلة الأولى من جبل حراء، وفي نزلته الأخرى عند سدرة المنتهى ليلة المعراج (1) . ومن ذلك رؤيته أرواح الأنبياء في تلك الليلة في السماوات. فقد رأى آدم في السماء الدنيا، ورأى يحي وعيسى في السماء الثانية، ورأى يوسف في الثالثة، وإدريس في الرابعة، وهارون في الخامسة، وموسى في السادسة، ورأى إبراهيم في السماء السابعة (2) . والأرواح من عالم الغيب الذي أطلع الله تعالى رسوله (عليه تلك الليلة، وأما أجسادهم عليهم الصلاة والسلام فهي مدفونة في الأرض، سوى ما كان من أمر عيسى (فإنه حي بجسده في السماء. حيث رفعه الله تعالى إليه حيا كما قال الله تعالى: (بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما ((3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 ومن الغيب المطلق النبوة والرسالة، ونزول الكتب على الرسل، والقضاء والقدر، واليوم الآخر. أي إن أركان الإيمان الستة كلها داخلة دخولا أوليا في الغيب المطلق، سوى الركن الأول وهو الإيمان بالله تعالى، فإنه غيب الغيوب كما سبق بيانه، ولهذا قال الله تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ((1) . والإيمان لا يكون إلا بالغيب سواء كان الغيب من النوع الأول أو من النوع الثاني بأقسامه. فالأمور الحسية لا يطلب من الإنسان أن يؤمن بها، لأنه يحس بها ويشاهدها فلا يسعه إنكارها. ثم إن الله تعالى اختبر عباده حيث أمرهم بالإيمان بالغيب الذي لا يعلمون به إلا عن طريق إخبار الله تعالى بها لا عن طريق المشاهدة. ولهذا لا ينفع الإيمان حينما ينكشف الغطاء عند حلول الأجل، وبلوغ الروح الحلقوم، وعند طلوع الشمس من مغربها، وعند نزول العذاب الذي توعد الله به أقوام الرسل، لأنه لا يسع أحدا شاهد ذلك إلا التصديق بالمحسوس وذلك ليس من الإيمان في شيء. ولهذا لم يقبل الله تعالى من فرعون إيمانه لنزول الموت به، ومشاهدته حقائق ما كفر به من قبل، قال الله عز وجل: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (آالآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ((2) ، وقال رسول الله (: "إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" (3) . فإذا قيل إن من أركان الإيمان ما ليس بغيب كالرسل والكتب إذ هم من عالم الشهادة. فكيف تعلق بهم الإيمان مع القول إن الإيمان لا يتعلق بالمحسوسات؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 قيل إن ذلك راجع أيضا إلى هذه القاعدة التي لا يخرج عنها ركن من أركان الإيمان، وذلك بأن الإيمان بالرسل ليس متعلقا بوجودهم في زمن من الأزمان، وذلك أمر معلوم بداهة، ولكن الذي يتعلق به الإيمان إرسال الله تعالى لهم وذلك هو الغيب الذي أمرنا بالإيمان به، أما الوجود التاريخي للرسل فهو أمر لم يكن الكفار ينكرونه، إذ هم يشاهدون الرسل في أزمانهم، وينصب كفرهم على رسالتهم ونبوتهم ولذلك قالوا لرسلهم: (إن أنتم إلا بشر مثلنا ((1) ، أي لا تتميزون علينا بالرسالة التي تدعون أنكم تحملونها ولهذا قال قوم صالح (بعضهم لبعض: (أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه ((2) . وقال الكافرون لرسول الله (كما حكى الله تعالى عنهم في قوله: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ((3) وما قالوا هذا إلا نفيا وإنكارا للأمر الغيبي الذي هو النبوة والرسالة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 وكذلك الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله، متعلق الإيمان لم يكن بوجودها بين الناس، فإن وجودها في أيدي الناس، أمر حسي لا ينكره أحد، ولكن الذي أمرنا بالإيمان به كونها منزلة على الرسل من عند الله تعالى، والذين كفروا بها لم يكفروا بوجودها، ولكنهم كفروا بنزولها من عند الله. ولذلك قالوا لرسلهم كما حكى الله تعالى عنهم بقوله: (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون ((1) ، وقال الله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ((2) . وقالوا في القرآن الكريم: (إن هذا إلا قول البشر ((3) .وهذا يدل على أن كفرهم كان متعلقا بنزول الوحي به لا بوجود الكتاب العيني، فإن المشار إليه بقولهم: (إن هذا (هو القرآن المعروف لديهم بوجوده بينهم، ولم ينكروا إلا كونه من عند الله تعالى. ويلحق بهذا القسم مكنونات الصدور من مقاصد ونوايا. فإن ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى. ولهذا وصف الله تعالى نفسه الكريمة بقوله: (يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ((4) ،: (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ((5) ،: (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ((6) . فمن زعم أنه يعلم خواطر النفوس وكوامنها وأسرارها، فقد تجاوز حدوده واعتدى على حق الله تعالى. وأما ما قد يلمع لبعض من أخلصوا لربهم وصدقوا في اتباعهم من لمع تتعلق ببعض الخواطر فليس من العلم بالغيب، وإنما هو فراسة كما سيأتي ذكر ذلك في مبحث خاص إن شاء الله تعالى. القسم الثاني: الغيب النسبي أو الإضافي: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 الغيب النسبي أو الإضافي هو ما كان من عالم الشهادة، وكان غيبا بالنسبة والإضافة إلى بعض الخلق دون بعض، وذلك باختلاف الزمان والمكان وما يستخدم في الوصول إليه أي أن غيبيته لم تكن صفة لازمة له إنما هي صفة نسبية أو إضافية، مثال ذلك من الزمن الماضي ما جرى بين الرسل وأممهم من الوقائع والأحداث غيب بالنسبة والإضافة إلينا نحن الذين نعيش في زمان غير زمانهم وهي نفسها مشاهدة بالنسبة والإضافة لأهل زمانهم ومكانهم ولم تكن غيبا. وهي غيب أيضا لمن يعيش في مكان آخر في ذلك الزمان. وهذا القسم تحته ثلاثة أقسام بحسب الزمان: الأول: غيب الزمن الماضي. الثاني: غيب الزمن الحاضر. الثالث: غيب الزمن المستقبل. أما غيب الزمان الماضي: فهو ما يتعلق من الحوادث بغيب الأزمنة الماضية. وسبب غيبيتها وقوعها في زمن قد مضى قبل زمن قوم بلغهم الخبر عن ذلك الماضي لم يكونوا فيه. وأما غيب الزمان الحاضر: فهو ما كان من عالم الشهادة واقعاً في الزمن الذي أنت فيه، وسيأتي بيان سبب غيبيته في المبحث العاشر إن شاء الله تعالى. وأما غيب الزمان المستقبل: فهو ما سيحدث من الحوادث بعد اللحظة التي تعتبر الزمن الحاضر. وهو شبيه في غيبيته بالغيب المطلق لتوغله في الغيبية. فالإنسان لا يعلم شيئا مما سيحدث في المستقبل لقول الله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ((1) . وهذه الحوادث المذكورة في الآية الكريمة حوادث مستقبلة لا يعلمها إلا الله تعالى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 فأولها: متى قيام الساعة، فعلم ذلك عند الله تعالى كما دلت على ذلك نصوص كثيرة من الكتاب والسنة. فمنها قول الله تعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ((1) ، ومنها قوله: (يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ((2) . وقال رسول الله (لجبريل (حينما سأله عن الساعة: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " (3) .أي إن الرسول (لا يعلم ميعادها كما لا يعلم سائله جبريل (متى هي. وثاني تلك الحوادث التي تضمنتها الآية، موعد نزول الغيث، فعلمه كذلك عند الله تعالى، فكما أنه تعالى هو الذي ينزل الغيث فهو الذي يعلم موعد نزوله. وثالثها علم ما في الأرحام، ولا يعلم ما في الأرحام غير الله عز وجل، وهو الذي يعلم وحده ما حوته الأرحام علما جليا محيطا عميقا، وعلم ما في الأرحام ليس مقتصرا على معرفة نوع الجنين من ذكر وأنثى، وإنما هو أوسع من ذلك وأعمق بكثير. فمعرفة نوع الجنين في مراحل حياته المتأخرة بعد تكامل أعضائه مما أمكن العلم به في هذا العصر باستخدام الآلات الحديثة، وما دام الأمر كذلك فإن المراد بعلم ما في الأرحام الذي يختص به الله ليس هذا الجانب قطعا، وإنما يشمل علمه عز وجل علم ما في الأرحام منذ اللحظة الأولى التي وقعت فيها النطفة في الرحم، أذكر أم أنثى، أسقط أو مولود، أشقي أم سعيد، أعالم أم جاهل، أخامل أم عامل، أرئيس أم مرؤس، أغني أم فقير، أعزيز أم ذليل، أعقيم أم يولد له، ويعلم علما دقيقا ماذا سيكون لهذه النطفة من الذراري وما تتصف به من صفات عدها في علمه وأحصاها تبارك وتعالى إلى آخر مولود من الخلائق وهو علام الغيوب سبحانه وتقدست أسماؤه وصفاته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 ورابع تلك الأشياء التي دلت الآية الكريمة على اختصاص الرب بعلمها ما تكسبه النفوس في المستقبل بعد اللحظة التي هي فيها، وما سيكون من أمرها وماذا سيحدث منها أو سيحدث لها، كل ذلك علمه عند ربنا تبارك وتعالى ولهذا أمر الله تعالى رسوله (أن يقول لقومه: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ((1) . ولو كان أحدنا يعلم من أين يأتيه ما يخاف ويحذر لتجنبه، وما أصابه مكروه ولو كان يعلم من أين يأتي ما ترغب فيه النفس من الخير لتعرض له وما فاته شيء من المطلوب والمرغوب. ولكن الله تعالى استأثر بعلم ذلك وحده. وخامسها: علمه تعالى وحده أين تموت كل نفس، ومتى تموت وبم تموت، وعلى أية حال تموت، ولا يعلم أحد من خلقه، أين تموت نفسه ومتى، كما لا يعلم آجال غيره من النفوس. أما رب النفوس وخالقها ومحييها ومميتها وباعثها فهو الذي له علم ذلك كله: (إن الله عليم خبير (. فإن قيل إذا كان الخلق لا يعلمون ما يستقبل من الحوادث، فكيف استطاع الفلكيون معرفة تواريخ الكسوف وساعاته، واستطاع مراقبوا أحوال الطقس عن طريق المراصد الجوية الإخبار بأخباره قبل حدوثه. قيل أن ذلك من التجارب البشرية المتكررة التي مكنت العلماء الذين يقومون بالرصد المتواصل من توقع تلك الحوادث على سبيل التوقع والظن لا على سبيل العلم واليقين فكما يستنتج أحدنا تقابل قطارين في نقطة معينة إذا كان انطلاقها في وقت واحد وسرعة واحدة سائرا كلا منهما في الاتجاه المواجه للأخر. فكذلك توقع الفلكيين مرور القمر بين الأرض والشمس في موضع معين في ساعة معينة لا يدل على علم الغيب، وإنما هو توقع مبني على التجارب والملاحظات المتواصلة، والاختبارات المتكررة. وهذا مما لا يجزم بحدوثه ووقوعه، والعلم بالشيء هو الجزم بما هو عليه، أو بما سيقع لا محالة، فليتأمل. المبحث الخامس: حظ الإنسان من علم الغيب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 سعى الإنسان منذ نشأته إلى الوقوف على ما يجهله في هذه الحياة بالوسائل التي خلقها الله فيه، تدفعه غرائزه التي زوده بها. فوصل بالوسائل التي لديه إلى تحقيق الكثير مما يتوق إلى معرفته مما يمكن الوصول إليه من خبايا عالم الشهادة، غير أنه لم يكتف بذلك ولم يقتنع بما حققه من الإنجازات في ذلك، بل حاول في مختلف العصور الاطلاع على ما لم يتمكن من الوصول إليه بالوسائل التي ركّبت في بدنه، وزوده الله بها لتكون عوناً له في هذه الحياة، فاستعان بالجن والشياطين حتى نشأت بين الناس فئة ادعت أنها تعلم الغيب، وهي فئة الكهان والعرافين وقارئي الفناجين والمشعوذين الذين استغلوا التطلع الإنساني إلى المجاهيل، فأضلوه بما زعموا من معرفة الغيب من عالم الشهادة، بل تجاوزوا ذلك إلى عالم الغيب، فأخذوا يشيعون بين مصدقيهم أن لهم علاقة بالملائكة والجن، وأن لهم صلة بالنجوم والشمس والقمر والكواكب، فأقاموا لهذه الأجرام السماوية معابد وهياكل عبدوها من خلالها زاعمين أن لها أرواحاً وعقولاً وتصرفاً في الكون، وأنها ترضى وتغضب وتعطي وتمنع، وتفرق وتجمع، وتحيي وتميت، وتخفض وترفع، غير أن الله عز وجل الذي خلق هذا الكون لحكمة أرادها، والذي يتنزه عن كل نقص، ما ترك الإنسان سدى، حتى يتخبط في جهالاته وضلالاته تستهويه الشياطين في الأرض حيران لا يهتدي سبيلاً، ولا يجد هادياً ولا دليلاً، فأرسل إليه رسله تترى في كل عصر وجيل، وأنزل عليهم الكتب، فهداهم من الظلمات إلى النور، فأطاع من أطاع وعصى من عصى، واستمر الصراع بين الحق والباطل استمرار الإنسان في هذه الحياة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 ولقد أعلم الله الإنسان عن طريق رسله ما خلق من أجله، وما ينبغي عليه أن يؤمن به، وما يجب أن يعمله أو لا ينبغي أن يعتقده أو يعمله، غير أن الشيطان وجنوده من الجن والإنس ما فتئوا يزينون له الباطل من الاعتقاد والقول والعمل مع قيام الحجة، ووضوح المحجة، فاستمر الإنسان الذي لم يستجب لرسل الله تعالى، أو استجاب ولكنه لم يلتزم بمنهج الرسل وأتباعهم التزاماً صحيحاً، في التطلع إلى عالم الغيب، حتى وجد بين الناس من أطلق لعقله الزمام متجاوزاً بتفكيره القاصر الطموح ما وراء الطبيعة، حتى تجاوز ذلك إلى الكلام في ذات الله وأسمائه وصفاته، معرضاً عن نصوص الوحي المنزل أو مؤولاً لها، يصرفها عن دلالاتها اللغوية والشرعية، إلى ما تهواه نفسه، ويملي عليه هواها زاعماً أن عقله هو المعيار الصحيح الذي به توزن الغيبيات وزناً دقيقاً، فكان منهم من أنكر صفات الله تعالى الواردة في نصوص الوحي، فعطل رب العالمين عن صفاته الثابتة له كالمعتزلة، ومنهم من نفى أسماءه وصفاته غير مبال بنصوص الوحي كالجهمية، ومنهم من أقر ببعض صفاته على ما يلائم عقله، وأول ما لم يوافق عقله كالأشاعرة والماتريدية، فهدى الله الذين تمسكوا بنصوص الوحي وما دلت عليه من الحق من سلف هذه الأمة وخلفها، حيث لم يجعلوا العقل فوق نصوص الوحي يحكم عليها بأوهامه، ويتحكم فيها بظنونه، ولم يلغوا وظيفته، فتوسطوا في ذلك مدركين أن دور العقل هو الفهم عن الله ورسوله، والتصديق بكل ما جاء في نصوص الوحي على مراد الله تعالى كما بلغ رسوله الصادق الأمين، وأن الغيب يجب التصديق به على ما وردت به النصوص من غير أن يكون للعقل دخل في تصوره، فالله ما كلف الإنسان بما لا يطيق، وإن العقل الذي ركب فيه أداةٌ خاصةٌ لاستخدامها في عالم الشهادة من أمور دنياه، وأما عالم الغيب فكفاه الله مئونته بأن بين له ما يجب أن يصدق به منه، وما ذلك إلا لعلمه تعالى أن طاقة عقل الإنسان في هذه الحياة الدنيا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 لا تتجاوز هذا المجال ولا تتعداه، فكما أن الموازين التي تستخدم في المتاجر لوزن المبيعات من الفواكه والحبوب والثمار لا يصح أن توزن بها الجمال والجبال، فكذلك لا يصح أن توزن الغيبيات بهذا العقل الذي خلقه الله لأمر غير هذه الأمور ليس أهلاً له. ولذلك اختلفت الفرق وتباينت آراؤهم في الغيبيات، لاختلاف عقولهم، فعقل الجهمية يرى أن ما يتوهمه هو عين العقل والصواب، وعقل المعتزلة يرى ما يخالف ذلك في بعض الغيبيات، وعقل الأشاعرة كذلك يرى ما يخالفهم منفرداً ببعض الآراء عن الجهمية والمعتزلة، وهكذا يرى كل فريق أن عقله هو المعيار الصحيح والميزان القسط التي توازن به حقائق الغيبيات، فعقل من منهم العقل الذي يجب القول بما جنح إليه من الاعتقاد؟ إنه لا يوجد في الناس عقل كلي معصوم من الخطأ يجب الرجوع إليه عند الاختلاف في الغيبيات، ولكن الذي يجب الرجوع إليه والجزم بصحة ما دل عليه هو الوحي الرباني الذي من تمسك به رشد، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن اعتصم به نجا، ومن عمل به هدي إلى صراط مستقيم. وفي هذه الدراسة التي تم ذكر أنواع الغيوب وأقسامها فيها، أذكر بشيء من التفصيل حظوظ الإنسان من الاطلاع على تلك الأنواع والأقسام من الغيوب، طبقاً لما دلت عليه النصوص الشرعية، وشهدت له التجارب الإنسانية عبر العصور المختلفة، وذلك في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى وأعان. المبحث السادس: حظ الإنسان من غيب الغيوب لقد سبق أن غيب الغيوب هو الغيب المتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته. وهو أعظم أنواع الغيب وذروته. وحظ الإنسان من هذا الغيب هو ما جاءت به النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وليس لأحد أن يقول شيئا في أسماء الله تعالى وصفاته إلا بإيقاف من الله تعالى ورسوله عليها. وهذا معنى قول العلماء: إن أسماء الله تعالى توقيفية، وكذلك صفاته تعالى على الراجح من كلام العلماء، قال السفاريني في الدرة المضيئة: لكنها في الحق توقيفية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 لنا بذا أدلة وفية وإن سلف هذه الأمة من أصحاب رسول الله (ومن تبعهم بإحسان، قد التزموا بقبول ما دلت عليه نصوص الوحي من أسمائه وصفاته فأثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه الكريمة في كتابه، أو أثبته له رسوله الصادق في سنته الثابتة عنه على الوجه الذي يليق به تعالى من غير تأويل يؤدي إلى التحريف، أو نفي يؤدي إلى التعطيل تحت ستار التنزيه. وكذلك نفوا عن الله تعالى ما نفاه عن نفسه في كتابه أو نفاه عنه رسوله (في سنته. ولم يكونوا في الإثبات غالين مشبهين، كما لم يكونوا في النفي متجاوزين لحدود النصوص الواردة في النفي حتى يكونوا بذلك معطلين. فهم بذلك وسط بين أهل التشبيه، وأهل التعطيل. وما لم يرد نفيه أو إثباته في الكتاب والسنة، توقفوا في إثباته ونفيه، ولم يثبتوا خشية أن يكون غير ثابت لله، ولم ينفوا خشية أن يكون ثابتاً لله تعالى، لأن ذلك راجع إلى القول على الله بغير علم، وهو مما لا يجوز في شرع الله تعالى. وهنا يتحتم بيان ثلاثة أمور في غاية الأهمية في الإسلام: الأمر الأول: تعلق مسائل الإيمان عامة بثوابت غيبيه، سواء كانت من غيب الغيوب الخاص بأسماء الله وصفاته. أومن عالم الغيب الذي منه الغيب المطلق، أو ما يلحق به في غيبيته من عالم الشهادة. الأمر الثاني: مسائل الإيمان توقيفية، أي أن النصوص الشرعية هي التي أوقفتنا على تلك المسائل التي لا نعلم عنها شيئا قبل ورود النصوص الشرعية التي بينتها لنا وأوقفتنا عليها. ولا يسع المسلم الحريص على دينه أن يتجاوز هذا الموقف الشرعي برأيه وعقله المحدود، وإنما يجب عليه الوقوف على ما أوقفه الشرع عليه من مسائل الإيمان التي يجب على الإنسان أن يتقبلها بقبول حسن على النحو الذي وردت به في النصوص الشرعية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 ومن هنا يتبين أن المراد بالتوقيف أن الشارع أوقف العباد عليها بنصوص الوحي من الكتاب والسنة الصحيحة، والعباد يتوقفون على ذلك ولا يتجاوزونه بحال. أي توقيف من الله يترتب عليه توقف من العباد. وفعل التوقيف بناؤه للمطاوعة إذ تقول: وقفته إذا توقف. أما إذا لم يتوقف فلا تقول: وقفته ولكن تقول: استوقفته، أي طلبت منه أن يتوقف، واستفعل تدل على الطلب، وفعّل بتشديد عين الكلمة للمطاوعة، كما تقول: علمته فتعلم، وكسرته فتكسر، وقلبته فتقلب؛ تقول: وقفته فتوقف. والمطاوعة معناها؛ ظهور أثر الفعل في المفعول، فالله تعالى وقف عباده على ما ينبغي أن يتوقفوا عليه ولا يتجاوزوه، فتوقيفه العباد توقيف دلالة وإرشاد وتعليم، وليس توقيف جبر وقهر، لأن القضايا الإيمانية اختيارية وليست جبرية، فمن قبل توقيف الله تعالى ولم يتجاوز ما جاءت به النصوص الشرعية بتمثيل أو تأويل يؤدي إلى التعطيل فقد أفلح وفاز، ومن لم يتوقف بتوقيف الله تعالى، وتجاوز حدود النصوص الشرعية بعقله القاصر فقد تعدى حدود الله: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ((1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 ومن رأى أن يتجاوز حدود الإثبات الشرعي لأسماء الله وصفاته فشبه الله تعالى بخلقه في ذلك فقد ضل ضلالاً بعيداً، لأن ربنا تبارك وتعالى لا يشبهه أحد من خلقه في صفاته الذاتية والفعلية، فكما لا تشبه ذاته ذوات خلقه، لا تشبه صفاته صفات خلقه سبحانه. ومن رأى بعقله المحدود أن ما جاء في النصوص الشرعية من الأسماء والصفات ظاهر معانيها لا يليق بالله تعالى، فأتى بمعان زعم أنها هي المرادة من النصوص فقد استدرك على الله تعالى ورسوله، حيث اعتقد أن الظاهر من كلامه تعالى وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام لا يليق بالله تعالى، وأن الذي يراه ويؤول به النصوص هو الصواب، وذلك رجم بالغيب، وتزكية للنفس حيث رأى أن عباراته التي أتى بها لتفسير كلام الله تعالى وكلام رسوله أليق بالله تعالى وأوضح في تنزيهه عن مشابهة الخلق، وهذا منتهى الغرور أن يظن عبد بربه أنه خاطب عباده بما لا يفهم منه إلا ما لا يليق به، واتهام لرسوله المبلغ عنه البلاغ المبين أنه ما بين ما أنزل الله عليه لأمته، وأنه خاطب أمته بما لا يفهمون مراده منه، حتى نهض هؤلاء لبيان ما قصر عنه البيان في كتاب الله وسنة رسوله.الأمر الثالث: مسائل الإيمان غير قابلة للنسخ، فالقضايا الإيمانية هي التصديق بالأمور الواقعة، أو التي ستقع على سبيل القطع، على الوجه الذي وردت به النصوص الشرعية، وهي إخبار الله تعالى أو إخبار رسوله عن أمور واجبة التصديق والتسليم، فالأخبار لا تنسخ وإنما الأوامر والنواهي هي التي يدخلها النسخ، وأما الأخبار فنسخها يعني عدم صحتها، وذلك ما لا يجوز على أخبار الله تعالى، (ومن أصدق من الله حديثا ((1) (ومن أصدق من الله قيلا ((2) ، وكذلك لا يجوز على أخبار رسوله إلا الصدق لأنه: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ((3) ، فالله تعالى ما اصطفاه للرسالة إلا لعلمه أنه أصدق الناس وأحفظهم للأمانة التي حملها الله إياه. فمن فهم هذه الأمور الثلاثة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 فهماً صحيحاً، وعمل بمقتضاها، وعامل النصوص الشرعية على أساسها، فقد اهتدى، وأصاب كبد الحقيقة، ونجا من حيرة المتكلمين ومن سلك سبيلهم،، وكان على بصيرة ونور من ربه، وأما من زين له سوء عمله من التشبيه والتجسيم، أو التعطيل والتأويل فقد ظلم نفسه ولن يضر الله شيئاً. المبحث السابع: التصورات الخاطئة لغيب الغيوب ونتائجها السيئة إذا أخبر الإنسان بصفات إنسان لم يره قط، فلا بد أن توجد في ذهنه صورة لذلك الإنسان وتلك الصورة الذهنية هل تطابق الصورة الحقيقية لذلك الإنسان أو لا؟ وإذا أخبر عدد من الناس بمثل هذا الخبر، فإن كل واحد ممن سمعوا الخبر عن صفاته لديه صورة ذهنية عن ذلك الإنسان الموصوف، وهل يوجد تشابه بين تلك الصور الذهنية المتعددة أولا؟ وهل تطابق كل تلك الصور الذهنية، صورة ذلك الإنسان في الخارج؟ الجواب: أن ذلك غير حاصل، فالصورة الذهنية لشخص غير مشاهد، تخالف صورته في الخارج والواقع ولا تطابقه، فكيف إذا اختلفت التصورات وتعددت الصور الذهنية بتعدد المتصورين؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 هذا في صفة إنسان يعتبر واحداً من أفراد جنسه، وجنسه ونوعه معروفان في الخارج، والصفات المشتركة بين أفراد الجنس الواحد كثيرة، ومع ذلك فقياس زيد الغائب على عمرو الشاهد من جميع الوجوه مع تجانسهما، فاسد إلا فيما كان من الخصائص الإنسانية العامة الشائعة في أفراد الجنس. فإذا كان هذا لا يصح في أفراد الجنس الواحد في بعض خصائصه، فكيف يصح قياس الغائب على الشاهد في موصوف ليس من جنس الخلق؟ وهو الله تبارك وتعالى؟ من هنا أتي كل من المشبِهة والمعطِلة. لقد أتي من هاهنا فريقان وهما فريق المشبهة الذين شبهوا صفات الله بصفات خلقه وفريق المعطلة الذي نفى أسماء الله تعالى وصفاته كالجهمية، أو نفى صفاته وأنكر أن تكون أسماؤه الكريمة دالة على صفاته كالمعتزلة، أو أثبت بعض صفاته إثباتاً مشوباً بالغموض والاضطراب، ونفى معظمها تحت ستار التأويل الذي يعتبر صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر لا دليل عليه من اللغة أو من النصوص الشرعية، وهم الأشاعرة والماتريدية. قياس المشبهة: إن المشبهة هم الذين غلوا في الأخذ بنصوص الصفات، وتجاوزوا ما دلت عليه النصوص الشرعية قياساً منهم للغيب على الشهادة، فذهبوا إلى أن صفاته تعالى الواردة في النصوص هي مماثلة لصفات خلقه، فجعلوا بذلك الشاهد أصلاً قاسوا عليه الغائب، وهو تصور خاطئ، وقياس فاسد، فقياس الغائب على الشاهد يصح فيما اتحد جنسه، واشترك في خصائصه كقياس الإنسان على الإنسان، في خصائص الإنسانية التي ثبت بالاستقراء أن الناس لا يختلفون فيها باختلاف الأزمان والأوطان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 أما في حالة اختلاف الأجناس، فإن قياس الغائب على الشاهد لا يصح، فالملائكة جنس، والبشر جنس، وللملائكة كلام، وللبشر كلام، فإذا كان الشاهد في كلام الإنسان أن يكون بلسان وشفتين وغيرهما من الأدوات التي جعلها الله معينة على التكلم، فإنه لا يلزم من ذلك أن يكون كلام الملائكة مثل كلام البشر بأدوات مشابهة لأدوات الإنسان، وهكذا في كل مختلف الأجناس من خلق الله تعالى، لا يصح قياس بعضها على بعض، وإن تشابهت الألفاظ التي تطلق على هذه الأجناس في خصائص صفاتها، فللطير أجنحة، وللملائكة أجنحة، فهل يقول عاقل أن أجنحة الملائكة كأجنحة الطير قياساً للشاهد على الغائب؟ هذا مالا يقوله عاقل. فإذا كان قياس بعض ما اختلفت أجناسه على بعض من المخلوقات لا يصح، فكيف يصح قياس الخالق على خلقه، إن هذا إلا إفك مبين. قياس المعطلة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 إن المعطلة على اختلاف دركاتهم في التعطيل انطلقوا من منطلق واحد، وهو اعتبار أن الحقائق في الصفات هي التي في الشاهد، فاليد هي الجارحة، والعين هي الباصرة، والكلام لا يكون إلا بلسان وشفتين في الشاهد، والرحمة رقة تحدث في القلب في الشاهد، والغضب انفعال يحدث في النفس عند وجود موجبه، هذا هو الأصل في الشاهد. أما في حق الله تعالى، فقياسه على خلقه لا يصح، فلا بد إذن من البحث عن معنى آخر تتقبله عقولهم، فلتكن اليد هي القدرة أو النعمة، ولتكن الرحمة إرادة الثواب، والغضب إرادة العقاب، هكذا جعلوا كل المعاني التي دلت عليها اللغة عند إطلاقها أصلاً في الإنسان كما رأت ذلك المشبهة فشبهت، أما المعطلة فقد انطلقوا من نفس المنطلق، ولكنهم وجدوا أن التشبيه غير صحيح، فوجدوا النفي مركباً للهروب من التشبيه الذي توهموا أن إثبات صفات الله تعالى على نحو ما جاءت به النصوص الشرعية يؤدي إليه، هذا كله عند القائلين بالتأويل، وأما القائلون بالنفي الكلي أو الجزئي، فمنطلقهم أيضاً نفس منطلق المشبهة والمؤلة، غير أن كل فريق انطلق إلى اتجاه غير اتجاه الآخر، فالمشبهة إلى وحل التشبيه فسقطوا فيه، والمعطلة إلى التعطيل تحت غطاء التنزيه، فسقطوا في مستنقع التعطيل على تفاوت فيما بينهم في الغوص في أعماقه. وسبب هذا السقوط في تلك الأوحال والمستنقعات عدم نظرهم إلى القضايا الغيبية نظرة ثاقبة على ضوء ما دلت عليه النصوص الشرعية، فالمشبهة نظروا إلى الغيب نظرهم إلى الشاهد، فشبهوا ولم يأخذوا بقوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ((1) ، بل نظروا فقط إلى نصوص الإثبات نظرة سطحية فتطرفوا، والمعطلة نظروا إلى الغيب أيضاً نظرهم إلى الشاهد فتشابه الأمر عليهم فنفوا ولم يأخذوا بنصوص الإثبات مع نصوص التنزيه فعطلوا باسم التنزيه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 فهدى الله سلف هذه الأمة، ومن اقتدى بهم من الخلف، فأثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه الكريمة في كتابه العزيز، وما أثبته له رسوله (في سنته الصحيحة إثباتاً بلا تمثيل، ونفوا عنه ما نفاه عن نفسه الكريمة في كتابه الكريم مما لا يليق به، أو نفاه عنه رسوله (في سنته الثابتة نفياً لا يؤدي إلى التعطيل مهتدين بقول الله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (، (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ((1) ، ولما كانت فرقة المعطلة الكبرى: (المعتزلة والجهمية) لم يبق في ديار الإسلام منهما إلا ما اندرج تحت عباءة بعض الفرق الأخرى التي لا تحمل أسماء تلك الفرق، ولم يبق منها إلى الاسم والرسم بحمد الله تعالى، اضرب عنهم الذكر صفحاً، مكتفياً بما سبقت الإشارة إليه من أن الجهمية معطلة في الأسماء والصفات، والمعتزلة معطلة في الصفات، ولقد بادتا بشؤم الاعتقاد الفاسد الذي خالفتا به كتاب الله تعالى وسنة نبيه، وهكذا شؤم المعاصي على الأمم والجماعات، وهي سنة الله تعالى التي قد خلت في عباده. ولقد بقيت في ديار الإسلام فرق التأويل وهي تزعم أنها على مذهب أهل السنة والجماعة، غير أن ذلك ادعاء تعارضه الأدلة، ويكذبه الواقع، فلننظر فيما يأتي إلى أمثلة من تأويلاتهم المضطربة لنصوص الصفات الواردة في الكتاب والسنة والتي لا يزال يتشبث بها فريق من العلماء ظناً منهم أن ذلك هو الحق وأن ما خالفه هو الباطل. أمثلة من التأويلات الحائرة لنصوص الصفات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 إن صفات ربنا تبارك وتعالى من غيب الغيوب، وهي قسمان: صفات ذات، وهي التي يوصف الله تعالى بها على الدوام والاستمرار، ولا يجوز أن يوصف بضدها، كاليد، والوجه، والعين، والإصبع، والقدم، والساق، وصفات فعل، وهي التي تتعلق بإرادته تبارك وتعالى، يفعلها متى شاء وكيف شاء، وقد يفعلها ويفعل ضدها، ولا يطرد هذا في جميع الصفات الفعلية، وأمثلة الصفات الفعلية الخلق، والرَزق، والإحياء، والإماتة، والاستواء، والمجيء، والإتيان، والنزول، والرضا، والغضب، والكلام، فكل هذه الصفات ثابتة لربنا تبارك وتعالى، وهي صفات فعله الاختيارية يفعلها متى شاء، وكيف شاء على ما يليق بجلاله وعظمته. إن مؤولي صفات الله تعالى ذهبوا بعقولهم القاصرة، وأفكارهم الحائرة إلى القول بأن كثيراً مما ورد في الكتاب والسنة من صفات الله تعالى الذاتية أو الفعلية تدل معانيها الظاهرة منها عند إطلاقها على ما لا يليق به تعالى، فمن أجل ذلك قالوا إن الواجب على المسلم إزاءها أحد أمرين: الأمر الأول: التأويل، وهو صرف المعنى الظاهر إلى معنى آخر لا يتحمله اللفظ ولا يدل عليه دليل لغة وشرعاً. الأمر الثاني: التفويض: أي إثبات لفظ مجرد عن المعنى وتفويض العلم بمعناه إلى الله تعالى، والتأويل هو القول المقدم عندهم، وفي هذا يقول صاحب جوهرة التوحيد: وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها هذا ما ذهب إليه الأشاعرة، فواكبهم الماتريدية في ذلك، قال السفاريني رحمه الله تعالى في الدرة المضيئة: فكل من أول في الصفات كذاته من غير ما إثبات فقد تعدى واستطال واجترى وخاض في بحر الضلال وافترى (1) أ/ تأويلهم لصفات الذات: أولاً: تأويلهم لصفة الوجه: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 وردت صفة الوجه في كتاب الله تعالى في أحد عشر موضعاً (1) وصف الله تعالى بها نفسه الكريمة. ومع ذلك يأبى المؤولون إلا صرف معاني هذه الآيات عن ظاهرها. فقد قالوا في صفة الوجه: "إن المراد بالوجه الذات" (2) ، "لأن الوجه وضع للجارحة، ولم يوضع لصفة أخرى بل لا يجوز وضعه لما لا يعقله المخاطب، فتعين المجاز " (3) . ثانياً: تأويلهم لصفة اليد: وردت صفة اليد في حق ربنا تبارك وتعالى في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة، فقد وردت في القران وحده في أحد عشر موضعا (4) أيضا. أما في السنة النبوية فما ورد من ذلك شيء كثير. وحال المؤولين في هذه الصفة كحالهم في صفة الوجه، فإنهم قالوا في تأويل معنى هذه الصفة: "وباليد القدرة" (5) أي المراد بالوجه الذات والمراد باليد القدرة. وقال الإيجي نقلا عن القاضي في بعض كتبه: "وقال الأكثر: إنهما مجاز عن القدرة فإنه شائع (وخلقته بيدي) أي بقدرة كاملة" (6) . ثالثاً: تأويلهم لصفة اليمين: وردت هذه الصفة في حق ربنا تبارك وتعالى في الكتاب والسنة. أما الكتاب فقد وردت في قوله تبارك وتعالى: (والسماوات مطويات بيمينه ((7) وقد قالوا في تأويل هذه الصفة وصرفها عن ظاهرها: "وإن المراد باليمين في قوله تعالى: (والسماوات مطويات بيمينه (: القوة" (8) . رابعاً: تأويلهم لصفة العين: وردت في حق ربنا تبارك وتعالى صفة العين في القرآن الكريم بصيغة الإفراد وصيغة الجمع، فمن ذلك قوله تعالى: (ولتصنع على عيني ((9) ، وقوله: (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ((10) فقام أصحاب التأويل بصرف معناها عن ظاهرها حيث قالوا: المراد بالعين: "التربية والرعاية" (11) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 قال السفاريني رحمه الله تعالى: "فإن المعطلين لم يفهموا من أسماء الله تعالى وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات فجمعوا بين التمثيل والتعطيل، فمثلوا أولاً وعطلوا آخراً فهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته تعالى بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم، فعطلوا ما يستحقه سبحانه وتعالى من الأسماء والصفات اللائقة به عز وجل، بخلاف سلف الأمة، وأجلاَّء الأئمة، فإنهم يصفون الله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به نبييه (من غير تحريف ولا تشبيه) تعالى لله عن ذلك، فإنه تعالى قال في محكم كتابه: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ((1) ، فرد على المشبهة بنفي المثلية ورد على المعطلة بقوله: (وهو السميع البصير (" (2) . إن المؤولين قد قاسوا الغيب على الشهادة بعد أن جعلوا عالم الشهادة هو الأصل في كل التصورات والمعاني، فلما نظروا في النصوص الشرعية بهذه النظرة توهموا أن كل عبارة وردت في الكتاب والسنة في حق من ليس كمثله شيء من الصفات يوهم ظاهر معناها تشبيه الله تعالى بخلقه لأن الأصل عندهم دلالتها على صفات الخلق لا على صفات الخالق، فانطلقوا من قاعدة التشبيه إلى قاعدة التأويل والتعطيل، لأنهم لم يؤولوا حتى شبهوا، ثم فروا من تلك الأوهام التي تخيلوها، إلى الأوحال التي غاصوا فيها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 ولو استحلف هؤلاء المؤولون لمعاني صفات الله تعالى آلله أعلمكم أنه ما أراد بتلك الكلمات إلا هذه المعاني التي ذكرتموها؟ لما أجاب أحد منهم بنعم، وإنما يقول: (إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين (، أفعلى مثل هذه الأوهام يبنون القضايا الإيمانية التي هي أساس دينهم الذي يرجون لقاء الله تعالى به؟ أوليسوا هم الذين يزعمون أن قضايا الاعتقاد لا يستدل عليها إلا بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وقطعي الثبوت عندهم ما جاء عن طريق التواتر؟ فكيف اعتمدوا على هذه الأوهام التي لم يكن لها أصل يعتمد عليه لا من اللغة ولا من النصوص الشرعية الصحيحة؟ ب/ تأويلهم لصفات الفعل: أولاً: تأويلهم لصفة الاستواء: الاستواء على العرش من صفات الله الفعلية التي وردت في القرآن الكريم في سبع آيات (1) ، فقد أول المتأولون معنى الاستواء بالاستيلاء (2) ، محتجين على هذا التأويل ببيت من الشعر جاء فيه: قد استوى بِشرٌ (3) على العراق من غير سيف ودم مُهراق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 فالشاعر إن ثبت أنه قال: استوى لا استولى كما يقول بعض العلماء، فإن قوله لا يكون حجة في تفسير كلام الله تعالى، ولكن الذي ذكره أهل العلم أن الرواية الصحيحة في بيت الشاعر قوله: استولى لا استوى، فالاستيلاء على قطر من الأقطار بقتال أو بغير قتال أمر يجري بين الناس ولا ينكره منكر لا من حيث الجواز ولا من حيث الوقوع، لأن استيلاء الملوك والأمراء والقواد على بلد أو إدخاله في الحوزة والسيطرة بعد أن كان خارجاً عنها جائز، وواقعٌ كثيراً في تاريخ الأمم والشعوب وهل يصح ويستقيم هذا في حق من له ملك السموات والأرض؟ هل كان العرش خارجاً عن ملكه وحكمه وسلطانه، ثم استولى عليه من يد غيره وسلطانه؟ هذا ما لا يقوله عاقل، وإن الوهم الذي فروا منه وهو أن إثبات علو الله على عرشه يلزم منه التحيز، قد أوقعهم في أمر قبيح، واعتقاد فاسد، فأصبحوا كمن فر من المطر ووقف تحت الميزاب، فإذا كان المشبه قد غلا في الإثبات وشبه الله بخلقه بتجاوز حدود الإثبات، فإنه أثبت أولاً ولكنه تجاوز الحد بعد الإثبات أي أنه زاد على الحق باطلاً، وأما المؤول فإنه لم يثبت إلا لفظاً لا معنى له، فأي الفريقين أقبح سبيلاً وأوهى دليلاً؟ ثانياً: تأويلهم لصفة المجيء والإتيان: الإتيان والمجيء من صفات الفعل الثابتة لله تعالى وردا في كل من الكتاب والسنة أما الإتيان فقد جاء في موضعين من القرآن الكريم (1) وأما المجيء فقد جاء في موضع واحد (2) وأما السنة فقد جاء فيها إتيان الرب لفصل القضاء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 ولكن محبي التأويل والتحويل لم يرق لهم القبول بما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة إذ أولوا الإتيان والمجيء بإتيان ومجيء أمره أو عذابه أو ملائكته. فكأن الرب خاطب الناس بألغاز، أو بعبارات لا يفهم منها المراد. وكأن الرسول لم يبين ما نزل إليه في الذكر فأتى هؤلاء المتكلمون المؤولون يستدركون على الله ورسوله، ولسان حالهم يقول؛ إن الذي قلته يا رب في كتابك عن نفسك أو قال عنك رسولك ظاهره لا يليق بك، لأنه يؤدي إلى التشبيه، لذا نرى أنك حينما قلت: (وجاء ربك ((1) أو قلت: (أو يأتي ربك ((2) أردت بذلك إتيان أمرك أو عذابك أو ملائكتك؟! أوليس هذا لسان حال المؤولين الذين لا يتورعون عن التصريح بأن ظاهر هذه النصوص يوهم التشبيه فيجب صرفها عنه بأمثال هذه الأوهام. ثالثاً: تأويلهم صفة المحبة والرضا: وردت النصوص الشرعية الكثيرة من الكتاب والسنة بإثبات صفتي المحبة والرضا لربنا تبارك وتعالى، وهو تبارك وتعالى يحب المحسنين، ويحب الصابرين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويحب المقسطين، ويحب المتقين، ويحب المتوكلين، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص. كل هذا مما دلت عليه آيات الكتاب الحكيم في غير ما موضع، وكذلك صفة الرضا وردت في القرآن فيما يزيد عن عشرين موضعاً في كل تلك الآيات إثبات صفة المحبة والرضا لربنا الكريم على ما يليق به تبارك وتعالى، كما وردت نصوص أخرى في الكتاب والسنة صرحت أن الله لا يرضى ولا يحب ما لم يأمر به في دينه، وأنه لا يحب الظالمين والفاسقين والكافرين والمسرفين والمعتدين والمفسدين والمستكبرين والخائنين والفرحين، وأنه لا يحب كل كفار أثيم، ولا من كان مختالاً فخوراً، ولا من كان خواناً أثيماً، ولا كل خوان كفور، وأنه تعالى لا يرضى لعباده الكفر، ولا يرضى عن القوم الفاسقين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 وهكذا تتابعت نصوص القرآن على هذه المعاني وتوالت نفياً أو إثباتاً لهاتين الصفتين وهما صفة المحبة وصفة الرضا أي بإثبات محبة الله لأهل طاعته، ونفي محبة الله لأهل الكفر والمعاصي. ولكن أهل التأويل لم يعجبهم إثباتهما لله تعالى على ما يليق به، فقالوا: إن ذلك في الشاهد رقة تحدث في القلب، ولا يليق ذلك بالله تعالى، فأولوهما بلازمهما، وهو إرادة الثواب، ولا شك أن الثواب يترتب على الرضا والمحبة، وليس الثواب هو المحبة والرضا لا لغة ولا شرعاً. رابعاً: تأويلهم لصفة الغضب: وردت صفة الغضب في القرآن الكريم في حق ربنا العظيم في نحو سبعة عشر موضعا من آياته. وهي من صفات فعله تعالى المتعلقة بمشيئته واختياره كسائر صفات الفعل التي وصف الله تعالى بها نفسه، أو وصفه بها رسوله (في سنته الصحيحة. ومع وضوح الأدلة المثبتة لله تعالى صفة الغضب كما يليق به تعالى، أبى المؤولون إلا تأويلهم وتحويلهم وتبديلهم إذ قالوا إن إثبات صفة الغضب يؤدي إلى التشبيه لأن الغضب في الشاهد المألوف انفعال في النفس يحدث لحدوث موجبه، وهذا لا يليق بالله تعالى. فليصرف إذن معنى الغضب عن ظاهره إلى معنى آخر تتقبله عقول المؤولين الحائرة، وذلك المعنى هو إرادة العقاب وإرادة العقاب من لوازم الغضب وليس من معنى الغضب، وقد يغضب غاضب ولا يعاقب المغضوب عليه، كما قال الله تعالى في عباده: (وإذا ما غضبوا هم يغفرون ((1) ، فوصفهم بأنهم يغفرون لمن أغضبهم، فلم يكن الغضب هو العقاب أو إرادة العقاب كما زعموا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 إن سلف هذه الأمة من الصحابة، ومن سار على نهجهم من التابعين وأتباع التابعين وأئمة المسلمين المتمسكين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله (يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله في سنته الصحيحة، وينفون ما نفى عن نفسه أو نفاه عنه رسوله فيما صح عنه، وهم في الإثبات متبعون لا مبتدعون ابتداع المشبهة التي شبهت الله بخلقه، وفي النفي ملتزمون بما ورد نفيه، ولا يتجاوزون تجاوز أهل التأويل والتعطيل، وهم بذلك ينزهون الملك الجليل مما وصفه به أهل التشبيه والتمثيل ويصفونه بما وصف به نفسه خلافاً لأهل التبديل والتأويل والتعطيل، ولله الحمد على التوفيق والتسديد، وأسأله الثبات على الحق والصواب، إنه هو المعين على كل أمر سديد، وعمل رشيد. المبحث الثامن: حظه من الغيب المطلق ووسائله لقد سبق بيان أن الغيب المطلق هو عالم الغيب وما يلحق به من عالم الشهادة. وهو ما لا سبيل إلى العلم به بالوسائل الخلقية الحسية أو الوسائل العلمية الصناعية. وفي هذا المبحث بيان لحظ الإنسان من العلم بعالم الغيب وما يلحق به، ووسائله في حظه من العلم بذلك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 إن عالم الغيب قد يكون منه ما هو قريب من الإنسان قربا مفرطا، كالروح والملائكة الحفظة وشاهدي حلق الذكر منهم، والكرام الكاتبين، وما يكون بعيدا عن الإنسان بعدا مفرطا كحملة العرش من الملائكة، وسكان السماوات السبع والجنة وما فيها، وما يكون متوسطا بينهما كالجن والشياطين الذين قد يكونون قريبين من الإنسان أو بعيدين عنه. وكل ذلك مما لا سبيل للإنسان إلى العلم به سواء كان في غاية القرب منه كالروح أو في غاية البعد عنه كحملة العرش، أي أن القريب والبعيد في عالم الغيب لا يختلفان في الغيبية لأن الغيبية في عالم الغيب لا تتعلق بالقرب أو البعد، وإنما تتعلق بخلق الله له غير مهيأ لوصول وسائل العلم البشري إليه. ولا يختلف عالم الغيب في غيبيته عن غيب الغيوب الذي يتعلق بأسماء الله تعالى وصفاته، حيث ساوى بينهما الغيبية المطلقة وإن كان غيب الغيوب ذروتها وقمتها لتعلقه بما لربنا تبارك وتعالى. وعالم الغيب منه ما هو متحرك متنقل كالملائكة والجن والشياطين، ومنه ما هو ثابت وغير متنقل كالجنة وما فيها، والنار وما فيها، ومنه ما لا يعلم حاله. وأما المتنقل المتحرك فمنه ما لا يتنقل ولا يتحرك إلا بأمر الله تعالى وهم الملائكة الذين وصفهم الله تعالى بقوله: (ويفعلون ما يؤمرون (1) (2) وقوله: (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ((3) وقوله حكاية عنهم: (وما نتنزل إلا بأمر ربك ((4) . ومن المتنقل المتحرك ما يتحرك بإرادته واختياره كالجن والشياطين الذين يجولون في الأرض، ويقومون بأعمال مختلفة مريدين مختارين، يستطيعون أن يحادثوا الإنسان ويواصلوه بطرق مختلفة. ويعرفون إلى الإنسان أنفسهم، ويظهرون له بمظاهر شتى من صور الإنس من رجال ونساء، أو صور الحيوانات المختلفة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 أما الإنسان فهو لا يستطيع الظهور عليهم برغبته وإرادته واختياره، وهو لا يراهم إلا إذا أرادوا ذلك، أو تجردوا من الحجاب لأمر ما فوقع بصر الإنسان على من تجرد منهم من غير قصد. اللهم إلا إذا كان السحرة الذين يستعينون ببعض أقويائهم على إخضاع ضعافهم لرغباتهم وتسلطهم. ويدل على غيبيتهم وعدم قدرة الإنسان على مشاهدتهم قوله تعالى: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ((1) ،وقوله في الملائكة: (وأيده بجنود لم تروها ((2) وقوله تعالى: (وأنزل جنوداً لم تروها ((3) . وقوله: (فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها ((4) . وما دام الأمر كذلك فإن الإنسان لا يتمكن من الانتقال من عالم الشهادة إلى عالم الغيب ويعلم ما فيه بالوسائل التي وهب الله تعالى له ليستخدمها في عالم الشهادة. فكما أن أجهزة التحكم عن بعد لا تتحكم في جميع الأجهزة الكهربائية إلا فيما صنعت له، فكذلك حواس الإنسان ووسائله لا تقوى على الظهور على عالم الغيب مهما كان قريبا. أما حظ الإنسان من العلم بعالم الغيب فلم يكن يختلف عن حظه من العلم بغيب الغيوب. فالذي يعلمه الإنسان من عالم الغيب قليل من كثير مما خلق الله تعالى غيبا: (وما يعلم جنود ربك إلا هو ((5) . ونسبة عالم الشهادة لعالم الغيب، كنسبة الطفل الرضيع في حضن أمه إلى عالم الشهادة بأسره. فماذا يعلم ذلك الطفل الصغير من العالم المشهود الذي يعيش فيه؟ إنه لا يعلم غير أمه التي ترضعه وبعض أهل بيته علما غير متكامل، وما لا يعلم مما يحيط به في بيت أهله من أثاث وأدوات وأمتعة، يعتبر بالنسبة إليه عالما كبيرا واسعا. فكيف بما هو خارج بيت أهله من الكائنات التي لا يعلم عنها أي شيء؟! إن حظ الإنسان من الاطلاع على عالم الغيب لوامع تلمع له من خلال عالم محيط به بعيد عن وسائل العلم التي خلقت له بعدا حسيا أو معنويا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 أما وسائله إلى تلك اللوامع التي لمعت له من عالم الغيب من العلم فهي نصوص الوحي التي أنزلها الله تعالى على رسله صلوات الله وسلامه عليهم، ولا سبيل إلى العلم بعالم الغيب إلا الوحي الرباني الذي بلغته الرسل إلى الأمم بلاغاً مبيناً، ووعته وحفظته من التبديل والتحريف، وتناقلته بالصدق والأمانة والضبط والدقة حتى تلقته الأجيال عن العدول الثقات جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن. وإن هذا التلقي المتصف بهذه الصفات لم يتوفر إلا لهذه الأمة الخيرة التي اختارها الله تعالى لحمل أمانة التبليغ عن رسول الله الذي بلغ البلاغ المبين، وأشهد ربه على أنه قام بذلك خير قيام على الوجه الذي أمر الله تعالى به وقال قبل وفاته بقليل مرارا وتكرارا أي في حجة الوداع: (ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد) . وقد حث أمته على حفظ ما بلغهم وتبليغه إلى من بعدهم بدقة وضبط، ودعا لمن فعل ذلك قائلا: (نضر الله عبدا سمع مقالتي ووعاها فأداها كما سمعها) (1) .وقال: (بلغوا عني ولو آية) . فقامت أمته بما أمرت به خير قيام، إذ وعت نصوص الوحي وبلغت إلى من بعدها كما سمعتها، ولم تنافسها في ذلك أمة من الأمم، لا في اتصال السند وضبط النصوص، ولا في تحري الصدق والأمانة والحفظ. حتى غدت مكائد أعدائها من المشركين واليهود والنصارى والمنافقين الذين بذلوا جهوداً عظيمة في تحريف النصوص، ووضع الأحاديث في مهب الريح أمام جهود أئمة الإسلام الأمناء، فباءوا بالخيبة والخزي والعار، فبقيت بذلك المحجة بيضاء نقية ليلها كنهارها كما قال: (وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 ومع وضوح المحجة وقيام الحجة، فإن الذين فتنوا واغتروا بعقولهم القاصرة، لم يسعهم هذا المنهاج الواسع، والضياء اللامع، واستعاضوا عن الاستنارة بنور الوحي والسير في ضوئه ونهاره، بالوثب على الغيب بأنواعه وأقسامه، فاصطلموا بنيران الحجب وصواعق الشهب أيما اصطلام، كما تصطلم الهوام والفراشات باقتحام النيران المشتعلة في ليلة مظلمة، وهكذا كان كل من استعذب الخوض في لجج الغيب بلا هدى من نصوص الوحي، وحاول السباحة في الاتجاه العكسي للحق المبين، وجعل عقله القاصر وفكره الحائر حاكماً على نصوص الوحي الثابتة، فما وافق عقله ومزاجه العكر قبله، وما لم يجده موافقاً لهواه أوله وحوله، أو رفضه ورده بحجة مخالفته لعقله، أو طعنه في دلالته ونقله. وسبب ذلك راجع إلى اعتبار عالم الشهادة أصلاً يقاس عليه ويلحق به ما كان من عالم الغيب، أو غيب الغيوب الخاص بربنا تبارك وتعالى، والأصل فيما لا تجانس بينها عدم التشابه، وعدم قياس بعضها على بعض ما دام التجانس غير متحقق كما سبق بيانه في المبحث السادس، ولبيان ما أدى إليه هذا التوجه من الأخطاء في تصور الغيبيات إليك أمثلة لما جنح إليه العقلانيون في دفع معاني النصوص الشرعية إلى ما تقره عقولهم وتتقبله أفكارهم غير مقيمين لدلالة النصوص وزناً، وقد غفلوا عن حقيقة ثابتة هي أن النصوص الشرعية وحي من الله تعالى، ووحي الله تعالى هو حبله الذي يعصم من اعتصم به، وأن ما أخبرت به النصوص الثابتة عن المعصوم يؤخذ به على الوجه الذي وردت به تلك النصوص، لا يزاد عليها ولا ينقص منها إلا بدليل شرعي، وأن الاجتهاد في تصور الغيبيات وإدراك حقيقتها مما لم يأمر الله تعالى به ولا رسوله، فمن أقدم على ذلك فقد ضل ضلالاً بعيداً. وأما أهل العلم بالكتاب والسنة الراسخون فيه فهم كما وصفهم الله تعالى: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 (يقولون آمنا به كل من عند ربنا ((1) ، وأما الغائصون في أوحال علم الكلام، وما لليونان من الجهل والهذيان، فقد أبوا إلا أن يكونوا أتباع أرسطو وأفلاطون، وظلوا في حيرتهم يعمهون، معرضين بذلك عما جاء به رسول الهدى من كتاب يهدي للتي هي أقوم وسنة من اعتصم بها ضمن الصلاح والهداية في الدنيا، والسلامة والفوز في الدار الآخرة اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وثبتنا عليه حتى نلقاك وأنت راض عنا، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا كراهيته واجتنابه، إنك رحيم ودود. أمثلة للغيبيات المصروفة نصوصها عن دلالتها: المثال الأول: نطق الجمادات وطاعاتها لله رب العالمين: وردت نصوص من الكتاب والسنة دلت بعبارات صريحة بينة أن الجمادات تسبح الله تعالى وتطيعه وتسجد له، قال تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ((2) ، وقال: (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ((3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 لقد زعموا أن ما نسب في هذين النصين وغيرهما من نصوص الكتاب والسنة إلى الجمادات من أقوال وأعمال إنما هو مجاز لا حقيقة، أي إنه لسان حال لا مقال، وأنها تطيع الله طاعة قهر وتسخير لا طاعة فكر وتخيير، وأما تسبيحها فمعناه أن من شاهدها سبح الله تعالى، لا أنها هي التي تسبح الله تعالى. والآيتان المذكورتان فيهما ما يرد هذا التأويل الفاسد، فآية سورة الأحزاب صريحة في أن الأمانة عرضت على السماوات والأرض والجبال، وعرض الشيء لا بد أن يكون على ما له إدراك، وإلا فيكون ذلك عبثاً، فالله تعالى منزه عن العبث، ثم إباؤها وإشفاقها من الأمانة دليل على الإدراك، وهذا المعنى تؤكده آية سورة فصلت التي قال الله تعالى فيها: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ((1) ، فبين فيها أنه خير السماوات والأرض بين أن يأتيا طوعاً لأمر الله على سبيل الطاعة والاختيار، وبين أن يأتيا على سبيل القهر والتسخير، فاختارتا الإتيان الطوعي على الإتيان القهري، وذلك دليل واضح على الإدراك والاختيار. وأما آية سورة الإسراء فقد بينت أن جميع الخلق يسبحون بحمد ربهم تبارك وتعالى، ثم صرحت للإنس أنهم لا يفقهون كيف تسبح كل الكائنات ربها، ولكن أبى المفتونون بالتأويل والتحويل إلا أن يقولوا: إن تسبيحها غير معقول، وإدراكها غير مقبول، وأن الإنسان هو الكائن العاقل المدرك المتميز بعقله وإدراكه، وأن الجمادات لا تسبح الله إلا بلسان حالها لأنها لا تعقل، فكأنه يقول لربه الذي خلقه وقال له: (ولكن لا تفقهون تسبيحهم (بل نفقه تسبيحهم، وأنه يتم بلسان الحال، لا بلسان المقال. المثال الثاني: وزن أعمال العباد يوم القيامة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 زعموا أنها لا توزن، لأنها أعراض وليست أجساماً. ووزنها مجازات العاملين على أعمالهم كل بحسب عمله. فإذا كان العليم الخبير قد أخبر بذلك فما على المؤمن إلا أن يصدق ويؤمن ويسلم تسليماً، وأما أن يقول: كيف توزن الأعمال؟ فذلك مما لا سبيل لعقله القاصر على إدراكه، ولو سئل هذا المفتون: كيف توزن قوة التيار الكهربائي وضعفه وتعاير على ذلك الأجهزة الكهربائية مع أن التيار عرض من الأعراض، لما وجد جواباً إلا الإذعان. وبعد … فهذا بعض ما ذهب إليه أهل التأويل والرد والتحويل، من الفرق المبتدعة التي اغترت بعقلها القاصر، حيث جعلته حكماً على نصوص الشرع، مع أن العقل السليم يشهد لنصوص الشرع ويخضع لسلطانها، وذلك معيار سلامته وصحته. المبحث التاسع: وسائل العلم بعالم الشهادة إن الله تعالى جعل للإنسان وسائل العلم بعالم الشهادة الذي يعيش فيه، بها يتعرف عليه، ويتعامل معه، ويستفيد مما يفيد، ويحذر مما يضر. وتنحصر تلك الوسائل في الأمور التالية: 1- السمع. ... 2- البصر. ... 3- اللمس. ... 4- الذوق. ... 5- الشم. ... 6- الحس. ويلحق بهذه الوسائل الخلقية الوسائل المستحدثة التي صنعها الإنسان للوصول إلى ما خفي عليه بتلك الوسائل. أما السمع: فيتعلق بالمسموعات، وهي الأصوات. وأما البصر: فيتعلق بالمبصرات من الذوات، والكتابة والرسوم والإشارات والرموز. وأما اللمس: فيتعلق بالأجسام الملموسة، فيدرك به النعومة والخشونة، والرطوبة واليبوسة والحرارة والبرودة، والصلابة والهشاشة، والحدة، وغيرها مما لا يمكن إدراكه إلا باللمس. وأما الذوق: فيعلم به طعم الأشياء من حلاوة ومرارة، وملوحة وحموضة، وحراقة وغيرها. وأما الشم: فتعلم به روائح الأشياء. وأما الحس: فتدرك به أمور لا تندرج تحت الوسائل التي سبق ذكرها، كالثقل والخفة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 وقد جعل الله تعالى لهذه الوسائل قدرة محدودة، ومدى لا تتجاوزه، ولكنها تتفاوت قوة وضعفاً تفاوتاً يسيراً، فمن الناس من أوتي قوة السمع أكثر من غيره، ومنهم من أوتي حدة الإبصار أكثر من غيره، وكذلك في سائر الحواس والوسائل التي يدرك بها عالم الشهادة، يوجد شيء من التفاوت غير أن الغالب من الناس تكاد هذه الوسائل تتفق في مداها، إلا ما كان منها متعرضاً لمانع طارئ. ويكون ما تجاوز المدى المألوف من هذه الوسائل نادراً جديراً بالإشارة والتنبيه إليه. أما ما خرج من وصول الإنسان إليه بهذه الوسائل لكونه خارجاً عن مداها، فهو مما يعتبر غيبا، ولكنه غيب بالنسبة لمن كان خارجا عن حدوده ومداه، أما بالنسبة لمن كان قادرا على الوصول إليه بها فليس بغيب، ويسمى هذا بالغيب النسبي لأجل ذلك كما سبق بيانه. وهذا كله إن كان مما هو قائم في الزمن الحاضر، إذ لا تعلق لتلك الوسائل إلا بما هو موجود قائم في زمنها، فمن أجل ذلك سمي بغيب الزمان الحاضر. ويضاف إلى تلك الوسائل التي خلقها الله في الإنسان ليعلم بها ما يوجد معه في عالم الشهادة؛ الوسائل الحديثة التي صنعها الإنسان، والتي مكنته من الإطلاع على ما لا تصل إليه الوسائل الخلقية، فرأى بها البعيد وكبر بها الأجرام الصغيرة التي لا تراها العيون واخترق بها الحواجز والستائر والحجب، وسمع بها من الأصوات ما لا يمكن أن يسمع بالأذن المجردة عن الوسائل الحديثة لبعدها وخروجها عن مدى السماع، أو لضعفها وخفوتها بحيث لا تقوى الآذان على سماعها، وكذلك الوسائل الحديثة الأخرى التي أرسلها الإنسان إلى الأماكن البعيدة، فلمست أجهزته ما لا يمكن أن تلمس يده من الأجسام، وتعرف بها الإنسان على الطعوم والروائح التي لا يستطيع معرفتها بحاستي الذوق والشم اللتين لا يدركهما الإنسان بالوسائل الخلقية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 والذي يملك هذه الوسائل الصناعية ويطلع بها على ما خفي على غيره لا تعد الأمور التي اطلع عليها غيبا بالنسبة له لظهوره واطلاعه عليها. أمثلة الوسائل الحديثة: أ- الوسائل الصناعية لسماع ما لا يسمع بالأذن وحدها: السمع أهم وسائل العلم التي خلقها الله في الإنسان، فلذلك نجده متقدما في الذكر على الوسائل الأخرى في كتاب الله تعالى، حيث ورد فيه تقديم السمع على البصر في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً ((1) وقوله تعالى: (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ((2) . ومما يؤكد أفضليته على سائر الحواس، أن من ولد أصم عاش أبكم، ولا يستطيع أن ينطق ويتكلم، ومن ولد أعمى فليس كذلك، فكم من العلماء ولدوا عميانا، ولكن الله تعالى منّ عليهم ببصائر العلم فكانوا مصابيح الدجى بما أوتوا من العلم الذي به يهتدى. أما وسائل تقوية مداه، فهي الأجهزة المكبرة للأصوات الخافتة كدقات القلب وحركة الأمعاء، أو دقات قلب الجنين وحركاته، أو التي يتنصت بها على الأصوات البعيدة أو يخترق بها الحواجز التي تحول عادة بين الإنسان ووصول ما خلفها أو داخلها من الأصوات إليه، وذلك كالمذياع والتلفاز والهاتف التي يستمع الإنسان بواسطتها إلى الأصوات البعيدة الخارجة عن مدى السمع وكأجهزة التصنت إلى أصوات الأحياء تحت المنازل أو المناجم المتهدمة أو تحت المياه. وقد يعود الظهور على الصوت الخافت بتكبيره بحيث يسمع من بعيد بالأذن المجردة أي أن السامع في هذه الحالة لم يستخدم شيئا من وسائل الاستماع، وإنما الصوت هو الذي قوي حتى أمكن سماعه من مسافة بعيدة، وذلك كالأصوات المسموعة بواسطة مكبرات الصوت. وكل ذلك راجع إلى استخدام الوسائل الصناعية سواء في ذلك السماع بواسطتها أو الإسماع بها. ب- الوسائل الصناعية لرؤية ما لا يرى بالعين وحدها: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 إذا كانت نعمة السمع أعظم نعم الحواس التي من الله بها على الإنسان، فإن نعمة البصر تليها في العظمة -وإن كانت كل نعم الله عظيمة وجليلة- فالبصر به ترى الذوات ويميز به بين شخص وشخص ويفرق به بين الألوان، ويتعلم به الكتابة والقراءة، وتتعلق به حركة الحياة برمتها. ولكن الله تعالى جعل للإبصار مدى لا تتعداه العيون، وجعل للذوات المبصرة أحجاماً لا ترى العيون ما هو أدق منها وأصغر، كما لا ترى الأبصار من الأنوار إلا بعض الألوان منها. ولما كان الإنسان مولعاً بحب الاطلاع على ما خفي عنه من الأمور استحدث من الوسائل ما يمكنه من الاطلاع والظهور على أمور لا يصل إليها ببصره، إما لبعدها المفرط عنه، وإما لصغر حجمها ودقتها، وإما لاحتجابها بحاجز مانع عن الرؤية، وهذا كله ما كان من عالم الشهادة. فمن تلك الوسائل: المناظير، والأجهزة المكبرة للأجرام الصغيرة، أو المقربة للبعيدة مع التكبير، أو الأجهزة المخترقة للحواجز المانعة من الرؤية والسمع، والأجهزة المميزة بين الأنوار على اختلافها. ولقد تمكن الإنسان في بعض مجتمعاته من مشاهدة النجوم والكواكب والشموس والأقمار والمجرات بواسطة مخترعاته التي استعان بها على رؤيتها كما شاهد الأشياء الخفية المحتجبة بحجب تمنع الأعين من رؤيتها كمشاهدة الجنين، ومعرفة وضعه وجنسه، واكتشاف أمراض خفية في جسم الإنسان، وكذلك رأى بها الأشياء الدقيقة التي ما كانت العين تراها لولا استخدام الإنسان للوسائل الحديثة. فمن اطلع وظهر على هذه الأشياء باستخدام هذه الأجهزة، فإن ما اطلع عليه منها لا يعتبر بالنسبة إليه غيباً، وإنما يعتبر غيباً بالنسبة إلى من لم يستخدم تلك الأدوات، فمثلهما في ذلك كمثل رجلين كانا في حجرة واحدة، فتح أحدهما نافذة الحجرة فرأى ما في الخارج من إنسان وسيارات، فلم يفعل الآخر ذلك، ولو أخبر الأول من في الحجرة بما شاهد لما قيل له إنه اطلع على الغيب أو علم به. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 ولو أخبر الثاني بما يجري خارج الحجرة، لقيل فيه إنه يتكلم عن الغيب، فالغيب هنا قد يكون قريباً جداً وقد يكون بعيداً جداً، وقد يكون قريباً قرباً يصل إليه مدى الإبصار لولا الحاجز المانع، فمن هذا معرفة نوع الجنين من قبل من استخدم الآلة الحديثة والتحاليل الدقيقة للسائل الأمينوسي لمعرفة الجنس (1) ، ومن هذا القبيل معرفة الألوان المختلفة للمبصر فإنها بالنسبة له من الأمور البدهية، ولكنها بالنسبة لمن ولد أعمى غيب نسبي، ولو أخبر المبصر عن الألوان التي يراها لكان ذلك خبراً عن المشاهدة، أما لو أخبر ذلك الضرير الذي لم يسبق أن رأى الألوان منذ ولادته لو أخبر عن الألوان، لكان ذلك إخباراً عن الغيب، فالغيبية في هذه الصور المختلفة وما شابهها لم تكن من صفات تلك الأشياء اللازمة لها، وإنما هي حالات طارئة على تلك الأشياء حتى حالت تلك الحالة بينها وبين مشاهدة من أراد رؤيتها بالعين، أو حالة طارئة على الإنسان منعته من رؤيتها. قال صاحب تفسير المنار: "والغيب قسمان: غيب حقيقي مطلق، وهو ما غاب علمه عن جميع الخلق حتى الملائكة، وفيه يقول الله عز وجل: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ((2) ، وغيب إضافي: وهو ما غاب علمه عن بعض المخلوقين دون بعض، كالذي يعلمه الملائكة من أمر عالمهم وغيره ولا يعلمه البشر مثلاً، وأما ما يعلمه بعض البشر بتمكينهم من أسبابه، واستعمالهم لها، ولا يعلمه غيرهم لجهلهم بتلك الأسباب، أو عجزهم عن استعمالها، فلا يدخل في عموم معنى الغيب الوارد في كتاب الله، وهذه الأسباب منها ما هو علمي كالدلائل العقلية والعلمية، فإن بعض علماء الرياضيات وغيرها يستخرجون من دقائق المجهولات ما يعجز عنه أكثر الناس، ويضبطون ما يقع من الكسوف والخسوف بالدقائق والثواني قبل وقوعه بالألوف من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 الأعوام (1) . ومنها ما هو عملي كالتلغراف الهوائي أو اللاسلكي الذي يعلم به المرء بعض ما يقع في أقاصي البلاد، وأجواز البحار التي بينه وبينها ألوف من الأميال، ومنها ما قد يصل إلى حد العلم من الادراكات النفسية الخطية كالفراسة والإلهام، وأكثر هذا النوع من الانكشاف لوائح تلوح للنفس لا يجزم بها إلا بعد وقوعها. فما يصل منها إلى حد العلم الذي يجزم به صاحبه لاستكمال شروطه، يشبه ما ينفرد بإدراكه بعض الممتازين بقوة الحاسة كزرقاء اليمامة التي ترى على بعد عظيم ما لا يراه غيرها، أو بقوة بعض المدارك العقلية كالعلماء الذين أشرنا إليهم آنفاً " (2) المبحث العاشر: غيب الزمن الماضي وأدلة غيبيته إن غيب الزمن الماضي كل ما حدث وانقضى في زمن غير زمنك من عالم الشهادة وهو ما كان بعد نشأة الإنسان وسكنه الأرض، أما ما كان قبل نشأة الإنسان فهو ليس غيبا نسبياً، لأنه لا يوجد أحد من الناس في الأرض ذلك الزمان حتى يقال؛ إنه بالنسبة لهم شهادة وبالنسبة لسواهم غيب، وعليه فإن ما كان قبل نشأة الإنسان في الأرض من الغيب المطلق، أي ملحق به في عدم العلم به بالوسائل العلمية خلقية كانت أم صناعية صنعها الإنسان. أمثلة غيب الزمن الماضي وأدلة غيبيته: أول ما يمكن أن يمثل به من حدث مضى على غيب الزمن قصة ابنيّ آدم التي حكى الله تعالى علينا في كتابه الكريم بقوله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: (واتل عليهم نبأ ابنيّ آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين (لإن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (فبعث الله غرابا يبحث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواريَ سوءة أخي فأصبح من النادمين ((1) . هذه هي القصة الأولى التي أخبرنا الله تعالى بها عن طريق وحيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لها مصدر آخر من أخبار البشر، فهي شهادة بالنسبة لابني آدم ومن كان ثم من إخوانهما والأبوين الكريمين، وغيب بالنسبة لمن جاء بعد ذلك من ذرية آدم عليه السلام. وثاني الأمثلة على حدث قد مضى قصة نبي الله ورسوله نوح مع قومه إذ أرسله الله تعالى إليهم بعد كفرهم به بعبادة غيره من الآلهة التي ذكر الله أسماءها في سورة نوح، واستمرار نوح على دعوتهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ودعائه عليهم في نهاية الأمر، وإهلاك الله تعالى لهم بالطوفان، كل هذا مما قص الله علينا في كتابه الكريم وسماه غيبا حيث قال: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين ((2) . هذه قصة نوح عليه السلام مع قومه، فقد سمى الله تعالى تلك الأحداث الماضية التي لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقومه يعلمونها قبل وحي الله تعالى إليه غيبا حيث قال: (تلك من أنباء الغيب (،فدل هذا على أن أحداث الزمن الماضي من عالم الشهادة تسمى غيبا أي غيباً نسبيا. وثالث قصة سماها الله غيبا هي قصة يوسف واخوته التي قصها الله تعالى علينا في كتابه الكريم وسماها من أنباء الغيب التي أوحاها إلى رسوله حيث قال: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ اجمعوا أمرهم وهم يمكرون ((3) . هكذا سماها غيبا وبين سبب الغيبية، وهو أنه ما كان لديهم أي ما كان في زمانهم ومكانهم، ولو كان في مكانهم وزمانهم لكان ذلك مشاهدة لا غيبا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 ورابع مثال على تسميته تعالى أحداث الزمان الماضي غيبا قصة آل عمران حيث قال تعالى بعد ذكره خبر امرأة عمران، ونذرها لله بما في بطنها، وولادتها لمريم، وكفالة نبي الله زكريا (لها، ونشأتها نشأة صالحة في طاعة ربها، وما كان من دعاء زكريا ربه أن يهب له ذرية طيبة، وبشارة الملائكة له بيحيى ومخاطبة الملائكة لمريم بأمر الله تعالى واصطفائه إياها على نساء العالمين؛ بعد ذكر ذلك كله قال عز وجل: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ((1) . وبعد أن سمى الله تعالى ذلك غيبا بين سبب غيبية ذلك بقوله: (وما كنت لديهم (أي أن عدم وجودك في ذلك الزمان والمكان جعل ذلك غيبا عنك. وهكذا بين الله تعالى لنا أن هذا القسم مما مضى به الزمان وانقضى من عالم الشهادة غيب بسبب أن المخبر به لم يكن في ذلك الزمان والمكان أي أنه غيب نسبي. وهذا الغيب مع أنه من عالم الشهادة فإن العلم به على سبيل الإحاطة ليس إلا لربنا تبارك وتعالى، فإذا علمنا بشيء منه عن طريق الوحي الرباني، أو النقل الصحيح لم يكن علمنا به علما شاملا محيطا، بل هو علم جزئي يعتبر قطرة من بحر علمه تعالى يعلم ببعضه من يشاء من عباده المصطفين ويطلعهم عليه بقدر ما تقتضي حكمته تعالى وهو الحكيم العليم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 ألا ترى أنك حينما تنظر إلى شيء تراه أمامك لا تراه إلا من جانب واحد، حسب الجهة التي تليك منه، وأما ما لا يواجهك من جوانبه الأخرى فأنت لا تحيط به، وزد على هذا أنك تعلم الظواهر ولا تعلم البواطن والخفايا، ولهذا وصف الله الكافرين بعدم العلم، ثم وصفهم بأنهم يعلمون بظواهر الأمور في هذه الحياة، قال تعالى: (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ((1) . وهذا ما يسمى بانفكاك الجهتين أي أن العلم المنفي غير العلم المثبت. المبحث الحادي عشر: وسائل العلم به إن لغيب الزمن الماضي وسائل تمكن الإنسان من العلم به، وقد تنوعت تلك الوسائل قديماً، وتعددت حديثاً، ولم يزل الناس يسعون للعلم بأخبار الغابرين من الأمم بوسائل شتى، وإليك بيان تلك الوسائل حسب أهميتها وأقدميتها التاريخية: الوسيلة الأولى: وحي الله تعالى إلى أنبيائه ورسله: لأن أخبار الله تعالى أصدق الأخبار، وأنبياؤه ورسله أعدل من حمل أخبار الله ونقلها إلى الناس، وورثتهم من العلماء العاملين أحرص الناس على نشر ما بلغتهم الأنبياء والرسل من أخبار الله على الوجه الذي حملوه، وهذه الوسيلة أعظم الوسائل الصحيحة وأقدمها وجوداً مع الإنسان في تاريخه الطويل. الوسيلة الثانية: الأخبار الصحيحة: إن الأخبار المنقولة نقلاً صحيحاً من الوسائل التي استفاد الإنسان منها العلم بأخبار من مضى من الأمم، وقد سلك الناس في ذلك ثلاثة مسالك: المسلك الأول/ الكتابة: وهذا المسلك أكثر انتشاراً وازدهاراً في المجتمعات البشرية، حيث ألفت فيه كتب وبيضت فيه صحف، تناقلوا فيها الأخبار الماضية من تواريخ الملوك والأمم والأنبياء والرسل والقبائل والدول، والحروب والحوادث والفتن مما امتلأت به صفحات التاريخ، غير أن المفيد للعلم منها ما كان صحيح النقل ولم يكن مبنياً على استنتاج أو استنباط أو تحامل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 المسلك الثاني/ الكتابة مع الرسوم: ومن المسالك التي استفاد منها الإنسان في تاريخه الطويل الكتابة مع الرسوم والصور الإيضاحية لبعض الحوادث، حيث كانت بعض الدول تسجل الحوادث المهمة من حياتها بالكتابة والصور، وقد سلك هذا المسلك الآشوريون والبابليون والمصريون القدامى، فجعلوا بذلك تاريخهم الماضي تنتقل أخباره إلى من بعدهم كتابة وتصويراً، وهذا المسلك –وإن كان استخدامه أقل من الأول- فإن أثره في نفس القارئ أقوى لاشتراك الكتابة والتصوير في نقله. المسلك الثالث/ النقل الشفهي: هذه الوسيلة أيضاً من الوسائل التي أفادت الإنسان في علم ما لم يعلم من أخبار من سبق حيث تناقلت أجياله المتعاقبة أخبار الغابرين تناقلاً جعل من لم يكن في ذلك الزمان والمكان على علم بما كان قبله من الأحداث، ولعل هذا المسلك هو المسلك الثاني في التاريخ البشري، لأن الكتابة والرسم لم يواكبا الحياة البشرية منذ النشأة الأولى، ولكنها مما طرأ على الحياة الإنسانية بعد أن لم تكن، والله تعالى أعلم. والمسلمون تميزوا على غيرهم من الأمم في حفظ الأخبار وضبطها بدقة متناهية، وهي أمة إذا روت ضبطت، وإذا أخبرت صدقت، وإذا قالت عدلت، وإذا خاصمت غلبت، وإذا جادلت دحضت، وما سبب ذلك إلا لما في أخبارهم من دقة وضبط وصدق وعدل. الوسيلة الثالثة: الوسائل الحديثة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 زاد الله عز وجل في خلقه ما شاء في هذا العصر الذي نحن فيه، حيث قويت فيه الوسائل القائمة من كتابة وتصوير، وتطورت تطوراً عظيماً، فالكتابة التي كانت تزاول باليد منذ آلاف السنين أصبح لها وسائل متعددة، كالمطابع الضخمة، والآلات الكاتبة المختلفة، وطابعات الكمبيوتر الدقيقة، فغدت الكتابة أسرع، ووسائلها أكثر، وعلمها أدق، كما أصبحت الرسوم والصور في هذا العصر صوراً للحقائق القائمة، والأحداث الجارية، إذا التقطت بالآلات الحديثة، وليست تمثيلاً وتشبيهاً كما كانت في الأزمنة الماضية، وإنما هي صور مطابقة للوقائع والأحداث كما وقعت وحدثت. ولقد حدثت في هذا العصر وسائل قوية لنقل الأخبار الماضية نقلاً صحيحاً دقيقاً، فمن تلك الوسائل: 1 - التصوير التلفزيوني أو الفيديوي: المتميز بنقل الصور والأصوات والحركات على ما هي عليه، وهذه الوسيلة تعتبر أقوى الوسائل وأجلاها، وأشدها إفادة للعلم، لأن الصور المتحركة فيها صور حقيقية لأشياء حقيقية، وأصوات حقيقية، وحركات حقيقية. لقد مكنت هذه الوسيلة الإنسان من سماع الأصوات الحقيقية ورؤية الصور الحقيقية لأناس قد مضوا، وحوادث قد جرت منذ عشرات السنين، كأحداث الحرب العالمية الثانية وغيرها من الحروب، فعلم بذلك الإنسان ما قد مضى علماً أقوى مما كان يعلم به من الأحداث عن طريق الوسائل القديمة، فرأى وسمع بها ما رأى وسمع من حضر وشهد. 2 - التسجيل الصوتي: الذي تمكن الإنسان به من سماع الأصوات التي حدثت منذ عشرات السنين وقد يتمكن من الاستماع إليها بعد مئات السنين أو آلاف السنين، والله أعلم. ولقد كان الناس يتناقلون الكلام كتابياً أو شفهياً أن فلاناً قال كذا وكذا، وأما الآن فإنهم يسجلون صوت القائل بأنفاسه حتى استمع إليه من غاب كما استمع إليه من حضر، وشهد تلك الأحداث. لقد حفظت الآلات الحديثة الأصوات ونقلتها إلى الأجيال المتعاقبة، وذلك فتح جديد في مجال العلم في عصرنا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 3- التصوير الفوتوغرافي المقترن بالكتابة: إذا كانت الرسوم والصور القديمة تمثيلاً وتشبيهاً للحقائق على وجه التقريب على تفاوت بين المصورين والرسامين في الاقتراب من الحقيقة أو الابتعاد عنها، فإن التصوير الفوتوغرافي هو التقاط للصورة الحقيقية وليس تمثيلاً وتكلفاً، ولذلك تكون إفادة الصورة الفوتوغرافية للعلم إفادة تامة، وخاصة إذا اقترنت مع الكتابة التي تشرح موضوع الصورة، ويلاحظ هنا أن إطلاق اسم المصور على من يلتقط الصور بالآلة غير صحيح، وإنما هو ملتقط للصور الموجودة عن طريق الآلة، ولو أن أنساناً نظر إلى صورته في المرآة واستطاع إبقاءها فيها لما صح أن يقال له مصور، لأن المصور هو الذي يتكلف التصوير بالرسم أو النحت أو النقش أو العجن أو القص، وعلى هذا فإن المصور هو الذي يحدث الصورة لا الذي يلتقط الصورة الموجودة، فليتأمل. 4 - التصوير الإشعاعي أو التلفزيوني: المستخدم لتشخيص الأمراض في المستشفيات والمراكز الطبية. 5 - التحاليل الدقيقة في المختبرات الطبية والعلمية: التي تعرف بها الأمراض الخفية أو العناصر والجزيئات الدقيقة. المبحث الثاني عشر: غيب الزمن الحاضر وسبب غيبيته إن غيب الزمن الحاضر من أقسام الغيب النسبي الذي هو من عالم الشهادة كما سبق ذكره، وهو الغيب المعاصر للإنسان من عالم الشهادة، وسبب غيبيته راجع إما إلى ما حال بينه وبين الإنسان من حواجز وسواتر مع قربه، وإما راجع إلى بعده عن الإنسان، وإما راجع إلى صغر حجمه صغراً يمنع من رؤيته، أو ضعف صوته وخفوته خفوتاً يمنع من سماعه، أو راجع إلى ما قد يعتري الإنسان من عوارض تطرأ عليه كالصمم والعمى وفقدان الإحساس. وفيما يأتي بيان تفصيلي لتلك الأسباب التي من أجلها تعتبر من الغيب النسبي ما كان معاصراً للإنسان من الأمور: السبب الأول/ البعد المكاني: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 أي ما كان البعد المكاني مانعاً من الوصول إلى العلم به، ولولا بعد المكان لأمكن رؤية ما يرى وسمع ما يسمع، وشم ما يشم، ولمس ما يلمس وذوق ما يطعم. أما أمثلته فالبعيد عن الرؤية والإبصار ما كان خارج مدى النظر في العادة، وما كان كذلك فرؤيته تكون بالآلات المقربة للبعيد كالمناظير المقربة بمختلف أنواعها ودرجاتها، فقد تمكن الإنسان من مشاهدة ما خرج عن مدى الرؤية بالعين المجردة إلى الأجرام البعيدة بعداً كبيراً كالنجوم والكواكب والأقمار والمجرات، وفي الأصوات البعيدة عن السماع استخدم الأجهزة المقوية لسمعه، أو المكبرة للأصوات الخافتة، أو البعيدة، حتى استطاع الاستماع إليها، وهكذا في سائر ما خفي وغاب عن حواسه من الغيب النسبي الذي هو غيب الزمن الحاضر، فتمكن بها من علم خفايا هذه الأشياء من عالم الشهادة. وهذه الأمور تعتبر غيباً نسبياً، إذ هي بالنسبة لمن استخدم تلك الآلات ليست غيباً بل هي شهادة، وبالنسبة لمن لم يستخدمها غيب. السبب الثاني: الحاجز المانع: أي ما حال بين الإنسان وبين علمه حاجز منع من الوصول إليه والعلم به، ولولا وجود ذلك الحاجز لما كان غيباً. أمثلة ذلك ما يمنع الرؤية أو السمع أو الشم أو اللمس من السواتر كالجدران والألواح والأوعية، وسائر الأجسام، ويدخل في هذا ما في الأرحام من الأجنة بعد تمام الخلقة واكتمال الصورة، وهذا أيضاً لا يعتبر غيباً لمن استخدم الآلات المخترقة لتلك الموانع الساترة. السبب الثالث: التناهي في الصغر إن كان جرماً، والخفوت الشديد إن كان صوتاً: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 فاستخدم الإنسان من الأجهزة ما مكنه من رؤية الأجرام الدقيقة جداً بتكبيرها آلاف المرات أو ملايين المرات، كما تمكن بآلات أخرى من سماع الأصوات الخافتة التي ما كان يسمعها بالأذن المجردة، واستخدم أجهزة أخرى في معرفة ما خفي عليه من الروائح والطعوم، فأصبحت تلك الأمور مرئية مسموعة بواسطة تلك الآلات، ومن هذا القبيل معرفة فصائل الدم، ومشاهدة كريات الدم والشرايين الدقيقة للجسم. السبب الرابع: الآفات والنقائص: وهي ما يعتري البعض من النقائص كالعمى الذي يمنع من الرؤية، والصمم الذي يمنع من السمع، وفقدان حاسة الشم الذي يمنع من تمييز الروائح، وحاسة الذوق التي يعرف بها طعم الأشياء المختلفة والخدر الذي يمنع إحساس الجسم بالألم والحرارة والبرودة. وهذه الأشياء تعتبر غيبا نسبيا، إذ هي بالنسبة لمن يملك تلك الوسائل جلية ليست بغيب، بينما تعتبر بالنسبة لمن فقدها غيبا. السبب الخامس: الحجب الرباني: لقد حجب الله عز وجل بعض عالم الشهادة حجبا لا سبيل لأحد من الخلق إلى اختراقه مع أنه من حيث الجنس من عالم الشهادة، ليعلم عباده أنه هو الذي حجب عنهم ما حجب من خلقه، وكشف لهم ما كشف، وكل ذلك راجع إلى قدرته تعالى لا إلى طبيعة الأشياء الذاتية، فلا الإنسان قادر على إدراك ما أدرك بقدرته وطبيعته، ولا ما كان غيبا قادرا على الغيبية بقدرته، وإنما طبع الله تعالى خلقه على تلك الأحوال بقدرته ومشيئته، فمتى شاء أن يخرق سننه الكونية لحكمة أرادها، غيرها وبدلها حتى يدرك الخلق أن للطبيعة خالقا مريدا طبعها بما شاء وكيف شاء. فمن أمثلة ذلك: أولاً: خفاء المسيح الدجال (1) : الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 المسيح الدجال رجل من اليهود ورد ذكره في الأحاديث النبوية على سبيل التحذير من فتنته، وأن جميع الأنبياء حذروا أممهم منه كذلك. وذكر من صفاته أنه خارج من موضع بين الشام والعراق. وأن الله تعالى يسخر له كثيرا من الخلق ليفتن بذلك العباد، حيث تظهر على يديه الخوارق الشيطانية، وأنه يدعي الألوهية، ومكتوب بين عينيه كافر، يقرأ ذلك أهل الإيمان ممن يقرأ وممن لا يقرأ، وأنه أعور العين اليمنى، وأنه يجوب في الأرض سريعا ويمكث فيها أربعين يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كالأيام المعتادة، وأنه يذوب كما يذوب الملح في الماء حينما يرى المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام (1) ، وأنه يقتله نبي الله عيسى بفلسطين، في مكان يدعى "باب لد" (2) وهو موضع المطار الدولي الحالي لليهود المحتلين لفلسطين، وأنه يمنع من دخول مكة والمدينة (3) . والدجال موجود في مكان غير معلوم للناس في هذه الأرض. ومع كونه من بني آدم الذين هم من عالم الشهادة فإن أحدا من الناس لا يعلم في أي بقعة من الأرض هو. ويدل على وجوده حديث تميم الداري رضي الله عنه المشهور حيث رواه عنه رسول الله (على سبيل الاستشهاد بما رآه لا على سبيل استفادة العلم بما لا يعلم صلوات الله وسلامه عليه. فقد علم من ربه وأعلم الناس بما علم. ولما سمع من تميم الداري ما طابق علمه مما شاهد أخبر بذلك الصحابة رضي الله عنهم، إذ الأمر قبل ذلك خبر جاء به الوحي الإلهي وأما الذي رواه تميم فكانت معاينة ومشاهدة لغيب أراد الله أن يطلعه عليه هو ومن معه ليكون ذلك شاهدا لنبيه (. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 وتجنبا للإطالة أورد موضع الشاهد من حديث تميم ابن أوس الداري الذي روته فاطمة بنت قيس: حيث كان قد ركب البحر مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام فلعب بهم موج البحر شهرا فخرجوا في النهاية إلى جزيرة فلقيتهم دابة غزيرة الشعر فسألوها ما هي؟ فقالت: أنا الجساسة (1) ، فطلبت منهم أن ينطلقوا إلى رجل في الدير لشوقه إلى الأخبار، فانطلقوا إلى الدير سراعاً فرأوا فيه إنسانا عظيم الجثة شديد الوثاق مجموعة يداه إلى عنقه وما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. فسألهم من هم؟ وكيف وصلوا إلى الجزيرة؟ وما الذي دلهم عليه؟ فلما عرف منهم أنهم من العرب سألهم عن أمور كثيرة في بلاد العرب حتى سألهم عن نبي الأميين ما فعل؟ فأخبروه أنه خرج من مكة ونزل بيثرب، وسألهم عن قتال العرب له وماذا فعل بهم؟ فأجابوه أنه ظهر على من يليه من العرب فأطاعوه. ثم إنه قال لهم: "وإني مخبركم عني؛ إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدا أو واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت راوية الحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: " قال رسول الله (وطعن بمخصرته في المنبر: " هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة" بمعنى المدينة " ألا هل كنت حدثتكم ذلك" فقال الناس: نعم." فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة. ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو" وأومأ بيده إلى المشرق) (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 إنه من قبل المشرق كما أكد رسول الله (ذلك في هذا الحديث، ولكن أين ذلك الموضع بالتحديد؟ ذلك ما لا يعلمه إلا عالم الغيب والشهادة. والشاهد من الحديث هنا أن الدجال موجود منذ عهد بعيد في مكان غير معلوم، وأنه سيخرج حينما يأذن الله بخروجه ولا يعلم أحد متى ذلك. ومن هنا نعلم أيضا أن ما كان في أصله من عالم الشهادة، إذا شاء الله غيبيته كان من عالم الغيب ولو شاء الله أن يقلب الغيب شهادة، والشهادة غيبا لفعل، ولكنه لا يخرق نواميسه وسننه الكونية إلا تأييدا لرسله أو من أخلص في اتباعهم من أهل طاعته، ليبين في كلتا الحالتين أن ما جاءت به الرسل حق منزل من عند الله تعالى الذي له ملكوت كل شيء سبحانه. ثانياً: خفاء يأجوج ومأجوج: لقد أخفى الله يأجوج ومأجوج على من سواهم من الناس مع أنهم من ذرية آدم عليه السلام، ومع أنهم قد كانوا موجودين مشاهدين، حيث يقومون بالإغارة على مجاوريهم، والإفساد في أرضهم حتى قام ذو القرنين بعزلهم عن الناس حينما جعل بينهم وبين مجاوريهم سدا لا يفتح إلا يوم الوعد، وذلك بين جبلين لم يستطيعوا بعده أن يظهروه. وإن أحدا من الناس لا يراهم الآن ولا يعلم أين هم لأنهم أصبحوا غيبا بعد أن كانوا شهادة. ولقد ورد ذكرهم في القرآن والسنة. أما القرآن فقد ذكرهم في سورة الكهف وسورة الأنبياء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 وفي سورة الكهف قال الله تعالى في الإخبار عن رحلة ذي القرنين وما جرى فيها من الأمور وأنه بلغ بين السدين ووجد من دونهما قوما: (قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سداً (قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما (آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطراً (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا (قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً ((1) . وأما في سورة الأنبياء فقال الله تعالى: (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين ((2) . لقد دلت آية سورة الكهف في شأنهم على الأمور الآتية: الأمر الأول: وجودهم في ذلك الزمن الغابر وجودا مشاهدا. الأمر الثاني: إنهم أهل كفر وفساد في الأرض. الأمر الثالث: إنهم حجزوا وراء السد وحيل بينهم وبين الإفساد في الحرث والنسل. الأمر الرابع: إن هذا السد المنيع لا يمكنهم نقبه من أسفله ولا الصعود من أعلاه. الأمر الخامس: إن ذلك السد لا يفتح إلا في آخر الزمان قرب قيام الساعة وعليه دلت آية سورة الأنبياء أيضا. الأمر السادس: إن ذلك السد يتكون من قطع من الحديد الذي أفرغ عليه الصفر المذاب وهو أقوى ما يكون. الأمر السابع: إنه لا بد من خروجهم إذا جاء وعد الله تعالى بأن يجعله دكا. وعليه دلت أيضا آية سورة الأنبياء. أما آية سورة الأنبياء فقد صرحت بأمور: الأمر الأول: خروجهم في آخر الزمان. الأمر الثاني: إن خروجهم علامة على قرب قيام الساعة. الأمر الثالث: إنهم حين يأتي وعد الله بفتح السد يخرجون ويموج بعضهم في بعض حيث يندفعون ويسرعون وينحدرون من كل حدب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 هذا ما جاء في القرآن الكريم في شأن يأجوج ومأجوج. وأما ما جاء في السنة فهو على كثرة الروايات لا يخرج عما تضمنته الآيات القرآنية في كثير من الأمور (1) . غير أن الأحاديث تميزت بالنص على أنهم من بني آدم، وأنهم أكثر بني آدم عددا، وأن العدد الأكبر من بعث النار يكون منهم يوم القيامة (2) . وليس المقصود هنا ذكر ما يتعلق بيأجوج ومأجوج من الروايات على سبيل الاستقصاء، ولكن المراد بيان أنهما مع كونهما من عالم الشهادة خلقا، فإن الله أخفاهما عن المشاهدة. فمن ادعى أنه يعلم مكانهما أو أنهم من الشعوب المعروفة التي تتعامل مع سائر الشعوب في هذا العصر، فقد تكلم في الغيب الذي حجبه الله تعالى عن البشر إلى أن يأتي وعده حيث يفاجئون بخروجهم مقترنا ذلك ببعض علامات الساعة الكبرى كخروج الدجال ونزول المسيح عليه السلام. ومع تقدم الوسائل العلمية وتطورها فإنها لا تتخطى عالم الشهادة المسخر للحواس. المبحث الثالث عشر: وسائل العلم به إن غيب الزمن الحاضر من عالم الشهادة سعى الإنسان لمعرفته بالوسائل المختلفة، ولكن الذي نريد البحث فيه هنا الوسائل المفيدة للعلم، لا كل الوسائل التي استخدمها الإنسان. وتلك الوسائل تتجلى فيما يأتي: الوسيلة الأولى/ الوحي الرباني: حيث يُعلم الله تعالى أنبياءه ورسله ببعض ما هو خفي عن الناس في أزمانهم، مما يقع في سر وخفاء إن كان قريباً أو مما يقع في أماكن بعيدة عن الأحداث في عصورهم. ويتجلى ذلك في الأمثلة التالية: إخبار الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم باستشهاد جعفر وزيد وعبد الله بن رواحة في موقعة مؤتة ساعة استشهادهم، وأخذ خالد بن الوليد للراية وفتح الله عليه (3) . إخبار الله له باستشهاد أصحاب بئر معونة من الحفاظ (4) . إخبار الله له بقتل كسرى على يد ابنه شيرويه (5) . إخبار الله له بالظعينة التي حملت خطاب حاطب بن أبي بلتعة (6) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 إخبار الله إياه بموت النجاشي رحمه الله يوم وفاته (1) . إخبار الله تعالى إياه بما كان بين عمير بن وهب وصفوان بن أبي أمية بمكة (2) . إخبار الله إياه بأكل الأرضة من صحيفة المقاطعة التي كتبتها قريش وعلقتها داخل الكعبة كل اسم لله ورد فيها، وأبقت ما فيها من شرك وظلم وقطيعة (3) . إخباره بما جرى بين زوجيه عائشة وحفصة في أمر أسره النبي إلى عائشة، كما في صورة التحريم (4) . والأمثلة على هذا الأمر أكثر من أن تعد وتحصى، وهذا خاص بزمن الوحي، أما بعد توقف الوحي وانقطاعه بوفاة النبي فقد انقطعت هذه الوسيلة وتوقفت. الوسيلة الثانية/ الأجهزة العلمية الحديثة: حينما انقطع الوحي بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن هناك وسيلة يعلم بها ما يجري في خفاء أو بعد، فالوحي الرباني لم تكن مهمته إنباء الناس بما غاب عنهم أو خفي عنهم، ولكنه يأتي بإجلاء ذلك بقدر ما تحتاج إليه الدعوة، ويكون مؤيداً لها، وليس من مهمة الوحي الإخبار عن أماكن وجود الضالة، والكشف عن المسروقات، فإن تلك أعمال العرافين والكهان والمشعوذين، غير أن الإنسان اهتدى في هذا العصر إلى اختراع آلات تمكن بها من الوصول إلى علم ما لا يعلم مما في عصره من خفايا عالم الشهادة، فمن تلك الآلات ما يأتي: البث المباشر المرئي المسموع، وجهاز الاستقبال: (التلفاز) . البث الإذاعي المسموع عن طريق جهاز الالتقاط: (الراديو) . الهاتف الذي ينقل الصوت الحي من مسافة بعيدة بين طرفين متحادثين، والفاكس. أجهزة التصنت على الأصوات من بعد. الأقمار الصناعية وما تشتمل عليه من أجهزة دقيقة كاشفة لبعض الخفايا. المراصد التي يتم بها اكتشاف الفضاء الكوني وما بث الله تعالى فيه من الأجرام المختلفة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 المركبات الفضائية التي تجوب الفضاء الكوني السحيق وتبث إلى أجهزة في الأرض صوراً عن النجوم والشموس والأقمار والمجرات، إلى غير ذلك مما تنتجه مصانع الدول الصناعية المتطورة من آلات جعلت الاطلاع على كثير من الخفايا في غاية من السهولة واليسر. المبحث الرابع عشر: غيب الزمن المستقبل وأدلة غيبيته الزمن المستقبل هو الزمن الذي يأتي بعد اللحظة التي نحن فيها، وغيبه هو ما سيقع فيه من حوادث لم تقع بعد، فهو وإن كان من عالم الشهادة قبل وقوعه، فليس من الغيب النسبي الذي يعلم به قوم دون قوم، ومع عده من حيث التقسيم من غيب عالم الشهادة، فإنه في غيبيته عن الحس والإدراك الإنساني يشبه الغيب المطلق الذي هو من عالم الغيب، كما يشبه في حكمه أيضا ما قبل نشأة الإنسان من غيب الزمن الماضي من عالم الشهادة. وسيلة الإطلاع على غيب الزمن المستقبل: إن الوسيلة التي يمكن أن يعلم بها الإنسان ما يأتي في المستقبل من ساعاته وأيامه وشهوره وسنواته، هي وحي الله تعالى إلى أنبيائه ورسله، أي إن الله تعالى هو الذي يعلم وحده ما سيكون فهو الذي يعلم من يشاء من عباده المصطفين ما سيأتي غير أن سنن الله في الوحي إلى أنبيائه بذلك جرت على عدم تحديد تواريخ ما سيأتي من الأحداث، وإنما يوحي الله تعالى إليهم بصفات تلك الأحداث وحالاتها حتى يترقبها الإنسان في حياته كلها لا في يوم معين أو شهر معين أو سنة معينة، فكما علم الناس أن لهم آجالا تنتهي إليها أعمارهم، ولا يعلمون متى ذلك، فإنهم لا يعلمون متى سيقع حدث من الحوادث التي أوحى الله تعالى بحدوثها في المستقبل ولكنهم يفاجأون بحدوث ما قد آمنوا بحدوثه، وفي هذا يقول الشاعر: ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها وقال زهير: وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عمي أما أدلة غيبية حوادث المستقبل في عالم الشهادة فكثيرة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه فمن ذلك: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 1- قوله تعالى حكاية عما قاله العاص بن وائل لخباب (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولداً (أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا (، لقد زعم أنه سيكون له مال وولد إذا بعث، وأنه سيوفي خباباً حقه هناك، قال ذلك على سبيل السخرية والاستهزاء من البعث بعد الموت. بيان سبب ذلك أن خباباً قال: "جئت العاصي بن وائل السهمي أتقاضاه حقاً لي عنده، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا حتى تموت ثم تبعث، قال: وإني لميت ثم مبعوث؟ قلت: نعم، قال: إن لي هناك مالا وولدا فأقضيكه. فنزلت هذه الآيات. وقد سمى الله تعالى هذا غيبا، وأنكر على من زعم أن له مالا وولدا في الآخرة، بأن قال: (أطلع الغيب (أظهر على ما في الغيب وعلم أن له مالا وولدا. 2- كذلك سمى الله تعالى المستقبل غيبا لا يعلمه سواه، فقال لملائكته (إني أعلم ما لا تعلمون (، وذلك أنهم لما أخبرهم الله تعالى بأنه (جاعل في الأرض خليفة (قالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك (، فأخبرهم الله تعالى بأنه هو وحده يعلم ما سيكون وهم لا يعلمون من ذلك شيئاً، ثم إنه تعالى لما خلق آدم علمه الأسماء كلها، ثم عرض على الملائكة تلك المسميات، فسألهم عن أسمائها فلم يعلموا هنالك أمر الله آدم أن يعلمهم ما لم يعلموا. حيث قال تعالى في ذلك كلها (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ((1) . وهذا دليل آخر على أن ما سيقع في المستقبل من الأحداث في عالم الشهادة غيب انفرد الله بعلمه سبحانه وتعالى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 3- وكذلك دل على غيبية حوادث المستقبل قول الله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (، أي إن هذه الأمور المذكورة في الآية من حوادث المستقبل علمها عند الله تعالى وحده ليس لأحد من خلقه علم بها. وأما السنة النبوية فقد امتلأت كتبها بأحاديث الفتن، وما سيحدثه الله في المستقبل من الحوادث التي يكون حدوثها من علامات الساعة، مما أعلم الله نبيه عن طريق الوحي فمن أراد الوقوف عليها فليرجع إليها. 4- ولقد دلت آية من كتاب الله تعالى على حدثين أحدهما من غيب الزمن الحاضر والآخر من غيب الزمن المستقبل عند نزول الآية فتحقق ذلك في زمن يسير، ذلك هو قول الله عز وجل: (آلم (غلبت الروم (في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون (بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ((1) . وقوله: (غلبت الروم (: إخبار بغيب الزمن الحاضر حيث إن غلبة فارس للروم وقعت في ذلك الزمن، والناس لم يقفوا بعد على ذلك، فكان الوحي في ذلك الزمن هو الوسيلة والمصدر الوحيد للوقوف على هذا القسم من الغيب ونقله إلى من غاب عنه، وقوله: (وهم من بعد غلبهم سيغلبون (في بضع سنين (، إخبار بغيب الزمن المستقبل الذي سيقع في زمن لا يزيد عن عشر سنين، وهو انتصار الروم على الفرس، وأن ذلك اليوم يوم فرح للمؤمنين لانتصار أهل الكتاب على أهل الشرك، أو المراد بيوم الفرح هو يوم بدر الذي يوافق يوم انتصار الروم على الفرس كما قال بذلك بعض العلماء، وهذا أبلغ في الفرح وأليق، وهو يعتبر أيضاَ إخباراً بغيب المستقبل، وهو انتصار أهل الحق على أهل الباطل يوم بدر. • • • الخاتمة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 إن الحوادث المستقبلة لا يعلم ميعادها وحقيقتها وصورتها وحجمها وكل ما يتعلق بها إلا رب العالمين. ومن زعم أن أحدا من الخلق يعلم ما يستقبل من الأمور فقد كذب على الله وكذب برسول الله (. وقد زعم بعض المفتونين أن حوادث معينة ستقع في سنة معينة وشهر معين، فلم يحدث من ذلك شيء. مع مضي تلك السنة وذلك الشهر. ومنذ بضع سنوات سرت إشاعات زعم أصحابها أن صيحة ستحدث ليلة الجمعة في النصف من شهر رمضان، فصدق بذلك بعض العوام وحدثت بلبلة للأفكار، وقلق وفزع، فانبرى أهل البصيرة لبيان زيف تلك الدعوى وعدم صحة الحديث الذي بنيت عليه تلك الأوهام، فجاء اليوم الموعد الذي ترقب الجهال أن تحدث فيه تلك الصيحة ولم يحدث شيء، ثم في هذه السنة أعادوا الكرة على نطاق أوسع ومستوى أعلى وأرفع فيما أطلق عليه عام ألفين، ووقوع حوادث في الليلة الأولى منه، وقيام الساعة فيه، ولكنهم خسئوا وخابوا فلم يحدث من ذلك شيء. وعلى المسلم الحريص على دينه وسلامة عقيدته، وحسن تصديقه، لما بلغه عن الله تعالى ورسوله، ألا يركن إلى ما يشيعه أعداء الإسلام، والجاهلون من أبنائه، ومدعوا العلم ممن لم يؤتوا العلم بمنهج أهل العلم الصحيح من سلف هذه الأمة، وأن لا يندفع نحو كل صارخ وناعق، فكتاب الله تعالى وسنة رسوله (هما مصدر العلم الصحيح، والعقيدة الصافية، فيلتزم المسلم بها مستنيرا في فهمها بأقوال العلماء الربانيين من أهل السنة والجماعة) . وأسأل الله تعالى العظيم، رب العرش الكريم، أن يهدينا إلى الحق ويثبتنا عليه اعتقادا وقولا وعملا، وأن يميتنا على ذلك بمنه وكرمه وإحسانه إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الحواشي والتعليقات سورة إبراهيم: 4. رواه البخاري/كتاب الإيمان/ باب فضل من استبرأ لدينه، ومسلم/كتاب المساقاة/باب أخذ الحلال وترك الشبهات. سورة البقرة: 3 سورة فاطر: 18 سورة فاطر: 18. سورة يس: 11 سورة ق: 33 سورة الملك: 12 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 أنظر تفسير الجواهر الحسان المعروف بتفسير الثعالبي لمحمد بن عبد الرحمن الثعالبي ج1 ص183 وبصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي ج4 ص152 وإرشاد العقل السليم المعروف بتفسير أبي السعود لمحمد بن العماد الحنفي ج1= = ص53-54 وتفسير الرازي المشهور بمفاتيح الغيب لمحمد بن ضباء الدين عمر المشتهر بالفخر الرازي ج1 ص31 وكتاب التسهيل لعلوم التنزيل لمحمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي ج1 ص62. انظر مجموع الفتاوى ج 11 ص 336. سورة ق: 18. سورة ق: 16. سورة آل عمران: 5. سورة الانفطار: 12. سورة طه: 7. سورة يس: 76. سورة البقرة: 235. سورة الأنعام: 3. سورة الفرقان: 6. سورة القصص: 69. سورة البقرة: 284. سورة الأعراف: 56. سورة الأنبياء: 90. لفظ البخاري: (أين يا سعد) واللفظ المذكور في الإصابة والاستيعاب وفي مسند أحمد: (يا أبا عمرو أين) . سورة الأحزاب: 23. أسد الغابة في معرفة الصحابة ج 1 ص 155 وانظر صحيح البخاري كتاب المغازي / باب غزوة أحد. سورة مريم: 61. انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة ج 3 ص 787 – 788. والسيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 627. صحيح مسلم كتاب الإمارة / باب ثبوت الجنة للشهيد. البخاري / كتاب المغازي / باب غزوة أحد. المعجم الكبير للطبراني ج3 ص266-267 حديث 3367 وراجع في ترجمته أسد الغابة في معرفة الصحابة ج1 ص414 والإصابة في تمييز الصحابة ج1 ص289. رواه مسلم /كتاب الإيمان / باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج. سورة آل عمران: 200. شمرت عن ساقها: شمر عن ساقه وشمر في أمره: أي خف. لسان العرب. وهو كناية عن شدة الحرب. واضطرمت لظى: ضرمت النار وتضرمت النار واضطرمت إذا التهبت. واللظى: النار. الصحاح. وحللت: أي غشيت وألبست. على أوراقها: أوراقها هم المتقاتلون. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 وطيسها: الوطيس المعركة وقيل تنور من حديد شبهت به الحرب. وقيل الضراب في الحرب وقيل غير هذا. أنظر لسان العرب. خميسها: الخميس: الجيش سمي كذلك إما لأنه خمس فرق: المقدمة، والقلب والساقة والميمنة والميسرة، ولأنه يخمس الغنائم. أنظر لسان العرب. الإصابة في تمييز الصحابة ج 4 ص287 – 289 وانظر أسد الغابة ج6 ص88-90، وانظر الاستيعاب لابن عبد البر رحمه الله تعالى على هامش الإصابة ج4 ص295-297. انظر ترجمتها في مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق لأبي زكريا أحمد بن إبراهيم الدمشقي ثم الدمياطي المتوفى سنة 814 هـ ج 1 ص 215. أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله عز وجل. وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: فضل مجالس الذكر، كلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه. واللفظ للبخاري. سورة الرعد: 28. رواه أحمد في المسند ج 1 ص 306-307 بهذا اللفظ. وقال المحققون للمسند: " حديث صحيح " انظر الموسوعة الحديثية: مسند الإمام أحمد بن حنبل ج5 ص19 حديث 2803 ورواه الترمذي بلفظ آخر في كتاب صفة القيامة. باب 59 حديث 2516 وقال حديث: حديث حسن صحيح. وأبو يعلي في مسنده ج3 ص84-85 حديث 2549. سورة الشرح: 5. سورة الزمر: 10. سورة البقرة: 155-157. سورة البقرة: 177. سورة الطلاق: 4. سورة الطلاق: 2 - 3. سورة البقرة: 264. سورة الإنسان: 8 –10. سورة المطففين: 1-6. سورة المائدة: 8. سورة النساء: 135. سورة الممتحنة: 4. سورة المؤمنون: 101. سورة المعارج: 10. سورة لقمان: 33. سورة الحج: 19. سورة المجادلة: 22 سورة آل عمران: 134 سورة الشورى: 39 – 43. أخرجه البخاري / كتاب الإيمان / باب حلاوة الإيمان. ومسلم / كتاب الإيمان / باب بيان خصال من انصف بهن وجد حلاوة الإيمان ومسلم / كتاب البر والصلة / باب في فضل الحب في الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 أخرجه أحمد في المسند ج2 ص 338 و 370، 23 عن أبي هريرة وصححه الألباني / كلاهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه / في مختصر العلو للبيهقي، ص105 بتحقيق وتعليق ناصر الدين الألباني. أخرجه مسلم / كتاب الإيمان / باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ص 105. رواه مسلم / كتاب الإيمان / باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. سورة آل عمران: 110. أخرجه أحمد في مسنده ج5، ص128. رواه ابن حبان في صحيحه / ذكر إيجاب محبة الله للمتناصحين والمتباذلين. رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة وقال حديث حسن غريب كتاب البيوع باب 38 حديث 1264 وانظر الجامع الصغير بشرح فيض القدير للمناوي ج 1 ص 223 ورمز السيوطي لصحته. وانظر الصحيحة للألباني 424 والإرواء 1544. سورة النساء: 58. البخاري / كتاب العلم / باب من سئل علماً وهو مشتغل في حديثه … سورة الأحزاب: 72. رواه الترمذي وقال حديثٌ حسنٌ صحيح. سورة النمل: 65. سورة الجن: 26. سورة الأنعام: 59. سورة الأنعام: 73. سورة فاطر: 38. سورة سبأ: 48. سورة هود: 49. سورة يوسف: 102. سورة آل عمرآن: 44-45. سورة يوسف: 102. سورة القصص: 44-46. انظر صحيح البخاري/ كتاب التفسير/ باب قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام (. وكتاب فضائل الصحابة، باب حديث الإسراء. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار … والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان. مجمع الزوائد ج10 ص136. انظر الكليات لأبي البقاء أيوب بن موسى الكفوي ج3 ص303-304. وانظر كتاب: عالم الغيب والشهادة لعثمان جمعة 75. اقرأ قوله تعالى: (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى (سورة النجم: 13-14. انظر البخاري/ كتاب بدء الخلق/ باب ذكر الملائكة، وكتاب فضائل الصحابة/ باب المعراج. ومسلم/ كتاب الإيمان/ باب الإسراء برسول الله (. سورة النساء: 158. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 سورة البقرة: 3. سورة يونس: 90-91. رواه الترمذي وقال حديث حسن. كتاب الدعوات باب فضل التوبة والاستغفار. حديث 3537. سورة إبراهيم: 10. سورة الأعراف: 75. سورة الرعد: 43. سورة يس: 15. سورة الأنعام: 91. سورة المدثر: 25. سورة الهود: 5. سورة القصص: 69. سورة الملك: 13. سورة لقمان: 34. سورة الأعراف: 87. سورة الأحزاب: 63. رواه مسلم من حديث جبريل المشهور. سورة الأعراف: 188. سورة الطلاق: 1. سورة النساء: 87. سورة النساء: 122. سورة النجم: 3. سورة الشورى: 11. سورة البقرة: 213. لوامع الأنوار البهية ص1، ص101. سورة البقرة: 115و272، الرعد: 22، الروم 38، 39، الرحمن: 27، الإنسان: 9، الليل: 20، الأنعام: 52، الكهف: 28، القصص: 88. شرح جوهرة التوحيد لإبراهيم الباجوري ص161. المواقف في علم الكلام للإيجي ص 298، وشرح المقاصد ج 4، ص 174. آل عمران: 26، 73، المائدة: 64 مرتين، الفتح: 10، الحديد: 29، المؤمنون: 88، يس: 45، 83، ص: 75، الملك: 1. شرح جوهرة التوحيد لإبراهيم الباجوري ص161. المواقف ص 298 وشرح المقاصد ج 4 ص 174. سورة الزمر: 67. شرح جوهرة التوحيد لإبراهيم الباجوري ص 161. سورة طه: 39. سورة هود: 37. شرح جوهرة التوحيد لإبراهيم الباجوري ص 161. سورة الشورى: 11. لوامع الأنوار البهية ج1 ص 94. الأعراف: 54، يونس: 3، الرعد: 2، طه: 5، الفرقان: 59، السجدة: 4، الحديد: 4. انظر المواقف ص297 وشرح المقاصد ج4 ص174. وفي المواقف عمرو مكان بشر. سورة البقرة: 210، الأنعام: 158. سورة الفجر: 32. سورة الفجر: 22. سورة الأنعام: 158. الشورى: 35. سورة التحريم: 6. سورة الأنبياء: 27. سورة مريم: 64. سورة الأعراف: 27. سورة التوبة: 40. سورة التوبة: 26. سورة الأحزاب: 9. سورة المدثر: 31. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 رواه الشافعي بهذا اللفظ في المسند ج1 ص 16 كتاب العلم. وابن حبان كتاب العلم باب ذكر دعاء المصطفى. وذكر المنذري في الترغيب والترهيب ج1 حديث 6. سورة آل عمرن: 7. سورة الأحزاب: 77. سورة الإسراء: 44. سورة فصلت: 11. سورة الإنسان: 2. سورة الملك: 23. ثبت لدى المختصين من العلماء أن تحليل ما لديهم بالسائل الأمنيوسي بعد مضي أربعة أشهر من الحمل يمكنهم من معرفة نوع الجنين أذكر أم أثنى، حيث إن حرف (y) يدل على خصائص الذكورة وأن حرف (x) يدل على خصائص الأنوثة، فبهاتين العلامتين يمكن التعرف على نوع الجنين. سورة النمل: 65. هذا التحديد أمر مبني على سياق ما سيأتي على ما قد مضى من التجارب، ولا يعلم أحد أن ذلك يقع حتماً، لاحتمال أن الدنيا قد لا تستمر إلى ذلك الزمن أو على ذلك النحو المعلوم من قبل فليتأمل. تفسير القرآن الحكيم المعروف بتفسير المنار ج 7 ص 422-423. سورة المائدة: 27-31. سورة هود: 49. سورة يوسف: 102. سورة آل عمران: 44-45. سورة الروم: 6-7. إن المسيح الدجاللم يرد ذكر له في القرآن الكريم غير أن بعض العلماء يرون أنه داخل في قوله تعالى: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل (أنظر النهاية للفتن والملاحم للإمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ج1 ص 128-129 بتعليق وتحقيق محمد خير طعمة وخليل مأمون شيحا. أنظر في هذه الصفات كلها صحيح مسلم كتاب الفتن باب خروج الدجال وصفته، وباب قصة الحساسة. وانظر الترمذي أيضاً كتاب الفتن باب ما جاء في فتنة الدجال وأبا داود كتاب الملاحم باب خروج الدجال. رواه الترمذي في كتاب الفتن باب ما جاء في قتل عيسى بن مريم الدجال. وقال حديث حسن صحيح. أنظر صحيح مسلم كتاب الفتن باب في صفة الدجال وتحريم المدينة عليه. وباب قصة الجساسة. والترمذي كتاب الفتن باب ما جاء في الدجال لا يدخل المدينة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 الجساسة: اسم تلك الدابة قيل إنها سميت بذلك لأنها تجسس الأخبار للدجال. وذكر بعضهم أنها هي الدابة التي ذكرت في القرآن والسنة أنها تخرج في آخر الزمان وتكلم الناس. رواه مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة باب قصة الجساسة وأبو داود كتاب الملاحم باب في خبر الجساسة. سورة الكهف: 94-98. سورة الأنبياء: 96-97. أنظر صحيح البخاري / كتاب الأنبياء، باب قصة يأجوج ومأجوج. وصحيح مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج كلاهما عن زينب بنت جحش. أنظر البخاري / كتاب الأنبياء / باب قصة يأجوج ومأجوج. وصحيح مسلم / كتاب الإيمان / باب قوله (يقول الله يا آدم: أخرج بعث النار (. أنظر البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة من أرض الشام. أنظر البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة. السيرة النبوية لابن كثير، ج3، ص 509-510. أنظر البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الفتح. البخاري فضائل الصحابة، باب هجرة الحبشة. أنظر السيرة النبوية لابن هشام، ج1، ص 661-663. أنظر السيرة النبوية لابن كثير، ج2، ص44-46. أنظر البخاري، كتاب التفسير، باب (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً (. سورة البقرة: 31-33. سورة الروم: 1-5. المصادر والمراجع القرآن الكريم. إرشاد العقل السليم، أبو السعود محمد بن العمادي الحنفي. أسد الغابة في معرفة الصحابة، مجد الدين أبو السعادات المبارك محمد الجزري ابن الأثير. الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. الاستيعاب، أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري. بصائر ذوي التمييز، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي. الترغيب والترهيب، زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المشهور بالحافظ المنذري. تفسير القرآن الحكيم، رشيد رضا ومحمد عبده. الجامع الصحيح، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 الجامع الصغير، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي. الجواهر الحسان، محمد بن عبد الرحمن الثعالبي. سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني. سنن ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني. سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي. السيرة النبوية، أبو محمد عبد المك بن هشام الحميري. السيرة النبوية، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي. شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني. شرح جوهرة التوحيد، إبراهيم الباجوري. صحيح ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري. عالم الغيب والشهادة، عثمان جمعة. الكليات، أيوب بن موسى الكفوي. كتاب التسهيل لعلوم التنزيل، محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي. لوامع الأنوار البهية، محمد بن أحمد السفاريني. مجمع الزوائد، نور الدين على بن أبي بكر الهيثمي. مختصر العلو للعلي الغفار، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي. المسند، الإمام أحمد بن حنبل. مسند أبي يعلى، أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي. مسند الإمام الشافعي، الإمام محمد بن إدريس الشافعي. مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق، أحمد بن إبراهيم الدمشقي. معجم الطبراني الكبير، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. مفاتيح الغيب، المشهور بتفسير الرازي، محمد بن ضياء الدين عمر الشهير بالفخر الرازي. المواقف في علم الكلام، عضد الدين الإيجي. موسوعة حياة الصحابيات، محمد سعيد مبيض. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 قول الفلاسفة المنتسبين للإسلام في توحيد الربوبية عرض ونقد في ضوء مذهب السلف د. سعود بن عبد العزيز الخلف الأستاذ المشارك في قسم العقيدة - كلية الدعوة وأصول الدين - بالجامعة الإسلامية ملخص البحث إن وجود الله عز وجل أمر ظاهر ودليله واضح في كل متحرك وساكن وقد فطر الناس على ذلك إلا أن طائفة ممن ينتمي إلى الإسلام زوراً وبهتاناً بحثوا في هذا الأمر بعقول مريضة وقياسات فاسدة متبعين في ذلك قول فلاسفة اليونان الوثنيين فزعموا جميعاً أن الله عز وجل لا صفة له ولا فعل ولا خلق ولا تدبير ولا خلق وإنما هو علة أولى استنفدت أغراضها وانتهى دورها، وقبعت في أبعد نقطة من عقل الإنسان وإحساسه. تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. ويمكننا تقسيمهم باعتبار انتماءاتهم المذهبية إلى ثلاثة أقسام: 1 - أهل الفلسفة المحضة: وقولهم هو المذكور سابقاً ما عدا الكندي الذي قال إن الله خلق العالم من العدم. 2 - الباطنيون: الذين زادوا على القول السابق نفي النقيضين لا موجود ولا لا موجود ولا موصوف ولا لا موصوف. 3 - فلاسفة الصوفية: الذين قالوا بقول الفلاسفة وزادوا دعوى وحدة الوجود التي هي من ضمن دعاوى بعض فلاسفة الوجود. وقد بينت تلك المقالات من ناحيتين: من الناحية العقلية: لإثبات أنهم من أضل الناس في العقل الذي هو مصدرهم ولا يقيمون لغيره وزناً. ومن الناحية الشرعية: لإثبات أن دعواهم تناقض مع الشرع تماماً فقولهم لا عقل ولا شرع. المقدمة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 فإن الله تعالى أرسل رسله ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ويهدوهم إلى صراطه المستقيم، ويقيموهم على الملة القويمة، ويعلموهم العلم الصحيح النافع لهم في دينهم ودنياهم. وكان مما أنزل الله على أنبيائه ورسله الهدى والبينات التي تعرف الخلق بربهم، وتنير قلوبهم بمعرفته المعرفة الصحيحة، التي تثمر تعظيمه وإجلاله ومحبته وخشيته ورجاءه والتعلق به، وتبعثهم على العمل الصالح والعلم النافع، مع التزكية والطهارة، ولزوم الأخلاق الحميدة والخصال الكريمة. وفازت هذه الأمة من تلك التعاليم والنور والهدى بالحظ الأوفى والنصيب الأعلى بواسطة نبيها الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. إلا أن طائفة من الأمة تنكبت الصراط، وزاغت عن المنهاج، وأخذت تبحث عن الطريق إلى معرفة الله تعالى من غير طريق الأنبياء ومسلك الأتقياء، ووقع اختيارها لسوء طالعها وشؤم نظرها وفساد فكرها على أفسد المسالك، وأعقد الطرائق، وابعدها عن الهدى، وأقربها وألصقها بمسلك إبليس عدو الله وعدوها، ألا وهو منهج الفلاسفة الوثنيين المتقدمين من اليونان ومقالتهم. فأحلوها بعجرها وبجرها محل وحي الله ورحمته وتعليمه وهدايته، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، واشتروا الضلالة بالهدى، والغواية بالرشاد. فأعقبهم ذلك نفاقاً في قلوبهم وحيرة في نفوسهم مع ريب وشك، بل طعن وتنقص لربهم، وإنكار وجحود لخالقهم، والمنعم عليهم ربهم، رب العالمين سبحانه عما يصفون، وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً. وهذه الطائفة ممن تنتسب إلى الإسلام زوراً وبهتاناً، وهم من يسمون " فلاسفة المسلمين "، الذين لايثبتون لله تعالى وجوداً ولاصفة، ولافعلاً ولاربوبية ولا ألوهية، وإنما حقيقة قولهم الإلحاد والكفر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 وكان سبق لي أن كتبت دراسة مختصرة في قول الفلاسفة الوثنيين اليونان في التوحيد، وبينت من خلال النقول عنهم أنهم لا يقرون لله تعالى بوجود حقيقي ولاربوبية ولاألوهية، سواء منهم من صرح بالإلحاد وإنكار وجود الخالق، وأن العالم خلق من غير شيء، ومن زعم أنه يثبت موجوداً أعلى هو العلة لوجود العالم، لكنها علة ضعيفة هزيلة، تعالى الله عن قولهم جميعاً علواً كبيراً. وكانت تلك الدراسة الأولى ضمن سلسلة في ذكر قول الفلاسفة في الله تعالى، وأثر قولهم. وهذه دراسة ثانية أشير بها إشارات مختصرة إلى مقالة تلاميذ أولئك من المنتسبين للإسلام، وأبين فيها قولهم ثم أبين بطلانه، وأنه قول لايقوم على شرع صحيح، ولا عقل صريح، بل هو لاعقل ولاشرع، وإنما هو ترديد لكلام السابقين من الوثنيين، وقد يضيفون عليه شيئاً من المسميات الإسلامية ذراً منهم للرماد في العيون، ورغبة في أن تروج تلك البضاعة الفاسدة على المسلمين. ولكن الله لهم بالمرصاد يخزيهم ويفضحهم، ويثبت عباده الصالحين على الحق والهدى، بما أنزل في كتابه من النور والبركة، وبما أوحى لنبيه من الحق والرشاد، وبتكفله تبارك وتعالى لهذا الدين بالبقاء والثبات والعلو والنصرة. قال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} التوبة (33) ، وقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر (9) . وفيما أنزل الله من الحق والهدى والنور، المضمن في كتابه وسنة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في باب التوحيد وغيره، ما فيه غناء عما سواه، وكفاية عن قول كل ما عداه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. ونسأله سبحانه إذ هدانا بفضله وكرمه أن يمن علينا بالثبات على الحق والهدى إلى يوم نلقاه، وأن يقينا والمسلمين من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يثبتنا على الحق والهدى إلى يوم نلقاه. إنه فعال لما يريد، جواد كريم، رؤوف رحيم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. آمين خطة الدراسة: جعلت هذه الدراسة في فصل واحد في قول الفلاسفة المنتسبين للإسلام، ويتضمن تمهيداً ومبحثين على النحو التالي: التمهيد: في تاريخ دخول الفلسفة على المسلمين. المبحث الأول: قول أهل الفلسفة المحضة والباطنيين، وبيان بطلانه، وفيه مطالب: المطلب الأول: قولهم في وجود الله تعالى وصفاته. أولاً _ أهل الفلسفة المحضة. ثانياً_ الباطنيون. ثالثاً _ الرد على الفلاسفة والباطنيين في قولهم في الله تعال. المطلب الثاني: قولهم في إيجاد الكون: أولاً _ أهل الفلسفة المحضة. ثانياً _ الباطنيون. ثالثاً _ بيان بطلان قولهم. المبحث الثاني: قول فلاسفة الصوفية أصحاب وحدة الوجود: تمهيد: فيه تعريف بالصوفية. المطلب الأول: قولهم في وجود الله تعالى وصفاته. المطلب الثاني: قولهم في إيجاد الكون. المطلب الثالث: قولهم في وحدة الوجود. المطلب الرابع: الرد عليهم في دعوى وحدة الوجود. الخاتمة: وفيها أهم النتائج. فصل: في قول الفلاسفة المنتسبين للإسلام في التوحيد وفيه تمهيد ومبحثان: مقدمة: فلاسفة اليونان ورثوا العالم شراً عظيماً فيما يتعلق بالاعتقاد بالله (ومعرفته وعبادته وقد تأثر بهم في مقالاتهم كثير من اليهود كما تأثر بهم النصارى تأثراً قوياً، بل يمكن القول إن مقالاتهم صبغت تعاليم المسيح (وحلت محلها وذلك عن طريق بولس وغيره من فلاسفة النصارى مع عوامل أخرى عديدة (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 وكما أثرت في اليهود والنصارى فقد أثرت أيضاً في المسلمين وانتحلها بعض المنتسبين للإسلام وتبنوا تلك الآراء وأخذوا بها، كما أثرت في آخرين أخذوا ببعض مناهج الفلاسفة فأحلوها محل مقابلها من الشرع، إلا أن المسلمين تميزوا بفضل الله عن غيرهم بأن دخول الفلسفة كان لبعض المنتسبين للإسلام، بحيث صاروا فرقة أو طائفة ولم يكن قولاً عاماً يأخذ به جل المسلمين فضلاً عن جميعهم، وإنما أخذ به من كان خاوياً من الوحي والنور المنزل في القرآن والسنة أو كان حظه منهما ضعيفاً وليس كاملاً. وهؤلاء الذين أخذوا بقول الفلاسفة من المنتسبين للإسلام يمكننا أن نقسمهم إلى ثلاثة أقسام: 1 - أهل الفلسفة المحضة. 2 - الباطنيون. 3- فلاسفة الصوفية. وقبل أن نذكر قول الفلاسفة المنتسبين للإسلام نقدم بتمهيد نذكر فيه باختصار تأريخ دخول الفلسفة على المسلمين. تمهيد: تاريخ دخول الفلسفة على المسلمين المسلمون كانوا في سلامة وعافية من أقوال أهل الضلالة والانحراف، فقد كانوا زمن الصحابة (والتابعين مجمعين على كتاب ربهم وسنة نبيهم (ليس لهم نظر في غيرهما ولا التفات إلا إليهما، إلى أن ابتلوا بداء من قبلهم من الأمم باسم العقل، فدب فيهم الخلاف والانحراف كما دب في الذين من قبلهم من أتباع الأنبياء. وسنشير في عجالة مختصرة لتاريخ دخول الفلسفة على المسلمين. أولاً: انتقال فلسفة اليونان إلى المناطق التي طالتها الفتوح الإسلامية الفلسفة اليونانية كما ذكر كثير من المؤرخين تمركزت قبل الإسلام في ثلاث مناطق هي: حران (1) : وهي بلاد الصابئة وقد التقت في تلك المدينة الفلسفة اليونانية وخاصة مذهب الفيثاغوريين (2) والأفلاطونية المحدثة (3) مع وثنية أهل البلاد. ومدينة جنديسابور (4) : حيث أسس كسرى أنوشروان فيها معهداً للدراسات الفلسفية والطبية وكان معظم معلمي ذلك المعهد من النصارى النساطرة (5) السريان (6) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 والإسكندرية: التي كانت وارثة أثينا في الفلسفة، حيث أنشأ فيها بطليموس الثاني فيلادلفوس الحاكم اليوناني مكتبة الحكمة وذلك بعد سنة 285 ق. م وجمع فيها كتب الفلسفة، فاجتمع عنده فيها ديانة البلاد وفلسفة اليونان وفيها ظهرت الأفلاطونية المحدثة على يد أفلوطين وفيلون اليهودي (1) وهما مصريان. ثانياً: دخول تلك الفلسفة على المسلمين لما دخل المسلمون تلك البلدان التي كانت مراكز للفلسفة اليونانية واحتكوا بأهلها تأثر بعضهم بتلك الفلسفات، ومما زاد في التأثير شغف بعض حكام المسلمين بالعلوم الطبيعية ثم بالعلوم العقلية، فقاموا بترجمة ما وجدوا في تلك البلدان من الكتب. ويهمنا من ذلك كتب الفلسفة المتعلقة بخالق هذا الكون وإيجاده له. وكان هذا الأمر وهو ترجمة كتب اليونان إلى العربية قد تم عن طريق النصارى السريان سواء كانوا من النساطرة أو اليعاقبة (2) حيث كانوا نقلوا من قبل بعض كتب اليونان إلى لغاتهم خاصة السريان منهم ثم صاروا الواسطة في اطلاع المسلمين على فلسفة اليونان وكان من أوائل المترجمين: يحي بن البطريق المتوفى 200هـ: الذي ترجم كتاباً سماه ((طيماوس)) لأفلاطون الذي يتحدث فيه عن ترتيب ما يسميه الطبيعة، كما ترجم كتاب ((الأثار العلوية)) لأرسطو. ومنهم عبد المسيح الحمصي: المتوفى في حدود 220 هـ ترجم كتاب ((الأغاليط)) لأرسطو، وكتاباً نسب خطأً لأرسطو يسمى ((الربوبية)) وهو جزء من تاسوعات أفلاطون. وأبو زيد حنين بن إسحاق المتوفى عام 260 هـ وابنه إسحاق بن حنين المتوفى عام 298هـ وابن أخته حبيش بن الحسن. وهم من مترجمي الدولة العباسية وبالأخص المأمون، وقد عني حنين بن إسحاق بترجمة كتب الطب، أما ابنه إسحاق فقد عني بترجمة كتب الفلسفة. ومنهم قسطا بن لوقا البعلبكي: وهو من نصارى الشام وقد شرح كثيراً من كتب أفلاطون وأرسطو كما ترجم من اليونانية إلى العربية بعض كتب شراح أرسطو. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 وأبو بشر متى بن يونس القنائي المتوفى عام 328 هـ وتلميذه يحيى بن عدي بن زكريا المتوفى عام 364هـ. وكل هؤلاء من النصارى إما النساطرة أو اليعاقبة. (1) وبسبب هذه الترجمات اتصل المسلمون بتلك العلوم الفلسفية، ومما زاد في تأثير ذلك اهتمام بعض الخلفاء بهذه العلوم وتشجيعهم لها بل وتقديم المتأثرين بها وانتحال مذهبهم، كما هو الحال مع المأمون (2) والمعتصم (3) والواثق (4) . وقد كان المأمون من أكثرهم حرصاً على هذه العلوم، حتى أنه راسل ملوك الروم، وأتحفهم بالهدايا، ملتمساً منهم أن يرسلوا بما لديهم من كتب الفلاسفة، فبعثوا إليه ما كان لديهم من كتب أفلاطون (5) وأرسطو (6) وأبقراط (7) وغيرهم من الفلاسفة، فاختار لها أمهر المترجمين وكلفهم إحكام ترجمتها ثم حض الناس على قراءتها ورغبهم في تعلمها. وكما هو معلوم فإن المأمون قد انتحل مذهب المعتزلة القائم على أصول فلسفية في صفات الله (وأفعاله، كما حمل الناس بقوة السلطان على الأخذ بذلك ومن أبى فليس له إلا الإقصاء أو الحبس والأذى، وتابعه على ذلك أخوه المعتصم ثم ابنه الواثق في امتحان الناس على مذهب المعتزلة بما يسمى في التاريخ ((بفتنة القول بخلق القرآن)) (8) أو ((محنة الإمام أحمد بن حنبل)) . وهكذا وجدت الفلسفة اليونانية الوثنية طريقها إلى المسلمين، فزاحمت في عقول العديد منهم وقلوبهم وحي الله ونوره المتمثل في القرآن والسنة فراح بعضهم يحاول التلفيق بين الوحي المنزل وبين الفلسفة الوثنية، ومنهم من أقصى الوحي المنزل وأحل محله في جميع الأمور المتعلقة بالله (وصفاته وأفعاله قول فلاسفة اليونان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 كما ثبتت طائفة من المسلمين على الحق المتمثل في القرآن والسنة وفهم السلف معرضة بل ومحتقرة سخافات العقول وترهاتها المتمثلة في كلام فلاسفة اليونان ومن أخذ بقولهم مستغنية في عقيدتها وجميع شؤونها الدينية بما جاء من الحكيم الخبير {ومن أصدق من الله حديثاً} النساء (87) ، وهي في نفس الوقت عالمة ومتيقنة بصحته وسلامته من كل خطأ أو شذوذ أو تناقض أو انحراف في كل معلومة متعلقه بالله (أو غيره مما ورد في الوحي المنزل، بخلاف ما عليه كلام الفلاسفة المتخرصين الذين لا يكادون يصيبون في قضية، ولا يسلم ولا يصح لهم وسيلة ولا هدف ولا نتيجة وإنما هم متخبطون متناقضون متهافتون وهم كما قال الله ( {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} الأنعام (148) . المبحث الأول: قول أهل الفلسفة المحضة والباطنيين وبيان بطلانه المطلب الأول: قولهم في وجود الله (وصفاته. أولاً: أهل الفلسفة المحضة: أهل الفلسفة المحضة، ونقصد بهم من لم يكن منتمياً إلى فرق أخرى، مثل الباطنية والصوفية ونحوه، وذلك مثل: الكندي والفارابي وابن سينا (1) ونحوهم هم تلاميذ لأرسطو وأفلاطون وغيرهم من فلاسفة اليونان الوثنيين، وهم وإن لم يجلسوا في حلقاتهم ويستمعوا إلى دروسهم إلا أنهم تتلمذوا على كتبهم التي ترجمت كما قلنا أولاً من قبل النصارى، فتلقفها عنهم هؤلاء وأخلصوا لها والتزموا ما فيها معرضين عن النور الذي أوحي إلى نبيهم وفيه فصل المقال والحكمة الحقة من لدن حكيم خبير. فأخذ هؤلاء المتفلسفة بالحظ الأدنى والحال الأردى، فقالوا في الله تعالى قولاً عظيماً ونأوا عن الإسلام وأهله نأياً بعيداً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 فمن ذلك قول الكندي (1) الذي يعتبر من فلاسفة المسلمين الأوائل ومما عزي إليه من القول في ذلك: أن الله تبارك وتعالى أزلي واحد بإطلاق لا يسمح بأية كثرة، ولا تركيب، ولا ينعت ولا يتصف بأية مقولة، ولا يتحرك، وهو وحدة محضة، وعنه تصدر كل وحدة وكل ماهية، وهو الخالق والمبدأ لكل حركة (2) . أما الفارابي (3) فيقول إن الله تبارك وتعالى هو واجب الوجود، وهو قائم بذاته منذ الأزل لا يعتريه تغير من حال إلى حال، وهو عقل محض، وخير محض، ومعقول محض، وعاقل محض، وهو العلة الأولى لسائر الموجودات، وتعينه هو تعين ذاته، وهو إذا وصف بصفات فإنها لا تدل على المعاني التي جرت العادة أنها تدل عليها، وهي صفات مجازية لا يدرك كنهها إلا بالتمثيل (4) . ويقول ابن سينا (5) : إن الله تبارك وتعالى واجب الوجود، ووجوده عين ماهيته، وهو واحد لا كثرة في ذاته بوجه، ولا تصدر عنه الكثرة، وهو عقل محض لا جنس له، ولا ماهية له، ولا كيفية ولا كمية، ولا أين له، ولا متى، ولا ندَّ له، ولا شريك، ولا ضد له، ولا حد له، ولا برهان عليه، وهو يستحيل عليه التغير، وهو مبدأ كل شيء، وليس هو شيئاً من الأشياء بعده، وهو لا يتحرك وإنما يحرك غيره على طريقة تحريك المعشوق لعاشقه (6) . وهو يرى أن الله لا يوصف إلا بالسلب (7) أو الإضافة (8) أو مركب منهما (9) . ويتضح من ذلك أن هؤلاء المنتسبين للإسلام من الفلاسفة لم يدخل قلوبهم ولا عقولهم شيء من نور الوحي، وإنما راحوا خانعين يرددون كالببغاوات ما قال أشياخهم الفلاسفة الوثنيون، وصاروا إلى المقالة نفسها وهي: أن الله لايوصف لا بالصفات ولا بالأفعال، كما أنه لا ذات له على الحقيقة وإنما هو وجود ذهني مطلق لا وجود له خارج الذهن. ثانياً: الباطنيون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 الباطنيون ممن ينتسب للإسلام زوراً وبهتاناً فقد درجوا على كل نحلة وملة إلا الإسلام فإنهم لم يعرفوه ولم يعرجوا عليه. والباطنيون هم من غلاة الشيعة الذين أظهروا التشيع لأهل البيت وأبطنو الكفر والزندقة. وهم فرق عديدة من أهمها. الإسماعيلية: وهم الذين يسوقون الإمامة في علي ثم أولاده من بعده الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين (1) ، ثم محمد بن علي بن الحسين الملقب بالباقر (2) ،ثم جعفر بن محمد بن علي الملقب بالصادق (3) ،ثم إسماعيل بن جعفر (4) ، إلا أن إسماعيل هذا مات في حياة أبيه وقد خلَّف ابناً اسمه محمد (5) . فمن الشيعة من وقف على إسماعيل واعتبره الإمام، وأنه غاب بسبب خوفه على نفسه، وهو لا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. ومنهم من قال: إن الإمام بعد جعفر هو حفيده محمد بن إسماعيل ثم زعموا أن الأئمة المستورين الذين يدعون إلى المذهب في سائر البلدان ابتدأوا من محمد ابن إسماعيل. وقالوا: إن الإمام إما ظاهر مكشوف، وإما باطن مستور، فإذا كان الإمام ظاهراً جاز أن يكون حجته مستوراً، وإذا كان الإمام مستوراً فلابد أن يكون حجته ودعاته ظاهرين. وللإسماعيلية عقائد كفرية من أهمها قولهم بقول الفلاسفة الوثنيين في التوحيد كما سنبين. كما أنهم يزعمون أن للأنبياء أدواراً كل سبعة منهم يمثلون دوراً وكلما جاء آخر السبعة نسخ شرائع الذين قبله ويعتبرون أن محمد بن إسماعيل هو الدور السابع بعد نبينا محمد (فهو ناسخ لشريعته. وينكرون المعاد والبعث الجسدي والجنة والنار ويزعمون بقاء الحياة وأنها لا تنقطع أبداً، أما القيامة عندهم فهي رمز لخروج إمامهم وهو محمد بن إسماعيل وزعموا أن أعداء الإسماعيلية تبقى أرواحهم في هذه الدنيا تنتقل من بدن إلى بدن، أما الأرواح الزكية فتتحد في العالم الروحاني بعد مفارقتها الجسد وذلك هو جنتها (6) . ومن الإسماعيلية انبثق القرامطة والحشاشون والفاطميون والدروز. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 وسنذكر قول كل من الإسماعيلية والدروز إذ هم المنتشرة كتبهم من الفرق الباطنية. قول الإسماعيلية في وجود الله (وصفاته: الإسماعيلية قالوا بما قال به من قبلهم من الفلاسفة، فلم يختلف قولهم عن قول من قبلهم إلا في المسميات التي يلبسون بها على المسلمين، فقد نفو عن الله (جميع الصفات بل الذات والأفعال بل قالوا ما يدل على نفي وجوده تبارك وتعالى عما يقولون. يقول الداعي الكرماني (1) في كتابه ((راحة العقل)) : إن الله تعالى لا يوصف بالوجود، وعلل ذلك بأن إثبات وجوده يحتاج إلى إثبات موجد، فعليه فهو غير موجود (2) كما أنه لا موصوف ولا هو لا موصوف (3) فكل صفة يوصف بها المخلوق الموجود لا يوصف الله (بها. وقال الحامدي (4) : ((فلا يقال عليه -يعني الله (- حي ولا قادر ولا عالم ولا عاقل ولا كامل ولا تام ولا فاعل لأنه مبدع الحي القادر العالم التام الكامل الفاعل ولا يقال له ذات لأن كل ذات حاملة للصفات)) (5) . ومن هذا قول محمد بن سعد بن داؤد الرفنة (6) في رسالته الكافية: ((الحمد لله الملك المبدع الأحد الفرد الصمد من غير عدد رافع السموات بلا عمد الذي لم يزل في القدم موجوداً، وبأزل الأزل معبوداً لا يدخل على ذاته التغيير ولا يعزب مثقال ذرة عن علمه ولا تحويه الأشياء ولا يدركه العقل أو يشمله الفكر، ليس هو موجوداً فيوصف ولا غائباً فينعت سبحانه لا إله إلا هو ظهر للكل بالكل، فلولا وجوده لما عرفه أحد لأنه لا بمكان كائن ولا يوجد تفاوت في ذاته القويمة القديمة)) (7) . قول الدروز: الدروز طائفة من الباطنية الإسماعيلية، تعزى إلى رجل تركي يسمى: محمد بن إسماعيل الدرزي، واسمه الحقيقي " نشتكين". وفد إلى مصر سنة 407هـ، فحسن للحاكم بأمر الله الفاطمي (8) ادعاء الألوهية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 فالدروز يؤلهون الحاكم، ويعتقدون أنه الصورة الناسوتية للإله، ويعبدونه ويصرحون بذلك، وإن كان بعضهم يحاول أن يخفي ذلك. وهم يقولون بالتناسخ بعد الموت، وأن الشرائع كلها منقوضة إلا عقيدتهم، التي يطلقون عليها التوحيدية. (1) والدروز كإخوانهم الإسماعيلية وعموم الباطنية في نفيهم عن الله تعالى جميع الصفات، بل الذات والأفعال، فهذا د. سامي نسيب مكارم الدرزي يقول في كتابه " أضواء على مسلك التوحيد ": " فهو تعالى لا شخص ولا روح ولا شيء، ولا جوهر ولا عرض ولا فكر ولا جسم ولا وجود ولا عدم، ولا عنصر، ولا كثيف ولا لطيف، ولا نور ولا ظلمة، ولا جزء ولا كل، ولا علوي ولا سفلي، ولا قائم ولا حاضر، ولا ماض ولا مقبل (2) ، ولا كبير ولا صغير، ولا قريب ولا بعيد، ولا أية صفة تضمنتها اللغات والكلمات أو تصورتها وتخيلتها الأفهام. فهو منزه يتعدى جميع الصفات التي يدركها البشر بحواسهم وبعقولهم، وبمشاعر قلوبهم، بل كل ما يقال عنه مجاز ودلالة " (3) . ثالثاُ: الرد على الفلاسفة والباطنيين في قولهم في الله ( الفلاسفة المنتسبون للإسلام الحجة عليهم قائمة أكثر وأعظم ممن قبلهم من الوثنيين، لأنهم أدركوا الإسلام وعرفوه، ووجد بين أيديهم ما يفضح فساد قول أهل الضلالة، ويظهر عوره ونقصه، لو كانوا يبصرون. وهؤلاء نرد عليهم من ناحيتين عقلية وشرعية: أما عقلاً فنقول: 1 إن كلام الفلاسفة السابقين واللاحقين عن الخالق تبارك وتعالى كله من باب الظن والتخمين، لأنهم لم يروا الباري تبارك وتعالى، ولم يروا شبيهاً له، ولم يشهدوا خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم، كما لم يأخذوا قولهم هذا عن مخبر صادق، فبالتالي لا يعدو أن يكون ظناً وتخميناً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 2 إنهم بنوا كلامهم عن الباري تبارك وتعالى على النظر في مخلوقاته مما يحيط بهم ويرونه ويشاهدونه، وهذا ليس كافياً في إعطاء العلم الصحيح الكامل بالله عز وجل لأن مخلوقاته تدل على أشياء عامة وليس أشياء دقيقة كما راحوا يحاولون أن يقرروا ويثبتوا. 3 إنهم استخدموا في كلامهم عن الله (قياس الغائب على الشاهد قياس تمثيل وقياس شمول، وكل ذلك باطل بالنسبة لله (،لأن قياس التمثيل قياس يستوي فيه الأصل والفرع، وقياس الشمول يستوي فيه الأفراد تحت حكم واحد (1) ، وإذا كان الفلاسفة يرون أن الله لا يشبهه أحد فقياسهم فاسد وموصل لفساد، لأنهم به: إما أن يجعلوه شبيهاً لغيره، بناءً على قياس التمثيل، أو يجعلوه محكوماً بقاعدة واحدة هو وأفراد من جنسه، بناءً على قياس الشمول، أو ينفوا وجوده، بناءً على الغلو في نفي المشابهة. وهذا كله باطل والأولى من ذلك استعمال قياس الأولى وهو أن ما كان كمالاً في المخلوق فالخالق واهبه فهو أولى به، وما كان من نقص فالخالق منزه عنه لكماله وجلاله (2) . 4 إنهم لم يقفوا في نظرهم ومحاولتهم التعرف على خالق هذا الكون على النظر إلى المخلوقات الظاهرة أمام أعينهم فيهديهم ذلك إلى كمال وجلال موجدها وخالقها، وإنما راحوا يبحثون في أصل مادة الكون وعلة وجوده ومباحث أخرى هي تبع لذلك مبنية على الظن والتخمين وبنوا على ذلك الخرص والتخمين وصف الله (ومعرفته، مع أن معرفة أصل الأشياء ومادتها الأولية فيه صعوبة بل عسر، أما مابعد عنا كالكواكب والسموات وما غاب عنا من المخلوقات فمعرفة أصل مادته أقرب إلى المستحيل، فيكون إدراج ذلك كله في قضية واحدة مع المشاهد المحسوس من الخلق خلفاً وخطأً كبيراً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 5 إن إثبات وجود الله (ضرورة من الضروريات بل هو من أوجبها وألزمها وأوضحها، ولا ينكر وجوده جل وعلا إلا مكابر جاحد لأن مما هو مستقر في الفطر وبدهي في العقل أن كل موجود لا بد له من موجد، ولا بد أن يصل التسلسل إلى نهاية وإلا كان باطلاً والتسلسل في الوجود موصل إلى نهاية وهو الله تبارك وتعالى، وهذا لا يخالف فيه إلا شذاذ ملاحدة الفلاسفة. (1) وهنا نقول كما أن الله تبارك وتعالى وجوده ضروري، فكذلك إثبات صفاته تعالى ضروري لعدة أمور: أأن وجوده موجب لإثبات صفاته لأن كل موجود لابد أن يكون له صفات، فإذا لم يكن له صفات فهو المعدوم، والمعدوم ليس شيئاً موجوداً بل هو كاسمه ليس بشيء. فلا يفرق بين الموجود والمعدوم إلا بوجود الصفات في الموجود وانتفائها عن المعدوم. ب أن كل موجود إنما يتميز عن غيره بالصفات الخاصة به فالبشر يتميزون فيما بينهم بالصفات وهكذا سائر المخلوقات، وهي وإن كان بينها تماثل من وجه في تلك الصفات إلا أن بينها تمايزاً ظاهراً من وجوه أخرى، فكذلك الخالق تبارك وتعالى يتميز عن البشر بالصفات التي تميزه عن المخلوقات تميزاً ظاهراً. ج أن إثبات التمايز وعدم التماثل بين الخالق والمخلوق ضروري، كإثباتنا لوجوده وصفاته، لأنه وإن كان البشر وسائر المخلوقات تتصف بصفة الوجود، والخالق تبارك وتعالى متصف بذلك إلا أن الفرق بين الوجودين ظاهر واضح، فوجود كل موجود سوى الله (محدود له بداية، كما أنه يستمد وجوده من إيجاد الله تبارك وتعالى له، أما الله تبارك وتعالى فلا بداية لوجوده ولا يستمد وجوده من أحد سبحانه فهو الفرد الصمد وهو الأول والآخر. فعلى هذا لا بد أن يكون له من الصفات أكملها وأعلاها مما لا يماثله فيها أحد من مخلوقاته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 د أن وجود المخلوقات موجب لوجود الصفات للخالق لأنه لا يمكن بحال أن توجد هذه المخلوقات مع ما هي عليه من حسن الخلق وعجيب الصنع وبديع النظام، ممن هو فاقد للصفات، فلا بد من إثبات الصفات حتى يصح نسبة الإيجاد إليه، وعزو الفلاسفة ومن أخذ بقولهم الإيجاد إلى أشياء في زعمهم صدرت عن الله مثل النفس الكلية والعقل وما إلى ذلك، إنما هو خرافة لأنه لا يمكن أن توجد النفس الكلية التي تفعل وتوجد أو تدبر وتتصرف والأصل الذي صدرت عنه فاقد لذلك، فمن أين لها أن توجد لنفسها الصفات التي تؤهلها للفعل والتدبير ما لم يكن أصلها يملك ذلك. 6 أن ما ذكره الفلاسفة في وصفهم لله تبارك وتعالى كلام فاسد لا يعدو أن يكون كلاماُ لا يثبت به شيء. وذلك يتضح من وجوه: أولاً: قولهم إن الله تبارك وتعالى عقل، كما يصرح بذلك الفارابي وابن سينا، يعني أن الله فكر أو فكرة أو شيء معقول أو يَعْقِل ويُعْقَل، وهذا كله إثبات لمعنى بدون ذات، وهو أمر لا يعقل ولا يفهم، إنما المفهوم منه أنه لا ذات له جل وعلا، ومنهم من صرح بذلك، كما قال بذلك الحامدي والدرزي، وكل ما لا ذات له لا وجود له، أو لا وجود له بنفسه، بل يكون قائماً في غيره أو صادراً عن غيره مثل الأفكار والكلام فهي معان وصفات تقوم بغيرها ولا تقوم بنفسها، والفلاسفة ينفون أن يكون الله قائماً بغيره أو صادراً عن غيره، لأنهم يدعون أنه علة للوجود، فبالتالي يكون مرادهم أنه لا ذات له، وهذا نفي لوجوده وهو قول يتناقض تماماً مع دعوى وجوده ودعوى صدور العالم عنه كما سيأتي. فيتفقون بذلك مع ملاحدة الفلاسفة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 ثانياً: قولهم بأنه واحد أو أوحد مرادهم به: أنه واحد من كل وجه بحيث لا يوصف بغير الواحدية أو الأحدية وهذا نفي لصفاته، وهو نفي لوجوده أيضاً، لأن كل موجود لا بد أن يوصف بالصفات، كما سبق أن بينا، فإذا انتفت عنه الصفات فذلك نفي لوجوده، لأن إثبات وجود الشيء إنما هو إثبات لصفاته، فلا يمكن أن يكون موجوداً لا صفة له لأنك حين تقول لا صفة له فذلك يعني أحد أمرين: إما أنك غير قادر على التعبير عن صفاته بالعبارات الصحيحة مثل قول النبي (عن سدرة المنتهى: ((فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها)) (1) . وهذا ما لا يقصده الفلاسفة. والمعنى الآخر الذي يقصدونه: أنه لا صفة له في نفس الأمر يمكن أن تذكر أو يعبر عنها بعبارة، وحقيقة هذا أنه مثل قولك لا وجود له، لأن ما لا صفة له هو المعدوم الذي لا وجود له، وهذا يتنافى مع العقل، ولازم أخذهم بالعقل يوجب عليهم إثبات الصفات لأن نفي الصفات بالكلية عن الموجود ينافي العقل، فإن العقل لا يثبت موجوداً إلا له صفات، وما نفى العقل وجوده هو ما لا يستطيع أن يصفه بصفة وهذا هو حقيقة قول هؤلاء الفلاسفة الدهرية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 ثالثاً: نفيهم عن الله (التغير إنما يريدون به -كما ينص على ذلك ابن سينا وغيره-: أنه لا يحدث فيه أي تغير لا في الماضي ولا في المستقبل مهما كان هذا التغير قليلاً. هو قول لا يقبله العقل فضلاً عن الشرع، لأن معنى ذلك نفي لفعله وتشبيه له بالمعدوم أو الجماد، لأن المعدوم لا يتأتى منه الفعل، كما أن الجماد لا يتأتى منه فعل ولا تغير إلا أن يُغَير أما هو فلا يغير نفسه، ومعنى ذلك أن الله تبارك وتعالى لا يريد ولا يأمر ولا ينهى ولا يدبر ولا يتصرف في شيء بل الأشياء هي التي تتصرف دونه، ولا قدرة له عليها ولا تدبير له فيها، وهي المدبرة المتصرفة بشأنها، وكل ذلك يأباه العقل، فإن الحياة والإيجاد والتصرف والتدبير الموجود في الكون، إما أن يعزى إلى فاعل مدبر متصرف ذي قدرة كاملة وإرادة تامة، وإما أن يعزى إلى جماد أو عدم، ولا شك أن العقل مضطر إلى الإقرار بوجود الخالق المتصرف ذي القدرة والإرادة والتدبير، وإلا انتفى وجود الكون كله، لأن ما فيه من خلق وإيجاد وتصرف وتدبير يدل على وجود وحياة الخالق وكمال قدرته وإرادته دلالة واضحة يضطر إليها كل عاقل، فضلاً عمن أمعن ودقق النظر، فإنه سيضطر إلى الإقرار بوجود الخالق ذي الجلال والإكرام. وقول ابن سينا وغيره: إن الخالق لا يتغير ثم يزعمون أن الخلق صدر عنه، كما سيأتي مثل من يزعم أن جبل أحد أو أن صخرة صماء أوجدت بنفسها إنساناً أو حيواناً بدون فعل فاعل أو أن إنساناً أو حيواناً صدر عنها ووجد منها، فهذا كله مناف للعقل ويستسخفه كل ذي عقل سليم. رابعاً: قولهم إنه لا يتحرك كما هو زعم ابن سينا هو مثل سابقه لأنه يتضمن نفي حياته، لأن فرق ما بين الحي والميت الحركة فالشيء الذي لا يتحرك هو الميت أو الجماد، والجماد ميت لا حياة فيه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 ولا شك أن هنا سؤالاً يطرح نفسه وهو: كيف يتأتى من ميت أو فاقد للحركة أن يعطي الحياة ويبث الحركة في غيره، هذا أمر مرفوض غير مقبول، لأنا إذا نظرنا في المصنوعات التي صنعها الإنسان فإنا نراه يصنع المصنوعات ويبث فيها الحركة بما يجعل فيها من الطاقة والقدرة على ذلك بواسطة الوقود أو الكهرباء أو نحو ذلك، والإنسان حي متحرك فأمكن له أن يوجد متحركاً بما مكنه الله فيه، فالله تبارك وتعالى أولى أن يكون حياً يفعل ما يشاء، فإن لم يكن كذلك فلا يمكن أن يوجد هذا الكون لأن الميت لا يفعل ولن يفعل شيئاً. خامساً: قولهم إنه محرك لغيره بدون أن يتحرك، كما ادعى ذلك ابن سينا: هو وصف اضطروا إليه، حتى يثبتوا دوراً للخالق تبارك وتعالى في الكون، وهو ما يسمونه: العلة الأولى، وحتى لا يضطروا إلى القول بأن الأشياء أو المادة التي يزعمون أنها قديمة، كما سيأتي فعلت بنفسها فتكون هي الخالقة الموجدة ويكون دعوى وجود الخالق دعوى فارغة لا حاجة إليها ولا ضرورة. ولا شك أن قولهم إنه محرك بدون أن يتحرك قول لا يستقيم لهم وهو باطل بناءً على كلامهم من عدة أوجه: 1 أن دعاويهم السابقة في نفي ذاته وصفاته وأفعاله تبطل دعواهم إنه محرك لغيره لأنه لا يمكن لشيء لاصفة له ولا ذات ولا فعل أن يكون محركاً لغيره فهذا محال. 2 أن دعواهم إنه محرك لا يتحرك: دعوى متناقضة لأنه ما لم يكن بنفسه متحركاً فكيف يحرك غيره؟ إلا أن يكون كالصخرة التي تسقط على غيرها فتدفعها وتحركها، إلا أن ذلك ينفيه الفلاسفة لأن لازم ذلك أن لحركته علة خارجة عنه، والعله تحتاج إلى علة أخرى إلى ما لا نهاية، وهذا ما يحذره الفلاسفة ويمنعونه، فهم مضطرون إلى القول بهذه الدعوى المتناقضة حتى يدفعوا التسلسل إلى ما لا نهاية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 3 أن دعواهم: إن تحريكه لغيره على طريقة تحريك المعشوق لعاشقه دعوى خيالية ظنية باطلة، فليس لهم عليها أدنى دليل سوى الدعوى، ثم إن المعشوق حسب تعبيرهم لا يمكن أن يُعشَق وهو لا صفة له ولا ذات ولا فعل. 4 أن الحركة الناتجة من دعوى التحرك على طريقة تحريك المعشوق لعاشقه حركة في غاية الضعف لا تعدو أن تكون حركة قلبية أو نحوها، فكيف يمكن لحركة بهذا الضعف أن ينتج عنها هذا الوجود الباهروالصنع المتقن للكون. سادساً: إن زعم الإسماعيلية الباطنية أن الله تبارك وتعالى غير موجود هو تصريح منهم بالإلحاد والدهرية، فهم بذلك اشد كفراً من الفلاسفة المؤلهة. سابعاً: إن تصريح الداعي الكرماني بأن الله لا موصوف ولا هو لا موصوف (1) ، وقول الآخر " الرفنة " لم يزل في القدم موجوداً، ليس هو موجود فيوصف (2) إنما هو قول بالنقيضين، وهو قول متناقض شرعاً وعقلاً، لأن النقيضين لا يرتفعان ولا يجتمعان. (3) أما شرعاً فنقول: 1 إن قول هؤلاء الفلاسفة المبني على قول فلاسفة اليونان السابقين مخالف لأصل الإسلام ودين الله تعالى، ولا يمت إليه بأية صلة كما لا يمت إلى أية تعاليم من تعاليم الأنبياء السابقين عليهم السلام، وليس لهم عليه أي شبهة شرعية في ذلك. 2 إن الله تبارك وتعالى قد أفادنا في القرآن الكريم بأن له الصفات العلى مثل: السمع، والبصر، والكلام، والحياة، والقدرة، والإرادة، والعلم، والغضب، والرضى، والاستواء، والعلو، والإتيان، والمجيء، كما أفادنا بالتصرف والتدبير لشؤون خلقه إلى غير ذلك من صفات الكمال والجمال وقد ورد هذا في القرآن بحال يعتبر أعظم الموضوعات وأكثرها تأكيداً وذكراً، وهذا البيان من الله (إما أن يؤمن به هؤلاء الفلاسفة، فعندها يلزمهم أن يقروا به وينبذوا قول الفلاسفة الوثنيين لأنه على نقيضه، أو يزعموا أنهم غير مؤمنين به فيكون حكمهم الظاهر الكفر والزندقة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 أما أن يزعموا أنهم مؤمنون مع بقائهم على هذه المقالة ثم يحاولوا أن يجدوا مخارج لما ادعوا بالتلفيق بين الشرع والفلسفة بدعوى التأويل، فهذا باطل لأن صراحة دلالة القرآن على إثبات الصفات ووضوحها يمنع كل تأويل ويبطله. 3 إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد أخبروا بواسطة الوحي عن الله (فهم مبلغون عمن يخبر عن نفسه بما أخبر وعلَّم من صفاته وأفعاله مع كمال صدق الأنبياء عليهم السلام ونصحهم وعصمتهم من الخطأ في التبليغ. أما الفلاسفة فقد أخبروا عن الله (بعقولهم ونظرهم فيما لم يروه ولم يرو شبيهاً له، وأخبروا بمقولات ناقصة ومتناقضة، وهم في الأصل يعتريهم ما يعتري البشر من النقص في العلم والخطأ والسهو وما إلى ذلك، وقد ثبت خطؤهم في الأمور الدنيوية حتى أنه ما يكاد يأتي تلميذ إلا وينقض كلام شيخه أو يزيد عليه أو ينقص، فخطؤهم فيما لم يشاهدوه أكبر وأعظم، فمن هنا من قدم قول الفلاسفة على قول الأنبياء عليهم السلام في الله (فقد ترك الصدق وأخذ بالكذب وترك اليقين وأخذ بالخرص والظن والتخمين. 4 إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد وصفوا الله (بكل صفات الكمال والجمال والجلال فهم يصرحون بوضوح بأن الله تبارك وتعالى واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد وأنه لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، وأن صفاته لعظمتها وجلالها لا يمكن لبشر أن يحيط بها علماً أو يقدرها بقدر فالله أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء. والفلاسفة يصرحون بوضوح أن الله لا ذات له ولا صفات ولا فعل ولا خلق ولا حق، فهو عديم الذات عديم الفعل، فقير لا حول له ولا طول، ولا تدبير ولا تصرف، تعالى الله عن قولهم. ولا شك أن العقل والنفس إنما يرتاح لقول الأنبياء المتضمن تعظيم الله وإجلاله. أما القول الثاني فهو مرفوض عقلاً لما فيه من تنقص الله (ونفي وجوده حقيقة كما يتضمن نفي فعله وحقه جل وعلا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 5 إن مقالة الأنبياء في الله (متسقة متوافقة فهم لم يختلفوا فيما بينهم في وصف الله تبارك وتعالى بصفات الكمال والجلال، أما الفلاسفة فمقالتهم متناقضة، وهم على ثلاث مقالات في الله تبارك وتعالى، فمنهم من أنكر وجود الله تعالى بالكلية، ومنهم من زعم أن هذا الوجود هو الله جل وعلا، وهم أصحاب وحدة الوجود، ومنهم من زعم وجود موجود أعلى هو علة وجود هذا العالم، يشيرون بذلك إلى الله تعالى. (1) وتلك المقالات يختلف أصحاب كل مقالة فيما بينهم فيها، مع أنها قائمة على أصل واحد عندهم وهو العقل. فأيهما أولى بالحق والقبول قول من تناقض في قوله مع العقل والشرع أم قول من قال بالحق واتفق قوله مع العقل والشرع. وفي ختام هذا نقول: إن كلام الفلاسفة، - سواء منهم: الوثنيون، أو المنتسبون للإسلام - عن الله تبارك وتعالى متناقض في حقيقته مع الضرورات العقلية والبدهيات، فبالتالي يمكن أن يعزى في أصله إلى واحد من أمرين: إما وساوس من الشيطان قلبت في رؤوسهم الموازين، فقالوا بالمتناقض الفاسد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 وإما مبادئ فاسدة وعقائد وثنية في رؤوسهم بنوا قولهم عليها، ولم يتبينوا فساد تلك المقالات لأن قلوبهم وعقولهم قد أشربت الضلالة فصارت منتكسة لا تستبين الصراط والنور والحق، والأخير في رأيي هو السبب المباشر لضلالهم وانحرافهم، ومن رأى ضلال البشر أدرك ذلك، فإنك ترى الرجل العاقل ذا النظر الثاقب والمعرفة الجيدة بأمور الدنيا، وقد يكون ذا رئاسة وزعامة لم يصل إليها إلا بحسن تدبيره وعلمه وعقله، ومع ذلك فتراه في آخر النهار يسجد لصنم أو يذهب إلى السوق ويشتري صنما ينظفه ويطيبه وينير الشموع له في البيت ثم يقدم له صنوف الخضوع والذلة والتعظيم والإجلال، وما ذلك لنقص في فهم، وإنما لما تشرب عقله ووجدانه وقلبه من عقيدة متعلقة بهذا الصنم، وقد يقبل في مقابل ذلك من الهذيان والقصص ما لا يروج على الأطفال لاستعداده لذلك، وهذا ما حدث لأولئك الفلاسفة الذين استخدموا عقولهم في أمور الدنيا، فلما ارتفعوا بنظرهم إلى الخالق لم يندرج معهم تحت مجال النظر والبحث والملاحظة ولا تحت القياس الشمولي، فرجعوا إلى عقائدهم يستلهمون منها المعاني التي يمكن أن توضح لهم المقالة في الله تبارك وتعالى إلا أن عقائدهم كانت وثنية، فأعطتهم مما فيها فخرجوا بهذه المقالات الساقطة والتخيلات الفاسدة - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. ثم إن الفلاسفة لم يتمكنوا من الانتباه إلى عور تلك المقولات وفسادها بسبب ما درجوا عليه مما هو أفسد منها من العقائد، فلهذا قالوا بها وأخذها عنهم أمثالهم الذين هم مثلهم في المرض فلم يدركوا عورها وفسادها، أو وجدوها أفضل ما يمكن أن يتوصلوا إليه أو أفضل مما هم عليه من الإلحاد فالتزموها، ثم عملت الشهرة وباقي مقولات الفلاسفة في الأمور الدنيوية في إضفاء الهالة على كلامهم حتى صاروا يقاسون لدى أتباعهم بالأنبياء أو يوصفون بأنهم عظماء البشرية وهداتها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 فهذا كله يبين أن مقولة الفلاسفة في الله تبارك وتعالى مبنية على عقائد وثنية، فكيف يليق بمن يدعي الإسلام أن يأخذ بتلك المقالات وهي متناقضة وعورها وفسادها بين لكل ذي عينين. المطلب الثاني: قولهم في إيجاد الكون. الفلاسفة والباطنيون لم يخرجوا عن قول الوثنيين في دعوى إيجاد الكون، وإنما أخذوا مقالة أشياخهم. أولاً: أهل الفلسفة المحضة. قول الكندي يرى الكندي: أن الفلك أو الجرم الأقصى مخلوق من العدم وهو جسم حي فاعل يسمع ويبصر وهو الذي يهب الحياة في الكائنات اضطراراً (1) . فقول الكندي هذا متفق فيه مع ما قال به أرسطو وأفلاطون من أن للكواكب حياة وتصرفاً وأنها التي تهب للكائنات الحياة، إلا أن الكندي هنا لم يفصل لنا ترتب إيجاد الكائنات، وهذا فيما يذكر "عبد الرحمن بدوي" يعود إلى فقد الجزء الثاني من كتابه ((الفلسفة الأولى)) ،وهو الذي يحوي قوله في هذه المسألة كما أنه خالف الفلاسفة الأوائل في قوله بأن الفلك الأقصى مخلوق من العدم (2) . قول الفارابي: الفارابي كما سبق عنه يرى أن الله -تعالى عن قولهم-:عقل وعاقل ومعقول، وهو عنده واحد من كل وجه، والواحد لا يصدر عنه إلا واحد (3) .فبناءً على هذا فعنده أن الأول، وهو الله تعالى صدر عنه وفاض عنه العقل الثاني، أو المسمى الموجود الثاني. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 وبسبب أن العقل الثاني يعقل الأول، ويعقل ذاته، أو بمعنى آخر فكر في الأول وهو الله تعالى وفكر في نفسه صدر عنه بسبب ذلك شيئان، أحدهما: العقل الثالث، وثانيهما: الفلك الأقصى بمبادته وصورته ونفسه، ثم العقل الثالث بسبب عقله للأول صدر عنه عقل رابع، وبسبب عقله لذاته صدر عنه الكواكب الثابتة بمادتها وصورتها ونفسها. وهذا الرابع صدر عنه بسبب عقله للأول، صدر عنه عقل خامس، وبسبب عقله لذاته صدر عنه زحل. وهكذا تصدر العقول والكواكب إلى آخرها العقل الحادي عشر، ويسمى العقل الفعال، وآخر الكواكب والأجرام السماوية القمر، ثم عنده تتكون الموجودات الأخرى من مواد مشتركة للأجرام السماوية، وبسبب دورانها واختلاطها تكونت العناصر الأربعة، وهي: الماء والهواء والتراب والنار، ثم من العناصر الأربعة تكون سائر الموجودات من حيوان ونبات ومعدن وغير ذلك. وعنده أن العقل الفعال، وهو آخر العقول هو الذي يتولى تدبر الأمور المتعلقة بتكون المخلوقات التي تحت فلك القمر (1) . قول ابن سينا: قال ابن سينا بما قال به الفارابي على تفاوت في التعبير والترتيب حيث يقول: إن الواحد الأول: وهو عنده الله تبارك وتعالى لم يصدر عنه إلا واحد فاض عنه فيضاً مبايناً لذاته وهو: العقل الأول، والعقل الأول: ليس مادة ولا صورة بل هو عقل محض، فهو يعقل الأول، ويعقل ذاته، ويعقل إمكان وجوده المندرج تحت تعقله لذاته، ويصدر عنه بسبب هذه التعقلات الثلاث ثلاثة أشياء: فعقله الأول يصدر عنه عقل تحته، وعقله لذاته: يصدر عنه صورة الفلك وهي النفس، وعقله لإمكان وجوده المندرج تحت تعقله لذاته: يصدر عنه جرم الفلك الأقصى، ثم يصدر عن كل واحدة من هذه: عقل ونفس وفلك بجرمه وصورته (2) إلى تمام العشرة عقول وأنفس وأفلاك يصدر كل واحد منها عمن قبله، فالعقل الثاني ومعه الفلك الأقصى ونفسه، ثم يصدر عنه العقل الثالث ومعه فلك الكواكب الثوابت ونفسها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 ثم العقل الرابع ومعه فلك زحل ونفسه. ثم العقل الخامس ومعه فلك المشتري ونفسه. ثم العقل السادس ومعه فلك المريخ ونفسه. ثم العقل السابع ومعه فلك الشمس ونفسها. ثم العقل الثامن ومعه فلك الزهرة ونفسها. ثم العقل التاسع ومعه فلك عطارد ونفسه. ثم العاشر وهو العقل الفعَّال ومعه فلك القمر ونفسه (1) وهو آخر الفيوض عنده وهو الذي يدبر أنفسنا (2) . ومن العقل الفعَّال: تفيض العناصر الأربعة، ومنها تتكون الأجسام وتتطور تلك الأجسام صعوداً من الجماد إلى النبات فالحيوان البهيم، فالإنسان (3) . وعنده أن علم الله بخلقه هو علمه بما صدر عنه وما عليه الوجود، وعنايته بالخلق هي ما جعل فيه من نظام الخير على الوجه الأبلغ (4) وليس معنى العناية عنده إكرام شخص دون شخص ولا تبديل في القوانين الطبيعية حباً بالبعض أو نصرة لبعض على بعض (5) . ثانياً: الباطنيون. قول الإسماعيلية في إيجاد الكون. الإسماعيلية الباطنية لما لم يثبتوا صفة ولا فعلاً بل ولا ذاتاً لله (كما فعل أشياخهم الفلاسفة، راحوا يخترعون الوسائط بين من يسمونه الموجود الأول ومُبْدَعِه، وهي أقوال مقتبسة من الفلاسفة الوثنيين مع تفاوت بينهم في تلك الأسماء المفتراة. فهذا الكرماني: يزعم أنه صدر عن المتعال بنفسه المُبْدَع الأول وهو: العقل الأول، وهو عين الإبداع وعين المبدع عين الوحدة وعين الواحد، وأن العقل الأول هو: الموجود الأول الذي لا يتقدمه شيء ولا يسبقه في الوجود سواه (6) ، وأنه واحد لا مثيل له، وأنه لا يعقل إلا ذاته (7) وأنه علة الموجودات كلها وهو المحرك الأول لجميع المتحركات (8) . وقد انبعث عن العقل الأول اثنان: أحدهما: العقل الثاني وعنه صدرت الملائكة والأرواح. ثانيهما: الهيولى والصورة أو ما يسمونه اللوح وعنه صدرت العناصر الأربعة والأجسام، ومن مجموع العقل الثاني والجواهر صدرت سائر الكواكب والإنسان وسائر المخلوقات الأخرى (9) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 كما ورد في إحدى رسائل الإسماعيلية: أن أول ما أوجد المبدِع من أمره العقل، فحصر في جوهره صور المبدَعات كلها كي لا يذهب منها شيء، وزعموا أن العقل يسمى القلم والعرش والأول والسابق والهيولى والشمس، ثم بعده النفس وهي صادرة عن الأول وتسمى اللوح والملك والتالي والقدر والصورة والقمر. ويقال لهما معاً الأصلان وذلك أن العقل والنفس مرجع الأشياء سواء أكان روحانياً أو جسمانياً (1) . وقال " الرفنة" في الكافية عن الإنسان: ((هو المولود المنتقى الروحاني الممكن الوجود عن الحدين العلويين اللذين هما والداه وهما: الإبداع الأول: العقل، والإبداع الثاني: النفس التي فاضت عنها الحدود الروحانية وقامت منها السموات والأرض وما فيهن على أحسن حال قال: {حملته كرهاً} الأحقاف (15) والحمل على الابتداء، لأنه في البداية كان صفراً من الإشراق، والأنوار العلوية {ووضعته كرهاً} الأحقاف (15) ، أي أظهرته إلى الوجود قبل أن تتصل به لمعات التأييد الخفية، وعلى وجه ثان ... لما تكاملت صورته الروحانية، أظهرته النفس بالقوة الإلهية)) (2) . فهذان الباطنيان يزعمان أن وجود الإنسان وكذلك سائر المخلوقات يعود إلى خالقين مبدعين وهما: العقل والنفس، ويستدل الأخير منهما بقول الله ( {حملته كرهاً ووضعته كرهاً} الأحقاف (15) .هكذا يزعم. وقال أصحاب رسائل إخوان الصفا: إن أول فيض، فاض من الله تبارك وتعالى بلا زمان ولا مكان ولا واسطة هو: العقل الفعَّال، وهو عندهم نور الله تبارك وتعالى وهو جوهر بسيط نوراني فيه صورة كل شيء وهو باق تام. ثم أوجد النفس الكلية بواسطة العقل وهي نور العقل وفيضه الذي فاض منه، وهي جوهرة بسيطة روحانية حية فعالة، وهي صورة من صور العقل الفعَّال، وهي باقية تامة غير كاملة. ثم أوجد الهيولى الأولى منه وهي ظل النفس وفيئه، وقد فاضت من النفس وهي جوهر روحاني باق غير تام ولا كامل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 ثم الصور المجردة، وهي النقوش والأصباغ والأشكال التي عمتها النفس في الهيولى (1) . هذا قول إخوان الصفا في الأمور التي يسمونها الروحانية. أما الأشياء الطبعية فعندهم أنها: أبدعت وأحدثت على التدريج عبر الدهور والأزمان، وذلك أن العقل الفعَّال كان يفيض على النفس الكلية الفضائل والخيرات، فلما امتلأت النفس من تلك الفضائل أخذها شبه المخاض فأقبلت تطلب ما تفيض عليه تلك الخيرات والفضائل وكان الهيولى الكلي أي الجسم المطلق فارغاً من الأشكال والصور والنقوش، فأقبلت النفس على الهيولى تميز الكثيف من اللطيف وتفيض عليه تلك الفضائل والخيرات، فخلق من ذلك الجسم عالم الأفلاك وأطباق السموات من لدن الفلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض، وركب الأفلاك بعضها في جوف بعض، وركز الكواكب مراكزها (2) ، ورُبطت به النفس الكلية من أعلى فلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض، وهي سارية في جميع أفلاكه وأركانه ومولداته، ومدبرة لها ومحركة (3) . قول الدروز: الدروز كإخوانهم الإسماعيلية في الكفر والإلحاد في دعوى وجود الله (وخلقه للعالم فهم يعتقدون أن الله تبارك وتعالى نور محض وهو معنى من زعم أنه لا صفة له ولا ذات، وأنه أوجد العقل الأول. وفي هذا يقولون: ((العقل الأرفع أو الكلي الذي هو المُبدَع الأول أُبْدِع من النور الشعشعاني المحض صورة صافية كاملة فتضمن في سره معنى ما كان وما يكون دفعة واحدة بدون زمان، فكان قوة كاملة وفعلاً تاماً وكان علة العلل وأصل الوجود وغايته معاً ... ثم قالوا: والعقل: هو فعل الإبداع وهو يصدر عن فيض تنزُّه الطاقة وكمالها بإمداد المهيمن له بالقوة التامة والنور الفائض. ولقد تعالى المهيمن عن إلزام المبدِع والمبدَع والإبداع، فالعقل هو الأمر من قبل ومن بعد، وقد نزل المبدَع الأول في تعقله وخلقه مضطراً بذلك بعد أن أفاض عليه المهيمن نوراً وقوة ... الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 ثم قالوا: وطالما أن العقل الأرفع يعقل المهيمن في انبثاقه من فيضه فلا يتميز عنه في جوهره ووحدته)) (1) . ثم بينوا أن هذا النور الذي هو العقل الأول انبثق عنه الظلمة فقالوا: وطالما أن العقل الأرفع يعي المهيمن في انبثاقه من فيضه فلا يتميز عنه في جوهره ووحدته فما كان لهذا العقل أن يفطن إلى وجود صورته، ولكنه ما لبث بحكمة غير مدركة أن تحول نظره إلى نفسه، فرآها دون نظير يشاكلها، فأعجب بها، والإعجاب إنفراد المبدَع بذاته عن الإبداع ولو فترة من التخلي، والالتفات إلى ما سوى النور المحض وغيبة عنه فولدت ظلمة الأنِّية في مقابلة النور الفائض المشرق من ذات الوجود وكان انبثاق الثنائية من الأحدية المحض نوراً وظلمة في البدء. فهذا بينوا به بروز ما سموه الظلمة من النور ثم شرحوا انبثاقاً آخر من العقل الأول فقالوا: ((ثم إن العقل الأرفع تنبه إلى منحنى هذا التحول فعاد ببصيرته إلى الجوهر الأول الذي تنزه عن فعل الخلق ووعي حقيقته كما هي صورة نوارنية في فيض نور المهيمن الأزلي فانبثق عنه بسبب التفاته إلى الجوهر الأول المقابل له وهو الظلمة)) . وهذا العقل -إن صح التعبير- انبثق عندهم منه: الغيبة عن وعي الوجود فصار ازدواجاً في الموجودات وهي: النور والظلمة، أو الوجود والغيبة عن وعي الوجود، وعنهما صدرت المخلوقات بسبب الحركة المتغيرة وفي هذا قالوا: ((وهكذا برزت في مقابل النور المحض الظلمة المحضة، وفي مقابل الوجود الأرفع الغيبة عن وعي الوجود الأول، فتم الإزدواج: نور وظلمة، وجود وغيبة عن وعي الوجود. وبانطلاق هذا الازدواج من عقاله حصل التكوين، إذ التكوين هو تولد دائم من وبين الازدواجات المتناقضة، فمن ذينك المتضادين النور والظلمة، أو الوجود والغيبة عن وعي الوجود، حصل التكوين المتحرك المتغير)) (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 فمن هذا تبين أن الدروز كمن تقدمهم من الفلاسفة الوثنيين يرون أن إيجاد الخلق يرجع إلى غير الله (وهو ما يسميه الفلاسفة النفس الكلية ثم عقول أو أرواح الكواكب. ويمكن هنا أن نلخص مقالة هؤلاء المتفلسفة الباطنية الضلال في إيجاد الكون على النحو التالي: أن الله تبارك وتعالى ليس له أي فعل ولا دور في فعل وخلق، وإنما صور الأشياء عنده منذ الأزل قديمة بقدمه، وأنه فاض منه العقل الأول، وهذا الفيض أزلي أيضاً، ثم العقل، أو ما يسميه الدروز النور فاض منه فيض آخر، وهو النفس، أو ما يسميه الدروز الظلمة، ومنهما صدرت المخلوقات، ووجدت بكيفيات يختلفون في تفصيلها، ويتفقون في أنهالم تخلق خلقاً مباشراً من قبل الله تعالى، وأنه تبارك وتعالى عن قولهم لا دور له في إيجادها، وإنما مصدرها الحقيقي العقل مع النفس أو النور مع الظلمة. ثانيا: الرد على الفلاسفة والباطنيين في كلامهم في إيجاد هذا الكون وخلقه: لا شك أن دعوى الفلاسفة والباطنيين في إيجاد الكون زندقة ووثنية ظاهرة واضحة وشرك في الربوبية، وهو قول لا ينتمي لا إلى عقل ولا شرع وإنما ينتمي إلى الوثنية اليونانية التي تتعبد للكواكب وتدعى لها أرواحاً وتصرفاً وتدبيراً، الذين لا يختلفون عن دعوى عباد الأصنام في أصنامهم من مشركي العرب والهنود ومن كان على شاكلتهم. ولا شك أن من العجب العجيب والأمر الغريب أن يترك هؤلاء الناس النور والحق الذي بين أيديهم ويذهبوا إلى مقالات ساقطة سافلة، ودعاوى كاذبة خاطئة، ووثنية جاهلة فاسدة، فقد اشتروا الضلالة بالهدى والنور والحق بالظلمة والكذب، فنسأل الله العافية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 وآيات التوحيد في القرآن سواء في الربوبية أو الألوهية هي رد عليهم وذلك مثل قوله ( {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} فاطر (3) ، {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل} الأنعام (102) ، {أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً إ إله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون} النمل (60-61) ، {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} الأعراف (54) . إلى غير ذلك من الآيات مما لا يحصى كثرة، وكفى بذلك حجة ووضوحاً لمن أراد الله هدايته. وبالإضافة إلى ذلك نقول: (1) 1 - إن الإقرار لله تعالى بالربوبية أمر عام في جل بني آدم، وبنو آدم لا يعرفون خالقاً إلا الله تعالى، ودعوى العقل والنفس الكلية والنور والظلمة، وما إلى ذلك من الدعاوى، ليس لها في نفوس البشر أي صدى ولا أثر، فما وجدنا أحداً من بني آدم يدعو في رخاء ولا شدة العقل أو النفس الكلية أو النور ولا غيرها، بل لا يدعو إلا الله تعالى، كما قال ( {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} العنكبوت (65) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 2- إن من نظر في الكون يجد انسجاماً تاماً واتساقاً عاماً، لا تضاد ولا تنافر، وإنما مخلوقات رتب خلقها وإيجادها وجميع شؤونها، بحيث تدل على موجد واحد، له صفات الكمال والجلال والحكمة والعلم. وهي في وجودها توحي بحكمة عامة وغاية عظيمة، فنرى فيها التكامل العجيب، فانظر الشمس والقمر والأرض، كيف رتب وجود كل منها ليخدم مهمة محددة بكيفية محددة، وانظر الزوجين الذكر والأنثى، وكيف خلقهما الله تعالى لتحقيق غاية ومهمة خاصة، يكمل كل واحد منهما الآخر. وقل مثل ذلك في الحيوانات والزروع والثمار، وما لا يحصي الإنسان من الدلائل والبراهين، التي لا يمكن بحال أن تنسب إلى اثنين فضلاً عن ثلاثة وأربعة، إلى غير ذلك من دعاوى أهل الضلالة والانحراف. وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى وضوح هذه النظرة ودلالتهاعلى أن الله واحد لا شريك له بقوله: {أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحن الله رب العرش عما يصفون. لايسئل عما يفعل وهم يسئلون. أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون} الأنبياء (21-24) . 3- إن الدعاوى التى ادعاها هؤلاء الفلاسفة، ومن كان قبلهم من الوثنيين هي دعاوى مبنية على النظر العقلي في قضية وأمر هو من الغيب الذي لا يمكن للإنسان الوصول إلى الحقيقة فيه بنظره وفكره فقط، لأنه حديث عما لم يقع تحت حواسنا ومداركنا، فهو حديث عما هو موغل في القدم الزماني، الذي لا يعلم مداه إلا الله تعالى، والله (يقول: {ماأشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا} الكهف (51) . فهم لم يشهدوا شيئاً من ذلك، فدعاويهم كلها على ذلك باطلة مردودة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 4- إن ما قاله الفلاسفة الوثنيين، وأخذ به الفلاسفة المقلدون من المنتسبين للإسلام مناقض ومعارض كل المعارضة لما ذكر الله تعالى في وحيه عن خلق الكون وإيجاده، ولا يستطيع أولئك ولا هؤلاء أن يقيموا دليلاً واحداً يثبتون به صحة دعاويهم، فضلاً عن أن يثبتوا بطلان ما ذكر الله تعالى عن خلق الكون وإيجاده. 5- إن الله تعالى لم يقبل من مشركي مكة إقرارهم بربوبيته، حتى يشهدوا أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وحكم عليهم بالكفر والخلود في النار، وهؤلاء المتفلسفة زادوا في الكفر والانحراف فوق كفر المشركين بمراحل، حيث أنكروا ربوبية الله تعالى والخلق والإيجاد إلى معان مفتراة مكذوبة. فعلى هذا حكمهم وحالهم ومقالهم أفسد، وأبعد في الضلالة من أبي جهل وأبي لهب وأبي بن خلف، وسائر مشركي مكة. 6- إن دعوى هؤلاء المتفلسفة لا يمكن بحال أن يوجد بها الكون، وذلك من عدة نواح: أ- إن دعواهم أن المثل أو الصور أو العقل أو النور قديمة أزلية باطل بداهة، لأن وجودها مرهون بوجود موجود أوجدها، فكل موجود لا بد أن يعود إلى موجد، وإلا لزم التسلسل، وهو باطل. فلهذا إثبات أن الله هو الموجود الأول الذي لا بداية لوجوده، وأن ما سواه مخلوق ضرورة، هو الذي به يتحقق إثبات وجود الكون. ب- أن العقل الأول، وغيره من المسميات التي يدعيها الفلاسفة لا يمكن بحال أن يوجد عنها ما يسمونه النفس أو الأرواح، لأنها إن كانت من جنس العقل الأول، فقد نتج عندنا تكرار من الصنف نفسه، وإن كانت من غير جنسه فهي دعوى باطلة يرفضها الواقع، لأن العقل الأول عندهم ذو صفة واحدة وكيفية واحدة، وهي العقل أو النور، فكيف ينتج عنه ما هو خلاف جنسه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 ج- أن العقل الأول معنى من المعاني يدل عليه اسمه: "عقل"، وهو أشبه ما يكون في دعواهم بالفكر أو الخيال، وهذا شيء لا وجود له ذاتي، وإنما هو موجود ذهني قائم بالنسبة لنا بالعقل المركب في أجسادنا. فادعاء أنه صدر عنه النفس أو الظلمة أو أرواح الكواكب دعوى مرفوضة عقلاً، لأنه لا وجود له بنفسه في الخارج، فكيف يوجد ما له وجود خارجي مستقل. فهذا مرفوض عقلاً، كما لو قلنا: إن أحداً من الناس تخيل خيال طائرة، ثم الطائرة التي تخيلها بذهنه أنتجت حصاناً محسوساً، فلو قال قائل ذلك، لقيل له: هذا كذب وجنون. فلو قال قائل: إن ما يتعلق بالعقل الأول، أو العقل الفعال أو نحوه، يختلف عما عليه الإنسان، لقلنا له ومن أخبرك بذلك؟ هل اطلعتم على تكوين العقل الأول ومادته وفعله، أم تخرصون وتخبطون؟ لا شك أنهم يخرصون ويخبطون. د- أن ما نسبوا إليه إيجاد الكون والمخلوقات هي أشياء عاجزة تماماً، فإن العقل الأول أو النفس أو مجموعهما أمور معنوية عاجزة، يدل على عجزها في دعواهم أنه لم يصدر عن كل واحدة منها إلا شيء واحد، أو شيئان أو ثلاثة أشياء، وهذا دليل عجزها وضعفها. وإذا نظرنا إلى الكون والمخلوقات الموجودة فيه، فإنها أقوى وأقدر بكثير مما زعموا أنه أصلها ومادتها. فالشمس تنتج ما لايحصى من الأنواع العديدة من أجناس الأشعة وأصناف أخرى محسوسة كالنور والحرارة. والأرض تنتج ما لايحصى من المكونات والنباتات والمواد الكثيرة المتنوعة، التي تتكون منها، والتي تصدر عنها، فإذا كان هذا في المخلوقات، فمعنى ذلك هي أعظم من موجدها فيما يزعمون. هـ - إن المخلوقات مكونة من شيئين: روح ومادة، أما الروح فلا نعلم كنهها ومادتها، أما المادة الموجودة في المخلوقات التي تحيط بنا، فإن لها مكونات لا نكاد نحصيها كثرة، من تراب وماء وهواء ونور ونار وخشب ومعادن وحيوانات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 لها تكوين آخر تتكون منه، مثل: الدم والعصب والعظم، وكل نوع من هذه الأنواع مكون من مكونات عديدة كثيرة، لا يعلم احصاءها إلا الذي خلقها. فكيف أمكن لما يسمونه العقل أو النفس أو هما معاً أن يوجدا تلك المكونات العديدة المتنوعة، وهما فاقدان لها، وكيف أمكن لهما أن يوائما بينها تلك المواءمة العجيبة، التي تدل على علم وحكمة متناهية لا يمكن أن تعزى إلى أمور معنوية لا حقيقة لها خارج الأذهان، وهوما يسمونه العقل أو النفس. كما أنه لا يمكن لهما بحال أن يرعيا تلك المواد ويحققا لوجودها هذا الأثر العظيم الذي نراه في أنفسنا، وفيما حولنا من المخلوقات على هذه الأرض. فبعد وجود المواد لا بد لها من الرعاية والعناية، وإلا فإنه لا يمكن لها الاستمرار وتحقيق النتائج الباهرة من وجودها، فإن الرجل مثلاً، وكذلك سائر ذكور الحيوانات تضع نطفها في أرحام الإناث. ثم إن النطف بالأرحام تتخلق، وتتكون بطريقة خارجة عن إرادتها وتدبيرها يقيناً، لأنها فاقدة للإرادة والتدبير، حتى يتم خلقها وتكوينها وخروجها من أرحام أمهاتها مخلوقات جديدة تبدأ بها دورة جديدة للحياة. فهل يمكن لما يدعون من العقل أو النفس، أو هما معاً أن تؤدي دوراً كهذا؟ لا شك أن ذلك لا يمكن بداهة، لأن كليهما فاقد للقدرة، التي يمكن أن يتحقق بها شيء من ذلك، فهما أمران معنويان. ولا شك أن وراء ذلك خالق عظيم، ومدبر عليم حكيم، له كل صفات الكمال والجلال، ولا بد أن يعزى إليه القدرة التامة على إيجاد كل موجود وتدبيره، وتنظيم شؤون خلقه، وأن له القدرة المطلقة على إيجاد الأشياء من العدم المحض وتدبيرها والتصرف فيها، ليتكون منها هذه النتائج الباهرة في هذا الكون. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 إن كل من نظر إلى جهاز الحاسب الآلي، وأجال النظر فيه تيقن ببساطة من أن له صانعاً ذا قدرات متعددة، وإمكانات عقلية وعلمية، حتى تمكن من إيجاد آلة لها قدرة على القيام بأعمال حسابية وعلمية متعددة، وإن كل إنسان يزعم أن ذلك لا صانع له فهو إنسان مجنون لا عقل له، وكذلك كل من يزعم أن صانع الحاسب الآلي هو ذلك الجدار أو الجبل، أو ذلك الحيوان البهيم، فحكمه حكم من زعم أنه وجد من غير صانع. فإذا كان هذا الحكم في جهاز بسيط من مصنوعات بني آدم، فلا شك أن أمر الكون أعظم وأعظم، وأن دلالته على خالق عظيم خلقه بمشيئته وإرادته في الوقت الذي يشاء على الكيفية التي يشاء ألزم وأوجب. وبه يتبين أن قول هؤلاء المتفلسفة باطل بداهة وهو لا يمث بصفة إلى العقل الذي يزعمون أنهم أربابه والملتزمون بأحكامه ولا يمت إلى الشرع الذي يزعمون أنهم ينتسبون إليه ويؤيدونه بدلالتهم العقلية، وأن قولهم لا يخرج عن الخرص والظن الباطل أرادوا إتباعه غروراً وهوى. المبحث الثاني: قول فلاسفة الصوفية أصحاب وحدة الوجود تمهيد: التعريف بالصوفية قبل أن نذكر قول فلاسفة الصوفية نعرف بالصوفية تعريفاً موجزاً فنقول: الصوفية مذهب من المذاهب المبتدعة بني في أصله على الزهد، وغلا فيه المنتسبون إليه، واتسع على أهله الخرق، ونأى به الانحراف إلى بدع ضالة تصل عند بعضهم إلى الكفر والخروج عن دين الاسلام كما سيتبين. والصوفية لغة: اختلف كلام الناس في بيان اشتقاقها: وأقرب ما يكون اشتقاق كلمة الصوفية من الصوف،وهو ما يكون في الضأن ويقوم مقام الشعر في المعز. ولبس الصوف هو مما يتميز به الصوفية في الأصل لأنه يشعرهم بالزهد والتخلي عن ناعم الثياب إلى خشنها (1) . الصوفية اصطلاحاً: يختلف الصوفية في بيان مذهبهم إلى أقوال وتعريفات كثيرة مثل: قول الجنيد (2) : التصوف هو أن يميتك الحق عنك ويحييك به. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 وقال الحسين بن منصور (1) وقد سئل عن الصوفي فقال: هو وحداني الذات لا يقبله أحد ولا يقبل أحداً. وقال أبو سهل الصعلوكي (2) : التصوف الإعراض عن الاعتراض (3) . إلى غير ذلك من الأقوال. وهذه التعريفات السابقة تنبئ عن وجه من أوجه التصوف، إلا أنا إذا نظرنا إلى التصوف بمنظار أشمل يعم كثيراً من السابقين واللاحقين، فيمكن أن نقول عنه: إن التصوف هو: مذهب أوله الابتداع في الزهد والمجاهدة والأذكار ثم غلا بعض المنتسبين إليه،حتى صار غايته عندهم الحلول ووحدة الوجود. نشأة الصوفية وتطورها: إن ظاهر ما يقوم عليه التصوف هو الزهد وترك الدنيا هذا ظاهر أمر الصوفية وأصله، والزهد في الدنيا وإيثار الآخرة مطلوب شرعاً إلا أن الطريقة فيه مسنونة من قبل النبي (، فقد كان أكمل الزهاد وأعظمهم، ومن بعده أصحابه رضوان الله عليهم، ولا يتنافى مع الزهد المشروع أكل الطيبات وكسب الطيبات لأن الزهد المشروع هو: عدم الحرص على الدنيا والتنافس فيها وتقديمها على الآخرة بل اعتبارها مزرعة للآخرة، فيأخذ العبد منها ما يعينه على العبادة ويقربه من ربه (مع عدم اشغالها للعبد عن العبادة، ومع عدم دخولها قلبه، وعدم التفريط في الواجب من أجلها، بل يسعى في تحصيلها لينفقها في سبل الخير ومرضات الله (، ويتخذها مطية إلى أرفع الدرجات في الآخرة وقد قال عليه الصلاة والسلام كما روى البخاري عن ابن مسعود (مرفوعاً: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلط على هلكته بالحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) (4) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 وروى أبو نضرة (1) قال، قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر. قال: أتيت عمر بن الخطاب وقد أعطيت منطقاً، فأخذت في الدنيا فصغرتها، فتركتها لا تسوى شيئاً، وإلى جنبه رجل أبيض الرأس واللحية والثياب، فقال: كل قولك مقارب إلا وقوعك في الدنيا، هل تدري ما الدنيا؟ فيها بلاغنا، أو قال: زادنا إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها. قلت:من هذا ياأمير المؤمنين؟ قال: هذا سيد المسلمين أبي بن كعب" (2) . فما كان أصحاب رسول الله (يذمون من الدنيا إلا ما كان منها ملهياً عن طاعة الله أو وسيلة إلى ذلك. وعليه فالزهد المشروع والصحيح هو الوسط الذي كان نبي الله (عليه وأصحابه. كما أن العبادة المشروعة هي ما كان عليه نبي الله (وجاء بها الإسلام. وكل ما تعدى حدود المشروع سواء كان في الإفراط في الشيء وذلك بالإكثار منه والتعمق فيه زيادة على المشروع فهو مذموم، أو كان في التفريط بالشيء وذلك بتضييع الأمر وعدم مراعاة حدوده الشرعية فهو مذموم أيضاً، وكلما زاد الانحراف والتعدي زاد الذم والبطلان. وقد وقع من بعض المسلمين بعد عصر الصحابة تشدد في الدين وتزهد غير مشروع، وعبادة وتبتل غير مشروع رغبة في الوصول إلى رضوان الله (وكان أكثر ذلك في البصرة التي اشتهرت بكثرة العباد والزهاد. وقد قسم شيخ الإسلام الصوفية إلى ثلاثة أصناف وذلك باعتبار انتمائهم إلى المذهب الصوفي وهي: صوفية الحقائق: وهم الذين كانوا أهل صدق في الزهد وكثرة العبادة والمجاهدة من المتقدمين منهم كما سيأتي الإشارة إليهم. صوفية الأرزاق: وهم الذين وقفت عليهم الوقوف ولزموا تلك الخوانك وكانوا أهل استقامة والتزام بالآداب الشرعية. صوفية الرسم: وهم المقتصرون على النسبة،فهمهم اللباس والآداب الوضعية،فهؤلاء لهم من النسبة الاسم فقط (3) . ويمكن أن نقسم التصوف باعتبار ما مر به من مراحل إلى ثلاث مراحل: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 المرحلة الأولى: مرحلة المجاهدة للطبع والرياضات والنفسية وتعذيب النفس بغية الوصول إلى صفاء الروح والنفس،وعلى هذا جمع من المتقدمين ممن يروى عنهم ذلك، مثل: السري السقطي (1) ، والجنيد، وسهل التستري (2) وغيرهم. المرحلة الثانية: مرحلة المصطلحات الغامضة والألفاظ الغريبة مثل: جمع الجمع، والمحاضرة والمكاشفة، والمشاهدة ونحو ذلك،مما يحمل معاني يمكن تفسيرها حقاً وباطلاً. المرحلة الثالثة: القول بالحلول ووحدة الوجود (3) . إن أكثر ألفاظ الصوفية وأحوالهم التي يسعون إلى التحلي بها والوصول إليها تدور حول فناء النفس بالذات الإلهية إما تصوراً أو حقيقة فيما يزعمون، وهي أحوال مبتدعة لم يسع إليها الرسول (ولا أصحابه من بعده. وأقرب ما تكون تلبيسات شيطانية وتغريرات إبليسية، ولأنها باطلة ومبتدعة فإنها قادت إلى ما هو أشد انحرافاً وخطورة وهو ما آل إليه حال كثير من ضلال الصوفية في القرون المتأخرة وهو القول بالحلول أو الاتحاد أو وحدة الوجود. والمراد بالحلول أن الله (وتعالى عن قول الظالمين يكون حل فيهم فصار الشخص منهم مكاناً لله تعالى. وممن يعزى إليه القول بالحلول الحسين بن منصور الحلاج الذي قتل في بغداد على الزندقة سنة 309هـ فقد نسب إليه قول: سر سنا لاهوته الثاقب سبحان من أظهر ناسوته في صورة الآكل والشارب ثم بدا في خلقه ظاهراً كلحظة الحاجب بالحاجب (4) حتى لقد عاينه خلقه أما الاتحاد فهو اتحاد المخلوق بالخالق، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. ومن جنس ذلك ما يعزى إلى أبي يزيد البسطامي أنه قال: ((رفعني مرة فأقامني بين يديه وقال لي: يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن يروك فقلت: زيني بوحدانيتك وألبسني إنيتك وارفعني إلى أحديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك، فتكون أنت ذاك ولا أكون أنا هنا)) (5) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 أما وحدة الوجود فتعني أن الله تعالى عن قولهم هو هذا الوجود من حولنا، وأن كل واحد من المخلوقات مظهر من مظاهر ذلك الوجود كما سيأتي. وكان من أكبر من أظهر هذ الزندقة محيي الدين بن عربي الحاتمي الطائي (1) الذي قال في كتابه الفتوحات المكية: الرب حق والعبد حق ياليت شعري من المكلف إن قلت عبد فذاك رب أو قلت رب فأنى يكلف ومن تلامذته الزنديق الآخر عمر بن علي الحموي المصري (2) الملقب بابن الفارض وهو صاحب التائية المشهورة، ومنها قوله: وأ شهد أنها لي صلت لها صلاتي بالمقام أقيمها حقيقة الجمع في كل سجدة كلانا مصل عا بد سا جد إلى صلاتي لغيري في أدا كل ركعة وما كان لي صلى سواي فلم تكن ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت وما زلت إياها وإياي لم تزل وذاتي بذاتي إذا تحلت تجلت (3) ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها فهذا الكفر والزندقة هو الذي آل إليه أمر بعض كبارالصوفية المتأخرين، وهو كفر ظاهر، بل هو أشد كفراً من كفر اليهود والنصارى. وتجد بعض الصوفية الذين يمجدون ابن عربي وابن الفارض وغيرهم، وقد يرددون كلامهم، إذا خشي من الناس فإنه سيعتذر عنهم بأنهم لم يقصدوا ما قالوا. ونحن نقول: لئن لم يكن ذلك القول وتلك التصورات كفراً فلا يوجد في الدنيا في الحقيقة كفر، لأن هؤلاء قد نطقوا بما هو أشد من كفر اليهود والنصارى والمشركين، وكثير من الكتاب يشير إلى أن وحدة الوجود هي غاية أكثر المتصوفة التي يسعون إليها، ويرمزون للحديث عنها بألفاظ تشكل على من كان من غير طريقتهم ومنهجهم، وأن مقصدهم في جميع رياضاتهم الوصول إلى هذه الغاية وهي وحدة الوجود أو وحدة الشهود (4) . ونرى ابن الفارض الذي يسميه الصوفية العاشق الإلهي يخاطب في أبياته السابقة الذات الإلهية خطاب الأنثى،ومثله شيخه ابن عربي في هذا الانحلال والزندقة،فيقول أخزاه الله بعد فلسفة فارغة في ظهور الله (بشكل المرأة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 ((فشهوده -يقصد النبي (- للحق -يقصد الله (- (1) في المرأة أتم وأكمل لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل ... فشهود الحق في النساء أعظم الشهود وأكمله، وأعظم الوصلة النكاح)) (2) . فهذا الشيخ الضال المضل المفتون يسميه الصوفية: الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر، والقطب والغوث، وما إلى ذلك من الألقاب ويكفى في بيان انحرافه وكفره ما ذكرنا عنه وصدق الله القائل {إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً لعنه الله وقال لاتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً} النساء (117-119) . وقد أطلت في بيان هذه المرحلة لارتباطها بموضوعنا. المطلب الأول: قول فلاسفة الصوفية في وجود الله (وصفاته لم يختلف قول فلاسفة الصوفية عن شيوخهم من الفلاسفة الوثنيين. وإليك أقوال بعضهم: يزعم ابن عربي الحاتمي الطائي أن الله واحد لا صفة له ولا اسم، وإنما له وجود مطلق وليس له صفة سوى الأحدية. وفي هذا يقول في كتابه الفصوص: ((أما الأحدية الإلهية فما لواحد فيها قدم لأنه لا يقال لواحد منها شيء ولآخر منها شيء لأنها لا تقبل التبعيض فأحديته مجموع كله بالقوة)) (3) . ويقول في موضع آخر: ((فمن حيث هوية الحق هو وجوده)) (4) . وقال: ((وقد كان أحدي العين من حيث ذاته كالجوهر الهيولاني أحدي العين من حيث ذاته)) (5) . وقال في كتابه ((عنقا مغرب)) : ((إن معرفة الياقوت الأحمر أن لا يعرف ولا يحد ولا يوصف)) (6) . وقال أيضاً: ((فغاية معرفتنا أنه موجود وأنه الخالق والمعبود، وأنه السيد الصمد المنزه عن الصاحبة والولد، وهذا كله راجع إلى التنزيه وسلب التشبيه فتعالى أن تعرف منه صفات الإثبات، وجل أن تدرك كنه جلاله المحدثات)) (7) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 ومثله قال ابن سبعين (1) : ((إن الخالق والمخلوق هو مجموع المادة والصورة وأن ما يخص الخالق تبارك وتعالى من ذلك هو المادة وأنه بدون الصورة لا صفة له وفي هذا يقول: ((وللمتصور من حيث هو لا من جهتها -أي بدون الصورة- لا وصف ولا نعت ولا اسم ولا رسم ولا حد وإن كان له شيء من ذلك كله ولكن بأول مرتبة صورية إطلاقية فله الاطلاقات الأحدية)) (2) . ومثله عبد الغني النابلسي (3) حيث قال في شرحه لكتاب محمد بن فضل الله الهندي (4) التحفة المرسلة في علم حقيقة الشريعة المحمدية: ((إن الحق (هو الوجود المحض عن قيوم الماهيات كلها المحسوسات والمعقولات وليس له تعالى ماهية أصلاً غير الوجود المحض. ثم قال: إن ذلك الوجود المحض ليس له شكل أي صورة محسوسة أو معقولة ولا حدَّ، أي مقدار)) (5) . فهذه الأقوال المتناقضة والمتهافتة في وصف الله تبارك وتعالى هي دعوى من سبقهم من الفلاسفة الوثنيين في عدم وصف الله تبارك وتعالى بشيء من الصفات الثبوتية، إلا أن هؤلاء الضلال اختلفوا عن أشياخهم السابقين بزعمهم أن الله تبارك وتعالى هو المادة أو الجوهر بدون صورته، وزادوا على هذا الضلال أن تلك المادة والجوهر لا صفة لها البتة ولا اسم ولا رسم. وهذا الكلام مضمونه لا عقل ولا شرع، فالمادة لا بد لها من الصفة والاسم والرسم وإلا لم تكن مادة. وفلاسفة الصوفية مسبوقون بهذا الضلال حيث أخذوا ذلك عن ملاحدة الفلاسفة الذين ينفون وجود الخالق ويثبتون المادة فقط،ثم أضافوا إليه قول الفلاسفة المؤلهة (6) ، وركبوا من مجموع ذلك كله قولاً واحداً،وهو أن المادة هي الإله وأنها لا صفة لها ولا رسم ولا حد، فجمعوا ولفقوا قولاً من المقالتين الفاسدتين الضالتين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 ويكفي حكاية هذه الأقوال عن ردها وبيان بطلانها إذ حكايتها كاشفة لتهافتها وسخافتها وأنها مقالة مجردة عن العقل والدين، وليس فيها إلا ترديد مقالة الوثنيين بدون أن يكون هناك عقل يميز أو دين يهدي ويرشد. المطلب الثاني: قول فلاسفة الصوفية في إيجاد الكائنات. لم يختلف قول ابن عربي واخوانه من فلاسفة الصوفية عن أسلافهم من الفلاسفة الوثنيين بشيء سوى أنهم أضفوا عليها أسماءً قد تكون إسلامية تمويهاً وتلبيساً فهو يزعم أن الله تعالى هو هذا الوجود كله وأنه ظهر في شكل هذه المخلوقات العلوية والسفلية، ويزعم أن الوجود تقاسمته أسماء الله (وأعظم هذه الأسماء هو الحقيقة المحمدية التي هي عنده عبارة عن مجموعة من الأسماء الإلهية وهي حسب كلامه: الرحمن الرحيم العظيم الخبير العلي الكريم الحميد (1) . فأنشأ أولاً من هذه المجموعة من الأسماء ما سماه ابن عربي سيدنا محمد حيث يقول: ((وأول النشئ نشأ سيدنا محمد (على أكمل وجه وأبدع نظام بحر اللؤلؤ والمرجان المودع في العالم الأكبر والإنسان، ولما تعلقت إرادة الحق سبحانه يإيجاد خلقه وتقدير رزقه برزت الحقيقة المحمدية من الأنوار الصمدية في الحضرة الإلهية وذلك عندما تجلى لنفسه بنفسه من سماء الأوصاف ... ثم قال: فكمن فيه كمون تنزيه ودخل جوده في حضرة علمه فوجد الحقيقة المحمدية على صورة حكمه، فسلخها من ليل غيبه فكانت نهاراً وفجرها عيوناً وأنهاراً، ثم سلخ العالم منها فكانت سما عليهم مدرارا وذلك أنه سبحانه اقتطع من نور غيبه قطعة لم تكن متصلة فتكون عنه عند التقاطع منفصلة (2) ... ثم قال: ولما اقتطع القطعة المذكورة مضاهية للصورة أنشأ منها محمداً (على النشأة التي تنجلي أعلامها ولا يظهر من صفاته إلا أحكامها ثم انقطع العالم كله تفصيلاً على تلك الصورة وأقامه متفرقاً على غير تلك النشأة المذكورة)) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 هذا قوله في انشاء الصور، ثم ذكر بعد ذلك إنشاء العالم المحسوس من الحقيقة المحمدية أولاً: الماء ثم الأرواح ثم العرش ثم الكرسي ثم أرواح الكواكب ثم العناصر الأولى للكون وهي التراب والهواء والنار ثم أنشأ السموات والأرض من العناصر الأربعة)) (1) . ومثله في الضلالة عبد الغني النابلسي حيث جعل لوجود الله سبع مراتب ناقلاً ذلك عن عبد الكريم الجيلي (2) وهذه المراتب هي: الأولى: مرتبة اللاتعين وذلك أنه وجود منزه عن النعوت والصفات وتسمى الأحدية. الثانية: مرتبة التعين الأول ويعني ذلك علمه سبحانه بنفسه على سبيل الإجمال وتسمى مرتبة الوحدة وتسمى أيضاً الحقيقة المحمدية. الثالثة: مرتبة التعين الثاني ويعني بذلك علمه بذاته وصفاته تفصيلاً وتسمى مرتبة الواحدية وتسمى الحقيقة الإنسانية، فهذه المراتب كلها قديمة أزلية. الرابعة: مرتبة الأرواح. الخامسة: مرتبة عالم المثال ويعني صور الأشياء التي ستوجد وهي في الخيال. السادسة: مرتبة عالم الأجسام المؤلفة من العناصر الأربعة: النار والهواء والماء والتراب. السابعة: الجامعة لجميع المراتب وهي: الجسمانية وهي: مرتبة التجلي والانكشاف الإلهي الأخير وهو الإنسان المطلق أو الإنسان الكامل (3) . فهذه الأقوال كلها مبنية على قول الفلاسفة الوثنيين وهي خلط لقول الفلاسفة المؤلهة مع قول الفلاسفة أصحاب وحدة الوجود مع خلط ذلك بمسميات واردة في الشرع، مثل: محمد (والعرش والكرسي. فإن وصف الله (بالوجود المطلق هذا هو غاية ما أثبته الفلاسفة، كما أن ادعاء التعين في الخيال أو المثال هو عالم المثل عند أفلاطون، ثم دعوى الحقيقة المحمدية المشابهة للوجود المطلق هي دعوى الفلاسفة المؤلهة بالنفس الكلية المشابهة للأول. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 وكذلك دعوى انبثاق الوجود من الحقيقة المحمدية هي دعوى أولئك انبثاق الوجود من النفس الكلية على الترتيب نفسه: الأرواح ثم العناصر. تشابهت قلوبهم وأقوالهم فحذو حذوهم حذو القذة بالقذة. المطلب الثالث: قول فلاسفة الصوفية في وحدة الوجود. الصوفية وخاصة ابن عربي ومن تأثر بقوله بنوا على دعواهم في الوجود المطلق لله (الذي هو عندهم لا صفة له ولا حد دعوى وحدة الوجود وهي دعوى بطنَّها وسترها ابن عربي في كتابه ((عنقا مغرب)) ولكنه صرح بها في كتابه ((فصوص الحكم)) وصرح بها من جاء بعده. فيقول ابن عربي في كتابه ((عنقا مغرب)) أثناء تخيله لمحاورة خرافية بين أسماء الله (يبدو منها رغبة الأسماء في ظهور حقائقها وبروز أعيانها بالذوات وفي هذا يقول: ((فوزعت الأسماء (1) كلها مملكة العبد الإنساني على هذا الحد الرباني،وتفاخرت في الحضرة الإلهية الذاتية بحقائقها، وبينت حكم مسالكها وطرائقها،وتعجلوا في وجود الكون رغبة في أن يظهر لهم عين (2) فلجؤا إلى الاسم المريد الموقوف عليه تخصيص الوجود، وقالوا:سألناك بهذه الحضرة التي جمعتنا والدار التي تسلمتنا إلا ما علقت نفسك بهذا الوجود المنتظر فأردته، وأنت يا قادر سألتك بذلك إلا ما أوجدته ... إلى أن قال: فتوقف الأمر على جميع الأسماء وأن بجملتها وجود عالم الأرض والسماء وما بينهما إلى مقام الاستواء ... إلى أن قال: فعندها (3) وقع هذا الكلام الأنفس في هذا الجمع الكريم الأقدس تعطشت الأسماء إلى ظهور أثارها في الوجود ولا سيما الاسم المعبود)) (4) . فابن عربي يزعم في هذا الكلام الخرافي:أن الوجود هو مظهر عين أسماء الله، فإنها لم يكن لها وجود ذاتي إلا بهذا الوجود المحسوس، وقد صرح عن مذهبه هذا أكثر في كتابه ((الفصوص)) فقال: ((فما في الوجود مثلٌ، فما في الوجود ضد، فإن الوجود حقيقة واحدة والشيء لا يضاد نفسه (5) . فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 فما ثم موصول وما ثم بائن بذا جاء برهان العيان فما أرى بعيني إلا عينه إذ أعاين وقال: فهو هو لا غيره فكل ما تدركه فهو وجود الحق في أعيان الممكنات، فمن حيث هوية الحق فهو وجوده، ومن حيث اختلاف الصور فيه هو أعيان الممكنات، فكما لا يزول باختلاف الصور اسم الظل كذلك لا يزول باختلاف الصور اسم العالم أو اسم سوى الحق، فمن حيث أحدية كونه ظلاً هو الحق،لأنه الواحد الأحد، ومن حيث كثرة الصور هو العالم،فتفطن وتحقق ما أوضحته لك، وإذا كان الأمر على ما ذكرته لك، فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي، وهذا معنى الخيال أي خيل لك أنه أمر زائد قائم بنفسه خارج عن الحق وليس الأمر كذلك في نفس الأمر ... لأنه يستحيل على الشيء الإنفكاك عن ذاته)) (1) . وقال أيضاً عن مراتب الوجود: ((فإن الوجود منه أزلي وغير أزلي وهو الحادث، فالأزلي وجود الحق لنفسه وغير الأزلي وجود الحق بصورة العالم الثابت، فيسمى حدوثاً لأنه ظهر بعضه لبعضه، وظهر لنفسه بصور العالم، فكمل الوجود، فكانت حركة العالم حبيَّة للكمال فافهم، ألا تراه كيف نفس عن الأسماء الإلهية ما كانت تجده من عدم ظهور آثارها في عين مسمى العالم فكانت الراحة محبوبة له ولم يوصل إليها إلا بالوجود الصوري الأعلى والأسفل فثبت أن الحركة كانت للحب)) (2) . ومثل ابن عربي قال تلميذه وربيبه محمد بن إسحاق القونوي (3) حيث زعم أن الحق هو الوجود المطلق، والفرق بينه وبين الخلق من جهة التعيين فإذا عين كان خلقاً، وإذا أطلق الوجود كان حقاً (4) . ومثله قال التلمساني (5) حيث يجعل الوجود هو الصورة بكثرتها وتنوعها، ولكنه يزعم: أن الصورة لها اسم من حيث هي صورة في متصور قائم بذاته وهي قائمة به وللمتصور من حيث هو موصوف بها اسم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 ويقصد بالصورة المخلوقات، والمتصور هو الله تعالى الله عن قولهم، ويجعل هذا المتصور من حيث هو بدون الصورة ليس قابلاً لشيء من الصفات وفي هذا يقول: ((وللمتصور من حيث هو لا من جهتها لا وصف ولا نعت ولا اسم ولا رسم ولا حد)) . وهو يزعم أن لا انفكاك للصورة عن المتصور حيث يقول: ((ولم يصح الإخبار عن مطلق الصورة إلا ومطلق المتصور ضمناً، ولا عن محيط المتصور إلا والصورة ضمناً، فالمتصور بالصورة يسمى بظاهر الصورة: ظاهراً، وبباطنها: باطناً، ويحكم عليه بكل حكم قبلته الصورة من إطلاق وحصر وغيبة وحضور وأحدية وكثرة وجمع وتفرقة وسذاجة ولون وحركة وسكون إلى ما لا ينضبط كثرة من الأسماء والصفات ... وللمتصور من حيث هو لا من جهتها لا وصف ولا نعت ولا اسم ولا رسم ولا حد)) ، ثم ذكر أن المنظور يحكم له حسب المخاطب به خالق أو مخلوق، وفي هذا يقول: ((فإن كان الكثرة والتعدد وأخواتها فاعلم: أن المخاطب به هو الصورة، والخلق يتصورها وصفاً وإن غلبت الوحدة وأخواتها فالمخاطب بذلك المتصور الحق ... ثم قال: فالوجود واحد وهو القائم بجميع الصور غير الخالي عنها على التعاقب، والصور هي الهالكة دوماً المتعاقبة دواماً كائنة فانية شاهدة غائبة قديمة حديثة موجودة معدومة)) (1) . ومثله الزنديق الآخر ابن الفارض حيث يقول في تائيته: ولا فلك إلا من نور باطني به ملك يَهدي الهدى بمشيئتي ولا قَطْر إلا حل من فيض ظاهري به قطرة عنها السحائب سحت ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن شهود ولم تعهد عهود بذمة فلا حي إلا من حياتي حياته وطوع مرادي كل نفس مريدة وكل الجهات الست نحوي توجهت بما تم من نسك وحج وعمرة لها صلواتي بالمقام أقيمها وأشهد فيها أنها لي صلت أو كلانا مصل عابد وساجد إلى حقيقة الجمع في كل سجدة (2) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 ولا شك أن هذا الزنديق قد فاق إبليس جرأة، وتفوق على فرعون طغياناً وكفراً، فقد صرح بما لم يصرح به إبليس، وتبجح بما لم يتبجح بمثله فرعون. والعجب ليس من الكافر أن يصرح بالكفر فإن الإنسان ظلوم كفور، ولكن العجب كل العجب ممن يعتقد صلاح هؤلاء الزنادقة أو ولايتهم أو أنهم يحبون الله أو يعظمونه فإن المسلم لا يتمالك نفسه حين يسمع مثل هذا من أن يقول: سبحانك هذا بهتان عظيم. ومثله في الضلالة من يُسمى ابن عامر (1) حيث يقول: نظرت فلم أبصر سوى محض وحدة بغير شريك قد تغطت بكثرة تكثرت الأشياء والكل واحد صفات وذات ضمناً في هوية فأنت أنا لا بل أنا أنت وحدة منزهة عن كل غير وشركة (2) ومثلهم قال عبد الغني النابلسي حيث يقول في شرحه لكتاب ((التحفة المرسلة في علم حقيقة الشريعة المحمدية)) : ((واعلموا أيضاً (أن ذلك الوجود) المحض الذي هو الحق تعالى هو (حقيقة جميع الموجودات) أي الماهيات المحسوسة والمعقولة وصفاتها وأحوالها من حيث هي موجودات، ولهذا سماها الموجودات (وباطنها) أي باطن جميع الموجودات حيث هي المنظور إليها ... ثم قال: إن الخالق الحق هو وجود جميع الموجودات ولا يكون هناك للموجودات وجود حادث أصلاً، وإنما هو الوجود القديم الحق ظهر بما قدره وصوره من المعدومات)) (3) . هذا إفكهم وما يفترون، ونسألهم عن قولهم هذا هل الله أخبرهم بذلك أم على الله يفترون؟ لا شك أنهم على الله يفترون، وسيحكم الله (بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون. المطلب الرابع:الرد على فلاسفة الصوفية في دعوى وحدة الوجود. هذا القول وهو دعوى وحدة الوجود لم يظهر صريحاً قبل ابن عربي في المسلمين، وقد تابعه عليه العديد من ملاحدة الصوفية وصارت تحوم حوله أقوالهم إشارة مرة وتلويحاً مرة وتصريحاً أخرى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 وهي مقالة مركبة من قول فلاسفة اليونان القائلين بوحدة الوجود مثل: أكسينوفان (1) ، وبرمنيدس (2) ، والرواقيين (3) وغيرهم، ومن قول المؤلهة كأفلاطون (4) ، وأرسطو (5) ، وأفلوطين (6) وغيرهم. فقد أخذوا عن الأولين قولهم بوحدة الوجود وأن الله تعالى عن قولهم منبث في هذا الكون من أصغر ذرة إلى أكبر جرم فيه. وأخذوا عن الآخرين قولهم بإثبات الوجود المطلق لله، والقول بصدور النفس الكلية عنه والتي تماثل وتشابه الأول الذي صدرت عنه، وهذه توازي عند ابن عربي وأتباعه ما يسميه الحقيقة المحمدية. ثم عن النفس الكلية صدرت أرواح الكواكب كما هو عند أرسطو وهكذا هو عند ابن عربي حيث زعم أن الله أنشأ من الحقيقة المحمدية محمداً (ثم اقتطع العالم كله تفصيلاً على تلك الصورة بالخيال ثم أنشأ من الحقيقة سائر العالم المحسوس. فمن هذا يتبين أن هذا الضال المضل أسس مذهباً مركباً من قول الفلاسفة الوثنيين وأضاف عليه بعض المسميات التي جاءت في الإسلام والشرع كاسم محمد (والعرش والكرسي ونحو ذلك، وذكر هذه الأسماء وإقحامها في مقولته لا تصحح انتماءه إلى الإسلام لا من قريب ولا بعيد بل هو مغرق في الإلحاد والكفر، وهو أشد كفراً وبعداً عن الحق من هذا الوجه من مقالة أرسطو وأتباعه، لأن أولئك اعتقدوا تنزيه الله (عن المحدثات على العموم والذي يعني التعطيل. وهؤلاء قالوا بتنزيهه أي تعطيله أولاً، ثم جعلوه هو المحدثات طيبها وخبيثها حسنها وقبيحها، وهذا متضمن لنفي وجوده مرتين: الأولى: بتعطيله وإثبات الوجود المطلق الذي هو وجود ذهني. والثانية: بزعمهم أنه هو الوجود كله والكون كله. فمن هنا فكل رد لنا على القائلين بوحدة الوجود أو على القائلين بالوجود المطلق من فلاسفة اليونان على مقتضى العقل (7) هو رد على هؤلاء، وكذلك كل رد على الفلاسفة المنتسبين للإسلام بمقتضى الشرع (8) هو رد على هؤلاء في تعطيلهم لله (وعدم وصفه بالصفات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 يبقى أن نرد عليهم في دعواهم وحدة الوجود بمقتضى الشرع مع أن باطلهم أظهر وأوضح من أن يرد عليهم فيه، ولكن نقول على سبيل الاختصار حتى لا يغتر أحد بتدليسهم وتلبيسهم وزخرفتهم للباطل بالتحريفات الفاسدة ما يلي: 1 إن الله (قد أثبت لنفسه الصفات والأفعال نحو قوله ( {وهو السميع البصير} الشورى (11) ، وقوله {كل شيء هالك إلا وجهه} القصص (88) ، {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ص (75) {الرحمن على العرش استوى} طه (5) ، {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما نفسك} المائدة (116) ، {وهو العليم القدير} الروم (54) ، {الله خالق كل شيء} الزمر (62) ، {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} الأنعام (1) . فهذه النصوص الدالة على صفات الله تعالى وأفعاله، وغيرها كثير مما يعتبر أعظم وأكبر موضوع تكرر ذكره في القرآن الكريم بشكل فاق جميع الموضوعات بكثرة الآيات الواردة فيه، فإنه لا تكاد تخلو آية من ذكره كيف لا وهو متضمن للتعريف بالله (وتمجيده وتعظيمه. فإذا كانت هذه الآيات مع كثرتها لا تدل على ذات موصوفة بالصفات، وذات للخالق تبارك وتعالى تميزه عن سائر مخلوقاته، وتجعل لكل من الخالق والمخلوق وجوده الذي يتميز به وصفاته التي يتميز بها، فإن نصوص التوحيد والصلاة والحج والإيمان باليوم الآخر والجنة والنار، وكذلك النصوص التي تحرم الشرك وتحرم القتل والزنا والربا والظلم والبغي وسائر المحرمات والفواحش، لا تدل على تلك الواجبات ولا على تحريم تلك المحرمات، ويكون الدين بذلك كله باطلاً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 2 إن دعوى هؤلاء الصوفية الضلال متناقضة غاية التناقض وهي أشد في تناقضها من دعوى فلاسفة اليونان المؤلهة، حيث يزعم هؤلاء أن الله تبارك وتعالى ليس له صفة ولا نعت ولا حد ولا ماهية ولا وجود إلا الوجود المحض، ثم يزعمون مع هذا أنه المادة قبل تشكلها وتصورها أو ما يسمونه التعين والظهور، فهذا تناقض بين لا يستقيم بحال؛ إذ كيف يستقيم أن يكون مادة ثم مع ذلك ليس له نعت ولا وصف ولا وجود ولا ماهية؟ هذا يعني شيئاً واحداً أن أصحاب هذه المقالة زنادقة امتلأت قلوبهم كفراً وإلحاداً فأخذوا يبرزون المقالات المتناقضة لعلهم بذلك يتوصلون إلى غرضهم في إضلال الناس مع التعمية على إلحادهم ودهريتهم. 3 إن دعواهم أن الله لا صفة له ولا رسم ولا نعت ولا ماهية، كل هذه الدعاوى تمنع أن يكون خالقاً موجداً كما تمنع أن يكون هو هذا الكون، لأن حقيقة المقالة أنه غير موجود وإن كان موجوداً فهو عاجز لأنه لا صفة له ولا رسم ولا ماهية، فكيف يمكن أن يوجد ما له صفة ورسم وماهية ووجود؟ (ففاقد الشيء لا يعطيه. 4 لو كانت دعوى ابن عربي وأمثاله صحيحة للزم من ذلك أن القرآن والسنة وجميع ما فيهما من العلوم والأوامر والنواهي كلمات جوفاء لا معنى لها حقيقي وظاهر، بل هي مجرد رموز لمعان بعيدة ظلت خفية على الرسول (وعلى أصحابه والمسلمين في العصور الأولى، بل استمر خفاؤها على المسلمين، ولم يعرف تلك المعاني الخفية إلا ابن عربي وأضرابه من أفراخ ملاحدة الفلاسفة. 5- لماذا لم يصرح الله تبارك وتعالى بوحدة الوجود، ويدع إليها وينبه عليها؟ مع أن ذلك لو حدث لما وجد من يعارض ذلك ويرده لأن فيه أمران خطيران: الأمر الأول: أن جميع البشر بل جميع الأشياء آلهة بل هم الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 الأمر الثاني: أنه ليس هناك شيء محرم أو لا يجوز أو مكروه، بل كل شيء محبوب مطلوب سواء كان شركاً أو قبيحاً مثل الزنا أو الربا، أو بغياً وظلماً مثل القتل والاعتداء. فكل ذلك داخل في نطاق المباح الذي ليس فيه حرمة بوجه من الوجوه، إذ الكل الله تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. 6 أن الرسول (لم يرد عنه لا من قريب ولا بعيد شيء يدل على دعوى وحدة الوجود، فما الذي منعه عليه الصلاة والسلام من الدعوة إلى ذلك والجهر به؟ مع كمال شجاعته وكمال نصحه وفصاحته وبلاغته عليه الصلاة والسلام، وهو الذي عرض نفسه للقتل في سبيل الله وفي بيان بطلان معبودات أولئك المشركين، بل استباح دماءهم وأموالهم بسبب شركهم، كما استباح المشركون أيضاً دمه (ودم أصحابه بسبب معارضته لمعبوداتهم ودعوته لهم إلى توحيد الله (. فبناءً على دعوى ابن عربي وأضرابه كل ذلك كان من العبث، إذ أن الأمر لا يستحق شيئاً من ذلك، لأن المشركين على دعوى ابن عربي وأضرابه إنما كانوا يعبدون الله -تعالى الله علواً كبيراً- فهل في الأقوال الفاسدة أفسد من هذه الأقوال. 7 أن الله (قد لعن من أشرك معه في العبادة وأوجب له الخلود في النار وذلك في مثل قوله تعالى {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} المائدة (72) ، كما لعن إبليس وذلك في قوله {وأن عليك لعنتي إلى يوم الدين} ص (78) ، كما لعن الله (اليهود في قوله {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بماعصوا وكانوا يعتدون} المائدة (78) ، فالله (في هذه الآيات وغيرها كثير لعن وأثبت غضبه وعذابه لمن عبد شيئاً معه أو غيره عاماً أو خاصاً. فلو كان الأمر كما زعم هؤلاء الزنادقة من أنه ما ثمَّ إلا الله وأن الوجود كله مظهر ومجلى لله (لكان لازم ذلك أن يكون الله (لعن نفسه -عياذاً بالله تعالى-وحكم على نفسه بالخلود في النار سبحانك هذا بهتان عظيم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 8 أن الله لعن من عبد غيره وكذلك كل من ادعى الألوهية من البشر، فقد لعن فرعون وجعله إماماً في الضلال متبوعاً بلعنة الله هو ومن اتبعه قال ( {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين} القصص (42) وذلك لقوله {أنا ربكم الأعلى} الذاريات (24) ، فمن زعم أن المخلوق هو الخالق فقد زعم أن فرعون كان صادقاً وأن اللعنة والتقبيح له ولأتباعه بغير وجه حق أو هو ظلم غاية الظلم. وقد التزم ابن عربي الضال المضل في مقابل ذلك إيمان فرعون ونجاته، بل زعم أنه صادق في قوله {أنا ربكم الأعلى} (1) . ولا شك أن هذا تكذيب صريح لكلام الله (واستدلال على الفاسد وهو قوله بوحدة الوجود بما هو مثله في الفساد وهو تكذيب الله (وتحريف كلامه بادعاء أن فرعون مؤمن وأنه صادق في دعواه للربوبية. 9 إن دعوى وحدة الوجود يلزم منها أن كل إنسان هو الله أو جزء من الإله، وهذا أمر لا وجود له في قرارة الإنسان، بل كل إنسان يشعر بنقصه وعجزه وحاجته وفقره، وأنه مخلوق مربوب، هذا واقع كل إنسان وهو مما يشعر به أيضاً، لهذا يسعى الإنسان إلى تكميل نفسه وتسديد حاجة نفسه من غيره، وإذا انقطعت الأسباب بالنسبة للإنسان على العموم لجأ إلى خالقه وموجده وهو يقر بوجوده وربوبيته، هذا مما لا يستطيع بشر أن ينفك عنه إلا مكابرة، وفرعون وهو من أكبر المتكبرين عن عبادة الله لما دهمه الماء وأشرف على الغرق وأدرك أن نجاته وحاجته عند واحد فقط وهو رب العالمين اضطر إلى ندائه والاستغاثة به لعله ينجو. 10 يقال للصوفية من أصحاب وحدة الوجود في جميع دعاويهم التي ادعوها في الله (:من أين علمتم وأخذتم معلوماتكم هذه التي تتناقض مع الشرع تناقضاً بيناً؟ فإن ما في الشرع جاء عن طريق الوحي وما ادعيتموه لابد أن تثبتوا مصدره فإن العقل لا يستطيع أن يتوصل إلى ما ذكرتموه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 وشيوخ الصوفية الضلال من أصحاب وحدة الوجود ليسوا أنبياء ينزل عليهم الوحي. فهنا قد يدعون أن فيهم خاتم الأولياء (1) . فنقول: إن الأنبياء عليهم السلام قد أقاموا الأدلة والبراهين على صدقهم، فأين براهين هؤلاء الكذبة من أصحاب وحدة الوجود على دعاويهم؟ وأين معجزاتهم التي تبرهن على أنه يوحى إليهم؟ لا شك أنه لا يوجد شيء من ذلك سوى الدعاوى الكاذبة التي يفترون بها على الله بدون أن يقيموا عليها برهاناً شرعياً ولا حتى عقلياً. 11 إن ما ادعاه ابن عربي الضال في الله (وما ادعاه من وحدة الوجود ادعاه من أخذ بمنهجه من الصوفية بعده،بدون أن يسندوه إلى الله (أو إلى الأنبياء عليهم السلام، كما أنهم لم يسندوه إلى ابن عربي نفسه بل كل واحد منهم يزعم أنه توصل إلى هذا القول من خلال عرفانه ومقامه، فمعنى ذلك أنهم لم يأخذوا معلوماتهم من خاتم الأولياء ابن عربي في زعمهم. فهي إذا -أعني ختم الولاية- دعوى فارغة المضمون، كما أن معنى ذلك أن كل واحد منهم يوحى إليه في هذا المقام بهذه الدعاوي الخطيرة التي هي عين الكفر والزندقة ولا شك أنها إذا تناقضت مع الوحي المنزل من الرحمن لم يبق إلا وحي الشيطان كما قال الله (: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون} الأنعام (112-113) وهذه الآية نص في أولئك الضلال، وبيان صريح لمصدرهم في العلم، وكذلك سبب دعاويهم تلك ألا وهو: الغرور والإعجاب بالنفس مع عدم الإيمان باليوم الآخر. 12 نرى أن ما ادعاه ابن عربي وكذلك ما ادعاه سائر الصوفية من بعده من أصحاب وحدة الوجود ويزعمون أنه حصل لهم من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 الله (من خلال مقاماتهم التي يدعونها أو من خلال منامات رأوها أو القاء من قبل الله ((1) كل ذلك كذب بين واضح، إذ أن أقوالهم لم تخرج عن قول ملاحدة اليونان قبلهم سواء كانوا من الفلاسفة الدهريين والوجوديين أو المؤلهة منهم، وكذلك من جاء بعدهم من أصحاب الأفلاطونية الحديثة، وكذلك من أخذ بتلك الأقوال من المنتسبين للأديان من اليهود والنصارى والمسلمين من أمثال الفارابي وابن سينا وملاحدة الباطنية وغيرهم، فهي دعاوى قد سبق إليها ملاحدة اليونان ابن عربي وأضرابه من دعاة وحدة الوجود، وكان دور هؤلاء الزنادقة أنهم جمعوها ولفقوا بينها وأضافوا إليها بعض المسميات الإسلامية حتى تروج على الناس. فيظهر من هذا كذب ابن عربي وأتباعه في دعواهم أن هذا العلم حصلوه بالكشف أو الوحي فهم كاذبون في ذلك مستحقون لوعيد الكاذب على الله في ادعاء الوحي قال ( {ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} الأنعام (93) . وقد زاد ابن عربي وأضرابه على فلاسفة اليونان في الضلال والفجور؛ إذ أن أولئك توصلوا إلى أقوالهم تلك بالبحث والنظر العقلي البعيد تماماً عن الوحي. أما هؤلاء فقد أخذوا أقوالهم تلك من الفلاسفة السابقين،وعزوها إلى أنفسهم، وزعموا أيضاً أنها وحي من الله أوحاه إليهم فزادوا بذلك الكذب على الله (والافتراء عليه، عليهم من لله عالى مايستحقون. • • • خاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والحمد لله الذي هدانا بغير حول منا ولا طول والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وصلي الله على معلم البشرية الخير وهاديها إلى كل فلاح ونجاح نبينا وسيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. أما بعد: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 فبعد أن طوفنا خلال هذا البحث المختصر على قول أهل الباطل ممن أخذ بقول الفلاسفة من المنتسبين للإسلام نختم هذا البحث بأهم النتائج المستفادة منه وهي: 1 أن العقل غير قادر باستقلال للوصول إلى العلم الصحيح عن الله (. 2 أن العقل مهما كان ناضجاً وقوياً فإنه لا يسلم من تأثير البيئات المحيطة به والتربية التي تربى عليها الشخص، فلهذا تأتي أحكامه وتصوراته متأثرة بمؤثرات خارجية تفسد عليه نقاوته وصحته وتقلب في بعض الأحيان موازينه. 3 أن الفلاسفة الوثنيين أثروا في أناس عديدين من أهل الأديان من اليهود والنصارى والمسلمين. 4 أن الفلاسفة المنتسبين إلى الاسلام تركوا النور والهدى الذي بين أيديهم، وراحوا يتلمسون الهدى في زبالات الأذهان والخيالات والأوهام 5 أن أهل الفلسفة المحضة، وكذلك الباطنية المنتسبين للإسلام قد أخذوا بقول فلاسفة اليونان الوثنيين في الله (في صفاته وفي أفعاله وإيجاده لهذا العالم حذو القذة بالقذة. 6 أن فلاسفة الصوفية كابن عربي وأتباعه قد أتوا بخليط متناقض من الأقوال غاية التناقض لأنهم لفقوا بين أفسد الأقوال وأقبحها، فقد أخذوا بقول الوجوديين من الفلاسفة وقول الفلاسفة المؤلهة وجمعوا بينها، فأفرز لهم مقالة هي من أفسد المقالات وأقبحها وأبعدها عن الإسلام والحق بل أبعدها عن العقل والفهم السليم. 7 أن فلاسفة الصوفية غلفوا أقوالهم ببعض المسميات الإسلامية حتى تروج على بعض المسلمين ويظهروا بمظهر المنتمي للإسلام والمعتمد عليه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 8 أن الله (بفضله وكرمه قد حمى هذا الدين فحفظ له أصوله القرآن والسنة والطائفة التي تلتزم بمنهج القرآن والسنة وهم السلف ومن سار على منهجهم، ولولا هذا التكرم من ربنا الكريم لأصاب الإسلام ما أصاب الأديان الأخرى من اختلاط الحق بالباطل وتلبسه على الناس بحيث لا يستطيع الإنسان أن يتوصل إلى الحق من خلاله وذلك بفعل الفلسفات الوافدة وأصحاب الضلالة والانحراف والأهواء من المنتسبين للدين، الذين يزخرفون الباطل بالألفاظ المنمقة والدعاوى الباطلة. فلربنا الحمد والشكر والثناء الأول والآخر وله سبحانه المنة والفضل في كل هدى وخير. هذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الدراسة المختصرة. وفي الختام نسأل الله تعالى أن يهدي المسلمين ويبصرهم بمواقع عزهم ورفعتهم في دنياهم وأخراهم، وأن يردهم إلى الحق رداً جميلاً، وأن يستعملنا في طاعته، ويثبتنا على دينه، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه، وأن يتقبله منا، ويبارك لنا فيه،وينفع به اخواننا المسلمين، إنه جواد كريم غفور حليم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الحواشي والتعليقات انظر: دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية ص 254-262. حران مدينة في الجزيرة على طريق الموصل والشام وقد فتحت في عهد عمر بن الخطاب (معجم البلدان (2/236) . الفيثاغورية: نسبة إلى فيثاغورس اليوناني كان نحو 570 - 457 ق. م هرب بسبب الاضطرابات في بلاده إلى إيطاليا وأسس بها فرقة دينية سياسية فلسفية سيطرت بعض الوقت على بعض المدن هناك ثم قضي عليها وبقيت تعاليمه، وهي تدور على الدعوة إلى الطهارة بالصمت واختبار الذات والامتناع عن اللحوم باعتبار أن المخلوقات أقارب، ويرى تناسخ الأرواح ويرون أن الأشياء أعداد، والعدد عندهم ليس رقماً إنما هو شكل وهو ما يسمى الأصل الرياضي. انظر: الموسوعة الفلسفية ص 353. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 الأفلاطونية المحدثة: هي فلسفة تعزى في أصلها إلى أفلوطين المصري وتابعه غيره عليها، وهي تجمع بين فلسفة أفلاطون وأرسطوا والرواقيين والفيثاغوريين، فهي فلسفة دينية تذهب إلى احتواء المعتقدات السائدة والأساطير والطقوس، وعبادات الشرق والسحر والكيمياء القديمة، وقد أثرت تأثيراً قوياً في النصرانية. انظر: الموسوعة الفلسفية (ص 56) . جنديسابور: مدينة بخورستان، فتحها المسلمون صلحاً سنة 19 هـ في عهد عمر بن الخطاب (. معجم البلدان (2/171) . النساطرة: فرقة من النصارى تنسب إلى نسطور المتوفى سنة 451 م الذي ادعى: أن المسيح له طبيعتان إلهية وبشرية وأن مريم أم الإنسان وليس أم الإله، ومن النصارى من يعزو إليه أنه يقول: أن المسيح لم يكن إلهاً وإنما كان إنساناً، والنساطرة على القول الأول. وقد عقد مجمع أفسس سنة 431م من أجل مقالته وطرد نسطور من الكنيسة إلا أن مذهبه انتشر في فارس والعراق وهو المذهب الرسمي هناك. وقد استمر وجودهم هناك إلى العصر الحديث، إلا أن أعدادهم قليلة. انظر: معجم الحضارات السامية (ص 846) ، قاموس المذاهب والأديان ص209، موسوعة الأديان 2/661. السريان: تسمية تطلق على نصارى سورية وهم ينقسمون إلى عدة كنائس منها الكنيسة النسطورية، واليعقوبية، والمارونية، والكلدانية والملكانية. انظر: معجم الحضارات السامية (ص474) . فيلون اليهودي كان نحو 20 ق. م-40م. وكان من أسرة غنية بالاسكندرية من ضمن الجالية اليهودية التي بها، وقد درس الفلسفة وشرح التوراة بالرمز والتأويل وفق الفلسفة اليونانيةخاصة مذهب أفلاطون. الموسوعة الفلسفية (ص 356) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 اليعاقبة: هم فرقة من من فرق النصارى القائلين بالطبيعة الواحدة وهو مذهب أقباط مصر، وينتسبون إلى يعقوب البرادعي، وهو أسقف الرها من أصل سوري ولد نحو 490م وتوفي 578م كان له نشاط في تنظيم كنيسة الطبيعة الواحدة، فنسبوا إليه وإلا فالمذهب أقدم منه يعود إلى مجمع أفسس عام 431م. معجم الحضارات السامية (ص 917) . انظر في هذا: كتاب الفهرست لابن النديم ص338-340، تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام د/ محمد علي أبو ريان 90-104، تاريخ الفلسفة في الإسلام، ت. ج دي بور 36-38. المأمون هو عبد الله بن هارون الرشيد الخليفة العباسي تولى الخلافة بعد خلع أخيه الأمين سنة 198هـ وتوفي سنة 218هـ. الإعلام للزركلي (4/142) . المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد الخليفة العباسي تولى الخلافة بعد أخيه المأمون بعهد منه سنة 218هـ وتوفي سنة 227هـ. الأعلام للزركلي (7/127) . الواثق بالله هارون بن محمد بن هارون الرشيد الخليفة العباسي تولى الخلافة بعد أبيه المعتصم سنة 227هـ وتوفي سنة 232هـ. الأعلام للزركلي (8/62) . أفلاطون، ولد نحو 427 وتوفي نحو 347 ق. م من مشاهير فلاسفة اليونان، وهو تلميذ سقراط ومعلم أرسطو. الموسوعة الفلسفية (ص 52) ، والمنجد في الأعلام (ص 54) . أرسطو طاليس ولد نحو 384 وتوفي نحو 322 ق. م، وهو أشهر فلاسفة اليونان وأكثرهم تأثيراً فيمن بعدهم وهو مربي الأسكندر المقدوني وتلميذ أفلاطون. انظر: الموسوعة الفلسفية (ص 35) والمنجد في الأعلام (ص 34) . أبقراط الحكيم أحد أطباء اليونان ولد في حدود 460 ق. م. انظر: في سبيل موسوعة فلسفية ص11. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 هي دعوى المعتزلة بأن القرآن مخلوق فمال إلى قولهم، وأخذ به المأمون وحمل الناس على القول به وامتحنهم في ذلك، وقد دامت هذه المحنة خلال آخر حياة المأمون ثم المعتصم ثم الواثق إلى أن جاء المتوكل سنة 232هـ ورفع المحنة عن الناس وأوقف الجدل في القرآن وكان ثبت في ذلك الامتحان الإمام أحمد بن حنبل، وأبى أن يقول إن القرآن مخلوق فحبس وجلد على ذلك فصبر حتى جاء الفرج في زمن المتوكل على الله سنة 237 هـ فانقمع المعتزلة وارتفعت راية السنة. انظر: البداية والنهاية (9/296-342) . ابن سينا كما هو معلوم من عائلة باطنية، إلا أن قوله في التوحيد من جنس مقالة الفارابي، وليست من جنس مقالة الباطنيين، كما سيتبين. هو يعقوب بن إسحاق أبو يوسف الكندي. كان له حظوة عند المأمون والمعتصم، نشأ في البصرة ثم في بغداد وتوفي نحو سنة 260هـ. الأعلام للزركلي (8/195) ، موسوعة الفلسفة (2/297) . موسوعة الفلسفة (2/301-302) . هو محمد بن محمد بن طرخان أبو نصر الفارابي من أهل فارس درس ببغداد واتصل بسيف الدولة الحمداني أمير حلب وأخذ الفلسفة عن رجل نصراني يسمى يوحنا بن حيلان، وكان من رفقائه في الدرس أبو بشر متى بن يونس القنائي، ومن تلاميذه يحي بن عدي، وكل هؤلاء من النصارى، وقد اعتنى الفارابي بكتب أرسطو عناية خاصة حتى قال: ((قرأت السماع لأرسطو أربعين مرة وأرىأني محتاج إلى معاودته)) . توفي في دمشق سنة 329هـ وهو في الثمانين من عمره. انظر: تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب (ص 13-17) . تاريخ الفلسفة في الإسلام ص 209. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 هو أبو علي بن الحسين بن عبد الله بن سينا الملقب بالشيخ الرئيس، فارسي الأصل، نشأ في بلاد ما وراء النهر، وكان ذكياً حاز كثيراً من العلوم في وقت مبكر من عمره، وبرز في مجال الطب ووضع كتاب ((القانون في الطب)) وهو من أشهر كتبه، وكان أبوه وأخوه اسماعيليين، وقد تتلمذ على كتب أرسطو، واستفاد من الفارابي كثيراً في فهمها ومعرفتها. توفي سنة 428هـ. انظر: فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب (ص 53) . الشفا (1/354) ، الرسالة العرشية ص 16، 22، موسوعة الفلسفة (1/48-49) . معنى السلب: أي يقال ليس بجاهل ولا عاجز ولا ميت. الإضافة: بالنسبة إلى ما هو سبب فيه وهي عندهم جميع صفات الأفعال مثل خالق وبارئ ومصور، فهي مضافة إليه على اعتبار أنه سبب فيها وليس أنه فاعلها. المركب منهما مثل المريد والقادر، فإنهما مركبان من العلم الذي هو عندهم العقل والإضافة الذي هو سبب في وجوده كالخلق والرزق. انظر: هذه التعريفات في الرسالة العرشية (ص54) . علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله المدني. زين العابدين. كان مع أبيه الحسين رضي الله عنه حين قتل، إلا أنه سلم. قال الزهري: ما رأيت أحداً كان أفقه منه، ولكنه كان قليل الحديث. توفي سنة 94هـ، وقيل: بعدها. انظر تهذيب التهذيب (7/304) . محمد بن علي بن الحسين، أبو جعفر. قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، وليس يروي عنه من يحتج به. وذكره النسائي في فقهاء أهل المدينة من التابعين. وسئل عن أبي بكر وعمر، فقال: ما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما. توفي سنة 118هـ. انظر تهذيب التهذيب (9/350) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الهاشمي، المدني. قال الساجي: كان صدوقاً مأموناً. إذا حدث عنه الثقات فحديثه مستقيم. وقيل له: إن جاراً لي يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر، فقال جعفر: برىء الله من جارك. والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر. توفي سنة 148هـ. انظر تهذيب التهذيب (2/103) . إسماعيل بن جعفر بن محمد. يعرف بالأعرج، كان أكبر ولد أبيه، ومات في حياة أبيه سنة 133هـ، ودفن بالبقيع. انظر: الشجرة الزكية في الأنساب وسير آل بيت النبوة ص428. محمد بن إسماعيل بن جعفر الهاشمي. إمام عند القرامطة، وعند الدروز أول الأئمة المستورين، وكانت وفاته نحو 198هـ. انظر: فرق الشيعة ص72-74، الأعلام للزركلي (6/34) . والرافضة الاثنا عشرية تعرض عن إسماعيل وابنه محمد، ويجعلون الإمام بعد جعفر ابنه موسى الكاظم. انظر: أصول مذهب الشيعة،1/104،105. انظر: فرق الشيعة للنوبختي ص 68، الملل والنحل للشهرستاني (1/191) ، أديان وفرق (ص 144) ، فرق معاصرة (1/310) . أحمد حميد الدين الكرماني، من أصل فارسي من مدينة كرمان، تلقى علومه في المدارس الإسماعيلية، يلقب بحجة العراقيين. توفي بعد سنة 412هـ. انظر معجم الأعلام (ص 49) . راحة العقل (ص 130) . راحة العقل (ص 147) . إبراهيم بن الحسن الهمداني الحامدي، أحد دعاة الإسماعيلية وعلمائها في اليمن، توفي سنة 557 هـ، الأعلام (1/36) . نقلاً عن: الحركات الباطنية في العالم الإسلامي (ص 85) . لم أقف له على ترجمة. الكافية ضمن ثلاث رسائل إسماعيلية لعارف تامر (ص 25) . منصور بن نزار. من خلفاء الدولة الفاطمية. تولى الخلافة وعمره أحد عشر عاماً في القاهرة، وتوفي وعمره ست وثلاثون سنة، وذلك عام 411هـ، بعد أن دعا إلى تأليه نفسه. انظر الأعلام (7/305) . انظر: موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب والأحزاب ص344، عقيدة الدروز عرض ونقد ص121. هكذا في المطبوع، ولعلها " ولا مستقبل" أضواء على مسلك التوحيد ص71. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 انظر في ذلك: الرد على المنطقيين ص364. انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/326، بمعناه. انظر: نهاية الأقدام في علم الكلام ص 128، غاية المرام في علم الكلام ص 9. صحيح مسلم، كتاب الإيمان (1/388) ، بشر ح النووي. انظر ص 378. انظر ص 379. انظر: التعريفات ص137. انظر المراجع في ذلك في الدراسة الأولى " قول الفلاسفة الوثنيين في التوحيد عرض ونقد في ضوء مذهب السلف ". موسوعة الفلسفة (1/306 - 307) . المرجع السابق (2/304) ، وانظر تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام ص98. انظر تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام ص149. انظر: موسوعة الفلسفة 2/104-106، تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام 149-152. الشفا لابن سينا (1/402-406) ، وانظر: موسوعة الفلسفة (1/50) . انظر: في سبيل موسوعة فلسفية (ص 47) . الشفا (1/407) . في سبيل موسوعة فلسفية (ص 48) . الشفا (1/415) . في سبيل موسوعة فلسفية (ص 43) . راحة العقل (ص 176) . المصدر السابق (ص 181) . المصدر السابق (ص 197) . راحة العقل (ص 159) . تحفة المستجيبين لأبي يعقوب السجستاني (ص 13-14) ضمن مجموعة ((ثلاث رسائل إسماعيلية)) . ضمن مجموعة ((ثلاث رسائل إسماعيلية)) (ص 25-26) . انظر: اخوان الصفا لمصطفى غالب (ص 49-54) . إخوان الصفا (ص 68) . المرجع السابق (ص 91) . وانظر: الحركات الباطنية في الإسلام (ص 179-180) . أضواء على مسلك التوحيد ((الدرزية)) (ص 81-83) . أضواء على مسلك التوحيد (ص 83-84) . سبق أن رددنا على دعوى الفلاسفة في الدراسة الأولى. مجموع الفتاوى (11/6، 16) ، الرسالة القشيرية (ص 126) ، فرق معاصرة (2/578) . الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الحزاز، أبو القاسم الصوفي، شيخ الصوفية في زمانه. توفي سنة 297هـ. الأعلام (2/141) . الحسين بن منصور الحلاج. قتل ببغداد في دعوى الحلول سنة 309هـ. الأعلام (2/260) . محمد بن سليمان بن محمد الحنفي، أبو سهل الصعلوكي، فقيه شافعي. توفي في نيسابور سنة 369هـ. الأعلام (6/149) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 الرسالة القشيرية (ص 126-128) ، التصوف المنشأ والمصادر (ص 20-35) . انظر: كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم، فتح الباري (1/165) . أبو نضرة المنذر بن مالك بن قطعة البصري. قال ابن حجر: ثقة. توفي سنة 109هـ. التقريب ص347. ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (1/399) ، وأخرجه ابن سعد في الطبقات مختصراً (3/499) . مجموع الفتاوى (11/6-19) . السري السقطي: هو خال الجنيد، متقدم من زهاد الصوفية. توفي سنة 253هـ. انظر: تاريخ بغداد 9/192، الرسالة القشيرية ص10.. سهل بن عبد الله التستري. متوفى سنة 283هـ. انظر: الرسالة القشيرية ص15. انظر في المراحل كتاب الصوفية نشأتها وتطورها (ص 20) . انظر: الموسوعة الصوفية، عبد المنعم الحفني ص128. اللمع لأبي سراج الطوسي ص382 نقلاً عن تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي ص485. محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي الملقب بالشيخ الأكبر، فيلسوف توفي سنة 638هـ. الأعلام (9/281) . عمر بن علي بن مرشد الحموي المصري ابن الفارض، أشعر المتصوفين، توفي سنة 632هـ. الأعلام (5/55) . انظر: مصرع التصوف (ص 64) ، وهذه هي الصوفية (ص 29) . هذه هي الصوفية (ص 174-175) . هذا كلامه على حديث ((حبب إلي من دنياكم النساء والطيب)) . فصوص الحكم (ص 217) . فصوص الحكم (1/90) . المصدر السابق (1/130) . المصدر السابق (1/200) . عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس مغرب (ص 28) . عنقا مغرب (ص 29) ، ويلاحظ أنه في هذا الكتاب قد ألغز ألغازاً شديداً وحجب المقصود تحت عبارات تلاعب فيها ساتراً لعقيدته مرة وملوحاً بها أخرى. عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن سبعين الأشبيلي،من الفلاسفة القائلين بوحدة الوجود متوفى سنة 669هـ. الأعلام (3/280) . نقلاً عن بغية المرتاد لشيخ الإسلام (ص 419) . عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي مكثر من التصنيف، متصوف توفي سنة 1143هـ. الأعلام (4/32) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 محمد بن فضل الله البرهابنوري الهندي، صوفي من القائلين بوحدة الوجود، توفي سنة 1029هـ في الهند. الأعلام (6/331) . القول المتين في بيان توحيد العارفين (ص 4) . سبق ذكر أقوالهم والرد عليها في الدراسة الأولى. هكذا فهمتها من كلامه مع شدة انغلاق عبارته وإلغازه. كلام غير ظاهر المعنى وإنما أراد منه إثبات أن الحقيقة المحمدية قطعة منه سبحانه ومنها أوجد العالم أو ظهر في العالم. عنقا مغرب (ص 33-45) . عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي صوفي من دعاة وحدة الوجود توفي سنة 832هـ. الأعلام (4/50) . القول المتين في بيان توحيد العارفين (ص 11-17) . يقصد أسماء الله تعالى. يقصد أن يظهر لأسماء الله وصفاته ذات. هكذا في المطبوعة ويبدو أنها (فعندما) . عنقا مغرب (ص 35) . المصدر السابق. فصوص الحكم (1/103) . المصدر السابق (ص 204) . محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف القونوي الرومي صدر الدين صوفي ربيب ابن عربي توفي سنة 673هـ. الأعلام (6/30) . نقل هذا عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في بغية المرتاد (ص 410) . سليمان بن علي بن عبد الله الكرمي التلمساني يتبع طريقة ابن عربي، توفي سنة 690هـ. الأعلام (3/130) . نقلاً عن بغية المرتاد ص 419-421. مصرع التصوف ص 64، هذه هي الصوفية ص 29-30. وقد سبق أن ذكرنا الأبيات من قبل عند ذكر مراحل التصوف. عامر بن عامر أبو الفضل عزالدين. صوفي متشيع، كان يعيش في القرن الثامن الهجري. انظر: الموسوعة الصوفية ص281. هذه هي الصوفية (57) . القول المتين في بيان توحيد العارفين (ص 5،9) . أكسينوفان القولوفوني. فيلسوف يوناني، كان نحو 570-480ق. م. انظر: موسوعة الفلسفة والفلاسفة (1/176) . برمنيدس الإلياني. فبلسوف يوناني، له قصيدة في الطبيعة ادعى فيها التوحيد المطلق، وعدم التغير، وأزلية كل شيء. كان نحو 540-450ق. م. المنجد ص127. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 الرواقيون: نسبة إلى الرواق الذي اتخذه زينون مقراً له يجتمع فيه مع أصحابه في أثينا، فسموا رواقيين. والرواقية فلسفة خلقية، ومن قولهم القول بوحدة الوجود. انظر: الموسوعة الفلسفية ص214. أفلاطون. ولد نحو 427، وتوفي نحو 347ق. م. من مشاهير فلاسفة اليونان،وهو تلميذ سقراط، ومعلم أرسطو. الموسوعة الفلسفية ص52، والمنجد في الأعلام ص54. أرسطوطاليس. ولد نحو 384، وتوفي نحو 322ق. م. وهو أشهر فلاسفة اليونان، وأكثرهم تأثيراً فيمن بعدهم، وهو مربي الإسكندر المقدوني، وتلميذ أفلاطون. انظر: الموسوعة الفلسفية ص35، والمنجد في الأعلام ص34. أفلوطين.ولد نحو 205م، وتوفي 270م، وهو فيلسوف مصري، متأثر بأفلاطون، وتعزى إليه مع آخرين الأفلاطونية الحديثة، وكان يسعى في فلسفته للتوفيق بين المعتقدات الدينية النصرانيةوالفلسفة اليونانية، وكان له تأثير كبير على النصرانية.الموسوعة الفلسفية ص57، والمنجد في الأعلام ص56. انظر الدراسة الأولى " قول فلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية " ص384. انظر ما سبق ص 387. انظر فصوص الحكم (ص 201، 210، 212) . ختم الولاية دعوى ادعاها الحكيم الترمذي،وادعاها لنفسه ابن عربي وغيره من الكذبة وهي أنه كما للأنبياء خاتم فللأولياء خاتم يأخذ علمه من المشكاة التي يأخذ منها خاتم الأنبياء، وهم يفضلون ختم الولاية على ختم النبوة. انظر: فصوص الحكم (2/30) ، هذه هي الصوفية (ص 127) . كما يدعي ابن عربي في كتابه الفصوص (ص 47) حيث يزعم أن الرسول هو الذي أعطاه كتاب الفصوص في المنام، وأمره أن يخرجه للناس، ثم زعم (ص 56) أن الله أطلعه في سره على ما أودع في آدم عليه السلام وجعل ذلك في كتابه الفصوص حسب ما حُدَّ له. المصادر والمراجع أديان وفرق. أمين القضاة. ط1. عمان: دار عمار /1411هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 اصطلاحات الصوفية. عبد الرزاق أحمد القاشاني. تحقيق: محمد كمال إبراهيم. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب /1961م. أصول مذهب الشيعة. ناصر عبد الله القفاري. ط2 /1415هـ. أضواء على مسلك التوحيد. سامي نسيب مكارم. بيروت: دار صادر /1966م. الأعلام. خير الدين الزركلي.ط8. بيروت: دار العلم /1989م. البداية والنهاية. الجافظ ابن كثير. تحقيق: أحمد عبد الوهاب قدح. دار زمزم/1414هـ بغية المرتاد. ابن تيمية. تحقيق: موسى الدويش. ط1. مكتبة العلوم والحكم / 1408هـ تاريخ بغداد. أبو بكر أحمد البغدادي. بيروت: دار الكتب. تاريخ الفكر الفلسفي. محمد أبو ريان. ط2. بيروت: دار النهضة العربية /1976م. تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام.د. مصطفى شاهين. الفجالة. دار الثقافة والنشر. تاريخ الفلسفة في الإسلام. ت. ج.دي بور عربه: محمد أبو ريدة.ط5.دار النهضة. تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب. محمد لطفي جمعة. المكتبة العلمية. التصوف المنشأ والمصدر. إحسان إلهي ظهير.ط1. إدارة ترجمان السنة /1406هـ. تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي. محمد أحمد لوح. ط1. الرياض: دار الهجرة. التعرف لمذهب أهل التصوف. أبو بكر محمد الكلاباذي. تقديم: محمود أمين النواوي. ط2. الكليات الأزهرية /1400هـ. التعريفات. علي بن محمد الجرجاني. ط1. بيروت: دار الكتب /1403هـ. ثلاث رسائل إسماعيلية. تحقيق: عارف تامر. ط1. دار الآفاق الجديدة /1403هـ. الحركات الباطنية في العالم الإسلامي. محمد أحمد الخطيب.ط1. عمان: مكتبة الأقصى. دراسات في الأديان. سعود بن عبد العزيز الخلف.ط1. المدينة: مكتبة العلوم والحكم. راحة العقل. أحمد حميد الدين الكرماني. مصطفى غالب. ط2. بيروت: دار الأندلس. الرد على المنطقيين. ابن تيمية. ط4. مكة: المكتبة الإمدادية /1402هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 الرسالة العرشية (ضمن مجموعة رسائل ابن سينا) . ط: حيدر أباد /1354هـ. الرسالة القشيرية. عبد الكريم القشيري. بيروت: دار الكتاب العربي. الشجرة الزكية في الأنساب وسيرة آل بيت النبوة. يوسف جمل الليل. الرياض: دار الحازمي للطباعة والنشر. الشفا. ابن سينا. تحقيق: إبراهيم مدكور. وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر. الصوفية نشأتها وتطورها. محمد العبده، طارق عبد الحليم.ط1. دار الأرقم: 1406هـ عقيدة الدروز عرض ونقد. محمد أحمد الخطيب. ط3. الرياض: دار عالم الكتب. عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس مغرب. ابن عربي. الناشر: محمد علي صبيح. فرق الشيعة. النوبختي. تحقيق: عبد المنعم الحفني. ط1. دار الرشاد /1412هـ. فرق معاصرة. غالب عواجي. ط1. مكتبة لينة /1414هـ. فصوص الحكم. محي الدين بن عربي. ط2. دار الكتاب العربي /1400هـ. القول المتين في بيان توحيد العارفين. عبد الغني النابلسي. الناشر: محمد علي صبيح. مصرع التصوف. برهان الدين البقاعي. ت: عبد الرحمن الوكيل. مكتبة الباز /1400هـ. معجم البلدان. شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت الحموي.بيروت: دار صادر / 1404هـ معجم الحضارات السامية. هنري.س. عبودي. ط2. لبنان: جروس برس / 1411هـ. الملل والنحل. الشهرستاني.تحقيق: محمد سيد كيلاني. بيروت: دار المعرفة. الموسوعة الصوفية. عبد المنعم الحفني. ط1. دار الرشاد /1412هـ. موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب والأحزاب. عبد المنعم الحفني. ط2. القاهرة: مكتبة مدبولي /1999م. هذه هي الصوفية. عبد الرحمن الوكيل. ط3. بيروت: دار الكتب /1399هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 حكم نقض الوضوء بأكل لحم الإبل د / علي بن محمد الأخضر العربي الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية - كلية التربية فرع جامعة الملك عبد العزيز - بالمدينة ملخص البحث يبين البحث أن الفقهاء اختلفوا في كون أكل لحم الإبل ناقضاً للوضوء على قولين: ... الأول: يرى أن أكل لحم الإبل ناقض للوضوء، وهو قول الظاهرية، والمعتمد عند الحنابلة، وإليه ذهب الإمام الشافعي في القديم، واختاره بعض فقهاء المالكية كابن العربي وبعض فقهاء الشافعية كابن خزيمة وأبي ثور وابن المنذر والبيهقي والنووي. ... الثاني: يرى أن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، والشافعية - في الصحيح عندهم -، والزيدية. وبعد استعراض أدلة كل فريق بالتفصيل وماورد عليها من مناقشات وردود تبين للباحث رجحان أدلة القائلين بأن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، وعليه فإن القول الراجح في المسألة هو القول بالنقض. • • • مقدمة البحث: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، قائد الغر المحجلين، وبعد فهذا بحث عن حكم (نقض الوضوء بأكل لحم الإبل) ، جمعت فيه آراء الفقهاء في هذه المسألة، وكذلك أدلتهم ومناقشاتهم وردودهم بغية الوصول إلى القول الراجح. وتنبع أهمية الموضوع من أن الوضوء الطهور، (والطهور شطر الإيمان) كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام (1) . وقد قسمت البحث إلى تمهيد ومبحثين وخاتمة: التمهيد: في معنى الوضوء والنقض والإبل. المبحث الأول: في رأي القائلين بالنقض وأدلتهم، وفيه مطلبان: ... ... المطلب الأول: في رأي القائلين بالنقض. ... ... المطلب الثاني: في أدلة القائلين بالنقض. المبحث الثاني: في رأي القائلين بعدم النقض وأدلتهم، وفيه مطلبان: ... ... المطلب الأول: في رأي القائلين بعدم النقض. ... ... المطلب الثاني: في أدلة القائلين بعدم النقض. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 الخاتمة: في بيان القول الراجح وأسباب ترجيحه. وآخراً أرجو من الله العلي القدير أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يعفو عن زلاتنا، ويجبر تقصيرنا، إنه على كل شيء قدير، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. تمهيد: في معنى الوضوء والنقض والإبل - في معنى الوضوء: الوضوء في اللغة (1) مشتق من الوضاءة وهي النظافة والحسن، وهو بضم الواو اسم للفعل، وبالفتح اسم للماء الذي يتوضأ به، وفي قول عند أهل اللغة فتح الواو فيها، وفي آخر ضم الواو فيهما، والأول هو المشهور، والأخير هو أضعفها وأما في الاصطلاح الشرعي فسنكتفي بذكر تعريف واحد في كل مذهب: الحنفية: الوضوء (هو غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس) (2) . المالكية: الوضوء (غسل أعضاء مخصوصة على وجه مخصوص) (3) . الشافعية: الوضوء (أفعال مخصوصة مفتتحة بالنية) (4) . الحنابلة: الوضوء (استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة وهي الوجه واليدين والرأس والرجلان، على صفة مخصوصة) (5) . - في معنى النقض: النقض في اللغة (6) إفساد الشيء بعد إحكامه، تقول: نقضت البناء إذا هدمته ونقضت الحبل إذا حللت برمه، ومن المجاز استعماله في المعاني كنقض العهد والوضوء. وأما في الاصطلاح الشرعي فالفقهاء متفقون على معنى نقض الوضوء وإن اختلفت عباراتهم، وهذا بعض منها: الحنفية: قال الإمام الخوارزمي في الكفاية (7) - تحت عنوان [فصل في نواقض الوضوء]-: ( ... والنقض متى أضيف إلى الأجسام يراد به إبطال تأليفها، ومتى أضيف إلى غيرها يراد به إخراجه عما هو المطلوب منه ... والمطلوب هنا من الوضوء استباحة الصلاة) . المالكية: قال الإمام البناني في حاشيته على الزرقاني (8) : (نقض الوضوء: رفع استمرار حكمه) . الشافعية: قال الإمام الأنصاري في أسنى المطالب (9) : (نواقض الوضوء يعني ما ينتهي به الوضوء) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 الحنابلة: قال الإمام ابن مفلح في المبدع (1) : (النواقض جمع ناقضة ... يقال: نقضت الشيء إذا أفسدته، فنواقض الوضوء مفسداته) . قلت: ويعبر بعض الفقهاء (2) عن النواقض بالموجبات أو المفسدات أو المبطلات أو الأحداث، واختلفوا في أي هذه الألفاظ أولى من الآخر (3) . في معنى الإبل: الإبل: بكسر الباء الجمال والنوق، لا واحد لها من لفظها؛ وهي مؤنثة لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لازم لها؛ وربما قالوا للإبل إبْل يسكنون الباء للتخفيف، والجمع آبال (4) . القائلون بالنقض: ذهب الظاهرية (5) ، والحنابلة في المعتمد (6) عندهم، والشافعي في القديم (7) ، إلى أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، وهو قول محمد بن إسحاق (8) ، وأبي خيثمة زهير بن حرب (9) ويحي بن يحي النيسابوري (10) ، وإسحاق بن راهويه (11) ، واختاره من الشافعية ابن خزيمة (12) ، وأبو ثور (13) ، وابن المنذر (14) ، والبيهقي (15) ، والنووي (16) ، ومن المالكية ابن العربي (17) . قال الإمام الخطابي في معالم السنن (18) (.. ذهب عامة أصحاب الحديث إلى إيجاب الوضوء من أكل لحم الإبل) . أدلة القائلين بالنقض: الدليل الأول: ما أخرجه الإمام مسلم (19) – وغيره (20) – في صحيحه بسنده عن جابر بن سمرة (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتوضأ من لحم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ، قال: أتوضأ من لحم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحم الإبل، قال أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا) . الدليل الثاني: ما أخرجه الإمام أبو داود (21) – وغيره (22) – في سننه بسنده عن البراء بن عازب قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 الإبل، فقال: توضؤوا منها، وسئل عن لحم الغنم فقال: لا تتوضؤوا منها، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها، فإنها بركة) . درجة الحديثين: هذان الحديثان صحيحان كما نص على ذلك أهل العلم بالحديث وإليك بعض أقوالهم. 1 – قال الإمام أحمد بن حنبل: (فيه حديثان صحيحان، حديث البراء وحديث جابر بن سمرة) (1) . 2 – قال الإمام إسحاق بن راهويه: (صح في هذا الباب حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث البراء وحديث جابر بن سمرة) (2) . 3 – قال الإمام أبو بكر محمد خزيمة في صحيحه (3) عقب حديث جابر بن سمرة: (لم نر خلافاً بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل) ، وقال عقب حديث البراء: ( … ولم نر خلافاً بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر أيضا صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه) (4) . 4 – قال الإمام أبو بكر ابن المنذر في كتابه الأوسط (5) : (والوضوء من لحوم الإبل يجب، لثبوت هذين الحديثين وجودة إسنادهما) . 5 – قال الإمام البيهقي في معرفة السنن والآثار (6) : (.. وقد صح فيه حديثان عند أهل العلم بالحديث: أحدهما جابر ن سمرة … . والحديث الآخر حديث البراء بن عازب) . قلت: وقد صحح أحاديث النقض غير هؤلاء الأئمة ابن حبان (7) ، والنووي (8) ، وابن العربي المالكي (9) ، وابن تيمية (10) ، وابن القيم (11) ، والألباني (12) ، وغيرهم. وجه الدلالة (13) : إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، والأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف – كما هو مقرر عند عامة الأصوليين (14) - وإنما يجب الوضوء عند الانتقاض. ونوقش هذا الدليل بالمناقشات التالية: المناقشة الأولى: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 إن الدليل منسوخ بما أخرجه أبو داود في سننه (1) بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلي الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) . قال الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار (2) : ( … وقد روينا في الباب الأول في حديث جابر أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار، فإذا كان ما تقدم منه هو الوضوء مما مست النار، وفي ذلك لحوم الإبل وغيرها، كان في تركه ذلك ترك الوضوء من لحوم الإبل) . وقال الإمام النووي في المجموع (3) : (وأجاب الأصحاب عن حديث جابر بن سمرة والبراء بجوابين أحدهما أن النسخ بحديث جابر كان آخر الأمرين … ) . وقال ابن قاسم في حاشيته على تحفة المحتاج (4) : ( … الجواب الشافي وهو جواب الأصحاب بنسخهما بحديث جابر وكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) . وقال في المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (5) : ( … وأقوى أجوبة القائلين بعدم النقض الجواب بالنسخ … ) . وردت هذه المناقشة بالآتي: الرد الأول: إن النسخ في أصل المسألة (نسخ الوضوء مما غيرت النار) غير مسلم به، يقول العلامة ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين (6) : الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 ( … أُمِرْنا بالوضوء مما مست النار إما إيجاباً منسوخاً وإما استحباباً غير منسوخ، وهذا الثاني أظهر لوجوه منها: أن النسخ لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع بين الحديثين، ومنها أن رواة أحاديث الوضوء بعضهم متأخر الإسلام كأبي هريرة، ومنها أن المعنى الذي أمرنا الوضوء لأجله منها هو اكتسابها من القوة النارية وهي مادة الشيطان التي خلق منها والنار تطفأ بالماء، وهذا المعني موجود فيها، وقد ظهر اعتبار نظيره في الأمر بالوضوء من الغضب، ومنها أن أكثر ما مع من ادعى النسخ أنه ثبت في أحاديث صحيحة كثيرة أنه صلى الله عليه وسلم أكل مما مست النار ولم يتوضأ، وهذا إنما يدل على عدم وجوب الوضوء لا على عدم استحبابه، فلا تنافي بين أمره وفعله، وبالجملة فالنسخ إنما يصار إليه عند التنافي، وتحقق التاريخ، وكلاهما منتف) . الرد الثاني: إن النسخ لا يتحقق عند العلماء إلا بشروط من أهمها تحقق تأخر الناسخ عن المنسوخ، وتعارض الناسخ مع المنسوخ، وهذان الشرطان غير متحققين في مسألتنا. أما الشرط الأول وهو تأخر الناسخ عن المنسوخ فهو غير متحقق للآتي: 1 - لم يأت دعاة النسخ بدليل على تأخر حديث جابر بن عبد الله (كان آخر الأمرين … ) عن حديث جابر بن سمرة وغيره (توضؤوا من لحم الإبل … ) … فهل يثبت تأخر الناسخ عن المنسوخ بمجرد الدعوى؟ . 2 - إن الدليل المدعى نسخه نفسه يدل على عدم صحة الدعوى، يوضح ذلك الإمام ابن قدامة في المغني (1) بقوله: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 (الأمر بالوضوء من لحوم الإبل متأخر عن نسخ الوضوء مما مست النار أو مقارن له بدليل أنه قرن الأمر بالوضوء من لحم الإبل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم وهي مما مست النار، فإما أن يكون النسخ حصل بهذا النهي، وإما أن يكون بشيء قبله، فإن كان به والأمر بالوضوء من لحوم الإبل مقارن لنسخ الوضوء مما غيرت النار، فكيف يجوز أن يكون منسوخاً به؟ ومن شروط النسخ تأخر الناسخ، وإن كان الناسخ قبله لم يجز أن ينسخ بما قبله) . وأجيب باحتمال أن يكون حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما جاء أولاً فأمروا بالوضوء من لحوم الإبل ثم أمروا بعد ذلك بالوضوء مما مسته عموماً ثم نسخ ذلك بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وما شابهه (1) . ورد بأن النسخ لا يبنى على الاحتمالات بل من شروطه كما ذكرنا العلم بتأخر الناسخ عن المنسوخ. وأما الشرط الثاني وهو التعارض بين الناسخ والمنسوخ فغير متحقق للآتي: أولاً: إن الدليل المدعى فيه النسخ (توضؤوا من لحوم الإبل … ) يقرر نفس ما يقرره الدليل الناسخ – عندكم – وهو أن الوضوء مما مست النار غير واجب، وذلك لأن في حديث الوضوء من لحم الإبل (وسئل عن لحوم الغنم فقال: لا تتوضؤوا منها) وفي الرواية الأخرى (أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ) . أما إيجاب الوضوء من لحم الإبل فهذا أمر آخر لا يتعلق بأكل ما مست النار بل هو متعلق بذات لحم الإبل وعينه، فالحديث علق الوجوب بذات لحم الإبل (أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل) أي أن الحديث جعل أكل لحم الإبل ذاته سبباً في إيجاب الوضوء، ولذلك فإنه ينقض الوضوء مطبوخاً (مسته النار) ونيئاً (لم تمسه النار) . (2) ورد بأن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل محمول على أكله مطبوخاً – ما غيرته النار – لأنه الغالب المعهود (3) ، والوضوء مما غيرته النار منسوخ كما ذكرنا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 وأما قولكم إن لحم الإبل هو الموجب للوضوء سواء غيرته النار أم لم تغيره فلا يسلم به لأنه يلزم منه أن يجعل الدليل شاملاً للأكل والمس أيضاً، فلحم الإبل كما أنه غير مقيد بكونه مطبوخاً فانه غير مقيد بالأكل، فإذا جعلتموه شاملاً للمطبوخ والنيء لزم أن تجعلوه شاملاً للأكل والمس، ولم يقل أحد بنقض الوضوء من مس لحم الإبل (1) . وأجيب بالآتي: 1 - إن الدليل جاء بصيغة العموم (فتوضأ من لحوم الإبل) إذ هو جمع أضيف إلى معرفة (2) ، وهذا يقتضي أن يعم كل لحم للإبل سواء كان مطبوخاً أو غير مطبوخ. 2- إذا سلمنا أن الغالب المعهود في أكل لحم الإبل أن يكون مطبوخاً فان سياق الدليل اشتمل على قرينة تخرجه عن الغالب المعهود، ألا وهي أن لحم الغنم مثل لحم الإبل، أي أن الغالب المعهود في أكله أن يكون مطبوخاً، وقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء من لحم الإبل ولم يأمر به من لحم الغنم فكان هذا قرينة على أن سبب الأمر بالوضوء من لحم الإبل هو ذات اللحم وعينه لا كونه مطبوخاً مسته النار وإلا لكان هو ولحم الغنم سواء في الحكم لاشتراكهما في مسيس النار. 3 - الإلزام بجعل الدليل شاملاً للمس كما هو شامل للأكل بحجة أنه غير مقيد بالأكل قياساً على جعله شاملاً للنيء والمطبوخ بحجة أنه غير مقيد بالطبخ غير مسلم به لأمرين. أ – ما تقرر في الأصول (3) من أن الأعيان لا توصف بالحل والحرمة والوجوب.. وإنما يوصف الفعل المتعلق بها، فإذا وصفت بذلك أضيف الوصف إلى الفعل المتعلق بها عادة وعرفاً، كما قي قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم ((4) أي حرم عليكم نكاحهن، وقوله تعالى (حرمت عليكم الميتة ((5) أي حرم عليكم أكلها، وهكذا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 والفعل المتعلق بإيجاب الوضوء من اللحم عادة وعرفاً هو الأكل لا اللمس أو غيره، وهذا ما فهمه عامة علماء المسلمين من الدليل فاختلفوا بين قائل بالنقض من أكل لحم الإبل وقائل بعدم النقض من الأكل لا غيره من اللمس والنظر ونحوه، وهذا ما فهمه عامة الصحابة والمسلمين من حديث (توضؤوا مما مست النار) (1) فاختلفوا بين قائل بالنقض من أكل ما مسته النار وبين قائل بعدم النقض من أكل ما مسته النار (2) . ب- إننا لم نجعل لحم الإبل شاملاً للنيء والمطبوخ لمجرد أنه غير مقيد بالطبخ كما تقررون بل لما سبق ذكره من العموم والقرينة. ثانيا: إن الدليل الناسخ – حسب دعواكم – من باب الفعل النبوي (3) ، وقد اختلف الأصوليون في حكاية الصحابي لفعل النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ ظاهره العموم هل تفيد العموم أو لا تفيده؟ على قولين رئيسين: الأول: تفيد العموم (4) . الثاني: لا تفيد العموم (5) . قلت: وعلى أي من هذين القولين فإن التعارض الذي يحوج إلى القول بالنسخ منتف، وإليك تفصيل ذلك. القول الأول (إفادة العموم) قال الشيخ محمود السبكي عند شرحه لحديث جابر رضي الله عنه (كان آخر الأمرين..) في كتابه المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (6) . (.. ولما كان لحم الإبل فرداً مما مسته النار وقد نسخ وجوب الوضوء منه بجميع أفراده فاستلزم نسخ وجوبه من لحم الإبل، فما قاله النووي (7) من أن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص، والخاص مقدم على العام مندفع بأنا لا نسلم أن نسخه لكونه خاصاً، بل لأنه فرد من أفراد العام الذي نسخ، وإذا نسخ العام الذي هو وجوب الوضوء مما مست النار نسخ كل فرد من أفراده ومنه لحم الإبل … ) . وأجيب بأنه لا تعارض من وجهين: 1- إن الأمر بالوضوء من لحم الإبل لذاته وليس لأنه من مما مسته النار ولذا ينقض مطبوخاً ونيئاً كما بينا سابقاً. يقول الإمام ابن قدامه في المغني (8) : الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 (إن أكل لحوم الإبل إنما نقض لكونه من لحوم الإبل لا لكونه مما مست النار، ولهذا ينقض وإن كان نيئاً، فنسخ إحدى الجهتين لا يثبت به نسخ الجهة الأخرى، كما لو حرمت المرأة للرضاع ولكونها ربيبة، فنسخ التحريم بالرضاع لم يكن نسخاً لتحريم الربيبة) . 2- لو سلمنا جدلاً بأن الأمر بالوضوء من أكل لحم الإبل لكونه مما مسته النار، وسلمنا بالعموم في حديث جابر بن عبد الله رصي الله عنه فإنه لا تعارض يحوج إلى النسخ بل الجمع ممكن لأن دليلكم عام ودليل النقض بلحم الإبل خاص، والخاص يقدم على العام سواء كان قبله أو بعده (1) على رأي جمهور الأصوليين (2) . قلت: أما ما قاله صاحب المنهل العذب المورود في تعقيبه السابق على الإمام النووي من أن نسخ الوضوء بأكل لحم الإبل ليس لكونه خاصاً بل لكونه فرداً من أفراد العام الذي نسخ فكلام غريب حقاً لأن التخصيص كما يقرر الأصوليون (3) هو إخراج بعض ما كان داخلاً تحت العموم على تقدير عدم المخصص، أو بيان أن بعض مدلول اللفظ غير مراد بالحكم. وهذا يقتضي إخراج لحم الإبل من أفراد العام (ما مسته النار) الذي حكم فيه بعدم النقض. القول الثاني (عدم إفادة العموم) قال العلامة ابن القاسم في حاشيته (4) على تحفة المحتاج - معلقاً على قول صاحب التحفة (5) عندما اعترض على أصحابه الشافعية القائلين بعدم النقض فقال: (ونوزعوا بأن فيه حديثين صحيحين ليس عنهما جواب شاف) -: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 (أقول هذا ممنوع بل عنهما الجواب الشافي وهو جواب الأصحاب بنسخهما بحديث جابر وكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار، وأما اعتراض النووي عليه بأن هذا الجواب ضعيف أمر باطل لأن حديث ترك الوضوء مما مسته النار عام وحديث الوضوء من لحم الجزور خاص والخاص مقدم على العام تقدم أو تأخر اه‍، فهو اعتراض باطل فإن هذين الحديثين ليسا من العام والخاص اللذين يقدم منهما الخاص مطلقاً، إذ عبارة جابر لم يحكها النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكونا من ذلك، وإنما هي من عند نفسه بين بها ما عرفه من حال النبي صلى الله عليه وسلم وما استقر عليه أمره وذلك صريح في النسخ واطلاعه على تركه عليه الصلاة والسلام الوضوء مما غيرت النار مطلقاً، وهذا في غاية الوضوح للمتأمل، فجواب الأصحاب في غاية الاستقامة والظهور) . وأجيب بالآتي: 1- لو سلمنا جدلاً أن حديث جابر بن عبد الله صريح في النسخ فإنما هو نسخ للوضوء من أكل ما مسته النار، وقد ذكرنا سابقاً أن الوضوء من أكل لحم الإبل لذاته لا لكونه مما مسته النار، وهذا ظاهر لأن حديث الأمر بالوضوء من أكل لحم الإبل تضمن عدم وجوب الوضوء من أكل لحم الغنم و ےهو مما مسته النار. 2- إنه ليس في حديث جابر بن عبد الله ما يدل على نسخ الوضوء مما مسته النار صراحة كما تدعون، بل هو قضية عين وحكاية لفعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترك في آخر الأمر الوضوء مما مسته النار، وكل ما تدل عليه أن أكل ما مسته النار لا يوجب الوضوء (1) . يوضح ما قلناه ما ذكره ابن أبي حاتم في كتابه علل الحديث (2) حيث قال: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 (سألت أبي عن حديث رواه على بن عياش عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: كان آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، فسمعت أبي يقول: هذا حديث مضطرب المتن، إنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ولم يتوضأ، وكذا رواه الثقات عن ابن المنكدر عن جابر، ويحتمل أن يكون شعيب حدث به من حفظه فوهم فيه) . وقد فصل ابن حبان في صحيحه القول في هذا فقال (1) بعد ذكر حديث شعيب بن أبي حمزة السابق: (هذا خبر مختصر من حديث طويل اختصره شعيب ابن أبي حمزة متوهماً لنسخ إيجاب الوضوء مما مست النار مطلقاً، وإنما هو نسخ لإيجاب الوضوء مما مست النار خلا لحم الجزور فقط) . ثم عنون ابن حبان بعد ذلك بقوله (2) : (ذكر الخبر المقتضي للفظة المختصرة التي ذكرناها: ] 1132 [أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا أبو علقمة (3) عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة المديني، قال: حدثني محمد بن المنكدر عن جابر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل طعاماً مما مست النار ثم صلى قبل أن يتوضا، ثم رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل طعاماً مما مسته النار ثم صلى قبل أن يتوضأ) ثم عنون ابن حبان بعد ذلك في صحيحه (4) فقال: (ذكر البيان بأن هذا الطعام الذي لم يتوضأ صلى الله عليه وسلم من أكله كان لحم شاة لا لحم إبل. ] 1134 [أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال حدثنا الحسن بن خزعة، قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، قال: حدثنا أيوب (5) عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: دعت امرأة من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاة فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فحضرت الصلاة فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عاد إلى بقيتها فأكلوا، فحضرت العصر فلم يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم … الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 الرد الثالث: إن القرائن التي تحف بالدليل المدعى نسخه تؤكد عدم النسخ ومن ذلك: 1- إن الدليل أمر بالوضوء من أكل لحم الإبل ولم يأمر به في لحم الغنم مع أنه لا فرق بينهما، فلو كان هناك نسخ بسبب مس النار لساوى بينهما. (1) 2- إن الدليل يدل على أن أكل ما مسته النار لا ينقض الوضوء حيث خير النبي صلى الله عليه وسلم السائل في الوضوء من لحم الغنم بين الفعل والترك، وهذا هو نفس ما يدل عليه الدليل الناسخ عندكم، فكيف يكون دليلنا منسوخاً؟ . 3- إن الدليل إذا كان منسوخاً لأنه من باب ما مسته النار – كما تقررون – فإن هذا يقتضي أن ينسخ شطر الحديث – عدم الأمر بالوضوء من لحم الغنم – شطره الآخر - الأمر بالوضوء من لحم الإبل – وهذا غير ممكن. 4- إن الدليل أمر بالوضوء من لحم الإبل مع نهيه عن الصلاة في مباركها في سياق واحد مع ترخصه في ترك الوضوء من لحم الغنم وإذنه في الصلاة في مرابضها، أي أن الإبل اختصت بوصف قابلت به الغنم واستوجبت لأجله فعل التوضؤ وترك الصلاة، وهذا الحكم باق ثابت في الصلاة فكذلك ينبغي أن يكون في الوضوء (2) . المناقشة الثانية: إن المراد بالوضوء في الدليل غسل اليدين والفم (الوضوء اللغوي) (3) لما يأتي: أولا: الجمع بين الأحاديث الدالة على ترك الوضوء مما غيرت النار (4) وبين دليلكم الذي يأمر بالوضوء من أكل لحم الإبل، قال العلامة القرافي في الذخيرة (5) : (أكل ما مسته النار أو شربه لا يوجب وضوءاً خلافاً لأحمد في لحوم الإبل … لما في الموطأ (6) أنه عليه السلام أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ، وأما الأحاديث الواردة في الوضوء فمحمولة على الوضوء اللغوي جمعاً بين الأحاديث) . وأجيب بما سبق من أنه لا تعارض بين دليلنا الذي يوجب الوضوء من أكل لحم الإبل وبين الأدلة الدالة على ترك الوضوء مما مستهالنار – كما بينا (7) سابقاً – فلا حاجة للجمع أصلاً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 ثانياً: إن إطلاق الوضوء على غسل اليدين استعمال شائع في عرف الشرع، قال في رأب الصدع (1) : ( … حديث جابر بن سمرة والبراء متأولان على معنى النظافة ونفي الزهومة … وذلك استعمال شايع في عرف الشرع. أقول: ولا يلتفت إلى القول بأن الوضوء في عرف الشرع إنما يطلق على غسل جميع أعضاء الوضوء، إذ يطلق في عرف الشرع على غسل اليدين، قال في النهاية (2) : الوضوء قد يراد به غسل بعض الأعضاء) . ومن الأدلة على هذا الاستعمال (3) ما يلي: ما أخرجه الترمذي في جامعه (4) بسنده عن عِكْراش بن ذؤيب وفيه (.. ثم أتينا بماء فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه، وقال: يا عكراش هذا الوضوء مما غيرت النار) . ما أخرجه البيهقي في سننه (5) بسنده عن معاذ بن جبل أنه قال: (ليس الوضوء من الرعاف والقيء ومس الذكر وما مست النار بواجب فقيل له: إن أناساً يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: توضؤوا مما مست النار، فقال: إن قوماً سمعوا ولم يعوا، كنا نسمي غسل اليد والفم وضوءاً وليس بواجب، وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين أن يغسلوا أيديهم وأفواههم مما مست النار وليس بواجب) . ما أخرجه الترمذي في جامعه (6) بسنده عن سلمان الفارسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده) . ما أخرجه الطبراني في الأوسط بسنده عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الوضوء قبل الطعام وبعده مما ينفي الفقر وهو من سنن المرسلين. (7) ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من قوله (توضؤوا من اللبن فإن له دسما) . (8) قلت: وقد بحثت عن هذا الحديث بهذا اللفظ في المصادر الحديثية المتوفرة عندي فلم أجده. (9) ... وأجيب بالآتي: أ- لا يسلم لكم أن إطلاق الوضوء على غسل اليدين استعمال شائع في عرف الشرع لسببين: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 الأول: الأدلة التي سيقت للدلالة على هذا الاستعمال غير ثابتة كما رأينا فلا حجة فيها. الثاني: حديثا سلمان ومعاذ رضي الله عنهما ليس فيهما ما يدل على الدعوى، بل هو استدلال بمكان النزاع، إذ كيف يفسر فيهما الوضوء الذي جاء مطلقاً أن المقصود به الوضوء اللغوي؟ . وحديث الوضوء من اللبن لم يثبت بلفظ الوضوء بل ثبت كما رأينا عند البخاري وغيره بلفظ المضمضة. وأما حديثا معاذ وعكراش رضي الله عنهما فهما صريحان في تفسير الوضوء مما مست النار بالوضوء اللغوي ولكنهما – مع ضعفهما سنداً – يخالفان ما ثبت عن جمع من الصحابة (1) والتابعين وعامة فقهاء الأمة من أن الوضوء مما غيرت النار يقصد به الوضوء الشرعي لا اللغوي. (2) قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (3) : (وذهب بعض من تكلم في تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قوله عليه السلام توضؤوا مما مست النار أنه عني به غسل اليد لأن الوضوء مأخوذ من الوضاءة وهي النظافة، فكأنه قال: فنظفوا أيديكم من غمر (4) ما مست النار، ومن دسم ما مست النار، وهذا لا معنى له عند أهل العلم ولو كان كما ظن هذا القائل لكان دسم ما لم تمسه النار، وودك (5) ما لم تمسه النار لا يتنظف منه، ولا تغسل منه اليد، وهذا لا يصح عند ذي لب. وتأويله هذا يدل على ضعف نظره، وقلة علمه بما جاء عن السلف في هذه المسألة) . ب- إن إطلاق لفظ الوضوء على الوضوء للصلاة في استعمال الشارع هو من باب الحقيقة الشرعية للآتي: إنه لفظ استعمل في ما وضع له بوضع الشارع. (6) إنه هو المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق، وهذه علامة الحقيقة (7) . إن التأويل – وقد أقرَّبه المخالفون – لا يكون إلا على خلاف الأصل (الوضوء الشرعي) . قال الإمام الخطابي في معالم السنن (8) : ( … وأما عامة الفقهاء فمعني الوضوء عندهم متأول على الوضوء الذي هو النظافة ونفي الزهومة … ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 وإذا كان الوضوء للصلاة من باب الحقيقة الشرعية فإنه عند الإطلاق يصرف إلى المعنى الشرعي لا اللغوي ما لم يوجد دليل يصرفه إلى المعنى اللغوي (1) . (إنه لا يطلق الوضوء في الشريعة إلا لوضوء الصلاة فقط، وقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إيقاع هذه اللفظة على غير الوضوء للصلاة، كما رويناه (2) من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث عن ابن عباس قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء من الغائط وأتى بطعام، فقيل: ألا تتوضأ؟ فقال عليه السلام لم أصلى فأتوضأ) (3) . ثالثاً- إن النبي عليه السلام لو أراد في الحديث الوضوء للصلاة لقال كما قال (4) : من جامع ولو يمن فليتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره (5) . وأجيب بالآتي: أ- إن قولكم يقتضي أن ما جاء بلفظ الوضوء في الأحاديث النبوية غير مقيد بهذا القيد فانه لا يحمل على الوضوء الذي للصلاة (الشرعي) ، وهذا لا يقول به أحد لأن غالب أحكام الوضوء جاءت في أحاديث مطلقة من القيد السابق. ب- إن هذا القيد كان منه عليه الصلاة والسلام قبل استقرار وانتشار المعنى الشرعي للوضوء (في أول الإسلام) ، يؤكد ذلك ما أخرجه الإمام ابن خزيمة (6) وغيره بسنده عن أبي بن كعب قال: إن الفتيا التي كانوا يقولون (الماء من الماء) رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام ثم أمر بالغسل بعدها) . ج‍- ما سبق من أن لفظ الوضوء حقيقة شرعية في الوضوء الذي للصلاة فلا يعدل عنه عند الإطلاق إلا بدليل. رابعاً- إن النبي صلى الله عليه وسلم (قال صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل، وليس ذلك من أجل أن بين الأمرين فرقاً في باب الطهارة والنجاسة لأن الناس على أحد قولين: أما قائل يرى نجاسة الأبوال كلها، أو قائل يرى طهارة بول ما يؤكل لحمه، والغنم والإبل سواء عند الفريقين في القضيتين معاً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 وإنما نهى عن الصلاة في مبارك الإبل لأن فيها نفاراً وشراداً لا يؤمن أن تتخبط المصلي إذا صلى بحضرتها أو تفسد عليه صلاته، وهذا المعنى مأمون من الغنم لما فيها من السكون وقلة النفار، ومعلوم أن في لحم الإبل من الحرارة وشدة الزهومة ما ليس في لحوم الغنم، فكان معنى الأمر بالوضوء منه منصرفاً إلى غسل اليد لوجود سببه دون الوضوء الذي هو من أجل رفع الحدث لعدم سببه) (1) . ويظهر لنا من هذا الدليل ما يلي: إن النهي عن الصلاة في معاطن الإبل والأمر بها في مرابض الغنم حكم معلل بالسكون في الغنم والنفار في الإبل. إن الأمر بالوضوء من لحم الإبل – في نفس الدليل – معلل مثله، والعلة فيه شدة الزهومة في لحم الإبل. إن العلة المذكورة – شدة الزهومة – تصرف الوضوء من معناه الشرعي (الوضوء للصلاة) إلى معناه اللغوي (النظافة) . وأجب بالآتي: عدم التسليم بالتعليل في الحكم الأول (النهي عن الصلاة في معاطن الإبل..) لأن الحكم تعبدي (2) ، يؤكد ذلك ما أخرجه أبو داود في سننه (3) عن البراء بن عازب قال: ( … وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشيطان، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها فإنها بركة) . لو سلمنا – جدلاً – بالتعليل المذكور في الصورة الأولى فظاهر أن الحكمين تعاكسا لتعاكس العلة، النفار في الإبل والسكون في الغنم، أما الصورة الثانية (الوضوء من لحم الإبل … ) فإن الزهومة علة مشتركة بين لحم الإبل والغنم فافترقت الصورتان. إن جعل إزالة الزهومة علة للأمر بالوضوء اللغوي (النظافة) يرده أن الشارع فرق في الحكم بين لحم الإبل ولحم الغنم فأمر بذلك في لحم الإبل ولم يأمر في لحم الغنم مع أن إزالة الزهومة (النظافة) مطلوبة في الحالين. يؤكد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه) (4) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 ولا يقال إن في لحم الإبل زيادة زهومة على لحم الغنم لأن ذلك لا يوجب اختصاص الإبل الحكم إذ أنه عليه السلام شرب لبناً فمضمض وقال إن له دسماً (1) ، وفي رواية ابن ماجه (2) : (إذا شربتم اللبن فمضمضوا فإن له دسماً) . (3) ومن هذا العرض للقرائن الصارفة للوضوء عن معناه الشرعي إلى معناه اللغوي والمناقشات الواردة عليها يتضح لنا ضعف هذه القرائن الصارفة وسقوطها، بل إن الدليل المؤول حفت به قرائن تؤكد إرادة المعنى الشرعي للوضوء وتنفي إرادة المعنى اللغوي، ونجمل هذه القرائن في الآتي: 1- إن راوي الدليل جابر بن سمرة رضي الله عنه فهم منه الوضوء الشرعي وهو أعلم بمعنى ما سمع. (4) أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (5) بسنده عن جابر بن سمرة قال: (كنا نتوضأ من لحوم الإبل، ولا نتوضأ من لحوم الغنم) . 2- إن الأمر للوجوب ما لم يصرفه صارف، فإذا حمل الوضوء على غسل الفم واليدين اقتضى ذلك وجوبه، ولا قائل به. (6) 3- إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الوضوء في سياق الصلاة مبيناً حكم الوضوء والصلاة في هذين النوعين، والوضوء المقرون بالصلاة هو وضوؤها لا غير. (7) 4- إن السائل إنما جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الوضوء الشرعي لا عن نظافة يديه وفمه بعد أكل لحم الإبل أو الغنم. 5- (إن الأمر بالتوضؤ من لحم الإبل: إن كان أمر إيجاب امتنع حمله على غسل اليد والفم، وإن كان أمر استحباب امتنع رفع الاستحباب عن لحم الغنم، والحديث فيه أنه رفع عن لحم الغنم ما أثبته للحم الإبل، وهذا يبطل كونه غسل اليد، سواء كان حكم الحديث إيجاباً أو استحباباً) . (8) المناقشة الثالثة: إن الأمر في الدليل محمول على الاستحباب، قال الإمام الماوردي في الحاوي (9) الكبير. ( … وهذا الحديث محمول على الاستحباب والإرشاد) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 وأجيب بأن ظاهر الأمر الوجوب عند جمهور الفقهاء (1) ، ولا يجوز الخروج عن هذا الظاهر إلا بقرينة صارفة تكون في قوة الظاهر أو أقوى منه، ولم يذكر أصحاب هذا التأويل هذه القرينة الصارفة، فيبقى الأمر على أصله من الوجوب (2) ، بل إن هذا الأمر حفت به قرائن تؤيد الظاهر وتؤكده، وتمنع هذا التأويل، ومن هذه القرائن ما يلي: 1 - إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن حكم الوضوء من لحم الإبل فأجاب بالأمر بالوضوء منه فلا يجوز حمله على غير الوجوب لأنه يكون تلبيساً على السائل لا جواباً (3) . 2 - إن الحكم ذكر في جواب السائل، والحكم في مثل هذا لا يفهم منه إلا الإيجاب، كالوضوء من الصوت والريح ومس الذكر (4) . 3 - إن الدليل فرق بين لحم الإبل ولحم الغنم، والنهي في لحم الغنم إنما أفاد نفي الإيجاب لا التحريم، فيجب أن يكون في لحم الإبل مفيداً للإيجاب ليحصل الفرق (5) . 4 - إن الوضوء مستحب في لحم الغنم – ليخرج من خلاف من قال بوجوب الوضوء مما مست النار – وقد نفاه الدليل في لحم الغنم وأثبته في لحم الإبل، فكيف يحمل الأمر على الاستحباب (6) ؟ . 5 - إن الدليل أثبت صفة في الإبل تقتضي الوضوء، والأصل في الأسباب المقتضية للوضوء أن نكون موجبة (7) . المناقشة الرابعة: إن أكل لحم الإبل مما يغلب وجوده فلو جعل حدثاً لوقع الناس في الحرج (8) . ونوقش الدليل بالآتي: 1 - لا يسلم لكم أن جعل أكل لحم الإبل حدثاً يؤدي إلى الحرج، إذ الواقع ينفي ذلك لأن الإنسان لا يأكل في العادة لحم الإبل (أو غيره من اللحوم) إلا مرة في اليوم أو مرتين على الأكثر، فإذا توضأ الإنسان بعد ذلك الأكل (مرة أو مرتين) فأين وجه الحرج؟. 2 - إن خروج البول حدثٌ بالإجماع يوجب الوضوء، وهو أكثر وجوداً من أكل لحم الإبل إذ الإنسان عادة ما يتبول أكثر من مرتين في اليوم، ومع ذلك لم يكن ذلك سبباً لإيقاع الناس في الحرج. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 3 - إن المشقة المعتادة لا تسمى حرجاً، قال الإمام الشاطبي في الموافقات (1) : ( … وأصل الحرج الضيق، فما كان من معتادات المشقات في الأعمال المعتادة فليس بحرج لغة ولا شرعاً) . وقال أيضاً: ( … حيث تكون المشقة الواقعة بالمكلف في التكليف خارجة عن معتاد المشقات في الأعمال العادية، حتى يحصل بها فساد ديني أو دنيوي، فمقصود الشارع فيها الرفع على الجملة … ولذلك شرعت فيها الرخص مطلقاً. وأما إذا لم تكن خارجة عن المعتاد، وإنما وقعت على نحو ما تقع المشقة في مثلها من الأعمال العادية، فالشارع وإن لم يقصد وقوعها فليس بقاصد لرفعها أيضاً، والدليل على ذلك أنه لو كان قاصداً لرفعها لم يكن بقاء التكليف معها، لأن كل عمل عادي أو غير عادي يستلزم تعباً وتكليفاً على قدره، قلَّ أو جلَّ، إما في نفس العمل المكلف به، وإما في خروج المكلف عما كان فيه إلى الدخول في عمل التكليف، وإما فيهما معاً، فإذا اقتضى الشرع رفع ذلك التعب كان ذلك اقتضاء لرفع العمل المكلف به من أصله، وذلك غير صحيح، فكان ما يستلزمه غير صحيح) (2) . المناقشة الخامسة: إن هذه الأحاديث آخبار آحاد وردت فيما تعم به البلوى ويغلب وجوده ولا يقبل خبر الواحد في مثله (3) . وأجيب بأن جمهور الفقهاء والأصوليين (4) لا يسلمون بهذه القاعدة بل يرون أن أحاديث الآحاد يعمل بها فيما تغم به البلوى كما يعمل بها في غيره مادامت شروط الصحة قائمة. إشكال ورده: والإشكال هو: أن الأمر في الحديث محمول على الإباحة، لأنه أمر بعد استئذان (5) . قال العلامة ابن اللحام في كتابه (القواعد والفوائد الأصولية) : (إذا فرعنا على أن الأمر المجرد للوجوب، فوجد أمر بعد استئذان فإنه لا يقتضي الوجوب، بل الإباحة، ذكره القاضي محل وفاق، قلت: وكذلك ابن عقيل … . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 إذا تقرر هذا فلا يستقيم قول القاضي وابن عقيل في استدلالهما على نقض الوضوء بلحم الإبل بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم، لما سئل عن التوضي من لحوم الإبل فقال: (نعم، فتوضأ من لحوم الإبل) . ومما يقوي الإشكال أن في الحديث الأمر بالصلاة في مرابض الغنم، وهو بعد سؤال، ولا يجب بلا خلاف … ) (1) . ثم أجاب ابن اللحام عن هذا الإشكال – بصيغة التمريض – بقوله: (وقد يقال: الحديث إنما ذكر فيه بيان وجوب ما يتوضأ منه، بدليل أنه لما سئل عن الوضوء من لحوم الغنم قال: (إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ) مع أن التوضي من لحوم الغنم مباح، فلما خير في لحم الغنم، وأمر بالوضوء من لحوم الإبل دل على أن الأمر ليس هو لمجرد الإذن بل للطلب الجازم، والله أعلم) (2) . قلت: ويمكن أن يعقب على هذا الإشكال بالتالي: إن الأصوليين مختلفون في دلالة الأمر (3) بعد الاستئذان فإذا كان بعضهم يذهب إلى الإباحة فإن الكثير منهم يقرر الوجوب (4) . 1 - إن جعل العلامة ابن اللحام الحديث (أتوضأ من لحوم الإبل؟ … ) من باب الأمر بعد الاستئذان غير ظاهر لي لأن الاستئذان طلب إباحة الشيء وإجازته، قال في المفردات (5) : (والإذن في الشيء إعلام بإجازته والرخصة فيه) . وقال في المصباح المنير (6) : (أذنت له في كذا: أطلقت له فعله) . وقال في لسان العرب (7) (أذن له في الشيء إذنا وأذيناً: أباحه له) . أقول: وهذا يقتضي – كما هو ظاهر – أن الشيء كان قبل الاستئذان محظوراً على المستأذن، أي أن الأمر بعد الاستئذان هو في معنى الأمر بعد الحظر، ولذا رأينا الأصوليين يقرنون (8) بين الأمر بعد الاستئذان والأمر بعد الحظر في الحكم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 أما ما جاء في الحديث (أتوضأ من لحوم الإبل؟ … ) فليس استئذاناً لأنه ليس طلباً للإباحة أو الإطلاق في أمر قد تقرر حظره على السائل قبل، بل هو أمر بعد سؤال السائل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الوضوء من لحم الإبل، والأمر بعد السؤال يقرره مقتضى السؤال أهو عن الوجوب أو الإباحة أو الإجزاء؟ كما قرر ذلك الإمام ابن قدامة (1) في المغني بقوله: ( … ومنها أن السائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يفعل ذلك أم لا؟ وجوابه يختلف باختلاف مقتضى سؤاله، فإن كان مقتضاه السؤال عن الإباحة فالأمر في جوابه يقتضي الإباحة، وإن كان السؤال عن الاجزاء فأمره يقتضي الاجزاء … وإن كان سؤالهم عن الوجوب فأمره يقتضي الوجوب كقولهم (أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: توضؤوا من لحوم الإبل … ) . القائلون بعدم النقض: ذهب الحنفية (2) ، والمالكية (3) ، والشافعية في الصحيح (4) عندهم، والزيدية (5) ، إلى أن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وهو رواية (6) عن الإمام أحمد، وقول سويد بن غفلة (7) ، ومجاهد (8) ، وعطاء (9) بن أبي رباح، وطاوس (10) ، وسفيان الثوري (11) ، وإبراهيم النخعي (12) ، والليث بن سعد (13) ، والأوزاعي (14) . أدلة القائلين بعدم النقض: الدليل الأول: ما أخرجه الإمام أبو داود (15) – وغيره (16) – في سننه بسنده عن جابر بن عبد الله قال (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ترك الوضوء مما غيرت النار) . درجته: صحح الحديث ابن خزيمة (17) والنووي (18) وأحمد (19) شاكر والألباني (20) . وجه الدلالة: إن لحم الإبل فرد من أفراد ما غيرت النار، والدليل يدل على نسخ وجوب الوضوء مما غيرت النار لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك في آخر الأمر الوضوء من أكل ما غيرت النار وهذا يستلزم أن لا يكون أكل لحم الإبل ناقضاً للوضوء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 قلت: وقد سبق رد دعوى النسخ هذه في المناقشة الأولى وبيان ما أورد على هذا الحديث من إشكال. الدليل الثاني: ما أخرجه البيهقي في سننه (1) من حديث ابن عباس مرفوعاً: (إنما الوضوء مما خرج وليس مما دخل) . وجه الدلالة: إن الدليل حصر نواقض الوضوء فيما يخرج من البدن نجساً ولا يوجد ذلك في أكل لحم الإبل لأنه داخل للبدن فلا يكون ناقضاً (2) . ونوقش الدليل بالآتي: إن الحديث المرفوع ضعيف من ناحية السند فلا حجة فيه، ولكنه ثبت موقوفاً من قول ابن عباس (3) وغيره. أ - لو سلمنا جدلاً بصحة الحديث فإنه لا يدل على الدعوى لما يلي: ب - إن حديث النقض بأكل لحم الإبل أخص منه والخاص يقدم على العام جمعاً بين الأدلة (4) . ج - إن حديث النقض أصح منه فيجب تقديمه عليه مع افتراض عدم إمكان الجمع (5) . د- إن الحديث محمول على غير لحم الإبل (6) ، وإنما هو في ترك الوضوء مما غيرت النار، وسياق الحديث في سنن البيهقي يشير إلى ذلك إذ جاء فيه: ( … عن ابن عباس أنه ذكر عنده الوضوء من الطعام … فقال: إنما الوضوء مما خرج وليس مما دخل) (7) ، ولهذا قال الإمام البيهقي في سننه (8) : (وروينا عن علي بن أبي طالب وابن عباس الوضوء مما خرج وليس مما دخل، وإنما قالا ذلك في ترك الوضوء مما مست النار) . الدليل الثالث: ما أخرجه البزار في مسنده (9) بسنده عن أبي بكر الصديق أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يتوضأن أحدكم من طعام أكله، حلّ له أكله) (10) . وجه الدلالة: إن الدليل نفى وجوب الوضوء من مطلق طعام مباح فدخل في ذلك لحم الإبل. ونوقش الدليل بالآتي: 1 - إن الحديث ضعيف (11) فلا حجة فيه. 2 - إن الدليل – على فرض صحته – عام ودليل النقض بلحم الإبل خاص فيقدم الخاص على العام كما هو مقرر في الأصول. الدليل الرابع (12) : إن عدم النقض قول جمهور الصحابة والخلفاء الراشدين الذين أمرنا (13) باتباعهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 ونوقش الدليل بالآتي: 1 - إن هذه دعوى تحتاج إلى دليل، إذ أين النقل الصحيح في ذلك عن جمهور الصحابة والخلفاء الراشدين (1) ؟ 2 - إن من نقل ذلك عنهم كالإمام النووي رحمه الله كان واهماً. ... يقول الإمام ابن تيمية في القواعد النورانية (2) . ( … وأما من نقل عن الخلفاء الراشدين أو جمهور الصحابة خلاف هذه المسائل وأنهم لم يكونوا يتوضؤون من لحوم الإبل فقد غلط عليهم، وإنما توهم ذلك لما نقل عنهم أنهم كانوا لا يتوضؤون مما مست النار، وإنما المراد أن كل ما مس النار ليس هو سبباً عندهم لوجوب الوضوء، والذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الوضوء من لحم الإبل ليس سببه مس النار … ) . قال المحدث الألباني في تمام (3) المنة معقباً على ما ذكره ابن تيمية: (قلت: ويؤيد ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الطحاوي –1/41-، والبيهقي –1/157- رويا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنا أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب أكلا خبزاً ولحماً فصليا ولم يتوضيا، ثم أخرجا نحوه عن عثمان، والبيهقي عن علي. فأنت تري أنه ليس في هذه الآثار ذكر للحم الإبل البتة، وإنما ذكر فيها اللحم مطلقاً وهذا لو كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجب حمله على غير لحم الإبل دفعاً للتعارض، فكيف وهو عن غيره صلى الله عليه وسلم، فحمله على غير لحم الإبل واجب من باب أولى، حملاً لأعمالهم على موافقة الشريعة لا على مخالفتها، ولذلك أورد الطحاوي والبيهقي هذه الآثار في باب الوضوء مما مست النار … ) . 3 - إن الآثار التي رويت عن بعض الصحابة والتي تدل على عدم النقض ضعيفة وهي: أ- ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفة (4) قال (حدثنا وكيع عن سفيان عن جابر عن أبي سبرة النخعي أن عمر بن الخطاب أكل لحم جزور ثم قام فصلى ولم يتوضأ) ، وهذا إسناد ضعيف (5) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 ب- ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (1) قال: (حدثنا وكيع عن شريك عن جابر عن عبد الله بن الحسن أن علياً أكل لحم جزور ثم صلى ولم يتوضأ) وهذا إسناد ضعيف (2) . ج- ما أخرجه البيهقي في سننه (3) بسنده عن أبي جعفر قال: (أتي ابن مسعود بقصعة من الكبد والسنام ولحم الجزور فأكل ولم يتوضأ، وهذا منقطع موقوف) . د- ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (4) قال (حدثنا عائذ (5) بن حبيب عن يحي (6) بن قيس قال: رأيت ابن عمر أكل لحم جزور وشرب لبن الإبل وصلى ولم يتوضأ) (7) . 4- إن المنقول عن الصحابة رضوان الله عليهم بسنده صحيح خلاف ذلك فقد أخرج ابن شيبة في مصنفه (8) بسند صحيح (9) عن جابر بن سمرة قال: (كنا نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم) . ومعناه: أي كنا جماعة الصحابة نفعل ذلك، لأن الظاهر أن الضمير يعود للجميع فيدل على فعل الجماعة دون بعضهم، فيكون حجة لأنه إجماع (10) . قال الإمام الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام (11) : (إذا قال الصحابي: كنا نفعل كذا، وكانوا يفعلون كذا … فهو عند الأكثر محمول على فعل الجماعة دون بعضهم، خلافاً لبعض الأصوليين. ويدل على مذهب الأكثر أن الظاهر من الصحابي أنه إنما أورد ذلك في معرض الاحتجاج، وإنما يكون ذلك حجة أن لو كان ما نقله مستنداً إلى فعل الجميع، لأن فعل البعض لا يكون حجة على البعض الآخر، ولا على غيرهم. فان قيل: لو كان ذلك مستنداً إلى فعل الجميع لكان إجماعاً، ولما ساغ مخالفته بطريق الاجتهاد فيه، حيث سوغتم ذلك دل على عوده إلى البعض دون الكل. قلنا: تسويغ الاجتهاد فيه إنما كان لأن اضافة ذلك إلى الجميع وقع ظناً لا قطعاً، وذلك كما يسوغ الاجتهاد فيما يرويه الواحد من الألفاظ القاطعة في الدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لما كان طريق اتباعه ظنياً، وإن كان لا يسوغ فيه الاجتهاد عند ما إذا ثبت بطريق قاطع) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 الدليل الخامس: القياس على البقر والغنم بجامع أن الجميع حيوان، قال القاضي عبد الوهاب في الإشراف على مسائل الخلاف (1) : (ولأنه حيوان فلم يجب بأكله الوضوء كالبقر والغنم) . الدليل السادس: القياس على الخبز ونحوه بجامع أنه مأكول، قال القاضي عبد الوهاب في المعونة (2) : (ولأنه مأكول فأشبه الخبز) . الدليل السابع: القياس على لحم الضأن بجامع أنه لحم، قال الإمام الباجي في المنتقى (3) : (لحم فلم يجب بأكله وضوء كلحم الضأن) . وأجيب عن هذه الأقيسة بالآتي: 1 - منع التعليل في الفرع لأن حكمه تعبدي غير معلل، قال الإمام الكلوذاني في الانتصار (4) : ( … الطهارة تعبد شرعي لا يعقل معناه فوقف على ما شرعه الشرع فيه) ، وقال الإمام الفتوحي في معونة أولي النهى (5) ( … الصحيح من المذهب أن الوضوء من لحم الإبل تعبدي وعليه الأصحاب) . 2 - لو سلمنا بأن الحكم معلل (6) فإن هذا القياس فاسد لأنه يصادم نصاً خاصاً فلا عبرة به، يقول العلامة ابن القيم في أعلام الموقعين (7) : ( … الشارع فرق بين اللحمين، كما فرق بين المكانين، … … فأمر بالصلاة في مرابض الغنم دون أعطان الإبل، وأمر بالتوضؤ من لحوم الإبل دون الغنم، كما فرق بين الربا والبيع والمزكى والميتة، فالقياس الذي يتضمن التسوية بين ما فرق الله بينه من أبطل القياس وأفسده) . 3- إنه قياس مع الفارق لأن في الفرع (لحم الإبل) قوة شيطانية نارية غير موجودة في الأصل (الخبز ولحم الضأن وغيره من المأكولات المباحة) ، والوضوء يطفئ تلك القوة الشيطانية النارية. يقول العلامة ابن القيم في أعلام الموقعين (8) : الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 ( … وقد جاء أن على ذروة كل بعير شيطان (1) ، وجاء أنها جن خلقت من جن (2) ، ففيها قوة شيطانية، والغاذي شبيه بالمغتذى، ولهذا حرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، لأنها دواب عادية، فالا غتذاء بها يجعل في طبيعة المغتذي من العدوان ما يضره في دينه، فإذا اغتذى من لحوم الإبل وفيها القوة الشيطانية، والشيطان خلق من نار، والنار تطفأ بالماء، وهكذا جاء الحديث، ونظيره الحديث الآخر (3) (إن الغضب من الشيطان فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) ، فإذا توضأ العبد من لحوم الإبل كان في وضوئه ما يطفئ تلك القوة الشيطانية فتزول تلك المفسدة) . 4- إنه قياسي طردي (4) فاسد، قال الإمام ابن قدامة في المغني (5) : (وقياسهم فاسد، فإنه طردي لا معنى فيه، وانتفاء الحكم في سائر المأكولات لانتفاء المقتضى لا بكونه مأكولاً فلا أثر لكونه مأكولاً (6) ووجوده كعدمه) . الدليل الثامن: إن أكل لحم الإبل نوع من الانتفاع به، والانتفاع بلحم الإبل من بيع وغيره لا يوجب الوضوء. قال القاضي عبد الوهاب في الإشراف (7) : (ولأن الأكل نوع من الانتفاع به فلم يجب به وضوء، أصله البيع وغيره) . وأجيب بالآتي: 1 - ما سبق من أن الحكم تعبدي ولا مدخل للقياس فيه. 2 - ما سبق من أن القياس هنا فاسد لمصادمته للنص الخاص. 3 - الفرق الظاهر بين الانتفاع بالبيع والإجارة والهبة ونحوها وبين الانتفاع بالأكل، فقد أباح الشرع للرجل الانتفاع ببيع الذهب والحرير ولم يبح له الانتفاع بلبسهما، وأباح للمسلم الانتفاع بجلد الميتة بعد دبغه ولم يبح له الانتفاع بأكل لحم الميتة. • • • الخاتمة: بعد هذا العرض لآراء الفقهاء وأدلتهم ومناقشاتهم يتضح لنا رجحان القول بنقض الوضوء من أكل لحم الإبل للآتي: صحة أدلة القائلين بالنقض وظهور دلالتها على محل الحكم. ضعف أدلة القائلين بعدم بالنقض لورود المناقشات القوية عليها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 ضعف المناقشات الواردة على أدلة القائلين بالنقض لورود الأجوبة القوية عليها. فعل ذلك من عامة الصحابة أو أكثرهم على ما بينا سابقاً (1) . إن أدلة النقض النقلية خاصة وأدلة عدم النقض النقلية عامه، والخاص مقدم على العام كما هو مقرر في الأصول (2) . إن أدلة النقض قولية وأدلة عدم النقض فعلية، والقول مرجح على الفعل (3) . إن القول بالنقض إثبات للحكم والقول بعدم النقض نفي، والمثبت مقدم على النافي (4) . إن القول بالنقض موافق للقياس الصحيح على ما بينا سابقاً (5) . إن القول بالنقض هو الأحوط للمسلم وأبرأ لذمته (6) ، خاصة في مجال العبادات. هذا ما ترجح عندي حسب جهدي المتواضع، والمسألة كما قلت خلافية، وكل اجتهاد قابل للصواب والخطأ، وترجيح أحد القولين لا يقلل من قيمة القول الآخر ولا يعطي الحق في الإنكار على من أخذ به كما هو مقرر عند الفقهاء والأصوليين. الحواشي والتعليقات صحيح مسلم بشرح النووي 2/99-100. انظر لسان العرب 1/194 وما بعدها والصحاح 1/80-81 والمصباح المنير 2/663 والمغرب في ترتيب المعرب 2/358-359 ومعجم مقاييس اللغة 6/119 والمعجم الوسيط 2/1038. البناية على الهداية 1/78 وانظر البحر الرائق 1/11. مواهب الجليل 1/180. نهاية المحتاج 1/139 وانظر مغني المحتاج 1/47. كشاف القناع 1/82 وانظر مطالب أولي النهى 1/98. انظر لسان العرب 7/242 وما بعدها والمصباح المنير 2/621-622 وأساس البلاغة 470 ومعجم مقاييس اللغة 6/470-471 والمعجم الوسيط 2/947. 2/134 وانظر العناية 1/32 والبناية 1/194 والبحر الرائق 1/29 وحاشية ابن عابدين 1/134. 1/83 وانظر الخرشي على خليل 1/151 والعدوي على الخرشي 1/151 ومواهب الجليل 1/290. 1/54 وانظر حاشية أبي الضياء على نهاية المحتاج 1/94 ومغني المحتاج 1/31. 1/155 وانظر معونة أولي النهى 1/336 ومطالب أولي النهى 1/138 وكشاف القناع 1/122. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 انظر مواهب الجليل 1/290 والخرشي على خليل 1/151 والعدوي على الخرشي 1/151 وحاشية البناني على الزرقاني 1/38 وحاشية البيجوري 1/68 ومغني المحتاج 1/31 وحاشية الجمل 1/62 وإعانة الطالبين 1/57 وحاشية أبي الضياء 1/94 وكشاف القناع 1/122. انظر أراءهم وتعليلاتهم في المراجع التي سبقت في هامش 6. انظر المخصص 7/2 ولسان العرب 11/3 والصحاح 4/1618 والمعجم الوسيط 1/3. انظر المحلى 1/241. انظر الإنصاف 1/216 والمغني 1/179 والمبدع 1/168 وشرح العمدة 1/327 وكشاف القناع 1/130 وشرح الزركشي 1/257، قلت: والرواية المعتمدة لا فرق فيها بين أكل القليل أو الكثير، والنيء أو المطبوخ، وكون الآكل عالماً بالحديث أو جاهلاً - انظر كشاف القناع 1/130 والمبدع 1/168، وفي المذهب روايات أخرى، قال في المبدع 1/168 ( … وعنه: إن علم النهي نقض … وعنه: ينقض نيئه، وعنه: إن طالت المدة كعشر سنين لم يعد، بخلاف ما إذا قصرت، وعنه: لا يعيد إذا تركه متأولاً، وعنه: إذا كثر أكلها، وعنه: لا نقض مطلقاً) . انظر فتح العزيز 2/4-5 والمجموع 2/57 وأسنى المطالب 2/55. انظر التمهيد 3/351 والأوسط 1/139 والمغني 1/179 والمجموع 2/57. انظر التمهيد 3/351 والمحلي 1/241 والأوسط 1/140 والمغني 1/179 والمجموع 2/57. انظر التمهيد 3/351 والمحلي 1/241 والمغني 1/179 والأوسط 1/140 والمجموع 2/57. انظر سنن الترمذي 1/125 والأوسط 1/140 والتمهيد 3/351 والمحلي 1/241. انظر المجموع 2/57 وفتح الباري 1/310. انظر التمهيد 3/351 والمجموع 2/57. نظر الأوسط 1/137. انظر السنن الآثار 1/451 وما بعدها والمجموع 3/57. انظر المجموع 2/57. انظر عارضة الأحوذي 1/112. 1/67 وانظر النووي على مسلم 4/48. صحيح مسلم مع شرح النووي 4/48. انظر صحيح ابن خزيمة 1/21 ومسند أحمد 5/86-88 والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/225 وما بعدها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 سنن أبي داود 1/47 وصحيح سنن أبي داود 1/37. انظر صحيح ابن خزيمة 1/22 والإحسان بترتيب ابن حبان 2/226-227 وسنن الترمذي 1/122-123 ومسند أحمد 4/288. قلت: ولهذين الحديثين شواهد من وجوه أخر مختلف في صحتها فلا داعي للإطالة بذكرها – انظر ذلك في تنقيح التحقيق 1/499 وما بعدها والتلخيص الحبير 1/115-116 ومجمع الزوائد 1/250 ومسند أحمد 4/67-352. الأوسط 1/140 وانظر التمهيد 3/349 ومعرفة السنن والآثار 1/455 والتلخيص الحبير 1/116 وسنن البيهقي 1/159 وتنقيح التحقيق 1/498. سنن الترمذي 1/125 والتمهيد 3/349 ومعرفة السنن والآثار 1/455 والأوسط 1/140 والتلخيص الحبير 1/116 وسنن البيهقي 1/159. 1/21. صحيح ابن خزيمة 1/22. 1/138. 1/451-453 . انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/226-227. انظر المجموع 2/57. انظر عارضة الأخوذي 1/112. انظر شرح العمدة 1/330 والقواعد النورانية 7 ومجموع الفتاوى 1/260-261. انظر تهذيب سنن أبي داود 1/136 وما بعدها. انظر إرواء الغليل 1/152. انظر المبدع 1/169 وكشاف القناع 1/130 وشرح الزركشي 1/258 والمغني 1/181 والانتصار 1/367. انظر البحر المحيط 2/365 وإرشاد الفحول 94 واحكام الفصول 79 وما بعدها والتمهيد للكلوذاني 1/145 وما بعدها. 1/49 وانظر صحيح ابن خزيمة 1/28 وسنن النسائي 1/108 والحديث صححه النووي - انظر شرح النووي على مسلم 4/43- والألباني - انظر صحيح سنن أبي داود 1/39. /70-71. 1/59. 1/129. 2/203. 2/15-16 . 1/180 وانظر شرح العدة 1/330 ومعونة أولي النهى 1/361. انظر اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 1/151 انظر المغني 1/180 ومعونة أولي النهى 1/361 وشرح الزركشي 1/260-261 وشرح العمدة 1/330. انظر المجموع 1/59. انظر المنهل العذب المورود 2/203. انظر البحر المحيط 3/108 وشرح الكوكب المنير 3/130 وإرشاد الفحول 120. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 انظر شرح الكوكب المنير 3/419-420 وإرشاد الفحول 169 والمسودة 90 وما بعدها وشرح مختصر الروضة 2/659 وما بعدها وشرح تنقيح الفصول 275 والإحكام للآمدي 3/12 وما بعدها وفواتح الرحموت 2/33 وما بعدها. سورة النساء /23. سورة المائدة/3. صحيح مسلم بشرح النووي 4/44. انظر شرح معاني الآثار 1/62 وما بعدها والتمهيد لابن عبد البر 3/329 وما بعدها. لأن الترك فعل – انظر أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتور محمد الأشقر 2/46 وما بعدها وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتور محمد العروسي 207 وما بعدها. انظر الإحكام للآمدي 2/255 وشرح الكوكب المنير 3/231 وشرح مختصر الروضة 2/509 وما بعدها. انظر الإحكام للآمدي 2/255 وشرح الكوكبالمنير 3/232 وشرح مختصر الروضة 2/509 وشرح البدخشي 2/102. 1/202-203 . انظر المجموع 2/59-60. 1/180 وانظر شرح الزركشي 1/260-261 وشرح العمدة 1/330. انظر المغني 1/180 والانتصار في المسائل الكبار 1/367 ومعونة أولي النهى 1/362 وشرح الزركشي 1/260 وشرح العمدة 1/330 وشرح ثلاثيات مسند أحمد 1/221 ومجموع فتاوى ابن تيمية 1/262. انظر المسودة 134 والأحكام للآمدي 4/254 والمحصول ج2ق2/572 وإرشاد الفحول 278 وشرح تنقيح الفصول 421. انظر شرح مختصر الروضة 2/550 وإرشاد الفحول 142 والبحر المحيط 3/241-242 . 1/129 وانظر موهبة ذي الفضل 1/341. بهامش حاشية ابن قاسم والشرواني 1/129. انظر شرح الزركشي 1/260 وشرح العمدة 1/330 ومجموع فتاوى ابن تيمية1/263. 1/64. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/229. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/229-230. قال عنه في التقريب – 1/447 – (صدوق) . الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/230-231. أيوب السختياني، قال عنه في التقريب – 1/89 – (ثقة ثبت حجة) . انظر شرح العمدة 330. انظر شرح العمدة 331. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 انظر المبسوط 1/80 وشرح معاني الآثار 1/70 واللباب في الجمع بين السنة والكتاب 1/151 وبدائع الصنائع 1/154 ومعالم السنن 1/167 والذخيرة 1/235 ورأب الصدع 1/91 وعارضة الأحوذي 1/111. سبق تخريج حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) . 1/235. مع المنتقى 1/65 وما بعدها. راجع ص 435 وما بعدها. 1/91. انظر النهاية في غريب الحديث 5/195. انظر المبسوط 1/80 واللباب 1/151 ورأب الصدع 1/91 وبدائع الصنائع 1/154 ومعالم السنن 1/67. 4/283، قال ابن عبد البر في التمهيد – 3/354 – (وقد روى عكراش … عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة الوضوء مما غيرت النار، ولم أر لذكره معنى، لأن إسناده ضعيف لا يحتج بمثله، وأهل العلم ينكرونه) وانظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني 3/258-259. 1/141-142 ، وفي سنده مطرف بن مازن الصنعاني قال الذهبي عنه في المغني في الضعفاء - 2/662 – (ضعفوه وقال ابن معين كذاب) وانظر لسان الميزان 6/47-48. 4/281-282 وانظر سنن أبي داود 3/345-346 والمستدرك للحاكم 4/106-107، قلت: والحديث ضعيف لضعف قيس بن الربيع أحد رواته – انظر جامع الترمذي 4/282 والتلخيص على المستدرك 4/107 وسنن أبي داود 3/346 وسلسلة الأحاديث الضعيفة 1/67 وما بعدها. انظر مجمع الزوائد 3/23-24 وقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد –3/24- (وفيه نهشل ابن سعيد وهو متروك) وذكر الألباني في ضعيف الجامع الصغير – 889 – أنه موضوع، وانظر الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني 155. انظر معالم السنن 1/67. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 وقد جاء بلفظ المضمضة لا الوضوء عند البخاري في صحيحه – مع فتح الباري 1/313 – عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فتمضمض وقال: (إنه له دسماً) ، وفي سنن ابن ماجه (إذا شربتم اللبن فمضمضوا فإن له دسماً) – انظر مصباح الزجاجة 1/126 وصحيح الجامع الصغير 1/169 -، وفيه أيضا (مضمضوا من اللبن فإن له دسما) وإسناده ضعيف – انظر مصباح الزجاجة 1/126. سواء القائل منهم بوجوب الوضوء الشرعي مما مسته النار أو القائل بنسخه ومنهم – رضي الله عنهم جميعا – عائشة وأم سلمة وأم حبيبة وميمونة وأبو هريرة وأنس بن مالك وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس … . . انظر شرح معاني الآثار 1/62 وما بعدها والتمهيد 3/330 وما بعدها والمغني 1/183-184 والمجموع 1/57. 1/330. قال في النهاية – 3/385 – (الغمر بالتحريك: الدسم والزهومة من اللحم) . قال في النهاية – 5/169 – (هو دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه) . انظر البحر المحيط 2/158 وإرشاد الفحول 21. انظر إرشاد الفحول 22. وانظر الذخيرة 1/235 ورأب الصدع 1/91. انظر إرشاد الفحول 22 وشرح مختصر الروضة للطوفي 1/501 وما بعدها. أخرجه مسلم في صحيحه – مع النووي 4/69 – ولفظه (فقيل ألا توضأ؟ فقال لِمَ أأصلي فأتوضأ؟) – وفي لفظ أبي داود والترمذي ( … إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة) انظر صحيح سنن أبي داود 2/717 وجامع الترمذي 4/282 وقال عنه الترمذي (هذا حديث حسن صحيح) . المحلى 1/239. الحديث في صحيح البخاري – مع الفتح 1/396 – ( … أن زيد بن خالد الجهني أخبره أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن؟ قال عثمان: يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) . انظر اللباب 1/151 وعارضة الأحوزي 1/111. صحيح ابن خزيمة 1/112 وانظر فتح الباري 1/397. معالم السنن 1/67. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 انظر الانتصار 1/368 وكشاف القناع 1/140 ومعونة أولى النهى 1/364. صحيح سنن أبي داود 1/37. جامع الترمذي 4/289 وانظر المستدرك للحاكم 4/137 وصحيح الجامع الصغير 2/1054. أخرجه البخاري في صحيحه انظر صحيح البخاري مع فتح الباري 1/313. انظر مصباح الزجاج 1/126 وصحيح الجامع الصغير 1/169. انظر في هذه الفقرة شرح العمدة 1/332 وما بعدها ومجموع فتاوى ابن تيمية 1/264-265. انظر شرح العمدة لابن تيمية 1/332 وشرح الزركشي 1/259. 1/46، وصحح إسناده الألباني في تمام المنة في التعليق على فقه السنة 106. انظر الانتصار 1/366 وشرح العمدة 1/332. انظر شرح العمدة 1/332 وشرح الزركشي 1/258 والانتصار 1/366 ومجموع فتاوى ابن تيمية 1/265. مجموع فتاوى ابن تيمية 1/265. 1/206 وانظر سبل السلام 1/19. انظر البحر المحيط 2/365 وما بعدها وإحكام الفصول للباجي 79 وما لعدها وتيسير التحرير 1/341 وما بعدها وشرح مختصر الروضة 2/365 وما بعدها وإرشاد الفحول 94 وما بعدها. انظر المغنى 1/181 والانتصار 1/367 ومعونة أولى النهى 1/362 وكشاف القناع 1/130. انظر المغني 1/181 وكشاف القناع 1/130. انظر شرح العمدة 1/333. انظر شرح العمدة 1/333 والمغني 1/181. انظر الانتصار 1/367. انظر شرح العمدة 1/333. انظر بدائع الصنائع 1/153-154. 2/159. الموافقات 2/156. ) انظر بدائع الصنائع 1/154، وهذه القاعدة مقررة عند عامة الحنفية – انظر فواتح الرحموت 2/129 وتيسير التحرير 3/112. انظر تفصيل رأي الجمهور وأدلتهم ومناقشة أدلة الحنفية في البحر المحيط 4/347 وشرح الكوكب المنير 2/367 وما بعدها وشرح مختصر الروضة 2/233 وما بعدها وإرشاد الفحول 56. انظر القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام 169 وشرح الكوكب المنير 3/61. 169-170 . 170. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 يرى بعض المحققين أن التعبير بافعل بعد الحظر والاستئذان أولى من التعبير بالأمر بعد الحظر والاستئذان – انظر حاشية البناني 1/37. انظر المحصول ج 1 قسم 2 ص 159 والبحر المحيط 2/384 وحاشية البناني 1/378 وفواتح الرحموت 1/379 وشرح مراقي السعود 1/164 والآيات البينات 2/294. 14. 1/9. 13/10 وانظر الكليات 72 والمعجم الوسيط 1/11. انظر البحر المحيط 2/384 وحاشية البناني 1/378 والمحصول ج 1 قسم 2 ص 159 وفواتح الرحموت 1/379 وشرح مراقي السعود 1/163 والآيات البينات 3/61. 11/370. انظر المبسوط 1/79 وبدائع الصنائع 1/153 وشرح معاني الآثار 1/71. انظر المعونة 1/158 والإشراف على مسائل الخلاف 1/26 والذخيرة 1/235 والتمهيد 3/351 والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1/123. انظر فتح العزيز 2/4-5 والمجموع 2/57 وأسنى المطالب 2/55. انظر البحر الزخار 2/96 ورأب الصدع 1/91. انظر الانصاف 1/216 والمبدع 1/168 ومعونة أولى النهى 1/359. انظر الأوسط 1/141 ومصنف ابن أبي شيبة 1/47. انظر مصنف ابن أبي شيبة 1/47 والأوسط 1/141. المرجعان السابقان. المرجعان السابقان. انظر سنن الترمذي 1/125 والأوسط 1/141 والتمهيد 3/351 والمغني 1/179. انظر مصنف ابن أبي شيبة 1/47. انظر التمهيد 3/351. انظر التمهيد 3/351. سنن أبي داود 1/49. كالنسائي في سننه – 1/108 – وابن خزيمة في صحيحه – 1/28-. صحيح ابن خزيمة 1/28 وفتح الباري 1/311. شرح النووي على مسلم 4/43. هامش سنن الترمذي 1/121. صحيح سنن أبي داود 1/39. سنن البيهقي 1/116 وانظر سنن الدارقطني 1/151. انظر بدائع الصنائع 1/153. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 انظر تنقيح التحقيق 1/503 والكامل لابن عدي 4/1340 وخلاصة البدر المنير 1/52 وسلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني المجلد الثاني /376 وما بعدها، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير عنه – 1/117-118- ( … وفي إسناده الفضل بن المختار وهو ضعيف جداً، وفيه شعبة مولى ابن عباس وهو ضعيف، وقال ابن عدي: الأصل في هذا الحديث أنه موقوف، وقال البيهقي: لا يثبت مرفوعاً، ورواه سعيد بن منصور موقوفاً من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عنه، ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة، وإسناده أضعف من الأول، ومن حديث ابن مسعود موقوفاً، وفي الباب عن ابن عمر، رواه الدارقطني في غرائب مالك، ومن طريق سوادة بن عبد الله عنه، عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: ولا ينقض الوضوء إلا ما خرج من قبل أو دبر، وإسناده ضعيف) . انظر الانتصار 1/367 والمغني 1/180. انظر المغني 1/180. انظر الانتصار 1/367. سنن البيهقي 1/116. 1/159. كشف الأستار 1/125 وسنده كالتالي (حدثنا هارون بن سفيان المستملي ثنا أسيد بن زيد ثنا عمرو بن أبي المقدام ثنا عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة عن بلال قال: حدثني مولاي أبو بكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم … ) . وفي الكامل لابن عدي – 5/1781 – (حدثنا الساجي قال: حدثني حسين بن حميد الخزاز، حدثني عبد الله بن عمر القرشي، ثنا أسيد بن زيد، عن عمر بن شمر، عن عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة، عن بلال، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتوضأ من طعام أحل الله أكله) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 انظر كشف الأستار 1/152 وكنز العمال 9/340، وذلك لضعف رواته، فأسيد ابن زيد قال عنه في التقريب – 1/77 – (ضعيف) وقال عنه في المغني في الضعفاء – 1/90 – (كذبه يحي بن معين، وقال غيره متروك) وانظر ميزان الاعتدال 1/256 –257، وعمرو بن شمر الجعفي قال عنه البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث، وقال الجوزجاني: زائغ كذاب، وقال ابن حبان: رافضي يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات – انظر الكامل لابن عدي 5/779، وما بعدها ولسان الميزان 4/366-367، وأما عمرو بن أبي المقدام فهو عمرو بن ثابت، قال عنه في التقريب – 2/66 – (ضعيف رمى بالرفض) وقال عنه في المغني في الضعفاء – 2/482 – (متروك، وقال أبو داود رافضي) . انظر شرح النووي على مسلم 4/48 والمجموع 2/60 وأسنى المطالب 2/55 والمنهل العذب المورود 2/203. جاء في سنن الترمذي – 5/44 – 45 – ( … فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ) وقال الترمذي (هذا حديث حسن صحيح) وانظر صحيح الجامع الصغير وزيادته 1/499. انظر تمام المنة /105. ص 9 ص 105-106. 1/47 وانظر مصنف عبد الرزاق 1/408. لأن جابراً هو بن يزيد الجعفي قال عنه في التقريب –1/123 – (ضعيف رافضي) وأما أبو سبرة فهو عبد الله بن عباس، قال عنه في التقريب – 2/426 – (مقبول) . 1/47. لأن فيه جابراً وهو ابن يزيد الجعفي وهو ضعيف كما بينه صاحب التقريب – 1/123 – وفيه شريك وهو ابن عبد الله النخعي قال عنه في التقريب – 1/351 – (صدوق يخطئ كثيراً) . 1/159. 1/47. قال عنه في التقريب – 1/390 – (صدوق رمي بالتشيع) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 هو يحي بن قيس الطائفي، ذكره البخاري في التاريخ الكبير – م 8/298 – وكذا ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل – 9/189 – ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في كتابه الثقات – 5/529 -، وقد انفرد بتوثيقه ابن حبان على قاعدته في تعديل كل من لم يعرف بجرح، وهذا مخالف لرأي الجمهور – انظر لسان الميزان 1/14-15. قلت: وهذا الأثر يعارض ما أخرجه ابن المنذر في الأوسط –1/139 – بسنده عن محارب بن دثار المحاربي أنه سمع ابن عمر يقول: (توضوا من لحوم الإبل ولا توضوا من لحوم الغنم) . 1/46. انظر تمام المنة 106. انظر المعتمد 2/174 وشرح مختصر الروضة 2/200 وفواتح الرحموت 2/162 وتيسير التحرير 3/70 والتقرير والتحبير 2/264 وشرح العضد على ابن الحاجب 2/69 وشرح البدخشي 2/361. 2/99. 1/27. 1/158 وانظر الإشراف على مسائل الخلاف 1/27. 1/65 وانظر الإشراف على مسائل الخلاف 1/27. 1/368 وانظر كشاف القناع 1/130 ومطالب أولى النهى 1/148. 1/364. وهو قول ضعيف عند الحنابلة – انظر معونة أولي النهى 1/364. 2/15. 2/15 وانظر القواعد النورانية 6-7 وشرح الزركشي 1/259-260. قال في مجمع الزوائد – 10/131 -: (وعن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه سمع أباه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: على كل بعير شيطان … ، رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير محمد بن حمزة وهو ثقة) . أخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عبد الله بن مغفل المزني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تصلوا في عطن الإبل فإنها من الجن خلقت … ) مسند أحمد 5/55 وانظر نيل الأوطار 2/141. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 أخرج أبو داود في سننه بسنده – 4/249 – عن عطية السعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من نار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) ، والحديث قال عنه المحدث الألباني: (ضعيف) انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 582. قال العلامة الطوفي في شرح مختصر الروضة – 3/430 – ( … والثاني طردي: وهو الجمع بين الأصل والفرع بوصف يعلم خلوه عن المصلحة، وعدم التفات الشرع إليه، كما سبق من قولهم: مائع لا يبنى على جنسه القناطر … أو يقال: أعرابي أو إنسان فوجبت عليه الكفارة قياساً على الأعرابي المذكور في الحديث) . 1/182. أي أن التعليل بهذا الوصف وكذا بكونه حيواناً أو لحماً هو تعليل بوصف طردي، لأنه وصف يقارن الحكم بلا مناسبة – انظر شرح الكوكب المنير 4/195 -، والوصف المناسب هو وصف ظاهر منضبط يلزم من ترتيب الحكم عليه حصول ما يصلح أن يكون مقصوداً للشارع من تحصيل مصلحة أو دفع مفسدة أو تقليلها دنيا وأخرى على وجه يمكن إثباته – انظر شرح مختصر الروضة 3/384 والإحكام للآمدي 4/270. 1/27. راجع ص 460. راجع ص 440 وما بعدها. انظر البحر المحيط 6/177 والإحكام للآمدي 4/249-256 وحاشية البناني 2/366 وإرشاد الفحول 276 والتعارض والترجيح للبرزنجي 2/203. انظر شرح العضد على ابن الحاجب 2/315 وشرح مختصر الروضة 3/700 وحاشية البناني 2/368 وشرح الكوكب المنير 4/682 وشرح مراقي السعود 2/299 وإرشاد الفحول 279. راجع ص 451-462، وهذا على القول بأن الحكم معلل لا تعبدي. انظر شرح الكوكب المنير 4/706 والإحكام للآمدي 4/267 وحاشية البناني 2/378 وإرشاد الفحول 279 والتعارض والترجيح للبرزنجي 2/209-215. المصادر والمراجع الآيات البينات، أحمد بن القاسم العبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417 هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، علاء الدين علي الفارسي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407 هـ. إحكام الفصول في أحكام الأصول، سليمان الباجي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409هـ الإحكام في أصول الأحكام، علي بن محمد الآمدي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1402هـ إرشاد الفحول، محمد بن علي الشوكاني، دار الفكر، بيروت، ط1. ارواء الغليل، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1399 هـ. أساس البلاغة، محمود بن عمر الزمخشري، دار المعرفة، بيروت، 1402 هـ. أسنى المطالب شرح روض الطالب، زكريا الأنصاري، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة. الإشراف على مسائل الخلاف، عبد الوهاب البغدادي، مطبعة الإدارة. إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، أبو بكر الدمياطي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط4. اعلام الموقعين، محمد بن أبي بكر (ابن القيم الجوزية) ، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1388 هـ. أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، محمد سليمان الأشقر، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408 هـ. أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، محمد العروسي عبد القادر، دار المجتمع للنشر والتوزيع، جدة، 1404 هـ. الانتصار في المسائل الكبار، أبو الخطاب الكلوذاني، مكتبة العبيكان، الرياض، 1413هـ. الانصاف، علي بن سليمان المرداوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1406 هـ. الأوسط، أبو بكر بن المنذر، دار طيبة، الرياض، 1405 هـ. البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن نجيم، نشر سعيد كمبني، باكستان. البحر الزخار، أحمد المرتضى، مؤسسة الرساله، دار الكتاب الإسلامي، بيروت القاهرة. البحر المحيط في أصول الفقه، بدر الدين الزركشي، نشر وزارة الأوقاف بالكويت. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، أبو بكر بن مسعود الكاساني، مطبعة الإمام، القاهرة. البناية في شرح الهداية، محمود بن أحمد العيني، دار الفكر، بيروت 1400 هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 التاريخ الكبير، محمد بن اسماعيل البخاري، دار الكتب العلمية، بيروت. التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية، عبد اللطيف البرزنجي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413 هـ. تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر، دار المعرفة، بيروت، 1395 هـ. التقرير والتحبير، ابن أمير الحاج، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403 هـ. التلخيص الحبير، أحمد بن حجر العسقلاني، نشر عبد الله اليماني، المدينة المنورة، 1384هـ. التلخيص، محمد بن أحمد الذهبي (مع المستدرك) ، دار الكتب العلمية، بيروت. التمهيد في أصول الفقه، محفوظ الكلوذاني، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1406 هـ. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، يوسف بن عبد الله (ابن عبد البر) ، وزارة الأوقاف بالمغرب، المغرب، 1402 هـ. تنقيح التحقيق، محمد بن أحمد بن عبد الهادي، المكتبة الحديثة، الإمارات العربية المتحدة، 1409 هـ. تهذيب سنن أبي داود، محمد بن أبي بكر (ابن القيم الجوزية) ، دار المعرفة، بيروت، 1400 هـ. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، يوسف المزي، نسخة مصورة عن مخطوطة، دار الكتب المصرية. تيسير التحرير، محمد أمين الحسيني، دار الكتب العلمية، بيروت. الجرح والتعديل، عبد الرحمن الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت. حاشية ابن عابدين، محمد أمين (ابن عابدين) ، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، 1386 هـ. حاشية ابن قاسم والشرواني على تحفة المحتاج، أحمد بن قاسم العبادي عبد الحميد الشرواني، دار الفكر، بيروت. حاشية أبي الضياء على نهاية المحتاج، أبو الضياء نور الدين علي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. حاشية البيجوري على ابن قاسم، إبراهيم البيجوري، دار الفكر، بيروت. حاشية البناني على جمع الجوامع، عبد الرحمن البناني، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، ط2 حاشية البناني على الزرقاني، محمد البناني، دار الفكر، بيروت. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 حاشية الجمل على شرح المنهج، سليمان الجمل، دار إحياء التراث العربي، بيروت. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن عرفة الدسوقي، دار الفكر، بيروت. حاشية العدوي على الخرشي، علي العدوي، دار صادر، بيروت. الحاوي الكبير، علي بن محمد الماوردي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1414 هـ. الخرشي على خليل، محمد الخرشي، دار صادر، بيروت. خلاصة البدر المنير، عمر بن علي بن الملقن، مكتبة الرشد، الرياض، 1410 هـ. الذخيرة، أحمد بن ادريس القرافي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1994م. رأب الصدع، أحمد بن عيسى، دار النفائس، بيروت، 1410 هـ. سبل السلام، محمد بن إسماعيل الصنعاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1960 م. سلسلة الأحاديث الضعيفة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، 1412 هـ. سنن البيهقي، أحمد بن الحسين البيهقي، دار المعرفة، بيروت. سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، 1356 هـ. سنن الدارقطني، علي بن عمر الدارقطني، دار المحاسن، القاهرة، 1386 هـ. سنن النسائي، أحمد بن شعيب النسائي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. شرح البدخشي، محمد بن الحسن البدخشي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 هـ. شرح تنقيح الفصول، أحمد بن إدريس القرافي، دار الفكر، بيروت، 1393 هـ. شرح ثلاثيات مسند أحمد، محمد السفاريني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1392 هـ. شرح الزركشي على مختصر الخرقي، محمد بن عبد الله الزركشي، مكتبة العبيكان، الرياض، 1413 هـ. شرح العضد لمختصر ابن الحاجب، القاضي عضد الملة والدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403 هـ. شرح العمدة، أحمد بن تيمية، مكتبة العبيكان، الرياض، 1412 هـ. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي، أحمد الدردير، دار الفكر، بيروت. شرح الكوكب المنير، محمد الفتوحي (ابن النجار) ، جامعة أم القرى، 1402 هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 شرح مختصر الروضة، سليمان الطوفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408 هـ. شرح معاني الآثار، أحمد بن محمد الطحاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1399 هـ. الصحاح، إسماعيل الجوهري، طبع على نفقة حسن الشربتلي، 1402 هـ. صحيح ابن خزيمة، محمد بن إسحاق بن خزيمة، المكتب الإسلامي، بيروت، 1395 هـ. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري (مع فتح الباري) ، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية، الرياض. صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1406 هـ. صحيح سنن أبي داود، محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، 1409 هـ. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج (مع شرح النووي) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت1392هـ. ضعيف الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1408 هـ. عارضة الأحوذي، أبو بكر بن العربي، دار الوحي المحمدي، القاهرة. علل الحديث، عبد الرحمن الرازي، دار المعرفة، بيروت، 1405 هـ. فتح الباري، أحمد بن بن علي بن حجر العسقلاني، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية بالمملكة العربية السعودية. فتح العزيز، عبد الكريم الرافعي (مع المجموع) ، دار الفكر، بيروت. الفوائد المجموعة، محمد بن علي الشوكاني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1402 هـ. فواتح الرحموت، عبد العلي الأنصاري (مع المستصفي) ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2. القواعد النورانية الفقهية، أحمد بن تيمية، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1370 هـ. الكامل في ضعفاء الرجال، عبد الله بن عدي، دار الفكر، بيروت، 1404 هـ. كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور البهوتي، مكتبة النصر، الرياض. كشف الأستار عن زوائد البزار، علي الهيثمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1404 هـ. الكليات، أبو البقاء أيوب الحسيني، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1412 هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 كنز العمال، علي بن حسام الدين، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1399 هـ. لسان العرب، محمد مكرم بن منظور، دار صادر، بيروت. لسان الميزان، أحمد علي بن حجر العسقلاني، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1390 هـ. اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، علي المنبجي، دار الشروق، جدة، 1403 هـ. المبدع، إبراهيم بن محمد بن مفلح، المكتب الإسلامي، بيروت، 1980 م. المبسوط، محمد السرخسي، دار المعرفة، بيروت، 1406 هـ. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي الهيثمي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1402 هـ. المجموع، محي الدين النووي، دار الفكر، بيروت. مجموع فتاوي ابن تيمية، أحمد بن تيمية، مطابع الرياض، الرياض، 1382 هـ. المحصول، محمد بن عمر الرازي، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ... 1401 هـ. المحلى، علي بن أحمد بن جزم، المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت. المخصص، علي بن إسماعيل (ابن سيده) ، دار الكتب العلمية، بيروت. المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم، دار الكتب العلمية، بيروت. مسند أحمد، أحمد بن حنبل، دار صادر، بيروت. المسودة، أل تيمية، دار الكتاب العربي، بيروت. مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة، أحمد البوصيري، دار الحنان، 1406 هـ. المصباح المنير، أحمد بن محمد الفيومي، المكتبة العلمية، بيروت. مصنف ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، الدار السلفية، الهند، 1399 هـ. مصنف عبد الرزاق، عبد الرزاق الصنعاني، المجلس العلمي، الهند باكستان، 1392 هـ. مطالب أولي النهي، مصطفى الرحيباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1415 هـ. معالم السنن، أحمد الخطابي، المكتبة العلمية، بيروت، 1403 هـ. المعتمد في أصول الفقه، أبو الحسن محمد بن علي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403هـ. معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، 1399 هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الفكر، بيروت. معرفة السنة والآثار، أبو بكر أحمد البيهقي، دار الوعي ودار الوفاء، القاهرة، 1412 هـ. معونة أولي النهي، محمد الفتوحي، دار خضر، بيروت، 1416 هـ. المعونة، عبد الوهاب البغدادي، المكتبة التجارية، مكة المكرمة. المغرب، ناصر الدين المطرزي، مكتبة أسامة بن زيد، حلب، 1399 هـ. المغني شرح مختصر الخرقي (مع الشرح الكبير) ، موفق الدين بن قدامة، دار الكتاب العربي، بيروت، 1392 هـ. المغني في الضعفاء، محمد بن أحمد الذهبي. مغني المحتاج، محمد الخطيب الشربيني، دار الفكر، بيروت. المنتقى شرح الموطأ، سليمان الباجي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1403 هـ. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود، محمود السبكي، مطبعة الإستقامة، القاهرة، 1351 هـ. الموافقات، أبو إسحاق الشاطبي، دار المعرفة، بيروت، 1395 هـ. مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، محمد المغربي (الحطاب) ، دار الفكر، بيروت، 1398 هـ. الموطأ بهامش المنتقى، مالك بن أنس، دار الكتاب العربي، بيروت، 1403 هـ. موهبة ذي الفضل على شرح ابن حجر، محمد محفوظ الترمسي، المطبعة العامرة، القاهرة. ميزان الاعتدال، محمد بن أحمد الذهبي، دار المعرفة، بيروت. نشر البنود على مراقي السعود، سيدي عبد الله الشنقيطي، صندوق إحياء التراث الإسلامي المشترك بين المغرب والإمارات. النهاية في غريب الحديث والأثر، المبارك الجزري، المكتبة الإسلامية، بيروت. نهاية المحتاج، أحمد بن حمزة السرملي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. النووي على مسلم، يحي بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1392 هـ. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، محمد بن علي الشوكاني، دار الجليل، بيروت. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 من مفاهيم ثقافتنا الإسلامية د. علي بن حسن علي القرني عضو هيئة تدريس بكلية القيادة والأركان - الرياض ملخص البحث هذا البحث المتعلق ببعض مفاهيم الثقافة الإسلامية قد حاولت من خلاله تأكيد أهمية الثقافة الإسلامية في تحقيق وبروز الشخصية الإسلامية سواء على مستوى الفرد أو الأمة بمجموعها وقد جعلته في خمسة فصول، ومقدمة، وخاتمة. في المقدمة تحدثت عن ضرورة تحصين المسلم بتحصيلٍ أكبر من معين ثقافته الإسلامية الأصيلة كما أوضحت أهمية دراسة علم الثقافة ومدى الحاجة إلى ذلك من خلال نقاط محددة. أما في الفصل الأول فجاء الحديث فيه عن مفهوم الثقافة من خلال التعريف في اللغة والاصطلاح وعن أهمية الثقافة للفرد وللمجتمع وللتربية، وأن أمة بدون ثقافة هي أمة بدون هوية ينطبق ذلك على الأفراد كما ينطبق على المجتمعات وأن الوسيلة المثلى للحفاظ على ثقافة الأمة هي التربية وأن العلاقة بين الثقافة والتربية علاقة تأثير وتأثر، وحددت نقاط معينة تبين فوائد علم الثقافة كذلك تضمّن الفصل الحديث عن أهداف الثقافة الإسلامية التي تصب جميعها في اتجاه الرفع من مستوى المسلم الفكري فيما يتعلق بفهمه لدينه ومن ثم تطبيقه تطبيقاً صحيحاً. أما في الفصل الثاني فكان الحديث عن نشأة علم الثقافة وبداية التأليف فيه والمجالات التي يشملها هذا العلم ويبحث فيها وكذا منهج العلم ومكانته بين العلوم الشرعية الأخرى. وجاء الحديث في الفصل الثالث عن سمات ومميزات الثقافة الإسلامية والتي تزيد تلك الأهمية للثقافة وضوحاً وتأكيداً كان من أبرز هذه السمات للثقافة الإسلامية بأنها ثقافة ربانية، وإنسانية جاء الخطاب فيها لكل البشر دون استثناء، وأن فيها الوحدة، وفيها الشمول، والتوازن، والإيجابية وتتميز أيضاً بالثبات في مبادئها والتطور في أساليبها ووسائلها. أما أسس ومرتكزات الثقافة الإسلامية فكانت عنواناً للفصل الرابع تحدثت فيها عن ثلاثة أسس الأساس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 الأول: مصادر الثقافة الإسلامية وهي القرآن والسنة والتراث الإسلامي. والأساس الثاني: غرس الوازع الديني في النفوس والأساس الثالث: عالمية ودعوة الثقافة الإسلامية وهو تأكيد على ما سبقت الإشارة إليه في سمات الثقافة الإسلامية. أما الفصل الخامس وفيه كان الحديث عن العلاقة بين الثقافة والحضارة والعلم وحاولت أن أناقش هذه العلاقة من وجهة النظر الإسلامية كما ركزت على مفهوم الحضارة في التصور الإسلامي. ثم ختمت الفصل بنقطة مهمة جداً ألا وهي أصول الحضارة في ذلك التصور. أما الخاتمة فقد أعدت فيها التأكيد على أهمية دراسة الثقافة الإسلامية وتحصيلها. والله الموفق،،، المقدمة: الحمد لله رب العالمين، علمني ما لا أعلم، ووفقني إلى هذا العمل وأصلي وأسلم على من دلنا إلى كل خير محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين الأول … وبعد: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 فإذا كانت دراسة أي علم من العلوم تؤدي إلى ترقية مشاعر الفرد، وتنمي مداركه، وتفتح أحاسيسه وتصقل مواهبه، وتزيد في حركته ونشاطه الفكري، فيؤدي كل ذلك إلى إحداث تفاعل ذاتي داخل النفس التي تتلقى هذا العلم وتقوم بتلك الدراسة مما يجعلها تنطلق إلى آفاق جديدة، وتحصل على معارف وحقائق علمية لم تكن قد عرفتها من قبل. نقول: إذا كان هذا كله يمكن أن يطبق على أي علم يتلقاه الإنسان، فكيف به إذا كان هذا العلم المتلقى وهذه الدراسة التي يقوم بها تتعلق بعلم وثيق الصلة بكيان الفرد وشخصيته الإسلامية، وماضيه المجيد، وتراثه التليد؟ كعلم الثقافة الإسلامية. هذه الثقافة التي هي في حقيقتها الصورة الحية للأمة المسلمة، فهي التي تحدد ملامح شخصيتها وبها قيام وجودها، وهي التي تضبط سيرها في الحياة. تلك الثقافة التي تستمد منها أسس عقيدتها وعناوين مبادئها التي تحرص على التحلي بها والمفاخرة بها بين الأمم، إن الثقافة الإسلامية هي التي تحدد نظام الحياة داخل المجتمع المسلم وتحث على التزامه وفيها تراث الأمة الذي تخشى عليه من الضياع والاندثار، وفكرها الذي تحب له الذيوع والانتشار. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 ومن هذا كله برزت أهمية دراسة علم الثقافة الإسلامية، هذا العلم الذي هو أثير النفس المسلمة إذ به تتم الصلة بين كل جوانح الإنسان المسلم عقله وقلبه وفكره، وبه يربط المسلم بين ماضيه الزاهر وحاضره القلق، ومستقبله المنشود. إنه (1) في أقرب أهدافه الكثيرة يزود العقول بالحقائق الناصعة عن هذا الدين، وسط ضباب كثيف من أباطيل وشبه الخصوم، ويربى في المسلم ملكة النقد الصحيح التي تقوم المبادئ والنظم تقويماً صحيحاً وتجعل المسلم يميز في نزعات الفكر والسلوك بين الغث والسمين فيأخذ النافع الخير ويطرح الفاسد الضار ملتزماً في ذلك بالتوجيه النبوي الكريم (الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها) (2) . وعلى هذا فإننا نقول: إذا كانت سائر العلوم الأخرى يعتبر تحصيلها ضرباً من الاستزادة من المعارف، فتلك غاية تنحصر في حدود المعرفة العقلية البحتة، لكن علم الثقافة الإسلامية يتجاوز ذلك لينفذ إلى القلب فيحرك المشاعر كما تقدم ويفجر في روح المؤمن تلك الطاقة من المشاعر الفياضة التي تشده شداً قوياً إلى عقيدته، وتراث أمته، وتعمق فيه روح الولاء لأمته الرائدة التي أكرمها الله بهذه الرسالة الهادية. وتتجلى أهمية دراسة الثقافة الإسلامية في النقاط التالية (3) : توضيح الأساسيات التي تقوم عليها الثقافة الإسلامية. تأثير الثقافة الإسلامية في العرب. تفاعل المسلم مع مبادئه وقيمه. بيان الازدهار الحضاري للأمة الإسلامية. بيان الأدواء التي حلت بالأمة الإسلامية. بيان دور الثقافة الإسلامية في العصر الحديث وما تقدمه للإنسان المعاصر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 وعلى ما تقدم فإننا نؤكد القول بأنه إن لم تقم دراسة الثقافة الإسلامية بشكل جاد ودقيق فسيكون ذلك سبباً في اهتزاز صورة الأمة في نظر الآخرين، بل سيمتد الأمر إلى أن تتخلى الأمة عمّا يميزها، ويزيل سماتها التي تتميز بها بين الأمم والثقافات الأخرى، فيجعلها تابعة بعد أن كانت قائدة، بل سيصل الأمر بالأمة إن لم تهتم بثقافتها وتتعلمها وتعلمها بالشكل الصحيح والدقيق إلى الاضمحلال ثم الزوال لا سمح الله، وهذه هي الكارثة التي تخشى كل أمة حية أن تحل بها. إن الثقافة الإسلامية التي نحن بصدد الحديث عنها في هذا الكتاب وبيان أهميتها ومدى الحاجة إليها في تكوين شخصية المسلم المتميز هي في حقيقتها لا تعني علماً بعينه من العلوم الإسلامية. ولكنها تعني علوم الإسلام كلها في عرض واضح وإيجاز بليغ ولذلك نقول إن الثقافة الإسلامية قد خلَّفت تراثاً ضخماً في مختلف فروع المعرفة على المسلم أن يكون ملماً بهذه المعارف التي كونتها وخلفتها الحياة الإسلامية على مدى قرون عديدة، والتي دبجت ضمن سلسلة من الكتب التي تتناول هذه المعارف في مجالات الدراسات الإنسانية أو العلمية عرضاً لهذه الثقافة أو إشادة بتأثيرها الحضاري. خطة البحث: سيشتمل البحث على خمسة فصول تناولها سيكون على النحو التالي: الفصل الأول: ... ماهية وأهمية وأهداف الثقافة الإسلامية وسيكون مدخلاً للقارئ لمعرفة الأساسيات في علم الثقافة الإسلامية. الفصل الثاني: ... نشأة علم الثقافة ومجالاته. وفيه سيتبين لنا متى بدأ التدوين في هذا العلم. وما هو المنهج الذي قام عليه ذلك التدوين والمجالات التي يبحثها، ومكانة هذا العلم بين العلوم والمجالات الشرعية الأخرى. الفصل الثالث: سمات ومميزات الثقافة الإسلامية وفيه سنحدد صفاتَ تظهر تميز هذه الثقافة عن غيرها من الثقافات الكونية الأخرى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 الفصل الرابع: أسس ومرتكزات الثقافة الإسلامية ويتبين لنا فيه الأسس التي يقوم عليها علم الثقافة والتي ستكون في مصادرها المتمثلة في مصادر الدين الإسلامي الأساسية وهي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتراث الإسلامي المجيد، وكذلك يتمثل في غرس الوازع الديني في النفوس. وسيكون أيضاً من تلك الأسس عالمية دعوة الثقافة الإسلامية. الفصل الخامس: العلاقة بين الثقافة والحضارة والعلم: وسنبين فيه تلك العلاقة الوثيقة بين هذه المسميات الثلاثة من خلال المفهوم الإسلامي للحضارة. الفصل الأول: ماهية وأهمية وأهداف الثقافة الإسلامية تمهيد: لاشك أن عالمنا اليوم يموج بموجات فكرية شتى ويزخر بتيارات ثقافية عديدة ومما لاشك فيه أيضاً أن كل ثقافة لها منهجها الخاص بها وهدفها الذي تسعى لتحقيقه وأتباعها الداعون إليها، الأمر الذي يجعل الإنسان قبل أن يتبع أو ينحى منحى ثقافة معينة تنتابه الحيرة والتردد أمام كثرة الثقافات مختلفة المشارب والنوازع والتي تتميز بالتضارب في مناهجها وتوجهاتها. وتبدأ تتوارد في الذهن أسئلة كثيرة، أي ثقافة من هذه الثقافات صحيح؟ أيها منحرف وغير صالح حتى أتجنبه؟ أيها يروي ظمئي الفكري ويسد حاجتي العلمية؟ ثم أيها أحق بالإتباع وأيها أولى بالابتعاد؟ هل أنا مأمون الجانب إذا ما اخترت واحدة من هذه الثقافات من المزالق والإنحراف عن جادة الطريق فيما يصلح ديني ودنياي؟ إلى غير ذلك من التساؤلات. وفي هذا البحث الذي بين أيدينا سنعرض لأهم هذه الثقافات المطروحة في الساحة، ألا وهي الثقافة الإسلامية والتي تجمع لمنتهجيها والعامل فيها أطراف علوم الدين الإسلامي، ونظمه والمفاهيم المتعلقة بتلك النظم وتجعل التابع لهذا الدين على وعي وقدرة في مجابهة أعدائه ونحن سنحاول أن نبرز بنزاهة أهمية هذه الثقافة وأنها الثقافة الأصلح والآمن لحياة سعيدة في الدنيا والآخرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 ومن خلال ما يأتي من مباحث ومسائل يتبين كل ذلك، وأولها المفهوم الذي سيكون المدخل إلى هذا العلم. ويتضمن تعاريف الثقافة بصفة عامة والثقافة الإسلامية بصفة خاصة من حيث اللغة والإصطلاح. مفهوم الثقافة إن في عقولنا جميعاً مفهوماً مشتركاً عن الثقافة يخالطنا في كل لحظة من لحظات التفكير التي يأتي فيها ذكر الثقافة. ولكن قد يستعصي على الحد الجامع المانع كما يقول المناطقه لأننا لا نستطيع أن نُميِّز بسهولة بين ما هو من الثقافة وما ليس منها دون أن نستخدم مقياساً معيناً يكون سابقاً على البحث نصطنعه أو نصنعه (1) . وإن كلمة ثقافة هي من الكلمات التي دار حول معناها الجدل كثيراً إذ أن هذه الكلمة لم تُعرف بهذا المسمى إلا في العصور المتأخرة سواء في التراث الإسلامي أو التراث الغربي الذي أخذت الكلمة عنه مع اختلاف المدلول بيننا وبينهم، وقبل أن نثبت ما دلت عليه الكلمة في معاجمنا العربية وما تدل عليه في اصطلاح تراثنا الإسلامي، نقف وقفة سريعة على معنى كلمة (ثقافة) في اللاتينية إذ تعني (CULTRE) فالمعنى يختلف عن المفهوم العربي للكلمة إذ هي تشتق من الكلمة (CULTUR) أو (CULTUS) ومن الأصل (CULTIVARE) وتحمل الكلمة أساساً معنى زراعة (CULTIVATION) وإن اتسع المعنى والمفهوم بعد ليشير إلى معان أخرى كالتدريب (TRAINING MENTAL) والرضاعة (FOSTERING) والزخرفة (ADORMENT) والعبادة (WORSHIP) والعقيدة (CULT) وإن كانت كل هذه الاصطلاحات والمعاني سواء ما استخدم فيها بمعنى وصفي أو وظيفي إنما تُعبِّر عن تهذيب شئ ما وتحسينه أو تنميته ويرى أحد الكتاب الغربيين وهو (كهلر) (KOHLER) أن مفهوم الكلمة الذي يشير إلى زراعة إنما يرجع إلى العصر الوسيط حين كانت توصف عبادة الله بأنها بمثابة زراعة في أرض الله، أو لله تؤدي إنتاجها في الآخرة (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 ولكن مالك بن نبي المفكر الإسلامي والكاتب المعروف يرى أن مفهوم ثقافة (CULTURE) إنما هو ثمرة من ثمار عصر النهضة ظهر عندما شهدت أوروبا في القرن السادس عشر الميلادي فجر عصر جديد من الإنتاج في القيم وفي الفكر والأدب والفن وأن علينا أن نترجم ظاهرة الثقافة تلك في ضوء العقلية الأوروبية بعامة والفرنسية بخاصة، لأن الأوروبي والفرنسي بالذات في رأيه أن (المثقف) هو إنسان الأرض وأن حضارة أوروبا في جوهرها هي حضارة الزراعة، وأن عمليات الزراعة من إستنبات، وحرث، وري، وبذر، وحصد ذات دور هام في صياغة نفسية الأوروبي ورموز حضارته. مما جعله يطلقها – أي الزراعة – إطلاقاً مجازياً على الفكر حين يتعاظم إنتاجه في فترة ما، ولهذا فإن هذه الإستعارة أُطلقت على واقع إجتماعي فخلقت مفهوماً جديداً هو مفهوم الثقافة (1) . وإذا كان علماء القرن التاسع عشر يميلون إلى ربط مفهومهم للثقافة بالمسلمات الفلسفية التي راجت في ذلك العصر حيث كانوا غالباً ما يتحدثون عن الثقافة كشيء منفصل عن الأشكال الخارجية التي تنظم هذا المفهوم. فإن علم الإجتماع الحديث يرى أن الثقافة ينبغي النظر إليها كجزء لا ينفصل عن الواقع الإجتماعي الذي يعيشه الناس في ذلك المجتمع في صوره المختلفة. التعريف اللغوي للثقافة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 بعد هذا الإستعراض المقتضب لكلمة ثقافة (مجردة) في المفاهيم غير العربية نحاول أن نستشف معنى هذه الكلمة من المعاجم العربية للغة فنجد أنها من باب (ثقف) وقد ورد هذا الفعل في القرآن الكريم في قوله تعالى (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) (1) أي وجدتموهم أو أدركتموهم، وهنا ثقف من باب تعب وثقف تمكن من فهم الشيء أو العثور عليه، وبما أن العثور على الشيء تمكن منه فأصلهما واحد، وفي حديث الهجرة (هو غلام لقن ثقف) أي ذو فطنة وذكاء، والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه، وقد جاء في أساس البلاغة للزمخشري، (ثقفناه في مكان كذا أي أدركناه) ، وثقفت العلم والصناعة في أقصر مدة إذا أسرعت أخذه، وثاقفه مثاقفة أي لاعبه بالسلاح (2) وفي لسان العرب لا يختلف التعريف عن هذا المعنى (يقال ثقف الشيء) وهو سرعة التعلم، وثقفت الشيء حذقته، ويقول صاحب كتاب الرائد ثقف يثقف ثقفاً وثقافة أي صار حاذقاً ماهراً، وثقف يثقف وثقافة وثقوفة الشيء تعلمه سريعاً ووردت أيضاً ثقف يثقفُ ثُقفاً، أدركه أو وصل إليه الشيء وظفر به ومنها قوله تعالى (وإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) (3) ومنها ثقف الرمح أي قومه وسواه أو هذبه وعلمه (4) وإلى نفس المعنى تشير دائرة معارف القرن العشرين لفريد وجدي (المجلد الثاني) ثقف يثقف ثقافة فطن وحذق، وثقف العلم في أسرع مدة أي أسرع أخذه، ويؤكد صاحب المنجد في اللغة المعاني السابقة ويقول (الثقاف من النساء الفطنة، وثقف الرمح أو الولد، وقومه وسواه فتثقف أي هذبه وعلمه فتهذب وتعلم فهو مثقف وهي مثقفة) (5) . وبهذا المفهوم اللغوي لكلمة ثقافة. لا يبعد المعنى المتداول على الألسنة في المجتمع العربي حين يشير الناس عادة إلى معنى (الثقافة) على أنه الفهم والحذق أو الخبرة بالشيء وفهمه وإدراك معانيه. تعريف مختار: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 .. ونختم هذه التعاريف بتعريف مختار هو (الثقافة في اللغة هي الفهم وسرعة التعلم وضبط المعرفة المكتسبة في مهارة وحذق وفطنة. تعريف الثقافة في الاصطلاح: ... قبل أن نحدد مفهوماً إصطلاحياً للثقافة الإسلامية أرى أن نثبت هنا بعض التعاريف الإصطلاحية للثقافة عند غير المسلمين فنجد أن أحد الكُتاب الغربيين يحدد ذلك المفهوم وهو (هنري لاوست) بقوله (إن الثقافة هي مجموعة الأفكار والعادات الموروثة التي يتكون فيها مبدأ خلقي لأمة ما، ويؤمن أصحابها بصحتها وتنشأ منها عقلية خاصة بتلك الأمة تمتاز عن سواها) (1) . ويُعرف (آرنست باركر) الثقافة بأنها (ذخيرة مشتركة لأمة من الأمم تجمعت لها وانتقلت من جيل إلى جيل خلال تاريخ طويل، وتغلب عليها بوجه عام عقيدة دينية هي جزء من تلك الذخيرة المشتركة والأفكار والمشاعر واللغة) (2) وفي اصطلاح مجموعة من الباحثين: أن الثقافة هي (مجموعة المعارف والجوانب الروحية الأصيلة من حياة الأمة ممثلة في تعاليمها الدينية وتقاليدها وأدبها وفنها وفلسفتها وأنظمة تفكيرها في الحياة والسلوك) (3) . هذه بعض من تعاريف كثيرة ومختلفة في جانبها الإصطلاحي لكن نريد أن نستعرض بعض التعاريف التي عُرِّفت بها الثقافة الإسلامية إصطلاحاً ثم نحاول أن نختار أحدها على إعتبار أنه جامع مانع. يقول أحد الكتاب المسلمين عندما حاول أن يعرف الثقافة الإسلامية: (إن ما نعنيه بالثقافة الإسلامية هي تلك المعارف والسبل التي تصوغ الفرد والمجتمع (لاسيما الشباب) صياغة إسلامية تسمح لهم بصياغة الواقع الذي يعيشونه وفق الرؤية الإسلامية للحياة على أنها ليست مجرد مجموعة المعلومات النظرية بل هي في إطار أنها إسلامية – تعني – تحويل الواقع العقلي والوجداني بطريقة تتمكن من أن يكون العقل والوجدان قادرين على تكييف الواقع الخارجي تكييفاً إسلامياً) (4) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 ويرى البعض أنه لا ينبغي أن نجاري الغرب في تعريفاتهم للثقافة وأن علينا أن نُعرفها تعريفاً إسلامياً مستقلاً لا نكون فيه تابعين ولا مقلدين ولا آخذين من تعريفاتهم إذ يقول في تعريفها (في رأينا أن مفهوم الثقافة يجب أن ينال تحديداً بصبغة إسلامية بحتة – وهذا المفهوم الذي يعطي الثقافة الإسلامية تلك الصبغة الخاصة بها والمميزة لها وهو أن نعرفها بأنها (الحكمة) وذلك كما ورد في القرآن الكريم عن مفهوم الحكمة، فإن الحكمة كما فسرها به علماء الإسلام والسلف تشمل معاني كثيرة منها العلم والعمل وإتباع السنة، فالسنة تفسير وتطبيق للقرآن، والمعرفة بالقرآن، والتفقه في الدين ومعرفة الحلال والحرام وما يترتب على ذلك كله من خشية الله فإنه من المعلوم أن هذه المعاني جميعاً تلتقي في النهاية على معنى واحد وهو العلم بالإسلام والعمل به يقول ابن عباس في تفسير قوله تعالى (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) (1) . يعني بالحكمة المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله) (2) . ويقول الإمام مالك رحمه الله (وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هي الفقه في الدين) (3) . التعريف المختار للثقافة الإسلامية: يقول أحد المتخصصين في علم الثقافة الإسلامية وبعد استعراض منه أيضاً من التعاريف المختلفة (أرى أن الثقافة مصطلحاً يعني العلم الذي يبحث كليات الدين في مختلف شئون الحياة فإذا وصفت بدين معين إختصت بكليات ذلك الدين وعليه (والكلام له) فالثقافة الإسلامية هي (علم كليات الإسلام في نظم الحياة كلها بترابطها) (4) . ولأن هذا التعريف أعتبره جامعاً مانعاً ويتبين كونه جامعاً مانعاً من خلال فدلكة هذا التعريف وهذا ما اختاره وأميل إليه. فقولنا: (علم) يخرج به المفهوم العام للثقافة الذي يعني النشاط الأدبي والفني. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 وقولنا (كليات الإسلام) : يعني أصوله ومقوماته في جميع نظمه فيخرج به فروع الإسلام في نظمه المتعددة لأن هذا من شأن العلوم المتخصصة كالعقيدة في النظام العقدي والعبادات، والمعاملات في الفقه، وهكذا بقية النظم الأخرى. وقولنا (في نظم الحياة) : شمول واستقصاء لسائر نظم الحياة البشرية وهذه النظم هي العقيدة، العبادة، الدعوة والحسبة، الأخلاق، الاجتماع، السياسة، الاقتصاد، العلم والمعرفة. وقولنا (كلها) : تخرج به العلوم الشرعية المتخصصة بنظام واحد أو بعض تلك النظم، حيث تدرس أصول هذا النظام وفروعه كعلم الفقه مثلاً، أما علم الثقافة فيبحث في نظم الإسلام كلها جميعاً دون تعمق في فروعه كماسبق. وقولنا (بترابطها) : تخرج به البحوث الإسلامية الموسوعية التي تجمع العلوم الإسلامية في مؤلف واحد لكن في إستقلالها التخصصي وإنفصالها، أما علم الثقافة فيبحث إرتباط هذه النظم ببعضها وأثر كل منها على غيره. وفي نهاية هذا المفهوم للثقافة بصفة عامة والثقافة الإسلامية بصفة خاصة أحب أن أشير إلى أن الفصول القادمة ستبين معنى الثقافة الإسلامية بشكل أكبر وأوضح وستزيد القارئ معرفة بأهمية هذا العلم وحاجة المسلم إليه. أهمية الثقافة: الثقافة هي عنوان الأمة بين الأمم الأخرى، فإذا ما أردت أن تُقيِّم أمة من الأمم فعن طريق ثقافتها، فالعلاقة وثيقة بين الأمة وثقافتها لدرجة أن بعض المفكرين والكتاب لا يجد وسيلة لتعريف الأمة أو الجماعة إلا من خلال ثقافتها فكلما كانت خصائص الثقافة قوية ومتميزة كلما انعكس ذلك على شخصية وسمعة الأمة وتقدمها، وثقافتنا الإسلامية بما سنعرفه في فصل قادم عن خصائصها متميزة، كيف لا وهي ذات المصدر الرباني ‍‍، ثقافة منهجها الدين الخاتم (إن الدين عند الله الإسلام) (1) ، (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 ولقد أدركت الدول المعاصرة أن ثقافتها هي هويتها وأهم عناصر شخصيتها. لذا حرصت على حماية ثقافاتها بكل الوسائل التي توفر لها الأمن الثقافي من كل غزو فكري معادٍ حيث شاع في نظام الدول المعاصرة ما يعرف بالأمن الثقافي كل ذلك من أجل حماية الثقافة من كل ما يصادمها إذ لم يعد الغزو كما كان في الماضي عسكرياً أقصى ما يحقق إحداث تدميرٍ مادي محدودٍ بينما الغزو الفكري يضرب الأمة في الصميم (أي في شخصيتها وهويتها) . فماذا يبقى إذا ذهبت شخصية الأمة؟ بقدر ما تخترق ثقافة ما ثقافة أخرى وتصيبها في ثوابتها الثقافية بقدر ما تكون الأخيرة تابعة لها. وهذا بداية الانهزام ثم الانهيار كلياً وهنا تكون الكارثة ومن ثم ضياع الأمة لتحل محلها أمة أخرى من خلال ثقافة جديدة مغايرة ويمكن أن تبرز أهمية الثقافة من خلال رصد دورها في حياة الفرد وضرورتها للمجتمع وأهميتها للتربية وهذا بالنسبة للثقافة أي ثقافة. فكيف بالثقافة الإسلامية التي تعلم الفرد المسلم كيف يقوم بمهمته التي خلق من أجلها وتبصره كيف يعبد ربه على علم ونور وبصيرة. لاشك أن الأثر والأهمية أكبر. أهمية الثقافة للفرد: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 ينمو الفرد بيولوجياً سواءً عاش داخل مجتمع إنساني أو معزولاً عنه. لكن شخصية الفرد وتميزه وتكامل تلك الشخصية الإنسانية لا تتم ولا تنمو إلا في إطار إجتماعي إنساني، لذا يحق لنا أن نقول أنه لا شخصية للفرد بدون مجتمع ولا مجتمع بدون ثقافة، فالثقافة إذن هي الوسط الذي تنمو فيه شخصية الفرد، بمعنى أنها الوسيلة التي تُشكل أفكار الفرد، ومعتقداته، وخبراته، ودوافعه، وطرق تعبيره وإنفعالاته، كما أن الثقافة هي التي تحدد له المعايير والقيم التي يسترشد بها في سلوكه، وتفرض عليه العادات والتقاليد التي يتمسك بها، ومن هنا يؤكد علماء الإجتماع أن طابع الشخصية له علاقة وثيقة بنمط الثقافة الذي تعيش فيه هذه الشخصية، ومن هنا أمكن أن نقول إن شخصية الفرد صورة للثقافة التي نشأ فيها. أهمية الثقافة للمجتمع: يقول أحد الكتاب المسلمين في شأن هذه الأهمية للثقافة بالنسبة للمجتمع (إن هناك من يعتقد أن ثقافة المجتمع تتكون من مجموع ثقافات أفراده، وآخرون يعتقدون أن الفرد ليس إلا وحدة من تلك الوحدات العديدة التي تشكل فيها ثقافة المجتمع، وأياً كان الأمر فإن إمتلاك أفراد المجتمع لثقافة مشتركة أمر حيوي لشعور أعضاء هذا المجتمع بالوحدة وتسهيل سبل المعيشة والعمل المشترك، فالثقافة تحقق للمجتمع مجموعة من الوظائف الحيوية التي تُمكنه من تحقيق أهدافه المنشودة وثقافة المجتمع ترادف الشخصية القومية التي تحدد السمات العامة للأنماط السلوكية) (1) . (وبهذا تختلف الشعوب عن بعضها وهذا الإختلاف يعزى في أساسه إلى إختلاف العقيدة والتقاليد والقيم والإتجاهات الفكرية ومجموعة المعاني والرموز التي تسود ثقافة المجتمع، فالشخصية القومية هي التي تستمد مقوماتها من خلال تربية المجتمع لأبنائه تربية يتشرب بها الصغار من الكبار الأنماط الثقافية المختلفة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 والثقافة تهيئ للأفراد وسائل التفاعل داخل الجماعة وهذا التفاعل بدوره يحقق مزيداً من الوحدة والتماسك بين أفراد المجتمع ويمنعهم من الوقوع في أي نوع من أنواع الصراعات المختلفة) (1) . ولا يمكن في غمرة تأكيدنا على أن الأمة تحرص على ثقافتها وتحميها من أي إختراق من الثقافات الأخرى، لا يمكن بحال أن يعني ذلك بأن نقول إن الثقافة لا يمكن أن تتصل بالثقافات الأخرى وتتفاعل معها، فإن ذلك في الحقيقة يصادم تنمية هذه الثقافة ويمنع إيصال رسالتها إلى الأمم الأخرى، فإذا نمّت هذه الثقافة ذاتها من الداخل وحافظت على ميزاتها وخصوصياتها فلا يمنع أن تتصل بعد ذلك وتتواصل مع أي ثقافة أخرى يمكن أن تفيد منها، سواءً على مستوى الأفراد أو الجماعة. أهمية الثقافة للتربية: التربية لا تتم إلا على أساس من ثقافة معينة محددة المعالم، والعلاقة بين الثقافة والتربية هي علاقة تأثير وتأثر، إذ تتأثر التربية بالنمط الثقافي الذي يسود المجتمع فهو الذي يحدد أهداف التربية ويرسم سياستها ويُشكل أساليبها وممارستها (والتربية بدورها تمكن الثقافة من الإستمرار والتطور، فالتربية ليست عملية ثقافية لأنها تشتق مادتها وتنسج أهدافها من واقع حياة المجتمع بثقافته، كما أن الثقافة لا تستمر إلا باكتساب الأفراد لأنماطها ومعانيها وهذه وتلك لا تتم إلا من خلال عمليات تربوية) (2) . وإذا كانت الثقافة مكتسبة فإنها لا تعتمد على التربية في إكتسابها، فعن طريق التربية يتم دمج الناشئين في ثقافة المجتمع وإذا كانت الثقافة تبقى وتُستمد عن طريق عن طريق ما يتوارثه وينقله الأفراد من جيل إلى جيل، فإن التربية وحدها هي وسيلة النقل الثقافي في كل زمان ومكان، ومن هنا إكتسبت التربية تلك الأهمية بالنسبة للثقافة. فائدة علم الثقافة الإسلامية: إن علم الثقافة الإسلامية له فوائد عديدة ولعل من أبرزها: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 1. عرض نظم الإسلام الكثيرة بترابطها ليأخذ طالب العلم دين الله بشموليته التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة، وتلقاها صحابته رضوان الله عليهم ثم نقلوها لمن بعدهم. 2. تأصيل المفاهيم المتعلقة بالإسلام وبيان معانيها الصحيحة ورد المفاهيم الخاطئة التي راجت في عصور التخلف أو أدخلت على المسلمين من أديان ومذاهب أخرى. 3. نقض، ودحض، وتفنيد المفتريات التي حيكت ضد الإسلام من مختلف التيارات المحاربة له قديماً وحديثاً. 4. بيان نجاح مبادئ الإسلام في تحقيق سعادة الحال والمآل مقارنة بالإخفاق الذي يحيق بالمذاهب البشرية الأخرى من خلال نقد مبادئها ومناهجها المصادمة لمراد الله من خلقه. 5. يعمل هذا العلم من خلال ما ورد في الفقرة (3) أعلاه، على جعل المهتم بهذا العلم على إطلاع دائم بثقافات عصره. 6. بعلم الثقافة يمكن المحافظة على الربط بين كليات الإسلام في نظمه وشرائعه. أهداف الثقافة الإسلامية: إن للثقافة الإسلامية أهدافاً نبيلة وعظيمة وكثيرة تصب جميعها في إتجاه الرفع من مستوى المسلم الفكري فيما يتعلق بفهمه لدينه، ومن ثم تطبيقه تطبيقاً صحيحاً يضمن به القبول عند الله عز وجل، ولعل من أبرز هذه الأهداف للثقافة الإسلامية ما يلي: 1. تكوين الشخصية الإسلامية المتميزة على مستوى الفرد والأمة، وإعطاء الهوية الإسلامية المتميزة والمستقلة الأصيلة لكل مسلم بحيث لا تختلط عليه المفاهيم والطروحات التي قد تصادفه في حياته بمختلف وجوهها، وتحصنه من أي غزو فكري قد يوجه له بقصد زعزعة عقيدته في نفسه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 2. تؤهل المسلم لأن يكون قادراً وفعالاً في عرض عقيدته على غير المسلمين فيحقق بذلك غاية نبيلة وهدفاً سامياً ألا وهو الدعوة إلى الله عز وجل الذي هو مطلوب من كل مسلم بحسبه (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) (1) ، (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (2) . 3. إيجاد الوعي العلمي الصحيح بحقيقة الإسلام وشموله لكافة متطلبات الحياة وأن هذا الدين هو منهج حياة يتلمسه المسلم في كل شأن من شئونه وفي كل خطوة يخطوها في حياته وسيره إلى الله عز وجل. 4. المساهمة في إيجاد المسلم القوي الصالح الذي يَعمُر هذا الكون وفق ما شرع الله تعالى. 5. تنمية شعور الولاء للأمة الإسلامية، والإلحاح على أهميتها ومكانتها ورسالتها العظيمة في الحياة، وأن كل فرد فيها يسعى من ناحيته لتحقيق هذه الرسالة وبدون هذه الثقافة الإسلامية لا تتضح هذه الرؤية في ذهن المسلم. 6. تصحيح الأفكار الخاطئة التي أثارها وأشاعها أعداء الإسلام في شأن المقولة التي تقول إن سبب إنحطاط وتأخر المسلمين مرجعه إلى تمسكهم بدينهم، وإثبات أن العكس هو الصحيح في أن سبب تأخر المسلمين إنما هو بسبب نكوصهم عن تعاليم هذا الدين، وتفريطهم في الإلتزام بهديه وتوجيهاته الخاصة والعامة والتي تحث على العلم والأخذ بأسباب التقدم. 7. تحصين المسلم ضد المبادئ والعقائد الهدامة المنتشرة فيما حوله من المجتمعات التي لا تؤمن بالله رباً ولا بالإسلام ديناً ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً. 8. إيجاد الأرضية العلمية القادرة على تربية النشء وتوجيههم نحو التمسك بدينهم بطريقة تضمن إستقامتهم وسيرهم بعيداً عن الإنحرافات والضلالات. الفصل الثاني: نشأة علم الثقافة الإسلامية ومجالاته البدايات: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 إن نشوء علم الثقافة الإسلامية لم يكن بدعاً ولم يكن حديثاً وإنما قام على منهج الكتاب والسنة في عرض رسالة الإسلام في جوانبها المختلفة، من إيمانية وعبادية وخلقية وإجتماعية وبدأ هذا العلم يأخذ طابع التخصص حيثما ظهرت الحاجة إلى ذلك، فإنه وعندما إتسعت العلوم الشرعية وتفرعت إلى تخصصات مختلفة حيث إقتضى الأمر ذلك التخصص في علوم الشريعة ليُتمكن من كل علم على حدة، أصولاً وفروعاً، ولكن ومع نشوء هذا التخصص فإن ذلك لم يصرف كبار العلماء عن التأليف في شمولية الإسلام، في العصور الأولى للتأليف، لكن وبعد أن جاءت العصور التي طغى فيها ذلك التخصص حتى أصبح العالم في كل علم من العلوم يستغرق في دراسته دقائق وتفصيلات ذلك العلم منصرفاً عن العلوم الأخرى ظهرت الحاجة إلى وجود ذلك التأليف الشمولي وتأصيله. فقد وجد أن أئمة العلم في الزمن الماضي كانوا حتى مع تخصص أحدهم في بعض فنون العلم يؤسسون علمهم على علم سابق بأصول الإسلام في نظم الحياة جميعها في ترابطها الشامل (1) . وفي العصر الحاضر حينما سهل الإتصال بين الناس وتيسرت وسائل المعرفة جهد أصحاب المذاهب الباطلة في نشر مبادئهم فيما يسمى (بالأيدولوجيا) أي الأصول العامة في الوجود والكون والإنسان ونظم الحياة المختلفة، فأصبح من السهل على الإنسان أن يأخذ تصوراً متكاملاً عن مذهب ما من تلك المذاهب من خلال كتاب واحد يجمع أصوله في كل النظم (2) . فاتجه بعض علماء المسلمين غَيرةً على دين الله ودعوة إليه وتقديماً للبديل الصحيح المتمثل في الأخذ بالإسلام والإغتناء به عن تلك المذاهب إلى الدراسة الشمولية للإسلام (3) . في نظمه المترابطة وكليته تحت إسم الثقافة الإسلامية فخرجت لنا عشرات الكتب في هذا الجانب الهام وهذا العلم هذا الكتاب أحدها. منهج علم الثقافة الإسلامية: إن من أبرز القواعد المنهجية لهذا العلم ما يلي: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 1. الكلية: فالثقافة تبحث في الاسلام – في نظمه المتعددة – بصفته كلا مترابطاً، ووحدة متكاملة وتؤكد التداخل بين نظمه من أجل أن يعطي هذا العلم آخذه تصوراً متكاملاً عن الإسلام متقياً الصورة المجزأة للإسلام. 2. المقارنة: وهي من دعائم منهج هذا العلم لأن هذا العصر عصر صراع فكري بين المذاهب، ولأن تلك المذاهب غزت بلاد المسلمين وزاحمت المسلمين في حياتهم فكانت المقارنة خاصة بالثقافة الغربية بفرعيها الديموقراطي والإشتراكي من قواعد علم الثقافة في الإسلام، ولا ينحصر منهج المقارنة بتيارات الفكر الغابرة، وشبه الزنادقة القدماء بل يركز على تيارات هذا العصر وقضاياه وإن لم يغفل ما سبق. 3. التأصيل: مع أن علم الثقافة علم مقارنة إلا أن منهج هذه المقارنة تابع لمنهج التأصيل. والتأصيل في هذا المقام هو بحث النظم في الإسلام من خلال الكتاب والسنة، وفهم السلف، وإجتهاد أئمة العلم المسلمين دون تأثر في ذلك بأصول المبادئ الأخرى، أو ما كتبه أعداء الإسلام من شبه في مسائل تلك النظم. 4. النقد: يتجاوز هذا العلم المقارنة المُبينة لفضل الإسلام على المذاهب الأخرى إلى النقد العلمي لها، سواء تمثلت في مذاهب ونظريات لها مناهجها في الوجود والكون والإنسان كالإشتراكية والتطورية، أو تمثلت في تيارات تحارب الإسلام ونظمه كالإستشراق والتنصير. فيم يبحث علم الثقافة الإسلامية؟ إن علم الثقافة الإسلامية يبحث في العديد من نظم الدين الإسلامي ومفاهيمها ومناهجها وآراء خصوم الإسلام تجاه هذه النظم وكذا بعض النظريات المصادمة لهذه النظم ومن أبرز ما يبحث فيه ما يلي: 1. نظم الدين الإسلامي كلها بترابطها: ومن أبرز هذه النظم: أ. نظام العقيدة: الألوهية، الوجود، والإنسان – أصلاً ومصيراً وحكمة وجوده والكون أصلاً وحكمة ونهاية والحياة دنيا وأخرى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 ب. نظام العبادة: مفهومها، ومقامها في الدين، ومجالاتها، وآثارها وشروطها، وشعائرها الكبرى. ج. نظام الدعوة والحسبة: حكم الدعوة، ومنهجها، وأهدافها وحركاتها التجديدية. د. النظام العلمي: مقام العلم، وحِكمِه، ومصادره، ومناهجه، وأقسامه، وكليات الدين في التعليم والتربية. هـ. النظام الخلقي: الشعور الخُلُقي، ومعيار القيم، ومصدر الإلزام الخُلُقي، وأصول الأخلاق الإسلامية. و. النظام العائلي: الزوجية، والطفولة، والآباء، والأبناء، والأرحام. ز. النظام الإقتصادي: العمل، والملكية، والتضامن والتكافل الإجتماعي والمادي، ومنها الزكاة. ح. النظام السياسي: الحكم، والسلطة، والإدارة، وحقوق الإنسان، وحقوق الحاكم والمحكوم وواجبات كل منهما. هذه النظم يبحثها علم الثقافة من حيث مصادرها، وأسسها، وخصائصها، وأهدافها، وآثارها ووسائلها الكبرى، أما تفضيلات كل نظام ودقائقه فمن شأن المتخصصين في هذه النظم. 2. المفاهيم المتعلقة بنظم الإسلام ومنهجه: تأصيلاً على أساس الكتاب والسنة، وفهم السلف، ودفعاً للمفاهيم الخاطئة التي انحرفت عن ذلك الأصل. ومن أمثلة تلك المفاهيم الحرية، والتسامح الديني، والتوكل، والعبادة الإسلامية، والسلفية، والعلم، والتجديد في مجال الدين والموضوعية، والبطولة … 3. القوى المعادية للإسلام وأهله: يبحث هذا العلم شبههاً حول الإسلام ومناهجها في محاربته ودوافع تلك الحرب وآثارها من أجل رد الشبه ومواجهة تلك الحرب وكشف حقائق تلك القوى وضررها على الإسلام وأهله وسبل وقايتهم منها. ومن هذه القوى الإستشراق، والتنصير، والماسونية، والصهيونية. 4. المذاهب والنظريات الحديثة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 لبيان ما يتفق منها مع الإسلام، أو يختلف، ونقد مبادئها الفاسدة وبيان إخفاقها في الواقع البشري مقابل نجاح مبادئ الإسلام في تحقيق السعادة. ومن تلك المذاهب الرأسمالية والإشتراكية وبعض الأديان القائمة. ومن النظريات: التطورية، والعلمانية، والوجودية، والفرويدية، والوضعية، والنظريات الإجتماعية الضالة. وهذه الموضوعات الأربعة مرتبطة فيما بينها، ووجه الإرتباط أن تلك القوى والمذاهب التي تسعى إلى زحزحة الإسلام ومنهجه عن حياة التابعين له ووقف مده عن من لم تصلهم دعوته، هو بما تثيره من شبه حوله أو بما تقدمه من نظم بديلة. ومن هنا كان مقتضى بحث أصول الإسلام في نظم الحياة البشرية هو بيان بطلان تلك النظم المقابلة خاصة أن الإختلاف في تلك الأصول بين الإسلام وبينها عظيم جداً وإليك توضيحاً لبعض من تلك الأصول: الإيمان بعالم الغيب أساس الإسلام (وهو منكر الإعتبار في الثقافة المادية) بما فيه وجود الله عز وجل والقضاء والقدر.. الدنيا مرحلة إلى الآخرة ومن ثم فالعمل يقوم على هذا الأساس في الإسلام أما في تلك الثقافة المادية فالحياة المعتبرة هي هذه الحياة الدنيا ولا إعتبار لسواها. الوحي مصدر المعرفة اليقينية في الإسلام ولا إعتبار له في تلك الثقافة بصفته مصدراً للمعرفة.. الإسلام يقوم على حقائق ثابتة في العقيدة والأخلاق وفي تلك الثقافات المادية جميع الأشياء متطورة حتى العقيدة والأخلاق. المُشرع في الإسلام هو الله وحق التشريع في تلك الثقافات للبشر. الربا حرام في الإسلام، وهو الأساس الذي يقوم عليه الإقتصاد في تلك الثقافات. التضامن الأخوي أساس المجتمع في الإسلام، وفي غيره تقوم العلاقات على القومية، والعرقية، والتفرقة العنصرية والمصلحة الآنية أحياناً. أمثلة لمجال البحث في علم الثقافة الإسلامية: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 لا ريب أنه بتحدد معنى الثقافة وموضوعاتها يتحدد إطار التأليف في هذا العلم ومجال البحث فيه سواء في رسائل الماجستير أو الدكتوراه أو بحوث المرحلة الجامعية أو غيرها. وقد يقول متسائل: بما أن الثقافة علم كليات فهل كل بحث فيها لابد له من الشمولية؟ والجواب: أن ذلك ليس لازماً فقد يتناول البحث قضية من قضايا أحد النظم الإسلامية، لكنها قضية أصولية في هذا النظام، ولها صلة بجوانب الإسلام الأخرى، وإذا كان قد سبق ذكر أمثلة لهذا النوع من البحوث عند الكلام عن المجال الذي يبحث فيه علم الثقافة فإني هنا سأذكر أمثلة مفسرة. فمثلاً: 1. موضوع (مصادر المعرفة) من أصول نظام العلم والمعرفة في الإسلام: الذي يتناول العقيدة حينما يبحث في (الوحي) بصفته مصدراً للمعرفة ويتناول أصول الفقه لدى بحثه مهمة العقل في المعرفة وخاصة في ميدان التشريع. وموضوع (منهج الإسلام في بناء الجماعة ورعايتها) من أصول النظام الإجتماعي ولكن متعلقاته كثيرة في العقيدة، والأخلاق وبعض الجوانب الفقهية. وموضوع (قضية الحضارة في ضوء الإسلام) يتناول في بنية الحضارة العقيدة والعلم والتشريع بصفتها أسساً لها، كما أنه يُقوِّم الحضارة القائمة على هذه الجوانب. 2. كليات النظم الإسلامية: سواء كان ذلك لنظام واحد أو أكثر وفي هذا المجال تدخل موضوعات مصادر النظام وأسسه وخصائصه وأهدافه وآثاره وتطبيقاته ومسائله الكلية. فمثلاً – من كليات النظام الخلقي فطرية الشعور الخلقي لدى الإنسان ومعيار القيم ومصدر الإلزام في الأخلاق والمذاهب الوضعية في هذا الشأن. ومن كليات نظم العلم والمعرفة (مقام العلم، وعلاقته بالعمل ونظرية المعرفة بمباحثها، ومناهج العلوم، وأقسام العلوم وضوابط المعرفة وفلسفة العلوم..) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 3. القضايا الفكرية في المجتمع المعاصر: مثل (الحرية، الإختلاط، العنصرية، القومية، الحوار بين الأديان، التطور والثبات، والتجديد في الدين، التراث، الموضوعية والشك) . وتخصص الثقافة لا يتناول من القضايا المثارة إلا الفكرية العامة، أما التخصصية الجزئية فهي لتخصصات أخرى كما سبق ذكره من قبل. فقضية الولاء والبراء – مثلاً – من موضوعات تخصص العقيدة وقضية الإجتهاد في إستنباط الأحكام، البحث في وجوبه أو جوازه، أو منعه مثار الآن وهو من تخصص أصول الفقه. وقضية النسب في أطفال الأنابيب قضية فقهية … الخ. 4. الثقافات البشرية: أ. مذاهبها الفكرية ونظرياتها (أصولها ووسائلها ومناهجها، وموقف الإسلام منها) . والمتخصص في الثقافة يدرس مذهبية تلك المذاهب أما مرتكزها العقدي (كالقول بأن المادة هي الموجود الأزلي الأوحد) لدى الماركسية فمن شأن المتخصص في العقيدة وليس الثقافة. ب. تياراتها المعادية للإسلام (أصول تلك التيارات، وأهدافها ووسائلها ومناهجها في حرب الإسلام، ومجالات طعونها، وآثار عدائها، والشبه المثارة من قبلها، وتطورها، ونقدها إسلامياً) . علم الثقافة الإسلامية بين العلوم الشرعية الأخرى: أبرز العلوم الشرعية _ سوى علم الثقافة: 1. علوم القرآن وأبرزها علم التفسير المختص بالبحث عن مراد الله في آياته حسب الطاقة. 2. علوم الحديث التي تبحث في الأحاديث النبوية من حيث المتن والسند صحة وضعفاً. 3. علم العقيدة أو التوحيد الذي يبحث في قضايا الألهيات والنبوات السمعيات. 4. علم الفقه وهو معرفة أحكام الشريعة بأدلتها التفصيلية في الجانب العملي من حياة الإنسان. 5. علم أصول الفقه وهو العلم الذي يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية، ومنهج الإجتهاد، وأحوال المجتهد. 6. علم السلوك وهو علم يبحث في أعمال القلوب وآفات النفوس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 هذه هي العلوم الشرعية التي يمثل كل منها تخصصاً مستقلاً محدد المعالم ولكنها رغم ذلك ذات تلازم لأن الشريعة التي قامت لخدمتها لا تتجزأ، وعليه فلابد للمتخصص في أي علم منها أن يركن تخصصه على معرفةٍ كلية بهذه العلوم، ولكن هذه المعرفة الكلية للمتخصص في أي واحد منها لا تغني عن الحاجة إلى متخصص بالدراسة الكلية إستقلالاً (1) ، لأن المتخصص الجزئي سيعود إلى تخصصه تدريساً وقراءة وتأليفاً ومعالجة، بحيث يستغرق فكرة هذا التخصص ومن ثم يغفل عن رعاية الجانب الكلي وعن الإرتباط الحيوي بين كليات النظم الشرعية، والواقع ماضياً وحاضراً يدل على ذلك.. وقد يقال إن هذا جار على عدم إمكانية وجود العالم المتمكن من كليات العلوم الشرعية وتفصيلاتها جميعاً وفي هذا شئ من المصادرة. وهنا أقول إن الحق – كما أرى – هو ما سبق تقريره، إنه وإن كان هذا ممكناً بل متحققاً للصحابة والأئمة السابقين من بعدهم إلا انه أصبح صعباً بعد توسع العلوم وكثرة تفريعاتها وتشعب مناهجها، وإن تَحقق شئ من ذلك فلقلة من فحول العلماء معدودين كابن تيمية، وابن القيم وأمثالهما من ذوي الملكات الشمولية والموسوعية (2) . وقد يُقِّيض الله من أبناء الأمة الإسلامية من يملك مثل قدرات هذين الإمامين الجليلين. من ذلك تتبين ضرورة وجود متخصص يبحث الكليات في نظم الإسلام وترابطها، وما إلى ذلك من متعلقات. ويكون مثاله كالفيلسوف بين علماء الطبيعة، إذ لكل علم مجاله الخاص منهجاً، وموضوعاً، فالرياضيات مجالها الكم، والطبيعيات مجالها الحركة والتغير وعلم النفس مجاله الظواهر النفسية والسلوك … الخ. والفيلسوف هو الذي يدرس موضوعات هذه العلوم في نظرة جامعة، ويعمل على الجمع بين عمومياتها، لينتج فلسفة موحدة ولهذا سماه (أوجست كونت) (ضابط الإتصال بين مختلف العلوم) (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 إذا يتبيَّن هذا فإن موقع علم الثقافة بين العلوم الشرعية المشار إليها يتجلى من خلال ما يلي: 1. أنه علم متميز بين هذه العلوم، ليس واحداً منها وليس جمعاً لها. 2. أنه لا يغني وجودها الجزئي المتخصص عنه، كما أنه رغم شموليته لا يغني عنها في تخصصاتها الدقيقة. 3. أن مقامه بين العلوم الشرعية عظيم، لجلالة موضوعه، وهو علم الكليات التي هي الأصل للجزئيات. 4. له صلة بكل علم منها، وهذا جار في كل علم من علوم الشريعة، لا يمكن الفصل بينهما تماماً. فعلما التفسير والحديث مستندة في أخذ موضوعاتهما من المصدرين الشريفين كالعلوم الأخرى، أما العلوم الأخرى فإنها تبحث في الجزئيات التي تبحث في كلياتها، كما أن كلاً منها يبحث في كلياته المتعلقة بتخصص ذلك الكل. وبهذه المقتطفات نكون وقفنا على جانب مهم مما يتعلق بنشأة هذا العلم والمجالات التي يمكن أن يغطيها من العلوم الإسلامية وسنقف على ما يزيد فهمنا لهذا العلم ويبين لنا أهميته ألا وهو الخصائص والسمات التي يتميز بها علم الثقافة الإسلامية. الفصل الثالث: سمات ومميزات الثقافة الإسلامية إذا ما أريد لبيان الشيء زيادة على تعريفه فإن الوقوف على سماته ومميزاته وخصائصه، وتزيد الأمر وضوحاً، وبين أيدينا هنا عدد من الخصائص التي تثبت تَميز الثقافة الإسلامية على غيرها من الثقافات في كل زمان ومكان، كيف لا وهي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 (ثقافة عابدة تفرد الله بالعبودية ومن ثم بالحاكمية، فهي ثقافة حرة لأنها تحرر الإنسان من العبودية لغير الله وهي ثقافة عادلة) (1) وعدلها مأخوذ ومنبثق من كونها ربانية في أساس مادتها وسيأتي في تعداد سماتها وخصائصها أنها إنسانية، وعالمية، فهي ليست قومية ولا محلية ولا إقليمية، ومن ثم فهي تكره الإحتكار والإستغلال والظلم في كل زمان ومكان ومن أي شخص كان في كافة السلوك الإنساني حتى ولو كان هذا السلوك صادراً من الأنبياء، والآيات التي تثبت ذلك في القرآن كثيرة ومنها قوله تعالى لنبيه داوود (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله … ) (2) وهي ثقافة متعادلة فيها التوازن والوسطية في كل شئ لأن الإسلام كما تشير النصوص وسط في كل أحواله. ومن خلال ما يأتي من الخصائص والسمات ندرك ذلك التميز وتلك الصفات الفريدة للثقافة الإسلامية والخصائص هي: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 1. ثقافة ربانية: وتبرز هذه الخاصية والسمة من خلال ظاهرة الوحي الذي حدد الإطار العام للثقافة الإسلامية، وجعل منها ثقافة إنتماء إلى عقيدة التوحيد، فالمسلم في عقيدته تلك يعتقد أن الله هو الذي خلق هذا الكون وسخر ما في هذا الوجود لمصلحة الإنسان، وهذا التصور من المسلم يجعله ينظر للحياة بمنظار يختلف فيه عن الآخرين فهو يعلم أنه مستخلف عن الله في هذه الأرض وأن هذه الحياة ليست غاية وأن الغاية الأساسية هي الوصول إلى سعادة الآخرة وأن ذلك لا يتأتى إلا بسلوك الطريق الذي يرضي الحق سبحانه وتعالى، ويتلمس مكان تلك المرضاة في كل شان من شئون حياته، وهكذا ينظر الإنسان في هذا الكون فيرى فيه قدرة الباري سبحانه وعظمته وسلطانه فيسير في هذه الحياة على وفق السنن التي بثها الله فيه لا يخرج عنها، بل يكون المسلم وهو في أوج قوته وسلطته مؤمناً بربه خاضعاً له لا يداخله الغرور الذي داخل غيره عندما تَمكن من بعض أسباب الحياة كما عند الأوروبيين وغيرهم الذين غرهم تمكنهم من بعض تلك الأسباب. ومع كون المصدرية لهذه الثقافة ربانية تحدد الإطار الذي يسير فيه الإنسان في الحياة، فإنها في الوقت نفسه لا تلغي حركة الإنسان وتفكيره وإختياراته، من خلال دور العقل البشري في التفسير والتجديد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 2. فيها التوازن: إن ما نعنيه بالتوازن كسمة من سمات الثقافة الإسلامية هو التوازن بين ما يدركه الإنسان فيسلم به، وبين ما يتلقاه عن الوحي فيبحث عن علله وبراهينه وغاياته التي تزيد في إيمانه وتقوي عقيدة الغيب في نفسه، وفيها التوازن بين مجال المشيئة الألهية المطلقة ومجال المشيئة الإنسانية المحدودة، ومن هذا التوازن أيضاً ببين عبودية الإنسان المطلقة لله عز وجل وبين مقام الإنسان المكرم في هذا الكون (وفيها التوازن بين مصادر المعرفة وبين التلقي عن الوحي والنص، والتلقي من الكون والحياة، وفيها توازن بين حاجات الإنسان الروحية والمادية والإجتماعية) (1) . من هنا فإن الثقافة الإسلامية القائمة على هذا التوازن بين كل هذه الجوانب دون أن يطغى جانب على آخر قد استطاعت أن تستجيب لطبيعة الإنسان ونزعاته الفطرية والغرائزية، ولو لم يكن ذلك لاختل التوازن الذي أراده القرآن، وهذا التوازن مرجعه إلى وسطية هذا الدين في كل أمر إذ لا تفريط ولا إفراط. 3. ثقافة إنسانية: يقول تعالى (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) (2) إن الثقافة الإسلامية ليست عنصرية ولا ثقافة أمة متميزة بإنتماء نسبي أو عرقي أو لغوي وإنما هي ثقافة إنتماء إلى عقيدة رسم الوحي الإلهي معالمها وحدد أطرها ودعائمها، لا تفرق الثقافة الإسلامية التي مصدرها القرآن والسنة بين شعب وشعب في اللون أو اللغة أو الإنتماء العرقي، فالثقافة الإسلامية تخاطب الجنس البشري دون إستثناء يقول الحق تبارك وتعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (3) . فميزان التفاضل هو التقوى، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 ولو كانت الثقافة الإسلامية ذات إنتماء عرقي أو رباط نسبي لما أسهمت الأمم الأخرى التي دخلت في الإسلام في بناء صرحها، ولما شعرت بالإعتزاز بها، ولما جعلت منها ثقافتها الوطنية فالثقافة الإسلامية ثقافة تجمع ولا تفرق تدعو للترابط وتنبذ الفرقة والتناحر والسبب في ذلك كما قدمنا هو الإنتماء إلى عقيدة واحدة، من مقاصدها قوله صلى الله عليه وسلم (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) (1) فهي تدعوه إلى الوحدة. 4. فيها الوحدة: إن عقيدة التوحيد التي هي الدعامة الأولى للثقافة الإسلامية تتلخص في أن الله واحد لا معبود بحق سواه، وأنه خالق الكون وواهب الحياة، وعليهما نشأة ووحدة الخلق أي الوحدة التي تجمع بين المادة والروح ووحدة العلم والإيمان ووحدة الإنسانية لا تفرقها الألوان ولا الأجناس والأقاليم (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) (2) ويقول الحق أيضاً (يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) (3) . (ومن هنا كانت تعاليم الإسلام التي هي مادة الثقافة الإسلامية تدعو إلى توفير المبادئ الإنسانية في مجالات العلاقات على الصعيد الفردي والإجتماعي والدولي وتحذر من مغبة العنصرية البغيضة) (4) حتى تكون الأهداف الإنسانية التي من أبرزها تحقيق العبودية لله تعالى، هي الغاية التي يتطلع إليها الإنسان ويسعى نحوها (ولعل أهم معاناة يعانيها الإنسان خارج دائرة الإسلام هي شعوره بالتمزق، وبأنه ليس شخصية واحدة تتجه نحو هدف واحد، فهو يرى أنه أشتات كل منها يرتبط بهدف لا علاقة له بالأهداف الأخرى، وبأنه أنفس عديدة لا نفس واحدة، وبأنه بعيد عن مصيره لا متوحد معه) (5) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 وهذه الوحدة تنطلق وتتعانق مع خصيصة أخرى للثقافة الإسلامية ألا وهي الشمول. 5. الشمول: إن النصوص الإسلامية عامة مطلقة في كل شأن من شئون الحياة (ويتمثل ذلك في التصور الشامل الذي يبدأ مع الحقيقة الألهية التي يصدر عنها الوجود كله، وتتناول الحياة وطبيعتها والوجود ومكانة الإنسان فيه، وما يربط بين الله والكون والإنسان من وشائج) (1) . فالثقافة الإسلامية تأخذ من الإسلام شموله وسعته، لذلك فهي تعرض الحياة متصلة متناسقة محكومة كلها بقانون واحد كبير، في حين أن بعض الثقافات الأخرى تعرضها مقطعة الأوصال فتفقدها معناها الشامل ومغزاها العميق، وذلك لأن بعض أعلام الفكر والثقافة من غير المسلمين قد إختلفت النسب في نفوسهم فلا يرون الحياة إلا من خلال جزئية واحدة من بين جزئياتها إما من خلال الجنس أو من خلال الصراع الطبقي أو من خلال التفسير المادي للتاريخ أو غير ذلك. ومن هنا حصل الخلل وعدم الإيجابية لتلك الثقافات غير الثقافة الإسلامية التي تميزت نظرتها بالشمول لكل مناحي الحياة، وهذا من أسباب إيجابيتها. 6. الإيجابية: المتتبع للنصوص التي جاءت تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر في القرآن والسنة يدرك تماماً هذه الإيجابية التي كانت ولازالت للثقافة الإسلامية، فالنصوص الشرعية الإسلامية ليست قاصرة على درء المفاسد، بمعنى أنها ليست رد فعل لما يقدمه الناس فحسب، بل هي تملك زمام المبادرة أيضاً، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 ومن هذه الإيجابية أيضاً أنها لا تكلف الإنسان في شأن الأمر أو النهي أكثر من طاقته (فاتقوا الله ما استطعتم) (1) (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (2) وهي في الوقت نفسه تحذره من التواكل فهي تحثه على العمل وتدفعه إليه وتشجعه (فبناء المجتمع المسلم والإهتمام بقضايا المسلمين هي مسئولية الجميع والمسلم العامل بهذه الثقافة الإسلامية لا يهدأ له بال حتى يرى راية الإسلام خفاقة عزيزة) (3) وأنه لا يشعر بالراحة والطمأنينة حتى يرى شريعة الله تطبق بين خلقه في أرضه، وهذا الشعور من المسلم هو غاية الإيجابية لما يخدم مصالح الإنسانية جمعاء، لأن البشر إذا طبقوا ما تدعو إليه هذه الثقافة سعدوا في الدنيا والآخرة. 7. الثبات والتطور: الثبات والتطور سمة بارزة في الثقافة والشريعة الإسلامية فالأصول والمبادئ ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، ولكن ما يدخله التطور هو التطبيق لهذه الأصول والقواعد الإسلامية، فالإيمان، والتقوى، والبر، والمعروف، والإخاء، والمساواة، والعدالة، والحرية، والحب ن والإحسان وغيرها من القيم الإسلامية، قيم لا يدخلها التغيير كما قلت، ولكن العمل بها وأساليب تطبيقها هي التي يمكن أن يدخلها التطور حتى تكون صالحة لكل زمان ومكان. وبهذا الاستعراض المختصر لبعض وليس لكل خصائص وسمات الثقافة الإسلامية نكون قد عرفنا عُلُو كعب هذه الثقافة بين سائر الثقافات الأخرى، وأن لا مقارنة، ولكن إثباتها هنا هو فقط لزيادة توضيح مفهوم الثقافة الإسلامية التي أصولها ربانية ومصدرها الوحي (القرآن والسنة) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 وخاتمة القول بأن الثقافة الإسلامية التي تعتمد على هذين المصدرين هي بذلك تعتبر ثقافة عالمية إنسانية، لا تحدها الحدود الجغرافية والخرائط الإنسانية أو تخوم الأرض، وإنما حدودها هي حدود فكرتها، فالإنسان المسلم والجماعة المسلمة يجب أن تمارس حياتها وأن توجه حركتها ونشاطها وفقاً لمنهج الله في كل زمان ومكان (1) ، هذا المنهج الذي لا يخرج بحال عن ما جاء في القرآن والسنة وهما المصدران الأساسيان للثقافة الإسلامية. الفصل الرابع: أسس ومرتكزات الثقافة الإسلامية وقفنا في الفصل السابق على ما يميز الثقافة الإسلامية عن غيرها من الثقافات من خلال السمات والخصائص، وفي هذا الفصل سنقف على ما يقوي ذلك التميز ألا وهو أصالة الثقافة الإسلامية من خلال الإطلاع على مصادرها والآفاق والأبعاد التي تقوم عليها، فإن أصالة الثقافة الإسلامية طبيعة لا اصطناعية، وذاتية لا مكتسبة، وموافقة لا مخالفة لفطرة الإنسان، كل ذلك لأن منبعها الإسلام ولعل ما كتبه أحد الكتاب (2) المسلمين عن هذه الأسس في مؤلفه عن نظم الإسلام وثقافته مصدر مناسب لإقتباس مادة هذا الفصل فبالوقوف على تلك الأسس الثلاثة تتضح لنا أصالة الثقافة الإسلامية فالأساس الأول من مصادر الثقافة الإسلامية الكتاب والسنة والتراث، والأساس الثاني هو غرس الوازع الذاتي في النفوس وهو هدف سام للثقافة الإسلامية، والأساس الثالث يتمثل في عالمية الدعوة والتي تبرز لنا أهمية الثقافة الإسلامية وأنها المفتاح الذي يقود الإنسان إلى سعادة الدارين (الحال والمآل) . الأساس الأول: هو مصادر الثقافة الإسلامية: والتي تتمثل في: ... أ. ... القرآن الكريم: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 تتسم الثقافة الإسلامية بالأصالة لأنها مستمدة من النبع السماوي الإلهي الصافي ألا وهو القرآن الكريم، ذلك الكتاب الذي هيأ أصول الثقافة البشرية وأمر أفرادها أن يغترفوا من أنهار العلم وينابيع المعرفة، ويتجلى هذا في إشادة القرآن بالعقل، ودعوة الناس إلى أعماله تفكيراً فيما خلق الله من شئ وتأملاً فيما أبدع الله من خلق، كما يتجلى أيضاً في إشادة القرآن بوسيلة العلم وأداته متمثلين في القراءة والكتابة بالقلم.. ثم يتجلى حث القرآن على العلم، كذلك في تقديره وتكريمه لطائفة العلماء قال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات، والله بما تعملون خبير) (1) . هذا وقد أشار القرآن الكريم إلى حقائق تتعلق بعدد من فروع العلم وجزئيات المعرفة، إشارة تدل على إهتمام القرآن الكريم بكافة العلوم النظرية والتجريبية والمعارف الفكرية والعملية.. وإذا كان إهتمام القرآن بالعلوم النظرية أمراً لا يحتاج إلى تبيين فالأمر على العكس من ذلك فيما يتعلق باهتمام القرآن بالعلوم التجريبية العملية ومن ثم وجب علينا أن نلفت الأنظار إلى ما اشتمل عليه القرآن الكريم من إشارات إلى حقائق تتعلق بعدد من فروع العلم التجريبي. ففي قوله تعالى: (وأنبتنا فيها من كل شئ موزون) (2) . وقوله تعالى: (إنا كل شئ خلقناه بقدر) (3) يشير القرآن إلى حقيقة تتعلق بعلم الكيمياء وهو ذلك الذي يقرر أن العناصر الداخلية في تركيب الأجسام من نسب معينة وموازين مقدرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 وفي قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) (1) . يشير القرآن إلى حقيقة تتعلق بعلم الأحياء أو ما يعرف بالتاريخ الطبيعي.. وذلك الذي يقرر إشتمال الحيوانات على الأجهزة العضوية الموجودة في الإنسان من مثل الجهاز العصبي والجهاز التنفسي، وفي قوله تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياءاً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) (2) فالقرآن يشير هنا إلى علم الميقات الذي هو فرع من علم الفلك، والذي تدور عليه مصالح الناس ومواقيتهم، وفي قوله تعالى: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يجب المسرفين) (3) . يشير القرآن إلى مبدأ هام من مبادئ علم الصحة الغذائي. وفي قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) (4) يشير القرآن إلى ما يسمى بالطب الوقائي. وفي قوله تعالى (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً) (5) يشير إلى مبدأ هام من مبادئ الطب النفسي. والمتتبع يجد الإشارات القرآنية الكثيرة التي تشير إلى حقائق (6) كثير من العلوم والمعارف وهي إشارات توجب علينا أن نقرر بإزائها أن القرآن الكريم مع إشتماله عليها فهو كتاب عقيدة، وليس كتاب فن من الفنون أو علم من العلوم المتعارف على أسمائها بين الناس، من مثل علم الكيمياء، أو الطبيعة، أو الأحياء أو غير ذلك، إن القرآن كتاب عقيدة وحسب.. كتاب عقيدة لا يطلب منه أن يطابق مسائل ونظريات العلم التي تخرج عبره أجيال البشر المتتابعة، كما لا يطلب من المؤمنين به أن يستخرجوا منه تفصيلات تلك العلوم، كما تعرض عليهم في معامل التجربة والدراسة لأن هذه التفصيلات تتوقف على محاولات الإنسان وجهوده، كما تتوقف على حاجاته وأحوال زمانه (7) . إن القرآن كتاب عقيدة يهدف في كل ما اشتمل عليه من إشارات إلى أمرين اثنين: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 أحدهما: ربط مختلف العلوم والمعارف والفنون بالإيمان والعقيدة. والآخر: حث الإنسان على التفكير السليم والنظر الصحيح إلى ما يزخر به عالم النفس وآفاق الكون من الآيات من غير أن يتضمن القرآن الكريم حكماً من الأحكام يشل حركة العقل من تفكيره، أو أن يحول بينه وبين الإستزادة من العلوم ما استطاع حيثما استطاع. وبعد فالقرآن كلمات الله وهي كلمات لا تنفذ معانيها ولا تنتهي مدلولاتها ولا تنقضي عجائبها ومن ثم تكون الثقافة النابعة منه ثقافة تتسم بالأصالة والرسوخ والثبات وهي الثقافة الحق، والثقافة الخالدة. ... ب. السنة النبوية الشريفة: لم تكن السنة النبوية الشريفة بأقل أثراً من القرآن الكريم في الدعوة إلى العلم والمعرفة وسائر ألوان الثقافة، لأن صاحب السنة صلى الله عليه وسلم هو المترجم لمعاني القرآن إلى عمل تطبيقي وسلوك واقعي، وليس أدل على ذلك من هذا الحشد الهائل الضخم من الأحاديث النبوية الشريفة التي جمعها الحفظة والمحققون للسنة الشريفة في كتب الأحاديث العامرة بالروايات الصحيحة، والدالة فيما تدل عليه على عظم إهتمام السنة بالعلم والمعرفة وذلك من مثل ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في طلب العلم والإرتحال إليه ومن مثل الإشادة بفضل العلم والعلماء والمتعلمين ومن مثل الترغيب في مجالسة العلماء وإكرامهم وتوقيرهم وإليك قبساً من هذه الأمثلة التي ترشد إلى موقف السنة من الثقافة القائمة على العلم والتعلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 لقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بصريح القول إلى التحلي بفضيلة العلم لما له من آثار طيبة ونتائج حسنة فقال صلى الله عليه وسلم: (تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذكراته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة.. لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم.. ويبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة.. التفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام، به تُوصل الأرحام وبه يعرف الحلال والحرام) (1) . وفي حديث ثان يبين الرسول صلى الله عليه وسلم مكانة طالب العلم وجزائه، وفضل العلم ومنزلته فيقول: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء. إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) (2) . وفي حديث ثالث يقرر الرسول صلة الله عليه وسلم في مثل يضربه أن موضوع دعوته المبعوث بها يتكون من شقين: أحدهما يتمثل في الهداية والتقوى، والآخر يتمثل في العلم والمعرفة.. هذان الشقان انقسم الناس حولهما إلى ثلاث طوائف: 1. طائفة إستجابت قلوبها وتفاعلت عقولها مع ما استجابت له فأنتجت في مجال العلم والإرشاد وهذه هي طائفة أولي الأمر من المشرعين والمفكرين والباحثين المسلمين. 2. طائفة إستجابت قلوبها لكنها لم تتفاعل بعقولها مع ما استجابت له فلم تنتج في مجال العلم والإرشاد وكانت بذلك بمثابة الأوعية الحافظة لشقيَّ دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحاب هذه الطائفة هم عوام المسلمين من المقلدين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 3. طائفة لم تستجب لما جاء به صلى الله عليه وسلم وبالتالي فلم تتفاعل معه وهؤلاء هم الذين وضعوا الأكنَّة على قلوبهم والذين أعرضوا عن التفكير الحق بعقولهم فكانوا بذلك من الخاسرين. يقول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءاً ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) (1) . ونكتفي بهذا القدر من القبسات النبوية لنؤكد علاقة السنة بالعلم وهي علاقة يقول فيها المرحوم الأستاذ البهي الخولي: (السنة هي المرجع الثاني – بعد القرآن الكريم – لعلوم الدنيا والدين، وهي نفحات نفس قدسية وهي خلاصة كاملة لتجارب أعظم عقل فهم القرآن وسنن الإجتماع، وعلل النفوس، ومشكلات الحياة وضروب الأصلاح.. فإذا أسمعك متحدث: قال صلى الله عليه وسلم فأرهف أذنك واستجمع مواهبك ومشاعرك، لأنك ستسمع أصدق قول، وأنفع قول، وأطهر قول نطق به بشر. وهذه الصفات غنم تتضاءل إلى جانبه الدنيا وما فيها، غنم عقلي وروحي وإجتماعي وعملي يجد فيه كل باحث ري ظمئه إلى ما يشتهي من خير المنافع) (2) . ... ج. ... التراث الإسلامي المجيد: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 ليس عجباً أن تتسم الثقافة الإسلامية بالأصالة، لأنها مستمدة من التراث الإسلامي ذي الإتجاهات العلمية المتشبعة والفروع العديدة من المعارف المختلفة فتراثنا الإسلامي تراث مجيد نهضت به الأمة الإسلامية على مدى أربعة عشر قرناً وكانت في طليعة العالم إن لم تكن أرقى أمم الأرض طراً، كما قامت بهذا التراث الإسلامي نهضة المجتمعات الأوروبية حين انتقل هذا التراث إليها عن طريق بلاد الأندلس، وعن طريق الحروب الصليبية، وعلى يد عدد من اليهود الأسبان، وكثير من عرب صقلية وأفريقية. ولقد بلغت عظمة التراث الإسلامي وقوته أن كان بالأندلس وحدها – زمن قوة المسلمين – أكثر من سبعين مكتبة عامة كما بلغ تعداد ما في مكتبة الأمراء في الأندلس فقط 600 ألف مجلد وهذا في زمن لم تكن فيه المطابع التي نعرفها اليوم وإنما كان ما كتب بخط اليد كله، الأمر الذي يدل على أن الثقافة في ظلال دعوة الإسلام لم تكن مقصورة على الطبقات العليا، وإنما هي أمر مشاع بين الناس كافة (1) . إن تراثنا الإسلامي تراث تليد حقاً، لأنه يجمع مع الرقي الكمي والكيفي فضل السبق على الحضارة المادية المعاصرة في شتى أوجه المعرفة ومختلف فروع العلوم. ففي فرع البصريات المتعلق بعلم الطبيعة أو الفيزياء: نجد أن الحسن بن الهيثم هو أول من وضع علم البصريات منذ حوالي ألف سنة وكان لهذا العلم الأثر العظيم في الحياة المعاصرة، إذ انه يبحث في سقوط الأشعة والضوء على الأجسام الثقيلة وبهذا العلم اتصلت نظريات الضوء وانفتح الباب أمام مخترعات كثيرة واستحق ابن الهيثم به أعظم التقدير من علماء أوروبا فقد قال عنه (فباردو) : (إن الهيثم هو العربي الذي تعلم منه رجالنا) (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 وفي علم الكيمياء: نجد أن جابر بن حيان أسس هذا العلم وهو الإمام في هذا المضمار الذي اتكأت أوروبا بعد نهضتها على كشوفه وابتكاراته فترجمت عن - حاجة - كتابه المسمى بالاستتمام، ونقلته إلى اللغة اللاتينية سنة 1682م لتتعلم منه ما لم تكن تعلم وقال (برتيلو) عن جابر: إن له في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق ويتبين بذلك أن جابر ابتكر الكيمياء كما ابتكر أرسطو المنطق (1) . وفي علم الرياضيات نجد أن محمد بن موسى الخوارزمي هو واضع علم الجبر بأمر المأمون العباسي في القرن التاسع الميلادي، وعنه أخذت أوروبا ولا زالت تسميه باسمه العربي الجبر. وأولاد موسى وهم: محمد وأحمد والحسن هم الذين وضعوا المعادلات الرياضية وعلى هدى تلك البداية العربية للرياضيات كانت تلك المخترعات الهائلة كالصواريخ والأقمار الصناعية والراديو وسواها كثير (2) . وفي فن الطب: نجد ابن سينا (3) ، والكندي، وأبو بكر الرازي، والكتاني كان لهم باع طويل وأثر عميق في هذا الفن بل إن أول مدرسة طبية أنشئت في قارة أوروبا على نظام محكم هي التي أنشأها العرب في أسبانيا. ثم ناهيك بعد ذلك بما للمسلمين من يد طولى في مجال بقية المعارف التجريبية من مثل فن الهندسة، وفن الفلك، وفي مجال بقية العلوم النظرية والمسماة بالعلوم الإنسانية من مثل علوم الشريعة.. تفسير، وحديث، فقه، وتوحيد، وعلوم اللغة.. نحو وصرف وبلاغة وأدب، ثم من مثل علم الفلسفة والمنطق وغير ذلك من ألوان المعرفة والعلوم. وبَعدُ أفلا يحق لنا أن نقرر في شأن هذا التراث الإسلامي أنه تراث ضخم وفخم؟ وإن من الجدير بهذا التراث أن تخرج منه الثقافة المتسمة بالأصالة والعمق والثبات وأن يكون هذا التراث زاداً لنا على طريق نهضة الأمة الإسلامية مرة أخرى. الأساس الثاني: غرس الوازع الديني في النفوس: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 تتسم الثقافة الإسلامية بالأصالة والرسوخ والثبات لأنها من أبرز الثقافات التي تغرس الوازع الذاتي في النفس البشرية، ومن ثم يصبح الإنسان في كنف هذه الثقافة كائناً ذا ضمير حي وإحساس مرهف.. يراقب نفسه بنفسه ويحاسب نفسه قبل أن يحاسبه غيره، يقبل على الطاعات والفضائل إقبال من يتزود بخير الزاد ويبتعد عن المعاصي والرذائل ابتعاد من يريد النجاة من الهلاك. إن الوازع الذاتي إذا تحقق داخل الإنسان صار الفرد رقيباً على نفسه يفعل الخير لذات الخير بمحض اختياره وإرادته، ويجتنب الشر لذاته دون خشية من قانون أو خوف من الوقوع تحت طائلته، وما الوازع الذاتي هذا إلا ثمرة من الثمار النابعة من الدعوة الإسلامية. وإنه لوازع تعجز اللوائح الوضعية والقوانين أن تصل إلى بعض نتائجه إذ اللوائح والقوانين المجردة تعتمد على الوازع الخارجي ومن ثم فهي عاجزة عن إلزام الإنسان بالتحلي بالفضيلة والتخلي عن الرذيلة نتيجة لعجز هذه القوانين عن الملازمة الدائمة للإنسان في مختلف الأوقات ليلاً أو نهاراً سراً أو علانية. هذا هو شأن القوانين بمفردها، أما من شأنها حين تنبع من عقيدة صحيحة وحين تحاط بإطار دين الفطرة.. دين الإسلام.. فهو شأن يختلف تماماً عن سابقه لما يتحقق حينئذ من وازع ذاتي به يكون صلاح الفرد والمجتمع ولنضرب المثال ليتضح المقال. فلو نظرنا في أم الكبائر.. (رذيلة الخمر) مقارنين بين مكافحتها بسلاح العقيدة وبين محاربتها بالقوانين المجردة. فسنعرف حينئذٍ الفرق. لقد كان العرب في جاهليتهم مولعين بالخمر، شغوفين بشربها، متسابقين إلى مجالسها فلما جاء الإسلام تدرج في معالجة هذا الداء الخبيث المستحكم وكانت المرحلة الأولى في العلاج أن وضع الإسلام السكر (المخمَّر) في مقابل الرزق الحسن فكأن المخمَّر شئ غير حسن قال تعالى (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً) (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 وكانت المرحلة الثانية أن حرك الإسلام وجدان الإنسان بنص يثير فيه آثام الخمر ويلفت به العقل إلى أن ترك الخمر أولى فإثمها أكبر من نفعها. قال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) (1) وكانت المرحلة الثالثة أن ضيق الإسلام أوقات شرب الخمر حين حرم على المسلم أن يقرب الصلوات الخمس وهو سكران قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) (2) . ثم كانت المرحلة الرابعة والأخيرة وقد تهيأت النفوس لها تهيؤاً كاملاً فلم يكن إلا النهي حتى تتبعه الطاعة الفورية، والإذعان، فحينما نزلت آية التحريم بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) (3) . لم يحتج الأمر إلى أكثر من مناد يمر في نوادي المدينة وسككها ليعلن (ألا يا قوم إن الخمر قد حرمت) .. فمن كان في يده كأس حطمها ومن كانت عنده أواني الخمر وجرارها كسرها، وإنتهى الأمر كأن لم يكن سكر ولا خمر. وهكذا أقلع المسلمون عن عادتهم الجاهلية وابتعدوا عن الداء الخبيث وتطهروا بمجرد سماعهم حكم القرآن الكريم الذي ربَّى في نفوسهم الوازع الذاتي الممتثل للأوامر والفضائل، والمجتنب للنواهي والرذائل. هذا ونستطيع أن نلمس دقة العلاج الإسلامي لمشكلة الخمر حين ننظر في محاولات الغرب والشرق لعلاج المشكلة المذكورة.. حيث أعدت هناك الخطط والدراسات، وأصدرت القوانين المجردة عن إطار العقيدة كما أصدرت التشريعات واعتمدت الميزانيات والنفقات.. كل ذلك من أجل القضاء على الخمر فماذا كانت النتيجة؟ لقد كانت فشلاً ذريعاً وخيبة مريرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 ففي أمريكا أرقى مجتمعات الغرب ثارت مشكلة الخمر في الرأي العام الأمريكي عام 1918م وبدأ المسئولون يدقون أجراس الخطر بل الأخطار الناجمة عن انتشار عادة الإدمان بين الأفراد والجماعات، وفي سنة 1919م دخلت المشكلة في الدستور الأمريكي، وفي نفس السنة أيد هذا التعديل بأمر حظر، أطلق عليه التاريخ (قانون فولستد) وقد أعدت لتنفيذ هذا التحريم داخل الأراضي الأمريكية كافة وسائل الرقابة الخارجية وهي: ... 1. الأسطول أجمعه لمراقبة الشواطئ. ... 2. الطيران لمراقبة الجو. ... 3. المراقبة العلمية. فماذا كانت النتيجة؟ فشل كامل لأمر الحظر، وسقوط ما قرره التعديل الدستوري الحادي والعشرون الذي صدق عليه الكونجرس عام 1933م. نقول: هذا هو علاج القانون في الغرب وتلك آثاره ونتائجه. أما عن علاج الشرق لمشكلة الخمر وبيان نتائجه فأكتفى في هذا الصدد بذكر هذه الواقعة الدالة على إخفاق الشرق الشيوعي في القضاء على هذه المشكلة، كما أخفق الغرب الرأسمالي من قبل.. يقص باحث مسيحي في كتاب له حواراً حدث بينه وبين واحد من الماركسيين في دولة بولونيا: فكتب يقول: (قال لي الرفيق ونحن على المائدة: ألك في كأس آخر من الفودكا (1) ؟ وأردف ذلك بقوله: إن الفودكا داء لسنا ندري كيف نتخلص منه. فالعمال ينفقون نصف أجورهم في شربها ويدمنون عليها بل يلاحظ في الغالب كثرة المتغيبين عن مصانعهم في أيام الإثنين بالذات، إذ يكون هؤلاء المتغيبون لا يزالون متأثرين بما تناولوا يوم الأحد من شراب الفودكا، وأردف بذلك بقوله: لقد نجحنا في تغيير نظام الحكم ونظام المعيشة ونظام الإقتصاد، ولكننا لم ننجح في تغيير عقلية الناس. وابتسمت له ولكنني أقول في دخيلة نفسي أليس ذلك إعترافاً من الرفيق بأن الماركسية إذا كانت قد فرضت سلطانها على كل مظاهر الحياة، فإنها لم تتغلغل في النفوس والقلوب) (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 وفي ختام هذه المقارنة لنا أن نقرر ما يلي: إن جوهر الفرق بين نجاح الإسلام وإخفاق ما عداه في القضاء على داء الخمر هو راجع لما تتمتع به عقيدة الإسلام وحدها من غرس الوازع الذاتي في النفوس ومن ثم فهي لا تحتاج إلى جهاد معنوي أو مادي في منع شئ محرم أو نهي عن إقتراف إثم، وهذا بخلاف القوانين المعتمدة على الوازع الخارجي الأمر الذي يتبين للباحث في ضوئه لماذا تتصف الثقافة الإسلامية وحدها بالأصالة والرسوخ والعمق. الأساس الثالث: عالمية دعوة الثقافة الإسلامية: تتسم الثقافة الإسلامية بالأصالة والرسوخ لأنها نابعة من الدين الإسلامي صاحب الدعوة العالمية.. إن الدعوة الإسلامية هي كلمة السماء الخاتمة، نبيها هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وكتابها هو المُصدَّق والمتمم لما قبله من الكتب السماوية، والمهيمن عليها في الوقت نفسه وهذا أهم ما يتفرد به الدين الإسلامي من بين سائر الأديان. إن أكبر الأديان السماوية السابقة في الوجود على الدين الخاتم هما الدينان اللذين جاء بهما موسى وعيسى تتسم شريعة كل منهما بالخصوص لا بالعموم وبالتوقيت لا بالتأييد، وبالقومية لا بالعالمية. فاليهودية في بداية عهدها عصر النبي موسى عليه السلام دين خاص أرسل به الكليم إلى فرعون الطاغية وملئه المستكبرين لدعوته إلى عبادة الله رب العالمين وحده وترك العظمة التي كان يدعيها ذلك الطاغية وتقبلها حاشيته المستكبرة المُغررة. أيضاً أرسل موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل ليُخلص أجسامهم من ذل العبودية للحاكم الطاغية فتنعم بذل العبودية لله تعالى وحده كما يُخلص ويحرر وجدانهم من الوثنية الشائعة آنذاك، ليغرس في نفوسهم عقيدة التوحيد الخالص لله تعالى. واليهودية في بداية عهدها أيضاً هي صاحبة التوراة الصحيحة والتي كان العمل بأحكامها مختصاً ببني إسرائيل وحدهم لأن التوراة لم تنزل على نبيهم عليه الصلاة والسلام إلا بعد غرق فرعون وملئه (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 هذا هو شأن الدين اليهودي في بداية عهده أما شأنه بعد ذلك فهو دين يعلن على سمع الزمان وبصره قوميته وإقليميته، وذلك أمر نتبينه من إقرار التوراة وإصرارها بعد ما اعتراها التبديل والتحريف على إقليمية الألوهية لله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً. ونود أن نشير في هذا المقام إلى أنه من المتعذر أن نستشهد بما يرشد إلى هذه الإقليمية، لأن عبارات (إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله إسرائيل، وإله العبرانيين) تشيع بكثرة كثيرة في جميع أسفار التوراة وهذا ما جعل بعض الباحثين يقول: (إن تعاليم الربانيين كانت قد أقامت على الوعد الذي تلقاه إبراهيم، وعلى ميزة الإختيار التي كانت ليعقوب عقيدة دينية قومية، فالله سبحانه وتعالى قد أصبح في تلك العقيدة – وعلى وجه التقريب – ألوهية قومية) (1) . وإذا تجاوزنا اليهودية للمسيحية وجدنا أن هذه الثانية لا تختلف عن الأولى في كونها ديانة خاصة إذ أن عيسى عليه السلام قد أرسل إلى بني إسرائيل وحسب وأن بعثته عليه السلام بعثة خاصة ممهدة للبعثة العامة لخاتم الأنبياء قال تعالى: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) (2) . والمسيحية الحاضرة تذهب إلى بعض ما تقرره هنا فإنجيل (متى) ينص على أن رسالة المسيح خاصة لبني إسرائيل يقول الإنجيل على لسان عيسى عليه السلام: (لم أرسل إلا لخراف بني إسرائيل الضالة) (3) كما تذهب المسيحية الحاضرة إلى كل ما قررناه من قبل في الديانة اليهودية تلك التي تقول بإقليمية الألوهية، وليس أدل على هذا من لفظ (الرب) فكثيراً ما يأتي في الأناجيل هكذا أي محلى بالألف واللام ثم إذا أضيف فهم لا يضاف إلا إلى إسرائيل أو إلى أحد من ذريته فقط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 يقول إنجيل (لوقا) في مهام رسالة المسيح عليه السلام: (ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم) (1) . ويقول إنجيل (مرقس) على لسان المسيح: (أن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل: الرب الهنا) (2) ويذكر إنجيل (يوحنا) أن المسيح قال عقب قيامه من قبره ((إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) (3) . نقول: إن هذه النصوص وأمثالها تدل على امتداد تصغير شأن الإله وإقليمية العقيدة من الدين اليهودي إلى الدين المسيحي الأمر الذي يجعلنا نقرر ما يلي: إن هذه هي حال الدينين الكبيرين السابقين في الوجود على الإسلام، وهي حال تنطق بالخصوصية والإقليمية كما تنطق من باب أولى بخصوصية الأديان السابقة على الإسلام في الوجود. إن الإسلام وحده هو الدين الذي يتسم بسمة العالمية وهذا أمر تتضح معالمه بما يتضمنه الإسلام من مقومات عالمية ونظم سامية تغطي كل نواحي الحياة ومن مرونة تجعل الإسلام دين العصور والدهور. وتتضح معالم عالمية الإسلام أيضاً في المنطوق الحرفي، والمبنى اللفظي لكلمة الإسلام نفسها إذ أن الكلمة نفسها (إسلام) لا تشير إلى شخص معين فليس مثلها مثل البوذية التي تشير إلى (بوذا) ولا الكونفوشيوسية التي تشير إلى (كونفوشيوس) ولا تشير الكلمة إلى جنس كما تشير اليهودية، ولا تشير إلى مكان ولا إلى زمن، إنها كلمة لا يحدها شخص، ولا جنس، ولا زمان، ولا مكان إنها تضعنا بمجرد سماعها وفهم معناها مباشرة في محيط الإطلاق والعموم والشمول) (4) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 وتتضح عالمية الإسلام أيضاً بمعجزته الخالدة.. إن معجزة الإسلام (لم تكن حادثة تقع وتزول من غير بقاء لها إلا بالخبر، بل كانت قائمة تخاطب الأجيال: يراها ويقرؤها الناس في كل عصر، ونقول إنها مناسبة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم لعمومها في الأجيال، ولمكانته في الرسل، ومقامه في هذا الوجود الإنساني إلى يوم القيامة) (1) . إنها القرآن الكريم الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الكتاب المهيمن على ما سبقه من الكتب. ولا يفوتنا ونحن نتحدث عن عالمية الدعوة الإسلامية أن ندحض الغربة التي تدعي أن الإسلام دين إقليمي أو قومي لأن معجزته الخاصة به تقرأ وتكتب باللغة العربية فقط. ونرد على الادعاء بمقالة الباحث الإسلامي (المودودي) .. حيث يقول: (ليس كما قيل أن القرآن الكريم عربي فتكون دعوته عربية لا عالمية.. إن الدليل المنطقي يقول: الخصائص التي تُميز النظام القومي أو المؤقت، من النظام العالمي أو الخالد: هي أن الأول إما أن يدعو إلى تفضيل شعب على غيره ويطالب له بحقوق ومميزات خاصة وإما أن يؤمن بنظريات ومبادئ لا تستطيع أن تروج وتزدهر في الشعوب الأخرى وعلى العكس من ذلك يكون النظام الثاني العالمي.. ثم إن النظام المؤقت ينشئ بناءه على قواعد تفقد قابليتها بمرور الأيام بينما النظام العالمي الخالد تنطبق مبادئه على جميع الظروف المتطورة) (2) . ويضيف دون تعصب: (إن الإسلام هو الدين الذي لم يفضل شعباً على غيره وهو الدين الذي لم يأت بمبادئ خاصة وتعاليم محددة لبيئة وزمن معين، ومن ثم فهو دين عام وعالمي) . انتهى كلامه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 هذا ويعلم أصحاب الفرية المدعين أن الإسلام دين خاص بالعرب ليعلم هؤلاء أنه لا يلزم من قومية اللغة قومية الرسالة وخصوصيتها لأصحاب هذه اللغة.. إن اللغة لون ثقافي، والثقافة أمر مشاع لبني الإنسان وإذا لم يُسلم هؤلاء بأن عربية المعجزة الإسلامية لا يمنع من عالميتها، فكيف يُساغ بميزان منطقهم إيمان اليهود والنصارى العرب بالتوراة مع أنها كتبت بالعبرية؟ وكيف يساغ بميزان منطق المدعين إيمان النصارى من العرب بالأناجيل الأربعة متى، مرقس، يوحنا، لوقا. مع أن هذه الأناجيل قد كتبت بغير العربية (1) . أليس هذا الأمر كافياً لإثبات أن نزول القرآن باللغة العربية لا يدل أبداً على إختصاص دعوته بالعرب؟ وأن عامل اللغة لا علاقة له ولا تأثير في خصوصية شئ وعموميته؟ ثم إنه ليكفي في الدلالة على عالمية الإسلام أن دعوته لا توجه إلى جنس من الأجناس ولا إلى قومية من القوميات وإنما توجه دعوته إلى الناس كافة ولذلك لم يؤثر ورود الخطاب ب (يا آيها الناس) .. الخطاب المشير إلى العموم لم يؤثر ورود هذا الخطاب في القرآن الكريم إلا على لسان خاتم الأنبياء.. قال تعالى مخاطباً محمداً صلى الله عليه وسلم: (قل يا آيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) (2) وقال سبحانه وتعالى: (قل يا آيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين) (3) . ومن هنا فإن اختصاص خاتم الأنبياء بهذا النداء بين سائر الرسل ليدل دلالة واضحة على عالمية الدعوة الإسلامية ومن ثم لا يكون هناك أدنى غرابة في إتصاف الثقافة النابعة من هذه الدعوة بالأصالة والرسوخ والدوام والإستمرار. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 وبهذا نصل إلى القول بأن أسس ومرتكزات الثقافة الإسلامية قامت على أصول وثوابت لا تزعزعها الآراء، ولا تجرفها الأهواء، وأنها في ثباتها وقوتها كالجبال الراسية الراسخة، وأن ثقافةً هذه مرتكزاتها لهي جديرة بأن تكون هي الثقافة الحق الأولى بالإتباع والتبني والأخذ بها وبتعاليمها الداعية إلى عبادة الله وحده. وأن هذه الثقافة هي أس وأساس الحضارة الداعية إلى العلم وإلى ترقية الحياة على وجه الأرض. الفصل الخامس: العلاقة بين الثقافة والحضارة والعلم أولاً: العلاقة بين الثقافة والحضارة: قبل أن أناقش هذه العلاقة من وجهة النظر الإسلامية فإنه يجدر بي أن أُعرج وبشكل مقتضب على ما كتب عن هذه العلاقة والمفارقة بين هذه المسميات بشكل عام فأقول إن الثقافة مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالحضارة، وإن كان هذا الإرتباط من وجهة نظر الكثيرين ممن كتبوا عن هذه العلاقة إرتباط عموم وخصوص، وهذا ما أميل إليه فإن الحضارة هي التطبيق المادي للتراث الثقافي وفي في الوقت نفسه ومن ناحية أخرى وليدة هذا التراث في البيئة التي تقوم فيها، ثم إنها كذلك بمثابة المرآة التي تعكس لنا مقومات ومميزات ثقافة المجتمع التي تنتسب إليه وهي تعبر عن المستوى الذي بلغه هذا المجتمع في فكره وأخلاقه وقيمه وعاداته ووسائل التقنية التي يستخدمها، ونقول أيضاً أن هذه العلاقة بينما تبرز بوضوح في التأثير والتأثر فيما بينهما فجميع عناصر الحضارة تحمل جانباً ثقافياً كما أن الثقافة في الوقت نفسه تحمل الصفة الخاصة بعناصرها الحضارية وبصفة يمكن القول أن الحضارة تمثل الواجهة الخارجية للثقافة. وأما الرأي الثاني لبعض من تعرضوا لهذه العلاقة فمفاده (أن الحضارة هي كل ما أبدعه العقل البشري في مجال الفكر والمعرفة وفي جوانب الحياة المادية أيضاً. بينما يرى آخرون أن الحضارة تختص بالتعبير عن الوسائل والإختراعات والإبتكارات الصناعية والمادية وحدها) (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 وفريق رابع يرى أن الثقافة تختص وتتعلق بالجوانب المعنوية والفكرية والحضارة تختص بالجانب المادي، ورأي خامس يرى أنه لا فرق أبداً بين الكلمتين فكل منهما مرادفة للأخرى. ثانياً: العلاقة بين الثقافة والعلم: لقد عرفنا في النقطة السابقة أن هناك علاقة بين الثقافة والحضارة وفي هذه النقطة قد نقدم الفروق قبل التوافق بين الثقافة والعلم (فبتأمل دقيق في مفهوم كل منهما يتضح لنا أن كلاً منهما معرفة، ولكن مع ذلك فإن هناك فروقاً جوهرية في كليهما للأمور التالية) (1) . أ- ... العلم عبارة عن مجموعة من القواعد التي تؤخذ عن طريق التجربة والملاحظة والإستنتاج مثل العلوم التطبيقية كعلم الكيمياء والطبيعة وسائر العلوم التجريبية الأخرى. أما الثقافة فهي كما سبق مجموعة من المعارف تؤخذ عن طريق الأخبار والتلقي والإستنباط مثل التاريخ واللغة والفقه والأدب والتفسير والفلسفة والفنون كالتصوير والنحت وغيرها ذلك لأن التاريخ هو التفسير الواقعي للحياة والأدب هو التصوير الشعوري لها والفلسفة هي الفكر الأساسي الذي تبنى عليه وجهة النظر فيها والتشريع هو المعالجات العلمية لمشاكل الحياة والأداة التي يقوم عليها تنظيم علاقات الرد والجماعات. ب. إن العلم عالمي لا وطن له ولا أمة فلا تختص به أمة دون سائر الأمم الأخرى ولا يقتصر على شعب دون آخر، وإنما هو مشاع مشترك بين الجميع، أما الثقافة فهي ذاتية تختص بأمة معينة لا توصف بها أمة أخرى إلا إذا انسلخت أمة من ثقافتها وأصبحت تابعة لثقافة أخرى هزمتها واستحوذت عليها فعندئذٍ تدخل المنهزمة في ثقافة الهازمة. ج. إن العلم يؤخذ أخذاً عالمياً دون قيود لأنه محصلة إسهام الأمم كلها خلافاً للثقافة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 د. إن العلم النظري أكثر منه عملياً، كما أنه يرمي إلى تنمية الملكات وهو في نهاية المطاف وسيلة وإرادة وقد يستعمل للخير والشر على السواء في حين أن الثقافة سلوك أكثر منها معرفة فهي علم وعمل وفكر وسلوك وإتجاه وعاطفة في وقت واحد. هـ. إن العلم جزء من الثقافة لأنه لا يتصف بصفة واحدة مميزة كما هو حال الثقافة التي هي أعم وأشمل. فأنت مثلاً تقول الثقافة الإسلامية، الثقافة الإغريقية، الثقافة الرومانية وهكذا … و. مكانة الثقافة من التعليم والتربية مكانة الدرجة الأعلى فالتعليم قاصر على الإعداد المدرسي والدراسي لتكوين العقلية المؤهلة للثقافة أما الثقافة فهي الدرجة الأعلى كما قدمنا لأنها تُكَوِنُ الفرد تكويناً متفوقاً ومتميزاً. وبهذا يتبين أن الثقافة ليست مرادفة للعلم في معناها وأنه لا يجوز أن نخلط بينهما لأن هذا يؤدي إلى تصور خاطئ يجعل الثقافة محصورة في فئة محدودة من أبناء المجتمع مع العلم بأنها تشمله كله بجميع فئاته وطوائفه وتُعبر عن أفكاره وإتجاهاته. فالأمي في القراءة والكتابة داخل في ثقافة أمته، لا نستطيع أن نقول عنه أنه غير مثقف بثقافة أمته في حدود حرفته وديانته وبيئته التي يعيش عليها، كما أن أهل الثقافة داخل الأمة هم درجات في فهم واستيعاب ثقافة أمتهم والتمثل بها، فالذي عنده علم لاشك أن تَرقيه في سُلِم ثقافته أكبر ممن ليس عنده علم. وبهذا نكون عرفنا طرفاً من هذه العلاقة بين الثقافة والحضارة وأيضاً الفروق بين الثقافة والعلم لكن بعد هذه المقدمة البسيطة نريد أن نتعمق قليلاً في مفهوم الثقافة والحضارة من وجهة النظر الإسلامية لأن هذا في الحقيقة هو ما يهمنا في هذا الفصل فإن المفاهيم تختلف وما قدمناه هنا هو مفهوم عام لهذه العلاقة وهذه الفروق في الثقافات الأخرى غير الثقافة الإسلامية. مفهوم الحضارة في التصور الإسلامي: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 جدير بنا ونحن نتكلم عن مفهوم الثقافة الإسلامية أن نتطرق للحضارة من وجهة النظر الإسلامية فإن هذا المفهوم للحضارة قد يختلف في بعض جوانبه عن مفهومها الذي قدمنا طرفاً منه في هذا الفصل. فذلك المفهوم مفهوم عام في مختلف الثقافات أما مفهومها في ثقافتنا الإسلامية (فإن الجانب التطبيقي فيها ترجمة عملية وواقعية صحيحة للجانب المعياري مع إستخدام كل معطيات الإنسان والزمان والمكان وعندها تكون الحضارة وتوجد إذ أن الحضارة هي عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها إنسانياً وخلقياً وعلمياً وأدبياً وفنياً وإجتماعياً وفق منهج الله وشريعته) (1) . (وبناءً على هذا المفهوم فإن المجتمع الإسلامي هو المجتمع المتحضر أما المجتمعات الأخرى التي تنكر وجود الله أصلاً، أو تجعل له ملكوت السموات وتعزل عنه ملكوت الأرض، أو لا تطبق شريعته في نظام الحياة ولا تحكم منهجه في حياة البشر، فهذه كلها مجتمعات جاهلية أو متخلفة) (2) لأنها لا تدخل في دين الله الذي حدده سبحانه وتعالى في قوله (إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم) (3) وقد أقسم سبحانه وتعالى بنفسه كما يقول ابن القيم على نفي الإيمان عن العباد حتى يُحَكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما شجر بينهم، ولم يكتف بذلك منهم حتى يسلموا تسليماً (4) قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) (5) . إن من أبرز سمات الحضارة في التصور الإسلامي هي كما يقول الأستاذ محمد أسد (ذاتية الحضارة الإسلامية) (6) فالحضارة الإسلامية ليست ثمرة تقاليد متوارثة ولا نتيجة تطويرات فكرية آتية من الماضي وإنما هي إنبعاث ذاتي مباشر من القرآن الكريم ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تطبيقها تطبيقاً عملياً صحيحاً في واقع الحياة. أصول الحضارة في التصور الإسلامي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 إن الحضارة الإسلامية كما يقول سيد قطب يمكن أن تتخذ أشكالاً متنوعة في تركيبها المادي والتشكيلي، لكن الأصول والقيم التي تقوم عليها ثابتة لأنها مقومات هذه الحضارة وهذه الأصول والمقومات هي: 1 - أن تكون الحاكمية العليا في المجتمع لشريعة الله. 2 - أن تكون آصرة التجمع الإسلامي الأساسية في المجتمع هي العقيدة. 3 - أن تكون إنسانية الإنسان هي القيمة العليا في المجتمع. 4 - أن تكون الأسرة هي قاعدة البناء الإجتماعي. 5 - أن يقوم الإنسان بالخلافة في الأرض على أساس الإحسان في العمل. وإليك أخي القارئ تفصيل هذه الأصول: الأصل الأول: هو أن تكون الحاكمية في المجتمع لله وبذلك يتحرر الإنسان فيه من العبودية لغير الله (فحين تكون الحاكمية العليا لله وحده متمثلة في سيادة الشريعة الإلهية، تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحرراً كاملاً وحقيقياً من العبودية للبشر وتكون هذه هي الحضارة الإنسانية الحقة لأن حضارة الإنسان تقتضي قاعدة أساسية من التحرر الحقيقي الكامل للإنسان ومن الكرامة المطلقة لكل فرد في المجتمع ولا حرية في الحقيقة ولا كرامة للإنسان في مجتمع بعضه أرباب يشرعون وبعضه عبيد يطيعون) (1) . إن الشعور بالحرية والكرامة هو الحالة الدائمة التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن في تصوره وتقديره للأشياء والأحداث والقيم والأشخاص وإفراد الله بالعبودية ومن ثم إفراده بالحاكمية يؤدي إلى الشعور بالإستعلاء وهو شعور يجب أن تستقر عليه نفس المؤمن إزاء كل شئ وكل وضع وكل قيمة وكل أحد، وهو إستعلاء بالإيمان وقيمه على جميع القيم المنبثقة من أصل غير أصل الإيمان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 لقد تمثل الشعور بالإستعلاء … إستعلاء الإيمان في موقف ربعي بن عامر عندما أرسله سعد ابن أبي وقاص قبل موقعة القادسية رسولاً إلى رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرها، فدخل عليه ربعي وقد جلس رستم على سرير من ذهب في مجلس مزين بالنمارق والزرابي، وكان رستم يتلألأ في تاجه ويواقيته الثمينة. دخل ربعي بثياب صفيقة وترس وفرس قصيرة لم يزل راكبها حتى داس على طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه فقالوا له ضع سلاحك فقال: إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: إئذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها فقال له رستم ما جاء بكم؟ فقال إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. إن هذا الشعور بالحرية والكرامة أو لنقل إستعلاء الإيمان لا يتأتى إلا حين تكون العبودية في المجتمع لله وحده ومن ثم تكون الحاكمية فيه لله وحده فعندئذ فقط يكون هذا المجتمع متحضراً. أما المجتمع الذي تكون الحاكمية فيه لغير الله فهو مجتمع جاهلي متخلف إذ لا حرية حقيقية ولا كرامة حقيقة للإنسان فيه، يؤكد هذا المعنى الأستاذ الدكتور/يوسف العش في بحثه عن روح الحضارة الإسلامية إذ يقول: (إن أبرز إختلاف بين مفهوم الحضارة في الفكر الإسلامي ومفهومها في الفكر الغربي يقوم على تفسير التقدم فالغرب يرى التقدم مادياً خالصاً بينما يرى الإسلام أن التقدم معنوي ومادي وأنه إنساني أصلاً وتوحيدي في أساسه، فكل تقدم في مفهوم الإسلام يجب أن يقوم على أساس التحرر من عبودية غير الله فلا يؤمن بسلطان غير سلطانه والأصل في الوحدانية هو التحرر من عبودية غير الله ومن كل سلطان غير سلطانه) (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 الأصل الثاني: وهو تمثل العقيدة رابطة التجمع الأساسية في المجتمع وبذلك يصبح المجتمع الإسلامي هو المجتمع الوحيد المتحضر لأن العقيدة وحدها تمثل رابطة التجمع الأساسية فيه فالعقيدة هي الجنسية التي تجمع بين الأبيض والأسود والأصفر العربي والفارسي والرومي والحبشي، فسائر أجناس البشر يجتمعون في أمة واحدة ربها هو الله سبحانه وتعالى، ومنهجها واحد لأنه من الله سبحانه وتعالى والأتقى فيها هو الأكرم عند الله، والعقيدة هي الوطن فلا وطن للمسلم إلا الذي تقام فيه شريعة الله فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الإرتباط في الله وبهذا يكون الإرتباط على أساس العقيدة هو الذي يجعل المسلم عضواً في دار الإسلام. إنه لا قرابة للمسلم بحق إلا تلك التي تنبثق من العقيدة في الله فتصل الوشيجة بينه وبين أهله في الله، إنه على أساس من العقيدة طرد الإسلام أبا لهب عم الرسول العربي القرشي الهاشمي من الجنسية الإسلامية كما يقول (الشيخ على الطنطاوي) بل وجعل سبه عبادة وشتمه صلاة (تبت يدا أبي لهب وتب) وعلى عكس ذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يضم عبداً فارسياً غير عربي لا إلى الإسلام فقط بل إلى بيت النبوة (سلمان منَّا أهل البيت) (1) . وعلى أساس العقيدة يفرق الإسلام بين نوح وزوجته ولوط وزوجته (ضرب الله مثلاً للذين كفروا إمرأة نوح وإمرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل أدخلا النار مع الداخلين) (2) وعلى العكس من ذلك يحدث مع فرعون وامرأته (وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 أما وشائج اللحم والدم والأرض والطين، كالجنس واللون والقومية والقرابة والإقليمية … الخ فإن الإسلام يرفع الإنسان عن مستواها والرسول صلى الله عليه وسلم يقول للمهاجرين (دعوها فإنها منتنة) (1) . يعني العصبية وهنا نقول إن الآصرة الكبرى والأقوى في الإسلام هي العقيدة، وهي التي تجعل المنضوين تحتها أخوة (إنما المؤمنون أخوة) وبعضهم أولياء بعض (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض) (2) إن التاريخ الإسلامي يُذكرنا إنه حين انعقدت آصرة العقيدة في نفوس المسلمين تحطمت الهجمات الصليبية عليهم، فالقادة الذين نسوا الإنتماءات العرقية ووشائج الدم والأرض والقوم قادوا المسلمين إلى النصر، ومن أولئك صلاح الدين الأيوبي الكردي ونوران شاه، والظاهر بيبرس، وسيف الذين قطز، وغيرهم كثير إن هذه القيادات نسيت القوم والأرض وتمسكت بالعقيدة فانتصرت تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله. ولآصرة التجمع الأساسية في المجتمع الإسلامي حكمة ربانية بالغة ومن ثم فهي عقلية وعلمية يقول الأستاذ/سيد قطب: (حين تكون آصرة التجمع الأساسية في مجتمع ما هي العقيدة والتصور والفكرة ومنهج الحياة فإنه يكون ذلك ممثلاً لأعلى ما في إنسانية الإنسان من خصائص، أما حين تكون آصرة التجمع في مجتمع ما هي الجنس واللون والقوم والأرض وما إلى ذلك من روابط فإنها كلها لا تمثل الخصائص العليا للإنسان. والخلاصة أن المجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتي الموافق لما شرعه مولاهم المتحضر والمجتمع الذي يجتمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية فهو المجتمع المتخلف وفي المصطلح الإسلامي يطلق عليه المجتمع الجاهلي) (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 وإذا ما طبقنا هذه القاعدة على أي نظام في المجتمعات غير الإسلامية نجد أن الرأسمالية قد أقامت مجتمعاتها الرأسمالية على أساس قومي وجنسي وجغرافي فكانت النتيجة أن ساد الإحتكار والإستغلال والإذلال لإنسانية الإنسان على يد الإمبراطوريات القديمة والحديثة، أما في الشيوعية فنجد أنها ترمي إلى إقامة مجتمع على أساس روابط أخرى تتخطى حواجز الجنس والقوم والأرض واللون واللغة ولم تحاول أن تقيمه على قاعدة (إلهية) أو حتى إنسانية عامة بل بدلاً من ذلك تحاول إقامته على قاعدة طبقة (البروليتاريا) (1) فجاءت صورة هذا التجمع وجهاً آخر للتجمع الروماني القديم الذي كان يقوم على قاعدة طبقة الأشراف، والنتيجة أن هذا التجمع لا يبرز إلا أسوأ ما في الكائن وهو الحقد الأسود على سائر الطبقات الأخرى. بينما إختفت إرادة الإنسان في التعبير وحريته في عمارة الأرض وترقية الحياة على وجهها الصحيح، وبهذا وعلى أساسه سقطت الشيوعية. أما الوضع في الإسلام فهو على العكس من ذلك تماماً فلقد كان من النتائج الباهرة إقامة المجتمع على آصرة العقيدة القائمة على الإرادة الحرة والإختيار الحر للإنسان، وبذلك أصبح المجتمع المسلم مجتمعاً مفتوحاً لجميع الأجناس البشرية وكفاءاتها وطاقاتها بحيث أخرجت حضارة إنسانية رائعة تحوي خلاصة الطاقات البشرية في زمانها مجتمعة، ولم تكن هذه الحضارة الإسلامية الضخمة يوماً ما عربية وإنما كانت دائماً إسلامية ولم تكن قومية ولكنها كانت عقيدية (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 الأصل الثالث: إن من الأصول ومقومات الحضارة الإسلامية أن تكون (إنسانية الإنسان هي القيمة العليا في المجتمع وأن تكون الخصائص الإنسانية هي موضع التكريم والإعتبار، فعندئذ يكون المجتمع متحضراً أما حين تكون المادة في أي صورة هي القيمة العليا سواء في صورة النظرية كما في التفسير الماركسي للتاريخ أو في صورة الإنتاج المادي كما في سائر المجتمعات التي تعتبر الإنتاج المادي قيمة تهدر في سبيلها القيم والخصائص الإنسانية فإن هذا المجتمع يكون مجتمعاً متخلفاً (1) مهما بلغت درجة تقدمه العلمي وإنتاجه الإقتصادي والصناعي، وهذا الكلام لا يعني أن المجتمع الإسلامي يحتقر المادة ولكنه فقط لا يعتبرها القيمة العليا التي تهدر في سبيلها خصائص الإنسان ومقوماته، وتهدر من أجلها حرية الفرد وكرامته، ويهدم فيها بنيان الأسرة، وتصادر فيها أخلاق المجتمع وحرماته. إن المجتمع المتحضر هو الذي تكون فيه القيم الإنسانية والأخلاق الفاضلة في مكان الصدارة لأن هذه القيم هي التي تنمي الخصائص الإنسانية في الإنسان وتميزه عن غيره من سائر المخلوقات وهذه القيم في المجتمع الإسلامي ثابتة وليست متغيرة كما هو الحال عند التقدميين والتطوريين أصحاب التفسير المادي للتاريخ وهذه القيم هي التي قررتها ودعت إلى التخلق بها الشريعة الإسلامية، وما على الإنسان إلا أن يمضي في بنائها وصيانتها في المجتمعات التي يقيمها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 إن الإسلام حين يدخل المجتمعات البدائية ينشئ الحضارة المناسبة لهذا المجتمع حيث ينتقل الناس من عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده، وتكتسي أجسامهم العارية وفقاً لما جاء عن الله، وينتقلون من الخمول والبلادة إلى النشاط، والعمل الموجه لإستغلال كنوز الأرض وخيراتها، ويخرجون من طور القبيلة والعشيرة إلى طور الأمة الإسلامية، ومن وشيجة الأرض والطين إلى وشيجة العقيدة والدين، ومن طور الأمية والجهل إلى طور العلم وإعمال العقل فيما يرقي من أمور الحياة وهذه هي الحضارة التي ينقل الإسلام هذه الفئة إليها، وحين يدخل المجتمعات المتقدمة صناعياً أو زراعياً فإنه يستخدم كل ما لديها من معطيات ويقيم حضارة هذه المجتمعات مستفيداً مما لديها فيما لا يخالف قيمه وتعاليمه، وهكذا يقيم الإسلام أشكالاً مختلفة ومتنوعة من الحضارات تختلف بإختلاف البيئات التي يدخلها. إن هذه الصبغة الإنسانية النابعة من العقيدة الإسلامية هي التي تفسر لنا إجتياح الإسلام لفكر الإمبراطوريات التي فتحها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها وصياغتها صياغة جيدة وكأن تلك الثقافات والموروثات التي عاشت عليها تلك المجتمعات قروناً كثيرة كأن لم تكن. إن مهمة العلم في المجتمع الإسلامي المتحضر ليست قهر الطبيعة أو الإنتصار عليها بل التلطف معها، والجد في إكتشاف قوانين الله فيها، فالطبيعة ما خلقها الله لتقهر بل لإستخراج خيراتها ومكنوناتها التي أودعها الله فيها، وجعلها مسخرة لخدمة الإنسان الذي سخر له الأرض وما فيها وما عليها قال الله تعالى (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه) (1) وقال: (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم) (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 الأصل الرابع: هو أن تكون الأسرة هي قاعدة البناء الإجتماعي وأن تقوم على أساس التخصص بين الزوجين في العمل وأن تكون رعاية الجيل الناشئ هي من أهم وظائف الأسرة فالمجتمع الذي هذا شأنه هو المجتمع المتحضر لأن الأسرة هي البيئة التي تنشأ وتنمى فيها القيم والأخلاق الإنسانية متمثلة في الجيل الناشئ، والتي يستحيل أن تنشأ في وحدة أخرى غير هذه الأسرة، أمَّا أن تكون العلاقات الجنسية (الحرة كما يسمونها) والنسل غير الشرعي هو قاعدة المجتمع، أو حين تقوم العلاقات بين الجنسين على أساس الهوى والنزوة والإنفعال لا على أساس الواجب والتخصص الوظيفي داخل الأسرة، أو حين تترك هذه المهمة وتفني طاقاتها في الإنتاج المادي وصناعة الأدوات ولا تنفقها في صناعة وتربية الإنسان، أو حين يكون الإنتاج المادي يومئذ أعز وأغلى وأكرم من الإنتاج الإنساني فعندئذ يكون هذا هو التخلف الحضاري بل الجاهلية بعينها. إذن فالتخصص الوظيفي في الأسرة التي تقوم ببناء الإنسان هو الأساس في المجتمع المتحضر الإسلامي بحيث يقوم كل بوظيفته داخل الأسرة لقد شاء الله أن يكون ميدان إنشاء العنصر الإنساني وتنشئته هو ميدان عمل المرأة بالدرجة الأولى، ويقارن الشيخ محمد متولي الشعراوي بين ميدان عمل المرأة هذا وميدان عمل الرجل خارج البيت، ويرى أن ميدان عمل المرأة هو أهم وأدق من ميدان عمل الرجل. إذن الرجل بحكم عمله خارج البيت إنما يتعامل في أشياء كلها مسخرة لخدمة الإنسان الذي هو أكرم ما في الوجود بينما المرأة تكون مهمتها هي التعامل مع هذا المخلوق المُكرم الذي هو الإنسان تتعامل معه كزوج فيسكن إليها وتتعامل معه جنيناً في بطنها ووليداً في حضنها ورضيعاً تغذيه وتحنو عليه وطفلاً وصبياً وشاباً تربيه وترعاه (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 إن ترك المرأة لهذا الميدان الذي هو مجال عملها الأساسي والتي خلقها الله وفطرها لتحسن العمل فيه إلى ميدان آخر لهو مأساة بكل المقاييس لأن استعدادات المرأة بالعاطفة والحنان والرفق وفهم الطفولة هي أدوات لا يصلح لها إلا المرأة الأم، وهذا هو ميدانها الذي تحسن فيه وليس ميدان الرجال الذي تزاحمهم فيه فإنها ستخربه ولا تصلحه لعدم استعدادها فطرياً ولولا مركب النقص لكان للمرأة فخر وإعتزاز بمملكة البيت وتنشئة جيل المستقبل فيه فإن ذلك لا يقل شأناً عن فخر وإعتزاز الرجل بسياسة الحاضر وحسن القيام على مشكلات المجتمع التي تحتاج إلى جهد وكفاح. والخلاصة في هذا الأصل أن الإسلام هو الحضارة والمجتمع الإسلامي هو المتحضر لأنه يؤمن أن إعداد جيل يترقى في خصائص الإنسانية ويبتعد عن خصائص الحيوانية لا يمكن أن يتم إلا في محضن أسرة قائمة على أساس الواجب والتخصص ومحوطة بضمانات الأمن والإستقرار العاطفي، فهذا هو ما يوفر للمجتمع مقومات الترقي على خط التقدم الإنساني ولذلك جعل الله الزوجة شق النفس ومحضن السكينة والأمن والإستقرار (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (1) . الأصل الخامس: هو أن يقوم الإنسان بالخلافة في الأرض على أساس الإحسان في العمل ولكن ما المقصود بالعمل في التصور الإسلامي؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 إن العمل صورة من صور العبادة ويتضح ذلك من قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً) (1) فالحضارة في التصور الإسلامي لا تقوم على مجرد العمل بل تتطلب ضرورة الإحسان في العمل، والإحسان في العمل ذو شقين. الشق الأول: هو إستخدام أقصى درجات المهارة والإتقان فيه ويؤكد هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) (2) ولكن هل يكفي الإتقان في العمل والمهارة في أدائه لبناء حضارة حقيقية؟ الإجابة الصحيحة على هذا أن ذلك بالتأكيد لا يكفي وهنا نصل إلى الشق الثاني لمعنى الإحسان في العمل وهو التوجه بالعمل إلى الله عز وجل، فالعمل عبادة والإحسان في العمل مرتبط بمفهوم الإحسان في التصور الإسلامي الذي هو المرتبة العليا من مراتب الدين وهو أن تعبد الله كأنك تراه فأن لم تكن تراه فإنه يراك. إذاً فالإنسان المتحضر والمجتمع المتحضر هو الذي يؤدي العمل بأقصى درجات المهارة والإتقان مع مراعاة الله في أدائه فالعامل المتحضر المسلم يراقب الله في عمله ويؤمن بأن الله يراه فيكون ذلك دافعاً كبيراً له لإحسان عمله والأصل في هذا هو أن الإنسان جعله الله خليفة في الأرض والعمل من أهم وسائل الإنسان لتحقيق مقتضيات الخلافة ألا وهي عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله عز وجل، ولن تكون المهارة في العمل على هذا الأساس، وتصل إلى الغاية المطلوبة إذا إنقطعت صلة الإنسان بالله عز وجل فإنه إذا حصل ذلك فلن يراعي هذا القاطع للصلة بينه وبين الله عز وجل إلا ما يراه في مصلحته الشخصية ومصالح الأولياء عليه مهما كانت وسائل المراقبة ومهما ترتب على ذلك من دمار لمصالح الآخرين) (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 وعلى ما تقدم فإن وفرة الإنتاج وحده، أو الإبداع المادي وحده، لا يسمى في الإسلام حضارة فقد يكون معه التخلف وتكون معه الجاهلية (أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعملون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) (1) . خلاصة القول في هذا الفصل هي أن الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي مرتبطتان إرتباطاً عضوياً فعندما يكون الجانب العملي للثقافة مطبقاً تطبيقاً واقعياً وعملياً صحيحاً للجانب المعياري فيهما مع إستخدام كل معطيات الإنسان والزمان والمكان … تكون الحضارة. لأن الحضارة كما سبق وأن أشرنا هي عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها إنسانياً وخلقياً وأدبياً وإجتماعياً وفق منهج الله تعالى وشريعته. وعندما يصل المجتمع المتحضر الإسلامي إلى هذه الدرجة ويظل متمسكاً بمقومات حضارته وهي إفراد الله بالعبادة ومن ثم إفراده بالحاكمية واعتبار العقيدة هي الأساس وهي آصرة المجتمع الرئيسية واعتبار إنسانية الإنسان هي القيمة العليا في المجتمع والنظر إلى الأسرة على أنها قاعدة البناء الإجتماعي وقيام الإنسان بالخلافة في الأرض على أساس الإحسان في العمل عندئذ فقط يتبوأ المجتمع المتحضر الإسلامي مكانته اللائقة به في تربية الإنسانية وقيادتها إلى الحق والعدل (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) (2) والقائد المسلم الذي نعنيه في هذا البحث معني بفهم وتدبر هذه المفاهيم للثقافة لتكون له نبراساً في القيام بمسئولياته القيادية وهو يحمل عزة المسلم الفخور بثقافة أمته وتراثها الحضاري والعلمي ويسهم من جانبه في تطوير وتقدم هذه الثقافة التي ينتسب إليها فمن هو يا ترى القائد المسلم؟ وما هي يا ترى مواصفاته؟ . هذا ما سنعرفه في بحث آخر بإذن الله تعالى. • • • الخاتمة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 تم الانتهاء من إعداد هذا البحث المختصر حول بعض مفاهيم ثقافتنا الإسلامية الأصيلة وقد حاولت مجتهداً أن أبرز أهم تلك المفاهيم والتي يقود تحسس أهميتها إلى أن يعود المسلمون وبقوة إلى منبع عزهم ومجدهم الذي أهملوه فضاع صيتهم واندرس تراثهم وذهب بريق تميزهم بين الأمم. وإني أدعو الله أن يوفق جميع المسلمين إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة. أهم نتائج البحث: من خلال ما جاء في خطة البحث المتقدم ذكرها فلعل من أهم النتائج التي عالجها البحث وأبرزها أنه بيَّن أهمية علم الثقافة الإسلامية وأنه العلم الذي يُحصِّن به المسلم عقيدته وشريعته من معاول الأعداء. كما أنه الأساس في تكوين شخصية المسلم وبروز تلك الشخصية حيث يكون ذلك البروز بتمثل السمات التي تتميز بها الثقافة الإسلامية لأنه تقرر معنا في إستعراض فصول البحث أن ثقافتنا الإسلامية متميّزة من بين سائر الثقافات الأخرى ومرد ذلك التميز أنها ربانية المصدر، شاملة المنهج، عالمية الهدف. بل وزيادة على ذلك فإنها (أي الثقافة الإسلامية) هي القاعدة وهي الأساس للحضارة الإسلامية التي سادت العالم زمناً طويلاً يوم كان ذلك التمسك القوي بأصول وأسس الثقافة الإسلامية. فالحضارة وليدة لتراث البيئة التي تقوم فيها، ثم إنها كذلك بمثابة المرآة التي تعكس لنا مقومات ومميزات ثقافة المجتمع الذي ينتسب إليه، وهي تعبر بشكل أو بآخر عما بلغه هذا المجتمع الذي تقوم فيه من الرقي، وهذا كله يؤكد الأهمية الكبيرة لثقافتنا الإسلامية الأصيلة. الحواشي والتعليقات أي علم الثقافة. رواه الترمذي في باب العلم. أضواء على الثقافة الإسلامية، د/نادية العمري، ص44. الدكتور/شكري فيصل، مجلة الإسلام، العدد ( … ) ، ص26. KOHLER, ERICH: CULTRE AND EVOLATION " IN (ed.) M. E. ASHLEY MONTAGA MAN’S ADAPTIVE DIMENSION " O.U.P. 1968, P3. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 مالك بن نبي مشكلة الثقافة، الطبعة الثانية، دار الفكر، ص30 وما بعدها. سورة البقرة، الآية 191. أساس البلاغة للزمخشري جار الله أبو القاسم محمود بن عمر، دار صادر، بيروت للطباعة والنشر، 1385هـ، ص73 – 74. سورة النساء، الآية 91. الرائد/جبران مسعود: دار العلم للملايين، بيروت، 1964م. المنجد في اللغة: لويس معلوف، طبعة سابعة عشر، بيروت، ص71. الحضارة: دكتور/حسين مؤنس، ص368. المصدر السابق، ص369. مجلة الأزهر، الجزء العاشر، القاهرة، شوال 1371هـ، المجلد 23، ص47. فقه التاريخ في ضوء أزمة المسلمين الحضارية: للدكتور/عبد الحليم عويس، دار الصحوة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1414هـ، ص130. سورة البقرة، الآية 269. مجلة الأزهر: محاولات لإستكشاف الثقافة الإسلامية، بقلم د/أحمد عبد الحميد غراب، ج10، السنة 61 جمادى الآخرة 1409هـ، ص675. المرجع السابق، ص675. مدخل إلى علم الثقافة الإسلامية: د/عبد الرحمن زيد الزنيدي، ص89. سورة آل عمران، الآية 19. سورة آل عمران، الآية 85. أصول التربية الإسلامية للدكتور/محمد شحات الخطيب وآخرون، ص146. المصدر السابق، ص144. المصدر السابق. سورة النحل، الآية 125. سورة آل عمران، الآية 104. مجلة جامعة الإمام، العدد الثاني، 1410هـ، بقلم الدكتور/عبد الرحمن الزنيدي، ص93 بتصرف. المصدر السابق. أنظر في هذه المنهجية والحاجة إليها، نظام الإسلام (العقيدة والعبادة) لمحمد المبارك، ص14. أي قيام علم ينهض بهذا الجانب وهو علم الثقافة الإسلامية. المدخل إلى علم الثقافة الإسلامية: د/عبد الرحمن بن زيد الزنيدي، مصدر سابق، ص101. المصدر السابق، ص102. خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: سيد قطب، ص114، ط7، دار الشروق، 1402هـ. سورة ص، الآية 26. الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي: د/علي احمد مدكور، ص87 – 88. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 سورة سبأ، الآية 28. سورة الحجرات، الآية 13. متفق عليه. سورة النساء، الآية 1. سورة المؤمنون، الآيتان 51 – 52. الإعلام الإسلامي والعلاقات والإنسانية النظرة والتطبيق، ورقة عمل مقدمة من دار التهامي نقره للقاء الثالث للندوة العالمية للشباب الإسلامي، الرياض، 1396هـ، ص342. في النقد الإسلامي المعاصر: عماد الدين خليل، ص172، بيروت، 1972م (بتصرف) . المصدر السابق. رواه مسلم والترمذي. سورة التغابن، الآية 16. سورة البقرة، الآية 233. ملامح الثقافة الإسلامية في الإعلام السعودي المعاصر بقلم: سليمان العيدي، ص30. خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: سيد قطب ن ص114، ط7. مصطفى أحمد أبو سمك: نظرات في نظم الإسلام وثقافته. سورة المجادلة، الآية 11. سورة الحجر، الآية 19. سورة القمر، الآية 49. سورة الأنعام، الآية 38. سورة يونس، الآية 5. سورة الأعراف، الآية 31. سورة المائدة، الآية 3. سورة النساء، الآية 110. هذا وقد أدرك الصحابة رضوان الله عليهم ما نوهنا عنه وقررناه في هذا المقام، فيروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إذا أردتم العلم فانثروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين. أنظر تاريخ الفقه للشيخ السايس، ص15. انظر الفلسفة القرآنية، ص17. يقول الإمام المنذري في هذا الحديث: (رواه ابن عبد البر النمري في كتاب العلم.. وقال: هو حديث حسن ولكن ليس له إسناد قوي وقد رويناه من طرق شتى موقوفاً، والله اعلم) . أنظر الترغيب والترهيب، ج1، ص53 – 54 باختصار. رواه ابن ماجه، مقدمة باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. رواه أبو داود في باب فضل العلم. صححه الألباني أنظر صحيح الجامع 5/302، طبعه المكتب الإسلامي، ط الثالثة. صحيح البخاري، ج1، ص30. أنظر تذكرة الدعاة للبهي الخولي، ص288 – 289. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 أنظر: الحضارة الإسلامية، ص184. والإسلام بين العلم والمدنية، ص145. ومناهج البحث، ص4 – 5 (بتصرف) . دراسات في الدعوة والدعاة، ص393 وما بعدها. أنظر أيضاً طبقات الأمم، ص68 – 70. إن جابر بن حيان أول من استحضر حامض الكبريتيك وأول من استحضر ماء الذهب وأول من اكتشف الصودا الكاوية. أنظر مناهج البحث والحضارة، د/جمال الدين، ص8. مع الله: دراسات في الدعوة والدعاة: للشيخ محمد الغزالي، مرجع سابق، ص393. ترجم كتاب ابن سيناء في الطب عشرات المرات إلى اللغة اللاتينية وغيرها، وظلت مؤلفاته أساساً للمباحث الطبية في فرنسا وإيطاليا ستة قرون. أنظر مناهج البحث والمصادر، ص8. سورة النحل، الآية 67. سورة البقرة، الآية 219. سورة النساء، الآية 43. سورة المائدة، الآية 90. اسم من أسماء الخمر المُصنع. دراسات في المذاهب السياسية، ص213 – 214. راجع تفسير أبي السعود، ج2، ص206. وحاشية الجمل، ج2، ص199. الظاهرة القرآنية، ص229 مالك بن نبي. راجع تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم، ج1، ص92. سورة الصف، الآية 6. إنجيل متى، الإصحاح 15 عدد 21. إنجيل لوقا، إصحاح 1، عدد 16. إنجيل مرقس، إصحاح 12 عدد 39. إنجيل يوحنا، إصحاح 20، عدد 17. دلائل ومعجزة الرسول، ص117. المعجزة الكبرى للشيخ أبو زهرة، ص11. المبادئ الأساسية لفهم القرآن، ص51 – 55. إن الأناجيل الأربعة كتبت باللغة اليونانية وقيل إن بعضها كتب باللغة العبرية. سورة الأعراف، الآية 158. سورة الحج، الآية 49. أصول التربية الإسلامية، مرجع سابق، ص135. بحوث في الثقافة الإسلامية، الأستاذ الدكتور/حسن عيسى عبد الظاهر وآخرون، بتصرف. الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي: د/أحمد مدكور. معالم في الطريق: سيد قطب، 116 – 117، ط دار الشروق، بيروت، 1403هـ. سورة يوسف، الآية 4. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 أعلام الموقعين لإبن القيم 1/51، دار الجيل، بيروت. سورة النساء، الآية 65. الطريق إلى الإسلام، نقله أنور الجندي في أخطاء المنهج الغربي الوافد، بيروت، دار الكتاب، ص242. معالم في الطريق، مرجع سابق. الطريق إلى الإسلام، مرجع سابق، ص239. الشيخ على الطنطاوي، سووا صفوفكم، الشرق الأوسط، العدد 3299، في 10/12/1987م، ص10. سورة التحريم، الآية 10. سورة التحريم، الآية 11. متفق عليه. سورة الأنفال، الآية 72. معالم في الطريق، مرجع سابق، ص115. طبقة العمال. المرجع السابق، ص59 – 60. المرجع السابق، ص121. سورة الجاثية، الآية 13. سورة الحج، الآية 65. الأسرة المسلمة والأسرة المعاصرة: عبد الغني عبود، الكتاب الرابع من سلسلة الإسلام وتحديات العصر، ط دار الفكر، 1979م، ص143. سورة الروم، الآية 21. سورة الكهف، الآية 30. أنظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم (1113) . الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي، مصدر سابق، ص102. سورة الشعراء، الآيات 128 – 135. سورة الأعراف، الآية 96. المصادر والمراجع أساس البلاغة للزمخشري – جار الله أبو القاسم محمود بن عمر، طبعة دار صادر، بيروت 1385هـ. الأسرة المسلمة والأسرة المعاصرة، عبد الغني عبود، الكتاب الرابع، من سلسلة الإسلام وتحديات العصر، طبعة دار الفكر، 1979م. أصول التربية الإسلامية، د/محمد شحات الخطيب وآخرون. أعلام الموقعين، لابن القيم، طبعة دار الجيل، بيروت. الإعلام الإسلامي والعلاقات الإنسانية (النظرة والتطبيق) التهامي نقرة 1396هـ. الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي، د/علي مدكور. الحضارة، للدكتور/حسين مؤنس. الحضارة الإسلامية، … … … … … … … … … الرائد، لجبران مسعود، طبعة دار العلم للملايين، بيروت، 1964م. الطريق إلى الإسلام، نقله أنور الجندي في أخطاء المنهج الغربي الوافد، طبعة دار الكتاب، بيروت. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 الظاهرة القرآنية، مالك بن نبي. الفلسفة القرآنية، عباس محمود العقاد، ط الثانية، دار الكتاب العربي، بيروت، 1969م. المعجزة الكبرى، لمحمد أبو زهرة. المنجد في اللغة، لويس معلوف، طبعة سابعة عشر، بيروت. النقد الإسلامي المعاصر، عماد الدين خليل، بيروت، 1972م. بحوث في الثقافة للدكتور/حسن عيسى عبد الظاهر وآخرون. تفسير أبي السعود. تذكرة الدعاة للبهي الخولي. خصائص التصور الإسلاميب ومقوماته، سيد قطب، طبعة دار الشروق، 1412هـ. دراسات في الدعوة والدعاة … … … … … … … … … .. سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سوره. سنن ابن ماجه، للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد. صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين مسلم بن حجاج. صحيح البخاري، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. فقه التاريخ في ضوء أزمة المسلمين الحضارية، د/عبد الحليم عويس، طبعة دار الصحوة، القاهرة، 1414هـ. مشكلة الثقافة، مالك بن نبي، الطبعة الثانية، دار الفكر. مدخل إلى علم الثقافة، د/عبد الرحمن زيد الزنيدي. ملامح الثقافة الإسلامية في الإعلام السعودي المعاصر، سليمان العيدي، طبعة دار الناشر، الرياض، 1413هـ مناهج البحث والحضارة، د/جمال الدين. معالم في الطريق، لسيد قطب، طبعة دار الشروق، بيروت، 1413هـ. نظرات في نظم الإسلام وثقافته، د/مصطفى أحمد أبو سمك. نظام الإسلام، لمحمد المبارك. KOHLEY, ERICH: CULTURE AND EVELATION IN (ED) . E ASHLEY MONTAGAMANS ADAPTIVE DIMENSION, U. P. 1968. الدوريات مجلة الإسلام، بقلم الدكتور/شكري فيصل. مجلة الأزهر، الجزء العاشر، القاهرة، شوال 1371هـ، المجلد 23. مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد الثاني، 1410هـ، بقلم د/عبد الرحمن الزنيدي. صحيفة الشرق الأوسط، العدد (3299) ، في 10/2/1987، بقلم الشيخ علي الطنطاوي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 كتاب الصوائف (المُستخرَج) لمحمد بن عائذ الدمشقي (ت 233 هـ) د. سليمان بن عبد الله السويكت أستاذ مشارك في قسم التاريخ بكلية العلوم الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ملخص البحث هذا البحث استخراجٌ لروايات مبثوثة في كتاب موسوعي ضخم هو تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (ت 571) ، تُعزى هذه الروايات لمحمد بن عائذ الدمشقي (ت 233) ، وتدخل في حيز نطاق كتاب مفقود له بعنوان (الصوائف) ، قمت باستخراجها وتنسيقها والتأليف بينها والتقديم لها بدراسة عن الكتاب، ثم رتبتها ترتيباً تاريخياً متسلسلاً. تكمن القيمة العلمية لهذا (المُستخرَجْ) في أن نص الكتاب الأصلي لازال مفقوداً، وأن المكتبة التاريخية تكاد تخلو من مثل هذا النوع من المؤلفات وأن المادة التاريخية التي يحويها النص لا يكاد يوجد ما يوازيها في المصادر في هذا الباب؛ من حيث الشمول أو دقة التفصيلات في بعض الأحداث، ولا في الاعتماد على النقل من المصادر قريبة من الحدث. • • • مقدمة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، أما بعد: فلما كنت بصدد جمع مادة علمية لبحث كان بعنوان: (محمد بن عائذ الدمشقي ومصنفاته التاريخية) أثار انتباهي وجود كَمّ كبير من المرويات تدخل في نطاق كتاب اسمه: (الصوائف) لمحمد بن عائذ نفسه، ضمن كتاب تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، وقد رأيتني مسوقاً إلى جمع تلكم المرويات والنصوص من هذا السفر، إلى أن التفتُّ فرأيت من ذلك ما يستحق أن يفرد في كتاب مستقل مستخرج ينسب إلى صاحبه؛ محمد بن عائذ الدمشقي، ولا سيما أن ميدان الصوائف والشواتي (1) من الميادين التي يندر أن تجد فيها مؤلفاً مفرداً (2) ، مما يضفي على كتاب ابن عائذ هذا (الصوائف) ميزة فريدة بكونه من المؤلفات العزيزة في هذا المجال. ولهذا فبعد أن فرغت من استقراء تاريخ ابن عساكر قمت بمراجعة للمصادر التاريخية الأخرى استكمالاً لجمع نصوص كتاب الصوائف، فما ظفرت إلا بعدد محدود من الروايات من تاريخ خليفة بن خياط. بعد ذلك نسقت تلك النصوص تاريخياً وواءمت بينها، وأحلت إلى ما وجدته مما يماثلها في المصادر التاريخية الأخرى عن غير ابن عائذ، وترجمت للأعلام الواردة فيها خاصة ما يتصل بأسانيد الروايات، ومن له علاقة بالأحداث، وعرفت بما تيسرت معرفته من الأماكن، وأعددتها للنشر، لأهميتها البالغة في كونها تضيف إلى المكتبة التاريخية مادة منسقة كانت أشلاء مبعثرة هنا وهناك في ميدان هذا النظام الحربي المميز؛ نظام الصوائف والشواتي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 إن من البدهي لنشر مثل هذا النص أن يسبق بدراسة تعريفية عن المؤلف تستوفي كافة المعلومات المتعلقة به، ولأني قمت بمثل هذه الدراسة في بحث سابق (1) فلن أكررها في هذا المقام، ولكن عند طبع الكتاب فسأضمها إليه بإذن الله تعالى. أما العناصر التي أضفتها هنا والمتممة لهذا العمل فهي: موارد ابن عائذ في كتاب الصوائف رواة هذا الكتاب القيمة العلمية للكتاب توثيق النص المنهج المتبع لاستخراج الكتاب وحاولت في هذه الدراسة المقدَّمة بين يدي النص الإيجاز لئلا يثقل كاهل البحث وحتى يكون البحث مقبولاً. هذا وأسأل الباري عز وجل أن ينفع بهذا العمل الذي استغرق وقتاً طويلاً وجهداً مضنياً، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وصلى الله تعالى وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، ومن حمل لواء دعوته مبلغاً لها إلى يوم الدين. أولاً: تعريف موجز ب (المؤلف) محمد بن عائذ مصنف الكتاب: هو محمد بن عائذ بن عبد الرحمن بن عبيد الله القرشي، الملقب بالكاتب، أبو عبد الله الدمشقي. ولد بمدينة دمشق في سنة 150 (2) باتفاق بين من ترجم له. وأمضى شطراً من حياته في طلب العلم في بلاد الشام على عدد من الشيوخ المعروفين في الحديث والمغازي والسير والفتوح، ومن أشهر من تلقى عنه العلم شيخه الكبير أبو العباس الوليد بن مسلم بن العباس القرشي المتوفى سنة 195، عالم أهل الشام في وقته (3) . وقد كان ابن عائذ ثقة صدوقاً، أجمعوا على عدالته وديانته، إلا أنهم ذكروا عنه قوله بالقدر. أما من حيث مؤلفاته: فلم يذكر له أيَّ مصنف في علم الحديث على الرغم من اشتغاله به وتدريسه له، لكنه ألف عدداً من المصنفات التاريخية هي: كتاب المغازي، والفتوح، والسير، والصوائف، كما ذُكر له مصنف آخر بعنوان: ملح النوادر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 تلقى عن ابن عائذ عدد من أهل العلم من أهل الشام أو ممن ورد عليها من غيرهم، ويعد أحمد بن إبراهيم البسري (1) ، أبو عبد الملك الثقة أخص من روى عنه، ولاسيما في الميدان التاريخي، لكن طلاب ابن عائذ كانوا يواجهون صعوبة في الأخذ عنه بسبب وعورة في أخلاقه، وخشونة في تعامله، وكان لا يصل إلى مراده منهم إلا النبهاء الذين يحسنون فن المداراة والملاطفة. كانت وفاة ابن عائذ – وفق ترجيحنا في الدراسة المشار إليها – سنة 233، في يوم الخميس، الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر. رحمه الله تعالى وغفر له (2) . ... ... ثانياً: (عن الكتاب) رواة كتاب الصوائف: بعد جولة طويلة في المصنفات التاريخية انحصر ما تم جمعه من نصوص تتعلق بالصوائف من مصنَّفيَن فحسب، هما: تاريخ خليفة بن خياط (ت 240) ، وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (ت 571) . أما تاريخ خليفة فأخذت منه حوالي أحد عشر رواية، كلها من طريق بَقيُّ بن مَخلَد عن بكّار بن عبد الله الدمشقي عن محمد بن عائذ. إن جميع المرويات التي أضافها بقي بن مخلد إلى تاريخ شيخه خليفة بن خياط عن محمد بن عائذ جاءت بمثل هذا الطريق تقريباً: " كتب إلي بكار بن عبد الله عن محمد بن عائذ.. " (3) وقد سمع بقيُّ من بكار في مدينة دمشق (4) ، ولكن طريقة التحمل التي يثبتها هنا تدل على أن ما رواه في هذا الصدد لم يكن مما سمعه منه في دمشق. أما باقي مرويات كتاب الصوائف فهي من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، وهي في حدود ثلاث وأربعين ومائة رواية، كلها وردت عن طريق أحمد بن إبراهيم البسري عن محمد بن عائذ، ماخلا رواية واحدة كانت عن يزيد بن محمد بن عبد الصمد، وإسنادها كالتالي: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 " أنبأنا أبو طالب الحسين بن محمد، أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسّن، أنبأنا محمد بن المظفر، أنبأنا بكر بن أحمد بن حفص، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، حدثني يزيد بن محمد، حدثنا محمد بن عائذ.. " (1) . ويلاحظ على هذا الإسناد النزول، بينما الإسناد إلى أحمد بن إبراهيم البسري كان أعلى، وهو على المثال التالي: " أنبأنا أبو محمد بن الأكفاني، نا أبو محمد الكتاني، أنا أبو محمد بن أبي نصر، أنا أبو القاسم بن أبي العقب، أنا أحمد بن إبراهيم، نا محمد بن عائذ " (2) . ولم يتغير رجال هذا الإسناد إلا في حالات نادرة جداً، كتغير شيخ ابن عساكر المباشر، فهو في الغالب: أبو محمد بن الأكفاني، وأحيانا أبو القاسم النسيب (3) ، ونادراً ما يكون غيرهما (4) . وجميع مرويات ابن عساكر عن محمد بن عائذ في هذا الكتاب جاءت مسندة،إلا في حالات محدودة جداً روى عنه مباشرة بدون إسناد، كأن يقول: " قال محمد بن عائذ.." (5) ، ثم يذكر الحادثة. ترجمة الرواة: أولاً: في تاريخ خليفة: = بكَّار بن عبد الله بن بكار بن عبد الملك بن الوليد بن بسر بن أبي أرطأة، أبو عبد الرحمن، روى عن أبيه ومحمد بن عائذ ومروان الطاطري وغيرهم، وروى عنه أحمد بن أبي الحواري وأبو زرعة الدمشقي، وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، وبقي بن مخلد التقى به لما ورد إلى دمشق وأخذ عنه، قال عنه أبو حاتم الرازي: صدوق (6) . = بَقيُّ بن مَخْلَد بن يزيد، أبو عبد الرحمن الحافظ، أحد علماء الأندلس الكبار الزهاد المجتهدين غير المقلدين، ذو رحلة واسعة، روى عن جمع كبير من العلماء؛ منهم: أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، وخليفة بن خياط، وبكار بن عبد الله، وروى عنه خلق كثير، له مصنفات نفيسة في التفسير والحديث والفقه وغيرها، كانت ولادته سنة 185، ووفاته سنة 276 رحمه الله تعالى (7) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 ثانياً: في تاريخ مدينة دمشق: وسأترجم لرجال الإسناد المشهور فحسب، بعداً عن الإطالة: = أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن بكار بن عبد الملك بن الوليد ابن بسر بن أبي أرطأة القرشي، أبو عبد الملك الدمشقي، روى عن جمع من أهل العلم، منهم: محمد بن عائذ الدمشقي، وأبوه إبراهيم، وجده محمد، وغيرهم، وروى عنه جمع أيضاً، منهم: النسائي، وأبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب الهمداني وغيرهما، قال عنه النسائي: لابأس به، وقال الحافظ أبو القاسم: ثقة. توفي سنة 289 (1) . = علي بن يعقوب بن إبراهيم بن شاكر بن زامل، أبو القاسم الهمداني، المعروف بابن أبي العقب، روى عن جماعة من أهل العلم، منهم: أبو عبد الملك البسري، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وجعفر الفريابي، وروى عنه أبو محمد ابن أبي نصر وجمع غيره، وهو أحد الثقات الكبار، مات سنة 353 (2) . = عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف بن حبيب، أبو محمد بن أبي نصر التميمي العدل، حدث عن عدد من أهل العلم، منهم: أبو القاسم الهمداني، وأحمد بن سليمان بن زبان الكندي، وأبو إسحاق بن أبي ثابت، وحدث عنه أبو الحسن بن رشأ بن نظيف، وأبو سعد السمان، وأبو محمد عبد العزيز الكتاني وغيرهم، قال عنه الكتاني: لم ألق شيخاً مثله زهداً وورعاً وعبادة ورئاسة وكان ثقة عدلاً مأموناً رضاً، ولد سنة 327، وتوفي سنة 420 (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 = عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي بن سليمان، أبو محمد التميمي الكتاني الحافظ، رحل في طلب العلم وسمع من أبي محمد بن أبي نصر التميمي، وعبد الوهاب المري، وعلي الرزاز وغيرهم، وروى عنه أبو بكر بن الخطيب البغدادي، وأبو عبد الله الحميدي، وأبو محمد بن الأكفاني وغيرهم، قال عنه ابن الأكفاني: كان من المكثرين من الحديث كتابة وسماعاً ومن المعتنين به الجامعين له مع صدق وأمانة وصحة واستقامة وسلامة مذهب، وكان ثقة. كانت ولادته سنة 389، وأما وفاته فسنة 466 (1) . = هبة الله بن أحمد بن محمد بن هبة الله بن علي الأنصاري، أبو محمد الدمشقي المعروف بابن الأكفاني، سمع من والده وأبي القاسم الجنائي وأبي بكر الخطيب وعبد العزيز الكتاني ولازمه مدة، حدث عنه أبو بكر ابن العربي وأبو طاهر السلفي وابن عساكر، وقال عنه: سمعت منه الكثير، وكان ثقة ثبتاً متيقظاً معنياً بالحديث وجمعه، غير أنه كان عسراً في التحديث، وكان شديد العناية بالتاريخ أيضاً، ولد سنة 444، وكانت وفاته سنة 524 (2) . = علي بن إبراهيم بن العباس بن الحسن بن العباس.. ابن الحسين بن علي ابن أبي طالب، أبو القاسم الحسيني (النسيب) ، حدث عن أبيه وعمه أبي البركات، وأبي بكر الخطيب، وعبد العزيز الكتاني وجمع غيرهم، وكتب عنه شيخه عبد العزيز هذا، وسمع منه ابن عساكر وجماعة من شيوخه منهم أبو محمد بن الأكفاني، قال ابن عساكر: سمعت منه كثيراً، وكان مكثراً ثقة، ذكر أن مولده سنة 424، أما وفاته ففي سنة 508 (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 = علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، أبو القاسم ابن عساكر الحافظ الكبير المتقن، إمام أهل الحديث في زمانه، سمع من أكثر من ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة، وكان ديناً خيراً حسن السمت، جمع بين معرفة المتون والأسانيد، مثبت محتاط، رحل وبالغ في الطلب إلى أن جمع مالم يجمعه غيره، صنف التصانيف المفيدة كتاريخ دمشق وغيره، فحفظ فيه ثروة من العلم ضاع معظمها، كانت ولادته سنة 499، أما وفاته فسنة 571 رحمه الله تعالى رحمة واسعة (1) . إنك عندما تمعن النظر في سلسلة هؤلاء الرواة تجد أنهم حفاظ ثقاة متقنون، يشتغلون بحديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى جانب اشتغالهم بالتاريخ، مما يبعث في النفس الاطمئنان ويزيد الثقة بمروياتهم التاريخية. موارد ابن عائذ في كتاب الصوائف: يظهر من خلال النصوص التي تندرج تحت مسمى الصوائف أن جلها مأخوذ عن شيخه الوليد بن مسلم، وقد كان الوليد شاهد عيان في بعضها (2) ، وفي بعضها يروي عن شيوخه شهود العيان (3) ، وكان الوليد يبزُّ معاصريه في المعرفة بأمر المغازي (4) ، وغزوات الصوائف والشواتي لقرب عهده بها، واختلاطه بالشيوخ المشاركين فيها أو المطلعين عن كثب على أحداثها، وسؤالهم عما خفي عليه من شأنها، وتسجيله لتلك الأحداث أو روايتها (5) . وفي الصوائف أيضاً يروي عن شيخه أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وهو يروي عن شهود عيان مشاركين فيها، وهو أيضاً معاصر لها (6) . كما أخذ عن شيخه إسماعيل بن عياش (7) ، واستقى عدداً محدوداً من الروايات عن كل من شيوخه: محمد بن شعيب (8) ، ومروان بن محمد (9) ، وسليمان البهراني (10) ، والهيثم بن حميد (11) ، والواقدي (12) ، ومن مزايا ابن عائذ في هذا الكتاب أنه سجل أحداثاً عاصرها هو بنفسه كحديثه عن غزو المأمون الصائفة في سنوات 215، 217، 218 (13) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 فيظهر من هذا العرض الموجز أن موارد ابن عائذ كانت على درجة من الأهمية؛ حيث توفُّر الإسناد، والعدالة والصدق في الشيوخ على وجه العموم، وقرب العهد من الأحداث، والرواية عن شهود العيان، والمعاصرة للأحداث. القيمة العلمية للكتاب: تكمن القيمة العلمية لهذا النص المستخرج لكتاب (الصوائف) في أن نص الكتاب الأصلي لا زال مفقوداً، وأن المكتبة التاريخية في أمس الحاجة لمادة علمية عن مثل هذا النوع من النشاط الحربي المتمثل في الجهاد في سبيل الله تعالى لتلك الأمم القوية المجاورة للمسلمين في بلاد الشام والجزيرة والتي ظلت تتحرش بهم من حين لآخر، متحينة الفرص لغزوهم في أوقات ضعفهم أو انشغالهم بأزماتهم الداخلية؛ حيث لا نجد في المصادر الأصلية الإسلامية الموجودة بين أيدينا مادة تشبه مادة هذا الكتاب في شمولها ولا في دقة تفصيلاتها في بعض الأحداث، ولا في اعتمادها في النقل عن مصادر قريبة من الحدث في هذا الميدان من النشاط الحربي. ونصوص الكتاب تكشف عن مدى الوعي الجهادي الذي كانت تعيشه الأمة الإسلامية في جميع مستوياتها؛ على مستوى القيادة، ابتداء من عصر الراشدين، ومروراً بالعصر الأموي، وانتهاء بالعصر العباسي الأول، وعلى مستوى الأمة جماعة وأفراداً،كما يظهر ذلك جلياً في ثنايا تلك النصوص. كما أن قيام العلامة ابن عساكر بنقل نصوص وروايات كثيرة جداً من كتاب الصوائف لابن عائذ في كتابه تاريخ دمشق بأسانيده يعبر عن القيمة العلمية لهذا الكتاب ومؤلفه، ويعطي انطباعاً عن مدى وثوقه بمروياته في هذا الباب الفريد. ويلاحظ من خلال مادة هذا الكتاب ونصوصه أنها ذات اتصال وثيق ببلاد الشام وأحداثها وعلاقاتها الحربية مع جيرانها البيزنطيين، فكأنها رصد لتاريخ الشام الحربي مع الروم خاصة في العصر الأموي، من واقع إسهامات الشام الواضحة والجلية في حملات الصوائف والشواتي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 ومما يوضح القيمة العلمية للكتاب ما أشرت إليه قبل قليل في ختام الحديث عن موارد الكتاب من وجود أسانيد الروايات، وتوفر العدالة في الشيوخ، وقرب العهد من الأحداث، والرواية عن شهود العيان المشاركين فيها، ومعاصرة ابن عائذ نفسه لبعض مادونه من روايات، ولاشك أن هذا مما يرفع من قيمة الكتاب في نظر المختصين. توثيق نص الكتاب: إن جميع المادة العلمية المضمنة في هذا الكتاب مروية بأسانيد متصلة معروفة (1) ، مثبتة في تاريخ خليفة بن خياط وتاريخ دمشق لابن عساكر تنتهي جميعها إلى ابن عائذ، ولذا فهي صحيحة النسبة إليه. أما إدخال تلك المرويات في نطاق كتاب (الصوائف) لابن عائذ دون غيره من مصنفاته الأخرى المفقودة فهو استناداً إلى موضوعها الذي تبحث فيه، وهو اجتهاد مني بذلت وسعي في تحري الدقة فيه، ومع هذا ففي تصوري أنه قد لا يضير الكتاب دخول رواية واحدة أو عدد محدود من الروايات فيه ما دام أنها ثابتة النسبة لمؤلفة، وفي نطاق موضوعه. المنهج المتبع لاستخراج الكتاب: لقد قمت باستقراء لمعظم كتب الحديث والطبقات والسير والتراجم والتاريخ - وهي كثيرة جداً (2) - تتبعاً لمادة هذا الكتاب، لكن لم أظفر بشيء من ذلك إلا في الكتابين اللذين سبقت الإشارة إليهما؛ وهما: تاريخ خليفة بن خياط، وتاريخ دمشق، وتتمثل أبرز معالم المنهج الذي اتبعته فيما يأتي: لم أستخرج من النصوص والروايات إلا ما ثبت لدي نسبته لابن عائذ مصرحاً باسمه فيه. لم أدرج من الروايات إلا ماصُرِّح فيه باسم صائفة أو شاتية، أو غزو للمسلمين إلى بلاد الروم، أو حرب معهم، أوبلاد الخزر، حيث كانت كلها تدخل في هذا النطاق، أو ماله علاقة بذلك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 حذفت الأسانيد من روايات ابن عساكر خاصة؛ لطولها، وتماثلها، ولأنها ستزيد من حجمه، والوصول إليها متيسر لمن أرادها، وفائدتها محدودة في مثل هذا البحث. وقد سبقت الترجمة لرجال الإسناد المشهور المتكرر من ابن عساكر إلى ابن عائذ. وثَّقت كل رواية على حدة، وأشرت إلى مواضع وجودها إن تكررت في أكثر من موضع. نسقت الروايات تاريخياً ما أمكنني ذلك، وواءمت بينها، على الرغم من التداخل الواضح في بعضها. أحلت إلى بعض الروايات الموجودة في المصادر الأخرى في مضانها المماثلة لما عند ابن عائذ، خاصة من تاريخ خليفة بن خياط وتاريخ الطبري. ترجمت لأكثر الأعلام الواردة في النصوص، وحرصت على الترجمة لرجال إسناد ابن عائذ إلى راوي النص أو شاهد الحدث، وبيان حالهم، وذلك من أجل تجليتهم للقارئ، ما أسعفتني المصادر بذلك، وما تركته من رجال الإسناد دون ترجمة فإني لم أجد له في المصادر التي بين يدي ذكراً. عرَّفت بما تيسرت معرفته من الأماكن. وضعت عناوين من عندي بين حاصرتين هكذا [] لبعض المرويات المتماثلة ذات الموضوع الواحد، ووضعت كلمة [كذا] بين تينك الحاصرتين بعدما أشكل فهمه من النص. رقَّمت الروايات بأرقام مسلسلة لتسهيل مراجعتها. ثالثاً: نص كتاب (الصوائف) المستخرج [العصر الراشدي] [1] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: وذكر محمد بن عمر الأسلمي أن أول من أجاز الدرب (1) من المسلمين عمير بن سعد الأنصاري (2) ، قال: وغيرنا يقول: العنسيّ، يعني ميسرةَ بنَ مسروق (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 [2] محمد بن عائذ، أنبأنا الوليد بن مسلم، نا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (1) ، قال: ثم دخل ميسرة بن مسروق العبسي أرض الروم في ستة آلاف، فوغل فيها وغنم وسبى، وجمعت له الروم، فلقيهم بمرج القبائل (2) ، وهو في مسيرة فحلف على السبقة وهي جمعهم بنفسه ومن معه [كذا] ، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزمهم الله، وكانت فيهم مقتلة عظيمة. قال ابن جابر: فأدركت عظامهم تلوح في مرج القبائل، وهي إحدى ملاحم الروم التي أبيروا فيها. قال ابن جابر: فكان ميسرة بن مسروق وأصحابه أول جيش للمسلمين دخل الروم (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 [3] محمد بن عائذ القرشي، قال: قال الوليد: حدثنا غير واحد ممن سمع هشام بن حسان (1) أن محمد بن سيرين (2) حدثه، أن عمير بن سعد كان يعجب عمر بن الخطاب، فكان من عجبه به يسميه (نسيج وحده) ، وبعثه مرة على جيش من قبل الشام، فقدم مرة وافداً، فقال يا أمير المؤمنين: إن بيننا وبين عدونا مدينة يقال لها غرب السوس يطلعون عدونا على عوراتنا ويفعلون ويفعلون، فقال عمر: إذا أتيتهم فخيرهم بين أن ينقلوا من مدينتهم إلى كذا وكذا، وتعطيهم مكان كل شاة شاتين، ومكان كل بقرة بقرتين، ومكان كل شيء شيئين، فإن فعلوا فأعطهم ذلك، وإن أبوا فانبذ إليهم، ثم أجلهم سنة، فقال: يا أمير المؤمنين، اكتب لي عهدك بذلك، فكتب له عهده، فأرسل إليهم فعرض عليهم ما أمره به أمير المؤمنين، فأبوا فأجلهم سنة، ثم نابذهم، فقيل لعمر: إن عمير قد خرب غرب السوس وفعل وفعل، فتغيظ عليه عمر. ثم إنه قدم بعد ذلك وافداً ومعه رهط من أصحابه، فلما قدم عليه علاه بالدرة؛ خرَّبت غرب السوس، وهو ساكت لا يقول له شيئاً، ثم قال لأصحابه: مبرنسين؛ مبرنسين! ضعوا برانسكم (3) ، فقال عمير: ضعوا برانسكم ثكلتكم أمهاتكم، إنكم والله ما أنتم بهم، فوضعوا برانسهم، فقال عمر: معممين؛ معممين! ضعوا عمائمكم (4) ، فقال عمير: ضعوا عمائمكم، فإنا والله ما نحن بهم، فقال: مكممين؛ مكممين! ضعوا أكمامكم (5) ، فقال عمير: ضعوا أكمامكم ثكلتكم أمهاتكم، فإنا والله ما نحن بهم، قال: فوضعوا أكمامهم، فإذا عليهم جِمَام (6) ، فقال عمر: أما والله الذي لا إله إلا هو لو وجدتكم محلقين لرفعت بكم الحشب (7) . ثم إن عمر دخل على أهله، فاستأذن عليه عمير فدخل، فقال يا أمير المؤمنين: أقرأ إلي عهدك في غرب السوس، فقال عمر رحمك الله، فهلا قلت لي وأنا أضربك، فقال: كرهت أن أوبخك يا أمير المؤمنين، فقال عمر: غفر الله لك، ولكن غيرك لو كان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 قال الوليد: ورأيت خلف درب الحرب مدينة حين أشرفنا على قُبَاقب (1) ناحية، فسألت عنها مشيخة من أهل قنسرين، فقالوا: هذا غرب السوس؛ مدينة أنسطاس التي غدرت، فأتاهم عمير بن سعد فقاتلهم ففتحها وخربها، فهي خراب إلى اليوم (2) . [4] ابن عائذ، قال: قال الوليد: حدثنا سعيد بن عبد العزيز (3) ، أنبأنا أبو محمد، قال: حبيب بن مسلمة (4) كان على الصوائف في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ويبلغ عمر عنه ما يحب، ولم يثبته معرفة حتى قدم عليه حبيب في حجة، فسلم عليه فقال له عمر: إنك لفي قناة رجل، قال: إي والله، وفي سنانه، قال عمر: افتحوا له الخزائن فليأخذ ما شاء، قال: ففتحوها له فعدل عن الأموال وأخذ السلاح، انتهى (5) . [5] ابن عائذ، قال: قال الوليد: فحدثنا سعيد بن بشير (6) ، عن قتادة (7) ، عن عكرمة (8) ، أنه غزا مع ابن عباس أرض الروم، وعلى الناس حبيب بن مسلمة، حتى بلغنا مدينة الفتية (9) الذين ذكرهم الله في كتابه (10) . [6] ابن عائذ، قال: وأنبأنا الوليد بن مسلم، قال: فحدثنا إسماعيل بن عياش، عن ابن رغبان (11) ، أنه حدثه على أن حبيب بن مسلمة غزا أرض الروم، على جماعة في خلافة عمر بن الخطاب، فاهتم عمر بأمرهم، فلما بلغه خروج حبيب ومن معه خر ساجداً، انتهى (12) . [7] ابن عائذ، نبأنا عبد الأعلى بن مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز، أنه حدثه أن حبيب بن مسلمة لقي موريان، وحبيب في ستة آلاف، وموريان في سبعين ألفاً، فقال حبيب: إن يصبروا وتصبروا فأنتم أولى بالله منهم، وإن يصبروا وتجزعوا فإن الله مع الصابرين، ولقيهم ليلاً، فقال: اللهم أبدلنا قمرها، واحبس عنا مطرها، واحقن دماء أصحابي، واكتبهم شهداء، ففتح الله تعالى له، وتواعد الجلندح العبسي وعتبة بن جحدم قبة موريان، فوجدوا قتيلين على بابها، انتهى (13) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 [8] قال: وأنبأنا الوليد بن مسلم، قال: فحدثنا سعيد بن عبد العزيز، أنه بلغ الروم مكان حبيب بن مسلمة والمسلمين بأرمينية الرابعة (1) ، في ستة آلاف من المسلمين، فوجهوا إليهم موريان الرومي، في ثمانين ألفاً، فبلغ ذلك حبيباً، فكتب إلى معاوية، فكتب معاوية إلى عثمان، فكتب عثمان إلى صاحب الكوفة يمده، فأمده بسلمان الباهلي في ستة آلاف، وأبطأ على حبيب المدد، ودنا منه موريان الرومي، فخرج مغتماً بلقائه، فغشي عسكره وهم يتحدثون على نيرانهم وسمع قائلاً يقول لأصحابه: لو كنت ممن يسمع حبيب مشورته لأشرت عليه بأمر يجعل الله لنا وله نصراً وفرجاً إن شاء الله، فاستمع حبيب لقوله، فقال أصحابه: وما مشورتك؟ قال: كنت مشيراً عليه؛ ينادي في الخيول، فيقدمها، ثم يرتحل بعسكره يتبع خيله، فتوافيهم الخيل في جوف الليل، وينشب القتال، ويأتيهم حبيب بسواد عسكره مع الفجر، فيظنون أن المدد قد جاءهم؛ فيرعبهم الله، فيهزمهم بالرعب، فانصرف، ونادى في الخيول فوجهها في ليلة مقمرة مطيرة، فقال: اللهم خل لنا قمرها، واحبس عنا مطرها، واحقن لي دماء أصحابي، واكتبهم عندك شهداء، قال سعيد: فحبس الله تعالى عنهم مطرها، وجلا لهم قمرها، وأوقفهم من السحر، قال سعيد: وتواعد عتبة بن جحدم والجلندح العبسي حجرة موريان (2) . [9] محمد بن عائذ، أخبرني الوليد بن مسلم، عن ابن علاق؛ يعني عثمان بن حصن (3) ، عن يزيد بن عبيدة (4) ، قال: وغزيت قبرس الثانية، سنة سبع وعشرين، عليهم أبو الأعور السلمي (5) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 [10] محمد بن عائذ، أخبرنا الوليد، عن صخر بن جندلة (1) ، أنه حدثه عن يونس بن ميسرة بن حلبس (2) ، عن أبي فوزة حدير السلمي (3) ، قال: خرج بعث الصائفة، فاكتتب فيه كعب (4) ، فلما انفر البعث، أخرج كعب، وهو مريض، وقال: لأن أموت بحَرَسْتا (5) أحب إلي من أن أموت بدمشق (6) ، ولأن أموت بدَومة (7) أحب إلي من أن أموت بحرستا، هكذا قدماً في سبيل الله عز وجل، قال: فمضى، فلما كان بفجّ مَعلولا (8) ، قلت: أخبرني، قال: شغلتني نفسي، قلت: أخبرني، قال: إنه سيقتل رجل يضيء دمه لأهل السماء، ومضينا حتى إذا كنا بحمص (9) توفي بها، فدفناه هنالك بين زيتونات بأرض حمص، ومضى البعث فلم يقفل حتى قتل عثمان، انتهى (10) . [العصر الأموي] [11] محمد بن عائذ، أنا الوليد بن مسلم، حدثني مبشر بن إسماعيل (11) ، عن جعفر بن برقان (12) ، عن أبي عبد الله؛ حرسي عمر بن عبد العزيز (13) ، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: حدثني حرسي معاوية أنه قدم على معاوية بطريق من الروم يعرض عليه جزية الروم، عن كل من بأرض الروم من كبير أو صغير جزية؛ دينارين دينارين، إلا عن رجلين؛ الملك وابنه، فإنه لا ينبغي للملك وابنه أن يجزيا، فقال معاوية - وهو في كنيسة من كنائس دمشق -: لو صببتم لي دنانير جزية حتى تملؤوا هذه الكنيسة، ولا يجزي الملك وابنه ما قبلتها منكم، قال الرومي: لا تماكرني، فإنه لا يماكر أحد مكراً إلا ومعه كذب، فقال معاوية: أراك تمازحنى، قال الرومي: إنك اضطررتني إلى ذلك، وغزوتني في البر والبحر والصيف والشتاء، أما والله يا معاوية ما تغلبوننا بعدد ولا عدة، ولوددت أن الله جمع بيننا وبينكم في مرج ثم خلى بيننا وبينكم، ورفع عنا وعنكم النصر، حتى ترى، قال معاوية: ما له قاتله الله! إنه ليعرف أن النصر من عند الله (14) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 [12] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وحدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى (1) ، وغيره أن قيسارية فلسطين كانت آخر الشام ومدائنها وحصون سواحلها فتحاً، وأن طرابلس (2) دمشق كانت قبلها فتحاً بسنة، أو نحو ذلك، وأن أهلها من الروم كانوا في منعة من حصنها، فذكرت ذلك لشيخ من أهل طرابلس، فحدثني أن معاوية بن أبي سفيان وجّه إليه سفيان بن مجيب الثمالي (3) في جماعة وعسكر عظيم، قال أبو مطيع: فعسكر في مرج السلسلة - بينه وبين مدينة أطْرَابُلُس خمسة أميال - في أصل جبل يقال له طربل، فكانوا هنالك، يسير إليهم منه، قال الشيخ: فحاصرهم سفيان ومن معه أشهراً حتى انحاز أهلها إلى حصنها الخرب اليوم - الذي عند كنيستها الخارجة منها قبل مدينة أطرابلس اليوم - فكتب إليه معاوية؛ يأمره أن يبني له ولأصحابه حصناً يأوي إليه ليلاً، ويغازيهم نهاراً، فبنى سفيان حصناً يقال له حصن سفيان، وهو اليوم يسمى كفر قدح، من مدينة أطرابلس، على ميلين ونحو ذلك، فلما رأى ذلك أهلها، واشتد عليهم الحصار، كتبوا إلى طاغية الروم، فوجه إليهم مراكب كثيرة، فأتوهم ليلاً فاحتملوهم فيها جميعاً؛ صغيرهم وكبيرهم، وحرقوها، وصبح سفيان وأصحابه الحصن فلم يجدوا فيه أحداً إلا يهودياً تحصن من النار في سرب فيها، فخرج من السرب فأخبرهم خبر الروم ومسيرها في السفن، قال الشيخ: فوجه إليها معاوية بن أبي سفيان ناساً من يهود الأردن، فأسكنهم إياها، فلم يزل على ذلك لا يسكنها غيرهم، حتى دخل رجل من الروم من أرض الروم، يقال له بقناطر لحدث كان منه بالروم، فأقبل بأهله وماله حتى استأمن، فأؤمن، فنزلها فلم يزل كذلك، حتى كان في زمان عبد الملك بن مروان، فكان يقطع إليها بعثاً من أهل دمشق صيفاً فإذا شتوا قفلهم، وشتا فرس بعلبك (4) ، فأقام فيها بقناطر زماناً حتى خرج أهل بعلبك منها، فلم يبق فيها من المسلمين إلا صاحب خراجها ورجلان معه، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 فبينا هو كذلك إذ أتاه بقناطر في جماعة من أهل بيته فقتله، وقتل صاحبيه، وغلق باب المدينة، وأخرج من في الحبس، ثم قعد في مركبين من مراكب الصناعة، وأخذ ناساً من يهود وانطلق بهم حتى أتى بهم صاحب الروم، فبينا هو يسير في مركبه إذ لقيه مركبان للمسلمين، كان صاحب البحر وجههما من عكا (1) إلى قبرص (2) ، ليأتياه بالخبر، فلما رآهما بقناطر عرف صاحبي المركبين من المسلمين، وهما من بعلبك، يقال لأحدهما: قابوس، والآخر سابور، فقالا: أين بقناطر؟ فقال: أرسلني أمير المؤمنين إلى الطاغية، أعليكما له طاعة؟ قالا له: نعم، قال: فإنه قد أمرني أن أتوجه بكم معي في أمره، وأراهما كتاباً كتبه عليه طائع، فخرجا من مركبيهما حتى قعدا معه في مركبه، وأمر أهل مركبهما بالمضي، فمضوا، فأوثقهما، حتى أتى بهما ملك الروم، فقبل منه ملك الروم وعفا عنه، وصير الرجلين عند بطريق من بطارقة الروم، حتى جلس ملك الروم يوماً ينظر إلى شماس من أهل بعلبك هرب إليهم، يقلب بسيفه يعجبه، وقد كان قابوس سايفه ببعلبك، فقال قابوس: إن رأى الملك أن يأذن لي في مسايفته فعل، فأذن له، فلما تقدم إليه قال له قابوس: اربط في رأسك يا شماس صوفاً من ألوان، ففعل، فجعل قابوس يسايفه، يتطاير ألوان الصوف من رأسه، والشماس لا يبصر، حتى قال: خذها مني وأنا قابوس، قال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 الشماس: البعلبكي؟! قال: نعم، قال: إنما فررت منك بالشام ثم لحقتني ها هنا، ثم سألهما الملك أن يتنصرا، ويدخلا في دينه، ففعلا، وبلا منهما حرصاً ووفاء، فبينما هما على ذلك، إذ بلغه خروج سفن العرب إلى جماعة الروم، فوجه إليهما بعثاً، وأمر ملك الروم قابوس وسابور بالمسير مع من وجه، وقال لهما: ما رأيكما؟ قالا: نحن أعلم الناس بقتال العرب، فليوجه الملك معنا أهل الشرف والجلد منهم، فإن السفلة لا تقاتل حمية ولا عن حسب، فوجه من بطارقته جماعة منهم؛ فيهم بقناطر الرومي الهارب كان منهم، ثم سار إليهم، فراطن قابوس سابور بالفارسية؛ أن الفرصة قد أمكنتنا، وصارا هما وأشراف من الروم وبقناطر في مركب واحد، فلما لقوا المسلمين في البحر وتوسطا سفنهما كبّرا، وشدا على من معهما منهم، واجتمع إليهم المسلمون، فأسروهم أسراً - وفيهم بقناطر - فأتي به عبد الملك، فأمر بقتله، وقطع على فرس بعلبك الخمس سكاناً لمدينة أطرابلس، ففعلوا وسكنوها وإلى غيرها من مدائن الساحل، قال: ففتحت أطرابلس يومئذ عنوة، فليس لأحد ممن فيهما من الأعاجم فيها حق ولا عهد (1) . [13] ابن عائذ، نا الوليد بن مسلم، عن زيد بن دعكنة البهراني (2) ، أن معاوية شتى بسر بن أبي أرطأة (3) بأرض الروم؛ بالحَمَّة، سنة أربع وأربعين (4) . [14] قال: وأخبرني الوليد، عن يزيد (5) بن دعلبة أن معاوية بن أبي سفيان شتى في سنة خمس وأربعين عبد الرحمن بن خالد بن الوليد (6) . [15] قال: وقال الوليد بن مسلم: سمعت سعيد بن عبد العزيز، أو غيره، يخبر أن معاوية شتى عبد الرحمن بن خالد سنتين في جيش مقيم بأرض الروم، يدخل عليه القواد سنة سنة يصيف ويشتو عنده لم يغفل عنه حتى مات عبد الرحمن بأرض الروم (7) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 [16] ابن عائذ، أخبرني الوليد، عن زيد بن عكنة البهراني، أن معاوية شتى في سنة ست وأربعين أبا كلثم الأزدي (1) ، وفي سنة سبع وثمان أبا عبد الرحمن القيني (2) . [17] محمد بن عائذ، أخبرني الوليد، أنا زيد بن ذعلبة البهراني، أن معاوية بن أبي سفيان شتا في سنة سبع وأربعين مالك بن هبيرة (3) ، ثم غزا في سنة خمسين يزيد بن معاوية (4) . [غزو القسطنطينية في عهد معاوية رضي الله تعالى عنه] [18] محمد بن عائذ، نا الوليد، حدثني إسماعيل بن عياش، عن صفوان ابن عمرو (5) ، قال: غزى غازية السفن إلى القسطنطينية عبد الله بن قيس بالمحرقات (6) . وعن صفوان بن عمرو: أن عبد الله بن قيس لقي في مسيره إلى القسطنطينية بمحرقاته محرقات الروم على الخليج، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزمت محرقات المسلمين محرقات الروم، وجاءوا بالأسارى من الروم فضرب أعناقهم يزيد بن معاوية، والروم تنظر إليهم، قال صفوان: فلذلك يقول زياد ابن قطران الهوزني: يومَ المدينة يومَ ذاتِ النارِ هل أتاك أميرَ المؤمنين مصفُّنا خشناءَ كل عشية وبكار صُبُراً تعادي صفهم بكتيبة تكويمَ قصر مشرف الإجّار جاءوا بشبه الفيل كوُّم صدرُها قعساء قد تعيا على البحّار سوداء بل سحماء غُيِّرَ لونُها شبه الجنون لشارب المصطار (7) فترمدت واجلولذت قترى لنا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 [19] ابن عائذ، نا الوليد بن مسلم، نا إسماعيل بن عياش، عن صفوان ابن عمرو، عن الفرج بن يحمد، عن بعض أشياخه، قال: كنا مع سفيان بن عوف الغامدي (1) شاتين بأرض الروم، فلما صفنا، دعا سفيان الخيول، فاختار ثلاثة آلاف، فأغار بنا على باب الذهب، حتى فزع أهل القسطنطينية، وضربوا بنواقيسهم، ثم لقونا، فقالوا: ما شأنكم يا معشر العرب، وما جاء بكم؟ قلنا: جئنا لنخرب مدينة الكفر، ويخربها الله على أيدينا، فقالوا: ما ندري أخطأتم الحساب، أم كذب الكتاب، أم استعجلتم القدر! والله إنا لنعلم أنها ستفتح يوماً، ولكنا لا نرى هذا زمانها (2) . [20] ابن عائذ، نا الوليد، نا عبد الله بن لهيعة (3) ، والليث بن سعد (4) ، عن يزيد (5) ، عن أبي عمران التجيبي (6) ، قال: غزونا القسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهني (7) ، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد (8) . [21] ابن عائذ، قال الوليد بن مسلم: ثنا أبو داود (9) ، عن يونس ابن الحارث الثقفي (10) ، قال: سمعت مشرساً (11) يحدث، عن أبيه، قال: بينا نحن وقوف على القسطنطينية إذ هتف أبو شيبة؛ فقال: يا أيها الناس، فأقبلت إليه ومعي ناس كثير، فإذا نحن برجل متقنع على دابته، وهو يقول: يا أيها الناس، من كان يعرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا أبو شيبة الخدري صاحب رسول الله (، سمعت رسول الله (يقول: من شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً، وجبت له الجنة. ومات فدفناه مكانه (12) . [22] محمد بن عايذ، نا الوليد، ابن لهيعة، عن يزيد يعني ابن أبي حبيب، عن أبي عمران التجيبي، قال: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى غزا القسطنطينية وتوفي بها فدفن بها (13) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 [23] ابن عائد، نا الوليد، نا إبراهيم بن محمد، عن الأعمش (1) ، عن أبي ظبيان (2) ، قال: أوصى أبو أيوب أن يدفن إلى جانب القسطنطينية، فناهضنا المدينة حتى دنونا منها، ثم دفناه حتى أقدامنا. قال ونا الوليد، نا غير واحد، منهم أبو سعيد المعيطي (3) : أن أهل القسطنطينية قالوا ليزيد ومن معه: ما هذا؟! ننبشه غدا، قال يزيد: ذا صاحب نبينا، أوصى بهذا لئلا يكون أحد من المجاهدين ومن مات في سبيل الله أقرب إليكم منه، لئن فعلتم لأنزلن كل جيش بأرض العرب،ولأهدمن كل كنيسة، قالوا: إنما أردنا أن نعرف مكانه منكم، لنكرمنه لصحبته ومكانه، قال: فبنوا عليه قبة بيضاء، وأسرجوا عليه قنديلاً، قال أبو سعيد: وأنا دخلت عليه القبة في سنة مائة، ورأيت قنديلها، فعرفنا أنه لم يزل يسرج حتى نزلنا بهم (4) . [24] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: قال سعيد بن عبد العزيز: أغزا معاوية الناس الصوائف وشتاهم بأرض الروم ست عشرة صائفة بها، وشتوا، ثم يقفل، ويدخل معقبتها، ثم اغترهم، فأغزاهم يزيد ابنه في جماعة من أصحاب رسول الله في البر والبحر، حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهلها على بابها، وقفل. قالوا فلم يزل معاوية على ذلك حتى مضى لسبيله (5) . [25] محمد بن عائذ، قال: نا الوليد بن مسلم، نا زيد بن ذعلبة البهراني، أن يزيد بن معاوية استخلف ابن مكرز على شاتيته سنة خمسين؛ يعني حين انصرف من غزو القسطنطينية في عهد أبيه معاوية (6) . [26] أبو عبد الله محمد بن عائذ، أنا الوليد، نا سعيد بن عبد العزيز، أن أبا مسلم الخولاني (7) كان ممن شتى مع بسر بن أبي أرطأة، فأدركه أجله بها، فأتاه بسر في مرضه، فقال له أبو مسلم: اعقد لي على من مات معك من المسلمين في هذه الغزاة؛ فإني أرجو أن آتي بهم يوم القيامة على لوائهم. قال: ونا ابن عائذ، حدثني عبد الأعلى بن مسهر، عن سعيد بن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 عبد العزيز، أن أبا مسلم الخولاني قال لبسر بن أبي أرطأة – وقد حضرته الوفاة بأرض الروم -: اعقد لي على من مات ها هنا، قال: رجاء أن يبعث عليهم. قال: ونا ابن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: وقد أخبرني صاحب لنا يقال له أحمد بن الحسن، أنه بلغه أن معاوية بن أبي سفيان شتى بسر بن أبي أرطأة سنة إحدى وخمسين (1) . [27] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: قال زيد: وفي سنة إحدى وخمسين غزا فضالة بن عبيد الأنصاري الشاتية (2) . [28] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، أخبرني صاحب لنا يقال له: أحمد بن الحسن، أنه بلغه أن معاوية بن أبي سفيان شتى عبد الرحمن بن أم الحكم سنة اثنتين وخمسين بأرض الروم (3) . [29] ابن عائذ، قال: قال الوليد: فأخبرني من سمع إسماعيل بن عبيد ابن نفيع أن معاوية أغزى عبد الرحمن ابن أم الحكم أرض الروم، وكان فيها، ووفّد ابن هرقل خصياً له يريد معاوية على الصلح، على أن تجعل له ضواحي أرض الروم، على أن يكف الجنود ولا يغزيهم، فأجابه معاوية إلى ذلك، فأرسل معه اثني عشر رجلاً من حرسه، نفيع أبو إسماعيل أحدهم، فانطلقوا مع الخصي حتى أتوا عبد الرحمن بكتاب معاوية برأيه، فخلى سبيل من كان معه من السبي، ونفذ رسل معاوية إلى ابن هرقل، فلما دخلوا عليه، وقرأ كتابه، جعل ينفخ، ويقول: اضطر معاوية، أرسلت إليه لا رجل ولا امرأة! أناأعطيه ضواحي الروم بخدعة! أنااعطيه ضواحي الروم! وقتل تسعة من الرسل، واستبقى نفيعاً وابنه، فحبسهم في سجنه، وبلغ معاوية الخبر، فأمر عبد الرحمن بالمقام بأرض الروم (4) . [30] قال: ونا ابن عائذ، قال: فأخبرني الوليد بن مسلم، عن زيد بن ذعلبة، قال: ثم شتا محمد بن عبد الله سنة ثلاث وخمسين (5) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 [31] ابن عائذ، أخبرني إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن يزيد (1) ، عن زيد بن أبي أنيسة (2) ، عن عقبة بن رافع، قال: غزوت مع عمي الصائفة، وعلينا معن بن يزيد الخفافي (3) - من أصحاب النبي [ (]-، فنزل منزلاً حتى أشفينا على أرض العدو، فقام في الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، فقال: يا أيها الناس إنا لا نريد أن نقسم الغُنْم والعلف وأشباه ذلك، فخذوا منه ما أحببتم فقد أحللناكم منه (4) . [32] قال: ونا ابن عائذ، نا الوليد، قال: قال زيد بن دعكنة: ثم شتا سفيان بن عوف سنة أربع وخمسين، قال: ونا ابن عائذ، قال: وحدثني عبد الأعلى، عن سعيد بن عبد العزيز: أن سفيان بن عوف، أو مالك بن عبد الله، شك سعيد، كان يركب الثقل وهو أمير الصائفة (5) . [33] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: وقد بلغنا أن سفيان؛ يعني ابن عوف، هلك، واستخلف عبد الرحمن بن مسعود (6) ، يعني على الصائفة، قال أبو عبد الله ابن عائذ: فسمعت غير الوليد ينشد هذه الأبيات: أقمْ يا ابنَ مسعود قناةً صَليبة كما كان سفيان بن عوف يقيمها وسُمْ يا ابنَ مسعود مدائنَ قيصر كما كان سفيان بن عوف يسومها وسفيان قَرْمٌ من قروم قبيلة تُضيمُ وما في الناس حيّ يُضيمها قال: وأنا ابن عائذ، قال: فحدثني الوليد بن مسلم، عن زيد بن ذعبلة البهراني، أن ابن مسعود شتا سنة خمس وخمسين (7) . [34] قال ابن عائذ: فسمعت عبد الأعلى يحدث؛ قال: غضب معاوية على ابن مسعود في شيء، فقال له: هلا فعلت كما فعل سفيان بن عوف، فقال: يا أمير المؤمنين، وأين أنا من سفيان بن عوف، قال: عفونا عنك؛ بمعرفتك فضل سفيان، وقد قيل: إن المستخلَف عبد الله بن مسعود؛ المعروف بابن مسعدة، أخا عبد الرحمن (8) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 [35] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: أخبرني إسماعيل، وغيره، أنه كان في كتاب معاوية إلى عبد الله بن قرط (1) ؛ بلغني كتابك في مواضع رايات الأجناد المعلومة، فهي على مواضعها الأولى، فإذا حضر أهل الشام جميعاً، فأهل دمشق وحمص ميمنة الإمام (2) . [36] قال ابن عائذ، قال: كان معاوية ولاه [أي عبدَ الله بن قرط] حمص، فحدثني سليمان بن عبد الحميد البهراني، قال: سمعت يوسف بن الحجاج (3) ، يقول: سمعت جنادة بن مروان يقول: عن أشياخه، أن عبد الله بن قرط - وهو وال على حمص - خرج يحرس ليلة على شاطئ البحر، فلقيه ماثور الروم فقتله عند الموضع، الذي يسمى برج ابن قرط - وهو فيما بين بانياس ومَرَقيّة - (4) . قال: وسمعت سليمان البهراني يقول: سمعت العلاء بن يزيد الثمالي يقول: سمعت أشياخنا من وأهل بيت يحدثون [كذا] : أن عبد الله بن قرط خرج يعسُّ - وهو وال على حمص - على شاطئ الساحل، فنام على فرسه لم يشعر حتى أخذته الروم فقتلته في هذا الموضع، يعني عند برج ابن قرط (5) . [37] ابن عائذ، ثنا الوليد، حدثني يعني ابن علاف (6) ، عن يزيد بن عبيدة، قال: وفي سنة سبع وخمسين شتى يزيد بن شجرة أرض الروم (7) . [38] محمد بن عائذ، حدثني الوليد، عن زيد بن ذعلبة البهراني، قال: ولي مالك بن عبد الله سنة سبع وخمسين. وحدثني غير زيد أن مالك بن عبد الله الخثعمي (8) شتى بالناس بأرض الروم سنة ست وخمسين بأرض الروم [كذا] . [39] ابن عائذ، قال الوليد: حدثني منير بن الزبير (9) ، عن عبادة بن مكي (10) ، أن مالكاً ولي الصوائف حتى سماه المسلمون مالك الصوائف. قال: ونا الوليد بن مسلم، حدثني ابن جابر، أن مالك بن عبد الله كان يلي الصوائف حتى عرفته الروم بذلك (11) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 [40] قال بقي: وكتب إلي بكار بن عبد الله، عن محمد بن عائذ، قال: حدثني الوليد، قال: حدثني غير يزيد، قال: وفي سنة ثمان وخمسين شتى عمرو بن مرة (1) البذبذون (2) ، وأغار الحصين بن نمير على صائفة الروم (3) . [41] قال: وكتب إلي بكار بن عبد الله، عن محمد بن عائذ، عن الوليد، عن رجل، قال: وفي سنة تسع وخمسين شتى جنادة بن أبي أمية بأرض الروم (4) . [42] ابن عائذ، نبأنا الوليد، حدثنا ابن لهيعة، عن مسلم بن زياد (5) ، عن سفيان بن سليم، أنه أخبره عن جنادة بن أبي أمية الأزدي (6) ، أن معاوية كتب إليه يأمره بالغارة على جزيرة البحر بمن معه، وذلك في الشتاء بعد إغلاق البحر، فقال جنادة: اللهم إن الطاعة علي وعلى هذا البحر، اللهم أنا أسألك أن تسكنه، وتسيرنا فيه، فزعموا أنه ما أصيب فيه أحد انتهى (7) . [43] ابن عائذ، قال: قال محمد بن شعيب (8) : نا نصر بن حبيب السلامي (9) ، قال: كتب معاوية إلى مالك بن عبد الله الخثعمي، وعبد الله ابن قيس الفزاري (10) ؛ يصطفيان له من الخمس، فأما عبد الله فأنفذ كتابه، وأما مالك فلم ينفذه، فلما قدما على معاوية بدأه في الإذن وفضله في الجائزة، وقال له عبد الله: أنفذتُ كتابَك ولم ينفذه، وبدأتَه في الإذن وفضلته في الجائزة، فقال: إن مالكاً عصاني وأطاع الله، وإنك عصيت الله وأطعتني، فلما دخل عليه مالك، قال: ما منعك أن تنفذ كتابي؟ قال: ما كان أقبح بك وبي أن نكون في زاوية من زوايا جهنم؛ تلعنني وألعنك، وتلومني وألومك، وتقول لي: هذا عملك، وأقول: هذا عملك (11) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 [44] ابن عائذ، نا إسماعيل بن عياش، عن عطية بن قيس (1) ، عن بعض من كان يلزم مالك بن عبد الله الخثعمي بأرض الروم، قال: أيقنته؛ فما وجدت منه ريحَ طيب في شيء من أرض الروم، حتى أجاز الدرب قافلاً، فذكرت ذلك له، قال مالك: وحفظتَ مني؟ قال: نعم، قال: ما كان يسوغ لي أنا أتطيب، لما يهمني من أمر رعيتي حتى سلمهم الله، فلما سلمهم الله وأمنت، تطيبت (2) . [45] ابن عائذ، نا عبد الأعلى بن مسهر، عن عقبة (3) ، عن الأوزاعي (4) ، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني (5) ، عن أبيه، قال: غزونا مع مالك؛ فحاصرنا حصناً ففتحه الله، وأصيب رجل من المسلمين، فجعل الناس يهنؤونه، وهو يقول: يا ليت الرجل لم يقتل، ويا ليت الحصن لم يفتح، وكان صائماً لم يفطر، وأصبح صائماً والناس يعزونه، وهو يقول: يا ليت الرجل لم يقتل ويا ليت الحصن لم يفتح (6) . [46] ابن عائذ، نا إسماعيل بن عياش، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس، عن مالك بن عبد الله، أنه كان معه يغزو، فإذا هو بشجرة الفاكهة، فضرب بسوطه، ثم قال:.. الفاكهة، ولا تقطعوا شجراً مثمراً؛ فإنه لكم منفعة في غزوكم قابل (7) . [47] ابن عائذ، سمعت محمد بن شعيب يحدث؛ أن مولى لمالك بن عبد الله دخل الحمام معه، وأنه نظر إلى كتاب في فخذ مالك؛ (مالك عدة لله) ، قال: فلما رآني أجمح نحوه، قال: ما تنظره، والله ما كتبه بشر (8) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 [48] وكتب إلي بكار بن عبد الله، عن محمد بن عائذ، قال: وحدثنا غير الوليد بأمراء معاوية على الصوائف، فكتبت ذلك على ما سمعت … من ذلك؛ ما حدثنا إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن سعيد بن حنظلة (1) ، أن معاوية بن أبي سفيان أمّر عمرو بن معاوية العقيلي (2) على الصائفة، فلما قدم سأله عما بلغ الخمس، فأخبره، فقال: أين هو؟ قال عمرو: تسألني عن الخمس - وأرى رجلاً من المهاجرين يمشي على قدميه لا أحمله - فقال معاوية: لا جرم، لا تنالها ما بقيت، قال: إذاً لا أبالي، وأنشأ يقول: وأتركُ أصحابي فما ذاك بالعدل تُهادي قريشٌ في دمشق غنيمتي ولا أبتغي طولَ الإمارة بالبخل ولستُ أميراً أجمعُ المال تاجراً فلستُ على مالي بمستغلق قفلي (3) فإن يمسك الشيخ الدمشقي مالَه [49] قال محمد بن عائذ، وحدثني إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن أبي حِسبة: أن عمرو بن معاوية العقيلي كان وهو على الجيش ينزل فيواسي أصحابه بسوق السبي والجزور والرمك (4) ، مشمراً عن ساقيه (5) . [50] قال محمد، وحدثني مروان بن محمد، عن رشدين بن سعد (6) ، عن الحسن بن ثوبان (7) ، عن يزيد (8) : أنه كان على أهل الشام منقلبه عبد الله بن قيس الفزاري، وعلى أهل مصر عوام اليحصبي، وعلى أهل المدينة عبد العزيز بن مروان، وعوام على الجماعة (9) . [51] قال محمد، وحدثني مروان بن محمد، عن رشدين بن سعد، عن الحسن بن ثوبان، قال: قال يزيد: ففتح عبد الله بن قيس الفزاري منقبة في خلافة معاوية، فكانت غنائمهم يومئذ مائة دينار وأوقية تبر وقمقم صفر (10) ، قال: فلم أسأل مروان عن هؤلاء الأمراء الذين ذكر في الحديث الأول، أفي هذه الغزاة كانوا جميعاً، أم كانت هذه غزاة قبلهم؟ (11) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 [52] قال محمد، وحدثني الوليد بن مسلم، قال: كان آخر ما أوصاهم به معاوية أن شدوا خناق الروم، فإنكم تضبطون بذلك غيرهم من الأمم. قال الوليد: مات معاوية في رجب سنة ستين، وكانت خلافته تسع عشر سنة ونصف سنة. قال محمد: وحدثني الواقدي؛ أن معاوية مات وهو ابن ثمان وسبعين (1) . [53] قال محمد: قال الوليد بن مسلم: ولي يزيد بن معاوية، فغزا في ذلك العام مالكُ سورية (2) . [54] ابن عائذ، نا الوليد بن مسلم، نا يحيى بن حمزة (3) : أن يزيد بن معاوية أغزى يزيد بن أسد (4) أرض الروم،ففتح قيسارية أرض الروم (5) ، وسبى منها خمسة وأربعين ألفاً (6) . [55] وكتب إلي بكار بن عبد الله، عن محمد بن عائذ، عن الوليد بن مسلم، قال: وفي سنة إحدى وستين كانت غزوة مالك بن عبد الله الصائفة؛ غزوة قونية (7) . [56] كتب إلي بكار، عن محمد بن عائذ، وكان الجوع فترك أهل الشام الغزو سنة ثمان وستين (8) . [57] كتب إلي بكار، عن محمد بن عائذ، قال: تخلف أهل الشام عن الغزو عام الردغة، فأخذ خمس أموالهم من العطاء سنة سبعين (9) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 [58] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وأخبرني غير واحد أن طاغية الروم لما رأى ما صنع الله للمسلمين منعة مدائن الساحل [كذا] ، كاتب أنباط جبل لبنان واللكام، فخرجوا جراجمة فعسكروا بالجبل، ووجه طاغية الروم فلقط البطريق في جماعة من الروم في البحر، فسار بهم حتى أرساهم بوجه الحجر، وخرج بمن معه حتى علا بهم على جبل لبنان، وبث قواده في أقصى الجبل حتى بلغ أنطاكية وغيرها من الجبل الأسود، فأعظم ذلك المسلمون بالساحل حتى لم يكن أحد يقدر يخرج في ناحية من رحا ولا غيرها إلا بالسلاح. قال الوليد: فأخبرنا غير واحد من شيوخنا أن الجراجمة (1) غلبت على الجبال كلها من لبنان وسنير (2) ، وجبل الثلج وجبال الجولان، فكانت باسبل مسلحة لنا في الرقاد، وعقربا الجولان مسلحة، حتى جعلوا ينادون عبد الملك بن مروان من جبل دير المران (3) من الليل، حتى بعث إليهم عبد الملك بالأموال ليكفوا، حتى يفرغ لهم، وكان مشغولاً بقتال أهل العراق ومصعب ابن الزبير وغيره. قال: ثم كتب عبد الملك إلى سحيم بن المهاجر في مدينة أطرابلس يتوعده، ويأمره بالخروج إليهم، فلم يزل سحيم ينتظر الفرصة منهم، ويسأل عن خبرهم وأمورهم حتى بلغه أن (فلقط) في جماعة من أصحابه، في قرية من قرى الجبل، فخرج سحيم في عشرين رجلاً من جلداء أصحابه، وقد تهيأ بهيئة الروم؛ في لباسه وهيئته وشعره وسلاحه متشبهاً ببطريق من بطارقة الروم قد بعثه ملك الروم إلى جبل اللكام في جماعة من الروم، فغلب على ما هنالك، فلما دنا من القرية خلف أصحابه، وقال انتظروني إلى مطلع كوكب الصبح، فدخل على فلقط وأصحابه وهم في كنيسة يأكلون ويشربون، فمضى إلى مقدم الكنيسة فصنع ما يصنعه النصارى؛ من الصلاة والقول عند دخول كنائسها، ثم جلس إلى فلقط، فقال له: من أنت؟ فانتمى إلى الرجل الذي يتشبه به، فصدقه، وقال له: إني إنما جئتك لما بلغني من جهاز سحيم وما اجتمع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 به من الخروج إليك لأخبرك به، وأكفيك أمره إن أتاك، ثم تناول من طعامهم، ثم قال لفلقط وأصحابه: إنكم لم تأتوا ها هنا للطعام والشراب، ثم قال لفلقط: ابعث معي عشرة من هؤلاء من أهل النجدة والبأس حتى نحرسك الليلة، فإني لست آمن أن يأتيك ليلاً، فبعث معه عشرة، وأمرهم بطاعته، فخرج بهم إلى أقصى القرية، وقام بهم على الطريق الذي يتخوفون أن يدخل عليهم منه، فأقام حارساً منهم، وأمر أصحابه فناموا، وأمر الحارس إذا هو أراد النوم أن يوقظ حارساً منهم وينام هو، فحرس الأول، ثم أقام الثاني، ثم قام سحيم الثالث، ثم قال: أنا أحرس فنم، فلما استثقل نوماً قتلهم بذبابة سيفه رجلاً، رجلاً، فاضطرب التاسع، فأصاب العاشر برجله فوثب إلى سحيم، فاتحدا، وصرعه الرومي، وجلس على صدره، واستخرج سحيم سكيناً في خفة فقتله بها، ثم أتى الكنيسة، فقتل فلقط وأصحابه رجلاً، رجلاً، ثم خرج إلى أصحابه العشرين، فجاء بهم فأراهم قتله من قتل من الحرس، وفلقط، ومن في الكنيسة، ووضعوا سيوفهم فيمن بقي، فنذر بهم من بقي منهم، وخرجوا هراباً حتى أتوا سفنهم بوجه الحجر، فركبوها، ولحقوا بأرض الروم، ورجع أنباط جبل لبنان إلى قراهم (1) [59] محمد بن عائذ، قال: وفي سنة ست وسبعين غزا عمرو بن محرز الأشجعي (2) على الصائفة ففتح هرقلة (3) . [60] محمد بن عائذ، حدثنا الوليد بن مسلم، قال: وفي سنة سبع وسبعين غزا الوليد بن عبد الملك وحضر فتح صملة (4) . [61] ابن عائذ، قال: وفي سنة ثمان وسبعين غزا يحيى بن الحكم مرج الشحم (5) . [62] محمد بن عائذ، قال: وفي سنة إحدى وثمانين غزا عبيد الله بن مروان وفتح حصن سنان، وأصيبت الروم (6) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 [63] ابن عائذ، قال: وفي سنة ثلاث وسبعين كانت غزوة محمد بن مروان (1) سبيسطة فواقع الروم فهزمهم. وفي سنة أربع وسبعين غزا محمد ابن مروان أندرلية (2) . وفي سنة خمس وسبعين غزا محمد بن مروان الصائفة (3) . وفي سنة ثلاث وأربع وثمانين غزا عبد الله بن عبد الملك (4) الصائفة، وغزا محمد بن مروان فواقع الروم وأهل أرمينية، فهزمهم الله. وفي سنة خمس وثمانين غزا محمد بن مروان أرمينية فسار فيها وتطرف. وفي سنة ست وثمانين غزا محمد بن مروان الشاتية، فأصيب الناس بالمصيصة. وفي سنة سبع وثمانين غزا محمد بن مروان أرمينية (5) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 [64] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: فأخبرني الليث - يعني الفارسي - (1) وغيره من أهل مدينة أطرابلس: أن الروم هربت من جبل لبنان، ثم لم تخرج في البحر في زمان عبد الملك، حتى خرجت في سفنها إلى مدينة أطرابلس؛ خرجت في سفن كثيرة، حتى خرجت على وجه الحجر، فجعلت على عقبة وجه الحجر (2) خمسين سفينة، وأمرهم أن يأخذوا بالعقبة، فيمنعوا الغوث والمدد، أن يجيروهم، وجعلوا بينهم وبين فتحهم مدينة أطرابلس، والقفول إذا رأوا النار ظاهرة في مدينة أطرابلس، أقبلوا إليهم، ليقفلوا جميعاً، ومضى صاحبهم بجماعة سفنه حتى أتى أطرابلس، ووافى كل أهلها غزاة في البحر ليس فيها إلا نفر يسير، وفيهم سحيم بن المهاجر، وليس بوال عليها، ففزع إليه الوالي، فأمر منادياً، لا يظهرن أحد منكم على الحائط فيرهبكم كثرتهم، وتجرؤهم عليكم قبلتكم، والصلاة جامعة، فاجتمعوا في المسجد، فأمرهم فعدوا مقاتلتهم فوجدوهم خمسين ومائة مقاتل، سوى أهل السوق وضعفة الناس، وأمر ببروجها وما بين كل برجين من الشرفات فحسب، ثم فرق من فيها على كل برج بحصته وعدة من يكون بين كل برجين، ومن يقوم على باب الميناء، ومن يكون على بابها في البحر، فاستقل عدة المقاتلة، فأمر بألوان الثياب فأتي بها، فألبس جماعة فشحن البرج وما بينه وبين الآخر من الشرفات، فلبسوا ألوانا من الثياب، وعقد لرجل منهم، وأمرهم أن يذهب بهم جميعاً حتى يظهر على برج ويقيمهم على الشرفات، فإذا رأوهم، وعلموا أنهم قد شحنوا ذلك البرج بالرجال قاموا ملياً، ثم يثبت عدة منهم قياماً، ويحبس البقية فيرجعوا اليه، فشحن البرج الثاني لوناً آخر من الثياب جماعة، وعقد لرجل منهم، وأمره فصنع مثل ما صنع أهل البرج الأول، حتى شد بروجه رأي العين، فاستقصد من استقصد للباب والميناء، ونزلت الروم فيما بين الميناء الى النهر، نحواً من ثلاثة أميال، ثم أقبلت إلى ما يلي من البر، ووجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 المقابل فحفروا خندقاً لهم، وبنوا دون الخندق حائطاً يسترهم من النشاب والمجانيق، فقاموا خلفه، ودنت طائفة بالدبابات حتى لصقوا ببرجها الشرقي، فنقبوا وغلقوه، فوافى نقبهم دواميس من عمل الروم تحت المدينة يدخل بعضها الى بعض لا منفذ لها الى المدينة، فتحيروا فتركوه، وأقبل عبد الرحمن بن سليم الكلبي (1) من بيروت، وكان والياً على جماعة ساحل دمشق، بالخيول مغيثاً فوافى الذين على العقبة، فمنعوه من الإجازة، وأقبل أهل حمص في ستة آلاف، عليهم الصقر بن صفوان، حتى نزلوا مرج السلسلة، ووافى جماعة من الروم على عقبة السلسلة، وخرجت طائفة من الروم إلى كنيسة أطرابلس إلى خارج منها، ليصلوا فيها، فمروا بكنيسة اليهود، فحرقوها، فلما رأى ذلك الذي على عقبة وجه الحجر من النار أقبلوا على أصحابهم، وخلوا العقبة، حتى اتوا أصحابهم، وقد أسروا أهل المدينة بطريقاً يناسب طاغيتهم فهو في أيديهم، فأعظموا ذلك، وبعث عبد الرحمن الكلبي حين اجتاز العقبة سعيد الحرشي (2) وكان ديوانه يومئذ بدمشق إلى أهل أطرابلس يعلمهم مجيئهم، فأشرف على نشز من الأرض، فرآه أهل المدينة، فأومأ إليهم بفتح باب المدينة، وشد على صف الروم فخرقه، ودخل المدينة، فبشرهم بعبد الرحمن بن سليم ومن معه، وبعث الروم إلى عبد الرحمن ألا نجيزك إلى المدينة، على ان ترد إلينا صاحبنا، ونرحل عنك، قال: ففعل، على أن لا يغيروا على شيء من أرض المسلمين في عامهم هذا، فرحلوا ومضوا (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 [65] وثنا ابن عائذ، أنبأنا الوليد، قال: وأنبأنا غير واحد من مشيختنا: أن محمد بن مروان لم يزل والياً لعبد الملك على الجزيرة وأرمينية، يقاتل خوارج الجزيرة، وأهل جبال أرمينية وخزر ومن يليهم من تلك الأمم، حتى توفي عبد الملك، وولى ابنه الوليد بن عبد الملك الخلافة، فدعا إلى عزل محمد بن مروان والولاية إلى عمله من الجزيرة وأرمينية، فلم يقدم عليه أحد منهم، فأجابه إلى ذلك مسلمة بن عبد الملك، فسار إليها، وغزا كل من كان بالباب من الأتراك، فحاصرهم ورماهم بالمنجنيق، حتى فتحها الله، فأخرج أهلها، وثلم حائطها (1) . [فتح حصن الطوانة] (2) [66] محمد بن عائذ، قال: وأخبرني الوليد، قال: وحدثني من أصدق حديثه من مشيخة قريش: أنه بلغه أن الوليد بن عبد الملك لما عزم على غزو الطوانة،كاتب طاغية الروم بكتب أمر صاحب أرمينية أن يكتب بها إليه؛ مما اجتمعت به خزر من غزوة وقلة من معه وكثرة من يتخوفه من خزر ومن تأشب إليهم من ملوك جبال أرمينية ومن فيها من الأمم المخالفة للإسلام، ففعل ذلك صاحب أرمينية، وتابع كتبه، وقطع الوليد البعث على أهل الشام إلى أرمينية، وأكثفه، وجهزه، وقواه، واستعمل عليه مسلمة بن عبد الملك، وأعانه بالعباس بن الوليد (3) ، حتى يبلغ من جهازهم ما يريد، ثم سيرهم إلى الجزيرة، ثم أعطفهم إلى أرض الروم، ثم أمرهم بالنزول على الطوانة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 قال: ونا الوليد، قال: فأخبرني غير واحد ممن أدرك تلك الغزاة: أن الشتاء أكب على مسلمة ومن معه من المسلمين، حتى نفق عامة الظهر، وعرض لكثير منهم البطن، وتهتكت الأبنية من الجليد والثلج، فحفر المسلمون لأنفسهم الأسراب؛ يبيتون فيها ليلاً، ويظهرون نهاراً، حتى دعا ذلك أهل الطوانة الكتاب إلى طاغيتهم؛ يخبرونه بحالهم، وأنهم ينتظرون مادة وميرة تأتيهم، فإن كانت لك بنا حاجة فالآن، قبل أن يأتيهم المدد والميرة. قالوا: وكادوا المسلمين عند كتابهم، والبعثة به؛ بإخراج كلابهم ليلاً، فأخرجوا منها عدة كثيرة، وأخرجوا رجلين قد ألبسوهما جلود الكلاب بحيوان معهما، حتى نفذ أو سقط كتاب أحدهما، وأتى به مسلمة، ومضى رسولاهما إلى الطاغية، فخرج معيناً لهم نحو من مائة ألف، بالعدد والقوة والحبال والجوامع وبالعجل تحمل الأسواق والطعام، فبلغ مسلمة فأحضر كل فارس بقي فرسه وولى عليهم العباس بن الوليد، وأمره بمواجهتهم إذا هم قدموا، وثبت هو على دابته مع رجال العسكر وجماعتهم، مما يلي باب الطوانة. قال: وتقدم مقدمة الطاغية بحجرته ليضربوها ويعسكر بجنوده حولها، فهم عباس بالشدة على مقدمتهم، فقال مسلمة: لا تفعل حتى يتّاموا، فإذا انهزموا لم يكن لهم باقية، ولا فئة تلجأ منهزمتهم إليها، فقال العباس: تتركهم حتى تصير منهم ومن أهل الطوانة كالجالس بين لحيي الأسد، ثم بين عسكرين!! فحمل عليهم بمن معه من جنود المسلمين وفرسانهم، فقال مسلمة: اللهم إنه عصاني وأطاعك فانصره، فمضى عباس، وهزمهم الله، وولوا يقصف بعضهم بعضاً، حتى دفعوا إلى طاغية الروم وجماعة من جمعه، فثبت، ولجأت إليهم المنهزمة، فاقتتلوا قتالاً شديداً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 قال: أخبرني الوليد بن مسلم، عن عبد الله بن المبارك: أنه أخبره، عن بعض مشايخ أهل الشام: أن عباساً لما استأخر عنه النصر، ورأى من ثبات الروم ما رأى، قال: يا ابن محيريز (1) ، أين الذين كانوا يلتمسون الشهادة؟ نادهم يأتوك، قال: يا أهل القرآن، يا أهل القرآن، فأتوه سراعاً، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وهزم الله الطاغية وجماعة من كان معه. قال: ونا الوليد، قال: فأخبرني شيخ من الجند، عن شيخ من آل مسلمة شهد ذلك: أن العباس استأذن مسلمة أن يشد عليهم بجنده من أهل حمص ومن انتدب معه، فكان من هزيمتهم ما كان، ومضى العباس في طلبهم، حتى لقي الطاغية معه البطارقة وأبناء ملوكهم، وهو يسير في قباب الريحان، يجرها العجل، فشد عليهم، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وقتل جماعة من المسلمين؛ منهم: أبو الأبيض العنسي (2) ، ثم إن الله هزمهم، وقتل منهم بضعة وثلاثين ألفاً وأسر أبناء الملوك والبطارقة، فأقبل بهم حتى أتى بهم مسلمة وجماعة المسلمين، فأوقفوهم على أهل الطوانة بعد ذلك، ففتّ في أعضادهم، وكان سبب فتحها، لانسلاخ ثمان وثمانين. فبلغ سهام المسلمين مائة دينار مائة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 قال: وأخبرني الوليد، قال: فأخبرني من شهد ذلك من المشيخة، أو من أخبره من شهدها: أن الذين ثبتوا مع مسلمة لما أبطأ عليهم خبر العباس جعلوا يلتفتون إلى ناحية الدرب، فقال لهم مسلمة: ها هنا ارفعوا إلى الله، فمنه يأتي النصر والمدد، قالوا: فانطلق عباس ومن معه من المسلمين يقتلونهم، حتى أدركوا جماعة، وقد لجأت إلى كنيسة عظيمة، فغلقت عليها بابها، وامتنعت، وبات عباس عليها ومسلمة وأهل العسكر قد رأوا ما كان من هزيمتهم، ولا يدرون ما صنع العباس ومن معه، فباتوا في هم من ذلك، حتى أصبحوا، ففتح الله على العباس الكنيسة عنوة، وقفل عباس بالخيول، فلما رأى أهل الطوانة صنع الله، وفتحه للمسلمين، بعث بطريقها إلى مسلمة قد رأينا فتح الله لكم، ونحن نخيركم بين أن تخلوا سبيلي وسبيل ثلاثمائة بطريق بأهالينا وأولادنا، ونفتح لكم المدينة بمن فيها، وبين أن نسايركم، فإن عندنا من الطعام والإدام ما يكفينا سنة، وإلى سنة قد كانت لنا حال، فأجابه إلى ذلك، وصالحه عليه، وفتح له المدينة، وخلا سبيله وسبيل بطارقته ثلاثمائة، ووجد فيها ستين ألف نفس بين صغير وكبير. قال الوليد: وقدم رباح الغساني بالمدد والميرة، وقد فتح الله على المسلمين (1) . [67] ابن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: لما تأخر من تعجيل الوليد ابن عبد الملك بالمدد والميرة عليهم، يعني جيشه الذي بعثه مع مسلمة لفتح الطوانة حتى أباح عليهم النساء؛ فإنه قطع.. وجهز خيلاً وإبلاً بغالاً وحميراً بالميرة وولى على الدخول به أحد بني شريك قرة من أهل قنسرين، فسار حتى بلغ ما منعه من المضي من الثلج، فكتب إلى الوليد يخبره بذلك، وأن الدرب قد انغلق فلم يجد فيه منفذاً، فعزله الوليد، واستعمل رياح الغساني، وأمره أن يلبس الثلج بالجواميس والبقر طالي فيها حتى يأتيهم [كذا] ، أو يهلك فمضى ثم فعل ذلك (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 [68] قال محمد بن عائذ: أخبرنا الوليد بن مسلم، حدثني إسماعيل بن عياش: أن رجلاً من الجيش أتى أبا الأبيض العبسي بدابق قبل نزولهم على الطوانة، فقال رأيت في يدك قناة فيها سنان يضئ لأهل العسكر كضوء كوكب، فقال: إن صدقت رؤياك إنها للشهادة، قال: فاستشهد في قتال أهل الطوانة. قال ابن عائذ: فحدثني محمد بن يحيى الثقفي: أن أبا الأبيض قال هذه الأبيات: ألا ليت شعري هل يقولن قائل وقد حان منهم عند ذاك قفول تركنا ولم نُجْنِنْ من الطير لحمَه أبا الأبيض العبسي وهو قتيل فَعُرِّيَ أفراسي ورنَّت حليلتي كأن لم تكن بالأمس ذاتَ حليل وذي أمل يرجو تراثي وإنَّ ما يصير له منه غدا لقليل وما لي تراث غيرُ درع حصينة وأجردُ من ماء الحديد صقيل وقيل: إن أبا الأبيض خرج مع العباس بن الوليد في الصائفة، فقال أبو الأبيض: رأيت كأني أتيت بتمر وزبد فأكلته، ثم دخلت الجنة، فقال العباس: نعجل لك الزبد والتمر، والله لك بالجنة، فدعا له بتمر وزبد، ثم لقي أبو الأبيض العدو، فقاتل حتى قتل. قال الليث: وفي سنة ثمان وثمانين غزا مسلمة وعباس بن أمير المؤمنين طوانة. قال الوليد بن مسلم: حدثني من أصدق: أن الوليد لما عزم على غزو الطوانة، فذكر القصة قال: وقُتل أبو الأبيض العبسي (1) . [69] وفي سنة تسعين غزا العباس بن الوليد الصائفة. وفي سنة إحدى وتسعين غزا الصائفة العباس، وأصاب للروم سرحاً وعلاقة. وفي سنة اثنتين وتسعين غزا العباس الصائفة. وفي سنة ثلاث وتسعين غزا العباس بن الوليد الصائفة اليسرى، وغزا مروان بن الوليد (2) الصائفة الأخرى. وفي سنة أربع وتسعين غزا العباس بن الوليد الصائفة اليسرى؛ فافتتح هرقلة. وفي سنة خمس وتسعين غزا العباس الصائفة فافتتح حصوناً (3) . [70] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: وفي سنة اثنتين وتسعين افتتح عثمان بن حيان (4) سطبة وما يليها من الحصون (5) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 [71] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وفي سنة أربع وتسعين غزا العباس بن الوليد الصائفة اليسرى، وعمر بن الوليد (1) الصائفة اليمنى، ولم يكن لأهل الجزيرة ذلك العام غزوة (2) . [72] ابن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: بلغني أن أول غازية البحر من المسلمين من الموالي موسى بن نصير (3) ، فوليه غزوات في خلافة معاوية، قال: ثم ولَّى عبد الملك بن مروان ابنَ كيسان؛ مولى جذام، وكان منزله عكا، وبها عقبه، قالوا: فلما ولي الوليد بن عبد الملك ولَّى غازية البحر ثلاثة نفر من الموالي؛ سحيم بن المهاجر (4) ، وأبا خراسان (5) ، وسفيان الفارسي (6) ، قالوا: فلما ولي سليمان بن عبد الملك ولَّى حظي بن أبي كثير الجذامي؛ مولاهم، من أهل حرستا (7) . [73] قال محمد بن عائذ: حدثنا الوليد، قال: حدثني الليث بن تميم الفارسي أن سفن المسلمين كانت متفرقة في ساحل الشام، فكانت طائفة منها باللاذقية بساحل حمص، وعليها سفيان الفارسي، وطائفة منها بأطرابلس ساحل دمشق، أو قال ببيروت، وعليها أخي أبو خراسان الفارسي، وكان أيَّما رجل في كماله وبأسه، قال سليمان بن أبي كريمة: ما رأيت مثله من رجال فارس، فلم يزل الأمر كذلك حتى ولي الأمر عمر بن هبيرة، فعزل سفيانُ الفارسي أبا خراسان وصاحبَ عكا عما كانوا يلون من ذلك، حملهم معه في مركبه لئلا يكون لهم الذكر دونه، وولى عليها رجالا غيرهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 قال الوليد: وأخبرني الليث أن ولاة غازية البحر في زمان الوليد بن عبد الملك؛ سحيم، وأبو خراسان، وسفيان، فكان سفيان الفارسي على سفن حمص بمدينة اللاذقية، وأبو خراسان على سفن دمشق بمدينة طرابلس، وسفن الأردن وفلسطين بعكا، فلما ولي سليمان بن عبد الملك ولَّى على جماعة سفن المسلمين من أهل الشام ومصر وإفريقية ألف سفينة عمرَ بن هبيرة الفزاري، فعزل عمرُ بن هبيرة هؤلاء النفر عن ولايتهم، وولى على ذلك غيرَهم من رجال العرب (1) . [74] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: ولما بويع الوليد غزا مسلمة الصائفة، فافتتح حصن قونس؛ سنة ست وثمانين. وفي سنة سبع وثمانين غزا مسلمة بن عبد الملك الصائفة بمواليه، فأخبرني الوليد، حدثني شيخ من أهل الجند، عن مَنْ شهد الطوانة من آل مسلمة، أن مسلمة كان على جماعة الناس سنة ثمان وثمانين. وفي سنة تسع وثمانين خرج مسلمة الصائفة شهرين (2) . وفي سنة اثنتين وتسعين غزا مسلمة من قبل الجزيرة ففتح ملامسة وبرجمة (3) والحديد. وفي سنة ثلاث وتسعين خرج مسلمة من قبل الجزيرة. قال الوليد: وبويع لسليمان، وفي ذلك العام غزا مسلمة بن عبد الملك الصائفة فافتتح هرقلة وطميم وحصونا ثلاثة معها. وفي سنة سبع وتسعين غزا مسلمة في البر، وغزا ابن هبيرة في البحر، وفتح مسلمة برجمة وسردة وحصوناً ثلاثة معها. قال الوليد: فحدثني بعض المشيخة: أن سليمان بن عبد الملك في سنة ثمان وتسعين نزل بدابق، وكان مسلمة على حصار القسطنطينية (4) . [75] ابن عائذ، قال: فحدثنا الوليد بن مسلم، قال: فحدثني بعض المشيخة أن سليمان بن عبد الملك في سنة ثمان وتسعين نزل بدابق، وأغزا على صائفة الجزيرة عبد الله بن عمر بن الوليد، وداود بن سليمان، فافتتح حصن المرأة، وحصن الأحرب، وكان مسلمة على حصار القسطنطينية في ذلك العام (5) . [غزو القسطنطينية في عهد سليمان] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 [76] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: فحدثني بعض شيوخنا: أن مسلمة بن عبد الملك عقد للبطال على عشرة آلاف من المسلمين فجعلهم سيارة فيما بين عسكر المسلمين وما يليهم من حصون الروم ومن يتخوفون اعتراضه في سير المسلمين وعلاقاتهم، ويخرج المسلمون يتعلفون فيما بينهم وبين العسكر، فيصيبون ويخطئون، فيأمن بهم العسكر وتلك العلافات (1) . [77] ابن عائذ، نا الوليد، قال: وأخبرني غير واحد، قالوا: لما قطع مسلمة (2) الدربَ، وأفضى إلى ضواحي أرض الروم، أتاه كتاب ليون بن قسطنطين - وهو عامل لصاحب القسطنطينية على الضواحي - إلى مسلمة يعلمه ولاية من يلي، وأنه إن أعطاه ما يسأله قدم عليه فناصحه وقواه على فتحها، فقرأ مسلمة كتاب إليون على الأمراء وأهل مشورته، فاجتمع رأيهم جميعاً على إجابته إلى ما سأل، وسكت مسلمة بن حبيب بن مسلمة (3) - وهو أمير جند دمشق - فقال مسلمة بن عبد الملك: أيها الشيخ مالكَ لا تتكلم؟ فقال: إن رسول الله (ذكر الروم، فقال: أصحاب صحر ونحر ومكر، وهذه إحدى مكرهم، فلا تعطه إلا السيف، فتضاحك به أمراء الأجناد، وقالوا: كبر الشيخ، وقالوا: ما عسى أن يكون عند ليون مع هذه الجموع؟! فكتب إليه مسلمة بأمانه على ما سأل، فقدم في اثني عشر ألفاً من أساورته، فكاتبه على مناصحته ومظاهرته على الروم، ودلالته على ما فيه سبب فتح القسطنطينية، على بطرقته وتمليكه على جماعة الروم الذين يؤدون الجزية؛ كبطريق جرزان (4) ، وأرمينية، فكاتبه على ذلك وأشهد عليه، وذكر الحديث في خديعة ليون مسلمةَ، حتى جمع غلال ما حول القسطنطينية وإشارته عليه بالخروج إلى بعض الوجوه، ومكاتبة ليون الروم ليملكوه عليهم ويخلي بينهم وبين حمل الغلال، حتى كان ذلك سبب رحيل مسلمة عن القسطنطينية (5) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 [78] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: وفي سنة سبع وتسعين غزا مسلمة في البر وغزا ابن هبيرة في البحر. قال الوليد: حدثني الليث السامي، قال: غزونا القسطنطينية مع مسلمة سنة سبع وتسعين، وعلى جماعة الناس مسلمة بن عبد الملك، وعلى أهل البحر عمر بن هبيرة الفزاري (1) ، فكنت فيمن غزا مع عمر، فلما هبطنا على المسلمين صفوا لقتال أهل القسطنطينية صفين،لم أر صفين قطُّ أطولَ منهما (2) [79] ابن عائذ، حدثنا الوليد، قال: قال الليث: كنت ممن غزا على اسمه وعطائه بفيء عمر بن هبيرة، إذ ولاه سليمان غازية البحر، رافقت أخي أبا خراسان في مركب، فسار بنا عمر حتى مررنا بأهل مصر، فتبعونا ومضينا حتى أتينا أطرابلس أفريقية، وعلونا أرض الروم حتى إذا حاذتنا القسطنطينية سرنا في بحر الشام حتى دفعنا إلى خليج القسطنطينية، فخرجنا في الخليج على باب القسطنطينية، لنجيز إلى مسلمة ومن معه من المسلمين، وصف مسلمة من معه من المسلمين صفاً لم أر قط أطول منه، مع الكراديس (3) الكثيرة، وجلس ليون طاغية الروم على برج باب القسطنطينية وبروجها، ويصف منهم رجاله فيما بين الحائط والبحر صفاً طويلاً بحذاء صف المسلمين، وأظهرنا السلاح في ألف مركب؛ بين محرقات وقوادس، فيها الخزائن من كسوة مصر وما فيها مما إليه، والمعينات (4) فيها المقاتلة، قال الليث: فما رأيت يوماً قط كان أعجب منه، لما ظهر من عدونا في البر والبحر، وما أظهرنا من السلاح، وما أظهر طاغية الروم على حائط القسطنطينية، وصفهم ذلك والعدة، ونصبوا المجانيق والعرادات، فتكبر المسلمون في البر والبحر، ويظهر الروم قبلها قريا السين [كذا] لكعّ ابن هبيرة وجماعة من معه من السفن عن الإقدام على باب المينا، لما هابته على أنفسها، فلما رأت ذلك الروم، خرج إلينا من باب مينائهم معينات، أو قال محرقات، فمضى مركب منها إلى أدنى من يليه من مراكب المسلمين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 ، فألقى عليه الكلاليب بالسلاسل فاجتره حتى أدخله بأهله القسطنطينية، فأسقط ذلك في أيدينا، وخرجوا إلى مركب ليفعلوا ذلك به، فجعل ابن هبيرة يتجسر، ويقول: ألا رجل! فقام إليه أبو خراسان فقال: هذا أنا رجل، ولكنك صيرتني في المركب معك لبعض من لا غنى عنده، فقال له ابن هبيرة: فمر بما ترى ومر بما تحب، فأشار إلى مركب من الفرس يعرفهم بالشدة والبأس، فقال: ابعثني في قارب أنا وأخي، ومرهم بطاعتي، ففعل، فأمر أبو خراسان لنوتي المركب أن يوجهه إلى ذلك المركب الذي ذهب بالمسلمين، فكع عنه النوتي، فأشار إليه أبو خراسان بالسيف، فمضى به حتى ألصق المركب بمركبهم، ثم سار أبو خراسان حتى أوثقهما بسلسلة، لئلا يفر أحدهما عن صاحبه، قال: فاجتلدنا بأسيافنا فيما بين السفينتين، فرزقنا الله الظفر، فدخلنا سفينتهم، ووضعنا السيف فيهم، فانتهينا إلى قومس السفينة الذي فعل ما فعل، وقد ألقى بيضته، وجثا على ركبتيه شيخ أصلع فضربه صاحب لنا ضربه لم تغن شيئا، وتقدم إليه أبو خراسان فضربه ضربة شق منها هامته حتى نظرت إلى السيف قد أجاز إلى الذقن، إلى الحنجرة وما يليها، واستسلم من بقي منهم فقدناها إلى من يلينا من المسلمين، ورجعنا إلى من كان منهم، فدخلوا الميناء، ووقف أبو خراسان موقفاً حسناً يأمن به من فر منا إلى مسلمة ومن يليه، حتى مروا من آخرهم لم يصب منهم إلا ذلك المركب الأول، حتى انتهينا إلى مسلمة ومن معه، فأخذناهم إلى الخليج إلى السقع الذي على باب القسطنطينية، والبحر أو قال الخليج محيط بها إلا مما يلي برها، فعسكر عليه مسلمة، وكنا في سفننا مرسيين على ساحلها مما يلي العسكر؛ يخرج من سفننا عمر بن هبيرة وغيره إلى مسلمة ومن أردنا من أهل العسكر، ويأتينا أهل العسكر فيدخلون علينا في سفننا (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 [80] محمد بن عائذ، عن الوليد، قال: فحدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: أن مسلمة أرسل البطال (1) ، وأبا زرعة اللخمي، وسمى ابن جابر آخر، إلى ليون - يعني المتملك على الروم - أين ما كنت عاهدت الله عليه من النصيحة لنا وإدخالنا إياها؟ فأذن لهم، فدخلوا عليه، فعرفهم، فقال: لئن ظن مسلمة أني أبيع ملك الروم بالوفاء له لبئس ما ظن، وقد رأيت أن أفي له بما يستقيم؛ أصنع له طعاماً وحماماً، فيدخل هو ومن أحب من أصحابه الحمام، ويصيب الطعام، ثم ينصرف راشداً، فقال: إن هذا لغير كائن، وإنا لنقول: إن الله قد أحاط بكم، ولسنا نبرح دون صغار الجزية، أو يدخلناها الله عنوة، فقال: إن دون ذلك لصغاراً وقتالاً شديداً، وكم عسى أن تصبروا؟ فقالوا: نصبر، ولا بد لطعامك الذي عددت فيه أن يعفن، فقال: أو ما ترى كيف دبرته؟ لم أدخله بيتاً ولا هُرِّياً مخافة عليه، فأما هذه السنة فنطحن ما طحنا ونأكل ما أكلنا ويفسد منه ما فسد، وإذا كان قابل أمرت به فطحن من آخره، أكلنا منه ما أكلنا ويفسد منه ما فسد، فإذا كان العام الثالث أمرنا فخبز خبز القرابين فأكلناه حتى نأتي على آخره، فهذا إلى ثلاث سنين ما قد كان أمر يحول بينكم وبين ما تريدون، ودعا بغدائه، فغداهم من كل الألوان، وآتاهم من كل الطرائف، ثم أقبل عليهم، ثم قال: نحن فيما تقولون من الحصار والأزْل (2) نأكل مما ترون، فادعوا بما شئتم وتشهوا علينا، فقال البطال: أمر يسير عليك خفيف مؤنته؛ تدعو لنا به، قال: ما هو؟ قال: كفاً من تراب من خلف الخندق، فقطب، وغضب، وأمر بهم فخرجوا، وأتوا مسلمة بمقالته (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 [81] محمد بن عائذ، ثنا الوليد، قال: فحدثني أبو سعيد مولى محمد بن عمر المعيطي: أن مسلمة كان يقوت المسلمين من ذلك الطعام، وأنه سأل أناساً من جلسائه عن حال العامة في مطعمهم، فأخبروه أن الناس في شدة من عيشهم؛ يقوتون أنفسهم بخزيرة (1) ، يكللون أنفسهم بها نهارهم وليلهم، فقال: وما الخزيرة؟ يا غلام، اصنع لنا خزيرة، فصنعها بقديد و … وتابك [كذا] وهيأ منها، وقدمها إليه، فأكل واستطابها، وقال: إن الناس بعد لفي خير وعافية، الصبر بركة، قال أبو سعيد: وقد جهد الناس عامة، وإنما يأكل الخزيرة منهم أهل القوة، وبقيتهم فيما لا يصفه واصف من أكل توافق الدواب، وأشباه ذلك، حتى لقد ذكر له أن قوماً أكلوا ميتاً لهم (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 [82] ابن عائذ، قال: فحدثني شيخ من موالي ابن هبيرة، عن عمر بن هبيرة، قال: كنا قد بلغنا من حصارهم ما بلغنا، وكان بنا من الأزل والمرض نحواً مما بهم وأشد، وكنت نازلاً بجماعة سفن على ساحلهم مما يلي عسكر المسلمين في مركبي فيه مبيتي، إلا أن أركب إلى مسلمة فأشهد أموره، فإذا لم أركب خرجت في برد النهار إلى مجلس على تل مشرف على مراكبي وعلى عسكر المسلمين، ويخرج إلي أمراء أجنادي وأهل الهيئة منهم، فكان ذلك التل من تلك الساعات لنا مجلساً ومتحدثاً، فبينا أنا ذات غداة، أو قال عشية جالس عليه في جماعة، إذ بقارب قد خرج من بابه [كذا] ميناء القسطنطينية، يقصد إلينا، فيه رجال من الروم، عليهم الديباج، قال، فقلت: رسولُ الطاغية إليّ في أمر يكلمني به، فإن أتانا في مجلسنا أشرف على رثاثة سفننا وسوء حالنا سره ذلك وازداد قوة علينا، فقمت إلى مركبي فجلست مجلسي فيه وجلس معي أمراء أجنادي وأهل الهيئة من الناس، وأمرت أهل السفن أن يواروا ما قدروا عليه من سوء حالهم، فلما دنوا نادونا بالأمان، فجعلته لهم، فأقبل رسول الطاغية في أصحابه في هيئة، وتملك في أنفسهم، حتى صعد إلي، فسلم، وأذنت له فجلس، وجلسوا، ثم أنشأ يقول: إنا بعثنا لأمر فنذكره لكم، ورأيت منكم شيئاً عرفت به سوء حالكم، وإنك أردت بقيامك عن التل ومجلسك الذي كنت فيه إلا آتيك فيه فأشرف على رثاثة سفنكم وسوء حالكم، ثم تهيأت لي بما أرى، مما ليس خلفه قوة، وقد صرتم من حالكم إلى أسوأ مما نحن فيه. إن الملك يقرأ عليك السلام، ويقول: إنه قد كان من نزولكم علينا وإقامتكم إلى هذا اليوم ما قد علمتم، وقد بلغ منا ومنكم وما أنتم فيه أشد، وقد عرضت على مسلمة فدية صلح؛ على كل إنسان بالقسطنطينية، من رجل، وامرأة، وصبي، ديناراً ديناراً، على أن ترحلوا عنا إلى بلادكم، فإن شئتم اقتسمتم هذه الدنانير بينكم مغنماً، وإن شئتم ذهبتم بها إلى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 خليفتكم، فأدخله بيت ماله، فصنع ما أراد، فسخط ذلك مسلمة، وتأبى علينا، وزعم أن لا يبرح دون أن نؤدي الجزية عن صغار، أو يدخله عنوة، والصغار – الجزية – مالا تطيب به أنفسنا أبداً، وأنت من خليفتك، ومن مسلمة، ومن علية العرب، بالمنزلة التي أنت بها؛ في الشرف، والأمانة، فانظر فيما عرضته على مسلمة، فإن رأيته رأياً أشرت به عليه، ورددته إليه، قال عمر بن هبيرة: أصاب مسلمة، وذلك ما أمرنا الله به، ولا أخالفه فيه، وأنا عونه عليه، حتى يحكم الله بيننا وبينكم، قال: فصلَّب على وجهه، وانصرف مغضباً إلى أصحابه (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 [83] محمد بن عائذ، عن الوليد، قال: فحدثني أبو سعيد المعيطي، والليث - يعني ابن تميم الفارسي -: أن أليون لما رأى ما قد لزمه من حصارنا وأشفق منا الغلبة، كتب إلى صاحب برجان (1) ، " أما بعد: فقد بلغك نزول العرب بنا، وحصارهم إيانا، وليسوا يريدوننا خاصة دون غيرنا من جماعة من يخالف دينهم، وإنما يقاتلون الأقرب فالأقرب، والأدنى فالأدنى، فما كنت صانعاً يوم تأتيهم الجزية، أو يدخلوا علينا عنوة، ثم يفضون إليك وإلى غيرك، فاصنعه يوم يأتيك كتابي هذا ". فكتب صاحب برجان إلى مسلمة، " أما بعد: فقد بلغنا نزولك بمدينة الروم، وبيننا وبينهم من العداوة ما قد علمتم، وكلما وصل إليهم فهو لنا سار، فمهما احتجت إليه من مدد أو عدة أو مرفق فأعلمناه، يأتيك منا ما أحببت ". فكتب إليه مسلمة: " أنه لاحاجة لنا بمدد ولا عدة، ولكنا نحتاج إلى الميرة والسوق، فابعث إلينا ما استطعت ". فكتب إليه صاحب برجان: "إني قد توجهت إليك سوقاً عظيماً فيه من كل ما أحببت من باعة، يضعفون عن النفوذ إليكم به ممن يمرون به من حصون الروم، فابعث من يجوزه إليك ". قال: فوجه إليهم خيلاً عظيمة، وولى عليهم رجلاً، ونادى في العسكر؛ ألا من أراد البيع والشري فليخرج مع فلان، حتى يلقوا هذا السوق، قال: فخرجنا بشراً عظيمة، يتبع بعضنا بعضاً، على غير حذر ولا خوف من عدو، حتى أفضوا إلى عسكر السوق، في مرج واسع، حتى أضاقت به الجبال، وكتائب برجان في شعاب تلك الجبال وغياضه، فلما أنزل والي الجيش بعسكره، وانتشر الناس في السوق، وشغلهم البيع والشراء، شدت عليهم كتائب، فقتلوا ما شاءوا وأسروا ما شاءوا، إلا من أعجزهم، ثم وَأَلَتْ برجان إلى بلادهم، وبلغ مسلمة ومن معه، فأعظمهم ذلك، وكتب به مسلمة إلى سليمان بن عبد الملك يخبره بما كان، فقطع بعثاً على أهل الشام إلى برجان كثيفاً، وولى عليهم شراحيل بن عبيدة (2) ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 فسار بهم حتى أجاز الخليج، ثم مضى إلى بلاد برجان فساح في بلادها، وأنفى، ولقوه فقاتلوه، فهزمهم الله، ثم قفل إلى مسلمة وكان عنده (1) . [84] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: فذاكرت هذا الحديث؛ يعني حديث غزو القسطنطينية بعض مشيختنا، وأنكر أن يكون سليمان قطع بعثاً سوى البعث الأول، ولا وجّه من عنده أحداً، ولكن مسلمة لما جاءه صاحب برجان يعلمه ما بعث به إليه من السوق، فبعث بعثاً وولى عليهم عبيدة بن قيس (2) ، وابنه شراحيل بن عبيدة، فولي عند ذلك عبيدة بن قيس على أهل دمشق، وولى شراحيل بن عبيدة على أهل الجزيرة، ومضى حتى إذا دفع إلى أرض برجان، لقوه بعدة الحرب من الرجال والسلاح والعجل فيها الرجال تجر تلك العجل البراذين، فلما رأى ذلك عبيدة، قال لأصحابه: اكسروا أغماد سيوفكم، ثم امشوا إليهم حتى ترموهم بها، ثم اضربوا أعناق براذين العجل، ففعلوا، واقتتلوا قتالاً شديداً، ثم إن مسلمة لما وجههم أشفق أن يكون قد خدع عنه، فوجه إليه رجلاً من موالي بني عامر، في خمسمائة فارس من فرسانه حتى انتهى إلى عبيدة، وقد أمره مسلمة أن يرده حيث أدركه، فوجده يقاتل القوم، ووجد شراحيل بن عبيدة قد قتل، ووجد عنده قواد الأجناد، وهو يقول لهم قوموا فاكفوا ما كان شراحيل يكفيه، فلما رآه قال: قوموا عني فقد أتاني رسول الأمير، فقاموا عنه، فقال: إن الأمير ظن أنه قد خدع عنا، وفي كم وجهك؟ قال: في خمسة آلاف، ثم أخبره أنه إنما وجهه في خمسمائة، ومضى عبيدة حتى واقف العدو، وهيأ كراديسه، ثم حضر رسول مسلمة يوصيهم من أدناهم إلى أقصاهم حتى كان من آخرهم أهل فلسطين. وصاحب برجان في سلاحه على برذونه مخفف، فقال له حصين: أتقف لي، أو أقف لك، فأومأ إليه العلج، فخيره، فاختار حصين أن يقف له العلج، ويتحين موضعاً يطعنه فيه، فلم ير أن موضعاً أفضل من نحر برذونه، لما على العلج من السلاح، فشدّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 حصين على العلج فطعن نحر البرذون، فاستدار بالعلج فصرعه، فطرح حصين نفسه على العلج فقتله، واحتز رأسه، وخرج بسلبه إلى عبيدة، وانحاز القوم عنهم، وضرب الله وجوههم، ودفع حصين إلى عبيدة كتاب مسلمة يأمره بالانصراف، فكره عبيدة أن ينصرف عنهم وقد هزمهم الله، فأراد المضي، فأبيت عليه، قلت: مُر الناس بالانصراف بجميع العسكر، وقد فتح الله، حتى إذا كان بمرج خصيب من أرض برجان نزل، ونزل الناس في ذلك الحشيش طبخ بعضهم طبيخاً، فهاجت عليهم ريح شديدة في ذلك الحشيش، فأقبل العدو يمر الحصون على دوابهم، حتى إذا كانوا عند طرف العسكر أرسلوا ناراً في ذلك الحشيش، فأقبلت النار حتى إذا كانت عند طرف العسكر قطعها الله وأخمدها، والعدو ينظرون، فلما رأوا ذلك انكشفوا (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 [85] قال محمد بن عائذ: قال الوليد: وقد كنت سمعت عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يذكر: أن نفراً من أهل دمشق كان يسميهم بأسمائهم، فيهم رجل كنيته أبو كَرِب، كان أصاب دماً بالعراق، فاستفتى جماعة من الفقهاء، فاجتمع قولهم: أنهم لا يعرفون وجهاً إذا لم يعرف ولي الدم إلا إن يجاهد في سبيل الله حتى يقتل. فلم تزل تلك حاله؛ يغزو، ويطلب القتل في الله، حتى خرج هؤلاء النفر وساروا، حتى إذا كانوا في بعض طريقهم، خرج خارج منهم ليأتي بعنب، فإذا بقبة ذهب، عليها جلال أخضر حرير، وإذا فيها حوراء، كان يخبر عما رأى من حسنها، فقالت: إلي، فأنا زوجتك، وأنت قادم علينا يوم كذا، ومعك فلان وفلان، وسمت أولئك النفر، فانصرف الرجل، ولم يأت بعنب، وأخبرهم بما رأى، فكتب وصيته، وكتبوا، وكان مع شراحيل بن عبيدة وأصحابه، فكان من مصيبتهم ما كان، ثم أمر بانصراف الناس الى المرج الذي رجعت إليهم فيه برجان، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل هؤلاء النفر جميعاً، فيهم أبو كرب، وأرسلت برجان النار على ذلك المرج وعلى قتلى المسلمين، فحرقت ما حرقت، وانتهت إلى أبي كرب وأصحابه فأطافت بهم، ولم تأكل النار منهم أحداً (1) . [86] ابن عائذ، قال: قال الوليد: فحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: فلم يزل سليمان بن عبد الملك معسكراً بدابق، ولا يريد القفول دون أن يفتح يعني القسطنطينية، أو تؤدى الجزية، فشتا بدابق شتاء بعد شتاء، إذ ركب ذات عشية من يوم جمعة، فمر بالتل الذي يقال - قال الشيخ: رأيت في نسخة غيري يقال له - تل سليمان اليوم، فالتفت، فإذا بقبر ندي، فقال: من صاحب هذا القبر؟ قالوا قبر ابن مسافع القرشي المكي، فقال: يا ويحه! لقد أمسى قبره بدار غربة. قال ابن جابر: ويمرض، ويموت، ويدفن إلى جانب قبر عبد الله بن مسافع؛ الجهة التي تليه أو الثانية (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 [87] محمد بن عائذ، عن الوليد، قال: فحدثني شيخ من الجند، قال: كنت فيمن حاصر القسطنطينية، فبلغنا من حصارها، وبلغ منا الجوع نحوا مما سمعتم، فوالله إنا لفي يأس من القفل إذا بمرقبة (1) لأهل القسطنطينية على جبل ممتنع قد أوقدوا عليها، فيشرف لذلك أهل القسطنطينية، وراعهم فصالنا عما رأينا من تلك النار، وعما راعهم من ذلك، فقالوا: هذه مرقبة توقد النار للجيش يدخل من الشام، فيوقد لها مما يلي الدرب من المراقب والمسالح إلى أن يصل القتال.. الخبر فيأتينا بذلك، ولا يشذ أن جيشاً قد أقبل منكم، فانظروا ماذا يأتيكم به، قال: فلم يلبث إلا أياماً يسيره حتى جاءنا رسول عمر بن عبد العزيز في نحو من أربعة آلاف، بكتاب إلى مسلمة يأمره بالقفول، فقرأه مسلمة فلم يقفل، وكتب إلى عمر بن عبد العزيز يخبره ما قد بلغ من جهدهم، وما أشرف من معشر المسلمين من الفرج، بما قد قرب من حصاد ذلك الزرع، ويشير عليه بتركهم حتى يحكم الله بينهم، قال: فقفل رسوله بذلك إلى عمر بن عبد العزيز، فغضب، وقال: مسلمة في إمرة عظيمة يكره فراقها، ورد الرسول يأمره بالقفل (2) . [88] ابن عايذ، نا الوليد، قال: حدثني من سمع زيد بن واقد (3) ، قال: والله إني لفي فسطاطي يوم أتانا القفل، يعني عن القسطنطينية، لما أقفلهم عمر بن عبد العزيز، قد بلغ مني الجوع جهدي، أروي ما استعنت به، فلم أر شيئاً أقرب إلي جلدة الفسطاط التي تكون على فلكة عمود الفسطاط، قلت: أنزعها، وأطبخها، وألوكها، يكون في ذلك ما كان، ويقوم الفسطاط بغير جلدة، إذ سمعت تكبير الناس، فقلت: ما هذا؟ قالوا: القفل، فإن الله يعلم أن ذلك الجوع ذهب مني (4) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 [89] ابن عائذ، قال: قال الوليد: فحدثني شيخ من الجند، عن أبيه، ولا أعلم إلا أني قد سمعت أباه يذكر أنه حضر عمر بن عبد العزيز بدابق، حين استخلف وقطع البعث، ما جهز من العير، لا يظهر للناس أنه أمر بقفلهم، ولكنه إنما وجه معاوية.. على الإقامة يعني لحبس مسلمة (1) . [90] ابن عائذ، أنا الوليد، قال: وبويع عمر بن عبد العزيز في سنة تسع وتسعين، فبعث عمرو بن قيس السكوني (2) على صائفة أهل الشام، معه ما حمل إلى القسطنطينية من الطعام والكسوة، فلقيهم بادرلنه [كذا] ، فأعطاهم فيها العطاء (3) . [91] ابن عائذ، نا الوليد، أخبرني الليث الفارسي، قال:لم يزل - يعني عمر بن هبيرة - على غازية البحر، فقفل بهم، يعني من القسطنطينية، فعزله عمر بن عبد العزيز، وجمع سفن الأجناد بصور، وجعل الوالي عليها واحداً، قال: فبلغني أن عمر بن عبد العزيز ولى على غازية البحر المخارق بن ميسرة بن حجر الطائي، فلم يزل والياً حتى توفي (4) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 [92] محمد بن عائذ، أخبرني إسماعيل بن عياش، عن ابن أنعم (1) ، عن المغيرة بن سلمة (2) ، عن عبد الأعلى بن أبي عمرة (3) ، قال: لما بعثني عمر بن عبد العزيز لفداء أسراء القسطنطينية، قلت: أرأيت إن أبوا أن يفدوا الرجل بالرجل، كيف أصنع؟ قال: رِدهم، قلت: أرأيت إن أبوا أن يفدوا الرجل بالاثنين للرجل، قال: فأعطهم ثلاثة، قلت: فإن إبوا إلا أربعة، قال: فأعطهم بكل مسلم ما سألوا، فوالله للرجل من المسلمين أحب إلي من كل مشرك عندي، إنك ما فديت به المسلم فقد ظفرت، إنك إنما تشتري الإسلام، قال: فقلت له: أرأيت إن وجدت رجالاً قد تنصروا فأرادوا أن يرجعوا إلى الإسلام، أفديهم؟ قال: نعم بمثل ما يفدى به غيرهم، قال: فقلت له: أرأيت العبيد، أفديهم إذا كانوا مسلمين؟ قال: نعم بمثل ما يفدى به غيرهم، قال: قلت: أرأيت إن وجدت منهم من قد تنصر فأراد أن يرجع إلى الإسلام، قال: أصنع بهم مثل ما تصنع مع غيرهم، قال: فصالحت عظيم الروم على رجل من المسلمين برجلين من الروم (4) . [93] ابن عائذ، أنا الوليد، قال: وفي سنة مائة أغزى عمر بن عبد العزيز الصائفة، لليمنى الوليد بن هشام، وعلى الصائفة اليسرى عمرو بن قيس السكوني (5) . [94] ابن عائذ، عن الوليد، قال: وأخبرني عبد الأعلى أن عمرو بن قيس أخبره أن عمر بن عبد العزيز ولاه إحدى الصائفتين، والوليد بن هشام الصائفة الأخرى (6) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 [95] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال محبر، نا سعيد بن عبد العزيز: أن عمر بن عبد العزيز أغزى أرض الروم صائفتين؛ على إحداهما الوليد بن هشام المعيطي (1) ، والأخرى عمرو بن قيس السكوني، في أقل من أربعين ألفاً، نظراً منه بجماعة من كان أصابه الأزْل على حصار قسطنطينية، قال: فخرج إليهم لأوون طاغية الروم لما بلغه من قلتهم، فلقيه سائح من سياحي الروم، فقال: أين يريد الملك؟ قال: هذه الطائفة القليلة، قال: تركتَ لقاءهم وأمراؤهم على تلك الحال، فلما ولي هذا الرجل الصالح تعرَّضُهم؟ فقال: ذاك بالشام، وهؤلاء بأرض الروم، قال: عمل ذلك مقدمة لهؤلاء، قال سعيد: فانصرف لاون عن لقائهم (2) . [96] ابن عائذ، قال: وحدثني الهيثم بن حميد، حدثني شيخ من السكاسك، حدثني عمرو بن قيس، قال: ولاني عمر الصائفة، وأوصاني بتقوى الله، وبالمسلمين خيراً، وقال: إن رابطت حصناً فلا تقم عليه إلا يوماً وليلة، فإن طمعت فيه وإلا فارتحل، فإن أرادوك على فداء ما في يديك من أساراهم؛ رجلاً برجل فافده، فإن أبوا فرجل برجلين، فإن أبو فرجل بثلاثة، فإن أبوا فأعطهم جميع ما في يدك برجل من المسلمين (3) [97] محمد بن عائذ، عن الوليد، قال: فأخبرني سعيد بن عبد العزيز أن عمر بن عبد العزيز توفي يعني سنة إحدى ومائة، وقد صرف بعث الصائفة على أهل الشام والجزيرة والموصل، وولَّى عليهم مسلمة، فبلغه خلاف يزيد بن المهلب، فصرف إليه بعث الصائفة، قال الوليد: وأخبرني غير واحد أن مسلمة بن عبد الملك مضى إلى يزيد بن المهلب، ومعه العباس بن الوليد فوليا قتله وقتاله (4) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 [98] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: ولَّى يزيدُ بن عبد الملك المغيرةَ بن عمير الأزدي (1) ، من أهل حرستا، فلم يزل حتى توفي يزيد، وولي هشام بن عبد الملك فأقره سنتين، ثم عزله، فولى يزيد بن أبي مريم الثقفي (2) ، من مصيصة دمشق، فلم يزل مفلولاً عند اللقاء حتى غزته الروم، فقاتلته على باب ميناء صور (3) . [99] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وأخبرني بعض شيوخنا أن يزيد بن عبد الملك أغزى العباس بن الوليد في ذلك العام؛ يعني سنة إحدى ومائة الصائفة، وافتتح دلسة. وفي سنة ثلاث ومائة غزا العباس بن الوليد الصائفة؛ فافتتح دمنقة ودردور (4) . [100] ابن عائذ – وهو في إجازة منه عن الوليد – أخبرني بعض شيوخنا: أن يزيد بن عبد الملك أغزى في سنة أربع ومائة الصائفة اليمنى عبد الرحمن بن سليم الكلبي، وعثمان بن حيان الصائفة اليسرى (5) . [الحروب مع الخزر] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 [101] محمد بن عائذ، نا الوليد، نا أبو بكر بن أبي مريم (1) أنه غزا أرمينية، وعليها معلق بن صفار البهراني. قال: ونا ابن عائذ، قال: وأخبرني عبد الأعلى بن مسهر أن عمر بن عبد العزيز استعمل على أرمينية الحارث بن عمر الكتاني. وأما الوليد بن مسلم فإنه أخبرنا؛ قال: حدثنا بعض شيوخنا أن معلقاً لم يزل والياً على أرمينية حتى توفي عمر بن عبد العزيز، وولى الخلافة يزيد بن عبد الملك، فخلفه يزيد بن المهلب، وتابعه من تابعه من أهل البصرة، فوجه إليه الجراح بن عبد الله الحكمي (2) في أربعة آلاف من أهل الشام، مقدمة، ثم وجه مسلمة بن عبد الملك، والعباس بن الوليد، ثم ضرب معهما من أهل الطائفة، فلما قدم مسلمة أقفل الجراح إيهاماً له في أمر يزيد بن المهلب، فلما قدم على يزيد بن عبد الملك بلغ يزيد أن.. (3) قد خرجت على معلق بن صفار، فهزمته، فعزله، فقدم معلق على يزيد فجبَّنه، فقال: ما جبنت، ولكن لففت الخيل بالخيل، والأبطال بالأبطال، وصنع الله ما شاء، فولى يزيد بن عبد الملك الجراح أرمينية، فلما قدمها استأذنه في غزو بلنجر، فأذن له، فغزاها، ففتحها (4) . [102] قال: ونا ابن عائذ، أنا الوليد، قال: وفي سنة تسع ومائة أغزا - يعني هشام بن عبد الملك - مسلمةَ بن عبد الملك أذربيجان (5) ، وفرق جيشه في أرمينية وأذربيجان، وغزا الترك في بلادهم، فأظهره الله عليهم. وفي سنة عشر ومائة غزا مسلمة أيضاً الترك في بلادهم، ولقي جمعهم، فهزمهم الله (6) . [103] محمد بن عائذ، قال: فحدثني عبد الأعلى بن مسهر، قال: واستخلف الجراح - يعني ابن عبد الله الحكمي - يومئذ - يعني يوم قتل يزيد ابن بشر الحصلي الكلبي - على الناس، فقال للجراح: إني لأرجو أن تكون أسرع إلى الله مني، فقتل، وقتل معه خمسون من قومه، وكان على أهل دمشق، وكان مقتل الجراح سنة اثنتي عشرة ومائة في خلافة هشام (7) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 [104] محمد بن عائذ، عن الوليد، قال: فحدثنا عبد الواحد بن بشر أن يزيد بن أسيد (1) حدثه أنه كان في مَنْ سار مع سعيد الحرشي من أهل الجزيرة، أو قال: ممن وجَّه هشامُ بن عبد الملك مع سعيد الحرشي، قال: فلما دعاهم إلى لقاء خزر الذين معهم سبقة المسلمين فأجابوه إلى ذلك، وأنه أرسله في فوارس طليعة ليأتيه بخبرهم وحزرهم من الليل، قال: فسرنا حتى أشرفنا على عسكرهم، فرأينا نساء المسلمين قد أوقدوا النيران على أبواب أبنية خزر محتجرات يبكين أنفسهن ويندبن الإسلام، قال يزيد: فأرَّقنا ما رأينا من ذلك، وألقينا السمع إليهم، فانتظرنا، فأتيناه بما رأينا وسمعنا، فأخبرنا سعيداً ومن معه، يعني بعد قتل الجراح الحكمي (2) . [غزاة الطين] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 [105] محمد بن عائذ، أخبرني الوليد، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن صاحب الخزر كايد هشاماً بإرساله رجلاً من العرب قد سماه لنا، فنسيته، قد كان أصاب أهله وولده، وجعل له تخلية سبيل أهله وولده بإبلاغه تلك الرسالة إلى هشام، والرجعة إليه بخبر ما يبلغه، وحمله على بريد المسلمين، فأقبل متحزماً حتى دخل على هشام، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، الجراح بن عبد الله يقرأ على أمير المؤمنين السلام، ويخبره بسلامته وبسلامة من معه من المسلمين، بمكان كذا وكذا، وأنه من عدوه منتصف، ويعزم على أمير المؤمنين ليردني إليه بعد إبلاغي الرسالة بخبر أمير المؤمنين، قال: ويحك! من غير كتاب؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فدعا بدواب البريد فحمله من ساعته، وأقام هشام يومه حتى إذا كان من غروب الشمس قال لخاصته: ويحكم رسول الجراح يأتيني بغير كتاب ثم رجع لم يأتني مصداق لخبره من صاحب بريد ولاعامل، إن نحن إلا في مكر من عدونا، عليَّ بسعيد الحَرَشي. فأتي به، فعقد له في عشرة من قومه على البريد، وقال له: سر في أصحابك، فإن قدمت والجراح حي فأنت مدد له، وإن كان قتل فأنت أمير على أرمينية حتى يأتيك رأي أمير المؤمنين، وعقد له هشام بيده، ودفع إليه اللواء، وقال: ادع حاملاً، فنادى سعيد: يا فرج، فقال هشام: أصنعت هذا؟ قال: لا، ولكنه أحد موالي وأعواني، قال هشام: هذا أول الفرج. قال: فحدثني غير ابن جابر أن هشاماً وجّه الحرشي على البريد، وأصحبه ممن هو في عسكره من وجوه الناس، نحواً من أربع مائة رجل، وأمره أن لا يمر بشريف من العرب إلا استنفره من قومه ففعل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 قال: فحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: فأقبل سعيد الحرشي سريعاً على البريد وأنا ببردعة على بيت مال أرمينية قال فلقيته فرأيته كاسفاً لونه منخزلاً ظهره على دابته، فلما دنوت منه قلت: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله، قال: عبد الرحمن! فاعتدل على سرجه ورد السلام، قال: ويحك، ما فعل الجراح؟ قلت يرحم الله الجراح، فأسفر لونه وذهبت عنه كآبته، وأقبل علي يسألني عن خبرهم وأمورهم، حتى دخل بردعة، ثم عسكر معسكراً وضوى إليه الفل، وبقية الناس، وأهل الحسبة، حتى صار في الألف دون العشرة، فأخبر أن صاحب خزر وجه بما غنم من بلاد المسلمين من النساء والذرية وغيرهم من أهل ذمتهم مع طرخان من طراخنته، من نحو من عشرين ألفاً أو قال ثلاثين ألفاَ إلى بلاده، فدعا المسلمين إلى قتالهم ولقائهم فأجابوه إلى ذلك، فسار بمن كان معه. قال: فحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وشيخ من أهل حمص، قالا: فسار إليهم حتى لقيهم بهم، فقاتلوهم قتالاً شديداً فنصرهم الله عليهم، فاستنقذ جميع ما كان من ذلك والذرية والسقبه، ثم ثبت لهم معسكراً ليعترض من مر به منهم، فانتخبوا الأبطال والفرسان منهم - يعني من خزر - ثلاثين ألفاً، أو قالا: أكثر منها، فاقتتلوا قتالاً شديداً فهزمهم الله، وقتلوهم مقتلة لم يقتلها قوم قط، وبلغ ذلك الطاغية وقد بلغه إقبال مسلمة بن عبد الملك بالجموع، فولى قافلاً إلى بلاده (1) . [106] قال ابن أبي العقب ورأيت في رواية يزيد بن عبد الصمد قال أبو عبد الله [يعني ابن عائذ] وقال الشاعر [يمدح سعيداً الحرشي] : بعد البلاء بتأييد وإظفار أنت الذي أدرك الله العباد به كيد الحروب أريب زنده واري موفق للهدى والرشد مضطلع كالصبح أقبل في غر وإسفار تضمن الحذب والإيمان منبره للمسلمين بجد غير عثار لأمت ما شئت من شعب ومن شعب من شأننا كان غير الخالق الباري على أوان شديد ليس يعلمه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 وشمرت عن شذاها أي تشمار قد أبدت الحرب فيه عن نواجذها فيه الطراخين ذو نقض وإمرار وأنت يوم أبى حزوان إذ رجعت وافوا بأرعن ناوى الزم جرار لقيتهم بليوث في اللقاء وقد بالخيل ننقض أوتارا بأوتار فجستهم جوس قرم ما يقيلهم من علها بعد إنهال وإصدار والخيل ساهمة نضح الدماء بها نهدا شق كصدر الرمح خطار من كل طرف شديد الشعب منصلت بكل عضب شديد المتن بتار فهم يولون والفرسان تضر بهم صلب الدواس هصور هيصم ضار أمام ليث هزبر فرهم أزر د دلمس هو عداء على الساري عبل الذراعين أبي شبلين ذي لب وأسعروا نار حرب أي إسعار ويوم أسراب إذ جاشت جموعهم لهم عصار تراه بعد إعصار وأقبلوا كالتماع البرق بيضهم بخيرة من عباد الله أخيار فسرت بالخيل والرايات تقدمها مسومين أمام الناس أنصار أمدك الله رب العالمين بهم على يديك وأخزىكل كفار (1) فأهلك الله جمع الشرك إذ رجعوا [غزاة السائحة] [107] ابن عائذ، قال: ونا الوليد، قال: فحدثنا غير واحد ممن كان في غزاة الطين أن الناس قفلوا منها وهم يقولون: فعل مروان، وصنع مروان، ولا يذكرون مسلمة، فكان ذلك سبباً لولاية مروان على أرمينية، فولاه هشام أرمينية والجزيرة فوليها له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 قال: وأنا الوليد، قال: فحدثنا مرزوق بن أبي الهذيل، أو غيره، قال: لم يرع هشام بن عبد الملك وهو ينظر في شيء من ضيعته التي يقال لها الزيتون إلا ومروان قد خرج عليه لم يستأذنه ولم يعلم به حتى رآه فأفزعه ذلك، وقال: ويحك، مروان! قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فردد هذا القول عليه مراراً، قال: يا أمير المؤمنين ضقت صدراً بما ساء ذكره لأمير المؤمنين، قال: فلم أر أن يكون في كتاب، ولا أبوح به إلى أحد فترى فيه رأيك، قال: ومم ذاك؟ قال: إنه قد كان من غزو صاحب خزر أمير المؤمنين والمسلمين ما كان، فساح في بلاده، وقتل عامله، وانتهك من حرمة الإسلام ما قد علمه أمير المؤمنين، ثم قفل إلى بلاده وقد أبقى على المسلمين عارها ما كانوا، ثم كان من رأي أمير المؤمنين في توجيه مسلمة بن عبد الملك ما قد علمه أمير المؤمنين، فوالله ما وطئ من بلادهم إلا أدناها، وما صنع شيئاً، ولقد أخرجه كسعاً كالمنهزم، فلا يزال عار ذلك فينا وفيهم ما كانوا؛ وذلك أن مسلمة لما رأى من جموعه وكثرة من معه أعجبه ذلك، فكتب إليه يؤدبهم لحربهم ويتهددهم بجموعه، ثم أقام بعد كتابه نحوا من ثلاثة أشهر، وقد جمعوا جمعاً لم يكن به طاقة، وقد رأيت أن يأذن لي أن أغزوهم غزوة أطأ فيهم حريمهم، وأنتقم للمسلمين منهم، فقال: قد أذنت لك، قال: فأمدني عليهم بعشرين ومائة ألف فارس رامح، فقال: قد فعلت ذاك وهم آتوك، قال: ويكتم ذاك أمير المؤمنين من خاصته وعامته؛ فإني لو قدمت البلاد أذعت محاربة أمة من الأمم ممن حولنا غيرهم، فإذا قدمت الجنود وفرغت من أمورهم اغتررتهم بالدخول عليهم، قال: فافعل، فودعه وانصرف، فلا يدري أحد ما كلمه به من ذلك (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 [108] قال: وأخبرني الوليد، قال: فحدثني غير واحد ممن شهد غزاة السائحة مع مروان أحدهم شيخ من أهل قنسرين، قال: قدمنا على مروان في عشرين ومائة ألف فارس رامح هن جميع أجناد الشام والجزيرة والموصل، والمتطوعة كثيرة من أهل العراق وغيرهم، فقدمنا عليه وهو مظهر لمحاربة ملك اللان وغيره، وقد كتب إلى صاحب خزر يعرض له بالصلح، فإن كان لك في شيء من ذلك هوى، فوفد إلي وافداً نعاملهم عليه، يقدم عليك وفدي بتمام ذلك والشهادة علي وعليك، فوجه صاحب خزر وفداً ومروان يعرض الخيول، ويعطي ال.. ويتجهز لإمره ويحضرهم مجلسه ويقرب منهم ويسمعهم ما يحبون، ويتلطى على الأمة التي ذكر حتى إذا فرغ فلم يكن إلا الشخوص أظهر لوفد الخزر الحسبة فأغضبهم، ذلك فأسمعوه، فأمر بحملهم على مركبهم من البريد على طريق الباب، وهي تدور ولم يأذن لهم أن يدخلوا من باب اللان، وقال لهم: أعلموا صاحبكم أني قد أذنته بحرب، فمضى الوفد إلى الباب، ودخل هو من باب اللان، وقدموا على طاغيتهم فأخبروه أنه تجهز بجهاز لم يروا مثله، وأعد جمعاً لم يروا مثله، وقد آذنك بحرب، قال: وجاءه الخبر أن هذا مروان قد دخل عليك، فجمع أهل مشورته وطراخينه فقال: ما ترون؟ وما تقولون؟ قالوا: إن مسلمة آذنك بحربه وتصرع في بلاده حتى جمعت له، وإن هذا اعتراك فقد رهقك، فإن أنت سرت إليه بمن حضرك هزمك وبلغ منك، وإن أنت أردت أن تجمع له لم يجتمع لك جنودك ثلاثة أشهر، وإلى ذلك ما قد بلغ منك ومنك [كذا] ، فالرأي أن تلحق بكورة كذا وكذا من أقصى بلادك، وتدعه في البلاد يبلغ منها ما بلغ، قال: فقبل رأيهم، قال: فسار بنا مروان في تلك الجموع حتى أجاز بنا نهراً في وسط بلادهم، يقال له إرم، شبهه لي الشيخ بدجلة، من مخاضة دل عليها، فأقام يجيز بنا كذا وكذا يوماً، ثم سار بنا في بلادهم مع النهر، كلما سار وطيء من العمارة أكثر مما خلف، فسار بنا أياما فأتته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 هصايله أرمينية فقالوا له: أيها الأمير انصرف إلى المخاضة وتداركها قبل أن يحال بينك وبينها، فإنهم إن فعلوا جمعوا لك جموعاً حالوا بينك وبين القفول، قال: فقبل ذلك من رأيهم، وتحمل حتى أجاز بهم النهر راجعاً (1) . [109] محمد بن عائذ، أخبرني الوليد بن مسلم، قال: فقلت للشيخ القنسريني: فمن كان على مقدمته وميمنته وميسرته وساقته - يعني مروان - حين غزا خزرَ في غزوة السائحة؟ فقال: كان على مقدمته فلان، فنسيته، وعلى ميمنته عبد الملك بن مروان ابنه، وعلى ميسرته الصقر بن صفوان الحمصي، وعلى ساقيته (2) ثابت بن نعيم الجذامي، وهذه الغزوة كانت في أيام هشام بن عبد الملك، وولاه مروان بن محمد على الجزيرة وأرمينية (3) . [متابعة هشام بن عبد الملك إغزاء الصوائف] [110] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وأنا عثمان بن محمد، فإنه حدثني أن هشام بن عبد الملك أغزى الصائفة سنة ست ومائة سعيد بن عبد الملك (4) ، وكنت فيمن غزا تلك السنة، فصلى بنا الظهر أربعاً بدابق، فدخل عليه مكحول فأفتاه بقصر الصلاة، فخرج فصلى بنا العصر ركعتين عن فتيا مكحول، قال: فسمعت رجاء بن حيوة وعبادة بن مُسَي وعدي بن عدي يقولون: ما زلنا نتم الصلاة في هذا المعسكر (5) . [111] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وبلغنا أن هشام بن عبد الملك أغزا مسلمة بن عبد الملك الصائفة سنة سبع ومائة وسعيد بن هشام (6) على صائفة أهل الشام ومسلمة على جماعة الناس. وفي سنة تسع ومائة أغزا سعيد بن هشام في ناحية من أرض الروم أيضاً (7) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 [112] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: وأخبرني شيخ من أهل قنسرين أنه غزا في صائفة كان يقدمها عمرو بن الوضاح في نحو من عشرين ألفاً، فوغل في دار أرض الروم، ففتح وسبى سبياً كثيراً، وكنت فيمن غزا معه، فأقبل بتلك الغنائم يريد عقبة الركاب، يتلقى جماعة الصائفة، فلما كان من عقبة الركاب على مرحلة أو مرحلتين، سمع منشداً ينشد: ألا من دل على بغلة كذا يتبعها إلفها برذون كذا، فدعا به عمرو، فقال: ما تقول؟ فأخبره بما ينشد، فقال: إنما البغال تتبع إلفها من البراذين ولا يعرف برذون يتبع البغال! فما أنت؟ ومن أين أنت؟ ومن بعث بك؟ قال: فذهب ينسب فلجلج، وعرف أنه قد لجلج، فقال: ليخلني الأمير، فأخلاه، فأخبره أنه عين للروم، وأنه خلّف أهل الرساتيق والكور قد حشروا إلى عقبة الركاب ليأخذوا عليك بها، ويستنقذوا ما غنمت، قال: ماذا لي إن نصحتك نصيحة تغنم بها جماعتهم وتجيزها بإذن الله لمن معك وما معك؟ قال: لك الأمان وغير ذلك، قال: إن الذين حشروا إلينا من الرساتيق لم يحشروا إليه على بعث ضرب لهم أعطوا عليها العطاء، وإنما حشروا إليها كرهاً، وقد أقاموا وأبطأت عليهم، فالرأي لك أن يؤذن مؤذنك في هذه الساعة أن يصبح الناس على ظهر نفير ليقيما [كذا] ، ثم يصبح غاديتهم، فيسير يوماً أو يومين، وتبلغهم ليوافوك عند إقبالك من العقبة، فإذا ذهب الخبر إليهم بذلك، وسرت يومك، رحلوا عنها أو أكثرهم، عطفت عليهم، فأضربها بإذن الله، وقويت على من بقي منها، قال الشيخ: نفعل ذلك، ثم عطفت راجعاً فوافى الأمر على نحو ما ذكر، من رفض عامتهم وقلة من ثبت عليها، فقاتلوه قتالاً شديداً، فنصره الله، وكان بيننا وبينهم معركة تشبه الملحمة، وأجاز بما كان سبا وغنم، حتى لحقنا أرض الروم. وذكر الوليد كان ذلك سنة أربع عشرة ومائة وأمير الصائفة معاوية بن هشام (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 [113] ابن عائذ، نا الوليد، أخبرني عبد الله (1) ، عن مالك بن أدهم الباهلي، قال: غزونا الصائفة مع معاوية بن هشام، فلما قفلنا وقدمنا وفداً إلى هشام، أنا فيهم، فلما قدمنا على هشام قدم وفد البحر، فأذن لنا هشام جميعاً فدخلنا عليه، وقام خطيبنا فتكلم فأحسن، ثم قام خطيب البحر من الموالي فبذّ خطيبنا كلاماً، قال: وقد كان بعثُ البحر نُكبوا قبل ذلك ثلاث غزوات، فقال خطيب البحر في كلامه: يا أمير المؤمنين لكل شيء إسطاماً (2) وإن إسطام الموالي العرب، فإن كان لك بثغرك في البحر حاجة فاسطم الموالي بالعرب، فإنه أحسن لذات بيننا، وأسخى لأنفسنا، وأهيب لنا في صدور عدونا، قال هشام: صدقت ونصحت، فقطع البعث على الموالي والعرب (3) . [114] ابن عائذ، قال: قال الوليد: وفي سنة ثمان ومائة أغزا هشام بن عبد الملك معاويةَ بن هشام الصائفة، فافتتح العطاسن. وفي سنة ثمان ومائة أغزاه فافتتح سقلة والبرة. وفي سنة عشر أغزاه الصائفة، وعلى مقدمته البطال، فافتتح خنجرة (4) . وفي سنة إحدى عشرة ومائة غزا معاوية بن هشام الصائفة، فافتتح خرشنة (5) . وفي سنة اثنتي عشرة ومائة غزا معاوية ابن هشام دابق والعمق. وفي سنة ثلاث عشرة ومائة أغزا معاويةَ بن هشام على صائفة الناس. وفي سنة أربع عشرة ومائة أغزا معاويةَ بن هشام لسصعه [كذا] . وأقبل عمرو بن الوضاح (6) والبطال بالسبي. وفي سنة خمس عشرة ومائة أغزا معاويةَ بن هشام الصائفة. وفي سنة ست عشرة ومائة أغزا معاوية بن هشام الصائفةَ. وفي سنة سبع عشرة ومائة أغزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى، وسليمان بن هشام الصائفة اليمنى. ونا ابن عائذ، قال: وفي سنة ثمان عشرة ومائة أغزا معاوية بن هشام الصائفة. وفي ذلك العام توفي معاوية بن هشام (7) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 [115] محمد بن عائذ، عن الوليد بن مسلم، وقال: في سنة تسع عشرة ومائة غزا عبد الرحمن بن القعقاع العبسي (1) ، يعني أرض الروم في خلافة هشام بن عبد الملك (2) . [116] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وفي سنة تسع عشرة ومائة غزا عبد الملك العبسي (3) . [117] ابن عائذ، أنا الوليد، أخبرني شيخ من آل معاوية بن هشام، قال: توفي [يعني معاوية بن هشام] سنة تسع عشرة ومائة. وغزا الصائفة بعده مسلمة ابن هشام (4) . وقال غير ذلك الشيخ: إن هشاماً أغزى في سنة إحدى وعشرين ومائة مسلمة بن هشام، ويحيى بن هشام (5) بن عبد الملك ذلك العام ملطية، فرابط بها تلك السنة (6) . [118] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وفي سنة ثلاث عشرة ومائة أغزا يعني هشام بن عبد الملك معاوية بن هشام على صائفة الناس، وأغزا سليمانَ بن هشام أيضاً في ذلك العام أرض الروم، فافتتح أقرن، وأخذ عظيماً من عظماء الروم. وفي سنة عشرين ومائة أغزا سليمان بن هشام الصائفة (7) . وعن الوليد، قال: وأخبرني شيخ من آل معاوية بن هشام، قال: توفي يعني معاوية سنة تسع عشرة ومائة وعلى الصائفة بعده مسلمة بن هشام، وقريش بن هشام. قال: ولَّى هشامُ سليمانَ بن هشام الصوائف حتى توفي هشام، وقتل معه في بعضها البطال، ومالك بن شبيب. وعن الوليد، قال: وأخبرني عبد الرحمن بن جابر أن هشاماً تابع إغزاء معاوية بن هشام الصائفة سنين يفتح له فيها الفتوح حتى توفي معاوية بن هشام. ثم ولَّى بعده سليمانَ بن هشام الصوائف سنيات لا يليها غيره. قال: ونا الوليد، قال: وبلغنا أن هشام بن عبد الملك غزَّا ابنه سليمان الصائفة سنة ثنتين وعشرين ومائة فسلم وغنم (8) . [حروب البطال] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 [119] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، حدثني أبو مروان - شيخ من أنطاكية -، قال: كنت أغازي مع البطال، وقد أوطأ الروم ذلاً، قال البطال: فسألني بعض ولاة بني أمية عن أعجب ما كان من أمرى في مغازي فيهم، فقلت: خرجت في سرية ليلاً، ودفعنا إلى قرية، وقلت لأصحابي: أرخوا لجم خيولكم، ولا تحركوا أحداً بقتل ولا سبي حتى تشحنوا القرية (1) ، فإنهم في نومة، قال: ففعلوا، وافترقوا في أزقتها، ودفعت في ناس من أصحابي إلى بيت يزهر سراجه، وامرأة تسكت ابنها من بكائه؛ وهي تقول: اسكت وإلا دفعتك إلى البطال يذهب بك، فانْتَشَلَتْهُ من سريره، فقالت: أمسك يا بطال، فأخذته (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 [120] قال: ونا الوليد، نا أبو مروان، أنه سمعه يحدث؛ قال: خرجت ذات يوم متوحداً على فرسي، لأصيب غفلة أو منفرداً، متسمطاً مخلاة فيها عليق فرسي، ومنديل فيه خبز وشواء، فينما أنا أسير، إذ مررت ببستان فيه بقل طيب، فنزلت، فعلقت على فرسي، وأصبت من ذلك الشواء ببقل البستان، إذ أسهلني بطني، فاختلفت مراراً، فاستفقت من دوامِه وضعفي عن ما يجيء علي من الركوب، فبادرت وركبت، ولزمت طريقاً، واستفرغني على سرجي، كراهية أن أنزل فأضعف عن الركوب، حتى لزمت عنقه متشبثاً ببرطنجه، مخافة أن أسقط عنه، وذهب بي ولا أدري أين يذهب بي، إذ سمعت وقع حوافره على بلاط، ففتحت عيني، فإذا دير، فوقف بي في وسط الدير، وإذا نسوة يتطلعن من أبواب الدير، فلما رأين أنه لا تبع لي، ورأين حالي وضعفي عن النزول، خرجت صاحبة منهن حتى وقفت علي، ونظرت في وجهي، وعرفت من حالي، ورطنت لهن تحسب علي، وأمرتهن فنزعن عني ثيابي، وغسلن ما بي، ففعلن، ودعت بثياب فألبستنيها، وترياق، أو دواء فشربته، ثم أمرت بي فجُعلت على سرير لها ودثار، وأمرت بطعام فهيء لي، فأتت به، وأقمت يومي ذلك وتلك الليلة مسبوتاً (1) ، لا أدري ما أنا فيه، قال: وأصبحت من الغد على ضعف من الركوب، وأقمت ليلتي ويومي وليلتي، فذهب عني السبات، وأنا ضعيف عن الركوب، حتى كان في اليوم الثالث، جاءها من يخبرها أن فلاناً البطريق قد أقبل في موكبه، فأَمَرَتْ بفرسي فغُيِّب، وأغلق علي باب بيتي الذي أنا فيه، ودخل البطريق، فأنزلته منزلاً، واقتفت به وبأصحابه، وأسمع بعض النسوة تخبر أنه خاطب لها، فبينما هو على ذلك الحالة، إذ جاءه من يخبره عن موضع فرسي، وإغلاقهم علي، فهمَّ أن يهجم علي، فأقسمتْ إن هو تعرض لي لا نال حاجته، فأمسك، وأقام قائلة في ذلك اليوم في قرى، ثم قروح، وخرجت فدعوت بفرسي، فخرجت إلي فقالت: إني لا آمن أن يكمن لك، دعه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 يذهب، فأبيت عليها، وركبت فقفوت الأثر حتى لحقته، وشددت عليه فانفرج عنه أصحابه، فقتلته، وطلبت أصحابه فهربوا عني، وأخذت فرسه، وسمط رأسه، ورجعت إلى الدير فألقيت الرأس، ودعوتها ومن معها من نسائها وخدمها فوقفن بين يدي، وأمرتها بالرحلة ومن معها على دواب الدير، وسرت بهن إلى العسكر، حتى دفعت بهن إلى الوالي، فجعل نفلي منهن، فتنفلت المرأة بعينها، وسلمت سائر الغنيمة في المقسم، واتخذتها فهي امرأتي. قال أبو مروان: وكان أبوها بطريقاً من بطارقة الروم، له شرف، فكان يهاديه، ويكاتبه (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 [121] ابن عائذ، عن الوليد، قال: سمعت عبد الله بن راشد مولى خزاعة (1) ، يخبر عن من سمعه من البطال، يخبر أن هشاماً، أو غيره من خلفاء بني أمية كان قد استعمله على ثغر المصيصة (2) وما يليها، وأنه راث عليه خبر الروم، فوجه سرية لتأتيه بالخبر عن غير إذن من الوالي، قال البطال: فتوجهوا وأجلتهم أجلاً، فاستوعبوا الأجل، فأشفقت من مصيبتهم، ولائمة الخليفة، وضعف أميرهم، فخرجت متوحداً، حتى دخلت في الناحية التي أمرتهم بها، فلم أجد لهم خبراً، فعرفت أنهم أخبروا بغفلة أهل ناحية أخرى، فتوجهوا إليها، وكرهت أن أرجع ولم أستنقذهم مما هم فيه، إن كان عدو يكاثرهم، أو أعرف من خبرهم ما أسكن إليه، فلم أجد أحداً يخبرني بشيء، فمضيت حتى أقف على باب عمورية (3) ، فآمره بفتح الباب، ففعل، وأدخلني، فلما صرت إلى بلاطها وقفت، وأمرت من يشد يدي إلى باب بطريقها، ففعل، ووافيت باب البطريق قد فتح، وجلس لي، ونزلت عن فرسي وأنا متلثم بعمامتي، فأذن لي، ومضيت حتى جلست على مثال إلى جانب مثاله، فرحب وقرب، وقلت: أخرج من أرى، فإني قد حملت إليك، فأخرجهم، وشددت عليه حتى غلق باب الكنيسة وعاد إلى مجلسه، واخترطت سيفي فضربت به على رأسه، فقلت له: قد وقعتَ بهذا الموضع، فأعطني عهداً حتى أكلمك بما أردت حتى أرجع من حيث جئت لا يتبعني منك خلاف، ففعل، فقلت: أنا البطال، فاصدقني عما أسألك عنه وانصحني، وإلا أجهزت عليك، فقال: سل عما بدا لك، فقلت السرية؟ فقال: نعم، وافت البلاد غارة لا يدفع أهلها يد بالأمس، فوغلوا في البلاد، وملأوا أيديهم غنائم، وهذا آخر خبر جاءني أنهم بوادي كذا وكذا، فصدقتك، وليس عندي من خبرهم غير هذا. فغمدت سيفي، وقلت: ادع لي بطعام، فدعا، ثم قمت، وقال: اشتدوا بين يدي رسول الملك حتى يخرج، ففعلوا، وقصدت إلى السرية حتى قدمت عليهم وخرجت بهم بما غنموا، فهذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 أعجب ما كان (1) . [122] قال: ونا الوليد، قال: وأخبرني بعض شيوخنا، قال: رأيت البطال قافلاً من حجه السنة التي قتل فيها رحمه الله، وهو يخبر أنه لم يزل فيما مضى من عمره مشتغلاً عن حجة الإسلام بما فتح له من الجهاد، وسأل الله الحج والشهادة، فإن الله قد قضى عنه حجته، وهو يرجو أن يرزقه الشهادة في عامه هذا، ثم مضى إلى منزله، وغزا من عامه فاستشهد (2) . [123] محمد بن عائذ، عن الوليد، قال: وأخبرني عبد الرحمن بن جابر: أن هشاماً تابع إغزاء معاوية بن هشام (3) الصائفة سنين، يفتح له فيها الفتوح، حتى توفي معاوية بن هشام، ثم ولي بعده سليمان بن هشام (4) الصوائف سنيات لا يليها غيره،فخرج في سنة من ذلك في بعث كثيف، ووجه مقدمته في ثمانية آلاف، عليها مالك بن شبيب (5) ، وأصحبه البطال، وأمره بمشاورته والأخذ برأيه، فخرج معه حتى وغل في أرض الروم ... قال ابن جابر: فحدثني من سمع البطال يخبر مالك بن شبيب وهو بأقرُن (6) ، أن بطريق أقرن أرسل إليه، لصهر بينه وبينه، أنه يأتيه حتى يكلمك بكلام لا تحتمله الرسالة، قال: فخرجت إليه حتى كلمني من بين شرافتين، وهو يحسب أني أمير الجيش، قال: وفي كم أنت؟ فقلت: في كذا وكذا ألفاً، وزدت، فقال: ما أدري ما تقول، إلا أن أصحابك أقل مما قلت، وبيننا وبينك من الصهر ما قد علمت، وهذا إليون قد أقبل في نحو من مائة ألف، وهو يريدك، لما بلغه من قلة جيشك، فما كنت صانعاً فاصنعه في يومك هذا، فإني قد أخبرتك الخبر، فانظر لنفسك، وها أنا قد أخبرتك الخبر فانظر لنفسك ومن معك، قال: فما الرأي؟ قال: الرأي أن تأتي إسناده، فإنها مثغرة مفتوحة، فتدخل فيها، وتشد من ثغرها، وتقاتلهم من وجه واحد، حتى يأتيك سليمان بن هشام بالصائفة، فقال من عند مالك من قومه: أراد والله العلج أن يلحق بك سماعها وعيبها، فأخذ مالك بقولهم، فقام عنه البطال، ومضى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 مالك يومه ذلك، ومن الغد، فبينا هو يسير إذ أشرف على أرض رأى فيها سواداً، فقال: غيضة! فقال البطال: كلا، ولكن ليون في جيشه، وما ترى من السواد الرماح وآلة الحرب، قال: الرأي؟ قال: اليوم، وقد تركته بالأمس! ، قال: الرأي أن تلقاه فتقاتله حتى يحكم الله، قال: ولقيناه، فقاتل مالك ومن معه حتى قتل في جماعة من المسلمين، والبطال عصمة لمن بقي من الناس، ووال عليهم (1) . [124] وعن الوليد، قال: وأخبرني عبد الرحمن بن جابر، قال: فحدثني من سمع البطال يخبر مالك بن شبيب يعني أمير مقدمة الجيش الذي قتل فيه، عن خبر بطريق أقرُن - صهر البطال –: أن ليون طاغية الروم قد أقبل في نحو مائة ألف، فذكر الحديث فى إشارة البطال عليه باللحاق ببعض مدن الروم المقفلة المخربة، والتحصن به حتى يلحقهم الأمير سليمان بن هشام، وعصيان مالك بن شبيب البطالَ في رأيه هذا، قال: ولقيناه يعني ليون، فقاتل مالك ومن معه حتى قُتل في جماعة من المسلمين، والبطال عصمة لمن بقي من الناس، ووال عليهم، قد أمرهم أن لا يعصوه، فلا يذكروا له اسماً، فتجمعوا عليه، فشد عليهم حتى حمل حملة من ذلك، فذكر بعضُ منْ كان معه اسمَه؛ وناداه، فشدت عليه فرسان الروم حتى شالته برماحها عن سرجه، وألقته إلى الأرض، وأقبلت تشد على بقية الناس، والناس معتصمون بسيوفهم، حتى كان مع اصفرار الشمس. قال الوليد: قال غير ابن جابر: وليون طاغية الروم قد نزل عن دابته، وضرب له مفازة، وأمر برَهَبَته وأساقفته فحضروا، فرفع يده، ورفعوا أيديهم؛ يستنصرون على المسلمين، وزاد أمر قلتهم، وقلة من بقي، فقال: ناد ياغلام برفع السيف، وترك بقية القوم لله، وانصرفوا بنا إلى معسكرنا، والقوم في بلادنا، نغاديهم، ففعل، قال ابن جابر: وانصرف إلى معسكره، وبات، وأمر البطال منادياً فنادى أيها الناس عليكم بسنادة، فادخلوها، وتحصنوا فيها، وأمَّر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 البطال رجلاً على مقدمتهم، وآخر على ساقتهم، لا يخلَّف جريحاً، ولا ضعيفاً فيما قدر عليه، وثبت في مكانه، وثبت معه قريب له في ناس من مواليه، وأمر من يسير في أوائلهم من يقول: أيها الناس الحقوا، فإن البطال يسير بأخراكم، وأمر من يقول في أخراهم أيها الناس الحقوا فإن البطال في أولاكم، يهديكم الطريق ويهيء منزلكم بسنادة، فمضى الناس فلم يصبحوا إلا وقد دخلوا سنادة، وافتقدوا البطال، فأجمع رأيهم على تحصينها والقتال عليها. قال: وأصبح البطال في مكانه في المعركة، به رمق، فلما كان من الغد ركب ليون بجيشه حتى أتى المعركة فوجدهم قد دخلوا سنادة إلا البطال ومن بقي معه، فأخبر به، فأتاه حتى وقف عليه، فقال: أبا يحيى، كيف رأيت؟ قال: ما رأيت، كذلك الأبطال، تَقتلُ، وتُقتلْ، قال ليون: علىّ بالأطباء، فأتي بهم، فأمرهم بالنظر في جراحه،فأخبروه أنها قد أنفذت مقاتله، فقال: هل من حاجة؟ قال: نعم، تأمر من ثبت معي، ومن في أيديكم من أسارى المسلمين بولايتي وكفني والصلاة علي ودفني، وتخلي سبيل من ثبت عندي، ففعل ذلك، وقصد إلى الناس بسنادة، فحاصرهم، فبينما هم على ذلك إذ أشرف من سند أو شيء مشرف على فرسه في رجال على خيول الطلائع، وهو يقول، أيها الناس، أنا ثابت البهراني رسول الأمير سليمان بن هشام، يخبر سرعة سيره إليكم، وهو آتيكم أحد اليومين، فسر ذلك المسلمين، وأصبح ليون سائراً بعسكره، قافلاً إلى القسطنطينية حتى دخلها، وأقبل سليمان بمن معه حتى نزل بسنادة، وأصلح إلى من كان بها حتى رحل عنها. وقال الشاعر: ألم يبلغك من أنباء جيشٍ بأقرُنَ غودروا جثثاً رماما غدوا من عندنا بصريم أمر يجوبون المهاوي والظلاما تقودهم حتوف لم يطيقوا لها دفعاً هناك ولا خصاما ولاقتهم زحوف الروم تهدي بجرار الضحى بعض الأكاما كأن جموعَهم لما تلاقوا ركامٌ رائح يتلو ركاما تلألأ بعضهم لما أتوهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 مع الإشراق قد لبسوا اللأُما فكان لهم به يومٌ عصيب أثار السابحات به القَتَاما معارك لم تقم فيها بشجوٍ نوائحُ يلتزمن به التزاما نأت عن مالك فيه بواكي ثواكل قد شجين به اهتماما ولم تهمل على البطال عينٌ هناك بعبرة تشفي الهُيَاما عشية باشر الأهوال صبراً بخيل تخرق الجيش اللُّهاما يكُرُّ عليهم بالخيل طعناً وضرباً بقتل البطل الهماما إذا ما خيله حملت عليهم تداعوا من مخافته انهزاما فإن يعلونه الأسبابُ يوماً فقد تلقاه مغواراً حُماما ولم أرَ مثلَه أمضى جَنَاناً وأحمدَ مشهدٍ وأقلَ ذاما فلا تبعد هنالك من شهيدٍ فإنك كنت للهيجا حُساما قال أبو عبد الله ابن عائذ: وليس هذا الشعر من حديث الوليد (1) . [125] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: فاخبرني عبد الرحمن بن جابر، أخبرني من غزا معه، يعني البطال، أنه سمع عبد الوهاب بن بخت المكي (2) ، وهو يقول: والله لقد كنا نسمع أن سرية ثمانية آلاف ونحوها، يليها رجل من قيس، فيقتل ومن معه إلا الشريد، وآية ذلك أنها خيل جريدة ليس معهم إلا راحلة، فانظروا هل ترون إبلاً أو راحلة، فركب بعض أهل المجلس فجال في العسكر، فقال:لم أر إلا راحلة عند آل فلان، قال: ولقينا العدو، فقتلوا مالكاً يعني ابن شبيب والبطال وعبد الوهاب بن بخت المكي (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 [126] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز ولى على غازية البحر المخارق بن ميسرة بن حجر الطائي، فلم يزل والياً حتى توفي، فولى يزيدُ بن عبد الملك المغيرةَ بن عمير الأزدي، من أهل حرستا، فلم يزل حتى توفي يزيد، وولي هشامُ بن عبد الملك فأقره سنتين، ثم عزله، وولَّى بريد [يزيد] بن أبي مريم الثقفي، قال: وعزل يعني هشاماً بريد [يزيد] وولَّى الأسودَ بن بلال المحاربي، وولي يزيدُ بن الوليد فعزله يعني الأسود ابن بلال، وولاه الأردن، وولَّى غازية البحر المغيرةَ بن عمير، فلم يزل عليه حتى سار إليه ابن أبي الأعور السلمي من طبرية، فقتله (1) [127] ابن عائذ، نا الوليد، قال: عزل هشامُ بن عبد الملك ابنَ أبي مريم عن غازية البحر، وولَّى الأسود بن بلال المحاربي. حدثنا الوليد، نا غير واحد أن سبب ولاية هشام بن عبد الملك الأسودَ بن بلال غازية البحر أن والي دمشق ولى الأسودَ بن بلال ولاية مدينة بيروت من ساحل دمشق، لمكان أم الأسود عند سليمان بن حبيب القاضي، فأغارت الروم على سفن من التجار مرسية بنهر بيروت، فذهبت بها، ومرت بها على باب ميناء بيروت، وأهلها ممسوكون بأيديهم هيبة له، فصاح الأسودُ بهم، وركب قوارب فيها لنسيه [كذا] وقد أفتق بطلبهم حتى استنقذ تلك المراكب، وقتل منهم، وكتب إلى هشام، فكتب هشام إلى الأسود بولايته على البحر، فلم يزل يحمدُ حزمه وعزمه وصنع الله له حتى توفي هشام، فأقره الوليد بن يزيد حتى قتل، وولي يزيدُ بن الوليد فعزله، وولاه الأردن، وولى غازية البحر المغيرة بن عمير (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 [128] قال: ونا الوليد، حدثني الليث؛ يعني ابن تميم القارىء (1) ، وابن أبي كريمة أن الروم قاتلته على باب ميناء صور، فأخرج إليهم خالد بن الحسفان الفارسي فهزمهم، وطلبهم، فأرست سفينة من سفن الروم بأهلها على جزيرة صور فأسرهم، وكتب ابن أبي مريم إلى هشام يخبره بقتال الروم إياه على باب ميناء صور، فوجه إليهم ابنه الشرف فهزمهم، وأدرك سفينة في جزيرة صور راسية فأسر أهلها، قال: وكتب صاحب البريد بطبرية؛ إن الذي ولي قتالهم وطلبهم خالد الفارسي، فكتب إليه هشام: إنه ليس بالشرف ولكنه الوضيع، وكذبت، فنقل (2) خالداً وأصحابه ذلك المركب، إلا خمسة، وعزل يزيد، وولّى الأسود بن بلال المحاربي (3) . [129] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وبويع الوليد بن يزيد، يعني في شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة، واستعمل على الصائفة أخاه الغمرَ بن يزيد (4) . قال ابن عائذ، وحدثنا الوليد، قال: فحدثني غير واحد بحديث قد وهمت فيه، أن الغمر بن يزيد شتى في صائفته هذه، وأنا أشك في صائفة أخرى بعدها بسنة [كذا] وثلاثين ألفاً. وقتل الوليد بن يزيد على ذلك ولم يكن للناس صائفة بعد ذلك (5) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 [130] ابن عائذ، قال: قال الوليد: فحدثني من سمع واصلاً - رجل من أهل دمشق ممن كان يعرف بالصلاح والصلاة والصبر عليها، فابتلي بالأسر، فكانت الروم تكرمه لما ترى من حاله، قال واصل: لما اختلف قسطنطين وأرطباس بعثني قسطنطين ببطارقته إلى الوليد بن يزيد يستنصره على أرطباس، وجعل العهد لئن أنا قمت برسالته، والإعراب عنه مع بطارقته جائزة كذا وكذا، وتخلية سبيلي، قال: فقدمت على الوليد بهم، وتقدم من عند أرطباس من يسأل الوليد نصرتهم وموالاتهم على قسطنطين، قال واصل: فتكلمت عند الوليد، وقامت البطارقة بلغت عن صاحبها، وقامت بطارقة أرطباس فتكلمت عن أرطباس، واستمع الوليد من الفريقين، ثم أقبل عليهم فقال: لو كنت ناصراً أحداً لنصرت قسطنطين على من خالفه، ولكن انصرفوا، فكلكم عدو، وليس بيني وبين أحد منكم إلا السيف، ثم أقبل على البطارقة الذين جئت بهم فقال: أرأيتم صاحبنا هذا أثخنته الجراحة فأسرتموه، فلا سبيل لكم إليه قد رده الله، أم ألقى بيديه فهو عبدكم يرجع معكم؟ فقالوا: بل أثخنته الجراحة، فحبسني الوليد، وأمر بالجيش فسيروا، وأمضى الغمر بن يزيد في صائفته، فوافى اختلافاً بينهم فغنم وسبى (1) . [131] محمد بن عائذ، نبأنا الوليد، قال: لما ولي مروان بن محمد (2) ولَّى، يعني غزو البحر تركه بن يزيد العاملي، وَلّى من بعده معن بن سالم العاملي (3) ، ثم وَلّى مكانه حذيفة بن سعيد السلامي (4) ، ثم ولى من بعد الحارث بن سليمان العنسي (5) . [العصر العباسي] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 [132] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: أدركت ولاية الأمين، وأمراء المؤمنين من آل رسول الله قد ائتموا بما مضى من سنة رسول الله، ومن بعده من ولاة الأمر في.. والصوائف، وتقوية المجاهدين، فكان من ذلك إغزاء أمير المؤمنين أبي العباس عبد الله بن علي (1) على ما.. جرد بها الناس إدراك مائة ألف أو يزيدون حتى افتتن عبد الله بن علي بعد وفاة أبي العباس (2) . [133] محمد بن عائذ، أنا الوليد، عن أبي حريش الكناني (3) ، قال: كنا في سنة خمس يعني وثلاثين ومئة وعبد الله بن علي يومئذ بدابق على صائفة الناس، ومعه من أهل الشام وغيرهم نحو من مائة ألف، قال أبو الحريش: أظنه عام عمورية، قلنا: وما ذلك يا أبا حريش؟ قال: غزونا الصائفة مع عثمان ابن حيان في خلافة يزيد بن عبد الملك حتى نزلنا على عمورية، وأقام عليها ستة وثلاثين منجنيقاً، وجدّ في حصارها وقتالهم إذ خرج رجل منا من كنانة من أهل فلسطين إلى البراز، في دير الحبيش الذي دونها، فكلمه الحبيش، وقال له في ذلك قولاً أتانا به عنه، فذهبنا به إلى عثمان بن حيان، فأخبره بمقالته، فركب معه حتى وقف على الحبيش، وأمر صاحبنا أن نكلمه، فتقدم فكلمه، فقال: إني قد أخبرت أميرنا بمقالتك، وها هو ذا قد أحب أن يسمعه منك، قال الحبيش: أجل هو كما قلت لك: لا تقدرون على فتحها حتى يكون الذي بينكم رجل من أهل بيت نبيكم، وحتى يكون فيكم قوم شعورهم شعور النساء، ولباسهم لباس الرهبان، فيومئذ يفتحونها، فوالله لكأني أنظر إليهم يدخلونها من هذا الباب ويخرجون من ذاك. قال أبو الحريش: فعاد عثمان إلى منزله، وأمر بتحريق المجانيق، وأمر منادياً ينادي: يا أيها الناس أصبحوا على ظهر مغيرين إلى داخل أرض الروم، ففعل الناس فمضى، ثم قفل بنا (4) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 [134] محمد، قال: فلما كان سنة ست وثلاثين ومائة أغزى أبو العباس جماعة من أهل الشام والجزيرة والموصل كما كانوا يغزون، وأغزى جماعة من أهل خراسان وأهل العراقين، وولى على جماعتهم عبد الله بن علي، وأمره بالإدراب، وولى أبا جعفر عبد الله بن محمد الموسم، معه أبو مسلم، فشخص عبد الله عن دابق حين نزل دلوك (1) يريد الإدراب، فتوفي أبو العباس يوم الأحد لاثني عشرة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة، وكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر، وعهد إلى أبي جعفر في مرضه، وعيسى بن محمد، وعيسى بن علي، ومن كان بالأنبار منهم، فرأوا كتمان عبد الله بن علي ذلك، ليتم إدرابه، وكتبوا إلى صالح بن علي - وهو بمصر - بولايته على عمله الأول، وعلى من كان يليه عبد الله بن علي من الشام، ويأمرونه بالمسير إلى ذلك، فمر الرسولُ بذلك إلى علي بن صالح بن علي بقريب له بحلب، فباح به إليه، واستكتمه إياه يوماً وليلة ومضى الرسول، فأخبر بذلك المُستكتَمُ عاملَ عبد الله بن علي على حلب، فكره أن يكتب بما لا ينفقه إلى عبد الله بن علي، فأرسل في طلب الرسول، فأدركه بقليل، فأخذ كتابه، فبعث به إلى عبد الله بن علي - وهو بدلوك - فقرأه، فجمع إليه الناس، ونعى أبا العباس، ودعا إلى نفسه، واستَشهد حميدَ بن قحطبة وأصحاباً له أن أبا العباس قد كان جعل له العهد في مسيره إلى مروان في الزاب إن هو هزمه، فشهدوا له بذلك، فبايعوه بالخلافة، وانصرف عن الإدراب، ومضى يريد العراق فمر بحران، وفيها موسى بن كعب عامل لأبي جعفر على من خلف بحران من ولده وأهل بيته وأمواله، فحاصرهم أربعين ليلة، وقدم أبو جعفر العراق فوجه إليه أبا مسلم في نحو من أربعين ألفاً، فقاتل عبد الله بن علي فاتحة سنة سبع وثلاثين ومائة وأشهر حتى هزمه الله، واجتمع الأمر لأبي جعفر في سنة سبع وثلاثين ومائة، فلم يكن للناس في تلك السنة صائفة، إلا أن أبا جعفر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 كتب إلى صالح ابن علي في ولايته الشام وما كان يليه من مصر، ويأمره بالمسير إلى مقدم الشام، فقدم فنزل دير سمعان وحلب وما يليها، فكان ذلك أمناً للبلاد في تلك السنة. ثم غزّا أبو جعفر سنة ثمان وثلاثين ومائة جماعةً من أهل الشام والجزيرة والموصل ومن كان مع صالح بن علي من جيوش أهل خراسان (1) . [135] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: ثم لما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين أبي جعفر عبد الله بن محمد أغزى صالح بن علي (2) في سنة ثمان وثلاثين ومائة، في نحو من سبعين ألفا. ثم أغزى عبد الرحمن بن إبراهيم، والحسن بن قحطبة (3) في سنة تسع وثلاثين ومائة في سبعين ألفاً ملطية، وأمضى طائفة منهم إلى أرض الروم (4) . [136] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: ثم لما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين أبي جعفر عبد الله بن محمد أغزى صالح بن علي، ثم أغزى عبد الوهاب بن إبراهيم، والحسن بن قحطبة، وكان من ذلك إغزاؤه العباس ابن محمد إلى حصار أهل كمخ في نحو من ستين ألفا (5) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 [137] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: لما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين إلى أبي جعفر عبد الله بن محمد غزا صالح بن علي سنة ثمان وثلاثين ومائة في نحو من سبعين ألفاً.. قال ابن عائذ: واجتمع الأمر لأبي جعفر في سنة سبع وثلاثين ومائة فلم يكن للناس صائفة، إلا أن أبا جعفر كتب إلى صالح بن علي في ولايته على الشام وما كان يليه من مصر، ويأمره بالمسير إلى مقدم الشام، فقدم، فنزل دير سمعان (1) وحلب وما يليها، فكان ذلك أمناً للبلاد في تلك السنة. ثم أغزا أبو جعفر سنة ثمان وثلاثين ومائة جماعة من أهل الشام والجزيرة والموصل ومن كان مع صالح بن علي من جيوش أهل خراسان. وأغزا العباسَ بن محمد (2) في جماعة من أهل الشرق، واستعمل على جماعتهم صالح ابن علي، فولى صالح مقدمته عامر بن إسماعيل الجرجاني، وعلى الميمنة العباس ابن محمد، وعلى الميسرة عبد الله بن صالح، فأدربهم صالح حتى أتى دارتين (3) وما يليها. ثم فعل سنة تسع وثلاثين ولم يلق جيشاً، ولم يفتح مدينة، ولم يغنم غنائم مذكورة، فانصرف الناس في عافية. ثم أمر صالح بن علي بالمعسكر بدابق بمن معه من أهل خراسان في سنة اثنين [هكذا] وأربعين ومائة. ثم أغزا صالح بن علي في سنة ثلاث وأربعين ومائة بمن معه من أهل خراسان وبعثاً ضربه على أهل الشام ليس بالكثيف، وأمره أن يعسكر بهم بدابق، ففعل، ووجه هلال بن ضيغم السلامي - من أهل دمشق - في جماعة من أهل دمشق، فبنوا على جسر سيحان حصين أذنة (4) . [138] وعن ابن عائذ، قال: ووجه يعني المنصور في تلك السنة - يعني سنة اثنتين وأربعين ومائة - عبد الوهاب بن إبراهيم (5) ، معه الحسن بن قحطبة في جماعة من أهل خراسان وأهل الشام والجزيرة والموصل، وأمرهما أن يبنيا ما خربته الروم من حائط لملطية، وإعادته علىماكان (6) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 [139] قال أبو العباس الوليد: وقد سمعت من شهد ذلك اليوم - يعني يوم قاتل ابن أسيد الخزر - في ولاية بني العباس (1) ، قال: وركب ابن أسيد على بغلة له شهباء، وقد تعبأ الناس وتهيأوا ووطنوا أنفسهم على القتال، وأقبل ابن أسيد على الناس بوجهه، فوعظهم وحرضهم، وقال لهم في ما يقول: يا معشر المسلمين وأبناء المهاجرين والشهداء إن الله قد أنعم عليكم وأحسن إليكم أن رزقكم الله هذا الأجر، وساقكم إلى هذا الموضع، وجعلكم ممن يختم عمره بالشهادة في سبيله؛ التي يكفر بها ذنوبكم، ويدخلكم بها الجنة، ويزوجكم من الحور العين، وقابلوا الله في هذه المواطن بالحسنى، واستحيوا من الله أن يطلع من قلوبكم على ريبة أو خذلان أو فرار من الزحف، فإن الله مقبل عليكم بوجهه، وقد اطلعت عليكم الحور العين، وزخرفت الجنة، وأنتم أبناء الشهداء، ومن فتح الله بهم القلاع والمدائن والحصون وجزائر البحور، وليس موت بأكرم من القتل، فلا يحدثن إنسان نفسه أن تزول قدماه من مكانهما لفرار ولا هرب، فوالله لو فعل ذلك فاعل منكم ليخطفه أهل هذا الجبل وهذه الأمم ولكانوا أعدى العدو له، فاستودعوا دماءكم هذه البقعة فإنها بقعة طيبة ساقكم الله إليها وأكرمكم بها، واعلموا أنه آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، وإنما تقاتلون من لا يعرف الله ولا يوحده ومن يعبد الشمس والنار ويأكل الميتة، لا يعرف له رباً ناداً عن التوحيد وأهله، فلتصدق نيتكم، وليحسن ظنكم بثواب ربكم، وإنجاز موعده لكم، وقد استخلفت عليكم عبد الرحمن بن أسيد إن أصابتني مصيبة، ثم تقدم ابن أسيد إلى كل جند في الصف فكلمهم بهذا الكلام، ثم انصرف إلى الميسرة فكلمهم بمثل ذلك، ثم رجع إلى موضعه فنزل عن دابته، وذكر الحديث (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 [140] قال ابن عائذ، نا الوليد، قال: غزوت قبرس سنة ست وأربعين ومائة مع العباس بن سفيان الخثعمي، فكان أول جيش من المسلمين غزوا قبرس في ولاية آل الرسول (1) . [141] ابن عائذ، أخبرني عبد الأعلى بن مسهر، قال: كان على الصائفة سنة أربع وخمسين زفر بن عاصم، وفي سنة ست وخمسين ومائة زفر ابن عاصم (2) . [142] محمد بن عائذ، حدثنا الوليد، قال: لما أفضى الأمر إلى المنصور عبدِ الله بن محمد ولى صالحَ بنَ علي على الشام، فوَلّى غازية البحر يونس بن الليث العبسي، ثم ولى المنصورُ العباسَ بن سفيان الخثعمي، فوليه حيناً ثم عزله، وولى مكانه عامرَ بن ربيعة السلمي، ثم ولى بعده الغمرَ بن العباس السكسكي، ثم ولى من بعده عبدَ الله بن الأسود المحاربي (3) . [143] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: ثم ولى يعني المنصور عبد الله ابن الأسود المحاربي يعني غزاة البحر، ثم ولى جرير بن عبد الملك العبسي (4) . [144] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: ثم ولى يعني المنصور من بعده - يعني صالح بن علي - إبراهيمَ بن صالح (5) جند دمشق والأردن والبحر، فولى البحر الوزير بن عبد الحميد النصري (6) ، ثم عزل إبراهيم، وولى ابن أبي عوف الكوفي، ثم ولى علي بن صالح الأردن والبحر (7) . [145] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: ثم ولى يعني المنصور علي بن صالح الأردن والبحر، فولى البحر عبد الله بن سعد، ثم ولى حميد بن معيوف (8) . [146] محمد بن عائذ، أخبرني عبد الأعلى بن مسهر، قال: كان على الصائفة في سنة ثلاث وخمسين معيوف بن يحيى (9) ، وفي سنة ثمان وخمسين ومائة معيوف بن يحيى المذكور (10) . [147] نا ابن عائذ، أخبرني عبد الأعلى بن مسهر، قال: كان على الصائفة في سنة خمس وخمسين ومائة يزيد بن أسيد، وفي سنة سبع وخمسين ومائة يزيد بن أسيد (11) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 [148] ابن عائذ، قال: واستخلف المهدي فولى الصائفة سنة تسع وخمسين ومائة العباس بن محمد، وفي سنة ستين ومائة ثمامة بن الوليد العبسي (1) . [149] محمد بن عائذ، أخبرني عبد الأعلى بن مسهر: أن عبد الكبير بن عبد الحميد غزا الصائفة سنة أربع وستين ومائة في خلافة المهدي. قال ابن عائذ: فأخبرني الوليد بن مسلم أنه ولى عبد الكبير الصائفة على أربعين ألفاً من أهل الشام والجزيرة والموصل، فكان على أهل فلسطين محمد بن زيادة اللخمي، وعلى أهل الأردن عاصم بن محمد من أهل الأردن، وعلى أهل دمشق عاصم بن بحدل الكلبي، وعلى أهل حمص عبد الرحمن بن يزيد الكندي وذكر الحديث (2) . [150] ابن عائذ، أخبرني الوليد بن مسلم أنه ولى عبد الكبير - يعني ابن عبد الحميد - الصائفةَ يعني في خلافة المهدي على أربعين ألفاً من أهل الشام والجزيرة والموصل، فكان على أهل فلسطين محمد بن زيادة اللخمي، وعلى أهل الأردن عاصم بن محمد من أهل الأردن، وعلى أهل دمشق عاصم بن بحدل الكلبي، وعلى أهل حمص عبد الرحمن بن يزيد الكندي، وعلى أهل قنسرين وعلى أهل الجزيرة ابن مدحرج الربعي، وعلى أهل الموصل ابن العراهم الأزدي من السحاج، وأنه نزل دابق وذكر الحديث بطوله (3) . [151] أبو عبد الله ابن عائذ، قال: فذكر الوليد عمن أخبره: أن المهدي أمير المؤمنين ولى ابنه هارون الصائفة، وكان فيها من أهل الشام وأهل خراسان وأهل الكوفة والبصرة ومتطوعة أهل الحجاز واليمن مئتان وثمانية آلاف، فكان على أهل فلسطين محمد بن زيادة اللخمي، وعلى أهل الأردن عبد الملك بن الدهاث، وعلى أهل دمشق معيوف بن يحيى الحجوري، وعلى أهل حمص عيسى بن عمر الكندي، وذكر بعض الغزاة (4) . [152] قال ابن عائذ: واستخلف موسى بن محمد، فغزا سنة تسع وستين ومائة معيوف بن يحيى (5) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 [153] محمد بن عائذ، قال: أستخلف هارون بن محمد، فغزا في سنة إحدى وسبعين ابن الأصم، وفي سنة اثنتين وسبعين ومائة عبد الملك بن صالح (1) ، ولم يكن للناس صائفة حتى غزا القاسم بن هارون أمير المؤمنين سنة ثمان وثمانين ومائة (2) [154] محمد بن عائذ، قال: ثم غزا أمير المؤمنين عبد الله بن هارون سنة خمس عشرة ومائتين (3) ؛ فافتتح قرة وحصوناً معها على صلح فأخرجهم منها وخربها، منها حربلة، ووجدهم قبل أن يتحصنوا، فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم، ونزل على الحصن وخربه، وحصناً يقال له: لاما، فاستنزل أهله بالأمان على أنفسهم وأموالهم، وهدم الحصن وخربه، وحصناً يقال له: زلزلن، على مثل ذلك، فهدم الحصن وخربه، وحصناً يقال له: بروله، فتحصنوا وحاربوه، فرماهم بالمجانيق، فاستشهد جماعة من المسلمين، وقتل من الكفار عدة، ثم طلبوا الأمان، فأعطاهم، وهدم الحصن وخربه، وخلف بها عسكره، ثم مضى إلى حصن يقال له: فونة، فاستنزلهم بالأمان، ثم مضى إلى حصن يقال له: ولاقوس، فتحصنوا ورموا بالحجارة، ثم سألوا الأمان فأعطاهم، ثم هدمه وخربه. ثم غزا سنة سبع عشرة ومائتين، فحاصر لؤلؤة، ثم انصرف عنها وخلف عليها قائداً من قواده يقال له: عجيف، فأسروه، ثم خلي سبيله. ثم غزا في سنة ثمان عشرة ومائتين (4) ، فمات فيها بأرض الروم، سنة ثمان عشرة ومائتين، وكانت خلافته عشرين سنة، ومات ابن ثمان وأربعين سنة وشهرين أو ثلاثة (5) . هذا آخر ماتيسر جمعه من هذا الكتاب والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله تعالى وسلم على نبينا محمد وآله ومن تبعهم بإحسان. الحواشي والتعليقات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 قال في لسان العرب: الصائفة الغزوة في الصيف، وقال: تشتى المكان أقام به في الشتوة، مادة (صيف) و (شتا) ، فالمقصود بالصوائف الغزوات التي كان يقوم بها المسلون في بلاد الروم في الربيع والصيف، والشواتي التي كانت تحدث في فصل الشتاء، لكن الغزو كان يتم غالباً في الصيف اتقاء الثلج والبرد، فكان يطلق عليها الصوائف، انظر المعجم الوسيط، مادة (صاف) . ويظهر لي من استقراء النصوص أن نظام الصوائف والشواتي بدأ يظهر منذ وقت مبكر بعد استقرار المسلمين في بلاد الشام وانسحاب الروم عنها في زمن الفاروق رضي الله تعالى عنه، حيث وقفت جبال طوروس حاجزاً طبيعياً بين الطرفين، وبدأت الحرب سجالاً بينهما على المناطق الحدودية والتخوم، فكان المسلمون كلما اجتازوا الدرب في تلك الجبال الذي عرف ب (درب الحرب) – وهو ما بين طرسوس وبلاد الروم – (المشترك وضعاً والمفترق صقعاً ص 177) ، أو غيره من الدروب، سميت تلك الغزوة بصائفة أو شاتية. لم أعثر بعد البحث في فهارس الكتب والمخطوطات على أيِّ مؤلف في هذا الموضوع، لكن قرأت في فهرست ابن النديم ص 146، وفي تاريخ دمشق 12/81 و 34/334، و 56/372 أن للواقدي كتاباً اسمه (الصوائف) ، ولا يعرف عنه الآن شيء. احتوت تلك الدراسة على: ترجمته، تحصيله العلمي، شيوخه، توثيقه، عقيدته، أخلاقه، وفاته، ثقافته ومصنفاته التاريخية، موارده، تلامذته والرواة عنه، أهمية كتبه ومنهجه فيها، اقتباس المتأخرين عنه في المرويات التاريخية. إن جميع التواريخ المدونة في هذا البحث بالتاريخ الهجري، ولذا فلن أتبعه بحرف الهاء الذي يدل عليه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 الوليد بن مسلم أكثر شيوخ ابن عائذ التصاقاً به ومعظم مرويات ابن عائذ التاريخية جاءت عن طريقه، وهو عالم أهل الشام في وقته في المغازي والسير، موصوف بالتدليس في الحديث مع الصدق، توفي سنة 195 منصرفه من الحج. انظر عنه التاريخ الكبير 8/215، والجرح والتعديل 9/16، وثقات ابن حبان 9/222، وتاريخ دمشق 63/274، وتهذيب الكمال 31/86، والكاشف 2/355. أحمد بن إبراهيم البسري، من أخص تلامذة ابن عائذ به وأكثرهم رواية عنه ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 1/252، وانظر تاريخ دمشق 53/289، وسير أعلام النبلاء 11/105، والكاشف 1/89 مصادر هذه المعلومات مذكورة بالتفصيل في البحث الآخر الذي وردت فيه ترجمته مفصلة، ولا أريد تكرارها هنا، ولكن انظر على سبيل المثال: تاريخ دمشق 53/288-294، وتهذيب الكمال 25/427، وسير أعلام النبلاء 11/104-107 انظر مثلاً: تاريخ خليفة ص 226، وص 261 تاريخ دمشق 10/354 المصدر السابق 50/173-174 المصدر السابق 65/117 انظر المصدر السابق 11/297، و 56/347، و 65/53 المصدر السابق انظر مثلاً 20/144، و 33/402 المصدر السابق 32/9، و 66/9، 159، و 67/158 انظر عنه: الجرح والتعديل 2/410، وتاريخ دمشق 10/363-365 انظر: تاريخ دمشق 10/354 وما بعدها، والوافي بالوفيات 10/182 انظر: تهذيب الكمال 1/252 وما بعدها، وسير أعلام النبلاء 11/105 انظر: تاريخ دمشق 43/286 وما بعدها انظر المصدر السابق 35/101 وما بعدها، وسير أعلام النبلاء 17/366 انظر عنه: تاريخ دمشق 36/262 وما بعدها، وسير أعلام النبلاء 18/248 لم أجد في تاريخ ابن عساكر المطبوع ترجمة له مع كثرة نقله عنه، انظر: سير أعلام النبلاء 19/576 وما بعدها، وشذرات الذهب 4/73 انظر عنه: تاريخ دمشق 41/244 وما بعدها وسير أعلام النبلاء 19/358 انظر عنه: المنتظم 18/224، والبداية والنهاية 12/294، وطبقات الشافعية 2/13 وما بعدها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 تاريخ دمشق 26/252. انظر على سبيل المثال تاريخ دمشق 29/427. تهذيب التهذيب 11/133 الأمثلة على ذلك في تاريخ دمشق كثيرة جداً منها 11/44، 12/113، 21/217، 22/242، 40/27،144، 46/446 50/337، 57/324، 66/159، 68/231. انظر على سبيل المثال تاريخ دمشق 19/42، 53/48، عبد الأعلى بن مسهر شيخ الشام في وقته، متفق على توثيقه، روى له الجماعة، توفي سنة 218. انظر عنه ثقات العجلي ص 285، وتاريخ دمشق 33/421، وتهذيب الكمال 16/369. انظر مثلاً تاريخ دمشق 56/474، 59/443، إسماعيل بن عياش قدم بغداد في زمن أبي جعفر المنصور وحدث بها حديثاً كثيراً، وهو صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم. انظر: تاريخ دمشق 39/481، وتهذيب الكمال 3/163 تاريخ دمشق 56/473، 477، محمد بن شعيب أحد الكبار، كان يسكن بيروت، من الأثبات في الأوزاعي، ثقة، مات في حدود سنة 200. انظر عنه التاريخ الكبير 1/113، وثقات ابن حبان 9/50، وتاريخ دمشق 53/245، وتهذيب التهذيب 9/167. تاريخ خليفة ص 220، مروان بن محمد قال عنه أحمد بن حنبل: كان يذهب مذهب أهل العلم، ثقة، مات سنة 210. انظر عنه الجرح والتعديل 8/275، وتاريخ دمشق 25/166، 32/120، 40/531،45/212،53/288، وتهذيب الكمال 27/398. تاريخ دمشق 32/9، سليمان بن عبد الحميد كان ممن يحفظ الحديث ويتنصب، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال عنه: صديق أبي وسمعت منه بحمص، وهو صدوق، وقال النسائي: كذاب ليس بثقة ولا مأمون، مات سنة 274. انظر ترجمته في ثقات ابن حبان 8/281، وتاريخ دمشق 22/342، وتهذيب التهذيب 4/205. تاريخ دمشق 68/225، الهيثم بن حميد من أعلم الناس بقول مكحول، قال عنه أبو داود: قدري ثقة. انظر عنه: التاريخ الكبير 8/215، والجرح والتعديل 9/82، وتهذيب الكمال 30/370، والكاشف 2/344. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 تاريخ خليفة ص 220، محمد بن عمر أحد الأعلام، مدني سكن بغداد، ورحل إلى دمشق، ضعيف كذاب متروك الحديث عند أهل الحديث، انظر عنه: الكامل في ضعفاء الرجال 6/241، وتاريخ دمشق 54/432، وتهذيب التهذيب 9/323 تاريخ دمشق 33/301-302. إلا في حالات نادرة جداً، كما في حاشية رقم 14. ساعد على ذلك - بعد توفيق الله تعالى – وجود معظم تلك الكتب على اسطوانات ممغنطة، تسهل مراجعتها واستعراض ما بداخلها بواسطة جهاز الحاسب. هذا الاسم علم على عدة مواضع، والمعْنِيُّ هنا (درب الحرب) وهومابين طرسوس وبلاد الروم. المشترك وضعاً والمفترق صقعاً ص 177 عمير بن سعد صحابي،استعمله عمرعلى حمص،ثم عزل لما جمع عثمان الشام لمعاوية، انظر عنه سير أعلام النبلاء 2/103-105 تاريخ دمشق 46/487، وقارن بمعجم البلدان 4/404، وميسرة بن مسروق العبسي، صحابي وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد حجة الوداع كان ذا صلاح وبلاء في الجهاد في بلاد الشام، انظر عنه الإصابة 6/238 عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، أبو عتبة الشامي الداراني، ثقة. تقريب التهذيب ص 604. يقع ناحية أنطاكية والمصيصة، انظر غزوات ابن حبيش 1/187، وقد ذكر ياقوت الحموي أسماء أربعة عشر مرجاً، ولم يذكرهذا منها، المشترك وضعاً..ص 393، وما لم يعرف في هذا البحث من المروج فهو غير مذكور ضمنها، ولم أجد له تعريفاً. تاريخ دمشق 61/320 هشام بن حسان القردوسي، أبو عبد الله، ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين. تقريب التهذيب ص 1020. محمد بن سيرين، أبو بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة ثبت عابد كبير، مات سنة 110. تقريب التهذيب ص 853. البُرْنُس: كل ثوب رأسه منه ملتزق به، لسان العرب مادة (برنس) العِمامة: ما يلف على الرأس، تاج العروس، مادة (عمم) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 الكُمَّة: القلنسوة المدورة وهي التي تلبس في الرأس، تاج العروس، مادتا (قلس) و (كمم) ، ويبدو أنها تكون تحت العمامة. مفردها جُمَّة: وهي مجتمع شعر الرأس، لسان العرب، مادة (جمم) والمقصود أن عمر رضي الله عنه كان يظنهم من الخوارج لوجود بعض صفاتهم التي يعرفها عمر جيداً، لأنه كان شاهداً يوم ذكر رسول الله (بعض صفاتهم في أحد مجالسه (فتح الباري 12/160 وانظر 8/67) ، لكن أصحاب عمير ليسوا بهم، وكان عمير يدرك قصد عمر. قُبَاقب: اسم نهر بالثغر يدفع في الفرات قرب ملطين، معجم البلدان 4/303 تاريخ دمشق 46/488-489 سعيد بن عبد العزيز التنوخي، أبو محمد الدمشقي، ثقة دين إمام، لكنه اختلط في آخر أمره. مات سنة 167. تهذيب التهذيب 4/59 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 383. حبيب بن مسلمة الفهري، قال البخاري: له صحبة، كان كثير الجهاد في بلاد الروم ذا نكاية بهم، توفي سنة 42 في أرمينية وهو وال عليها لمعاوية. انظر عنه: سير أعلام النبلاء 3/188-189، والإصابة 2/25. تاريخ دمشق 12/73 سعيد بن بشير الأزدي مولاهم، أبو عبد الرحمن أو أبو سلمة الشامي، ضعيف،مات سنة 68. تقريب التهذيب ص 374. قتادة بن دعامة السدوسي، أبو الخطاب البصري، ثقة ثبت. تهذيب التهذيب 8/351 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 798 عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي، ثقة. تهذيب التهذيب 7/258وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 687 أي أصحاب الكهف، واختلف في اسم مدينتهم، لكن ياقوت يذكر أنها بين عمورية ونيقية. معجم البلدان 3/61. تاريخ دمشق 41/75 هو مولى حبيب بن مسلمة، لم أجد له ترجمة المصدر السابق 12/74 المصدر السابق 12/74 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 إرْمِيْنيَة (بكسر أوله ويفتح) بدون تخصيص اسم لإقليم واسع غرب بحر الخزر افتتحه حبيب الفهري بأمر عثمان رضي الله تعالى عنهما، انظر: فتوح البلدان 2/200، ومعجم البلدان 1/159 وما بعدها. أما إرمينية الرابعة فتطلق على عدد من المدن منها: شمشاط، قاليقلا، خلاط، أراجيش، باجنيس، وقيل هي شمشاط وحدها. فتوح البلدان2/188، 2/197. تاريخ دمشق 12/74-75 عثمان بن حصن، أبو عبد الله الدمشقي، مولى قريش، ثقة. تهذيب التهذيب 7/110، وتقريب التهذيب ص 661 يزيد بن عبيدة بن أبي المهاجر السكوني الدمشقي، من شيوخ دمشق، صدوق. تهذيب التهذيب 11/350، وتقريب التهذيب ص 1080 تاريخ دمشق 46/57، وأبو الأعور هو عمرو بن سفيان بن عبدشمس بن سعد، يقال إن له صحبة، كان أمير جيش الشام في غزوة عمورية سنة 23، انظر عنه: الإصابة 4/641 صخر بن جندلة أو جندل، أبو المعلى الشامي البيروتي، ليس به بأس، من ثقات أهل الشام. تاريخ دمشق 23/418 وما بعدها يونس بن ميسرة بن حلبس، ثقة عابد معمر، قتلته المسودة سنة 132، تهذيب التهذيب 11/448وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 1099 حدير السلمي مولاهم، أبو فوزة أو فروة، يقال إن له صحبة، أو هو في الطبقة التي تلي الصحابة من التابعين. تاريخ دمشق 21/239 وما بعدها كعب بن ماتع الحميري، أبو إسحاق،كان في اليمن على دين اليهود، فأسلم وقدم المدينة في خلا فة عمر، كان ذا علم غزير وصدق، مات سنة 32 أو34، انظر عنه الإصابة 5/647 وما بعدها. حَرسْتا: قرية كبيرة عامرة وسط بساتين غوطة دمشق إلى الشمال منها على طريق حمص. معجم البلدان 2/241. دِمَشق: المدينة المعروفة، قصبة بلاد الشام، المبنية منذ القدم للتفصيل عنها انظر: معجم البلدان 3/463 وما بعدها. دَوْمَة: من قرى غوطة دمشق أبعد عنها من حرستا. المشتر ك وضعاً والمفترق صقعاً ص 187. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 معلولا: إقليم من نواحي دمشق له قرى، معجم البلدان 5/158 بلد مشهور في بلاد الشام بين دمشق وحلب في منتصف الطريق بينهما. معجم البلدان 2/302 تاريخ دمشق 12/241-242،وفي 50/174 عن يزيد بن محمد عن ابن عائذ به. مبشر بن إسماعيل الحلبي، أبو إسماعيل الكلبي مولاهم، صدوق. تهذيب التهذيب 10/31، وتقريب التهذيب ص 919 جعفر بن برقان الكلابي، أبو عبد الله الرقي، صدوق يهم في حديث الزهري، قيل كان مجاب الدعوة. تهذيب التهذيب 2/85وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 198 أبو عبد الله حرسي عمر بن عبد العزيز، ذكره في تاريخ دمشق 67/38 وما بعدها، ولم يذكر شيئاً عن توثيقه تاريخ دمشق 67/39 معاوية بن يحييى، أبو مطيع الطرابلسي، أصله من دمشق، صدوق له أوهام. تهذيب التهذيب 10/220وما بعدها، وتقريب التهذيب 957 أو أَطْرَابُلس مدينة مشهورة على ساحل بحر الشام بين عكا وأنطاكية. انظر: المشترك وضعاً.. ص 25. سفيان الثمالي، له صحبة، وحج حجة الوداع مع الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، انظر عنه: تاريخ دسشق 21/352. بَعْلَبَك مدينة قديمة ذات آثار وقصور شمال دمشق، معجم البلدان 1/435. بلد على ساحل الشام، بين حيفا وصور. انظر معجم البلدان 4/143 وما بعدها. جزيرة في بحر الروم مقابل ساحل الشام، فتحها معاوية في زمن عثمان رضي الله عنهما. معجم البلدان 4/305. تاريخ دمشق 21/356. شيخ الوليد بن مسلم هذا لم أجد له ترجمة، ولم أهتد إلى تحقيق اسم والده الذي ورد بهذه الصور: ذعلبة، ذعلية، ذعبلة، دعلبة، عكنة، دعكنة، عطية. بسر بن أبي أرطأة العامري القرشي، أبوعبد الرحمن، يقال إن له صحبة، من الولاة والقادة الفاتكين في زمن معاوية رضي الله عنه، تولى البحر وغزو الروم. انظر عنه تاريخ دمشق 10/144 وما بعدها. تاريخ دمشق 27/231- و10/148 وقال بدل (بالحمة) (بالجمد) ، وقارن مع تاريخ خليفة ص 191، وتاريخ الطبري 5/212. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 في سائر الروايات زيد. تاريخ دمشق 34/329، وقارن بتاريخ خليفة ص 192، وتاريخ الطبري 5/226، وعبد الرحمن بن خالد المخزومي، أدرك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان مع أبيه يوم اليرموك، وسكن حمص، غزا الروم مغازي كثيرة،وكان شريفاً ممدحاً، مات سنة 46 على الراجح. انظر أخباره في تاريخ دمشق 34/324 وما بعدها. تاريخ دمشق 34/329-330 ذكره ابن عساكر في 16/210-211 تحت ترجمة أبي كلثم الدوسي، وذكر أنه من أهل دمشق، ثم ساق أخباره. تاريخ دمشق 16/211، و 67/58،وقارن بتاريخ خليفة ص 193-194، وتاريخ الطبري 5/227، 229.وأبو عبد الرحمن القيني شهد فتوح الشام، وكان يقال له ذو الشوكة، ولاه معاوية غزو الروم فغزا أنطاكية من سنة 45-48. انظر عنه: الإصابة 7/263 مالك بن هبيرة السكوني، قال البخاري له صحبة، مات في زمن معاوية. انظر عنه: الإصابة 5/756.وقارن مع الطبري 5/229 تاريخ دمشق 56/515 صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي،أبو عمرو الحمصي، ثقة، شارك في أحد البعوث في عهد عبد الملك بن مروان سنة 94. تهذيب التهذيب 428 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 454 المحرقات أو الحراقات: سفن فيها مرامي نيران يرمى بها العدو، القاموس المحيط مادة (حرقه) تاريخ دمشق 32/119. سفيان بن عوف الأزدي الغامدي، أمير الصوائف، توفي مرابطاً بأرض الروم سنة 52، الصفدي، الوافي بالوفيات 15/283 تاريخ دمشق 21/350، وانظر كتاب الفتن، لنعيم بن حماد 2/503 عبد الله بن لهيعة بن عقبة، أبو عبد الرحمن المصري، صدوق خلط بعد احتراق كتبه، مات سنة 174، وقد ناف على 80سنة. تهذيب التهذيب 5/373 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 538 الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري، إمام مشهور فقيه ثقة ثبت،مات سنة 275. تهذيب التهذيب 8/459 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 817 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 هو يزيد بن أبي حبيب، واسمه سويد، الأزدي مولاهم، أبو رجاء المصري، ثقة فقيه، كان يرسل، توفي سنة 128، التاريخ الكبير 4/2/336، تهذيب التهذيب 11/318، وتقريب التهذيب ص 1073 اسمه أسلم، أبو عمران التجيبي المصري، روى عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وشارك في غزو القسطنطينية الأول في عهد معاوية رضي الله عنه. تاريخ دمشق 16/33 وما بعدها صحابي، شهد فتوح الشام ومصر، وتوفي بها سنة 58، انظر ترجمته مفصلة لدى ابن عساكر 40/486. انظر تاريخ دمشق 34/329، ولكن القول بأن عبد الرحمن على الجماعة غير دقيق، لأن عبد الرحمن كان قد توفي سنة 46 أو 47 هـ، المصدر السابق نفسه 34/334. هو عمر بن سعد بن عبيد الحفري، أبو داود، ثقة عابد، مات في الكوفة سنة 203. تهذيب التهذيب 7/452 وما بعدها يونس بن الحارث الثقفي، نزيل الكوفة، ضعيف. تهذيب التهذيب 11/436 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 1098 لعله مشرس الجرشي، أبو زيد، انظر التاريخ الكبير 4/2/65، وثقات ابن حبان 7/526 تاريخ دمشق 66/292 المصدر السابق 16/62 سليمان بن مهران الأسدي مولاهم، أبو محمد الكوفي، ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع، لكنه يدلس، مات سنة 148، تهذيب التهذيب 4/222، وتقريب التهذيب 414 حصين بن جندب بن الحارث الجنبي، أبو ظبيان الكوفي، ثقة، مات سنة 90، تهذيب التهذيب 2/379،وتقريب التهذيب ص 253 أبو سعيد هو مولى لمحمد بن عمر المعيطي الأموي، شارك في غزو القسطنطينية وحصارها الأول والثاني. تاريخ دمشق 66/267-268. المصدر السابق 16/62 المصدر السابق 59/158-159 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 المصدر السابق 33/229، وعبد الله بن مكرز بن الأخيف القرشي العامري، قائد من الغزاة البحريين، انظر عنه تاريخ دمشق 33/228 وما بعدها، وقارن بتاريخ خليفة ص 196 وتاريخ الطبري 5/234، أما القسطنطينينة فهي دار ملك الروم بناها قسطنطين الكبير أحد ملوكهم فسميت به، فصل عنها ياقوت في معجم البلدان 4/347-348 عبد الله بن ثوب، من اهل اليمن، ثقة عابد،كان يغزو كثيراً في بلاد الروم، مات في ملك يزيد بن معاوية على الراجح. سير أعلام النبلاء 4/7 وما بعدها، والبداية والنهاية 6/267-268، وتقريب التهذيب ص 1205. تاريخ دمشق 27/230-231، و10/148، وقارن مع تاريخ خليفة ص 205 ومع الطبري 5/253 تاريخ دمشق 48/300، قارن مع تاريخ خليفة ص 205.وفضالة بن عبيد الأنصاري من أصحاب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم الذين بايعوا تحت الشجرة، ولاه معاوية غزاة البحر، ثم ولاه القضاء دمشق، انظر عنه: تاريخ دمشق 48/290 وما بعدها. تاريخ دمشق 35/50، وذكر خليفة بن خياط ذلك سنة 53، تاريخ خليفة ص 193، وكذا الطبري 5/288. وعبد الرحمن هو ابن عبد الله بن عثمان الثقفي والدته أم الحكم بنت أبي سفيان، اشتهر بالنسبة إليها، استعمله خاله معاوية،ومروان بن الحكم، وعبد الملك، ومات في خلافة هذا الأخير. انظر عنه: تاريخ خليفة ص 263، والبدابة والنهاية8/242، والإصابة 8/192. تاريخ دمشق 62/221 المصدر السابق 33/229 وقارن بتاريخ خليفة ص206، وتاريخ الطبري 5/288. يحيى بن يزيد الجزري، أبو شيبة الرهاوي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال عنه ابن حجر: مقبول. الثقات 7/613 ووتقريب التهذيب ص 1070 زيد بن أبي أنيسة الكوفي، سكن الرها، ثقة، مات سنة 124 وهو ابن 36 سنة. التاريخ الكبير 2/1/388، وتهذيب التهذيب 3/397 وتقريب التهذيب ص 350 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 وفد على النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوه وجده، شهد فتح دمشق، وقتل في مرج راهط مع الضحاك بن قيس سنة 64، انظر عنه الإصابة 6/192. تاريخ دمشق 59/443 المصدر السابق 21/351،وقارن بتاريخ خليفة ص 211، وتاريخ الطبري 5/293 كان من أهل الفروسية والنجدة والعفاف وسياسة الحرب من رجال سفيان بن عوف الأزدي، وخلفه على جيشه بعد موته، انظر عنه: تاريخ دمشق 33/50 و 21/351. المصدر السابق 35/403، وقارن بتاريخ خليفة ص 212، وتاريخ الطبري 5/299 تاريخ دمشق 35/403. عبد الله بن قرط الأزدي الثمالي، صحابي تولى إمارة حمص لعمر بن الخطاب، ثم لمعاوية، وقتل بأرض الروم سنة 56، انظر عنه: تاريخ خليفة ص 129، والآحاد والمثاني 3/42، تهذيب التهذيب 5/116، والإصابة 7/77. تاريخ دمشق 1/273. يوسف بن الحجاج الحنفي، ذكره ابن حبان في الثقات. التاريخ الكبير 4/2/385 والثقات 7/637 بانياس مدينة على ساحل الشام بين طرطوس واللاذقية، ومَرَقِيَّة قلعة حصينة في سواحل حمص كانت خربة فجددها معاوية رضي الله عنه ورتب فيا الجند وأقطعهم انظر: معجم البلدان 5/109 تاريخ دمشق 32/9-10، وقارن مع معجم البلدان 1/374 كذا، والصحيح: علاق. تاريخ دمشق 65/230، لكن ابن خياط ص 213، والطبري 5/308 يذكران في سنة 57 عبد الله بن قيس. أما يزيد بن شجرة فهو أبو شجرة الرهاوي، يقال: إن له صحبة، وكان يلي بعض الجيوش في قتال الروم، مات سنة 58 غازياً. انظر تاريخ دمشق 65/220 وما بعدها. مالك بن عبد الله قيل: إن له صحبة، وهو المعروف بمالك السرايا، كان كثير الغزو، قاد الصوائف أربعين سنة. انظر عنه تاريخ دمشق 56/466 وما بعدها. منير بن الزبير الشامي، أبو ذر الأردني ويقال الأزدي، ضعيف. تهذيب التهذيب10/321، وتقريب التهذيب ص 974 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 الصحيح عبادة بن نُسَي، الكندي، أبو عمرو الشامي، قاضي طبرية، ثقة فاضل، مات سنة 118 وهو شاب. ثقات ابن حبان 7/102، وتهذيب التهذيب 5/113 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 485 تاريخ دمشق 56/472-473، وقارن بتاريخ خليفة ص 212-213، وتاريخ الطبري 5/301،308 عمرو بن مرة الجهني ويقال الأسدي والأزدي والمهري، صحابي وفد على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يعد من أهل دمشق، مات بالشام في خلافة عبد الملك، انظر عنه تاريخ دمشق 46/337 ومابعدها. جاء هذا الاسم مرة بهذا الشكل، ومرة المندرون، تاريخ دمشق 14/385، ولم أجدهما في المعاجم، لكن قال صاحب العيون والحدائق: توفي المأمون وهو بالبَدَنْدُون؛ نهر في بلاد الروم، ص 377، وقال ياقوت تحت اسم بَذَنْدوْن: قرية قريبة من بلاد الثغر بها مات المأمون سنة 218 ونقل إلى طرسوس. معجم البلدان 1/361-362، فلعلها هي المقصودة هنا، وقد جاءت بهذا الرسم الأخير في نسخة تاريخ خليفة التي حققها د. مصطفى فواز وزميلته (دار الكتب العلمية، بيروت 1415) ص 139. تاريخ خليفة ابن خياط ص 214، وانظر ابن عساكر 14/385، و 46/348، وقارن بالطبري 5/309. والحصين بن نمير الكندي السكوني، من أهل حمص، كان على الجيش الذي أرسله يزيد لابن الزبير بمكة فحاصرها،وضرب الكعبة بالمنجنيق، قتل سنة 60.انظر ترجمته عند ابن عساكر، تاريخ دمشق 14/382 وما بعدها. تاريخ خليفة ص216، تاريخ دمشق 11/298 وقارن بتاريخ الطبري 5/315، وجنادة بن كبير الأزدي شهد فتح مصر، وكان أميراً على البحر لمعاوية، موصوفاً بالشجاعة والخير، توفي بالشام سنة ست وثمانين، وقد قارب الثمانين، انظر عنه: تاريخ دمشق 11/292 وما بعدها، والبداية والنهاية 9/26 مسلم بن زياد الحمصي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: مقبول، ثقات ابن حبان 5/400، وتهذيب التهذيب 10/130، وتقريب التهذيب ص 938 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 جنادة بن أبي أمية الأزدي، أبو عبد الله الشامي، قال ابن حجر: هما اثنان؛ صحابي وتابعي متفقان في الاسم والكنية، ويظهر أن المعنيّ هنا هو التابعي، كان ثقة صاحب غزو، مات سنة 86، طبقات ابن سعد 7/439، وتهذيب التهذيب 2 /315 وتقريب التهذيب ص203 تاريخ دمشق 11/297 قال عنه ابن عساكر: أظنه بيروتياً، حكى عن محمد بن شعيب، تاريخ دمشق 62/18 أمير من أمراء البحر المشهورين في زمن معاوية،غزا فيه حوالي خمسين غزوة لم ينكب فيها ولم يغرق أحد من جيشه. انظر عنه: تاريخ دمشق 32/118 وما بعدها. بالمصدر السابق 56/473-474 عطية بن قيس الكلابي، أبو يحيى الشامي، غزا مع أبي أيوب الأنصاري، ثقة مقرئ، مات سنة 110، تهذيب التهذيب 7/228، وتقريب التهذيب ص 681 المصدر السابق 56/ 474 لم يذكر ابن عساكر عقبة هذا من ضمن شيوخ عبد الأعلى مع استيعابه لهم، تاريخ دمشق 33/421 عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الشامي الأوزاعي، كان ثقة مأموناً صدوقاً فاضلاً خيراً كثير الحديث والعلم والفقه، مات مرابطاً في بيروت سنة 158، التاريخ الكبير 3/1/326، وتهذيب التهذيب 6/238 وما بعدها صحة اللقب: السَّيْبَاني وليس الشيباني، أبو زرعة الحمصي، ابن عم الأوزاعي، شهد غزاة القسطنطينية مع مسلمة، روايته عن الصحابة مرسلة، مات سنة 150، تهذيب التهذيب 11/260 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 1063 تاريخ دمشق 56/474-475 المصدر السابق 56/ 475 المصدر السابق 56/477 لعله سعيد بن حنظلة العائذي، ذكره في التاريخ الكبير 2/1/166، والجرح والتعديل 5/14 عمرو بن معاوية بن المنتفق العقيلي، كان مواسياً لأصحابه، ولاه عثمان أرمينية واستعمله معاوية على الصائفة. انظر عنه تاريخ دمشق 46/361 وما بعدها. تاريخ خليفة ص 219،وتاريخ دمشق 46/362. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 الرّمَك: الرمكة هي الفرس والبرذونة التي تتخذ للنسل، مُعرّب، وقيل هي أنثى البراذين. لسان العرب، مادة (رمك) . تاريخ خليفة ص 219-220، وتاريخ دمشق 46/362 رشدين بن سعد بن مفلح، أبو الحجاج المهري، ضعيف، كان صالحاً في دينه فغلبت عليه غفلة الصالحين فخلط في الحديث، مات سنة 288، التاريخ الكبير 2/1/337، وتقريب التهذيب ص 326 الحسن بن ثوبان بن عامر الهوزني، أبو ثوبان المصري، ولي على ثغر رشيد، صدوق فاضل، مات سنة 145، التاريخ الكبير 1/2/287 وما بعدها، وتهذيب التهذيب 2/259 هو ابن أبي حبيب الأزدي تاريخ خليفة ص 220 في تاريخ ابن عساكر بدل منقبة: سِقلّية، وبدل مائة دينار: مائتا دينار 32/120 تاريخ خليفة ص 220 المصدر السابق ص 220 المصدر السابق ص 221 يحيى بن حمزة من أهل بيت لهيا، ولاه المنصور القضاء، كان ثقة وكان يرمى بالقدر، مات سنة 183. انظر عنه: تاريخ دمشق 64/125، وتهذيب الكمال 31/ 278، والكاشف 2/364 يزيد بن أسد البجلي القسري، له صحبة، كان مع معاوية، وغزا في عهد يزيد. انظر عنه تاريخ دمشق 65/100 وما بعدها. قَيْسَارِيَّة علم على موضعين مذكورين في هذا البحث أحدهما هذا وهي مدينة في وسط بلاد الروم وتسمى قيصرية، زارها الرحالة ابن بطوطة ووصفها. والأخرى قيسارية فلسطين وهي على ساحل بحر الشام. انظر: المشترك وضعاً.. ص 364-365، ورحلة ابن بطوطة 1/324. تاريخ دمشق 65/106 تاريخ خليفة ص226، وقارن مع ص 225 والطبري 5/322، وقُوْنِية مدينة كبيرة في بلاد الروم شمال جبال طوروس، دخلها ابن بطوطة في رحلته ووصفها، انظر: معجم البلدان 4/303، 4/415، ورحلة ابن بطوطة 1/322 تاريخ خليفة ص 261 المصدر السابق ص 262-263 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 الجراجمة أصلهم نصارى من مدينة على جبل اللكام بين بياس وبوقا يقال لها الجرجومة في لبنان، وكان المسلمون قد تركوهم وقت الفتح على أن يكونوا أعواناً لهم، لكنهم كانوا كثيري الغدر، فأخرب مدينتهم مسلمة بن عبد الملك في سنة 89 فتفرقوا. انظر عنهم: فتوح البلدان 2/163 وما يليها. سَنِيْر جبل بين حمص وبعلبك على رأسه قلعة سنير، معجم البلدان 3/269 يقع بالقرب من دمشق على تل مشرف على مزارع الزعفران مبني بالجص، معجم البلدان 2/533 تاريخ دمشق 20/145-146. عمر بن محمد الأشجعي الغطفاني، ولد بحمص، وكان في جيش يزيد لأهل الحرة، وولي بعض الصوائف في عهد عبد الملك. تاريخ دمشق 46/327. تاريخ دمشق 46/329 وقارن بتاريخ خليفة ص 273، هرقلة مدينة في بلاد الروم إلى الغرب من الطوانة، معجم البلدان 5/398 تاريخ دمشق 63/170وقارن بتاريخ خليفة ص 275، وتاريخ الطبري 6/318 تاريخ دمشق 64/122 وقارن بتاريخ خليفة ص275، وتاريخ الطبري 6/321، ويحيى بن الحكم بن أبي العاص أخو مروان بن الحكم، سكن دمشق، ولاه ابن أخيه عبد الملك المدينة ثم حمص. انظر عنه: تاريخ دمشق 64/119 وما بعدها أما مَرْج الشحم فهو ببلاد الروم قرب عمورية، معجم البلدان 3/328 تاريخ دمشق 38/117، وقارن بالمشترك وضعاً.. حيث قال عن حصن سنان: في بلاد الروم من فتوح عبد الله بن عبد الملك بن مروان ص 136. أما عبيد الله المذكور هنا فهو ابن مروان بن الحكم أخو عبد الملك، له ذكر ورواية وغزو، انظر عنه: تاريخ دمشق 38/115 وما بعدها ابن الحكم أمير أموي من الشجعان الأبطال في الحروب مع الروم والخزر، توفي سنة 101. انظر عنه: تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات101-120) ص 254، وسير أعلام النبلاء 5/148 انظر تاريخ خليفة ص 268، وفي معجم البلدان لياقوت 1/ 260 (أندرين) قرية من قرى الجزيرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 في تاريخ خليفة ص 268-269: كتب إلي بكار عن محمد بن عائذ قال في سنة خمس وسبعين غزا محمد بن مروان الصائفة، وخرجت الروم إلى الأعماق في جمادى الأولى فلقيهم أبان بن الوليد بن عقبة بن ابي معيط ودينار بن دينار فهزمهم الله قارن بتاريخ خليفة ص 290وَ 292، وتاريخ الطبري 5/385، وعبد الله بن عبد الملك بن مروان ولي الغزو وبنى المصيصة، وولي أمرة مصر بعد عمه عبد العزيز، مات في حدود المائة وترك ذهباً كثيراً. انظر عنه: الوافي بالوفيات 17/300 تاريخ دمشق 55/241، وقارن بتاريخ خليفة ص 293، 304، وتاريخ الطبري 6/426، 429 الليث بن تميم الفارسي من مشيخة ساحل دمشق، ومن غزاة البحور، روى عنه الوليد ابن مسلم روايات كثيرة عن مغازيه التي شارك فيها؛ في القسطنطينية وغيرها، انظر عنه: تاريخ دمشق 50/337 وما بعدها. وجه الحجر: عقبة قرب جبيل على ساحل بحر الشام، معجم البلدان 5/363 أبو العلاء، أمير الساحل،وولي سجستان للحجاج، وكان من رجال أهل الشام في سياسة الجنود ومشاهد الحروب. انظر عنه: تاريخ دمشق 34/401 وما بعدها. سعيد بن عمرو الحرشي من الولاة والقادة الشجعان من أهل الشام، له حروب مع الخزر بعد قتل الجراح الحكمي. انظر عنه: الوافي بالوفيات 15/248. تاريخ دمشق 34/402-404 تاريخ دمشق 55/241-242 حصن وبلد منيع من الحصون التي بناها الروم بثغور المصيصة، افتتحه المسلمون سنة 88. معجم البلدان 4/45-46 وقارن بتاريخ خليفة ص 305، وتاريخ الطبري 6/436،والعباس بن الوليد بن عبد الملك كان من الأبطال المذكورين والأسخياء الموصوفين، يقال له فارس بني مروان، ولي الغازية والفتوح، مات في حدود سنة 130. انظر عنه: الوافي بالوفيات 16/637 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 عبد الله بن محيريز بن جنادة الجمحي نزيل بيت المقدس، قيل: إن له صحبة، وقيل كان تابعياً، له ذكر وفضل وزهد، وقيل كانت وفاته في ولاية عمر بن عبد العزيز، تاريخ دمشق 33/6 وما بعدها أبو الأبيض العنسي أو العبسي الشامي، من بني زهير بن جذيمة، تابعي ثقة، كان يصرح بسب الحجاج علانية في الشام، وشارك في غزوات الصوائف، قتل سنة 88. تاريخ دمشق 66/7 وما بعدها.، تقريب التهذيب 1105 تاريخ دمشق 26/443-446 المصدر السابق 18/258 تاريخ دمشق 66/9-10، وقارن بتهذيب الكمال 21/7. ابن عبد الملك، ولي الصائفة في خلافة أبيه الوليد، كانت وفاته سنة 93. انظر عنه: تاريخ دمشق 57/361 وما بعدها. تاريخ دمشق 26/445،وقارن بتاريخ خليفة ص 306، 309، 310، وتاريخ الطبري 6/442، 454، 468، 469، 483، 492. ابن معبد بن شداد المري، أبو المغراء، ثقة عند أهل الحديث، استعمله الوليد بن عبد الملك على المدينة وكان في سيرته عنف، وولي الغزو في أيام يزيد بن عبد الملك، توفي سنة 150. انظرعنه: تاريخ دمشق 38/338 وما بعدها. المصدر السابق 38/347-348. ابن عبد الملك، أبو حفص، كان يقال له فحل بني مروان، ولاه أبوه الموسم والغزو، واستعمله على الأردن مدة ولايته. انظر عنه: تاريخ دمشق 45/354 وما بعدها. المصدر السابق 45/355 موسى بن نصير اللخمي، أبو عبد الرحمن كان ذا رأي وحزم، تولى البحر في عهد معاوية وغزا قبرص، ثم تولى إقليم المغرب، وشارك مولاه طارقاً في في فتح الأندلس، توفي بالمدينة.انظر عنه سير أعلام النبلاء 4/496 وما بعدها. من سكان أطرابلس، وولي إمارتها زمن عبد الملك بن مروان،وتولى غزو البحر زمن الوليد، انظر عنه: تاريخ دمشق 20/144 وما بعدها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 أبو خراسان بن تميم الفارسي، أحد الموالي من الفرس الشعان، له آثار حسنة في جهاد الروم ومواقف بطولة. انظر ترجمته في تاريخ دمشق 66/159، وانظر 50/337 وما بعدها. من ولاة البحر وغزاته في عهد الوليد بن عبد الملك. انظر عنه تاريخ دمشق 21/367 تاريخ دمشق 14/405، و 20/146، وقد ترجم لحظي هذا ابن عساكر في تاريخه 14/405 المصدر السابق 66/159 وقارن بتاريخ خليفة ص 305، وتاريخ الطبري 6/439 حصن من حصون الروم الحدودية مع المسلمين معجم البلدان 1/374 تاريخ دمشق 58/33-34، وقارن بتاريخ خليفة ص 319-321، وتاريخ الطبري 6/523، 530، 545. تاريخ دمشق 17/155 المصدر السابق 33/402 مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأمير، قائد الجيوش، له مواقف مشهودة مع الروم، وكان ميمون النقيبة توفي سنة 121. انظر عنه سير أعلام النبلاء 5/241 وتاريخ دمشق 58/46 مسلمة بن حبيب الفهري، كان أميراً على جند دمشق مع مسلمة بن عبد الملك في غزاة القسطنطينية، له ذِكْر. انظر عنه: تاريخ دمشق 58/21 وما بعدها. اسم جامع لناحية بأرمينية قصبتها تفليس، معجم البلدان 2/125 تاريخ دمشق 58/21 أبو المثنى، كان أميراً من الدهاة الشجعان، ولاه عمر بن عبد العزيز الجزيرة فغزا الروم، وشارك في الغزو البحري للقسطنطينية وتولى العراق ليزيد بن عبد الملك، ثم عزله هشام. انظر عنه: تاريخ دمشق 45/373 وما بعدها، تاريخ دمشق 45/374 كتائب الخيل، واحدها كردوس. لسان العرب، مادة (كردس) . المحرقات: سبق تعريفها، أما القوادس: فهي السفن الكبار. لسان العرب، مادة (قدس) ، ويؤيده ما ذكر في النص من حمل الخزائن والأمتعة فيها. أما المعينات: فذكر في النص أنها التي تحمل الجنود والمقاتلة. تاريخ دمشق 50/ 337-339 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 عبد الله بن الحسين، أبو يحيى، المعروف بالبطال،كان ينزل أنطاكية،وله جهاد وبطولات في حروب المسلمين مع الروم، قتل في واحدة منها، اختلف في سنة وفاته، والراجح سنة 122 أو 123. انظر تاريخ خليفة ص 367 وتاريخ دمشق 33/401 وما بعدها والبداية والنهاية 9/334، وانظر العيون والحدائق ص 100 الشدة والضيق تاريخ دمشق 66/246-247 الخزيرة: شبه عصيدة وهو اللحم الغاب يقطع صغارا في القدر ثم يطبخ بالماء الكثير والملح فإذا أميت طبخا ذر عليه الدقيق فعصد به ثم أدم بأي إدام، ولا تكون الخزيرة إلا بلحم وإذا كانت بلا لحم فهي عصيدة، تاج العروس مادة (خزر) تاريخ دمشق 66/267-268 المصدر السابق 68/230-231 برجان: هم الذين يعرفون ببلغار الطونة، يجاورون مقدونيا من ناحية الشمال وتراقيا من ناحية الغرب. انظر كراتشكوفسكي، تاريخ الأدب الجغرافي العربي 1/135. وملكهم اسمه ترفل Tervel. ابن قيس العقيلي، فارس من الفرسان، قيل شهد غزو القسطنطينية مع مسلمة وقيل كان مدداً له، مات في ذلك الغزو. انظر عنه: تاريخ دمشق 22/442 وما بعدها. تاريخ دمشق 22/442-443. العقيلي، كان من الغزاة في عهد معاوية ومن بعده من الخلفاء، وأمر على بعض السرايا فكان موفقاً. انظر عنه: تاريخ دمشق 38/154 وما بعدها. تاريخ دمشق 38/154-155، وانظر 22/443-444 المصدر السابق 67/159 المصدر السابق 33/46، وانظر تهذيب الكمال16/119، وتهذيب التهذيب 6/24 المرقبة: الموضع المشرف يرتفع عليه الرقيب وما أوفيت عليه من علم أو رابية لتنظر من بعد والمرقبة: هي المنظرة في رأس جبل أو حصن، تاج العروس مادة (رقب) . تاريخ دمشق 68/231-232 زيد بن واقد القرشي، أبو عمر، أو عمرو الدمشقي، ثقة له رواية في صحيح البخاري، مات سنة 138، تهذيب التهذيب 3/426، وتقريب التهذيب ص 356 تاريخ دمشق 19/527 المصدر السابق 68/231 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 الكندي الحمصي، أبو ثور، وفد على معاوية مع أبيه، وكان ثقة خيراً، ولي الصائفة لعمر بن عبد العزيز،وكانت وفاته سنة 140، ترجم له ابن عساكر بتفصيل في تاريخ دمشق 46/311 وما بعدها. تاريخ دمشق 46/320 المصدر السابق 57/131، والمخارق الطائي من الغزاة في البحر وقد وليه في خلافة عمر بن عبد العزيز، وكان له ذِكْر. انظرعنه: تاريخ دمشق 57/130 وما بعدها. عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، كان رجلاً صالحاً لكنه ضعيف الحفظ، مات سنة 156، تهذيب التهذيب 6/173 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 578 المغيرة بن سلمة المخزومي، أبو هشام البصري، ثقة ثبت، مات سنة 200، تقريب التهذيب ص 965 عبد الأعلى بن أبي عمرة الشيباني مولاهم، سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وكان على أخت موسى بن نصير، من أهل الطبقة الرابعة، تاريخ دمشق 33/416 وما بعدها المصدر السابق 33/419 المصدر السابق 46/320 المصدر السابق 63/314 من ولد عقبة بن أبي معيط، عمل لعمر بن عبد العزيزعلى قنسرين، وعلى الصائفة، وكان حياً في زمن مروان بن محمد. انظر عنه: تاريخ دمشق 63/309 وما بعدها. تاريخ دمشق 46/319-320، وانظر 63/314. المصدر السابق 68/225 المصدر السابق 58/38-39. الحرستاني، له ذِكْر، ولي غازية البحر في أيام يزيد بن عبد الملك ويزيد بن الوليد إلى أن قتل. انظر تاريخ دمشق 60/80 المصيصي، ولاه هشام غازية البحر فلم تكن ولايته محمودة. انظر تاريخ دمشق 65/386 وما بعدها. تاريخ دمشق 65/387، وصور: مدينة على ساحل بحر الشام داخلة فيه يحيط بها البحر من معظم جوانبها بين صيدا وعكا، معجم البلدان 3/433 وما بعدها. تاريخ دمشق 26/446،وقارن بتاريخ خليفة ص 336، وتاريخ الطبري 6/619. المصدر السابق 38/348، وانظر 34/401،وقارن بتاريخ خليفة ص 338. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي، قيل: اسمه بكير، وقيل: عبد السلام، ضعيف، سرق بيته فاختلط، مات سنة 256 تهذيب النهذيب 12/28 وما بعدها،وتقريب التهذيب ص 1116 أبو عقبة، أحد الأشراف الشجعان، تولى في خلافة عمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك، وانصرف إلى الغزو والفتح فمات مجاهداً سنة 112. انظر عنه: سير أعلام النبلاء 5/189-190 يحتمل أن الكلمة الساقطة هي (الخزر) لأنهم هم الذين حاربوا معلق البهراني فهزموه، انظر تاريخ خليفة ص 336، وكان ذلك سنة 103. تاريخ دمشق 59/369،وبلنجر: مدينة ببلاد الخزر خلف باب الأبواب، معجم البلدان 1/489،ومعجم ما استعجم 1/276، وكان ذلك الفتح في سنة 104، انظر تاريخ خليفة ص 337. أذر بيجان: إقليم واسع تغلب عليه الجبال غرب بحر الخزر مجاور لإرمينية فتحه حذبفة ابن اليمان في عهد عمر رضي الله تعالى عنهما، انظر: معجم البلدان 1/128- 129. تاريخ دمشق 58/39 المصدر السابق 65/133 يزيد بن أسيد السلمي، ولي أرمينية لمروان بن محمد، ثم وليها للمنصور، وكان شجاعاً، حارب الخزر أكثر من مرة، انظر عنه تاريخ دمشق 65/117 تاريخ دمشق 37/207، وانظر 65/117 المصدر السابق 21/247-248، وعند ابن خياط أن هذه الغزوة؛ غزوة الطين بقيادة مسلمة بن عبد الملك ص 353، وانظر كامل ابن الأثير، حوادث سنة 112 4/207-208. تاريخ دمشق 21/249، وقارن بتاريخ خليفة ص353. تاريخ دمشق 57/324-325. المصدر السابق 57/325-326. يقابل المقدمة: الساقة تاريخ دمشق 11/144، وانظر 37/167. ابن مروان، أبو عثمان، كان يتنسك، وعرف بسعيد الخير، ولي الغزو في خلافة أخيه هشام، وفلسطين للوليد بن يزيد. انظر عنه: تاريخ دمشق 21/216 وما بعدها. المصدر السابق 21/217 وانظر 40/28-29 و 144،وقارن بتاريخ خليفة ص 349، وتاريخ الطبري 7/29 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 402 وقارن بتاريخ خليفة ص 350، وتاريخ الطبري 7/40، وسعيد بن هشام بن عبد الملك، كان منهمكاً في لذات الدنيا فحبسه أبوه، ثم أسند إليه بعض المغازي في خلافته. انظر عنه: تاريخ دمشق 21/317 وما بعدها، والوافي بالوفيات 15/269 وما بعدها. تاريخ دمشق 21/318، وانظر 58/39، وقارن بتاريخ خليفة ص 352، وتاريخ الطبري 7/46. تاريخ دمشق 46/445-446. لعله عبد الله بن العلاء بن زبر الربعي الدمشقي فهو أحد شيوخ الوليد، قال عنه ابن معين: ليس به بأس، أما دحيم فقد وثقه جداً، التاريخ الكبير 3/1/162، والجرح والتعديل 5/128 الإسطام: المِسْعار، وفي الحديث (العرب سطام الناس) أي هم في شوكتهم وحدتهم كالحد من السيف، تاج العروس مادة (سطم) . تاريخ دمشق 56/347-348 ناحية من بلاد الروم! هكذا قال عنها ياقوت: معجم البلدان 2/392 بلد قريب من ملطية في بلاد الروم، معجم البلدان 2/359 صاحب الوضاحة، قائد من قواد بني أمية، استعان به مروان بن محمد في حروبه، وكان صاحب مغاز في الصوائف. انظر عنه: تاريخ دمشق 46/445 وما بعدها. المصدر السابق 59/280-281، وقارن بتاريخ خليفة ص 351، 353، 355، 357، 360، 361 -363، وتاريخ الطبري 7/43،54، 67، 70، 88، 90، 92-93، 99، 109 ولي الغزو في خلافة هشام بن عبد الملك، وله ذكر في الحروب. انظر عنه: تاريخ دمشق 35/349 المصدر السابق 35/349 المصدر السابق 37/90، وقارن بتاريخ خليفة ص 364، وتاريخ الطبري 7/113، وعبد الملك بن القعقاع بن خليد العبسي، ولي بعض الصوائف لهشام، وقد عذبه يزيد بن عمر بن هبيرة بأمر الوليد بن يزيد حتى مات بقنسرين. انظر عنه: تاريخ دمشق 37/90. ابن عبد الملك، أبو شاكر الأموي،كان شريفاً ممدحاً، ولي أيام أبيه الموسم وغزو الصائفة. انظر تاريخ دمشق 58/65 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 403 ابن عبد الملك، ولي بعض المغازي في أيام أبيه، وله ذِكْرٌ. انظر عنه: تاريخ دمشق 65/52 وما بعدها. تاريخ دمشق 58/68، وانظر 65/53،وقارن بتاريخ خليفة ص 367، وتاريخ الطبري 7/160، ومَلَطْية: بلدة في بلاد الروم، إلى الشرق من قيسارية الرومية، معجم البلدان 5/192 وقارن بتاريخ خليفة ص 365، وتاريخ الطبري 7/139 تاريخ دمشق 22/398-399،وقارن بتاريخ خليفة ص 369. وعند ابن كثير 9/332: حتى تستمكنوا من القرية ومن سكانها تاريخ دمشق 33/402، والبداية والنهاية 9/331-332. مسبوتاً: أي مغشياً عليه، ويقال سبت المريض فهو مسبوت وسبت يسبت سبتاً: استراح وسكت، والسبات نوم خفي كالغشية، لسان العرب مادة (سبت) . تاريخ دمشق 33/402-404. عبد الله بن راشد الخزاعي مولاهم، من أهل دمشق، ثقة عابد، ذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات، ثقات ابن حبان 7/35، وتهذيب التهذيب 5/205،وتقريب التهذيب ص 504 الَمصِّيصَة مدينة على شاطىء نهر جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم. معجم البلدان 5/145 مدينة مشهورة وسط بلاد الروم، فتحها المعتصم سنة 223، انظر: معجم البلدان 4/158 تاريخ دمشق 33/404-405 وتاريخ الإسلام (حوادث سنة 101-120) ص 408، وانظر البداية والنهاية 9/332-333 وكلهم عن ابن عساكر. تاريخ دمشق 33/405، وكان استشهاده إن شاء الله تعالى سنة 122. ابن عبد الملك، أبو شاكر، كان جواداً ممدحاً، له ذكر في الصوائف والفتوح،توفي سنة 118 أو 119. ترجمته في تاريخ دمشق 59/279 وما بعدها. ابن عبد الملك، أبو أيوب،شارك في الصوائف في عهد أبيه، وفي الحروب والفتن بين بني أمية آخر عهدهم، قتلته المسودة سنة 132. انظر عنه الصفدي، الوافي بالوفيات 15/439. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 404 مالك بن شبيب الباهلى، كان أميراً لهشام بن عبد الملك على ملطية، وقائداً من قواد الصوائف، قتل هو والبطال في معركة واحدة انظر عنه تاريخ دمشق 56/459-460، والعيون والحدائق ص 100 بضم الراء، موضع ببلاد الروم، كذا قال في القاموس المحيط، مادة (قرن) ، وهي التي تسمى (قرة حصار) بالقرب من عمورية، وتسميها المصادر البيزنطية Acroinon. تاريخ دمشق 56/459-460 المصدر السابق 33/405-407 أبو عبيدة، مكي سكن الشام، ثقة، كان يشبه بالبطال في بلاد العدو، وهما من موالي آل مروان. ترجمته بتفصيل في تاريخ دمشق 37/303 وما بعدها. تاريخ دمشق 37/310 المصدر السابق 60/80 المصدر السابق 9/67 هكذا، والقارىء تصحيف عن الفارسي، كما هو في سائر الروايات. هكذا، ويستقيم المعنى واللغة لو قيل فنفَّلَ. تاريخ دمشق 65/387. والأسود بن بلال المحاربي الداراني ولي الباب والأبواب، وكان ورعاً، ولاه هشام على البحر وأقره الوليد بن يزيد عليها. انظر عنه: تاريخ دمشق 9/65 وما بعدها. وقارن بتاريخ خليفة ص 379، وتاريخ الطبري 7/200، 227 والغمر بن يزيد بن عبد الملك، من رجالات بني أمية الممدحين، طارده العباسيون حتى قتل هو وثمانون من أهل بيته عند نهر أبي فطرس سنة 132. انظر عنه: تاريخ دمشق 48/85 وما بعدها. المصدر السابق 48/86،وقارن بتاريخ خليفة ص 385 تاريخ دمشق 62/382 ابن الحكم الأموي، تولى أرمينية وأذربيجان وبلاد الجزيرة وقاتل الأمم المجاورة في معارك كثيرة، وهو آخر الخلفاء الأمويين، قتل في بوصير سنة 132. انظر عنه: تاريخ دمشق 57/319 وما بعدها. معن العاملي من القادة في العصر الأموي المتأخر، ولي غازية البحر لمروان بن محمد. تاريخ دمشق 59/34 وما بعدها. حذيفة السلامي ساهم في حل بعض الخلافات الأموية زمن يزيد بن الوليد، وتولى غازية البحر في أيام مروان بن محمد. انظر عنه: تاريخ دمشق 12/302 وما بعدها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 405 المصدر السابق 11/432، وقارن برواية ابن عائذ الأخرى في 59/435، وعن غير ابن عائذ باسناد ابن عساكر نفسه في 12/303. أما الحارث بن سليمان فهو من القادة البحريين ولاه مروان بن محمدغازية البحر. انظر عنه: تاريخ دمشق 11/432. ابن عبد الله بن عباس، عم السفاح والمنصور، من الشجعان الأبطال، ساهم في تأسيس ملك بني العباس، ولكنه أسرف في قتل بني أمية، ثم دعا لنفسه بعد موت السفاح فقتله المنصور. انظر عنه: الوافي بالوفيات 17/321 وما بعدها. تاريخ دمشق 31/60-61. أبو حريش الكناني من أهل دمشق، روى عن مكحول، وعنه الوليد بن مسلم، تاريخ دمشق 66/138 وما بعدها المصدر السابق 66/140،وقارن بتاريخ خليفة ص 436 دُلوك: بليدة من نواحي حلب بالعواصم، كان بها وقعة لأبي فراس الحمداني مع الروم. معجم البلدان 2/461. تاريخ دمشق 31/61-62، وقارن بتاريخ خليفة ص 441، وتاريخ الطبري 7/473. صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، عم السفاح والمنصور، وقائد من قوادهما المؤسسين للملك، له جهاد في بلاد الروم، مات سنة 151 أو 152، وهو وال على حمص وقنسرين. انظر عنه: تاريخ دمشق 23/321 وما بعدها، والوافي بالوفيات 16/264 وما بعدها. كان أميراً من أشهر القواد في العصر العباسي،تولى أرمينية للمنصور، ثم غزا الروم فأوغل في بلادهم وسموه التنين، توفي سنة 181. انظر عنه: الوافي بالوفيات 12/208 تاريخ دمشق 37/299-300،وقارن بتاريخ الطبري 7/497، 500 تاريخ دمشق 26/396. دير سمعان: بنواحي دمشق في موضع نزه، وأيضاً بنواحي حلب بين جبل عليم والجبل الأعلى، ولعله المراد هنا، معجم البلدان 2/517 ابن علي بن عبد الله بن عباس، أبو الفضل، أخو السفاح والمنصور، تولى الشام، وتولى الموسم، وغزا الروم، توفي سنة 186 انظر عنه: تاريخ بغداد 12/124 وما بعدها، وتاريخ دمشق 26/394 وما بعدها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406 ذكرها ياقوت في معجم البلدان 2/419 وقال عنها: اسم موضع بعينه، وأورد فيهابيتاً من الشعر، لكنه لم يحدد موقعها تاريخ دمشق 23/358-359، وانظر 31/61-62، وأذنة بوزن حسنة: بلد من الثغور قرب المصيصة ولها نهر يقال له سيحان، معجم البلدان 1/133. ويلاحظ في هذه الرواية تكرار لبعض ماسبق، ولكن لاحتوائها على معلومات جديدة أثبتها. الإمام بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، تولى فلسطين ودمشق، وتولى الصائفة في أيام المنصور فلم تحمد ولايته، توفي سنة 157. انظر عنه: تاريخ بغداد 11/17-18 وتاريخ دمشق 37/299 وما بعدها. تاريخ دمشق 37/300، وقارن بفتوح البلدان 1/191. كان ذلك في حدود سنة 145-147 انظر الراجحي، المسلمون والخزر ص 188 تاريخ دمشق 65/118. تاريخ دمشق 26/252 وقارن بتاريخ الطبري 7/656 تاريخ دمشق 19/42، وقارن عن غير ابن عائذ في الصفحة نفسها، وتاريخ خليفة ص 456، 457، وتاريخ الطبري 8/44، 50. وزفر بن عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي، أبو عبد الله،غزا بلاد الروم، فبث السرايا ودخل بعض المدن فغنم وعاد انظر تاريخ دمشق 19/40 وما بعدها. المصدر السابق 48/85، وكل هؤلاء القادة المذكورين من أمرء البحر في خلافة أبي جعفر المنصور، ولهم تراجم قصيرة في تاريخ دمشق، انظر على التوالي: 48/85، 26/252، 25/330، 48/85، 27/95 المصدر السابق 27/95 ابن علي بن عبد الله بن عباس، أمير عباسي يوصف بالعقل والدهاء، تولى مصر ثم الجزيرة ثم دمشق، توفي سنة 176. انظر عنه: سير أعلام النبلاء 8/274-275 من ولاة الغزو البحري في زمن أبي جعفر المنصور، وله ذِكْر. انظر تاريخ دمشق 63/34 تاريخ دمشق 63/34، ويلاحظ تصحيح ابن عساكر في 41/529 لعلي بن صالح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407 المصدر السابق 41/529، قال ابن عساكر: كذا قال، وإنما هو صالح بن علي، وانظر أيضاً 15/304، و29/47. أما حميد بن معيوف بن بكر الحجوري المعيوفي الهمداني فهو من ولاة الغزو البحري في أيام بني العباس،وله ذِكْر في الصوائف. انظر عنه: تاريخ دمشق 15/304 الهمداني، تولى غزو البحر في العصر العباسي، وتولى الصوائف سنوات فقتل وسبى. تاريخ دمشق 59/444 ومابعدها. المصدر السابق 59/445،وقارن بتاريخ خليفة ص 455، 458، وتاريخ الطبري 8/43، 57 تاريخ دمشق 65/118، وقارن بتاريخ خليفة ص 457، وتاريخ الطبري 8/46، 53 تاريخ دمشق 26/396، وقارن بتاريخ خليفة ص 459، وتاريخ الطبري 8/116، 129 تاريخ دمشق53/48 وقارن بتاريخ خليفة ص 469، وتاريخ الطبري 8/150 تاريخ دمشق25/291 المصدر السابق 59/445 المصدر السابق 59/446، وقارن بتاريخ الطبري 8/203 ابن علي بن عبد الله بن عباس، من الأمراء العباسيين الفصحاء ذو جلالة ومهابة، تولى المدينة ودمشق والجزيرة والصوائف، توفي سنة 196. انظر عنه: سيرأعلام النبلاء 9/221 وما بعدها تاريخ دمشق 37/25،وقارن بتاريخ خليفة ص 481، 493، وتاريخ الطبري 8/203، 236، 313 وقارن بتاريخ خليفة ص 514، وتاريخ الطبري 8/623 وقارن بتاريخ الطبري 8/628، 631 تاريخ دمشق 33/301-302. المصادر والمراجع = البخاري، إسماعيل بن إبراهيم الجعفي، أبو عبد الله (ت 256) * التاريخ الكبير، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت (د. ت) = ابن بطوطة، عبد الله بن محمد اللواتي، أبو عبد الله (ت 779) * تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (رحلة ابن بطوطة) ، دار التراث، بيروت 1388 = البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر، أبو الحسن (ت 279) * فتوح البلدان، تحقيق: رضوان محمد رضوان، دار الكتب العلمية، بيروت 1398. = ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 597) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408 * المنتظم في تاريخ الأمم، تحقيق: محمد عبد القادر عطا وأخيه، ط 1، دار الكتب العلمية بيروت 1412 = ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد بن إدريس التميمي الحنظلي الرازي (ت 327) * الجرح والتعديل، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1371. = ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد، أبو حاتم التميمي البستي (ت354) * كتاب الثقات، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية -بحيدر آباد الدكن-، الهند 1393. = ابن حجر، الحافظ أحمد بن علي بن محمد العسقلاني (ت 852) * الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الجيل، الطبعة الأولى، بيروت 1328 * تقريب التهذيب، تحقيق: أبي الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني، الطبعة الأولى، دار العاصمة، الرياض 1416. * تهذيب التهذيب، دار الفكر، بيروت، 1404. * فتح الباري، تحقيق الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، دار المعرفة، بيروت (د. ت) = الحموي، ياقوت بن عبد الله، أبو عبد الله (ت 626) * معجم البلدان، دار صادر، دار بيروت، بيروت (د. ت) * المشترك وضعاً والمفترق صقعاً، الطبعة الثانية، عالم الكتب، بيروت، 1406. = ابن خياط، خليفة بن خياط شباب العصفري (ت 240) * تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، الطبعة الأولى، بمساعدة المجمع العلمي العراقي، 1386، ونسخة أخرى حققها د. مصطفى فواز وزميلته (دار الكتب العلمية، بيروت 1415) = الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748) * سير أعلام النبلاء، أشرف على تحقيقه:شعيب الأرنؤوط،الطبعة الثانية،مؤسسة الرسالة بيروت 1402 * الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، مراجعة: محمد عوامة، دار القبلة للثقافة الإسلامية ومؤسسة علوم القرآن، جدة 1413. = الراجحي، د. محمد بن سليمان * المسلمون والخزر،الطبعة الأولى، الرياض 1418 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 409 = الزبيدي، محمد مرتضى، أبو الفيض الحسيني (ت 1205) * تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق علي شيري،دار الفكر، بيروت 1414. = السبكي، عبد الوهاب بن تقي الدين (ت 771) * طبقات الشافعية الكبرى، دار المعرفة، الطبعة الثانية، بيروت (د. ت) = الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك (ت 764) * الوافي بالوفيات، حققه مجموعة من الكتاب، دار النشر: فرانز شتاينر بفيسبادن = الطبري، محمد بن جرير، أبو جعفر (ت310) * تاريخ الأمم والملوك، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت 1407. = ابن أبي عاصم، أحمد بن عمرو الشيباني، أبو بكر (ت 287) * الآحاد والمثاني، مراجعة: د. باسم فيصل الجوابرة، دار الراية، الرياض 1411. = العجلي، أحمد بن عبد الله بن صالح، أبو الحسن (ت 261) * تاريخ الثقات، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت 1405. = ابن عدي، عبد الله بن عدي بن عبد الله، أبو أحمد (ت 365) * الكامل في ضعفاء الرجال، مراجعة يحيى مختار غزاوي، دار الفكر، بيروت 1409 = ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله (ت 571) *تاريخ مدينة دمشق، تحقيق عمر بن غرامة العمروي، الطبعة الأولى،دار الفكر،بيروت 1415 = ابن العماد، عبد الحي بن العماد الحنبلي، أبو الفلاح (1089) * شذرات الذهب في أخبار من ذهب، المكتب التجاري، بيروت (د. ت) = الفيروز أبادي، مجد الدين (817) * القاموس المحيط، المكتبة التجارية الكبرى بمصر (د. ت) = ابن كثير، إسماعيل بن كثير، أبو الفداء الدمشقي (ت 774) * البداية والنهاية، الطبعة الثانية، مكتبة المعارف، بيروت 1394. = كراتشكو فسكي، أغناطيوس يوليانوفتش * تاريخ الأدب الجغرافي، نقله للعربية صلاح الدين عثمان هاشم، إدارة الثقافة جامعة الدول العربية، 1377 = مجمع اللغة العربية بالقاهرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 410 * المعجم الوسيط، الطبعة الثانية، طبعة دار المعارف 1392. = المروزي، نعيم بن حماد أبو عبد الله (ت 288) * كتاب الفتن، تحقيق: سمير أمين الزهيري، الطبعة الأولى، مكتبة التوحيد، القاهرة 1412 هـ. = المزي، يوسف بن الزكي عبد الرحمن، أبو الحجاج (ت 742) * تهذيب الكمال، مراجعة: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت 1400. = ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري (ت 711) * لسان العرب، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة (د. ت) . = مؤلف مجهول، * العيون والحدائق في أخبار الحقائق، مكتبة المثنى ببغداد، تصويراً عن الطبعة الأوربية. = ابن النديم، محمد بن إسحاق، أبو الفرج (ت 438) * الفهرست، دار المعرفة، بيروت (د. ت) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 411 التنمية والتقارب والاندماج في مجتمع المملكة العربية السعودية قديماً وحديثاً د. أحمد بن حسن أحمد الحسني الأستاذ المشارك بقسم الاقتصاد الإسلامي بكلية الشريعة بجامعة أم القرى ملخص البحث من الملاحظ في عالم اليوم أن تحقيق مزيد من التنمية الاقتصادية بالمفهوم المادي يصاحبه في الغالب نوعاً من التفكك والتباعد في العلاقات الإنسانية بين البشر، ويرجع ذلك إلى غياب البعد الإيماني والأخلاقي في جهود التنمية. ويحاول هذا البحث اختبار فرض علمي مؤداه ((أن اشتمال جهود التنمية في المملكة العربية السعودية قديماً وحديثا على البعد الإيماني حقق مزيداً من التقارب والاندماج بين أجزائها وأفرادها، وأن غياب هذا البعد في بعض الفترات كان مصحوباً بالتفكك والتناحر بين أجزائها وأفرادها)) . وقد تناول البحث بالتحليل الفترة قبل مجيء الإسلام في الجزيرة العربية وأوضح كيف أن غياب البعد الإيماني كان مقترناً بالتناحر والتفكك بين قبائل هذه الجزيرة، كما كان مصحوباً بالتخلف من الناحية الاقتصادية. وتناول البحث أيضاً الفترة بعد بعثة رسول الله (بالتحليل وأوضح كيف أن التركيز على البعد الإيماني أدى إلى مزيد من التقارب والاندماج بين أفراد الأمة الإسلامية الواحدة وإن تعدد جنسياتهم ولغاتهم. وتعرض البحث للفترة منذ توحد المملكة العربية السعودية حديثاً على يد المغفور له الملك عبد العزيز وأوضح كيف أن التنمية كانت تنطوي على البعد الإيماني والأخلاقي وهو ما أدى إلى تحقيق مزيد من التقارب والاندماج بين أجزائها وأفرادها. • • • المقدمة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 412 الحمد لله ولا نعبد إلاّ إياه مخلصين له الدين. أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، رب السموات ورب الأرض رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيّدنا محمداً عبده ورسوله اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين وأصحابه الغرّ الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فمن المشاهد في عالم اليوم أن الجهود المتلاحقة التي تبذل على المستوى الدولي بغرض تحقيق مزيد من التنمية الاقتصادية بالمفهوم المادّي يصاحبها في الغالب نوعاً من التفكك في العلاقات الإنسانية بين سكان الدول المختلفة؛ بل وبين أفراد المجتمع الواحد والأسرة الواحدة. فعلى المستوى الدولي نجد أن هناك دولاً تفككت ونشب الصراع بينها كما حدث في الاتحاد السوفيتي سابقاً ودول شرق أوروبا، كما أن هناك صراعات مستمرة بين الدول المتجاورة سواء أكان هذا في آسيا أو إفريقيا أو أوروبا أو أمريكا. وكذلك على مستوى الدولة الواحدة نجد صراعاً بين الفصائل المختلفة، لدرجة قد تصل إلى حد نشوب القتال فيما بينهم ويحدث هذا حتى في الدول المتقدمة مادّياً كما هو الحال في بريطانيا وإيطاليا واليابان، وإلى عهد قريب في الولايات المتحدة الأمريكيّة. كما نسمع عن تزايد موجات العنف بين أبناء البلد الواحد في الشارع والمدرسة وغيرها خاصة في الدول المتقدمة ماديّاً. ويكشف هذا عن تصدع كبير في العلاقات الإنسانية بين البشر. ففي بريطانيا تشير الإحصاءات إلى وجود ثلاث مليون قطعة سلاح في أيدي الأفراد مهرّبة بصورة غير مشروعة، كما تشير إلى أنّ ثلث الصغار بين سن 15 إلى 25 سنة من الذين ارتكبوا جرائم كان لديهم أسلحة (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 413 وتوضح الإحصاءات أيضاً أن عدد الجرائم المسلحة في بريطانيا زاد من (12410) عام 1997 م إلى (13671) عام 1998 م أي بنسبة 10%. وفي استراليا كشفت دراسة حديثة أجريت خلال 12 شهراً أن جرائم القتل زادت بنسبة 3.2%، وأن جرائم الاغتصاب زادت بنسبة 8.2% وأن جرائم السرقة المسلحة زادت بنسبة 44% (1) . وتطالعنا الأخبار المقروءة والمسموعة والمرئية صباح مساء عن الأطفال الذين يقتلون زملاءهم في المدارس بالأسلحة بصورة جماعية خاصة في الدول المتقدمة ماديّاً. وعلى مستوى الأسرة الواحدة نجد أن نمط التربية الأسرية في المجتمعات الغربية يسمح بانفصال الأبناء عن آبائهم في سن مبكرة مما يضعف العلاقة بينهم ويؤدي إلى الفرقة والتشتت. وتوضح هذه الظواهر أن التنمية بالمفهوم المادي يصاحبها - كما تقدم - تفكّك وتباعد معنوي بين البشر. ولقد عبّر عن هذا بعض الكُتاب الغربيين بقولهم إن الناتج القومي الإجمالي G NP كمقياس للقيمة النقدية للأنشطة الاقتصادية لم يعد يعبّر بدقة عن مستوى الرفاهة للمجتمع. فالزيادة فيه غالباً ما تكون مصحوبة بمزيد من العُنف بين البشر، هذا في حين أن التنمية الحقيقية Real Development يجب أن بصاحبها مزيدٌ من الأمن والسلام بين البشر (2) . ويرجع ذلك في نظر الباحث إلى غياب البعد الإيماني والأخلاقي من التنمية في هذه المجتمعات مما جعلها تقترن في الغالب بمزيد من التفكك والتباعد بدلاً من التقارب والإندماج. ويقودنا هذا إلى دراسة تجربة مجتمع المملكة العربية السعودية قديماً (3) وحديثاً لنستكشف كيف أن اشتمال التنمية فيه على البعد الإيماني والأخلاقي أدى إلى مزيد من التقارب والإندماج (4) . هدف البحث: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 414 يهدف هذا البحث إلى التعرف على العلاقة التبادلية بين التنمية والتقارب والإندماج في مجتمع المملكة العربية السعودية قديماً وحديثاً، وبيان كيف أن اهتمام المجتمع الإسلامي بالجانب الديني والأخلاقي في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يؤدي إلى مزيد من التقارب والإندماج في العلاقات الإنسانية بالمفهومين المادي والمعنوي، وكيف أن إهمال الجانب الإيماني والأخلاقي في برامج التنمية يؤدي إلى مزيد من التفكك والتباعد بين البشر. خطة البحث: ولتحقيق هذا الهدف سوف يركز البحث على النقاط التالية: أولاً: مفاهيم التنمية. ثانياً: مفهوم التقارب والإندماج. ثالثاً: التخلف الاقتصادي وفساد العقيدة وعلاقته بالتفكك القبلي في العصر الجاهلي بالجزيرة العربية. رابعاً: التنمية الإيمانية والتقارب والإندماج في عهد الرسول (. خامساً: التنمية وأثرها في التقارب والإندماج في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله. سادساً: التنمية وأثرها في التقارب والإندماج في مجتمع المملكة العربية السعودية الحديث. والله أسأل العون والتوفيق والسداد، وأن يعلّمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علّمنا، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وهو حسبي ونعم الوكيل. أولاً: مفاهيم التنمية: يمكن التفرقة بين أربعة أنواع من مفاهيم التنمية: (أ) التنمية الاقتصادية. (ب) التنمية الاجتماعية. (ج) التنمية البشرية. (د) التنمية الإيمانية. (أ) التنمية الاقتصادية: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 415 تعرّف التنمية الاقتصادية: بأنها العملية التي يحدث من خلالها زيادة مستمرة في متوسط الدخل الحقيقي، وتحسّن في توزيع الدخل لصالح الطبقة الفقيرة، وتغيّر في هيكل الإنتاج بما يضمن تواصل التنمية بقوة الدفع الذاتية (1) . ووفقاً لهذا التعريف فإن التنمية الاقتصادية تعتبر عملية تغيير مستمرة تتضمن حدوث زيادة في متوسط الدخل الحقيقي، على أن تتوزع هذه الزيادة في الدخل بين جميع أفراد المجتمع خاصة الطبقة الفقيرة وذلك لضمان زيادة العدالة في توزيع الدخل. كما تتضمن تغير في هيكل الإنتاج، بحيث تزداد النسبة التي يحتلها قطاع الصناعة التحويليّة مصحوبة بتنمية تكنولوجية لازمة لتواصل التنمية من خلال قوّة دفع ذاتية. (ب) التنمية الاجتماعية: تشير التنمية الاجتماعية ليس إلى مجرّد زيادة دخل الفرد، ولكن إلى توفير مزيد من الخدمات الاجتماعية التي تُحسّن من نوعية العنصر البشري. مثل التعليم والصّحة والتدريب المهني والإسكان وغيرها (2) . فقد يتوفر لدى الفرد المال ولكنه لا يستخدمه في تحسين مستواه العلمي أو الصحّي إمّا لجهله بكيفية عمل ذلك، أو لعدم توفر الخدمات في هذه المجالات بدرجة كافية (ج) التنمية البشرية: لا تعني التنمية البشرية أن تقوم الدولة بإشباع جميع احتياجات الأفراد من السلع والخدمات الأساسيّة، وإنما تعني تدريبهم على كيفيّة القيام بعمل ذلك بأنفسهم. فالتنمية لا تعني إعطاء سمكة لكل فرد في المجتمع، وإنما تعني تعليم كل فرد كيف يصطاد (3) . وهذا يتضمن زيادة الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في تقديم الخدمات الأساسيّة وزيادة درجة اعتماد الأفراد على أنفسهم في اتخاذ قرارات تؤثر في حياتهم في مجالات التعليم والصحة والعمل وغيرها. (د) التنمية الإيمانية: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 416 اهتمت جميع مفاهيم التنمية السابقة بأمور مادية في حياة الإنسان، ولكنها لم تتطرق للجانب الروحي من حياته، فأهملت الجانب الديني في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية. واعتمدت على مبدأ الحرية الفردية لتحقيق الرفاهة الاقتصادية والاجتماعية، وترتب على ذلك ظهور انحرافات وسلوكيات وأفعال إجرامية من بعض الأفراد في المجتمعات الغربية، وحدوث الصراعات بين رجال الأعمال والعمال، والحكومات والعمال أيضاً (1) . ولذلك فإن التنمية في مفهوم الاقتصاد الإسلامي تشمل بالإضافة إلى المفاهيم السابقة الجانب الروحي والإيماني في حياة الإنسان. لاسيّما وأنّ الإيمان ينمو ويزداد لدى الإنسان المسلم بالطاعة والتقرب إلى الله كما أنه ينقص ويتضاءل بالمعصية والعياذ بالله. وفي ذلك يقول الرسول (: ((إن الله تعالى قال: من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه. وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصرهُ الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيتُهُ، ولئن استعاذني لأُعيذنّهُ)) رواه البخاري (2) . فالتنمية الإيمانية هي التي يتم بمقتضاها تصحيح معتقدات البشر وإصلاحهم وبها تسمو نفوسهم وترتقي سلوكياتهم بحيث يتحولون من وضع يتصفون فيه بصفات وأخلاق ذميمة إلى وضع يتحلّون فيه بالأخلاق الفاضلة الكريمة، بغض النظر عن اختلاف مستوياتهم الماديّة والمعيشيّة، ولكن لاتتم عملية التحول هذه إلاّ بالتمسك بالعقيدة الصحيحة عقيدة التوحيد والإيمان بالله وحده لاشريك له قال الله سبحانه وتعالى: ((شهد الله أنه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم)) [آل عمران / 18] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 417 وقال تعالى: ((إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ... )) [الرعد / 11] ، وقال رسول الله (: ((أمرت أن أقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهُم وأموالهم إلاّ بحق الإسلام، وحسابهم على الله)) متفق عليه (1) . ثانياً: مفهوم التقارب والاندماج: إذا بدأنا بالمعنى اللغوي نجد أن كلمة قَرُبَ، واقترب تعني: دنا،، وتقاربوا: قَرُبَ بعضهم من بعض (2) ، ومنه قوله تعالى: (( ... إن رحمة الله قريب من المحسنين)) [الأعراف / 56] . وكلمة دمج أو اندمج تعني: أن يدخل الشيء في غيره ويستحكم فيه (3) . ومن ثَمّ فإن الإندماج يعتبر أقصى درجات التقارب. ويوجد للتقارب جانبان أحدهما مادّي والآخر معنوي. أمّا الجانب المادّي: فهو يشير إلى تقريب المسافة بين بعيدين أو ما في حكمه، فهجرة البدو إلى الحضر تعتبر نوعاً من التقارب المادّي، وفي حكمها إقامة وتشييد وتجهيز الطرق وسبل الإتصال والنقل البري والبحري والجوي للربط بين القرى والمدن باستخدام وسائل المواصلات الحديثة، وكذلك استخدام وسائل الإتصالات الأخرى بجميع أنواعها كالتلغراف والبريد والهاتف والفاكس والإنترنت، واستخدام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة، والمرئية، فكل هذه الوسائل تربط بين الناس ربطاً مادّياً ومحسوساً. أمّا الجانب المعنوي للتقارب: فهو يشير إلى تقارب النسب، والتقارب الروحي، والتقارب العقلي. أمّا تقارب النسب فهو يأتي بالمصاهرة والزواج بين العائلات قال تعالى: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)) [الروم / 21] وقال تعالى: ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 418 به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)) [النساء / 1] . وقد أمر الله سبحانه وتعالى بصلة الأرحام وذوي القربى فقال تعالى: ((فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون)) [الروم / 38] . وقال تعالى: ((والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب)) [الرعد / 21] ، وقال رسول الله (( (الرّحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)) متفق عليه (1) . أمّا عن التقارب الروحي فهو الذي يأتي من الأخوّة في الدين، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: ((واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ... )) [آل عمران / 103] . وقال (( (الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)) رواه البخاري (2) . وقال تعالى: ((إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلّكم ترحمون)) [الحجرات / 10] . ومن ثم يعتبر إصلاح ذات البين نوعاً من التقارب المعنوي. أمّا التقارب العقلي فهو يأتي عن طريق نشر التعليم بين الناس حتى يكونوا قادرين على التفاهم والتعارف، وعندما يحدث التقارب العقلي بين الناس فإنهم يكونوا أقدر على التعاون لتحقيق مصالحهم المتبادلة أو المشتركة وهو مما يساعد على عملية التنمية بشكل عام. ولذلك حث الإسلام على طلب العلم والتعلم قال تعالى: (( ... وقل رب زدني علماً)) [طه / 114] ، وقال تعالى: (( ... قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب)) [الزمر / 9] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 419 وقال تعالى: (( ... يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير)) [المجادلة / 11] . وقال (: ((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سَهّلَ الله له طريقاً إلى الجنة)) رواه مسلم (1) . وقال (: ((إذا مات ابن آدم انقطع عَمَلُهُ إلاّ من ثلاثٍ: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له)) رواه مسلم (2) . ثالثاً: التخلف الإقتصادي وفساد العقيدة وعلاقته بالتفكك القبلي في العصر الجاهلي بالجزيرة العربية: إذا كانت التنمية بشقيها المادي والمعنوي تؤدي إلى الإندماج والتقارب بين الناس بشقيه المادي والمعنوي أيضاً، فإن غياب التنمية يؤدي إلى مزيد من التباعد والفرقة والصراع بين أفراد المجتمع الواحد. ومن الممكن أن نجد إثباتاً لهذا الفرض العلمي من بعض الشواهد في تاريخ الجزيرة العربية في العصر الجاهلي. فالجزيرة العربية - وهو الاسم الذي درج عليه العرب قديماً بالرغم من أنها شبه جزيرة - كانت تنقسم إلى خمسة أقسام (3) : 1 - تهامة: هي المنطقة الساحلية الضيقة الممتدة من اليمن جنوباً إلى العقبة شمالاً بمحاذاة البحر الأحمر. وكانت تتصف بشدّة الحرارة وركود الريح فيها. 2 - الحجاز: هي المنطقة الواقعة بين نجد وتهامة وتمتد من اليمن جنوباً حتى الشام شمالاً، وبها أقدس مدينتين مكة المكرمة والمدينة المنورة. ومكة المكرمة وادٍ غير ذي زرع ترك فيه نبيُّ الله إبراهيم إبنه إسماعيل وزوجته هاجر بأمر من الله سبحانه، قال تعالى على لسان إبراهيم في دعائه له: ((ربنا إني أسكنت من ذريّتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)) [إبراهيم / 37] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 420 3 - نجد: وهي الهضبة الوسطى في شبه جزيرة العرب والواقعة بين اليمن جنوباً وبادية الشام شمالاً، وسميت نجد لإرتفاع أرضها، وهي تحتوي على أخصب أراضي الجزيرة. 4 - اليمن: يمتد من نجد شمالاً إلى المحيط الهندي جنوباً، والبحر الأحمر غرباً، وعمان شرقاً. ولقد عرفت عند العرب بالخضراء لكثرة ما فيها من مزارع ونخيل وأشجار وثمار، كما عرفت عند اليونان ببلاد العرب السعيدة لكثرة ما فيها من خيرات، هذا في الوقت الذي كان يسود فيه الجفاف معظم شبه الجزيرة العربية. 5 - العروض: ويضم اليمامة وغسان والبحرين وما والاهما، وسميت بالعروض لاعتراضها بين اليمن ونجد والعراق (1) وبإستعراض أحوال هذه المناطق المترامية الأطراف آنفة الذكر، وأحوال وظروف سكانها الأصليين في ذلك الوقت وهم العرب من بني قحطان وموطنهم اليمن، وبني إسماعيل وموطنهم الحجاز نجد أن معظم هذه القبائل العربية كانت تعيش حياة جاهلية فانتشر فيهم ظلام الشرك والكفر والضلال، وفساد العقيدة، وابتعدوا عن دين الله الذي أرسل الله به إبراهيم وإسماعيل والأنبياء من قبل ومن بعد، فعبدوا الأصنام والأوثان واعتقدوا بأنها آلهة يتقرب بها إلى الله تعالى. واتصفوا ببعض الخصال والأعمال الذميمة مثل شرب الخمر ولعب الميسر، ووأد البنات، وتبرج النساء والزنا، وشن الغارات على بعضهم البعض للسلب والنهب، والعصبية والطبقية القبلية (2) . فالقبيلة الواحدة كانت تنقسم إلى ثلاث طبقات (3) : أ) طبقة الأحرار، وهم أبناء القبيلة ويجمع بينهم الدم الواحد والنسب المشترك. ب) طبقة الموالي، وهم الذين انضموا إلى القبيلة من العرب الأحرار من غير أبنائها عن طريق الجوار وطلب الحماية، أو العتق من الأرقاء منها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 421 ج) طبقة الأرقاء، وهم المجلوبون عن طريق الشراء أو أسرى الحروب أو عن طريق الإغارة على القوافل المسافرة إلى العراق أو الشام، وهي طبقة محرومة من الامتيازات ويوكل إليها مزاولة المهن والصناعات التي يأنف الأحرار القيام بها تكبراً مثل الخدمة في المنازل ورعي الماشية والحجامة والحلاقة ونحوها. وأمّا الحالة الاقتصادية فلم يكن بها اقتصاد ذو قيمة تذكر، إلاّ ما كان في بلاد اليمن فقد كانت بلاداً خصبة ولاسيما أيام سد مأرب حيث ازدهرت الزراعة والفلاحة (1) ، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم إذ قال تعالى: ((لقد كان لسبأ في مسكنهم آيةً جنّتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربّكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور)) [سبأ / 15] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 422 وبالإضافة إلى الزراعة اشتهرت اليمن ببعض الصناعات كصناعة الكتان وبعض الأسلحة كالسيوف والحراب والدروع وصناعة الجلود المعروفة بالأدم أو الأنطاع وصباغتها، كما توفر فيها الكثير من المعادن كالذهب والفضة والرصاص، والحديد، والأحجار الكريمة كالعقيق، والجزع وهو يشبه العقيق، كما اشتهرت اليمن أيضاً بالتجارة، فاشتغل اليمنيون وسطاء في التجارة بين الهند وبلاد العراق والشام ومصر. فاللؤلؤ الخليجي والتوابل والسيوف الهندية، والحرير الصيني والعاج والبن والذهب الأثيوبي كل هذه السلع كانت تصل إلى مصر والشام والعراق عن طريق اليمن. وانعكس هذا النشاط الاقتصادي على حياة اليمنيين فشيدوا بها أعظم الحصون والقصور والمباني (1) . ولقد متعهم الله سبحانه وتعالى بهذا الإزدهار الاقتصادي فترة ممتدة من الزمن فلمّا أعرضوا عن ذكر الله وطغوا ولم يشكروا، سلبهم الله تعالى ما أعطاهم فخرب سدّهم وتهدم، وأجدبت أرضهم فتفككوا وتفرقوا في الأرض بعد تجمع، فهاجرت قبائل الأزد الغساسنة إلى مشارف الشام، والتنوخيين إلى البحرين، والمناذرة إلى العراق، ورحل البعض إلى يثرب ومنهم الأوس والخزرج وغيرهم وقال الله سبحانه وتعالى عنهم: ((فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العَرِم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أُكُلٍ خمط وأثلٍ وشيء من سدر قليل. ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلاّ الكفور)) [سبأ / 16 - 17] . ويستفاد مما تقدم أن التقدم والإزدهار الاقتصادي الذي تمتعت به اليمن في العصر الجاهلي ساعد على تركز وتجمع أهلها في مكان واحد حول سد مأرب، ومع فساد عقيدتهم وإعراضهم وطغيانهم وزوال هذا السد تدهورت الأوضاع الاقتصادية في هذه البلاد، وبالتالي تفككوا وتباعدوا وتفرقوا بالمفهومين المادّي والمعنوي. أي أن غياب البعد الإيماني والشكر على النعم أدى إلى التفكك والتباعد والتشتت. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 423 أما بالنسبة للحجاز فلقد كانت مفتتة في العصر الجاهلي بين قبائل عدّة، وكانت كل قبيلة تعتبر كياناً سياسياً مستقلاً تربط بين أفرادها عصبية الدم وعصبية الأب أو الجد المشترك، ما عدا قبائل قريش القاطنين بالحرم، فإنهم كانوا يعيشون على التجارة حيث كانت تقوم برحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن. وقد امتن الله تعالى ذلك عليهم في قوله: ((لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف)) [قريش / 1، 2] . فكانوا في رغد من العيش، على خلاف غيرهم، فإنهم كانوا يعيشون على شظف العيش وضيقه، وما كان لقريش من سعة الرزق إنما كان لها من أجل حماها للحرم وتقديسها له (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 424 وكان أهل الطائف ويثرب يشتغلون بالزراعة، ففي الطائف كانوا يزرعون الحنطة والحبوب والفواكه كالأعناب والموز والرمان، كما كانوا يربّون النحل لإنتاج العسل. أمّا في يثرب - والتي تغيّر إسمها إلى المدينة بعد هجرة الرسول (إليها - فكانوا يزرعون النخيل لإنتاج التمور التي اشتهرت بها، ويزرعون الشعير والقمح والفواكه. وكانت هناك بعض الأسواق تعقد في الأشهر الحرم مثل سوق عكاظ بين مكة والطائف، وسوق مجنة أسفل مكة، وسوق ذي المجاز بالقرب من عرفة. وفي يثرب كان هناك سوق بني قينقاع، وسوق زبالة، وسوق البطحاء. أمّا قبائل البدو فكانت تنتقل وراء الماء والعشب حيث اتصفت حياتها بعدم الاستقرار، وعادة ما كانت في صراع مستمر مع بعضها البعض، إمّا بسبب المراعي أو عيون الماء أو غيرها. وقد كان قانون الغاب هو الذي يحكم بينهم، ويقضي هذا القانون ((بأن الحق في جانب القوّة)) (1) ، ولذلك نشبت بينهم الحروب واستمرت، وتوارثتها الأجيال، مثل حرب البسوس التي استمرت أربعين عاماً، وحرب داحس والغبراء التي استمرت أربعين عاماً أيضاً. ومما سبق يمكن القول: بأن انعدام التنمية (سيادة التخلف بمفهومه الشامل) في معظم مناطق الجزيرة العربية في العصر الجاهلي سواء أكان بالمفهوم المادّي أو المفهوم المعنوي وما تضمنه من فساد العقيدة أدّى إلى التناحر والتباعد والتفكك بين هذه القبائل خاصة التي كانت تعيش في مجتمع الصحراء. رابعاً: التنمية الإيمانية والتقارب والإندماج في عهد الرسول (: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 425 بعث الله سبحانه وتعالى النبيَّ محمداً (رسولاً بعدما وصل الناس - كما تقدم - إلى درجة كبيرة من الفرقة والتفكك، وفساد العقيدة وتفشي الشرك وظلام الجهل، بعثه الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن الشرك إلى التوحيد وصفاء العقيدة قال تعالى: ((يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً. وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً)) [الأحزاب / 45: 47] . ومع بعثته (بدأت تظهر التنمية الإيمانية بين الناس، حيث أمره الله سبحانه وتعالى بالجهر بالدعوة في مكة المكرمة بعدما كانت في السر. فقال سبحانه وتعالى: ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)) [الحجر / 94] . ومعلوم أن البعثة استمرت ثلاثاً وعشرين عاماً قضى منها الرسول (ثلاثة عشر عاماً بمكة المكرمة، وعشرة أعوام بالمدينة المنورة. واستطاع خلالها أن يقضي على الشرك في أنحاء الجزيرة العربية. ولاشك أن من أهم ثمار التمسك بلا إله إلاّ الله محمداً رسول الله وتصحيح العقيدة التي حققها الرسول (والتنمية الإيمانية التي غرسها في نفوس المسلمين بما تحويه من قيم ومبادئ، حدوث التقارب والإندماج الروحي والتآخي، والتماسك الاجتماعي. وكل ذلك أدّى إلى إيجاد مناخ صالح للتنمية الشاملة بجميع صورها وأشكالها. قال تعالى: ((ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ... )) [الأعراف / 96] وقال تعالى: ((وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم)) [الأنفال / 63] . فالله سبحانه وتعالى جمع بين قلوب المسلمين بالإيمان وإفراد العبادة له سبحانه فأصبحوا إخواناً متآلفين متحابين متماسكين. والتماسك الاجتماعي يعتبر شرطاً أساسيّاً لا غنى عنه عند المهتمين بدراسة الروابط بين التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية (1) . فبالنظر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 426 إلى التجارب الناجحة في مجال التقدم الاقتصادي والاجتماعي لأي أمة من الأمم نجد أن التماسك الاجتماعي هو الأساس الأول في بنائها، كما أثبتت التجارب التاريخية أن التماسك الاجتماعي القائم على أساس التمسك بالقيم الإسلامية هو الذي يدوم طويلاً، بعكس التماسك القائم على مشاعر العصبية أو العنصرية أو على أساس مبادئ وقيم من صنع البشر. وذلك لأن التمسك بالقيم الإسلامية يساهم بشكل كبير - كما تقدم - في إصلاح المناخ الاقتصادي والاجتماعي للتنمية، وبه حفظت الدولة الإسلامية قرابة سبع قرون متتالية، منذ ظهورها حتى القرن السابع الهجري - الثالث عشر أو الرابع عشر الميلادي - وظلّت تقود التقدم الاقتصادي والاجتماعي والفكري عالمياً طوال هذه القرون السبعة إلى أن ظهر فيها الوهن والتفكك من أثر تخلّي أبنائها أنفسهم عن كثير من قيمهم ومبادئهم وثوابتهم الإسلامية (1) . وبالعودة إلى بداية ظهور الدولة الإسلامية وتأسيس بنائها في عهد الرسول (، نجد أن الفرائض الدينيّة التي أوجبها الله على المسلمين والإصلاحات والتنظيمات التي أجراها الرسول (بما أوحي إليه من ربه جلّت قدرته، أو تلبية لحاجات المسلمين وتحقيقاً لمصالح الإسلام كان لها أكبر الأثر في حدوث التقارب والإندماج والتماسك الاجتماعي في ذلك الوقت، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 427 أ) بناء المسجدين ومشروعية الأذان: كان أول عمل قام به الرسول (عند هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ووصوله إلى قباء خلال إقامته بضعة أيام بين سكانها هو بناء أول مسجد أسس في الإسلام، وقد ذكره الله تعالى في كتابه وأثنى على أهله خيراً (1) ، فقال تعالى: (( ... لمسجدٌ أسس على التقوى من أول يوم أحقُّ أن تقوم فيه فيه رجالٌ يحبون أن يتطهروا والله يحب المطّهرين)) [التوبة / 108] . ثم قام عليه الصلاة والسلام ببناء مسجده بالمدينة المنورة الذي كان أهم مسجد في تاريخ الدنيا كلها بعد المسجد الحرام، حيث أسّست فيه خير أمة أخرجت للناس. ولاشك في أن المسجد قلب المجتمع الإسلامي، وملتقى المؤمنين بالغدوّ والآصال، فهو مكان الصلاة والعبادة، ومدرسة للإرشاد والتوجيه، وفيه يزداد التقارب والإندماج بين المجتمع الإسلامي. ثم شرع الأذان وأنطلق في الأجواء نداء الحق: الله أكبر، الله أكبر ... ، حيّ على الصلاة، حي على الفلاح فكان من أهم الروابط القوية التي زادت من تآلف وتماسك المجتمع الإسلامي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 428 ب) المؤاخاة: آخى الرسول (بين أصحابه من المهاجرين والأنصار وعقد الألفة بينهم. روى الإمام أحمد بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: حالفَ رسولُ اللهِ (بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك (1) . واستجاب الأنصار للرسول حتى إنهم كانوا يتوارثون بهذا الإخاء إرثاً مقدماً على القرابة، فإذا مات المهاجر ورثه أخوه الأنصاري وإذا مات أحد الأنصار ورثه المهاجر (2) ثم نسخ الإرث وبقي التناصح والتآزر والتآخي، فشارك الأنصار المهاجرين بالمال فأشركوهم في زراعاتهم وتجاراتهم. عن أنس رضي الله عنه قال: قدم عبد الرحمن بن عوف، فآخى النبيُّ (بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلّني على السوق ... (3) الحديث. وقد وصف القرآن الكريم ذلك الإخاء فقال تعالى: ((للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون. والذين تبوّءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يُوقَ شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون)) [الحشر/ 8، 9] . ج) التكافل الإجتماعي بين المسلمين: إهتم الإسلام بمبدأ التكافل الإجتماعي بين المسلمين فأوجب على الأغنياء إخراج زكاة أموالهم، وجعلها الركن الثالث من أركان الإسلام قال رسول الله (: ((بني الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)) . متفق عليه (4) . وقال تعالى: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 429 ((خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم)) [التوبة / 103] ، كما حدّد القرآن الكريم كيفية صرف الزكاة لمستحقيها فقال تعالى: ((إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)) [التوبة / 60] . وبعث النبيّ (معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن فقال: ((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتردُّ على فقرائهم)) متفق عليه (1) . وَرَغّبَ الإسلام في الإحسان إلى الأيتام والأرامل والمساكين فقال رسول الله (: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبّابة والوسطى، وفرّج بينهما)) رواه البخاري (2) . وقال (: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذي لا يفطر)) متفق عليه (3) . وحث الإسلام على التصدق في سبيل الله، فقال تعالى: ((إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم)) [الحديد / 18] . كما حث الإسلام على تقديم القرض الحسن لمن يحتاجه، وأمر بإنظار المعسر في السداد أو العفو عنه إن أمكن فقال تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون)) [البقرة / 280] ، وقال (: ((من أنظر معسراً، أو وضع لَهُ، أظَلّهُ الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّهُ)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (4) . ولاشك أن كلّ هذه الأمور تقوّي من التآخي والترابط والتقارب والإندماج في المجتمع المسلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 430 د) إقرار مبدأ العدل: قال تعالى: ((فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل ءامنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم..)) [الشورى / 15] . وقال تعالى: ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ... )) [النحل / 90] ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلوا)) . رواه مسلم (1) . فبالعدل تتحقق الألفة بين الناس وتسود المحبة بينهم ويحصل التقارب والإندماج ويتماسك المجتمع. هـ) إقرار مبدأ المساواة: عرفنا كيف كان الإنسان في العصر الجاهلي موزعاً بين قبائل وأمم وطبقات فلما جاء الإسلام قرّر المساواة والوحدة البشرية بين الناس فقال تعالى: ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)) [النساء / 1] وجعل معيار التفرقة بينهم تقوى الله عز وجل. فقال تعالى: ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)) [الحجرات / 13] . و) إقرار مبدأ الشورى: يقرر الإسلام هذا المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه نظام الحكم قال تعالى: ((فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ... )) [آل عمران/ 159] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 431 وقال تعالى: ((والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون)) [الشورى / 38] . فالشورى سمة مميزة للأمة الإسلامية الأمة الوسطية التي اختارها الله لقيادة البشرية، ولذلك فإن الشكل الذي تتم به الشورى، متروك لكل بيئة وزمان، لتحقيق ذلك الطابع في حياة الجماعة الإسلامية، ولكي تتحقق هذه المبادئ الإسلامية لابد من وجود المسلمين الملتزمين المتحابين المتماسكين الذين تتحقق بهم المبادئ الإسلامية الكلية خير تحقيق (1) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 432 ز) الدعوة إلى التوبة وملازمة الإستغفار: دعا الإسلام الناس دعوة عامّة إلى التوبة والإستغفار والعزم الأكيد على عدم العودة إلى الذنب، وهذا دليل على شرف الإنسان، وأصالة معدنه، وهو ميراث آدم عليه السلام فالمذنب العاصي يلجأ إلى الله سبحانه، ويفر إليه، ويتفيأ بظلاله ويرتمي في أحضان رأفته وعطفه ورحمته الواسعة. ويجد الله سبحانه وتعالى جواداً كريماً يحب التوابين والمتطهرين ويشكر سعيهم (1) فقال تعالى: ((قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم)) [الزمر / 53] . وأكثر من ذلك وأروع ما نجد في الآية التالية حيث ذكر الله سبحانه جماعات مختلفة من عباده الصالحين، فاستهل هذه القائمة المشرقة النورانية بالتائبين فقال تعالى: ((التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين)) [التوبة / 112] ، وليس ذلك فحسب بل إن الله سبحانه وتعالى يكرم عباده المستغفرين بالخير والبركة والرزق والأموال والبنين يقول المولى جلّت قدرته: ((فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً. يرسل السماء عليكم مدراراً. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّات ويجعل لكم أنهارا)) [نوح / 10 - 12] . وقال رسول الله (: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)) رواه أبو داود (2) . وعرفنا فيما سبق أن المناخ الاقتصادي والاجتماعي لن يكون صالحاً لعملية التنمية إلاّ بالتمسك بالقيم، ولذلك فإن الإستغفار والتوبة يعتبران الخطوة الأولى في طريق التصحيح والعودة إلى الله وتحول المجتمع إلى الطريق الصحيح (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 433 ح) إفشاء السلام والحب في الله: حث الرسول (الناس على إفشاء السلام فيما بينهم فإنه يؤدي إلى زيادة الترابط والألفة والمحبة بينهم فقال عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابّوا. أولا أدُلّكُمْ على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)) رواه مسلم (1) . ط) النهي عن الظلم والمنازعة: نهى الإسلام عن الظلم وما يؤدي إلى النزاع والفرقة بين المسلمين، قال تعالى: ((وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)) [الأنفال / 46] . وقال الرسول (: ((لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يحقرهُ ولا يخذلهُ. التقوى ههُنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امريءٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)) رواه مسلم (2) . خامساً: التنمية وأثرها على التقارب والإندماج في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله: معلوم أن الدولة السعودية مرّت بثلاثة مراحل: المرحلة الأولى امتدت من سنة 1157 هـ إلى سنة 1233 هـ. وقامت الدولة السعودية الأولى خلال هذه المرحلة على يد الإمام محمد بن سعود بالتحالف مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وانتهت هذه الدولة عندما أوعزت الدولة العثمانية لمحمد علي والي مصر بإرسال حملة للقضاء عليها بعدما أحسوا بالخطر القادم منها على سلطانهم في الحجاز. وقد كان لهم ما أرادوا. وامتدت المرحلة الثانية من سنة 1240 هـ إلى سنة 1309 هـ وكانت قد بدأت على يد الأمير تركي بن عبد الله وانتهت بسبب الخلاف بين أبناء الأسرة الواحدة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 434 أمّا المرحلة الثالثة للدولة السعودية الفتيّة فقد بدأت سنة 1319 هـ عندما تمكن مؤسس هذه الدولة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود من الإستيلاء على الرياض. واستمر رحمه الله يناضل إلى أن تم توحيد أرض الجزيرة العربية على يده، من الخليج العربي شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً بإسم المملكة العربية السعودية سنة 1351 هـ (1) . وكانت الجزيرة العربية قبل توحيدها تسود فيها الحياة القبلية التي تعتمد على منطق القوة والعنف والمنازعات إضافة إلى انتشار كثير من البدع والخرافات والجهل، ومن الطبيعي أن مجتمعاً هذه سماته يكون مفتقداً للتنمية ومن ثم للتقارب والإندماج فكان التفكك والتباعد هو السائد بين القبائل، حتى أن أرض الجزيرة كانت مفتتة بين إمارات عدّة، فحكم الحجاز وعسير كان للأشراف فعلاً وتحت الحكم العثماني إسماً، أمّا نجد فكان حكم العيينة لآل معمر، وحكم الرياض لدهام بن دواس، وحكم الخرج لآل زامل، وحكم الدرعية لآل سعود (2) . وكانت هذه الأمارات منعزلة عن بعضها البعض بسبب صعوبة التضاريس وعدم وجود طرق ممهدة تربط بينها أو وسائل إتصال حديثة، إضافة إلى قسوة المناخ الصحراوي، وإنتشار قطاع الطرق وعدم توفر الأمان في ذلك الوقت، وكذلك الأمر من الناحية الاقتصادية فلم تكن تربطها أية علاقات بل كانت عبارة عن أسواق مقسمة ومتباعدة ومترامية الأطراف ومما ساعد على ذلك اختلاف العملات والنقود المتداولة فيها فعلى سبيل المثال كان يتم التداول في الحجاز (المنطقة الغربية) بالريال المجيدي العثماني والريال الهاشمي وريال ماريا تريزا والروبية الهندية وكلها كانت مسكوكة من الفضة إضافة إلى الجنيه المصري، والجنيه الإنجليزي وكانا مسكوكين من الذهب. أمّا نجد (المنطقة الوسطى) فكان يقوم فيها التداول عن طريق نظام المقايضة حيث كانت منطقة شبه مغلقة وإن كان قد عرف فيها بعض العملات النحاسية من أصل عثماني أو مصري. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 435 وفي المنطقة الشرقية كانت الروبية الهندية هي السائدة، أما المنطقة الجنوبية فقد كان يتم فيها تداول الريال الفرنسي الفضي (1) . وقد قام جلالة المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله بأعمال وتنظيمات مختلفة أدت إلى المساهمة في البدء في البرامج التنموية للمملكة وإلى مزيد من التقارب والإندماج في المجتمع السعودي ومن أهمها: أ) نشر الوعي الديني والدعوة الإسلامية: اعتمد الملك عبد العزيز في تأسيس الحكم على المنهج الإسلامي، ولذلك فإن القواعد التنظيمية التي سار عليها في منهجه السياسي وجميع التغييرات التي أحدثها سواء أكانت اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية كانت مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله (ومقيدة بتعليم ومبادئ الإسلام (2) . ومن هنا فقد اهتم رحمه الله بنشر الوعي الديني بين القبائل والعشائر في الحاضرة والبادية فأمر ببناء المساجد وعيّن فيها الأئمة والخطباء، وأرسل لهم العلماء والوعّاظ لإرشاد الناس إلى التمسك بهدي الإسلام وبالقيم الدينية وبينوا لهم الحدود الشرعية وأخذوا يفقهونهم بالحلال والحرام، وأن المسلم دمه وماله وعرضه حرام. وأن الإيمان لا يكتمل للإنسان المسلم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. ب) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أخذ الملك عبد العزيز رحمه الله بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعد له جهازاً تنظيمياً رسمياً، يهدف إلى إصلاح المجتمع وإرشادهم إلى الطريق الصواب ومحاربة البدع، والمحافظة على إقامة الشعائر الدينية وأداء الصلوات في أوقاتها. ومراقبة الأسواق للتأكد من عدم الإختلاط أو إيذاء الرجال للنساء والحث على التستر والإحتشام، وزجر وتأديب صاحب السلوك المنحرف أو إحالته إلى الجهات المختصة لمعاقبته (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 436 ج) توفير الأمن والسلامة والطمأنينة: شهدت الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله عهداً من الأمن والطمأنينة لم تعرفه منذ فترة طويلة من الزمن، فاختفت الجرائم لأنه أقام الحدود الشرعية بالقصاص من القاتل وقطع يد السارق والجلد في الجرائم الأخلاقية. وأصبحت طرق القوافل آمنة للحجاج والمسافرين. وألغى الضرائب أو الخوّة التي كانت تفرضها القبائل على كل من يمر في حماها أو المدى الذي يقع تحت نفوذها، ودعا شيوخ القبائل وأبلغهم بأن كل واحد منهم سيصبح مسئولاً عن كل ما يقع في مدى عشيرته. فأمنت النفوس وأطمأنت وازدادت الصلة بين الناس والتقارب والإندماج وارتبطت المناطق والأقاليم بعضها ببعض بعد التفتت والفرقة والإنقسام (1) . د) توطين البادية: عمل الملك عبد العزيز رحمه الله على توطين البادية، وتحويل نمط حياتها المعيشيّة من طور الرعي والإرتحال والعيش في الأكواخ والخيام الشعر إلى الإستقرار والبناء في الهجر وهي الأماكن التي تقع قريبة من المياه، وحدد لهم نظاماً لتوزيعها وأمر بإرشادهم وتعليمهم أساليب الري والزراعة واستصلاح الأراضي واستثمارها وتوفير البذور فاتسعت رقعة ومساحة الأراضي الزراعية (2) ، وانتشرت الهجر فبلغت ما يقرب من مائة واثنين وعشرين هجرة، موزعة على مختلف مناطق المملكة تضم مالا يقل عن اثنتي عشرة قبيلة يصل عدد أفرادهم حوالي ثمانين ألف نسمة (3) . فظهرت الألفة بين القبائل بحكم الجوار والاستقرار والتقارب وأخذت تتزاوج من بعضها البعض وشجعهم الملك عبد العزيز على ذلك وضرب لهم في ذلك المثل بنفسه حيث تزوج رحمه الله من عدد من القبائل. فازدادت الروابط والصلات والمؤاخاة بدلاً من الغزو والسلب والنهب الذي كان سائداً من قبل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 437 هـ) الاهتمام بنشر العلم: عندما دخل الملك عبد العزيز رحمه الله مكة المكرمة دعا العلماء فيها، وحثهم على نشر العلم والتعليم وتنظيمه والتوسع فيه (1) . ثم أمر بإنشاء مديرية المعارف في عام 1344 هـ وأسند إليها الإشراف على جميع المدارس في الدولة، وعهد إليها بإنشاء المدارس والمعاهد وتنشيط الحركة العلمية، فأنشئت في عهده رحمه الله الكثير من المدارس في المدن والقرى (2) . وعلى الرغم من قلّة الموارد المالية في ذلك الوقت إلاّ أنه كان التعليم فيها بالمجان وقد استعين في التدريس بالعديد من المدرسين في الدول المجاورة كمصر وسوريا وقد ذلل رحمه الله جميع المعوقات والصعوبات التي كانت تواجه نشر التعليم في المملكة. ولاشك أن التعليم ومحاربة الجهل يعتبر من أهم وسائل البناء والتنمية للمجتمعات، ويمثل حجر الزاوية في تحقيق التقدم والإزدهار والتقارب والإندماج. و) العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية: حرص جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله على تحسين الأوضاع الاقتصادية للمملكة ورفع المستوى المعيشي فيها وذلك بوضع برامج إصلاحية تهدف إلى القضاء على الفوضى النقدية، وربط الأسواق المحلية، وتوفير مصدر دخل قومي يمكن الإنفاق منه على برامج التنمية في جميع مناطق المملكة. فبدأ رحمه الله بالإصلاح النقدي حيث تم في عام 1344 هـ سحب جميع العملات المختلفة التي كانت تتداول في مناطق المملكة وحل محلّها الريال المجيدي العثماني كخطوة أولى لتوحيد وسيلة الدفع في البلاد، وفي عام 1346 هـ قام بسك الريال الفضي، وهو يعادل تقريباً نفس وزن الريال المجيدي العثماني، ويحمل اسم ملك الحجاز وسلطان نجد، وبعد ذلك تم إصدار ريال فضي جديد يحمل اسم المملكة العربية السعودية وهو يعادل وزن الروبية الفضية الهندية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 438 ثم أنشأ رحمه الله في عام 1371 هـ مؤسسة النقد العربي السعودي لتكون بمثابة البنك المركزي للدولة. ومن أهم مزايا هذا الإصلاح النقدي زيادة الربط بين الأسواق المحلية وتشجيع حركة التبادل فيما بينها (1) . ثم قام رحمه الله بإنشاء بعض الطرق التي تربط بين أقاليم المملكة، ويأتي على رأس هذه الطرق خط السكة الحديدية الذي يربط بين العاصمة الرياض والمنطقة الشرقية، مما شجع على زيادة حركة التجارة الداخلية، وزيادة التقارب والإندماج. وأمّا بالنسبة للمحاولة على توفير مصدر دخل قومي يمكن الإنفاق منه، فقد أجرى الله سبحانه وتعالى الخير على يد جلالته فقام بمنح شركة ستاندرد أويل أوف كالفورنيا الأمريكيّة حق امتياز التنقيب عن البترول في المنطقة الشرقية. وتم اكتشاف البترول في المملكة لأول مرّة عام 1357 هـ. وبالطبع لم تكن العوائد المحققة من البترول آنذاك بدرجة تمكن من تحقيق تنمية شاملة في جميع أنحاء المملكة ولكنها كانت البداية، حيث أخذت عملية التحوّل من المجتمع القبلي إلى المجتمع القومي في التزايد بمعدل سريع بعد اكتشاف البترول (2) ، مما أدّى إلى مزيد من التقارب والاندماج. وهكذا يتضح مما تقدم أن برنامج التنمية الذي قام به الملك عبد العزيز رحمه الله أدّى إلى تحقيق التقارب والإندماج بين جميع سكان المملكة العربية السعودية لأنه احتوى على العنصر الإيماني والأخلاقي، وهو ما تفتقده معظم برامج التنمية في العصر الحديث. سادساً: التنمية وأثرها على التقارب والاندماج في مجتمع المملكة العربية السعودية الحديث: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439 نفذت المملكة العربية السعودية بحمد الله تعالى خلال الثلاثين سنة الأخيرة 1390 هـ - 1420 هـ (1970 م - 2000 م) ست خطط خمسية تنموية، وبدأت في تنفيذ الخطة السابعة. ولقد عاصرت الخطط الثلاثة الأولى إمّا في جزء منها أو كلها عهد الطفرة البترولية التي زادت خلالها أسعار البترول إلى ما يعادل عشرين ضعفاً من الأسعار السابقة. وحققت هذه الخطط مستوى تنمية أكبر من أن تصفه القيم النقدية للمتغيرات الاقتصادية. فالإقتصاد السعودي يتمتع بعدد من المزايا التي قلّ ما تتوفر لأي من الدول النامية الأخرى. إذ يمتلك ربع احتياطي العالم من البترول، ويعتبر ثالث أكبر اقتصاد في إنتاجه (1) بعد الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، كما تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر دولة مصدرة للبترول في العالم (2) . وتحتل المركز الخامس على مستوى العالم في احتياطي الغاز الطبيعي، إضافة إلى ما تمتلكه من ثروة معدنية ضخمة. وتمكنت بفضل الله ثم بفضل جهود التنمية التي بذلتها من تحقيق الإكتفاء الذاتي في التمور والقمح والبيض والحليب الطازج (3) . ويوجد لدى المملكة أكبر صناعة بتروكيماويات في منطقة الشرق الأوسط، ويمثل اقتصادها أضخم اقتصاد في المنطقة من حيث الحجم، فقد بلغ إجمالي الناتج المحلّي حوالي 146.2 بليون دولار عام 1997 م (4) . ويوضح الجدول (1) تطور متوسط الدخل الحقيقي بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة 1970 م - 1997 م. جدول رقم (1) متوسط الدخل في المملكة العربية السعودية بالأسعار الثابتة (1970 = 100) السنوات الميلادية الناتج المحلي الإجمالي بملايين الريالات عدد السكان بالمليون نسمة متوسط الدخل الحقيقي بالريال 1970 1975 1980 1985 1990 1995 1997 19907 34462 53282 45304 56243 62877 64969 5.745 7.251 9.604 12.649 16.048 17.880 19.010 3465 4753 5548 3582 3505 3517 3418 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 440 المصادر: (1) مؤسسة النقد العربي السعودي، التقرير السنوي الرابع والثلاثون، 1419 هـ، ص 289 - 291. (2) منظمة الخليج للإستشارات الصناعية، ملف الخليج الإحصائي، 1999م، ص 207. وكما يتضح بالجدول (1) فإنه في فترة العشر سنوات الأولى (1970 م - 1980 م) زاد الناتج المحلّي الحقيقي في المملكة إلى أكثر من ضعفين ونصف، وفي السبعة عشر سنة الأخيرة زاد بمعدل أقل يصل إلى 22% طوال الفترة، وذلك بسبب انخفاض أسعار البترول. أمّا متوسط الدخل الحقيقي فقد زاد خلال فترة العشر سنوات الأولى بنسبة 60% طوال الفترة، وإن كان قد انخفض بعد ذلك. كما صاحب التنمية الاقتصادية في المملكة تنمية اجتماعية على مستوى عال في جميع المناطق، ويوضح ذلك الجدول (2) . جدول (2) بعض معايير التنمية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية المعيار 1980 م 1993 م 94/1995م 1 النسبة المئوية من السكان الذين تتوفر لهم فرص الحصول على رعاية صحية. 85% 98% 2 النسبة المئوية من السكان الذين تتوفر لهم فرص الحصول على مياه مأمونة. 91% 93% 3 النسبة المئوية من السكان الذين تتوفر لهم فرص الحصول على صرف صحي. 76% 86% 4 نسبة الملتحقين بالمدارس الإبتدائية من الفئة العمرية (ذكور) 74% 78% 5 = = = = = = = (إناث) 49% 73% 6 = = = الثانوية = = = (ذكور) 36% 54% 7 = = = = = = = (إناث) 23% 43% 8 = = بالتعليم العالي من الفئة العمرية. 7% 14% المصدر: البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1997 م، الدولة في عالم متغير، ص 243، 425. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 441 ومن الواضح بالجدول (2) أن التنمية الاقتصادية في المملكة صاحبها تنمية اجتماعية تمثلت في وصول الرعاية الصحية لنسبة 98 % من السكان، ووصول المياه الصحية المأمونة لنسبة 93 % من السكان، ووصول الصرف الصحي لنسبة 86 % من السكان حتى عام 1994 م / 1995 م. كما أن نسبة الملتحقين بالتعليم الأساسي وصلت 78% من الفئة العمرية للذكور، 73% من الفئة العمرية للإناث حتى عام 1993 م. ولقد أدّت هذه التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى زيادة درجة التقارب والإندماج بين أقاليم المملكة، ويتضح هذا التقارب في عدد من المظاهر أهمها: 1 - زيادة نسبة الحضر: تحدث زيادة نسبة الحضر urban areas في الغالب من تزايد الهجرة من مناطق البدو والريف rural areas إلى المدن، أو لتحول عديد من القرى إلى مدن نتيجة لإرتقاء مستوى التنمية فيها. وتؤدي الهجرة إلى التقارب المادّي بين المواطنين، كما قد تؤدي إلى تقارب معنوي ناجم عن التزاوج والمصاهرة وما يصاحبه من صلة نسب وقربى بينهم. ويوضح الجدول (3) زيادة نسبة الحضر في مجتمع المملكة العربيّة السعودية خلال الفترة 1970م - 1995م. جدول (3) تطوّر نسبة الحضر في المملكة العربية السعودية بيان 1970 م 1980 م 1995 م 1970-1980 م 1980-1995 م نسبة الحضر من السكان معدل النمو السنوي لنسبة الحضر 49% 67% 79% 8.3 % 6 % المصدر: (1) البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1994 م، البنية الأساسية من أجل التنمية، ص 255. (2) البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1997 م، الدولة في عالم متغير، ص 249. ومن الواضح في الجدول أن نسبة الحضر من السكان زادت من 49 % سنة 1970 م إلى 79% 1995 م، وذلك بمعدل سنوي 8.3 % خلال الفترة 1970 م - 1980 م، ومعدل سنوي 6 % خلال الفترة 1980 م - 1995 م. ويعتبر هذا دليلاً على تزايد درجة التقارب والإندماج بين مواطني المملكة عبر هذه الفترة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 442 2 - زيادة درجة الربط بين المدن والقرى: صاحب التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة زيادة درجة الربط بين الأقاليم عن طريق وسائل الاتصال الحديثة. ويوضح الجدول (4) بعض المعايير التي تعكس ذلك. جدول (4) بعض معايير الربط بين أقاليم المملكة العربية السعودية م بند 1970 م 1998 م 1 2 3 4 أطوال الطرق المرصوفة بالألف كم أطوال الطرق الترابية بالألف كم ركاب السكك الحديدية بالألف خطوط الهاتف العاملة بالألف 8 3.5 117 1452* 44 102.3 608 2281** المصدر: (1) وزارة النخطيط، المملكة العربية السعودية، منجزات خطط التنمية (1997 م - 1998 م) ، ص 343. (2) منظمة الخليج للإستشارات الصناعية، مرجع سابق، ص 225. * الرقم لسنة 1992 م، ** الرقم لسنة 1997 م. ومن الواضح بالجدول (4) أن أطوال الطرق المرصوفة التي تربط بين مناطق المملكة وداخلها زادت إلى خمسة أضعاف ونصف، كما زادت أطوال الطرق الترابية إلى تسعة وعشرين ضعفاً خلال الفترة 1970 م - 1998 م، وزادت حمولة خطوط السكك الحديدية خمسة أضعاف خلال نفس الفترة، كما زادت خطوط الهاتف خلال فترة خمس سنوات فقط (1992 م - 1997 م) بنسبة 57 %. وتعبّر هذه المعدّلات عن زيادة درجة الترابط بين مدن المملكة وقراها مع تزايد التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها، وبالتالي إلى زيادة التقارب المادي والمعنوي بين مجتمع المملكة. • • • الخاتمة والتوصيات: إن التنمية بمفهومها الشامل تربط بين العوامل الاقتصادية والعوامل الاجتماعية وتعتبرهما جزءاً لا يتجزأ تستمد منهما العناصر الأساسية لدفع عجلة التنمية ككل. كما أن هناك علاقة تبادلية بين التنمية من ناحية والتقارب والإندماج في المجتمعات من ناحية أخرى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 443 فالتنمية تسعى إلى تحسين مستويات معيشة الأفراد والإرتقاء برفاهيتهم الحسيَّة، ويفترض في الوقت نفسه أن يكون لها دور في الارتقاء بأخلاقهم وسلوكهم، ومن ثم حدوث التقارب والإندماج بينهم. وقد اعتنى الإسلام منذ بدايته بذلك وله قصب السبق في إدخال العوامل الاجتماعية في صميم التنمية، فاهتم بالجانب الإيماني والأخلاقي ولم يركز اهتمامه على الجانب المادي فقط كما هو الحال في برامج التنمية المعاصرة، كما أنه لم يدع للفرد الحرية المطلقة في تصرفاته التي تؤثر في الآخرين أو في المجتمع ككل، وإنما قيّد هذه الحرية بضوابط وقواعد لا ضرر ولا ضرار والالتزام بالسلوك والمبادئ التي رسمتها الشريعة. وهذا الالتزام هو المنهج الذي سار عليه المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله في وضع ركائز الحكم ودعائمه في جميع برامجه السياسية والتنموية، فوصل به إلى بر الأمان، وأجرى الله على يديه الخير فكان سبباً للمّ شعث الجزيرة وتوحيدها بعد فرقة وصراع وتباعد. وتحققت التنمية بمفهومها الشامل وبجانبيها المادي والمعنوي - وإن كانت في شكلها البدائي - ثم سار على نهجه أبناؤه البررة فازدادت التنمية بصورة أكبر وأصبحت المملكة العربية السعودية دولة شامخة فتيّة لها ثقلها بين شقيقاتها الدول العربية والإسلامية، بل ولها دورها المؤثر على المستوى العالمي. فحق لها أن تفخر بما حققته من إنجازات تنموية مع تمسكها بمبادئها الإسلامية، وهي بحق أنموذجاً حيّاً للتنمية الشاملة التي جمعت بين الجانب الروحي والإيماني، والجانب المادي. ومجتمعها أنموذجاً في التقارب والإندماج والألفة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. ولا عجب في ذلك فالله سبحانه وتعالى أخرج جزيرة العرب من الظلمات إلى النور ببعثة نبيه محمد (. فتحقّقت فيها التنمية الإيمانية والألفة والمحبة والتقارب والإندماج في عهده (وعهد الخلفاء الراشدين من بعده والتابعين واستمرت بنفس القوّة حتى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 444 القرن السابع الهجري. وبعد هذه الفترة ظهر فيها الوهن والتفكك إلى أن هيأ الله لها الرجال المخلصين الذين ساروا على نهج المصطفى (وتمسكوا بالكتاب والسنة وعلى رأسهم الملك عبد العزيز رحمه الله فعادت إليها وحدتها وتآلفها. ولذلك فإن دراسة التاريخ الاقتصادي القديم والحديث للجزيرة العربية تعتبر شاهداً على أهمية مراعاة الجانب الإيماني والأخلاقي في برامج التنمية، وأن غيابهما من برامج التنمية الحديثة على المستوى الدولي أدى إلى مزيد من التفكك والتباعد في العلاقات الإنسانية سواء أكان ذلك بين سكان الدول المختلفة أو المجتمع الواحد والأسرة الواحدة. ويوصي الباحث أخيراً بأنه ينبغي لهيئة الأمم المتحدة الاهتمام بالجانب الإيماني والأخلاقي عند محاولتها قياس التنمية البشرية، إضافة إلى اهتمامها بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئيّة وغيرها. حيث لوحظ في تقاريرها المنشورة أنها لم تركز على جانب القيم الأخلاقية في صياغتها لمؤشر التنمية البشرية رغم أهميته الشديدة. والحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الحواشي والتعليقات http: / www.law.cornell.edu/uscode/17/107/shtml, Killings Rise As 3 Million Illegal Guns Flood Britain. Ibid , Unintended Consequenences of Gun Control. Gasper , Des , “ violence and suffering , Responsibility and choice: Issues in Ethics and Development ”, The European Journal of Development Research , Vol. 11 , no. 2 , Dec 1999 , PP. 1 - 11. يقصد بمجتمع المملكة العربية السعودية قديماً جزيرة العرب وما حدث فيها من تطورات تاريخية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 445 يقول سماحة الشيخ محمد بن جبير رئيس مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية في سرد ذكرياته بصحيفة الوطن عدد 17، وتاريخ 19 / 7 / 1421 هـ، ((إن الإندماج الذي تم بين سكان المملكة هو إندماج غريب غير مسبوق لدرجة أن أصبحت اللهجة موحّدة تقريباً، نتيجة للإحتكاك الاقتصادي والتعليم والثقافة الواحدة. فأصبحت لا تميز بين ساكن الجنوب وساكن الشمال وساكن الشرق وساكن الغرب)) . عبد القادر محمد عبد القادر، إتجاهات حديثة في التنمية، الاسكندرية، الدار الجامعية: 1999 م، ص 17. فؤاد عبد الله العمر، “ حصيلة الزكاة وتنمية المجتمع، دراسة حالة واقعية عن الكويت ”، موارد الدولة المالية في المجتمع الحديث من وجهة النظر الإسلامية، جدة، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب: 1408 / 1409 هـ، ص 335. عبد القادر محمد عبد القادر، مرجع سابق، ص 52. محمد إبراهيم السيف، “ رؤية الملك عبد العزيز للأمن الاجتماعي في المجتمع السعودي ”، مجلة الأمن، الرياض، العدد السابع عشر: ذو القعدة 1419 هـ، ص 186. محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع الصحيح المعروف ب (صحيح البخاري) ، كتاب الرقاق، باب التواضع. بيروت - لبنان، دار الفكر، سنة 1994 م، ج 7، ص 243، رقم الحديث (6502) البخاري، المرجع السابق، كتاب الإيمان، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة، ج1، ص 14، رقم الحديث (25) . ومسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، الجامع الصحيح، المسمّى صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، بيروت - لبنان، دار ابن حزم، سنة 1995 م، ج1، ص 571، رقم الحديث (21) . الرازي، مختار الصحاح، القاهرة، المطبعة الأميرية: 1345 هـ - 1926م، باب القاف، ص 526. الرازي، المرجع السابق، باب الدال، ص 210. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 446 مسلم النيسابوري، مرجع سابق، كتاب البر والصلة، ج4، ص 1573، رقم الحديث 2555. البخاري، مرجع سابق، كتاب أحاديث الأنبياء، باب الأرواح جنود مجندة، ج4، ص 126، رقم الحديث 3336. مصطفى سعيد الخن وآخرون، نزهة المتقين شرح رياض الصالحين للإمام النووي، بيروت - لبنان، مؤسسة الرسالة 1408 هـ - 1988 م، ج2، ص 952. مصطفى سعيد الخن وآخرون، المرجع السابق، ج2، ص 953. السيد عبد العزيز سالم، تاريخ شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، الاسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة: 1999 م ص 70 - 74. ومصطفى الهمشري، النظام الاقتصادي في الإسلام، الرياض، دار العلوم: 1405 هـ - 1985 م، ص 39، 40. ياقوت بن عبد الله الحموي معجم البلدان، بيروت، دار صادر، 1404 هـ - 1984 م، ج 4، ص 112. مادة (العُروض) . أبو بكر جابر الجزائري، هذا الحبيب محمد رسول الله (، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم: 1415 هـ، ص 28، 31، 32. مصطفى الهمشري، مرجع سابق، ص 42، 43. أبو بكر الجزائري، مرجع سابق، ص 28. السيد عبد العزيز سالم، مرجع سابق، ص 87 - 93. أبو بكر الجزائري، مرجع سابق، ص 29. السيد عبد العزيز سالم، مرجع سابق، ص 360 - 361. عبد الرحمن يسري أحمد محمد، الأولويات الأساسية في المنهج الإسلامي للتنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، جدة، جامعة الملك عبد العزيز: 1982 م، ص 17. عبد الرحمن يسري أحمد محمد، المرجع السابق، ص 17. أبو بكر الجزائري، مرجع سابق، ص 166. الحافظ بن كثير، البداية والنهاية، تحقيق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر، 1417 هـ - 1997 م، ج4، ص 554. الحافظ بن كثير، المرجع السابق، ج4، ص 559. وقطب إبراهيم محمد، السياسة المالية للرسول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988 م، ص 34. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 447 الحافظ بن كثير، مرجع سابق، ج4، ص 563. البخاري، مرجع سابق، كتاب الإيمان، باب قول النبي (بني الإسلام على خمس، ج 1، ص 9، رقم الحديث (8) . ومسلم النيسابوري، مرجع سابق، كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام، ج 1، ص 52، رقم الحديث (16) . مصطفى سعيد الخن وآخرون، مرجع السابق، ج2، ص 858. المرجع السابق، ج1، ص 274. المرجع السابق، ج1، ص 275. محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي، القاهرة، المكتبة التجارية، كتاب البيوع، باب ما جاء في إنظار المعسر، ج 3، ص 590، رقم الحديث 1360. مسلم النيسابوري، مرجع سابق، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، ج 3، ص 1159، رقم الحديث 1827. سيد قطب، في ظلال القرآن، بيروت، دار الشروق: 1402 هـ / 1982 م، المجلد الخامس، ص 3165، 3166. السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي، السيرة النبوية، بيروت، المكتبة العصرية، 1401 هـ - 1981 م، ص 554، 555. سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، القاهرة، دار الحديث، ج 2، ص 85، رقم الحديث 1518. عبد الرحمن يسري، مرجع سابق، ص 10. مسلم النيسابوري، مرجع سابق، كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلاّ المؤمنون، ج1، ص 74، رقم الحديث (54) . مصطفى سعيد الخن وآخرون، مرجع السابق، ج1، ص 251. السيد أحمد حسن دحلان، دراسة في السياسية الداخلية للمملكة العربية السعودية، جدة، دار الشروق: 1405 هـ، ص 28، 32. السيد أحمد حسن دحلان، المرجع السابق، ص 28. أحمد حسن أحمد الحسني، تطور النقود في ضوء الشريعة الإسلامية مع العناية بالنقود والكتابية، جدة، دار المدني: 1410 هـ، ص 99 - 100. محمد إبراهيم السيف، مرجع سابق، ص 186. محمد إبراهيم السيف، مرجع سابق، ص 203 - 205. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 448 هـ. س. أرمسترونج، (ترجمة يوسف نور عوض) ، سيد الجزيرة العربية، مصر، مطابع الأهرام التجارية: 1991 م، ص 213. مديحة أحمد درويش، تاريخ الدولة السعودية حتى الربع الأول من القرن العشرين، جدة، دار الشروق: 1403 / 1983 م، ص 164. عبد الله بن عبد الله بن سليمان العبيد، عبد القادر محمد عبد القادر عطية، اقتصاد المملكة العربية السعودية، (نظرة تحليليّة) ، الرياض، دار عالم الكتب: 1414 - 1415 هـ / 1994 م، ص 15. سليمان بن عبد الرحمن الحقيل، الرياض، نظام وسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية: 1420هـ، ص 13. هـ. س. أرمسترونج، مرجع سابق، ص 236. أحمد حسن أحمد الحسني، مرجع سابق، ص 100 - 102. عبد الله بن عبد الله بن سليمان العبيد، عبد القادر محمد عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 13، 16. يعتبر ترتيب المملكة العربية السعودية الثالث من حيث الانتاج على مستوى العالم باستخدام معيار الانتاج التراكمي Cumulative Production، وإن كانت تعتبر الأولى في الوقت الحاضر باستخدام معيار الانتاج الجاري Current Production ويعتبر المعيار الأول أكثر شمولاً وتعبيراً عن الثاني غير المستقر. Riva , Jose ph p., “ world oil production after year 2000 ” , http: “ www. Cnie. org / nle / eng - 3. html , P. 4. General Union of chambers of Commerce, Industry and Agricultuer, Arab Economic Report, April 1996, PP. 491-495. إدارة الدراسات الاقتصادية والإحصاء، وزارة الزراعة والمياه، الموازنات الغذائية للمملكة العربية السعودية للفترة 1993 م - 1995 م، ص 31 - 50. منظمة الخليج للإستشارات الصناعية، ملف الخليج الإحصائي، 1999 م، ص 47 - 155. المصادر والمراجع القرآن الكريم هو المصدر الرئيس لهذا البحث وتليه المصادر والمراجع الأخرى على النحو التالي: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 449 ابن كثير، الحافظ إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية، الرياض، دار هجر: 1417 هـ / 1997 م. أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، القاهرة، دار الحديث: بدون تاريخ. أرمسترونج، هـ. س، ترجمة د. يوسف نور عوض، سيد الجزيرة العربية، مصر، مطابع الأهرام التجارية: 1991 م. إدارة الدراسات الإقتصادية والإحصاء، وزارة الزراعة والمياه، الموازنات الغذائية للمملكة العربية السعودية للفترة 1993 م - 1995 م. البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح المعروف ب (صحيح البخاري) ، بيروت - لبنان، دار الفكر: 1994 م. البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1997 م، الدولة في عالم متغيّر. البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1994 م، البنية الأساسية من أجل التنمية. الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، القاهرة، المكتبة التجارية: بدون تاريخ. الجزائري، الشيخ أبو بكر، هذا الحبيب محمد رسول الله (، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم: 1415 هـ. الحسني، د. أحمد بن حسن أحمد، تطور النقود في ضوء الشريعة الإسلامية مع العناية بالنقود الكتابية، جدة، دار المدني: 1410 هـ. الحقيل، د. سليمان بن عبد الرحمن، نظام وسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية، الرياض: 1420 هـ. الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان، بيروت، دار صادر: 1404 هـ - 1984 م. الخن، د. مصطفى سعيد، وآخرون، نزهة المتقين شرح رياض الصالحين للإمام النووي، بيروت، مؤسسة الرسالة: 1408 هـ / 1988 م. دحلان، السيد أحمد، دراسة في السياسة الداخلية للمملكة العربية السعودية، جدة، دار الشروق، 1405 هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 450 درويش، د. مديحة أحمد، تاريخ الدولة السعودية حتى الربع الأول من القرن العشرين، جدة، دار الشروق: 1403 هـ / 1983 م. الرازي، الشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، ترتيب محمود خاطر بك، القاهرة، المطبعة الأميريّة: 1345 هـ / 1926 م. سالم، السيد عبد العزيز، تاريخ شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، الاسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة: 1999م. السيف، د. محمد إبراهيم، رؤية الملك عبد العزيز للأمن الاجتماعي في المجتمع السعودي، مجلة الأمن، الرياض، العدد السابع عشر، ذو القعدة 1419هـ. عبد القادر، د. عبد القادر محمد، اتجاهات حديثة في التنمية، الاسكندرية، الدار الجامعية: 1999 م. العبيد، د. عبد الله بن عبد الله بن سليمان، وعبد القادر، د. عبد القادر محمد عبد القادر عطية، اقتصاد المملكة العربية السعودية “ نظرة تحليليّة ” الرياض، دار عالم الكتب: 1414 هـ - 1415 هـ / 1994 م. العمر، د. فؤاد عبد الله، “ حصيلة الزكاة وتنمية المجتمع، دراسة حالة واقعية عن الكويت ”، موارد الدولة المالية في المجتمع الحديث من وجهة النظر الإسلامية، جدة، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب: 1408 هـ - 1409 هـ. قطب، سيد، في ظلال القرآن، بيروت، دار الشروق: 1402 هـ / 1982 م. محمد، عبد الرحمن يسري أحمد، الأولويات الأساسية في المنهج الإسلامي للتنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي، جدة، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز: 1982 م. منظمة الخليج للإستشارات الصناعية، ملف الخليج الإحصائي، 1999 م. مؤسسة النقد العربي السعودي، التقرير السنوي الرابع والثلاثون، 1419هـ. الندوي، السيد أبي الحسن علي الحسني، السيرة النبوية، بيروت، المكتبة العصرية: 1401 هـ / 1981 م. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 451 النيسابوري، مسلم بن الحجاج القشيري، الجامع الصحيح المسمى (صحيح مسلم) ، بيروت - لبنان، دار ابن حزم: 1995 م. الهمشري، د. مصطفى، النظام الاقتصادي في الإسلام، الرياض، دار العلوم: 1405 هـ / 1985 م. وزارة التخطيط، المملكة العربية السعودية، خطط التنمية “ 1390 هـ / 1970 م - 1418 هـ / 1998 م ”. 31 - http:/ www.law.cornell.edu/uscode/17/107/shtml,Killngs Rise As 3Million Illegal Guns Flood Britain. 32 - Chambers of Commerce, Industry and Agriculture, Arab Economic Report, April 1996 33 - Gasper , Des , “ Violence and Suffering , Responsibility and Choice: Issues in Ethics and Development ” , The European Journal of Development Research , vol. 11 , no. 2 , Dec 1999. 34 - Riva , Jose ph P. , “ World Oil Production After Year 2000 ” , http: // www. cnie. org / nle / eng - 3. html. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 452 الترتيب الصرفي في المؤلفات النحوية والصرفية إلى أواخر القرن العاشر الهجري د. مهدي بن علي بن مهدي آل ملحان القرني الأستاذ المساعد – بكلية المعلمين في بيشة ملخص البحث تكثر المؤلفات والمصنفات النحوية والصرفية كثرة يقف منها المطّلع موقف المتأمّل والمتسائل لهذه الكثرة؛ أفي كل هذه المؤلفات جديد لم يكن في غيرها، أم أن الجديد غير المادة، وهو أسلوب العرض والتناول والترتيب. ولهذا كان هذا البحث. فهو يتحدث عن ترتيب الأبواب الصرفية في كتب النحاة والصرفيين إلى أواخر القرن العاشر الهجري. وقد بدأ البحث بتمهيد يوضح فيه مفهوم الصرف عند النحاة والصرفيين، ليتبيّن بعد البحث والدراسة أن لهذا المفهوم ثلاث مراحل مرّ بها متطوّراً ومتوسّعاً؛ كما تطرّق التمهيد إلى بيان مباحث الصرف التي يشملها هذا البحث، والفرق بين الصرف والتصريف. ثم انطلق البحث إلى صلب الموضوع، متخذاً استقراء المصنفات النحوية والصرفية أسلوباً لعرضه مع المقارنة واستخلاص الأصول التي منها انطلق النحاة والصرفيون لتأليف كتبهم. وتمّ تقسيم البحث في ضوء ذلك أقساماً بحسب نوع المادة التي ضمّها الكتاب من حيث الجمع بين النحو والصرف أو استقلال أحدهما عن الآخر، ومن حيث موقع الصرف في الكتاب. وخلص البحث إلى خاتمة تعرض أبرز النتائج التي توصل إليها البحث. مقدمة: الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على معلم البشرية الخير، أفصح من نطق بالضاد.. أما بعد: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 453 فإن علم الصرف من العلوم الأساسية التي قامت خدمة للغة العربية، وهو يحتل المنزلة الأولى في خدمة هذه اللغة من حيث الأهمية، ولا ضير في أن تقدّم النحو على الصرف في كثير من المؤلفات، فذلك له أسبابٌ أخرى، ولا يعكس ذلك قلة الاهتمام بالصرف، فالصرف يمس الجانب الأول في التركيب والكلام، وهو بنية الكلمة، والنحو يمسّ جانب التركيب، وهو تالٍ للبنية، ولهذا فالخطأ في البنية غير ظاهر؛ ولأجل هذا يستمر الخطأ، أما النحو فإنه يُحتال على ذلك بالتسكين، والخطأ مع هذا ظاهر غير مستمر. والمطّلع على المباحث والأبواب الصرفية يجد أنها تتكرر في كل كتاب مؤلف دون زيادة أو نقصان غالبًا، والجديد فيها هو ترتيبها وتنظيمها، وطريقة عرضها، ولهذا كثرت المؤلفات في النحو والصرف بغية الترتيب الجديد لا لهدف الإضافة والاستدراك غالبًا. وعلى هذا فما في كتاب ابن السراج» الأصول «هو مادة كتاب سيبويه، والذي دعاه إلى تكرار ذلك هو محاولته ترتيبه وعرضه بطريقة جديدة. ولأجل هذه النظرة حرصتُ أن أبحث في طرائق ترتيب النحاة والصرفيين لمباحثهم، محاولا الوصول إلى أهدافهم وغاياتهم وأساليبهم في ذلك. ومهدت للبحث بتمهيد حرصت فيه أن أبيّن المفهوم العام للصرف والتصريف، حتى يتبيّن المراد من الأبواب والمباحث التي أعنيها، كما بيّنت مباحث التصريف على ضوء المفهوم الذي أوردته. ثم بدأت في البحث مبيّنا أوجه التشابه والاختلاف بين الصرفيين في كتبهم التي تناولت الصرف، وكان اختيار الصرفيين في البحث معتمدا على شهرته، وتوفّر مؤلفاته، وشمول هذه المؤلفات. كما أن آخر من تناولهم البحث هو السيوطي في همع الهوامع. وجنّبت من البحث الشروح والحواشي (1) ؛ لأنها تعتمد في الترتيب والتنظيم والعرض الكتاب المشروح، وإن ظهرت بعض الاعتراضات والاستدراكات في ذلك، غير أن ذلك ليس هدف هذا البحث. وختمت البحث بخاتمة لخّصت فيها أبرز النتائج. والله وليّ التوفيق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 454 تمهيد: معنى الصرف والتصريف: في اللغة: أصلهما مصدران لصَرَفَ وصَرَّف، ويدلاّن على معانٍ منها: التقليب، والتحويل، والتغيير. يُقال:» صَرَفت الصبيان: قلبتهم «. وقالوا:» وصَرَف اللهُ عنك الأذى «أي: حوّله، ومن ذلك: تصريف الرياح والسحاب، أي: تحويله من مكان إلى مكان، وتصريف الأمور، وتصريف الآيات، أي: تَعْيينها في أساليب مختلفة وصور متعدّدة (1) . والتصريف أبلغ في معنى التغيير من الصرف، والعكس في معنى التحويل والتقليب. في اصطلاح النحاة: ظهر مصطلح التصريف في كتب النحو، ولم يتخلف عنه في بداية ظهوره، حتى قال ابن جنيّ:» لا تكاد تجد كتابًا في النحو إلاّ والتصريف في آخره (2) «. وقد مرّ هذا العلم بعدد من المراحل؛ إذ اتسعت مباحثه، وتطوّر مفهومه، ويمكن حصر هذه المراحل في ثلاث: الأولى: مرحلة اندماجه مع النحو في قَرَن واحد دون تفريق أو تمييز. الثانية: بدء انفصاله واستقلاله في علم مستقل باسم: علم التصريف. الثالثة: مرحلة تكوين علم التصريف واكتماله، وانتقال تسميته في كثير من المصنفات إلى علم الصرف. فالمرحلة الأولى: تمثلها كتب النحاة الفحول الذين ألفوا في النحو، واندرجت مباحث التصريف مع مباحث النحو دون استقلال لأحدهما، أو تمييز، بل إن مباحث التصريف كانت مبثوثة في بعض الكتب النحوية، وممّن سار على هذا النهج: سيبويه في كتابه، والمبرّد في مقتضبه، وابن السراج في أُصوله؛ مع أنّ بين هؤلاء اختلافًا في ترتيب الأبواب الصرفية وتنظيمها، وتشابهًا وتقاربًا كبيرًا في المادة العلمية. ومصطلح التصريف في هذه المرحلة ضيّق لا يقصد به إلا باب يسير، وهو ما يسمّى ب» القياس اللغوي «، وقد عرفه سيبويه بقوله:» هذا باب ما بنت العرب من الأسماء والصفات والأفعال غير المعتلة، والمعتلة، وما قيس من المعتل الذي لا يتكلمون به ولم يجئ في كلامهم إلاّ نظيره من غير بابه، وهو الذي يسميه النحويون التصريف والفعل « (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 455 ويشرح أبو سعيد السيرافي مراد سيبويه بالتصريف والفعل فيقول:» وأما التصريف فهو: تغيير الكلمة بالحركات والزيادات والقلب للحروف التي رسمنا جوازها حتى تصير على مثال كلمة أخرى، والفعل تمثيلها بالكلمة ووزنها به .... « (1) . ومعنى التصريف عند سيبويه على هذا هو تغيير الكلمة من وزن إلى وزن آخر، سواء أكان ذلك من المعتل أم من غير المعتل، على نسق كلام العرب الذي تكلموا به في غير باب المعتل أو غير المعتل بمعنى: أن يُقاس الصحيح على وزن للمعتل لم يأت الصحيح عليه، والعكس أيضًا، وهذا يكون في مسائل التمارين والتدريبات؛ لترويض قوانين البدل والقلب والحذف، ومعرفة الأبنية، والميزان الصرفي، وهذا هو التصريف عند سيبويه، وما معرفة قوانين البدل والحذف والقلب إلاّ لِتُعين على مسائل التصريف، وإلاّ فهي ليست تصريفًا. ولم يذكر المبرّد تعريفًا للتصريف، غير أنه لا يبتعد عن سيبويه في ذلك، وهو لا يَعُدّ البدل والزوائد والحذف والأبنية من التصريف، وإنما هي أمورٌ تقع في التصريف دون أن تكون هي التصريف (2) . أمّا ابن السّراج فيعرّف التصريف بأنه:» ما عرض في أصول الكلام وذواتها من التغيير « (3) ؛ وهو تعريف لا يختلف كثيرًا عما فُهم من سيبويه والمبرد، غير أنه يجعل التصريف خمسة أقسام: زيادة، وإبدال، وحذفٌ، وتغيير بالحركة والسكون، وإدغام (4) . وهذه لم تكن من أقسام التصريف عند سيبويه والمبرد، وإنما هي مكمّلات للتصريف ومن دواعيه، ولعلّها أول محاولة لتوسيع دائرة مفهوم التصريف. وعلى هذا، فالتصريف عندهم جزءٌ من النحو، فمدلول النحو عندهم يشمل جميع القواعد والمسائل التي تتعلق بالكلمة، إفرادًا وتركيبًا. المرحلة الثانية: وهذه هي المرحلة التي مَهّدت لظهور هذا العلم، واستقلاله بالتأليف عن النحو، مع أنه لا يبدو أن الصرف أصبح قسيمًا للنحو في هذه المرحلة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 456 ويمثل هذه المرحلة عددٌ من النحاة من أبرزهم: المازني، وأبو علي الفارسيّ، وابن جنيّ. فالمازني ألّف كتاب التصريف، وأبو علي الفارسيّ ألف كتاب التكملة على الإيضاح، وهو كتاب مستقل بالصرف مع أن أبا عليّ يعدّ هذا الكتاب الجزء الثاني من الإيضاح، كما أنه يعد الصرف هنا قسمًا من النحو، ولهذا يقول في تعريف النحو:» النحو علمٌ بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، وهو ينقسم قسمين: أحدهما: تغيير يلحق أواخر الكلمة، والآخر تغييرٌ يلحق ذوات الكلم وأنفسها « (1) . وفي سياق هذه المرحلة ألف ابن جنّي التصريف الملوكي. ومفهوم التصريف عند هؤلاء لا يبتعد كثيرًا عن المفهوم السابق في المرحلة الأولى، ولهذا فابن جني في تعريفه للتصريف حين يشرح كلام المازني يقول:» التصريف إنما هو أن تجيء إلى الكلمة الواحدة فتصرفها على وجوه شتّى؛ مثال ذلك: أن تأتي إلى ضرب فتبني منه مثل جعفر فتقول: ضربب .... « (2) . ولا يظهر من تعريف ابن جنيّ اختلافٌ عن تعريف سيبويه وابن السّراج، وما أراده المبرّد بالتصريف، وإنما هو المراد نفسه؛ وواضح أن المقصود بالتصريف في هذه المرحلة ليس معرفة قواعد الاشتقاق» أبنية كلام العرب «وإنما هو العمل على تصريف الأبنية واشتقاق بعضها من بعض، ووضع أمثلة لم تسمع عن العرب على وزن أمثلة سمعت. والذي يَميز هذه المرحلة هو استقلال هذا العلم وإفراده بالتأليف. المرحلة الثالثة: وفي هذه المرحلة اكتمل التصريف ليكون علمًا مستقلاً، وأصبح قسيمًا للنحو لا قسمًا منه، ويمثّل هذه المرحلة المتأخرون من النحاة، كعبد القاهر الجرجاني، وابن عصفور، وابن الحاجب، وابن مالك، وابن هشام، وغيرهم. وتعددت تعريفات النحاة لهذا العلم، إلاّ أنّهم يتفقون في كونه علمًا مستقلاً قسيمًا للنحو، وإن اختلفوا في تفاصيل الأبواب والمسائل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 457 ولعلّ الجرجانيّ أول من ألف كتابًا وصل إلينا باسم (الصرف) وابتعد عن التسمية (التصريف) ؛ غير أنه لما أتى إلى التعريف عرّف التصريف، فقال:» اعلم أن التصريف تفعيلٌ من الصرف، وهو أن تُصرِّف الكلمة المفردة فتولّد منها ألفاظٌ مختلفة، ومعانٍ متفاوتة « (1) . أما ابن عصفور فذكر أنّ التصريف قسمان:» أحدهما: جعل الكلمة على صيغ مختلفة لضروب من المعاني .... والآخر من قسمي التصريف: تغيير الكلمة عن أصلها من غير أن يكون ذلك التغيير دالاًّ على معنًى طارئ على الكلمة « (2) . ويأتي ابن الحاجب فيصرّح أنّ التصريف علمٌ، فيقول:» التصريف علمٌ بأصولٍ يُعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب « (3) . وقد ناقش الرضيّ هذا التعريف مناقشة عميقة، اتجه فيها اتجاهًا منطقيًا، وعرض لبعض المدخولات على التعريف، ليس هذا مكان عرضه (4) . أما ابن مالك فيعرف التصريف بقوله:» التصريف علمٌ يتعلق ببنية الكلمة وما لحروفها من أصالةٍ وزيادة وصحّة وإعلالٍ وشبه ذلك « (5) . وعلى هذا فمسائل التصريف اتسعت ودخل فيها ما كان خارجًا عنها في المرحلتين السابقتين من مباحث تغيير البنية نحو: الإبدال، والحذف، والزيادة، ومعرفة الأبنية، والتصغير، والجمع، والنسب، والإدغام، وغيرها مما سيتضح فيما بعد. التسمية بالصرف والتصريف: الصرف في اللغة مصدرٌ للفعل الثلاثي: (صَرَف) فالتسمية هنا بالمصدر. والتصريف مصدرٌ للفعل الثلاثي المزيد بالتضعيف: (صَرَّف) ، والزيادة في الفعل تُعطي معنًى زائدًا في المصدر؛ إذ الزيادة في المبنى تدلُّ على الزيادة في المعنى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 458 ومن المعلوم أنه بُدئ باستخدام لفظة (التصريف) عنوانًا لهذا العلم، ولم يكن اختيارهم لها اعتباطا، بل لذلك دلالة على المعنى الاصطلاحي الذي أرادوه وهو معنى: تغيير الأبنية من وضع إلى وضع، ومن مثال إلى مثال، والتصريف يفيد معنى التغيير أكثر من إفادة الصرف لهذا المعنى، وكذا يوحي معنى التصريف بالعمل والتدريب وكثرة التمارين. وحين اتسعت دائرة هذا العلم، ودخل فيه بعض المسائل والقواعد التي يبدو فيها التغيير أقل ظهورًا، ظهر مصطلح الصرف على هذا العلم، ليشمل المسائل والقواعد تلك، ولعلّ ظهور هذا المصطلح يواكب استقلال هذا العلم عن النحو، ولهذا فإنّ بعضهم (1) يَعُدّ التصريف هو المعنى العملي، والصرف هو المعنى العلمي؛ أي أن التصريف يرتبط بكثرة دوران الأبنية واشتقاقها والعمل فيها، والصرف يرتبط بالأصول الكلية التي ينبني عليها معرفة أحوال المفردات. مباحث التصريف: من الخطأ الإشارة إلى مباحث التصريف عند النحاة على ما هو مقرر عندنا الآن، فنُلزم النحاة بما لم يُلزموا أنفسهم به. وواضح بما سبق بيانه في مفهوم التصريف أن المباحث تختلف باختلاف المفهوم؛ فالتصريف عند سيبويه هو ما أورده في باب» ما بنت العرب من الأسماء والصفات والأفعال غير المعتلة والمعتلة، وما قيس من المعتلّ الذي لا يتكلمون به ولم يجئ في كلامهم إلاّ نظيره من غير بابه، وهو الذي يسميه النحويون التصريف والفعل « (2) ، وقد ساق في هذا الباب تمهيدًا له أبنية الأسماء والأفعال، والزوائد فيها، ومواضعها، والإعلال والإبدال، والإدغام، إلى أن وصل إلى مسائل التمارين التي فيها تطبيقٌ عملي لما عرضه في مواضع الزيادات، وقوانين الإعلال والإبدال. فيمكن أن تكون مسائل التصريف عند سيبويه مع التجاوز مقسّمة أربعة أقسام: 1- أبنية الأسماء والصفات والأفعال، ومواضع الزيادات فيها. 2- الإعلال والإبدال. 3- مسائل التمارين أو ما يسمّى (القياس اللغوي) . 4- الإدغام. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 459 ولم يوضح المبرّد أقسام التصريف، وإنما قال:» وهذه حدود التصريف، ومعرفة أقسامه، وما يقع فيه من البدل والزوائد والحذف، ولا بُدّ أن يُصدّر بذكر شيء من الأبنية، لتعرف الأوزان وليُعلم ما يبنى من الكلام وما يمتنع من ذلك « (1) . وواضحٌ أنّه لا يَعدّ البدل والزوائد والحذف والأبنية من التصريف، لقوله: (وما يقع فيه) ، أي في التصريف، فأخرج هذه الأمور من التصريف، فالعطف هنا يقتضي المغايرة، وممّا يدلّ على ذلك أيضًا أنه ذكر التصريف فقال:» هذا باب المسائل في التصريف (2) «، فقصر التصريف على مسائل التمارين والبناء، وهو ما يعرف بالاشتقاق، وما ذكره للأبواب السابقة إلا تمهيد وتوطئة لهذا الباب، أو أنّ هذا الباب تدريب عملي لتلك الأصول التي لا يعدها من التصريف أصلاً. ولا يخرج المازنيّ عن الأقسام التي ذكرها سيبويه، فالأبواب الثمانية عشرة التي ضمّها كتابه التصريف تندرج تحت الأقسام الثلاثة التالية: 1- أبنية الأسماء المجردة، والأفعال المجردة والمزيدة، وحروف الزيادة فيها. 2- الإعلال والإبدال. 3- مسائل التمارين أو ما يُسمّى (القياس اللغوي) . والفرق بين المازني وسيبويه أن المازنيّ لم يذكر أبنية الأسماء المزيد فيها، وخلا كتابه من باب الإدغام. وقسّم ابن السّراج التصريف خمسة أقسام؛ إذ يقول:» وهو ينقسم خمسة أقسام: زيادةٌ، وإبدالٌ، وحذف، وتغيير بالحركة والسكون، وإدغام (3) «. ولم يذكر ابن السّراج مسائل التمارين ضمن هذا التقسيم مع أن كتابه قد ضمّها، ولعلّه لم يجعل التصريف قسمًا برأسه وإنما هو تطبيقات على هذه الأقسام الخمسة، ويمكن إدراج الأقسام الخمسة في ثلاثة هي: الزيادة، والإعلال والإبدال، والإدغام؛ وهو بهذا لا يختلف كثيرًا عن سابقيه. أما أبو عليّ الفارسيّ فقد خصَّص كتابه (التكملة) لمباحث علم الصرف، وذكر أن النحو» علمٌ بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، وهو ينقسم قسمين: أحدهما: تغييرٌ يلحق أواخر الكلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 460 والآخر: تغيير يلحق ذوات الكلم وأنفسها. فأمّا التغيير الذي يلحق أواخر الكلم فهو على ضربين: أحدهما: تغيير بالحركات والسكون أو الحروف يحدثُ باختلاف العوامل، وهذا الضرب هو الذي يسمّى الإعراب، .... وقد ذكرنا ذلك بأصنافه وأبوابه في الجزء الأول من كتابنا الموسوم بكتاب الإيضاح. والآخر: تغيير يلحق أواخر الكلم من غير أن يختلف العامل، وهذا التغيير يكون بتحريك ساكن أو إسكان متحرك أو إبدال حرف من حرف أو زيادة حرف أو نقصان حرف .... والضرب الآخر من القسم الأول وهو التغيير الذي يلحق أنفس الكلم وذواتها، فذلك نحو التثنية والجمع الذي على حدّها .... (1) «. وواضح أنه يعدّ هذه المباحث جزءًا من النحو، غير أنها مقابلة للإعراب، مع أنه لم يسمّ هذه المباحث، ويمكن لنا أن نتجوّز لأنفسنا فنطلق عليها التصريف؛ مع أنه ذكر التصريف مبحثًا من هذه المباحث التي تتعلق بالتغيير الذي يلحق أنفس الكلم وذواتها (2) ، ولم يبوّب له بابًا. ومع هذا فالفارسيّ هو أول من جمع هذه المباحث في نسقٍ واحد، وجعلها مقابلةً للإعراب، وهذه المباحث التي ذكرها هي: 1- التقاء الساكنين. ... 2- الوقف. 3- الابتداء. 4- تخفيف الهمزة. 5- التثنية والجمع. ... 6- النسب. 7- العدد. 8- المقصور والممدود. 9- المذكر والمؤنث. 10- جمع التكسير. 11- التصغير. 12- المصادر والأفعال المشتقّة منها والمشتقات. ... 13- أبنية الأفعال. ... 14- الإمالة. 15- حروف الزيادة. ... 16- الإبدال. ... 17- الإدغام. وإذا ما تسمحنا قليلاً وجعلنا هذه المباحث تحت اسم: التصريف، كان تعريفه عند أبي علي هو: معرفة تغيير أواخر الكلم من غير أن يختلف العامل، والتغيير الذي يصيب ذوات الكلم. وعلى هذا نجد أن مفهوم التصريف عند أبي علي توسّع، غير أنه لم يصبح علمًا مستقلاً عن النحو، بل هو مقابل للإعراب، وهذه المباحث قد اشتمل عليها كتاب سيبويه، والفرق بينهما في تسمية مجموع هذه المباحث. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 461 وقد أخذ ابن جنيّ بتقسيم ابن السراج، فجعل التصريف أقسامًا خمسة؛ غير أنه لم يبوِّب للقسم الخامس وهو الإدغام في كتابه التصريف الملوكي. وذكر الزَّمَخْشَرِيّ المباحث الصرفية من غير أن يشير إلى كونها نحوًا أو صرفًا، والمباحث هذه لا تخرج عما ذكره أبو عليّ الفارسيّ سوى في طريقة عرضها وترتيبها؛ وزاد على ذلك أبنية الأسماء المجردة والمزيدة، وهي مذكورة عند سيبويه والمبرد والمازنيّ وغيرهم. وعلى هذه المباحث درج النحاة والصرفيون في تأليف مؤلفاتهم مع نقص بعض المباحث أحيانًا بدعوى أنها لا تكون في الصرف أو أنها تشترك مع مباحث النحو، فذكرها في النحو أولى، كابن عصفور الذي أخرج التصغير والنسب والتكسير من كتابه (الممتع) ، حيث يقول:» التصريف ينقسم قسمين: أحدهما: جعل الكلمة على صيغ مختلفة لضروب من المعاني نحو: ضَرَبَ وضَرَّب وتضرّب وتضارب واضطرب، فالكلمة التي هي مركبة من ضاد وراء وباء نحو (ضَرْب) قد بنيت منها هذه الأبنية المختلفة لمعان مختلفة، ومن هذا النحو اختلاف صيغة الاسم للمعاني التي تعتوره من التصغير والتكسير نحو زُيَيد وزيود، وهذا النحو من التصريف جَرَت عادة النحويين أن يذكروه مع ما ليس بتصريف، فلذلك لم نضمنه هذا الكتاب (1) «. فلم يذكر التصغير والتكسير والنسب والإمالة ونحوها؛ لأنها تشترك في أمور هي من مباحث النحو على ما رأى ابن عصفور، مع أنه أشار إلى أنها تصريف؛ وكأنه أراد أن يكون كتابه خلوًا من المباحث المشتركة مع النحو. ومع كثرة دراسة هذه المباحث، وتعاقب عدد من النحويين والصرفيين على دراستها، أصبحت علمًا على التصريف أو الصرف، ولهذا ضمت هذه المباحث مع بعضها في المؤلفات، بحيث أصبحت جزءًا أو قسمًا من المؤلَّف، إما في أول الكتاب، أو آخره، أو مستقلة في تأليف مخصوص. ترتيب الأبواب الصرفية معنى الترتيب: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 462 يُقال: رتّبت الشيء ترتيبًا، ورَتُب الشيء يرتب رتوبًا، أي ثبت، ومنه الرُّتبة، وهي المنزلة، وكذلك المرتبة، فالترتيب هو: جعل كل شيء في مرتبته (1) . وقيل: هو» جعل الأشياء الكثيرة بحيث يُطلق عليها اسم الواحد، ويكون لبعض أجزائه نسبة إلى البعض بالتقدم والتأخر (2) «. أما ترتيب الأبواب الصرفية ومسائلها فهو ضمّ بعضها إلى بعض، وتقديم بعض الأبواب والمسائل على بعض أو تأخيرها لعلّةٍ اقتضت هذا التقديم أو التأخير. وهذه العلّة هي ميدان هذا البحث، وسيقوم البحث بالنظر إلى المباحث الصرفية التي تقررت عند سيبويه، وذكرها غيره كأبي علي الفارسي، وابن الحاجب، وليس المقصود بالبحث النظر إلى مفهوم التصريف عند سيبويه ومن سار معه، وإنما إلى مجموع المباحث الصرفية التي تقررت في كتابه ودرج عليها من بعده. وتعددت المؤلفات في الصرف، ومع تعددها وتنوعها إلاّ أنها اتخذت أشكالاً متعددة في عرضها، وترتيبها، فمنها ما جاء الصرف فيه مقترنًا بالنحو في مؤلف واحد، ومنها ما استقل الصرف فيه بالتأليف، وسنعرض للأمرين معًا. أ/ الجمع بين النحو والصرف: ظهر الصرف مقترنًا بالنحو في التأليف، ولم يظهر التفريق بينهما إلاّ في مرحلة متأخرة -كما سبق بيانه- ومع أنّ الصرف ظهر في المرحلة الثانية مستقلاًّ وبدأ يأخذ طريقًا غير طريق النحو إلاّ أنه ظل قرين النحو في المؤلفات، ولهذا كثرت المؤلفات التي جمعت النحو والصرف في التأليف أكثر من المؤلفات التي أفردت أحد العلمين بالتأليف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 463 ولعلّنا نجد تفسيراً لهذا الجمع في ما ذكره أبو عليّ الفارسيّ في التكملة من أن النحو» علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب (1) «. ولا شكّ أن الكلام له أجزاء، منها ما يتعلق بذات الكلمة إفرادًا، ومنها ما يتعلق بارتباطها مع غيرها، فالأول صرف، والثاني نحوٌ أو إعراب، ولأجل هذا الترابط تم الجمع بين مباحث النحو ومباحث الصرف؛ لأنهما مكمّلان لصحة النطق بالكلمة على الوجه السليم الذي ورد عن العرب؛ ومن المعلوم أيضًا أنه لا يغني صحة جزء الكلمة، والخطأ في جزء آخر، وإنما الصواب تكامليّ. ولا يخفى أن كثيرًا من المؤلفات كانت تستهدف التعليم، ولهذا تنوعت في أساليبها وطرق عرض مادتها، مع أن المادة في كثير منها واحدة. ولا نبالغ إذا قلنا إن ما في كتاب سيبويه سواءً أكان ذلك في المباحث النحوية أم الصرفية لم يختلف أو يتغير عند النحاة المتأخرين، وكان جلّ شغلهم شرح ما في الكتاب، أو بيان غوامضه، أو عرض مادته بطريقة جديدة، وإن جاء أحدٌ بجديد فهو قليلٌ، إلاّ إن كان اعتراضًا أو استدراكًا. وممّن جمع بين النحو والصرف: سيبويه في الكتاب، والمبرد في المقتضب، وابن السرّاج في الأصول، والصيمري في التبصرة، والزمخشري في المفصل، والعكبري في اللباب، وابن معطٍ في ألفيته، وابن مالك في ألفيته، وفي الكافية الشافية، وفي التسهيل، وأبو حيان في ارتشاف الضرب، والسيوطي في همع الهوامع، وغيرهم كثير، وبخاصة ممن اعتمد على الألفيات والمتون فشرحها. غير أن هؤلاء يختلفون في طرق عرض موادهم العلمية على النحو التالي: أولاً: عرض أبواب الصرف ومباحثه متفرقة ومتداخلة: درجت بعض كتب النحو والصرف على عرض أبواب الصرف متفرقة بين أبواب النحو، وإذا ما بحثنا عن الرابط بين الأبواب والمباحث، وجدنا أن ذلك يختلف من كتاب لآخر، وممّن سار على هذا النهج: سيبويه، والمبرد، والزمخشري. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 464 كتاب سيبويه: هو الكتاب الذي ضمّ بين دفتيه أبواب الصرف ومباحثه كلها، غير أن بعض هذه المباحث تفرّق، ولم ينضمّ بعضه مع بعض، غير أن الذي تقرّر عندنا من مباحث وأبواب أدخلناها تحت اسم الصرف، قد يكون لسيبويه رأي آخر في هذه التسمية؛ فلم يكن التصريف عنده -كما سبق- إلاّ أربعة أنواع وهي: الأبنية، والإعلال والإبدال، والقياس اللغوي، والإدغام؛ وهذه الأمور الأربعة تسلسلت في كتابه من حيث الأبواب والمباحث، ولم تتفرق؛ ومعنى هذا أن سيبويه كان يسير على منهج واحد، وأن ما نحمّله إياه من أن بعض المباحث الأخرى قد تفرّق إنما هو تطبيقٌ لمنهج ارتسم متأخرًا، ولعلّ هذا المنهج لم يكن في ذهنه، وهو ما نحاول أن نعيّن ونفسّر هذا المنهج عنده. أول أبواب الصرف في كتاب سيبويه هو النسب (1) ، وقد جاء بعد الحكاية، ولعلّ الرابط بين النسب والأبواب السابقة له أن سيبويه يتحدث في عدد من الأبواب السابقة عن الأسماء، والتسمية: تسمية المذكر بلفظ الاثنين والجميع (2) ، وتسمية المذكر بالمؤنث (3) ، والأسماء الأعجمية (4) ، وأسماء الأرضين (5) ، والقبائل والأحياء (6) ، ... إلخ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 465 والنسب في منظومة الأسماء، إلاّ أن النسب ليس تسميةً صريحة بقدر ما هو وصف؛ إذ إن النسب يخرج الأسماء إلى الأوصاف، ولعلّ سيبويه رأى هذا الرابط، فجعل النسب بعد حديثه عن التسمية؛ ولهذا عنون لهذا الباب بالإضافة، ولعلّه يقصد الإضافة إلى الأسماء لتتحول إلى أوصاف؛ ومع هذا فالتحول المعنويّ هنا يقابله تحوّلٌ لفظيّ في آخر الكلمة، وهو إضافة الياء، ولأجل هذا التغيير في آخر الكلمة بإضافة حرف جاء باب التثنية (1) ؛ والجمع (2) ، بعد باب النسب، فالعلاقة بينهما علاقة تغيّر الآخر في الأسماء بإضافة حرف أو أكثر؛ ولأنّ الحديث عن التغيير الذي يحدث من جرّاء إضافة حرف أو أكثر إلى الكلمة من الأسماء جاء باب التصغير (3) بعد هذا؛ وكأن سيبويه ينظر إلى إيراد هذه الأبواب التي تتعلق بالتغيير متوالية بالنظر إلى الأواخر قبل الأوائل؛ لأن الأواخر أكثر عرضة للتغيير، أي التدرج من آخر الكلمة إلى وسطها ثم أولها، ثم النظر في مقدار هذا التغيير، فإضافة حرف واحد أحقّ في الذكر أولاً من إضافة حرفين. وجاء بابٌ في حروف القسم (4) فاصلاً بين باب التصغير وباب النون الثقيلة والخفيفة (5) ، ولعلّ العلاقة هنا معنوية؛ إذ إن القسم من متطلباته أحيانًا توكيد الفعل، ولذا جاء تمهيدًا للتوكيد؛ والنون الثقيلة والخفيفة بابٌ يتقاسمه النحو والصرف، فقد جمعه سيبويه معًا ولم يشطّر أجزاءه، ولعلّ علاقة التغيير ما زالت سارية هنا؛ إذ إن إلحاق نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة هو تغيير في الفعل سواءً أكان هذا التغيير إعرابيًا أم صرفيًا. وما زالت علاقة التغيير باقية، فذكر مضاعف الفعل واختلاف العرب فيه عند إسناده (6) وما يحصل له من التغيير، وإن كان التغيير هنا يسير إلى حيث لا يضاف حرف، وإنما هو فكٌّ أو إدغام أو تحريك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 466 والذي يلاحظ هنا أن التغيير هنا انتقل إلى الأواخر بعد ذكر التصغير وهو تغيير في حشو الكلمة، ولعلّه نظر إلى أن التغييرات في الأسماء قد انتهت فبدأ بالأفعال. وذكر بعد ذلك المقصور والممدود (1) ، والهمز (2) ، والعدد (3) ، وهذه المباحث لها علاقة بالتغيير إلاّ أَنّه يسير، والمقصور والممدود مختصان بالأسماء، والهمز مشترك بين الأسماء والأفعال، والعدد علاقته بالأسماء، ولهذا فلم أهتد إلى الوجه الذي دعاه إلى أن يذكر هذه الأبواب هنا، وبخاصة إذا علمنا أنه ذكر بعد هذه الأبواب جمع التكسير، وهو تغيير بزيادة حرف أو نقصان آخر، أو تغيير حركة، وعلاقته مع العدد قوية، وإن كانت هذه العلاقة تتضح لو تقدم جمع التكسير على العدد؛ ليكون تمهيدًا ومبيّنًا لتمييز العدد. وجاء حديثه بعد ذلك عن المصادر (4) بأنواعها، وبعض المشتقات، ولم يغفل في هذا الجانب أن يذكر الأفعال المجردة والمزيدة هنا ليبيّن مصادرها، وقد حاول أن يلتمس لهذه الأبنية قواعد وقياسات؛ وحفل هذا القسم بمساحة كبيرة من الكتاب. ثم بدأ بعد ذلك في بيان الظواهر التي تعرض للأسماء والأفعال والحروف، وهي: الإمالة (5) ، والابتداء (6) ، والتقاء الساكنين (7) ، والوقف (8) ، وهذه المباحث جاءت متتالية، مما يعني الترابط القويّ فيما بينها. وعقد بعد ذلك بابًا في علم حروف الزوائد (9) ، وبابًا في حروف البدل (10) ، ليجعلهما مقدمة للتصريف (11) الذي جاء بعد هذه المباحث كلها، وختم به كتابه. وبعد، فإنه يمكن بالنظر إلى ترتيب كتاب سيبويه للمباحث الصرفية أن نستخلص بعض الأصول التي اعتمد عليها في منهجه: أولاً: اعتمد أولاً على أصل التغيير، فحاول أن يجمع المباحث التي تحمل هذا الأصل مع بعضها، مع أنه تخلّل هذه الأبواب والمباحث بعض القضايا النحوية واللغوية، وإن كان بعض المباحث التي تحمل تغييرا تقديريًا لم يذكرها هنا؛ لأن المباحث التي ذكرها هنا تحمل تغييرًا حقيقيًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 467 ثانيًا: جعل الأبنية تالية لمباحث التغيير، وما تأخيره لها إلاّ لأن مباحث التغيير لها صلةٌ بالنحو واللغة، فتلك التغييرات لها معانٍ اقتضت التغيير. ثالثًا: جعل الظواهر المشتركة بالأسماء والأفعال والحروف مجموعة، ونظر إليها على أنها ظواهر ليست ثابتة في الكلمة، وإنما تأتي حسب نسق الكلام وقد تختفي. رابعًا: ختم بالتصريف، وما يدلُّ ويفيد فيه، كحروف الزوائد والبدل. المقتضب للمبرد: كان المبرّد أشدّ تفريقًا لمباحث الصرف من سيبويه، ويكفي أن ننظر في ترتيب الأبنية عنده على نحو لم نستطع معه ضبط منهجه، وكأنه قائمٌ على الخواطر، فبعد أن عَنْوَن لبابٍ في الأبنية ومعرفة حروف الزوائد (1) ، ذكر في هذا الباب أبنية الاسم الثلاثي المجرد فقط، ثم تلاه بباب في معرفة حروف الزوائد ومواضعها (2) ، فباب في حروف البدل (3) ، ثم عاد إلى ذكر بنات الأربعة التي لا زيادة فيها (4) ، وكان حقّها أن تنضمّ مع أبنية الاسم الثلاثي المجرد، وتلاه بمعرفة بنات الخمسة من غير زيادة (5) ، ولعلّنا نتلمّس له مخرجًا هنا وهو أنه أراد أن يجعل المبتدئ عالمًا أقلّ الأبنية وهي الثلاثية التي لا زيادة فيها، أما الرباعية والخماسية فتشترك مع المزيدة في عدد حروفها، ولهذا فإن الحكم بالزيادة والأصالة تعود إلى معرفة حروف الزوائد أولاً، فكان هذا الترتيب، وهو منطقٌ تعليمي. غير أنه بعد هذا انتقل إلى مسائل التمارين أو ما يعرف بالتصريف، وقال في هذا:» وإنما ذكرنا هذا الباب توطئةً لما بعده « (6) ، والباب الذي جاء بعده هو معرفة الأفعال: أصولها وزوائدها (7) ، وتلاه بباب في معرفة ألفات القطع وألفات الوصل (8) ، وتبدو العلاقة بين هذا الباب وما قبله ضعيفة؛ لأن الباب السابق يختص بالأفعال، وهمزة القطع والوصل تشترك بين أنواع الكلم الثلاث، ثم عاد إلى معرفة بنات الأربعة من الأسماء المزيدة (9) ، ثم انتقل إلى باب بناء المضارع من الماضي الثلاثيّ مِمّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 468 كانت فاؤه واوًا (1) ، ثم عاد إلى بيان ما لحقته الزوائد من الأفعال (2) ؛ ثم عاد مرة أخرى إلى بيان بناء المضارع من الماضي مما كانت عينه واوًا أو ياءً (3) ، ثم أتبع ذلك باشتقاق اسم الفاعل والمفعول من هذا الفعل (4) ، والعلاقة هنا قوية بين الباب الأخير وما سبقه من حيث ارتباط الاشتقاق لهذه الأسماء المذكور من الأفعال السابقة، ثم ذكر الزوائد التي تلحق هذا الفعل (5) ، وكأنه يريد أن يتناول هذا الفعل بالبحث والتمحيص من حيث البناء، والزوائد، والإعلال والإبدال، والاشتقاق، غير أنه عاد فذكر بابًا في الأسماء يتعلق بما كان على ثلاثة أحرف وعينه واوًا أو ياءً (6) ، وما لبث أن عاد مرة أخرى إلى الأفعال فذكر بابًا فيما اعتلّت عينه ولامه همزة (7) ، ورجع فذكر بابًا في ما كان من الأسماء الصحيحة والمعتلة مثال: فَعِل وفَعُل (8) ، وما كان منها في ثاني حروفه كسرة، وما كان من الأفعال كذلك، وتلاه بجمع الأسماء المعتلة عيناتها (9) . وعلى هذا سار المبرّد في باقي كتابه؛ إذ فَرّق المباحث الصرفية، فلم يحاول جمع الأبواب المتشابهة إلى بعضها، ولا أبالغ إذا قلت إن المطّلع على المقتضب ليخيّل إليه أن المبرّد كتب كل باب مستقلاً، وجمع غيره هذه الأبواب. وكان تأثر المبرد بكتاب سيبويه كبيرًا؛ إذ يتشابه إلى درجة كبيرة في أبوابه مع أبواب الكتاب، والذي يختلف فيه عن سيبويه هو في ترتيبه؛ إذ إن المقتضب حوى أربعة أبواب مرتبة، أو بعبارة أخرى: مسائلها مجموعٌ بعضها إلى بعض، وهي: التصغير (10) ، والنسب (11) ، والإمالة (12) ، والإدغام (13) ، أما غيرها كالأبنية، والجمع والتثنية فقد تكرر بعض أبوابها، وتفرق كثيرٌ من مباحثها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 469 المفصل للزمخشري: وقد سار الزمخشري على منهج تفريق الأبواب الصرفية، غير أنه أكثر الثلاثة وضوحًا في ترتيبه، وهو يسير وفق منهج ظاهر، حيث قسّم كتابه أقسامًا أربعة دون النظر إلى النحو أو الصرف، وإنما راعى أقسام الكلم الثلاث، وما يرد عليها من ظواهر مختصّة أو مشتركة، وعلى هذا التقسيم تفرّقت المباحث الصرفية في ثلاثة أقسام بعد استبعاد قسم الحرف؛ لأن التصريف لا يتناوله. فالقسم الأول جاءت مباحث التصريف فيه على النحو التالي: 1- المثنى. 2- المجموع. 3- المذكر والمؤنث. 4- المصغر. 5- المنسوب. 6- المقصور والممدود. 7- المشتقات. 8- أبنية الأسماء. والقسم الثاني جاءت مباحث التصريف فيه مقصورة على أبنية الأفعال، ومعانيها. أما القسم الرابع، وهو المشترك فكان مختصًا بمباحث التصريف عدا باب القسم، والمباحث التي ذكرها في هذا القسم هي: 1- الإمالة. 2- الوقف. 3- تخفيف الهمزة. 4- التقاء الساكنين. 5- حكم أوائل الكلم. 6- زيادة الحروف. 7- إبدال الحروف. 8- الاعتلال. 9- الإدغام. وممّا يلاحظ هنا أنّ الزمخشري لم يذكر باب التصريف الذي هو مسائل التمارين واشتقاق الأبنية؛ ولعله خرج بالتصريف عن أصله إلى الظواهر التي تعترض الأبنية، وهذا الترتيب الذي سار عليه الزمخشري يشبه ترتيب سيبويه، غير أنه حاول أن يجعل هذا الترتيب بحسب أنواع الكلم، مع وضوح تقسيمه. ثانيًا: عرض أبواب الصرف ومباحثه مجتمعة متقاربة: سار على هذا أكثر الكتب التي جمعت بين النحو والصرف، ثمّ هي تنقسم قسمين: الأول: يعرض النحو قبل الصرف، وهو الغالب في هذه المؤلفات. الثاني: يعرض الصرف قبل النحو. القسم الأول: عرض النحو قبل الصرف: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 470 وقد نهجه كثيرٌ من النحاة، ومنهم: ابن السراج في» الأصول «، والصيمري في» التبصرة «، والعكبري في» اللباب «، والجزولي في» الجزولية «، وأبو علي الشلوبين في» التوطئة «، وابن مالك في» الألفية «، و» تسهيل الفوائد «، و» الكافية الشافية «، والسيوطي في» همع الهوامع «. غير أن هؤلاء يختلفون فيما بينهم في طريقة عرض الأبواب الصرفية، فتبيّن أنّ لهم أربعة مذاهب في ذلك: المذهب الأول: تقسيم مباحث التصريف أربعة أقسام على النحو التالي: 1- مباحث تتعلق بالأسماء كالنسب والتصغير والجمع. 2- ظواهر مشتركة تقع في الأسماء والأفعال، كالإمالة والوقف والتقاء الساكنين. 3- الأبنية. ... 4- التصريف، ويشمل: الإلحاق، والزيادة، والإعلال، والإبدال، والإدغام، ومسائل التمارين. وسار على هذا المذهب ابن السّرّاج، والصيمريّ، مع العلم أن أحدهما قد يقدّم قسمًا على آخر في هذا الترتيب. أما عن ترتيب الأبواب داخل هذه الأقسام، فيمكن استعراض كتابي ابن السراج والصيمري معًا، لعمل بعض الموازنات في طريقة العرض والترتيب: عمد ابن السراج في القسم المتعلق بالأسماء إلى ذكر بابٍ للمذكر والمؤنث (1) وفصلٍ للمقصور والممدود (2) ، وكأنّ هذين البابين توطئة لمباحث التغيير في الأسماء، ثم ذكر الجمع (3) فالتصغير (4) فالنسب (5) ، وهذه المباحث الثلاثة تعتمد على التغيير، فالجمع قد يكون التغيير فيه حادثا في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها، ولهذا فهو أكثر الأبواب تعرضًا للتغيير، ثم يأتي التصغير فيكون التغيير في وسطه غالبا، ثم يكون النسب فيكون التغيير الغالب في آخره، مع العلم أن تغيير التصغير والنسب قد يتبعه تغييرات في غير المواضع التي يكون فيها بسبب التصغير والنسب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 471 أما الصيمري فذكر النسب (1) أولاً، ثم ثنّى بالمقصور والممدود (2) ، وكان الأولى به أن يقدّم المقصور والممدود على باب النسب؛ لأن بعض مسائل النسب تعتمد على معرفة المقصور والممدود، ثم ذكر بعد ذلك باب المذكر والمؤنث (3) ، وهو ذكر للعام بعد الخاص، غير أن هذا لا يفيد في الترتيب العلمي؛ إذ كان من حق هذا الباب أن يقدّمه على المقصور والممدود؛ لأنه أخصّ من التأنيث، ثم ذكر التثنية وجمع التصحيح للمقصور والممدود والمعتل (4) ، ثم جمع التكسير (5) ، وبعده التصغير (6) ، ولم نلاحظ أن الصيمري قد نهج منهجًا واضحًا اعتمد عليه في هذا الترتيب، بل إنه قد خالف الأولى في بعض أبوابه من حيث التقديم والتأخير. وبدأ ابن السراج القسم الثاني عنده بالحديث عن التقاء الساكنين (7) ، وضمّنه همزة الوصل، ثم الوقف (8) ، ثم ذكر بعده الهمزة (9) ، وأخّر الإمالة (10) إلى القسم الثالث؛ وكان هذا القسم أولاً عنده. ولم يكن الصيمري على هذا، بل ذكر هذه الظواهر بعد القسم الأول على النحو التالي (11) : 1- الإمالة. 2- الوقف. 3- التقاء الساكنين. 4- الهمز. 5- التضعيف. وإذا ما تأمّلنا منهج ابن السراج نجد أنّه اعتمد على أنواع التغيير؛ إذ يقول:» أما ما يتحرك من السواكن لغير إعرابٍ فهو على ضربين: إما أن يحرك من أجل ساكنٍ يلقاه، ... وإما أن يكون بعده حرف متحرك فيحذف ويلقى حركته عليه (12) «، وهذا هو التقاء الساكنين. ثم ذكر أحوال ما يحرك من السواكن في أواخر الكلم، وما يسكن من المتحركات، وما تغيّر حركته لغير إعراب، وما يحذف لغير جزم، فقال:» وأما الذي يحذف في الوقف ويثبت في غيره فنذكره في الوقف والابتداء، ونجعله يتلو ما ذكرنا، ثم نتبعه الهمز للحاجة إليه إن شاء الله (13) «. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 472 ثم ذكر في أول باب الابتداء بعض دواعي هذا الترتيب، فقال:» كلُّ كلمة يبتدأ بها من اسم وفعل وحرف، فأول حرف تبتدئ به وهو متحرك ثابت في اللفظ، فإن كان قبله كلام لم يحذف ولم يُغيّر إلاّ أن يكون ألف وصل فتحذف ألبتة من اللفظ وذلك إجماع من العرب، أو همزة قبلها ساكن فيحذفها من يحذف الهمزة ويلقي الحركة على الساكن، وسنذكر هذا في تخفيف الهمزة، فأما ما يتغيّر ويسكن من أجل ما قبله فنذكره بعد ذكر ألف الوصل إن شاء الله (1) «. وواضحٌ تسلسل الأبواب الصرفية عند ابن السراج وفق رؤية واضحة، وارتباطها بمنهج قويّ عنده، وأنه يسير في كتابه وفق ترتيب ارتضاه وقصده؛ ولهذا يقول في المقدمة:» فقد أعلنت في هذا الكتاب أسرار النحو وجمعته جمعًا يحصره، وفصّلته تفصيلاً يظهره، ورتبت أنواعه وصنوفه على مراتبها بأخصر ما يمكن من القول وأبينه، ليسبق إلى القلوب فهمه، ويسهل على متعلميه حفظه (2) «. أما الظواهر المشتركة بين الأسماء والأفعال عند الصيمريّ فكانت على النحو الذي سبق بيانه، ومن أن الإمالة أول هذه الظواهر، ثم الوقف، فالتقاء الساكنين، ثم الهمز، فالتضعيف. وواضح الفرق في الترتيب بين ابن السراج والصيمريّ، فعلى حين أن ابن السراج جعل الإمالة متأخرة؛ إذ ذكرها بين الأبنية، وسأوضح سبب هذا التأخير، فإنَّ الصيمريّ جعلها أول هذه الظواهر؛ ولعلّه نظر إلى أن هذه الظاهرة بسيطة لا تخلّ ببنية الكلمة، ولا تؤدي إلى حذفٍ أو تغيير كبير، فهي أخف الظواهر، ولعلّ السبب نفسه هو الذي جعل ابن السراج يجعلها متأخرة؛ لأنه بدأ بظواهر التغيير الكبيرة أولاً، وما يحصل فيه حذف جرّاء هذه الظواهر؛ كما أن ابن السراج جعل الإمالة فاصلاً بين أبنية الأفعال والأسماء بعد باب ما يكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة (3) ، ففي هذا الباب شبهان بالإمالة؛ الأول: الكسر، والثاني: أنها لغة قومٍ، فلعلّه نظر إلى أحدهما أو كليهما معًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 473 والصيمريّ ذكر الوقف، ثم التقاء الساكنين، والوقف أقل تغييرًا من التقاء الساكنين، ولهذا يمكن أن نقول: إن الصيمريّ بدأ بالظواهر الخفيفة فالأقوى، وهو عكس نهج ابن السراج؛ ويستثنى من هذه الظواهر الهمز والتضعيف؛ لأنهما مختصّان، فالهمز بحرف الهمزة، والتضعيف مختصٌ بالأفعال. أما القسم الثالث وهو الأبنية، فابن السراج بدأ بذكر أبنية المصادر في باب أسماه» هذا باب المصادر وأسماء الفاعلين « (1) وقد قدّم لهذا الباب بقوله:» المصادر الأصول والأفعال مشتقة منها، وكذلك أسماء الفاعلين، وقد تكون أسماءً في معاني المصادر، لم يشتقّ منها فعلٌ، ولكن لا يجوز أن يكون فعلٌ لم يتقدمه مصدرٌ فإذا نطق بالفعل فقد وجب المصدر الذي أُخذ منه .... ونحن نذكر أربعة أشياء: المصدر، والصفة، والفعل، وما اشتقّ منه « (2) . فبيّن أنه سيذكر أبنية المصادر والفعل والصفة، والمشتقات، وبدأ ببيان أقسام الفعل؛ لأن المصادر تبعٌ لأقسام الفعل. واعتمد في بيان بعض المصادر الثلاثية على المعاني المتقاربة في الفعل والصفة والمصدر فجعلها ثلاثة أقسام: المتفقة في المصدر، والمتفقة في الصفة، والمتفقة في الفعل (3) ، وهو ترتيب يستحق الثناء؛ لأنه يُسهّل دراسة المصادر الثلاثية، كما أنه يجمع في نسقٍ واضح المصادر الثلاثية. ثم ذكر الأفعال التي فيها زوائد من بنات الثلاثة ومصادرها ومعانيها. وانتقل بعد عدة أبواب في أبنية الأفعال إلى الإمالة (4) ، وذكرنا العلاقة في ذلك، ثم تحدث عن أبنية الأسماء (5) ، وقسمها قسمين: مجردة ومزيدة، وبَيَّن أبنية كل قسم، وذكر في آخر هذه الأقسام الزوائد التي تلحق هذه الأسماء ومواضعها. وهذا الترتيب الذي انتهجه ابن السراج في الأبنية ترتيب بديع، ولهذا فلا غرابة أن نجد هذا الترتيب هو السائد في كثير من المصنفات الصرفية بعد ابن السراج، ولهذا كان ابن السراج في ترتيب الأبنية رائدًا لم يُسبق إلى هذا الترتيب والتنظيم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 474 أما الصيمريّ في ترتيب الأبنية فبدأ بباب عدّة أبنية الأفعال (1) ، وما يجيء عليه مستقبلها، فبيّن الأفعال الثلاثية، ثم الأفعال التي فيها الزوائد، وقسّمها قسمين: أحدهما: ما في أوله ألف الوصل، والآخر: ليس في أوله ألف الوصل، وذكر أن ما في أوله ألف الوصل تسعة أبنية، وما ليس في أوله ألف الوصل ستة أبنية، وهو تقسيم جديد بالنظر إلى شكل الفعل لا إلى أمورٍ أخرى ترتبط به. ثم انتقل إلى باب أبنية المصادر، وذكر» أنّ المصادر أصولٌ للأفعال، والأفعال مشتقة منها « (2) . وبدأ بذكر مصادر الأفعال الثلاثية، وبيّن أنها كثيرة الاختلاف لا تكاد تجيء على قياس مستمر. ورتب المصادر على الأفعال، فيذكر الفعل، ويذكر معه المصادر التي تأتي عليه. وذكر بعد ذلك مصادر المعاني المتقاربة. ثم جاء إلى مصادر ما زاد على ثلاثة أحرف (3) ، ولم يخرج في ترتيبها على المنهج المعروف، وهو بحسب الأفعال؛ لأن مصادرها لا يكاد يفارقها القياس. ومن الملاحظ أنه لم يذكر الأفعال المجردة الرباعية، وما زيد عليها، فذكرها بعد أبنية الأسماء بعد أن ضمّها في باب تحت عنوان:» باب أبنية الأسماء والأفعال « (4) . ومما يجدر ذكره هنا أنّ الصيمريّ ذكر مصادر الأفعال الرباعية الأصول قبل أن يذكر الأفعال نفسها، وهو ما يخالف منهجه الذي سار عليه، من حيث ذِكْر الأفعال أولاً، ثم بيان المصادر مع الأفعال في باب واحد، وإن كان ترتيب الصيمريّ فيه تنظيم واضح إلاّ أن تباعد بعض المسائل المتقاربة يؤدي إلى خلل في الفهم وبخاصة عند المتعلّمين. أما القسم الرابع وهو التصريف: فقد اتفق ابن السراج والصيمريّ في موقع هذا القسم؛ إذ جاء آخر المباحث الصرفية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 475 يقول ابن السراج في مقدمة هذا القسم:» هذا الحدّ إنما سمّي تصريفًا لتصريف الكلمة الواحدة بأبنية مختلفة، وخصّوا به ما عرض في أصول الكلام، وذواتها من التغيير، وهو ينقسم خمسة أقسام: زيادةٌ، وإبدال، وحذفٌ، وتغييرٌ بالحركة والسكون، وإدغامٌ؛ وله حدٌّ يعرف به « (1) . وواضح أنه رتب هذه الأبواب على هذا الأساس في التغيير، فبدأ بالزيادة؛ لأن المباحث التالية لها تقتضي معرفتها أولاً، ثم كان الإبدال؛ لأنه أقل المباحث تغييرًا، ثم كان آخر المباحث التي ترتبط بالتغيير، وختم التصريف بالإدغام؛ لأن تأخيره مفيدٌ للمتعلم لدقة مباحثه، وعسر فهمه. ولم يخرج الصيمريّ كثيرًا عن منهج ابن السراج؛ إذ يقول:» اعلم أن التصريف هو تغيير الكلمة بالحركات والزيادات، والنقصان، والقلب للحروف، وإبدال بعضها من بعض، وأول التصريف: معرفة الحروف الزوائد ومواضعها « (2) . ومما زاده الصيمريّ باب الإلحاق فذكره قبل حروف البدل، ثم كان التغيير بالحذف والنقل، وكان هذا التغيير عند الصيمريّ بابًا واحدًا؛ لاقتضاء النقل والتحويل للحذف في كثير من مسائله. وبعد، فواضح التقارب بين ابن السراج والصيمريّ في منهجهما، والاختلاف كان يسيرًا، ويبقى ابن السراج له فضل السبق والريادة، ولعل الصيمريّ قد استفاد كثيرًا من ابن السراج كما استفاد غيره، ولم يختلف عنه إلاّ في ترتيب بعض الظواهر والمباحث إما بالتقديم أو التأخير. المذهب الثاني: تقسيم المباحث والأبواب الصرفية أربعة أقسام على النحو التالي: 1- مقدمات. ... ... 2- التغيير لأجل المعاني الواردة. 3- ظواهر مشتركة. ... 4- التصريف. وسار على هذا المذهب ابن مالك في مؤلفاته التي جمع فيها بين النحو والصرف كالألفية والتسهيل، والكافية والشافية. وكان ترتيبه على هذا النسق في المؤلفات الثلاثة، ولم يختلف إلا في التسهيل حيث قدّم التصريف على الظواهر المشتركة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 476 والمقدمات عند ابن مالك نوعان: أحدهما: مقدمات مخصوصة بقسم واحد، والأخرى مقدمات عامة لمباحث التصريف كلها. وقد عمد ابن مالك في الألفية والكافية الشافية إلى النوع الأول، وفي التسهيل إلى النوع الثاني. أما النوع الأول فهو: التأنيث، والمقصور والممدود، وذلك لأنها مهمّة في معرفة مباحث القسم الثاني كالتثنية والجمع والنسب والتصغير. أما النوع الثاني فهو: أبنية الأفعال ومعانيها، وهمزة الوصل، والمصادر، والتأنيث، والمقصور والممدود، وقد جمعها ابن مالك في أول الكتاب، ولعلّه أرادها مقدملتٍ عامةٍ لمباحث التصريف المتعددة الأخرى. وكانت أبواب كيفية التثنية وجمع التصحيح وجمع التكسير، والتصغير، والنسب، هي الأبواب التي تُعنى بالقسم الثاني، ورتّبها ابن مالك على النحو السابق في الألفية والكافية الشافية، أما التسهيل فقدّم النسب فجعله أولاً، ثم الجمع ثم التصغير، وترتيبه في الكتابين يتوافق مع قوة التغيير الحادث في الكلمة، ومكان التغيير، فبدأ بالأقوى، وما يحصل فيه تغيير شامل في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها إلى أن يصل إلى ما يحصل فيه تغيير في آخر الكلمة وهو النسب؛ وهذا هو منهج ابن السراج الذي سبق بيانه. ونأتي إلى الظواهر المشتركة بين الأسماء والأفعال فلا يبتعد عن ابن السراج والصيمريّ، حيث ذكر في الألفية والتسهيل: الوقف والإمالة، وفي الكافية الشافية: الإمالة والوقف والتقاء الساكنين. أما التصريف فلم يتغيّر عنده ما تقرّر عند أسلافه، فذكر فيه: الميزان الصرفي، والزيادة، والإعلال والإبدال، والحذف، والإدغام، ومسائل التمارين، وذكر في الكافية الشافية: تصريف الأفعال والأسماء، وهو ما جعله مقدمةً للتصريف في الألفية تحت عنوان: الأبنية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 477 وبعد، فإن ابن مالك كان يسير على ترتيب متقارب في كل مؤلفاته، ولم يختلف كثيرًا، وإن وجد بعض الاختلاف فإنه يُعزى غالبًا إلى مراعاة ابن مالك مستوى المتعلمين، فيحذف بعض المباحث لصعوبتها، ويؤخر أخرى لأن المتعلّم يحتاج تأخيرها حتى يكون ما قبلها موطئًا وممهّدًا لها. المذهب الثالث: تقسيم أبواب الصرف أربعة أقسام على النحو التالي: 1- ذوات الأبنية. ... 2- أحوال ذوات الأبنية. 3- أحوال آخر الكلمة. 4- التصريف. وسار على هذا المذهب السيوطيّ في» همع الهوامع «، ولم يكن رائدًا فيه، فقد سبقه إلى هذه النظرة أبو عليّ الفارسيّ -كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله. وإن كان قد زعم السيوطيّ (1) أن هذا الترتيب بديع لم يُسبق إليه، فهو يقصد ترتيب الكتاب كله، وكذا ترتيب الأبواب النحوية والصرفية. فذوات الأبنية ذكر فيها: أبنية الاسم، وأبنية الفعل، والمصادر، والمشتقات، وألفا التأنيث، والمقصور والممدود (2) ، وهذا الترتيب منطقي، فبدأ بأبنية الاسم لشرف الأسماء على الأفعال، ثم ذكر أبنية الأفعال قبل المصادر لأهمية معرفة الأفعال في تسهيل بيان المصادر، ثم المشتقات التي تكون تبعًا للأفعال في الاشتقاق، وذكر المقصور والممدود بعد التأنيث، وذلك ذكرٌ للخاص بعد العام، وهو ترتيب علمي مفيد. أما أحوال ذوات الأبنية فكان على النحو التالي: جمع التكسير، والتصغير، والمنسوب (3) . وقد نحا السيوطيّ منحى التدرج في التغيير من الأكثر والأعم إلى الأقل والمتأخر. وجاءت بعد ذلك أحوال آخر الكلمة على النحو التالي: التقاء الساكنين، والإمالة، والوقف (4) ، وإن كانت الإمالة ليست متعلقة بالآخر إلاّ أنها ظاهرة صوتية تلحق أحوال الحركة في الكلمة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 478 ثم جاء التصريف (1) ، ولم يخرج فيه عن نمط النحاة السابقين، فذكر فيه: الاشتقاق، والميزان الصرفي، وحروف الزيادة، ومعاني حروف الزيادة، والحذف، والإبدال، والنقل والقلب، ثم الإدغام، وواضحٌ التسلسل المنطقي في الترتيب، والتدرج من الأصل إلى الفرع، ومن الأهم إلى المهم. المذهب الرابع: وهذا المذهب أقرب إلى العشوائية منه إلى المنهجية، فلم يكن له ترتيب منهجي، أو خطة واضحة المعالم يمكن البناء عليها، وإنما هو أشبه بالخواطر، وممَّن سار على هذا المذهب الجزولي في» الجزولية «، وأبو علي الشلوبين في» التوطئة «، ويكفي أن نبيّن الأبواب الصرفية عند أحدهما ليغني عن الآخر؛ لأنهما سلكا ترتيبًا واحدًا لا يختلف، فعند الجزولي كان الترتيب على النحو التالي: 1- التصغير. 2- ألف الوصل. 3- النسب. 4- الهجاء. 5- الهمزة في الخط. 6- المقصور والممدود. 7- الوقف. 8- جمع التكسير. 9- الأبنية. 10- الاشتقاق. 11- الإمالة. 12- التصريف. 13- الإدغام. فضلاً عن أن الكتاب لم يشمل جميع الأبواب الصرفية. القسم الثاني: عرض الصرف قبل النحو: ولم يكن هذا النهج شائعًا بين النحاة والصرفيين؛ ولعلهم جعلوا الصرف متأخرًا في دراسته لصعوبته؛ أو لأن طلبه يحتاج إلى عقلية أقوى مما يحتاجه النحو، أما من ناحية التسلسل المنطقي فإن الصرف يرتبط بالمفردات، وهو أمرٌ سابقٌ للتركيب؛ لأن الصحة في تركيب الجملة ينبغي أن يسبقها صحة المفردات، وهو اهتمام الصرف، ولعلّ هذه النظرة هي التي قادت أبا حيّان إلى أن يقدم الصرف على النحو في كتابه» ارتشاف الضرب «، بل إنه يصرّح بذلك فيقول:» وحصرته [أي موضوع الكتاب] في جملتين: الأولى: في أحكام الكلم قبل التركيب، والثانية: في أحكامها حالة التركيب « (2) . وقسم حالة الكلمة (3) في الإفراد ثلاثة أقسام، وكلّها تتعلق بنظرة الصرفيّ، وهذه الأقسام الثلاثة على النحو التالي: 1- ما يكون من أحكام للكلمة نفسها. 2- ما يلحقها من أولها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 479 3- ما يلحقها من آخرها. أما القسم الأول فذكر أنه يتفرع إلى فرعين (1) : الأول: جعل الكلمة على صيغ مختلفة لضروب من المعاني، وينحصر ذلك في: التصغير، والتكسير، والمصدر، واسمي الزمان والمكان، واسم الفاعل، واسم المفعول، والمقصور والممدود القياسيين. الثاني: تغيير الكلمة لغير معنًى طارئ عليها، وينحصر ذلك في: الزيادة، والحذف، والإبدال، والقلب، والنقل، والإدغام. والقسم الثاني محصورٌ في باب واحد وهو همزة الوصل. والقسم الثالث ينحصر في: التثنية، وجمعي التصحيح، والنسب، والألف المقصورة والممدودة، ونون التوكيد، ونون التنوين. فهذه هي المباحث التي ذكرها في هذه الأقسام التي تُعنى بالكلمة حالة الإفراد، وبقي بابٌ واحد ذكره دون أن يصنفه إنما قال فيه:» ويعرض لبعض الحروف تغيير صفة، وقد تقدم منه شيء في ذكر حروف المعجم، ونذكر هنا ما تبقى علينا من ذلك وهو الإمالة « (2) . وقد سبق أن قدّم في أول الكتاب (3) القول في مواد الكلم وهي حروف المعجم وحروف العربية، وجعله مقدّمة لما بعده. وقد ضمّت الجملة الثانية (أحكام الكلمة حالة التركيب) بعض المباحث الصرفية، وهي: التقاء الساكنين، والوقف، والإدغام من كلمتين. وهذا التقسيم يرتبط بمعنى الجملة، ودور الكلمة في بناء الجملة بناءً تامًّا، كما أنه يساير المنطق الذي يبدأ بمعرفة الجزئيات للوصول إلى الكليات، وقد راعى أبو حيان ظاهرة التغيير في ترتيب الأبواب الصرفية كما فعل ابن السراج، فسار على نهجه؛ إذ يبدأ بالباب الذي يحمل عملاً أكبر من غيره. وبعد، فإن أبا حيان قد استفاد من جهود العلماء السابقين، وبخاصة من سار على منهج في ترتيب أبوابه كابن السراج، وأضفى على ذلك لمسات من بنيّات أفكاره وإبداعه، ولهذا جاء ترتيبه يسيرًا على المتعلمين، والباحثين. ب/ استقلال الصرف بالتأليف: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 480 حين تستعرض كتب التراجم تجد أن المؤلفات في التصريف التي استقلت تأليفًا بهذا العلم لم تكن قليلة، غير أن الذي وصل إلينا يختلف عن هذا العدد، وأكثر تلك المصنفات لم يصل إلينا، أو أنه ظلّ مفقودًا أو مجهولاً. أما أقدم كتاب وصل إلينا فهو كتاب التصريف بشرح ابن جنيّ عليه المسمى» المنصف «، ثم توالت المؤلفات بعد ذلك، غير أننا نقتصر على أهمها، وأكثرها انتشارًا مع الأخذ في الحسبان تمثيل مذاهب التأليف الصرفي، وطريقة ترتيب المسائل الصرفية. وهذه المؤلفات هي التي تبيّن ما هو من التصريف، وما ليس منه؛ إذ المذكور من الأبواب والمسائل سيكون قطعًا تصريفًا، وهذا بخلاف المؤلفات التي جمعت بين الصرف والنحو؛ إذ لا يَتَبَيَّنُ في كثير منها قسم النحو وقسم الصرف، فتأتي الأبواب والمباحث متتالية دون بيان الصرف من النحو. ومن المؤلفات في هذا الباب: 1- » التصريف «: لأبي عثمان المازني (ت249هـ) ، وصل إلينا بشرح ابن جنيّ المسمى المنصف «. 2- » التكملة «: لأبي علي الفارسي (ت377هـ) ، وهو الجزء الثاني من كتاب» الإيضاح «. 3- » التصريف الملوكي «: لأبي الفتح ابن جنيّ (ت392هـ) . 4- » المفتاح في الصرف «: لعبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) . 5- » الوجيز في علم التصريف «: لأبي البركات الأنباري (ت577هـ) . 6- » التتمّة في التصريف «: لابن القبيصي (ت في أوائل القرن السابع) . 7- » الشافية «: لابن الحاجب (ت646هـ) . 8- » الممتع «: لابن عصفور (ت669هـ) . 9- » نزهة الطرف «: لابن هشام (ت761هـ) . وهذه الكتب تنقسم من حيث الموضوعات الصرفية قسمين: 1- ما يقتصر على أصول التصريف، وما يتعلق بجعل الكلمة على صيغ مختلفة من غير أن تدلّ على معنًى جديد، وهي:» التصريف «للمازني، و» التصريف الملوكي «، و» المفتاح في الصرف «، و» الوجيز في علم الصرف «، و» التتمة في التصريف «، و» الممتع في التصريف «. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 481 2- ما يشمل أصول التصريف والمباحث المتعلقة بجعل الكلمة على صيغ مختلفة لضروب من المعاني، وهي:» التكملة «، و» الشافية «، و» نزهة الطرف في علم الصرف «. ولم تخرج موضوعات القسم الأول عمّا يلي: 1- أبنية الأسماء والأفعال المجردة والمزيدة، ومعاني الزوائد في الأفعال. 2- الزيادة، حروفها، ومواقعها، وأغراضها، وأدلتها. 3- الإبدال. 4- القلب، والحذف، والنقل. 5- الإدغام. 6- مسائل التمارين. أما القسم الثاني فإنه يشمل المباحث والأبواب السابقة بالإضافة إلى الأبواب التالية: التصغير. 2- النسب. 3- جمع التكسير. 4- التقاء الساكنين.5- الابتداء. 6- الوقف. 7- المقصور والممدود. 8- الإمالة. 9- تخفيف الهمزة. ومن حيث الترتيب، فقد أصبح الترتيب هدفًا لذاته في كثير من هذه المصنفات؛ ولهذا يقول ابن عصفور:» فإني لمّا رأيت النحويين قد هابوا؛ لغموضه، علم التصريف، فتركوا التأليف فيه والتصنيف، إلاّ القليل منهم فإنّهم قد وضعوا فيه ما لا يُبرِدُ غليلاً، ولا يُحصِّل لطالبه مأمولاً؛ لاختلال ترتيبه، وتداخُل تبويبه، وضعتُ في ذلك كتابًا رفعتُ فيه من علم التصريف شرائعَه، ولّكتُه عاصيَه وطائعَه، وذلّلتُه للفهم بحسن الترتيب، وكثرة التهذيب لألفاظه والتقريب « (1) . وواضح أن ابن عصفور جعل حسن الترتيب يذلّل الفهم، فجعل الترتيب الحسن هدفًا للتأليف، وهو الغالب في المؤلفات المتأخرة؛ إذ إن أصول العلم قد تقررت، ولم تكن الإضافة بالقدر الذي يسمح بتأليف كتاب جديد غير أنّ الذي يُغري بالتأليف هو محاولة الوصول إلى ترتيب جديد يُعين على الفهم وبخاصة للمتعلمين. وقد سلك أصحاب المؤلفات السابقة طرقًا متشابهة غير متباعدة في طريقة ترتيبهم للأبواب الصرفية. ونبدأ بأصحاب القسم الأول: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 482 فأولهم المازني، في كتابه» التصريف «وقد اشتمل ثمانية عشر بابًا، وصدّر كل باب بقوله: (باب .... ) ، غير أن هذه الأبواب تعود في مجملها إلى مباحث أقل من هذا العدد، فهي تعود إلى أربعة أبواب رئيسة، وهي: 1- الأبنية. ... ... 2- الزيادة. ... ... 3- الإعلال. ... 4- القياس اللغوي. ويُعدُّ هذا الترتيب ترتيبًا منطقيًا؛ إذ الأبنية مقررة عندهم فيلزم معرفتها، وهذا يدعو إلى معرفة بعض الظواهر التي تعتريها، وأهمها الزيادة والإعلال، ثم يكون القياس اللغوي آخر الأبواب؛ لأن الهدف مما سبق من مباحث وأبواب، فهي تعدّ توطئة وتمهيدًا لهذا الباب؛ فهو أصل التصريف في تلك المرحلة. وممّا يلاحظ أنّ القياس اللغوي ذكره في بابين متفرقين، فالأول ذكره بعد مباحث الزيادة وهو: ما قيس من الصحيح على ما جاء من الصحيح من كلام العرب (1) ، والثاني ذكره بعد مباحث الإعلال وهو: ما قيس من المعتل ولم يجئ مثاله إلاّ من الصحيح (2) ، وكان بإمكانه أن يجعل البابين في مكان واحد بعد الإعلال، غير أنه يُلمح من ذلك حرص المازني أن يصل إلى هدف الكتاب وهو القياس اللغوي، والتصريف في الألفاظ، ولهذا ذكر هذا الباب حين لم يلزم له شيء في الإعلال، وأخّر الآخر حين لزم تقديم الإعلال عليه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 483 ومع هذا الترتيب الذي ذكرناه إلاّ أن الأبواب التي أوردها المازني لا تخرج أبدًا عما ذكره سيبويه في كتابه، ولم يكن ثمة اختلاف سوى الترتيب الذي سلكه المازني، وجمعه لهذه الأبواب المتفرقة عند سيبويه في كتاب واحد، وإهماله لأبنية الأسماء المزيدة والإدغام، ولهذا فكتاب سيبويه أشمل وأوسع مِمّا ذكره المازني، ولعلّ المازني لم يرد إضافة جديد إلى كتاب سيبويه، ولكنه درسه واستوعبه فأراد أن يقدّمه في صورة أخرى تناسب المتعلمين، وتسهل لهم الطريق إلى تعلّم التصريف، ولهذا جاء كتابه مختصرًا موجزًا بعيدًا عن الإسهاب والشرح والتطويل، وهو ما استدعى ابن جنيّ إلى تأليف شرح له؛ إذ يقول:» ولما كان هذا الكتاب الذي قد شرعتُ في تفسيره وبسطه من أنفس كتب التصريف وأسدّها وأرصنها، عريقًا في الإيجاز والاختصار، عاريًا من الحشو والإكثار، متخلصًا من كزازة ألفاظ المتقدمين، مرتفعًا عن تخليط كثير من المتأخرين، قليل الألفاظ، كثير المعاني، عُنيت بتفسير مشكله، وكشف غامضه، والزيادة في شرحه « (1) . وكان ترتيب المازني للأبنية مراعيًا عدد حروف الكلمة، بادئًا بالأسماء والأفعال المجردة الثلاثية ثم الرباعية، ثم الأسماء الخماسية، ثم الأبنية المزيدة في الأفعال، ولم يتطرق -كما سبق بيان ذلك- إلى الأبنية المزيدة في الأسماء، ولعلّه رأى كثرتها، وهو ما لا يليق بهذا المختصر، وإنما يحتاج الأمر إلى وضع قانون يعرف به الأصليّ من الزائد، وهو ما عقّب به بعد الأبنية حيث تحدث عن الزيادة من حيث حروفها، ومواقعها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 484 أما الإعلال، فبدأ ببيان مواضع الإعلال للواو والياء حسب مواقع الإعلال، حيث بدأ بالفاء فالعين ثم اللام، وحاول أن يكون ذلك في الثلاثي وما اشتق منه، ثم انتقل بعد ذلك إلى ما زاد على الأربعة، وكما هو واضحٌ فإنه ترتيبٌ قويّ؛ إذ الإعلال في أكثره ينبني على معرفة الأصل، وما أصابه من تغيير، فالإعلال في الأصل، والفرع تبعٌ له، وهو ما نظر إليه المازنيّ هنا. ولم يبتعد أصحاب الكتب الأخرى في هذا القسم عن المازني كثيرًا، وقد نظروا جميعًا إلى أن التصريف خمسة أنواع: زيادة، وبدل، وحذف، وتغيير حركة أو سكون، وإدغام (1) . وهذه الأنواع تحتاج إلى معرفة الأبنية، ولهذا يقول ابن عصفور بعد الحديث عن أدلة الزيادة:» ولمّا كان النظير والخروج عنه لا يُعلمان إلاّ بعد معرفة أبنية الأسماء والأفعال، وضعت من أجل ذلك بابين، حصرتُ في أحدهما أبنية الأسماء، وفي الآخر أبنية الأفعال « (2) . ولم يستقص ذكر الأبنية سوى ابن عصفور، مع أن عبد القاهر الجرجاني ذكر بابين في الأبنية، أحدهما في الأسماء، والآخر في الأفعال، إلاّ أنه سار فيهما على نحو ما عند المازني، وكذا فعل ابن الأنباري الذي ذكر فصلاً في معرفة أبنية الأسماء التي لا زيادة فيها، ولم يتطرّق إلى الأفعال. وكان القياس اللغوي خاتمة الأبواب في التصريف الملوكي والممتع، ولم تتناوله الكتب الأخرى، وكأنها أرادت ذكر الأصول والمبادئ دون التطبيق والتدريب. أما القسم الثاني الذي يمثله أبو عليّ الفارسيّ في» التكملة «، وابن الحاجب في» الشافية «، وابن هشام في» نزهة الطرف «- فتختلف الثلاثة في طرق ترتيبها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 485 فأبو علي اتخذ طريقة التدرج في التغيير منهجًا لترتيب أبوابه الصرفية، ويكفي أن نذكر كلامه الذي يدل على ذلك؛ إذ يقول بعد أن قسّم النحو قسمين، فالأول هو الإعراب، وخصّص له كتابه» الإيضاح «، أما الضرب الآخر فهو:» تغيير يلحق أواخر الكلم، من غير أن يختلف العامل، وهذا التغيير يكون بتحريك ساكن، أو إسكان متحرك، أو إبدال حرف من حرف، أو زيادة حرف، أو نقصان حرف .... والضرب الآخر من القسم الأول وهو التغيير الذي يلحق أنفس الكلم وذواتها، فذلك نحو التثنية والجمع الذي على حدها، والنسب، وإضافة الاسم المعتل إلى ياء المتكلم، وتخفيف الهمزة، والمقصور والممدود، والعدد، والتأنيث والتذكير، وجمع التكسير، والتصغير، والإمالة، والمصادر، وما اشتق منها من أسماء الفاعلين والمفعولين وغيرها، والتصريف، والإدغام، وسنذكر ذلك بابًا بابًا إن شاء الله « (1) . ولم يكن ترتيبه لأبواب الكتاب على هذا النسق الذي ذكره، وإنما راعى بعضه، ولم يلتزم أكثره، وذلك أنه ذكر تخفيف الهمزة في الضرب الثاني، ومع هذا ذكره بعد الوقف الذي هو من الضرب الأول، كما أنه ذكر المصادر والمشتقات وأبنية الأفعال قبل الإمالة وهذا يخالف نصّه السابق. وقد راعى في ترتيب القسم الأول التحريك والتسكين؛ فبدأ بتحريك الساكن وهو التقاء الساكنين، فالابتداء، ثم بتسكين المتحرك وهو الوقف. أما القسم الثاني فبدأ بالتغييرات التي تشترك بين الأسماء والأفعال، ثم التي تخص الأسماء، ثم تلك التي تخص الأفعال وأخيرًا التصريف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 486 ولأن الكتاب مخصوص بالتغيير فلم يتناول إلاّ ما اعتراه التغيير، ولهذا لم يذكر تثنية الصحيح في هذا الجزء المخصّص للتصريف؛ إذ يقول:» لا يخلو الاسم المثنّى من أن يكون صحيحًا أو معتلاً، فتثنية الصحيح قد تقدّم ذكرها في الكتاب « (1) ولعلّ أبا علي لم يرد منهجًا واضحًا في إيراده الأبواب الصرفية فيما يخصّ الأسماء؛ لأن هذه الأبواب هي أكثر المباحث الصرفية في الكتاب، ولهذا فقد رتب هذه الأبواب على النحو التالي: 1- تثنية وجمع الأسماء المقصورة والممدودة. 2- النسب. 3- العدد. 4- المقصور والممدود. 5- المذكر والمؤنث. ... 6- جمع التكسير. 7- التصغير. 8- المصادر والمشتقات. ومما يلاحظ هنا أن أبا علي عدّ العدد من المباحث الصرفية؛ لأنه نظر إلى أن في العدد تغييرًا في ذوات الكلم، فعدّه هنا بناءً على التقسيم الذي اعتمده. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 487 ومِمّن اختطّ منهجًا قريبًا من منهج أبي علي إلاّ أنّه طوّره وهذبه ابنُ الحاجب في» الشافية «، وقد نهج في ترتيبه منهجًا واضحًا، واعتمد في ذلك على أحوال الأبنية، فبعد أن ذكر المبادئ العامة في التصريف وهي: تعريف التصريف، وأنواع الأبنية، والميزان الصرفي، وانقسام الأبنية إلى صحيح ومعتل، وأبنية الاسم الثلاثية والرباعية والخماسية المجردة، ومزيداتها. شرع في الأبواب الصرفية التي اعتمد في ترتيبها على أحوال الأبنية؛ إذ يصرّح بهذا فيقول:» وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة، كالماضي والمضارع، والأمر، واسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبّهة، وأفعل التفضيل، والمصدر، واسمي الزمان والمكان، والآلة، والمصغّر، والمنسوب والجمع، والتقاء الساكنين، والابتداء، والوقف، وقد تكون للتوسّع، كالمقصور والممدود، وذي الزيادة، وقد تكون للمجانسة، كالإمالة، وقد تكون للاستثقال، كتخفيف الهمزة، والإعلال، والإبدال، والإدغام، والحذف « (1) . وهذه النظرة من ابن الحاجب نظرة ثاقبة؛ إذ تُعطي هدفًا معيّنًا للأبواب الصرفية، وتوضّح العلل التي بسببها جاءت هذه الأبواب، وتتفرّع هذه العلل، فالحاجة قد تكون» إما لتغيّر المعنى باعتبارها كالماضي والمضارع، وإما للاضطرار إلى بعضها بعد الإعلال كالتقاء الساكنين في نحو» لم يقل «أو بعد وصل بعض الكلم ببعض كالتقائهما في نحو» اذهب اذهب «أو عند الشروع في الكلام كالابتداء، وإما لوجه استحساني لا ضروري كوجوه الوقف « (2) . وهذا نموذجٌ على تفرّع هذه الأسباب. وكان ابن الحاجب بهذه النظرة رائدًا في مجاله، ولتسلسلها المنطقي الذي ابتعد عن الحشو العشوائي حظيت شافيته بالإقبال الكبير، فشرحها علماء كثر، ونظمها آخرون، ودرس عليها ودرّسها خلقٌ كثير. ولم يبتعد ابن هشام كثيرًا في كتابه» نزهة الطرف «عن ترتيب ابن الحاجب، بل جاء مساويًا لترتيب ابن الحاجب في مجمله، وإن اختلف عنه في بعض الأمور، لعلّ منها: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 488 أولاً: أن كتاب ابن هشام خلا من بعض الأبواب التي ذكرها ابن الحاجب في كتابه وهي: جمع التكسير، والابتداء، والوقف، والمقصور والممدود، والإمالة، وإن توزعت بعض أحكامها في بعض المباحث التي تتعلق بالتغيير إلاّ أنها قليلة. ثانيًا: اختلف تبويب ابن هشام للأبنية عما كان عند ابن الحاجب؛ إذ بدأ ابن هشام بالأفعال الثلاثية، وذكر صياغة المشتقات منها والمصادر ثم ثنّى بعد ذلك بالأفعال الرباعية ومشتقاتها ومصادرها، وبعد ذلك جاء بأوزان الأسماء الثلاثية فالرباعية فالخماسية، على حين جعل ابن الحاجب الأوزان الثلاثية والرباعية والخماسية للأسماء من مبادئ علم التصريف، وجعل أوزان الأفعال من أحوال الأبنية. ثالثًا: أن كتاب ابن هشام أشدّ اختصارًا من شافية ابن الحاجب. رابعًا: جعل ابن هشام الإعلال في بابين هما: القلب والنقل، وقدّم الحذف على الإدغام على عكس ابن الحاجب. ومع هذا الاختلاف إلاّ أن شخصية ابن الحاجب ظهرت بوضوح في كتاب ابن هشام» نزهة الطرف «ولعل تأثر ابن هشام بالشافية كان واضحًا، ولا أدلّ على ذلك من أنه شرحها بشرح سماه: عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب (1) . • • • الخاتمة: الترتيب الصرفي أخذ عناية العلماء المتقدمين والمتأخرين، وما ذلك إلاّ لإيمانهم أن الترتيب الجيد يوصل إلى الهدف والغاية بسهولة ويسر، كما أن التخطيط لأيّ عمل يولّد إنتاجًا وبناءً قويًّا ومتكاملاً، ويمكن أن نذكر في نهاية هذا البحث بعض النتائج التي ظهرت خلال البحث والمناقشة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 489 1- كان حرص النحاة والصرفيين بهذه المؤلفات التي وضعوها ضبط اللغة، وتقريب قوانينها وقواعدها إلى أفهام الناس، وبخاصة المتعلمين، كما لا يخفى سعي العلماء إلى إبراز ما تكنُّه هذه اللغة من إعجاز وبيان، ولأجل ذلك توسعوا في دراسة الظواهر اللغوية وحاولوا -ما استطاعوا- تقنينها وتقعيدها حتى يسهل تعلمها وإدراكها، ولا يضيرهم إن بقيت بعض المواد اللغوية متعلقة ومرتبطة بسماع العرب، ولهذا قال ابن فارس:» إن لعلم العرب أصلاً وفرعًا: أما الفرع فمعرفة الأسماء والصفات، كقولنا: رجلٌ وفرس، وطويل وقصير، وهذا هو الذي يبدأ به عند التعلم. وأما الأصل فالقول على موضوع اللغة، وأوّليتها ومنشئها، ثم على رسوم العرب في مخاطباتها، وما لها من الافتنان تحقيقًا ومجازًا. والناس في ذلك رجلان: رجلٌ شُغل بالفرع فلا يعرف غيره، وآخر جمع الأمرين معًا، وهذه هي الرتبة العُليا؛ .... والفرق بين معرفة الفروع ومعرفة الأصول: أن متوسّمًا بالأدب لو سُئل عن الجزم (1) والتسويد (2) في علاج النوق، فتوقّف أو عيّ به أو لم يعرفه - لم ينقصه ذلك عند أهل المعرفة نقصًا شائنًا؛ لأن كلام العرب أكثر من أن يُحصى. ولو قيل له: هل تتكلم العرب في النفي بما لا تتكلم به في الإثبات؟ ثم لم يعلمه - لنقصه ذلك في شريعة الأدب عند أهل الأدب؛ لا أنّ ذلك يُردي دينه أو يجرُّه لمأثم. كما أنّ متوسّمًا بالنحو لو سئل عن قول القائل: لَهِنّك من عبسيّة لوسيمةٌ ... ... على هنواتٍ كاذبٌ من يقولها فتوقف أو فكّر أو استمهل - لكان أمره في ذلك عند أهل الفضل هيّنًا. لكن لو قيل له مكان (لهنّك) : ما أصل القسم؟ وكم حروفه؟ وما الحروف الخمسة المشبّهة بالأفعال التي يكون الاسم بعدها منصوبًا وخبره مرفوعًا؟ فلم يُجب - لحكم عليه بأنه لم يشامّ صناعة النحو قطّ، فهذا الفصلُ بين الأمرين « (3) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 490 ولأجل ضبط قياسات اللغة، واستخراجها من منطوق العرب، والوصول بالمتعلم إلى الرتب العليا في معرفة أصول اللغة، حرص العلماء على الإكثار من التعمّق في اللغة بغية الضبط والتقنين والتقعيد؛ لأن الضوابط والقوانين والقواعد هي التي يَسهل تعلمها ويُقبل عليها الخلق الكثير، بعكس حفظ اللغة ومتونها وألفاظها، فهذه لا يصل إليها إلا الخاصة. وحين ينتقد المتأخرون هؤلاء العلماء الأسلاف على هذا الضبط، فإن ذلك ليس مسوّغًا للنقد والخروج على هؤلاء بمحاولة بعثرة هذا الجهد، وسيكون البديل معدومًا عندهم. أذكر ذلك حين اطلعت على مقالة للدكتور كمال بشر في مفهوم علم الصرف (1) ، والذي يحاول أن يخرج كثيرًا من المباحث والأبواب من علم الصرف؛ لعدم استقامة القاعدة واطّرادها، أو أن متن اللغة أولى بها من الصرف، ولو بقيت تلك المباحث التي عدّها الدكتور بشر من اللغة بعيدة عن الصرف، وصار مجالها المعاجم والقواميس لأصبحت بمنأى عن التعلُّم والإدراك، ولا يحتج بصعوبة ظاهرة من الظواهر على إخراجها من أحد العلوم. 2- الجمع بين النحو والصرف في مؤلف واحد كان ديدن العلماء الذين ألفوا في النحو، وممّا يلفت له أن النحو متقدّم على الصرف في أكثر تلك المصنفات، مع أن معرفة التصريف تتقدم تسلسلاً على معرفة النحو، ولهذا يوضّح ابن جنيّ العلة في ذلك فيقول:» من الواجب على من أراد معرفة النحو أن يبدأ بمعرفة التصريف؛ لأن معرفة ذات الشيء الثابتة ينبغي أن يكون أصلاً لمعرفة حاله المتنقلة، إلاّ أن هذا الضرب من العلم لما كان عويصًا صعبًا بُدئ قبله بمعرفة النحو، ثم جيء به بَعْد، ليكون الارتياضُ في النحو موطّئًا للدخول فيه، ومعينًا على معرفة أغراضه ومعانيه، وعلى تصرّف الحال « (2) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 491 وعلى هذا فإنْ تأخَّر التصريف في المؤلفات فهو مقدّم على النحو في المعرفة، وليس تأخره تقليلاً من أهميته؛ فقد يتأخر الشيء وهو أهمُّ من غيره المتقدم، وإنما ينظر إلى جانب آخر وهو قضية التعلم. 3- بعض المؤلفات في الصرف من قبيل الترف العلمي؛ إذ إنّ غيرها يغني عنها، ولم يضف جديدًا في المادة العلمية، أو الترتيب، وقد يكون الجديد فيها الأسلوب الذي صيغت به، ولعلّ حرص بعض العلماء على أن يناسب تفكير العصر العلمي هو الذي يدفعه إلى أن يقدّم كتابًا مؤلفًا بأسلوب ذلك العصر، وعلى هذا فمراعاة العصر في التأليف كانت ظاهرة في المؤلفات الصرفية، وهذا يدعم موقف من يرى أن التأليف بأُسلوب عصري قد يكون هو الجديد، وهو مسوّغٌ يكفي لتأليف كتاب جديد عندهم. 4- الترتيب الواضح هو الذي يجمع المتشابهات، ويضمّ المتفرقات في أبواب متناسقة، ويبدأ بالأبواب اليتيمة، أي التي يحتاجها غيرها ولا يلزم في معرفتها معرفة غيرها، وهذا الترتيب يساعد على الفهم الجيد. يقول ابن عصفور وهو يتحدث عن علم التصريف:» وذلّلته للفهم بحسن الترتيب، وكثرة التهذيب لألفاظه والتقريب حتى صار معناه إلى القلب أسرع من لفظه إلى السمع « (1) . 5- الترتيب الصرفي أخذ عدة طرائق لعرض المادة العلمية، تتلخص في ست طرائق: 1- طريقة ابن السراج، وهو رائد في الترتيب الصرفي، وقد ألف كتابه» الأصول «ليصل بالمادة النحوية والصرفية إلى ترتيب بديع. 2- طريقة الزَّمَخْشَرِيّ، وذلك بعرض المباحث التي تخصّ الأسماء ثم الأفعال، ثم المشتركة بينهما، غير أن ذلك يتم بالتداخل مع المباحث النحوية. 3- طريقة ابن الحاجب، وذلك بالنظر إلى أحوال الأبنية، وهو أسلوبٌ جديد في عرض المادة العلمية اهتم العلماء به بعد ذلك. 4- طريقة السيوطيّ، وذلك بتقسيم الأبواب إلى أربعة بالنظر إلى ذات الأبنية وأحوالها، وأحوال أواخرها ثم التصريف، وإن أشار إليه بشيء يسير في مقدمته أبو عليّ الفارسيّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 492 5- طريقة ابن مالك، وذلك بعمل مقدمات يذكر فيها الأصول والمبادئ لعلم التصريف، ثم يرتب الأبواب بحسب ظواهر التغيير وأنواعه. 6- طريقة أبي حيان، وقد كان متفردًا بتقديم علم التصريف على النحو، ومنفردا في طريقته التي اعتمدت على عرض أحكام الكلمة حسب موقعها من الكلام. 7- طريقة أصحاب الكتب التي استقلت بعلم التصريف، وهي نوعان: ... ... 1- عرض أصول التصريف ومبادئه، وما يتعلق بجعل الكلمة على صيغ مختلفة من غير أن تدلّ على معنًى جديد. 2- عرض أصول التصريف، والمباحث المتعلقة بجعل الكلمة على صيغ مختلفة من غير أن تدل على معنًى جديد، وكذا ما تدل على ضروبٍ من المعاني. وفي الختام أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفع به، والله ولي التوفيق. الحواشي والتعليقات (1) من الشروح: - ... شرح الملوكي في التصريف. - ... شروح شافية ابن الحاجب. - ... شرح السيرافي على الكتاب. - ... شرح الرماني على الكتاب. - ... وشروح ألفية ابن مالك. ينظر: الصحاح: 4/1385؛ واللسان: 9/189؛ والقاموس المحيط: 3/166؛ وتاج العروس: 12/318. المنصف: 1/4. الكتاب: 4/242. شرح الكتاب: 5/210. المقتضب: 1/35. الأصول: 3/231. ينظر: الأصول: 3/231. التكملة: 181، 182. المنصف: 1/3، 4. المفتاح في الصرف: 26. الممتع: 1/31-33. الشافية: 6. ينظر: شرح الشافية: 1/4، 5. التسهيل: 29. ينظر: التصريح: 2/352؛ وتصريف الأفعال: 42. الكتاب: 4/242. المقتضب: 1/35. المقتضب: 1/172. الأصول: 3/231. التكملة: 181-185. ينظر: التكملة: 185. الممتع: 1/31. ينظر: الصحاح: 1/133؛ واللسان: 1/409؛ والتعريفات: 55. التعريفات: 55. التكملة: 181. ينظر: الكتاب: 3/335. ينظر: الكتاب: 3/232. ينظر: الكتاب: 3/235. ينظر: الكتاب: 3/234. ينظر: الكتاب: 3/242. ينظر: الكتاب: 3/246. ينظر: الكتاب: 3/389. ينظر: الكتاب: 3/390. ينظر: الكتاب: 3/415. ينظر: الكتاب: 3/496. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 493 ينظر: الكتاب: 3/508. ينظر: الكتاب: 3/529. ينظر: الكتاب: 3/536. ينظر: الكتاب: 3/541. ينظر: الكتاب: 3/557. ينظر: الكتاب: 4/5. ينظر: الكتاب: 4/117. ينظر: الكتاب: 4/144. ينظر: الكتاب: 4/152. ينظر: الكتاب: 4/166. ينظر: الكتاب: 4/235. ينظر: الكتاب: 4/237. ينظر: الكتاب: 4/242. ينظر: المقتضب: 1/53. ينظر: المقتضب: 1/56. ينظر: المقتضب: 1/61. ينظر: المقتضب: 1/66. ينظر: المقتضب: 1/68. ينظر: المقتضب: 1/70. ينظر: المقتضب: 1/71. ينظر: المقتضب: 1/80. ينظر: المقتضب: 1/86. ينظر: المقتضب: 1/88. ينظر: المقتضب: 1/91. ينظر: المقتضب: 1/96. ينظر: المقتضب: 1/99. ينظر: المقتضب: 1/104. ينظر: المقتضب: 1/111. ينظر: المقتضب: 1/115. ينظر: المقتضب: 1/117. ينظر: المقتضب: 1/118. ينظر: المقتضب: 1/236. ينظر: المقتضب: 1/133. ينظر: المقتضب: 1/42. ينظر: المقتضب: 1/192. ينظر: الأصول: 2/407. ينظر: الأصول: 2/415. ينظر: الأصول: 2/429. ينظر: الأصول: 3/36. ينظر: الأصول: 3/63. ينظر: التبصرة: 2/585. ينظر: التبصرة: 2/608. ينظر: التبصرة: 2/613. ينظر: التبصرة: 2/632. ينظر: التبصرة: 2/640. ينظر: التبصرة: 2/686. ينظر: الأصول: 2/361. ينظر: الأصول: 2/371. ينظر: الأصول: 2/398. ينظر: الأصول: 3/160. ينظر: التبصرة: 2/710، 716، 723، 732، 737. الأصول: 2/361. الأصول: 2/366. الأصول: 2/367. الأصول: 2/27. ينظر: الأصول: 3/156. الأصول: 3/85. ينظر: الأصول: 3/160. ينظر: الأصول: 3/89-97. ينظر: الأصول: 3/160. ينظر: الأصول: 3/179. ينظر: التبصرة: 2/743. التبصرة: 2/754. ينظر: التبصرة: 2/754. التبصرة: 2/783. الأصول: 3/231. التبصرة: 2/788. ينظر: همع الهوامع: 1/18. ينظر: همع الهوامع: 3/255-307. ينظر: همع الهوامع: 3/308-369. ينظر: همع الهوامع: 3/370-401. ينظر: همع الهوامع: 3/407-449. ارتشاف الضرب: 1/4. ينظر: ارتشاف الضرب: 1/13. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 494 ينظر: ارتشاف الضرب: 1/13. ارتشاف الضرب: 1/237. ينظر: ارتشاف الضرب: 1/13. الممتع: 1/22. ينظر: المنصف: 1/173. ينظر: المنصف: 2/242. المنصف: 1/5. ينظر: التصريف الملوكي: 13، وقد صرّح ابن جنيّ فيه بهذا التقسيم، أما الكتب الأخرى فبوّب مسائلها على هذا التقسيم دون تصريح. الممتع: 1/59. التكملة: 182-185. التكملة: 237 ويقصد بقوله (أول الكتاب) كتاب الإيضاح؛ لأنه يعد كتاب التكملة -كما سبق- الجزء الثاني لكتاب الإيضاح. الشافية: 15، 16. شرح الشافية للرضي: 1/66. ينظر: نزهة الطرف: 48. الجزم: شيء يدخل في حياء الناقة لتحسبه ولدها فترأمه. الصحاح: 5/1887، واللسان: 14/365. التسويد: معالجة أدبار الإبل بالشعر المدقّ من الكساء. ينظر: اللسان: 4/213. الصاحبي في فقه اللغة العربية: 3-5. ينظر: مجلة مجمع اللغة العربية، القاهرة، الجزء الخامس والعشرون: ص110. المنصف: 1/4، 5. الممتع: 1/22. المصادر والمراجع المطبوعات ارتشاف الضرب من لسان العرب. أبو حيان الأندلسي. الطبعة الأولى. تحقيق: د. مصطفى النماس. القاهرة: مطبعة المدني، 1408هـ - 1987م. الأصول في النحو. أبو بكر محمد بن سهل بن السرّاج. الطبعة الثالثة. تحقيق: د. عبد الحسين الفتلي. بيروت: مؤسسة الرسالة، 1408هـ - 1988م. الإيضاح. أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار. الطبعة الثانية. تحقيق: د. كاظم بحر المرجان. بيروت: عالم الكتب، 1406هـ - 1996م. تاج العروس من جواهر القاموس. محب الدين محمد مرتضى الزبيدي. تحقيق: علي شبري. بيروت: دار الفكر، 1414هـ - 1994م. التبصرة والتذكرة. أبو محمد عبد الله بن علي بن إسحاق الصيمري. الطبعة الأولى. تحقيق: د. فتحي أحمد مصطفى عليّ الدين. مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1402هـ - 1982م. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 495 التتمة في التصريف. أبو عبد الله محمد بن أبي الوفاء الموصليّ. الطبعة الأولى. تحقيق: د. محسن بن سالم العميري. مكة المكرمة: نادي مكة الثقافي الأدبي، 1414هـ-1993م. تصريف الأفعال. د. عبد الحميد السيد عبد الحميد. القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث، 1409هـ - 1989م. التعريفات. الشريف علي بن محمد الجرجاني. الطبعة الثالثة. بيروت: دار الكتب العلمية، 1408هـ - 1988م. التعليقة على كتاب سيبويه. أبو علي الحسن بن أحمد الفارسيّ. تحقيق: د. عوض بن حمد القوزي. الرياض: جامعة الملك سعود، 1415هـ - 1984م. التكملة. أبو علي الفارسي. تحقيق: د. حسن شاذلي فرهود. الرياض: جامعة الرياض. التوطئة. أبو علي الشلوبيني. تحقيق: د. يوسف أحمد المطوع. مطابع سجل العرب، 1401هـ - 1981م. خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب. عبد القادر بن عمر البغدادي. الطبعة الثانية. تحقيق: عبد السلام محمد هارون. القاهرة: مكتبة الخانجي، 1979م. الخصائص. أبو الفتح عثمان بن جني. الطبعة الثالثة. تحقيق: محمد علي النجار. بيروت: عالم الكتب، 1403هـ - 1983م. ديوان الأدب. أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي. الطبعة الأولى. تحقيق: د. أحمد مختار عمر. القاهرة: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1399هـ - 1979م. الشافية في علم التصريف. جمال الدين ابن الحاجب. الطبعة الأولى. تحقيق: حسن أحمد العثمان. مكة: المكتبة المكية، 1415هـ - 1995م. شرح الكافية الشافية. جمال الدين ابن مالك. تحقيق: د. عبد المنعم هريدي. مكة المكرمة: جامعة أم القرى. شرح المقدمة الجزولية الكبير. أبو علي عمر الشلوبين. الطبعة الأولى. تحقيق: د. تركي بن سهو العتيبي. الرياض: مكتبة الرشد، 1413هـ - 1993م. شرح الملوكي في التصريف. ابن يعيش. الطبعة الأولى. تحقيق: د. فخر الدين قباوة. حلب: المكتبة العربية، 1393هـ - 1973م. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 496 شرح شافية ابن الحاجب. رضي الدين محمد بن الحسن الأستراباذي. تحقيق: محمد نور الحسن؛ ومحمد الزفزاف، ومحمد محيي الدين عبد الحميد. بيروت: دار الكتب العلمية، 1402هـ - 1982م. شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ. جمال الدين بن محمد بن مالك. تحقيق: عدنان عبد الرحمن الدوري. بغداد: مطبعة العاني، 1397هـ - 1977م. شرح كتاب سيبويه. أبو الحسن الرمّاني. تحقيق: د. المتولي الدميري. القاهرة: مطبعة التضامن، 1408هـ - 1988م. الصاحبي. أبو الحسين أحمد بن فارس. تحقيق: السيد أحمد صقر. القاهرة: مطبعة عيسى البابي الحلبي. الصحاح. إسماعيل بن حمّاد الجوهريّ. الطبعة الثالثة. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار. بيروت: دار العلم للملايين، 1404هـ - 1984م. القاموس المحيط. مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي. بيروت: دار الجيل. كتاب سيبويه. أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (سيبويه) . تحقيق وشرح: عبد السلام هارون. عالم الكتب: بيروت. اللباب في علل البناء والإعراب. أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري. الطبعة الأولى. تحقيق: غازي طليمات؛ ود. عبد الإله نبهان. بيروت - دمشق: دار الفكر، 1416هـ - 1995م. لسان العرب. جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور. الطبعة الأولى. بيروت: دار صادر، 1410هـ - 1990م. المغني في تصريف الأفعال. د. محمد عبد الخالق عضيمة. دار الحديث. المفصّل في علم اللغة العربية. أبو القاسم محمود بن عمر الزَّمَخْشَرِيّ، الطبعة الأولى. مصر: مطبعة التقدم، 1323هـ. المقتضب. أبو العباس محمد بن يزيد المبرد. تحقيق: محمد عبد الخلق عضيمة. بيروت: عالم الكتب. الممتع في التصريف. ابن عصفور الإشبيلي. تحقيق: د. فخر الدين قباوة. بيروت: دار المعرفة. مناهج الصرفيين ومذاهبهم في القرنين الثالث والرابع من الهجرة. د. حسن هنداوي. الطبعة الأولى. دمشق: دار القلم، 1409هـ - 1989م. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 497 المنصف في شرح كتاب التصريف. أبو الفتح عثمان بن جني. الطبعة الأولى. تحقيق: إبراهيم مصطفى؛ وعبد الله أمين. القاهرة: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1373هـ - 1954م. نزهة الطرف في علم الصرف. عبد الله بن يوسف النحوي الأنصاري المعروف بابن هشام. تحقيق: د. أحمد عبد المجيد هريدي. القاهرة: مكتبة الزهراء، 1410هـ - 1990م. همع الهوامع في شرح جمع الجوامع. جلال الدين السيوطي. الطبعة الأولى. تحقيق: أحمد شمس الدين. بيروت: دار الكتب العلمية، 1408هـ - 1998م. الوجيز في علم التصريف، أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن الأنباري، تحقيق: د. علي حسين البواب، دار العلوم، 1402هـ. المخطوطات شرح كتاب سيبويه. أبو سعيد السيرافي. صنعاء: مكتبة دار المخطوطات 390، مصورة بمكتبة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى رقم 1158. شرح كتاب سيبويه. أبو سعيد السيرافي. القاهرة: دار الكتب المصرية 137 نحو، مصورة بمكتبة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى. الدوريات مجلة مجمع اللغة العربية، الجزء الخامس والعشرون، بحث الدكتور كمال بشر: مفهوم علم الصرف، القاهرة، رمضان: 1389هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 498 الزِّياديُّ النَّحويُّ حياته، وآثاره، وآراؤه د. سيف بن عبد الرحمن العريفي الأستاذ المساعد بقسم النحو والصرف وفقه اللغة - كلية اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض ملخص البحث أبو إسحاق الزيادي (ت 249 هـ) أحد النحويين البصريين في القرن الثالث الهجري، ولم يصل من مصنفاته شيءٌ، فرأى الباحث جمع ما نثر من آرائه، ودراستها. وقد جاء البحث في أربعة فصول: الفصل الأول: حياته وآثاره: فيه المباحث الآتية: 1 - نسبه وحياته. 2 - شيوخه، ومنهم: الأصمعي، وأبو عبيدة، وأبو زيد، والأخفش الأوسط، والجرمي. وضعَّف الباحث ما ذكره ياقوت من أنَّ الزِّيادي قرأ الكتاب على سيبويه. 3 - تلاميذه، ومنهم: ابن دريد، والمبرد، وأحمد بن عبيد الكوفي. 4 - أقوال العلماء فيه. 5 - شعره، وهو قليل 6 - آثاره، وهي مفقودة، وأثبت الباحث نصوصاً من أحد كتبه، وقف عليها في كتاب: تعليق الفرائد، للدماميني. 7 - جهوده في الرواية واللغة: مما أورده الباحث في هذا البحث آراء الزيادي اللغوية، وقد بلغت تسعة آراء. الفصل الثاني: آراؤه النحوية: جمع الباحث ستة عشر رأياً. الفصل الثالث: آراؤه التصريفية: بلغت آراؤه التصريفية ستة آراء. ومن هذه الآراء ما ابتدعه، ومنها ما تبع فيه بعض سابقيه: فمما ابتدعه أن الفاء الداخلة على إذا الفجائية دخلت على حد دخولها على جواب الشرط ومنه جواز المجازاة بعد ظروف الزمان المضافة، و (ما) التميمية، و (إنَّ) . ومما تبع فيه غيره أنَّ حروف اللين في الأسماء الستة علامات إعراب، وهو قول قطرب، وأحد قولي هشام بن معاوية، وهما قبله. ومنه جواز الإخبار عن البدل المطابق، وهو قول شيخه الأخفش. الفصل الرابع: ملامح مذهبه النحوي: منها: 1 - الاستقلال وعدم التعصب. 2 - رد رواية مخالفة لمذهبه. 3 - التشدد في الاحتجاج. 4 - الاستدلال بالقياس. المقدمة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 499 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، أما بعد: فإنَّ الدرس النَّحويّ في القرن الثاني والثالث قد استوى على سوقه أو كاد؛ على يد علماء فحول، طوت السِّنون أكثر مصنَّفاتهم، فلم يبق من نتاج معظمهم غيرُ آراءٍ منثورة في كتب خلفهم. ومن الحسنِ لا ريبَ جمعُ تلك الآراء ودراستُها؛ ليعرف أثرُهم، ولتوضعَ حَلْقةٌ في سلسلةِ تاريخ الدرس النَّحوي. من أجل ذلك رأيت أن أتوفَّرَ على آراء عالمٍ من تلك الحلْبة، وهو أبو إسحاق الزِّياديُّ، فطفقتُ أجمعُ أقواله، ثم سِرتُ في بحثي على النحو الآتي: الفصل الأول: حياته وآثاره. الفصل الثاني: أراؤه النَّحوية» مرتبة ترتيب ألفية ابن مالك «. الفصل الثالث: آراؤه التصريفية» مرتبةً ترتيب شافية ابن الحاجب «. الفصل الرابع: ملامح مذهبه النحوي. هذا وأسأل الله عزَّ وجلَّ التوفيق والسَّداد. الفصل الأول: حياته وآثاره نسبه وحياته: ورد نسبه في أكثر المصادر على النحو الآتي: إبراهيم بن سفيان بن سليمان بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن زياد بن أبيه (1) . من ولد زياد بن أبيه، لذلك قيل له: الزِّيادي (2) . ولا أعلم خلافاً في نسبه سوى ما ذكره القفطي، حيث قال: "ورأيت في بعض كتب المغاربة (سفيان) وقد سماه (شُقيراً) ، وهو تصحيفٌ، وإنما هو سفيان الزِّياديّ" (3) . كما نَقل عن المبرد أنّ اسم جدِّه (سلم) (4) ، ولعله تحريف (سليمان) ، إذ ذكر المبرد في (الكامل) أنَّ اسمه (سليمان) (5) . وكنيته أبوإسحاق (6) ، ولقبه طارقٌ، لقَّبه به أبوزيد الأنصاري؛ لأنه كان يأتيه بليل (7) . ولم تذكر المصادر شيئا عن أسرته غير أنَّه كان مئناثآً، ثم وُلد له بضعة عشر ذكراً (8) . ولم تذكر عن خُلُقه غير أنَّه كان ذا دُعابة ومزاح (9) . أما وفاته فكانت سنة تسعٍ وأربعين ومائتين (10) . شيوخه: الزياديُّ بصريٌّ، تلمذ على أبرز شيوخ البصرة في النَّحو واللغة، منهم: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 500 1 الأصمعي عبد الملك بن قريب (ت 216هـ) : أخذ عنه الزياديّ، وأكثر (1) ، وكان يشبَّه به في معرفة الشِّعر ومعانيه (2) . 2 أبوعبيدة معمر بن المثنى (ت 210هـ) : روى عنه الزياديّ، فيما ذكر ياقوت وغيره (3) . 3 أبو زيد الأنصاري سعيد بن أوس (ت 215هـ) : تقدَّم أنه لقَّب الزياديَّ طارقاً؛ لأنَّه كان يأتيه بليل (4) . 4 أبو الحسن الأخفش سعيد بن سعدة (ت 215هـ) : روى عنه الزياديّ، فيما ذكر الفارسي (5) . 5 أبو عُمر الجرمّي صالح بن إسحاق (ت 225هـ) : ذكر الزُّبيدي أنَّ الزِّياديّ قال: "صرتُ إلى أبي عُمر الجرميّ أقرأ عليه كتاب سيبويه، ووافيت المازنيَّ يقرأ عليه في الجزاء: (هذا بابُ ما يرتفعُ بين الجزمين) (6) ". هذا وذكر ياقوت والصفديّ والسيوطي أنَّ الزياديّ قرأ (الكتاب) على سيبويه، ولم يتمَّه، وفيه نظرٌ؛ لما يأتي: أولاً: أول من ذكر ذلك ياقوت (ت626هـ) ، وعبارته: "قرأ كتاب سيبويه على سيبويه، ولم يتمّه" (7) ، ثم نقلها عنه الصَّفدي والسيوطي (8) . وتلك العبارة قد وردت عند السِّيرافي (ت368هـ) على النحو الآتي: "وكان قد قرأ كتاب سيبويه، ولم يتمَّه (9) "، ثم نقلها عنه ابن الندّيم، وابن مسعر، والأنباري، والقِفطيّ (10) . وكلهُّم قبل ياقوت. من أجل ذلك يترجح أنَّ "على سيبويه" زيادة من ياقوت، وليست في أصوله. ثانياً: قول السيرافي عن (الكتاب) : "لا نعلم أحداً قرأه على سيبويه، ولا قرأه عليه سيبويه (11) ". ثالثاً: ما نقله الزُّبيدي عن الزِّيادي من أنَّه صار إلى أبي عمر الجرمي ليقرأ عليه (الكتاب) ، والجرميُّ لم يلق سيبويه (12) ، وهو أسنُّ من الزِّياديِّ (13) . تلاميذه: ممن أخذ عنه: 1 أبوبكر بن دريد (ت 321هـ) : ذكر ابن النديم أنَّه أخذ عن الزيادي (14) . 2 أبو العباس المبرد (ت 286هـ) : روى عن الزيادي في كتابيه: الكامل، والفاضل (15) . 3 عبد الله بن جُوان البصري: لزم الزيادي، فأُطلق عليه: صاحب الزيادي (16) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 1 4 أحمد بن عبيد الكوفي، المعروف بأبي عصيدة (ت 238هـ) : روى عن الزيادي، فيما ذكر القالي (1) . أقوال العلماء فيه: قال عنه لدتُه أبو الحسن الأثرم صاحب الأصمعي: "الزياديّ نسيج وحده، الذي ينفرد برأيه، ولا يكاد يخطئ، وهو مدحٌ من مدائح الرجال (2) " ونقل ياقوت عن المرزباني قوله: "كان الزياديّ يشبَّه بالأصمعيّ في معرفته للشعر ومعايبه (3) ". شعره: رُوي له شعر قليلٌ، منه قوله: وانْقطَعَ الحَبْلُ من الحَبْلِ قد خرجَ الهجرُ على الوصلِ وانْفَلَتَ الوَصْلُ من البُخْلِ ودبَّق الهجرُ جناحَ الهوى فَيَسْلَمَ الوَصْلُ مِنَ القَتْلِ (4) فليتَ ذا الهجرَ قُبيلَ الهوى ونسب إليه ياقوت والصَّفدي البيتين الآتيين: ألا حبَّذا حبَّذا حبَّذا حبيبٌ تحمَّلْتُ فيه الأذى ويا حبَّذا بَرْدُ أنيابِه إذا اللَّيلُ أَظْلَمَ واجْلَوَّذا (5) والحقُّ أنهَّ راوٍ لهذا الشِّعْرِ، وليس قائلَه؛ إذ يقول المبرّدُ: "وأنْشدني الزِّياديُّ لرجلٍ من أهل الحجاز، أحسبُه ابنَ أبي ربيعة" ثم ذكر البيتين (6) . آثاره: ذكرت المصادر له المصنفات الآتية: 1 كتاب أسماء السحاب والرياح والأمطار. 2 كتاب الأمثال. 3 كتاب تنميق الأخبار. 4 شرح نكت كتاب سيبويه. 5 كتاب النَّقْط والشّكل (7) . تلك كتبهُ التي ذكرها مترجموه، ولا أعلم أنَّ شيئاً منها موجودٌ. هذا ونقل الدماميني (ت 827هـ) في باب العدد من (تعليق الفرائد) نصوصاً من أحد كتب الزيادي، ولم يسمِّه، ويظهر منها أن الكتاب في اللغة، وأنَّ أبا إسحاق عوّل في بعضه على أبي زيد الأنصاري، وخالفه في مواضع. ورجَّح الدماميني أن ابن مالك اعتمد على هذا الكتاب في فصل التاريخ من (التسهيل) (8) . ومن تلك النصوص ما يأتي: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2 أقال الدماميني: "ووقع في كتاب الزيادي: (النيِّف) عند أكثر العرب ما بين الواحد إلى الثلاثة، يقولون: له نيِّفٌ وسبعون، وقد نيَّف، وقد سمعت أبا زيد وحده يقول: النيف ما بين الواحد إلى التسعة، قال: وكذلك تكلَّمت به العرب، يقولون: له عليّ نيِّفٌ وثلاثون، يعنون: ما بين الواحد والثلاثين إلى التسعة والثلاثين، ويقولون: قد نيَّف على الأربعين، يعنون: ما بين الواحد والأربعين إلى التسعة والأربعين" (1) . ب وقال الدماميني: "وفي كتاب الزيادي أيضاً كذلك: إن البضع لما بين الثلاث إلى التسع، ثم ساق بسنده إلى الشعبي، قال: لما نزلت {الم، غلبت الروم} إلى {في بضع سنين} قال المشركون لأبي بكر: ألا ترى إلى صاحبك يزعم أن الروم تظهر على فارس قال: صدق. فخاطروه على قلائص، وجعلوا الأجل ست سنين، فجاءت السِّت، ولم تظهر الروم، فأخبر بذلك رسول الله (فقال: يا أبا بكر؛ كم البضعُ؟ فقال: ما بين الثلاث إلى التسع، فقال: وهل مضت التسع بعدُ؟ قال: لا، قال: اذهب فزايدهم في الخطر، ومادّهم في الأجل، فتزايدوا قلوصين إلى مثلها، وجعلوا الأجل تمام تسع سنين، فلم تأتِ التسع حتى جاءت الركبان من الشام تخبر بأن الروم ظهرت على فارس. انتهى" (2) . وفي النص استدلال بالحديث على رأي لغوي. ج وقال الدماميني في موضع آخر: "وفي كتاب الزيادي: كانت العرب تؤرخ بالخصب، وبالعامل يكون عليهم، وبالأمر المشهور، قال الربيع بن ضبع الفزاري: ها أنذا آمل الخلود وقد أدرك عقلي ومولدي حجراً أبا امرئ القيس هل سمعت به هيهات هيهات مثل ذا عمرا وقال نابغة الجعدي: فمن يك سائلاً عنّي فإنِّي من الشبان أيام الخنان وقال آخر: وما هي إلا في إزارٍ وعلقةٍ مغار ابن همام على حيِّ خثعما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 وأرخوا بعام الفيل، وبناء الكعبة، وبالفجار، وفي الحديث: (ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل) ، وبمبعثه عليه الصلاة والسلام وبينه وبين البناء خمس سنين، وبين الفيل والفجار عشرون سنة، ولم يزل شأن العرب كذلك حتى جاء عمر، وفتح البلاد، وفتح بلاد العجم، فذُكر له أمر التاريخ، حدثنا أمية بن خالد الأزدي، قال: حدثنا قرة بن خالد السدوسي عن محمد بن سيرين، قال: قام رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: أرِّخوا؟ فقال: ما أرِّخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم، يكتبون: في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر: حسنٌ، فأرِّخوا، فقال بعضهم: من البعثة، وقال قوم: من الوفاة، وقال قوم: من الهجرة، ثم أجمَعوا على الهجرة، ثم اختلفوا بأي شهر يبدؤون، فقيل: برمضان، وقيل: بالمحرم؛ لأنه منصرف الناس من حجهم، وهو شهر حرام، فأجمعوا عليه، فالتاريخ قبل الهجرة بشهرين واثنتي عشرة ليلة؛ لأن الهجرة كانت في ربيع الأول. حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن الزهري، قال: قدم رسول الله (المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، فقدموا التاريخ قبل الهجرة إلى غرة المحرم، فلاتزال في السنة حتى ترى هلال المحرم، فإذا رأيته دخلت في السنة الثانية، وانقضت السنة الأولى. وأما الشهور فلما بين الهلالين، ويكتبون كلمة (شهر) في كلّ من ثلاثة أشهر: الربيعين، ورمضان، ولا يكتبون الشهر في غير هذه الثلاثة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 والشهور كلها مذكرة إلا الجماديين، فإذا كان أول ليلة من الشهر كتبوا: كُتب ليلة الجمعة مثلاً غرة شهر كذا، أو أول ليلة كذا، ومستهل شهر كذا ومهلّه؛ لأنهم يقولون: أهللنا هلال كذا، واستهللناه، ولا يقولون: أهل الهلال، ولا استهل الهلال، ولكن يقولون: أُهِلَّ، واستُهِلّ، فإذا أصبحوا كتبوا: كُتب يوم الجمة أول ليلة خلت، وكُتب يوم الجمعة أول يوم من كذا، ولا يكتبون: مهلاً، ولا مستهلاً، فإذا مضت ليلة أخرى كتبوا: لليلتين خلتا، فإذا توالت الليالي كُتب: لثلاث خلون، فإذا صرت إلى النصف، فبعضهم يكتب: لخمس عشرة ليلة خلت أو مضت، وأكثرهم يكتب: النصف من كذا، وهو أجود وأكثر، فإذا تجاوزت كتبوا: لأربع عشرة بقيت، وثلاث عشرة بقيت، وعشر بقين، ويجوز في القياس: لعشرين مضت، أو خلت، ولكنهم يعتمدون على الأقل، ويكتبون: في الليلة الأخيرة ليلة الجمة آخر ليلة من كذا، وسلخ كذا، وانسلاخه، ولا يكتبون: لليلة بقيت وهم فيها، كما لم يكتبوا: لليلة خلت أو مضت وهم فيها. انتهى « (1) . وفي هذه النصوص دلالة على سعة علم الزيادي باللغة، ومعرفته بالأخبار. وفيها بعض ملامح منهجه في هذا الكتاب، ومنها: العناية بالسَّندِ، والاستدلال، والاستطرادُ. جهوده في الرِّواية واللُّغة: اقتفى الزياديّ أثر شيخه الأصمعي في العناية باللغة، والأخبار، ورواية الشِّعر وتفسيره، كما شارك في رواية الحديث. وتفصيل ذلك فيما يأتي: أولاً: رواية الحديث: لم يُذكر الزياديُّ في كتب رجال الحديث، ولكن القاليّ حدَّث في أماليه، فقال: "حدَّثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثني أبي عن أحمد بن عبيد عن الزيادي عن المطلب بن المطلب بن أبي وداعة عن جده قال: رأيت رسول الله (وأبا بكر رضي الله تعالى عنه عند باب بني شيبة، فمرّ رجلٌ وهو يقول: يا أيُّها الرجلُ المحوِّلُ رَحْلَه ألاّ نَزَلْتَ بآل عبد الدارِ هَبِلَتْكَ أُمُّك، لو نزلتَ برحلهم مَنَعوك من عدمٍ ومن إقتار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 قال: فالتفت رسول الله (إلى أبي بكر فقال: أهكذا قال الشّاعر: قال: لا والذي بعثك بالحقِّ، لكنَّه قال (1) : يا أيُّها الرَّجلُ المحوّلُ رَحْلَه ... ... ألاّ نزلتَ بآل عبد مناف ... (الأبيات) قال: فتبسَّم رسول الله (وقال: هكذا سمعت الرواة يُنشدونه (2) " ونبه البكريُّ على أنَّ الزِّياديَّ إنما روى عن كثير بن كثير بن المطلب عن أبيه عن جدِّه، وذكر أن المطلب ليس له ولدٌ يدعى المطلب (3) . وقوله موافقٌ لما ذكره الحافظ ابن حجر (4) . ثانياً: آراؤه اللغوية: من آرائه اللغوية: الهنيدة: هي المائتان من الإبل (5) . وَصَّد الوشيَ: إذا بالغ فيه (6) . العثَلُ والعثحُ واحدٌ، وهو الجماعة من الناس في سفر وغير سفر (7) . ويؤخذ من هذا أنَّه يرى وقوع الترادف في كلام العرب. الالتماس في الأصل: طلب اللامس إلى أن يلمس شيئاً كائناً ما كان (8) . المِصْلات من الإبل: التي انحسر الشعر عن عنقها، وقال غيره: هي التي تَنْصَلِتُ في السَّير، أي: تتقدَّم (9) . النَّيِّف عند أكثر العرب: ما بين الواحد إلى الثلاثة (10) . البضع: ما بين الثلاث إلى التسع (11) . تُكتب كلمة (شهر) في كل من ثلاثة أشهر: الربيعين ورمضان، ولا تُكتب في غير هذه الثلاثة (12) . لا يقولون: أَهَلّ الهلال، ولا استَهلّ الهلال، ولكن يقولون: أُهِلّ، واستُهِلَّ (13) . ثالثاً: رواية الشِّعر وتفسيره: تقّدم أنَّ الزِّيادي كان يشبَّه بالأصمعي في معرفة الشِّعر، وقد أورد المبرد وغيره ما يدلُّ على ذلك. فمن مروياته أرجوزةٌ لمنظور بن مرثد الأسدي، أولها: يَضْرِبْنَ جَأْباً كَمُدُقِّ المِعْطيرْ يرتشفُ البولَ انتشافَ المعذورْ (14) وأبياتٌ لأعرابي كان يستحسنها، أولها: ما لعيني كُحلتْ بالسُّهادِ ولجَنبْي نابياً عن وسادي (15) ومن تفاسيره: قال الأشعر الرَّقبان: كأنَّك ذاك الذي في الضُّرو عِ قُدَّامَ ضَّرَّاتِها المُنْتَشِرْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 علَّق أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش على النّوادر، فقال: "وقوله: (كأنَّك ذاك الذي في الضُّروع) يريد اللَّبن الفاسد. أخبرنا أبو العباس المبرّد عن الزيادي عن الأصمعي: أنَّ الشَّاة والناقة تبرك على ندى فيخرجُ اللَّبن كقِطَعِ الأوتارِ أحمرَ، فيقالُ لذلك الدَّاءِ: النَّغَرُ، والمَغَرُ. الميم بدلٌ من النُّون؛ لمقاربتها لها في المخرج، يقال: أنْغَرَتْ، وأمْغَرَتْ، وشاةٌ مُنْغِرٌ ومُمْغرٌ. فإذا كان ذلك من عادتها فهي مِنْغارٌ ومِمْغارٌ، والمصدر: الإنْغارُ، والمِمْغارُ، والاسم: النَّغَرُ، والمَغَرُ، فإذا أصابها هذا الدّاءُ كانت أوَّلُ حلبةٍ للأرض. قال أبو العباس: وهذا المعنى استخرجه الزِّياديّ من قول الأصمعي الذي ذكرت لك، قال: وكان أهل العلم قبل هذا يقولون فيه: الذي في الضُّروع هو اللَّحم المسترخي، وهذا القول ليس بشيء" (1) . ومن تفاسيره أيضاً: قال ذو الرُّمة: كُلٌّ من المنظرِ الأعلى له شَبَهٌ هذا وهذانِ قدُّ الجسْمِ والنُّقَبُ (2) ذكر الفارسيُّ الأوجه الجائزة في» هذا وهذان «ثم قال: "فلابُدَّ من إضمار مبتدأ يكون قولهُ: "قدُّ الجسيم" خبرَه، ويكون ذلك المبتدأ "هم" لأنَّ الثَّلاثةَ ممن يعقل، فكأنك قلت: هم قدُّ الجسم، ومعنى ذلك فيما حُكي عن الزِّيادي أنَّ جسمَه مثلُ جسمِه." (3) . الفَصل الثَّاني: آراؤهُ النَّحويَّةُ 1- إعراب الأسماء الستة ذهب الزِّيادي إلى أنَّ الحروف في هذه الأسماء علامات إعراب، نابت عن الحركات (4) . وهذا أيضاً قول قطرب (5) ، وأحد قولي هشام بن معاوية (6) ، وأخذ به الزجاجي (7) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 وهو "الذي يسبق إلى الخاطر بديّاً، وذلك أنَّ هذه الحروف تختلف باختلاف العوامل في الظاهر، وما يختلف باختلاف العوامل من الأواخر هو الإعراب" (1) لكنه لم يسلم لأصحابه؛ فقد ردّه الفارسيُّ والشلوبين بأنّه يؤدي إلى بقاء الاسم المعرب على حرف واحدٍ في (فيك، وذي مالٍ) ؛ لأنَّ علامة الإعراب زائدة على الكلمة، وبقاء الاسم المعرب على حرف واحدٍ لم يرد في كلامهم (2) . هذا وفي المسألة أقوالٌ كثيرةٌ (3) ، منها: 1 أنَّ هذه الأسماء معربة بحركات مقدَّرةٍ على الواو والألف والياء، والأصل في الرفع (أَبَوُك) ، ثم ضمت الباء إتباعاً لحركة الواو، كما قيل: امرُؤٌ، وابنُمٌ، ثم حذفت ضمة الواو للثقل، والأصل في النصب (أبَوَك) ، ثم فتحت الباء إتباعاً لحركة الواو، كما قيل: امرَأً، وابنَماً، وقلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، والأصل في الجر (أَبَوِك) ، ثم كسرت الباء إتباعاً، كما قيل: امرِئ وابنمٍ، ثم حذفت كسرة الواو للثقل، ثم قلبت الواو ياءً لكسرة ما قبلها. وهذا القول عزي إلى سيبويه (4) وجمهور البصريين، (5) وأخذ به المبرد في موضع من (المقتضب) (6) ، واختاره الفارسي (7) ، والشَّلويين (8) . ولا أرى فيه دَخَلاً سوى كثرة التغيير، وهو تغيير جارٍ على سنن كلام العرب. أما قول ابن الحاجب: "وهو ضعيفٌ؛ لأنه خارجٌ عن قياس كلامهم لتقديرٍ لم يعهد مثله، وهو اجتماع إعرابين في كلمة" (9) ؛ فالجواب عنه: أنَّ حركة ما قبل الآخر ليست إعراباً، وإنما هي تابعةٌ لحركة الآخر، ولها نظيرٌ من كلامهم، كما تقدم. 2 ومن المذاهب أنها معربة بحركات ما قبل الآخر والحروف، فإعرابها من مكانين، وهذا قول الكسائي والفراء (10) . وقد ردَّه الشلوبين بأنَّه لا يكون إعرابان لمعرب واحد، وأنَّه يؤدي إلى أن يكون المعرب شيئاً واحداً والإعراب شيئين في (فيك، وذي مال) ، فيكون المحمول أكثر من الحامل (11) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 3 ومنها أنَّ حروف اللِّين دلائل إعراب، ويعزى إلى الأخفش (1) ، وأخذ به المبرد في موضعٍ من (المقتضب) (2) . واختلف في تفسيره: فذكر المبرد وابن جني أنَّ المراد هو أنَّك إذا رأيت الواو علمت أن الاسم مرفوع، وكذلك الألف في النصب، والياء في الجر، فهذه الحروف قامت مقام الضمة، والفتحة، والكسرة (3) . وقيل: المعنى أنَّها معربة بحركات مقدَّرة فيما قبل حروف اللِّين، ومنع من ظهورها أنَّ حروف اللِّين تطلب حركاتٍ من جنسها، ويعزى هذا التفسير إلى الزجاج والسيرافي (4) . وقيل: المعني أنَّ حروف اللِّين حروف إعراب، ولا إعراب فيها، فهي دلائل إعراب بهذا التقدير، ويعزى هذا التفسير إلى ابن السراج وابن كيسان (5) . وهذا الاختلاف دليلٌ على غموض مذهب الأخفش، وقد رُدَّ على التفسيرات كلِّها: فأما على التفسير الأول فهو يؤول إلى قول قطرب والزِّيادي، وقد تقدَّم نقدُه. وأما التفسير الثاني فذكر أبو حيان أنَّه يحتمل شيئين: الأول: أن تكون حروف اللِّين لاماتٍ عادت عند الإضافة. وردّه بأن الإعراب يكون في آخر الكلمة. والثاني: أن تكون زائدة نشأت عن الحركات. ورده بأن الإشباعَ بابُه الشّعْرُ (6) . والأمر الثاني عندي غير محتمل؛ لأن الإشباع ناشئٌ عن الحركات، فكيف تشبع ثم تقدّر؟!. وأما على التفسير الثالث فردَّه بأن حرف الإعراب لابدَّ أن يكون فيه إعرابٌ ظاهرٌ أو مقدَّر (7) . 2- إعراب المثنّى والمجموع على حدِّه نُقل عن الزِّياديِّ في هذه المسألة قولان: أحدهما: أنَّ حروف اللِّين علامات الإعراب (8) ، وهذا قوله في الأسماء الستة، وهو مذهب الأخفش في معانيه (9) ، وعُزي إلى الكوفيين وقطرب (10) ، واختاره ابنُ مالك (11) . والآخر: أنَّ هذه الحروف دلائل إعراب، وهو مذهب المبرد (12) ، وعزي إلى الأخفش (13) والمازني (14) . فأما المذهبُ الأول فذكر الفارسيُّ أنَّ الزِّياديَّ أخذه من قول سيبويه عن ألف التثنية: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 "وهو حرف الإعراب" (1) ، فمعناه عند الزِّياديّ أنَّ الألف هو الحرف الذي يعرب به، كما قالوا: ضمة الإعراب (2) . ويُضَعِّفُ هذا التأويل أنَّ سيبوبه قال بعدُ: "ومن ثمَّ جعلوا تاء الجمع في الجر والنصب مكسورة؛ لأنَّهم جعلوا التاء التي هي حرف الإعراب كالواو والياء" (3) ، والتاء لا تكون علامة إعراب. ومما رُدَّ به هذا المذهب أنَّ علامة الإعراب زائدةٌ له، فإذا حُذفت لم يتغيرّ معنى الكلمة، وهذه الحروف لو حُذفت لذهب معنى التثنية والجمع، وهذا الرد للفارسي (4) . وأجيب عنه بأن الحرف قد يكون من نفس الكلمة ويكون إعراباً، فالأفعال المعتلة الآخر جزمُها بسقوط حرف العلة، فإذا جاز أن يكون الإعراب بحذف شيءٍ من الكلمة جاز أن يكون بإثباته، وليست علامة الإعراب زائدةً في كلِّ موضعٍ (5) . كما رُدَّ بأنَّ الألفَ والواو ثبتتا قبل دخول العامل (6) . والجواب عنه أنَّ الرفع أوَّلُ أحوال الاسم، فجاءت صورتُه الأولى على أوَّلِ أحواله (7) . وأما المذهب الثاني فقد فسَّره المبرّدُ وابن جنِّي بأنَّك تعلم أنّ الموضع موضعُ رفعٍ إذا رأيت الألف أو الواو، وموضع خفضٍ أو نصبٍ إذا رأيت الياء (8) . ورُدَّ بأمورٍ منها: (أ) أنَّ الإعراب دليلٌ، فإذا احتاج إلى دليلٍ، فقد سقط المعنى المدلول عليه. ويُعزى هذا الردّ إلى الزَّجاج (9) . (ب) أنَّ هذه الحروف لو كانت دلائل إعراب للزم ألا تختلَّ بحذفها دلالة الأسماء على ما كانت تدلُّ عليه من التثنية والجمع، وهذا الردُّ للفارسيّ (10) . ويلزم أصحابه أن يجعلوا الضمائر دلائل إعراب، لأنَّك إذا رأيتها علمت أن الموضع موضع رفعٍ، أو نصبٍ، أو جرٍّ. هذا وإنَّ ابن مالك فسَّر هذا المذهب تفسيراً آخر، وهو أنَّ الإعراب بحركاتٍ مقدَّرة قبل هذه الحروف التي هي دلائل عليها (11) . وعُزي هذا التفسير أيضاً إلى الزجاج (12) . وردّه ابن مالك بأمورٍ أقواها أن الإعراب لا يكون إلا آخراً (13) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 هذان قولان، وفي المسألة أقوالٌ أخر، أكثرها يصدر عن نصِّ سيبويه السابق، ومنها: 1 أنَّ حروف اللينِّ حروف إعراب، وفيها إعرابٌ، وهو انقلاُبها، وهذا مذهب الجرميّ (1) ، أخذ به الفارسيّ والصفار، وعزواه إلى سيبويه معتمدين على نصِّه السابق (2) ، وليس فيه ما يدلُّ على أنَّ الانقلاب إعرابٌ. وألزم المبردُ الجرميَّ شيئين: الأول: مخالفة إعراب الواحد؛ لأنَّ الانقلاب معنى، وليس بلفظ. والثاني: ألا يكون في حال الرفع إعرابٌ؛ لأنَّه لا انقلاب فيها؛ إذ هي أولى حالات الاسم (3) . وهذا الوجه لا يلزم الجرميَّ؛ لأنَّ مقتضى قوله أنَّ بقاء اللَّفظ على حاله وعدم انقلابه إعرابٌ (4) . وألزم ابن جنِّي الجرميَّ المخالفة بين جهتي الإعراب؛ لأنه جعل الإعراب في الجر والنصب القلب، وهو معنويٌّ، وفي الرفع جعله لفظاً (5) . وردَّ أبو حيان هذا الإلزام بأنَّ الإعراب في حال الرفع ليس لفظاً؛ لأنَّها لا إعراب فيها، وعدم الإعراب يقوم فيها مقام الإعراب (6) . والمخالفةُ على توجيه أبي حيان أشدُّ؛ لأنه يقتضي أن يكون للناصب والجار أثرٌ، ولا أثر للرافع. وأقوى ما رُدَّ به هذا المذهب ما ذكره ابن مالك من أنَّ تقدير الإعراب إذا أمكن راجحٌ على عدمه (7) . 2 ومنها أنَّ حروفَ اللِّين حروفُ إعراب، ولا إعرابَ فيها، وهو مذهب ابن جنِّي، وعزاه إلى سيبويه مستدلاً بقوله: "وتكون الزيادة الثانية نوناً، كأنَّها عوضٌ لما مُنع من الحركة والتنوين" (8) ، فلو كانت الحركة في النيّة لما عوّضَ منها (9) . ومما يضعِّف هذا القول عدمُ النَّظير؛ إذ الإعراب لابدَّ له من علامة ظاهرة أو مقدرة. 3 ومنها أنها حروف إعراب، والإعراب مقدَّرٌ فيها، وعُزي إلى الخليل وسيبويه (10) ، وفي عزوه إلى سيبويه نظرٌ؛ لأن النون عنده عوض من الحركة والتنوين، فلو كانت الحركة مقدَّرة عنده؛ لما عوَّض منها (11) . وقد ردّ هذا المذهب بوجهين: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 أحدهما: أَن الحركات لو كانت مقدَّرة على هذه الحروف لقلبت الياء في المثنى ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها (1) . وأجاب عنه أبو حيان بأن القلب القياس؛ لذلك لحظ بنو الحارث بن كعب هذا القياس، فجعلوا المثنى بالألف في كل حالاته (2) . والجواب عن جوابه أنَّ بني الحارث يقلبون الياء الساكنة ألفاً إذا انفتح ما قبلها، فيقولون: أخذت الدرهمان، والسلام علاكم (3) ، فليس سبب الحذف عندهم الحركة المقدرة. والوجه الآخر: أنَّ الحركات لو كانت مقدرةً للزم ظهور الفتحة على الياء في الجمع؛ لعدم الثقل (4) . وأجاب عنه أبو حيان بأنَّهم لمّا حملوا النصب على الجر في الياء أجروا الحكم على الياء مجرى واحداً؛ فقدروا الفتحة كما قدروا الكسرة؛ تحقيقاً للحمل (5) . وهذا جوابٌ حسنٌ، ولكنَّ الوجه الأول ملزمٌ، فيما أرى. وجملة القول أن هذه الآراء لم تسلم من الاعتراض، وأسهلها أنَّ حروفَ اللِّين علاماتُ إعرابٍ. وهو قولُ الزِّياديِّ الأوَّلُ، وقولُ الأخفش، والكوفيين وقطرب. 3- العطف على الجملة ذات الوجهين في باب الاشتغال في هذه المسألة من آراء الزِّياديّ: نقد تمثيل سيبويه لاستواء النَّصب والرفع. نقد استدلاله على صحة هذا التمثيل. اشتراط ضمير في الجملة المعطوفة يعود إلى المبتدأ في الجملة الأولى؛ ليستوي النصب والرفع. منع عطف جملة لا موضع لها على جملة لها موضع. من المصطلحات التي ترد في باب الاشتغال مصطلح "الجملة ذات الوجهين" ويقصد بها الجملة المصدرة بمبتدأ خبرُه جملةٌ فعلية، نحو: عمرٌو أكرمتُه (6) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 فهذه الجملة إذا لم تكن (ما أَفْعَلَه) (1) ، ووقع بعدها جملة معطوفة مصدَّرة باسم مشتغلٍ عنه غير مفصول عن العاطف بأمّا (2) ، أو إذا الفجائية (3) ؛ استوى في المشتغل عنه النّصبُ بفعلٍ مفسَّرٍ، والرَّفُع بالابتداءِ، والمعطوفُ عليه في الوجه الأول جملةُ الخبر الفعليةُ، وتسمَّى الجملةَ الصُّغرى، وفي الوجه الثاني الجملةُ الابتدائية الاسمية، وتُسَمّى الجملةَ الكبرى. وقد مثَّل سيبويه لهذه المسألة بمثالين خلت فيهما الجملةُ المعطوفةُ من ضميرٍ يعود إلى المبتدأ في الجملةِ الأولى، وهما: عمرٌو لقيتُه وزيدٌ كلَّمتُه، وزيدٌ لقيتُ أباه وعمراً مررتُ به. فزيدٌ في المثال الأول وعمرٌو في المثال الثاني يجوز فيهما عنده النصب والرفع على الوجهين المتَقَدِّمين، ولم يفضِّل أحدَهما على الآخر (4) . واستدلَّ على ما ذكره بجواز النَّصبِ والرَّفعِ في الأمثلة الآتيةِ: 1- زيدٌ لقيت أباه وعمرٌو، أو وعمراً. 2 زيدٌ لقيتة وعمرٌو، أو وعمراً. 3 زيدٌ ألقاه وعمرٌو، أو وعمراً (5) . ووجه الاستدلال أنَّ هذه الأمثلة يجوز فيها عطفُ (عمرو) بالرَّفع على المبتدأ، وبالنَّصبِ على المفعول به في الجملة الصُّغرى، مع أنَّه لا يقع موقعه، فلا تقول: زيدٌ لقيت عمراً؛ لخلوِّ جملة الخبر من ضمير يربطها بالمبتدأ. وفي هذا دليلٌ على جواز ما ذكره في: زيدٌ لقيته وعمرو كلمته، من رفع الاسم بعد الواو على الابتداء؛ مراعاةً للجملة الكبرى، ونصبه بفعلٍ مفسَّرٍ؛ مراعاةً للجملة الصُّغرى، وهي الفعليةُ الواقعةُ خبراً، مع أنَّ المعطوفَ لا يصحُّ أنْ يقع موقعها؛ لخلوِّه من عائدٍ إلى المبتدأ (6) . فسيبويه إذن لا يشترط لاستواء النَّصب والرفع في هذه المسألة وجودَ ضميرٍ في الجملِة المعطوفِة يعود إلى المبتدأ في الجملِة الأولى. ونقل أبوسعيد السِّيرافيُّ عن الزِّياديِّ وغيرِه من النَّحويينَ إنكارَ كلام سيبويه في هذه المسألة (7) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 وقد سمَّت المصادرُ من المنكرين أبا الحسن الأخفشَ الأوسطَ (1) . وخلاصةُ قولهم ما يأتي: أولاً: اشترطوا لاستواء النَّصبِ والرَّفعِ أن يكونَ في الجملِة المعطوفة ضميرٌ يعود إلى المبتدأ في الجملة الأولى، فالمثالُ عندهم: زيدٌ لقيتُه وعمرٌو كلمته عنده (2) . ثانياً: نقدوا تمثيل سيبويه للمسألة؛ لفقده الشرط المتقدم، واحتجوا بأنَّ المعطوفَ يأخذ حكم المعطوفِ عليه، وفي المثالين اللَّذين ذكرهما سيبويه لو نُصِبَ الاسمُ بعد العاطفِ بفعل مضمرٍ عطفاً على الجملة الصُّغرى وهي جملةُ الخبر لما صحَّ ذلك؛ لأنَّ الجملة المعطوفة تخلو من ضميرٍ يعود إلى المبتدأ (3) . ثالثاً: ذكروا أنَّ الجملة المعطوفة لا يصحُّ ألا يكون لها محلٌّ من الإعراب؛ لامتناع عطفِ جملةٍ لا محلَّ لها على جملةٍ لها محلٌّ (4) . رابعاً: نَقَدَ الزِّياديُّ استدلالَ سيبويه على صحةِ تمثيله بجواز النَّصب والرفع في: زيدٌ لقيتُ أباه وعمروٌ، أو عمراً، فقال: "هذا غيرُ مشبه لذاك؛ لأنَّ قولنا: وعمراً، ليس بجملةٍ، وإنما هو اسمٌ واحدٌ وَقَعَ عليه الفعلُ الذي وَقَعَ على الأبِ بعينه، فقد صار (عمروٌ) مع الأبِ مفعولَ (لقيت) ، و (لقيت) خبراً لزيدٍ، وفي مفعوليه ما يعود إليه، وهو الهاء في الأبِ، و (عمرٌو كلمته) جملةٌ قائمةٌ بنفسها، ليست بداخلةٍ في الفعل الأول، ولا الفعل الأول واقعٌ عليها" (5) . ونحا النَّحويون في هذه المسألة ستةَ أنحاء: الأول: موافقة سيبويه في عدم اشتراط الضَّمير، وممَّن ذهب هذا المذهبَ الفارسيُّ، والزَّمخشريُّ، وصدرُ الأفاضل، وابنُ الحاجب، وابنُ مالك، وابنهُ، وابنُ عقيل، والسَّلسيليُّ (6) . واحتجَّ الفارسيُّ وابن مالك بأنَّ الجملةَ المعطوفَ عليها لم تظهر عليها علامةُ الإعراب؛ فلذا جاز أن تُعطَفَ عليها جملةٌ لا محلَّ لها من الإعراب (7) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 واستدلَّ ابنُ مالك بمجيء النَّصب في قوله تعالى: {والنَّجمُ والشَّجرُ يسْجُدان والسمَّاءَ رَفَعها} (1) ، وقوله تعالى: {والشَّمسُ تجرى لمستقرٍّ لها ذلك تقديرُ العزيزِ العليمِ، والقمرَ قدَّرناه منازلَ حتى عاد كالعرجون القديم} (2) . فالجملة المعطوفةُ في الآيتين تخلو من ضميرٍ يعودُ إلى المبتدأ. وهذا دليلٌ كافٍ لتصحيح مذهبِ سيبويه، ويضاف إليه أنَّ الثَّوانيَ يغتفر فيها ما لا يغتفر في الأوائلِ. والثاني: موافقة الأخفش والزِّياديّ في اشتراط الضمير، ومن أصحاب هذا النحو المبرّدُ، والسِّيرافي، وابنُ يعيش، والجاميُّ (3) . وذكر السِّيرافي أنَّ سيبويه في ظنِّه يشترط الضمير، ولكنَّه اشتغل بتوضيح المسألة، فلم يراعِ صحَّةَ لفظِها ومثالها (4) . وظنُّه بعيدٌ لسببين: أحدهما: أنَّ سيبويه مثَّل للمسألة بمثالين خلت فيهما الجملةُ المعطوفةُ من ضميرٍ يعود إلى المبتدأ، واحتمالُ وقوعِ الخطأ في المثالين بعيدٌ. والآخر: أنَّه استدلَّ على المسألة بنحو: زيدٌ لقيت أباه وعمروٌ، أو عمراً، بالرَّفع عطفاً على المبتدأ، وبالنَّصب عطفاً على المفعول به، ولوجعل المعطوفُ مكان المفعول به لَفَسَد الكلامُ؛ لخلوِّ جملة الخبر من الرابط، فهذا يؤيِّد أنَّه يقصد خلوَّ الجملة المعطوفةِ في مسألة الاشتغال من عائدٍ إلى المبتدأ. ونحو ظنِّ السيرافي ما جَزَمَ به ابنُ يعيش في شرحة كلام الزمخشري (5) ، والجاميُّ في شرحه قولَ ابن الحاجب: "ويستوي الأمران في مثل: زيدٌ قام وعمراً أكرمته" (6) . والثالث: ترجيحُ النَّصبِ، وهو مذهب أبي عبيد القاسم بن سلام، واحتجَّ بأنَّ قبل الاسم المشتغل عنه فعلاً، وبعده فعلاً (7) . والرابع: ترجيحُ الرَّفعِ، وهو مذهبُ الصَّيمري والحريري، وهما يرجِّحان الرَّفعَ مع وجود الضَّمير في الجملة المعطوفة (8) . والخامس: اشتراطُ العَطْفِ بالواو أو الفاءِ لجواز النَّصبِ، وهو مذهب هشام ابن معاوية (9) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 والسادس: اشتراط العطف بثُمَّ لجوازِ النَّصب، ونسبه أبو حيان إلى الجمهور (1) ، وفيه نظرٌ؛ إذ تقدم أنَّ أعلامَ النَّحويين منهم مَنْ وافق سيبوبه، ومنهم مَنْ وافق الأخفشَ والزِّياديَّ. ولم يظهر لي ما يُعضِّد هذا التَّفريقَ بين حروف العطف. 4- منع تعدِّي فَعيل وفَعِل منع الزِّياديّ (2) ، والمازنيّ (3) ، والمبرد (4) ، وابن السراح (5) تعدِّي (فَعيل) ، و (فَعِل) المحّولين من اسم الفاعل للمبالغة، واحتجوا فيما ذكر السيرافي بأنَّهما صيغا للصفات الملازمة للذات كشريف، ونحوه (6) . وذهب سيبويه إلى جواز تعدِّيهما، وذكر أنَّ تعدِّي (فعيل) قليلٌ، وتعدِّي (فَعِل) أقلُّ (7) ، ووافقة الجرميُّ في تعدِّي (فَعِل) محتجاً بشبهها للفعل في الوزن (8) . واستدل سيبويه بقول لبيد: أو مِسْحَلٌ شَنِجٌ عضادةَ سَمْحَجٍ بسراته نَدَبٌ له وكُلومُ (9) والشاهد نصب (عضادة) مفعولاً به ل (شنج) . وقول الشاعر (10) : حَذِرٌ أموراً لا تُخافُ وآمِنٌ ماليس مُنجيَه من الأقدارِ (11) والشاهد نصب (أموراً) ب (حَذِر) . وقول ساعدة بن جؤية: حتى شآها كليلٌ مَوْهناً عَمِلٌ باتت طِراباً وبات اللَّيلَ لم يَنَم (12) والشاهد نصبُ (موهناً) مفعولاً به ل (كليل) المحوّل من (مُكلّ) (13) ، أو (مكلِّل) (14) . وذكر السيرافي أنَّ المانعين ردُّوا الاحتجاج بالأبيات: فذهبوا إلى أنَّ (عضادة) في البيت الأول ظرفٌ، وأنَّ الشاعر شبَّه ناقته بحمارٍ لازمٍ يمنةَ أتانٍ أو يسرتها. وذكروا أنَّ البيت الثّاني مصنوعٌ، صنعه الأخفش لما سأله سيبويه عن شاهدٍ لإعمال (حَذِر) . وحملوا (موهناً) في البيت الثالث على أصله، وهو الظَّرفية؛ إذ الموهن الساعة من اللَّيل، وفسّروا البيت بأنَّ هذه الأتن قد شاقها الكليل وهو البرقُ الضعيف في هذه الساعة، فنقلها إلى موضعه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 هذا ما أورده السيرافي، ولم يعزه إلى واحدٍ من المانعين (1) ، فلا أدري ما نصيب أبي إسحاق الزِّياديِّ منه. ووجَّه المبرد البيت الأول توجيهاً مخالفاً لما نقله أبو سعيد، فذكر أنَّ (شنج) صفة مشبهة، و (عضادة) انتصب على التشبيه بالمفعول به (2) . واختار قولَ سيبويه النحاسُ، وابنُ ولاد، وأبو سعيد السيرافيُّ، والرمانيُّ، وغيرهم (3) . واستدلوا بالنقل، والعقل: فمن النقل ما رواه اللّحياني عن بعض الأعراب، وهو قوله في صفة الله عز وجل: هو سميعٌ قولَك وقول غيرك (4) ، وقول ابن الرقيات: فتاتان أما منهما فشبيهةٌ هلالاً والاخرى منهما تُشبه البدرا (5) وقول زيد الخيل: أتاني أنَّهم مَزِقون عِرْضي جحاشُ الكِرْمَلَيْنِ لها فديدُ (6) ففي الأول والثاني إعمال (فعيل) ، وفي الثالث إعمال (فَعِل) . وكفى بهذه الأدلة مرجّحاً لقول سيبويه. أما الدليل العقلي فما ذكره ابن ولاد من أنّ هاتين الصيغتين قد تحقَّق فيهما موجبا الإعمال: العدلُ عن اسم الفاعل للمبالغة، والجريُ على فعلٍ مُتعدٍّ (7) . كما أثبتوا صحة احتجاج سيبويه بالأبيات التي أنشدها: فأما بيت لبيد فذكر السيرافي وابنُه وابن عصفور أن (عضادة) فيه لا تُحمل على الظرفية؛ لأنها اسمٌ للقوائم، والأسماء لا تكون ظروفاً مقيسةً ما عدا أسماء الزمان والمكان (8) . وبيَّن الأعلم وأبو نصر القرطبي فساد حملها على الظرفية من وجهٍ آخر، وهو أن ذلك يقتضي تشبيه الناقة بحمارٍ منقبضٍ في ناحية الأتان، مهينٍ، قد شغفه عضُّها ورمحُها، وهذا مناقض لما يريد الشاعر من وصف ناقته بالجري (9) . وردَّ ابن ولاد توجيه المبرد المتقدم بأنَّ الصفة المشبهة لا تعمل إلا في سبب الموصوف، و (عضادة) ليست من سبب الموصوف، وهو (مسحل) (10) . وهذا يلزم المبرد؛ لأنَّه ذكر أنَّ الصفة المشبهة لا تعمل إلا فيما كان من سبب الموصوف (11) . واستدل بعضهم على صحة توجيه سيبوبه بقول جبار أخي الشماخ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 قالت سُليمى لستَ بالحادي المُدِلْ ... مالك لا تلزمُ أعضادَ الإبِلْ (1) "فأعضاد بمنزلة (عضادة) ، وقد نصبها بتَلْزَمُ، و (شَنجٌ) في معنى ذلك" (2) . وأما البيت الثاني (حذرٌ أموراً ... ) فمنهم من أنكر ماحُكي عن الأخفش، وكذَّب به. وأبرزهم ابن السيرافي، وابن خروف، وابن يعيش، وابن عصفور، والصفار، وابن مالك، وابن أبي الربيع (3) . وانفرد أبو نصر القرطبي بأن المراد بوضع البيت في الحكاية روايتُه (4) . وأصدقُ دليل على أنَّ الرواية مختلقة الاختلافُ في واضع البيت؛ إذ قيل: الأخفش (5) ، وقيل: اللاحقي (6) ، وقيل: ابن المقفَّع (7) . وأما بيت ساعدة بن جؤية فذهب النحاس وابن مالك وابن أبي الربيع وابن هشام إلى أنَّ سيبويه أورده شاهداً لتحويل اسم الفاعل إلى (فعيل) ، و (فَعِل) ، ولم يتعرَّض للإعمال (8) . وذهب السيرافي والرماني وجماعة إلى أن سيبويه أورده شاهداً لتعدِّي (فعيل) (9) . وضعَّف البغداديُّ القول الأول (10) ، ولم يظهر لي من كلام سيبويه ما يُرجِّح أحد القولين. وذكر السِّيرافي أنَّ (مَوْهناً) في البيت نُصب نصبَ المفعول به على الاتِّساع، كما نصب (يوم) في قولهم: أتعبتَ يومَك، و (كليل) فعلُه (أكلَّ) المتعدِّي، وليس (كلَّ) اللازم (11) . وردَّ الأعلم نصبَ (موهناً) على الظرفية؛ لأنَّه يفسد المعنى المراد؛ إذ يقتضي أن يكون البرقُ ضعيفاً في نفسه، وهذا ينقضه قوله بعد:» عَمِلٌ «، وقوله: "وبات الليلَ لم ينمٍ"، وإنما المراد وصف حمارٍ وأتنٍ نظرت إلى برق مستمطرٍ، دالٍّ على الغيث، يُكلُّ الموهنَ بروقُه (12) . والمعنى على الإعمال أبلغُ، ولكنَّه مبنيٌّ على الاتِّساع والمجاز، وما كان هذا شأنه لا يُستدلُّ به منفرداً على حكم متنازَعٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 تلك آراء البصريين وأصحابهم، أما الكوفيون فنُقِل عنهم إطلاقُ منع إعمال صيغ المبالغة؛ لمخالفتها أوزان المضارع ومعناه، وحملُ نصب الاسم بعدها على تقدير فعلٍ، ومنعُ تقديم الاسم عليها (1) . ورد قولَهم ابنُ عصفور وابن هشام بشواهد قُدِّم فيها الاسم المنصوب (2) ، ومنها قولُهم: أما العسلَ فأنا شرّابٌ (3) . 5- منع وقوع كِرْكِرَةٍ وثَفناتٍ وصفاً أنشد سيبوبه قول العجاج (4) : خوَّى على مستويات خمسِ كِرْكِرَةٍ وثَفِناتٍ مُلْسِ (5) ثم قال: "وهذا يكون على وجهين: على البدل، وعلى الصفة" (6) . يعنى: كركرة وثفنات. وقد حمل الزياديُّ قولَه: "وعلى الصِّفة" على ظاهره، وردهّ قائلاً: "لا تكونُ الكِرْكِرةُ والثَّفِناتُ وصفاً؛ لأنها أسماءٌ (7) " يريد: أنَّهما اسمان جامدان، فلا يقعان نعتاً؛ إذ النَّعتُ لا يكونُ إلا مشتقاً، أو بمنزلته (8) . وردَّ عليه الأعلُم وابنُ خلفٍ، وذهبا إلى أنَّ سيبويه أراد بالصِّفةِ عطفَ البيان (9) ، وهو يكونُ اسماً جامداً. وما ذكراه قد يُحتج له بما يأتي: 1 أنَّ سيبويه تسامح في مصطلحِ الصِّفة، فأطلقه على التوكيد (10) ، وذكر السُّهيلي أنه أطلقه على عطف البيان (11) ، ولم أقف في الكتاب على ما يقطع بهذا. 2 أنَّ عطف البيان يُشبه الصِّفة في البيان عن المتبوع (12) . ولكن الراجح عندي أنَّ سيبويه أراد بالصِّفة النعتَ؛ لما يأتي: أأنَّ حملَ الكلام على ظاهره أولى؛ إذْ صرفُه عنه لا يكون إلا بدليلٍ قاطع، ولا دليلَ هنا. ب أنَّ سيبوبه أنْشَدَ قول العجّاجِ شاهداً على: مررتُ بثلاثةِ نفرٍ رجلين مسلمين ورجلٍ كافرٍ، وقد جعل (رجلين، ورجل) في هذا المثال تفسيراً للنعَّت، أي: توطئة ووِصْلة له (13) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 وعلى أيِّ حالٍ فإنَّ ما منعه الزِّياديُّ غيرُ ممتنعٍ، وإنْ لم يكن الوجهَ؛ لأنَّ "كرْكرة وثفنات" قد وُصفتا بقوله: "مُلْسٍ"، فالاعتمادُ على صفتهما، وهما توطئةٌ للوصف، كما يكونُ الاسم الجامد حالاً موطِّئةً (1) . ولهذا نظائر منها: قوله تعالى: {قد كان لكم آيةٌ في فئتينِ التقتا فئةٍ تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة} (2) بجر (فئة) في قراءة مجاهد وغيره (3) ، فقد وُجِّه توجيهاتٍ منها النَّعتُ، وسوَّغ ذلك أنَّ (فئة) موصوفةٌ "فكان اعتمادُ الصِّفة في (فئتين) على صفة (فئة) ، كما تقول: مررت برجلين رجلٍ صادقٍ ورجلٍ كاذبٍ (4) ". ومنها رواية الجرِّ في قول كثير: وكنتُ كذي رِجْلين رِجْلٍ صحيحةٍ ... ورجْلٍ رمى فيها الزَّمانُ فشَلَّتِ (5) فقد ذكر ابن أبي الربيع أنَّ "البدل أحسنُ، والنعت جائزٌ على حسب ... : مررت بأخيك رجلاً صالحاً" (6) أي: على القياس على الحال الموطئة. 6- منعُ تفريق نعتِ اسم الإشارة غير المفرد إذا كان المنعوتُ غيرَ واحدٍ وكان النَّعتُ مختلفاً جاز في النعت أن يفرَّق، نحو: مررت برجلينِ كرِيمٍ وبخيلٍ (7) . واستثُني من ذلك نعتُ اسمِ الإشارة غيرِ المفرد، فلا يجوزُ: مررت بهذين الطويل والقصير، على النَّعت، وإنما يقال: مررت بهذا الطويلِ وهذا القصيرِ (8) . نصَّ على المنعِ سيبويه (9) ، والزِّياديُّ (10) ، وغيرهما (11) ، ولا أعلم خلافاً بين البصريينَ في ذلك. أمَّا الكوفيون فقد نُقل عنهم منعُ نعتِ اسمِ الإشارة مطلقاً (12) ، وتبعهم السُّهيليُّ (13) . وقد علَّل النَّحويون منعَ تفريق نعت اسم الإشارة غير المفرد بما يأتي: أأنَّ التَّفريق يؤدِّي إلى الفَصْل بينَ اسم الإشارة ونعتهِ بالنعتِ الأول، والفصلُ ممتنعٌ لما يأتي: 1 أنَّ اسمَ الإشارة مع ما يُوصَفُ به بمنزلةِ اسمٍ واحدٍ، فوصفُه كأحد حروفه، ولا يجوز أن يُثنَّى الاسم ويُجمعَ قبل تمامه. وهذا تعليلُ الفارسيِّ (14) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 2 أنَّ اسمَ الإشارة دَخَلَ لينقلَ ما فيه الألفُ واللام من تعريفِ العهد إلى تعريف الإشارة، "فصار كجزء في التعريف للألف واللام، ولا يفصل بين الألف واللام وما اتصلا به". وهذا تعليلُ السيرافي (1) . ب أنَّ كلَّ نعتٍ لابد فيه من ضميرٍ يعود إلى الموصوف لربطه به إلا أسماء الإشارة فإنها لا تُوصف إلا بالجوامدِ أو ما قام مقامها، والجوامدُ لا تحتمل الضَّميرَ، فجعلوا رابطها باسمِ الإشارة المشاكلةَ في الإفرادِ والتَّثنيةِ والجمعِ، ولوقيل: مررت بهذين الطويل والقصيرِ؛ لزالت المشاكلةُ التي هي الرَّابطُ. وهذا التعليلُ لابن عصفور (2) . ج حكى أبو بكر مَبْرَمان عن بعض أهل النَّظرِ أنه قال: "إنما لم أقل: مررت بهذين الطويلِ والقصيرِ؛ لأنَّ الإشارةَ تذهبُ، وذلك أنَّك إذا قلت: بهذين الطويلين؛ فالإشارةُ واحدةٌ، وإذا عطفتَ فالمعطوفُ يَذْهبُ بالإشارة." (3) . وهذا التعليلُ فيه نظرٌ؛ لأنَّه يقتضي منعَ البدلِ وعطف البيان، وهما جائزانِ كما سيأتي في المسألةِ التالية. 7- جوازُ تفريقِ عطفِ البيانِ والبدلِ بعد اسم الإشارة غير المفرد تقدم في المسألةِ السَّابقة امتناعُ: مررتُ بهذين الطويل والقصيرِ، على النَّعتِ. ونُقِلَ عن أبي إسحاق الزَّياديِّ جوازُه على البدلِ وعطفِ البيان (4) . وفي كلامِ سيبوبه وابن السّراج ما يُشعر بالجوازِ؛ لأنَّهما قيَّدا المنع بجعل ما بعد اسمِ الإشارة نعتاً (5) . وعنديِ أنَّ البدلَ أقوى هنا من عطفِ البيان؛ لأنَّ البدلَ في تقدير المستقِلِّ بمقتضى العاملِ، وعلى نيَّة تكرير العامل (6) . أمّا عطفُ البيان فأشبهُ شيءٍ بالنعَّتِ في بيان المتبوع، "فهو من تمامه كما أنَّ النَّعتَ من تمام المنعوت. (7) ". 8- جوازُ العطفِ المضمر المجرور المؤكَّدِ نقل الزجاج والسيرافي أنَّ النحويين مجمعون على قبح العطف على المضمر المجرور من دون إعادةِ الجارِّ (8) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 ونقل غيرُهما في المسألةِ خلافاً، وتفصيلُه على النحو الآتي: 1 ذهب جمهورُ البصريين إلى المنع المطلق في غير الشِّعر (1) ، واحتجوا بحجتين: إحداهما: أنَّ ضمير الجر شبيهٌ بالتَّنوين، ومعاقبٌ له، فلا يُعطف عليه كما لا يُعطف على التَّنوين (2) . والأخرى: أنَّ المعطوفَ نظيرُ المعطوف عليه في موضعه من العامل، والتّعاقبُ بينهما جائزٌ، ولا يصلح أنْ يعاقب المضمرُ المجرور المعطوفَ؛ لأنهَّ ليس له منفصلٌ (3) . وقد تبعهم كثيرٌ من النَّحويين (4) . 2 عزي إلى الكوفيين القُبْحُ (5) ، ونصَّ عليه الفراءُ في (معاني القرآن) (6) ، ولكنَّه خالفه في موضع آخر، فأجاز العطفَ مطلقاً (7) . 3 عُزي إلى يونس (8) ، وقطرب (9) ، والأخفش (10) والكوفيين (11) الجوازُ المطلق. والذي في (معاني القرآن) للأخفش المنعُ (12) ، فلعله رَجَعَ إلى قولِ أصحابه البصريين. وتوقّف بعضُ الباحثين في عزو الجوازِ إلى الكوفيين (13) ؛ لأنَّ ثعلباً نَقَلَ عن الكسائي مَنْعَ العطفِ على المضمرِ (14) ، ولأنَّ الفراءَ نصَّ في (معاني القرآن) على المنع. وقد تقدَّم أنَّ الفراءَ اختلف كلامهُ في المسألة، فقبحها في موضع، وأجازها في موضعٍ آخر، فلعل من عزا إلى الكوفيين الجوازَ وقف على القول الثاني، ولم يقف على الأول. 4 ذهب الجرميُّ، والزِّياديُّ إلى الجواز المقيَّد بتأكيد الضمير، نحو: مررت بك أنت وزيدٍ، ومررت به نفسه وزيدٍ (15) ؛ قياساً فيما يظهر على جواز العطفِ على ضمير الرَّفع المتَّصل المؤكَّد. وعُزي هذا المذهب إلى الفراء (16) ، ولم أقف عليه في (معاني القرآن) . ونقل عن الزِّياديّ تعليلُ منعِ العطف إذا لم يؤكد الضمير بشبهه بالتَّنوين (17) ، ويفهم منه أنّ الشبه قد زال بالتأكيد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 هذا وردَّ الرُّماني قياسَ الضَّميرِ المجرورِ على الضَّميرِ المرفوع، فقال "ويجوز: فعلتَ أنت وزيد، ولا يجوز: مررتُ بك أنتَ وزيدٍ؛ لأنَّ (أنت) مستعارٌ للمجرور والمنصوب، فهو لا يُعْتَدُّ به، وتصير الحقيقةُ: مررتُ بك وزيدٍ، وهي لا تجوز، مع أنَّ (أنت) يُظهر حالَ الضَّمير في: فعلتَ، أتمَّ الظهور؛ إذ يُظهر حالَه في الخطاب، وفي الرفع، وليس كذلك سبيلُه مع المجرور والمنصوب؛ لأنَّه موضوعٌ للمرفوع، ومستعارٌ في هذين، واتِّصالُ المجرور أشدُّ؛ لأنه معاقبٌ للتَّنوين، ومع الاسم بمنزلةِ اسمٍ واحدٍ، فالكلامُ ناقصٌ، وليس كذلك: فَعَلْتَ؛ لأنَّه جملةٌ، والضمير بمنزلة المنفصل من هذا الوجهِ (1) ". والراجحُ عندي الجوازُ المطلقُ، وهو اختيارُ الشَّلوبين (2) ، وابنِ مالك (3) ، وأبي حيّان (4) . ومرجِّحاتُه ما يأتي: 1 وروده في قراءةِ حمزةَ {واتَّقوا الله الذي تَساءلونَ بِهِ والأرْحامِ} (5) بجرِّ (الأَرْحامِ) ، عطفاً على الهاء في (به) ، وهي قراءةٌ سبعيةٌ، لا يصح الحكمُ عليها بالقبحِ. وهو ما قاله الفراء (6) ، ولا بالضَّعف وهو قولُ الفارسي (7) ، ولا بعدمِ الجواز، وهو حكمُ المبرد (8) ولا تخطئتُها، وهو مذهبُ الزَّجاج (9) . غفر الله لهم جميعاً. وأشنعُ من هذا قولُ الرضي: "ولا نسلِّم تواترَ القراءاتِ" (10) . هذا، ووجَّه ابن جنِّي القراءةَ على حذفِ الباءِ من (الأرحامِ) ؛ لتقدُّمِ ذكرِها، وشَبَّهه بالحذفِ في: بِمْن تمرُرْ أمْرُرْ (11) . وفي هذا نظرٌ؛ لأنَّ الجارَّ لا يعملُ مُضمراً من غيرِ عِوَضٍ (12) ، كما أنَّ المثالَ غيرُ مُشْبِهٍ للآية، فالجارُّ في المثال حُذِفَ مع مجروره، وفي الآيةِ بقي المجرورُ. وقيل: إنَّ الواوَ في (والأرحام) للقسم، ولله أنْ يُقْسِم بما شاء من خَلْقه (13) . وتُؤيِّدُ العطفَ على الهاءِ قراءةُ ابن مسعودٍ: {وبالأرحامِ} (14) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 2 قولُ الرَّسولِ (: "إنَّما مَثَلُكُم واليهودِ والنّصارى كرجلٍ استعمل عُمّالاً ... (1) ". 3 قولُ بعضِ العَربِ: "ما فيها غيرُه وفرسِه" (2) . 4 أشعارُ العربِ، ومنها قولُ الشّاعر: فاليومَ قرَّبتَ تهجونا وتشتمنا فاذْهَبْ فما بك والأيامِ من عَجَبِ (3) وقول مسكين الدَّارِمي: تُعَلَّقُ في مثلِ السَّواري سيوفُنا وما بينَها والكَعْبِ غَوْطٌ نفانفُ (4) وثَمَّ شواهد أخر (5) . أمَّا حُجَّتا المانعين، فضَّعفهما ابنُ مالك: فضعَّفَ الاحتجاجَ بِشَبَهِ ضميرِ الجرِّ بالتَّنوين؛ لأنَّ هذا "لو مَنَعَ من العطف عليه بلا إعادةِ الجارِّ لمنع منه مع الإعادةِ؛ لأنَّ التنَّوين لا يُعْطَفُ عليه، ولأنَّه لو مَنَعَ من العَطْفِ عليه لَمَنعَ من توكيِدِه والإبدالِ منه؛ لأنَّ التَّنوينَ لا يؤكَّدُ ولا يُبْدَلُ منه، وضميرُ الجرِّ يؤكَّدُ ويُبْدَلُ منه بإجماعٍ." (6) . وضعَّف الاحتجاجَ بتعاقُب المعطوفِ والمعطوفِ عليه بجوازِ: رُبَّ رجلٍ وأخيه، وأشباههِ مما لا يصِحُّ أنْ يَحل المعطوفُ فيه محلَّ المعطوفِ عليه (7) . 9- العطفُ بالفاء بعد بَيْنَ المضافةِ إلى المفردِ قال امرؤ القيسِ: قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرى حبيبٍ ومَنْزِلِ ... بِسِقْطِ اللِّوى بينَ الدَّخولِ فحومَلِ (8) هذه روايةُ المفضَّلِ، والفراءِ، وثعلبٍ، وجماعةٍ من أهل الشِّعر (9) . وردَّها الأصمعيُّ والزِّياديُّ، قال أبو أحمدَ العسكريُّ: "قال أبو إسحاقَ الزِّياديُّ: هو (الدَّخولِ وحوملِ) ، ولا تكونُ (فحوملِ) ؛ لأنَّك لاتقول: رأيتُك بينَ زيدٍ فعمرٍو، وهذا سَمِعه الزِّياديُّ من الأصمعيِّ، فسألتُ ابنَ دريد عن الرِّوايِة، فحكى ما قال الأصمعيُّ، لم يَزِدْ عليه (10) " ويؤخذ من هذا النَّصِّ ما يأتي: 1 أنَّ روايةَ الأصمعيِّ والزِّياديِّ (وحوملِ) ، ولا يُجيزان غيرَها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 2 أنهما يمنعانِ العطفَ بالفاءِ بعد (بين) المضافةِ إلى المفرد؛ لأنَّ الفاءَ تقتضي التَّفريقَ، وهو منافٍ لما تُفهمه (بَيْنَ) من الاجتماعِ (1) . فأما روايتُهما فذكر المبردُ أنَّها أَصَحُّ الرواياتِ (2) ، ولكنَّ الروايةَ الأخرى نقلها علماء ثقاتٌ، فردُّها تحكُّمٌ. وأمّا منعُ العطفِ بالفاءِ بعد (بَيْنَ) المضافِة إلى المفردِ؛ فصحيحٌ، لادَخَلَ فيه إن حُمل الكلامُ على ظاهره؛ لأنَّ (بَيْنَ) موضعٌ للتَّوسُّطِ بين اثنينِ منفصلينِ، أو اثنينِ مجتمعينِ في لفظةٍ، أو جماعةٍ مفرَّقة، أو جماعةٍ مجتمعةٍ في لفظةٍ (3) . فإن احتمل الكلامُ التَّأويل جازَ العطفُ عند جماعةٍ من أهل العلم، ومنه روايةُ (فحوملِ) ، ولكنهَّم اختلفوا في الَّتأويل: فذهب الفراء إلى أنه على حذفِ مضافٍ دالٍّ على الجمعِ، والتقَّديرُ: "بين أهلِ الدَّخولِ فأهل حَوْمَل" (4) . وذهب ثعلبٌ والنّحاسُ إلى أنَّ (الدخول) اسمٌ يشتمل على مواضعَ، فلفظُه مفردٌ، ومعناه جمعٌ" (5) . وذهب هشامُ بنُ معاويةَ إلى أنَّ التَّقديرَ: ما بينَ الدّخولِ إلى حومل، فأسقط (ما) ، والفاء بمعنى (إلى) (6) ، وأجازه أبوبكرٍ البطليوسيُّ (7) . وقول هشامٍ خَطَأٌ عند الفراءِ؛ لأنَّ (ما) حدٌّ بين الشَّيئين، فلا يجوزُ سقوطُها (8) . وإنما يجوزُ عنده حذفُ (بين) بعد (ما) ، وحَمَل عليه قولَه تعالى {إنَّ الله لا يَسْتحي أنْ يَضْرِبَ مثلاً ما بعوضةً فما فوقها} (9) ، وحكى: مُطِرْنا ما زُبالةَ فالثَّعلبيةَ، أي: ما بين زبالةَ إلى الثعلبية (10) . ويرجِّحُ ما ذهب إليه ثعلبٌ والنحَّاسُ عدمُ تكلُّفِ الحذفِ، وقولُ حسَّان: أَسَأَلْتَ رَسْمَ الدَّارِ أَمْ لَمْ تَسْأَلِ ... بَيْنَ الجوابي فالبُضَيْعِ فحومَلِ (11) أرادَ بالجوابي جابيةَ الجولان، وهي قريةٌ هناك (12) ، ولكنَّه جَمَعَها؛ لاشتمالها على مواضعَ. 10- الفاءُ الداخلة على (إذا) الفجائية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 تقولُ العربُ: خرجتُ فإذا زيدٌ، وقد اختلفَ العلماءُ في هذه الفاءِ على ثلاثةِ آراءٍ: الأولُ: أنَّها زائدةٌ لازمةٌ، وهو مذهبُ المازنيِّ (1) ، وعُزي إلى الفارسيِّ (2) ، واختاره ابن جنِّي في: سرِّ الصِّناعة (3) . والثّاني: أنَّها دَخَلَتْ على حدِّ دخولها في جوابِ الشَّرط، وهو مذهبُ الزياديِّ (4) ، واختاره أبو البقاءِ العُكْبَريُّ (5) . والثالث: أنَّها عاطفةٌ، وهو مذهبُ أبي بكر مَبْرَمَان (6) ، واختاره ابنُ جنِّي في الخصائص (7) ، والهروي (8) ، والرضي (9) ، وأبو حيان (10) . وقد نُقدت هذه الأقوالُ، وبيانُ ذلك فيما يأتي: أولاً: قولُ المازنيِّ، وقد اعتُرضَ من وجهٍ واحدٍ، وهو أنَّ الفاءَ لازمةٌ ولو كانت زائدةً لما لَزِمَتْ (11) . وأجابَ ابنُ جني عن هذا بأنَّ من الزِّيادة ما يكونُ لازماً في كلامهم ك (ما) في قولهم: آثراً ما (12) . ثانياً: قولُ الزباديِّ، والاعتراض له من وجهين ذكرهما ابنُ جنِّي: أحدهما: أنَّ الكلام ليس فيه معنى الشَّرطِ. والآخر: أنَّ (إذا) على التَّسليمِ بمعنى الشَّرطِ تُغني عن الفاء، كما أغنت في قولهِ تعالى: {وإنْ تُصبْهم سيئةٌ بما قدَّ متْ أَيْديهم إذا هُمْ يَقْنَطُونَ} (13) . ثالثاً: قولُ مَبْرَمانَ، والاعتراضُ له من وجهٍ واحدٍ، وهو أنّ ما بعد الفاءِ جملةٌ اسميةٌ، وما قبلها جملةٌ فعليةٌ، وحكمُ المعطوفِ أنْ يكونَ وَفْقَ المعطوفِ عليه. وهذا الاعتراضُ ذكره ابنُ جنِّي في: سرِّ الصِّناعة (14) . ودَفَعَه في الخصائصِ بأنَّ الجملة الاسميَّةَ المصَّدرةَ بظرفٍ يجوزُ عطفُها على الجملةِ الفعليةِ، لقوَّة شَبهِ الظَّرفِ بالفعلِ، ومنه قولُه تعالى: {يَوْمَ تُبلى السَّرائرُ فماله من قُوَّةٍ ولا ناصر} (15) . ويتبيَّن من عَرْضِ هذه النَّقدات أنَّ رأيَ الزِّيادي رحمه الله مرجوحٌ؛ إذْ قوله لايخلو من أحد وجهين: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 الأول: أن يكون قد أراد أنَّ الكلامَ متضمِّنٌ معنى الشَّرط، وهذا مُعَتَرضٌ بشيئين لا يمكن الانفصالُ عنهما: أحدهما: أنَّ الشرط لا يصح إلا مع الاستقبال، والكلامُ هنا حكايةٌ عن حالٍ ماضيةٍ (1) . والآخر: أنَّّ الفاء لا تجتمع مع (إذا) في جواب الشَّرط (2) . والوجه الثاني: أن يكون أراد فاءَ السَّببية وهذا الوجه ذكره الرضي (3) ، وابن هشام (4) . والسَّببية معنى تُفيده الفاءُ، وليس نوعاً من أنواعها. أما قولُ المازنيِّ وهو الزيادةُ وقولُ مبرمان وهو العطف فمحتملان؛ إلا أنَّ أرجحهما مذهبُ مبرمان، لأنَّ الزيادةَ خلافُ الأصلِ، فلا يصار إليها إلا إذا امتنع غيرها، أما العطفُ فهو الغالبُ على الفاءِ، وهي في هذه المسألةِ تُفيدُ ما تفيدُه العاطفةُ من الترتيبِ والمعاقبةِ والسَّببية، ولا يُعترضُ بمخالفةِ ما بعد الفاء لما قبلها؛ لأنَّ الانفصالَ عنه من وجهين: الأول: ما ذكره ابنُ جني في الخصائص. وقد تقدَّمَ. والثاني: أنَّ المعنى: خرجت ففاجأني زيدٌ، والحمل على المعنى كثيرٌ في كلامهم (5) ، وإن كان الغالب في باب العطف أن يكون الحمل على معنى المعطوف عليه. على أن الزمخشري يرى أنّ العامل في (إذا) فعلٌ مقدَّرٌ من لفظِ المفاجأةِ (6) . وعلى قوله يسقط الاعتراضُ. 11- جواز المجازاة بعد ظروف الزمان المضافة مَنَعَ سيبويه في غير الشِّعرِ المجازاةَ بعد (إذْ) ، و (حين) ونحوهما من ظروف الزمان، وفي كلامه ما يُشعر بأنَّ العرب لم تجازِ بعدها، حيث يقول: "وإنما كرهوا الجزاء هاهنا؛ لأنه ليس من مواضعه؛ ألا ترى أنَّه لا يحسن أن تقول: أتذكر إذْ إنْ تأتنا نأتك" (7) . واحتج أيضاً بأنها تصرف ما بعدها إلى الابتداء (8) . ومذهبُ سيبويه هو مذهبُ الجرميِّ والمازنيِّ (9) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 وخالفهم الزِّياديُّ والمبرّدُ، فأجازا: أتذكر إذْ مَنْ يأتنا نأته، في غير الشعر؛ لأنَّ هذه الظروفَ لا تُغيِّر إعرابَ مابعدها، ولا تختص بالدخولِ على الأسماءِ (1) . وهذا ضابطُ المنع عندهما. ولم يلق مذهبُهما قَبولاً عند جمهور النَّحويين (2) ؛ إذ أخذوا بمذهب سيبويه محتجين بما يأتي: 1 أنَّ جملةَ الشَّرطِ مبهمةٌ، وإضافةُ الظَّرف إليها يزيلها عن معناها، ويُقرِّبها من التوقيت، وهذا الاحتجاجُ لابن ولادٍ (3) . 2 أنَّ موضع المضاف إليه من مواضع البيان، وجملةُ الشرط مبهمةٌ، فلا يصح أنْ تقع ذلك الموقعَ، وهذا احتجاجُ الرُّماني (4) ، وذكر ابنُ خروف نحوَه (5) . 3 أنَّ الشرطَ له صدرُ الكلام، فلا يعلَّق بما قبلَه، وإضافةُ الظَّرف إليه تُعلِّقه بما قبلَه، وهذا احتجاج الفارسي وابن جنِّي (6) . وهذه الحججُ غيرُ مدفوعةٍ، فإذا أُضيف إليها أنَّ العربَ لم تستعمل المجازاةَ فيما ذكر سيبويه بعد هذه الظرُّوف في الشِّعر (7) ؛ كان المنعُ أقربَ. 12- جوازُ المجازاة بعد (ما) التَّميميةِ أطلق سيبويه وكثيرٌ من النحويين منعَ المجازاةِ بعد (ما) النافية في غير الشِّعر؛ لأنَّها تُغيِّر الكلامَ، فتصرفُه إلى الابتداءِ، وتقطعُه عما قبلَه (8) . وفصَّلَ الزِّياديُّ والمبرّدُ، فأجازا المجازاةَ بعد (ما) التَّميميَّة؛ لأنها لا تغيِّرُ إعراباً، ويَصْلُحُ بعدها الاسُم والفعلُ. ومنعاه بعد الحجازيةِ؛ لأنَّها تُغَيِّر إعرابَ ما بعدها (9) . فضابطُ المنع عندهما تغييرُ الإعرابِ، وضابطُه عند سيبويه تغييرُ الإعرابِ أو صرفُ الكلام إلى الابتداء (10) . ويعضِّدُ المنعَ فيما أرى أنَّ أحداً لم ينقل عن العربِ المجازاة بعد (ما) . وثمة مرجِّحٌ آخر، ذكره الرُّماني، وهو أنَّ (ما) لنفي الحالِ، والشَّرطُ مستقبلٌ (11) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 بقي التَّنبيهُ على أنَّ الزَّجاجيَّ أورد مجلساً للمبرّد مع شيخه المازنيِّ، سأله فيه عن المجازاة بعد (ما) التَّميمية، فمنعها، ولم يعلِّق المبرّدُ على كلامِ شيخه (1) . ولكنَّ ما أوردتُه أولاً هو مذهبُه في (المقتضبِ) ، و (مسائل الغلط) . كما أنَّ في نصِّ الزَّجاجي سَقْطاً لم يُنبِّه عليه المحقّقُ، ولم أَسْطِعْ استظهارَه. 13- جوازْ المجازاة بعد: إنَّ منع سيبويه وجمهور النَّحويين المجازاةَ بعد: إنَّ؛ لأنَّ الشَّرْطَ له الصَّدْرُ، فلا يَعْمَلُ فيه ما قبلَه (2) . ووردَ في الخزانة أنَّ المبرّدَ نَقَلَ عن الزِّياديِّ جوازَ: إنَّ مَنْ يأتِنا نأتهِ، على غير إضمارٍ في: إنَّ (3) . كما عزاه إليه الأعلم (4) ، وكلامُه موافقٌ لكلام المبرّدِ، فلعله نَقَلَه عنه. والجوازُ مخالفٌ لما نُقِلِ عن الزِّياديِّ من تعليلِ المجازاةِ بعد (إذْ) ، و (ما) التَّميميةِ بأنَّهما لم تُغيِّرا إعرابَ ما بعدهما (5) . والشَّكُّ في نَقْلِ المبرّدِ بعيدٌ؛ لأنَّه تلميذُ الزِّياديِّ، ولا يبعد أن يكون الزِّياديُّ قد اختلف كلامُه. 14- جواز الإخبار عن البدل المطابق اختلف النَّحويون في الإخبارِ بالذّي و (أل) عن البدلِ وحدَه: فأجاز الأخفشُ والزِّياديُّ الإخبارَ عن البدل المطابق (6) ، فتقولُ على مذهبهما في: رأيتُ زيداً أخاك، إذا أخبرت عن (أخاك) : الذي رأيتُ زيداً إياّه أخوك، فتضعُ موضعَ البدلِ ضميراً، وترفعُ (أخوك) خبراً عن (الذي) (7) . وذهب المازنيُّ إلى أنَّ الإخبارَ عن البَدَلِ وحدَه قبيحٌ في كل أقسامه؛ لخلوِّ جملةِ الصلةِ من عائدٍ إلى الاسم الموصول (8) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 ونقل المبرِّد عن قومٍ أنَّ الإخبارَ يكونُ عن المبدلِ منه، ثم يُذكر البدلُ تابعاً له (1) ، فإذا أُخبر عن (أخاك) في المثال السابق؛ قيل: الذي رأيته زيدٌ أخوك، فيُوضعُ موضعَ المبدلِ منه ضميرٌ يعودُ إلى الاسم الموصول، ويُرْفَعُ المبدلُ منه خبراً عن (الذي) ، ويبقى (أخوك) تابعاً له. واختار هذا القول ابنُ عصفور، وابنُ أبي الرَّبيع (2) . ويرجِّحه أن النَّحويين وضعوا باب الإخبارِ لتمرين المتعلِّم، وتذكيِره مايجوزُ ومالا يجوز (3) ، وهذا الغرضُ يُحقِّقه منعُ الإخبارِ عن البدلِ وحدَه؛ إذ يتذكَّرُ المتعلِّمُ أنَّ جملةَ الصِّلة لا تخلو من عائد. 15- منع الإخبار عن بدل بعض من كل وبدل الاشتمال أجاز الأخفشُ والزِّياديُّ كما تقدم الإخبارَ بالذَّي و (أل) عن البدل المطابق، واختلفا في الإخبار عن بدل بعضٍ من كُلٍّ وبدلِ الاشتمال: فأجاز الأخفشُ الإخبارَ عن البدلِ وحدَه في هذين القسمين (4) ، فيقول في: مضى الليلُ نصفُه، إذا أخبر عن البدل: الذي مضى اللَّيلُ هو نصفُه، فيضع موضعَ البدلِ (هو) ، ويُبْدِلُه من (اللَّيل) ، ويجعل (نصفه) خبراً عن (الذي) . ويقول في: أعجبني زيدٌ خُلُقُه، إذا أخبر عن البدل: الذي أعجبني زيدٌ هو خلُقُه. والكلام عليه كالكلام على المثال السابق. ومَنَعَ الزِّياديُّ الإخبارَ عن البدلِ وحدَه في هذين القسمين؛ لأن الضَّميرَ الذي يحل محلَّ البدل لا يدلُّ على الجزء، ولا على الاشتمالِ (5) . ومقتضى كلامه أن الإخبارَ يكونُ عن المبدلِ منه، ويُذكر البدلُ بَعْدَه تابعاً له، فيقال في المثال الأول: الذي مضى الليلُ نصفُه، ففي (مضى) ضميرٌ يعود إلى (الذي) ، حَلَّ محلَّ المبدلِ منه، و (الليل) خبرُ (الذي) ، و (نصفه) بدلٌ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 ويقال في المثال الثاني: الذي أعجبني زيدٌ خلقُه، وقصته كقصة المثال السابق. وقد تقدم في المسألة السابقة أنَّ الراجحَ في الإخبارِ عن البدلِ هو الإخبارُ عن المبدلِ منه والبدل معاً؛ لئلا تخلوَ جملةُ الصِّلةِ من عائدٍ إلى (الذي) ، وفي هذه المسألة انضافَ إلى ذلك ما ذكره الزِّياديُّ، فالمنعُ إذن أَقْوى. 16- منع دخول حرف التعريف على العدد المضاف قال الزيادي: "تقولُ: ما فعلتْ ثلاثةُ الدراهم التي أعطيتك"، وأنشد قولَ ذي الرُّمة: وهَلْ يَرجِعُ التَّسليمَ أو يكشف العمى ... ثلاثُ الأثافي والرسومُ البلاقعُ (1) وقولَ الفرزدق: مازال مُذْ عقدتْ يداه إزارَه ... ... فسما فأَدْرَكَ خمسةَ الأشبارِ (2) ثم قال: "وروى الكسائي: الخمسة الأثواب، والمائة الألفِ الدِّرهمِ، وقد حدَّثنا أبو زيد أنَّ قوماً من العرب يتكلمون بذلك، وليسوا فصحاء، فسألنا الذين يقولون ذلك: كيف تقولون: هذا النصف الدرهم، والثلث الدرهم؟ فلم يدخلوا الألف واللام على المضاف، قلت: فما فصلُ بينهما؟ قال: تكلَّموا بذلك، ولم يتكلموا بهذا" (3) . أورد الزِّيادي في هذا النَّص مذهبي العلماء في دخول (ال) على العدد المضاف إلى ما عُرِّف بها: المذهب الأول: المنع، وهو مذهبه، ومذهب أصحابه البصريين، فلم يجيزوا غير: ثلاثة الدراهم (4) ؛ لأنَّ المعرِّفين لا يجتمعان في كلمة واحدة (5) . والمذهب الثاني: الجواز، وهو قول الكسائي وابن السكيت (6) ، وعُزي إلى الكوفيين (7) ، ولهم حجتان: الأولى: أن ذلك ورد عن بعض العرب. والثانية: القياس على نحو: الحسن الوجهِ (8) . على أنَّ الفراء ذكر هذا الرأي، واحتجَّ له، ولكنَّه لم ينصَّ على جوازه، حيث قال: "فإن قلتَ: الخمسة العشرِ؛ لم يجز؛ لأن الأول غير الثاني؛ ألا ترى أنَّ قولهم: ما فعلت الخمسةُ الأثوابِ لمن أجازه تجد الخمسة هي الأثواب، ولا تجد العشرَ الخمسةَ" (9) . هذا ودفع البصريون ومن نحا نحوهم حجتي الكوفيين: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 فأما الرواية فاختلف موقفهم منها: فأبو زيد فيما روى عنه الزيادي والجرميّ (1) حكم على من نُقلت عنه بعدم الفصاحة. وذكر المبرد أنَّ "مما يُبطل هذا القول أنَّ الرواية عن العرب الفصحاء خلافُه. فرواية برواية، والقياس حاكم بعدُ أنَّه لا يُضاف ما فيه الألف واللام من غير الأسماء المشتقَّة من الأفعال" (2) . ولا يلزم الوجهُ الأول الكوفيين؛ لأنهم يجيزون: ثلاثة الأثواب (3) . وحكم عليها ابن مالك بالشُّذوذ، فلا يقاس عليها (4) . وأما القياس على: الحسن الوجهِ؛ فدفعه جماعةٌ، وفرقوا بين الإضافتين (5) ؛ لأن إضافة العدد معنوية تفيد التعريف، وإضافة الصفة المشبهة لفظية ترفع القبح. وخلاصة القول أنَّ الخلاف في المسألة أثرٌ من آثار الخلاف بين الفريقين في مستوى الاحتجاج. الفَصلُ الثّالثُ: آراؤه التَّصريفيَّةُ 17- وزن أشياء اختلف النَّحويون في وزن (أشياءَ) على ثلاثةِ أقوال: الأول: أنَّها على وزن: لَفْعاء، وأصْلُها: شيئاء، على: فَعْلاء، ثم قُلبت، فجعلت الهمزةُ التي هي لامٌ أولاً، وهذا قولُ الخليل، وسيبويه، والمازنيِّ، والمبرّدِ، والزَّجاج، والنَّحاس، وابن جنِّي، وجمهور البصريين (6) . وهي على قولهم اسمُ جمعٍ، مثل: القَصْباء، والطَّرفاء (7) . والثاني: أنَّ وزنها (أَفْعال) ، جمع: شَيْءٍ، ولم تُصرف؛ لأنَّها أشبهت (فَعْلاء) في الجمعِ، فقيل: أَشاوى كصحارى، وأَشياوات كصحراوات. وهذا قولُ الكسائي وأبي عبيد (8) ، وتبعهما السَّخاوي (9) ، كما وافقهما أبو حاتم السجستاني، إلا أنه لم يعلِّل منعَ الصَّرف بما ذكراه، وإنّما قال: "وكان يجب أن تنصرف إلا أنَّها سُمعت عن العرب غيرَ مصروفةٍ، فاحتال لها النَّحويون باحتيالاتٍ لا تصح" (10) . والثالث: أنَّ وزنها (أَفعْاء) ، وأصلُها: أشيئاء، على: أفعلاء، فحذفت الهمزة الأولى التي هي لامٌ؛ لاجتماع همزتين بينهما ألفٌ، فكأنه قد اجتمع ثلاث ألفات، أو ثلاث همزات. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 وهذا قول الأخفشِ (1) ، والفراء (2) ، والزِّياديِّ (3) . واختلف الأخفشُ والفراء في مفردها، فذهب الأخفشُ إلى أنَّه: شَيْءٌ، غير محذوف (4) ، وذهب الفراءُ إلى أنَّه: شَيْءٌ، المحذوف من: شيِّئ، مثل: هيِّنٍ، وهيْنٍ، فجمعوه على: أفعلاء، كما جمعوا (هيِّناً) على: أَهْوناء (5) . ولم يُنقلْ عن الزِّياديِّ رأيُه في المفرد. وفيما يأتي عرضٌ لما نُقدت به هذه الآراء؛ ليتبيَّن أرجحُها، ومرجِّحاتُه: أولاً: رأيُ الخليل وسيبويه: نقل ابنُ جني عن الفراءِ أنه أنكر قولَ الخليل وسيبويه، وقال: "إنَّ فيه حَمْلاً على الكلمة إذا جعلها: لَفْعاء؛ لما دخلها من القلب؛ ولأنهم جمعوه جَمْعَ ما واحده محرَّكُ العينِ مؤنثٌ بالهاء نحو: طَرَفة وطَرْفاء، وقَصَبة وقَصْباء" (6) . وهذا الإنكارُ لا يلزمُ الخليل وسيبويه؛ لأنَّ (أشياء) عندهما اسمُ جمعٍ، وليس جمعاً (7) . أما القلبُ فغير مستنكرٍ؛ لوروده في كلامِ العربِ (8) . ثانياً: رأي الكسائي: ألزم الفراء وغيره الكسائيَّ ألا يصرفَ: أسماء، وأبناء؛ لأنها تُجمع على: أَسْماوات، وأَبْناوات (9) . وضعّفَ الرضيُّ مذهبَ الكسائيِّ بقولهم: أَشايا، وأشاوى، في جمعِ: أَشْياء؛ لأنَّ (أفعالاً) لا يُجمع على: فَعالى (10) . ثالثاً: رأيُ الأخفشِ والفراءِ والزِّياديِّ: اعتُرض رأيُهم بما يلي: أأنَّ تصغير (أشياء) : أُشَيَّاء، فلو كانت على (أَفعلاء) لصغِّر واحدها ثم جمع، فقيل: شُيَيْئات؛ لأن (أفعلاء) جمع كثرة. وهذا الاعتراضُ للمازنيِّ (11) . ب أنَّ (فَعْلاً) و (فَيْعلاً) لا يُجمعان على: أَفْعِلاء، إلا نادراً (12) . ج أنَّ العربَ تجمع (أشياء) على: أَشاوى، وهذا الجمع لا يكون لأَفْعِلاء (13) . د ردَّ ابنُ جنِّي مذهبَ الفَّراء في مفرد (أشياء) بأنَّ العربَ لم تستعمل: شيِّئاً، فلو كان الأصلَ لنطقوا به، كما قالوا: هيْن، وهيِّن (14) . وبعدُ ثَبَتَ أنَّ مذهبَ الخليل وسيبويه لا دَخَلَ فيه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 18- أَصْلُ مَهْ مَهْ اسْمٌ لفعلِ الأَمْرِ (انكَفِفْ) ، وهو ثُنائيُّ الوَضْعِ (1) . وقد يُظَنُّ أنّ أَصْلَه (مهلاً) ؛ لقُرْبِ المعنى؛ لذا أَبْطَلَ الزِّياديُّ ذلك قائلاً: "الدَّليلُ على أنَّ (مَهْ) ليس من قولك: مَهْلاً؛ أنه ليس في الدُّنيا اسمٌ انْصَرَفَ وهو تامٌّ، وامْتَنَعَ من الصَّرفِ وهو ناقصٌ (2) ". وقد ردَّ المازنيُّ هذا الاستدلالَ محتجّاً بأنَّ (قَطْ) المخفَّفةَ بُنيتْ ناقصةً، وأُعربت تامَّةً؛ إذْ هي كما ذكر سيبويه مخفَّفةٌ من: قَطَطْتُه قطّاً (3) . وقوّى الفارسيُّ اعتراضَ المازنيِّ ببنائهم (بَخْ) مخفَّفاً، وإعرابهم إيّاه مثقَّلاً (4) ، كقول العجّاج: في حَسَبٍ بَخٍّ وعزٍّ أَقْعَسا (5) فاستدلالُ الزِّياديِّ رحمه الله مبنيٌّ على استقراءٍ ناقصٍ. 19- زَفَفْتُ وأَزْفَفْتُ بمعنى واحدٍ تقول العرب: زَفَفْتُ العروسَ، أي: أَهْديتها. هذا كلام جُمهورهم (6) . ونقلَ الزياديُّ عن بعضهم: أَزْفَفْتُ العروسَ، بمعنى: زَفَفْتُ. قال المبرد: "وحدثني أبو عثمانَ المازنيُّ قال: حدَّثني الزيادي قال: سمعت قوماً من العرب يقولون: أزففت العروسَ، وهي لغة" (7) . ولا يمكن الجزم بأنَّ الزِّياديَّ أولُ ناقلٍ لهذه اللغةِ؛ لأنّ أبا عبيد القاسمَ بن سلام (ت224هـ) ذكرها (8) ، وهو معاصرٌ للزياديِّ. وقد تناقل هذه اللُّغةَ بعدهما كثيرٌ من علماء اللُّغة والنَّحو، ولم ينكروها، ومنهم: ابنُ قتيبة (9) ، والزَّجاجُ (10) ، وابن القوطية (11) ، والسَّرَقُسْطي (12) ، وابنُ سيده (13) ، وابنُ القَطّاع (14) ، والجواليقي (15) . 20- استعمالُ فعيل وفعول لغير المفرد ذكر سيبويه أنَّ الاستغناء عن الخبر قد جاء في الشِّعر (16) ، وأنشد أبياتاً منها قولُ ضابئ البُرْجُميِّ: فَمَنْ يكُ أمْسَى في المدينةِ رَحْلُه فإنيِّ وقيّاراً بها لغَريبُ (17) وقولُ ابن أحمر: رماني بأَمْرٍ كُنْتُ منه ووالدي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 بريئاً ومن أَجْلِ الطَّويِّ رماني (1) وقولُ الفرزدق: إنِّي ضَمِنْتُ لمن أتاني ما جنى وأَبَى فكان وكنتُ غيرَ غدورِ (2) ففي البيت الأول كان الوجه: لغريبان، ولكنَّه وضع الواحد موضع الاثنين؛ استغناءً بخبر (قياراً) . ومثله (بريئاً) في البيت الثاني، (وغدور) في البيت الثالث. ونقل السيرافي أنَّ الزياديَّ نقد سيبويه، فقال: "فَعيلٌ وفَعُولٌ قد يكونان للجماعة والواحد، والمذكر والمؤنث، ومن ذلك قولهم: رجلٌ صديقٌ، وقومٌ صديقٌ، ورجلٌ خليطٌ، وقومٌ خليطٌ، ورجلٌ عدُّو، وقومٌ عدوٌّ، كما قال تعالى: {إنَّ الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً} (3) ... فيجوز أنْ يكون: غدورٌ، وبريءٌ للاثنين" (4) . وأضاف الصَّفار أن الاعتراض يشمل بيت البرجمي؛ لأنَّ (لغريب) فيه على (فعيل) (5) . فالزِّيادي إذن يري أنَّ استعمال (فعيل) و (فعول) لغير الواحد قياسٌ مُطَّردٌ ويجيز أنْ تحمل الأبياتُ على هذا، فلا تكون شاهداً على ما ذكره سيبويه من الاستغناءِ عن الخبر، ووضعِ الواحد موضع الاثنين. وقد ذهب مذهبَ سيبويه ابنُ السيرافي، وأبو نصر القرطبي، والصفار (6) ، وردَّ الأخيرُ نقد الزِّياديّ محتجاً بأنَّ مجيء (فعيل) و (فَعُول) لغير المفرد مقصورٌ على السماع (7) . كما أخذ به أبو عبيدة غير أنه لم يقصر جواز وضع الواحد موضع غيره، والاستغناء عن أحد الخبرين على الضرورة (8) . وأجاز الفراء في السعة الوجهين: ما ذكره سيبويه، وما ذكره الزِّيادي (9) ، واستشهد على الأخير بقوله تعالى: {إنا رسولُ ربِّ العالمين} (10) . وهذا ظاهر كلام الأخفش أيضاً حيث يقول: "وقوله: {إنا رسول رب العالمين} وهذا يشبه أن يكون مثل (العدوّ) ، وتقول: هما عدوٌّ لي (11) ". وهذا يتَّفق مع مذهب الزِّيادي. ويقول في موضع آخر: "وقال: {عن اليمين وعن الشمال قعيد} (12) ، ولم يقل: عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، ذكر أحدهما واستغنى، كما قال: {يخرجكم طفلاً} (13) " (14) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 وهذا موافق لمذهب سيبويه. وذهب الزجاجُ والرمانيُّ إلى أنَّ أحد الخبرين في الأبيات حذف؛ لدلالة الخبر المذكور عليه (1) ، واختاره أبو حيان (2) . وأجاز ابنُ عصفور الأوجهَ الثلاثة: ما ذهب إليه الزيادي، وما ذهب إليه سيبويه، وما ذهب إليه الزجاج، بيد أنه قصر الأخيرين على الضرورة (3) . وذهب الكوفيون غير الفراء إلى أنَّ (قياراً) في بيت البرجمي، و (والدي) في بيت ابن أحمر منصوبان على المفعول معه (4) ، فلا شاهد فيهما على الاستغناء عن الخبر؛ لأنَّ المخبرَ عنه واحدٌ. وقد أبطل الصفار هذا المذهبَ بأنه مخالفٌ للسماع؛ لأن العرب تقول: كنتُ وعمراً كالأخوينِ، ولا تقول: كالأخِ، فدلّ هذا على أن الكلامَ بُني على الاثنين (5) . وبالجملة فإنّ ما ذهب إليه أبو إسحاقَ الزياديُّ جيِّدٌ بالغٌ؛ لأنَّ الشواهدَ عليه تضافرت، ومنها غير ما تقدم قوله تعالى: {والملائكة بعد ذلك ظهير} (6) ، وقوله: {وحسن أولئك رفيقا} (7) ، وقوله: {فلما استيئسوا منه خلصوا نجيّاً} (8) ، وقوله {وإن كان من قوم عدوٍّ لكم} (9) . وقول رؤبة: ... ... ... دَعْها فما النَّحويُّ مِنْ صديقها (10) وقول قَعْنَب بن أم صاحب: ما بالُ قومٍ صديقٍ ثم ليس لهم ... دينٌ ولا لهم عهدٌ إذا ائْتُمِنوا (11) 21- جمع فَعْلة على فِعَل شاذٌّ روى أبو إسحاق الزِّياديُّ عن الأخفش في جمع (كَوَّة) (12) : كِوَى، مثل: بَدْرة وبِدَر (13) . وقال: وهو شاذٌّ (14) . وإنما حكم عليه بالشذوذ؛ لأنَّ القياس في جمع (فعْلة) : فِعال (15) . وقد ورد عن العرب: كِواء، على القياس (16) . وأجاز الفراءُ وابنُ السِّكيت أنْ يكون (كِوى) جمع: كُوَّة، على لغة الضَّمّ (17) ، والقياس في جمع (فُعْلة) : فُعَل، إلا أنَّ (فِعَلاً) قد ينوب عنه، نحو: صُورة وصِور، وقُوَّة وقِوى (18) . 22- جَهْرم مفردٌ وجمعه جهارم قال رؤبة: بل بلدٍ ملءُ الفِجاجِ قَتَمُهْ لا يُشْترى كَتَّانُه وجَهْرَمُه (19) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 اختلف علماء العربية في قوله: (وَجَهْرَمُه) على النحو الآتي: 1 ذهب الأصمعيُّ وأبو عمرو الشَّيباني إلى أنَّ رؤبةَ قد غَلِطَ؛ لأنَّ (جَهْرَم) اسمُ بلد بفارس، فظنَّه ثياباً (1) . 2 وذهب الزِّياديُّ وأبو حاتم إلى أنَّ (الجَهْرَمَ) مفردٌ، وهو البساط من الشَّعَر، وجمعه: جَهارم (2) . 3 وأجاز الفارسيُّ فيه وجهين: الأول: أنْ يكون (جَهْرَم) اسمَ جنسٍ جمعيٍّ، ومفرده: جَهْرَميّ (3) ، وهو البساط المنسوب إلى (جَهْرَم) من بلاد فارس، كما قالوا: سِنْد وسنديّ، وهند وهنْديّ. وقد يُحمل على هذا قول اللَّيث: "جعله اسماً بإخراج ياء النِّسبة" (4) . والثاني: أنْ يكون على حذف مضاف، والتَّقدير: وبُسط جَهْرَمِه (5) ، "كأنَّ (جَهْرَم) اسم البلد أضيف إلى ضمير (بلد) " (6) . 4 وذهب عليُّ بن حمزة البصري إلى أنَّ الأصل (جهرميّه) ، فحذف ياءي النسب (7) . وأرجح هذه الأقوال قولُ الزيادي وأبي حاتم، والوجه الأول مما ذكره الفارسي؛ لأنهما لا دَخَل فيهما. ويمكن الجمع بينهما، فيكون (جَهْرم) اسمَ جنس جمعيّ، و (جهارم) جمعه، إذا تعدَّدت أنواعه، كما قالوا: تَمْر وتُمور (8) . فأما ما ذهب إليه الأصمعيُّ وأبو عمرو الشَّيباني فمركبٌ صعبٌ؛ لأنَّ تخطئة العربي لا يُصار إليها إذا كان ثمة وجهٌ يُحمل عليه كلامُه. وأما ما ذهب إليه عليُّ بن حمزة فيضعِّفه أنّ حذف ياءي النَّسب من ضرورة الشِّعر (9) . وأما الوجه الثاني مما ذكره الفارسيُّ؛ فهو وجهٌ، ولكنَّ عدم الحذف أولى. الفصل الرابع: ملامح مذهبه النَّحويّ إنَّ ما بقي من آراء أبي إسحاق الزِّياديِّ النحوية والتَّصريفية لا يصوِّر منهجه النَّحويَّ تصويراً كاملاً، ولكنَّه يضيءُ بعضَ الضوء على ملامحه. ويلحظ في تلك الآراء ما يأتي: أولاً: الاستقلالُ وعدمُ التَّعصب: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 تقدَّم في الفصل الأول أنَّ الزياديَّ بصريٌّ، تلمذ على شيوخ البصرة، ولكنَّه لم يكن مقلِّداً، ولا متعصِّباً، والدلَّيل على ذلك ما يلي: 1 التَّفُّرد بآراء لم يسبق إليها: ذهب إلى أنَّ الفاء دخلت على (إذا) الفجائية على حدِّ دخولها في جواب الشرط، وهذا رأيٌ لم يسبق إليه. وذهب إلى جواز المجازاة بعد ظروف الزمان المضافة، و (ما) التَّميمة، و (إنَّ) ، وهذا قولٌ آخر هو أبو عذرته. واستدل على أنَّ (مه) ليس منقوصاً من (مهلاً) بأنْ ليس ثمة اسم منصرفٌ وهو تامٌّ، وممنوعٌ من الصرف وهو ناقص. وهذا لم يُسْتَدلَّ به قبلَه، فهو إذن مجتهدٌ غيرُ مقلِّد. 2 مخالفة شيخه الأصمعي في (الجَهْرم) ، فهو يراه مفردَ نوع من البسط، وجمعه: (جهارم) ، والأصمعي يراه اسمَ بلد. 3 مخالفة بعض آراء سيبويه: قال أبو سعيد السِّيرافي عن الزيادي: "وله نكتٌ في كتاب سيبويه في مواضع، وخلافٌ له في مواضع، قد ذكرناها في شرحه" (1) . من هذا الخلاف: منعهُ تعِّدي: فعيل، وفَعِل، ومذهبُ سيبويه الجواز، ومنه منعُه الوصفَ بكِرْكرة وثَفِنات، ومذهب سيبويه جواز وقوعهما صفة موطِّئة. ومنه إجازته استعمال (فعيل) و (فعول) لغير المفرد باطِّراد، وسيبويه يُفهم من كلامه قصرُه على السماع. ومنه ذهابه إلى أنّ وزن (أشياء) : أفعاء، ومذهب سيبويه: لفعاء. ومنه إجازته العطفَ على الضمير المجرور المؤكد، ومذهب سيبويه المنع. 4 موافقة الكوفيين في بعض آرائهم: وافق الكوفيين في إعراب المثّنى والمجموع على حدِّه، فذهب إلى أنَّ حروف اللِّين علاماتُ إعراب. كما وافق الفراء في أنَّ وزن (أشياء) : أفعاء. من أجل ذلك كلِّه وُصفَ مذهبُه بالاستقلالِ وعدمِ التَّعصُّبِ. ثانياً: مما يلُحظ في آرائه أنَّ في بعضها تضييقاً، وفي بعضها توسُّعاً، وفي بعضها توسُّطاً. فمن القسم الأول: منعُ تعدِّي: فعيلٍ، وفَعِلٍ، ومنعُ عَطْفِ الجملةِ التي لا محلَّ لها على الجملة التي لها محلٌّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 ومن القسم الثاني: اطِّرادُ استعمالِ فعيلٍ وفَعُولٍ لغير المفردِ، وجوازُ المجازاة بعد ظروف الزَّمانِ المضافةِ و (ما) التَّميمةِ، و (إنَّ) . ومن القسم الثّالث: جوازُ العطف على المضمر المجرور المؤكَّد، وهذا مذهبٌ وَسَطٌ بين المنع المطلق والجواز المطلق. ومنه جوازُ الإخبارِ عن البدل المطابق ومنعُ الإخبار عن بدل بعض من كل، وبدلِ الاشتمال، وهذا مذهبٌ وَسَطٌ بين المنع المطلق والجواز المطلق. إذنْ لا يمكن وصفُ منهجه النَّحوي بالتضييق، أو التوسُّعِ، أو التوسُّطِ. ثالثاً: تميَّزت بعضُ آرائه بعدم التَّكلُّف والتَّأويل ومَنها مذهبهُ في إعرابِ الأسماء الستة، والمثنىَّ، والمجموع على حدِّه، فقد أخذ بالظَّاهر، وهو أنّ حروفَ اللِّين علاماتُ إعرابٍ. ومنها منعهُ العَطْفَ بالفاء على المفردِ المضافة إليه (بين) ؛ إذ الجواز يقتضي التأويل. رابعاً: من منهجه التشدد في الاحتجاج، وهو منهج أصحابه البصريين؛ إذ منع نحو: الثلاثة الأثواب؛ لأن قائليها ليسوا بفصحاء. خامساً: يلحظ فيما بقي من آرائه ردُّ روايةٍ مخالفة لمذهبه، وهي روايةُ بيتِ امرئ القيس: قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرى حَبيبٍ ومَنْزلِ ... بسِقْطِ اللِّوى بينَ الدَّخولِ فَحْومَلِ بالفاء. وإنَّما ذلك أَثَرٌ من آثارِ شيخهِ الأصمعيِّ في مذهبه. سادساً: يُلحظ في آرائهُ أيضاً الاستدلالُ بالقياس: من ذلك إجازته العطفَ على الضمير المجرورِ المؤكَّدِ؛ قياساً على المضمر المرفوع المؤكَّدِ. كما يُلحظ أنَّه لا يقيس على الشَّاذِّ، إذ حكم بالشُّذوذ على قولهم: كِوَى، في جمع: كَوَّة، ولم يقس عليه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 ومن منهجه في قياس النَّظير على النَّظير اشتراطُ الشَّبهِ في كلِّ شيءِ، يدلُّ على ذلك نقدُه استدلالَ سيبويه على استواء النَّصب والرَّفعِ في: عمرٌو لقيتُه وزيدٌ كلمتُه، بجوازهما في: زيدٌ لقيت أباه وعمرٌو؛ إذ قال معترضاً: "هذا غيرُ مشبهٍ لذاك؛ لأنَّ قولنا: وعمراً، ليس بجملة، وإنما هو اسمٌ واحدٌ ... و (عمرٌ كلمته) جملةٌ قائمةٌ بنفسها". سابعاً: اختلف كلامه في مسألة واحدة، فقد نقل عنه جواز المجازاة بعد (إنَّ) ، ونقل عنه أن ضابط الجواز ألا تغيِّر الكلمةُ إعرابَ ما بعدها. أثر مذهبه فيمن بعده: لقد كان لما بقي من آراء الزِّيادي صدى في آثار النحويين الخالفين، فقد ظهر من دراستها أن النحويين وقفوا منها موقفين: الأول: الأخذ ببعضها: من ذلك مذهبه في الفاء الداخلة على (إذا) الفجائية، فقد أخذ به العكبرى. ووافقه المازنيُّ والمبردُ وأكثرُ البصريين في منع تعدي: فعيل وفَعِل. وذهب المبردُ مذهبَه في المجازاة بعد ظروف الزمان المضافة، و (ما) التميمية، وهو الجوازُ. والثاني: نقدها: نقد ابنُ جني مذهبَه في الفاء الداخلة على (إذا) الفجائية، ونقد المازني استدلاله على أنَّ (مه) غير منقوص من (مهلاً) بأنَّه ليس ثمة اسمٌ منصرفٌ وهو تام، وممنوع من الصَّرف وهو ناقص. وردَّ الأعلم وابنُ خلف فهمَه لقول سيبويه: "وهذا يكون على وجهين: على البدل، وعلى الصفة"، والمشار إليه (كِرْكِرة، وثفنات) في قول العجاج: خوَّى على مستوياتٍ خمسِ كِرْكَرةٍ وثفناتٍ مُلْسِ وردَّ الصَّفارُ جعلَه استعمال فعيل وفَعول لغير المفرد قياساً مطرَّداً، وردَّ الرُّماني إجازتهَ المجاراَة بعد ظروف الزمان المضافة و (ما) التميمية. هذا موقف النحويين من آرائه مجملاً، وقد فُصِّل في الكلام على آرائه. • • • الحواشي والتعليقات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 انظر: أخبار النحويين البصريين،97 طبقات النحويين واللغويين،99 الفهرست،63 تاريخ العلماء النحويين،79 نزهة الألباء،182 إنباه الرواة 1/،201 معجم الأدباء 1/،158 الوافي بالوفيات 5/،356 البغية 1/.414 انظر: نزهة الألباء.182 إنباه الرواة 1/.201 المصدر السابق. انظر: الكامل 1/.443 انظر: أخبار النحويين البصريين،97 طبقات النحويين واللغويين.99 انظر: مراتب النحويين.75 انظر: عيون الأخبار 4/.123 انظر: الوافي بالوفيات 5/.356 انظر: معجم الأدباء 1/،158 الوافي بالوفيات 5/،356 البغية 1/.414 انظر: أخبار النحويين البصريين،98 الفهرست،63 تاريخ العلماء النحويين،80 نزهة الألباء،182 إنباه الرواة 1/201 انظر: الوافي بالوفيات 5/.356 انظر: معجم الأدباء 1/،158 الوافي بالوفيات 5/،356 البغية 1/.414 انظر: مراتب النحويين.75 وانظر: الكامل 1/،405 الفصوص 1/،226 تعليق الفرائد 7/،29.72 انظر: الحجة 1/.147 وانظر: الخصائص 2/.428 طبقات النحويين واللغويين.93 مجم الأدباء 1/.158 انظر: الوافي بالوفيات 5/،356 البغية 1/.414 أخبار النحويين البصريين.97 انظر: الفهرست،63 تاريخ العلماء النحويين،79 نزهة الألباء،182 إنباه الرواة 1/.201 أخبار النحويين البصريين.66 انظر: أخبار النحويين البصريين 84 الفهرست.62 انظر: مراتب النحويين.122 انظر: الفهرست 67 انظر: الكامل 1/،405،443 2/،703،927 الفاضل،94.115 وانظر: نزهة الألباء.182 انظر: الأمالي 1/،130.276 السابق 1/.241 وترجمة أبي عصيدة في الفهرست.79 انظر: إنباه الرواة 1/.201 معجم الأدباء 1/.160 انظر: معجم الأدباء 1/،160 الوافي بالوفيات 5/.356 انظر: معجم الأدباء 1/،161 الوافي بالوفيات 5/.356 الكامل 3/.1436 وانظر: ديوان عمر.492 انظر: الفهرست،63 نزهة الألباء،182 إنباه الرواة 1/.202 انظر: تعليق الفرائد 7/.95 تعليق الفرائد 7/.29 المصدر السابق 7/32-.33 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 المصدر السابق 7/89-.95 وتخريج الأحاديث والشواهد تَمَّ. القائل مطرود بن كعب الخُزاعي. انظر: اللسان 9/113 (رجف) . انظر: الأمالي 1/241.242 انظر: التنبيه.74 انظر: تهذيب التهذيب 8/،381 10/.162 انظر: اللسان 3/.437 انظر: المعاني الكبير.814 انظر: تصحيح التصحيف،45 الخزانة 9/.459 انظر: شروح سقط الزند.1817 انظر: الاقتضاب 3/66.67 انظر: تعليق الفرائد 7/.29 انظر: تعليق الفرائد 7/.32 انظر: تعليق الفرائد 7/.94 انظر: المصدر السابق 7/.94 انظر: النوادر.571 انظر: الكامل 1/،57 الأمالي.311 وانظر: المعاني الكبير،1092 الكامل 3/.1436 انظر: النوادر 291.292 انظر: ديوانه 1/.125 كتاب الشعر 1/.277 وانظر أمثلة أخر في: تأويل مشكل القرآن،96 المعاني الكبير، 1089 وضح البرهان 2/.155 انظر: البصريات 2/،986 التبيين،194 شرح المفصل 1/،52 التذييل والتكميل 1/،176 الارتشاف 2/،837 نتائج التحصيل 1/.293 انظر: التبيين،194 التذييل والتكميل 1/.176 انظر: التذييل والتكميل 1/،176 هشام بن معاوية.75 انظر: الجمل،3،4.5 انظر: شرح المقدمة الجزولية 1/.345 انظر: التعليقة 1/،29 شرح المقدمة الجزولية 1/.350 انظر: التبيين،193 التذييل والتكميل 1/.177 انظر: التعليقة 1/25 وما بعدها، شرح الجزولية 1/،348 التذييل والتكميل 1/.175 ولم أقف في الكتاب على مذهب سيبويه. انظر: الإنصاف 1/،17 التذييل والتكميل 1/.176 انظر: المقتضب 4/.231 انظر: التعليقة 1/،28 البصريات 2/.896 انظر: شرح المقدمة الجزولية 1/.348 الإيضاح في شرح المفصل 1/.116 انظر: التبيين،194 التذييل والتكميل 1/.177 انظر: شرح المقدمة الجزولية 1/.354 انظر: البصريات 2/،896 التبيين،193 التذييل والتكميل 1/.178 انظر: المقتضب 2/.153 انظر: المقتضب 2/،153 سر الصناعة 2/،695.711 انظر: التذييل والتكميل 1/.178 انظر: المصدر السابق 1/.178 انظر: التذييل والتكميل 1/.185 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 انظر: المصدر السابق 1/.185 انظر: سر الصناعة 2/،716 الارتشاف 2/.570 انظر: معاني القرآن 1/14.15 انظر: شرح السيرافي 1/221 (مطبوع) الإنصاف 1/،33 التذييل 1/.299 انظر: شرح التسهيل 1/.73 انظر: المقتضب 2/.152 انظر: المقتضب 2/.152 شرح السيرافي 1/،221 التعليقة 1/26،27 سر الصناعة 2/.710 شرح الصفار 1/299 300 التذييل 1/.294 انظر: التذييل 1/.294 الكتاب 1/.17 انظر: سر الصناعة 2/.716 الكتاب 1/.18 انظر: سر الصناعة 2/.716 وانظر: شرح الصفار 1/.296 انظر: شرح السيرافي 1/222223 (مطبوع) . انظر: التدييل 1/.300 انظر: المقتضب 2/.152 انظر: المقتضب 2/،153 سر الصناعة 2/.710 انظر: سر الصناعة 2/.710 انظر: التعليقة 1/.27 انظر: شرح التسهيل 1/.75 انظر: التذييل 1/.294 انظر: شرح التسهيل 1/.75 انظر: المقتضب 2/،152 سر الصناعة 2/،713 التذييل 1/.288 انظر: التعليقة 1/26،27 شرح الصفار 1/.297 انظر: المقتضب 2/.152 انظر: التذييل 1/.290 انظر: سر الصناعة 2/.714 انظر: التذييل 1/.289 انظر: شرح التسهيل 1/.74 الكتاب 1/17.18 انظر: سر الصناعة 2/.706 انظر: التذييل 1/،291 وانظر: شرح الصفار 1/.298 انظر: الكتاب 1/17.18 انظر: شرح الصفار 1/.298 انظر: التذييل 1/.293 انظر: النوادر.259 انظر: شرح التسهيل 1/.74 انظر: التذييل 1/.272 انظر: الكتاب 1/،91 شرح السيرافي 1/198أ، شرح المفصل 2/،32 شرح التسهيل 2/،143 الارتشاف 4/.2170 إن كانت كذلك اختير الرفع. انظر: الارتشاف 4/.2170 إن فصل بأما؛ اختير الرفع. انظر: الكتاب 1/،91 شرح السيرافي 1/198أ، شرح الرماني 1/34ب، المفصل،51 شرح التسهيل 2/،139 الارتشاف 4/.2170 إن فصل بإذا الفجائية؛ اختير الرفع عند سيبويه وجماعة، ووجب عند ابن مالك. انظر: الكتاب 1/،95 شرح السيرافي 1/201ب، شرح الرماني 1/34ب، المفصل،51 التخمير 1/387،388 شرح التسهيل 2/.139 انظر: الكتاب 1/.91 انظر: المصدر السابق 1/.91 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 انظر: شرح السيرافي 1/198ب. انظر: المصدر السابق 1/198ب، وقد نقله الأعلم في: النكت 1/.224 وانظر: المسائل البصريات 1/211،213 المساعد 1/418،419 الارتشاف 4/.2170 انظر: المسائل البصريات 1/،211 شرح الكافية 1/،466 الارتشاف 4/.2170 انظر: شرح السيرافي 1/198أ، شرح الكافية 1/،466 الارتشاف 4/.2170 انظر: شرح السيرافي 1/198أ، شرح الكافية 1/.466 انظر: المسائل البصريات 1/،211 شرح الكافية 1/.466 انظر: شرح السيرافي 1/198ب. انظر: المسائل البصريات 1/،213 المفصل 50،51 التخمير 1/،387 الكافية،98 شرح التسهيل 2/143.144 شرح الألفية لابن الناظم،93 المساعد 1/417،419 شفاء العليل 1/.428 انظر: المسائل البصريات 1/،213 شرح التسهيل 2/143.144 هذا ونسب الرضي إلى الفارسي ترجيح الرفع. انظر: شرح الكافية 1/.467 وظاهر كلامه التسوية بين الرفع والنصب. انظر: التعليقة 1/،123 المسائل البصريات 1/.213 الرحمن:،6.7 يس:،38.39 وانظر شرح التسهيل 2/143.144 انظر: شرح السيرافي 1/198ب، المسائل البصريات 1/،213 شرح المفصل 2/،33 الفوائد الضيائية 1/.359 انظر: شرح السيرافي 1/198ب، وقد نقله الأعلم في: النكت 1/.225 انظر: شرح المفصل 2/.33 انظر: الفوائد الضيائية 1/.359 انظر: إعراب القرآن 3/.394 انظر: التبصرة 1/،330 شرح ملحة الإعراب.154 انظر: الارتشاف 4/.2171 انظر: المصدر السابق 4/.2171 انظر: الارتشاف 5/.2283 انظر: شرح الرماني 1/41أ، البسيط 2/،1058 الارتشاف 5/.2283 انظر: المقتضب 2/113116 انظر: الأصول 1/124.125 انظر: شرح السيرافي 1/224أب. وانظر: المقتضب 2/،113 الانتصار.69 انظر: الكتاب 1/112؛ شرح الجمل لابن عصفور 1/.562 انظر: شرح السيرافي 1/224ب، شرح الكافية الشافية 2/،1040 الارتشاف 5/.2283 انظر: ديوانه،125 الكتاب 1/.112 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 والمسحل: حمار الوحش. والشنج: الملازم، والعضادة: القوائم. والسمحج: الأتان الطويلة، والسراة: أعلى الشيء، والندب: الأثر، والكلوم: الجراح. انظر: تحصيل عين الذهب 1/57،58 الخزانة 8/.170 في القائل خلافٌ سيأتي. انظر: الكتاب 1/،113 المقتضب 2/،115 الجمل،93 شرح السيرافي 1/225أ، شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/،409 الخزانة 8/.169 انظر: شرح أشعار الهذليين 3/،1129 الكتاب 1/،114 المقتضب 2/.114 انظر: شرح السيرافي 1/225أ، شرح المفصل 6/،73 شرح الصفار 1/.152 انظر: شرح الرماني 1/41أ، شرح الجمل لابن عصفور 1/.564 انظر: شرح السيرافي 1/224أب، ونقله الأعلم في: النكت 1/246.248 وانظر المقتضب 2/114،116 الأصول 1/،225 الانتصار،68 شرح الرماني 1/40ب 41أ. انظر: الانتصار.68 انظر: شرح أبيات سيبويه للنحاس 89،90 الانتصار،70 شرح السيرافي 1/224أب، شرح الرماني 1/41أ، شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/23،26 409،410 التبصرة 1/،226 شرح عيون كتاب سيبويه 78،81 الحلل،131 شرح الجمل لابن عصفور 1/561،564 شرح الصفار 1/151ب 152ب، شرح التسهيل 3/80،82 البسيط 2/،1057 توضيح المقاصد 3/22.25 انظر: المحكم 1/،319 الخزانة 8/.160 وانظر: شرح التسهيل 3/،82 الارتشاف 5/،2282 توضيح المقاصد 3/.22 هكذا ورد في: شرح التسهيل 3/،81 توضيح المقاصد 3/،23 شرح اللمحة البدرية 2/.95 ورواية الديوان: فتاتان أما منهما فشبيهة ال ... ... هلالِ والاخْرى تشْبه الشمسا انظر: ديوانه.34 انظر: شعره.176 والكرملين: ماء بجبل طيِّئ، والفديد: الصوت: انظر: الخزانة 8/.171 والاستشهاد بالبيت في: تحصيل عين الذهب 1/،58 الحلل،131 شرح الجمل لابن خروف 1/،552 شرح المفصل 6/،73 شرح الجمل لابن عصفور 1/،563 شرح الصفار 1/152ب، شرح التسهيل 3/،81 البسيط 2/،1059 توضيح المقاصد 3/.25 انظر: الانتصار.71 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 انظر: شرح السيرافي 1/224أ، شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/225 شرح الجمل لابن عصفور 1/563 شرح الصفار 1/152أ. انظر: تحصيل عين الذهب 1/،57 شرح عيون كتاب سيبويه،79 شرح الجمل لابن عصفور 1/،563 شرح الصفار 1/152أ. انظر: الانتصار.70 انظر: المقتضب 4/.158 انظر: ديوان الشماخ.389 انظر: شرح السيرافي 1/225أ. ونقله ابن يعيش في: شرح المفصل 6/.73 انظر: شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/،410 شرح الجمل لابن خروف 1/،555 شرح المفصل 6/،73 شرح الجمل لابن عصفور 1/،563 شرح الصفار 1/152أ، شرح التسهيل 3/،81 البسيط 2/.1059 انظر: شرح عيون كتاب سيبويه 79.80 انظر: شرح السيرافي 1/225ب. انظر: شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/،410 شرح عيون كتاب سيبويه،79 الحلل، 131 شرح المفصل 6/،72 شرح الجمل لابن عصفور 1/،562 شرح الصفار 1/151ب، شرح التسهيل 3/،81 البسيط 2/1058.1059 انظر: شرح السيرافي 1/225ب، الحلل.131 وانظر تعليق ابن مالك في: شرح الكافية الشافية 2/.1039 انظر: شرح أبيات سيبوبه للنحاس،90 شرح التسهيل 3/ 80،81 البسيط 2/،1060 المغني2/.435 انظر: شرح السيرافي 1/225ب، شرح الرماني 1/41أ، التبصرة 1/226،227 شرح عيون كتاب سيبوبه،60 شرح المفصل 6/،72 شرح الجمل لابن عصفور 1/،562 شرح الصفار 1/151ب 152أ. انظر: الخزانة 8/.156 انظر: شرح السيرافي 1/225ب، تحصيل عين الذهب 1/58،59 شرح المفصل 6/،73 شرح الجمل لابن عصفور 1/،564 شرح الصفار 1/152أ. انظر: تحصيل عين الذهب 1/58.59 وانظر: شرح الجمل لابن عصفور 1/.564 انظر: شرح الجمل لابن عصفور 1/،561 الارتشاف 5/،2283 شرح اللمحة البدرية 2/.96 انظر: شرح الجمل 1/،561 شرح اللمحة البدرية 2/.96 انظر: الكتاب 1/111 شرح اللمحة البدرية 2/.96 عزي أيضاً إلى رؤبة. انظر: لباب الألباب 168أ. والمشهور أنه للعجاج. انظر: ديوانه 412 (عزة حسن) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 يصف جملاً. والتخوية: أن يتهيأ للبروك، ولم يلزق بالأرض، يكون بينهما فجوة إذا برك. انظر: ديوانه.412 والكركرة: ما ولي الأرض من صدره، والثفنات: ما ولي الأرض من قوائمه. انظر: لباب الألباب 168أ. انظر: الديوان،412 الكتاب 1/،432 شرح السيرافي في 2/147ب، شرح الرماني 2/51أ، شرح أبيات سيبوبه 2/،32 تحصيل عين الذهب 1/،224 النكت 1/،436 لباب الألباب 168أ. الكتاب 1/.432 انظر: النكت 1/،437 لباب الألباب 168أ. انظر: شرح الجمل 1/.294 انظر: النكت 1/،437 لباب الألباب 168أ. انظر: الكتاب 2/،184،351.378 انظر: الارتشاف 4/.1934 انظر: التبصرة 1/،183 شرح المفصل 3/،71 شرح الجمل 1/،294 شرح التسهيل 3/.325 انظر: الكتاب 1/،432 التعليقة 1/.224 انظر: التعليقة 1/.224 آل عمران:.13 انظر: مختصر ابن خالويه،26 إعراب القراءات الشواذ 1/،304 البحر المحيط 3/.45 انظر: الخزانة 5/.211 انظر: ديوان كثير،99 الكتاب 1/،433 المقتضب 4/،290 الخزانة 5/.211 انظر: البسيط 1/.398 انظر: الكتاب 1/،431 الأصول 2/،33 التبصرة 1/،174 الارتشاف 4/.1922 انظر: البسيط 1/.323 انظر: الكتاب 2/.8 انظر: التذييل والتكميل 4/125أ، الارتشاف 4/،1922 توضيح المقاصد 3/.145 انظر: الأصول 2/،33 شرح السيرافي 2/155ب، التعليقة 1/،223 التبصرة 1/،174 شرح المفصل 3/،57 شرح الجمل لابن خروف 1/311.312 انظر: الهمع 3/.121 انظر: نتائج الفكر.214 انظر: التعليقة 1/.223 انظر: شرح السيرافي 2/155ب. انظر: شرح الجمل 1/212213 انظر: شرح السيرافي 2/156أ. انظر: التذييل والتكميل 4/125أ، الارتشاف 4/،1922 توضيح المقاصد 3/.145 انظر: الكتاب 2/،8 الأصول 2/،33 شرح السيرافي 2/155ب 156أ. انظر: شرح التسهيل 3/،329 الأشباه والنظائر 4/.87 شرح المفصل 3/.71 وانظر: الأصول 2/45،46 شرح التسهيل 3/.325 انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/،6 شرح السيرافي 3/157أ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 انظر: الكتاب 2/،381 المقتضب 4/،152 الكامل 2/931 الإنصاف 2/،463 الارتشاف 4/.2013 انظر: الكتاب 2/،381 معاني القرآن وإعرابه 2/،6 إعراب القرآن 1/،431 الحجة 3/121.122 انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/6،7 الأصول 2/،119 إعراب القرآن 1/،431 شرح السيرافي 3/157أ. انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/،6 الأصول 2/،119 شرح الرماني 2/،660 المقتصد 2/،959 أمالي ابن الشجري 2/،103 كشف المشكلات 1/،159 شرح الجمل 1/،243 شرح الكافية 2/،336 البسيط 1/.347 انظر: إعراب القرآن 1/.431 انظر: معاني القرآن 1/252.253 انظر: المصدر السابق 1/.290 انظر: شرح التسهيل 3/،376 الارتشاف 4/.2013 انظر: شواهد التوضيح.107 انظر: شواهد التوضيح،107 الارتشاف 4/.2013 انظر: كشف المشكلات 1/،285 الإنصاف 2/،463 شرح التسهيل 3/،376 البسيط 1/،345 الارتشاف 4/.2013 انظر: معاني القرآن 1/.243 انظر: البسيط 1/345هـ،4 كشف المشكلات 1/285هـ.5 انظر: مجالس ثعلب 1/.324 انظر: الارتشاف 4/،2013 توضيح المقاصد 3/.233 انظر: الارتشاف 4/،2013 توضيح المقاصد 3/.233 انظر: التذييل والتكميل 4/175أ. شرح الرماني 2/.660 (رسالة دكتوراه) . انظر: شرح التسهيل 3/،376 الارتشاف 4/،2013 توضيح المقاصد 3/.231 انظر: شرح التسهيل 3/.375 الارتشاف 4/.2014 النساء:.1 وانظر القراءة في: السبعة.226 انظر: معاني القرآن 1/.252 انظر: الحجة 3/.121 انظر: الكامل 2/.931 انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/.6 شرح الكافية 2/.336 انظر: الخصائص 1/285.286 انظر: الكتاب 3/،9 المقتضب 2/.347 انظر: شرح المفصل 3/.78 انظر: البحر 3/.498 أخرجه البخاري في الصحيح 3/50 (كتاب الإجارة: باب الإجارة إلى صلاة العصر) . وقد استشهد به ابن مالك في: شواهد التوضيح،107 شرح التسهيل 3/.376 انظر: شواهد التوضيح.109 شرح التسهيل 3/.376 لم أقف على قائله. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 انظر: الكتاب 2/،383 الكامل 2/،931 معاني القرآن وإعرابه 2/،7 الأصول 2/،119 إعراب القرآن 1/،431 الإنصاف 2/.464 شرح أبيات سيبويه والمفصل 250ب. انظر: ديوانه،53 معاني القرآن للفراء 1/،253 شرح التسهيل 3/.377 انظر: شرح التسهيل 3/377.378 شرح التسهيل 3/.375 انظر: شرح التسهيل 3/،376 شواهد التوضيح.108 انظر: ديوانه.8 انظر: الديوان،367 مجالس ثعلب 1/،104 شرح القصائد السبع،19 شرح القصائد المشهورات 1/،3 شرح الأشعار الستة،68 المغني 1/.161 شرح ما يقع فيه التصحيف.218 وانظر: شرح القصائد السبع،19 شرح القصائد المشهورات 1/،4 المغني 1/.162 انظر: شرح القصائد المشهورات 1/.4 الخزانة 11/.6 انظر: الكامل 1/.325 انظر: الخزانة 11/.8 انظر: شرح القصائد السبع.19 انظر: مجالس ثعلب 1/،104 شرح القصائد المشهورات 1/،4 شرح الجمل لابن خروف 1/.321 انظر: شرح القصائد السبع،20 هشام الضرير.289 وعزي هذا التوجيه إلى بعض البغداديين في: شرح ما يقع فيه التصحيف،219 المغني 1/.162 انظر: شرح الأشعار الستة.70 انظر: شرح القصائد السبع.20 البقرة:.26 انظر: معاني القرآن 1/22.23 انظر: ديوانه.121 انظر: المصدر السابق. انظر: سر الصناعة 1/،260 الخصائص 3/.320 شرح المفصل 9/.3 انظر: الجنى الداني،73 المغني 1/.167 ولم أقف عليه في كتب أبي علي. انظر: سر الصناعة 1/261 انظر: سر الصناعة 1/،260 الخصائص 3/،320 شرح المفصل 9/،3 شرح الكافية 1/،274 المغني 1/.167 نتائج التحصيل 3/.964وفي الجنى الداني 73 (الزجاج) وهو تحريف. انظر: البحر المحيط 7/،354 الدر المصون 8/.71 ولم أجده في كتب العكبري المطبوعة. انظر: سر الصناعة 1/،260 الخصائص 3/،320 شرح المفصل 9/.3 انظر: الخصائص 3/.320 انظر: الأزهية.202 انظر: شرح الكافية 1/.274 انظر: البحر المحيط 7/.354 انظر: شرح المفصل 9/،10 شرح الكافية 1/.274 انظر: سر الصناعة 1/.261 الروم: 36 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 وانظر اعتراض ابن جني في: سر الصناعة 1/262.263 انظر: سر الصناعة 1/.263 الطارق:،9.10 وانظر: الخصائص 3/.320 انظر: سر الصناعة 1/.262 انظر: الكتاب 3/،64 شرح السيرافي 3/230ب، سر الصناعة 1/.262 انظر: شرح الكافية 1/.274 انظر: المغني 1/.167 انظر: شرح المفصل 9/.3 انظر: الكشاف 2/543،544 المغني 1/.87 الكتاب 3/.75 انظر: الكتاب 3/.77 انظر: الارتشاف 4/.1880 انظر: الانتصار،177 التعليقة 2/182،183 شرح الرماني 3/983 (رسالة دكتوراه) ، الارتشاف 4/.1880 انظر: الانتصار،180 شرح السيرافي 3/236أ، المسائل المنثورة 164،165 شرح الرماني 3/978 (رسالة دكتوراه) ، الخصائص 1/،352 شرح عيون كتاب سيبويه، 187 تنقيح الألباب،160 شرح التسهيل 4/.87 انظر: الانتصار.180 انظر: شرح الرماني 3/978 (رسالة دكتوراه) . انظر: تنقيح الألباب.161 انظر: المسائل المنثورة 164،165 الخصائص 1/.352 انظر: الكتاب 3/،75 شرح السيرافي 3/236أ، تنقيح الألباب.161 انظر: الكتاب 3/،75،77 الانتصار،182 مجالس العلماء،89 شرح الرماني 3/978 (رسالة دكتوراه) ، شرح عيون كتاب سيبويه،188 تنقيح الألباب،160 شرح التسهيل 4/،88 شرح الكافية 4/،102 الارتشاف 4/.1880 انظر: المقتضب 2/،59 الانتصار،177 التعليقة 2/.183 انظر: الكتاب 3/71.77 انظر: شرح الرماني 3/978 (رسالة دكتوراه) . انظر: مجالس العلماء.89 انظر: الكتاب 3/71،72 الانتصار،177 شرح السيرافي 3/234أب، التعليقة 2/،183 المقتصد 2/،1109 الارتشاف 4/.1880 انظر: الخزانة 5/.421 انظر: النكت 1/.737 انظر: التعليقة 2/.183 سيأتي في المسألة التالية أنهما اختلفا في الإخبار عن بدل بعض من كل، وبدل الاشتمال. انظر: شرح الكافية 3/.35 وورد هذا المذهب غير معزو في: المقتضب 3/،111 الغرة 320أ. الارتشاف 3/.1069 انظر: الأصول 2/304.305 انظر: المقتضب 3/،111 الغرة 320أ. انظر: شرح الجمل 2/،506 الملخص.183 انظر: شرح الكافية 3/.29 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 انظر: شرح الكافية 3/،35 المنتخب الأكمل 773.774 انظر: شرح الكافية 3/،35 المنتخب الأكمل 773.774 انظر: ديوان ذي الرمة 2/،1274 المقتضب 2/،174 شرح السيرافي 2/29ب، التكملة،69 شرح الجمل لابن خروف 2/.638 انظر: ديوان الفرزدق 1/،378 المقتضب 2/،174 التكملة.69 انظر: تعليق الفرائد 7/72-.73 انظر: الكتاب 1/،206 المقتضب 2/،173 شرح السيرافي 2/29ب، التكملة،68 شرح الجملة لابن عصفور 2/.37 انظر: التكملة.68 انظر: إصلاح المنطق.302 انظر: شرح المفصل 2/،121 شرح الجمل لابن عصفور 2/،37 شرح التسهيل 2/،409 تعليق الفرائد 7/.71 انظر: شرح المفصل 2/،122 شرح الجمل 2/،37 تعليق الفرائد 7/.71 معاني القرآن 2/.33 انظر: التكملة.68 المقتضب 2/.173 انظر: إصلاح المنطق.302 انظر: شرح التسهيل 2/.409 انظر: شرح الجمل لابن عصفور 2/،37 تعليق الفرائد 7/.72 انظر: الكتاب 4/،380 المقتضب 1/،168 معاني القرآن وإعرابه 2/،212 إعراب القرآن 2/،42 المنصف 2/94،95 شرح التصريف 402،403 الإنصاف 2/،813 الممتع 2/،513 شرح الشافية 1/.29 انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/،212 المنصف 2/،98 شرح التصريف،403شرح الشافية 1/.29 انظر: معاني القرآن للفراء 1/،321 معاني القرآن وإعرابه 2/،212 إعراب القرآن 2/،42 المنصف 2/95،96 الممتع 2/،513 شرح الشافية 1/.29 انظر: سفر السعادة 1/.69 انظر: إعراب القرآن 2/42.43 انظر: المقتضب 1/،168 معاني القرآن وإعرابه 2/،212 إعراب القرآن 2/،42 المنصف 2/،94 الإنصاف 2/812.813 انظر: معاني القرآن 1/.321 انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/،212 إعراب القرآن 2/.42 انظر: المقتضب 1/،168 المنصف 2/،94 شرح التصريف،402 الممتع 2/.513 انظر: معاني القرآن 1/،321 المنصف 2/،96 الممتع 2/.513 انظر: المنصف 2/.98 انظر: المصدر السابق 2/.98 انظر: المنصف 2/،100 الممتع 2/.516 انظر: معاني القرآن 1/،321 معاني القرآن وإعرابه 2/،212 إعراب القرآن 2/.43 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 انظر: شرح الشافية 1/.31 انظر: التصريف 2/،100 المقتضب 1/،168 معاني القرآن وإعرابه 2/،212 إعراب القرآن 2/،43 شرح الشافية 1/.30 انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/،212 المنصف 2/،515 الممتع.515 انظر: المقتضب 1/،169 معاني القرآن وإعرابه 2/،212 شرح الشافية 1/.31 انظر: المنصف 2/96،97 الممتع 2/،516 شرح الشافية 1/.30 انظر: الارتشاف 5/.2291 انظر: المسائل الشيرازيات،259 الأزمنة والأمكنة 1/.251 انظر: السابقين. ورأي سيبويه في: الكتاب 3/.453 وانظر: المنصف 1/،9 شرح المفصل 4/.33 انظر: المسائل الشيرازيات.259 البخّ: الذي يتعجّبُ من عظمه وشرفه، والأقعس: المنيع الثابت. انظر: شرح أبيات سيبويه 2/.260 والبيت في الديوان 1/203 (السطلي) ، الكتاب 3/،452 المقتضب 1/،369 الشيرازيات،257 المنصف 3/،129 شرح التصريف،427 أمالي ابن الشجري 2/.174 انظر: العين 7/،351 العباب (حرف الفاء 245) . اللسان 9/.137 الكامل 1/.414 انظر: الغريب المصنف 2/.573 انظر: أدب الكاتب.441 انظر: فعلت وأفعلت.45 انظر: الأفعال له.137 انظر: الأفعال له 3/.438 انظر: المحكم 9/.13 انظر: الأفعال له 2/.99 انظر: ما جاء على فعلت وأفعلت.44 وانظر: اللسان 9/.137 انظر: الكتاب 1/.74 انظر: الكتاب 1/،75 مجالس ثعلب 2/،530 شرح أبيات سيبويه 1/.369 انظر: شعره،187 الكتاب 1/.75 ونسب البيت إلى الأزرق بن العمرِّد الفراصي. انظر: مجاز القرآن 2/،161 شرح أبيات سيبويه 1/.248 والطويّ: البئر المطوية بالحجارة. لم أجده في ديوان الفرزوق، وهو معزو له في: الكتاب 1/،76 معاني القرآن للفراء 3/،77 شرح السيرافي 1/188أ، شرح أبيات سيبويه 1/.226 النساء:.101 شرح السيرافي 1/187ب. انظر: شرح الصفار 1/119ب. انظر: شرح أبيات سيبويه 1/226،227 248،249 شرح عيون كتاب سيبويه 64،66 شرح الصفار 1/119ب. انظر: شرح الصفار 1/119ب. انظر: مجاز القرآن 2/.161 انظر: معاني القرآن 3/77.78 الشعراء:.16 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 معاني القرآن 2/.461 ق:.17 غافر:.67 معاني القرآن 2/522.523 انظر: معاني القرآن وإعرابه 5/،44 شرح الرماني 1/29ب. انظر: البحر المحيط 9/.534 انظر: شرح الجمل 1/420.421 انظر: شرح الصفار 1/119ب. انظر: المصدر السابق 1/120أ. التحريم:.4 النساء:.69 يوسف:.80 النساء:.92 ديوانه:،181 التعليقة 1/.100 انظر: المذكر والمؤنث لأبي حاتم.80 الكَوَّة: الخرق في الحائط، والثقب في البيت ونحوه. انظر: اللسان 15/236 (كوي) . البَدْرة: جلد السخلة إذا فطمت. انظر: اللسان 4/49 (بدر) . انظر: شرح المفصل 6/،42 وانظر: الجمهرة 1/،167 اللسان 15/236 (كوي) . انظر: الكتاب 3/593،594 الأصول 2/،439 التكملة.415 انظر: الجيم 3/،155 التهذيب 10/.413 انظر: المقصور والممدود للفراء،26 حروف المقصور والممدود لابن السكيت،50 ليس في كلام العرب 163.164 انظر: شرح الكافية الشافية 4/،1840 شرح الأشموني 2/،439 التبيان في تصريف الأسماء.155 انظر: ديوانه.150 انظر: بقية التنيهات.104 انظر: شرح شواهد الإيضاح،442 إيضاح شواهد الإيضاح 2/.659 انظر: التكملة،363 المخصص 16/.102 العين 4/.117 وانظر: التهذيب 6/،512 البارع.193 انظر: التكملة،363 المصباح في شرح الإيضاح 2/150أ. انظر: المقتصد في شرح التكملة 2/427.428 انظر: بقية التنيهات.104 انظر: الصحاح 2/.601 انظر: شرح أبيات المغني 3/.8 أخبار النحويين البصريين.98 المصادر والمراجع أخبار النحويين البصريين. صنعة أبي سعيد السيرافي. تحقيق د. محمد البنا. دار الاعتصام، القاهرة، ط،1 1405هـ/ 1985م. أدب الكاتب. لابن قتيبة. تحقيق محمد الدالي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط،2 1406هـ. ارتشاف الضرب من لسان العرب. لأبي حيان الأندلسي. تحقيق د. رجب عثمان محمد، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط،1 1418هـ/ 1998م. الأزمنة والأمكنة. للمرزوقي. دار الكتاب الإسلامي، القاهرة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 الأزهية في علم الحروف. لعلي بن محمد الهروي، تحقيق عبد المعين الملوحي. مجمع اللغة العربية بدمشق، 1402هـ/ 1982م. إصلاح المنطق. لابن السكيت؛ تحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط.4 الأصول في النحو. لابن السراج. تحقيق د. عبد الحسين الفتلي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط،2 1407هـ/ 1987م. إعراب القراءات الشواذ. لأبي البقاء العكبري. تحقيق محمد السيد أحمد عزوز، عالم الكتب، ط،1 1417هـ/ 1996م. إعراب القرآن. لأبي جعفر النحاس. تحقيق د. زهير غازي زاهد. عالم الكتب، بيروت، ط،3 1409هـ/ 1988م. الأفعال. للسرقسطي. تحقيق د. حسين محمد محمد شرف، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1413هـ/ 1992م. الأفعال. لابن القطاع. عالم الكتب، بيروت، ط،1 1403هـ/ 1983م. الأفعال. لابن القوطية. تحقيق د. علي فودة. مكتبة الخانجي، القاهرة، ط،2 1993م. الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب. لابن السِّيد البطليوسي. تحقيق مصطفى السقا وزميله. الهيئة المصرية للكتاب 1981م. الأمالي. لأبي علي القالي. دار الكتب العلمية، بيروت. (مصورة عن طبعة دار الكتاب) . أمالي ابن الشجري. تحقيق د. محمود الطناحي. مكتبة الخانجي، القاهرة، ط،1 1413هـ/ 1992م. إنباه الرواة على أنباه النحاة. للقفطي. تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم. دار الفكر العربي (القاهرة) ، ومؤسسة الكتب الثقافية (بيروت) . ط.1 1406هـ، 1986م. الانتصار. لابن ولاد. تحقيق د. زهير عبد المحسن سلطان. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط،1 1416هـ، 1996م. الإنصاف في مسائل الخلاف. لأبي البركات الأنباري. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، لبنان، 1407هـ/ 1987م. إيضاح شواهد الإيضاح. لأبي علي القيسي. تحقيق د. محمد الدعجاني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط،1 1408هـ/ 1987م. الإيضاح في شرح المفصل. لابن الحاجب. تحقيق د. موسى العليلي. مطبعة العاني، بغداد، 1982م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 البارع في اللغة. لأبي علي القالي. تحقيق هاشم الطعان. مكتبة النهضة (بغداد) ، دار الحضارة العربية (بيروت) ، ط،1 1975م. البحر المحيط. لأبي حيان الأندلسي. عُني به عرفان العشا وآخرون. المكتبة التجارية، مكة المكرمة. البسيط في شرح جمل الزجاجي. لابن أبي الربيع السبتي. تحقيق د. عياد الثبيتي. دار الغرب الإسلامي، بيروت. ط،1 1407هـ/ 1986م. بغية الوعاة. للسيوطي. تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، لبنان. بقية التنبيهات. لعلي بن حمزة البصري. تحقيق د. خليل العطية، دار الشؤون الثقافية، بغداد. ط،1 1991م. تاريخ العلماء النحويين. لابن مسعر. تحقيق د. عبد الفتاح الحلو. هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط،2 1412هـ/ 1992م. تأويل مشكل القرآن. لابن قتيبة. تحقيق السيد أحمد صقر. دار التراث، القاهرة، ط،2 1393هـ/ 1973م. التبصرة والتذكرة. للصيمري. تحقيق د. فتحي أحمد مصطفى، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط،1 1402هـ/ 1982م. التبيان في تصريف الأسماء. تأليف د. أحمد كحيل، دار البيان العربي، القاهرة، ط،7 1402هـ/ 1982م. التبيين. لأبي البقاء العكبري. تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط،1 1406هـ/ 1986م. تحصيل عين الذهب. للأعلم الشنتمري. في هامش الكتاب (طبعة بولاق) . التخمير. لصدر الأفاضل الخوارزمي. تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط،1 1992م. التذييل والتكميل. لأبي حيان الأندلسي. تحقيق د. حسن هنداوي. دار القلم، دمشق، ط،1 1418هـ، 1997م. ومصورة عن نسخة دار الكتب المصرية ذات الرقم 62 نحو. تصحيح التصحيف وتحرير التحريف. للصفدي. تحقيق السيد الشرقاوي. مكتبة الخانجي، القاهرة، 1987م. التصريف. للمازني (مع المنصف) . تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد (ج7) . للدماميني. تحقيق د. محمد المقدي، الطبعة الأولى، 1420هـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 التعليقة. لأبي علي الفارسي. تحقيق د. عوض القوزي. مطبعة الأمانة بالقاهرة، ودار المعارف بمصر، ومطابع الحسني بالرياض، ط،1 1412هـ/ 1992م. التكملة. لأبي علي الفارسي. تحقيق د. كاظم بحر المرجان. جامعة بغداد، 1401هـ، 1981م، وتحقيق د. حسن فرهود. جامعة الملك سعود 1400هـ. التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه. لأبي عبيد البكري، (مع أمالي القالي) . تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب. لابن خروف. تحقيق خليفة بديري. كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس الغرب، ط،1 1995م. تهذيب التهذيب. لابن حجر. دار الفكر، بيروت، ط،1 1404هـ/ 1984م. تهذيب اللغة. للأزهري. تحقيق عبد السلام هارون. الدار المصرية للتأليف والترجمة. توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك. للمرادي. تحقيق د. عبد الرحمن علي سليمان. مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، ط.2 الجمل. للزجاجي. تحقيق د. علي توفيق الحمد. مؤسسة الرسالة (بيروت) ، ودار الأمل (الأردن) ، ط،1 1404هـ/ 1984م. جمهرة اللغة. لابن دريد. تحقيق د. رمزي بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، ط،1 1987م. الجنى الداني في حروف المعاني. للمرادي. تحقيق د. فخر الدين قباوة وزميله. دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط،2 1403هـ/ 1983م. الجيم. لأبي عمرو الشيباني. تحقيق إبراهيم الإبياري وزميليه، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1395هـ/ 1975م. الحجة للقراء السبعة. لأبي علي الفارسي. تحقيق بدر الدين قهوجي وزميله، دار المأمون للتراث، دمشق. ط،1 1413هـ، 1993م. حروف المقصور والممدود. لابن السكيت. تحقيق د. حسن شاذلي فرهود، دار العلوم، الرياض، ط،1 1405هـ/ 1985م. الحلل في شرح أبيات الجمل. لابن السِّيد البطليوسي. تحقيق د. مصطفى إمام، مكتبة المتنبي، القاهرة، ط،1 1979م. خزانة الأدب. للبغدادي. تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط،2 1409هـ، 1989م. الخصائص. لابن جني. تحقيق محمد علي النجار، دار الكتاب العربي، بيروت. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 الدر المصون في علوم الكتاب المكنون. للسمين الحلبي. تحقيق د. أحمد الخراط، دار القلم، دمشق، ط،1 1406هـ، 1986م. ديوان امرئ القيس. تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط.5 ديوان حسان بن ثابت. تحقيق د. سيد حنفي حسنين، دار المعارف، القاهرة، 1983م. ديوان ذي الرمة. تحقيق د. عبد القدوس أبوصالح. مؤسسة الإيمان، بيروت، ط،1 1402هـ/ 1982م. ديوان رؤبة. تحقيق وليم بن الورد. دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط،2 1400هـ، 1980م. ديوان الشماخ. تحقيق صلاح الدين الهادي. دار المعارف، القاهرة، 1968م. ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات. تحقيق د. محمد يوسف نجم. دار صادر، بيروت. ديوان العجاج. تحقيق د. عزة حسن. دار الشرق العربي، بيروت، 1416هـ/ 1995م. ديوان عمر بن أبي ربيعة. شرح محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة المدني، القاهرة، ط،3 1384هـ/ 1965م. ديوان الفرزدق. شرح عبد الله الصاوي. مطبعة الصاوي، القاهرة. ط.1 1354هـ/ 1936م. ديوان كثير عزة. تحقيق. د. إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، 1391هـ/ 1972م. ديوان لبيد. تحقيق. د. إحسان عباس. وزارة الإعلام، الكويت، ط،2 1984م. ديوان مسكين الدارمي. تحقيق خليل العطية وزميله. مطبعة دار البصري، ط،1 بغداد، 1389هـ/ 1970م. السبعة في القراءات. لابن مجاهد. تحقيق د. شوقي ضيف. دار المعارف، القاهرة، ط،3 1988م. سر الصناعة. لابن جني. تحقيق د. حسن هنداوي. دار القلم، دمشق، ط،1 1405هـ/ 1985م. سفر السعادة وسفير الإفادة. للسخاوي. تحقيق محمد الدالي. مجمع اللغة العربية، دمشق، 1403هـ/ 1983م. شرح أبيات سيبويه. للنحاس. تحقيق أحمد خطاب. المكتبة العربية، حلب، ط،1 1394هـ/ 1974م. شرح أبيات سيبويه. لابن السيرافي. تحقيق د. محمد علي سلطاني. مجمع اللغة العربية، دمشق، 1396هـ/ 1976م. شرح أبيات سيبويه والمفصل. للكوفي. مصورة مركز البحث العلمي. جامعة أم القرى. رقم (202) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 شرح أبيات مغني اللبيب. للبغدادي. تحقيق عبد العزيز رباح وزميله. دار المأمون للتراث، دمشق. ط،2 1407هـ/ 1988م. شرح الأشعار الستة الجاهلية. للوزير أبي بكر البطليوسي. تحقيق ناصيف سليمان عواد. وزارة الثقافة، بغداد، 1979م. شرح أشعار الهذليين. لأبي سعيد السكري. تحقيق عبد الستار فراج. دار العروبة، القاهرة. شرح الأشموني. دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. شرح الألفية. لابن الناظم. منشورات ناصر خسرو، طهران، 1312هـ. شرح التسهيل. لابن مالك. تحقيق د. عبد الرحمن السيد وزميله، هجر للطباعة، القاهرة، ط،1 1410هـ/ 1990م. شرح التصريف. للثمانيني. تحقيق د. إبراهيم البعيمي. مكتبة الرشد، الرياض، ط،1 1419هـ/ 1999م. شرح الجمل. لابن خروف. تحقيق د. سلوى عرب. جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1419هـ. شرح الجمل. لابن عصفور. تحقيق د. صاحب أبوجناح. مطابع مؤسسة دار الكتب العلمية، 1400هـ. شرح الشافية. للرضي. تحقيق محمد نور الحسن وزميله. دار الفكر العربي، بيروت، 1395هـ/ 1975م. شرح شواهد الإيضاح. المنسوب لابن بري. تحقيق د. عيد مصطفى درويش. مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1405هـ/ 1985م. شرح عيون كتاب سيبويه. لأبي نصر القرطبي. تحقيق د. عبدربه عبد اللطيف عبدربه. مطبعة حسان، القاهرة، ط،1 1404هـ/ 1984م. شرح القصائد السبع. لأبي بكر بن الأنباري. تحقيق عبد السلام هارون. دار المعارف، القاهرة، ط،4 1400هـ/ 1980م. شرح القصائد التسع المشهورات. للنحاس. دار الكتب العلمية، بيروت، ط،1 1405هـ/ 1985م. شرح الكافية. للرضي. تحقيق يوسف عمر. جامعة بنغازي، ليبيا. شرح الكافية الشافية. لابن مالك. تحقيق د. عبد المنعم هريدي. جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط،1 1402هـ/ 1982م. شرح كتاب سيبويه. للرماني. مصورة عن نسخة داماد إبراهيم ذات الرقم.1074 ورسالة دكتوراه. تحقيق سيف العريفي. كلية اللغة العربية. الرياض. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 شرح كتاب سيبويه (جزء منه) . للسيرافي. تحقيق د. رمضان عبد التواب وزميليه. الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986م. ومصورة عن نسخة دار الكتب المصرية ذات الرقم (137) نحو. شرح كتاب سيبويه (جزء منه) . للصَّفار. تحقيق د. معيض العوفي. دار المآثر، المدينة المنورة، ط،1 1419هـ/ 1998م. ومصورة عن نسخة كوبريلي ذات الرقم.1492 شرح اللمحة البدرية. لابن هشام. تحقيق د. صلاح راوي. دار المرجان، القاهرة. شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف. لأبي أحمد العسكري. تحقيق عبد العزيز أحمد. مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1383هـ/ 1963م. شرح المفصل. لابن يعيش. دار صادر، بيروت. شرح المقدمة الجزولية الكبير. للشلوبين. تحقيق د. تركي العتيبي. مكتبة الرشد، الرياض، ط،1 1413هـ/ 1993م. شرح ملحة الإعراب. للحريري. تحقيق د. أحمد محمد قاسم. دار التراث، المدينة المنورة، ط،2 1412هـ/ 1991م. شروح سقط الزند. تحقيق مصطفى السقا وزملائه. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط،3 1406هـ/ 1986م. شعر زيد الخيل. صنعة د. أحمد مختار البرزة. دار المأمون، دمشق، ط،1 1408هـ/ 1988م. شعر عمرو بن أحمر. تحقيق د. حسين عطوان. مجمع اللغة العربية، دمشق. شفاء العليل في إيضاح التسهيل. للسلسيلي. تحقيق د. الشريف البركاتي. المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة، ط،1 1406هـ/ 1986م. الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . للجوهري. تحقيق أحمد عبد الغفور عطار. دار العلم للملايين، بيروت، ط،3 1404هـ/ 1984م. صحيح البخاري، المكتبة الإسلامية، إستانبول، 1979م. طبقات النحويين واللغويين. للزبيدي. تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، ط،2 1984م. العباب (حرف الفاء) . للصغاني. تحقيق محمد حسن آل ياسين. دار الرشيد، بغداد، 1981م. العين. للخليل بن أحمد. تحقيق د. مهدي المخزومي وزميله. مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط،1 1408هـ/ 1988م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 عيون الأخبار. لابن قتيبة. المؤسسة المصرية العامة، مصر، مصورة عن طبعة دار الكتب. الغرة. لابن الدهان. مصورة جامعة الإمام ذات الرقم.5704 الغريب المصنف. لأبي عبيد القاسم بن سلام. تحقيق د. محمد المختار العبيدي. المجمع التونسي، ودار سحنون، تونس، ط،2 1416هـ/ 1996م. الفاضل. للمبرد. تحقيق عبد العزيز الميمني. دار الكتب المصرية، ط،2 1995م. الفصوص. لصاعد الربعي. تحقيق د. عبد الوهاب التّازي سعود. وزارة الأوقاف. المملكة المغربية، 1413هـ/ 1993م. فعلت وأفعلت. للزجاج. تحقيق ماجد الذهبي. الشركة المتحدة للتوزيع، دمشق. الفهرست. لابن النديم. تحقيق رضا تجدد. دار المسيرة، بيروت، ط،3 1988م. الفوائد الضيائية. للجامي. تحقيق د. أسامة الرفاعي. وزارة الأوقاف، بغداد، 1403هـ/ 1983م. الكافية. لابن الحاجب. تحقيق د. طارق نجم. دار الوفاء، جدة، ط،1 1407هـ/ 1986م. الكامل. للمبرد. تحقيق محمد الدالي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط،2 1413هـ، 1993م. الكتاب. لسيبويه. تحقيق عبد السلام هارون. عالم الكتب، بيروت، ط،3 1403هـ، 1983م. كتاب الشعر. للفارسي. تحقيق د. محمود الطناحي. مكتبة الخانجي، القاهرة، ط،1 1408هـ، 1988م. الكشاف. للزمخشري. دار الفكر، بيروت، ط،1 1397هـ/ 1977م. كشف المشكلات وإيضاح المعضلات. للباقولي. تحقيق د. محمد الدالي. مجمع اللغة العربية، دمشق، ط،1 1415هـ/ 1995م. لباب الألباب في شرح أبيات الكتاب. لابن خلف. مصورة مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى، ذات الرقم.549 لسان العرب. لابن منظور، دار صادر، بيروت، ط،3 1414هـ/ 1994م. ليس في كلام العرب. لابن خالويه. تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، مكة المكرمة، ط،2 1399هـ/ 1979م. ما جاء على فعلت وأفعلت. للجواليقي. تحقيق ماجد الذهبي. دار الفكر، دمشق، 1402هـ/ 1982م. مجاز القرآن. لأبي عبيدة. تحقيق فؤاد سزكين. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط،2 1401هـ/ 1981م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 مجالس ثعلب. تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط،5 1987م. مجالس العلماء. للزجاجي. تحقيق عبد السلام هارون. مكتبة الخانجي، القاهرة، ودار الرفاعي، الرياض، ط،2 1403هـ، 1983م. المحكم. لابن سيده. تحقيق مصطفى السقا وآخرين. دار الأندلسي، جدة، مصورة عن طبعة معهد المخطوطات بالقاهرة. مختصر في شواذ القرآن. لابن خالويه. تحقيق برجستراسر. مكتبة المتنبي، القاهرة. المخصص. لابن سيده. دار الكتب العلمية، بيروت، مصورة عن طبعة بولاق. المذكر والمؤنث. لأبي حاتم السجستاني. تحقيق د. حاتم الضامن. دار الفكر، دمشق، ط،1 1418هـ/ 1997م. مراتب النحويين. لأبي الطيب اللغوي. تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم. دار الفكر العربي. المسائل البصريات. للفارسي. تحقيق د. محمد الشاطر أحمد. مطبعة المدني، القاهرة، ط،1 1405هـ/ 1985م. المسائل الشيرازيات. للفارسي. تحقيق د. علي جابر منصوري. رسالة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة عين شمس، 1976م. المسائل المنثورة. للفارسي. تحقيق مصطفى الحدري. مجمع اللغة العربية، دمشق، 1986م. المساعد على تسهيل الفوائد. لابن عقيل. تحقيق د. محمد كامل بركات. جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1400هـ/ 1405هـ. المصباح في شرح الإيضاح. للعكبري. مصورة بجامعة الإمام رقمها.9896 معاني القرآن. للأخفش. تحقيق د. هدى قراعة. مكتبة الخانجي، القاهرة، 1411هـ/ 1990م. معاني القرآن. للفراء. تحقيق محمد علي النجار وزميله، عالم الكتب، بيروت، ط،2 1980م. معاني القرآن وإعرابه. للزجاج. تحقيق د. عبد الجليل شلبي. عالم الكتب، بيروت، ط،1 1408هـ/ 1988م. المعاني الكبير. لابن قتيبة. دار الكتب العلمية، بيروت، ط،1 1405هـ/ 1984م. معجم الأدباء. لياقوت الحموي. دار إحياء التراب العربي، بيروت. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب. لابن هشام. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. المكتبة العصرية، لبنان، 1407هـ/ 1987م. المفصل. للزمخشري. دار الجيل، بيروت. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 المقتصد في شرح الإيضاح. للجرجاني. تحقيق د. كاظم بحر المرجان. وزارة الثقافة، بغداد، 1982م. المقتصد في شرح التكملة. للجرجاني. تحقيق أحمد الدويش. رسالة دكتوراه. كلية اللغة العربية، الرياض. المقتضب. للمبرد. تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، ط،2 1399هـ/ 1979م. المقصور والممدود. للفراء. تحقيق د. عبد الإله نبهان وزميله. دار قتيبة، دمشق، 1403هـ/ 1983م. الملخص في ضبط قوانين العربية. لابن أبي الربيع. تحقيق د. علي حكمي. ط،1 1405هـ/ 1985م. الممتع. لابن عصفور. تحقيق د. فخر الدين قباوة. دار المعرفة، بيروت، ط،1 1407هـ/ 1987م. المنتخب الأكمل على كتاب الجمل. لمحمد بن أحمد الأنصاري الإشبيلي الشهير بالخفاف. تحقيق أحمد بويا ولد الشيخ محمد تقي الله. رسالة دكتوراه، جامعة أم القرى، 1412هـ/ 1991م. المنصف. لابن جني. تحقيق إبراهيم مصطفى وزميله. مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط،1 1373هـ/ 1954م. نتائج التحصيل في شرح كتاب التسهيل. للدلائي. تحقيق د. مصطفى الصادق العربي، مطابع الثورة، بنغازي. نرهة الألباء في طبقات الأدباء. للأنباري. تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم. دار الفكر العربي، القاهرة، 1418هـ/ 1998م. النكت في تفسير كتاب سيبويه. للأعلم الشنتمري. تحقيق د. زهير عبد المحسن سلطان. معهد المخطوطات، الكويت، ط،1 1407هـ/ 1987م. النوادر. لأبي زيد الأنصاري. تحقيق د. محمد عبد القادر أحمد. دار الشروق، بيروت، ط،1 1401هـ/ 1981م. هشام بن معاوية الضرير. تأليف د. تركي العتيبي، ط،1 1416هـ/ 1995م. همع الهوامع. للسيوطي. تحقيق أحمد شمس الدين. دار الكتب العلمية، بيروت، ط،1 1418هـ/ 1998م. الوافي بالوفيات. للصفدي. (القسم الخامس) . تحقيق س. ديدرينغ. جمعية المستشرقين الألمانية، ط،2 1389هـ/ 1970م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 وضح البرهان في مشكلات القرآن. لمحمود بن أبي الحسن النيسابوري الغزنوي. تحقيق صفوان داودي. دار القلم، دمشق، والدار الشامية، بيروت، ط،1 1410هـ/ 1990م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 التذكير والتأنيث دراسة في الأخطاء اللغوية التحريرية لطلاب المستوى المتقدم في معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى د. جمعان بن ناجي السلمي أستاذ اللغويات المساعد بمعهد اللغة العربية بجامعة أم القرى ملخص البحث مشكلة التَّذكير والتَّأنيث إحدى المشكلات الكبرى التَّي تواجه دارسي اللغة العربية من غير الناطقين بها، وفي هذا البحث دراسة لهذه المشكلة، وهو في ثلاثة مباحث: المبحث الأول عنوانه: أخطاء الطلاب في التَّذكير والتَّأنيث. والمبحث الثاني كان بعنوان: التَّذكير والتَّأنيث في الكتاب الأساسي. أما المبحث الثالث فهو: أسباب المشكلة وعلاجها. وبعد دراسة أخطاء الطلاب، ودراسة المادة العلمية المقدمة لهم عن قضايا التَّذكير والتَّأنيث التَّي حواها الكتاب الأساسي، ظهر للباحث جليّاً أنَّ أهم أسباب المشكلة هي: 1- التداخل اللغوي، ونقل الخبرة من اللغة الأم. 2- أخطاء علمية في المنهج المقرَّر على الطلاب. 3- قصور في المنهج العلمي إذلم يتناول بعض قضايا التَّذكير والتَّأنيث. 4- صعوبة التَّفريق بين المذكر والمؤنث غير الحقيقيين. وقد دعا الباحث إلى علاج هذه الأسباب بتصحيح الأخطاء واستدراك النقص، وتأليف معجم يضمّ ما تمسُّ الحاجة إليه من الأسماء التي تذكيرها أو تأنيثها غير حقيقي. • • • المقدمة: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده. وبعد: فمعلوم أنَّ اللغة العربية تقسم الأسماء إلى قسمين لا ثالث لهما، هما: المذكر والمؤنث، وليس ثمة صعوبة في التَّمييز بين المذكر الحقيقي والمؤنث الحقيقي، لكن الصعوبة تكمن في التَّفريق بين ما هو غير حقيقي منهما، إذ لا سبيل إلى معرفته إلا بالسماع والحفظ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 وقد كان العرب أهل اللغة قادرين على التَّفريق بينهما بسهوله فلما أشرقت شمس الإسلام، ودخلت الأمم الأخرى في دين الله أفواجا، وأقبل الناس على تعلم لغة القرآن بدأ اللحن يظهر ويتفشى في اللسان، وقد كان من أقبح اللحن وأبشعه تذكير المؤنث أو تأنيث المذكر، وهذا النوع من اللحن يكاد يكون خاصاً بغير العرب، وقد شعر به الفصحاء إبّان ظهوره وتأذوا منه، فقال قائلهم يتضجر من لُكنة أم ولده: أَوَّلُ ما أسمع منها في السَّحَرْ تذكيرها الأنثى وتأنيث الذَّكَرْ (1) وأدرك علماء اللغة هذه المشكلة، وشعروا بصعوبتها فشرعوا في علاجها منذ عهد مبكر جداً بتأليف عددٍ من الرسائل والكتب في التَّفريق بين المذكر والمؤنث، ذكر منها الدكتور طارق نجم في مقدمته لتحقيق كتاب (المذكر والمؤنث لابن جني) ، نقلا عن الدكتور رمضان عبد التَّواب (28) مؤلفاً، أولها كتاب أبي زكريا يحيى بن زياد الفراء، المتوفى سنة 207هـ، وآخرها كتاب أحمد بن أحمد بن محمد السجاعي الشافعي البدراوي المتوفى سنة 1197هـ (2) ولا زال غير العربي يجد صعوبة في فهم التَّذكير والتَّأنيث نلمس ذلك جلياً واضحاً في لغة دارسي اللغة العربية من غير الناطقين بها في زماننا. كما اعترف بذلك بعض من تعمق منهم في دراسة اللغة يقول برجشتراسر: " والتَّأنيث والتَّذكير من أغمض أبواب النحو ومسائلهما عديدة مشكلة، ولم يوفق المستشرقون إلى حلِّها حلاً جازماً، مع صرف الجهد الشديد في ذلك " (3) . ولمعهد اللغة العربية بجامعة أم القرى عناية بتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، إذ صدر عنه عدد من البحوث والدراسات المعنية بهذا الأمر كان منها كتاب بعنوان: " الأخطاء اللغوية التَّحريرية لطلاب المستوى المتقدم في معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى "، وهو الإصدار الخامس في سلسلة دراسات في تعليم اللغة العربية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 وفي هذا الكتاب محاولة للاستفادة من نظريات علم اللغة التَّطبيقي،حُلِّلَتْ فيه أخطاء الطلاب الذين امتحنوا في المستوى المتقدِّم الأوَّل بقسم تعليم اللغة العربية في الفصل الدراسي الأوَّل من العام الجامعي 1402-1403هـ، بالإضافة إلى امتحان آخر مفاجئ أضيفت مادَّته إلى مادة الامتحان الأوَّل. وكان عدد الطلاب الذين حُلِّلَتْ أخطاؤهم واحداً وسبعين طالباً، وَصُنِّفَتْ الأخطاء على النحو التَّالي: أولا: الأخطاء الإملائية والصوتية. ثانيا: الأخطاء الصرفية. ثالثاً: الأخطاء النحوية. رابعاً: الأخطاء الدلالية. خامساً: أخطاء لم تصنف – وأخطاء متفرقات (1) . ثم صُنفت الأخطاء النحوية إلى: زمن الفعل – علامة الإعراب – حروف الجر – التَّذكير والتَّأنيث –التَّعريف والتَّنكير – إفراد ما يجب جمعه والعكس – العطف – إهمالك العائد في جملة الصلة (2) . وكان من نتائج ذلك العمل أنَّ الأخطاء في التَّذكير والتَّأنيث من الأخطاء التَّي تكاد تكون ظاهرةً عامة (3) . ونظراً لذلك رأيت أنْ أساهم بجهدي في دراسة هذه المشكلة فكان هذا البحث بعنوان: التَّذكير والتَّأنيث، دراسة في الأخطاء اللغوية التَّحريرية لطلاب المستوى المتقدم في معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى. وجعلته في ثلاثة مباحث على النحو التَّالي: المبحث الأول: أخطاء الطلاب في التَّذكير والتَّأنيث. المبحث الثاني: التَّذكير والتَّأنيث في الكتاب الأساسي. المبحث الثالث: أسباب المشكلة وعلاجها. ثم ختمت البحث ببيان أهم نتائج الدراسة. وفي الختام أحمد الله سبحانه وتعالى على نعمائه وأشكره على آلائه، وأسأله سبحانه أن يجعل جهدي هذا خالصاً لوجهه الكريم وأنْ ينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون، إنَّه وليّ ذلك والقادر عليه. المبحث الأول: أخطاء الطلاب في التَّذكير والتَّأنيث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 بلغت أخطاء هذه العينة من الطلاب البالغ عددهم واحداً وسبعين طالباً (176) خطأ في التَّذكير والتَّأنيث، وُضِعَتْ في جدول حوى المنازل التَّالية: (رقم الورقة، الخطأ، الصواب، وصف الخطأ) . وقد تبين لي من دراسة الجدول وتتبع أرقام الأوراق أنَّ عدد الطلاب الذين أخطأوا في التَّذكير والتَّأنيث بلغ ثلاثة وخمسين طالباً. وقبل دراسة أخطاء الطلاب ينبغي أنْ أشير إلى أنَّ المحلِّلين وقعوا في بعض الأخطاء هي: عدَّ المحللون العبارات التَّالية خطأ في التَّذكير والتَّأنيث ووُصِفَ الخطأ بأنَّه: تذكير الفعل حيث يقتضي السياق تأنيثه: - حدث الحوادث. - وكان الشوارع مسدودة. - مرَّ الأيام وأنا أعيش. - وظهر بعض المشاكل. - مكة بلد يضاعف فيه الحسنات. - نزل فيه سورة اقرأ. - كما يفعل المملكة. - وحينما انتهى الدراسة. - ولما انتهى الدراسة. - يبني الحكومة السعودية. (1) وبالتَّأمل في هذه العبارات يظهر لنا بوضوح أنّ الفاعل فيها إمّا مؤنث مجازي التَّأنيث متأخر عن الفعل، أو جمع تكسير، أو جمع مؤنث سالم (مفرده مؤنث مجازي) ، أو مضاف اكتسب التَّأنيث من المضاف إليه. وفي كلِّ هذه الأحوال يجوز تأنيث الفعل وتذكيره (2) ، وما دام الأمر كذلك فما قاله الطلاب صحيح موافق للقاعدة، ومن الخطأ نسبتهم إلى الخطأ. صُنِّفت العبارة التَّالية:" أماكن المقدسة كثير فيها " ضمن الأخطاء في عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّذكير (3) . والصواب أنها من الأخطاء في عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّأنيث، وقد ذُكرت في هذا الموضع أيضاً (4) . صُنِّفت العبارة الآتية:" إنه مكان مباركة " ضمن الأخطاء في عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّذكير (5) . والصواب أنَّها من الأخطاء في عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّذكير، ولم تذكر في ذلك الموضع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 صُنِّفت العبارة التَّالية: " أظن أنَّ اللغة العربية سهل " ضمن الأخطاء في عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّأنيث (1) . وواضح أنَّها من الأخطاء في عدم المطابقة بين خبر (أنَّ) واسمها من حيث التَّأنيث، ولم تذكر في ذلك الموضع. صُنِّف قول الطالب: (له) في العبارة التَّالية: " الجبال العالي الذي لا مثيل له " ضمن الأخطاء في عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّأنيث (2) . والصواب أنَّه من الأخطاء في تذكير الضمير حيث يقتضي السياق تأنيثه، ولم يذكر في ذلك الموضع. وفيما يلي دراسة لأخطاء الطلاب حسب التَّصنيف الذي ارتضاه المحلِّلون: عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّأنيث (3) ، وفيه ثلاثة وستون خطأ، وبالتَّأمل في الأسماء الموصوفة في عبارات الطلاب يظهر لنا بوضوح أنَّ جميعها مؤنثات مجازية (4) ، من تلك الأسماء: " النساء، الأماكن، مُنى، البلاد، الكتب الشمس … ". أما الصفات فهي في جميع العبارات صفات مفردة نحو:" المستضعفين، المقدَّس، المطير، الآخر، الشديد … ". 2- عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّذكير (5) وفيه اثنان وثلاثون خطأ، وبتأمل هذا النوع من الأخطاء تأكد لي مالاحظته في النوع السابق، فالموضوعات هنا ليست مذكَّراً حقيقياً حتّى يسهل على الطالب معرفتها ومن ثمَّ المطابقة بينها وبين الصفات، ومن الموصوفات في هذا الصنف: " اللباس، بلد، سلام، العالم، المكان … " أما الصفات فهي مفردة أيضاً، كالصفات في النوع السابق ومن أمثلتها:" مناسبة، الطيِّبة، تامة، التَّي، الإسلاميَّة … ". 3- تذكير الفعل حيث يقتضي السِّياق تأنيثه (6) . وفي هذا النوع ثمانية عشر خطأ، وقد بينت أنَّ عشراً من هذه العبارات صحيحة موافقة للقاعدة النحوية، ومن الخطأ نسبة الطلاب إلى الخطأ فيها (7) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 أما العبارات الأخرى فإنَّ تأمُّلَها يظهر لنا أنَّ الفاعل في جميعها ليس مؤنثاً حقيقياً، وإنما هو مؤنث مجازي، أو ضمير يعود على مؤنث مجازي، ومن أمثلة ذلك العبارات التَّالية: " هؤلاء المواد يساعدنا، الحكومة يفتح أبواب، راية الإسلام يخفق … " 4- تأنيث الفعل حين يقتضي السياق تذكيره (1) وهنا عشرة أخطاء ويلاحظ أنَّ الفاعل ورد مذكراً حقيقياً أو ضميراً يعود على مذكر حقيقي، أو وصفاً لمذكر حقيقي في ثلاث عبارات هي: " الكعبة التَّي بناتها إبراهيم، وكل مسلم يتمنى أن تزور بيت الله الحرام، تأتي المسلمون من ديار بعيد ". أما العبارات السبع الأخرى فالفاعل فيها مذكر غير حقيقي، أو ضمير يعود على مذكر غير حقيقي، ومن أمثلة ذلك:" الوقت قد انتهت، تقع جبل ثور، وفيها بدأت نزول الوحي ". 5- عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّأنيث (2) . وفي هذا النوع ستة أخطاء، وجميع المبتدآت هنا مؤنثات مجازية، هي:"الأشياء، معاملة، أخلاق، لغة، هذه المواد، الأماكن ". كما يلاحظ أنَّ الخبر مفرد في جميع العبارات، وألفاظ الخبر هي:"موجود، طيِّب، طيّب، العربي، متعب، كثير ". 6- عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّذكير (3) . وذكر في هذا النوع خطآن، والحقيقة أنه خطأ واحد فقط، وهو في العبارة التَّالية:" كانت المعهد تابعة لكلية الشريعة "، أما العبارة الثانية فليست من هذا الباب، وقد سبق بيان ذلك (4) . والملاحظ هنا أنَّ المبتدأ – اسم كان – مذكر غير حقيقي، أما الخبر فمفرد. 7- تأنيث اسم الإشارة حيث يقتضي السياق تذكيره (5) . وفي هذا النوع ثلاثة عشر خطأ، وإذا تأملنا المشار إليه في جميعها وجدناه مذكَّراً غير حقيقي،ومن أمثلة ذلك: " اليوم، الاحتفال، معهد، المكان … ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 8- تذكير اسم الإشارة حين يقتضي السياق تأنيثه (1) . وهنا سبعة أخطاء المشار إليه فيها جميعاً مؤنث مجازي، ومن أمثلة ذلك:" الدروس، المراجع، الأرض، الأشياء … ". 9- تذكير الضمير حين يقتضي السياق تأنيثه (2) . وعدد الأخطاء هنا أحد عشر خطأ، وهنا لا يعود الضمير على مؤنث حقيقي إلا في مثالين فقط، أمّا بقيَّة الأمثلة فالضمير فيها يعود على مؤنثاتٍ مجازيَّة مثل: " الأماكن، دراسته، الصلاة، البقعة … ". 10- تأنيث الضمير حين يقتضي السياق تذكيره (3) . وعدد الأخطاء هنا تسعة، ولا يعود الضمير على مذكر حقيقي إلا في مثال واحد فقط، أما بقيَّة الأمثلة فإن الضمير فيها يعود على مذكر غير حقيقي، مثل:" المكان، البلد، المستوى … ". 11- تذكير العدد حيث يقتضي السياق تأنيثه (4) . وعدد الأخطاء هنا ثلاثة، والمعدود في جميع الأمثلة مذكر غير حقيقي، هو: " مستويات، أشهر، أقسام ". 12- تأنيث العدد حين يقتضي السياق تذكيره (5) . وهنا خطأ واحد، المعدود فيه مؤنث مجازي، هو كلمة (سَنَةٍ) . 13- عدم المطابقة بين خبر (أنَّ) واسمها من حيث التَّأنيث (6) . وفي هذا النوع خطأ واحد، والصواب أنَّهما خطآن (7) واسم (أنَّ) فيهما مؤنث مجازي هو كلمة " اللغة " في كلا المثالين. والذي أميل إليه هو جعل هذا الصنف من الأخطاء مع الصنف الخامس، وهو " عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّأنيث " لأنَّ المحلِّلين لم يفردوا خبر (كان) وجعلوه مع خبر المبتدأ (8) ، فكان الأولى بهم أن يعاملوا خبر (أنَّ) معاملة خبر (كان) . وبعد هذه النظرة في أخطاء الطلاب حسب التَّصنيف الذي ارتضاه المحللون يظهر لنا بوضوح أن قضايا التَّذكير والتَّأنيث التَّي وقعت فيها أكثر أخطاء الطلاب، هي: 1- المطابقة بين الصفة المفردة والموصوف في التَّذكير والتَّأنيث. 2- دلالة اسم الإشارة على المذكر أو على المؤنث. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 3- المطابقة بين الضمير العائد وما يعود عليه من مذكر أو مؤنث. 4- المطابقة بين الخبر المفرد والمبتدأ في التَّذكير والتَّأنيث. 5- تذكير الفعل أو تأنيثه. ولو أعدنا النظر كرَّةً أخرى إلى أخطاء الطلاب وحاولنا تصنيفها تصنيفاً آخر، غير ذلك التَّصنيف الذي ارتضاه المحللون لخرجنا بالنتائج التَّالية: 1- عدد أخطاء الطلاب حين كان الاسم مذكراً حقيقياً، أو وصفاً لمذكر حقيقي، هو أربعة أخطاء. 2- عدد أخطاء الطلاب حين كان الاسم مؤنثاً حقيقياً اثنان فقط. 3- سائر الأخطاء وقع فيها الطلاب حين كان الاسم مذكراً غير حقيقي، أو مؤنَّثاً مجازيّاً. وهذا يدل على أن المشكلة الكبرى التَّي تواجه الطلاب هي صعوبة التَّمييز بين المذكر والمؤنث غير الحقيقيين. المبحث الثاني: التَّذكير والتَّأنيث في الكتاب الأساسي الكتاب الأساسي هو الكتاب المقرر على جميع مستويات قسم تعليم اللغة بالمعهد، ويحوي جميع مواد اللغة العربية، وهو سلسلة أصدرها معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى، في ستة أجزاء بعنوان:" تعليم العربية لغير الناطقين بها، الكتاب الأساسي ". والجزء الأول من هذه السلسلة مقرر على طلاب المستوى الابتدائي الأوَّل، والجزء الثاني يدرسه طلاب المستوى الابتدائي الثاني، والجزء الثالث لطلاب المستوى المتوسط الأوَّل، والجزء الرابع لطلاب المستوى المتوسط الثاني، أما الجزء الخامس فهو مقرر على طلاب المستوى المتقدم الأوَّل، والجزء الأخير لطلاب المستوى المتقدم الثاني. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 وفي هذا المبحث سأنظر في المادة العلمية المقدمة للطلاب في هذا الكتاب عن قضايا التَّذكير والتَّأنيث، لعلها تكشف لنا بعض أسباب كثرة أخطاء الطلاب في هذا الموضوع، وسأقصر دراستي هنا على الأجزاء: الثاني والثالث والرابع والقسم الثاني من الجزء الخامس فقط، وسبب ذلك أنَّ الجزء الأوَّل خلا من القواعد النحوية، وكذلك القسم الأول من الجزء الخامس، أما الجزء السادس فهو مقرر على طلاب المستوى المتقدم الثاني، والعينة التَّي حُلِّلَتْ أخطاؤها هم من الطلاب الذين أنهوا دراسة المستوى المتقدم الأوَّل أيْ أنَّهم درسوا جميع أجزاء الكتاب عدا السادس، لذلك لا ينبغي إدخال مادَّته العلمية في هذا البحث (1) . وقضايا التَّذكير والتَّأنيث التَّي وردت في الكتاب هي: أولاً: تعريف المذكر والمؤنث، وبيان علامات التَّأنيث. وقد درست هذه الأمور في المستويين الابتدائي الثاني والمتوسط الثاني ففي الابتدائي الثاني درس الطلاب القواعد التَّالية: " 1-الاسم إما مذكر أو مؤنث. 2- المذكر: ما خلا من علامات التَّأنيث أو دلَّ على ذكر. 3- المؤنث: ما دلَّ على أنثى أو كانت به علامة تأنيث في آخره. 4- علامات التَّأنيث هي: التَّاء والألف المقصورة والألف الممدودة " (2) أما المتوسط الثاني فدرسوا فيه القواعد التَّالية: " 1-قد يكون المؤنث حقيقياً (يدل على أنثى وينتهي بالعلامة) وقد يكون مجازياً (يدل على أنثى ويخلو من العلامة) ، وقد يكون لفظياً (يدل على ذكورة ولكنه ينتهي بالعلامة) . 2- علامات التَّأنيث: تاء متحركة في الأسماء، وفي أول الفعل المضارع، وتاء ساكنة في آخر الفعل الماضي، ثم ألف التَّأنيث المقصورة، ثم ألف التَّأنيث الممدودة. 3- يعدّ الاسم مؤنثاً مجازياًّ إذا ظهرت التَّاء في فعله، أو في صورة مُصَغَّرِهِ، أو حُذفت من اسم عدده، أو عاد عليه ضمير المؤنث، أو أشير إليه بإشارة المؤنث. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 4- التَّذكير والتَّأنيث في النحو لا يطابقان الذكورة والأنوثة في الطبيعة؛ لأنهما وسيلة من وسائل تصنيف مفردات اللغة لا الطبيعة " (1) . ثانياً: الضمائر المتصلة والمنفصلة، وبيان ما هو منها للمذكر، وما هو للمؤنث. وقد درست هذه الأمور في المستوى الابتدائي الثاني (2) ثم في المستوى المتوسط الثاني (3) . ثالثاً: أسماء الإشارة، ودلالتَّها على التَّذكير والتَّأنيث. ودرس هذا الموضوع في المستوى الابتدائي الثاني (4) . رابعاً: الأسماء الموصولة، ودلالتَّها على التَّذكير والتَّأنيث. ودرس هذا الموضوع في المستوى المتوسط الأوَّل (5) . خامساً: تأنيث الفعل الماضي إذا كان نائب الفاعل مؤنثاً. ودرس الطلاب فيه القاعدة التَّالية: " إذا كان نائب الفاعل مؤنثاً لحقت الفعل الذي قبله تاء ساكنة للتأنيث " (6) . سادساً: تذكير العدد وتأنيثه. وقد دُرس هذا الموضوع في المستوى المتوسط الأول (7) ، ثم أعيدت دراسته بتوسع في المستوى المتقدم الأوَّل (8) . سابعاً: ضمائر الربط المتصلة بجملة الخبر، وجملة الصفة، وجملة الحال، وكذلك المتصلة ببدل البعض من الكل وبدل الاشتمال، والمتصلة بألفاظ التَّوكيد المعنوي. وقد دُرس بعض هذه الموضوعات في المستوى المتوسط الأوّل (9) ودُرس بعضها الآخر في المستوى المتقدم الأول (10) . وبعد دراسة هذه المادة العلمية وتأملها خرج الباحث بنتيجتين: الأولى: هي وجود بعض الأخطاء العلمية في الكتاب وتتلخص فيما يلي: 1- عُرِّف المذكَّر بأنه ما خلا من علامات التَّأنيث، أو دَلَّ على ذكر. وعُرِّفَ المؤنَّث بأنَّه ما دَلَّ على أنثى، أو كان به علامة تأنيث في آخره (11) . وهذان التَّعريفان غير دقيقين، ولا يستطيع الطلب بهما التَّمييز بين المذكر والمؤنث فسيشكل عليه نحو (حمزة وطلحة) لوجود العلامة، كما سيشكل عليه نحو (يد وأرض) لخلوهما من العلامة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 والأحرى بنا أن نذكر في تعريف المذكر والمؤنث ما ذكره علماؤنا السابقون، فإنَّهم قسموا المذكر إلى قسمين هما: مذكر حقيقي، وهو ما كان له فرج الذكَّر. ومذكر غير حقيقي، وهو مالم يكن له ذلك. كما قسموا المؤنث إلى قسمين أيضاً: مؤنث حقيقي وهو ما كان له فرج الأنثى. ومؤنث غير حقيقي، وهو مالم يكن له ذلك (1) . 2- فُسِّر المؤنث الحقيقي بأنَّه يدل على أنثى وينتهي بالعلامة. وفُسِّر المؤنث المجازي بأنَّه يدل على أنثى ويخلو من العلامة، ومُثِّلَ له بهند ومريم ودعد وسعاد وزينب (2) . ولا يخفى ما في هذين القولين من الخطأ، فالمؤنث الحقيقي قد يخلو من العلامة كزينب وسعاد، والمؤنث المجازي قد تلحقه العلامة كشجرة وغرفة. أما التَّمثيل للمؤنث المجازي بهند ومريم ودعد وسعاد وزينب فخطأ بيِّن. 3- قال المؤلفون:" يُعَدُّ الاسم مؤنثاً مجازياً إذا ظهرت التَّاء في فعله أو في صورة مُصَغَّرِهِ، أو حُذفت من اسم عدده، أو عاد عليه ضمير المؤنث، أو أشير إليه بإشارة المؤنث: (3) . قلت: هذه الأمور ليست خاصة بالمؤنث المجازي، بل هي مشتركة بينه وبين المؤنث الحقيقي. 4- قال المؤلفون:" التَّذكير والتَّأنيث في النحو لا يطابقان الذكورة والأنوثة في الطبيعة؛ لأنَّهما وسيلة من وسائل تصنيف اللغة لا الطبيعة " (4) . قلت: هذا تعميم خاطئ فالمطابقة بين النحو والطبيعة متحققة في المذكر والمؤنث الحقيقيين. أما النتيجة الثانية: فهي ما في المادة العلمية من قصور، فقد أُهملت بعض قضايا التَّذكير والتَّأنيث المهمة ولم تدرس، وهي: 1- وجوب المطابقة في التَّذكير والتَّأنيث بين الخبر المفرد والمبتدأ. 2- وجوب المطابقة في التَّذكير والتَّأنيث بين النعت المفرد والمنعوت. 3- تذكير الفعل أو تأنيثه للفاعل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 نعم تحدث المنهج حديثاً مقتضباً عن تأنيث الفعل الماضي لنائب الفاعل، وكان الأولى أن يكون الكلام عن الفعل مع الفاعل، ثم يُبين أن نائب الفاعل يأخذ حكم الفاعل. 4- اكتساب المضاف من المضاف إليه التَّذكير أو التَّأنيث. 5- معاملة جمع التَّكسير، واسم الجمع، واسم الجنس معاملة المؤنث. المبحث الثالث: أسباب المشكلة وعلاجها أولا: الأسباب. ذكر الدكتور البدراوي زهران في تعقيبه على جدول تحليل الأخطاء ثلاثة أسباب لهذه المشكلة هي: 1- التَّداخل اللغوي، ونقل الخبرة من اللغة الأم إلى العربية. 2- المبالغة في التَّصويب، حيث إنَّ الطالب يريد أن يتفادى أخطاء هذه الظاهرة التَّي يدركها ويتفادى الوقوع فيها، فيقع فيها 3- قواعد خاصة باللغة العربية غير موجودة في لغات الدارسين تصعب عليهم (1) . ولم يحدد الدكتور البدراوي تلك القواعد الصعبة. وهذه الأسباب هي أسباب عامة يذكرها المؤلفون في تحليل الأخطاء، ولا تخص هذه المشكلة وحدها، كما لا تخص دارسي اللغة العربية وحدهم، وإنما يشركهم فيها كل من درس لغة ثانية أيًّا كانت (2) . وقد أظهرت دراستي لأخطاء الطلاب والمنهج المقرر عليهم أن من أهم أسباب كثرة الأخطاء في التَّذكير والتَّأنيث ما يلي: 1- الأخطاء العلمية الواردة في الكتاب الأساسي التَّي سبق بيانها. 2- قصور المنهج المقرر حيث أُغفلت قضايا مهمة من قضايا التَّذكير والتَّأنيث، وسبق بيانها في المبحث السابق. 3- صعوبة التَّفريق بين المذكر المجازي، والمؤنث المجازي. وأنا أعتقد أن هذا السبب الأخير هو أهم الأسباب التَّي تؤدي إلى وقوع الطلاب في الخطأ، ودليل ذلك أنَّ أخطاءهم في المذكر والمؤنث الحقيقيين لا تكاد تذكر فهي ستة أخطاء فقط، وسائر الأخطاء وقعت عندما كان الاسم مذكراً أو مؤنثاً غير حقيقي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 ولعلّ ما ذكره الدكتور البدراوي من أخطاء المبالغة في التَّصويب يعود في جانب كبير منه إلى هذا السبب، وهو عدم القدرة على التَّفريق بين ما هو مذكر وما هو مؤنث من الأسماء التَّي تذكيرها أو تأنيثها ليس على وجه الحقيقة، فيتخبط الطلاب فيها على غير بصيرة، يؤنثون المذكر تارة، ويذكِّرون المؤنث أخرى، ولو ميَّز الطالب بين المذكَّر والمؤنث لاستطاع أنْ يعامل كل واحد منهما المعاملة اللائقة به من مطابقة، أو إشارة، أو عود ضمير، أو تذكير فعل أو تأنيثه. ثانياً: العلاج. أما وقد عرفت الأسباب فإن علاج هذه المشكلة يكون بمعالجة أسبابها، وقد ذكر الدكتور البدراوي أنَّ التَّداخل اللغوي ونقل الخبرة من اللغة الأم يكون علاجه بوضع تدريبات دقيقة يحلُّها التَّلاميذ تحت إشراف أستاذهم (1) . أمّا الأسباب الأخرى التَّي أظهرتها دراستي هذه فأرى أنَّ علاجها يكون بتصويب الأخطاء العلمية الواردة في المقرر وصياغة القاعدة بشكل صحيح، واستكمال النقص في المنهج بإعداد دروسٍ مع تدريباتها في موضوعات التَّذكير والتَّأنيث التَّي أهملت، وتضاف تلك الدروس إلى أماكنها في الكتاب الأساسي في طبعاته اللاحقة. وأما التَّفريق بين المذكر المجازي، والمؤنث المجازي، فلا شك أنَّه أمر صعب ولا سبيل إلى معالجته إلا بسلوك الطريق الذي سلكه أسلافنا، رحمهم الله، لعلاج هذه المشكلة، عندما ألفوا الكتب والرسائل في المذكر والمؤنث، وبينوا فيها ما هو مذكر من الأسماء وما هو مؤنث، وما روي فيه التَّذكير والتَّأنيث، إذ لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بالرواية والحفظ. وهنا أقترح أن يقوم المعهد بإعداد معجم للمذكر والمؤنث المجازيين، تحصى فيه كل الأسماء التَّي وردت في الكتاب الأساسي بجميع أجزائه ويستشهد على كل اسم بشاهد من القرآن الكريم أو الحديث الشريف، وإلا فمن كلام العرب، وتدفع لكل طالب نسخة من هذا المعجم تكون بين يديه، وتحت نظره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 كما أقترح أن تخصص بعض الحصص الدراسية في المستويات المتأخرة لقراءة هذا المعجم، ودراسته، والاستفادة منه. وريثما يتم تأليف هذا المعجم، فإني أرى أنْ يُقَرَّرَ على الطلاب في المستوى الأخير من قسم تعليم اللغة، كتاب المذكر والمؤنث لأبي الفتح عثمان ابن جني. رحمه الله. • • • خاتمة البحث: بعد دراسة أخطاء الطلاب في التَّذكير والتَّأنيث ودراسة المادة العلمية المقدمة لهم في هذا الموضوع ظهر للباحث النتائج التَّالية: 1- وجود أخطاء علمية في قواعد التَّذكير والتَّأنيث التَّي درسها الطلاب في الكتاب الأساسي. 2- قصور المنهج المقرر على الطلاب إذ لم يتعرض لبعض الموضوعات المهمة من قضايا التَّذكير والتَّأنيث. 3- أهم أسباب وقوع الطلاب في أخطاء التَّذكير والتَّأنيث هو صعوبة التَّمييز بين المذكر والمؤنث غير الحقيقيين. الحواشي والتعليقات البيان والتَّبيين 1/73. - انظر المذكر والمؤنث لابن جني ص 23. التَّطور النحوي ص 112. الأخطاء اللغوية ص 97. المصدر السابق ص 98. المصدر السابق ص 129. الأخطاء اللغوية ص 39،40. انظر: شرح الكافية الشافية 2/595،919، وأوضح المسالك ص،242،385، والتَّصريح على التَّوضيح 1/277، 2/31، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل 1/162، 2/247. انظر الأخطاء اللغوية ص 42. انظر المصدر السابق ص 42. انظر المصدر السابق ص 42. انظر المصدر السابق ص 36. انظر المصدر السابق ص 36. انظر المصدر السابق ص35، وما بعدها. من المؤنثات المجازية اسم الجنس، واسم الجمع، والجمع المكسر (انظر: التَّصريح على التَّوضيح 1/280) . انظر الأخطاء اللغوية ص 40،41،42. انظر المصدر السابق ص 39،40. انظر ص 884. انظر الأخطاء اللغوية ص 43،44. انظر المصدر السابق ص38. انظر المصدر السابق ص 42. انظر ص 884. انظر الأخطاء اللغوية ص 43،42. انظر المصدر السابق ص 39،38. انظر المصدر السابق ص 39. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 انظر المصدر السابق ص 43. انظر المصدر السابق ص 39. انظر المصدر السابق ص 43. انظر المصدر السابق ص 39. انظر ص 884. انظر الأخطاء اللغوية ص 42. بالاطلاع على هذا الجزء ظهر أنَّه لا يحوي شيئاً من قضايا التَّذكير والتَّأنيث الكتاب الأساسي 2/165. المصدر السابق 4/108. انظر المصدر السابق 2/282،253. انظر المصدر السابق 4/70. انظر المصدر السابق 2/300. انظر المصدر السابق 3/220،219. المصدر السابق 3/135. انظر المصدر السابق 3/414. انظر المصدر السابق 5/327 (القسم الثاني) . انظر المصدر السابق 3/386،31. انظر المصدر السابق 5/376،362،307،277 (القسم الثاني) . المصدر السابق 2/165. انظر البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث لأبي البركات بن الأنباري ص63. انظر الكتاب الأساسي 4/108. المصدر السابق 4/108. المصدر السابق 4/108. انظر الأخطاء اللغوية ص 131،130،128. انظر: التَّقابل اللغوي وتحليل الأخطاء، تعريب وتحرير الدكتور / محمود إسماعيل الصيني، وإسحاق محمد الأمين ص 147. وانظر، أيضاً: أسس تعلم اللغة وتعليمها تأليف هـ، دوجلاس براون، ترجمة الدكتور عبده الراجحي، والدكتور علي علي أحمد شعبان ص 214 وما بعدها، انظر الأخطاء اللغوية ص 131. المصادر والمراجع - الأخطاء اللغوية التَّحريرية لطلاب المستوى المتقدم في معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى تأليف لجنة من أساتذة المعهد، الإصدار الخامس من سلسلة دراسات في تعليم اللغة العربية، نشر وحدة البحوث والمناهج بمعهد اللغة العربية في جامعة أم القرى، شركة مكة للطباعة والنشر (بدون تاريخ) . - أسس تعلّم اللغة وتعليمها، تأليف هـ. دوجلاس براون، ترجمة الدكتور عبده الراجحي، والدكتور علي علي أحمد شعبان، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت 1994م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، تأليف الإمام أبي محمد عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري، المتوفى سنة 761هـ، تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، (بدون تاريخ، ولم يذكر مكان الطبع) . - البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث، لأبي البركات بن الأنباري المتوفى سنة 577هـ، تحقيق الدكتور رمضان عبد التَّواب، مطبعة دار الكتب، 1970م. - البيان والتَّبيين، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، المتوفى سنة 255هـ، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت – لبنان (بدون تاريخ) . - التَّصريح على التَّوضيح، للشيخ خالد بن عبد الله الأزهري المتوفى سنة 905هـ، دار الفكر، بيروت (بدون تاريخ) - التَّطور النحوي، لبرجشتراسر، أخرجه وصححه وعلق عليه الدكتور رمضان عبد التَّواب، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، ودار الرفاعي بالرياض 1402هـ – 1902م. - التَّقابل اللغوي وتحليل الأخطاء، تعريب وتحرير الدكتور محمود إسماعيل صيني، وإسحاق محمد الأمين، نشر عمادة شؤون المكتبات بجامعة الملك سعود، مطابع جامعة الملك سعود، الطبعة الأولى 1402هـ- 1982م. - حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، للشيخ محمد الخضري المتوفى سنة 1287هـ، دار الفكر – بيروت 1409هـ 1989م. - شرح الكافية الشافية، تأليف جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك، المتوفى سنة 672هـ، تحقيق الدكتور عبد المنعم أحمد هريدي، نشر مركز البحث العلمي وإحياء التَّراث الإسلامي بجامعة أم القرى – دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى 1402هـ. - الكتاب الأساسي، تأليف عدد من أساتذة معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى، نشر وحدة البحوث والمناهج بمعهد اللغة العربية بجامعة أم القرى، طبع بين سنتي 1405هـ و 1412هـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 - المذكر والمؤنث، لأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري، المتوفى سنة 328هـ، تحقيق الدكتور طارق الجنابي، دار الرائد العربي – بيروت – لبنان، الطبعة الثانية 1406هـ – 1986م. - المذكر والمؤنث، لأبي الحسين أحمد بن فارس، المتوفى سنة 395هـ، تحقيق الدكتور رمضان عبد التَّواب، مكتبة الخانجي القاهرة، الطبعة الأولى 1969م. - المذكر والمؤنث، لأبي الفتح عثمان بن جني، المتوفى سنة 392 تحقيق الدكتور طارق نجم عبد الله، دار البيان العربي، جدة، الطبعة الأولى 1405هـ 1985م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 الألفاظ المشتركة المعاني في اللغة العربية طبيعتها أهميتها مصادرها د. أحمد محمد المعتوق الأستاذ المشارك بقسم الدراسات العربية والإسلامية - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الظهران ملخص البحث ... تشكل الألفاظ العربية المشتركة المعاني مع ما صدر لها من شروح ودار حولها من مناقشات جزءاً مهماً من تراثنا اللغوي والأدبي. غير أن موقف الباحثين واللغويين العرب حيال هذه الألفاظ وحديثهم عن طبيعتها وعن أهميتها ودورها في مجال التعبير كان وما يزال خلافياً غير مستقر، كما أن الكتب المحتوية على هذه الألفاظ تنقصها المنهجية ويعوزها التنظيم. وهذا ما جعل من هذه الألفاظ قضية لغوية جديرة بالدراسة، لاسيما وأن الظروف اللغوية الراهنة تقضي بالبحث عن ما يثري اللغة ويبعث على التمكن منها. وهذا البحث يعالج هذه القضية من زوايا مختلفة: لغوية وأدبية وبلاغية، معالجة تعتمد الفحص والتحليل والطرح الموضوعي ومناقشة الآراء وفق منهج نقدي جديد يهدف بالدرجة الأولى إلى إيجاد حلول جذرية للخلاف الدائر حول الألفاظ المشتركة المعاني في اللغة العربية، كما يسعى إلى توضيح طبيعة نشوئها وإثبات أهميتها ومدى فاعليتها في مجالات التعبير في حياتنا الحاضرة. ثم إلى دراسة أهم الكتب التي تضمها، بنحو يمهد لوضع معجم عصري موحد شامل متطور لها. هذا كله بالإضافة إلى ما يثيره هذا البحث من أسئلة وموضوعات تتعلق بجوانب جديرة بالدراسات المستقبلية، من مثل ارتباط المشترك اللفظي بالشعر بنوعيه القديم والحديث، وارتباطه ببعض الأساليب البلاغية كالمجاز والتورية والاستعارة والجناس. وأخيراً ما يمكن أن تكون له من صلة بمستقبل المصطلح العلمي. • • • تقديم: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 بالإضافة إلى الاختلاف القائم حول حقيقة الاشتراك اللفظي في اللغة العربية، هناك تباين في الآراء حول أهميته، أو مدى إيجابية وجوده، أو كثرته في اللغة: فمن مدع أن المشترك اللفظي يشكل دليلاً على ضعف اللغة، وعدم قدرتها أو قدرة رصيدها على التعبير عن معاني الحياة وأغراضها المختلفة، لذلك يجب تنزيه اللغة عنه. ومن مدع أن المشترك اللفظي يشكل عاملاً مهماً من عوامل الغموض في النصوص، ولاسيما النصوص الشعرية، وإذاً فلا يعد وجوده أو تزايده في العربية صفة إيجابية محمودة؛ لأنه يسلبها جانباً من وضوحها وجلائها المفترض. وهذا مذهب تؤيده بعض النزعات التقليدية التي تشترط وضوح العبارة على عمومها، وترى أن أحسن الكلام ما كشف القناع عن معناه، وأفهم سامعه مضمونه دون جهد أو عناء. بينما ترفضه الاتجاهات التي تعد الغموض سمة إيجابية في النص الأدبي، لاسيما إذا كان شعراً، وتعتبر كثرة المشترك اللفظي دليلاً على ثراء اللغة، وطواعيتها ومرونتها، وشاعريتها، واتساعها في التعبير، وليس فقرها وضعفها كما يزعم الآخرون. من جانب آخر فقد كان للمشترك اللفظي عند أهل البديع مقام كبير؛ لأن عدداً من فنون البديع كالجناس والتورية والترصيع وغيره من فنون البلاغة الأخرى قائم عليه، مستمد وجودها من وجوده. وهذا من جملة ما جعل المشترك اللفظي موضع اهتمام الفقهاء والأصوليين والمفسرين والباحثين في بلاغة القرآن وإعجازه من علماء العرب ونقادهم القدامى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 .. الإشكالات والآراء المختلفة أو المتضاربة التي سبقت الإشارة إليها جعلت من المشترك اللفظي قضية تستوجب الاهتمام، وتحفز على البحث، من أجل الوصول إلى معادلة صريحة، أو قرار حاسم حول طبيعة المشترك اللفظي وحقيقته، وحول ما يمكن أن يكون له من دور في إثراء الرصيد اللغوي وتنمية القدرة على التعبير، وفي واقع الحياة اللغوية عامة، والتحقيق في ما يرتبط بظاهرة الاشتراك اللفظي من شبهات أو ملابسات، هذا بالإضافة إلى التنبيه إلى أهم وأبرز مصادر المشترك اللفظي نفسه، وإلى ما يمكن أن يجعل هذه المصادر أكثر فاعلية. وهذه الدراسة تبحث هذه الجوانب في إطار نقدي مختصر جديد، تسعى إلى أن تكون فيه بعيدة عن تلك الاستطرادات والسرديات والطروحات المتكررة التي حفلت بها معظم الدراسات أو الكتابات السابقة ذات الصلة بالقضية، كما تطمح إلى أن تكون حافزة وممهدة لدراسات مستقبلية أكثر عمقاً وشمولية واتساعاً. طبيعة الاشتراك اللفظي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 .. يفرق بعض علماء اللغة المعاصرين من حيث المفهوم (1) بين الاشتراك اللفظي، أو ما يسمونه ... ب "homonymy " وبين " تعدد المعنى للفظ الواحد " أو ما يطلقون عليه " polysemy"، وينظرون إليهما على أنهما موضوعان مستقلان، يتناول أولهما - كما يستفاد من كتاباتهم أو طروحاتهم - تلك الألفاظ التي تتطور في شكلها وبنيتها الخارجية تطوراً متوازياً ممتداً حتى تتقابل وتتقارب وربما تتفق اتفاقاً تاماً وبطريق المصادفة في أصواتها وصورة نطقها، رغم اختلاف معانيها وصورة كتابتها، كما في الكلمتين الإنكليزيتين: see التي تعني بالعربية (يرى) و seaالتي تعني (البحر) ، وكذلك الكلمتين flour التي تعني (الدقيق أو لب القمح) وكلمة flower التي تعني (الزهرة) ، بينما يتناول الموضوع الثاني تلك الكلمات التي تنشأ عن تطور مدلولات الكلمة الواحدة منها إلى أن تتباعد ((بعضها عن بعض في خطوط متفرقة)) (2) وبهذا فإن مصطلح " المشترك اللفظي " وفق هذا المفهوم يعني التكرار مع التغير، ولكنه يتضمن وجود أكثر من كلمة بصيغة واحدة. بينما يتضمن المصطلح الآخر وجود كلمة واحدة بنفس الصيغة والشكل لأكثر من معنى واحد، أو بمعنى آخر أن الاشتراك اللفظي يعني وجود كلمات منحدرة من أصول مختلفة وذات مدلولات مختلفة أيضاً ولكنها متقاربة أو متطابقة من حيث الصيغة أو النطق. بينما يعني " تعدد المعنى" وجود كلمة واحدة منحدرة من أصل واحد لها أكثر من مدلول. ... رغم ما يوجد من تفريق دقيق بين مفهومي المصطلحين السابقين، فإن هناك بعض التداخل الملحوظ بينهما، وهذا التداخل ناشئ عن اعتبار بعض الكلمات " متعددة المعنى " عند بعض من أشرنا إليهم من العلماء من ضمن " المشترك اللفظي " لمجرد تطابق هذه الكلمات في النطق أو الصياغة، وعدم إدراك أو ملاحظة العلاقات بينها من قبل المتكلم العادي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 .. يعتبر (ستيفن أولمان) على سبيل المثال كلمة see التي تعني في العربية (يرى) غير كلمة see في عبارة مثل «the bishop's see» التي تعني (عرش الأسقف) ، وكلمة page التي تعني (صفحة في كتاب) منفصلة عن كلمة page نفسها في عبارة page boy التي تعني (الساعي أو البواب) ، وكلمةflower التي تعني (زهرة) مستقلة عن الكلمة نفسها في عبارة مثل «the flower of the country's manhood» ، أي (صفوة رجال الأمة) . وعلى هذا الأساس فإن هذه الكلمات تعتبر من ضمن «المشترك اللفظي» وليست من «متعدد المعنى» ؛ لعدم وجود ما يشعر متكلم اللغة العادي بوجود علاقة بين كل زوج من هذه الكلمات، وعدم وجود ما يدل دلالة قاطعة على انحدارهما من أصل واحد (1) . ... وهذا تعليل موجب للارتباك والخلط، كما هو واضح، وقد أشار أولمان نفسه إلى تحفظ الاشتقاقيين والباحثين في الأصول التاريخية للكلمات على هذا الرأي، ذلك؛ لأن التعليل المذكور لا يسهل معه التفريق بين الاشتراك اللفظي، وتعدد المعنى بنحو ثابت، فكلمة (الخال) العربية على نحو المثال تعني كما ورد في «المعجم الوسيط» : (أخو الأم) وتعنى (لواء الجيش) كما تعنى (ما توسمت به خيراً) وهي معان مختلفة كما نرى، قد لا يدرك المتكلم العادي في الأعم الأغلب أدنى علاقة بينها، فهل يدعو ذلك لإخراج هذه الكلمة عن كونها كلمة «متعددة المعنى» واعتبارها ثلاث كلمات منحدرة من أصول مختلفة! ؟ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 .. لا يبدو من كلام اللغويين العرب الأوائل ولا المعاصرين - حسب ما انتهى إليه تحقيقي - أنهم يفرقون بين «الاشتراك اللفظي» وبين «تعدد المعنى» على النحو الذي سبق توضيحه، فالمفهوم منهما عندهم كما يبدو واحد، وهو عكس ما يفهم من الترادف تماماً. فإذا كان الترادف يعني اتحاد المعنى وتعدد اللفظ، أو (إطلاق كلمتين أو عدة كلمات على مدلول أو معنى واحد) ، فإن الاشتراك اللفظي يعنى اتحاد اللفظ في الصيغة والنطق والكتابة والأصل في أغلب الأحيان أيضاً مع تعدد المدلول، أو بتعبير آخر (إطلاق كلمة واحدة في اللغة على معنيين فأكثر على السواء) (1) دون شرط ارتباطها بالسياق الكلامي. كما تطلق في العربية مثلاً كلمة (الخال) على أخ الأم وعلى الشامة، وكلمة (النوى) على البعد وعلى جمع النواة، وكلمة (العين) على العين الباصرة، وعلى نبع الماء، وعلى رئيس أو وجيه القوم، وعلى الجاسوس، وعلى النقد والذهب، وعلى الشيء نفسه، وعلى معان أخرى غيرها ... (2) ... ومما يكثر استعماله في عصرنا من هذا النوع من الألفاظ على نحو المثال كلمة (الهاتف) التي نستخدمها للدلالة على الصوت الذي يسمع ولا يرى صاحبه، أو على الصوت الباطني الخفي فنقول مثلاً: «هتف به هاتف» الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 و «كأن هاتفاً هتف بي بين النوم واليقظة أن أعلن كلمة الحق» و «كلنا نهتف بعظمة الخالق سبحانه» . كما نطلق هذه الكلمة أيضاً على الذي يصيح بشخص مادحاً إياه فنقول: «هتف القوم بحياة الرئيس» . ونطلقها على آلة التلفون فنقول: «استعمل دليل الهاتف» و «أجهزة الهاتف المتنقل» ، وكذلك على (دائرة البرق والبريد والهاتف) نفسها، فنقول: «فلان يعمل في الهاتف، أو في دائرة الهاتف» .. فهذه المعاني المختلفة كلها تشترك في لفظة (هاتف) ، بنفس الصيغة والنطق ونفس الحركات، وهي وإن كانت تتحدد بالسياق في الغالب، إلا أنها يمكن أن تتبادر إلى الأذهان في حالة الإفراد أيضاً، أي بمجرد نطق الكلمة وعدم وجود السياق الذي ينص على مدلول واحد منها دون غيره.. ... ولا يختلف مفهوم «الاشتراك اللفظي» عند البلاغيين العرب، كما يبدو عما هو عليه عند علماء اللغة، فهو، أو «الاشتراك في اللفظ» - كما يطلق عليه أحياناً - يستخدم كمرادف ل ... «تعدد المعنى» ، وإن كان هناك من يستخدم هذا المصطلح وكأنه أعم في مدلوله من تعدد المعنى للفظ الواحد. فابن رشيق القيرواني (ت 456هـ) مثلاً يقسم الاشتراك في اللفظ في إطار حديثه عن التجنيس إلى ثلاثة أنواع (1) : ... النوع الأول: وقد أدرجه ضمن أنواع التجنيس أو المماثلة. وهو «أن تكون فيه اللفظة واحدة باختلاف المعنى» ، مثل قول زياد الأعجم يرثي المغيرة بن المهلب: فانعَ المُغيرَة للمُغيرَة إذ بَدَتْ شعواءَ مشعلة كنبح النابح ... فالمغيرة الأولى: رجل، والمغيرة الثانية: الفرس، وهو ثانية الخيل التي تُغير. فهنا اللفظة استخدمت بمعنيين، فهي مشترك لفظي صريح وفق المفهوم المتعارف عليه آنذاك. ... النوع الثاني: وهو أن يحتمل اللفظ معنيين، أحدهما يلائم السياق الذي يستخدم فيه اللفظ والآخر لا يلائمه ولا دليل عليه وذلك كقول الفرزدق: وما مثله في الناس إلا مملكاً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 أبو أمه حَيٌّ أبوه يُقاربه ... فقوله: (حَيٌّ) ، يحتمل القبيلة، ويحتمل الواحد الحَيَّ. وهذا النوع، كما هو واضح مشابه للنوع الأول، ما عدا أن المعنى الآخر للفظ غير واضح، أو لا وجود لقرينة لفظية أو سياقية تدل عليه في النص الذي استخدم فيه، وهذا بالطبع لا يخرجه عن كونه مشتركاً في الأصل. ... النوع الثالث: وهو أن يكون اللفظ مشتركاً من حيث أحقية استخدامه بين الناس، لا أحد من الناس أولى به من الآخر. فالاشتراك عنده هنا يعني شركة الناس في استعماله وتداوله وليس هناك ما يتعلق بمعناه وتعدد هذا المعنى. ألفاظ الأضداد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 .. ومما يعد من المشترك اللفظي في اللغة العربية نوع آخر متميز يسمى (الأضداد) ، وتعني في اصطلاح اللغويين العرب الكلمات التي يدل كل منها على معنيين متباينين، أو متعاكسين متناقضين، مثل لفظة (جون) التي تدل على الأسود والأبيض، و (المولى) التي تطلق على العبد والسيد، و (السليم) التي تطلق على الصحيح وعلى الملدوغ و (البصير) التي تطلق على المبصر وعلى الأعمى، و (الحميم) التي تطلق على الحار وعلى البارد، و (الجلل) التي تطلق على الكبير والصغير، و (الزوج) التي تطلق على الرجل وعلى المرأة، فيقال: ((الرجل زوج المرأة والمرأة زوج الرجل ... )) (1) فهذه الكلمات وأمثالها تجري، كما ينص السيوطي: ((مجرى الحروف التي تقع على المعاني المختلفة)) (2) لما تنطوي عليه من تعدد أو اختلاف الدلالة. وقد جمع محمد بن القاسم الأنباري في كتابه «الأضداد» - الذي سنعود للحديث عنه فيما بعد - ما يزيد على (300) ثلاثمائة ضد - كما يتبين من فهرس- «الألفاظ الأضداد» الملحق بالنسخة التي اعتمدناها في هذا البحث -، معظمها تجاوز الدلالة على معنيين متعاكسين أو متناقضين إلى الدلالة على عدد من المعاني ذكرها المؤلف. والضد كما تحدث عنه بعض اللغويين العرب لا يعني النقيض أو العكس بصفة مطلقة، فهناك أصناف عدت من الأضداد، مع أنها لا تفيد معنى التناقض أو العكس، وإنما يدل كل لفظ منها على معنيين متباينين يربط بينهما رابط معين من قريب أو بعيد، كما يحصل لكثير من باقي الألفاظ المشتركة المعاني، مثال ذلك: كلمة (الظعينة) التي تدل على الهودج وعلى المرأة في الهودج، وكلمة (الكأس) التي تطلق على الإناء ذاته وعلى ما فيه من الشراب، وكلمة (الغريم) التي تدل على الدائن وعلى المدين وعلى الخصم أيضاَ، وربما تندرج تحت ذلك كل الصيغ الصرفية المماثلة التي تستعمل للفاعل والمفعول مثل: سميع وعليم وقدير وكحيل وقتيل ودهين وجريح وطريد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 .. (1) مدى توافر المشترك اللفظي في اللغة العربية ... في اللغة العربية، كما تظهر المصادر التي بين أيدينا مجموعات كبيرة من الألفاظ المتعددة المعاني، ومجموعات أخرى من الأضداد لا يستهان بها خصصت لإحصائها مؤلفات عديدة سنذكر لاحقاً بعضاً منها. وقد تضمن كتاب «المنجد فيما اتفق لفظه واختلف معناه» لمؤلفه المعروف بكراع النمل (ت 310 هـ) ، تضمن هذا الكتاب وحده (900) تسعمائة كلمة منها.. أما الكتاب الذي جمع فيه أوغست هفنر أربعة كتب في الأضداد لكل من الأصمعي وأبي حاتم السجستاني ويعقوب بن اسحق بن السكيت والصغاني فقد احتوى - وفق تسلسل ترقيم الألفاظ الواردة فيه - على (706) سبعمائة وستة من الأضداد.. (2) وإذا كان لا يمكن القطع بصحة نسبة كل هذه الأعداد إلى الألفاظ المشتركة المعاني فإن هذه الأرقام تشير بلا شك إلى كثرتها. رغم ما دار حولها أو حول بعضها من نزاع أو وجد من خلاف. ... هناك في الحقيقة نزاع بين عدد من الباحثين حول مبلغ ورود المشترك اللفظي عامة في العربية، بل إن منهم من ينكره ويعمل على تأويل بعض أمثلته ونسبة الاشتراك في الألفاظ إلى المجاز أو إلى عوامل أخرى تنفي وجوده أصلاً أو تشير إلى قلة وروده (3) . ونحن لا نجد مبرراً للخوض في النزاع الذي قام حوله، بل لا نرى جدوى من الجدل أو كثرة النقاش حول شئ لا يمكن تجاهله فضلاً عن إنكاره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 .. إن ظاهرة تعدد الدلالات للمبنى اللفظي الواحد وإن بالغ البعض في القول بكثرتها وشيوعها في العربية وبالغ آخرون في إنكارها أو التقليل من شأنها ودار حولها النزاع كما أشرنا، فإن الواقع الفعلي يشهد بوجودها كظاهرة لغوية بارزة مألوفة، ليس في اللغة العربية وحدها، وإنما في اللغات السامية على عمومها، والنصوص الموروثة ونشاطات هذه اللغات على اختلافها تجسدها (1) ، كما أن القوانين اللغوية تقرها وسنن الحياة البشرية تقتضيها وتسلم بوجودها في كل اللغات المتطورة. (إن قدرة الكلمة على التعبير عن مدلولات متعددة إنما هي خاصة من الخواص الأساسية للكلام الإنساني. وإن نظرة واحدة في أي معجم من معجمات اللغة لتعطينا فكرة عن كثرة ورود هذه الظاهرة، بل إن شحنة المعاني التي تحملها بعض الكلمات تدعو إلى الدهشة، لاسيما تلك الأفعال الكثيرة الشيوع والذيوع مثل: يعمل ويقوم ويضع ... الخ ((2) ... أما بالنسبة لبروز ظاهرة الاشتراك اللفظي في اللغة العربية فقد صرح السيوطي بقوله: ((وذهب بعضهم إلى أن الاشتراك أغلب - قال: لأن الحروف بأسرها مشتركة بشهادة النحاة، والأفعال الماضية مشتركة بين الخبر والدعاء، والمضارع كذلك، وهو أيضاً مشترك بين الحال والاستقبال والأسماء كثير فيها الاشتراك؛ فإذا ضممناها إلى قسمي الحروف والأفعال كان الاشتراك أغلب)) (3) وفي موضع آخر ضمن حديثه عن المشترك اللفظي وعن الأضداد يقول أيضاً: ((وهذا الضرب كثير جداً، ومنه ما يقع على شيئين متضادين كقولهم: جلل للكبير والصغير وللعظيم أيضاً والجون للأسود والأبيض ... وهو أيضا كثير)) (4) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 .. إن كلمة (يعمل) في اللغة العربية مثلاً لها من المعاني المتعددة التي لا يمكن بأية حال من الأحوال رفضها أو تجاهلها؛ لأنها في حيز الاستخدام الفعلي، فنحن نقول فعلاً، وعلى سبيل الحقيقة: «عمل خيراً» أي بمعنى فعل، و «عمل بالقانون» أي طبقه، و «عمل على نشر الكتاب» أي سعى لنشره و «عمل في مصنع، وعمل تاجراً» أي صنع أو مهن، و «عمل بجد» أي اشتغل أو تصرف أو قام بالعمل.. ولا نجد هذا التعدد لمعاني هذه الكلمة في نصوص الشعر والنثر العادية فحسب، وإنما نجده في آيات القرآن الكريم أيضاً. ... لقد وردت الآيات التالية من قوله تعالى: (وَأمّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى) . (وَمِنَ الجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإذْنِ رَبِه) . (لمِثِلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ) . (أَمَّا السَّفِيَنة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِيْ البَحْرِ) . (لاَ يَسْبقُوْنَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) . (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِنْ مَحَارِيْبَ وَتَمَاثِيْلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ)) (1) وفي كل آية من هذه الآيات معنى خاص لكلمة (عمل) لا يتطابق مع المعنى الآخر، وإن تقارب أو تشابه بعضها. ولا شك أن التعدد في معنى (عَملَ) الفعل يتبعه تعدد معنى المصدر «عَمَلْ» . هذا وفي كتاب «الأشباه والنظائر في القرآن الكريم» لمقاتل بن سليمان البلخي (ت 150هـ) أمثلة كثيرة مشابهة لما أوردناه من الأسماء والأفعال والصفات (2) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 .. وفي المعاجم العربية عدد كبير من الألفاظ ذات الدلالات المتعددة، ربما يفوق عدد الألفاظ التي تنفرد بمعنى واحد. ولا يقتصر ذلك على المعاجم القديمة الواسعة، وإنما يشمل المعاجم الحديثة الوسيطة أيضا. وتصل المعاني التي ترد للكلمة الواحدة في المعاجم الحديثة الراصدة للتطورات الدلالية الجديدة منها أحياناً إلى عدد كبير من المعاني المستعملة في الحياة الفعلية الحاضرة. فقد جاء في تفسير الفعل (فتح) على نحو المثال في «المعجم العربي الأساسي» الصادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وهو من أحدث المعاجم المتطورة، ما نصه: ((فَتَحَ يَفْتَحُ فَتْحا فهو فاتح: 1 البابَ والصُّندوقَ ونحوهما: خِلاف أغلقهما، 2 الطّريقَ: هيَّأه للمرور فيه، أذِنَ بالمرور فيه، 3 الاجتماعَ ونحوه: بدأ عمله، 4 المدينةَ أو البلدَ: احتلّها، 5 الكتابَ: نشَرَ طَيَّهُ ليقرأ منه / فتح اعتماداً في المصرف: خصّص مبلغا للصرف منه على عمل معيّن. فتح الله عليه: هداه أرشده. فتح الباب على مصراعيه لعمل ما: أفسح المجال له، سمح به دون قيود. فتح البخْت: تنَّبأ بالمُستقبل. فَتَح بين الخصمين: قَضى (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ) [قرآن] . فتح حِسَابا في المَصْرِف: أودع مبلغا من المال صالحا للسحب منه. فتح شهته: جعله راغبا في الأكْل. فتح صفحة جديدة: غيَّر طريقته «فتحت العراق صفحة جديدة مع مصر» . فتح عيْنَيْه جيدا: انتَبَه، حَذِرَ. فَتَحَ عيْنَيْه على شيء: شاهده أو اختبره وهو لا يزال طِفْلا. فَتَحَ له َقْلبَهُ: باح بسِرِّهِ له، وثق به فأَطْلَعَهُ على سِرِّهِ. فَتَّحَ يُفَتِّحُ تَفْتِيحاً: الأبوابَ ونحوها: بالَغَ في فَتْحِها (لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ) [قرآن] (1) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 .. فنحن نجد هنا أن كلمة (فتح) قد اتسعت لأكثر من (16) ستة عشر معنى، بين محسوس ومجرد، وكلها جارية متداولة، متعارف على استعمال الكلمة فيها ضمن سياقاتها الخاصة. ويمكن أن تتسع لمعان مجازية أخرى متعددة أيضاً كما اتسعت غيرها. ... نظم المعلم بطرس البستاني صاحب معجم «محيط المحيط» قصيدة تصل إلى (30) ثلاثين بيتاً تنتهي كل أبياتها بكلمة (الخال) بمعان مختلفة. ولهذا سميت بالقصيدة الخاليِّة، وربما أراد بذلك إظهار مدى اتساع التعدد الدلالي للألفاظ العربية وسعة اطلاعه وإحاطته بهذا التعدد. ومن هذه القصيدة: أمن خدها الوردي أفتنك الخال فسح من الأجفان دمعك الخال الومض برق من محيا جمالها لعينيك أم من ثغرها الومض الخال رعى الله ذياك القوام وإن يكن تلاعب في أعطافه التيه والخال مهاة بأمي أفتديها ووالدي وإن لام عمي الطيب الأصل والخال (1) ... ومعاني كلمة (الخال) في هذه الأبيات على التوالي: الشامه في الوجه /السحاب الممطر/البرق/ الغرور أو التكبر/ أخو الأم ... إن تعدد المعاني أو المدلولات للكلمة الواحدة إلى الحد الذي رأيناه ليس في الحقيقة ظاهرة غريبة؛ لأن معنى الكلمة كما يقول رائد الفلسفة اللغوية في العصر الحديث (لودفج فتجنشتين) L Wittgenstein: (ليس له ثبات أو تحديد.. واللغة ليست حساباً منطقياً دقيقاً لكل كلمة معنى محدد ولكل جملة معنى محدد ولكل الجمل وظيفة واحدة.. وإنما تتعدد معاني الكلمة بتعدد استخداماتنا لها في اللغة العادية، وتتعدد معاني الجملة الواحدة حسب السياق الذي تذكر فيه.. وأن الكلمة مطاطة تتسع وتضيق استخداماتها حسب الظروف والحاجات) (2) ومع ذلك فإن لهذا التعدد مبررات وأسباباً ثابتة ومحسوسة يفرضها الواقع الاجتماعي وظروف الحياة المختلفة المتغيرة. أسباب نشوء المشترك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 .. إن تعدد المعنى للكلمة الواحدة قد يحدث - كما هو ثابت ومشهود - نتيجة لاختلاف اللهجات واختلاف استخدامها للكلمات، فكلمة القرءُ، كما يقول ابن السكيت ((عند أهل الحجاز الطهر وعند أهل العراق الحيض)) (1) بينما القروء في واقعها الأوقات التي يحصل فيها الطهر أو الحيض. وقد يحصل أن تداخل اللهجات عن طريق التجاور والمعاشرة والاختلاط بين أفراد الجماعات، مما يؤدي إلى حدوث عملية التراكم الدلالي. ... وقد يتعدد المعنى للكلمة الواحدة كذلك نتيجة للاستخدامات المجازية الإرادية لهذه الكلمة، أو نتيجة لاستعمالها في معنى معين، ثم استعارتها لمعنى أو معان أخرى، يكثر ويغلب تداولها حتى تصير بمنزلة المعنى الأصلي في الاستعمال والشيوع. وهذا ما نص عليه أبو علي الفارسي بقوله: ((إن اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ينبغي أن لا يكون قصداً في الوضع ولا أصلاً، ولكنه من لغات تداخلت، أو أن تكون لفظة تستعمل لمعنى ثم تستعار لشيء فتكثر وتصير بمنزلة الأصل)) (2) فكلمة سيارة في اللغة العربية على سبيل المثال تعني في الأصل القافلة، ثم استعيرت واستعملت بمعنى (العربة الآلية التي تستخدم في نقل الناس والبضائع) وقد شاع استعمال الكلمة بهذا المعنى في عصرنا الحاضر حتى أصبح بمنزلة المعنى الأصلي لها، وهكذا كلمة مبلغ التي تعني في الأصل (منتهى الشيء أو غايته) ، ثم استعملت بمعنى (مقدار من المال) . وقد غلب استعمال هذا المعنى لها في العصر الحاضر كما نرى حتى صار بمنزلة الأصل ... الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 .. وينشأ المشترك أحياناً في ظروف لغوية معينة يُعدل فيها عن المعنى الأصلي للفظ إلى معنى آخر مباين أو مضاد لمعنى اللفظ المتعارف عليه بهدف التفاؤل أو التأدب أو التهكم والسخرية أو التهويل والتعظيم أو اجتناب التلفظ بما يمجه الذوق أو بما يكره أو يحرج أو يؤلم المخاطب أو يحدث له أو للمتكلم ضرراً أو بصورة عامة لغرض ما اصطلحت اللغات الأوروبيّة على تسميته باسم «Euphemism» أي تلطيف التعبير عن شئ بغيض (1) . ثم يرجع إلى استعمال المعنى الأصلي في ظروف لاحقة أخرى، وهكذا يحصل التناوب والتبادل بين المعنيين أو المعاني وقد تصبح هذه المعاني نتيجة لكثرة هذا التناوب والتبادل في مستوى واحد من الاستعمال والدوران، ولا ينفك أي منها عن الارتباط باللفظ. ... نحن نقول للأعمى بصيراً ونقول لمن ذهب بصر إحدى عينيه كريم العين، للتأدب أو لتفادي إحراج المخاطب وإيلامه أو للتطلف في التعبير عامة. ويطلق على المهلَكة لفظ المفازة على جهة التفاؤل كما يسمى العطشان رياناً والأسود أبو البيضاء (2) . تماماً كما كان العرب يطلقون على عبيدهم أسماء يتفاءلون بها مثل: ميمون ومبروك وكافور.. ويسمى الملدوغ سليماً للتفاؤل كذلك أو الدعاء أحياناً.. كما يقال للمهرة الجميلة شوهاء خوفاً من أن تصيبها العين، وللغراب أعور تعبيراً عن حدة بصره، وتطلق عبارة «بيضة البلد» على من انفرد بميزة ممدوحة حسنة، كما يجوز أن يراد بها عكس ذلك، حيث تطلق على من يراد أن يهزأ به ويسخر منه كما يقول السجستاني (3) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 .. وقد تحدث ظروف معينة تفرضها السياقات أو المواقف المختلفة التي تستعمل فيها الكلمات، توجه الذهن بشكل لا إرادي إلى اتجاهات جديدة أحياناً، مما يوحي بخلق معان جديدة لهذه الكلمات، وذلك لما يوجد في هذه الكلمات نفسها، كما يعبر (جوزيف فندريس) Vendryes - من قابلية على التأقلم؛ أي (القدرة على اتخاذ دلالات متنوعة تبعاً للاستعمالات المختلفة التي تستخدم فيها وعلى البقاء في اللغة مع هذه الدلالات ومن ثم أداء عشرات من وظائفها بسهولة ويسر. حيث إن خلق معانٍ جديدة لها لا يقضي بالضرورة على المعاني السابقة، فيمكن لكل المعاني التي اتخذتها أن تبقى حية في اللغة. وحركة التغيرات المعنوية تسير في كل الاتجاهات حول المعنى الأساسي، ولكن كل واحد من المعاني الثانوية يمكن أن يصبح بدوره مركزاً جديداً للإشعاع المعنوي (1) . ... ولا يمنع أن يوضع أو يستعمل اللفظ الواحد للدلالة على معنيين قصداً، كما تصور أبو علي الفارسي، بل من الممكن أن يكون ذلك من قبل واضع واحد أو من قبل واضعين اثنين، يضع أحدهم لفظاً لمعنى، كما يقول السيوطي، ثم يضعه الآخر لمعنى آخر (2) ، ويستمر استعمال اللفظ بالمعنيين الموضوعين كليهما؛ فالكلمات على نحو ما تبين رموز طيعة مرنة. كما أن الكلمة ((لا تدل بنفسها على شئ، ولكن المفكر يستعملها فيصبح لها معنى، إذ يتخذها أدوات)) (3) ونحن نعلم أن مجموعات كبيرة من مفردات اللغة توضع من قبل واضعيها قصداً للدلالة على معان اصطلاحية خاصة قد تكون متعددة، مع الإقرار أو الوعي بمعانيها اللغوية العامة، وقد يحصل التزامن في اتخاذ كلمة ما للدلالة على أكثر من معنى اصطلاحي واحد من جانب واحد، كما هو الشأن في المجامع أو المؤسسات اللغوية عامة حين تتولى لجانها الخاصة وضع المصطلحات العلمية والفنية مثلاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 .. ولنشوء المشترك اللفظي أو حدوثه أسباب وتبريرات وآراء أخرى كثيرة ذكرها اللغويون العرب وغيرهم، يمكن الرجوع إليها في مظانها (1) تجنبنا تعدادها والحديث عنها تفادياً للإطالة والتكرار. واعتقاداً منا بأن الواقع العملي الفعلي بحد ذاته يكفي لإثبات وقوع المشترك اللفظي. وتوضيح الكثير من أسبابه وملابساته وإدراك طبيعة نشوئه. كما أنه لا يعنينا في هذا المجال تعداد أسباب حدوث المشترك اللفظي بقدر ما يعنينا وجوده، وتهمنا وفرته وفاعليته في واقعنا اللغوي، ثم حل الإشكاليات التي تحوم حوله، بغية التوجيه لمزيد من العناية به والتمكين منه، واستغلاله كجزء هام من الثروة اللفظية التي تتسع لها لغتنا العربية. ... إشكاليات حول المشترك ... مهما كانت عوامل نشوء ظاهرة التعدد الدلالي، وأسباب تطورها، فإن الألفاظ العربية المشتركة المعاني التي يمكن أن نلحظها في معاجم اللغة العامة، أو نمر بها ونشهدها في ما نسمع من الكلام وما نقرأ من نصوص شعرية ونثرية قديمة وحديثة في هذه اللغة تشكل كما سبق القول قدراً لا يستهان به من الثروة اللغوية. وليس صحيحاً ما زعمه أحد الدارسين المعاصرين من أن المشترك اللفظي في العربية (يكثر في الألفاظ الحوشية أو الغريبة غير الدائرة على الألسنة ولا كثيرة في نصوص الأدب، من مثل: السرداح، والسرداحة، والدردبيس، والخلابيس، والقردوع) . وأن كثرته تنهك اللغة وتثقل عليها (2) . وليس صحيحا كذلك ما رآه الدكتور إبراهيم أنيس، وأيد فيه ابن درستويه، من أن غالب المشترك من الألفاظ العربية ناتج عن التوسع المجازي، وأن ما كان ناتجاً عن التوسع المجازي من قريب أو من بعيد لا يعد من المشترك (3) . ... الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 .. هذه المزاعم - كما سبقت الإشارة - فيها نوع من المغالاة، وهي تفضي بلا شك إلى التقليل من شأن هذا النوع من الألفاظ؛ فهناك مجموعات كبيرة من الألفاظ المشتركة المعاني الفاعلة المتداولة في معظم النشاطات اللغوية الحيوية في عصرنا الحاضر، وقد أوردنا بعضاً منها، ولو اتسع لنا المجال لأوردنا المزيد. ولقد ورد في كتبها المخصصة ومعاجم اللغة العامة وعدد من مصنفات اللغة ألفاظ قديمة كثيرة مماثلة لها (1) . كما ورد الكثير منها في المعاجم العربية الحديثة على نحو ما تبينا فيما سبق. علاوة على ما ذكر فإن المعاني الوظيفية التي تعبر عنها المباني الصرفية في اللغة العربية هي بطبيعتها. كما يقرر أحد الباحثين في هذه اللغة: ((تتسم بالتعدد والاحتمال، فالمبني الصرفي الواحد صالح لأن يعبر عن أكثر من معنى واحد ما دام غير متحقق بعلامة ما في سياق ما، فإذا تحقق المعنى بعلامة أصبح نصاً في معنى واحد بعينه تحدده القرائن اللفظية والمعنوية والحالية على السواء. ويصدق هذا الكلام على كل أنواع المباني التي سبق ذكرها، سواء في ذلك مباني التقسيم ومنها الصيغ ومباني التصريف ومنها اللواصق ومباني القرائن اللفظية وكذلك مباني بعض التراكيب ... إن مباني الأقسام قد تتعدد معانيها، كالمصدر من الأسماء، ينوب عن الفعل نحو ضرباً زيداً، ويؤكد الفعل كضربته ضرباً، ويبين سببه كضربته تأديباً له، وينوب عن اسم المفعول نحو «بِدَمٍ كَذِبٍ» ، واسم الفاعل مثل (أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً) . ويكون بمعنى الظرف نحو: آتيك طلوع الشمس وهلم جرا)) (2) ... الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 .. ومن جانب آخر فقد ثبت أن المجاز يعد أصلاً وأساساً في تكوين العديد من مفردات اللغة ومعانيها، ومظهراً مهماً من مظاهر التطور الدلالي فيها. والعربية لغة التوسع المجازي، وباب المجاز مفتوح على مصراعيه فيها. كما يقول أحد المجمعيين العرب. (1) و ((المجاز القديم مصيره إلى الحقيقة)) (2) كما يصرح د. أنيس ذاته. وسبب ذلك - كما يعلل باحث آخر- هو أن ((المعاني الفنية المجازية يكثر ترديدها على الألسنة مع إطلاقها المجازي الفني، فحين يطول عليها الأمد في هذا الاستعمال يميل الناس إلى اعتبار دلالتها على المعنى المجازي الجديد دلالة عليه على سبيل الحقيقة ومن ثم يصبح معنى الكلمة متعدداً وترصد لها هذه المعاني المتعددة في المعجم فتكون الكلمة بين جلدتي المعجم محتملة لكل معانيها المعجمية المختلفة المنشأ حتى توضع في سياق يحدد لها واحداً من هذه المعاني)) (3) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 .. علماً بأن د. إبراهيم أنيس نفسه قد عارض رأيه السابق الذكر، وأقر في كتابه «في اللهجات العربية» بأن المعاجم العربية مليئة بالألفاظ المشتركة، وأن ما نشأ من هذه الألفاظ عن التطور الصوتي قد بلغ المئات، وصرح هو نفسه أيضاً بما يفيد بأن (الألفاظ تنشأ لها نتيجة للاستعمال دلالات هامشية بالإضافة إلى دلالاتها المركزية ويشترك الناس أحياناً في استعمال هذه الدلالات، ومع مرور الزمن يتضخم الانحراف وتصبح هذه الدلالات شائعة، ويرث الجيل التالي ما شاع من دلالات مركزية وهامشية على حد سواء) (1) . وهذا القول في الوقت الذي يشير فيه الباحث المذكور إلى عامل مهم من عوامل حصول الاشتراك اللفظي أعم من المجاز - وهو (نشوء دلالات هامشية للألفاظ ثم شيوعها نتيجة لكثرة الاستعمال وبقائها جنباً إلى جنب مع الدلالات المركزية) - يؤكد على أهمية هذا الاشتراك وضرورة التسليم بتوالي حصوله واعتباره كظاهرة بارزة في اللغة. إلا أن قائله لم يثبت عليه. وقد لاحظ عليه بعض الباحثين هذا التناقض أو التذبذب في الرأي (2) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 .. وقد كان لأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني (ت 250هـ) بعض التحفظ على عدد مما نسب للأضداد من الألفاظ، إذ لم ير إطلاق اسم الأضداد على كل ما سمعه منها، فلم يعد كلمة (السليم) مثلاً من الأضداد كما فعل غيره، وإنما استثناهما بقوله: «قالوا السليم السالم، وقالوا السليم الملدوغ. وهو عندي على التَفَؤُّل.» . ويقصد بذلك أن هذا المعنى الأخير لا يعتبر معنى ثابتاً مرتبطاً باللفظ بنحو دائم إذ اللفظ مزال عنه جهته بنحو موقت. ومثل ذلك كلمة (شوهاء) التي تستعمل عندهم بمعنى قبيحة وجميلة. أما هو فيقول: (لا أظنهم قالوا للجميلة شوهاء إلا مخافة أن تصيبها عينٌ كما قالوا للغراب أعور لحدة بصره) (1) . وعلى أساس من هذا الاعتقاد سمى السجستاني كتابه «كتاب المقلوب لفظه في كلام العرب، والمزال عن جهته، والأضداد» وبذلك أخرج مجموعة مما شاعت نسبتها للأضداد وهي ليست كذلك في رأيه، وميز ما يصدق عليه صفة الضد بنحو قاطع ثابت ضمن مجموعة خاصة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 .. الحقيقة أن السجستاني مصيب فيما رآه من أن بعض الألفاظ تزال عنه جهته، ويستخدم بمعنى جديد، وربما يكون مرتجلاً، ثم يعدل بعد ذلك عنه إلى المعنى الأصلي، وقد لا يعدل فيظل استعمال اللفظ بالمعنى الثاني الجديد مستمراً وجائزاً. لكنه غير مساو للمعنى الأصلي في دلالته واستخدامه، وبهذا يمكن أن تخرج مجموعة مما نسب إلى الأضداد العربية. إلا أن استخدام اللفظ بمعنى مرتجل أو وقتي لسبب عابر طارئ، كإرادة التفاؤل، أو الحذر من الإصابة بالعين أو غيره، كاستخدامه بمعنى مجازي، يمكن أن يكون في حد ذاته عاملاً في نشوء التضاد أو الاشتراك اللفظي بمفهومه الحقيقي الذي تحدثنا عنه، وذلك كما سبق أن أوردنا بيانه لأحد الباحثين (عندما يكثر ترديد اللفظ على الألسنة بهذا المعنى ويطول عليه الأمد في هذا الاستعمال يميل الناس إلى اعتبار دلالته على المعنى المجازي الجديد دلالة عليه على سبيل الحقيقة ومن ثم يصبح معنى الكلمة متعدداً وترصد لها هذه المعاني المتعددة في المعجم فتكون الكلمة بين جلدتي المعجم محتملة لكل معانيها المعجمية المختلفة المنشأ حتى توضع في سياق يحدد لها واحداً من هذه المعاني (1) . وبناء على ذلك فلا يصبح في تحفظ السجستاني نفي للمشترك اللفظي أو التقليل من شأنه أو الطعن في القول بكثرة وروده في اللغة العربية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 .. أما دعوى أن الاشتراك اللفظي يشيع في اللغة أو في ثقافتها الغموض والالتباس (1) . فإنها مبنية في الأصل - فيما يبدو - على شبهة قديمة مبالغ فيها، أثارها بعض الشعوبيين زراية بالعرب وبلغتهم، وتبناها (ابن درستويه) ، الذي نفى حصول الاشتراك اللفظي بالوضع وادعى ندرة المشترك في العربية. كما ألف كتاباً في إبطال الأضداد. وقد نقل عنه السيوطي فيما أورد له بهذا الشأن قوله: «وليس إدخال الإلباس في الكلام من الحكمة والصواب، وواضع اللغة - عز وجل - حكيم عليم؛ وإنما اللغة موضوعة للإبانة عن المعاني؛ فلو جاز وضع لفظ واحد للدلالة على معنيين مختلفين، أو أحدهما ضدٌ للآخر لما كان ذلك إبانة بل تعمية وتغطية (2) . فرأي (ابن درستويه) هذا، كما هو واضح، مبني أولاً على كون اللغة توقيفية. كما أن فيه الكثير من المغالاة أو ضيق الأفق. وقد تحدث ابن الأنباري في كتابه «الأضداد» بما يرد عليه. ... يقول ابن الأنباري (3) : ((ويظن أهل البدع والزَّيغ والإزراء بالعرب أن ذلك كان منهم لنقصان حكمتهم، وقلّة بلاغتهم، وكثرة الالتباس في محاوراتهم، وعند اتصال مخاطباتهم؛ فيسألون عن ذلك، ويحتجون بأن الاسم منبئٌ عن المعنى الذي تحته، ودالٌّ عليه، وموضح تأويله؛ فإذا اعتور اللفظة الواحدة معنيان مختلفان لم يعرف المخاطَب ايّهما أراد المخاطِب، وبطل بذلك معنى تعليق الاسم على هذا المسمّى؛ فأجيبوا عن هذا الذي ظنوه وسألوا عنه بضروب من الأجوبة: أحدهن أن كلام العرب يصحّح بعضه بعضاً، ويرتبط أوّله بآخره، ولا يعرف معنى الخطاب منه إلا باستيفائه واستكمال جميع حروفه؛ فجاز وقوع اللفظة الواحدة على المعنيين المتضادين؛ لأنها تتقدمها ويأتي بعدها ما يدلُّ على خصوصية أحد المعنيين دون الآخر، ولا يراد بها في حال التكلم والإخبار إلا معنى واحد)) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 .. ويستشهد ابن الأنباري على قوله هذا بأمثلة شعرية وقرآنية ونثرية كثيرة مما يفرض فيها السياق معنى للفظة المشتركة دون غيره، فلا يلتبس المعنى على القارئ، كقول الشاعر: كلُّ شيء ما خلا الموت جَلَلْ والفتى يسعى ويُلْهيه الأمَل ويعقب على ذلك بقوله: «فدل ما تقدم قبل «جلل» ، وتأخر بعده، على أن معناه كلُّ شيء ما خلا الموت يسير، ولا يتوهم ذو عقل وتمييز أن الجَلَل هنا معناه عظيم.» وهذا عكس ما يفرضه السياق في قول الشاعر الآخر: فلئن عفوتُ لأعفونْ جَللاً ولئن سَطوْتُ لأُوهِنَنْ عَظْمي قومي هُمُ قتلوا أُمَيْمَ أخي فإذا رميتُ يصيبني سهمي ... فهذا الكلام يدل، كما يعقب ابن الأنباري: «على أنه أراد: فلئن عفوت لأعفونّ عفواً عظيما؛ لأن الإنسان لا يفخر بصفحه عن ذنب حقير يسير. فلما كان اللبس في هذين زائلا عن جميع السامعين لم ينكر وقوع الكلمة على معنيين مختلفين في كلامين مختلفي اللفظين.» وهكذا يتحدد المراد من كلمة «جلل» المشتركة أو المختلفة المعنى من خلال السياق بيسر وسهولة، ولا يحدث اللبس المزعوم. ... وقد رد ضياء الدين ابن الأثير على دعوى وقوع الغموض عند استعمال المشترك اللفظي بمثل ما رد به ابن الأنباري مؤكداً على أن فائدة البيان أو وضوح الدلالة عند استعمال المشترك اللفظي يمكن استدراكها بالقرينة، بينما لا يمكن استدراك ما يمكن أن يتحقق بفضل استعماله من التحسين البلاغي أو الجمالي الفني في الكلام في حالة تركه (1) . وإذاً فالأولى استعماله والقرينة أو السياق كفيل بإزالة ما يمكن أن يحدثه هذا الاستعمال من غموض. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 .. إن للسياق أهميته ومقامه الكبير في التبادل اللغوي، وبفضله يستطيع الناس أن يستخدموا المشترك اللفظي ويتفاهموا من خلاله فيما بينهم تفاهماً واضحاً صريحاً لا غموض فيه؛ لأن مقدرة الكلمات على أداء وظيفتها - كما يصرح (ستيفن أولمان) Stephen Ullmann - «لا تتأثر بحال من الأحوال بعدد المعاني المختلفة التي قدر لها أن تحملها، بدليل أن بعض هذه الكلمات تستطيع بالفعل أن تقوم بعشرات الوظائف في سهولة ويسر)) (1) . ... والقول بأهمية السياق وبدوره في تحديد المفهوم المناسب أو المراد من بين المفاهيم الأخرى التي قد تشترك في اللفظ الواحد لا يمنع من التسليم بأن بعض المفاهيم المشتركة قد تلتبس أحياناً أو تتداخل فتؤدي إلى نوع من الغموض. كما يحدث أن تهجر أو تتراجع بعض هذه المفاهيم أو تطغى المعاني الجديدة على المعاني القديمة منها، فتنسى القديمة ولا يتمكن المتلقي الحديث العهد من معرفتها، ولاسيما إذا كان ضئيل المحصول من مفردات اللغة، وربما قاد ذلك إلى صعوبة فهمه للنص الذي ترد فيه، خصوصاً إذا كان هذا النص شعرياً فنياً متعمق اللغة. إلا أن تعدد المعنى رغم ذلك ليس بحال من الأحوال هو المصدر الوحيد للغموض أو اللبس، فهناك كما يبين (وليم إمبسون) William Empson في كتابه Seven Types of Ambiguity أنواع سبعة من اللبس أو ازدواج الدلالة (2) ، وربما كان الاشتراك اللفظي من أقلها سلبية على النص الأدبي، بل ربما كان من أظهرها إيجابية في إضافة معنى جديد أو ظل موح بمعنى آخر يستخلص مباشرة من صريح العبارة، ويكون له أثر في توجيه القارئ لاتجاه أو اتجاهات مختلفة فعالة لها أهميتها في إضافة قيمة أو قيم جديدة للنص كما يحصل ذلك في التورية وفي غيرها من الأنواع والأساليب البلاغية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 .. من خلال ما سبق ذكره نتبين أن كثرة المشترك اللفظي لا تشين اللغة ولا تنهكها ليقال: إن إنكاره أو التقليل من شأنه يعد دفاعاً عن حياض اللغة أو حماية لها. كما أن كثرته لا تدل على ضعف اللغة أو ضيقها وقلة ألفاظها، بل تدل على اتساعها ومرونتها؛ لأن استعارة العرب لفظ الشيء لغيره كما يقول ابن رشيق: ((إنما هي من اتساعهم في الكلام اقتداراً ودالة، ليس ضرورة. ألا ترى أن للشيء عندهم أسماء كثيرة وهم يستعيرون له مع ذلك؟ على أنا نجد أيضاً اللفظة الواحدة يعبر بها عن معان كثيرة، نحو (العين) التي تكون جارحة، وتكون الماء، وتكون الميزان، وتكون المطر الدائم الغزير، وتكون نفس الشيء وذاته، وتكون الدينار، وما أشبه ذلك كثير، وليس هذا من ضيق اللفظ عليهم، ولكنه من الرغبة في الاختصار، والثقة بفهم بعضهم عن بعض. ألا ترى أن كل واحد من هذه التي ذكرنا له اسم غير العين أو أسماء كثيرة؟)) (1) ... علاوة على ما سبق ذكره فإن قدرة الكلمة على التعبير عن الفكر أو المعاني المتعددة وتأهيلها للقيام بعدد من الوظائف المختلفة في حد ذاتها ((دليل على حيوية اللغة ورواجها. فكيف ننادي لفائدة أحادية المعنى؟ علماً بأن أحادية المعنى لا يمكن أن تقوم إلا بتحجير اللغة والقضاء على حركتها، أي قتلها، وعلماً كذلك بأن المجاز والسياق يعرضان اللفظ للتوسع الدائم)) (2) . أهمية المشترك اللفظي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 .. أشير فيما سبق ذكره إلى أن التعرف على الأبعاد أو المجالات الدلالية للكلمات والتراكيب اللغوية المكتسبة تمكن الفرد من استغلال الطاقات المتوافرة في ألفاظ اللغة للتعبير عن مكنونات النفس ودقائق الفكر ونوازع الوجدان، وبما يتلاءم مع كافة الظروف النفسية والاجتماعية ومع السياقات اللغوية المختلفة. لاسيما أن ألفاظ اللغة، أية لغة - مهما كثرت فهي محدودة من حيث الكم، بينما المعاني والأفكار والمدركات متجددة متطورة متنامية لا حدود لاتساعها. ... إن المعاني غير متناهية، والألفاظ متناهية. كما يؤكد علماؤنا العرب القدامى (1) . ((ولدينا نحن الكبار طائفة لا حصر لها من المعاني لا نجد لها الألفاظ المناسبة وكثرة من الأفكار يستعصي علينا التعبير عنها. من ذلك أننا نقول: إن الطيف الشمسي يحتوي على سبعة ألوان، مع أن مناطق تداخل هذه الألوان تحتوي على ظلال شتى دقيقة لطيفة من الألوان ليست لدينا أسماء لتسميتها كذلك كثير من حالاتنا الشعورية والوجدانية)) (2) . وهكذا يبقى المخزون اللفظي للغة - مهما اتسع وتنامى - قاصراً عن الوفاء بمطالب التعبير ولاسيما في مجال الأفكار المجردة ونوازع النفس البشرية وانفعالاتها وأحاسيسها الدقيقة المتشعبة المتنامية، وبذلك فلا غنى للإنسان في تواصله ونشاطه اللغوي بمختلف أشكاله عن استعمال آخر أو استعمالات أخرى متعددة للكلمات التي يضعها أو يرثها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 .. إن وجود كلمة مستقلة خاصة بكل شئ يتداوله الناس أمر صعب، لأنه يفرض عبئاً ثقيلاً على الذاكرة. هذا إن استطاعت هذه الذاكرة أن تحيط بكل ما يتواضع عليه أفراد الجماعة من الألفاظ. لقد ثبت أنه لا قدرة للإنسان على الإحاطة بكل مفردات اللغة (1) . وأنه حتى لو كرس شخص ما وهب قوة الحفظ جهداً خاصاً لاستظهار قسط وافر من هذه المفردات في فترة معينة من الزمن، فإن المشكلة أو الصعوبة تبقى قائمة في قدرة هذا الشخص على استرجاع ما حفظ أو استظهر، بعد توالي الزمن؛ إذ يتعذر على ذاكرة الإنسان - مهما قويت واتسعت - كما يقرر علماء النفس - أن تحتفظ بكل ما أودع أو اختزن فيها من معلومات لأمد طويل، حيث إن الإنسان معرض لأن ينسى الكثير مما حفظ واكتسب من معلومات أو معارف مع مرور الزمن، وخاصة عندما لا تتوافر الحوافز أو الأسباب لاسترجاع وحضور هذه المعلومات أو المعارف في ذهنه (2) . ومع هذا الافتراض فإن الإنسان يجد في المشترك اللفظي ما يسعفه في التعبير عن أغراضه حتى وإن كان محصوله من ألفاظ اللغة عامة قليلاً، ودونما تعرض لما يرهق ذاكرته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 .. يقول (ستيفن أولمان) «إن الآثار المترتبة على تعدد المعنى للكلمة الواحدة بالنسبة للثروة اللفظية للغة آثار بعيدة المدى. من ذلك مثلاً أن وجود كلمة مستقلة لكل شيء من الأشياء التي قد نتناولها بالحديث من شأنه أن يفرض حملاً ثقيلاً على الذاكرة الإنسانية. وسوف يكون حالنا حينئذ أسوأ من حال الرجل البدائي الذي قد توجد لديه كلمات خاصة للدلالة على المعاني الجزئية «كغسل نفسه» و «غسل شخصاً آخر» و «غسل رأس شخص آخر» و «غسل وجهه» و «غسل وجه شخص آخر» الخ، في حين أنه لا توجد لديه كلمة واحدة للدلالة على العملية العامة البسيطة وهي «مجرد الغسيل» . إن اللغة في استطاعتها أن تعبر عن الفكر المتعددة بواسطة تلك الطريقة الحصيفة القادرة، التي تتمثل في تطويع الكلمات وتأهيلها للقيام بعدد من الوظائف المختلفة. وبفضل هذه الوسيلة تكتسب الكلمات نفسها نوعاً من المرونة والطواعية، فتظل قابلة للاستعمالات الجديدة من غير أن تفقد معانيها القديمة (1) . ... وحتى لو أحاط الفرد بكل ما يمكن أن يعبر عن جميع أغراضه وأفكاره من ألفاظ اللغة وصيغها، فإن الموقف أو النمط والأسلوب الكلامي قد يفرض عليه أحياناً الاقتصاد في استعمال الألفاظ، أو استعمالها في معان وخطابات غير مباشرة، تجنباً لحرج أو مواجهة غير محمودة، كما قد تدعوه نزعة فنية إلى نوع من التنميق الجمالي والتنغيم الصوتي المحبب، مما يحوجه لكلمات ذات أصوات متشابهة ودلالات متشعبة ثرية. وفي مثل هذه الحال يكون المشترك اللغوي عوناً له في تحقيق غرضه.. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 .. كان المشترك اللفظي في اللغة العربية قديماً وما يزال عوناً لأولئك المغرمين بالمحسنات اللفظية وألوان البيان وفنون البديع كالاستعارة والتجنيس أو الجناس والترديد والمماثلة والمشاكلة والترصيع والتورية ((التي كان لها شأن في الرمزية الأسلوبية العربية)) (1) وما إلى ذلك من المغالطات المعنوية أو الألعاب اللغوية، كما يحلو للبعض أن يسميها (2) . وقد عد ضياء الدين بن الأثير (ت 559هـ) الأسماء المشتركة من جملة أدوات البيان وآلاته، ومن أهم ما يحتاج الشاعر والكاتب إلى معرفته والإحاطة به كوسيلة للقول البليغ، على أساس أن فائدة وضع اللغة في رأيه ووفق نظرته التوقيفية لها لا تكمن في البيان وحده، وإنما في البيان والتحسين: «أما البيان فقد وفى به الأسماء المتباينة التي هي كل اسم واحد دل على مسمى واحد، فإذا أطلق اللفظ في هذه الأسماء كان بيناً مفهوماً، لا يحتاج إلى قرينة، ولو لم يضع الواضع من الأسماء شيئاً غيرها، لكان كافياً في البيان.. وأما التحسين فإن الواضع لهذه اللغة العربية، التي هي أحسن اللغات، نظر إلى ما يحتاج إليه أرباب الفصاحة والبلاغة فيما يصوغونه من نظم ونثر، ورأى أن من مهمات ذلك (التجنيس) ، ولا يقوم به إلا الأسماء المشتركة، التي هي كل اسم واحد دل على مسميين فصاعداً، فوضعها من أجل ذلك (3) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 .. والتجنيس أو الجناس القائم على الاشتراك اللفظي هو الجناس التام الذي يعد أرقى أنواع الجناس وأكثرها إبداعاً عند رجال البلاغة. وهو لا يقتصر على الأسماء كما يمكن أن توحي عبارة ابن الأثير السابقة، وإنما يشمل الأفعال والألفاظ عامة. يقول ابن حجة الحموي: ((أما الجناس التام: فهو ما تماثل ركناه واتفقا لفظاً واختلفا معنى، من غير تفاوت في تصحيح تركيبهما، واختلاف حركتهما، سواء كانا من اسمين، أو من فعلين، أو من اسم وفعل، فإنهم قالوا: إذا انتظم ركناه، من نوع واحد، كاسمين أو فعلين، سمي مماثلاً، وإن انتظما من نوعين، كاسم وفعل، سمي مستوفى، وجل القصد تماثل الركنين في اللفظ والخط والحركة واختلافهما في المعنى، سواء كانا من اسمين أو من غير ذلك، فإن المراد أن يكون الجناس تامًّا، على الصفة المذكورة، من حيث هو أكمل الأنواع إبداعاً وأسماها رتبة وأولها في الترتيب)) (1) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 .. و (التجنيس) أو الجناس التام الذي لا يقوم به إلا الألفاظ المشتركة، ليس من مهمات الفصاحة والبلاغة عند ابن الأثير وابن حجة الحموي وحدهما، وإنما كان موضع اهتمام معظم البلاغيين والنقاد العرب القدامى عامة، إلى درجة أن قدمه بعضهم على الألوان البديعية الأخرى. فقد عده يحيى ان حمزة العلوي صاحب الطراز (ت 745 هـ) ((من ألطف مجاري الكلام ومن محاسن مداخله، وهو من الكلام كالغرة في وجه الفرس)) (1) ؛ وما ذلك إلا لما للتجنيس عندهم من ارتباط وثيق بالذوق اللغوي للشاعر أو المتكلم البليغ عامة ومن دلالة على رقة طبعه وتعمقه في اللغة وقوة تداعي الألفاظ والمعاني لديه، ثم لما للتجنيس البديع ذاته من أثر في التجسيد والإيحاء وجمال الإيقاع وجذب النفس وصرف الذهن إلى بديع المعاني. يقول البهاء السبكي (ت 763 هـ) عن عماد الدين بن الأثير - وكان يجد هذا الأخير متعة في الإصغاء إلى التجنيس في الكلام -: ((إن مناسبة الألفاظ تحدث ميلاً وإصغاء إليها، ولأن اللفظ المشترك إذا حمل على معنى ثم جاء والمراد به معنى آخر كان للنفس تشوف إليه)) (2) . ... ومن الجدير بالذكر أن عدداً من الكتاب الأوروبيّين الشكليين ولاسيما كتاب العصور الوسطى وما بعدها، قد أغرموا باستخدام الجناس - القائم على الاشتراك اللفظي - مثلما أغرم به الكتاب العرب من قبل، ويظهر ذلك واضحاً في عدد من مسرحيات الكاتب الفرنسي (جان راسين (Jean Racine، وكتابات الكاتب والشاعر الإيطالي (جيوفاني بوكاشيو) Giuvanni Boccaccio (3) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 .. كان المشترك اللفظي كذلك ملجأً للشعراء في حال احتياجهم لتكرار ألفاظ بعينها في قوافيهم، سواء لاستغلال النواحي الصوتية في هذه الألفاظ أو الطاقات المعنوية أو الجوانب الشكلية فيها وما يمكن أن تؤديه من دور في النغم والإيقاع العروضي أو المضمون التأثيري عامة.. ولقد أجاز عدد من النقاد وعلماء البلاغة العرب للشاعر تكرار لفظ بعينه في قوافيه إذا كان هذا اللفظ لمعنى مختلف ولم يعتبره أحد منهم (إيطاء) كما صرح بذلك ابن رشيق القيرواني (1) . ... ولقد هيأ المشترك اللفظي تطوير محسن بلاغي كان له شأنه وموقعه الجليل عند أهل البلاغة وكان من الناحية العملية محل اهتمام كثير من الشعراء والكتاب أيضاً. ذلك هو «رد العجز على الصدر، وهو في الشعر» أن يكون أحد اللفظين المكررين في آخر البيت والآخر في صدر المصراع الأول أو حشوه أو آخره أو صدر الثاني» (2) ، فقد تفنن الشاعر العربي القديم في استخدام هذا المحسن وأظهر براعة في استغلال الطاقات الموسيقية الجميلة التي يحدثها التماثل اللفظي. وقد اشتملت كتب البلاغة والنقد على الكثير مما يجسد براعته في ذلك (3) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 .. يتبين مما سبق ذكره أن المشترك اللفظي قد أتاح فرصاً متنوعة لكثير من الأدباء والشعراء لإشباع هواياتهم في التحسين اللفظي وفي تطلعاتهم الفنية لاستغلال القيم والإمكانيات التعبيرية لأصوات اللغة بالإضافة إلى الطاقات المعنوية للكلمات، وكان من بين هؤلاء الشاعران المشهوران المتنبي وأبو حية النميري، اللذان كانا مولعين بالجناس كما يقول القيرواني (1) ، كما كان منهم أبو تمام الذي اشتهر بمجازاته واستعاراته اللفظية الغريبة الكثيرة. وهكذا فقد كان لتوافر هذا المشترك فضل في كثير مما أنتجه هؤلاء الشعراء وغيرهم من تجارب وأشكال تعبيرية فنية رائعة تجلت فيها براعة الفنان العربي وذكاؤه في استثمار مخزون اللغة من هذا المشترك وطاقاته التعبيرية والإشارية وتطويعها لفنه ولما كانت تتطلبه ثقافة العصر من هذا الفن. ... وإذا كانت للمشترك اللفظي أهميته بالنسبة للشعراء القدامى أو بالنسبة للشعر التقليدي عامة، فلاشك أن شأنه يزداد في اعتبار نظريات الشعر الحديث. حيث تنادي هذه النظريات بتعميق الرؤية وتعددية المعنى وبعد الدلالة وكثافة الصورة في العبارة الشعرية، وتعتبر ((الشعر استكشافاً دائماً لعالم الكلمة، واستكشافاً دائماً للوجود عن طريق الكلمة)) (2) وتعد ((أولى مميزات الشعر هي استثمار خصائص اللغة بوصفها مادة بنائية)) (3) . وبذلك تفترض من الشاعر المبدع أن يسعى بكل ما لديه من إمكانيات لاستغلال كل ما يمكن أن تحمله الكلمات من دلالات وكل ما تكمن فيها من طاقات معنوية وإيحائية. ليجعل من تجربته الشعرية نسيجاً فنياً ثرياً مفعماً بالرؤى والشحنات الانفعالية المؤثرة، تمتزج فيه التوقعات والانفعالية بالمفاجآت وخيبة الظن كما يعبر الناقد الإنكليزي (رتشاردز Richards I.A. .) (4) ومن هنا تأتي أهمية المشترك اللفظي كرافد يمد الشاعر الحديث بما يمكنه من فنه ويثري تجربته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 .. والحقيقة أن الشاعر سواء أكان قديماً أم حديثاً لا يكتفي باستغلال ما تحمله الألفاظ من دلالات موروثة. وإنما يسعى لشحنها بدلالات جديدة، وربما ألغى أو تجاهل تلك الدلالات القديمة كلها وخلق لألفاظه المختارة معاني ومسميات لا عهد لأصحاب اللغة الآخرين بها، مستفيداً في كل ذلك مما يتيحه المجاز ويحققه له من إمكانيات لغوية للتعدد الدلالي المستمر للفظ أو التركيب اللغوي الواحد حيث يصبح المجاز في العبارة الشعرية وسيلة أساسية للشاعر للاختراق والنفاذ إلى عوالم الكون اللامحدودة، أو أداته للانتقال والامتداد والاتساع والعبور باللفظ من معناه الحقيقي ودلالاته المعتادة المألوفة. كما هو في تصور علماء البلاغة العرب القدامى (1) . وحيث يكون هذا المجاز، كما يعبر النقاد المعاصرون وسيلة للعدول وإعادة البناء والانزياح باللفظة من وظيفتها المرجعية ودلالتها الذاتية الوضعية السابقة إلى دلالات أخرى قد يصعب حصرها (2) . وبهذه الدلالات الجديدة المتنامية تتولد المفاجآت وينشأ الإدهاش والإبهار والغموض والإبداع في الشعر لغة ومعنى وصورة، وتتبلور وتتميز لغة الشاعر الخاصة. كما تتوسع وتتنامى في الوقت نفسه طاقات المشترك اللفظي كماً ونوعاً. ويصبح الشاعر مستثمراً لإمكانيات المشترك اللفظي المتاحة، ومجدداً ومطوراً لهذه الإمكانيات في آن واحد وكان المشترك اللفظي وما ينتج عن استعماله أحياناً من تباين في تحديد المفاهيم وإدراك المقاصد والأهداف في التوريات والاستعارات والتعميات والمغالطات المعنوية أو في النصوص الأخرى ذات المعاني الدقيقة المعمقة، كان سبباً لاختلاف النقاد واللغويين في فهم كثير من النصوص الشعرية وعاملاً في طرح التفسيرات المتعددة وإثارة الكثير من الخلافات والمناقشات الأدبية المثرية بشأنها أحياناً (3) ، وربما كان ذلك من أسباب الاتجاه لتفسير النصوص وشرح المعلقات والقصائد ثم تعدد شروحها وعقد الدراسات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 حولها، وما يعقب هذه الأعمال في العادة من توسع في الحديث عن المجاز والاستعارة وعن القرائن اللفظية والمعنوية والسياقية وعن الأساليب البيانية وغير ذلك من المسائل اللغوية والبلاغية والنقدية ذات العلاقة. ... تضاربت الأقوال واختلف اللغويون والنقاد في تفسير كلمة (عَيْر) التي وردت في بيت للشاعر الجاهلي الحارث بن حلّزة اليشكري نصه: زعموا أن كل من ضرب العَيْ رَ موال لنا وأنى الولاء! فقيل: إنه أراد ب (العير) الوتد، وقيل: إنه أراد بها الضاربين العرب؛ لأنهم كانوا أصحاب عمُد وأوتاد وخيام، كما قيل أنه أراد عير العين، وهو ما نتأ منها، أي كل من ضرب عير عينه بجفنة، وقيل: أراد بالعير ما يطفو على الحوض من الأقذاء، وقيل إنه قصد جبلاً في الحجاز، وقيل غير ذلك؛ لأن كلمة (عير) تعني هذه المعاني كلها ومعاني غيرها (1) ، وليس من قرينة بيّنة توضح المراد ولا من سبب يمنع إرادة أي من هذه المعاني، والشاعر فحل مشهور لا يستهان بقوله أو يطرح ويتجاهل.. وهكذا كان التضارب ومن ثم التعليق والنقاش حول هذا البيت. وأصبح لغموض الكلمة والتباس معناها فيه دور فعال في التفكير والتعليق والاستشهاد بالإضافة إلى استحضار معاني الكلمة المفسَرة نفسها، ما كان قريباً منها وما كان بعيداً عن الأذهان ربما من قبل بعض النقاد (2) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 .. وقد احتوى القرآن الكريم والحديث الشريف على طائفة من الألفاظ المشتركة المعاني عنى بجمعها وتصنيفها عدد من علماء اللغة (1) . سنذكر في أثناء حديثنا عن مصادر المشترك لاحقاً بعضاً منهم. وكان ذلك سبباً في اختلاف المفسرين وعلماء الفقه والأصول في تأويل كثير من آيات القرآن وتفسير مجموعة من الأحاديث النبوية، مما أدى إلى الاختلاف في استنباط أو تقرير كثير من الأحكام الفقهية وفي تحديد بعض الأفكار والمواقف العقائدية. ودفع الأصوليين والفقهاء والمتكلمين للاهتمام بالمشترك اللفظي وبالمسائل الأخرى المتعلقة بدلالات الألفاظ عامة (2) . كما دفع بعض للغويين أنفسهم إلى المزيد من الاهتمام بالمشترك اللفظي والتوجه لجمعه أو التأليف فيه والخوض في مناقشة ما يتعلق منه بألفاظ القرآن. ... يقول أبو حاتم السجستاني في مقدمته لكتابه «كتاب المقلوب لفظه في كلام العرب والمزال عن جهته والأضداد» ، مبيناً ما حمله على تأليف هذا الكتاب: ((حملنا على تأليفه أنا وجدنا من الأضداد في كلامهم والمقلوب شيئاً كثيراً، فأوضحنا ما حضر منه إذ كان يجيء في القرآن الظن يقيناً وشكاً، والرجاء خوفاً وطمعاِ، وهو مشهور في كلام العرب، وضد الشيء خلافه وغيره، فأردنا أن يكون لا يرى منْ لا يعرفُ لغاتِ العربِ أنّ اللهَ عزَّ وجلَّ حينَ قالَ: إنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعينَ * الذينَ يظنونَ مدحَ الشاكينَ في لقاءِ ربهمْ، وإنما المعنى يستيقنونَ، وكذلكَ في صفةِ منْ أوتيَ كتابهُ بيمينهِ منْ أهلِ الجنةِ هاؤم اقرءوا كتابيهْ * إنِّي ظننتُ، يريد إنِّي أيقنتُ، ولوْ كان شاكًّا لمْ يكنْ مؤمناً، وأماَّ قولهُ: قلتمْ ما ندري ما الساعةُ إنْ نظنُ إلا ظناًّ فهؤلاء شكَّاكٌ كفاَّرٌ)) (3) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 .. ولا بد أن يكون المشترك اللفظي وفقاً لما سبق ذكره مدعاة لاهتمام المشرعين والقانونيين والمفكرين أو العقائديين في وقتنا الحاضر. حيث تتوقف كثير من القضايا الشرعية والقانونية والفكرية أيضاً على تحليل وفهم الوثائق والنصوص ذات الصلة فهماً صحيحاً دقيقاً مانعاً للتردد أو الشك. وما دام هناك ألفاظ مشتركة في اللغة سارية المفعول جارية الاستخدام، نافذة التأثير فلابد أن يكون هذا الاهتمام موجوداً. ... ومع ما تشهده اللغة من تطور مستمر وسريع لدلالة الألفاظ ومفاهيم الصيغ اللغوية وما يتبع ذلك من زيادة للمشترك اللفظي كماً ونوعاً واتساع معانيه أو تغيرها. يزداد تعلق هذا الجزء من اللغة بشؤون الحياة وقضايا العصر على اختلافها، ولاسيما تلك القضايا التي تتوقف الأمور فيها على الفهم الصحيح الدقيق للوثائق المدونة والنصوص والعهود والمواثيق المحكية أو المسموعة فيها، أو تترتب نتائج خطيرة أو مواقف حساسة فيها على الاختلاف في دلالة الألفاظ والصيغ اللغوية المستعملة في هذه الوثائق أو النصوص. كالقضايا السياسية، وقضايا العلاقات الدولية والدبلوماسية والمعاملات التجارية والاقتصادية. ثمة تلك الموضوعات المتعلقة بصناعة المصطلحات العلمية وتحديد المفاهيم المرتبطة بها. ومن هنا يصبح المشترك اللفظي محط اهتمام رجال العلم والسياسة والفكر، كما هو مجال اهتمام اللغويين والأدباء وعامة المثقفين والمتعلمين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 .. إن كل ما سبق ذكره يؤكد أن «المشترك اللفظي» في اللغة العربية لم يكن دليلاً ثابتاً على سعة اللغة ومرونتها وعاملاً في زيادة ثرائها وطواعيتها فحسب، وإنما كان أيضاً سبباً في ظهور وتبلور كثير من الأعمال العلمية والأدبية وإنماء وتوسيع النشاطات الفكرية وفي إثراء العقل العربي عامة. وأن فاعليته في كل ذلك ما زالت قائمة في حياتنا الحاضرة، ولاشك أن هذه الفاعلية ستكون أوسع وأكبر ما بقي الاهتمام باللغة وبتطوير القدرات التعبيرية والإنتاجية فيها، وما دام باب الاجتهاد مفتوحاً في التفسير والتأويل والاستنباط والاستنتاج والحكم، وكانت هناك حرية للفكر والرأي والتعبير. وما دام التطور مستمراً في مستجدات الحياة ومستحدثات العصر وشؤونه. ومن هنا تنشأ الضرورة في وجود معجم متطور شامل جامع لكل ما وجد في اللغة العربية من ألفاظ مشتركة المعاني متمشية مع أصول اللغة ملبية لمتطلبات الحياة مناسبة لذوق العصر ومعبرة عن مستجداته ومستحدثاته المتطورة وفاعلة في مجال التعبير بأشكاله وأنشطته المختلفة. مصادر المشترك ... لقي المشترك اللفظي عناية اللغويين والمفسرين وعلماء الفقه والأصول القدامى كما سبق القول، وألفت لجمعه وتصنيفه كتب عديدة منها ما اختص بالموجود منه في القرآن أو في الحديث الشريف، ومنها ما عنى بعامة المشترك دون تخصيص. ومما وصل إلينا وتم طبعه ونشره من الصنف الأول كتاب «الوجوه والنظائر» لمقاتل بن سليمان البلخي (ت 150هـ) ، و «الوجوه والنظائر» أيضاً لهارون بن موسى الأزدي (ت 170هـ) ، و «كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه في القرآن المجيد» للمبرد (ت 285هـ) ، وكتاب «الأشباه والنظائر في الألفاظ القرآنية التي ترادفت مبانيها وتنوعت معانيها» للثعالبي (ت 429هـ) ، ومن الصنف الثاني كتاب «الأجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى» لأبي عبيد القاسم بن سلام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 (ت 224هـ) ، و «المنجد فيما اتفق لفظه واختلف معناه لعلي بن الحسن الهنائي الأزدي الملقب بكراع النمل (ت 310هـ) ... أما ما ورد ذكره ولم يصل إلينا أو وصل ولم يطبع وينشر من هذه الكتب فكثير (1) . ... وبالنسبة لكتب المشترك اللفظي التي وضعت تحت عنوان «الأضداد» فإنها على كثرتها وتفاوت أحجامها وأشكالها لا توحي بعناوينها بالاختلاف أو التباين من حيث المضمون. ولم يصل إلينا منها - على حد علمي - ما يشير عنوانه إلى خصوصية معينة أو تفرد بنوعية مميزة من المشترك اللفظي، أو الضد. ومن أبرز وأشهر ما ظهر من هذه المؤلفات: كتاب «الأضداد» لمحمد بن المستنير بن أحمد الملقب بقطرب (ت 206 هـ) ، و «الأضداد» لعبد بن محمد ابن هارون التوزي (ت 233 هـ) . و «الأضداد» ، لمحمد بن القاسم الأنباري (ت 327هـ) . و «الأضداد في كلام العرب» لأبي الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي (ت 359هـ) . و «الأضداد في اللغة» لناصح الدين بن المبارك الأنصاري (ت 569 هـ) . وقد قام الدكتور (أوغست هفنر) Haffner , A في عام 1913م كما سبقت الإشارة بنشر أربعة كتب للأضداد العربية في مجلد واحد لكل من أبي سعيد عبد الملك بن قُريب الأصمعي (ت 216هـ) وأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني (ت 250هـ) وأبي يوسف يعقوب بن اسحق السكيت (ت 244هـ) ، والحسن بن محمد بن الحسن الصغاني (ت 650 هـ) . علماً بأنه قد نشر بعض هذه الكتب كل على حدة في طبعات مستقلة (2) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 .. ويعد كتاب «الأضداد» ، لمحمد بن القاسم الأنباري في نظر محققه محمد أبو الفضل إبراهيم. أكثر معاجم هذا النوع شواهد وأوضحها عبارة وأوسعها مادة، لأنه كما يقول: أتى على جميع ما ألف قبله وأربى عليه (1) ، إلا أن كتاب «الأضداد في كلام العرب» لأبي الطيب اللغوي الذي ألف كما يبدو من تاريخ وفاة مؤلفه بعد كتاب ابن الأنباري يضاهيه في الواقع في سعة المادة وبسط الشرح وكثرة الاستشهاد وجودة التنظيم، فقد اشتمل هذا الكتاب على (370) ضداً مرتبة في أصل الكتاب وفق التسلسل الهجائي (2) ، بينما تضمن كتاب ابن الأنباري (296) ضداً. وردت في أصل الكتاب على غير ترتيب معين. أما «كتاب الأضداد» للصغاني، فهو وإن لم يكن كسابقيه في الاستشهاد وزيادة الشرح والتوضيح إلا أنه تضمن كما يشير تسلسل الأرقام فيه (337) ضداً مرتبة على حروف المعجم (3) . ... ومع أن المؤلفات المذكورة وكتب ورسائل أخرى غيرها (4) مطبوعة ومنتشرة فإن أياً منها لا يمكن أن يشكل في الحقيقة معجماً متكاملاً، يشتمل على كل ما ورثناه من الأضداد ويتناسب من حيث المادة والمنهج في التصنيف والترتيب والشرح مع معطيات هذا العصر وحاجاته ومع طرق التصنيف اللغوي والتأليف المعجمي ومناهجه المتطورة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 .. في بعض هذه الكتب ما لا يوجد في بعض آخر، وفي بعضها حوشي غريب يمكن الاستغناء عنه، لعدم حيويته وفاعليته في لغة العصر أو لمحدودية هذه الحيوية وهذه الفاعلية أو تخصيص كتب مستقلة بما يؤمل أن تكون له فائدة منه في المستقبل، بينما لا يشتمل أي من هذه الكتب بطبيعة الحال على ما خلقته ظروف الحياة الجديدة أو الحاضرة منها. هذا كله بالإضافة إلى ما ينقصها من التنظيم المحكم في الفهرسة والتبويب والترتيب والتصنيف والإخراج. وما يعوز أكثرها من دقة التحديد واختصار الشرح والاقتصار على ما يهم القارئ. حيث يغص الكثير منها بالروايات والاستطرادات والشواهد القرآنية والأبيات الشعرية والشروحات المطولة والتداخل في تفسير المواد، وما إلى ذلك مما عبر عنه وأيده ناصح الدين بن المبارك الأنصاري من قبل في مقدمته لكتابه المذكور ((الأضداد في اللغة)) (1) . ... يتألف كتاب «الأضداد» ، لمحمد بن القاسم الأنباري في طبعته التي بين أيدينا (2) على نحو المثال من (428) صفحة، لا تتضمن سوى (300) من ألفاظ الأضداد أو الألفاظ المشتركة (3) ، غارقة في حشد كبير من الشواهد القرآنية والشعرية والأحاديث النبوية الشريفة والأرجاز والأقوال المأثورة الأخرى التي تثبت صحتها أو صحة استعمالها أو تبين الاختلاف في نطقها أحياناً، مما يبلغ عدده (270) آية، و (53) حديثاً نبوياً و (762) بيتاً من الشعر و (100) من الأرجاز، هذا عدا أنصاف الأبيات، وأسماء الرواة والمحدثين والشعراء والمفسرين والفقهاء، وغير ذلك مما استغرق إحصاؤه وفهرسته بمجموعه (88) صفحة، أضيفت لصفحات المتن المبينة فجعلت من الكتاب سفراً ضخماً تبلغ مجموع صفحاته (517) صفحة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 .. وقد تضمنت الشروح الواردة لعدد من ألفاظ الأضداد التي اشتمل عليها الكتاب المذكور كثيراً من الحشو والاستطراد والتوسع في ذكر أوجه الخلاف في تفسيرها وتحديد المفهوم منها وتباين القراء في نطقها إن كانت مما ورد في القرآن الكريم، وما قد يرد من اختلاف اللهجات في معناها أو في استعمالها. هذا عدا سلسلة الروايات التي تسرد أحيانا لتوثيقها وعدا ذكر الفروق بين كل كلمة منها وبين ما قد يقاربها في النطق أو يشابهها في الرسم والشكل وذكر بعض الفوائد النحوية والصرفية، وشرح بعض الشواهد الواردة على الكلمة وما إلى ذلك مما يدل على سعة اطلاع المؤلف وعميق معرفته وحسن تتبعه ويثري الكتاب ويفيد الباحث المتخصص المتعمق أو الأديب المتوسع، ولكنه لا يهم المثقف العام أو المتعلم الناشئ، بل إنه قد يصرفه عن الكتاب وعن متابعة البحث فيه عن مراده من الألفاظ التي عقد الكتاب في الأصل من أجلها.. ... ورد شرح كلمة (الساجد) وحدها في الكتاب المذكور على نحو المثال في ما يقرب من أربع صفحات (1) ، تضمنت من الشواهد ثلاث آيات قرآنية و (18) بيتاً من الشعر مع شروحات وتعليقات عليها، وأسماء لثمانية من الشعراء ورواة الشعر، وشرحاً لستة من تصاريف الكلمة المذكورة. وإذا كان القارئ غير المتخصص محتاجاً لمعرفة مدلولات الكلمة التي تضمنتها الصفحات الأربع ومعرفة أوجه استعمالها في معانيها المجازية المتعددة، فإنه غير محتاج لذلك الكم من الشواهد والاستطرادات في الشرح والتعليق وبيان مختلف تصاريف الكلمة، وإن كان في الشواهد ما ينمي ذوقه الأدبي ويزيد من إطلاعه، فليس لديه من الصبر على استقصاء وتتبع كل التفاصيل والشروح أو التعليقات الملحقة بهذه الشواهد ليصل إلى بغيته من معرفة المعاني المشتركة للكلمة المقصودة، ولاسيما إذا كان في هذه التفاصيل وهذه الشروح كلمات وعبارات غامضة تحتاج بذاتها إلى شرح وتفسير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 .. إن الكتاب المذكور بالصورة التي ورد ذكرها لا يمثل معجماً بالمفهوم الحديث والدقيق لهذا المصطلح، فالمعجم وفق هذا المفهوم لا يهمل الجمل السياقية ولا الأمثلة التوضيحية، ولكنه ((يشترط أن يكون مجموع الكلمات المستخدمة في الشرح محدودة العدد، ومقتصراً على الكلمات التي يفترض مسبقاً أن يكون مستعمل المعجم على علم بها)) (1) علماً بأن هذا الكتاب بصورته المبينة لا يختلف في الواقع كثيراً عن بقية كتب الألفاظ المشتركة التي سبق ذكرها وغيرها. فهي وغيرها مما لم يذكر تقريباً تحمل طابع الكتب الأدبية اللغوية العامة. ولذلك فالحاجة تبقى ماسة لمعجم شامل لكل ما ورث أو نشأ في عصرنا الحاضر من الألفاظ المشتركة المعاني. ... ولقد أحسن الدكتور (أوغست هفنر) Haffner , A حين جمع مصنفات كل من الأصمعي والسجستاني وابن السكيت والصغاني في الأضداد كلها في كتاب واحد وأخرجها في تحقيق موفق وتنسيق مقبول (2) ، إذ جعل ما احتوته هذه الكتب الأربعة من ألفاظ الأضداد كلها ضمن تسلسل رقمي واحد، بحيث يسهل على الدارس إحصاؤها، ووضع لهذه الألفاظ فهرساً موحداً جامعاً لها مرتباً إياها على حروف المعجم، فسهل على القارئ إمكانية الرجوع إليها والإحاطة بها، كما أرفق كل ذلك بفهارس مستقلة لأسماء الشعراء وقوافي الأبيات التي وردت ضمن شروحها فأفاد القارئ بها ونبه الدارس على ما في كتب المجموعة من مخزون أدبي واسع رائع. وبذلك يكون هذا المحقق قد جمع الكثير مما كان مفرقاً مشتتاً في إطار موضوعي واحد سهل المأخذ، يهيئ للباحث في موضوع هذه الألفاظ بلا شك جزءاً كبيراً من مادته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 .. رغم ما سبق ذكره فإن هذا الكتاب في شكله ووضعه الحالي وبمجموع ما احتواه لا يصلح أن يكون معجماً لألفاظ الأضداد فضلاً عن كونه معجماً للألفاظ المشتركة المعاني بنحو عام، وإن كان يمكن أن مهيئاً ومشجعاً على تكوين معجم شامل جامع لها. فمناهج السرد والشرح والتعليق باقية فيه على صورتها الأصلية، وكثير من الألفاظ يتكرر ورودها وشرحها فيه، والنقل أو الاقتباس في بعض المصنفات المجموعة من بعضها الآخر وارد وكثير، ولم يكن بوسع المحقق بطبيعة الحال أن يحذف أو يغير في الأصول أو أن يعمد إلى تصفيتها مما تخللها من نواقص أو شوائب تتعلق بالنصوص ذاتها.. ... لا أعرف للألفاظ المشتركة في اللغة العربية على عمومها معجماً أو كتاباً حديثاً خاصاً بها سوى: «معجم الألفاظ المشتركة في اللغة العربية» ، لعبد الحليم محمد قنبس، الصادر عن مكتبة لبنان عام 1987م، وهو كتاب مقبول الطباعة جيد الإخراج حسن العرض لمادته نوعاً ما، ولكنه ضئيل الحجم قليل المحتوى، قاصر عن الإحاطة بما وجد ووضع أو استجد من الألفاظ المشتركة المعاني، وبما استحدث وتطور من معاني هذه الألفاظ في العصر الحاضر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 .. بذل صاحب هذا المعجم مجهوداً ريادياً يشكر عليه في جمع بعض الشتات مما كان في متناول يده من بعض المصادر القديمة للألفاظ المذكورة، معتمداً في أكثر ذلك على ما ورد منها في معجم «لسان العرب» لابن منظور الأفريقي وفي بعض الموروث من كتب اللغة العامة وكتب الأضداد. ولكنه لم يخضع مادة كتابه لغربلة تامة، كما أنه أهمل الكثير مما احتوته بعض الكتب الخاصة بالموضوع، وما اشتملت عليه المعاجم اللغوية العربية الحديثة من ألفاظ مشتركة ومن معان للألفاظ التي أوردها في كتابه. إضافة إلى ذلك فإنه لم يتبع في عرض وتوثيق معاني الألفاظ التي اختارها منهجاً موحداً ثابتاً من حيث التحديد والشرح، فهو يستشهد أو يمثل لبعض هذه المعاني من آيات من القرآن أو الحديث الشريف أو الشعر، بينما يسرد البعض الآخر منها دون توثيق أو تمثيل أو تعليق، كما أن الأمثلة ينقلها المؤلف من مصادرها في الغالب على علاتها، دون تحقيق كاف، ودون النظر إلى مدى صلاحيتها لتوضيح المعنى أو تحديده وتقريبه، أو مقدار ما يكتنفها هي نفسها من غموض أو ثقل أو غرابة أو تحريف أو تصحيف (1) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 .. حبذا لو اقتدي بمن حرصوا على إغناء لغاتهم وتمكين أهلها منها من أبناء الشعوب المتقدمة ووضع للمتعلمين ولعموم المثقفين والاختصاصيين معجم حديث للكلمات متعددة الدلالات عامة، بنوعيها اللذين تحدثنا عنهما. يستمد مواده، ليس من ما ورثناه من كتب أو رسائل خاصة بهذه الألفاظ فحسب، وإنما يستمدها أيضاً من معاجم الألفاظ اللغوية العامة: القديم منها والحديث، ثم من النصوص الأدبية القديمة، لاسيما تلك النصوص الثرية بالألفاظ والمحسنات البديعية اللفظية من جناس وترصيع وطباق وغيره، كالرسائل الأدبية القديمة والمقامات والتوقيعات ونصوص الشعر, وأخيراً من نصوص التخاطب العصري الفصيح، المقروء منه والمسموع. ((فالحكم على دلالة اللفظ في نص ما أدق وأوثق مما لو استقيناه من المعاجم وحدها)) (1) . ... ويجدر الاستعانة بالحاسب الآلي والتقنيات الأخرى ذات الصلة بصناعة المعجم الحديث، في الرصد والتخزين والإحصاء والتحليل والغربلة والمقارنة والانتقاء والتصنيف والتنسيق والإخراج والمتابعة، من أجل تحقيق معجم شامل دقيق ميسر للمشترك اللفظي، أسوة بما تعمله المؤسسات اللغوية المتطورة في صناعة معاجمها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 .. إن كتب المشترك اللفظي القديمة في معظمها - كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق - غنية بالأمثلة والشواهد القرآنية والشعرية والنثرية وبالاستطرادات والفوائد اللغوية والبلاغية والنقدية التي تهم الكثير من الدارسين والباحثين المتخصصين بلا ريب، إلا أنها قد تكون ثقيلة منفرة أو مشتتة للذهن بالنسبة لعامة المتعلمين والمثقفين في وقتنا الحاضر؛ لأن الشواهد والأمثلة التي تشتمل عليها هذه الكتب ربما كانت هي نفسها محتاجة للشرح والتفسير، وهذا ما يسبب التعثر أو الإبطاء في الوصول إلى الهدف المنشود. كما أن هذه الشواهد والأمثلة تظهر أو تجسد في كثير منها إن لم يكن معظمها الاستعمالات القديمة للمشترك اللفظي والمعاني التي لم تعد متداولة في الوقت الراهن، ولربما كان لذلك أثار إيجابية في فهم النصوص التراثية، ومن ثم في توثيق الارتباط بالتراث والاستفادة من تجاربه الفكرية والإبداعية النافعة. إلا أن المتعلم الحديث يهمه بالدرجة الأولى الاطلاع على ما بقي من تلك الاستعمالات حياً ساري المفعول مقبولاً في لغة الحاضر، وعلى ما تجدد وتطور واستحدث أو أضيف منها، ليتمكن من الجمع بين كل ما تتطلبه أنشطة التعبير في الحياة المعاصرة من المشترك اللفظي. ... الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 .. بناء على ما تقدم ذكره فالحاجة تبقى ماسة لمعجم انتقائي سياقي للمشترك اللفظي في اللغة العربية. يرصد كل ما نشأ منه وتطور واستقر وتجددت حيويته في لغة العصر. ويتنكب الحوشي والغريب الثقيل الذي لم يعد مستعملاً أو ليس فيه من الحيوية والمرونة ما يكفي لإنعاشه وإدراجه في هذه اللغة أو استثماره في فهم النصوص التراثية. كما يتولى توضيح ما صعب تفسيره أو إدراكه من معاني هذه الألفاظ بالأمثلة السياقية المستمدة من لغة الحاضر المرنة الحرة الميسرة. ولا مانع أن تكون هذه الأمثلة منتقاة من النصوص التراثية الثرية الفاعلة المفهومة المقتصرة على تحديد المعنى المقصود ومد مستخدم المعجم بما يزيد من فائدته اللغوية أو البلاغية والفنية والمعرفية في آن واحد، ولكن دون استطراد أو إطالة. ولابد من الاستعانة في ذلك بما توصلت إليه النظريات الحديثة في إعداد مثل هذا المعجم وإخراجه (1) . الحواشي والتعليقات ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللغة، ترجمة د. كمال محمد بشر (القاهرة: مكتبة الشباب، 1975م) ، ص ص 60 -،61 112- 123؛، John Lyons. Semantics (London: The Cambridge University Press, 1977) , vol.2 p.55 Ladislav Zgusta. Manual of Lexicography (Mouton Hague, Paris. 1971) , p.60 ff انظر أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 112. أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص،60 وص 112 - 113. انظر جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق أبو الفضل إبراهيم وآخرين، (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، د. ت) ، ص 369. اكتفينا في الأمثلة المبينة بذكر القريب المستخدم من هذه المعاني بغية التقريب والاختصار. انظر الحسن ابن رشيق القيرواني، العمدة في صناعة الشعر ونقده، ط 4، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد (بيروت: دار الجيل، 1972م) ، ج،1 ص 321، ج2، ص 97. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 محمد بن القاسم الأنباري، كتاب الأضداد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (بيروت: المكتبة العصرية، 1407هـ/1987م) ، ص 374. يحتوى هذا الكتاب على (357) من الأضداد. السيوطي، المزهر في علوم اللغة، ص 399. لمزيد من التفصيل حول هذه المسألة أنظر د. احمد عبد الرحمن حماد، عوامل التطور اللغوي، دراسة في نمو وتطور الثروة اللغوية (بيروت: دار الأندلس، 1403/1982) ، ص ص 71- 84. انظر ثلاثة كتب في الأضداد، للأصمعي وللسجستاني ولابن السكيت والصغاني، ويليها ذيل في الأضداد للصغاني، نشر وتحقيق د. (أوغست هفنر) Haffner , A بيروت: مطبعة اليسوعيين، 1912م) ، لقد وضع المحقق الألفاظ الواردة في الكتب الأربعة كلها وفق تسلسل واحد آخر رقم فيه هو (706) ، انظر ص248 انظر د. حسن ظاظا، كلام العرب: من قضايا اللغة العربية (بيروت: دار النهضة العربية، (1976، ص ص 108-113. انظر د. ربحي كمال، التضاد في ضوء اللغات السامية: دراسة مقارنة (بيروت: دار النهضة العربية، 1975م. ( انظر، ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 114- 116. السيوطي، المزهر في علوم اللغة، ص 370. السيوطي، المصدر نفسه، ص 388. الآيات على التوالي هي: الآية 88/ سورة الكهف،18 آية 12/سبأ 34، 61/الصافات 37، 79/ الكهف 18، 27/ الأنبياء 21، 13/ سبأ 34. مقاتل بن سليمان البلخي، الأشباه والنظائر في القرآن الكريم، دراسة وتحقيق د. عبد الله محمود شحاته (القاهرة: الهيئة المصرية العامة، 1395هـ/1975م) . المعجم العربي الأساسي للناطقين بالعربية ومتعلميها، تأليف وإعداد جماعة من كبار اللغويين العرب) تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1408هـ - 1988م) ، ص 914. احمد عبد الرحمن حماد، عوامل التطور اللغوي، ص 73. انظر د. محمود فهمي زيدان، في فلسفة اللغة (بيروت: دار النهضة العربية، 1405هـ/1985م) ، ص 106. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 يعقوب بن إسحق السكيت، كتاب الأضداد، هفنر، ثلاثة كتب في الأضداد، ص 163. علي ابن إسماعيل ابن سيده، المخصص (بولاق، 1316هـ) ، ج3 ص 259. ربحي كمال، التضاد في ضوء اللغات السامية، ص 4. أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني: «كتاب المقلوب لفظه في كلام العرب، والمزال عن جهته والأضداد» ، ثلاثة كتب الأضداد: للأصمعي وللسجستاني ولابن السكيت ويليها ذيل للصغاني، نشر وتحقيق د أوغست هفنر (بيروت: مطبعة اليسوعيين، 1912م) ، ص 127. المصدر السابق نفسه، ص 117. جوزيف فندريس Vendryes، اللغة، تعريب عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص (القاهرة: مطبعة لجنة البيان العربي، 1370هـ /1950) ، ص254. السيوطي، المزهر، ج1، 369؛ أولمان، دور الكلمة ص 127، اسباب نشوء المشترك؛ حماد، عوامل التطور اللغوي، ص 74 - 75. د. تمام حسان، مناهج البحث في اللغة (الدار البيضاء: دار الثقافة، 1400هـ - 1979م) ، 281 انظر د. أحمد محمد قدور، مدخل إلى فقه اللغة العربية، بيروت دار الفكر المعاصر، 1413هـ - 1993م، ص ص 198 - 200؛ ولمزيد من التفصيل في ذلك راجع د. توفيق محمد شاهين، المشترك اللغوي نظرية وتطبيقاً، القاهرة: مكتبة وهبة، 1400هـ - 1980م؛. حسن ظاظا، كلام العرب: من قضايا اللغة العربي، ص ص 110 - 111. انظر د. إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ط6 (القاهرة: دار المعارف، 1986م) ، ص ص 113 -114. وابن دستروية هو عبد الله بن جعفر، وقد أنكر وجود الاشتراك اللفظي في كتابه المسمى ب «شرح الفصيح» ، ونسب معظمه إلى المجاز والكناية وإلى الصدف التي لا يقصد بها الوضع. لقد أورد السيوطي أمثلة كثيرة من المشترك اللفظي من الأفعال والأسماء وعلى الأضداد التي عدها السيوطي نفسه نوعاً من المشترك، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، انظر: المزهر في علوم اللغة، ج 1، ص ص 370 - 384، وص ص 389 - 396. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 نقل بتصرف عن د. تمام حسان، اللغة العربية: معناها ومبناها، ط3 (القاهرة: الهيئة المصرية العامة، 1985م) ، ص163. انظر جاروسلاف ستتكيفتش، العربية الفصحى الحديثة: بحوث في تطور الألفاظ والأساليب، ترجمة وتعليق د. محمد حسن عبد العزيز (القاهرة: دار الفكر العربي، 1405هـ 1985م (، ص 170. انظر إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ص 131. د. تمام حسان، اللغة العربية: معناها ومبناها، ص 320. انظر إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ص 134 - 135؛ انظر كذلك د. عبد القادر أبو شريفة وآخران، علم الدلالة والمعجم العربي (عمان: دار الفكر للنشر والتوزيع، 1409هـ - 1989م (، ص 81. انظر د. أحمد مختار عمر، علم الدلالة (الكويت: مكتبة العروبة، 1982م) ، ص179؛ د. أحمد قدور، مدخل إلى فقه اللغة العربية (بيروت: دار الفكر المعاصر، 1413هـ - 1993م) ، ص 201. السجستاني: «كتاب المقلوب لفظه في كلام العرب، والمزال عن جهته والأضداد» ، ثلاثة كتب ... في الأضداد: انظر رقم 167ص 114 ورقم 220 ص 137. د. تمام حسان، اللغة العربية: معناها ومبناها، ص 320.نقل بتصرف د. حلمي خليل، العربية والغموض: دراسة لغوية في دلالة المبنى على المعنى (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1988م) ، 109، 114؛ ربحي كمال، التضاد في ضوء اللغات السامية، ص3. انظر كذلك المزهر ج1 ص 385. السيوطي، المزهر، ج 1، ص 385. محمد بن القاسم الأنباري، كتاب الأضداد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت المكتبة العصرية 1407هـ 1987م، ص 1 وما بعدها. انظر كذلك السيوطي، المزهر في علوم اللغة، ج1 ص ص397 - 398 ضياء الدين بن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تقديم وتعليق د. أحمد الحوفي ود. بدوي طبانة (القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر، د. ت) ، ج1 ص 51. ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 116-117. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 انظر: William Empson, Seven Types of Ambiguity,Chatto and Windus, London, 1930; 1947. ... ابن رشيق القيرواني، العمدة في صناعة الشعر ونقده، ج،1 ص 274. د. عبد القادر الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية: نماذج تركيبية ودلالية (بغداد: دار تويفال، د. ت) ، ص 206. المزهر ج،1 ص 369؛ انظر كذلك أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، المستصفى في علم الأصول (القاهرة: بولاق، 1322هـ) ، ج،1 ص 198. د. احمد عزت راجح، أصول علم النفس (القاهرة: دار المعارف 1987) ، ص339. د. أحمد محمد المعتوق، الحصيلة اللغوية: أهميتها - مصادرها - وسائل تنميتها، عالم المعرفة، (212) ، ربيع الأول 1417هـ - أغسطس /آب 1996م الكويت، ص ص 219 - 221. المعتوق، الحصيلة اللغوية، الهوامش، ص 347. ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 114 - 115. د. درويش الجندي، الرمزية في الأدب العربي (القاهرة، مكتبة نهضة مصر، 1958م) ، ص 253 انظر د. محمد مفتاح، تحليل الخطاب الشعري: استراتيجية التناص، ط2 (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1986م) ، ص 40. وحول دور بعض هذه المحسنات البلاغية أو اللعب اللغوية كما أطلق عليها المؤلف، انظر ص39 وما بعدها. ضياء الدين بن الأثير، المثل السائر، ج1 ص 51. تقي الدين ابن حجة الحموي، خزانة الأدب وغاية الإرب (بيروت: دار ومكتبة الهلال، 1987م) ، ج1 ص 74. وقد تحدث الحموي عن الجناس وأنواعه وأورد الكثير من الأمثلة الشعرية عليه في 47 سبع وأربعين صفحة من كتابه المذكور، انظر ج1 ص ص 54 - 101. يحيى بن حمزة العلوي اليمني، الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1403هـ - 1983م) ، ج2ص55. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 البهاء السبكي أحمد بن علي، عرس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، ضمن مجموعة: شرح التلخيص (وهي مختصر العلامة سعد الدين التفتازاني على تلخيص المفتاح للخطيب القزويني ومواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح لابن يعقوب المغربي وعرس الأفراح لبهاء الدين السبكي) ، ط 4، أربعة أجزاء (بيروت: دار البيان العربي، 1412هـ - 1992م) ، ج4، ص ص 412-413. انظر (تزفتان تودروف) : «الأدب واللغة» . عن كتاب اللغة والخطاب الأدبي، اختيار وترجمة سعيد الغانمي (بيروت: المركز الثقافي العربي، 1993م) ، ص ص 45 - 46. ابن رشيق القيرواني، العمدة، ج1، ص 170. والإيطاء في العروض كما يمكن أن يكون معروفاً لدى القارئ الكريم هو تكرار القافية لفظاً ومعنى قبل سبعة أبيات أو عشرة، وهو عيب من عيوبها الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، شرح وتعليق د. محمد عبد المنعم خفاجي (بيروت: دار الكتاب اللبناني 1405هـ/1985م) ، ج1، ص 543. المصدر السابق، ص ص 543 - 547؛ د. بدوي طبانة، معجم البلاغة العربية (جدة: دار المنارة للنشر والتوزيع، 1408هـ/1988م) ، ص ص 241- 247. ابن رشيق القيرواني، العمدة، ج،1 ص ص 334 -335. عز الدين اسماعيل، الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية (القاهرة: دار الكاتب العربي، 1967م) ، ص ص173 - 174. انظر كذلك د. سعيد الورقي، لغة الشعر العربي الحديث، مقوماتها الفنية وطاقاتها الإبداعية، ط 3 (بيروت: دار النهضة العربية، 1404هـ - 1984م) ، ص 63 محمد غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث، ط3 (القاهرة: دار ومطابع الشعب ط3، 1964م) ، ص 415 رتشاردز. مبادئ النقد الأدبي، ترجمة محمد مصطفى بدوي (القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للكتاب، 1963م) ، ص 192. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 ابن الأثير، ج1 88/89 وص84- 85؛ يحيى بن حمزة بن علي العلوي اليمني، كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز (بيروت: دار الكتب العلمية، 1402هـ/1982م) ، ج1 ص 43-44 197،. انظر جان كوهن، بنية اللغة الشعرية، ترجمة محمد الولي ومحمد العمري (الدار البيضاء: دار تويفال للنشر، ص ص 47 54؛ انظر توفيق الزيدي، أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث) تونس: الدار العربية للكتاب، 1984م) ، ص ص 87 - 88. ... انظر على سبيل المثال د. عبد الفتاح لاشين، الخصومات البلاغية والنقدية في صنعة أبي تمام، القاهرة دار المعارف، 1982م، ص ص190 - 207. وصفحات متفرقة غيرها. انظر، ابن منظور، لسان العرب، تحقيق عبد الله علي الكبير وآخران، القاهرة، دار المعارف، ج 4، ص 3186، مادة عير. كان من بين هؤلاء النقاد أبو الحسن حازم القرطاجني (ت 684هـ) ، انظر: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجه (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1981م) ، ص 185. انظر عبد الله بن مسلم ابن قتتيبة، تأويل مشكل القرآن، تحقيق السيد أحمد صقر (بيروت: المكتبة العلمية 1401هـ - 1981م) ، ص 447 448، وكذلك الصفحات، 275 - 298. انظر د. حلمي خليل، العربية والغموض (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1988م) ، «الأصوليون والغموض» ص 71 - 91.. السجستاني، «كتاب المقلوب لفظه في كلام العرب والمزال عن جهته والأضداد» في: ثلاثة كتب في الأضداد ص 72. انظر أحمد الشرقاوي إقبال، معجم المعاجم: تعريف بنحو ألف ونصف ألف من المعاجم العربية التراثية، ط 2 (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1993م) ، ص ص290 - 292. انظر د. ربحي كمال، التضاد في ضوء اللغات السامية، ص 18 انظر محمد بن القاسم الأنباري، كتاب الأضداد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (بيروت: الكتبة العصرية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 1407هـ - 1987م) ، مقدمة المحقق، ص ج. انظر عبد الواحد بن علي اللغوي اللغوي الحلبي، الأضداد في كلام العرب، تحقيق د. عزت حسن (دمشق، 1963م انظر الصغاني، «كتاب الأضداد» في: ثلاثة كتب في الأضداد، ص ص 222 - 248. انظر أحمد الشرقاوي إقبال، معجم المعاجم، ص ص 290 - 301؛ ربحي كمال، التضاد في ضوء اللغات السامية «المؤلفون في الأضداد» ص ص 18 - 19؛ محمد ابن القاسم الأنباري، كتاب الأضداد مقدمة المحقق ص ص: ب -ج ناصح الدين سعيد بن المبارك بن علي الأنصاري، «الأضداد في اللغة» ، ضمن مجموعة بعنوان:نفائس المخطوطات، تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين (النجف، 1963م) ، مقدمة المؤلف. محمد بن القاسم الأنباري،، كتاب الأضداد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، (بيروت، المكتبة العصرية 1407هـ - 1987م) . وهذه الطبعة تعد أحسن الطبعات التي صدرت لهذا الكتاب - حسب علمي - فالكلمات فيها مرقمة، وقد ألحقت بالكتاب فيها فهارس لألفاظ الأضداد الواردة في الكتاب، وللآيات، والأحاديث، والأبيات الشعرية، والأرجاز، وأنصاف الأبيات، والأعلام والقبائل والأمم والأماكن التي ورد ذكرها فيه، هذا بالإضافة إلى جودة الطباعة وحسن الإخراج. هذا حسب ما ورد في فهرست «الألفاظ الأضداد» الملحق بالكتاب في طبعته التي اعتمدناها، أما ما ورد ترقيمه في المتن، فقد بلغ تعداده (357) حرفاً. كما أطلق عليها مؤلف الكتاب. انظر محمد بن القاسم الأنباري، كتاب الأضداد، ص ص 294 - 297. د. أحمد مختار عمر، صناعة المعجم الحديث، (القاهرة، عالم الكتب، 1418 هـ - 1998م) ، ص 126. سبق ذكر هذا الكتاب، وقد جاء كما تبين بعنوان: ثلاثة كتب الأضداد: للأصمعي وللسجستاني ولابن السكيت ويليها ذيل في الأضداد للصغاني، نشر أوغست هفنر، بيروت: مطبعة اليسوعيين، 1912م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 انظر على سبيل المثال، الشواهد المرفقة بالكلمات: الحال، حملج، الخال، الرتب، رزح، رزز، كسس، كفل إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ص 213. انظر في ذلك أحمد مختار عمر، صناعة المعجم الحديث، «الفصل الثالث: الخطوات الإجرائية والتنفيذية لعمل معجم. ص ص 65 - 112. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 الكم الزمني لصويت الغنة في الأداء القرآني د. يحيى بن علي المباركي الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية - كلية الآداب والعلوم الإنسانية - جامعة الملك عبد العزيز ملخص البحث يحاول هذا البحث أن يقف بطريق التجريب والتطبيق على حقيقة الكم الزمني لصويت الغنة في الأداء القرآني. وهذا الكم الزمني يعد صفة لازمة لبعض الأصوات في اللغة العربية كالميم والنون وما في حكمهما. والوسيلة التي لجأ إليها العرب في أدائهم لأصوات لغتهم حين عمدوا إلى إطالة زمن صويت الغنة في كل من الميم والنون وما في حكمهما، عندما تسبق غيرها من الحروف في اللغة العربية، فيما عرف عند أهل الأداء بعد ذلك بأحكام النون والميم الساكنتين وما في حكمهما، من وجوب إظهار لصويت الغنة دون إطالة لزمنه في بعض الحروف، أو إدغامه فيها عند مجاورته لها في الأداء، أو إطالة لزمن صويت الغنة المنطوق معها، أو إبقاء له دون إدغام مع الحرص على إخفائه عندها والإتيان به مع بعض هذه الحروف على نحو يتفاوت كمه وزمنه بناء على قرب مخرج هذا الحرف أو بعده من مخرجي الميم والنون وما في حكمهما. وقد قسم هذا البحث إلى قسمين: قسم نظري: تناول أهمية هذا البحث، وتعريفا بصويت الغنة، ومحله مع بعض الحروف في اللغة العربية، وكيفية أدائه ومقداره ومراتبه، وأنواع تأثر النون والميم الساكنتين وما في حكمهما بما بعدها من أصوات في اللغة العربية، وأهداف البحث. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 قسم تطبيقي تجريبي: قام على إدخال نص من القرآن الكريم (هو سورة يونس عليه وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة وأتم التسليم) إلى الجهاز الصوتي (Sona- Graph Model 5500) بأصوات أربعة من القراء المجيدين المعاصرين هم على الترتيب: محمود خليل الحصري، ومحمد صديق المنشاوي، وعبد الباسط محمد عبد الصمد، وعلي بن عبد الرحمن الحذيفي، على طريقة الترتيل، ثم تم استخلاص المتوسط العام لكل لفظ ورد فيه صويت الغنة في آي هذه السورة الكريمة للوقوف بجلاء على قيمة الكم الزمني لصويت الغنة والتأثيرات التي تطرأ على هذه القيمة طولا وقصرا في الأداء السياقي. • • • مقدمة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 تتأثر الأصوات اللغوية بعضها ببعض عند النطق بها في الكلمات والجمل. ويتأثر الصوت اللغوي بما يجاوره من أصوات تألفت معه في السياق ووردت قبله أو بعده مباشرة أو مفصولة عنه بفاصل. ويؤدي ذلك إلى حدوث ظواهر لغوية كثيرة تتناول ظواهر كثيرة تتناول كثيرا من جوانب اللغة وأهمها الأصوات. وقد وجد أن هذا التجاور أو الورود في السياق هو المسئول الرئيس فيما قرره علماء الأصوات عما يصيب بعض الحروف داخل البنية اللغوية من إدغام أو إبدال أو نقل أو حذف … إلخ. وتمثل ظاهرة الإدغام بجميع صوره دليلا قويا على مدى تأثر أصوات الحروف بعضها ببعض إذا تجاورت في الكلمات أو الجمل حيث يترتب على تجاور صوتين متماثلين أو متجانسين أو متقاربين أن أحدهما يفنى في الآخر بحيث ينطق بالصوتين صوتا واحدا كالتالي، أو يقرب أحدهما مخرجا أو صفة من الآخر الأمر الذي يؤدي إلى أن ينتقل الصوت من مخرجه الأصلي الذي ينطق منه إلى مخرج آخر قريب من مجاوره فيستبدل به أقرب الأصوات إليه في هذا المخرج الجديد أو صفته. وعلى هذا الأساس تتغير مخارج بعض الأصوات أو صفاتها لكي تتفق في المخرج أو الصفة مع الأصوات الأخرى المحيطة بها في البيئة اللغوية، فيحدث عن ذلك نوع من التوافق والانسجام. ويشترط لحدوث هذه الظاهرة الصوتية بهذه الكيفية في المدغم أن يلتقي الحرفان خطا، سواء التقيا لفظا أم لا، فدخل نحو " إنه هو " فلا تمنع الصلة من إدغام المثلين، وخرج نحو " أنا نذير " لوجود فاصل هو ألف المد، وفي المدغم فيه كونه أكثر من حرف، وإن كان من كلمة ليدخل نحو " وخلقكم "، ويخرج نحو " نرزقك " و " خلقك "، ووجه ذلك إما التماثل: وهو أن يتحد الحرفان مخرجا وصفة كالنون الساكنة في مثلها والباء في مثلها، وإما التجانس: بأن يتحد الحرفان مخرجا وصفة كالميم الساكنة في الباء والثاء في الذال، وإما التقارب: وذلك بأن يتقاربا مخرجا أو صفة، أو مخرجا وصفة مثل: النون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 الساكنة في اللام وكذا الميم الساكنة في النون ولا بد في هذه النون الساكنة (أو الناشئة عن التنوين (1) والميم الساكنة حتى تتأثر بالأصوات التي تجاورها أو تؤثر هي فيها أن يكون التقاؤها بها مباشرا بحيث لا يفصل بينها أي فاصل كان ولو كان هذا الفاصل حركة قصيرة. ولا يتم هذا إلا حين يكون الصوت الأول غير متبوع بحركة (ساكنا) . ويتوقف تأثر النون الساكنة بما يجاورها من أصوات إضافة إلى ما سبق على نسبة قرب المخرج أو الصفة. وتعد النون بعد اللام أكثر الأصوات الصامتة شيوعا في اللغة العربية. وهي من الناحية الأخرى معدودة مع الميم من الأصوات المتوسطة (بين الشدة والرخاوة) . وتخرج بعض هذه الأصوات (النون والراء واللام) من طرف اللسان أو وسطه. وتعد من أكثر الأصوات العربية تأثرا بالنون الساكنة والتنوين وأوضحها من الأصوات الأخرى، وهذه الأصوات المتوسطة خمسة على القول الراجح مجموعة في قولهم " لن عمر ". وعلى هذا فإن أحوال النون الساكنة (أصلا أو الناشئة عن التنوين) حال التقائهما بما يجاورهما من أصوات في الكلمات أو الجمل يعرض لهما من الظواهر اللغوية في اللغة العربية ما لا يشركهما غيرهما من الأصوات الأخرى؛ وذلك لسرعة تأثرهما بما يجاورهما من أصوات الفم إما بفنائهما فيها وإما بقلبهما من جنسها وإما بتقريبهما من مخرجها وإكسابها شيئا من صفاتها كصويت الغنة مثلا. ويبدو أن هذا الإجراء الصوتي الذي يسلكه صوت النون في العربية قد حدث من فترات موغلة في القدم مما جعل القراء يرحمهم الله يعتنون به أشد عناية، ويعقدون له فصولا في كتبهم ومختصراتهم، ويضعون قواعد خاصة بالنون يفرقون بها بين النطق المروي عن فصحاء العرب للنون وبين ذلك النطق الذي شاع في لهجات الكلام بعد اتساع رقعة الدولة العربية. والوسيلة التي لجأ إليها القراء لإعطاء النون بعض حقها الصوتي مع غير أصوات الحلق هي صويت الغنة. فصويت الغنة المصاحب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 للنون هو الذي حال بين النون وفنائها في غيرها من الأصوات التي تجاورها، فحرصوا لذلك على المبالغة في الجهر بصويتها عند مجاورتها أصوات الفم احترازا من أن يقرأ القرآن الكريم كما يتكلم الناس في أحاديثهم الدارجة. لأن النون في تلك الأحاديث مالت فيما يظهر إلى الفناء في غيرها من الأصوات دون أن تخلف أية إشارة تنبىء عنها. وليس صويت الغنة المصاحب للنون الساكنة إلا إطالة لصوت النون مع تردد موسيقي محبب فيها كما سنرى ذلك في موضعه. فالزمن الذي يستغرقه النطق بصويت الغنة المصاحب للنون الساكنة هو تقريبا ضعف ما تحتاج إليه النون المظهرة، وليس هذا إلا للحيلولة بين صوت النون الساكنة والفناء في غيرها. ندرك ذلك ونتبينه عند مقارنة نطق النون الساكنة في الكلمات التالية: من نور (النور 40) وإن أحد (التوبة 6) من مال (المؤمنون 55) من هاجر (الحشر 9) ينبت (النحل 11) من عمل (النحل 97) من وال (الرعد 11) من حاد (المجادلة 22) ومن يقل (الأنبياء 29) من خيل (الحشر 6) إن جاءكم (الحجرات 6) من غل (الأعراف 43) حيث نلاحظ أن إطالة التصويت بصويت الغنة المصاحب للنون الساكنة المدغمة أو المخفاة عند مجاورتها لأصوات المجموعة الأولى وتقصيره عند مجاورتها لأصوات الحلق في المجموعة الثانية إنما جاء نتيجة الفرق في أداء المدة الزمنية بين النون المظهرة والنون الساكنة المدغمة أو المخفاة المصاحبة لصويت الغنة الظاهر من ناحية، وتطور صوت النون وميله إلى مخرج الصوت المجاور، أو تقريبه إلى صوت بينه وبين النون علاقة ومؤاخاة من ناحية أخرى (1) . ظاهرة صويت الغنة في بعض الأصوات العربية: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 1. تعريف صويت الغنة: قال في الصحاح: الغنة صوت في الخيشوم. والأغن: الذي يتكلم من قبل خياشيمه، يقال: ظبي أغن (1) . وقال في أساس البلاغة: غنن: الظبي أغن، لأن في ترنينه غنة وهي ترخيم في صوته من نحو الخياشيم بعون من نفس الأنف، والنون أشد الحروف غنة (2) . وقال في الجمهرة: الغنة: صوت من اللهاة والأنف نحو النون الخفيفة، لاحظ للسان فيها مثل نون عنه ومنه لاحظ لهما في اللسان وذلك أنك إذا أمسكت أنفك أخل بهما ذلك (3) . وقال في المغرب: هي صوت من اللهاة والأنف مثل نون منك وعنك لأنه لاحظ لهما في اللسان، والخنة أشد منها، قال أبو زيد: الأغن الذي يجري كلامه في لهاته، والأخن: الساد الخياشيم (4) . وقال في المصباح المنير: الغنة: صوت يخرج من الخيشوم والنون أشد الحروف غنة، والأغن: الذي يتكلم من قبل خياشيمه ورجل أغن، وامرأة غناء تتكلم كذلك (5) . وهي تعني عند القراء: صوتا مركبا في جسم النون ولو تنوينا والميم مطلقا،وهي صوت في الخيشوم لا عمل للسان فيه (6) . وقالوا: هي صوت لذيذ مركب في جسم النون والميم في كل الأحوال فهي ثابتة فيهما مطلقا (7) .قيل: وسمي كذلك لأنه سبيه بصوت الغزالة إذا ضاع ولدها (8) . وقالوا: هي صوت يخرج من الخيشوم لا عمل للسان فيه ينقطع عند إمساك الأنف (9) . وقالوا: يقال لحرفي النون والميم حرفا غنة لما فيهما من الأغنان المتصلة بالخيشوم (10) . وقالوا: الغنة صوت يخرج من الخيشوم وهي ثابتة في النون والميم الساكنتين وفي التنوين، ويشبه وجودها في النون المد واللين (11) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 2.حقيقة صويت الغنة: اختلف القدماء من علماء اللغة العربية والنحو والقراءات حول ماهية صويت الغنة وحقيقته ومخرجه وموقعه وطريقة تأثيره في الحرف الذي يتبعه وكيفية أدائه فمن قائل إنها صوت (حرف) له مخرج خاص به وينسب إليه وأول من أشار إلى ذلك سيبويه يرحمه الله في كتابه (1) وتبعه قدامى اللغويين والنحاة العرب (2) وبعض القراء (3) ، ومن قائل إنها ليست حرفا وهذا هو ظاهر كلام الحافظ ابن الجزري في الطيبة والمقدمة الجزرية حيث يقول فيها " وغنة مخرجها الخيشوم " وممن صرح من المتقدمين زمنا على الحافظ ابن الجزري بخروج صويت الغنة من الخيشوم فقط دون حروفها الإمام أبو الحسن بن بري (4) ، ومنهم من توسط بين الأمرين فقال إنها حرف في الإدغام بالغنة والإخفاء وصفة في غيرهما (5) . ومرد هذا الاختلاف في رأينا إلى الصورة الصوتية المنطوقة بإزاء الحقيقة الفنولوجية: ففونيم النون مثلا كأي صوت لغوي له صورة ذهنية وصورة صوتية، وقد تتعدد الصور الصوتية للصوت اللغوي أو للفونيم، ومن هنا كانت مقولة (عائلة الفونيم أو أفراده … ) ، والنون كفونيم لها صور صوتية عدة، صورة في حالة الإظهار، وثانية في حالة الإدغام بدون غنة، وثالثة في حالة الإدغام بغنة، ورابعة في حالة الإخفاء، وخامسة في حالة الإقلاب وهكذا … وبما أن النون تتكون من مخرج وصفة (هي الغنة) ، ففي حالة الإدغام بغنة والإخفاء لا يبقى من النون إلا الصفة وهي الغنة، وعلى ذلك فهذه الغنة هي الممثل للنون بمعنى أنها صورة من صور فونيم النون، وبناء عليه يفسر قول من قال: إنها حرف في حالة الإدغام بغنة والإخفاء، أما في غير ذلك أي عندما تكون النون منطوقة بمخرجها وصفتها فإن الغنة حينئذ تكون مضافة إلى المخرج. ولعل القول بأن الغنة صويت وليس بحرف (صوت) هو القول الذي إليه أميل وبه أقول يؤيد ذلك: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 1. إجماع القدماء من اللغويين والنحاة والقراء في تعريفهم للغنة السابق على أنها صوت يخرج من الخيشوم لا عمل للسان فيه ويؤخذ من هذا القول أمران: الأول: أن الذي يخرج من الخيشوم هو صويت الغنة فقط لا حروفها. الثاني: أن الغنة ليست حرفا كما في إطلاق بعضهم أو تخصيصه لأن الحرف يعمل فيه اللسان أساسا لإخراجه وصويت الغنة ليس كذلك بل هو صفة تابعة لموصوفها اللساني أو الشفوي أي النون والميم: الأمر الذي أوجب إلحاقها بالصفات اللازمة المشهورة التي لا ينفك عنها هذان الصوتان البتة، وتعد الغنة صفة جوهرية مشخصة لهذين الصوتين (الميم والنون وما في حكمهما) فقط،وتكتسب هذه الصفة عن طريق مرور الهواء من الأنف، وقد عدها من الصفات جمع من العلماء كالإمام ابن بري في الدرر اللوامع (1) . 2. إجماع القدماء من علماء اللغة العربية والنحو والقراءات أيضا على أن حروف الهجاء تسعة وعشرون حرفا على القول الراجح وليست الغنة واحدا منها. ولعل من ذكرها في المخارج نظر إلى أن لها مخرجا وهو الخيشوم خاصة وهو خرق الأنف المنجذب إلى داخل الفم، وقيل هو أقصى الأنف ودليل ذلك ما ذكره سيبويه يرحمه الله أنك لو أمسكت بأنفك ثم نطقت بالنون ساكنة لوجدتها مختلة، وأما النون المتحركة فمن حروف الفم إلا أن فيها بعض الغنة من الأنف (2) ، وعدها منها تغليبا للحروف عليها، وأنه محمول على أن مخرج الغنة محقق من أقصى الأنف ثم يجري فيه (3) . 3. محل صويت الغنة: أما محلها فيمكن النظر إليه في ضوء ما قاله القدماء من القراء وأهل الأداء مقارنا بتصورنا نحن المحدثين من الأصواتين حيث وظفت الحقائق الفيسيولوجية والصوتية عند التأمل في نطق هذه الظاهرة اللغوية: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 1. فقد مال أكثر القدماء من القراء وأهل الأداء إلى أنه في كل من النون والميم المشددتين وكذلك النون الساكنة والتنوين في حالة إدغامهما في النون وكذلك الميم الساكنة المدغمة في مثلها أو المخفاة لدى الباء سواء كانت أصلية أو مقلوبة من النون الساكنة والتنوين فلا يتحول موقعها إلى الخيشوم بل يظل ثابتا في مخرجه الأصلي الذي هو طرف اللسان بالنسبة للنون والتنوين وبين الشفتين بالنسبة للميم، وأما النون الساكنة والتنوين في حالة إدغامهما بالغنة في (الياء والميم والواو) فينتقل مخرجهما من طرف اللسان إلى مخرج المدغم فيه نفسه وليس إلى الخيشوم جريا على القاعدة الصوتية في أن الإدغام في المثلين يستلزم إبدال المدغم من جنس المدغم فيه وخروج الأول من مخرج الثاني وصيرورته حرفا مشددا، فإذا أدغمت النون الساكنة والتنوين في الميم نجد أن مخرجهما قد تحول من طرف اللسان إلى مخرج المدغم فيه وهو الشفتان، وإذا أدغمت في الواو والياء نجد أن مخرجهما قد تحول من طرف اللسان إلى مخرج المدغم فيه (الواو والياء) وهنا نجد أن النون الساكنة والتنوين في حال إدغامهما في الميم والواو كان مخرجهما من الشفتين، وفي حال إدغامهما في الياء كان مخرجهما من وسط اللسان. أما في حالة إخفائهما فلا ينتقلان إلى الخيشوم ولا يستقران في طرف اللسان الذي هو مخرجهما الأصلي بل ينطق بهما قريبين من مخرج الحرف الذي يخفيان عنده من غير أن يبدلا من جنسه كما في الإدغام لأن الإبدال حينئذ يأتي بالتشديد والإخفاء لا تشديد معه. وهذا هو مقتضى تعريف الإخفاء الذي يقرر أنه عبارة عن النطق بحرف ساكن خال من التشديد على صفة بين الإظهار والإدغام مع بقاء الغنة في الحرف الأول والمراد به هنا النون الساكنة والتنوين فوجود الغنة في الحرف الأول مع النطق به ساكنا غير مشدد بين صفتي الإظهار والإدغام يتطلب نقل النون الساكنة والتنوين من طرف اللسان إلى قرب مخرج الحرف الذي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 يخفيان عنده (1) . والرأي عند معظم أهل الأداء أنه متى كان المدغم فيه حرفا أغن كانت الغنة ظاهرة للمدغم فيه كالنون بخلاف الواو والياء فإنهما لما كانا حرفين غير أغنين كانت الغنة فيهما للمدغم (2) ، واختلفوا مع الميم فذهب ابن كيسان النحوي وابن مجاهد المقرىء ونحوهما إلى أنها غنة النون تغليبا للأصالة، وذهب الجمهور إلى أنها غنة الميم كالنون في أنه غنة المدغم فيه وهو اختيار الداني والمحققين وهو الصحيح لأن الأولى قد ذهبت بالقلب عندهم فلا فرق في نظرهم بين (من من) وبين (أم من) وهذا بخلاف الواو والياء فإنهما لما كانا غير أغنين كانت الغنة فيهما للمدغم (3) 2. نرى نحن المحدثين من الأصواتيين في تحليلنا لهذه الظاهرة الصوتية (صويت الغنة) التي تصحب النون والميم وما في حكمهما عند التقائها بأصوات الحروف في الأداء القرآني شيئا آخر، فبعد التأمل في كيفية أداء الناطقين لهذه الظاهرة الصوتية من الناحية الفسيولوجية في ضوء بعض الحقائق الصوتية التي تمدنا بها الأجهزة المختبرية الحديثة كما أشارت إليها هذه الدراسة التي بين أيدينا نرجح بعض الأمور: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 1. أن النون الساكنة وما في حكمها مثلا تنطق كاملة مع الإظهار من مخرجها الذي هو طرف اللسان، وبصفتها وهي الغنة التي تنطق من الأنف. وتؤدى مع الإدغام بدون غنة مع اللام والراء حيث تتحول إلى لام مع اللام، وراء مع الراء، فيضيع مخرجها وصفتها، وتنطق مع الإدغام بغنة عن طريق إلغاء المخرج وإبقاء الصفة التي هي الغنة (والتي مخرجها من الأنف أو الخيشوم) ، وأثناء النطق بها في الإدغام بغنة مع أصوات الحروف (ي، و، م) مثلا يحدث تزامن في النطق، فيخيل للسامع أن الياء مثلا في " من يهدي " مشددة، وأن الواو مثلا في " من وال " مشددة كذلك … إلخ، وليس هناك تشديد في الحقيقة، إذ لو كان هناك تشديد للاحظنا على صورة المطياف ما يوحي بذلك، ولسمعنا الياء والواو في هذين المثالين ونحوهما من آي القرآن الكريم مشددتين بدون غنة، لكننا نسمع الغنة مع نطقنا للنون الساكنة الواردة قبلهما كذلك ونلاحظ امتداد المكونات أو المعالم لصويت الغنة على صورة المطياف من القاعدة إلى القمة (من المكون الأول إلى الثامن) ، وانتظام حزمه الصوتية التي نراها في هيئة بقع سوداء داكنة وانتشارها دون انقطاع من بداية النطق به إلى انتهائه في السلسلة الكلامية،وهو ما نلاحظه بصفة عامة في الطريقة التي يسلكها صوت المد في الأداء السياقي، مما يرجح القول بأن هناك تشابها واضحا بين صويت الغنة وصوت المد (الحركة الطويلة) في النطق والمكونات، المسألة إذن تزامن نطق وليس تحويل مخرجهما ونحوهما كما نص القدماء من علماء القراءات على ذلك إلى مخرج النون أو العكس. أما في الإخفاء فيرى المحدثون من الأصواتيين أنه لإخفاء النون الساكنة والتنوين مثلا مع حروف الإخفاء لا ينتقل مخرجهما _ كما يرى القدماء من القراء وأهل الأداء إلى قرب مخرج الحرف الذي يخفيان عنده، لأن هذا مخالف عندنا للحقيقة الصوتية.فعند إخفاء النون الساكنة والتنوين مثلا في نحو قوله تعالى" الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 أن كان ذا مال وبنين " يحدث أن النون يسقط مخرجها بمعنى أننا لا نجعل طرف اللسان يلتصق بما يقابله من مقدم الحنك، بل نجعل الصوت يمر من الأنف لكي ننطق صويت الغنة التي هي الصفة الجوهرية المشخصة للنون، وبذلك تكون النون قد حذف منها شطرها الأول وهو المخرج ويبقى منها الشطر الآخر وهو الصفة، وبعد الانتهاء من نطق صويت الغنة نبدأ في نطق حرف الإخفاء وهو الكاف في مثال الآية التي معنا، فالملاحظ أنه ليس فيها انتقال مخرج النون إلى ما يقرب من حرف الإخفاء ولا انتقاله إلى مخرج حرف الإدغام بغنة، ولا تشديد كما تؤكده المشاهدة وتعضده الأدلة المشار إليها في هذا البحث. 4.كيفية أدائه ومراتبه ومقداره: يؤدى صويت الغنة تبعا لمراتبه ودرجاته غنة سلسة في نطقها وإخراجها من غير تمطيط ولا لوك ومن غير زيادة ولا نقص عن مقدارها المحدد وهو: حركتان بحركة الأصبع قبضا أو بسطا كالمد الطبيعي، وقدرت الحركة برفع الأصبع أو خفضه بحالة متوسطة ليست بالسريعة ولا بالبطيئة أي غنة كاملة من غير تفاوت في مراتبها، ومن تمام كيفية أداء صويت الغنة إتباع صويتها لما بعده تفخيما وترقيقا فإن كان ما بعده حرف استعلاء فخم مثل " ينطقون "، وإن كان ما بعده حرف استفال رقق مثل " ما ننسخ" (1) . ومراتبه خمسة على القول المشهور: 1. أكملها يكون في المشدد نحو " يمنون عليك الحجرات 17 " ونحو " وهمت به يوسف 34 " والمدغم كامل التشديد نحو " كم من البقرة 249 " ونحو " إن نشأ النور الشعراء 4 ". 2. المدغم ناقص التشديد نحو " إن يقولون الكهف 5 " ونحو " من ولي ولا واق الرعد 37 ". 3. المخفي ويدخل فيه الإقلاب نحو " ينبت النحل 11 " ونحو " ولن صبر الشورى 43 " ونحو " فاحكم بينهم المائدة 48 ". 4. الساكن المظهر نحو " وينئون عنه الأنعام 26 "ونحو " ولكل قوم هاد الرعد 7 ". 5. المحرك نحو " ينادون غافر 10 ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 والحقيقة أن صويت الغنة لا يظهر إلا في المراتب الثلاث الأول وهي: المشدد والمدغم والمخفي حيث تبلغ درجة الكمال فيها أما في حالتي الساكن المظهر والمتحرك فالثابت فيها أصلها لا كمالها (1) . وصويت الغنة في حالة الكمال يوجد في: النون الساكنة والتنوين في حالات: الإدغام بغنة. النون والميم المشددتين. الميم الساكنة في حالتي الإخفاء والإدغام (2) . 5. حروف صويت الغنة: حدد علماؤنا القدامى من اللغويين والنحاة والقراء (3) الحروف العربية التي تخرج من الخيشوم وهي (النون والميم الساكنتان) حال الإخفاء والإدغام، وزاد بعضهم على ذلك النون والميم المشددتين (4) ، وفي النون والميم غنة في الخيشوم ألا ترى أنك إذا أمسكت بأنفك ثم نطقت بهما لم يجر فيهما صويت الغنة (5) ، ومن معانيهما في الاصطلاح: الغنة إذ هي صفة لازمة للنون ولو تنوينا والميم سكنتا أو تحركتا ظاهرتين أو مدغمتين أو مخفاتين (6) . أما الميم فهي بوجه عام صوت شفوي أنفي مجهور وهو بين الشدة والرخاوة ينتج بذبذبة في الأوتار الصوتية،ويتكون بالتقاء الشفة السفلى بالعليا التقاء محكما، وينحبس الهواء خلفهما،ولكن الهواء يخرج عن طريق الأنف لأن اللهاة تنخفض فيسمح للهواء بالمرور عبر الأنف بدلا من الفم الذي يستمر مغلقا، ولا ينفرج كما هو الحال مع الأصوات الانفجارية (7) ، وهذا الصوت مرقق في العربية الفصحى ولكنة في اللهجات العامية قد يفخم بحسب موقعه في السياق (8) . وقد عني القراء يرحمهم الله جميعا في حديثهم عن أحوال الغنة بهذه الميم عندما تكون ساكنة، ويقصدون بها تلك الميم التي سكونها ثابت في الوصل والوقف أو التي لا حركة لها نحو " الحمد لله "، فخرج بقولهم " الميم الساكنة ": الميم المتحركة مطلقا نحو " ما أنت بنعمة ربك بمجنون "، وقولهم " التي سكونها ثابت " خرج به السكون العارض كسكون الميم المتطرفة في الوقف كما لو وقف على نحو " حكيم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 عليم "، وقد تقع الميم الساكنة بهذا المعنى متوسطة ومتطرفة وتكون في الاسم نحو " وله الحمد في الأولى والآخرة "، وفي الفعل نحو " قمتم " و " يمكرون "، وفي الحرف نحو " أم لم ينبأ "، وتكون للجمع نحو " ولهم فيها أزواج مطهرة " ولغيره (1) . وتقع قبل أحرف الهجاء جميعها ما عدا حروف المد الثلاثة وذلك خشية التقاء الساكنين وهو ما لا يمكن النطق به (2) . أما مع النون: فيخرج الهواء من الرئتين، فيهتز الهواء في الحنجرة بواسطة اهتزاز الوترين، ثم يمر في الحلق، وتغلق اللهاة طريق الأنف، حتى إذا وصل مقدم اللسان حدث انغلاقه مع مقدم الحنك انغلاقا محكما لا يسمح للهواء بالمرور، فيعود الهواء إلى الخلف ليجد اللهاة قد هبطت ففتحت طريق التجويف الأنفي فيمر منه الهواء محدثا صوت الغنة التي نسمع معها صوت النون. وصويت الغنة صفة لازمة كما سبق لصوت النون لا ينفصل عنها ألبتة في أحوالها جميعا (3) ، وأشد ما يكون صويت الغنة فيها عندما تكون ساكنة (4) ، وحينئذ يتحقق اتصالها بما بعدها اتصالا مباشرا، وهذه هي النون الساكنة وهذه الخالية من الحركة والثابتة لفظا وخطا ووصلا ووقفا وتكون في الأسماء والأفعال والحروف وتكون متوسطة ومتطرفة وتكون أصلية من بنية الكلمة مثل " أنعم "، وتكون زائدة عن أصل الكلمة وبنيتها مثل " فانفلق " (5) . ويشترك التنوين مع النون الساكنة في أمور ويفارقها في أخرى، فهو في حقيقته نون ساكنة بمخرجها وصفاتها، فقد قالوا في تعريفهم له (6) بأنه نون ساكنة زائدة لغير توكيد تلحق آخر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 الاسم وصلا وتفارقه خطا ووقفا نحو قوله تعالى " والله غفور رحيم آل عمرا 31 "، وهو عبارة عن حركة إعرابية قصيرة تابعة للحرف الأخير في الكلمة بعدها نون ساكنة زائدة على هذه الحركة الإعرابية التي تكون ضمة في نحو (جاء زيد) وفتحة في (رأيت زيدا) وكسرة في (مررت بزيد) ، وقد خصها النحاة بهذا اللقب فسموها تنوينا ليفرقوا بينها وبين النون الزائدة المتحركة التي تكون في التثنية والجمع، وعلامته: فتحتان أو كسرتان أو ضمتان. وخرج بقولهم: " نون ساكنة "نون التنوين المتحركة للتخلص من التقاء الساكنين نحو "منيب ادخلوها "، وخرج بقولهم: " زائدة " النون الأصلية التي سبق الكلام عليها قريبا.وخرج بقولهم: " لغير توكيد " نون التوكيد الخفيفة في " لنسفعا " لأنها ليست تنوينا وإن أشبهته في إبدالها ألفا في الوقف. وخرج بقولهم: " تلحق آخر الاسم وصلا " الفعل والحرف فهي لا تلحقها ألبتة ولا ينونان بحال. وقولهم: " وتفارقه خطا ووقفا " خرج به النون الأصلية فهي لا تفارق الاسم مطلقا أثناء وجودها فيه (1) . وحكمه حالة الوقف: تبدل الفتحتان ألفا دائما إلا إذا كانتا على هاء تأنيث مثل " إلا رحمة من ربك " فيوقف عليها بالهاء من غير تنوين. وأما الضمتان والكسرتان فيحذف التنوين فيهما ويوقف عليهما بالسكون إلا في قوله تعالى " وكأين " حيث وقع فإنهم كتبوه بالنون (2) . ويفترقان (التنوين والنون الساكنة) في خمسة أمور تظهر بالتأمل في تعريفهما وهي: 1. النون الساكنة حرف أصلي من أحرف الهجاء وقد تكون من الحروف الزوائد، أما التنوين فلا يكون إلا زائدا عن بنية الكلمة. 2. النون الساكنة تقع في وسط الكلمة وفي آخرها والتنوين لا يقع إلا في الآخر. 3. النون الساكنة تقع في الأسماء والأفعال والحروف والتنوين لا يقع إلا في الأسماء 4. النون الساكنة تكون ثابتة في الفظ والخط أما التنوين فثابت في اللفظ دون الخط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 5. النون الساكنة تكون ثابتة في الوصل والوقف والتنوين لا يثبت إلا في الوصل (1) . 6. أنواع تأثر النون والميم الساكنين بما بعدهما من أصوات: يرى القدماء من علماء اللغة العربية والنحاة أن تأثر النون والميم الساكنين بما بعدهما من أصوات يجري على وجوه: فللميم الساكنة عندهم أوجه ثلاثة: إدغام وإخفاء وإظهار (2) وللنون الساكنة وما في حكمها عندهم أيضا أوجه أربعة: إظهار وإدغام وإقلاب وإخفاء (3) . وقد تبعهم في هذا التقسيم معظم القراء يرحمهم الله وذكر بعضهم في أحوال النون الساكنة وما في حكمها أنها ثلاثة فقط: إظهار، وإدغام محض، وغير محض وإخفاء مع قلب وبدونه. وقيل إنها خمسة. والواضح أن هذا الاختلاف لفظي فقد وجد عن طريق الاستقراء والحصر أن صوت الحرف الواقع بعد النون الساكنة والتنوين: إما يقرب من مخرجهما جدا أو لا، الأول: واجب الإدغام، والثاني: إما يبعد جدا أو لا، الأول: واجب الإظهار، والثاني: واجب الإخفاء، واعتبار القلب نوعا من الإخفاء، ويلاحظ اختلاف هذه الأقسام باختلاف درجات التأثر (4) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 1. الإظهار (1) : تظهر الميم الساكنة إذا وليها ستة وعشرون حرفا من الحروف العربية وهي ما عدا الباء والميم فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد الميم الساكنة سواء كان معها في كلمة واحدة نحو " أنعمت عليهم " أو في كلمتين نحو " ذلكم أزكى لكم " وجب إظهارها ويسمى إظهارا شفويا، وسمي إظهارا لإظهار الميم الساكنة عند ملاقاتها بحرف من حروف الإظهار الستة والعشرين؛ وسمي شفويا لخروج الميم الساكنة المظهرة من الشفتين. وإنما نسب الإظهار إليها ولم ينسب إلى مخرج الحروف الستة والعشرين التي تظهر الميم عندها لأنها لم تنحصر في مخرج معين حتى ينسب الإظهار إليه فبعضها يخرج من الحلق وبعضها يخرج من اللسان وبعضها من الشفتين ومن أجل هذا نسب إلى مخرج الحرف المظهر لضبطه وانحصاره وهذا بخلاف الإظهار الحلقي فإنه ينسب إلى مخرج الحروف التي تظهر عندها النون الساكنة والتنوين نظرا لانحصارها في مخرج معين وهو الحلق. ووجه إظهار الميم الساكنة عند ملاقاتها لهذه الحروف الستة والعشرين: هو بعد مخرج الميم عن مخرج أكثر هذه الحروف (2) . ويلاحظ عند وقوع الفاء أو الواو بعد الميم الساكنة أن ينعم بيانها (الميم الساكنة) للغنة التي فيه إذ كان الإدغام لاتحاد مخرجها مع الواو وقربه من الفاء يذهبها فيختل بذلك على أن أحمد بن أبي شريح قد روى عن الكسائي إدغامه في الفاء وذلك غير صحيح ولا جائز (3) ، وإظهار هذه الميم في هذه الحالة يسمى إظهارا شفويا أشد إظهار (4) . وتظهر النون الساكنة والتنوين إذا لقيهما حرف من حروف الحلق في كلمة نحو " أنعمت " وفي كلمتين نحو " من هاد " وكذلك التنوين تظهر مع حروف الحلق في كلمتين وذلك نحو " وعفو غفور " وشبهه (5) . والحروف التي يكون شأن النون الساكنة والتنوين معها هكذا هي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء وهي المسماة بحروف الحلق، وإظهار النون الساكنة والتنوين مع هذه الحروف يكاد يكون إجماعا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 من القراء، ما عدا أبا جعفر فقد جوز إخفاء النون عند الخاء والغين، فأجرى هذين الحرفين مجرى حروف الفم لقربهما منها (1) . وقد جوز ذلك بشرط أن تكون النون والخاء والغين من كلمتين نحو " من إله غير الله ". أما إذا كان من كلمة كالمنخنقة فلا يجوز حينئذ إخفاء النون (2) ، وإنما بينت النون والتنوين عند هذه الحروف لبعد مخرجهما من الحلق (3) وعدم تقاربهما معها في الصفة فلم تقو هذه على أنها تقلبهما لأنها تراخت عنهما فلم يحسن الإدغام (4) وليست من قبيلهما فيجوز الإخفاء. وبيانهما (النون الساكنة والتنوين) عندهن كما ذكر الداني على ضربين: بتعمل وبغير تعمل، والذي يتعمل بيانهما عندهن ثلاثة: الهمزة والغين والخاء لأنه متى لم يتعمل ذلك عندهن ولم يتكلف انقلبت حركة الهمزة عليهما وسقطت من اللفظ، وخفيا عند الغين والخاء؛ لأن ذلك قد يستعمل فيهن لما رواه ورش عن نافع في الهمزة، ورواه المسيبي في الغين والخاء لقربهما من حرفي أقصى اللسان، والتي لا يتعمل بيانهما عندهن ثلاثة أيضا: الهاء والعين والحاء ضرورة (5) . ولعل الإظهار مطلقا عند هذه الحروف الستة أجود وأحسن؛ لأن الخاء والغين من حروف الحلق أيضا فتكونان كأخواتهما غير قادرتين بطبيعتهما على فناء الأصوات فيهما (6) . وذكر بعض القراء في كتبهم أن الغنة باقية فيهما (النون الساكنة والتنوين) قبل حروف الحلق. ونسب إلى الداني أنه قال: الغنة ساقطة *إذا أظهر وهو مذهب النحاة وبه صرحوا في كتبهم، وبه قرأت على شيخي ما عدا قراءة يزيد والمسيبي (7) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 2. الإدغام (1) : ويعني عند القراء: التقاء حرف ساكن بحرف متحرك، فيدخل الحرف الساكن في الحرف المتحرك، بحيث يصير الحرفان حرفا واحدا مشددا، يرتفع اللسان بهما ارتفاعة واحدة، أو النطق بالحرفين حرفا كالثاني مشددا (2) . وهو عندهم: نوعان: إدغام صغير وهو الشائع المروي عند جمهورهم، وفيه يتحقق مجاورة الصوتين المتماثلين أو المتجانسين أو المتقاربين إذ لا فاصل بينهما. وإدغام كبير وفيه يفصل بين الصوتين المتماثلين أو المتجانسين أو المتقاربين صوت لين قصير (أي أن لحرف الأول منهما يكون متحركا) وينسب هذا النوع من الإدغام إلى أبي عمرو " أحد القراء السبعة " (3) . وفيما يتعلق بالنون الساكنة والتنوين فإنه إذا وقع حرف من الحروف الستة المجموعة في قولهم " يرملون "بعد النون الساكنة بشرط أن يكون ذلك في كلمتين أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين وجب إدغامها وتسمى النون الساكنة والتنوين مدغما، ويسمى أحد حروف " يرملون " مدغما فيه. وينقسم هذا الإدغام إلى قسمين: إدغام بغير غنة (تام) . إدغام بغنة (ناقص) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 ويتحقق الإدغام بغير غنة التام عندما يقع حرفا اللام والراء بعد النون الساكنة من كلمتين أو بعد التنوين ولا يكون إلا كذلك نحو " ولكن لا يشعرون " و " هدى للمتقين "، وعلة الإدغام هنا هو قرب مخرج اللام والراء من مخرج النون لأنهن من حروف طرف اللسان فحسن الإدغام في ذلك لتقارب المخارج، فتبدل كل من النون الساكنة والتنوين لاما مع اللام وراء مع الراء؛ بحيث تفقد النون المخرج والصفة، وتتحول تحولا كاملا إلى كل من اللام والراء ويكمل التشديد. وأجاز النحويون إظهار الغنة فيهما، وقيل مع اللام خاصة، والذي أجمع عليه القراء إدغام الغنة مع الراء واللام نحو " من لدنه، من ربهم " (1) . ووجه الإدغام التام: هو التقارب في المخرج على مذهب الجمهور، والتجانس على مذهب الفراء وموافقيه القائلين بأن النون واللام والراء من مخرج واحد (2) فلم نلحظ فيه أثرا للصوت بعد فنائه (3) . ووجه ذهاب الغنة هنا: المبالغة في التخفيف والخوف من الثقل؛ (4) لأن النون تقاربهما في المخرج وفي الصفة أيضا؛ لأن الثلاثة مجهورة وبين الشدة والرخاوة (5) . ويختص الإدغام بغنة (الناقص) بأربعة أحرف من حروف (يرملون) مجموعة في قول الكثير من علماء القراءات في لفظ " ينمو "، فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الأربعة بعد النون الساكنة بشرط انفصاله عنها (أي وقوعهما في كلمتين) ، أو بعد نون التوكيد الخفيفة المتصلة بالفعل المضارع الشبيه بالتنوين، وجب الإدغام مع اختلاف بين أئمة الإقراء في تحقيق الغنة أو تركها في بعض هذه الحروف دون بعض. ففيما يتعلق بالواو والياء فقد اختلف فيهما بين الغنة وتركها أيضا، فقرأ الجميع بالغنة فيهما إلا خلفا عن حمزة فإنه يدغم النون والتنوين فيهما بلا غنة، وإلا الدوري عن الكسائي في الياء من طريق أبي عثمان الضرير، وروى الغنة عنه جعفر بن محمد وكلاهما صحيح كما النشر، وقرأ الباقون بالغنة فيهما، وهو الأفصح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 ونقل عن سيبويه جواز الأمرين فيهما، حيث قال: تدغم النون مع الواو بغنة وبغير غنة لأنها من مخرج ما أدغمت فيه النون، وإنما منعها أن تقلب مع الواو ميما أن النون حرف لين يتجافى عنه الشفتان، والميم كالباء في الشدة وإلزام الشفتين، فكرهوا أن يكون مكانها أشبه الحروف من مواضع الواو والنون وليس مثلها في اللين والتجافي والمد فاحتملت الإدغام كما احتملته اللام وكرهوا البدل، وتدغم النون مع الياء بغنة وبغير غنة؛ لأن الياء أخت الواو، وقد تدغم فيها الواو فكأنهما من مخرج واحد، ولأنه ليس مخرج من طرف اللسان أقرب إلى مخرج الراء من الياء (1) . ولعل الغنة مع الياء والواو أولى لأن مقاربة النون الساكنة إياهما في الصفة لا بالمخرج، فالأولى أن لا يغتفر ذهاب فضيلة النون رأسا لمثل هذا القرب غير الكامل، بل ينبغي أن يكون للنون معهما حالة بين الإخفاء والإدغام، وهي الحالة التي فوق الإخفاء ودون الإدغام التام فيبقى شيء من الغنة (2) ، وإذا بقيت غنتهما معهما لم ينقلبا قلبا صحيحا، ولا يدغمان إدغاما تاما، وإنما يتمكن ذلك فيهما إذا ذهبت تلك الغنة بالقلب الصحيح، والغنة إذا ثبتت في الأصل لم يشدد الحرف ولفظ به بتشديد يسير، وإذا حذفت الغنة شدد الحرف (3) . وإدغام النون الساكنة والتنوين في النون لا إشكال فيه ولا اختلاف وإنما الجميع على إدغامهما بغنة نحو قوله " من نور " و " ملكا نقتل "، والغنة التي كانت في النون باقية مع لفظ الحرف الأول؛ لأنها (الغنة) ملازمة للنون أدغمت أم لم تدغم، وعلة إدغامها في النون هو اجتماع مثلين الأول ساكن، ولا يجوز الإظهار ألبتة،كما لا يجوز في قوله " فلا يسرف في القتل " و " واجعل لنا " وشبهه إلا الإدغام (4) . وأما الميم فيدغمان فيها إدغاما تاما، ويقلبان من جنسها قلبا صحيحا مع الغنة الظاهرة أيضا؛وذلك أن الميم وإن كان مخرجها من الشفة فإنها تشارك النون في الخياشيم لما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 فيها من الغنة، والغنة تسمع كالميم، وعلة إدغام النون الساكنة والتنوين في الميم لمشاركتهن في الغنة ولتقاربهن في المخرج للغنة التي فيهن كما أوضحنا فحسن لهذا كله الإدغام؛ فالنون مجهورة شديدة والميم مثلها فقد تشاركن في الجهر والشدة؛ فهما في القوة سواء في كل واحد جهر وشدة وغنة فحسن الإدغام وقوي، وبقيت الغنة ظاهرة في كل من الميم والنون عند التقائهما بالنون الساكنة والتنوين لئلا يذهب الحرف بكليته، ولأنك لو أذهبت الغنة لأذهبت غنتين غنة كانت في الأول وغنة في الثاني فلم يكن بد من إظهار الغنة، وهذا كله إجماع من القراء والعرب (1) . أما إذا وقع الواو والياء بعد النون الساكنة في كلمة واحدة وجب الإظهار، ويسمى إظهارا مطلقا لعدم تقييده بحلق أو شفة، وقد وقع هذا النوع في أربع كلمات في القرآن ولا خامس لها كما يقولون وهي: الدنيا، بنيان، قنوان، صنوان، ولم يدغم هذا النوع لئلا يلتبس بالمضاعف وهو ما تكرر أحد أصوله: كصوان وديان فلو أدغم لم يظهر الفرق بين ما أصله النون وما أصله التضعيف فلا يعلم هل هو من الدنى والصنو أو من الدي والصو فأبقيت النون مظهرة محافظة على ذلك (2) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 وتدغم الميم الساكنة في مثلها كقوله تعالى " الرحيم مالك يوم الدين " (1) ، فإذا وقعت الميم المتحركة بعد الميم الساكنة سواء أكان معها في كلمة " ألم " أم في كلمتين كقوله تعالى " كم من فئة " وجب إدغام الميم الساكنة في الميم المتحركة، ويسمى إدغام متماثلين صغيرا ولا بد معه من الغنة المصاحبة له وهي هنا بالإجماع، ووجهه: التماثل. ويلحق به أيضا إدغام النون الساكنة والتنوين في الميم نحو " من مال " كما سيأتي بيانه إن شاء الله وذلك لقلب المدغم من جنس المدغم فيه، وكذلك يطلق على كل ميم مشددة نحو " دمر، يعمر، حمالة، وهم، أم من أسس " (2) . وسمي إدغاما لإدغام الميم الساكنة في المتحركة، وبالمتماثلين لكونه مؤلفا من حرفين متحدين في المخرج والصفة والاسم والرسم، وأدغم الأول في الثاني منهما، وصغيرا لأن الأول منهما ساكن والثاني متحرك، وهذا هو سبب الإدغام أو لقلة عمل المدغم، وقيل غير ذلك. فإن التقت الميم الساكنة بالباء ولا يكون ذلك إلا من كلمتين فعلماء القراءات مختلفون في وصف أدائها معها، فقال بعضهم: هي مخفاة لانطباق الشفتين عليهما كانطباقهما على إحداهما، ولا تدغم فيها ولكنها تخفى لأن لها صوتا في الخياشيم تواخي به النون الخفيفة، فقد نقل الداني يرحمه الله: أن من أهل اللغة من يسمي الميم الساكنة عند الباء إخفاء (وهذا هو الإدغام الصغير) ، قال سيبويه: المخفي بوزن المظهر، وقال آخرون: هي مبينة للغنة التي فيها … وقال آخرون: أخذنا من أهل الأداء بيان الميم الساكنة عند الواو والباء والفاء في حسن من غير إفحاش. وروي عن أبي عمرو إدغام الميم في الباء إذا تحرك ما قبل الميم مثل قوله تعالى " وقولهم على مريم بهتانا عظيما " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 و " لكيلا يعلم بعد علم شيئا " و " وهو أعلم بالشاكرين " (وهذا هو الإدغام الكبير) . وأصحاب أبي عمرو لا يأتون بباء مشددة ولو كان فيه إدغام لصار في اللفظ باء مشددة (1) . وذهب جماعة إلى تبيين الميم الساكنة وترك إدغامها إذا لقيتها باء في جميع القرآن (2) . والإخفاء مع الغنة في جميع ما ذكر هو المختار وعليه أهل الأداء بمصر والشام والأندلس وغيرها واختاره أكثر المحققين كالحافظ أبي عمرو الداني وابن الجزري وابن مجاهد وغيرهم (3) ويسمى إخفاء لإخفاء الميم الساكنة عند ملاقاتها للباء للتجانس الذي بينهما حيث يتحدان في المخرج ويشتركان في أغلب الصفات، والإخفاء في هذه الحالة، يؤدي إلى سهولة النطق. وسمي شفويا لخروج الميم والباء من الشفتين. ووجهه: التجانس في المخرج وفي أكثر الصفات أيضا (4) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 3. الإقلاب: وهو عند القراء: قلب النون الساكنة والتنوين ميما وجوبا مع مراعاة الغنة والإخفاء في الحرف المقلوب وذلك عند ملاقاتها لحرف واحد هو الباء (1) . فإذا وقع الباء بعد النون الساكنة (سواء أكان معها في كلمة أم في كلمتين) أو بعد التنوين (ولا يكون إلا من كلمتين) كما هو مقرر أو بعد نون التوكيد الخفيفة المتصلة بالفعل المضارع الشبيهة بالتنوين وجب قلب النون الساكنة والتنوين ونون التوكيد ميما خالصة لفظا لا خطا مخفاة مع إظهار الغنة (2) نحو " أن بورك " و " وظلمات بعضها فوق بعض " و " لنسفعا بالناصية " وما أشبهه، ولا تشديد في هذا إنما هو بدل لا إدغام فيه لكن الغنة التي كانت في النون باقيه لأن الحرف الذي أبدلت من النون حرف فيه غنة أيضا وهو الميم الساكنة فلا بد من إظهار الغنة في البدل كما كانت في المبدل منه وهذا البدل إجماع من القراء (3) . وعلة بدل النون الساكنة والتنوين ميما إذا لقيتها باء لأنه يتعسر التصريح بالنون الساكنة قبل الباء لأن النون الساكنة يجب إخفاؤها مع غير حروف الحلق والنون الخفية ليست إلا في الغنة التي معتمدها الأنف فقط والباء معتمدها الشفة ويتعسر اعتمادان متواليان على مخرجي النفس المتباعدين فطلبت حرفا يقلب النون إليها متوسطة بين النون والباء فوجدت الميم لأن فيه الغنة كالنون وهو شفوي كالباء (4) . وسمي بالقلب لقلب النون الساكنة والتنوين ونون التوكيد الخفيفة ميما خالصة في اللفظ لا في الخط. هذا ولا يتحقق القلب على الصورة التي رأيناها إلا بثلاثة أعمال تقدم شرحها فيما سبق ويمكن إجمالها في: 1. قلب النون الساكنة أو التنوين أو نون التوكيد الخفيفة ميما خالصة لفظا لا خطا تعويضا صحيحا بحيث لا يبقى أثر بعد ذلك للنون الساكنة والمؤكدة والتنوين. 2. إخفاء هذه الميم عند الباء. 3. إظهار الغنة مع الإخفاء (5) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 ويجري في النون والميم المشددتين أحكام إدغام الحرفين المتماثلين مع وجوب الغنة ومقدارها الذي حدده القدماء من القراء وأهل الأداء كما سبقت الإشارة إليه نحو قوله تعالى " فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر، وأما بنعمة ربك فحدث "، وقوله تعالى " إنا أعطيناك الكوثر " و " من الجنة والناس " (1) . 4. الإخفاء (2) : ويعني عند القراء: النطق بحرف ساكن عار من التشديد مع بقاء الغنة في المدغم، وهو هنا النون الساكنة والتنوين والميم الساكنة في الإخفاء الشفوي (3) . وتتحقق هذه الصفة الصوتية في الحروف الباقية بعد حروف الإظهار والإدغام والقلب، وهي خمسة عشر حرفا يجمعها أوائل كلمات هذا البيت: صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما دم طيبا زد في تقى ضع ظالما (4) فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الخمسة عشر بعد النون الساكنة سواء أكان متصلا بها في كلمتها أم منفصلا عنها أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين، وجب إخفاؤها ويسمى إخفاء حقيقيا لتحقيق الإخفاء فيهما أكثر من غيرهما، ولاتفاق العلماء على تسميته كذلك. ولا تشديد في الإخفاء لأن الحرف أيضا يخفى بنفسه لا في غيره، والإدغام إنما هو أن تدغم الحرف في غيره؛ فلذلك يقع فيه التشديد والغنة مع الإخفاء كما كانت مع الإظهار؛ لأنه كالإظهار. فالغنة في الحرف الخفي هي النون الخفية؛ وذلك أن النون مخرجها من طرف اللسان وأطراف الثنايا ومعها غنة من الخياشيم، فإذا أخفيت لأجل ما بعدها زال مع الخفاء ما كان يخرج من طرف اللسان وبقي ما كان يخرج من الخياشيم ظاهرا. وعلة خفاء النون الساكنة والتنوين عند هذه الحروف أن النون الساكنة قد صار لها مخرجان: مخرج لها وهو المخرج التاسع (من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا) ، ومخرج لغنتها وهو المخرج السادس عشر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 (من الخياشيم أو الأنف) على مذهب سيبويه (1) . فاتسعت بذلك في المخرج، بخلاف سائر الحروف فأحاطت باتساعهم بذلك في المخرج بحروف الفم فشاركتها بالإحاطة بها فخفيت عندها، وكان ذلك أخف لأنهم لو استعملوها مظهرة لعمل اللسان فيها من مخرجها ومن مخرج غنتها، فكان خفاؤها أيسر ليعمل اللسان مرة واحدة (2) . وذلك أنها من حروف الفم، وأصل الإدغام لحروف الفم لأنها أكثر الحروف، فلما وصلوا إلى أن يكون لها مخرج من غير الفم كان أخف عليهم ألا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة واحدة، وكان العلم بها أنها نون ذلك الموضع كالعلم بها وهي من الفم لأنه ليس حرف يخرج من ذلك الموضع غير النون والميم فاختاروا الخفة إذ لم يكن لبس (3) . وقيل إنما أخفيت (النون الساكنة والتنوين والميم الساكنة) عندها لأنها تخرج من خرق الأنف الذي يمتد إلى داخل الفم لا من المنخر، فكان بين النون وحروف الفم اختلاط فلم تقو قوة حروف الحلق فتظهر معها، وإنما كانت متوسطة بين القرب والبعد لتوسط أمرها بين الإظهار والإدغام فأخفيت عندها لذلك، وعليه فلها ثلاثة أحوال: الإدغام والإخفاء والإظهار، فالإدغام للتقارب بالحد الأدنى، والإظهار للتباعد بالحد الأقصى، والإخفاء للمناسبة بالحد الأوسط. قال أبو عثمان المازني: " وبيانها مع حروف الفم لحن " (4) . ويفترق الإدغام عن الإخفاء في الأمور التالية: أن الإخفاء لا تشديد معه مطلقا بخلاف الإدغام ففيه تشديد. أن إخفاء الحرف يكون عند غيره، وأما إدغامه فيكون في غيره. أن الإخفاء يأتي من كلمة ومن كلمتين، وأما الإدغام فلا يكون إلا من كلمتين. وقد ساق بعض علماء القراءات مراتب ثلاثا للإخفاء وهي: 1. أعلاها عند الطاء والدال والتاء لقرب مخرج النون من مخرج هذين الحرفين فيكون الإخفاء فيها قريبا من الإدغام وذلك لقربهن من النون والتنوين في المخرج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 2. أدناها عند القاف والكاف لبعد مخرج النون من مخرج هذه الحروف فيكون الإخفاء فيها قريبا من الإظهار. 3. أوسطها عند الحروف العشرة لعدم قربها منها جدا ولا بعدها عنها جدا فيكون الإخفاء فيها متوسطا بينهما (1) . أهداف البحث: سبق أن أوضحنا أن الأصوات اللغوية تتأثر بعضها ببعض عند النطق بها داخل الكلمات والجمل والعبارات على حد سواء فتتغير بناء على ذلك مخارج بعض الأصوات أو صفاتها لكي تتفق في المخرج أو في الصفة أو في كليهما مع الأصوات الأخرى المحيطة بها داخل البيئة اللغوية فيحدث عند ذلك نوع من التوافق والانسجام والتقريب بين الأصوات. وتنحو النون الساكنة والتنوين هذا النحو فيتأثر كل منهما بنوع الصوت الذي يقع بعده ويلاصقه تأثرا واضحا في المخرج أو في الصفة أو في كليهما. ويتوقف ذلك على نسبة قرب المخرج فهي أكثر تأثرا بمجاورة أصوات طرف اللسان ووسطه من تأثرها بمجاورة تلك التي مخرجها من أقصى اللسان وليس المخرج وحده هو العامل الوحيد في هذا التأثر بل لا بد معه من صفة الصوت، فالنون التي هي من الأصوات المتوسطة أقل تأثرا بأصوات الشدة والرخاوة من تأثرها بمثيلاتها من الأصوات المتوسطة. وكما بينا سابقا فإن درجات تأثر النون الساكنة وما في حكمها (التنوين) بالأصوات المجاورة تتراوح بين إظهارها خالصة دون شائبة مع أصوات الحلق، وإدغامها إدغاما كاملا في الراء واللام حيث تفنى النون فيهما عند جمهور القراء فناء تاما، وبين إظهارها وإدغامها إدغاما كاملا نلحظ درجات مختلفة لتأثرها بما بعدها،كإخفائها أو قلبها ميما أو إدغامها ناقصا مع بقاء ما يشعر بها وهو الذي اصطلح على تسميته بالإدغام بغنة، وميل هذه النون في الأداء السليم إلى أن تفنى (فناء تاما أو ناقصا) في بعض الحروف التي تجاورها أو تلاصقها في البيئة اللغوية كما ذكرنا، هو الذي جعل القراء يحرصون فيما يبدو على وضع قواعد خاصة بالنون الساكنة وما في حكمها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 (التنوين) ، يفرقون بها بين النطق السليم لهذه النون وبين ذلك الذي شاع في كلام العرب بعد اتساع رقعة الدولة العربية. والوسيلة التي لجأ إليها القراء منذ القدم لإعطاء هذه النون بعض حقها الصوتي حتى لا تفنى في غيرها من الأصوات التي تجاورها ما عدا أصوات الحلق هي الحرص على إظهار غنتها مع بعض الأصوات التالية لها. فالغنة التي حالت فيما نظن بين النون وفنائها في غيرها من الأصوات هي وسيلة عمد إليها القراء في قراءة القرآن الكريم احترازا من أن تقرأ آياته كما يتكلم العرب في أحاديثهم الدارجة، وليست الغنة في رأينا إلا إطالة لصوت هذه النون مع تردد موسيقي محبب فيها. فالزمن الذي يستغرقه النطق بالغنة هو في معظم الأحيان ضعف ما تحتاج إليه النون المظهرة، وليس هذا إلا للحيلولة بين النون والفناء في غيرها فالفرق بين النون المظهرة والنون المغنة هو فرق في الكمية من ناحية، وتطور النون وميلها إلى مخرج الصوت المجاور من ناحية أخرى. ويحاول هذا البحث بطريق التطبيق والتجريب أن يقف على أمور تتعلق بالنظر إلى الكم الزمني لصويت الغنة المصاحب للميم والنون وما في حكمها (التنوين) الذي يستغرقه النطق بها في أداء آي القرآن الكريم عندما تتجاور الأصوات مع غير حروف الحلق فيما اصطلح على تسميته الإدغام (التام والناقص) ، والإقلاب، والإخفاء. مادة البحث: قام هذا البحث على نص من القرآن الكريم هو سورة (يونس عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم) مقروءة على قراءة حفص عن عاصم على طريق الترتيل بأصوات أربعة من القراء المجيدين المعاصرين هم على الترتيب: (الشيخ محمود خليل الحصري ت عام 1980 هـ. والشيخ محمد صديق المنشاوي ت عام 1969 هـ. والشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد ت عام 1988 هـ. يرحمهم الله والشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي أمد الله في عمره) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 كانت مادة البحث مسجلة على شرائط من الكاسيت وجميعها من تسجيلات " العقيدة الإسلامية "، ويعد تسجيل المقرئين الأربعة بصفة عامة تسجيلا نقيا خاليا من المؤثرات الصوتية الأخرى، وروعي في اختيار هؤلاء القراء الأربعة التنوع والتزامهم القراءة بقواعد المد على قراءة حفص عن عاصم (على طريقة الترتيل) ، وكان اختيار مادة البحث " سورة يونس عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم " بأصوات هؤلاء القراء الأربعة عشوائيا فلم يكن وراءه أي غرض سوى غرض البحث العلمي البحت. طريقة البحث: تم اختيار مادة البحث على النحو السابق ثم رقمت قراءة كل مقرىء برقم خاص من الأرقام (14) حسب وروده في الترتيب المذكور سابقا فرمز إلى قراءة الشيخ محمود خليل الحصري مثلا بالرقم (1) ورمز إلى قراءة الشيخ محمد صديق المنشاوي بالرقم (2) وهكذا … ثم قام الباحث بإدخال قراءة كل مقرىء على حدة في وحدة التسجيل الخاص بالجهاز الصوتي (Sona - Graph Model 5500) تبعا لطريقة الإدخال المرفقة صورتها بهذا البحث، بدئ بعد ذلك باستقراء صور صويت الغنة بأشكاله المتعددة تبعا لوروده في الآيات القرآنية الكريمة في قراءة المقرىء رقم (1) ورصدت نتائجها كلا على حدة ثم نظر إلى قراءة المقرئ رقم (2) وفعل بها مثل ما فعل بسابقتها … الخ، وقد تحصل الباحث بعد هذا الاستقراء على (1928) عينة هي حصيلة (482×4) وبعد أن صنفت نتائج عينات قراءة كل مقرىء على حدة جرى في هذا البحث استخراج المتوسط العام لكل عينة لدى القراء الأربعة مجتمعين على النحو الذي نراه في الجداول المرفقة وقد وزعت هذه الجداول إلى خمس مجموعات وهي: 1. الرقم: ونقصد به في هذا البحث الرقم المتسلسل للعينات المدروسة حسب ورودها في النص القرآني الكريم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 2. اللفظ المشتمل على صويت الغنة من الآية: ونقصد به في هذا البحث اللفظ المشتمل على صويت الغنة المقيس من الآية منصوصا عليه بخط يوضح موقعه من الكلمة في الآية. 3. الزمن: وقسمناه إلى:مجموعتين: أ. زمن صويت الغنة: ونقصد به زمن صويت الغنة لكل لفظ اشتمل على حرف النون الساكنة أو التنوين المتبوع بحروف الإدغام الصغير (الناقص) المجموعة في كلمة (ينمو) أو حرف الإقلاب (الباء) أو حروف الإخفاء الحقيقي (ص، ذ، ث، ك، ج، ش، ق، س، د، ط، ز، ف، ت، ض، ظ) ، وكذا زمن صويت الغنة لكل لفظ اشتمل على حرف النون أو الميم المشددتين، وزمن صويت الغنة لكل لفظ اشتمل على الميم الساكنة المتبوعة بميم مثلها (فيما يعرف بالإغام الصغير) أو الباء (فيما يعرف عند القراء بالإخفاء الشفوي) . ب. زمن صويت الغنة والصامت بعده: ونقصد به زمن صويت الغنة الناشئ عن حروف النون الساكنة والتنوين والميم الساكنة المتبوعة بالحروف المقتضية للإدغام الصغير والناقص والإقلاب والإخفاء الحقيقي والشفوي فلفظ مثل قوله تعالى " من تلقاء " (ذات الرقم 177) نجد أن زمن صويت الغنة بلغ (9715,) من الثانية، بينما نجد أن زمن صويت الغنة مع الصامت الساكن بعده بلغ (1.1247) من الثانية. جدول استقراء عينات البحث: زمن صويت الغنة والصامت بعده زمن صويت الغنة النص المقيس من الآية 3312, 2374, 1. الكتاب الحكيم 9914, 8309, 2. للناس عجبا 1.0224 8415, 3. رجل منهم 1.0516 .8998, 4. أن أنذر 1.0602 9185, 5. أن لهم 1.1556 9955, 6. عند ربهم 1.1309 9375, 7. إن هذا 1.2411 1.0225 8. لساحر مبين 3562, 2437, 9. مبين 9664, 8129, 10. إن ربكم 1.220 9761, 11. أيام ثم 1.3012 1.021 12. ثم استوى 1.1013 9246, 13. ما من شفيع 1.141 6749 14. من بعد 3749, 2937 , 15. تذكرون 1.1119 9529, 16. جميعا وعد 1.0433 1.1933 1.0433 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 17. إنه يبدأ 1.1828 1.0122 18. ثم يعيده 1.0883 9665, 19. شراب من 1.2275 1.008 20. حميم وعذاب 1.110 9560, 21. أليم بما كانوا 4562, 3312, 22. يكفرون 1.0012 8677, 23. ضياء والقمر 1.0369 9061, 24. نورا وقدره 1.0473 9061, 25. لقوم يعلمون 4312, 3062, 26. يعلمون 1.0746 9539, 27. إن في اختلاف 91623, 7790, 28. الليل والنهار 1.0121 8894, 29. لقوم ينقون 3749, 2812, 30. يتقون 1.0513 8954, 31. إن الذين 8977, 7749, 32. واطمأنوا 4977, 2937, 33. غافلون 9357, 7699, 34. النار بما 5124, 3249, 35. يكسبون 1.307 9225, 36. إن الذين 1.1392 9725, 37. ربهم بإيمانهم 1.0307 8809, 38. تجري من تحتهم 9268, 7894, 39. في جنات 9769, 8436, 40. النعيم 1.030 8998, 41. اللهم 4624, 3312, 42. سلام 3374, 2562, 43. العالمين 1.069 9683, 44. للناس 1.306 1.1400 45. استعجالهم بالخير 3812, 2624, 46. أجلهم 4187, 2687, 47. يعمهون 1.095 9266, 48. الإنسان 1.035 8931, 49. لجنبه 9995, 8030, 50. قائما فلما 1.120 8767, 51. فلما كشفنا 1.2043 1.0183 52. ضر مسه 1.0248 8787, 53. من قبلكم 1.0248 8955, 54. لما ظلموا 1.0831 9655, 55. رسلهم بالبينات 4249, 3062, 56. المجرمين 1.0831 9351, 57. ثم جعلناكم 1.2411 1.0851 58. من بعدهم 1.0706 9331, 59. لننظر 1.033 8290, 60. بينات قال 9121, 7103, 61. من تلقاء 91216, 7707, 62. إني أخاف 4124, 2687, 63. عظيم 1.0081 8040, 64. ولا أدراكم به 95383, 81446, 65. عمرا من 1.1267 9766, 66. من قبله 3567, 2749, 67. أفلا تعقلون 9775, 83115, 68. ممن افترى 85197, 71033, 69. إنه لا يصلح 4312, 3062, 70. المجرمين 9847, 83946, 71. من دون 1.518 1.306 72. ينفعهم 1.0640 90403, 73. عند الله 3874, 2937, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 74.عما يشركون 3874, 2937, 75. يشركون 1.0205 5770, 76. الناس إلا 1.0017 8603 77.أمة 1.0829 9498, 78. أمة واحدة 1.4025 1.1288 79. واحدة فاختلفوا 1.0784 8790, 80. كلمة سبقت 3812, 2312, 81.يختلفون 1.018 8790, 82. أنزل 9968, 7915, 83. آية من 9831, 8165, 84.إنما الغيب 9554, 8165, 85. فانتظروا 9723, 7874, 86. إني معكم 9516, 8124, 87. معكم من 9998, 8373, 88. المنتظرين 9974, 8499, 89. الناس 1.0267 8602, 90. رحمة من 9540, 8040, 91. من بعد 9393, 7745, 92 لهم مكر. 1.160 1.0274 93. مكر في 1.117 9602, 94. إن رسلنا 3874, 2437, 95. ما تمكرون 1.020 8437, 96. إذا كنتم 9994, 8165, 97. بهم بريح 1.134 9777, 98. بريح طيبة 1.261 1.034 99. طيبة وفرحوا 1.055 8998, 100. عاصف وجاءهم 9393, 7853, 101. من كل مكان 1.106 9662, 102. مكان وظنوا 1.103 9433, 103.وظنوا 9852, 8290, 104. أنهم 1.102 8581, 105. أنجيتنا 1.034 8768, 106. لنكونن 3374, 2187, 107. الشاكرين 1.118 9392, 108. فلما 1.0163 8665, 109. أنجاهم 1.141 9518, 110. الناس 9513, 7744, 111. إنما 1.163 9540, 112. على أنفسكم 1.022 8498, 113. أنفسكم متاع 1.1954 9769, 114. ثم إلينا 1.093 8936, 115. فننبئكم بما 1.131 9497, 116.بما كنتم تعملون 4374, 2687, 117. تعملون 1.0975 9039, 118.إنما مثل 1.0182 8540, 119. أنزلناه 1.0164 9519, 120. مما يأكل 9306, 7811, 121. الناس 1.039 8746, 122. وظن 8832, 7870, 123. أنهم 9663, 8061, 124. وأنهارا فجعلناها 9663, 8144, 125. حصيدا كأن 1.068 8476, 126. لقوم يتفكرون 4312, 2874, 127. يتفكرون 4312, 2874, 128. سلام 9663, 8372, 129. من يشاء 1.125 9264, 130. صراط مستقيم 3643, 2374, 131. مستقيم 9186, 7562, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 132. وزيادة ولا 1.170 9860, 133. قتر ولا ذلة 1.0536 9040, 134. الجنة 1.196 9623, 135. سيئة بمثلها 3499, 2218, 136. خالدون 1.112 9436, 137. جميعا ثم 1.0067 8061, 138. ذلة ما لهم 9436, 8155., 139. ما لهم من الله 9437, 8186, 140. عاصم كأنما 9030, 7374, 141. كأنما 9248, 7968, 142. قطعا من. 9186, 7124, 143. أصحاب النار 3437, 2562, 144. خالدون 1.066 8936, 145. جميعا ثم 1.141 8249, 146. ثم نقول 1.1121 9456, 147. أنتم وشركاؤكم 1.212 1.003 148. ما كنتم 3999, 2399, 149. تعبدون 1.003 8249, 150. شهيدا بيننا 9974, 8457, 151. إن كنا 1.0141 8082, 152. كنا عن عبادتكم 4030, 2530, 153. الغافلين 1.162 9351, 154. نفس ما 1.016 8288, 155.عنهم ما 4297, 2780, 156. يفترون 9683, 8206, 157. قل من يرزقكم 9665, 8415, 158. يرزقكم من 1.0163 8394, 159. أمن يملك 9028, 7603, 160. أمن يملك 9622, 8165, 161. ومن يخرج 9580, 8123, 162. ومن يدبر 3624, 2062, 163. تتقون 9934, 8186, 164. فأنى تصرفون 4249, 37491, 165. تصرفون 1.060 9063, 166. أنهم لا يؤمنون 3874, 2312, 167. يؤمنون 9227, 7915, 168. من شركائهم 1.016 8561, 169. شركائهم من 8811, 7915, 170. من يبدأ 9268, 7936, 171. ثم يعيده 9123, 7707, 172. ثم يعيده 1.032 8686, 173. فأنى تؤفكون 4437, 27491, 174. تؤفكون. 1.0435 8932, 175. من شركائهم 1.087 93671, 176. شركائكم من 1.124 9715, 177.من يهدي 1.068 9315, 178. أفمن يهدي 1.034 8624, 179. أن يتبع 9748, 8623, 180. أم من 1.037 8852, 181. أن يهدى 4187, 2405, 182. تحكمون 1.010 8457, 183. إلا ظنا 9850, 8249, 184. إن الظن 9935, 8498, 185. الظن لا 1.110 9517, 186. إن الله 1.202 1.085 187. عليم بما 4437, 2905, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 188. يفعلون 9600, 8269, 189. أن يفترى 1.034 8540, 190. من دون الله 9611, 8103, 191. ولكن تصديق 3280, 2061, 192. العالمين 1.260 1.043 193. بسورة مثله 1.068 9164, 194. استطعتم من 8915, 6624, 195. من دون الله 1.012 9330, 196. إن كنتم 1.053 9330, 197. كنتم 3874, 1833, 198. صادقين 1.030 8788, 199. ولما يأتهم. 9912, 8269, 200. من قبلهم 9767, 8642, 201. فانظر 3905, 2687, 202. الظالمين 1.055 9453, 203. ومنهم من 9467, 7894, 204. من يؤمن 9809, 8311, 205. ومنهم من 3405, 2155, 206. بالمفسدين 1.064 8611, 207. وإن كذبوك 9791, 8490, 208. أنتم 9914, 8642, 209. أنتم بريئون 1.004 8307, 210. مما أعمل 9915, 8686, 211. بريء مما 9248, 7645, 212. مما تعملون 3936, 2812, 213. تعملون 1.031 8809, 214. ومنهم من 9953, 8582, 215. من يستمعون 1.012 8811, 216. أفأنت 9415, 8061, 217. تسمع الصم 3562, 2374, 218. لا يعقلون 1.070 9079, 219.ومنهم من 1.012 8478, 220. من ينظر 1.001 8891, 221. ينظر إليك 8853, 7520, 222. أفأنت 4062, 2749, 223. لا يبصرون 9727, 8507, 224. إن الله 9808, 8019, 225. الناس 9621, 8144, 226. شيئا ولكن 9831, 8394, 227. ولكن 9787, 8332, 228. الناس 9539, 8269, 229. أنفسهم 3874, 2705, 230. يظلمون 9807, 8082, 231. ساعة من 9151, 7561, 232. النهار 3062, 2062, 233. مهتدين 9997, 8332, 234. وإما 9427, 8040, 235. نرينك 9536, 8207, 236.أو نتوفينك 1.056 9081, 237. ثم الله 3780, 2499, 238. يفعلون 9601, 8269, 239. ولكل أمة 9865, 8061, 240. رسول فإذا 1.059 7561, 241. بينهم بالقسط 3999, 2687, 242. تظلمون 9102, 7206, 243. إن كنتم 1.030 9186, 244. كنتم 3968, 2718, 245. صادقين 1.026 8747, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 246. ضرا ولا 1.036 8475, 247. ولكل أمة 1.002 8392, 248. ساعة ولا 3780, 2437, 249. يستقدمون 1.040 8852, 250. نهارا ماذا 4280, 2843, 251. المجرمون 9415, 7838, 252. أثم 1.068 9204, 253.آمنتم 1.172 1.053 254. آمنتم به 1.157 9290, 255. كنتم 9955, 8771, 256. كنتم به 4155, 2843, 257. تستعجلون 8186, 6874, 258. ثم قيل 1.024 8831, 259.بما كنتم 4155, 2749, 260. تكسبون 1.122 8571, 261. ويستنبؤنك 1.053 9269, 262. إنه لحق 9580, 7529, 263. لحق وما أنتم 9808, 8286, 264. أنتم 9871, 8749, 265. أنتم بمعجزين 3592, 2468, 266. بمعجزين 1.114 9852, 267. ولو أن 1.082 9642, 268. نفس ظلمت 1.024 8353, 269. الندامة 1.082 9102, 270. لما رأوا 1.147 9851, 271. بينهم بالقسط 4124, 2937, 272. لا يظلمون 1.059 8186, 273. ألا أن 1.127 9811, 274. ألا أن 1.047 8392, 275. حق ولكن 1.034 8771, 276. ولكن 3937, 2780, 277. لا يعلمون 3686, 2468, 278. ترجعون 1.038 8728, 279.الناس 9977, 8394, 280.جاءتكم موعظة 1.026 9144, 281. موعظة من 9102, 7415, 282. وهدى ورحمة 9436, 7812, 283. خير مما 1.003 8055, 284. مما يجمعون 4312, 2687, 285.يجمعون 9590, 8155, 286.أرأيتم ما 8795, 6468, 287. ما أنزل 1.013, 8468, 288. لكم من 9343, 8154, 289. رزق فجعلتم 1.289 1.096 290.فحعلتم منه 8809, 7468, 291. حراما وحلالا 1.005 8749, 292. حلالا قل 3374, 2437, 293. تفترون 9684, 7906, 294. وما ظن 9745, 8467, 295. إن الله 8592, 8317, 296. على الناس 3274, 2062, 297. يشكرون 9994, 8281, 298. شأن وما 1.112 8561, 299. من قرآن 9619, 8061, 300. قرآن ولا 9311, 7936, 301. كنا 1.102 9532, 302. من مثقال 1.003 8686, 303. ذرة في 9342, 7811, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 304. من ذلك 1.018 8593, 305. كتاب مبين 3563, 2624, 306. مبين 9155, 7468, 307. إن أولياء 3562, 2437, 308. يحزنون 3562, 2624, 309. يتقون 3062, 2124, 310. الفوز العظيم 9216, 7936, 311. ولا يحزنك 9374, 7995, 312. إن العزة 3249, 2249, 313.العليم 9853, 8191, 314. ألا إن 9583, 8137, 315. من في 9764, 7998, 316. ومن في 9768, 8397, 317. من دون 9281, 8092, 318.إن يتبعون 9340, 7905, 319. الظن 3374, 2562, 320. يخرصون 8561, 6874, 321. والنهار 8655, 7280, 322. إن في 1.287 8359, 323.لقوم يسمعون 9863, 7895, 324 عندكم 9837, 8375, 325. عندكم من 8405, 7030, 326. من سلطان 9967, 8561, 327. سلطان بهذا 3749, 2812, 328. ما لا يعلمون 1.003 8531, 329. متاع في 1.024 8557, 330. ثم إلينا 8593, 7436, 331. ثم نذيقهم 9031, 7312, 332. إن كان 9837, 8734, 333.عليكم مقامي 9997, 8249, 334. ثم لا يكن 1.015 8811, 335. غمة 1.130 1.009 336. غمة ثم 8972, 7856, 337. ثم 9186, 7967, 338. ولا تنظرون 3874, 2687, 339. ولا تنظرون 9369, 7811, 340. فإن توليتم 9867, 8792, 341. فما سألتم من 3374, 2562, 342. من المسلمين 8975, 7964, 343. ومن معه 9311, 7874, 344. فانظر 9092, 7936, 345. المنذرين 3249, 2499, 346. المنذرين 9217, 7811, 347. ثم 9778, 8593, 348.من بعده 1.008 8778, 349. فجاءوهم بالبينات 1.109 9593, 350. من قبل 3812, 2687, 351. المعتدين 9061, 7562, 352. ثم بعثنا 9124, 7968, 353. من بعدهم 1.120 8374, 354. بعدهم موسى 9387, 7953, 355. قوما مجرمين 9975, 7999, 356. فلما جاءهم 1.063 9432, 357. عندنا 9686, 8405, 358. إن هذا 8561, 7811, 359. لسحر مبين 3562, 2062, 360. مبين 8936, 7124, 361. لما جاءهم 2187, 1437, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 362. الساحرون 8623, 6999, 363. عما وجدنا 4249, 3187, 364. عليم 9123, 7562, 365. فلما 8686, 7374, 366. لهم موسى 9749, 8124, 367. ما أنتم 8936, 7499, 368. أنتم ملقون 3749, 2499, 369. ملقون 9654, 7999, 370. فلما ألقوا 1.021 9058, 371. جئتم به 1.058 9059, 372. إن الله 9589, 7874, 373. إن الله ل يصلح 2874, 1874, 374. عمل المفسدين 3374, 2187, 375. المجرمون 1.243 8999, 376. ذرية من 9568, 7895, 377. من قومه 8967, 7780, 378. خوف من 8561, 7030, 379. من فرعون 9557, 7967, 380. أن يفتنهم 9217, 8061, 381. وإن فرعون 9217, 7780, 382. لعال في 9405, 8186, 383. وإنه 4124, 3124, 384. لمن المسرفين 9405, 8281, 385. إن كنتم 1.037 8807, 386. كنتم 1.024 8748, 387. كنتم مسلمين 3312, 2249, 388. مسلمين 8905, 7655, 389. آمنتم 9123, 7905, 390. آمنتم بالله 1.027 8623, 391. إن كنتم 9281, 8031, 392. كنتم 1.068 9311, 393. كنتم مسلمين 3374, 2187, 394. الظالمين 8499, 7218, 395. أن تبوءآ 9122, 7655, 396. بيوتا واجعلوا 9031, 7655, 397. قبلة وأقيموا 3499, 2374, 398. وبشر المؤمنين 9810, 8281, 399. إنك 8781, 7124, 400. زينة وأموالا 8249, 6691, 401. وأموالا في 9873, 8749, 402. عن سبيلك 3499, 2624, 403. العذاب الأليم 9935, 8748, 404.ولا تتبعان 3624, 2187, 405. لا يعلمون 9245, 7592, 406. بغيا وعدوا 8249, 7717, 407. آمنت 8933, 7399, 408.أنه لا إله 3499, 2124, 409. من المسلمين 9120, 7686, 410. وكنت 3937, 2624, 411. المفسدين 8999, 7593, 412. وإن كثيرا 1.002 8499, 413. كثيرا من 9658, 8167, 414. الناس 4499, 3499, 415. لغافلون 9186, 7437, 416. صدق ورزقناهم 9371, 7985, 417. ورزقناهم من 8905, 7249, 418. إنك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 4687, 3437, 419. يختلفون 9061, 7812, 420. فإن كنت 1.055 9018, 421. كنت 9714, 8061, 422. شك مما 1.137 9873, 423. مما 8717, 7530, 424. أنزلناه 9686, 7843, 425. من قبلك 8405, 6937, 426. تكونن 3687, 2249, 427. الممترين 9713, 8155, 428. ولا تكونن 3124, 2062, 429.الخاسرين 9342, 7999, 430. إن الذين 3249, 2189, 431. لا يؤمنون 2749, 1749, 432. الأليم 1.018 8436, 433. لما آمنوا 9465, 8124, 434. من في 9338, 7967, 435. أفأنت 1.034 8373, 436.الناس 3187, 2124, 437. مؤمنين 8655, 7343, 438. أن تؤمن 3062, 2124, 439. يعقلون 1.012 8368, 440. انظروا 9808, 7842, 441. والنذر 8718, 7217, 442. عن قوم 3687, 2124, 443. يؤمنون 9059, 7342, 444.ينتظرون 1.174 9245, 445. من قبلهم 9342, 8030, 446. قل فانتظروا 9217, 8249, 447. إني معكم 9529, 7933, 448. معكم من 1.008 8463, 449.المنتظرين 9273, 7811, 450.ثم ننجي 1.005 8717, 451. ننجي 3374, 2124, 452.المؤمنين 1.046 8874, 453. أيها الناس 9373, 7874, 454.إن كنتم 9436, 7780, 455.كنتم 9717, 7874, 456. شك من 9436, 8061, 457. من ديني 4249, 3062, 458.تعبدون 9217, 8093 , 459. من دونه 3749, 2312, 460. من المؤمنين 1.018 8374, 461. حنيفا ولا 1.012 7968, 462. تكونن 3124, 2437, 463. من المشركين 1.027 9182, 464. من دون 9278, 7811, 465. ينفعك 9654, 8155, 466. فإن فعلت 8781, 7718, 467. فإنك 8780, 7405, 468.إذا من 4374, 3437, 469. الظالمين 1.033 8593, 470. وإن يمسسك 9093, 7624, 471. بضر فلا 9655, 7624, 472. وإن يردك 9655, 7998, 473. بخير فلا 9311, 7562, 474. من يشاء 9874, 8061, 475. الناس 9844, 8432, 476.فإنما 1.093 9381, 477. ومن ضل 1.037 8621, 478. فإنما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 1.006 8749, 479. عليكم بوكيل 3749, 2562, 480. الحاكمين ملاحظات عامة على النتائج: 1. يتضح لنا بعد مراجعة نتائج عينات البحث المرفقة التي قامت عليها الدراسة أن المتوسط الزمني لمدة النطق بصويت الغنة في قراءة القراء الأربعة بجميع صورها المختلفة ومراتبها المتعددة التي اشتملت عليها الآيات القرآنية الكريمة موضوع البحث متقارب شيئا ما، وما نراه من التفاوت في المتوسط العام لزمن النطق بصويت الغنة في بعض نتائج عينات البحث المرفقة في قراءة القراء الأربعة كما سنرى مظاهره بعد يعود بدرجة كبيرة إلى سبب خارج عن زمن النطق بحرفي النون والميم الساكنين أو المحركين حال حصولهما في المخرج وقد لجأ أصحاب الأداء السليم لألفاظ القرآن الكريم إلى إطالة زمن النطق بصويت الغنة المصاحب لهذين الحرفين وما في حكمهما للحيلولة بينها وبين أن تفنى (فناء تاما أو ناقصا) كما ذكرنا فيما سبق في بعض الحروف التي تجاورها أو تلاصقها في البيئة اللغوية. 2. لم تشتمل آيات سورة يونس (عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم) على أي نوع من صويت الغنة من نوع إدغام النون الساكنة والتنوين في النون بعدها نحو قوله تعالى " إن نشأ ننزل عليهم من السماء ماء الشعراء _4 _ "، وقوله تعالى " ملكا نقاتل في سبيل الله البقرة 246 "، وقد أجرى الباحث عدة تجارب على عينات من آي أخر اشتملت على هذا النوع من صويت الغنة وردت في سورة البقرة بقراءة هؤلاء القراء الأربعة واستخرج منها الباحث المتوسط العام، وقد أثبتت نتائجها في مكانها من هذا البحث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 3. تظهر صور التمثيل الطيفي لحروف (النون والميم الساكنين وما في حكمهما) المرفق بعض نماذجها بهذا البحث عند التقائها بالحروف المقتضية للإدغام بغنة (الناقص والمثلين) والإقلاب والإخفاء (الحقيقي والشفوي) أن هناك شيئا ما زائدا على أصل الحرف أتى مصاحبا له قبل أن ينطق بالحرف الملاصق له في البيئة اللغوية وهذا الشيء الزائد على أصل الحروف (النون والميم الساكنين وما في حكمهما) هو صفة الغنة الملازمة لهذين الحرفين وما في حكمهما ويستغرق زمن النطق به مدة قد تطول وقد تقصر كما سنرى في مكانه من هذا البحث بناء على الحرف من حيث المخرج والصفة الذي يأتي بعد حروف الغنة وليس ذلك إلا للحيلولة بين (النون والميم الساكنين وما في حكمهما) والفناء في غيرها كما أشرنا إلى ذلك سابقا 4. اتضح لنا بعد التدقيق في صور التمثيل الطيفي المرفق بعض نماذجها بهذا البحث أن هذا الشي الزائد على أصل الحروف (النون والميم الساكنين وما في حكمهما) يمثل بدقة صفة الغنة الملازمة لهذه الحروف. يؤكد ذلك قول أصحاب الأداء القدماء في تعريفهم للغنة بأنها صوت يخرج من الخيشوم لا عمل للسان فيه إذ الخارج من الخيشوم هو صوت الغنة لا حروفها، والغنة كما هو معروف ليست حرفا كما في إطلاق بعضهم أو تخصيصه؛ لأن الحرف يعمل فيه اللسان لإخراجه، والغنة ليست كذلك بل هي صفة تابعة لموصوفها اللساني أو الشفوي أي النون والميم وما في حكمهما. وهذا الأمر هو الذي أوجب إلحاقها بالصفات المشهورة التي لا ضد لها وهي لا تقل أهمية عن صفة القلقلة. وقد عدها من الصفات جمع من العلماء كالإمام ابن بري وغيره. ومنهم من ذكرها مع المخارج ولكل وجهة. فمن ذكرها في المخارج، نظر أن لها مخرجا وهو الخيشوم فذكرها معه، وعدها من الحروف تغليبا للحروف عليها. ومن ذكرها في الصفات، نظر إلى أنها صفة اختصت بمخرج دون سائر الصفات فعدها منها تبعا لها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 5. تبين للباحث بعد استقراء صور التمثيل الطيفي لكيفية أداء صفة الغنة الملازمة لحروف (النون والميم الساكنين وما في حكمهما) المرفق بعض نماذجها بهذا البحث عند التقائها بالحروف المستلزمة حدوث هذه الغنة أن هناك شيئا ما ظاهرا على هذه الصور يتمثل في شكل حزم سوداء داكنة ممتدة من القاعدة إلى القمة حدثت قبل استكمال النطق بهذه الحروف وقبل النطق بالحرف الملاصق لها أيضا المستلزم لحدوث الغنة في البيئة اللغوية وتحدث هذه الغنة كما أوضحنا سابقا نتيجة اندفاع الهواء من الرئتين محركا الوترين الصوتيين ثم يتخذ مجراه في الحلق أولا حتى إذا وصل إلى أقصى الحلق هبط أقصى الحنك الأعلى فيسد بهبوطه فتحة الفم ويتسرب الهواء من التجويف الأنفي محدثا في مروره نوعا من الحفيف لا يكاد يسمع أو يلاحظ على الصور الطيفية لصويت الغنة في حالة الإدغام بغنة، وكذا في حالة الإخفاء (بما فيه الإقلاب) ، حيث نسقط المخرج ونبقي الصفة في هذه الأحوال جميعا، والفارق بين حال النون في هذه الحالات كما أوضحنا سابقا أنه مع الإدغام يلغى المخرج وتبقى الصفة التي هي الغنة والتي مخرجها من الأنف أو الخيشوم، وفي الوقت نفسه ينطق حرف الإدغام (ي،و، م) فيحدث تزامن في النطق، فيخيل للسامع مع أن الياء في (من يهدي) مشددة، وأن الواو في (من وال) مشددة … إلخ، وليس هناك تشديد لأنه لو كان هناك تشديد لرأينا ذلك واضحا على الصور الطيفية لصويت الغنة، ولسمعنا الياء في (من يهدي) ياء مشددة بدون غنة، لكننا نرى حزما سوداء داكنة على الصورة الطيفية ذات معالم أو مكونات ثابتة، فالمسألة تزامن نطق فقط، أما مع الإخفاء (بما فيه الإقلاب) فيحدث أن النون يسقط مخرجها بمعنى أننا لا نجعل طرف اللسان يلتصق بما يقابله من مقدم الحنك، ونجعل الصوت يمر من الخيشوم أو الأنف لكي ننطق الغنة التي هي الصفة الجوهرية المشخصة للنون، وبذلك تكون النون قد حذف شطر من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 مخرجها، وشطر آخر من صفتها، وبعد الانتهاء من نطق الغنة نبدأ في نطق حرف الإخفاء. أما النون في حالة إدغام النون في مثلها أو في الميم نحو " من نار " و " من مال " وكذا النون المشددة في نحو " جنات " والميم المشددة في نحو " فأما من أعطى " فإن الهواء إذا وصل إلى أقصى الحلق، فلا تهبط اللهاة وتسد الفم إلا بعد أن يصل الهواء إلى الفم حيث مخرج الميم في الشفتين، والنون في طرف اللسان الذي يلتصق بمقدم الحنك الأعلى، فيعود الهواء إلى الخلف ليجد اللهاة قد هبطت، وفتحت الطريق إلى الخيشوم، فيخرج منه الهواء محدثا صوت الغنة. بقي معنا إخفاء الميم في نحو " يوم هم بارزون " وهو كإخفاء النون تماما. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 6. لاحظ الباحث بعد التأمل في صور التمثيل الطيفي المرفق بعض نماذجها بهذا البحث ذلك التشابه على وجه العموم في المعالم (Formants) التي يسلكها في الأداء السياقي هذا الهواء المتسرب من التجويف الأنفي عند النطق بالحروف التي تلازمها صفة الغنة وحرف الحركة (قصيرا كان أو طويلا) فكلاهما يشكلان بقعا سوداء داكنة منتظمة تنتشر عموديا على معالم الصورة جميعها وتمتد من القاعدة إلى القمة كما أشرنا إلى ذلك في مكانه من هذا البحث مع اختلاف يسير بينهما في المقدار والمدة الزمنية تبعا لنوع حرف الغنة (نونا ساكنة كانت أو ميما ساكنة أو ما في حكمهما) ، ونوع الحرف الملاصق لها في البيئة اللغوية وكذا حكم الغنة معه (إدغاما كان أو إقلابا أو إخفاء) مما سنرى مظاهره فيما بعد وهذا يفسر بوضوح قول القدماء من علماء اللغة العربية والنحو والقراءات الذين وصفوا صويت الغنة بأنه صوت يخرج من الخيشوم لا عمل للسان فيه يشبه المد واللين والمعروف أن هذا الذي يخرج بهذه الكيفية هو صفة الغنة لا حروفها فهو بعض حرف الغنة وليس كله، كما أن الحرف يعمل فيه اللسان لإخراجه وليس كذلك صويت الغنة، هذه الأسباب وغيرها ما جعلني أعد صوت الغنة في هذا البحث (صويتا) . مناقشة نتائج العينات: بمقارنة نتائج المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة الواردة في الآيات القرآنية بقراءات القراء الأربعة الذين جعلت قراءاتهم الأساس الذي قام عليه البحث والملاحظة نجد اختلافا ملحوظا بين نتائج هذا المتوسط العام لبعض العينات وبعضها الآخر، وهذا الاختلاف أخذ صورا كثيرة ومظاهر عديدة نجملها فيما سنعرضه من نقاط: أولا: صويت الغنة مع حرفي النون والميم المشددين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 أ. وجد بعد استقراء نتائج العينات في الآيات القرآنية بقراءة هؤلاء القراء الأربعة التي قامت عليها الدراسة أن المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة مع النون المشددة (من مجموع 82 عينة اشتمل عليها البحث) قد بلغ (8340,) من الثانية، في حين بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة نفسه مع الميم المشددة (8423,) من الثانية (من مجموع 35 عينة اشتمل عليها البحث) . ب. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لحرف النون المشدد في العينات نفسها (1561,) من الثانية، مقارنة بذلك المتوسط العام للمدة الزمنية لحرف الميم المشدد الذي بلغ (1539,) من الثانية في العينات نفسها أيضا. ج. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة والنون المشددة معا في العينات نفسها التي اشتمل عليها البحث (9865,) من الثانية، في حين بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة والميم المشددة (9847,) من الثانية في العينات نفسها التي اشتمل عليها البحث كما نرى في الجدول: الصوت المقيس عدد العينات مجموع المدة الزمنية للصوت المقيس في العينات جميعها المتوسط العام صويت الغنة للنون المشددة 82 68.39509 8340, من الثانية صويت الغنة للميم المشددة 35 29.4806 8423, من الثانية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 وكما هو ملاحظ من نتيجة المتوسط العام لنتائج العينات المرفقة لصويت الغنة مع كل من حرفي النون والميم المشددين نستطيع القول إن زمن النطق بصويت الغنة للميم المشددة بدا أطول زمنا من زمن النطق بصويت الغنة للنون المشددة. ولدى إخضاع نتائج العينات المشار إليها لاختبار (T. test) للفروق بين العينات اتضح أن هناك فرقا بينهما في الحالين قدر بحوالي (P > 0,01) وهو وإن كان فارقا ضئيلا إلا أنه يعتد به في مثل هذه الحالات. وما ذلك في رأينا إلا لأن حرف الميم كما يقول علماء القراءات القدماء أقوى من حرف النون لأن لفظها (مخرجها) لا يزول* ولفظ (مخرج) النون قد يزول عنها فلا يبقى منها إلا غنة ولذلك سمي الميم الحرف الراجع لأنك ترجع إلى الخيشوم لما فيها من الغنة *، والخيشوم: هو الخرق المنجذب إلى داخل الفم. ويعد صويت الغنة في حرفي النون والميم المشددين وما في حكمهما عند بعض علماء القراءات من أقوى مراتب صويت الغنة ويشمل هذا النوع من صويت الغنة مع حرف الغنة المشدد ما كان منه في كلمة واحدة، وما كان منه في كلمتين، فالذي في كلمة هو النون والميم المشددتان مطلقا كما رأينا في جداول عينات البحث المرفقة (الأرقام 7، 10، 12، 27، 31، 32، 39، 77، 103 … إلخ) والذي في كلمتين يشمل أربعة أنواع وكلها من الإدغام التام: 1. الإدغام التام المصحوب بالغنة وهو إدغام النون الساكنة والتنوين في النون والميم (الأرقام 3، 8، 19، 74، 120، 160، 344، 425 … إلخ) وسنرى تفصيلا لذلك في موضعه من هذا البحث. 2. إدغام الميم الساكنة في مثلها كما نجده في عينات البحث المرفقة (الأرقام 87، 92، 113، 156، 159، 169، 176، 194، 203 … إلخ) وسنرى تفصيلا لذلك في موضعه من هذا البحث. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 3. إدغام المتجانسين الصغير المصحوب بصويت الغنة، وهو إدغام الباء الساكنة في الميم نحو قوله تعالى " يا بني اركب معنا هود الآية 42 ". ولم يشتمل النص موضوع الدراسة على شيء من هذا النوع. بيد أن الباحث قد أجرى عدة تجارب على الآية المذكورة آنفا بأصوات هؤلاء القراء الأربعة وقد أثبتت نتائجها في مكانها من هذا البحث. 4. إدغام اللام الشمسية في النون اتفاقا كما نراه في عينات البحث المرفقة (الأرقام 2، 28، 34، 40، 44، 89، 110، 121، 144، 228، 232 … إلخ) ، وإليك بيان هذه المراتب الخمس وتحديد القيم الزمنية لصويت الغنة مع كل مرتبة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 1. الإدغام التام المصحوب بالغنة: وهو كما سبق إدغام النون الساكنة والتنوين في النون والميم، وإدغام النون الساكنة والتنوين في مثلها لا إشكال فيه وإنما الجميع على إدغامهما بغنة، ويسمى إدغام مثلين صغيرا مع الغنة. وكذلك اتفق الجميع على إدغامهما أيضا بغنة مع الميم وتبقى الغنة غير مدغمة، خارجة من الخياشيم، فينقص حينئذ التشديد، والغنة التي كانت في النون باقية مع لفظ الحرف الأول، لأنك إذا أدغمت في حرفين فيهما غنة، وذلك الميم والنون فبالإدغام تلزم الغنة لأنها باقية غير مدغمة، وبالإظهار أيضا تلزم الغنة لأن الأول حرف تلزمه الغنة ومثله الثاني. فالغنة لا بد منها ظاهرة أدغمت أو لم تدغم. وعلة إدغامها في النون هو اجتماع مثلين الأول ساكن ولا يجوز الإظهار ألبتة. فأما علة إدغامها في الميم فلمشاركتهن في الغنة، ولتقاربهن في المخرج للغنة التي فيهن لأن مخرج النون الساكنة والتنوين والميم الساكنة من الخياشيم فقد تشاركن في مخرج الغنة فحسن الإدغام مع أن النون مجهورة شديدة والميم مثلها فقد تشاركن في الجهر والشدة فهما في القوة سواء في كل واحد جهر وشدة وغنة فحسن الإدغام وقوي وبقيت الغنة ظاهرة لئلا يذهب الحرف بكليته ولأنك لو أذهبت الغنة لأذهبت غنتين غنة كانت في الأول وغنة كانت في الثاني إذا سكن، وأيضا فإنه لا يمكن ألبتة زوال الغنة لأنك لا بد لك في الإدغام من أن تبدل من الأول مثل الثاني وذلك لا بد من الغنة لأن الأول فيه غنة والثاني إذا سكن فيه غنة فحيثما حاولت مذهبا لزمتك الغنة ظاهرة فلم يكن بد من إظهار الغنة في هذا ذوهذا كله إجماع من القراء والعرب، ولا يتمكن أبدا في إدغام النون والتنوين في الميم والنون إدغام الغنة إلا بذهاب لفظ الحرفين جميعا إلى غيرهما من الحروف مما لا غنة فيه إذا سكن وذلك تغيير لم يقع في كلام العرب. وتشير نتائج عينات البحث المرفقة إلى أن المتوسط العام لصويت الغنة موضوع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 البحث للنون الساكنة مع حرف النون قد بلغ (8395,) من الثانية، في حين بلغ هذا المتوسط العام لصويت الغنة للتنوين مع حرف النون (8706,) من الثانية، بينما بلغ المتوسط العام لصويت الغنة للنون الساكنة مع حرف الميم (8453 ,) من الثانية، وللتنوين مع حرف الميم (8550,) من الثانية كما يتضح ذلك من الجدول: الصوت المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للنون مع النون 8 6.2992 8395, صويت الغنة للتنوين مع النون 5 4.353 8706, صويت الغنة للنون مع الميم 30 25.361 8453, صويت الغنة للتنوين مع الميم 21 17.955 8550, ولدى إخضاع نتائج العينات لاختبار (T. test) للفروق بين العينات اتضح أن هناك فارقا زمنيا بينهما قدر بحوالي (P >0, 01) وهو وإن كان فارقا ضئيلا إلا أنه يعتد به في مثل هذه الحالة. 2. إدغام الميم الساكنة في مثلها، ويسمى إدغاما صغيرا مع الغنة، وحرفه واحد فقط وهو الميم إذا وقع بعد الميم الساكنة سواء كان معها في كلمة أم كان في كلمتين وهنا يجب إدغام الميم الساكنة في الميم المتحركة. فالذي من كلمة نحو " آلم البقرة آية 1 "،والذي من كلمتين " كم من فئة البقرة آية 249 " ومنه إدغام النون الساكنة والتنوين في الميم كما ذكرنا آنفا وذلك لقلب المد غم من جنس المد غم فيه، وكذلك يطلق على كل ميم مشددة كما قاله في النشر، وسمي إدغاما لإدغام الميم الساكنة في المتحركة، وسمي بالمثلين لكون المد غم والمد غم فيه من حرفين اتحدا مخرجا وصفة أو اتحدا اسما ورسما، وسمي صغيرا لكون الأول من المثلين ساكنا والثاني متحركا أو لقلة عمل المد غم، وسمي بالغنة لكون الغنة مصاحبة له وهي هنا بالإجماع ووجهه التماثل. وقد بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة في هذا النوع من مراتب الإدغام في عينات البحث المرفقة (8424,) من الثانية من مجموع (27 عينة اشتمل عليها البحث) كما نراه في الجدول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 الصوت المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للميم مع الميم 27 22.7472 8424, صويت الغنة للميم+ميم بعدها 27 26.8355 9939, ولدى إخضاع نتائج العينات لاختبار (F. test) للفروق بين العينات اتضح أن هناك فارقا زمنيا بينهما قدر بحوالي (P > 0,6361) من مجموع (21) عينة وهي قيمة يعتد بها في مثل هذه الحالة. 3.إدغام المتجانسين الصغير المصحوب بصويت الغنة: وضابطه: أن يكون الحرفان اللذان حصل فيهما هذا الإدغام متفقين في المخرج ومختلفين في الصفة. ومثاله: إدغام الباء الساكنة في الميم (ولم تشتمل عينات البحث في النص الموضوع للدراسة على شيء من هذا النوع من صور الإدغام. وقد أجرى الباحث عدة تجارب على هذا النوع من الإدغام وهي آية واحدة وردت في سورة هود (عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم) في قوله تعالى" يا بني اركب معنا سورة هود آية 42 " عند من أدغم ومنهم حفص وعاصم من الشاطبية اتفاقا، ووجهه التجانس، وقد جاء عنه من طريق الطيبة الخلاف، وهذا يفيد أن لحفص الوجهين الإظهار والإدغام فيه من طريق الطيبة. وقد عد بعض علماء اللغة العربية والنحو القدماء هذا الإدغام من قبيل إدغام حرف في مقاربه، وإذا أدغم الحرفان المتقاربان قلب الأول فيهما عندهم إلى لفظ الثاني قلبا صحيحا وأدغم فيه إدغاما تاما فتقلب حينئذ الباء ميما وتدغم في الميم التي بعدها ولم يجعلوها باء للغنة التي في الميم ولئلا تذهب الغنة بذهاب ذلك الصوت لعدم وجودها في الباء. وسمي إدغاما صغيرا لقلة العمل فيه حالة الإدغام حيث يكون فيه عملان هما: قلب المد غم من جنس المد غم فيه ثم إدغامه في المد غم فيه. وقد بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة في قراءة هؤلاء القراء الأربعة لأمثال هذا النوع من مراتب الإدغام (8797,) من الثانية كما نراه في هذا الجدول الصوت المقيس عدد العينات نتيجة العينات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 المتوسط العام صويت الغنة للباء المحولة إلى ميم 1 3.518 8797, صويت الغنة للباء المحولة إلى ميم مع الميم 1 4.364 1.091 4. إدغام اللام الشمسية في النون اتفاقا، وهي عند علماء التجويد لام ساكنة زائدة عن بنية الكلمة مسبوقة بهمزة وصل مفتوحة عند البدء وبعدها اسم سواء صح تجريدها عن هذا الاسم كالشمس والقمر أم لم يصح كالتي والذي. وذلك نحو قوله تعالى " عن النعيم _ سورة التكاثر آية 8 "، وسمي هذا وأمثاله إدغاما لإدغام لام التعريف في هذا الحرف، وقيل لإبدال لام التعريف حرفا من نوع الحرف الذي بعدها ثم إدغامه فيها، ووجهه التجانس على مذهب الفراء وموافقيه. وأما على مذهب الجمهور فللتقارب.وقد بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة في هذا النوع من مراتب الإدغام في قراءة هؤلاء القراء الأربعة لما ورد منه في النص موضوع الدراسة (8179,) من الثانية (من مجموع 21 عينة اشتمل عليها البحث) كما نلاحظه في الجدول النص المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للنون المشددة 21 17,168 8179, حرف النون الساكن الصامت = 3.3735 1606, صويت الغنة والنون بعدها = 20.4076 97179, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 ثانيا: صويت الغنة مع الإدغام بغنة (الناقص) : يقصد القراء بهذا النوع من الإدغام هو سقوط المد غم ذاتا لا صفة بإدغامه في المد غم فيه وبذلك يصير المد غم والمد غم فيه حرفا واحدا مشددا تشديدا ناقصا وذلك من أجل بقاء صفة المد غم بوجه عام، ويختص هذا الإدغام كما أوضحنا سابقا بأربعة أحرف من أحرف " يرملون " عند بعض أئمة أهل الإقراء ويجمعها في قول الكثير من علماء القراءات في لفظ " ينمو ". وهذا عند غير خلف عن حمزة وعنده الإدغام بغنة في حرفين: النون والميم وبلا غنة في أربعة وهي: الواو والياء واللام والراء. وقد بلغت القيمة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها عند إدغامها في حروف الإدغام الناقص بصفة عامة (85661 ,) من الثانية (من مجموع 70 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نلحظ ذلك من الجدول: نوع الأداء (ظاهرة الإدغام) عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للنون المد غمة 70 59.9627 85661, صويت الغنة والحرف المد غم = 70.112 1.0016 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 ووجه الإدغام في الواو والياء التجانس: في الانفتاح، والاستفال، والجهر. وفي النون التماثل. وفي الميم التجانس: في الغنة والجهر والانفتاح والاستفال، وبعض الشدة أي وهو بين الشدة والرخاوة. وقد اتفق أهل الأداء على أن الغنة الظاهرة في حالة إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء غنة المد غم وهو النون الساكنة والتنوين، وفي حالة إدغامها في النون غنة المد غم فيه وهو النون. واختلفوا في حالة إدغامها في الميم فذهب بعضهم إلى أنها غنة المد غم،وذهب آخرون إلى أنها غنة المد غم فيه وهو الميم لا غنة النون وهذا ما ذهب إليه أكثر المحققين وبه قال الجمهور بناء على أن النون الساكنة والتنوين حالة إدغامهما في الميم انقلبا إلى لفظها وهو ما نلحظه عند النطق بنحو قوله تعالى " من مال النور آية 33 "، " مثلا ما البقرة 26 ". وقد سبق القول آنفا على المدد الزمنية التي استغرقها النطق بصويت الغنة مع كل من النون والميم عند التقائهما بالنون الساكنة والتنوين والميم والباء الساكنتين. وفيما يتعلق بالنون الساكنة والتنوين فإنهما يدغمان في الواو والياء من كلمتين مع إظهار الغنة التي كانت في النون في حال اللفظ بالشدة والمد غم لا في نفس الحرف الأول الذي تبقى الغنة ظاهرة مع لفظ الحرف الأول، وإذا أدغمت النون في الياء والواو أبدلت من النون حرفا لا غنة فيه فلم تكن الغنة لازمة للحرف الأول لأنه لا تلزمه الغنة سكن أو تحرك فتصير الغنة ظاهرة في حال اللفظ بالمد غم خارجة من الخياشيم، وهذا إجماع من القراء غير خلف عن حمزة، وعلة إدغام النون في الواو للمواخاة التي بين الواو والميم في المخرج إذ كانا يخرجان من بين الشفتين وأيضا فإن المد الذي في الواو بمثابة الغنة التي في الميم. وعلة إدغامها في الياء لمواخاتها الواو في المد واللين ولقربها أيضا من الراء لأنه ليس يخرج من طرف اللسان أقرب إلى الراء من الياء. وتبلغ المدة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 الزمنية لصويت الغنة عند النطق بالنون الساكنة والتنوين المد غمتين في الواو في قراءة هؤلاء القراء الأربعة لمادة النص موضوع الدراسة (8491,) من الثانية (من مجموع 25 عينة اشتمل عليها البحث) ، في حين بلغت هذه المدة الزمنية لصويت الغنة عند النطق بالنون الساكنة والتنوين المد غمتين في الياء في قراءة هؤلاء القراء لمادة النص أيضا (8353,) من الثانية (من مجموع 20 عينة اشتمل عليها البحث) كما نلاحظ ذلك من الجدول المرفق: الصوت المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للنون مع الواو 25 21,227 8491, صويت الغنة للنون والواو معا = 23.0207 920828, صويت الغنة للنون مع الياء 20 15.9338 8352, صويت الغنة للنون والياء معا = 18.8281 9849, ثالثا: قلب النون الساكنة والتنوين ميما: تقلب النون الساكنة وما في حكمها مع الباء ميما لأنها من موضع تعتل فيه النون فأرادوا أن تدغم هنا إذ كانت الباء من موضع الميم كما أدغموها فيما قرب من الراء في الموضع فجعلوا ما هو من موضع ما وافقها في الصوت بمنزلة ما قرب من أقرب الحروف منها في الموضع. ولم يجعلوا النون باء لبعدها في المخرج، وأنها ليست فيها غنة، ولكنهم أبدلوا من مكانها أشبه الحروف بالنون وهو الميم وذلك قولهم: شمباء وعمبر يريدون شنباء وعنبرا. وإنما تقلب النون الساكنة وما في حكمها ميما عند التقائها بالباء خاصة من أجل مواخاة الميم للنون في الغنة، ومشاركتها للباء في المخرج فقلبا ميما من أجل ذلك. وقد بلغت المدة الزمنية لصويت الغنة عند النطق بالنون الساكنة وما في حكمها في حالة التقائها بالباء (8737,) من الثانية (من مجموع 12 عينة اشتمل عليها البحث) كما نلحظ ذلك من هذا الجدول: نوع الأداء (ظاهرة الإقلاب) عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للنون مع الباء 12 10.4848 8737 , حرف الباء الساكن الصامت = 1.8111 1509, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 صويت الغنة للنون والباء معا = 12.711 1.0592 رابعا: الإخفاء: تقوم علة الإخفاء كما أشرنا إلى ذلك سابقا على أن العلاقة الصوتية للنون والميم الساكنتين وما في حكمهما بالحروف التي تخفى عندها هي بين بين فلا هي شديدة التباين والتباعد فيحصل الإظهار، ولا هي شديدة التقارب والتجانس فيحصل الإدغام، والفرق بين الإخفاء والإدغام بغنة: أنه في حالة الإخفاء يبقى زمن النطق بالحرف التالي كما هو في أصل وضعه أي يبقى مخففا دون أن يطول أو يمتد زمنه وكل ما يحدث هو أنه ينطق بين يديه بغنة وفي هذه الحالة يبطل العمل الفموي الذي يحدث مع النون وتبقى غنة يتفاوت زمنها على قدر درجة قرب ذلك الحرف التالي منها أو بعده عنها كما يختلف خفاؤها على قدر قربها وبعدها منه فالأبعد زمن الغنة معه أطول أي يكون معه خفاء قليلا للنون أو الميم لا خفاء كثيرا. أما في حالة الإدغام فإنه يطول ويمتد زمن النطق بالحرف التالي أي يثقل ويشدد الحرف التالي عوضا عن إسكات العمل الفموي الذي يكون مع النون وينطق مع ذلك بين يديه بصوت من الخياشيم. وقد بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لنطق صويت الغنة التي تكون للنون مع حروف الإخفاء بصورة عامة (8456,) من الثانية (من مجموع 113 عينة اشتمل عليها النص موضوع البحث) ، كما بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لنطق صويت الغنة للميم مع حرف الباء (8776,) من الثانية من مجموع (19) عينة اشتملت عليها عينات هذا البحث، وذلك على نحو ما نراه في الجدول: نوع الأداء (ظاهرة الإخفاء) عدد العينات مجموع نتائج العينات المتوسط العام صويت الغنة للنون مع حروف الإخفاء 113 95.5592 8456, صويت الغنة للنون وما بعدها = 112.468 99529, صويت الغنة للميم مع حرف الباء 19 16.674 8776, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 وقد توزعت قيمها الزمنية وتفاوتت تبعا لقرب مخارج الحروف التي تخفى عندها النون أو الميم الساكنتين أو ما في حكمهما من الغنة أو بعدها عنها هكذا: بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية للنطق بصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها عندما تخفى مع حروف الإخفاء المجهورة (84620,) من الثانية (من مجموع 40 عينة اشتمل عليها البحث) . بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية للنطق بصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها عندما تخفى مع حروف الإخفاء المهموسة (8453,) من الثانية (من مجموع 73 عينة اشتمل عليها البحث) كما نلحظه من هذا الجدول: الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للنون المخفاة / المجهور 40 33.8482 8462, صويت الغنة مع الحرف المجهور = 39.877 9969, صويت الغنة للنون المخفاة / المهموس 73 61.7069 8453, صويت الغنة للنون المخفاة /المهموس = 72.57839 9943, وعند النظر إلى المدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها لدى إخفائها قبل حروف الإخفاء المجهورة كما نراه في الجدول المرفق تبين أنها أطول زمنا من المدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها المخفاة عند حروف الإخفاء المهموسة بفارق زمني قدر على اختبار (ت) للفروق بين العينات بمقدار (P > 0, 02) "، وهو وإن كان فرقا ضئيلا ولكنه يعتد به في مثل هذه الأحوال. بلغ المتوسط العام لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها المخفاة عند حروف الإخفاء التي تخرج من أقصى الحنك (اللهاة) كالكاف والقاف (8304,) من الثانية (من مجموع 21 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نلحظه في الجدول المرفق: الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للنون قبل الحرف اللهوي 21 17.439 8304, حروف الإخفاء اللهوية = 3.295 1569, صويت الغنة مع حروف الإخفاء = 20.383 9706, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها المخفاة عند حروف الإخفاء التي تخرج من وسط الفم فقط كالجيم والياء (8462,) من الثانية (من مجموع 25 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نلحظه في الجدول: الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للنون المخفاة قبل الحرف 25 20.9841 8462, حرف الإخفاء الفموي = 3.9345 1573, صويت الغنة مع حروف الإخفاء = 24.7971 99857, بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها المخفاة عند حروف الإخفاء التي تخرج من أول اللسان فقط كالطاء والظاء والصاد … (89437,) من الثانية (من مجموع 72 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نراه من الجدول: الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للنون المخفاة قبل الحرف 72 64.395 89437, حروف الإخفاء من أول الفم بعد النون = 11.859 16470, صويت الغنة مع حرف من أول الفم = 76.5429 1.0630 خامسا: أظهرت نتائج العينات في الجداول المرفقة تفاوتا واضحا في قيم المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها في حالات الإدغام والإقلاب والإخفاء تبعا لصفة الحرف التالي بعدها من حيث كونه حرفا شديدا وقفيا أو رخوا احتكاكيا أو مركبا … الخ في النص المقروء على النحو الآتي: 1. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها إذا تليت بالحروف الوقفية الشديدة الانفجارية فقط (8128,) من الثانية (من مجموع 60 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نلحظه من الجدول الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة المخفاة قبل حرف شديد 60 48.771 8128, الحروف الشديدة بعد النون المخفاة = 9.787 1631, صويت الغنة مع حرف شديد = 59.826 9471, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 2. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها إذا تليت بالحروف الرخوة الاحتكاكية فقط (8681,) من الثانية (من مجموع 40 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نلحظ ذلك في الجدول: الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة المخفاة قبل حروف الإخفاء 40 34.724 8681, الحرف الاحتكاكي بعد النون المخفاة = 6.320 1580, صويت الغنة مع حروف الإخفاء = 40.680 1.017 3. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها إذا تليت بالحروف المركبة (الجيم) فقط (8654,) من الثانية (من مجموع 3 عينات استملت عليها مادة النص) كما نلحظ ذلك من الجدول: الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة المخفاة قبل حروف الإخفاء 3 2.5962 8654, الحرف المركب بعد حرف النون المخفاة = 4578, 1526, صويت الغنة مع حروف الإخفاء = 3.123 1.041 4. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها المد غمة في بعض الحروف المتوسط فقط كالنون والميم (88550,) من الثانية (من مجموع 63 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نلحظه من الجدول: الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للنون المدغمة في النون والميم 63 55.7865 8855, صويت الغنة مع حروف متوسطة = 61.0218 9686, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 سادسا: أوضحنا سابقا أقوال أئمة الإقراء وأهل الأداء في مراتب صويت الغنة. فقد قال فريق منهم إنها ثلاث مراتب: المشدد فالمد غم بالغنة الناقص فالمخفي ولم ينظروا إلى صويت الغنة الذي في الساكن المظهر ولا في المتحرك المخفف. وهذا هو ظاهر كلام الشاطبي يرحمه الله في الشاطبية. وذهب الجمهور إلى أنها خمس مراتب الثلاث المتقدمة ورابعها الساكن المظهر وخامسها المتحرك المخفف وهذا هو المعول عليه. والخلاف كما يبدو بين الفريقين لفظي فمن قال بسقوط صويت الغنة في المرتبتين الأخيرتين (الساكن المظهر والمتحرك المخفف) فقد أراد سقوط كمالها وهذا لا ينافي أن أصلها موجود عنده. ومن قال ببقائها فقد أراد بقاء أصلها فقط لا بقاء كمالها ونظر إلى كون الغنة صفة لازمة للنون ولو تنوينا والميم مطلقا. وقد كشفت نتائج العينات في الجداول المرفقة أن المتوسط العام لصويت الغنة المصاحب للنون والميم الساكنتين المظهرتين الموقوف عليهما في نهاية كاملة (المد العارض للسكون) تختلف قيمه الزمنية اختلافا ملحوظا تبعا لاختلاف نوع الحرف المسبب لصويت الغنة المصاحب لهذين الحرفين مظهرين ساكنين موقوفا عليهما في نهاية كاملة (المد العارض للسكون) . 1. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب لهذين الحرفين (النون والميم الساكنتين المظهرتين) في نهاية كاملة (المد العارض للسكون) _ بصفة عامة – في قراءة هؤلاء القراء الأربعة لمادة النص موضوع الدراسة (2517,) من الثانية (من مجموع 94 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نراه في الجدول: الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للنون والميم المظهرتين 94 23.6614 2517, حرفا الميم والنون ساكنين = 12.1357 1291, صويت الغنة مع الحرفين الصامتين = 35.2798 3753, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 2. أظهرت نتائج العينات في الجداول المرفقة أن المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب لحرفي النون والميم الساكنتين المظهرتين الموقوف عليهما في نهاية كاملة (في المد العارض للسكون) تختلف قيمه الزمنية اختلافا ملحوظا تبعا لاختلاف نوع الحرف المسبب لصويت الغنة وذلك على النحو الآتي: أ. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب لحرف النون الساكنة المظهرة الموقوف عليها في نهاية كاملة في قراءة هؤلاء القراء الأربعة لمادة النص كما نلحظه في نتائج عينات الجداول المرفقة نحوا من (2519,) من الثانية (من مجموع 88 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نراه في الجدول الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للنون الساكنة 88 22.1682 2519, حرف النون الساكن الصامت = 11.4736 1303, صوبت الغنة +حرف صامت = 33.1784 3770, ب. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب لحرف الميم الساكن المظهر الموقوف عليه في نهاية كاملة (المد العارض للسكون) في قراءة هؤلاء القراء الأربعة لمادة النص بناء على نتائج عينات الجداول المرفقة نحوا من (2588,) من الثانية (من مجموع 6 عينات اشتملت عليها مادة النص) كما يلاحظ ذلك من الجدول الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة للميم الساكنة 6 1,5528 2588, حرف الميم الساكن الصامت = 6621, 1103, صويت الغنة +حرف صامت = 2.1014 3502, الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 سابعا: لوحظ من قراءة هؤلاء القراء الأربعة لمادة النص موضوع الدراسة الحرص على الالتزام بقواعد الإقراء السليمة التي قررها أئمة الأداء وأهل التجويد في أداء صويت الغنة بعد النون والميم الساكنين وما في حكمهما فلم يتأثر صويت الغنة المنطوق مع هذه الحروف (حروف الغنة) ظاهريا بنوع الحركة الواقعة قبلها من ضم نحو قوله تعالى " ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه يونس آية 20 " أو كسر نحو قوله تعالى " إن يتبعون إلا الظن يونس آية 67 " أو فتح نحو قوله تعالى " قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل يونس آية 90 " فلم نلحظ بوضوح إشباعا لهذه الحركات حتى ينتج عنها مثلا من الضمة واو، ومن الكسرة ياء، ومن الفتحة ألف، وهو ما يقع كثيرا من بعض القراء غير المجيدين إذ يتأثر صويت الغنة بزيادة إشباع الحركات التي يليها دون فاصل كونه شبيها في سلوكه النطقي وخصائصه الأدائية بهذه الحركات وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في موضعه من هذا البحث بيد أننا لاحظنا من استقراء نتائج العينات المرفقة اختلافا يسيرا بين قيم المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة باختلاف نوع الحركة الواقعة قبله على النحو التالي: 1. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب للنون والميم الساكنين وما في حكمهما المنطوق بها إثر حركة الفتحة (8589,) من الثانية (من مجموع 52 عينة وردت في مادة النص) كما نلحظ ذلك من الجدول الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة المصاحبة لفتح 52 44.666 85896, حرفا الميم والنون بعد صويت الغنة = 8.0697 1551, صويت الغنة مع الحرفين الصامتين = 53.2649 1.024 بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب للنون والميم الساكنين وما في حكمهما المنطوق بها إثر حركة الكسرة فقط (8987,) من الثانية (من مجموع 26 عينة وردت في مادة النص) كما نلاحظ ذلك من الجدول: الحرف المقيس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة المصاحبة لكسر 26 23,3298 8973, حرفا الميم والنون بعد صويت الغنة = 4.0201 1546, صويت الغنة مع الحرفين الصامتين = 27.9573 1.0752 3. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب للنون والميم الساكنين وما في حكمهما المنطوق بها إثر حركة الضمة (8987,) من الثانية (من مجموع 43 عينة وردت في النص) كما نلاحظ ذلك من الجدول: الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة المصاحبة لضم 43 38,6221 8976, حرفا الميم والنون بعد صويت الغنة = 6.972 1621, صويت الغنة مع الحرفين الصامتين = 45.373 1.055 ثامنا: يرى أئمة القراءة وأهل التجويد أن من تمام كيفية أداء الغنة كما أشرنا إلى ذلك سابقا إتباعها لما بعدها من الحروف تفخيما وترقيقا على العكس من ألف المد أو صويت القلقلة في أحد الأقوال … إلخ التي تتبع ما قبلها في ذلك. وبالاستقراء والتتبع وجدنا أن تفخيم الغنة يكون في المرتبة الثالثة وهي مرتبة المخفي وفي نوع الإخفاء الحقيقي منه وعند خمسة أحرف وهي الصاد والضاد والطاء والظاء والقاف عند القراء … ويزاد على هذه الأحرف الخمسة حرفان: هما الغين والخاء في قراءة الإمام أبي جعقر المدني، ويلاحظ أن التفخيم في الغنة خاضع لمراتب التفخيم بحسب حركة الحرف الواقع بعد الغنة وما قيل في التفخيم يقال في الترقيق كذلك. وعند إجراء مقارنة بين نتائج عينات الجداول المرفقة اتضح للباحث أن هناك تفاوتا ملحوظا في طول المدة الزمنية لصويت الغنة تبعا للحرف الواقع بعدها من حيث كونه حرف استفال أوحرف استعلاء على النحو التالي: 1. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب لحروف الإستفال في مادة النص المقروءة بأصوات هؤلاء القراء الأربعة (8717,) من الثانية (من مجموع 64 عينة وردت في مادة النص) على ما نراه في الجدول: الحرف المقيس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت غنة قبل حروف الاستفال 64 55.79189 871748, حروف الإستفال الصامتة بعد الغنة = 10.1075 15792, صويت الغنة مع الصوامت المستفلة = 65.760 1.0274 2. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب لحروف الاستعلاء في مادة النص المقروءة بأصوات هؤلاء القراء الأربعة (8682,) من الثانية (من مجموع 24 عينة وردت في مادة النص) على ما نلاحظه في الجدول: الحرف المقيس عدد العينات نتيجة العينات المتوسط العام صويت الغنة قبل حروف الاستعلاء 24 20.8373 8682, حروف الاستعلاء الصامتة بعد الغنة = 3.7166 15485, صويت الغنة مع الصوامت المستعلية = 24.3167 1.013196 وبالتدقيق في المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة مع حروف الاستفال وحروف الاستعلاء نجد أن الفرق بينهما وإن كان ضئيلا في القيمة الزمنية تبعا لاختبار ت للفروق بين العينات إلا أنه يعد ذا قيمة صوتية تستعمل للتفريق بين صويت الغنة في الحالين حيث يقدر ب (P > 0,01) لصويت الغنة المصاحب لحروف الاستفال ولعل السبب وراء هذه الزيادة يكمن في أمر يتعلق بقرب مخارج بعض هذه الحروف أو بعدها من مخرج النون الساكنة وما في حكمها فما كان مخرجه قريبا من هذه النون الساكنة فلا بد من إطالة مدة صويت الغنة المصاحب له والعكس بالعكس كذلك وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في موضعه من هذا البحث. • • • الخاتمة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 تقوم فكرة صويت الغنة التي ناقشناها في الصفحات السابقة في ألفاظ اللغة العربية بصفة عامة وألفاظ القرآن الكريم بصفة خاصة على النظر إليه باعتباره صفة صوتية أصلية تلزم حروف النون والميم وما في حكمهما عند النطق بها في مخارجها؛ فهي صويت يخرج من الخيشوم عند النطق بهذه الحروف من مخارجها وليست حرفا كما أشرنا إلى ذلك في موضعه لأن الحرف كما أوضحنا ذلك فيما سبق يعمل فيه اللسان لإخراجه وصويت الغنة ليس كذلك بل هو صفة لازمة تابعة لموصوفها اللساني والشفوي أي النون والميم وما في حكمهما الأمر الذي أوجب كما ذكرنا سابقا إلحاقها بالصفات اللازمة لهذه الحروف فهي في رأينا لا تقل أهمية عن صويت القلقلة التي ناقشناها في بحث سابق منفصل. وقد تبين للباحث بعد استقراء نتائج البحث أنه يعرض للنون الساكنة وما في حكمها عند مجاورتها لغيرها من الحروف: أ. إسقاط مخرج النون والذي يتحقق به جسدها وأصل بنيتها ويعوض عنه إطالة زمن النطق بالحرف التالي مع النطق بصويت من الخياشيم بين يدي ذلك الحرف التالي إذا ما كان الإدغام بغنة، وذلك قبل أحد أربعة أحرف وهي النون والميم والواو والياء. وسبب الإدغام في هذا الموضع شدة التقارب الصوتي بين النون وهذه الأحرف المذكورة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 ب. إسقاط مخرج النون والذي يتحقق ويتحصل به جسدها وأصل بنيتها وذلك دون تعويض عنه بإطالة زمن النطق بالحرف التالي ولكن يؤتى بصويت من الخياشيم منطوقا به بين يدي ذلك الحرف التالي وحينئذ يبطل المخرج الذي يحدث مع النون ويبقى صويت الغنة يتفاوت كمه أو زمنه على قدر درجة قرب ذلك الحرف التالي أو بعده عنه فالأبعد زمن صويت الغنة معه أطول أي يكون معه خفاء قليلا للنون لا خفاء كثيرا وسبب إخفاء النون مع حروف الإخفاء الخمسة عشر في اللغة العربية هو العلاقة الصوتية للنون بهذه الأحرف التي تليها بين بين فلا هي شديدة التباين والتباعد كما في حالة الإظهار ولا هي شديدة التقارب كما في حالة الإدغام. والفرق بين الإخفاء والإدغام بغنة كما ذكرنا في موضعه أنه في حالة الإخفاء يبقى زمن النطق بالحرف التالي كما هو في أصل وضعه أي يبقى مخففا دون أن يطول أو يمتد زمنه وكل ما يحدث هو أنه ينطق بصويت الغنة وحده المتفاوت زمنه وكمه تبعا لبعد صويت الغنة عنه أو قربه منه، ثم بعد الانتهاء ينطق بالحرف التالي، أما في حالة الإدغام بغنة فإنه يطول ويمتد زمن النطق بالحرف التالي حتى ليخيل للسامع أنه مثقل ومشدد وليس هناك في الحقيقة تشديد ولا تثقيل،وكل ما حدث أن صويت الغنة طال زمن النطق به عوضا عن إسقاط المخرج الذي يكون مع حرف الغنة (النون أو الميم وما في حكمهما) حيث ينطق بصويت الغنة متزامنا مع نطق الحرف التالي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 ج. تبين للباحث بعد هذه الدراسة أن النطق بحرفي النون والميم وما في حكمهما يتم بأن يصل الصوت الصاعد من التجويف الحنجري بعد جهره إلى مقدم اللسان مع النون أو الشفتين مع الميم فيجد الغلق فيعود كما ذكرنا سابقا مباشرة إلى الخلف ليجد اللهاة قد هبطت لتفتح طريق الأنف فيخرج منه الصوت مكونا صويت الغنة. فإذا تكون الصوت بهذه الكيفية معا ودفعة واحدة حصل ما يسمى بالصوت الأنفي (ذي الغنة) في اللغة العربية من الناحية العامة مما يعني أن لكل من حرفي الميم والنون وما في حكمهما في أصل وضعهما نطقين أو مخرجين على القول بجعل الأنف مخرجا لبعض الحروف العربية حيث يتم نطقهما من المخرجين في وقت واحد فيكون معهما عمل من الفم وعمل في الأنف أو الخياشيم وذلك لتوزع الصوت الصاعد من التجويف الحنجري إلى المخرجين. ويعد هذان الحرفان وما في حكمهما في اللغة العربية من الحروف الذلقية لكثرة دورانها في الكلام كما نص القدماء من علماء اللغة العربية والنحو على ذلك من الحروف الصوامت الأخرى كما تمتاز عليها أيضا بميزة الوضوح السمعي كالصوائت ولهذا تبادلت المواقع مع الصوامت في كثير من الألفاظ العربية فقالوا: غس وغمس وانغمس، وعصل وعنصل وهو نبات، وشبث وشنبث علق، وسبل وسنبل للزرع، وشظر وشنظر شتم، والرس والرمس للقبر، وقرص وقرمص حمض، والعباس والعنبس للأسد وتحدس الأخبار وتحندس الليل) ، بل عدت لما اشتملت عليه من صفة الغنة لدى كثير من أئمة اللغة والنحو والقراءات القدماء أصواتا بينها وبين أصوات المد واللين مناسبة وعلاقة، فحسن لذلك إطالة الصوت بصويت الغنة الذي فيها عند مجاورتها لحروف الإدغام أو الإخفاء أو الإقلاب من قبيل أنه لا يمكن أن يزاد إلا في طول زمن أصوات المد واللين دون أصوات الصوامت هذا من ناحية، ولئلا يفنى صويت الغنة الذي فيها حينئذ لمشاركتها أصوات المد واللين في صفة الخفاء لاتساع مخرجها، بخلاف سائر الحروف فأحاطت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 باتساعهم بذلك المخرج بحروف الفم فشاركتها بالإحاطة فخفيت عندها، فحرص لذلك القراء منذ القدم على إطالة صويت غنتها ليحولوا بين حروف الميم والنون وما في حكمهما وفنائها فيما بعدها من حروف الفم كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق. ومظهر هذه الإطالة هو فيما رأينا سابقا زيادة زمن صويت الغنة عند النطق مع تردد موسيقي محبب فيها، فالزمن الذي يستغرقه النطق بصويت الغنة هو في معظم الأحيان ضعف ما تحتاج إليه النون والميم وما في حكمهما المظهرة، وليس هذا إلا للحيلولة بينها وبين الفناء في غيرها فالفرق بين النون المظهرة وصويت الغنة مثلا فرق في الكمية من ناحية وزيادة في النطق الأنفي معها الذي يكسب صوتها رنينا وحسنا في السمع وجرسا موسيقيا محببا يجذب النفس ويجعلها متقبلة لما يلقى إليها من القول. د. النطق بالنون الساكنة وما في حكمها ميما قبل الباء مع مراعاة صويت الغنة والإخفاء في الحرف المقلوب وذلك توصلا إلى التجانس الصوتي بين النون والباء التي تليها ووجه القلب كما أوضحنا سابقا أنه لم يحسن الإظهار لأنه يستلزم الإتيان بصويت الغنة في النون وما في حكمها ثم إطباق الشفتين من أجل النطق بالباء عقب هذا الصويت وفي ذلك عسر وكلفة في النطق به وكذلك لم يحسن الإدغام لبعد المخرج وفقد السبب الموجب له فلما لم يحسن الإظهار ولا الإدغام تعين الإخفاء ثم توصل إليه بالقلب ميما لمشاركتها للباء مخرجا وللنون في صفة صويت الغنة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 هـ. اتضح للباحث بعد استقراء صور التمثيل الطيفي للجهاز الصوتي التي تمت لمادة النص أن صويت الغنة في حالة إدغام النون الساكنة والتنوين في الياء والواو صويت غنة المدغم وهو النون الساكنة والتنوين، وفي حالة إدغامهما في النون صويت غنة المدغم فيه وهو النون من ينمو، وفي الميم صويت غنة المدغم فيه وهو الميم لا صويت غنة النون حيث بدا ظاهرا على صور التمثيل الطيفي أن النون الساكنة والتنوين حالة إدغامهما في الميم انتقلتا إلى لفظها. و. كشف البحث أن زمن صويت الغنة المصاحب للنون والميم الساكنتين وما في حكمهما يتفاوت طولا أو قصرا تبعا لقرب مخارج الحروف التي تلي النون والميم الساكنتين وما في حكمهما من الأصوات التي تأتي بعدها على النحو التالي: 1. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب للنون الساكنة وما في حكمها الواقعة قبل حروف الإدغام بغنة بصفة عامة (85661,) من الثانية. 2. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب للنون الساكنة المقلوبة ميما الواقعة قبل الباء (فيما يعرف بالإقلاب) نحوا (8737,) من الثانية. 3. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب للنون الساكنة المخفاة قبل حروف الإخفاء بصفة عامة (8456,) من الثانية. وهناك نتائج أخرى اشتمل عليها هذا البحث متفرقة هنا وهناك تتعلق بالمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحبة للنون والميم الساكنين وما في حكمهما الواقعة قبل غيرها من حروف اللغة العربية كما ورد ت في مادة النص بقراءة هؤلاء القراء الأربعة الذين جعلت قراءتهم مصدرا أساسيا اعتمد عليه الباحث في بحثه. الحواشي والتعليقات (1) التنوين: قيل في تعريفه أقوال كثيرة لعل أوضحها قولهم: إنها نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم المعرب النكرة المنصرف لفظا لا خطا ووقفا، وسيأتي مزيد إيضاح فيما بعد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 (2) أنيس، إبراهيم. الأصوات اللغوية. مكتبة الأنجلو المصرية ط1 سنة 1981م. ص ص 69 70. (3) الجوهري، إسماعيل بن حماد. الصحاح. تحقيق عبد الغفور عطار. مطبعة دار الكتاب العربي بمصر 1337م 2/ 354. (4) الزمخشري. أساس البلاغة. طبع دار صادر بيروت سنة 1385هـ. ص: 458. (5) ابن دريد، أبو بكر محمد بن الحسن. جمهرة اللغة. دار صادر بيروت (طبعة بالأوفست) 3/153. (6) المطرزي، أبو الفتح ناصر الدين. المغرب. تحقيق محمود فاخوري وآخرين. مكتبة أسامة بن زيد. حلب سورية. 2/ 115. (7) الفيومي. المصباح المنير. (8) المرصفي، عبد الفتاح السيد عجمي. هداية القاريء إلى تجويد كلام الباري. ط1 سنة 1402هـ. دار النصر للطباعة الإسلامية شبرا مصر. ص: 177. (9) قمحاوي، محمد الصادق. البرهان في تجويد القرآن. دار التراث الإسلامي. ص: 23. (10) نصر، عطية قابل. غاية المريد في علم التجويد. طبع4. دار الحرمين للطباعة. القاهرة. ص: 148. (11) جهاوي، عوض المرسي. ظاهرة التنوين في اللغة العربية. ط1. عام 1403هـ. مكتبة الخانجي بالقاهرة، دار الرفاعي بالرياض. ص: 45. (12) ابن الجزري، أبو الخير محمد بن محمد. ج1. دار الفكر. 1/204. (13) القيسي، أبو محمد مكي ابن طالب. ط2، مؤسسة الرسالة سنة 1401. 1/ 163. (14) سيبويه، أبو بشر عمرو. الكتاب. ج2. ط1 سنة 1316هـ. المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر 2/405. (15) ابن جني، أبو الفتح عثمان. سر صناعة الإعراب. ج1. تحقيق مصطفى السقا وآخرون. شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر. ط1. سنة 1374هـ. 1/53. وينظر في ذلك شرح المفصل 10/ 124وما بعدها … (16) النشر في القراءات العشر 1/201. (17) هداية القاريء ص: 185. وينظر في ذلك مخارج الحروف وصفاتها للإمام أبي الأصبغ السماتي الإشبيلي المعروف بابن الطحان ط1. سنة1404هـ. ص: 96. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 (18) النشر في القراءات العشر 1/201. (19) هداية القاريء ص: 185. (20) الكتاب 2/405. سر الصناعة 1/ 53. (21) هداية القاريء ص: 185. (22) شرح المفصل 10/145. وانظر هداية القاريء ص:183. (23) ظاهرة التنوين. ص: 46. (24) هداية القاريء ص: 166، وينظر في ذلك أيضا الكشف 1/162 وما بعدها، وظاهرة التنوين ص: 46. (25) هداية القاريء ص: 181. (26) نفسه ص: 178، 180. (27) غاية المريد ص: 27. (28) الكتاب 2/ 405، سر صناعة الإعراب 1/ 53 وما بعدها، شرح المفصل 10/124وما بعدها، النشر 1/201، التحديد في الإتقان والتسديد في صنعة التجويد لأبي عمرو عثمان ابن سعيد الداني. تح. د/ أحمد عبد التواب الفيومي ط1 سنة 1993م مكتبة وهبة القاهرة. ص: 231. (29) هداية القاريء ص: 182. (30) التحديد ص: 231. (31) الكشف 1/ 167، والهداية ص: 177. (32) الأصوات اللغوية ص: 87. (33) حسان، تمام. مناهج البحث في اللغة المكتبة الأنجلو المصرية. القاهرة سنة 1955م. ص: 109. (34) هداية القاريء ص: 191. (35) غاية المريد ص: 74. (36) الهداية ص: 177. (37) ظاهرة التنوين ص: 13. (38) غاية المريد ص: 51. (39) ظاهرة التنوين ص: 9. (40) الهداية ص: 160. (41) غاية المريد ص: 51. (42) الهداية ص: 166، غاية المريد ص: 51 وما بعدها. (43) مناهج البحث في اللغة ص: 105. (44) شرح المفصل 10/143 وما بعدها. (45) ظاهرة التنوين ص: 37. (46) الإظهار: لغة: البيان، ومن معانيه في الاصطلاح: إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة في الحرف المظهر. وقال بعضهم: هو فصل الحرف الأول من الثاني من غير سكت عليه. انظر الهداية ص: 161. (47) هداية القاريء ص: 197. (48) التحديد ص: 366. (49) هداية القاريء ص: هداية القاريء ص: 197. (50) الكشف 1/ 161. (51) الكتاب 2/405، التحديد ص: 236. (52) ظاهرة التنوين ص: 39. (53) التحديد ص: 263. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 (54) الكشف 1/161. (55) التحديد ص: 236. (56) ظاهرة التنوين ص: 39. (57) التحديد 237. (58) الإدغام: لغة: مأخوذ من قول العرب: أدغمت اللجام في فم الفرس أي أدخلته وغيبته فيه. وفي الاصطلاح: تغييب الحرف المدغم في المدغم فيه بحيث يصيران حرفا واحدا مشددا. انظر ظاهرة التنوين ص: 41. (59) هداية القاريء ص: 163. (60) ظاهرة التنوين ص: 42. (61) الكشف 1/161. (62) هداية القاريء ص: 166. (63) ظاهرة التنوين ص: 43. (64) هداية القاريء ص: 166. (65) ظاهرة التنوين ص: 43. (66) الكتاب 2/405. (67) الاسترابادي، رضي الدين محمد بن الحسن. شرح الكافية. القاهرة. سنة 1275هـ. ص: 361. (68) التحديد ص: 240. (69) الكشف 1/163. (70) نفسه 1/163، شرح المفصل 10/143وما بعدها، والتحديد ص: 240. (71) البرهان ص: 18. (72) شرح المفصل 10/ 147، التحديد ص: 361. (73) هداية القاريء ص: 194. (74) شرح المفصل 10/127. (75) التحديد ص: 363. (76) هداية القاريء ص: 194. (77) غاية المريد ص: 74 وما بعدها. (78) الهداية ص: 681. (79) نفسه ص: 168 وما بعدها. (80) الكشف 1/165. (81) شرح الرضي على الشافية ص: 333. (82) هداية القاريء ص: 168 (83) هداية القاريء ص: 168. (84) الإخفاء لغة: الستر والكتم يقال أخفيت الكتاب إذا سترته. (85) هداية القاريء ص: 169وما بعدها. (86) غاية المريد ص: 66، وهناك من نظم حروف الإخفاء في أبيات أخرى كقوله: ضحكت زينب فأبدت ثنايا تركتني سكران دون شراب طوقتني ظلما فلا يد ذل جرعتني جفونها كأس صاب وبالنظر في هذين البيتين فإننا لا نجد القاف في أوائل البيت. (87) الكتاب 2/405. (88) الكشف 1/166. (89) الكتاب 2/414 وما بعدها. (90) شرح المفصل 10/145. (91) غاية المريد ص: 67. المصادر والمرجع أولا: العربية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 1- القرآن الكريم " سورة يونس عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم " إصدار مؤسسة علوم القرآن دمشق عام 1978م، مع أشرطة كاسيت (ع4) لكل من المنشاوي، الحصري، عبد الباسط محمد عبد الصمد وعلي بن عبد الرحمن الحذيفي لسورة يونس. تسجيلات العقيدة الإسلامية. 2- ابن الجزري، أبو الخير محمد. النشر في القراءات العشر. ج1 دار الفكر للطباعة والنشر بيروت لبنان. 3- ابن جني، أبو الفتح عثمان. سر صناعة الإعراب مطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر ط1 سنة 1374 1954 4- ابن دريد، أبو بكر محمد بن الحسن. جمهرة اللغة. دار صادر بيروت (طبعة بالأوفست) 3/ 153. 5- ابن يعيش، موفق الدين يعيش. شرح المفصل.ح 10 نشر عالم الكتب بيروت. 6- أبو الأصبغ السماتي الإشبيلي المعروف بابن الطحان. مخارج الحروف وصفاتها ط1 سنة 1404هـ. 7- الإسترابادي، رضي الدين. شرح الكافية القاهرة سنة 1275هـ. 8- الأنصاري، زين الدين أبي محمد يحيى بن زكريا. تحفة نجباء العصر في أحكام النون الساكنة والتنوين والمد والقصر. تحقيق د. محيي هلال السرحان. مستل من مجلة كلية الشروق ع9 سنة 1986 م. 9- أنيس، ابراهيم. الأصوات اللغوية. مكتبة الأنجلو المصرية. ط1 سنة 1981 م. 10- جهاوي، عوض المرسي. ظاهرة التنوين في اللغة العربية. ط1 عام 1403هـ. مكتبة الخانجي بالقاهرة، دار الرفاعي بالرياض. 11- الجوهري، إسماعيل بن حماد. الصحاح. تحقيق عبد الغفور عطار. مطبعة دار الكتاب العربي بمصر سنة 1337هـ 12- الخولي، محمد علي. الأصوات اللغوية مطابع الفرزدق التجارية الرياض ط1 سنة 1407هـ. 13- الداني، أبو عمرو عثمان. التحديد في الإتقان والتسديد في صنعة التجويد تح. د/ أحمد عبد التواب. طباعة مكتبة وهبة سنة 1993م. 14- الزمخشري. أساس البلاغة طبع دار صادر بيروت سنة 1385هـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 15- سيبويه، أبو بشر عمرو بن قنبر. الكتاب. ط1 المطبعة الأميرية بولاق مصر عام 1316هـ. 16- السيوطي، عبد الرحمن جلال الدين. الإتقان في علوم القرآن بيروت لبنان. 17. الضباع، علي محمد. شرح الشاطبية (المسمى إرشاد المريد إلى مقصود القصيد) . مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده بميدان الأزهر بمصر. 18- عثمان، حسني شيخ. حق التلاوة. ط8. شركة المطبع النموذجية الأردن 19- غرابة، راوية حمدي. منهاج التلاوة. ط1. دار العلم للطباعة والنشر جدة المملكة العربية السعودية سنة 1413هـ. 20- القاري، أبو عاصم عبد الفتاح. قواعد التجويد على رواية حفص عن عاصم بن أبي النجود. ط5. سنة 1404هـ. مكتبة الدار بالمدينة المنورة. 21- قمحاوي، محمد الصادق. البرهان في تجويد القرآن. دار التراث الإسلامي ط2. سنة 1405هـ. 22- القيسي، أبو محمد مكي بن أبي طالب. الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها. تح. محي الدين رمضان. ج2. ط2. عام 1401هـ. مؤسسة الرسالة. بيروت. 23- الكلاك، إدريس عبد الحميد. نظرات في علم التجويد. ط1. سنة 1401هـ. مؤسسة المطبوعات الوطنية بيروت لبنان. 24- الفراهيدي، الخليل بن أحمد. معجم العين. تح. د/ عبد الله درويش بغداد سنة 1967م. 25- المباركي، يحيى بن علي. "المقطع الصوتي العربي بين الكمية والمدة الزمنية دراسة أكوستيكية تطبيقية ". رسالة دكتوراه. نوقشت بكلية اللغة العربية جامعة أم القرى عام 1413م. 26- =، = =. القيمة الكمية والزمنية لصويت القلقلة في الأداء القرآني مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ربيع الآخر 1419هـ. ع22: ص ص: 173 256. 27- مبروك، عبد الرحمن مراد. من الصوت إلى النص (نحو نسق منهجي لدراسة النص الشعري) . الهيئة العامة لقصور الثقافة. سنة 1996م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 28- محيسن، سالم محمد. التذكرة في القراءات الثلاث المتواترة وتوجيهها من طريق الدرة. ج1. ط1. مكتبة القاهرة مصر سنة 1978م. 29- المرصفي، عبد الفتاح السيد عجمي. هداية القاري إلى تجويد كلام الباري. ط1. سنة 1402هـ. دار النصر للطباعة الإسلامية. شبرا مصر. 30- مقبنة، عبد الرقيب بن حامد. كتاب أسنى المعارج إلى معرفة صفات الحروف والمخارج. دار الروائع تعز اليمن. سنة 1407هـ. 31- نصر، عطية قابل. غاية المريد في علم التجويد. ط3. سنة 1413هـ. دار الحرمين للطباعة القاهرة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 نحو علم لغة خاص بالعلوم الشرعية د. أحمد شيخ عبد السلام الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية - الجامعة الإسلامية - ماليزيا ملخص البحث المعرفة اللغوية العربية من أهم الأدوات التي استند إليها العلماء في تأسيس العلوم الشرعية وتطويرها. ولم تزل الأسس اللغوية معتمدة فيها، ومن المتوقع أن يسهم تخصيص المنهجية والموضوعات اللغوية بعلم لغة خاص في تطوير هذه العلوم. ويدرس المقال هذه الفكرة، ويهدف بصفة خاصة إلى تقديم مقترحات في إيجاد هذا النوع من العلوم اللغوية الذي يتخذ الدراسة الشرعية مجالا تطبيقيا له، وينظر في القضايا الشرعية اللغوية، والأسس اللغوية النظرية المتعلقة باستنباط الأحكام الشرعية وتطبيقها. وحاول المقال مناقشة دواعي تأسيس هذا العلم، وملامح تأصيله، وخصائصه، وموضوعاته، وأساليب تنفيذ محتوياته، وبعض فروعه، وضرورة تخصيصه بمساق علمي، وقدم مقترحات في تنفيذ هذا المساق. • • • تمهيد: إن المعرفة اللغوية العربية من أهم الأدوات التي استعان بها العلماء في فهم النصوص القرآنية والحديثية واستنباط الأحكام الشرعية منها، وقد جُعل العلم بأسرار العربية شرطا أساسا من شروط الاجتهاد. وتحتلّ المباحث اللغوية حيّزا ملحوظا في مباحث العلوم الشرعية، وتتألف هذه المباحث من موضوعات واسعة ومهمة تكفي لتؤلّف تخصصا علميا مستقلا تتناسق مفرداته. ويؤيد هذا التوجه اهتمام العلماء بالمسائل اللغوية الشرعية وتأليف كثير منهم أو تطرقهم إلى جوانب منها، ولكن ما قدموه بحاجة إلى جمع وتصنيف وترتيب، ولهذا يقترح الكاتب إيجاد علم خاص بهذه المباحث يقدم في الأقسام الشرعية واللغوية، وقد يتفرع هذا العلم إلى فروع داخلية يتم فيها التركيز على بعض المستويات أو الخصائص اللغوية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 ويهدف هذا المقال إلى تقديم مقترحات يرجى أن تكون مفيدة في الإعداد لمساق علمي لنوع من العلوم اللغوية يتخذ الدراسة الشرعية مجالا تطبيقيا، ويهتم بالمسائل النظرية الضرورية لتقديم هذا المساق، كما يعتني بتطوير المسائل اللغوية الشرعية، والقضايا الشرعية المبنية على الأسس اللغوية، فيسهم في خدمة التراث الإسلامي السخي. وينظر المقال في دواعي تأسيس هذا العلم، وملامح تأصيله، ويقدم نماذج شرعية لغوية، ويناقش أهمية تطوير الأسس اللغوية للعلوم الشرعية، وضرورة تخصيصها بالدرس، وخصائص العلم المقترح، وفروعه، وموضوعاته، وأساليب تنفيذ محتوياته. ويتحدد هذا البحث بإبراز ملامح هذا العلم لما قد يسهم به في تطوير المنهجية اللغوية في العلوم الشرعية، وتحقيق الترابط بين مباحثها، وتوثيق نواحي التكامل بين العلوم الشرعية واللغوية، تقوية لهدف خدمة القرآن الكريم التي نشأت الدراسات اللغوية العربية من أجلها. ومن المؤمّل أن تسفر محاولات ترجمة هذه المقترحات إلى واقع عملي، بإذن الله، عن وجهات نظر أخرى عملية تعين في استقرار هذا الفرع العلمي التخصصي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 وتعني "الشريعة" ما شرعه الله تعالى من العقائد والأحكام العملية. ويشمل هذا المصطلح جانبين مهمين هما: الجانب العقدي المتمثل في القضايا المتعلقة بأصول الدين والمعتقدات التي تؤثر في التطبيقات العملية، والجانب التطبيقي العملي المتمثل في القضايا المتعلقة بالمصالح الفردية والاجتماعية الدنيوية والأخروية. ولا ينحصر هذا المفهومُ "الشريعة" في الفقه، وأصوله، وقواعد الفقه الكلية، وما يتصل بهما بشكل مباشر (1) . ويقصد ب "العلوم الشرعية" في هذا المقال تلك العلوم والمعارف التي وضعت لفهم الخطاب القرآني والنبوي، واتخذت الكتاب والسنة أصلين للدراسة وفق مناهج عقلية وعلمية محددة، وتتناول الأصول والفروع والمفاهيم المستفادة من هذين المصدرين وأوجه تطبيقها في القضايا المتعلقة بالوقائع المعيشة والمصالح الدنيوية الفردية والاجتماعية، والمسائل الأخلاقية والتعبدية (2) . أولا: دواعي تأسيس هذا العلم يناقش المقال الأساس النظري للأسس والمباحث اللغوية التي تختص بها العلوم الشرعية، ويقترح بناء هذا العلم على الإسهامات الموجودة في العلوم الشرعية واللغوية، ليكون علما مستقلا يمكن التوسع فيه بما يخدم أغراض العلوم الشرعية. ويقدم في الفقرات التالية دواعي تأسيس العلم المقترح بالنظر في الحاجة إلى التطوير في العلوم الشرعية بشكل عام، وتطوير الأسس اللغوية الشرعية، وبيان أهمية بناء منهجية لغوية مستقلة للمباحث اللغوية في العلوم الشرعية. - التطوير في العلوم الشرعية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 من محاولات تطوير العلوم الشرعية (1) إبراز أهمية توسيع مباحث العلوم الشرعية ليندرج فيها فقه المجتمع الإنساني، وفقه الحضارات الإنسانية، والمعطيات المفيدة من العلوم الإنسانية، وأدوات البحث فيها وما سواها من القضايا التي لها صلة بفهم الخطاب القرآني والنبوي وتطبيقاتهما، والتركيز على الوظيفة الحضارية للعلوم الشرعية التي منها تحقيق غاية الاستعمار في الأرض والاستخلاف عليها، ومثلها المباحث المتعلقة بفهم النصوص وربطها بالواقع، وتصحيح التصنيف التقليدي للعلوم إلى شرعية وغير شرعية، أو عقلية ودينية، أو عقلية محضة لا يحث الشرع عليها، ونقلية محضة، ونقلية عقلية (2) ؛ لأن الشريعة تشمل المصالح الدنيوية والأخروية. وقد حظي الفقه، وأصوله بنصيب وافر من محاولات تطوير العلوم الشرعية (3) . ونظرًا لعدم مواكبة بعض المؤلفات في هذه العلوم للتطورات المستجدة في مجالات الحياة من حيث مصطلحاتها، وأساليبها، والقضايا العلمية، والنماذج التطبيقية، فقد ناقش المجالي (4) الحاجة إلى تطوير محتوى مادة الفقه الإسلامي، وناقش القضايا المتعلقة بالمسافات الزمانية، والمقاييس، والموازين، والمقادير، والأنصبة، والعملات، ونادى بإعادة كتابة بعض الأبواب مثل أبوب الطهارة، والاستنجاء، والزكاة باستخدام المصطلحات المعاصرة تقريبا لهذه الأبواب من متعلمي الفقه الإسلامي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 وتوجد محاولات قديمة في تطوير القواعد المعتمدة في هذه العلوم. فبعد أن كانت محاور علم الأصول هي علوم اللغة، والكتاب والسنة وعلومهما، والأحكام الشرعية، أضيف إليها القواعد المنطقية لدى المتكلمين الأصوليين. وأعاد الإمام الغزالي ترتيب أبوابه ومسائله، وأبرز المسائل غير الأصيلة في علم أصول الفقه (1) . وحاول الإمام الشاطبي توجيه مباحثه نحو المقاصد الشرعية (2) . ولعل الاستفادة من مبادئ العلوم الإنسانية المتعلقة بربط النصوص بالواقع، وفهم الخصائص النفسية والاجتماعية للمجتمع الذي يطبق فيه النص يفيد في تطوير منهجية استنباط الأحكام الشرعية وتطبيقها. وبما أن المسائل اللغوية أساسية في كثير من العلوم الشرعية الفقهية والعقدية، فإن الحاجة ماسة إلى تطوير منهجية البحث اللغوي فيها، وتجديد الأداة اللغوية لها. ولعل ما وضع من كتب حديثة في تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، وسبل الاستنباط من الكتاب والسنة (3) يشهد لأهمية توسيع آليات فهم نصوص القرآن والحديث لتشمل مباحث مفيدة من العلوم الاجتماعية، والتشريعية، واللغوية الحديثة، وغيرها. ويعدّ السعي إلى تطوير المنهجية اللغوية للعلوم الشرعية لتصبح علم لغة خاصا بالدراسات الشرعية تطويرا لآليات قراءة التراث الإسلامي، وإعادة تقديمه لأهله وفقا لظروفهم التي يعيشونها، والمستجدات الفكرية التي وصلوا إليها. - تطوير الأسس اللغوية الشرعية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 ليس غريبا على هذا التراث السعي نحو تجديد منهجية دراسته (1) ؛ إذ تعبر العلوم الإسلامية عن تراكم الخبرات، واستفادة المتأخرين عن أسلافهم، وبنائهم على جهودهم، وهذا واضح في صنيع المفسرين، وأصحاب المعاجم، وغيرهم من علماء المسلمين الأجلاّء. وقد اهتمت الحضارة الإسلامية بقراءة النصوص الدينية وإعادة قراءتها، وبالتجديد في منهجية القراءة بهدف ربط النصوص بوقائع حياة الناس، وتطبيق الأحكام الشرعية عليها. ويؤكد اهتمام العلماء المسلمين بتفسير القرآن الكريم وتجديد تفسيره على مرّ الأزمان مناسبة الرسالة القرآنية لكل زمان ومكان. قال أبو السعود: "ولقد تصدى لتفسير غوامض مشكلاته (أي القرآن الكريم) أساطين أئمة التفسير في كل عصر من الأعصار، وتولى لتيسير عويصات معضلاته سلاطين أسرة التقرير والتحرير في كل قطر من الأقطار فغاصوا في لججه وخاضوا في ثبجه، فنظموا فرائده في سلك التحرير وأبرزوا فوائده في معرض التقرير، وصنفوا كتبا جليلة الأقدار وألفوا زبرا جميلة الآثار" (2) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 أما عن مبلغ المباحث اللغوية في العلوم الشرعية فإننا نلحظ أن المحتويات الأساسية لعلم أصول الفقه تتألف من علم الكلام، والمنطق، وعلم العربية، والعلم بالمقاصد والأحكام الشرعية. وأما عن تألفه من علم العربية فلتوقف معرفة دلالات الألفاظ من الكتاب والسنة، وأقوال أهل الحل والعقد من الأمة على معرفة موضوعاتها لغة، من جهة الحقيقة، والمجاز، والعموم، والخصوص، والإطلاق، والتقييد، والحذف، والإضمار، والمنطوق، والمفهوم، والاقتضاء، والإشارة، والتنبيه، والإيماء، وغيره، مما لا يعرف في غير العربية (1) . وفي ضوء اهتمام بعض المتخصصين في علم أصول الفقه بالمقاصد الشرعية في استنباط الأحكام من النصوص والنظر في وسائل تحقيق المصالح ودرء المفاسد، فإن على القائم بالتحليل اللغوي أن يسعى إلى بيان المقاصد من النصوص الشرعية، ولا يقتصر على تحليل الخصائص اللفظية للتراكيب الواردة فيها. وتتضح أهمية تطوير الأسس اللغوية في العلوم الشرعية في الآراء المتعلقة بالقياس، والمعهود، والسياق، والمجاز، وغيرها، وما يؤدي إليه اختلاف المواقف منها في فهم النصوص الشرعية واستنباط الأحكام والمفاهيم منها. فلقضية إنكار القياس في أصول الفقه صلة بالمنهجية اللغوية للتعامل مع النصوص الشرعية عند "الظاهرية"، إذ ترد أهمية القياس من أن النصوص، والأفعال، والإقرارت الشرعية متناهية في ألفاظها، على الرغم من عدم تناهيها في مفاهيمها، وعدم تناهي الوقائع الحيوية مع تناهي العقل البشري. وقد انطلقت المذاهب الفقهية من فكرة تناهي النصوص لاتخاذ القياس دليلا شرعيا رابعا بعد الكتاب، والسنة، والإجماع (2) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 بيد أن الظاهرية ترى أن مقابلة غير المتناهي بالمتناهي محال (1) ، وتتخذ هي من هذه الخاصية نفسها مندوحة لإثبات بطلان القياس، والاعتداد بدليل العقل، وشهادته، والأخذ بالمعنى المنطوق للألفاظ. وتتبنى الظاهرية منهجا يذهب إلى أن النص قادر على شمول الوقائع -مهما تعددت، وكثرت- بأحكامه دون حاجة إلى القياس، وتسلك مسلك تجريد النص وتحويله إلى قاعدة كلية يمكن أن تشتمل على ما لا يتناهى من الوقائع، بحجة أن لغة النص الشرعي ليست كأية لغة أخرى. فإن لغة المتكلم من البشر تحيط بها قرائن كثيرة، أما لغة النص الشرعي فينبغي أن تكتشف معانيها من خلال قوانين، وعلاقات لغة هذا النص ذاتها (2) . ويؤدي التعامل الظاهري مع النصوص إلى استثمار المجالات الدلالية للألفاظ لكي يتم إدراج المفاهيم التي تستند إليها الأحكام الشرعية. وسيؤدي ترك الأخذ بالقياس في فهم معاني الألفاظ في النصوص الشرعية إلى العودة إلى وقائع استخدام الألفاظ، والفحص في مدى انطباق دلالة الألفاظ على هذه الوقائع، دون البناء على القياسات الافتراضية في توسيع دلالات الألفاظ، أو فهم الدلالات المستجدة، ودون ربط فهم الواقع باللفظ بل يربط اللفظ بالواقع الذي يرد فيه، ودون اللجوء إلى القول بالتضمين في تحديد معاني الألفاظ العامة، أو الوظيفية. وباستبعاد القول بالتضمين تزداد الدقة في تحديد دلالة الألفاظ ويزيد التمسك بما ورد به السماع عن العرب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 أكد الشافعي، ومن بعده الشاطبي، وغيرهما من العلماء أهمية الالتزام بمعهود العرب في تلقي الخطاب الديني عند محاولة الوقوف على معانيه أو بيانها (1) . ويقتضي ذلك أن يحمل النص على معهود المتكلم به: قرآنا وسنة، وهو معهود يستفاد من النصوص الشرعية مجتمعة طبقا لعرف العرب الذين تلقوا هذه النصوص. والمعلوم أن هناك معهودين في التعامل مع الخطاب الشرعي: معهود شرعي، وآخر عرفي لغوي عام (2) . فإذا لم يكن لهذا النص معهود شرعي محدد، أو تمّ صرفه عن هذا المعهود وفقا للقرائن يحمل على المعهود العرفي العام للمخاطبين الذين نزل فيهم الكتاب ووردت لهم السنة. ولكن ابن حزم يذهب إلى أن الأولى حمل الخطابات على معهودها في اللغة ما لم يمنع من ذلك نص، أو إجماع، أو ضرورة، وإذا وجد مانع من هذه الموانع الثلاثة حمل معنى اللفظ على المعهود الشرعي. ويقترح ابن مضاء الاعتداد بمعهود الخطاب لدى العرب في توضيح الظواهر اللغوية، أخذا باستقراء المتواتر الذي يوقع العلم بالقاعدة دون محاولة استنباط علة لنقل حكمها إلى ما يشبهها من التراكيب اللغوية (3) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 ونشير إلى عدم لزوم ربط المصطلحات الشرعية بالمعاني اللغوية كما جرت به العادة في العلوم الشرعية حيث يقدم المؤلف المعنى اللغوي، ثم يعقبه بالمعنى الاصطلاحي الشرعي؛ إذ إن نصوص القرآن والحديث تتضمن إعادة تحديد لبعض المعاني اللغوية، مما لم تكن معهودة في العرف اللغوي العام قبل التنزيل، على الرغم من ارتباطها بالمعهود اللغوي العام. ويلحظ أن المعاني اللغوية التي تذكر للمصطلحات الشرعية لا تعكس في بعض المواضع صورة مكتملة لما يمكن أن يرد لها المصطلح لغويا؛ لأن المؤلفين يهتمون في الغالب بالمعاني المعينة على استيعاب المفهوم الشرعي للمصطلح. وتفيد هذه الملحوظة أن معرفة المعهود الشرعي تكفي في فهم المصطلحات الشرعية، أما إذا كان فهم المعهود الشرعي متعلقا بالمعهود اللغوي العام فيكون إيراد المعهودين معا ضروريا، كما قد يحدث في ألفاظ العقود مما يفهم في ضوء أعراف الناس القائمة في تخاطبهم. سيساعد اتخاذ معهود العرب في تلقي الخطاب القرآني في عصر التنزيل مرجعية في فهم النصوص على الوصول إلى المعنى المراد من الشارع في النص الشرعي، وهو معنى يؤخذ إما من ظاهر النص، وإما من تأويل النص حسب الشروط التي تحمي من تحريف معنى النص. ويقتضي الرجوع إلى هذا النوع من المعهود انتفاء استمرار احتمالية دلالة النصوص القرآنية، كما يقتضي عدم قياس الدلالات المبنية على ما يزعم من الاحتمال في دلالة هذه النصوص بخصائص هذا المعهود، ورفض الاحتكام في فهم النصوص الشرعية إلى معهود العرب في التخاطب في العصر الحديث. وتقتصر أهمية المعهود اللغوي الحديث على التعرف على أوجه التعامل اللغوي بين مستخدمي اللغة العربية حديثا ولا يؤخذ به في استنباط الأحكام الفقهية والمفاهيم العقدية من النصوص الشرعية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 وينتج عن اعتبار السياق أو عدمه في فهم النصوص القرآنية والحديثية اختلافٌ في الأحكام الفقهية والمفاهيم العقدية أيضا. ونجد استغلالا واسعا للسياق الموقفي في الأحكام الشرعية المتعلقة باستخدام اللغة في المعاملات والعقود حيث يؤخذ بما يجري في عرف التخاطب اللغوي ومقاماته عند إصدار الأحكام الفقهية وتطبيقها، ومن ثم يعتمد مقصد المتكلم من خطابه، وليس ظاهر هذا الخطاب (1) . ومن مراعاة السياق اللفظي في الترجيح الفقهي موافقة ابن تيمية للحنفية والظاهرية (2) في جواز قصر الصلاة والفطر في رمضان في كل سفر سواء كان سفرا مباحا أو غير مباح (3) ؛ نظرا لتعليق الحكم في النص على مطلق السفر. قال تعالى: "فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" (البقرة: 184) وقال عزّ من قائل: "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة" (النساء: 101) ، وهذا على خلاف الشافعية والحنابلة الذين لا يجيزون القصر والفطر في السفر المحرم، بحجة أن السفر المحرّم معصية. والرخصة للمسافر في معصية إعانة على ذلك، ولا تجوز الإعانة على المعصية، فتمّ تقييد القصر والفطر بحكم آخر خارج النص (4) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 وهناك أسس نظرية أخرى يؤدي اختلاف المواقف منها إلى اختلاف فهم النصوص أو تطبيقها، ومنها القول بالمجاز أو عدمه، أو بالاستعمال اللغوي في تحديد دلالة ألفاظ النصوص الشرعية، وكذلك مبدأ الاستناد في استنباط الحكم إلى مقاصد النصوص أو إلى معانيها المأخوذة من النصوص مباشرة أو غير مباشرة. ومن المتوقع أن يؤدي تطوير هذه الأسس إلى نتائج جديدة مفيدة في التعامل مع النصوص الشرعية، إذا تضمنت النظر في أسس استثمار أدلة الأحكام الإجمالية والتفصيلية، وتحديد ضوابط مراعاة معهود العرب في الخطاب بما يتناسب مع النصوص الشرعية ببيان أنواع المعهود، وشروط مراعاته، وعلاقته بالمقصد من الخطاب، وكذلك النظر في تقنين ربط النص بمواقف وروده وسياقاته، مع توضيح نقطة الانطلاق في فهم العلاقة بين النص والواقع في التعامل مع الخطاب الشرعي، ومثلها النظر في تطوير أساليب بيان المقاصد في النصوص الشرعية، وتوضيح مدى تأثرها بالتطور اللغوي والتطور الاجتماعي والفكري. وينبغي أن نحذر مما سبق أن أشار إليه الغزالي (1) من أن إقامة الدليل على منكري العلم والنظر، مع حب صناعة الكلام قد جرّ المتكلمين من الأصوليين إلى خلط مسائل كثيرة من علم الكلام بعلم أصول الفقه، كما حمل حب اللغة والنحو بعض الأصوليين على مزج جملة من النحو بالأصول، فذكروا فيه من معاني الحروف ومعاني الإعراب جملا هي من علم النحو خاصة. ولعل الغزالي كان يحذر من إدراج الموضوعات التي لا يتعلق بها غرض في علم أصول الفقه. وهذا شيء ينبغي أن ننتبه له في محاولة تحديد معالم علم لغة خاص بالعلوم الشرعية، ولا ينبغي تقليد بعض العلماء الذين يقحمون جلّ القضايا المعرفية في تخصصاتهم في العلوم الشرعية (2) . والمؤمل أن يؤدي البحث في المنهجية اللغوية الشرعية بشكل مستقل إلى مستوى علمي أعمق يجاوز مستوى التوفيق بين موضوعات متفرقة من مختلف العلوم الشرعية إلى تأسيس علم لغة خاص بالعلوم الشرعية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 نحو منهجية لغوية مستقلة: يجد المطالع في العلوم الشرعية اهتماما بالغا بالمسائل اللغوية، ويلحظ أن الأساس اللغوي كان موجِّها لمسائل كثيرة من هذه العلوم، سواء أكان ذلك مباشرا أم غير مباشر؛ وذلك لارتباط هذه المسائل بتحليل النصوص الشرعية ومعرفة وجوه دلالاتها. ويدور كثير من المداولات حول المفاهيم الفقهية والعقدية، والدلالات العرفية للألفاظ والتراكيب المستنبطة من الخطاب القرآني والنبوي. وتجدر الإشارة إلى أن المباحث والقواعد اللغوية كانت مستفادة من إنتاج اللغويين والبيانيين، إضافة إلى معطيات أبحاث علماء الشريعة الذين كان الكثير منهم علماء نابغين في اللغة العربية وآدابها (1) . لقد نشأ الدرس النحوي والبياني في خدمة القرآن الكريم إسهاما في إبراز مفاهيمه، فكان تطبيقيا ووصفيا معا، ثم غلب عليه الجانب النظري والاهتمام بوصف اللغة العربية بشكل عام في المراحل التي عقبت مراحلها الأولى. ويقدم علم التفسير ونقد متن الحديث أمثلة رائعة للغويات النص التطبيقية في تحليل النصوص وربطها بوقائع حياة المتعاملين بها، كما تمثل بعض مباحث علم أصول الفقه علم الدلالة الإسلامي التطبيقي. ويبدو لي أن المحافظة على اللغة العربية تجاه حملات الشعوبية قديما، والمحافظة على الفصحى والتراث الإسلامي في مواجهة هجوم أعداء الفصحى ودعاة العامية حديثا، والمحافظة على التراث الديني واللغوي تجاه الماسونية والصهيونية والمبادئ الهدامة، واعتزاز المسلمين بتراثهم، والنظرة القدسية إليه، لم تسعف في إنجاح محاولات تطوير مناهج دراسة اللغة العربية، وتحليل تراكيبها، وخصائصها الدلالية، أو تحديثها، أو تيسير تعليم قواعدها النحوية والبلاغية. فأصبح كثير من المتخصصين في اللغة العربية يتخذون موقفا سلبيا من الجهود الرامية إلى تحديث تخصصهم أو تطويره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 ولكن علم اللغة الخاص بالعلوم الشرعية سينطلق من توجيه المقاصد الشرعية في تخير المفيد من الدراسات اللغوية والتشريعية الحديثة محاولة تطوير المنهجية اللغوية الشرعية، ومن المؤمّل أن يفيد تطوير هذه المنهجية في إغناء الدراسات الشرعية بالدلالات العامة والمفاهيم الخاصة التي تفيد في التعامل مع المصطلحات الشرعية. فعلى الرغم من أن كتب العلوم الشرعية تكتفي بالإشارة إلى أوجه الاستخدام الواردة في النصوص الشرعية التي تعد موضوعا لها، نظرا لتعلق استنباط الأحكام بالأوجه المذكورة، ولا تعتمد أوجه الاستخدام المستجدة، أي الاستخدامات اللغوية كانت قد تطورت في اللغة التي يتعامل الناس بها، إلا في فهم أحاديث الناس الذين تطبق فيهم الأحكام الشرعية، وبخاصة في المعاملات. فإن الدلالات اللغوية العامة قد توسّع مدارك المتعاملين مع النصوص الشرعية. فلا يكتفى مثلا بالقول بأن معنى لفظة (الصلاة) في اللغة الدعاء، بل يشار إلى معان لغوية أخرى للفظة مثل الترحم أو الرحمة، أو التبريك، أو التسبيح، بغض النظر عن قربها من معنى الدعاء. ويشار إلى أن لفظة (الزكاة) تدل على الطهارة، والنماء، والبركة، والمدح، والصلاح، وصفوة الشيء، ولا تنحصر دلالتها في اللغة على التطهير والتزكية (1) . ولذا يحسن أن يهتم المتخصصون في العلوم الشرعية بمراجعة مصادر العلوم اللغوية لدى تناولهم للجوانب اللغوية في تخصصهم، وألا يقتصروا على ما ورد عنها في كتب الدراسات الشرعية لدى معالجتها للقضايا اللغوية المتعلقة بالدرس الشرعي؛ إذ في العودة إلى المراجع اللغوية توثيق لصلة العلوم الشرعية بالمصادر اللغوية الأساسية للمسائل المتداولة في هذا التخصص، وتمكين للمتخصصين من متابعة التطورات العلمية التي قد تفيدهم في تطوير المسائل المشابهة في مجالهم العلمي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 وقد نتصور مدى تأثير تحديث المباحث اللغوية في العلوم الشرعية، إذا علمنا مدى حاجة المتخصص للعلوم الشرعية إلى العلوم اللغوية، وحجم البحث اللغوي في مختلف العلوم الشرعية، ووقفنا على المبادئ والمباحث اللغوية والموضوعات المبنية على أسس لغوية. ولقد ذكر الغزالي أن أعظم علوم الاجتهاد تشتمل على ثلاثة فنون: الحديث، واللغة، وأصول الفقه (1) . وقرر الشاطبي أهمية المعرفة اللغوية في هذه العلوم بأنه لا غنى لمجتهد في الشريعة عن بلوغ درجة الاجتهاد في كلام العرب (2) . ولعل نظرة في تفاعل العلوم اللغوية مع العلوم الشرعية من حيث المصطلحات، والأسس، والمناهج، والموضوعات التي تعالج في سياق الفهم اللغوي للنص تنبئ بهذا التأثير المحتمل. فكثير من القضايا والمعاملات بين الأفراد، بل المعاهدات والاتفاقات بين الدول تتوقف على تحديد معاني الألفاظ، كما يتوقف عليه كثير من التفسيرات التشريعية والفكرية. وللقواعد اللغوية صلة ببناء الأحكام الشرعية واستنباط أدلتها مما يستفاد من التحليل التركيبي، وتحديد معاني حروف المعاني، والمسائل اللغوية الدلالية والمسائل اللغوية العرفية العامة، والقضايا المتعلقة بالقياس والعلة (3) . ثانيا: تأصيل علم لغة شرعي: يتطلب تأصيل علم اللغة الشرعي المقترح تأسيسه تقديم تحديدات يرجى أن تفيد في بناء مساق علمي خاص به. وترد هذه التحديدات في بيان خصائص هذا العلم، وبعض فروعه، وموضوعاته، وتنفيذ محتوياته. خصائصه: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 إن المنطلق الأساسي لهذا النوع من الدرس اللغوي رصد القواعد والأسس والموضوعات اللغوية المستخدمة في العلوم الشرعية، وجمعها، والربط بينها، ومناقشة الجوانب النظرية والتطبيقية المفيدة في فهم النصوص الشرعية وتنزيلها في الواقع. وهدفه تقديم صياغة موحدة لهذه القواعد والأسس بالإفادة بالتراثين الشرعي واللغوي، وبالمعطيات المفيدة من الدرسين اللغوي والتشريعي الحديثين، مع السعي إلى تطوير هذه المحتويات اللغوية. وطبيعته أنه علم لغة تطبيقي (1) خاص بالعلوم الشرعية بجانبيه النظري والعملي، ويفيد من النظريات اللغوية العامة وتطبيقاتها في فهم النصوص، وربطها بالمواقف الخطابية المتعددة المتجددة، ويفيد أيضا من مجالات الأبحاث اللغوية الأخرى. وتمتزج في المواد التي يقدمها القضايا النظرية والمجالات التطبيقية، والمناهج التراثية والحديثة. وتتعلق محتوياته بمختلف فروع العلوم الشرعية. ونؤكد أن هذا التخصص يختلف عن الدرس اللغوي العام في الموضوعات، والمحاور، والمفردات العلمية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 ونظرا لتميّز أهداف هذا التخصص ومحاوره، فقد نحتاج، مثلا، في علم النحو الشرعي إلى إعادة تنظيم الأبواب النحوية، وإعادة تنسيق موضوعاتها لكي تتفق مع أهداف المتخصصين في العلوم الشرعية، فيقتصر من النحو العام على ما يعين على استنباط معاني النصوص الشرعية، وتضم إليه القضايا الأسلوبية من علم المعاني. فالنحو المتعلَّم هنا نحو خاص لهدف محدد، وهو نحوٌ تطبيقي خاص بالعلوم الشرعية يسعى إلى فهم النصوص، ولا يقف عند التحليلات التركيبية الجزئية. وبعبارة أخرى، إنه لا يكون نحوا للجملة، بل يكون نحوا للنص الشرعي يقدم القواعد النحوية المساعدة في فهمه، ويستبعد المبادئ والأسس النظرية الافتراضية التي لا تفيد في تحقيق أهداف المادة. وهو نحوٌ يهتم بالقواعد المستخدمة في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وكتب التراث الموضوعة في فهمها عرضا، وتوضيحا، وتطبيقا، ويجعلها أسسا لتحليل المكونات التركيبية للنص الشرعي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 سيعطي هذا التخصص نظرة موضوعية شاملة للأساس اللغوي لاختلاف المذاهب العقدية؛ إذ إن من أسس تصنيف هذه المذاهب اختلاف مواقفها من التعامل مع النص الشرعي، فمنها طوائف تنزع إلى التمسك بالنص، وأخرى تميل نحو العقل. فالموقف السلفي يتمثل في التوسط بين العقل والنقل، وإعطاء الكلمة العليا للوحي دون إغفال للعقل؛ إذ النصوص تتضمن الحجج العقلية وهي لا تتناقض معها، ولا يسرف في تأويل النصوص إلا بقدر ما توجبه قواعد اللغة واستعمالات الشرع، مع نفي المعاني المستلزمة للتشبيه والكيفيات الحسية. أما الحشوية فتتعصب للنصوص والفهم الحرفي لها مما يؤدي بهم إلى سوء فهم للنصوص الدينية نفسها. ويجعل الحنابلة المرجع الأخير في أمر الحكم الشرعي عقديا أو عمليا هو النص الصحيح دون حرفية الفهم لها، مع مقاومة النزعات الباطنية في فهم النصوص، والاحتكام إلى النص بدءا أو نهاية دون إهمال لدور العقل في كلتا الحالتين. وتعادي الظاهرية الإسراف في استخدام الرأي والعقل في أمور الشرع، وتنكر القياس في التفكير الديني فقها أو اعتقادا، وترفض استمداد الحكم الشرعي من استحسان العقل وحده، أما استخدام العقل في فهم النص، أو دعم الحكم المأخوذ من النص بدليل عقلي يضاف إلى دليل النص فلا شيء فيه، بل هو الواجب. ويتراوح موقف الأشعرية والماتريدية بين الميل إلى مزيد من الالتزام بالنص والنزوع إلى شيء من التأويل العقلي. أما المعتزلة فيؤكدون دور العقل في مقابلة النص من حيث المنهج (1) . فروع علمية مقترحة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 إن التصور المبدئي لعلم اللغة الخاص بالعلوم الشرعية أن يكون فرعا من فروع علم اللغة التطبيقي، وأن يحتوي نظرات ومداخل لغوية نظرية، ومناهج تحليل، وتطبيقات تتكامل فيها نتائج أبحاث الدرس اللغوي مع نتائج البحث في مختلف فروع العلوم الشرعية من أجل تحقيق تعامل أفضل مع النصوص الشرعية، أو الخطاب الشرعي في المجالات الفقهية، والعقدية، والخلقية. وتكمن أهمية مثل هذا العلم في الإفادة من التراثين الشرعي واللغوي ومن بعض أوجه التطوير في الدراسات اللغوية والتشريعية الحديثة في المجالات النظرية والتطبيقية (1) . ويقترح أن ينظر هذا العلم في مختلف المستويات اللغوية المتعلقة بأدلة الأحكام في النصوص الشرعية، محققا للتكامل بين الأهداف الشكلية والمقصدية في التحليل اللغوي. وليس كثيرا على النصوص الشرعية تخصيصها بعلم لغة خاص على الرغم من كونها محصورة في مواطنها المعروفة، وذلك لسعة معانيها وأهمية المفاهيم المستفادة منها، ولأن القضايا التي تتناولها غير محدودة بزمن، أو مكان، بل هي موجهة للإنسانية بأسرها في جميع الوقائع الحيوية، ولها تأثير غير متناه في حياة المخاطبين بها. وتتفادى طبيعة هذا العلم كونها تكرارا للمعلومات القديمة المتداولة، أو أن تنحصر فيها دون أن يطورها أو يبني عليها؛ لأنه علم يعكس حقيقة الاستخدام اللغوي حيث تتكامل المستويات اللغوية، ويعكس قوة علاقة اللغة بالظواهر الإنسانية الأخرى. من الشعب الفرعية المتضمنة في علم اللغة الخاص بالعلوم الشرعية: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 - علم المصطلحات الشرعي: الذي يمكن أن ينظر في أسس تحديد مفاهيم المصطلحات الشرعية، وأهميتها في استنباط الأحكام الشرعية، وتصنيفها (1) ، والأسس المنطقية لهذا التحديد، والعلاقة بين المفاهيم اللغوية والشرعية لهذه المصطلحات، وتطور دلالات الألفاظ الإسلامية. ولنا نموذج في منهج كتاب التعريفات للجرجاني، وكتاب الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، وغيرهما، وستصادفنا أمثلة عديدة في كتب الدراسات الشرعية في تحديد المصطلحات. وتسهم المعاجم الفقهية في هذا الفرع بتوضيح معاني المصطلحات والعبارات الشائعة في الفقه، ويقول زكريا الأنصاري في مقدمة "الحدود لأنيقة" "أما بعد، فلما كانت الألفاظ المتداولة في أصول الفقه والدين مفتقرة إلى التحديد تعين تحديدها لتوقف معرفة المحدود على معرفة الحد." (2) ثم شرع في تقديم التعريفات والحدود للمصطلحات التي اختارها. - علم الدلالة الشرعي: الذي يمكن أن يتناول وظيفة استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية من خلال دراسة الدلالات المفردة، والمركبة، والمترادفة، والمشتركة، والمطلقة، والمقيدة، والمجازية، وغيرها، وكذلك ربط الدلالات والأحكام بالوقائع العملية. وتلقانا مادة غزيرة لهذا الفرع في علم أصول الفقه، حيث يندرج ما يقارب ثلث مباحثه في دراسة الدلالة الشرعية، وكتب الوجوه والنظائر في القرآن الكريم. ومن المصادر المفيدة هنا: الرسالة للشافعي، والموافقات للشاطبي، والمحصول للرازي، والقواعد والأشباه والنظائر لابن السبكي، والمستصفى للغزالي، وغيرها من كتب علم الأصول. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 ومما يندرج في هذا الفرع ما أشار إليه ابن تيمية من أسباب الاختلاف في فهم النصوص القرآنية والحديثية، فقال: "وأما النوع الثاني من مستندي الاختلاف وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين.. إحداهما قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها، والثانية قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنزل عليه والمخاطب به، فالأولون راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان، والآخرون راعوا مجرد اللفظ وما يجوز عندهم أن يريد به العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم به ولسياق الكلام، ثم هؤلاء كثيرا ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة كما يغلط في ذلك الذين قبلهم كما أن الأولين كثيرا ما يغلطون في صحة المعنى الذي فسروا به القرآن كما يغلط في ذلك الآخرون، وإن كان نظر الأولين إلى المعنى أسبق، ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق." (1) ويدخل فيه ما وصف ابن السيد البطليوسي للخلاف العارض من جهة اشتراك الألفاظ واحتمالها للتأويلات الكثيرة: "هذا الباب ينقسم ثلاثة أقسام، أحدها اشتراك في موضوع اللفظة المفردة، والثاني اشتراك في أحوالها التي تعرض لها من إعراب وغيره، والثالث اشتراك يوجبه تركيب الألفاظ وبناء بعضها على بعض. فأما الاشتراك العارض في موضوع اللفظة المفردة فنوعان: اشتراك يجمع معاني مختلفة متضادة، واشتراك يجمع معاني مختلفة غير متضادة." (2) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 - علم تحليل النص الشرعي (أو علم تحليل الخطاب الشرعي) : ويدرس الروابط بين الكلمات والعبارات في النص، والعلاقات بينها وبين النصوص التي ترد فيها، ويهتم بعناصر الاتساق في النص، من إحالة، أو استبدال، أو وصل، والعلاقات الدلالية، من ترابط، وانسجام، وترتيب لمكونات بنية الخطاب. وهي عناصر اهتم بها المفسرون، والدارسون لعلوم القرآن، ويعتني بالخصائص البيانية للقرآن الكريم والحديث الشريف (1) . وتجدر الإشارة إلى أن ما يقارب الخمسين في المائة من التفسير، وعلومه قضايا لغوية (2) . ومن مصادر هذا الفرع: البرهان في علم القرآن للزركشي، والإتقان في علم القرآن للسيوطي، ودلائل الإعجاز للجرجاني، وغيرها من كتب علوم القرآن، والتفاسير. ومن قضايا هذا العلم قول الزركشي في معرفة المناسبات بين الآيات: "واعلم أن المناسبة علم شريف تحزر به العقول ويعرف به قدر القائل فيما يقول،.. ومرجعها والله أعلم إلى معنى ما رابط بينهما عام أو خاص، عقلي أو حسي أو خيالي، وغير ذلك من أنواع العلاقات، أو التلازم الذهني، كالسبب والمسبب، والعلة والمعلول، والنظيرين، والضدين، ونحوه، أو التلازم الخارجي، كالمرتب على ترتيب الوجود الواقع في باب الخبر، وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذا بأعناق بعض، فيقوى بذلك الارتباط ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء. وقد قلّ اعتناء المفسرين بهذا النوع لدقته وممن أكثر منه الإمام فخر الدين الرازي وقال في تفسيره أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط." (3) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 - علم الأسلوب الشرعي: حيث تدرس الخصائص الأسلوبية للنصوص الشرعية، وأسس الإعجاز النظمي، وأثره في استنباط الأحكام، وفهم الخطاب الإسلامي. وتسهم الاتجاهات المذهبية في التفسير، فضلا عن الدراسات النصية، في توفير المواد العلمية لهذا الفرع من العلم. ومن مصادره دلائل الإعجاز للجرجاني، والكشاف للزمخشري، وأسرار ترتيب القرآن للسيوطي، وتناسق الدرر في تناسب السور له أيضا، وما سواها من المصادر. ومما يمكن أن يناقش فيه ما أورده الشاطبي في تحديد الخاصية الأسلوبية اللغوية للقرآن الكريم، قال: "فإن قلنا إن القرآن نزل بلسان العرب وإنه عربي وإنه لا عجمة فيه، فبمعنى أنه أنزل على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة وأساليب معانيها، وأنها فيما فطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يراد به ظاهره وبالعام يراد به العام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص والظاهر يراد به غير الظاهر، وكل ذلك يعرف من أول الكلام أو وسطه أو آخره، وتتكلم بالكلام ينبئ أوله عن آخره أو آخره عن أوله، وتتكلم بالشيء يعرف بالمعنى كما يعرف بالإشارة، وتسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة، والأشياء الكثيرة باسم واحد، وكل هذا معروف عندها لا ترتاب في شيء منه هي، ولا من تعلق بعلم كلامها. فإذا كان كذلك فالقرآن في معانيه وأساليبه على هذا الترتيب، فكما أن لسان بعض الأعاجم لا يمكن أن يفهم من جهة لسان العرب، كذلك لا يمكن أن يفهم لسان العرب من جهة فهم لسان العجم؛ لاختلاف الأوضاع والأساليب.." (1) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 - علم النحو الشرعي: الذي يعتني بأهم القواعد النحوية الشائعة في تحديد الأحكام الفقهية، وأثر الخلاف النحوي في تقرير الحكم الشرعي، وفي الترجيح والتعارض، وأثر الخصائص النحوية للألفاظ والأدوات والتراكيب في تحديد الأحكام وتطبيقها، وأوجه التفاعل بين أصول النحو وأصول الفقه، ومدى تأثر التحليل النحوي بالعقيدة، والفقه، وأصوله. وقد قدم الاسنوي وغيره نماذج تطبيقية رائعة لذلك في كتابه الكوكب الدري. ومن المصادر أيضا كتاب إعراب مشكل القرآن لابن قتيبة. ومن المسائل التي تدرس في هذا الفرع ما ذهب إليه الأئمة مالك وأبو حنيفة والشافعي في مسألة اشتراط الطهارة في "مس" المصحف من أن الطهارة شرط في مس المصحف، وذهبت الظاهرية إلى أنها ليست بشرط في ذلك. والسبب في اختلافهم في تحديد مفهوم (المطهرون) وتحديد النوع النحوي للجملة المنفية في قوله تعالى: "لا يمسه إلا المطهرون" (1) فالمالكية والشافعية والحنفية تفهم أن المقصود بلفظ (المطهرون) بنو آدم، وأن الجملة الخبرية المنفية تفيد النهي، فكان معنى الآية: لا يجوز أن يمسن المصحف إلا آدمي طاهر. أما الظاهرية فتفهم من لفظ (المطهرون) الملائكة، ومن الجملة الإخبار المنفي، فرأت أنه ليس في الآية دليل على اشتراط هذه الطهارة في مس المصحف، فبقي الأمر على الإباحة. وقد احتج جمهور الفقهاء لمذهبهم في اشتراط الطهارة بأدلة أخرى من الآثار المنقولة (2) . موضوعاته: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 يقصد من الدرس اللغوي الخاص بالعلوم الشرعية أن يكون منطلقا لدراسة القواعد اللغوية في مختلف فروع العلوم الشرعية مجتمعة ومتكاملة، فتتنوع مفرداته لتشمل القصايا الدلالية، والصوتية، والنظمية، والأسلوبية، والاصطلاحية، والفكرية التي تتعلق باللغة وأوجه استخدامها، والنص وأساليب تأليفه، واستيعابه، وتحليله، وتطبيق مضامينه في الوقائع المعيشة للذين وجه إليهم هذا النص. إن الموضوعات التي يمكن أن تدرس في هذا التخصص واسعة ترتبط بمختلف العلوم الشرعية، وينبغي أن يكون التركيز فيها على البحث عن القواعد اللغوية المؤثرة في دراسة موضوعات هذه العلوم، على الرغم من إمكان تخصيص بعض الموضوعات لفرع بعينه، أو التعمق في جانب من هذه الموضوعات في مرحلة من مراحل التخصص في العلوم الشرعية. ولكننا نقترح في الفقرات التالية موضوعات عامة شاملة يمكن أن تدرس فيه: يشمل التمهيد لهذا العلم مقدمة نظرية تبين أهمية تجديد المنهجية اللغوية للعلوم الشرعية، لكي تنبني على القواعد اللغوية التراثية لهذه العلوم، وتفيد من الدراسات اللغوية والتشريعية الحديثة. وتدرس أوجه التكامل والتشابه بين العلوم الشرعية واللغوية من حيث المصطلحات، والأسس، والمناهج. وتعتمد النصوص المتداولة في العلوم الشرعية أمثلة في تأسيس القضايا المطروحة للبحث، ويوجه الدارسون نحو تطبيق الأسس والمبادئ والقواعد التي تختار للدراسة على أمثلة أخرى من النصوص الشرعية العقدية والفقهية في ظروف تطبيق محتوياتها في مختلف وقائع الحياة ومناحيها. ويحرص على إبراز الوحدة الموضوعية والفكرية بين الموضوعات والقضايا المقررة، كما يهدف نحو تحقيق التكامل بين القضايا اللغوية وبين المسائل العقدية، والشرعية. وتخصص مواد قرائية إضافية للدارسين من مصادر الدراسات الشرعية واللغوية التراثية والحديثة، من أجل توسيع مداركهم وتوثيق صلتهم بالمجال التطبيقي للمادة العلمية التي يدرسونها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 ينظر في الأصول والمبادئ النظرية التي كَلِف بها علماء أصول الفقه من أجل فهم الخطاب القرآني والنبوي، مثل أسس بناء النص، والوحدة الموضوعية والمنطقية له، ويتم تطويع المبادئ والقواعد التي يمكن أن يستفاد من النظريات اللغوية الحديثة في التعامل مع القرآن، والسنة؛ لكي تتناسب مع طبيعة نصوصهما، ووظيفتها في حياة المخاطبين بها، وتكون مستكملة لمباحث الدراسات اللغوية التراثية، ومن ثم لا تدرس النصوص لذاتها، بل تدرس لأهداف تطبيقية تسهم في تحقيق الرسالة الربانية التي تحملها هذه النصوص، وتنتقى المبادئ والمناهج المتوافقة مع تقديم هذه الرسالة، وتربط التفسيرات الفقهية والعقدية للنصوص بالأحداث الواقعية، وتبنى الأحكام على أدلة مستفادة من التطبيقات اللغوية التحليلية. تدرس ظاهرة التجانس الصوتي في القرآن الكريم، وسبل تطوير التلقي الشفهي، وأثر المتنوعات الصوتية في فهم المقروء، وأساليب ربط التلاوة والحفظ بالفهم والاستيعاب، وتأثير هذا الربط في الجوانب النفسية والاجتماعية للقارئ والمستمع، كما تبرز آثار الاختلاف في الخصائص النحوية، والمعجمية، والصوتية في فهم نصوص القرآن، والحديث، وتدرس أوجه القراءات التي تخالف القواعد النحوية الشائعة والمقررة في متون الكتب النحوية إذا تعلق بها اختلاف في المفاهيم، ومسألة الوظيفة اللغوية للقرآن الكريم (1) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 تدرس أهمية المعرفة اللغوية العربية في تفسير القرآن الكريم، وصلتها بأسس التفسير بصفة عامة، والمبادئ اللغوية في تفسير النصوص في مناهج التفسير، وسبل توجيه التفسير اللغوي البياني للقرآن ليدرج المواقف الخطابية له، ومعرفة معهود الخطاب لدى العرب، وأنواع المعهود وتأثره بالخبرات التاريخية، وسياقات ورود النصوص الشرعية، ومعرفة التناسب بين الآيات والسور، والانسجام بين تراكيبها، وأجزائها، وأثرها في التعرف على الوحدة الموضوعية القرآنية، وأوجه استخدام وسائل الربط فيما يتعلق بقرائن الكلام وعناصره في فهم النصوص، وأنواع دلالات الألفاظ القرآنية، وأساليب التعامل مع مفردات القرآن في ضوء الجهود التي قدمت في التراث الشرعي في تحقيق الترادف، والمجاز وما سواهما في القرآن الكريم، وأثر التطور الدلالي في فهم آياته، وصلة مراعاة نظمه باستيعاب رسالته، والتفكير في تطبيقها على الواقع. وتناقش أهمية ترجمة القرآن، ومواقع استخدامها، وآراء العلماء في اعتمادها، وأثرها في التطبيقات العملية للرسالة القرآنية. تتناول المادة أسس وضع مصطلحات الأسانيد ودقة الفروق بينها، والقضايا المبنية على الربط بين محتوى المتن وظروف الراوي، وقواعد معرفة لغة الحديث، وفقه مضامينه، وأنواع دلالات ألفاظه، والربط بين هذه الأنواع وبين ما ورد في دلالات الألفاظ القرآنية، والمباحث اللغوية المتعلقة بنقد متن الحديث والعلاقة بين متن الحديث وسنده وقائله. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 تندرج في هذا الدرس أيضا المسائل الفقهية والعقدية المبنية على القضايا النحوية، والدلالات اللغوية المستفادة من دلالة المفردات، والتراكيب، والأدوات، والصيغ، وأثر أساليب الكلام، وأوجه الاستخدام اللغوي في الأحكام الفقهية (1) ، والأحكام المتعلقة باستخدام الكلام (2) ، وتدرس ماهية الكلام من حيث المعنى القائم بالنفس، وأثره في تحديد دلالة الألفاظ المسموعة المتداولة، وكيفية حمل الألفاظ الشرعية لدلالاتها، وصلة الحديث في مبدأ اللغات بتحديد دلالات الألفاظ الحقيقية، والمجازية، والاستعمالية، وغيرها، وتأثير القول بالوضع، أو الاستعمال، أو الحمل، أو الترميز الدلالي في التعامل بالنصوص، وأثر تحديد الدلالات على الموقف من تطور المصطلحات، والمفردات، والمقولات الشرعية. وتدرس أهمية معرفة أنواع هذه الدلالات في تقرير الأحكام الشرعية، وأثر المعرفة اللغوية العربية في الاجتهاد في استنباط الأحكام، ومزاولة الإفتاء. وأهمية الاستنتاج، وتفسير قصد المتكلم في إنجاز عملية التخاطب، وقواعد الاستنباط والاستدلال من الخطاب (3) . يتم تناول الجانب الأخلاقي لاستخدام اللغة، والمصطلحات اللغوية الأخلاقية الأساسية والثانوية، وآثارها الفكرية، والشرعية، والعقدية، والحضارية، والتوجيهات الأخلاقية اللغوية، وأثر الكلام على العقيدة قولا، وسماعا، وانعكاس اللغة للعقيدة، وصلة العقيدة بالصياغة اللفظية للواقع، ودور الحرية، والإرادة في استخدام الكلام، والمسألة العقدية المتصلة بالكلام النفسي، وقضية الاستدلال على المذاهب العقدية من خلال المسائل اللغوية، وصلة العقيدة بقضايا اللفظ والمعنى. وتدرس أسس اختيار لغة الدعوة، وأثر نوع اللغة في الإقناع بالاتجاه العقدي، والفكري، والآثار النفسية، والاجتماعية، والفكرية للتعامل اللغوي في القيام بالدعوة إلى الله، وأهمية المعرفة والثقافة اللغوية للداعية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 أما مصادر العلوم الشرعية التي تتضمن القضايا اللغوية فمنها كتب أصول الفقه، وقد عالج أصحابها المشكل اللغوي في سنهم لقواعد التشريع واستنباط الأحكام، ومن الاتجاهات البارزة فيها: الاتجاه السني الذي يمثله الشافعي في كتاب (الرسالة) ، والاتجاه الظاهري الذي يمثله ابن حزم الأندلسي في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام) ، والاتجاه الأشعري الذي يمثله أبو حامد الغزالي في كتابه (المستصفى في علم الأصول) . ومنها كتب التفسير حيث يعتني المفسرون عادة في تقديرات لغوية عامة، وفي تحاليل نظرية متنوعة عندما يواجهون بعض الآيات المتصلة بنشأة الكلام، أو بخلق الإنسان، فضلا عن بيان معاني المفردات والتراكيب، والأساليب البيانية، ومن الاتجاهات السائدة فيها: الاتجاه السني الذي يتمثل في تفسير الطبري (الجامع لأصول الأحكام) ، والاتجاه الاعتزالي المتمثل في تفسير الزمخشري (الكشاف) ، وتعليقات ابن المنير السني على تفسير الرازي الكبير "الاعتزالي". وترد في علم الكلام تساؤلات عن قضايا عقدية محورها الظاهرة اللغوية، وبالذات في نشأتها، واتصاف الخالق والمخلوق بها، وكذلك المصطلحات اللغوية العقدية، ثم التراث الفلسفي حيث تبرز القضية اللغوية في تفكير الفلاسفة في المقولات، والقياس، والبرهان، والخطابة (1) . ونعتقد أن تحديد المصادر المعتمدة في تقديم هذا العلم لا يمثل صعوبة كبيرة؛ إذ إن الاطلاع في محتويات أمهات الكتب الشرعية التي تطرقت إليها سيثمر دون عناء كبير عن اختيار المراجع المتضمنة لموضوعات متفرقة عن بعض أجزاء هذا العلم، أو فروعه. ونقترح أن ينفذ مشروع بحث في تحديد هذه المصادر قبل الشروع في تنفيذ المساق الخاص بهذا العلم، وتقترح الاستعانة بطلبة الدراسات العليا في إعدادها تحت الأستاذ الذي سيتولى تدريس هذا المساق. تنفيذ محتوياته: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 أما النصوص التي تبنى عليها القواعد أو التي يؤتى بها لتوضيح القواعد موجها، فيقترح أن يتم اختيارها في ضوء احتياجات التخصص، وتربط المسائل الشرعية بالخصائص الدلالية والنحوية والأسلوبية للنصوص، وتدرج هذه المسائل في تحليل التراكيب اللغوية في ضوء سياقات ورودها. وقد يقتصر في التوضيح والتحليل على الآيات والأحاديث التي تفيد القضايا الشرعية، أو تخصص بعض الأبواب النحوية والبلاغية والدلالية بالنصوص التي تندرج في باب معين، أو مسألة محددة من العلوم الشرعية، ويشار من خلال الشرح إلى المقاصد الشرعية للنصوص، وتعتمد الآيات والأحاديث الصحيحة في الاستشهاد دون إخضاعها للنمط العام لكلام العرب، بل تحافظ على خصائصها. وبذلك يحقق الدارس لمثل هذا العلم هدفين: أحدهما لغوي عام، وآخر شرعي خاص. وتجدر الإشارة إلى ضرورة تطويع أي منهج لغوي يختار للتحليل ليتناسب مع الطبيعة العربية المتميزة لتراكيب النصوص الشرعية المدروسة. ولا ينتظر في المرحلة الأولية لهذا النوع من التخصص اقتراح بدائل للمناهج اللغوية الموروثة، أو التطوير عليها، إذ يمكن أن يكتفى في البدء بإعداد مواد تعليمية مساعدة في تأسيس هذا التخصص، وإعداد مقدمة نظرية له توجه إلى مجالات البحث المهمة في الدرس اللغوي المتعلق بالدراسات الشرعية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 ويحسن أن يتم التركيز على الجوانب التطبيقية من القضايا اللغوية التراثية والحديثة المهمة التي تفيد في فهم الخطاب الشرعي، وفي استنباط الأحكام منه، وعلى الأسس النظرية التي ترشد المخاطبين بهذا الخطاب إلى حسن التعامل معه. ومن تلك الجوانب الاستغناء في تدريس النحو المعين في العلوم الشرعية عن التمرينات النحوية والأبواب النظرية البحتة، وعن مسائل الصنعة النحوية التي يغلب ألا يتعلق بها غرض خطابي، وكذلك اعتماد جميع الأوجه اللغوية الواردة في النصوص الشرعية أساسا للتعامل اللغوي من غير لجوء إلى تصنيف أو تقويم لهذه الاستعمالات التي قد ترد بقواعد يختص بها القرآن أو الحديث. ويلزم البحث عن أساس نظري عام موحد للموضوعات التي تقدم في مفردات التخصص، وهو أساس يساعد في المضي قدما في الأبحاث العلمية اللغوية المفيدة في تخصص الدراسات الشرعية. ومن أمثلة ذلك أن ينتهي التحليل اللغوي إلى بيان المقصد من النص الشرعي، ولا يقف عند تحليل الخصائص اللفظية. ثالثا: نماذج شرعية لغوية: يعتقد الباحث إمكان تنفيذ المقترحات السابقة في تأسيس علم لغة خاص بالعلوم الشرعية، وفيما يلي نماذج من المسائل والقضايا الشرعية اللغوية التي تتضمنها العلوم الشرعية. مسائل شرعية لغوية: الدراسات الشرعية مجال تطبيقي للدرس اللغوي العربي، لأنها مستندة إلى دراسة الخطاب الشرعي واستنباط الأحكام من أدلته الإجمالية والتفصيلية. ويقترح أن يتجه البحث نحو مراجعة المسائل اللغوية في هذه العلوم، لإبراز الخيط المشترك بينها، وبيان أساليب العلماء في ربط المسائل اللغوية بالمسائل الشرعية، والمنهج المتبع في عرض هذه المسائل، وإمكان تطوير هذا المنهج، ومراجعة المسائل التي أسست عليها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 وبالنظر في كتب علوم القرآن نجد أن السيوطي (1) يتعرض لمعرفة إعراب القرآن، ومعرفة سبب النزول، والوقف والابتداء، والإمالة، والفتح، والإدغام، والإظهار، وغيرها من التنوعات الصوتية، وكيفية تحمل القرآن، وكيفية قراءته، وتجويده، ومعاني الألفاظ والآيات القرآنية، والإيجاز، والإطناب، والخبر والإنشاء، وغيرها من المباحث اللغوية والبيانية. ويدرس الزركشي (2) ، فضلا عن ذلك ما يراه ضروريا لمفسر القرآن الكريم من علاقات اللفظ بالمعنى، ومعرفة التصريف، والأحكام من جهة إفرادها وتراكيبها، وفصاحة اللفظ والتركيب، وأوجه التناسب بين الألفاظ والآيات والسور، والحقيقة والمجاز، والأساليب الخبرية والإنشائية، والأساليب القرآنية النحوية والصرفية والبلاغية بصفة عامة. ودرس محمد أديب صالح (3) تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، ورأى أن وظيفة المفسر أن يعمل بالبحث والاجتهاد على إزالة الغموض من النص إن كان المعنى المقصود غير متبادر، وأن من أنواع التفسير معرفة مرامي الألفاظ التي منها الواضح والمبهم، ومعرفة دلالات الألفاظ على الأحكام من حيث تعدد وجوهها ومناحيها، وإدراك معاني الألفاظ في حالات عمومها واشتراكها، وغير ذلك من الموضوعات. وأشار إلى أن الحقيقة الراسخة عند العلماء أن البعد عن التفسير ضمن حدود اللغة والشريعة عدول عما تعبدنا الله من الكتاب بفهم آياته واستنباط أحكامه. وتعرض لأنواع الدلالات. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 وعني محمود توفيق محمد سعد (1) بالخصائص التي امتاز بها بيان الكتاب والسنة والتي تقتضي أن يكون منهج استنباط المعاني منه وحركته مضبوطين بضوابط تضمن الإيفاء بحق هذه المعاني، وتحفظ الاستنباط من الزيغ إفراطا وتفريطا. ومنها ضابط الوعي بخصائص اللغة ودلالاتها الإفرادية والتركيبية، بحيث تستنبط الدلائل وفق قواعد اللسان العربي ومواضعاته الدلالية عند نزول النصوص وورودها، وليس عن طريق الإسقاط الدلالي التأويلي للغة عصر الوحي، وكذلك ضابط الوعي بالسياق المقامي لبيان الكتاب والسنة، وواقع البيان التطبيقي له، وضابط الوعي بالتكامل الدلالي لنصوص الوحي قرآنا وسنة، وضابط الوعي بمقاصد الوحي الكلية والجزئية. لا تنحصر المسائل اللغوية في علوم الحديث في دراسة المتن، بل يمتد إلى الإسناد وعلاقته بالمتن وبقائله (2) ، وذلك من حيث التمييز بين الحديث المرفوع، والموقوف، والمقطوع، والمباحث المتصلة بمعنى الحديث من حيث فقهه، ويشمل ذلك معرفة مختلف الحديث، وناسخه ومنسوخه، ومشكله، وغريبه، وأسباب وروده، والمباحث المتعلقة باختلاف رواياته، كمعرفة زيادات الثقات، والشاذ، والمضطرب، والمقلوب، والمدرج، والمصحف، والمعلل. ومثلها المسائل المتعلقة برواية الحديث بلفظه والترخيص في روايته بالمعنى بقيود، والعلاقة بين السند والمتن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 تتضح أهمية الدرس اللغوي في دراسة علوم الحديث، في معرفة المصطلحات وتطور مفاهيمها، وربط الحديث بوسائل نقله في نقد الحديث الذي يعني: الحكم على الرواة تجريحا أو تعديلا بألفاظ خاصة ذات دلائل معلومة عند أهله، والنظر في متون الأحاديث التي صح سندها لتصحيحها، أو تضعيفها، ولرفع الإشكال عما بدا مشكلا من صحيحها، ودفع التعارض بينها، بتطبيق مقاييس دقيقة. وتبرز هذه الأهمية أيضا في مراحل نقد الحديث التي منها الاحتياط في الرواية تحملا وأداء، ونقد معنى الحديث، ودفع التعارض بين المتون ولرفع الإشكال عنها، ومن أهداف هذه المراحل التأكد من سلامة معنى الحديث بنقد معنى المتن، والكلام في الرجال من جانب حفظهم، وصيانة مبنى المتن بالجرح في الضبط، وبيان تخالف دلالات الأحاديث وأسباب ورود الحديث. وهي مباحث مهمة في نقد المتون، والمقارنة بين النصوص، قام بها رجال مختصون في الحديث، والأصول، والفقه، والعقيدة، واللغة، فاستطاعوا أن يوضحوا معناها بدقة. ومن أكثر مراحل نقد الحديث التصاقا بالدرس اللغوي نقد لغة الحديث، أي تفسير غريبه، وتصويب تصحيفاته، وبيان فقه الحديث، أي فهمه، واستخراج معناه. وقد قال الحاكم النيسابوري (1) بأن معرفة فقه الحديث ثمرة علوم الحديث، وبه قوام الشريعة، وأن علوم الحديث كلها تتعاضد لتثمر بيان المقصود من حديث النبي صلى الله عليه وسلم للعمل به. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 ويتركز التشابه بين علم أصول الفقه وعلم النحو بصورة خاصة في مبحث القياس، فضلا عن التشابه في مصطلحات تقسيم الحكمين الشرعي والنحوي، وأدلة الفقه والنحو الرئيسة. وتجدر الإشارة إلى أن صلة النحو بالفقه وأصوله صلة ذات شقين (1) : شق تظهر فيه مقولات النحاة في أصول النحو محمولة على أصول الفقه، ولعل ابن جني أول من أشار إلى الصلة القوية بين أصول الفقه وأصول الكلام وبين أصول النحو في كتابه " الخصائص" (2) ، وقدم السيوطي نموذجا واضحا له في كتاب "الاقتراح" (3) . وشق يظهر فيه أثر النحو الكبير في مباحث الفقه، وجاء كتاب الإسنوي تطبيقا عمليا لهذا الشق الثاني. قضايا شرعية مبنية على أسس لغوية: درس جمال الدين عطية (4) القواعد اللغوية وأشار إلى مكانها البارز في كتب أصول الفقه بسبب أهميتها في تفسير نصوص الكتاب والسنة واستخراج الأحكام منها، وإلى أن ابن السبكي قد أفرد لها قسما خاصا في كتابه " القواعد والأشباه والنظائر"، فبحث في حروف المعاني، والمركبات، وما ينبني على العربية من الفروع الفقهية، وأثر هذه القواعد في تفسير النصوص المختلفة. ويعتبر جمال الدين الإسنوي أول من خصص كتابا مستقلا عنوانه:" الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية" لدراسة القواعد النحوية التي بني عليها عدد من المسائل الفقهية. واهتم القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" بإبراز الأسس اللغوية للقضايا الفقهية التي عرضها. وتوجد جهود أخرى قديمة وحديثة في هذا الاتجاه. ونشير إلى جهود عبد القادر عبد الرحمن السعدي في مؤلفه الذي عنوانه: "أثر الدلالة النحوية واللغوية في استنباط الأحكام من آيات القرآن التشريعية". ونعرض فيما يلي لبعض القضايا الشرعية اللغوية: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 حصر ابن رشد القرطبي (1) ، الأسباب المؤدية إلى الاختلاف بين الفقهاء في تحديد معاني الألفاظ التي تبنى عليها الأحكام في ستة: تردد الألفاظ بين العموم والخصوص ودلالة الخطاب، والاشتراك الحاصل في الألفاظ المفردة والمركبة، والاختلاف في الإعراب لأهميته في التمييز بين المعاني التركيبية، وتردد اللفظ بين حمله على الحقيقة أو على المجاز، من حذف، أو زيادة، أو تقديم، أو تأخير، أو تردده على الحقيقة أو الاستعارة، وإطلاق اللفظ تارة وتقييده تارة أخرى، والتعارض بين الشيئين في جميع أصناف الألفاظ التي تؤخذ منها الأحكام، ومثله التعارض الحاصل في الأفعال، أو الإقرارات، أو القياسات، أو بينها جميعا. ويتضح من محاولة رجع الألفاظ إلى هذه الأسباب الستة أن معظم أسباب الاختلاف في أحكام الفروع الفقهية قائمة على أساس لغوي مما يدعو للرجوع إلى اللغة رجوعا كليا في توجيه قصد الإنسان لإصدار الحكم الشرعي على تصرفه. وترجع أسباب الاختلاف الباقية إلى أمور أخرى من غير اللغة، كالقياس، أو الإجماع، أو العرف، أو الاستحسان. وقد تأتي بعض الفروع الفقهية مخالفة لما تقتضيه قواعد اللغة العربية، أو مخالفة للأرجح من قواعدها، مع موافقتها للمرجوح (2) . وقد ذكر ابن السيد البطليوسي ثمانية أوجه للخلاف بين المسلمين بعضها متعلق ببعض، وهي: اشتراك الألفاظ والمعاني، والحقيقة والمجاز، والإفراد والتركيب، والخصوص والعموم، والرواية والنقل، والاجتهاد فيما لا نص فيه، والناسخ والمنسوخ، والإباحة والتوسع (3) . ومن الواضح أن أربعة أوجه منها لها صلة مباشرة بالمسائل اللغوية، وفيها أغلب أوجه الخلاف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 ومما أورده الإسنوي (1) من القضايا الفقهية المؤسسة على القواعد اللغوية أن مقتضى اسم الفاعل صدور الفعل منه، ومقتضى اسم المفعول صدوره عليه. وإذا تقرر هذا فيتفرع عليه إذا حلف لا يأكل مستلذا، فإنه يحنث بما يستلذه هو أو غيره، بخلاف ما إذا قال (شيئا لذيذا) فإن العبرة فيه بالحالف فقط. ومسألة أخرى أن (إذا) ظرف للمستقبل من الزمان، وفيه معنى الشرط غالبا، وقد يقع للماضي..، وقد ينتفي فيها معنى الشرط ... وإذا دلت على الشرط فلا تدل على التكرار.. . إذا علمت ذلك فينبني على المسألة الأيمان والتعاليق والنذور. فإذا قال لزوجته مثلا: إذا قمت فأنت طالق، فقامت، ثم قامت أيضا في العدة ثانيا وثالثا، فإنه لا يقع بهما شيء..كما لا تدل (إذا) على التكرار لا تدل أيضا على العموم،.. وقيل تدل عليه. ومن فروع المسألة أن تكون له عبيد ونساء، فيقول: إذا طلقت امرأة فعبد من عبيدي حرّ، فطلق أربعا بالتوالي، أو المعية، فلا يعتق إلا عبد واحد، وتنحل اليمين. هذا، ويقترح أن يتطرق البحث في دراسة القضايا الشرعية المبنية على الأسس اللغوية إلى طبيعة هذه القضايا، والدافع إلى الاحتجاج باللغة فيها مع توفر الدليل الشرعي، أو عدم توفره، ودرجة هذا الاحتجاج، وأساليب اعتماد الأسس اللغوية أو استغلالها، ومنهج عرض هذه القضايا، وإمكان الربط بينها، وتجديد هذا المنهج، والعلاقة بين المسائل والقضايا اللغوية الشرعية. • • • خاتمة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 ينبغي أن نؤكد أن اقتراح تخصيص المنهجية اللغوية للعلوم الشرعية بالدراسة لا يعني محاولة لإقحام المسائل اللغوية في المسائل الشرعية، أو الإكثار من القضايا اللغوية في غير موضعها مما حذّر منه الغزالي (1) ، وإنما القصد هو تأكيد المزاوجة بين المعرفة اللغوية والمعرفة الشرعية، وتوجيه الدرس اللغوي العربي إلى مواصلة السعي في تحقيق الهدف الذي نشأ من أجله، ألا وهو خدمة القرآن الكريم، وخدمة بيانه، والإسهام في فهم النصوص الشرعية، وفي استثمار المبادئ العقدية والأحكام الشرعية العملية منها ومن ثمَّ تطوير المنهجية اللغوية للعلوم الشرعية. إن المحتويات العلمية التعليمية لهذا الدرس متوفرة بكثرة في التراث الإسلامي الشرعي، ولها تشعبات متنوعة، وستفيد الأبحاث التي تجرى في هذا المجال اللغوي التطبيقي الشرعي في إثراء التراث الإنساني بالآراء النيرة التي قدمها المسلمون في دراسة الظاهرة الكلامية، وعلاقتها بالعقيدة، والفكر، والثقافة، والكيان الإنساني بوجه عام. ولا ريب في أن الإفادة من الدراسات اللغوية التركيبية، والأسلوبية الحديثة في الجوانب النفسية، والاجتماعية، والأخلاقية، والإعلامية، والتشريعية، طبقا لطبيعة النصوص الشرعية تساعد في فهم الخطاب الشرعي الذي وضعت هذه العلوم لدراسته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 ويقترح الكاتب أن يقرر مساق خاص لهذا العلم في البدء في المرحلة الجامعية العليا للدراسات الإسلامية والشرعية، والدراسات اللغوية، قبل أن يقرر في المرحلة الجامعية الأولى، ويقترح أن تحدد ساعاته المعتمدة بثلاث ساعات إذا تقرر تدريسه بشكل عام، أما إذا قصد تدريس فروعه الداخلية فتحدد لكل فرع ساعة واحدة معتمدة. ويقترح أن يبدأ تقديمه لطلبة الدراسات العليا بشكل ندوات علمية يمكن أن يشترك فيها المتخصصون في العلوم اللغوية، والشرعية، أو أن يتولى تدريسه متخصصون في الدراسات اللغوية لهم خلفية كافية في الدراسات الإسلامية، وذلك من أجل تحقيق نوع من الانسجام بين المفردات التي تقدم للدارسين، والربط بين القضايا اللغوية، وبين المسائل الشرعية على أمل أن يفضي تطور الأبحاث المستقبلية إلى تحقيق هدف هذا المساق. أما عن المقررات والمراجع فتوفر في البدء بانتقاء الموضوعات المتصلة بمفردات هذا المساق من أمهات الكتب التي تتناول فروع العلوم الشرعية التي أشرنا إلى بعض موضوعاتها، وتؤخذ النماذج التطبيقية الأولية منها ريثما يتم تأليف كتاب مخصص له. ومن الممكن استغلال أبحاث طلبة الدراسات العليا في تحقيق هذا الهدف النبيل، وفق أهداف مرسومة ومفردات محددة، ومناهج تعليمية تتفق مع أهداف المؤسسة الجامعية التي تحتضن هذا المساق. الحواشي والتعليقات انظر: سعدي أبو حبيب، القاموس الفقهي: لغة واصطلاحا، دار الفكر، دمشق، 1402هـ (الشريعة) . توجد تقسيمات متعددة للعلوم في التراث الإسلامي، كما يوجد تداخل في تصنيف العلوم وفقا لتباين المعايير المعتمدة في هذا التصنيف. انظر نوعا من مناقشة تصنيف للعلوم الإسلامية في: محمد عمارة، إسلامية المعرفة، دار الشرق الأوسط، القاهرة، 1991م. ص 14- 17، وانظر في تحديد العلوم الشرعية: أبو حامد محمد الغزالي، إحياء علوم الدين، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، د. ت.، ج3، ص18. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 تجدر الإشارة إلى أن أي تطوير أو تجديد في العلوم الشرعية، إن اقتضته الضرورة، ينبغي أن يتم في حدود مقاصد الشرع، وألا يخالف الغايات العليا للرسالة الإسلامية كما حددها سلف هذه الأمة. ولا ينبغي من جانب آخر أن يصرف أي مقترح في التطوير إلى الاحتكام إلى العقل وإهمال النقل؛ ذلك لأن الفيصل في قبول التطوير أو التجديد في منهجية الدراسة والفهم صدورُه عن العقيدة الصحيحة واتفاقه مع المقاصد الشرعية. انظر: أبو حامد محمد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403هـ، ج1، ص3-5. من المحاولات العلمية في تطوير الدراسات الشرعية وتحديثها صنيع الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه المعنون ب (الزكاة) ، وهناك محاولات أخرى له ولغيره، وهي كثيرة. انظر: عبد الحميد إبراهيم المجالي، مدى الحاجة إلى تطوير محتوى مادة الفقه، في: فتحي حسن ملكاوي، ومحمد عبد الكريم أبو سل، بحوث مؤتمر علوم الشريعة في الجامعات، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، عمان، 1416هـ، ص 49 – 65. انظر: أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج1، ص4-10، ومحتويات الجزأين. انظر: إبراهيم بن موسى الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، دار الفكر العربي، بيروت، د. ت.، ج2، 5- 40، وج2، ص5-40. انظر مثلا: محمود توفيق محمد سعد، سبل الاستنباط من الكتاب والسنة: دراسة بيانية ناقدة، مطبعة الأمانة، مصر، 1413هـ. ومحمد أديب صالح، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، ط3، المكتب الإسلامي، بيروت، 1404هـ. نشير في هذا الصدد إلى أن تجديد منهجية الدراسة في أي علم من العلوم لا يقتضي بالضرورة أن تكون المناهج السابقة ناقصة، أو غير وافية بالغرض؛ إذ إن المنهجية الجديدة قد تفضي إلى إضافة محمودة إلى نتائج البحث في المجال العلمي المعنيّ، وقد تفتح مجال اهتمام آخر تتلاقح فيه الخبرات، ويعالج فيه بعض القضايا التخصصية المستجدة في هذا المجال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 أبو السعود محمد العمادي، تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج1، ص4. جمال الدين الإسنوي، الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية، تحقيق محمد حسن عواد، دار عمار، الأردن، 1405هـ، ص43 (مقدمة المحقق) . راجع في الاحتجاج لإثبات القياس والرد على هذه الشبه: أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج2، ص256-278. وانظر في نقد الاعتماد على القياس في الاستدلال والاحتجاج في الفقه وفي التعامل مع نصوص الكتاب والسنة: علي بن أحمد بن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1400هـ، مج2، ج8، ص2-76. محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مصطفى الباني الحلبي وأولاده بمصر، ط2، 1370هـ، ج1، ص2-3. راجع: ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، مج2، ج7، ص 57- 58 و 62- 63. وانظر: أنور خالد الزعبي، ظاهرية ابن حزم الأندلسي: نظرية المعرفة ومناهج البحث، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، مكتب عمان، الأردن، 1417هـ، ص 3-6 (تقديم طه جابر العلواني للكتاب.) انظر: محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق أحمد شاكر، دار التراث، القاهرة، ط2، 1979م، ص51- 52، فقرة 173. والشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج2، ص65- 70. محمود توفيق محمد سعد، سبل الاستنباط من الكتاب والسنة: دراسة بيانية ناقدة، مطبعة الأمانة، مصر، 1413هـ، ص38-41. راجع: ابن مضاء القرطبي، كتاب الرد على النحاة، ط3، تحقيق شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، 1988م، ص 71- 141. حاول شوقي ضيف تقديم نموذج متكامل لتصوره لتيسير النحو العربي مستفيدا من آراء ابن مضاء، وذلك في كتابه (تجديد النحو) ، وقد قدم تحليلا أسس نظريا لهذا التجديد في كتابه (تيسير النحو التعليمي قديما وحديثا مع نهج تجديده) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 ابن القيم محمد بن أبي بكر الجوزي، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق محمد بن محيي الدين عبد الحميد،، ج3، 107- 111. علي بن أحمد بن حزم، المحلى بالآثار، تحقيق عبد الغفار البندراوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ج3، ص187- 188 أحمد بن عبد الحليم بن تيمية،، مجموعة الرسائل والمسائل، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983م، ص294. عبد الرحمن الحريري، الفقه على المذاهب الأربعة، دار الفكر، بيروت، ج2، ص474. أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج1، ص10. من النماذج الشائعة في هذا، صنيع الرازي في تفسيره، حيث أطلق لنفسه العنان في إقحام المسائل العقلية في تفسير القرآن الكريم. ولعل الإمام الشافعي يعد خير دليل على النبوغ في المجالين الشرعي واللغوي. اقرأ نبذة عن الإمام الشافعي في تقديم المحقق للرسالة: محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة، 1399هـ ص 5-8 راجع: جمال الدين بن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1990م، مادة (صلا) ومادة (زكا) . أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج2، ص353. الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة ج4، ص114-118 وج4، ص 62. انظر: عبد القادر عبد الرحمن السعدي، أثر الدلالة النحوية واللغوية في استنباط الأحكام من آيات القرآن التشريعية، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بغداد، 1406هـ، ص 31- 74. وردت تحديدات متنوعة لعلم اللغة التطبيقي، ولكنه علم يمثل تكاملا بين مختلف المعارف الإنسانية في دراسة القضايا اللغوية التطبيقية مما يتعلق بفهم الظاهرة اللغوية، واستخدام اللغة، وتوظيفها في العلاقات الاجتماعية، ومجالات الخبرات الإنسانية، وتقديم الحلول العملية لمشكلات استخدام اللغة في مجالات الاتصال الإنساني المعرفي، أو المهني، أو الاجتماعي، أو غيرها. انظر: حسن محمود الشافعي، المدخل إلى دراسة علم الكلام، ط2، مكتبة وهبة، القاهرة، 1411هـ، ص 72- 98. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 تشمل الدراسات اللغوية الحديثة توجهات متعددة، ويمكن الاستفادة منها في بناء علم اللغة الخاص بالعلوم الشرعية، وبصفة خاصة ما يتعلق من موضوعاته بربط النصوص بالخصائص المقامية لها، وربط التراكيب والنصوص بالجوانب المعرفية والثقافية والنفسية، وتحديد مفاهيم المصطلحات. قدم أبو حامد الغزالي مثالا للغلط في تمييز المشترك من الألفاظ، محللا لمفاهيم لفظة "مختار" في التعليل لحكم المكره على القتل لدى كل من الشافعية والحنفية. (أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج1، ص 33) . زكريا الأنصاري، الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، تحقيق مازن المبارك، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1411هـ، ص65. أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكتبة ابن تيمية، ط2، د. ت.، مج13، ص 355 – 358. عبد الله بن السيد البطليوسي، الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التي أوجبت الخلاف، تحقيق محمد رضوان الداية، دار الفكر، بيروت، ط2، 1403هـ، ص 36- 37. انظر: محمد خطابي، لسانيات النص، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1991م، ص11-87 (وقد أبرز المؤلف إسهام المسلمين في دراسة النصوص وبيان أوجه الانسجام فيها، في التفسير، وعلوم القرآن، والبلاغة العربية، ص95- 204) انظر: بدر الدين محمد الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، عيسى البابي الحلبي، 1390هـ، (قائمة المحتويات) . وعبد الرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، المكتبة الثقافية، بيروت، 1973م، (قائمة المحتويات) . الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج1، ص35 – 36. الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج2، ص65 –66. الواقعة: 79. ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج1، ص 41- 42. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 يمكن أن يدرس إمكان وجود نحو قرآني خاص، وما يدعو إليه بعض الكتاب من ضرورة اتباع الأساليب التركيبية والبيانية للقرآن الكريم، ونظرتهم إلى القواعد اللغوية القرآنية بأنها ملزمة، وينبغي هجر غيرها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه النظرة لا تراعي حقيقة أن الأسلوب القرآني أسلوب نموذجي رفيع، وأنه معجز بنظمه، ومضمونه، وأن تقليد الشيء الخارج عن الطوق البشري لا طائل من دونه، كما أن الأسلوب القرآني لا يمثل كل الأساليب العربية التي منها الرفيع، والوضيع. من ذلك الاستحلاف، وأساليب إيقاع الطلاق، والطلب والقبول في النكاح، وصيغ العقود، والاعتراف بالجريمة، وغيرها. فمثلا: أوقات وساعات منع أنواع من الكلام في بعض الظروف أو الشعائر الدينية، ومواقف السكوت، والحديث مع الوالدين، وإساءة استخدام الكلام. انظر مثلا: أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج1، ص 337 (طريق فهم المراد) . عبد السلام المسدي، التفكير اللساني في الحضارة العربية، الدار العربية للكتاب، تونس، ط2، 1986م، ص 35- 36. عبد الرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن. بدر الدين محمد الزركشي، البرهان في علوم القرآن. انظر: محمد أديب صالح، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، المكتب الإسلامي، دمشق، ط3، 1404هـ 1/ 60-61 و 69 و 109 و 139. محمود توفيق محمد سعد، سبل الاستنباط من الكتاب والسنة: دراسة بيانية ناقدة، ص 18-25. انظر: محمد طاهر الجوابي، جهود المحدثين في نقد متن الحديث النبوي الشريف، مؤسسات ع. الكريم بن عبد الله، تونس، 1991م، ص84- 128 و 284- 291، وغيرها. الحاكم محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري، كتاب معرفة علوم الحديث، مكتبة المتنبي، القاهرة، د. ت.، ص63 الإسنوي، الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية، ص146: مقدمة المحقق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 انظر: أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1952م 1/163 حيث قال: "وكذلك كتب محمد بن الحسن - رحمه الله - إنما ينتزع أصحابنا منها العلل، لأنهم يجدونها منثورة في أثناء كلامه فيجمع بعضها إلى بعض بالملاطفة والرفق." وانظر: ج1، ص115- 200 وج1، ص49- 96، 115- 164 في: نوع علل العربية، وجواز القياس، وتعارض السماع والقياس، والاستحسان، وتخصيص العلل. عبد الرحمن السيوطي، كتاب الاقتراح في علم أصول النحو. (قسم السيوطي هذا الكتاب إلى أجزاء، هي: المقدمات، ثم الكتاب الأول في السماع، والثاني في الإجماع، والثالث في القياس والرابع في الاستصحاب، والخامس في الاستدلال، والسادس في التعارض والترجيح.) جمال الدين عطية، التنظير الفقهي، ص109- 111 ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ص15-6. جمال الدين عطية، التنظير الفقهي، 110- 111. ابن السيد البطليوسي، الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التي أوجبت الخلاف، ص34. الإسنوي، الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية، ص 243 و 266- 267. أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول ج1، ص 10. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 التصغير في اللغة د. عليان بن محمد الحازمي الأستاذ المشارك بقسم اللغة والنحو والصرف كلية اللغة العربية - جامعة أم القرى ملخص البحث تهدف هذه الدراسة إلى معرفة التصغير في اللغة بوجه عام وأهميته في الدلالة على المعنى، حيث إن التصغير معنى والمعاني لا تختص بها لغة دون أخرى أو موقوفة على أمة بعينها، كما أن التصغير ليس مجرد تغيير وتحوير في بنية وصيغة الكلمة، وإنّما جيء به ليدل دلالة معينة؛ لذا حاولت هذه الدراسة مقارنة وجود ظاهرة التصغير في اللغة العربية بلغات أخرى سامية وهندية أوربية فوضح أن التصغير ظاهرة قديمة مشتركة في معظم هذه اللغات غير أن هذه الظاهرة تلاشت من أغلب اللغات، ولم تبق منه إلا بقايا تدل على أنه كان موجوداً. لقد استعيض في الوقت الحاضر بالوصف؛ لأن التصغير وصف، بل إن كبار الكتّاب والأدباء في اللغة العربية المعاصرة لا يميلون إلى إستخدام التصغير، وإنما نجد الوصف عندهم حلّ محلّ التصغير، لذا فإن اللغات تشترك في كثير من ظواهرها وتتشابه مما يجعلنا نقول إن القدر المشترك بين نحو اللغات أكثر من المختلف. • • • مقدمة: فكرة هذا البحث تدور حول التصغير في اللغة بوجه عام، حيث يرى الباحث أنّ اللغة في أصلها سليقة، وفطرة يشترك فيها البشر كافة؛ ويستوي الجميع في استعمالها فهي مقدرة كامنة في عقول الناس، يستعملها الصغير والكبير، كما يقول ((التحويليون)) ومن ثم كان لابد أن يحصل توافق كبير بين اللغات لذا فإن هذه الدراسة تحاول أن تدرس التصغير في اللغة بمفهومها العام، معتمدة على ما قاله علماء النحو عن هذه الظاهرة، مستعينة في الوقت نفسه بما اطلع عليه الباحث من آراء لغوية محدثة يحاول على ضوئها دراسة التصغير، معتمداً على المقارنة والملاحظة وإبداء الرأي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 وإذا بدا البحث قد ركز على اللغة العربية بصورة أكثر؛ فإنما جاء ذلك بقدر ما يبيّن ويوضح أصالة ظاهرة التصغير في اللغة العربية فقد جعل علماء الساميات اللغة العربية الأصل الذي يفزعون إليه عند المقارنة والموازنة، ولا غرو في ذلك؛ فالعربية قد حافظت على كثير من أصول اللغة الأم للغات السامية، أما اللغات الهندو أروبية فإن الباحث لا يدعي الاطلاع على جميع هذه اللغات، وإنّما اكتفى بذكر اللغات الجرمانية، ممثلة في اللغتين الإنجليزية والألمانية. وذكر بعض اللغات الرومانية كالإيطالية والأسبانية والفرنسية. أما مصادر البحث فقد اعتمد على كتب التراث النحوي وما كتبه المتخصصون في علم اللغة، وفي اللغات السامية والهندو أوربية، وبعض المعاجم. كما اعتمد على كتب النحو التعليمي الذي وضع لتعليم اللغات، ثم إن الباحث رأى أيضاً أن هنالك قوانين واتجاهات تسير نحوها اللغات، هذه الاتجاهات تصدق على ظاهرة التصغير، من ثم اعتمدها الباحث في هذه الدراسة. اللغة نظام: من المعروف أن اللغة نظام كما يقول علماء اللغة المحدثون (1) ، وكل لغة لها نظام خاص تنفرد به، سواء كان ذلك في نحوها، أو صرفها، أو نطق أصواتها، وطرق أدائها، ناهيك عن طريقة التركيب وبناء الجملة وتنوع الأساليب، لكننا مع هذا لا نعدم وجود ظواهر مشتركة تظهر في عدد من اللغات، وهذا التوافق يمكن إرجاعه إلى: 1 - أن اللغة نتاج عقلي، وهذا يشترك فيه البشر كافة. 2 - أن منشأ الأمم واللغات يعود إلى أصل واحد. 3 - أن عناصر أي لغة من لغات البشر - بوجه عام - تتكون من أسماء وأفعال وأدوات، فلا تجد لغة إلاّ وتحتوي على تلك المكونات الأساسية لبناء الجملة، فالمؤتلف بين اللغات أكثر من المختلف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 ولقد تنبه علماء العربية القدامى إلى هذا التوافق، وسبقوا علماء اللغة المحدثين بالإشارة إلى ذلك، فابن إيّاز يذكر أنّ أجزاء الكلام الذي تتكون منه الجملة: اسم وفعل وحرف. ثم عقب قائلاً: ((لا يختص انحصار الكلمة في الأنواع الثلاثة بلغة العرب؛ لأنّ الدليل العقلي الذي دلّ على الانحصار عقلي والأمور العقلية لا تختلف باختلاف اللغات)) (1) . إنّ من يتعمق قول ابن إياز يدرك أن اللغات تتشابه في كثير من مكوناتها الأساسية، غير أن تلك المكونات يحكمها نظام خاص وطريقة معيّنة تنبع من جوهر تلك اللغة، حيث إنّ لها طريقة مميزة، وأسلوباً معيناً في تراكيبها وطرق أدائها. من هنا يتعين القول بأن توافق اللغات في كثير من الظواهر يؤكد قول النحاة التحويليين الذين يرون أن نحو اللغات يتشابه بصفة عامة (2) . فالمكونات والمظاهر العامة التي لا تخلو منها أي لغة من لغات البشر؛ لوجود الأسماء، والأفعال، والأدوات، والجموع والتثنية، والتذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير، هي مكونات ومظاهر نحوية صرفية تركيبية، والتصغير أحد الظواهر اللغوية التي استرعت انتباهي حيث توافق وجوده في عدد من اللغات، يظهر في اللغة العربية، وفي اللغة الإنجليزية - وبالأخص القديمة - وفي اللغة الألمانية، كما أن اللغات الرومانية ((الفرنسية والإيطالية والأسبانية)) تستخدم التصغير (3) . التصغير معناه ودلالته: التصغير في اللغة يدل على التقليل والنقصان، ففي اللغة العربية صغر الشيء (4) يعني قلل حجمه، كما أن التصغير أيضاً في اللغات السامية كالعبرية والأكادية والسريانية (5) يعني التحقير، والتقليل، وفي اللغة الإنجليزية تدل كلمة Minimize التي جاء منها مصطلح التصغير Diminutive على التقليل والتحقير (6) . وكذلك الحال في اللغة الألمانية (7) حيث إن التصغير يفيد تقليل الشيء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 ولما كان التصغير في الغالب يدل على التقليل، فقد لوحظ أن علماء العربية عند دراستهم لظواهره، لم يكن همهم وضع القواعد الخاصة به فقط؛ وإنما مبانيه ومعانيه، فوضوح المعنى وما تدل عليه الصيغ والتراكيب كانت الهدف الأول الذي انصب عليه اهتمام العلماء، لذا جاءت دراستهم لظواهر اللغة المختلفة، تركز على المعنى من خلال المبنى، فتنبهوا إلى أن التصغير تقليل، فبينوا صيغه وحصروها في أوزان ثلاثة: فُعَيْل، وفُعَيْعِل، وفُعَيْعِيل. هذا الحصر إنما اعتمد على الاستقراء؛ لأن الكثرة الكاثرة من العرب لا تتجاوز هذه الأوزان، ويرجع العلماء هذا الحصر إلى الخليل بن أحمد، الذي رأى بثاقب فكرة وقوة استنباطه، أن كلام العرب من حيث أبنيته، إما أن يكون ثنائياً، أو ثلاثياً، أو رباعياً، أو خماسياً، يقول: ((كلام العرب مبني على أربعة أصناف على الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي)) (1) . ومن ثم جعل التصغير ثلاثة وأخرج الثنائي؛ لأنه قليل في العرب، وكل ثنائي إنما هو في الأصل (2) . ثلاثي، يقول سيبويه: ((أعلم أن التصغير في الكلام على ثلاثة فُعَيل، وفُعَيعِل، وفُعَيعِيل)) (3) . التصغير معنى: إن أهم ما سعى إليه علماء اللغة والنحاة على وجه الخصوص هو وضوح المعنى، فالاهتمام بالمعنى ودلالاته تمثل جزءاً لا يتجزأ من نحو اللغة وصرفها، فالمعنى وليست القاعدة تأتي دائماً في الصدارة والتصغير تغيير في صيغة الكلمة بزيادة حرف، هذه الزيادة قصد منها إفادة دلالة معينة، فياء التصغير في اللغة العربية حرف من حروف المعاني، وزيادتها في اللفظ المراد تصغيره هو نقله من حالة إلى حالة أخرى؛ ليدل دلالة معينة، يقول ابن جني: ((فإذا كانت الألفاظ أدلة المعاني، ثم زيد فيها شيء أوجبت القسمة له زيادة المعنى)) (4) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 والتصغير معنى: لأنك إذا أصغرت الشيء فقد حقرته، يقول ابن يعيش: ((اعلم أن التصغير والتحقير واحد، وهو خلاف التكبير والتعظيم)) (1) . فالتصغير ما هو إلا تقليل وتحقير، يقول ابن عصفور موضحاً معاني التصغير: ((أحدهما أن يراد به تصغير شأن الشيء وتحقيره نحو قولك: رجيل سوء، والآخر أن يراد به تقليل كمية الشيء نحو قولك: دريهمات، الآخر أن يراد به تقريب الشيء)) (2) . ويقول ابن الحاجب: ((المصغر المزيد فيه؛ ليدل على تقليل)) (3) . يعني أن المصغر ما زيد فيه شيء ليدل على تقليل، ويؤكد العليمي في حاشيته بقوله: ((وفوائد التصغير ستة لا يخفى أنها ترجع للتحقير والتقليل)) (4) . من هنا يتضح لنا أن المعنى الذي يدل عليه التصغير هو التقليل والتحقير، فالتصغير معنى، وعرف علماء العربية ذلك حيث ذكروا أن التصغير لا يكون إلاّ في الأشياء التي يدركها التقليل ((إنما يصغر الشيء إذا علم أنه صغير)) (5) ، إذ لا يتناول التصغير إلاّ حقيراً، فلا يصح تصغير الأسماء المعظمة كأسماء الله الحسنى، ولا جموع الكثرة ولا مادلّ على العموم والشمول مثل كل. التصغير والتحقير: من الملاحظ أن علماء العربية القدامى استعملوا لفظي التصغير والتحقير، وعاقبوا في الاستعمال بينهما، فالخليل بن أحمد وسيبويه والمبرد يستعملون التحقير جنباً إلى جنب التصغير، يقول الخليل: ((وتحقير الكلمة تصغيرها)) (6) . ويقول سيبويه في باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف: ((اعلم أن تحقير ذلك كتحقير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث لا تكسر الحرف الذي بعد التصغير)) (7) . وعلى هذا النحو سار المبرد فتراه يستعمل لفظي التصغير والتحقير، يقول: ((واعلم أنك إذا صغرت شيئاً على خمسة أحرف كلها أصل، فإنك لا تحذف من ذلك إلا الحرف الأخير؛ لأنه يجري على مثال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 التحقير)) (1) ، ويقول: ((وتقول العرب في تحقير شفة شفيهة)) (2) . فما السبب الذي جعل علماء العربية يعاقبون في الاستعمال بين لفظي التصغير والتحقير، فمرة يستخدمون لفظ التحقير، وتارة يقول التصغير، إن العلة تكمن في أن الدلالة في التصغير كما لاحظها علماء العربية تظهر واضحة جلية في التحقير وهذا ما جعلهم يستعملون التحقير بجانب التصغير، غير أن استعمالهم لفظ التحقير ليس من قبيل أنّه مصطلح (3) نحوي استعمل ثم اندثر. فالتصغير هو المصطلح النحوي المستعمل عند سيبويه وغيره من علماء النحو بدليل أنّ سيبويه يكثر من استعماله، ويقول: ((اعلم أن التصغير إنما هو في الكلام على ثلاثة أمثلة ... )) (4) . كما أنه لا يقول إلاّ ياء التصغير، ولم يقل ياء التحقير، فلفظ التحقير الذي ورد عند سيبويه لم يكن مصطلحاً علمياً وإنما هو المعنى الذي يفيده التصغير، فقد عرف سيبويه أن التصغير في غالبه يفيد التحقير والتقليل، يقول: ((هذا باب ما يحقر لدنوه من الشيء وليس بمثله، وذلك قولك هو أصيغر منك، وإنما أردت أن تقلل الذي بينهما، ومن ذلك قولك: هو دوين ذاك وفويق (5) ذاك)) ، ويقول: ((إذا قلت دوين ذاك وفويق ذاك فإنما تقرب الشيء من الشيء، وتقلل الذي بينهما، وليس المكان بالذي يحقر)) (6) . فالأغراض والمعاني الدلالية التي ينصرف إليها التصغير والتي حصرها النحاة في ثمانية أغراض (7) ، وهي: التحقير، تقليل جسم الشيء وذاته، تقليل الكمية والعدد، تقريب الزمان، تقريب المكان، التحبب، الترحم، التعظيم، لم تكن غائبة عن ذهن سيبويه، فقد ذكرها خلال مناقشته للتصغير، لكنه رأى أنّ التحقير والتقليل هو السمة الواضحة والغالبة في التصغير، فورد كثير عنده في الكتاب، يقول العليمي: ((إن فوائد التصغير الستة (8) ، ترجع كلها للتحقير والتقليل)) ، ويقول د. عباس حسن: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 ((ومن الممكن إرجاع كثير من هذه الأغراض المفصلة إلى التحقير أو التقليل)) (1) . فالتحقير ليس مصطلحاً نحوياً كما ذهب الدكتور القوزي حين تحدث عن المصطلح النحو في كتاب سيبويه بقوله: (( ... ومنها مالم يعمر طويلاً بعده كإصطلاح التحقير الذي أدار الحديث عليه في أغلب المواضع التي تحدث فيها عن التصغير، حتى أن التحقير لم يعد أكثر من مجرد غرض من أغراض التصغير عند المتأخرين)) (2) . لذا نرجح أن التحقير الذي تردد في كتاب سيبويه ليس مصطلحاً، وإنما هو أحد المعاني والأغراض التي يفيدها التصغير؛ لأن التصغير تقليل حجم الشيء، وهذا ما أرداه سيبويه , كما أن التصغير يدل في اللغة على التقليل والتحقير كما أشرنا. التصغير بين الذوق والقاعدة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 ليست اللغة مجموعة من القواعد، بقدر ما هي ما اتفق عليه المجتمع اللغوي، فعمل على استعماله وتأصيله، ومن ثم استنبط واستخرج العلماء الضوابط التي تبين معالمه ولا غرو فقد حدد علماء العربية أبنية التصغير التي وردت في استعمال العرب، لتكون قاعدة مطردة فالتصغير في الكلام يأتي على ثلاثة أمثلة كما أشرنا ((فعيل وفعيعل وفعيعيل)) إلا أنهم لاحظوا أن هنالك ألفاظاً تفيد التصغير ولكنها جاءت خلاف القاعدة؛ يقول أبو حيان: ((وجاء من التصغير ما هو خلاف قياس المكبر بقولهم في مغرب: مغيربان، وفي عشية: عشيشة، وفي رجل: رويجل (1) وذكر السيوطي ألفاظاً وردت عند العرب تفيد التصغير، مثل هداهد تصغير هدد، وحبرور تصغير حباري (2) . إن ما ذكره العلماء خلاف القاعدة سواء كان في التصغير أم في غيره لا يعني أن قواعدهم غير محكمة، وأنها بنيت على استقراء ناقص؛ وإنّما تصور الدقة العلمية والنهج المحكم الذي سلكه العلماء عند استنباطهم القواعد وما أجمل قول أبي عمرو بن العلاء عندما سئل: ((أخبرني عما وضعت مما سميت عربية، أيدخل فيه كلام العرب كله، فقال: لا فقلت: كيف تصنع فيما خالفتك فيه العرب وهم حجة، فقال: أحمل على الأكثر وأسمى ما خالفني لغات ... )) (3) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 فالألفاظ التي جاء تصغيرها مخالفاً لأوزان التصغير الثلاثة لغات وردت عن العرب وسمعت عنهم، لكنها لم تكن شائعة ومستعملة من غالبية العرب، والقواعد إنما تستنبط وتؤخذ من الغالب الشائع إضافة إلى ذلك أن الذوق ووضوح المعنى هو المعول عليه فليس كل إسم يصغر، ولا كل صيغة للتصغير يقاس عليها فقد ذكر سيبويه وغيره من العلماء أن هنالك أسماءً وأدوات لا تحقر، يقول: ((مستعرضاً ما يصغر وما لا يصغر موضحاً الأسباب والموانع التي تمنع من التصغير معتمداً في ذلك كله على السماع محكماً الذوق وإفادة المعنى ((ولا تحقر عند)) ، كما تحقر ((قبل وبعد)) ، ونحوهما؛ لأنك إذا قلت: عند، فقد قللت ما بينهما، وليس يراد من التقليل (1) . أقل من ذا)) ويقول: ((ولا يحقر أين، ولا متى، ولا كيف، ونحوهن)) ، من قبل: إن أين ومتى وحيث ليس فيها ما في فوق ودون وتحت ... )) (2) . فالمعول عليه في التصغير إفادة المعنى فإذا كان المعنى لا يأتي ولا يتحقق فحينئذ لا جدوى من تصغيره فكلمة ((بعض)) تدل بنفسها على التصغير والتقليل، فلا حاجة إذاً إلى تصغيرها كما أن ((كل)) تدل على العموم والشمول والكثرة، فصارت كجمع الكثرة (3) . يقول ابن عصفور ((وإنّما يصغر الشيء إذا علم أنه صغير، وأيضاً فإنّها عامة وتصغيرها يخرجها عن العموم، إذ لا يتناول التصغير إلاّ حقيراً)) (4) . فالشروط التي وضعها النحاة لتصغير الإسم تدل على مصاحبة الذوق للقاعدة، فالقاعدة لابد أن يحكمها الذوق فقد ذكروا أن يكون الإسم المراد تصغيره خالياً من صيغ التصغير وشبهها، فلا يصغر نحو كميت ((لئلا يؤدي تصغيرها إلى جمع بين حرفي معنى)) (5) . كما بينوا أن الإسم المصغر لابد أن يكون قابلاً لصيغة التصغير، فلا تصغر الأسماء المعظمة كأسماء الله الحسنى ولا الأنبياء ولا جمع الكثرة)) (6) . اللغة والوصف: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 اللغة مبنى ومعنى فعندما نقول: ((هذا رجل)) دلَ التركيب على معنى معيّن، وإذا قلنا: ((هذا رجل فاضل)) ، وضحت صفة يتحلى بها هذا الرجل. ولقد كان العربي يحس ويعرف لطائف ودقائق المعاني في تراكيب لغته فكل كلمة تعبر عن معنى فالشاعر عندما يستخدم التصغير إنما يطمح إلى تعبير دلالي معين ينفد من خلاله: ليدل به على معنى دقيق فأوس بن حجر عندما قال: دانٍ مُسِفٌّ فُوَيْقَ الأرض هَيْدبُهُ يكادُ يَدْفَعُه مَنْ قام بالرَّاحِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 إنما صغر لفظ فُوَيْقَ لبيان قرب السحاب من الأرض، وأنه تدلى فهو ليس عالياً ((وإنما هو فويق)) ؛ لذا فإن التصغير له دلالات معينة ودلالة الوصف من ألصق وأوضح الدلالات في التصغير؛ إذ أن التصغير نعت ووصف، فأنت إذا صغرت الشيء وصفته يقول ابن عصفور: ((إن التصغير في المعنى نعت، فإذا قلت: رجيل، فمعناه رجل حقير)) (1) . فالتصغير وصف، فإذا قلت ((بييت)) فقد وصفته بالصغر، وإذا قلت ((رجيل)) فقد قللت من شأنه وأنزلته منزلة أقل، وعمدت إلى بيان حاله، وهو أنك تصفه في موضع تحقير. وقد صرح الخليل عن قول العرب ((ما أميلحه)) ، فقال: ((لم يكن ينبغي أن يكون في القياس؛ لأن الفعل لا يحقر، وإنّما تحقر الأسماء؛ لأنها توصف)) (2) . فقول الخليل: ((وإنما تحقر الأسماء؛ لأنها توصف)) دليل على أن التصغير يقوم مقام الوصف. ويؤكد ابن يعيش على أن التصغير وصف يقول: ((اعلم أن التصغير والتحقير واحد، وهو خلاف التكبير والتعظيم، وتصغير الإسم دليل على صغر مسماه، فهو حلية وصفة للإسم؛ لأنك تريد بقولك: رجيل: رجلاً صغيراً، وإنما اختصرت بحذف الصفة وجعلت تصغير الإسم والزيادة عليه علماً على ذلك المعنى)) (3) . ويقول ابن السرّاج مؤكداً: ((التصغير شيء اجتزئ عند وصف الإسم بالصغر)) (4) ، وهذا القول ذكره ابن الأنباري (( ... لأن التصغير قام مقام الصفة، قام رجيل مقام رجل سوء ... إذا قلت: رجيل، فقد وصفته)) (5) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 ويقول ابن يعيش: ((وأما التصغير فيفتقر إلى علامة؛ لأنه حادث لنيابته عن الصفة)) ، وقال: ((إنّ التصغير لما كان صفة وحلية للمصغر بالصغر، والصفة إنما هي لفظ زائد عن الموصوف جعل التصغير الذي هو خلف عنه بزيادة، ولم يجعل بنقص ليناسب حال الصفة)) (1) . فالتصغير أصله صفة ونائب عنها. ولعل هذا يفسر لنا استعمال الوصف بدلاً وعوضاً عن التصغير في لغتنا المعاصرة، فمن يتابع سير اللغة العربية اليوم يجد أن الوصف قد حلّ محل التصغير سواء كان ذلك في اللغة المكتوبة أو المتحدثة. فالدكتور / طه حسين يقيم الوصف بدلاً عن التصغير والأمثلة الآتية تظهر في ((كتابه الأيام)) . 1 - لم يكن بينه وبين الدار إلا خطوات صغار (2) . 2 - كان سيدنا جالساً على دكة من الخشب صغيرة (3) . 3 - يؤثر الصلاة في مسجد صغير (4) . 4 - ما هي إلاّ لحظات قصيرة (5) . 5 - اتخفّى بين حوانيت صغيرة (6) . هذه الأمثلة تقفنا كيف أن أديباً معاصراً أثر الوصف على استعمال خطيوات، دكيكة، مسيجد، لحيظات، حوينتات إلاّ أننا مع هذا نجد التصغير يظهر عنده في قوله: 1 - ما هكذا تؤخذ اللقمة يابني (7) . 2 - ويأتي سيدنا كل يوم قبيل الظهر (8) . وهذا يمثل بقايا من التصغير، أما الأستاذ أحمد أمين فإنه لا يختلف عن الدكتور طه حسين من حيث استخدام الوصف بدلاً عن التصغير، فقد جاء في كتابه ((حياتي)) الأساليب الآتية: 1 - سكن الشريدان في بيت صغير (9) . 2 - في وسطه باب صغير (10) . 3 - صاحب مقهى صغير (11) . 4 - وصندوق صغير من صناديق الجاز (12) . 5 - كان بالمدرسة مسجد صغير (13) . 6 - أما هم فقد يحاسبوننا على الكلمة الصغيرة (14) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 كما أن الوصف مع التصغير ورد عنده في قوله ويوماً لقيت في هذه كتيباً صغيراً (1) . عنوانه ((مبادئ الفلسفة)) . أما وجود بعض بقايا التصغير فإنه مثله مثل الدكتور / طه حسين، تظهر في قوله: وقد ذهبت بعيد الزواج إلى مصور ماهر (2) . ولعل السبب في ظهور هذه البقايا من التصغير يرجع إلى الثقافة الأزهرية لفكر الأديبين. كما تدلنا هذا البقايا على أصالة التصغير في اللغة، ولكن الإتجاه إلى الوصف هو السمة الغالبة على اللغة المعاصرة. ويتجلى استخدام الوصف عوضاً عن التصغير عند الأديب نجيب محفوظ، يقول في قصته الشهيرة ((بين القصرين)) : 1 - ذو عينين صغيرتين وأنف صغير دقيق (3) . 2 - وكانت حين زواجها فتاة صغيرة دون الرابعة (4) . 3 - أحسها قلبه الصغير (5) . 4 - رأيت أيها الرجل الصغير العاجز (6) . ويلحظ أيضاً أن الطيب صالح في قصته في العالمية الشهيرة ((موسم الهجرة إلى الشمال)) أقام الوصف أيضاً مقام التصغير، وهو في هذا لا يختلف عن بقية معاصريه من الأدباء، ولعل الأمثلة الآتية تبرهن حقيقة ما نذهب إليه. 1 - جمعت متاعي في حقيبة صغيرة (7) . 2 - ووجد ورقة صغيرة بإسمي (8) . 3 - كنت أطوي ضلوعي على هذه القرية الصغيرة (9) . 4 - في تلك اللحظة القصيرة (10) . أما التصغير فإننا لا نجده إلا في بقايا وألفاظ معروفة يستخدمها الطيب صالح شأنه في هذا شأن بقية معاصريه، مثل قوله، قبيل الفجر (11) . إن إقامة الوصف مقام التصغير في اللغة العربية المعاصرة ليس بدعاً، وإنّما أمر لاحظه علماء العربية، فالسبب يمكن في أنّ الإنسان بطبعه يميل إلى السهولة، يقول الأسترابادي: ((لما كان أبنية المصغر قليلة واستعمالها في الكلام أيضاً قليلاً صاغوها على وزن ثقيل، إذ الثقل مع القلة محتمل)) (12) . ثم إنّ اللغات تتجه نحو التيسير كما يقول علماء اللغة المحدثون، كما أنّ التصغير قائم مقام الوصف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 التصغير واللغات: اللغة نتاج عقلي ووعاء للفكر، فهي فكر قبل أن تكون أصواتاً والمعاني والأفكار كامنة في الصدور، وكل إنسان يعبر على قدر قدرته وما تهيأ له من أسباب عما يجول في نفسه. وقد أشرنا سابقاً إلى أن التصغير معنى، والمعاني لا تنفرد بها لغة دون الأخرى فلا عجب أن نجد التصغير يظهر في عدة من لغات البشر. فكما أن العربي إذا أراد أن يقلل من شأن شيء لجأ إلى تصغيره، كذلك الشأن في بقية اللغات السامية الأخرى حيث وجد أنها تستخدم التصغير لتدل به على التحقير يقول ((مسكاتي)) موضحاً ومبيناً ((مظاهر التصغير وآثاره تتضح في اللغات السامية كالسريانية والأكادية ... )) فاللغة السريانية تقول غليماً تصغير غلام، والأكادية تقول قُسيبا تصغير قسم، والإبدال بين الميم والباء ظاهرة شائعة في اللغات السامية (1) . كما أن ((أولري)) أشار في كتابه ((النحو المقارن للغات السامية)) إلى أن اللغة العبرية تستخدم التصغير مثل اللغة العربية (2) وهذا دليل على أصالة ظاهرة التصغير في اللغات السامية التي تلاشت فيما بعد. وقد أكد الأستاذ جونستون في مقال نشره في مجلة الدراسات السامية أن التصغير يستعمل في اللغات الأمهرية والسوقطرية والشحرية، وهي لغات عربية جنوبية ويدل على التحقير والتقليل وتستخدمه في أغراض شتى كالسخرية والمدح والشفقة والتحنن، مثل تصغير كلب كويلب كليب Kewelab، Kelab في الأمهرية والسوقطرية أي يا قلبي الصغير Dear little heart، وكبش كبيش Kobes، وكويبش في الأمهرية والسوقطرية و Kiyes في الشحرية (3) ، كما أنه بيّن أن التصغير يكثر في اللغة الأمهرية ويقل في الشحرية ومحدوداً في اللغة السوقطرية (4) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 كذلك وجد أن اللغات الهندية الأوربية تستخدم التصغير لتدل به دلالة معينة، ففي اللغة الإنجليزية هنالك لواحق معينة تلحق كلمة ((Book كتاب)) و ((Bud برعم)) عندما تضاف إليهما اللاحقة ((Let)) يتغير (1) إلى ((كتيّب Booklet)) ((بريعم Budlet)) (2) . أما اللاحقة ((Ling)) واللاحقة ((Kin)) فإنهما إذا ألحقت إحداهما بالإسم، فإنها تدل السخرية والاحتقار ويكثر هذا الاستعمال في الإنجليزية القديمة، فقد أورد يسبرسن في كتابه الكلمات الآتية ((Princeling Dukling)) (3) . أما اللغة الإنجليزية المعاصرة فإنها تستخدم اللاحقة ((ie)) للدلالة على التصغير والتحبب، فكلمة ((Aunt)) خالة أو عمة إذا ألحق بها ((ie)) (4) ((Auntie)) خولتي عميمتي لتدل على التصغير. كذلك ((y)) (5) تستخدم لتدل على التصغير، ويكثر استعمالها بكثرة عند محادثة الأطفال في دور الحضانة من قبل المربيات مثل قولهم: ((Dicky)) . أما اللغة الألمانية فتشترك مع اللغة الإنجليزية، إذ أنهما تنتميان إلى أرومة واحدة هي اللغة الجرمانية، فإن التصغير فيها يعبر عنه بإستخدام اللاحقين ((Iein)) و ((chen)) . فكلمة ((كلب Der hund)) إذا ألحقت بها ((Lein)) فإنها تقتضي دلالة التصغير فتصبح ((Der Hundlien)) (6) ، وكذلك أيضاً نجد أن ((katz قطة)) إذا أريد تصغيرها ألحقت بها ((Chen)) ، فقد ذكر جاكسون وجيجر في كتابهما ((اللغة الألمانية المعاصرة)) (7) . أما التصغير في اللغة الإيطالية، وهي إحدى اللغات التي تفرعت عن اللغة اللاتينية، فإن هنالك عدة لواحق تلحق الألفاظ فتجعلها مصغرة، هذه اللواحق هي (8) : ((ino)) ((etto)) ((ello)) . ((ina)) ((etta)) ((ella)) . فكلمة ((Storiella)) تصغير لكلمة Stori. وكلمة ((Donnina)) تصغير لكلمة Donn. وكلمة ((Giovinetto)) تصغير لكلمة Giovin. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 إن الأمثلة السابقة تقفنا على أن تلك اللغات استخدمت التصغير في أغراض شتى بشكل مماثل لما نجده في اللغة العربية، فقد تعبر به عن التحقير والتقليل من شأن المصغر أو السخرية منه أو التحبب وإظهار الشفقة. ولعل في دراسة النصوص القديمة لآداب تلك اللغة تطلعنا على أن وجود التصغير وإستخدامه يجعلنا نقول إن التصغير يمثل عنصراً قديماً للغة اندثر الآن في أغلب اللغات المعاصرة، فلم تبق منه إلا بقايا في ألفاظ لا زالت على ألسنة الناس، فالدلائل تشير إلى إن معظم اللغات الآن تستخدم الوصف بدلاً من التصغير فاللغة الإنجليزية غالباً تستخدم قطة صغيرة ((Little cat)) عوضاً عن Kitten مع أنه ما زالت هذه الكلمة موجودة، ويستعملها القلة من المتحدثين وأحسبها من بقايا التصغير في اللغة الإنجليزية. لذا فإن التصغير - في أغلب الظن - يمثل مرحلة لغوية قديمة أستعيض عنه بما يدل عليه الآن وهو الوصف. وخلاصة القول: 1 - إن التصغير ليس وقفاً على لغة بعينها، وإنما هو ظاهرة قديمة موجودة في معظم اللغات لا تكاد تخلو منه أي لغة. 2 - إن التصغير إندثر في كثير من اللغات، ولم نعد نجد إلا بعض بقاياه. 3 - التصغير في حقيقة أمره وصف، فإذا صغرت الشيء فقد وصفته. 4 - إن معظم اللغات المعاصرة تستخدم الوصف بدلاً عن التصغير، فكثير من أدباء العربية المعاصرين يستعملون الوصف عوضاً عن التصغير. وكذلك الحال في اللغة الإنجليزية. 5 - إن معظم أغراض التصغير التي يعبر عنها التصغير في اللغة العربية كالتحبب والشفقة والتحقير ... نجدها ممثلة في اللغات الأخرى كالانجليزية والألمانية والإيطالية. لذا فلعلنا لا نعدو الصواب حين نقول إن هنالك ظواهر مشتركة بين اللغات. وأن التصغير معنى. والمعاني لاتنفرد بها لغة دون الأخرى. الهوامش والتعليقات (1) F. Desaissure , Course in General Linguistics P 8. (2) ابن هشام: شذور الذهب ص 14. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 (3) نهاد الموسي، نظرية النحو العربي في ضوء مناهج اللغوي الحديث ص 9، 10. (4) Otto , Jespersen , Growth and Structure of the English Language p:- 91 (5) لسان العرب مادة صغر. (6) S. Moscati , An Introdution to the Comparative Grammar of the Semitic Language p:- 78. (7) Oxford Dictionary. (8) Concise German Dictonary. (9) العين ج 1، ص 48. (10) المبرد، المقتضب ج 2، ص 237. (11) الكتاب ج 2، ص 105. (12) الخصائص ج 3، ص 268. (13) شرح المفصل ج 5، ص 289. (14) ابن عصفور شرح الجمل ج 2، ص 289. (15) المصدر السابق ج 1، ص 189. (16) حاشية العليمي ج 2، ص 37. (17) ابن عصفور، شرح الجمل ج 2، ص 290. (18) العين ج 3، ص 43. (19) الكتاب ج 2، ص 419، 420. (20) المقتضب ج 2، ص 249. (21) المصدر السابق ج 2، 241. (22) المصطلح النحوي: عوض حمد القوزي ص 86. (23) الكتاب ج 2، ص 105، 106. (24) المصدر السابق ج 2، ص 135. (25) المصدر السابق ج2، ص 138. (26) شرح التصريح، خالد الأزهري ج 2، ص 317. (27) حاشية العليمي ج 2، 317. (28) النحو الوافي ج 4، ص 513. (29) المصطلح النحوي ص 86. (30) الأشباه والنظائر ج 2، ص 125. (31) المزهر ج 2، ص 78، وانظر الخصائص لابن جني ج 2، ص: 466. (32) المزهر ج 1، ص 184، 185. (33) سيبويه، الكتاب ج 2، ص 136. (34) المصدر السابق ج 2 - 135. (35) حاشية العليمي ج2، ص 317. (36) ابن عصفور، شرح الجمل ج 2، ص 290. (37) شرح التصريح على التوضيح ج 2، ص 317. (38) شرح الجمل ج 2، ص 291. (39) حاشية العليمي ج 2، ص 317. (40) شرح الزجاجي ج 2، ص 289. (41) الكتاب ج2، ص 135. (42) شرح المفصل ج5، ص 36. (43) الأصول في النحو ج 3، ص 36. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 (44) أسرار اللغة ص 361، 362، 363. (45) شرح المفصل ج 5، ص 115. (46) الأيام، ص 7. (47) نفسه، ص 30. (48) نفسه، ص 84. (49) نفسه، ص 164. (50) نفسه، ص 165. (51) نفسه، ص 165. (52) نفسه، ص 13. (53) حياتي، ص 58. (54) نفسه، ص 73. (55) نفسه، ص 75. (56) نفسه، ص 80. (57) نفسه، ص 88. (58) نفسه، ص 184. (59) نفسه، ص 171. (60) نفسه، ص 176. (61) نفسه، ص 6. (62) نفسه، ص 6. (63) نفسه، ص 126. (64) نفسه، ص 129. (65) نفسه، ص 27. (66) نفسه، ص 35. (67) نفسه، ص 52. (68) نفسه، ص 60. (69) نفسه، ص 52. (70) شرح شافية ابن الحاجب ج 1، ص 193. (71) S. Mos Cati , An Introduction to the Comparative Grammar of the Semitic Languaes P:- 78. (72) Compartive Grammer of the Semitic Languages P:- 186. (73) T. M. Johnstone , Diminutive Patterns in Modrn South Arabian Languages JSS P:- P. 98. 99. (74) المرجع نفسه. (75) يسبرسن: نمو وتطور اللغة الإنجليزية ص 9. (76) المصدر نفسه. (77) المصدر نفسه ص 9. (78) المصدر نفسه. (79) المصدر نفسه. (80) اللغة الألمانية المعاصرة B. W. Buckly , Living German. Living German. (82) Growth and Strncture of the English Language , P. 90 المصادر والمراجع العربية - الأزهري، خالد بن عبد الله: شرح التصريح على التوضيح، صحح ورجع بمعرفة لجنة من العلماء. - أمين، أحمد: حياتي، دار الكتاب بيروت 1971 م. - ابن جني، أبو الفتح عثمان الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الكتب القاهرة 1371 هـ. - حسن، عباس: النحو الوافي - دار المعارف بمصر 1963 م. - حسين، طه: الأيام، دار الكتاب بيروت 1974 م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 - ابن السراج، أبو بكر محمد محمد بن سهل: الأصول في النحو، تحقيق: د. عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1415 هـ. - سيبويه،أبو بشر عمرو بن قَنبر: الكتاب، المطبعة الأميرية ببولاق 1316 هـ. - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن: أ) المزهر في علوم اللغة وأنواعها، شرحه وضبطه محمد أحمد جاد المولى - علي محمد البجاوي محمد أبو الفضل إبراهيم. ب) الأشباه والنظائر، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد. - الإشبيلي، ابن عصفور: شرح جمل الزجاجي، تحقيق د. صاحب أبو جناح بغداد 1982 م. - صالح الطيب: موسم الهجرة إلى الشمال. - العليمي، الشيخ يس بن زين الدين: حاشية العليمي. - الفراهيدي، الخليل بن أحمد: كتاب العين، تحقيق د. مهديَ المخزومي د. إبراهيم السامرائي، دار الرشيد. بغداد. - القوزي، عوض حمد: المصطلح النحوي نشأته وتطورته حتى أواخر القرن الثالث الهجري جامعة الرياض 1401 هـ. - المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد: المقتضب، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة - عالم الكتب، بيروت. - ابن هشام، عبد الله جمال الدين بن يوسف: شرح شذور الذهب، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة. - الموسى، نهاد، نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث. - محفوظ، نجيب: بين القصرين. - ابن يعيش، موفق الدين يعيش بن علي: شرح المفصل، عالم الكتب - بيروت، مكتبة المتنبي- القاهرة. المصادر والمراجع الأجنبية -BUCKLY , R. W. Livng German , London 1967. -DESAUSSURE, F. Course in General Lingustics , London. -JACKSON , A. German Made simple , Lndon 1968. -JEPERSEN. Otto Growth and Structure of the English Language Oxford 1972. -JOHNSTONE. T. M. Diminutive Patternr in Modern South Arabian Language , J. S. S. V ol 18 , 1973. - MESSINGER , H. Concise German Dictionary. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 - MOSCATI , S. In Introdution to the Comparahtiv Grammar of the Semitic Languages Wiesbaden 1964. - OLEARY , DELACY. Coparative Grmmar of the Seminic Languages London 1923. - The Concise Oxford Dicionary. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 مقدمة القصيدة الجاهلية عند حسان بن ثابت رضي الله عنه د. محمود عبد الله أبو الخير أستاذ الأدب والنقد المشارك بقسم اللغة العربية وآدابها كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية والإدارية - جامعة الملك خالد ملخص البحث يدرس هذا البحث مقدمة القصيدة الجاهلية عند حسان بن ثابت؛ فيحاول تفسير تخلي حسان عن المقدمة التقليدية في بعض قصائده، ثم يلقي الضوء على صور المقدمات في قصائده الجاهلية. ويتناول مظاهر التطور في تلك المقدمات؛ فيحدد العناصر والمقومات التي تخلى عنها، والتي أبقى عليها، والتي ظهرت في بعض المقدمات، واختفت في بعضها. ثم يكشف عن العناصر الجديدة في مقدماته الجاهلية، متمثلة في ميله إلى التركيز والتكثيف، وفي الاقتصاد في التعبير بالصورة الشعرية؛ وعن العناصر التي انحرف بها عن منهج السابقين، متمثلة في تضمين مقدماته ذكر أماكن تقع خارج جزيرة العرب، واشتمالها على التعبير عن إعجابه بأمجاد الغساسنة، وبكائه على تلك الأمجاد، وذكر كرائم إبلهم وخيلهم، واستعادة ذكرياته في ديارهم؛ وفي عدم تهافته على المرأة، أو مخاطرته في سبيل الوصول إليها، ووصف جواري الغساسنة وتعبيره عن انبهاره بالمرأة الحضرية وزينتها، وعطرها، وتفضيلها على البدوية، ومزج موصوفاته ببعض مظاهر الطبيعة، واستغلال بعض العناصر الأسطورية في الحياة الجاهلية. ويناقش البحث خلال ذلك كثيراً من الآراء في مقدمة القصيدة الجاهلية، وبعض الآراء في الشعر الجاهلي محاولاً تصحيحها. • • • ... أثارت مقدمة القصيدة العربية اهتمام النقاد والدارسين، قدماء ومعاصرين، من عرب ومستشرقين؛ فأقبلوا عليها، معللين، ومحللين، ودارسين؛ وكتبت فيها البحوث، وألفت فيها الكتب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 .. وعلى الرغم من ذلك فهي لا تزال بحاجة إلى مزيد من الدراسات والبحوث لتجلية بعض الجوانب، وتغطية بعض المساحات التي لا تزال بكراً لم ترُدْها الأقدام، ولم تطأها المناسم. ... ومن تلك المساحات مقدمة القصيدة عند حسان بن ثابت، رضي الله عنه. فعلى الرغم من كثرة ما كتب حول حسان، فإن حظ الدراسة الفنية منه قليل، وأقل هذا القليل ما كتب حول مقدمة القصيدة عنده. ... ولا شك أن مقدمة القصيدة عند حسان تشكل علامة بارزة في مسيرة مقدمة القصيدة العربية، ولذلك كانت دراستها أمراً ضرورياً للمهتمين بتتبع مسيرة المقدمة التقليدية للقصيدة العربية وتطورها. ومع ذلك لم يلتفت الدارسون إليها، بل رأيتهم يتنكبون جادتها، ويزورّون عنها. ... وقدخصصت هذا البحث لدراسة مقدمة القصيدة الجاهلية عند حسان، على أمل أن أفرد مقدمة القصيدة الإسلامية عنده ببحث آخر، ليقيني أن مقدمات قصائده الإسلامية، يجب أن تدرس مستقلة عن مقدمات قصائده الجاهلية؛ نظراً للاختلاف بين هذه وتلك في الغاية، والتصور؛ والمنطلق؛ ولأنها تشكل خطوة متقدمة على طريق تطوّر مقدمة القصيدة العربية. ... واعتمدت في بحثي هذا على طبعتين من طبعات ديوان حسان: الطبعة التي حققها الدكتور سيد حنفي حسنين، وصدرت عن دار المعارف بمصر سنة 1974م، والطبعة التي حققها الدكتور وليد عرفات وصدرت عن دار صادر ببيروت سنة 1974م أيضاً؛ لأنهما أتم الطبعات، وأحسنها ضبطاً، ولأن كلاً منهما تتمم الأخرى. واستبعد البحث مقدمة قصيدته الهمزية، لأنها وإن نص القدماء على أنها جاهلية، إلا أن منهم من شكك في بعض أبياتها (1) : ... ويدور البحث حول ثلاثة محاور: ... الأول: قصائد حسان التي خلت من المقدمات. ... والثاني: صور مقدمات قصائده الجاهلية. ... والثالث: مظاهر التطوّر في مقدماته الجاهلية. المحور الأول: قصائد حسان الجاهلية التي خلت من المقدمات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 .. يضم ديوان حسان مائة وخمساً وعشرين قصيدة، إذا أخذنا بالرأي القائل إن القصيدة تتألف من سبعة أبيات على الأقل (2) . ومن هذه القصائد خمس وثلاثون شكك فيها الباحثون، وتسعون صححوا نسبتها إليه. والقصائد صحيحة النسبة إليه منها خمس وسبعون إسلامية، وخمس عشرة جاهلية. ومن قصائده الجاهلية إحدى عشرة قصيدة ذات مقدمة، وأربع هجم فيها على موضوعه مباشرة، ولم يمهد لها بأية مقدمة. وتشكل قصائده الخالية من المقدمات 26.66% من قصائده الجاهلية. وقد عرف الشعر العربي القديم ظاهرةالشروع في القصيدة دون تمهيد، إلى درجة جذبت انتباه ابن رشيق (ت 456هـ) ، فسجلها قائلاً: ((ومن الشعراء من لا يجعل لكلامه بسطاً من النسيب، بل يهجم على ما يريده مكافحة، ويتناوله مصافحة)) (3) والمتأمل في تلك القصائد يجد أن حساناً قالها في مواقف تعرض فيها لاستثارات شعورية، وجد نفسه فيها مضطراً للرّد الفوري لينفس عن مشاعره المتوترة، أو عن انفعالات نفسه الثائرة، التي لم تتح له فرصة التمهيد لتجربته بمقدمة طللية، أو غزلية، أو سوى ذلك؛ فأقبل على قصيدته دون مقدمة، وباشر موضوعه دون تمهيد. ... فاثنتان من قصائده التي خلت من المقدمات جاءتا رداً على استثارتين مبيّتتين، فوجئ بهما حسان: أما الأولى فكانت ردّاً على تعيير زوجه (عمرة) (4) له بأخواله، والفخر عليه بالأوس. وكان حسان يحب أخواله، ويغضب لهم، فطلقها، وقال القصيدة يفتخر، ومطلعها (5) : أَجْمَعَتْ عَمْرَةُ صَرْماً فَابْتَكِرْ إِنما يُدْهِنُ لِلْقَلْبِ الحَصِرْ لاَ يَكُنْ حُبُّكِ هَذا ظَاهِراً ليسَ هَذا مِنْكِ يا عمرُ بسرْ سَألتْ حسانَ من أخواله؟ إنّما يُسْألُ بالشَّيْءِ الغُمُر ومن الواضح أنه قالها في سورة غضبه الذي أدى به إلى طلاق زوجه على الرغم من أن كلاً منهما كان محباً لصاحبه، كما يقول الخبر (6) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 .. والمطْلع نفسه يحمل أكثر من إشارة إلى ذلك، فهو يأمر نفسه بعدم الاستجابة لنداء قلبه، لأنه لا يخضع لنداء العاطفة إلا الضعيف (الحَصِر) ؛ ويعلن ثورة عارمة على تلك الزوجة التي تجاهلت أخواله فسألته عنهم وهي تعرفهم؛ لأنه إنما يُسأل عن الشيء المجهول. وهو ليس ممن يغضون على الإساءة، وإن جاءته من أحب الناس إليه. وفي مثل هذه الأجواء الانفعالية، والجيشان الشعوري، لا يتوقع المرء أن يمهد الشاعر لتجربته بأية مقدمة. وأما الثانية فقالها عندما مرّ بنسوة فيهن مطلقته (عمرة) ، فأعرضت عنه، وقالت لامرأة منهن: إذا حاذاك هذا الرجل فاسأليه من هو؟ وانسبيه إلى أخواله. فلما حاذاهنّ سألته، فانتسب لها، فقالت له: فمن أخوالك؟ فأخبرها، فبصقت عن شمالها وأعرضت، فحدد النظر إليها، وعجب من فعالها، وجعل ينظر إليها، فبصر بمطلقته عمرة، وهي تضحك، فعرفها، وعلم أن الأمر من قبلها أتى (7) ، فقال القصيدة، ومطلعها (8) : قَالَتْ لَهُ يَوْمَاً تخَاطِبُهُ نُفُجُ الحَقِيبَةِ غَادَةُ الصُّلْبِ والموقف الذي تمخضت عنه القصيدة يكاد يكون تكراراً للموقف الذي تمخضت عنه قصيدته الأولى والاختلاف بينهما يقتصر على بعض التفصيلات، والشخصيات، ولكن جوهر التجربة وباعثها في نفس حسان واحد. ... والقصيدة الثالثة التي خلت من المقدمة في شعر حسان الجاهلي قالها في الرد على قصيدة لقيس بن الخطيم (ت620هـ) يوم السرار (9) ، ومطلعها (10) : لَعَمْر أبيكِ الخَيْرِ يا شَعْثَ مَا نَبَا ... عَلَيَّ لِسَاني في الخُطُوبِ وَلاَ يَدِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 وفيها يمزج الفخر بالتهديد، فهو يبدأُها بالفخر بمجمل القيم الجاهلية من شجاعة، وكرم ومقدرة شعرية، وقدرة على قطع الصحاري الموحشة على ناقة قوية ظهرت في جلدها آثار الأنساع، يواصل عليها السير ليلاً ونهاراً حتى تبلغه أبواب ملك الحيرة، ويختمها بتهديد قيس بن الخطيم، وقومه الأوس، بأنهم سيلقون من الخزرج ليوثاً تدافع عن عرين وتحمي أشبالاً، ويعيرهم بالهزيمة، والقعود عن الأخذ بالثأر، وعن بلوغ العلياء، ثم يتهم قيس بن الخطيم بأنه لا شأن له بالحرب، لأنه إنما يجيد مغازلة النساء، ومعابثتهن، والتكحل مثلهن. ... ومن الواضح أن حساناً وجد نفسه مضطراً إلى الرد السريع على خصمه ابن الخطيم، الذي هجا الخزرج وافتخر عليهم بعد قتال بالسرارة استمر أربعة أيام، نال فيها كل فريق من خصمه، وأثخن فيه (11) . وأمام تلك الظروف الحرجة لم يجد حسان من الوقت ما يتيح له التريث بين يدي القصيدة، أو التمهيد لها بمقدمة ما، لإلحاح الرد على نفسه، وإحساسه بضرورة مقابلة فخر قيس وهجائه بفخر وهجاء مثلهما أو أشد. ... والقصيدة الرابعة من هذه القصائد قالها حسان في هجاء شاعر أوسيّ آخر هو أبو قيس بن الأسلت (12) (ت قبل الهجرة بقليل) ، بعد لقاء بين الأوس والخزرج بالبويلة (13) ، اقتتل فيه الفريقان قتالاً شديداً، ودارت فيه الدائرة على الأوس، فقالها حسان يهجو أبا قيس والأوس ويفتخر عليهم، ومطلعها (14) : أَلاَ أَبْلِغْ أَبَا قَيْسٍ رَسُولاً إِذَا أَلَقى لَها سَمْعاً يَبِينُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 .. وبعد أن يلتمس من يبلغ عنه رسالة إلى أبي قيس يذكره بهزيمة الأوس يوم الجسر، حيث قتل الخزرج والده. وما يلبث أن يهدده بغارة تحيط بالأوس من كل ناحية، يخضع لها عزيزهم، وتسقط لهولها الأجنة من بطون الحوامل، وتشيب الناهد العذراء، ويتشتت فيها شمل الأوس. ثم يوجه خطابه إلى أبي قيس قائلاً: تلك غارة يجود فيها غيرك بنفسه، وتضن فيها بنفسك الخبيثة خشية الموت، فتسمع الصرخات والاستغاثات، وتدعى للقتال، ولكنك تتظاهر بالصمم، وليس بك صمم. ثم يعيره بمن قتل من الأوس. ... ومما لا ريب فيه أن حساناً وقد ضجّت في نفسه أحاسيس النصر، وثب إلى موضوعه دون مقدمة من شأنها أن تؤدي إلى خبّو انفعاله، أو أن تذهب بحرارة التجربة في نفسه. ... لقد عرف الشعر العربي منذ أقدم عصوره إقدام بعض الشعراء على الاستغناء عن المقدمات، وإقبالهم على موضوعات شعرهم دون تمهيد، وبخاصة عندما تجيش نفوسهم بانفعالات قوية، في مواقف طارئة لا تحتمل التريث. ويبدو أنّ ذلك كان شائعاً ومألوفاً، لأن النقاد أطلقوا عليه عدداً من الأسماء، ومنها: ((الوثب، والبتر، والقطع، والكسع، والاقتضاب)) (15) . ووصفوا القصيدة إذا جاءَت على تلك الحال بأنها بتراء، وشبهوها بالخطبة البتراء. قال ابن رشيق: ((والقصيدة إذا كانت على تلك الحال بتراء كالخطبة البتراء والقطعاء)) (16) . ... وما كثرة هذه الأسماء والأوصاف إلا دليل على شيوع ظاهرة إهمال المقدمات، وكثرة القصائد التي سلك إليها قائلوها هذا المنهج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 .. وكما نص النقاد على هذا النمط من القصائد، وسموه بأسمائه، ووصفوه بأوصافه، نصوا كذلك على أنّ العرف لم يجْرِ بأنْ يقدم للمراثي بمقدمات تقليدية، قال ابن رشيق ((ليس من عادة الشعراء أن يقدّموا قبل الرثاء نسيبا كما يصنعون في المدح والهجاء)) (17) . ونقل عن ابن الكلبي (18) (ت 206هـ) قوله: ((لا أعلم مرثية أولها نسيب إلا قصيدة دريد بن الصمة (19) (ت 8هـ،630م) : أَرَثَّ جَدِيدُ الحَبْلِ من أُمِّ مَعْبَدِ بِعَاقِبةٍ وَأَخْلَفَتْ كُلَّ مَوْعِدِ)) (20) ... ويعلل ابن رشيق ذلك تعليلاً نفسياً منطقياً، فيقول: ((لأنّ الآخذ في الرثاء يجب أن يكون مشغولاً عن التشبيب بما هو فيه من الحسرة والاهتمام بالمصيبة، وإنما تغزل دريد بعد قتل أخيه بسنة، وحين أخذ ثأره، وأدرك طلبته)) (21) . وطبيعي جداً أن يتخلى شاعر الرثاء عن المقدمات بكل ألوانها وأشكالها، لأن المقام في الرثاء ((ليس مقام متعة ولهو)) (22) . ... وأرى أن تعليل ابن رشيق السابق للمسألة تعليل قائم على فهم صحيح لطبيعة التجربة الشعرية، وعلى اعتداد بعنصر الصدق الشعوري في العمل الأدبي. وهو في نظري صالح لتعليل خلو قصائد حسان السابقة، وسواها من المقدمات، وذلك لأن نفس حسان وإن لم تكن حزينة في قصائده السابقة إلا إنها كانت متوترة، ومشغولة بما هي آخذة فيه من الفخر والهجاء الذي فجره الموقف في نفسه. ... ومع ذلك فإننا نجد باحثا ذا باع طويل في دراسة مقدمة القصيدة العربية، هو الدكتور حسين عطوان يرفض هذه الفكرة، ويكاد يصر على أنها ترجع في بعض جوانبها إلى ضياع المقدمات من تلك القصائد، ويكاد يطمئن إلى ذلك في تعليل هذه الظاهرة (23) ، بانياً موقفه ذاك على أساسين: أولهما: وقوفه على شاهد واحد على ما يذهب إليه، هو قصيدة النابغة الذبياني (ت18ق. هـ/604م) التي رواها الأصمعي على أنها تبدأ بقوله (24) : لقد نَهَيتُ بني ذُبيانَ عَن أُقُرٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 وعن تَربُّعِهِم في كلِّ أَصْفَار دون أن يثبت لها مقدمة، في حين رواها أبو الخطاب القرشي (عاش قبل منتصف القرن الخامس الهجري) (25) كاملة، مع مقدمة ضافية (26) . ... ويضيف الدكتور عطوان قائلاً: ((ومن الطريف أن مقدمتها التي وصف فيها الأطلال، وصاحبته، ورحلته في الصحراء، وناقته، ومنظراً من مناظر الصيد، تبلغ ما يقرب من خمسين بيتاً)) (27) . ... ويستظهر من ذلك ((أنَّ كثيراً من القصائد سقطت مقدماتها)) (28) ، معقباً بأنه ((ليس في ذلك شك)) (29) . وثانيهما: ((أنَّ كثيراً من نصوص الشعر الجاهلي ضاع في أثناء رحلته من الجاهلية إلى عصر التدوين)) (30) . ... ولا شكَّ أن وجود شاهد واحد حتى ولو كان صحيحاً لا يمكن أن ينهض دليلاً على صحة ما ذهب إليه الدكتور عطوان من أن ((كثيراً من القصائد سقطت مقدماتها)) ، كما أنه ليس مسوغاً للجزم بذلك إلى حد القول ((وليس في ذلك شك)) ، لأن تعميم حالة قصيدة النابغة تلك على جميع القصائد التي خلت من المقدمات قياس خاطئ قيس الكل فيه على حالة واحدة، فضلاً عن أنه يتجاهل ما أقرّه نقاد ثقات كابن رشيق من أن ((من الشعراء من لا يجعل لكلامه بسطاً من النسيب، بل يهجم على ما يريده مكافحة، ويتناوله مصافحة وذلك عندهم هو الوثب، والبتر، والقطع والكسع، والاقتضاب وكل ذلك يقال)) (31) . ... ثم إن تلك المقدمة المزعومة ((يمكن أن تكون دليلاً على العكس تماماً، لأنه من المقبول أن يقال إنّ هذه قصيدة وتلك أخرى، والطول مرشح لذلك، أو إن هذا الجزء أضيف إلى ذاك.. وخلاف الروايات نفسه ربما يصح دليلاً للشك في أنها قصيدة واحدة)) (32) . كما يقول الدكتور محمد أبو الأنوار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 .. أما ضياع كثير من نصوص الشعر الجاهلي ((في أثناء رحلته من الجاهلية إلى عصر التدوين)) (33) التي اتكأ عليها الدكتور عطوان في ما توصل إليه من أن ((كثيراً من القصائد سقطت مقدماتها وليس في ذلك شك)) (34) ، فهي حقيقة تاريخية لا يختلف عليها اثنان، وقد سبق أن نبه عليها محمد بن سلام (ت 231هـ) حين بيّن أنّ العرب لما راجعوا رواية الشعر ((لم يؤولوا إلى ديوان مدون، ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك، بالموت والقتل، فحفظوا أقلّ ذلك، وذهب عليهم فيه كثير)) (35) . كما أثارها أبو عمرو بن العلاء (ت154هـ /770م) حين قال: ((ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقلُّه، ولو جاءَكم وافراً لجاءَكم علم وشعر كثير)) (36) . ... ولكن السؤال الذي يبحث عن إجابة هنا هو: هل الإقرار بضياع ما ضاع من نصوص الشعر الجاهلي يمكن أن يتخذ ذريعة للقول بأن كثيراً من القصائد التي خلت من المقدمات قد سقطت مقدماتها، أو أنها جزء من ذلك التراث الشعري الذي ضاع، هكذا على الإطلاق دون دليل مادي ملموس؟! ثم كيف لنا أن نمضي مع الدكتور عطوان في اتهام رواية الأصمعي وتوثيق رواية أبي زيد ابن أبي الخطاب القرشي؟ مع أن القرشي هذا مثار لخلاف عريض حول حقيقة اسمه؛ وحول حياته ووفاته وحول نسبة مجموعة (جمهرة أشعار العرب) إليه. ... فمن قائل إنه عاش في أواخر القرن الثالث أو أوائل الرابع (37) ، ومن قائل إنه عاش قبل منتصف القرن الخامس الهجري (38) ، إلى قائل إنه توفى سنة (170هـ) (39) . ... أما اسمه ففيه من الاضطراب الكثير: فهو تارة أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، وتارة محمد بن أبي الخطاب من غير كنية، ومن غير نسبة بعد الاسم وتارة ابن أبي الخطاب، وتارة محمد بن أيوب العزيزي ثم العمري (40) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 .. وأما حقيقته فلا يقل الخلاف حولها عن الخلاف حول وفاته واسمه، فهل هو جامع جمهرة أشعار العرب، أو شارحها، أو راويتها؟ (41) مسألة تتضارب حولها الأقوال. ... وكذلك الأمر فيما يتعلق بنسبة الكتاب وعنوانه، فالكتاب ينسب حيناً إلى أبي زيد القرشي، أو محمد بن أبي الخطاب، وينسب حيناً آخر إلى محمد بن أيوب العزيزي ثم العمري، وينسب حيناً ثالثاً إلى أبي عبد الله المفضل بن عبد الله ابن محمد المجبَّر بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب (42) . ... والمشهور أن عنوان الكتاب هو (جمهرة أشعار العرب) ، وقد وردت هذه التسمية عند ابن رشيق في العمدة وعند البغدادي في الخزانة (43) ، ولكن الدكتور ناصر الدين الأسد يذكر أنه اطلع في معهد المخطوطات العربية على صورة أصلها مكتبة (كوبريلي) عنوانها (جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام وما وافق القرآن على ألسنتهم واشتقّت به لغتهم وألفاظهم) ، ويقول إن تلك الصورة ((تتفق مع النسخة المطبوعة في العنوان والمحتويات)) (44) . ... هذا فضلاً عن أن جميع من نسبت إليهم هذه المجموعة مجهولون، فأبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي ((مجهول ليس له أدنى ذكر في جميع كتب الطبقات والرجال، فلم يذكر مع المحدثين ورواة الحديث، ولا مع اللغويين، والنحويين، ولا مع الشعراء والأدباء، ولا مع مؤلفي الكتب، وجامعي الدواوين)) (45) . كما أن المفضل بن عبد الله المجبّري ((مجهول لم تذكره الرجال والطبقات)) (46) . والأمر كذلك بالنسبة إلى محمد بن أيوب العزيزي العمري، فهو أيضاً مجهول لم يعثر له على ترجمة (47) . وهل هو ((غير محمد بن أبي الخطاب القرشي، أو أنه هو هو؟ ويكون أبوه أيوب هو أبا الخطاب كنيةً؟)) (48) . لم يصل البحث في ذلك كله إلى نتيجة حاسمة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 .. وخلاصة القول أن نسبة الجمهرة إلى صاحبها ((عقدة تحتاج إلى حل، والتعريف بصاحبها وترجمته، عقدة أخرى لا تقل عن الأولى، وأكثر الرواة الذين يروى عنهم مجاهيل لم نجد لهم ذكراً فيما بين أيدينا من كتب الرجال والطبقات)) (49) كما يقول الدكتور ناصر الدين الأسد، ((وهي عقدة ثالثة تنافس في الصعوبة سابقتيها)) (50) . ... أفبعد هذا الاضطراب الشديد، والتناقض في الأخبار والروايات، حول (جمهرة أشعار العرب) وجامعها، يسوغ في عقل أو منطق أن تقدم روايتها على رواية الأصمعي، بل أن يؤسس على ذلك التقديم بناء حكم عام على ظاهرة أدبية من أهم الظواهر في شعرنا القديم، وينضوي تحتها كم وفير من القصائد؟ ، اللهم لا! ... ولماذا يقدَّم جامع هذه المجموعة المجهول، المختلف في اسمه، ووجوده، ووفاته على أديب راوية مشهور (51) ، متفوق على أقرانه في رواية الشعر والمعاني (52) . معروف بتشدده وتحريه الدقة في روايته وأنه ((لا يفتي إلا فيما أجمع عليه العلماء، ويقف فيما يتفردون به عنه)) (53) . ((صناجة الرواة والنقلة، وإليه محط الأعباء والثقلة، كانت مشيخة القراء وأماثلهم تحضره وهو حدث لأخذ قراءَة نافع عنه، ومعلوم قدر ما حذف من اللغة فلم يثبته، لأنه لم يقو عنده إذ لم يسمعه)) (54) . ... ويلاحظ على قصائد حسان التي خلت من المقدمات أنه يغلب عليها موضوع الفخر، فللفخر منها ثلاث قصائد، وللهجاء قصيدة واحدة. كما يغلب عليها التوسط في الطول. وطول اثنتين منها اثنان وعشرون بيتاً، وطول واحدة منها واحد وعشرون بيتاً، وطول أقصرها سبعة أبيات. ونستطيع القول إن متوسط عدد أبيات قصائده الخالية من المقدمات ثمانية عشر بيتاً في تحقيق وليد عرفات، وسبعة عشر في تحقيق سيد حنفي حسنين. ... وإذا كان حسان قد استغنى عن المقدمات في بعض قصائده، فقد افتتح تلك القصائد بالصور الآتية: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 الأولى: ذكر المرأة. فهو يذكرها في مطلع اثنتين من قصائده، ويقرن ذكرها بالقسم بصيغة " لعمري " في الأولى، ويذكر عزمها على هجره في الثانية. الثانية: الحوار. حيث يستهل إحدى تلك القصائد بحوار يدور بينه وبين المرأة، يبدأ بلفظ (وقالت) . الثالثة: صيغة التبليغ " ألا أبلغ". يفتتح بها قصيدته في هجاء قيس بن الخطيم. وقد جاءَت هذه الاستهلالات مناسبة للتجارب الشعرية التي عبرت عنها القصائد التي استهلت بها. ... وهذه الصور من الاستهلال لا تعدو أن تكون أبياتاً مفردة، لا تدخل في عداد المقدمات (55) . المحور الثاني: صور المقدمات في قصائده الجاهلية ... بلغت قصائد حسان الجاهلية ذوات المقدمات إحدى عشرة قصيدة، تشكل 73.33% من مجموع قصائده الجاهلية: ... والمتأمل في هذه القصائد يلحظ ما يأتي: أولاً من حيث الأغراض: يطغى عليها الفخر. فله منها سبع (56) قصائد تشكل 63.63% من مجموعها. وللفخر المتصل بغرض آخر قصيدتان: إحداهما للفخر المتصل بالغزل (57) ، والأخرى للفخر المتصل بالمدح (58) .وللمدح الخالص منها قصيدة واحدة (59) . وللغزل ووصف الرحيل قصيدة واحدة أيضاً (60) . ... وهذا يدل على أنّ المقدمة غير مرتبطة من حيث وجودها وعدمه بغرض القصيدة؛ وإنما هي مرتبطة بالموقف الذي يوحي للشاعر بالقصيدة، وبقوة التجربة الشعرية، وحيويتها في نفس الشاعر. ثانياً من حيث الطول: قصائد حسان الجاهلية ذوات المقدمات طويلة نسبيا بالقياس إلى قصائده الجاهلية التي خلت منها. وهي تتراوح بين عشرة وأربعة وأربعين بيتاً. ومتوسط عدد أبيات تلك القصائد أربعة وعشرون (61) بيتاً تقريباً، في تحقيق سيد حنفي حسنين، وخمسة وعشرون في تحقيق وليد عرفات (62) . وقد يحمل هذا مؤشراً آخر هو أنّ القصيدة عند حسان كلما طالت كانت أكثر استدعاء للمقدمة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 ثالثاً من حيث المناسبة: ليس في قصائد حسان الجاهلية ذوات المقدمات سوى قصيدة واحدة اتخذت شكل النقيضة، قالها يوم خَطْمة (63) ، في الرد على قصيدة للشاعر الأوسي أبي قيس بن الأسلت (64) التي مطلعها (65) : قَالتْ ولمْ تَقْصُدْ لِقِيل الخَنَا مَهْلاً فَقَدْ أَبلغْتَ أسْماعِي ومطلع قصيدة حسان النقيضة (66) : بَانَتْ لمَيسُ بحبْلٍ منْكَ أَقْطَاعِ واحْتلَّت الغَمْر تَرْعَى دَارَ أشْراعِ ... وقصيدة ابن الأسلت ليست ذات مقدمة. ولكن قصيدة حسان لها مقدمة تقع في ثلاثة أبيات، يتبعها بيت التخلص. ... ولئن كان في هذا بيان فإنه يبدو أن حالة حسان النفسية عند إنشاء القصيدة هي التي كانت تحدد منهجه في بناء القصيدة. ... وجميع قصائده ذوات المقدمات لم ينظمها حسان فيما يبدو على عجل، ولم تكن تجربته فيها وليدة موقف طارئ، أو انفعال مفاجئ، وإنما قالها بنفس هادئة، بعد أن ترك للتجربة أن تنضج في نفسه ببطء، بعيداً عن التوتر الذي ينتج عن إلحاح المناسبة، وعن ثورة الانفعال في النفس. ولعل مما يؤكد ذلك أن جميع هذه القصائد لم يذكر في ديباجتها سوى عبارة ((وقال)) (67) أو ((وقال حسان)) (68) أو ((وقال حسان يفتخر)) (69) أو ((وقال يمدح جبلة ابن الأيهم)) (70) ، وهي عبارات لا تدل في العادة على ارتباط القصيدة بموقف مفاجئ أو طارئ، عدا القصيدة التي رد فيها على أبي قيس بن الأسلت، فقد جاء في ديباجتها خبر يوم خَطْمة، ووردت فيها عبارة ((فأجابه حسان بن ثابت)) (71) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 .. ويبدو أن رد حسان لم يأت سريعاً، لأنه لا يتضمن أية إشارة إلى ما جاء في قصيدة أبي قيس، أو إلى يوم خطمة، وإنما هي فخر عادي لا يختلف عن فخر حسان في معظم قصائده الأخرى؛ على حين جاءَت قصائده الجاهلية الخالية من المقدمات وليدة موقف مفاجئ في الغالب، لم يستطع فيه أن يغالب انفعاله، فأطلق لسانه بما اعتمل في نفسه دون أية مقدمة، على النحو الذي سبق بيانه. * * * * * ... ينتمي حسان إلى الجيل الثالث من شعراء العصر الجاهلي، الذي يمثلون المرحلة الأخيرة من مراحل تطور الشعر الجاهلي وهي المرحلة التي تمخضت عن جهود شعراء جيلين سابقين هما: ... شعراء المرحلة الفنية الأولى الذين بنوا على أسس ورثوها عن أسلافهم وتبلورت لديهم المقومات الأساسية لمقدمة القصيدة العربية. ... وشعراء المرحلة الفنية الثانية الذين تطوّروا بالمقدمة ((تطوراً أعطاها صورتها النهائية)) (72) ، بما أضافوا إليها من عناصر جديدة، وبما تخلصوا منه من عناصر موروثة. ... والمتأمل في مقدمات حسان الجاهلية يجد تعدداً في صور المقدمات وأشكالها، كما يلمس تمازجاً وتداخلاً بين تلك الصور والأشكال. واستقراء مقدمات قصائد حسان الجاهلية يكشف عن ثماني صور هي: 1 ... المقدمة الطللية المنفردة. 2 ... المقدمة الغزلية المنفردة. 3 ... المقدمة الطللية الغزلية. 4 ... المقدمة الظعنية الغزلية. 5 ... المقدمة الطللية الظعنية الغزلية. 6 ... المقدمة الطللية الغزلية الوصفية. 7 ... مقدمة الطيف والرحلة. 8 ... مقدمة وصف الليل والظعن. الصورة الأولى: المقدمة الطللية المنفردة ... تعد المقدمة الطللية أبرز المقدمات وأكثرها شيوعاً في الشعر الجاهلي، ذلك لأنها ((وجدت هوى شديداً في نفوس الشعراء الجاهليين لارتباطها ببيئتهم المادية، وطبيعة حياتهم الاجتماعية)) (73) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 .. وعلى الرغم من أن حساناً لم يكن من سكان البوادي، وإنما من أهل المدن إلا أنه لم يستطع أن يتخلّص من التقاليد الفنية البدوية أو الخروج عليها بحيث يبتدع نظاماً جديداً لمقدمات قصائده، أو يخالف كل المخالفة نظامها عند شعراء البوادي (74) . شأنه في ذلك شأن جميع شعراء الحواضر أو شعراء القرى العربية كما يسميهم ابن سلام (75) ، يستوي في ذلك الشعراء الذين أمضوا حياتهم فيها أو رحلوا إليها أو ((وفدوا على قصور الملوك التي كانت تزخر بألوان الحضارة)) (76) . ... فقد حرصوا جميعاً على التمسك بأصول هذه المقدمة وعناصرها. ولكن من المؤكد أنّ الصورة العامة للمقدمة الطللية لم تكن جامدة، بل كانت تحتلف من شاعر إلى آخر ((في التفاصيل والجزئيات، أو في طريقة العرض، أو اختيار الألوان والزوايا، أو في توزيع الظلال والأضواء، فمثل هذا الاختلاف طبيعي في كل عمل فني أصيل)) (77) . ... وتمثل هذه الصورة عند حسان مقدمتان، إحداهما: مقدمة قصيدته اللامية التي مطلعها (78) : أسألْتَ رسمَ الدَّارِ أمْ لمْ تسألِ بينَ الجَوابي فالبُضَيع فَحَوْملِ وتقع في ستة أبيات، وقف فيها الشاعر على الأطلال التي اندثرت آثارها وعفت رسومها بين الجوابي، فالبضيع، فحومل، فمرج الصفّرين، فجاسم، فتبنى، وجميعها من منازل الغساسنة في الشام. فسألها عن أهلها الظاعنين، وتحسر على إقفارها من أحبته الذين كانوا يحلون بها، ووصف تعاقب الرياح في عرصاتها، وانهمار الأمطار في ساحاتها، وكيف طمست معالمها، وغيرت ما كان يعرفه منها. ثم أرسل دمعه الهتّان لما أثارته تلك المنازل الدارسة، والديار الموحشة في نفسه من أشجان بعد أن كانت عامرة بأهلها ذوي العز الشامخ والمجد الباذخ، ثم دلف إلى المدح: فالمرجِ مرجِ الصُّفَّريْنِ فَجَاسِمٍ فديارِ تُبنى دُرَّساً لم تُحْلَلِ أَقْوى وعُطِّلَ منهمُ فكأنَّه بَعْدَ البِلَى آيُ الكتابِ المُجْمَلِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 دِمَنٌ تَعاقبها الرياحُ دَوَارسٌ والمُدْجِناتُ من السِّماك الأعْزلِ فالعَيْنُ عانِيةٌ تفيضُ دمُوعُها لمنازلٍ دَرَسَتْ كأنْ لم تؤْهلِ دارٌ لقومٍ قد أراهمْ مرَّةً فوق الأَعِزَّةِ عزُّهُم لمْ يُنْقَلِ ... ومن الواضح أنّ حساناً تمسك في هذه المقدمة بعدد من مقومات المقدمة الطللية، وعناصرها؛ فقد حدّد مكان الديار تحديداً دقيقاً، يدل على ارتباطه النفسي بها، وساءَل رسومها عن أهلها، وشبه أطلالها المقفرة بآثار الكتابة، وذكر ما درسها من الرياح والأمطار؛ وإن لم يذكر ما ذرته عليها الرياح من رمال، وذرف الدموع الغزيرة على ما آلت إليه حال تلك الديار من وحشة، وعطف بين الأماكن بالفاء. ... ولكنه في الوقت نفسه تخلّى عن عدد آخر من مقومات المقدمة التقليدية، فلم يسترجع ذكرياته بها، ولم يصف ما بقي من آثارها كالنؤي، وبقايا الرماد، والأثافي، والأوتاد. ولم يتحدث عما حل بها من حيوانات الصحراء؛ كما تخلى عن فكرة الرفيقين اللذين كان شعراء المرحلة الأولى من حياة الشعر الجاهلي يحرصون على إظهارهما، وتوجيه الخطاب إليهما، ولم يخاطب الصحب أو يستوقفهم، ولم يكن حريصاً على سرد ذكريات يوم الرحيل. ... ويبدو أن مسألة التخلص من العناصر الموروثة للمقدمة قد قطعت عند حسان شوطاً أبعد مما كانت عليه عند زهير ومدرسته؛ فالناظر في معلقة زهير يجد أنه لم يتخلَّ إلا عن قليل من العناصر، مثل: البكاء على الطلل، ومخاطبة الرفيقين؛ ولكن حساناً تخلى عن عدد أكثر من تلك العناصر؛ بل ليس من المبالغة القول إن ما تخلى عنه أكثر مما أبقى عليه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 .. ولا يجد قارئ هذه المقدمة الحرص على التفاصيل والجزئيات والعناية بالألوان اللذين يجدهما في مقدمات زهير، كما لا يلمس الروية والأناة، ولا التدقيق في اختيار الألفاظ اللذين يجدهما في معلقته؛ ومعنى هذا أن اتجاهاً جديداً أخذ في الظهور عند حسان يبدو فيه حرصه على التركيز والتكثيف، وتظهر فيه نزعة واضحة إلى التخلص من كثير من قيود المقدمة التقليدية، وتقاليدها الموروثة. ... وإذا كان الجنوح إلى التعبير بالصورة يعد مظهراً من مظاهر تطوّر المقدمة الطللية عند شعراء مدرسة الصنعة (79) ، فإن الاقتصاد في التعبير بالصورة يعدّ من العلامات المميزة للمقدمة الطللية عند حسان، كما يتضح في مقدمته السابقة. ... ولعل من الجديد الذي يجدر تسجيله في هذه المقدمة ذكر أماكن تقع خارج الجزيرة العربية. ... والمقدمة الثانية التي تمثل المقدمة الطللية المنفردة مقدمة قصيدته الطائية التي مطلعها (80) : لِمن الدارُ أقْفَرتْ بِبُواطِ غَيْرَ سُفْعٍ رَوَاكِدٍ كالغَطَاطِ ... وهو يفتتحها بالتساؤل عن أهل دار أقفرت من ساكنيها في موضع يدعى (بواط) عاثت فيها يد البلى، فبدلت ملامحها، وغيرت معالمها، ولم تبق منها سوى حجارة الموقد السود، تجثم كأنها القطا الوقع. ... ولا يلبث أن يستيقظ من حيرته، ويجيب على تساؤله الحزين بأنّ تلك الأطلال الدارسة ليست سوى ديار أحبته الظاعنين. وها هي ذي قد أقفرت من أهلها، وخبت فيها شعلة الحياة، بعد أن كانت تعج بالحركة والحيوية، إنها ديار فاتنته (أم عمرو) التي ما تزال ذكرياتها حية في نفسه، وإنه ليذكرها إذ تسأله عن سبب تماديه في هجرها، بعد أن كانت حبال وده موصولة بحبالها. ... وحين تهيج في نفسه الذكرى يلتمس من يبلغها على نأيها بأنه ما يزال مقيماً على عهدها، يرعى ودها، ويحفظ سرها، ثم دلف إلى الفخر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 .. وظاهرة التكثيف والتركيز تبدو في مقدمته هذه أكثر وضوحاً منها في سابقتها. فقد اكتفى حسان في تحديده لموضع الطلل بذكر مكان واحد هو (بواط) ، وقاده هذا إلى الاستغناء عن تقليد آخر من تقاليد المقدمة الطللية وهو العطف بين الأماكن بالفاء. وحينما ذكر ما تبقى من آثار الديار اكتفى أيضاً بذكر أثر واحد هو الأثافي، وضرب صفحاً عن ذكر ما سواه من الآثار التي تطالع قارئ الشعر الجاهلي، من: نؤي، وأوتاد، ورماد وغير ذلك. وعندما شبه الأثافي بالقطا لم يذكر شيئاً من أحوال المشبه به، بل اقتصر على ذكرها دون وصف في حين دأب شعراء الجاهلية على وصفها بالوقّع أو الجثّم أو غير ذلك. وحين استرجع ذكرياته بذلك الطلل لم يذكر منها إلا النزر، وأعرض عن ذكريات يوم الرحيل، وما أثارته في نفسه من مشاعر. ... والشخصان اللذان ظهرا مع الشاعر على مسرح الطلل ليسا الرفيقين التقليديين اللذين عهدناهما في مقدمات القصائد الجاهلية، فالشاعر لم يطلب إليهما أن يسعداه بالبكاء، ولا أن يتبصرا ليريا الركب يسير في الطرق الرملية بين الكثبان، وإنما هما مجرد شخصين عاديين يلتمس منها أن يبلغا عنه رسالة. ... وحديثه عن وحشة الديار جاء موجزاً مبتسراً، كما أن الاقتصاد في التعبير بالصورة يعد علامة بارزة في هذه المقدمة، مثلما هو في المقدمة السابقة. ... ومن حيث نزعته إلى التحرر من تقاليد المقدمة الطللية نجده قد استغنى عن عدد منها، مثل: استيقاف الصحب، والبكاء على الطلل، وذكر ما غيره من عوامل الطبيعة، وما حل به من عين وآرام أو غير ذلك. يقول بعد المطلع: تلكَ دارُ الألُوفِ أضحتْ خَلاءً بعْدَما قد تَحُلُّها في نَشاطِ دارُها إذ تَقُولُ ما لابنِ عمروٍ لَجَّ من بعدِ قُرْبِهِ في شِطَاطِ بلِّغَاهَا بأَنَّني خَيْرُ رَاعٍ لِلَّذي حُمِّلتْ بِغَيْرِ افْتراطِ الصورة الثانية: المقدمة الغزلية المنفردة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 .. حظيت المرأة باهتمام شديد من الشاعر الجاهلي، فاحتلّت مكانة مرموقة من نفسه ومن شعره؛ فاستمد وحيه منها، واستهل قصائده بذكرها، وتغنى بحبه في مطالعها (81) . ... ويمكن القول إنّ المقدمة الغزلية قد انتشرت في الشعر الجاهلي انتشاراً يوازي انتشار المقدمة الطللية (82) . ... وإلى جانب سعة انتشار المقدمات الغزلية في الشعر الجاهلي، فهي أقرب المقدمات نسباً إلى المقدمة الطللية (83) . ... فإذا كانت أطلال الحبيبة محور اهتمام الشاعر في المقدمة الطللية، فإن الحبيبة نفسها هي محور اهتمامه في المقدمة الغزلية. ... ويتناول الشاعر في المقدمة الغزلية غالباً موضوعين رئيسين هما: ... وصف الحبيبة وصفاً مادياً أو معنوياً، والتغني بجمالها الحسي أو النفسي، وإن كان وصف الجمال الحسي، والتغني بالجمال الجسدي هو الغالب في هذه المقدمة؛ لأنه ((يتلاءَم مع صورة الحياة الجاهلية الوثنية، فقد كان العرب لا يزالون ماديين لم ترتق أذواقهم، ولم تنبل مشاعرهم. ولذلك يكون هذا الضرب من الغزل ألصق بنفوسهم)) (84) . ... وتصوير عواطفه ومشاعره تجاهها، والحديث عن الصد والهجر، والحنين والهيام، والوصل والفراق، والدموع التي تنهل من عينيه، وذكرياته السعيدة، وما يتصل بذلك من مناظر الوداع. وتظهر هذه الصورة من صور المقدمات في قصيدتين من قصائد حسان الجاهلية، الأولى قصيدته الدالية التي مطلعها (85) : ألمْ تَذَرِ العيْنُ تَسْهادَها وَجَرْيَ الدُّموعِِ وَإِنْفَادَهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 وتقع مقدمتها في ستة أبيات، وصف فيها سهده، ودموعه التي لا تنفك تنهمر لفراق صاحبته (شعثاء) التي لا تفارق صورتها خياله، فلا يكف عن ذكرها، واسترجاع ذكرياته في ديارها التي كانت تنزل بها بعد أن يجودها مطر الربيع المتواصل. ثم عبر عن افتتانه بجمال شعرها المغْدودن الكثيف الذي يثقلها إذا قامت، ووجهها الذي يحكي وجه غزال ربيب يرتعي أعشاباً يانعة في أرض هطلت بها أمطار غزيرة، فيبدو في أبهى صورة، وأروع منظر، إذ يمضي سحابة نهاره مصعداً في سفوح التلال، فإذا خيم الليل ولّى وجهه شطر أشجار العضاه، ليستكنّ بها خوفاً من الأمطار، يقول: تذكَّرَ شعثاءَ بعد الكرَى ومُلْقَى عِراصٍ وأَوْتَادَها إذا لَجِبٌ من سَحابِ الربيعِ مرَّ بسَاحَتِها جَادَها وَقَامَتْ تُرَائيكَ مُغْدَوْدِناً إِذَا ما تنُوءُ بهِ آدَهَا وَوَجْهَاً كَوَجْهِ الغزالِ الرَّبيبِ يقْرو تِلاعاً وَأَسْنَادَها فَأَوَّبَه الليلُ شَطْر العِضاهِِ يَخَافُ جِهاماً وصُرَّادها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 وتخلو هذه المقدمة الغزلية من عنصر مهم من عناصر المقدمات الغزلية التقليدية، وهو وصف منظر الوداع والفراق المألوف. وتقتصر على وصف بعض مظاهر جمال صاحبته، ووصف عواطفه تجاهها. ففي الجانب الأول اكتفى بالحديث عن شعرها الكثيف الطويل، ووجهها الذي يشبه وجه غزال غذي أطيب غذاء. وفي الجانب الثاني ذكر سهده ودموعه التي لا تكف عن الانحدار، ولكنه مزج ذلك ببعض مظاهر الطبيعة التي جعلها إطاراً أو خلفية للمشهد العاطفي فاختار لسهده ودموعه وقتا نام فيه الناس، وسكن فيه الكون، واختار للشعر المغدودن لوحة تبدو فيها الأرض خصبة ممرعة؛ واختار لجمال الوجه صورة لا أبهى ولا أسنى هي وجه الغزال الربيب الذي يقصد الأماكن المرتفعة التي لا تطأها الأقدام فيرتعي بها، حتى إذا خيم الليل أوى إلى كناسه الذي اتخذه في شجر العضاه؛ ليتعانق جمال الإنسان وجمال الطبيعة في تشكيل اللوحة الغزلية. ... والثانية قصيدته العينية التي مطلعها (86) : بانَتْ لَميسُ بِحبْلٍ منكَ أَقْطَاعِ واحْتَلَّت الغَمْرَ ترْعَى دَارَ أَشْرَاعِ ... ومقدمتها الغزلية قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أبيات اقتصر فيها على الحديث عن هجر صاحبته (لميس) ، وانقطاع حبال وصالها، وارتحالها إلى مكان كثير المياه، ذي مراع خصبة، ومجاورتها في ديار بني عمرو بن نصر، وهم قوم ذوو عِزّ ومنعة، يحمون أرضاً ممرعة، ثم وصف حالته النفسية عندما تحركت المراكب بصاحبته في الفجر إذ انهمرت دموعه كأنها ماء يفيض من دلاء كبيرة ممتلئة. قال: وأصْبَحَتْ في بني نَصْر مُجَاورَةً ترْعَى الأَبَاطِحَ في عزّ وإِمْراعِ كأنَّ عَيْنَيَّ إذْ وَلَّتْ حُمُولُهُمُ في الفَجْرِ فَيْضُ غُروبٍ ذاتِ إِتْراعِ ومن الواضح أنه مسّ موقف الوداع مساً خفيفاً، فاكتفى بذكر تحرك موكب الرحلة، وتحديد زمنه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 .. والتكثيف والتركيز هما الظاهرة البارزة في هذه المقدمة، وكأني بحسان وهو يردّ على أبي قيس بن الأسلت، وينقض عليه قصيدته التي سبقت الإشارة إليها، كان يتطلع إلى الوصول إلى موضوعه مسرعا، فأعجله ذلك عن التفصيل، وألجأه إلى التكثيف والتركيز. ... يتبين مما سبق أن حسان في مقدمتيه الغزليتين لم يتبع التقاليد الموروثة في المقدمة الغزلية، ولم يحذُ حذو الشعراء الجاهليين الذين سبقوه، فجاءَت مقدمتاه موجزتين؛ كما يلاحظ فيهما اهتمامه بإدخال عناصر الطبيعة، وبخاصة الماء، والخصب. الصورة الثالثة: المقدمة الطللية الغزلية ... وفي هذه الصورة يتضافر على تشكيل المقدمة لوحتان: لوحة الأطلال، ولوحة الغزل. ففي اللوحة الأولى يصور الشاعر ((أطلال الحبيبة الراحلة التي عفت وأقفرت بعد رحيلها، وما يراه فيها من آثار الحياة الماضية التي كانت تدب فيها أيام كانت آهلة بأصحابها، قبل أن تتحول بعدهم إلى مجرد أطلال موحشة، تسفي عليها الرمال، فتحجبها، وتخفي معالمها، وتهب عليها الرياح فتكشفها، وتبدي رسومها، وأسراب الحيوان الوحشي تسرح في ساحاتها آمنة مطمئنة، حيث لا إنسان يفزعها أو يثيرها)) (87) . ... وطبعي أن يستدعي هذا الإطار المكاني وما يثيره في النفس من مشاعر، العنصر الإنساني، فيتبع الشاعر لوحة الطلل بلوحة صاحبته التي نأت، فيقبل عليها واصفاً جمالها ((ويلح على تبيان محاسنها، حتى يكاد يظهرها عضواً عضواً، ولا يترك شيئاً منها، بل يأتي على كل شيء، كأنما يريد أن يشخص هذه الأعضاء تشخيصاً)) (88) ، ولا بدّ أن يثير استدعاؤه لصورة صاحبته، واستحضاره لجمالها، في نفسه الحسرة على أيامه الخالية، وذكرياته الماضية، ((فيصور حبه وغرامه، وآلامه وأحزانه، ويأسه وحرمانه، فيذرف الدموع، ويسفح العبرات)) (89) على ماضيه المنصرم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 .. وقد تبنى حسان هذه الصورة من صور المقدمات في قصيدتين من قصائده الجاهلية، أولاهما: قصيدته الميمية التي مطلعها (90) : لِمْن مَنْزلٌ عَافٍ كأنَّ رُسُومَهُ خَيَاعيلُ رَيْطٍِ سَابرِيٍّ مُرَسَّمِ ومقدمتها ثانية مقدمات حسان من حيث الطول، وتبلغ ستة عشر بيتاً. وهو يستهلها بالسؤال عن أهل منزل عفت رسومه، وأقوت معالمه، ودرست آثاره حتى غدا كثياب فارسية رقيقة مخططة لا أكمام لها. إنه منزل مقفر خال من آثار الحياة ودلائلها، إلا من ثلاث أثافٍ ركّد، كأنها ثلاث حمائم جُثَّم، ومن وتد بال، وبقايا حائلة كأنها ثوب قديم موشى. ... لقد عاثت رياح الصيف في ذلك المنزل، فهي تعتاده مرّة إثر أخرى، فيتجمع هشيمه الجاف على بقايا نؤي قد تثلمت حوافه، وامتدت إليه يد البلى فكسته من سرابيلها الدائرة، كما عبثت في معالمه سحب سود ضخمة كأنها الجبال، يثقلها ما تقل من أمطار، تزجيها الرياح وتقصف في جوانبها الرعود، ويومض البرق، وما تلبث عراها أن تنفصم عن مطر غزير مسح متواصل. ... إنه يعهد ذلك المنزل عامراً بأهله الذين تجمع بينهم البهجة، وترفرف عليهم الغبطة، وتخيم عليهم الأُلفة، وتربطهم أواصر المحبة؛ فهل إلى حبال الود التي رثّت من عودة؟ ويستيقظ الشاعر من تلك الأحلام اللذيذة، والذكريات الوادعة، على قسوة واقعه المر، فقد نأت دار ليلى، وتبدلت بوصلها هجراً، وبودّها صداً، وبقربها نأيا، وانبتت حبال الوصل التي كانت ممتدة بينهما، بعد أن أصغت ليلى إلى حديث الواشين والكاشحين. ... وإذا كانت الأيام وتقلباتها قد غيرت من مشاعر ليلى نحوه، فإنه ما يزال مقيماً على الود يتشبث بحباله، ويرعى ذكرياته، ويصون أسراره، ويحرص كل الحرص على كتمانه بين ضلوعه. وسيبقى حفيا بودها، على الرغم من صدها وهجرها، وإصغائها إلى الذين روّجوا عنه الأقاويل والأراجيف. يقول حسان: خَلاءُ المَبَادِي ما بهِ غيرُ رُكَّدٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 ثَلاثٍ كأَمْثالِ الحَمَائِمِ جُثَّمِ وغيرُ شَجِيجٍ ماثِلٍ حالَفَ البِلى وَغَيْرُ بَقايا كالسَّحيقِ الْمُنَمْنَمِ تَعِلُُّ رباحَ الصيفِ بالي هَشيمِهِ على ماثِلٍ كالحَوْضِ عافٍ مُثَلَّمِ كَسَتْهُ سَرابيلَ البِلَى بَعْدَ عَهْدِهِ وَجَوْنٌ سَرَى بالوابِلِ الْمُتَهَزِّمِ وكُلُّ حثيثِ الوَدْقِ مُنْبَجِسِ العُرَى مَتَى تُزْجِهِ الرِّيحُ اللواقِحُ يَسْجُمِ ضَعيفُ العُرى دانٍ من الأرضِ بَرْكُهُ مُسِفٍّ كمثْلِ الطَّوْدِ أكظَمِ أَسْحَمِ وَقَدْ كانَ ذَا أَهْلٍ جميعٍ بغبطة إذَ الوصلُ وصلُ الودِّ لمْ يَتَصَرَّمِ وإذْ نحنُ جيرانٌ كثيرٌ بِغِبْطَةٍ وإِذْ ما مَضَى من عَيْشِنَا لم يُصَرَّمِ فإِنْ تَكُ ليْلَى قَدْ نَأَتْكَ ديارُها وَضَنَّتْ بِحَاجَاتِ الفُؤادِ المُتَيَّمِ وهَمَّتْ بِصَرْمِِ الحَبْلِ منْ بعدِ وَصْلِهِ وَأَصْغَتْ لقوْلِ الكَاشِحِ المُتَزعِّمِ يُغَيِّرُهُ نَأْيٌ ولوْ لمْ تَكَلَّمِ وإنْ صَرَّمَ الخُلاَّنُ بالمُتَجَذِّمِ لَديَّ فَتَجْزِيني بِعاداً وتَصْرمي وما كَظَّ صَدْري بالحديثِ المُكَتَّمِ عَليَّ ونَثُّوا غَيْرَ ظَنٍّ مُرَجَّمِ وحسان في لوحة الطلل في مقدمته السابقة يبدو أكثر ميلاً إلى الاهتمام بالتفاصيل والجزئيات، وأقل تشبثاً بالتركيز والتكثيف. ومع ذلك فهي لم تستوف جميع عناصر المقدمة الطللية التي تمسك بها شعراء المرحلتين الأولى والثانية من العصر الجاهلي.فقد سكت فيها حسان عن كثير من التقاليد الأساسية في المقدمة الطللية، فهو لم يستوقف الصحب، ولم يطلب إلى رفيقيه أن يسعداه بالبكاء، كما لم يسفح الدموع على الطلل المحيل، ولم يحدد مكانه بذكر أسماء المواضع، ولم يعطف بعضها على بعض بالفاء، ولم يتعرض لقطعان الظباء وبقر الوحش والنعام في معرض حديثه عن إقفار الديار ووحشتها، وغض الطرف عن ذكر ما حلّ بها من حيوان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 .. ومن جهة أخرى حافظ حسان على عناصر تعد من مقومات المقدمة الطللية، فاستفسر عن الأهل الظاعنين، واسترجع ذكرياته بالديار، وذكر ما تبقى من آثارها، وما درسها من الرياح والأمطار. وشبه بقاياها بخطوط الثوب المطرّز، كما شبه الأثافي بالحمائم الجثم، وذكر ما ذرته الرياح فوقها من هشيم يابس. ... ومن مظاهر ميله إلى الاهتمام بالتفاصيل والجزئيات في هذه المقدمة استعانته الواضحة بالتصوير البياني القائم على التشبيه في المقام الأول، ثم على الاستعارة: فقد شبه الرسوم البالية بثوب فارسيّ بلا كمين، خيط أحد شقيه، وبثوب خلق موشى، وشبه الأثافي الباقية بالحمائم الجاثمة، والنؤي الدارس بالحوض الذي تكسرت حوافه. واستعار العلل والنهل لهبوب الرياح على الأطلال مرّة إثر أخرى. وجعل الوتد حليفاً للبلى، والسحاب حين يدنو من الأرض حيواناً جاثماً، والرياح تكسو الأطلال سرابيل البلى، وانهمار المطر عليها عرى تنفصم، والسحب الموقرة بالمطر جبالاً سوداً. ... ويظهر ميله إلى التفصيل أيضاً في ذكره لما تبقى من آثار الديار، حيث ذكر الأثافي، والوتد والنؤى، ورسم لكل منها صورة بيانية. ... وفي ذكره لمنزل أحبته لم يكتفِ بوصفه بالعافي، وبخالي المبادي، وببالي الهشيم؛ بل أضاف إلى هذه الأوصاف تشبيهه بالخياعيل السابرية المرسمة، وبالسحيق المنمنم. ... ويبدو هذا الميل أيضاً في وصفه للسحاب وما يتصل به من رعد ومطر، فقد وصفه بأنه أسود، يتفجّر قطره ليلاً بغزارة واستمرار (يسرى بالوابل) ، وبأنه منبجس العرى، حثيث الودق، دان من الأرض، يقصف رعده، ويومض برقه. هذا فضلاً عما رسم له من الصور. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 .. ويبدو أن هذه اللوحة هي أكثر لوحات حسان الطللية قرباً من مقدمات زهير وأصحابه من شعراء المرحلة الثانية؛ حيث بذل فيها حسان جهداً فنياً واضحاً، واهتم بالتفاصيل والجزئيات، وعني باختيار الظلال والألوان، والزوايا، وعبر من خلال الصور البيانية. ... وفيما يتعلق باللوحة الغزلية في هذه المقدمة، فقد اقتصر فيها حسان على التعبير عن لواعجه، وعواطفه، وما اكتوى به من وجد، ولوعة، وعلى الحديث عن وفائه، وتشبثه بحب صاحبته، وإنْ بدا منها صدّ وصرم؛ كما عرض لذكريات أيام الوصل، قبل أن يقلب له الدهر ظهر المجن، ويتبدل بالغبطة حزناً، وبالوصل صرماً، وبالود هجراً. ... ولكنه ضرب صفحاً عن وصف مشهد الوداع الشائع في المقدمات الغزلية، ولم يصف صاحبته وصفاً حسياً أو معنوياً؛ أو يتغن بجمالها الجسدي أو النفسي كما لم يصرح بذكر اسمها. ... وساد عبارته في هذه اللوحة السرد. وقلّ فيها اعتماده على الصورة، كما هو الأمر في اللوحة السابقة (لوحة الطلل) ، فلم يستعن بالصورة إلا في استعارة الحبل لعهد الحب، حيث جعله حبلاً واهياً منجذماً رثاً من طرفها، وعلى عكس ذلك من طرفه. كما جنح إلى السهولة والرقة في هذه اللوحة لأنه يعبر عن عواطفه، ويمتح من نفسه، فتخفف من غرابة اللفظ، وجزالة العبارة اللتين وسمتا عبارته في اللوحة الأولى، وفرضهما عليه فيما يظهر تشبثه بتقليد السابقين، ومجاراتهم في لوحة الطلل. ... والثانية: قصيدته النونية التي يمدح بها جَبَلة بن الأيهم صاحب التاج الغساني، ومطلعها (91) : لمنِ الدّارُ أوْ حَشَتْ بِمَعانِ بين أَعْلى اليَرْموكِ فالخَمَّانِ وعدتها عشرة أبيات ذهبت المقدمة منها بثمانية. وفي ذلك ما يشير إلى أن المدح قد حذف منها، لأنها تقف عند قوله: قدْ أَراني هُنَاكَ حَقَّ مَكِينٍ عِنْدَ ذي التَّاجِ مَقْعَدي وَمَكَاني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 وهي كسابقتها تسهم في تشكيل مقدمتها لوحتا الطلل والغزل. أما لوحة الطلل فيستهلها بالوقوف على بقايا دار أقفرت من ساكنيها، فخيمت عليها الوحشة، وتسللت إليها عوامل البلى، فيسأل عن مصير أهلها الذين هجروها، ثم يحدد موقعها تحديداً دقيقاً، كأنه يريد أن يحفرها حفراً في ذهن السامع، مما يدل على شدّة تعلقه بها؛ فيذكر أماكن شامية من أعمال دمشق، بعضها ناء عنها، وبعضها قريب منها، يعد من ضواحيها، وبعضها يقع جنوبي الأردن، أو بين دمشق وبحيرة طبرية، وهي: معان، والخمان، وبلاس، وداريا، وسكاء، وجاسم، وأودية الصفّر، وجميعها من منازل الغساسنة. ... ثم يشيد بتلك المواضع، وبما شهدته منازلها من عزّ ومجد، فقد كانت تعج بقنابل الخيل والفرسان، وبكرائم الإبل وبيضها، ويطلق عليها لقب (دار العزيز) ، ويستعيد ذكرياته بها، أيام زياراته المتكررة لها في عهد الحارث بن أبي شمر الغساني، فيقول بعد المطلع: فَسَكَّاءَ فَالقُصُورُ الدَّوانِي (م) فَالقُرَيَّاتُ مِنْ بَلاَسَ فَدَارِيَّا مغنى قَنَابِلٍ وهِجَانِ (م) فَقَفَا جاسمٍ فَأَوْدِيةِ الصُّفَّر وَحُلُولِ عَظِيمةِ الأَرْكَانِ تِلْكَ دارُ العَزيزِ بَعْدَ أنيسٍ يومَ حَلَّوا بِحَارثِ الجَوْلانِ هَبِلَتْ أُمُّهُمْ وَقَدْ هَبِلَتْهُمْ وهنا ينقلنا من لوحة المكان إلى اللوحة الغزلية، لوحة الإنسان، فيرسم لوحة تعج بالفتنة والحياة، ومظاهر الترف والنعمة، تظهر فيها الجواري الحضريات عاكفات على نظم أكلّة المرجان، أو مجتنياتِ زهور الزعفران، أو متطيبات بدهنه، في مآزرهن البيض الرقيقة، وثياب الكتان المضمخة بالعطور، استعداداً ليوم عيد الفصح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 .. وينهي حسان لوحته الغزلية بالتعبير عن فتنته وإعجابه بالمرأة الحضرية من خلال موازنة طريفة يعقدها بين ولائد الغساسنة المترفات، والأعرابيات من نساء البادية، اللاتي يجتنين صمغ المغافير أو الثُّمام، ليستعملنه في تلبيد شعورهن، أو ينتقفن الحنظل عند نضجه لاستخراج ما فيه، واستخدامه في إصلاح أحوالهن. يقول: قد دنا الفِصْحُ فَالَولائدُ يَ (م) نْظِمْنَ قُعودَاً أَكِلَّةَ المَرْجَانِ يَجْتِنينَ الجَادِيَّ في نَقَبِ الرَّيْطِ عَلَيْها مَجَاسِدُ الكتَّانِ لمْ يُعَلَّلْنَ بِالمغَافِرِ والصَّمْغِ (م) وَلاَ نَقْفِ حَنْظَلِ الشَّرْيَانِ ... ولوحة الطلل من مقدمة حسان السابقة تفتقر إلى كثير من العناصر التقليدية للمقدمة الطللية، كاستيقاف الصحب، ومخاطبة الرفيقين، والبكاء على الطلل، وذكر ما بقي من آثار الديار من أثاف، ونؤي، وأوتاد، وغير ذلك، ووصف ما درسها من عوامل الطبيعة، وما حل بها من قطعان الظباء، وبقر الوحش. كما تخلو من الصور التي اعتاد الشعراء الجاهليون رسمها لبعض عناصر المقدمة، مثل تشبيه بقايا الديار بخطوط الثوب المطرز، وتشبيه ما ذرته الرياح من رمال بالطحين المتناثر، وتشبيه الأثافي بالحمائم الجثم. ... ويبدو أنّ ما أبقى عليه الشاعر من تلك العناصر قليل قلة واضحة قياساً إلى ما تخلى عنه، إذ لم يبق إلا على ذكر أسماء المواضع، وتحديدها تحديداً جغرافياً دقيقاً، والعطف بينها بالفاء، والاستفسار عن أهلها الظاعنين، واسترجاع شيء من ذكرياته بها. وحتى هذه العناصر طرأ عليها بعض التطوّر، فالمواضع التي ذكرها مواضع شامية، لم تعرفها المقدمات التقليدية قبل حسان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 .. فضلاً عن أن ذكريات الشاعر بتلك الأماكن لا تثير في نفسه الوجد والصبابة بقدر ما تثير الإعجاب بأمجاد الغساسنة وعزّهم. وهو لا يتحدث عن الظعن والمراكب التي تقلّ نساء الحي، وبينهن صاحبته، ولكن عن جماعات الخيل، وكرائم الإبل التي يقتنيها الغساسنة. ... وإذا كانت اللوحة الطللية من مقدمته السابقة قد أصابت هذا القدر من التطوّر؛ فإن اللوحة الغزلية من تلك المقدمة قد انحرفت انحرافاً كبيراً عن مناهج الجاهليين وطرائقهم؛ فهو لم يذكر امرأة بعينها، وإنما وصف الجواري اللاتي كان يراهن في بلاط الغساسنة، ولم يتغن بجمال المرأة الحسي أو النفسي، بل كان مبهوراً بزينتها وعطورها، من أكلّة المرجان، وطيوب الزعفران، ومجاسد الكتان. وعواطفه تجاهها لم تكن هياماً، ووجداً، ولهفة، ولوعة؛ ولكن كانت إعجاباً بالطيوب، والثياب، ومظاهر الزينة. وهو لم يتحدث عن محاسنها حديثاً مكشوفاً كما كان يفعل امرؤ القيس أو الأعشى، أو المنخل وسواهم، كما لم يصف مشهد الوداع أو الرحيل. وأهم من ذلك أنه ضمّن لوحته عنصراً جديداً لم تعهده المقدمات الغزلية التقليدية، يتمثل في تفضيل المرأة الحضرية التي تعيش في قصور الغساسنة، على البدوية التي تتخذ وسائل الزينة البدائية، فتلبّد شعرها بصمغ الثُّمام، وتنتقف الحنظل. الصورة الرابعة: المقدمة الظعنية الغزلية ... هذه صورة أخرى من صور المقدمات في قصائد حسان الجاهلية، وهي تتألف من لوحتين: لوحة الظعن، واللوحة الغزلية. ... ومقدمة الظعن من المقدمات الرئيسة في القصيدة الجاهلية، إذ تتراءَى في سماء الشعر الجاهلي أسراب منها ((تعود إلى فترة مبكرة من عمره، تدل بقدمها على رسوخها وأصالتها، آية ذلك أنها تطالعنا في قصائد الشعراء المتقدمين، مثل: المرقش الأكبر، وعبيد بن الأبرص، وسلامة بن جندل، وطفيل الغنوي، وبشر بن أبي خازم)) (92) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 .. ولحسان قصيدة جاهلية في الفخر يستهلها بهذه الصورة من صور مقدماته، يبدأُها بلوحة الظعن، وفيها يلتمس من خليله بباب جلِّق أن يتبصر لعله يرى ركباً قادمين من تلقاء البلقاء، ثم يخبره بأن قافلة صاحبته (شعثاء) قد انطلقت من مكان يسمى المحبس وانحدرت بين المرتفعات، تحمل نسوة حور العيون، نقيات البشرة، بيضاوات الوجوه، يلتحفن ملاءات حريرية، وتبدو عليهن آثار النعمة، والترف. ... ويتابع حسان رحلة هاتيك الظعائن، فيخبر صاحبه أنهن قد مررْن ببصرى الشام، واجتزن جبل الثلج (يريد جبل الشيخ) الذي يعانق السحب، يقول (93) : انْظُرْ خَلِيلي بِبابِ جِلَّقَ هَلْ تُؤْنِسُ دونَ البَلْقاءِ من أَحَدِ أَجْمَالَ شَعْثَاءَ قَدْ هَبَطْنَ من المَ حْبَسِ بَيْن الكُثْبَانِ فَالسَّنَدِ يَحْمِلْنَ حُوَراًحُوْرَ المَدَامِعِ في الرَّ ... يْطِ، وبيضَ الوُجُوهِ كالبَرَدِ منْ دونِ بُصْرَى وَدُونَها جَبَلُ الثَّلْجِ عَلَيهِ السَّحَابُ كالقِدَدِ وفي اللوحة الغزلية من هذه المقدمة يقسم حسان برب الإبل التي ذللها كثرة الارتحال، وما تقطع من صحارى شاسعة، وبرب الإبل التي قرّبت للنحر، يميناً برة لا يحنث فيها، أنه أحبّها حباً لم يتطرق إليه وهن، أو يعتريه فتور، وأنه لم يحب امرأة حبه إياها: إِنِّي وَرَبِّ الْمُخَيَّسَاتِ وَمَا يَقْطَعْنِ مِن كُلِّ سَرْبخٍ جَدَدِ وَالبُدْنَ إِذْ قُرِّبَتْ لِمَنْحَرِهَا حِلْفَةَ بَرِّ اليَمِينِ مُجْتَهِدِ مَا حُلْتُ عَنْ خَيْرِ مَا عَهِدْتِ وَمَا أَحْبَبْتُ حُبِّي إِيَّاكِ مِنْ أَحِدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 وهو في لوحة الظعن لم يأت إلا على ذكر الطريق الذي سلكته الظعائن، حيث وصفه وصفاً دقيقاً يدل على شدّة وجده، وتعلقه بصاحبته (شعثاء) ، وذكر عدداً من المواضع الشامية، وهي: البلقاء، وجلق، والمحبس، وبصرى، وجبل الثلج. في حين أغفل كثيراً من العناصر التي يجدها الدارس في مقدمات الظعن الجاهلية، مثل: وصف الاستعداد للرحيل، ووصف الإبل وهوادجها، وما يعلوها من ثياب وألوان، والحادي والدليل، والغاية، ومنتهى الرحلة. وحتى حين وصف الطريق الذي سلكته الظعائن اكتفى بتحديده، ولم يعرض لما يحف به من مخاطر، وما يتناثر على جانبيه من رمال، وعيون مهجورة، أو صالحة (94) . ... ويقابل ذلك استيفاؤه لمعظم عناصر اللوحة الغزلية، فقد وصف صاحبته (شعثاء) وصفاً حسياً، وتغنى بجمال عينيها الحوراوين؛ وأعرب عن فتنته بوجها الناصع، النقي، ورسم لها ولصواحبها صورة بالغة الدلالة على ذلك النقاء هي صورة البَرَد. وتحدث عن وفائه وإخلاصه لها، وشدّة وجده وهيامه بها، وأقسم على ذلك أغلظ الأيمان إلا إنه لم يبالغ في وصف مظاهر جمالها، ولم يتحسر على أيامه الماضية. ... ويبدو حسان في هذه المقدمة مُقْتَصِداً في استخدام الصورة الشعرية، ميالاً إلى السرد، إذ لم يأت إلا بصورة البَرد، ليعبر من خلالها عن نقاء لون صاحبته، وصورة القِدد وهي القطع ليخلعها على السحب المتناثرة التي تعانق قمة جبل الشيخ. ... ولكنه لوّن في صور الأداء، فاستعان بالأساليب الإنشائية كالنداء، والاستفهام، والأمر ليجذب اهتمام السامع؛ وراوح بين الإنشاء والخبر، كما أفاد من أسلوبي القسم والتوكيد في تقوية شحنة العاطفة فيها. وبدا ميالاً إلى التفصيل في صورة الإبل التي تساق للنحر، وفي وصف الطريق الذي سلكته الظعائن. ... ولعل من الجديد في هذه المقدمة ذكره للأماكن والمواضع الشامية، وبخاصة جبل الثلج أو جبل الشيخ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 الصورة الخامسة: المقدمة الطللية الظَّعْنيَّة الغزلية ... تلتقي في هذه الصورة من صور المقدمات في قصائد حسان الجاهلية ثلاث لوحات: لوحة الطلل، ولوحة الظعن، واللوحة الغزلية. ... وبهذه الصورة استهل حسان قصيدته الفخرية الميمية التي مطلعها (95) : ألَمْ تَسْأَلِ الرَّبْعَ الجَديدَ التَّكَلُّمَا بِمدْفَعِ أَشْدَاخٍِ فَبُرْقَةَ أَظْلَما وهي من أطول مقدماته. وتقع في ستة عشر بيتاً. وقد افتتحها بلوحة الطلل فوقف عليه، وسأله عن الربع الدارس الذي استعجم عن رد جوابه، وكيف يجيبه رسم أبكم؟ إنه طلل دار تقع في مكان خصيب، يندفع بين ربوعه وادي أشداخ بالقرب من جبل أظلم، ماراً بمنعطف وادي نقيع، حيث تستوي الأرض في بطن يَلْبَن. ... لقد أقفرت تلك الديار، وخلت من أهلها الذين عمروها زمنا، فقد غادروها إلى تهامة. إنها ديار صاحبته التي طالما تردّدت على جبلي تغلم، ووادي المراض الذي ترعرع في عدوتيه شجر الأراك وأينع، وتمايلت أغصانه مزهوة بخضرتها. ... وحين انقضى فصل الربيع صوّح المرعى، ولم تعد تسمع سوى حمحمة الرعد، تتجاوب أصداؤها مع حنين مطافيل الإبل التي نتجت في فصل الربيع، فيتردد صداه في أكناف وادي العقيق، وهضبة الجمَّاء، حتى إذا ارتفع سحابه فوق تُرْبان، انفصمت عراه، وانهلّ ودقه، وألقى بعاعه، وتمخض عن سيل هادر يقتلع كل ما يعترضه من شجر العضاه. يقول حسان بعد المطلع: أَبَى رَسْمُ دارِ الحَيِّ أَنْ يَتَكَلَّمَا وهلْ يَنْطِقُ المَعْرُوفَ منْ كانَ أبْكَمَا بقَاعِ نَقَيعِ الجِزْعِ من بَطْنِ يَلْبَنٍ تَحَمَّلَ مِنِهُ أَهْلُهُ فَتَتَهَّمَا دِيَارٌ لشَعْثَاءِ الفؤادِ وَتِرْبِها ليَاليَ تَحْتَلُّ المَراضَ فَتَغْلَمَا وإِذْ هِيَ حَوْرَاءُ المَدَامِعِ تَرْتَعِي بِمُنْدَفَعِ الوادي أَرَاكاً مُنَظَّمَا أَقَامَتْ بهِ في الصَّيْفِ حَتَّى بَدَا لهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 نَشَاصٌ إِذَا هَبَّتْ لهُ الرِّيحُ أرْزَمَا فَلَمَّا دَنَتْ أغضَادُهُ وَدَنَا لَهُ منَ الأرْض دَانٍ جَوْزُهُ فَتَحَمْحَمَا تَحِنُّ مَطَافِيلُ الرِّباعِ خِلالَهُ إذا اسْتَنَّ في حَافاتِهِ البَرْقُ أَثْجَما وَكَادَ بأكْنَاف العَقِيقِ وَئيدُهُ يَحَطُّ من الجَمَّاءِ رُكْنَاً مُلَمْلَمَا فلما علا تُرْبَانَ وانْهَلَّ وَدْقُهُ تَدَاعَى وأَلْقَى بَرْكَهُ وتَهزَّمَا وأَصْبَحَ منْهُ كُلُّ مَدْفَعِ تَلْعةٍ يَكُبُّ العَضَاهَ سَيْلُهُ مَا تَصَرَّمَا وواضح أنه لم يبك أو يستبك، ولم يستوقف الصحب، ولم يخاطب الرفيقين اللذين اعتدنا رؤيتهما في مشهد الطلل، ولم يصف ما بقي من آثار الديار، من أثاف، ونؤي وأوتاد، أو ما حل بها من ظباء أو بقر وحشية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 .. وخلت هذه اللوحة الطللية من التشبيهات المعهودة، سواء فيما يتعلق بآثار الديار، أو ببقاياها. ولكنها اشتملت على كثير من العناصر التقليدية مثل: ذكر أسماء الأماكن، والعطف بينها بالفاء، وتحديد مكان الطلل تحديداً جغرافياً دقيقاً، والسؤال عن أهله الظاعنين. وأسهب في وصف ما غير معالمه، وبخاصة الأمطار، وإن كان قد أغفل ذكر الرياح التي تسفي عليه التراب. فقد انقضى فصل الصيف وأخذت السماء تتلبد بالغيوم، واكفهرَّ الجو، وحمحم البرق في أرجاء وادي العقيق، فامتزج بحنين الإبل التي نتجت في الصيف، وما لبث البرق أن أومض، فانهمر المطر غزيراً على تُربان وهضبة الجماء، فأسفر عن سيل عظيم يتدافع ماؤه، ويقتلع كل ما يعترض طريقه من الأشجار. وكان ذلك إيذاناً برحيل القوم عن تلك الأماكن بعد أن قضوا فيها فصل الربيع. وهنا تبدأ اللوحة الثانية، لوحة الظعن. وهي لوحة تتحول إلى مشهد يبدأ بصورة صوتية للحي تسمع فيها أصوات الرجال تتعالى، فينادي بعضهم بعضاً، في هزيع الليل الأخير استعداداً للرحيل، ثم ينقلنا إلى صورة بصرية تظهر فيها الهوادج وقد استوت على عجل فوق ظهور الإبل، تزينها البسط الموشاة بالألوان الزاهية، ومدّت الظعائن أعناقاً كأعناق الظباء من خلال البرود اليمنية الموشاة، وينتهي هذا المشهد بإشارة سريعة إلى أن القوم سيحلون ديار غفار وأسلم، بنواحي تهامة. ... ومع أن حساناً قد أتى في هذه اللوحة على أكثر عناصر مقدمة الظعن، من: وصف الاستعداد للرحيل، ووصف الهوادج، وما تكللت به من أنماط وبرود ملونة؛ وحدّد نهاية الرحلة وغايتها، إلا إنه أغفل ذكر الحادي والدليل، وتجنب وصف الطريق التي سلكتها الرحلة، ولم يتتبع الركب، كما كان يفعل سواه من شعراء المرحلة الثانية من الشعر الجاهلي، ممن وصفوا الظعن. قال حسان: تَنَادَوْا بِلَيْلٍ فاسْتَقَلَّتْ حُمُولُهُمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 وَعَالَيْنَ أَنْماطَ الدِّرَقْلِ المُرَقّمَا عَسَجْنَ بِأَعْنَاقِ الظِّباءِ وأَبْرَزَتْ حَواشِي بُرُودِ القِطْرِ وَشْياً مُنَمْنَما فَأَنَّى تُلاَقِيهَا إذَا حَلَّ أَهْلُهَا بِوادٍ يَمَانٍ مِنْ غِفَارٍ وأسْلَمَا تَلاقٍ بعيدٌ واختلاَفٌ مِنَ النَّوَى تَلاَقيكُما حتى تُوافيَ مَوْسِمَا سَأُهْدِي لَهَا في كُلِّ عَامٍ قَصِيدةً وَأَقْعُدُ مَكْفِيَّاً بِيَثْرِبَ مُكْرَمَا ... واللوحة الغزلية، وإن كانت أبياتها قليلة، إلا أنها لا تقل شأناً عن لوحتي الطلل والظعن. فالمرأة هي باعث التجربة في نفس الشاعر، وشعثاء التي فتنته بعينيها الحوراوين، قد تيمت فؤاده. وبانقضاء فصل الربيع، انطوت صفحة اللقاء، وحل الهجر محل الوصل، وأزف زمن الرحيل، وحالت المسافات بين الشاعر وبين فاتنته شعثاء، وبعدت بينهما الشقة، بعد أن حلّت بوادٍ يمان. ولن يتمكن من ملاقاتها إلا في الموسم القادم. وخلال زمن الفراق الطويل، سيعكف على نظم الشعر، وإهدائه لها، ولن يغامر أو يخاطر بالرحيل إلى منازلها. إنه سينظم الشعر فيها، وهو في مأمن من الأخطار والمتاعب، مكفيّ الحاجات بيثرب، ويؤثر العافية. وواضح أنّ حساناً قد ألمّ في هذه اللوحة ببعض عناصر المقدمة الغزلية التقليدية وأعرض عن بعض، وانحرف ببعض. فوصف جمال صاحبته، ولكنه اكتفى من ذلك بذكر عينيها الحوراوين، ولم يتتبع محاسنها ومظاهر جمالها الحسي أو النفسي. وعبّر عن افتنانه بها، وحسرته على فراقها، والإحساس بثقل وطأة هجرها على نفسه؛ ولكنه بدا متعقلاً متزناً، يكبح جماح الهوى، ولا يغامر في سبيله، بل يستمع لنداء العقل، ويؤثر أن يترجم عن مكنون نفسه، ولواعج حبه بالشعر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 .. وواضح أن هذا الموقف يحمل بعض ملامح التطور في المقدمة الغزلية، فقد انحرف الشاعر فيه عما نعهده في تلك المقدمة وفي شعر الغزل عامة من تهافت على المرأة، واندفاع ومغامرة، وتجاوز للحراس، والمعشر، وتعرض للقتل، في سبيل الوصول إليها، على نحو ما يصوره امرؤ القيس في معلقته، حيث يقول (96) : تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسَاً إِليْها وَمَعْشَراً عَلَيَّ حِراصَاً لَوْ يُسرُّونَ مَقْتَلِي انحرف عن ذلك إلى هذا الهدوء والاتزان الذي أشرنا إليه، والتسامي بعواطفه إلى التعبير الفني عنها وحسب، بدلاً من السعي إلى إشباعها في أرض الواقع: سأُهْدي إِليْها كلَّ عامٍ قَصِيدةً وأَقْعُدَ مَكْفِيَّاً بِيَثْرِبَ مُكَرَمَا الصورة السادسة: المقدمة الطللية الغزلية الوصفية ... وهذه صورة أخرى من صور المقدمات في قصائد حسان الجاهلية، حشد فيها الشاعر أربع لوحات، هي: اللوحة الطللية، واللوحة الغزلية، واللوحة الخمرية، ولوحة الناقة؛ فجاءَت حافلة بالألوان والأطياف. وتمثل هذه الصورة، مقدمة قصيدته الميمية المقيدة التي مطلعها (97) : مَاهَاجَ حَسَّانَ رُسُومُ المَقَامْ وَمَظْعَنُ الحَيِّ وَمْبْنَى الخِيَامْ وهو يستهلها باللوحة الطللية التي اقتصر فيها على ذكر بعض آثار الديار، من نؤي قد تثلمت حوافه، وبقايا علامات حائلة لمواضع خيام الحي، ومنازلهم؛ مكتفياً من تحديد موضع ذلك الطلل بذكر أنه واد من أودية تهامة، وبالإشارة إلى ما غير معالمه، وطمس آثاره، من طول العهد، وتقادم الزمن، إذ يقول بعد المطلع: والنُّؤْيُ قَدْ هَدَّمَ أَعْضَادَهُ تَقَادُمُ العَهْدِ بِوَادٍ تَهَامْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 .. وواضح أن التكثيف في لوحة الطلل عند حسان قد بلغ منتهاه، فلم يذكر الشاعر سوى قليل من عناصر المقدمة الطللية، على نحو من الإيجاز الشديد، وأعرض عن ذكر سائر العناصر والتقاليد؛ فحين ذكر ما غير الديار اقتصر على تقادم العهد، ولم يأت على ذكر الرياح والأمطار؛ وحين عرض لبقايا الديار، اكتفى بذكر النؤي، وتنكب ذكر ما سواه من أثاف، ورماد، ودمن وأوتاد. وخلت اللوحة من التشبيهات المعهودة في اللوحة الطللية. ... وينقلنا حسان إلى اللوحة الغزلية، وفيها يعترف بأن الواشين حققوا ما سعوا إليه، فتبدلت شعثاء بوصلها هجراً، ورثت حبال الود بينها وبينه، فغدا لا يراها إلا في المنام، إذ تعذرت رؤيتها في اليقظة. ثم يصف جمال صاحبته سالكاً إليه سبيل التصوير، فيرسم لها صورة فاتنة إذ يشبهها بظبية مُطفل، ترتعي مع خشفها سفوح جبل برام، ويختار لها مشهداً فاتناً، إذ يجعلها ترنو إليه نظرة إشفاق وحنو؛ لأنه ما يزال صغير السن قليل الحيلة، فاتر الطرف، متقارب الخطو، ضعيف الصوت. ... ثم يقف عند موضع الفتنة من شعثاء، ثغرها الذي يشبه رضابه ماءً بارداً سلسلاً، ينسكب من بين صخور جبل، فيحفر في أصله، ليتجمع في حوض تراصفت حجارته وتقاربت، وعلاه غمام كثيف، فيقول: قدْ أدْرَكَ الوَاشُون مَا حَاوَلوا فالحَبْلُ منْ شَعْثَاءُ رَثُّ الزِّمَامْ جِنِّيَّةٌ أَرَّقَنِي طَيْفُهَا تَذْهَبُ صُبْحَاً وتُرَى في المَنَامْ هَلْ هِيَ إلاَّ ظَبْيَةٌ مُغْزِلٌ مَأْلَفُها السِّدْرُ بِنَعْفَيْ بَرَامْ تُزْجِي غَزَالاً فَاتِراً طَرْفُهُ مُقَارِبَ الخَطْوِ ضَعيفَ البَغَامْ كأنَّ فَاهَا ثَغَبٌ بَارِدٌ في رَصَفٍ تحت ظلالِ الغَمَامْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 وواضح أن حساناً قد ضمن هذه اللوحة أغلب عناصر المقدمة الغزليةالتقليدية، وهو إن فاته وصف مشهد الوداع المعهود في المقدمة التقليدية، إلا إنه استعاض عنه بحديث الواشين. وأجاد حين خلع على صاحبته صورة الظبية المطفل، ووقف عند ثغرها ورضابها، حيث لم يكتف من الصورة بالإجمال، بل أخذ يستقصي جوانبها، ويتتبع جزئياتها، ويولّد في معانيها، حتى بلغ من ذلك كل ما أراد من التعبير عن شدة افتتانه بها. ... وينتقل حسان بالقارئ إلى اللوحة الثالثة من مقدمته، اللوحة الخمرية، التي أتى بها على سبيل الاستطراد في وصف رضاب صاحبته، كما فعل الأعشى في مقدمة قصيدته التي مطلعها (98) : أَلَمَّ خَيَالٌ منْ قُتَيْلَةَ بَعْدَمَا وَهَى حَبْلُهَا منْ حَبْلِنَا فَتَصرَّمَا حيث جاء بلوحة الخمر لتصوير الأثر الذي تركه طيف صاحبته (قتيلة) في نفسه عندما ألمّ به فقال: فَبِتُّ كأَنّي شَارِبٌ بَعْدَ هَجْعَةٍ سُخَامِيَّةً حَمْرَاءَ تُحَسَبُ عَنْدَمَا إِذَا بُزِلَتْ مِنْ دَنِّها فَاحَ رِيحُهَا وَقَدْ أُخْرجَتْ مِنْ أسودِ الجَوْفِ أدْهَمَا لَهَا حَارِسٌ مَا يَبْرَحُ الدَّهْرَ بَيْتَهَا إِذَا ذُبِحَتْ صَلّى عَلَيْهَا وَزَمْزَمَا ومضى في وصفها. ... وفي هذه اللوحة يزعم حسان أن رضاب صاحبته ليس ألذ من الماء الزلال فحسب؛ بل أشهى منه، وإن مزج بصبهاء معتقة في بيت رأس، اعتنى بها صاحبها، وبالغ في حفظها والحرص عليها عاماً بعد عام، مؤملاً أن تعود عليه بربح وفير، ومعلقاً عليها آمالاً عظاماً في ثراء عريض؛ فإذا ما شربت دبت في عروق شاربها دبيب صغار النمل في الرمل المستوى اللين، وسرى الفتور في مفاصله وعظامه، إنها صهباء من خمر بيْسان، يسعى بها ساق أعجمي، مدّهن بالطيوب، يعتمر قلنسوة طويلة، متوقد النشاط، سريع الاستجابة لمن يدعوه، لا يثنيه عن خدمته شيء، يقول، حسان (99) : شُجَ بِصَهْبَاءَ لَهَا سَوْرَةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 مِنْ بيْتِ رَأْسٍ عُتِّقَتْ في الخِتَامْ عَتَّقَهَا دَهْرَاً رَجَا بِرِّهَا يُولي عَلَيْها فَرْطَ عَامٍ فَعَامْ تَدِبُّ في الجِسْمِ دَبِيبَاً كَمَا دَبَّ دَبىً وَسْطَ رِقاقٍ هَيَامْ مِنْ خَمْر بَيْسَانَ يُغَالَى بِها دِرْيَاقَةٌ تُسْرِعُ فَتْرَ العِظَامْ يَسْعَى بِها أَحمَرُ ذُو بُرْنُسٍ مُخْتَلَقُ الذِّفَرَى شّدَيدُ الحِزَامْ أَرْوَعُ لِلدِّعْوَةِ مُسْتَعْجِلٌ لَمْ يَثْنِهِ الشَّأْنُ خَفِيفُ القِيامْ وصورة الساقي الرشيق في مقدمة حسان هذه، تذكرنا بصورته في مقدمة قصيدة الأعشى السابقة الذكر؛ وإنْ كان الأعشى قد أضاف إلى وصف الخمرة والساقي، وصف الكؤوس، والأباريق، والورود، والرياحين، والمغنى، وآلات الطرب والندماء والظرفاء. ... ومهما يكن من أمر، فإن دراسة مقدمات حسان الجاهلية، تكشف عن حقيقة أن الأعشى، وعمرو بن كلثوم إنْ صح أنه استهل معلقته بوصف الخمر (100) ليسا الشاعرين الجاهليين اللذين استهلا بعض قصائدهما بوصف الخمر فحسب، بل يشاركهما في ذلك حسان. ... وبذلك يتبين أنه لا مسوّغ لقول الدكتور حسين عطوان ((إن الشعر الجاهلي كله فيما نعلم يخلو خلوا تاماً من قصائد بل من قصيدة واحدة افتتحت بوصف الخمر)) (101) . ... علماً بأن الدكتور عطوان عاد فاعترف بأنّ للأعشى مقدمة خمرية، فقال في الصفحة التي ورد فيها قوله السابق: ((آية ذلك أن ديوان الأعشى ... لا نظفر فيه بمقدمة خمرية إلا مقدمة قصيدته الخامسة والخمسين)) (102) . وفي الوقت نفسه يغفل الدكتور عطوان لوحة حسان الخمرية الآنفة الذكر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 .. وفي اللوحة الرابعة لوحة الناقة يهيب الشاعر بنفسه أن يتناسى ذكر شعثاء التي حققت مآرب الواشين، فقطعت حبل الوصال، بالارتحال على ظهر ناقة ضخمة قوية، طويلة، وافرة النشاط، واسعة الخطو، عقيم، لا تكف عن تحريك رأسها وعنقها من فرط نشاطها؛ ولا يقلل من سرعتها، أو يحد من نشاطها وحيويتها اشتداد الحر، وارتفاع السراب وقت الظهيرة حتى يغطي قمم الآكام يقول حسان (103) : دَعْ ذِكْرَهَا وَانْمِ إِلى جَسْرة جُلْذِيّةٍ ذَاتِ مَرَاحٍ عَقَامْ دِفِقَّةِ المِشْيَةِ زَيَّافَةٍ تَهْوِي خَنُوفَاً في فُضُولِ الزِّمَامْ تَحْسِبُها مَجْنُونةً تَغْتَلِي إِذ لَفَّعَ الآلُ رُءوسَ الأَكَامْ ... وقد يقول قائل: إن وصف الناقة ليس جزءاً من المقدمة، وإنّ مقدمة القصيدة قد انتهت بنهاية اللوحة الثالثة، وإن عبارة (دع ذا) التي استهل وصف الناقة دليل على أنه فرغ من المقدمة ودلف إلى غرضه، ذلك لأن العرف الشعري عند العرب قد جرى على أن يقولوا عند فراغهم من المقدمة: ((دع ذا، وعدّ عن ذا، ويأخذون فيما يريدون)) (104) . ... والرد على ذلك أن أغلب النقاد يعدون وصف الناقة والرحلة عناصر أساسية من المقدمة التقليدية. ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور حسين عطوان الذي يقول معلقاً على ما ظنه مقدمة لقصيدة النابغة الذبياني الرائية السابقة الذكر: ((ومن الطريف أن مقدمتها التي وصف فيها الأطلال، وصاحبته، ورحلته في الصحراء، وناقته، ومنظراً من مناظر الصيد تبلغ ما يقرب من خمسين بيتاً)) (105) . وواضح أنه يدرج وصف الرحلة في الصحراء، والناقة، في صميم المقدمة التقليدية، بل يضيف إلى المقدمة لوحة أخرى هي وصف مناظر الصيد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 ومنهم الدكتور يوسف خليف الذي يربط القسم الذاتي من القصيدة الجاهلية، المتمثل في المقدمة التقليدية، بحل مشكلة الفراغ في حياة الجاهليين. ويجعل حديث الشاعر الجاهلي عن الخروج إلى الصحراء للرحلة أو الصيد عنصراً أساسياً من عناصر المقدمة (106) . وهو يرى أنّ القصيدة الجاهلية تنحل إلى قسمين أساسيين: قسم ذاتي: يتحدث فيه الشاعر عن نفسه؛ ويصور فيه عواطفه ومشاعره وانفعالاته. وهو قسم نستطيع أن نضع فيه هذه المقدمات، وما يتصل بها من وصف الرحلة والصحراء. والقسم الآخر غيري: يتحدث فيه الشاعر عن قبيلته أو يعرض للمدح أو الاعتذار. إلى أن يقول: ((ومن هنا نستطيع أن نتبين السر في حرص شعراء الجاهلية على هذه المقدمات، وما يتصل بها من وصف الصحراء والرحلة)) (107) . وإلى مثل ذلك يذهب الدكتور وليد قصاب إذ يقول: ((فالمعروف أن القصيدة القديمة ... كانت تقوم على تعدد الأغراض. فالشاعر يفتتحها بالوقوف على الأطلال، والحديث عنها ووصفها، ثم يعرض بعضاً من مناحي فتوته كالغزل ووصف الخمر. وقد يصف لنا رحلته في الصحراء ليعرض من خلال ذلك للحديث عن ناقته والفلاة الواسعة التي قطعها؛ ثم يمضي إلى الغرض الأصيل من القصيدة، فيمدح أو يفتخر أو يعاتب)) (108) . ويؤكد ذلك الدكتور محمد عبد العزيز الكفراوي وهو يعلل حرص الشعراء الجاهليين على تضمين مقدمات قصائدهم وصف الناقة والصحراء فيقول: ((فهم يستعيدون بذكر الناقة والصحراء عصر المخاطرة والفتوة والشباب الذي تركوه وراء ظهورهم، وهو لذلك جزء مكمل لما بدأه الشاعر من الحديث عن عواطفه وذكرياته أثناء الحديث عن المرأة)) (109) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 ولابن رشيق القيرواني كلام حاسم في هذه المسألة ساقه في باب المبدأ والخروج والنهاية، فقال: ((والعادة أن يذكر الشاعر ما قطع من المفارز، وما أنضى من الركائب، وما تجشم من هول الليل وسهره، وطول النهار وهجيره، وقلة الماء وغؤوره، ثم يخرج إلى مدح المقصود، ليوجب عليه حق القصد، وذِمَامَ القاصد، ويستحق منه المكافأة)) (110) . وهذا غيض من فيض من آراء النقاد الذين نظروا إلى وصف الناقة والرحلة في الصحراء على أنه جزء لا يتجزأ من المقدمة. ثم أن النظرة الشاملة للقصيدة تبدد أي شك في أن المقدمة لم تنته بنهاية اللوحة الثالثة؛ ذلك لأن الغرض الرئيس للقصيدة هو الفخر الذي يبدأ بعد نهاية لوحة الناقة، بقوله: قَوْمِي بَنُو النَّجَّارِ إنْ أَقْبَلَتْ شَهْبَاءُ تَرْمِي أَهْلَهَا بِالْقَتَام وليس قوله (دع ذا) في أول اللوحة الرابعة دليلاً على أنه قد وصل إلى غرضه؛ وإنما هو إشارة إلى أنه انتهى من لوحة ليشرع في لوحة أخرى من لوحات مقدمته. ومعنى ذلك أن حساناً قد خرج في مقدمته هذه على العرف الشعري الجاهلي، وتمرد على تقليد من تقاليد المقدمة. ... ويذهب الدكتور حسين عطوان إلى أنّ للمقدمة الطللية ثلاثة أشكال لاتتعدّاها إلى غيرها، هي: صورة الطلل بمفردها، وصورة الطلل مع صاحبته، وصورة الطلل والظعن (111) . ... ولكن يتبين في ضوء دراسة مقدمات حسان الجاهلية أن تقسيم الدكتور عطوان السابق يحتاج إلى مراجعة، إذ يبدو جلياً أن صور المقدمة الطللية تتجاوز الأشكال التي حددها الدكتور عطوان إلى أشكال أخرى، مثل: المقدمة الطللية الظعنية الغزلية (الصورة الخامسة) ، وهي التي تضم لوحة الطلل، ولوحة الغزل، ولوحة الظعن. كما يجد القارئ في قصيدة حسان الميمية التي مطلعها (112) : أَلَمْ تَسْألِ الرَّبْعَ الجَديدَ التَّكَلُّمَا بِمَدْفَعِ أَشْدَاخٍ فَبُرْقَةَ أَظْلَمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 والمقدمة الطللية الغزلية الوصفية (الصورة السادسة) التي تتألف من: لوحة الطلل، واللوحة الغزلية، واللوحة الوصفية الخمرية، ولوحة الناقة، كما هو الحال في مقدمة القصيدة التي نحن بصددها. الصورة السابعة: مقدمة الطيف والرحلة ... مقدمة الطيف من المقدمات الثانوية التي لم يكثر منها الشعراء في العصر الجاهلي، فهي قليلة الورود، محدودة المعاني، لم يتوسع الشعراء فيها ((بل كرّروا نفس المعاني والجزئيات في إيجاز شديد)) (113) . ... وفيها يتحدث الشاعر ((عن طيف الحبيبة الذي يخترق أستار الظلام، ويسري في ظلمات الليل، ليزور الشاعر في أحلامه، فيؤرقه ويعيده إلى ذكريات ماضية، ويثير في نفسه مشاعر الشوق والحنين الكامنة في أعماقه، ويجسم إحساسه بالبعد والحرمان)) (114) . ... وقد يضيف بعض الشعراء إلى ذلك تعجبهم من اهتداء الطيف إليهم، وقطعه المفاوز حتى ألم بهم (115) . ... يقول الشريف الرضي (ت سنة 436هـ) : ((وتعجب الشعراء كثيراً من زيارة الطيف على بعد الدار، وشط المزار، ووعورة الطريق، واشتباه السبل، واهتدائه إلى المضاجع من غير هاد يرشده، وعاضد يعضده، وكيف قطع بعيداً المسافة بلا حافر ولا خف في أقرب مدّة، وأسرع زمان)) (116) . ... وقد ذكر الدكتور يوسف خليف أن من أصحاب مقدمات الطيف في العصر الجاهلي بشامة بن الغدير، وتأبط شراً، وعمرو بن الأهتم (117) . وأضاف الدكتور عطوان إليهم المخبل السعدي، وخفاف بن ندبة (118) . ولم يذكر أي منهما حسان في هذا المجال. ... وتسهم في تشكيل هذه الصورة من مقدمات حسان الجاهلية لوحتان: لوحة الطيف، ولوحة الرحلة. وبهذه الصورة افتتح حسان قصيدته الرائية التي مطلعها (119) : حَيِّ النَّضِيرَةَ رَبَّةَ الخِدْرِ أَسَرَتْ إِلَيْكَ وَلَمْ تَكُنْ تَسْرِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 وهو يستهلها بلوحة الطيف، حيث يوجه تحيته إلى صاحبته (النضيرة) ربة الخدر، التي زاره طيفها ليلاً، وهو نائم؛ على الرغم من صدّها وهجرها في اليقظة، ثم يبدي استغرابه من اهتداء ذلك الطيف إليه، على الرغم من بعد الشقة، ونأي المسافات، وتوغل الشاعر وصحبه في البيداء، ونزولهم في مكان مقفر موحش. قال حسان بعد المطلع: فَوَقَفْتُ بِالبَيْدَاءِ أَسْأَلُهَا أَنّى اهتَدَيْتِ لِمَنْزلِ السَّفْر ثم ينقلنا إلى اللوحة الثانية، لوحة الرحلة، وفيها يصف رحلته في الصحراء وهي رحلة شاقة، طال فيها السفر، واشتد الحر، وأدرك المطايا الإعياء فكف السَّفْر عن زجرها، وأرخوا أعنتها، إشفاقاً عليها، لما لمسوه فيها من الإنهاك والإرهاق، بعد أن انبرى لحمها، واستبان لهم ضمورها. ... لقد ظل الشاعر وصحبه في تلك الرحلة يصرون على مواصلة السير، حتى في وقت القيلولة، حين تتوسط الشمس في كبد السماء، على الرغم من ثقل ذلك على نفوسهم، وشدّة إحساسهم بطول النهار؛ على إبل نجيبة، ضامرة سريعة، موائل الرؤوس من جذب الأزمة، تتدفق نشاطاً وحيوية، وتعطي أقصى ما تستطيع من قدرة عن طواعية، دون حاجة إلى زجر أو حث، لا يعيقها عن السير في لفح الهواجر عائق، فتراها تزفر في بُرى النحاس المعلقة في مناخرها. وإذا ما أناخت للراحة في منزلة من منازل الطريق، تراها كالقطا الجثم التي اختلط سوادها بصفرة. وما تلبث أن تنهض مستأنفة سيرها، تحت وقد الظهيرة، في الوقت الذي يرتفع الحرباء على عوده، ويهم بالحركة، ويتعالى صرير الجنادب، يقول حسان: وَالعِيسُ قَدْ رُفِضَتْ أَزِمَّتُها مَمَّا يَرَوْنَ بِهَا مِنَ الفَتْرِ وَعَلَتْ مَسَاوِيها مَحَاسِنَهَا مِمَّا أَلَحَّ بِهَا مِنَ الضُّمْرِ حتّى إِذَا رَكَدَ النَّهارُ لَنَا نَغْتَالُهُ بِنَجَائبٍ صُعْرِ عُوجٍ نَوَاجٍ يَعْتَلِينَ بِنَا يُعْفَين دًونَ النَّصِّ والزَّجْرِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 مُسْتَقْبِلاتٍ كُلَّ هَاجِرَةٍ يَنْفُخْنَ فِي حَلَقٍ مِنَ الصُّفْرِ وَمُنَاخُهَا في كلِّ مَنْزِلَةٍ كَمَبِيتِ جُونيِّ القَطَا الكُدْرِ وَسَمَا عَلى عُودٍ فَعَارَضَنَا حِرْبَاؤُهَا أَوْ هَمَّ بِالخَطْرِ وَتَكَلُّفِي اليَوْمَ الطَّويلَ وَقَدْ صَرَّتْ جَنَادِبُهُ مِنَ الظُّهْرِ ... ومن الواضح أن حساناً قد ضمن لوحة الطيف في هذه المقدمة معظم العناصر التقليدية التي ذكرها الشريف الرضي، والدكتور خليف والدكتور عطوان لتلك اللوحة، ولكن على نحو من الإيجاز والتكثيف. ... وبقدر ما أوجز في لوحة الطيف أسهب في لوحة الرحلة، فأفاض في وصف طولها، وما لحق المطايا من أين وكلال؛ وأفاض في وصف ظواهر الطبيعة القاسية ليصل بالرحلة إلى أقصى غاية من الصعوبة، وليضاعف شحنة الاستغراب من قدرة الطيف على قطع المسافات التي قطعها الشاعر وصحبه، وهو الضعيف الذي ليس في قدرته ذلك. الصورة الثامنة: مقدمة وصف الليل والظُّعن ... تتضافر على تكوين هذه الصورة من صور مقدمات حسان الجاهلية لوحتان، هما: لوحة وصف الليل، ولوحة الظعن. ... ومقدمة وصف الليل من المقدمات القليلة ((التي لم يحرص الشعراء على افتتاح قصائدهم بها كثيراً)) (120) . ... وقد افتتح حسان بهذه الصورة قصيدته البائية التي مطلعها (121) : تَطَاولَ بالخَمَّانِ لَيْلِي فَلَمْ تَكَدْ تَهُمُّ هَوَادِي نَجْمِهِ أَنْ تَصَوَّبَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 فاستهلها بلوحة وصف الليل، وفيها يشكو من هم ثقيل يلقي عليه بجرانه، ويجثم على صدره، فيجعله يحس بأن الليل بالخمان أطول مما عهده بكثير، فيحاول أن يقطعه بمراقبة النجوم، والتلهي بعدها، ومتابعة حركتها، حتى لكأنه موكل بها؛ أو كأنما قطع على نفسه عهداً بألا يخلد إلى النوم حتى يتأكد من غياب آخر نجم منها. وقد أبت تلك النجوم الحركة، حتى إن أوائلها لا تغيب أبداً، فضلاً عن أواخرها. وها هو ذا يراقب حركتها البطيئة، وقد جفا النوم عينيه، ويتابعها نجما نجما، فيهيأ له أنها إبل مُعيِيَة يظلع بعضها في إثر بعض. ... ولا يلبث الشاعر أن يكشف عن سبب ذلك الهم الثقيل الذي يحول بينه وبين النوم، فإذا به الخوف من فراق صاحبته المفاجئ، أو مباغتة قومها له بالرحيل، يقول حسان بعد المطلع: ... أَبيتُ أُرَاعيَها كَأَنّي مُوَكَّلٌ بِهَا ما أُرِيدُ النَّوْمَ حتَّى تَغَيَّبَا إِذَا غَارَ مِنْهَا كَوْكَبْ بَعْدَ كَوْكَبٍ تُرَاقِبُ عَيْنِي آخِرَ الَّليْلِ كَوْكَبَا غَوَائِرَ تَتْرَى من نُجُومٍ تَخَالُهَا مَعَ الْصُّبْحِ تَتْلُوهَا زَوَاحِفَ لُغَّبَا أَخَافُ فَجَاءَاتِ الفِراقِ ببَغْتَةٍ وَصَرْفَ النَّوَى من أنْ تُشِتَّ وَتَشْعَبَا وهموم حسان الثقيلة، وليله الطويل الذي لا تتحرك نجومه نحو المغيب، تذكرنا بهموم النابغة، وليله، ونجومه. في بعض مقدماته التي وصف فيها الليل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 .. وتسلمنا لوحة وصف الليل وتداعياتها في مقدمة حسان السابقة إلى لوحة الظعن. وقد رأيناه يختم الأولى بإبداء مخاوفه من فجاءَات الفراق، وصروف النوى. فإذا به يستهل الثانية بتأكيد أن مخاوفه قد تحققت، فقد أخذ رجال الحي في تقويض الخيام، وزمّ الأمتعة، استعداداً للرحيل؛ وتعالت أصواتهم تنبئ عن وشك الفراق، وارتفع الصوت المشؤوم، صوت الغراب ينعب من على غصن شجرة بانٍ قريبة، منذراً باغتراب الأحبة وبَيْنِهِم، فأيقن الشاعر بحتمية وقوع ما كان يحذره، وعزّز ذلك في نفسه مرور الطير عن يساره، مما ضاعف تشاؤمه. ... ويكمل حسان هذه اللوحة المؤثرة بوصف أثر الفراق في نفسه، فيبين أنّ مشهد تقويض الخيام أصابه بالذهول، وجعله في حيرة تركت رأسه أشيب، ودب في نفسه صراع بين العاطفة والعقل، فقلبه يهيب به أن يمتطي ناقته، ويخف في أثرهم، وعقله يأمره بتوخي الاتزان. ... ولا يغفل الشاعر عنصر الزمن في هذه اللوحة، فيحدده بوقت الأصيل، عندما أخذت الشمس تجنح نحو المغيب، يقول حسان: وَأَيْقَنْتُ لَمَّا قَوَّضَ الحَيُّ خَيْمَهُمْ بِرَوْعَاتِ بَيْنٍ تَتْرُكُ الرّأْسَ أَشْيَبَا وأِسْمَعَكَ الدَّاعِي الفَصِيحُ بِفُرْقَةٍ وَقَدْ جَنَحَتْ شَمْسُ النَّهارِ لتَغْرُبَا وَبيَّنَ في صَوْتِ الغُرابِ اغْتَرابُهُمْ عَشِيَّةَ أوْفَى غُصْنَ بانٍ فَطَرَّبَا وفي الطَّيْرِ بالعَلْيَاءِ إِذْ عَرَضَتْ لنَا وَمَا الطَّيْرُ إِلاَّ أَنْ تَمُرَّ وَتَنْعَبَا غَداةَ انْبَرى قَلْبي يُنَازِعُهُ الهَوَى أنازِعُ نفْسي أنْ أقُومَ فَأرْكَبَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 .. ومن الواضح أنّ الشاعر قد أغفل كثيراً من تقاليد مقدمة الظعن وعناصرها التي تواضع عليها من سبقوه من شعراء الجاهلية؛ فلم يصف الإبل، وما حملت من هوادج، وثياب، ولم يتحدث عن ألوانها وشياتها، كما لم يتطرق إلى الحادي والدليل، وحرّاس القافلة الأشداء، ولم يلمّ بالطريق الذي ستسلكه الظعن، وما يحفّ به من مخاطر، وما يتناثر على جانبيه من عيون مهجورة أو صالحة، كما لم يكشف عن أسباب الرحيل، ولا عن الغاية التي ستنتهي إليها الرحلة. ... وإذا كان حسان قد عدل عن كل هذه العناصر التي تُعَدُّ من مقومات مقدمة الظعن، فإنه قد أضاف عنصراً جديداً مهماً إلى تلك المقدمة، هو صورة الغراب، الذي يمثل في الوجدان العربي رمز التشاؤم، والفراق، والبين، كما أفاد من أسطورة (122) السانح والبارح التي كان يؤمن بها كثير من الجاهليين. وفي الوقت نفسه أسس للربط القوي بين لفظ (الغراب) ومعنى الاغتراب أو الغربة، وبين لفظ (البان) ومعنى البين، هذا التأسيس الذي أكثر الشعراء العرب بعده من استلهامه والنسج على منواله. ... وبهذا يكون حسان قد تطوَّر بمقدمة الظعن تطوراً ذا شأن عندما وظف بعض العناصر الأسطورية، واستعان بها في رسم جو التشاؤم والخوف محققاً بذلك تميزاً عن سابقيه، وممهداً للتوسع في ذلك عند من جاء بعده من الأمويين وسواهم، ولا سيما جرير الذي ردد هذا العنصر كثيراً في مقدمات الظعن التي استهل بها بعض قصائده. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 .. وقد عرض الدكتور حسين عطوان لمقدمة الظعن في العصر الجاهلي عند نفر من الشعراء المرموقين، مثل: المرقش، وعبيد بن الأبرص، وسلامة بن جندل، وبشر بن أبي خازم، وزهير، والممزق؛ وانتهى إلى تحديد أهم عناصرها، وأبرز مقوماتها وتقاليدها (123) . وإن لم يتعرض لأحد عناصرها المهمة، وهو غراب البين، والتشاؤم به، وتوقع الفراق، ورحيل الأحبة عند نعيبه؛ لأن العرب إنما سمّوه ((غراب البين)) ((لأنه إذا بان أهل الدار وقع في مواضع بيوتهم، يلتمس ويتقمقم، يتشاءَمون به ويتطيرون منه)) (124) كما يقول الجاحظ. وعندما عاد الدكتور عطوان إلى الحديث عن المقدمة نفسها عند الشعراء الأمويين، وقف وقفة طويلة عند هذا العنصر ((غراب البين)) في مقدمات الظعن عند جرير الذي اتخذ الغراب رمزاً لكثير من مقومات تلك المقدمة وتقاليدها (125) . وشغل به ((لما يثيره في النفوس من الخواطر، وما يبعثه فيها من المعاني التي تتلاءَم مع مواقف التحمل ومشاهد الارتحال، فأخذ يذيعه في مقدماته، ويلح عليه مستعيضاً به عن كثير من أوصافها وتقاليدها)) (126) . ... وعندما وازن الدكتور عطوان بين الفرزدق وجرير والأخطل، فيما يتعلق بافتتاح قصائدهم بمقدمة الظعن، جعل أبرز ما يتميز به جرير في ذلك المجال ((استغلال المعاني الأسطورية التي تتصل بالغراب، والتي كانت شائعة بين العرب)) (127) . ... وحديث الدكتور عطوان في هذا الموضوع بمجمله يدل على أن مقدمات الظعن قبل العصر الأموي لم تتطرق إلى ذلك العنصر (غراب البين) ، وإن لم ينص على ذلك صراحة. والحقيقة أن دراسة مقدمات حسان الجاهلية تكشف عن أنه سبق جريراً إلى استغلال هذا العنصر الأسطوري، وتضمينه مقدماته الظعنية، كما تشهد لوحته السابقة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 .. ولعلّ فيما يتصل بما نحن بصدده من تجديد حسان في مقدمة الظعن ما ذهب إليه الدكتور عطوان أيضاً من أن مقدمة الظعن قد ((تحولت إلى اتجاه فرعي عند الشعراء المخضرمين)) (128) . بعد أن كانت من الأشكال الأساسية للمقدمات في الجاهلية ... فقد تبين من خلال دراسة مقدمات حسان الجاهلية أن لوحة وصف الظعن تحتل المركز الثالث بين اللوحات التي شكلت مقدماته، حيث تشكل 14.28% ولها ثلاث لوحات. ولا يتقدمها سوى اللوحة الغزلية، وتحتل المركز الأول وتشكل 33.33% ولها سبع لوحات، واللوحة الطللية، التي تحتل المركز الثاني وتشكل 28.57% ولها ست لوحات، وتسبق هي لوحة الرحلة والراحلة التي تشكل 9.52% وتحتل المركز الرابع ولها لوحتان، ولوحة الطيف، والخمر، ووصف الليل، وتحتل كل منها المركز الخامس وتشكل 4.76% ولكل منها لوحة واحدة. ... والجدول الآتي يوضح ذلك: ترتيبها نسبتها عدد مرات ورودها نوع اللوحة المركز الأول 33.33% 7 الغزلية المركز الثاني 28.57% 6 الطللية المركز الثالث 14.28% 3 الظعنية المركز الرابع 9.52% 2 الرحلة والراحلة المركز الخامس 4.76% 1 الخمرية المركز الخامس مكرر 4.76% 1 الطيف المركز الخامس مكرر 4.76% 1 وصف الليل 99.98% 21 المجموع ... وقد يؤكد ذلك أنّ مقدمة الظعن لم تتحول إلى اتجاه فرعي عند حسان، فلم يتقدمها سوى لوحتي الغزل والطلل، في حين تقدمت هي لوحات الرحلة والراحلة، والخمر، والطيف، ووصف الليل. هذا فضلاً عن أنها تشكل 14.28% من مجموع لوحات المقدمات في قصائد حسان الجاهلية. ... وفي ضوء هذا التحليل تظهر ضرورة إعادة النظر في حكم الدكتور عطوان السابق. المحور الثالث: مظاهر التطور في مقدماته الجاهلية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 .. يتبين من العرض السابق أن حساناً قد تناول في مقدماته الجاهلية معظم الاتجاهات التقليدية للمقدمات، ما كان منها عاماً، أو فرعياً أو ثانوياً. ولكن من الملاحظ أنه لم يستهل أيّاً من قصائده ببكاء الشباب، أو الفروسية أو الشكوى أو الحكمة. ... كما يلاحظ أن اللوحات الغزلية في مقدماته، تفوق اللوحات الطللية عدداً، وهو في ذلك يخالف الرأي السائد الذي يذهب إلى أن المقدمة الطللية ((أكثر المقدمات انتشاراً في صدور قصائد الشعراء الجاهليين)) (129) . ... والمتأمل في المقومات والعناصر التي اشتملت عليها مقدمات حسان الجاهلية يتبين أنه قد تخلى عن بعض العناصر التقليدية تخلياً تاماً. كما يتبين أن مقدماته تتكون من: عناصر ثابتة، وعناصر متغيرة، وعناصر جديدة. ... فثمة عناصر ومقومات أبقى حسان عليها، والتزم بها في جميع مقدماته، وحافظ عليها، وحذا فيها حذو سابقيه. وثمة عناصر لم يلتزم بها التزاماً تاماً، ولم يتخلَّ عنها تخلياً كلياً، ولكن ظهرت في بعض مقدماته، واختفت في بعضها الآخر. ... وثمة عناصر جديدة، وهي ضربان: ضرب انحرف به حسان عن مساره السابق، وضرب من ابتكار حسان وسبقه، وسألقي الضوء على كلّ من هذه الاتجاهات في مقدمات حسان الجاهلية مركّزاً على لوحاته الغزلية والطللية والظعنية، وهي اللوحات الرئيسة في مقدماته الجاهلية. أولاً العناصر التي تخلى عنها: ... يلاحظ الدارس أن لوحات حسان الجاهلية تخلو من بعض العناصر والتقاليد التي تعد من المقومات الرئيسة للمقدمات الطللية والغزلية والظعنية، وفي ذلك دليل على رغبة حسان في التخلص من بعض قيودها الموروثة. ... فلوحاته الطللية تخلو من استيقاف الصحب، ومن ظهور الرفيقين معه على المسرح الطللي، يخاطبهما ويطلب إليهما إسعاده بالبكاء. كما تخلو من وصف ما حل بالأطلال من حيوانات برية كالظباء، والنعام، وبقر الوحش وحمره وأتنه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 .. وهو لا يذكر ما ذرته الرياح على الطلل من رمال كما استقر في العرف الجاهلي، وبالتالي تخلو لوحاته الطللية من تشبيه الرمال التي تسفيها الرياح بالدقيق المتناثر أو خلافه، وهو تشبيه لا يكاد يغيب عن لوحة الطلل في المقدمات الجاهلية التقليدية. وفي اللوحة الوحيدة التي ذكر فيها الرياح لم يعرض للرمال التي تسفيها وإنما عرض لأوراق الشجر اليابسة التي تعصف بها، فقال (130) : تَعِلُّ رِيَاحُ الصَّيْفِ بَالي هَشِيمِهِ ... عَلَى مَاثِلٍ كَالحَوْضِ عَافٍ مُثّلَّمِ ويكاد حسان أن يتخلى عن عنصر مهم آخر، بل مقوم رئيس من مقومات المقدمة الطللية، وهو البكاء على الطلل، فلم يقف حسان بالطلل باكياً إلا في لوحة واحدة، وبكاؤه لم يكن على أحبته الظاعنين، بل على أمجاد الغساسنة وعزِّهم. ... وكان الدكتور يوسف خليف قد لاحظ اختفاء عنصر البكاء على الأطلال في مقدمات زهير ومدرسته، وأن زهيراً ((يقف بالأطلال هادئاً رزيناً، يرى الحب وفاءً صامتاً، وأحزاناً تطويها الأعماق، لا دموعاً تفيض من العينين حتى تبلّ محامل السيف)) (131) . كما هو شأن امرئ القيس. ... ومعنى ذلك أن حساناً قد سار على نهج زهير ومدرسته لافي التخلي عن البكاء فحسب، بل في اختفاء الرفيقين عن مسرح الطلل. بل تجاوز زهيراً ومدرسته فتخلى عن استيقاف الصحب، ووصف ما حل بالأطلال من حيوانات الصحراء، وعن ذكر ما ذرته الرياح على الطلل من رمال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 .. وتخلو لوحاته الغزلية من وصف مشاهد الوداع والرحيل، وما تثيره في نفس الشاعر من حزن ولوعة، وحنين وأسى، كما تخلو مما نجده عند سابقيه من حرص على تبيان محاسن صواحبهم، وتتبعها غير تاركين شيئاً منها. فحسان كما يبدو في لوحاته الغزلية ليس من شعراء الغزل الذين يشفُّهم الهوى، فيذوبون شوقاً ولوعة. وربما يؤيد سائر شعره ما نذهب إليه، فهو يكثر من الفخر بقومه وبنفسه أمام المرأة، بل يصرح بأنه لن يخاطر أو يغامر في سبيل زيارتها إذا ما نأت دارها، وشط مزارها، ويعلن أنه سيكتفي بنظم الشعر وإهدائه لها، وينتظر لقاءَها في الموسم القادم. انظر إلى قوله: (132) سَأُهْدِي إِلَيْها كُلَّ عَامٍ قَصِيدَةً وَأَقْعد مَكْفِيَّاً بِيَثْرِبَ مُكْرَمَا ثانياً العناصر الثابتة: ... وهي العناصر التي تشبث بها حسان، فظهرت في جميع لوحاته، وهي قليلة إذا ما قيست بالعناصر المتغيرة. وقد يحمل هذا إشارة أخرى لنزوع حسان إلى التحرر من المقومات الموروثة للمقدمة التقليدية. والعناصر الثابتة في لوحات حسان الطللية ثلاثة، هي: مساءَلة الطلل عن أهله الراحلين، واسترجاع ذكرياته به، ووصف ما يحف به من وحشة وإقفار. ... وأما لوحاته الغزلية، فهو لم يتمسك فيها إلا بعنصر ثابت واحد، وهو الحديث عن عواطفه، وما يحس به من وجد، وسهد، وحنين تجاه صاحبته. وتمسكه بهذا العنصر ليس تاماً. فهو في لوحته الغزلية التي تضمنتها مقدمة قصيدته النونية، التي مطلعها: (133) . لِمَنِ الدَّارُ أَوْحَشَتْ بِمَعَانِ بَيْنَ أَعْلَى اليَرْموكِ فَالخَمَّانِ لم يكشف عن شيء من عواطفه. ... وليس في لوحاته الظعْنيَّة أيّ عنصر ثابت. وأما لوحته الخمرية فيحتفظ فيها بصورة الساقي الرشيق، فحسب. وأما في لوحة الطيف فيتمسك بقدر أكبر من العناصر الموروثة، مثل: التعجب من اهتداء الطيف إليه، وقطع المفاوز المهلكة، وزيارته في صحراء نائية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 ثالثاً العناصر المتغيرة: ... وهي العناصر التي تظهر في بعض لوحاته، وتختفي في بعضها الآخر، تبعاً لعوامل لا يمكن حصرها؛ أو الوقوف عليها؛ وفي مقدمتها الحالة النفسية والتجربة الشعرية، والموقف الانفعالي أو الشعوري الذي يعيشه الشاعر عند نظم قصيدته، وطبيعة الشاعر الفنية. ومن هنا كان من الطبعي أن تختلف هذه العناصر من شاعر لآخر، ومن قصيدة لأخرى عند الشاعر نفسه، في التفاصيل والجزئيات، وحضور بعض العناصر وغيابها، ((وهو اختلاف لا بد منه في الأعمال الفنية، وإلا فقدت هذه الأعمال أهم عنصر فيها وهو التعبير عن الشخصية)) (134) . ... والعناصر المتغيرة في لوحات حسان الطللية كثيرة، هي: ذكر أسماء المواضع، والعطف بينها بالفاء، وتحديد مكان الطلل، وذكر ما تبقى من آثار الديار، وما غيرها من عوامل الطبيعة، أو تقادم الزمن، وتشبيه بقاياها بالثوب الموشى أو الوشم أو آثار الكتابة المطموسة أو غير ذلك، وتشبيه الأثافي بالحمائم الجثم، أو الملتفة حول فرخ لها. ... وهي في لوحاته الغزلية التغني بجمال المرأة الحسي أو المعنوي أو بهما معاً، واسترجاع ذكرياته معها، والتحسر على أيامه الماضية، فضلاً عن التصريح بذكر اسمها. ... وفي لوحة الظعن، وصف الاستعداد للرحيل، ووصف الإبل وهوادجها، والطريق الذي سلكته القافلة، وما يحف به من مخاطر، وما تناثر على جانبيه من رمال وعيون، وذكر المكان الذي انتهت إليه رحلة الظعائَن، وسبب الرحيل، والحديث عن غراب البين، رمز التشاؤم. رابعاً العناصر الجديدة في مقدمات حسان: ... لم يقتصر نزوع حسان إلى التحرر من قيود المقدمة التقليدية على التخلي عن بعض مقوماتها، بل تعداه إلى محاولات تجديدية تتمثل في إضافة عناصر جديدة إلى تلك المقدمة، أو الانحراف بالعناصر التقليدية الموروثة إلى عناصر يستوحي فيها حياته الخاصة، وتجاربه الذاتية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 .. وكانت مقدمة القصيدة قد انتهت إلى حسان وطبقته وهي تحمل كثيراً من بصمات مدرسة الصنعة وطوابعها التي تتمثل في عدد من التقاليد، من: ((عناية بالتفاصيل والجزئيات، وجنوح إلى التعبير بالصورة، وحرص على استكمال عناصرها، وخطوطها، وألوانها، ووضع اللمسات الفنية الأخيرة عليها، واهتمام بانتقاء الألفاظ واختيارها، وإحكام لصياغة العبارات، وبراعة في توليد المعاني الدقيقة، والغوص خلف الأفكار العميقة)) (135) . ... والمتأمل في مقدمات حسان الجاهلية يجد أنه لم يحرص على هذا الإرث الفني، بل تمرد عليه، في أكثر مقدماته؛ فمال إلى التركيز والتكثيف بدل العناية بالجزئيات والتفاصيل، والألوان، والظلال. ويبدو ذلك واضحاً في قصيدته اللامية التي مطلعها: (136) . أَسَأَلْتَ رَسْمَ الدَّارِ أَمْ لَمْ تَسْأَلِ بَيْن الجَوَابِي فَالبُضَيعِِ فَحَوْمَلِ وربما تبدو هذه الظاهرة أوضح ما تبدو (137) في قصيدته العينية التي مطلعها (138) : بَانَتْ لَمِيْسُ بِحَبْلٍ مِنْكَ أَقْطَاعِ واحْتَلَّتِ الغَمْرَ تَرْعَى دَارَ أشْرَاعِ كما تظهر بوضوح في لوحة الطلل من مقدمة قصيدته الميمية المقيدة التي مطلعها: (139) . مَا هَاجَ حَسَّانَ رُسُومُ المَقَامْ وَمَظْعَنُ الحَيِّ وَمَبْنَى الخِيَامْ حيث تصل هذه الظاهرة إلى أوجها. ... ويلمس المتأمل في مقدمات حسان الجاهلية ميل حسان الواضح إلى الاقتصاد في التعبير بالصورة الشعرية في أكثر مقدماته، حتى ليمكن القول إن ذلك من الملامح المميزة للمقدمة عنده، بخلاف زهير ومدرسته. وتكفي هنا الإشارة إلى قصائده: الميمية، واللامية، والطائية، حيث جرى الحديث بالتفصيل عن ذلك في أثناء عرض صور مقدماته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 ويجد الدارس فضلاً عن ذلك كثيراً من مظاهر الجدة في مقدمات حسان الجاهلية إذا ما قيست عناصرها ومقوماتها بتلك التي كانت سائدة في مقدمات سابقيه. كما يجد مظاهر أخرى للانحراف ببعض عناصر المقدمة ومقوماتها نحو التعبير عن معان وأحوال تتصل بحياة حسان، وظروفه، وتجاربه الذاتية، منها: أولاً: إكثاره من ذكر أماكن تقع خارج الجزيرة العربية. فقد ردد حسان في مقدماته كثيراً ذكر مواضع تقع في ديار الغساسنة، كالذي يجده القارئ في قصائده: اللامية (140) ، والنونية (141) ، والدالية (142) . ثانياً: تعبيره عن الإعجاب بأمجاد الغساسنة وعزّهم، في مواضع كان سابقوه يعبرون فيها عن أشواقهم، وصبواتهم إلى المرأة، كما نجد في لوحته الطللية التي افتتح بها قصيدته النونية. ثالثاً: قد لا يثير وقوفه بالأطلال في نفسه صورة الظعن ومراكب النساء، وإنما يدفعه إلى استعادة صورة قنابل الخيل، وكرائم الإبل عند الغساسنة، كما في قصيدته النونية سالفة الذكر. رابعاً: لا يذكر حسان في بعض لوحاته الطللية الأحبة الظاعنين، ولا يستعيد ذكريات الحب، أو يشكو تباريح الهوى، وإنما يستعيد ذكرياته في ديار الغساسنة، ويشيد بسالف عزّهم، كما في قصيدته اللامية. خامساً: قد ينحرف حسان في بكائه عن نهج السابقين، فلا يبكي الأحبة الغائبين، بل يبكي قومه الغساسنة. انظر إليه يقول: (143) فَالعَيْنُ عَانِيةٌ تَفِيضُ دُمُوعُهَا لِمَنازِلٍ دَرَسَتْ كَأَنْ لَمْ تُوءَلِ دَارٌ لِقَوْمٍ قَدْ أَرَاهُمْ مَرَّةً فَوْقَ الأَعِزَّةِ عِزُّهُمْ لَمْ يُنْقَلِ سادساً: سبق الحديث عن تخلي حسان عن فكرة الرفيقين في لوحاته الطللية. ولكننا نجده يخاطب شخصين في مقدمة قصيدته الطائية، فيقول (144) : بَلِّغَاهَا بِأَنَّنِي خَيْرُ رَاعٍ لِلَّذِي حَمَّلَتْ بِغَيْرِ افْتِراطِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 والمخاطبان هنا ليسا الرفيقين التقليديين اللذين يظهران عادة في مسرح الطلل وإنما شخصان عاديّان يطلب إليهما الشاعر أن يبلغا رسالة عنه، وواضح أنه انحرف بفكرة الرفيقين هنا عن خطها السابق. سابعاً: لا يبدي حسان في لوحاته الغزلية تهافتاً على المرأة، فهو لا يخاطر بنفسه أو يتجشم الصعاب في سبيل الوصول إليها، كما نجد عند كثير من شعراء الجاهلية، وإنما يتسامى بمشاعره أحياناً فيجعل التعبير الفني عنها بديلاً عن محاولة إشباعها، ويمثل ذلك قوله في ختام مقدمة قصيدته الميمية (145) : سَأُهْدِي لَهَا فِي كُلَّ عامٍ قَصِيدَةً وَأَقْعُدُ مَكْفِيّاً بِيَثْرِبَ مُكْرَمَا ثامناً: ومن الجديد في لوحات حسان الغزلية التي تتضمنها مقدماته الجاهلية أنه يصف الجواري والولائد اللاتي كان يشاهدهن في بلاط الغساسنة أو في ديارهم، في أثناء زياراته لهم؛ فيثرن إعجابه، كالذي نقرأه في لوحته الغزلية التي تضمنتها قصيدته النونية، من قوله (146) : قَدْ دَنَا الفِصْحُ فَالوَلاَئُدُ يَنْظِمْنَ (م) قُعُودَاً أَكِلَّةَ المَرْجَانِ ومما يحمل بعض ملامح الجدة في تلك اللوحة أن حسان لم يتغن فيها بجمال المرأة الجسدي أو النفسي، كما هو الحال في المقدمات الغزلية عند الجاهليين، وإنما عبر عن انبهاره بالمرأة الحضرية، وأدوات زينتها، وعطورها، ولباسها، وهو انبهار حدا به إلى تفضيل المرأة الحضرية على البدوية. يقول: يَجْتَنِينَ الجَادِيَّ في نُقُبِ الرَّيْطِ (م) عَلَيْهَا مَجَاسِدُ الكَتَّانِ لَمْ يُعَلَّلْنَ بِالمَغَافِرِ والصَّمْغِ (م) ولا نَقْفِ حَنْظَلِ الشَّرْيَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 تاسعاً: ولعل من الجديد الذي رصده البحث في لوحات حسان الغزلية مزج مشاعره وموصوفاته ببعض عناصر الطبيعة، أو اتخاذ الطبيعة خلفية لبعض المواقف، كما في لوحته الغزلية التي تضمنتها قصيدته الدالية، حيث يختار لصاحبته (شعثاء) عندما يستعيد ذكراها وقتاً تلبس فيه الطبيعة أزهى حللها، يقول (147) : تَذَكُّرُ شَعْثَاءَ بَعْدَ الكَرَى وَمُلْقَى عِرَاصٍ وَأَوْتَادَهَا إِذَا لَجِبٌ منْ سَحَابِ الرَّبيعِ مَرَّ بِسَاحَتِها جَادَهَا ... ويرسم لوجهها صورة لا أبهى ولا أجمل، صورة وجه الغزال الذي غذي بأطيب نبات، وأينعه، ورعى الأماكن التي لا تطؤها الأقدام، فيقول: وَوَجْهَاً كَوَجْهِ الغَزَالِ الرَّبِيبِ يَقْرُو تِلاعاً وأَسْنَادَهَا فَأَوَّبَهُ اللَّيْلَ شَطْرَ العَضَاهِ يَخَافُ جَهَامَاً وَصُرَّادَها عاشراً: ومن أهم ملامح الجدّة في لوحات حسان الظعنية استغلاله لبعض العناصر الأسطورية في الحياة الجاهلية، مثل: الغراب، والسانح، والبارح، في رسم جو الحزن والتشاؤم الذي يصاحب استعداد أحبته للرحيل، كما يبدو في قصيدته البائية،حيث يقول (148) : وَبَيَّنَ فِي صَوْتِ الغُرَابِ اغْتَرابُهُمْ عَشِيَّةَ أَوْفَى غُصْنَ بَانٍ فَطَرَّبَا وَفِي الطَّيْرِ بِالعَلْيَاءِ إِذْ عَرضَتْ لَنَا وَمَا الطَّيْرُ إِلاَّ أَنْ تَمُرَّ وَتَنْعَبَا ... مما يجعله سابقاً لجرير وسواه من الأمويين والعباسيين الذين توسعوا في استغلال تلك العناصر. حادي عشر: ومن تلك الملامح الجديدة أن عبارة (دع ذا) في شعر حسان قد لا تعني أنه فرغ من المقدمة، ودلف إلى غرض القصيدة، كما هو الشأن عند شعراء الجاهلية؛ بل تعني أنه فرغ من لوحة من لوحات مقدمته ليشرع في لوحة أخرى؛ كما يجد من يتأمل مقدمة قصيدته الميمية التي افتتحها بقوله (149) : مَا هَاجَ حَسَّانَ رُسُومُ المَقَامْ وَمَظْعَنُ الحَيِّ وَمَبْنَى الخِيَامْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 .. هذه بعض ملامح الجدة التي رصدها البحث في مقدمات حسان. ولعل محمد بن سلام الجمحي قد نظر إليها، وإلى ما تخلى عنه حسان وسواه من شعراء الحواضر العربية؛ عندما أطلق عليهم لقب (شعراء القرى العربية) ، ليميزهم من شعراء البوادي الذين التزموا تلك المقومات، وتقيدوا بها، ولم يخرجوا عنها. ... وفي ضوء ذلك يظهر عدم وجاهة النقد الذي وجهه الدكتور حسين عطوان لابن سلام، حين قال منكراً عليه صنيعه هذا: ((ولسنا ندري لماذا أفرد ابن سلام بابا خاصاً بشعراء القرى العربية: مكة، والمدينة، والطائف، والبحرين، واليمامة، مع أنه لم يستخرج من أشعارهم خصائص فنية معينة تميزهم من شعراء البوادي، ولا نصّ على الدافع الذي حمله على ذلك سوى ملاحظته أنّ الشعر يكثر في البوادي، ويقل في الحواضر)) (150) . ... فالنظرة العميقة المتأنية إلى مقدمات حسان الجاهلية تكشف دون شك عن خصائص غير التفاوت في كثرة الشعر وقلته، ميزت شعر حسان من شعر سواه من شعراء البوادي، وتبين أن في مقدماته الجاهلية ملامح جديرة بالالتفات إليها، والوقوف عندها. الحواشي والتعليقات (1) انظر: الروض الأنف في تفسير ما اشتمل عليه حديث السيرة النبوية، السهيلي 2/280 وقد شكك السهيلي رحمه الله في البيت السابع وهو: ... ... على أنيابها أو طعم عض ... من التفاح هصّره اجتناء ... ... وبنى شكه على أساس فني حيث قال: ((والبيت موضوع لأنه لا يشبه شعر حسان ولا لفظه)) . وقد آثرت أن أستبعد من البحث كل ما تطرق إليه الشك. (2) انظر: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تح محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت 1/188 189. (3) المصدر السابق 1/231. (4) هي عمرة بنت خالد بن عطية بن حبيب بن عمرو بن عوف الأوسية. انظر: ديوان حسان تح حنفي ص:191. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 (5) ديوانه تح حنفي ص: 191 وتح عرفات 1/307 وأراد يدهن القلب فأدخل اللام والصرم: الهجر، وابتكر: عجّل، والإدهان: الخضوع، والمصانعة، والحصر: الضيق. (6) المصدر السابق. (7) انظر: الأغاني 2/160 161 وانظر ديوان حسان تح عرفات 1/230 331. (8) ديوان حسان تح حنفي ص: 194 وتح عرفات 1/230. (9) المصدر السابق تح حنفي ص: 131 وتح عرفات 1/25. (10) السابق. (11) السابق. (12) هو صيفي بن عامر الأسلت، ويكنى أبا قيس، كان قائد الأوس يوم بعاث، لم يدخل الإسلام، وكان شاعراً مجيداً. انظر: تاريخ التراث العربي، لسزكين، م2 ج2 ص 307. (13) البويلة: موضع بالمدينة التقى فيه الأوس والخزرج فاقتتلوا قتالاً شديداً، فكانت الدائرة فيه على الأوس، فقال حسان القصيدة: انظر ديوانه تح عرفات 1/243. (14) ديوان حسان تح حنفي، ص: 319 ود. عرفات 1/243 وأراد بالرسول: الرسالة. أي إذا ألقى إليه أبو قيس سمعه يبين له ما فيه. (15) العمدة 1/231. (16) المصدر السابق. (17) نفسه 2/151. (18) هو هشام بن محمد بن السائب بن بشر عالم بالنسب وأخبار العرب وأيامها ومثالبها ووقائعها أخذ عن أبيه وعن جماعة من الرواة، وله كتب مصنفة، توفي سنة 206هـ. الفهرست ص: 140. (19) هو دريد بن معاوية (الصمة) كان سيد بني جشم بن معاوية (هوازن) وكان من ألد أعداء النبي e، قتل يوم حنين ورثته أخته عمرة، ويعد في الشعراء المعمرين. انظر الشعر والشعراء، لابن قتيبة ص 470 473، تاريخ التراث العربي فؤاد سزكين، م2، ج2، ص: 273، وتاريخ الأدب العربي، فروخ 1/231. (20) العمدة 2/151. (21) المصدر السابق. (22) يوسف خليف، دراسات في الشعر الجاهلي، ص: 120. (23) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص:109. (24) مختار الشعر الجاهلي، مصطفى السقا، طبع مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط2 1948 ص: 176. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 (25) انظر: ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، دار المعارف ط6، ص: 586، 588. (26) انظر: جمهرة أشعار العرب، طبع بيروت سنة 1963م ص 112. (27) مقدمة الققصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 109. (28) المرجع السابق. (29) نفسه. (30) نفسه. (31) العمدة 1/231. (32) الشعر الجاهلي مادته الفكرية وطبيعته الفنية، نشر مكتبة الشباب، القاهرة ص: 351. (33) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 109. (34) السابق. (35) طبقات فحول الشعراء تح محمود شاكر، مطبعة المدني، ص: 25. (36) المصدر السابق، ص: 25 والخصائص لابن جني طبع دار الكتب ص: 386. (37) انظر: علي الجندي: تاريخ الأدب الجاهلي، ط2 1966م مكتبة الجامعة العربية، بيروت ج 1 ص: 34، وشوقي ضيف، العصر الجاهلي، ص: 178. (38) ناصر الدين الأسد، ص: 586. (39) انظر: ناصر الدين الأسد، ص: 587 وقد نقل ذلك عن سركيس في معجم المطبوعات. (40) انظر تفاصيل ذلك الخلاف في مصادر الشعر الجاهلي، ص: 585، 586، 587. (41) المرجع السابق، ص: 585، 586. (42) المرجع السابق ص: 585، 586، 587 وعلي الجندي، 1/234. (43) السابق، ص: 585. (44) السابق، ص 586. (45) السابق، ص: 585. (46) نفسه، ص: 587 وانظر علي الجندي 2/234. (47) نفسه، ص: 586. (48) نفسه. (49) نفسه، ص: 584. (50) نفسه. (51) انظر: علي الجندي، ص: 232. (52) ابن النديم، الفهرست، ص: 82. (53) أبو الطيب اللغوي، مراتب النحويين، ص: 49. (54) ابن جني، الخصائص، ط الهلال 1913، ص: 3/311. (55) انظر: عطوان، مقدمة القصيدة العربية في العصر الأموي، ص: 96. (56) هي القصائد ذوات الأرقام: 71، 228، 70، 56، 39، 29، 10 من تحقيق حنفي و23، 150، 10، 18، 136، 4، 26 من تحقيق عرفات. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 (57) هي القصيدة رقم 72 من تح حنفي و8 من تح عرفات. (58) هي القصيدة رقم 7 من تح حنفي و3 من تح عرفات. (59) هي القصيدة رقم 218 من تح حنفي و 123 من تح عرفات. (60) هي القصيدة رقم 38 من تح حنفي و 27 من تح غرفات. (61) 23.8 على وجه التحديد. (62) 24.63 على وجه التحديد. (63) خطمة (بفتح أوله، وسكون ثانيه) موضع في أعلى المدينة. ويوم خطمة من أيام الأوس والخزرج قتل فيه حصين بن الأسلت. انظر: ديوان حسان تح حنفي ص: 332 وتح عرفات 1/300 ومعجم البلدان تح فريد الجندي ج2 ص 433. (64) سبق التعريف به. (65) ديوان حسان تح حنفي ص: 332 والمفضليات، تح أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، الطبعة السابعة، ص: 284. (66) ديوان حسان تح حنفي، ص: 335. (67) هذه العبارة سبقت أغلب تلك القصائد في تح حنفي. (68) هذه العبارة سبقت أغلب تلك القصائد في تح عرفات. (69) وردت هذه العبارة في التمهيد للقصيدة رقم29تح حنفي، وفي التمهيد للقصيدة رقم 4 في تح عرفات. (70) ديوان حسان تح حنفي ص: 322 وتح عرفات 1/255. (71) المصدر السابق تح حنفي، ص: 335 وتح عرفات 1/302. (72) يوسف خليف، دراسات في الشعر الجاهلي، ص: 144. (73) المرجع السابق، ص: 123. (74) حسين عطوان، مقدمة القصيدة العربية في الشعر الجاهلي، دار المعارف بمصر، 1970م ص: 117. (75) طبقات الشعراء، مطبعة بريل، ليدن 1913م، ص: 52. (76) عطوان، ص: 116. (77) خليف، دراسات، ص: 125. (78) ديوان حسان تح حنفي، ص: 121 وتح عرفات 1/74. ... الجابية (بكسر الباء وياء مخففة) : قرية من أعمال دمشق من عمل الجيدور من ناحية الجوْلان قرب مرج الصفَّر في شمالي حوران. معجم البلدان 2/106. ... والبُضيع (مصغر، ويروى بالفتح في هذا البيت) : جبل بالشام أسود معجم البلدان 1/525. ... وحومل (بالفتح) : موضع. معجم البلدان 2/373. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 .. ومرج الصُفَّر (بالضم وتشديد الفاء) : بدمشق، أو على أربعة فراسخ منها. ... معجم البلدان 5/118 وديوان حسان تح عرفات 2/74. ... جاسم: قرية بطرف الجوْلان، بينها وبين دمشق ثمانية فراسخ على يمين الطريق إلى طبرية. معجم البلدان 2/109. ... وتبنى (بالضم ثم السكون وفتح النون والقصر) : بلدة بحوران من أعمال دمشق. معجم البلدان 2/16. ... والمدجنات: الأمطار الغزيرة. والعانية: سائلة بالدمع. (79) خليف، ص: 133. (80) ديوان حسان تح حنفي، ص: 167 وتح عرفات 1/91 ... وبواط (بالضم وآخره طاء مهملة: جبل من جبال جهينة بناحية رضوى. معجم البلدان 1/596 وفي ديوان حسان تح حنفي ص 168 موضع والغطاط: ضرب من القطا شبه الأثافي بها.والألوف: جمع إلف وهو الأليف. وابن عمرو: يعني نفسه نسبها إلى جده الرابع، فهو حسان بن ثابت بن ... المنذر بن حرام بن عمرو. انظر: ديوان حسان تح حنفي، ص: 61 والشَّطاط: البعد، واللجاج: الخصومة. والافتراط: التضييع والتفريط. (81) خليف، ص: 111. (82) عطوان، مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 136. (83) خليف، ص: 147. (84) عطوان، مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 136. (85) ديوان حسان، تح حنفي ص 102 وتح عرفات 1/113. وملقى عراص وأوتادها أي الموضع الذي كانوا ينزلونه ويعترضون فيه. والمغدودن: الشعر الكثير الطويل، وتنوء: تنهض، وآدها: أثقلها. ... والتلاع: مسايل الماء إلى الأودية، وأسناد الجبل: ما قابلك منه واحدها سند. والعضاه: كل شجرة ذات شوك فهي عضة، وشطرها: نحوها. والصّراد: السحاب الذي لا ماء فيه يكون مع شدة برد الريح. (86) المصدر السابق تح حنفي، ص: 335 وتح عرفات 1/302 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 .. وأقطاع: منقطع. والغمر: اسم لمياه عديدة، والماء الكثير. ودار أشراع من شرع الوارد إذ تناول الماء بلا ضم. والإمراع: الخصب. والغروب: الدلاء العظيمة، وإتراع: امتلاء. (87) خليف، ص: 124 125. (88) عطوان، مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص 123. (89) خليف، ص: 125. (90) ديوان حسان، تح حنفي، ص: 180 وتح عرفات 1/62 والخياعيل واحدها خيعل. والخيعل والخيلع واحد وهو: ثوب يجاب وسطه شبيه بالإتب أو البقير. أو قميص بلا كمين تلبسه النساء، أو برد يشق ويلبس بلا كمين، وهو الرهط. والسابري: منسوب إلى سابور. ومرسم: معلم، وريْط: جمع ريْطة وهي كل ملاءَة غير ذات لفقين كلها نسج واحد، وقطعة واحدة. أو كل ثوب لين رقيق. ومباديه: ظواهره. والركد: أراد الأثافي. والشجيج: أراد الوتد. والسحيق: الثوب الخلق. والمنمنم: المزخرف. الهشيم: ما جف من الشجر. والماثل: أراد النؤى الدارس والجون: السحاب ... الأسود، والساري: الماطر ليلاً، والوابل: أشد المطر وقعاً وأعظمه قطراً. والمتهزم المتشقق بالماء. الودق: المطر، والمنبجس: المتفجر، وتزجيه: تسوقه. وضعيف العرى: سريع الصب، وبركه: صدره. والداني: الثقيل. والمسف من ثقله. والأكظم: الممتلئ. والأسحم: الأسود. والكاشح: المتولى عنك بوده. الرث: البالي. المتجذم: المتقطع. كظَّ: امتلأ حتى ضاق. والنث: نشر الحديث وإذاعته، ومرجم: غير يقين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 (91) المصدر السابق، تح حنفي ص: 322 وتح عرفات 1/255 ومعان، (بالفتح وآخره نون) : مدينة في طرف الشام، تلقاء الحجاز، من نواحي البلقاء، معجم البلدان 5/179 ويرموك واد بناحية الشام من طرف الغور، كانت به المعركة المشهورة بين المسلمين والروم، معجم البلدان 5/497 والخمان (بفتح أوله وتشديد ثانيه) : من ناحية البثنية من أرض الشام. معجم البلدان 2/444 وبلاس (بالفتح والسين المهملة) : بلد بينه وبين دمشق عشرة أميال. معجم البلدان 1/564. ... وداريّا: قرية كبيرة مشهورة من قرى دمشق بالغوطة. معجم البلدان 2/492 وسكاّء (بفتح أوله، وتشديد ثانيه، والمد) : قرية بينها وبين دمشق أربعة أميال في الغوطة. معجم البلدان 3/259. وجاسم (بالسين المهملة) : اسم قرية بينها وبين دمشق ثمانية فراسخ على يمين الطريق الأعظم إلى طبرية. معجم البلدان 2/109 والفصح: عيد النصارى. ويجتنين: يلتقطن. والجادي: الزعفران. ... والنقب: جمع النقبة وهي: ثوب كالإزار تجعل له حجزة مطيفة من غير نيق. والمجاسد: جمع مجسد كمبرد: ثوب يلي الجسد. والمغافير: صمغ الثمام واحده مغفور، والشريان: شجر. (92) عطوان، مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 137. (93) ديوان حسان تح حنفي ص: 149 وتح عرفات 1/279 ... وجلّق (بكسرتين وتشديد اللام وقاف) : اسم لكورة الغوطة كلها، وقيل: بل هي دمشق نفسها. وقيل جلق موضع بقرية من قرى دمشق. معجم البلدان 2/179. والبلقاء: كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى قصبتها عمان، معجم البلدان 1/580 وشعثاء هذه بنت عمرو بن ماسكة من يهود، وكانت مساكن بني ماسكة بناحية القف، وكان أبو شعثاء قد رأس اليهود التي تلي بيت التوراة، وكان ذا قدر فيهم. ديون حسان تح عرفات 2/208 والمحبس: موضع. والسند: سند الجبل سفحه. وبصرى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 (بالضم والقصر) : من أعمال دمشق وهي قصبة حوْران. معجم البلدان 1/522 والريْط: جمع الريْطة: وهي الملاءَة. والقدد: القطع واحدتها قدة. والمخيسات: الإبل ... المذللة وسربح: واسع، والجدد: المستوي. (94) انظر: عناصر مقدمة الظعن. عطوان، مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص:137. (95) ديوان حسان تح حنفي ص 125 وتح عرفات 1/34. والرسم ما على وجه الأرض من الآثار. والقاع: الأرض المستوية. والجزع: منعطف الوادي. وتتهم: أتى أهله تهامة وتركوه. والنقيع (بالفتح ثم الكسرة وياء ساكنة وعين مهملة) : من أودية الحجاز يدفع سيله إلى المدينة، على أربعة برد. معجم البلدان 5/348 وانظر: ديوان حسان. وتغلم (بالفتح ثم السكون وفتح اللام) : جبل، وهما تغلمان بين نخل وبين الطرف دون المدينة بمرحلة، وأفردهما للضرورة. معجم البلدان 2/41 وديوان حسان. والمراض (بفتح الميم) : واد فوق التغلمين من أرض غطفان. والمراضان واديان. معجم البلدان 5/108 والحور شدّة بياض العين في شدّة سوادها. والترب: اللدة والصديقة، النشاص: سحاب ينشأ في عرض السماء منتصباً. وإرزامة:رعده، وأعضاده: نواحيه، وتحمحمه: صوته. والمطافيل: الإبل معها أولادها أطفالاً. والرباع جمع رُبَع وهو ما نتج في الربيع. وأثجم: سال. والعقيق: وادي المدينة. والجماء: هضبة، ووئيد الرعد: شدة صوته. والقاؤه بركه: مقامه لا يبرح، وتهزمه تشققه بالماء، والبرك: الصدر: وتربان: بالقرب من العقيق، والتلعة: ... مسيل الماء إلى الوادي. والعضاه:كل شجر له شوك، الواحدة عضة. والدرقل: ضرب من الثياب. وعسجن: مددن أعناقهن. والقطر: ضرب من برود اليمن. أو ثياب حمر. غفار: ابن مليل من كنانة. وأسلم: ابن أفصى بن حارثة من خزاعة منازلهم بتهامة وهي من ناحية اليمن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 (96) أبو بكر محمد بن القاسم بن الأنباري:شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات تح عبد السلام هارون، ... دار المعارف بمصر، ط2، ص: 49. (97) ديوان حسان تح حنفي، ص: 184 وتح عرفات 1/106 وأعضاد الحوض نواحيه. والنسبة إلى تهامة: تهامي وتهام بالفتح. وظبية مغزل: ذات غزال والنعف: ما انحط من الارتفاع، وارتفع عن الانحطاط. وبرام (بكسر أوله وفتحه) : جبل في بلاد بني سليم عند الحرّة من ناحية البقيع. معجم البلدان 1/436. وتزجي: تسوق. وبغمت الظبية: صوتت بأرخم ما يكون صوتها. والثغب ما سال من الجبل فحفر في أصله. والرصف: الحجارة المتراصفة المتقاربة. (98) ديوان الأعشى الكبير، ميمون بن قيس، شرح وتعليق د. محمد محمد حسين، الناشر مكتبة الآداب بالجماميز، المطبعة النموذجية ص: 293. (99) شج: مزج، وبيت رأس: قرية بالأردن. معجم البلدان 1/616. وبرها: أراد ثمنها، ويولي: يحلف من الأليّة. الرقاق: الرمل المستوي الناعم. وبيسان (بالفتح ثم السكون وسين مهملة ونون) : مدينة بالأردن بالغور الشامي، بين حوران وفلسطين. معجم البلدان 1/625. ودرياق: شفاء. والذفريان: عن يمين النقرة وشمالها. والبرنس: قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام. (100) انظر أسباب الشك في هذه المقدمة، في: مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 171. (101) المرجع السابق. (102) نفسه. (103) ديوان حسان تح حنفي، ص: 186 وتح عرفات 1/106 وجسرة: ناقة ضخمة طويلة، ذات مراح: نشيطة، عقام: عقيمة، جلذية: صلبة. دفقة: واسعة الخطو. خنوف: تخنف برأسها وعنقها من النشاط. اغتلت الدابة: تجاوزت حسن السير. والاغتلاء: الإسراع. لفها: غشاها. (104) العمدة 1/239. (105) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 109. (106) انظر: دراسات في الشعر الجاهلي، ص 106. (107) المرجع السابق، ص: 117 118. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 (108) قضية عمود الشعر في النقد العربي القديم، ص: 218 219. (109) الشعر العربي بين الجمود والتطور، ص: 38. (110) العمدة 1/226. (111) انظر: مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 121 126. (112) ديوان حسان تح حنفي ص: 125 وتح عرفات 1/34. (113) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 168. (114) خليف، دراسات، ص: 168. (115) انظر: مقدمة القصيدة في العصر الجاهلي، ص: 165. (116) طيف الخيال، تح حسن كامل الصيرفي، طبع دار إحياء الكتب العربية، سنة1962م، ص: 16. (117) خليف، ص: 168. (118) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 168. (119) ديوان حسان تح حنفي، ص: 187 وتح عرفات 1/52 والسفر: المسافرون. وركود النهار: طوله. ونغتاله: نقطعه. والصعر: الموائل من جذب الأزمّة. والعوج: الضمر. والنواجي:السراع. والجون من القطا: المائلة إلى السواد، والكدر: إلى الصفرة. وخطر الحرباء: تحركه. (120) مقدمة القصيدة في العصر الجاهلي، ص: 168. (121) ديوان حسان، تح حنفي، ص: 148 وتح عرفات 1/116. وخمان (بفتح أوله وتشديد ثانيه) : من نواحي البثينة من أرض الشام. معجم البلدان 2/444. وتترى: تتابع. جنحت: مالت. وغوائر: جمع غائر من غار النجم إذا غاب. لغب: معيبة، أعياها السير. والنعيب: صوت الغراب. (122) استعمل الباحث لفظ (الأساطير) بمعناه اللغوي الذي حددته معاجم اللغة وهو: الأحاديث لا نظام لها جمع إسطار، وإسطير بكسرهما، وأُسطور وبالهاء في كل. كما جاء في القاموس المحيط (سطر) والأساطير: الأباطيل، وواحد الأساطير: أسطورة. لسان العرب (سطر) . (123) انظر: مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلية، ص: 137 138. (124) الجاحظ، الحيوان، تح عبد السلام هارون، طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر 1938م ج2 ص 315. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 (125) مقدمة القصيدة العربية في العصر الأموي، ص: 83. (126) السابق. (127) السابق، ص: 85. (128) مقدمة القصيدة العربية في العصر الأموي، ص: 76. (129) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 116. (130) ديوان حسان تح حنفي، ص: 181 وتح عرفات 1/62. (131) خليف، ص: 138. (132) ديوان حسان تح حنفي، ص: 138. (133) السابق، ص: 322. (134) خليف، ص: 169 و125. (135) السابق، ص: 133. (136) ديوان حسان تح حنفي، ص: 121 وتح عرفات 1/74. (137) سبق الحديث بالتفصيل عن ذلك في مواضعه أثناء عرض صور المقدمات. (138) ديوان حسان تح حنفي، ص: 335 وتح عرفات 1/300. (139) المصدر السابق تح حنفي، ص: 184 وتح عرفات 1/106. (140) نفسه، تح حنفي، ص: 121 وتح عرفات 1/74. (141) نفسه، تح حنفي، ص: 322 وتح عرفات 1/255. (142) نفسه، تح حنفي، ص: 149 وتح عرفات 1/279. (143) نفسه، تح حنفي، ص: 122 وتح عرفات 1/74. (144) نفسه، تح حنفي، ص: 168 وتح عرفات 1/91. (145) نفسه، تح حنفي، ص: 128 وتح عرفات 1/34. (146) نفسه، تح حنفي، ص: 322 وتح عرفات 1/255. (147) نفسه، تح حنفي، ص: 102 وتح عرفات 1/113. (148) نفسه، تح حنفي، ص: 148 وتح عرفات 1/116. (149) نفسه، تح حنفي، ص: 184 وتح عرفات 1/106. (150) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 116. المصادر والمراجع 1 الأصفهاني: أبو الفرج علي بن الحسين الأموي، طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب، مؤسسة جمال للطباعة والنشر، القاهرة (د. ت) . 2 الأعشى: ميمون بن قيس، ديوان الأعشى الكبير، شرح وتعليق محمد محمد حسين، نشر مكتبة الآداب بالجماميز، المطبعة النموذجية، القاهرة 1950م. 3 ابن الأنباري: أبو بكر محمد بن القاسم، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، ط2، 1969م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 4 الجاحظ: أبو عثمان، عمرو بن بحر بن محبوب، الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون، طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفىالبابي الحلبي وأولاده بمصر، ط1، 1938م. 5 ابن جني: أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، طبع مطبعة دار الكتب المصرية، ط2، 1952م. 6 حسان بن ثابت: ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، تحقيق وليد عرفات، نشر دار صادر، بيروت 1974م. ديوان حسان بن ثابت، تحقيق سيد حنفي حسنين، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1983م. 7 حسين عطوان: ... مقدمة القصيدة العربية في العصر الأموي، دار المعارف بمصر، 1974م. ... مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، دار المعارف بمصر، 1970م. 8 ابن رشيق: أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط5، 1401هـ/1981م. 9 سزكين: فؤاد، تاريخ التراث العربي، ترجمة محمود فهمي حجازي، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1403هـ /1983م. 10 ابن سلام: محمد بن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة،1974م. طبقات الشعراء، مطبعة بريل، ليدن 1913م. 11 السهيلي: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي، الروض الأنف في تفسير ما اشتمل عليه حديث السيرة النبوية لابن هشام، القاهرة، 1914م. 12 أبو الطيب اللغوي: عبد الواحد بن علي، مراتب النحويين، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، 1974م. 13 علي الجندي: تاريخ الأدب الجاهلي، مكتبة الجامعة العربية، بيروت، ط2، 1966م. 14 عمر فروخ: تاريخ الأدب العربي، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1388هـ / 1969م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 15 الفيروزآبادي: محمد بن يعقوب بن محمد، القاموس المحيط، ترتيب الطاهر أحمد الزاوي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط3، (د. ت) . 16 القرشي: أبو زيد بن أبي الخطاب، جمهرة أشعار العرب، بولاق. (د. ت) . 17 محمد أبو الأنوار: الشعر الجاهلي مادته الفكرية وطبيعته الفنية، نشر مكتبة الشباب، القاهرة، 1936هـ /1976م. 18 المرتضى: الشريف المرتضى علي بن الحسين، طيف الخيال، طبع دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1962م. 19 مصطفى السقا: مختار الشعر الجاهلي، طبع مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط2، 1948م. 20 المفضل الضبي: المفضل بن محمد بن يعلى الضبي، المفضليات، تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، ط7، 1983م. 21 ابن قتيبة الدينوري: أبو محمد بن عبد الله بن مسلم، الشعر والشعراء، طبع ليدن 1902م. 22 محمد عبد العزيز الكفراوي: الشعر العربي بين التطور والجمود، دار القلم، بيروت (د. ت) . 23 ابن منظور: أبو الفضل، جمال الدين، محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، لسان العرب، دار صادر، بيروت (د. ت) . 24 ناصر الدين الأسد: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، دار المعارف، ط6، 1982م. 25 ابن النديم: أبو الفرج، محمد بن إسحق بن يعقوب، الفهرست، دار المعرفة، بيروت 1398هـ /1987م. 26 ياقوت الحموي: أبو عبد الله، ياقوت بن عبد الله الرومي، معجم البلدان، تحقيق فريد عبد العزيز الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، (د. ت) . 27 يوسف خليف: دراسات في الشعر الجاهلي، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1981م. 28 وليد قصاب: قضية عمود الشعر في النقد العربي القديم، الرياض، دار العلوم1400هـ /1980م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 عمرو بن مسعدة الصولي (السيرة، والتراث النثري) دراسة أدبية د. عبد الرحمن بن عثمان بن عبد العزيز الهليّل الأستاذ المشارك في قسم الأدب بكلية اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض ملخّص البحث يدور البحث حول دراسة حياة عمرو بن مسعدة وكذا دراسة أدبه النثريّ، الذي حاز به قَصَب السبق في تاريخ الأمة الأدبي. ويتكوّن هذا البحث بعد المقدمة من: الفصل الأول: سيرة ابن مسعدة، وفيه تحدثت عن: أسرته، واسمه، ومراحل حياته، وصفاته وأخلاقه، وعقيدته، وبلاغته، ووفاته. الفصل الثاني: تراث ابن مسعدة النثري ّ (فنونه، وخصائصه الفنية) . مهّد الباحث لذلك بحديث موجز عن ضياع كثير من نثره، ثم تناول بالدراسة، والتحليل، والنقد الفنونَ النثرية التي كتب فيها ابن مسعدة، وهي: الرسائل بقسميها (الديوانية، والإخوانية) والحِكَم، والتوقيعات، كما تحدّث بالتفصيل أيضاً عن أبرز خصائص نثره الفنية، سواء منها ما يتعلق بالشكل، أو ما يتعلق بالمضمون. ثم ختم البحث بخاتمة ضمّنها خلاصته، وأبرز النتائج التي توصل إليها من خلاله، ومنها: 1- مكانة ابن مسعدة المرموقة بين كُتّاب عصره. 2- ضياع كثير من نثره. 3- لغته الأدبية لغة راقية، ويمثّل الإيجاز سمةً بارزة فيها. وقد ذيّل البحث بالهوامش والتعليقات، فبثَبَت المصادر والمراجع. • • • المقدّمة: الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله، وصحبه، وسلم. أما بعد: فقد شهد العصر العباسي بمراحله المختلفة أكبر حركة أدبيّة، كان للنثر الفنّي نصيبه الواضح منها، يظهر ذلك في تنوّع فنونه، وكثرة أعلامه، وتعدّد موضوعاته، وتميّزه بسمات وخصائص فنية أهّلته لأن يكون من أرقى ما أبدعته خواطر الكتاب، وجادت به مواهبهم، وخطّته أقلامهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 كما يُعدّ أعلامه أساتذة لهذا الفن، ورواداً له، فأصبح ما أبدعوه مَثَلاً يُحتذى، وهدفاً يُرتجى لكل من أراد لنفسه الإبداع والتفوّق، ولنثره البقاء والخلود. ويُعدّ عمرو بن مسعدة الصولي علماً من أعلام العصر العباسي، وبلغائه، وأستاذاً من أساتذة الكتابة الفنيّة، وأحد روّادها الأجلاء، الذين كان لهم قَصَب السبق إلى ترسّم أصولها، وقواعدها الفنيّة؛ مما جعل نثره، وما سطّره يراعه من النصوص العربية البليغة، والأساليب الفصيحة موضع تقدير، وعناية، واهتمام من لدن علماء البلاغة، وأساتذة النقد الأوائل، وقد دفعهم ذلك إلى الاستشهاد ببعض نصوصه؛ رغبة في ضرب المثل للناشئة والمتعلمين، ومن كان فوقهم بنماذج من أروع وأبلغ النصوص الأدبية النثرية. من أجل هذه المكانة لعمرو بن مسعدة لقي شيئًا من العناية من بعض الدارسين والنقاد في عصرنا الحاضر، فقلّما نجد دراسة تناولت النثر العربي بعامة، أو النثر العباسي بخاصّة، خَلَتْ من ذِكرٍ له ولو يسير، وإشارة إلى نثره ولو عابرة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 غير أن ذلك كله لم يفِ في نظري بحقه وهو الكاتب الذي اختصّه الخليفة المأمون (السياسي الأديب) من بين كتابه ووزرائه، فقلّده الكثير من المهام، وأناط به عدداً من الدواوين ثقة ببلاغته، وقناعة بأدبه وبَيانه، واطمئناناً إلى رجاحة عقله؛ فقد وقف كثير من تلك الدراسات عند ذِكرِه فقط، وبعضها أشار إلى حياته، وأورد بعض نثره، وحكم عليه ببعض الأحكام النقديّة غير المعلّلة، وتُعدّ دراسة الأستاذ محمد كرد علي في كتابه أمراء البيان أوفى هذه الدراسات، بل إن بعضاً مما جاء بعدها يُعدّ تابعاً لها، فهي دراسة رائدة عن هذا العَلَم من أعلام النثر الفني، غير أنها بقيت قاصرة عن الوفاء ببيان القيم والسمات الفنية لهذا النثر الذي من أجله اشتُهِر صاحبه، كما افتقدت هذه الدراسة التوثيق العلمي للنصوص التي اعتمد عليها، مما يُعدّ ضرورة في البحث العلمي بعامة وفي دراسة مثل هذه الشخصية، ونثره الذي ضاع أكثره بخاصّة. لهذا كله توجّهت همّتي إلى دراسة هذا الموضوع ((عمرو بن مسعدة الصوليّ (السيرة، والتراث النثريّ) دراسة أدبيّة)) ،إذ لا يزال بحاجة إلى دراسة علمية مستقلة، تفصّل حياته، وتكشف عن فنون نثره وموضوعاته، وتُميط اللثام عن خصائصه وسماته الفنية، وتُبرِز أسرار تفوّقه، مما قصرت عنه تلك الدراسات، والإلماحات من لدن بعض دارسي الأدب، ونقاده، كما تضم شتات أخباره، وتلمّ ما بقي من نثره متفرقاً في المصادر، والإفادة من ذلك كله في هذه الدراسة التي أطمح أن تَفِيَ هذا الموضوع حقه من البحث العلمي الجادّ. وقد جاء هذا البحث في فصلين: الفصل الأول: سيرة ابن مسعدة، وفيه تحدثت عن: أسرته، واسمه، ومراحل حياته، وصفاته وأخلاقه، وعقيدته، وبلاغته، ووفاته. أما الفصل الثاني: فهو عن تراث ابن مسعدة النثريّ (فنونه، وخصائصه الفنية) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 وقد مهدت لذلك بحديث موجز عن ضياع كثير من نثره، ثم تناولت بالدراسة، والتحليل، والنقد الفنونَ النثرية التي كتب فيها ابن مسعدة، وهي: الرسائل بقسميها (الديوانية، والإخوانية) والحِكَم، والتوقيعات، كما تحدّثتُ بالتفصيل أيضاً عن أبرز خصائص نثره الفنية، سواء منها ما يتعلق بالشكل، أو ما يتعلق بالمضمون. ثم ختمت البحث بخاتمة ضمّنتها خلاصته، وأبرز النتائج التي توصلت إليها من خلاله، وذيّلتُ البحث بثَبَت المصادر والمراجع. ولست أزعم أن هذا الجهد هو آخر ما يمكن أن يُبذَل، ولكن حسبي أني بذلت كل ما في وسعي، وأرجو أن أكون قد وُفِّقتُ فيه إلى الحق، وما توفيقي إلا بالله عليه توكّلتُ وإليه أنيب. الفصل الأول: سيرة ابن مسعدة: أسرتُه: أسرة بني صول من الأسر التاريخيّة المشهورة التي كان لها إسهام بارز في بناء الحضارة الإسلامية في العصر العباسي. وتنتمي هذه الأسرة إلى صول (الجد الأكبر لها) ((وكان أحد ملوك جُرْجَان، وأسلم على يد يزيد بن المهلّب بن أبي صُفْرة (1)) ) و ((انتسب إلى ولائه (2)) ) . وكان صول هذا وفيروز ((أخوين، مَلَكا جُرْجَان، تركيان، تمجّسا، وصارا أشباه الفرس، فلما حضر يزيد بن أبي صُفرة جرجان أمّنَهُما، فلم يزل صول معه، وأسلم على يده حتى قُتِل معه يوم العَقْر (3)) ) . وقد كان لهذه الأسرة شأن عظيم في تاريخ الدولة العباسية؛ وذلك بما قدّمته شخصياتها البارزة من جهود ومشاركات في شتى نواحي العلم والمعرفة، وفي بعض شؤون الحياة الأخرى. وكان من أشهر رجالاتها: عمرو بن مسعدة (ت:217هـ) وإبراهيم بن العباس (ت:243هـ) وأخوه عبد الله بن العباس، وأبو بكر محمد بن يحيى الصولي (ت:335هـ) وغيرهم كثير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 وقد عقد أحد الدارسين مقارنة بين هذه الأسرة وبين أسرة البرامكة؛ لما لكل منهما من إسهامِ بارز، وشأن عظيم في تاريخ الدولة العباسية، فذكر أن ((أسرة الصوليين تشبه أسرة البرامكة في أكثر جوانب الشبه مع فروق بسيطة، ذلك أن الأسرة الأولى (ونعني بها أسرة الصوليين) تركيّة الأصل، بينما البرامكة فُرس الأصول، والأسرة الأولى غلبت عليها صفة الأدب والكتابة إذ إن جانبها الأدبي يرجح جانبها السياسي، أما الأسرة الثانية (ونعني بها البرامكة) فجانبها السياسي يرجح تاريخياً جانبها الأدبي (1) ، والأسرة الأولى كانت أسعد حظاً من حيث ختام حياة أفرادها من الأسرة الثانية التي حلّت بها النكبة المعروفة (2)) ) . هذا بالنسبة لأسرة الصوليين بعامة، أما عائلة ابن مسعدة الخاصة فمنها أبوه مسعدة، وقد ذكر الجهشياري (ت:331هـ) ((أنه كان مولى خالد بن عبد الله القَسْري، وأنه كان يكتب لخالد، وكان بليغاً كاتباً، مات في سنة أربع عشرة ومائتين، وقيل في سنة سبع (3) [217هـ] في أيام المأمون. وكان مسعدة من كتاب خالد بن برمك، ثم كتب بعده لأبي أيوب (4) (وزير المنصور) على ديوان الرسائل (5)) ) . ويُذكَر أيضاً أن مسعدة هذا كان من الكتاب الذين حظوا بإعجاب الخليفة المنصور، وذلك حين أمر كتابه أن يكتبوا له تعظيم (6) الإسلام، فكتب مسعدة كتاباً أجاد فيه، فقال له المنصور: ((حسبك يا مسعدة، اجعل هذا صدر الكتاب إلى أهل الجزيرة بالإعذار (7) والإنذار (8)) ) . وكان لمسعدة هذا أربعة بنين: مجاشع، ومسعود، وعمرو، ومحمد (9) ، وكان عمرو أشهرهم بفضل بلاغته، وإجادته الكتابة في عصر حَظِي الكتاب فيه بكل احترام وتقدير من العامة والخاصة. وأما مجاشع فقد عُرِفت عنه علاقته الحميمة مع الشاعر أبي العتاهية، فقد كان مجاشع صديقاً له، وكان يقوم بحوائجه كلها، ويخلص مودته، وفي مجاشع هذا يقول أبو العتاهية (10) : علمتَ يا مُجاَشِعُ بن مَسْعدة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 أنّ الشبابَ والفراغَ والجِدَة مفْسَدةٌ للمرء أيُّ مفسَدَة وكان مجاشع هذا مع حماد عَجْرد (الشاعر) (1) على نقيض ماكان عليه مع أبي العتاهية، قال الأصبهاني ((أخبرني محمد بن العباس اليزيدي، قال: حدثني عمي الفضل، عن إسحاق الموصلي: أن مجاشع بن مسعدة (أخا عمرو بن مسعدة) هجا حماد عَجْرد وهو صبيّ حينئذٍ؛ ليرتفع بهجائه حماداً، فتركه حمّاد وشبّب بأمه، فقال: رَاعتْك أُمُّ مُجاشِعٍ بالصّدِّ بَعْدَ وِصَالِها واستبدلتْ بكَ والبلا ءُ عَليكَ في استبدالِها جِنّيّةٌ من بَربَرٍ مشهورةٌ بجمالِها فحرامُها أَشْهى لنا ولها مِن اسْتِحْلالِها فبلغ الشعر عمراً بن مسعدة، فبعث إلى حماد صِلَةٍ، وسأله الصفح عن أخيه، ونال أخاه بكل مكروه، وقال له: ثَكِلَتْكَ أمُّك، أتتعرّض لحماد وهو يناقف (2) بشاراً ويقاومه! والله لو قاومته لما كان لك في ذلك فخر، ولئن تعرّضت له ليهتكنّك وسائر أهلك، وليفضَحَنَا فضيحةً لا نغسلها أبداً (3)) ) . وأما مسعود ومحمد فلم تسعفني المصادر التي اطلعت عليها بشيء من أخبارهما؛ ولعل ذلك راجع إلى ضعف شأنهما، وعدم خطرهما. ولعمرو ابنٌ اسمه محمد، وقد ذكر أن أباه لم يقل من الشعر إلا بيتاً واحداً (4) . اسمه: هو أبو الفضل عمرو بن مسعدة بن صول بن صول، وهو ابن عم إبراهيم ابن العباس بن محمد بن صول بن صول (5) . وفي الوفيات (6) : هو عمرو بن مسعدة بن سعيد بن صُول … وقد ذكر الذهبي أنه عمرو بن مسعدة بن سعد بن صول … (7) . والاختلاف بين هذه الروايات في اسم جدّه واضح، وقد وقفت عند هذه الروايات محاولاً الترجيح بينها، فلم يتوفر لديّ من الأدلة المقنعة ما يدفعني إلى ذلك. ويقال له: الصولي نسبة إلى جدّه صول وهو جرجاني الأصل، وأصل ((صول من بعض ضِياع جرجان، ويقال لها:جُول (8)) ) . حياته: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 لا أعلم على وجه التحديد سنة ولادة ابن مسعدة، شأننا في ذلك شأننا مع كثير من الأعلام؛ لعدم توفر المعلومات الخاصّة بهذا الموضوع، إذ يبقى الشخص كغيره من الناس مجهولاً أو مغموراً أول ما يفتح عينيه على الدنيا، ثم يعلو شأنه، وينبه أمره، فتتجه إليه الأنظار وقد تجاوز مرحلة من مراحل العمر، لم تحظ في الغالب بالاهتمام والتسجيل من لدن مؤرخي عصره، وشهوده. كما أنني لم أقف على شيء من تفاصيل حياته المبكّرة، وعلى الرغم من ذلك فمن المرجّح أنه عاش في كنَف والده (مسعدة بن صول) الكاتب المعروف ببلاغته وقوة بيانه، وأنه حظي منه بتربية حسنة، ورعاية جيدة لمواهبه وقدراته الفنية؛ مما كان له أثر بيّن في إعداده وتهيئته؛ ليكون في قائمة كتاب الدواوين البارزين، الذين حظوا بإعجاب العامة والخاصة، وتقديرهم. وأول ماظهر لنا ابن مسعدة في زمن البرامكة، حيث كانت لهم صولة وجولة في عهد الرشيد (170هـ=193هـ) ، قبل أن يقلب لهم ظهر المجن، فقد كان عمرو من المقرّبين لدى جعفر بن يحيى البرمكي (1) ، ومن الكُتّاب بين يديه، كما يحدّثنا عن ذلك بقوله: ((كنت أوقِّع بين يديْ جعفر بن يحيى البرمكي … (2)) ) . وبعد أن أَفَلَتْ شمس البرامكة، وبَزَغتْ شمس بني سهل في ظل الخليفة المأمون، نرى ابن مسعدة متصلاً بالفضل بن سهل، المدبّر لشؤون المأمون حين كان يحكم من مرو الولايات الشرقية، وظلا جميعاً في مرو حتى سنة: 202هـ، ثم غادراها إلى بغداد وفي الطريق قُتِل الفضل (3) ، ومضى عمرو إلى بغداد، لينعم فيها بأفضل عيش، وأكرم مقام في ظل الخليفة المأمون، الذي أدناه منه، وقربه إليه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 ويتقدّم به العمر فَيَلي فارس وكرمان للمأمون (1) ، ويستخدمه في بعض شؤون دولته ومن بينها ديوان الخاتم والتوقيع والأزمّة، وهكذا يعظم شأنه ويزداد خطره في هذا العصر، ويصبح له من الأمر والنهي ما جعل الرواة يختلفون في تبيّن أمره، فمنهم من يرى أنه كان وزيراً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ومنهم من ينفي ذلك ويرى أنه لم يتجاوز أن يكون كاتباً. فالمسعودي (ت:346هـ) يذكر ((أن المأمون استوزر الفضل بن سهل ثم أخاه الحسن بن سهل. فلما أظهر العجز عن الخدمة لعوارض من العلل ولزِم منزله، عدل المأمون إلى استكتاب كتاب لعلمه بكتابتهم وجزالتهم، وأنه ليس في عصرهم من يوازيهم ولا يدانيهم، فاستوزرهم واحداً بعد واحد أولهم أحمد بن أبي خالد (2) ، ثم أحمد بن يوسف (3) ، ثم أبو عباد ثابت بن يحي (4) ، وعمرو بن مسعدة بن صول، وكان يجري مجراهم ولا يعدّه كثير من الناس في الوزراء، قال: ولم يكن يسمى بين يديْ المأمون أحد من كتابه وزيراً، ولا يكاتب بذلك (5)) ) . ويرى ياقوت (6) أن بعض الشعراء سماه وزيراً؛ لعظم منزلته لا لأنه كان وزيراً، وهو قوله: لَقدْ أَسْعَدَ اللهُ الوزيرَ ابنَ مَسْعدهْ وَبَثَّ لَهُ في النّاسِ شُكْراً ومَحْمَدَهْ وقد صرّح ابن مسعدة نفسه في ((خبره مع حائك الكلام)) أنه وزير، وتعاظم من المأمون أن يبعثه إلى ما يصلح أن يبعث إليه من هو دونه في المنزلة، فقال: ((وقلت في نفسي: أنا في موضع الوزارة، وقد جعلني مُستحثاً إلى عامل، ومستخرجاً، ولكن أمر الخليفة لا بد من سماعه وامتثال مرسومه … (7)) ) . ((ومهما كان فالرتبة التي بلغها عمرو بن مسعدة وزارة وزيادة، وكان إليه ديوان الرسائل وديوان الخاتم والتوقيع والأزمة، وسواء تقلد الوزارة أَمْ لم يتقلدها فإن العظائم التي كان يندب إليها تدل على درجة الثقة به (8)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 فقد كان من شأنه ما تناقلته كتب الأدب من أخباره ومنها خبره الطويل مع حائك الكلام، وفيه أن ((عمرو بن مسعدة قال: كنت مع المأمون عند قدومه من بلاد الروم، حتى إذا نزل الرقة قال لي: يا عمرو، أما ترى الرخّجي (1) ، قد احتوى على الأهواز، وهي سلة الخبز، وجميع الأموال قبله وقد طمع فيها، وكتبي متصلة في حملها، وهو يتعلل، ويتربص بنا الدوائر. فقلت: أنا أكفي أمير المؤمنين هذا، وأُنفِذ من يضطره إلى حمل ما عليه. فقال: ما يقنعني هذا. قلتُ: فيأمر أمير المؤمنين بأمره. قال: تخرج إليه بنفسك، حتى تصفده بالحديد، وتحمله إليّ، بعد أن تقبض جميع ما في يده من أموالنا، وتنظرفي ذلك، وترتب فيه عمالاً … (2)) ) . صفاته وأخلاقه: كان عمرو هذا أبيض الوجه، أحمره؛ ولذا كان المأمون يسميه الرومي لبياضه (3) . وإلى جانب ما تميّز به من البلاغة والفصاحة التي جعلته في مصافّ الكتاب الكبار في عصره كان على قَدْرٍ كبيرمن كريم الصفات والأخلاق الفاضلة التي أهّلته لأن يكون أحد أصفياء الخليفة (المأمون) المقربين إليه. وكثير من هذه الشمائل والصفات لم تكن وقفاً على ابن مسعدة بل كانت شركة بين الكتاب الوزراء جميعاً، بل إنها من آكد ما اشتُرِط في وزير الخليفة وكاتبه، وقد أوضح ذلك المأمون فيما كتبه في اختيار وزير له، وفيه يقول ((إني التمستُ لأموري رجلاً جامعاً لخصال الخير، ذا عفة في خلائقه، واستقامة في طرائقه، قد هذّبته الآداب، وأحكمته التجارب، إن اؤتمن على الأسرار قام بها، وإن قُلِّد مهمات الأمور نهض فيها، يُسكته الحلم، ويُنطِقه العلم، وتكفيه اللحظة، وتغنيه اللمحة، له صولة الأمراء، وأناة الحكماء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، إن أُحسِن إليه شكر، وإن ابتُلِي بالإساءة صبر، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، ويسترق قلوب الرجال بخلابة لسانه، وحسن بيانه (4)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 وهذه الأوصاف التي أشار إليها المأمون في كتابه جمعها أحد الشعراء في وصفه بعض وزراء الدولة العباسية بها فقال … : بَدِيهَتُه وفِكْرَتُهُ سَوَاءٌ إِذَا اشتَبهتْ عَلَى النّاسِ الأمورُ وَأَحزَمُ ما يَكونُ الدّهرَ يوماً إِذَا أَعْيا المُشَاوِرُ والمُشِيرُ وَصَدْرٌ فيهِ للهَمِّ اتّساعٌ إِذا ضَاقَتْ من الهمِّ الصُّدورُ (1) وإلى بعض هذه الصفات أشار المسعودي بقوله: ((فلم يكن الخلفاء والملوك تستوزر إلا الكامل من كتابها، والأمين العفيف من خاصّتها، والناصح الصدوق من رجالها، ومن تأمنه على أسرارها وأموالها، وتثق بحزمه، وفضل رأيه، وصحة تدبيره في أمورها (2)) ) . وكان ابن مسعدة حسن السياسة مع وليّ نعمته الخليفة المأمون، حسن الصحبة له، لبقاً في معاملته ومداخلته، يظهر ذلك جلياً في قصة إهدائه فرساً رائعًا لما علم إعجابه به، ورغبته فيه، وذلك حين رآه ينظر إليه نظر مستحسن له، فما كان من عمروٍ إلا أن قاد الفرس إليه، وكتب إليه أبياتاً قال فيها: هِ إِذَا عُدَّ إِمَامُ يَا إِماماً لا يُداني ضُلُ نقصاناً تَمَامُ يَفضُلُ الناسَ كما يف مِثْلُه ليس يُرامُ قَدْ بَعَثْنَا بِجَوَادٍ حسن سَرجٌ وَلِجَامُ فََرسٌ يزهى به لل ك في الفَضلِ الأنامُ دَونَهُ الخَيلُ كَما دون سََائرُ الجِسْمِ ظَلامُ وَجْهُهُ صُبْحٌ ولكنْ لى عَلَى العَبدِ حَرَامُ (3) وكان لذكائه، وحسن سياسته للخلفاء، ولباقته في التلطف معهم، ثم لما له من حظوة عندهم ملاذاً لبعض الرجال الذين ضاقت بهم الأرض، حين غضب عليهم الخليفة، فحُرِموا من العيش في ظله الوارف، وظلوا في ترقَبٍ دائم لسطوته، وعقابه. فقد غضب المأمون غضباً شديداً على الشاعر الخليع (الحسين بن الضحاك) وذلك لوقوفه ضدّه مع أخيه الأمين، فحاول بشتى الوسائل والسبل كسب ودّه ورضاه، فلما أعيته الحيلة، ولم يجد له إلى ذلك سبيلاً ((رمى بأمره إلى عمرو بن مسعدة وكتب إليه: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 أَنْتَ طَودِي مِن بين هذي الهضابِ وَشِهَابي مِنْ دُونِ كُلّ شِهَاب أنت ياعمرو قُوّتي وَحَياتي ولِساني، وأنت ظُفري ونابي أتُراني أنسى أياديَكَ البي ضَ إذِ اْسودّ نائلُ الأصحابِ أين عطف الكرامِ في مأقِطِ (1) الحا جةِ يحْمُونَ حَوْزةَ الآدابِ أين أخلاقُك الرضيَّة حالت فيّ أم ْ أين رِقّة الكُتّابِ أنا في ذِمّة السحابِ وأظما! إنّ هذا لوصمةٌ في السحابِ قُم إلى سيِّدِ البريّة عني قَوْمةً تَسْتَجِرُّ حُْسنَ خِطَابِ فَلَعَلَّ الإلهَ يُطفئُ عَنّي بك ناراً عليَّ ذات التهابِ قال: فلم يزل عمرو يلطُف للمأمون حتى أوصله إليه، وأدرَّ أرزاقه (2)) ) . وكان الحسين هذا قد لاذ بالحسن بن سهل، وطمع في أن يصلح المأمون له، وقال قصيدة ((فاستحسنها الحسن بن سهل، ودعا بالحسين فقرّبه، وآنسه، ووصله، وخلع عليه، ووعده إصلاح المأمون له، فلم يمكنه ذلك لسوء رأي المأمون فيه ولِما عاجل الحسن من العلة (3)) ) . وكان ابن مسعدة ذا ذوق رفيع فقد ((كان في مجلس المأمون يقرأ عليه الرّقاع، فجاءته عطسة فردّها، ولوى عنقه، فرآه المأمون، فقال: يا عمرو، لا تفعل؛ فإن ردّ العطسة، وتحويل الوجه بها يورثان انقطاعاً في العنق. فشكر له ذلك بعض ولد المهدي، وقال: ما أحسنها من مولى لعبده، وإمامٍ لرعيته! فقال المأمون: وما في هذا! إن هشاماً بن عبد الملك اضطربت عمامته، فأهوى إليها الأبرش الكلبيّ؛ ليصلحها، فقال هشام: إنا لا نتخذ الإخوان خَوَلاً! فالذي فعل هشام أحسن مما فعلتُ. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، إن هشاماً يتكلف ما طُبِعتَ عليه، ويظلم فيما تعدل فيه، ليس له قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قيامك بحق الله، وإنك والملوك كما قال النابغة الذبياني (4) : أَلَمْ ترَ أنّ الله أعطاكَ سورَةً تَرى كُلَّ مَلكٍ دونها يتذبذبُ فَإِنّك شَمْسٌ والملوكُ كَوَاكِبٌ إِذَاطلَعتْ لم يَبْدُ منهنّ كوكبُ (5)) ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 هذا وغيره قد دفع المأمون إلى الاقتناع به والثقة فيه، فدل الحسن بن سهل ليتعلم منه المروءة في خبر جاء فيه: أن الحسن دخل على المأمون ((فقال له: كيف علمك بالمروءة؟ قال: ما أعلم ما يريد أمير المؤمنين فأجيبه. قال: عليك بعمرو ابن مسعدة، قال: فوافيت عمراً (وفي داره صُنّاع، وهو جالس على آجرة ينظر إليهم) فقلت: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تعلمني المروءة. فدعا بآجرة فأجلسني عليها، وتحدثنا مليّاً. وقد امتلأتُ غيظاً من تقصيره بي، ثم قال: يا غلام عندك شيء يؤكل؟ قال: فقدّم طبقاًَ لطيفاً عليه رغيفان وثلاث سكرجات (1) ،في إحداهن خل، وفي الأخرى مُرّي (2) ، وفي الأخرى ملح، فأكلنا، وجاء الفراش فوضأنا، ثم قال: إذا شئت، فنهضتُ محفظاً ولم أودّعه، فقال لي: إن رأيت أن تعود إليّ في يوم مثله. فلم أذكر للمأمون شيئاً مما جرى. فلما كان في اليوم الذي وعدني لقياه، سِرتُ إليه فاستُؤذِنَ لي عليه فتلقاني على باب الدار فعانقني، وقبّل بين عينيّ، وقدمني أمامه، ومشى خلفي حتى أقعدني في الدست (3) ، وجلس بين يديّ، وقد فُرِشت الدار، وزُيّنت بأنواع الزينة، وأقبل يحدثني، ويتنادر معي إلى أن حضر وقت الطعام، فأمر فقُدّمت أطباق الفاكهة، فأصبنا منها، ونُصِبت الموائد، فقُدِم عليها أنواع الأطعمة من حارّها وقارّها، وحلوها، وحامضها، ثم قال: أيّ الشراب أعجب إليك؟ فاقترحت عليه. وحضر الوصائف للخدمة، فلما أردت الانصراف حمل معي جميع ما أحضر من ذهب، وفضة، وفرش، وكسوة، وقُدِّم إلى البساط فرس بمركب ثقيل فركبته، وأمر من بحضرته من الغلمان الروم والوصائف حتى سعوا بين يديّ، وقال: عليك بهم فهم لك، ثم قال: إذا زارك أخوك فلا تتكلف له، واقتصر على ما يحضرك، وإذا دعوته فاحتفِل، واحتشِد، ولا تدعنّ ممكناً، كفعلنا بك عند زيارتك إيانا، وفعلنا يوم دعوناك (4)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 ففي الخبر السابق دلالة واضحة على مروءة ابن مسعدة، وتعمّقها في سلوكه، وأخلاقه، كما أن فيه دلالة على عمق فهمه لأصولها وقواعدها؛ مما دفع المأمون إلى أن يرشّحه أستاذاً معلماً إياها للحسن بن سهل على فضله، وجلالة قدره. وعلى الرغم من الثقة الكاملة التي منحه إياها المأمون، فقد ظل معتداّ بنفسه، شديد الحِفاظ على عِرضه وسُمعته، حريصاً على كرامته من أن تُنال بسوء، أو أن يُهان من أيّ كائن كان، فيُذكر أن المأمون أرسل إليه من يستقرّه، ويحاسبه على أموال كثيرة اقتطعها من أموال الدولة، فلما اعترف بها، وحُصِّلت عليه وهبه المأمون إياها، فقال ابن مسعدة: ((أما إذ تفضّل أمير المؤمنين عليّ به، فإنه واجب على أحمد بن عروة، وأشهِدُكَ أنّي قد وهبتُه له (1)) ) . وكان من أهل الشهرة في عصره الذين سُمِّيت بعض شوارع بغداد بأسمائهم تخليداً لذكراهم، فقد سُمي أحد شوارعها باسم شارع عمرو بن مسعدة (2) . وكان ذا يسار وغنىً، شأنه في ذلك شأن كثير من الوزراء والكتاب المحظيين لدى الخلفاء والأمراء والولاة، فقد ذُكِر له ((منزلان بمدينة السلام، أحدهما بحضرة طاق الحرّاني (والحراني هو إبراهيم بن ذكوان) ومنزل آخر فوق الجسر، وهو المعروف بساباط عمرو بن مسعدة (3)) ) . كما عُرِف عنه أنه لما مات ((رُفِع إلى المأمون أنه خلف ثمانين ألف ألف درهم فوقّع على الرقعة: هذا قليل لِمَن اتّصل بنا وطالت خدمته لنا، فبارك الله لولده فيه (4)) ) . وقد دفعه ذلك وغيره إلى أن يكون كريماً سخياً على أصحابه، وأصدقائه، ومحبيه، وقاصديه، فقد كان بينه وبين ((إبراهيم بن العباس الصولي مودة، فحصل لإبراهيم ضائقة بسبب البطالة في بعض الأوقات، فبعث له عمرو مالاً، فكتب إليه إبراهيم: أياديَ لم تُمْنن وإن هيَ جَلَّتِ سأشكر عَمراً ما تراختْ مَنِيّتي ولا مظهِرِ الشكوى إذا النعل زلّتِ فتى غير محجوبِ الغِنى عن صَدِيقِه فكانت قَذَى عَيْنَيهِ حَتى تجلَّتِ (5)) ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 رأى خَلتي من حيث يخفى مكانُها وكان حريصاً على حفظ ماء وجه سائله، رافعاً عنه الحرج، وذُلّ السؤال ((قال حميد بن بلال: وَلِيَ عمرو بن مسعدة فارس وكرمان، فقال بعض أصحابه: أيها الأمير، لو كان الحياء يظهر سؤالاً لدعاك حيائي من كرمك في جميع أهليك إلى الإقبال عليّ بما يكثر به حسد عدوي، دون أن أسألك، فقال عمرو: لا تبغِ ذلك بابتذالك ماء وجهك، ونحن نغنيك عن إراقته في خوض السؤال، فارفع ما تريده في رقعة يصل إليك سراً. ففعل (1)) ) . وهكذا يعلو ابن مسعدة ببره، وإحسانه، ويرتفع بسائل نواله وعطائه عن الذل الذي كثيراً ما لازم المسألة، وطلب الرفد من الآخرين، فيرشد سائله إلى أسلوب المسألة الذي يحقّق الغرض، دون أن يُخدَش قدر السائل، أو أن تداس كرامته. وكان حريصاً على حسن العلاقة مع الآخرين، واصلاً لهم ((قال الحسن بن وهب: بلغ العتّابي (2) أن عمراً بن مسعدة ذكَرَه عند المأمون بسوء فقال: قدْ كُنْتُ أَرجو أن تكون نصيري وعلى الذي يبْغي عليَّ ظهيري وَطَفِقْتُ آملُ ما يُرجّى سَيْبُهُ حتّى رأيتُ تَعلُّقي بغُرورِ فَحَفرتُ قبركَ ثُمّ قُلتُ دفنتُهُ ونَفضتُ كفّي مِن ثَرى المقبورِ وَرَجعتُ مُفترياً على الأملِ الذي قد كان يَشْهَدُ لي عليكَ بِزُورِ (3)) ) كذلك عُرِف عمرو بن مسعدة بالبشاشة، وانبساط أسارير الوجه، حتى صار مضرِب المثل في ذلك، فقد ((حكى الجاحظ: أن بعض الكتاب سأل عبد الله بن طاهر حاجة، فوعده قضاءها، وطالت أيام مطاله الإنجاز، فكتب إليه: أما بعد، فقد كان وعدك تلقاني مكتسياً بشاشة عمرو بن مسعدة، وأرى إنجازه تأخَّر تأخُّر من خُلِع عليه عُبوس أحمد بن أبي خالد … (4)) ) . لهذه الصفات والخِلال الحميدة التي اتّصف بها ابن مسعدة كان محل إعجاب الخليفة كما كان محل إعجاب الأصدقاء، وغيرهم، لذا وجدنا مَنْ يشارِكه الهمّ، فيُحسّ بشِكاته حين ألمّت به، فيتمنّى بصدق، وإخلاصً لو أن العلة كانت فيه بدلا عنه: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 قالوا: أبو الفضلِ مُعْتَلٌ، فَقُلتُ لهم: نفسي الفِداءُ لهُ مِن كُلِّ مَحْذورِ يا ليت عِلّتَهُ بي، ثُمّ إِنّ لَهُ أجرَ العَليلِ وَأَنّي غَيرُ مَأجُورِ (1)) وتُلِمّ بأبي محمد عبد الله بن أيوب التّيْميّ (2) بعض الظروف الحَرِجة، فييمّم وجهه نحو ابن مسعدة طامعاً في نواله، مستشرفاً عونه ومساعدته له في محنته، ويهزّ أريحيّته بقصيدة تفيض بكل مشاعر الأمل، وتسيطر عليها عاطفة جياشة صادقة، مشيداً فيها بكثيرً من خلاله وصفاته، تلك القصيدة هي البائية التي يقول فيها (3) : أَعِنِّي على بارقٍ ناضبِ خفيٍّ كوحيِكَ بالحاجبِ كأن تألّقه في السماء يدا كاتبٍ أو يدا حاسِبِ فروّى منازل تَذكارُها يُهيّج من شوقكَ الغالبِ غَريب يَحِنُّ لأوطانِهِ ويبكي على عصرِه الذاهبِ كفاك أبو الفضل عمرو الندى مُطالَعة الأمل الكاذبِ وصِدق الرجاءِ، وحسنِ الوفاءِ لعمرو بن مسعدة الكاتبِ عريض الفِناءِ، طويل البنا ءِ، في العزِّ والشرَفِ الثّاقِبِ بنى المُلكَ طودٌ له بيتهُ وأهل الخلافة من غالبِ هو المُرتَجَى لِصُروفِ الزمانِ ومُعتَصَم الراغبِ الرّاهِبِ جَوادٌ بما مَلَكَتْ كفّهُ على الضيفِ والجار والصاحبِ بِأُدم الرّكاب، ووشيِ الثّيا بِ، والطِّرْفِ، والطَّفلةِ الكاعبِ (4) نُؤمِّلُه لِجِسامِ الأمورِ ونرجوه للجَلَلِ الكارِبِ خَصيب الجِنابِ مطيرُالسحابِ بِشِيمتهِ ليّن الجانبِ يُروّي القَنَا من نُحورِ العِدا ويُغرِق في الجود كاللاعبِ إليك تبدّت بأكوارها حراجيجُ في مهمهٍ لاحِبِ (5) كأنّ نعاماً تَبَارى بنا بَوَابِلِ من بَرَدٍ عاصِبِ (6) يَرِدْنَ نَدَى كفِّكَ المُرْتَجَى ويقضِين من حقّك الواجِبِ ولله ما أنت من خابرٍ بسَجلِ لقومٍ ومن خاربِ فتسقي العدا بكؤوس الردى وتسبق مسألة الطالبِ وكم راغِبٍ نِلتَه بالعطا وكم نِلتَ بالعطف من هاربِ وتلك الخلائق أعطيتها وفضل من المانع الواجبِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 كَسَبتَ الثناء، وكسبُ الثنا ءِ، أفضلُ مَكسبةِ الكاسبِ يقينُكَ يجلو سُتورَ الدُّجى وظنّكَ يُخْبرُ بالغائبِ فالتيميّ في قصيدته تلك يُبرِز ممدوحه (ابن مسعدة) في صورة الرجل العظيم بأخلاقه، وشمائله الفاضلة، فيذكر أنه كريم، يصدق الوعد، ويحقّق الأمل، لذا قصَدَه القاصدون، وانتجعه السائلون، وَوَرد حِياضه الطامعون في الرّفد والعطاء، وعمّ فضله الضيف والجار والصاحب، فكان لكل واحد من هؤلاء نصيبه من رعايته وفضله. إلى جانب ذلك فهو شجاع، طالما ارتوت القنا بدماء أعدائه؛ حيث أعملها فيهم دون رحمة ولا مواربة، كما أنه صاحب رحمة وعطف على الخائفين الهاربين. ولم أقف فيما اطّلعت عليه من أخباره عدا ما سيرد في عقيدته، على ما يسيء إلى سُمعته، أو يشنّع بخُلُق من أخلاقه إلا ما جاء عنه في رسالة ((ذم أخلاق الكتاب)) للجاحظ، حيث قال: ((وسُئل ثُمامة بن أشرس (1) يوماً (وقد خرج من عند عمرو بن مسعدة) فقيل له: يا أبا معن، ما رأيت من معرفة هذا الرجل، وبلوت من فهمه؟ فقال: ما رأيت قوماً نفرت طبائعهم عن قبول العلوم، وصغُرت هِممهم عن احتمال لطائف التمييز، فصار العلم سبب جهلهم، والبيان عَلَم ضلالتهم، والفحص والنظر قائد غيّهم، والحكمة مَعدِن شُبَههم أكثر من الكتاب (2)) ) . وهذا الحكم وإن تناول في ظاهره الكتّاب جميعهم فإن لابن مسعدة النصيب الأوفى منه؛ إذ إنه جاء مُحصّلة جلوس ثمامة عنده، ونتيجة استماعه إليه. ولا يخفى ما في هذا القول من التحامل على الكُتّاب بعامّة، والمبالغة في ذمّهم بغير حُجّة مقنعة. عقيدته: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 إلى جانب هذه الصفات الحسنة فإننا نجد أن ابن مسعدة كان يعتقد عقيدة أهل الاعتزال، ويذهب مذهبهم في القول عن القرآن: إنه مخلوق، وهو القول الباطل الذي امتُحِن به كثير من العلماء في عصره، وكانت فتنة عظيمة لكثير من الناس، ففي رسالة الحيدة ورد ذكر عمرو، وفيها يقول لعبد العزيز بن يحيى المكّيّ (1) الذي ناظر بشر بن غياث المريسي (2) بحضرة المأمون في مسألة خلق القرآن التي قال بها بعض المعتزلة الضُّلال: ((يا أيّها الرجل قد حمَلتَ نفسك على أمر عظيم، وبلغت الغاية في مكروهها، وتعرّضتَ لما لا قوام لك به من مخالفة أمير المؤمنين، وادّعيتَ ما لا يثبت لك به حُجّة على مخالفيك، وليس إلا السيف بعد ظهور الحُجة عليك. فانظر لنفسك، وبادر أمرك قبل أن تقع المناظرة، وتظهر عليك الحُجّة، فلا تنفعك الندامة، ولا تُقَال لك عثرة؛ فقد رحمتك، وأشفقت عليك مما هو بك نازل، وأنا أستقيل لك أمير المؤمنين، وأسأله الصفح عن جرمك، وعظيم ما كان منك، إن أظهرت الرجوع عنه والندم على ما كان منك، وآخذ لك الأمان منه أيده الله والجائزة، وإن كان بك مظلمة أزلتها عنك، وإن كان لك حاجة قضيتها لك، فإنما جلست رحمة لك مما هو نازل بك بعد ساعة إن أقمت على ما أنت عليه، ورجوت أن يخلصك الله على يدي من عظيم ما أوقعت نفسك فيه (3)) ) . ويطول الحوار بين عبد العزيز هذا وبين عمرو بن مسعدة في محاولة من الأخير أن يثنيه عن عقيدته الصحيحة، ويتبع أهل الغواية والضلالة. ففي كلام ابن مسعدة المتقدّم وغيره ممالم أورده (4) لعدم الحاجة إليه إشارة صريحة إلى ما كان يعتقده في هذه المسألة، وهو اعتقاد أهل الاعتزال، الذي استطاعوا أن يلقوه في روع الخليفة المأمون، وأن يستعدوه به على أهل السنة الذين خالفوهم في هذا الرأي. بلاغته: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 من أبرز الموضوعات الجديرة بالبحث والدراسة ما تميّز به أسلوب ابن مسعدة من بلاغة وفصاحة، حتى صار مضرِب المَثَل فيهما (1) ، وهو ما جعله بحق علماً من أعلام الكتابة في العصر العباسي. وما من شك في أن ما اتّصف به ابن مسعدة من الفصاحة والبلاغة قد هيّأته أمور، من أبرزها ما يلي: أولاً: ما عُرِف به أبوه مسعدة بن صول من أنه ((كان مولى لخالد بن عبد الله القسريّ، وكان كاتباً بليغاً، ولِيَ الكتابة لخالد هذا، ثم كتب لخالد بن برمك، وكتب بعده لأبي أيوب المورياني وزير المنصور على ديوان الرسائل (2)) ) . وقد ذكر ابن النديم (3) لمسعدة كتاباً في الآداب سماه ((أدب مسعدة الكاتب)) وعدّه في بلغاء الناس العشرة (4) ، فليس غريباً على من كان أبوه كذلك أن يكون له شأو في الكتابة، وشأن في البلاغة ومن شَابَه أباه فما ظلم. ثانياً: ثقافته الواسعة، فقد تثقّف ابن مسعدة ((ثقافة عربية وإسلامية واسعة حتى غدا لسناً فصيحاً، بل لقد غدا شاعراً ينظم الشعر، كما غدا يحسن شؤون الفقه مما يتصل بالخراج، ووقف على العلوم الرياضية وما يتصل بها من الحساب مما كان يثقفه الكُتّاب، كما وقف على آداب الفرس وكتاباتهم في السياسة والأخلاق وتدبير الحكم، وربما وقف أيضاً على شيء من الفلسفة اليونانية والحكمة الهندية (5)) ) وهي ثقافة كان يأخذ بها نفسه كل من يطمح إلى تسنّم ذروة منصب الوزارة والكتابة في هذا العصر، كما أنها ((أدوات ترشِّح الشخص لكي يعمل في الدواوين لعصره، ويتقن العمل فيها، ويظفر بما يريد من الإعجاب والترقّي في المراتب السَّنيّة (6)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 ومما توفر لديَّ من أخبار ابن مسعدة يتبيّن أنه كان يجمع إلى ثقافته الأدبية ثقافة إسلامية، فقد أسند الحديث عن المأمون، كما ذكر ذلك الخطيب البغداديّ (ت:463هـ) بقوله: ((أخبرنا عبيد الله بن عبد العزيز بن جعفر البرذعي وعلي ابن أبي علي البصري والحسن بن علي الجوهري، قالوا: أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الشخير حدثنا أحمد بن إسحاق الملحمي حدثني عمارة بن وثيمة أبو رفاعة حدثنا علي بن محمد بن شبيب عن عمرو بن مسعدة قال: سمعت المأمون أمير المؤمنين يقول: حدثني أبي عن أبيه عن عمه عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه آدب لهم (1)) ) . لهذين السببين وغيرهما صار ابن مسعدة ذا بلاغة وفصاحة، وقد أشاد ببلاغته كثير من، والأدباء، والوزراء، والكتاب، فقال عنه الفضل ابن سهل: ((هو أبلغ الناس، ومن بلاغته أن كل أحد يظن أنه يكتب مثل كتبه، فإذا رامها تعذّرت عليه (2)) ) . وقد تحدّث عن نفسه، فقال: ((كنت أوقِّع بين يديْ جعفر بن يحيى البرمكي فرفع إليه غلمانه ورقة يستزيدونه في رواتبهم، فرمى بها إليّ، وقال: أجب عنها، فكتبت: قليل دائم خير من كثير منقطع، فضرب بيده على ظهري، وقال: أيُّ وزير في جِلدِك (3)) ) . وهذه الشهادة لعمرو بالبروز والإجادة شهادة لها قيمتها، لأن المدلي بها وهو جعفر بن يحيى صاحب خبرة ودراية، وتجربة طويلة في هذا المجال، وقد عُرِف بهذا الفن (أعني التوقيعات) وعُرف الفن به فقد كان ((يوقّع القصص بين يديْ الرشيد، ويرمي بالقصة إلى صاحبها، فكانت توقيعاته يتنافس البلغاء في تحصيلها للوقوف فيها على أساليب البلاغة وفنونها، حتى قيل: إنها كانت تباع كل قصة منها بدينار (4)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 وكان الخليفة المأمون على رأس أولئك الذين أُعجبوا ببلاغة ابن مسعدة، وأشادوا ببيانه ((قال حمدون بن إسماعيل: دخلت على المأمون يوماً (وهو في بعض صحون بساتينه يمشي حافياً، وفي يده كتاب يصعّد بصره فيه، ويصوّبه) فالتفت إليّ وقال: أحسبك راعك ما رأيته! قلت: وأيّ شيء أروع لي من نظري إلى سيدي يمشي حافياً، ويقرأ كتاباً قد شغله، وأذهله، فقال لي: إنّي سمعت الرشيد يقول شيئاًلم أتوهمه يَنْسَبِكُ على حقيقته، وهو أنه قيل لبعض البلغاء: ما البلاغة؟ قال: التقرّب من المعنى البعيد، والتباعد من حشو الكلام، والدلالة بالقليل على الكثير، وهذا كتاب عمرو بن مسعدة، قد أتى في حرفين بما كان يأتي به غيره في طومار، وصف حال الجند وطاعتهم. ثم دفعه إليّ، فإذا فيه: كتابي إلى أمير المؤمنين ومَنْ قِبَلي من أجناده وقواده من الانقياد للطاعة على أحسن ما تكون طاعة جند تأخّرت أرزاقهم، واختلّت أحوالهم، والسلام (1)) ) ، وكان من نتيجة ذلك أن ((قال المأمون: والله، لأقضيّنّ حق هذا الكلام، وأمر بإعطائهم لثمانية أشهر (2)) ) ، وفي بعض المصادر أن المأمون ((جعل يردّد فيه النظر ثم قال لأحمد ابن يوسف: لعلك يا أحمد فكرت في ترديدي النظر في هذا الكتاب. قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال ألم تر يا أحمد إلى إدماجه المسألة في الإخبار، وإعفاء سلطانه من الإكثار؟ ثم أمر لهم برزق ثمانية أشهر (3)) ) . وعدّه ابن الأبّار (4) من جملة أولئك الكتّاب الفرسان مثل ابن المقفع (ت:143هـ تقريباً) وسهل بن هارون (ت:215هـ) ، والحسن بن سهل (ت:236هـ) ، وإبراهيم بن العباس (ت:243هـ) وغيرهم من الفصحاء والبلغاء ممّن اقتفوا أثر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وساروا على طريقته في القول. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 هذه الطريقة هي الطريقة التي نهجها الكتاب المتقدّمون الذين كانوا ((لايحفلون بالسجع ولا يقصدونه بتّة، إلا ما أتت به الفصاحة في أثناء الكلام، واتّفق عن غير قصد ولا اكتساب، وإنما كانت كلماتهم متوازنة، وألفاظهم متناسبة، ومعانيهم ناصعة، وعبارتهم رائقة، وفصولهم متقابلة، وجمل كلامهم متماثلة (1)) ) . وفي تولّي ابن مسعدة ديوان التوقيع، وتقليد المأمون له إياه دليل واضح على ما تميّز به على غيره من البلاغة، والفصاحة، وسعة العلم، بالإضافة إلى صفات أخرى لا بدّ من توفّرها فيمن يتولّى مثل هذا المنصب في الدولة، وهذا ما أشار إليه ابن خلدون بقوله: ((واعلم أن صاحب هذه الخطة (يعني التوقيع) لا بد أن يُتخيَّر من أرفع طبقات الناس وأهل المروءة والحشمة منهم، وزيادة العلم وعارضة البلاغة؛ فإنه معرّض للنظر في أصول العلم لما يعرض في مجالس الملوك، ومقاصد أحكامهم من أمثال ذلك مع ما تدعو إليه عِشرة الملوك من القيام على الآداب والتخلق بالفضائل، مع ما يُضطر إليه في الترسيل وتطبيق مقاصد الكلام من البلاغة وأسرارها (2)) ) . وفاته: يذكر ابن عساكر تاريخ وفاة ابن مسعدة، فيقول: ((أخبرني الأزهري، حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال: ومات عمرو بن مسعدة في هذه السنة بأًذنة – يعني سنة سبع عشرة ومائتين (3)) ) . وقد ذكر الذهبيّ: أنه ((توفّي سنة سبع عشرة ومائتين، وقيل: سنة خمس عشرة (4)) ) . ومن استقراء النصوص يبدو أن ابن مسعدة كان مع المأمون في بلاد الروم حين غزاها، وأن المنية أدركته في أَذَنة (5) ، وذلك في ربيع الآخر من سنة: 217هـ (6) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 وهنا تغيب عن سماء الأدب، والفكر، والسياسة، شخصية من الشخصيات البارزة في تاريخ الحركة العلمية، والأدبية في أمتنا الإسلامية العربية، بعد أن أُدرِج اسمه في قائمة الكتاب الروّاد، الذين أسهموا بشكل كبير في تطوّر النثر العربي، وتوفير العناصر والمقوّمات الفنية اللازمة لنموّه، وازدهاره. الفصل الثاني: تراث ابن مسعدة النثري (فنونه وخصائصه) مدخل (ضياع أدبه) : عُرِف ابن مسعدة أديباً كاتباً كان له حظ من الشعر كما كان له حظ من النثر، فقد ذكر ابن النديم (1) أن له ولأخيه مجاشع ديواناً يبلغ خمسين ورقة، وذكر الذهبي (2) أن له نظماً جيداً، وعدّه بعضهم من أصحاب الأبيات المفردة (3) ، في حين رأى الجهشياري على ماينقل عنه الصيرفيّ (4) أنه لم يقل إلا بيتاً واحداً، وقد ورد هذا البيت في موضوع التوقيعات. ورأي الجهشياري هذا يدفعه ما وجدت لابن مسعدة من أبيات تنقض القول: بأنه ليس له إلا بيت واحد، ثم إن هذا القول الذي ينسبه الصيرفي للجهشياري غير مذكور في كتابه ((الوزراء والكتاب)) الموجود بين أيدينا مما يدفعني إلى الشك بعض الشيء فيه؛ وحتى لو كان الصيرفيّ صادقًا فيما نسبه إلى الجهشياري، ولكنه في نسخة أخرى للكتاب لم تصلنا بعد، فإني أرجِّح ما ذكره ابن النديم، والذهبي سابقاً؛ حيث وجدت له من الشعر وإن كان قليلا ما ينقض القول: بأنه ليس له إلا بيت واحد. ولكن للأسف لا يزال هذا الديوان وهذا النظم طيّ الضياع إلى يومنا هذا، وهو مصير آل إليه جُلّ نثره الذي حاز به قصَب السبق في الكتابة العربية، كما نال به وصف البراعة والبلاغة ممن كتب عنه قديماً وحديثاً، وسطّر اسمه في سجل الكتاب النابهين الذين نهجوا في الكتابة نهجاً، ظل سلوكه وترسُّم أصوله وقواعده هدفاً لكل من أراد التفوّق والإبداع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 370 وأكبر دليل على هذا الضّياع أن الدارس لا يكاد يعثر له في المصادر إلا على نُتَف يسيرة لو لم يكن له سواها لما نال هذه المنزلة وتلك الشهرة الرفيعة في مسيرة الحركة الأدبية في عصره، وما ذكره الزركلي (1) من أن لابن مسعدة في كتب الأدب كثيرًا من الرسائل والتوقيعات، رأي في نظري ليس له ما يؤيده من الواقع؛ إذ إن الباحث عن هذه الرسائل والتوقيعات له في كتب الأدب لا يعثر على ما يثبت قول الزركلي آنف الذكر. وثَمّة أمر آخر يدفعني إلى الجزم بضياع كثير من نثره هو ما وقفت عليه من بعض حديثه عن نفسه قائلاً: ((كتبت إلى عامل دَسْتبى (2) كتاباً أطلته، فأخذه المأمون من يدي وكتب: قد كثر شاكوك فإمّا عدلتَ وإما اعتزلتَ (3)) ) . فأين هذا الكتاب الطويل الذي كتبه فلم يعجب المأمون! قد يكون ابن مسعدة نفسه أتلفه، أو لم يظهره طالما أنه لم يحظ بإعجاب الخليفة، والنتيجة أنه قد ضاع بلا شك مع ما ضاع من تراثه. هذا بالإضافة إلى ما ذكره ابن عبد ربه (ت:327هـ) من أن عمرًا بن مسعدة كتب إلى ضَمرة الحَروري كتاباً، فنظر فيه جعفر بن يحيى، فوقّع في ظهره: إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز مقصّراً (4) . ولا زال هذا الكتاب في عداد المفقود من نثر ابن مسعدة. إن الناظر في ما بقي بين أيدينا من أدب عمرو بن مسعدة يجزم جزماً قاطعاً بأنه قد ضاع كثيرٌ منه مع ما ضاع من تراثنا الأدبي ((والمظنون أن لو كانت جُمِعتْ له رسائله على إيجازها لكان منها ديوان كبير؛ لأنه صرف أعواماً طويلة وهو قابض على يراعته يعالج بها الموضوعات المهمة في ذاك المجتمع العظيم (5)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 371 ولا أشك أن انشغاله بخدمة الخليفة والعمل في بلاطه كاتباً، وتحمَّله أعباء كثيرة من أعباء الدولة ((لم تترك له وقتاً يصرفه في درس خاص، أو وضع كتاب أو رسالة، وما تلقطه العلماء والأدباء من كلامه هو مما رواه له المعجبون به (1)) ) . هذا بالإضافة إلى ما نال بعض تراث الأمة بعامة من الضياع، من جرّاء ما مُنيت به من المصائب والنكبات على مدى تاريخها الطويل، وعلى وجه الخصوص من عدو دينها، وعروبتها الصليبيين الحاقدين، الذين بلغ بهم الحقد، وحب الفساد في الأرض إلى أن يرموا في البحركثيراً من التراث الفكري والعلمي والأدبي لهذه الأمة المنكوبة، حتى تغيّر لون ماء البحر الغزير بمدادِ هذا التراث الزاخر. وعلى الرغم من ذلك فإنه يمكننا من خلال ما احتفظت به بعض المصادر من نثره على قلّته أن نتبيّن بعض فنونه النثرية، والموضوعات التي تناولها، والمعاني والأفكار التي عبّر عنها. كما يمكننا أن نتبيّن بصدق وموضوعيّة بعض السمات والخصائص والقِيَم الفنيّة التي اتسم بها نثره، من حيث المضمون والشكل. أولاً: فنونه النثريّة: أولاً: الرسائل: وتنقسم قسمين هما: 1 الرسائل الديوانية: فقد كان عمرو بن مسعدة كاتب المأمون، ولسانه إلى ولاته، وأفراد شعبه، والناطق الرسمي المتحدّث باسمه فيما يجد في الدولة من شؤون، وأحوال؛ وقد وقفت على بعض الرسائل التي كتبها على لسان أميره، ووليّ نعمته (الخليفة المأمون) . وخير ما يمثّل لنا هذا اللون من الرسائل ما كتبه على لسان المأمون إلى نصر ابن شَبَث (2) (وكان أحد الخوارج عليه) : الجزء: 7 ¦ الصفحة: 372 ((أما بعد فإنك يا نصر بن شَبَث قد عرفت الطاعة وعزها، وبرد ظلها، وطيب مرتعها، وما في خلافها من الندم والخسارة، وإن طالت مدة الله بك فإنه يُملي لمن يلتمس مظاهرة الحجة عليه؛ لتقع عبرة بأهلها على قدر إصرارهم واستحثاثهم. وقد رأيت إذكارك وتبصيرك لما رجوت بما أكتب إليك موقعاً منك، فإن الصدق صدق، والباطل باطل، وإنما القول بمخارجه وبأهله الذين يُعنَون به، ولم يعاملك من عمال أمير المؤمنين أحد أنفع لك في مالك ودينك ونفسك، ولا أحرص على استنقاذك والانتياش لك من خطئك مني، فبأي أول أو آخر أو واسطة أو إمرة، إقدامك يا نصر على أمير المؤمنين تأخذ أمواله، وتتولى دونه ما ولاه الله؟ وتريد أن تبيت آمنا أو مطمئنا أو وادعاً أو ساكناً أو هادئاً فواعالم السر والجهر، لئن لم تكن للطاعة مراجعاً، وبها خانعاً لتستوبلن وخم العاقبة (1) ، ثم لأبدأنّ بك قبل كل عمل، فإن قرون الشيطان إذا لم تُقطَع كانت في الأرض فتنة وفساداً كبيراً، لأطأنّ بمن معي من أنصار الدولة كواهل الرعاع أصحابك، ومن تأشب من أدنى البلدان وأقاصيها وطغامها (2) وأوباشها (3) ، ومن انضوى إلى حوزتك من خُرّاب الناس، ومن لَفَظَهُ بلدُه، ونَفَتْهُ عشيرتُه لسوء موضعهم فيهم، وقد أعذر من أنذر والسلام (4)) ) . هنا نرى الكاتب يتدرّج في خطابه لذلك الخارج عن الطاعة، فيذكِّره قيمتها، وما فيها من أمن واستقرار يحسّه الإنسان في نفسه، وما في خلافها من المصائب والويلات، ويظهر لنا من خلال تقرير هذا الحقيقة التظاهر باحترام رأي الخصم، طمعاً في إنابته ورجوعه وخضوعه دون اللجوء إلى القوة لإرجاعه. ثم يذكّره بما امتنّ به عليه أمير المؤمنين، مما لم يحظ به من غيره، وهي منّة فيها حفظ لماله ولدينه ولنفسه من أن ينال شيئاً منها الفساد والإضرار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 ويسأله في دهشة، واستغراب، واستنكار شديد: كيف يقدم على الخروج عن طاعته، والاستقلال بالولاية عنه! ثم يتوعده وعيداً لا هوادة فيه أنه سيبدأ به، وأنه سيقضي عليه وعلى أعوانه المارقين. من ذلك أيضاً ما ورد من أن المأمون خرج ((يوماً من باب البستان ببغداد، فصاح به رجل بَصْريّ: يا أمير المؤمنين، إني تزوجت بامرأة من آل زياد، وإن أبا الرازي (1) فرق بيننا، وقال: هي امرأة من قريش، فأمر المأمون عمرًا بن مسعدة فكتب إلى أبي الرازي: إنه قد بلغ أمير المؤمنين ما كان من الزياديّة وخلعك إياها إذ كانت من قريش، فمتى تحاكمت إليك العرب لا أم لك في أنسابها؟ ومتى وكلتك قريش يا ابن اللخناء (2) بأن تلصِقَ بها من ليس منها؟ فخل بين الرجل وامرأته، فلئن كان زياد من قريش إنه لابن سُميّة، بغيّ عاهر لا يفتخر بقرابتها، ولا يتطاول بولادتها، ولئن كان ابن عبيد الله لقد باء بأمر عظيم، إذ ادّعى إلى غير أبيه لِحَظٍّ تعجّله، ومُلكٍ قهره (3)) ) . والموضوع هنا إنكار موقف يرى الخليفة فظاعته، وشناعته فلا يقره، ولذا فإن الرسالة جاءت قوية في عباراتها، مُرعبة للمنكَر عليه، آخذة عليه قلبه وعقله، أشبه ما تكون بسابقتها من حيث قوة الأسلوب، وبلاغة العبارة، مع ما في هذا النص من الميل السياسي، والتحامل على الأمويين ابتغاء التقرّب من العباسيين. ويولد للحسن بن سهل مولود فيكتب عمرو بن مسعدة على لسان المأمون كتاباً (4) يهنئه فيه بمولوده الجديد فيقول: ((أما بعد: فإن هبة الله لك هبة لأمير المؤمنين، وزيادته إياك في عددك زيادة له في عدده لمحلك عنده، ومكانك من دولته، وقد بلغ أمير المؤمنين أن الله وهب لك غلاماً سرياً، فبارك الله لك فيه، وجعله باراً تقياً، مباركاً سعيداً زكياً (5)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 في هذا النص يحتفل الكاتب بموضوع هذه الرسالة، فيضمنها كل معاني الغبطة، والمشاركة الصادقة في الفرحة بميلاد القادم الجديد، داعياً المولى عز وجل أن يجعله من مواليد السعادة، وأن يبارك فيه، ويرزقه البر والتقوى. تحفل هاتان الرسالتان بكثير من عبارات الوعيد والتهديد، وقد سيطرت عليهما العاطفة الغاضبة المتأجّجة، والمشاعر الطافحة بالكره، والعزيمة على الانتقام، أما الرسالة الثالثة فقد جاءت مختلفة تماماً عن سابقتيها، فهي حديث قلب إلى قلب، وهاجس وُدّ إلى مودود، فلم يكن لابن مسعدة وهو الرجل الحصيف أن ينسى أو يغفل طبيعة العلاقة بين المأمون والحسن بن سهل، إذ كان الود بينهما على أشده، والعلاقة وثيقة، بلغت قمّتها بإصهار المأمون إلى الحسن، وزواجه بابنته بوران، فمن الطبعي إذن أن تأخذ الرسائل بينهما سبيلاً مختلفاً عما سلكته بين غيرهما. وهكذا وبأدنى نظر فيما سبق يتبين لنا أن هذه الرسائل تتميّز بما يأتي: أولاً: تعدّد موضوعاتها بتعدّد مَنْ وُجِّهتْ إليه، واختلاف أقدارهم عند المُرسِل، فمنها ما كان وعيداً وتهديداً، ومنها ما كان رفع مظلمة وجواب شكوى، ومنها ما كان تهنئة. ثانياً: إحساس ابن مسعدة الصادق بأحوال الدولة، ومصالحها؛ مما جعله ينزّل نفسه منزلة من يكتب عنه وهو هنا أمير المؤمنين، فيحس إحساسه، ويشعر شعوره، فينطلق فيما يكتبه من قلبه وعقله، على الرغم من أن بعض الكتاب ((حين يخط رسالة ينفذ فيها أمر الديوان يتحدث بلسان غيره، ويتقمص شخصية أكبر منه أو مختلفة عنه، وربما كان في هذه الأوامر السلطانية ما يتنافى وطبع الكاتب، ومن الصفات ما لا يأنس له، ولا يحتفي به، ولكنه يطيع ما يؤمر به (1)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 ثالثاً: البلاغة، وقوّة البيان؛ مما أكسب هذه الرسائل القدرة على التأثير، ففعلت فعلها في المتلقي والمستمع، نحو ما مرّ بنا من تعاطف المأمون مع الجند الذين تأخرت أرزاقهم، فشفع لهم الكاتب بكتاب استطاع به أن يستصدر أمراً من الخليفة، يأمر فيه بتعجيل أرزاقهم. رابعاً: ما يحسه القارئ من التنويع في أسلوب هذه الرسائل حسب موضوعها، والموقف الذي كُتِبت فيه، فقد كان ابن مسعدة ((يكتب في شؤون الدولة بقلم كأنه السيف ما دعت الحاجة إلى الحزم، والشدة، وبقلم كأنه أنسام الصباح ما كانت المناسبة تدعو إلى الرقة والدعة (1)) ) .يظهر ذلك جلياً فيما كتبه عمرو بن مسعدة على لسان المأمون إلى نصر بن شبَث، وفيما كتبه أيضاً إلى أبي الرازي، وفيما كتبه على لسان المأمون إلى الحسن بن سهل يهنئه بمولود. 2 الرسائل الإخوانيّة: وهي تدور حول ((مخاطبة الغائب بلسان القلم، وفائدتها أوسع من أن تُحصر من حيث إنها ترجمان الجنان، ونائب الغائب في قضاء أوطاره، ورباط الوداد مع تباعد البلاد، وطريقة المكاتبة هي طريقة المخاطبة البليغة مع مراعاة أحوال الكاتب والمكتوب إليه والنسبة بينهما (2)) ) . وقد تناول الكُتَّاب في العصر العباسي كثيراً من الموضوعات التي تناولها الشعراء مثل النسيب، والهجاء، والمديح، والعتاب، وغيرها، وفاقوا أحياناً الشعراء في ذلك ((لأنهم نقلوا إلى النثر محاسن الشعر من الاستعارة، والتشبيه، والخيال (3)) ) هذا مع خلوّه من قيد الوزن والقافية، الذي يكبح من جماح الشاعر، ويقيّده عن الاسترسال. وكان للمنزلة التي تبوّأها الكتاب في العصر العباسي، وما حظوا به من تقدير العامة والخاصة أثر في مزاحمة النثر الشعر في التعبير عن الموضوعات الشعرية والخواطر النفسية. فليس غريباً إذن أن ينهج ابن مسعدة هذا المنهج، فيعبّر نثراً عن أحاسيسه، ومشاعره تجاه من تربطه بهم أواصر وُدٍّ، أو وشائج قربى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 من هذا اللون من الرسائل كتاب عمرو بن مسعدة إلى صديق له، وفيه يقول: ((وصل إليّ كتابك على ظمأ منّي إليه، وتطلّع شديد، وبعد عهد بعيد، ولوم مني على ما مسني به من جفائك على كثرة ما تابعت من الكتب، وعدمت من الجواب، فكان أول ما سبق إليّ من كتابك السرور بالنظر إليه، أنساً بما تجدد لي من رأيك في المواصلة بالمكاتبة، ثم تضاعُف المسرة بخبر السلامة، وعلم الحال في الهيئة، ورأيتك بما تظاهرت من الاحتجاج في ترك الكتاب سالكاً سبيل التخلص مما أنا مخلصك منه بالإغضاء عن إلزامك الحجة في ترك الابتداء والإجابة، وذكرت شغلك بوجوه من الأشغال كثيرة متظاهرة مملة لا أجشّمك متابعة الكتب، ولا أحمل عليك المشاكلة بالجواب، ويقنعني منك في كل شهر كتاب، ولن تُلزِم نفسك في البر قليلاً إلا ألزمت نفسي عنه كثيراً، وإن كنت لا أستكثر شيئاً منك، أدام الله مودتك، وثبّت إخاءك، واستماح (1) لي منك، فرأيك في متابعة الكتب ومحادثتي فيها بخبرك، موفّقاً إن شاء الله (2)) ) . وهذه الرسالة من ابن مسعدة يُفهَم منها أنها جواب لرسالة وردت إليه من صاحب له، عزيزٍ عليه، وهنا يأتي حديثه عن كتاب صديقه إليه، وتعبيره عن شعوره به، حديث الغَزِل الذي يرى في وصوله إلى محبوبه غاية مُناه وآماله، والذي حظي بلقاء مالك وُدِّه بفارغ الصبر بعد طول البعاد والغياب. وفي هذه الرسالة تمتزج أحاسيس الشوق، بأنّات الشكوى، مع رقيق العتاب على التقصير في مواصلة المكاتبة والمراسلة. فالكاتب كما يظهر للقارئ تتنازعه مجموعة من الأفكار، التي يرى نفسه نهباً بينها، فكل واحد منها حريص على أن يظفر باهتمامه فيستولي على مجامع قلبه، ويمسك بزمام قلمه؛ ليوجّه ريشته فتخطّ ما تزاحم عليه من الهموم والأشجان، أو الأشواق والأفراح، بعد أن جاءته رسالة صاحبه، فأراد أن يجيب عليها بعميق حسّه، وصادق شعوره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 وكتب إلى أحد أصحابه المكرمين عنده: ((وأنا أحب أن يتقرّر عندك، أنّ أَمَلي فيك أبعد من أن أختلس الأمور اختلاس من يرى أن في عاجلك عوضاً من آجلك، وفي الذاهب من يومك بدلاً من المأمول في غدك (1)) ) . وفي هذا الرسالة يؤكّد ابن مسعدة لصاحب من أصحابه ذوي الحظوة عنده طول أمله فيه، ويطمئنه علىالصلة القوية بينهما، فهو لا يتعجّل أموره ولا يبادرها مبادرة من يخاف على حاضره، أو يخشى على مستقبله. وهكذا تظهر شخصية ابن مسعدة في رسائله الإخوانية كما ظهرت شخصية غيره من الكتاب في هذا النوع من الرسائل؛ ولا غرو في ذلك فهذا النوع من الرسائل أقدر على نقل أحاسيس الكاتب، والإفصاح عن قَسَماته النفسيّة، والكشف عن مكنونات نفسه، ولواعج قلبه. ذلك لأن الكاتب في رسائله الإخوانية ((يطلق العنان للأقلام، ويتجافى عن الكلفة، ويعدل عن الانقباض، وقد قيل: إن الأنس يُذهب المهابة، والانقباض يضيع المودّة (2)) ) . ثانياً: الحِكَم: الحِكم فن بارز من فنون نثر ابن مسعدة، فقد تضمنت معظم النصوص فلسفته ورأيه في الكون، والحياة، والإنسان، وجاءت في مجملها نظرات صائبة، نتيجة ثقافة، وخبرة، ونُضج تجربة ((ولعل العصر وطبيعة العصر، وما يموج فيه من أحداث، وصراع بين المتناقضات، ولعل في قرب الكاتب من الحاكم، وما يراه مفروضاً ويرفضه، وما يتمناه كائناً وهو غير كائن، وما يحلم به ولا يزال وهماً، يجعله أقرب ما يكون إلى الواعظ، أو الناصح الذي يوجّه بالقلم، ويرشد بالفكر، ويقرب الكلمة من صياغة الحكمة وشكلها (3)) ) . وقد ساق الكاتب حِكمه في قوالب تعبيريّة موجزة أشبه بالتوقيعات، ولا غرو في ذلك فالحكمة ((أشد قرباً من فن التوقيعات، فهي أشبه ماتكون توقيعاً تمده التجربة، ويبعثه الوازع إلى النصح، والإفادة من الخبرة، وتكثيف المشورة في كلم قليل، وعبارات رصينة معبّرة، تفيد الأجيال التالية من خبرات الجيل الذي سبق وجرّب، وخبِر الحياة وشؤونها (4)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 وقد جاءت حِكمه في موضوعات مهمة يأتي في مقدمتها موضوع الصداقة والصديق، والعداوة والعدو، وما يتصل بكل منهما من المعاني، والأفكار. أما موضوع الصداقة والصديق فقد أولاه ابن مسعدة جُلّ اهتمامه؛ إيماناً منه بالأثر الكبير للقرين والمصاحب على المرء في أخلاقه، وسلوكه وفي مختلف شؤون حياته. وهنا نراه يحثّ على اتخاذ الأصدقاء الذين يكونون في منزلة الإخوان ((عليكم بالإخوان فإنهم زينة في الرخاء وعدة للبلاء (1)) ) . ويرى أن مايحدث للنفس بالصديق من طمأنينة، وسكينة، وأنس، وسعادة، أكثر مما يحدث لها مع معشوقها. وعبارات الود، والمحبة، والإخاء، أرقّ، وأبلغ من حديث الغزل، والصبابة، والهوى، على الرغم من رقّته البالغة، يقول ابن مسعدة في ذلك: ((النفس بالصديق آنس منها بالعشيق، وغزل المودة أرقّ من غزل الصبابة (2)) ) ذلك؛ لأن الإخاء القائم على التعقل، وكرم النفس أقوى من الحب المبني على الشهوة واللذة العارضة. ويرى أن لا بد للمرأ قبل الثقة فيمن ينوي مصاحبته، والأنس بمجالسته من امتحانه، وابتلائه، فيقول: ((من لم يقدّم الامتحان قبل الثقة، والثقة قبل الأنس، أثمرت مودته ندماً (3)) ) . ولعلم الكاتب بما يعترض الصحبة والصداقة من فتور نتيجة الملل والسآمة أحياناً، وحصول بعض ما لا يرضاه أحد الصاحبين بوجه من الوجوه، وضع الكاتب جملة من التعاليم والوصايا التي تساعد على استمرار المودة والصفا بين المتآخيين، فدعا دعوة الحكيم المجرّب إلى قلة الزيارة، فقال: ((قلة الزيارة أمان من الملالة (4)) ) مؤيّداً بذلك قولهم: زُرْ غبًا تزدد حباً. كما دعا إلى العتاب كدواء ناجع لما يحدث في رباط المودة والإخاء من وهن وعلل قد تودي به إلى الانقطاع، فقال: ((العتاب حياة المودة (5)) ) وقال: ((ظاهر العتاب خير من باطن الحقد (6)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 وفي المقابل يحذّر الكاتب من مصاحبة الأشرار، ويرى حبهم ومودتهم من أسرع الأشياء انقطاعاً ((أسرع الأشياء انقطاعاً مودة الأشرار (1)) ) وذلك؛ لأنها مبنية على شفير هارٍ، لا تثبت أمام المصاعب والشدائد؛ لأن المودّة القائمة على المصالح والمنافع العاجلة لا تدوم أبداً، ولهذا يرى أن ((إخوان السوء كشجر في النار يحرق بعضه بعضاً (2)) ) . وهكذا نجد الكاتب يلحّ على موضوع الصداقة، والصحبة، وما يبتعد بهما عن أن ينقلبا عداوة وهجراناً، متأثراً في ذلك كغيره من الكتاب بثقافة الفرس التي أولتْ هذا الموضوع حقه من العناية والاهتمام؛ فحظي من الفلاسفة والحكماء الفرس بالنقد والدراسة، فأفسحوا له مكانًا فيما كتبوه في الفلسفة والأخلاق. وإلى جانب هذا الموضوع نجد ابن مسعدة في حِكَمِه الموجزة، يهتم بموضوع العداوة والعدو كجزء رئيس من اهتمامه بالموضوع الأول. وهنا يبين مابين الموضوعين من اختلاف فالعداوة تقضي على آصرة القربى، في حين تقرّب المودة بين الناس، وإن تباعدت أنسابهم ((القريب بعيد بعداوته، والبعيد قريب بمودته (3)) ) . ويظهرالصديق في نُصحِه مؤدباً، في حين يبقى نصح العدو تأنيباً محضاً ((نصح الصديق تأديب، ونُصح العدو تأنيب (4)) ) . وقد حثّ الكاتب في أكثر من موضع على الحذر من العدو، وأَخْذ الحيطة من مكره، وأذاه، فقال: ((لا تأمنن عدوك وإن كان مقهوراً، واحذره وإن كان مفقوداً؛ فإن حد السيف فيه وإن كان مغموداً (5)) ) وقال: ((لا تتعرض لعدوك في دولته؛ فإنها إذا زالت كفتك مؤونته (6)) ) . وقد جاءت حِكَمُه أحياناً في شكل وصية يوجهها إلى شخص معيّن، أو إلى عامة الناس، تتضمّن رأيه الصريح في موضوع من الموضوعات المهمة، من مثل ما نجد في قوليه السابقين، وفي قوله أيضاً: ((لا يفسدنك الظن على صديق قد أصلحك اليقين له (7)) ) . ثالثاً: التوقيعات: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 للتوقيع في اللغة معانٍ كثيرة، وهو هنا مأخوذ من قولهم: ظهر موقّع أي أصابه التوقيع وهو الدَّبَر (1) ، وبعير موقّع الظهر به آثار الدَّبَر، فكأن الموقّع في الكتاب يؤثّر في الأمر الذي كُتِب الكتاب فيه ما يؤكّده ويوجِبُه (2) . أما في الاصطلاح فهو ((الكتابة على حواشي الرقاع والقصص بما يعتمده الكاتب من أمر الولايات، والمكاتبات في الأمور المتعلقة بالمملكة، والتحدّث في المظالم (3)) ) .وقال الأزهري: ((توقيع الكاتب في الكتاب المكتوب: أن يجمِل بين تضاعيف سطوره مقاصد الحاجة، ويحذف الفضول (4)) ) . ويعرف الأستاذ شوقي ضيف التوقيعات بأنها: ((عبارات موجزة بليغة، تعوّد ملوك الفرس ووزراؤهم أن يوقّعوا بها على ما يقدّم إليهم من تظلمات الأفراد في الرعية وشكاواهم، وحاكاهم خلفاء بني العباس ووزراؤهم في هذا الصنيع (5)) ) . وقد ازدهر هذا الفن في العصر الأموي، وزادت عناية الكتاب به في العصر العباسي حتى أُثِر عن جعفر بن يحيى البرمكي (ت:187هـ) قوله موصياً الكُتّابَ: ((إن استطعتم أن يكون كلامكم كله مثل التوقيع فافعلوا (6)) ) . وقد أورد بعض الدارسين (7) عدداً من العوامل التي رآها سبباً في ازدهار هذا الفن في الأدب العربي، فكان مما أورده ما يأتي: 1 انتشار الكتابة، والتعلم، والتعليم. 2 حاجة الولاة إلى الردود السريعة على مكاتباتهم أو رسائلهم؛ لأهميتها، وكثرتها مع كثرة الأعباء الملقاة على عواتقهم؛ لتنوع إدارات الدولة، وشؤونها. 3 ظهور كثير من الكتاب في بلاط الخلفاء والحكام، وقدرتهم على التأنُّق في كتاباتهم. 4 اهتمام الناس بالتوقيعات، وولعهم بها، والتنافس الشديد بينهم في إجادتها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 وقد كان هذا الفن محل عناية واهتمام ابن مسعدة، وكان له في بعض نماذجه رأي ونقد، فقد قال الجاحظ ((وخبّرني جعفر بن سعيد (رضيع أيوب بن جعفر) قال: ذُكِرَتْ لعمرو بن مسعدة توقيعات جعفر بن يحيى، فقال: قد قرأتُ لأم جعفر توقيعات في حواشي الكتب وأسافلها، فوجدتها أجود اختصاراً، وأجمع للمعاني (1)) ) . فكان للتوقيع نصيب مما سطّره يراعه، بل لقد سيطر بخصائصه الفنية على جلّ ما بين أيدينا من نثره، فجاء كثير من نصوصه على شكل توقيعات بليغة موجزة، وإن لم تجرِ مجراها، منها على سبيل المثال قوله: (وكان يوقِّع بين يدي جعفر بن يحيى البرمكي فرفع إليه غلمانه ورقة يستزيدونه في رواتبهم، فرمى بها إليه، وقال: أجب عنها، فكتب ((قليل دائم خير من كثير منقطع (2)) ) ، وقد كان هذا التوقيع موضع إعجاب شديد من جعفر؛ مما دفعه إلى أن يضرب بيده على ظهر عمرو ويقول له: ((أي وزير في جلدك؟ (3)) ) . وقد يأتي توقيعه بيتاً من الشعر، فقد وقّع في ظهر رقعة لرجل: أَعْزِز عَلَيَّ بأمرٍ أنتَ طَالِبُهُ لم يمكنِ النّجْحُ فيهِ وانقضى أَمَدُه (4) ومثل ذلك كثير في توقيعات أهل العصر وغيرهم. ثانياً: الخصائص الفنيّة: اللّغة: إن القيمة الفنية لنثر ابن مسعدة تكمن في لغته، وفيما عبّر عنه من أفكار، ومضامين ذات علاقة وثيقة بالحياة. وهو ما يعني التوازن بين الشكل والمضمون الذي يُعدّ شرطاً أساساً لكل أدب يُراد له البقاء، والخلود. وهذا ما أشار إليه الجاحظ في قوله: (( … لا يكون الكلام يستحقّ اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه، ولفظه معناه، فلا يكون لفظه إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك (5)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382 وأعان الكاتب على تحقيق هذا التوازن بعدُه عن التكلف، موفّراً بذلك قدراً كبيراً من المطابقة بين اللفظ والمعنى، تتحقّق ((بالتعبير الطبيعي الذي يترك فيه الأديب نفسه على سجيّتها السمحة دون أن يعمد إلى صنعة شاذة، أو تكلّف ممقوت، فيكون من ذلك المساواة، وصدق الأداء، وتنوّع العبارة حسب الموضوع والشخصيّة (1)) ) . وقد أشاد الجاحظ بعناية عامة الكتاب، ورواة الأخبار، وحذاق الشعر، بالألفاظ والمعاني على حد سواء، فيما أبدعوه من أدب في قوله عنهم: إنهم ((لا يقفون إلا على الألفاظ المتخيّرة، والمعاني المنتخبة، وعلى الألفاظ العذبة، والمخارج السهلة، والديباجة الكريمة، وعلى الطبع المتمكّن، وعلى السبك الجيّد، وعلى كل كلام له ماء ورونق، وعلى المعاني التي إذا صارت في الصدور عَمَرتْها، وأصلحتها من الفساد القديم، وفتحتْ للسان باب البلاغة، ودلّت الأقلام على مدافن الألفاظ، وأشارت إلى حسان المعاني (2)) ) . وقد كان لعمرو بن مسعدة نصيب من الاهتمام بألفاظه، ومعانيه في ضوء الاهتمام بهذه الظاهرة عند جمهرة الكتاب. وفي رأيي أن ما أحرزه ابن مسعدة من الظهور والتفوّق في مجال الأدب والنثر منه بخاصّة، كان مردّه في الدرجة الأولى إلى تفوّق لغته الأدبية، وامتلاكه ناصية البيان، وهو ما هيّأ له عيشة رضيّة داخل أسوار الخلافة، ومكّنه من مجالسة الخليفة نفسه، والكتابة على لسانه، والتحدّث باسمه. وهذا أيضاً هو الذي دفعني إلى أن أخصّ لغة هذا النثر بحديث مفصّل؛ طمعاً في كشف الّلثام عن بعض خصائصه الفنية، وأسرار نُضجه، وإبداعه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 فقد اتّسمت هذه اللغة من حيث ألفاظها، وأساليبها بقيم فنيّة رفيعة، جعلت ما سطّره يراع ذلك الكاتب في قائمة الأدب البليغ الرصين، الذي دعا إلى النظر فيه بعض دارسي الأدب، ونقاده ((لِمَا في ذلك من تنقيح القريحة، وإرشاد الخاطر، وتسهيل الطرق، والنسج على منوال المُجيد، والاقتداء بطريقة المحسن، واستدراك ما فات، والاحتراز مما أظهره النقد، وردّ ما بهرجه السبك (1)) ) . وأول ما يلفت النظر في لغة ابن مسعدة تلك الكلمات المفردة التي تألف منها نثره المسماة الألفاظ. فقد تميّزت ألفاظه بالدّقة والوضوح، والبعد عن الغموض، مما أعطى معانيه قدراً كبيراً من الوضوح والبساطة، وعدم الإبهام، فما من شك في أن من صفات الأسلوب الجيّد الوضوح بصرف النظر عن جنس الأدب، ونوعه، عكس ما يرى الرمزيون من أن الجمال في الإبهام أكثر منه في الوضوح، وهو ما عبّر عنه بودلير بقوله: (( … والشعر الزائف هو الذي يتضمن إفراطاً في التعبير عن المعنى، بدلاً من عرضه بصورة مبرقعة، وبهذا يتحوّل الشعر إلى نثر (2)) ) . ويمكننا أن نقف على هذا في كثير مما كتب نحو قوله: ((من حقوق المودة عفو الإخوان، والإغضاء عن تقصير إن كان (3)) ) وقوله وقد ذكر رجل رجلا: ((حسبك أنه خلق كما تشتهي إخوانه (4)) ) . فلا نجد وضوحاً أكثر من ذلك التعبير. كما اتّسمت ألفاظه بالفصاحة والجزالة، مع البعد عن الغرابة، متفقة مع ما أوضحه ابن الأثير بقوله ((ولستُ أعني بالجزل من الألفاظ أن يكون وحشياً متوعّراً عليه عنجهيّة البداوة، بل أعني بالجزل أن يكون متيناً على عذوبته في الفم ولذاذته في السمع. وكذلك لست أعني بالرقيق أن يكون سفسفاً، وإنما هو اللطيف الرقيق الحاشية، الناعم الملمس (5)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 ومن خير ما يمثّل ذلك قوله في الرسالة التي وجهها على لسان المأمون إلى نصر بن شبَث (وقد خرج عليه) : ((لأطأنّ بمن معي من أنصار الدولة كواهل الرعاع أصحابك، ومن تأشّب من أدنى البلدان وأقاصيها وطغامها وأوباشها، ومن انضوى إلى حوزتك من خُرّاب الناس … (1)) ) . فهي ألفاظ كما ترى جزلة قوية، رصينة متينة، كأنما قُدّت من الحجارة، أو قِطَعِ الحديد الثقيلة، تثير في نفس المتلقي الرعب والوجل، وهما مقصودان هنا لذاتهما، فالموقف يتطلب حرباً نفسية قوية، تهزم العدو من داخله؛ ليتراجع عن المواجهة، ويستجيب وينصاع لأمر الخليفة. هكذا حرص ابن مسعدة في جملة كتاب العصر على أن تكون ألفاظه جزلة رصينة، وهذا هو شأن معظم الكتاب الذين أشاد الجاحظ بطريقتهم في الكتابة بقوله: ((أما أنا فلم أر قط أمثل طريقة في البلاغة من الكتاب؛ فإنهم قد التمسوا من الألفاظ مالم يكن متوّعراً وحشيّاً، ولا ساقطاً سوقيّاً … (2)) ) . وعلى الرغم مما اتّصفت به الألفاظ من الجزالة والفخامة أحياناً، فقد كانت سهلة بعيدة عن الابتذال أحيان أخرى، وهذا ما دعا إليه الجاحظ (وهو من أرباب القلم، والبيان، والبلاغة) بقوله: ((فالقصد في ذلك أن تجتنب السوقيّ والوحشيّ، ولا تجعل همّك في تهذيب الألفاظ، وشُغلَكَ في التخلّص إلى غرائب المعاني، وفي الاقتصاد بلاغ، وفي التوسّط مجانبة للوعورة، وخروج من سبيل من لا يحاسب نفسه (3)) ) . وهو أيضاً ما وصفه القاضي الجرجانيّ (ت:366هـ) وهو يحثّ على عدم التكلف، ويحض على تسهيل الأسلوب بقوله: ((فلا تظننّ أني أريد بالسمح السهل الضعيف الركيك، ولا باللطيف الرشيق الخَنِث المؤنّث، بل أريد النمط الأوسط، ما ارتفع عن الساقط السوقي، وانحط عن البدويّ الوحشيّ … (4)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 والسهولة مع عدم الابتذال في أدب المبدعين ومنهم ابن مسعدة عنصر مهم، وقيمة من القيم الفنية، فهي الركن الرابع من أركان الكتابة، على ما ذكره ابن الأثير بقوله: ((أن تكون ألفاظ الكتاب غير مخلولقة بكثرة الاستعمال، ولا أريد بذلك أن تكون ألفاظاً غريبة؛ فإن ذلك عيب فاحش. بل أريد أن تكون الألفاظ المستعملة مسبوكة سبكاً غريباً يظن السامع أنها غير ما في أيدي الناس، وهي مما في أيدي الناس (1)) ) . وغاية ما في الأمر أن ابن مسعدة لم يلتزم نهجاً واحداً في اختيار ألفاظه، وإنما راعى مقتضى الحال، فجاءت ألفاظه على أقدار معانيه، وكانت مناسبة لموضوعات نثره، فهي ترِقُّ حيناً، وتجزل حيناً آخر، وهي في الأحوال كلها بعيدة عن الابتذال، والإغراب، والتعقيد. وأخيراً فهي ألفاظ موحية مشعّة، تحوي في كثير منها عنصر التصوير، من مثل قوله: ((العبوديّة عبودية الإخاء لا عبودية الرق (2)) ) . وهو إنما يعني ما يجب أن تكون عليه الصداقة والأخوّة من التزام بالوفاء بحق الأخوّة التزاماً يقيّد تصرّف المرء، تقييداً يشبه تقييد حرية تصرّف العبد مع سيّده، وفي ذلك قوة ومتانة، يصبح المرء معها قوي الارتباط بمن آخاه، فهو كالأسير له، لا ينفك عنه، ولا يترفّع عليه. ومن أمثلة الألفاظ الموحية أيضاً قوله في رسالة ديوانية معبراً عن بعض صفات أتباع الخصم: ((ومن لَفَظَهُ بلدُه، ونَفَتْهُ عشيرتُه (3)) ) . ففي قوله: ((لفَظَه)) وقوله: ((نَفَتْهُ)) دلالة كبيرة على مدى الانحطاط والإسفاف الذي اتصف به أتباع ذلك الخارجي، فيكفي أنهم أفراد مطرودون من بلدانهم، منفيّون من عشائرهم، وفي ذلك أكبر ذم لهم، وتشنيع على من آزرهم وأيّدهم، أواستعان بهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 وفي إطار اهتمام ابن مسعدة بموضوع الصداقة، ونقيضها العداوة، نجده يُعنى بموضوع الحقد، في محاولة جادة للتحذير منه، فهو مرض خطير فتّاك، ينبت من العداوة، ويقضي على كل أواصر المودة، والمحبة، ومن هنا فإن اختفاءه بين حنايا الضلوع، أشبه ما يكون بالنار الكامنة في الزناد، تنتظر أدنى قدح له لتنطلق مشتعلة ملتهبة محرقة ((كُمون الحقد في الفؤاد كَكُمون النار في الزناد (1)) ) . هنا يتوسّل الكاتب أسلوب التصوير الفني في بيان فظاعة هذا الخُلُق، وخطورته البالغة على العلاقات الإنسانية. وجاء البديع بأنواعه المختلفة عفوياً بعيداً عن التكلف وكان من مقومات لغة ابن مسعدة الفنية كما مر بنا في الحديث عن بلاغته وهو أمر طبعي وجدناه في كتابات ابن مسعدة، كما وجدناه في كتابات غيره من كتاب العصر، وسابقيهم ولاحقيهم، ولكن مما يُحمد لابن مسعدة هنا أن تعامله مع البديع جاء نتيجة تفاعل عفويّ مع ما يملكه من مخزون لغوي ومعرفي، أبعده عن التكلف المشين، والتصنّع المقيت، الذي يذهب برونق الكتابة، ويخلع عليها جلباب الغموض، مما جعلنا نحس على هذا النثر مسحة من الوضوح، والجمال. ومن خير ما يمثّل لنا هذه السمة في تراث ابن مسعدة النثريّ ما جاء في رسالته إلى الحسن بن سهل، وفيها يقول: ((أما بعد: فإنك ممن إذا غَرَسَ سَقى، وإِذا أَسّس بنى؛ ليستتم تشييد اُسُّه، ويجتني ثمار غرسه. وثناؤك عندي قد شارف الدروس (2) ، وغرسك مشف (3) على اليبوس، فتدارك بناءَ ما أسّستَ، وسَقْيَ ما غَرَستَ، إن شاء الله (4)) ) .فأنت تجد هنا السجع العفويّ الجميل، الذي ازدادت به هذه الرسالة جمالاً ووضوحاً. ومما يدل على عفوية هذا السجع أن الكاتب لم يقصد إلى اتفاق أكثر من فاصلتين، وأن هذا الاتفاق قد زاد المعنى وضوحًا وجلاءً، أضف إلى ذلك أنك تقرؤه فلا يمجه السمع ولا ينفر منه الذوق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 387 ومن البديع في كتابته أيضاً قوله في كتابٍ له (وقد أهدى فرساً) : ((بعثتُ إليكَ بِطِرْف (1) يتصرّف بالشابِ مع هواه، ويجري تحت الشيخِ على رِضاه، لم يبعثهُ (2) سوطٌ، ولم يُتعبهُ شَوطٌ (3)) ) . فأنت ترى في هذا النص الطباق بين كل من: الشاب، والشيخ. كما ترى الجناس في كل من: يبعثه ويتعبه، وبين: سوط وشوط. كل ذلك في انسجام، وعدم تكلّف. وقد كونت هذه الألفاظ في مجموعها أسلوباً واضحاً، رصيناً، جميلاً، يمكن أن أطلق عليه ما يسمى ب ((الأسلوب السهل الممتنع)) وهو ما عبّر عنه التوحيدي بقوله: ((وفي الجملة أحسن الكلام ما رقّ لفظه، ولَطُف معناه، وتلألأ رونقه، وقامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم، يُطمع مشهوده بالسمع، ويمتنع مقصوده على الطبع، حتى إذا رامه مُريغ (4) حلّق، وإذا حلّق أسفّ، أعني: يبعد على المحاول بعنف، ويقرب من المتناول بلطف (5)) ) . وينطبق هذا الوصف على أسلوب ابن مسعدة، فأنت تجد ألفاظاً واضحة المعنى، قريبة التناول، لا تستعصي في ظاهرها على أحد، وتركيبه، ونسجه ((أيسر تركيب يجري مع الطبع، كأنه في إيراده يتكلم كلامه المعتاد معرباً، ويسطره في الورق (6)) ) . بالإضافة إلى ما تقدّّم فقد تميّزت لغة هذا النثر ببعض الظواهر الفنية البارزة، التي رأيت من الواجب الوقوف عندها بالدرس والتحليل، ومن أبرزها: الإيجاز: الإيجاز من أبرز سمات النثر الفني، التي حظيت باهتمام البلغاء المشهورين، والكتاب النابهين، كما حظيت باهتمام النقاد والدارسين في القديم والحديث. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 وقد بيّن الجاحظ مفهوم الإيجاز مبتعداً به عن ذلك المفهوم الذي فهمه بعض النقاد والدارسين، وهو أن الإيجاز الاختصار فقال: ((والإيجاز ليس يُعنى به قلة عدد الحروف واللفظ، وقد يكون الباب من الكلام من أتى عليه فيما يَسَع بطن طومار (1) فقد أوجز، وكذلك الإطالة، وإنما ينبغي له أن يحذف بقدر ما لا يكون سبباً لإغلاقه، ولا يردّد وهو يكتفي في الإفهام بشطره، فما فضل عن المقدار فهو الخطل (2)) ) . ويرى السكاكي (ت:626هـ) أن الإيجاز ((أداء المقصود من الكلام بأقل من عبارات متعارف الأوساط (3)) ) . وإلى هذا المعنى ذهب ابن الأثير (ت:637هـ) منوّهاً بأهمية الإيجاز وقيمته الفنية فهو ((حذف زيادات الألفاظ وهذا نوع من الكلام شريف لا يتعلق به إلا فرسان البلاغة من سبَق إلى غايتها وما صلى، وضرب في أعلى درجاتها بالقدح المعلّى وذلك لعلو مكانه، وتعذّر إمكانه … فربّ لفظ قليل يدلّ على معنى كثير، وربّ لفظ كثير يدل على معنى قليل (4)) ) . وبهذا المعنى الدقيق للإيجاز أصبح سمة بارزة على ما كتبه عمرو بن مسعدة وظاهرة من ظواهر نثره الفنية، مما حدا بالزركلي (5) أن يقول عنه: ((وكان مذهبه في الإنشاء الإيجاز واختيار الجزل من الألفاظ)) . ومن المؤكد أن هذه الظاهرة لم تأت في نثره بهذا الشكل الواضح البارز من فراغ، بل لم تكن عن عجز وعدم قدرة على الاسترسال في التعبير عن المضامين والأفكار، بل كانت سمةً مميِّزة لقدرة الكاتب الفائقة على التعبير، وسبر أغوار المعاني بقليل من الألفاظ والتراكيب، وكانت لذلك عوامل وأسباب، منها ما هو عام مشترك في كتابة عامة الكتاب الموجزين، ومنها ما هو أشبه بالخاص بابن مسعدة. أما العوامل العامة المؤدّية للإيجاز عند ابن مسعدة وغيره فقد لخّصها أحد الدارسين (6) في ثلاثة عوامل: 1 طبيعة اللغة. 2 طبيعة الفنّ ذاته. 3 طبيعة الحياة. ويمكنني أن أضيف إلى العوامل السابقة طبيعة الموضوع أيضاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 أما عن طبيعة اللغة، فمن المعلوم أن المعاني والمضامين واسعة كثيرة، في حين أن الألفاظ التي نحتاجها للتعبير عن هذه المعاني محدودة معدودة، إذا قورنت بالمعاني، وفي ذلك يقول الجاحظ: (( … ثم اعلم حفظك الله أن حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ؛ لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممتدة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة (1)) ) . وابن مسعدة كغيره من الناس يتكلم، ويعبر، ويكتب عن أفكار كثيرة تمليها عليه طبيعة الحياة العامة والخاصة التي يعيشها، فهو مضطر أن يفيد من طبيعة اللغة، وما تتميّز به من خصائص، وما فيها من أسرار، أشار التوحيديّ إلىكثير منها في معرض حديثه عن الكلام البليغ بقوله: ((فإن الكلام صَلِف تيّاه لا يستجيب لكل إنسان، ولا يصحب كل لسان، وخطره كثير ومتعاطيه مغرور، وله أَرَن (2) كأرَن المُهر، وإباء كإباء الحرون، وزهو كزهو الملك، وخفق كخفق البرق، وهو يتسهّل مرّة، ويتعسّر مراراً، ويذل طوراً ويعز أطواراً، ومادته من العقل، والعقل سريع الحؤول (3) ، خفيّ الخداع، وطريقه على الوهم، والوهم شديد السيلان، ومجراه على اللسان، واللسان كثير الطغيان، وهو مركب من اللفظ اللغوي والصوغ الطباعي، والتأليف الصناعي، والاستعمال الاصطلاحي، ومستملاه من الحجا ودَرْيُه (4) بالتمييز، ونسجه بالرقة والحجا في غاية النشاط (5)) ) . أما العامل الثاني من عوامل الإيجاز فهو طبيعة الفن ذاته، فالفن ((ليس إعادةً للواقع، نسخة منه، مطابقاً له، ولا يمكن أن يكون كذلك؛ لأنه لو كان كذلك لزهدنا فيه، ونفرنا منه، واجتويناه، فالواقع الأصلي يغنينا خير غنى عن هذه الصورة المسخ الفاقدة المعنى الخالية من الحياة (6)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 وعلى الرغم من ذلك فإننا لا نستطيع أن نعدّ كل إيجاز محمود مرغوب إذ له أحوال ومواضع يحسن فيها، وله غيرها يقبح فيها، وإلى هذا أشار جعفر بن يحيى البرمكي في توقيع له إلى عمرو بن مسعدة قال فيه: ((إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيراً، وإذا كان الإيجاز كافياً كان الإكثار عِيّاً (1)) ) . أما عن طبيعة الحياة (العامل الثالث) فما من شك في أن البيئة بطبيعتها وجوانبها المختلفة (المكانية، الزمانية، العلمية والأدبية، الاجتماعية والسياسيّة) وما تخلعه تلك على الحياة التي يعيشها الأديب، وما تصبغ به حياته من أفكار، وتدفعه إليه من سلوك، وما تشغل به وقته من أعمال وحوائج يلزمه قضاؤها، فإن لذلك كله أثره الواضح أحياناً في جذب الكاتب إلى الإيجاز، وعدم التطويل. وأما عن طبيعة الموضوع، فما من شك في أن الموضوع يفرض نفسه على الكاتب، وتحدّد طبيعته الطريقةَ المناسبة لتناوله، وعرض أفكاره العامة، والجزئية؛ لذا أرى من أسباب الإيجاز عند ابن مسعدة وغيره ممن سار على نهجه طبيعة الموضوعات النثرية التي طرقها. فالرسائل الإخوانية بخاصة سلكت أسلوب المراجعات، والمجاوبات، أي أنها تكون أحياناً ردّاً أو جواباً، فمطلوب فيها الإيجاز، والحِكَم أساساً تقوم على الإيجاز، وكذلك التوقيعات. وإلى جانب هذه العوامل العامة المؤثّرة في بروز ظاهرة الإيجاز في كتابات الكتاب الموجزين والتي كان لابن مسعدة نصيب منها نجد عوامل صريحة مباشرة كان لها تأثيرها البيّن في دفعه إلى الإيجاز فيما كتبه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 فمع ما كان يذهب إليه أساطين البلاغة، وأمراء البيان في العصر من إشادة بهذا المسلك، ومن بين هؤلاء الخليفة المأمون الذي عُرِف ببيانه وبلاغته، فقد كان له تأثير كبير على ابن مسعدة فكان يحب الإيجاز، ويعجب به كما جاء في بعض مقولاته عنه، ولم يقف أثره على الإعجاب به فقط، بل كان يدعو صراحة إلى نبذ الاستطراد فقد جاء في خبر سبق (1) أن المأمون طلب منه أن يكتب إلى عامل دَسْتبى كتاباً فأطاله ابن مسعدة، فأخذه المأمون من يده، وكتب: ((قد كثر شاكوك فإمّا عدلتَ، وإما اعتزلتَ (2)) ) . كما جاء في خبر آخر عنه أن المأمون قد أمره أن يكتب لشخص كتاباً إلى بعض العمال بالوصية عليه والاعتناء بأمره وأن يكون ذلك في سطر واحد فقط (3) ، فكتب له: ((كتابي إليك كتاب واثق بمن كتبتُ إليه، معنيّ بمن كتبت له، ولن يضيع بين الثقة والعناية حامله، والسلام (4)) ) . فالمأمون فيما تقدم يحثّ ابن مسعدة، ويحضّه على الإيجاز ما أمكنه ذلك، ولم يكن عمرو (وهو الكاتب الفَطِن) بالذي يعصي لخليفته وولي نعمته أمراً، بل كان أشد التزاماً بما أُمِر به. ومن المؤكّد أن غير المأمون من الأدباء، والبلغاء، والكتاب النابهين، من يرى هذا الرأي، ويسير على نهجه فيما تبدعه قريحته، ويخطه يراعه، وما كان إعجاب جعفر البرمكي بأحد توقيعاته، وإشادته به إلا واحداً من ذلك. ويعدّ الإيجاز في نثر ابن مسعدة كما في نثر غيره ((من أبرز آثار التوازن بين اللفظ والمعنى، وأفضل حسناته … وهو توازن دقيق وحدّ وسط بين الإفصاح البالغ المسرف في ثرثرته وفضوله، وبين الغموض الكزّ الضنين بأسراره وكنوزه، ولا يلين ولا يستجيب وإن جهد الذهن في استنطاقه (5)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392 هكذا نجد هذه العوامل والأسباب كلها، بالإضافة إلى التزام كتاب العصر في جملتهم بالإيجاز تدفع بابن مسعدة كغيره من بلغاء عصره إلى أن يوجز في كتابته إيجازاً أصبح أبرز سمة من سمات فنّه الذي أبدع فيه، وأصبح إماماً له، وكان من أجله موضع تقدير من لدن أرباب البيان والبلاغة في عصره وبعده، فقد قال عن نفسه: ((كنت أوقِّع بين يديْ جعفر بن يحيى البرمكي فرفع إليه غلمانه ورقة يستزيدونه في رواتبهم، فرمى بها إليَّ، وقال: أجب عنها. فكتبت: قليل دائم خير من كثير منقطع. فضرب بيده على ظهري، وقال: أي وزير في جلدك؟ (1)) ) . ويروع المأمون بيانه، ويعجبه إيجازه، وتسحره بلاغته في خبر جاء فيه: أنه ((قدم رجل من أبناء دهاقين قريش على المأمون لِعِدَةٍ سلفت منه فطال على الرجل انتظار خروج أمير المؤمنين، فقال لعمرو بن مسعدة: توصل في رقعة مني إلى أمير المؤمنين تكون أنت الذي تكتبها تكون لك عليَّ نعمتان. فكتب: إن رأى أمير المؤمنين أن يفك أسر عبده من ربقة المطل بقضاء حاجته ويأذن له في الانصراف إلى بلده فعل إن شاء الله. فلما قرأ المأمون الرقعة دعا عمراً فجعل يعجبه من حسن لفظها وإيجاز المراد. فقال عمرو: فما نتيجتها يا أمير المؤمنين؟ قال: الكتاب له في هذا الوقت بما وعدناه لئلا يتأخر فضل استحساننا كلامه وبجائزة ألف درهم صلة على دناءة المطل، وسماجة الإغفال، ففعل ذلك له (2)) ) . وقد شاع تفوقه في الإيجاز، وشهرته به، حتى صارت بعض نصوصه شواهد صالحة، وأمثلة يمثَّل بها في الدرس الأدبي والبلاغي، فقد وجدنا الخفاجي (ت:466هـ) (3) مثلاً يعدّ من ((إيجاز القصر)) ما كتبه ابن مسعدة عن المأمون إلى بعض عماله: ((كتابي إليك كتاب واثق بمن كتب إليه، معنّى بمن كُتِب له، ولن يضيع بين الثقة والعناية موصله، والسلام (4)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393 وهذا الكتاب على قِصَرِه ((يصوّر المهارة العقلية التي كان يحتاجها كاتب الديوان في العصر العباسي، فهو يحتال في كتاباته، وهل في هذا الخطاب سوى الاحتيال بصورة طريفة عن الفكرة التي يريد الكاتب أن يؤديها؟ (1)) ) . وذكر الجرجاني (ت:729هـ) أن إيجاز القصر على نوعين وكلام ابن مسعدة هذا من النوع الثاني منه ((وهو أن يؤتى بألفاظ دالّة على معنى أو معانٍ محملة إذا فُصِل أو فُصِلت صارت معانيَ كثيرة (2)) ) . وكلام ابن مسعدة المتقدم من الإيجاز المحمود الذي عرّفه ابن خفاجة بقوله: ((هو إيضاح المعنى بأقلّ ما يمكن من اللفظ (3)) ) . وعندما ننظر فيما بقي بين أيدينا من نثر ابن مسعدة نجده لم يخرج في إيجازه عن سَنَن الفصحاء والبلغاء، الذين استحسنوا الإيجاز في بعض المواضع مثل الاعتذار، والشكر، ومخاطبة الخاصة، ونحو ذلك، فقد عرفناه حسن السياسة للأمراء والولاة، حسن الصحبة لهم، أديباً في مخاطبتهم، موجزاً في حديثه إليهم، ولم يكن ذلك خافياً عليهم، يظهر ذلك فيما روي عن عمرو بن مسعدة أنه كتب إلى المأمون: ((كتابي إلى أمير المؤمنين ومن قِبَلي من أجناده وقواده في الطاعة والانقياد على أحسن ما يكون عليه طاعة جند تأخرت أرزاقهم، واختلت أحوالهم. فقال المأمون: والله، لأقضين حق هذا الكلام، وأمر بإعطائهم لثمانية أشهر. فجعل يردّد فيه النظر ثم قال لأحمد بن يوسف: لعلك يا أحمد فكرت في ترديدي النظر في هذا الكتاب. قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال ألم تر يا أحمد إلى إدماجه المسألة في الإخبار، وإعفاء سلطانه من الإكثار؟ ثم أمر لهم برزق ثمانية أشهر (4)) ) . وقد بيّن المأمون فيما تقدّم سرّ إعجابه بالتفوّق الفنيّ الذي أحرزه كتاب ابن مسعدة إليه في شأن رجل من دهاقين قريش وكذا في شأن الجند، وهو يرجع إلى أمرين: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 أولهما: قدرته الفنية على سؤال الحاجة من الخليفة بأسلوب الإخبار، وفي ذلك لطافة من جهة التعريض والتلميح بالحاجة دون التصريح بها. ثانيهما: مخاطبته الخليفة بكلام موجز، بعيد عن الإطالة، وفي ذلك راحة لمن وُجِّه له. وقد وُفّق الكاتب في هذا الصنيع، إذ إنّ الإيجاز ((ينبغي أن يستعمل في مخاطبة الخاصّة، وذوي الأفهام الثاقبة الذين يجتزئون بيسير القول عن كثيره، وبجُمَلِه عن تفسيره … وفي الجوامع التي تُعْرض على الرؤساء فيقفون على معانيها، ولا يشغلون بالإكثار فيها (1)) ) . والمأمون من جملة أولئك بل على رأسهم؛ فقد عُرِف بعلمه، وأدبه، وبلاغته، وبيانه. فيما سبق يتبين لنا أثر واحد من آثار بلاغة ابن مسعدة، إذ كان كلامه سبباً في التعجيل بالهبة، فلم يقف أثر هذه البلاغة عند حد الإعجاب، فقط بل تجاوز ذلك لتفعل تأثيرها في المستمع، وهو هنا من عِلْية القوم. وهكذا يظل الإيجاز سمة غالبة على نثر عمرو، لم يتجاوزه في جميع ما تبقّى بين أيدينا من نثره. ثانياً: قِصر الجُمَل: جاءت النصوص الباقية بين أيدينا من نثر ابن مسعدة في مجملها جملاً قصيرة متوازنة، قد لا تتجاوز الواحدة منها كلمتين أو ثلاث، نتبيّن ذلك كثيراً فيما كتبه جواباً لكتاب وصله من صديق له، وقد أوردت هذا الرسالة كاملة في موضوع الرسائل الإخوانية، فلا ضرورة للتكرار هنا. كما نتبين ذلك أيضاً في قوله ((أعظم الناس أجراً، وأنبههم ذكراً، من لم يرض بموت العدل في دولته، ويتوخى ظهور الحُجّة في سلطانه، وإيصال المنافع إلى رعيته في حياته. وأسعد الرعاة من دامت سعادة الحق في أيامه، وبعد وفاته وانقراضه (2)) ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 ومثل ذلك كثير عند ابن مسعدة، غالب على نثره، وقد مرّ بنا في ثنايا البحث نماذج كثيرة لا ضرورة لتكرارها، تدل دلالة قاطعة علىشيوع الجمل القصيرة في كتابات ابن مسعدة ((حتى تحوّلت الكتب عنده إلى كلمات قصار، ككلمات التوقيعات، بل لعلها أشد قِصراً، وأقوى منها حدّة. وما نشك في أنه تأثر في هذا الاتجاه بالحِكم الكثيرة التي تُرجِمت في عصره، على نحو ما نرى في الأدب الصغير والكبير لابن المقفّع، وكأنه أراد أن يجعل كتبه أو على الأقل طائفة منها حِكماً وأمثالاً تدور على ألسنة الكتاب والأدباء (1)) ) . كل ذلك قد أسهم في تحقيق بعض القيم الفنية المهمة للمضمون والشكل على حد سواء. ومن ذلك: 1 وضوح المعنى؛ إذ يتيح قِصَر الجمل الفرصة للقارئ، والمستمع؛ لاستحضار قواه الذهنية، مما يمكّنه من استيعاب ما يعبّر عنه من معانٍ جزئية، في قوالب تعبيريّة مقطّعة، موجزة. 2 قوّة الأسلوب، مما ينتج عنه قدرة الكاتب على التأثير في المتلقي، وهذا في حد ذاته هدف أساس للكتابة الأدبية بعامة. 3 توفير قدرٍ لا بأس به من الجرس والإيقاع الصوتي؛ إذ تكوّن هذه الجمل القصيرة مقاطع إيقاعية متعادلة ومتوازنة ومتناغمة، تمنح النص قدراً من إيقاع النثر وجَرْسه الموسيقيّ الجميل. • • • الخاتمة: في هذا البحث تناولت بالدراسة سيرة عمرو بن مسعدة العامة، والخاصة، ذلك العَلَم الذي حظِي بمكانة مرموقة في الدولة العباسية في عصرها الأول. كما تناولت بالدراسة والتحليل إبداعه النثري، محاولاً بذلك تجلية أبرز جوانبه وقِيمه الفنية التي كانت سبباً في تفوّقه وخلوده. وقد توصّلت من خلال هذه الدراسة إلى عدد من النتائج من أبرزها: أولاً: ضياع كثير من نثر ابن مسعدة، فقد كشفت هذه الدراسة بما لا يدع مجالاً للشك أن ما بقي بين أيدينا من هذا النثر لا يمثّل إلا النزر اليسير مما أبدعه فكره، وخطّه يراعه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 ثانياً: تعدّد فنون هذا النثر، فقد كتب ابن مسعدة في فن الرسائل (الديوانية، والإخوانية) ، وفن الحِكم، وفن التوقيعات. ثالثاً: صاغ ابن مسعدة نثره في لغة أدبية راقية، ذات خصائص فنية رفيعة، يأتي في مقدمتها: وضوح الفكرة، وفصاحة الكلمة، وجزالة اللفظة، وقِصَر الجمل، وجودة التراكيب، مؤلفة من مجموع ذلك أسلوباً يعد في إطار ((الأسلوب السهل الممتنع)) بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى. رابعاً: يُعدّ الإيجاز أبرز خصائص نثر ابن مسعدة الفنية، وهو اللون المُميِّز لهذا النثر. وقد دفع إليه، ومكّن منه أسباب عامة، وخاصة، عرضتها بالتفصيل في موضعها من البحث. أخيراً فإني على يقين من أن ما قدمته هذه الدراسة عن هذا العَلَم من أعلام النثر الفني العربي، وما كشفت عنه من تفاصيل حياته، وخصائص نثره الفنية لا يعدو جهد المقل، حاولت به إضافة رؤية جديدة إلى جهود بعض الدارسين السابقين، وأملي أن أكون قد وُفّقتُ لذلك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين الحواشي والتعليقات وفيات الأعيان: 1 / 45. ويزيد هذا هو أبو خالد، أمير، قائد، شجاع، جواد، ولِيَ خراسان بعد وفاة أبيه (سنة:83هـ) ثم عزله عبد الملك بن مروان برأي الحجاج، ولما استُخلِف سليمان بن عبد الملك ولاّه العراق، ثم خراسان، وأخيراً نابذ بني أمية الخلافة فقتِل بعد حروب كثيرة. انظر: الوزراء والكتاب، الصفحات:41،49،50،52، وفيات الأعيان:6/278-309. ياقوت الحموي، معجم البلدان: 3 / 435 (صول) . وفيات الأعيان:1/45-46. والعقر:اسم لعدة مواضع، والمقصود منها هنا عقر بابل قرب كربلاء من الكوفة، وفي يوم العقر المشهور الذي نازل فيه يزيد بن المهلب بن أبي صُفرة جيش يزيد بن عبد الملك بقيادة أخيه مسلمة عام: 102هـ، وذلك بعد أن خلع طاعة بني مروان، ودعا إلى نفسه، وأطاعه أهل البصرة والأهواز وفارس وغيرهم، فأجلت الحرب عن قتل ابن المهلب. انظر: معجم البلدان (العقر) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 هذا رأي يحتاج إلى إعادة النظر، فمن المعروف أن المكانة العلمية والأدبية لهذه الأسرة، وهي مكانة لاتقل خطراً عن مكانتهم السياسية إن لم تتفوّق عليها. الأدب في موكب الحضارة الإسلامية: 393. هكذا ورد، والمراد سبع عشرة. سليمان بن مخْلَد الموريانيّ، من قرية من قُرى الأهواز يقال لها: الموريَان، كان ظريفاً خفيفاً على القلب، مقرباً من المنصور، مكيناً عنده، ولذا قلده الدواوين مع الوزارة. انظر: الوزراء والكتاب:97-100. معجم الأدباء: 16/127. أي: عظمته، وما جاء في إجلاله وتعظيمه. الإعذار: مصدر أعذر ومعناه: اعتذر عذراً يُعْذَر به، وصار ذا عذر منه. (اللسان: عذر) معجم الأدباء:16/128. معجم الأدباء: 16/129. الأغاني: 1234. … ابن عمر بن يونس، أبو عمرو، شاعر كوفي من الموالي، ومن مخضرمي الدولتين (الأموية والعباسية) كان ماجناً، ظريفاً، خليعاً، متهماً في دينه بالزندقةانظر: تاريخ بغداد: 8/148، وفيات الأعيان:2/210-214. يناقف: يجالد ويصارع، والمقصود هنا: ما دار بينهما من مهاجاة شديدة. الأغاني: 5226، 5227. انظر: أمراء البيان:184. انظر: تاريخ بغداد: 12 /203 3/475. انظر: سير أعلام النبلاء: 10/181. وفيات الأعيان: 1/45. … وزير الرشيد، كان عظيم القدر، جواداً كريماً، سمِح الأخلاق، وكان كاتباً بليغاً، من ذوي الفصاحة والبيان. قتله الرشيد سنة: 187هـ. انظر: تاريخ الطبري:4/657، الوزراء والكتاب: 204، وفيات الأعيان: 1/328، وما بعدها. وفيات الأعيان: 3/476. انظر: تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الأول) لشوقي ضيف:553. انظر: زهر الآداب:960،961. … الأحول (ت:210هـ) من وزراء المأمون المشهورين بالبلاغة، والفصاحة، وسداد الرأي. انظر: الفخري:224. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 398 … بن القاسم بن صَبيح العجليّ ولاءً، وزير كاتب، شاعر، مشهور بفصاحته وبلاغته، وقوة بديهته، ولِيَ ديوان الرسائل للمأمون، وتوفي ببغداد سنة:213هـ. انظر: تاريخ بغداد:5/216، معجم الأدباء:5/161-183. … بن يسار، من وزراء المأمون المشهورين، كان كاتباً حاسباً، وكان أهوج حاداً، سريع الغضب. انظر: الفخري:226، الهفوات النادرة:246-250. أمراء البيان: 177. معجم الأدباء: 16/129. العقد الفريد:4/175-179 الفرج بعد الشدة:3/306-313، صبح الأعشى: 1/177،180. أمراء البيان: 177. هو عمرو بن فرج، كان أبوه من أعيان الكتاب في أيام المأمون إلى أيام المتوكل، والرخّجي: نسبة إلى ((رُخَّج)) كورة ومدينة من نواحي كابل. انظر: معجم البلدان (رخج) . العقد الفريد:4/175-179، الفرج بعد الشدة:3/306-313، صبح الأعشى:1/177-180. انظر: معجم الأدباء: 16/129. الأحكام السلطانية: 22. الأحكام السلطانية: 22 -23. التنبيه والاشراف: 294. معجم الشعراء: 219. آداب الملوك: 39. المأقِط: في الأصل المضيق في الحرب، والمراد به هنا ضيق الحاجة وكربها. الأغاني: 2606-2607. الأغاني: 2617-2618. ديوان النابغة الذبياني: 42. إعتاب الكتاب: 117. جمع سكرجة: وهي القصعة الصغيرة التي يؤكل فيها. المري: رب مملوح. الدست: صدر البيت. أمراء البيان: 187-188. الفرج بعد الشدة: 1/385. تحفة الأمراء: 162. تاريخ بغداد: 12/203-204. معجم الأدباء: 16/131. وانظر: كتاب الذّخائر والتحف: 225. وفيات الأعيان: 3 / 477،478. وانظر الشعر في الطرائف الأدبية: 130. زهر الآداب: 960-961. كلثوم بن عمرو بن أيوب … بن عتاب التغلبي (ت:220هـ) شاعر عباسي، اتصل بهارون الرشيد، والمأمون، كما اتصل بالبرامكة،وآل طاهر.انظر: الأغاني:4623-4639، تاريخ بغداد:12/488، معجم الأدباء:17/26-31. معجم الأدباء: 17/29. إعتاب الكتاب: 112. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 لمحمد البيدق النصيبي في عمرو بن مسعدة وقد اشتكى، في وفيات الأعيان: 3/477. مولى بني تميم، شاعر من شعراء الدولة العباسية، وأحد الخلعاء المجان، الوصّافين للخمر، اتصل بالبرامكة، ومدحهم، واتصل بيزيد بن مزيد، وانقطع إليه حتى مات يزيد، مدح الأمين، والمأمون، وعمرو بن مسعدة وغيرهم. انظر: الأغاني: 7676وما بعدها، تاريخ بغداد: 9/411-413. عصر المأمون: 3/70، 71. أدم الّركاب: الإبل التي لونها مشرّب سواداً أو بياضاً. الطِّرف هنا: الكريم العتيق من الخيل. الطَّفلة: ناعمة البَنان. الكاعب: ناهدة الثديين. أكوار: جمع كَور، وهو ما يُحمل على ظهر الدابة. حراجيج: جمع حُرجوج، وهي الناقة الشديدة، أو الضامرة. مهمه: صحراء بعيدة. لاحب: واضح. عاصب: شديد. … النميري (ت:213هـ) أبو معن، من كبار المعتزلة، وله أتباع منهم يسمون الثمامية، ومن تلاميذه الجاحظ، وهو فصيح بليغ من المقدمين في البلاغة، كان ذا صلة بالرشيد، ثم بالمأمون، وكان ذا نوادر وملح. انظر: البيان والتبيين:1/105، تاريخ بغداد:7/145-148، طبقات المعتزلة:62. كتاب ذم أخلاق الكتاب، ضمن رسائل الجاحظ: 2/195. … الكنانيّ، فقيه من أهل الجدل والمناظرة، وهو من تلاميذ الشافعي، الذين طالت صحبتهم له، قدم بغداد في أيام المأمون، فجرت بينه وبين بشر المريسي مناظرة في قوله بخلق القرآن، توفي سنة:240هـ. انظر: ميزان الاعتدال:2/639 بشر بن غياث بن أبي كريمة (عبد الرحمن) المريسي، فقيه معتزليّ عارف بالفلسفة، يرمى بالزندقة، وإليه تنسب الطائفة المريسية القائلة بالإرجاء، وهو من أهل بغداد ينسَب إلى ((درب المريس)) توفي سنة:218هـ. انظر: تاريخ بغداد:7/56، وفيات الأعيان:1/277،278، سير النبلاء:10/199وما بعدها. الحيدة: 24،25. وهذه الرسالة قد نفى الذهبي نسبتها إلى عبد العزيز المكي في ميزان الاعتدال:2/639. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 400 انظر كلام ابن مسعدة هذا بتمامه في القسم الثاني من البحث، بعنوان خبره مع عبد العزيز المكيّ. انظر: صُبح الأعشى: 1/127. تأثير الحِكم الفارسية: 312. انظر الفهرست: 439. انظر الفهرست: 182. تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الأول) : 552-553. تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الأول) : 553. تاريخ بغداد:12/203. الصناعتين: 61.وانظر: معجم الأدباء: 16/129، صبح الأعشى: 2/235،2/357. وفيات الأعيان: 3/476. مقدمة ابن خلدون:681. التذكرة الحمدونية: 6/321.وانظر: المحاسن والأضداد للجاحظ: 28، زهر الآداب: 837. المحاسن والأضداد للجاحظ: 28. وانطر: زهر الآداب: 837. زهر الآداب: 837. كفاية الطالب: 217، وانظر: الإعجاز والإيجاز للثعالبي:112، وعدّه من بدائع الكتاب والبلغاء. آداب الملوك:143-144 سر الفصاحة: 212، وانظر:الوفيات 3/478. انظر: تحرير التحبير: 415. تحرير التحبير: 415. مقدمة ابن خلدون:681. تاريخ بغداد:12/203، وانظر: الوفيات:3/476 سير أعلام النبلاء:10/181. وييقال لها: أدَنة وهي اليوم مدينة من مدن تركيا المشهورة. تاريخ الأدب العربي، لعمر فروخ:2/216. انظر: الفهرست: 239. انظر: سير أعلام النبلاء: 10/182. الأفضليات: 257. الأفضليّات: 257. انظر: الأعلام:5/86. كورة كبيرة في بلاد فارس بين الري وهَمَذان. انظر: معجم البلدان: دستبى (2/454) . المحاسن والمساوئ للبيهقي: 559. انظر: العقد الفريد: 4/156. أمراء البيان: 176. أمراء البيان: 176. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 401 هو نصر بن سيّار بن شَبَث العقيليّ، كان يسكن كيسوم (ناحية شمالي حلب) وكان محبا للأمين، وله فيه هوى، فلما قُتِل أظهر الغضب لذلك، وأعلن الخلاف على المأمون، واجتمع معه خلق كثير من الأعراب، ووقف بهم في وجه المأمون، فأرسل إليه عبد الله بن طاهر في جيش فشدد الحصار عليه، فانتهى أمره بالاستسلام سنة:210. انظر: الكامل لابن الأثير (حوادث عام:199هـ:5/171وما بعدها) . المراد هنا: لتطعم، ولتتجرّع مرارة عصيانك وتمردك، وعواقبه الفاسدة. الطغام: الأرذال. الأوباش: الأخلاط المتفرقون من الناس. أمراء البيان:179-180. محمد بن عبد الحميد، والٍ كان من رجال المأمون، وقد ولاه اليمن سنة:212هـ، وذلك بعد أن ثار واليها أحمد بن محمد العمري المعروف ب ((أحمر العين)) وخَلَع طاعة العباسيين. انظر الكامل لابن الأثير:5/216. اللخن: القبح أو النَّتَن. جمهرة رسائل العرب:3/29. يندرج هذا الكتاب تحت مفهوم الرسائل الإخوانية، وقد أثبته هنا لصدوره عن ديوان الخليفة. اختيار المنظوم والمنثور: 13/303. رسائل ابن الشخباء: 33. الأدب في موكب الحضارة الإسلامية: 399. جواهر الأدب:1/44. النثر الفني في القرن الرابع الهجري: 1/130. أي طلب من أن يشفع له. اختيار المنظوم والمنثور: 12/262. نثر الدُّر: 5/121. جواهر الأدب: 1/45. أحمد بن يوسف: 83. أحمد بن يوسف: 82. عصر المأمون:3/62، أمراء البيان:180. عصر المأمون:3/62، أمراء البيان:180. عصر المأمون:3/62، أمراء البيان:180. عصر المأمون:3/62، أمراء البيان:180. عصر المأمون:3/62، أمراء البيان:180. مجمع الأمثال: 1/445. عصر المأمون: 3/63، أمراء البيان:180. عصر المأمون: 3/63، أمراء البيان:180. عصر المأمون: 3/63، أمراء البيان:180. عصر المأمون: 3/63، أمراء البيان:180. عصر المأمون: 3/63، أمراء البيان:180. عصر المأمون: 3/63، أمراء البيان:180. عصر المأمون: 3/63، أمراء البيان:180. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 402 الدَّبَر: قروح تصيب ظهر البعير ونحوه لكثرة ما حُمِل عليه، ورُكِب. (انظر: اللسان: وقع) . اللسان: (وقع) . صبح الأعشى: 1/110. السان: (وقع) . تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الأول) : 489. البيان والتبيين:1/115، زهر الآداب:1/157. انظر: النثر في العصر العباسي، وأشهر أعلامه:220،221. البيان والتبيين: 1/106،107. وفيات الأعيان: 3/476. وفيات الأعيان: 3/476. أمراء البيان:184. البيان والتبيين: 1/115. الأسلوب: 166. البيان والتبيين: 4/24. صبح الأعشى: 1/273. النقد الجمالي، وأثره في النقد العربي: 107. عصر المأمون:3/62، أمراء البيان:180. عصر المأمون:3/62، أمراء البيان:180. المثل السائر: 1/275. أمراء البيان:179-180. البيان والتبيين: 1/137. البيان والتبيين: 1/255. الوساطة: 24. المثل السائر: 1/152. التمثيل والمحاضرة: 462. أمراء البيان:179-180. عصر المأمون: 3/63، أمراء البيان:180. شارف الدروس: أشرف، وأوشك على الامحّاء والزوال. مُشفٍ: مقبل. معجم الأدباء: 16/130،131. الطِّرف: الجواد الأصيل الكريم. يبعثه: يدفعه ويحثه على السرعة في الجري، وهو إنما يريد هنا أن سرعة هذا الفرس طبيعة وعادة له. لُمَح المُلَح: 392. والشوط: مرّة الجري إلى غاية. المريغ: الطالب. الإمتاع والمؤانسة: 2/145. أمراء البيان: 182. الطومار: الصحيفة. الحيوان: 1/91. مفتاح العلوم: 277. المثل السائر: 2/303. الأعلام: 5/86. انظر: حول مفهوم النثر:53-55. البيان والتبيين: 1/76. الأرن: النشاط. الحؤول: التحول والتغيّر. دريه:درايته والعلم به. الإمتاع والمؤانسة: 1/9-10. حول مفهوم النثر: 55. الأمالي: 1/222. نقد النثر: 96-97. ص: 38. المحاسن والمساوئ للبيهقي: 559. انظر: نهاية الأرب:7/260. وفيات الأعيان: 3/475.وانظر: نهاية الأرب:7/260. حول مفهوم النثر: 51. وفيات الأعيان: 3/476. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 403 المحاسن والأضداد للجاحظ:28-29.زهر الآداب:1023. انظر: سر الفصاحة: 212. سر الفصاحة:212نثر الدر: 5 / 102 وفيات الأعيان: 3 / 475. الإشارات والتنبيهات: 148. الفن ومذاهبه:197-198. الإشارات والتنبيهات: 146. سر الفصاحة: 211. المحاسن والأضداد: 28،زهر الآداب: 837، كفاية الطالب: 217، وانظر الإعجاز والإيجاز للثعالبي: 12،وقد عدّ قول ابن مسعدة هذا من بدائع الكتاب والبلغاء، آداب الملوك:143-144، سر الفصاحة: 212، الوفيات 3/478. نقد النثر: 97. عصر المأمون: 3/61، أمراء البيان:178. تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الأول) لشوقي ضيف:558. المصادر والمراجع آداب الملوك، لأبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي (ت:429هـ) تحقيق د. جليل العطية، ط:1،دار الغرب الإسلامي، بيروت لبنان الأحكام السلطانية، والولايات الدينية، لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي (ت:450هـ) ، دار الكتب العلمية بيروت، 1398هـ=1978م. أحمد بن يوسف (الكاتب الوزير) ، تأليف د. علي إبراهيم أبو زيد، ط:1، دار المعارف- القاهرة، 1997م. اختيار المنثور والمنظوم (مخطوط) ، لابن طيفور، صورة، عن نسخة مكتبة الأزهر، محفوظة في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برقم:9914/ف، أدب. الأدب في موكب الحضارة الإسلامية، تأليف د. مصطفى الشكعة، مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة، 1968م. الأسلوب، تأليف أحمد الشايب، ط:8، مكتبة النهضة المصرية القاهرة،1988م. الإشارات والتنبيهات في علم البلاغة، لمحمد بن علي بن محمد الجرجاني (ت:729هـ) تحقيق د. عبد القادر حسين، دار النهضة مصر، د. ت. إعتاب الكتاب، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي المعروف بابن الأبار (ت:658هـ) ، تحقيق وتعليق: د. صالح الأشتر، ط:1، مجمع اللغة العربية دمشق،1380هـ=1961م. الإعجاز والإيجاز، لأبي منصور الثعالبي (ت: 429هـ) شرح إسكندر آصاف، ط:1، المطبعة العمومية مصر 1897م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 404 الأعلام، لخير الدين الزركلي، ج:5، ط:9، دار العلم للملايين بيروت، 1990م. الأغاني، لأبي الفرج الأصبهاني (ت:356هـ) تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الشعب، د. ت. الأفضليات، لأبي القاسم علي بن منجب الصيرفي (ت:542هـ) تحقيق د. وليد قصاب، ود. عبد العزيز المانع، مجمع اللغة العربية دمشق،1402هـ. الأمالي، لأبي علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي (ت:356هـ) ، دار الكتاب العربي بيروت، د. ت. الإمتاع والمؤانسة، لأبي حيّان علي بن محمد بن العباس التوحيدي (ت:414هـ) تصحيح وضبط أحمد أمين، وأحمد الزين، المكتبة العصرية بيروت، مصورة عن طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة، 1373هـ = 1953م. أمراء البيان، تأليف الأستاذ محمد كرد علي، ط:3، دار الأمانة بيروت، 1388هـ=1969م. البصائر والذخائر، لأبي حيان التوحيدي (ت:414هـ) ، تحقيق د. وداد القاضي، ط:1، دار صادر بيروت، 1408هـ = 1988م. البيان والتبيين، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت:255هـ) ، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، ط:5، مكتبة الخانجي القاهرة، 1405هـ = 1985م. تأثير الحِكم الفارسية في الأدب العربي في العصر العباسي الأول، تأليف د. عيسى العاكوب، ط:1، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر دمشق، 1989م. تاريخ الأمم والملوك، لأبي جعفر الطبري (ت:310هـ) ط:2، دار الكتب العلمية بيروت 1408هـ = 1988م. تاريخ بغداد، للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت:463هـ) دار الكتاب العربي بيروت، د. ت. تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الأول) ، لشوقي ضيف، ط:4، دار المعارف مصر، 1966م. تاريخ الأدب العربي، تأليف د. عمر فروخ، ج/2،ط:5، دار العلم للملايين بيروت، 1985م. تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر، وبيان إعجاز القرآن، لابن أبي الإصبع المصري (ت:654هـ) ، تحقيق: د. حفني محمد شرف، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة،1383هـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 405 تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء، لأبي الحسن هلال بن المحسّن الصابئ (ت:448هـ) ، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج، دار إحياء الكتب العربية القاهرة، 1958م. التذكرة الحمدونية، لابن حمدون (محمد الحسن بن محمد بن علي (ت:562هـ) الأجزاء:1،4،6،8، تحقيق: إحسان عباس، وبكر عباس، ط:1، دار صادر بيروت،1996م. التمثيل والمحاضرة، لأبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي (ت:429هـ) تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو، الدار العربية للكتاب، 1983م. جمهرة رسائل العرب في عصور العربية الزاهرة، تأليف أحمد زكي صفوت، الجزء:3، ط:2، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر، 1391هـ= 1971م. جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، تأليف: السيد أحمد الهاشمي، الجزآن:1،2، ط:27، المكتبة التجارية الكبرى مصر،1389هـ=1969م. جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، تأليف: السيد أحمد الهاشمي، ط:12، دار إحياء التراث العربي بيروت، د. ت. حول مفهوم النثر الفني عند العرب القدامى، تأليف: البشير المجدوب، الدار العربية للكتاب تونس،1982م. الحيوان، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت:255هـ) ، ج/1، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، ط:2، مكتبة ومطبعة البابي الحلبي القاهرة، د. ت. الحيدة، للإمام عبد العزيز بن يحيى المكي (ت:240هـ) ، ط:2،دار الفتح للطباعة والنشر بيروت،1405هـ=1985م. خاص الخاص، لأبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي (ت:429هـ) ، قدم له حسن الأمين، دار مكتبة الحياة، بيروت، د. ت. ديوان النابغة الذبياني، تحقيق: د. مفيد محمد قميحة، دار المطبوعات الحديثة، جدة، د، ت. رسائل ابن أبي الشخباء الإخوانية، تأليف د. علي إبراهيم أبو زيد، ط:1، دار القلم للنشر والتوزيع دبي الإمارات العربية المتحدة، 1409هـ=1989م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 406 زهر الآداب وثمر الألباب، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني (ت:453هـ) تحقيق: علي محمد البجاوي، الطبعة الثانية، طبع عيسى البابي الحلبي مصر، د. سر الفصاحة، لأبي محمد عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي (ت:466هـ) ،ط:1، دار الكتب العلمية بيروت 1402هـ=1982م. سير أعلام النبلاء، للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (ت:74هـ) الجزء:10، ط:1، مؤسسة الرسالة بيروت، 1402هـ = 1982م. صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، لأحمد بن علي القلقشندي (ت:821هـ) شرح: محمد حسين شمس الدين، ط:1، دار الكتب العلمية، 1407هـ=1987م. الطرائف الأدبية، تصحيح وإخراج: عبد العزيز الراجكوتي، دار الكتب العلمية بيروت، د. ت. عصر المأمون، تأليف د. أحمد فريد رفاعي، المجلد:3،ط:4،مطبعة دار الكتب المصرية القاهرة، 1346هـ = 1928م. العقد الفريد، لأبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربّه الأندلسي (ت:32هـ) ، تصحيح: أحمد أمين، وأحمد الزين، وإبراهيم الأبياري، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر لقاهرة، 1375هـ. عيون الأخبار، لابن قتيبة الدينوري (ت:276هـ) دار الكتاب العربي بيروت، د. ت. الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، لابن الطَّقْطَقَى (أبو جعفر محمد بن علي ابن طباطبا العلوي، ت:709هـ) دار صادر بيروت. الفرج بعد الشدة، لأبي علي المحسِّن بن علي التنوخي (ت:384هـ) تحقيق: عبود الشالجي، دار صادر بيروت، 1398هـ = 1978م. الفن ومذاهبه في النثر العربي، تأليف د. شوقي ضيف، ط:5،دار المعارف مصر، د. ت. الفهرست، لابن النديم أبي الفرج محمد بن إسحاق (ت:385هـ) ، دار المعرفة بيروت، 1398هـ= 1978م. الكامل في التاريخ، لابن الأثير (ت:630هـ) دار الفكر بيروت،1398هـ = 1978م. الكامل في اللغة والأدب، لأبي العباس محمد بن يزيد المبرّد (ت:285هـ) تحقيق: محمد أحمد الدالي. ط:1، مؤسسة الرسالة بيروت، 1406هـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 407 كتاب الذخائر والتحف، للقاضي الرشيد بن الزبير (ق:5هـ) ، تحقيق: د. محمد حميد الله، تقديم ومراجعة: د. صلاح الدين المنجد، دائرة المطبوعات للتوزيع والنشر الكويت، 1959م. كتاب ذم أخلاق الكتاب، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت:255هـ) ، ج:2، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي القاهرة، د، ت. كتاب الصناعتين، لأبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري (ت:395هـ) تحقيق: علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية بيروت، 1406هـ. كفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب، لضياء الدين بن الأثير الجزري (ت:637هـ) دراسة وشرح وتحقيق د. النبوي عبد الواحد شعلان، ط:1، الزهراء للإعلام العربي القاهرة، 1415هـ=1994م. لطائف الأخبار وتذكرة أولي الأبصار، للقاضي أبي القاسم علي بن المحسّن التنوخي (ت:447هـ) ، تحقيق د. علي حسين البوّاب، دار عالم الكتب الرياض، 1413هـ = 1993م. لُمَح المُلَح، لسعد بن علي الحظيري (ت:568هـ) دراسة وتحقيق شادن بنت عبد القدوس أبو صالح، رسالة دكتوراة محفوظة في كلية اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض. المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، لضياء الدين بن الأثير (ت:637هـ) ، تحقيق: د. أحمد الحوفي، ود. بدوي طبانة، ط:2، دار الرفاعي الرياض، 1403هـ. مجمع الأمثال، لأبي الفضل أحمد بن محمد الميداني (ت:518هـ) ، تحقيق محمد محيي الدين ابن عبد الحميد، دار القلم بيروت، د. ت. المحاسن والأضداد، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت:255هـ) تحقيق الشيخ محمد سويد، ط:1، دار إحياء العلوم بيروت،1412هـ = 1991م. المحاسن والمساوئ، لإبراهيم بن محمد البيهقي (ت:320هـ) تحقيق محمد سويد، ط:1، دار إحياء العلوم بيروت، 1408هـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 408 المزهر في علوم اللغة وأنواعها، لعبد الرحمن (جلال الدين) السيوطيّ (ت:911هـ) تحقيق: محمد جاد المولى، وعلي البجاوي، ومحمد أبي الفضل إبراهيم، ط:4، طبع عيسى البابي مصر،1378هـ = 1985م. معجم الأدباء، لياقوت الحموي (ت:626هـ) ، ط:3، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، د. ت. معجم الشعراء، لأبي عبيد الله محمد بن عمران المرزباني (ت:384هـ) تصحيح د. ف. كرنكو، تصوير دار الكتب العلمية بيروت، عن الطبعة الأولى في مكتبة القدسي،1403هـ. معجم البلدان، لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي البغدادي (ت:626هـ) دار صادر بيروت، 1404هـ. معجم المراكب والسفن في الإسلام، للعلامة حبيب زيات، مجلة المشرق، آب_كانون الأول، 1949م، السنة 43. مفتاح العلوم، لأبي يعقوب يوسف بن أبي بكر السكاكي (ت:626هـ) ضبط وشرح: نعيم زرزور، ط:1، دار الكتب العلمية بيروت، 1403هـ=1983م. مقدمة ابن خلدون، لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون (ت:808هـ) ، تحقيق وشرح: د. علي عبد الواحد وافي، ط:3، دار نهضة مصر للطبع والنشر القاهرة، د. ت. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (ت:748هـ) ، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة بيروت، د. ت. نثر الدُّر، لأبي سعد منصور بن الحسين الآبي (ت:421هـ) الجزء الخامس. تحقيق محمد إبراهيم عبد الرحمن، مراجعة علي محمد البجاوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة، 1987م. نزهة الألباء في طبقات الأدباء، لأبي البركات كمال الدين عبد الرحمن بن محمد الأنباري (ت:577هـ) ، تحقيق د. إبراهيم السامرائي، ط:3، مكتبة المنار الأردن، 1405هـ = 1985م. النثر الفني في القرن الرابع الهجري، تأليف زكي مبارك، دار الجيل بيروت،1395هـ=1975م. نقد النثر، المنسوب إلى أبي الفرج قدامة بن جعفر (ت:337هـ) ، دار الكتب العلمية بيروت، 1402هـ= 1982م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 409 النقد الجمالي وأثره في النقد العربي، تأليف الأستاذة روز غريب، ط:1، دار العلم للملايين بيروت، 1934م. نهاية الأرب في فنون الأدب، لأحمد بن عبد الوهاب النويري (ت:733هـ) وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة، د. ت. الهفوات النادرة، لأبي الحسن محمد (غرس النعمة) بن هلال الصابي (ت:480هـ) تحقيق: د. صالح الأشتر، دمشق، 1967م. الوزراء والكتاب، لأبي عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري (ت:331هـ) تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، ط:2، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده مصر،1401هـ = 1980م. الوساطة بين المتنبي وخصومه، للقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني (ت:366هـ) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، المكتبة العصرية صيدا لبنان، 1386هـ=1966م. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لأبي العباس أحمد بن خلّكان (ت:681هـ) ، تحقيق: د. إحسان عباس، دار صادر بيروت، د. ت. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 410 الصورة الفنية لحقول التراجيدي في الشعر الجاهلي د. عبد الله خلف العسَّاف الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية والعربية - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ملخص البحث لقد عكس الشعر الجاهلي مجموعة من القيم الجمالية التي من أبرزها: الجميل والقبيح والتراجيدي والجليل 0 وعبّر عن هذه القيم من خلال نظام بنائي جمالي مميّز انسجم وطبيعة تلك القيم 0 وقد بُني احتفاء الشعر الجاهلي بالتراجيدي عبر حالتين 0 تتمثّل الأولى بتجسيده الدائم لموت " الجميل " وما يخلّفه من مآسٍ متنوعة برزت في موقف الطلل، وموقفي الرحيل والاغتراب 0 وتتمثّل الثانية بتجسيد الشعر الجاهلي لخيبات الأمل التي كانت تنتاب الشاعر بسبب التناقض بين واقعه وبين " المَثَل الأعلى " الذي يطمح إليه 0 وكانت - دائماً - القبيلةُ بأنظمتها الصارمة تقف سدّاً قاسياً بين حلم الشاعر، ووسائل تحقيقه. وكان لشعر الصعاليك الدور الأكبر في تجسيد هذه الحالة، ممّا يدفعنا إلى اعتباره " الظاهرة التراجيدية " الأولى في الشعر الجاهلي بلا منازع 0 • • • هدف البحث: يشكل هذا البحث منظومة من أربعة أبحاث أخرى تتكامل معاً لترسم صورة لأصول نشوء "المُثُل الجمالية " في الشعر العربي، وبخاصّة " عمود الشعر " الذي نشأ في العصر الجاهلي، وغدا فيما بعد، " مثَلاً جمالياً " للشعر العربي في العصور اللاحقة حتى العصر الحديث، مدعوماً بالوعي الجمالي التقليدي 0 مقدمة البحث: التراجيديا، كما أكّد " أرسطو "، هي كلُّ ما يثير فينا الشفقة والحزن 0 وقد اعتبر، حينها، أن المسرحية التراجيدية تشكّل ضرورة هامة للناس؛ لأنها تطهّر الكاتب حين يبدعها، والمتلقي حين يشاهدها، أو يتلقاها بصيغة معينة، وبخاصة إذا تقاطعت مع جوانب من مشكلاته المكبوتة 0 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 411 و" التراجيدي " مصطلح جمالي مبنيّ - من حيث المفهوم المجرّد - على كلّ ما له علاقة بالمأساة 0 ويقابله المأساوي، أو المأسوي 0 وهو يشكّل، بعد تحوّله من المفهوم إلى القيمة، أحدَ الموضوعات الأثيرية التي تستهوي المبدعين 0 لذلك فالتراجيدي يُعَدُّ من أبرز مظاهر الإبداع الأساسية إلى جانب الجميل والقبيح والكوميدي والجليل 0 وللحضور التراجيدي المميّز في العمل الفني أسباب كثيرة، أبرزها اثنان: يتمثّل الأول في موت الجميل الذي يولِّد، غالباً، شعوراً مأساويّاً بمستوى معيّن لدى المبدع الذي يجسّده في عمله الفني تعبيراً أو تصويراً 0 ويتمثّل السبب الثاني في عدم الانسجام بين " المَثَل الأعلى " الذي يرغب الإنسان في تحقيقه، وبين محيطه الاجتماعي والثقافي 0 أي الشعور الذي يتولّد لدى المبدع حين تُقيّدُ طموحاته، وآماله لأسباب معينة، أو تنكسر 0 وهذا يولّد غالباً إحساساً عميقاً بالحزن، أو بخيبة الأمل 0 لذلك فالتراجيدي، في الفن، قيمة جمالية تعني التعبير عن المأساة بسبب انعكاس حدث معيّن على المبدع يُجسّده عادة عبر الصورة الفنية، أو بوسائل أخرى 0 و" علم الجمال " يتناول التراجيدي بوصفه مفهوماً جمالياً حُوِّل إلى قيمة في العمل الإبداعي 0 وهو لذلك يدرس التراجيدي في الفن عبر مستويين: أ -: قيمة التراجيدي التي تحوّلت من الفكرة المجرّدة إلى الإحساس الذاتي المصاغ صياغة فنية، وملامحها، وعلاقتها بالقيم الأخرى من حيث المساحة والمجاورة والبنية ونمط التفاعل 0 ب -: الشكل الفني الذي جسّد المبدعُ موضوعَه فيه، ومدى انعكاس المحتوى التراجيدي وتغلغله ضمن هذا الشكل الفني عبر الموسيقى والإيقاع، والمفردة، والصورة الفنية، والمناخ 0 فإذا حدث مثلُ هذا التعالق فغالباً ما يكون المبدع موفّقاً 0 والشعر الجاهلي أعطى مساحة واسعة للتراجيدي في نصوصه 0 حتى لا يمكن لنا أن نقرأ هذا الشعر دون الاهتمام بهذا الجانب 0 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 412 إنّ الفراغ، والرحيل، والفراق والتنقل، وعدم الاستقرار، واتّساع الصحراء غير المحدود، والظلمة الموحشة، والخوف، والصدام بين بعض الشعراء، وأنظمة قبائلهم، كلّها أسباب أساسية كانت وراء الحضور العنيف للتراجيدي في الشعر الجاهلي 0 ومن يقرأ هذا الشعر يحسُّ بنبرة حزن غالباً ما تكون عاليةً يردّدها الشعراء في كلّ نصوصهم دون استثناء 0 ويرافق تلك النبرة شعورٌ بالألم والقلق والوحدة وما إلى ذلك 0 حتّى ليخيّل إليَّ أنّ الشاعر الجاهلي لو أراد أن يقدّم الفرح، فهو سيقدّمه عبر التراجيدي 0 وسنفصّل - فيما يلي - بأبرز مظاهر التراجيدي في الشعر الجاهلي: أوّلاً -: موقف الطّلل: لقد كانت معظم القبائل العربية تعاني من نقص في المياه، والكلأ، لها، ولمواشيها بسبب طبيعة الجزيرة العربية الجافة آنذاك، ممّا يدفعها إلى أن تنتقل من مكان إلى آخر للبحث عنه في فصل الربيع غالباً 0 وكانوا يُطلقون على أماكن تجمّع المياه والعشب اسم " دارة " 0 ويحدث أحياناً أن تلتقي حول دارة من الدارات قبيلتان أو أكثر جاءتا من مكانين مختلفين في الجزيرة العربية، فيتمّ التعارف بين أفراد القبيلتين 0 وهو لا يتجاوز علاقة الجوار التي ستنتهي بانتهاء فصل الربيع، لتعود كلّ قبيلة إلى موطنها 0 وتشاء المصادفة، أحياناً، أن تنشأ علاقة عاطفية بين شاعر من هذه القبيلة، وفتاة من القبيلة الأخرى، وتلك العلاقةُ تولِّدُ ذكريات جميلة، ترتبط بأشياء متنوعة في المكان؛ لكن " التنقّل وعدم الاستقرار "، وانتهاء فصل الربيع يجعل القبيلتين تعودان إلى ديارهما، ويُجهز على الّلحظات الجميلة بين الأحبة 0 ويحدثُ، بعد سنوات، أن يتذكّر الشاعر تلك الّلحظات الجميلة التي مرّت به، فيربطها بكلِّ ما كان يجري في المكان 0 إنّ تجسيد الشاعر لهذا الموقف بأشكال مختلفة هو الأساس في الوقوف على الأطلال في الشعر الجاهلي 0 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 413 وتجدر الإشارة هنا إلى أن " الماء " لم يكن السبب الوحيد في رحيل القبائل وتنقّلها من مكان إلى آخر، وإنما كان للحروب بين بعض القبائل، وما يمكن أن تخلّفه من ضحايا، الأثرُ الكبير في تغيير القبيلة لموطنها الأصلي. لقد كان الشاعر يعود إلى الديار، على وجه الحقيقة أو الحلم، فلا يعرفها فيتكوّن لديه أوّلُ الشعور بالمأساة، وحين يتعرّف إليها بعد لأيٍّ، يكتشف أن الديار فارغة لا أحدَ فيها بعد أن كانت تنبض بالحركة والحياة والحب 0 وهذا الأمر يُصَعِّدُ لديه الشعور التراجيدي الذي يتضخّم أكثر حين يتركُ الشاعرُ العنانَ لذكرياته التي تنقله إلى الزمان الجميل، البعيد، وما جرى فيه من لقاءات لا تُنسى 0ثمّ يصحو من ذكرياته فيبلغ الشعور بالمأساة لديه ذروته 0 ذلك كان هو المسار العام الذي اتبعه الشاعر الجاهلي للتعبير عن التراجيدي، وتشكيله في موقف الطّلل0 ومّما كان يعمّق هذا الشعور التراجيدي أكثر هو الإحساسُ الشديد بالزمن؛ الماضي المزدهر، والحاضر الذي أقفر 0 ومن استعراض لمطالع بعض النصوص الشعرية في العصر الجاهلي نجد أنّ " التراجيدي " هو أبرزُ ما يواجهنا فيها من حيث موقعه في أوّل كلِّ نصّ، ومن حيث تضخّم الشعور المأساوي فيه 0 فامرؤ القيس يدعو إلى تعميم الشعور بالمأساة لعلَّ ذلك يخفّف عنه شدّة وقعها: قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقطِ الّلوى بين الدَّخول فحوملِ فتوضح فالمقراةِ لم يعفُ رسمُها لِمَا نسجَتْها من جنوبٍ وشمألِ ترى بَعَرَ الأرآم في عَرَصاتها وقيعانها كأنّه حبُّ فلفلِ (1) والشاعر هنا يركّز بوضوح على التفاصيل الجزئيّة في المكان، ويربطها بغياب الأحبة الذين ملؤوا تلك التفاصيل، واليوم لا أحدَ فيها 0 ويفصّل الحارث بن حلّزة أشياء المكان لأهميتها القصوى في بناء الموقف التراجيدي قائلاً: فا لمحيّاة فا لصّفاحُ فأعنا قُ فِتاقٍ فغاربٌ فالوفاءُ فرياضُ القطا فأدويةُ الشُّرْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 414 بُبِ، فا لشعبتانِ فا لأبلاءُ لا أرى مَنْ عهدتُ فيها فأبكي ال يومَ دلْهاً وماَ يُحيرً البكاءُ وبعينيكَ أوقدتْ هندٌ النّا ر َ أخيرا ً تُلوي بها العلياءُ فتنوّرتَ نا رَها من بعيدٍ بخُزارى، هيهاتَ منكَ الصِّلاءُ (1) والشاعر، كما هو ملاحَظ بعد أن يُفصّل أشياء المكان، ينتقل إلى استثارة الشعور التراجيدي لدى المتلقي بعد أن يربط تلك التفاصيل بخلوّها من أهلها الذين كانوا يشغلونها 0 ويترك النابغة التفصيل بأسماء الأمكنة ليفصّل بأشياء جزئية أخرى تتعلّق بالبيت، ربما كانت الحبيبة تستخدمها 0 وهذه الأشياء تستثير لدى الشاعر شعوراً بالأسى والحزن، وبخاصة بعد أن يصحو من ذكرياته، ليكتشف أنّ كلّ شيء في المكان متروك ولا أحد فيه، أو حوله 0 يقول: يا دارَ ميَّةَ بالعلياء، فالسَّندِ أقوتْ وطالَ عليها سالفُ الأبدِ وقفتُ فيها أصيلاناً أسائلُها عيَّتْ جواباً وما بالربع من أحدِ إ لاّ الأواريّ لأياً ما أبيّنها والنؤيُ كالحوض بالمظلومة الجَلدِ أمستْ خلاءً وأمسى أهلهُا احتملوا أخنى عليها الذي أخنى على لُبدِ (2) وممّا يزيد الأمر بؤساً، ويجعل الشاعر أكثر شقاءً انطماس معالم الأمكنة، وصعوبة التعرف إليها 0 ومن خلال مقارنة واضحة بين ما كان يجري في هذه الأمكنة، وبين قَفْرها الآن ينمو الشعور بخيبة الأمل، فيحسُّ أنّ الجميل ذهب، والأكثر من ذلك شعوره الأكيد بأنّ ذلك الجميل لن يعود أبداً 0 يقول عبيد بن الأبرص مؤكّداً ذلك: لمنِ الديارُ أقفرت بالجنابِ غيرَ نُؤيٍ، ودمنةٍ كالكتابِ غيّرتها الصَّبا ونَفْحُ جنوبٍ وشمالٍ تذرو دُقاقَ الُّترابِ أوحشتْ بعدَ ضُمَّرٍ كالسّعالي من بناتِ الوجيهِ أو حَلاّبِ (3) ويدعم هذا الموقف طرفة بن العبد قائلاً: لخولة أطلالٌ ببرقة ثهمدِ تلوحُ كباقي الوشم في ظاهر اليد (4) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 415 وكان بعض الشعراء يواجه صعوبات كثيرة في التعرّف إلى تلك الأماكن التي أضحت رسوماً 0 وحين يجدها كان يقول لها كلاماً جميلاً، وكأنّه يعزّي نفسه بما جرى لها 0 ولكن هذا لا ينفي عمقَ الشعور التراحيدي لديه بل يؤكّده 0 فهذا عنترة ينادي أطلال عبلة، ويحيّيها مرّتين بعد أن أضناه تعبُ البحث عنها: يا دارَ عبلةَ بالجواءِ تكلّمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي فوقفتُ فيها ناقتي وكأنه فدَنٌ، لأقضي حاجةَ المتلوّمِ وتحلُّ عبلةُ بالجواء، وأهلنا بالحزن، فالصمّان، فالمتثلّمِ حُيّيتَ من طلل تقادمَ عهدُه أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثمِ (1) ويعود زهير بن أبي سُلمى إلى الديار بعد عشرين سنة، فيرصد لنا مشاعرَ مأساويّة مركّزاً فيها على تفاصيل المكان والزمان، ولا ينسى أن يحيّي التفاصيل بعد أن يتعرّف إليها 0 يقول: مراجعُ وشمٍ في نواشرِ معصمِ ودارٌ لها با لرّقمتين كأنّها فلأياً عَرفتُ الدار بعد توهُّم وقفتُ بها من بعد عشرين حجةً ونؤياً كجذم الحوض لم يتثلّمِ أثافيَّ سُفعاً في معرَّسِ مرجلٍ ألا أنعم صباحاً أيّها الربعُ واسلمِ (2) فلمّا عرفتُ الدارَ قلتُ لربعها ويلخّص لبيد كلَّ ما تطرّق إليه غيرُه قائلاً: بمنىً تأ بّدَ غولُها فرجامُها عّفتِ الديارُ محلُّها فمقامها خَلَقاً كما ضمِنَ الوحيّ سلامُها فمدافعُ الرّيَّانِ عُرّيَ رسمها حججٌ خلون حلالها وحرامُها دمنٌ تجرَّمَ بعد عهدِ أنيسها عوذاً تأجَّلَ با لفضاء بهامُها (3) وا لعِينُ ساكنة على أطلائها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 416 من خلال قراءة مجملة للنصوص الطلليّة السابقة نلاحظ أنها بُنيت أساساً على"التراجيدي"؛ أي لتجسّد عن طريق الشعر الشعورَ المتضخّم بالمأساة 0 وقد بُني " التراجيدي" فيها على موت الجميل في المكان والزمان 0فالمكان اندثر، أو أصبح رسماً يصعب التّعرّف إليه، والزمان لن يعود مرّة أخرى، والّلقاءات الجميلة التي كانت ماتت 0 وهذا هو المركز الأساسي للتراجيدي في هذه السّياقات 0 ويمكن تعميمه على الشعر الجاهلي برمّته فيما يخصُّ موقف الأطلال 0 لقد أكّدت النصوص السّابقة على ما يلي سعياً وراء تجسيد قيمة التراجيدي فنياً وجمالياً: 1- : أكّدت جميع النصوص علىعامل الزمن، وعدّته أساسيّاً في صياغة " المأساوي " 0 ونحن نجد فيها دائماً زمنين متقابلين هما: " الماضي" الذي ازدهرت فيه الحياة، والحاضر الذي انتعش فيه الموت 0 وبين الماضي الذي يصرُّ الشاعر على استحضاره، باعتباره موجوداً، وبين الحاضر الذي يراه الشاعر أمامه وقد أصبح أطلالاً دارسة، يكبر الحزن، وتشتعل المأساة، وتحفر أخاديد في مشاعر الشاعر 0 ويمكن أن نضيف إلى ذلك أنّ الّلقاءات الجميلة التي حدثت في الزمن الماضي كانت مرتبطة بمرحلة الشباب الذي يمثّل القوة والعطاء والنشاط 0 لذلك فالشباب الذي أفلَ، والديارُ التي أقفرت، والأحبة الذين كانوا سابقاً هنا، وتلاشوا في الماضي، وقلق الشاعر النابع من إصراره على استحضار الماضي، وقناعته الأكيدة بأن الحاضر جعل من الماضي بكلّ ما فيه رمالاً 0 كلُّ ذلك يُعدُّ مرتكزاتٍ زمنية أساسيّة بُني عليها "الموقف الطّللي" الذي صاغ منه الشاعر الجاهلي " التراجيدي" 0 وممّا كرّس كلّ ذلك وأكّده أنّ معظم "الأفعال" المستخدمة في النصوص جميعاً هي الأفعال الماضية التي تكشف بشكلٍ حسّي، ومباشر أنّ كلّ شيءٍ انتهى، و"لن يعود" 0 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 417 2- : ركّزت جميع النصوص على تفاصيل المكان، وأشياء البيت بدقّة متناهية إلى جانب حرصها على ذكر عدد من أسماء الأمكنة، ربّما لارتباطها بذكريات محدّدة تتعلّق بالشاعر، وربّما ليعيد إلى نفسه من خلال ذكرها مفصّلة شيئاً من التوازن النفسي أمام الإخفاقات التي يواجهها في الطّلل 0 ولكن الشيء الأهمّ أنّ اهتمام الشعراء بهذه التفاصيل يؤكّد العمق "التراجيدي"، وتغلغله بتفاصيل المكان وأسمائه، كما يؤكّد حسيّة الصورة الفنية، واتّساع فضائها بربطها بالمكان وبتفاصيله المختلفة 0 3 - : على الرغم من تأكيد الشعراء على ذكر الأمكنة والأشياء وكذلك التفاصيل الجزئية، لكنهم أجمعوا على غياب ملامح المكان كليّاً أو جزئياً 0 بمعنى أنّ التفاصيل المذكورة وُجدت لأنها مرتبطة بالماضي، وحالة الازدهار التي كانت، بينما يندثر المكان الآن، وتمّحي تلك التفاصيل 0 لذلك نجد أنّ هؤلاء الشعراء جميعاً أكّدوا معاناتهم الشديدة في التعرّف إلى الديار التي حملت تلك التفاصيل الدقيقة 0 ولعلَّ انطماس حدود المكان بهجرة الماضي، وحلول القفر مع الحاضر البائس ممّا يزيد من أزمة المعاناة التراجيدية التي يعيشها الشاعر في موقف الطّلل 0 4- : ومّما ساهم في وضع الّلمسات الهامة على لوحة التراجيدي في موقف الطّلل المعجمُ اللغوي الذي يوحّد بين النصوص السابقة، ويعكس " مفردات المأساة "، مثل: الصحراء، الوحشة، الموت، البطء، الحزن، الرّمال، الفراغ، الظباء، السّكون، الفراغ، وما إليها 0 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 418 إنّ موقف الطّلل بكلّ ما فيه من ميزات أصبح يشكّل - فيما بعد - أحدَ أهمّ أركان عمود الشعر العربي الذي أُسِّس له في العصر الجاهلي، وحاكاه الشعراءُ العرب في العصور التّالية 0 أعني أنّ موقف الطّلل في الشعر الجاهلي - بمناخه التراجيدي، وشكله المميّز الذي ذكرنا جوانب من ملامحه آنفاً - أصبح يشكّل ضمن عمود الشعر جانباً أساسيّاً من " المَثَل الجمالي " الذي اتّخذ منه الشعراء الآخرون في العصور التّالية هدفاً يسعون لمحاكاته من خلال افتتاح القصيدة به 0 وكذلك الالتزام ببعض قوانينه، ومفرداته، وصوره، وتراكيبه0 والأهمّ من ذلك كلّه التزام هؤلاء الشعراء بالمناخ البكائي للتراجيدي الذي بُني عليه موقفُ الطّلل في الشعر الجاهلي 0 وما وقوفُهم على الأطلال سوى نوع من أنواع المحاكاة لمَثَل جمالي أسّسَه، ورسم ملامحه الشاعرُ الجاهلي 0 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 419 نخلص ممّا سبق إلى أنّ التراجيدي في موقف الطلل بوصفه " قيمة جمالية " و " شكلاً فنيّاً " أصبح " مَثَلاً جماليّاً " - فيما بعد - حاكاه الشعر العربي، وكان يُقاس جمال ما يكتب بقياس " المَثَل " الذي وُضعت أُسسه في العصر الجاهلي 0 أعني قاسوا ما كتبوه شعريّاً على مستوى التراجيدي وشكله الفني في الشعر الجاهلي، وكذلك فعلوا مع النقد ومقاييسه المختلفة 0 وربما كان لاستهجان أغلب النقّاد في العصر العباسي ما فعله أبو نواس في مقدّمة القصيدة أوضح الأثر لفعل " المَثَل الجمالي " المذكور في تقييمهم للإبداع؛ أعني أن هذا " المَثَل " لم يؤثّر في الإبداع الشعري العربي اللاحق فحسب، وإنما ساهم في صياغة " الوعي الجمالي النقدي " الذي كان يقيس النقّادُ جمالَ النصوص، أو قبحها على أساسه. وكذلك ظلّ النقد – كالشعر – حتى العصر الحديث. وما حدث في النقد العربي القديم من سعي بعض النقّاد للتجاوز والتخطّي ليس سوى إشارات عابرة، أو أصوات مخنوقة لم تستطع التأثير في الإطار العام للوعي الجمالي النقدي الذي أسّسه " التراجيدي " في هذا المجال منذ العصر الجاهلي. ثانياً -: موقف الرّحيل: يمكن اعتبار هذا الموقف متمّماً لموقف الطّلل في رسم صورة التراجيدي التي جسّدها الشعر العربي في العصر الجاهلي 0 وهو نابع منه ومرتبط به ارتباطاً وثيقاً 0 وتتشكّل أُسس هذا الموقف، غالباً، حين ينتهي فصل الربيع، وتقرّر القبائل العودةَ إلى ديارها، فيتمّ التحضير للرّحيل قبل أيام من موعده، أو قد يكون الرحيل مفاجئاً 0 وقد تحدّث الشاعر الجاهلي كثيراً عن هذا الموقف الصّعب، وعبّر عن انعكاسه السلبي عليه 0 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 420 فالرّحيلُ يعني الإجهازَ على الّلحظات السعيدة التي خفقَ فيها قلبهُُ، والتي قد لا تعود مرّة أخرى 0 وهي عادة لا تعود بدليل أنّ الشعراء كانوا يقفون على الأطلال في نصوصهم، إلى جانب أنّهم كانوا يبالغون في تجسيد المأساة التي يخلّفها مشهدُ الرحيل، وكأنّهم يدركون أنّ الّلقاء لن يتمّ ثانية بينهم وبين مَن يحبون 0 والشاعر الجاهلي كان يدُاخل بين موقف الرحيل هذا وموقف الطّلل 0 فالرحيل إلى القفر، والطّلل يؤكّدان أنّ الحياة السعيدة التي أشرقت ذات يوم لن تعود ثانية 0 والفعلُ الذي استخدمه الشاعر في موقف الرحيل هو الماضي، وما يمتلكه من إيحاء قوي في تشكيل المأساة في النصّ 0 وسنمرّ فيما يلي بشعاب بعض النصوص من الشعر الجاهلي التي تناولت موقف الرّحيل عبر مجموعة من المحطّات 0 يقول امرؤ القيس: كأنّي غداةَ البيِن يومَ تحمّلوا لدى سمُراتِ الحيِّ ناقفُ حنظلِ وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيّهم يقولون: لا تهلكْ أسىً وتجمّلِ (1) يُلاحَظ هنا أنّ الشاعر يجسّد صورتين: الأولى متحرّكة، والثانية ثابتة؛ في الأولى تتجلّى الحياة، وفي الثانية يخيّم الموت 0 فالشاعر يجسّد لحظةَ الفراق حين كان القوم يجهّزون للرحيل، بينما هو في الطّرف الآخر ثابتٌ لا يتحرّك 0 وكأنّ الطرف الأول المتحرّك امتصَّ منه حركته، أي حياته، فخيّم عليه السكون / الموت 0 إنّ وجودَها معه يعني الحياة، ورحيلَها يعني الموت 0 ويمكن أنْ نتخيّل كم سيكون الشعورُ بالمأساة كبيراً في مثل هذا الموقف 0 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 421 وقد استنفر الشاعر – لرسم ذلك الشعور - مفردات ذات طابع واحد لإعطاء " التراجيدي" مساحة كبيرة، مثل: " الغداة " إذ قد يكون الرّحيل في مثل هذا الوقت مستثيراً للحزن أكثر من غيره، ثمّ " البين "، و" تحمّلوا "؛ أي بداية المغادرة، ثمّ " ناقف حنظل "، و " مطيّهم "، و " الأسى "، و " شدّة الاحتمال " لما في ذلك الموقف من هول 0 والصورة المركزيّة هنا تتمثّل في لجوء الشاعر إلى سمُرات الحيِّ " وهو شجر الطّلح الضخم " ليُعلن عن سكونه، ودهشته، وعدم قدرته على الحركة؛ فهو كالمشلول واقفٌ بثبات تلك الأشجار في ذلك المكان، أو كأنه أصبح جزء اً منها 0 ولابدّ لنا من الإشارة إلى أنّ " قيمة التراجيدي " في موقف الرّحيل في الشعر الجاهلي كانت تتشكّل دائماً من الصورتين المذكورتين: الأولى التي تفيض بالحركة والحياة، والثانية التي تنوء بالبؤس والشقاء والحزن 0 وقريباً من هذا المشهد يركّز "طرفة بن العبد" على صورة الظعائن، وزمن الرحيل، قائلاً: خلايا سفين بالنواصف من دَدِ كأنَّ حدوج المالكيّة غدوةً يجور بها الملاّحُ طوراً ويهتدي (1) عدوليةٌ أو من سفيِن ابنِ يامنٍ ويأمر الأعشى نفسَه، وربّما مَن معه أيضاً لوداع هريرة بمزيد من الأسى والحزن قائلاً: ودّع هريرة إنّ الرّكبَ مرتحلُ وهل تُطيقُ وداعاً أيّها الرّجلُ (2) ويربط لبيد - وقد داهمه الأسى - زمنَ الرّحيل بمشهد الظعن الذي غادر المكان، فجعل كلَّ شيء بعده عارياً، لا حياة فيه: منها، وغودر نُؤيُها، وثُمامها عَريَتْ وكان بها الجميع فأبكروا فتكنّسوا قُطُناً تَصِرُّ خيامُها (3) شاقتْكَ ظُعنُ الحيّ حين تحمّلوا والحارث بن حلّزة يؤكّد أنّها لم تغادر فجأة، بل أخبرته بذلك 0 وربّما كان ذلك هو سبب معاناته الشديدة، وبخاصة أنّه لا يستطيع أن يفعل شيئاً 0 يقول: ربَّ ثاوٍ يملُّ منه الثّواءُ آذنتنا ببينها أسماءُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 422 ء فأدنى ديارَها الخلصاءُ (1) بعد عهدٍ ببُرقةَ شمّا ويفصّل عنترة تفصيلاً دقيقاً في العدّة والعدد، والّلون والزمن مشهد الرّحيل ليؤكّد تصاعد أزمته، أو كأنّه يريد أن يقول: تعالوا، وانظروا، وقدّروا: كم هي مصيبتي كبيرة، ولا تحتمل 0 وسببها هو هذا الرحيل: إن كنتِ أزمعتِ الفراق فإنّما زُمّتْ ركابُكمُ بليلٍ مظلمِ ما راعني إ لا حمولةُ أهلها وسْط الدّيارِ تسفُّ حبَّ الخمخمِ فيها اثنتانِ وأ ربعونَ حلوبة سوداً كخافية الغرابِ الأسحمِ (2) ويعلن النابغة عن إعدامه للمستقبل؛ لأنَّ الأحبةَ فيه سيرحلون 0 يقول: أفِدَ التَّرَحُلُ غير أنّ ركابنا لمّا تزَلْ برحالنا، وكأنْ قد زعمَ البوارحُ أنّ رحلتنا غداً وبذاكَ خبّرنا الغدافُ الأسود لا مرحباً بغدٍ ولا أهلاً به إنْ كان تفريقُ الأحبّةِ في غدِ (3) تُجمِع هذه النصوص على تشكيل " التراجيدي " من خلال تأكيدها على الأشياء التالية: 1- : ربطت الرّحيل بزمن معيّن هو " الغداة، وغدوة، وأبكروا "0 ولعلّ إجماعها على ربط الرّحيل بهذا الزمن المبكّر من الصباح يؤكّد رغبة الشعراء الشديدة في استثارة الشعور بالحزن أكثر من اعتنائهم بتصوير المشهد نفسه 0 2- : ركّزت النصوص على رسم تفاصيل التهيّؤ للرّحيل بدقّة متناهية، مثل كأنّ حدوج المالكية خلايا سفين، والديار قد عريت حين تحملوا، فتكنّسوا قطناً،وزُمّت ركابكم بليل معظم، والإبل وسط الديار تسفُّ - من جوعها - حَبَّ الخمخم، وفيها اثنتان وأربعون حلوبة سوداً … الجزء: 7 ¦ الصفحة: 423 إنّ الغاية من وراء تركيز الشاعر الجاهلي على مثل هذه التفاصيل في موقف الرحيل ليست رسم صورة فنية جميلة لقافلة الحبيبة الرّاحلة، وإنّما لاستنفار الشعور بالحزن وتعميمه؛ أي لاستنهاض الشعور عند المتلقّي الذي يرغب الشاعر في أنْ يشاركه فيه 0 ولا ننسَ أنْ نربط هذه التفاصيل بتأكيد الشعراء على زمن الرحيل المبكّر 0 فكلاهما يصبُّ في الهدف المذكور نفسه 0 3- : انشغلت جميع النصوص برسم صورتين مركزيّتين متقابلتين متوازيتين جسّدت من خلالهما موقف الرّحيل 0 تتضمّن الأولى رحيل الحبيبة، وتقابلها في الاتجاه الآخر صورةُ الشاعر الحبيب المتشبّع بالمأساة 0 والصورة الأولى يكوّنها مجموعةٌ من الناس والإبل والأغراض المختلفة اللازمة للرحيل 0 والصورة المقابلة يبدو فيها الشاعرُ وحيداً، لا يشاركه الهمَّ إلاّ أشياء الطبيعة الصامتة 0 وقد سعى الشعراء إلى تضخيم الصورة الأولى بتزويدها بالحركة والصخب إلى جانب العدد الكبير، وذلك لتصغير حجم الصورة الثانية؛ لأجل الهدف الذي ذكرناه آنفاً، وهو تضخيم المأساة وتعميمها عبر تعاطفنا الشديد مع ذلك الشخص الذي انكسر أجملُ ما عنده، ولا يستطيع أن يفعل أيّ شيء لإعادته إلى ما كان عليه 0 4- : جعلت النصوص الّلونَ المرافق لموقف الّرحيل هو الّلون الأسود، واشتقاقاته 0 وقد ورد هذا الّلون إمّا لفظاً مثل " الغرا ب الأسود "، أو عن طريق الإيحاء به عبر ربطه بزمن الّرحيل، أو كما يعبّر عن ذلك زهير بن أبي سُلمى في الظعائن: بكرنَ بكوراً واستحرنَ بسُحرةٍ فهنَّ لوادي الرّسِّ كاليدِ للفمِ (1) ولسنا بحاجة إلى التذكير لما لهذا الّلون من دلالات، وإ يحاءات هامّة على دعم الموقف التراجيدي ضمن تفاعله مع العناصر المذكورة 0 5- : أكّدت النصوص على مقولة " موت المكان " بعد رحيل الأحبة مباشرة 0 لذلك فهو مكان عارٍ، والشاعر فيه كأنّه ناقف حنظل 0 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 424 6- : وردت مفردات في النصوص السّابقة ساهمت في تجسيد المناخ التراجيدي، وإنمائه، مثل: الغداة، البين، تحمّلوا، رحلوا، ناقف حنظل، الأسى، التجمّل، الّبر، الوداع، الرّكب، الظّعن، الحي، الخيام، الرّكاب، الّليل المظلم، الخوف، الدّيار، سود، الغراب الأسحم 0 وهذه المفردات تدخل ضمن المعجم الّلغوي الذي اعتمده موقفُ الطّلل الذي توقّفنا عنده آنفاً 0 ولا بدّمن القول في ختام هذا المحور: إنّ جميع النقاط المذكورة التي اتفقت النصوص على إيرادها ساهمت في رسم لوحة تشكيلية لصورة التراجيدي في موقف الرحيل في الشعر الجاهلي 0 ثالثاً -: الاغتراب: وهو عبارة عن حالة رومانسية تشكّلت لدى الشاعر الجاهلي بسبب عدم قدرته على التفاعل والانسجام مع المحيط الذي ينتمي إليه جزئياً أو كليّاً 0 ويهيمن عليه دائماً شعورٌ شفّاف بالحزن الذي يختلط بالألم والملل والضجر، وما إلى ذلك 0 وأبرزُ وجه من وجوه الاغتراب في الشعر الجاهلي هو الشعور الكبير بالفراغ 0 وغالباً ما يكون هذا الشعور هادئاً غير صاخب؛ بمعنى أنّه شعور ليس صداميّاً كما هو الحال في ظاهرة الصعلكة كما سنرى 0وقد عبّر عنه امرؤ القيس في معلّقته قائلاً: وليلٍ كموج البحر أرخى سدولَه عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي فقلتُ له لمّا تمطّى بصُلبهِ وأ ردفَ أعجازاً وناءَ بكلكل ألا أيها الّليل الطّويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منكَ بأمثلِ فيا لكَ من ليلٍ كأنّ نجومَهُ بكلِّ مغار الفتلِ شُدَّت بيذبلِ كأنّ الثريّا عُلِّقت في مكانها بأمراسِ كتّانٍ إلى صُمِّ جندلِ (1) لعلّ الحالة البارزة التي يوحي بها النصّ هي حالة الاختناق التي يصعبُ التخلّص منها؛ فهناك شعور طاغٍ بالفراغ والملل والضجر 0 وقد رسم الشاعر ذلك عبْر جعل الحسّي أكثر حسيّةً، وتحريك المشهد ضمن الحسّي والمشخّص، وعبرالتضايف، والحوار والتشبيه، وتماهي الأزمنة، والرجاء، والتّعجب 0 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 425 وقد يكون أحدُ وجوه الاغتراب أيضاً الشعور بالظلم من قبل الأهل والقبيلة؛ بمعنى إحساس الشاعر بأنّه متروك أو مهمل من أقرب الناس إليه 0 ولعلّ إحساس" عنترة " الدائم بالحزن الذي يشكّل الخلفيةَ الأساسية لشعره كاملاً سببُه عائدٌ إلى شعوره بالظلم، وعدم قدرته – بسبب هذا الظلم – على ممارسة حرّيته أو الوصول إلى عبلة 0 وللاغتراب في الشعر الجاهلي إلى جانب ما تقدّم وجوهٌ مختلفة أخرى، أبرزها: الشعور بالخوف من الموت 0 وقد ردّد الشعراءُ هذا كثيراً 0فطرفة بن العبد يقول: أرى الموتَ يعتامُ الكرامَ ويصطفي عقيلةَ مالِ الفاحشِ المتشدّد لعمرُكَ إنّ الموتَ ما أخطأَ الفتى لكا لطولِ المرخّى، وثِنياه با ليدِ (1) ويقول زهير بن أبي سُلمى أيضاً مؤكّداً أنّ الخوف لا يأتي من الموت نفسه، وإنّما من عدم قدرة هذا الموت على التّمييز بين الشاب والعجوز 0لذلك فالإنسان يعيش في قلق دائم0 رأيتُ المنايا خبطَ عشواء مَنْ تصب تمتْهُ 0ومَنْ تخطئ يُعمَّرْ فيهرمِ (2) أمّا الذي يُخطئه الموت، فإنه سيواجه مشكلة أخرى تجعله مغترباً وقلقاً ومضطرباً على الدوام هي الشيخوخة التي يقول فيها زهير أيضاً: سئمتُ تكاليفَ الحياة ومَنْ يعشْ ثمانينَ حولاً لا أبا لكَ يسْأمٍ (3) ويلخّص السموءل قلقَ الشاعر الجاهلي واغترابه من الموت بقوله: كيفَ السّلامةُ إنْ أردتُ سلامةً والموتُ يطلبُني، ولستُ أفوتُ ميتاً خُلِقتُ، ولم أكنْ من قبلها شيئاً يموتُ، فمتُّ حيثُ حُييتُ (4) وقضيةُ الموت هذه شغلت قبل ذلك أيضاً الإنسانَ البدائي فعبّر عنها من خلال بحثه الدائم عن الخلود 0 وما أسطورة " الموت والانبعاث " التي جسّدتها الأساطير البدائية، وكذلك انشغال "جلجامش " بالبحث عن وسائل لاستمرار الحياة وخلودها إلا من قبيل انعكاس أثر الموت على الإنسان، وما خلّفه ويخلّفه من شعور دائم بالقلق ومن ثَمّ الاغتراب 0 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 426 ولابدّ من التأكيد أن الاغتراب ظاهرة أساسية من الظواهر التي تناولها الشعر الجاهلي واعتنى بها 0 وهي تتداخل مع موقف الطلل والرحيل المذكورين لتساهم معهما في تكوين الأسس الجمالية التي بُني عليها "التراجيدي" في الشعر الجاهلي. رابعاً -: ظاهرة الصعلكة: يمكن اعتبار ظاهرة الصعلكة ظاهرة تراجيدية 0 بل يمكن التعامل معها على أنّها كذلك لاعتبارين أساسيين: يتمثّل الأوّل في أنّ السبب الرئيسي الذي أفرزها عائد إلى عدم التواؤم بين رغبات الأفراد وقبائلهم؛ بمعنى أنّهم لم يستطيعوا تنفيذ ما يطمحون إليه من رغبات وأحلام وغيرها على حيّز الواقع بسبب الموانع والضوابط التي كانت تفرضها عليهم قبائلهم 0 والصعلكة – على ضوء ذلك – تمثّل التصادمَ بين رغبة الفرد والجماعة، بين ما يرغب فيه، وما يُفرض عليه 0 ولعلّ هذا التصادم الذي كَسَر الحلمَ الذاتي، وزعزع الثقةَ بالقبيلة هو الذي جعل من الصعلكة ظاهرة تراجيدية 0 ويعود الاعتبار الثاني الذي يؤكد أن الصعلكة " ظاهرة تراجيدية " إلى نصوص الشعراء الصعاليك التي تعكس دون استثناء ذلك الشعورَ الرومانسي الذي يهيمن على الفرد مثل: الحزن والإحباط والتمزّق والشعور الدائم بأنّه متروك؛ أي إنّ المناخ العام الذي يوحي به شعر الصعاليك هو مناخ تراجيدي0 وصحيح أنّنا نقرأ، دائماً، في أشعارهم تحدّياً للمجتمع الذي نفاهم، وللطبيعة، ونراهم يجسّدون قدراتهم في الشجاعة والعدْوِ والكرم والإيثار، ومقاومة الجوع والعطش والوحوش الكاسرة والظلام المخيف، وجفاف الصحراء 0 لكنّ كلّ هذا لا ينفي أنّ أشعارهم مبطّنة بمساحة واسعة من الحزن وامتدادا ته، بل إنّ الجانب الظاهر الذي يتمثّل في التحدي المذكور لهو نوعٌ من أنواع ردِّ الفعل على حالة تراجيدية عميقة زرعها المجتمع في نفوسهم حين أهملهم، وظلمهم، وطردهم 0 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 427 ونحن نستغرب حين نقرأ، مثلاً، دراسة متخصّصة في شعر الصعاليك، وهي ذاتُ سمعة علمية لا نشكّ بأهميتها، كدراسة يوسف خليف " الشعراء الصعاليك " (1) التي تمتدّ حتى ثلاثمئة وخمسين صفحة والتي تناول فيها، تقريباً، كلَّ ما يتعلّق بموضوعه، ولكنّ هذا التناول كان أُفقيّاً؛ بمعنى أنّه لم يتطرّق إلى الجانب الأهمّ في شعرهم الذي يمكنُ اعتباره القوّة التي تكمنُ وراء شعريّة شعرهم، وقوّة فنّهم، وتأثيره واستمراره حتى اليوم 0 هذا الجانب هو الجانب التراجيدي 0 وهو يمثّل النبضَ الحيّ الذي يحرّك فيه الخيوط الفنية والجمالية كافة 0 ويمكن القول: إنّه وراء الخصوصيّة التي تميّز شعرَ الصعاليك من غيرهم في العصر الجاهلي، وهو سببٌ أساسي من أسباب تفرّدهم، إلى جانب أنّ النكهة التراجيدية تتناغم وأسباب نشوء الظاهرة المميّزة 0 ولابدّ من الإشارة إلى أنّ المؤلّف تناول هذا الجانبَ ضمن فقرة وحيدة لا تتجاوز سبع صفحات، عنوانها " أحاديث التشرّد " 0 وقد قرأ " التشرّد " قراءة سطحية، ولم يستغلّه للبحث عمّا هو أعمق في تلك الظاهرة، وبخاصّة أنّ موضوع " التشرّد " خلّف في شعر الصعاليك مشاعر مأساويّة لا يكاد نصٌّ يخلو منها، على الرّغم من أنّه ليس دائماً ظاهراً فيه 0 وقد اهتمّ المؤلّف في هذه الفقرة بإحصاء أنواع " حيوانات الصحراء " التي تناولها الشعراء الصعاليك، وكيف رسم هؤلاء صورَ بعض تلك الحيوانات كالأسد والضبع والحمار الوحشي وغيرهم 0 لقد قدّمت دراسةُ " يوسف خليف " معلومات وثائقية هامّة، ولكنّها لم تقترب من روح شعر الصعاليك 0 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 428 ونحن بحاجة ملحّة إلى أنْ نقرأ شعرنا القديم بطريقة تتناسب وطبيعته 0 إذ ليس بالضرورة تطبيق كلّ المناهج، أو أكثرها حداثة في النقد على الظاهرة؛ فكلّ هذا ليس هو المهم، بل نعتقد أنّ معرفة الزاوية الصحيحة لقراءة الظاهرة هي الأهم للتغلغل إلى أعماقها، وجوهر روحها وشعريّتها 0 فدراسة " يوسف خليف " المذكورة تناولت ظاهرة الصعاليك ضمن معطيات تنطبق على أيّ ظاهرة أخرى في أي عصر، ولم تبحث عن المدخل الخاص الذي يميّز تلك الظاهرة 0 ولذلك لم تقدّم سوى ما هو وثائقي وخارجي بالنسبة إليها 0 ومثلُ هذه الدراسة كثيرٌ في نقدنا الحديث الذي تناول الشعر العربي القديم، وظَلَمَهُ0 لقد انطوى شعر الصعاليك على مقولات مثل: الاغتراب، والأسى، والمرارة، والظلم، والإهمال، والاضطهاد، والجوع والفقر 0 وهذه ساهمت جميعها بإثبات " هويّة التراجيدي " 0 ولعلّ عروة بن الورد يبيّن سبب كلّ ذلك بقوله: وسائلةٍ: أين الرّحيلُ؟ وسائلٍ ومَنْ يسألُ الصعلوكَ: أين مذاهبه مذاهبُه أنّ الفجاجَ عريضةٌ إذا ضنَّ عنه بالفعال أقاربه (1) ويمكن الزعم أنّ " لامية الشنفرى " هي أبرزُ ما يمثّل انكسار الحلم الذاتي وزعزعة الثقة بالقبيلة 0 وهي التي تردّد المقولات المذكورة، وتؤكّدها؛ فهو يبدؤها بحزن شديد، وعتاب لأهله الذين ضيّقوا عليه 0 وهو يؤكّد لهم أنّ الأرض فسيحة، ويمكن له أنْ يستبدلهم بغيرهم 0 فهو أصبح – بعد الذي لحقه في قبيلته – يفضّل وحوش الصحراء عليهم، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن صبره على الجوع وما يعانيه من تشرّد وشقاء 0يقول: أقيموا بني أميّ صدورَ مطيكم فإني إلى قومٍ سواكم لأميلُ وفي الأرضِ منأىً للكريم عن الأذى وفيها لمن خاف القِلَى متعزَّلُ ولي دونكم أهْلونَ سيد عملَّس وأرقطُ زهلولٍ وعرفاءُ جيألُ همُ الأهلُ لا مستودعُ السّرِ ذائعٌ لديهم ولا الجاني بما حرَّ يُخذلُ (2) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 429 فالشنفرى يطلب من أهله - ونبرة الحزن بادية عليه - أنْ يستغنوا عنه، لأنّه يميل إلى غيرهم0 وهذا الميلُ ليس عقوقاً منه، وإنّما بسبب ما لحقَهُ من ظلم وأذى وقطيعة 0 ولعلّ هذا المنطلق يشكّل مدخلاً لقراءة هذه القصيدة 0 ولم ينسَ الشاعر أنْ يتوقّف عند تشرّده وجوعه وصبره إلى جانب تصريحه بأنه يفضّل وحوش الصحراء على قومه، لأنّ تلك الوحوش تحافظ على سرِّ الإنسان وتحترمه 0 والسؤال الذي يُثار هنا: هل تغمر البهجةُ الشاعرَ وهو يفتخر بأنّه استطاع مصادقةَ أشرس أنواع الحيوانات الصحراويّة كما يزعم بعض النقاد الذين فسّروا ذلك بإبراز الشاعر لقوّته وقدرته، ومن ثَمّ سعادته؟ إنّ الإجابة ستكون بالنفي؛ لأنّ هذين البيتين يكشفان عن شخص بائس ومتعب وحزين ومرهق، ويكاد يختنق ممّا جرى له 0 ولعلّ أبسط ما يدلّ على ذلك شكواه من أنّ هذه الحيوانات تكتم السرَّ؛ أي إنّ البشر لا يكتمون السرّ 0 والشاعر بهذا يكشف عن معاناته الشديدة من جرّاء ذلك 0 ثمّ ما الذي يدفع شخصاً ما إلى الخروج على القبيلة والهجرة إلى الصحراء، وموالفة الوحوش، والأفاعي، ومقاومة الجوع والتشرّد لولا المعاناة الشديدة التي دفعته إلى ذلك 0 إنّ نصَّ الشنفرى ينطوي على الفخر بالذات، ولكنّه فخرٌ مبنيّ على ألمٍ لا يقاوَم 0 وليس من الممكن قراءة هذا النصّ إلاّ ضمن المعطى التراجيدي الذي يحكمُه 0 ونحن نرغب أنْ نختمَ هذه الفقرة بالدّعوة إلى إعادة النّظر في ظاهرة الصعلكة في العصر الجاهلي من منطلق كونها " ظاهرة تراجيدية "0 ونعتقد أنّ دراستها على هذا الأساس ستجعلنا نضع أيدينا على حقائق فنيّة وجماليّة هامّة تتعلّق بروح شعر الصعاليك وجوهره؛ وستنقلنا من الخارج إلى الدّاخل، أي من الهامشي إلى الجوهري، وستجيب عن تساؤلاتنا الكثيرة التي لم تُجدِ معها الطرائق السابقة نفعاً 0 الحواشي والتعليقات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 430 1- : الخطيب التبريزي: شرح القصائد العشر، تحقيق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، ط2، 1964م، ص/ 47 0 2-3- : نفسه / 432 – 532 0 4- : عبيد بن الأبرص: ديوانه، بيروت، 1979م0 5- : الخطيب التبريزي: شرح القصائد العشر: / 133 0 6-7- : نفسه / 318 – 203 0 8- : نفسه / 241 – 248 0 9-10 - : نفسه / 54 – 135 0 11-12- : نفسه / 483-251 0 13-14- : نفسه / 431-326 0 15- : النابغة الذبياني: ديوانه، تحقيق كرم البستاني، بيروت، بلا تاريخ. 16- : الخطيب التبريزي: شرح القصائد العشر / 206. 17-18 : نفسه / 100-179 0 19-20- : نفسه / 239 0 21- : عروة بن الورد والسموءل: ديوانهما، ص/83 0 22- : يوسف خليف: الشعراء الصعاليك 23- : نفسه / 190 0 24- : الشنفرى: لاميّة العرب، بيروت، 1974م، ص/81 0 المصادر والمراجع 1- : الخطيب التبريزي: شرح القصائد العشر، تحقيق: محيي الدين عبيد الحميد، القاهرة، ط2، 1964م0 2- : الشنفرى: لاميّة العرب، بيروت، 1974م0 3- : عبيد بن الأبرص ك ديوانه، بيروت 1979م0 4- : عروة بن الورد والسموءل: ديوانهما، بيروت، بلا تاريخ 0 5- : النابغة الذبياني: ديوانه،، بيروت، بلا تاريخ 0 6- : يوسف خليف: الشعراء الصعاليك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 431 ظاهرة التكرار في شعر أبي القاسم الشابي (دراسة أسلوبية) د. زهير أحمد المنصور أستاذ مشارك بقسم النقد والبلاغة - كلية اللغة العربية - جامعة أم القرى ملخص البحث يهدف هذا البحث إلى الكشف عن ظاهرة التكرار في شعر أبي القاسم الشابي، تلك الظاهرة التي ظهرت بوضوح في شعره، التي ترتبط – إلى حد ما – ارتباطاً وثيقاً بنفسية الشاعر وبناء حياته، إذ يقوم التكرار على جملة من الاختيارات الأسلوبية لمادة دون أخرى ولصياغة لغوية دون أخرى، مما يكشف في النهاية عن سر ميل الشاعر لهذا النمط الأسلوبي دون غيره. كما يهدف البحث إلى محاولة التعرف على طبيعة هذه الظاهرة وكيفية بنائها وصياغتها وتركيبها وإلى أي مدى استطاع الشاعر أن يوفق في بنائها ليجعل منها أداة فاعلة داخل النص الشعري وأن يوظفها توظيفاً دقيقاً لتصبح أداة جمالية تحرك فضاء النص الشعري وتنقله من السكون إلى الحركة والموسيقية. كما يحاول البحث التعرف على محاور التكرار وأنماطه عند الشابي التي تمثلت في تكرار الكلمة وتكرار اللازمة وتكرار البداية، ودور هذه المحاور في بناء الجملة على اختلاف أشكالها عند الشاعر، وإلى أي مدى كانت هذه المحاور قادرة على تكوين سياقات شعرية جديدة ذات دلالات قوية ومثيرة لدى المتلقي تعمل على جذب انتباهه وشده ليعيش داخل الحدث الشعري الذي يصوره الشاعر. كما يكشف عن البناء الفني الدقيق للتكرار الذي أنتجته عبقرية الشابي في النص الشعري حيث ورد عنده في اتجاهين: الأول الاتجاه الرأسي، والثاني الاتجاه الأفقي، كل ذلك ليجعل منه أداة جمالية تخدم النص الشعري فتمنحه القوة والفاعلية والتأثير. • • • الجزء: 7 ¦ الصفحة: 432 يعد التكرار من الظواهر الأسلوبية التي تستخدم لفهم النص الأدبي وقد درسها البلاغيون العرب وتنبهوا إليها عند دراستهم لكثير من الشواهد الشعرية والنثرية وبينوا فوائدها ووظائفها (1) كما أن دراستهم للنص القرآني والبحث في إعجازه قد دفعتهم إلى البحث في مثل هذه الظواهر، خصوصاً أنه قد وردت في القرآن الكريم بعض نماذج من التكرار في القرآن الكريم، قام على دراستها وتفسيرها بعض البلاغيين فحاولوا تفسير هذه الظواهر وبيان دلالتها ضمن السياق القرآني (2) . من هنا جاءت هذه الدراسة لشعر الشابي لمحاولة الكشف والاستكناه لهذه القوالب الفنية لبيان أبعادها ودلالاتها على اختلاف مواقعها سواء أكان في الكلمة أو العبارة أو الجملة أو الحرف. إن مصطلح التكرار مصطلح عربي كان له حضوره عند البلاغيين العرب القدامى فهو في اللغة من الكر بمعنى الرجوع. ويأتي بمعنى الإعادة والعطف يقول ابن منظور: الكرّ: الرجوع يقال كرّه وكرّ بنفسه … والكر مصدر كرّ عليه يكرُّ كراً وكروراً وتكراراً: عطف عليه وكرّ عنه: رجع … وكرر الشيء وكركره: أعاده مرة بعد أخرى. فالرجوع إلى شيء وإعادته وعطفه هو تكرار، وقد يأتي تصريف آخر بمعنى التكرار وهو التكرير يقول الجوهري (393هـ) الكرّ الرجوع، يقال: كرّه وكرَّ بنفسه يتعدى ولا يتعدى وكررت الشيء تكريراً وتكراراً (3) . أما في الاصطلاح فهو تكرار الكلمة أو اللفظة أكثر من مرة في سياق واحد لنكتة إما للتوكيد أو لزيادة التنبيه أو التهويل أو للتعظيم أو للتلذذ بذكر المكرر (4) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 433 والتكرار لا يقوم فقط على مجرد تكرار اللفظة في السياق الشعري، وإنما ما تتركه هذه اللفظة من أثر انفعالي في نفس المتلقي، وبذلك فإنه يعكس جانباً من الموقف النفسي والانفعالي، ومثل هذا الجانب لا يمكن فهمه إلا من خلال دراسة التكرار داخل النص الشعري الذي ورد فيه، فكل تكرار يحمل في ثناياه دلالات نفسية وانفعالية مختلفة تفرضها طبيعة السياق الشعري، ولو لم يكن له ذلك لكان تكراراً لجملة من الأشياء التي لا تؤدي إلى معنى أو وظيفة في البناء الشعري، لأن التكرار إحدى الأدوات الجمالية التي تساعد الشاعر على تشكيل موقفه وتصويره ولابد أن يعتمد التكرار بعد الكلمة المتكررة حتى لا يصبح التكرار مجرد حشو، فالشاعر إذا كرر عكس أهمية ما يكرره مع الاهتمام بما يعده حتى تتجدد العلاقات وتثرى الدلالات وينمو البناء الشعري (1) . وهذا ما دفع بعض البلاغيين إلى النظر لظاهرة التكرار من زاوية أخرى، إذ رأوا أن التكرار قد يقع في المعنى دون اللفظ، فيري ابن الأثير الحلبي أن التكرار قسمان: أحدهما يوجد في اللفظ والمعنى والآخر في المعنى دون اللفظ، فأما الذي يوجد في اللفظ والمعنى كقولك لمن تستدعيه: أسرع أسرع. وأما الذي يوجد في المعنى دون اللفظ فكقولك: أطعني ولا تعصني فإن الأمر بالطاعة هو النهي عن المعصية (2) . فمثل هذه الملاحظة ترصد دقة الكشف عن حركة الملحظ البلاغي في السياق، فهي إشارة إلى أن التكرار يتشكل في مستويين: الأول: مستوى لفظي ومعنوي والثاني معنوي (3) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 434 ولم يغفل الباحثون المعاصرون هذه الظاهرة في دراساتهم، فكلمة Repetition كلمة لاتنية ومعناها يحاول مرة أخرى ومأخوذة من Petere ومعناها يبحث، والتكرار إحدى الأدوات الفنية الأساسية للنص وهو يستعمل في التأليف الموسيقي والرسم والشعر والنثر. والتكرار يحدث تيار التوقع ويساعد في إعطاء وحدة للعمل الفني ومن الأدوات التي تبنى على التكرار في الشعر: اللازمة، العنصر المكرر، الجناس الاستهلالي، التجانس الصوتي، والأنماط العروضية (1) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 435 وتتشكل ظاهرة التكرار في الشعر العربي بأشكال مختلفة متنوعة فهي تبدأ من الحرف وتمتد إلى الكلمة وإلى العبارة وإلى بيت الشعر وكل شكل من هذه الأشكال يعمل على إبراز جانب تأثيري خاص للتكرار، وتجدر الإشارة إلى أن الجانب الإيقاعي في الشعر قائم على التكرار، فبحور الشعر العربي تتكون من مقاطع متساوية والسر في ذلك يعود إلى أن التفعيلات العروضية متكررة في الأبيات فمثلاً في بحر الرجز: مستفعلن مستفعلن، مستفعلن. هذا بالإضافة إلى أن التفعيلة نفسها تقوم على تكرار مقاطع متساوية. إن هذا التكرار المتماثل أو المتساوي يخلق جواً موسيقياً متناسقاً، فالإيقاع ما هو إلا أصوات مكررة وهذه الأصوات المكررة تثير في النفس انفعالاً ما "وللشعر نواح عدة للجمال أسرعها إلى نفوسنا ما فيه من جرس الألفاظ وانسجام توالي المقاطع وتردد بعضها بقدر معين وكل هذا ما نسميه بموسيقى الشعر (1) . وقد أشار إلى هذا الناقد ريتشاردز بقوله "فالإيقاع يعتمد كما يعتمد على الوزن الذي هو صورته الخاصة على التكرار والتوقع، فآثار الإيقاع والوزن تنبع من توقعنا سواء كان ما نتوقع حدوثه يحدث أو لا يحدث (2) . وتشير نازك الملائكة إلى هذه الظاهرة في الشعر العربي وبينت أن التكرار في ذاته ليس جمالاً يضاف إلى القصيدة وإنما هو كسائر الأساليب في كونه يحتاج إلى أن يجيء في مكانه من القصيدة وأن تلمسه يد الشاعر تلك اللمسة السحرية التي تبعث الحياة في الكلمات، لأنه يمتلك طبيعة خادعة فهو على سهولته وقدرته في إحداث موسيقي يستطيع أن يضلل الشاعر ويوقعه في مزلق تعبيري، فهو يحتوي على إمكانيات تعبيرية تغني المعنى إذا استطاع الشاعر أن يسيطر عليه ويستخدمه في موضعه وإلا فإنه يتحول إلى مجرد تكرارات لفظية مبتذلة (3) . كما أشارت إلى أنواع التكرار وحصرتها في تكرار الكلمة والعبارة والمقطع والحرف وترى أن أبسط أنواع التكرار تكرار كلمة واحدة في أول كل بيت من مجموعة أبيات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 436 متتالية في قصيدة، وهو لون شائع في شعرنا المعاصر، يلجأ إليه صغار الشعراء ولا يعطيه الأصالة والجمال إلا شاعر موهوب حاذق يدرك المعول لا على التكرار نفسه وإنما ما بعد الكلمة المكررة (1) . أما التكرار عند الشابي فهو صورة لافتة للنظر، تشكلت في ديوانه ضمن محاور متنوعة وقعت في الكلمة وتكرار البداية وتكرار اللازمة. وقد ظهرت في شعره بشكل واضح وشكل منها إيقاعات موسيقية متنوعة تجعل القاريء والمستمع يعيش الحدث الشعري المكرر وتنقله إلى أجواء الشاعر النفسية، إذ كان يضفي على بعض هذه التكرارات مشاعره الخاصة فهي بمثابة لوحات إسقاطية يتخذها وسيلة للتخفيف من حدة الصراع الذي كان يعيشه أو حدة الإرهاصات التي واجهها في حياته سواء ما تعلق بمحيطه الأسري أو محيطه الخارجي أو قد تكون ناتجة عن تأثير الثقافات العربية التي اطلع عليها كجبران أو الغربية كتأثيره بالشاعر الفرنسي لامارتيه، إضافة إلى إحساس الشابي المرهف التي جعلته يعيش غربة روحية وفكرية، فحاول التخلص منها برحلته الخيالية إلى الفردوس المفقود الذي ينشد فيه الكمال والسعادة. فأصيب بخيبة أمل من هذا الواقع، مما جعله يلح ويؤكد على التغيير والتبديل للارتحال إلى عالم آخر، فوجد في التكرار غايته وطموحه، فثار على الحياة لتفاؤله بما بعد الحياة وثار على إنسان عصره لإحساسه بوجود كوني آخر يتمثل فيه الإنسان المثال أو النموذج، لذلك حاول أن يخلق من خلال التكرار واقعاً سياسياً واجتماعياً جديداً، فوظف هذه الصور التكرارية لرفض النمط التقليدي على مستوى الإنسان وعلى مستوى المجتمع، وهذا التجديد لايختلف عن محاولات الشاعر التجديدية التي ظهرت في شعره، فكان يكتب من فيض الروح ويستنطقها، لذلك كان شعره قريب الفهم والإدراك، لأن لغة الروح لغة كل زمان ومكان، وهذه اللغة تمثلت في عباراته البسيطة، لكنها كالسيف القاطع تهوي في خط مستقيم غلب عليها أنها عبارات موسيقية راقصة (2) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 437 إن التكرار يعتمد في طبيعته على الإعادة لقوالب لغوية متنوعة ومختلفة في إيقاعها وطاقاتها الإيحائية التي تعتمد على اللغة الشعرية ذات الدلالات والطاقات المميزة عن لغة النثر وقد أدرك بالي – أهمية هذا الجانب في اللغة عندما فهم الأسلوبية على أنها بحث – أو علم الوسائل اللغوية من زاوية نظر وظيفتها الانفعالية والتأثيرية (1) . واللغة الشعرية تعتمد على الإثارة والانفعال فاللغة الشعرية هي لغة انفعالية، تتوجه إلى القلب وتعتمد بشكل رئيسي على اللغة الموسيقية التي يمكنها هي الأخرى أن تثير انفعالات وإحساسات لا تحصى" (2) . وقد ظهرت هذه الموسيقية عند الشابي في اتجاهين: الأول التكرار الأفقي (ما بداخل البيت الواحد) والثاني: التكرار الرأسي (ما بداخل القصيدة) ولذلك سيحاول البحث دراسة هذه الظاهرة التكرارية من خلال أنماط التكرار عند الشابي وربط ذلك بجانبها التأثيري. تكرار الكلمة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 438 وتشكل الكلمة المصدر الأول من مصادر الشابي التكرارية، والتي تتشكل من صوت معزول أو من جملة من الأصوات المركبة الموزعة داخل البيت الشعري أو القصيدة بشكل أفقي أو رأسي، وهذه الأصوات تتوحد في بنائها وتأثيرها سواء أكانت حرفاً أو كلمة ذات صفة ثابتة كالأسماء أو ذات طبيعة متغيرة تفرضها طبيعة السياق كالفعل، فهي تسعى جميعها لتؤدي وظيفة سياقية تفرضها طبيعة اللغة المستخدمة، وإلا أصبح التكرار مجرد إعادة ونمطي لا يثير في السامع أو القاريء أي انفعال أو إثارة، ولكن الشابي كان حريصاً أن يجعل من هذه الأصوات أو الكلمات قوة فاعلة – أحياناً – لإيقاظ الحسي القومي والثقافي في أبناء عصره، وبعث الهمة والتبصير بالواقع وكشف زيفه على طريقة الرومانسيين لذلك نراه يركز على الجملة الفعلية أكثر من الجملة الاسمية فالأولى قادرة على التأثير والتغيير وأكثر قدرة على استيعاب الأحداث التي يعيشها الشاعر بينما الجملة الاسمية ذات طبيعة ساكنة هادئة) . وغير ممتدة داخل النص الشعري بينما الفعلية نمائية متغيرة ومتطورة وقادرة على استيعاب هموم الشاعر وآلامه فيتفق التكرار في غالبه عند الشابي مع طبيعته النفسية، لأنه يسعى إلى استخدام التكرار وسيلة للإعادة والإلحاح والتأكيد على ما في ذهنه لإصلاح الواقع، ولهذا فهو لم يكرر ولم يكن معنياَ بتكرار اسم بعينه فهو لا يبحث عن فرد وإنما يبحث عن قيم ومباديء تتمثل في الأشخاص من هنا جاء اهتمامه بصورة الاسم أو هذا الجزء من الكلمة – قليلاً، فالأسماء الواردة عنده هي أسماء معان وليس أسماء ذوات فالحب قيمة ومعنى يسعى أن يكون هذا الاسم هو محرك الشعوب ومعيار علاقتها على مختلف المجالات فهو رمز الصفاء والنقاء ورمز الطهر والعفة يقول: الحب جدول خمر من تذوقه خاض الجحيم ولم يشفق من الحرق الحب غاية آمال الحياة فما خوفي إذا ضمني قبري وما فرقي؟ (1) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 439 فهو يعلي من شأن الحب ويؤكد على قيمته، لأنه ذات فضيلة تطهر النفوس كما أنه وسيلة تجعل الإنسان يخوض غمار الحياة بكل ما فيها من مرارة وعذاب وهذا ما يسعى إليه الرومانسيون في التأكيد على حب الإنسان للإنسان فكانت ثورتهم على مجتمعاتهم لخلق مجتمع مثالي ينشدونه في فردوسهم المفقود يقوم على دعائم من أهمها الحب الصافي فهو غاية كل البشر، ولهذا اتخذ التكرار الشكل الرأسي الذي يحرص فيه على خلق صورة شعرية جديدة لكل صورة تكرار. ولكنه قد يخضع للتداعي ويستسلم لصورة من التكرار للأسماء لا داعي لها يمكن أن يستعاض عنها وعندئذ يستقيم الإيقاع الشعري يقول: الكون كون شقاء الكون كون التباس الكون كون اختلاف وضجة واختلاس سيان عندي فيه السرور والابتئاس (1) فتكراره لكلمة الكون في صدر البيت وعجزه حاول أن يخلق منه ما سماه البلاغيون برد العجز على الصدر للتأكيد على أهمية الكون وتناقضاته، كي يحاول خلق إيحاءات وإيقاعات موسيقية جديدة ففرّع وقسّم في أنواع الكون لأنه يبحث عن كون آخر أكثر طهر وعفة، فكونه شفي ومختلف عن كون الآخرين مما جعل بعض الدارسين يصفون هذا التكرار بأنه ساذج فلو قال: الكون كون شقاء والتباس واختلاق واختلاس لم تتغير الدلالة، بل لأراحنا من هذا الملل والرتابة اللذين نجدهما عند سماعنا لهذا المقطع (2) . كما وظف الشابي بعض صور تكرار أسماء المعاني للكشف عن لحظة الغربة والاغتراب التي يعيشها فهي ملازمة له ثابتة بل إنها غربة تختلف عن غربة غيره من البشر ويؤكد على ذلك من خلال صورة التكرار الرأسية التي جاءت لتعمق إحساس الشاعر بهذه الغربة والحيرة، حتى أن مسميات بعض القصائد قد أطلق عليها أسماء توحي بهذا الإحساس مثل "الأشواق التائة" و"إلى قلبي التائه" يقول في قصيدته (الكآبة المجهولة) : كآبتي خالفت نظائرها غريبة في عوالم الحزن كآبتي فكرة مفردة مجهولة من مسامع الزمن (3) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 440 فكرر كلمة كآبتي وبعض مشتقاتها في القصيدة (كئب – يكتئب – اكتئابي) وقد كرر هذه الصفة بشكل يعكس إلحاح الشاعر للتأكيد على تفرده وتميزه حتى في عالم لحزن، لأن كآبته ثابتة لا تتغير بينما كآبة الناس عابرة متغيرة: كآبة الناس شعلة ومتى مرّت ليال خبت مع الأمد) أما اكتئابي فلوعة سكنت روحي وتبقى بها إلى الأبد ولذلك فهو يسعى من خلال هذا التكرار أن يقدم وصفاً دقيقاً لواقعه الحزين الذي يعيشه ويسعى فيه إلى التغيير أو التخلص من عذاباته وهمومه، كي يسمعها الناس يتعاطفوا معه ويشفقوا عليه، ولكنه لم يجد من يسمعها، فهو غريب عن كل شيء، غريب في مشاعره وإحساسه حتى جعل هذه الكآبة غريبة غربة صاحبها. وكأن الشاعر بذلك يستغيث بالسامعين ليأخذوا بيده نحو بناء مجتمع أفضل، ويندب حظه الذي عاش الكآبة منذ ولادته، ففقد الأمل بإنسان عصره ولكنه يعود فيجعل من كآبته طاقة متفجرة فهي كالسكون الذي يسبق العاصفة، فيحاول إعطاء الكآبة صورة جديدة يطرح من خلالها موقفه من الحزن الذي غطى معظم حياته فيقول: تحت رماد الكون تستعر كآبتي شعلة مؤججة ويطلع الفجر يوم تنفجر (1) سيعلم الكون ما حقيقتها فهو وإن عمق من تكراره الرأسي لكلمة "كآبة" إلا أنه كان يمكن أن يكتفي بما قاله في بداية القصيدة للتأكيد على تفرده وتميزه في كل شيء، فهي إضافات كمية أثقل بها المعنى الشعري وأثقل بها بناء القصيدة. أما تكرار "الفعل" فقد كان له حضور فاعل عند الشاعر، لتزاحم الأحداث التي مرت في حياته، وكثرة المصائب والهموم التي واجهته منذ الولادة حتى الموت، فكان الفعل أكثر قدرة على التعبير عن هذه التحولات الزمانية بأشكالها المختلفة لنقل تجربته الخاصة به لتثير إحساساً لدى المتلقي وتكسب الشاعر جمهوراً متعاطفاً "فالشاعر بشر يتحدث إلى بشر ويعمل جاهداً ليعثر على أجود الألفاظ في أجود نسق لكي يجعل تجربته تعيش مرة أخرى لدى الآخرين" (2) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 441 لقد سعى الشابي من تكرار الفعل إلى أن يجعل منه حدثاً فاعلاً سواء أكان ماضياً أم حاضراً أم مستقبلاً، ليستوعب جزئيات حياته وهمومه وآلامه بتراتب وتناسق في شكل الكلمة وحروفها، فتلاحم أجزائها ومخارجها تعنى توحد الرسالة التي يحملها الشاعر، فيلغي دور الفاعل والمفعول الظاهرين ويغيبهما في ذاته فتتماهى هذه الفاعليات وتنصهر في ذات الشاعر ليؤكد قوته وتصميمه على إحداث التغيير يقول: بمهجتي في شبابي الثمل لكنني سمعت رنتها أشدو بحزني كطائر الجبل سمعتها فانصرفت مكتئباً صوت الليالي ومهجة الأزل سمعتها أنةً يرجعها كجدول في مضايق السبل سمعتها صرخة مضعضعة شوق إلى عالم يضحضحها (1) سمعتها رنة يعانقها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 442 فكرر الفعل (سمعتها) مرات متتالية بنغمة موسيقية واحدة وتشكيل أسلوبي موحد (فعل+ فاعل+ مفعول به) وعمل على ربط هذا المكوّن الأسلوبي بمميز يستوعب ذات الشاعر وهمومه (أنةً، صرخة، رنةً) بشكل يتفق مع آلام الشاعر وصرخاته التي يسعى للبحث لها عن مخرج وتنفيس، لأنه الوحيد الذي يسمع شكوى نفسه وعذاباتها منذ الولادة ولذلك جعل من كل فعل من هذه الأفعال وسيلة للتأكيد على هذا المعنى لإظهار التجبر والإرادة القوية ليحول هذه الصرخات والأنات إلى أشواق وآمال تسمو فوق الجسد والروح، لتنقل وعي الناس من الجهل إلى النور عبر هذه التناغمات الموسيقية المتشابهة التي تستوعب غربته واغترابه، لم يكن ليتحقق له ذلك لو اختلفت الكلمات وتنوعت لأن التعبيرات إذا اختلفت شكلاً فإنها تختلف معنى كما يقول بلومفيلد (1) . وقد ساعده على ذلك أيضاً اعتماده على الطبيعة ولجوئه إليها ليجعل من هذه الصور أكثر فاعلية وقدرة على إحداث التغيير (طائر الجبل، صوت الليالي، كجدول … ) . وهذا اللجؤ إلى الطبيعة وانعتاقه إلى أسرارها وجمالها جعله يتخذ بعض صور التكرار للتعبير عن رؤيته الخاصة تجاه عالم الغاب بعيداً عن الوصف والرصف بحثاً عن الحرية والفرح والمثال الذي يسعى إليه، لذلك نراه يصر على أداء هذه الرؤية بأسلوب معين وبكلمات تثري هذه التجربة وتنمي التفاعل بينه وبين المتلقي، فيختار الكلمات التي تستطيع أن تستوعب هذا الحب والانعتاق للطبيعة والتماهي في جوهرها بحيث يصبح جزءاً منها يقول: في فتنة الدلال الملول كبليني بهاته الخضل المرخاة وسحر مقدسي مجهول كبلي بكل ما فيك من عطر ري وأحلام قلبي الضليل كبليني يا سلاسل الحب أفكا حراً في مثل هذي الكبول (2) كبليني فإنما يصبح الفنان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 443 (فكبليني) تفيد الانعتاق في عالم الطبيعة، لذلك نراه يشكل هذا التوحد الأسلوبي توحداً في المشاعر والأحداث، لتشكل صوتاً قوياً يدوي في أعماق هذا الغاب الساحر، لا يستطيع أي فعل آخر أن يقوم مقامه وأن يعطي هذه القوة المؤثرة في نفس المتلقي، وهكذا يقوم التكرار الصوتي والتوتر الإيقاعي بمهمة الكشف عن القوة الخفية في الكلمة (1) . ويتشكل تكرار الفعل عند الشابي بأنماط أسلوبية متنوعة تبعاً لتنوع أنماط حياته وهمومها، وقد استوحى مظاهر هذا التكرار في غالبه من الطبيعة بمظاهرها المختلفة، فيصور من خلالها مراحل حياته وكأنه يكتب ويرسم صفحات حياته من خلال الطبيعة التي يتوحد معها فتتماهى ذات الشاعر الفاعلة لتبرز بوضوح حدثية الفعل والمفعولية عبر منظومة زمنية واحدة تحمل في ثناياها مفاجآت عديدة واحتمالات كثيرة جاءت عبر حرف الفاء والواو التي وقعت بعد المنظومة الزمنية: ويرى الآفاق فيبصرها زمراً في النور تراصده ويرى الاطيار فيحسبها أحلام الحب تغرده ويرى الأزهار فيحسبها بسمات الحب توادده ويرى الينبوع ونضرته ونسيم الصبح يجعده ويرى الأعشاب وقد سمقت بين الأشجار تشاهده (2) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 444 فكرر الفعل (يرى) في بداية كل سطر شعري وأخذ حيزه المكاني والزماني في ذاكرة الشاعر لأنه يقوم على اليقين فيؤكد الحضور للذات الغائبة في عالم الطبيعة، ليظهر الصدق في نقل تجربته وتصوير مراحل حياته وأفكاره. وتتعدد لوحات الرؤيا والآمال التي يبحث عنها الشاعر (الأطيار، الأزهار، الينبوع، الأعشاب) وهي من جزئيات الطبيعة ملازمة لها متوحدة معها، فجسد في هذا التتابع والتعاقب عبر حرفي الفاء في (فيحسبها) والواو في (ونضرته وقد) التي تشير إلى نسق زمني مختلف عن نسق البداية من حيث التشكيل، لكنها تتفق معها في المعنى (فيحسبها أحلام) وبذلك يكشف التكرار عن دلالات وإيحاءات تعكس لهفة الشاعر لاستغلال كل لحظات حياته لاحداث التغير النوعي في المجتمع الذي سبب له صدمة اجتماعية وسياسية جعلته ينسحب من حلبة الحياة والتحلل من قيودها الذي منحه بعض العزاء في العودة إلى الحياة الأولى إلى نوع من البكارة البدائية في تلمس حقائق الوجود، عاد إلى طفولة الإنسان وبذلك عثر على شيء من فردوسه الضائع فماتت فيه حياة الجماعة وبقيت حياته الخاصة القائمة على النشوة الصوفية في معانقة الكون (1) . فكان تكرار الفعل (يرى) بمثابة البؤرة المركزية لهذه النشوة الكونية. وكأنه بذلك يتعبد في محراب الطبيعة ليكشف سر نفسه وسر الطبيعة بفعل يقيني لأن عزلته كانت عزلة تأمل ومعرفة. لقد وظف الشابي تكرار الفعل فجعل منه أداة للتعبير عن الأمة وهمومه سواء منها الخاصة أو العامة، وجاء ذلك بشكل رأسي يعمق إحساسه بهذه الهموم ويحفر في عمق النص بشكل متوال عبر طرائق أسلوبية منها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 445 1 – فعل ماضي + ضمير الفاعل المتوحد مع الفعل فتتماهى فيه ذات الشاعر لتشكل بذلك قوة فاعلة في إثراء التجربة الشعرية والتنفيس عن المكفوتات الداخلية فيسمو فوق هذه الآلام فيحيا حياة سامية كما في قوله (ظمئت إلى) (1) الذي كرره أربع مرات في بداية كل سطر شعري، فاستطاع أن يولد من الفعل ظمئت صوراً شعرية ذات أبعاد نفسية مختلفة ودلالات متنوعة معتمداً في ذلك على الترديد (إن العنصر الذي يتردد أقوى من العنصر المفرد) (2) وبذلك يكسب همومه حضوراً وتأثيراً في نفس المتلقي وهو بهذا يحاول أن يجعل من التكرار وظيفة جمالية لأنها تقوم بمثابة المولد للصورة الشعرية وفي نفس الوقت الجزء الثابت أو العامل المشترك بين مجموعة من الصور الشعرية مما يحمل الكلمة دلالات وإيحاءات جديدة في كل مرة، وتعكس في نفس الوقت الحاح الشاعر على دلالة معينة تختزل موقفه الجمالي" (3) وبذلك يعد الفعل طريقة للتعبير عن الرفض والتمرد على الواقع ورغبة جامحة في التحول. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 446 2 – فعل الأمر + فاعل محذوف + مفعول به ضمير متصل (خذني إليك) (1) الذي كررها ثلاث مرات في بداية السطر الشعري للتعبير عن عمق المأساة لفقده والده وحجم المسؤولية التي تركها له فتحمل أعباء حياتية جديدة، وبذلك فقد شكل من هذا الفعل وحدة صوتية وموسيقية ذات إيحاءات ثابتة باتجاه الموت الذي يرى فيه المخلص من هذه الحياة وآلامها وهمومها ومسؤولياتها، ليبعث من جديد فيعيش فجراً جديداً وحياة أفضل (فقد أصبحت أرقب في فضاك الجون فجري) وبذلك يتخلص من عبثية الحياة وجهل أبنائها ورجعيتهم ويعيش في عالم مثالي تسوده المحبة والإخاء وصفاء العلاقات الاجتماعية. من هنا يمكن القول أن أنماط الأفعال الثلاثة (الماضي والمضارع والأمر) جعل منها بؤرة مركزية لمبدأ الثورة والتمرد والرفض لهذا الواقع الذي يسعى للخلاص منه، فلا يعنيه الماضي المؤلم ولا الحاضر الرجعي وإنما يبحث عن زمن جديد يحقق فيه ذاته لذلك بدأت دوائر الزمن عنده من (ظمئت إلى كبليني إلى خذني) لتعلو في آخر أنفاسها وتنطلق دون قيود ولا حدود وهو بذلك يعكس ذاته التي تسعى للإنفلات والتحرر من قيود الزمن القاسية وقيود المجتمع الزائفة لإيجاد طريقة مثلى يعيش بها إنسانيته في عالم اللا نهاية فيخفف بذلك من حدة الصراع والتشاؤم الذي يعلو أفكاره أحياناً. ولهذا فقد وقعت هذه الأفعال على اختلاف أشكالها في بداية الأبيات الشعرية، لتعكس هذه الانطلاقة القوية عند الشاعر بتجاوزه حدود الزمن والانفلات من إساره. أما تكرار الحرف وهو أقرب ما يكون بالصوت المعزول فيرى بالي أن المادة الصوتية تكمن فيها إمكانيات تعبيرية هائلة، فالأصوات وتوافقها وألعاب النغم والإيقاع والكثافة والاستمرار والتكرار والفواصل الصامتة كل هذا يتضمن بمادته طاقة تعبيرية (2) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 447 إن ظاهرة تكرار الحرف موجودة في الشعر العربي، ولها أثرها الخاص في إحداث التأثيرات النفسية للمتلقي فهي قد تمثل الصوت الأخير في نفس الشاعر أو الصوت الذي يمكن أن يصب فيه أحاسيسه ومشاعره عند اختيار القافية مثلاً، أو قد يرتبط ذلك بتكرار حرف داخل القصيدة الشعرية يكون له نغمته التي تطغى على النص لأن الشيء الذي لا يختلف عليه إثنان أن لا وجود لشعر موسيقي دون شيء من الإدراك العام لمعناه أو على الأقل لنغمته الانفعالية (1) . لقد كان شعر الشابي في معظمه، شعراً يعتمد على موسيقى راقصة، فكل حرف يوحي لك بموسيقية مميزة لا تستطيع أن تفلت من أسارها ولهذا فإن الحكم الذي يمكن أن نصدره على قصيدة يمكن أن نعممه على معظم قصائده لاعتمادها على الموسيقى الداخلية والخارجية، فشعره يفيض بهذا النوع الموسيقي الخاص، فتقرأ في كل حرف وكل نغمة ملامح تكوينه النفسي، وتشكيلاً متدرجاً لمراحل حياته التي تبدأ بالحرف ثم تنتهي إلى الكل وهو الكلمة التي تتشكل منها العبارة أو الجملة ثم إلى بيت الشعر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 448 لقد وقع تكرار الحرف عند الشابي في نمطين أولهما: الصوت الداخلي الذي يشيع في داخل القصيدة سواء أكان تكراره بشكل رأسي أم أفقي، وثانيهما: الصوت الخارجي المنظم (القافية) الذي بنى عليه الشاعر قصائده، لأن للقافية دوراً أساسياً في خلق جو من التماثل الموسيقي المتراتب الذي يقع في آخر البيت الشعري. لقد سار الشابي في نظم القوافي على ما عرفه العرب من بحور الشعر، فلم يضف شيئاً إلى البناء العروضي إلا أنه استطاع أن يحرك هذا الشعر خارج الحس وأن يمنحه لغة راقصة ذات همسات مؤثرة، فنراه نوّع في قوافيه فنظم على حرف الباء واللام والنون والسين والميم والقاف والباء والدال والثاء والراء والفاء والهاء والعين والتاء، ولكن بعض القوافي قد تكرر عنده أكثر من غيره كقافية (الدال والميم والباء والهاء) فجعل منها تراتيل موسيقية فرضتها طبيعة السياق، وذلك واضح من خلال تكراره لبعض القوافي، فالدال في قصيدة "قلت للشعر" تختلف عن الدال في قصيدة أغاني التائه (1) لاختلاف طبيعة الموقفين على أن النغمتين متساويتين في الروي. ومثل هذا يعمم على بقية القوافي التي تقع في نهاية السطر الشعري (2) . لكنه كان يلجأ أحياناً إلى التلاعب بالقوافي محاولة منه أن يأتي بشكل جديد من القوافي أو بنمط أسلوبي مغاير للمألوف رغبة منه في الخروج من أسار التقليد والجمود، فهو من دعاة الثورة وليس السكون، فرسم من بعض صور تكرار الحروف أشكالاً هندسية بعد أن كانت ذات خط مستقيم أخذت تتجه إلى بؤرة مركزية جاذبة لكل الحروف وباعثه ومفجرة لطاقات الشاعر الإبداعية يقول: ليت شعري أي طير بين أعماق القلوب برنات النحيب يسمع الأحزان تبكي ثم لا يهتف في الفجر بخشوع واكتئاب لست أدري أي أمر أترى مات الشعور في خشاشات الطيور أخرس العصفور عني في جميع الكون حتى أم بكى خلف السحاب (3) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 449 فكرر الباء وشكل منها بؤرة مركزية متوحدة الإيقاع كسعي الشاعر للتوحد مع ذاته ومع الآخرين ليصبح قوة فاعلة في مواجهة الظلم والجهل، ومثل هذا النوع من التوزيع الموسيقي قد يعكس حياة الشاعر التي بدأت صغيرة ثم تدرجت في السعي نحو التوحد. كما لجأ إلى رد العجز على الصدر في القوافي المقيدة المحدودة كما في قوله من قصيدة " أغاني التائه " التي جعل صدرها وعجزها يقوم على تكرار حرف الميم في كل بيتين ثم حرف الهاء في بيتين آخرين ثم يعود للميم بأنصاف الأبيات ضمن التوزيع الموسيقي للشاعر يقول: كان في قلبي فجر ونجوم وأناشيد وأطيار تحوم وبحار لا تغشيها الغيوم وربيع مشرق حلو جميل كان في قلبي فجر ونجوم فإذا الكل ظلام وسديم كان في قلبي فجر ونجوم (1) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 450 ومن الصور تكرار الحرف ما نراه في قصيدته (الصباح الجديد) مايسمى بالقافلة أو القرار وهي تلك المقطوعة الثلاثية التي تتكرر في عدة مرات ولم يكن هذا التكرار نتيجة ترتيب وافتعال بل مجاراة لضرورة نفسية وهي الإيحاء بالصبر والتجلد داعياً شجونه وجراحه إلى السكون، لإحساسه بأن فجر الصباح قريب، ثم يعمل على الربط بين هذه الوحدات الشعرية بقافية مكررة، فآخر بيت في المقطوعة الرباعية الثانية تقفية اللفظة الأخيرة من الرباعية التالية كما هو في لفظتي (الزمان والحنان) وكذلك الأمر في الرباعيتين الثالثة والرابعة حيث نجد وحدة القافية في البيتين الأخيرين في لفظي (الشموع، ربيع) فضلاً عن البناء الموسيقي الرائع في هذه القصيدة التي تتكون من القرار الثلاثي الذي تردد في القصيدة ثلاث مرات ثم من ست رباعيات، تفصل كل اثنتين فيها بين القرار الثلاثي المتكرر، وقد اهتدى بفطرته السليمة إلى ضرورة توحيد القافية في القرار الثلاثي وفي الأبيات الثلاثة الأولى من كل رباعية، وذلك لأن هذا التوحيد يشبع نفسه ويرضي إحساسه ويوحي بقوة الحاح تلك الأحاسيس التي يتابع موجها في روحه المعذبة بين الشك واليقين وبين الحياة والموت" (1) وما هذا التنويع التقليدي في بناء القصيدة – الذي سار فيه على مناهج الأقدميين إلا محاولة من الشاعر لإثبات نزعة التجديد في شعره وليتمكن من تنفيس همومه وآلامه التي صبغت حياته بالسوداوية (2) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 451 أما تكرار الحرف (الصوت المعزول) فلم يكثر منه في شعره ومرد ذلك كما اعتقد – أن الحرف لا يستطيع أن يستوعب هذه المصائب والهموم ولا يستطيع أن ينقل صوته الثائر وروحه المتمردة إلا عبر كل متكامل وهو الكلمة، كما أن الحرف يعبر عن أحادية الكلمة التي لا تؤدي وظيفة وحدها والشاعر نزّاع إلى الثنائية أو التوحد مع الآخر، ولكن هذا لا يمنع من تكرار الشاعر لبعض الحروف كحرف الواو بشكل خضع لبعض التداعيات الرأسية المعمقة كما في قصيدته "ياموت" حيث كرر هذا الحرف أربع وعشرين مرة يقول: يا موت قد مزقت صدري ورميتني من حالق وقسوت إذا أبقيتني وفجحتي فيمن أحب وقسمت بالأرزاء ظهري وسخرت مني أيَّ سخر في الكون أذرع كل وعر ومن إليه ابث سري (1) فيوصل تكرار الواو في بداية السطر الشعري بشكل مكثف وكأنه بذلك يعرض ما آلت إليه حاله بعد وفاة والده بشكل مفصل متصل بتتابع أسلوبي يرتبط كل واو "بحدث معين يعكس من خلاله صورة من صور حياته (ورمتيني، وسخرت، وقسوت، وفقدت … ) ، مما يجعلنا نجزم أن لهذا التكرار علاقة مع الموقف الحزين المؤلم الذي يقفه الشاعر فتكرار هذا الحرف يجسد حالة الشاعر النفسية وما آلت إليه بعد فقد عزيز عليه وطبيعة الموقف تستدعي هذا التكرار حتى أن الأفعال التي تلاحمت مع الواو جاءت متلاحقة متعاقبة وكأنه بذلك يشرح المراحل النفسية التي عانى منها الشاعر لأن والده كان بمثابة الفجر الجميل والمزمار الذي يعزف على أوتاره، وكأس خمره وغايته وكل ما في الوجود، فحمّل الواو دلالات متنوعة وطرائق أسلوبية متعددة تراوحت بين الماضي والحاضر والمستقبل، ولكنها أزمان متشابهة بعد وفاة والده ومن هنا جاء توسيعه وتعداده لدلالات الواو التي امتدت بشكل رأسي معمق مترابط متوالي، يخضع للتداعي وتعداد صور الأشياء (2) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 452 كما جعل من تكرار الحرف نغمة موسيقية تنقل القاريء إلى جو النص وإلى طبيعة الموقف الذي عاشه الشاعر فجسّد من خلال الكاف كشفاً واضحاً لتجربة الشاعر الانفعالية كما في قوله من قصيدة (صلوات في هيكل الحب) : عذبة أنت كالطفولة كالأحلام كالسماء الضحوك كالليلة القمراء كاللحن كالصباح الجديد كالورد كابتسام الوليد (1) فكانت الكاف تكشف عن حلقات متتابعة متصلة لمرحلة عاطفية خاصة عاشها الشاعر وهذه المراحل متلاحقة مترابطة، لكنها تشكل في بنائها وحدة موسيقية وإيقاعية مستقلة (كالطفولة أو كالصباح الجديد، … ) هذا الإيقاع هو إيقاع نبضات قلب الشاعر وزفراته التي كان ينفثها تجاه محبوبته لأن الصوت يجسد الإحساس ويجعل السامع يستشعر المعنى بطريقة مباشرة (2) ، ولذلك يمكن القول أن بعض صور تكرار الحروف عند الشاعر ترتبط بهيكل القصيدة فتعكس الموضوع الشعري داخل التجربة أو يكشف عن الموقف الحقيقي للشاعر فنجد من هذه الأشياء الطبيعية التي صورها مسكناً لروحه ومشاعره التي تأذت وتألمت وهو يلجأ إليها كرهاً للإنسان وبغضاً لسلوكاته" (3) . إن تكرار الحرف لايمكن أن يخضع لقواعد نقدية ثابتة يمكن تعميمها على النصوص الشعرية للشاعر لاختلاف طبيعة الأسلوب والدلالة التي يحدثها كل حرف ضمن السياق في النص الواحد، وإن كان تأثير الحرف الموسيقي لا يرقى في قوته إلى تأثير الكلمة ولكن مع هذا فإن لتكرار الحرف أثر واضح وبيين في ذهن المتلقي يجعله متهيئاً للدخول إلى عمق النص الشعري. تكرار اللازمة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 453 وتعني بالإنجليزية Refreindre أو ما يسمى بالألمانية Rehrrier فإن معناها بالفرنسية الصدى وهي مأخوذة من الفرنسية القديمة Refreindre ومن اللاتينية Refirgere وتعني يكرثانية وهي عبارة عن مجموعة من الأصوات أو الكلمات التي تعاد في الفقرات أو المقاطع الشعرية بصورة منظمة. واللازمة على نوعين: اللازمة الثابتة وهي التي يتكرر فيها بيت شعري بشكل حرفي، واللازمة المائعة: وهي التي يطرأ فيها تغير خفيف على البيت المكرر (1) . يعمل تكرار اللازمة على ربط أجزاء القصيدة وتماسكها ضمن دائرة إيقاعية واحدة، وكأنها قالب فني متكامل في نسق شعري متناسق، تجعل القاريء لها يحس بأنها وحدة بنائية واحدة ووحدة موسيقية ذات إيقاع واحد، يكشف هذا التكرار عن إمكانيات تعبيرية وطاقات فنية تغني المعنى وتجعله أصيلاً إذا استطاع الشاعر أن يسيطر عليه وأن يجيء في موضعه، بحيث يؤدي خدمة فنية ثابتة على مستوى النص تعتمد بشكل أساسي على الصدى أو الترديد لما يريد الشاعر أن يؤكد عليه أو يكشف عنه بشكل يبتعد به عن النمطية الأسلوبية، ولذلك فإن أضمن سبيل إلى إنجاحه أن يعمد الشاعر إلى إدخال تغير طفيف على المقطع المكرر، والتفسير السيكولوجي لهذا التغير أن القاريء وقد مرّ به هذا القطع يتذكره حين يعود إليه مكرراً في مكان آخر من القصيدة وهو بطبيعة الحال يتوقع توقعاً غير واع أن يجده كما مر به تماماً، ولذلك يحس برعشة من السرور حين يلاحظ فجأة أن الطريق قد اختلف وأن الشاعر يقدم له في حدود ما سبق أن قرأه لوناً جديداً" (2) . ويحتاج تكرار اللازمة إلى مهارة ودقة بحيث يعرف الشاعر أين يضعه فيجيء في مكانه اللائق وأن تلمسه يد الشاعر تلك اللمسة السحرية التي تبعث الحياة في الكلمات، لأنه يمتلك طبيعة خادعة، فهو بسهولته وقدرته على ملء البيت وإحداث موسيقى ظاهرية، يستطيع أن يضلل الشاعر ويوقعه في مزلق تعبيري (3) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 454 لقد استخدم الشابي تكرار اللازمة في شعره بشكل غير ثابت ولا مستقر شأنه في ذلك شأن حالته النفسية المضطربة فتراوحت اللازمة عنده بين تكرار العبارة وتكرار البيت الشعري، متفاوتة في عدد مرات التكرار، مع إحداث تغيير طفيف في هذه القوالب، ليجسد من خلالها آهاته وعذاباته فيرددها ويلح عليها لتجد صداها في أهل زمانه وأبناء عصره ليعملوا على التغيير في بنية المجتمع الاجتماعية والثقافية والسياسية نحو مجتمع أفضل، خصوصاً أن معظم الصور التكرارية ملازمة عنده قد وقعت في هذا الإطار. لقد أخذ تكرار اللازمة عند الشاعر شكلين الأول: تكرار اللازمة غير الممتدة أو القصيدة فتتكون من كلمتين وتتكرر داخل القصيدة بشكل رأسي وثانيهما: اللازمة الطويلة التي تتشكل من سياقات لغوية ممتدة ذات صدى أوسع وانتشار أكثر لكثرة ألفاظها وإيقاعاتها ولكنها أيضاً – لم تأخذ شكلاً ثابتاً في عدد مرات التكرار أو عدد الكلمات فهي قلقة متغيرة. أما النمط الأول فقد غلب عليه التشكيل الاسمي البسيط جاءت في دوائر الاستغاثة بالليل والرفقاء والحب متضجراً أو مستنجداً، مما يكشف عن حاجة الشاعر للهروب من الواقع بحثاً عن التغيير للانطلاق إلى فضاء رحب تحلم به نفسه، ويحقق فيه ذاته وتسمو روحه فوق العذاب، وإن كانت الجملة الاسمية لا تستطيع أن تستوعب هذه الأحداث فهي ذات فضاءات أقل تأثير وانتشار من الجملة الفعلية وتتميز بالسكون لكنه استطاع أن يمنح هذا النمط الأسلوبي شيئاً من الفاعلية والسلطة يقول: يا رفيقي وأين أنت قد أعمت جفوني عواصف الأيام (1) فنراه يكرر اللازمة (يارفيقي) مرة أخرى بعد اثنى عشرة بيتاً يشرح فيها عذاباته وآلامه كي ينفس عما في نفسه لهذا الرفيق الذي وجد فيه المنقذ الأعظم فيقول: يا رفيقي ما أحسب المنبع المنشود الأوراء ليل الرجام ثم يكرر هذه اللازمة بعد بيتين مرة وبعد أربعة عشرة بيتاً مرة أخرى فيقول: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 455 يا رفيقي لقد ضللت طريقي وتخطت محجتي أقدامي فيجعل من هذه المسافات بين صور التكرار دائرة يتحرك فيها ليشرح لرفيقه ما أصاب الكون من فساد فأصبح جحيماً، لذلك جعل من هذه اللازمة وسائل وشرائح دفاعية ضد المجتمع والإنسان والكون رابطاً بين هذه المسافات بوحدة شعورية تنساب بين ثنايا السطور الشعرية وبوحدة لغوية مع حرف الواو أحياناً وأحياناً بأنماط أسلوبية متنوعة بين الجملة الفعلية والاسمية والإنشائية والخبرية ولكنها تتمحور وتدور حول نقطة الارتكاز (يارفيقي) وكأنه بذلك يكرر هذه اللازمة نفسياً في بداية كل سطر شعري. أما اللازمة الطويلة فتكونت من وحدات متداخلة متلاحمة تلاحماً يحدث بها تأثيراً قوياً وفاعلية في نفس المتلقي، لأنها تمتد عبر سطر شعري متكامل وذات بناء لغوي متعدد ليتمكن من خلالها من التعبير والتنفيس عما يجول في خاطره من حسرات وآهات، فنوّع في مواقعها فكانت على شكل افتتاحيات وأقفال على طريقة نظم الموشحات فهو لا يخرج عن الإطار التقليدي لبناء القصيدة العربية، ومع هذا لا يستطيع إغفال هذه الظاهرة في شعره لأنها داخلة في صميم تركيب النص الشعري للشابي وتشكل محطات منتظمة في خلق إيقاعات شعرية متساوية "فاللازمة الرنانة المنتظمة عنصر مهم في بناء القصيدة، كما أن البناء الخلفي الذي أحدثته اللازمة استطاع أن يكوّن بنية متلاحمة متصلة" (1) فعمل على الربط بين أجزاء القصيدة من خلال هذه اللازمة يقول في قصيدة (الكآبة المجهولة) : أنا كئيب، أنا غريب كآبتي خالفت نظائرها كآبتي فكرة مغردة لكنني قد سمعت رنتها سمعتها فانصرفت مكتئباً سمعتها أنة يرجعها غريبة في عالم الحزن مجهولة من مسامع الزمن بمهجتي في شبابي الثمل أشدو بحزني كطائر الجبل صوت الليالي ومهجة الأزل إلى أن يقول: مرت ليال خبت مع الأمد روحي وتبقى بها إلى الأبد كآبة الناس شعلة ومتى أما اكتئابي فلوعة سكنت أنا كئيب أنا غريب (2) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 456 فكرر الشاعر اللازمة (أنا كئيب، أنا غريب) مرتين، شكل منها مساحات واسعة، وفضاءات ممتدة داخل النص الشعري، حتى أننا نلمح معاني هذه الكلمات ودلالالتها في كل سطر شعري مع اختلاف في الأنماط الأسلوبية المستخدمة والاشتقاقات اللغوية المتعددة، فكلمة (كئيب) ذكر مرادفات لها كآبتي، كآبة، اكتئاب) حتى أنه جعل من بعضها لوازم أخرى مساندة للازمة الرئيسية مثل قوله (أما اكتئابي فلوعة سكنت) فكررها مرتين، لأن إحساس الشاعر بالغربة والاغتراب جعله يوزع دوائر الإيقاع المكاني، حتى لا يدع مجالاً للشك بأنه غريب، بل إن غربته تختلف عن غربة غيره من البشر، فهي لا تفارقه سكنت روحه وتبقى معه إلى الأبد وأنها غربة قاسية (لم يسمع الدهر مثل قسوتها في يقظة ولا حلم) بينما كآبة الناس شعلة تتقد وتخفو ثم تزول، ولم يشاركه أحد هذه الهموم في هذه الغربة ولم يحس بها أحد أيضاً لأنه يعيش غربة روحية وفكرية لم يستطع التكيف مع واقعه الاجتماعي، فجنح إلى الهجرة الروحية فتعلقت همته ببيئة أخرى مثالية يحيا بها بروحه ويحلق فيها بخياله. ولكن هذا الإحساس لم يجعله يهرب من الواقع ليعشق ذاته وإنما كان هذا الإحساس دافعاً له للبحث عن عالم آخر، وبديل للعالم الذي تصفو فيه روحه ويتخلص من آثام الدنيا وشرورها وجهل الناس ولؤمهم (1) . ولم يكتف بأن يجعل من اللازمة افتتاحية وانطلاقة لثورته وتمرده، بل جعل منها رابطاً قوياً بين مطلع النص ومركزيته فكثف هذه اللازمة في بؤرة النص يقول: وبحار لا تغشيها الغيوم وربيع مشرق حلو جميل وابتسامات ولكن واساه آه ما أشقى قلوب الناس آه كان في قلبي فجر ونجوم وأناشيد وأطيار تحوم كان في قلبي صياح وإياه آه ما أهول اعصار الحياة كان في قلبي فجر ونجوم فإذا الكل ظلام وسديم كان في قلبي فجر ونجوم (2) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 457 فجاءت اللازمة (كان في قلبي فجر ونجوم) قوية لها صداها منذ بداية تكرارها في كل سطر شعري جسد فيها ماضيه المشرق الجميل الذي فقده لعظم المصائب التي لحقت به، حيث كانت حياته صافية، وربيع حياته حلو جميل، لذلك نراه يؤكد على هذه اللحظات الحلوة التي مرت سريعاً عبر هذه الأساليب التكرارية المتلاحقة حيث وقعت في مسافات التوتر المختلفة بين اللازمة الأولى وكل من الثانية والثالثة، لأن اللازمة الأولى كانت أكثر قدرة على تجسيد الماضي بكل أحداثه وإشراقاته بينما الثانية والثالثة جاءت تؤكد وتردد ما آلت إليه حال الشاعر لينطلق بعد ذلك باحثاً عن صباح مشرق جميل فنراه في النص نفسه يلجأ إلى لازمة أخرى تجسّد ثورة الانطلاق والانعتاق من الماضي المظلم الذي تعيشه أمته وبني جنسه للبحث عن فجر وصفه بالبعيد متخذاً الطريقة نفسها التي كررها في المقطع الأول فيقول: قد تقضي العمر والفجر بعيد وانقضت أنشودة الفصل السعيد أين غابي؟ أين محراب السجود؟ كيف طارت نشوة العيش الحميد؟ يا بني أمي ترى أين الصباح؟ وطغى الوادي بمشبوب النواح أين نايي؟ هل ترامته الرياح خبروا قلبي فما أقسى الجراح يا بني أمي ترى أين الصباح؟ أوراء البحر! أم خلف الوجود يا بني أمي ترى أين الصباح؟ (1) فجسد من خلال هذه اللازمة الحلم الجميل الذي لازال يفكر به ويراوده في كل لحظات حياته، عبر عالم الطبيعة الذي اتخذه محراباً له يجد فيه نشوته وذاته لكثرة أسرارها وجمالها، كما يرى فيها الأنيس والرفيق الذي يشعر معه ويحس بآلامه وهمومه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 458 لقد حرص الشاعر على تجسيد لحظة الصراع بين الماضي والحاضر والمستقبل من خلال تكرار اللازمة أو بين الموت والحياة، ولكن ليس الموت النهائي إنما الموت الذي يبشر بحياة أخرى حافلة بالعطاء، لأن اللازمة تتكون من جملة من الأساليب اللغوية تبدأ بمقطع ثم تنتهي بالبيت الشعري الكامل، فهي أكثر قدرة على استيعاب هذا الزمن الممتد والفضائي الواسع الذي يبدأ بالماضي ليتجاوزه إلى الحاضر والمستقبل، لأن الماضي بالنسبة له هو فناء وموت وسكون والحاضر هو الحياة والانطلاقة التي تستشرف المستقبل، فالماضي هو الأمس والحاضر هو اليوم يقول من قصيدته جدول الحب بين الأمس واليوم التي تقع في ستين بيتاً يقول: بالأمس قد كانت حياتي كالسماء الباسمة واليوم قد أمست كأعماق الكهوف الواجمة (1) ثم يكرر هذا المقطع بعد أربع وثلاثين بيتاً، فجعل عنوان القصيدة في تكرار لازمته وجسّد خلالها لحظة التجلي الشاعرية الماضية التي عاشها ضاحكاً حالماً، لحظة الحب للذات والآخر التي كانت (كبسمة القلب الثمل) فكان الحب ملاذه من الاغتراب والغربة التي عاشها فهو يطهر النفوس ويخلص الإنسان من شقائه ومحنته الكونية وهذا هو شأن الرومانسيين الذين يمجدون الحب ويعدونه أساساً من الأسس التي يجب أن يقوم عليها المجتمع إضافة إلى التقدم العلمي والمساواة والإخاء (2) ولذلك فإنه قد جسّد في هذه اللازمة التي تمثل انطلاقته وتحرره من عالم الأمس فرحة ونشوته في الحب الذي رآه في الطبيعة والمرأة (حيث العذارى الخالدات يمسن ما بين النجوم) ولكنه يلح على ثنائية الأمس واليوم أو الماضي والحاضر في ثنايا النص ليبقى النص مشدوداً يتحرك في إطار هذا الزمن المحدود الذي أراد من خلالها أن يصور حياته وما آلت إليه فنراه يكرر ويقول بين حين وآخر: قد كان ذلك كله بالأمس بالأمس البعيد والأمس قد جرفته مقهوراً يد الموت العتيد قد كان ذلك تحت ظل الأمس والماضي الجميل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 459 قد كان ذلك في شعاع البدر من قبل الأفول واليوم إذ زالت ظلال الأمس عن زهري البديع (1) . ثم يستمر في تجسيد ذاته في كل حرف وكلمة إلى أن بدأ الماضي يتلاشى (فذبلت مراشفه فأصبح ذاوياً نضو الكلوم وهوى لأن الليل اسمعه أناشيد الوجوم) فيعود مرة أخرى إلى اللازمة ويكررها كما هي بعد أن بان ليله، لأن الليل عند الرومانسيين يوحي بالانطلاق والتحرر فهو مليء بالأسرار وهو معبر إلى اللا نهاية المظلمة مثل مستقبل الشاعر المظلم لذلك فإن المعاني الشعرية التي طرحها بعد اللازمة الثانية جاءت تجسّد لحظة المستقبل وما آلت إليه حالة من جفاف الدموع، والغيوم الحزينة التي تغطي سماءه، حيث المرارة والآسى والكآبة، كما أنه عمل على اختيار صيغ نحوية تدور في فلك المستقبل فجاءت الأفعال مضارعة (تهتز، فتسير، يسيل، ينحن، يهرقن، فتدفقت) رابطاً ذلك بعالم الطبيعة الذي كان يمثل عنده مصدراً للحقائق الوجودية والإنسانية. لقد حاول الشاعر أن يجعل من تكرار اللازمة نمطاً أسلوبياً ثابتاً مع اختلاف في بنائها اللغوي، فيجعلها أول القصيدة التي تشكل فاتحة لصرخته وآهاته ثم يكررها داخل النص مرتين أو ثلاثة بشيء من التساوي تقريباً في إعداد الأبيات بين كل لازمة إلا أنه يجسّد في كل بيت يأتي بعد اللازمة معاني وصور هذه اللازمة ليشكل منها بؤرة مركزية ويجعلها مصدراً لتوتره بل إنه أحياناً يجعل من عنوان بعض القصائد – كما ذكرنا سابقاً – مادة لتكرار اللازمة كما هو الحال في قصيدته (ياموت) فجاءت اللازمة في هذه القصيدة ضمن هذا التوجيه الأسلوبي يقول: يا موت! قد مزقت صدري وقصمت بالأرزاء ظهري الجزء: 7 ¦ الصفحة: 460 فجسّد معاناته وعذاباته من هذا الموت الذي لا تفارقه صورته وهو لحظة الإحساس بالنهاية، فسيطر هذا الشعور على كل الأبيات التي وقعت بعد هذه اللازمة وحتى يؤكد ذلك فقد اتخذ من حرف الواو رابطاً بين اطراف هذه اللازمة ليعدد مآسي الموت ومصائبه وصوره البشعة التي تصيب البشرية (ورميتني، وقسوت، وفجعتني، ورزأتني، وهدمت، وفقدت) مع التأكيد على الفعل (فقد) الذي قضّ مضاجعه لفقده والده. ويبقى الموت في ذاكرة الشاعر هاجساً مؤلماً ومصيراً محتوماً، لكنه يدخله في دائرة السؤال والاستفهام الإنكاري الذي يقترب من حد الفلسفة، فالحياة ليس فيها إلا ألوان من العذاب خاتمته الموت يقول: يا موت قد مزقت صدري وقصمت بالأرزاء ظهري يا موت ماذا تبتغي مني وقد مزّقت صدري (1) وتبدأ دائرة السؤال الفلسفي ليشرّح الموت ويكشف عن أسراره الخفية (بماذا تود) وبذلك يكشف عن حيرة الشاعر وقلقه من هذا المصير وخوفه من المجهول الذي ينتظره، ولكنه يستسلم لتداعيات الموت وعذاباته اليائسة ب (خذني) ليتخلص من شروره وشرور الإنسانية عامة. فقد أصبح ينتظر دوره في الفناء، ولذلك يجسد في اللازمة الثالثة قمة الاستسلام واليأس التي غطت معظم وجوه حياته، فيقرع الموت ويطلبه فيقول: يا موت قد مزقت صدري يا موت قد شاع الفؤاد وغدوت أمشي مطرقاً يا موت! نفسي ملّت الدنيا وقصمت بالأرزاء ظهري وأقفرت عرصات صدري من طول ما أثقلت فكري فهل لم يأت دوري فجسّد في هذه اللازمة مشاعر الأسى والحزن واليأس وفقدان الأمل الذي يعتور حياته، ولذلك نراه يتعامل مع الموت كأنه شخص يناديه ويتمنى مجيئه لأن أجله كما يعتقد أصبح قريباً. من هنا يمكن القول أن الشابي يتخذ من هذه اللازمة وسيلة لإعادة ما في ذهنه وجوهر حياته يسقط عليها أو من خلالها همومه وآلامه وثورته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 461 وتتجلى الرتابة في تكرار اللازمة عند الشابي في قصيدته (الصباح الجديد) فيوسّع من حدودها الزمانية والمكانية فتقع في ثلاثة أبيات، ثم تتكرر بشكل منتظم دقيق بعد كل ثمانية أبيات، وكأنه بذلك يبحث عن صباح جديد منظم صباح يخلو من الألم والحزن يقول: اسكني يا جراح مات عهد النواح وأطلّ الصباح واسكتي يا شجون وزمان الجنون من وراء القرون (1) فتمثل هذه اللازمة لحظة الانطلاقة الفعلية والتحرر المطلق من تبعات الماضي وجراحه، للسعي نحو مجتمع مثالي يجد فيه ذاته وحلمه، بصبر وحزم وقد جسّد ذلك في أفعال الأمر (اسكني) الذي يوحي بالشدة والحزم فقد مات عهد النواح وأطل الصباح من وراء القرون، فيطمئن نفسه وأساريره بهذا الحلم الجميل الذي يراوده، لذلك نرى حتمية هذا السكوت والسكون ومستوياته قد تمثلت في الأبيات التي جاءت بعد هذه اللازمة الأولى فهو قد دفن الألم، وأذاب الأسى، ساعياً نحو صباح جديد وفجر جديد يعطيه الحياة والأمل، لأن هذا السعي المستمر الدؤوب جعله مشدوداً لا يتحرك إلا في دائرة الفعل (اسكتي) وكذلك عمل على ربطه بقافية رباعية تنتهي بالنون (الزمان، الحنان) : اتغنى عليه برحاب الزمان والهوى والشباب والمنى والحنان كما سعى إلى ربط الرباعيتين الثالثة والرابعة باللازمة الأساسية ثم عمل على ربطهما بقافية موحدة هي العين (الشموع، وربيع) يقول: اسكني يا جراح مات عهد النواح وأطلّ الصباح واسكتي يا شجون وزمان الجنون من وراء القرون (2) ثم يربط بين هذه الرباعية والرباعيتين التي جاءت بعدها بحرف العين فكانت الأولى: وحرقت البخور وأضأت الشموع ثم: سوف يأتي ربيع إن تقضى ربيع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 462 ولازال الأمل قوياً لدى الشاعر فهو مصمم على البحث والسعي لإيجاد مجتمع مثالي مميز فإن ذهب ربيع سوف يأتي ربيع. كما عمل على الربط بين اللازمة الثالثة والرباعيتين اللتين جاءت بعدها بحرف العين أيضاً بكلمتي (البقاع – الوداع) ليستمر تجسيد الوعي بهذا الإحساس القوي وليؤكد على تصميمه وعزمه على توديع الأشجان والهموم وذلك عبر سكون الجراح وسكوت الشجون فيقول: اسكني يا جراح مات عهد النواح وأطلّ الصباح واسكتي يا شجون وزمان الجنون من وراء القرون ثم يربط بين الرباعيتين بعد هذه اللازمة بوحدة شعورية منسقة ومتناسقة مع معاني اللازمة فربط بينهما بحرف العين: لم يعد لي بقاء فوق هذي البقاع ثم في الرباعية الثانية: ونشرت القلاع فالوداع الوداع وهذا التوحد بين هذه الرباعيات يشبع نفسه ويرضي إحساسه ويوحي بقوة تلك الأحاسيس التي يتابع موجها في روحه المعذبة المترددة بين الشك واليقين وبين الحياة والموت (1) . تكرار البداية: ويشكل هذا النوع من التكرار مساحة أكبر مما شكلته أنواع التكرار الأخرى، ويبدو أن ذلك يعود إلى نفسية الشابي المضطربة المتوترة التي تعتقد أن تكرار البداية، هي البداية القوية المكثفة للانطلاق والتحرر والقوة والتمرد وهي صرخته القوية أمام الجهل والتخلف والفساد، وبذلك تكون أكثر فاعلية خصوصاً إذا عرفنا أن تكرار البداية قد تكثفت عند الشاعر بشكل رأسي يعمق صرخاته وآهاته ويرددها ليسمع الآخرون صداها وأوجاعها عبر إيقاعات موسيقية متوالية وبناءات لغوية مختلفة تراوحت بين الكلمة والعبارة التي يحتويها صدر البيت الشعري لا تتجاوزه فهي غير ممتدة عبر النص الشعري حتى لا تستنفد طاقاته الشعرية وآهاته النفسية، فكلما امتدت داخل السطر الشعري كلما فقدت من بهرجها وفاعليتها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 463 لجأ الشابي إلى أنماط أسلوبية متنوعة وأنماط لغوية متعددة، جسّد في كل نمط نوعاً خاصاً من المعاناة وشرح من خلالها ما يدور في نفسه من حيرة وقلق واضطراب فكانت بمثابة وسائل لاستيعاب وتخفيف هذه الهموم، لذلك نراه ركز على أسلوبي النداء والاستفهام كما ركز على الجملة بأشكالها المختلفة. فشكل من أسلوب النداء جملة مركزية ثابتة ينطلق ليكشف عما في أعماقه من خلال حرف النداء (يا) الذي تكرر في قصائده الأشواق التائه (1) ومناجاة عصفور (2) والنبي المجهول (3) ونشيد الأسى (4) يقول من قصيدته (ياشعر) : يا شعر أنت فن الشعور وصرخة الروح الكئيب يا شعر أنت صدى نحيب القلب والصب الغريب يا شعر أنت مدامع علقت بأهداب الحياة يا شعر أنت دم تفجر من كلوم الكائنات يا شعر قلبي – مثلما تدري – شقي مظلم فيه الجراح البخل يقطر من مغاورها الدم (5) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 464 فكرر أسلوب النداء (يا شعر) واتخذه بداية وفاتحة لانطلاقته ليجعل مع كل بداية صورة مستقلة تكشف عن هم الشاعر نحو مفهوم الشعر وأبعاده وما أصابه من غربة في عالم لا يفهم معناه، فيعزز من قيمته ويعلي من شأنه، فلم يبق له سوى الشعر يبوح له بأسراره وهمومه وآلامه، فيسكن وجدانه، لذلك فقد جسّد كل هذا في تتابع الصفات التي وقعت بعد اسلوب النداء (فم الشعور وصرخة الروح، صدى نحيب القلب، مدامع، دم تفجر … ) . ولإدراكه بأن هذا الشعر يعاني كما يعاني فهو كمعادل موضوعي للشاعر. ثم نراه يعود إلى هذه البداية الأسلوبية مرة أخرى فيكرر هذه البداية سبع مرات متوالية، ليعلن صرخته ودعوته الأكيدة لإنقاذ الشعر الذي أصابه ما أصاب الشاعر من غربة فكرية وروحية فيحاول أن يعطيه بعداً ومفهوماً أوسع وأشمل فيجعله وسيلة محاكاة للنفس البشرية ووسيلة للتعبير عن خيال الشاعر فلم تعد رسالة الشاعر ألفاظاً منمقة وعبارات مرصعة وكلام مرصوص (1) وكأنه بذلك يثور ويتهكم على القصيدة العربية الكلاسيكية، لذلك نراه يلح على اتخاذ هذا الأسلوب دون غيره لأنه – كما يعتقد – الأقدر على إثراء تجربته ومنحها أبعاداً تستطيع أن تخلق جواً من التفاعل بين المبدع والمتلقي مما أدى ببعض الباحثين إلى تعريف الأسلوب على أنه اختيار يقوم به المنشئى لسمات لغوية معينة بغرض التعبير عن موقف معين ويدل هذا الاختيار أو الانتقاء على إيثار المنشء لسمات لغويةعلى سمات أخرى بديلة (2) ، إضافة إلى ذلك يمكن أن يفسر هذا التكرار في أسلوب النداء عند الشاعر بتداعي المعاني للصور المرئية في ذهن الشاعر (3) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 465 إن لجؤ الشاعر إلى هذه السمة اللغوية أو إلى هذا الأسلوب يجعلنا نتساءل عن سبب ذلك الاختبار الأسلوبي، ولكن إذا أنعمنا النظر في القصائد التي وقعت ضمن دائرة تكرار البداية سواء أكانت بأسلوب النداء أو الاستفهام أو غير ذلك وجدنا الشاعر يجسّد عبر هذه الشرائح حالاته النفسية ومشاعره الخاصة وهمومه وآلامه التي يعانيها فهي تتوزع ضمن محور الغربة والاغتراب الفكري والروحي التي تمثلت في قصيدته التي أشرنا إليها سابقاً (يا شعر) أو ضمن آلامه الخاصة وأوجاعه الذاتية سواء أكانت جسدية أو نفسية، وتتمثل في بعض قصائده التي بدأت بأسلوب نداء أو استفهام أما المحور الثالث فهو الصدمة الاجتماعية التي واجهته في أبناء شعبه لما فيهم من جهل وتخلف وفساد فيجعل من نفسه مصلحاً مثالياً في تأسيس مجتمع تسوده المحبة والأمان والعدل والمساواة. لذلك نراه مثلاً عندما يود الحديث عن معاناته الذاتية جسدية أو غير جسدية يجسّد ذلك عبر أسلوب النداء والاستفهام ليعلن الرفض والخضوع والاستسلام لهذا الداء أو الوجع، فهو دائم البحث عن مخرج من هذا المأزق يقول: يا قلب كم فيك من دنيا محجبة يا قلب كم فيك من كون قد اتقدت يا قلب كم فيك من أفق تنمقه يا قلب كم فيك من قبر قد انطفأت يا قلب كم فيك من غاب ومن جبل يا قلب كم فيك من كهف قد انبجست كأنها حين يبدو فجرها إرم فيه الشموس وعاشت فوقه الأمم كواكب تتجلى ثم تنعدم فيه الحياة وضجت تحته الرحم تدوي به الريح أو تسمو به القمم منه الجداول تجري ما لها لجم (1) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 466 فكرر (يا قلب كم فيك) في بداية كل سطر شعري وألح على هذا النمط الأسلوبي بشكل رأسي متعاقب ليؤكد على أهمية القلب الذي يشكل مصدراً لوجعه وآلامه، فهو مصدر حياة الإنسان وسر شقائه وسعادته ومستودع الأسرار أو كما يقول عنه الشاعر كون مدهش عجيب، ويجعل كل بداية مرتبطة بصورة من الطبيعة لتسري عنه الهموم فهي مصدر حلمه وأنيسه الذي يشعر معه، ويجعلها على نقيض وصراع مع الحياة التي يفرَّ منها فحرمته ملذاتها وزينتها وجعلته غريباً يشقى بغربته ففر منها إلى عالمه الخاص وهاجمها عبر شريحة أسلوب النداء كما هاجم أناسها الذين لم يفهموه ولم يشاركوه حزنه يقول: يا صميم الحياة كم أنا في الدنيا بين قوم لا يفهمون أناشيد فؤادي في وجود مكبل بقيود غريب أشقى بغربة نفسي ولا معاني بؤسي تائه في ظلام شك ونحس (1) فجعل من تكرار (يا صميم الحياة) نقطة مركزية يعود إليها كل حين ليبدأ موقفاً جديداً يعكس بعضاً من ملامحه النفسية ورؤيته التي يسعى جاهداً للتأكيد عليها. كما استطاع أن يحدث نغمة موسيقية عبر أسلوب النداء الذي يعبر عن صرخات الشاعر وآهاته وعذاباته. أما تكرار البداية الذي وقع في أسلوب الاستفهام فلا يكاد يختلف أو يخرج من حيث الدلالة عما لاحظناه في تكرار النداء، إلا إن اختلاف الصيغ والسمات اللغوية قد يكشف عن أوجاع أخرى لدى الشاعر سواء أكانت ذاتية أم فكرية أم اجتماعية، وإن كان الشابي في معظم صور التكرار يحاول أن يؤكد على رومانسيته في هروبه من الواقع وذم الحياة والهروب من المدينة واللجؤ إلى الطبيعة أو لنقل عشق الطبيعة. وما أسلوب الاستفهام إلا حلقة متصلة من حلقات التصوير النفسي والحيرة والقلق الذي يسكن نفس الشاعر أو أنه يسعى من خلال هذا الأسلوب إلى أن يكون له تميز خاص واستقلالية ذاتية في بحثه عن المفقود وحضور فاعل في الوجود عبر ثنائية الحضور والغياب يقول: ما للحياة نقية حولي ما للصباح يعود للدنيا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 467 ما لي يضيق بي الوجود ما لي وجمت وكل ما لي شقيت وكل وينبوعي مشوب؟ وصبحي لا يؤوب وكل ما حولي رحيب ما في الغاب مغترد طروب ما في الكون آخاذ عجيب (1) فشكل من هذا التكرار رابطاً بحرف الاستفهام (ما) لتكون نسقاً بنائياً قوياً مؤثراً، وبذلك يمنح التكرار قوة فاعلة في إيجاد وحدة شعورية متلاحقة كما أنه يعكس رؤية الشاعر وهدفه الذي يسعى إلى تحقيقه، وهو الخروج من هذه الحياة الصاخبة إلى حياة دافئة وما هذه التساؤلات إلا انعكاس لما يدور في ذهن الشاعر من أمور تتعلق بذاتيته وتكوينه النفسي الذي تبدو عليه ملامح التشاؤم والسوداوية من خلال أسلوب التضاد الذي يجمع بين الحاضر والغائب، فالحاضر هو الواقع السيء لحال الشاعر والمتفرد في حزنه والغائب هو الغد المنتظر والفضاء الرحب الذي يسعى إليه (وهكذا يستخدم الشابي التضاد أداة جمالية، يصور بها مواقف متعددة وصفات متعارضة … ويكشف بها عن الأمل ويستشرف من خلالها آفاقاً جديدة وأداة للمفاضلة بينه وبين الآخرين) (2) . كما لجأ إلى أدوات استفهامية أخرى (ماذا، أين) لتكشف هي الأخرى عن حيرة الشاعر وقلقه على هذا الوجود أو المصير أو رغبته في البحث عن عالم آخر غير المدينة أو شعب آخر غير هذا الشعب على عادة الرومانسيين، فالمدينة رمز الشرور وبؤرة للمفاسد، والطبيعة رمز الصفاء والطهارة والعفة، يجد فيها ذاته وتسمو فيها روحه على كل القيم يقول: ماذا أود من المدينة وهي غارقة ماذا أود من المدينة وهي لا ماذا أود من المدينة وهي لا ماذا أود من المدينة وهي مرتاد بموّار الدم المهدور ترثى لصوت تفجع الموتور تعنو لغير الظالم الشرير لكل دعارة وفجور (3) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 468 فاستخدم أسلوب تكرار البداية عبر نمط أسلوبي متلاحق (ماذا أود من المدينة وهي لا) لينفي عن المدينة صفات الخير والمحبة بشكل متواصل عميق لا يجعل للقاريء أدنى شك للتصديق فيما يسعى إليه، لأن كل صيغة من هذه الصيغ تحمل في ثناياها الرفض والتمرد على هذا الواقع، فجردها من كل الصفات الطيبة ليجعل المتلقي يعيش معه ثورته وتمرده فيشاركه هذه الروح التي تمثلت في ذات الشاعر صاحب الرسالة الذي يسعى بمفهوم شامل للإصلاح والتغيير برغبة جامحة قوية (أودَّ) وقد ألح عليها في كل بداية ليعمق من دلالتها. ويكشف تكرار البداية عن نزعة التحسر والأسى والاشفاق الكامنة في نفس الشاعر من خلال أداة الاستفهام (أين) على أبناء عصره الذين يعانون الجهل والفساد وهم أصحاب رسالة لهم ماض مجيد وقد تحقق له ذلك بتكرار هذه الأداة في صدر الأبيات وعجزها بما يمكن أن يسمى رد العجز على الصدر ثم ربطها بصفات مفقودة عند أبناء شعبه (الطموح، الأحلام، الحساس، الخافق … ) . أين يا شعب قلبك الخافق الحساس؟ أين يا شعب روحك الشاعر الفنان؟ أين يا شعب فنك الساحر الخلاق؟ أين عزم الحياة لا شيء إلا أين الطموح والأحلام؟ أين الخيال والإلهام؟ أين الرسوم والأنغام؟ الموت والصمت والأسى والظلام (1) فتكشف هذه التساؤلات عن التوتر الانفعالي بشكل مكثف متعاقب، كما تكشف عن طبيعة البنية المكوّنة لهذا التساؤل، وكأن الشاعر يصور ما في ذهنه من أمور تتعلق بمصير هذا الشعب وخوفه على مستقبله لهذا جاءت البنية متعمقة في نمط رأسي وأفقي ممتد داخل القصيدة إلا في البيت الأخير جاءت رأسية لأنه أراد أن يعكس واقع الشعب الذي وصفه بالموت والصمت والأسى والظلام وكأنه يأسى من توالي النداءات والتساؤلات التي لم تلق صدى في تونس الثورة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 469 أما تكرار البداية الذي وقع في بناء الجملة على اختلاف أنواعها، فكانت أكثر حضوراً في ذهن الشاعر، وأكثر قدرة على استيعاب ما في ذهنه وأكثره قدرة على عرض حاله ونفسيته، فجاءت بدايات الأفعال متحركة ثائرة تصور ما آلت إليه حالة من غربة روحية واغتراب فكري ونفسي بينما الجملة الاسمية تميزت بالسكون والهدوء والثبات ولهذا نراه قد أكثر من هذا النمط الأسلوبي من خلال الضمير أنت فكرره كثيراً في بداياته. ففي تكرار بداية الفعل يركز على الفعل الماضي الذي يعكس ما أصابه في حياته يقول: شردت عن وطني السماوي الذي شردت عن وطني الجميل أنا الشقي في غربة روحية ملعونة شردت للدنيا وكل تائه ما كان يوماً واجماً مغموماً فعشت مشطور الفؤاد متيما أشواقها تفضي عطاشا هيما فيها يروع راحلاً ومقيما (1) فيجسد عبر الأفعال (شردت) معاناته التي وقعت له قهراً عنه بفعل قوى خارجية فرضت عليه فتقبلها وحاول الخروج عليها، وهذا الفعل يحمل في ثناياه الحزن والتعذيب والأسى الذي كرره بشكل متعاقب متوالٍ وكان تشريده عن وطنه وعن الدنيا بكل ما فيها، ولذلك وصفها بأنها (غربة روحية ملعونة) فخلق مع كل فعل صورة من صور العذاب والتشريد. أما الجملة الاسمية التي شكل منها تكرارات بداية متنوعة تميزت بالسكون والانعتاق من الماضي، عبر الضمير (أنت) الذي كرره في معظم بداياته والضمير (نحن) وشكل منهما أبنية متناسقة قوية، تعكس رغبة الشاعر وحبه لهذه الأشياء وتعلقه بها مثل (شعر، القلب، الحب) تلك التي تمنحه الهدوء وتشعره بوجوده وإنسانيته لكنه عندما كان يتحدث عن (الشعر والحب) يصفهما بأنهما قطعة من فؤاده، وقصة حياته، ومعبده ومحرابه وأحلامه بينما كان يصور لحظة العذاب والألم من خلال حديثه عن القلب، فالقلب (حقل مجدب وليل معتم) ولذلك كان يكرر الضمير أنت بشكل متتابع يجعل المرء يحس بغنائية متسارعة متعمقة في الذات يقول من قصيدته (قلت للشعر) : الجزء: 7 ¦ الصفحة: 470 أنت يا شعر فلذة من فؤادي أنت يا شعر قصة عن حياتي تتغنى وقطعة من وجودي أنت يا شعر صورة من وجودي (1) فيكرر هذه البداية أربع مرات متوالية يجسّد من خلالها حبه للشعر فهو الأنيس وليس له في الوجود إلا هذا الصديق الذي يستوعب زفراته وآهاته، كما جاء تجسيده عبر إيقاع العلامات المتراتب في تنوين الضم (قصة، فلذة، قطعة) . وتبدو هذه النزعة العلاماتية المتراتبة أكثر وضوحاً من خلال تكرار الضمير وإيقاع العلامات في قصيدته (إلى قلبي التائه) فجعل عنوان القصيدة هو موضوعها بإلحاح شديد على هذا الضمير مما يجعل القاريء لا يفلت من هذا الاسار القسري لسلطة النص يقول: أنت ليل معتم تندب فيه الباكيات أنت كهف مظلم تأوي إليه البائسات أنت صرح شاده الحب على نهر الحياة (2) فكرر الضمير (أنت) عشر مرات متعاقبة وبذلك يعطيه قوة وفاعلية استمدها من الصفات المتعاقبة – أيضاً – تعاقباً مستمراً متصلاً عبر تنوين الضم المتلاحق، فجعل من الضمير ولازمته مرتكزاً يبنى عليه في كل مرة معنى جديداً وصفة جديدة، وبهذا يصبح التكرار وسيلة إلى إثراء الموقف وشحذ الشعور إلى حد الامتلاء (3) . ويحاول الشاعر أن يجعل من تكرار البداية بالضمير (أنت) قوة فاعلة وسلطة قوية في نفس المتلقي للتأثير عليه وجعله يعيش جو النص ليؤكد على قيمة الحب بكل أنواعه لأنه يطهر النفوس، وقد تجسد الحب في محبوبته وتقديسها والاشادة بها والخضوع لسلطانها وقد جاء ذلك عبر تكراره للضمير أنت بشكل أفقي ورأسي للتأكيد على قيمة هذا المفهوم وإعلاء شأنه يقول: أنت أنت الحياة في قدسها السامي أنت أنت الحياة في رقة الفجر أنت أنت كل أوان أنت أنت الحياة فيك وفي عينيك وفي سحرها الشجي الفريد وفي رونق الربيع الوليد في رداء من الشباب جديد آيات سحرها المحدود (4) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 471 فعمق من هذا التكرار بالتأكيد على الضمير أنت بتكراره مرة أخرى ملازمة للأولى بنغمة موسيقية هادئة تخلو من العنف والقسوة الذي يتمثل في التنوين لذلك جاءت النغمة العلاماتية بعد الضمير هادئة تكشف عن تماسك وتلاحم أوصال الشاعر عند حديثه عن محبوبته التي نعتها بنعوت متعددة حتى جعلها كل ما في الوجود، لا سبيل إلى سعادته إلا بتواصلها معه، وقد التفت القدماء إلى ظاهرة تكرار صدور الأبيات فتحدثوا عن فائدته وجعله مختلفاً بما يقرره (1) ومنهم من علل هذا التكرار بأنه (لما كانت الحاجة إلى تكرارها ماسة والضرورة إليها داعية لعظم الخطب وشدة موقع الفجيعة. فهذا يدلك على أن الإطناب عندهم مستحن كما أن الإيجاز في مكانه مستحب" (2) . إن يأس الشاعر من الواقع بكل صوره جعله يعطي الضمير (أنت) روح الثورة والتمرد على الذات والغير، فيكرره في قصيدته عتاب (إلى الله) التي تكشف عن حسرته وحزنه لما آلت إليه حاله من أزمات نفسية تأثره، يعصف فيها الألم والقنوط بكل حقائق الحياة وتتزعزع معها كل قواعد الإيمان، فيصبح غريباً في هذه الدنيا وتصبح الحياة لديه صورة من اللهو والعبث يقول: يا إله الوجود هذي جراح أنت أنزلتني إلىظلمة الأرض أنت أوصلتني إلى سبل الدنيا في فؤادي تشكو إليك الدواهي وقد كنت في صباح زاه وهذي كثيرة الاشتباه (3) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 472 ثم يواصل تكرار أنت بشكل رأسي معمق، يحفر بشدة ليكشف عن يأس الشاعر وقنوطه (أنت أوقفتني على لجة الحزن، أنت أنشأتني غريباً بنفسي، أنت كرهتني الحياة، أنت جبّلت بين جنبي قلباً، أنت عذبتني بدقة حسي … فكرر الضمير (أنت) بقوة حيث جعله النقطة المركزية التي تدور حولها الأبيات الأخرى وحتى يعطيه أكثر قوة وسلطة تكشف عن تحديه وتمرده فقد ربط هذا الضمير بأفعال تنبيء عن حس الشاعر الحزين وثورة انفعالاته وتمرده على الوجود (أنزلتني، أوصلتني، عذبتني، كرّهتني) فهي افعال تدور في دائرة القسرية والإلزام الذي ظهر عبر حركة التضعيف الظاهرة عليها، وكأن الضمير (أنت) حال فيها متوحد معها متكرر مرة أخرى، فيخلق بذلك تراكيب وأبنية إيقاعية ذات صدى وفعالية فتصبح الجملة ذات بعد أوسع وأقدر على استيعاب هذه الثورة وهذه النفس الثائرة فبدأت من (أنزلتني لحظة الولادة) إلى لحظة التكوين والتشكيل للذات عبر السياقات اللغوية الأخرى التي تتوحد في تراتب علاماتي وصوتي فعّال، وانطلاقاً من هذا الفهم فإن عملية الالتفات إلى الجانب النفسي في أسلوب التكرار عملية مهمة، فلو اختلف الموقف الشعري لاختلف الأسلوب "فالشاعر قد يستعمل كل حيل اللغة من البساطة الكاملة إلى البلاغة المعقدة فيذكي حرارة العاطفة من خلال الإيجاز آناً ومن خلال الإطناب آناً آخر وطوراً عن طريق التفضيلات وطوراً عن طريق التكرار (1) . أما الضمير (نحن) الذي شكل منه تكرار بداية في قصيدته (ألحاني السكرى) يقول: نحن نحيا كالطير في الأفق الساجي نحن نلهو تحت الظلال كطفلين وكالنحل فوق غصن الدهور سعيدين في غرور الطفولة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 473 ثم يكرر هذا الضمير ثماني مرات في قوالب لغوية مختلفة (نحن نغدو بين المروج ونمشي، نحن مثل الربيع نمشي، نحن نحيا في جنة من جنات السحر، نحن في عشنا المورد نتلو … ) (1) . فيكشف تكرار ضمير (نحن) عن أهمية الذات الشاعر وتفخيمها، مما جعل الشاعر يكرر هذا الضمير. فقد بدأ كل بيت بالضمير (نحن) وهذه البدايات المتساوية تبعها فعل مختلف عن الآخر (نحيا، نلهو، نغدو، نمشي … ) وبذلك يعكس كل بيت جانباً من إحساس الشاعر بالذات وتميزها التي تسعى للعيش الهاديء في اللحظة الحاضرة، فجسّد هذا الإحساس بمنظومة الأفعال التي جاءت تكشف عن لحظة الزمن الراهنة من خلال حرف النون الذي يعد جزءاً من الضمير (نحن) وكأنه بذلك يجعل السامع أو القاريء واقعاً تحت سلطان التنبؤ والتوقع لما يحدث لأن الشاعر قد أورد من خلال الضمير تصوراً جديداً في إطار الجو العام الذي يتحدث عنه وهو حب الذات. أما تكرار البداية الذي وقع في شبه الجملة فقد عكس رؤية الشاعر الذي جاء من خلال البناء الأسلوبي الذي خلق تلاحماً بين الأبيات، هذا التلاحم يعكس نفسية الشاعر ويصورها في ذهنه حيث يسعى إلى التوحد والتماهي مع الآخر، ليتخلص من الهموم والأوجاع، وملاذه في ذلك الشعر أو الموت أو الأم التي جعل منها عنواناً لبعض قصائده (قلت للشعر) و (إلى الموت) ، (قلب الأم) يقول من قصيدته قلت للشعر: فيك ما في جوانحي من حنين فيك ما في خواطري من بكاء فيك ما في مشاعري من وجوم فيك ما في عوالمي من ظلام فيك ما في عوالمي من نجوم فيك ما في عوالمي من ضباب فيك ما في طفولتي من سلام فيك ما في شيبتي من حنين فيك – إن عانق الربيع فؤادي أبدي إلى صميم الوجود فيك ما في عواطفي من نشيد لا يغنّي ومن سرور عهيد سرمدي ومن صباح وليد ضاحكات خلف الغمام الشرود وسراب ويقظة وهجود وابتسام وغبطة وسعود وشجون وبهجة وجمود تتثنى سنابلي وورودي (2) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 474 فكرر (فيك ما في … ) هذا التكرار الذي عمق إحساس الشاعر بأهمية الشعر ودوره في الحياة العامة، ولهذا فقد جاء التكرار بشكل رأسي متوال ليحدث نغمة إيقاعية وموسيقية في كل بيت، ومثل هذا التكرار المتساوي في نسقه يجعل الأبيات تكون وحدة بنائية متكاملة تشكلت من تكرار البداية المتساوي المتوحد إضافة إلى إيقاعية حرف الجر (من) في كل بيت شعري وما أعقبه بتراتب علاماتي يقوم على تنوين الكسر (من بكاء، من وجوم، من ظلام … ) هذا الإيقاع التراتيبي الشديد الذي يعكس حرص الشاعر على استحضار كل ما في ذهنه من الصور والمعاني التي تساعده على التماهي أو التوحد مع الشعر، فجعل لتنوين الكسر صدى في عجز الأبيات (ومن صباح، ضاحكات، وسراب … ) ليحصل على دوائر إيقاعية متكاملة قوية ظهرت واضحة في الأبيات إلا في البيت الأخير الذي بدأ بحرف الجر (فيك) ليشكل خاتمة ونهاية لإيقاعاته الموسيقية كي يبدأ من جديد في القصيدة ففيها بداية أخرى بنسق متشابه متماثل في خمسة أبيات يقول: فيك ما في الوجود من خلل داج فيك ما في الوجود من نغم وما فيه من ضياء بعيد حلو وما فيه من ضجيج شديد فكرر البداية القوية (فيك ما في الوجود) مع حرف الجر (من) معتمداً على إيقاع علاماتي شديد (تنوين الكسر) . كما اعتمد على حرف الجر (في) على استكناه دواخله عبر إيقاع علاماتي خفيف سهل يتناسب والموضوع الشعري الذي تحدث عنه وهو (القلب) بشكل عام وقلب الأم بشكل خاص فهو رمز الحنان والعطف والتوحد، هذا هو مصدر أوجاعه وآلامه وأوجاع الأمة كلها لأن صلاح الجسم مرهون بصلاح القلب، لذلك نراه لم يدع صورة من عالم الطبيعة إلا قد وظفها في نصه الشعري وجسّد فيها الإحساس المرهف الرقيق الذي ينطوي تحت الضلوع بنغمة حزينة يقول من قصيدته قلب الأم: في رنة المزمار في لغو الطيور الشادية في ضجة البحر المجلجل في هدير العاصفة في نغية الحمل الوديع وفي أناشيد الرعاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 475 في آهة الشاكي وضوضاء الجموع الصاخبة ويكرر حرف الجر (في) ست وعشرين مرة إلى أن يقول: في ظلمة الليل الحزين وفي الكهوف العارية أعرفت هذا القلب في ظلماء هاتيك اللحود هو قلب أمك أمك السكرى بأحزان الوجود هو ذلك القلب الذي سيعيش كالشادي الضرير يشدو بشكوى حزنه الداجي إلى النفس الأخير (1) . فجسّد أوجاعه وآلامه عبر قلب الأم الصادق ليدلك هو أيضاً على صدق حزنه فيحدث تأثيراً في المتلقي، هذا التأثير يمتد ويسير عبر حركة الكسر التي تظهر في معظم الكلمات منذ البداية إلى النهاية (في ظلمة … وفي الكهوف العارية..) فجعل منها إيقاعات موسيقية متناسقة ذات نغمة حزينة تنسحب داخل الأبيات بشكل متعاقب ومتلاحق ومكثف ليعبر عن تصميمه وتأكيده على استنفاد كل طاقاته كي يكون فاعلاً وحاضراً في كل الميادين حتى النفس الأخير من حياته فيقدم ويعطي من خلال حرف الجر (في) الذي يشير إلى التضحية والعطاء تجاه خصوصية معينة فتتماهى عندئذ ذاته مع الآخر وتشكل منهما قوة خلاقة ذات طاقة مميزة، كقوة القلب المتدفق كما جعل من هذا الحرف بؤرة مركزية تنطلق منها الأبيات وبذلك فإن ما يثيره التكرار من احساس في نفس السامع هو تجسيد لقيمته ووظيفته. ومن أمثلة تكرار البداية تكرار (إلى) بشكل متعاقب ورأسي متوال يخلق وحدة بنائية تعكس تصور الشاعر للوجود الذي يسعى للخلاص منه بطلب الموت بإلحاح شديد، لذلك يصور الموت بصور جميلة (روح جميل) كما يجعل منه بداية ثابتة قوية يتردد صداها في كل سطر شعري واحد، بل قد جعل الموت عنواناً للقصيدة يقول: إلى الموت أن شئت هون الحياة إلى الموت يابن الحياة التعيس إلى الموت إن عذبتك الدهور إلى الموت فالموت روح جميل إلى الموت فالموت جام روي إلى الموت فالموت مهد وثير إلى الموت إن حاصرتك الخطوب إلى الموت لا تخش أعماقه هو الموت طيف الخلود الجميل فخلف ظلام الردى ما تريد ففي الموت صوت الحياة الرخيم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 476 ففي الموت قلب الدهور الرحيم يرفرف فوق تلك الغيوم لمن أظمأته سموم الغلاة تنام بأحضانه الكائنات وسدت عليك سبيل السلام ففيها ضياء السماء الوديع ونصف الحياة الذي لا ينوح (1) فجسّد عذاباته وسآمته من الحية عبر علاقات لغوية ممتدة تبدأ بحرف الجر (إلى) الذي يفيد الانتهاء الزماني والمكاني، فليس هناك بديل ناجح يخلصه من عبث الحياة إلا الموت. ولذلك يحبب الموت إلى نفسه كما يحببه إلى المتلقي عبر علاقات لغوية، فالموت روح جميل، والموت مع الجام الروي والموت مع المهد الوثير، فجعل من الموت طرفاً وقوة فاعلة ثابتة ولكنه غير في دلالته كي يتمكن من إقناع السامعين بهذه الفكرة وتنبيههم إلى هذا المفهوم، مع ملاحظة أن التكرار في هذا النص يظهر فيه شيء من النمطية في تكراره لكلمة الموت، وإن كان ذلك يعلل بأن انشغال الشابي بالموت وقلقه الوجودي هو الذي أوحي إليه ذلك، فهو يرى أن الحياة ليست سوى ألوان من العذاب خاتمته الموت، لذلك نلاحظ أن تكرار البداية لم يكن متعاقباً، بل كان يستغل مابين البدايات في شرح أفكاره وما في ذهنه عن الموت حتى يكشف عن جوهره وأسراره، فجاءت القصيدة على شكل رباعيات، تكررت البداية في كل رباعية مرة أو مرتين حسب طبيعة الموقف الشعري. لقد كشف هذا البحث عن الجانب الوظيفي للتكرار ضمن السياق الذي يرد فيه إذ يعد ظاهرة من الظواهر اللغوية الواضحة في الشعر العربي، ولذلك لابد له من إحداث وظيفة إما بنائية أو إيقاعية خصوصاً إذا استطاع الشاعر استخدامه بدقة وبراعة، فهو ليس جمالاً يضاف إلى القصيدة بحيث يحسن الشاعر صنعاً بمجرد استعماله، وإنما هو كسائر الأساليب في كونه يحتاج إلى أن يجيء في مكانه من القصيدة أو أن تلمسه يد الشاعر اللمسة السحرية التي تبعث الحياة في الكلمات. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 477 لذلك يختار الشاعر الأسلوب الذي يناسبه ويتفق مع رؤيته الحياتية الخاصة، كي يتمكن من استيعاب أفكاره ومعتقداته وفلسفته، وهذا ما حرص عليه الشابي في شعره، فكان يسعى إلى أن يجعل من هذا الأسلوب التكراري على اختلاف أشكاله وألوانه، أداة قادرة على التعبير عما في ذهنه وتصوير مشاعره واحساسيه وآلامه وهمومه التي أصابته في حياته الاجتماعية. كما تبين أن التكرار عند الشابي كان يخضع لرؤية الشاعر النفسية التي كانت تلح على بعض المرتكزات الحياتية لتغييرها أو استبدالها لهذا نراه كان يستسلم لتداعيات بعض صور التكرار بشكل لافت للنظر في مختلف أشكال التكرار وخاصة تكرار البداية، فيجعل من هذه البداية نقطة مركزية تجتمع فيها صور التكرار الأخرى، أو أن يجعل موضوع القصيدة عنواناً لتكرار البداية ويبني عليه إيقاعات موسيقية متنوعة يعتقد فيها قوة التأثير والفاعلية على المتلقي. ومما يلاحظ أيضاً أن التكرار جاء عند الشابي بشكل أفقي أو رأسي أخضعها لإيقاعات وإيحاءات موسيقية تعكس ملامح رؤيته النفسية والفلسفية التي تكشف عن موقفه الحقيقي من الحياة والكون والطبيعة من خلال سياقات وبناءات أسلوبية متنوعة على مستوى الكلمة أو الجملة. لقد حاول الشابي أن يجعل من صور التكرار أداة جمالية تخدم الموضوع الشعري وتؤدي وظيفة أسلوبية تكشف عن الإلحاح أو التأكيد الذي يسعى إليه الشاعر، ولكن التكرار عنده قد تأثر ببعض جوانب حياة الشاعر الخاصة، فغلب عليه التداعي والتماثل في معظم صوره لذلك ما كان التكرار ليكون عند الشابي لولا حاجته الملحة للكشف عما يدور في ذهنه وإبراز أفكاره التي قد أصبحت هي الأخرى صورة من صور التكرار، فالمعاناة والألم تبدو واضحة في كل أنفاسه الشعرية وكأنه بذلك يكرر هذه المعاناة في كل نمط تكراري على اختلاف أشكاله. الحواشي والتعليقات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 478 العمدة في محاسن الشعر، لابن رشيق القيرواني (456هـ) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط5، 1981م، ج2/73، وانظر الصناعتين للعسكري (395هـ) ص212، والمثل السائر لابن الأثير (637هـ) 2/345، والطراز، للعلوي 2/176. تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة ص 232-241. كتاب العين، الخليل بن أحمد، ج5، ص277، وانظر تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري (مادة كرر) ، وقاموس المحيط للفيروزآبادي (مادة كرر) . أنوار الربيع في أنواع البديع، لابن معصوم، ج5/34-35. الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي، مدحت سعيد الجيار، الدار العربية للكتاب والمؤسسة الوطنية للكتاب، ليبيا، 1984م، ص47. جوهر الكنز، ابن الأثير الحلبي، تحقيق د. محمد زغلول سلام، ص257. التكوين التكراري في شعر جميل بن معمر، د. فايز القرعان (مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، م1، ع6، 1996م. التكرار في الشعر الجاهلي، د. موسى ربايعة (بحث مقدم لمؤتمر النقد الأدبي الثاني 1988م، جامعة اليرموك، إربد. وانظر دراسات أخرى، بناء الاسلوب في شعر الحداثة، محمد عبد المطلب، القاهرة، 1988م، ص390، وأسلوب التكرار بين البلاغيين وإبداع الشعراء، شفيع السيد، مجلة إبداع القاهرة، ع6، سنة 2، 1984م، ص7، وظاهرة التكرار في شعر أمل دنقل، مجلة إبداع، القاهرة، سنة 30، ع5، 1985م، ص70. موسيقى الشعر، د. إبراهيم أنيس، ص8. مباديء النقد الأدبي، أ. ريتشارز، ترجمة: د. مصطفى بدوي، ص 188. قضايا الشعر المعاصر، نازك الملائكة، ص 263 ومابعدها. المصدر السابق، ص 278. دراسات عن الشابي، أبو القاسم محمد كرو، ص52 ومابعدها. التكرار في الشعر الجاهلي، د. موسى ربايعه، ص 5. الصورة الشعرية في الكتابة الفنية، د. صبحي البستاني، ص49. أغاني الحياة، ص 45. المصدر السابق، ص 15. الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي، مدحت الجبار، ص 54. أغاني الحياة، ص 22. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 479 المصدر السابق، ص 24، وانظر نماذج أخرى، ص 14. الشعر كيف نفهمه ونتذوقه، اليزابيث درو، ص 29. أغاني الحياة، ص 22. الأسلوبية والأسلوب، كراهام هاف، ص 21. أغاني الحياة، ص 162. الأفكار والأسلوب، أ. ف. تشترين، ترجمة د. حياة شرارة، ص50. أغاني الحياة، ص 106، وانظر ص 109، 44. دراسات عن الشابي، أبو القاسم محمد كرو، ص 258. أغاني الحياة، ص 169،وانظر نماذج أخرى، ص 42. النص الأدبي وقضاياه عند ميشال ريفاتير من خلال كتابه صناعة النص، وجون كوهين من خلال كتابه (الكلام السامي) ، مجلة فصول، ص28، المجلد الخامس، العدد الأول، 1984م نقلاً عن التكرار في الشعر الجاهلي، د. موسى ربايعه، ص22. الصورة الشعرية عند الشابي، مدحت الجبار، ص47. أغاني الحياة، ص 96. علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته، د. صلاح فضل، ص27. نظرية الأدب، رينيه ويليك، ترجمة حسام الخطيب، ص165. انظر نماذج من الديوان، ص 86، 109، 114، 121، 134، 155، 183. أغاني الحياة، ص43، 73، 78، 81، 93، 175، 156، 151، 115، 188. أغاني الحياة، ص 20،وانظر ص 22. أغاني الحياة، ص 89. دراسات عن الشابي، أبو القاسم محمد كرو، ص 160. انظر نماذج من ذلك في ديوانه، ص 35، 18، 19، 129، 119، 159. أغاني الحياة، ص 95، وانظر نماذج أخرى، ص 134، 152. الصورة الشعرية عند الشابي، مدحت الجبار، ص68. أغاني الحياة، ص 121، وانظر ص171 تكرار حرف اللام في بداية الأسطر الشعرية. التكرار في الشعر الجاهلي، د. موسى الربابعه، ص9. الصور الشعرية عند الشابي، مدحت الجبار، ص68. التكرار في الشعر الجاهلي، د. موسى ربابعه، ص 4. قضايا الشعر المعاصر، نازك الملائكة، ص 270. المصدر السابق، ص 290. أغاني الحياة، ص 73، وانظر نماذج أخرى ص 25، 35، 45، 55، 125. التكرار في الشعر الجاهلي، د. موسى ربابعه، ص 37. أغاني الحياة، ص 55. دراسات عن الشابي، أبو القاسم محمد كرو، ص 99. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 480 أغاني الحياة، ص 89. أغاني الحياة، ص 89. المصدر السابق، ص 69. الرومانتيكية، د. محمد غنيمي هلال، ص 172. أغاني الحياة، ص 70. أغاني الحياة، ص 96. أغاني الحياة، ص 159. أغاني الحياة، ص 160. دراسات عن الشابي، أبو القاسم محمد كرو، ص 160. أغاني الحياة، ص 112. المصدر السابق، ص 55. المصدر السابق، ص 105. المصدر السابق، ص 83. المصدر السابق، ص 135. مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ديفيد دتيش، ترجمة محمد نجم، ص 172. الأسلوب دراسة لغوية، سعد مصلوح، ص 10. الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي، مدحت الجبار، ص 125. أغاني الحياة، ص 56، وانظر نماذج أخرى، ص 105، 83. أغاني الحياة، ص 112. أغاني الحياة، ص 85. الصورة الشعرية عند ابي القاسم الشابي، مدحت الجبار، ص 124. أغاني الحياة، ص 56. المصدر السابق، ص 175، وانظر ص 157. المصدر السابق، ص 81، وانظر ص 96. المصدر السابق، ص 86. المصدر السابق، ص 92، وانظر ص 122. أسلوب التكرار بين تنظير البلاغيين وإبداع الشعراء، د. شفيع السيد، ص 15 نقلاً عن التكرار في الشعر الجاهلي، د. موسى ربابعه، ص32. أغاني الحياة، ص 122. أمالي السيد المرتضى، الشريف الرضي 140/123. الصناعتين، أبو هلال العسكري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ص 144. أغاني الحياة، ص 99. الشعر كيف نفهمه ونتذوقه، اليزابيث درو، ص 87. أغاني الحياة، ص 165. أغاني الحياة، ص 86 وانظر ص 87. المصدر السابق، ص 131، وانظر ص 183. المصدر السابق، ص 76. المصادر والمراجع اسلوب التكرار بين تنظير البلاغيين وإبداع الشعراء، شفيع السيد (دكتور) مجلة إبداع، السنة الثانية، العدد السادس، عام 1984م. الأسلوب دراسة لغوية، سعد مصلوح (دكتور) دار البحوث العلمية، القاهرة، ط1، 1980م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 481 الأسلوبية والأسلوب، كراهم هاف، ترجمة كاظم سعد الدين، دار آفاق عربية، العدد الأول، بغداد، سنة 1985م. أغاني الحياة، أبو القاسم الشابي (ديوان) دار الكتب الشرقية، دار مصر للطباعة، القاهرة، ط1، 1955م. الأفكار والأسلوب، ا. ن. تشيتثرين. ترجمة د. حياة شرارة، آفاق عربية، بغداد، د. ت. أمالي السيد المرتضى، الشريف الرضي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الكتاب العربي، ط2، 1967م. أنوار الربيع في أنواع البديع، لابن معصوم، تحقيق شاكر هادي شكر، مطبعة النعمان، النجف، ط1، 1969م. بناء الأسلوب في شعر الحداثة، محمد عبد المطلب (دكتور) ، القاهرة، 1988م. تاج اللغة وصحاح العربية، الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفار عطار، الشركة اللبنانية للموسوعات العربية، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1979م. تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، شرح ونشر السيد أحمد صقر، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط3، 1981م. التكرار في الشعر الجاهلي، موسى ربايعه (دكتور) مجلة مؤته للبحوث والدراسات، جامعة مؤته (الأردن) ، المجلد الخامس، العدد الأول، 1990م. التكوين التكراري في شعر جميل بن معمر، فايز القرعان (دكتور) مجلة مؤته للبحوث والدراسات، جامعة مؤتة (الأردن) ، المجلد الحادي عشر، العدد السادس، 1996م. جوهر الكنز، لابن الأثير الحلبي، تحقيق د. محمد زغلول سلام، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، 1980م. دراسات عن الشابي، أبو القاسم محمد كرو، الدار العربية للكتاب، طرابلس، 1984م. الرومانتيكية، د. محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، د. ت. الشعر كيف نفهمه ونتذوقه، اليزابيث درو، مكتبة منيمنه، بيروت، 1961م. الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي، مدحت الجبار، الدار العربية للكتاب، طرابلس، 1984م. الصورة الشعرية في الكتابة الفنية، د. صبحي البستاني، دار الفكر اللبناني، ط1، 1986م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 482 الصناعتين، أبو هلال العسكري، تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1981م. ظاهرة التكرار في شعر أمل دنقل، حسين عيد، مجلة إبداع، القاهرة، السنة الثالثة، العدد الخامس، 1985م. الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإيجاز، العلوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1402هـ. علم الأسلوب، مبادئه وإجراءاته، صلاح فضل (دكتور) ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط2، 1985م. العمدة في محاسن الشعر، لابن رشيق القيرواني، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، د. ت. كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق د. مهدي المخزومي وآخرون، دار الرشيد للنشر، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1982م. القاموس المحيط، الفيروزآبادي، دار صادر، بيروت. قضايا الشعر المعاصر، نازك الملائكة، دار العلم للملايين، بيروت، ط7، 1983م. مباديء النقد الأدبي، أ. ريتشاردز، ترجمة د. مصطفى بدوي، مراجعة د. لويس عوض، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة العامة للطباعة والنشر، القاهرة، 1961م. المثل السائر، لابن الأثير، تحقيق د. أحمد الحوفي ود. بدوي طبانه، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، الفجالة، القاهرة، د. ت. موسيقى الشعر، إبراهيم أنيس (دكتور) ، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، ط5، 1978م. مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ديفيد ديتش، ترجمة د. يوسف نجم، مراجعة د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1967م. النص الأدبي وقضاياه عند ميشال ريفاتير من خلال كتابه "صناعة النص"، وجون كوهين من خلال كتابه "الكلام السامي"، مجلة فصول، 28، المجلد الخامس، العدد الأول، أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر، 1984م. نظرية الأدب، رينيه ويليك، ترجمة محي الدين صبحي، مراجعة د. حسام الخطيب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط3، 1985م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 483 مجلة جامعة أمِّ القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها المجلد (13) العدد (21) رمضان 1421 هـ / ديسمبر (كانون الأوّل) 2000 م --- المحتويات أولاً: القسم العربي: أ - دراسات في الشريعة وأصول الدين 1 - الرضا بالقضاء د. سالم بن محمد القرني ... 2 - الحديث المقلوب: تعريفه، وفوائده، وحكمه، والمصنفات فيه د. محمد بن عمر بازمول ... 3 - المباحث الغيبية د. عبد الشكور محمد العروسي ... 4 - قول الفلاسفة المنتسبين للإسلام في توحيد الربوبية، عرض ونقد في ضوء مذهب السلف د. سعود بن عبد العزيز الخلف ... 5 - حكم نقض الوضوء بأكل لحم الإبل د. علي بن محمد الأخضر العربي ... 6 - من مفاهيم ثقافتنا د. علي بن حسن القرني ... ب - دراسات في التاريخ والحضارة والاقتصاد: 7 - كتاب الصوائف “ المستخرج ” لمحمد بن عابد الدمشقي (ت233هـ) د. سليمان بن عبد السوكيت ... 8 - التنمية والتقارب والاندماج في مجتمع المملكة قديماً وحديثاً د. أحمد بن حسن الحسني ... ج - دراسات في اللغة العربية وآدابها: 9 - الترتيب الصرفي في المؤلفات النحوية والصرفية إلى أواخر القرن العاشر الهجري د. مهدي بن علي القرني ... 10 - الزيادي النحوي: حياته وآثاره ومذهبه د. سيف بن عبد الرحمن العريفي ... 11 - التذكير والتأنيث: دراسة في الأخطاء اللغوية والتحريرية لطلاب المستوى المتقدم في معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى د. جمعان بن ناجي السلمي ... 12 - الألفاظ المشتركة في اللغة العربية: طبيعتها، وأهميتها، ومصادرها د. أحمد بن محمد المعتوق ... 13 - صويت الغنة في الأداء القرآني بين الكمية والمدة الزمنية د. يحيى بن علي المباركي ... 14 - نحو علم لغة خاص بالعلوم الشرعية د. أحمد شيخ عبد السلام ... 15 - التصغير في اللغة د. عليان بن محمد الحازمي ... 16 - مقدمة القصيدة الجاهلية عند حسان بن ثابت (رضي الله عنه) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 484 د. محمود بن عبد الله أبو الخير ... 17 - عمرو بن مسعدة الصولي (السيرة، والتراث الأدبي) دراسة أدبية د. عبد الرحمن بن عثمان الهليل ... 18 - الصورة الفنية لحقول التراجيدي في الشعر الجاهلي، وأصول المثل الجمالية د. عبد الله بن خلف العساف ... 19 - ظاهرة التكرار في شعر أبي القاسم الشابي (دراسة أسلوبية) د. زهير بن أحمد المنصور ... ثانياً: القسم الإنجليزي: أ - ملخصات الأبحاث العربية باللغة الإنجليزية ... الجزء: 7 ¦ الصفحة: 485 مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها العدد 22 ربيع أوّل 1422 هـ المحتويات أولاً: القسم العربي: أ - دراسات في الشريعة وأصول الدين 1 - الحجج البينات في تفسير بعض الآيات د. فريد مصطفى السلمان 2 - مصادر الحافظ ابن حجر وآراؤه في مسائل القراءات من خلال كتابه (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) د. يحيى بن محمد حسن زمزمي 3 - الأحاديث والآثار الواردة في سنة الجمعة القبلية وأقوال العلماء فيها د. إبراهيم بن علي بن عبيد العبيد 4 - الكفر الأكبر أ. د. عبد الله بن عبد العزيز الجبرين 5 - الروح القدس في عقيدة النصارى " دراسة نقدية في ضوء المصادر الدينية " د. عبد الله بن عبد العزيز الشعيبي 6 - هدي الصحابة رضوان الله عليهم مفهومه - مصادره - نماذج منه د. رضا محمد صفي الدين السنوسي 7 - حجية قول الصحابي عند السلف د. ترحيب بن ربيعان بن هادي الدوسري 8 - قاعدة الإسلام يعلو ولا يُعلى " دراسة تأصيلية وتطبيقية " د. عابد بن محمد السفياني 9 - المسائل الفقهية المتعلقة بالمغتربين في صلاة الجمعة والعيدين والجنائز د. عبد الكريم بن يوسف الخضر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 486 10 - حياة القائد بين القدوة والاقتداء د. علي بن حسن القرني ب - دراسات في التاريخ والحضارة: 11 - الدعوة في السودان وتأثرها بالدعوة السلفية " دراسة تاريخية وثائقية " د. عمر سالم عمر بابكور 12 - العلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية د. هشام فوزي عبد العزيز ج - دراسات في اللغة العربية وآدابها: 13 - حروف المعاني المركبة وأثر التركيب فيها د. فائزة بنت عمر المؤيد 14 - معالجة المادة المعجمية في المعاجم اللفظية القديمة د. محمد بن سعيد الثبيتي 15 - قضية التنازع في الاستعمال اللغوي د. أبو سعيد محمد عبد المجيد 16 - التدريس المصغر في ميدان تعليم اللغات الأجنبية وتطبيقه في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها د. عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي 17 - ظاهرة الغموض بين عبد القاهر الجرجاني والسجلماسي د. محمود درابسة 18 - الشعر في كتاب الأمثال الظاهرة المنسوب إلى الماوردي د. مصطفى حسين عناية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 487 19 - فن التوقيعات الأدبية في العصر الإسلامي والأموي والعباسي د. حمد بن ناصر الدخيل 20 - العقل المستعار بحث في إشكالية المنهج في النقد الأدبي العربي الحديث - المنهج النفسي أنموذجاً د. صالح بن سعيد الزهراني د - نصوص محققة: 21 - فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لابن تيمية تحقيق د. عبد العزيز بن محمد الفريح هـ - الآراء والقضايا: 22 - ضرب من التطور في الصحافة العربية أ. د. إبراهيم السامرائي و المراجعات العلمية: 23 - عرض كتاب المصنفات المغربية في السيرة النبوية ومصنفوها د. سعد بن موسى الموسى ثانياً: القسم الإنجليزي: ملخصات الأبحاث العربية باللغة الإنجليزية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 488 الحجج البيّنات في تفسير بعض الآيات د. فريد مصطفى السلمان الأستاذ المشارك في كلية الشريعة - الجامعة الأردنية - عمّان ملخّص البحث لقد استقيت هذا البحث من خلال قراءتي لكتب التفسير وغيرها، فوقفت عند بعض المسائل المهمّة في تفسير الآيات القرآنية، وخاصّة ما كان فيها موضع خلاف بين العلماء، في قضايا العقيدة أو مسائل الأحكام. ونجد في هذه المسائل علماً غزيراً، إذ يدلي كلّ عالم بما لديه من قوة الحجّة والبرهان مستدلاًّ من العقل والنقل. ففي مجال العقيدة جاءت مسألة الخلاف في القدر، وبيان وجه الحقّ فيها، وحكم مرتكب الكبيرة بين أهل السنّة والمعتزلة، ومسألة انشقاق القمر مع بيان الأدلة الدامغة القائمة بالحقّ. وفي مجال الأحكام نجد مسألة القتال في الحرم، والخلاف بين الحنفية والشافعية في ذلك، ومسألة قتل المسلم بالكافر مع بيان أدلّة كل فريق، وردوده على الطرف الآخر، وحكم الوقف في الحيوان، وحكم القراءة خلف الإمام. ونجد في كلّ مسألة من هذه المسائل منهجاً متكاملاً لأسلوب البحث العلمي، وطريقاً واضحاً بيّناً لكل مذهب في استدلاله على ما يعتقده ويذهب إليه. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. مقدمة: لقد بيّنت الآيات الكريمة أهمية الدليل والحجة في بيان الحق وإزهاق الباطل ومن ذلك قوله تعالى: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علم} [آل عمران: 66] . وقد اعتمد علماء هذه الأمة الحجة والدليل في توجيه آرائهم المستنبطة من الكتاب والسنة، وقد استدل كل فريق لما ذهب إليه بما يرى أنه الحجة الدامغة وفق رأيه ومنهجه. وكنت قبل إيراد حجة كلّ فريق أذكر محلّ الخلاف في فهم الآية القرآنية، وآراء العلماء في المسألة، ثم أعقّب على هذه الآراء ببيان الراجح منها، من خلال قوّة الحجّة والبرهان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 489 وقد كانت كل مسألة من هذه المسائل نموذجاً لطلبة العلم في طريقة فهمهم واستنباطهم، حتى يتضح وجه الحقّ جليّاً، دون اتباع للهوى أو التقليد. تمهيد: الحجج: جمع حجّة وهي الدليل والبرهان، وقيل ما دفع به الخصم. وقال الأزهري: الحجّة: الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة، وإنّما سميت حجّة لأنها تحجّ، أي تُقصد. لأن القصد لها وإليها. قال الأزهري: ومن أمثال العرب لجّ فحجّ معناه: لجّ فغلب من لاجّه بحججه. يقال: حاججته حتى حججته أي غلبته بالحجج التي أدليت بها (1) . وقال الراغب الأصفهاني: الحجّة: الدلالة المبيّنة للمحَجّة أي المقصد المستقيم (2) . قال الله تعالى: {قل فلله الحجة البالغة ( [الأنعام: 149] . وقال تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة ( [البقرة: 150] . ويجوز أن تطلق الحجة على ما يحتج به الخصم وإن كان باطلاً كما في قوله تعالى: {والذين يحاجّون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم ( [الشورى: 16] . فسمّى الداحضة حجة. وقال سبحانه وتعالى: {لا حجّة بيننا وبينكم ( [الشورى: 15] . أي لا احتجاج لظهور البرهان. والمحاجّة: أن يطلب كل واحد أن يردّ الآخر عن حجته ومحجته. قال الله عزّ وجل: {وحاجّه قومه قال أتحاجونّي في الله وقد هدان ( [الأنعام: 80] . وقال سبحانه وتعالى: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علم ( [آل عمران: 66] . وقد أكّد القرآن والسنة مشروعية المجادلة وإقامة الحجة، ومن ذلك قوله تعالى: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ( [البقرة: 111] . وقد قال الله تعالى في قصة نوح عليه السلام: {قالوا: يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا ( [هود: 33] . وقد ذكر الله تعالى تلك المحاجّة العظيمة بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وبين ذلك الكافر الذي آتاه الله الملك فقال سبحانه:) ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ( [البقرة: 258] . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 490 وتحاجّ آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام فحجّ آدمُ موسى كما جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" احتجّ آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيّبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخطّ لك بيده، أتلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة، فحجّ آدم موسى" (3) . وقد قال المزني (4) : من حقّ المناظرة أن يراد بها الله عزّ وجلّ، وأن يقبل منها ما تبيّن. وقالوا: لا تصحّ المناظرة ويظهر الحق بين المتناظرين حتى يكونوا متقاربين أو مستويين في مرتبة واحدة من الدين والعقل والفهم والإنصاف، وإلا فهو مراء ومكابرة (5) . ونلاحظ فيما سنذكره من المسائل أنّ الهدف من ذلك الوصول إلى الحق بطريق الحجة الشرعية، باعتماد الأصول المتفق عليها سواء كانت من جهة الشرع أم النقل. وقد ضرب علماء الإسلام أروع الأمثلة في المنهجية العلمية واتباع الحق بالدليل والبرهان حتى ذكر العلماء أنه يجب على المسلم أن يكون اعتقاده عن دليل وبرهان، وإن كان لا يلزم أن يكون دليله كما هو الحال عند أهل المنطق وأصحاب علم الكلام (6) . وقد سار الإمام فخر الدين الرازي على هذا المنهج في تفسيره فنجده يقرر مذهب الخصم تقريراً لو أراد الخصم نفسه أن يقرره لما استطاع ذلك (7) . ثم يشرع الرازي في الردّ على هذه الأدلة بالحجة الدامغة القوية وقد عاب عليه بعض المغاربة هذا السلوك بدعوى أنّ ردوده تأتي أحياناً أضعف من الشبه التي يوردها، فقالوا: إنه يورد الشبه نقداً ويحلّها نسيئة (8) . ويظهر لكل عاقل منصف أثر الاعتماد على الحجة والبرهان في إحقاق الحقّ، فيتم إثراء العقل والقلب بتلك الحجج النيّرة، كما يتم إحياء روح البحث العلمي بالمدارسة والمذاكرة وتلاقح الأفكار والمفاهيم. وبالتالي فإن هذه التّهم تصبّ أخيراً في مصلحة هذا المفسّر النحرير. أولاً: حكم القتال في الحرم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 491 في قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ( [البقرة: 191] . وقوله تعالى: {ومن دخله كان آمنا ( [آل عمران: 97] . ذهب الحنفية إلى عدم جواز القتال في الحرم، وذهب جمهور العلماء إلى أن ذلك منسوخ بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ( [التوبة:5] . وبقوله تعالى:) وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافّة ( [التوبة: 36] . وذكر القاضي ابن العربي في تفسيره مناظرة في هذه المسألة فيما يلي نصّها، قال ابن العربي: وقد حضرت في بيت المقدس طهّره الله بمدرسة أبي عتبة الحنفيّ (9) والقاضي الرّيحاني (10) يلقي علينا الدرس في يوم الجمعة، فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رجل بهي المنظر على ظهره أطمار، فسلّم سلام العلماء، وتصدّر في صدر المجلس بمدارع (11) الرّعاء، فقال له الرّيحاني: من السيّد؟ فقال له: رجل سلبه الشطّار (12) أمس، وكان مقصدي هذا الحرم المقدّس، وأنا رجل من أهل صاغان (13) من طلبة العلم، فقال القاضي مبادرا: سلوه، على العادة في إكرام العلماء بمبادرة سؤالهم. ووقعت القرعة على مسألة الكافر إذا التجأ إلى الحرم، هل يقتل فيه أم لا؟ فأفتى بأنه لا يقتل، فسئل عن الدليل، فقال:) ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ( [البقرة: 119] قرئ) ولا تقتلوهم ((14) ،) ولا تقاتلوهم (، فإن قرئ ولا تقتلوهم فالمسألة نصّ، وإن قرئ ولا تقاتلوهم فهو تنبيه، لأنه إذا نهى عن القتال الذي هو سبب القتل كان دليلاً بيّناً ظاهراً على النهي عن القتل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 492 فاعترض عليه القاضي الرّيحاني منتصراً للشافعي ومالك وإن لم ير مذهبهما فقال: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( [التوبة: 6] ، فقال له الصاغاني: هذا لا يليق بمنصب القاضي وعلمه، فإن هذه الآية التي اعترضت بها عليّ عامة في الأماكن، والآية التي احتججت بها خاصة، ولا يجوز لأحد أن يقول إن العام ينسخ الخاص، فأبهت القاضي الريحاني، وهذا من بديع الكلام (15) . ووجه الغرابة في هذه المناظرة أن الرجل ذهب إلى موافقة الحنفية في الحكم واستدل بنقيض دليلهم. فالحنفية يرون حرمة قتل الجاني إذا دخل الحرم، ولا يجيزون القتال في الحرم إلا إذا بدأ الكفار القتال فيه (16) ، ويستدلّون على ذلك بقوله تعالى:) ومن دخله كان آمنا ( [آل عمران: 97] ،وبقوله تعالى:) ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ( [البقرة: 191] . والحنفية يخالفون الجمهور في فهمهم لتخصيص العام فإنهم يشترطون في الدليل ليكون مخصصاً للعام أن يكون مستقلاً عن جملة العام مقارناً له في الزمان، بأن يردا عن الشارع في وقت واحد (17) ، وذلك كقوله تعالى:) وأحلّ الله البيع وحرّم الربا ( [البقرة: 275] ، فإن دليل التخصيص في هذه الآية مستقل مقارن. ولذلك فالحنفية يعرّفون التخصيص بقولهم: هو قصر العام على بعض أفراده بدليل مستقل مقترن (18) ، وإذا كان الدليل مستقلاً، ولكنه لم يكن مقارناً للعام، بل متراخياً عنه، فلا يسمى ذلك تخصيصاً، بل نسخاً أي رفعاً للحكم. فإذا تراخى دليل التخصيص فإنه يكون نسخاً لا تخصيصاً خلافاً لمذهب الجمهور في المسألة. فهذا الرجل استدل برأي الجمهور في تخصيص العام (19) ووافق الحنفية في الحكم، فهو وإن وافق سائله في الحكم إلا أنه قلب عليه الاستدلال، وهذا ما دعى الإمام ابن العربي للقول: فأبهت القاضي الريحاني، لأن الريحاني كان حنفي المذهب الفقهي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 493 وقد جاء ذكر هذه المناظرة في قانون التأويل (20) لابن العربي بشكل أتمّ، حيث قال: قال مجلّي (21) في أوّل مجلس: من قتل في الحرم، أو في الحل، فلجأ إلى الحرم قتل، لأن الحرم بقعة لو وقع القتل فيها لاستوفي القصاص بها، فكذلك إذا وقع القتل في غيرها، أصله الحلّ. فقال له خصمه وهو حنفي المذهب لا يمتنع أن يقع القتل فيها ولا تعصمه، وإذا قتل في غيرها ولجأ إليها عصمته، كالصيد إذا لجأ إلى الحرم عصمه، ولو صال على أحد في الحرم لما عصمه، وذلك أن القاتل في غير الحرم إذا لجأ إليه فقد استعاذ بحرمته، وقد قال سبحانه وتعالى:} ومن دخله كان آمنا ( [آل عمران: 97] ، وإذا قتل فيه فقد هتك حرمته وضيّع أمنته، فكيف يعصمه؟ فقال له مجلّي: هذا الذي ذكرت لا يصح ولا يلزمني، لأن الحرم لم يحترم بحرمة القاتل، ولا باعتقاده واحترامه، وإنما احترم بحرمة الله I. وأما قوله سبحانه وتعالى {ومن دخله كان آمنا (فإنما عني به ما كان عليه الحرم في الجاهلية من تعظيم الكفار له، وأمن اللائذ منهم به، ودار الكلام على هذا النحو، ثم دخل علينا بمدرسة أبي عقبة الحنفي ببيت المقدس رجل ثم ذكر المناظرة كما جاءت في تفسيره أحكام القرآن. ثم علّق على هذه المناظرة بقوله: وأعجب لبعض المغاربة (22) ، ممن قرأ الأصول يحكي عن أبي حنيفة أن العام ينسخ الخاص (23) إذا كان متأخراً عنه، وهذا ما قال به قطّ ولولا أن أبا حنيفة ناقض (24) ، فقال: لا يبايع في الحرم ولا يكلّم ولا يجالس ولا يعان بمأكل ولا بمشرب ولا بملبس حتى يخرج منه، فتؤخذ العقوبة منه، ما قام له في هذه المسألة أحد. ثانياً: حكم الوقوف والأحباس في قوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ( [المائدة: 103] . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 494 والبحيرة: هي الناقة يشقون أذنها لتكون معلومة للناس أنها على هذه الصفة، فكانت تخلّى دون راع فلا تطرد من مرعى ولا يركبها أحد ولا تذبح ولا تباع، وقيل: إن البحيرة هي ابنة السائبة، وقيل غير ذلك. أما السائبة فتطلق على البعير أو الناقة التي تسيّب بنذر يكون على الرجل إن سلّمه الله من مرض، أو بلّغه منزلاً في سفر فتصبح مخلاة لا قيد عليها ولها نفس أحكام البحيرة. والوصيلة: كانت في الغنم إذا ولدت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر، قالوا: وصلت، فكان ما ولد منها بعد ذلك للذكور دون الإناث إلا إذا كان ميتة فهم فيه شركاء. والحام: هو الفحل من الإبل إذا انقضى ضرابه، أو إذا ركب ولد ولده، وسمّي بهذا الاسم لأنه حمى ظهره من الركوب والذبح (هذه بعض الوجوه في تفسيرها، وهناك وجوه أخرى لم نر الإطالة بذكرها) (25) . هذا وقد ذهب الحنفية استدلالاً بالآية إلى عدم جواز الوقف إلى غير جهة معينة تقوم عليه وترعاه. فلو سيّب حيواناً أو عقاراً فجعله سبيلا، فإن هذا يدخل فيما عابه الله على العرب، فيما كانوا يفعلونه في الجاهلية من تسييب البهائم وحبس البهائم والزروع، وذهب جمهور العلماء إلى جواز الأوقاف وقاسوا تسييب البهائم على عتق العبيد، ولكن الحنفية لم يسلّموا بهذا القياس، وقالوا لا معنى لأن يملك الحيوان الأعجم نفسه، لأن إهمالها يترتب عليه عدم جواز منفعتها، وهي لا تستطيع تدبير شؤون نفسها. وأجاب الجمهور عن ذلك بأن وقف المنافع المترتبة على هذه الحيوانات قربة من القربات. ومن صور السائبة إرسال الطيور ووضع البيض قرب طرقات المسافرين، وترك البساتين لينتفع بها الناس كافّة، ولكل من الفريقين أدلته في المسألة، وقد وقعت مناظرة بين الإمام مالك من جهة وبين القاضي أبي يوسف أكبر تلاميذ الإمام أبي حنيفة بحضرة هارون الرشيد (26) . ويقال إن القاضي أبا يوسف قد رجع عن موافقة صاحبه بعد وقوع هذه المناظرة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 495 وخلاصة هذه المناظرة أنه اجتمع كل من الإمام مالك والقاضي أبي يوسف بحضرة هارون الرشيد. فتكلّموا في الوقوف (27) وما يحبسه الناس، فقال القاضي أبو يوسف: هذا باطل مستدلاً بقوله تعالى:) ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ( [المائدة: 103] . فقال مالك: إنما جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق ما كانوا يحبسونه لآلهتهم من البحيرة والسائبة. فأما الوقوف: فهذا وقف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن شئت حبّست أصلها وتصدقت بها (28) . وهذا وقف الزبير بن العوام - رضي الله عنه - حيث وقف داره بمكة ومصر وأمواله بالمدينة على أولاده (29) فأعجب الخليفة بذلك، ورجع القاضي أبو يوسف إلى رأي الجمهور. وممّا يؤكد رأي جمهور العلماء ما جاء في بعض الروايات (30) أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: (تصدّق بثمره وحبّس أصله) وفي رواية: (احبس أصلها وسبّل ثمرتها) . ويعقّب ابن حجر على هذه الروايات فيقول: " وأصرح من ذلك ما جاء في صحيح البخاري أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: تصدّق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره) (31) . وقال الترمذي: (لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافاً في جواز وقف الأرضين، وجاء عن شريح أنّه أنكر الحبس، وقال أبو حنيفة: لا يلزم، وخالفه في ذلك جميع أصحابه إلاّ زفر. وممّا روي عن أبي يوسف قوله: لو بلغ الحديث أبا حنيفة لرجع عن قوله في الوقف) (32) . وذكر القرطبي إجماع الصحابة رضي الله عنهم على جواز الوقف، وقال: (لا حجّة في قول شريح، ولا في قول أحد يخالف السنّة، وما رواه ابن لهيعة عن ابن عباس رضي الله عنهما في عدم جواز ذلك فهو ضعيف لا تقوم به حجة) (33) . ثالثاً: إثبات القدر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 496 لقد ضلت بعض الفرق الإسلامية في القدر (34) فذهبوا إلى أنه لا قدر (35) وأن الإنسان يخلق فعله وفي مقدمة هؤلاء المعتزلة والرافضة، وقد أنكر عليهم بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن أدركوا هذه الفتنة وقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قوله: القدرية مجوس هذه الأمة (36) . والذي عليه جمهور المسلمين إثبات القدر وأن الإيمان بالقدر خيره وشرّه من أركان الإيمان. وسبب هذا الضلال هو سوء فهم بعض الآيات القرآنية الواردة في القدر ومن ذلك قوله تعالى:) إنّا كل شئ خلقناه بقدر ( [القمر: 49] (37) . وقد وردت عدة آثار في ذم القائلين بالقدر منها ما أخرجه ابن ماجه في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وإن لقيتموهم فلا تسلّموا عليهم) (38) . وأخرج أبو داود عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر. من مات منهم فلا تشهدوا جنازتهم، ومن مرض منهم فلا تعودوهم، هم شيعة الدجال، وحقّ على الله أن يلحقهم بالدجال) (39) . وهناك عدّة مناظرات في القدر، نذكر منها هذه المناظرة التي ذكرها القرطبي في تفسيره حيث قال: أحضر عمر بن عبد العزيز غيلان القدريّ (40) فقال: يا غيلان بلغني أنك تتكلم بالقدر، فقال: يكذبون عليّ يا أمير المؤمنين، ثم قال: يا أمير المؤمنين: أرأيت قول الله تعالى:) إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً. إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً ( [الإنسان: 2،3] . فقال عمر بن عبد العزيز: اقرأ يا غيلان، فقرأ حتى انتهى إلى قوله:) فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ( [الإنسان: 29] . فقال عمر: اقرأ فقال:) وما تشاءون إلا أن يشاء الله ( [الإنسان: 30] فقال غيلان: والله يا أمير المؤمنين إن شعرت – أي ما شعرت - أنّ هذا في كتاب الله قطّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 497 فقال له عمر: يا غيلان اقرأ أول سورة (يس) فقرأ حتى بلغ {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ( [يس: 10] ، فقال غيلان: والله يا أمير المؤمنين لكأني لم أقرأها قطّ قبل اليوم، اشهد يا أمير المؤمنين أني تائب. فقال عمر: اللهم إن كان صادقاً فتب عليه وثبّته، وإن كان كاذباً فسلط عليه من لا يرحمه واجعله آية للمؤمنين، فأخذه هشام بن عبد الملك بعدما تولّى الحكم، فقطع يديه ورجليه وصلبه. وكان مصلوباً على باب دمشق وإذا سئل ما شأنك؟ قال: أصابتني دعوة الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز (41) . واختلف العلماء في سبب قتل هشام بن عبد الملك لغيلان، فيرى (ابن المرتضى الرافضي) أن هشاماً قتله، لأنه قد رآه ينادي على بيع ما في خزائنهم أيام ولاّه عليها عمر بن عبد العزيز وأنه يسبّ بني أمية، فأقسم ليقتلنّه إذا ولي هذا الأمر، فلما وليه نفّذ ما أقسم عليه وقتله، فيكون قتل هشام لغيلان سياسيّاً لا دينياً (42) . وأما بقية المؤرخين فيرون أن هشاماً قتله لقوله بالقدر. وأنه أحضر له الأوزاعي فسأله في ثلاث مسائل لم يجب غيلان على واحدة منها، فأخذه هشام وأمر به فقطعت يداه ورجلاه فمات، وقيل صُلب حيّا على باب (كيسان) بدمشق. ويذكر ابن نباته هذه المناظرة فيقول (43) : لمّا بلغ هشام بن عبد الملك مقالة غيلان في القدر (44) أرسل إليه وسأله: يا غيلان ما هذه المقالة التي بلغتني عنك في القدر؟ فقال: يا أمير المؤمنين هو ما بلغك، فأحضر من أحببت يحاجّني، فإن غلبني ضربت رقبتي. فأحضر الأوزاعي، فقال له الأوزاعي: يا غيلان، إن شئت ألقيت سبعاً، وإن شئت خمساً، وإن شئت ثلاثاً. فقال غيلان: ألق ثلاثاً، - أي ثلاثة أسئلة- فقال له الأوزاعي: أقضى الله على عبد ما نهى عنه؟. قال غيلان: ما أدري ما تقول. فقال الأوزاعي: (فأمَر الله بأمر حال دونه؟) . قال غيلان: هذه أشدّ من الأولى. فقال الأوزاعي: (فحرّم الله حراماً ثم أحلّه؟) . قال غيلان: ما أدري ما تقول؟ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 498 فأمر به هشام فقطعت يداه ورجلاه فمات. وهناك مناظرتان جاء ذكرهما في شرح العقيدة الطحاوية (45) . جاء في الأولى عن عمر بن الهيثم (46) . قال: خرجنا في سفينة وصحبنا فيها قدريّ ومجوسيّ، فقال القدريّ للمجوسيّ: أسلم، قال المجوسي: حتى يريد الله. فقال القدريّ: إن الله يريد، ولكن الشيطان لا يريد، قال المجوسي: أراد الله وأراد الشيطان، فكان ما أراد الشيطان! هذا شيطان قويّ، وفي رواية أنه قال: فأنا مع أقواهما. أما الثانية فجاء فيها: أن أعرابياً وقف على حلقة فيها عمرو بن عبيد (47) من شيوخ المعتزلة فقال: يا هؤلاء إن ناقتي قد سرقت، فادعوا الله أن يردّها عليّ، فقال عمرو بن عبيد: اللهم إنك لم ترد أن تُسرق ناقته فسرقت، فارددها عليه، فقال الأعرابي: لا حاجة لي في دعائك، قال: ولمَ؟ قال: أخاف كما أراد أن لا تسرق فسرقت أن يريد ردّها فلا تردّ. ويروى في هذا المقام أن علياً - رضي الله عنه - مرّ بقدريّ، وهو يتكلم في القدر، فقال له: (أبا الله تقدر، أم مع الله أم دون الله؟) . فسكت الرجل ولم يعلم بماذا يجيب. فقال له t: (إن قلت دون الله كفرت، وإن قلت مع الله أشركت، وإن قلت بالله أصبت فقال الرجل: بالله أقدر، فقال له: لو قلت غيرها ضربت عنقك (48) . فبهذا القول تتم البراءة من القدرية والجبرية كذلك، لأن الجبري لا يقول أقدر بالله ولا بغيره فيؤديه مذهبه إلى تعطيل الاكتساب والعبادات، ومذهب أهل الحق التوسط، يشتمل على التوحيد في الأفعال والأدب مع الفعّال (49) . ويروى كذلك في هذا الشأن عن عليّ - رضي الله عنه - أن قائلاً قال له عند انصرافه من صفين: أرأيت مسيرنا إلى صفين أبقضاء وقدر؟ فقال علي - رضي الله عنه -: والله ما علونا جبلا ولا هبطنا واديا ولا خطونا خطوة إلا بقضاء وقدر. فقال الشيخ: عند الله احتسب عنائي إذن مالي أجر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 499 فقال له علي: يا شيخ فإن هذا قول أولياء الشيطان وخصماء الرحمن قدرية هذه الأمة ومجوسها. فإن الله أمر تخييراً ونهى تحذيراً لم يُعص مغلوباً ولم يطع مكرهاً. فضحك الشيخ ونهض مسرورا ثم قال (50) : يوم القيامة من ذي العرش رضوانا أنت الإمام الذي نرجو بطاعته جزاك ربك عنّا فيه إحسانا أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا ومن المناظرات في القدر ما يروى أن غيلان القدري دخل مجلساً فقال على وجه التحرش للمناظرة: سبحان من تنزه عن الفحشاء. فأجابه ربيعة بن أبي عبد الرحمن (51) وقد فهم قصده: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء. فقال غيلان القدري: أيحب ربنا أن يعصى؟ فأجابه ربيعة: أيعصى ربنا كرها (52) ؟ وتروى هذه المناظرة كذلك على أنها وقعت بين أبي اسحق الإسفراييني والقاضي عبد الجبار الهمداني وكان رئيس المعتزلة في وقته حيث دخل مجلساً رأى فيه الإسفراييني فقال متحرشاً للمناظرة: سبحان من تنزه عن الفحشاء. فقال الإسفراييني: سبحان من لا يجري في ملكه إلا ما يشاء. فقال القاضي عبد الجبار: أيريد ربنا أن يعصى؟! فقال الإسفراييني: أيعصى ربنا كرها؟! فقال القاضي عبد الجبار: أرأيت إن منعني الهدى وقضى عليّ بالردى أحسن إليّ أم أساء؟ فأجابه الإسفراييني: إن كان قد منعك ما هو لك فقد أساء، وإن كان منعك ما هو له فيختص برحمته من يشاء. فقطعه بذلك (53) . رابعاً: معجزة انشقاق القمر في قوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر. وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ( [القمر: 1-2] . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 500 ذهب جمهور أهل السنة أن القمر قد انشق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن الله، معجزة له دالة على صدقه. وقال الحافظ ابن كثير: (لقد أجمع المسلمون على وقوع انشقاق القمر في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد جاءت بذلك الأحاديث المتواترة، من طرق متعددة تفيد القطع عند من أحاط بها ونظر فيها، وقد رويت الأحاديث الصحيحة في ذلك عن جمع من الصحابة هم أنس بن مالك وجبير بن مطعم وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين (54) . وذكر الألوسي الاختلاف في تواتر الأحاديث الواردة في انشقاق القمر، ونقل عن ابن السبكي قوله في شرحه لمختصر ابن الحاجب: الصحيح عندي أنّ انشقاق القمر متواتر منصوص عليه في القرآن، مرويّ في الصحيحين وغيرهما من طرق شتى بحيث لا يمترى في تواتره) (55) . وذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني الإجماع على انشقاق القمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن الله، معجزة من الله تعالى، وتصديقا لرسوله (56) . وحتى لو شكّك بعض المعاصرين في وقوع هذه المعجزة وفسّر الآية على أنّ انشقاق القمر إنما يكون علامة على اقتراب الساعة قبل يوم القيامة (57) فإن معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم عديدة، وفي مقدمتها القرآن الكريم المعجزة الخالدة الباقية، ونقرر هنا إيماننا بمعجزة انشقاق القمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع على ذلك علماء الإسلام ولم تظهر مثل تلك التأويلات المحدثة إلاّ عند نفر من بعض المعاصرين الذين تأثروا بالأفكار الوافدة، وكأنّ من روى هذه الروايات عندهؤلاء لا يستطيع التفريق بين خسوف القمر المعتاد، ومعجزة انشقاقه. ومع ذلك فتذكر لنا الكتب الشرعية تلك المناظرة الجميلة في إثبات هذه المعجزة الإلهية، والتي وقعت بين الإمام الباقلاني (58) وبين إمبراطور الروم في ذلك العهد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 1 قال الإمبراطور: هذا الذي تدّعونه في معجزات نبيّكم من انشقاق القمر، كيف هو عندكم؟ أجاب الباقلاني: هو صحيح عندنا، انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأى الناس ذلك، وإنما رآه الحضور ومن اتفق نظره إليه في تلك الحال. فقال الإمبراطور: وكيف لم يره جميع الناس؟ قال الباقلاني: لأن الناس لم يكونوا على أهبة وموعد لانشقاقه تلك الساعة. فقال الإمبراطور: وهذا القمر بينكم وبينه نسبة وقرابة؟! لأيّ شئ لم تعرفه الروم وسائر الناس، ورأيتموه أنتم خاصّة؟! قال الباقلاني: وهذه المائدة (59) بينكم وبينها نسبة، وأنتم رأيتموها دون اليهود والمجوس وأهل الإلحاد، فإنهم كلهم منكرون لهذا الشأن، وأنتم رأيتموها دون غيركم؟! ثم قال له: أتقول إن الخسوف إذن كان يراه جميع أهل الأرض، أم يراه أهل الإقليم الذي بمحاذاته؟ قال: لا يراه إلا من كان في محاذاته. ثم قال له: ولكن مثل هذا الخبر يلزم أن ينقله الجمّ الغفير! فأجاب: يلزمكم في نزول المائدة ما يلزمني في انشقاق القمر. فبهت الملك ومن كان معه من النصارى في ذلك المجلس (60) . ومما يروى في المناظرات مع النصارى كذلك ما ورد عن حاطب ابن أبي بلتعة (61) t أنه لما دخل على المقوقس النصراني ملك الإسكندرية رسولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فسأله المقوقس عن الحرب بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومه، فأخبره أنها بينهم سجال، فقال المقوقس يخاطب ابن أبي بلتعة:" أنبيّ الله يُغلب "؟! فقال حاطب:" أنبيّ الله يُصلب"؟! فكان هذا الجواب قطعاً للنصراني بما يعتقده في حق عيسى عليه السلام (62) . خامساً: قتل المسلم بالكافر في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ( [البقرة: 178] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 2 اختلف العلماء في قتل الحر بالعبد وقتل المسلم بالذميّ، فذهب جمهور العلماء إلى عدم قتل الحر بالعبد وعدم قتل المسلم بالذميّ، وذهب أبو حنيفة إلى أن المسلم يقتل بالذميّ أو المعاهد ولكل أدلته من الكتاب والسنة والقياس (63) . وقد وقعت مناظرة بين أحد أتباع أبي حنيفة وآخر من فقهاء الشافعية في هذه المسألة ذكرها الإمام ابن العربي. ونوردها فيما يلي: قال الإمام ابن العربي: ورد علينا بالمسجد الأقصى سنة 487هـ فقيه من عظماء أصحاب أبي حنيفة يعرف بالزوزني (64) زائراً للخليل صلوات الله عليه، فحضرنا في حرم الصخرة المقدسة طهرها الله معه (65) . وشهد علماء البلد، فسئل على العادة - في إكرام العلماء بالسؤال - عن قتل المسلم بالكافر (66) . فقال: يقتل به قصاصاً، فطولب بالدليل، فقال: الدليل عليه قوله تعالى:) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ( [البقرة: 178] وهذا عام في كل قتيل. فانتدب معه للكلام فقيه الشافعية عطاء المقدسي (67) ، وقال: ما استدل به الشيخ الإمام لا حجة له فيه من ثلاثة أوجه: (1) إن الله سبحانه قال: كتب عليكم القصاص، فشرط المساواة في المجازاة، ولا مساواة بين المسلم والكافر، فإن الكفر حطّ منزلته، ووضع مرتبته. (2) إن الله سبحانه ربط آخر الآية بأولها وجعل بيانها عند تمامها فقال: } كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى {، فإذا نقص العبد عن الحر بالرق وهو من آثار الكفر، فأحرى وأولى أن ينقص عنه الكافر. (3) إن الله سبحانه وتعالى قال: {فمن عفي له من أخيه شئ فاتّباع بالمعروف ( [البقرة: 178] ولا مؤاخاة بين المسلم والكافر، فدل على عدم دخوله في هذا القول. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 فقال الزوزني: بل ذلك دليل صحيح، وما اعترضت به لا يلزمني منه شئ، أما قولك: إنّ الله تعالى شرط المساواة في المجازاة فكذلك أقول. وأما دعواك أن المساواة بين الكافر والمسلم في القصاص غير معروفة فغير صحيح، فإنهما متساويان في الحرمة التي تكفي في القصاص، وهي حرمة الدم الثابتة على التأبيد، فإن الذميّ محقون الدم على التأبيد، والمسلم محقون الدم على التأبيد، وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام، والذي يحقق ذلك أن المسلم يقطع بسرقة مال الذميّ، وهذا يدل على أن مال الذميّ قد ساوى مال المسلم، فدل على مساواته لدمه، إذ المال إنما يحرم بحرمة مالكه. وأما قولك إن الله تعالى ربط آخر الآية بأولها فغير مسلّم، فإن أول الآية عام وآخرها خاص، وخصوص آخرها لا يمنع من عموم أولها، بل يجري كل على حكمه من عموم أو خصوص (68) . وأما قولك إن الحر لا يقتل بالعبد، فلا أسلم به، بل يقتل به عندي قصاصا، فتعلقت بدعوى لا تصح لك. وأما قولك:} فمن عفي له من أخيه شيء {، يعني المسلم، فكذلك أقول، ولكن هذا خصوص في العفو، فلا يمنع من عموم ورود القصاص، فإنهما قضيّتان متباينتان، فعموم إحداهما لا يمنع من خصوص الأخرى، ولا خصوص هذه يناقض عموم تلك، وقال ابن العربي: وجرت في ذلك مناظرة عظيمة حصّلنا منها فوائد جمّة أثبتناها في نزهة الناظر، وهذا المقدار يكفي هنا منها) (69) . ويجيب الشافعية على اعتراضات الحنفية هذه بأن نقص العبد عن الحر في القصاص مسلّم به عند الحنفية في الأعضاء، فلا يقطعون الحر بالعبد، وأما قطع يد المسلم بسرقة مال الذميّ فهذا القطع إنما هو بسبب الخيانة، ويذكرون في هذا المقام بيت الشعر الذي قاله أبو العلاء المعري (70) : ما بالها قطعت في ربع دينار يدٌ بخمسمئين عسجد وديت فيجيبه القاضي عبد الوهاب المالكي (71) : ذلّ الخيانة فافهم حكمه الباري عزّ الأمانة أغلاها وأرخصها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 4 كما يستدل كل فريق بأدلة من السنة، ويشهد للجمهور قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يقتل مسلم بكافر) (72) ولكن الحنفية يؤولون معنى كلمة الكافر هنا بأنه الكافر الحربي وليس الذميّ، وهو مستبعد، لأنّه لا يتصوّر عاقل وجود القصاص بين المسلم والكافر الحربي. ولا يعني عدم القتل عند الجمهور عدم المساءلة، بل يعاقب بما دون القتل وتلزمه الديّة. وممّا يؤكّد صحة ما ذهب إليه الجمهور المناسبة (73) التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقتل مسلم بكافر) لأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام خطب المسلمين يوم الفتح، بسبب القتيل الذي قتلته خزاعة، وكان له عهد، فخطب عليه الصلاة والسلام الناس وقال: لو قتلت مؤمنا بكافر لقتلته به، وقال: (لايقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلت حراشا بالهذلي) (74) . سادساً: تكفير مرتكب الكبيرة نزلت بعض الآيات القرآنية تذكر عقوبة بعض أصحاب الكبائر، وتتوعدهم بعذاب جهنم خالدين فيها. فقد قال الله تعالى في عقوبة قتل النفس المؤمنة: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما ( [النساء: 93] . وقال - سبحانه وتعالى - في عقوبة من يولّ الكفار دبره يوم الزحف: {ومن يولّهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ( [الأنفال: 16] . وقد فهم بعض أصحاب الفرق الإسلامية كالخوارج والمعتزلة أن هذا الوعد حتم لازم لا بدّ من تحققه، فحكم الخوارج بكفر مرتكب الكبيرة، وذهب المعتزلة إلى جعله في منزلة بين الكفر والإيمان (75) . أما أهل السنة فمذهبهم أنهم لا يكفّرون أحدا من أهل الملة بذنب ما لم يستحلّه (76) . وقد وقعت مناظرة في هذه المسألة بين الإمام أبي حنيفة وبعض الخوارج نوردها فيما يلي: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 لما بلغ الخوارج أن أبا حنيفة لا يكفّر أحدا بذنب ما لم يستحله، اجتمع إليه سبعون منهم، فدخلوا عليه وسلّوا سيوفهم وأرادوا قتله. فقال لهم أبو حنيفة: اغمدوا سيوفكم واسمعوا لي وناظروني. فقالوا: معنا جنازتان إحداهما جنازة رجل شرب الخمر حتى مات منه، والأخرى جنازة امرأة زنت فحبلت ثم قتلت نفسها، ما تقول فيهما؟ فقال أبو حنيفة: من أيّ الملل كانا؟ من اليهود أو النصارى أو المجوس؟ قالوا: لا. قال: من أيّ الملل؟ قالوا: من الملة التي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. قال: فأخبروني عن هذه الشهادة، كم هي من الإيمان؟ أثلث أم ربع (77) . قالوا: لا، فإن الإيمان لا يكون له ثلث وربع. قال: فكم هي من الإيمان؟ قالوا: كلّه، ثم قالوا: دعنا من هذا فما تقول فيهما، هل هما من أهل الجنة أو من أهل النار؟ فقال: إني أقول فيهما كما قال نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيمن كان أعظم جرما منهما: {فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ( [إبراهيم: 36] ، وأقول فيهما ما قال عيسى عليه الصلاة والسلام:) إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ( [المائدة: 118] . وقد كانوا أعظم جرما منهما، وأقول ما قال نوح عليه الصلاة والسلام: {قال: وما علمي بما كانوا يعملون. إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون. وما أنا بطارد المؤمنين ( [الشعراء: 112، 114] . وأقول فيهما ما قال نوح عليه السلام: {ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا، الله أعلم بما في أنفسهم إني إذاً لمن الظالمين ( [هود: 31] . فألقى الخوارج سلاحهم، وتركوا عقيدة الخوارج، وتبعوا عقيدة جماعة المسلمين (78) . سابعاً: القراءة خلف الإمام في قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ( [الأعراف: 204] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 روي عن عبد الله بن مسعود وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وابن شهاب الزهري وغيرهم أن الآية نزلت في الصلاة، والمراد بذلك قراءة المأموم خلف الإمام في الصلاة (79) . فقد روي عن أبي هريرة أن المسلمين كانوا يتكلمون في الصلاة فلما نزلت هذه الآية {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا (والآية الأخرى) وقوموا لله قانتين ( [البقرة: 238] . أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام (80) . وروى ابن شهاب الزهري أن هذه الآية نزلت في فتى من الأنصار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ شيئا قرأه فنزلت:) وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ( [الأعراف: 204] . وقد اختلف العلماء في حكم القراءة خلف الإمام ولكل أدلته (81) . فقد ذهب الشافعية إلى وجوب قراءة الفاتحة من المأموم في كل صلاة سرّية أو جهرية. وذهب الحنفية إلى عدم وجوب القراءة من المأموم مطلقا في كل صلاة سرّية أو جهرية. وقال المالكية والحنابلة يقرأ في السرية ولا يقرأ في الجهرية. وقد وقعت مناظرة بين أبي حنيفة وبين جمع من القائلين بوجوب القراءة من المأموم على كل حال، ونوجز هذه المناظرة كما يلي: جاء جماعة إلى أبي حنيفة ليناظروه في القراءة خلف الإمام فقال لهم: لا يمكنني مناظرة الجميع، فاختاروا أعلمكم لأناظره، فاختاروا واحدا منهم، فقال أبو حنيفة: هذا أعلمكم، فقالوا: نعم، قال: والمناظرة معه كالمناظرة معكم؟ قالوا: نعم، قال: والحجة عليه كالحجة عليكم؟ قالوا: نعم، فقال: إن ناظرته لزمتكم الحجة في المسألة. قالوا: كيف؟ قال: لأنكم اخترتموه فجعلتم كلامه كلامكم، وكذا نحن اخترنا الإمام فقراءته قراءتنا، وهو ينوب عنّا في ذلك كله، فأقرّوا بذلك (82) . ومن أدلة الجمهور القوية في عدم وجوب القراءة من المأموم خلف الإمام ما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبّر فكبّروا وإذا قرأ فأنصتوا (83) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 وكذلك فإن العلماء قد اتفقوا على أن من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة. فنقول: هب أن هذا المأموم كان يلعب الكرة في الشارع وجاء إلى الإمام في ركوعه، فكيف تقولون بصحة صلاته، أما المأموم الذي أنصت لقراءة الإمام وهو في الصلاة فصلاته باطلة لأنه لم يقرأ الفاتحة؟! وقد أجاب الشافعية بأن المأموم كان متمكنا من القراءة أما المسبوق فلم يتمكن (84) ، ونقول: متى كان الفعل صحيحا إذا لم نتمكن من فعله؟ ويتبع هذه المسألة مناظرة أخرى فيمن تكلّم وهو في الصلاة بكلام من خارج أعمال الصلاة أو قهقه في الصلاة. فعند عامّة أهل العلم أن من فعل ذلك فقد بطلت صلاته وبقي وضوؤه صحيحا. وذهب أبو حنيفة إلى أن القهقهة في الصلاة تبطل الصلاة والوضوء جميعا (85) . وقد وقعت مناظرة بين الحسن بن زياد اللؤلؤي (86) من الحنفية وأحد أصحاب الشافعي في هذه المسألة. وموجز هذه المناظرة كما يلي: قال الشافعي: قال لي الفضل بن الربيع (87) . أحبّ أن أسمع مناظرتك للحسن بن زياد اللؤلؤي، فقال الشافعي: ليس اللؤلؤي في هذا الحدّ، ولكن أٌحضرُ بعض أصحابي حتى يكلمه بحضرتك، فقال: ولك ذلك. فحضر الشافعي، وأحضر معه رجلا من أصحابه، من أهل الكوفة، كان على مذهب أبي حنيفة وصار من الشافعية. فلما دخل اللؤلؤي أقبل الكوفي عليه والشافعي حاضر بحضرة الفضل بن الربيع فقال له: إن أهل المدينة ينكرون على أصحابنا بعض قولهم، وأريد أن أسأل عن مسألة من ذلك. فقال اللؤلؤي: سلْ. فقال له: ما تقول في رجل قذف محصنة وهو في الصلاة؟ فقال: صلاته فاسدة. فقال: فما حال طهارته؟ قال: طهارته بحالها، ولا ينقض قذفه طهارته. فقال له: فما تقول إن ضحك في صلاته؟ قال: يعيد الطهارة والصلاة. فقال له: فقذف المحصنة في الصلاة أيسر من الضحك فيها؟! فقال له: وقفنا في هذا، ثم مضى. فاستضحك الفضل بن الربيع، فقال له الشافعي: ألم أقل لك إنه ليس في هذا الحدّ؟! (88) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 ونلاحظ في هذه المناظرة الاعتماد على القياس، ولكنّ حجّة الحنفية ورود النص في إعادة الوضوء لمن قهقه في صلاته، ولا قياس مع النص. فقد وردت عدّة نصوص من السنة عند الحنفية بعضها مسند وبعضها مرسل فاحتجّوا بهذه الروايات على ما ذهبوا إليه (89) . ولكنّ الشافعية ضعّفوا هذه الروايات، فلم يأخذوا بها، وقدّموا عليها القياس كما جاء في المناظرة، إضافة إلى أنهم استدلوا برواية أخرجها الدارقطني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء) (90) . الخاتمة والنتائج: من خلال الاطلاع على هذا البحث يمكن القول إنّ اعتماد الحجة والدليل هو منهج علماء هذه الأمة في الوصول إلى الحق، فعندما يرى العالم المخلص أن الدليل مع غيره فإنه يسلّم به ويأخذ به وإن كان مخالفاً لما كان يذهب إليه من قبل. كما يتضح لدينا سعة صدور العلماء، وفسحهم المجال لمن يخالفونهم الرأي في عرض آرائهم وتوضيحها. وقد رأينا رجوع القاضي أبي يوسف إلى مذهب الجمهور في مسألة الوقوف والأحباس بعد مناظرته مع الإمام مالك، ورجوع (زفر) في مسألة قتل المسلم بالذمّي إلى رأي الجمهور. ويظهر لدينا كذلك إلزام الخصم بالدليل العقلي حال عدم اعترافه بالدليل الشرعي كما في معجزة انشقاق القمر. ونلاحظ استعمال القياس، وسرد الاحتمالات وتفنيد الباطل منها، في مسألة القدر وحكم القراءة خلف الإمام. ومن ذلك كلّه نستطيع القول إنّ علماء الإسلام ضربوا أروع الأمثلة في الاستدلال على مذهبهم من النقل والعقل والقياس. الهوامش والتعليقات (1) الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، ت370هـ، تهذيب اللغة، تحقيق: د. عبد الحليم النجار، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، (مادة حجج) ، (3/387- 390) سنة 1384هـ، 1964م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 الزبيدي، محبّ الدين أبو الفيض السيّد محمد مرتضى، ت1205هـ، تاج العروس من جواهر القاموس، 20ج، تحقيق علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، (مادة حجج) ، (3/315) سنة 1414هـ، 1994م. (2) الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد، ت502هـ، المفردات، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت (ص107) . (3) أخرجه البخاري، محمد بن إسماعيل، ت256هـ، صحيح البخاري، بيت الأفكار الدولية، الرياض، (كتاب القدر، باب تحاجّ آدم وموسى عند الله، ص1264) ، وأخرجه في الأنبياء باب وفاة موسى، وفي تفسير سورة طه، باب قوله تعالى: (واصطنعتك لنفسي) . وأخرجه مسلم بن الحجاج النيسابوري، ت261هـ، صحيح مسلم، 5ج، - حرف ج يعني مجلّد- دار ابن حزم، بيروت (كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام، رقم 2652) . (4) (المزني: هو إسماعيل بن يحيى المزني، صاحب الإمام الشافعي، من أهل مصر، من كتبه (الجامع الكبير، الجامع الصغير) ، وقال فيه الشافعي ناصر مذهبي، وقال في قوة حجته (لو ناظر الشيطان لغلبه) . الزركلي، خير الدين: الأعلام، 8ج، دار العلم للملايين-بيروت، ط5 سنة 1980م، (1/329) ، ابن خلّكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، 7ج، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة-بيروت، (1/71) . (5) القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد، ت671هـ، الجامع لأحكام القرآن، 10ج، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (3/286) (6) الجويني، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف، ت478هـ، الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، تحقيق د. محمد يوسف موسى، علي عبد المنعم عبد الحميد، مكتبة الخانجي، القاهرة، (ص108) ، سنة 1369هـ، 1950م. (7) الذهبي، محمد حسين، ت1976م، التفسير والمفسّرون، 3ج، (1/295) . (8) العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، ت852هـ، لسان الميزان، 8ج، دار الفكر، بيروت، (4/724) ، سنة 1408هـ، 1988م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 (9) ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله: فانون التأويل، دراسة وتحقيق محمد السليماني، دار القبلة للثقافة الإسلامية-جدة، ط1، 1406هـ – 1986م، ص441 ورد عنده في الكتاب بدل أبي عتبة (أبو عقبة الحنفيّ) . (10) ذكره ابن العربي في قانون التأويل ص439، وجاء في نسختي أ، م من مخطوطة الكتاب (القاضي الزنجاني) كما ذكر ذلك محقق الكتاب، د. السليماني. (11) مدارع: جمع مدرعة وهي ثوب من صوف، أو جُبّة مشقوقة المقدّم. (إبراهيم، مصطفى، ومن معه، المعجم الوسيط، ط2 مجمع اللغة العربية-القاهرة (مادة درع) . (12) الشطّار جمع شاطر وهو الخبيث الفاجر، وعند الصوفية: السابق المسرع إلى الله (مصطفى، إبراهيم، ورفاقه) المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية-القاهرة ط2، مادة شطر ص482. وفي الفيروز أبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب: القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة-بيروت، ط5، 1416هـ - 1996م. الشاطر: من أعيا أهله خبثا، وشطر عنهم: نزح عنهم مراغما (مادة شطر، ص533) . (13) صاغان: قرية بمرو، وقد تسمّى جاغان، والصغانيان بلاد بما وراء النهر متّصلة الأعمال بترمذ، وهي شديدة العمارة كثيرة الخيرات، والنّاحية مثل فلسطين. الحموي، أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله، ت 626هـ، 1228م، معجم البلدان، 5ج، دار إحياء التراث العربي-بيروت، 1399هـ – 1979م، (3/389، 408) . (14) هي قراءة حمزة والكسائي وخلف. ابن الجزري، الحافظ أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي، ت833هـ، النشر في القراءات العشر، 2ج، دار الكتب العلمية-بيروت، (2/227) . (15) ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله، ت543هـ، أحكام القرآن، 4ج، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، (1/107) ، القرطبي، (2/231) . (16) الجصاص، أبوبكر أحمد بن علي الرازي، ت370هـ، أحكام القرآن، 5ج، تحقيق محمد الصادق قمحاوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (1/323) ، سنة 1405هـ، 1985م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 (17) البخاري، عبد العزيز، كشف الأسرار على أصول البزدوي، 4ج، جامعة استانبول، شركة الصحافة العثمانية، (1/306) ، سنة 1308هـ. (18) الخضري، محمد، أصول الفقه، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، ص208 وما بعدها. الصالح، محمد أديب، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، 2ج، المكتب الإسلامي، بيروت، (2/99) . (19) الخنّ، مصطفى سعيد، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، (ص198وما بعدها) ، سنة 1402هـ، 1983م. (20) ابن العربي، قانون التأويل، (ص440) . (21) هو: مجلّي بن جميع القرشي المخزومي أبو المعالي، صاحب كتاب ((الذخائر في فروع الشافعية)) إليه كانت ترجع الفتوى بمصر. ابن السبكي، عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي: طبقات الشافعية، 10ج، تحقيق عبد الفتاح الحلو، محمد الطناحي، عيسى البابي الحلبي-القاهرة، 1383هـ. ابن العماد الحنبلي، أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي، ت1089هـ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، 8ج، دار الفكر-بيروت، (4/157) . (22) يشير إلى ابن حزم، وانظر: ابن حزم الأندلسي، علي بن أحمد بن سعيد: المحلى، 11ج، تحقيق أحمد شاكر، دار التراث-القاهرة (7/262) ، حيث وافق الحنفية في المسألة. (23) روي عن أبي حنيفة قوله: إنّ الخاص لا يقضي على العام، بل يجوز أن يُنسخ الخاص بالعام، مثل حديث العرنيين في بول ما يؤكل لحمه، نُسخ وهو خاص، بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((استنزهوا من البول)) . الصالح، محمد أديب (2/109) . ابن قدامة، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد، ت620هـ، روضة الناظر وجنّة المناظر في أصول الفقه، مكتبة الكليات الأزهرية-القاهرة (2/159) . وحديث العرنيين في الصحيحين، انظر: العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، 13ج، إدارات البحوث العلمية والإفتاء-الرياض، رقم 4610. والنووي، محي الدين يحيى بن شرف: شرح صحيح مسلم، دار الفكر-بيروت (11/153) في القسامة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 وحديث ((استنزهوا من البول)) أخرجه الدارقطني، علي بن عمر: سنن الدارقطني، تصحيح عبد الله المدني، دار المحاسن للطباعة-القاهرة، باب نجاسة البول والأمر بالتنزه منه، والحكم في بول ما يؤكل لحمه (1/127) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 2ج، المكتب الإسلامي-بيروت، ط2، 1399هـ، رقم 3002. (24) أي لم يسر على مقتضى قوله. (25) ابن كثير، الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير: تفسير القرآن العظيم،4ج، دار المعرفة-بيروت،1403هـ - 1983م، (2/106) . أبو حيّان الأندلسي، محمد بن يوسف: البحر المحيط، 8ج، دار الفكر-بيروت، ط2، 1403هـ - 1983م، (4/231) ، القرطبي (6/336) . (26) يشكك بعض العلماء في اجتماع مالك وأبي يوسف بحضرة الرشيد، لأن الإمام مالك لم يذهب إلى بغداد في عهد الرشيد، ولكن من الممكن أن هذا الاجتماع وقع في موسم الحج، وخاصّة أن راوي الحادثة هو المحدّث ابن أبي حاتم الرازي. (27) يقال وقف الشئ وحبسه وأحبسه، وسبّله بمعنى واحد، وهو ما اختص به المسلمون، ومن القرب المندوب إليها. وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، ويصح الوقوف بالقول والفعل الدال عليه، كمن جعل أرضه مسجداً وأذن للناس في الصلاة فيه، أو جعل أرضه مقبرة وأذن للناس في الدفن فيها. العاصمي النجدي، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم: حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع، 7ج، المطابع الأهلية-الرياض، ط1، 1397هـ، كتاب الوقف، (1/207) . أبو زهرة، محمد: محاضرات في الوقف، دار الفكر العربي-القاهرة، ط2، 1971م. (28) متفق على صحته، أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب الوقف كيف يكتب، ص535، ومسلم في صحيحه كتاب الوصية، باب الوقف، (3/1016) ، رقم 1632. وذكر الألباني طرقه ومن أخرجه من أصحاب السنن، انظر: الألباني، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، 9ج، المكتب الإسلامي، بيروت، (6/30) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 (29) ابن أبي حاتم الرازي، أبو محمد عبد الرحمن، ت327هـ، آداب الشافعي ومناقبه، تحقيق عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلمية، بيروت، (ص198) . (30) العسقلاني، فتح الباري، (5/401) . (31) البخاري، رقم2746، كتاب الوصايا، باب ما للوصيّ أن يعمل في مال اليتيم. (32) العسقلاني، فتح الباري، (5/402) . (33) القرطبي، (6/339) . (34) انظر: كتاب القدر لشيخ الإسلام ابن تيمية، المجلد الثامن ضمن مجموع الفتاوى، وقال الخطّابي: قد يحسب بعض الناس أن معنى القدر من الله والقضاء: معنى الإجبار والقهر للعبد على ما قضاه وقدّره، وليس كذلك، وإنما معناه: الإخبار عن تقدّم علم الله بما يكون من أفعال العباد، وصدورها من تقدير منه، وخلق لها خيرها وشرّها. ابن الأثير الجزري: جامع الأصول (10/104) . (35) والقدرية هم الذين كانوا يخوضون في القدر، ويذهبون إلى إنكاره، وأوّل القدرية على الراجح معبد الجهني المقتول سنة 80هـ، النووي، محيي الدين يحيى بن شرف، ت676هـ، شرح صحيح مسلم، دار الفكر، بيروت، (1/150) ، وجاء في شرح العقيدة الطحاوية (1/79) سمّوا قدرية لإنكارهم القدر، وكذلك تسمى الجبريّة، ولكنّ هذه التسمية على الطائفة الأولى أغلب. انظر: المحمود، عبد الرحمن بن صالح، القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة، دار الوطن، الرياض، ط2، (ص162) ،سنة 1418هـ،1997م. (36) رواه الطبراني وأبو داود عن ابن عمر مرفوعا، أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، ت275هـ، مراجعة وضبط محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، (4/222، كتاب السنة، باب في القدر رقم 4691) . العجلوني، إسماعيل بن محمد، ت1162هـ، كشف الخفاء ومزيل الإلباس، 2ج، تحقيق أحمد القلاّش، مؤسسة الرسالة، بيروت، (2/119، رقم 1861) ، سنة 1403هـ، 1983م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 ابن الأثير الجزري، أبو السعادات المبارك بن محمد، ت660هـ، جامع الأصول من أحاديث الرسول، 11ج، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة الحلواني، دمشق، (10/128) ، وممّا جاء فيه: إنّ القدرية لمّا اضافوا الخير إلى الله، والشر إلى العبيد أثبتوا قادرين خالقين للأفعال، كما اثبت المجوس إله النور وإله الظلمة. (37) روي عن أبي ذر - رضي الله عنه - أن هذه الآية نزلت في وفد نجران عندما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا، فنزلت الآيات إلى قوله تعالى {إنا كل شئ خلقناه بقدر (فقالوا: يا محمد يكتب علينا الذنب ويعذبنا؟ فقال: أنتم خصماء الله يوم القيامة. (الواحدي، أبو الحسن علي بن أحمد، ت468هـ، أسباب النزول، تحقيق كمال بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت (ص420) ، رقم 777، وسنده ضعيف، القرطبي (17/148) . وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء مشركوا قريش يخاصمون رسول الله في القدر، فنزلت: {يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسّ سقر. إنا كل شئ خلقناه بقدر ( [القمر: 48، 49] . المنذري، زكي الدين عبد العظيم، ت656هـ، مختصر صحيح مسلم، تحقيق الألباني، المكتب الإسلامي-بيروت، ط6، كتاب القدر ص486 رقم 1838، سنة 1407هـ، 1987م. (38) ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، ت273هـ، سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، (1/35، رقم92 في المقدمة، وله شاهد عند أبي داود من رواية ابن عمر – أبو داود، سنن أبي داود، رقم 4691) . وقال السهار نفوري في بذل المجهود (18/213) : هذا أحد أحاديث انتقدها سراج الدين القزويني وزعم أنّه موضوع، وقال الحافظ بن حجر فيما تعقّبه عليه: هذا حسّنه الترمذي، وصحّحه الحاكم، ورجاله رجال الصحيح، ثم ذكر له علّتين وأجاب عنهما، وقرّر أنّه لا يجوز الحكم عليه بالوضع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 وانظر: البنّا الساعاتي، أحمد عبد الرحمن، ت1952م، الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، 14ج، دار الشهاب القاهرة، حيث قال: حقّق الحافظ ابن حجر أنّ رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكلّ أمّة مجوس، ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم) ، أنّ هذا الحديث صحيح على شرط مسلم، وذكر الترمذي حديثاً آخر يقوّي هذه الروايات من رواية ابن عمر رضي الله عنهما وقال: حسن صحيح غريب، وقد جاء في المسند عدّة أحاديث في هذا الموضوع، الساعاتي (1/140) الأحاديث 38، 39، 40. (39) أخرجه أبو داود السجستاني، كتاب السنّة، باب في القدر، رقم 4629، أحمد في المسند، طبعة صادر (2/86) ، ابن الأثير الجزري في جامع الأصول10/129. وقال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية (2/358) : الصحيح أنّ غالب ما ورد في ذمّ القدرية إنما هو موقوف على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ هذه البدعة إنما ظهرت في زمنهم. (40) هو: غيلان بن مسلم الدمشقي، تنسب إليه فرقة الغيلانية من القدرية، وهو ثاني من تكلّم في القدر ودعا إليه، لم يسبقه سوى معبد الجهني، وكان غيلان يقول بالقدر خيره وشره من العبد، طلبه هشام بن عبد الملك، وأحضر الأوزاعي لمناظرته، فأفتى الأوزاعي بقتله، وصلب على باب كيسان بدمشق سنة 105هـ. الزركلي (5/124) ، العسقلاني، ابن حجر: لسان الميزان، دار الكتاب الإسلامي (4/424) . الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم: الملل والنحل، 2ج، تحقيق محمد سيّد الكيلاني، دار المعرفة-بيروت، ط2، 1395هـ – 1975م، (1/227) . (41) القرطبي (15/11) (42) الغرابي، علي مصطفى، تاريخ الفرق الإسلامية، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده، القاهرة، (ص23) ، سنة 1367هـ، 1948م. (43) الغرابي، ص39. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 (44) اشتهر غيلان بقوله بالقدر حتى دعاه المؤرخون (غيلان القدري) . وقيل إن أصل القول بالقدر إنمّا هو لرجل من أهل العراق كان نصرانياً فأسلم ثم تنصّر، وقيل اسمه (أبو يونس سنسويه) ونسب إلى غيلان كذلك قوله بخلق القرآن والإرجاع ونفي الصفات الثبوتية لله عز وجل. (الغرابي، ص33-35) . (45) ابن أبي العزّ الدمشقي، القاضي علي بن علي بن محمد، شرح العقيدة الطحاوية، 2ج، تحقيق عبد الله التركي، شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، (1/323) ، سنة 1408هـ، 1988م. (46) عمر بن الهيثم الهاشمي مجهول من الثامنة. العسقلاني، تقريب التهذيب، دار الرشيد-سوريا، ط1، 1986م، (1/418) . وقيل هو عمرو بن الهيثم بن قطن الزبيدي، روى عن أبي حنيفة ومالك، وروى عنه أحمد ويحيى بن معين، وقال أبو داود ثقة. العسقلاني، تهذيب التهذيب،14ج، دار الفكر-بيروت،1404هـ –1984م، (10/381) رقم 773. وقال محققا العقيدة الطحاوية لعلّ عمرو بن الهيثم هو المراد، وهو ثقة مات على رأس المائتين (التركي، الأرناؤوط، شرح العقيدة الطحاوية: 1/323) . (47) عمرو بن عبيد: أحد شيوخ المعتزلة، كان جده من سبي فارس وأبوه شرطياً للحجاج في البصرة، اشتهر بعلمه وزهده. قال فيه المنصور العباسي: (كلكم يمشي رويد، كلكم طالب صيد، غير عمرو بن عبيد) . قال فيه يحيى بن معين: كان من الدهرية الذين يقولون إنما الناس مثل الزرع. توفي سنة 144 هـ، ورثاه الخليفة المنصور العباسي ولم يسمع بخليفة رثى من دونه سواه. وقيل انه حج ماشيا أربعين سنة وبعيره يقاد يركبه الضعيف الفقير. الزركلي (5/81) . الذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان: ميزان الاعتدال، 4ج، تحقيق علي محمد البجاوي، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء-الرياض (2/294) . (48) السكوني، أبو علي عمر، عيون المناظرات، تحقيق سعد غراب، منشورات الجامعة التونسية، (ص176) سنة 1976م. (49) السكوني، (ص176) . (50) السكوني، (ص176) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 (51) ربيعة بن أبي عبد الرحمن: مفتي المدينة وعالم الوقت، أبو عبد الرحمن القرشي التيمي المشهور بربيعة الرأي، وكان من أئمة الاجتهاد وتوفي سنة 136هـ. الذهبي، شمس الدين محمد، ت748هـ، سير أعلام النبلاء، 24ج، مؤسسة الرسالة ط2، 1402هـ 1982م، (6/89) . (52) السكوني، (ص205) . (53) السكوني، (ص256) . (54) ابن كثير، عماد الدين إسماعيل، ت774هـ، البداية والنهاية، 14ج، مكتبة الفلاح، الرياض، (3/118) . ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، (4/260) ، الهمذاني، القاضي عبد الجبّار، ت415هـ، تثبيت دلائل النبوة، 2ج، تحقيق عبد الكريم العثمان، دار العربية، بيروت (1/58) . (55) الألوسي، شهاب الدين السيد محمود، ت1270هـ، 15ج، دار الفكر، بيروت، (27/74) ، سنة 1408هـ، 1987م. (56) العسقلاني، فتح الباري، 7/184، باب انشقاق القمر، وقد ذكر البخاري عدّة أحاديث في انشقاق القمر، انظر الأرقام: 3636، 3869، 3871، 4864، 4865. (57) انظر: المراغي، أحمد مصطفى: تفسير المراغي، 10ج، دار الفكر-بيروت (27/76) المجلد التاسع. وذهب ابن عاشور في تفسيره إلى أنه قد يكون حصل خسف عظيم في كرة القمر أحدث في وجهه هوّة لاحت للناظرين في صورة شقّ، ويجوز أن يكون قد مرّ بين سمت القمر وسمت الشمس جسم سماوي من بعض المذنبات حجب بعض ضوء الشمس عن وجه القمر على نحو ما يسمى بالخسوف الجزئي. ابن عاشور، محمد الطاهر: التحرير والتنوير، 30ج، الدار التونسية للنشر 1984م، (27/169) . وكلّ هذه الأقوال المحدثة من باب التكلّف المخالف لما ذهب إليه عامة المفسرين، وللأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الشأن. (58) هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد القاضي المعروف بابن الباقلاني، ولد في البصرة وسكن بغداد، واشتهر بالقدرة على الجدل والمناظرة. مالكي المذهب الفقهي، أشعريّ العقيدة. له تصانيف عديدة في الردّ على الرافضة والمعتزلة والجهمية والخوارج وغيرهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 توفي في ذي القعدة سنة 403هـ، وقال فيه ابن تيمية: القاضي أبو بكر الباقلاني المتكلم هو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري، ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده. ابن العماد الحنبلي، (3/168) . الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي، ت463هـ، تاريخ بغداد،14ج، دار الكتب العلمية-بيروت، (5/379) . ابن خلّكان، (3/400) رقم 580. ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، ت571هـ، 1176م، تبيين كذب المفتري، دار الكتاب العربي-بيروت 1399هـ 1979م، ص223. (59) يشير إلى المائدة التي أنزلها الله تعالى على عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء بالطعام، وهي مذكورة في سورة المائدة، الآيات 112-115.وقد ذكرت هذه المعجزة في إنجيل يوحنا اصحاح 18 آية 10. (60) بدوي، عبد الرحمن، مذاهب الإسلاميين، 2ج، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، (1/578) ،سنة 1982م، وقال: ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك وتقريب المسالك. (61) صحابي كريم شهد الوقائع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أشدّ الرماة. بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس، وخبره مشهور في نزول أوائل سورة الممتحنة. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، 4ج، دار الكتاب العربي-بيروت 1/300. (62) السكوني، (ص185) . (63) انظر: القرطبي، (2/249) ، ابن العربي، أحكام القرآن (1/161) ، الرازي، فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين القرشي، ت606هـ، التفسير الكبير، 16ج، دار الكتب العلمية، طهران، ط2، (5/51) . وانظر كتابنا: المصطفى من تفسير آيات الأحكام، ابن خزيمة، الرياض، ط1، (1/355) ، سنة 1411هـ، 1991م. (64) الزوزني: هناك أكثر من شخص يلقب بالزوزني، ولكن يغلب على اعتقادي لقرائن عدة أنه الشيخ أبو سعد أحمد بن محمد بن علي الزوزني، سمع القاضي أبا يعلى وأبا بكر الخطيب، وحدّث عنه ابن عساكر والسمعاني، توفي سنة 536هـ. الذهبي: سير أعلام النبلاء، (20/57) رقم 34. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 (65) وقد ألّف ابن العربي كتابا في رحلته إلى المشرق سطّر فيه ما شاهده عن أخلاق الشعوب وتمسّكها بدينها، وهذا الكتاب مفقود ولكن نقل بعض العلماء طرفاً منه، وجاء في كتابه: (قانون التأويل) شيء من ذلك، وممّا سجّل في هذه النقول إعجابه بأهل بيت المقدس علماً وعملاً واعتقاداً. القرطبي14/181، ابن العربي، قانون التأويل، ص440. (66) أي الكافر الذميّ أو المعاهد، أما الكافر الحربي فلا خلاف أن المسلم لا يقتل به. (67) فقيه القدس وقاضيها، وذكره ابن العربي في عارضة الأحوذي، دار الكتاب العربي-بيروت، (8/139) . ويسمّيه المقّري في نفح الطيب (ابن عطاء) ، المقري، أبو العباس أحمد بن محمد: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 8ج، تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر-بيروت، 1388هـ (2/247) . ومن الأشعار التي تنسب إلى صاحب الترجمة: يقولون لي دار الأحبة قد دنت وأنت كئيب إنّ ذا لعجيب فقلت وما تغني ديار قريبة إذا لم يكن بين القلوب قريب ابن العربي: عارضة الأحوذي، 13ج، -دار الكتاب العربي-بيروت، (8/140) . (68) وهذه القاعدة ترتب عليها العديد من المسائل الفقهية بين الجمهور من جهة والحنفية من جهة أخرى. فالجمهور يرون أن دلالة العام على جميع أفراده ظنية، أما الحنفية فيرون أن دلالته على جميع أفراده قطعية. ومن الأمثلة المترتبة على هذا الخلاف: زكاة الزروع والثمار، فالجمهور لا يرون الزكاة في أقل من خمسة أو سبعة أوسق كما لا يرون الزكاة في الخضروات، أما الحنفية فيأخذون بألفاظ العموم ويرون الزكاة في كل ما أنتجت الرجل قلّ أو كثر. الخنّ، مصطفى سعيد: أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء، مؤسسة الرسالة-بيروت ط3، 1403هـ 1983م، ص204 وما بعدها. (69) ابن العربي، أحكام القرآن (1/62) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 (70) المعرّي، أبو العلاء أحمد بن عبد الله، ت449هـ، 1057م، اللزوميات، شرح ابراهيم الأبياري، وزارة الثقافة والإشاد، القاهرة، (1/391) ، والبيت السابق على هذا البيت من الشعر قوله: تناقض ما لنا إلاّ السكوت له وأن نعوذ بمولانا من النار (71) ابن كثير، (2/56) . (72) أخرجه البخاري في صحيحه، في الديات، باب لا يقتل المسلم بالكافر، وفي الجهاد، باب فكاك الأسير، ص1318، رقم 6915. والترمذي في الديات، رقم1412، وانظر: ابن الأثير الجزري في جامع الأصول من أحاديث الرسول10/253، والشوكاني في نيل الأوطار، نشر إدارات البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، (7/151) وقد بسط الشوكاني القول في المسألة ورجّح رأي الجمهور. (73) العسقلاني، فتح الباري، (12/262) ، وذكر ابن حجر أنّ (زفر) رجع إلى مذهب الجمهور لقيام الشبهة، والخلاف في المسألة من أعظم الشبهات، وانظر الدارقطني: (3/137، رقم 170) ، حيث ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت قاتلا مؤمناً بكافر، لقتلت حراشا بالهذلي) لمّا قتل حراش رجلا من هذيل له عهد يوم الفتح بمكة، وجاء في التعليق المغني على هامش سنن الدارقطني للسهار نفوري قوله: " وهذا الإسناد وإن كان واهياً، لكنّه أمثل من رواية ابن البيلماني الذي احتجّ بها الحنفية، لأنّ حديث ابن البيلماني منقطع لا تقوم به حجة. وروى عبد الرزاق الصنعاني أنّ مسلماً قتل ذمّيا في عهد عثمان رضي الله عنه فلم يقتله به، وغلّظ عليه الدية، وقال ابن حزم هذا في غاية الصحة، ولا يصحّ عن أحد من الصحابة فيه شيء، إلاّ ما رويناه عن عمر أنّه كتب في مثل ذلك أن يُقاد به ثم ألحقه كتابا فقال: لا تقتلوه ولكن اعتقلوه. ابن حزم الظاهري، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد، ت456هـ، المحلّى، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة، (10/347) ، مسألة رقم 2021. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 الصنعاني، أبو بكر عبد الرزاق بن همّام، ت211هـ، المصنّف، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، باب قود المسلم بالذمّي، (10/102) ، سنة 1403هـ، 1983م. (74) الدارقطني، (3/137، رقم 170) ، وانظر: البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود الفرّاء، شرح السنة، 16ج، تحقيق شعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، (10/175) ، سنة1400هـ،1980م. (75) بدوي، عبد الرحمن، (1/64) . (76) ابن أبي العز الحنفي: شرح العقيدة الطحاوية (2/432) . ويحمل أهل السنّة ما جاء في الآيات والأحاديث من الوعيد على التهديد، لأن العفو عن أهل الإيمان على ضوء عامة النصوص هو المأمول من ربّ العالمين والعصاة من المؤمنين هم على مشيئة الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم. (77) عند أبي حنيفة الإيمان لا يتجزأ أي أنه لا يزيد ولا ينقص، ومذهب جمهور العلماء أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وأنه قول واعتقاد وعمل. وقد ذهب ابن تيمية إلى التوفيق بين الحنفية والجمهور فقال: إن الخلاف بين أبي حنيفة والجمهور خلاف لفظي، لأن الحنفية يرتبون على الأعمال ثوابا وعقابا خلافا للمرجئة. ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم: مجموع الفتاوى، 37ج، جمع عبد الرحمن بن محمد القاسم، الرئاسة العامة لشؤون الحرمين-الرياض، كتاب الإيمان (7/297) . ابن أبي العز الحنفي 2/462، حيث قال: إن خلاف أبي حنيفة مع الجمهور في هذه المسائل خلاف صوري. (78) المكي، الإمام الموفّق بن أحمد، والإمام الكردري، حافظ الدين، مناقب أبي حنيفة، دار الكتاب العربي، بيروت، (2/181) ، سنة 1401هـ، 1981م. (79) ابن كثير، (2/280) ، القرطبي، (7/353) ، الشوكاني، محمد بن علي، ت1250هـ، فتح القدير، 5ج، دار الفكر، بيروت، (2/282) ، سنة 1403هـ، 1983م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 (80) السيوطي، جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال، ت911هـ، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، 8ج، دار الفكر، بيروت، (3/634) ، سنة 1409هـ، 1988م. (81) القرطبي، (1/181) ، الألوسي، (9/153) . (82) المكي، الكردري، (1/152) . (83) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التشهد (1/254) ، باب ائتمام المأموم بالإمام (1/258) رقم 411، وأحمد في المسند، (2/376) ، والمنذري في مختصر صحيح مسلم، ص79 رقم 276. (84) الشوكاني، نيل الأوطار، (2/240) . (85) ابن عابدين، محمد أمين بن عابدين الدمشقي الحنفي، ت1252هـ، 1836م، ردّ المحتار على الدرّ المختار، (حاشية ابن عابدين) ، 8ج، دار إحياء التراث العربي، بيروت (1/144) . (86) قاض فقيه مولى الأنصار من أتباع أبي حنيفة، أخذ عنه وسمع منه، ولي القضاء بالكوفة سنة 194هـ ثم استعفى. من كتبه (أدب القاضي) و (الأمالي) وتوفي سنة 204هـ. الزركلي (1/191) . الخطيب البغدادي (7/314) . الذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان: ميزان الاعتدال، 4ج، تحقيق علي محمد البجاوي، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء (1/229) . وانظر: حامد، عبد الستار: الحسن بن زياد وفقهه بين معاصريه، دار الرسالة-بغداد،1400هـ. (87) هو أبو العباس العثماني البغدادي، حاجب الرشيد ثم وزيره، وهو الذي قام بأعباء خلافة الأمين، وكانت بينه وبين البرامكة ضغائن وشحناء، وقد دخل يوما على يحيى بن خالد البرمكي وابنه جعفر يوقّع بين يديه على عرائض الناس وطلباتهم، فعرض عليه الفضل عشر رقاع للناس، فلم يوقّع منهن واحدة، فجمع رقاعه وقال: ارجعن خائبات، وخرج وهو يقول: بتصريف حال والزمان عثور عسى وعسى يثني الزمان عنانه ويحدث من بعد الأمور أمور فنقضي لبانات وتشفى حسايف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 والحسائف: الضغائن، فقال له يحيى: عزمت عليك يا أبا العباس أن ترجع فرجع، فوقّع له فيها كلها. ولم يمتد أمر البرامكة بعد ذلك، وكانت نكبتهم على يد الفضل. وهو من أحفاد أبي فروة ((كيسان)) مولى عثمان رضي الله عنه، قال فيه أبو نواس: غير راع ذمام آل ربيع إن دهرا لم يرع عهدا ليحيى (وتوفي سنة 208هـ) . ابن العماد الحنبلي (2/20) . الخطيب البغدادي (12/343) . الزركلي (5/148) . (88) ابن أبي حاتم الرازي، آداب الشافعي، ص170، وذكرها الألباني في إرواء الغليل، (2/117) ، ونسبها لابن عديّ في ترجمة الحسن بن زياد اللؤلؤي، وذكرها البيهقي في كتابه مناقب الشافعي، 2ج، تحقيق السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، (1/217) . (89) الزيلعي، جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف، ت762هـ، نصب الراية لأحاديث الهداية، 4ج، دار المأمون، القاهرة، ط1، (1/47-54) ، سنة 1357هـ. (90) العسقلاني، تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، 2ج، تعليق السيد عبد الله هاشم اليماني، طبعة المدينة المنوّرة، (1/115) رقم 153، وذكر قول الإمام أحمد أنه لم يرد في انتقاض الوضوء بالضحك في الصلاة، حديث صحيح، وانظر: الألباني، ضعيف الجامع الصغير، المكتب الإسلامي، بيروت، رقم 5680، والدارقطني كتاب الطهارة رقم 58. المصادر والمراجع 1 - إبراهيم، مصطفى (ومن معه) : المعجم الوسيط، ط2 مجمع اللغة العربية-القاهرة. 2 - ابن أبي حاتم الرازي، أبو محمد عبد الرحمن، ت327هـ، آداب الشافعي ومناقبه، تحقيق عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلمية-بيروت. 3 - ابن أبي العز الدمشقي، القاضي علي بن علي بن محمد، ت792هـ، شرح العقيدة الطحاوية، 2ج، تحقيق عبد الله التركي، شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة-بيروت 1408هـ –1988م. 4 - ابن الأثير الجزري، أبو السعادات المبارك بن محمد، ت606هـ، جامع الأصول من أحاديث الرسول، 11ج، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة الحلواني-دمشق 1389هـ –1969م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 5 - الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، ت370هـ، تهذيب اللغة، تحقيق عبد الحليم النجّار، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، سنة 1384هـ، 1964م. 6 - ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، ت728هـ، مجموع الفتاوى، 37ج، جمع عبد الرحمن بن محمد القاسم، الرئاسة العامة لشؤون الحرمين-الرياض. 7 - ابن الجزري، الحافظ أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي، ت833هـ، النشر في القراءات العشر، 2ج، دار الكتب العلمية-بيروت. 8 - ابن حزم الأندلسي، علي بن أحمد بن سعيد، ت456هـ، المحلّى، 11ج، تحقيق أحمد شاكر، دار التراث-القاهرة. 9 - ابن خلّكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد، ت681هـ، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، 8ج، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة-بيروت. 10 - ابن السبكي، عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، ت771هـ، طبقات الشافعية، 10ج، تحقيق عبد الفتاح الحلو، محمد الطناحي، عيسى البابي الحلبي-القاهرة 1383هـ. 11 - ابن عابدين، محمد أمين بن عابدين الدمشقي الحنفي، ت1252هـ، ردّ المحتار على الدرّ المختار (حاشية ابن عابدين) ، 8ج، دار إحياء التراث العربي-بيروت. 12 - ابن عاشور، محمد الطاهر، ت1284هـ، التحرير والتنوير،30ج، الدار التونسية للنشر 1984م. 13 - ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله، ت543هـ، قانون التأويل، دراسة وتحقيق محمد السليماني، دار القبلة للثقافة الإسلامية-جدة، ط1، 1406هـ – 1986م. 14 - ابن العربي: عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي، 13ج، دار الكتاب العربي-بيروت. 15 - ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله: أحكام القرآن، 4ج، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة-بيروت. 16 - ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، ت571هـ، تبيين كذب المفتري، دار الكتاب العربي-بيروت 1399هـ – 1979م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 17 - ابن العماد الحنبلي، أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي، ت1089هـ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، 8ج، دار الفكر-بيروت. 18 - ابن قدامة المقدسي، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد، ت620هـ، روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه، مكتبة الكليات الأزهرية-القاهرة. 19 - ابن كثير، عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير، ت774هـ، البداية والنهاية، ج14، مكتبة الفلاح، الرياض. 20 - ابن كثير، الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير: تفسير القرآن العظيم، 4ج، دار المعرفة-بيروت 1403هـ – 1983م. 21 - ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، ت273هـ، سنن ابن ماجه، 2ج، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي 1395هـ – 1975م. 22 - أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف، 749هـ، البحر المحيط، 8ج، دار الفكر-بيروت، ط2، 1403هـ – 1983م. 23 - أبو داود السجستاني، سليمان بن الأشعث، ت275هـ، سنن أبي داود، 2ج، مراجعة محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر-بيروت. 24 - أبو زهرة، محمد: محاضرات في الوقف، دار الفكر العربي-القاهرة 1971م. 25 - الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد، 502هـ، المفردات، تحقيق محمد سيد الكيلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر-بيروت. 26 - الألباني، ناصر الدين: ضعيف الجامع الصغير، المكتب الإسلامي-بيروت ط3، 1410هـ، 1990م. 27 - الألباني، ناصر الدين، ت1421هـ، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، 9ج، المكتب الإسلامي-بيروت ط1، 1399هـ – 1979م. 28 - الألباني، ناصر الدين: صحيح الجامع الصغير، 2ج، المكتب الإسلامي-بيروت، ط2، 1399هـ. 29 - الألوسي، شهاب الدين محمود، ت1270هـ، روح المعاني، 30ج، دار الفكر-بيروت، 1408هـ – 1987م. 30 - البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، ت256هـ، صحيح البخاري، 5ج، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار مطابع الشعب-القاهرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 31 - البخاري، عبد العزيز، ت730هـ، كشف الأسرار، 4ج، دار الكتاب العربي-بيروت، 1974م. 32 - بدوي، عبد الرحمن: مذاهب الإسلاميين، 2ج، دار العلم للملايين-بيروت. 33 - البغوي، أبو محمد بن مسعود الفرّاء، ت516هـ، شرح السنة، 16ج، تحقيق شعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، سنة 1400هـ، 1980م. 34 - البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، ت327هـ، مناقب الشافعي،2ج، تحقيق السيد أحمد صقر، دار التراث-القاهرة. 35 - الترمذي، محمد بن عيسى، ت279هـ، سنن الترمذي، 5ج، تحقيق أحمد محمد شاكر، المكتبة الإسلامية-بيروت. 36 - الجصاص، أبو بكر أحمد بن علي الرازي، ت370هـ، أحكام القرآن، 5ج، تحقيق محمد الصادق قمحاوي، دار إحياء التراث العربي-بيروت، 1405هـ – 1985م. 37 - الجمل، سليمان بن عمر العجيلي، 1204هـ، حاشية الجمل على الجلالين، 4ج، عيسى البابي الحلبي-القاهرة. 38 - الجويني، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف، ت478هـ، الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، تحقيق د. محمد يوسف موسى، علي عبد المنعم عبد الحميد، مكتبة الخانجي-القاهرة، 1369هـ – 1950م. 39 - الحموي، أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله، ت626هـ، معجم البلدان، ج5، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1399هـ-1979م. 40 - حامد، عبد الستار: الحسين بن زياد اللؤلؤي وفقهه بين معاصريه، دار الرسالة-بغداد 1400هـ. 41 - حنبل، أحمد، ت241هـ، المسند، 6ج، دار صادر، بيروت، ط1. 42 - الخضري، محمد: أصول الفقه، مكتبة الرياض الحديثة-الرياض. 43 - الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي، ت463هـ، تاريخ بغداد، 14ج، دار الكتب العلمية-بيروت. 44 - الخنّ، مصطفى سعيد: أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء، مؤسسة الرسالة-بيروت، ط3، 1403هـ – 1983م. 45 - الدارقطني، علي بن عمر، ت385هـ، سنن الدارقطني، تصحيح عبد الله المدني، دار المحاسن للطباعة-القاهرة 1386هـ – 1966م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 46 - الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان، ت748هـ، ميزان الاعتدال، تحقيق علي محمد البجاوي، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء-الرياض. 47 - الذهبي، شمس الدين محمد: سير أعلام النبلاء، 24ج، مؤسسة الرسالة، ط2، 1402هـ – 1982م. 48 - الذهبي، محمد حسين، ت1976م، التفسير والمفسرون، 3ج، 1396هـ – 1976م. 49 - الرازي، فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين القرشي، ت606هـ، التفسير الكبير، 30ج، دار الكتب العلمية-طهران، ط2 50 - الزبيدي، محب الدين أبو الفيض السيد محمد مرتضى، ت1205هـ، تاج العروس، 20ج، تحقيق علي شار، دار الفكر-بيروت، 1414هـ – 1994م. 51 - الزركلي، خير الدين، ت1977م، الأعلام، 8ج، دار العلم للملايين-بيروت، ط5، 1980م. 52 - الزيلعي، جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف، ت762هـ، نصب الراية لأحاديث الهداية، 4ج، دار المأمون-القاهرة، ط1، 1357هـ. 53 - السلمان، فريد مصطفى: المصطفى من تفسير آيات الأحكام، ابن خزيمة-الرياض، ط1، 1991م. 54 - السكوني، أبو علي عمر: عيون المناظرات، تحقيق سعيد غراب، منشورات الجامعة التونسية 1976م. 55 - الشوكاني، محمد بن علي، ت1250هـ، نيل الأوطار، 8ج، نشر إدارات البحوث العلمية والإفتاء-الرياض. 56 - الشوكاني، فتح القدير، 5ج، دار الفكر، بيروت، سنة 1403هـ، 1983م. 57 - الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، ت548هـ، الملل والنحل، تحقيق محمد سيد الكيلاني، دار المعرفة-بيروت، ط2، 1395هـ – 1975م. 58 - الصالح، محمد أديب: تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، المكتب الإسلامي-بيروت. 59 - العاصمي النجدي، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم: الروض المربع شرح زاد المستقنع، 7ج، المطابع الأهلية-الرياض، ط1، 1397هـ. 60 - العجلوني، اسماعيل بن محمد، ت1162هـ، كشف الخفاء ومزيل الإلباس، 2ج، مؤسسة الرسالة، ط3، سنة 1403هـ، 1983م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 61 - العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، ت852هـ، تقريب التهذيب، دار الرشيد، سوريا، ط1، 1986م. 62 - العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، تهذيب التهذيب، ج14، دار الفكر، بيروت، 1404هـ-1984م. 63 - العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، 4ج، دار الكتاب العربي-بيروت. 64 - العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، 13ج، إدارات البحوث العلمية والإفتاء-الرياض. 65 - العسقلاني أحمد بن علي بن حجر: لسان الميزان، ج8، دار الفكر- بيروت، 1408هـ-1988م. 66 - العسقلاني، تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، 2ج، تعليق السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، طبعة المدينة المنورة، سنة 1384هـ، 1964م. 67 - الغرابي، علي مصطفى: تاريخ الفرق الإسلامية، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده-القاهرة، 1367هـ – 1948م. 68 - الفيروز أبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، ت817هـ، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة-بيروت، ط5، 1416هـ – 1996م. 69 - القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد، ت671هـ، الجامع لأحكام القرآن، 20ج، دار الكتاب العربي-القاهرة، 1387هـ – 1967م. 70 - مالك، مالك بن أنس، ت179هـ، الموطأ، تصحيح محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى البابي الحلبي-القاهرة. 71 - مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، ت261هـ، صحيح مسلم، 5ج، دار ابن حزم-بيروت، ط1، 1416هـ – 1995م. 72 - المراغي، أحمد مصطفى، ت1371هـ، تفسير المراغي، 10ج، دار الفكر-بيروت. 73 - المعري، أبو العلاء أحمد بن الحسين، ت449هـ، اللزوميات، شرح إبراهيم الأبياري، وزارة الثقافة والإرشاد-القاهرة. 74 - المقّري، أبو العباس أحمد بن محمد: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 8ج، تحقيق إحسان عباس، دار صادر-بيروت 1388هـ. 75 - المكي، الموفق بن أحمد، والكردري، حافظ الدين: مناقب أبي حنيفة، دار الكتاب العربي-بيروت، 1401هـ – 1981م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 76 - المنذري، زكي الدين عبد العظيم، ت656هـ، مختصر صحيح مسلم، تحقيق الألباني، المكتب الإسلامي-بيروت. 77 - النووي، محيي الدين يحيى بن شرف، ت676هـ، شرح صحيح مسلم، دار الفكر-بيروت. 78 - الهمذاني، القاضي عبد الجبار، ت415هـ، تثبيت دلائل النبوة، 2ج، تحقيق عبد الكريم العثمان، دار العربية-بيروت. 79 - الواحدي، أبو الحسن علي بن أحمد، ت468هـ، أسباب النزول، تحقيق كمال بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 مصادر الحافظ ابن حجر وآراؤه في مسائل القراءات من خلال كتابه (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) د. يحيى بن محمد حسن زمزمي الأستاذ المساعد في قسم القراءات - كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى ملخص البحث الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وبعد: فقد عني علماء الحديث وشراحه –رحمهم الله- بقراءات القرآن الكريم، وبذلوا في ذلك جهوداً مشكورة، فرووها بأسانيدهم، ووجهوا مشكلها، واستدلوا بها في بيان معاني الحديث واستنباط الأحكام والترجيح بين الروايات وغير ذلك، وهذا البحث محاولة لإبراز جهد أحد علماء الحديث وشارح أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، وهو الحافظ ابن حجر –رحمه الله- (ت852هـ) ، ذلك أنّه علاَّمة مشهود له بالفضل وسعة الاطلاع وحسن التأليف، وقد درس علم القراءات وعنده سند فيها عن شيخه برهان الدين التنوخي المقرئ المجوّد، ثمّ إنّ شرحه للبخاري فتح الباري من أوسع الشروح وأجلّها وأغزرها علماً، وقد أورد فيه القراءات واستخدمها في نحو من (400موضع) فيما وقفت عليه، ونقل هذه القراءات عن مصادر كثيرة منها المطبوع والمخطوط والمفقود، وله في مسائلها آراء وأقوال نفيسة، تثري هذا العلم وتفيد المتخصصين فيه، وهذا البحث خطوة أولى في دراسة جهود هذا العَلَم في خدمة علم القراءات، حصرتُ فيه المصادر التي نقل عنها هذا العِلم وبيّنت حالها ووثقت النقول التي أوردها- غالبا- وبينت معالم منهجه في النقل عنها، ثم أبرزت ما وقفت عليه من آراء وأقوال للحافظ، ونبهت في أثناء ذلك كله على بعض المآخذ والاستدراكات على المصنف رحمه الله فيما يتعلق بالقراءات، وحسب علمي أن أكثر الباحثين في علم القراءات قد أغفلوا جهود المحدثين في هذا الباب، ولم أقف على مؤلف خاص عني بدراسة القراءات في ((فتح الباري)) والله أعلم. مقدمة: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، أحاط بكل شيءٍ علماً وأحصى كل شيءٍ عدداً، ثم الصلاة والسلام على خير الخلق والورى، ومن بعثه ربه من أم القرى، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اقتفى. أما بعد: ففي أثناء قراءتي المحدودة في بعض المواضع من الكتاب القيم: ((فتح الباري بشرح صحيح البخاري)) للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله، لفت نظري كثرة إيراده واستخدامه للقراءات القرآنية، استشهاداً بها في الأحكام واللغة، وتوجيها لها ودراسة لبعض مسائلها وأحكامها، ولم يقتصر ذكره لها في كتاب التفسير أو فضائل القرآن من الصحيح –وإن كان هو الغالب- لكنه أوردها في كثير من الكتب الأخرى. كل ذلك دعاني للتفكير في جمع وتتبع وحصر هذه المواضع، ثم دراستها في بحث مختصر عن ((القراءات)) في هذا الكتاب المبارك ((فتح الباري)) فإذا بهذه المواضع تبلغ المئات، موزعة على جميع المجلدات، فاضطررت إلى جرد سريع لبعض الكتب منه، وتتبع دقيق للبعض الآخر، فحزرت ما جمعته فبلغ قريباً من (400) موضع، وربما فاتني شئ غير قليل في أثناء الجرد السريع، فلما صنفت هذه المواضع تصنيفاً مبدئياً، رأيت أن جمع الكلام عن القراءات وأثرها ومنهج الحافظ في عرضها والاستدلال بها، في بحث مختصر، قد لا يكون مناسباً لتلك الكثرة المذكورة، وربما أهضم حق البحث والكتاب والمصِّنف بهذا الاختصار، فاستشرت عدداً من أهل الفضل وعلماء الفن، بعد أن استخرت الله عز وجل في المضي في هذا البحث، فاستقر رأيي القاصر، على أن أقسّم الموضوع على عدة أبحاث ( [1] ) ، وقد رأيت أن يكون عنوان البحث الأول - هذا- ((مصادر الحافظ ابن حجر وآراؤه في مسائل القراءات من خلال كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري)) . وأما عن أهميّة الموضوع وسبب اختياره فيمكن تلخيصه في الآتي: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 1- أهميّة علم القراءات وشرفه وفضله، وذلك لتعلقه بأشرف كتاب وأحسن كلام، وأصدق حديث، مع إعراض كثير من طلبة العلم عنه وتهيبهم منه. 2- عدم التفات كثير من الباحثين إلى جهود علماء الحديث في العناية بالقراءات، حفظاً لها ونقلاً وتوجيهاً واستدلالاً، واقتصارهم في البحث على إبراز جهود المفسرين وأهل اللغة إضافة إلى علماء القراءات. 3- الموسوعية والتكامل لدى علماء السلف في جمعهم للعلوم ودراستهم لها، حتى شملت القراءات والتفسير والحديث واللغة وغيرها، فلم يؤدِّ بهم التخصص إلى إهمال بعض العلوم أو القصور فيها، ومن يقرأ سيرهم وينظر في أسماء مشايخهم في كل فن من العلوم، يدرك هذا الأمر غاية الإدراك، ويكفي أن نعلم أن عدد شيوخ ابن حجر قد جاوز (730) شيخاً، ومصنفاته قاربت (300) مصنفاً، وأنه ذكر من أسماء الكتب في الفتح (1430) كتاباً في مختلف الفنون نقل عن كثير منها. ( [2] ) 4- أهميّة كتاب ((فتح الباري)) ومكانته العالية عند العلماء قديماً وحديثاً، وكذا منزلة مصنفه الحافظ ((ابن حجر العسقلاني)) المشهود له بالفضل وسعة العلم وحسن التأليف، وكذا أهمية الأصل ((صحيح البخاري)) ومكانة مصنفه رحمة الله عليهما. ( [3] ) 5- كثرة إيراد الحافظ ابن حجر للقراءات واستعماله لها واستدلاله بها مما يحتاج معه إلى دراسة لما يورده ومعرفة منهجه وآرائه في ذلك. 6- أن الحافظ ابن حجر –رحمه الله- نقل نقولات كثيرة عن كتب القراءات والتوجيه وغيرها، وبعض تلك الكتب والمصادر، يعد مفقوداً، أو في حكم المفقود، ( [4] ) ولا شك أن فيما نقله زيادة علم وإثراء لمادة هذا الفن العظيم، فينبغي استخراجها للإفادة منها. 7- أن الحافظ ابن حجر معروف بتحريره للمسائل، ودقته في دراستها، وقد حرر بعض مسائل القراءات وأفاض فيها، مما يثري هذا العلم. ( [5] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 8- أن الحافظ ابن حجر تلقى علم القراءات، وعنده سند بها عن شيخه برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد التنوخي المقرئ المجوّد المسند الكبير –كما وصفه الحافظ- وقد قرأ عليه الشاطبية تامة، والعقيلة في مرسوم الخط وغيرها، وقد توفي شيخه سنة (800هـ) ، ونزل أهل مصر بموته في الرواية درجة. ( [6] ) كما أن الحافظ اطلع على كتب ابن الجزري ( [7] ) (ت 833هـ) وعنده بها إجازة، وقد أهدى إليه كتابه ((النشر في القراءات العشر)) ( [8] ) وأثنى الحافظ على المصنف ووصفه ب (صاحبنا العلامة الحافظ شمس الدين ابن الجزري) ( [9] ) وأما منهجي في البحث فيمكن تلخيصه في النقاط الآتية: 1- جمعت كل ما وجدته من مواضع ذكر فيها الحافظ قراءة من القراءات أو أشار إليها، وكان ذلك من خلال جرد سريع لبعض الأبواب والكتب، وتتبع دقيق لبعضها الآخر، فبلغ عدد تلك المواضع قريباً من أربعمائة كما تقدم. 2- صنّفت تلك المواضع تصنيفاً موضوعياً مبدئياً، ففصلت كلامه عن المصادر ونقولاته، عما يتعلق بآرائه وتعليقاته وهكذا. 3- درست كل صنف منها على حدة، لمعرفة أنواع المصادر التي رجع إليها وأثرها في كتابه، واستخراج آرائه في مسائل هذا العلم. 4- راجعت النقول التي أوردها المصنف في هذا الباب وقارنتها بأصولها، لمعرفة منهجه في النقل والاستشهاد، وأشرت إلى المصادر المفقودة أو المخطوطة منها. 5- ترجمت للأعلام الذين نقل عنهم الحافظ في شرحه، وذلك عند ذكر كلامهم أو الكلام عن كتبهم، أما غيرهم ممن يُذكر عرضاً فلم ألتزم بالترجمة لهم إلا ما لزم وباختصار، تجنباً لإطالة الهوامش ما أمكن. 6- نبهت إلى بعض المواضع التي وهم فيها الحافظ في نسبة بعض القراءات إلى الشذوذ أو ضد ذلك. وأما خطة البحث –بعد هذه المقدمة- فهي على النحو الآتي: التمهيد: ويحتوي على مبحثين: المبحث الأول: تعريف مختصر بالقراءات وأقسامها، وعلاقتها بعلم الحديث. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 المبحث الثاني: تعريف مختصر بالحافظ ابن حجر وكتابه ((فتح الباري)) ، ونبذة عن الصحيح ومصنِّفه. الفصل الأول: مصادره في علم القراءات ومنهجه في النقل عنها. ويتضمن ما يلي: 1- أنواع المصادر التي نقل عنها القراءات أو ما يتعلق بها. 2- طريقته في النقل عن كل مصدر منها. 3- توثيق النقول من مصادرها الأصلية، وبيان حالها غالبا ً. 4- بعض الملامح العامة في منهجه في النقل عن تلك المصادر. الفصل الثاني: آراؤه في مسائل القراءات. ويتضمن: 1- أهمية معرفة آراء ابن حجر في مسائل القراءات. 2- آراؤه فيما يتعلق بالأحرف السبعة. 3- آراؤه فيما يتعلق بمصطلحات علم القراءات. 4- آراؤه فيما يتعلق بشروط القراءة المقبولة وحكم القراءة الشاذة. 5- آراؤه في مسائل تتعلق بالقراءة والأداء. وأخيراً الخاتمة وفيها أهم النتائج ثم ذكر المراجع. التمهيد المبحث الأول: تعريف مختصر بالقراءات وأقسامها، وعلاقتها بعلم الحديث. أ- تعريف القراءات: القراءات في اللغة: جمع قراءة، وهي مصدر ((قرأ)) ، وهي بمعنى الضم والجمع، يقال: قرأت الشيء قرآناً: أي جمعته وضممت بعضه إلى بعض، وعليه فمعنى قرأت القرآن: أي لفظت به مجموعاً ( [10] ) . أما في الاصطلاح فقد عرفها ابن الجزري بقوله: ((القراءات علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة)) ( [11] ) ب- أقسامها: تنقسم القراءات من حيث القبول والرد إلى قسمين: 1- القراءات المقبولة وهي نوعان: أ- المتواترة: قال ابن الجزري: (كل قراءة وافقت العربية مطلقاً ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديراً وتواتر نقلها، هذه القراءة المتواترة المقطوع بها) أهـ. ( [12] ) ب- الصحيحة المشهورة وهي التي توفرت فيها شروط القراءة من حيث موافقة الرسم والعربية، وصح سندها، لكنها لم تبلغ حد التواتر، وإن كانت مشهورة مستفيضة. ( [13] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 ومن المعلوم أن القراءات المقبولة التي تجوز بها القراءة والصلاة عند أكثر أهل العلم هي ما صحّ من قراءات الأئمة العشرة مما وافق الرسم والعربية. 2- القراءات المردودة: وهي التي فقدت أحد شروط القبول، بأن لم يصح سندها أو خالفت الرسم أو العربية. ( [14] ) ج- علاقة القراءات بعلم الحديث: مما لاشك فيه أن القراءة المتواترة المقبولة هي قرآن مقطوع به، منزل على النبي-e- ومن الأحرف السبعة، كما أن تنوع القراءات بمنزلة تعدد الآيات ( [15] ) ، وعليه فلا تخفى العلاقة بين القرآن والحديث النبوي، فكلاهما وحي من الله عز وجل، قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) ( [16] ) ، وقال e: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) ( [17] ) ، ثم إنّ أحوال السنة مع القرآن معلومة، فهي تأتي مؤكدة لمعنى ورد في القرآن أو زائدة عليه أو مبينة له بأيّ نوع من البيان: كتخصيص عامه أو تقييد مطلقه أو بيان مجمله أو تعريف مبهمه أو غير ذلك ( [18] ) ، وهذا ينطبق على كل ما يسمى قرءآناً من القراءات المقبولة، فلها هذه الأحوال مع السنة. ثم إن كتب الحديث بأنواعها اشتملت على نصوص كثيرة تتعلق بالقراءات ومسائلها ونقلت لنا كثيراً من مروياتها المسندة ( [19] ) ، وقد كان كثير من القراء محدثين أيضاً كعاصم بن بهدلة مثلاً. المبحث الثاني: تعريف مختصر بالحافظ ابن حجر وكتابه فتح الباري. ( [20] ) ونبذة عن الإمام البخاريّ وصحيحه. أولاً: التعريف بالحافظ ابن حجر: ويمكن تلخيصه في النقاط الآتية: 1- هو شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي ابن محمد بن أحمد بن حجر الكناني العسقلاني الشافعي المصري القاهري. 2- ولد في شهر شعبان من عام 773هـ ونشأ يتيم الأبوين، وحفظ القرآن وله تسع سنين، وصلى بالناس التراويح في مكة سنة 785هـ، رحل في طلب العلم إلى بلاد عدة منها الإسكندرية والحجاز واليمن والشام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 3- بلغ عدد شيوخه أكثر من (730) شيخاً ( [21] ) منهم: الزين العراقي وقد لازمه أكثر من عشر سنوات ودرس عليه الحديث وعلومه، والتنوخي وأخذ عنه علم القراءات وعلو سنده فيها -كما تقدم- والبلقيني وابن الملقن والمجد الشيرازي والهيثمي والعز بن جماعة وغيرهم. 4- من تلاميذه ( [22] ) : الحافظ ابن فهد المكي (ت 871هـ) ، والمحدث المفسر إبراهيم بن عمر البقاعي (ت 885هـ) ، والمؤرخ المحدّث محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) ، والعلاّمة السيوطي (ت911هـ) ، والعلامة زكريا بن محمد الأنصاري (ت 926هـ) . 5- أما عن مصنفاته وآثاره العلمية، فقد بدأ في التأليف وكان له من العمر اثنتان وعشرون سنة، وبلغت مؤلفاته قريباً من ثلاثمائة ( [23] ) ، منها ما هو في علوم القرآن مثل: ((الإتقان في جمع أحاديث فضائل القرآن)) ، ((الإحكام لبيان ما في القرآن من إبهام)) ، ((تجريد التفسير من صحيح البخاري)) ، وكثير منها في الحديث وعلومه منها: ((الفتح)) ، ((إتحاف المهرة بأطراف العشرة)) ، ((الإصابة)) ، ((بلوغ المرام)) ، ((تلخيص الحبير) ، ((لسان الميزان)) ، ((تهذيب التهذيب)) ، ((تقريب التهذيب)) ، وغيرها من الكتب في مختلف الفنون. 6- أثنى عليه العلماء والكُتَّاب ووصفوه بالحفظ والإتقان والتقدم والعرفان، منهم شيخه زين الدين العراقي، وتلميذه السخاوي والحافظ السيوطي ( [24] ) وغيرهم كثير. 7- توفي الحافظ –رحمه الله- في أواخر شهر ذي الحجة سنة (852هـ) ودفن بمصر. ثانياً: كتابه " فتح الباري بشرح صحيح البخاري": لقد أحسن الحافظ في هذا الكتاب وأفاد، وشرح وأجاد، بدءاً بجمع نسخ البخاري وضبط نصوصه، ثم بكثرة المصادر العلمية التي استعان بها في شرحه، والتي بلغت –كما تقدم- أكثر من ألف وأربعمائة، ثم بعنايته الفائقة بالحديث من جميع جوانبه، سنداً ومتناً وضبطاً وشرحاً وترجمة للرواة وترجيحاً عند الخلاف، ودراسة للمسائل وعرضاً للأقوال وأدلتها، وتلخيصاً للفوائد من الحديث، وغير ذلك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 وفيما يتعلق بالقرآن وعلومه-خاصة- فإنه أفاض في تفسير الآيات القرآنية وذكر أسباب النزول وإعجاز القرآن ووجوه القراءات، ونقل في ذلك عن أمهات الكتب وعن أئمة اللغة والتفسير والقراءات ( [25] ) . وبالجملة: فإن هذا الكتاب ((فتح الباري)) يعتبر موسوعة علمية جامعة، فقد أودع فيه مصنفه علوماً شتى، وفوائد عدة وهو أكبر وأجمع ما ألفه ابن حجر، وقد استغرق في تأليفه نحو ربع قرن من الزمان، قال عنه السيوطي: (لم يصنِّف أحد من الأولين ولا من الآخرين مثله) ( [26] ) ، ولما قيل للإمام الشوكاني: أما تشرح الجامع الصحيح للبخاري؟ قال: (لا هجرة بعد الفتح) ( [27] ) . نبذة مختصرة عن الإمام البخاري وصحيحه: ( [28] ) - أما البخاري فهو الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة بن بَرْدِزْبَه البخاري الجعفي، أمير المؤمنين في الحديث، ولد في مدينة بخارى سنة 194هـ، ونشأ يتيماً في حجر والدته، ألهمه الله حفظ الحديث وهو ابن عشر سنين أو أقل، ورحل في ذلك إلى الحجاز والشام ومصر والبصرة والكوفة وبغداد، وقد كُتب عنه الحديث وهو دون العشرين، قال عن نفسه: ((كتبت عن ألف شيخ من العلماء وزيادة)) ، وأما عن تلاميذه فهم أكثر من أن يحصروا، قال الفربري ( [29] ) : ((سمع كتاب الصحيح من البخاري تسعون ألفاً)) أهـ، وقد كان يحضر مجلسه أكثر من عشرين ألفاً يأخذون عنه، وله من المصنفات -غير ((الصحيح)) -: كتاب الأدب المفرد، والتاريخ الكبير، والأوسط، والصغير، والقراءة خلف الإمام، وخلق أفعال العباد، والضعفاء، والعلل، وغيرها. توفي رحمه الله سنة 256هـ. - وأما كتابه المشهور ب ((صحيح البخاري)) وسماه هو ((الجامع المسند الصحيح المختصر من سنن رسول الله e وأياّمه)) فهو أول ما صُنف في الصحيح المجرد، وقد قال عن نفسه: ((صنفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة وجعلته حجة بيني وبين الله)) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 - بلغت أحاديث صحيحه المسندة (7275) بالأحاديث المكررة، وبحذف المكرر نحو أربعة الآف. قال رحمه الله: ((ما أدخلت في كتاب الجامع إلاّ ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول)) قال النووي ( [30] ) : ((اتفق العلماء رحمهم الله على أنّ أصحّ الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة)) أهـ. ( [31] ) الفصل الأول: مصادره في علم القراءات، ومنهجه في النقل عنها لقد نقل الحافظ في الفتح فيما يتعلق بالقراءات ومسائلها عن أكثر من أربعين مصدراً، منها ما هو من كتب القراءات وعلومها كالتوجيه والرسم ونحوهما، ومنها كتب في التفسير وعلوم القرآن، وكتب في الحديث وشروحه، وكتب في اللغة وغيرها، وهناك نقولات عديدة نسبها إلى قائليها، لكنه لم يحدد أسماء الكتب المنقولة عنها ( [32] ) ، فاجتهدت في معرفة أسماء هذه المصادر وتحديد مواضع النقل منها إن كانت موجودة، والتنبيه إلى المفقود منها، مع الإشارة -باختصار- إلى طريقته في النقل عنها جميعاً، ويمكن تقسيم مصادره إلى أربعة أنواع على النحو الآتي: النوع الأول: المصادر التي تكرر ذكرها ونقل عنها كثيراً ( [33] ) وهي: 1- كتاب ((القراءات)) لأبي عبيد ( [34] ) (ت224هـ) نقل عنه الحافظ في مواضع عدة ( [35] ) وسمّى الكتاب ومؤلفّه، بل اعتمده واعتبر أن ما فيه إنما هو القراءات المشهورة، فقد قال عن قراءة الأعمش ( [36] ) : ((وما أوتوا من العلم إلاّ قليلا)) ( [37] ) ما نصه: (وليست هذه القراءة في السبعة، بل ولا في المشهور من غيرها، وقد أغفلها أبو عبيد في كتاب القراءات له من قراءة الأعمش) ( [38] ) أهـ، وقال في موضع آخر عن قراءة عمر –رضي الله عنه- (وظنّ داود أنّما فتناه) ( [39] ) بتشديد التاء: (وأما قراءة عمر فمذكورة في الشواذ ولم يذكرها أبو عبيد في القراءات المشهورة) . ( [40] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 قلت: قراءة " وما أوتوا" المذكورة مخالفة للرسم، وقراءة "فتناه" بتشديد التاء لم تشتهر، وعليه فالقراءتان شاذتان، ولهذا السبب – والله أعلم – لم يذكرهما أبوعبيد في كتابه. ( [41] ) وأما الكتاب المذكور فهو في حكم المفقود -فيما أعلم-، وقد ذكره ابن الجزري وغيره. ( [42] ) 2- ((معاني القرآن)) للفراء ( [43] ) (ت:207هـ) وقد نقل عنه كثيراً ( [44] ) ، ونص على تسمية الكتاب والمؤلف، ومن ذلك قوله في قراءة ((نُصُب)) من قوله تعالى:"إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ" ( [45] ) قال: (وكذا ضبطه الفراء عن الأعمش في ((كتاب المعاني)) وهي قراءة الجمهور) أهـ، وفي نفس الصفحة أيضاً: (والذي في ((المعاني للفراء)) النصب.. الخ) ، وفيها أيضاً: (كذا قال الفراء في المعاني) ( [46] ) أهـ، كما نقل عنه توجيه قراءة ((فصُرْهن إليك)) ( [47] ) بضم الصاد وكسرها فقال: (وعن الفراء الضم مشترك، والكسر القطع فقط.. الخ كلامه) ( [48] ) . 3- كتاب "المصاحف" لابن أبي داود ( [49] ) (ت316هـ) نقل عنه عدة قراءات ونصّ على تسميته فقال مثلاً في القراءة الشاذة"ألاّ يطَّوّفَ بهما" ( [50] ) : (..حكاها الطبري وابن أبي داود في المصاحف..) الخ ( [51] ) ، وفي موضع آخر: (وأخرج ابن أبي داود في ((كتاب المصاحف)) بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان يقرأ ((إذا جاء فتحُالله والنّصر)) ) ( [52] ) أهـ.، وفي القراءة الشاذة في آل عمران: (الله لا إله إلاّ هو الحي القيام) ( [53] ) قال: (وأخرج ابن أبي داود في ((المصاحف)) من طرق عن عمر أنه قرأها كذلك) ( [54] ) أهـ. 4- كتاب ((السبعة)) لابن مجاهد ( [55] ) (ت324هـ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 وهذا الكتاب نصّ الحافظ على تسميته، ونقل عنه بعض القراءات، وأشار إليه عند كلامه عن بعض مسائلها، فمن القراءات التي نقلها عنه قوله في قراءة ((نُصُب)) المتقدمة آنفاً: (وفي كتاب السبعة لابن مجاهد: قرأها ابن عامر بضمتين) ( [56] ) أهـ، وفي موضع آخر أشار إلى قراءة رواها ابن مجاهد، ولم يذكر اسم الكتاب -وهي موجودة في ((السبعة)) - فقال: (إلا رواية ابن مجاهد عن قنبل..) ( [57] ) . 5- ((إعراب السمين)) = الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، للسمين الحلبي ( [58] ) (ت756هـ) وقد نقل عنه في مواضع متفرقة، ونصّ على أنه لخصّ بعض اللغات منه، منها أنه ذكر اللغات في ((جبريل)) ثم قال: (لخصته من إعراب السمين) ( [59] ) أهـ، وفي موضع آخر ذكر اللغات في ((أفٍّ)) ثم قال: (..ولخص ضبطها صاحبه ( [60] ) الشهاب السمين ولخصته منه) ( [61] ) أهـ. قلت: كذا سماه الحافظ ((إعراب السمين)) ، والنقول المذكورة تدل على أنه يريد هذا الكتاب ((الدر المصون)) وهو غير كتاب التفسير له، ومما يؤيد هذا قول السمين نفسه في شرحه على الشاطبية ما نصّه: (وكنت قد ألّفت إعراب الكتاب العزيز في كتاب سمّيته الدر المصون في علوم الكتاب المكنون) أهـ. ( [62] ) ، وكذا قول الحافظ ابن حجر في ترجمته للسمين: (له تفسير القرآن ... ، والإعراب سمّاه الدر المصون) أهـ. ( [63] ) والله أعلم. 6- "جامع البيان في تأويل القرآن" للطبري ( [64] ) (ت310هـ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 نقل عنه الحافظ في مواضع عدة، ولكنه في جميعها لم يذكر اسم الكتاب وإنما اكتفى بتسمية الطبري، فمرة ذكر القراءة الشاذة: (ألاّ يطوف بهما) ثم قال: (كذلك حكاه الطبري) ( [65] ) ، ومرة نقل نصاً بلفظ مقارب لكلام الطبري في توجيه قراءة (أشدّ وِطاء) ( [66] ) وعبرّ عنه بقوله: (قال الطبري: هذه القراءة على أنه مصدر..الخ) ( [67] ) ، وفي ثالثة نقل بالمعنى أيضاً وبمعنى مقارب في قراءة (لتركبنّ) ( [68] ) وقال فيه: (قال الطبري: قرأها ابن مسعود وابن عباس وعامة قراء أهل مكة والكوفة بالفتح والباقون بالضم على أنه خطاب للأمة) ( [69] ) أهـ، وفي موضع آخر ذكر القراءة الشاذة (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج) ( [70] ) . وقال عن القراءة نفسها في موضع: ( ... وروى الطبري بإسناد صحيح عن أيوب ( [71] ) عن عكرمة ( [72] ) أنه كان يقرأها كذلك) ( [73] ) أهـ، وفي موضع قال: (وقال الطبري: روي عن جماعة أنهم قرأوا ((بعد أَمَهٍ)) ( [74] )) ( [75] ) أهـ. قلت: والقراءة المذكورة بفتح الهمزة وتخفيف الميم وهاء منونة، قراءة شاذة. ( [76] ) تنبيه "1": مما يرجّح أنّ الحافظ أراد كتاب تفسبر ابن جرير الطبري ولم يرد كتب أبي معشر الطبري ( [77] ) أو غيره ما يلي: 1) أني وجدت جميع النقول التي أوردها، بنصّها - تقريباً- في "تفسير الطبري"، ولم أجد نصاً منها في كتب أبي معشر التي اطلعت عليها. 2) أن كتب أبي معشر في القراءات كتب إسناد ورواية، يندر فيها توجيه القراءات والإحتجاج لها، والنقول التي أوردها الحافظ فيها كثير من التوجيه والإستدلال للقراءات. 3) أن بعض هذه النقول فيها ترجيح لقراءة صحيحة على مثلها ( [78] ) ، وهذا الأمر متكرر عند ابن جرير، ولا يكاد يوجد عند أبي معشر. 4) أن ابن جرير أكثر شهرة من أبي معشر، وتفسيره من أشهر الكتب، وكثير من المحققين إذا أطلق "الطبري" فهو يريد به الأول والأشهر، والله أعلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 تنبيه "2": ذكر الحافظ نقلاً نسبه للطبراني في قراءة ((نصب)) ( [79] ) فقال: (وحكى الطبراني أنه لم يقرأه بالضم إلا الحسن البصري ( [80] )) أهـ. ( [81] ) قلت: يعني ضم النون كما يظهر من السياق وهذا فيه نظر لأن قراءة ابن عامر وحفص بضم النون والصاد. ( [82] ) والذي يظهر لي –والله أعلم- أن في تسمية "الطبراني" تصحيفاً وأنّ الصحيح: ((الطبري)) حيث لم أعثر على نص للطبراني في معاجمه ولا في غيرها في هذا المعنى، وحيث أن الطبري قد نص في تفسيره على ما ذكره ابن حجر فقال: (وأجمعت قراء الأمصار على فتح النون من قوله ((نصب)) غير الحسن البصري فإنه ذكر عنه أنه كان يضمها مع الصاد) أهـ من تفسير الطبري 12/243 7- ((إعراب الشواذ)) = ((إعراب القراءات الشواذ)) لأبي البقاء العكبري ( [83] ) (ت616) هـ وقد نصّ الحافظ في مواضع على تسمية العكبري وسمى كتابه ب ((إعراب الشواذ)) فقال في قراءة (الصُوَر) ( [84] ) بفتح الواو: (وأثبتها أبو البقاء العكبري قراءة في كتابه ((إعراب الشواذ)) ) ( [85] ) أهـ، وقال في موضع آخر: (فذكر أبو البقاء في إعراب الشواذ الكلام على من قرأ ((العألمين)) ( [86] ) بالهمز..) الخ. ( [87] ) ، وهناك مواضع نقل فيها الحافظ عنه ولم يحدد الكتاب، منها في أثناء كلامه عن قراءة (فصُرهن) ( [88] ) قال: (ونقل أبو البقاء تثليث الراء في هذه القراءة وهي شاذة) ( [89] ) أهـ. 8- التمهيد لابن عبد البر ( [90] ) (ت463هـ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 نقل الحافظ عن ابن عبد البر قراءات كثيرة في موضع واحد، وهو فيما يتعلق بالأحرف التي اختلف فيها عمر وهشام بن حكيم –رضي الله عنهما- من سورة الفرقان، ولم يسم كتابه -التمهيد- قال: (قلت: وقد تتبع أبو عمر ابن عبد البر ما اختلف فيه القراء من ذلك من لدن الصحابة ومن بعدهم من هذه السورة، فأوردته ملخصاً وزدت عليه قدر ما ذكره وزيادة على ذلك..) الخ، ثم أورد قراءات كثيرة في هذه السورة ثم قال: (قال ابن عبد البر بعد أن أورد بعض ما أوردته: هذا ما في سورة الفرقان من الحروف التي بأيدي أهل العلم بالقرآن..) ( [91] ) الخ كلامه. 9- ((الجامع الأكبر والبحر الأزخر)) لأبي القاسم اللخمي ( [92] ) (ت629هـ) وهذا الكتاب أضاف منه الحافظ ما لم يذكره هو ولا ابن عبد البر من أوجه الاختلاف في سورة الفرقان، قال (ثم بعد كتابتي هذا وإسماعه وقفت على الكتاب الكبير المسمىّ بالجامع الأكبر والبحر الأزخر تأليف شيخ شيوخنا أبي القاسم عيسى بن عبد العزيز اللخمي،الذي ذكر أنه جمع فيه سبعة آلاف رواية من طريق غير مالا يليق، وهو في نحو ثلاثين مجلدة، فالتقطت منه ما لم يتقدم ذكره من الاختلاف فقارب قدر ما كنت ذكرته أولاً..) . ثم أورد تلك القراءات وقال بعدها: (فهذه ستة وخمسون موضعاً ليس فيها من المشهور شيء، فليضف إلى ما ذكرته أولاً فتكون جملتها نحواً من مائة وثلاثين موضعاً. والله أعلم) ( [93] ) أهـ قلت: والكتاب المذكور في حكم المفقود، والله أعلم، وقد ذكره ابن الجزري وغيره. ( [94] ) 10- ((الكامل في القراءات الخمسين)) للهذلي ( [95] ) : (ت465هـ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 ذكر الحافظ ابن حجر "الهذلي" في مواضع عدة، دون أن يذكر اسم كتابه، منها قوله في قراءة ((ونُزِّل الملائكة)) ( [96] ) بفتح النون وتشديد الزاي وفتح اللام، قال: (واختارها الهذلي) ( [97] ) أهـ، وفي قراءة ((وهذا مَلِح)) ( [98] ) بفتح الميم وكسر اللام، قال: (ونقلها الهذلي عن طلحة بن مصَرِّف ( [99] )) ( [100] ) أهـ وفي قراءة (فسوف يكون لَزاماً) ( [101] ) بفتح اللام،قال: (ونقلها الهذلي عن أبان بن تغلب) ( [102] ) أهـ، وفي موضع آخر تكلمّ عن لغة كسر الميم في كلمة (المِشْعَر) من قوله تعالى: "فاذكروا الله عند المشعر الحرام" ( [103] ) وإنكار القراءة بها، ثم قال: (وقيل بل قرئ حكاه الهذلي) ( [104] ) أهـ. قلت: هذا الكتاب مخطوط وله صورة في مركز البحث بجامعة أم القرى برقم (134/قراءات) . 11- ((فضائل القرآن)) لأبي عبيد القاسم بن سلاّم (ت 224هـ) نقل عنه في أكثر من موضع وسماه ومؤلفه،منها عندما أورد قراءة أبي هريرة المروية في الصحيح _ وهي شاذة _ (قرات أعين) ( [105] ) بصيغة الجمع، قال: (وصله أبو عبيد القاسم بن سلاّم في كتاب "فضائل القرآن") ( [106] ) أهـ، وفي قراءة "الحي القيام" التي سبق ذكرها قال: [وقد أخرج أبو عبيد ( [107] ) في " فضائل القرآن" من طريق يحي بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر أنه صلّى العشاء الآخرة فاستفتح آل عمران فقرأ (الله لا إله إلاّ هو الحيّ القياّم) ] ( [108] ) أهـ 12- "مجاز القرآن " لأبي عبيدة ( [109] ) (ت209هـ) هذا المصدر نقل عنه الحافظ معاني بعض الكلمات القرآنية في مواضع وسماه، فقال في بعضها: (هذا كلام أبي عبيدة في "كتاب المجاز") أهـ، ثم نقل عنه في نفس الموضع توجيه قراءة، ولم يذكر المصدر،فقال: (قال أبو عبيدة: ((النَصْب)) ( [110] ) بالفتح هو العَلم الذي نصبوه ليعبدوه، ومن قرأ"نُصُب" بالضم فهي جماعة مثل رَهن ورُهن) أهـ. قلت: قد وجدت قريباً من هذا الكلام في الكتاب المذكور، فلعل النقل عنه، والله أعلم ( [111] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 وكذا فعل في موضع آخر فقال: (قال أبو عبيدة:قرئ "بعد أَمهٍ" أي نسيان) أهـ، وكذا هو في المجاز ( [112] ) . 13- ((المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها)) لابن جني ( [113] ) (392هـ) هذا المصدر لم يسمّه الحافظ، وإنما أشار إلى تضعيف ابن جني لقراءة ((ويجعلَ لك قصوراً)) ( [114] ) بنصب اللام، قال: (وضعفها ابن جني) ( [115] ) أهـ، وفي قراءة ((ويوم نحشِرهم)) ( [116] ) بكسر الشين قال: (قال ابن جني: وهي قوية في القياس متروكة في الاستعمال) ( [117] ) أهـ. قلت: وعبارة ابن جني: (هذا وإن كان قليلاً في الاستعمال فإنه قوي في القياس) أهـ. ( [118] ) وفي قراءة ((وهذا مَلِح)) ( [119] ) بفتح الميم وكسر اللام، قال: (وقال ابن جني يجوز أن يكون أراد مالح فحذف الألف تخفيفاً، قال: مع أن مالح ليست فصيحة) ( [120] ) أهـ. 14- ((القراءات)) لأبي حاتم السجستاني ( [121] ) (ت255هـ) هذا الكتاب أشار إليه ابن حجر حين ذكر بعض الذين صنفوا القراءات من الأئمة المتقدمين ( [122] ) ، ثم لمّا ذكر قراءة" وهذا مَلِح " بفتح الميم وكسر اللام- المتقدمة آنفاً- قال: (واستنكرها أبو حاتم السجستاني) ( [123] ) أهـ، ولم يحدد كتاباً بعينه، وكذا فعل حين ذكر قراءة ((ولم يُقتروا)) ( [124] ) بضم أولّه من الرباعي، قال: (وأنكرها أبو حاتم) ( [125] ) أهـ. قلت: والقراءة المذكورة في "يقتروا" قرأ بها نافع وابن عامر وأبو جعفر، ولا وجه لإنكارها. ( [126] ) _ وكذلك فعل في قراءة ((لَزاماً)) بفتح اللام، قال: (أسنده أبو حاتم السجستاني) ( [127] ) قلت: فلعلّ هذه المواضع نقلها عن هذا الكتاب، والله أعلم، وهو كتاب مفقود حسب علمي. ( [128] ) النوع الثاني: المصادر التي نقل عنها أحياناً، ومنها: 15- القراءات للفضل بن شاذان ( [129] ) (ت290هـ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 نقل عنه وصل إسناد معلق في الصحيح عن عبد الله بن مسعود في قراءة ((إنني بري)) بالياء وهي شاذة من قوله تعالى:" إنني براء مما تعبدون" ( [130] ) قال: (وصله الفضل بن شاذان في ((كتاب القراءات)) ..) الخ. ( [131] ) قلت: والكتاب مفقود والله أعلم. ( [132] ) 16- تفسير عبد الرزاق الصنعاني ( [133] ) (ت211هـ) وقد نص على تسميته فقال: (وقد ذكر عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة أن ابن مسعود كان يقرؤها ((وهو عليه هين)) ) ( [134] ) أهـ. قلت: يعني قوله تعالى:" وَهُو أهْوَنُ عليه" ( [135] ) والقراءة المذكورة شاذة وهي مخالفة لرسم المصحف. 17- ((الصحاح)) للجوهري ( [136] ) (ت393هـ) قال في كلامه عن القراءة الشاذة في كلمة ((الصُوَر)) ( [137] ) : (وذكر الجوهري في الصحاح أن الحسن قرأها بفتح الواو) ( [138] ) أهـ. 18- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( [139] ) (ت671هـ) نقل عنه قراءة شاذة في (فقد كذَّبوكم) ( [140] ) ولم يسم كتابه، قال: ("فقد كذَبوكم" حكى القرطبي أنها قرئت بالتخفيف) ( [141] ) أهـ. قلت: ونص كلام القرطبي في تفسيره قال: (وحكى الفراء أنه يقرأ ((فقد كذَبوكم)) مخففاً) ( [142] ) أهـ. 19- تفسير الواحدي ( [143] ) (ت468هـ) نقل عنه في قراءة لفظة ((المحصنات)) في القرآن، ولم يسم كتابه، قال ما نصه: (قال الواحدي: قرئ ((المحصِنات)) في القرآن بكسر الصاد وفتحها إلا في قوله تعالى: ((والمحصَنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم)) ( [144] ) فبالفتح جزماً، وقرئ ((فإذا أحصن)) ( [145] ) بالضم وبالفتح، فبالضم معناه التزويج وبالفتح معناه الإسلام) ( [146] ) أهـ. قلت: وقد وجدت قريباً من هذا النقل في "الوسيط" للواحدي: (2/33،35) فلعلّ النقل عنه بالمعنى، والله أعلم. 20- تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ( [147] ) (ت276هـ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 وهذا المصدر سماه الحافظ في موضع حين نقل عنه نصاً يتعلق بالأحرف السبعة فقال: (قال ابن قتيبة في أول ((تفسير المشكل)) له كان من تيسير الله أن أمر نبيه أن يقرأ كل قوم بلغتهم … الخ كلامه) ( [148] ) ، ونقل عن ابن قتيبة في موضع آخر ولم يسمِّ كتابه، وذلك حين تكلم عن كسر الميم في لفظة ((المشعر)) فقال: (قال ابن قتيبة: لم يقرأ بها في الشواذ) ( [149] ) أهـ. قلت: لم أجد نصاً لابن قتيبة عن هذه الكلمة لا في "مشكل القرآن" ولا في "تفسير غريب القرآن"، وكلاهما له، فربما كان في كتابه (القراءات) وهو مفقود والله أعلم. ( [150] ) 21 - معاني القرآن للنحاس ( [151] ) (ت338هـ) وهذا الكتاب أيضاً لم يذكر الحافظ اسمه، وإنما نقل استنكار مؤلفه لقراءة (الصُوَر) بفتح الواو، بعد أن ذكر كلام الجوهري المتقدم، فقال: (وذكر الجوهري في الصحاح أن الحسن قرأها بفتح الواو، وسبق النحاس فقال: ليست بقراءة) ( [152] ) أهـ. قلت: وقد ذكر النحاس هذه القراءة في معاني القرآن 2/448 22- الحجة في علل القراءات السبع لأبي على الفارسي ( [153] ) (ت377هـ) وهذا المصدر كذلك لم يسمه ابن حجر وإنما نقل عنه في توجيه قراءة ((فصرهن)) ( [154] ) بضم الصاد وبكسرها، فقال: (قلت: ونقل أبو علي الفارسي أنهما بمعنى واحد) ( [155] ) أهـ. قلت: كلام أبي علي في توجيه هذه القراءة طويل، كما في "الحجة" 2/292-294. 23- ((العباب الزاخر واللباب الفاخر للصغاني ( [156] ) (ت650هـ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 وهذا الكتاب ذكره الحافظ في مواضع مستشهداً منه في اللغة، مثل كلامه عن كلمة ((بِضْع)) قال: (ونقل الصغاني في العباب أنه خاص بما دون العشرة وبما دون العشرين فإذا جاوز العشرين امتنع … الخ) ( [157] ) ثم نقل عن مصنفه قراءة دون أن يسمي الكتاب، فقال في قوله تعالى: (ائتوني بكتب من قبل هذا أو أثرة من علم) ( [158] ) ما نصه (وذكر الصغاني وغيره أنه قرئ أيضاً ((إثارة)) بكسر أوله ((وأثرة)) بفتحتين وسكون ثانيه مع فتح أوله ومع كسره) ( [159] ) أهـ. قلت: هذا الكتاب طبعت منه أجزاء متفرقة في العراق، وهو في اللغة ((في عشرين مجلداً. ( [160] ) * ولعل من هذا النوع من المصادر كتب الحديث وشروحه - غير صحيح البخاري- التي نقل عنها بعض مرويات القراءات، ومنها: 24- موطأ الإمام مالك ( [161] ) (ت179هـ) وقد نقل عنه قراءة شاذة فقال: (.. وعن عائشة: نزلت ((فعدة من أيام أخر متتابعات)) ( [162] ) فسقطت ((متتابعات)) وفي الموطأ أنها قراءة أبي بن كعب) ( [163] ) أهـ 25- مشكل الآثار للطحاوي ( [164] ) (ت321هـ) أشار إليه عند توجيه القراءة الشاذة (ألاّ يطوف بهما) –المتقدم ذكرها- فقال: (وأجاب الطبري بأنها محمولة على القراءة المشهورة و ((لا)) زائدة، وكذا قال الطحاوي) ( [165] ) أهـ، فلم يسمّ كتابه في هذا الموضع، وإن كان سماه في مواضع أخرى حين نقل عنه بعض ما يتعلق بمسائل الحديث ( [166] ) . 27- نقل عن ابن المنذر ( [167] ) (ت319هـ) وقد أشار إليه أيضاً بعد نقل قراءة ((ألا يطوف بهما)) ، المتقدمة، فقال: (كذلك حكاه الطبري وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وغيرهم … ) الخ. ( [168] ) قلت: ولعل هذا النقل عن تفسير ابن المنذر الذي سماه في مواضع أخرى. ( [169] ) وهو تفسير كبير في بضعة عشر مجلداً كما ذكره في السير 14/492، وتوجد منه أجزاء مخطوطة. ( [170] ) 28- نقل عن ابن التين ( [171] ) (ت611هـ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 ذكره عند الكلام على توجيه قراءة ((فصرهن)) –المتقدمة- ولم يسم كتابه، قال: (قال ابن التين: ((صرهن)) بضم الصاد معناها ضمهن، وبكسرها قطعهن) ( [172] ) أهـ قلت: ولعل هذا النقل عن شرح ابن التين للبخاري وهو مفقود والله أعلم. النوع الثالث: مصادر ونقول لها علاقة بعلم القراءات وهي مصادر لم ينقل عنها قراءات معينة، وإنما نقل أقوالاً وآراء تتعلق بهذا العلم. وهي قسمان: أ- مصادر سماها وسمّى مصنفيها. ب- نقول وأقوال أوردها ونسبها إلى قائليها ولم يسم كتبهم التي نقل عنها. وأمثلة هذا النوع بقسميه كثيرة، ولذا فسأقتصر على ذكر نماذج منها على وجه الاختصار. فمن القسم الأول: 29- معاني القرآن للزجاج ( [173] ) (ت311هـ) نقل عنه كلاما له تعلق بتوجيه الآيات الثلاث من قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا شهدة بينكم إذا حضر أحدكم الموت –إلى قوله- والله لا يهدي القوم الفاسقين)) ( [174] ) ونصه: (قال الزجاج في ((المعاني)) : هذه الآيات الثلاث من أشكل ما في القرآن إعراباً وحكماً ومعنى) ( [175] ) أهـ 30- شرح الهداية لأبي العباس المهدوي ( [176] ) (توفي بعد 430هـ) نقل عنه أقوالاً تتعلق بمبحث الأحرف السبعة، فقد ذكر قول الطبري في ذلك ثم قال: (..ووافقه على ذلك جماعة منهم أبو العباس بن عمار في ((شرح الهداية)) وقال: أصح ما عليه الحذاق أن الذي يقرأ الآن بعض الحروف السبعة المأذون في قراءتها لا كلّها … ) ( [177] ) إلى آخر كلامه. 31- شرح السنة للبغوي ( [178] ) : (ت516هـ) وهذا المصدر نقل عنه في مبحث ((الأحرف السبعة)) نصاً يتعلق برسم المصحف فقال: (وقال البغوي في شرح السنة: المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرضات على رسول الله –e- فأمر عثمان بنسخه في المصاحف وجمع الناس عليه، وأذهب ما سوى ذلك، قطعاً لمادة الخلاف، فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع، فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم) ( [179] ) أهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 قلت: وهذا النص المذكور إنما اختصره الحافظ ولخصه من كلام طويل للبغوي ولم ينقله نصاً. ( [180] ) 32- شرح المنهاج للسبكي ( [181] ) (ت756هـ) وقد نقل عنه الإنكار على من توهم أن القراءات منحصرة في السبعة فقط، قال: (.. وقد اشتد إنكار أئمة هذا الشأن على من ظن ذلك كأبي شامة وأبي حيان، وآخر من صرح بذلك السبكي فقال في شرح المنهاج عند الكلام على القراءة بالشاذ: صرح كثير من الفقهاء بأن ما عدا السبعة شاذ توهماً منه انحصار المشهور فيها، والحق أن الخارج عن السبعة على قسمين … ) .الخ كلامه) . ( [182] ) قلت: كذا سمّى الحافظ الكتاب، والمعروف أنّ اسمه (الابتهاج في شرح المنهاج) وهو في شرح "منهاج الطالبين" للنووي في فقه الشافعية، ووصل فيه مؤلفه إلى (الطلاق) ولم يكمله، فأكمله ابنه بهاء الدين أحمد. ( [183] ) 33- الشافي لإسماعيل بن إبراهيم (ابن السمعاني) ( [184] ) (ت414هـ) وقد نقل عنه أيضاً بعض ما يتعلق بالمسألة السابقة –الزيادة على القراءات السبع- فقال: (وقال ابن السمعاني في الشافي: التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة، وإنما هو من جمع بعض المتأخرين..) ( [185] ) الخ كلامه. قلت: وهذا النقل بكامله ذكره ابن الجزري، ومنه عرفت أن ابن السمعاني الذي ذكره الحافظ بهذه الكنية غير المعروف بها هو إسماعيل بن إبراهيم، فقد نصّ على تسميته وتسمية كتابه (الشافي) ونقل نفس الكلام عنه، والكتاب في القراءات وهو في حكم المفقود والله أعلم. ( [186] ) 34- اللوائح ( [187] ) لأبي الفضل الرازي ( [188] ) (ت454هـ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 وقد نقل عنه نصاً في المسألة المتقدمة أيضاً فقال: (وقال أبو الفضل الرازي في ((اللوائح)) بعد أن ذكر الشبهة التي من أجلها ظن الأغبياء أنّ أحرف الأئمة السبعة هي المشار إليها في الحديث وأن الأئمة بعد ابن مجاهد جعلوا القراءات ثمانية أو عشرة لأجل ذلك قال: واقتفيت أثرهم لأجل ذلك وأقول: لو اختار إمام من أئمة القراء حروفاً وجرّد طريقاً في القراءة بشرط الاختيار لم يكن ذلك خارجاً عن الأحرف السبعة) ( [189] ) أهـ 35- المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز لأبي شامة ( [190] ) (ت665هـ) وحيث إن هذا الكتاب صنفه أبو شامة لبيان حديث (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) ( [191] ) كما نص هو على ذلك ( [192] ) ، لذا فقد نقل عنه ابن حجر في هذه المسألة وما يتعلق بها في أكثر من موضع، وسمى الكتاب ب"الوَجيز" في مواضع، وفي مواضع سمىّ المصنّف ولم يذكر اسم الكتاب. ففي موضع يقول: (وقد قرر ذلك أبو شامة في " الوجيز" تقريراً بليغاً وقال: لا يقطع بالقراءة بأنها منزلة من عند الله إلاّ إذا اتفقت عن ذلك الإمام الذي قام بإمامة المِصر بالقراءة وأجمع أهل عصره ومن بعدهم على إمامته في ذلك، قال: أما إذا اختلفت عنه فلا..) الخ كلامه. ( [193] ) وفي نفس المسألة أعاد النقل عن أبي شامة ملخِّصاً بعض كلامه، فقال: (وذكر أبو شامة في "الوجيز" أن فتوى وردت من العجم لدمشق سألوا عن قارئ يقرأ عُشراً من القرآن فيخلط القراءات،..) الخ كلامه. ( [194] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 وفي موضع آخر نقل عن "المرشد الوجيز" دون أن يسميه فقال: (وكذا قال أبو شامة: ونحن وإن قلنا إن القراءات الصحيحة إليهم نسبت وعنهم نقلت فلا يلزم أن جميع ما نقل عنهم بهذه الصفة، بل فيه الضعيف لخروجه عن الأركان الثلاثة، ولهذا ترى كتب المصنفين مختلفة في ذلك، فالاعتماد في غير ذلك على الضابط المتفق عليه) ( [195] ) أهـ، وفي سياق الرد على من توهم أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة قال: (وقال أبو شامة: لم يُرد ابن مجاهد ما نسب إليه، بل أخطأ من نسب إليه ذلك ... ) ( [196] ) الخ كلامه. 36- "المغرب في ترتيب المعرب" ( [197] ) لأبي الفتح الخوارزمي ( [198] ) (ت610هـ) هذا المصدر ذكره الحافظ استطراداً في نهاية كلام له عن اختلاف نقلة القراءات في ضبط لفظة ((فصرهن)) وتوجيهها لكنه لم ينسبه إلى أحد، ولم ينقل عنه في غير هذا الموضع – فيما وقفت عليه، ونص كلامه: (وذكر صاحب "المغرب" أن هذه اللفظة بالسريانية وقيل بالنبطية) أهـ. ( [199] ) قلت: ولم أجد هذا النص في "المغرب"، والله أعلم. - أما القسم الثاني من هذا النوع: وهي النقول والأقوال التي أوردها الحافظ في مسائل القراءات، وسمى أصحابها، ولم يذكر أسماء كتبهم، وهي كثيرة، وسأذكر جملة من هذه النقول وأصحابها والكتب التي وجدتها فيها: 37- "الإبانة عن معاني القراءات لمكي بن أبي طالب" ( [200] ) (ت437هـ) نقل ابن حجر عن مكي بن أبي طالب نقولاً مطولة- وخاصة في مبحث الأحرف السبعة- وقد لخص في هذه النقول صفحات كثيرة من " الإبانة" ولم يسمه، ومن ذلك قوله: (وقال مكي بن أبي طالب:هذه القراءات التي يقرأ بها اليوم وصحت رواياتها عن الأئمة جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ثم ساق نحو ما تقدم، قال: وأما من ظنّ أن قراءة هؤلاء القراء كنافع ( [201] ) وعاصم ( [202] ) هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطاً عظيماً..) الخ كلامه. ( [203] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 وفي بيان سبب اشتهار القراء السبعة دون غيرهم، نقل نصاً مطولاً، لخّصه من عدة مواضع من الإبانة، مع تقديم وتأخير فيها، فقال: (قال مكي: وكان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة أبي عمرو ( [204] ) ويعقوب ( [205] ) ..، قال: والسبب في الاقتصار على السبعة - مع أن في أئمة القراء من هو أجلّ منهم قدراً ومثلهم أكثر من عددهم - أن الرواة عن الأئمة كانوا كثيراً جداً..) إلى أن قال: (والأصل المعتمد عليه عند الأئمة في ذلك أنه الذي يصح سنده في السماع ويستقيم وجهه في العربية ووافق خط المصحف..) الخ كلامه. ( [206] ) 38- "القبس في شرح موطأ ابن أنس" لأبي بكر بن العربي ( [207] ) (ت543هـ) وهذا المصدر لم يسّمه –كما تقدم- وإنما نقل عنه نصاً بمعناه فقال: (وقال أبو بكر بن العربي ليست هذه السبعة متعينة الجواز حتى لا يجوز غيرها كقراءة أبي جعفر ( [208] ) وشيبة ( [209] ) والأعمش ونحوهم، فإن هؤلاء مثلهم أو فوقهم) ( [210] ) أهـ. قلت: وقد نقل الإمام ابن الجزري هذا القول بلفظ مقارب، ونص على تسمية الكتاب المذكور، وهو بمعناه في القبس. ( [211] ) 39- "تبصرة المتذكر" في تفسير القرآن للكواشي ( [212] ) (ت680هـ) وكذا نقل عنه ولم يسّمه وأورد النقل نفسه ابن الجزري وسمّى الكتاب" التبصرة)) ( [213] ) ، فقال ابن حجر: (وقال الكواشي: كل ما صح سنده واستقام وجهه في العربية ووافق خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوصة، فعلى هذا الأصل بني قبول القراءات عن سبعة كانوا أو سبعة الآف، ومتى فُقد شرط من الثلاثة فهو الشاذ) ( [214] ) أهـ. 40- "جامع البيان في القراءات السبع" لأبي عمرو الداني ( [215] ) (ت444هـ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 54 هذا المصدر نقل عنه الحافظ في موضع ولم يسمّه، فبعد أن ذكر قولين في معنى ((الأحرف السبعة)) وجمع بينهما، قال: (لكن لاختلاف القولين فائدة أخرى، وهي ما نبّه عليه أبو عمرو الداني أن الأحرف السبعة ليست متفرقة في القرآن كلها ولا موجودة فيه في ختمة واحدة، فإذا قرأ القارئ برواية واحدة فإنما قرأ ببعض الأحرف السبعة لا بكلها..) ( [216] ) أهـ. 41- نقل عن أبي حيان ( [217] ) (ت745هـ) لقد نقل الحافظ فيما يتعلق بالتفسير وغيره عن أبي حيان وسمى كتابه ((البحر)) في مواضع، وفي أخرى: ((تفسير أبي حيان)) ، أما ما يتعلق بالقراءات فقد نقل عنه قولاً ولم يذكر مصدره فقال: (وقال أبو حيان: ليس في كتاب ابن مجاهد ومن تبعه من القراءات المشهورة إلا النزر اليسير، فهذا أبو عمرو بن العلاء اشتهر عنه سبعة عشر راوياً..) الخ كلامه. ( [218] ) قلت: وهذا النص نقله ابن الجزري في النشر: (1/ 41) ولم أقف عليه في "البحر المحيط" فالله أعلم. النوع الرابع: مصادر ذُكرت عرضاً، ولها تعلق بعلم القراءات. أعني أن هذه المصادر والكتب سماها الحافظ وأشار إليها، ولكنه لم ينقل عنها نصوصاً محددة وذلك فيما اطلعت عليه من كتابه- وإنما أوردتها لاحتمال أن تكون مراجع للحافظ في علم القراءات، وإن لم ينقل عنها، وسأسردها مع الإشارة إلى مواضع ذكرها: 1- كتاب التيسير لأبي عمرو الداني (الفتح 9/32) 2- متن الشاطبية حرز الأماني للإمام الشاطبي ( [219] ) (الفتح 9/32) 3- كتاب القراءات لأبي عمرو بن العلاء (الفتح 6/602) . قلت: عبارة الحافظ في هذا الموضع: (لأن المشهور من أولاد العلاء أبو عمرو صاحب القراءات وأبو سفيان ومعاذ..) أهـ، فيحتمل أن يقصد ب"صاحب القراءات" أي المشهور بها، أو صاحب اختيار فيها، ولا يريد تسمية كتاب بعينه، وإن كان مصنفا "معجم المصنفات" عدّوه كتاباً لأبي عمرو، وهو مفقود. ( [220] ) 4- القراءات لأبي جعفر الطبري (الفتح 9/31،32) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 قلت: وهذا الكتاب ذكر في كلام نقله الحافظ عن مكي بن أبي طالب، ثم علق الحافظ على ذلك النقل ومما قاله: (وذكر الطبري في كتابه اثنين وعشرين رجلاً) أهـ. 5- القراءات لابن جبير ( [221] ) (الفتح 9/32) ( [222] ) 6- القراءات لإسماعيل بن إسحاق القاضي ( [223] ) (الفتح 9/31) ( [224] ) - هذه مجمل المصادر التي ذكرها الحافظ في كتابه مما له علاقة بعلم القراءات، ومما تقدم يمكن تلخيص بعض الملامح العامة في منهج نقله عنها، من خلال النقاط الآتية: 1- أكثر الحافظ من النقل عن المصادر –بمختلف أنواعها وفنونها- فيما يتعلق بمسائل القراءات. 2- تنوعت مصادره في القراءات ومسائلها من حيث الفنون، فنقل عن كتب القراءات والتفسير وإعراب القرآن والحديث واللغة وغيرها. 3- اختلفت مصادره من حيث كثرة أو قلة الرجوع إليها والنقل عنها، كما يظهر من الأنواع الأربعة المذكورة. 4- الغالب في نقله كان بالمعنى، بل يندر جداً أن ينقل كلاماً بنصه. 5- أحياناً يلخص صفحات عديدة من المصدر الذي ينقل عنه ويختصرها في أسطر معدودة وينسبها إلى صاحب المصدر بقوله (قال فلان) . 6- أحياناً ينص على تسمية الكتاب ومؤلفه، وأحياناً يذكر القائل دون تسمية كتابه، وقليلاً ما يذكر اسم الكتاب وحده دون ذكر مصنفه. 7- كثيراً ما يختصر اسم الكتاب أو يشير إليه بما يدل عليه، كقوله: (ذكره الفراء في معانيه) أو (الطبري في تفسيره) .. وهكذا. 8- حرص الحافظ على عزو جميع الأقوال والنقول إلى قائليها، رغم كثرتها، ولم أقف على نص أورده دون أن يذكر قائله أو يشير إليه، وهذا غاية في أمانته رحمه الله تعالى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 56 9- تتبع الحافظ أقوال العلماء واستقصاها في مسائل القراءات –وخاصة في مبحث الأحرف السبعة- مع الإشارة إلى ضعفها أو قوتها، وقد نص على ذلك في بداية كلامه عن معنى (الأحرف السبعة) فقال: (.. ولم أقف على كلام ابن حبان في هذا بعد تتبعي مظانه من صحيحه، وسأذكر ما انتهى إليّ من أقوال العلماء في ذلك مع بيان المقبول منها والمردود إن شاء الله تعالى) ( [225] ) أهـ 10- أحياناً ينص الحافظ على انتهاء النقل بقوله: (انتهى) ، وكثيراً ما يعقب على النقل بما يشعر بانتهائه، كأن يذكر قولاً آخر، أو يقول: (قلت) ( [226] ) ، وأحياناً لا يتبين نهاية النقل إلا بالرجوع إلى المصدر الذي نقل عنه. ( [227] ) الفصل الثاني: آراؤه في مسائل القراءات إن دراسة آراء الحافظ ابن حجر في مسائل القراءات لها أهمية بالغة من حيث: 1/ إنّ الحافظ أحد مشايخ القراءات الذين تلقوا هذا العلم ودرسوه، وله سند بذلك وعنده فيه إجازة من شيخه التنوخي كما تقدم. 2/ إنّ ابن حجر عالم محقق يورد الأقوال في المسألة وينقل عن العلماء المتقدمين، ويرجح ويجمع بين الأقوال، ويرد على الشبه، ويحل المشكلات، ويثرى الموضوع الذي يتناوله. 3/ إنّ بعض مسائل القراءات لا تزال شائكة ومشكلة، وتحتاج إلى توضيح وتحرير، ورأى إمام محقق مثل ابن حجر له قيمته ووزنه فيها. 4/ إنّ علم القراءات له ارتباط وثيق بعلم الحديث، وقد تبيّن ذلك جلياً من خلال النقول والآراء التي أوردها الحافظ في كتابه "الفتح". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 ومن خلال دراسة وتصنيف تلك المواضع التي أورد فيها القراءات وتكلم عن بعض مسائلها، يمكن تقسيم آرائه فيها إلى قسمين: الأول: آراء خاصة به ومن اجتهاده ونص على نسبتها لنفسه، والثاني: آراء لعلماء سابقين تبناها وأوردها مؤيداً لها، ثم إنّ تلك الآراء بقسميها تنوعت بحسب موضوعاتها: فمنها ما يتعلق بالأحرف السبعة ومنها ما يتعلق بمصطلحات علم القراءات وغير ذلك، وبيان هذه الآراء على النحو التالي: 1- أن القرآن نزل أولاً بلسان قريش ثم أنزل بالأحرف السبعة: وقد ذكر ذلك في شرحه لحديث أنس بن مالك رضى الله عنه قال: (فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد ابن ثابت في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم، ففعلوا) ( [228] ) . ونقل في ذلك قول أبي شامة: (يحتمل أن يكون قوله "نزل بلسان قريش " أي ابتداء نزوله، ثم أبيح أن يقرأ بلغة غيرهم … ) الخ.، ثم قال الحافظ: (وتكملته: أن يقال: إنه نزل أولاً بلسان قريش أحد الأحرف السبعة، ثم نزل بالأحرف السبعة المأذون في قراءتها تسهيلاً وتيسيراً كما سيأتي بيانه، فلما جمع عثمان الناس على حرف واحد رأى أن الحرف الذي نزل القرآن أولاً بلسانه أولى الأحرف فحمل الناس عليه لكونه لسان النبي –e – ولما له من الأولية المذكورة) ( [229] ) أهـ. وقال في موضع آخر تأكيداً لكلام أبي شامة ما نصّه: (ويدل على ما قرره أنّه أنزل أولاً بلسان قريش ثم سهل على الأمة أن يقرؤوه بغير لسان قريش، وذلك بعد أن كثر دخول العرب في الإسلام، فقد ثبت أن ورود التخفيف بذلك كان بعد الهجرة … ) . ( [230] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 قلت: وما أكده الحافظ في هذه المسألة قرره أبو شامة في عدة مواضع من كتابه ((المرشد الوجيز)) منها قوله تعليقاً على الحديث المذكور ما نصّه: (قلت: يعني أول نزوله قبل الرخصة في قراءته على سبعة أحرف) أهـ ( [231] ) . وفي موضع آخر نقل إشارة ابن عبد البر إلى أثر عثمان المتقدم، ثم قال أبو شامة: (قلت: أشار عثمان رضي الله عنه إلى أول نزوله، ثم إن الله تعالى سهله على الناس، فجوّز لهم أن يقرؤوه على لغاتهم على ما سبق تقريره، لأن الكل لغات العرب، فلم يخرج عن كونه بلسان عربي مبين) أهـ. ( [232] ) قلت: وقد نقل هذا القول أيضاً السيوطي في الإتقان: 1/ 169. 2- في معنى "الأحرف السبعة ": قال: (قوله " باب أنزل القرن على سبعة أحرف " أي على سبعة أوجه يجوز أن يقرأ بكل وجه منها، وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه، بل المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة إلى سبعة) أهـ، ثم نقل كلام أهل العلم في ذلك وقال: (وسأذكر ما انتهى إليَ من أقوال العلماء في ذلك مع بيان المقبول منها والمردود إن شاء الله تعالى) ( [233] ) أهـ. وفي ضمن كلامه عن حديث عمر وهشام – رضى الله عنهما- وفيه " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه " ( [234] ) قال: (قوله " فاقرءوا ما تيسر منه " أي المنزَّل. وفيه إشارة إلى الحكمة في التعدد المذكور، وأنه للتيسير على القارئ، وهذا يقوي قول من قال: المراد بالأحرف تأدية المعنى باللفظ المرادف ولو كان من لغة واحدة، لأن لغة هشام بلسان قريش وكذلك عمر، ومع ذلك اختلفت قراءتهما) أهـ. ( [235] ) ثم نقل قولا ذكره أبو شامة عن بعض الشيوخ؛ وهو بمعنى كلامه هذا أي القراءة باللفظ المرادف_ ثم قال:) وتتمة ذلك أن يقال: إن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي، أي أن كل أحد يغير الكلمة بمرادفها في لغته، بل المراعى في ذلك السماع من النبي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 e، ويشير إلى ذلك قول كل من عمر وهشام في حديث الباب:" أقرأني النبي e) ( [236] ) أهـ. وفي جمعه بين من فسر معنى الأحرف باللغات ومن فسرها بالأوجه من المعاني المتفقة قال: (قلت: ويمكن الجمع بين القولين بأن يكون المراد بالأحرف تغاير الألفاظ مع اتفاق المعنى مع انحصار ذلك في سبع لغات) ( [237] ) أهـ. قلت: والخلاف في معنى "الأحرف السبعة" قديم ومشهور وطويل، وللعلماء فيه أكثر من أربعين قولاً ( [238] ) ، من أشهرها القولان اللذان جمع بينهما الحافظ، وهما قول من قال: إنّ المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة، وقد قال به أكثر العلماء – كما ذكره ابن عبد البر- وذهب إليه سفيان بن عيينة وابن جرير وابن وهب وغيرهم، والثاني قول من قال: إنّ المراد سبع لغات وإليه ذهب أبو عبيد وثعلب واختاره ابن عطية وصححه البيهقي، كما نقله عنهم السيوطي. ( [239] ) 3- أن المجموع في المصحف إنما هو بعض الأحرف السبعة: قال: (والحق أن الذي جمع في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي e، وفيه بعض ما اختلف فيه الأحرف السبعة لا جميعها، كما وقع في المصحف المكي " تجري من تحتها الأنهار " في آخر براءة ( [240] ) ، وفي غيره بحذف "من " وكذا ما وقع من اختلاف مصاحف الأمصار من عدّة واوات ثابتة في بعضها دون بعض، وعدّة هاءات، وعدّة لامات ونحو ذلك، وهو محمول على أنه نزل بالأمرين معاً، وأمر النبي e بكتابته لشخصين، أو أعلم بذلك شخصاً واحداً وأمره بإثباتهما على الوجهين، وما عدا ذلك من القراءات مما لا يوافق الرسم فهو مما كانت القراءة جوزت به توسعة على الناس وتسهيلا، فلما آل الحال إلى ما وقع من اختلاف في زمن عثمان وكفّر بعضهم بعضاً اختاروا الاقتصار على اللفظ المأذون في كتابته وتركوا الباقي) ( [241] ) أهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 قلت: والخلاف في هذه المسألة قديم، فقد ذهب جماعة من الفقهاء والقراء والمتكلمين إلى أنّ المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة، وممن قال بذلك القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني ( [242] ) ، كما نقله عنه أبو شامة وغيره، حيث قال القاضي ما نصّه: (ليس الأمر على ما توهمتم من أنّ عثمان رضي الله عنه جمعهم على حرف واحد وقراءة واحدة، بل إنما جمعهم على القراءة بسبعة أحرف وسبع قراءات، كلها عنده وعند الأمة ثابتة عن الرسول e) أهـ. ( [243] ) وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أنّ هذه المصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط، جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي e على جبرائيل عليه السلام، متضمنة لها لم تترك حرفاً منها. وقد أورد ابن الجزري هذا القول ثم قال: (قلت: وهذا القول هو الذي يظهر صوابه لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه وتشهد له) أهـ. ( [244] ) كما أورد الحافظ بعد هذا الرأي نقولات عديدة تؤيد ما ذكر، عن الطبري والبغوي وأبي شامة ومكي وغيرهم. ( [245] ) 4- في شروط القراءة المقبولة: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 وقد نقل أقوال العلماء في ذلك، منهم مكي وابن السمعاني وأبو الفضل الرازي والكواشي، وقد نصوا على الأركان الثلاثة للقراءة الصحيحة، ومن ذلك قول مكي: (والأصل المعتمد عليه عند الأئمة في ذلك أنه الذي يصح سنده في السماع ويستقيم وجهه في العربية ووافق خط المصحف … ) الخ. وكذا قول الكواشي: (كل ما صح سنده واستقام وجهه في العربية ووافق لفظه خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوصة – أي الأحرف السبعة – فعلى هذا الأصل بني قبول القراءات، عن سبعة كانوا أو سبعة آلاف، ومتى فُقد شرط من الثلاثة فهو الشاذ) ( [246] ) أهـ ثم ذكر الحافظ في آخر المبحث كلاماً له يؤيد فيه هذه الشروط، فقال ما نصه: (واستدل بقوله –e– " فاقرءوا ما تيسر منه " على جواز القراءة بكل ما ثبت من القرآن بالشروط المتقدمة، وهي شروط لا بد من اعتبارها، فمتى اختل شرط منها لم تكن تلك القراءة معتمدة) ( [247] ) أهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 62 قلت: ويلاحظ أن الحافظ لم ينص على اشتراط التواتر، لا في أقواله ولا في الأقوال التي أوردها فيما وقفت عليه وإنما ذكر اشتراط صحة السند مع اشتهارها كما تدل على ذلك بقية أقواله في غير هذا الموضع مما سيأتي ذكره، كما أنّه لم يحصرها في السبع أو العشر، وهو ما نسبه ابن الجزري إلى ((أئمة السلف والخلف)) فقال: (كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً وصحّ سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردّها ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة، أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة، أم عمن هو أكبر منهم، وهذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف، صرّح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، ونصّ عليه في غير موضع الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب وكذلك الإمام أبو العباس أحمد بن عمّار المهدوي وحققه الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة، وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه) أهـ ( [248] ) تنبيه: ماذكره ابن الجزري هنا من عدم اشتراط التواتر وعدم انحصار القراءات المقبولة في العشر هو قوله المتأخر في المسألة، حيث قد نص على اشتراطه أولاً في كتابه (منجد المقرئين) ثم نسخه بما ذكرته عنه (في النشر) ، وبين فراغه من تأليف الكتابين أكثر من عشرين عاماً ( [249] ) ، ثم إنه صرح برجوعه عن رأيه الأول حيث قال: (ولقد كنت قبل أجنح إلى هذا القول ثم ظهر فساده، وموافقة أئمة السلف والخلف) ( [250] ) أهـ، كما أشار إلى تردده في المسألة في آخر كتابه "المنجد" بعد توقيعه على الفراغ منه. ( [251] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 وفي التأكيد على أنّ القراءات المقبولة ليست منحصرة في القراءات السبع نقل الحافظ كلام أهل العلم في معنى الأحرف السبعة، وفيه بيان أن الأحرف غير " القراءات "، ثم ذكر شروط القراءة المقبولة، ثم قال: (وإنما أوسعت القول في هذا لما تجدد في الأعصار المتأخرة من توهم أن القراءات المشهورة منحصرة في مثل " التيسير والشاطبية "، وقد اشتد إنكار أئمة هذا الشأن على من ظن ذلك كأبي شامة وأبي حيان وآخر من صرّح بذلك السبكي … ) الخ كلامه. ( [252] ) 5- في خلط القراءات ( [253] ) : أورد الحافظ في هذه المسألة نقلاً نصه: (وذكر أبو شامة في الوجيز أن فتوى وردت من العجم لدمشق سألوا عن قارئ يقرأ عُشراً من القرآن فيخلط القراءات، فأجاب ابن الحاجب وابن الصلاح وغير واحد من أئمة ذلك العصر بالجواز بالشروط التي ذكرناها، كمن يقرأ مثلاً " فتلقى آدم من ربه كلمات " فلا يقرأ لابن كثير بنصب " آدم " ولأبي عمرو بنصب " كلمات"، وكمن يقرأ " نغفر لكم " بالنون " خطاياكم " بالرفع، قال أبو شامة: لا شك في منع مثل هذا، وما عداه فجائز والله أعلم) ( [254] ) أهـ. ثم علّق الحافظ على هذا النقل بقوله: (وقد شاع في زماننا من طائفة من القراء انكار ذلك حتى صرح بعضهم بتحريمه، فظن كثير من الفقهاء أن لهم في ذلك معتمداً فتابعوهم، وقالوا: أهل كل فن أدرى بفنهم، وهذا ذهول ممن قاله، فإنّ عِلم الحلال والحرام إنما يتلقى من الفقهاء، والذي منع ذلك من القراء إنما هو محمول على ما إذا قرأ برواية خاصة فإنه متى خلطها كان كاذباً على ذلك القارئ الخاص الذي شرع في إقراء روايته، فمن أقرأ رواية لم يحسن أن ينتقل عنها إلى رواية أخرى، كما قاله الشيخ محي الدين ( [255] ) ، وذلك من الأولوية لا على الحتم، أما المنع على الإطلاق فلا، والله أعلم) ( [256] ) أهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 64 قلت: فيظهر مما ذكر أن الحافظ يرى جواز الخلط بين القراءات بمعنى أن يقرأ كل آية-أو نحوها- بقراءة قارئ بشرط أن يكون المقروء به مما توفرت فيه شروط القراءة المقبولة ( [257] ) . وقد قال بجواز ذلك كثير من الأئمة ومنعه بعضهم –كما ذكره ابن الجزري- ثم توسط في المسألة فقال ما ملخصه: (والصواب عندنا في ذلك التفصيل والعدول بالتوسط إلى سواء السبيل فنقول: إن كانت إحدى القراءتين مترتبة على الأخرى فالمنع من ذلك منع تحريم،وأما ما لم يكن كذلك فإنّا نفرق بين مقام الرواية وغيرها،فإن قرأ بذلك على سبيل الرواية فإنه لا يجوز أيضاً من حيث إنه كذب في الرواية وتخليط على أهل الدراية،وإن لم يكن على سبيل النقل والرواية بل على سبيل القراءة والتلاوة فإنه جائز صحيح مقبول لا منع منه ولا حظر،وإن كنّا نعيبه على أئمة القراءات العارفين باختلاف الروايات … ) الخ كلامه. ( [258] ) 6- اعتماده القراءات السبع والمشهورة من غيرها، واعتماده كتاب ((أبى عبيد)) في القراءات المشهورة: ويتبين هذا من تعليقه على قراءة الأعمش " وما أُوتوا من العلم إلا قليلاً" ( [259] ) الواردة في الصحيح، فقد قال في شرح حديثها ما نصه: (وليست هذه القراءة في السبعة بل ولا في المشهور من غيرها، وقد أغفلها أبو عبيد في كتاب القراءات له من قراءة الأعمش، والله أعلم) أهـ. ( [260] ) وفي موضع آخر ذكر قراءة عمر-رضي الله عنه- التي أوردها البخاري في " وظنّ داود أنّما فتّناه" ( [261] ) بتشديد التاء فقال: (وأما قراءة عمر فمذكورة في الشواذ، ولم يذكرها أبو عبيد في القراءات المشهورة) ( [262] ) أهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 65 قلت: وكلامه الأخير يشعر بأنّ ما ذكره أبو عبيد في كتابه كله من القراءات المشهورة، والكتاب المشار إليه حوى قراءات الأئمة السبعة وغيرهم، وقد ذكره ابن الجزري في "النشر"، وكلامه عنه فيه نوع موافقة لرأي الحافظ ابن حجر فيه، مما يفهم من سياق كلامه، قال ابن الجزري: (فإنّ القراءات المشهورة اليوم عن السبعة والعشرة والثلاثة عشر بالنسبة إلى ما كان مشهوراً في الأعصار الأول قِل من كُثر، ونَزر من بحر، فإنّ من له اطلاع على ذلك يعرف علمه العلم اليقين، وذلك أنّ القراء الذين أخذوا عن أولئك الأئمة المتقدمين من السبعة وغيرهم كانوا أمماً لا تحصى،وطوائف لا تستقصى،والذين أخذوا عنهم أيضاً أكثر، وهلم جرا،فلما كانت المائة الثالثة واتسع الخرق وقلّ الضبط وكان علم الكتاب والسنة أوفر ما كان في ذلك العصر تصدّى بعض الأئمة لضبط ما رواه من القراءات،فكان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب أبو عبيد القاسم بن سلام وجعلهم فيما أحسب خمسة وعشرين قارئاً مع هؤلاء السبعة، وتوفي سنة أربع وعشرين ومائتين) ( [263] ) 7- مصطلح القراءة المشهورة عنده: لقد استخدم الحافظ مصطلح " المشهورة، الشهيرة " مرات كثيرة ( [264] ) ، ويريد بها القراءة المقبولة غالباً، وهو يذكرها في مقابل القراءة الشاذة المردودة، يدل على هذا قوله المتقدم: (وإنما أوسعت القول في هذا لما تجدد في الأعصار المتأخرة من توهم أن القراءات المشهورة منحصرة في مثل التيسير والشاطبية) ( [265] ) أهـ. وقال في قراءتي " يتفيؤا ظلاله" بالتاء وبالياء ( [266] ) : (وتتفيأ في روايتنا بالمثناة الفوقانية أي: الظلال، وقرئ أيضاً بالتحتانية أي شئ، والقراءتان شهيرتان) ( [267] ) أهـ. قلت: بالتاء قراءة أبي عمرو ويعقوب، وبالياء قراءة الباقين. ( [268] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 وفي قراءة " والجار ذي القربى والجار الجنب " ( [269] ) أورد إنكار الفراء لقراءة النصب فيها، ثم قال: (وكأنه نفى المشهور، وإلا فقد قرئ بها أيضاً في الشواذ) ( [270] ) أهـ. ولما نقل جملة من القراءات الشاذة في سورة الفرقان قال بعدها: (فهذه ستة وخمسون موضعاً ليس فيها من المشهور شيء) ( [271] ) أهـ. قلت: فهذه النصوص عنه تبين أن إطلاقه للمشهور يريد به المقبول من القراءات، ويقابلها الشاذ، وهذا في غالب إطلاقاتها عنده، لكن وقع في موضع واحد – فيما وقفت عليه – أنه عدَّ قراءة الأعمش – وهي شاذة – من المشهور فيما يظهر من كلامه، والله أعلم، حيث قال في قراءة "جِبلاً" من قوله تعالى:"ولقد أضلّ منكم جِبِلاً ( [272] ) ما نصه: (وفيها ( [273] ) قراءات: ففي المشهور بكسرتين وتشديد اللام لنافع وعاصم، وبضمة ثم سكون لأبي عمرو وابن عامر، وبكسرتين واللام خفيفة للأعمش، وبضمتين واللام خفيفة للباقين، وفي الشواذ بضمتين ثم تشديد، وبكسرة ثم سكون، وبكسرة ثم فتحة مخففة، وفيها قراءات أخرى) ( [274] ) أهـ. قلت: وهذا يؤيد ما تقدم ذكره في شروط القراءة المقبولة عنده، وأنّه لم يحصرها في السبع أو العشر، والله أعلم. تنبيه: وفي موضع واحد – فيما وقفت عليه أيضاً – وقع منه ضد ذلك، إذ عدَّ قراءة أبي جعفر من غير المشهور فيما يفهم من كلامه، مع أنها قراءة عشرية، إذ أورد قول أبي عبيدة في قوله تعالى: (فلما أن أراد أن يبطِش بالذي هو عدوٌ لهما) ( [275] ) بالطاء مكسورة ومضمومة لغتان، ثم قال: (قلت: الكسر القراءة المشهورة هنا وفي قوله تعالى: "يوم نبطِش البطشة الكبرى " ( [276] ) والضم قراءة أبي جعفر، ورويت عن الحسن أيضاً) ( [277] ) أهـ. قلت: فلعله أراد بالمشهورة هنا: قراءة الأكثر، والله أعلم. 8 - مصطلح "الجمهور" عنده: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 استخدم الحافظ مصطلح "الجمهور" في مواضع، وأراد به أكثر القراء العشرة-فيما يفهم من كلامه- في مقابل الأقل منهم، كقوله في قراءة "وإذاً لا يلبثون خِلَفك" ( [278] ) : (قلت: والقراءتان مشهورتان، فقرأ "خَلْفَك" الجمهور، وقرأ "خِلافك" ابن عامر والأخوان، وهي رواية حفص عن عاصم) ( [279] ) أهـ. وكذا قوله في قراءة "هنالك الوَلاية" ( [280] ) : (وقرأ الجمهور بفتح الواو، والأخوان بكسرها) أهـ ( [281] ) . وفي مواضع أخرى أطلق مصطلح "الجمهور"وأراد به جميع العشرة ومن وافقهم، في مقابل أصحاب القراءات الشاذة، فمن ذلك قوله في قراءة "قاموا كُسالى" ( [282] ) (قلت: وهما قراءتان قرأ الجمهور بالضم وقرأ الأعرج بالفتح، وهي لغة بني تميم، وقرأ ابن السميفع بالفتح أيضاً، لكن أسقط الألف وسكن السين … ) الخ. ( [283] ) وكذا في قراءة "أو كانوا غُزًّى" ( [284] ) حيث قال: (وقرأ الجمهور "غزّاً" بالتشديد جمع غاز … ) إلى أن قال: (وقرأ الحسن وغيره "غزاً" بالتخفيف) أهـ. ( [285] ) وقال في قراءة "إنّه كان حُوباً" ( [286] ) : (والجمهور على ضم الحاء، وعن الحسن بفتحها) أهـ. ( [287] ) تنبيه (1) : وقع لدى الحافظ وَهْمٌ في نسبة قراءة سبعية إلى الشذوذ، ورجح عليها قراءة " الجمهور" حيث قال: (قوله: باب قوله تعالى " فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أَيمان لهم " ( [288] ) قرأ الجمهور بفتح الهمزة من "أيمان" أي لا عهود لهم، وعن الحسن البصري بكسر الهمزة وهي قراءة شاذة، وقد روى الطبري عن طريق عمار بن ياسر وغيره في قوله "إنهم لا أيمان لهم " أي لا عهد لهم، وهذا يؤيد قراءة الجمهور) ( [289] ) أهـ. قلت: والقراءة المشار إليها بكسر الهمزة هي قراءة ابن عامر، وليست شاذة وربما وافقه فيها الحسن ( [290] ) ، ولا مجال لترجيح قراءة الجمهور عليها، ولعل الحافظ رحمه الله تبع في ذلك الطبري الذي نص على عدم استجازة القراءة بغير الفتح، والله اعلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 68 تنبيه (2) : ووقع للحافظ وَهْمٌ آخر في قراءة "ولايأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ" ( [291] ) حيث قال: (وقال الفراء: الائتلاء: الحلف، وقرأ أهل المدينة "ولا يَتَأَلَّ" بتأخير الهمزة وتشديد اللام، وهي خلاف رسم المصحف، وما نسبه إلى أهل المدينة غير معروف وإنما نسبت هذه القراءة للحسن البصري) ( [292] ) أهـ. قلت: والقراءة المذكورة "ولايتأل" عشرية، قرأ بها أبو جعفر المدني ووافقه الحسن، وهى لا تخالف رسم المصحف. قال ابن الجزري: (وذكر الإمام المحقق أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم القراب في كتابه "علل القراءات" أنه كتب في المصاحف "يتل" قال فلذلك ساغ الاختلاف فيه على الوجهين انتهى) ( [293] ) أهـ. 9- حكم القراءة الشاذة عنده: وضّح الحافظ موقفه من القراءة الشاذة في ثلاثة مواضع نص على رأيه فيها - فيما وجدته - ( [294] ) وهي: أ- عند شرحه لحديث ابن عباس – رضى الله عنهما- في سبب نزول قوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) ( [295] ) وقراءة ابن عباس لها بزيادة "في مواسم الحج " ( [296] ) حيث قال ما نصه: (وقراءة ابن عباس "في مواسم الحج" معدودة من الشاذ الذي صح إسناده وهو حجة وليس بقرآن) ( [297] ) أهـ. ب- عند شرحه للحديث نفسه في موضع آخر، حيث ذكر قراءة ابن عباس هذه بعد أن أشار إلى الموضع السابق، وأن الطبري روى بإسناد صحيح عن أيوب عن عكرمة أنه كان يقرؤها كذلك، ثم قال: (فهي على هذا من القراءة الشاذة وحكمها عند الأئمة حكم التفسير) ( [298] ) أهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 69 ج- عند كلامه عن قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءآمنا به) ( [299] ) ، وذكر تفسير مجاهد للآية وقوله: (والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به) . ثم قال الحافظ: (وهذا الذي ذهب إليه مجاهد من تفسير الآية يقتضي أن تكون الواو في " والراسخون" عاطفة على معمول الاستثناء، وقد روى عبد الرازق بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان يقرأ "وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به " فهذا يدل على أن الواو للاستئناف لأن هذه الرواية وإن لم تثبت بها قراءة لكن أقل درجاتها أن تكون خبراً بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه في ذلك على من دونه) أهـ. ( [300] ) قلت: هذه المواضع التي وقفت فيها على نص صريح من الحافظ في بيان موقفه من القراءة الشاذة. وقد نقل الشيخ عبد الفتاح القاضي في كتابه "القراءات الشاذة" نصاً صريحاً عن الحافظ في هذا الباب، لكني لم أقف عليه في الفتح فقال ما نصه: (واستفتي الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني عن حكم القراءة الشاذة فقال: تحرم القراءة بالشاذ وفي الصلاة أشد، ولا نعرف خلافاً بين أئمة الشافعية في تفسير الشاذ أنه ما زاد على العشر، بل منهم من ضيق فقال: ما زاد على السبع) ( [301] ) أهـ. وقد تقدم عند الكلام عن شروط القراءة المقبولة ما يدل على أنّ الحافظ لم يحصرها في السبع ولا في العشر، فإذا صحّ نقل "القاضي" عنه دلّ على حصرها في العشر ونسخ ما تقدم. ومن خلال تأمل أقواله السابقة يمكن استخلاص الآتي: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 1) أنّه أطلق مصطلح " القراءة الشاذّة " على ما صحّ سنده ووافق العربية لكنّه خالف رسم المصحف، وقد وافق في ذلك ما ذكره ابن الجزري في قوله: (فهذه القراءة تسمّى اليوم شاذة لكونها شذّت عن رسم المصحف المجمع عليه، وإن كان إسنادها صحيحاً، فلا تجوز القراءة بها لا في الصلاة ولا في غيرها) أهـ ( [302] ) . وقد ذهب إلى هذا الاصطلاح مكي بن أبي طالب وأبو القاسم الهذلي وأبو شامة وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم كثير. ( [303] ) 2) أنّه اعتبر القراءة الشاذة – بالمعنى المذكور حجة وليست بقرآن، وأنّ حكمها حكم التفسير. وقد نصّ على هذا كثير من الأئمة، منهم أبو عبيد حيث قال ما ملخصه: (المقصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة، وتبيين معانيها، كقراءة عائشة وحفصة: (الوسطى صلاة العصر) أي من قوله تعالى" حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" ( [304] ) ، وقراءة ابن مسعود: (فاقطعوا أيمانهما) أي من قوله تعالى:" والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" ( [305] ) ، وقراءة جابر: (فإنّ الله من بعد إكراههن لهنّ غفور رحيم) . ( [306] ) قال: فهذه الحروف وما شاكلها قد صارت مفسرة للقرآن. وقد كان يُروى مثل هذا عن التابعين في التفسير فيستحسن، فكيف إذا روي عن كبار الصحابة ثم صار في نفس القراءة، فهو أكثر من التفسير وأقوى، فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفة صحة التأويل) . ( [307] ) قلت: وقد عبّر ابن الجزري عن حكم هذا النوع بقوله: (فهذا يُقبل ولا يُقرأ به) أهـ. ( [308] ) كما نقل السيوطي عن القاضيين أبي الطيب والحسين وعن الروياني والرافعي والسبكي العمل بالقراءة الشاذة تنزيلاً لها منزلة خبر الآحاد، والله أعلم. ( [309] ) 10- موقفه من الترجيح بين القراءات: الغالب من فعل الحافظ أنه لا يرجح بين القراءات المقبولة فيما وقفت عليه لكن في مواضع قليلة جداً أورد ما يشعر بالترجيح، ومنها: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 71 أ- في كلامه عن قراءة "أقتلت نفساً زكيّة" ( [310] ) حيث أورد رواية البخاري: (وكان ابن عباس يقرؤها "زكية") ثم قال: (وهي قراءة الأكثر، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو "زاكية"، والأُولى أبلغ لأن فعيلة من صيغ المبالغة) ( [311] ) أهـ. ب- ذكر في قراءة "وقال لأوتيّن مالاً وولداً" ( [312] ) نقلاً عن الطبري فيه ترجيح لقراءة الجمهور، ولم يعلق عليه، فقال: (قراءة الأكثر بفتحتين، والكوفيين سوى عاصم بضم ثم سكون، قال الطبري: لعلهم أرادوا التفرقة بين الواحد والجمع، لكن قراءة الفتح أشمل وهي أعجب إليّ) ( [313] ) أهـ. ج- بعد أن ذكر قراءة "ما ننسخ من آية أو نُنْسها" ( [314] ) بضم النون وكسر السين بغير همز، ثم قراءة (نَنْسأَها) بفتح النون والسين مع الهمز، قال: (والأول قراءة الأكثر واختارها أبو عبيدة وعليه أكثر المفسرين، والثانية قراءة ابن كثير وأبي عمرو وطائفة) أهـ. ثم أثناء شرحه للحديث الذي وردت فيه ( [315] ) أورد أثراً عن ابن عباس قال: (خطبنا عمر فقال: إن الله يقول " ما ننسخ من آية أو نَنْسأَها " أي نؤخرها) . ثم قال الحافظ: (وهذا يرجح رواية من قرأ بفتح أوله وبالهمز، وأما قراءة من قرأ بضم أوله فمن النسيان) ( [316] ) أهـ. قلت: ما ذكره الحافظ من ترجيح أو ما يشعر به لقراءة مقبولة على مثلها، لا يُوافق عليه، إذ قرر أهل العلم: (إذا ثبتت القراءتان لم ترجَّح إحداهما- في التوجيه- ترجيحاً يكاد يسقط الأخرى، وإذا اختلف الإعرابان لم يفضَّل إعراب على إعراب. كما لا يقال بأنّ إحدى القراءتين أجود من الأخرى) . ( [317] ) وقد نبّه على ذلك العلماء حيث نقل السيوطي هذا المعنى عن عدد منهم فقال: (قال الكواشي: ... ، إلاّ أنّه ينبغي التنبيه على شيء وهو أنّه قد تُرجح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحاٌ يكاد يسقطها وهذا غير مرضي، لأنّ كلاً منهما متواتر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 72 وعن ثعلب أنّه قال: إذا اختلف الإعرابان في القرآن لم أفضّل إعراباً على إعراب. وقال أبو جعفر النحاس: السلامة عند أهل الدّين، إذا صحت القراءتان ألاّ يقال إحداهما أجود، لأنهما جميعاً عن النّبيّ e فيأثم من قال ذلك. وقال أبو شامة: أكثر المصنفون من الترجيح بين قراءة "مَالِكِ"و"مَلِكِ" حتى إنّ بعضهم يبالغ إلى حدّ يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين. وقال بعضهم: توجيه القراءة الشاذة أقوى في الصناعة من توجيه المشهورة) . ( [318] ) 11- آراؤه في مسائل أخرى تتعلق بالقراءة والأداء: أ - رأيه في مقدار المد الأصلى وغير الأصلى: قال: (فالأول يؤتى فيه بالألف والواو والياء ممكنات من غير زيادة، والثاني يزاد في تمكين الألف والواو والياء زيادة على المد الذي لا يمكن النطق بها إلا به من غير إسراف، والمذهب الأعدل أنه يمد كل حرف منها ضعفي ما كان يمده أولاً وقد يزاد على ذلك قليلاً، وما فرط فهو غير محمود) ( [319] ) أهـ. قلت: وما ذهب إليه في تقدير المدّ الأصلي عبّر عنه أهل التجويد ب"مقدار ألِفَين"، وما ذكره في "المذهب الأعدل" قدّروه "بأربع ألِفَات"، وبعضهم يعبّر عنه ب"الحركات" بدل "الألِفَات"، وهذا مما تحكم المشافهة حقيقته، ويبين الأداء كيفيّته، وتوضحه الحكاية. ( [320] ) ب- رأيه في القراءة بالأنغام: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 73 بعد أن شرح حديث التغني بالقرآن ( [321] ) وذكر الأقوال في معناه، أورد خلاف العلماء في القراءة بالألحان، ثم قال في آخره: (والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسناً "فليحسنه ما استطاع" كما قال ابن أبي مليكة أحد رواة الحديث، وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح ( [322] ) . ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النغم فإن الحسن الصوت يزداد حسناً بذلك، وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يف تحسين الصوت بقبح الأداء، ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعي الأداء، فإن وجد من يراعيهما معاً فلا شك في أنّه أرجح من غيره، لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء والله أعلم) ( [323] ) أهـ. قلت: هذه المسألة محلّ بحث ونظر، وقد أورد الحافظ خلاف العلماء فيها وخلاصته: 1) أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حدّ القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتى زاد حرفاً أو أخفاه حرم، حكاه النووي. ( [324] ) 2) اختلف العلماء في القراءة بالألحان، فحكي عن مالك تحريمه، وحكاه أبو الطيب الطبري والماوردي وابن حمدان الحنبلي عن جماعة من أهل العلم، وحكى ابن بطّال وعياض والقرطبي من المالكية والماوردي والبنديجي والغزالي من الشافعية وصاحب الذخيرة من الحنفية الكراهة، واختاره أبو يعلى وابن عقيل من الحنابلة. وحكى ابن بطال عن جماعة من الصحابة والتابعين الجواز، وهذا هو المنصوص للشافعي ونقله الطحاوي عن الحنفية. 3) إنّ محل هذا الاختلاف إذا لم يختل شيء من الحروف عن مخرجه، فلو تغيّر أجمعوا على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 74 تحريمه. ( [325] ) قال الماوردي فيما حكاه عنه النووي: (القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه، أو قصر ممدود أو مدّ مقصور أو تمطيط يخلّ به بعض اللفظ ويلتبس المعنى، فهو حرام يُفسَّق به القارئ، ويأثم به المستمع، لأنّه عدل به عن نهجه القويم إلى الاعوجاج، والله تعالى يقول: ((قُرْءآناً عربياً غَيْرَ ذِيْ عِوَجٍ)) ( [326] ) ، قال: وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقراءته على ترتيله، كان مباحاً، لأنّه زاد بألحانه في تحسينه) . ثمّ قال النووي: (وهذا القسم الأول من القراءة بالألحان المحرمة معصية ابتلي بها بعض العوام الجهلة، والطغام الغشمة، الذين يقرؤون على الجنائز وفي بعض المحافل، وهذه بدعة محرمة ظاهرة) . ( [327] ) ج) في معنى التلاوة، والفرق يبن لفظتي: "القرآن" و "القراءة": قال: (قوله: باب قول الله تعالى "قل فأْتُوا بالتَوراةِ فاتْلوها" ( [328] ) مراده بهذه الترجمة أن يبين أن المراد بالتلاوة القراءة، وقد فسرت التلاوة بالعمل، والعمل من فعل العامل، وقال في كتاب "خلق أفعال العباد" ذكر e أن بعضهم يزيد على بعض في القراءة وبعضهم ينقص، فهم يتفاضلون في التلاوة بالكثرة والقلة، وأما المتلو وهو القرآن فإنه ليس فيه زيادة ولا نقصان، ويقال فلان حسن القراءة وردىء القراءة، ولا يقال حسن القرآن ولاردىء القرآن، وإنما يسند إلى العباد القراءة لا القرآن، لأنّ القرآن كلام الرب سبحانه وتعالى، والقراءة فعل العبد، ولا يخفى هذا إلا على من لم يوفق، ثم قال: تقول قرأت بقراءة عاصم، وقراءتك على قراءة عاصم، ولو أن عاصماً حلف أن لا يقرأ اليوم ثم قرأت أنت على قراءته لم يحنث هو، قال: وقال أحمد لا تعجبني قراءة حمزة، قال البخاري: ولا يقال لايعجبني القرآن فظهر افتراقهما) ( [329] ) أهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 75 قلت: هذه بعض آراء الحافظ – رحمه الله – في مسائل القراءة، وقد تركت أقوالاً له في هذا الباب اختصاراً. والله أعلم. الخاتمة وأهم النتائج: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد: فمن خلال الجهد المتواضع في هذا البحث المختصر في الكتاب البحر " فتح الباري " يمكن تلخيص النتائج الآتية: 1- حاجة علم القراءات إلى مزيد من عناية الباحثين من طلبة العلم دراسةً وتحقيقاً وتحريراً، وذلك لقلة مراجعه المنشورة بالنسبة لغيره من العلوم. 2- لعلماء الحديث وشارحيه جهود مباركة كبيرة في العناية بالقراءات وعلومها تلقياً ونقلاً لها واستدلالاً بها، وهذه الجهود تحتاج إلى من يبرزها من الباحثين، وفي هذا خدمة عظيمة للقرآن الكريم وقراءاته. 3- لقد حوى هذا الكتاب العظيم – فتح الباري- نقولات عديدة عن بعض كتب القراءات المفقودة، وجمع هذه النقول ودراستها يثري علم القراءات ويفيد المعنيين به. 4- لقد أكثر الحافظ – رحمه الله – من إيراد القراءات والاستدلال بها، وله آراء متميزة في كثير من مسائلها. 5- هذا الكتاب – فتح الباري- فيه ركاز عظيم من العلوم والفنون، ويحتاج إلى خدمة كبيرة ودراسة دقيقة، لاستخراج كنوزه ودرره. 6- إنّ إبداء الملاحظات والتنبيه على بعض المآخذ والأوهام لدى الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في بعض مسائل القراءات، لا يعد طعناً في المصنف ولا يقلل من قدره، ولا ينقص من قيمة كتابه، ولكن كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله e. هذا وأسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، والله أعلم، وقد كان الفراغ منه أول ليلة من رمضان عام 1421هـ بمكة، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. الهوامش والتعليقات --- ( [1] ) وهي تحت الإعداد أسأل الله أن يعين على إتمامها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 76 ( [2] ) انظر "معجم المصنفات الواردة في فتح الباري" لمشهور بن سليمان ورائد صبري ص440، و"المجمع المؤسس" لابن حجر:1/11. ( [3] ) سيأتي التعريف بالحافظ وكتابه في التمهيد لهذا البحث. ( [4] ) انظر على سبيل المثال كلامه عن كتاب (الجامع الأكبر والبحر الأزخر) الفتح 9/36. ( [5] ) ومن ذلك كلامه الطويل عن الأحرف السبعة كما في الفتح 9/23-44. ( [6] ) المجمع المؤسس: 1/88،201. ( [7] ) هو محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف بن الجزري، أبو الخير، جامع القراءات وإمامها وألف فيها كتباً جليلة توفي سنة 833هـ (غاية النهاية 2/247) . ( [8] ) المجمع المؤسس 3/225،228. ( [9] ) انظر الفتح 2/421. ( [10] ) انظر اللسان 1/128، القاموس 1/25. ( [11] ) منجد المقرئين ص3. ( [12] ) المنجد ص15. ( [13] ) انظر المنجد ص16. ( [14] ) انظر النشر 1/14. ( [15] ) انظر: فتاوى ابن تيمية (13/391) ، البرهان للزركشي (1/326) ، أضواء البيان (2/8) . ( [16] ) النجم آية:4-5. ( [17] ) أخرجه أحمد في المسند 4/131، وأبو داود 4/10، كتاب السنة، باب لزوم السنة، والطبراني في مسند الشاميين 2/137، وهو حديث صحيح: (انظر صحيح سنن أبي داود للألباني:3/870 رقم 3848) . ( [18] ) انظر الرسالة للشافعي ص91، قواعد التفسير 1/142. ( [19] ) انظر:"القراءات وأثرها في التفسير والأحكام" 1/242. ( [20] ) لقد ترجم الحافظ لنفسه في عدد من مصنفاته مثل: (رفع الإصر عن قضاة مصر، وإنباء الغمر بأخبار العمر، الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة) ، كما ترجم له غيره كتلميذه السخاوي في الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، وفي الضوء اللامع لأهل القرن التاسع 2/36، السيوطي في حسن المحاضرة 1/363، وفي طبقات الحفاظ ص552،وغيرذلك. ( [21] ) انظر المجمع المؤسس في المعجم المفهرس:1/11. ( [22] ) انظر: الجواهر والدرر (خ-ورقة 253-273) ، "الروايات التفسيرية في فتح الباري" لعبد المجيدالشيخ:1/37. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 77 ( [23] ) انظر الجواهر والدرر (ق150-160) ، "ابن حجر ومصنفاته"، د. شاكر عبد المنعم 1/157-398. ( [24] ) انظر الجواهر والدرر - الباب الثالث، حسن المحاضرة 1/363. ( [25] ) انظر: "الروايات التفسيرية في الفتح" 1/50. ( [26] ) طبقات الحفاظ ص552. ( [27] ) فهرس الفهارس 1/323، وأصله حديث أخرجه البخاري في أول كتاب الجهاد والسير 6/13 (الفتح) ومسلم في كتاب الإمارة باب المبايعة بعد فتح مكة 3/1487. ( [28] ) انظر في ذلك: مقدمة الفتح 465-493، السير 12/391، تذكرة الحفاظ 2/122، تهذيب التهذيب 9/47 وغيرها. ( [29] ) هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري، المحدث الثقة العالم، راوي الجامع الصحيح عن البخاري، توفي سنة 320هـ (انظر السير15/10) . ( [30] ) هو يحيى بن شرف بن مري حسن بن حسين بن حزام النووي، أبو زكريا، محي الدين، علامة الفقه الشافعي والحديث واللغة، توفي سنة 676هـ (انظر طبقات الشافعية للسبكي 5/165) . ( [31] ) شرح النووي على مسلم: 1/14 ( [32] ) ومن ذلك النقل عن الهذلي ومكي بن أبي طالب وأبي علي الفارسي وغيرهم كما سيأتي بيانه. ( [33] ) رتبت المصادر – غالباً- بحسب كثرة ذكر الحافظ لها ونقله عنها، مع التنصيص على تسميتها. ( [34] ) هو: القاسم بن سلاّم –بتشديد اللام- أبو عبيد الأزدي مولاهم، إمام عصره في كل فن من العلم، صنف في القراءات والحديث والفقه واللغة وغيرها، منها القراءات ومعاني القرآن، توفي بمكة سنة 224هـ (انظر غاية النهاية 2/18، السير 10/490) . ( [35] ) انظر على سبيل المثال: 1/224، 6/457، 466، 8/698، 9/34. ( [36] ) هو سليمان بن مهران الأعمش، أبو محمد الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي، إمام جليل قارئ، توفي سنة 148هـ، انظر (غاية النهاية 1/315، معرفة القراء 1/94) . ( [37] ) يعني آية الإسراء: 85، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) . ( [38] ) الفتح 1/224. ( [39] ) سورة ص آية: 24. ( [40] ) الفتح 6/457. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 78 ( [41] ) يؤكد ذلك ما توصل إليه الباحث"عبد الباقي سيسي" في رسالته:"اختيارات أبي عبيد.."، حيث تتبع اختياراته فلم يجدها خرجت عن السبعة في حرف منها، وقد نوقشت الرسالة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1421هـ. ( [42] ) انظر الكلام عنه في النشر:1/34، الفهرست ص38. ( [43] ) هو يحيى بن زياد بن عبد الله الديلمي، أبو زكريا المعروف بالفراء، شيخ النحاة، كان يحب الكلام ويميل إلى الاعتزال، له معاني القرآن، الحدود، اللغات، وغيرها توفي سنة 207هـ. انظر (تهذيب التهذيب11/212، غاية النهاية 2/371) . ( [44] ) انظر الفتح 3/226، 10/148، 8/725، 289، 9/34، 35. ( [45] ) المعارج: 43. ( [46] ) الفتح 3/226، وانظر معاني القرآن 3/186. ( [47] ) البقرة 260. ( [48] ) الفتح 8/201 وانظر معاني القرآن 1/174. ( [49] ) هو عبد الله بن سليمان بن الأشعث، أبو بكر السجستاني، ابن الإمام أبي داود صاحب السنن، ثقة مشهور، توفي سنة316هـ (انظر غاية النهاية 1/420) . ( [50] ) من قوله تعالى: "فلا جناح عليه أن يطوّف بهما" البقرة:158. ( [51] ) الفتح 3/499 وانظر كتاب المصاحف 1/287،326. ( [52] ) الفتح 8/734 وانظر المصاحف 1/343،والآية:"إذا جاء نصر الله والفتح"النصر: 1. ( [53] ) والقراءة المتواترة:"الحيّ القيّوم" آل عمران:2. ( [54] ) الفتح 8/666 وانظر المصاحف 1/282. وأثر عمر المذكور رواه عنه أيضاً: أبو عبيد في فضائل القرآن ص 168،والحاكم في مستدركه وصححه (2/278) ، وعزاه السيوطي إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد (الدر المنثور:2/141) ، وإسناده حسن لغيره كما ذكره محقق "كتاب المصاحف":1/283. ( [55] ) هو أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المقرئ، أبو بكر، شيخ القراء في زمانه، أول من سبع السبعة، توفي سنة 324هـ. (انظر غاية النهاية 1/139) . ( [56] ) الفتح 3/226، وانظر السبعة ص651، وكلامه المنقول إنما هو بمعناه. ( [57] ) الفتح 9/34 وانظر السبعة ص468. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 79 ( [58] ) هو أحمد بن يوسف بن محمد بن مسعود، أبو العباس الحلبي شهاب الدين، المعروف بالسمين النحوي، إمام كبير، ألف تفسيراً كبيراً وإعراباً جليلاً وشرح الشاطبية، توفي سنة 756هـ (انظر غاية النهاية1/152، بغية الوعاة 1/402 وفيه أحمد بن يوسف بن عبد الدائم بن محمد الحلبي) . ( [59] ) انظر الفتح 6/307، وانظر الدر المصون 2/18-20. ( [60] ) يعني أبا حيان صاحب البحر المحيط، الذي نقلها عن ابن عطية عن أبي الحسن الرماني (انظر الفتح 10/460) ( [61] ) الفتح 10/460 وانظر الدر المصون 7/341. ( [62] ) العقد النضيد في شرح القصيد للسمين الحلبي: لوحة 2ب "مخطوط". ( [63] ) الدرر الكامنة: 1/361. ( [64] ) هو محمد بن جرير بن يزيد الطبري، أبو جعفر، إمام التفسير والقراءات والفقه والتاريخ، له كتاب (القراءات) وغيره، توفي سنة 310هـ (انظر غاية النهاية 2/106) . ( [65] ) الفتح 3/499، وانظر تفسير الطبري 2/54. ( [66] ) المزمل: 6 وهي قراءة أبي عمرو وابن عامر (انظر النشر 2/393) . ( [67] ) الفتح 3/23، وانظر الطبري 12/283. ( [68] ) الانشقاق: 19. ( [69] ) الفتح 8/698، وانظر الطبري 12/513. ( [70] ) والآية بدون (في مواسم الحج) في البقرة:198. ( [71] ) هو أيوب السختياني، أبو بكر بن أبي تميمة كيسان العنزي مولاهم، إمام حافظ من صغار التابعين، توفي سنة 131هـ. ( [72] ) هو عكرمة مولى ابن عباس، العلامة الحافظ المفسر، أبو عبد الله القرشي مولاهم، المدني، البربري الأصل، تابعي جليل، توفي سنة 105هـ (انظر السير 6/15، 5/12) . ( [73] ) الفتح:3/595، وانظر تفسير الطبري:2/294. ( [74] ) أي قوله تعالى (وادّكر بعد أمة) من سورة يوسف: 45. ( [75] ) الفتح 12/382، وانظر كلام الطبري في تفسيره 7/226. ( [76] ) انظر: المحتسب:1/344، الإتحاف:2/148. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 80 ( [77] ) هو عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن علي بن محمد، أبومعشر الطبري القطان الشافعي، إمام عارف محقق أستاذ ثقة صالح، له مؤلفات في القراءات وغيرها، منها: التلخيص والجامع وسوق العروس والرشاد، توفي سنة 478هـ. (غاية النهاية:1/401) . ( [78] ) انظر مثال ذلك في الفتح:8/429، وانظره في تفسير الطبري:8/376. ( [79] ) من سورة المعارج:43. ( [80] ) هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، مولى زيد بن الثابت، تابعي جليل، وعالم زاهد، توفي سنة (110هـ) انظر السير 4/563. ( [81] ) الفتح 3/226. ( [82] ) انظر النشر 2/391، وفي الإتحاف 2/562: (وعن الحسن بفتح النون والصاد فعل بمعنى مفعول) أهـ. وانظرها أيضاً في القراءات الشاذة للقاضي ص:89. ( [83] ) هو عبد الله بن الحسين بن عبد الله، محب الدين أبو البقاء العكبري البغدادي الضرير النحوي الحنبلي، كان ثقة صدوقاً، صنف: إعراب القرآن، إعراب الحديث، إعراب الشواذ، التفسير وغيرها كثير، توفي سنة 616هـ (انظر بغية الوعاة 2/38-40) . ( [84] ) الأنعام:73، ووردت لفظة"الصور" في عدة سور غيرها. ( [85] ) انظر الفتح 8/289، وانظر إعراب القراءات الشواذ للعكبري 1/488. ( [86] ) الفاتحة:2، وغيرها. ( [87] ) الفتح 10/316 وانظر إعراب الشواذ 1/90. ( [88] ) البقرة: 260. ( [89] ) الفتح 8/201، 9/34، وانظر إعراب الشواذ 1/273. ( [90] ) هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الأندلسي القرطبي المالكي، أو عمر، صاحب التصانيف الفائقة، حافظ المغرب في زمانه، محدث ومؤرخ وأديب، عاش 95 عاماً وتوفي سنة 463هـ (انظر السير 18/153، والاعلام8/240) . ( [91] ) انظر الفتح 9/33-36 علماً بأن الحافظ أضاف من الحروف المختلف فيها أكثر مما أورده ابن عبد البر، وانظر التمهيد 8/314. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 ( [92] ) هو عيسى بن عبد العزيز بن عيسى بن عبد الواحد بن سليمان اللخمي، روى الحديث عن ألف وخمسمائة شيخ، له تصانيف كثيرة في القراءات والرسم والتجويد واللغة وغيرها، توفي سنة 629هـ. (انظر بغية الوعاة 2/235، غاية النهاية 1/609) . ( [93] ) الفتح 9/36-38. ( [94] ) انظر: النشر (1/35) ، كشف الظنون (1/425) . ( [95] ) هو يوسف بن علي بن جبارة بن محمد بن عقيل بن سوادة، أبو القاسم الهذلي، أستاذ رحّال، طاف البلاد في طلب القراءات، ولقي في هذا العلم 365شيخاً، كما ذكر ذلك عن نفسه في الكامل، توفي سنة 465هـ (انظر غاية النهاية 2/397، معرفة القراء1/346) . ( [96] ) الفرقان:25. ( [97] ) الفتح 9/34 وانظر الكامل (خ) لوحة: 224أ. ( [98] ) الفرقان:53. ( [99] ) هو طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب، أبو محمد، الهمداني الكوفي، تابعي كبير، له اختيار في القراءة ينسب إليه، توفي سنة 112هـ (انظر غاية النهاية 1/343) . ( [100] ) الفتح 9/35، وانظر الكامل لوحة:224أ. ( [101] ) الفرقان:77. ( [102] ) الفتح 9/36، وأبان بن تغلب الربعي، أبوسعد، الكوفي النحوي، عالم جليل، توفي سنة 141هـ (انظر غاية النهاية 1/4) . ( [103] ) البقرة:198. ( [104] ) الفتح 3/527، وكلمة (المشعر) وردت في هذا الموضع في حديث رقم 1676 من كتاب الحج من الصحيح، وانظر الكامل لوحة:167ب. ( [105] ) الآية: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) السجدة:17، وانظر القراءة المذكورة في: المحتسب:2/174، الإتحاف:2/367. ( [106] ) الفتح 8/517، وانظر فضائل القرآن ص181. ( [107] ) في الفتح (أبو عبيدة) في كلا الموضعين 8/517،666 وهو خطأ. ( [108] ) الفتح 8/666 وانظر فضائل القرآن ص168. وأثر عمر سبق تخريجه (انظر هامش 52) . ( [109] ) هو معمر بن المثنى، مولى بني تيم أبو عبيدة، اللغوي البصري، عالم باللغة والأدب له نحو 200مصنف، توفي سنة 209هـ، أو نحوها (انظر بغية الوعاة 2/294، الاعلام 7/272) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 82 ( [110] ) من قوله تعالى: (إلى نصب يوفضون) ، المعارج: 43. ( [111] ) انظر الفتح 3/226، وانظر مجاز القرآن 2/270. ( [112] ) انظر الفتح 12/382، وانظر مجاز القرآن 1/313. ( [113] ) هو عثمان بن جني الموصلي، أبو الفتح، إمام العربية، صاحب التصانيف، لزم أبا علي الفارسي أربعين سنة توفي سنة 392هـ (انظر السير 17/17، بغية الوعاة 2/132) . ( [114] ) الفرقان:10. ( [115] ) الفتح 9/33، وانظر المحتسب 2/118 وعبارته: (وليس قوياً مع ذلك) أهـ. ( [116] ) الفرقان:17 وهي هنا على قراءة الجمهور بنون العظمة، انظر النشر 2/333، معاني القراءات للأزهري2/214. ( [117] ) الفتح 9/33. ( [118] ) المحتسب:2/119 ( [119] ) الفرقان:53. ( [120] ) الفتح 9/35، وانظر المحتسب2/124 بمعناه. ( [121] ) هو سهل بن محمد بن عثمان، أبو حاتم السجستاني، إمام أهل البصرة في النحو والقراءة واللغة والعروض، قال ابن الجزري: (وأحسبه أول من صنف في القراءات) أهـ، توفي سنة 255هـ. (انظر غاية النهاية 1/320، بغية الوعاة 1/606) . ( [122] ) الفتح 9/31. ( [123] ) الفتح 9/35. ( [124] ) الفرقان:67. ( [125] ) الفتح 9/36. ( [126] ) انظر النشر: 2/334. ( [127] ) الفتح 9/36. ( [128] ) وانظر الكلام عنه في الفهرست ص38، كشف الظنون ص1449. ( [129] ) هو الفضل بن شاذان بن عيسى، أبو العباس، الرازي المقرئ، الإمام الكبير، ثقة عالم، قال ابن الجزري: (مات في حدود التسعين ومائتين) أهـ، (انظر غاية النهاية2/10، معرفة القراء1/191) . ( [130] ) الزخرف:26، وانظر القراءة المذكورة في الإتحاف2/455. ( [131] ) الفتح 8/568. ( [132] ) وقد ذكره له في الفهرست ((287)) . ( [133] ) هو عبد الرزاق بن همام بن نافع، أبوبكر، الحميري مولاهم، الصنعاني، الحافظ الكبير، عالم اليمن، الثقة، توفي سنة 211هـ (انظر الجرح والتعديل 6/38، السير 9/563) . ( [134] ) الفتح 6/287، وانظر تفسير عبد الرزاق 2/102. ( [135] ) الروم: 27. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 ( [136] ) هو إسماعيل بن حماد الجوهري، أبو نصر، الفارابي، إمام اللغة والأدب، ومن فرسان الكلام والأصول، توفي سنة 393هـ (انظر بغية الوعاة 1/446) . ( [137] ) الأنعام: 73 وغيرها. ( [138] ) الفتح 8/289، وانظر الصحاح 2/716. ( [139] ) هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرْح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي، المفسر، إمام متقن عابد، توفي سنة 671هـ (انظر: مقدمة"الجامع لأحكام القرآن، الأعلام 5/322) . ( [140] ) من سورة الفرقان:19. ( [141] ) الفتح 9/34، والقراءة المذكورة شاذة. ( [142] ) تفسير القرطبي 7/10. ( [143] ) هو علي بن أحمد بن محمد، أبو الحسن، الواحدي النيسابوري المفسر، صاحب الوجيز والوسيط والبسيط في التفسير، إمام كبير، توفي سنة 468هـ (انظر غاية النهاية 1/523) . ( [144] ) النساء:24. ( [145] ) النساء:25. ( [146] ) الفتح 12/161. ( [147] ) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد، من أئمة الأدب، ومن المصنفين المكثرين، توفي ببغداد سنة 276هـ (انظر السير:13/296، الإعلام 4/137) . ( [148] ) الفتح 9/28، وانظر تأويل مشكل القرآن ص39. ( [149] ) الفتح 3/527. ( [150] ) وانظر الفهرست ص86. ( [151] ) هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي، المفسر المصري النحوي، المعروف بالنحاس أو ابن النحاس، له إعراب القرآن، ومعاني القرآن وغيرها، توفي سنة 338هـ (انظر السير 15/401، بغية الوعاة 1/362) . ( [152] ) الفتح 8/289. ( [153] ) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان، أبو علي الفارسي، المشهور في علم العربية والبارع فيها، توفي ببغداد سنة 377هـ، (انظر غاية النهاية 1/496) . ( [154] ) البقرة:260. ( [155] ) الفتح 8/201. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 84 ( [156] ) هو الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي القرشي العدوي العمري الصغاني –ويقال الصاغاني- الحنفي، أبو الفضائل، إمام اللغة وصاحب التصانيف، توفي سنة 650هـ. (انظر السير 23/282، بغية الوعاة:1/519) . ( [157] ) الفتح 1/51، وانظر أمثلة أخرى في 2/109، 11/331. ( [158] ) الأحقاف:4. ( [159] ) الفتح 11/532. ( [160] ) انظر السير 23/283، معجم المصنفات ص283، كشف الظنون 2/1122. ( [161] ) هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر، الحميري الأصبحي المدني، إمام دار الهجرة، وحجة الأمة، توفي سنة 179هـ (انظر السير 8/48) . ( [162] ) والآية بدون (متتابعات) من سورة البقرة:185. ( [163] ) الفتح 4/189 وانظر الموطأ 1/305. ( [164] ) هو أبو جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي، فقيه مشهور، له مؤلفات في الفقه والأحكام وغيرها، توفي سنة 321هـ (انظر السير:15/27، الأعلام 1/206) . ( [165] ) الفتح 3/499، وانظر مشكل الآثار 10/90. ( [166] ) انظر على سبيل المثال 2/223، 7/15، 8/318 وغيرها. ( [167] ) هو محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، أبو بكر، فقيه مجتهد حافظ، صاحب تصانيف في الفقه والتفسير وغيرها، توفي سنة 319هـ. (انظر السير 14/490، الاعلام 5/294) . ( [168] ) الفتح 3/499. ( [169] ) انظر الفتح 1/48، 6/620، 621. ( [170] ) انظر معجم المصنفات ص122. ( [171] ) هو عبد الواحد بن التين السفاقصي، له شرح للبخاري سماه (المنجد الفصيح في شرح البخاري الصحيح) توفي سنة 611هـ (انظر كشف الظنون 1/546) . ( [172] ) الفتح 8/201. ( [173] ) هو إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق، الزجاج، عالم بالنحو واللغة، وله مؤلفات فيها، مات ببغداد سنة 311هـ (انظر بغية الوعاة:1/411، الأعلام 1/40) . ( [174] ) المائدة:106-108. ( [175] ) الفتح 5/410 وانظر المعاني للزجاج: 2/216. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 85 ( [176] ) هو أحمد بن عمار بن أبي العباس، أبو العباس المهدوي أستاذ مشهور، له مؤلفات في التفسير والقراءات وغيرها، توفي بعد 430هـ (غاية النهاية 1/92) . ( [177] ) الفتح 9/30 وانظر شرح الهداية 1/5. ( [178] ) هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي الشافعي، من أئمة السلف والسنة، صنف في التفسير والحديث مؤلفات قيمة، توفي سنة 516هـ (السير 19/439، الأعلام 2/259) . ( [179] ) الفتح 9/30. ( [180] ) انظر شرح السنة 4/511. ( [181] ) هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري الخزرجي، أبو الحسن، تقي الدين، أحد الحفاظ المفسرين، وهو والد التاج السبكي صاحب الطبقات، توفي سنة 756هـ، (انظر طبقات الشافعية 6/146، غاية النهاية 1/551) . ( [182] ) الفتح 9/32 وانظر كلام السبكي في النشر 1/44،وقد أشار إليه ابنه تاج الدين السبكي في كتابه"منع الموانع"ص335،352 ( [183] ) انظر كشف الظنون 2/1873، وقد سمّى مؤلف "معجم المصنفات ص252" الكتاب ب" شرح المنهاج للبيضاوي" وذكر أنه طبع مرات في مصر وبيروت، والذي ظهر لي أنّ هذا كتاباً آخر وهو في علم الأصول، وأما الكتاب الذي ينقل منه الحافظ فهو في الفقه، وقد نقل منه مسائل فقهية في عدة مواضع (انظر الفتح:2/105،314 4/263،2685/64) ، وهو المذكور في ترجمة "تقي الدين السبكي"،ولم أجد عنه شيئاً في فهارس المطبوعات والمخطوطات، كما أني لم أجد النص المنقول في المطبوع –"شرح منهاج البيضاوي"- والله أعلم. ( [184] ) هو إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن، أبو محمد، السرخسي، القرّاب، مقرئ وإمام في القراءات والفقه والأدب، وألف كتاباً في مناقب الشافعي، توفي سنة 414هـ وليس في ترجمته من كنّاه بابن السمعاني، فيما وقفت عليه. (انظر السير:17/379،غايةالنهاية:1/160،الأعلام:1/307) . ( [185] ) الفتح 9/32. ( [186] ) انظر النشر:1/46، كشف الظنون 2/1023. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 ( [187] ) كذافي "الفتح" 9/32،وفي الإتقان للسيوطي:1/165: (اللوائح) بالهمز، وفي النشر 1/48،وكشف الظنون 2/473: (اللوامح) بالميم، ولم أقف علىشيئ بخصوصه في فهارس المطبوعات والمخطوطات التي اطلعت عليها، غير أنّ ابن الجزري ذكر في"المنجد ص73"أنّ للمصنِّف كتاباً في معاني حديث "الأحرف السبعة" فربما كان هو والله أعلم. ( [188] ) هو عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار العجلي، الرازي، المقرئ، شيخ الإسلام، الثقة، الورع، مؤلف كتاب (جامع الوقوف) وغيره، توفي سنة 454. (انظر السير 18/135، غاية النهاية 1/361) . ( [189] ) الفتح 9/32، وانظر هذا النقل بنصه تقريباً في النشر 1/43-44. ( [190] ) هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان، أبو القاسم، المقدسي الشافعي، أبو شامة، حجة علامة حافظ للفنون، وصنف الكثير في أنواع من العلوم، توفي سنة 665هـ (غاية النهاية 1/365) . ( [191] ) الحديث متواتر، وممن أخرجه البخاري 9/23 (الفتح) ك: فضائل القرآن، باب (أنزل القرآن على سبعة أحرف) ، ومسلم 1/560 ك: صلاة المسافرين، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف، وأبو داود 2/158 برقم 1475، والترمذي في كتاب القراءات برقم 2944 والنسائي في كتاب الصلاة 2/152 وغيرهم. ( [192] ) انظر المرشد الوجيز ص73. ( [193] ) الفتح 9/38، وانظر هذا الكلام بمعناه في المرشد الوجيز ص177. ( [194] ) الفتح 9/38 وانظر كلام أبي شامة بطوله في المرشد الوجيز ص183-185. ( [195] ) الفتح 9/33 والكلام بنص مقارب جداً في المرشد الوجيز ص173. ( [196] ) الفتح 9/31 وانظره في المرشد الوجيز ص146. ( [197] ) في معجم المصنفات ص403: (ولعله المغرب في ترتيب المعرب) أهـ، وهو كتاب مطبوع في مجلد واحد. ( [198] ) هو ناصر بن عبد السيد بن علي، أبو الفتح، الخوارزمي المطرزي، عالم باللغة، وفقيه حنفي، معتزلي، توفي سنة 610هـ (بغية الوعاة 2/311، الأعلام 7/348) . ( [199] ) الفتح 8/201. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 ( [200] ) هو أبو محمد مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار القيسي، إمام محقق في القراءات والعربية وغيرها، له نحو من تسعين مصنفاً منها: التبصرة، والكشف، والهداية، وتفسير مشكل القرآن، توفي سنة 437هـ (انظر غاية النهاية 2/309) . ( [201] ) هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني، أحد القراء السبعة المشهورين، أقرأ الناس نيفاً عن سبعين سنة، توفي سنة 169هـ (انظر غاية النهاية 2/330) . ( [202] ) هو عاصم بن بهدلة أبي النجود، أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي، شيخ الإقراء بالكوفة وأحد القراء السبعة، توفي سنة 127هـ (انظر غاية النهاية 1/346) . ( [203] ) الفتح 9/31، وانظر النقل الأول عن مكي في الإبانة ص34، وأما الثاني فهو ملخص لما في ص38-40 من الإبانة. ( [204] ) هو زبان بن العلاء التميمي المازني البصري، أحد القراء السبعة، وأكثرهم شيوخاً، توفي سنة 154هـ (غاية النهاية 1/288) . ( [205] ) هو يعقوب بن إسحاق بن زيد أبو محمد الحضرمي مولاهم البصري، أحد القراء العشرة، ومقرئ أهل البصرة، توفي سنة 250هـ (غاية النهاية 2/286) . ( [206] ) الفتح 9/31-32، والنقول عن الإبانة ملخصة من الصفجات 97-103. ( [207] ) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن المعافري الإشبيلي المالكي، أبو بكر ابن العربي، قاض، من حفاظ الحديث، وصنف في علوم كثيرة، توفي سنة 543هـ (انظر السير:20/197، الأعلام 6/230) . ( [208] ) هو يزيد بن القعقاع، أبو جعفر المخزومي المدني القارئ، أحد القراء العشرة، تابعي جليل، توفي سنة 130هـ أو نحوها. (غاية النهاية 2/383) . ( [209] ) هو شيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب، إمام ثقة، مقرئ المدينة مع أبي جعفر وقاضيها، مولى أم سلمة، توفي سنة 130هـ (غاية النهاية 1/330) . ( [210] ) الفتح 9/30. ( [211] ) انظر النشر 1/37، وانظر النص المشار إليه بمعناه في القبس 1/402. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 ( [212] ) هو أحمد بن يوسف بن الحسن بن رافع، أبو العباس، الكواشي الموصلي، عالم بالتفسير، وله ثلاثة كتب فيه، وهو من فقهاء الشافعية، توفي سنة 680هـ (انظر غاية النهاية 1/151، الأعلام 1/274) . ( [213] ) النشر 1/44، وانظر اسم الكتاب المذكور في الأعلام 1/274 وقد أشار إلى أنه مخطوط، كشف الظنون 1/295، وسماه "التبصرة في التفسير"، وقد حقق أخيراً في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض. ( [214] ) الفتح 9/32. ( [215] ) هو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر، أبو عمرو، الداني الأموي مولاهم القرطبي، المعروف بابن الصيرفي، إمام علامة حافظ، وشيخ مشايخ المقرئين صنف في القراءات وعلومها كتباً عديدة، توفي سنة 444هـ (غاية النهاية 1/503) . ( [216] ) الفتح 9/28 وانظر جامع البيان 1/53، والكتاب"جامع البيان" حقق أخيراً في رسائل علمية بجامعة أم القرى. ( [217] ) هو محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي، أبو حيان، عالم باللغة والتفسير والحديث والتراجم وغيرها، وله مصنفات فيها، وله منظومة (عقد اللالئ) في القراءات، توفي سنة 745هـ (انظر بغية الوعاة 1/280) . ( [218] ) الفتح 9/30-31 ( [219] ) هو القاسم بن فيرُّوه بن خلف بن أحمد، أبو القاسم وأبو محمد، الرعيني الشاطبي الضرير، فقيه مقرئ محدث نحوي، نظم عدة كتب في القراءات، وغيرها توفي سنة 590هـ (السير 21/261، غاية النهاية 2/20) . ( [220] ) انظر"معجم المصنفات" ص328،وقد ذكره ابن النديم في الفهرست ص38. ( [221] ) هو أحمد بن جبير بن محمد، أبو جعفر، الكوفي، نزيل أنطاكية، من أئمة القراءات، توفي سنة 258هـ (غاية النهاية 1/42، النشر 1/34) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 ( [222] ) في معجم المصنفات ص328: (قال الحافظ ابن حجر: كان ابن جبير قبل ابن مجاهد وصنف كتاباً في القراءات.. الخ) ، كذا نسبا هذا الكلام إلى ابن حجر، والذي يظهر –والله أعلم- أنه تتمة لكلام مكي بن أبي طالب المنقول بطوله عن الإبانة ص97-103، كما تقدم، وانظر النشر 1/34. ( [223] ) هو إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد، أبو إسحاق الأزدي البغدادي، ثقة مشهور كبير، توفي سنة 282هـ (غاية النهاية 1/162، النشر 1/34) . ( [224] ) وكذا هذا الكتاب إنما ذكر ضمن النقل عن (الإبانة) ص41 كما تقدم، والله أعلم. وانظر النشر 1/34، وقد وقع خطأ في (الفتح) عند ذكر اسم المصنف حيث جاء فيه: (إسماعيل بن إسحاق والقاضي) فزيدت (واو) ، مما أوهم مؤلف "معجم المصنفات" ص327 فعدّه كتابين إحداهما لإسماعيل بن إسحاق، والثاني للقاضي، والتصحيح من الإبانة. ( [225] ) الفتح 9/23. ( [226] ) انظر النقول المتعددة التي أوردها في 9/30-32، 8/622. ( [227] ) انظر على سبيل المثال نقله الطويل عن مكي 9/31-32. ( [228] ) صحيح البخاري: ك. فضائل القرآن، باب "نزل القرآن بلسان قريش والعرب" (9/8 برقم4984) . ( [229] ) الفتح:9/9 وانظر النقل عن أبي شامة في المرشد ص69 وهو نقل بالمعنى. ( [230] ) الفتح:9/28. ( [231] ) المرشدالوجيز: ص92. ( [232] ) نفس المصدر: ص102، وانظر أيضاَ: ص95. ( [233] ) الفتح: 9/23. ( [234] ) صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف: 9/23 (الفتح) . ( [235] ) الفتح:9/26. ( [236] ) الفتح: 9/27. ( [237] ) الفتح:9/28. ( [238] ) انظر المرشدالوجيز: ص91،الإتقان للسيوطي:1/164. ( [239] ) الإتقان:1/167-168. ( [240] ) التوبة: 100. ( [241] ) الفتح: 9/30. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 90 ( [242] ) هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر الباقلاني، قاض من كبار علماء الكلام، وله مناظرات مع علماء النصارى، له مؤلفات كثيرة، توفي سنة 430هـ. (وفيات الأعيان:1/609، الأعلام:6/176) . ( [243] ) المرشد الوجيز: ص143، وانظر قريباً من هذا الكلام في"نكت الإنتصار لنقل القرآن"للباقلاني: ص378، فلعل النقل عنه بالمعنى، والله أعلم. ( [244] ) انظر النشر: 1/31. ( [245] ) انظر الفتح: 9/30-32.وانظر تفسير الطبري: 1/48 وما بعدها. ( [246] ) انظر النصين في الفتح: 9/32.وانظر الإبانة: (97-103) . ( [247] ) الفتح: 9/38. ( [248] ) انظر النشر:1/9. ( [249] ) انظر النشر:2/469، منجد المقرئين: ص 78. ( [250] ) النشر:1/13. ( [251] ) المنجد: ص 78. ( [252] ) الفتح: 9/32. ( [253] ) كذا سماه الحافظ " الفتح: 9/38" ومعناه: أن يقرأ القارئ عشراً، كل آية بقراءة قارئ، كما وضحه أبو شامة في المرشد الوجيز ص183. ( [254] ) الفتح: 9/38، وهو ملخص لكلام طويل في المرشد: ص183-185. ( [255] ) يعني به الإمام النووي، وقد سمّاه الحافظ ب" الشيخ محي الدين" في عدة مواضع من كتابه: (انظر الفتح:1/306،529 – 2/34 – 9/618، وبيّن مقصوده في مواضع أخرى فسمّاه: (الشيخ محي الدين النووي) كما في الفتح:10/190، وانظر كلام النووي بمعناه في "التبيان" ص:76. ( [256] ) الفتح: 9/38. ( [257] ) انظر توضيح هذا في المرشد الوجيز ص183. ( [258] ) انظر النشر:1/18-19. ( [259] ) يعني آية الإسراء: 85 (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) . ( [260] ) صحيح البخاري: ك العلم، حديث 125، الفتح: 1/224. ( [261] ) سورة ص آية: 24. ( [262] ) الفتح: 6/457. ( [263] ) النشر:1/33. ( [264] ) انظر أمثلة ذلك في الفتح: 2/21-73،6/425،7/439،8/482. ( [265] ) الفتح: 9/32. ( [266] ) النحل 48. ( [267] ) الفتح: 2/21. ( [268] ) انظر النشر:2/304، الإتحاف:2/185. ( [269] ) يعني آية النساء:36 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 ( [270] ) الفتح:8/622. ( [271] ) الفتح:9/38. ( [272] ) من سورة يس:62. ( [273] ) في الفتح (فيهما) ولعل الأصح المثبت بدليل قوله في آخره (وفيها قراءات أخرى) . والله أعلم. ( [274] ) الفتح:8/498، وانظر القراءات في هذه اللفظة في النشر:2/355، المحتسب:2/216، الإتحاف:2/403. ( [275] ) القصص:19. ( [276] ) الدخان: 16، وفي الفتح: يوم يبطش" وهو خطأ فليست بقراءة في هذا الموضع. ( [277] ) الفتح: 6/425، وانظر النشر: 2/274. ( [278] ) من سورة الإسراء:76. ( [279] ) الفتح: 8/393وانظر النشر: 2/308. و"الأخوان": حمزة والكسائي. ( [280] ) من سورة الكهف:44. ( [281] ) الفتح: 8/408،وانظر النشر:2/277، وفيه: (أن خلفاً وافق الأخوين في كسر الواو) . ( [282] ) من سورة النساء:142. ( [283] ) الفتح: 11/178. ( [284] ) من سورة آل عمران: 156. ( [285] ) الفتح: 8/208، وانظر القراءة المذكورة في: المحتسب:1/175، الإتحاف:1/492. ( [286] ) النساء:2. ( [287] ) الفتح: 8/246، وانظر القراءة المذكورة في الإتحاف:1/502. ( [288] ) التوبة: 12. ( [289] ) الفتح: 8/323.وانظر تفسير الطبري:6/330. ( [290] ) انظر النشر:2/278،ولم أجد من نص على نسبتها للحسن إلا في بعض كتب التفسير والتوجيه ومنها تفسير الطبري:6/330، المعاني للفراء: 1/425. ( [291] ) سورة النور:22. ( [292] ) الفتح: 8/489. ( [293] ) النشر:2/331. ( [294] ) أما المواضع الكثيرة التي أورد فيها قراءات شاذة – وهي تزيد على 160 موضعاً فيما وقفت عليه – فهي محل بحث آخر لعل الله أن يتمه، وربما يتبين بدراستها آراء أخرى له في القراءات الشاذة. ( [295] ) البقرة: 198. ( [296] ) وحديثها في البخاري: ك البيوع برقم 2050- الفتح: (4/288) . ( [297] ) الفتح: 4/290. ( [298] ) صحيح البخاري: ك البيوع، حديث رقم: 1770 الفتح: 3/595. وانظر تفسير الطبري:2/294. ( [299] ) آل عمران: 7. ( [300] ) الفتح: 8/210. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 ( [301] ) القراءات الشاذة للقاضي ص9-10، وقد وجدت قريباً من كلام الحافظ في فتوى منسوبة إليه طبعت كملحق مع "منجد المقرئين"بتحقيق: علي محمد العمران (ص241) . ( [302] ) انظر المنجد: ص 16-17. ( [303] ) انظر المرشدالوجيز: ص 172،178، الفتاوى: 13/393. ( [304] ) البقرة: 238. ( [305] ) المائدة: 38. ( [306] ) والآية بدون "لهن" من سورة النور: 33. ( [307] ) انظر: فضائل القرآن لأبي عبيد: ص 195بمعناه. ( [308] ) النشر: 1/14. ( [309] ) انظر الإتقان:1/281. ( [310] ) من سورة الكهف: 74. ( [311] ) الفتح:8/419، وانظر النشر: 2/313. ( [312] ) من سورة مريم: 77. ( [313] ) الفتح: 8/429، وانظر القراءتين في النشر:2/319.وانظر كلام الطبري في تفسيره:8/376 بمعناه. ( [314] ) من سورة البقرة: 106. ( [315] ) وهو في البخاري: ك التفسير برقم 4481. ( [316] ) انظر الفتح: 8/167، وانظر النشر: 2/220. ( [317] ) انظر "قواعد التفسير" د. خالد السبت:1/97. ( [318] ) انظر الإتقان:1/282، وانظره في البرهان للزركشي:1/339. ( [319] ) الفتح: 9/91. ( [320] ) انظر النشر:1/322،333. ( [321] ) في الصحيح: ك فضائل القرآن برقم: 5023. ( [322] ) سنن أبي داود: ك: الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة (2/157) . ( [323] ) الفتح: 9/72. ( [324] ) التبيان في آداب حملة القرآن: ص 88. ( [325] ) ما سبق ملخص من الفتح:9/72. ( [326] ) الزمر: 28. ( [327] ) التبيان: ص89. ( [328] ) آل عمران: 93. ( [329] ) الفتح: 13/508. المصادر والمراجع 1- ابن أبي داود، أبو بكر عبد الله، ((كتاب المصاحف)) ، تحقيق: د. محب الدين واعظ، وزارة الأوقاف، قطر، ط الأولى 1416هـ. 2- ابن الجزري، شمس الدين محمد بن محمد، ((النشر في القراءات العشر)) ، دار الكتب العلمية، بيروت. 3- ابن الجزري، شمس الدين، ((غاية النهاية في طبقات القراء)) ، مكتبة المتنبي، القاهرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 4- ابن الجزري، شمس الدين، ((منجد المقرئين ومرشد الطالبين)) ، دار الكتب العلمية، بيروت 1400هـ. 5- ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله، ((القبس في شرح موطأ مالك بن أنس)) ، تحقيق د. محمد عبد الله ولد كريم، دار الغرب الإسلامي ط أولى، 1992م. 6- ابن النديم، أبو الفرج محمد، ((الفهرست)) ، دار المسيرة، ط الثانية 1988م. 7- ابن جني، أبو الفتح عثمان، ((المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات)) ، تحقيق: علي ناصف، ود. عبد الفتاح شلبي، دار سزكين، ط الثانية 1406هـ. 8- ابن حجر، أحمد بن علي، ((إنباء الغمر بأخبار العمر)) ، تحقيق د. حسين حبشي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية القاهرة، 1391هـ. 9- ابن حجر، أحمد بن علي، ((تهذيب التهذيب)) ، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة. 10- ابن حجر، أحمد بن علي، "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة"، دار الجيل. 11- ابن حجر، أحمد بن علي، ((رفع الإصر عن قضاة مصر)) ، تحقيق مجموعة من العلماء، المطبعة الأميرية بالقاهرة1957م. 12- ابن حجر، أحمد بن علي، ((فتح الباري بشرح صحيح البخاري)) دار المعرفة –بيروت/ بتصحيح الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. 13- ابن حجر، أحمد بن علي، ((المجمع المؤسس للمعجم المفهرس)) ، تحقيق يوسف المرعشلي، دار المعرفة، بيروت،1413هـ. 14- ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله، ((التمهيد لما في الموطأ من الأسانيد)) ، تحقيق: محمد الفلاح،1400هـ. 15- ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، ((تأويل مشكل القرآن)) ، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار التراث، ط الثانية1393هـ. 16- ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، ((تفسير غريب القرآن)) ، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار إحياء الكتب العربية، 1378هـ. 17- ابن مجاهد، أبو بكر أحمد، ((كتاب السبعة في القراءات)) تحقيق د. شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط الثانية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 18- أبو داود السجستاني، سليمان بن الأشعث، ((سنن أبي داود)) ، دار الحديث، بيروت، ط الأولى 1391هـ. 19- أبو شامة، عبد الرحمن بن إسماعيل، ((المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز)) تحقيق: طيار قولاج، دار صادر، بيروت 1395هـ. 20- أبو عبيد القاسم بن سلام، ((فضائل القرآن)) ، تحقيق: وهبي غاوجي، دار الكتب العلمية، ط الأولى1411هـ. 21- أبو عبيدة، معمر بن المثنى، ((مجاز القرآن)) ، تحقيق د. محمد فؤاد سزكين، مؤسسة الرسالة، ط الثانية1401هـ. 22- الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، ((معاني القراءات)) ، تحقيق د. عيد مصطفى درويش، د. عوض بن حمد القوزي، دار المعارف، ط الأولى 1412هـ. 23- بازمول، د. محمد بن عمر، ((القراءات وأثرها في التفسير والأحكام)) دار الهجرة، ط الأولى 1417هـ 24- البغوي، الحسين بن مسعود، "شرح السنة"، تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي، ط الثانية، 1403هـ. 25- الباقلاني، أبوبكر محمد بن الطيب، "نكت الانتصار لنقل القرآن" تحقيق: د. محمد زغلول سلام/ منشأة المعارف، الاسكندرية. 26- البنا، أحمد بن محمد، ((إتحاف فضلاء البشر)) ، تحقيق د. شعبان إسماعيل، عالم الكتب، ط الأولى1407هـ. 27- الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى، ((سنن الترمذي=الجامع الصحيح)) ، تحقيق: إبراهيم عطوة عوض، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط الثانية 1395هـ. 28- الجوهري، إسماعيل بن حماد، ((الصحاح)) ، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط الثالثة 1404هـ. 29- حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله، ((كشف الظنون)) ، المكتبة التجارية 1414هـ. 30- الخوارزمي، أبو الفتح ناصر بن عبد السيد، ((المغرب في ترتيب المعرب)) ، دار الكتاب العربي، بيروت. 31- الداني، أبو عمرو عثمان بن سعيد، ((جامع البيان في القراءات السبع)) ج1،تحقيق: د. عبد المهيمن طحان، رسالة في جامعة أم القرى، 1406هـ، وأكمل تحقيقه باحثون آخرون. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 32- الدّلال، عمار وجهاد، ((فهرس الأعلام المترجم لهم في سير أعلام النبلاء)) ، ط الأولى 1409هـ. 33- الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد، ((سير أعلام النبلاء)) ، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الثامنة1412هـ. 34- الذهبي، شمس الدين، ((معرفة القراء الكبار)) ، تحقيق: محمد جاد الحق، مصر، ط الأولى. 35- لزجاج، أبو إسحاق إبراهتيم بن السري، ((معاني القرآن وإعرابه)) ، تحقيق: د. عبد الجليل شلبي، عالم الكتب، ط الأولى 1408هـ. 36- الزركلي، خير الدين بن محمود، ((الأعلام)) ، دار العلم للملايين، ط السابعة 1986م. 37- السبت، د. خالد بن عثمان، ((قواعد التفسير جمعاً ودراسة)) ، دار ابن عفان، ط الأولى 1417هـ. 38- السبكي، عبد الوهاب بن علي، "منع الموانع عن جمع الجوامع في أصول الفقه" تحقيق د. سعد الحميري، دار البشائر الإسلامية، ط الأولى 1420هـ. 39- السبكي، علي بن عبد الكافي، "الإبهاج في شرح المنهاج"، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى1404 هـ. 40- السخاوي، شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن، ((الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر)) نشر وزارة الشؤون الإسلامية بمصر، ومصورة مخطوطة الجامعة الإسلامية برقم 9564. 41- السخاوي، شمس الدين، ((الضوء اللامع لأهل القرن التاسع)) ، دار الجيل، ط الأولى 1412هـ. 42- السمين الحلبي، أحمد بن يوسف، ((الدر المصون في علوم الكتاب المكنون)) ، تحقيق: د. أحمد الخراط، دار القلم، دمشق، ط الأولى 1411هـ. 43- السمين الحلبي، أحمد بن يوسف، "العقد النضيد في شرح القصيد"، مخطوط، حقق د. أيمن سويد جزءاً منه كرسالة من جامعة أم القرى. 44- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر،"الإتقان في علوم القرآن"، مكتبة نزار الباز، ط الأولى1417هـ. 45- السيوطي، جلال الدين، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 46- السيوطي، جلال الدين، ((حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة)) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتاب العربي، ط الأولى 1387هـ. 47- السيوطي، جلال الدين، ((طبقات الحفاظ)) ، دار الكتب العلمية، ط أولى 1403هـ. 48- الشافعي، محمد بن إدريس، ((الرسالة)) ، تحقيق: أحمد شاكر. 49- شاكر محمود عبد المنعم، ((ابن حجر العسقلاني مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة)) ، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1417هـ. 50- الشيباني، أحمد بن حنبل، ((مسند أحمد)) ، دار الفكر. 51- الصنعاني، عبد الرزاق بن همام، ((تفسير القرآن العظيم)) ، تحقيق: مصطفى مسلم محمد، مكتبة الرشد، الرياض، ط الأولى 1410هـ. 52- الطبراني، سليمان بن أحمد، ((مسند الشاميين)) ، تحقيق: حمدي السلفي، مؤسسة الرسالة، ط الأولى1405هـ. 53- الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، ((جامع البيان في تأويل القرآن)) ، دار الكتب العلمية، ط الأولى1412هـ. 54- الطحاوي، أبو جعفر أحمد بن محمد، ((شرح مشكل الآثار)) ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط الأولى1415هـ. 55- عبد الباري، عبد المجيد الشيخ، ((الروايات التفسيرية في فتح الباري)) ، رسالة دكتوراة، عام 1418هـ، الجامعة الإسلامية بالمدينة. 56- العكبري، أبو البقاء عبد الله بن الحسين، ((إعراب القراءات الشواذ)) ، تحقيق: محمد السيد أحمد عزوز، عالم الكتب، ط الأولى1417هـ. 57- الفارسي، الحسن بن أحمد، ((الحجة في علل القراءات السبع)) ، تحقيق: علي النجدي، د. عبد الحليم النجار، د. عبد الفتاح شلبي، الهيئة المصرية للكتاب، ط الثانية. 58- الفراء، أبو زكريا يحي بن زياد، ((معاني القرآن)) ، تحقيق: محمد علي النجار، دار السرور. 59- الفيروز أبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، ((القاموس المحيط)) ، دار الجيل. 60- القاضي، عبد الفتاح، ((البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة)) ، دار الكتاب العريي، ط الأولى1401هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 61- القاضي، عبد الفتاح، ((القراءات الشاذة وتوجيهها من لغة العرب)) ، دار الكتاب العريي، ط الأولى1401هـ. 62- القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد، ((الجامع لأحكام القرآن)) ، دار الكتب العلمية، ط الأولى1409هـ. 63- مالك بن أنس، ((الموطأ)) ، دار إحياء الكتب العربية، تصحيح وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي. 64- محيسن، محمد سالم، ((المغني في توجيه القراءات العشر المتواترة)) دار الجيل – بيروت، ط الثانية1408هـ. 65- مسلم بن الحجاج النيسابوري، ((صحيح مسلم)) تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت 1403هـ. 66- مشهور بن حسن سلمان ورائد صبري، ((معجم المصنفات الواردة في فتح الباري)) ، دار الهجرة، ط الأولى 1412هـ. 67- مكي بن أبي طالب، ((الإبانة عن معاني القراءات)) تحقيق: د. عبد الفتاح شلبي، المكتبة الفيصلية، ط الثالثة 1405هـ. 68- المهدوي، أبو العباس أحمد، ((شرح الهداية)) ، تحقيق: د. جازم حيدر، مكتبة الرشد، الرياض، ط الأولى1416هـ. 69- النحاس، أبو جعفر أحمد بن محمد، ((معاني القرآن الكريم)) ، تحقيق: محمد علي الصابوني، جامعة أم القرى، ط الأولى1409هـ. 70- النسائي، أحمد بن شعيب، ((سنن النسائي" بشرح جلال الدين السيوطي، مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، ط الثانية 1409هـ. 71- النووي، أبوزكريا يحي بن شرف، "التبيان في آداب حملة القرآن"، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة دارالبيان، ط الأولى 1403هـ. 72- الهذلي، أبو القاسم يوسف بن علي، ((الكامل في القراءات الخمسين)) ، (مخطوط) ، له صورة في مركز البحث بجامعة أم القرى عن المكتبة الأزهري (رقم 134/قراءات) . 73- الواحدي، أبو الحسن علي بن أحمد، ((الوسيط في تفسير القرآن المجيد)) ، تحقيق: مجموعة من الباحثين، دار الكتب العلمية، بيروت ط الأولى 1415هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 الأحاديث والآثار الواردة في سنة الجمعة القبلية وأقوال العلماء فيها د. إبراهيم بن علي بن عبيد العبيد الأستاذ المشارك في كلية الحديث بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ملخص البحث جمعت في هذا البحث الأحاديث والآثار الواردة في الصلاة قبل الجمعة مع الكلام عليها صحة وضعفا بناء على قواعد المحدثين، ثم تكلمت على حكم سنة الجمعة القبلية وهل للجمعة سنة قبلية أم لا، وقسمت البحث إلى قسمين: الأول: جمع الأحاديث والآثار الواردة في الصلاة قبل الجمعة. والثاني: حكم سنة الجمعة القبلية بذكر أقوال أهل العلم وأدلتهم ومناقشتها وبيان الراجح منها. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. المقدمة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد اً عبده ورسوله. {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلاوأنتم مسلمون} ( [1] ) {ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} ( [2] ) {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} ( [3] ) أما بعد: فهذ بحث متواضع جمعت فيه الأحاديث والآثار الواردة في الصلاة قبل الجمعة، وسميته: (( الأحاديث والآثار الواردة في سنة الجمعة القبلية وأقوال العلماء فيها )) . وجعلته في مقدمة ومبحثين: المبحث الأول: الأحاديث والآثار الواردة في الصلاة قبل الجمعة. المبحث الثاني: حكم سنة الجمعة القبلية. وخاتمة تشمل على أهم النتائج في هذا البحث. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 وقد جمعت أحاديث هذا البحث من كتب السنة ( [4] ) من مظانها، مع تخريجها والحكم عليها بناءً على قواعد المحدثين، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فإني أكتفي بالعزو إلى من أخرجه من أصحاب الكتب الستة دون غيرهم فإن لم يكن في الصحيحين أو أحدهما فإني أجتهد في تخريجه من دواوين السنة الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم وكتب الزوائد وغيرها. - أرتب الأحاديث في كل مبحث على حسب درجتها الصحيحة فالحسنة فالضعيفة مالم يكن له شاهد من الأحاديث الصحيحة أو الحسنة فإني أجعله عقبه للعلاقة بينهما. - إذا صح الحديث من أحد طرقه فإني لا ألتزم الحكم على جميع طرق الحديث اكتفاءً بصحته. - أنقل أقوال أهل العلم في الحكم على الحديث إن وجدت. - إذا كان ضعف الحديث ظاهراً فإني لا أستطرد في الكلام عليه. - أترجم للرواة الذين تدعو الحاجة إلى الترجمة لهم -كمن يدور عليه الحكم على الحديث- من كتاب الكاشف للحافظ الذهبي والتقريب للحافظ ابن حجر مالم أخالفهما بناءً على كلام حفاظ آخرين فإني أبين ذلك. - إذا لم يكن الراوي من رجال التقريب والكاشف فإني أترجم له من كتب الجرح والتعديل الأخرى. - أبين الغريب الذي يحتاج إلى بيان من كتب الغريب واللغة. - مناقشة الأقوال الفقهية وبيان قوتها من ضعفها. - مناقشة الأدلة من حيث درجتها وصحة الإستدلال بها على القول. - أنسب كل قول إلى قائله من المصادر الأصلية فإن لم أجده إلا بواسطة أثبته. -عمل الكشافات العلمية. -كشاف الأحاديث والآثار. -كشاف الأعلام. -كشاف المصادر والمراجع. -كشاف المواضيع. هذا وقد بذلت جهدي في إخراج هذا البحث فما كان فيه من صواب فمن توفيق اللهU وما كان من فيه خطأ فأسأل الله العفو والتوفيق للصواب أنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. المبحث الأول: الأحاديث والآثار الواردة في الصلاة قبل الجمعة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 [1] عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قَال: قَال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لايغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج لايفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)) . أخرجه البخاري ( [5] ) من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن ابن وديعة عن سلمان به. وأخرجه الطبراني ( [6] ) أيضا من طريق آخر عن سلمان مرفوعا مطولا وحسن سنده الهيثمي. ( [7] ) [2] عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَال: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام)) . أخرجه مسلم ( [8] ) من طريق روح بن القاسم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به. [3] عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قَال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى)) . أخرج أحمد ( [9] ) وابن خزيمة ( [10] ) والطبراني ( [11] ) كلهم من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التميمي عن عمران بن أبي يحيى عن عبد الله بن كعب ابن مالك ( [12] ) عن أبي أيوب به. وابن إسحاق صرح بالتحديث لكن فيه عمران بن أبي يحيى ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ( [13] ) والبخاري في التاريخ ( [14] ) ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً وذكره ابن حبان في الثقات. ( [15] ) قَال الهيثمي ( [16] ) : رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات ا. هـ. وفي ذلك نظر ابن إسحاق صدوق وعمران بن أبي يحيى لم يوثقه غير ابن حبان لكن الحديث يشهد له ما قبله حديث سلمان وأبي هريرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 [4] عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قَال: قَال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من اغتسل يوم الجمعة ولبس ثيابه ومس طيباً إن كان عنده ثم مشى إلى الجمعة وعليه السكينة ولم يتخط أحداً ولم يؤذه وركع ما قضى له ثم انتظر حتى ينصرف الإمام غفر له ما بين الجمعتين)) . أخرجه أحمد ( [17] ) من طريق عبد الله بن سعيد عن حرب بن قيس عن أبي الدرداء به وسنده ضعيف. وحرب بن قيس لم يسمع من أبي الدرداء كما قاله أبو حاتم ( [18] ) . وحرب هذا ذكره ابن حبان في ثقاته ( [19] ) ونقل البخاري ( [20] ) عن عمارة بن غزية أنه قَال كان رضى.. وقال الهيثمي ( [21] ) : ((رواه أحمد والطبراني في الكبير عن حرب بن قيس عن أبي الدرداء وحرب لم يسمع من أبي الدرداء)) . لكن الحديث يشهد له ما قبله. [5] عن عطاء الخراساني ( [22] ) قَال: كان نبيشة الهذلي ( [23] ) يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ثم أقبل إلى المسجد لا يؤذي أحدا فلم يجد الإمام خرج صلى ما بدا له وإن وجد الإمام قد خرج جلس فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها أن تكون كفارة للجمعة التي قبلها)) . أخرجه أحمد ( [24] ) قَال: حدثنا علي بن إسحاق ( [25] ) أنا عبد الله ( [26] ) أنا يونس ابن يزيد ( [27] ) عن عطاء الخراساني به. ورجال إسناده ثقات غير عطاء الخراساني مختلف فيه ( [28] ) وحديثه حسن لكنه لم يسمع من نبيشة كما قاله المنذري ( [29] ) ، وسئل ابن معين ( [30] ) عن عطاء الخراساني لقي أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ((قَال: لا أعلمه)) . قَال الهيثمي ( [31] ) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ أحمد وهو ثقة. ا. هـ. لكن الحديث يشهد له ما قبله [6] عن نافع قَال: ((كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلي بعدها ركعتين في بيته، ويحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك)) . ( [32] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 أخرجه أبو داود ( [33] ) وابن خزيمة ( [34] ) وابن حبان ( [35] ) والبيهقي ( [36] ) من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب عن نافع به وسنده صحيح. وتابع إسماعيل وهيب عن أيوب عن نافع: ((أن ابن عمر كان يغدو إلى المسجد يوم الجمعة فيصلي ركعات يطيل فيهن القيام فإذا انصرف الإمام رجع إلى بيته فصلى ركعتين وقال: هكذا كان يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) . أخرجه أحمد ( [37] ) وسنده صحيح كما قاله العراقي. ( [38] ) وأخرجه ابن أبي شيبة ( [39] ) من طريق ابن عون ( [40] ) عن نافع قَال: ((كان ابن عمر يهجر يوم الجمعة فيطيل الصلاة قبل أن يخرج الإمام)) . ورجال إسناده ثقات. وأخرجه الطحاوي ( [41] ) من طريق جبلة بن سحيم ( [42] ) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا لايفصل بينهن بسلام ثم بعد الجمعة ركعتين ثم أربعا)) . ورجال إسناده ثقات. [7] عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قَالا: قَال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ومس من طيب إن كان عنده ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس ثم صلى ما كتب الله له ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها)) . قَال: ويقول أبو هريرة ((وزيادة ثلاثة أيام)) ويقول: ((إن الحسنة بعشرة أمثالها)) . أخرجه أبو داود ( [43] ) وأحمد ( [44] ) وابن خزيمة ( [45] ) وابن حبان ( [46] ) والحاكم ( [47] ) والبيهقي ( [48] ) والبغوي ( [49] ) كلهم من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد وأبي هريرة به. وسنده حسن وابن إسحاق صرح بالتحديث كما عند أحمد وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم، ويشهد له حديث أبي هريرة وسلمان السابقين ( [50] ) وغيرها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 [8] عن أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما قَالا: جاء سليك الغطفاني ورسول الله r يخطب فقال له النبي r: ((أصليت ركعتين قبل أن تجيء؟)) قَال: لا. قَال: ((فصل ركعتين وتجوز فيهما)) ( [51] ) . أخرجه ابن ماجه ( [52] ) وأبو يعلى ( [53] ) كلاهما من طريق داود بن رشيد ( [54] ) عن حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وعن سفيان عن جابر ورجال إسناده ثقات كما قَاله ابن القيم ( [55] ) . وهذا الحديث في الصحيحين وغيرهما ( [56] ) دون قوله ((قبل أن تجيء)) ويحتمل فيها أحد أمور هي: الأمر الأول: أنها غير محفوظة فقد أخرج أبو داود ( [57] ) عن محمد بن محبوب ( [58] ) وإسماعيل بن إبراهيم ( [59] ) قَالا: حدثنا حفص بن غياث به، ولفظه ((جاء سليك الغطفاني ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال له: أصليت شيئا؟ قَال: لا. قَال: صل ركعتين تجوز فيهما)) فداود بن رشيد تفرد بذكر هذه اللفظة ((قبل أن تجيء)) وخالفه محمد بن محبوب وإسماعيل بن إبراهيم. ورواه ابن حبان ( [60] ) من طريق داود بن رشيد به، ولم يذكر هذه اللفظة، وهذا يؤيد الاحتمال الثاني كما سيأتي. ثم إن هذا الحديث رواه جماعة عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا فلم يذكروا هذه اللفظة في المتن ولا في السند أبو صالح عن أبي هريرة ... وهم عيسى بن يونس وأبو معاوية وسفيان الثوري ومعمر وحفص بن غياث وداود الطائي. أخرجه مسلم ( [61] ) وأحمد ( [62] ) وعبد الرزاق ( [63] ) والطحاوي ( [64] ) وابن خزيمة ( [65] ) وابن حبان ( [66] ) والدارقطني ( [67] ) والبيهقي ( [68] ) . ورواه أيضا الوليد أبو بشر عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا بدون ذكر هذه اللفظة أخرجه أبو داود ( [69] ) وأحمد ( [70] ) . ورواه أيضا عمرو بن دينار وأبو الزبير عن جابر مرفوعا بدون هذه اللفظة. أخرجه البخاري ( [71] ) ومسلم ( [72] ) وأبو داود ( [73] ) والترمذي ( [74] ) والنسائي ( [75] ) وابن ماجة ( [76] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 وقد غلَّط شيخ الإسلام ابن تيمية هذه اللفظة كما ذكره عنه تلميذه ابن القيم ( [77] ) فقال: ومنهم من احتج بما رواه ابن ماجة ثم ذكر الحديث، وقال: قَال أبو البركات: وقوله ((قبل أن تجيء)) يدل على أن هاتين الركعتين سنة الجمعة وليستا تحية للمسجد قَال شيخنا حفيده أبو العباس: وهذا غلط والحديث المعروف في الصحيحين عن جابر قَال: دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله r يخطب فقال: أصليت؟ قَال: لا. قَال: فصل ركعتين. وقَال: ((إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما)) فهذا هو المحفوظ في هذا الحديث، وأفراد ابن ماجة في الغالب غير صحيحة هذا معنى كلامه. ا. هـ. الأمر الثاني: أن هذه اللفظة ((قبل أن تجيء)) تصحفت من بعض الرواة أو النساخ، وأصلها ((قبل أن تجلس)) . قَال ابن القيم ( [78] ) : قَال شيخنا أبو الحجاج المزي: هذا تصحيف من الرواة إنما هو: أصليت قبل أن تجلس. فغلط فيه الناسخ وقال: وكتاب ابن ماجة إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به بخلاف صحيح البخاري ومسلم فإن الحفاظ تداولوهما واعتنوا بضبطهما وتصحيحهما، قَال: ولذلك وقع فيه أغلاط وتصحيف. وقَال ابن القيم قلت: ويدل على صحة هذا إن الَّذِين اعتنوا بضبط سنن الصلاة قبلها وبعدها وصنفوا في ذلك من أهل الأحكام والسنن وغيرها لم يذكر واحد منهم هذا الحديث في سنة الجمعة قبلها، وإنما ذكروه في استحباب فعل تحية المسجد والإمام على المنبر واحتجوا به على من منع فعلها في هذه الحال فلو كانت هي سنة الجمعة لكان ذكرها هناك والترجمة عليها وحفظها وشهرتها أولى من تحية المسجد، ويدل عليه أيضا أن النبي r لم يأمر بهاتين الركعتين إلا الداخل لأجل أنها تحية المسجد ولو كانت سنة الجمعة لأمر بها القاعدين أيضا ولم يخص بها الداخل وحده. ا. هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 ومما يؤيد أنها تصحيف أن ابن حبان أخرج هذا الحديث عن داود بن رشيد بدون هذه اللفظة كرواية الجماعة كما تقدم والله أعلم. الأمر الثالث: أنه على فرض ثبوتها المعنى: قبل تقرب مني لسماع الخطبة. قَال أبو شامة ( [79] ) : فقوله فيما أخرجه ابن ماجه ((قبل أن تجيء)) يحتمل أن يكون معناه قبل أن تقرب مني لسماع الخطبة وليس المراد قبل أن تدخل المسجد فإن صلاته قبل دخول المسجد غير مشروعة فكيف يسأل عنها وذلك أن المأمور به بعد دخول وقت الجمعة إنما هو السعي إلى مكان الصلاة فلا يشتغل بغير ذلك وقبل دخول الوقت لايصح فعل السنة على تقدير أن تكون مشروعة)) . [9] عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا)) . أخرجه الطبراني ( [80] ) من طريق عتاب بن بشير ( [81] ) عن خصيف ( [82] ) عن أبي عنيزة ( [83] ) عن ابن مسعود به. وسنده ضعيف. قَال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن خصيف إلا عتاب بن بشير. وقَال الحافظ ابن حجر ( [84] ) : وفي إسناده ضعف وانقطاع. لكنه صح عن ابن مسعود موقوفا. أخرجه عبد الرزاق ( [85] ) واللفظ له عن الثوري وابن أبي شيبة ( [86] ) عن هشيم ولم يذكر الصلاة قبل الجمعة وابن المنذر ( [87] ) عن الثوري ولم يذكر الصلاة بعد الجمعة والطبراني ( [88] ) عن الثوري وهمام كلهم عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قَال: كان عبد الله يأمرنا أن نصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا حتى جاء علي فأمرنا أن نصلي بعدها ركعتين ثم أربعا. وسنده حسن عطاء بن السائب مختلط ( [89] ) لكن سماع الثوري منه قبل الاختلاط كما قَاله الإمام أحمد ( [90] ) والنسائي ( [91] ) وابن الصلاح ( [92] ) وغيرهم. وأما سماع أبي عبد الرحمن من ابن مسعود فنفاه شعبة ( [93] ) وأثبته البخاري. ( [94] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 وقال الإمام أحمد ( [95] ) لما ذكر له قول شعبة وأنه لم يسمع من عثمان ولا من ابن مسعود فلم ينكر عبد الله وقال دع عبد الله فإني أراه وهم. قلت - الأثرم -: ويصح لأبي عبد الرحمن سماع فقال نحو قوله الأول: أراه وهم. قوله: لم يسمع عبد الله. وأما سماع أبي عبد الرحمن من علي فلم يثبته أبو حاتم ( [96] ) لكن أثبت سماعه منه شعبة ( [97] ) والبخاري ( [98] ) والمثبت مقدم على النافي. وأخرجه عبد الرزاق ( [99] ) عن معمر عن قتادة أن ابن مسعود كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات وبعدها أربع ركعات قَال أبو إسحاق: وكان علي يصلي بعد الجمعة ست ركعات وبه يأخذ عبد الرزاق، لكن قتادة لم يسمع من عبد الله كما قَال الهيثمي. ( [100] ) وقَال الإمام أحمد ( [101] ) : ما أعلم قتادة روى عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا عن أنس وكذا قَال أبو حاتم ( [102] ) نحوه واستثنى ابن سرجس أيضا وظاهر سند عبد الرزاق فيه سقط. وأخرجه الطبراني ( [103] ) من طريق عبد الرزاق لكن قَال عن معمر عن أبي إسحاق بدل قتادة وأبو إسحاق لم يسمع من ابن مسعود فإنه ولد سنة وفاة ابن مسعود تقريبا. ( [104] ) وأخرجه ابن أبي شيبة ( [105] ) وابن المنذر ( [106] ) من طريق خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله قَال كان يصلي قبل الجمعة أربعا من فعله. وفي سنده خصيف وكذا الكلام في سماع أبي عبيدة من ابن مسعود. قَال أبو حاتم ( [107] ) : لم يسمع من عبد الله بن مسعود. وقَال الحافظ ابن حجر ( [108] ) : الراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه. وأخرج الطحاوي ( [109] ) من طريق إبرهيم أن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا لا يفصل بينهن بتسليم، وصحح الحافظ ( [110] ) فعل ابن مسعود فقال: لما ذكر السنة القبلية للجمعة: وصح عن ابن مسعود من فعله رواه عبد الرزاق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 [10] عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها ركعتين)) . قَال الحافظ: رواه ( [111] ) الطبراني في الأوسط في ترجمة أحمد بن عمرو. ( [112] ) وقال في الفتح ( [113] ) : ((رواه البزار بلفظ ((كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعا)) وفي إسناده ضعف)) . ( [114] ) [11] عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قَال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا يجعل التسليم في آخرهن ركعة)) . ( [115] ) أخرجه الطبراني ( [116] ) من طريق محمد بن عبد الرحمن السهمي عن حصين ابن عبد الرحمن السلمي ( [117] ) عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة ( [118] ) عن علي به. وقَال: لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا حصين ولا رواه عن حصين إلا محمد بن عبد الرحمن السهمي.ا. هـ. وفيه محمد بن عبد الرحمن السهمي قَال ابن عدي ( [119] ) : لابأس به لكن تكلم فيه غير واحد. قَال البخاري ( [120] ) : لا يتابع في حديثه. وضعفه ابن معين. ( [121] ) وقَال أبو حاتم ( [122] ) : ليس بمشهور. وسماع محمد بن عبد الرحمن من أبي إسحاق لم يتبين هل كان قبل الاختلاط أم بعده. وقَال الحافظ ( [123] ) : رواه الأثرم والطبراني في الأوسط بلفظ ... وفيه محمد ابن عبد الرحمن السهمي وهو ضعيف عند البخاري وغيره، وقَال الأثرم: إنه حديث واه. [12] عن ابن عباس رضي الله عنهما قَال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركع قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا لايفصل بينهن)) أخرجه الطبراني ( [124] ) من طريق بقية بن الوليد ( [125] ) عن مبشر بن عبيد ( [126] ) عن الحجاج بن أرطأة ( [127] ) عن عطية العوفي ( [128] ) عن ابن عباس به وسنده ضعيف جدا. وأخرجه ابن ماجة ( [129] ) من هذا الطريق بدون ذكر الأربع بعد الجمعة. قَال النووي ( [130] ) : هو حديث باطل اجتمع فيه هؤلاء الأربعة وهم ضعفاء ومبشر وضاع صاحب أباطيل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 قَال الزيلعي ( [131] ) : وسنده واه جدا فمبشر بن عبيد معدود في الوضاعين وحجاج وعطية ضعيفان. وقَال البوصيري ( [132] ) : هذا إسناد مسلسل بالضعفاء عطية متفق على تضعيفه وحجاج مدلس ومبشر بن عبيد كذاب وبقية هو ابن الوليد يدلس تدليس التسوية. وقَال الهيثمي ( [133] ) : رواه الطبراني في الكبير وفيه الحجاج بن أرطأة وعطية العوفي وكلاهما فيهما كلام. وقَال الحافظ ابن حجر ( [134] ) : إسناده ضعيف جدا. وقَال أيضا ( [135] ) : أخرجه ابن ماجة بسند واه قَال النووي في الخلاصة: إنه حديث باطل. [13] عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القُرضيِّ ( [136] ) أنه أخبره أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون قَال ثعلبة: جلسنا نتحدث فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منا أحد)) . أخرجه مالك ( [137] ) والشافعي ( [138] ) والبيهقي ( [139] ) عن ابن شهاب به وسنده صحيح. وعند الشافعي والبيهقي ((المؤذن)) بدل ((المؤذنون)) . وصححه النووي ( [140] ) . [14] عن نافع قَال: ((كان ابن عمر يصلي قبل الجمعة اثنتي عشرة ركعة)) . أخرجه عبد الرزاق ( [141] ) عن معمر عن أيوب عن نافع به وسنده صحيح. [15] عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أنه كان يصلي قبل أن يأتي الجمعة ثمان ركعات ثم يجلس فلا يصلي حتى ينصرف)) . أخرجه ابن المنذر ( [142] ) من طريق أبي عوانة عن سالم ( [143] ) بن بشير بن حجل العيشي عن عكرمة به، ورجال إسناده ثقات وسلم بن بشير قَال الحسيني: مجهول. ( [144] ) لكن قَال ابن معين ( [145] ) : لابأس به وذكره ابن شاهين ( [146] ) وابن حبان ( [147] ) في الثقات. وهذا الإسناد يخشى فيه من عدم سماع أبي عوانة من سلم بن بشير قَال ابن حبان ( [148] ) في ترجمة سلم: روى عنه أبو عوانة إن كان سمع منه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 [16] عن حماد بن سلمة عن صافية ( [149] ) سمعها وهي تقول: رأيت صفية بنت حيي صلت أربعا قبل خروج الإمام، وصلت الجمعة مع الإمام ركعتين. أخرجه ابن سعد ( [150] ) أخبرنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة به. وفي إسناده صافية ذكرها ابن سعد في الطبقات ولم يذكر فيها جرحا ولا تعديلا. المبحث الثاني: حكم سنة الجمعة القبلية. اختلف العلماء في ذلك على قولين هما: القول الأول: أنه لاسنة للجمعة قبلها وممن قَال بهذا مالك والشافعي وأكثر أصحابه، وهو المشهور في مذهب أحمد وعليه أكثر أصحابه وعليه جماهير الأئمة. ( [151] ) واحتجوا على هذا القول بما يأتي: أولا: حديث ابن عمر في الصحيحين ( [152] ) ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين)) . وجه الدلالة أنه لم يذكر الصلاة قبل الجمعة ولو كان - صلى الله عليه وسلم - يصليها لعدها ابن عمر رضي الله عنهما لأنه ذكر الصلاة قبل الظهر وبعدها وبعد الجمعة ( [153] ) . ثانيا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يصلي قبل الجمعة بعد الأذان شيئا ولم ينقل ذلك أحد عنه فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لايؤذن على عهده إلا إذا قعد على المنبر ويؤذن بلال ثم يخطب النبي r الخطبتين ثم يقيم بلال فيصلي النبي r بالناس فما كان يمكن أن يصلي بعد الأذان لا هو ولا أحد من المسلمين الَّذِين يصلون معه r، ولانقل أحد عنه أنه صلى في بيته قبل الخروج يوم الجمعة. ولا وقت بقوله صلاة مقدرة قبل الجمعة بل ألفاظه r فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة من غير توقيت ( [154] ) كقوله: ((وصلى ما كتب له)) ( [155] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 ثالثا: إن هذا هو المأثور عن الصحابة كانوا إذا أتو المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر ( [156] ) فمنهم من يصلي عشر ركعات ومنهم من يصلي ثنتي عشرة ركعة، ومنهم من يصلي ثمان ركعات، ومنهم من يصلي أقل من ذلك ( [157] ) . رابعا: الأحاديث الدالة على النهي عن الصلاة وقت الزوال ( [158] ) كحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه عند مسلم ( [159] ) بلفظ ((ثلاث ساعات كان رسول الله r ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف للغروب حتى تغرب)) . وفي الباب أحاديث بمعناه. ( [160] ) المناقشة: نوقشت أدلة أصحاب هذا القول: أما الدليل الأول والثاني: قَال ابن رجب ( [161] ) - رحمه الله - في الجواب عن ذلك: ((وقد زعم بعضهم أن حديث ابن عمر المخرج في هذا الباب يدل على أن النبي r لم يكن يصلي قبل الجمعة شيئا لأنه ذكر صلاته بعد الجمعة وذكر صلاته قبل الظهر وبعدها فدل على الفرق بينهما. وهذا ليس بشيء فإن ابن عمر قد روي عنه ما يدل على صلاة النبي r قبل الجمعة كما سبق ( [162] ) ، ولعله إنما ذكر الركعتين بعد الجمعة لأن النبي r كان يصليها في بيته بخلاف الركعتين قبل الظهر وبعدها فإنه كان أحيانا يصليها في المسجد فبهذا يظهر الفرق بينهما وقد ثبت أن النبي r كان إذا عمل عملا داوم عليه ولم يكن ينقضه يوم الجمعة ولا غيرها بل كان الناس يتوهمون أنه كان يزيد في صلاته يوم الجمعة لخصوصه فكانت عائشة تسأل عن ذلك فتقول: ((لا بل كان عمله ديمة)) . وقد صح عنه أنه كان يصلي قبل الظهر ركعتين وأربعا. وفي صحيح ابن حبان ( [163] ) عن عائشة قَالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج صلى ركعتين وقد رويناه من وجه آخر عن عائشة قَالت: ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندي قط إلا صلى ركعتين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 وقد كان من هدي المسلمين صلاة ركعتين عند خروجهم من بيوتهم من الصحابة ومن بعدهم، وخصوصا يوم الجمعة، وممن كان يفعله يوم الجمعة ابن عباس وطاووس وأبو مجلز ورغب فيه الزهري، وقال الأوزاعي كان ذلك من هدي المسلمين وقد سبق في باب الصلاة إذا دخل المسجد والإمام يخطب ما يدل على ذلك أيضا وحينئذ فلا تستنكر أن يكون النبي r كان يصلي في بيته ركعتين قيبل خروجه إلى الجمعة)) . وهذا الكلام من ابن رجب محل نظر من وجوه: الأول: قوله فإن ابن عمر قد روى عنه ما يدل على صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الجمعة .... )) فإن حديث ابن عمر المرفوع منه صلاة الركعتين بعد الجمعة، أما قبل الجمعة فمن فعل ابن عمر كما سيأتي بيان ذلك في الجواب عن الدليل الأول من أدلة أصحاب القول الثاني. ثانيا قوله: ولعله إنما ذكر ركعتين بعد الجمعة، بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصليها في بيته .... )) فيقال إن المقام مقام حصر وبيان ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليه قبل الصلوات وبعدها ولهذا في لفظ للبخاري ( [164] ) : ((حفظت من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر ركعات)) وفي لفظ له ( [165] ) قَال: وحدثتني أختي حفصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي سجدتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر وكانت ساعة لا أدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها)) . فلو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل الجمعة لنقله ابن عمر رضي الله عنهما كما نقل الركعتين بعدها والله أعلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 ثالثا: قوله: وفي صحيح ابن حبان عن عائشة .... هذا الحديث في سنده شريك بن عبد الله القاضي ضعف من قبل سوء حفظه ثم إنه لو صح فهو في الخروج من المنزل للجمعة وغيرها، والمقام هنا في بيان سنة الجمعة القبلية، ولهذا لفظه عند ابن حبان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قَال: قلت لها بأي شيء كان يبدأ رسول الله r إذا دخل عليك وإذا خرج من عندك؟ قالت: كان يبدأ إذا دخل بالسواك وإذا خرج صلى ركعتين)) . رابعا: ما نقله عن ابن عباس وغيره من الصلاة يوم الجمعة في بيوتهم فهذا فهذا محمول على مطلق التنفل يوم الجمعة لا سنة الجمعة ولهذا ورد عنه أنه يصلي قبل الجمعة ثمان ركعات وابن عمر ثنتي عشرة ركعة وعلي ست وابن مسعود أربعا من غير تقييد بحد كما تقدم. ( [166] ) خامسا: قوله ((وقد سبق في باب الصلاة إذا دخل المسجد والإمام يخطب ما يدل على ذلك ... )) فإن هذا في تحية المسجد لا في سنة الجمعة وقد أمر الداخل للمسجد أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين سواء كان يوم الجمعة أو غيره وسواء كان وقت صلاة أو لا. ( [167] ) أما الدليل الرابع: قَال الشوكاني ( [168] ) : ((وهو مع كون عمومه مخصصا بيوم الجمعة ليس فيه ما يدل على المنع من الصلاة قبل الجمعة على الإطلاق وغاية ما فيه المنع في وقت الزوال وهو غير محل النزاع)) . ا. هـ وقَال الحافظ ابن حجر ( [169] ) : ((وقد استثنى الشافعي ومن وافقه من ذلك - أي النهي وقت الزوال - يوم الجمعة وحجتهم أنه - صلى الله عليه وسلم - ندب الناس إلى التبكير يوم الجمعة ورغب في الصلاة إلى خروج الإمام وجعل الغاية خروج الإمام وهو لا يخرج إلا بعد الزوال فدل على عدم الكراهة. وجاء فيه حديث عن أبي قتادة مرفوعا أنه - صلى الله عليه وسلم - كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة)) وفي إسناده إنقطاع وقد ذكر البيهقي ( [170] ) شواهد ضعيفة إذا ضمت قوى الخبر والله أعلم)) . اهـ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 القول الثاني: أن الجمعة لها سنة قبلها فمنهم من جعلها ركعتين كما قَاله طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد في رواية وطائفة من أصحابه. ومنهم من جعلها أربعا وهو رواية عن أحمد وطائفة من أصحابه وأصحاب أبي حنيفة ( [171] ) ، وحكى ابن رجب القول بالسنية عن أكثر العلماء ( [172] ) واختاره. واحتجوا بما يأتي: أولا: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك)) . أخرجه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي بسند صحيح. ( [173] ) وجه الدلالة أن قوله: ((يفعل ذلك)) عائد إلى الصلاة قبل الجمعة وبعدها فهذا يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل الجمعة. ( [174] ) قَال ابن رجب ( [175] ) : ((وظاهر هذا يدل على رفع جميع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته قبل الجمعة وبعدها في بيته فإن اسم الإشارة يتناول كل ما قبله مما قرب وبعد صرح به غير واحد من الفقهاء والأصوليين وهذا فيما وضع للإشارة إلى البعيد أظهر مثل لفظة ((ذلك)) فإن تخصيص القريب بها دون البعيد يخالف وضعها لغة)) . ثانيا: حديث عبد الله بن المغفل - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: ((بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ثم قَال في الثالثة لمن شاء)) متفق عليه ( [176] ) . وجه الدلالة أنه يدل على مشروعية الصلاة بين الأذان الأول والثاني يوم الجمعة ( [177] ) . ثالثا: حديث عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - قَال: قَال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان)) . ( [178] ) أخرجه ابن حبان ( [179] ) وغيره. وجه الدلالة أن صلاة الجمعة صلاة مفروضة فيكون بين يديها ركعتان. ( [180] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 رابعا: حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما قَالا: ((جاء سليك الغطفاني ورسول الله r يخطب فقال له النبي r: ((أصليت ركعتين قبل أن تجيء؟)) قَال: لا. قَال: ((فصل ركعتين وتجوز فيهما)) . أخرجه ابن ماجة وأبو يعلى. ( [181] ) وجه الدلالة قوله: ((قبل أن تجيء)) يدل على أن هاتين الركعتين سنة للجمعة قبلها وليستا تحية المسجد. ( [182] ) خامسا: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركع قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا لايفصل بينهن)) . ( [183] ) أخرجه الطبراني وابن ماجه موضع الشاهد منه فقط. ( [184] ) سادسا: حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قَال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا يجعل التسليم في آخرهن ركعة)) . ( [185] ) أخرجه الطبراني ( [186] ) . وفي الباب عن ابن مسعود. ( [187] ) سابعا: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها ركعتين)) ( [188] ) . أخرجه البزار والطبراني. ( [189] ) ثامنا: عن أبي عبد الرحمن السلمي قَال: كان عبد الله بن مسعود يأمرنا أن نصلي قبل الجمعة أربعا. أخرجه ابن المنذر في الأوسط ( [190] ) وغيره وفي بعض ألفاظه ((إنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا)) من فعله. ( [191] ) تاسعا: حديث ابن عمر رضي الله عنهما ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين وكان لايصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين)) . متفق عليه. ( [192] ) وجه الدلالة أن البخاري بوب على هذا الحديث فقال: باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها. قَال ابن المنير ( [193] ) : ((كأنه يقول الأصل إستواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه لأن الجمعة بدل الظهر)) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 عاشرا: الأحاديث الواردة في مشروعية الصلاة بعد الزوال. ( [194] ) ومن هذه الأحاديث حديث علي - رضي الله عنه - في تطوع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهار وفيه ((وأربعا قبل الظهر إذا زالت الشمس وركعتين بعدها..)) الحديث أخرجه أحمد ( [195] ) والترمذي ( [196] ) والنسائي ( [197] ) وابن ماجة ( [198] ) من طرق عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي به مرفوعا وسنده حسن كما قَاله المرداوي. ( [199] ) وأبو إسحاق مختلط لكن من الرواة عنه شعبة وسفيان وهما ممن روى عنه قديما كما ذكره الحافظ ( [200] ) . وجه الدلالة منه قَال الشوكاني ( [201] ) : ((فيه دليل على استحباب أربع ركعات إذا زالت الشمس)) . وقَال العراقي ( [202] ) : ((وهي غير الأربع التي هي سنة الظهر قبلها)) . وممن نص على استحباب صلاة الزوال الغزالي في الإحياء في كتاب الأوراد. ( [203] ) الحادي عشر: الأحاديث الدالة على مشروعية الصلاة يوم الجمعة قبل خروج الإمام ( [204] ) كحديث أبي هريرة وأبي سعيد وسلمان الفارسي ونبيشة الهذلي وأبي الدرداء وأبي أيوب وغيرها ( [205] ) ، وفي بعض ألفاظها: (( ... ثم أتى الجمعة فصلى ما كتب له)) وفي لفظ ((صلى ما بدا له)) وفي لفظ ((وركع ما قضى له)) . قَال الشافعي ( [206] ) : ((من شأن الناس التهجير إلى الجمعة والصلاة إلى خروج الإمام)) . قَال البيهقي: ((هذا الَّذِي أشار إليه الشافعي موجود في الأحاديث الصحيحة وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رغب في التبكير إلى الجمعة والصلاة إلى خروج الإمام)) . الثاني عشر: أنها ظهر مقصورة فثبت لها أحكام الظهر فتكون سنة الظهر القبلية سنة لها. ( [207] ) الثالث عشر: قياسا على الظهر فإن الظهر له سنة قبلية فكذلك الجمعة. ( [208] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 قَال العراقي ( [209] ) : ((وهذه الأمور التي استدل بها على سنة الجمعة قبلها إن كان في كل منها على انفراده نظر فمجموعها قوي يضعف معه إنكارها، وأقوى ما يعارض ذلك أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يؤذن في زمنه يوم الجمعة غير أذان واحد في أول الوقت وهو على المنبر وذلك الأذان يعقبه الخطبة ثم الصلاة فلا يمكن مع ذلك أن يفعلها النبي r ولا أحد من أصحابه، وبالجملة فالمسألة مشكلة)) اهـ. المناقشة: نوقشت أدلة أصحاب هذا القول بما يأتي: الدليل الأول أجيب عنه أن قوله ((كان يفعل ذلك)) عائد إلى صلاة الركعتين بعد الجمعة في بيته. قَال ابن القيم ( [210] ) - رحمه الله - فيه: وهذا لاحجة فيه على أن للجمعة سنة قبلها وإنما أراد بقوله: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك: أنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته لايصليها في المسجد وهذا هو الأفضل فيهما كما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته وفي السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعا، وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل بالمسجد فقيل له فقال: كان رسول الله r يفعل ذلك. وأما إطالة ابن عمر الصلاة قبل الجمعة فإنه تطوع مطلق، وهذا هو الأولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتغل بالصلاة حتى يخرج الإمام كما تقدم من حديث أبي هريرة ونبيسة الهذلي عن النبي r ... اهـ. وقَال الحافظ ابن حجر ( [211] ) : وتعقب بأن قوله: ((وكان يفعل ذلك)) عائد على قوله: ((ويصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته)) ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فصلى سجدتين في بيته ثم قَال: كان رسول الله r يصنع ذلك)) أخرجه مسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 وأما قوله: ((كان يطيل الصلاة قبل الجمعة)) فإن كان المراد به بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعا لأنه r كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة، وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لاصلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها بل هو تنفل مطلق وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم في حديث سلمان وغيره حيث قَال فيه ((ثم صلى ما كتب له.)) وكذا أبو شامة ( [212] ) أجاب بنحو هذا الجواب أما الجواب عن الدليل الثاني: فإنه لايدل على ثبوت سنة راتبة قبل الجمعة كالعصر والعشاء، ثم لو سلم بهذا وأن الحديث يدل على ذلك فإن الجمعة مخصوصة من هذا العموم لظاهر فعل النبي r وأنه لم ينقل أن النبي r بعد أذان المؤذن يوم الجمعة يصلي حتى يوافق هذا الحديث بين الأذان والإقامة. قَال شيخ الإسلام ابن تيمية ( [213] ) : ((والصواب أن يقال: ليس قبل الجمعة سنة راتبة مقدرة، ولو كان الأذانان على عهده فإنه قد ثبت عنه في الصحيح أنه قَال: ((بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة بين كل ذانين صلاة ثم قَال في الثالثة: لمن شاء)) كراهية أن يتخذها الناس سنه فهذا الحديث الصحيح يدل على أن الصلاة مشروعة قبل العصر وقبل العشاء الأخرى وقبل المغرب وأن ذلك ليس بسنة راتبة وكذلك قد ثبت أن أصحابه كانوا يصلون بين أذاني المغرب وهو يراهم فلا ينهاهم ولا يأمرهم ولا يفعل هو ذلك فدل على أن ذلك فعل جائز. وقد احتج بعض الناس على الصلاة قبل الجمعة بقوله ((بين كل أذانين صلاة)) وعارضه غيره، فقال الأذان الَّذِي على المنابر لم يكن على عهد النبي r ولكن عثمان أمر به لما كثر الناس على عهده، ولم يكن يبلغهم الأذان حين خروجه وقعوده على المنبر ويتوجه أنه يقال إن هذا الأذان لما سنه عثمان واتفق المسلمون عليه، صار أذانا شرعيا وحينئذ فتكون الصلاة بينه وبين الأذان الثاني جائزة حسنة وليست سنة راتبة كالصلاة قبل المغرب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 وحينئذ فمن فعل ذلك لم ينكر عليه ومن ترك ذلك لم ينكر عليه وهذا أعدل الأقوال وكلام الإمام أحمد يدل عليه..)) اهـ. وقال العراقي ( [214] ) : ((ولقائل أن يعترض على الاستدلال به بأن ذلك كان متعذرا في حياته - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان بين الأذان والإقامة الخطبة فلا صلاة حينئذ ثم بعد أن حدد عثمان الأذان على الزوراء يمكن أن يصلى سنة الجمعة قبل خروج الإمام للخطبة والله أعلم)) . وأما الجواب عن الدليل الثالث: أن يقال إن هذا نظير حديث عبد الله بن المغفل - الدليل الثاني - فهو لا يدل على إثبات راتبة قبل الجمعة مثل العصر والعشاء ثم لو سلم بهذا لكانت الجمعة مخصوصة بدليل فعل النبي r أنه لم يصل قبلها. قَال العراقي ( [215] ) : ((لكن يضعف الاستدلال به من جهة أنه عموم يقبل التخصيص فقد يقدم عليه ما هو الظاهر من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة أنهم لم يكونوا يفعلون ذلك)) . أما الجواب عن الدليل الرابع فمن وجوه هي: الأول: أن هذه اللفظة ((قبل أن تجيء)) غلط كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية. ( [216] ) وقَال المزي ( [217] ) : هذا تصحيف من الرواة إنما هو ((أصليت قبل أن تجلس)) فغلط فيه الناسخ وقَال: ((وكتاب ابن ماجة إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به بخلاف صحيح البخاري ومسلم فإن الحفاظ تداولوهما واعتنوا بضبطهما وتصحيحهما)) . وقَال ابن القيم ( [218] ) : ((ومما يؤيد هذا - أي الغلط - أن الَّذِين اعتنوا بضبط سنن الصلاة قبلها وبعدها وصنفوا في ذلك من أهل الأحكام والسنن وغيرها لم يذكر واحدا منهم هذا الحديث في سنة الجمعة قبلها وإنما ذكروه في استحباب تحية المسجد والإمام على المنبر واحتجوا به على من منع فعلها في هذه الحال فلو كانت هي من سنة الجمعة لكان ذكرها هناك والترجمة عليها وحفظها وشهرتها أولى من تحية المسجد)) . الثاني: إن هاتين الركعتين هما تحية المسجد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 قَال أبو شامة ( [219] ) : ((قَال بعض من صنف في عصرنا قوله: ((قبل أن تجيء)) يدل على أن هاتين الركعتين سنة الجمعة قبلها وليست تحية المسجد كأنه توهم أن معنى قوله قبل أن تدخل المسجد أي أنه صلاها في بيته وليس الأمر كذلك، فقد أخرج هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما وليس في واحد منها هذا اللفظ وهو قوله ((قبل أن تجيء)) فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((قم)) دليل على أنه لم يشعر به إلا هو قد تهيأ للجلوس فجلس قبل أن يصلي فكلمه حينئذ وأمره بالقيام وجوز أنه يكون صلى الركعتين عند أول دخوله إلى المسجد قريبا من الباب ثم اقترب من رسول الله r ليسمع الخطبة فسأله أصليت؟ قَال: لا. فقوله فيما أخرجه ابن ماجه ((قبل أن تجيء)) يحتمل أن يكون معناه قبل أن تقرب مني لسماع الخطبة، وليس المراد قبل أن تدخل المسجد فإن صلاته قبل دخول المسجد غير مشروعة فكيف يسأله عنها، وذلك أن المأمور به بعد دخول وقت الجمعة إنما هو السعي إلى مكان الصلاة فلا يشتغل بغير ذلك وقبل دخول الوقت لايصح فعل السنة على تقدير أن تكون مشروعة. ومن الدليل على صحة ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل أحدا غير هذا الرجل الداخل عن كونه صلى سنة الجمعة أو لم يصل. دل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتن بالبحث عن ذلك، وإنما لما رآه قد جلس ولم يفعل ما هو مشروع له من تحية المسجد بركعتين أمره بهما ثم قَال: ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما)) أي أن خطبة الإمام والاستماع لها غير مانع من تحية المسجد ... )) اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 الثالث: قَال الحافظ ابن حجر ( [220] ) : ويحتمل أن يكون معنى ((قبل أن تجيء)) أي إلى الموضع الَّذِي أنت به الآن وفائدة الاستفهام: احتمال أن يكون صلاها في مؤخرة المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة كما تقدم في قصة الَّذِي تخطى، ويؤيده أنه في رواية مسلم ((أصليت الركعتين)) بالألف واللام وهو للعهد ولا عهد هناك أقرب من تحية المسجد. أما الجواب عن الدليل الخامس والسادس والسابع أي حديث ابن عباس وعلي وأبي هريرة y فإنها أحاديث ضعيفة وقد تقدم الكلام عليها. ( [221] ) قَال الحافظ ابن حجر ( [222] ) : وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم تثبت فيها شيء. أما الجواب عن الدليل الثامن: قَال أبو شامة ( [223] ) : ((المراد من صلاة عبد الله بن مسعود قبل الجمعة أربعا أنه كان يفعل ذلك تطوعا إلى خروج الإمام كما تقدم ذكره، فمن أين لكم أنه كان يعتقد أنها سنة الجمعة، وقد جاء عن غير واحد من الصحابة y أكثر من ذلك. وقَال أبو بكر بن المنذر: روينا عن ابن عمر أنه كان يصلي قبل الجمعة اثنتى عشرة ركعة وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يصلي ثماني ركعات ( [224] ) . وهذا دليل على أن ذلك منهم من باب التطوع من قبل أنفسهم من غير توقيت من النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك اختلف العدد المروي عنهم. وباب التطوع مفتوح، ولعل ذلك يقع منهم أو معظمه قبل الأذان ودخول وقت الجمعة لأنهم كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام وقد فعلوا مثل ذلك في صلاة العيد وقد علم قطعا أن صلاة العيد لاسنة لها، وكانوا يصلون بعد ارتفاع الشمس في المصلى وفي البيوت ثم يصلون العيد، روى ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وبوب له البيهقي بابا في سننه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 ثم الدليل على صحة ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج من بيته يوم الجمعة فيصعد منبره ثم يؤذن المؤذن فإذا فرغ أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته ولو كان للجمعة سنة قبلها لأمرهم بعد الأذان بصلاة السنة وفعلها هو - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الأذان الَّذِي بين يدي الخطبة وعلى ذلك مذهب المالكية إلى الآن)) اهـ. أما الجواب عن الدليل التاسع: إنه ليس فيه دلالة على اثبات السنة القبلية. قَال ابن القيم ( [225] ) : ((هذا لاحجة فيه ولم يرد به البخاري إثبات السنة قبل الجمعة وإنما مراده أنه هل ورد في الصلاة قبلها أو بعدها شيء؟ ثم ذكر هذا الحديث أي أنه لم يرو عنه فعل السنة إلا بعدها ولم يرد قبلها شيء. وهذا نظير ما فعل في كتاب العيدين فإنه قَال: باب الصلاة قبل العيد وبعدها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 وقَال أبو المعلّى سمعت سعيدا عن ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد ثم ذكر حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الفطر فصلى ركعتين ولم يصل قبلها ولا بعدها ومعه بلال. الحديث فترجم للعيد مثل ما ترجم للجمعة وذكر للعيد حديثا دالا على أنه لاتشرع الصلاة قبلها ولا بعدها فدل على أن مراده من الجمعة كذلك وقد ظن بعضهم أن الجمعة لما كانت بدلا من الظهر - وقد ذكر في الحديث السنة قبل الظهر وبعدها - دل الحديث على أن الجمعة كذلك، وإنما قَال: ((وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف)) بيانا لموضع صلاة السنة بعد الجمعة وأنه بعد الانصراف، وهذا الظن غلط منه لأن البخاري قد ذكر في باب التطوع بعد المكتوبة حديث ابن عمر t: صليت مع رسول الله r سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعد الظهر وسجدتين بعد المغرب وسجدتين بعد العشاء وسجدتين بعد الجمعة فهذا صريح في أن الجمعة عند الصحابة صلاة مستقلة بنفسها غير الظهر وإلا لم يحتج إلى ذكرها لدخولها تحت اسم الظهر فلما لم يذكر لها سنة إلا بعدها علم أنه لاسنة لها قبلها)) .اهـ وقَال أبو شامة ( [226] ) : ((مراده في هذه الترجمة - يعني البخاري - أنه هل ورد شيء في الصلاة قبلها وبعدها؟ ثم ذكر هذا الحديث أي أنه لم يرد إلا بعدها ولم يرد قبلها شيء .... )) ثم ذكر نحو كلام ابن القيم المتقدم. أما الجواب عن الدليل العاشر: قَال العراقي ( [227] ) : ((ولقائل أن يقول هذه سنة الزوال ففي حديث علي أنه يصلي بعدها أربعا قبل الظهر. ( [228] ) لكنه قَال: وقد يجاب عنه بأنه حصل بالجملة إستحباب أربع بعد الزوال كل يوم سواء فيه يوم الجمعة وغيره وهو المقصود)) . اهـ لكن قد يقال إن هذا مخصوص منه يوم الجمعة لفعل النبي r كما تقدم. أما الجواب عن الدليل الحادي عشر: أن هذه الأحاديث ليس فيها دلالة على سنة الجمعة بل هي تنفل مطلق وهكذا كان هدي الصحابة - رضي الله عنهم -. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 قَال ابن القيم ( [229] ) عقب حديث أبي هريرة ونبيشة: ((هكذا كان هدي الصحابة y)) . قَال ابن المنذر ( [230] ) : روينا عن ابن عمر ( [231] ) أنه كان يصلي قبل الجمعة ثنتي عشرة ركعة وعن ابن عباس أنه كان يصلي ثمان ركعات وهذا دليل على أن ذلك منهم من باب التطوع المطلق ولذلك اختلف في العدد المروي عنهم في ذلك. وقال الترمذي في الجامع وروي عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا وإليه ذهب ابن المبارك والثوري. وقَال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري: رأيت أبا عبد الله إذا كان يوم الجمعة يصلي إلى أن يعلم أن الشمس قد قاربت أن تزول فإذا قاربت أمسك عن الصلاة حتى يؤذن المؤذن فإذا أخذ في الأذان قام فصلى ركعتين أو أربعا يفصل بينهما بالسلام فإذا صلى الفريضة انتظر في المسجد ثم يخرج منه فيأتي بعض المساجد التي بحضرة الجامع فيصلي فيه ركعتين ثم يجلس وربما صلى أربعا ثم يجلس ثم يقوم فيصلي ركعتين آخرين، فتلك ست ركعات على حديث علي وربما صلى بعد الست ستا أخر أو أقل أو أكثر. وقد أخذ من هذا بعض أصحابه رواية أن للجمعة قبلها سنة ركعتين أو أربعا وليس هذا بصريح بل ولا ظاهر فإن أحمد كان يمسك عن الصلاة في وقت النهي، فإذا زال وقت النهي قام فأتم تطوعه إلى خروج الإمام فربما أدرك أربعا وربما لم يدرك إلا ركعتين)) . اهـ وقَال الحافظ ابن حجر ( [232] ) عقب حديث ابن عمر المتقدم أنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة: ((وأما قوله ((كان يطيل الصلاة قبل الجمعة)) فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعا لأنه r كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لاصلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها بل هو تنفل مطلق وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم في حديث سلمان وغيره حيث قَال فيه ((ثم صلى ما كتب له)) اهـ أما الجواب عن الدليل الثاني عشر: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 قَال ابن القيم ( [233] ) : ((وهذه حجة ضعيفة جدا فإن الجمعة صلاة مستقلة بنفسها تخالف الظهر في الجهر والعدد والخطبة والشروط المعتبرة لها، وتوافقها في الوقت، وليس إلحاق مسألة النزاع بموارد الاتفاق أولى من إلحاقها بموارد الافتراق بل إلحاقها بموارد الافتراق أولى لأنها أكثر مما اتفقا فيه)) . وقال أبو شامة ( [234] ) في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قَال صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعد المغرب وسجدتين بعد العشاء وسجدتين بعد الجمعة. ((هذا دليل على أن الجمعة عندهم غير الظهر وإلا ما كان يحتاج إلى ذكرها لدخولها تحت اسم الظهر ثم لم يذكر لها سنة إلا بعدها دل على أنه لاسنة قبلها)) . وقَال شيخ الإسلام ابن تيمية ( [235] ) : إن هذا خطأ من وجهين: أحدهما: أن الجمعة مخصوصة بأحكام تفارق بها ظهر كل يوم باتفاق المسلمين وإن سميت ظهرا مقصورة فإن الجمعة يشترط لها الوقت فلا تقضى، والظهر تقضى والجمعة يشترط لها العدد والاستيطان وإذن الإمام وغير ذلك والظهر لايشترط لها ذلك فلا يجوز أن تتلقى أحكام الجمعة من أحكام الظهر مع اختصاص الجمعة بأحكام تفارق بها الظهر فإنه إذا كانت الجمعة تشارك الظهر في حكم وتفارقها في حكم لم يكن إلحاق مورد النزاع بأحدهما إلا بدليل فليس جعل السنة في موارد الاشتراك بأولى من جعلها في موارد الافتراق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 الوجه الثاني: أن يقال هب أنها ظهر مقصورة فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يصلي في سفره سنة الظهر المقصورة لاقبلها ولا بعدها وإنما كان يصليها إذا أتم الظهر فصلى أربعا فإذا كانت سنته التي فعلها في الظهر المقصورة خلاف التامة كان ما ذكروه حجة عليهم لا لهم وكان السبب المقتضى لحذف بعض الفريضة أولى بحذف السنة الراتبة كما قَال بعض الصحابة: ((لو كنت متطوعا لأتممت الفريضة)) . فإنه لو استحب للمسافر أن يصلي أربعا لكانت صلاته للظهر أربعا أولى من أن يصلي ركعتين فرضا وركعتين سنة. وهذا لأنه قد ثبت بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتواترة أنه كان لايصلي في السفر إلا ركعتين في الظهر والعصر والعشاء وكذلك لما حج بالناس عام حجة الوداع لم يصل بهم بمنى وغيرها إلا ركعتين وكذلك أبو بكر بعده لم يصل إلا ركعتين وكذلك عمر بعده لم يصل إلا ركعتين)) اهـ. أما الجواب عن الدليل الثالث عشر: قَال ابن القيم ( [236] ) : ((إنه قياس فاسد، فإن السنة ما كان ثابتا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو سنة خلفائه الراشدين وليس في مسألتنا شيء من ذلك، ولا يجوز إثبات السنن في مثل هذا بالقياس، لأن هذا مما انعقد سبب فعله في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا لم يفعله ولم يشرعه كان تركه هو السنة ونظير هذا أن يشرع لصلاة العيد سنة قبلها أو بعدها بالقياس فلذلك كان الصحيح أنه لايسن الغسل للمبيت بمزدلفة ولا لرمي الجمار ولا للطواف ولا للكسوف ولا للإستسقاء لأن النبي r وأصحابه لم يغتسلوا لذلك مع فعلهم لهذه العبادات)) . الترجيح الَّذِي يظهر والله أعلم رجحان القول الأول وهو أنه ليس للجمعة سنة قبلية وذلك لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة قبلها لامن قوله ولا من فعله وذلك أنه إذا أتى المسجد يوم الجمعة أذن المؤذن ثم خطب ولم ينقل عنه r أنه كان يصلي سنة الجمعة من وجه ثابت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 126 وقد تقدم الجواب عن أدلة أصحاب القول الثاني وأنها مع كثرتها لاتقوى على إثبات السنية لأنها إما صحيحة غير صريحة أو صريحة غير صحيحة. وقد ذهب أبو شامة ( [237] ) ومحمد عبد السلام خضر ( [238] ) إلى أن جعل سنة للجمعة قبلها بدعة. ( [239] ) قَال أبو شامة ( [240] ) في بدع الجمعة: ((وقد جرت عادت الناس أنهم يصلون بين الأذانين يوم الجمعة متنفلين بركعتين أو أربع ونحو ذلك إلى خروج الإمام وذلك جائز ومباح وليس بمنكر من جهة كونه صلاة، وإنما المنكر اعتقاد العامة منهم ومعظمهم المتفقهة منهم أن ذلك سنة للجمعة قبلها كما يصلون السنة قبل الظهر ويصرحون في نيتهم بأنها سنة الجمعة ويقول من هو عند نفسه معتمدا على قوله: إن قلنا الجمعة ظهر مقصورة فلها كالظهر وإلا فلا وكل ذلك بمعزل عن التحقيق والجمعة لاسنة لها قبلها كالعشاء والمغرب وكذا العصر على قول وهو الصحيح عند بعضهم وهي صلاة مستقلة بنفسها حتى قَال بعض الناس هي الصلاة الوسطى وهو الَّذِي يترجح في ظني والعلم لما خصها الله تعالى به من الشرائط والشعائر وتقرير ذلك في موضع غير هذا إن شاء الله تعالى)) .اهـ وقَال شيخ الإسلام ابن تيمية ( [241] ) : ((والصواب أن يقال ليس قبل الجمعة سنة راتبة مقدرة)) . وقَال أيضا ( [242] ) : ((الصلاة قبلها جائزة حسنة وليست راتبة فمن فعل لم ينكر عليه ومن ترك لم ينكر عليه قَال: وهذا أعدل الأقوال، وكلام أحمد يدل عليه وحينئذ يكون تركها أفضل إذا كان الجهال يعتقدون أنها سنة راتبة أو أنها واجبة فتترك حتى يعرف الناس أنها ليست سنة راتبة ولا واجبة، ولاسيما إذا داوم الناس عليها فينبغي تركها أحيانا. اهـ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 وقَال ابن القيم: ((وكان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة، ولم يكن الأذان إلا واحدا وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لاسنة قبلها وهذا أصح قولي العلماء وعليه تدل السنة فإن النبي r كان يخرج من بيته فإذا رقى على المنبر أخذ بلال في أذان الجمعة فإذا أكمله أخذ النبي r في الخطبة من غير فصل وهذا كان رأى عين فمتى كانوا يصلون السنة؟ ! ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال t من الأذان ... قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة)) . الخاتمة: الحمد لله الَّذِي وفق وأعان على اتمام هذا البحث وإنجازه والَّذِي يشتمل على الأحاديث والآثار الواردة في الصلاة قبل الجمعة مع الكلام على حكم سنة الجمعة القبلية وقد ظهر لي من خلال هذا البحث الأمور التالية: - إن مجموع الأحاديث والآثار الواردة في الصلاة قبل الجمعة (16) حديثا وأثراً منها (12) حديثا وأربعة آثار. - إن الأحاديث الثابتة هي التي تنص على مطلق التنفل قبل الجمعة. - إن الأحاديث التي فيها أن النبي r يصلي قبل الجمعة لاتصح. - إن الأثار عن الصحابة مختلفة في مقدار ما يصلون فبعضهم يصلي أربعا وبعضهم ستا وبعضهم ثمان وبعضهم ثنتي عشرة ركعة. - إن الأظهر من قولي العلماء أن الجمعة ليس لها سنة قبلها وإنما هو تنفل مطلق كما كان الصحابة يفعلون. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الهوامش والتعليقات --- ( [1] ) سورة آل عمران الآبة (102) . ( [2] ) سورة النساء الآية (1) . ( [3] ) سورة الأحزاب الآية (70، 71) . ( [4] ) الصحاح والسنة والمسانيد والمعاجم والزوائد وغيرها من مظانها. ( [5] ) في صحيحه (1/ 301 رقم 843) كتاب الجمعة باب الدهن للجمعة.. ( [6] ) في المعجم الكبير (6/ 237 رقم 6089) . ( [7] ) في مجمع الزوائد (2/ 174) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 128 ( [8] ) (2/587 رقم 857) كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة. ( [9] ) في مسنده (5/ 420 - 421) . ( [10] ) في صحيحه (3/ 138 رقم 1775) كتاب الصلاة، باب فضل إنصات المأموم عند خروج الإمام .... ( [11] ) في المعجم الكبير (4/ 160، 161 رقم 4006، 4007) . ( [12] ) عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري المدني، ثقة يقال له رؤية، مات سنة سبع أو ثمان وتسعين. خ م د س ف. الكاشف (2/ 108) التقريب (319) . ( [13] ) (6/ 307) . ( [14] ) (6/ 419) . ( [15] ) (7/ 240) تعجيل المنفعة (210) . ( [16] ) مجمع الزوائد (2/ 171) . ( [17] ) في مسنده (5/ 198) . ( [18] ) المراسيل (50) الجرح والتعديل (3/ 249) تعجيل المنفعة (94) . ( [19] ) (6/ 230) . ( [20] ) التاريخ الكبير (3/ 61) . ( [21] ) في المجمع (2/ 171) . ( [22] ) عطاء بن أبي مسلم الخراساني واسم أبيه ميسرة، وقيل عبد الله، صدوق يهم كثيرا، ويرسل ويدلس من الخامسة، مات سنة خمس وثلاثين، لم يصح أن البخاري أخرج له. م4. الكاشف (2/ 233) التَّقْرِيب (392) . ( [23] ) نبيشة بن عبد الله الهذلي، ويقال له نبيشة الخير، صحابي قليل الحديث. م4. معرفة الصحابة (5/2702) الإصابة (3/ 554) التَّقْرِيب (559) . ( [24] ) في مسنده (5/ 75) . ( [25] ) علي بن إسحاق السلمي مولاهم المروزي، أصله من ترمذ، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث عشرة. ت. الكاشف (2/242) التَّقْرِيب (398) . ( [26] ) هو ابن المبارك.. ( [27] ) يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي أبو يزيد، مولى آل أبي سفيان، ثقة إلا في روايته عن الزهري وهما قليلا وفي غير الزهري خطأ من كبار السابعة، مات سنة تسع وخمسين على الصحيح، وقيل سنة ستين ومائة. ع. وقال الذهبي: أحد الأثبات. الكاشف (3/267) التَّقْرِيب (614) . ( [28] ) انْظر: تَهْذِيب الْكَمَال (20 / 106) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 ( [29] ) في الترغيب والترهيب (1/ 487) . ( [30] ) المراسيل (157) تحفة المراسيل (لوحة 45) . ( [31] ) مجمع الزوائد (2/ 171) . ( [32] ) الضمير في قوله: ((يفعل ذلك)) . يعود على ((يصلي بعدها ركعتين في بيته)) بدليل رواية مسلم أن ابن عمر كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ثم قَال: كان رسول الله r يصنع ذلك. الفتح (2/426) كما قاله الحافظ. ( [33] ) في سننه (1/ 672 رقم 1128) كتاب الصلاة، باب الصلاة بعد الجمعة.. ( [34] ) في صحيحه (3/168 رقم 1836) كتاب الصلاة باب استحباب تطويل الصلاة قبل الجمعة. ( [35] ) في صحيحه - الإحسان (6/227 رقم 2476) كتاب الصلاة، باب ذكر البيان بأن المصطفى r كان يصلي الركعات التي وصفناها في بيته لا في المسجد. ( [36] ) في السنن (3/240) كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة. ( [37] ) في مسنده (2/103) ( [38] ) الفتح الرباني (6/ 76) . ( [39] ) في المصنف (2/ 131) كتاب الصلاة، باب الصلاة قبل الجمعة. ( [40] ) هو عبد الله بن عون. ( [41] ) في شرح معاني الآثار (1/ 335) كتاب الصلاة باب تطوع الليل والنهار كيف هو.. ( [42] ) جبلة بن سحيم كوفي ثقة، من الثالثة، مات سنة خمس وعشرين ومائة. ع. ووثقه الذهبي. الكاشف (1/124) التَّقْرِيب (138) . ( [43] ) في سننه (1/ 244 رقم 343) كتاب الطهارة، باب في الغسل يوم الجمعة.. ( [44] ) في مسنده (3/ 81) . ( [45] ) في صحيحه (3/ 130 رقم 1762) كتاب الصلاة، باب فضيلة التطيب والتسوك ولبس أحسن ما نجد. ( [46] ) في صحيحه - الإحسان (7/ 16- 17 رقم 2778) كتاب الصلاة، باب ذكر البيان بأن السواك ولبس المرء أحسن ثيابه من شرائط الجمعة التي تكفر ما بين الجمعتين من الذنوب. ( [47] ) في مستدركه (1/ 283) كتاب الجمعة، باب من غسل يوم الجمعة ودنا من الإمام ... الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 ( [48] ) في سننه (3/243) كتاب الجمعة، باب السنة في التنظيف يوم الجمعة بغسل .... ( [49] ) في شرح السنة (4/230 رقم1060) كتاب الصلاة، باب التنظيف والتطيب يوم الجمعة. ( [50] ) رقم (1، 2) . ( [51] ) السبب في إيراد هذا الحديث لفظة ((قبل أن تجيء)) استدل بها بعض العلماء على سنة الجمعة القبلية كما ذهب إليه المجد ابن تيمية في المنتقى (2/22) زاد المعاد (1/434) . ( [52] ) في سننه (1/ 353 رقم 1114) كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب. ( [53] ) في مسنده (3/ 449 رقم 1946) . ( [54] ) داود بن رشيد الهاشمي مولاهم الخوارزمي نزيل بغداد، ثقة، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين ومائتين خ. م. د. س. ق. الكاشف (1/ 221) التَّقْرِيب (198) ( [55] ) زاد المعاد (1/ 434) . ( [56] ) سيأتي تخريجه. ( [57] ) في سننه (1/667 رقم 116) كتاب الصلاة، باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب.. ( [58] ) محمد بن محبوب البناني البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين. خ. د. س. وقَال الذهبي: ثقة. الكاشف (3/ 82) التَّقْرِيب (505) .. ( [59] ) إسماعيل بن إبراهيم بن معمر بن الحسن الهذلي أبو معمر القطيعي، أصله هروي، ثقة، مأمون، من العاشرة، مات سنة ست وثلاثين ومائتين خ. م. د. س. الكاشف (1/69) التَّقْرِيب (105) . ( [60] ) في صحيحه - الاحسان - (6/ 246 رقم 1116) كتاب الصلاة، باب الأمر للداخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب أن يركع ركعتين. ( [61] ) في صحيحه (2/ 596 رقم 875) كتاب الجمعة، باب التحية والإما يخطب عن عيسى ابن يونس. ( [62] ) في مسنده (3/ 316، 317، 389) عن أبي معاوية وسفيان. ( [63] ) في مصنفه (3/244 رقم 5514) كتاب الصلاة، باب الرجل يجيء والإمام يخطب عن معمر والثوري. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 ( [64] ) في شرح معاني الآثار (1/ 365) كتاب الصلاة، باب الرجل يدخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب هل ينبغي له أن يركع أم لا. ( [65] ) في صحيحه (3/167 رقم 1835) كتاب الصلاة، باب أمر الإمام في خطبته الجالس قبل أن يصليها بالقيام ليصليها. ( [66] ) في صحيحه - الاحسان (6/ 247 رقم 2501) كتاب الصلاة، باب ذكر البيان بأن الداخل المسجد والإمام يخطب. ( [67] ) في سننه (2/ 13) كتاب الصلاة، باب في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب.. ( [68] ) في سننه (3/ 194) كتاب الجمعة، باب من دخل المسجد يوم الجمعة والإمام على المنبر ولم يركع ركعتين.. ( [69] ) في سننه (1/ 667 رقم 1117) كتاب الصلاة، باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب. ( [70] ) في مسنده (3/ 297) . ( [71] ) في صحيحه (1/ 315 رقم 888) كتاب الجمعة، باب إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين. وانظر (رقم 889، 1113) . ( [72] ) في صحيحه وتقدم العزو إليه.. ( [73] ) في سننه (1/ 667 رقم 1115) كتاب الصلاة، باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب. ( [74] ) في سننه (2/ 384 رقم 510) كتاب الصلاة، باب ما جاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب. ( [75] ) في سننه (3/ 103 رقم 1400) كتاب الجمعة، باب الصلاة يوم الجمعة لمن جاء والإمام يخطب، وفي الكبرى (1/ 528 رقم 1703) . ( [76] ) في سننه (1/353 رقم 1112) كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيمن دخل =المسجد والإمام يخطب كلهم عن عمرو بن دينار عن جابر إلا عند مسلم وابن ماجة والنسائي في الكبرى عن عمرو بن دينار وأبي الزبير عن جابر به. ( [77] ) زاد المعاد (1/434، 435) . ( [78] ) زاد المعاد (1/ 435) ونقل الحافظ نحو هذا الكلام عن المزني في التلخيص (2/ 74) . ( [79] ) الباعث على انكار البدع والحوادث (124) . ( [80] ) في الأوسط (4/ 568 رقم 3971) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 ( [81] ) عتاب بن بشير الجزري أبو الحسن أو أبو سهل مولى بني أمية صدوق يخطئ من الثامنة، مات سنة تسعين ومائة أو قبلها. خ. د. ت. س. الكاشف (2/ 213) التَّقْرِيب (380) . ( [82] ) خصيف بن عبد الرحمن الجزري أبو عون صدوق سيء الحفظ خلط بآخرة ورمي بالإرجاء، من الخامسة مات سنة سبع وثلاثين ومائة وقيل غير ذلك. 4. وقَال الذهبي: صدوق سيء الحفظ ضعفه أحمد. الكاشف (1/213) التَّقْرِيب (193) . ( [83] ) لم أجد له ترجمة. ( [84] ) الفتح (2/ 426) . ( [85] ) في مصنفه (3/ 247 رقم 5525) كتاب الجمعة، باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها. ( [86] ) في مصنفه (2/ 132) كتاب الصلاة، باب من كان يصلي بعد الجمعة ركعتين. ( [87] ) في الأوسط (4/ 126 رقم 1881) كتاب الجمعة، باب ذكر الدليل على أن الأمر بأن يصلي بعد الجمعة أربعا إنما هو لمن أراد ذلك. ( [88] ) في المعجم الكبير (9/310 رقم 9551، 9552) . ( [89] ) الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة (323، 332، 333) . ( [90] ) تَهْذِيب الْكَمَال (20/90) . ( [91] ) الكواكب النيرات (331) . ( [92] ) مقدمة ابن الصلاح (195) . ( [93] ) المراسيل (107) . ( [94] ) في التاريخ الكبير (5/ 73) . ( [95] ) المراسيل (108) . ( [96] ) المراسيل (107) . ( [97] ) المراسيل (107) . ( [98] ) التاريخ الكبير (5/73) . ( [99] ) في المصنف (3/247 رقم 5524) كتاب الصلاة،، باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها. ( [100] ) مجمع الزوائد (2/195) . ( [101] ) المراسيل (168) . ( [102] ) المراسيل (175) . ( [103] ) في المعجم الكبير (9/310 رقم 9555) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 ( [104] ) توفي ابن مسعود سنة (32) أول (33) أما أبو إسحاق السبيعي فإنه مات سنة (126) وقيل (127) وقيل (128) وقيل (129) وعمره (96) فتكون ولادته ما بين سنة (30) إلى (32) وقال ابن حبان مولده سنة (29) في خلافة عثمان ... ويقال كان مولده سنة (23) الثقات (5/177) تَهْذِيب الْكَمَال (16/127) (22/112) . ( [105] ) في مصنفه (2/131) كتاب الصلاة، باب الصلاة قبل الجمعة. ( [106] ) في الأوسط (4/ 97 رقم 1845) كتاب الجمعة، باب ذكر الصلاة قبل صلاة الجمعة. ( [107] ) المراسيل (256، 257) . ( [108] ) التَّقْرِيب (656) . ( [109] ) في شرح معاني الآثار (1/335) كتاب الصلاة، باب التطوع بالليل والنهار كيف هو. ( [110] ) التلخيص (2/74) . ( [111] ) التلخيص (2/74) . ( [112] ) لم أجده في المعجم الأوسط في ترجمة أحمد بن عمرو ولا في مجمع البحرين ولا في مجمع الزوائد. ( [113] ) (2/426) . ( [114] ) لم أجد هذا الحديث في كشف الأستار ولا في مختصر زوائد البزار للحافظ ولا في مجمع الزوائد في مظنته. ( [115] ) كذا في المعجم الأوسط ولعلها زائدة أو تكون العبارة ((في آخر ركعة)) ويحتمل أن يكون المعنى ((في آخرهن أي الأربع ركعات)) ركعة فموقع قوله ركعة تمييز. ( [116] ) في الأوسط (2/368 رقم 164) . ( [117] ) حصين بن عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي، ثقة تغير حفظه في الأخير من الخامسة، مات سنة ست وثلاثين ومائة وله ثلاث وتسعون. ع. وقَال الذهبي: ثقة. الكاشف (1/175) التَّقْرِيب (170) ( [118] ) عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي صدوق من الثالثة، مات سنة أربع وسبعين ومائة 4. الكاشف (2/41) التَّقْرِيب (285) . ( [119] ) في الكامل (6/2198) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 ( [120] ) كذا نقله ابن عدي عن ابن حماد، وكذا نقله الحافظ في اللسان (5/245) والَّذِي في التاريخ (1/162) نقل حديث ابن مسعود في الدعاء، وقَال بعده: لايتابع عليه. ونقل ابن عدي أيضا هذا عنه في الكامل (6/2198) . ( [121] ) اللسان (5/245) . ( [122] ) الجرح والتعديل (7/326) . ( [123] ) الفتح (2/426) . ( [124] ) في المعجم الكبير (12/129 رقم 1264) . ( [125] ) بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي أبو محمد صدوق كثير التدليس عن الضعفاء من الثامنة، مات سنة سبع وتسعين ومائة وله سبع وثمانون. خت. م4. وقَال الذهبي: وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات. الكاشف (1/106) التَّقْرِيب (126) ( [126] ) مبشر بن عبيد الحمصي أبو حفص، كوفي الأصل متروك رماه أحمد بالوضع، من السابعة له في ابن ماجة حديث واحد. ق. وقَال الذهبي: تركوه. الكاشف (3/104) التَّقْرِيب (519) ( [127] ) الحجاج بن أرطأة بن ..... بن هبيرة النخعي، أبو أرطأة الكوفي القاضي، أحد الفقهاء، صدوق، كثير الخطأ والتدليس، من السابعة، مات سنة خمس وأربعين ومائة، بخ. م4. وقَال الذهبي: أحد الأعلام على لين فيه. الكاشف (1/147) التَّقْرِيب (152) . ( [128] ) عطية بن سعد بن جنادة العوفي الجدلي، الكوفي أبو الحسن، صدوق يخطئ كثيرا، وكان شيعيا مدلسا من الثالثة، مات سنة إحدى عشرة ومائة. بخ د. ت. ق. وقال الذهبي: ضعفوه. الكاشف (2/235) التَّقْرِيب (393) ( [129] ) في السنة (1/358) رقم 1129) كتاب إقامة الصلاة،، باب ما جاء في الصلاة قبل الجمعة. ( [130] ) خلاصة الأحكام (2/813) . ( [131] ) نصب الراية (2/206) . ( [132] ) مصباح الزجاجة (1/377) . ( [133] ) مجمع الزوائد (2/195) . ( [134] ) التلخيص (2/74) . ( [135] ) الفتح (2/426) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 ( [136] ) ثعلبة بن أبي مالك القرضي، حليف الأنصار، أبو مالك، ويقال: أبو يحيى المدني مختلف في صحبته، وقال العجلي: تابعي ثقة. خ. د. ق. الكاشف (1/118) التَّقْرِيب (134) . ( [137] ) في الموطأ (1/103) كتاب الجمعة، باب ما جاء في الإنصات يوم الجمعة، والإمام يخطب. ( [138] ) في مسنده (1/139 رقم 409) كتاب الصلاة، باب صلاة الجمعة. ( [139] ) في سننه (3/192) كتاب الجمعة، باب الصلاة يوم الجمعة نصف النهار وقبله وبعده حتى يخرج الإمام. ( [140] ) المجموع (4/550) . ( [141] ) لم أجده في المصنف في مظنته ولكن ذكره ابن رجب في فتح الباري بسنده إليه (8/329) . ( [142] ) في الأوسط (4/97 رقم 1844) كتاب الجمعة، باب الصلاة قبل صلاة الجمعة. ( [143] ) كذا وقع في الأوسط والإكمال (157) لكن قَال الحافظ ابن حجر هذا غلط نشأ عن تحريف وإنما هو سلْم بسكون اللام بعدها ميم. تعجيل المنفعة (1/564، 606) وهكذا وقع في التاريخ الكبير (4/157) والجرح والتعديل (4/266) والثقات لابن شاهين (52) وابن حبان (4/334) . ( [144] ) الإكمال (157) . ( [145] ) الجرح والتعديل (4/266) . ( [146] ) (152) . ( [147] ) (4/334) . ( [148] ) في الثقات (4/334) . ( [149] ) صافية ذكرها ابن سعد في الطبقات، وقَال: روت عن صفية بنت حيي رضي الله عنها. الطبقات (8/491) . ( [150] ) في الطبقات (8/491) . ( [151] ) الأم (1/ 197) الباعث على إنكار البدع والحوادث (121) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (24/189) زاد المعاد (1/432) الانصاف (2/406) ... (3/289) . ( [152] ) البخاري في صحيحه (1/ 317 رقم 895) كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها، ومسلم في صحيحه (1/504 رقم 729) كتاب صلاة المسافرين، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن. ( [153] ) فتح الباري لابن رجب (8/ 333) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 136 ( [154] ) الباعث على انكار البدع والحوادث (120) مجموع الفتاوى (24/188) زاد المعاد (1/432) النيل (3/290) . ( [155] ) تقدم هذا الحديث وما في معناه في مبحث الأحاديث الواردة في الصلاة قبل الجمعة. ( [156] ) تقدمت هذه الآثار في مبحث الأحاديث الواردة في الصلاة قبل الجمعة. وانظر الأوسط لابن المنذر (4/98) ( [157] ) الباعث على إنكار البدع والحوادث (120) مجموع الفتاوى (24/188) زاد المعاد (1/432) النيل (3/290) . ( [158] ) نيل الأوطار (3/290) عون المعبود (3/476) . ( [159] ) في صحيحه (1/568 رقم 831) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها. ( [160] ) انظر: الفتح (2/62) . ( [161] ) فتح الباري (8/ 333، 334) . ( [162] ) يعني به الدليل الأول من أدلة أصحاب القول الثاني، وتقدم تخريجه في الأحاديث الواردة في الصلاة قبل الجمعة رقم (6) . ( [163] ) الإحسان (6/ 260 رقم 2514) كتاب الصلاة، باب ذكر ما يستحب للمرء إذا أراد الخروج من بيته أن يودِّعه بركعتين. وفي سنده شريك بن عبد الله القاضي سيء الحفظ. ( [164] ) في صحيحه (1/395 رقم 1126) كتاب التطوع، باب الركعتان قبل الظهر.. ( [165] ) في صحيحه (1/394 رقم 1119) كتاب التطوع، باب التطوع بعد المكتوبة.. ( [166] ) تقدم تخريجها في الأحاديث الواردة في الصلاة قبل الجمعة. ( [167] ) وقد سبق تخريج حديث جابر في دخول سليك الغطفاني المسجد والنبي r يخطب في مبحث الأحاديث الواردة في الصلاة قبل الجمعة رقم (7) . ( [168] ) النيل (3/ 290) . ( [169] ) الفتح (2/ 63) . ( [170] ) معرفة السنن (4/ 338 رقم 6329) . ( [171] ) المجموع (4/9) الباعث على إنكار البدع والحوادث (120) مجموع فتاوى ابن تيمية (24/189) فتح الباري لابن رجب (8/333) الانصاف (2/406) النيل (3/289) . ( [172] ) فتح الباري له (8/ 333) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 ( [173] ) تقدم الكلام على تخريجه في الأحاديث الواردة في الصلاة قبل الجمعة رقم (6) . ( [174] ) زاد المعاد (2/ 435) فتح الباري لابن رجب (8/328) (الفتح 2/ 426) . ( [175] ) فتح الباري له (8/ 328) . ( [176] ) أخرجه البخاري في صحيحه (1/225 رقم 598 -601) ومسلم في صحيحه (1/573 رقم 838) . ( [177] ) مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية (2/187) الفتاوى (24/193) المجموع (4/ 10) الفتح (2/ 436) النيل (3/289) . ( [178] ) فتح الباري (2/ 426) فيض القدير (5/486) النيل (3/289) . ( [179] ) في صحيحه (6/208 -209 رقم 2455) كتاب الصلاة، باب ذكر الأمر للمرء أن يركع ركعتين قبل كل صلاة فريضة يريد أداءها، من طريق محمد بن عمرو الغزي عن عثمان بن سعيد القرسي عن محمد بن مهاجر - بن أبي مسلم - عن ثابت بن عجلان عن سُلَيم بن عامر عن عبد الله بن الزبير به. وفيه سليم بن عامر فإن كان هو الخبائري الحمصي فهو ثقة ومما يؤيد هذا أنه يروي عن ابن الزبير. لكن أخرجه المروزي في قيام الليل - مختصر قيام الليل - (59) من طريق ثابت بن عجلان به لكنه قَال: فيه سليم بن عامر بن أبي عامر وكذا أخرجه ابن عدي في الكامل (2/524) فقال فيه: سليم أبو عامر. لكن في سنديهما سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف. قَال الهيثمي في المجمع (2/231) وفيه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف. وقَال الحافظ في التَّقْرِيب (249) سليم بن عامر الشامي أبو عامر صلى خلف أبي بكر من الثانية فرق ابن عساكر بينه وبين الأول - يعني الخبائري الحمصي - فأصاب. وأخرجه الدارقطني في السنن (2/ 267) كتاب الصلاة، باب الحث على الركوع بين الأذانين في كل صلاة من ثلاثة طرق عن عثمان بن سعيد بن كثير عن محمد بن مهاجر عن سليم بن عامر عن أبي عامر الخبايري عن عبد الله بن الزبير به. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 فجعلهما اثنان سليم بن عامر عن أبي عامر الخبايري لكن قَال صاحب التعليق المغني على سنن الدارقطني وفي نسخة صحيحة: سليم بن عامر أبي عامر الخبائري بحذف حرف عن ا. هـ وهذا يؤيد أن سليم بن عامر واحد وهو الخبايري. وفي سند الدارقطني مخالفة أخرى وهي أنه سقط منه ثابت بن عجلان بين محمد بن مهاجر وسليم ابن عامر. لكن الحديث له شاهد يقويه وهو ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن المغفل أن النبي r قَال: بين كل أذانين صلاة ... )) وتقدم قبل هذا الدليل. ( [180] ) طرح التثريب (3/43) . ( [181] ) وتقدم الكلام على تخريجه في مبحث الكلام على أحاديث الصلاة قبل الجمعة رقم (7) . ( [182] ) الباعث على إنكار البدع والحوادث (123) زاد المعاد (1/434) الفتح (2/410) النيل (3/289) . ( [183] ) الفتح (2/426) . ( [184] ) تقدم الكلام عليه في الكلام على أحاديث الصلاة قبل الجمعة رقم (12) . ( [185] ) الفتح (2/426) . ( [186] ) تقدم في مبحث الأحاديث الواردة في الصلاة قبل الجمعة رقم (10) . ( [187] ) تقدم في مبحث الأحاديث الواردة في الصلاة قبل الجمعة رقم (9) . ( [188] ) الفتح (2/426) . ( [189] ) تقدم في مبحث الأحاديث الواردة في الصلاة قبل الجمعة رقم (11) . ( [190] ) تقدم الكلام عليه في مبحث الأحاديث الواردة في الصلاة قبل الجمعة رقم (9) . ( [191] ) الفتح (2/426) . ( [192] ) البخاري في صحيحه (1/317 رقم 895) كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها. ومسلم في صحيحه (2/504 رقم 729) كتاب صلاة المسافرين، باب فضل السنة الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن. ( [193] ) الفتح (2/ 426) زاد المعاد 1/ 432) الباعث على إنكار البدع والحوادث (121) . ( [194] ) نيل الأوطار (3/289) وانْظر: مجمع الزوائد (2/ 219 - 220) . ( [195] ) في مسنده (2/ 262 رقم 650) تحقيق أحمد شاكر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 ( [196] ) في سننه (2/494 رقم 598) كتاب الصلاة، باب كيف كان تطوع النبي r بالنهار. ( [197] ) في سننه (2/119 رقم 874) كتاب الإمامة، باب الصلاة بعد الظهر. ( [198] ) في السنن (1/367 رقم 1161) كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيما يستحب من التطوع بالنهار. ( [199] ) كفاية المستقنع لأدلة المقنع (62 أ) . ( [200] ) هدي الساري (431) . ( [201] ) النيل (3/77) . ( [202] ) النيل (3/77) . ( [203] ) (1/402) . ( [204] ) الفتح (2/426) النيل (3/289) . ( [205] ) وقد تقدم تخريجها والكلام عليها في مبحث الأحاديث الواردة في الصلاة قبل الجمعة، حديث رقم (1،2،3،4،5، 7) . ( [206] ) النيل (3/289) . ( [207] ) الفتاوى (24/189، 190) الباعث على إنكار البدع والحوادث (122) زاد المعاد (1/132) . ( [208] ) المجموع (4/10) زاد المعاد (1/432) ( [209] ) طرح التثريب (3/43) . ( [210] ) زاد المعاد (1/436) . ( [211] ) الفتح (2/426) ( [212] ) الباعث على إنكار البدع والحوادث (124) وانظر أيضا: عون المعبود (3/478) . ( [213] ) الفتاوى (24/193-194) . ( [214] ) طرح التثريب (3/42-43) ( [215] ) طرح التثريب (43) فيض القدير (5/486) . ( [216] ) زاد المعاد (1/434) ( [217] ) زاد المعاد (1/435) ( [218] ) زاد المعاد (1/435) ( [219] ) الباعث على إنكار البدع والحوادث (123) . ( [220] ) الفتح (2/410) . ( [221] ) في الأحاديث الواردة في الصلاة قبل الجمعة. ( [222] ) الفتح (2/410،426) . ( [223] ) الباعث على إنكار البدع والحوادث (121) . ( [224] ) وتقدم تخريج هذين الأثرين في الأحاديث الواردة في الصلاة قبل الجمعة. ( [225] ) زاد المعاد (1/433) . ( [226] ) الباعث على انكار البدع والحوادث (122) . ( [227] ) طرح التثريب (3/43) . ( [228] ) يعني أنه صلى سنة الزوال ثم بعدها سنة الظهر القبلية. ( [229] ) زاد المعاد (1/ 436-437) . ( [230] ) في الأوسط (4/97) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 ( [231] ) تقدم الكلام على هذه الآثار في مبحث الكلام على أحاديث الصلاة قبل الجمعة. ( [232] ) الفتح (2/426) . ( [233] ) زاد المعاد (1/432) . ( [234] ) الباعث على إنكار البدع والحوادث (122) . ( [235] ) الفتاوى (24/190) . ( [236] ) زاد المعاد 1/432) . ( [237] ) الباعث على إنكار البدع والحوادث (119) طرح التثريب (3/41) . ( [238] ) السنن والمبتدعات (84) . ( [239] ) وقد ألف ابن رجب في هذه المسألة جزءا سماه: ((نفي البدعة عن الصلاة قبل الجمعة)) ثم اعترض عليه بعض الفقهاء في زمانه فأجاب عن اعتراضهم في جزء سماه ((إزالة الشنعة عن الصلاة قبل الجمعة)) . فتح الباري له (8/335) الانصاف (2/406) . ( [240] ) الباعث على انكار البدع والحوادث (119) . ( [241] ) مجموع الفتاوى (24/193) . ( [242] ) الإنصاف (2/ 406) . المصادر والمراجع 1 - الإصابة في تمييز الصحابة: للحافظ ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، 1398هـ. 2 - أطراف مسند الإمام أحمد بن حنبل: للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق د/ زهير ناصر الناصر، دار ابن كثير ودار الكلم الطيب، بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ. 3 - إكمال إكمال المعلم: للإمام محمد بن خليفة الأبي، تحقيق محمد سالم هاشم، دار الكتب العلمية، بيروت 1415هـ. 4 - الأم: للإمام الشافعي تصحيح محمد زهيري النجار، دار المعرفة، بيروت. 5 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل: لأبي الحسين علي بن سلمان المرداوي، تحقيق محمد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 6 - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف: لأبي بكر بن المنذر، تحقيق د/ صغير أحمد محمد، دار طيبة، الطبعة الأولى 1405 هـ. 7 - الباعث على إنكار البدع والحوادث: للعلامة أبي شامة، تحقيق/ عادل عبد المنعم، مكتبة ابن سينا. 8 - بذل المجهود في حل أبي داود: للشيخ خليل أحمد الهارنفوري، دار الكتب العلمية، بيروت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 9 - تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم: لأبي حفص عمر بن شاهين، تحقيق د/ عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى. 10 - التاريخ الكبير: للإمام البخاري، توزيع دار الباز، مكة المكرمة. 11 - تاريخ يحيى بن معين: تحقيق أحمد محمد نور سيف، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، في جامعة أم القرى، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1399هـ. 12 - تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل: لولي الدين أبي زرعة العراقي مخطوط. 13 - الترغيب والترهيب في الحديث الشريف: للحافظ زكي الدين المنذري، تحقيق مصطفى محمد عماري، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ. 14 - تقريب التهذيب: لابن حجر العسقلاني، تحقيق د/ إكرام الله إمداد الحق، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1416هـ. 15 - تقريب التهذيب: لابن حجر العسقلاني، تحقيق محمد عوامة، دار الرشد، سوريا، الطبعة الأولى 1406هـ. 16 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: لابن حجر العسقلاني، تحقيق عبد الله هاشم اليماني، دار المعرفة، لبنان. 17 - تهذيب التهذيب: للحافظ ابن حجر العسقلاني، طبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة الأولى 1327هـ. 18 - تهذيب الكمال: للحافظ جمال الدين المزي، تحقيق د/ بشار عواد مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى. 19 - الثقات: لأبي حاتم بن حبان البستي، دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد، الطبعة الأولى 1399هـ. 20 - جامع الأصول في أحاديث الرسول: للإمام المبارك بن محمد بن الأثير الجزري تحقيق عبد القادر الأرنؤوط، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ. 21 - جامع التحصيل في أحكام المراسيل: للحافظ صلاح الدين خليل بن كيلكلدي العلائي، تحقيق حمدي السلفي، الدار العربية، الطبعة الأولى 1398هـ. 22 - الجرح والتعديل: لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، دائرة المعارف العثمانية، الهند، الطبعة الأولى 1372هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 23 - خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام: للإمام يحيى بن شرف النووي، تحقيق حسين الجمل، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1418هـ. 24 - زاد المعاد في هدي خير العباد: لابن القيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرنؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثامنة 1405هـ. 25 - السنن -المجتبي-: للحافظ أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق أبي غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لطبعة الثانية 1406هـ. 26 - السنن: لأبي داود السجستاني الأزدي، تحقيق عزه عبيد الدعاس، دار الحديث، سوريا، الطبعة الأولى 1388هـ. 27 - السنن: للحافظ عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي، دار الكتب العلمية، بيروت. 28 - السنن: لأبي عيسى الترمذي، تحقيق أحمد شاكر، مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الثانية 1396هـ. 29 - السنن: لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة العلمية، بيروت. 30 - السنن: للحافظ علي بن عمر الدارقطني، تصحيح عبد الله هاشم اليماني. دار المحاسن للطباعة - القاهرة. 31 - السنن الكبرى: للبيهقي، دار الفكر. 32 - السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات: لمحمد عبد السلام خضر. دار الكتب العلمية. 33 - شرح السنة: للبغوي، تحقيق شعيب الأرناؤوط وزهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1403هـ. 34 - شرح مسلم: للإمام النووي، دار الفكر. 35 - شرح مشكل الآثار: لأبي جعفر الطحاوي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1415هـ. 36 - شرح معاني الآثار: لأبي جعفر الطحاوي، تحقيق محمد زهير النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1399هـ. 37 - صحيح البخاري -الجامع الصحيح المسند-: للإمام البخاري، تحقيق د/ مصطفى البغا، دار ابن كثير واليمامة، دمشق، بيروت، الطبعة الثالثة 1407هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 38 - صحيح ابن خزيمة: لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق د/ محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1390هـ. 39 - صحيح ابن حبان -الإحسان ترتيب الأمير علاء الدين-: للإمام أبي حاتم بن حبان البستي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1408هـ. 40 - صحيح مسلم: للإمام أبي الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي. 41 - الطبقات الكبرى: لابن سعد. دار صادر بيروت. 42 - طرح التثريب في شرح التقريب: لزين الدين أبي الفضل العراقي، دار إحياء التراث العربي. 43 - عون المعبود شرح سنن أبي داود لأبي الطيب محمد شمس الدين العظيم أبادي، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان - المكتبة السلفية. 44 - فتح الباري شرح صحيح البخاري: لأبي الفرج بن رجب الحنبلي، تحقيق جماعة من المحققين، نشر مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة 1417هـ. 45 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري: للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية. 46 - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني مع شرحه بلوغ الأماني: لأحمد بن عبد الرحمن البنا، دار الشهاب، القاهرة. 47 - فيض القدير شرح الجامع الصغير: للمناوي، دار الفكر الطبعة الثانية 1391هـ. 48 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة: للإمام شمس الدين الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ. 49 - الكامل في ضعفاء الرجال: للإمام أبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1405هـ. 50 - كشف الأستار عن زوائد مسند البزار على الكتب الستة: للحافظ نور الدين الهيثمي، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1404هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 51 - كفاية المستقنع لأدلة المقنع: لأبي المحاسن جمال الدين المرادي (رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية بتحقيقي) . 52 - الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الثقات: لأبي البركات محمد بن أحمد ابن الكمال، تحقيق عبد القيوم عبد رب النبي، دار المأمون للتراث، بيروت، دمشق، الطبعة الأولى 1402هـ. 53 - لسان الميزان: لابن حجر العسقلاني، مؤسسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الثانية 1390هـ. 54 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: لداماد أفندي، دار إحياء التراث العربي. 55 - مجمع البحرين بزوائد المعجمين: للحافظ نور الدين الهيثمي، تحقيق عبد القدوس بن محمد نذير، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1413هـ. 56 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للحافظ نور الدين الهيثمي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة، الثالثة 1402هـ. 57 - المجموع شرح المهذب: للإمام النووي، دار الفكر. 58 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: جمع عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد، مكتبة المعارف - الرباط. 59 - مجموعة الرسائل الكبرى: لشيخ الإسلام ابن تيمية، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده - مصر. 60 - مختصر قيام الليل: للإمام أبي عبد الله محمد بن نصر المروزي، اختصار المقريزي حديث أكاديمي للنشر والتوزيع - باكستان. 61 - المدونة الكبرى: لإمام دار الهجرة مالك بن أنس، رواية الإمام سحنون بن سعيد، مطبعة دار السعادة، مصر، دار إحياء التراث العربي. 62 - المراسيل: لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، تحقيق شكرالله بن نعمة الله القوجاني، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1402هـ. 63 - المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله الحاكم، دار الكتب العلمية. 64 - المسند: للإمام أحمد بن حنبل الشيباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة. 65 - مسند أبي داود الطيالسي: سليمان بن داود الجارود، دار المعرفة، بيروت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 66 - مسند الحميدي: للإمام عبد الله بن الزبير الحميدي، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، عالم الكتب، بيروت. 67 - مسند الشافعي: ترتيب محمد عابد السندي، تحقيق يوسف الحسيني وعزت الحسيني، دار الكتب العلمية. بيروت 1370. 68 - مسند أبي يعلي الموصلي أحمد بن علي التميمي: تحقيق حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، الطبعة الأولى 1404هـ. 69 - مصباح الزجاجة إلى زوائد ابن ماجه: للبوصيري، تحقيق موسى محمد علي، والدكتورة عزة عطية، دار الكتب الحديثة، مصر. 70 - المصنف: للحافظ عبد الرزاق الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ. 71 - المصنف في الأحاديث والآثار: للحافظ أبي بكر بن أبي شيبة، تحقيق عبد الخالق الأفغاني، الدار السلفية، الهند، الطبعة الثانية 1399هـ. 72 - المعجم الأوسط: للطبراني، تحقيق د/ محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1405هـ. 73 - المعجم الكبير: لأبي قاسم الطبراني، تحقيق حمدي السلفي، مطبعة الأمة، بغداد، ومطابع الزهراء الحديثة، الطبعة الأولى والثانية. 74 - معرفة السنن والآثار: للإمام البيهقي، تحقيق د/عبد المعطي قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية، ودار قتيبة للطباعة والنشر ودار الوعي ودار الوفاء - الطبعة الأولى 1412 هـ. 75 - معرفة الصحابة: لأبي نعيم الأصبهاني، تحقيق عادل العزازي، دار الوطن، 1419هـ. 76 - مقدمة ابن الصلاح لأبي عمر بن الصلاح، دار الكتب العلمية، بيروت 1398 هـ. 77 - المغني: لأبي محمد بن قدامة المقدسي، مكتبة الرياض الحديثة. 78 - موطأ الإمام مالك بن أنس: تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العلمية. 79 - نصب الراية لأحاديث الهداية: للعلامة جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي، الطبعة الثانية. 80 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخيار: للعلامة الشوكاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 81 - هدي الساري مقدمة فتح الباري: لابن حجر العسقلاني، تحقيق الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز تصحيح محب الدين الخطيب، نشر الرئاسة العامة لإدارت البحوث العلمية والافتاء والدعوة والإرشاد، السعودية، الرياض. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 الكفر الأكبر أ. د. عبد الله بن عبد العزيز الجبرين الأستاذ بكلية المعلمين بالرياض ملخص البحث الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: فهذا بحث في موضوع مهم من مواضيع العقيدة الإسلامية، وهو “ الكفر الأكبر ” وقد اشتمل على مقدمة مختصرة، ومبحثين وخاتمة. المبحث الأول: تعريف الكفر الأكبر وحكمه. المبحث الثاني: أنواعه. وقد تكلمت في الخاتمة عن مسألة مهمة جداً، وهي “ تكفير المعين ” وقد حرصت أن يكون هذا البحث مناسباً للمتوسطين والمتخصصين، فجعلت المتن يناسب المتوسطين، وتوسعت في الحواشي ليستفيد منها المتخصصون، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. المقدمة: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، والذي ما ترك حقاً إلا بينه وحث عليه ولا ترك أمراً يقدح في دين العبد أو يكون سبباً في خلود المسلم في النار إلا وضحه وحذر منه. أما بعد: فهذا بحث في موضوع من أهم موضوعات العقيدة الإسلامية وهو “ الكفر الأكبر ” اتبعت فيه طريقة (المتن والحاشية) وذلك ليكون في المتن شيء من الاختصار بحيث يكون مناسباً للمتوسطين من طلبة العلم وتوسعت في الحواشي ليستفيد منها المتخصصون ومن يريد التوسع في مسائل هذا الموضوع، وقد حرصت في كتابته على سهولة العبارة ووضوح الأسلوب. وقد اشتمل هذا البحث على هذه المقدمة المختصرة ومبحثين وخاتمة: المبحث الأول: تعريف الكفر الأكبر وحكمه. المبحث الثاني: أنواع الكفر الأكبر. الخاتمة: في تكفير المعين، وفي التحذير من التسرع في التكفير. أسأل الله أن يرزقني الإخلاص والإصابة، وأن ينفع بهذا العمل عباده، وأن يكتب لمؤلفه الأجر والمثوبة، وأن يغفر ذنوبه إنه غفور رحيم جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. المبحث الأول: تعريفه وحكمه: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 الكفر في اللغة: بمعنى الستر والتغطية، يقال لمن غطى درعه بالثوب: قد كفر درعه. ويقال للمزارع: "كافراً" لأنه يغطي البذر بالتراب، ومنه سمي الكفر الذي هو ضد الإيمان "كفراً"؛ لأن فيه تغطية للحق بجحد أو غيره، وقيل: سمي الكافر " كافراً" لأنه قد غطى قلبه بالكفر ( [1] ) . والكفر في الاصطلاح: اعتقادات وأقوال وأفعال ( [2] ) جاء في الشرع ما يدل على أن من وقع فيها ليس من المسلمين ( [3] ) وحكم الكفر الأكبر هو أن من وقع فيه فليس من المسلمين، وهو مخلد في النار. وإذا وقع المسلم في الكفر أو الشرك وحكم بكفره فهو " مرتد " يجب قتله إن لم يتب ويرجع إلى الإسلام ( [4] ) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من بدل دينه فاقتلوه " رواه البخاري ( [5] ) ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -:"" لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة". رواه البخاري ومسلم ( [6] ) . المبحث الثاني: أنواع الكفر للكفر أنواع كثيرة، أهمها: 1- كفر الإنكار والتكذيب: وهو أن ينكر المكلف شيئاً من أصول الدين، أو أحكامه، أو أخباره الثابتة ثبوتاً قطعياً. وذلك بأن ينكر بقلبه ( [7] ) ، أو لسانه ( [8] ) أصلاً من أصول الدين، أو حكماً من أحكامه، أو خبراً من أخباره المعلومة من دين الإسلام بالضرورة ( [9] ) والتي ورد في شأنها نص صريح من كتاب الله تعالى، أو وردت في شأنها أحاديث نبوية متواترة تواتراً معلوماً ( [10] ) ، وأجمع أهل العلم عليها إجماعاً قطعياً ( [11] ) ، أو ينكر ما يجزم هو في قرارة نفسه بأنه من دين الله تعالى ( [12] ) . ومثل الإنكار بالقلب واللسان: أن يفعل ما يدل على إنكاره شيئاً من دين الله تعالى ( [13] ) . وقد أجمع العلماء على كفر من وقع في هذا النوع – أي كفر الجحود ( [14] ) ؛ لأنه مكذب لكلام الله تعالى وكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رادّ لهما ولإجماع الأمة القطعي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 ومن أمثلة هذا النوع من أنواع الكفر الأكبر: أ- أن ينكر شيئاً من أركان الإيمان أو غيرها من أصول الدين، أو ينكر شيئاً مما أخبر الله عنه في كتابه، أو ورد في شأنه أحاديث متواترة وأجمع أهل العلم عليه إجماعاً قطعياً، كأن ينكر ربوبية الله تعالى أو ألوهيته، أو ينكر اسماً أو صفة لله تعالى مما أجمع عليه إجماعاً قطعياً، كأن ينكر صفة العلم ( [15] ) ، أو ينكر وجود أحد من الملائكة المجمع عليهم كجبريل أو ميكائيل – عليهما السلام – ( [16] ) ، أو ينكر كتاباً من كتب الله المجمع عليها، كأن ينكر الزبور أو التوراة أو القرآن ( [17] ) ، أو ينكر نبوة أحد من الأنبياء المجمع عليهم، كأن ينكر رسالة نوح أو إبراهيم أو هود – عليهم السلام – ( [18] ) ، أو ينكر البعث للأجساد والأرواح، أو ينكر الحساب أو الجنة أو النار، أو ينكر نعيم القبر أو عذابه، أو ينكر أن الله تعالى قدر جميع الأشياء قبل حدوثها. ومنه أن يصحح أديان الكفار كاليهود أو النصارى أو غيرهم، أو لا يكفرهم ( [19] ) ، أو يقول: إنهم لن يخلدوا في النار، ومنه أن ينسب نفسه إلى غير دين الإسلام ( [20] ) ، ومنه أن ينكر صحبة أبي بكر، أو يقول بردة الصحابة أو أكثرهم، أو يقول بفسقهم كلهم، أو ينكر وجود الجن، أو ينكر إغراق قوم نوح ( [21] ) . ب- أن ينكر تحريم المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها، كالسرقة، وشرب الخمر، والزنى، والتبرج، والاختلاط بين الرجال والنساء، ونحو ذلك، أو يعتقد أن أحداً يجوز له الخروج على شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يجب عليه الالتزام بأحكامها، فيجوز له ترك الواجبات وفعل المحرمات ( [22] ) ، أو يعتقد أن أحداً يجوز له أن يحكم أو يتحاكم إلى غير شرع الله تعالى. ج- أن ينكر حِلّ المباحات الظاهرة المجمع على حلها، كأن يجحد أكل لحوم بهيمة الأنعام، أو ينكر حل تعدد الزوجات، أو حل أكل الخبز، ونحو ذلك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 د- أن ينكر وجوب واجب من الواجبات المجمع عليها إجماعاً قطعياً، كأن ينكر وجوب ركن من أركان الإسلام، أو ينكر أصل وجوب الجهاد، أو أصل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أو ينكر سنية سنة من السنن أو النوافل المجمع عليها إجماعاً قطعياً، كأن ينكر شيئاً من السنن الرواتب، أو ينكر استحباب صيام التطوع، أو حج التطوع، أو صدقة التطوع، ونحو ذلك ( [23] ) . النوع الثاني: كفر الشك والظن: وهو أن يتردد المسلم في إيمانه بشيء من أصول الدين المجمع عليها، أو لا يجزم في تصديقه بخبر أو حكم ثابت معلوم من الدين بالضرورة. فمن تردد أو لم يجزم في إيمانه وتصديقه بأركان الإيمان أو غيرها من أصول الدين المعلومة من الدين بالضرورة، والثابتة بالنصوص المتواترة، أو تردد في التصديق بحكم أو خبر ثابت بنصوص متواترة مما هو معلوم من الدين بالضرورة فقد وقع في الكفر المخرج من الملة بإجماع أهل العلم ( [24] ) ؛ لأن الإيمان لابد فيه من التصديق القلبي الجازم، الذي لا يعتريه شك ولا تردد، فمن تردد في إيمانه فليس بمسلم، وقد أخبرنا الله تعالى في قصة صاحب الجنة أنه كفر بمجرد شكه في أنه جنته – أي بستانه - لن يبيد – أي لن يخرب - أبداً، وشكه في قيام الساعة، حين قال:] ما أظن أن تبيد هذه أبداً [يريد جنته، وحين قال:] وما أظن الساعة قائمة [، فقال له صاحبه المؤمن:] أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً [[الكهف:35-38] ( [25] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 ومن أمثلة هذا النوع: أن يشك في صحة القرآن، أو يشك في ثبوت عذاب القبر، أو يتردد في أن جبريل – عليه السلام – من ملائكة الله تعالى، أو يشك في تحريم الخمر، أو يشك في وجوب الزكاة، أو يشك في كفر اليهود أو النصارى، أو يشك في سنية السنن الراتبة، أو يشك في أن الله تعالى أهلك فرعون بالغرق، أو يشك في أن قارون كان من قوم موسى، وغير ذلك من الأصول والأحكام والأخبار الثابتة المعلومة من الدين بالضرورة، والتي سبق ذكر أمثلة كثيرة لها في النوع الأول. النوع الثالث: كفر الامتناع والاستكبار: وهو: أن يؤمن بأصول الإسلام وأحكامه بقلبه ولسانه ( [26] ) ، ولكن يرفض الانقياد بجوارحه لحكم من أحكامه ( [27] ) استكباراً وترفعاً. وقد أجمع أهل العلم على كفر من امتنع من امتثال حكم من أحكام الشرع استكباراً ( [28] ) ؛ لأنه معترض على حكمة الله تعالى، وهذا قدح في ربوبيته جلّ وعلا، وإنكار لصفة من صفات الله تعالى الثابتة في الكتاب والسنة، وهي صفة "الحكمة" ( [29] ) . وأوضح مثال على هذا النوع من أنواع الكفر: رفض إبليس امتثال أمر الله تعالى بالسجود لأبينا آدم – عليه السلام – استكباراً وترفعاً عن هذا الفعل الذي أمره الله تعالى به، معترضاً على ذلك بأنه هو أفضل من آدم، فلن يسجد له، حيث قال:] أنا خير منه خلقتني من نار وخلقتَه من طين [[الأعراف:12] ، وقال:] أأسجد لمن خلقتَ طيناً [[الإسراء:61] فاعترض على حكمة الله تعالى في هذا الأمر، ورفض الانقياد له من أجل ذلك. ومن أمثلة هذا الكفر أيضاً أن يرفض شخص الحج تكبراً أن يحج مع الفقراء، أو يمتنع عن الصلاة في المسجد، لئلا يصلي بجانب العامة والفقراء، ونحو ذلك ( [30] ) . النوع الرابع: كفر السبّ والاستهزاء: وهو أن يستهزئ المسلم أو يسبّ شيئاً من دين الله تعالى مما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو مما يعلم هو أنه من دين الله تعالى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 وذلك بأن يستهزئ بالقول أو الفعل ( [31] ) بالله تعالى، أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته المجمع عليها، أو يصف الله تعالى بصفة نقص، أو يسب الله تعالى ( [32] ) ، أو يسب دين الله تعالى كأن يلعن هذا الدين، أو يلعن دين شخص مسلم، أو يقول: إن هذا الدين متخلف، أو رجعي، أو لا يناسب هذا العصر، أو يستهزئ بملائكة الله تعالى، أو بواحد منهم: كأن يسب ملك الموت، أو خزنة جهنم ( [33] ) ، أو يستهزئ أو يسب شيئاً من كتب الله، كأن يسب القرآن، أو يستهزئ به أو بآية منه بالقول، أو بالفعل بأن يهينه بوضعه في القاذورات ( [34] ) ونحو ذلك، أو يسب أحداً من أنبياء الله المجمع على نبوتهم أو يستهزئ بهم، كأن يسب النبي e أو يستهزئ به، أو يستهزئ بشيء من ما ثبت في القرآن أو السنة من الواجبات أو السنن، كأن يستهزئ بالصلاة، أو يستهزئ بالسواك، أو بتوفير اللحية، أو بتقصير الثوب إلى نصف الساقين مع علمه بأن ذلك من دين الله تعالى، أو يستهزئ بشخص لتطبيقه واجباً أو سنة ثابتة يعلم بثبوتها، وأنها من دين الله، أو يسب مسلماً من أجل التزامه بدين الله تعالى. وقد أجمع أهل العلم على كفر من سبّ أو استهزأ بشيء مما ثبت أنه من دين الله تعالى، سواء كان هازلاً أم لاعباً أم مجاملاً لكافر أو غيره، أم في حال مشاجرة، أم في حال غضب ( [35] ) ، أم غير ذلك ( [36] ) ؛ لأن الله تعالى قد حكم بكفر من استهزأ بالله تعالى وبآياته وبرسوله محمد e، مع أنهم كما قالوا كانوا يلعبون ويقطعون الطريق بذلك ( [37] ) ، كما قال تعالى:] ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم.. [ ( [38] ) [التوبة:66،65] ؛ ولأن من فعل ذلك فهو مستخف بالربوبية والرسالة ومستخف بعموم دين الله تعالى غير معظِّم لذلك كله، وهذا مناف للإيمان والإسلام ( [39] ) . النوع الخامس: كفر البغض: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 وهو أن يكره شيئاً من دين الله تعالى ( [40] ) . وقد أجمع أهل العلم على كفر من أبغض شيئاً من دين الله تعالى ( [41] ) ، لقوله سبحانه: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم [[سورة محمد:9] ، ولأنه حينئذٍ يكون غير معظم لهذا الدين ( [42] ) ، بل إن في قلبه عداوة له، وهذا كله كفر ( [43] ) . ومن أمثلة هذا النوع: أن يكره شيئاً من دين الله مما أجمع أهل العلم عليه، أو مما يعلم هو أنه من دين الله تعالى، وقد سبق ذكر بعض الأمثلة عند الكلام على كفر الجحود وكفر السب والاستهزاء، فجميع ما ذكر فيهما من أبغض شيئاً منه فقد كفر. ومن الكره الذي يوقع في الكفر ويخشى على كثير من المسلمين من الوقوع فيه: أن يفعل المسلم بعض المحرمات ثم يكره أن الله حرمها، أو يترك فعل بعض الواجبات ويكره أن الله أوجبها. ومن ذلك: أن يتكاسل عن أداء صلاة الفجر في وقتها، فينام عنها حتى تطلع الشمس، ثم يكره أن الله شرعها في هذا الوقت، ويكره أن الله تعالى أوجب الصلاة في المساجد مع جماعة المسلمين. ومنه أن يأكل الربا أو يتعاطى الرشوة، ويكره أن الله حرمهما، أو يسبل ثيابه أسفل من الكعبين ويكره أن الله حرمه، أو يحلق شعر العارضين والذقن – وهو شعر اللحية – ويكره أن الله أوجب توفيره. فكل من كره شيئاً من هذه الأمور كفر، ولو فعل الواجب منها وترك المحرم؛ لأن الكفر إنما هو بسبب كرهم لشيء من هذه الأحكام الشرعية لا غير. ومن أمثلة هذا النوع أيضاً والتي يخشى على بعض المسلمين من الوقوع فيها: أن يكره الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، من أجل أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، أو يكره أحداً من المسلمين لالتزامه بشرع الله، سواء كان من أقاربه أم من غيرهم، أو يكره أن يحكم المسلمون بشرع الله، أو يكره أن يتمسك المسلمون بدينهم ونحو ذلك، فهذا كله من الكفر المخرج من الملة. النوع السادس: كفر الإعراض: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 ورد ذكر الإعراض في كتاب الله تعالى في آيات كثيرة، وأصل الإعراض هو: التولي عن الشيء، والصدود عنه، وعدم المبالاة به. والإعراض عن دين الله تعالى قسمان: القسم الأول: إعراض مكفر: وهو أن يترك المرء دين الله ويتولى عنه بقلبه ولسانه وجوارحه، أو يتركه بجوارحه مع تصديقه بقلبه ونطقه بالشهادتين. وهذا القسم له ثلاث صور، هي: 1- الإعراض عن الاستماع لأوامر الله عز وجل، كحال الكفار الذين هم باقون على أديانهم المحرفة أو الذين لا دين لهم، ولم يبحثوا عن الدين الحق مع قيام الحجة عليهم، فهم أعرضوا عن تعلم ومعرفة أصل الدين الذي يكون به المرء مسلماً، فهم يمكنهم معرفة الدين الحق والسير عليه، ولكنهم لم يلتفتوا إلى ذلك، ولم يرفعوا به رأساً. 2- الإعراض عن الانقياد لدين الله الحق وعن أوامر الله تعالى بعد استماعها ومعرفتها، وذلك بعدم قبولها فيترك ما هو شرط في صحة الإيمان، وهذا كحال الكفار الذين دعاهم الأنبياء وغيرهم من الدعاة إلى الدين الحق، أو عرفوا الحق بأنفسهم، فلم يسلموا، وبقوا على كفرهم، قال الله تعالى:] والذين كفروا عما أنذروا معرضون [[الأحقاف:3] . 3- الإعراض عن العمل بجميع أحكام الإسلام وفرائضه بعد إقراره بقلبه بأركان الإيمان ونطقه بالشهادتين. فمن ترك جنس العمل بأحكام الإسلام، فلم يفعل شيئاً من الواجبات، لا صلاة ولا صياماً ولا زكاةً ولا حجاً ولا غيرها، فهو كافر كفراً أكبر ( [44] ) بإجماع السلف ( [45] ) ، لقوله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين [[آل عمران:32] ( [46] ) ، ولقوله تعالى:] ومن أظلم ممن ذُكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنّا من المجرمين منتقمون [[السجدة:22] ، ولآيات أخرى كثيرة تدل على كفر عموم المعرضين، ولأن تركه لجميع الأعمال الظاهرة دليل على خلو باطنه من الإيمان والتصديق الجازم ( [47] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 القسم الثاني: الإعراض غير المكفر: وهو أن يترك المسلم بعض الواجبات الشرعية غير الصلاة ( [48] ) ، ويؤدي بعضها النوع السابع: كفر النفاق: وهو أن يظهر الإيمان ويبطن الكفر. وسيأتي الكلام على هذا النوع مفصلاً في فصل مستقل – إن شاء الله تعالى – عند الكلام على مسائل النفاق. النوع الثامن: الكفر بموالاة الكافرين: موالاة الكفار تنقسم إلى قسمين: 1- ولاء كفري. 2- ولاء غير كفري. وسيأتي الكلام على صور هذين القسمين في باب مستقل عند الكلام على الولاء والبراء - إن شاء الله تعالى -. خاتمة فصل الكفر الأكبر: بعد أن بيَّنتُ تعريف الكفر الأكبر وحكمه وأنواعه أحببت التنبيه إلى مسألة مهمة، وهي: أن المسلم قد يقع في بعض أنواع الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر والتي قال أهل العلم: "من فعلها فقد كفر"، ولكن لا يحكم على هذا المسلم المعيّن بالكفر، وذلك لفقد شرط من شروط الحكم عليه بالكفر ( [49] ) ، أو لوجود مانع من ذلك ( [50] ) ، كأن يكون جاهلاً ( [51] ) ، كما في قصة الذي أمر أولاده إذا مات أن يحرّقوه ثم يذروا رماده في يوم شديد الريح في البحر ( [52] ) ، فهو قد شك في قدرة الله على إعادة خلقه، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، ومع ذلك غفر الله له لجهله وخوفه من ربه ( [53] ) . ومن موانع التكفير للمعيَّن أيضاً: التأويل. فإذا أنكر المسلم أمراً معلوماً من الدين بالضرورة مثلاً، أو فعل ما يدل على إنكاره لذلك، وكان شبهة في تأويل، فإنه يعذر بذلك ولو كانت هذه الشبهة ضعيفة إذا كان هذا التأويل سائغ في لغة العرب وله وجه في العلم، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل السنة ( [1] ) ، حتى لو بلغه الدليل فيما خالف فيه ولم يرجع، إذا احتمل بقاء الشبهة في قلبه، فإنه لا يحكم بكفره، لقوله تعالى:] ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم [[الأحزاب:5] ( [54] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 ولذلك لم يكفّر بعض العلماء كثيراً من المعتزلة وكثيراً من الجهمية ( [55] ) وكثيراً من غلاة الأشاعرة الذين ينكرون علو الله تعالى ( [56] ) ، ويقولون: إن الله تعالى في كل مكان بذاته ( [57] ) ، ومن أجله أيضاً لم يكفر بعض العلماء بعض من يغلون في الموتى ويسألونهم الشفاعة عند الله تعالى ( [58] ) ، ومن أجله كذلك لم يكفر الصحابة – رضي الله عنهم – الخوارج الذين خرجوا عليهم وحاربوهم، وخالفوا أموراً كثيرة مجمعاً عليها بين الصحابة إجماعاً قطعياً ( [59] ) . وعلى وجه العموم فهذه المسألة مسألة كبيرة من مسائل الاجتهاد التي تختلف فيها أنظار المجتهدين، وللعلماء فيها أقوال وتفصيلات ليس هذا موضع بسطها ( [60] ) . ولهذا ينبغي للمسلم أن لا يتعجل في الحكم على الشخص المعين أو الجماعة المعينة بالكفر حتى يتأكد من وجود جميع أسباب الحكم عليه بالكفر، وانتفاء جميع موانع التكفير في حقه ( [61] ) ،وهذا يجعل مسألة تكفير المعين من مسائل الاجتهاد التي لا يحكم فيها بالكفر على شخص أو جماعة إلا العلماء الذين بلغوا مرتبة الاجتهاد ( [62] ) ، لأنه يحتاج إلى اجتهاد من وجهين: الأول: هل معرفة هذا القول أو الفعل الذي صدر من هذا المكلف مما يدخل في أنواع الكفر الأكبر أو لا؟ . والثاني: معرفة الحكم الصحيح الذي يحكم به على هذا المكلف، وهل وجدت جميع أسباب الحكم عليه بالكفر وانتفت جميع الموانع من تكفيره أو لا؟ ( [63] ) . والحكم على المسلم بالكفر وهو لا يستحقه ذنب عظيم؛ لأنه حكم عليه بالخروج من ملة الإسلام، وأنه حلال الدم والمال، وحكم عليه بالخلود في النار إن مات على ذلك، ولذلك ورد الوعيد الشديد في شأن من يحكم على مسلم بالكفر، وهو ليس كذلك، فقد ثبت عن أبي ذر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك" ( [64] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 ولذلك كله فإنه يجب على المسلم الذي يريد لنفسه النجاة أن لا يتعجل في إصدار الحكم على أحد من المسلمين بالكفر أو الشرك، كما يجب عليه أن يحذر من مجالسة الذين يخوضون في مسائل التكفير وهم لم يبلغوا رتبة الاجتهاد ( [65] ) . والله أعلم. الحواشي والتعليقات --- ( [1] ) قال الإمام الشافعي في "الأم": الأقضية 6/205: "لم نعلم أحداً من سلف هذه الأمة يقتدى به ولا من التابعين بعدهم ردّ شهادة أحد بتأويل، وإن خطأه وضلله، ورآه استحل فيه ما حرم عليه، ولا رد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله، وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من القول". قال أبومحمد بن حزم في الفصل 3/247: "وهو قول كل من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة – رضي الله عنهم – لا نعلم منهم في ذلك خلافاً أصلاً، إلا ما ذكرنا من اختلافهم في تكفير من ترك صلاة متعمداً حتى خرج وقتها ... ". وينظر مجموع فتاوى ابن تيمية 5/563. وقال الحافظ في الفتح: استتابة المرتدين. باب ما جاء في المتأولين 12/304: "قال العلماء: كل متأول معذور بتأويله ليس يأثم إذا كان تأويله سائغاً في لسان العرب، وكان له وجه في العلم". وقال الشيخ محمد بن عثيمين كما في المجموع الثمين 2/63: "النوع الثاني – أي من أنواع الجحود -: إنكار تأويل، وهو أن لا يجحدها، ولكن يؤولها، وهذا نوعان: الأول: أن يكون لهذا التأويل مسوغ في اللغة العربية، فهذا لا يوجب الكفر. الثاني: أن لا يكون له مسوغ في اللغة العربية، فهذا موجب للكفر؛ لأنه إذا لم يكن له مسوغ صار تكذيباً، مثل أن يقول: ليس لله يد حقيقة، ولا بمعنى النعمة أو القوة فهذا كافر؛ لأنه نفاها نفياً مطلقاً، فهو مكذب حقيقة، ولو قال في قوله تعالى:] بل يداه مبسوطتان [المراد بيديه السماوات والأرض فهو كافر؛ لأنه لا يصح في اللغة العربية، ولا هو مقتضى الحقيقة الشرعية، فهو منكر مكذب". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 ويشترط في هذه الشبهة ألا تكون في أصل الدين الذي هو عبادة الله وحده والتحاكم إلى شريعته الذي هو مدلول الشهادتين، كما يشترط عدم احتمال أن يكون مدعيها مكذباً ومستحلاً على الحقيقة، كحال المنافقين والزنادقة الذين يؤولون ما لا يمكن تأويله، كالذين يؤولون القيامة والجنة والنار بأمور أخرى، كما يشترط أن يكون ما تأوله غير معلوم له بالضرورة، بحيث يكون له فيه شبهة. وينظر في عذر التأويل أيضاً: المغني 12/276، الشفا 2/529،500، مجموع الفتاوى 20/263-268، إيثار الحق على الخلق ص393،377،376، وينظر رسالة "منهج ابن تيمية في التكفير" 1/193-250، ورسالة ضوابط التكفير عند أهل السنة: ضابط الإعذار بالشبهة ص357-363 وتنظر مراجع عذر الجهل السابقة. وقال الدكتور محمد الوهيبي في النواقض الاعتقادية 2/27 بعد ذكره للتأويلات التي لا خلاف في عذر صاحبها: "وكذلك هناك تأويلات لا خلاف في عدم العذر بها، كتأويلات الباطنية والفلاسفة وغيرهم من الغلاة، وبين ذلك أصول تختلف الأنظار والاجتهاد في العذر بها من عدمه". وقال الدكتور عبد الله القرني في ضوابط التكفير ص357: "ولهذا أجمع علماء المسلمين على تكفير الباطنية من نصيرية ودروز وإسماعيلية ونحوهم، وأنهم لا يعذرون بالشبهة؛ لأن حقيقة مذاهبهم أنهم لا يعبدون الله، ولا يلتزمون بشرائع الإسلام، بل يؤولونها بما لا يمكن بحال أن يكون له وجه". وينظر مجموع الفتاوى 35/162،161، إيثار الحق ص377. وقد ألحق بعض أهل العلم بطوائف الباطنية السابقة الفرق التي تقدح في القرآن وتدّعي أنه محرف، أو أن أكثره مفقود، ولا تعمل بأكثر أحاديث النبي e، ولا تقبلها؛ لأن الصحابة الذين رووها مرتدون في زعمهم. وينظر قول ابن القيم الآتي قريباً. --- الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 ( [1] ) انظر لسان العرب، مادة "كفر"، وينظر الفصل لابن حزم 3/211. وقال ابن الجوزي في "نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر " ص516، 517: "ذكر أهل التفسير أن الكفر في القرآن على خمسة أوجه: أحدها الكفر بالتوحيد، ومنه قوله تعالى في البقرة: {إن الذين كفروا سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم..} ، والثاني: كفران النعمة، ومنه قوله تعالى في البقرة:] واشكروا لي ولا تكفرون [، والثالث: التبري، ومنه قوله تعالى في العنكبوت:] ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض [، أي يتبرأ بعضكم من بعض، والرابع: الجحود، ومنه قوله تعالى في البقرة:] فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به.. [، والخامس: التغطية، ومنه قوله تعالى في الحديد:] أعجب الكفار نباته.. [، يريد الزراع الذين يغطون الحَب". ( [2] ) وقد حكى جمع من أهل العلم إجماع العلماء على أن الكفر يكون بمجرد القول أو الفعل. قال الإمام الحافظ إسحاق بن راهويه المتوفى سنة 238هـ كما في تعظيم قدر الصلاة لتلميذه محمد بن نصر (ص930) ، رقم (991) : "ومما أجمعوا على تكفيره وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد: فالمؤمن الذي آمن بالله تعالى وما جاء من عنده ثم قتل نبياً أو أعان على قتله، وإن كان مقراً، ويقول: قتل الأنبياء محرم، فهو كافر، وكذلك من شتم نبياً؛ أو ردّ عليه قوله من غير تقية ولا خوف". فقد حكى إسحاق – رحمه الله – إجماع السلف على أن من سبَّ الله وسب رسوله e، أو قتل نبيّاً من أنبياء الله تعالى، أو رد شيئا مما أنزل الله تعالى باللسان فقط مع إيمانه بقلبه بجميع ما أنزل الله أنه يكفر بذلك القول أو الفعل المجرد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 وقال الإمام أبوثور المتوفى سنة 240هـ كما في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (ص849) : "ليس بين أهل العلم خلاف في رجل لو قال: المسيح هو الله، وجحد أمر الإسلام، وقال: لم يعتقد قلبي على شيء من ذلك أنه كافر بإظهار ذلك وليس بمؤمن"، فقد حكى أبوثور – رحمه الله – إجماع السلف على كفر من أظهر كلمة الكفر، ولو قال: إنه تلفظ بها من غير أن يعتقد مدلولها. وقد حكى أبومحمد بن حزم في "الفصل في الملل والأهواء والنحل" كتاب الإيمان 3/204، 211، 249، 251، 253 الإجماع على التكفير بمجرد النطق ببعض الأمور المكفرة، وبمجرد فعل بعض الأمور المكفرة، وقال 3/209: "بقي من أظهر الكفر لا قارئاً ولا شاهداً ولا حاكياً ولا مكرهاً على وجوب الكفر له بإجماع الأمة على الحكم له بحكم الكفر، وبحكم رسول الله e بذلك، وبنص القرآن"، وقال 3/200: "وأما قولهم: إن إخبار الله تعالى بأن هؤلاء كلهم كفار دليل على أن في قلوبهم كفراً، وأن شتم الله ليس كفراً، ولكنه دليل على أن في القلب كفراً، وإن كان كافراً لم يعرف الله تعالى قط، فهذه منهم دعاوى كاذبة مفتراة، لا دليل لهم عليها ولا برهان، لا من نص ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من حجة عقل أصلاً، ولا من إجماع، ولا من قياس، ولا منقول أحد من السلف قبل اللعين جهم بن صفوان، وما كان هكذا فهو باطل وإفك زور، فسقط قولهم هذا من قرب، ولله الحمد رب العالمين، فكيف والبرهان قائم بإبطال هذه الدعوى من القرآن والسنن والإجماع والمعقول.." الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 وقال ابن حزم أيضاً في آخر المحلى 11/411: "وأما سبّ الله تعالى فما على ظهر الأرض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد إلا أن الجهمية والأشعرية وهما طائفتان لا يعتد بهما يصرحون بأن سب الله تعالى وإعلان الكفر ليس كفراً. قال بعضهم: ولكنه دليل على أنه يعتقد الكفر لا أنه كافر بيقين بسبه الله تعالى وأصلهم في هذا أصل سوء خارج عن إجماع أهل الإسلام ... ولم يختلفوا في أن فيه – أي في القرآن - التسمية بالكفر والحكم بالكفر قطعاً على من نطق بأقوال معروفة كقوله تعالى:] لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم [وقوله تعالى:] ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم [فصح أن الكفر يكون كلاماً" انتهى كلامه بحروفه مختصراً. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم في شرح كشف الشبهات ص102: "فهذا المذكور في هذا الباب – أي باب المرتد – إجماع منهم أنه يخرج من الملة ولو معه الشهاداتان لأجل اعتقاد واحد أو عمل واحد أو قول واحد، يكفي بإجماع أهل العلم لا يختلفون فيه". وقال الشيخ عبد الله أبا بطين كما في مجموعة الرسائل والمسائل 1/659: "المرتد هو الذي يكفر بعد إسلامه بكلام أو اعتقاد أو فعل أو شك ... وهذا ظاهر بالأدلة من الكتاب والسنة والإجماع". وقال العلامة الصنعاني في "تطهير الاعتقاد" ص26،25: "قد صرح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة: أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر، وإن لم يقصد معناها". ونقل صاحب المحيط كما في درر الحكام في الفقه الحنفي 1/324 الإجماع من كافة العلماء على كفر من نطق بكلمة الكفر ولو كان غير معتقد لما نطق به. وقد نقل الشيخ علوي السقاف في رسالة "التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد" عن أكثر من مائة من علماء المسلمين من المتقدمين والمتأخرين ومن جميع المذاهب الفقهية أن الكفر يكون بمجرد النطق بقول مكفر، وبمجرد فعل مكفر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 وينظر ما يأتي من حكاية الإجماع على كفر من جحد بلسانه شيئاً من دين الله تعالى ص (190) ، وعلى كفر من سب شيئاً من دين الله أو استهزأ أوسخر به بالقول أو الفعل جاداً أو هازلاً ص (194) . وقد أطال أبومحمد بن حزم في الفصل 3/199-206 في الرد على من قال: إن الكفر بالقول أو الفعل، وذكر أدلة صريحة من الكتاب والسنة والإجماع تدل على الكفر بمجرد النطق بأمر مكفر، وبمجرد فعل مكفر، وسيأتي بعض هذه الأدلة عند ذكر الأدلة على أنواع الكفر. وهذا كله يدل على أن من قال: إن الكفر إنما يكون بالاعتقاد، وأن القول أو الفعل الذي دلت النصوص على أنه كفر ليس كفراً، وإنما هو دليل على أن في القلب كفراً، قد أخطأ خطأً كبيراً، ورد دلالة النصوص الشرعية، وخالف ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة من سلف من هذه الأمة ومن سار على طريقهم. وقال الإمام النووي في الروضة 10/64: "قال الإمام – أي إمام الحرمين -: في بعض التعاليق عن شيخي: أن الفعل بمجرده لا يكون كفراً. قال: وهذا زلل عظيم من المعلق، ذكرته للتنبيه على غلطه"، وقد نقل هذا التعليق أيضاً عن إمام الحرمين ابن حجر المكي في قواطع الإسلام ص23 وأيد تخطئته له. وينظر في الرد على هذا القول أيضاً وفي بيان دلالة النصوص على عدم صحته مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 7/547، 561، الإيمان لشيخ الإسلام ص484، النونية لابن القيم مع شرحها لابن عيسى 2/118،117، شرح كشف الشبهات للشيخ محمد بن إبراهيم ص126-134. ولذلك كله فإنه يجب على المسلم الذي يطلب الحق أن ينقاد لما دلت عليه النصوص ولما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، وكون بعض أهل العلم أخطأ في ذلك فهو يرجى له أجر واحد، لإرادته الحق، ولكن لا يجوز لنا أن نقلده في خطئه. والله أعلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 ( [3] ) قال أبو محمد بن حزم بعد ذكره لتعريف الكفر لغة في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل: كتاب الإيمان 3/211: "ثم نقل الله تعالى اسم الكفر في الشريعة إلى جحد الربوبية وجحد نبوة نبي من الأنبياء صحت نبوته في القرآن، أو جحد شيء مما أتى به رسول الله e مما صح عند جاحده بنقل الكافة، أو عمل شيئاً قام البرهان بأن العمل به كفر". وعرفه الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عبد اللطيف في النواقض العملية ص39: بأنه: "اعتقادات وأقوال وأفعال حكم الشارع بأنها تناقض الإيمان". ( [4] ) هذا إذا كان القتل يسقط بالتوبة، فإن بعض أنواع الكفر يجب قتل من وقع فيها ولو تاب عند بعض أهل العلم، بل إن بعض أهل العلم يرى أن المرتد لا يستتاب، ولا تقبل توبته في جميع المسائل، وذهب آخرون إلى أن التوبة تقبل في جميع المسائل. ينظر الأوسط لابن المنذر (كتاب المرتد) رسالة ماجستير مطبوعة على الآلة ص648-657، والمحلى 11/188-194، الصارم المسلول ص531،460،361،337، المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 27/114-121، روضة الطالبين 10/76،75، فتح الباري: استتابة المرتدين 12/269، كشاف القناع 6/175-178، فتاوى شيخنا ابن باز (جمع د. الطيار ص526) . ( [5] ) رواه البخاري في استتابة المرتدين (6922) . ( [6] ) صحيح البخاري: الديات (6878) ، وصحيح مسلم: القسامة (1676) . ( [7] ) من الإنكار بالقلب أن يعزم على الكفر في الحال أو في المستقبل، فهذا كله ردة؛ لأنه يدل على إنكاره لأصول الإسلام وأنه الدين الحق الذي لا يقبل من أحد سواه، ويدل على إيمانه بأصول الكفر وعلى بغضه للإسلام ومحبته للكفر ورضاه به. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 ( [8] ) أي ينكر ذلك بلسانه، وقلبه مصدقٌ به، إما هزلاً أو استهزاءً كما سيأتي عند الكلام على كفر الاستهزاء، وإما إرضاءً لكافر، أو لمصلحة دنيوية، أو عناداً في حال مشاجرة أوغيرها، أو خوفاً من كافر على ما سيأتي تفصيله ص () ، تعليق () ، وأعظم من هذا الإنكار: أن ينكر بقلبه ولسانه. ( [9] ) المعلوم من الدين بالضرورة هو الأمر المقطوع به الذي يجد الإنسان نفسه مضطراً إلى التصديق به، لكثرة النصوص الواردة فيه وتواترها ونقل العامة والخاصة لهذه النصوص أو لنقلهم الإجماع على ما دلّت عليه، ولا يجد الإنسان في قلبه أدنى شبهة تدعوه إلى إنكاره، فيكون من كذب به مكذباً لهذه النصوص ولإجماع الأمة القطعي، وأقرب مثال لذلك وجوب الصلوات الخمس، فهذا الحكم وردت فيه نصوص مشهورة ينقلها العامة والخاصة، كما أن العامة والخاصة ينقلون إجماع الأمة على وجوبها، وأنها ركن من أركان الإسلام، فيجد أي مسلم نشأ بين المسلمين نفسه مضطراً إلى التصديق بوجوبها، فلا يعذر في إنكار وجوبها، فإن أنكره فقد كفر، ومثله تحريم الزنى، فالنصوص في تحريمه متواترة معلومة يعرفها العامة والخاصة، وإجماع الأمة على تحريمه معلوم يعرفه الخاصة والعامة، وينقل تحريمه الخاصة والعامة بعضهم عن بعض، ولا أحد يشك في تحريمه، فأي مسلم نشأ بين المسلمين يجد نفسه مضطراً إلى التصديق بتحريمه، فإن أنكر تحريمه فقد كذّب النصوص المتواترة وإجماع الأمة المعلوم، فيكون مرتداً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم باب العبارة عن حدود علم الديانات (ص788) : "حد الضروري ما لا يمكن العالم أن يشكك فيه نفسه، ولا يدخل فيه على نفسه شبهة، ويقع له العلم بذلك قبل الفكرة والنظر، ويدرك ذلك من جهة الحس والعقل، كالعلم باستحالة كون الشيء متحركاً ساكناً في حالٍ واحدة، ومن الضروري أيضاً علم الناس أن في الدنيا مكة والهند ومصر والصين وبلداناً قد عرفوها وأمماً قد خلت". انتهى كلامه مختصراً. وينظر التعريفات مادة "ضرر". ( [10] ) النص المتواتر هو ما رواه جمع عن جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس. وجميع نصوص القرآن متواترة؛ لأن كل حرف من القرآن رواه الجمع الغفير عن الجم الغفير، ولذلك من أنكر حرفاً من القرآن كفر، ومن أنكر شيئاً دلّ عليه نص واحد صريح من القرآن كفر، كما أن هناك أحاديث نبوية كثيرة متواترة. والمتواتر الذي يكفر جاجده هو ما اشتهر عند العامة والخاصة، أو كان مما يعرفه المنكر ضرورة لكونه نشأ بين العلماء ونحو ذلك، ومثله ما إذا أخبر بتواتره بعد إنكاره فاستمر على جحوده له. قال العلامة ابن الوزير في العواصم من القواصم 4/174: "المتواتر نوعان: أحدهما ما علمه العامة مع الخاصة، كمثل كلمة التوحيد، وأركان الإسلام، فيكفر جاحده مطلقاً؛ لانه قد بلغه التنزيل. وثانيهما: ما لا يعرف تواتره إلا الخاصة فلا يكفر مستحله من العامة؛ لأنه لم يبلغه، وإنما يكفر من استحله وهو يعلم حرمته بالضرورة، مثل تحريم الصلاة على الحائض". ( [11] ) هذا القيد معلوم؛ لأن المعلوم من الدين بالضرورة مجمع عليه إجماعاً قطعياً، ولكن ذكرته للتأكيد عليه، ولذكر أهل العلم له. وينظر إيثار الحق (ص156) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 7/39،38 في تفسير قوله تعالى: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 ] ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم.. [[النساء:115] قال: "وهذه الآية تدل على أن إجماع المؤمنين حجة، من جهة أن مخالفتهم مستلزمة لمخالفة الرسول، وأن كل ما أجمعوا عليه فلابد أن يكون فيه نص عن الرسول، فكل مسألة يقطع فيها بالإجماع وبانتفاء المنازع من المؤمنين فإنها مما بين الله فيه الهدى، ومخالف مثل هذا الإجماع يكفر، كما يكفر مخالف النص البيِّن، أما إذا كان يظن الإجماع ولا يقطع به فهنا قد لا يقطع أيضاً بأنها مما تبيّن فيها الهدى من جهة الرسول، ومخالف هذا الإجماع قد لا يكفر". وقال الحافظ السيوطي في الأشباه والنظائر كتاب الردة (ص488) : "منكر المجمع عليه أقسام: أحدها: ما نكفره قطعاً، وهو ما فيه نص وعلم من الدين بالضرورة. الثاني: ما لا نكفره قطعاً، وهو ما = = لا يعرفه إلا الخواص، ولا نص فيه، كفساد الحج بالجماع قبل الوقوف. الثالث: ما يكفر به على الأصح وهو المشهور المنصوص عليه، الذي لم يبلغ رتبة الضرورة، كحل البيع، وكذا غير المنصوص على ما صححه النووي. الرابع: ما لا على الأصح، وهو ما فيه نص، لكنه خفي غير مشهور، كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب"، وينظر روضة الطالبين باب تارك الصلاة 2/146، والإعلام بقواطع الإسلام ص28-31، ونهاية المحتاج 7/415،416، وشرح المنهج (مطبوع مع حاشيته للجمل 5/123) . ( [12] ) وذلك بأن ينكره في الظاهر مجاملة أو عناداً لغيره، أو في حال غضب أو مشاجرة أو خصومة ونحو ذلك، مع أنه في قرارة نفسه يعلم أنه من دين الله تعالى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 12/525: "من خالف ما علم أن الرسول e جاء به فهو كافر بلا نزاع". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 فمن أنكر شيئاً مما ثبت بحديث صحيح بيّن بعد علمه بهذا الحديث، وأن هذا الأمر من الدين، وليس عنده شبهة في إنكار مادل عليه هذا الحديث، وإنما جحده ظاهراً لإرضاء مخلوق أو لمصلحة دنيوية، أو ما أشبه ذلك لا شك أنه قد وقع في الكفر المخرج من الملة. وقد ذكر جمع من أهل العلم أن من أنكر حديثاً صح عنده فهو كافر. ينظر تأويل مختلف الحدييث لابن قتيبة ص155، الإحكام لابن حزم الباب الحادي عشر 1/99 فقد نقل هذا عن إسحاق بن راهويه وأقره، وينظر الفصل لابن حزم أيضاً 3/256، وشرح السنة للبربهاري ص31، الإبانة لابن بطة ص211، الروض الباسم لابن الوزير 2/425،426، حاشية الجمل على شرح المنهج 5/123، الدرر السنية 10/181،180،114، مجالس شهر رمضان (المجلس 26 ص 149) ، وينظر كلام شيخ الإسلام في التعليق السابق. ( [13] ) ومن ذلك أن يصلي إلى غير القبلة؛ لأنه يدل على إنكاره الإجماع القطعي والنصوص الدالة على وجوب التوجه إلى الكعبة وعدم صحة صلاة من توجه إلى غيرها. ينظر أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي 5/887. ومثله أن يصلي على غير طهارة عالماً متعمداً، أو يصلي الظهر خمس ركعات عالماً متعمداً. ومن ذلك – أيضاً – أن يُكره مسلماً على الكفر، فهذا يدل على إنكاره النصوص المحرِّمة لترك المسلم دينه، وللنصوص الدالة على أن من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، أو يدل على بغضه للإسلام ومحبته للكفر، فيكون من كفر البغض والكره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 وقد ألحق بعض أهل العلم بذلك الطواف بغير الكعبة، كالطواف بالقبور تقرباً إلى الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 2/308: "وأما الطواف بالأنبياء والصالحين فحرام بإجماع المسلمين، ومن اعتقد ذلك ديناً فهو كافر، سواء طاف ببدنه أو بقبره". ولا شك أن من فعل ذلك قد خالف إجماع الأمة وما هو معلوم من الدين بالضرورة من أن الطواف بغير الكعبة محرم وليس من دين الإسلام، ففعله هذا يدل على إنكاره لهذا المعلوم من الدين بالضرورة. ( [14] ) ينظر في حكاية الإجماع على ذلك قول إسحاق بن راهويه الذي سبق نقله ص (201) . وقال أبومحمد بن حزم في معرض رده على القائلين بأن قول الكفر وفعل الكفر ليس كفراً وإنما هو دليل على أن في القلب كفراً، قال في الفصل 3/204،205: "وأما خلاف الإجماع فإن جميع أهل الإسلام لا يختلفون فيمن جحد الله تعالى، أو جحد رسوله e فإنه محكوم له بحكم الكفر قطعاً، إما القتل، وإما أخذ الجزية، وسائر أحكام الكفر، وما شك قط أحد في هل هم في باطن أمرهم مؤمنون أم لا، ولا فكروا في هذا، لا رسول الله e ولا أحد من أصحابه، ولا أحد ممن بعدهم". وقال أيضاً في المرجع نفسه 3/255: "وصح الإجماع على أن كل من جحد شيئاً صح عندنا بالإجماع أن رسول الله e أتى به فقد كفر"، وينظر آخر مراتب الإجماع له أيضاً ص177. وقد حكى أيضاً الإجماع على منكر من جحد معلوماً مجمعاً عليه: القاضي عياض في الشفا 2/510-549،528، وأبويعلى في المعتمد في أصول الدين ص272،271، وابن الوزير في إيثار الحق على الخلق ص377،376،156،116،112،402 وشيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 3/267،268، و12/525،496، والمرداوي في الإنصاف 27/108، والملا علي القاري في شرح الشفا 2/549،وينظر كتاب توحيد الخلاق ص99، والدرر السنية 1/131. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 ( [15] ) ومن الصفات التي وردت فيها أدلة كثيرة متواترة من الكتاب والسنة صفة العلو لله تعالى، وقد ذكر ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية ص387،386، أن أدلة علو الله بذاته نحو ألف دليل، ثم نقل ما رواه شيخ الإسلام الهروي عن أبي حنيفة أنه قال: "من أنكر أن الله في السماء فقد كفر" ثم قال: "وقصة أبي يوسف في استتابته لبشر المريسي لما أنكر أن يكون الله فوق العرش مشهورة، رواها عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره". ومن ذلك أيضاً أن ينفي صفة القدرة، أو ينفي صفة العدل، فيتهم الله تعالى بالظلم، ومنه أيضاً أن ينفي عن الله تعالى صفة الرحمة، ونحو ذلك. ( [16] ) ومن ذلك أن ينكر نزول جبريل - عليه السلام – بالقرآن على نبينا محمد e، أو ينكر أن للنار خزنة، أو أن للجنة خزنة، أو ينكر الكرام الكاتبين، أو ينكر ملائكة القبر، أو ملك الموت. ( [17] ) ومنه أن ينكر أمراً يتعلق بالقرآن مما أجمع العلماء عليه، كأن ينكر آية أو حرفاً من القرآن، أو يقول: إن القرآن ناقص، أو زيد فيه ما ليس منه، أو يزيد فيه، أو ينقص منه حرفاً أو آية. قال أبومحمد بن حزم في الفصل 3/253: "الأمة مجمعة كلها بلا خلاف من أحد منهم أن كل من بدل آية من القرآن عامداً وهو يدري أنها في المصاحف بخلاف ذلك، أو أسقط كلمة عمداً كذلك، أو زاد فيها كلمة عامداً، فإنه كافر بإجماع الأمة كلها". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 ( [18] ) ومن ذلك أن ينكر شيئاً مجمعاً عليه يتعلق بأحد من الأنبياء – عليهم السلام -، كأن يعتقد أن جبريل – عليه السلام – غلط في الرسالة، فنزل بالوحي على محمد e وكان مرسلاً به إلى علي بن أبي طالب t كما يقول ذلك بعض غلاة الشيعة الرافضة، أو ينكر معجزة من معجزات الأنبياء المجمع عليها، أو يفضل الأولياء على أحد منهم، أو يعتقد أن أحداً من بني آدم أفضل من النبي e، أو يعتقد أنه لا يجب العمل بالسّنة، أو ينكر صحة حديث متواتر مجمع عليه إجماعاً قطعياً، ومنه أن يقول: إن بعض الناس لا يجب عليه اتباع النبي e. ( [19] ) قال أبومحمد بن حزم في الفصل 3/198: "اليهود والنصارى كفار بلا خلاف من أحد من الأمة، ومن أنكر كفرهم فلا خلاف من أحد من الأمة في كفره وخروجه من الإسلام"، وحكى أيضاً في المرجع نفسه 3/211 الإجماع على كفر من قال: "إن إبليس وفرعون وأبا جهل مؤمنون". وحكى الإجماع على كفر من لم يكفر أحداً من اليهود أو النصارى، أو شك في كفره، أو توقف في ذلك: القاضي عياض في الشفا 2/510، وابن سحمان كما في الدرر 2/361،360. ( [20] ) وذلك بأن يقول عن نفسه: "هو كافر"، أو "هو يهودي"، أو "هو نصراني"، ومثله ما إذا قيل له: هل أنت مسلم. فقال: لا. فهذا كله كفر؛ لأنه إما أنه أن يخبر عن ارتداده فعلاً عن الإسلام، وإما أنه ينسب دين الإسلام إلى الكفر، أو إلى هذه الأديان المحرفة إما اعتقاداً لذلك، وهذا إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وإما استهزاء واستخفافاً بدين الإسلام، وهذا كله كفر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 ( [21] ) ونحو ذلك مما أخبر الله عنه في كتابه من أخبار الأمم الماضية، أو غير ذلك، كأن ينكر وجود السماوات السبع، أو ينكر وجود الشيطان، أو ينكر إخراجه من الجنة، أو يقول بتناسخ الأرواح ونقلها إلى أرواح أخرى، أو ينكر إنزال المنّ والسلوى على بني إسرائيل، أو ينكر قصة أصحاب الكهف، أو ينكر قصة الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، ونحو ذلك. ( [22] ) ومن هذا اعتقاد بعض غلاة الصوفية أن بعض مشايخهم يحل له فعل المحرمات، فهذا الاعتقاد كفر بأجماع أهل العلم، قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول: المسألة الرابعة ص521: "من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق". ومنه أن يعتقد أن أحداً حرٌّ في نفسه يفعل ما يشاء، كما يتفوه به بعض المنافقين، ومنه أن يعتقد حل موالاة الكفار. ( [23] ) ينظر مدارج السالكين 1/367،366، نهاية المحتاج7/416،415، مغني المحتاج 4/136. ( [24] ) حكى الإجماع على كفر من وقع في هذا النوع ابن حزم في مراتب الإجماع ص177، والقاضي عياض في الشفا 2/524،520، والملا علي القاري في شرح الشفا 2/549، والشيخ عبد الله أبابطين كما في الدرر السنية 10/419، وشيخنا عبد العزيز بن باز كما في فتاويه (جمع د. الطيار 528،527) . وينظر في ذكر الإجماع على بعض مسائل هذا النوع، وفي ذكر بعض أمثلته: الفقه الأكبر مع شرحه للقاري ص227، مجموع الفتاوى 2/368، مدارج السالكين 1/367، قواطع الإسلام ص68،27، الدرر السنية 2/361،360، و10/114، النواقض الاعتقادية 2/69-73، وينظر أكثر مراجع كفر الجحود المذكورة فيما سبق ص (190) ، تعليق (14) . ( [25] ) قال ابن حزم في الفصل 3/195: "فأثبت الله الشرك والكفر مع إقراره بربه تعالى، إذ شك في البعث". ومن هذا النوع من أنواع الكفر: أن يتردد مسلم في أن يكفر أو لا. ينظر روضة الطالبين 10/65، ونهاية المحتاج 7/416. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 ومما ينبغي التنبُّه له هنا أن هناك فرقاً بين الشك والريب والتردد - وهي معان متقاربة – وبين الوساوس، فالوساوس والخطرات التي يلقيها الشيطان على قلب المسلم لا تضره، ولا يحكم عليه بسببها بكفر أو غيره إذا دفعها وكرهها. ينظر النواقض الاعتقادية 2/73. ( [26] ) وألحق بعض أهل العلم بهذا النوع من أنواع الكفر من صدق بنبوة النبي e من اليهود بقلبه ولكنه لم ينطق بالشهادتين ولم ينقد بجوارحه لأحكام الإسلام تكبراً، كما قال تعالى:] فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به [[البقرة: 89] ، كما ألحق به بعضهم كفر فرعون وملئه، كما قال الله تعالى عنهم:] وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً [[النمل:14] . ينظر النواقض الاعتقادية 2/181،180،135،134. ولا شك أن كفر هؤلاء اليهود وكفر فرعون وملئه كفر استكبار وكفر جحود أيضاً، فهم جاحدون للحق بألسنتهم، حتى من اعترف من اليهود بصدق النبي e فقط، فهم لم ينقادوا لما جاء به، ولم ينطقوا بالشهادتين وهم جاحدون لوحدانية الله تعالى، وجاحدون لما أخبر الله به في كتابه من أنه تعالى لم يتخذ ولداً، فهم يزعمون أن عزيراً ابن الله، بل لم يظهر منهم ما يدل على أنهم مؤمنون بأن القرآن كلام الله تعالى ولا أنهم مؤمنون بما اشتمل عليه كتاب الله تعالى من الأحكام والأخبار وأصول الإيمان، سوى ما بقي في كتبهم المحرفة من الحق الذي لم يغير. وينظر مجموع الفتاوى 7/561، والصارم المسلول ص520، وينظر ما يأتي في كفر الإعراض ص (196) ، وينظر أيضاً رسالة اليهود فصل "فيمن عرف من اليهود صدق النبي e ولم يسلم بغياً وحسداً" ص243-251 فقد ذكرتُ فيها بعض أخبار اليهود الذين ظهر منهم ما يدل على تصديقهم بنبوة النبي e، ومع ذلك لم يسلموا ولم ينطقوا بالشهادتين ولم ينقادوا للحق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 ( [27] ) وأعظم منه أن يرفض الانقياد لجميع أحكام الإسلام استكباراً، فمن نطق بالشهادتين وآمن بقلبه بجميع أصول الإسلام وأحكامه، وأقر بذلك بلسانه، ولكنه لم ينقد، فترك جنس العمل بأحكام الإسلام استكباراً وترفعاً فهو كافر كفر استكبار وكفر إعراض كما سيأتي إن شاء الله. ( [28] ) حكى إجماع العلماء على ذلك الحافظ إسحاق بن راهويه كما في التمهيد 4/226، وشيخ الإسلام ابن تيمية كما في الصارم المسلول ص521، ومجموع الفتاوى 20/97. ( [29] ) ينظر الصارم المسلول ص522،521. ( [30] ) قال ابن القيم في مدارج السالكين 1/367: "وأما كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس، فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار، ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول، وأنه جاء بالحق من عند الله، ولم ينقدْ له إباءاً واستكباراً، وهو الغالب على كفر أعداء الرسل، كما حكى الله تعالى عن فرعون وقومه:] أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون [، وقول الأمم لرسلهم:] إن أنتم إلا بشر مثلنا [، وقوله:] كذّبت ثمود بطغواها [، وهو كفر اليهود كما قال تعالى:] فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به [، وقال:] يعرفونه كما يعرفون أبناءهم [وهو كفر أبي طالب أيضاً، فإنه صدّقه ولم يشك في صدقه، ولكن أخذته الحمية، وتعظيم آبائه أن يرغب عن ملتهم، ويشهد عليهم بالكفر". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 هذا وإذا امتنع فرد عن امتثال حكم من أحكام الإسلام غير الصلاة كسلاً ونحوه وليس تكبراً أو جحوداً فلا يكفر، أما إن تركت جماعة واجباً من الواجبات من غير استكبار ولا جحود، كأن تترك دفع الزكاة بخلاً، أو فعلت محرماً من المحرمات من غير استحلال له، كأن تصر على التعامل بالربا، وتمتنع من تركه جشعاً، وكان لهذه الجماعة شوكة ومنعة فقد اختلف أهل العلم في كفر هذه الجماعة، ورجح بعض المحققين ردتهم، لقتال الصحابة لمانعي الزكاة، وتسميتهم لهم بأهل الردة. ينظر الروايتين والوجهين: أول الزكاة 1/221، المغني: أول الزكاة 4/9،8، مجموع الفتاوى 28/519،548-551، و35/57، والشرح الكبير والإنصاف: إخراج الزكاة 7/147-150، الدرر السنية 10/175-178. ( [31] ) من الاستهزاء بالفعل: الإشارة باليد، أو اللسان، أو الشفة، أو العين، أو غيرها مما يدل على الاستهزاء والاستهانة، ومنه إهانة الشيء بوضعه في القاذورات، أو بوضع القدم عليه، أو الجلوس عليه ونحو ذلك، ومنه أن يضرب أو يقتل أو يحارب مسلماً، أو جماعة من المسلمين من إجل إسلامهم،، أو من أجل التزامهم بأحكام الإسلام وتطبيقهم لشرع الله، فإن هذا من أعظم الاستهزاء بدين الله تعالى، وهو أعظم من السبّ. ( [32] ) وذلك كأن يتهم الله تعالى بالظلم، أو يلعن خالقه ورازقه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً ( [33] ) كأن يستهزئ بأجنحة الملائكة أو بنزولهم. ( [34] ) قال أبوالبقاء الحنفي في الكليات (ص764) : "والفعل الموجب للكفر هو الذي يصدر عن تعمد، ويكون الاستهزاء صريحاً بالدين، كالسجود للصنم وإلقاء المصحف في القاذورات". وينظر منهاج الطالبين مع شرحه مغني المحتاج 4/136، ونهاية المحتاج 7/416، وقواطع الإسلام ص22. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 ( [35] ) ومن الكفر في حال الغضب – والمراد الغضب الذي لا يُفقد المكلف عقله – أن يعلق كفره على أمر مستقبل، وإن كان هذا التعليق في غير حال الغضب، فهو كفر من باب أولى؛ لأنه يدل على استهزائه واستخفافه بدين الإسلام. وينظر روضة الطالبين 10/65، والإعلام بقواطع الإسلام ص18. ( [36] ) حكى ابن حزم في المحلى الإجماع على كفر من سب الله تعالى، وقد سبق نقل كلامه ص (202) ، وذكر في المحلى أيضاً في الصلاة 2/243 أن من فسق النبي e ارتد عن الإسلام بلا خلاف بين أحد من المسلمين. وحكى القاضي عياض في الشفا 2/549،546،491 الإجماع علىكفر من سب الله تعالى، أو سبّ أحداً من الملائكة، أو نبياً من الأنبياء المتفق عليهم، أو استخف بالقرآن أو بالمصحف أو بشيء من المصحف، أو استهزأ بشيء منهما. وذكر في المرجع نفسه 2/394 أنه قد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على قتل وتكفير من سب النبي e أو تنقصه، ثم نقل حكاية الإمام محمد بن سحنون المالكي المتوفى سنة (265هـ) الإجماع على كفر من سب النبي e، والإجماع على قتله، ونقل 2/395،393 حكاية ابن المنذر والخطابي الإجماع على قتله. وقال ابن العربي المالكي في أحكام القرآن 2/976: "الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة". وقال شيخ الإسلام في الصارم المسلول على شاتم الرسول ص4 بعد نقله حكاية الإجماع عن من سبق ذكرهم، قال: "وتحرير القول فيه: أن السابّ إن كان مسلماً فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف..". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في المرجع السابق: المسألة الرابعة ص512: "إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل"، ثم نقل عن بعض العلماء حكاية الإجماع على ذلك، وبيّن غلط من نقل خلافاً في ذلك، وما وجه به القاضي عياض ما نقل عن بعضهم في ذلك، ثم بيّن في ص516 أنه لا ينبغي أن يظن ظان أن في المسألة خلافاً، وبيّن أنه لا يستطع أحد أن يحكي ذلك عن واحد من الفقهاء أئمة الفتوى، ثم قال (ص527) : "فقد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف علىأن التنقص له كفر مبيح للدم". وقال شيخ الإسلام أيضاً في مجموع الفتاوى 8/425: "اتفق المسلمون على أن من استخف بالمصحف مثل أن يلقيه في الحش أو يركضه برجله إهانة له أنه كافر مباح الدم" وينظر الصفدية 2/311. وقال ابن أمير الحاج الحنفي في التقرير والتحبير 2/267: " وهو – أي المتكلم بالكفر هزلاً – كفر بالنص والإجماع.اهـ. ملخصاً. وقال المرداوي في الإنصاف 27/108: "من أشرك بالله ... أو سب الله أو رسوله كفر بلا نزاع في الجملة". وقال ابن نجيم في البحر الرائق 5/134: "من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً كفر عند الكل". ونقل ابن حجر المكي في قواطع الإسلام ص62 عن بعض علماء الحنفية حكاية الاتفاق على كفر من سخر بالشريعة أو بحكم منها، وأقره على ذلك. وذكر ابن العطار تلميذ النووي في آخر كتابه "الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد" ص47: أن أباحنيفة قال بكفر من قال قولاً فيه استهانة بالدين، وأنه لم يخالفه أحد من المسلمين. وذكر الألوسي في روح المعاني 10/131 أنه لا خلاف بين الأئمة أن الجد واللعب في إظهار كلمة الكفر سواء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في التيسير، باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول ص553: "من استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه كفر ولو هازلاً لم يقصد حقيقة الاستهزاء إجماعاً"، وينظر إبطال التنديد ص246. وقال شيخنا عبد العزيز بن باز كما فتاويه (جمع د. الطيار ص525) : "سب الدين والرب جل وعلا كل ذلك من أعظم أنواع الكفر بإجماع أهل العلم"، وحكى أيضاً ص527 إجماع العلماء على كفر من سب أو تنقص أو استهزأ بالله أو برسوله e أوسب أحداً من رسل الله أو سب الإسلام. وينظر فتح الباري: استتابة المرتدين 12/281، الدرر السنية 2/361،360، و10/114، والإرشاد للشيخ الدكتور صالح الفوزان ص79، والاستهزاء بالدين له أيضاً، والتبيان شرح نواقض الإسلام ص50-53، والقول المبين في حكم الاستهزاء بالمؤمنين. ( [37] ) رواه ابن وهب كما في تفسير ابن كثير، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره (10047) ، وابن جرير في تفسيره (16912) بإسناد حسن، رجاله رجال مسلم. ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (10046-10049، 10402،10401) ، وابن جرير في تفسيره (16913-16916) من طرق أخرى متصلة ومرسلة. ( [38] ) قال أبومحمد بن حزم في الفصل 3/204 بعد ذكره لهذه الآية: "نص تعالى على أن الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسول من رسله كفر مخرج عن الإيمان، ولم يقل تعالى في ذلك: إني علمت أن في قلوبكم كفراً، بل جعلهم كفاراً بالاستهزاء نفسه، ومن ادعى غير هذا فقد قوّل الله تعالى ما لم يقل وكذب على الله تعالى". وقال أيضاً 3/256،255: "صح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى أو بملك من الملائكة أو نبي من الأنبياء عليهم السلام أو بآية من القرآن أو بفريضة من فرائض الدين – فهي كلها آيات الله تعالى – بعد بلوغ الحجة إليه فهو كافر". وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى 7/273 في تفسير هذه الآية: "فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد ص559: "إن الله تعالى أثبت لهؤلاء إيماناً قبل أن يقولوا ما قالوه". وينظر فتح المجيد ص516، وأعلام السنة المنشورة ص184،183. ( [39] ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 7/558: "القلب إذا كان متعقداً صدق الرسول e، وأنه رسول الله، وكان محباً لرسول الله معظماً له، امتنع مع هذا أن يلعنه ويسبه، فلا يتصور ذلك منه إلا مع نوع من الاستخفاف به وبحرمته، فعلم بذلك أن مجرد اعتقاد أنه صادق لا يكون إيماناً إلا مع محبته وتعظيمه بالقلب". وقال أيضاً كما في شرح الأصفهانية ص181: "الظاهر دليل على إيمان القلب ثبوتاً وانتفاء"، وينظر مجموع الفتاوى 7/616، والصارم المسلول ص524،519. وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في التيسير ص554: "وهل يجتمع الإيمان بالله وكتابه ورسوله والاستهزاء بذلك في قلب؟ بل ذلك عين الكفر، لذلك كان الجواب مع ما قبله:] لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم [". ( [40] ) والأشياء التي يكفر المسلم ببغضها من دين الله تعالى كثيرة، وقد سبق ذكر أمثلة لها عند الكلام على كفر الجحود وكفر السب والاستهزاء، فجميع ما ذكر فيهما من أبغض شيئاً منه فقد كفر. وقال الشيخ سليمان العلوان في "التبيان شرح نواقض الإسلام" ص45 عند كلامه على هذا النوع: "فمن ذلك ما يتفوه به كثير من الكتّاب الملحدين الذي تغذوا بألبان الإفرنج وخلعوا ربقة الإسلام من رقابهم من كراهيتهم لتعدد الزوجات، فهم يحاربون تعدد الزوجات بشتى الوسائل، وما يعلم هؤلاء أنهم يحاربون الله ورسوله، وأنهم يردون على الله أمره. ومثل هؤلاء في الكفر والبغض لما جاء به الرسول من يكره كون المرأة ليست بمنزلة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 الرجل، ككرههم أن تكون دية المرأة نصف دية الرجل، وأن شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد، وغير ذلك، فهم مبغضون لقول النبي e: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكنّ.." الحديث. متفق عليه، فلذلك تجدهم يمدون ألسنتهم نحو هذا الحديث العظيم: إما بصرفه عن ظاهره، وإما بتضعيفه، بحجة أن العقل يخالفه، وإما بمخالفته للواقع.. وغير ذلك مما هو دالّ ومؤكد لبغضهم لما جاء به الرسول. وهؤلاء كفار، وإن عملوا بمدلول النص، فهم لم يستكملوا شروط (لا إله إلا الله) ؛ لأن من شروطها: المحبة لما دلّت عليه، والسرور بذلك، وانشراح الصدر، وهؤلاء ضاقت صدورهم وحرجت وأبغضوا ما دلّت عليه، وهذا هو عين فعل المنافقين، الذين يفعلون كثيراً من محاسن الشريعة الظاهرة لشيء ما، مع بغضهم لها". ( [41] ) حكى هذا الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 20/97، وكما في الإقناع (مطبوع مع شرحه كشاف القناع 6/168) ، والشيخ سليمان بن سحمان كما في الدرر السنية 2/361،360. وينظر الفصل 3/257، مجموع الفتاوى 7/52،51، البحر الرائق 5/130، الزواجر (الكبيرة 55،54) . ( [42] ) فإن من تعظيم هذا الدين محبته، وقد سبق في أركان العبادة أن أهم أركانها "المحبة" فمن لم يحب هذا الدين أو لم يحب بعضه فقد أخل بهذا الركن العظيم، فكيف إذا أبغضه، وكذلك سبق في شروط "لا إله إلا الله" أن من شروطها محبة هذه الكلمة ومحبة ما دلت عليه، فمن لم يحب شيئاً مما اقتضته فقد أخل بهذا الشرط، فكيف إذا كرهه. وينظر مجموع الفتاوى 14/107-109، والصارم المسلول ص524. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 وقال شيخ الإسلام في رسالة المحبة ص104: "إذا كان أصل الإيمان صحيحاً، وهو التصديق، فإن هذه المحرمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبغضه لها، فهو إذا فعلها لغلبة الشهوة عليه، فلابد أن يكون مع فعلها فيه بغض لها، وفيه خوف من عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يخلص من عقابها، إما بتوبة، وإما حسنات، وإما عفو، وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها، ولم يخف الله فيها، ولم يرج رحمته، فهذا لا يكون مؤمناً بحال، بل هو كافر أو منافق". وقال أيضاً في المرجع نفسه ص194،193: "لم يتنازع العلماء في أن الرضا بما أمر الله به ورسوله واجب محبب، لا يجوز كراهة ذلك وسخطه، وأن محبة ذلك واجبة، بحيث يبغض ما أبغضه الله، ويسخط ما أسخطه الله من المحظور، ويحب ما أحبه، ويرضى ما رضيه الله من المأمور. وإنما تنازعوا في الرضا بما يقدره الحق من الألم بالمرض والفقر. فقيل: هو واجب. وقيل: هو مستحب. وهو أرجح، والقولان في أصحاب الإمام أحمد وغيرهم، وأما الصبر على ذلك فلا نزاع أنه واجب". ( [43] ) لا يدخل في هذا النوع أن يكره المسلم فعل واجب لمشقته عليه، أو أن يكره ترك محرم لمحبته لفعله، فإن هذا كره للفعل أو للترك، ولم يكره أن الله أوجب الواجب أو حرم الحرام، فهو كره أن يفعل هذا الواجب أو أن يترك هذا المحرم لا غير، كما قال تعالى:] كتب عليكم القتال وهو كره لكم.. [[البقرة: 216] أي تكرهونه من حيث الطبع لما فيه من المشقة عليكم، فيكره المسلم أن يفعله بنفسه لما فيه من المشقة، من تعريض النفس للهلاك وغير ذلك من المشاق، ولكن لا يكره أن الله شرعه، بل يحب ذلك ويرضى به ويعلم أن الخير للأمة في وجوب الجهاد، وأنه ذروة سنام الإسلام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 فحال المسلم مع هذا الحكم وأمثاله كحال المريض الذي وصف له الطبيب علاجاً ودواءً فيه مشقة عليه، كأن يصف له شراباً كريه المذاق، أو ينصحه بإجراء عملية جراحية فيها ألم ومشقة، فهو يكره هذا الدواء، لكنه راض عن وصف الطبيب له هذا العلاج، فيكره نفسه عليه، وقد يضعف عن تحمله فيتركه، مع معرفته أن فيه شفاءه، واعترافه بأن فيه نفع له لما يعلم من مهارة هذا الطبيب ونصحه له، وبهذا يجمع بين محبته للمعصية أو كرهه للطاعة طبعاً، وبين رضاه بتقدير الله تعالى وشرعه ومحبته له. ينظر تفسيري البغوي والقرطبي للآية (216) من سورة البقرة، والمفردات ص429، ومدارج السالكين 2/183،182، النواقض الاعتقادية 2/177-179، وينظر التعليق السابق. وقد اختلف أهل العلم فيما إذا قال: أتمنى أن الله لم يوجب هذا الواجب أو لم يحرم هذا المحرم، فقيل: يكفر، وقيل: لا يكفر. ينظر روضة الطالبين 10/69،68، الإعلام بقواطع الإسلام ص63، والأقرب أنه إن كان يتمنى أن هذا الواجب كان مسنوناً ليسلم من إثم تركه، أو أن هذا المحرم كان مكروهاً ليسلم من إثم فعله لضعفه عن تركه، مع إقراره بأن ما شرعه الله هو الحق والحكمة، لكن خشي من الإثم فلعله لا يكفر، أما إن كان يتمنى ذلك كرهاً لهذا الحكم الشرعي؛ لأنه يحول بينه وبين شهواته، أو لأن إخلاله بهذه الحكم قد يسبب له عقوبة عاجلة من ولي الأمر، أو أنه يرى أن هذا الذي تمناه أنفع للخلق ونحو ذلك، فهذا الأقرب أنه يكفر. والله أعلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 ( [44] ) قال الإمام سفيان بن عيينه كما في "السنة" لعبد الله بن أحمد: الإيمان والرد على المرجئة، رقم (745) : "ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر، وبيان ذلك في أمر آدم - صلوات الله عليه – وإبليس وعلماء اليهود، أما آدم فسُمِّي عاصياً من غير كفر، وأما إبليس لعنه الله فإنه فرض عليه سجدة واحدة فجحدها متعمداً، فسُمِّي كافراً، وأما علماء اليهود فعرفوا نعت النبي e، وأنه نبي رسول كما يعرفون أبناءهم، وأقروا به باللسان ولم يتبعوا شريعته فسمّاهم الله عز وجل كفاراً، فركوب المحارم مثل ذنب آدم – عليه السلام – وغيره من الأنبياء – عليهم السلام -، وأما ترك الفرائض جحوداً فهو كفر مثل كفر إبليس لعنه الله، وتركهم على معرفة من غير جحود فهو كفر، مثل كفر علماء اليهود". انتهى كلامه مختصراً. وقال الإمام الشوكاني في رسالة: إرشاد السائل إلى دلائل المسائل (مطبوعة ضمن الرسائل السلفية ص43) : "السؤال الثاني: ما حكم الأعراب سكان البادية الذين لا يفعلون شيئاً من الشرعيات إلا مجرد التكلم بالشهادة، هل هم كفار أم لا؟ وهل على المسلمين غزوهم أم لا؟ أقول: من كان تاركاً لأركان الإسلام وجميع فرائضه ورافضاً لما يجب عليه من ذلك من الأقوال والأفعال، ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين فلا شك ولا ريب أن هذا كافر شديد الكفر حلال الدم..". ( [45] ) قال الإمام الشافعي كما في كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ص197: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم، يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزي واحد من الثلاثة إلا بالآخر". وقد حكى الشيخ سليمان بن سحمان الإجماع على هذا الكفر كما في الدرر السنية 2/362،360. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 وقال الدكتور محمد الوهيبي في رسالة نواقض الإيمان الاعتقادية 2/140 عند كلامه على حكم تارك أركان الإسلام الأربعة بعد الشهاديتين، بعد ذكره لإجماع السلف على كفر تارك جنس العمل: "إن قول السلف في مسألة ترك جنس العمل يختلف عن قولهم في مسألة ترك الأركان، فالأول أمر لم يخالف فيه منهم أحد – أي في كفر تارك جنس العمل – لأنه مقتضى إجماعهم على حقيقة الإيمان، وأنه قول وعمل، أما الثاني فهو من مسائل الاجتهاد ... ". ( [46] ) قال البيضاوي في تفسيره 1/156: "وإنما لم يقل: (لا يحبهم) لقصد العموم والدلالة على أن التولي عن الطاعة كفر، وأنه من هذه الحيثية ينفي محبة الله، وأن محبته مخصوصة بالمؤمنين". وقال أبوالسعود في تفسيره 1/466: "وإيثار الإظهار على الإضمار لتعميم الحكم لكل الكفرة والإشعار بعلته، فإن سخطه عليهم بسبب كفرهم، والإيذان بأن التولي عن الطاعة كفر". ( [47] ) فتركه لجنس العمل بأحكام الإسلام بجوارحه دليل على أن ما ادعاه من إقراره بقلبه بأركان الإيمان غير صحيح، إذ لو كان مؤمناً حقاً بوجوب عبادة الله دون سواه لما أعرض بجوارحه عن عبادة الله وطاعته كلية، ولو كان مؤمناً حقاً بأن محمداً e رسول من عند الله تجب طاعته لما عصاه في كل ما جاء به وأمر به من الأعمال الظاهرة. قال أبوطالب المكي كما في الإيمان لشيخ الإسلام ص318: "من كان عقده الإيمان بالغيب ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 7/611 بعد ذكره أن الإيمان القلبي يمتنع أن يكون موجوداً مع بقاء الإنسان دهراً لا يؤدي أي واجب من الواجبات، قال: "ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع عن السجود الكفار، كقوله:] وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 سالمون [". ومعنى (سالمون) : ممتنعون عن الصلاة مع قدرتهم على أدائها. وينظر في هذا النوع من أنواع الكفر أيضاً مجموع الفتاوى 7/645،621، و18/272، مدارج السالكين 1/367،366، النواقض العملية ص 44،43،26، 86-88، 344-357، النواقض الاعتقادية 2/121-139، وينظر الشرط الرابع من شروط "لا إله إلا الله". وينظر ما يأتي في النفاق – إن شاء الله -. ( [48] ) أما ترك الصلوات الخمس فإن تركها المسلم جحداً لفرضيتها كفر إجماعاً، وكذلك لو تركها وأصر على تركها بعد تهديده بالقتل إن استمر على تركها، فتركها حتى قتل، فهذا مرتد أيضاً، لأن إصراره على تركها حتى يقتل دليل على كفره في الباطن وأنه جاحد لوجوب الصلاة، أو دليل على أنه تركها إباءً واستكباراً، وكلاهما كفر. أما إن تركها المسلم كسلاً وتهاوناً فقد وردت نصوص شرعية كثيرة فيها الحكم بكفره، منها ما رواه مسلم (82) عن جابر قال: قال رسول الله e: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة". وقد ثبت عن جماعة من الصحابة الجزم بكفره وأنه لا حظ له في الإسلام، وحكى بعض أهل العلم الإجماع على ذلك: قال المروزي في تعظيم قدر الصلاة ص925: "ذكرنا الأخبار المروية عن النبي e في إكفار تاركها وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتال من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة – رضي الله عنهم – مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك". ثم روى المروزي (978) بإسناد صحيح، رجاله رجال الصحيحين عن التابعي الجليل أيوب السختياني أنه قال: "ترك الصلاة كفر لا يختلفون فيه". وصححه الألباني في صحيح الترغيب (547) ، وقال المروزي أيضاً (990) : "سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله e أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي e إلى يومنا هذا". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 وذكر ابن حزم في المحلى 2/242 أن هذا قول عمر وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم، وذكر أنه لا يعلم لهم مخالفاً من الصحابة. وقال الحافظ ابن القيم في كتاب "الصلاة وحكم تاركها" ص50: "فصل دلالة الإجماع على كفر تارك الصلاة. وأما إجماع الصحابة ... " ثم ذكر قول عمر بعدما طعن: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، ثم قال: "قال هذا بمحضر من الصحابة، ولم ينكروه عليه، وقد تقدم مثل ذلك عن معاذ بن جبل، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة، ولا يعلم عن صحابي خلافهم". وهذا قول أكثر علماء الحديث، وذهب بعض أهل الحديث وبعض متأخري الفقهاء إلى أنه كافر كفراً أصغر. ينظر: تعظيم قدر الصلاة، باب ذكر إكفار تارك الصلاة ص873-1017، الجامع للخلال ص300 وما بعدها، التمهيد 4/224-242، شرح اعتقاد أهل السنة 4/829،825، شرح السنة 2/197، مجموع الفتاوى 20/97، كتاب الصلاة لابن القيم. ( [49] ) فيشترط للحكم بالكفر أن يكون الواقع في الكفر عالماً عامداً، وهذا مجمع عليه بين أهل العلم: ينظر البحر الرائق 5/134، إعلام الموقعين: فصل اعتبار النيات 3/62. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 وقال شيخنا محمد بن عثيمين كما في مجموع فتاويه (جمع فهد السليمان 2/126،125) : "للحكم بتكفير المسلم شرطان: أحدهما: أن يقوم الدليل على أن هذا الشيء كفر، الثاني: انطباق الحكم على من فعل ذلك بحيث يكون عالماً بذلك قاصداً له، فإن كان جاهلاً لم يكفر لقوله تعالى:] ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً [[النساء:115] ، وقوله:] وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتقون [[التوبة:115] ، وقوله:] وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً [[الإسراء:15] . لكن إن فرط بترك التعلم والتبين لم يعذر، مثل أن يبلغه أن عمله هذا كفر فلا يتثبت، ولا يبحث فإنه لا يكون معذوراً حينئذ وإن كان غير قاصد لعمل ما يكفر لم يكفر بذلك ... لكن من عمل شيئاً مكفراً مازحاً فإنه يكفر لأنه قصد ذلك، كما نص عليه أهل العلم". ( [50] ) وذلك كأن يكون مكرهاً، أو جاهلاً جهلاً يعذر مثله به، كحديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة عن العلم وأهله ونحو ذلك، أو يكون مخطئاً بسبق لسان أو اجتهاد أو غيرهما، أو يكون ناسياً، أو حاكياً لقوله غيره لتعليم أو شهادة أو غيرهما. وقد أجمع أهل العلم على أن من وقع في الكفر ناسياً أو مكرهاً أو مخطئاً أنه لا يكفر. ينظر تفسير القرطبي (تفسير الآية الأخيرة من البقرة 3/432) ، إيثار الحق لابن الوزير ص397،395، البحر الرائق لابن نجيم 5/134. أما الخوف الذي لم يصحبه إكراه: فقيل: إنه ليس عذراً، وقيل: إنه عذر، والأقرب أنه إن كان هناك خوف شديد يقرب من الإكراه، كان عذراً، وإلا فلا، ينظر تعظيم قدر الصلاة ص930، شرح المنهج لزكريا الأنصاري مع حاشيته للجمل 5/122،121، رسالة "حكم موالاة أهل الإشراك": الدليل الرابع عشر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 ( [51] ) ينظر في مانع الجهل: الفصل 3/249، المغني: الردة 12/277، الشفا 2/530،529،524،523، الإعلام بقواطع الإسلام ص52، رسالة الجهل بمسائل الاعتقاد لعبد الرحمن معاش، ورسالة "ضوابط التكفير عند أهل السنة" للدكتور عبد الله القرني، ورسالة "منهج ابن تيمية في التكفير" 1/251-260، وينظر فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز (جمع د. الطيار ص529،528) فقد فصّل في المسألة، وذكر أن الجهل قسمان: الأول: جهل من نشأ بين المسلمين فهذا لا يعذر في عبادة غير الله من الأصنام والأموات لإعراضه عن السؤال. والثاني: من يعذر بالجهل، كالذي نشأ في بلاد بعيد عن الإسلام، وكأهل الفترة، ثم قال: "فهؤلاء معذورون بجهلهم، وأمرهم إلى الله عز وجل، والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة، فيؤمرون، فإن أجابوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار، لقوله تعالى:] وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً [، ولأحاديث صحيحة وردت في ذلك ". وينظر فتاوى الشيخ ابن عثيمين (جمع فهد السليمان 2/124-138) ففيها تفصيل جيد. ( [52] ) رواه البخاري في الأنبياء (3481،3478) ، ومسلم في التوبة (2757،2756) من حديث أبي هريرة ومن حديث أبي سعيد، ورواه البخاري (3479) من حديث حذيفة. وقد ذكر ابن الوزير في إيثار الحق ص394 أن هذا الحديث متواتر. ( [53] ) قال أبومحمد بن حزم في الفصل 3/252: "فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز وجل يقدر على جمع رماده وإحيائه، وقد غفر له لإقراره، وخوفه، وجهله ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 وقد ذكر ابن حزم في الفصل 3/251-253 أيضاً ثلاثة أدلة أخرى لهذا المانع. أولها: قبول النبي e إسلام كل من أسلم مع أنه جاهل بأكثر مسائل أصول الدين. والثاني: قول الحواريين] يا عيسى هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء [إلى قوله:] ونعلم أن قد صدقتنا [قال: "ولم يبطل بذلك إيمانهم ". والثالث: أن من قرأ القرآن فأخطأ جهلاً لا يكفر، وينظر تأويلمختلف الحديث 81، وإيثار الحق ص394، وينظر أيضاً رسالة منهج ابن تيمية في التكفير 1/243-249، فقد نقل مؤلفها عن شيخ الإسلام في هذا تسعة أدلة قوية. ( [54] ) فمن حصلت له شبهة من جهة عدم الفهم فهو مخطئ معذور، وهذا هو الأصل الذي يعتمد عليه في حكم الظاهر، والحكم على المكلف إنما هو على ظاهره بإجماع أهل العلم، والله يتولى السرائر، ومن القواعد المقررة أن المؤاخذة والتأثيم لا تكون على مجرد المخالفة، ما لم يتحقق القصد إليها، والمتأول في حقيقته مخطئ غير متعمد للمخالفة في الظاهر، بل هو يدّعي أنه على الحق، ويصرح بأنه يعتقد ذلك، فيعذر من أجله، فلا يحكم بكفره. ينظر الفصل 3/285، مجموع الفتاوى 7/472، إيثار الحق ص376-406، فتح الباري: استتابة المرتدين 12/273، ضوابط التكفير ص334،333، وينظر ما سبق في كفر الإعراض ص () ، ولهذا لم يكفر عمر رضي الله عنه الذي شرب الخمر معتقداً حلها له؛ لأن لديه شبهة تأويل، مع أنها شبهة ضعيفة واجتهاد أخطأ فيه. والأثر أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (17076) ، ومن طريقه البيهقي في سننه 8/316،315 بإسناد صحيح، رجاله رجال الصحيحين، وله شواهد عند عبد الرزاق وغيره. ينظر: المصنف (17075) ، والإصابة 3/220. وينظر تلخيص الاستغاثة في الرد على البكري ص259. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 3/299: "هذا مع أني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني: أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية والقولية والمسائل العملية". ( [55] ) ولهذا لم يكفر الإمام أحمد الذين امتحنوه وضربوه ليقول بخلق القرآن، مع أن منهم قضاة وعلماء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 7/508،507: "المحفوظ عن أحمد وغيره من الأئمة إنما هو تكفير الجهمية والمشبهة وأمثال هؤلاء، مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية ولا كل من قال: إنه جهمي كفّره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم، بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفرهم أحمد وأمثاله، بل كان يعتقد إيمانهم، وإمامتهم، ويدعو لهم، ويرى الائتمام بهم في الصلوات خلفهم، والحج والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم ما يراه لأمثالهم من الأئمة". انتهى كلامه ملخصاً. وهذا الحكم لا يشمل غلاة الجهمية المتهمين بالنفاق والزندقة. قال الحافظ ابن القيم كما في الدرر السنية 10/374: "وأما غلاة الجهمية فكغلاة الرافضة، ليس للطائفتين في الإسلام نصيب، ولذلك أخرجهم جماعة من السلف من الثنتين والسبعين فرقة، وقالوا: هم مباينون للملة". وينظر منهج ابن تيمية في التكفير 1/199،198. ( [56] ) ينظر ما سبق ص (208) من قول الإمام أبي حنيفة بكفر من أنكر علو الله تعالى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190 ( [57] ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاستغاثة في الرد على البكري" – كما في تلخيصه ص 260 – بعد ذكره لقصة قدامة السابقة وبعد ذكره لحديث الرجل الذي أمر بإحراق جسده بعد موته، قال: "ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافراً، لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون؛ لأنكم جهال، وكان هذا خطاباً لعلمائمهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم، وأصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من معرفة المنقول الصحيح والمعقول الصريح الموافق له، وكان هذا خطابنا، فلهذا لم نقابل جهله وافتراءه بالتكفير بمثله". ( [58] ) قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب كما في الدرر السنية 1/236،235: "فما القول فيمن حرر الأدلة؟ واطلع على كلام الأئمة القدوة؟ واستمر مصراً على ذلك – أي على قول: يا رسول الله أسألك الشفاعة – حتى مات؟ قلت: ولا مانع أن نعتذر لمن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 ذكر، ولا نقول: إنه كافر، ولا لما تقدم أنه مخطئ، وإن استمر على خطئه، لعدم من يناضل عن هذه المسألة في وقته، بلسانه وسيفه وسنانه، فلم تقم عليه الحجة، ولا وضحت له المحجة، بل الغالب على زمن المؤلفين المذكورين: التواطؤ علىهجر كلام أئمة السنة في ذلك رأساً، ومن اطلع عليه أعرض عنه، قبل أن يتمكن في قلبه، ولم يزل أكابرهم تنهى أصاغرهم عن مطلق النظر في ذلك، وصولة الملوك قاهرة لمن وقر في قلبه شيء من ذلك إلا من شاء الله منهم ... ونحن كذلك: لا نقول بكفر من صحت ديانته، وشهر صلاحه، وعلم ورعه وزهده، وحسنت سريرته، وبلغ من نصحه الأمة، ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة، والتأليف فيها، وإن كان مخطئاً في هذه المسألة أوغيرها، كابن حجر الهيتمي، فإنا نعرف كلامه في الدر المنظم، ولا ننكر سمة علمه، ولهذا نعتني بكتبه، كشرح الأربعين، والزواجر وغيرها، ونعتمد على نقله إذا = نقل لأنه من جملة علماء المسلمين". قلت: والهيتمي ممن يرى مشروعية الاستشفاع بالنبي e حياً وميتاً. ينظر الجامع لألفاظ الكفر ص162. ( [59] ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 5/95: "لم تكفر الصحابةُ الخوارجَ مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفين لهم". ( [60] ) ينظر أيضاً: الدرر السنية 1/520-525، مجموعة التوحيد 1/54، ضوابط التكفير، الباب الثالث: تكفير المعين. ( [61] ) قال الإمام الشوكاني في السيل الجرار فصل: والردة باعتقاد أو فعل أو زي أو لفظ كفري 4/578: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 "اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسمل يؤمن بالله ولايوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما. هكذا في الصحيح، وفي لفظ آخر في الصحيحين وغيرهما: (من دعا رجلاً بالكفر، أوقال: عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه) . أي رجع، وفي لفظ في الصحيح: (فقد كفر أحدهما) ، ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر، وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير". وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين كما في الدرر السنية 10/375،374: "وبالجملة: فيجب على من نصح نفسه ألا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من الله، وليحذر من إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه واستحسان عقله، فإن إخراج رجل من الإسلام أو إدخاله فيه أعظم أمور الدين.. وأيضاً: فما تنازع العلماء في كونه كفراً، فالاحتياط للدين التوقف وعدم الإقدام، ما لم يكن في المسألة نص صريح عن المعصوم e، وقد استزل الشيطان أكثرالناس في هذه المسألة، فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره، وتعدى بآخرين فكفروا من حكم الكتاب والسنة مع الإجماع بأنه مسلم، ومن العجب: أن أحد هؤلاء لو سئل عن مسألة في الطهارة، أو البيع ونحوهما، لم يفت بمجرد فهمه واستحسان عقله، بل يبحث عن كلام العلماء، ويفتي بما قالوه، فكيف يعتمد في هذا الأمر العظيم، الذي هو أعظم أمور الدين وأشد خطراً، على مجرد فهمه واستحسانه؟ فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين‍! ومحنته من تينك البليتين!! ". ( [62] ) وشروط المجتهد ذكرها أهل العلم في كتب أصول الفقه وغيرها، وهي: 1- أن يعلم من الأدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده كآيات الأحكام وأحاديثها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 2- أن يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه كمعرفة الإسناد ورجاله وغير ذلك. 3- أن يعرف الناسخ والمنسوخ ومواقع الإجماع حتى لا يحكم بمنسوخ أو مخالف للإجماع. 4- أن يعرف من الأدلة ما يختلف به الحكم من تخصيص أو تقييد أو نحوه حتى لا يحكم بما يخالف ذلك 5- أن يكون عارفاً بلسان العرب الذي نزل به القرآن وجاءت به السنة، وذلك بمعرفة النحو ومعرفة معاني الحروف والألفاظ ونحو ذلك. 6- أن يعرف من أصول الفقه ما يتعلق بدلالات الألفاظ كالعام والخاص والمطلق والمقيد والصريح والظاهر والمجمل والمبين ونحو ذلك؛ ليحكم بما تقتضيه تلك الدلالات. 7- أن يكون عنده قدرة يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها، فيعرف تقرير الأدلة وما يتقوم به ويتحقق به، وكيفية نصب الدليل ووجه دلالته علىالمطلوب، ليتمكن من الاستنباط الدقيق للحكم من دليله، وهذا يحتاج إلى طول مجالسة لأهل العلم الذين أخذوه عن أهله والنظر في كيفية استنباطهم. ينظر روضة الناظر مع شرحها نزهة الخاطر: فصل في حكم المجتهد 2/401-406، وإرشاد الفحول: المقصد السادس ص250-252، والأصول من علم الأصول ص75. ( [63] ) ينظر كلام الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين الذي سبق نقله قريباً، وكلام شيخنا الشيخ محمد بن عثيمين الذي سبق نقله عند الكلام على شروط الحكم على المعين بالكفر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 ( [64] ) رواه البخاري (6045) ، ومسلم (61) ، وله شواهد كثيرة. وقال ابن الوزير بعد ذكره لتواتر هذه الأحاديث وذكره ما يشهد لها قال في إيثار الحق ص385: "وفي مجموع ذلك ما يشهد لصحة التغليظ في تكفير المؤمن وإخراجه من الإسلام مع شهادته بالتوحيد والنبوات وخاصة مع قيامه بأركان الإسلام وتجنبه للكبائر وظهور أمارات صدقه في تصديقه لأجل غلطة في بدعة لعل المكفر له لا يسلم من مثلها أو قريب منها، فإن العصمة مرتفعة، وحسن ظن الإنسان بنفسه لا يستلزم السلامة من ذلك عقلاً ولا شرعاً، بل الغالب على أهل البدع شدة العجب بنفوسهم والاستحسان لبدعتهم". وقال ابن دقيق العيد في إحكام الإحكام في آخر باب اللعان 4/76 عند شرحه لحديث أبي ذر السابق: "وهذا وعيد عظيم لمن أكفر أحداً من المسلمين وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين ومن المنسوبين إلى السنة وأهل الحديث، لما اختلفوا في العقائد فغلظوا على مخالفيهم، وحكموا بكفرهم". ( [65] ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 35/100: "إن تسليط الجهال على تكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات، وإنما أصل هذا من الخوارج والروافض الذين يكفرون أئمة المسملين؛ لما يعتقدون أنهم أخطأوا فيه من الدين. وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن علماء المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ المحض، بل كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله e؛ وليس كل من يترك بعض كلامه لخطأ أخطأه يكفر ولا يفسق؛ بل ولا يأثم؛ فإن الله تعالى قال في دعاء المؤمنين:] ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [، وفي الصحيح عن النبي e أن الله تعالى قال: قد فعلت ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في رسالته التي وجهها لبعض المتسرعين في التكفير، بعد ذكره أنه قد أنكر على رجلين صنعا مثلما صنع هذا المتسرع، قال كما في الدرر السنية 1/467-469: "وأخبرتهم – أي هذين الرجلين – ببراءة الشيخ محمد – أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب – من هذا المعتقد والمذهب، وأنه لا يُكفِّر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر والكفر بآيات الله ورسله أو بشيء منها بعد قيام الحجة، وبلوغها المعتبر، كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله وجعلهم أنداداً له فيما يستحقه على خلقه، من العبادات والإلهية، وهذا: مُجمع عليه أهل العلم والإيمان، وكل طائفة من أهل المذاهب المقلَّدة، يفردون هذه المسألة بباب عظيم، يذكرون فيها حكمها،وما يوجب الردة، ويقتضيها، وينصون على الشرك، وقد أفرد ابن حجر، هذه المسألة، بكتاب سماه: الإعلام بقواطع الإسلام. وقد بلغنا: عنكم، نحو من هذا وخضتم في مسائل من هذا الباب، كالكلام في الموالاة والمعاداة، والمصالحة والمكاتبات، وبذل الأموال، والهدايا، ونحو ذلك، من مقالة أهل الشرك بالله، والضلالات، والحكم بغير ما أنزل الله عند البوادي ونحوهم من الجفاة والتي لا يتكلم فيها إلا العلماء من ذوي الألباب، ومن رزق الفهم عن الله، وأوتي الحكمة، وفصل الخطاب. والكلام في هذا: يتوقف على معرفة ما قدمناه، ومعرفة أصول عامة كلية، لا يجوز الكلام في هذا الباب وفي غيره لمن جهلها وأعرض عنها، وعن تفاصيلها، فإن الإجمال، والإطلاق، وعدم العلم بمعرفة مواقع الخطاب، وتفاصيله، يحصل به من اللبس والخطأ، وعدم الفقه عن الله، ما يفسد الأديان، ويشتت الأذهان، ويحول بينها، وبين فهم السنة والقرآن، قال ابن القيم: في كافيته - رحمه الله تعالى -: وعليك بالتفصيل والتبيين فال إطلاق والإجمال دون بيان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الأذهان والآراء كل زمان". وينظر ص (199) ، تعليق (62) ، وينظر التعليق السابق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 الروح القدس في عقيدة النصارى ((دراسة نقدية في ضوء المصادر الدينية)) د. عبد الله بن عبد العزيز الشعيبي استاذالشريعة المساعد - قسم العلوم الإنسانية كلية الملك خالد العسكرية ملخص البحث الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: هذا البحث موضوعه ((الروح القدس في عقيدة النصارى)) ويشتمل على دراسة نقدية لبيان بطلان اعتقاد النصارى ألوهيته من خلال المصادر الدينية التي يؤمنون بها، وهي العهد القديم والعهد الجديد، إذ قد تبين فيهما أن حقيقة الروح سواء بإضافتها إلى الله أوإلى القدس أو بدون إضافة، فإن نصوصهم المقدسة لاتدل على ألوهيته، وهي الحقيقة التي أخبر عنها كتاب الله المنزل على خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم. ولأجل بيان ضلال النصارى في اعتقادهم ألوهية الروح القدس، فقد تطرق البحث إلى بيان حقيقة الروح القدس في الشرائع الإلهية، ثم بيان مراحل إقرار النصارىألوهيته، ثم بيان مرحلة اعتقادهم ألوهيته، كما تطرق البحث إلى بيان بطلان اعتقادهم أن الروح القدس ليس هو ملاك الله جبريل عليه السلام وعلى اعتقادهم خصوصية حلول الروح القدس على المسيح وعلى المؤمنين من أتباعه. وفي خاتمة البحث جاءت النتائج التي توصلت إليها. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم المقدمة: ((الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون)) (الأنعام آية 1) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله الله على حين فترة من الرسل، ودروس من الكتب، حين حرف الكلم وبدلت الشرائع، واستند كل قوم إلى ظلم آرائهم، وحكموا على الله وبين عباده بمقالاتهم الفاسدة وأهوائهم، فهدى الله به الخلائق، وأوضح به الطرائق، وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وأصلي وأسلم على آله الأطهار، وصحبه الأخيار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أمابعد: فإن الله عزوجل أخبر في الوحي المنزل على الأنبياء والرسل، أن الروح من الحقائق الإيمانية الثابتة، التي يجب على كافة أتباع الرسل اعتقاد وجودها والإيمان بها، إذ جاء ذكرها في الوحي بعضها مضافاً إلى الله، وإلى القدس، وبعضها بدون إضافة، وتدل على معانٍ مختلفة، حسب مناسبة ووردها. ولقد ضل أهل الكتاب من قبلنا فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض: ((ويقولون نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً)) (النساء 150) ، ومن ذلك الإيمان الذي أرادوا أن يتخذوه سبيلاً، أنهم ضلوا عن الحق في الإيمان بحقيقة الروح، فاليهود يعرفون حقيقة الروح، ويعترفون أن الروح القدس هو جبريل عليه السلام لكنهم زعموا أنه عدوهم من الملائكة، وأما النصارى فإنهم يعرفون بعض حقيقة الروح، لكنهم زعموا أن الروح القدس غير جبريل عليه السلام ويعتقدون أنه إله مع الله والأقنوم الثالث في ثالوثهم المقدس. أما نحن المسلمين فقد هدانا الله إلى معرفة حقيقة الروح، فقد أخبر الله أنها تدل على معانٍ عدة حسب مناسبة ذكرها في القرآن، كما أخبر الله أنها تدل في الكتب الإلهية السابقة على نفس المعاني التي أنزلها الله في القرآن، لكن أصحاب تلك الكتب من أهل الكتاب ضلوا عن الحق الذي أخبر الله تعالى عنه في كتبهم، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 وهذا البحث سيكون إن شاء الله دراسة نقدية في بيان بطلان اعتقاد النصارى ألوهية الروح القدس وأنه الرب المحيي، وقد كان اختياري للكتابة في هذا الموضوع لسببين: الأول: أن موضوع هذا البحث هو الأول حسب علمي الذي يجمع شتات هذا الموضوع المتفرق في بعض مؤلفات علماء المسلمين المختصين في علم جدال أهل الكتاب، من أمثال: الإمام ابن تيمية، والقرافي، والقرطبي، ونصر بن يحيى المتطبب، وغيرهم من علماء المسلمين، فكان هذا البحث إسهاماً متواضعاً في بيان الحق عن حقيقة الروح القدس، كما تشهد بذلك المصادر الدينية من التوراة والإنجيل والقرآن. الثاني: كثرة مؤلفات النصارى عن الروح القدس إذ لا يخلو مؤلف من مؤلفاتهم في عقيدة التثليث من إثبات اعتقادهم ألوهيته، وأنه الأقنوم الثالث في ثالوثهم المقدس وتأويلهم لنصوص التوراة والإنجيل لإثبات معتقدهم الباطل. بل وصل بهم الحد إلى محاولة تأويل نصوص القرآن الكريم لتتفق مع عقيدتهم الباطلة (1) . وكان منهج البحث يقوم على استقراء الأدلة من المصادر الدينية وتحليلها، وبيان الحق فيها بما يتفق مع صريح المعقول وصحيح المنقول، وبيان ضلالهم عن الحق، وأن هذا مما ابتدعوه بأهوائهم، وقرروه بمجامعهم، مخالفين بذلك كتب الله المنزلة على أنبيائه، وبيان أن معتمدهم من القوانين والنواميس التي جعلوها شرائع دينهم بعضه منقول عن الأنبياء، وبعضه عن الحواريين، وكثير منه من ابتداع أحبارهم ورهبانهم الذين اتخذوهم أرباباً من دون الله. وسيكون الحديث عن بيان حقيقة الروح القدس في التوراة والإنجيل والقرآن، وبيان مراحل إقرار النصارى ألوهيته، ثم اعتقادهم ألوهيته، وبيان العلاقة بين الروح القدس والمسيح عليه السلام وبينه وبين ملاك الله جبريل عليه السلام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 وسيتم الرد على ضلالهم من خلال ما نراه حقاً في نصوصهم المقدسة، الموافقة لكتاب الله المنزل على خاتم المرسلين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، المصدق لما قبله من وحي الله المنزل على أنبيائه ورسله. وأود التنبيه إلى أن بعض النصوص الدينية يكون فيها أكثر من وجه للاستشهاد مما يضطرنا لاعادتها أو الاشارة إليها في بعض القضايا التي تتم مناقشتها. وستكون هذه الدراسة في أربعة مباحث: المبحث الأول: حقيقة الروح القدس في الشرائع الإلهية. المبحث الثاني: مراحل إقرار النصارى ألوهية الروح القدس. المبحث الثالث: مرحلة اعتقاد النصارى ألوهية الروح القدس. المبحث الرابع: الروح القدس والمسيح عند النصارى. المبحث الأول: حقيقة الروح القدس في الشرائع الإلهية الروح القدس من الحقائق الإيمانية الثابتة في الشرائع الإلهية المنزلة على الأنبياء والرسل، فكل أتباع الشرائع الإلهية يعتقدون وجوده والإيمان به، وبيان ذلك فيما يأتي: المطلب الأول: حقيقة الروح القدس عند اليهود: إن التوراة كتاب اليهود المقدس ذكرت الروح مضافة إلى القدس وإلى الله وبدون إضافة، فجاءت الروح بمعنى الوحي بالإلهام، إذ جاء في سفر الخروج: ((وملأته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة)) (2) ، وجاء في سفر حزقيال: ((وحل عليّ روح الرب وقال لي: قل هكذا قال الرب)) (3) ، وفيه أيضاً: ((وأجعل روحي في داخلكم، وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها)) (4) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 وجاءت الروح بمعنى الثبات والنصرة التي يؤيد الله بها من يشاء من عباده المؤمنين، إذ جاء في سفر التكوين عن يوسف عليه السلام: ((فقال فرعون لعبيده هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله، ثم قال فرعون ليوسف بعدما أعلمك الله كل هذا، ليس بصير وحكيم مثلك)) (5) ، وجاء في سفر المزامير على لسان داود عليه السلام: ((لا تطرحني من قدام وجهك، وروح قدسك لا تنزعه مني)) (6) ، وقول النبي أشعياء: ((أين الذي جعل في وسطهم روح قدسه، الذي سير ليمين موسى ذراع مجده)) (7) . وجاءت الروح بمعنى جبريل عليه السلام إذ جاء في سفر أشعياء: ((ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه، فتحول لهم عدواً وهو حاربهم)) (8) . وجاء عن داؤد عليه السلام: ((روح الرب تكلم بي، وكلمته على لساني)) (9) ، وجاء في سفر دانيال: ((وسمعت صوت إنسان بين أولادي فنادى وقال يا جبرائيل فَهِّم هذا الرجل الرؤيا)) (10) ، وفيه أيضاً: ((إذا بالرجل جبرائيل الذي رأيته في الرؤيا في الابتداء ... وقال يا دانيال إني خرجت الآن لأعلمك الفهم)) (11) . وجاء أن الروح تهب القوة والنشاط، إذ جاء في سفر القضاة: ((فحل عليه روح الرب فشقه كشق الجدي وليس في يده شئ)) (12) ، وفيه أيضاً: ((وحل عليه روح الرب فنزل إلى أشقلون وقتل منهم ثلاثين رجلاً وأخذ سلبهم)) (13) ، وفيه أيضاً: ((فكان عليه روح الرب وقضى لإسرائيل وخرج للحرب)) (14) . كما جاءت الروح بمعنى الريح (15) ، وبمعنى روح الإنسان (16) ، وبمعنى الخلق والإحياء (17) ، وبغير ذلك من المعاني. والروح سواء أكانت مضافة إلى الله، أم إلى القدس، أم بدون إضافة، فإن المعنى أنها صادرة عن الله تعالى (18) ، كما تبين لنا ذلك من النصوص السابقة الدالة على معنى حقيقة الروح، وأنها لا تعني سوى ذلك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 واليهود أهل التوراة يعرفون حقيقة معنى الروح، ويعرفون أن الروح القدس هو الذي يأتي بالوحي إلى الأنبياء، وأنه جبريل عليه السلام، وأنه ينفذ أوامر الله، لا يأتي بشيء من عنده، وما هو إلا عبد الله ورسوله، وأحد خلقه من ملائكة الله المقربين، ولكنهم مع كثرة نزوله بالعقاب عليهم لكثرة عصيانهم لله، ومخالفة أمره، كرهوا ملاك الله جبريل، وكرهوا اسمه، واعتبروه عدواً لهم، ومحارباً لهم، فقد ذكرسفر أشعياء هذه العداوة التي ملأت قلوبهم، ونطقت بها أفواههم، إذ جاء فيه: ((إحسانات الرب، اذكر تسابيح الرب حسب كل ما كافأنا به الرب، والخير العظيم لبيت إسرائيل الذي كافأهم به حسب مراحمه وحسب كثرة إحساناته، وقد قال حقاً إنهم شعبي، بنون لا يخونون، فصار لهم مخلصاً، في كل ضيقهم تضايق، وملاك حضرته خلصهم، بمحبته ورأفته هوفكَهم، ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة، ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه، فتحول لهم عدواً وهو حاربهم)) (19) . هذه العداوة من اليهود للروح القدس جبريل عليه السلام جعلتهم يكرهون ذكر اسمه، لذلك فقد اهتم اليهود بسؤال الأنبياء عن الروح الذي يأتي بالوحي من السماء، فإن كان جبريل قاطعوا النبي ولم يسمعوا له، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمع عبد الله ابن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في أرضٍ يخترف، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفاً، قال: جبريل؟ قال: نعم، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: ((من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك)) (20) ... الحديث)) (21) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه، إذ قالوا: الله على نقول وكيل، قال: هاتوا الحديث إلى أن قالوا: صدقت، إنما بقيت واحدة، وهي التي نبايعك إن أخبرتنا بها، فإنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك؟ قال:جبريل عليه السلام قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان، فأنزل الله عز وجل: ((قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك)) إلى قوله: ((فإن الله عدوٌ للكافرين)) (22) . وساق ابن جرير بسنده نحواً من هذا الحديث، ثم ذكر روايات أخرى جاء فيها زعم اليهود أن جبريل عدوهم، وأنه يأتيهم بالشدة وسفك الدماء، والحرب والقتال (23) . فتبين أن هؤلاء اليهود يعرفون حقيقة الروح القدس وأنه جبريل عليه السلام وهو المذكور في كتبهم المنزلة على أنبيائهم. المطلب الثاني: حقيقة الروح القدس عند النصارى: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 أما النصارى وهم أيضاً يعتقدون بقدسية كتب اليهود، وهي جزء من كتابهم المقدس ويسمونه بالعهد القديم، ويؤمنون به كإيمانهم بالعهد الجديد (الأناجيل والرسائل) وهو حجة عليهم فيما ورد فيه عن حقيقة الروح القدس، فقد جاء في الأناجيل والرسائل ما يصدق ما جاء في التوراة عن حقيقة الروح القدس، فقد ذكرت تلك الكتب أن الروح القدس عليه السلام كان مع داود عليه السلام: ((لأن داود نفسه قال بالروح القدس قال الرب لربي)) (24) ، وأن المسيح عليه السلام قال لهم عنه: ((فكيف يدعوه داود بالروح)) (25) ، وأنه نزل بالوحي إلى الأنبياء والرسل، إذ جاء في سفر أعمال الرسل: ((فانصرفوا وهم غير متفقين بعضهم مع بعض لما قال بولس كلمة واحدة إنه حسناً كلم الروح القدس آباءنا بأشعياء النبي، قائلاً اذهب إلى هذا الشعب)) (26) ، وجاء في رسالة بطرس الثانية: ((لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس)) (27) ، وذكر سفر أعمال الرسل عداوة اليهود للروح القدس جبريل عليه السلام إذ جاء فيه: ((يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان أنتم دائماً تقاومون روح القدس، كما كان آباؤكم كذلك أنتم، أي الأنبياء لم يضطهده آباؤكم)) (28) ، ومن صفاته أنه روح الله الحي إذ جاء في رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس: ((جبرائيل روح الله الحي)) (29) ، وفي الإنجيل أنه بشر زكريا بميلاد يوحنا عليهما السلام: ((فظهرله ملاك الرب واقفاً عن يمين مذبح البخور، فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف، فقال له الملاك: لا تخف يا زكريا لأن طلبتك قد سمعت)) (30) ، وأخبره في هذه البشارة أن امرأته ستلد له ابناً وتسميه يوحنا، ويكون له فرحاً وابتهاجاً: ((لأنه يكون عظيماً أمام الرب، وخمراً ومسكراً لا يشرب، ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس)) (31) ، كما أن مريم أم المسيح وجدت حبلى من الروح القدس: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 ((ولما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس)) (32) كما نزل الروح القدس على المسيح عليه السلام، واستمر معه بعد أن عمده يوحنا المعمدان في ماء الأردن: ((ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً، وإذ كان يصلى انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة)) (33) ، وقال يوحنا المعمدان: ((إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقر عليه، وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس)) (34) ، وجاء في الإنجيل: ((وفي تلك الأيام جاء يسوع ... واعتمد من يوحنا في الأردن، وللوقت وهو صاعد من الماء رأى السموات قد انشقت والروح مثل حمامة نازلاً عليه)) (35) كما أن الروح القدس مؤيدٌ للمسيح في دعوته ومعجزاته: ((أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئاً من الروح القدس، وكان يقتاد بالروح في البرية)) (36) ، وجاء أيضاً: ((ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل ..... وكان يعلم في مجامعهم)) (37) ، وفي الإنجيل يقول المسيح عليه السلام: ((روح الرب عليّ لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب)) (38) ، ويتحدث سفر أعمال الرسل عن المعجزات التي أيد الله بها المسيح بواسطة الروح القدس، إذ يقول: ((يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان معه)) (39) ، ففي هذين النصين نجد أن الروح القدس مرادفاً للفظ القوة، أي أنه القوة التي أيد الله بها المسيح عليه السلام واستطاع بهذه القوة شفاء الأمراض، وإجراء المعجزات، بإذن الله تعالى، وهي القوة التي أيد الله بها أنبياءه ورسله، ومن شاء من عباده المؤمنين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 كما أخبر المسيح عليه السلام تلاميذه ورسله، بأن الروح القدس سيلهمهم ويؤيدهم، فقال: ((ولكن احذروا من الناس، لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس، وفي مجامعهم يجلدونكم وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلي، شهادة لهم وللأمم، فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون، لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به، لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم)) (40) ، وقال عليه السلام: ((ومتى قدموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف أوبما تقولون، لأن الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة مايجب أن تقولوه)) (41) . وعند سؤال اليهود للمسيح عليه السلام عن الملاك الذي يؤيده الله به، أخبرهم أنه الروح القدس، فردوا على المسيح رداً قبيحاً، وزعموا أنه روح نجس، ومرة أخرى زعموا أن الروح القدس ((بلعزبول)) يعني رئيس الشياطين، ففي الإنجيل: ((أما الفريسيون فلما سمعوا (أي عن شفاء المسيح للمجنون) قالوا هذا لا يخرج الشياطين إلا ببلعزبول رئيس الشياطين، فعلم يسوع أفكارهم، وقال لهم ... إن كنت أنا ببلعزبول أخرج الشياطين فأبناؤكم بمن يخرجون، لذلك هم يكونون قضاتكم، ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشيطان فقد أقبل عليكم ملكوت الله)) (42) . ثم حذرهم عليه السلام من القول على الروح القدس إنه روح نجس، فقال: ((لذلك أقول لكم كل خطية وتجديف يغفر للناس وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس، ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي)) (34) . وقال أيضاً: ((الحق أقول لكم إن جميع الخطايا تغفر لبني البشر والتجاديف التي يجدفونها، ولكن من جدف على الروح القدس فليس له مغفرة إلى الأبد، بل هو مستوجب دينونة أبدية، لأنهم قالوا إن معه روحاً نجساً)) (44) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 كما أن يوحنا المعمدان أخبر اليهود أن الذي سيأتي من بعده يعمد بالروح القدس، فقال: ((والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجرة، فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار، أنا أعمدكم بماء للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، لذلك لست أهلاً أن أحل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار، الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن، فيحرقه بنار لا تطفأ)) (45) . وهذا الخبر يحمل بشارة، ويظهر أنها دلالة على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ ورد الكثير من البشارات به في التوراة والإنجيل (46) ، ولكن النصارى لما جعلوا المسيح عليه السلام محوراً لكل الأحداث، قالوا إن يوحنا يتكلم هنا عن المسيح، علماً بأن المسيح كان معاصراً ليوحنا ولم يأت بعده، وكان بنفس السن بفارق ستة أشهر في الميلاد، بدليل أن المسيح تعمد بالماء على يد يوحنا، كما ورد في النصوص السابقة من أناجيل متى ولوقا ومرقس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 كما أن (يوحنا) يحيى عليه السلام عرف العلامة على المسيح من نزول الروح القدس عليه مثل حمامة، إذ قال: ((إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقر عليه، وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس)) (47) ، وهذا يدل على أنه أمين الوحي جبريل عليه السلام بدليل قوله: ((فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السموات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه، وصوت من السموات قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت)) (48) ، وهذا الصوت من السموات هو الوحي الذي جاء به جبريل، وهو قوله: ((هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت)) ، والبنوة في هذا النص وفي غيره من النصوص الإنجيلية لا يقصد بها البنوة التناسلية، وإنما يقصد بها حنان الله ورعايته له وقربه من الله، بدليل أن الأناجيل تطلق على تلاميذ المسيح وكل الناس المؤمنين بالله بأنهم أبناء الله (49) . ونزول الروح القدس على المسيح -عليه السلام- على هيئة حمامة، أو نزول غيره من الملائكة على أي هيئة كانت، معلومة عند الأنبياء وأتباعهم، فقد ذكر الله تعالى نزول الملائكة على إبراهيم عليه السلام على هيئة رجال، قال تعالى: ((هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون، فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين، فقربه إليهم قال ألا تأكلون، فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم، فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم، قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم، قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين)) (50) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 وكذلك كان نزول الروح القدس جبريل عليه السلام، على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كان ينزل بعض المرات على هيئته التي خلقه الله عليها (51) ، وينزل في مرات أخرى على هيئة الصحابي الجليل دحية بن خليفة الكلبي (52) . وبهذا يتبين لنا من هذه النصوص حقيقة الروح القدس، وأنه كان مع داود عليه السلام وأنه بشر زكريا، ومريم، وأن يحيى والمسيح عليهما السلام وكذلك تلاميذ المسيح ورسله كان يعضدهم الروح القدس، ويحل عليهم، ومنه يمتلئون، ويؤيدهم بالنصر، كما بينت تلك النصوص أن المسيح عليه السلام حذر اليهود من ألفاظ السوء التي يقولونها على الروح القدس، وأن من يفعل ذلك فلن يغفر له لا في الدنيا ولا في الآخرة. كما بينت تلك النصوص، أن الروح القدس ورد ذكره بمعنى جبريل عليه السلام وبمعنى الوحي الإلهي، وبمعنى النصر والتأييد للمؤمنين، ويبدو أن هذا هو الاعتقاد الذي كان عليه النصارى في حياة المسيح وحواريوه والقرون الثلاثة الأولى لميلاده، بدليل أن الشواهد من مصادرهم الدينية الآنفة الذكر لاتعني سوى ذلك، لأن اعتقادهم ألهيته لم يتقرر إلا بعد رفع المسيح عليه السلام بأربعة قرون، أي في مجمع القسطنطينية سنة 381م، كما سيأتي بيانه. المطلب الثالث: حقيقة الروح القدس عند المسلمين: هذه الصفات للروح القدس حسب المصادر الدينية السابقة هي التي صدقها القرآن الكريم المنزل على خاتم المرسلين، والمصدق لما بين يديه من الكتب السابقة، والمهيمن عليها، فقد جاء الروح في القرآن الكريم، على عدة أوجه (53) : الجزء: 8 ¦ الصفحة: 210 أحدها: الوحي الإلهي، قال تعالى: ((ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون)) (54) ، وقال تعالى: ((وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا)) (55) ، وقال تعالى: ((يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق)) (56) . الثاني: القوة والثبات والنصرة التي يؤيد بها من يشاء من عباده المؤمنين، قال تعالى: ((أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه)) (57) . الثالث: ويأتي الروح بمعنى جبريل عليه السلام قال تعالى: ((نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)) (58) ، وقال تعالى: ((قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله)) (59) ، وهو روح القدس، قال تعالى: ((قل نزله روح القدس من ربك بالحق)) (60) ، وقال تعالى: ((وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس)) (61) ، وقال تعالى: ((إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً)) (62) . الرابع: الروح التي سأل عنها اليهود، فأجيبوا بأنها من أمر الله، قال تعالى: ((يسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي)) (63) ، وقد قيل إنها الروح المذكورة في قوله تعالى: ((يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً)) (64) ، وقال تعالى: ((تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر)) (65) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 الخامس: المسيح بن مريم، قال تعالى: ((إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)) (66) ، وقال تعالى: ((والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين)) (67) ، وقال تعالى: ((ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين)) (68) . ووجه اختصاص إضافة روح عيسى عليه السلام إلى الله تعالى، أنه لما كان الله تعالى خلقه بكلمته، أي خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل عليه السلام إلى مريم فنفخ فيها من روحه بإذن ربه عز وجل فكان عيسى بإذنه عز وجل، وكانت تلك النفخة التي نفخها في جيب درعها، فنزلت حتى ولجت فرجها بمنزلة لقاح الأب والأم، والجميع مخلوق الله عز وجل، ولهذا قيل لعيسى: إنه كلمة الله وروح منه، لأنه لم يكن له أب تولد منه، وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له بها كن فكان، والروح التي أرسل بها جبريل عليه السلام قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: ((وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)) ، هو كقوله: ((كن فيكون)) (69) . قال ابن أبي حاتم: ((وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)) قال: ليس الكلمة صارت عيسى، ولكن بالكلمة صار عيسى)) (70) . إنها الكلمة التي جاء بها جبريل إلى مريم، فنفخ فيها بإذن الله فكان عيسى عليه السلام قال البخاري بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من شهد أن لا إله إلا الله، وحده لاشريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ماكان من العمل)) (71) ، فقوله في الآية والحديث ((وروح منه)) كقوله تعالى: ((وسخر لكم ما في السموت وما في الأرض جميعاً منه)) (72) ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 أي: من خلقه ومن عنده، وليست من للتبعيض كما تقوله النصارى.. بل هي لابتداء الغاية، وقال مجاهد في قوله ((وروح منه)) أي: رسول منه، وقال غيره: ومحبة منه، والأظهر الأول وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله: ((هذه ناقة الله)) (73) ، وفي قوله: ((وطهر بيتي للطائفين)) (74) ، وكما روي في الحديث الصحيح: ((فأستأذن على ربي في داره)) (75) ، أضافها إليه إضافة تشريف، وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد (76) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 ويقول الإمام القرافي (77) رحمه الله في معنى الروح: ((إن الروح اسم للريح الذي بين الخافقين، يقال لها ريح وروح لغتان، وكذلك في الجمع رياح وأرواح، واسم لجبريل عليه السلام، وهو المسمى بروح القدس، والروح اسم للنفس المقومة للجسم الحيواني ... إن معنى الروح المذكورة في القرآن الكريم في حق عيسى عليه السلام، هو الروح الذي بمعنى النفس المقومة لبدن الإنسان، ومعنى نفخ الله تعالى في عيسى عليه السلام من روحه، أنه خلق روحاً نفخها فيه، فإن جميع أرواح الناس يصدق أنها روح الله، وروح كل حيوان هي روح الله تعالى، فإن الإضافة في لسان العرب تصدق حقيقة بأدنى الملابسة، كقول أحد حاملي الخشبة للآخر: طرفي مثل طرفك، وشل طرفك: يريد طرف الخشبة، فجعله طرفاً للحامل، ويقول: طلع كوكب زيد، إذا كان نجم عند طلوعه يسري بالليل، ونسبة الكوكب إليه نسبة المقارنة فقط، فكيف لا يضاف كل روح إلى الله تعالى وهو خالقها ومدبرها في جميع أحوالها؟ وكذلك يقول بعض الفضلاء: لما سئل عن هذه الآية، فقال: نفخ الله تعالى في عيسى عليه السلام روحاً من أرواحه، أي: جميع أرواح الحيوان أرواحه، وأما تخصيص عيسى عليه السلام بالذكر، فللتنبيه على شرف عيسى عليه السلام، وعلو منزلته، بذكر الإضافة إليه، كما قال تعالى: ((إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان)) (78) ، و ((إن عبادي ليس لك عليهم سلطان)) (79) ، مع أن الجميع عبيده، وإنما التخصيص لبيان منزلة المخصص)) (80) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 لكن النصارى مع هذه البينات الصريحة الواضحة عن حقيقة الروح القدس المذكورة في كتب الله السابقة واللاحقة، يأبى عليهم ضلالهم وانحرافهم عن الحق إلا تحريف مثل هذه النصوص المحكمة، وتأويلها على غير مراد الله عز وجل، أحدثوا ذلك وأقروه في مجامعهم بعد عدة قرون من رفع المسيح عليه السلام فأولوا تلك النصوص وحرفوها، وحرفوا الكثير من أحكام تلك الكتب لتوافق اعتقادهم ألوهية المسيح وألوهية الروح القدس، فأحدثوا عقيدة التثليث الذي يتكون عندهم من الآب والابن والروح القدس، وغير ذلك الكثير مما حرفوه وبدلوه، وخالفوا فيه كتب الله المنزلة. المبحث الثاني: مراحل إقرار النصارى ألوهية الروح القدس بعد أكثر من ثلاثة قرون من رفع المسيح عليه السلام اجتمع الخلف من النصارى في نيقية سنة 325 م، وصدر عن هذا الاجتماع أول قانون إيمان مقدس لهم، أقروا فيه اعتقاد ألوهية المسيح عليه السلام كما أشاروا فيه إلى الروح القدس بقولهم: ((ونؤمن بالروح القدس)) (81) دون أن يذكروا حقيقته والأعمال الموكولة إليه، وإنما أعلنوا إيمانهم به فقط، ولعل عدم ذكرهم لحقيقته لأجل تبرئة أنفسهم من الافتراء اليهودي على الروح القدس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 وبعد أكثر من خمسين سنة عقدوا مجمعاً آخر في مدينة القسطنطينية سنة 381م، فأقروا قانون الإيمان السابق في نيقية، ثم أضافوا الاعتقاد بألوهية الروح القدس، مع بيان بعض صفاته، فقالوا: ((ونؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب والابن مسجود له وممجد، الناطق في الأنبياء)) (82) ، وجاء أيضاً عن صفات الروح القدس حسب تعبير أحد قديسيهم القدماء قوله: ((الناطق بالناموس، والمعلم بالأنبياء الذي نزل إلى الأردن ونطق بالرسل، وهو يحل في القديسين، وهكذا نؤمن به أي أنه الروح القدس روح الله)) (83) ، كما جاء في قاموس كتابهم المقدس: ((ويعلمنا الكتاب المقدس بكل وضوح عن ذاتيةالروح القدس، وعن ألوهيته، فنسب إليه أسماء الله كالحي، ونسب إليه الصفات الإلهية كالعلم، ونسب إليه الأعمال الإلهية كالخلق، ونسب إليه العبادة الواجبة لله، وإذ حبلت السيدة العذراء حبل بالمسيح فيها من الروح القدس، ولما كتب الأنبياء والرسل أسفار الكتاب المقدس، كانوا مسوقين من الروح القدس، الذي أرشدهم فيما كتبوا، وعضدهم وحفظهم من الخطأ، وفتح بصائرهم في بعض الحالات ليكتبوا عن أمور مستقبلة)) (84) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 وبعد أن أقروا في مجمع القسطنطينية قانون مجمع نيقية السابق المتضمن اعتقاد ألوهية المسيح، ثم إضافتهم اعتقاد ألوهية الروح القدس، فقد اكتملت عند النصارى الأقانيم الثلاثة، لكن ذلك لم يحل دون وجود من ينكر بعض هذه الاعتقادات المنافية للتوحيد، فقد كان سبب عقد مجمع القسطنطينية الآنف الذكر الذي أضافوا فيه الاعتقاد بألوهية الروح القدس، أن أسقف القسطنطينية البطريرك مكدونيوس ينكر ألوهية الروح القدس، ويعتقد أنه كسائر المخلوقات، وخادم للابن كأحد الملائكة، وقد ناقشه المجمع، ثم أصدر قراراً بحرمانه وحرمان دعوته، وتجريده من رتبته الدينية (85) ، وهذا يدل على وجود دعاة التوحيد، ومعارضتهم للاعتقادات المنافية له، التي تنسب الألوهية لغير الله. ثم ظهر الاختلاف حول أم المسيح عليه السلام حيث ظهر من يدعو بأن مريم لاتدعى أم الإله، بل أم الإنسان، وأحدث هذا نزاعاً شديداً بين كنائس النصارى، لأن صاحب هذه الدعوة هو البطريرك نسطور بطريرك كنيسة القسطنطينية.ولأجل حل النزاع في هذه القضية عقدوا مجمع أفسس الأول سنة 431م، وصدر عنه القرار الآتي: ((نعظمك يا أم النور الحقيقي، ونمجدك أيتها العذراء المقدسة، والدة الإله، لأنك ولدت لنا مخلص العالم، أتى وخلص نفوسنا، المجد لك ياسيدنا وملكنا المسيح، فخر الرسل، إكليل الشهداء، تهليل الصديقين، ثبات الكنائس، غفران الخطايا، نبشر بالثالوث المقدس، لاهوت واحد، نسجد له ونمجده)) (86) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 ثم ظهر الاختلاف حول طبيعة المسيح بعد اعتقادهم ألوهيته، فعقدوا مجمعاً في خلقدونية سنة 451م، فقرر الكاثوليك الاعتقاد أن للمسيح طبيعتين ومشيئتين، طبيعة إنسانية كاملة، وطبيعة إلهية كاملة، ومشيئة إنسانية كاملة، ومشيئة إلهية كاملة، وأن الأب مستقل بأقنومه، والمسيح مستقل بأقنومه، وهما متساويان في اللاهوت فقط، وقد رفض الأرثوذكس هذه العقيدة وزعموا أن المسيح هو الله (تعالى الله عن قولهم) ، وقالوا: إن للمسيح طبيعة إلهية واحدة ومشيئة إلهية واحدة، فقرر أساقفة روما مع بعض أساقفة الشرق الحكم بعزل بطريرك الإسكندرية ونفيه؛ لأنه كان يدعي أن للمسيح طبيعة واحدة، ثم نادوا بعقيدة الطبيعتين والمشيئتن، وبعدها رفضت كنيسة الإسكندرية قرارات مجمع خلقدونيه، كما رفضت قرارات المجامع التي عقدت في القسطنطينية بعد ذلك سنة 553 م، وسنة 610 م، وسنة 786م، لمخالفة الذين اشتركوا فيها مع عقيدتهم بأن للمسيح طبيعة واحدة ومشيئة واحدة (87) . ثم ظهر نزاع آخر بين النصارى بسبب الاختلاف بينهم حول انبثاق الروح القدس، هل هو من الأب فقط، أم من الأب والابن؟ فعقدوا لذلك مجمعاً لحل النزاع في هذه القضية في طليطلة بأسبانيا سنة 589م، فأقروا فيه نفس قانون الإيمان السابق، ثم أضافوا الاعتقاد بانبثاق الروح القدس من الابن أيضاً، وقد أصبحت هذه الزيادة هي عقيدة الكنائس الغربية الكاثوليكية والإنجيلية التي تنص على انبثاق الروح القدس من الأب والابن، ورفضت الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية هذه الزيادة،وظلت متمسكة باعتقاد أن الروح القدس منبثق من الأب وحده (88) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 ويلاحظ المتتبع لمراحل تكوين العقائد النصرانية كثرةعقد المجامع الدينية التي تصدر قرارات جديدة بإضافات حول العقيدة، وسبب ذلك كثرة المعارضين للعقائد الدخيلة من أنصار دعوة التوحيد، أو من الذين ما زالوا على بقايا من دعوة المسيح، أو من الذين لم يعتقدوا هذه العقيدة أو تلك، فمنهم من ينكر لاهوت المسيح، ومنهم من ينكر لاهوت الروح القدس، ومنهم من ينكر وجود الأقانيم الثلاثة، ومنهم من ينكر عقيدة الصلب والفداء، ويعتقد أن خطيئة آدم قاصرة عليه، ولم تنتقل إلى نسله، وهذه الظاهرة هي السبب في تعدد عقد المجامع، لأن أنصار كل فريق يعقدون اجتماعاً للرد على أنصار الفريق الآخر وإبطال قوله، والنتيجة تنتهي ليس بكثرة العدد وقوة الحجة وموافقة الحق، وإنما بقرار من رجال الدين الذين تدعمهم السلطة السياسية، بما تتفق أهواؤهم ومصالحهم عليه، ثم يحسم الأمر ويتقرر في النهاية أي الفريقين يفوز بالتأييد، وفي كثير من الأحيان تتدخل السلطة السياسية بحسم الأمر حسب ماتراه محققاً لوحدة الا مبراطورية من التمرزق والانقسام. وشاهد ذلك أن الامبراطور قسطنطين قد أعلن ميوله وعطفه على النصارى من أجل الحفاظ على مقومات النصر على خصمه، فأعلن دفاعه عن مذهب أثناسيوس القائل بالتثليث حينما كانت عاصمة دولته في روما، ومن أجل ذلك رأس مجمع نيقية سنة 325م، وتذكر مصادر النصارى أن أولئك الثلاثمائة والثمانية عشر لم يكونوا مجمعين على القول بألوهية المسيح، ولكن اجماعهم كان تحت سلطان الإغراء بالسلطة الذي قام به قسطنطين بدفعه إليهم شارة ملكه ليتحكموا في المملكة، فقد دفعهم حب السلطان إلى أن يوافقوا هوى قسطنطين الذي ظهر في عقد مجلس خاص بهم دون الباقين، لاعتقاده إمكان إغرائهم، فأمضى أولئك ذلك القرار تحت سلطان الترغيب أو الترهيب، أوهما معاً، وبذلك قرروا ألوهية المسيح، وقسروا الناس عليه بقوة السيف ورهبة الحكام (89) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 وحينما صدر قرار مجمع نيقية ضد أريوس وحرمانه، وتجريده من رتبته الدينية، صدَق قسطنطين على ذلك القرار. فلما عزم الامبراطور قسطنطين على نقل عاصمة دولته من روما إلى القسطنطينية، والتي يوجد فيها أكثرية نصرانية تعتنق مذهب أريوس، أحضره وعفا عنه، يقول فاسيليف: ((عندما شرع قسطنطين في نقل عاصمته إلى الشرق، وأحس بالحاجة إلى استرضاء سكان القسم الشرقي من الامبراطورية لم يجد غضاضة في تغيير عقيدته أوميوله نحو المذهب الأريوسي)) (90) . فاستدعى أريوس من منفاه سنة 327م، وعقد له مجمع صور سنة 334م، وألغى قرار الطرد (91) . ويقال: إن أول امبراطور تعمد باسم الثالوث حسب عقيدة النصارى، هو الامبراطور ثيودوسيوس الكبير الذي رعى عقد مجمع القسطنطينية (92) ، وأنه وقادة الكنيسة تنفسوا الصعداء وشعروا كما شعر الامبراطور قسطنطين وقادة الكنيسة بعد قبول قانون الإيمان النيقوي في سنة 325م، بسرور وارتياح عظيمين؛ لأنهم ظنوا بأن مجمع نيقية استطاع أن يستأصل الهرطقة من جذورها، وأن يعيدوا الوحدة إلى الامبراطورية وإلى الكنيسة المهددتين بالانقسام والاضطراب (93) . وعندما تقرر رسمياً إقرار الاعتقاد بألوهية الروح القدس في مجمع القسطنطينية سنة 381م، أصدر الامبراطور ثودوسيوس الكبير مرسوماً أعلن فيه: ((حسب تعليم الرسل وحق الإنجيل، يجب علينا أن نؤمن بلاهوت الأب والابن والروح القدس، المتساوي في السلطان، وكل من يخالف ذلك يجب عليه أن ينتظر منا العقوبات الصارمة التي تقتضي سلطتنا بإرشاد الحكمة السماوية أن نوقعها به، علاوة على دينونة الله العادل)) (94) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 ويستنتج زكي شنودة في آخر البحث الخامس الذي عقده للحديث عن المجامع: ((أن هذه المجامع كانت في بداية أمرها وسيلة للدفاع عن الإيمان المسيحي، ثم لم تلبث أن أصبحت بعد ذلك أداة في يد الامبراطور لتنفيذ أغراضه، مستغلاً في ذلك مطامع الأساقفة وطموحهم إلى الجاه والنفوذ والسلطان، وهكذا أصبحت المجامع أداة هدم بعد أن كانت أداة بناء، وقد فتحت الباب على مصراعيه للخصومة بين المسيحيين في البلاد المختلفة)) (95) . ولكن استنتاجه هذا يرفضه سرده هو للأحداث، فإن المجامع من أول لحظة عقدت فيها وهي تحت سلطان الدولة، وشواهد ذلك من كلامه إذ يقول: ((وقد عقد في نيقية عاصمة بثينية بآسيا الصغرى في 20 مايو سنة325ميلادية بأمر الامبراطور قسطنطين الكبير وقد حضره بنفسه)) (96) ، ويقول: ((وعند افتتاح جلسات المجمع دخل الامبراطور قسطنطين وتصدر الاجتماع، ثم ألقى خطاباً حض فيه على فض المشاكل بالحكمة)) (97) ، وقال في مجمع القسطنطينية سنة 381 م: ((وقد عقد في مدينة القسطنطينية بأمر الامبراطور ثاؤدوسيوس الكبير)) (98) ، وقال في مجمع أفسس الأول سنة 431 م: ((وقد عقد في مدينة أفسس بأمر الامبراطور ثاؤدوسيوس)) (99) ، وقال في مجمع أفسس الثاني سنة 449 م: ((وقد عقد مجمع أفسس الثاني سنة 449 ميلادية بأمر الامبراطور تاؤدوسيوس)) (100) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 أما في مجمع خلقدونية سنة 451 م فلم يذكر اسم الامبراطور الذي أمر بانعقاده (101) ، فدلت هذه الشواهد على أن ما قاله زكي شنودة ليس مستقيماً؛ لأن المجامع كلها التي تعترف بها الكنيسة القبطية كانت بأمر الامبراطور، والمؤرخون السياسيون يقررون أن الأباطرة جميعاً استخدموا الدين سلاحاً لكسبهم السياسي، ولو كانت المجامع حقاً للدفاع عن الإيمان لما تركت الدين القويم الذي جاء به المسيح عليه السلام، ولما تركت أعمال الحواريين الذين كانوا على الدين الحق، التي لا يوجد شىء منها في قانون الإيمان المقدس عندهم، ولا في وقائع عمل المجامع خاصة فيما يتعلق بالعقيدة التي هي لب الإيمان (102) . وبعد هذا العرض لمراحل إقراراعتقاد ألوهية الروح القدس عند النصارى نستنتج مايأتي: 1 إقرارهم في مجمع نيقية سنة 325 م، الإيمان بروح القدس، فقالوا: ((ونؤمن بالروح القدس)) دون أن يذكروا حقيقته والأعمال الموكولة إليه. 2 إقرارهم في مجمع القسطنطينية سنة 381 م، إضافة الاعتقاد بألوهية الروح القدس، مع إضافة بعض صفاته، فقالوا: ((ونؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب والابن مسجود له وممجد، الناطق في الأنبياء)) ، كما جاء عن أحد قديسيهم، وكذا في قاموس كتابهم المقدس تفصيلات أكثر وضوحاً عن صفات الروح القدس، والأعمال الموكولة إليه، كما سبق الإشارة إلى ذلك. 3 أن من النصارى من ينكراعتقاد ألوهية الروح القدس، كأسقف القسطنطينية البطريرك مكدونيوس،الذي يعتقد أنه كسائر المخلوقات، وخادم للابن كأحد الملائكة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 4 اختلاف النصارى حول طبيعة المسيح، بعد إقرارهم اعتقاد ألوهيته، هل هو ذو طبيعتين ومشيئتين إلهية وإنسانية، أم ذو طبيعة واحدة ومشيئة واحدة إلهية وإنسانية؟ واختلافهم أيضاً حول انبثاق الروح القدس، هل هو من الآب فقط، أم من الآب والابن؟ وكان هذا الاختلاف حول طبيعة المسيح وانبثاقه، سبب انقسام النصارى إلى طوائف متعددة، كل طائفة تنكر ما عليه الطائفة الأخرى. 5- كثرة عقد المجامع في مراحل تكوين العقائد النصرانية التي تصدر عنها قرارت أخرى بإضافة عقائد جديدة، وذلك بسبب كثرة المعارضين للعقائد الدخيلة من أنصار دعوة التوحيد، أومن الذين مازالوا على بقايا من دعوة المسيح عليه السلام. 6- اضطراب ميول الأباطرة بين تأييد أصحاب العقائد التي تتفق مع وثنيتهم السابقة، وبين ما يحقق الوحدة إلى إمبراطوريتهم ويجنبها الانقسام والاضطراب، بدليل دعوتهم لعقد هذه المجامع ورعايتهم لها، وتأييدهم ما يرونه محققاً لأهدافهم الشخصية والسياسية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 ومن هذا يتبين ضلال النصارى واختلافهم في مراحل إقرار ألوهية الروح القدس،وأنهم ليسوا على شئ، حتى يقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم، إذ قد أقروا ببعض الحق وضلوا عن أكثره، فحين أقروا ببعض الأعمال والوظائف الموكولة إلى الروح القدس، والصفات التي وصفوه بها، وهي قولهم: الناطق في الأنبياء، الناطق بالناموس، والمعلم بالأنبياء، الذي نزل إلى الأردن ونطق بالرسل، روح الله، الذي حبلت منه السيدة العذراء، الذي يؤيد الله به من يشاء من عباده، ويعضدهم ويحفظهم، ويلهمهم، فهذه من صفات الروح القدس جبريل عليه السلام وهذا هو الحق الذي دلت عليه نصوص كتبهم المقدسة من التوراة والإنجيل، وهو الذي يجعله الله في قلوب الأنبياء، هذا إذا كان الروح القدس ليس صفة الله حسب اعتقادهم ألوهيته، لأن صفة الرب القائمة به لاتنطق في الأنبياء، ولاتقوم بتلك الأعمال التي ذكروها، بل هذا كله صفة جبريل عليه السلام وهو الروح القدس كما هو مذكور في الكتب الإلهية، الذي يجعله الله في قلوب الأنبياء بإلهام الوحي الإلهي، وبالقوة والثبات والنصرة التي يؤيد الله بها من يشاء من عباده المؤمنين كما تبين لنا أن مراحل إقراراعتقاد النصارى ألوهية المسيح عليه السلام وألوهية الروح القدس، وما تمخض عن هذه العقائد من إضافات عقدية واختلافات حولها في أروقة مجامعهم المقدسة، كانت بدافع الرغبة في السلطان من قبل رجال الدين، بإغراء من سلطة الأباطرة، الذين يؤيدون ما يتفق مع رغباتهم وميولهم، وما يتصورون أن يحقق الأمن والاستقرار لوحدة دولتهم من التمزق والانقسام،الذي ينتج عن الاختلافات العقدية، فكانت تلك القرارت العقدية تحت سلطان الترغيب والترهيب، الذي أدى إلى انحراف النصرانية عن مسارها الصحيح كما أنزلها الله على عبده ورسوله عيسى بن مريم، وآمن به أتباعه من بعده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 أما مرحلة اعتقادهم ألوهية الروح القدس بعد مراحل إقرار ألوهيته في مجمع القسطنطينية، بعد هذه المدة التي تجاوزت أكثر من ثلاثة قرون من رفع المسيح عليه السلام فهو مردود وباطل، كما سنعرف ذلك في المباحث القادمة إن شاء الله. المبحث الثالث: مرحلة اعتقاد النصارى ألوهية الروح القدس تقررت عقيدة ألوهية الروح القدس عند النصارى في الاجتماع الذي عقد لهذا الغرض، في القسطنطينية سنة 381م، وأصبحت هذه الإضافة الجديدة التي لم تكن في قانون الإيمان الصادر عن مجمع نيقية سنة 325م، من أصول الإيمان في عقيدتهم، وبه اكتملت الأقانيم الثلاثة المكونة من الآب والابن والروح القدس، وأصبحت عقيدة التثليث دين النصرانية حسب قانون إيمانهم المقدس، واعتبره النصارى: ((هو القانون المعبر عن الإيمان المسيحي الحقيقي، وبناء على ذلك فمن يخالف تعاليم هذا القانون يخالف الإيمان المسيحي ويجب حرمانه)) (103) . يقول زكي شنودة: ((وقد أجمع المسيحيون فيما عقدوه إبان القرن الرابع من مجامع عالمية أو مسكونية كما اعتادوا أن يسموها على وضع قانون للإيمان يتضمن المعتقد الصحيح لكل المسيحيين، ويقطع السبيل على كل من يحاول تغيير أمر أو تفسير أمر على غير مقتضى هذا القانون، وقد درج المسيحيون جميعاً منذ وضع هذا القانون في القرن الرابع الميلادي إلى اليوم على التمسك به وتلاوتة أثناء الصلاة في كل كنائس العالم دون استثناء)) (104) . ثم تحدث عن اعتقاد ألوهية الروح القدس فقال: ((هو الأقنوم الثالث من اللاهوت الأقدس، وهو مساوٍ للآب والابن في الذات والجوهر والطبع وكل فضل اللاهوت، وهو روح الله، وحياة الكون ومصدر الحكمة والبركة، ومنبع النظام والقوة، ولذلك فهو يستحق العبادة الإلهية، والمحبة والإكرام والثقة مع الآب والابن)) (105) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 ويقول القس يسي منصور: ((إن الروح القدس هو الله الأزلي، فهو الكائن منذ البدء قبل الخليقة، وهو الخالق لكل شيء، والقادر على كل شيء، والحاضر في كل مكان، وهو السرمدي غير المحدود)) (106) ، ويقول في موضع آخر: ((إن الروح القدس هو الأقنوم الثالث في اللاهوت، وهو ليس مجرد تأثير أو صفة أو قوة، بل هو ذات حقيقي، وشخص حي، وأقنوم متميز ولكنه غير منفصل، وهو وحدة أقنومية غير أقنوم الآب وغير أقنوم الابن، ومساوٍ لهما في السلطان والمقام، ومشترك وإياهما في جوهر واحد ولاهوت واحد)) (107) . فالأقانيم الثلاثة على زعمهم هي: الذات والنطق والحياة، فالذات هو الآب، والنطق أو الكلمة هو الابن، والحياة هي الله روح القدس، ومعنى ذلك في عقيدتهم: أن الذات والد النطق أو الكلمة، والكلمة مولودة من الذات، والحياة منبعثة من الذات حسب اعتقاد الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، أو منبعثة من الذات والكلمة حسب اعتقاد الكنيسة الكاثوليكية والإنجيلية (108) . ويزعم النصارى أن دليلهم على اعتقاد ألوهية الروح القدس مستمدة من كتابهم المقدس، وأن كل النصوص التي ورد فيها ذكر الروح القدس دليلاً على ألوهيته (109) ، وقد سبق ذكر بعض هذه النصوص ومناقشتها في شواهد سابقة، وسيأتي ذكر بعضها ومناقشتها في شواهد لاحقة، إن شاء الله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 ولكن الناظر والمدقق في منطوق هذه النصوص ومفهومها يلاحظ أنه لا يوجد فيها ما يؤيد معتقدهم، فقد ضلوا في الوصول إلى الحق المراد منها، فكان ذلك سبب ضلالهم، لأنهم اعتمدوا على الألفاظ المتشابهة المنقولة عن الأنبياء، وعدلوا عن الألفاظ الصريحة المحكمة وتمسكوا بها، وهم كلما سمعوا لفظاً لهم فيه شبهة تمسكوا به وحملوه على مذهبهم، وإن لم يكن دليلاً على ذلك، والألفاظ الصريحة المخالفة لذلك، إما أن يفوضوها، وإما أن يتأولوها كما يصنع أهل الضلال يتبعون المتشابه من الأدلة العقلية والسمعية، ويعدلون عن المحكم الصريح من القسمين (110) . وسنذكر بعض الأمثلة عن تأويلهم قضايا عقدية أخرى غير قضية الروح القدس، تبين منهجهم في التأويل وصرف المعنى عن دلالته الصريحة الواضحة، إلى تأويلات باطلة، ولكنها حسب منهجهم صحيحة طالما أنها تؤدي إلى مطلوبهم كما يعتقدون، ومن هذه الأمثلة على تأويلهم لنصوص كتابهم المقدس، مايأتي: المطلب الأول: تأويل نصوص التوراة: يزعم القس بوطر في رسالة صغيرة، سماها الأصول والفروع، ان الله عز وجل بعد أن خلق الإنسان لبث حيناً من الدهر لا يعلن له سوى ما يختص بالوحدانية لله من خلال التوراة، ويزعم أن المدقق فيها يرى إشارات وراء الوحدانية، يعني على زعمه أنها تدل على عقيدتهم في التثليث الأب والابن والروح القدس وغير ذلك من المعتقدات التي تأولوا نصوص التوراة للتدليل عليها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 يقول القس بوطر: ((بعدما خلق الله العالم، وتوج خليقته بالإنسان، لبث حيناً من الدهر لا يعلن له سوى ما يختص بوحدانيته، كما يتبين ذلك من التوراة، على أنه لا يزال المدقق يرى بين سطورها إشارات وراء الوحدانية، لأنك إذا قرأت فيها بإمعان تجد هذه العبارات: ((كلمة الله أو حكمة الله، أو روح القدس)) ولم يعلم من نزلت إليهم التوراة ما تكنه هذه الكلمات من المعاني، لأنه لم يكن قد أتى الوقت المعين الذي قصد الله فيه إيضاحها على وجه الكمال والتفصيل، ومع ذلك فمن يقرأ التوراة في ضوء الإنجيل يقف على المعنى المراد، إذ يجدها تشير إلى أقانيم في اللاهوت، ثم لما جاء المسيح إلى العالم أرانا بتعاليمه وأعماله المدونة في الإنجيل أن له نسبة سرية أزلية إلى الله، تفوق الإدراك، ونراه مسمى في أسفار اليهود: ((كلمة الله)) وهي ذات العبارة المعلنة في التوراة، ثم لما صعد إلى السماء أرسل روحاً، ليسكن بين المؤمنين، وقد تبين أن لهذا الروح أيضاً نسبة أزلية إلى الله فائقة، كما للابن، ويسمى الروح القدس، وهو ذات العبارة المعلنة في التوراة كما ذكرنا، ومما تقدم نعلم بجلاء أن المسمى بكلمة الله، والمسمى بروح الله في نصوص التوراة هما المسيح والروح القدس المذكوران في الإنجيل، فما لمحت إليه التوراة صرح به الإنجيل كل التصريح، وإن وحدة الجوهر لا يناقضها تعدد الأقانيم، وكل من أنار الله ذهنه وفتح قلبه لفهم الكتاب المقدس لا يقدر أن يفسر الكلمة بمجرد أمر من الله أو قول مفرد، ولا يفسر الروح بالقوة التأثيرية، بل لابد له أن يعلم أن في اللاهوت ثلاثة أقانيم متساوين في الكلمات الإلهية، وممتازين في الاسم والعمل، والكلمة والروح القدس إثنان منهم، ويدعى الأقنوم الأول الآب، ويظهر من هذه التسمية أنه مصدر كل الأشياء ومرجعها، وأن نسبته للكلمة ليست صورية بل شخصية حقيقية، ويمثل للأفهام محبته الفائقة، وحكمته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 الرائعة، ويدعى الأقنوم الثاني الكلمة، لأنه يعلن مشيئته بعبارة وافية، وأنه وسيط المخابرة بين الله والناس، ويدعى أيضاً الابن، لأنه يمثل العقل نسبة المحبة، والوحدة بينه وبين أبيه، وطاعته الكاملة لمشيئته، والتمييز بين نسبته هو إلى أبيه، ونسبة كل الأشياء إليه، ويدعى الأقنوم الثالث الروح القدس، الدلالة على النسبة بينه وبين الآب والابن، وعلى عمله في تنوير أرواح البشر، وحثهم على طاعته ... وبناء على ما تقدم يظهر جلياً أن عبارة الابن لا تشير كما فهم بعضهم خطأ إلى ولادة بشرية، ولكنها تصف سرية فائقة بين أقنوم وآخر في اللاهوت الواحد، وإذا أراد الله أن يفهمنا تلك النسبة لم تكن عبارة أنسب من الابن للدلالة على المحبة والوحدة في الذات)) (111) . يقول الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله ونجد كاتب هذا الكلام يحاول ثلاث محاولات: أولاها: إثبات أن التوراة وجد فيها أصل التثليث، لوحت به ولم تصرح، أشارت إليه، ولم توضح. وثانيها: أن في اللاهوت ثلاثة أقانيم، وهي في شعبها متغايرة وإن كانت في جوهرها غير متغايرة. وثالثها: أن العلاقة بين الآب والابن ليست ولادة بشرية، بل هي علاقة المحبة والاتحاد في الجوهر (112) . ومن الأمثلة على تحريف نصوص التوراة قول القس يسي منصور: ((إذا قالت التوراة: ((وقال الله نصنع الإنسان على صورتنا كشبهنا)) (113) ، كان ضمير الجمع (نا) الذي تحدث به الله عن نفسه، فإن الله لم يتكلم بصيغة الجمع إلا باعتباره ثلاثة في واحد. وإذا قالت التوراة: ((فقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا، عارفاً الخير والشر)) (114) ، كان المتكلم هو الله ممثلاً في أقانيمه الثلاثة. وإذا قالت التوراة: ((منذ وجوده أنا هناك.. ولأن السيد الرب أرسلني وروحه)) (115) ، فمفهوم هذا أن ضمير (نا) يشير إلى الابن، و ((السيد الرب)) يشير إلى الأب، ((وروحه)) هو روح القدس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 وإذا قالت التوراة على لسان موسى مخاطباً الأسباط الإثنى عشر، معلناً فيهم وصايا الله لهم: ((وهكذا تباركون إسرائيل قائلين لهم: يباركك الرب ويحرسك، يضئ الرب بوجهه عليك ويرحمك، يرفع الرب بوجهه عليك ويمنحك سلاماً، فيجعلون اسمي على بني إسرائيل وأنا أباركهم)) (116) ، كان تأويل هذا هكذا: الله الأب يظهر محبته ويحرسهم، وربنا يسوع المسيح يظهر نعمته ويرحمهم، والروح القدس يظهر شركته ويمنحهم سلاماً)) (117) ، وهذا التأويل لا شك أنه من الضلال عن الحق، إذ ليس في تلك النصوص التي استشهد بها ما يشير إلى الأقانيم الثلاثة حسب زعمهم بل إن جميع أسفار العهد القديم لا يوجد فيها ما يؤيد معتقدهم في التثليث، بدليل اعترافهم أنفسهم بذلك، إذ يقول أحدهم: ((إن التعليم عن الروح القدس كأقنوم إلهي في الثالوث القدوس لم يرد في العهد القديم بشكل واضح، شأنه شأن التعليم عن الثالوث الإلهي نفسه، ولكن الروح القدس ذكر في العهد القديم في عدة مواضع)) (118) ، وهذا يعني أن تأويلهم للنصوص بما يوافق معتقدهم من الظن والقول بغير علم، والدليل إذا دخله الاحتمال بطل به الاستدلال. ومن تأويلهم للنصوص زعمهم أن ما تحدثت به التوراة عن ((ملاك الرب)) المقصود به الرب ذاته، يقول عوض سمعان: ((إن كلمة ملاك أو ملاك الرب وردت في الكتاب المقدس مراد بها اسم الرب أو الله، فقد قال زكريا النبي: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 ((مثل الله مثل ملاك الرب)) (119) ، وقال الوحي عن يعقوب: ((جاهد مع الله، جاهد مع الملاك)) (120) ، وقال يعقوب عندما رأى ولدي يوسف: ((الله الذي رعاني، الملاك الذي خلصني، يبارك الغلامين)) (121) ، ثم يعلق عوض سمعان على هذه النصوص بقوله: ((إن كلمة (ملاك) ليست في الأصل اسماً للمخلوق الذي يعرف بها، بل إنها اسم للمهمة التي يقوم بها، وهذه المهمة هي تبليغ الرسائل، فالاصطلاح (ملاك الرب) معناه حسب الأصل: ((المبلغ لرسائل الرب)) ولما كان الرب هو خير من يقوم بتبليغ رسائله؛ لأن كل ما عداه محدود، والمحدود لا يستطيع أن يعلن إعلاناً كاملاً ذات أو مقاصد غير المحدود، لذلك يحق أن يسمى الرب من جهة ظهوره لتبليغ رسائله ((ملاك الرب)) بمعنى المعلن لمقاصده أو المعلن لذاته، وبالحري بمعنى ((ذاته معلناً أو متجلياً)) لأنه لا يعلن ذات الله سوى الله)) (122) . هذا التأويل الباطل الذي جاء به النصارى لنصوص التوراة بعد أكثر من ألفي سنة من نزولها على موسى عليه السلام، وعلى الأنبياء من بعده، لم يكن هذا التأويل معروفاً عند من نزلت عليهم، بل كانوا على علم أن الذي يأتيهم بالوحي ويتحدث إليهم هم ملائكة الله، وليس الله ذاته، وكذلك لم يكن هذا التأويل معروفاً عند اليهود وهم أهل التوراة الذين لم يفهموا منها سوى ما بلغهم به أنبياؤهم، بدليل ماسبق ذكره عند الحديث عن حقيقة الروح القدس عند اليهود في المطلب الأول من المبحث الأول. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 وكذلك أناجيل النصارى التي تحدثت عن وجود الملائكة، وعددهم ووظائفهم، ورسالتهم، لم يأت فيها ذكر أنهم هم ذات الله، يقول المسيح عليه السلام: ((لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء)) (123) ، ويقول أيضاً: ((أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثنى عشر جيشاً من الملائكة)) (124) ، وجاء في الإنجيل: ((وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين، المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة)) (125) . ونصوص أخرى ذكرت أن ملاك الله بشر زكريا بميلاد يوحنا (يحيى عليه السلام) (126) ، وبشر مريم بميلاد المسيح عليه السلام (127) ، وعن السبعة من الملائكة ووظائفهم (128) ، وغير ذلك من النصوص، التي تدل على أن الملائكة خلق من خلق الله، وأنهم رسله إلى من يشاء من خلقه (129) . وحسب تأويلهم للنصوص، يمكن القول إن تأويل المراد من الملائكة في هذه النصوص الآنفة الذكر هم ذات الله أيضاً، وإذا كان كذلك فهذا يدل على أنهم لا يفرقون بين الله وملائكتة، ولا بين الخالق والمخلوق. المطلب الثاني: تأويل نصوص الإنجيل: ومن أمثلة تأويل نصوص الإنجيل، ما جاء في خاتمة إنجيل متى: ((فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس)) (130) ، فزعموا أن تأويل المراد من هذا النص أنه يشير إلى الأقانيم الثلاثة، وأن كل أقنوم منها إلهٌ بذاته (131) . لكن تأويلهم هذا من التأويل الباطل الذي ضلوا فيه عن الحق، إذ مراد المسيح على فرض صحته عنه خلاف المراد الذي يعتقده النصارى، وللعلماء في تأويل المراد من هذا النص عدة احتمالات: فإما أن يكون مراد المسيح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 كما يقول الإمام ابن تيمية (132) أي: ((مروا الناس أن يؤمنوا بالله ونبيه الذي أرسله، وبالملك الذي أنزل عليه الوحي الذي جاء به، فيكون ذلك أمراً لهم بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهذا هو الحق الذي يدل عليه صريح المعقول وصحيح المنقول)) (133) ، وإما أن يكون مراد المسيح كما يقول المهتدي نصر بن يحيى المتطبب (134) : ((إن كان صحيحا ً، فيحتمل أن يكون قد ذهب فيه بجميع هذه الألفاظ: أن يجتمع له بركة الله، وبركة نبيه المسيح، وبركة روح القدس، التي يؤيد بها الأنبياء والرسل، وأنتم إذا دعا أحدكم للآخر قال له: صلاة فلان القدس تكون معك، وإذا كان أحدكم عند أحد الآباء مثل جاثليق ومطران أو أسقف، وأراد أن يدعو له، يقول له: صلي علي، ومعنى الصلاة: الدعاء، واسم فلان النبي أو فلان الصالح الذي هو يعينك على أمورك، ويجوز أن يكون المسيح ذهب فيه إلى ما هو أعلم به، فكيف حكمتم بأنه ذهب إلى هذه الأسماء لما أضافها إلى الله تعالى، صارت إلهية، وجعلتم له أسماء، وهي: الأقانيم الثلاثة، وقد عبرتم في لغتكم أن الأقنوم: الشخص، فكيف استخرجتم ما أشركتموه بالباري تعالى ذكره عما تصفون بالتأويل الذي لا يصح)) (135) . وإما أن يكون مراد المسيح كما يقول الإمام القرطبي (136) أي: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 ((عمدوهم على تركهم هذا القول، كما يقول القائل: كل على اسم الله، وامش على اسم الله، أي على بركة اسم الله، ولم يعين الآب والابن من هما؟ ولا المعنى المراد بهما؟ فلعله أراد بالآب هنا: الملك الذي نفخ في مريم أمه الروح، إذ نفخه سبب علوق أمه وحبلها به، وأراد بالابن: نفسه، إذ خلقه الله تعالى من نفخة الملك، فالنفخة له بمثابة النطفة في حق غيره، ثم لا يبعد أيضاً في التأويل إن صح عن عيسى عليه السلام أنه كان يطلق على الله لفظ الأب أن يكون مراده به: أنه ذو حفظ له، وذو رحمة وحنان عليه، وعلى عباده الصالحين، فهو لهم بمنزلة الأب الشفيق الرحيم، وهم له في القيام بحقوقه وعبادته بمنزلة الولد البار، ويحتمل أن يكون تجوز بإطلاق هذا اللفظ على الله تعالى، لأنه معلمه وهاديه ومرشده، كما يقال: المعلم أبو المتعلم، ومن هذا قوله تعالى في كتابنا: ((ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل)) (137) ، على أحد تأويلاته، ومن هذين التأويلين: يصح حل ما وقع في أناجيلهم من هذا اللفظ، بل هذان التأويلان ظاهران وسائغان فيها)) (138) . ثم ذكر القرطبي شواهد من أناجيلهم، تدل على أن التأويل الذي ذهب إليه، هو الحق في بيان مراد المسيح من قوله لحوارييه عمدوا الناس باسم الآب والابن والروح القدس (139) . ومن الشواهد من أناجيلهم التي ترد تأويلهم الباطل وتبطله، ما يأتي: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 أولاً: إن ذكر الأب في الأناجيل معناه الله سبحانه وتعالى، يقول المسيح عليه السلام في إحدى وصاياه لتلاميذه: ((أحبوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات)) (140) ، ويقول المسيح أيضاً: ((احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات)) (141) ، وغير ذلك الكثير من النصوص التي تشير إلى أن الله عز وجل يطلق عليه لفظ الأبوة (142) . وليس في هذا معنى الأبوة التناسلية أو المفهوم الذي يفهم منه أنه إذا أطلق على الله لفظ الأب أن يكون له ولد، تعالى الله عن ذلك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 ثانياً: أن كلمة الابن وردت في عدة نصوص من الأناجيل مضافة إلى الله وبدون إضافة، ومن هذه النصوص، أن إبليس يقول للمسيح: ((إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً)) (143) ، وأنه قال له مرة أخرى: ((إن كنت ابن لله فاطرح نفسك إلى الأسفل)) (144) ، وفي الإنجيل أن المسيح سأل تلاميذه مرة قائلاً: ((من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟ فقالوا: قوم يوحنا المعمدان وآخرون، إيليا وآخرون، أرميا أو أحد من الأنبياء، قال لهم: وأنتم من تقولون إني أنا؟ فأجاب سمعان بطرس: أنت هو المسيح ابن الله الحي)) (145) ، وهناك الكثير من النصوص الإنجيلية التي تنسب المسيح أنه ابناً لله، ولكن هناك نصوص أخرى تبين أن هذه النسبة ليست خاصة بالمسيح، بل تلاميذ المسيح وكل المؤمنين هم أبناء الله، وهذا يدل على أن لفظة الابن في الأناجيل المراد بها رعاية الله وعنايته، وقربه من الناس، وحفظه ورحمته لهم، وليست صلة قرابة جسدية، ومن هذه النصوص قول المسيح: ((وصلوا للذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات)) (146) ، وأمرهم عليه السلام أن يقولوا في صلاتهم: ((أبانا الذي في السموات)) (147) ، وغير ذلك من النصوص (148) . والمراد من هذه النصوص التي تطلق على المسيح عليه السلام وعلى تلاميذه وعلى المؤمنين أنهم أبناء الله على فرض صحتها المراد منها المجاز وليس الحقيقة. ونظير هذا ما أخبر الله عز وجل في القرآن الكريم، أن اليهود والنصارى قالوا: ((نحن أبناء الله وأحباؤه)) (149) ، ((أي نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه، وله بهم عناية، وهو يحبنا، ونقلوا عن كتابهم أن الله قال لعبده الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 إسرائيل: أنت ابني بكري، فحملوا هذا على غير تأويله وحرفوه، وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم وقالوا: هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام، كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم، يعني ربي وربكم، ومعلوم أنهم لم يدعو لأنفسهم من البنوة ما ادعوها في عيسى عليه السلام وإنما أرادوا من ذلك معزتهم لديه، وحضوتهم عنده، ولهذا قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، قال الله تعالى رداً عليهم: ((قل فلم يعذبكم بذنوبكم)) (150) ، أي لو كنتم كما تدعون أبناء الله وأحباؤه، فلم أعد لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافترائكم؟)) (150) . ثالثاً: أما الرح القدس فإن النصارى يتأولون اعتقاد ألوهيته من عدة نصوص من العهد الجديد، ففي الإنجيل عن الحمل بعيسى عليه السلام أن أم المسيح: ((وجدت حبلى من الروح القدس)) (152) ، وفي الإنجيل أيضاً، أن مريم: ((حبل به فيها من الروح القدس)) (153) ، وفي الإنجيل أيضاً أن السيح قال لتلاميذه: ((فمتى ساقوكم ليسلموكم فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا، بل مهما أعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا، لأن لستم أنتم المتكلمين بل الروح القدس)) (154) ، وفي أعمل الرسل قول بطرس لحنانيا: ((يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس، أنت لم تكذب على الناس بل على الله)) (155) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 كما يتأول النصارى اعتقاد ألوهية الروح القدس من أقوال من يسمونه بولس الرسول، الذي نسب إلى الروح القدس مايمكن أن ينسب إلى ذات الله وصفاته وأعماله وعبادته، كما ذكر ذلك قاموس الكتاب المقدس، مستدلاً بأقوال بولس الرسول التي وردت في هذا المقام (156) ، إذ يقول: ((أما تعلمون أن هيكل الله وروح الله يسكن فيكم)) (157) ، وقوله: ((إن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائته أيضاً بروحه الساكن فيكم)) (158) ، وغير ذلك من النصوص التي يستشهدون فيها على أن الروح القدس هو الأقنوم الثالث من لاهوتهم المقدس، وأنه على زعمهم مساوٍ للأب والابن في الذات والجوهر، وغير ذلك من الصفات التي يزعمون أنها أدلة على إثبات ألوهيته واستحقاقه للعبادة الإلهية (159) ، تعالى الله عن قولهم. لكن اعتقادهم ألوهية الروح القدس باطل ومردود، ودليل ذلك مايأتي: 1 أن نصوص العهد القديم والعهد الجديد التي ورد فيها ذكر الروح مضافاً إلى الله وإلى القدس وبدون إضافة، جاءت بمعنى الوحي بالإلهام، وبمعنى الثبات والنصرة التي يؤيد الله بها من يشاء من عباده المؤمنين، وبمعنى ملاك الله جبريل عليه السلام وبمعنى المسيح عليه السلام كما سبق ذكر الشواهد على ذلك عند الحديث عن حقيقة الروح في المبحث الأول. كذلك فإن حقيقة الروح حسب تعبير النصارى أنه: ((الناطق في الأنبياء، الناطق في الناموس والمعلم بالأنبياء، الذي نزل إلى الأردن ونطق بالرسل، وأنه الروح القدس روح الله)) فكل هذه المعاني تدل على أن حقيقة الروح القدس لاتدل على مرادهم باعتقاد ألوهيته، إذ لو كان إلهًا، لكان كذلك منذ أن خلق الله تعالى الخلق حتى قيام الساعة، لكن ذلك لم يكن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 2 أن عقيدة ألوهية الروح القدس لم تكن معروفة في عصر المسيح عليه السلام ولا في عصر حوارييه، ولا في القرون الثلاثة بعد رفع المسيح، بدليل أنهم في قانون إيمانهم المقدس سنة 325م قالوا: ((ونؤمن بالروح القدس)) ، دون أن يذكروا اعتقادهم ألوهيته، وبعد أكثر من نصف قرن حينما اجتمعوا في القسطنطينية سنة 381م، صدر عنهم قانون آخر أضافوا فيه اعتقادهم ألوهية الروح القدس، فقالوا: ((ونؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب والابن مسجود له وممجد، الناطق في الأنبياء)) أي أن اعتقادهم ألوهية الروح القدس جاء بعد أكثر من ثلاثة قرون من رفع المسيح، إضافة إلى أن قولهم هذا متناقض وباطل عقلاً ونقلاً، يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: ((قلتم في أقنوم روح القدس الذي جعلتموه الرب المحيي أنه منبثق من الآب مسجود ممجد، ناطق في الأنبياء، فإن كان المنبثق رباً حياً، فهذا إثبات إله ثالث، وقد جعلتم الذات الحية منبثقة من الذات المجردة، وفي كل منهما من الكفر والتناقض ما لا يخفى، ثم جعلتم هذا الثالث مسجود له، والمسجود له هو الإله المعبود، وهذا تصريح بالسجود لإله ثالث مع ما فيه من التناقض، ثم جعلتموه ناطقاً بالأنبياء، وهذا تصريح بحلول هذا الأقنوم الثالث بجميع الأنبياء، فيلزمكم أن تجعلوا كل نبي مركبًا من لاهوت وناسوت، وأنه إله تام وإنسان تام، كما قلتم في المسيح، إذ لا فرق بين حلول الكلمة، وحلول روح القدس، كلاهما أقنوم، وأيضاً فيمتنع حلول إحدى الصفتين دون الأخرى، وحلول الصفة دون الذات، فيلزم الإله الحي الناطق بأقانيمه الثلاثة حالاً في كل نبي، ويكون كل نبي هو رب العالمين، ويقال مع ذلك هو ابنه، وفي هذا من الكفر الكبير والتناقض العظيم ما لا يخفى، وهذا لازم للنصارى لزوماً لا محيد عنه، فإن ما ثبت لنظيره، ولا يجوز التفريق بين المتماثلين، وليس لهم أن يقولوا: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 الحلول أو الاتحاد في المسيح ثبت بالنص، ولا نص في غيره لوجوه: أحدها: أن النصوص لم تدل على شيء من ذلك. الثاني: أن في غير المسيح من النصوص ما شابه النصوص الواردة فيه كلفظ الابن، ولفظ حلول روح القدس فيه، ونحو ذلك. الثالث: أن الدليل لا ينعكس فلا يلزم من عدم الدليل المعين عدم المدلول، وليس كل ما علمه الله وأكرم به أنبياءه أعلم به الخلق بنص صريح، بل من جملة الدلالات دلالة الالتزام، وإذ ثبت الحلول والاتحاد في أحد النبيين لمعنى مشترك بينه وبين النبي الآخر وجب التسوية بين المتماثلين، كما إذ ثبت أن النبي يجب تصديقه، لأنه نبي، ويكفر من كذبه لأنه نبي، فيلزم من ذلك تصديق كل نبي وتكفير من كذبه. الرابع: هب أنه لا دليل على ثبوت ذلك في الغير، فيلزم تجويز ذلك في الغير إذ لا دليل على إنتفائه، كما يقولون: إن ذلك كان ثابتاً في المسيح قبل إظهاره الآيات على قولهم، وحينئذٍ فيلزمهم أن يجوزوا في كل نبي أن يكون الله قد جعله إلهاً تاماً وإنساناً تاماً كالمسيح وإن لم يعلم ذلك. الخامس: لو لم يقع ذلك، لكنه جائز عندهم، إذ لا فرق في قدرة الله بين اتحاده بالمسيح واتحاده بسائر الآدميين، فيلزمهم تجويز أن يجعل الله كل إنسان إلهاً تاماً وإنساناً تامًا، ويكون كل إنسان مركباً من لاهوت وناسوت، وقد تقرب إلى هذا اللازم الباطل من قال بأن أرواح بني آدم من ذات الله، وأنها لاهوت قديم أزلي فيجعلون نصف كل أدمي لاهوتاً، وهؤلاء يلزمهم من المحالات أكثر مما يلزم النصارى من بعض الوجوه، والمحالات التي تلزم النصارى أكثر من بعض الوجوه)) (160) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 3 ويدل على فساد عقيدتهم أن سبب عقد مجمع القسطنطينية الآنف الذكر أن هناك الكثير من النصارى الذين ما زالوا على عقيدة التوحيد، ينكرون ألوهية المسيح وألوهية الروح القدس، كأسقف القسطنطينية البطريرك مكدونيوس الذي يعتقد أنه كسائر المخلوقات، وخادم للابن كأحد الملائكة، كما أن اختلاف النصارى حول طبيعة المسيح، وحول انبثاق الروح القدس، وغيرها من أصول العقيدة، التي عقدوا من أجلها المجامع المتعددة لتقرير أصولها وما حدث بينهم من انقسامات وما نتج عنها من ظهور طوائف متعددة، كل طائفة تنكر ما عليه الطائفة الأخرى، كل ذلك وغيره يدل على أنهم ضلوا عن الوحي الإلهي الذي أنزله الله تعالى على المسيح عليه السلام وعلى النبيين من قبله، إذ لو تمسكوا بالوحي لهدوا إلى الصراط المستقيم، الذي من أجله أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب. 4 كما أن نصوص الإنجيل وأقوال بولس الرسول التي تدل بزعمهم على ألوهية الروح القدس باطلة بنصوص الإنجيل نفسه، وبأقوال بولس نفسه أيضاً، ودليل ذلك مايأتي: أأن ملاك الله جبريل عليه السلام، بشر زكريا عليه السلام بميلاد يوحنا المعمدان يحيى عليه السلام وأنه يكون عظيماً أمام الرب، ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس، إذ جاء في الإنجيل: ((فقال الملاك: لا تخف يا زكريا لأن طلبتك قد سمعت، وامرأتك إليصابات ستلد لك ابناً، وتسميه يوحنا ويكون لك فرح وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته، لأنه يكون عظيماً أمام الرب، وخمراً ومسكراً لا يشرب، ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس، ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم)) (161) ، هذا النص يفيد أن جبريل ملاك الله بشر زكريا بمولد ابنه، وأنه يكون عظيماً أمام الله عز وجل، عفيفاً عن المسكرات، ويؤيده الله بروح القدس، وأنه يرد بني إسرائيل إلى الرب إلههم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 وهذا النص لا يستشهد به النصارى دليلاً على اعتقادهم ألوهية الروح القدس، ضمن شواهدهم التي يستدلون بها على ألوهية الروح القدس (162) ؛ لأنه ضد عقيدتهم هذه، ولا أحد من النصارى زعم أن الروح القدس الذي أيد الله به يوحنا، أنه إلهاً بذاته، لأنه كيف يكون إلهًا، ويوحنا نفسه كما في النص يكون عظيماً أمام الله، فلو زعموا أن الروح القدس في هذا النص إلهاً مستقلاً، لانكشف لهم فساد معتقدهم في تأليه الروح القدس. ب أن ملاك الله جبريل عليه السلام، بشر مريم بميلاد المسيح عليه السلام إذ جاء في الإنجيل: ((وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة، إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم ... فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله، وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً، وتسمينه يسوع ... فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً، فأجاب الملاك، وقال لها: الروح القدس يحل عليك)) (163) ، وفي الإنجيل أيضاً: ((أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا، لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس، فيوسف رجلها إذ كان باراً ولم يشأ أن يشهرها أراد تخليتها سراً، ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ امرأتك لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع)) (164) . والمراد من الروح القدس الذي حل على مريم في هذين النصين، أحد أمرين: إما أن يكون المراد به جبريل عليه السلام، وهذا يتفق مع ما ذكره الله عز وجل عن مريم في قوله: ((فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً)) (165) ، والروح كما قال المفسرون: هو جبريل عليه السلام (166) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 أو أن يكون المراد به الروح التي هي من الله، وهذا يتفق مع قوله تعالى: ((وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)) (167) ، ومعنى ((وروح منه)) أي: أن الله أرسل جبريل فنفخ في درع مريم فحملت بإذن الله، وهذه الإضافة للتفضيل، وإن كان جميع الأرواح من خلقه تعالى، وقيل: قد يسمى من تظهر منه الأشياء العجيبة روحاً ويضاف إلى الله، فيقال هذا روح من الله: أي: من خلقه، كما يقال في النعمة أنها من الله، وقيل ((روح منه)) أي: من خلقه، كما قال تعالى: ((وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه)) (168) ، أي: من خلقه، وقيل: ((روح منه)) أي: رحمة منه، وقيل: ((روح منه)) أي: برهان منه، وكان عيسى برهاناً وحجة على قومه، وقوله: (منه) متعلق بمحذوف وقع صفة للروح، أي: كائنة منه، وجعلت الروح منه سبحانه وإن كانت بنفخ جبريل لكونه تعالى الآمر لجبريل بالنفخ) (169) ، ومثله قوله تعالى: ((والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين)) (170) ، وقوله تعالى: ((ومريم ابنت عمران التي احصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين)) (171) . ت وفي الإنجيل أيضاً أن مريم حينما زارت إليصابات أم يحيى عليه السلام وسلمت عليها: ((فلما سمعت إليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت إليصابات من الروح القدس)) (172) ، وفي الإنجيل أيضًا: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 ((وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس، وتنبأ قائلاً، مبارك الرب إله إسرائيل)) (173) ، وفي الإنجيل أيضاً: ((وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان، وهذا الرجل كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل، والروح القدس كان عليه، وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب)) (174) ، فهذه النصوص تدل: إما على أن الروح القدس هو جبريل عليه السلام، أو أنه البرهان الذي يؤيد الله به أولياءه من عباده المؤمنين. ث أن نصوص أناجيلهم ذكرت أن المسيح عليه السلام بعد أن تعمد على يد يحيى عليه السلام: ((وإذا السموات قد انفتحت له فرأي روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه)) (175) ، وأن يحيى شهد أن العلامة التي يعرف بها المسيح، أن يرى أن روح القدس نازلاً ومستقراً عليه: ((قائلاً إني قد رأيت الروح القدس نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقرت عليه، وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس)) (176) ، ونزول الروح القدس من السماء يدل على أنه ملك من الملائكة، حيث دلت النصوص أن هذا النازل من السماء هو ملاك الله جبريل عليه السلام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 كما أن هذه النصوص قد وصفت الروح بالنزول مثل حمامة، ومن المعلوم أن الروح القدس في عقيدة النصارى، هو الأقنوم الإلهي الثالث، في الثالوث المقدس، فالعجب كيف يرضى النصارى أن يكون الروح النازل بهذه الصفة إلهاً يستحق العبادة مع الله؟ وكيف يكون إلههم ومعبودهم جسماً بهذه الصفة من الطيور المخلوفة؟ إن هذا الاعتقاد لاشك أنه مسبة لمقام الألوهية، إذ لم يعرفوا الله حق المعرفة، ولو عرفوا الله لما أشركوا معه آلهة أخرى، فالله وحده هو المعبود بحق، لا إله غيره ولا رب سواه، وعيسى عبد الله ورسله، والروح القدس هو ملاك الله جبريل عليه السلام المبلغ وحيه إلى أنبيائه ورسله، والواجب عليهم الاعتقاد أن هذا الروح النازل مثل حمامة على المسيح عليه السلام هو ملاك الله جبريل أمين وحي الله إلى المسيح وإلى جميع الأنبياء عليهم السلام، ويدل على ذلك إضافة إلى ما سبق الاشارة إليه من مصادرهم أن من يسمونه بولس الرسول أخبر أن: ((جبرائيل روح الله الحي)) (177) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 ج أن في قول نبي الله يحيى بن زكريا في إنجيل متى: ((أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن الذي يأتي من بعدى هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه هو سيعمدكم بالروح القدس ونار)) (178) ، وقوله أيضاً في إنجيل لوقا: ((أنا أعمدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن أحل سيور حذائه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار)) (179) ، فهذه النصوص تدل على أن التعميد لم يكن باسم الثالوث المقدس كما يعتقد النصارى بل هو بروح القدس فقط، وهذا هو الذي اتفقت عليه نصوصهم المقدسة، أن يحيى عليه السلام شهد وبلغ بني إسرائيل بأن المسيح سيعمدهم بروح القدس، وهذا يدل على بطلان اعتقاد النصارى أن المسيح أمر تلاميذه على زعمهم أن يعمدوا الناس باسم الثالوث المقدس حين قال: ((فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس)) (180) ، علماً أنه لم يرد عن المسيح عليه السلام في الأناجيل والرسائل أنه عمد أحداً من أتباعه باسم الروح القدس، أو بأي واحد من الأقانيم الثلاثة، ولو كان هذا هو الاعتقاد الحق لأمر أتباعه بذلك، بل لقد صرح أن الروح القدس الذي يعلمهم كل شيء لم يأت بعد؛ لأنه سيأتي في وقت لاحق، إذ قال عليه السلام: ((وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم)) (181) ، وقال عليه السلام: ((وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به)) (182) ، وقوله أيضاً: ((ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي)) (183) ، فكيف يكون الروح القدس إلهاً ثالثاً وهو لم يأت بعد؟ وكيف يتعمدون باسم الثالوث المقدس وهم ليسوا على يقين هل جاء كما أخبر المسيح، أم أنه ما زال منتظراً، وأي حاجة لهم بانتظار من يأتي من بعده، وهم قد غفرت ذنوبهم بموت المسيح على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 الصليب كما يعتقدون يقول المهتدي عبد الأحد داود (184) : ((إن الاعتقاد بأن موت عيسى على الصليب قد فدى المؤمنين من لعنة الخطيئة الأصلية، وأن روحه وبركته وحضوره في القربان المقدس سيبقى معهم إلى الأبد، هذا الاعتقاد تركهم دون حاجة إلى عزاء أو مجئ معزٍّ، ومن ناحية أخرى فإنهم إذا كانوا بحاجة إلى معزٍّ كهذا فإن جميع الادعاءات والمزاعم النصرانية حول تضحية المسيح وتحمله آلام الصلب، تتهافت وتصبح باطلة ... إن فكرة وسيط بين الله والناس هي أكثر استحالة حتى من فكرة المعزي، إذ لا يوجد وسيط بين الخالق والمخلوق، ووسيطنا أو شفيعنا المطلق هو وحدانية الله فقط، إن المسيح كان ينصح بالصلاة إلى الله سراً والدخول في مقصوراتهم وإقفال الأبواب عليهم عند أداء الصلاة لأنه تحت هذه الظروف فقط يستمع ((أبوهم الذي في السماء)) لصلواتهم ويمنحهم بركته وغوثه فإن المسيح لم يستطع أن يعدهم بوسيط أو شفيع، فكيف نستطيع التوفيق بين هذه المتناقضات)) (185) . أما نحن المسلمين فإننا على يقين أن بشارات المسيح بالمعزي الروح القدس الآتي، هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ذلك بعض المهتدين من النصارى (186) ، وغيرهم من الباحثين المسلمين (187) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 ح إن الروح القدس كان معروفاً في كلام الأنبياء المتقدمين والمتأخرين، وليس له مراد يخالف ظاهر ما دلت عليه نصوص الكتب الإلهية التي ورد الاستشهاد بعدة نصوص منها، يؤكد ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله إذ يقول: ((وأما روح القدس: فهي لفظة موجودة في غير موضع من الكتب التي عندهم، وليس المراد بها حياة الله باتفاقهم، بل روح القدس عندهم تحل في إبراهيم وموسى وداود وغيرهم من الأنبياء والصالحين، والقرآن قد شهد أن الله أيد المسيح بروح القدس، كما قال الله تعالى: ((وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس)) (188) ، في موضعين من البقرة (189) ، وقال تعالى: ((يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس)) (190) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: ((إن روح القدس معك ما دمت تنافح عن نبيه)) (191) ، وقال: ((اللهم أيده بروح القدس)) (192) ... وروح القدس قد يراد بها الملك المقدس كجبريل، ويراد بها الوحي، والهدى والتأييد الذي ينزله الله بواسطة الملك أو بغير واسطته، وقد يكونان متلازمين فإن الملك ينزل بالوحي، والوحي ينزل به الملك، والله يؤيد رسله بالملائكة وبالهدى.. قال تعالى: ((يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده، لينذر يوم التلاق)) (193) ، وقال تعالى: ((أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه)) (194) ... وإذا كان روح القدس معروفاً في كلام الأنبياء المتقدمين والمتأخرين أنها أمر ينزله الله على أنبيائه وصالحي عباده سواء كان ملائكة تنزل بالوحي والنصر، أو وحياً وتأييداً مع الملك وبدون الملك، وليس المراد بروح القدس أنها حياة الله القائمة به، كما قال (المسيح) : ((عمدوا الناس باسم الأب والابن وروح القدس)) (195) ، ومراده مروا الناس أن يؤمنوا بالله ونبيه الذي أرسله، وبالملك الذي أنزل عليه الوحي الذي جاء به، فيكون ذلك أمراً لهم بالإيمان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهذا هو الحق الذي يدل عليه صريح المعقول وصحيح المنقول، فتفسير كلام المعصوم بهذا التفسير الذي يوافق سائر ألفاظ الكتب التي عندهم ويوافق القرآن والعقل أولى من تفسيره بما يخالف صريح المعقول وصحيح المنقول، وهذا تفسير ظاهر ليس فيه تكلف، ولا هو من التأويل الذي هو صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره، بل هو تفسير له بما يدل ظاهره عليه باللغة المعروفة والعبارة المألوفة في خطاب المسيح وخطاب سائر الأنبياء)) (196) . خ أن ما جاء في رسائل بولس من عبارات تنسب إلى الروح القدس مايمكن أن ينسب إلى أسماء الله وصفاته وأعماله وعبادته، وبالأخص قوله: ((نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم، آمين)) (197) ، هذه العبارات هي التي حملت النصارى على الاعتقاد بألوهية المسيح وألوهية الروح القدس، وهي التي فتحت الباب إلى القول بالتثليث، ومع ذلك فإن استدلالهم بهذه العبارات باطل ومردود، للأدلة الآتية: 1 أنه ليس فيها مايدل على أن لفظ الروح القدس معناه الإله، وليس فيها مايدل على مايمكن أن ينسب إليه من أسماء الله وصفاته وأعماله وعبادته، وأنه على زعمهم الأقنوم الثالث في ثالوثهم المقدس، بل الحق أنها تدل على معنى القوة والثبات التي يؤيد الله بها من يشاء من عباده المؤمنين، وهذا هو الذي دلت عليه نصوص العهد القديم والعهد الجديد، فلفظ الروح القدس لاتخرج عن هذا المعنى الذي سبق بيانه في الفقرات السابقة، ولاعن المعاني التي سبق بيانها عند الحديث عن حقيقة الروح القدس في المبحث الأول. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 2 أنه على فرض أن بولس يعني بهذه العبارات ألوهية المسيح وألوهية الروح القدس، فإنه يكون قد خالف أقوال المسيح عليه السلام التي تدل على بطلان هذا الزعم الباطل، ويكون قد دعا إلى عقيدة تخالف العقيدة التي دعا إليها المسيح، وشرع خلاف شريعة المسيح، علماً أنه ليس من تلاميذ المسيح ولا من رسله، ولم يشاهد المسيح إطلاقاً، ولا سمعه يبشر بدعوته، بل كان من أشد اليهود عداء للمسيح وأتباعه، فقد كان يسافر من القدس إلى دمشق ليأتي بالنصارى لعقابهم وإنزال الأذى بهم (198) ، ثم بعد زعمه الانضواء تحت ظل النصرانية، ظل موضع شك تلاميذ المسيح في صدق دعواه؛ لأنهم رأوا منه مايخالف دين المسيح عليه السلام فقد اختلف بولس مع برنابا أحد تلاميذ المسيح (199) ، كما أن بطرس رئيس الحواريين أنكر على بولس دعوته التي خالف بها دعوة المسيح (200) ، كما قامت ضده طوائف النصارى في آسيا، ورفضت تعاليمه وإنجيله كما اعترف بذلك في رسالته الثانية إلى تيموثاوس (201) ، وحين يئس من قبول نصارى الشرق في عصره لتعاليمه الغريبة، فقد التجأ إلى الشعوب الأوربية، وصار يبث بينهم تعاليمه شيئا فشيئا، حتى تمكن منهم، فأباح لهم كافة المحرمات، ورفع عنهم جميع التكاليف من الشريعة الموسوية التي جاء بها المسيح عليه السلام فوافق مذهبه مشارب الوثنيين في أوربا، فكثر تابعوه ومقلدوه في حياته وبعد مماته، التي خالفوا فيها عقيدة المسيح وأتباعه، كما دل على ذلك رسالته إلى أهل رومية التي أبطل فيها شريعة التوراة (202) . وبهذا يتبين أن بولس هو الذي وضع البذور التي نقل بها النصرانية من التوحيد إلى التثليث، ووافقت فكرة التثليث الجماهير التي كانت قد نفرت من اليهودية لتعصبها، ومن الوثنية لبدائيتها، فوجدت في الدين الجديد ملجأ لها، وبخاصة أنه أصبح غير بعيد عن معارفهم السابقة التي ألفوها وورثوها عن أجدادهم (203) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 وهذا التحريف لدين المسيح الحق الذي أحدثه بولس، اعترف به بعض علماء النصارى قديماً وحديثاً، يقول جورجيا هاركنس من علمائهم: ((وهذا التثليث افترضه بولس في نهاية رسالته الثانية إلى كورنثوس، حيث يعطي الكنيسة بركته بقوله: ((نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم، آمين)) (204) ، وتستعمل هذه الكلمات كبركة في ختام خدمات العبادة لقرون عديدة)) (205) . وهذا الباب الذي فتحه بولس على النصرانية، ظل كما يقول الدكتور أحمد شلبي: ((مفتوحاً، واستطاع بعض أتباع بولس أن يصيروا من آباء الكنيسة وذوي الرأي فيها، وتم امتزاج تقريباً بين آراء مدرسة الإسكندرية وبين المسيحية الجديدة)) ، ثم ذكر الدكتور شلبي قول (ليون جوتيه) : ((إن المسيحية تشربت كثيراً من الآراء والأفكار الفلسفية اليونانية، فاللاهوت المسيحي مقتبس من المعين الذي صبت فيه الإفلاطونية الحديثة، ولذا نجد بينهما مشابهات كثيرة)) ... )) (206) . وهكذا فإن بولس سواء قال بألوهية المسيح وألوهية الروح القدس أولم يقل، وسواء قال بالتثليث أولم يقل، فإن أقواله تلك حملت النصارى من بعده على القول بالتثليث، وأصبحت كلماته التي جاء بها في رسائله كتاباً مقدساً، له ماللإنجيل من حرمة واحترام، فتناولها الشراح والدارسون من رجال الدين بكل مايملكون من طاقات البحث والنظر، وخرجوها على كل وجه ممكن أو غير ممكن، فكانت منها تلك الفلسفة اللاهوتية التي شغلت العقل النصراني ولاتزال تشغله، فكانت سبباً من أكبر الأسباب في نقل ديانة المسيح عليه السلام من التوحيد إلى الشرك (207) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 ومع صريح ما تدل عليه ظاهر نصوص كتبهم المقدسة بشأن حقيقة الروح القدس، وبطلان اعتقاد النصارى ألوهيته، وأنه الأقنوم الإلهي الثالث في ثالوثهم المقدس، فإنهم يعتقدون أنه غير ملاك الله جبريل عليه السلام كما يعتقدون خصوصية حلول الروح القدس على المسيح وعلى المؤمنين من أتباعه وأنه يلهمهم، وبيان ذلك والرد عليه في المبحث القادم إن شاء الله. المبحث الرابع: الروح القدس والمسيح عند النصارى علمنا فيما سبق حقيقة الروح في الكتاب والسنة وفي العهد القديم وفي العهد الجديد، وأنه ورد ذكرها فيها مضافة إلى الله، وإلى القدس، وبدون إضافة، وأنها قد تكون المراد منها الوحي الإلهي، أو القوة والثبات والنصرة التي يؤيد الله بها من يشاء من عباده المؤمنين، أو جبريل عليه السلام أو المسيح عليه السلام حسب مناسبة ورودها في التوراة والإنجيل والقرآن، التي تقدم ذكر شواهد منها للدلالة على ذلك. وفي هذا المبحث سيكون الحديث إن شاء الله في الرد على اعتقاد النصارى أن الروح القدس غير جبريل عليه السلام وعلى اعتقادهم خصوصية حلول الروح القدس على المسيح وعلى المؤمنين من أتباعه وأنه يلهمهم، وبيان ذلك فيما يأتي: المطلب الأول: جبريل والروح القدس: يعتقد النصارى أن ملاك الله جبريل عليه السلام غير الروح القدس، ويستدلون على الفرق بينهما ببعض النصوص من كتابهم المقدس، التي تذكر ملاك الله جبريل أنه يأتي بالبشارة لمن يرسله الله إليهم، وأنهم بعد هذه البشارة يحل عليهم الروح القدس، وهذا هو دليلهم على الفرق بينهما. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 واستناداً على هذا الفرق بينهما فإن جبريل في تعريفهم هو: ((ملاك ذي رتبة رفيعة، أرسل ليفسر رؤيا لدانيال، وبعث مرة في زيارة لنفس النبي ليعطيه فهماً، وليعلن له نبوة السبعين أسبوعاً، وقد أرسل إلى أورشليم ليحمل البشارة لزكريا في شأن ولادة يوحنا المعمدان، وأرسل أيضاً إلى الناصرة ليبشر العذراء مريم بأنها ستكون أماً للمسيح، وقد وصف جبرائيل نفسه بأنه واقف أمام الله)) (208) . ومن النصوص التي ذكرت بشارة ملاك الله جبريل لمن أرسله الله إليهم، ثم حلول روح القدس عليهم، بشارة جبريل لزكريا بميلاد يوحنا وقوله له: ((ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس)) (209) ، وبشارة جبريل لمريم بميلاد المسيح وقوله لها: ((الروح القدس يحل عليك)) (210) ، وحينما قامت مريم بزيارة إليصابات زوجة زكريا وسلمت عليها: ((فلما سمعت إليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت إليصابات من الروح القدس)) (211) ، وكذلك زكريا: ((وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس)) (212) . فهذه النصوص من أدلتهم على الفرق بين جبريل والروح القدس، ثم بعد حين من الزمن اعتقدوا ألوهيته وقالوا في قانون إيمانهم إنه: ((الرب المحيي المنبثق من الآب، المسجود له والممجد مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء)) (213) ، واستدلالهم بتلك النصوص مخالف لصريح المعقول وصحيح المنقول، وبيان ذلك: 1 أن الروح القدس في عقيدتهم هو الإله الذي حبلت منه العذراء مريم ببشارة جبريل لها لتلد المسيح (الابن) ، فالأقنوم الثالث حل في بطن مريم لتلد الأقنوم الثاني (الابن) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 وهذا الاعتقاد ظاهر البطلان؛ إذ كيف يكون الروح القدس جبريل عليه السلام وهو أحد الملائكة المخلوقين من الله كما عرفنا حقيقته يبشر مريم الإنسان المخلوق، بحلول الإله الروح القدس عليها، لتلد الإله المسيح، فهذا يتنافى مع مقام الإله سبحانه وتعالى الذي له الخلق والأمر، وهذا افتراء على الله، تعالى الله عن قولهم. 2 ثم على فرض صحة قولهم كيف يتجسد الإله الأعلى الأقنوم الثاني وهو المسيح، من الإله الأدنى الأقنوم الثالث وهو الروح القدس، في بطن الإنسان المخلوق مريم، وهذا أيضاً من الافتراء والقول على الله وعلى رسله وملائكته بغير علم. 3 كما أن الروح القدس الإله على زعمهم هو الذي حل في أناس مختارين لكتابة الوحي الإلهي، فكيف يكون الوحي الإلهي من الله الأب، إلى الله الروح القدس، ومن ثم إلى أناس مختارين؟ وهذا أيضاً من التناقض والافتراء. 4 كما أن في الإنجيل أن أبا يحيى امتلأ من الروح القدس: ((وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس)) (214) ، وكذلك أم يحيى حين زارتها مريم أم المسيح وسلمت عليها: ((فلما سمعت إليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت إليصابات من الروح القدس)) (215) ، فهل يعني هذا أن الروح القدس، وهو الإله حسب عقيدتهم حل أيضاً في هؤلاء؟ تعلى الله عن قولهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 5 وإذا كان الروح القدس الإله في عقيدتهم، له كل هذه الأفعال والأعمال، فما هي فائدة وجود إله ثان هو المسيح، وما هو أثره في حياتهم؟ أليس من الواجب على النصارى حينئذ أن يتوجهوا في دعائهم إلى الروح القدس بدلاً من المسيح الذي على زعمهم: ((صعد إلى السموات وجلس عن يمين الأب)) (216) ، والذي على زعمهم أيضاً: ((يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات الذي ليس لملكه انقضاء)) (217) ، وزعمهم هذا يخالف صريح المعقول، وصحيح المنقول، فالمسيح عليه السلام أمرهم أن يتوجهوا في صلاتهم إلى الله وحده الذي له الملك والقوة والمجد إلى الأبد، قال عليه السلام: ((فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض، خبزنا كفانا اعطنا اليوم، واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن للمذنبين إلينا، ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير، لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد آمين)) (218) . ثم قال لهم المسيح: ((فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوي، وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم)) (219) ، وفي الإنجيل: ((ونعلم أن الله لا يسمع للخطاة، ولكن إن كان أحد يتقي الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع)) (220) ، وقال المسيح عليه السلام: ((ليس كل من يقول لي يارب يا رب يدخل ملكوات السموات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات)) (221) . هذه النصوص وغيرها، تفيد أن المسيح عليه السلام كان يأمر تلاميذه بالتوجه إلى الله في الصلاة وطلب المغفرة؛ لأن الله لا يستجيب لأحد مالم يتقه ويفعل مشيئته، ولا أحد يدخل ملكوت السموات ما لم يفعل إرادة الله وحده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 255 ولو كان المسيح نفسه، أو الروح القدس، لهم شيء من هذه الصفات الإلهية، لكان المسيح أولى بها من الروح القدس، فكيف وأن المسيح نفسه يأمر تلاميذة وكل المؤمنين به أن يكون توجههم لله دون سواه، قال المسيح عليه السلام: ((لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد)) (222) ، وقال أيضاً: ((وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته، أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته)) (223) . فالمسيح عليه السلام عبد الله ورسوله، وكذلك الروح القدس هو ملاك الله جبريل عليه السلام فهو رسول الله بالوحي للأنبياء، وبالنصر والتأييد لهم ولغيرهم من أولياء الله الصالحين، كما تبين لنا ذلك عند الحديث عن حقيقة الروح القدس. 6 كما أن في قولهم في قانون إيمانهم: إن الروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب حسب عقيدة الارثوذكس أو المنبثق من الأب والابن حسب عقيدة الكاثوليك والبروتستانت قولهم هذا فيه تناقض واضطراب، فكيف يكون الروح القدس رباً محيياً وهو منبثق من موجد الحياة وهو الله سبحانه وتعالى، أو منبثقاً من الآب والابن، والابن حسب زعمهم مولود من الآب، ومعلوم أن الابن متأخراً عن وجود الآب، وهذا يعني أن الانبثاق من الابن جاء متأخراً، فهل هذا الانبثاق جاء على مرحتلين هذا على فرض صحة معتقدهم الواقع أنهم لن يجيبوا على ذلك بأفضل مما جاء في قانون إيمانهم المقدس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 7 ثم إن الروح القدس المنبثق من الآب، أو من الآب والابن، والابن هو المسيح عندهم مولود من الآب، فهل الانبثاق والولادة شيء واحد أم يختلفان؟ ، وهم لن يقولوا إن المسيح مولود من الآب ولادة تناسلية من الله، ولا يعتقدون ذلك، بل سيقولون إن الولادة روحية، لأن المسيح حسب أعتقادهم هو الكلمة التي خرجت من الذات وهو الله فصارت الكلمة ابناً للذات، وصارت الذات أباً للكلمة، وصارت كلاً من الذات والكلمة أقنوماً قائماً بذاته، يدعى الأول الله الأب، ويدعى الثاني الله الابن (224) . والروح القدس عندهم يمثل عنصر الحياة في الثالوث المقدس، ويعتبر أقنوماً قائماً بذاته، وإلهاً مستقلاً بنفسه، والثالوث المقدس ثلاثة أقانيم هي: الذات والنطق والحياة، فالذات هو الله الآب، والنطق أو الكلمة هو الله الابن، والحياة هي الله الروح القدس، ويعتقدون أن الذات والد النطق أو الكلمة، والكلمة مولودة من الذات، والحياة منبثقة من الذات أو من الذات والكلمة على خلاف بين الكنائس (225) . ويتضح أنه لا يوجد فرق بين معنى الانبثاق، ومعنى الولادة، إذا كانت روحية، فكلاهما: الابن وهو الكلمة مولود من الله، والروح القدس وهو الحياة منبثق من الله، فيلزم أن يكون الابن والروح القدس أخوين، وأن الله أبوهما، تعالى الله وتقدس عن ذلك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 يقول ابن تيمية رحمه الله: ((فقولهم: المنبثق من الآب الذي هو مسجود له وممجد، يمتنع أن يقال هذا في حياة الرب القائمة به، فإنها ليست منبثقة منه كسائر الصفات، إذ لو كان القائم بنفسه منبثقاً لكان علمه وقدرته، وسائر صفاته منبثقة منه، بل الانبثاق في الكلام أظهر منه في الحياة فإن الكلام يخرج من المتكلم، وأما الحياة فلا تخرج من الحي، فلو كان في الصفات ما هو منبثق لكان الصفة التي يسمونها الابن، ويقولون: هي العلم والكلام أو النطق والحكمة أولى بأن تكون من الحياة التي هي أبعد عن ذلك من الكلام، وقد قالوا أيضاً: إنه مع الآب مسجوداً له وممجد، والصفة القائمة بالرب ليست معه مسجوداً لها، وقالوا: هو ناطق في الأنبياء وصفة الرب القائمة به لا تنطق في الأنبياء، بل هذا كله صفة روح القدس الذي يجعله الله في قلوب الأنبياء، أو صفة ملك من الملائكة كجبريل، فإذا كان هذا منبثقاً من الأب، والانبثاق الخروج، فأي تبعيض وتجزئة أبلغ من هذا. وإذا شبهوه بانبثاق الشعاع من الشمس كان هذا باطلاً من وجوه، منها: أن الشعاع عرض قائم بالهواء والأرض، وليس جوهراً قائماً بنفسه، وهذا عندهم حي مسجود له، وهو جوهر. ومنها: أن ذلك الشعاع القائم بالهواء والأرض ليس صفة للشمس، ولا قائماً بها وحياة الرب صفة قائمة به. ومنها: أن الانبثاق خصوا به روح القدس، ولم يقولوا في الكلمة إنها منبثقة، والانبثاق لو كان حقاً لكان الكلام أشبه منه بالحياة، وكلما تدبر أجهل العقلاء كلامهم في الأمانة وغيرها وجد فيه من التناقض والفساد ما لا يخفى على العباد، ووجد فيه من مناقضة التوراة والإنجيل، وسائر كتب الله ما لا يخفى على من تدبر هذا وهذا، ووجد فيه من مناقضة صريح المعقول ما لا يخفى إلا على معاند أو جهول، فقولهم متناقض في نفسه، مخالف لصريح المعقول، وصحيح المنقول عن جميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم وسلامه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 أجمعين)) (226) . المطلب الثاني: المسيح والروح القدس: ثبت كما علمنا بالأدلة الصريحة، أن الروح القدس هو جبريل، وجبريل هو الروح القدس، وعليه فإن زعم النصارى حلول الروح القدس على المسيح وحلوله على الملهمين من أتباعه دون سواهم باطل، وبيان ذلك: 1 أنه قد ثبت بالأدلة الصريحة، أن الروح القدس هو ملاك الله الذي ينزل بالوحي الإلهي، وهو الذي يؤيد الله به أنبياءه ورسله، ومن يشاء من عباده وأوليائه الصالحين وأهل التوراة وهم اليهود يعلمون أن روح القدس هو جبريل عليه السلام: ((ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه، فتحول لهم عدواً وهو حاربهم)) (227) ، لذلك حرصوا على سؤال الأنبياء عن الروح الذي يأتي بالوحي من السماء، فإن كان جبريل أعرضوا عن النبي ولم يسمعوا دعوته، وقد سبق الحديث في بيان عداوتهم له وعن سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم، عن الذي يأتيه بالوحي، فلما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه جبريل، قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال، ذاك عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر والرحمة تابعناك، فأنزل الله تعالى: ((قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك)) إلى قوله: ((فإن الله عدو للكافرين)) (228) . 2 أن جبريل عليه السلام هو روح الله الذي جاء في الإنجيل أن مريم: ((وجدت حبلى من الروح القدس)) (229) ، وهو العلامة التي عرف بها يحيى عليه السلام المسيح أنه يرى: ((الروح القدس نازلاً ومستقراَ عليه)) (230) ، وهو الذي أخبر الله عنه أنه أيد به المسيح عليه السلام، قال تعالى: ((وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس)) (231) ، وقوله تعالى: ((إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس)) (232) ، وهو الذي بأمر الله نفخ الروح في مريم، قال تعالى: ((والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين)) (233) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 وهو أيضاً الذي نزل بالوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ((قل نزله روح القدس من ربك بالحق)) (234) ، وقوله تعالى: ((نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)) (235) ، وغير ذلك من الأعمال التي أوكل الله بها جبريل عليه السلام، كما تقدم بيان ذلك. 3 أن الروح القدس يسمى أيضاً روح الله، ويسمى الروح بدون إضافة ورد ذكر ذلك في التوراة والإنجيل والقرآن: 1.ففي التوراة أنه يهب القوة: ((فكان عليه روح الرب وقضى لإسرائيل وخرج للحرب)) (236) ، وجاء أيضاً: ((فحل عليه روح الرب فشقه كشق الجدي وليس في يده شيء)) (237) ، وجاء أيضاً: ((وحل عليه روح الرب فنزل إلى أشقلون وقتل منهم ثلاثين رجلاً وأخذ سلبهم)) (238) ، وأنه يهب الحكمة والفهم والمعرفة: ((وملأته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة)) (239) ، وأنه يهب قلباً جديداً وروحاً جديداً: ((وأعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديداً في داخلكم ... وأجعل روحي في داخلكم وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها)) (240) ، وغيرذلك من النصوص (241) . 2. كما جاء في الإنجيل أن الروح القدس مؤيد للمسيح في دعوته ومعجزاته، إذ جاء فيه: ((وأما يسوع فرجع من الأردن ممتلئاً من الروح القدس، وكان يقتاد بالروح في البرية)) (242) ، وجاء فيه: ((ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل ... وكان يعلم في مجامعهم)) (243) ، ويقول المسيح عليه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 السلام: ((روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب)) (244) ، وأن الروح هو الذي أيد المسيح في إجراء المعجزات، ففي سفر أعمال الرسل: ((يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان معه)) (245) ، فالروح القدس في هذه النصوص هي القوة التي أيَّد الله بها المسيح عليه السلام والتي استطاع بها صنع المعجزات وشفاء الأمراض، وهذه القوة العلوية التي تسمى الروح القدس ليست قوة مادية منظورة، وليست إلهاً قائماً بذاته كما يعتقد النصارى وإنما هي قوة روحية قدسية من لدن الله تعالى، كما أيد بها من سبقه من أنبيائه ورسله وأوليائه الصالحين، وهذا هو المعنى الذي دل عليه قول المسيح عليه السلام: ((إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله)) (246) ، فالمسيح عليه السلام يشفي الأمراض ويخرج الشياطين بروح الله، أي بقوة من الله، ولا يتصور أحد أن روح الله التي يقصدها المسيح هنا هي الله ذاته، أو أنها جزء من الله. كما جاء في الإنجيل أن المسيح عليه السلام أخبر تلاميذه أن روح الله يهب القوة والتأييد فقال: ((وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه)) (247) ، وأنه يهب العلم: ((وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم)) (248) ، وأنه الذي يلهم للحق: ((لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم)) (249) ، وأنه يجب الإيمان به وعدم الكفر به: ((لذلك أقول لكم كل خطية وتجديف يغفر للناس، وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس، ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي)) (250) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 فهذه النصوص من التوراة والإنجيل تفيد أن حلول الروح القدس ليس خاصاً بالمسيح عليه السلام ولا بمن يزعم النصارى أنه يلهمهم ويحل عليهم (251) ، وإنما الروح هو الذي يؤيد الله به من يشاء من عباده، وهذا دليل على أن الروح ليس إلهاً كما يعتقد النصارى، وإنما هو ملاك من ملائكة الله، وهو جبريل عليه السلام. 3. كما جاء في القرآن الكريم ما يصدق ما جاء في الكتب الإلهية السابقة عن حقيقة الروح القدس، وصفاته، والأعمال الموكولة إليه كما سبق الاستشهاد بهذه الآيات في مواضع سابقة (252) ، كما ثبت في السنة النبوية، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لحسان بن ثابت: ((إن روح القدس معك ما دمت تنافح عن نبيه)) (253) ، وقوله: ((اللهم أيده بروح القدس)) (254) ، ويستشهد ابن تيمية رحمه الله في هذا الحديث على عدم خصوصية المسيح بتأييد الروح القدس له دون سواه، فيقول: ((فهذا حسان بن ثابت واحد من المؤمنين لما نافح عن الله ورسوله، وهجا المشركين الذين يكذبون الرسول أيده الله بروح القدس وهو جبريل عليه السلام، وأهل الأرض يعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن يجعل اللاهوت متحداً بناسوت حسان بن ثابت، فعلم أن إخباره بأن الله أيده بروح القدس لا يقتضي اتحاد اللاهوت بالناسوت، فعلم أن التأييد بروح القدس ليس من خصائص المسيح، وأهل الكتاب يقرون بذلك، وأن غيره من الأنبياء كان مؤيداً بروح القدس، كداود وغيره، بل يقولون: إن الحواريين كانت فيهم روح القدس، وقد ثبت باتفاق المسلمين واليهود والنصارى أن روح القدس يكون في غير المسيح، بل في غير الأنبياء)) (255) . كما بين ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر قول داود عليه السلام: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 ((وروح قدسك لا تنزعه مني)) (256) ، عدم خصوصية الروح القدس بالمسيح عليه السلام فقال: ((هذا دليل على أن روح القدس التي كانت في المسيح من هذا الجنس، فعلم بذلك أن روح القدس لا تختص بالمسيح، وهم يسلمون ذلك، فإن ما في الكتب التي بأيديهم في غير موضع أن روح القدس حلت في غير المسيح، في داود، وفي الحواريين، وفي غيرهم، وحينئذٍ فإن كان روح القدس هو حياة الله، ومن حلت فيه يكون لاهوتاً، لزم أن يكون إلهاً، لزم أن يكون كل هؤلاء فيهم لاهوت وناسوت كالمسيح، وهذا خلاف إجماع المسلمين والنصارى واليهود، ويلزم من ذلك أن يكون المسيح فيه لاهوتان: الكلمة، وروح القدس، فيكون المسيح من الناسوت: أقنومين أقنوم الكلمة، وأقنوم روح القدس، وأيضاً فإن هذه ليست صفة لله قائمة به، فإن صفة الله القائمة به، بل وصفة كل موصوف لا تفارقه وتقوم بغيره، وليس في هذا أن الله اسمه روح القدس، ولا أن حياته اسمها روح القدس، ولا أن روح القدس الذي تجسد منه المسيح، ومن مريم هو حياة الله سبحانه وتعالى، وأنتم قلتم: إنَّا معاشر النصارى لم نسمه بهذه الأسماء من ذات أنفسنا، ولكن الله سمى لاهوته بها، وليس فيما ذكرتموه عن الأنبياء أن الله سمى نفسه، ولا شيئاً من صفاته روح القدس، ولاسمى نفسه ولا شيئاً من صفاته ابناً، فبطل تسميتكم لصفته التي هي الحياة بروح القدس، ولصفته التي هي العلم بالابن. وأيضاً فأنتم تزعمون أن المسيح مختص بالكلمة والروح، فإذا كانت روح القدس في داود عليه السلام والحواريين وغيرهم بطل ما خصصتم به المسيح، وقد علم بالاتفاق أن داود عبد الله عز وجل، وإن كانت روح القدس فيه، وكذلك المسيح عبد الله وإن كانت روح القدس فيه، فما ذكرتموه عن الأنبياء، حجة عليكم لأهل الإسلام، لا حجة لكم)) (257) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 ويدل أيضاً على عدم خصوصية الروح القدس بالمسيح عليه السلام ولا بغيره، أن النصارى يقرون أن الروح القدس ناطق في الأنبياء، إذ قالوا في قانون إيمانهم المقدس: ((الناطق في الأنبياء)) (258) ، ويسمى في زعمهم حياة الله، وإذا كان كذلك فهذا باطل، إذ يقول ابن تيمية رحمه الله: ((وحياة الله صفة قائمة به لا تحل في غيره، وروح القدس الذي تكون في الأنبياء والصالحين ليس هو حياة الله القائمة به، ولو كان روح القدس الذي في الأنبياء هو أحد الأقانيم الثلاثة لكان كل من الأنبياء إلهاً معبوداً قد اتحد ناسوته باللاهوت كالمسيح عندكم، فإن المسيح لما اتحد به أحد الأقانيم صار ناسوتاً ولاهوتاً، فإذا كان روح القدس الذي هو أحد الأقانيم الثلاثة ناطقاً في الأنبياء كان كل منهم فيه لاهوت وناسوت كالمسيح، وأنتم لا تقرون بالحلول والاتحاد إلا للمسيح وحده مع إثباتكم لغيره ما ثبت له)) (259) ، وقال رحمه الله في موضع آخر: ((وهم إما أن يسلموا أن روح القدس في حق غيره ليس المراد بها حياة الله، فإذا ثبت أن لها معنى غير الحياة، فلو استعمل في حياة الله أيضاً لم يتعين أن يراد بها ذلك في حق المسيح، فكيف ولم يستعمل في حياة الله في حق المسيح، وأما أن يدعوا أن المراد بها حياة الله في حق الأنبياء والحواريين، فإن قالوا ذلك لزمهم أن يكون اللاهوت حالاً في جميع الأنبياء والحواريين، وحينئذٍ فلا فرق بين هؤلاء وبين المسيح)) (260) . وبهذا يتبين حقيقة الروح القدس وأنه جبريل عليه السلام وبطلان اعتقاد النصارى ألوهيته، وبطلان اعتقادهم خصوصية المسيح بحلول الروح القدس عليه أو على غيره دون سواهم. خاتمة البحث: وبهذا نأتي على ختام هذا البحث في هذه الدراسة العلمية النقدية عن اعتقاد النصارى ألوهية الروح القدس وأنه الرب المحيي، وقد توصلت إلى النتائج الآتية: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 1 أن الروح القدس في الكتب الإلهية هو ما يؤيد الله به أنبياءه ورسله وعباده المؤمنين من النصر والتأييد، ويأتي بمعنى الوحي الإلهي، وبمعنى جبريل عليه السلام، لكن أهل الكتاب لا سيما اليهود حرفوا معنى الروح القدس عن جبريل عليه السلام لزعمهم أنه عدوهم، ثم تابعهم النصارى، وبعدها اختلفوا في تأويله، وآل أمرهم في نهاية الأمر إلى تأليهه، لأن تأليههم للمسيح عليه السلام هو الذي قادهم لتأليه الروح القدس، لأنهم تصوروا أنه حين حبلت مريم بحلول الروح القدس فيها، أنها حبلت بالإله المسيح من الإله الروح القدس. 2 إن إقرار ألوهية الروح القدس، حدث بعد رفع المسيح عليه السلام بعدة قرون، وهو من ابتداع الأحبار والرهبان الذين قاوموا عقيدة التوحيد التي جاء بها المسيح عليه السلام، وكان إقرارهم لهذا الاعتقاد على مراحل عديدة وبعد النزاع والصراع بين التوحيد والوثنية التي تؤيدها الأباطرة الذين كانوا ما زالوا على وثنيتهم، فجاءت قرارات مجامعهم تبعاً لبدعهم وأهوائهم التي ضلوا فيها عن الحق. 3 أن اعتقادهم ألوهية الروح القدس نتيجة لتأويلهم النصوص المتشابهة وجعلها دليلاً على معتقدهم، وتركهم النصوص المحكمة التي ترد باطلهم وإعراضهم عنها، رغم أنها صريحة في معانيها تؤيدها نصوص الكتب الإلهية السابقة، وأناجيلهم المقدسة، وشهادة القرآن الكريم لما ورد فيها من الحق، ورده لما فيها من الباطل. 4 أن الروح القدس هو جبريل عليه السلام، وكان سبب ضلالهم أنهم زعموا أن الروح القدس غير جبريل، لأنهم حينما رأوا نصوصهم تارة تذكر الروح القدس، وتارة تذكر جبريل ظنوا أنهما شيئان مختلفان، فنسبوا إلى الروح القدس الصفات الإلهية التي جعلتهم يعتقدون ألوهيته، ولو تدبروا الأمر لوجدوهما شيئاً واحداً كما تشهد بذلك نصوصهم المقدسة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 5 أن الروح القدس ليس خاصاً بالمسيح فقط ولا بمن زعموا حلوله عليهم، بل إن الله أيد به الأنبياء والرسل السابقين وعباده المؤمنين، ونصوصهم شاهدة في أن روح القدس حل في كثير من الأنبياء، وفي الحواريين وفي غيرهم، وأن روح القدس يأتي بمعنى القوة والنصر والتأييد، وبمعنى الوحي، وهو أيضاً اسم لجبريل عليه السلام، وهذا يرد باطلهم في الاعتقاد بألوهيته خلاف ما أخبر الله عنه في الكتب الإلهية. وفي ختام هذه الخاتمة أرجو الله أن أكون قد وفقت للصواب، وأن يكون عملي خالصاً لوجه الله، وبالله التوفيق وهو المستعان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الهوامش والتعليقات (1) انظر على سبيل المثال: أإبراهيم لوقا المسيحية في الإسلام، الطبعة الأولى سنة 1938، القاهرة. ب البابا شنودة القرآن والمسيحية، مجلة الهلال، عدد ديسمبر سنة 1970 ص 21 27 ج القمص بولس باسيلي المسيح في التوراة والإنجيل والقرآن، دار نوبار للطباعة، القاهرة، الطبعة الرابعة سنة 1999. (2) سفر الخروج 31/3 (3) سفر حزقيال 11/5 (4) المرجع السابق 36/2627 (5) سفر التكوين 41/3840 (6) سفر المزامير 51/1012 (7) سفر أشعياء 63/1112 (8) المرجع السابق 63/10 (9) سفر صموئيل الثاني 23/1 (10) سفر دانيال 6/1617 (11) المرجع السابق 9/21 (12) سفر القضاة 14/6 (13) المرجع السابق 14/9 (14) المرجع السابق 3/10 (15) انظر سفر التكوين 1/2 (16) انظر سفر الجامعة 12/7 (17) انظر سفر أيوب 34/14 (18) أي: أن كل ماسوى كلام الله عزوجل مما يصدر عنه تعالى فهو مخلوق، فكل ماسوى الله فهو مخلوق من مخلوقاته. (19) سفر أشعياء 63/710 (20) البقرة 97 (21) رواه البخاري كتاب التفسير باب قوله تعالى ((من كان عدواً لجبريل)) حديث رقم 4480، وكتاب التوحيد باب ذكر الملائكة، حديث رقم 3207 (22) رواه الإمام أحمد في مسنده ج 1 ص 273، الطبعة الميمنية عام 1405 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 (23) انظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن مج 1 ج 1 ص 431 435 (24) إنجيل مرقس 12/36 (25) إنجيل متى 22/43 (26) سفر أعمال الرسل 28/2526 (27) رسالة بطرس الثانية 2/21 (28) سفر أعمال الرسل 7/51 52 (29) رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 3/3 (30) إنجيل لوقا 1/1315 (31) المرجع السابق 1/1315 (32) إنجيل متى 1/18 (33) إنجيل لوقا 3/2122 (34) إنجيل يوحنا 1/3233 (35) إنجيل مرقس 1/910 (36) إنجيل لوقا 4/1 (37) المرجع السابق 4/1415 (38) المرجع السابق 4/18 (39) سفر أعمال الرسل 10/38 (40) إنجيل متى 10/1720، وسفر أعمال الرسل 1/48 (41) إنجيل لوقا 12/1112، وسفر أعمال الرسل 1/48 (42) إنجيل متى 12/2428 (43) المرجع السابق 12/31 32 (44) إنجيل مرقس 3/2830، وإنجيل لوقا 12/10 (45) إنجيل متى 3/1012 (46) ذكر بعض العلماء الكثير من البشارات بنبي الإسلام في التوراة والإنجيل، وذكروا أن من معاني الروح القدس دلالته على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يحيى والمسيح عليهما السلام بشرا بنبي الإسلام ولقباه بالروح القدس، وسيأتي الحديث عن الشاهد الدال على ذلك في المبحث الثالث: المطلب الثاني فقره (ج) (47) إنجيل يوحنا 1/3233 (48) إنجيل متى 3/1417 (49) انظر إنجيل متى 5/9، 6/910،32/9، وإنجيل يوحنا 20/17، ورسالة بولس إلى أهل رومية 8/1415 (50) الذاريات 2434 (51) انظر صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب إذا قال أحدكم: آمين والملائكة في السماء، حديث رقم 3234، 3235، 3236، وصحيح مسلم كتاب الإيمان باب قوله تعالى ((ولقد رآه نزلة أخرى)) ، حديث رقم 280287 (52) انظر صحيح البخاري كتاب الإيمان باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، حديث رقم 50، وصحيح مسلم كتاب الإيمان باب الإيمان باب الإسلام، حديث رقم 1، 5، 7. (53) ابن القيم الجوزية كتاب الروح 240241 (54) النحل 2 (55) الشورى 52 (56) غافر 1516 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 (57) المجادلة 22 (58) الشعراء 192195 (59) البقرة 87 (60) النحل 102 (61) البقرة 87 (62) المائدة 110 (63) الإسراء 85 (64) النبأ 38 (65) القدر 4 (66) النساء 171 (67) الأنبياء 91 (68) التحريم 12 (69) انظر ابن كثير تفسير القرآن العظيم 1/998 (70) المرجع السابق 1/998 (71) رواه البخاري كتاب الأنبياء باب قوله تعالى ((وإذقالت الملائكة يامريم)) حديث رقم 3435، ومسلم كتاب الإيمان باب من لقي الله وهو غير شاك 1/42 (72) الجاثية 13 (73) الشمس 13 (74) الحج 26 (75) رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري من حديث طويل في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم كتاب التوحيد باب قوله تعالى ((وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)) حديث رقم 7440 (76) انظر ابن كثير تفسير القرآن العظيم 1/898900 (77) الإمام القرافي هو: هو الشيخ الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي العلاء إدريس بن عبد الرحمن المصري الصنهاجي الهفشي، من قبيلة صنهاجه من برابرة المغرب، القرافي المالكي الفقيه الأصولي المفسر، ولد بمصر سنة 626 هجرية، وكان إمام المالكية في عصره، له مصنفات كثيرة في العقيدة والفقه وأصوله، وله في الرد على النصارى مثل: الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة، تحقيق د. بكر زكي عوض، وأدلة الوحدانية في الرد على النصرانية، تحقيق عبد الرحمن دمشقية، توفي القرافي رحمه الله في جمادى الآخرة سنة 684 هجرية. (انظر كشف الظنون 2/1153، وهدية العارفين 1/99، وحسن المحاضرة 1/127، والأعلام للزركلي 1/9495) (78) الأنفال 41 (79) الحجر 42 (80) الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة 8286 (81) حنا الخضري تاريخ الفكر المسيحي 4/631 (82) المرجع السابق 4/665666 (83) حنانيا إلياس كساب مجموعة الشرع الكنسي ص 247 (84) قاموس الكتاب المقدس، مادة (روح القدس) ص 414 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 (85) انظر حنانيا إلياس كساب مجموعة الشرع الكنسي ص 258259،وزكي شنودة موسوعة تاريخ الأقباط 1/176 (86) القس يوسف أسعد العذراء في التاريخ الكنسي ص 53 (87) انظر زكي شنودة موسوعة تاريخ الأقباط 1/179 (88) انظر حنا الخضري تاريخ الفكر المسيحي 4/666 (89) انظر محمد أبو زهرة محاضرات في النصرانية ص 155 (90) رؤوف شلبي ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ص 217 (91) انظر المرجع السابق ص 210، 217 (92) انظر أندرو ملر مختصر تاريخ الكنيسة 1/301 (93) انظر حنا الخضري تاريخ الفكر المسيحي 4/632 (94) أندروملر مختصر تاريخ الكنيسة 1/301 (95) زكي شنودة موسوعة تاريخ الأقباط 1/180 (96) المرجع السابق 1/171 (97) المرجع السابق 1/172 (98) المرجع السابق 1/175 (99) المرجع السابق 1/176177 (100) المرجع السابق 1/178 (101) المرجع السابق 1/179 (102) انظر رؤوف شلبي ياأهل اللكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ص 229 (103) حنا جرجس الخضري تاريخ الفكر المسيحي 4/631 (104) موسوعة تاريخ الأقباط 1/142 (105) المرجع السابق 1/246 (106) رسالة التثليث والتوحيد ص 45 (107) المرجع السابق ص 260 (108) انظر حنا الخضري تاريخ الفكر المسيحي 4/666 (109) انظر زكي شنودة موسوعة تاريخ الأقباط 1/246 247 (110) انظر ابن تيمية الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/317 (111) محمد أبو زهرة محاضرات في النصرانية ص 121122 (112) المرجع السابق ص 123 (113) سفر التكوين 1/36 (114) المرجع السابق 2/22 (115) سفر أشعياء 47/16 (116) سفر الخروج 20/17 (117) يسي منصور رسالة التثليث والتوحيد ص 37، 42 (118) القمص ميخائيل جرجس علم اللاهوت العقيدي 1/181 (119) سفر زكريا 22/8 (120) سفر هوشع 12/3 (121) سفر التكوين 48/1516 (122) الله.. طرق إعلانه عن ذاته ص 12 (123) إنجيل متى 22/30 (124) المرجع السابق 26/53 (125) إنجيل لوقا 2/1314 (126) انظر المرجع السابق 1/1315 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 (127) انظر المرجع السابق 1/2635 (128) انظر رؤيا يوحنا اللاهوتي 8/26،17/1 (129) انظرإنجيل متى 1/19،2/13،2/1920 (130) إنجيل متى 28/19 (131) انظر القمص ميخائيل جرجس علم اللاهوت العقيدي 1/147 150، وانظر زكي شنودة موسوعة تاريخ الأقباط 1/246247 (132) ابن تيمية: هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني الدمشقي، أبو العباس، ولد عام 661 هجرية، يعتبر منكبار الأئمة المجتهدين، ومن علماء الإسلام المشهورين، ومن كبار المصلحين، له تصانيف تزيد على أربعة آلاف كراسة، عالم في التفسير والفقه وأصوله، والحديث والمنطق، من مؤلفاته في جدال النصارى: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، والرسالة القبرصية، توفي رحمه الله عام 728 هجرية. (انظر الذهبي تذكرة الحفاظ 4/1496، وابن كثير البداية والنهاية 14/163، والشوكاني البدر الطالع 1/63) (133) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/99 (134) المتطبب هو: نصر بن يحيى بن عيسى بن سعيد المتطبب، كان نصرانياً فأسلم، واشتهر بالمهتدي، من نصارى البصرة، وكان طبيباً وأديباً، لايعرف سنة ولادته، عاش بعد سنة 449 هجرية، كان عالماً بديانة قومه، أسلم بعد نظر وبحث وروية، كتب رسالة في الرد على النصارى سماها: النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية، كانت وفاته بالبصرة في شهر رمضان سنة 589 هجرية (انظر: كشف الظنون 2/1957-1958، وهدية العارفين 2/492، ومعجم الأدباء 20/40-41، وعيون الأنباء 2/329-330، وانظر ترجمة وافية للمتطبب د. محمد السحيم مسلموا أهل الكتاب 1/191-200) (135) النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية ص 126 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 (136) القرطبي: هو شمس الدين: محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري القرطبي، لم يذكر العلماء سنة ولادته، من كبار المفسرين، مؤلف كتاب (الجامع لأحكام القرآن) وله مؤلفات أخرى، وينسب إليه كتاب في الرد على النصارى باسم (الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام، وإظهار محاسن دين الإسلام، وإثبات نبوة محمد عليه السلام) (انظر نفح الطيب 1/428، والديباج المذهب 317، وتاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان 219) (137) الحج 78 (138) الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام 1/ 6465 (139) انظر المرجع السابق 1/6570 (140) إنجيل متى 5/4445 (141) المرجع السابق 6/1 (142) انظر إنجيل متى 6/4،6/9،17/11، 17/21،26/52-53،ولوقا 10/22-23، ويوحنا 8/25-29 (143) إنجيل متى 4/3 (144) المرجع السابق 4/6 (145) المرجع السابق 16/1316 (146) المرجع السابق 5/45 (147) المرجع السابق 6/9 (148) انظر المرجع السابق 5/9، ويوحنا 8/41 (149) المائدة 18 (150) المائدة 18 (151) ابن كثير تفسير القرآن العظيم 2/56 (152) إنجيل متى 1/18 (153) المرجع السابق 1/20 (154) إنجيل مرقس 13/11 (155) أعمال الرسل 5/3 (156) انظر قاموس الكتاب المقدس، مادة (الروح القدس) ص 414، وانظر إلياس مقار إيماني أو (القضايا المسيحية الكبرى) ص 183 (157) رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 3/16 (158) رسالة بولس إلى أهل رومية 8/11 (159) انظر القمص ميخائيل جرجس علم اللاهوت العقيدي 1/181-189، وانظر زكي شنودة موسوعة تاريخ الأقباط 1/246-247 (160) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/251-252 (161) إنجيل لوقا 1/13-15 (162) انظر على سبيل المثال: أالقمص ميخائيل جرجس علم اللاهوت العقيدي 1/147-150 ب زكي شنودة موسوعة تاريخ الأقباط 1/246-247 (163) إنجيل لوقا 1/26-35 (164) إنجيل متى 1/18-21 (165) مريم 17 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 (166) انظر ابن جرير جامع البيان عن تأويل آي القرآن مج 9 ج 16/60 (167) آل عمران 171 (168) الجاثية 13 (169) محمد بن علي الشوكاني فتح القدير 1/540-541 (170) الأنبياء 91 (171) التحريم 12 (172) إنجيل لوقا 1/41 (173) المرجع السابق 1/67-68 (174) المرجع السابق 2/25-26 (175) إنجيل متى 3/13-17 (176) إنجيل يوحنا 1/32-33 (177) رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 3/3 (178) إنجيل متى 3/11 (179) إنجيل لوقا 3/16 (180) إنجيل متى 28/19 (181) إنجيل يوحنا 14/26 (182) المرجع السابق 16/13 (183) المرجع السابق 15/26 (184) عبد الأحد داود، كان اسمه قبل إسلامه: دافيد بنجامين كلداني، كان قسيساً للروم من طائفة الكلدان، ولد في أروميا من بلاد فارس سنة 1867 م، وتلقى تعليمه الابتدائي في تلك المدينة، سافر إلى روما وتلقى العلوم النصرانية فيها، وفي عام 1895 م تم ترسيمه كاهناً، أسهم في كتابة ونشر بعض المقالات عن الكنائس الشرقية، وكان يقوم بمهمة الوعظ والتعليم، كما تقلد مناصب أخرى، هداه الله إلى الإسلام وألف في الرد عليهم ومن كتبه: 1- الإنجيل والصليب، 2- محمد في الكتاب المقدس. (انظر ترجمة وافية عنه: د. محمد بن عبد الله السحيم مسلموا أهل الكتاب، دار الفرقان للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى عام1417 هجرية، ج 1 ص237-259) (185) محمد في الكتاب المقدس ص 220 (186) انظر عبد الأحد داود محمد في الكتاب المقدس ص 117 وما بعدها، وانظر إبراهيم خليل أحمد محمد في التوراة والإنجيل والقرآن ص 89 (187) انظر أحمد حجازي السقا البشارة بنبي الإسلام في التوراة والإنجيل 2/268-299، وكتابه: أقانيم النصارى ص 42-58، وانظر محمد رواس قلعة جي محمد في الكتب المقدسة ص 11-16 (188) البقرة 87 (189) البقرة 253 (190) المائدة 110 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 (191) رواه البخاري كتاب الصلاة باب الشعر في المسجد، حديث 453، وكتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة، حديث 3213، وكتاب المغازي باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، حديث 4123، وكتاب الأدب باب هجاء المشركين، حديث 6152، ورواه مسلم كتاب فضائل الصحابة، حديث 151153، 157 (192) المراجع السابقة نفس الأحاديث (193) غافر 15 (194) المجادلة 22 (195) إنجيل متى 28/19 (196) ابن تيمية الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/97-99 (197) رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 13/14 (198) انظر أعمل الرسل 8/1-3، 9/1-3، 22/1-11، وانظر رسالة بولس إلى أهل غلاطية 1/13-14 (199) انظر أعمال الرسل 15/35-41 (200) انظر رسالة بطرس الثانية 3/14-16 (201) انظر رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 1/15 (202) انظر رسالة بولس إلى أهل رومية 3/28، 7/6 (203) انظر د. أحمد شلبي المسيحية ص 233 (204) رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 13/14 (205) بماذا يؤمن السيحيون؟ ص 71 (206) انظر د. أحمد شلبي المسيحية ص 133-134، نقلاً عن ليون جوتيه المدخل لدراسة الفلسفة الإسلامية ص 93 (207) انظر النقول عن مشاهير رجال اللاهوت النصراني في بيان حقيقة الثالوث: أالأستاذ عبد الكريم الخطيب المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل ص 304-313 ب الدكتور أحمد شلبي المسيحية ص 139-146 (208) قاموس الكتاب المقدس مادة (جبرائيل) ص 245 (209) إنجيل لوقا 1/5 15 (210) المرجع السابق 1/26 35 (211) المرجع السابق 1/39 41 (212) المرجع السابق 1/67 (213) حنا الخضري تاريخ الفكر المسيحي 4/666، وزكي شنودة موسوعة تاريخ الأقباط 1/143 (214) إنجيل لوقا 1/6768 (215) المرجع السابق 1/41 (216) حنا الخضري تاريخ الفكر المسيحي4/666، وزكي شنودة موسوعة تارخ الأقباط 1/143 (217) المرجعين السابقين نفس الجزء والصفحة (218) إنجيل متى 6/9-13 (219) المرجع السابق 6/14-15 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 (220) إنجيل لوقا 9/31 (221) إنجيل متى 7/21 (222) إنجيل متى 4/10، وإنجيل لوقا 4/8 (223) إنجيل يوحنا 17/3-4 (224) انظر محمد مجدي مرجان الله واحد أم ثالوث ص 104 (225) انظر المرجع السابق ص 116 (226) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/159-160 (227) سفر أشعياء 63/10 (228) البقرة 97، والحديث سبق تخريجه، انظر هامش (21) (229) إنجيل متى 1/18 (230) إنجيل يوحنا 1/33-34 (231) البقرة 87 (232) المائدة 110 (233) الأنبياء 91 (234) النحل 102 (235) الشعراء 193- 195 (236) سفر القضاة 3/10 (237) المرجع السابق 14/6 (337) المرجع السابق 14/19 (239) سفر الخروج 31/3 (240) سفر حزقيال 36/2627 (241) انظر سفر القضاة 15/14 (242) إنجيل لوقا 4/1 (243) المرجع السابق 4/14-15 (244) المرجع السابق 4/18 (245) سفر أعمال الرسل 10/38 (246) إنجيل متى 12/28 (247) إنجيل يوحنا 14/16-17، وانظر أعمال الرسل 1/8 (248) إنجيل يوحنا 14/26 (249) إنجيل متى 10/20، ومرقس 13/11، ولوقا 12/12 (250) إنجيل متى 12/31-32 (251) انظر أعمال الرسل 2/4، 4/31، 6/3، 6/5، 11/22-24، 13/52، 13/9، وانظر إنجيل لوقا 1/41، 8/67 (252) سبق ذكر هذه الآيات عند الحديث عن حقيقة الروح القدس في المبحث الأول (253) سبق تخريج هذا الحديث، انظر هامش (191) (254) سبق تخريج هذا الحديث، انظر هامش (192) (255) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/256 (256) سفر المزامير 51/11 (257) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/125 (258) حنانيا إلياس كساب - مجموعة الشرع الكنسي ص 247 (259) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/120 (260) المرجع السابق 2/.140 المصادر والمراجع أولاً: المراجع الإسلامية: 1- القرآن الكريم. 2- صحيح البخاري. 3- صحيح مسلم. 4- مسند الإمام أحمد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 5- ابراهيم خليل أحمد محمد في التوراة والإنجيل والقرآن، مكتبة الوعي العربي، القاهرة، الطبعة الخامسة، بدون تاريخ. 6- أحمد حجازي السقا البشارة بنبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن، دار البيان العربي، القاهرة 1977م. 7- أحمد حجازي السقا أقانيم النصارى، دار الأنصار، القاهرة، الطبعة الأولى 1397هـ. 8- أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، مطابع المجد، القاهرة، بدون تاريخ. 9- أحمد بن إدريس القرافي الأجوبة الفاخرة على الأسئلة الفاجرة، تحقيق د. بكر زكي عوض، مكتبة وهبة، القاهرة، بدون تاريخ. 10- إسماعيل بن الخطيب بن كثير تفسير القرآن العظيم، ضبط حسين إبراهيم زهران، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ. 11- رؤوف شلبي يا أهل الكتاب تعلوا إلى كلمة سواء، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية 1400هـ. 12- عبد الأحد داود محمد في الكتاب المقدس، ترجمة فهمي شما، طبع ونشر رئاسة المحاكم الشرعية والشئون الدينية بدولة قطر، الطبعة الأولى 1405هـ. 13- عبد الله الترجمان تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب، تحقيق عمر وفيق الداعوق، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ. 14- محمد بن جرير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار الفكر، بيروت 1405هـ. 15- محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية كتاب الروح، تحقيق د. السيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ. 16- محمد بن أحمد القرطبي الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام، تحقيق أحمد حجازي السقا، دار التراث العربي، القاهرة، بدون تاريخ. 17- محمد أبو زهرة محاضرات في النصرانية، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض 1404هـ. 18- محمد بن علي الشوكاني فتح القدير، دار المعروفة، بيروت، بدون تاريخ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 19- محمد مجدي مرجان الله واحد أم ثالوث، دار النهضة العربية، القاهرة، بدون تاريخ. 20- محمد رواس قلعة جي محمد في الكتب المقدسة، دار السلام للطباعة والنشر والتأليف، بيروت، الطبعة الثالثة 1400هـ. 21- نصر بن يحيى المتطبب النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية، تحقيق د. محمد عبد الله الشرقاوي، دار الصحوة للنشر، القاهرة، 1406هـ. ثانياً: المراجع النصرانية: 22- كتاب النصارى المقدس: (أ) العهد القديم، طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط. (ب) العهد الجديد، طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط. 23- أندرو ملر مختصر تاريخ الكنيسة، بدون ناشر ولا تاريخ. 24- إلياس مقار إيماني أو (القضايا المسيحية الكبرى) دار الثقافة، بدون ناشر ولا تاريخ. 25- بطرس عبد الملك وآخرون، قاموس الكتاب المقدس، بدون ناشر ولا تاريخ. 26- حنا جرجس الخضري تاريخ الفكر المسيحي، دار الثقافة، القاهرة 1981م. 27- حنا نيا إلياس كساب مجموعة الشرع الكنسي، بدون ناشر ولا تاريخ. 28- زكي شنودة موسوعة تاريخ الأقباط، بدون ناشر ولا تاريخ. 29- عوض سمعان الله.. طرق إعلانه عن ذاته، بدون ناشر ولا تاريخ. 30- ميخائيل جرجس علم اللاهوت العقيدي، مركز الدلتا للجمع التصويري بالإسكندرية، الطبعة الأولى 1994م. 31- يسي منصور رسالة التثليث والتوحيد، بدون ناشر ولا تاريخ. 32- يوسف أسعد العذراء في التاريخ الكنسي، بدون ناشر ولا تاريخ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 هدي الصحابة رضوان الله عليهم مفهومه - مصادره - نماذج منه د/ رضا محمد صفي الدين السنوسي الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الإسلامية كلية الآداب - جامعة الملك عبد العزيز ملخص البحث يركز البحث على بيان مفهوم هدي الصحابة - رضوان الله عليهم - فهم الطليعة المؤمنة التي حملت عبء الرسالة، وقامت بالدعوة، وجاهدت في سبيل نشر هذا الدين، والبحث يبين تعريف الصحابي، ومكانة الصحابة - رضوان الله عليهم - مع بيان المصادر العلمية التي نستقي منها هديهم - رضوان الله عليهم - وقد ذكر في هذا البحث بعض النماذج لهديهم حتى يحصل الاقتداء والتأسي بهم، والبحث يبين كيف استطاع الصحابة - رضوان الله عليهم - أن يحافظوا على هذا الدين وعلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أبرز هذا البحث الجهود العظيمة لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحب والتوقير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والجهاد في سبيل الله بالأنفس والأموال وحرصهم على طلب العلم وغيره من الجهود المباركة. المقدمة: الحمد لله الذي جعل أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - مصابيح الدجى، وقدوة لمن أتى، وجعل محبتهم واجبة على من أتى بعدهم، وجعلهم الأسوة والقدوة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، أحمد ربي وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 إن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم الطليعة المؤمنة التي حملت عبء الرسالة، بهم قامت الدعوة، وبهم أظهر الله الإسلام، وأعلى كلمة الحق، فهم الذين بذلوا الأموال والأنفس رخيصة في سبيل الله، نصروا الدين، وكسروا الأصنام، وأعلوا كلمة لا إله إلا الله في كل مكان، لقد ضربوا أروع الأمثلة في الصبر على البلاء، والتضحية والفداء، وصلابة العقيدة، ورسوخ اليقين، فكانوا مثالاً لكل مسلم يحمل بين جوانبه حقيقة الإيمان، وسمو الهدف، فواجب على الأمة أن تحبهم وأن تتولاهم وأن تتأسى بهم فيما فعلوه، نصرة للدين وحباً لرسول رب العالمين - صلى الله عليه وسلم -. إن للصحابة - رضوان الله عليهم - صفات مميزة، وسمات بارزة، يعرفون بها، وفي هذا البحث سوف نعرض لهذا الموضوع الهام وسيكون هذا البحث من مقدمة أبين فيها أهمية هذا البحث وفصلين وخاتمة. الفصل الأول: هدي الصحابة ومصادره، وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: تعريف الهدي لغة. المبحث الثاني: تعريف الصحابي لغة واصطلاحاً. المبحث الثالث: تعريف هدي الصحابة وبيان المقصود منه. المبحث الرابع: المصادر التي نستقى منها هدي الصحابة - رضوان الله عليهم - الفصل الثاني: نماذج من هديهم رضوان الله عليهم، وفيه ثمانية مباحث: المبحث الأول: حبهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. المبحث الثاني: توقيرهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. المبحث الثالث: جهادهم في سبيل الله بالأموال والأنفس. المبحث الرابع: زهدهم في الدنيا وبعدهم عن الترف. المبحث الخامس: حرصهم على العلم ومسارعتهم إليه. المبحث السادس: خطبهم ومواعظهم. المبحث السابع: أخلاقهم التي اتصفوا بها. المبحث الثامن: فقههم وآراؤهم الاجتهادية. الخاتمة: وأذكر فيها أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث، ثم أتبع ذلك بفهارس عامة، فهرس للمصادر والمراجع، وفهرس آخر للموضوعات. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 وفي الختام أسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يجعل عملي هذا في الأعمال المقبولة، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وحسن الختام عند انتهاء الأجل، وأن ينفع بهذا البحث الكاتب والقارئ إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الفصل الأول: هدي الصحابة ومصادره قبل الشروع في الحديث عن هدي الصحابة - رضوان الله عليهم - ينبغي أن نعرف كلمة هدي ونعرف الصحابة - رضوان الله عليهم - حتى نستطيع أن نتعرف على معنى هذا التركيب (هدي الصحابة) . المبحث الأول: تعريف الهدي لغة: تعريف الهدي لغة: الهدي والهدية ويكسر الطريقة والسيرة يقال فلان يهدي فلان أي يفعل مثل فعله ويسير سيرته، ومنه قولهم: ما أحسن هديه أي سمته وسكونه وهو حسن الهدي والهدية أي الطريقة والسيرة وما أحسن هديته. وقال زياد بن زيد العدوي: ويخبرني عن غائِب المرءِ هديُه كفى الهديُ عما غيبَ المرءَ مخبراً ( [1] ) والهدي: ما أهدي إلى مكة من النعم ومنه قوله تعالى: {حتى يبلغ الهدي محله} ( [2] ) . ومنه قول الفرزدق: حلفت برب مكةَ والمصلّى وأعناقِ الهدِىِّ مقلَّداتِ ( [3] ) والهدي إذا أطلق انصرف إلى الطريقة والسيرة يبين هذا ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 1 - أخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول صبحكم ومساكم. ويقول: بُعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى. ويقول: ((أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) ثم يقول: ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي)) ( [4] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 قال النووي: خير الهدي هدي محمد، أي أحسن الطرق طريق محمد - صلى الله عليه وسلم - يقال: فلان حسن الهدي أي الطريقة والمذهب ( [5] ) . 2 - أخرج الإمام أحمد في مسنده بسنده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ((بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إني لست أدري قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي يشير إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما واهدوا هدي عمار وعهد ابن أم عبد رضي الله عنهما)) ( [6] ) . قال الزبيدي: واهدوا بهدي عمار، أي سيروا بسيرته وتهيئوا بهيئته ( [7] ) . المبحث الثاني: تعريف الصحابي لغة واصطلاحاً: تعريف الصحابي في اللغة مشتق من الصحبة وهي في اللغة بمعنى الملازمة والانقياد وكل شيء لازم شيئاً فقد استصحبه قال الزبيدي: صحبه، يصحبه صحابة، بالفتح ويكسر وهم أصحاب وأصاحيب وصحبان والصاحب المعاشر، واستصحبه دعاه إلى الصحبة ولازمه، وكل ما لازم شيئاً فقد استصحبه ( [8] ) . وقال الأصفهاني: الصاحب الملازم إنساناً كان أو حيواناً أو مكاناً أو زماناً ولا فرق بين أن تكون مصاحبته بالبدن، وهو الأصل والأكثر، ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته. ويقال للمالك الشيء: هو صاحبه وكذلك لمن يملك التصرف فيه قال تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن} ( [9] ) . والإصحاب للشيء: الانقياد له وأصله أن يصير له صاحباً ( [10] ) . تعريف الصحابي في اصطلاح العلماء: لقد تباينت أقوال العلماء في تعريف الصحابي ( [11] ) والذي يعنينا في هذا المقام هو تعريف علماء الحديث وعلماء الفقه والأصول لهم. أ - تعريف الصحابي عند المحدثين: هو من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة، مؤمناً به، بعد بعثته، حال حياته ومات على الإيمان ( [12] ) . وهذا التعريف هو الذي مال إليه أكثر أهل الحديث. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280 يقول الإمام أحمد بن حنبل: بعد أن ذكر أهل بدر فقال ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرن الذي بعث فيهم كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه ( [13] ) . وقال الإمام علي بن المديني: من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رآه ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ( [14] ) . وقال الإمام البخاري: من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه ( [15] ) . ب - تعريف الصحابي عند الفقهاء والأصوليين: هو من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة، مؤمناً به، بعد بعثته، حال حياته، وطالت صحبته، وكثر لقاؤه به، على سبيل التبع له، والأخذ عنه، وإن لم يرو عنه شيئاً، ومات على الإيمان ( [16] ) . قال الدكتور عياده الكبيسي: والراجح في تعريف الصحابي هو ما ذهب إليه جمهور المحدثين وذلك لشرف منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلو قدره وأن لصحبته - صلى الله عليه وسلم - مزية تختلف عن صحبة غيره ( [17] ) . وبعد أن عرفنا معنى كلمة هدي وأتبعناها بشرح معنى الصحابي وتعريف العلماء له نستطيع الآن أن نعرف ما نحن بصدده وهو هدي الصحابة. المبحث الثالث: تعريف هدي الصحابة: هو السيرة التي سلكوها، والنهج الإيماني الذي ساروا عليه وأثر فيهم وذلك باتباعهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - واقتدائهم به، واقتداء غيرهم بهم - رضوان الله عليهم - والمقصود بهذا هو دراسة تحليلية لحياة الصحابة - رضوان الله عليهم - واستخلاص العبر والعظات من حياتهم، وأخذ الأسوة والقدوة منهم، والوقوف على السمات البارزة، باعتبارهم خير هذه الأمة بعد نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 281 1 - أخرج الإمام أحمد في مسنده بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيئ ( [18] ) . 2 - أخرج أبو نعيم بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: من كان مستناً فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، كانوا على الهدي المستقيم والله رب الكعبة ( [19] ) . المبحث الرابع: المصادر التي نستقي منها هدي الصحابة رضوان الله عليهم: إن المصادر التي نرجع إليها للوقوف على هدي الصحابة - رضوان الله عليهم - كثيرة من أهمها: أولاً - القرآن الكريم: إن القرآن الكريم هو المصدر الأول لاستنباط سيرة هذا الجيل الذي تربى على القرآن في مدرسة النبوة على يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقرآن الكريم لم يذكر أسماء الصحابة بالتعيين إلا في موضع واحد هو قوله تعالى: {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها} ( [20] ) لكن الآيات الكثيرة التي نزلت فيهم - رضوان الله عليهم - يمكننا أن نرجع إلى أسباب نزولها فنقف على الصحابي الذي نزلت فيه هذه الآيات، وإلى كتب التفسير التي تفسر الآية وتبين المعاني العظيمة التي ذكرت فيها. وسأذكر بعض الآيات وأترك للقارئ الكريم الرجوع إلى كتب التفسير وأسباب النزول للوقوف على أسماء الصحابة الذين أشير إليهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 1 - قال تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} ( [21] ) . 2 - قال تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار، ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب} ( [22] ) . 3 - قال تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً، ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفوراً رحيماً} ( [23] ) . 4 - قال تعالى: {والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} ( [24] ) . ثانياً: كتب السنة النبوية المطهرة: لقد جاءت كتب السنة تتحدث عن صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتذكر مالهم من الفضل والمكانة التي نالوها بما قدموا من تضحيات عظيمة في سبيل الله، وما بذلوه من الأنفس والأموال إيماناً بالله وطاعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - والأحاديث في هذا كثيرة جداً، فلو رجعنا إلى كتب السنة في أبواب متفرقة مثل كتاب المناقب، كتاب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، كتاب مناقب الأنصار، كتاب المغازي وغيرها. ولو جمعنا الأحاديث التي رويت في هذه الأبواب من صحيح البخاري، لبلغت قرابة ألف حديث هذا في كتاب البخاري في هذه الأبواب الأربعة، فكيف لو درسنا الكتاب كله واستخرجنا هذه الأحاديث، لبلغت أكثر من ذلك هذا كله يدل على مدى العناية العظيمة بما يتعلق بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنهم محل الأسوة والقدوة لمن جاء بعدهم. ثالثاً: كتب السيرة النبوية: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 تعد هذه الكتب مصدراً هاماً في معرفة أخبار الصحابة - رضوان الله عليهم - وذكر وقائعهم وسيرهم، وجهادهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكل حدث من أحداث السيرة له ارتباط بالصحابة - رضوان الله عليهم -، في الهجرة، في الغزوات، في الصلح، في بناء الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة فكل أحداث السيرة تدور حول النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام - رضوان الله عليهم - رابعاً: كتب التاريخ: وهذه الكتب قد احتوت على مادة غزيرة تحكي تفصيلات واسعة عن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن هذه الكتب التي تتحدث عن تاريخ الإسلام: أ - تاريخ الرسل والملوك لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة 310 هـ. ب - الكامل في التاريخ للإمام محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري المتوفى سنة 630 هـ. ج - تاريخ الإسلام للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة 748 هـ. د - البداية والنهاية للإمام عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير المتوفى سنة 774 هـ. وغيرها من الكتب إلا أن هناك كتباً قد تخصصت في تراجم الصحابة وذكر سيرهم ومآثرهم وبعض أقوالهم التي تروى عنهم ومن هذه الكتب: خامساً: كتب التراجم والطبقات: 1 - الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد البصري المتوفى سنة 230 هـ. 2 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد القرطبي المتوفى سنة 463 هـ. وقد ضَمَّن كتابه هذا جملة من تراجم الصحابة إلا أنه لم يستوعبهم وفاته من أسمائهم الكثير وقد ترجم لقرابة 3650 صحابياً. 3 - أسد الغابة في معرفة الصحابة لعز الدين بن الأثير الجزري المتوفى سنة 630 هـ. وقد اعتمد في كتابه هذا على ابن مندة وأبي نعيم والاستيعاب وجملة من ترجم لهم 7702. 4 - تجريد أسماء الصحابة للحافظ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة 748 هـ وجملة من ترجم لهم 4190 صحابياً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 5 - الإصابة في تمييز الصحابة للإمام أحمد بن علي بن محمد المعروف بابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ وكتابه هذا أجمع كتاب في ذكر أسماء الصحابة حيث يشتمل على تراجم 12304 من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتابه هذا أصل في أسماء الصحابة وقد عول عليه كثير من العلماء ولم يؤلف مثله في فنه إلى غير ذلك من الكتب التي ألفت في هذا الباب. 6 - حياة الصحابة رضي الله عنهم للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي. الفصل الثاني: نماذج من هدي الصحابة رضوان الله عليهم إن النماذج لهدي الصحابة كثيرة جداً وسوف نقتصر في هذا البحث على بعض النماذج ونشرع في تعريفها والحديث عنها مع ضرب الأمثلة لذلك وهذه النماذج هي: المبحث الأول: حبهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. المبحث الثاني: توقيرهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. المبحث الثالث: جهادهم في سبيل الله بالأموال والأنفس. المبحث الرابع: زهدهم في الدنيا وبعدهم عن الترف. المبحث الخامس: حرصهم على العلم ومسارعتهم إليه. المبحث السادس: خطبهم ومواعظهم. المبحث السابع: أخلاقهم التي اتصفوا بها. المبحث الثامن: فقههم وآراؤهم الاجتهادية. المبحث الأول: حبهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الإيمان بالله عز وجل هو أسمى المطالب التي يسعى الموفقون من عباد الله لتحصيله، لأن الإيمان بالله حقاً وصدقاً هو أساس السعادة في الدنيا والآخرة، ولهذا الإيمان المنشود دعامة لابد منها، وهذه الدعامة هي الحب الحقيقي للرحمة المهداة - صلى الله عليه وسلم -، فمحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي الوسيلة الموصلة إلى محبة الله عز وجل، ومحبة الله ورسوله هي الدين كله، وعليها مدار الهداية والتقوى والصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} ( [25] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 إن محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركن ركين في حقيقة الإيمان فلا يتم إيمان عبد إلا بمحبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرج البخاري ومسلم واللفظ للبخاري بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)) ( [26] ) . وفي رواية للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده)) ( [27] ) . وحقيقة المحبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقتضي المتابعة له - صلى الله عليه وسلم - وموافقته في حب المحبوبات، وبغض المكروهات، ونصرة دينه بالقول والفعل، والتخلق بأخلاقه - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء بما جاء به من شرائع وسنن وتقديم أمره - صلى الله عليه وسلم - على كل شيء، إذ الحب الحقيقي هو الذي يكون فيه المحب تابعاً لمحبوبه - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وأخلاقه، متأسياً به في كل شأن من شؤون حياته، إن المؤمن لا يزكو ولا يصلح قلبه إلا إذا سكنت محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في قلبه، والحديث عن محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث الإيمان الصادق، والطريق الحق، وهو حديث ذو شجون يحبه المؤمن، ويحن إليه دائماً لأنه به يعلم حقيقة الإيمان الذي استقر في قلبه. وعندما نتحدث عن محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - تبرز لنا القمم الشامخة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين ضربوا أروع الأمثلة في ذلك الحب العظيم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لقد قطعوا مراتب المحبة وأقسامها حتى وصلوا إلى أعلى مراتبها بالغين الكمال في ذلك، لقد امتزجت محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أجسامهم وأرواحهم والأمثلة على ذلك كثيرة. الأمثلة: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 286 1 - أخرج البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: ((لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو طلحة بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - مُجوب عليه بحجَفهٍ له. وكان أبو طلحة رجلاً رامياً شديد النزع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثاً، وكان الرجل يمرُ معه بجعْبهٍ من النبل فيقول: انثُرها لأبي طلحة، قال: ويُشرفُ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - ينظرُ إلى القوم فيقوُل أبو طلحة: بأبي أنت وأمي، لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك ... الحديث)) ( [28] ) . 2 - أخرج أبو داود بسنده عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله الرجل يُحب القوم ولا يستطيع أن يعمل كعملهم، قال: ((أنت يا أبا ذر مع من أحببت، قال: فإني أحب الله ورسوله، قال: فإنك مع من أحببت، قال: فأعادها أبو ذر، فأعادها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) ( [29] ) . 3 - أخرج الطبراني في الأوسط بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا رسول الله، والله إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرتُ موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا آراك، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل جبريل بهذه الآية: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين} ( [30] ) الآية ( [31] ) . قال الهيثمي رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران العابدي وهو ثقة ( [32] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 287 4 - أخرج الحاكم بإسناده عن محمد بن سيرين قال ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه فكأنهم فضلوا عمر على أبي بكر رضي الله عنهما قال: فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال: والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر وليوم من أبي بكر خير من آل عمر، لقد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر فجعل يمشي ساعة بين يديه، وساعة خلفه، حتى فطن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي؟)) فقال: يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك فقال: ((يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني؟)) قال نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من ملمه إلا أن تكون بي دونك، فلما انتهيا إلى الغار، قال أبو بكر مكانك يا رسول الله حتى استبرئ لك الغار فدخل واستبرأه حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبرئ الحجرة فقال مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الحجرة فدخل واستبرأ ثم قال انزل يا رسول الله فنزل فقال عمر والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين لولا إرسال فيه ولم يخرجاه. قال الذهبي: صحيح مرسل ( [33] ) . 5 - ذكر القاضي عياض أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل كيف كان حبكم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ ( [34] ) . المبحث الثاني: توقيرهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -: قال ابن كثير - رحمه الله -: التوقير هو الاحترام والإجلال والإعظام ( [35] ) . إن تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجلاله وتوقيره في حياته وبعد وفاته شعبة من شعب الإيمان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 قال البيهقي: باب في تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجلاله وتوقيره - صلى الله عليه وسلم - قال: وهذه منزلة فوق المحبة لأنه ليس كل محب معظماً إلا أن الوالد يحب ولده ولكن حبه إياه يدعوه إلى تكريمه ولا يدعوه إلى تعظيمه. قال: وقد بسط الحليمي - رحمه الله - الكلام في ذلك فقال: معلوم أن حقوق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجل وأعظم وأكرم وألزم وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم، والآباء على أولادهم لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة، وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة، فهدانا به لما أطعناه وآوانا إلى جنات النعيم فأية نعمة توازي هذه النعم وأية منه تداني هذه المنن ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته وتوعدنا على معصيته، ووعدنا باتباعه الجنة فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة، وأي درجة تساوي في العمل هذه الدرجة، فحق علينا إذاً أن نحبه ونجله ونعظمه ونهيبه أكثر من إجلال كل عبد سيده وكل ولد والده ( [36] ) . وقد أمرنا مولانا سبحانه في كتابه العزيز بتوقير نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه} ( [37] ) وفي القرآن الكريم آيات كثيرة جاءت لتؤكد وجوب توقيره - صلى الله عليه وسلم - منها قوله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} ( [38] ) وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} ( [39] ) ومنها قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} ( [40] ) . وغير ذلك من الآيات التي توجب توقيره وتعظيمه، وتبين للأمة مكانة هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 ولقد كان الصحابة - رضوان الله عليهم - أعرف الأمة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولذلك فقد كانوا أعرف وأعلم بقدره ومنزلته - صلى الله عليه وسلم - من غيرهم. ولهذا كان تعظيمهم وتوقيرهم لرسول الله أشد وأكبر من غيرهم والأمثلة على ذلك كثيرة جداً. الأمثلة: 1 - أخرج البخاري بسنده عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في حديث صلح الحديبية في حديث طويل وفيه، ثم إن عروة - بن مسعود - جعل يرمُقُ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعينه قال فوالله ما تنَخَم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نُخامة إلا وقعت في كف رجُل منهم فدلكَ بها وجهه وجلده، وإذا أمرهُم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادُوا يقتتَلون على وضُوئه، وإذا تكلموا خَفضَوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له ... الحديث ( [41] ) . 2 - أخرج مسلم بسنده عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في حديث إسلامه وفيه - وما كان أحد أحب إلي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولوسئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ... الحديث ( [42] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 3 - أخرج مسلم بسنده عن أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل عليه، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفل وأبو أيوب في العلو وقال فانتبه أبو أيوب ليلة فقال: نمشي فوق رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنحوا فباتوا في جانب ثم قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - السفل أرفق، فقال لا أعلو سقيفة أنت تحتها، فتحول النبي - صلى الله عليه وسلم - في العلو وأبو أيوب في السفل فكان يصنع للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعاماً فإذا جيء به إليه سأل عن موضع أصابعه، فيتتبع موضع أصابعه، فصنع له طعاماً فيه ثوم فلما رُد إليه سأل عن موضع أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: لم يأكل، ففزع وصعد إليه، فقال: أحرام هو؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا، ولكني أكرهه، فقال فإني أكره ما تكره أو ما كرهت ( [43] ) . 4 - أخرج ابن حبان بسنده عن أسامة بن شريك قال كُنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - كأن على رؤوسنا الرخم ما يتكلم منا مُتكلم، إذ جاءه ناس من الأعراب فقالوا: يا رسول الله، أفتنا في كذا، أفتنا في كذا، فقال ((أيها الناس إن الله قد وضع عنكم الحرج إلا امرءاً اقترض من عرض أخيه فذاك الذي حرج وهلك)) . قالوا: أفنتداوى يا رسول الله؟ قال: ((نعم فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء غير داء واحد. قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال: الهرم. قالوا: فأي الناس أحب إلى الله يا رسول الله؟ قال: أحب الناس إلى الله أحسنهم خلقاً)) ( [44] ) 5 - ذكر القاضي عياض عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرعون بابه بالأظافر ( [45] ) . المبحث الثالث: جهادهم في سبيل الله بالأنفس والأموال: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 جاء النبي محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - رحمه لأمته، جمع الله به القلوب، ووحد به الكلمة، وأنار به السبيل وقطع به عن العرب حروب الثأر والعار، وحدد اتجاه السيف من أداة عدوان وإنتقام، إلى أداة دفاع وردع ودعوة للإيمان، وجهاد في سبيل الرحمن لإعلاء كلمة لا إله إلا الله. إن الجهاد في الإسلام هو بذل الجهد في مقاتلة الكفار لقد شرع الله الجهاد وجعله فريضة من أعظم الفرائض وركناً من أقوم الأركان وواجباً من أجل الواجبات قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم، وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} ( [46] ) . ولما كان أمر الجهاد عظيماً فإن ثواب المجاهدين عظيم كذلك فدرجة المجاهدين عند الله أعظم الدرجات وثوابهم أجزل الثواب يبين هذا نبي الملحمة - صلى الله عليه وسلم -. أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقاً على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها. فقالوا: يا رسول الله أفلا نبشر الناس؟ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة)) ( [47] ) . وقد شرع الله الجهاد لحكم عظيمة ومنافع كبيرة فالجهاد يحفظ للأمة بقاءها ويشد بنيانها ويثبت سلطانها ويعلي كلمتها، ويحقق أهدافها في نشر هذا الدين، وبه يرهب الأعداء وهو علاج لكل فساد وطغيان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 292 ولهذا فإن الله سبحانه قد فرض الجهاد على الأنبياء وأتباعهم وكان سيد المجاهدين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - قد جاهد الأعداء في غزوات كثيرة. أخرج مسلم بسنده عن بريدة رضي الله عنه قال غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع عشرة غزوة قاتل في ثمان منها ( [48] ) ولمكانة الجهاد في نفسه - صلى الله عليه وسلم - فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتمنى ألا يتخلف عن سرية تغزو في سبيل الله. أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((والذي نفسي بيده، لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أني اقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم اقتل ثم أحيا، ثم اقتل ثم أحيا، ثم اقتل)) ( [49] ) . وقد أدرك أصحابه - رضوان الله عليهم - فضل الجهاد وعظيم منزلته عند الله فتسابقوا - رضوان الله عليهم - في بذل أموالهم وأنفسهم في سبيل الله سبحانه وضربوا أروع الأمثلة في جهاد أعداء الله فباعوا أنفسهم لمولاهم الله سبحانه فعوضهم بها الجنة قال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} ( [50] ) . ولقد كانوا - رضوان الله عليهم - فرسان السيف والسنان وضربوا لمن جاء بعدهم أروع الأمثلة في بذل النفس والمال في سبيل الله تعالى. والأمثلة على ذلك كثيرة جداً - رضوان الله عليهم أجمعين - الأمثلة: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 293 1 - أخرج مسلم بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه في حديث طويل وفيه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض قال: يقول عُمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم، قال بخ بخ. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما يحملك على قولك بخ بخ. قال: لا، والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل)) ( [51] ) . 2 - أخرج مسلم بسنده عن أنس رضي الله عنه قال عمي الذي سُميت به - يعني أنس بن النضر - لم يشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدراً، قال فشق عليه، قال: أول مشهد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غُيبت عنه، وإن أراني الله مشهداً فيما بعد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليراني الله ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها. قال فشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد. قال: فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس: يا أبا عمرو أين؟ فقال: واها لريح الجنة أجده دون أحد. قال فقاتلهم حتى قتل قال: فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية قال فقالت أخته عمتي الرُبيع بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه. ونزلت هذه الآية: {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً} [23 / الأحزاب] قال فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه ( [52] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 3 - أخرج الحاكم بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال جاء عثمان رضي الله عنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بألف دينار حين جهز جيش العسرة ففرغها عثمان في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ((فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلبها ويقول ماضر عثمان ما عمل بعد هذا اليوم قالها مراراً)) . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، قال الذهبي: صحيح ( [53] ) . 4 - أخرج أبو داود بسنده عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً. فجئت بنصف مالي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً)) ( [54] ) . 5 - أخرج الحاكم بسنده عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد لطلب سعد بن الربيع وقال ((لي إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له يقول لك رسول الله كيف تجدك؟ قال فجعلت أطوف بين القتلى فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت له: يا سعد إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ عليك السلام ويقول لك خبرني كيف تجدك؟ قال على رسول الله السلام وعليك السلام قل له يا رسول الله أجدني أجد ريح الجنة وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله إن يخلص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيكم شفر يطرف قال وفاضت نفسه رحمه الله)) . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قال الذهبي: صحيح ( [55] ) . المبحث الرابع: زهدهم في الدنيا وبعدهم عن الترف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 في غمار الشهوات الطاغية على الناس، وفي سُعار التكالب على هذه الحياة الدنيا، والحرص على شهواتها ولذاتها الفانية، وفي الطوفان الجارف للناس، نحو الخلود إلى الدنيا والاستزادة منها، ينبغي على المؤمن التقي أن لا يركن إلى هذه الدنيا الفانية، بل يجعلها وسيلة يتوسل بها إلى بلوغ الآخرة الباقية لأن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر، لهذا كان عليه أن يزهد في الدنيا لبلوغ الآخرة والزهد هو ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة. وقد عُني القرآن عناية واضحة بهذا فراح يحث أتباعه على إيثار الآخرة على الفانية قال تعالى: {بل تؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى} ( [56] ) وقال تعالى: {وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع} ( [57] ) وجاء الرحمة المهداة - صلى الله عليه وسلم - فضرب لنا المثل الأعلى في الزهد والإعراض عن ملذات الحياة أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم ارزق آل محمد قوتاً)) ( [58] ) ومن زهده - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج من الدنيا ولم يشبع ثلاثة أيامٍ تباعاً من خبز البر بل إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكتفي بالقليل من الزاد وكان - صلى الله عليه وسلم - ينام على الحصير وكان فراشه - صلى الله عليه وسلم - من أدم وحشوه ليف ولما أراد الصحابة - رضوان الله عليهم - أن يجعلوا له فراشاً ليناً أعرض - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك يبين هذا ما أخرجه الترمذي بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء. فقال: مالي وما للدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها ( [59] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 296 ولقد فهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقيقة هذه الدنيا فجعلوها مطية يتوصلون بها إلى الآخرة فكانوا من أزهد الناس في هذه الحياة قال بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- تابعنا الأعمال كلها فلم نر في أمر الآخرة أبلغ من زهد في الدنيا ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الزهاده في الدنيا راحة القلب والجسد ( [60] ) . ولقد أدرك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقيقة هذه الدنيا فجعلوها وسيلة لبلوغ الآخرة وضربوا أروع الأمثلة في الزهد فيها وعدم اشغال القلب بها والأمثلة على ذلك كثيرة. الأمثلة: 1 - أخرج الترمذي بسنده عن محمد بن كعب القرظي قال حدثني من سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: خرجت في يوم شات من بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أخذت إهاباً معطوباً فحولت وسطه فأدخلته عُنقي وشددت وسطي فحزمته بخوص النخل، وإني لشديد الجوع ولو كان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعام لطعمت منه فخرجت ألتمس شيئاً، فمررت بيهودي في مال له وهو يسقى ببكرة له فاطلعت عليه من ثلمة في الحائط فقال مالك يا أعرابي؟ هل لك في كل دلو بتمرة؟ قلت: نعم فافتح الباب حتى أدخل. ففتح فدخلت فأعطاني دلوه. فكلما نزعت دلواً أعطاني تمرة حتى إذا امتلأت كفي أرسلت دلوه وقلت حسبي فأكلتها ثم جرعت من الماء فشربت ثم جئت المسجد فوجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب ( [61] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 2 - أخرج ابن شبه بسنده عن حفص بن أبي العاص قال: كان عمر رضي الله عنه يغدينا بالخبز والزيت والخل. والخبز واللبن، والخبز والقديد. وأول ذلك اللحم الغريض. يأكل وكنا نُعذر، وكان يقول: لا تنخلوا الدقيق فكله طعام. وكان يقول: مالكم لا تأكلون؟ فقلت يا أمير المؤمنين: إنا نرجع إلى طعام ألين من طعامك. قال: يا ابن أبي العاص أما تراني عالماً أن ارجع إلى دقيق ينخل في خرقة فيخرج كأنه كذا وكذا؟ أما تراني عالماً أن اعمد إلى عناق سمينة فنلقى عنها شعرها فتخرج كأنها كذا وكذا، أما تراني عالماً أن اعمد إلى صاع أو صاعين من زبيب فأجعله في سقاء وأصب عليه من الماء فيصبح كأنه دم الغزال؟ قال قلت: أحسن ما يبعث العيش يا أمير المؤمنين. قال أجل والله لولا مخافة أن ينقص من حسناتي يوم القيامة لشاركتكم في لين عيشكم ولكن سمعت الله ذكر قوماً فقال: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا} ( [62] ) ( [63] ) . 3 - أخرج أبو داود بسنده عن حميد بن هلال قال: أوخي بين سلمان وأبي الدرداء. فسكن أبو الدرداء الشام وسكن سلمان الكوفة. فكتب أبو الدرداء إلى سلمان: سلام عليك أما بعد: فإن الله قد رزقني بعدك مالاً وولداً وأنزلت الأرض المقدسة. قال: فكتب سلمان إليه: سلام عليك أما بعد فإنك كتبت إلي أن الله رزقك بعدي مالاً وولداً. وإن الخير ليس بكثرة المال والولد ولكن الخير أن يعظم حلمك. وأن ينفعك علمك. وكتبت إلي أنك نزلت الأرض المقدسة. وأن الأرض لا تعمل لأحد. فاعمل كأنك تُرى واعدد نفسك في الموتى ( [64] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 4 - أخرج أبو داود بسنده عن ابن سيرين قال: لما بعث عمر حذيفة إلى المدائن ركبوا إليه ليتلقوه. فتلقوه على بغل تحته إكاف، وهو معترض عليه رجليه من جانب واحد، فلم يعرفوه، فأجازوه فلقيهم الناس، فقالوا: أين الأمير؟ قالوا هو الذي لقيتم، فركضوا في أثره. فأدركوه وفي يده رغيف وفي الأخرى عِرق وهو يأكل، فسلموا عليه. قال: فنظر إلى عظيم منهم فناوله العرق والرغيف قال فلما غفل حذيفة ألقاه أو قال أعطاه خادمه ( [65] ) . 5 - أخرج أبو داود بسنده عن نافع قال: إن كان ابن عمر ليقسم في المجلس الواحد ثلاثين ألف درهم، ثم يأتي عليه الشهر ما يأكل مزعة لحم. قال: قلت فهل كان ياكل اللحم شهراً؟ قال: إذا صام أو سافر فإنه كان أكثر طعامه ( [66] ) . المبحث الخامس: حرصهم على العلم ومسارعتهم إليه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 الإسلام دين العلم والمعرفة. ولقد حثّ أمته على طلب العلم وإعمال الفكر والعقل والبحث والتفكير في كل ميدان من ميادين العلم، وكل مجال من مجالات الحياة. وما ذلك إلا لأن العلم روح الحياة، وأساس النهضات وعماد الحضارات، ووسيلة التقدم والرقي للأفراد والجماعات، والإسلام دين الحياة الصالح لكل زمان ومكان هو دين ودنيا، عبادة وحياة، دين جامع يربط الإنسان بالعبادة والقيم والأخلاق، دين يتغلغل في صميم الحياة ويضع الأسس والقواعد التي تكفل السعادة للبشر على ظهر هذه الأرض والشريعة الإسلامية قائمة على العلم والدعوة إليه ومعجزة الرحمة المهداة - صلى الله عليه وسلم - كانت كتاباً يتلألأ بالعلم الصحيح والمعرفة الحقة. وأول آية نزلت من هذا الكتاب المبارك نزلت تدعو للعلم وتعظم شأن المعرفة قال تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم} ( [67] ) . ولما كان العلم يسمو بالإنسان ويرفع قدره فقد أمر الله سبحانه الملائكة بالسجود لآدم لما فضله به عليهم من العلم. ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - كان قدوة الداعين إلى العلم بأقواله وأفعاله وطلب من أمته طلب العلم والسعي لبلوغ ذلك، وبين لهم الجزاء المنتظر لمن طلب العلم وسعى إليه. أخرج الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة)) ( [68] ) ولقد كان لعناية المعلم الأول صلوات الله وسلامه عليه الأثر الكبير في صحابته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 - رضوان الله عليهم - وسعيهم لطلب العلم وحرصهم عليه مع العمل بما قد تعلموا، وعظم أمر العلم عندهم وارتفعت درجة العلماء بين صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصبح العلم هو المجال الرحب الذي يتنافسون فيه ويبادرون إليه فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول اغدو عالماً أو متعلماً ولا تغدوا إمعة بين ذلك ( [69] ) . ولقد رحل الصحابة - رضوان الله عليهم - في طلب العلم ونشره وخرجوا إلى الشام ومصر والكوفة والبصرة يعلمون الناس فهم - رضوان الله عليهم - حفظة القرآن الذين نقلوه إلينا غضّاً طرياً كما أنزل وهم أوعية السنة النبوية المباركة فقد حفظوها ونقلُولها للناس كما سمعوها من الرحمة المهداة صلوات الله وسلامه عليه. ولقد كانوا يطبقون ما يتعلمون من العلم في واقع حياتهم اليومية فتعلموا العلم والعمل معاً، وكانوا أسوة وقدوة لمن جاء بعدهم، ولقد ضربوا لمن جاء بعدهم أروع الأمثلة في الحرص على العلم والسعي إليه والعمل به - رضوان الله عليهم أجمعين - الأمثلة: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 301 1 - أخرج أحمد في مسنده بسنده عن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاشتريت بعيراً ثُم شددت عليه رحلي. فسرت إليه شهراً حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس. فقلت للبواب: قل له جابر على الباب. فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم. فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته فقلت: حديثاً بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القصاص. فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن اسمعه. قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يحشر الناس يوم القيامة - أو قال العباد - عُراةً غُرلاً بهماً. قال: قلنا: وما بهما؟ قال: ليس معهم شيء. ثم يناديهم بصوت يسمعه من بُعد كما يسمعُه من قرب أنا الملك. أنا الديان. لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حتى أُقصه منه ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصّه منه. حتى اللطمة. قال: قلنا: كيف وإنا نأتي الله عز وجل عُراة غُرلاً بهماً؟ قال: بالحسنات والسيئات)) ( [70] ) . 2 - أخرج البخاري بسنده عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رجلاً قال لعبد الله بن زيد أتستطيع أن تُريني كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم. فدعا بماء فأفرغ على يديه فغسل مرتين ثم مضمض واستنثر ثلاثاً ثم غسل وجهه ثلاثاً ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين. ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه. ثم غسل رجليه ( [71] ) . قلت: وفي هذا إشارة إلى حرصهم على العلم والتعليم والتعلم. 3 - أخرج أحمد بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 302 عبد الله ابن رواحة رضي الله عنه إذا لقي الرجل من أصحابه يقول: تعال نؤمن بربنا ساعة، فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يرحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تباهي بها الملائكة عليهم السلام)) ( [72] ) . 4 - أخرج البخاري بسنده عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً. ثم يتلو {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات - إلى قوله - الرحيم} ( [73] ) إن اخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق. وإن اخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أحوالهم. وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشبع بطنه. ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون ( [74] ) . 5 - أخرج أبو يعلى بسنده عن حميد قال: سئل أنس عن كسب الحجام فلم يقل فيه حلالاً ولا حراماً. وقال: قد احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجمه أبو طيبة فأمر له بصاعين من طعام وكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - يعني أهله - فخففوا من غلته، أو من ضريبته، وقال خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز ( [75] ) . المبحث السادس: خطبهم ومواعظهم لقد بلغ العرب من الفصاحة والبلاغة والبيان ما لم تبلغه أمة من الأمم قبلهم وكان الشعراء والبلغاء هم فخر القبيلة وعزها ومجدها، إذا قالوا فالقول قولهم، وإذا تكلموا فالكلمة كلمتهم كلامهم يرفع ويخفض، يرفع أناساً ويضع آخرين، بلغ من عز الكلمة وشرفها ومكانتها عند العرب أن كانت تعلق في جوف الكعبة، أقدس مكان عندهم وأشرفه وأعز بنيان لديهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 303 وعندما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس جاءهم بمعجزة لم يأت بها نبي ألا وهي كتاب الله الذي كان يتلى ويقرأ بينهم كتاب فاق كلامه كلام البشر، وعلا قدره على الإنسن والجن. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفصح الناس وأبلغهم وأخطبهم. وقد أعطاه مولاه جوامع الكلم يبين هذا ما أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: بعثت بجوامع الكلم ( [76] ) . إن فصاحته - صلى الله عليه وسلم - في ذروة الكمال، بُعد عن التكلف في القول، جزالة في اللفظ وضوح في الدلالة، دقة في الوصف والتعبير، ابداع في التشبيه والتصوير، إيجاز في القول، مطابقة لمقتضى الحال، وكان لحركته وإشارته أثر كبير في إثارة الانتباه وتنبيه الغافل، وهي تعين على الحفظ فمن ذلك أنه ذكر القلب، فأشار إلى صدره الشريف وقال: التقوى هاهنا. وذكر فضل كافل اليتيم. فقرن بين السبابة والوسطى وفرق بينهما، إن خطبه - صلى الله عليه وسلم - تلامس شغاف القلب وتؤثر فيه تأثيراً عظيماً. ومنه - صلى الله عليه وسلم - تعلم الصحابة - رضوان الله عليهم - فنون الخطابة ولقد بلغت الخطابة زمن الخلفاء الراشدين المكانة المرموقة، فكان الخلفاء خطباء يخطبون الناس في الجمع والأعياد ويخطبون في الجيوش ويوجهون القادة وكانت خطبهم اقتباساً من القرآن الكريم ومن السنة النبوية المطهرة فاكتسبت بذلك قوة التأثير، ووصلت إلى شغاف القلوب، وكانت تقوم على الحقائق الملموسة والمسائل الواقعية، والأمثلة على ذلك كثيرة منها. الأمثلة: 1 - أخرج أبو داود بسنده عن قيس: خطبنا أبو بكر رضي الله عنه قال: وُلّيتُ أمركم ولست بخيركم. فإن أنا أحسنت فأعينوني. وإن أنا أسأت فسددوني وإن لي شيطاناً يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا اوثر في أجسادكم ولا أبشاركم ( [77] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 304 2 - أخرج أبو داود بسنده عن قبيعة بن جابر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كتم سره كانت الخيرة في يديه، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، وما كافأت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وعليك بصالح الاخوان، أكثر اكتسابهم. فإنهم زين في الرخاء، وعدة عند البلاء، ولا تسأل عما لم يكن حتى يكون. فإن في ما كان منعه عن ما لم يكن، ولا تهاون بالحلف بالله فيهينك الله، وذل عند الطاعة. واستغفر عند المعصية. ولا تستعن على حاجتك إلا من يحب نجاحها. ولا تستشر إلا الذين يخافون الله. ولا تصحب الفاجر فتعلم من فجوره وتخشع عند القبور ( [78] ) . 3 - أخرج أبو داود بسنده عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: ألا انبئكم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله ولم يؤمنهم مكر الله. ولم يترك القرآن إلى غيره. ألا لا خير في عبادة ليس فيها الفقه. ولا خير في فقه ليس فيه تفهم. ولا خير في قراءة ليس فيها تدبر ( [79] ) . 4 - أخرج أبو داود بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد قال قال عبد الله - يعني ابن مسعود رضي الله عنه - ثلاث حقاً على الله أن يفعلهن بالعبد، يأتيه عبد لا يشرك به شيئاً فيكله إلى غيره، ولا يجعل من لهم سهم في الإسلام كمن لا سهم له. ولا يحب رجل قوماً إلا حشره الله معهم يوم القيامة، والرابعة أرجو أن يكون نفعاً لا يستر الله عبداً في الدنيا إلا ستره في الآخرة ( [80] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 5 - أخرج أبو داود بسنده عن علي بن حوشب عن أبيه أنه سمع أبا الدرداء رضي الله عنه على المنبر يخطب الناس وهو يقول: إني لخائف يوم ينادي مناد فيقول: يا عويمر. فأقول: لبيك رب لبيك. فيقول: أما علمت؟ فأقول: نعم. فيقال: كيف عملت فيما علمت؟ فتأتيني كل آية من كتاب الله زاجرة أو آمرة فتسألني فريضتها فتشهد علي الآمرة بأني لم أفعل. وتشهد علي الزاجرة بأني لم أنته. أو اترك؟ فأعوذ بالله من قلب لا يخشع، ومن عقل لا ينفع، ومن صوت لا يسمع. وأعوذ بالله من دعاء لا يجاب ( [81] ) . المبحث السابع: أخلاقهم التي اتصفوا بها إن أجمل شيء يتجمل به الإنسان في هذه الحياة تقوى الله وحسن الخلق. فالتقوى تجعله من عباد الله المكرمين، قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً} ( [82] ) وحسن الخلق يدخله في عباد الله الصالحين الذين سبقت له من الله سبحانه الحسنى وزيادة. وقد فازوا بعز الدنيا ونعيم الآخرة. أخرج الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة. قال: تقوى الله وحسن الخلق. وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار. قال: الفم والفرج ( [83] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 إن الدين الإسلامي هو دين الأخلاق والسجايا الحميدة، إن مكارم الأخلاق أساس هذا الدين، فالإسلام يربط دائماً بين الإيمان والأخلاق، فكمال الأخلاق يدل على قوة الإيمان، وضعف الأخلاق يدل على ضعف الإيمان، فالأخلاق الفاضلة هي المنارات الزاهرة التي تضيء الدنيا، وتشع على الوجود بالأمان والاطمئنان والاستقرار، وربُنا سبحانه وتعالى لم يرسل رسله المكرمين إلا ليكونوا هداة الأمة إلى الحق وإلى مكارم الأخلاق. ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو الموصوف بالخلق العظيم وصفه مولانا سبحانه في محكم التنزيل قال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} ( [84] ) وقد بين لنا - صلى الله عليه وسلم - بأقواله وأفعاله مكانه الأخلاق والدرجة العالية التي يصل إليها أهل الأخلاق الحسنة. أخرج الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً خياركم خياركم لنسائه خلقاً)) ( [85] ) . ويرتقي صاحب الخلق الحسن إلى درجة القرب من مجلس الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ليحظى بالشرف العظيم بمصاحبة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - في يوم القيامة. أخرج الترمذي بسنده عن جابر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال المتكبرون)) ( [86] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 ولقد طبق الصحابة - رضوان الله عليهم - ما سمعوه من حبيبهم - صلى الله عليه وسلم - من حث على الأخلاق الحسنة وتمسك بها وعمل بها وما شاهدوه منه - صلى الله عليه وسلم - من كمال أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - فكانوا نماذج عظيمة لمن جاء بعدهم في التمسك بالأخلاق الفاضلة، والعمل بها مع أهلهم وإخوانهم بل حتى مع أعدائهم والأمثلة على ذلك كثيرة جداً. الأمثلة: 1 - الصبر عند المصيبة: أخرج البخاري بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو اسكن ما كان، فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: وار الصبي فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال: أعرستم الليلة؟ قال: نعم. قال: اللهم بارك لهما في ليلتهما. فولدت غلاماً. قال لي أبو طلحة: احفظه حتى نأتي به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرسلت معه بتمرات، فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أمعه شيء؟ قالوا: نعم، تمرات فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - فمضغها ثم أخذ من فيه فجعلها في فيّ الصبي فحنكه بها وسماه عبد الله ( [87] ) . 2 - الوفاء بالعهد: أخرج مسلم بسنده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حُسيل قال: فأخذنا كفار قريش قالوا: انكم تريدُون محمداً؟ قلنا ما نريدهُ، ما نُريد إلا المدينة فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرناه الخبر فقال: انصرفا نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم ( [88] ) . 3 - الحياء: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 أخرج أحمد في مسنده عن الحسن وذكر عثمان بن عفان رضي الله عنه وشدة حيائه. فقال: إن كان ليكون في البيت والباب عليه مُغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء يمنعه الحياء أن يُقم صُلبه ( [89] ) . 4 - التواضع: أخرج الحاكم بسنده عن طارق بن شهاب قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام ومعه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فأتوا على مخاضه وعمر على ناقة له فنزل عنها. وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة، ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك، فقال عمر: أوه لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالاً لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله ( [90] ) . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. 5 - الخشية من الله: أخرج البخاري بسنده عن الحارث بن سويد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا - قال أبو شهاب بيده فوق أنفه ( [91] ) -. المبحث الثامن: فقههم وآراؤهم الاجتهادية لقد حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على تعليم أصحابه - رضوان الله عليهم - ومن بعدهم الاجتهاد في الأحكام وعد ذلك العمل مما يثاب عليه المجتهد. أخرج البخاري بسنده عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)) ( [92] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 وهذا التوجيه النبوي الكريم طبقه الصحابة - رضوان الله عليهم - فكانوا يجتهدون في حياته - صلى الله عليه وسلم - وهو - صلى الله عليه وسلم - يقرهم على ذلك إذا أصابوا ويُبين لهم الأولى إذا خالفوا الصواب. أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا لما رجع من الأحزاب: ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحداً منهم)) ( [93] ) ولهذا لما انقضى عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي تم فيه التشريع الإلهي في الكتاب والسنة وتم الأصلان العظيمان اللذان يرجع إليهما وبدأ عصر الصحابة رضوان الله عليهم وبدأ الفقه بالنمو والاتساع فقد واجه الصحابة وقائع وأحداثاً ما كان لهم بها عهد في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان لابد من معرفة حكم الله فيها كما أن الفتوحات الإسلامية وما ترتب عليها من ظهور قضايا ومسائل جديدة استلزمت معرفة حكم الشرع فيها لهذا قام الصحابة بمهمة التعرف على أحكام هذه المسائل والوقائع الجديدة فاجتهدوا واستعملوا آراءَ هم على ضوء قواعد الشريعة ومبادئها العامة ومعرفتهم بمقاصد الشريعة وهكذا استطاع الصحابة - رضوان الله عليهم - أن يواكبوا تلك الأحداث والوقائع وأن يستنبطوا لها الأحكام وذلك بالرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فإن لم يجدوا فيهما الحكم تحولوا إلى الاجتهاد واعملوا ما أداهم إليه اجتهادهم. وهذا المنهج يظهر في تطبيقات الصديق والفاروق وابن مسعود وغيرهم من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 ذكر ابن قيم الجوزية - رحمه الله - عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى فإن وجد فيه ما يقضي به قضى، وإذا لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن وجد فيها ما يقضي به قضى به فإن أعياه ذلك سأل الناس: هل علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيه بقضاء؟ فربما قام إليه القوم فيقولون، قضى فيه بكذا وكذا فإن لم يجد سنة سنها النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع رؤساء الناس فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به ( [94] ) . وكان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك ( [95] ) . واجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم في المسائل والأحداث كان يتبعه اختلاف أو اتفاق فالاختلاف في الرأي نتيجة حتمية للاجتهاد واختلاف الصحابة - رضوان الله عليهم - في الاجتهاد يرجع إلى أسباب وهذه الأسباب قد أشار إليها الدكتور عبد الكريم زيدان فقال: ((يرجع اختلاف الفقهاء في هذا العصر إلى جملة أسباب نذكر منها ما يلي: أولاً: اختلافهم بسبب علم البعض بالسنة وعدم علم البعض الآخر. ثانياً: اختلافهم بسبب عدم وثوقهم بالسنة فقد يجهل أحدهم السنة فإذا رويت له ربما لا يطمئن بروايتها ولا يثق براويها لأي سبب كان فلا يأخذ بها فمن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يثق بحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها حيث قالت إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفرض لها نفقة ولا سكنى لما طلقها زوجها بائناً. ثالثاً: اختلافهم بسبب اختلافهم في فهم النصوص فمن ذلك اختلافهم في العدة هل هي ثلاثة أطهار أو ثلاث حيضات ومرد اختلافهم إلى المقصود بكلمة القرء. رابعاً: اختلافهم بسبب الاجتهاد فيما لا نص فيه)) ( [96] ) . واجتهادهم في ذلك العصر كان يقوم على أساس واقعي فقد اقتصر اجتهادهم على الحوادث التي وقعت فعلاً فلا اجتهاد عندهم على الوقائع الافتراضية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 وبهذا استطاع الصحابة - رضوان الله عليهم - أن يسايروا ذلك العصر الذي كانوا فيه وأن يجتهدوا في الوقائع التي وقعت لهم وأن يستنبطوا لها الأحكام فكان فعلهم هذا إثراء للفقه الإسلامي وسنذكر بعض الأمثلة على فقههم وآرائهم الاجتهادية - رضوان الله عليهم أجمعين - الأمثلة: 1 - أخرج مسلم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليه ( [97] ) . فهذا الذي فعله عمر رضي الله عنه إنما أراد به زجر الناس عن هذا فإن الناس في زمانه كثر منهم إيقاعهم الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد وهذا خلاف المشروع فأراد عمر زجرهم عن هذا فإن الناس في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ما كانوا يكثرون من إيقاع الطلاق على هذا النحو بل كان ذلك نادراً عندهم أما في زمن عمر فقد كثر ذلك فأوقع عمر عليهم ما أرادوا فجعل الثلاث ثلاثاً. 2 - أخرج البخاري بسنده عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: جاء أعرابي النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عما يلتقطه فقال: ((عرفها سنة ثم اعرف عفاصها ووكاءها. فإن جاء أحد يخبرك بها إلا فاستنفقها. قال: يا رسول الله فضالة الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب. قال ضالة الإبل؟ فتمعر وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر)) ( [98] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 فهذا الحديث صريح في النهي عن التقاط ضالة الإبل وهذا الحكم هو الذي عليه العمل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لكن لما جاء عثمان رضي الله عنه رأى من المصلحة أن تباع الإبل ثم إذا جاء صاحبها أعطي ثمنها وإنما فعل عثمان رضي الله عنه هذا خوفاً من أن تمتد يد غير أمينة إلى هذه الإبل فتأخذها وذلك لتغير الناس عما كانوا عليه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد الصديق والفاروق رضي الله عنهما فكان فعله هذا من باب المصلحة لحفظ أموال الناس. أخرج مالك بسنده عن ابن شهاب قال كانت ضوال الإبل في زمان عمر ابن الخطاب إبلاً مؤبله تناتج لا يمسها أحد حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان أمر بتعريفها ثم تباع فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها ( [99] ) . 3 - أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن غلاماً قُتل غيلة فقال عمر لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم ( [100] ) . وقد جاءت رواية البيهقي مبينة العدد الذي قتله عمر رضي الله عنه بالغلام. أخرج البيهقي بسنده عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل نفراً خمسة أو سبعة برجل قتلوه قتل غيلة وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً ( [101] ) وهذا الذي ثبت عن عمر رضي الله عنه ثبت أيضاً عن علي رضي الله عنه أنه قتل جماعة قتلوا رجلاً واحداً. أخرج البيهقي بسنده عن سعيد بن وهب قال خرج قوم وصحبهم رجل فقدموا وليس معهم فاتهمهم أهله فقال شريح شهودكم أنهم قتلوا صاحبكم وإلا حلفوا بالله ما قتلوه، فأتوا بهم علياً رضي الله عنه قال سعيد وأنا عنده ففرق بينهم فاعترفوا، قال فسمعت علياً رضي الله عنه يقول: أنا أبو حسن القرم فأمر بهم علي رضي الله عنه فقتلوا ( [102] ) . وهذا الذي ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أن الجماعة تقتل بالواحد. أمر لم يخالفهم فيه أحد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 ولذا ثبت الحكم عند العلماء أن الجماعة تقتل بالواحد إذا اشتركوا في قتله. 4 - حد السارق أن تقطع يده وقد جاء هذا مذكوراً في الكتاب الكريم قال تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم} ( [103] ) . فإذا سرق السارق قطعت يده إذا توافرت الشروط الموجبة للقطع. وفي عام المجاعة سنة 18 هـ في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب الناس شدة عظيمة حتى إن الناس قد اضطروا للسرقة للحفاظ على حياتهم لهذا رأى عمر رضي الله عنه أن يوقف تطبيق الحد عليهم وذلك لأن عمر رضي الله عنه أدرك علة إقامة الحد وعرف أن الاعتداء على مال الغير فيه القطع إذا تحققت الشروط الموجبة للقطع لكن الناس في عام المجاعة كانوا في ضيق شديد جداً مما دفعهم إلى سرقة الطعام الذي يقيم حياتهم إنها الضرورة التي دفعتهم لذلك لذا أوقف عمر رضي الله عنه إقامة الحد عليهم. ذكر ابن قيم الجوزية - رحمه الله - عن عمر رضي الله عنه قال لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة قال السعدي فسألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: العذق النخله. وعام سنة: المجاعة. فقلت لأحمد: تقول به؟ فقال: أي لعمري. قلت: إن سرق في مجاعة لا تقطعه؟ فقال: لا. إذا حملته الحاجة على ذلك والناس في مجاعة وشدة ( [104] ) . والذي فعله عمر رضي الله عنه هو اعمال للقاعدة الفقهية ((الضرورات تبيح المحظورات)) . 5 - اختلف الصحابة - رضوان الله عليهم - في الرجل يطلق امرأته ثلاثاً وهو مريض هل ترثه؟ ذهب عثمان بن عفان رضي الله عنه أنها ترثه إذا مات وهي في العدة أو بعد انقضاء العدة. أخرج ابن أبي شيبة بسنده عن عثمان رضي الله عنه قال: ورث امرأة عبد الرحمن بن عوف حين طلقها في مرضه بعد انقضاء العدة ( [105] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 وأخرج البيهقي بسنده عن ابن أبي مليكة قال سألت عبد الله بن الزبير عن رجل طلق امرأته في مرضه فبتها قال أما عثمان رضي الله عنه فورثها وأما أنا فلا أرى أن أورثها ببينونته إياها ( [106] ) . أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه ذهب إلى أنها ترثه إذا توفي في عدتها وهو لا يرثها إن ماتت في العدة. أخرج ابن أبي شيبة بسنده عن شريح قال أتاني عروة البارقي من عند عمر في الرجل يطلق امرأته ثلاثاً في مرضه: إنها ترثه ما دامت في العدة ولا يرثها وهذا الذي ذهب إليه عمر رضي الله عنه مروي أيضاً عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. أخرج ابن أبي شيبة بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في المطلقة ثلاثاً وهو مريض قالت: ترثه ما دامت في العدة ( [107] ) . وهذا أبي بن كعب رضي الله عنه كان يرى أنها ترثه ما لم تتزوج أو يبرأ زوجها من مرضه أخرج البيهقي بسنده عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال في الذي يطلق وهو مريض لا نزال نورثها حتى يبرأ أو تتزوج وإن مكث سنة ( [108] ) . الخاتمة: وأذكر فيها أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث وهي: 1 - إن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم نجوم الهداية وحلية الأيام فدراسة سيرهم وهديهم من أهم الدراسات فهم الأسوة والقدوة لهذه الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم -. 2 - إن شرف الصحبة عظيم جداً وأن الصحابة قد أدركوا هذا الشرف فقاموا بما يجب عليهم نحو هذا التشريف العظيم من الدعوة والعمل والتطبيق لهذا الدين. 3 - إن المصادر التي نستقي منها هدي الصحابة كثيرة وأهمها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وكتب التراجم والتاريخ فعلينا الاهتمام بهذه المصادر واستنباط المواضيع منها. 4 - إن الصحابة - رضوان الله عليهم - ضربوا لهذه الأمة المثل الأعلى في حبهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوقيرهم له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 5 - إن التربية النبوية الكريمة لهؤلاء الأصحاب أثرت فيهم تأثيراً عظيماً فقد بذلوا الأموال والأنفس في سبيل الدفاع عن هذا الدين ونبيه - صلى الله عليه وسلم - وكانوا قدوة لمن جاء بعدهم - رضوان الله عليهم - 6 - لقد حرص الصحابة - رضوان الله عليهم - على إعمار الآخرة واعتبروا الدنيا طريقاً موصلاً للجنة فأحسنوا فيها العمل لما ينفعهم في الآخرة. 7 - إن الدراسات حول هدي الصحابة قليلة فإن هذا الجانب المهم لم يحض بالعناية الكافية التي يستحقها. 8 - ينبغي إعادة دراسة تراجم الصحابة والاهتمام بذلك ومحاولة وضع الموسوعات العلمية عن سيرهم وحياتهم ومآثرهم. 9 - محاولة وضع المناهج العلمية عن هدي الصحابة وتدريسها للطلاب ليسهل عليهم الاقتداء والتأسي بهؤلاء الأفاضل فهم خير الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم -. 10 - لقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم التشريع على أكمل الوجوه فطبقوه وأحسنوا الاجتهاد والاستنباط واستطاعوا أن يسايروا العصر الذي كانوا فيه وأن يضعوا الأحكام لما استجد عندهم من الأحكام. الهوامش والتعليقات --- ( [1] ) تاج العروس، فصل الهاء، باب الواو والياء 10 / 407. ( [2] ) سورة [البقرة، آية 196] . ( [3] ) تاج العروس، فصل الهاء، باب الواو والياء 10 / 408. ( [4] ) صحيح مسلم ح 867، 2 / 592. ( [5] ) صحيح مسلم بشرح النووي 6 / 154. ( [6] ) مسند الإمام أحمد 5 / 399 والحديث حسن. ( [7] ) تاج العروس 10 / 407. ( [8] ) تاج العروس فصل الصاد من باب الباء 1 / 332. ( [9] ) سورة [التوبة، آية 40] . ( [10] ) مفردات ألفاظ القرآن ص 475. ( [11] ) وقد جمع زميلنا الدكتور / عياده أيوب الكبيسي هذه الأقوال في كتابه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب والسنة. ( [12] ) صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب والسنة ص 39. ( [13] ) الكفاية في علم الرواية ص 99. ( [14] ) فتح المغيث 3 / 93. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 ( [15] ) المصدر السابق 3 / 93. ( [16] ) صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب والسنة ص 62. ( [17] ) المصدر السابق ص 71 - 74. ( [18] ) مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط ح 3600 (6 / 84) والحديث حسن. ( [19] ) حلية الأولياء 1 / 305. ( [20] ) سورة [الأحزاب، آية 37] . ( [21] ) سورة [آل عمران، آية 173] . ( [22] ) سورة [النور، آية 37 - 38] . ( [23] ) سورة [الأحزاب، آية 23 - 24] . ( [24] ) سورة [الحشر، آية 9] . ( [25] ) سورة [آل عمران، آية 31] . ( [26] ) صحيح البخاري ح 15 (فتح الباري 1 / 80) ، صحيح مسلم ح 44 (1 / 67) . ( [27] ) صحيح البخاري ح 14 (فتح الباري 1 / 80) . ( [28] ) صحيح البخاري ح 4064 (فتح الباري 7 / 458) مجوب عليه بحجفه، أي مترس بترس. ( [29] ) سنن أبي داود ح 5126 (5 / 344) قال الألباني صحيح الإسناد صحيح سنن أبي داود 3 / 965. ( [30] ) سورة [النساء، آية 69] . ( [31] ) المعجم الأوسط ح 480 (1 / 296) . ( [32] ) معجم الزوائد ومنبع الفوائد (7 / 7) . ( [33] ) المستدرك للحاكم 3 / 6. ( [34] ) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2 / 22. ( [35] ) تفسير ابن كثير 4 / 185. ( [36] ) شعب الإيمان 2 / 193. ( [37] ) سورة [الفتح، آية 9] . ( [38] ) سورة [النور، آية 63] . ( [39] ) سورة [الحجرات، آية 1] . ( [40] ) سورة [الحجرات، آية 2] . ( [41] ) صحيح البخاري ح 2731 (فتح الباري 5 / 414) . ( [42] ) صحيح مسلم ح 192 (1 / 112) . ( [43] ) صحيح مسلم ح 2053 (3 / 1623) . ( [44] ) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ح 486 (2 / 236) والحديث إسناده صحيح. قوله اقترض من عرض أخيه، معناه نال منه وعابه وقطعه بالغيبة. ( [45] ) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2 / 40. ( [46] ) سورة [الصف، آية 10 - 13] . ( [47] ) صحيح البخاري ح 2790 (فتح الباري 6 / 13) . ( [48] ) صحيح مسلم ح 1814 (3 / 1448) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 ( [49] ) صحيح البخاري ح 2797 (فتح الباري 6 / 19) . ( [50] ) سورة [التوبة، آية 111] . ( [51] ) صحيح مسلم ح 1901 (3 / 1510) بخ بخ: كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه. قرنه: أي جعبه النشاب. مسلم (3 / 1510) . ( [52] ) صحيح مسلم ح 1903 (3 / 1512) . ( [53] ) المستدرك للحاكم 3 / 102. ( [54] ) سنن أبي داود ح 1678 (2 / 312) قال الألباني حسن، صحيح سنن أبي داود 1 / 315. ( [55] ) المستدرك للحاكم 3 / 201. ( [56] ) سورة [الأعلى، آية 16 - 17] . ( [57] ) سورة [الرعد، آية 26] . ( [58] ) صحيح البخاري ح 6460 (فتح الباري 11/340) قوتاً أي كفايتهم من غير إسراف. ( [59] ) سنن الترمذي ح 2377 (4 / 588) قال الألباني صحيح، صحيح سنن الترمذي 2 / 280. ( [60] ) إحياء علوم الدين للغزالي (4 / 224) . ( [61] ) سنن الترمذي ح 2473 (4 / 645) . ( [62] ) سورة [الأحقاف، آية 20] . ( [63] ) تاريخ المدينة المنورة لعمر بن شبه 2 / 695. قلت وإسناده حسن. ( [64] ) الزهد لأبي داود السجستاني ح 266 ص 256 قال المحقق رجاله ثقات. ( [65] ) المصدر السابق ح 283 ص 269 قال المحقق إسناده صحيح. ( [66] ) المصدر السابق ح 307 ص 287 قال المحقق إسناده حسن. ( [67] ) سورة [العلق، آية 1 - 5] . ( [68] ) سنن الترمذي ح 2646 (5 / 33) قال الترمذي حسن. ( [69] ) جامع بيان العلم وفضله (1 / 140) . ( [70] ) مسند الإمام أحمد (3 / 495) والحديث إسناده حسن. ( [71] ) صحيح البخاري ح 185 (فتح الباري 1 / 383) . ( [72] ) مسند الإمام أحمد (3 / 265) والحديث إسناده حسن. ( [73] ) سورة [البقرة، آية 159 - 160] . ( [74] ) صحيح البخاري ح 118 (فتح الباري 1 / 285) . ( [75] ) مسند أبي يعلى ح 3758 (6 / 403، 404) قال محققه إسناده صحيح. القسط البحري: عود معروف طيب الريح مدر نافع تبخر به النساء والأطفال. النهاية في غريب الحديث 4 / 60. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 ( [76] ) صحيح البخاري ح 7013 (فتح الباري 12 / 496) . ( [77] ) الزهد لأبي داود السجستاني رقم 31 ص 54 قال محققه إسناده حسن. ( [78] ) المصدر السابق رقم 89 ص 108 قال محققه إسناده حسن. ( [79] ) المصدر السابق 111 ص 126 قال محققه إسناده حسن. ( [80] ) المصدر السابق 135 ص 148 قال محققه إسناده صحيح. ( [81] ) الزهد لأبي داود السجستاني رقم 226 ص 226 قال محققه إسناده لا بأس به. ( [82] ) سورة [الطلاق، آية 5] . ( [83] ) سنن الترمذي ح 2004 (4 / 363) قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب. ( [84] ) سورة [القلم، آية 4] . ( [85] ) سنن الترمذي ح 1162 (3 / 466) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ( [86] ) سنن الترمذي ح 2018 (4 / 370) قال الترمذي - حسن - قال الألباني: صحيح، صحيح سنن الترمذي 2 / 196. ( [87] ) صحيح البخاري ح 5470 (فتح الباري 9 / 733) . ( [88] ) صحيح مسلم ح 1787 (3 / 1414) . ( [89] ) مسند الإمام أحمد ح 543 (1 / 554) قال الشيخ شعيب، رجاله ثقات. ( [90] ) المستدرك 1 / 62. ( [91] ) صحيح البخاري ح 6308 (فتح الباري 11 / 123) . ( [92] ) صحيح البخاري ح 7352 (فتح الباري 13 / 393) . ( [93] ) صحيح البخاري ح 946 (فتح الباري 2 / 555) . ( [94] ) إعلام الموقعين عن رب العالمين 1 / 62. ( [95] ) نفس المصدر 1 / 62. ( [96] ) المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية د/ عبد الكريم زيدان ص 107 - 108. ( [97] ) صحيح مسلم ح 1472 (2 / 1099) . ( [98] ) والبخاري ح 2427 (فتح الباري 5 / 100) . حذاؤها: أي خفها. سقاؤها: أي جوفها والمراد استغنائها عن الحفظ بما ركب في طبعها من الجلادة على العطش وتناول المأكول بغير تعب فلا تحتاج إلى ملتقط (فتح الباري 5 / 104) . ( [99] ) الموطأ ح 1445 ص 416. مؤبله: أي مقتناه في عدم تعرض أحد إليها. تناتج: أي تنتاج بعضها بعضاً. (شرح الزرقاني على الموطأ 4 / 55) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319 ( [100] ) صحيح البخاري ح 6896 (فتح الباري 12 / 280) . غيله: أي سراً (فتح الباري 12 / 281) . ( [101] ) السنن الكبرى للبيهقي (8 / 41) . ( [102] ) المصدر السابق (8 / 41) . ( [103] ) سورة [المائدة، آية 38] . ( [104] ) اعلام الموقعين (3 / 10) . ( [105] ) مصنف ابن أبي شيبة (5 / 217) . ( [106] ) السنن الكبرى للبيهقي (7 / 362) . ( [107] ) مصنف ابن أبي شيبة (5 / 219) . ( [108] ) السنن الكبرى للبيهقي (7 / 363) . المصادر والمراجع 1 - إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي، طبعة دار المعرفة. 2 - إعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام ابن قيم الجوزية، طبعة دار الجيل، سنة الطبع 1973 م. 3 - الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ترتيب الأمير علي الفارسي، تحقيق شعيب الأرناؤوط طبعة مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1408 هـ. 4 - تاج العروس من جواهر القاموس للإمام محمد بن مرتضى الزبيدي، طبعة مكتبة الحياة. 5 - تاريخ المدينة المنورة لعمرو بن شبه البصري، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، طبعة دار الأصفهاني جدة. 6 - تفسير ابن كثير للإمام إسماعيل بن كثير القرشي، طبعة دار الفكر. 7 - جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر يوسف بن عبد البر، تحقيق أبو الاشبال الزهيري، طبعة دار ابن الجوزي، الطبعة الثانية 1416 هـ. 8 - حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، طبعة المكتبة السلفية. 9 - الزهد، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق ضياء الحسن السلفي، الناشر الدار السلفية، الطبعة الأولى، 1413 هـ. 10 - سنن أبي داود للإمام سليمان بن الأشعث السجستاني، تعليق عزت الدعاس، وعادل السيد، طبعة دار الحديث، الطبعة الأولى 1388 هـ. 11 - سنن الترمذي للإمام محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، طبعة دار إحياء التراث العربي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 12 - السنن الكبرى للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، طبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بالهند، الطبعة الأولى. 13 - شرح الزرقاني على الموطأ للإمام محمد الزرقاني، طبعة دار الفكر، 1355 هـ. 14 - شعب الإيمان للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق محمد بسيوني زغلول، طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1410 هـ. 15 - الشفاء بتعريف حقوق المصطفى للإمام القاضي أبي الفضل عياض اليحصبي، طبعة دار الفكر. 16 - صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب والسنة د/ عياده أيوب الكيسي، طبعة دار القلم، الطبعة الأولى 1457 هـ. 17 - صحيح سنن أبي داود اختصار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، طبعة المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1409 هـ. 18 - صحيح سنن الترمذي اختصار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، طبعة المكتب الإسلامي الطبعة الأولى 1408 هـ. 19 - صحيح مسلم، للإمام مسلم بن الحجاج القشيري، ضبط محمد فؤاد عبد الباقي، طبعة دار الحديث، الطبعة الأولى 1412 هـ 20 - صحيح مسلم بشرح النووي شرح الإمام محي الدين أبو زكريا شرف النووي طبعة المطبعة المصرية. 21 - فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني، طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1410 هـ. 22 - فتح المغيث شرح ألفية الحديث للإمام محمد بن عبد الرحمن السخاوي، طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1403 هـ. 23 - الكفاية في علم الرواية للإمام أبي بكر أحمد بن ثابت البغدادي، طبعة دار الكتب الحديثة، الطبعة الثانية. 24 - المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية د/ عبد الكريم زيدان، طبعة دار الوفاء، الطبعة الأولى 1412 هـ. 25 - المستدرك على الصحيحين للإمام محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم، طبعة دار الكتب العلمية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 26 - مسند أبي يعلى للإمام أحمد بن علي التميمي، تحقيق حسين سليم أسد، طبعة دار المأمون، الطبعة الأولى 1404 هـ. 27 - مسند الإمام أحمد للإمام أحمد بن محمد الشيباني، طبعة دار الفكر، الطبعة الثانية 1398 هـ. 28 - مسند الإمام أحمد للإمام أحمد بن محمد الشيباني، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، طبعة دار الفرقان، الطبعة الرابعة. 29 - مسند الإمام أحمد للإمام أحمد بن محمد الشيباني، تحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط، طبعة مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1418 هـ. 30 - المصنف في الأحاديث والآثار للحافظ أبي بكر بن أبي شيبة، تحقيق الأستاذ عبد الخالق الأفغاني، طبعة الدار السلفية، الطبعة الثانية 1399 هـ. 31 - معجم الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، طبعة دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة 1402 هـ. 32 - المعجم الأوسط للحافظ سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق د/ محمود الطحان، طبعة مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1405 هـ. 33 - مفردات ألفاظ القرآن العلامة الراغب الأصفهاني، تحقيق صفوان داوودي، طبعة دار القلم، الطبعة الأولى 1412 هـ. 34 - الموطأ للإمام مالك برواية يحيى الليثي، طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1405 هـ. 35 - النهاية في غريب الحديث للإمام مجد الدين أبي السعادات المعروف بابن الأثير، تحقيق محمود محمد الطناحي، طبعة المكتبة الإسلامية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 حجية قول الصحابي عند السلف د. ترحيب بن ربيعان بن هادي الدوسري أستاذ مساعد في قسم أصول الفقه كلية الشريعة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ملخص البحث فكرة البحث ونتائجه: ذكرت فيه: أن علم أصول الفقه علم عظيم الشأن جليل القدر كبير الفائدة فهو علم يجمع في أدلته بين صحيح المنقول وصريح المعقول. عرفت الصحابي لغة واصطلاحاً، وذكرت بعضاً من فضائل الصحابة من الكتاب والسنة. بينت أن قول الصحابي حجة عند السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سار على طريقتهم، وقد حكى بعض العلماء الإجماع في ذلك. وإنما نشأ الخلاف في الاحتجاج بقول الصحابي فيما بعد، كالخلاف الذي حصل في الاحتجاج بالقياس بعد أن لم يكن فيه خلاف بين أهل العلم من الصحابة والتابعين وتابع التابعين والأئمة الأربعة حتى تبنى ذلك الظاهرية ومن سلك سبيلهم. وقد توصلت إلى نتائج هامة جداً أهمها: 1- أن الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة كانوا يرون حجية قول الصحابي، حتى أن بعض أهل العلم حينما رأى كثرة ما نقل عنهم في ذلك حكى الإجماع فيها. 2- أن من نسب إلى الأئمة الأربعة أو أحدهم عدم القول بحجية قول الصحابي لم يحرر أقوالهم تحريراً صحيحاً. 3- أن الصحابي إذا قال قولاً ولم يعلم له مخالف فإن ذلك القول هو فهم الصحابة. وأنه الحق. 4- أكمل البحوث فيها بحث الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم إعلام الموقعين (4/118-153) ، والعلائي الشافعي في كتابه إجمال الإصابة في أقوال الصحابة، إلا أن بحث ابن القيم أشمل منه وأكمل. المقدمة: أهمية الموضوع:- الحمد لله، خلق الإنسان، علمه البيان، والصلاة والسلام على النبي المختار محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الأطهار، وصحابته المصطفين الأخيار، وبعد:- الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 فإن علم أصول الفقه علم عظيم الشأن خطيره، وعظمته تكمن في أنه القواعد الكلية التي يتوصل بها المجتهد إلى ضبط فقهه الشرعي. وأما خطورته فتكمن فيما أُدخل فيه من المباحث الكلامية العقائدية المنحرفة، والفلسفية السفسطية التي حرفته عن طريق من سلف من أئمة الهدى والحق. وقد جمع فضيلة الدكتور محمد العروسي عبد القادر –حفظه الله ووفقه –في كتابه النافع الماتع الفريد في بابه والذي عنونه ب (المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين) ( [1] ) كثيراً مما أُدخل في علم الأصول وليس منه، فقال:- (والمقصود من هذا الكتاب ليس تجريد المسائل التي ليست من أصول الفقه فحسب بل وأيضاً لأزيل الغطاء – إن شاء الله – عن أقوال ومفاهيم قررها المتكلمون والمصنفون في مسائل هذا العلم –أصول الفقه -، أو ذكروها عرضاً ضمن تلك المسائل، وهي أقوال مخالفة لما استقر عليه الأمر الأول ويحسبها قراء هذا العلم أنها من الحقائق المسلمة المفروغ منها، وكثير من المسائل الكلامية التي ذكرت في أصول الفقه لم تقرر على وجهها الصحيح، أو ذكرت على الوجه الصحيح لكنها بنيت على أصل مخالف للأصل الذي دل عليه القرآن والذي مضى عليه الصحابة وأئمة السلف .... ومن أمثلة هذه الاستدلالات والتقريرات المحيرة في كتب الأصول، الاستدلال على أن العبد مجبور على فعله بوقوع التكليف بما لا يطاق، واستدلوا بتكليف أبي لهب وغيره بالإيمان مع أن القرآن أخبر أنه لا يؤمن، فكان من ذلك أن بعض المصنفات في الأصول انتحلت مذهب نفي الأفعال الاختيارية للإنسان، وخلطوا ببعض أقوال المرجئة كالوقف في ألفاظ العموم في آيات الوعيد والتوقف في دلالات الأمر التي فيها دخول النار للعصاة كما يقرر الباقلاني وغيره. وسبقهم في ذلك الوعيدية من المعتزلة فأدخلوا في الأصول تأثيم المجتهد المخطئ وضموا إلى ذلك اعتقاداً محرماً من تكفير وتفسيق وتخليد في النار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 وهذه المسائل الكلامية الواردة في كتب أصول الفقه لا يدرك ما تؤدي إليه من التزامات باطلة إلا قليل من طلبة العلم … ) انتهى كلامه باختصار. طرق التأليف في علم أصول الفقه:- لقد ظهرت ثلاث مدارس أصولية وطرائق للتأليف في علم أصول الفقه، هي:- أولاً:- طريقة الشافعية أو المتكلمين ( [2] ) :- وهذه الطريقة اعتنت بتحرير القواعد والمسائل الأصولية وتحقيقها تحقيقاً منطقياً نظرياً دون تعصب لمذهب بعينه. وهي تميل ميلاً شديداً إلى الاستدلال العقلي والجدلي؛ فيثبت أصحابها ما أثبته الدليل – في نظرهم - وينفون ما نفاه بغية الوصول إلى أقوى القواعد وأضبطها. وهذه الطريقة لم تقصر بحثها على ما سبق بل أدخلت فيه كثيراً من المسائل الكلامية العقائدية المنحرفة والمباحث المنطقية والفلسفية؛ذلكم أن جلّ من كتب في هذه الطريقة هم من علماء الكلام من أشاعرة ومعتزلة، وهؤلاء لهم مؤلفات كثيرة في العقائد، فقاموا بنقل تلك المباحث العقدية إلى المسائل الأصولية؛ لأن أغلى ما يملكه الشخص عقيدته، كما أن جزءاً من علم أصول الفقه إنما هو مستمد من العقيدة كما هو مقرر في كتب أصول الفقه. وممن كتب على هذه الطريقة في أصول الفقه وله مؤلفات عقدية ما يأتي:- 1- عبد الجبار بن أحمد الهمذاني المعتزلي (ت415هـ) ألف في الأصول كتابه العمد، وفي العقيدة المغني في أبواب التوحيد والعدل ( [3] ) . 2- محمدبن الطيب بن محمد بن جعفر المعروف بالباقلاني الأشعري المالكي (ت403هـ) ألف في أصول الفقه التمهيد وفي العقيدة المقدمات في أصول الديانات وحقائق الكلام ( [4] ) . 3- محمد بن علي الطيب أبو الحسين المعتزلي الشافعي (ت 436هـ) ألف في الأصول كتابه المعتمد وألف في العقيدة كتابه شرح الأصول الخمسة ( [5] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 4- عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني الأشعري الشافعي (ت478هـ) ألف في أصول الفقه كتابه البرهان وألف في العقيدة كتباً منها الإرشاد في أصول الدين، والشامل، والرسالة النظامية ( [6] ) . 5- محمد بن محمد بن محمد الغزالي الأشعري الشافعي (ت505هـ) ألف في أصول الفقه المستصفى وفي العقيدة كتباً منها الاقتصاد في الاعتقاد، وإحياء علوم الدين، والأربعين في أصول الدين ( [7] ) . 6- محمد بن عمر بن الحسين الرازي الأشعري الشافعي (ت606) ألف في أصول الفقه كتابه المحصول وفي العقيدة أساس التقديس واللوامع البينات في شرح أسماء الله تعالى والصفات وكتاب التوحيد ( [8] ) . 7- علي بن أبي على سيف الدين الآمدي الأشعري الشافعي (ت631) ألف في أصول الفقه الإحكام وفي العقيدة كتابه أبكار الأفكار ( [9] ) . 8- أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي القرافي المالكي الأشعري (ت684) ألف في أصول الفقه التنقيح، وفي العقيدة شرح الأربعين للرازي في أصول الدين، وكتاب الانتقاد في الاعتقاد ( [10] ) . 9- عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي الأشعري الشافعي (ت685) ألف في أصول الفقه منهاج الوصول إلى علم الأصول وفي العقيدة طوالع الأنوار، والإيضاح في أصول الدين ( [11] ) . 10- محمد بن عبد الرحيم بن محمد صفي الدين الهندي الأشعري الشافعي (ت715) ألف في أصول الفقه كتابه نهاية الوصول إلى علم الأصول وفي العقيدة الفائق في التوحيد ( [12] ) . ثانياً:- طريقة الفقهاء أو الحنفية ( [13] ) :- وهذه الطريقة تولى تأسيسها علماء الحنفية حيث وجهوا عنايتهم إلى تقرير القواعد الأصولية وتحقيقها على ضوء ما ورثوه عن أئمتهم من مسائل فقهية حيث قاموا باستخلاص قواعدهم الأصولية منها؛ فقواعدهم الأصولية تبع لمسائلهم الفقهية وهي تتطور وتتحور تبعاً لها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 وقد نشأ عن ذلكم التأصيل اصطدام في كثير من الأحيان بين ما قعدوه وبين ما نقل من الأحاديث النبوية مما جعلهم يختلفون في طريقة تخريجها على تلك القواعد الأصولية. وقد مثَّل ابن القيم -رحمه الله – لمخالفتهم للسنة النبوية بسبب قاعدتهم الأصولية التي تقول: (الزيادة على النص نسخ) فقال ( [14] ) :- (ولو كان كل ما أوجبته السنة ولم يوجبه القرآن نسخاً له لبطلت أكثر سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع في صدورها وأعجازها، وقال القائل: هذه زيادة على ما في كتاب الله فلا تقبل ولا يُعمل بها .... ولا يمكن أحد طرد ذلك ولا الذين أصلوا هذا الأصل بل قد نقضوه في أكثر من ثلاثمائة موضع، منها ما هو مجمع عليه،ومنها ما هو مختلف فيه) انتهى باختصار. وقد ناقش ابن القيم – في كتابه آنف الذكر- هذه القاعدة وغيرها من القواعد الموهومة مناقشة علمية لا مثيل لها، فمن أراد الدر المكنون فليرجع إليه. أقول: إن جلَّ المنتسبين إلى هذه الطريقة هم - أيضاً – ماتريدية أو أشاعرة أو معتزلة، وقد جمعوا في التأليف بين التأليف في علم أصول الفقه وعلم الكلام (العقيدة) فكانت النتيجة كالنتيجة التي حصلت في المدرسة الأولى. وممن جمع من علماء هذه الطريقة بين الكتابة في العلمين ما يأتي:- 1- محمد بن محمد بن محمود أبومنصور الماتريدي الحنفي (ت 333هـ) ألف في الأصول كتابه مآخذ الشريعة وكتاب الجدل، وفي العقيدة كتاب التوحيد ( [15] ) . 2- عبد الله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي الماتريدي الحنفي (ت430هـ) ألف في أصول الفقه كتابه تقويم الأدلة وفي العقيدة الأمد الأقصى ( [16] ) . 3- عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي الماتريدي الحنفي (ت710هـ) ألف في أصول الفقه منار الأنوار وشرحه كشف الأسرار وفي العقيدة ألف كتابه عمدة عقيدة أهل السنة والجماعة، وشرح العقائد النسفية ( [17] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 4- عمر بن اسحاق الغزنوي سراج الدين أبوحفص الماتريدي الحنفي (ت773هـ) ألف في الأصول شرح البديع وشرح المغني للخبازي وفي العقيدة شرح تائية ابن الفارض ( [18] ) . 5- محمد بن محمد بن محمود البابرتي الماتريدي الحنفي (ت786هـ) ألف في أصول الفقه شرح أصول البزدوي وفي العقيدة كتابه المسمى ب (العقيدة في التوحيد) وشرح تجريد النصير الطوسي ( [19] ) . ثالثاً:- طريقة المتأخرين ( [20] ) :- وهذه الطريقة جمعت بين الطريقتين السابقتين، فاهتمت بتنقيح القواعد الأصولية وتحقيقها وإقامة البراهين على صحتها، كما أنها اهتمت بتطبيق هذه القواعد على المسائل الفقهية وربطها بها. والذين كتبوا في هذه الطريقة هم –أيضاً-مزيج من العلماء السابقين وغيرهم. وممن كتب فيها جامعاً معها الكتابة في العقائد –أيضاً - ما يأتي:- 1- محمد بن عبد الواحد المشهور بابن الهمام الماتريدي الحنفي (ت861هـ) ألف في أصول الفقه التحرير وفي العقيدة كتابه المسايرة ( [21] ) . 2- محمد أمين بن محمود البخاري المعروف بأمير باد شاه الماتريدي الحنفي (ت987هـ) ألف في أصول الفقه كتابه تيسير التحرير وفي العقيدة شرح تائية ابن الفارض ( [22] ) . 3- محب الله بن عبد الشكور الماتريدي الحنفي (ت1119هـ) ألف في الأصول كتابه مسلم الثبوت. وما ذكرته من مؤلفين ومؤلفات في إحدى طرق التأليف السابقة إنما هو على سبيل المثال لا الحصر. أول من صنف في علم أصول الفقه ( [23] ) :- إن أول من صنف في علم أصول الفقه الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ) – عليه رحمة الله – حيث ألف رسالتين؛ الأولى في بغداد تلبية لطلب إمام الحديث فيها في وقته عبد الرحمن بن مهدي – رحمه الله -، والثانية بعد استقراره في مصر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 والتي تناقلها العلماء جيلاً بعد جيلٍ حتى وصلت إلينا هي الرسالة الأخيرة والتي اشتهرت باسم (الرسالة) ، وهي رسالة أصولية سنية سلفية جديرة بالاهتمام والعناية قراءة وتدريساً وشرحاً يُبَيِّنٌ غامضها. ولم يقتصر الشافعي – رحمه الله – على الرسالة بل ألف كتباً أخرى في مسائل من أصول الفقه منها:- أ-كتاب جماع العلم. ب-اختلاف الحديث. ج-صفة نهي النبي صلى الله عليه وسلم. د-إبطال الاستحسان. فجعل من نفسه –رحمه الله- قدوةً حسنةً لمن جاء من بعده من أئمة السلف لا سيما ممن كتب منهم في علم أصول الفقه. فساروا سيرته وسلكوا طريقته، فكتب بعضهم كتباً مفردة في أصول الفقه شملت كل مسائل العلم أو جلها، والبعض الآخر كتب في بعضها سواء أفردها بمؤلف أو ضمنها بعض مؤلفاته الأخرى. فكانوا بمجموعهم يمثلون طريقة أو مدرسة الشافعي بحق. وممن كتب من العلماء الأعلام على هذه السيرة وهذه الطريقة، أعني الطريقة الشافعية السنية السلفية كل من:- 1- إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ) – رحمه الله – كتب كتاباً في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وآخر في أخبار الآحاد. 2- أمير المؤمنين في الحديث الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) –رحمه الله – ضمن كتابه الصحيح مباحث في أخبار الآحاد، والاعتصام بالكتاب والسنة. 3- خطيب أهل السنة الإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت276هـ) – رحمه الله – ألف كتابه تأويل مشكل القرآن، وكتابه تأويل مختلف الحديث. 4- إمام أهل السنة في المشرق وحافظها الإمام أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب (ت463هـ) – رحمه الله – ألف كتابه الفقيه والمتفقه حيث ضمنه كثيراً من المباحث الأصولية. 5- حافظ أهل السنة في المغرب الإمام يوسف بن عبد البر النمري القرطبي (ت463هـ) –رحمه الله – صنف كتابه جامع بيان العلم وفضله وضمنه – أيضاً – كثيراً من المباحث الأصولية الهامة لاسيما الجزء الثاني منه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 6- الإمام الأصولي الفقيه منصور بن محمد بن عبد الجبار أبو المظفر السمعاني (ت489هـ) – رحمه الله - حيث ألف كتابه قواطع الأدلة للرد على أبي زيد الدبوسي الحنفي في كتابه تقويم الأدلة. 7- الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (ت620هـ) – رحمه الله - حيث ألف كتاباً في أصول الفقه سماه: (روضة الناظر وجنة المناظر) . 8- الإمام المجاهد شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني تقي الدين أبو العباس ابن تيمية (ت728هـ) – رحمه الله – حيث تطرق في كثير مما كتبه – في رسائله التي كان يبعث بها إلى من سأله أو استفتاه - لمسائل كثيرة ومختلفة من أصول الفقه فحررها أحسن تحرير وأدقه. ومن نظر في مجموع الفتاوى له علم ذلك علم اليقين. 9- الإمام المجاهد العابد محمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي شمس الدين أبو عبد الله ابن قيم الجوزية (ت751هـ) –رحمه الله – حيث ألف في أصول الفقه كتابه الفذ أعلام الموقعين، كما ضمن بعض كتبه بعض المسائل الأصولية والتي بحثها من جميع جوانبها كما في كتابه الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة. 10- الإمام القدوة مفتي الأمة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله آل سعدي التميمي (ت1376هـ) – رحمه الله – حيث ألف رسالة في أصول الفقه طبعت ضمن مجموعة من كتبه. 11- الإمام الحافظ اللغوي الفقيه المفسر الأصولي الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي (ت1393هـ) - رحمه الله – حيث أملى شرحاً على روضة الناظر لابن قدامة أصبح فيما بعد يعرف ب (مذكرة أصول الفقه) ونثر علماً جماً من علم أصول الفقه في كتابة أضواء البيان. والناظر في تلك المؤلفات يجدها قد قامت ببيان الأصول الفقهية السنية ونصرتها، وزيفت في الوقت نفسه الأصول الفاسدة الكاسدة، وناقشتها مناقشة إنصاف وعدل فبان عَوَرُ تلك الأصول وزيفها لكل ذي نظر. سبب اختيار الموضوع:- الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 لقد رأيت من المناسب – لا سيما في هذا الوقت – أن أتناول مسألةً مهمةً من المسائل الأصولية بالكتابة فيها لكونها مَعْلَمَاً كبيراً من معالم أصول فقه السلف كاد أن يندرس وسط كثرة الكتابات مختلفة المشارب والمناهل. وهذه المسألة هي: حجية قول الصحابي. والبحث فيها من حيث هي أي من غير بحث في علاقتها بالأدلة الشرعية الأخرى كتخصيص العام أو تقييد المطلق أو تبيين المجمل ونحوها. وقد حدا بي للكتابة فيها – غير ما سبق – أمور منها:- 1- إبراز مكانة الصحابة في فهم مراد الله وفهم مراد رسوله وبيان أنهم أعلم الناس بذلك وبالقواعد الأصولية بلا منازع.فهم المصطفون الأخيار والقدوة الحسنة والأنموذج الفذ في امتثال الشرع قولاً وعملاً ظاهراً وباطناً سراً وعلانية في المنشط والمكره وفي اليسر والعسر وفي جميع الأحوال. 2- بيان أن السلف الصالح ومن تبعهم من الأئمة الأربعة كانوا يحتجون بقول الصحابي مطلقاً وهو أصل من أصولهم الفقهية خلافاً لمن انتسب إليهم وخالفهم فيه، بل ونسب إليهم مذهبه هذا. 3- بعض من كتب في علم أصول الفقه حين تطرق للمسائل الأصولية – ومنها ما نحن بصدد بيانه - تطرق إليها وهو غافل عن منزلة الصحابة في سائر فنون العلم، كاللغة والفصاحة والبيان والنثر والشعر … الخ حيث كان علمهم في ذلك كله سليقة، وفطرة، أما علم هؤلاء فمكتسب. كما أن من خاض فيها خاض بما يحمله من علم كلام وفلسفة ومنطق مع فرضه للمسائل والأغلوطات فيها. كما جَهِل - أيضاً – عدم حاجة الصحابة – رضي الله عنهم - إلى معرفة رجال الإسناد والبحث في السند وما يتعلق به كما هو مقرر في علم المصطلح؛ لأنهم عدول بتعديل الله ورسوله، كما لا يحتاجون –أيضاً – إلى ما احتاجه غيرهم من علوم الآلة كما يقال. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 لذا فإن من توفيق المرء وحسن علمه وعمله أنه إذا تطرق لأقوال الصحابة رضي الله عنهم أو بحث فيما يتعلق بهم استحضر في ذهنه أنهم صفوة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين، وأن الله قد اصطفاهم لحمل رسالته، وأنهم تلقوا العلم من فيّ رسول صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره ومشاهدة جميع أحواله؛ ففهموا –حق الفهم – مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وعملوا بما علموا. وليستحضر أن الطعن فيهم -ولو بالإشارة - طعن في الدين. قال أبو زرعة ( [24] ) – رحمه الله -:- (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم فأعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة) . وقال الإمام البربهاري ( [25] ) –رحمه الله -:- (واعلم أن من تناول أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلم أنه إنما أراد محمداً وقد آذاه في قبره) . 4- إن من أراد الحق والعمل به فلن يجد طريقاً يوصله إلى ذلك إلا عن طريق الصحابة – رضي الله عنهم – لقوله عليه الصلاة والسلام حينما سئل عن الفرقة الناجية – بعد ذكره للفرق الهالكة – من هي يا رسول الله قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) ( [26] ) لذا فإن ضلال الناس –قديماً وحديثاً – عن الصراط المستقيم سببه الأعظم ترك ما كان عليه الصحابة –رضي الله عنهم – وعدم الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم. وإن انحراف كثير من دعاة الصحوة الإسلامية – كما يقولون – في هذا العصر إنما سببه عدم العودة بالمدعوين إلى الحق المبين المقطوع به بيقين، وعدم تعليقهم بالناجين المقطوع بنجاتهم في سيرهم، وأقوالهم، وأعمالهم، وجميع ما أثر عنهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 فإن الحق هو ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وهم الناجون بيقين، فقد بُشر بعضهم بالجنة وهم يمشون على الأرض، ورضي الله عن الجميع بقوله جل وعلا:- {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم} [التوبة 100] فبدلاً من توجيه الدعاة المدعوين إلى الاقتداء بأولئك الكرام المشهود لهم بالخيرية في الدنيا والآخرة واتباعهم، قاموا بتوجيههم إلى الاقتداء واتباع أناس لم تكن لهم هذه الميزة، مع العلم بأن ما أُثر عن هؤلاء الأشخاص من علمٍ ففيه حقٌ، وفيه باطلٌ كثير، بل فيه صد عن الهدي القويم –بقصد أو من غير قصد-؛ فنشأت جماعات دعوية كثيرة ضمت بين جنباتها – إلا من رحم الله – أكثر الفرق الإسلامية من جهمية ومعتزلة وأشاعرة وماتريدية وخوارج وروافض ومتصوفة وغير ذلك فَغُيِّرت الأسماء، والحقائق كما هي. فأردت - بهذا البحث - النصح للجميع، وبيان ضرورة الاهتداء والاقتداء بسيرة سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من الأئمة المهديين. 5- بيان أن الأئمة الأربعة – رحمهم الله تعالى –إنما هم متبعون لأقوال الصحابة مقتفون لآثارهم لا مخالفون لها. وبيان غلط من نسب إليهم أو إلى أحدهم خلاف ذلك. 6- تشجيع طلاب العلم لمراجعة ما كُتب في علم أصول الفقه وتمييز ما علق به مما ليس منه، والتنبيه على المسائل والأصول والأدلة المخالفة للكتاب أو السنة وما كان عليه سلف الأمة، مسترشدين في ذلك بما كتبه العلماء الربانيون. خطة البحث: قمت بتقسيم البحث إلى مقدمة وستة مباحث وخاتمة. أما المقدمة فقد اشتملت على أهمية الموضوع، وسبب اختياره، وخطة البحث. وأما المباحث فهي على النحو التالي: المبحث الأول:- في تعريف الصحابي لغة واصطلاحاً. المبحث الثاني:- في فضل الصحابة في القرآن إجمالاً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 المبحث الثالث:- في فضل الصحابة في السنة النبوية إجمالاً. المبحث الرابع:- في حجية قول الصحابي. المبحث الخامس:- في الآراء الحادثة في المسألة. المبحث السادس:- في أدلة العلماء على حجية قول الصحابي. وأما الخاتمة فقد ضمنتها أهم نتائج البحث. منهجي في الدراسة: سرت في هذا البحث على النهج التالي:- 1- قمت بتعريف الصحابي لغة واصطلاحاً معتمداً في الاصطلاح على أئمة السنة والحديث لكونهم هم أهل الشأن والاختصاص. 2- حررت موطن النزاع ناسباً الآراء إلى قائليها من كتبهم أنفسهم فإن لم يكن ثمة كتاب فبواسطة النقل عن شيوخ المذهب. 3- ذكرت موطن الآيات من كتاب الله وذلك بذكر السورة ورقم الآية فيها. 4- خرجت الأحاديث والآثار الواردة في البحث من مظانها من غير استقصاء لشهرتها. 5- ميزت أقوال الأئمة الأربعة عن سائر أقوال من انتسب إليهم ممن خالفهم ولم أذكر من وافقهم من اتباعهم إلا ما ندر؛ لأن العبرة بالأئمة. 6- بدأت حين ذكر الأدلة على حجية قول الصحابي بالأدلة من الكتاب ثم السنة ثم النقول السلفية القولية والعملية التي تدل على إجماعهم على الاحتجاج به وأخيراً الأدلة العقلية. 7- لم أذكر شبهات المخالفين في المسألة في هذا البحث؛ لأن الغرض منه إنما هو عرض مذهب السلف وأدلتهم ليتبع وتتبع. 8- لم أترجم للأعلام الواردة أسماؤهم في البحث لشهرتهم، ولعدم الحاجة إلى ذلك، ولئلا يُثقل البحث بما يمكن الاستغناء عنه. 9- استفدت في بحثي استفادةً كبيرةً جداً مما كتبه ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه القيم إعلام الموقعين فقد رأيته – حسب علمي – أشمل ما كُتب في الموضوع وأكمله، فقمتُ بترتيب أدلته واختصار ما يمكن اختصاره منها وحذف ما رأيته مكرراً مع زيادة على ما ذكره مما ظهر لي حين القراءة في الموضوع. الدراسات المعاصرة في الموضوع: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 لا تكاد تخلو كتب أصول الفقه من ذكر هذه المسألة إلا أن بعض الكتب الأصولية تختلف فيما بينها في طريقة عرض المسألة وتناولها لها وذكر الأدلة والمناقشات التي دارت فيها بين الإيجاز والإطناب في بعض دون بعض، وقد وجدت بعض المؤلفات قد أفردتها بالتأليف المستقل لأهميتها في نظر مؤلفيها. وقد اطلعت على الكثير والكثير مما كتب فيها في كتب الأصول على وجه العموم أو في الكتب التي أفردتها بالبحث. ومن المؤلفات العصرية التي تناولت مسألتنا بالبحث ولو في ناحية منه ما يأتي:- أولاً:- كتاب الصحابة وجهودهم في حفظ السنة للدكتور عمر يوسف حمزة. ثانياً:- إجمال الإصابة في أقوال الصحابة للحافظ خليل بن كيكلندي العلائي الشافعي. ثالثاً:- قول الصحابي في التفسير الأندلسي حتى القرن السادس للأستاذ الدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي. رابعاً:- الصحابة وجهودهم في خدمة الحديث النبوي للدكتور السيد محمد نوح. خامساً:- الصحابي وموقف العلماء من الاحتجاج بقوله للدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الدرويش. سادساً:- قول الصحابي وأثره في الأحكام الشرعية.تأليف / بابكر محمد الشيخ الفاني. سابعاً:- مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف للدكتور عبد الكريم بن علي النملة. ثامناً:- قول الصحابي وأثره في الفقه الإسلامي للدكتور شعبان محمد إسماعيل. تاسعاً:- حجية مذهب الصحابي دراسة أصولية لعبد الرحمن حللي. عاشراً:-مناهج وآداب الصحابة في التعلم والتعليم للدكتور عبد الرحمن البر. حادي عشر:- الصحابة ومكانتهم في الإسلام لنور عالم خليل الأميني. ثاني عشر:- حجية قول الصحابي لفضل الله الأمين فضل الله. وجميع هذه المؤلفات تطرقت لتعريف الصحابي في اللغة والاصطلاح مع تفاوت في بعضها حسب الغاية من الكتابة في الموضوع فبعضها أوسع في العرض والمناقشة من البعض الآخر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 وممن توسع في ذكر التعريفات الاصطلاحية ومناقشة جمعيها الأستاذ الدكتور عبد الكريم النملة في كتابه مخالفة الصحابي للحديث، حيث تكلم عليها في ستين صفحة تقريباً. والدكتور السيد محمد نوح تكلم عليها في عشر صفحات من القطع المتوسط في كتابه الصحابة وجهودهم في خدمة الحديث النبوي. أما بالنسبة لحجية قول الصحابي فبعض المؤلفين السابق ذكرهم لم يتطرق للمسألة البتة مثل الدكتور عمر يوسف حمزه في كتابه الصحابة وجهودهم في حفظ السنة، والدكتور عبد الكريم بن علي النملة في كتابه مخالفة الصحابي للحديث، والدكتور عبد الرحمن البر في كتابه مناهج وآداب الصحابة، ونور عالم في كتابه الصحابة ومكانتهم في الإسلام. وبعضهم تكلم عنها باختصار شديد مثل الدكتور السيد محمد نوح في كتابه الصحابة وجهودهم في خدمة الحديث النبوي حيث ذكرها في ثلاث صفحات، والأستاذ الدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي في كتابه قول الصحابي في التفسير الأندلسي تكلم عليها في خمس عشرة صفحة. وأما الدكتور شعبان محمد إسماعيل فقد تكلم عليها في خمسين صفحة من القطع الصغير في كتابه قول الصحابي وأثره في الفقه الإسلامي. وأما الذين تطرقوا إلى هذه المسألة بنوع من التفصيل وذكر للآراء والأدلة ومناقشتها وترجيح ما رأوه صواباً فهم:- 1- العلائي في كتابه إجمال الإصابة في أقوال الصحابة. 2- الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الدرويش في كتابه الصحابي وموقف العلماء من الاحتجاج بقوله. 3- بابكرمحمد الشيخ الفاني في كتابه قول الصحابي وأثره في الأحكام الشرعية 4- عبد الرحمن حللي في كتابه حجية مذهب الصحابي دراسة أصولية. 5- فضل الله الأمين فضل الله في رسالته حجية قول الصحابي. إلا أن كلاً منهم قد تطرق لها من منظوره، ورجح ما يراه صواباً، وقد يتفق البعض في الترجيح إلا أنهم – أحياناً – قد اختلفوا في طريقة الترجيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 336 وبعضهم قد أطال في مناقشة الأدلة وذكر الاعتراضات عليها، والبعض الآخر ذكرها باختصار. وجميعهم قد ضم إلى هذه المسألة – أعني حجية قول الصحابي – مسائل رأوا وثيق صلتها بالموضوع كتخصيص الحديث بقول الصحابي وتقييده به، وحمل الصحابي الحديث على أحد محمليه، وحمل الصحابي الحديث على خلاف ظاهره، ومخالفة الصحابي الحديث بالكلية، وحكم تفسير الصحابي، وذكر أثر الاختلاف في حجية قول الصحابي في الفقه الإسلامي في بعض المسائل الفقهية، وذكر أسماء المفتين من الصحابة وطبقاتهم، ونحو ذلك. وكما قلت – آنفاً – لقد استفدت كثيراً مما كتبه هؤلاء -جزاهم الله خير الجزاء - إلا أني تطرقت لحجية قول الصحابي من منظور معين - وهو ما حاولت إبرازه – ألا وهو حجية قول الصحابي عند السلف –رضي الله عنهم – من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة – رحمهم الله تعالى – مع الاجتهاد في توثيق نسبة أقوالهم إليهم، وبيان زيف ما لم يثبت عنهم، أو ما نسب إليهم مما أشتهر عنهم خلافه. ثم ذكرت أقوال من جاء بعدهم فيها. كما أني استقصيت –حسب ظني - أدلة أئمة السلف في هذه المسألة، فهدفي وغايتي بيان قول السلف والأئمة الأعلام، وذكر أدلتهم، مع عدم إلتزامي ذكر أدلة المخالفين لهم ممن جاء من بعدهم. فليس الدافع لي في الكتابة في الموضوع هو نصب الخلاف بين السلف وغيرهم، وإنما – كما قلت – الدافع الرئيس للكتابة فيه هو: بيان وإيضاح قول السلف فيها، وتمييزه عن غيره، وذكر أدلتهم وحججهم فيما ذهبوا إليه، ولم أتطرق - كما ذكرت سابقاً - إلى علاقة قول الصحابي بالأدلة الشرعية الأخرى كتقييده للمطلق وتخصيصه للعام وحمل المجمل على أحد محامله وغيرها من المسائل لهذا السبب، ولعل الله أن ييسر لي فيما بعد بحث هذه المسائل بحثاً أصولياً دقيقاً. هذا ... وقد سميت هذا البحث:- ب (حجية قول الصحابي عند السلف) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 سائلاً المولى جل في علاه أن ينفعني به في الدنيا والآخرة وينفع به كذلك كل من قرأه أونظر فيه. المبحث الأول: في تعريف الصحابي الصحابي لغة ( [27] ) :- منسوب إلى الصحابة - كالأنصاري منسوب إلى الأنصار -، وهي مصدر صحبَ يَصحُبُ صُّحبَةً بمعنى لازم ملازمةً ورافق مرافقةً وعاشر معاشرة. وفي الاصطلاح:- قال الإمام البخاري ( [28] ) رحمه الله تعالى في تعريفه:- بأنه من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين. وقال الإمام علي بن المديني ( [29] ) - رحمه الله - في تعريفه:- بأنه من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار. وقال الإمام أحمد رحمه الله في تعريفه للصحابي ( [30] ) : بأنه كل من صحبه سنةً أو شهراً أو يوماً أو ساعةً أو رآه.له من الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه،وسمع منه، ونظر إليه. والملاحظ من تعريف هؤلاء الأئمة الأعلام – أئمة الحديث والسنة في وقتهم والقدوة لمن بعدهم – اتفاقهم في تعريفهم للصحابي، وعلى هذا جرى جل أئمة الحديث من بعدهم وبعض الأصوليين ( [31] ) . بل حكى أبو الحسن الأشعري إجماع السلف على ذلك حيث قال في كتابه (رسالةٌ إلى أهل الثغر بباب الأبواب) ( [32] ) :- (الإجماع السابع والأربعون: وأجمعوا على أن الخيار بعد العشرة في أهل بدر من المهاجرين والأنصار على قدر الهجرة والسابقة، وعلى أن كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة، أو رآه ولو مرةً مع إيمانه به وبما دعا إليه أفضل من التابعين بذلك) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 قال أبو زرعة الرازي ( [33] ) – رحمه الله -: (قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مئة ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه) وفي رواية: (ممن رآه وسمع منه) قاله لما قيل له – رضي الله عنه -: أليس يقال: حديث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف حديث؟ قال: (ومن قال ذا؟ قلقل الله أنيابه، هذا قول الزنادقة، ومن يحصي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قبض رسول الله … ) فذكره، فقيل له: هؤلاء أين كانوا؟ وأين سمعوا منه؟ فقال: (أهل المدينة، وأهل مكة، ومن بينهما، والأعراب، ومن شهد معه حجة الوداع، كل رآه وسمع منه بعرفة) وذهب جمهور الأصوليين من معتزلة ومتكلمين وفقهاء إلى اشتراط طول الصحبة، وكثرة اللقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، على سبيل التبع له، والأخذ عنه. ولهذا قالوا: إن الرجل لا يوصف ولو أطال مجالسة العالم بأنه من أصحابه إذا لم يكن على طريق التبع له والأخذ عنه ( [34] ) . ومما لا شك فيه أن المعول عليه في تعريف الصحابي إنما هم أئمة الحديث والسنة؛ لأنهم هم أهل الشأن والاختصاص ( [35] ) ،كما أن المعول عليه في المباحث اللغوية هم علماء اللغة وأربابها. فعلماء الحديث -مثلاً- يقومون بتعريف الصحابي، وعلماء الأصول يبحثون ما يتعلق بحجية قوله من عدمه، كما أن الأصولي يقرر القواعد الأصولية ليأتي الفقيه فيأخذها مسلمةً ويبني عليها فقهه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 وقد بَيّن بدران أبو العينين بدران ( [36] ) الصلة بين الفقيه والأصولي فقال: (وهذه القواعد الأصولية التي وضعها الأصولي، يعمد إليها الفقيه ويستخدمها – كقواعد مسلم بها – في استنباط الحكم الشرعي العملي الجزئي من الدليل، فهو إذا أراد التوصل إلى الحكم الشرعي الوارد في قوله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} [الأنعام 151] ينظر في هذا النص فيجده من النواهي؛ فيقصد إلى قاعدة الأصولي في النواهي وهي " النهي يفيد التحريم فيتوصل بهذه القاعدة إلى حكم القتل وأنه التحريم … وهكذا يتضح مدى استعانة الفقيه بالقواعد الأصولية في استدلاله وتوصيله إلى الحكم. وبهذا تكون: مهمة الأصولي البحث عن القواعد الكلية، والأدلة الإجمالية من حيث دلالتها على الأحكام، ومهمة الفقيه البحث في الأدلة الجزئية، بواسطة استخدام القواعد الأصولية لأجل التوصل إلى الأحكام الشرعية العملية من الأدلة الجزئية التي تتعلق بمسألة بخصوصها وتدل على حكم معين) انتهى باختصار. ومما يدل على صحة تعريف أهل الحديث للصحابي، وأنه الحق الواجب اتباعه دون ما عداه وأنه حقيقة شرعية مطابقة للحقيقة اللغوية خلافاً لما زعمه جمهور الأصوليين ما رواه مسلم في صحيحه ( [37] ) من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: (يأتي على الناس زمان. يغزو فئام من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس. فيقال لهم: فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس. فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 وفي لفظ آخر: (يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل. فيفتح لهم به. ثم يبعث البعث الثاني فيقولون: هل فيهم من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيفتح لهم به. ثم يبعث البعث الثالث فيقال: انظروا هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثم يكون البعث الرابع فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحداً رأى من رأى أحداً رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل. فيفتح لهم به) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( [38] ) – رحمه الله -: - (وحديث أبي سعيد هذا يدل على شيئين: على أن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: هو من رآه مؤمناً به وإن قلت صحبته؛ كما قد نص على ذلك الأئمة أحمد وغيره. وقال مالك: من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو شهراً أو يوماً أو رآه مؤمناً به فهو من أصحابه، له من الصحبة بقدر ذلك. وذلك أن لفظ الصحبة جنس تحته أنواع، يقال: صحبه شهراً؛ وساعة. وقد تبين في هذا الحديث أن حكم الصحبة يتعلق بمن رآه مؤمناً به؛ فإنه لا بد من هذا.) وقال ( [39] ) –أيضاً -: ( ... والصحبة اسم جنس تقع على من صحب النبي صلى الله عليه وسلم سنةً أو شهراً أو يوماً أو ساعةً أو رآه مؤمناً، فله من الصحبة بقدر ذلك .... فقد علق النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بصحبته وعلق برؤيته، وجعل فتح الله على المسلمين بسبب من رآه مؤمناً به. وهذه الخاصية لا تثبت لأحدٍ غير الصحابة؛ ولو كانت أعمالهم أكثر من أعمال الواحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم) انتهى كلامه. المبحث الثاني: في فضل الصحابة – رضي الله عنهم - في القرآن الكريم إجمالاً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 قال تعالى:- {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم} [التوبة 100] وقال تعالى:- {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم} [التوبة 117] قال تعالى:- {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً} [الفتح 18،19] وقال تعالى:- {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً} [الفتح 29] وقال – أيضاً – {لقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} [آل عمران 164] وقال – أيضاً – {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} [التوبة 128] وقال سبحانه {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} [الشعراء 215] المبحث الثالث: في فضل الصحابة - رضي الله عنهم - في السنة النبوية إجمالاً عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال:- لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شي قدير} [البقرة 284] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 342 قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بركوا على الركب. فقالوا:- أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق؛ الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقد أَنزلت هذه الآية، ولا نطيقها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. فلما اقترأها القوم، وذلت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} [البقرة 285] فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى، فأنزل عز وجل: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال: نعم. {ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا} . قال: نعم. {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} قال: نعم. {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} قال: نعم. ( [40] ) عن عويم بن ساعدة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تبارك وتعالى اختارني، واختار لي أصحاباً، فجعل لي منهم وزراء، وأنصاراً، وأصهاراً، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل) ( [41] ) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جلست في عصابة من فقراء المهاجرين … الحديث، وفيه: فقال رسول الله صلى عليه وسلم: (أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم، وذاك خمسمائة عام) ( [42] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 عن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق، وننقل التراب على أكتادنا ( [43] ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم. لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار) ( [44] ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار وأشجع، موالي ليس لهم مولىً دون الله ورسوله) ( [45] ) وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عشرة في الجنة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعيد بن مالك في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة) وسكت عن العاشر، قالوا: ومن هو العاشر؟ فقال: ((سعيد بن زيد)) – يعني نفسه -. ثم قال: لموقف أحدهم مع رسول الله صلى الله عليه سلم يَغبَرُّ فيه وجهه خير من عمل أحدكم، ولو عُمِّر عُمُرَ نوح) ( [46] ) المبحث الرابع: في حجية قول الصحابي من المستحسن قبل الشروع في ذكر الخلاف في حجية قول الصحابي، وتحرير موطن النزاع فيه أن أُبَيِّن ما المراد بقول الصحابي. فأقول - وبالله التوفيق - إن المراد بقول الصحابي ( [47] ) :- هو ما ثبت عن أحد من الصحابة - ولم تكن فيه مخالفة صريحة لدليل شرعي - من رأي أو فتوى أو فعل أو عمل اجتهادي في أمر من أمور الدين. وتسمى هذه المسألة عند الأصوليين بأسماء منها:- قول الصحابي أو فتواه أو تقليد الصحابي أو مذهب الصحابي. بل ذهب الشاطبي ( [48] ) - رحمه الله - إلى أن السنة تطلق على ما عمل عليه الصحابة، وجد ذلك في الكتاب أو السنة أو لم يوجد، لكونه اتباعاً لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا، أو اجتهاداً مجتمعاً عليه منهم أو من خلفائهم، فإن إجماعهم إجماع، وعمل خلفائهم راجع - أيضاً - إلى حقيقة الإجماع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 وبناء على ما سبق فإن الصحابي إذا قال قولاً:- - فلا يخلو من أن يشتهر قوله ويوافقه سائر الصحابة على ذلك. - أو يخالفوه. - أو لا يشتهر أو لا يعلم اشتهر أم لم يشتهر. فإن اشتهر قوله ووافقه الصحابة فهو إجماع ( [49] ) . وإن اشتهر فخالفوه فالحجة مع من سعد بالدليل. وحينئذٍ الحجة فيه لا في كونه قول صحابي. وإن لم يشتهر قوله أولم يعلم هل اشتهر أم لا؟ . فهذا هو موطن النزاع. والذي عليه العلماء السابقون والأئمة المتبوعون أبوحنيفة ومالك والشافعي وأحمد – رحمهم الله تعالى – وجمهور أصحابهم أنه حجة. قال أبوحنيفة ( [50] ) – رحمه الله -: إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات عن الثقات، فإذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله أخذت بقول أصحابه من شئت وأدع قول من شئت ثم لا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب … فلي أن أجتهد كما اجتهدوا. انتهى وقال ( [51] ) – أيضاً -:- (ما بلغني عن صحابي أنه أفتى به فأقلده ولا أستجيز خلافه) . وقال ( [52] ) – أيضاً-:- (عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة؛ فإنها بدعة) . بل قال فيمن هو دونهم:- (من كان من أئمة التابعين وأفتى في زمن الصحابة وزاحمهم في الفتوى وسوغوا له الاجتهاد، فأنا أقلده، مثل شريح، والحسن، ومسروق بن الأجدع، وعلقمة) ( [53] ) . وعن أبي يوسف قال ( [54] ) : سمعت أبا حنيفة يقول: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الثقات أخذنا به، فإذا جاء عن أصحابه لم نخرج عن أقاويلهم، فإذا جاء عن التابعين زاحمتهم. قال محمد بن حمدان بن الصباح ( [55] ) :- ( ... وكان إذا وردت عليه مسألة فيها حديث صحيح اتبعه، وإن كان عن الصحابة والتابعين، وإلا قاس وأحسن القياس) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 وقال الحسن بن صالح ( [56] ) : كان أبو حنيفة شديد الفحص عن الناسخ من الحديث والمنسوخ فيعمل بالحديث إذا ثبت عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه. وقد اتضح تمسكه بهذا الأصل في تطبيقاته الفقهية حيث قال ( [57] ) : من رغب عن سيرة علي رضي الله عنه في أهل القبلة فقد خاب وخسر. وقال ( [58] ) – أيضاً –: ما ملكت أكثر من أربعة آلاف درهم منذ أكثر من أربعين سنة إلا أخرجته، وإنما أمسكها لقول علي رضي الله عنه: (أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة؛ ولولا أني أخاف أن ألجأ إلى هؤلاء ما تركت منها درهماً واحداً) قال نعيم بن حماد ثنا ابن المبارك قال سمعت أبا حنيفة يقول ( [59] ) :- إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين. وإذا جاء عن الصحابة نختار من قولهم. وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم. وأما جمهور الحنفية ( [60] ) فهم على قول إمامهم. وأما الإمام مالك ( [61] ) –رحمه الله - فتصرفه في "موطئه " دليل على أنه يرى أن قول الصحابي حجة ( [62] ) . قال الشاطبي –رحمه الله – في الموافقات ( [63] ) :- (ولما بالغ مالك في هذا المعنى –أي اتخاذ الصحابة قدوة وسيرتهم قبلة – بالنسبة إلى الصحابة أو من اهتدى بهديهم واستن بسنتهم جعله الله تعالى قدوة لغيره في ذلك، فقد كان المعاصرون لمالك يتبعون آثاره ويقتدون بأفعاله، ببركة اتباعه لمن أثنى الله ورسوله عليهم وجعلهم قدوة) . قال العلامة الفقيه حسن بن محمد المشاط المالكي في كتابه (الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة) ( [64] ) : وهذا هو المشهور عن مالك. وأما الإمام الشافعي –رحمه الله – فمنصوص قوله قديماً وحديثاً هو أن قول الصحابي حجة ( [65] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 فقد قال رحمه الله في كتابه الأم ( [66] ) –وهو من الكتب الجديدة -:-ما كان الكتاب أو السنة موجودين، فالعذر على من سمعهما مقطوع إلا بإتباعهما. فإن لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو واحد منهم. ثم كان قول الأئمة:- أبي بكر أو عمر أو عثمان - رضي الله عنهم - إذا صرنا فيه إلى التقليد، أحب إلينا، وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة، فنتبع القول الذي معه الدلالة؛ لأن قول الإمام مشهور بأنه يلزمه الناس، ومن لزم قوله الناس كان أشهر ممن يفتي الرجل أو النفر، وقد يأخذ بفتياه ويدعها، وأكثر المفتين يفتون الخاصة في بيوتهم ومجالسهم، ولا يعتني العامة بما قالوا عنايتهم بما قال الإمام، وقد وجدنا الأئمة ينتدبون، فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما أرادوا وأن يقولوا فيه، ويقولون، فيخبرون بخلاف قولهم، فيقبلون من المخبر، ولا يستنكفون عن أن يرجعوا لتقواهم الله، وفضلهم في حالاتهم، فإذا لم يوجد عن الأئمة، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين في موضع الأمانة، أخذنا بقولهم، وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم. ثم قال:- والعلم طبقات. الأولى:- الكتاب والسنة، إذا ثبتت السنة. الثانية:- الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة الثالثة:- أن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم له مخالفاً منهم. الرابعة:- اختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم. الخامسة:- القياس على بعض هذه الطبقات) انتهى كلامه ( [67] ) . قال ابن القيم ( [68] ) رحمه الله تعالى:- (هذا كله كلامه في الجديد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 347 ثم قال: قال البيهقي ( [69] ) - بعد أن ذكر الكلام السابق، وفي الرسالة القديمة للشافعي بعد ذكر الصحابة وتعظيمهم - قال:- وهم فوقنا في كل علمٍ واجتهادٍ وورعٍ وعقلٍ أمر استدرك فيه علم أو استنبط وآراؤهم لنا أجمل وأولى بنا من رأينا ومن أدركنا ممن نرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا أو قول بعضهم إن تفرقوا. وكذا نقول ولم نخرج من أقوالهم كلهم. قال البيهقى ( [70] ) :- وقال في موضع آخر:- فإن لم يكن على القول دلالة من كتابٍ ولا سنةٍ كان قول أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي أحب إليّ أن أقول به؛ من قول غيرهم إن خالفهم من قبل أنهم أهل علم، وحكام .... فإن اختلفوا صرنا إلى القول الذي عليه دلالة وقلّ ما يخلو اختلافهم من ذلك. وإن اختلفوا بلا دلالة نظرنا إلى الأكثر. فإن تكافؤا نظرنا إلى أحسن أقاويلهم مخرجاً عندنا. وإن وجدنا للمفتين في زماننا أو قبله اجتماعاً في شيء لا يختلفون فيه تبعناه. وكان أحد طرق الأخبار الأربعة، وهي كتاب الله ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم القول لبعض أصحابه،ثم اجتماع الفقهاء. فإذا نزلت نازلةٌ لم نجد فيها واحدةً من هذه الأمور فليس في الكلام في النازلة إلا اجتهاد الرأي. فهذا كلام الشافعي رحمه الله ورضي عنه بنصه) . قال ابن القيم ( [71] ) –رحمه الله -:- ونحن نشهد بالله أنه لم يرجع عنه بل كلامه في الجديد مطابق لهذا موافق له. وقال ( [72] ) – أيضاً -:- (أما القديم فأصحابه مقرون به وأما الجديد فكثير منهم يحكي عنه فيه أنه ليس بحجة. وفي هذه الحكاية عنه نظر ظاهر جداً؛ فإنه لا يحفظ له في الجديد حرف واحد أن قول الصحابي ليس بحجة وغاية ما يتعلق به من نقل ذلك أنه يحكي أقوالاً للصحابة في الجديد ثم يخالفها؛ ولو كانت عنده حجة لم يخالفها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 وهذا تعلق ضعيف جداً؛ فإن مخالفة المجتهد الدليل المعين لما هو أقوى في نظره منه لا يدل على أنه لا يراه دليلا من حيث الجملة. بل خالف دليلاً لدليلٍ أرجح عنده منه. وقد تعلق بعضهم بأنه يراه في الجديد إذا ذكر أقوال الصحابة موافقاً لها لا يعتمد عليها وحدها كما يفعل بالنصوص بل يعضدها بضروب من الأقيسة فهو تارة يذكرها ويصرح بخلافها وتارة يوافقها ولا يعتمد عليها بل يعضدها بدليل آخر. وهذا - أيضاً - تعلق أضعف من الذي قبله. فإن تظاهر الأدلة وتعاضدها وتناصرها من عادة أهل العلم قديماً وحديثاً ولا يدل ذكرهم دليلاً ثانياً وثالثاً على أن ما ذكروه قبله ليس بدليل) . انتهى كلامه رحمه الله. قال الربيع بن سليمان ( [73] ) :- (قال الشافعي: لا يكون أن تقول إلا عن أصل، أو قياس على أصل. والأصل: كتاب أو سنة، أو قول بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع الناس) . قال يونس بن عبد الأعلى ( [74] ) :- (قال لي محمد بن إدريس الشافعي: لا يقال للأصل: لم ولا كيف) . وقد أطلت النقل عن الإمام الشافعي في تقرير مذهبه لأني قد رأيت جلّ من كتب في علم أصول الفقه ينسب إليه قولاً جديداً وهو عدم قوله بحجية قول الصحابي بناء على بعض تخريجات بعض المنتسبين إلى مذهبه أخذاً من تصرفات الإمام نفسه مع بعض الأدلة. ولأن نسبة القول إلى أحد الأئمة – لا سيما وقد اشتهر عنه ما يخالفه صريحاً من قوله - قضية هي في غاية الخطورة، مع ما تورثه من كثرة في الأخذ والرد في تصحيح أو تزييف ما نسب إليه ( [75] ) . وأما كون الإمام أحمد - رحمه الله تعالى – من القائلين بحجية قول الصحابي فهذا القول أشهر من علم في رأسه نار؛ ذلك أنه – رحمه الله – قد جعل الاعتماد على قول الصحابي هو الأصل الثاني من أصول مذهبه ( [76] ) . بل إنه ليقدم فتاواهم على الحديث المرسل ( [77] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في مسائله ( [78] ) :- قلت لأبي عبد الله: حديث عن رسول الله مرسل برجال ثبت أحبُّ إليك، أو حديث عن الصحابة والتابعين متصل برجال ثبت؟ قال أبو عبد الله – رحمه الله -: (عن الصحابة أعجب إليّ) . ومما يدل على احتجاجه بقول الصحابة –رضي الله عنهم – قوله في كتابه (السنة) ( [79] ) :- (بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة) . وقال عبدوس بن مالك العطار ( [80] ) :- سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل -رضي الله عنه-يقول: (أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات، وترك الجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين … ..) قال ابن القيم ( [81] ) -رحمه الله-:- وأئمة الإسلام كلهم على قبول قول الصحابي. المبحث الخامس: في الآراء الحادثة في المسألة لقد اختلف الناس بعد أئمتهم في حجية قول الصحابي إلى مذاهب مختلفة، أهمها ما يأتي:- 1- عدم حجيته مطلقاً، وبه قالت الأشاعرة ( [82] ) ، وأكثر المتكلمين ( [83] ) ، والمعتزلة ( [84] ) . 2- عدم حجيته إلا فيما لا يدرك بالقياس، وبه قال الكرخي ( [85] ) ، وأبو زيد ( [86] ) . 3- عدم حجيته إلا إذا خالف قوله القياس، وبه قال بعض الحنفية، وابن برهان، والغزالي في المنخول ( [87] ) . 4- عدم حجيته إلا إذا كان الصحابي من أهل الفتوى، وبه قال بعض الحنفية ( [88] ) . المبحث السادس: في أدلة علماء الأمة في حجية قول الصحابي ( [89] ) لقد تنوعت أدلة علماء الأمة وأئمتها وتعددت في إثبات حجية قول الصحابي، فدارت أدلتهم بين آي الكتاب، وأحاديث نبوية، واتفاق سلف الأمة قولاً وعملاً على الاحتجاج به، وصريح المعقول. وإليك – أخي القارئ – ذكرها مفصلة من غير إطنابٍ مُمِلٍّ ولا إيجازٍ مُخِلٍّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 أولاً:- الكتاب:- لقد وردت في هذا الشأن آيات كثيرات استدل بها أئمة الهدى على حجية قول الصحابي، من ذلك ما يأتي:- 1- قوله تعالى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم} [التوبة 100] وجه الدلالة ( [90] ) :- أن الله أثنى على من اتبعهم فإذا قالوا قولاً فاتبعهم متبع عليه قبل أن يعرف صحته فهو متبع لهم فيجب أن يكون محموداً على ذلك وأن يستحق الرضوان. ولو كان اتباعهم تقليداً محضاً كتقليد بعض المفتين لم يستحق من اتبعهم الرضوان إلا أن يكون عامياً. فأما العلماء المجتهدون فلا يجوز لهم اتباعهم حينئذٍ. وقد أُعترض على وجه الدلالة بما يأتي:- الاعتراض الأول:- إن المراد باتباعهم:- هو أن يقول ما قالوا بالدليل وهو سلوك سبيل الاجتهاد لأنهم إنما قالوا بالاجتهاد. والدليل عليه: قوله {بإحسان} . ومن قلدهم لم يتبعهم بإحسان؛ لأنه لو كان مطلق الاتباع محموداً لم يفرق بين الاتباع بإحسان أو بغير إحسان. وقد أجيب عن هذا الاعتراض بما يأتي:- إن الاتباع لا يستلزم الاجتهاد. لوجوه:- أحدها:- أن الاتباع المأمور به في القرآن كقوله:- {فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران 31] {واتبعوه لعلكم تهتدون} [الأعراف 158] {ويتبع غير سبيل المؤمنين} [النساء 115] ونحوه لا يتوقف على الاستدلال على صحة القول مع الاستغناء عن القائل. الثاني:- أنه لو كان المراد اتباعهم في الاستدلال والاجتهاد لم يكن فرق بين السابقين وبين جميع الخلائق؛ لأن اتباع موجب الدليل يجب أن يتبع فيه كل أحد. فمن قال قولاً بدليل صحيح وجب موافقته فيه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 الثالث:-أنه إما أن تجوز مخالفتهم في قولهم بعد الاستدلال أو لا تجوز. فإن لم تجز فهو المطلوب. وإن جازت مخالفتهم فقد خولفوا في خصوص الحكم واتبعوا في أحسن الاستدلال. فليس جعل من فعل ذلك متبعاً لموافقتهم في الاستدلال بأولى من جعله مخالفاً لمخالفته لهم في عين الحكم. الرابع:- أن من خالفهم في الحكم الذي أفتوا به لا يكون متبعاً لهم أصلا. بدليل أن من خالف مجتهداً من المجتهدين في مسألة بعد اجتهادٍ لا يصح أن يقال اتبعه،وإن أطلق ذلك فلا بد من تقييده. بأن يقال اتبعه في الاستدلال أو الاجتهاد. الخامس:- أن الاتباع:- افتعال من اتبع. وكون الإنسان تابعا لغيره نوع افتقار إليه ومشي خلفه. وكل واحد من المجتهدين المستدلين ليس تبعاً للآخر ولا مفتقراً إليه بمجرد ذلك حتى يستشعر موافقته، والانقياد له؛ ولهذا لا يصح أن يقال لمن وافق رجلاً في اجتهاده أو فتواه اتفاقاً أنه متبع له. السادس:- أن الآية قصد بها مدح السابقين، والثناء عليهم، وبيان استحقاقهم أن يكونوا أئمة متبوعين. وبتقدير ألا يكون قولهم موجباً للموافقة ولا مانعاً من المخالفة بل إنما يتبع القياس – مثلاً - لا يكون لهم هذا المنصب، ولا يستحقون هذا المدح، والثناء. السابع:- أن من خالفهم في خصوص الحكم فلم يتبعهم في ذلك الحكم ولا فيما استدلوا به على ذلك الحكم فلا يكون متبعاً لهم بمجرد مشاركتهم في صفةٍ عامةٍ وهي مطلق الاستدلال والاجتهاد، ولا سيما وتلك الصفة العامة لا اختصاص لها به؛ لأن ما ينفي الاتباع أخص مما يثبته. وإذا وجد الفارق الأخص والجامع الأعم – وكلاهما مؤثرٌ – كان التفريق رعايةً للفارق أولى من الجمع رعايةً للجامع. الاعتراض الثاني:- لم لا يجوز أن يراد بالاتباع اتباعهم في أصول الدين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 والجواب عن هذا الاعتراض:- بأن يقال:- إن تخصيص اتباعهم بأصول الدين دون فروعه لا يصح؛ لأن الاتباع عام ولا مخصص؛ ولأن من اتبعهم في أصول الدين فقط لو كان متبعاً لهم على الإطلاق لكنا متبعين للمؤمنين من أهل الكتاب ولم يكن فرق بين اتباع السابقين من هذه الأمة وغيرها. ولو أقر المخالف بوجوب اتباعهم في أصول الدين، فلئن يجب اتباعهم في فروعه من باب أولى. و أيضاً - فإنه إذا قيل:- فلان يتبع فلاناً. واتبع فلاناً. وأنا متبع فلاناً. ولم يقيد ذلك بقرينة لفظيةٍ ولا حاليةٍ فإنه يقتضي اتباعه في كل الأمور التي يتأتى فيها الاتباع؛ لأن من اتبعه في حال وخالفه في أخرى لم يكن وصفه بأنه متبع أولى من وصفه بأنه مخالف. ولأن الرضوان حكم تعلق باتباعهم؛ فيكون الاتباع سبباً له؛ لأن الحكم المعلق بما هو مشتق يقتضي أن ما منه الاشتقاق سببٌ ( [91] ) . وإذا كان اتباعهم سبباً للرضوان اقتضى الحكم في جميع موارده ولا اختصاص للاتباع بحال دون حال. الاعتراض الثالث:- لم لا يكون المراد من قوله جل وعلا {بإحسان} أي بالتزام الفرائض واجتناب المحارم. ويكون المقصود أن السابقين قد وجب لهم الرضوان وإن أساءوا لقوله صلى الله عليه وسلم:- (وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر فقال:- اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ( [92] ) . والجواب عن هذا الاعتراض بأن يقال:- إن قوله تعالى:- {بإحسان} ليس المراد به أن يجتهد وافق أو خالف؛ لأنه إذا خالف لم يتبعهم فضلاً عن أن يكون بإحسان. ولأن مطلق الاجتهاد ليس فيه اتباع لهم. لكن الاتباع لهم:- اسم يدخل فيه كل من وافقهم في الاعتقاد والقول. فلا بد مع ذلك أن يكون المتبع محسناً بأداء الفرائض واجتناب المحارم لئلا يقع الاغترار بمجرد الموافقة قولاً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 -وأيضاً - فلا بد أن يحسن المتبع لهم القول فيهم - ولا يقدح فيهم اشتراط الله ذلك لعلمه بأن سيكون أقوام ينالون منهم - وهذا مثل قوله تعالى بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفرلنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا} [الحشر 10] الاعتراض الرابع:-لم لا يجوز أن يكون المراد بالثناء على من اتبعهم كلهم. وذلك اتباعهم فيما أجمعوا عليه. والجواب عن هذا الاعتراض من وجوه:- الأول:- إن الآية اقتضت الثناء على من اتبع كل واحد منهم. كما أن قوله:- {والسابقون الأولون ...... والذين اتبعوهم} [التوبة 100] يقتضي حصول الرضوان لكل واحد من السابقين والذين اتبعوهم في قوله:- {رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم} [التوبة 100] ، وكذلك في قوله:- {اتبعوهم} ؛ لأنه حكم علق عليهم في هذه الآية فقد تناولهم مجتمعين ومنفردين. الثاني:- إن الأصل في الأحكام المعلقة بأسماء عامة ثبوتها لكل فردٍ فردٍ من تلك المسميات ( [93] ) . كقوله:- {أقيموا الصلاة} [البقرة 43] وقوله:- {لقد رضي الله عن المؤمنين} [الفتح 18] وقوله تعالى:- {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة 119] الثالث:-إن الأحكام المعلقة على المجموع يؤتى فيها باسم يتناول المجموع دون الأفراد كقوله:- {وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً} [البقرة 143] وقوله:- {كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس} [آل عمران 110] وقوله:- {ويتبع غير سبيل المؤمنين} [النساء 115] ؛ فإن لفظ الأمة، ولفظ سبيل المؤمنين لا يمكن توزيعه على أفراد الأمة، وأفراد المؤمنين، بخلاف لفظ السابقين:- فإنه يتناول كل فرد من السابقين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 الرابع:- الآية تعم اتباعهم مجتمعين ومنفردين في كل ممكن. فمن اتبع جماعتهم إذا اجتمعوا، واتبع آحادهم فيما وجد عنهم - مما لم يخالفه فيه غيره منهم - فقد صدق عليه أنه اتبع السابقين. أما من خالف بعض السابقين فلا يصح أن يقال اتبع السابقين؛ لوجود مخالفته لبعضهم لا سيما إذا خالف هذا مرةً وهذا مرةً. وبهذا يظهر الجواب عن اتباعهم إذا اختلفوا فإن اتباعهم هناك قول بعض تلك الأقوال باجتهاد واستدلال إذ هم مجتمعون على تسوية كل واحد من تلك الأقوال لمن أدى اجتهاده إليه فقد قصد اتباعهم أيضاً. أما إذا قال الرجل قولاً ولم يخالفه غيره فلا يعلم أن السابقين سوغوا خلاف ذلك القول. الخامس:- إن الآية تقتضي-أيضاً - اتباعهم مطلقاً. فلو فرضنا أن الطالب وقف على نص يخالف قول الواحد منهم فقد علمنا أنه لو ظفر بذلك النص لم يعدل عنه. أما إذا رأينا رأياً فقد يجوز أن يخالف ذلك الرأي. السادس:- لو لم يكن اتباعهم إلا فيما أجمعوا عليه كلهم لم يحصل اتباعهم إلا فيما قد علم أنه من دين الإسلام بالاضطرار؛ لأن السابقين الأولين خلق عظيم ولم يعلم أنهم أجمعوا إلا على ذلك؛ فيكون هذا الوجه هو الذي قبله وقد تقدم بطلانه. إذ الاتباع في ذلك غير مؤثر. -وأيضاً - فجميع السابقين قد مات منهم أناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وحينئذٍ فلا يحتاج في ذلك الوقت إلى اتباعهم للاستغناء عنه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم لو فرضنا أحداً يتبعهم إذ ذاك لكان من السابقين؛ فحاصله أن التابعين لا يمكنهم اتباع جميع السابقين. -وأيضاً - فإن معرفة قول جميع السابقين كالمتعذر فكيف يتبعون كلهم في شئ لا يكاد يعلم. السابع:- إن الصحابة - رضي الله عنهم - ما استحقوا منصب الإمامة والاقتداء بهم إلا لكونهم هم السابقين، وهذه صفةٌ موجودة في كل واحدٍ منهم فوجب أن يكون كل منهم إماماً للمتقين كما استوجب الرضوان والجنة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 الاعتراض الخامس:-إن الثناء على من اتبعهم لا يقتضي وجوبه وإنما يدل على جواز تقليدهم وذلك دليل على جواز تقليد العالم كما هو مذهب طائفة من العلماء أو تقليد الأعلم كقول طائفة أخرى. أما أنه دليل على وجوب اتباعهم فليس في الآية ما يقتضيه. والجواب عن هذا الاعتراض من وجوه:- الأول:- إن الآية تقتضي الرضوان عمن اتبعهم بإحسان. وقد قام الدليل على أن القول في الدين بغير علم حرام؛ فلا يكون اتباعهم قولاً بغير علم بل قولاً بعلم، وهذا هو المقصود وحينئذٍ فسواء يسمى تقليداً أو اجتهاداً. الثاني:- إن كان تقليد العالم للعالم حراماً - كما هو قول الشافعية والحنابلة – فاتباعهم ليس بتقليد؛ لأنه مرضي. وإن كان تقليدهم جائزاً أو كان تقليدهم مستثنى من التقليد المحرم فلم يقل أحد إن تقليد العلماء من موجبات الرضوان. فعلم أن تقليدهم خارجٌ عن هذا؛ لأن تقليد العالم إن كان جائزاً فتركه إلى قول غيره أو إلى اجتهاد جائز – أيضاً - بالاتفاق. والشيء المباح لا يستحق به الرضوان. الثالث:- إن رضوان الله هو غاية المطالب التي لا تنال إلا بأفضل الأعمال. ومعلوم أن التقليد الذي يجوز خلافه ليس بأفضل الأعمال. بل الاجتهاد أفضل منه. فعلم أن اتباعهم هو أفضل ما يكون في مسألة اختلفوا فيها هم ومن بعدهم، وأن اتباعهم دون من بعدهم هو الموجب لرضوان الله. فلا ريب أن رجحان أحد القولين يوجب اتباعه.وقولهم أرجح بلا شك. ومسائل الاجتهاد لا يتخير الرجل فيها بين القولين. الرابع:- إن الله سبحانه وتعالى قد أثنى على الذين اتبعوهم بإحسان. والتقليد وظيفة العامة. فأما العلماء فإما أن يكون مباحاً لهم أو محرماً. إذ الاجتهاد أفضل منه لهم بغير خلاف. وهو واجب عليهم. فلو أريد باتباعهم التقليد الذي يجوز خلافه لكان للعامة ذلك النصيب الأوفى وكان حظ علماء الأمة من هذه الآية أبخس الحظوظ. ومعلوم أن هذا فاسد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 الخامس:-رضوان الله عمن اتبعهم دليل على أن اتباعهم صواب ليس بخطأ؛ فإنه لو كان خطأ لكان غاية صاحبه أن يعفى له عنه. فإن المخطئ إلى أن يعفى عنه أقرب منه إلى أن يرضى عنه. وإذا كان صواباً وجب إتباعه لأن خلاف الصواب خطأ. والخطأ يحرم إتباعه إذا علم أنه خطأ. وقد علم أنه خطأ فيكون الصواب خلافه. السادس:- إذا كان اتباعهم موجباً للرضوان لم يكن ترك اتباعهم موجباً للرضوان. لأن الجزاء لا يقتضيه وجود الشيء وضده ولا وجوده وعدمه. لأنه يبقى عديم الأثر في ذلك الجزاء. وإذا كان في المسألة قولان أحدهما يوجب الرضوان والآخر لا يوجبه كان الحق ما يوجبه. وهذا هو المطلوب. السابع:- إن طلب رضوان الله واجب؛ لأنه إذا لم يوجب رضوانه. فإما سخطه أو عفوه. والعفو إنما يكون مع انعقاد سبب الخطيئة، وذلك لا تُباح مباشرته إلا بالنص. وإذا كان رضوانه إنما هو في اتباعهم واتباع رضوانه واجب. كان اتباعهم واجباً. الثامن:- إن الله - سبحانه وتعالى - إنما أثنى على المتبع بالرضوان ولم يصرح بالوجوب؛ لأن إيجاب الاتباع يدخل فيه الاتباع في الأفعال، ويقتضي تحريم مخالفتهم مطلقاً. فيقتضي ذم المخطئ، وليس كذلك، أما الأقوال فلا وجه لمخالفتهم فيها بعد ما ثبت أن فيها رضا الله تعالى. -وأيضاً - فإن القول إذا ثبت أن فيه رضا الله لم يكن رضا الله في ضده، بخلاف الأفعال فقد يكون رضا الله في الأفعال المختلفة، وفي الفعل والترك بحسب قصدين وحالين. أما الاعتقادات والأقوال فليست كذلك. فإذا ثبت أن في قولهم رضوان الله تعالى لم يكن الحق والصواب إلا هو. فوجب إتباعه. الاعتراض السادس:- لم لا يكون المراد بقوله تعالى {السابقون} : - هم الذين صلوا إلى القبلتين، أو هم أهل بيعة الرضوان ومن قبلهم. فما الدليل على اتباع من أسلم بعد ذلك؟ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 فالجواب عنه بأن يقال:-إذا ثبت وجوب اتباع أهل بيعة الرضوان فهو أكبر المقصود على أنه لا قائل بالفرق. وكل الصحابة سابق بالنسبة إلى من بعدهم. الاعتراض السابع:- إن قوله تعالى: {والذين اتبعوهم بإحسان} يدخل فيه بعض الصحابة وهم من عدا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، من الذين اسلموا ولم يهاجروا والذين اسلموا بعد فتح مكة فكل هؤلاء من الصحابة بالاتفاق ومع هذا فهم مأمورون بالاتباع بإحسان أو داخلون فيمن أمر بالاتباع بإحسان، والآية أمرت باتباع السابقين من المهاجرين والأنصار فقط. فالجواب عن هذا بأن يقال: إذا ثبت وجوب اتباع هؤلاء للسابقين من المهاجرين والأنصار فغيرهم من باب أولى. و أيضاً - الآية شهادة من الله بأن جميع الصحابة مرضي عنهم، ولهم الجنة سواء كانوا من المهاجرين أو الأنصار أو من لم يهاجر أو أسلم بعد الفتح. فَمَنْ أراد رضى الله، والجنة فعليه باتباعهم بإحسان. 2- قوله تعالى:- {اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون} [يس 20] هذا قصه الله سبحانه وتعالى عن صاحب ياسين على سبيل الرضاء بهذه المقالة والثناء على قائلها والإقرار له عليها. وكل واحد من الصحابة لم يسألنا أجراً وهم مهتدون. بدليل قوله تعالى خطاباً لهم {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} [آل عمران 103] ولعلَّ: من الله واجب. وقوله تعالى:- {ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} [محمد 47] وقوله تعالى:- {والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم.سيهديهم} [محمد 4،5] وقوله تعالى:- {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت 69] . وكل منهم قاتل في سبيل الله وجاهد إما بيده أو بلسانه فيكون الله قد هداهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 وكل من هداه فهو مهتد. فيجب اتباعه بالآية. 3- قوله تعالى:- {واتبع سبيل من أناب إلي} [لقمان 15] وأول المنيبين إلى الله هو الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مأمور صلوات ربي وسلامه عليه باتباع سبيل المنيبين من الأنبياء والمؤمنين السابقين، والأمر له أمر لأمته، وأول أمته هم صحابته رضوان الله عليهم أجمعين، فكل من الصحابة منيب إلى الله. فيجب اتباع سبيله. وأقواله واعتقاداته من أكبر سبيله. والدليل على أنهم منيبون إلى الله تعالى أن الله تعالى قد هداهم وقد قال:- {ويهدي إليه من ينيب} [الشورى 13] 4- قوله تعالى:- {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} [يوسف 108] فأخبر تعالى أن الرسول يدعو إلى الله على بصيرة، ومن اتبعه يدعو إلى الله على بصيرة. ومن دعا إلى الله على بصيرة، وجب اتباعه؛ لقوله تعالى فيما حكاه عن الجن ورضيه {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به} [الأحقاف 31] ولأن من دعا إلى الله على بصيرة فقد دعا إلى الحق عالماً به. والدعاء إلى أحكام الله دعاء إلى الله؛ لأنه دعاء إلى طاعته فيما أمر ونهى. هذا وإن كان يدخل فيه غير الصحابة إلا أن دخول الصحابة في هذه الآية دخول أولي. فإذا أثر عن أحدٍ من الصحابة قول أو فعل ولم تكن فيه مخالفة صريحة لنص شرعي ولم ينقل عن أحد من الصحابة خلافه فالواجب حينئذٍ اتباعه؛ لأنه دعاء إلى طاعة الله؛ وإلا خلا ذلك العصر من ذلك الحق، وهو باطل. 5- قوله تعالى:- {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى} [النمل 59] قال ابن عباس ( [94] ) :- هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. والدليل عليه قوله تعالى:- {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} [فاطر 32] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 وحقيقة الاصطفاء: افتعال من التصفية. فيكون قد صفاهم من الأكدار. والخطأ من الأكدار. فيكونون مصفين منه. فمن المحال أن يحرمهم كلهم الصواب في مسألة فيفتي فيها بعضهم بالخطأ ولا يفتي فيها غيره بالصواب ويظفر فيها بالهدى من بعدهم. ولا ينتقض هذا بما إذا اختلفوا لأن الحق لم يَعدُهُم فلا يكون قول بعضهم كدراً؛ لأن مخالفته الكدر. وبيانه يزيل كونه كدراً، بخلاف ما إذا قال بعضهم قولاً ولم يخالف فيه. فلو كان باطلاً ولم يَرُدَّهُ رادٌّ لكان حقيقة الكدر. وهذا لأن خلاف بعضهم لبعض بمنزلة متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أموره فإنها لا تخرجه عن حقيقة الاصطفاء. 6- أن الله تعالى شهد لهم بأنهم أوتوا العلم بقوله:- {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق} [سبأ 6] . وقوله:- {حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً} [محمد 47] وقوله:- {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة 11] . واللام في العلم ليست للاستغراق وإنما هي للعهد:- أي العلم الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم. وإذا كانوا قد أوتوا هذا العلم كان اتباعهم واجباً؛ ولأن من بعدهم تبع لهم في ذلك. ولأن من المحال أن يجهل الصحابة الحق والهدى ويهتدي إليه المتأخرون. ولأن للصحابة خاصية لا يشركهم فيها أحد فهم قد تعلموا العلم والعمل في مدرسة النبوة تحت رعاية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته، بعد أن وقفوا على أسرار التشريع ومقاصده وحكمه، فكانوا يجتهدون بين يديه فيقر المصيب ويصوب المخطيئ، وكانوا يسألونه عما أشكل عليهم وخفي ويحاورونه ويشاركونه الرأي؛ لذا فإنهم قد فهموا منه الكثير ووقفوا على أمور لا تدرك بالنقل والرواية عنه صلى الله عليه وسلم ( [95] ) ، فكانت لهم تلك الميزة والخاصية فكانت أقوالهم ليست كأقوال غيرهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 7- قوله تعالى:- {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [آل عمران 110] . شهد لهم الله تعالى بأنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر فلو كانت الحادثة في زمانهم لم يفت فيها إلا من أخطأ منهم لم يكن أحد منهم قد أمر فيها بمعروف ولا نهى فيها عن منكر. إذ الصواب معروف بلا شك والخطأ منكر من بعض الوجوه. ولولا ذلك لما صح التمسك بهذه الآية على كون الإجماع حجة. وإذا كان هذا باطلاً. علم أن خطأ من يعلم منهم في العلم إذا لم يخالفه غيره ممتنع. وذلك يقتضي أن قوله حجة ( [96] ) ، ولما سبق ذكره في الدليل السابق. 8- قوله تعالى:- {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة 119] قال غير واحد من السلف ( [97] ) :- هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ولا ريب أنهم أئمة الصادقين. وكل صادق بعدهم بهم يأتم في صدقه. بل حقيقة صدقه اتباعه لهم وكونه معهم.ومعلوم أن من خالفهم في شئ وإن وافقهم في غيره لم يكن معهم فيما خالفهم فيه، وحينئذٍ فيصدق عليه أنه ليس معهم فتنتفي عنه المعية المطلقة، وإن ثبت له قسط من المعية فيما وافقهم فيه. فلا يصدق عليه أنه معهم بهذا القسط. وهذا كما نفى الله ورسوله الإيمان المطلق عن الزاني والشارب والسارق والمنتهب ( [98] ) بحيث لا يستحق اسم المؤمن وإن لم ينتف عنه مطلق الاسم الذي يستحق لأجله أن يقال معه شئ من الإيمان. وهذا كما أن اسم الفقيه والعالم عند الإطلاق لا يقال لمن معه مسألة أو مسألتان من فقه وعلم، وإن قيل معه شئ من العلم. ففرق بين المعية المطلقة ومطلق المعية. ومعلوم أن المأمور به الأول لا الثاني. فإن الله تعالى لم يرد منا أن نكون معهم في شئ من الأشياء وأن نحصل من المعية ما يطلق عليه الاسم. ومن فهم أن الله أراد منا ذلك فقد غلط غلطاً عظيماً في فهم مراد الرب تعالى من أوامره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 فإذا أمرنا بالتقوى والبر والصدق والعفة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد ونحو ذلك لم يرد منا أن نأتي من ذلك بأقل ما يطلق عليه الاسم وهو مطلق الماهية المأمور بها بحيث نكون ممتثلين لأمره إذا أتينا بذلك. وتمام تقرير هذا الوجه بما تقدم في تقرير الأمر بمتابعتهم سواء. 9- قوله تعالى:- {وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} [البقرة 143] . ووجه الاستدلال بالآية أنه تعالى أخبر أنه جعلهم أمةً خياراً عدولاً. هذا حقيقة الوسط. فهم خير الأمم وأعدلها في أقوالهم وأعمالهم وإراداتهم ونياتهم. وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرسل على أممهم يوم القيامة. والله تعالى يقبل شهادتهم عليهم. فهم شهداؤه؛ ولهذا نوه بهم ورفع ذكرهم وأثنى عليهم. لأنه تعالى لما اتخذهم شهداء أعلم خلقه من الملائكة وغيرهم بحال هؤلاء الشهداء وأمر ملائكته أن تصلى عليهم وتدعو لهم وتستغفر لهم. والشاهد المقبول عند الله هو الذي يشهد بعلم وصدق. فيخبر بالحق مستنداً إلى علمه به.كما قال تعالى:- {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} [الزخرف 86] . فقد يخبر الإنسان بالحق اتفاقاً من غير علمه به. وقد يعلمه ولا يخبر به. فالشاهد المقبول عند الله هو الذي يخبر به عن علم. فلو كان علمهم أن يفتي أحدهم بفتوى وتكون خطأ مخالفةً لحكم الله ورسوله ولا يفتي غيره بالحق الذي هو حكم الله ورسوله إما مع اشتهار فتوى الأول أو بدون اشتهارها كانت هذه الأمة العدل الخيار قد أطبقت على خلاف الحق بل انقسموا قسمين:- قسماً أفتى بالباطل، وقسماً سكت عن الحق. وهذا من المستحيل؛ فإن الحق لا يعدوهم ويخرج عنهم إلى من بعدهم قطعاً. ونحن نقول لمن خالف أقوالهم لو كان خيراً ما سبقونا إليه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 10- أن قوله تعالى:- {وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس} [الحج 78] . فأخبر تعالى أنه اجتباهم. والاجتباء:- كالاصطفاء - وهو افتعال. من اجتبى الشيء يجتبيه. إذا ضمه إليه وحازه إلى نفسه ( [99] ) . فهم المجتبون الذين اجتباهم الله إليه وجعلهم أهله وخاصته وصفوته من خلقه بعد النبيين والمرسلين. ولهذا أمرهم تعالى أن يجاهدوا فيه حق جهاده. فيبذلوا له أنفسهم ويفردوه بالمحبة والعبودية ويختاروه وحده إلهاً محبوباً على كل ما سواه، كما اختارهم على من سواهم. فيتخذونه وحده إلههم ومعبودهم الذي يتقربون إليه بألسنتهم وجوارحهم وقلوبهم ومحبتهم وإرادتهم. فيؤثرونه في كل حال على من سواه كما اتخذهم عبيده وأولياءه وأحباءه وآثرهم بذلك على من سواهم ثم أخبرهم تعالى أنه يسر عليهم دينه غاية التيسير ولم يجعل عليهم فيه من حرج البتة لكمال محبته لهم ورأفته ورحمته وحنانه بهم. ثم أمرهم بلزوم ملة إمام الحنفاء أبيهم إبراهيم وهي إفراده تعالى وحده بالعبودية والتعظيم والحب والخوف والرجاء والتوكل والإنابة والتفويض والاستسلام. فيكون تعلق ذلك من قلوبهم به وحده لا بغيره. ثم أخبر تعالى أنه نوه بهم وأثنى عليهم قبل وجودهم وسماهم عباده المسلمين قبل أن يظهرهم ثم نوه بهم وسماهم كذلك بعد أن أوجدهم اعتناءً بهم ورفعةً لشأنهم وإعلاءً لقدرهم. ثم أخبر تعالى أنه فعل ذلك ليشهد عليهم رسوله ويشهدوا هم على الناس. فيكونون مشهوداً لهم بشهادة الرسول، شاهدين على الأمم بقيام حجة الله عليهم. فكان هذا التنويه وإشارة الذكر لهذين الأمرين الجليلين ولهاتين الحكمتين العظيمتين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 والمقصود أنهم إذا كانوا بهذه المنزلة عنده تعالى فمن المحال أن يحرمهم كلهم الصواب في مسألة فيفتي فيها بعضهم بالخطأ ولا يفتي فيها غيره بالصواب ويظفر فيها بالهدى من بعدهم. - والله المستعان -. 11- قوله تعالى:- {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} [آل عمران 101] فنقول الصحابة رضوان الله عليهم معتصمون بالله. فهم مهتدون. فاتباعهم واجب. أما المقدمة الأولى فتقريرها في قوله تعالى:- {واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير} [الحج 78] – ونحوها من الآيات - ومعلوم كمال تولى الله تعالى ونصره إياهم أتم نصره. وهذا يدل على أنهم اعتصموا به أتم اعتصام فهم مهديون بشهادة الرب لهم بلا شك. واتباع المهدي واجب شرعاً وعقلاً وفطرةً بلا شك. وما يرد على هذا الوجه من أن المتابعة لا تستلزم المتابعة في جميع أمورهم فقد تقدم جوابه. 12- قوله تعالى:- عن أصحاب موسى – {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [السجدة 24] . فأخبر تعالى أنه جعلهم أئمة يأتم بهم من بعدهم لصبرهم ويقينهم؛ إذ بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. فإن الداعي إلى الله تعالى لا يتم له أمره إلا بيقينه للحق الذي يدعو إليه وبصيرته به، وصبره على تنفيذ الدعوة إلى الله باحتمال مشاق الدعوة وكف النفس عما يوهن عزمه ويضعف إرادته. فمن كان بهذه المثابة كان من الأئمة الذين يهدون بأمره تعالى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 ومن المعلوم أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحق وأولى بهذا الوصف من أصحاب موسى. فهم أكمل يقيناً وأعظم صبراً من جميع الأمم. فهم أولى بمنصب هذه الإمامة. وهذا أمر ثابت بلا شك بشهادة الله لهم وثنائه عليهم وشهادة الرسول لهم بأنهم خير القرون وأنهم خيرة الله وصفوته. ومن المحال على من هذا شأنهم أن يخطئوا كلهم الحق ويظفر به المتأخرون. ولو كان هذا ممكناً لانقلبت الحقائق. وكان المتأخرون أئمة لهم يجب عليهم الرجوع إلى فتاويهم وأقوالهم وهذا كما أنه محالٌ حساً وعقلاً فهو محال شرعاً.- وبالله التوفيق -. 13- قوله تعالى:- {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً} [الفرقان 74] . وإمام بمعنى: قدوة ( [100] ) . وهو يصلح للواحد والجمع كالأمة والأسوة. وقد قيل:هوجمع آمم ( [101] ) كصاحب وصحاب وراجل ورجال وتاجر وتجار. وقيل: هو مصدر ( [102] ) كقتال وضراب أي ذوي إمام. والصواب:- الوجه الأول. فكل من كان من المتقين وجب عليه أن يأتم بهم؛ لأنهم قدوة القدوة بعد رسولهم صلى الله عليه وسلم، ومن المحال على من هذا شأنهم أن يخطئوا كلهم الحق ويظفر به المتأخرون. والتقوى واجبة، والائتمام بهم واجب. ومخالفتهم فيما أفتوا به مخالف للائتمام بهم. وإن قيل:- نحن نأتم بهم في الاستدلال وأصول الدين. فقد تقدم من جواب هذا ما فيه كفاية. ثانياً:- الأحاديث النبوية ( [103] ) : لقد وردت أحاديث كثيرة تحض على الاقتداء بالصحابة على وجه العموم وعلى وجه الخصوص أيضاً، إلا أنه ينبغي التنبيه على أن القول بحجية قول الصحابي لا يعني أبداً القول بعصمتهم بل هم بشر يصيبون ويخطئون، إلا أن خطأهم أقل من خطأ غيرهم بكثير، كما أن إصابتهم للحق أكثر من إصابة غيرهم ممن جاء من بعدهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 وينبغي – أيضاً – أن يستحضر القارئ حين قراءته لهذا المبحث أن المراد بحجية قول الصحابي: هو ما أثر عن الصحابة أو أحدهم من قول أو فعل أو فتيا ولم يعلم له مخالف في ذلك بل لم ينقل إلينا إلا قوله أو فعله أو فتياه. ومما ينبغي استحضاره – أيضاً – أن الحجة في قول الصحابي ليست في قوله لذاته؛ بل لأن الشارع ضمن حفظ الحق أبداً إلى أن تقوم الساعة، وأنه لا يخلي عصراً من العصور منه، كما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر 9] . فلو قال الصحابي قولاً ولم يكن صواباً بل الصواب في غيره ولم ينكره عليه أو يخالفه فيه أحد ممن عاصره حتى انقضى ذلك العصر، ثم جاء من بعده فقال بخلاف قوله لكان ذلك العصر قد خلا من ناطق بالحق، بل كانوا مطبقين على الباطل، فهذا هو الذي ينكر. وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز لمن جاء بعدهم مخالفتهم أو مخالفة أحدهم إذا لم ينقل عن أحد ممن عاصره خلافه، كما لو اختلفوا – أعني الصحابة – على قولين لم يجز لمن جاء بعدهم إحداث قول ثالث خارجٍ عن القولين. وكما قلت: الأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جداً منها ما يأتي:- 1- ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من وجوه متعددة أنه قال:- (خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) ( [104] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خير القرون قرنه مطلقاً. وذلك يقتضي تقديمهم في كل بابٍ من أبواب الخير. وإلا لو كانوا خيراً من بعض الوجوه فلا يكونون خير القرون مطلقاً. فلو جاز أن يخطئ الرجل منهم في حكم وسائرهم لم يفتوا بالصواب وإنما ظفر بالصواب من بعدهم وأخطأوا هم لزم أن يكون ذلك القرن خيراً منهم من ذلك الوجه لأن القرن المشتمل على الصواب خير من القرن المشتمل على الخطأ في ذلك الفن. ثم هذا يتعدد في مسائل عديدة لأن من يقول قول الصحابي ليس بحجة يجوز عنده أن يكون من بعدهم أصاب في كل مسألة قال فيها الصحابي قولاً ولم يخالفه صحابي آخر وفات هذا الصواب الصحابة. ومعلوم أن هذا يأتي في مسائل كثيرة تفوق العد والإحصاء فكيف يكونون خيراً ممن بعدهم وقد امتاز القرن الذي بعدهم بالصواب فيما يفوق العد والإحصاء مما أخطأوا فيه. ومعلوم أن فضيلة العلم ومعرفة الصواب أكمل الفضائل وأشرفها. فياسبحان الله أي وصمة أعظم من أن يكون الصديق أو الفاروق أو عثمان أو علي أو ابن مسعود أو سلمان الفارسي أو عبادة بن الصامت وأضرابهم - رضي الله عنهم - قد أخبر عن حكم الله أنه كيت وكيت في مسائل كثيرة وأخطأ في ذلك ولم يشتمل قرنهم على ناطق بالصواب في تلك المسائل حتى تبع من بعدهم فعرفوا حكم الله الذي جهله أولئك السادة، وأصابوا الحق الذي أخطأه أولئك الأئمة.-سبحانك هذا بهتان عظيم-. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 2- ما روى مسلم في صحيحه ( [105] ) من حديث أبي موسى الأشعري قال:- صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء فجلسنا. فخرج علينا. فقال:- (ما زلتم ههنا) . فقلنا:- يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء. قال:- (أحسنتم وأصبتم) -ورفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء -. فقال:- (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد. وأنا أمنة لأصحابي. فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون. وأصحابي أمنة لأمتي. فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) . ووجه الاستدلال بالحديث أنه جعل نسبة أصحابه إلى من بعدهم كنسبته إلى أصحابه وكنسبة النجوم إلى السماء. ومن المعلوم أن هذا التشبيه يعطي من وجوب اهتداء الأمة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم ونظير اهتداء أهل الأرض بالنجوم. –وأيضاً - فإنه جعل بقاءهم بين الأمة أمنة لهم وحرزاً من الشر وأسبابه. فلو جاز أن يخطئوا فيما أفتوا به ويظفر به من بعدهم لكان الظافرون بالحق أمنةً للصحابة وحرزاً لهم. وهذا من المحال. 3- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم - (إن مثل أصحابي في أمتي كمثل الملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا بالملح) ( [106] ) . قال الحسن ( [107] ) :- قد ذهب ملحنا فكيف نصلح. ووجه الاستدلال أنه شبه أصحابه في صلاح دين الأمة بهم بالملح الذي صلاح الطعام به. فلو جاز أن يفتوا بالخطأ ولا يكون في عصرهم من يفتي بالصواب ويظفر به من بعدهم لكان من بعدهم ملحاً لهم. وهذا محال. يوضحه أن الملح كما أن به صلاح الطعام، فالصواب به صلاح الأنام. فلو أخطأوا فيما أفتوا به لاحتاج ذلك إلى ملح يصلحه. فإذا أفتى من بعدهم بالحق كان قد أصلح خطأهم فكان ملحاً لهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 4- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:- (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) وفي لفظ:- (فو الذي نفسي بيده) ( [108] ) . وهذا خطاب منه لخالد بن الوليد ولأقرانه من مسلمة الحديبية والفتح فإذا كان مد أحد أصحابه أو نصيفه أفضل عند الله من مثل أحد ذهباً من مثل خالد وأضرابه من أصحابه – مع أنه رضي الله عنه هو منهم - فكيف يجوز أن يحرمهم الله الصواب في الفتاوى ويظفر به من بعدهم؟ هذا من أبين المحال. 5- قول النبي صلى الله عليه وسلم:- (إن الله اختارني واختار لي أصحاباً. فجعل لي منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً … ) الحديث ( [109] ) . ومن المحال أن يحرم الله الصواب من اختارهم لرسوله وجعلهم وزراءه وأنصاره وأصهاره ويعطيه من بعدهم في شئ من الأشياء. 6- حديث العرباض بن سارية قال:- وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة. ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال قائل:- يا رسول الله كأنها موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال:- (عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة. وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور. فإن كل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة) ( [110] ) . قال ابن القيم ( [111] ) :- (وهذا حديث حسن إسناده لا بأس به. فقرن سنة خلفائه بسنته. وأمر باتباعها كما أمر باتباع سنته. وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأن يعض عليها بالنواجذ. وهذا يتناول ما أفتوا به وسنوه للأمة وإن لم يتقدم من نبيهم فيه شئ وإلا كان ذلك سنته. ويتناول ما أفتى به جميعهم أو أكثرهم أو بعضهم؛ لأنه علق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدون. ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد فعلم أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو من سنة الخلفاء الراشدين) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 كما يؤخذ من الحديث أنه إذا قال الصحابة قولاً أو أحدهم ثم خالفهم من لم يعاصرهم كان مبتدئاً لذلك القول ومبتدعاً له، فهو من محدثات الأمور فلا يجوز أتباعهم فيه. 7- حديث حذيفة قال:- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. واهتدوا بهدي عمار. وتمسكوا بعهد ابن أم عبد) ( [112] ) . قال الترمذي:- هذا حديث حسن غريب ( [113] ) . ووجه الاستدلال به ما تقدم في تقرير المتابعة ( [114] ) . 8- حديث أبى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:- (إن يطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا) الحديث ( [115] ) . فجعل الرشد معلقاً بطاعتهما فلو أفتوا بالخطأ في حكم وأصابه من بعدهم لكان الرشد في خلافهما 9- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما:- (لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما) ( [116] ) . وفي لفظ (لو اجتمعتما ما عصيناكما) ( [117] ) . فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر أنه لا يخالفهما ولا يعصيهما لو اتفقا. ومن يقول:- قولهما ليس بحجة. يجوز مخالفتهما وعصيانهما. 10- أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر فقال:- (هذان السمع والبصر) ( [118] ) . أي هما مني منزلة السمع والبصر، أوهما من الدين بمنزلة السمع والبصر. ومن المحال أن يحرم سمع الدين وبصره الصواب ويظفر به من بعدهما، وأيضا لخلا ذلك العصر من الحق بل كان أهله على الباطل، وهذا باطل. 11- ما رواه مسلم في صحيحه ( [119] ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- (قد كان فيمن خلا من الأمم أناس مُحَدثَّون. فإن يكن في أمتي أحد. فهو عمر) . والمُحدَّث ( [120] ) :هو المتكلم الذي يلقي الله في روعه الصواب. يحدثه به الملك عن الله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 ومن المحال أن يختلف هذا ومن بعده – أي من لم يعاصره - في مسألة ويكون الصواب فيها مع المتأخر دونه؛ فإن ذلك يستلزم أن يكون ذلك الغير هو المُحدَثُ بالنسبة إلى هذا الحكم دون أمير المؤمنين رضي الله عنه. وهذا وإن أمكن في أقرانه من الصحابة فإنه لا يخلو عصرهم من الحق. إما على لسان عمر، وإما على لسان غيره منهم. وإنما المحال أن يفتي أمير المؤمنين المُحدث بفتوى أو يحكم بحكم ولا يقول أحد من الصحابة غيره ويكون خطأ ثم يوفق له من بعدهم فيصيب الحق ويخطئه الصحابة. 12- حديث عقبة بن عامر حيث قال:-سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:- (لو كان بعدي نبي لكان عمر - وفي لفظ - لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر) ( [121] ) . قال الترمذي ( [122] ) :- حديث حسن. ومن المحال أن يختلف من هذا شأنه ومن بعده من المتأخرين في حكم من أحكام الدين ويكون حظ عمر منه الخطأ وحظ ذلك المتأخر منه الصواب. 13- قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود:- (اقرأ عليَّ) قال:- أقرأ وعليك أنزل. قال:- (إني أحب أن أسمعه من غيري) فافتتح سورة النساء حتى إذا بلغ {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} فاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكف عبد الله بن مسعود. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلم فحمد الله وأثنى عليه في أول كلامه وأثنى على الله وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم وشهد شهادة الحق وقال:- (رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً ورضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد) ( [123] ) . ومن قال ليس قوله بحجة وإذا خالفه غيره ممن بعده يجوز أن يكون الصواب في قول المخالف له لم يرض للأمة ما رضيه لهم ابن أم عبد ولا ما رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. 14- ما قاله عبادة بن الصامت وغيره:- (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن نقول بالحق حيث كنا ولا نخاف في الله لومة لائم) ( [124] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 ونحن نشهد بالله أنهم وفوا بهذه البيعة وقالوا بالحق وصدعوا به ولم تأخذهم في الله لومة لائم ولم يكتموا شيئاً منه مخافة سوط ولا عصاً ولا أمير ولا وال كما هو معلوم لمن تأمله من هديهم وسيرتهم. فمن المحال أن يوفق هؤلاء للصواب ويحرمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. 15- ما ثبت في الصحيح ( [125] ) من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رقى المنبر فقال:- (إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله) .فبكى أبو بكر. وقال:- بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا. فعجبنا لبكائه أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل خير. فكان المخير رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر أعلمنا به. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:- (إن أَمَنَّ الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام ومودته. لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبى بكر) ( [126] ) ومن المعلوم أن فوت الصواب في الفتوى لأعلم الأمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وظفر فلان وفلان من المتأخرين بهذا من أمحل المحال. ومن لم يجعل قوله حجة يجوز ذلك. بل يحكم بوقوعه.- والله المستعان -. 16- حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:- (بينما أنا نائم إذ أتيت بقدح لبن. فقيل لي:- اشرب فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري ثم أعطيت فضلتي عمر. قالوا:- فما أولت ذلك. قال:- العلم) ( [127] ) . ومن أبعد الأشياء أن يكون الصواب مع من خالفه في فتيا أو حكم لا يعلم أن أحداً من الصحابة خالفه فيه وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الشهادة. 17- حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه وضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءاً. فقال:- (من وضع هذا؟ قالوا:- ابن عباس. فقال:- (اللهم فقهه في الدين) ( [128] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 وقال عكرمة:- قال ابن عباس:- ضمني إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:- (اللهم علمه الحكمة) ( [129] ) ومن المستبعد جداً بل الممتنع أن يفتي حبر الأمة وترجمان القرآن الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة مستجابة قطعاً أن يفقهه في الدين ويعلمه الحكمة، ولا يخالفه فيها أحد من الصحابة ويكون فيها على خطأ، ويفتى واحد من المتأخرين بعده بخلاف فتواه ويكون الصواب معه فيظفر به هو ومقلدوه ويحرمه ابن عباس والصحابة. 18- أنهم إذا قالوا قولاً أو بعضهم ثم خالفهم مخالف من غيرهم كان مبتدئاً لذلك القول ومبتدعاً له. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:- (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور. فإن كل بدعة ضلالة) ( [130] ) . وقول من جاء بعدهم يخالفهم فهو من محدثات الأمور، فلا يجوز أتباعه. ثالثاً: الآثار السلفية ( [131] ) :- لقد نُقلت عن أئمة السلف من الصحابة وتابعيهم نقول قولية وعملية كثيرة، دالة على تعظيم الصحابة وتعظيم أقوالهم وأفعالهم وسيرهم وتحض في الوقت نفسه على اقتفاء جميع ما أُثر عنهم. أ-الآثار المروية عن الصحابة في ذلك:- لقد جاءت آثار كثيرة عن الصحابة –رضي الله عنهم - تدل على شهرة الاحتجاج بأقوال الصحابة السابقين في المسائل التي ليس فيها دليل من الكتاب أو السنة أو اتفاق سابق. بل في هذه الآثار حض للتابعين لهم للعمل بذلك. وإليك – أخي القارئ – بعضاً منها:- 1- ما كتبه عمر رضى الله عنه إلى أهل الكوفة جاء فيه:- (قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميراً وعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً وهما من النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من أهل بدر فاقتدوا بهما واسمعوا قولهما وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي) ( [132] ) . فهذا عمر قد أمر أهل الكوفة أن يقتدوا بعمار وابن مسعود ويسمعوا قولهما. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 ومن لم يجعل قولهما حجة يقول لا يجب الإقتداء بهما ولا سماع أقوالهما إلا فيما أجمعت عليه الأمة ومعلوم أن ذلك لا اختصاص لهما به بل لا فرق فيه بينهما وبين غيرها من سائر الأمة. 2- ما قاله عمر بن الخطاب لطلحة بن عبيد الله -رضي الله عنهما- حينما رآه لابساً ثوباً مصبوغاً وهو محرم:- (إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس ... ) ( [133] ) 3- قول علي – رضي الله عنه –:- (ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر) ( [134] ) . ومن المحال أن يكون من بعده من المتأخرين أسعد بالصواب منه في أحكام الله تعالى. 4- قول ابن مسعود رضى الله عنه:- (إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد. فاختار محمداً؛ فبعثه برسالته، وانتخبه بعلمه. ثم نظر في قلوب الناس بعده. فاختار له أصحابه، فجعلهم أنصار دينه، ووزراء نبيه صلى الله عليه وسلم. فما رآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن. وما رأوه قبيحاً فهو عند الله قبيح) ( [135] ) . ومن المحال أن يخطئ الحق في حكم الله خير قلوب العباد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويظفر به من بعدهم. وأيضاً - فإن ما أفتى به أحدهم وسكت عنه الباقون كلهم، فإما أن يكونوا قد رأوه حسناً أو يكونوا قد رأوه قبيحاً. فإن كانوا قد رأوه حسناً، فهو حسن عند الله. وإن كانوا قد رأوه قبيحاً ولم ينكروه لم تكن قلوبهم من خير قلوب العباد، وكان من أنكره بعدهم خيراً منهم وأعلم. وهذا من أبين المحال. 5- وقوله – أيضاً -:- " من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً. قوم اختارهم الله لصحبه نبيه. وإقامة دينه. فاعرفوا لهم فضلهم. واتبعوا آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم" ( [136] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 ومن المحال أن يحرم الله أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً وأقومها هدياً الصواب في أحكامه ويوفق له من بعدهم. 6- وقوله:- (ما رأيت عمر إلا وكأن بين عينيه ملكا يسدده) ( [137] ) . ومعلوم قطعاً أن من كانت هذه حاله فهو أولى بالصواب ممن ليس كذلك. 7- وقوله ( [138] ) :-اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم. فإن كل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة. 8- وقوله ( [139] ) :- أيضاً - إنا نقتدي ولا نبتدي. ونتبع ولا نبتدع. ولن نضل ما تمسكنا بالأثر. 9- وقوله ( [140] ) :- أيضاً - إياكم والتبدع. وإياكم والتنطع. وإياكم والتعمق. وعليكم بالدين العتيق. 10- وقوله ( [141] ) :- أيضاً - أنا لغير الدجال أخوف عليكم من الدجال؛ أمور تكون من كبرائكم فأيما مُرَيَّةٌ أو رُجَيِّلٌ أدرك ذلك الزمان فالسمت الأول فالسمت الأول. فأنا اليوم على السنة. 11- قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:- " اتقوا الله يا معشر القراء خذوا طريق من كان قبلكم فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقاً بعيداً. ولئن تركتموه يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً " ( [142] ) . ومن المحال أن يكون الصواب في غير طريق من سبق إلى كل خير على الإطلاق. 12- ما قاله جندب بن عبد الله لفرقه دخلت عليه من الخوارج فقالوا:- ندعوك إلى كتاب الله. فقال:- أنتم. قالوا:- نحن. قال:- أنتم. قالوا:- نحن. فقال:- يا أخابيث خلق الله. في اتباعنا تختارون الضلالة أم في غير سنتنا تلتمسون الهدى. أخرجوا عني ( [143] ) . ومن المعلوم أن من جوز أن تكون الصحابة أخطأوا في فتاويهم فمن بعدهم وخالفهم فيها فقد اتبع الحق في غير سنتهم. وقد دعاهم إلى كتاب الله؛ فإن كتاب الله إنما يدعو إلى الحق. وكفى ذلك إزراء على نفوسهم وعلى الصحابة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 13- حديث أبى ذر –رضي الله عنه - حيث قال:- مر فتى على عمر - رضي الله عنه - فقال عمر:- نعم الفتى. قال:- فتبعه أبو ذر. فقال:- يا فتى استغفر لي. فقال:- يا أبا ذر استغفر لك، وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال:- استغفر لي قال:- لا أو تخبرني. قال:- إنك مررت على عمر فقال:- نعم الفتى. وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:- (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه) ( [144] ) ومن المحال أن يكون الخطأ في مسألة أفتى بها من جعل الله الحق على لسانه وقلبه حظه ولا ينكره عليه أحد من الصحابة ويكون الصواب فيها حظ من بعده. هذا من أبين المحال. 14- ما رواه الأعمش عن شقيق قال:- (قال عبد الله:- والله لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان وجعل علم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر) . فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي. فقال:- (قال عبد الله:- والله إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم) ( [145] ) . ومن أبعد الأمور أن يكون المخالف لعمر بعد انقراض عصر الصحابة أولى بالصواب منه في شئ من الأشياء. 15- ما رواه زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال:- (لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:- الأنصار منا أمير ومنكم أمير. فأتاهم عمر قال:- ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم الناس. قالوا:- بلى. فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر. فقالوا:- نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر) ( [146] ) . قال ابن القيم ( [147] ) – رحمة الله عليه -:- (ونحن نقول لجميع المفتين أيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر إذا أفتى بفتوى وأفتى من قلدتموه بغيرها، ولا سيما من قال من زعمائكم إنه يجب تقليد من قلدناه ديننا ولا يجوز تقليد أبي بكر الصديق رضى الله عنه. اللهم إنا نشهدك أن أنفسنا لا تطيب بذلك ونعوذ بك أن نطيب به نفساً) انتهىكلامه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 16- قول علي ( [148] ) :-رضي الله عنه - لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكيلا تبطل حجج الله وبيناته. فلو جاز أن يخطئ الصحابي في حكم ولا يكون في ذلك العصر ناطق بالصواب في ذلك الحكم لم يكن في الأمة قائم بالحق في ذلك الحكم؛ لأنهم بين ساكت ومخطئ. ولم يكن في الأرض قائم لله بحجة في ذلك الأمر. ولا من يأمر فيه بمعروف أو ينهى فيه عن منكر حتى نبغت نابغة فقامت بالحجة وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر. وهذا خلاف ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع. 17- ما رواه ابن عيينة عن عبد الله بن أبى يزيد قال:- كان ابن عباس إذا سئل عن شئ وكان في القرآن أو السنة قال به. وإلا قال بما قال به أبو بكر وعمر. فإن لم يكن قال برأيه ( [149] ) . فهذا ابن عباس واتباعه للدليل وتحكيمه للحجة معروف حتى إنه يخالف لما قام عنده من الدليل أكابر الصحابة يجعل قول أبي بكر وعمر حجة يؤخذ بها بعد قول الله ورسوله ولم يخالفه في ذلك أحد من الصحابة. 18- وقال ابن عباس ( [150] ) :- عليك بالاستقامة، اتبع ولا تبتدع، اتبع الأثر الأول ولا تبتدع. وما نقل عن واحد من الصحابة من قول أو فعل – ولم يكن ثمة غيره - أثر يجب اتباعه. 19- قيل لعلي رضي الله عنه حينما دخل الكوفة:- أنزل بالقصر الأبيض. فقال ( [151] ) : (لا إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله فأنا أكرهه لذلك) فنزل في الرحبة. 20- قال ابن عباس ( [152] ) للخوارج حين ناظرهم:- (جئتكم من عند أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم وليس فيكم منهم أحد، ومن عند ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله) . ب - الآثار المنقولة عن التابعين في ذلك:- لقد كثرت النقول عن التابعين كثرة يصعب حصرها في الحض على اتباع الصحابة في جميع شؤونهم وذلك بالرجوع إلى أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم وسيرهم للاهتداء والاقتداء بها، معتبرةً قول الواحد من الصحابة حجةً يصار إليها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 377 ولكثرتها – كما قلت – حكى بعض العلماء الإجماع على أن التابعين يرون حجية قول الصحابي كما سيأتي-إن شاء الله -.وسأقتصر على أوضحها دلالة،فمن ذلك:- 1- قول شريح ( [153] ) :- إنما اقتفي الأثر، فما وجدت في الأثر حدثتكم به. 2- قول إبراهيم النخعي ( [154] ) :- لو بلغني أنهم - يعنى الصحابة - لم يجاوزوا بالوضوء ظفراً لما جاوزته به. وكفى بنا على قوم إزراءً أن نخالف أعمالهم. 3- وقوله ( [155] ) – أيضاً -: لو أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مسحوا على ظفر لما غسلته التماس الفضل في اتباعهم. 4- ما كتبه عمر بن عبد العزيز ( [156] ) إلى بعض عماله حيث قال:- أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وترك ما أحدث المحدثون بعده فيما قد جرت به سنته، وكفوا مؤونته، واعلم أنه لم يبتدع إنسان بدعة إلا قدم قبلها ما هو دليل عليها وعبرة فيها. فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة، وأعلم أن من سن السنن قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والتعمق والحمق.فإن السابقين عن علم وقفوا وببصر نافذ قد كفوا وكانوا هم أقوى على البحث ولم يبحثوا. 5- وقوله ( [157] ) :- أيضاً - قف حيث وقف القوم. وقل كما قالوا. واسكت كما سكتوا؛ فإنهم عن علم وقفوا. وببصر ناقد كفوا. وهم على كشفها كانوا أقوى. وبالفضل لو كان فيها أحرى. فإنهم السابقون ولئن كان الهدى ما أنتم عليه فلقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم حدث بعدهم حدث فما أحدثه إلا من خالف سبيلهم ورغب بنفسه عنهم ولقد تكلموا منه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفى فما دونهم مَقصر ولا فوقهم محسر. ولقد قصر عنهم أقوام فجفوا، وطمح عنهم آخرون فغلوا. وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 6- وقوله ( [158] ) - أيضاً –:- سن رسول الله صلى الله عليه وسلم لولاة الأمر بعده سننا. الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعته، وقوة على دينه.ليس لأحد تغييرها،ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها. فمن اقتدى بما سنوا اهتدى. ومن استنصر بها نصر. ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً. قال الشاطبي ( [159] ) عن هذا القول: - (ومن كلامه الذي عني به ويحفظه العلماء وكان يعجب مالكاً جداً … .. وبحق وكان يعجبهم فإنه كلام مختصر جمع أصولاً حسنة من السنة) . 7- قول الأوزاعي ( [160] ) :- عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس، وإياك ورأي الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول، فإن الأمر ينجلي، وأنت منه على طريق مستقيم. 8- وقوله ( [161] ) –أيضاً -:- اصبر نفسك على السنة. وقف حيث وقف القوم. وقل بما قالوا وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم … ولو كان هذا خيراً ما خصصتم به دون أسلافكم؛ وإنه لم يدخر عنهم خير خبئ لكم دونهم لفضل عندكم، وهم أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختارهم الله وبعثه فيهم، ووصفهم بما وصفهم به. فقال:- {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} الآية [الفتح 29] 9- قول الشعبي ( [162] ) :- ما حدثوك به عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخذه. وما حدثوك به عن رأيهم فانبذه في الحش. أقول:- مما سبق نقله من آثار وغيرها حكى العلائي إجماع التابعين على الاحتجاج بقول الصحابي فقال ( [163] ) : - (والوجه السادس: وهوالمعتمد: أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم، والفتيا به، من غير نكير من أحد. وكانوا من أهل الاجتهاد أيضاً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 قال مسروق: وجدت علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى ستة: عمر وعلي وأُبيّ بن كعب وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وعبد الله بن مسعود وقال -أيضاً -: كان أصحاب القضاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ستة: عمر وعلي وعبد الله وأُبيّ وزيد وأبو موسى رضي الله عنهم. قال الشعبي: كان العلم يؤخذ عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان عمر وعلي وعبد الله وزيد بن ثابت يشبه بعضهم بعضاً، وكان يقتبس بعضهم من بعض. وكان علي وأبو موسى وأُبيّ بن كعب يشبه علم بعضهم بعضاً، وكان يقتبس بعضهم من بعض. وقال علي بن المديني: لم يكن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد له أصحاب يقومون بقوله في الفقه إلا ثلاثة: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم. ثم ذكر أصحاب كل واحد منهم من التابعين الذين كانوا يفتون الناس بقول ذلك الصحابي. ومن أمعن النظر في كتب الآثار وجد التابعين لا يختلفون في الرجوع إلى أقوال الصحابي فيما ليس فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع. ثم هذا مشهور –أيضاً– في كل عصر لا يخلو عنه مستدل بها، أو ذاكر لأقوالهم في كتبه) انتهى بحروفه. ويؤيد ما ذكره العلائي ما قاله ابن القيم رحمه الله في كتابه أعلام الموقعين ( [164] ) حيث قال: (إنه لم يزل أهل العلم في كل عصر ومصر يحتجون بما هذا سبيله في فتاوى الصحابة وأقوالهم ولا ينكره منكر منهم. وتصانيف العلماء شاهدة بذلك ومناظرتهم ناطقة به. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 قال بعض علماء المالكية:- أهل الأعصار مجمعون على الاحتجاج بما هذا سبيله. وذلك مشهور في رواياتهم وكتبهم ومناظراتهم واستدلالاتهم ويمتنع والحالة هذه إطباق هؤلاء كلهم على الاحتجاج بما لم يشرع الله ورسوله الاحتجاج به ولا نصبه دليلاً للأمة فأي كتاب شئت من كتب السلف والخلف المتضمنة للحكم والدليل وجدت فيه الاستدلال بأقوال الصحابة ووجدت ذلك طرازها وزينتها. ولم تجد فيها قط ليس قول أبي بكر وعمر حجة.ولا يحتج بأقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتاويهم ولا ما يدل على ذلك. وكيف يطيب قلب عالم يقدم على أقوال من وافق ربه تعالى في غير حكم فقال وأفتى بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن بموافقة ما قال لفظاً ومعنىً قول متأخر بعده ليس له هذه الرتبة ولا يدانيها وكيف يظن أحد أن الظن المستفاد من فتاوى السابقين الأولين الذين شاهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التأويل، وكان الوحي ينزل خلال بيوتهم وينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرهم. قال جابر:- كنا نعزل والقرآن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعرف تأويله فما عمل به من شئ عملنا به. في حديث حجة الوداع؛ فمستندهم في معرفة مراد الرب تعالى من كلامه ما يشاهدونه من فعل رسوله وهديه الذي هو يفصل القرآن ويفسره. فكيف يكون أحد من الأمة بعدهم أولى بالصواب منهم في شيء من الأشياء؟ هذا عين المحال) انتهى كلامه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 ويؤيد ما سبق – أيضاً- ما ذكره الشاطبي ( [165] ) حيث قال:- (وذلك أن السلف والخلف من التابعين ومن بعدهم يهابون مخالفة الصحابة، ويتكثرون بموافقتهم، وأكثر ما تجد هذا المعنى في علوم الخلاف الدائر بين الأئمة المعتبرين، فتجدهم إذا عينوا مذاهبهم قووها بذكر من ذهب إليها من الصحابة. وما ذاك إلا لما اعتقدوا في أنفسهم وفي مخالفيهم من تعظيمهم، وقوة مآخذهم دون غيرهم، وكبر شأنهم في الشريعة، وأنهم مما تجب متابعتهم وتقليدهم فضلاً عن النظر معهم فيما نظروا فيه) . رابعاً:- المعقول ( [166] ) :- وذلك بأن يقال: إن الصحابي إذا قال قولاً أو حكم بحكم أو أفتى بفتيا فله مدارك ينفرد بها عنا ومدارك نشاركه فيها. فأما ما يختص به فيجوز أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم شفاها أومن صحابي آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن ما انفردوا به من العلم عنا أكثر من أن يحاط به فلم يرو كل منهم كل ما سمع. وأين ما سمعه الصديق رضي الله عنه والفاروق وغيرهما من كبار الصحابة رضي الله عنهم إلى ما رووه؟ فلم يرو عنه صديق الأمة مائة حديث ( [167] ) وهو لم يغب عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيْ من مشاهده بل صحبه من حين بعث بل قبل البعث إلى أن توفي وكان أعلم الأمة به صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله وهديه وسيرته، وكذلك أَجِلَّة الصحابة روايتهم قليلة جداً بالنسبة إلى ما سمعوه من نبيهم وشاهدوه ولو رووا كل ما سمعوه وشاهدوه لزاد على رواية أبي هريرة أضعافاً مضاعفةً ( [168] ) فإنه إنما صحبه نحو أربع سنين ( [169] ) وقد روى عنه الكثير ( [170] ) . إلا أنهم كانوا يتمثلون سنة المصطفى عليه السلام أتم تمثل وامتثال فكانت أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم بمثابة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا يعملون بكل بما علموا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 قال أبو عبد الرحمن السلمي ( [171] ) :- (أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن فكنا نتعلم القرآن والعمل به وسيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم) . يوضح ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه ( [172] ) وعبد الرزاق في مصنفه ( [173] ) في قصة صلح الحديبية حيث جاء فيها قول المسور بن مخرمة رضي الله عنه:- (ثم إن عروة جعل يرمق صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه. قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في يد رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظر؛ تعظيماً له) الحديث. وعن ابن سيرين قال: - (كنت مع ابن عمر بعرفات، فلما كان حين راح رحت معه، حتى أتى الإمام فصلى معه الأولى والعصر، ثم وقف وأنا وأصحاب لي حتى أفاض الإمام فأفضنا معه، حتى انتهى إلى المضيق دون المأزمين، فأناخ، فأنخنا، ونحن نحسب أنه يريد أن يصلي، فقال غلامه الذي يمسك راحلته: إنه ليس يريد الصلاة، ولكنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته، فهو يحب أن يقضي حاجته) ( [174] ) قال أنس بن مالك ( [175] ) رضي الله عنه: - (كنا قعوداً مع النبي صلى الله عليه وسلم – فعسى أن يكون قال: ستين رجلاً – فيحدثنا الحديث، ثم يدخل، فنتراجعه بيننا، هذا ثم هذا، فنقوم كأنما زُرِع في قلوبنا) وعن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال:- (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا، حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا) ( [176] ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 فقول القائل:- لو كان عند الصحابي في هذه الواقعة شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم لذكره. قول من لم يعرف سيرة القوم وأحوالهم. فإنهم كانوا يهابون الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعظمونها ويقللونها خوف الزيادة والنقص ( [177] ) ويحدثون بالشيء الذي سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم مراراً ولا يصرحون بالسماع ولا يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( [178] ) . فتلك الفتوى التي يفتي بها أحدهم لا تخرج عن ستة أوجه:- أحدها:- أن يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني:- أن يكون سمعها ممن سمعها منه. الثالث:- أن يكون فهمها من آية من كتاب الله فهماً خفي علينا. الرابع:- أن يكون قد اتفق عليها ملؤُهُم ولم ينقل إلينا إلا قول المفتي بها وحده. الخامس:- أن يكون لكمال علمه باللغة ودلالة اللفظ على الوجه الذي انفرد به عنا أو لقرائن حالية اقترنت بالخطاب أو لمجموع أمور فهموها على طول الزمان من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ومشاهدة أفعاله وأحواله وسيرته وسماع كلامه والعلم بمقاصده وشهود تنزيل الوحي ومشاهدة تأويله الفعل فيكون فهم ما لا نفهمه نحن. وعلى هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة بجب اتباعها. السادس:- أن يكون فهم ما لم يرده الرسول صلى الله عليه وسلم وأخطأ في فهمه. والمراد غير ما فهمه. وعلى هذا التقدير لا يكون قوله حجة. ومعلوم قطعاً أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين هذا ما لا يشك فيه عاقل. وذلك يفيد ظناً غالباً قوياً على أن الصواب في قوله دون ما خالفه من أقوال من بعده وليس المطلوب إلا الظن الغالب. والعمل به متعين. ويكفى العارف هذا الوجه. قلت: هذا الوجه وإن كان وقوعه عقلاً مُمكِناً إلا أنه مما لا يجوز وقوعه -ولم يقع - شرعاً لمخالفته قول الحق تبارك وتعالى:- {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر 9] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 فلو وقع لنصب الله عليه دليلاً – كأن ينكره عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من صحابته -يبين بطلانه لئلا تعمل الأمة بالضلال وتعتقد الباطل طيلة المدة السابقة حتى جاء المتأخرون فزيفوه واهتدوا للحق الذي خفي على أولئك الكرام، ومجرد تصوره يكفي للحكم ببطلانه. أما المدارك التي شاركناهم فيها من دلالات الألفاظ والأقيسة فلا ريب أنهم كانوا أبر قلوباً، وأعمق علماً، وأقل تكلفاً، وأقرب إلى أن يوفقوا فيها لما لم نوفق له نحن لما خصهم الله تعالى به من توقد الأذهان، وفصاحة اللسان، وسعة العلم، وسهولة الأخذ، وحسن الإدراك، وسرعته، وقلة المعارض أو عدمه، وحسن القصد، وتقوى الرب تعالى. فالعربية:- طبيعتهم وسليقتهم. والمعاني الصحيحة:- مركوزة في فطرهم وعقولهم. ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل. ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين. بل قد غنوا عن ذلك كله. فليس في حقهم إلا أمران:- أحدهما:- قال الله تعالى كذا، وقال رسوله كذا. والثاني:- معناه كذا وكذا. وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين وأحظى الأمة بهما. فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما. وأما المتأخرون فقواهم متفرقة وهممهم متشعبة. فالعربية وتوابعها قد أخذت من قوى أذهانهم شعبة. والأصول وقواعدها قد أخذت منها شعبة. وعلم الإسناد وأحوال الرواة قد أخذ منها شعبة. وفكرهم في كلام مصنفيهم وشيوخهم على اختلافهم وما أرادوا به قد أخذ منها شعبة، إلى غير ذلك من الأمور. فإذا وصلوا إلى النصوص النبوية - إن كان لهم همم تسافر إليها - وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلت من السير في غيرها وأوهن قواهم مواصلة السرى في سواها، فأدركوا من النصوص ومعانيها بحسب القوة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 وهذا أمر يحس به الناظر في مسألة إذا استعمل قوى ذهنه في غيرها ثم صار إليها وافاها بذهن كالٍ، وقوة ضعيفة، وهذا شأن من استفرغ قواه في الأعمال غير المشروعة تضعف قوته عند العمل المشروع. كمن استفرغ قوته في السماع الشيطاني فإذا جاءه قيام الليل قام إلى ورده بقوة كالة وعزيمة باردة، وكذلك من صرف قوى حبه وإرادته إلى الصور أو المال أو الجاه فإذا طالب قلبه بمحبة الله فإن انجذب معه انجذب بقوة ضعيفة قد استفرغها في محبة غيره. فمن استفرغ قوى فكره في كلام الناس فإذا جاء إلى كلام الله ورسوله جاء بفكرة كالة فأعطي بحسب ذلك. والمقصود أن الصحابة أغناهم الله تعالى عن ذلك كله فاجتمعت قواهم على تينك المقدمتين فقط. هذا إلى ما خصوا به من قوى الأذهان، وصفائها، وصحتها، وقوة إدراكها وكماله، وكثرة المعاون، وقلة الصارف، وقرب العهد بنور النبوة، والتلقي من تلك المشكاة النبوية. فإذا كان هذا حالنا وحالهم فيما تميزوا به علينا وما شاركناهم فيه فكيف نكون نحن أو شيوخنا أو شيوخهم أو من قلدناه أسعد بالصواب منهم في مسألة من المسائل؟ ومن حدث نفسه بهذا فليعزلها من الدين والعلم. -والله المستعان-. خامساً: ومما يدل على حجية قول الصحابي ما ذهب إليه جمهور العلماء – ومنهم الأئمة الأربعة - من أنه إذا اختلف الصحابة على قولين لم يجز إحداث قول ثالث بعدهم ( [179] ) كما لو أجمعوا على قول واحد؛ فإنه يحرم إحداث قولٍ ثانٍ. فقول الصحابي – الذي لم يشتهر أو لم يعلم اشتهاره من عدمه – ليس هو حينئذ أقل حالاً أو شأناً في الاحتجاج به، وعدم مخالفته من عدم جواز إحداث قول ثالث حين اختلافهم على قولين معلومين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 سادساً: ومما يدل – أيضاً – على حجية قول الصحابي اتفاق العلماء قاطبة على أن البدعة هي ( [180] ) :- كل ما أحدث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل التقرب إلى الله، ولم يكن قد فعلها الرسول ولا أمر بها، ولا أقرها، ولا فعلتها الصحابة. ومن هذا – وأمثاله - يظهر جلياً أن فعل الصحابي لشيء أو قوله به يجعله حجة، إذ لو لم يكن حجة كان بدعةً - ولا قائل بهذا من أهل العلم والهدى -، وإذا لم يكن قوله بدعةً فهو موافق للشرع، وهذا هو المطلوب. خاتمة البحث: أحمد الله جل جلاله على جميع نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى، كما أحمده وأشكره على أن يسر لي إتمام هذا البحث والذي أسأله جلّ في علاه أن ينفعني به في الدنيا والأخرى وأن يجعله موضع قبول عند كل من قرأه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. هذا .... وقد توصلت – ولله الحمد – إلى نتائج طيبة أثناء بحثي في هذه المسألة أجمل أهم نتائجها فيما يأتي:- 1- نقلت تسعةً وعشرين أثراً مروياُ عن الصحابة والتابعين كلها تدل على أنهم كانوا يرون حجية قول الصحابي، حتى أن بعض أهل العلم حينما رأى ذلك حكى الإجماع فيها. 2- توصلت إلى أن الأئمة الأربعة من أصولهم الفقهية الاحتجاج بقول الصحابي مطلقاً، وقررت تلك الحقيقة بالرجوع إلى أقوال الأئمة في مؤلفاتهم الأصيلة أو ما نقل عنهم بواسطة تلاميذهم الذين أخذوا عنهم العلم مباشرة، أو الذين أصبحوا أئمة في مذاهبهم. 3- كما توصلت –أيضاً - إلى أن كثيراً ممن كتب في المسألة لم يحرر أقوال الأئمة الأربعة -رحمهم الله تعالى - تحريراً صحيحاً بل أحياناً ينسب إلى بعضهم أقوالاً غير صحيحة لا تتناسب مع ما اشتهر عنه، وأحياناً تعارض وتخالف ما نص عليه الإمام في آخر ما كتبه كما هو الحال مع الشافعي رحمه الله تعالى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 وبعض المنتسبين للأئمة خرَّج لهم أقوالاً غير ما نقله أئمة المذهب المتقدمين عنهم -مع العلم بأن الإمام لم يُنقل عنه إلا قول واحد - أخذاً من تصرفات الإمام في بعض المسائل المروية عنه كما هو الحال مع أبي حنيفة رحمه الله تعالى. 4- توصلت إلى أن من كتب في هذه المسألة قد غفل غفلةً عظيمةً عن أن الصحابي إذا قال قولاً ولم يعلم له مخالف أن ذلك القول هو فهم الصحابة –رضي الله عنهم – كما دلّ عليه قوله تعالى:- {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر 9] إذ لو لم يكن ذلك القول موافقاً للذكر لما تكفل الله بحفظه، وعلى زعم المخالف يكون الأمر بالعكس، حيث حفظ الله الباطل بنقله وترك الحق فلم ينقله إلينا؛ وحينئذٍ فقد وصل إلينا الباطل ولم يصل إلينا الحق بل اندثر باندثار ذلك الجيل المعاصر لذلك الصحابي، وهذا باطل. وعليه: فإني أظن أن المسألة هذه لما أُخذت بمعزل عن النظر في هذه الآية بهذه الطريقة توصل من توصل إلى القول بعدم حجية قول الصحابي. 5- كما توصلت إلى أن أكمل البحوث في هذه المسألة – من حيث الأدلة والمناقشة - هو ما قام به الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم أعلام الموقعين عن رب العالمين (4/118-153) . وأما من حيث تقسيم المسألة والاستدلال لكل قسم فهو العلائي الشافعي في كتابه إجمال الإصابة في أقوال الصحابة، إلا أن ابن القيم أشمل منه وأكمل. 6- توصلت إلى أن الصحابي إذا قال قولاً ولم يعلم له مخالف أن ذلك القول هو الحق، إذ لو كان قول ذلك الصحابي خطأً محضاً وباطلاً لنصب الله جل وعلا له من الصحابة من يخالفه لئلا ينقلب الباطل حقاً فيُعمل بالباطل في ذلك العصر وما بعده من العصور حتى جاء المتأخر فبين خطأه وبطلانه، ولكونه مخالفاً لقوله تعالى:- {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر 9] فلو لم يكن ذلكم القول حقاً لما حُفظ ولما نُقل إلينا إذ لو كان ثمة غيره لنقل - أيضاً- للآية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 فهل يهدي الله الأوائل للعمل بالحق الذي لم يُنقل إلينا، ويُضل الأواخر فتعمل بالباطل الذي نقل إليها؟! أقول: ليس هذا من حكمة الله وعدله ورحمته. هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. الهوامش والتعليقات --- ( [1] ) انظر: المسائل المشتركة (5-7) . ( [2] ) انظر: كتاب أصول الفقه الإسلامي لبدران (15) وأصول الفقه للبرديسي (12) وأصول الفقه تاريخه ورجاله (36-37) ( [3] ) انظر: الأعلام (3/273) . ( [4] ) انظر: الفتح المبين (1/221-222) . ( [5] ) انظر: المصدر السابق (1/237) . ( [6] ) انظر: المصدر السابق (1/260-262) . ( [7] ) انظر: المصدر السابق (2/8-10) . ( [8] ) انظر: المصدر السابق (2/47-49) . ( [9] ) انظر: المصدر السابق (2/57-58) . ( [10] ) انظر: انظر: المصدر السابق (2/86-87) . ( [11] ) انظر: انظر: المصدر السابق (2/88) . ( [12] ) انظر: لسان العرب (1/519) المعجم الوسيط (1/507) ( [13] ) انظر: كتاب أصول الفقه الإسلامي لبدران (17) وأصول الفقه للبرديسي (15) وأصول الفقه تاريخه ورجاله (35) . ( [14] ) انظر: إعلام الموقعين (2/306 –307) . ( [15] ) انظر: الفتح المبين (1/182-183) . ( [16] ) انظر: المصدر السابق (1/236) . ( [17] ) انظر: الفتح المبين (2/108) وأبجد العلوم (3/119) . ( [18] ) انظر: الفتح المبين (2/188) وتاج التراجم (223-224) . ( [19] ) انظر: تاج التراجم (276-277) والفتح المبين (2/201) . ( [20] ) انظر: كتاب أصول الفقه الإسلامي لبدران (18-19) وأصول الفقه للبرديسي (18-20) وأصول الفقه تاريخه ورجاله (38-40) . ( [21] ) انظر: الفتح المبين (3/36-39) . ( [22] ) انظر: الأعلام (6/41) ومعجم المؤلفين (9/80) . ( [23] ) انظر: كتاب أصول الفقه الإسلامي لبدران (11) وأصول الفقه للبرديسي (9) وأصول الفقه تاريخه ورجاله (26) . ( [24] ) انظر: الكفاية للخطيب البغدادي (49) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 ( [25] ) انظر: شرح السنة (54) . ( [26] ) رواه الترمذي في سننه (5/26-27) برقم 2641 والحاكم في المستدرك (1/128-129) والبغوي في شرح السنة (1/213) وانظر: تعليق الشيخ العلامة الألباني –رحمه الله – عليه في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/356-367) رقم 203، 204. ( [27] ) انظر: لسان العرب (1/519) المعجم الوسيط (1/507) . ( [28] ) في صحيحه (4/188) وانظر: -أيضاً - فتح المغيث (4/77) . ( [29] ) انظر: طبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/ 243) وفتح الباري (7/ 5) وفتح المغيث (3/86) . ( [30] ) انظر: كتاب تحقيق الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة (30، 35) والكفاية للخطيب (51) . ( [31] ) انظر: تعريف الصحابي اصطلاحاً عند المحدثين في: الباعث الحثيث (179) ونزهة النظر (55) والإصابة (1/10) وتدريب الراوي (1/208-212) وقواعد التحديث (200) والمقنع في علوم الحديث (2/491) وعلوم الحديث لابن الصلاح (263) . ( [32] ) انظر: (171) . ( [33] ) انظر: المقنع في علوم الحديث (2/497) وقال الشافعي: (روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورآه من المسلمين نحو من ستين ألفاً) . انظر: الباعث الحثيث (185) . ( [34] ) انظر: التمهيد لأبي الخطاب (3/172) والإحكام للآمدي (2/82) وحاشية الجلال المحلي على جمع الجوامع وتعليق البناني عليه (2/165-166) وفتح الغفار (2/94) وفواتح الرحموت (2/158) وارشاد الفحول (62) وتيسير التحرير (3/66-67) وكشف الأسرار للبخاري (2/384) وقواطع الأدلة (2/486) والمقنع في علوم الحديث (2/491) وعلوم الحديث لابن الصلاح (293) وفتح المغيث (3/86) ومخالفة الصحابي للحديث (31-66) وقول الصحابي وأثره في الفقه الإسلامي (16-19) وقول الصحابي وأثره في الأحكام الشرعية (1-2) ومناهج وآداب الصحابة في التعلم والتعليم (12) وحجية قول الصحابي (1-11) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 ( [35] ) وما يروى عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين. لا يصح عنه لأن في الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي وهوضعيف في الحديث. انظر: - التقييد والإيضاح (283) . ( [36] ) انظر: أصول الفقه الإسلامي له (32-35) وانظر: - أيضاً - أصول الفقه للبرديسي (31-32) . ( [37] ) انظر: (4/1962) . ( [38] ) انظر: مجموع الفتاوى (20/298) . ( [39] ) انظر: المصدر السابق (4/ 464-465) . ( [40] ) رواه مسلم في كتاب الإيمان (1/115-116) . ( [41] ) رواه الحاكم في المستدرك (3/ 632) وقال عنه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ( [42] ) رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 63، 96) وقال عنه الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع الصغير وزيادته (8) : ضعيف. ( [43] ) جمع:كتد والكتد -بفتح التاء وكسرها - مجتمع الكتفين، وهو الكاهل. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (4/149) . ( [44] ) رواه البخاري في صحيحه (4/225) . ( [45] ) رواه البخاري في صحيحه (4/157) . ( [46] ) رواه الحاكم في مستدركه (3/440) وأبوداود في سننه (4/212) والترمذي في سننه (5/651) وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح. وقد روي من غير وجه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم. ( [47] ) انظر:- قول الصحابي في التفسير الأندلسي (18) وقول الصحابي وأثره في الأحكام الشرعية (23) وإتحاف ذوي البصائر (4/259) . ( [48] ) انظر: الموافقات (4/4،7) . ( [49] ) انظر هذه المسألة في: المعتمد (2/66) والإحكام لابن حزم (4/615) وإحكام الفصول (407) والبرهان (1/699) والمستصفى (1/271) والتمهيد لأبي الخطاب (3/324) وبيان المختصر (1/576) وكشف الأسرار للبخاري (3/229) وشرح الكوكب المنير (2/212) ، (4/422) وإرشاد الفحول (74) . ( [50] ) ذكره الصيمري في كتابه أخبار أبي حنيفة وأصحابه (10) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391 ( [51] ) انظر: كتاب شرح أدب القاضي (1/185-187) . ( [52] ) انظر: كتاب ذم الكلام وأهله (5/207) . ( [53] ) انظر: المصدر السابق. ( [54] ) انظر: كتاب أخبار أبي حنيفة وأصحابه (10 –11) . ( [55] ) انظر: تاريخ بغداد (13/339-340) ( [56] ) انظر: كتاب أخبار أبي حنيفة وأصحابه (11) . ( [57] ) انظر: المصدر السابق (13) . ( [58] ) انظر: كتاب أخبار أبي حنيفة وأصحابه (50-51) . ( [59] ) انظر: إعلام الموقعين (4/123) . ( [60] ) كأبي يوسف ومحمد بن الحسن وأبي اليسر وسعيد البردعي وأبي بكر الرازي والسرخسي والبزدوي والنسفي والسمرقندي وعبد العزيز البخاري وغيرهم. انظر: كشف الأسرار للبخاري (3/217) وكشف الأسرار للنسفي (2/174) وميزان الأصول (481، 485) وأصول السرخسي (2/105، 108) وتيسيرالتحرير (3/132) . ( [61] ) انظر: شرح تنقيح الفصول (445) والإشارة في أصول الفقه للباجي (250) وشرح الكوكب الساطع (2/453) ونثر الورود على مراقي السعود (2/572-573) ونشر البنود (258) وكشف الأسرار للبخاري (3/217) وروضة الناظر (2/525) والبحر المحيط (6/54) ومفتاح الوصول للتلمساني (203) . ( [62] ) نص على ذلك ابن القيم –رحمه الله– في كتابه إعلام الموقعين (4/120) بل قال فيه (1/33) (وأما مالك فإنه يقدم الحديث المرسل والمنقطع والبلاغات وقول الصحابي على القياس) . ( [63] ) انظر: (4/80) . ( [64] ) انظر: (215) . ( [65] ) انظر: كتاب الأم (7/265) والبحر المحيط (6 / 55، 60) والمحصول (2/564) وقواطع الأدلة (3/290) والإحكام للآمدي (4/130) والبرهان (2/1362) . ( [66] ) انظر: (7/265) . ( [67] ) وقد نقل هذا الكلام بعينه كل من البيهقي في المدخل إلى السنن (109- 110) والزركشي في البحر المحيط (6/55) . ( [68] ) انظر: إعلام الموقعين (4/122) . ( [69] ) انظر: المدخل إلى السنن الكبرى (110-111) . ( [70] ) انظر: المصدر السابق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 ( [71] ) انظر: إعلام الموقعين (4/ 122) . ( [72] ) انظر: المصدر السابق. ( [73] ) انظر: مناقب الشافعي للبيهقي (1/367) . ( [74] ) انظر: المصدر السابق. ( [75] ) أقول: لقد اجتهدت في البحث عن أقوال الأئمة رحمهم الله تعالى فوجدتهم جميعاً ينصون بصريح القول على حجية قول الصحابي. ثم وجدت من ينتسب إليهم يترك هذا الصريح المحكم ويتمسك بما تشابه من أقوالهم وأفعالهم – وهو قليل جداً ولو لم تكن متعارضة – فيعتبر ذلك مسوغاً له في أن يحكي عنهم أو عن أحدهم القولين أو الثلاثة، بل وأكثر من ذلك، مما يزيد الطين بلة. ولو أنهم أرجعوا المتشابه من كلام الأئمة إلى محكمه لكان خيراً لأولئك ولمن جاء بعدهم. ( [76] ) انظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد (115- 116) والمسودة (300-301) وإعلام الموقعين (1/30) والعدة لأبي يعلى (4/1181) وأصول مذهب الإمام أحمد (435-436) وبدائع الفوائد (4/32) . ( [77] ) انظر: أصول مذهب الإمام أحمد (336-339) . ( [78] ) انظر: (2/165) . ( [79] ) انظر: (78) . ( [80] ) انظر: طبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/241) . ( [81] ) انظر: إعلام الموقعين (4/ 123) . ( [82] ) انظر: المعتمد (2/71) والبرهان (2/1358) وأصول السرخسي (2/105) وأصول الجصاص (3/361) والمستصفى (1/260) والمنخول (474-475) والتمهيدلأبي الخطاب (3/330-333) وروضة الناظر بتحقيق النملة (2/525) والمحصول (2/562) والإحكام للآمدي (4/130) والتحصيل (2/319) والبحر المحيط (6/54) وحاشية العضد (2/287) وبيان المختصر (3/275) وكشف الأسرار للبخاري (3/217،229) وتيسير التحرير (3/133) وشرح المنهاج (2/771) وشرح تنقيح الفصول (445) والإبهاج (3/192) والمسودة (300-301) وشرح الكوكب المنير (4/422) وتخريج الفروع على الأصول (179) وفواتح الرحموت (2/186) وأثر الأدلة المختلف فيها (339) وقواطع الأدلة (3/289) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 ( [83] ) كالغزالي وأبي الخطاب والآمدي وابن الحاجب والرازي والبيضاوي وغيرهم. انظر: - المستصفى (1/260) والإحكام (4/120) وبيان المختصر (3/275) والمحصول (2/562) وشرح المنهاج (2/771) والإبهاج (3/192) والبحر المحيط (6/54) وشرح الروضة للطوفي (2/185) . ( [84] ) انظر: كشف الأسرار للبخاري (3/217) وشرح الروضة للطوفي (2/185) والبحر المحيط (6/54) . ( [85] ) انظر: كشف الأسرار للبخاري (3/217) . ( [86] ) انظر: انظر: المصدر السابق. ( [87] ) انظر: قواطع الأدلة (3/294) وكشف الأسرار للبخاري (3/217) والبحر المحيط (6/59) والمنخول (474) . ( [88] ) انظر: كشف الأسرار للبخاري (3/224) ( [89] ) انظر: هذه الأدلة والمناقشات التي فيها في كتاب ابن القيم –رحمه الله – إعلام الموقعين (4/123-153) فجميعها مُلَخَصَة مما ذكره. ( [90] ) انظر: -أيضاً - إجمال الإصابة في أقوال الصحابة (57) . ( [91] ) وهذا باتفاق، وذلك مثل قوله تعالى:- (فاقتلوا المشركين) (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وقوله عليه السلام:- (مطل الغني ظلم) ونحو ذلك. انظر: شرح الكوكب المنير (4/42-43) وجمع الجوامع مع حاشية البناني (2/244) ونشر البنود (2/136) ونثر الورد (2/471) . ( [92] ) رواه البخاري في صحيحه (5/ 9-10) في باب فضل من شهد بدراً. ( [93] ) انظر: شرح الكوكب المنير (3/112) وإجابة السائل (300) وجمع الجوامع مع حاشية البناني (1/405) . ( [94] ) انظر: تفسير ابن كثير (3/381) وفتح القدير (4/ 148) . ( [95] ) يوضحه: أن التلميذ الذي لازم شيخه مدة طويلة حضراً وسفراً يعلم من أحواله وأقواله وأفعاله ويعلم ما الذي يحبه ويرضيه ويعلم ما الذي يسخطه ويبغضه ويكرهه أكثر من غيره. والصحابة رضي الله عنهم لهم السبق مع رسولهم أكثر ممن سواهم في ذلك، فقد كانوا يعرفون من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رضاه وغضبه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 ( [96] ) وانظر: -أيضاً – إجمال الإصابة في أقوال الصحابة (56) والموافقات (4/74) وما بعدها. ( [97] ) انظر: تفسير ابن كثير (2/ 414) وفتح القدير (2/414) . ( [98] ) كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه عنه مسلم في صحيحه (1/76) . ( [99] ) انظر: القاموس المحيط (1638) . ( [100] ) انظر: تفسير ابن جرير الطبري (19/53-54) وفتح القدير للشوكاني (4/89) القاموس المحيط (1392) والمعجم الوسيط (1/27) . ( [101] ) انظر: تفسير ابن جرير الطبري (19/53-54) وفتح القدير للشوكاني (4/89) . ( [102] ) انظر: المصدرين السابقين. ( [103] ) انظر: هذه الأدلة والمناقشات التي فيها في كتاب ابن القيم –رحمة الله – إعلام الموقعين (4/136-147) . ( [104] ) انظر: صحيح البخاري (4/189) باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ( [105] ) انظر: (4 / 1961) . ( [106] ) رواه البغوي في السنة (14/72-73) وابن المبارك في الزهد (200) حديث رقم (275) والرازي في علل الحديث (2/354) وأبو يعلى في مسنده (5/151) قال محققه: إسناده ضعيف. ( [107] ) انظر: المصادر السابقة. ( [108] ) رواه البخاري في صحيحه (4 / 191) . ( [109] ) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (2/ 483) . ( [110] ) رواه أبو داود (5/ 36) وأحمد في مسنده (5/ 220-221) وابن ماجة في سننه (1/15-16) والترمذي في سننه (5/44) . ( [111] ) انظر: إعلام الموقعين (4/139-140) والموافقات (4/76) . ( [112] ) رواه الترمذي في سننه (5/672) . ( [113] ) انظر: المصدر السابق. ( [114] ) انظر: (ص30) وما بعدها. ( [115] ) رواه مسلم في صحيحه (1/472) . ( [116] ) رواه أحمد في مسنده (4/227) . ( [117] ) رواه الطبراني في المعجم الكبير (11/438) وفي المعجم الأوسط (6/17) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/68) . ( [118] ) رواه الحاكم في المستدرك (3/69) وقال عنه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 ( [119] ) (4/ 1864) . ( [120] ) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/350) وشرح السنة للبغوي (14/83) . ( [121] ) رواه الترمذي في سننه (5/ 619) . ( [122] ) انظر: انظر: المصدر السابق. ( [123] ) رواه مسلم في صحيحه (1/551) والحاكم في المستدرك (3/ 319) . ( [124] ) رواه البخاري في صحيحه (8/ 122) والحاكم في المستدرك (3/356) . ( [125] ) أي صحيح البخاري (4/ 191) . ( [126] ) رواه مسلم في صحيحه (4/1854) . ( [127] ) رواه البخاري في صحيحه (4/ 198) ، (8/ 74) . ( [128] ) رواه البخاري في صحيحه (1/ 45) . ( [129] ) رواه البخاري في صحيحه (4/217) . ( [130] ) رواه ابن ماجة في سننه (1/15-16) والترمذي في سننه (5/44) وقال عنه: حسن صحيح. ( [131] ) انظر: هذه الأدلة في إعلام الموقعين (4/150) وما بعدها، والموافقات (4/78-79) . ( [132] ) رواه ابن سعد (1/ 8) والطبراني في الكبير (9/85) . ( [133] ) رواه مالك في الموطأ (1/326) . ( [134] ) رواه الفسوي في تاريخه (1/ 461-462) وأبو نعيم في الحلية (1/42) . ( [135] ) رواه الطيالسي في مسنده (33) وأحمد في المسند (1/ 379) والخطيب في كتابه الفقيه والمتفقه (1 / 166-167) . ( [136] ) انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/119) . ( [137] ) رواه الطبراني في الكبير (9/186) . ( [138] ) انظر: سنن الدارمي (1/49) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/86) . ( [139] ) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللآلكائي (1/86) . ( [140] ) انظر: سنن الدارمي (1/40) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/87) . ( [141] ) انظر: سنن الدارمي (1/51) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/86) . ( [142] ) انظر: صحيح البخاري (8/140) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/90) . ( [143] ) انظر: إعلام الموقعين (4/139) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 396 ( [144] ) رواه أبوداود في سننه (3/138-139) وابن ماجة في سننه (1/108) والحاكم في المستدرك (3/93) وقال عنه: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ( [145] ) رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ (1 /462-463) والحاكم في المستدرك (3/86) . ( [146] ) رواه أحمد في المسند (1/21،396) والحاكم في المستدرك (3/67) . ( [147] ) انظر: كتاب الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض (98) . ( [148] ) انظر: حلية الأولياء (1/80) والرد على من أخلد إلى الأرض (98) . ( [149] ) رواه الحاكم في المستدرك (1/ 127) . ( [150] ) انظر: ذم الكلام وأهله (1/189) ، (2/185) . ( [151] ) انظر: البداية والنهاية (7/264) . ( [152] ) انظر:جامع بيان العلم وفضله (2/127) . ( [153] ) انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/42) . ( [154] ) انظر: الإبانة (1/362) . ( [155] ) انظر: الإبانة (1/361) . ( [156] ) انظر: الإبانة (1/321- 322) . ( [157] ) انظر: المصدر السابق (1 / 322) . ( [158] ) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللآلكائي (1/94) . ( [159] ) انظر: الاعتصام (1/87) . ( [160] ) انظر: ذم الكلام وأهله (2/173) والمدخل إلى السنن الكبرى (199) ( [161] ) انظر: ذم الكلام وأهله (5/117-118) . ( [162] ) انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/40) والمدخل إلى السنن الكبرى (437) ( [163] ) انظر: إجمال الإصابة في أقوال الصحابة (66-67) . ( [164] ) انظر: (4/152) . ( [165] ) انظر: الموافقات (4/77) . ( [166] ) انظر: إعلام الموقعين (4/147) وما بعدها. ( [167] ) انظر: تدريب الرواي (2/218) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 397 ( [168] ) فأبو بكر الصديق لو روى حديثاً واحداً أو نقل فعلاً من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل يوم صحب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ إسلامه إلى أن توفاه الله عز وجل لبلغ مجموع مروياته أكثر من ثمانية ألآف حديثٍ فكيف لو روى أكثر من ذلك كم ستبلغ مروياته؟!! وعمر بن الخطاب رضي الله عنه لو حدث بثلاثة أحاديث في خطب الجمع التي خطبها منذ توليه الخلافة حتى توفاه الله لبلغت ألفاً وخمسمائة حديثٍ تقريباً. ولو روى بقية الصحابة لا سيما الذين آمنوا به أولاً وهاجروا معه والذين نصروه ولازموه من المهاجرين والأنصار مثل عثمان، وعلي، وبلال، وأبو ذرٍ،وزيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري والبراء بن عازب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وأمهات المؤمنين وغيرهم لم يحصها عدٌّ. وانظر: أيضاً التعليقين (178،179) . ( [169] ) انظر: الإصابة (4/204) . ( [170] ) روى خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً. انظر: تدريب الراوي (2 / 216) . ( [171] ) انظر: سير أعلام النبلاء (4/269) وطبقات ابن سعد (6/172) . ( [172] ) انظر: (3/180) . ( [173] ) انظر: (5/ 336) . ( [174] ) رواه أحمد في مسنده (2/131) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/175) : ورجاله رجال الصحيح. ( [175] ) أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده (7/131) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/161) : وفيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف. ( [176] ) رواه مسلم في صحيحه (4/2217) . ( [177] ) قال ابن سيرين: إن ابن مسعود كان إن حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأيام تربد وجهه، وقال: هكذا أو نحوه، هكذا أو نحوه. وقال الشعبي: جالست ابن عمر سنة فلم أسمعه يذكر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 398 وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما منهم من أحد يحدث إلا ود أن أخاه كفاه إياه، ولا يُستفتى عن شئ إلا ود أن أخاه كفاه الفتوى. انظر: سنن الدارمي (1/59) والمدخل إلى السنن الكبرى (433) . ( [178] ) قال السرخسي في أصوله (2/108) :- (فقد ظهر من عادتهم أن من كان عنده نص فربما روى، وربما أفتى على موافقة النص مطلقاً من غير رواية، ولا شك أن ما فيه احتمال السماع من صاحب الوحي مقدم على محض الرأي) . ( [179] ) ولم يخالف في ذلك إلا بعض المتكلمين والظاهرية وبعض الحنفية. وقولهم هذا مردود لكونه مسبوقاً باتفاق أهل العلم قبلهم. انظر: هذه المسألة بأقوالها وأدلتها ومناقشاتها في: الرسالة (595) وما بعدها والإحكام لابن حزم (4/561) والمعتمد (2/44) وإحكام الفصول (429) والبرهان (1/706) وأصول السرخسي (1/310،318-319) والتمهيد لأبي الخطاب (3/310) والمستصفى (1/198) والمحصول (2/62) والإحكام للآمدي (1/242) وبيان المختصر (1/590) والمسودة (292) وتيسير التحرير (3/250) وشرح الكوكب المنير (2/264) . ( [180] ) انظر: تحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين (10) وكتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث (86-88) وحقيقة البدعة وأحكامها (1/260-267) وكتاب الحوادث والبدع (39-40) . المصادر والمراجع 1- أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم، تأليف / صديق بن حسن القنوجي (ت1307هـ) ، طباعة دار الكتب العلمية. بيروت – لبنان. 2- الإبانة عن شريعة الفرق الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، تأليف / عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري (ت 387هـ) ، تحقيق رضا بن نعسان معطي، طبع دار الراية – الرياض – السعودية، الطبعة الأولى 1409هـ – 1988م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 399 3- الإبهاج في شرح المنهاج، تأليف / علي بن عبد الكافي السبكي (ت 756هـ) وولده عبد الوهاب بن علي (ت 771هـ) ، صححه جماعة من العلماء، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1404هـ –1984م 4- أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي، تأليف / مصطفى سعيد الخن، طبع مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، الطبعة الثالثة 1402هـ-1982م 5- إجابة السائل شرح بغية الآمل، تأليف / محمد بن إسماعيل الصنعاني (1182هـ) ، تحقيق / القاضي العلامة حسين بن أحمد السياغي والدكتور حسن محمد الأهدل، طبع مؤسسة الرسالة بيروت – لبنان -، الطبعة الأولى 1406هـ – 1986م 6- إجمال الإصابة في أقوال الصحابة، تأليف / خليل بن كيكلندي صلاح الدين العلائي الشافعي (ت 761هـ) ، تحقيق / محمد سليمان الأشقر – نشر مركز المخطوطات والتراث في جمعية إحياء التراث بالكويت، الطبعة الأولى (1407هـ –1987م) . 7- إحكام الفصول في أحكام الأصول، تأليف / سليمان بن خلف الباجي (ت474هـ) ، تحقيق / الدكتور عبد الله محمد الجبوري، طبع مؤسسة الرسالة –بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1409هـ-1989م 8- الإحكام في أصول الأحكام، تأليف / علي بن أبي علي بن محمد الآمدي (ت 631هـ) 9- الإحكام في أصول الأحكام، تأليف / علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري (ت456هـ) ، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – طبعة 1405هـ –1983م، وطبع دار الآفاق الجديدة للنشر –بيروت – لبنان – طبعة 1403هـ 1983م 10- أخبار أبي حنيفة وأصحابه، تأليف / حسين بن علي الصيمري (ت 436هـ) ، تحقيق / أبوالوفاء الأفغاني، نشر لجنة إحياء المعارف النعمانية بحيدر آباد (الهند) طبع بمطبعة المعارف الشرقية–حيدر آباد – الهند، الطبعة الثانية –1394هـ-1974م الجزء: 8 ¦ الصفحة: 400 11- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، تأليف / محمد بن علي الشوكاني (ت1255هـ) طبع دار المعرفة –بيروت – لبنان، الناشر / عباس أحمد الباز – مكة المكرمة 12- الإشارة في أصول الفقه، تأليف / سليمان بن خلف بن سعد الباجي (ت450هـ) ، تحقيق / عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد عوض، الناشر مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة – الرياض، الطبعة الثانية 1418هـ – 1997م 13- الإصابة في تمييز الصحابة، تأليف / أحمد بن علي محمد العسقلاني (ت852هـ) ، الناشر دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان 14- أصول السرخسي، تأليف / محمد بن أحمد السرخسي (ت 490هـ) ، تحقيق أبو الوفا الأفغاني، الناشر / لجنة إحياء المعارف النعمانية – حيدر آباد الدكن – الهند. 15- أصول الفقه، تأليف / محمد زكريا البرديسي، طبع / دار الفكر – بيروت – لبنان، الطبعة الثالثة 1407هـ – 1987م 16- أصول الفقه الإسلامي، تأليف / بدران أبو العينين بدران، الناشر / مؤسسة شباب الجامعة. 17- أصول الفقه تاريخه ورجاله، تأليف / الدكتور شعبان محمد إسماعيل، طبع / دار المريخ للنشر – الرياض، الطبعة الأولى 1401هـ – 1981م 18- أصول مذهب الإمام أحمد دراسة أصولية، تأليف / الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، طبع مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1410هـ –1990م 19- الاعتصام، تأليف / إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي، تحقيق / محمد رشيد رضا، طبع دار المعرفة – بيروت – لبنان، طبعة 1402هـ – 1982م 20- الأعلام: قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، تأليف / خير الدين الزركلي.، طبع دار العلم للملايين. بيروت لبنان. 21- أعلام الموقعين عن رب العالمين، تأليف / محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (751هـ) ، تعليق / طه عبد الرؤوف سعد، الناشر / دار الجيل – بيروت – لبنان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 401 22- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، تأليف / إسماعيل بن عمر بن كثير (ت774هـ) ، تحقيق / أحمد بن محمد شاكر، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الثانية. 23- البداية والنهاية، تأليف / أبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي (ت774هـ) ، تحقيق / د. أحمد أبوملحم،ود. علي نجيب عطوي،والأستاذ فؤاد السيد، والأستاذ مهدي ناصر الدين، والأستاذ علي عبد الساتر، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1405هـ - 1985م 24- البحر المحيط في أصول الفقه، تأليف / محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي (ت794هـ) ، طبع دار الصفوة، الناشر / وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، الطبعة الثانية 1413هـ –1992م 25- بدائع الفوائد، تأليف / محمد بن أبي بكر الدمشقي ابن قيم الجوزية (ت 751هـ) ، طبع دار الكتاب العربي. 26- البرهان في أصول الفقه، تأليف / عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت478هـ) ، تحقيق / عبد العظيم الديب، طبع دولة قطر – على نفقة الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، الطبعة الأولى 1399هـ. 27- بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب، تأليف / محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الأصفهاني (ت749هـ) ، تحقيق / الدكتور محمد مظهر بقا، طبع دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع – جدة – السعودية، الناشر / مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى 28- تاج التراجم في طبقات الحنفية، تأليف / قاسم بن قطلوبغا (ت879هـ) ، تحقيق / محمد خير رمضان يوسف، طبع دار القلم – مشق – سوريا، الطبعة الأولى 1413هـ – 1992م 29- تاريخ بغداد، تأليف / أحمد بن على الخطيب البغدادي (ت 463هـ) ، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان 30- تحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين، تأليف / أحمد بن حجر آل بوطامي، الطبعة الثالثة1407هـ – 1987م الجزء: 8 ¦ الصفحة: 402 31- التحصيل من المحصول، تأليف / محمود بن أبي بكر الأرموي (ت682هـ) ، تحقيق / عبد الحميد علي أبو زنيد، طبع مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1408هـ– 1988م 32- تخريج الفروع على الأصول، تأليف / محمود بن أحمد الزنجاني (ت656هـ) ، تحقيق / محمد أديب صالح، طبع مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، الطبعة الخامسة1404هـ – 1984م 33- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تأليف / جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هـ) ، تحقيق / عبد الوهاب عبد اللطيف، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الثانية1399هـ – 1979م 34- تفسير القرآن العظيم، تأليف / إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، طبع دار المعرفة – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى1407هـ –1987م 35- التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من مقدمة ابن الصلاح، تأليف / عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت806هـ) ، طبع ونشر / مؤسسة الكتب الثقافة-بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1411هـ – 1991م 36- التمهيد في أصول الفقه، تأليف/محفوظ بن أحمد بن الحسن أبي الخطاب الكلوذاني (ت510هـ) ، تحقيق / الدكتور مفيد محمد أبو عمشه، الناشر مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، طبع دار المدني – جده – السعودية، الطبعة الأولى 1406هـ –1985م 37- تيسير التحرير، تأليف / محمد أمين المعروف بأمير باد شاه، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان 38- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تأليف / محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) ، طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثالثة1388هـ – 1968م 39- جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، تأليف / يوسف بن عبد البر النمري القرطبي (ت463هـ) ، تقديم / الأستاذ عبد الكريم الخطيب، طبع المطبعة الفنية، الناشر / دار الكتب الإسلامية – القاهرة – مصر، الطبعة الثانية 1402 هـ – 1982م الجزء: 8 ¦ الصفحة: 403 40- حاشية الجلال المحلي على جمع الجوامع، تأليف / محمد بن أحمد المحلي، طبع بمطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثانية1356هـ – 1937م 41- حاشية العضد على مختصر ابن الحاجب، تأليف / عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار الأيجي (ت756) ، مراجعة وتصحيح / الدكتور شعبان محمد إسماعيل، الناشر / مكتبة الكليات الأزهرية- القاهرة – مصر، طبع سنة1403هـ – 1983م 42- حجية قول الصحابي، تأليف / فضل الله الأمين فضل الله، وهي عبارة عن رسالة أعدت لمرحلة الماجستير في أصول الفقه بالجامعة الإسلامية، للعام الجامعي 1401هـ –1402هـ طبعت على آلة كاتبة 43- حجية مذهب الصحابي دراسة أصولية، تأليف / عبد الرحمن حللي. 44- حقيقة البدعة أحكامها، تأليف / سعيد بن ناصر الغامدي، الناشر / مكتبة الرشد – الرياض – السعودية، الطبعة الأولى 1412هـ - 1992م 45- حلية الأولياء، تأليف / أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني (ت 430هـ) ، تحقيق / عبد الحفيظ سعد عطية، طبع دار السعادة / على نفقة محمد إسماعيل ومحمد أمين أفندي، الطبعة الأولى 1392هـ –1972م 46- ذم الكلام وأهله، تأليف / عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي (ت481هـ) ، تحقيق / عبد الرحمن بن عبد العزيز الشبل، الناشر / مكتبة العلوم والحكم- المدينة المنورة – السعودية، الطبعة الأولى 1416هـ –1996م 47- الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض، تأليف / عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي (ت911هـ) ، تحقيق خليل الميس، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1403هـ –1983م 48- الرسالة، تأليف / محمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ) ، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، طبع المكتبة العلمية – بيروت – لبنان 49- روضة الناظر وجنة المناظر، تأليف / محمد بن عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 404 (ت620هـ) ، تحقيق الدكتور عبد الكريم بن علي النملة، طبع مكتبة المعارف – الرياض – السعودية، الطبعة الثانية 1404هـ –1984م 50- الزهد، تأليف / عبد الله بن المبارك المروزي (ت 181هـ) ، تحقيق / حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر / مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان 51- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، تأليف / محمد ناصر الدين الألباني، طبع المكتب الإسلامي – بيروت – لبنان، الطبعة الرابعة 1405هـ – 1985م 52- السنة، تأليف / عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني (ت287هـ) ، ومعه " ظلال الجنة في تخريج السنة " للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، طبع المكتب الإسلامي –دمشق – سوريا، الطبعة الأولى 1400هـ 53- سنن أبي داود، تأليف / سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (ت 275هـ) ، طبع دار الحديث – حمص – سوريا، الطبعة الأولى 1394هـ 1974م 54- سنن ابن ماجة، تأليف / محمد بن يزيد القزويني (ت275هـ) ، تحقيق / محمد فؤاد عبد الباقي، طبع دار إحياء الكتب العربية – مصر – القاهرة، الناشر / دار الحديث 55- سنن الترمذي، تأليف / محمد بن عيسى بن سورة (ت 279هـ) ، تحقيق / أحمد محمد شاكر، طبع ونشر / شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثانية 1398هـ – 1978م 56- شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول، تأليف / أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق / طه عبد الرؤوف سعد، طبع دار الفكر – بيروت – لبنان، الناشر / مكتبة الكليات الأزهرية – مصر، الطبعة الأولى 1393هـ – 1973م 57- سنن الدارمي، تأليف / عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت 255هـ) ، تحقيق / السيد عبد الله هاشم يماني، طبع شركة الطباعة الفنية المتحدة، طبعة 1386هـ 1966م 58- سير أعلام النبلاء، تأليف / محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ، تحقيق / شعيب الأرناؤط ومحمد نعيم العرقسوسي، طبع مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، الطبعة التاسعة 1413هـ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 405 59- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، تأليف / هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللآلكائي (ت418هـ) ، تحقيق / د. أحمد سعد حمدان، الناشر / دار طيبة للنشر والتوزيع – الرياض – السعودية 60- شرح السنة، تأليف / حسين بن مسعود البغوي (ت 516هـ) ، تحقيق / شعيب الأورناؤط ومحمد زهير الشاويش، طبع المكتب الإسلامي – بيروت – لبنان، الطبعة الثانية 1403هـ – 1983م 61- شرح الكوكب الساطع في نظم جمع الجوامع، تأليف / عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911هـ) ، تحقيق / محمد الحبيب بن محمد، الناشر / مكتبة نزار مصطفى الباز – مكة المكرمة – السعودية، الطبعة الأولى 1420هـ – 1999م 62- شرح الكوكب المنير، تأليف / محمد بن أحمد بن عبد العزيز المعروف بابن النجار (ت 972هـ) ، تحقيق / الدكتور محمد الزحيلي، والدكتور نزيه حماد، طبع دار الفكر – دمشق – سوريا، الناشر / مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى 63- شرح مختصر الروضة، تأليف / سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي (ت716هـ) ، تحقيق / د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، طبع مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى1410هـ –1990م 64- شرح المنهاج، تأليف / محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني (ت 749هـ) ، تحقيق / د. عبد الكريم بن علي النملة، الناشر / مكتبة الرشد – الرياض – السعودية، الطبعة الأولى 1410هـ 65- الصحابة وجهودهم في حفظ السنة، تأليف / الدكتور عمر يوسف حمزة، الناشر/ دار أسامة للنشر والتوزيع – الأردن – عمان، الطبعة الأولى 1996م 66- الصحابة وجهودهم في خدمة الحديث النبوي، تأليف / الدكتور السيد محمد نوح.، طبع دار والوفاء للطباعة والنشر –مصر، الطبعة الأولى 1414هـ - 1993م 67- الصحابة ومكانتهم في الإسلام، تأليف / نور عالم خليل الأميني، طبع دار الصحوة للنشر والتوزيع – القاهرة – مصر، الطبعة الأولى1409هـ –1989م الجزء: 8 ¦ الصفحة: 406 68- الصحابي وموقف العلماء من الاحتجاج بقوله، تأليف / الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الدرويش، طبع مكتبة الرشد للنشر والتوزيع – السعودية – الرياض، الطبعة الأولى 1413هـ 69- صحيح البخاري، تأليف / محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت 256) ، طبع المكتبة الإسلامية – استانبول – تركيا، الناشر / مكتبة العلم – جدة – السعودية 70- طبقات الحنابلة، تأليف / محمد بن أبي يعلى (ت 524هـ) ، الناشر / دار المعرفة للطباعة والنشر – بيروت – لبنان 71- الطبقات الكبرى، تأليف / محمد بن سعد كاتب الواقدي (ت203هـ) ، تحقيق / إحسان عباس، الناشر / دار صادر – بيروت – لبنان 72- العدة في أصول الفقه، تأليف / محمد بن حسين الفراء أبو يعلى (ت458هـ) ، تحقيق / أحمد بن علي سير المباركي، طبع مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1400هـ –1980م 73- علل الحديث، تأليف / عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) ، تحقيق / محب الدين الخطيب، طبع دار السلام – حلب، القاهرة على نفقة الشيخ محمد نصيف وشركاه، طبع سنة 1343هـ 74- علوم الحديث، تأليف / عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري المشهور بابن الصلاح (ت643هـ) ، تحقيق / الدكتور نور الدين عتر، طبع المكتبة العلمية – بيروت – لبنان، طبعة1401هـ 75- فتح الباري شرح صحيح البخاري، تأليف / أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852هـ) ، بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، طبع بإشراف محب الدين الخطيب في دار المعرفة – بيروت – لبنان 76- فتح الغفار بشرح المنار، تأليف / زين الدين بن إبراهيم الشهير بابن نجيم (ت970هـ) ، طبع مطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر، الطبعة الأولى 1255هـ 1936م 77- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، تأليف / محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت 1250هـ) ، طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده – مصر، الطبعة الثانية 1383هـ – 1964م الجزء: 8 ¦ الصفحة: 407 78- الفتح المبين في طبقات الأصوليين، تأليف / عبد الله مصطفى المراغي، الناشر محمد أمين دمج وشركاه – بيروت – لبنان، الطبعة الثانية 1394هـ –1974م 79- فتح المغيث شرح ألفية الحديث، تأليف / محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) ، تحقيق / عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر / المكتبة السلفية – المدينة المنورة – السعودية، الطبعة الثانية1388هـ 80- الفصول في الأصول (أصول الجصاص) ، تأليف / أحمد بن على الرازي الجصاص (370هـ) ، تحقيق / الدكتور عجيل جاسم النشمي، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، الطبعة الأولى 1405هـ – 1985م 81- فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت، تأليف / عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري، طبع المطبعة الأميرية – بولاق – مصر، الطبعة الأولى 1324هـ 82- القاموس المحيط، تأليف / محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، طبع مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1406هـ – 1986م 83- قواطع الأدلة في أصول الفقه، تأليف / منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني (ت489هـ) ، تحقيق / الدكتور / عبد الله بن حافظ حكمي، الطبعة الأولى 1419هـ – 1998م 84- قواعد التحديث، تأليف / محمد جمال الدين القاسمي، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1399هـ 85- قول الصحابي في التفسير الأندلسي حتى القرن السادس، تأليف / الدكتور فهد الرومي، الناشر / مكتبة التوبة بالرياض، الطبعة الأولى 1420هـ – 1999م 86- قول الصحابي وأثره في الأحكام الشرعية، تأليف / بابكرمحمد الشيخ الفاني، رسالة - مطبوعة على الآلة الكاتبة - مقدمة إلى كلية الشريعة بجامعة الإمام، محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عام 1400هـ، للحصول على درجة الماجستير في أصول الفقه. 87- قول الصحابي وأثره في الفقه، تأليف / الدكتور شعبان محمد إسماعيل، الناشر / دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع –القاهرة – مصر، الطبعة الأولى 1408هـ – 1988م الجزء: 8 ¦ الصفحة: 408 88- كتاب الأم، تأليف / محمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ) ، الناشر / مكتبة الكليات الأزهرية – مصر – بإشراف / محمد زهدي النجار، طبع شركة الطباعة الفنية المتحدة، الطبعة الأولى1381هـ - 1961م 89- كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث، تأليف / عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة (ت 665هـ) ، طبع دار الراية للنشر والتوزيع – الرياض – السعودية، الطبعة الأولى1410هـ 1990م 90- كتاب تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة، تأليف / خليل بن كيكلندي صلاح الدين العلائي الشافعي (ت 761هـ) ، تحقيق / الدكتور / عبد الرحيم بن محمد القشقري، طبع دار العاصمة – الرياض – السعودية، الطبع الأولى 1410هـ – 1990م 91- كتاب الحوادث والبدع، تأليف / محمد بن الوليد الطرطوشي (ت530هـ) ، تحقيق / علي بن حسن بن علي بن عبد الحميد، الناشر / دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع – الدمام – السعودية، الطبعة الأولى 1411هـ – 1990م 92- كتاب شرح أدب القاضي للخصاف، تأليف / عمر بن عبد العزيز بن مازة البخاري حسام الدين المعروف بالصدر الشهيد (ت536هـ) ، تحقيق / محيي هلال السرحان، طبع مطبعة الإرشاد – بغداد، الناشر / وزارة الأوقاف العراقية، الطبعة الأولى 1397هـ – 1977م 93- كشف الأسرار شرح المصنف على المنار، تأليف / عبد الله بن أحمد المعروف بالنسفي (710هـ) ، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1406هـ - 1986م 94- كشف الأسرار في أصول فخر الإسلام البزدوي، تأليف / عبد العزيز بن أحمد البخاري (ت 730هـ) ، الناشر / الصدف ببشرز – كراتشي – باكستان. 95- الكفاية في علم الرواية، تأليف / أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي (ت463هـ) ، الناشر / المكتبة العلمية – المدينة المنورة- السعودية 96- لسان العرب، تأليف / محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، طبع دار صادر – بيروت – لبنان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 409 97- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تأليف / علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) ، الناشر / دار الريان للتراث – القاهرة – مصر، طبع سنة 1407هـ 98- مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، جمع وترتيب / عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي، طبع بإشراف الرئاسة العامة لشئون الحرمين الشريفين. 99- المحصول في علم الأصول، تأليف / محمد بن عمر بن الحسين الرازي (ت606هـ) ، طبع دار الكتب العلمية –بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1408هـ –1988م 100- مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف، تأليف / أ. د. عبد الكريم بن علي النملة، الناشر / مكتبة الرشد للنشر والتوزيع- الرياض – السعودية، الطبعة الثانية 1420هـ –1999م 101- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، تأليف / عبد القادر بن بدران الدمشقي، تحقيق / الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، طبع مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، الطبعة الثانية 1401هـ –1981م 102- المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين، تأليف / محمد العروسي عبد القادر، طبع دار حافظ للنشر والتوزيع –جده – السعودية، الطبعة الأولى 1410هـ –1990م 103- المستدرك على الصحيحين، تأليف / محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم (ت405هـ) ، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان. 104- المستصفى من علم الأصول، تأليف / محمد بن محمد الغزالي (ت 505هـ) ، طبع المطبعة الأميرية –بولاق –مصر، الطبعة الأولى –1324هـ 105- المسند، تأليف / سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي (ت 204هـ) ، الناشر / مكتبة المعرفة – الرياض – السعودية 106- مسند أبي يعلى الموصلي، تأليف / أحمد بن علي بن المثنى التميمي (ت307هـ) ، تحقيق / حسين سليم أسد، طبع دار المأمون للتراث – دمشق، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ – 1985م 107- مسند الإمام أحمد، تأليف / أحمد بن حنبل الشيباني، طبع المكتب الإسلامي – بيروت – لبنان، الطبعة الخامسة 1405هـ –1985م الجزء: 8 ¦ الصفحة: 410 108- المسودة في أصول الفقه، تأليف / عبد السلام بن عبد الله بن الخضر، وعبد الحليم بن عبد السلام، وأحمد بن عبد الحليم، جمع / أحمد بن محمد الحنبلي، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، طبع / مطبعة المدني – السعودية - مصر 109- المصنف، تأليف / عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت211هـ) ، تحقيق / حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر/ المجلس العلمي، طبع المكتب الإسلامي – بيروت – لبنان، الطبعة الثانية 1403هـ – 1983م 110- المعتمد في أصول الفقه، تأليف / محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي (ت436هـ) ، تقديم / خليل الميس، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1403هـ –1983م 111- المعجم الأوسط، تأليف / سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ) ، تحقيق / طارق بن عوض الله بن محمد، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، الناشر / دار الحرمين – القاهرة – مصر، طبع سنة 1415هـ 112- المعجم الكبير، تأليف / سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ) ، تحقيق / حمدي عبد المجيد السلفي، طبع مطبعة الوطن العربي – العراق، الطبعة الأولى 1400هـ 113- المعجم الوسيط، تأليف / د. إبراهيم أنيس، ود. عبد الحليم منتصر، وعطية الصوالحي، ومحمد خلف الله، الطبعة الثانية 114- المعرفة والتاريخ، تأليف / أبو يوسف يعقوب الفسوي (ت277هـ) ، تحقيق / الدكتور أكرم ضياء العمري، الناشر / مكتبة الدار – المدينة المنورة – السعودية، الطبعة الأولى 1410هـ 115- مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول، تأليف / محمد بن أحمد المالكي التلمساني (ت771هـ) ، تحقيق / عبد الوهاب عبد اللطيف، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، طبعة سنة 1403هـ – 1983م 116- المقنع في علوم الحديث، تأليف / عمر بن علي الأنصاري المشهور بابن الملقن (ت804هـ) ، تحقيق / عبد الله بن يوسف الجديع، طبع دار فواز – الأحساء – السعودية، الطبعة الأولى1413هـ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 411 117- مناقب الشافعي، تأليف / أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458هـ) ، تحقيق / السيد أحمد صقر، طبع مكتبة دار التراث – القاهرة – مصر، الناشر / دار النصر للطباعة – القاهرة – مصر، الطبعة الأولى 1391هـ – 1971م 118- مناهج وآداب الصحابة في التعلم والتعليم، تأليف / الدكتور عبد الرحمن البر، الناشر / دار اليقين للنشر والتوزيع- المنصورة – مصر، الطبعة الأولى 1420هـ –1999م 119- المنخول من تعليقات الأصول، تأليف / محمد بن محمد بن محمد الغزالي (ت505هـ) ، تحقيق / محمد حسن هيتو، طبع دار الفكر -دمشق – سوريا، الطبعة الثانية 1400هـ –1980م 120- الموافقات في أصول الشريعة، تأليف / إبراهيم بن موسى اللخمي المالكي (ت790هـ) ، تعليق / عبد الله دراز، طبع دار المعرفة –بيروت – لبنان 121- الموطأ، تأليف / مالك بن أنس، تحقيق / محمد فؤاد عبد الباقي، طبع / دار إحياء الكتب العربية – عيسى البابي الحلبي وشركاه 122- ميزان الأصول في نتائج العقول، تأليف / محمد بن أحمد السمرقندي (ت539هـ) ، تحقيق / الدكتور محمد زكي عبد البر، طبع / مطابع الدوحة الحديثة – الدوحة – قطر، الطبعة الأولى 1404هـ – 1984م 123- نثر الورود على مراقي السعود، تأليف / محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، تحقيق / الدكتور محمد ولد سيدي ولد حبيب الشنقيطي، طبع دار المنارة – جدة – السعودية، الناشر / محمد محمود محمد الخضر القاضي، الطبعة الأولى 1415هـ – 1995م 124- نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، تأليف / أحمد بن علي العسقلاني (ت 852هـ) ، الناشر / مكتبة طيبة – المدينة المنورة – السعودية، طبع سنة 1404هـ 125- نشر البنود على مراقي السعود، تأليف / عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1409هـ – 1988م الجزء: 8 ¦ الصفحة: 412 126- النهاية في غريب الحديث والأثر، تأليف / مجد الدين المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير (ت 606هـ) ، تحقيق / طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، طبع دار الفكر – بيروت – لبنان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 413 قاعدة الإسلام يعلو ولا يُعلى دراسة تأصيلية وتطبيقية د. عابد بن محمد السفياني أستاذ مساعد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى ملخص البحث الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فإن القاعدة الفقهية (الإسلام يعلو ولا يُعلى) قد وردَ النصّ الشرعي بها، واستدلّ بها الفقهاء - رحمهم الله - في أبواب متعددة، ولم تذكر هذه القاعدة في كتب القواعد إلا نادراً مع أهميتها. وقد اشتمل هذا البحث على بيان المصادر الفقهية لهذه القاعدة، وتأصيل أدلتها الشرعية الدالة على وجوب العمل بها واعتبارها في الأحكام، كما اشتمل على أبرز التطبيقات من الأبواب الفقهية ذات الصلة بهذه القاعدة، واشتمل أيضاً على تطبيقات معاصرة. وقد التزمت في هذا البحث بالمنهج الفقهي في دراسة القاعدة الفقهية من حيث شرح مفرداتها، وعزوها، وتوثيقها، وجمع الأدلة من الكتاب والسنّة على ثبوتها، وإبراز الفروع الفقهية، وتخريج الأحاديث وعزوها إلى مصادرها وبيان مرتبتها. هذا وقد ذكرت التطبيقات من كتاب النكاح والطلاق والبيع والإجارة والاسترقاق وأحكام أهل الذمّة والسير والجهاد واللقيط والقصاص والقضاء والفتوى. وذكرت بعض التطبيقات المعاصرة، وبينت ارتباطها بهذه القاعدة وبيان أثرها على بعض المسائل المستجدة. وقد توصلت في هذا البحث إلى نتائج ذكرتها في الخاتمة بعد دراسة هذه القاعدة تأصيلاً وتطبيقاً. والله الموفق، وهو نِعم المولى ونِعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. المقدمة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى أصحابه والتابعين لهم بإحسان.. أما بعد: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 414 فإنّ هذه القاعدة الفقهية (الإسلام يعلو ولا يُعلَى) قاعدة جليلة القدر، قد ورد النصّ الشرعي بها، واستدلّ بها الفقهاء - رحمهم الله - في أبواب فقهية متعددة. ومن الأسباب التي تدلّ على أهمية هذا البحث ما يلي: 1- بيان المصادر التي ذكرت هذه القاعدة وتوثيقها، خاصة أنّ كتب القواعد في الجملة لم تهتمّ بهذه القاعدة كما اهتمّت بالقواعد التي هي أقلّ رتبةً منها. 2- بيان الأدلة الشرعية الدالة على وجوب العمل بهذه القاعدة واعتبارها في الأحكام. 3- جمع أبرز التطبيقات الفقهية من الأبواب الفقهية المشتهرة المبنية على هذه القاعدة. 4- ضمّ بعض المسائل المعاصرة لتطبيقات هذه القاعدة. منهج البحث: 1- شرح مفردات القاعدة. 2- عزو القاعدة وتوثيقها. 3- جمع الأدلة على إثباتها. 4- ذكر أبرز الفروع الفقهية من الأبواب المشتهرة المبنية عليها. 5- التزام طريقة المؤلفين في القواعد من حيث ذِكر الفرع المبنى على القاعدة مع عدم التفصيل في مسائل الخلاف (1) . 6- تخريج الأحاديث وعزوها إلى مصادرها المعتمدة، مع بيان الصحيح منها والضعيف. 7- وضع فهرس للمراجع وآخر لمسائل البحث. خطة البحث: قمتُ بجمع أدلة القاعدة من النصوص الشرعية من الكتاب والسنّة، واستقراء نصوص الفقهاء التي تدلّ على استدلالهم بهذه القاعدة من المذاهب المشهورة، وتتبعتُ أبرز الفروع الفقهية من الأبواب ذات العلاقة المرتبطة بها، وجعلت ذلك في مباحث: المبحث الأول: شرح مفردات القاعدة وبيان معناها. المبحث الثاني: عزو القاعدة وتوثيقها. المبحث الثالث: الأدلة على إثباتها. المبحث الرابع: التطبيقات الفقهية: المطلب الأول: في النكاح والفرقة. المطلب الثاني: في البيع والإجارة والاسترقاق. المطلب الثالث: في أحكام أهل الذمّة. المطلب الرابع: في أحكام اللقيط. المطلب الخامس: في القصاص. المطلب السادس: في القضاء والفتوى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 415 ثم خاتمة البحث أذكر فيها أهمّ نتائجه.. هذا وأسأل الله - عز وجل - القبول والتوفيق والسداد في القول والعمل. وما كان فيه من صواب فَمِن الله سبحانه وتعالى، وما كان فيه من خطأ وتقصير فأستغفر اللهَ - عز وجل - منه، وأسأله المعونة على تداركه، إنه سميعٌ مجيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمدوعلى آله وصحبه أجمعين.. المبحث الأول: شرح مفردات القاعدة وبيان معناها تشتمل قاعدة (الإسلامُ يعلو ولا يُعلَى) على هذه الألفاظ: (الإسلام) و (يعلو) (ولا يُعلَى) . 1- (الإسلام) والاستسلام: الانقياد، والإسلام: إظهار الخضوع وإظهار الشريعة والتزام ما أَتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويقال: فلانٌ مُسْلم: أي: مستسلم لأمر الله، وفلان مُسلم: أي: مُخلص لله العبادة، مِن قولهم: سَلَّمَ الشيءَ لفلان: أي: خلَّصه، وَسَلِمَ له الشيء: أي: خلَصَ له. وقوله تعالى: {ادْخُلُوا في السِّلْمِ كَافَّة} ، [البقرة 208] ، أي: ادخلوا في السِّلم: أي: الإسلام وشرائعه كلها، والسَّلْمُ: الانقياد والاستسلام، والتَّسْليم: بذل الرِّضا بالحكم (2) . و (الشريعة في كلام العرب: مشرعة الماء، وهي مورد الشاربة التي يشرعها الناس فيشربون منها ويسقون) (3) ، (والعرب لا تسميها شريعة حتى يكون الماءُ عَداً لا انقطاع فيه، ويكون ظاهراً معيناً لا يُسقى بالرشاء) (4) . ويشمل لفظ الشريعة: أولاً: التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة. قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيب} [الشورى 13] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 416 ثانياً: الأحكام الشرعية، ومنه قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة 48] . ثالثاً: ويُطلق لفظ الشريعة على التوحيد والأحكام، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون} [الجاثية 18] . والإسلامُ شامل لذلك كله، فيدخل فيه قبول الدين كله. ومنه: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد لله بالطاعة، والخلوص من الشرك. وهذه المعاني الشرعية تتناسب تناسباً ظاهراً مع المعاني اللغوية، فقد وردَ في النصوص السابقة في لغة العرب: أنّ معنى (فلانٌ مسلم) : أي: مخلص، والاستسلام: الانقياد، والتسليم: الرّضا بالحكم، والإسلام: إظهار الخضوع والالتزام بالشريعة، والشريعة تشمل التوحيد وسائر الأحكام. 2- (يعلو ولا يُعلَى) : العلوّ ضدّ السفل، والعُلوّ: الارتفاع، والمَعْلاةُ: كسب الشرف، والجمع: (المعالي) ، والعَلْياءُ: كلّ مكان مُشْرِفٍ، ويقال: عَلِيَ في المكارم يَعْلَى عَلاءً، وعلا في المكان يَعلو عُلوّاً (5) . وعلا الشيء عُلوّاً فهو عَليّ، وتَعلَّى. والأعلى: هو الله سبحانه، وهي صفته، والعَلياء: (السماء) اسم لها. والعلو: ارتفاع أصل البناء. و {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي عِلّيِّين} أي: في أعلى الأمكنة. وعليّ: اسم، فإما أن يكون مِن القوة، وإما أن يكون مِن علا يَعلو (6) . ومنه قوله تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} [آل عمران 139] قال القرطبي في هذه الآية: بيان لفضل هذه الأمّة؛ لأنّه خاطبهم بما خاطب به أنبياءَه؛ لأنّه قال لِموسى: {إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى} ، وقال لهذه الأمة: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْن} (7) . فالمؤمن هو (الأعلى) ، ودينه الإسلام يعلو ولا يُعلى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 417 والمعاني اللغوية تتناسب مع المعنى الشرعي لهذه القاعدة؛ لأنّ المؤمن قويٌّ بإيمانه، فلا يهن ولا يحزن؛ لأنّه هو الأعلى، فدينه الإسلام، وهو للناسِ كافة، ختم الله به الرسالات، ولا يقبل ديناً سواه، وقد شرّف الله به المسلم، إذْ أوجبَ عليه التحاكم إليه؛ لشرف هذا المنهج، ولأنه دين الفطرة. ومِن شرف المسلم أنّ اللهَ جعل العزة له ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين والكافرين والمشركين لا يعلمون، وكل هذه المعاني المتضمنة في هذه القاعدة تنبني عليها فروع تطبيقية كما سيأتي معنا في المباحث التالية بإذن الله. المبحث الثاني: عزو القاعدة وتوثيقها نصَّ على هذه القاعدة جمال الدين بن عبد الهادي (8) ، فقال: (القاعدة الثلاثون: الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه) (9) . وذكرها من المعاصرين الشيخ محمد صدقي البورنو فقال: (القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المائتين: الإسلام يعلو ولا يُعلَى) (10) . وهذه القاعدة علّل بها بعض فقهاء الصحابة والتابعين؛ فقد روى ابن حزمٍ بسنده عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما في اليهودية أو النصرانية تُسلم تحت اليهودي أو النصراني قال: (يُفرَّق بينهما؛ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه) (11) . قال ابن حزم: (وبه يفتي حمّاد بن زيد (12)) (13) . فظاهر ما رواه ابن حزم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه علل بالمعنى الذي تضمنته هذه القاعدة، وكذا ما نقله ابن حزم عن حماد بن زيد ظاهره أنه كذلك. وقد اعتبر أصحاب المذاهب الفقهية هذه القاعدة في علل الأحكام الشرعية: 1- قال السرخسي (14) - معلّلاً بهذه القاعدة -: (إذا أسلمَ أحد الزوجين فإنّ الإسلامَ يعلو ولا يُعلى عليه، فلا يكون اعتقاد الآخر معارضاً لإسلام المسلم منهما) (15) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 418 وقال ابن عابدين (16) : (إذا أسلمَ أحدُ الزوجين يفرّق بينهما؛ لأنّه بإسلام أحدهما ظهرت حرمة الآخر؛ لتغير اعتقاده، واعتقاد المصرّ لا يعارض إسلام المسلم؛ لأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلَى) (17) . 2- وقال القرافي (18) : (وكره مالك تعليم المسلم عند الكفار كتابهم؛ لأنّ الإسلامَ يعلو ولا يُعلَى عليه) (19) . 3- وقال الشيرازي (20) : (وإذا أسلمَ أحدهما - أي: أحد الأبوين - والولد حَمْلٌ تبعهُ في الإسلام؛ لأنّه لا يصحّ إسلامه بنفسه، فتبع المسلم منهما؛ لأنّ الإسلام أعلى، فكان إلحاقه بالمسلم منهما أَولى) (21) . وقال ابن حجر الهيتمي (22) : (ويحكم بإسلام اللقيط (23) إذا كان من أبوين كافرَين ثم أسلم أحدهما؛ لأنّ الإسلامَ يعلو ولا يُعلَى) (24) . 4- وقال ابن قدامة (25) : (الولد يتبع أبويه في الدين، فإذا اختلفا وجبَ أن يتبع المسلم منهما، كولد المسلم من الكتابية، ولأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلَى..) (26) . وقال الشيخ منصور بن يونسف البهوتي (27) : (واللقيط مسلم إذا وُجد في دار الإسلام؛ لظاهر الدار، وتغليب الإسلام، فإنه يعلو ولا يُعلى عليه..) (28) . 5- ونقل ابن حزم تعليل ابن عباس بهذا المعنى الذي تضمنته هذه القاعدة، واستفاد من ذلك في فروعٍ كثيرةٍ سيأتي ذِكرها - إن شاء الله تعالى - (29) . المبحث الثالث: الأدلة على إثباتها 1- قال البخاري: حدّثنا علي بن عبد الله حدّثنا سفيان قال: قال عبد الله: سمعتُ ابن عباس رضي الله عنهما يقول: ((كنتُ أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولد، وأمي من النساء)) (30) . ورواه معلَّقاً فقال: كان ابن عباس رضي الله عنهما مع أمّه من المستضعفين، ولم يكن مع أبيه على دينِ قومه، وقال: ((الإسلام يعلو ولا يُعلَى)) (31) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 419 2- حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ((الإسلام يعلو ولا يُعلى)) رواه حماد ابن زيد عن أيوب عن عِكرمة عنه في اليهودية والنصرانية تكون تحت النصراني أو اليهودي فتُسلِم هي، قال: ((يُفرّق بينهما؛ الإسلام يعلو ولا يُعلَى)) . قال ابن حجر: (وذكره ابن حزم في المحلى عن طريق حماد بن زيد بلفظه) (32) ، حيث قال ابن عباس رضي الله عنهما في اليهودية أو النصرانية تُسْلِم تحت اليهودي أو النصراني، قال: ((يُفرّق بينهما؛ الإسلام يعلو ولا يُعلَى عليه)) (33) . 3- روَى البيهقي عن حشرج بن عبد الله بن حشرج حدثني أبي عن جدي عنه أنه جاء يوم الفتح مع أبي سفيان بن حرب ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حوله أصحابه، فقالوا: هذا أبو سفيان وعائذ بن عمرو، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هذا عائذ ابن عمرو وأبو سفيان؛ الإسلام أعزُّ مِن ذلك، الإسلام يعلو ولا يُعلَى)) (34) . قال الحافظ ابن حجر في الفتح - تعليقاً على صنيع الإمام البخاري في الترجمة بعد أن ذكر أنّ عباس وأمّه مِن المستضعفين، قال البخاري: وقال: ((الإسلام يعلو ولا يُعلى)) -: (كذا في جميع نسخ البخاري لم يُعين القائل، وكنتُ أظنّ أنه معطوفٌ على قول ابن عباس، فيكون مِن كلامه، ثمّ لم أجده من كلامه بعد التتبع الكثير (35) ، ورأيته موصولاً مرفوعاً من حديث غيره، أخرجه الدارقطني (36) ومحمد بن هارون الروياني في مسنده (37) من حديث عائذ ابن عمرو المزني بسندٍ حسن) . ثم ذكر الحديث بلفظه (38) . والحديث في سنده عبد الله بن حشرج وأبوه، وهما مجهولان، ويتقوّى - كما قال الألباني رحمه الله - (39) بالحديث الذي بعده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 420 4- حديث معاذ، وذكره الزيلعي في نصب الراية قال: رواه نهشل في تاريخ واسط، حدّثنا إسماعيل بن عيسى ثنا عمران بن أبان ثنا شعبة عن عمرو بن أبي حكيم عن عبد الله ابن بريدة عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي عن معاذ بن جبلٍ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الإيمان يعلو ولا يُعلى)) (40) . قال الألباني - رحمه الله -: (ذكره الزيلعي وسكتَ عنه، وتبعه الحافظ. وإسناده ضعيف؛ من أجل عمران بن أبان، وهو أبو موسى الطحان الواسطي. قال الحافظ في التقريب: ضعيف (41)) (42) . قال الألباني: (وبقية رجاله ثقات معروفون غير إسماعيل بن عيسى، وهو بغدادي واسطي وثّقهُ الخطيب وغيره) (43) . والحديث حسن مرفوعاً بمجموع طرقه (44) ، وكذلك صحّ موقوفاً عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما (45) . 5- وقوله تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} [آل عمران 139] . قال القرطبي (46) : (في هذه الآية بيان لفضل هذه الأمّة؛ لأنّه خاطبهم بما خاطب به أنبياءه؛ لأنّه قال لِموسى: {إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى} [طه 68] ، وقال لهذه الأمّة: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْن} ، وهذه اللفظة مشتقّة من اسمه الأعلى، فهو سبحانه العلي. وقال للمؤمنين: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْن} ) (47) . 6- وقوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلى الجَنَّةِ وَالمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون} [البقرة 221] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 421 فالأَمَة المؤمنة خير من المشركة، والذي جعلها أفضل وأعلى هو الإسلام. وكذلك قوله تعالى: {وَلاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكِين} أي: لا تزوّجوهم بالمؤمنات حتى يؤمنوا. قال القرطبي: (وأجمعت الأمة على أنّ المشرك لا يطأ المؤمنة بوجهٍ؛ لِما في ذلك من الغضاضة على الإسلام) (48) . أي: لأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى، وهي مُسلِمة، فإذا نكحها المشرك كان عليها غضاضة وعلى دينها. 7- قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء 141] . قال الشوكاني - مستدلاًّ بهذه الآية على أنّ الإسلام يعلو ولا يُعلَى: ( {وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} ولو كان للكافر أن يقتصّ من المسلم لَكان في ذلك أعظم سبيل. وقد نفى اللهُ تعالى أن يكونَ له عليه السبيل نفياً مؤكّداً ... ومن ذلك حديث: ((الإسلام يعلو ولا يُعلَى عليه)) ) (49) . قال الشوكاني مرجّحاً مذهب الجمهور في أنه لا يُقتل مسلمٌ بكافر، وأنه لا مساواة في القصاص؛ لحديث: ((لا يُقتل مسلمٌ بكافر..)) (50) ، ولحديث: ((الإسلام يعلو ولا يُعلَى عليه)) ، ويجب على المسلم الدية (51) . المبحث الرابع: التطبيقات الفقهية المطلب الأول: في النكاح والفرقة: قال ابن عبد الهادي: (القاعدة الثلاثون: الإسلام يعلو ولا يُعلى) ، وفرّع عليها فقال: (ولا يتزوّج الكافرُ مسلمةً، ولا يوَلَّى على مسلم) (52) . قال القرطبي: (وأجمعت الأمّة على أنّ المشرك لا يطأ المؤمنة بوجهٍ؛ لِما في ذلك من الغضاضة على الإسلام) (53) . أي: لأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلَى. وإذا أسلمت النصرانية أو اليهودية تحت النصراني أو اليهودي يُفرق بينهما، كما أفتى بذلك ابن عباس رضي الله عنهما، واختاره ابن حزم (54) ، وكذا إذا أسلمَ أحدُ الزوجين وأَصَرَّ الآخَر على الكفر؛ لأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى (55) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 422 المطلب الثاني: في البيع والإجارة والاسترقاق: ومن المسائل في هذا المطلب: - أن لا يسترقّ كافرٌ مُسْلِماً (56) . - وإذا أسلمَ عبدُ الكافر أُجبِر على بيعه، ولا تصحّ مكاتبته؛ لأنّ فيها استدامةً لملكه عليه (57) . - وكما أنه لا يستديم ملكه عليه لا يستخدمه قهراً بملك اليمين، ذكرهُ السّرخسي في شرح السير الكبير، وقال: (وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: ((الإسلام يعلو ولا يُعلى)) ) (58) . قال الشوكاني: (والأحاديث.. تدلّ على أنّ عبد الحربي إذا أسلم صارَ حرّاً بإسلامه) (59) . ومن مسائل هذا الباب: أنه يكره للمسلم أن يقبل العمل الذي فيه إهانة عند الكافر. ومِن الفقهاء مَن منعه. وكذا لا يجوز أن يؤجر المسلم نفسه عند كافر لخدمته؛ لأنّ فيه إذلالاً للمسلم وعزّاً للكافر، والمسلمُ أعلى (60) . المطلب الثالث: في أحكام أهل الذمّة والمعاهدة: ومِن فروع هذا الباب التي تندرج تحت هذه القاعدة ما يلي: - أنه لا تجوز الهدنة مع الكفار على ما يبذل لهم من غير ضرورة؛ لأنّ في ذلك إلحاقاً للصَّغار بالإسلام. - وكذا لا يجوز أن يقول لهم الإمام: هادنتُكم ما شئتم، ولا يصحّ العقد؛ لأنّه جعل الكفار محكَّمين على المسلمين. قال الشيرازي: (لِحديث: الإسلام يعلو ولا يُعلى) (61) ، وإذا جُعل الكفار مُحكَّمين على المسلمين فإنّ العلوّ يكون لهم، وهذا مخالف للقاعدة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 423 - ومِن فروعها: منع أهل الذمّة مِن إحداث بناءٍ يعلو بناءَ جيرانهم من المسلمين. قال ابن عابدين: (مطلب في منعهم من التعلي في البناء على المسلمين) ، ثمّ علل ذلك بأنّ استعلاءه في البناء خلاف الصغار (62) . يعني الوارد في قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِاليَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوْتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون} [التوبة 29] . - ومنها: منع المساواة في البناء. قال في المهذب: (لأنَّ القصد أن يعلو الإسلام) (63) . - ومنها: منع أهل الذمّة من صدور المجالس، وإلجاؤهم إلى أضيق الطرق (64) . - وكذا منعهم من مساواة المسلمين في لباسهم وشعورهم وركوبهم وبنائهم (65) . - ومنها: أن لا تبنى الكنيسة في الإسلام، ولا يجدد ما خرب فيها (66) . - ومنها: منعهم من الدعوة إلى الكفر والفساد، فلا يجوز لهم أن يجهروا بكتابهم أو يُظْهِروه (67) ؛ لأنّ الإسلام هو الأعلى، وأنّ دينهم منسوخ، فكيف إذا كانوا يدعون إلى المذاهب الأرضية المنحرفة والقوانين البشرية التي تطلق الحريات وتدعو إلى الفساد في الأرض، فلا ريب في وجوب المنع من انتشار الأفكار البشرية المنحرفة. قال شيخ الإسلام: (ومَن بدّل شرع الأنبياء وابتدع شرعاً فشرعُه باطل لا يجوز اتّباعه، كما قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله} ، ولهذا كفر اليهود والنصارى؛ لأنّهم تمسكوا بشرعٍ مبدلٍ منسوخ) (68) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 424 ولا نكره أهل الذمّة على تغيير معتقدهم إذا خضعوا لسلطان الإسلام؛ لقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون} ، ولكن نُلزمهم بالأحكام الشرعية العامّة في المعاملات والجنايات وما يلحق بها، وتكون هذه الأحكام ضوابط لتصرّفاتهم كما هي ضوابط لتصرفات المسلمين في دار الإسلام (69) . - ومن المسائل المعاصرة التي تتبع المسألة السابقة في تحريمها والمنع منها: تحريم ما سُمّي بِ (زمالة الأديان) ؛ لأنّ الأديان منسوخة بدين الإسلام، كما أنّ اليهودية والنصرانية وغيرها مبدلة، والزمالة تقتضي النديّة والمساواة، والإسلام أعلى. - ومثلها تحريم وحدة الأديان، وهو الخلط بينها، ولا يجوز خلط الإسلام وشرائعه بغيره من الشرائع والأديان، فالإسلام أعلى. - ومنها: تحريم بناء مسجدٍ وكنيسة في موضع واحد. - وكذا: تحريم طبع المصحف والتوراة أو الإنجيل في كتاب واحد (70) . ويجب دعوة أهل الكتاب والمشركين من سواهم إلى ترك الشرك وإلى كلمة سواء، وهي: شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، وأنّ رسالة الإسلام خاتمة الرسالات، وأنّ أديانهم منسوخة به، وأنّ أهل الكتاب وغيرهم من المشركين على عبادة غير الله، وأنّ ما عندهم هو الباطل، وما عندنا هو الحقّ، ولا يجتمع الحقّ والباطل، لا في زمالةٍ ولا وحدة ولا كتاب، بل يُدعى أهل الكتاب وغيرهم من المشركين إلى ترك الشرك والدخول في الإسلام، والدليل قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُون} [آل عمران 64] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 425 - ومن فروعها: إذا أسلمَ من أولاد الكافر الكتابي وبقي آخرون على كفرهم واختصموا، حَكَمْنا بينهم بالإسلام؛ لأنّه أعلى؛ ولشرف المسلم. قال الدَّردير (71) في الشرح الكبير: (وحُكِم بين الكفار بحكم المسلم، إن لم يأْبَ بعضٌ، إلا أن يسلمَ بعضٌ فكذلك، أي: يحكم بينهم بِحكم المسلم من غير اعتبار الآبي؛ لشرف المسلم) (72) ، أي: لأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى. ومنهم مَن قال: يُورّث المسلم من أبيه الذمي؛ لأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى (73) . ومن المسائل المعاصرة: توريث المسلم من قريبه الكافر. قال بعض المعاصرين بأنّ: المسلم يرث من قريبه الكافر غير الحربي (74) ، فإذا أسلمَ النصراني أو اليهودي ورثَ من قريبه الكافر، ولا نمنعه من الإرث؛ لأنّا لو منعناه لتضرر بسبب إسلامه، ولأنّ الإسلامَ أعلى، وجعلوا الكفار المعاهدين - الذين بيننا وبينهم مسالمة وهم ليسوا تحت أحكامنا - مثل الكفار من أهلِ الذمة الذين تحت أحكامنا. والفقهاء إنما تكلموا في أهل الذمّة، ولم يتكلموا في المعاهدين من غيرهم. المطلب الرابع: أحكام اللقيط: ومِن فروع هذه القاعدة في هذا الباب: أنّ اللقيط - في الدار التي اختطها المسلمون - محكومٌ بإسلامه، وإن كان فيها أهل ذمّة؛ لأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى (75) . ويفرّق بين دار الإسلام ودار الكفر بأنّ شرف الأولى اقتضى الاكتفاء بالإمكان وإن بَعُدَ (76) . - وكذا دار الإسلام إذا غلب عليها الكفار وفيها مسلمون حُكم بإسلام لقيطها؛ تغليباً للإسلام (77) . - ومنها: إذا التقطَ مسلمٌ وكافرٌ طفلاً محكوماً بكفره - أي: مِن أبوين كافرَين - فالمسلم أحقّ به؛ لأنّه يصير مسلماً، والترجيح بالإسلام ولو كان المسلم فقيراً والكافر غنياً (78) . - ومنها: أنه ليس للكافر التقاط طفل مسلم؛ لأنّه لا ولاية لكافرٍ على مسلم (79) . - ومن فروعها: أنّ الولد يتبع المسلم من أبويه إذا اختلفا في الدين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 426 قال ابن قدامة: (الولد يتبع أبويه في الدين، فإذا اختلفا وجبَ أن يتبع المسلمَ منهما، كولد المسلم من الكتابية، ولأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى. ويترجح بأشياء، منها: أنه دين الله الذي رضيه لعباده، وبعث به رسله دعاةً لخلقه إليها. ومنها: أنه تحصل به السعادة في الدنيا والآخرة، ويتخلص به في الدنيا من القتل والاسترقاق، وأداء الجزية، وفي الآخرة من سخط الله وعذابه ... ) (80) . وقال الشيرازي: (إنّ الولد يتبع المسلم من أبويه؛ لأنّ الإسلام أعلى) (81) . المطلب الخامس: في القصاص: ومِن فروعها: أنّ المسلم لا يُقتل بالكافر؛ لأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى، والكفر نقص، والإسلامُ كمال، ولا مساواة بين مسلم وكافر في القصاص. قال ابن عبد الهادي: (القاعدة الحادية والثلاثون: الكفر ناقص) ، وفرّع عليها أنّ الكافر يُقتل بالمسلم، ولا يُقتل مُسلمٌ بكافر (82) . قال الشوكاني - مرجحاً مذهب الجمهور في أنه لا يُقتل مسلمٌ بكافر، وأنه لا مساواة في القصاص -: (ومِن ذلك: حديث ((الإسلام يعلو ولا يُعلى)) ) ، ويجب على المسلم الدية (83) . المطلب السادس: في القضاء والفتوى: ومِن مسائل هذا الباب: أنّ الإسلام شرط في القاضي، ولا يصحّ قضاء غير المسلم؛ لأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى (84) . - منع مشاركة القاضي القانوني للقاضي الشرعي في الحكم؛ لأنّ الشريعة لا تقبل المشاركة؛ ولأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى. - إبطال الردّ إلى غير الشريعة الإسلامية، وإبطال الحكم والتحاكم إلى القوانين الوضعية وتقديمها على الشريعة (85) ؛ لأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى. - وجوب توحيد المصدر في التشريع، فلا يجوز أن يكونَ مع الشريعة مصدر مشارك في التشريع (86) ؛ لأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلَى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 427 - يجب على المفتي الالتزام بشروط الفتوى لبيان حكم الشريعة في الوقائع والمسائل المستجدة (87) ، وأن لا يُطوّع أحكام الشرع الحنيف للواقع المنحرف عن الحق؛ لأنّ الشرع حاكم، وهو أعلى، وواقع الناس مَحْكُومٌ به، وإذا حَكَّمَ المفتي الأعراف الفاسدة في النصوص الشرعية فقد عكس، ومَن عَكَس انعَكسَ. - منع تقديم العقل على الوحي المنزّل من عند الله؛ لأنّ الشرع حاكم والعقل تابع، ولو قُدِّمت أفكار العقول البشرية على الشريعة لَكانت الشريعة محكومة والعقل البشري حاكماً، وهذا باطلٌ (88) ، والإسلامُ يعلو ولا يُعلى. نتائج البحث: هذه أبرز النتائج التي توصلتُ إليها بعد دراسة هذه القاعدة، وهي: 1- أن هذه القاعدة قد وردَ النصّ الشرعي بها. 2- أن هذه القاعدة لها أهمية كبرى في الدراسات الفقهية المتعلقة بتحديد العلاقة بين المسلمين والكفار، سواء الحربيين، أو المُعاهدين، ويشملهم ما يُسمّى حديثاً بِ (القانون الدولي) ، أو ما يسميه الفقهاء: (أحكام الجهاد والسير) . وكذلك فإنّ (أحكام أهل الذمّة) يدخلُ كثير منها تحت هذه القاعدة. 3- أن هذه القاعدة لها أثر في المسائل الفقهية التي تختلف بين دار الإسلام ودار الكفر فيما يخصّ أحكام اللقيط، واختلاف الدين بين الزوجَين، وأثر ذلك على الطفل، وخاصة بعد التوسع في علاقة المسلمين بالأمم الأخرى، وانتشار المسلمين في العالَم، فلا تكاد تجد موضعاً في العالَم يخلو منهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 428 4- أن هذه القاعدة من أعظم ما يميز المسلم ويبعده عن التأثر بالكفار، والانهزام أمام أفكارهم وقوانينهم ومذاهبهم وهديهم، فهي تُميز المسلم في مصدر التشريع، وصحّة الاعتقاد، وتكشف عن بطلان الدعوات المعاصرة، ومنها: وحدة الأديان، أو زمالة الأديان، أو التشريعات الباطلة التي ما أنزل الله بها مِن سلطان، وتحول بين المسلم وبين التحاكم إلى شرائع الكفار متى ما عَلِم أنه هو الأعلى، وأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلَى. 5- أن هذه القاعدة لا يظهر لها أثر كبير فيما يخص علاقة المسلمين بعضهم ببعض، وإنما يظهر أثرها بجلاء فيما يخص علاقة المسلمين بالكفار، كما تبيّن ذلك من الفروع الفقهية السابقة، وكذلك فيما يتعلق بِحُكم نكاح المشرك للمسلمة، وولاية الكافر على المسلم أو المسلمة، وحُكم استرقاق الكافر للمسلم، وحُكم عمل المسلم عند الكافر في الأعمال التي فيها إهانة. 6- أنّ الفقهاء أكثروا من استعمال هذه القاعدة، واعتمدوا عليها في كثير من الأبواب الفقهية، وفرعوا عليها المسائل. وهذا يدلّ على أهمّيتها عندهم. 7- أنّ كتب القواعد الفقهية لم تكن لها عناية بهذه القاعدة كما يجب، بخلاف كتب الفقهاء المتقدمة والمتأخرة التي ظهر فيها عناية الفقهاء بهذه القاعدة من حيث بناء الفروع عليها. 8- أنه يجب العناية بدراسة القواعد وتتبّع كتب الفقه الإسلامي، واستخراج القواعد التي لم تجد العناية الكافية في كتب القواعد المشهورة، ثم بيان أهمية تلك القواعد والكشف عن فروعها، وخاصة ذات الصلة الكبيرة بالمستجدّات المعاصرة. وفي الختام نسأل الله - عز وجل - أن ينصرَ دينه، ويُعلي كلمته، وأن يجمع المسلمين على الحقّ، وأن يرزقنا العزّة في الدنيا والآخرة. {وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُون} [المنافقون 8] . الهوامش والتعليقات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 429 ( [1] ) وما ظهرت الحاجة إلى التنبيه إليه أُشير إلى ذلك في الهامش. وأما التفصيل في الفروع المختلف فيها واستيعاب الأدلة وإجراء المناقشات بين الأدلة؛ فهذا يختص به (فقه الخلاف) أو ما سُمّي بِ (الفقه المقارن) . (2) اللسان، لأبي الفضل جمال الدين بن منظور، ط: دار صادر، مادة: سَلِمَ 2/293-295؛ الصحاح 5/1951، مادة: سَلِم؛ تاج اللغة وصِحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، ط: 1402هـ. (3) اللسان، مادة: شرع. (4) اللسان، مادة شرع؛ والصحاح 6/2357. (5) مجمل اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس (ت: 395هـ) ، مادة: علو 3/625، ط1، 1404هـ. (6) اللسان، مادة: علا. (7) تفسير القرطبي 4/217. (8) هو يوسف بن عبد الهادي الصالحي الحنبلي المعروف بِ (ابن المِبْرَد) ، له مؤلفات كثيرة، منها: مغني ذوي الأفهام، وتحفة الوصول إلى علم الأصول، وبحر الدم فيمن تكلّم فيه الإمام أحمد بمدحٍ أو ذمّ، وتوفي سنة (909هـ) . انظر: شذرات الذهب، لابن العماد (8/43) ، ط: دار إحياء التراث العربي؛ الأعلام، للزركلي (8/226) ، ط: الثامنة، دار العلم للملايين، 1989م. (9) مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة الأحكام (ص: 180) ، صححه وعلق عليه: الشيخ / عبد الله عمر بن دهيش، ط: الثالثة، دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع. (0 [1] ) موسوعة القواعد الفقهية (1/397) ، ط: الثانية، مكتبة التوبة. (1 [1] ) المحلى (4/314) ، ط: دار الفكر؛ وفتح الباري (3/220) ، ط: المكتبة السلفية. (2 [1] ) هو: حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي مولاهم البصري، شيخ العراق في عصره، وأحد الحفاظ المجوّدين، توفّي سنة (179هـ) . انظر: الأعلام (2/271) . (3 [1] ) المحلى (4/314) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 430 (4 [1] ) هو: محمد بن أحمد بن أبي سهل، فقيه حنفي، من كبار علماء الأصول، ومِن مؤلفاته: المبسوط في الفقه، وأصول السرخسي، وشرح السير الكبير، وتوفّي سنة (483هـ) . انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لابن أبي الوفاء القرشي (3/78) ، تحقيق: عبد الفتاح الحلو، ط: الأولى، مطبعة عيسى البابي الحلبي، 1398هـ. (5 [1] ) المبسوط (5/40) ، ط: دار المعرفة. (6 [1] ) هو: محمد أمين بن عمر الدمشقي، إمام الحنفية في عصره، له: نسمات الأسحار على شرح المنار، ومجموعة رسائل، وتوفي سنة (1252هـ) . انظر: الأعلام (6/42) ؛ معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة (9/77) ، ط: مكتب المثنى ودار إحياء التراث العربي، (بيروت - لبنان) . (7 [1] ) ردّ المحتار على الدرّ المختار، لابن عابدين (3/187) ، ط: الثانية، دار الفكر، 1399هـ - 1979م، بتصرف يسير. (8 [1] ) هو: أحمد بن إدريس الصنهاجي المالكي، إمام في الفقه والأصول، له: الفروق، والذخيرة، ونفائس الأصول.. وغيرها، وتوفّي سنة (684هـ) . انظر: الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب، لابن فرحون (ص: 62) ، ط: دار الكتب العلمية؛ شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد مخلوف، (ص: 188) ، ط: دار الفكر للطباعة والنشر. (9 [1] ) الذخيرة (5/403) ، تحقيق: محمد بوخبزة، ط: الأولى، دار الغرب الإسلامي. (20) هو: إبراهيم بن علي الفيروزآبادي، من كبار فقهاء الشافعية، له مؤلفات كثيرة، منها: المهذب، والتنبيه في الفقه، واللمع، والتبصرة في الأصول، وتوفّي سنة (476هـ) . انظر: وفيات الأعيان، لابن خلكان (1/29) ، تحقيق: إحسان عباس، ط: دار صادر؛ طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي (4/215) ، تحقيق: محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو، ط: إحياء الكتب العربية. (21) المهذب (5/273) ، ط: مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 431 (22) هو: أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي الأنصاري الشافعي، أخذ عن الشيخ زكريا الأنصاري وغيره، وأفتى ودرس وعمره دون العشرين، ومن مؤلفاته: الزواجر عن اقتراف الكبائر، وشرح الأربعين النووية، وتحفة المحتاج في شرح المنهاج.. وغيرها، وتوفّي سنة (973هـ) . انظر: شذرات الذهب (8/371) ؛ الأعلام (1/234) . (23) اللقيط في اللغة: فعيل بمعنى مفعول كالملقوط، والأنثى منه لقيطة، واللقط: أخذ الشيء من الأرض. ومنه قوله تعالى: {فَالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} [القصص 8] . انظر: لسان العرب (7/392) . وفي اصطلاح الفقهاء: طفل لا يعرف نسبه ولا رقّه نُبذ أو ضلّ. انظر: ردّ المحتار على الدرّ المختار (4/269) ، ط: الثانية؛ الخرشي على مختصر خليل (7/130) ، ط: دار صادر؛ مغني المحتاج (2/418) ، ط: دار إحياء التراث العربي؛ التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع (ص: 184) ، ط: المطبعة السلفية؛ أحكام اللقيط في الفقه الإسلامي، لعمر بن محمد السبيل، (ص: 10-17) . (24) تحفة المحتاج بشرح المنهاج (6/351) ، بهامش حواشي الشرواني والعبادي، ط: دار صادر، (بيروت) . (25) هو: عبد الله بن أحمد المقدسي الحنبلي، شيخ الحنابلة، وصاحب العمدة، والمقنع، والكافي، والمغني، وروضة الناظر.. وغيرها، وتوفّي سنة (620هـ) . انظر: ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب (2/133) ، ط: دار المعرفة؛ شذرات الذهب (5/88) . (26) المغني (9/18) ؛ (6/112) . (27) هو: شيخ الحنابلة في مصر ومحرر مذهبهم، له: كشاف القناع، وشرح منتهى الإرادات، والروض المربع.. وغيرها، وتوفّي سنة (1051هـ) . انظر: السحب الوابلة، لابن حميد (3/1131) ، تحقيق: عبد الرحمن العثيمين وبكر أبو زيد، ط: الأولى، مؤسسة الرسالة، 1416هـ - 1996م؛ الأعلام (7/307) . (28) كشاف القناع عن متن الإقناع (5/226) ، ط: عالم الكتب، بيروت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 432 (29) انظر: المحلى (9/18) ؛ (6/112) . (30) صحيح البخاري مع الفتح (3/219) ، باب: إذا أسلمَ الصبي فماتَ هل يُصلَّى عليه؟. ط: المكتبة السلفية. (31) المصدر السابق (3/218) . (32) فتح الباري (3/220) ، ط: المكتبة السلفية. (33) المحلى (4/314) . (34) أخرجه البيهقي (6/205) ، ط: دار الفكر. (35) ثم قال: (ثم وجدته من قول ابن عباس كما كنت أظنّ، ذكره ابن حزم في المحلى) . انظر ما سبق (ص: 7) . (36) سنن الدارقطني (2/176-177) ، ط: الأولى، دار الكتب العلمية، 1417هـ - 1996م. (37) مسند الروياني (2/37) ، ط: الأولى، مؤسسة قرطبة، 1416هـ - 1995م. (38) الفتح (3/220) . (39) عارضَ الألباني - رحمه الله - في تحسين الحديث، وقال: في سنده عبد الله بن حشرج، وهو وأبوه مجهولان. ونقل قول ابن أبي حاتم، والحافظ في لسان الميزان (4/278) ، للحافظ ابن حجر، تحقيق: خليل محمد العربي، ط: الأولى، 1416هـ - 1996م، دار المؤيد للنشر والتوزيع؛ والزيلعي في نصب الراية (3/213) ؛ والدارقطني في سننه (2/176-177) ؛ والذهبي. ثم قال الألباني: ويمكن أن يحسن لغيره؛ لحديث معاذ. ثم ذكره. انظر: الإرواء (5/106-107-108) . (40) نصب الراية (3/213) ، ط: الثانية، مكتبة الرياض الحديثة. (41) تقريب التهذيب (2/87) ، تحقيق: الشيخ / خليل مأمون شيحا، ط: الثانية، دار المعرفة، 1417هـ - 1997م. (42) إرواء الغليل (5/108) ، ط: المكتب الإسلامي. (43) إرواء الغليل (5/108) . (44) إرواء الغليل (5/108) . (45) صحيح البخاري مع الفتح (3/218) . (46) هو: أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي المالكي، من مؤلفاته: الجامع لأحكام القرآن، والتذكرة في أمور الآخرة، وتوفّي سنة (671هـ) . انظر: الديباج المذهب (2/308) ؛ شذرات الذهب (5/325) . (47) تفسير القرطبي (4/217) . (48) تفسير القرطبي (3/72) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 433 (49) نيل الأوطار (7/12) ، ط: دار الجيل، (بيروت) . (50) صحيح البخاري مع فتح الباري (12/260) . (51) نيل الأوطار (7/12) . (52) مغني ذوي الأفهام (ص: 180) ؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/231) ؛ المحلى (6/473) . (53) تفسير القرطبي (3/72) ؛ وانظر ما سبق (ص: 13) . (54) انظر ما سبق (ص: 10) . (55) انظر ما سبق (ص: 8) . (56) شرح كتاب السير الكبير، أملاه: محمد بن أحمد السرخسي (1/129) ، تحقيق: صلاح المنجد، ط: مؤسسة قرطبة؛ مغني ذوي الأفهام (ص: 180) . (57) المصدر السابق (1/129) . (58) المصدر السابق (1/129) . (59) نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار (8/13) . وقال في منتقى الأخبار (8/11) : (باب: أنّ عبد الكافر إذا خرجَ إلينا مسلماً فهو حرّ) ، وذكر أحاديث الباب. وقال الزهري: (مضت السنة أنه لا يسترقّ كافرٌ مسلماً) . انظر: السير الكبير (1/129) ؛ المحلى (4/321) . (60) المغني (5/410) ، ط: 1389هـ، الناشر: مكتبة القاهرة. وانظر: مختصر الفتاوى المصرية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، (ص: 519) . (61) المهذب (2/260) . (62) حاشية ابن عابدين (4/211) . (63) المهذب (2/254-255) ؛ المغني (6/356) ؛ مغني ذوي الأفهام (ص: 180) . (64) المغني (6/356) . (65) المصدر السابق (6/356) . (66) المغني (6/356) ؛ مجموع الفتاوى، لابن تيمية (28/635-639) ، نشر وزارة الشؤون الإسلامية، المملكة العربية السعودية. (67) مختصر الفتاوى المصرية، لابن تيمية (ص: 517) ، ط2، 1406هـ، دار ابن القيم، صححه: محمد حامد الفقي. (68) مجموع الفتاوى الكبرى (35/365) . (69) شرعت في بحث عنوانه: (ضوابط حرية المعتقد في الشريعة لأهل الذمة) ، نسأل الله إتمامه. (70) انظر في هذا كتاباً بعنوان: (إبطال نظرية الخلط بين الأديان) ، لفضيلة الشيخ الدكتور / بكر أبو زيد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 434 (71) هو: أحمد بن محمد العدوي المالكي، له: شرح على مختصر خليل، ومتن في الفقه أيضاً، وتوفّي سنة (1201هـ) . انظر: فهرس الفهارس (1/293-294) ، لعبد الحي الكتاني، ط: الثانية، دار الغرب الإسلامي، (بيروت - لبنان) ، 1402هـ - 1982م. (72) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/486) . (73) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد (4/17-18) ، ط: دار الكتب العلمية. هذا وقد نقل الفقهاء الإجماع على عدم توريث المسلم من الذمي - كما هو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة - وعلى هذا لو تحاكموا إلينا في ميراثهم أو في غيره حكمنا بينهم بالإسلام؛ لشرف المسلم. وليس المقصود هنا تحقيق النفع المادي للمسلم، إذِ المعلوم على مذهب المالكية وبقية المذاهب المذكورة منع المسلم من إرث أبيه الذمي، وإنما الحكم بينهم بالإسلام؛ لصحة منهج المسلم وشرف دينه. والدليل على منعه حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما الذي رواه الجماعة إلا مسلماً: ((لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلم)) ، صحيح البخاري مع فتح الباري (12/50) . وذهب معاذ ومعاوية رضي الله عنهما إلى توريثه؛ لحديث: ((الإسلام يزيد ولا ينقص)) ، وعلله بعضهم بقاعدة (الإسلام يعلو) . وهذا القول مخالف لمذاهب أهل العِلْم، وعلوُّ الإسلام لا يدلّ على لزوم توريثه؛ لانتفاء الولاية بين المسلم والكافر. وحديثهم في إسناده مقال، وهو مجمل، ومعناه - إن صحّ - زيادة الإسلام واستمراره. ودليل الجمهور نصّ في منع التوارث بين المسلم والكافر. انظر: تفصيل المسألة في: المغني (6/367) ؛ حاشية العدوي على الخرشي (2/355) ؛ بداية المجتهد (2/322) ؛ أحكام القرآن، للجصاص (2/101) ؛ إحكام الأحكام، لابن دقيق العيد (4/17-18) ؛ فتح الباري (12/50) ؛ نيل الأوطار (6/83-84) ؛ أحكام أهل الذمة، لابن القيم (2/462-464) ، ط: دار العلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 435 وانظر تخريج حديث: ((الإسلام يزيد ولا ينقص)) في: تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج، لابن الملقن (20/311-312) ، تحقيق: د / عبد الله سعاف اللحياني، ط: الأولى، دار حراء. (74) قلت: الكفار أصناف: منهم المحاربون، ومنهم أهل الذمة، وهم الذين دخلوا تحت أحكامنا ووجبت علينا حمايتهم ودفع الضرر عنهم ونصرتهم على مَن اعتدى عليهم، ومنهم مَن بيننا وبينهم معاهدات ومسالمة بوضع الحرب بين الطرفين، كما صالَحَ النبي عليه الصلاة والسلام كفارَ مكة في صلح الحديبية، ومنهم المستأمن، وهو مَن دخل دار الإسلام بأمان ثم يعود إلى بلاده. المغني (9/332) . وانظر رسالة: دار الإسلام ودار الكفر والعلاقة بينهما، لعابد السفياني (ص: 78) . فأما الكفار المحاربون فالعلماء متفقون على منع التوارث بينهم وبين المسلمين؛ لعموم حديث: ((لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلم)) ، وقد سبق، ولأنّ الإرث فيه معنى المناصرة، ولا مناصرة بينهم. وأما الكفار من أهل الذمة فلا توارث بينهم وبين أقاربهم من المسلمين عند الجمهور. وأما توريث المسلم من قريبه الكافر غير الذمي وغير الحربي، وهو الصنف الثالث، أي: المعاهد الذي بيننا وبينهم مُسالمة ومُعاهدة، فهذا لم يقل به أحد من أهل العِلْم - فيما أعلم -، ودليل ذلك أن الخلاف المنقول في كتب الفقه إنما هو في مسألة إرث المسلم من قريبه الذمي؛ لأنّ أهل الذمّة تحت أحكامنا قد أَعطوا الجزية وهم صاغرون، وتجب علينا نُصرتهم على مَن اعتدى عليهم، فاختلف الفقهاء في جواز توريث المسلم مِن قريبه الذمي، فالجمهور على المنع، وهو الراجح؛ لعموم الحديث، والباقون على الجواز؛ لوجود تلك المعاني في العلاقة بين المسلمين وأهل الذمة، وهذا بخلاف العلاقة بين المسلمين والمعاهدين من غير أهل الذمّة. (75) المغني (6/112) ، تحقيق: محمد الزيني، ط: مكتبة القاهرة، 1389هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 436 (76) تحفة المحتاج بشرح المنهاج، لابن حجر الهيتمي (6/351) . (77) المغني (6/113) ؛ حواشي الشرواني وابن قاسم على تحفة المحتاج (6/351) ؛ التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع (ص: 184) ، ط: الثانية، المكتبة السلفية، 1406هـ. (78) المغني (6/121) . (79) المغني (6/120) . (80) المغني (9/18) . وانظر: منتقى الأخبار مع نيل الأوطار (7/227-228) ، قال: (باب: تبع الطفل لأبويه في الكفر ولِمن أسلم منهما في الإسلام، وصحة إسلام المميز) . واستدلّ على ذلك بأحاديث.. (81) المهذب (2/239) ؛ (2/260) ؛ وانظر: المحلى (4/322-323) ؛ فتح الباري، للحافظ ابن حجر (3/218-220) ؛ تحفة المحتاج مع حواشيه (6/353) . (82) مغني ذوي الأفهام (ص: 180) . والظاهر أنّ هذه القاعدة التي ذكرها ابن عبد الهادي تُبنى على قاعدة: (الإسلام يعلو ولا يُعلى) ؛ لأنّه كمال، والكفر نقص. (83) نيل الأوطار (7/12) . وانظر: المغني (8/273) ؛ المحلى (10/352) ؛ التشريع الجنائي في الإسلام، لعبد القادر عودة (2/122) ، ط: دار التراث العربي. (84) لم أطّلع على مَن علل بالقاعدة في هذا الموضع. وانظر اشتراط الإسلام في القاضي في: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/437) ، ط: دار الكتب العلمية، 1418هـ؛ شرح الخرشي على مختصر خليل (7/138) ، ط: دار الكتاب الإسلامي؛ نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (8/238) ، ط: دار الكتب العلمية، 1414هـ؛ شرح منتهى الإرادات (3/464) ، ط: دار الفكر. (85) تحكيم القوانين، للعلامة: محمد بن إبراهيم آل الشيخ، (ص: 1-6) . (86) تحكيم القوانين (ص: 1-6) . (87) انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم (1/47) ، ط: دار الجيل. (88) انظر أصل المسألة في: الموافقات، للإمام الشاطبي (1/78-79) ، (1/87) ؛ وشرح العقيدة الطحاوية، (ص: 181-183) ، للقاضي علي بن علي ابن أبي العزّ، ط1، بيروت، 1405هـ. المصادر والمراجع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 437 1- أحكام أهل الذمّة، لابن قيم الجوزية، تحقيق: د. صبحي الصالح، ط2، دار العلم، 1401هـ. 2- إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد، ط: دار الكتب العلمية. 3- إرواء الغليل، لمحمد بن ناصر الدين الألباني، ط: المكتب الإسلامي، 1399هـ - 1979م. 4- الأعلام، للزركلي، ط8، دار العلم للملايين، 1989م. 5- إعلام الموقعين، لابن قيم الجوزية، ط: دار الجيل، 1973م، قدّم له: طه عبد الرؤوف سعد. 6- البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لزين الدين بن إبراهيم المصري المعروف بابن نجيم، ط: دار الكتب العلمية، 1418هـ. 7- تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج، لابن الملقن، تحقيق: د / عبد الله سعاف اللحياني، ط1، دار حراء. 8- تحفة المحتاج بشرح المنهاج، لأحمد بن محمد بن حجر الهيتمي، ط: دار صادر، (بيروت) . 9- التشريع الجنائي في الإسلام، لعبد القادر عودة، ط3، دار التراث العربي، 1977م. 10- تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، دار الفكر، لبنان، 1401هـ. 11- تقريب التهذيب، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: الشيخ / خليل مأمون شيحا، ط2، 1417هـ - 1997م، دار المعرفة. 12- التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع، لأبي الحسن المرداوي، ط2، المكتبة السلفية، 1406هـ. 13- الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب، لابن فرحون، ط: دار الكتب العلمية. 14- الذخيرة، لأحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمد بو خبزة، ط1، دار الغرب الإسلامي. 15- ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب، ط: دار المعرفة. 16- ردّ المحتار على الدرّ المختار، لابن عابدين، ط2، دار الفكر، 1399هـ - 1979م. 17- السحب الوابلة، لابن حميد، تحقيق: د / عبد الرحمن العثيمين وبكر أبو زيد، ط1، مؤسسة الرسالة، 1416هـ - 1996م. 18- سنن الدارقطني، للدارقطني، ط1، دار الكتب العِلْمية، 1417هـ - 1996م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 438 19- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد مخلوف، ط: دار الفكر للطباعة والنشر. 20- شذرات الذهب، لابن العماد، ط: دار إحياء التراث العربي. 21- شرح الخرشي على مختصر خليل، ط: دار الكتاب الإسلامي وط: دار صادر. 22- شرح العقيدة الطحاوية، للقاضي علي بن علي بن أبي العزّ، ط1، بيروت، 1405هـ، تحقيق: بشير محمد عيون، الناشر: مكتبة دار البيان، دمشق. 23- شرح كتاب السير الكبير، أملاه: محمد بن أحمد السرخسي، تحقيق: صلاح المنجد، ط: مؤسسة قرطبة. 24- شرح منتهى الإرادات، لمنصور بن يونس البهوتي، ط: دار الفكر. 25- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تأليف: إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، ط3، 1402هـ. 26- صحيح البخاري مع فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، ط: المكتبة السلفية. 27- طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي، تحقيق: محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو، ط: إحياء الكتب العربية. 28- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، ط: المكتبة السلفية. 29- فهرس الفهارس، لعبد الحي الكتاني، ط2، دار الغرب الإسلامي، (بيروت - لبنان) ، 1402هـ - 1982م. 30- كشاف القناع عن متن الإقناع، لمنصور بن يونس البهوتي، ط: عالم الكتب، بيروت. 31- لسان العرب، للعلاّمة: أبي الفضل جمال الدين ابن منظور، الناشر: دار صادر، بيروت. 32- لسان الميزان، للحافظ ابن حجر، تحقيق: خليل محمد العربي، ط1، 1416هـ - 1996م، دار المؤيد للنشر والتوزيع. 33- المبسوط، لمحمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، ط: دار المعرفة. 34- مجمل اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس، تحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرسالة، ط1، 1404هـ. 35- مجموع الفتاوى، لابن تيمية، نشر وزارة الشؤون الإسلامية، المملكة العربية السعودية. 36- المحلى، لابن حزم، ط: دار الفكر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 439 37- مختصر الفتاوى المصرية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تصحيح: محمد حامد الفقي، ط2، 1406هـ، دار ابن القيم. 38- مسند الروياني، لمحمد بن هارون الروياني، ط1، مؤسسة قرطبة، 1416هـ - 1995م. 39- معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، ط: مكتب المثنى ودار إحياء التراث العربي، (بيروت، لبنان) . 40- المغني، تأليف: أحمد بن محمد بن قدامة، تحقيق: د. طه محمد الزيني، الناشر: مكتبة القاهرة، 1389هـ. 41- مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة الأحكام، صححه وعلق عليه: الشيخ / عبد الله عمر بن دهيش، ط3، دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع. 42- المهذب، لإبراهيم بن علي الشيرازي، ط: مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر. 43- الموافقات في أصول الشريعة، لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي، تعليق: عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 44- موسوعة القواعد الفقهية، لمحمد صدقي البورنو، ط2، مكتبة التوبة. 45- نصب الراية، لعبد الله بن يوسف الزيلعي، ط: الثانية، مكتبة الرياض الحديثة. 46- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، لمحمد بن أحمد الرملي، ط: دار الكتب العلمية، 1414هـ. 47- نيل الأوطار، لمحمد بن علي الشوكاني، ط: دار الجيل (بيروت - لبنان) ، الأولى، 1412هـ - 1992م. 48- وفيات الأعيان، لابن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، ط: دار صادر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 440 المسائل الفقهية المتعلقة بالمغتربين في صلاة الجمعة والعيدين والجنائز د. عبد الكريم بن يوسف الخضر أستاذ الفقه المشارك بجامعة الملك سعود - كلية التربية - الرياض ملخص البحث يعيش المسلم المغترب في بلاد الكفار معيشة تختلف عن معيشة المسلم في بلاد المسلمين. وذلك لوجود بعض الصعاب التي تعترض طريقه، ومن أهم هذه الصعاب وجود الفوارق الواضحة في المسائل والأحكام الفقهية بين ما يكون في بلاد المسلمين وما يكون في بلاد الكفار. ولذلك يحتاج المسلم المغترب إلى معرفة هذه المسائل والأحكام ليكون على بصيرة من أمره، وعلى علم في دينه، فلا تختلط عليه أحكام غربته مع أحكام إقامته في بلاد المسلمين. وهذا البحث الذي بين أيدينا حاول أن يعالج جانباً من هذه الجوانب ولذلك عنى بثلاثة أمور في جانب عبادة المغترب وهي: 1 - صلاة الجمعة وقد بحثت فيها: أ - حكم إذن الإمام بإقامتها. ب - العدد الذي يشترط لإقامتها. ج - حكم الخطبة بغير اللغة العربية. 2 - صلاة العيدين وقد بحثت فيها حكم إقامتها للمغتربين. 3 - الجنائز وقد بحثت فيها: أ - حكم وضعها في تابوت قبل الدفن. ب - حكم دفن المسلم في مقابر الكفار. ج - حكم زيارة قبور الكفار. ثم ختمت البحث بخاتمة وضعت فيها أهم النتائج التي تم التوصل إليها في هذا البحث. وأسأل اللَّه الكريم أن يتقبل هذا العمل وأن يجعله خالصاً لوجهه وأن ينفع به من كتبه وقرأه، والحمد لله رب العالمين. المقدمة: الحمد لله العفو العليم، التواب العزيز الرحيم، اللطيف الشكور الكريم، مالك الملك الجواد الحليم، أحمده حمد من يعترف بفضله وآلائه، ويسأله المغفرة لتقصيره في القيام بواجباته، وأشهد أنه اللَّه الذي لا إله إلا هو المتفرد بكبريائه المتعالي عن خلقه المختص بأسمائه وصفاته. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 441 وأشهد أن محمد بن عبد اللَّه الرسول النَّبِيّ الأمي خاتم أنبيائه، أرسله إلى عامة خلقه وجميع أوليائه، ليبين لهم طريق الحق من طريق الغواية، وأصلي وأسلم عليه وعلى أصحابه وأزواجه ومن اقتفى سنته يرغب بالهداية، أما بعد: فهذا بحث متواضع في أهم المسائل التي تختص بالمسلمين المغتربين في صلاة الجمعة والعيدين والجنائز أسميته: المسائل الفقهية المتعلقة بالمغتربين في صلاة الجمعة والعيدين والجنائز. سبب اختيار الموضوع وأهميته: حينما يقيم المسلم المغترب في مكان اغترابه فإنه يرغب في ممارسة شعائر دينه التي ميزه اللَّه بها وتفضل عليه بشرعها. ومنها صلاة الجمعة وصلاة العيدين. ودفن الجثمان بعد الصلاة عليه. والأصل أن المسلم المغترب لا يختلف في أحكامه عن المسلم غير المغترب الذي يقيم في بلاده خاصة في وجوب إظهار شعائر الدين الظاهرة، ما لم يخف على نفسه أو ماله أو عرضه أو دينه، ومن أظهر الشعائر صلاتا الجمعة والعيدين. ولذلك فقد وجدت بضع مسائل في هذه الشعائر الظاهرة يحتاج إليها المسلم المغترب في غربته. رغبت في بحثها واستقصاء أقوال الفقهاء فيها ومعرفة ما يترجح من هذه الأقوال بالأدلة الصريحة الصحيحة، علّي في ذلك أكون قد أسهمت إسهاماً قليلاً قليلة في تجلية بعض الإشكالات الفقهية التي قد تعترض طريق إخواننا المسلمين في بلاد الغربة ( [1] ) . خطة البحث: انتظمت خطة البحث في مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة. المقدمة وقد اشتملت على: أ - سبب اختيار الموضوع وأهميته. ب - خطة البحث. الفصل الأول: في صلاة الجمعة. وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: إذن الإمام في إقامة الجمعة. المبحث الثاني: العدد الذي تقام فيه الجمعة. المبحث الثالث: حكم الخطبة بغير العربية. الفصل الثاني: في حكم صلاة العيد للمغتربين. الفصل الثالث: في الجنائز. وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: حكم زيارة قبور المشركين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 442 المبحث الثاني: الدفن في التابوت. المبحث الثالث: حكم دفن المسلم المغترب في مقابر الكفار. هذا ما يسر اللَّه لي جمعه من المسائل الفقهية المتعلقة بالمغتربين في صلاة الجمعة والعيدين والجنائز، فإن كان ما ذكرته فيها صواباً فمن اللَّه وحده وله الحمد والنعمة والفضل، وإن يكن ما ذكرته فيها خطئًا فمن نفسي والشيطان، وأستغفر اللَّه العظيم منه، والحمدلله رب العالمين. الفصل الأول: في صلاة الجمعة: المبحث الأول: إذن الإمام في إقامة الجمعة اختلف الفقهاء في اشتراط إذن الإمام في إقامة الجمعة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه لا يشترط لصحتها إذن الإمام. وهذا قول المالكية ( [2] ) ، والشافعية ( [3] ) ، ورواية عند الحنابلة ( [4] ) . القول الثاني: أنه يشترط لصحتها إذن الإمام. وهذا قول الحنفية ( [5] ) ، ورواية عند الحنابلة ( [6] ) . القول الثالث: أن إذن الإمام شرط لوجوبها لا لجوازها. وهذا رواية عند الحنابلة ( [7] ) . الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: عن عبيد اللَّه بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه وهو محصور، فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما ترى، ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج، فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤا فاجتنب إساءتهم ( [8] ) . وجه الدلالة: أن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه لم ينكر على من صلى الجمعة خلف إمام الفتنة، مع أن هذا الإمام صلى بدون إذن الإمام الأعظم وهو عثمان ابن عفان، مما يدل على عدم وجوب إذن الإمام في إقامة الجمعة. الدليل الثاني: أن علياً صلى الجمعة بالناس وعثمان محصور فلم ينكره أحد وصوب ذلك عثمان وأمر بالصلاة معهم ( [9] ) . وجه الدلالة: أن صلاة علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه الجمعة بالناس وعثمان رضي اللَّه عنه محصور دليل على جواز صلاة الجمعة بدون إذن الإمام. الدليل الثالث: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 443 أن صلاة الجمعة من فرائض الأعيان فلم يشترط لها إذن الإمام كالظهر ( [10] ) . الدليل الرابع: أن صلاة الجمعة صلاة تشبه سائر الصلوات فتكون مثلها في عدم اشتراط إذن الإمام فيها ( [11] ) . دليل القول الثاني: أنه لا يقيم صلاة الجمعة إلا الأئمة في كل عصر فصار ذلك إجماعاً على عدم جواز إقامتها بدون إذن الإمام ( [12] ) . نوقش: أن ما ذكرتموه من الإجماع لا يصح لأن الناس يقيمون الجُمُعات في القرى من غير استئذان أحد، ثم لو صح أنه لم يقع إلا ذلك لكان إجماعاً على جواز ما وقع لا على تحريم غيره. كالحج يتولاه الأئمة وليس بشرط فيه ( [13] ) . أما القول الثالث فلم أجد له أدلة خاصة به. الترجيح: بعد النظر في هذه المسألة ومعرفة الأقوال الواردة فيها والاطلاع على أدلتها ومناقشة ما يحتاج إلى مناقشة منها تبين لي - واللَّه أعلم بالصواب - أن القول الراجح هو القول الأول وهو أنه لا يشترط إذن الإمام في صحة إقامة صلاة الجمعة. وذلك لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة ولضعف دليل القول الثاني وعدم سلامته من المناقشة. ولتعذر إمكانيته خاصة على أولئك المغتربين من المسلمين الذين يقيمون في بلاد الكفار، فلا يمكنهم الحصول على إذن إمام البلد الذي يقيمون فيه، ولو استطاعوا الحصول على إذنه فإنه يستطيع منعهم إقامتها برجوعه عن إذنه فيها في أي وقت، وبالتالي يُحرم المسلمون المقيمون في تلك البلاد من إقامة الجمعةإلا بإذن إمام البلد الكافر وهذا بعيد لأن فيه جعل سبيل للكافرين على المسلمين، واللَّه لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً. قال تعالى: {ولن يجعل اللَّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً} ( [14] ) . المبحث الثاني: العدد الذي تقام فيه الجمعة قد يوجد بعض المسلمين في بلد من بلاد الكفار ويرغبون في إقامة صلاة الجمعة ولكنهم عدد قليل، فهل يصح منهم إقامة صلاة الجمعة بالعدد القليل وما هو أقل عدد يمكن أن تقام فيه صلاة الجمعة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 444 اختلف أهل العلم في العدد الذي تقام فيه الجمعة على أقوال كثيرة، أهمها: القول الأول: أنها تنعقد بثلاثة رجال. وهذا القول رواية عند الحنابلة ( [15] ) ، وقول أبي يوسف من الحنفية ( [16] ) ، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ( [17] ) . القول الثاني: أنها تنعقد بأربعين رجلاً. وهذا مذهب الشافعية ( [18] ) ، والرواية المشهورة عند الحنابلة ( [19] ) . القول الثالث: أنها تنعقد بخمسين رجلاً. وهذا رواية عند الحنابلة ( [20] ) . القول الرابع: أنها تنعقد باثني عشر رجلاً. وهذا القول مذهب المالكية ( [21] ) . القول الخامس: أنها تنعقد بأربعة. وهذا مذهب الحنفية ( [22] ) ، ورواية عند الحنابلة ( [23] ) . القول السادس: أنها تنعقد باثنين فما فوق. وهذا مذهب ابن حزم ( [24] ) . الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: عن أبي الدرداء رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم -يقول: " ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" ( [25] ) . وجه الدلالة: أن الصلاة في هذا الحديث عامة تشمل الجمعة وغيرها، فإذا كانوا ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الصلاة ومنها صلاة الجمعة فإن الشيطان قد استحوذ عليهم. وهذا يدل على وجوب صلاة الجمعة على الثلاثة، ولا يمكن أن يقال: أنها تجب على الثلاثة، ثم يقال: إنها لا تصح من الثلاثة، لأن إيجابها عليهم ثم قولنا إنها غير صحيحة تضاد معناه: أمرناهم بشيء باطل والأمر بالشيء الباطل حرام ( [26] ) . الدليل الثاني: قال اللَّه تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللَّه وذروا البيع ... } الآية ( [27] ) . وجه الدلالة: أن هذه الصيغة الواردة في الآية صيغة الجمع فيدخل فيها الثلاثة، فيكون الثلاثة مأمورون بالسعي إلى صلاة الجمعة وهذا يدل على أنها تنعقد بهم ( [28] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 445 الدليل الثالث: أن هذا العدد أقل الجمع فهو يتناوله اسم الجمع فتنعقد به الجماعة كالأربعين ( [29] ) . الدليل الرابع: أن المثنى في حكم الجماعة حتى يتقدم الإمام عليهما، وفي الجماعة معنى الاجتماع، وذلك يتحقق بالمثنى ( [30] ) . أدلة القول الثاني: الدليل الأول: قال الإمام أحمد في رواية الأثرم: بعث النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -مصعب بن عمير إلى أهل المدينة فلما كان يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين وكانت أول جمعة جمعت ( [31] ) . وجه الدلالة: أن هذا الأثر يدل على أن العدد الذي تنعقد به الجمعة هو أربعون رجلاً، فاقتصر عليه إذ التجميع تغيير فرض فلا يصار إليه إلا بنص أو اتفاق، ولم يثبت ذلك. مما يدل على عدم انعقاد الجمعة بأقل من هذا العدد ( [32] ) . يناقش: بأنه إن صح هذا الأثر فإن بلوغهم هذا العدد وقع اتفاقاً لا قصداً فلا يصح الاستدلال به، فلم يقل أنهم أمروا أن يجمعوا فلما بلغوا أربعين أقاموا جمعة، فلو كان لفظ الحديث هكذا لكان فيه شيء من الاستدلال. أما والحالة هذه فليس فيه شيء من الاستدلال ( [33] ) . الدليل الثاني: عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وكان قائد أبيه بعدما ذهب بصره عن أبيه كعب بن مالك أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة، قال: لأنه أول من جمّع بنا في هزم النّبيت ( [34] ) من حرة بني بياضة ( [35] ) في نقيع يقال له: نقيع الخضمات ( [36] ) ، قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون ( [37] ) . وجه الدلالة: حيث دل هذا الأثر على أن أول جمعة جمعت في المدينة كان عدد من جمع بهم أربعين مما يدل على أن هذا العدد هو العدد الذي تنعقد به الجمعة. يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن فيه محمد بن إسحاق، وهو مختلف فيه ( [38] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 446 الوجه الثاني: أن هذا العدد وقع اتفاقاً لا قصداً فلا يصح الاستدلال به؛ لأنه لم ينص على أنهم أمروا بإقامة الجمعة فلم يقيموها حتى بلغوا أربعين، مما يدل على أن أقل عدد تنعقد به الجمعة أربعين، بل قصارى ما أفاد هو أن العدد الذي أقيمت به أول جمعة في المدينة بناء على هذا الأثر هو أربعون. الدليل الثالث: عن جابر بن عبد اللَّه قال: مضت السنة أن في كل ثلاثة إمام أو في كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطر، وذلك أنهم جماعة ( [39] ) . وجه الدلالة: أن هذا الحديث يفيد أن أقل عدد تنعقد به صلاة الجمعة وصلاة العيد هو أربعون. مما يدل على أنها لا تنعقد بأقل من ذلك. يناقش: بأن هذا الحديث ضعيف ( [40] ) فلا يصح الاستدلال به ( [41] ) . دليل القول الثالث: عن أبي أمامة أن نبي اللَّه- صلى الله عليه وسلم -قال: " على الخمسين جمعة ليس فيما دون ذلك " ( [42] ) . وجه الدلالة: أن هذا الحديث نص على عدم جواز انعقاد الجمعة بأقل من خمسين رجلاً. لأنها لا تجب على من هم أقل من ذلك. نوقش: أن هذا الحديث ضعيف فلا يصح الاستدلال به ( [43] ) . أدلة القول الرابع: الدليل الأول: عن جابر بن عبد اللَّه قال: بينا النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -قائم يوم الجمعة إذ قدمت عير إلى المدينة فابتدرها أصحاب رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم -حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً فيهم أبو بكر وعمر. قال: ونزلت هذه الآية: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها} ( [44] ) ( [45] ) . وجه الدلالة: أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -استمر في صلاة الجمعة مع أنه لم يبق معه بعد انصراف الناس للعير إلا اثنا عشر رجلاً، وما يشترط للابتداء يشترط للاستدامة، فيكون أقل عدد تنعقد به الجمعة اثني عشر رجلاً ( [46] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 447 نوقش: أن هذا العدد الذي بقي مع النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -وقع اتفاقاً ولم يكن قصداً، فربما يبقى أكثر، وربما يبقى أقل، فلا يكون فيه دليل على أن أقل عدد تنعقد به الجمعة اثنا عشر رجلاً ( [47] ) . الدليل الثاني: أن مصعب بن عمير حين بعثه النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -إلى المدينة جمع بهم وهم اثنا عشر رجلاً ( [48] ) . نوقش من وجهين: الأول: أن هذا لا يصح إسناده فلا يصح الاستدلال به ( [49] ) . الوجه الثاني: أنه لو صح فإنه لا يكون فيه دليلاً على أن أقل عدد تنعقد به الجمعة اثنا عشر؛ لأنا نقول أن هذا العدد وقع اتفاقاً لا قصداً. فربما لو اجتمع أقل من ذلك لجمع بهم مما يدل على أن هذا لا يدل على أن أقل عدد تقام به الجمعة اثنا عشر ( [50] ) . أدلة القول الخامس: الدليل الأول: قال اللَّه تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللَّه وذروا البيع ... } الآية ( [51] ) . وجه الدلالة: أن ما ذكر في الآية يقتضي منادياً وذاكراً وهو المؤذن والإمام والاثنان يسعون لأن قوله: "فاسعوا" لا يتناول إلا المثنى، ثم مادون الثلاث ليس بجمع متفق عليه فإن أهل اللغة فصلوا بين التثنية والجمع، فالمثنى وإن كان فيه معنى الجمع من وجه فليس بجمع مطلق واشتراط الجماعة ثابت مطلقاً ( [52] ) . يناقش: أن الخطاب في الآية لعموم المؤمنين بوجوب إقامة صلاة الجمعة إذا نودي لها. وأقل ما تتجه له صيغة الخطاب في الآية هم الثلاثة لأنهم أقل الجمع فتنعقد الجمعة بثلاثة لأنهم أقل الجمع. الدليل الثاني: عن أم عبد اللَّه الدوسية قالت: قال رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم -: " الجمعة واجبة على كل قرية وإن لم يكن فيها إلاَّ أربعة " ( [53] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 448 وجه الدلالة: أن هذا الحديث أثبت أن الجمعة تقام في القرية وإن لم يكن فيها إلاَّ أربعة، وهذا يدل على أن أقل عدد تنعقد به الجمعة هو أربعة وأن ما كان أقل من ذلك فإنه لا تنعقد به الجمعة. يناقش: أن هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به لأن فيه معاوية بن يحيى ومعاوية بن سعيد وهما مجهولان ( [54] ) . الدليل الثالث: أن الأربعة عدد يزيد على أقل الجمع المطلق أشبه الأربعين ( [55] ) . يناقش: أن الجمعة يكفي فيها أقل الجمع وهو ثلاثة لأنه تنعقد به الجماعة ولا داعي للزيادة عليه طالما أنه يكفي، فتنعقد الجمعة به. ثم إنه لا داعي لأن يكون العدد يشبه الاربعين حتى تنعقد به الجمعة لأنه لم يثبت أن الجمعة لا تنعقد إلاَّ بالأربعين. دليل القول السادس: " إن الاثنين جماعة فيحصل الاجتماع، ومن المعلوم أن صلاة الجماعة في غير الجمعة تنعقد باثنين بالاتفاق، والجمعة كسائر الصلوات فمن ادعى خروجها عن بقية الصلوات، وأن جماعتها لابد فيها من ثلاثة فعليه الدليل" ( [56] ) . نوقش: أنه لابد في صلاة الجمعة من جماعة تستمع الخطبة من الخطيب وأقلها اثنان والخطيب هو الثالث: فيتبين أنه لابد في صلاة الجمعة من ثلاثة خطيب ومستمعان وأن الاثنين لا يكفيان؛ لأن أحدهما يكون خطيباً والآخر يكون مستمعاً ( [57] ) . الترجيح: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 449 بعد الاطلاع على هذه المسألة والنظر في الأقوال الواردة فيها ومعرفة أدلة هذه الأقوال، ومناقشة ما يحتاج إلى مناقشة من هذه الأدلة تبين لي - واللَّه أعلم بالصواب- أن القول الراجح هو القول الأول وهو أن الجمعة تنعقد بثلاثة رجال فإذا وجد ثلاثة رجال من أهل الجمعة صحت إقامة صلاة الجمعة في المكان الذي يقيمون به. وذلك لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة ولعدم سلامة أدلة الأقوال الأخرى من المناقشة؛ ولأن هذا العدد أقل الجمع الذي يمكن أن يحصل به اجتماع، خاصة حينما يتقدم الإمام للخطبة والصلاة فيكون خلفه اثنان وبالتالي تكتمل الجماعة ويحصل الاجتماع، واللَّه أعلم. المبحث الثالث: حكم الخطبة بغير العربية اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنها لا تصح بغير العربية لغير الحاجة، وتصح للحاجة. وهذا قول عند الشافعية ( [58] ) ، ومذهب الحنابلة ( [59] ) ، وقول الصاحبين من الحنفية ( [60] ) ، وهو ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية ( [61] ) . القول الثاني: أنه تشترط الخطبة بالعربية ولا تصح بغيرها. وهذا مذهب المالكية ( [62] ) ، والشافعية ( [63] ) ، والرواية الصحيحة عند الحنابلة ( [64] ) . القول الثالث: أنه يستحب الخطبة بالعربية ويصح بغيرها. وهذا قول أبي حنيفة وهو المعتمد عند الحنفية ( [65] ) ، وقول عند الشافعية ( [66] ) ، ورواية عند الحنابلة ( [67] ) . الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن الخطبة لا تكون إلاَّ بالعربية لمن يفهمها ويعرفها ويحصل الفائدة المرجوة منها ولكن إذا كان المستمعون لها لا يفهمونها ولا يعرفونها ولا يحصلون الفائدة المرجوة منها إذا كانت بالعربية فإنه يجوز أن تكون بلسانهم الذي يعرفونه لا بالعربية، وذلك لأن المقصود من الخطبة الوعظ والإرشاد والتوجيه وهذا يأتي لمن لم يفهم الخطبة لكونها ألقيت بغير لسانه ولغته. الدليل الثاني: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 450 أن الخطبة بالعربية ليست مقصودة لذاتها حتى يمكن أن يقال بعدم صحتها بغيرها حتى ولو لم يفهمها الناس المستمعون بل هي مقصودة لما فيها من تعليم وتوجيه وإرشاد للمستمعين لها وهذا لا يحصل لمن لم يفهمها ويعرفها لكونها ألقيت بغير لغته التي يفهمها. أدلة القول الثاني: الدليل الأول: عن مالك بن الحويرث قال: أتينا إلى النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يوماً وليلة، وكان رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم -رحيماً رفيقاً، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أوقد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم، وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها، وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم " ( [68] ) . وجه الدلالة: أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -أمر في هذا الحديث بأن يصلي المسلم كما رأي النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -يصلي ويقتدي به في أحواله كلها وخاصة الصلاة، وخطبة الجمعة جزء من الصلاة التي ينبغي أن يقتدي المسلم فيها بالنبي- صلى الله عليه وسلم -، وبما أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -كان يخطب الجمعة بالعربية فإنه ينبغي ألا تخطب الجمعة إلاَّ بالعربية ولا تصح بغيرها، اقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم -. يناقش: أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -إنما كان يخطب بالعربية لأنه عربي ويخطب بقوم عرب فلا حاجة للخطبة بغيرها، وهذا ما نقول به عند عدم الحاجة للخطبة بغيرها، وأما حينما يكون هناك حاجة للخطبة بغيرها كأن يكون الذين تلقى عليهم الخطبة غير عرب ولا يفهمون العربية فإنه يصح أن يخطب بهم بلغتهم من أجل تحصيل المقصود من الخطبة وهو الوعظ والإرشاد والنصح، مما لا يتحصل لوقلنا بوجوب الخطبة بالعربية لهم. الدليل الثاني: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 451 أننا نقول بوجوب الخطبة باللغة العربية لاتباع السلف والخلف حيث لم يعهد منهم الخطبة بغير العربية ( [69] ) . يناقش: أن السلف والخلف الذين ذكرتم إنما كانوا يخطبون باللغة العربية لأنهم كانوا يخطبون بأناس يعرفون العربية، وهذا مما لا شك فيه أنه ينبغي الخطبة في مثل هذه الحالة باللغة العربية لعدم الحاجة للخطبة بغيرها. الدليل الثالث: أن الخطبة ذكر مفروض فيشترط فيها أن تكون باللغة العربية كتكبيرة الإحرام والتشهد ونحوها ( [70] ) . يناقش: أنه لا يسلم لكم أنه يلزم أن تكون جميع الأذكار المفروضة باللغة العربية لأنه يلزم من هذا القول إثبات فرضية تعلم العربية على جميع المسلمين وهذا قول مرجوح لقول اللَّه تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فيالدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} ( [71] ) . وبناء على هذا فإننا نقول بعدم وجوب تعلم العربية على جميع المسلمين فإذا قلنا بهذا القول فإننا نقول إنه يمكن أن تكون بعض الأذكار بغير العربية عند الحاجة لذلك ومنها الخطبة. دليل القول الثالث: أن المقصود من الخطبة الوعظ وهو حاصل بكل اللغات فتصح الخطبة بأي لغة كانت ( [72] ) . يناقش: أن الأصل في الخطبة أن تكون باللغة العربية إذا كان المستمعون يفهمونها ويعرفونها ولا تصح بغيرها لفعل النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -وأصحابه من بعده، وأما إن كان المستمعون لا يفهمون ولا يعرفون العربية فإنه لا بأس من الخطبة بغيرها للحاجة لذلك. الترجيح: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 452 بعد النظر في الأقوال الواردة في هذه المسألة والاطلاع على أدلتها ومناقشة ما لم يستقيم من هذه الأدلة تبين لي - واللَّه أعلم بالصواب- أن القول الراجح فيها هو القول الأول وهو أن الأصل في الخطبة أن تكون بالعربية ولا تصح بغيرها عند عدم الحاجة لذلك، وتصح بغيرها عند الحاجة لذلك بشرط قراءة الآيات باللغة العربية ثم ترجمة معانيها بلغة الخطبة. وذلك لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة ولضعف أدلة الأقوال الأخرى وعدم سلامتها من المناقشة، ولأن المقصود من الخطبة الوعظ والإرشاد وهذا إذا كان بلغة لا يفهمها من ألقيت عليه فإنه يفوت المقصود منها وتكون عديمة الجدوى بخلاف ما إذا كانت بلغة يفهمها من ألقيت عليه فإنه يفهمها ويستفيد منها ويتعظ بها، ثم إن كثير من المسلمين في العصر الحاضر لا يعرفون العربية وفي إلزامهم بتعلم العربية مشقة كبيرة عليهم قد لا يقدرون عليها وقد تكون سبباً في صدهم وأعراضهم عن الإسلام كما أنه لا يلزم من الإسلام أن يكون الإنسان متقناً للغة العربية، فلا يعقل بعد هذا أن يمنع إلقاء الخطبة بغير العربية وتفويت فوائدها المرجوة منها بسبب أمر ليس في مقدور المسلم العجمي تعلمه وتحصيله. الفصل الثاني: في حكم صلاة العيد للمغتربين يمر على المغتربين في وقت غربتهم أيام عيد الفطر وعيد الأضحى وهي أيام شرع اللَّه فيها صلاة العيد وجعلها فيها من شعائر الإسلام الظاهرة التي ينبغي المحافظة عليها. فما حكم صلاة العيد للمغتربين؟ القول الأول: أنها فرض كفاية. وهو قول عند المالكية ( [73] ) ، وقول عند الشافعية ( [74] ) ، ومذهب الحنابلة ( [75] ) . القول الثاني: أنها سنة. وهو رواية عند الحنفية ( [76] ) ، والمشهور عند المالكية ( [77] ) ، ومذهب الشافعية ( [78] ) ، ورواية عند الحنابلة ( [79] ) . القول الثالث: أنها واجبة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 453 وهو الرواية الصحيحة عند الحنفية ( [80] ) ، وقول عند المالكية ( [81] ) ، ورواية عند الحنابلة هي اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ( [82] ) . الأدلة: أدلة القول الأول: استدلوا بأدلة تدل على الوجوب في الجملة ومنها: الدليل الأول: قال اللَّه تعالى: {فصل لربك وانحر} ( [83] ) . وجه الدلالة: أن هذه الآية أمرت بأداء صلاة العيد والأمر يقتضي الوجوب إلا بصارف يصرفه من الوجوب إلى الندب ولا صارف هنا. الدليل الثاني: عن أم عطية رضي اللَّه عنها قالت: " أمرنا -تعني النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم - - أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين ( [84] ) . وجه الدلالة: أن الأمر يقتضي الوجوب إلا بصارف يصرفه من الوجوب إلى الندب ولا صارف هنا. وإذا كان النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -أمر النساء بحضور صلاة العيد مع أنهن لسن من أهل الاجتماع لعدم مشروعية صلاة الجماعة لهن في المسجد. فإن الرجال من باب أولى فيكون شهود العيد في حقهم أوجب. الدليل الثالث: أن مواظبة ومداومة النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -عليها وعدم تخلفه عنها يدل على وجوبها ( [85] ) . يناقش: أن الأصل في المداومة على الشيء إذا لم يكن فيه أمر الاستحباب ( [86] ) . الدليل الرابع: أن صلاة العيد من أعلام الدين وشعائره الظاهرة فكانت واجبةكالجمعة ( [87] ) . يناقش: أن من أعلام الدين وشعائره ما ليس واجباً على الأعيان بل هو واجب كفائي، كالأذان والإقامة فليس كل ما كان من أعلام الدين وشعائره واجباً على الأعيان. الدليل الخامس: أنها لو لم تكن واجبة لم يجب قتال تاركيها كسائر السنن. يحققه أن القتال عقوبة لا تتوجه إلى تارك مندوب كالقتل والضرب ( [88] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 454 يناقش: أنه إنما جاز قتال تاركيها لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة لا يجوز لأي مجتمع تركها بالكلية ولذلك جاز قتال تاركيها لعدم إظهارهم لهذه الشعيرة المهمة من شعائر الإسلام فأصبح هذا المجتمع الذي لا يظهرها في المجتمعات الكافرة فجاز قتاله حتى يظهرها ليتميز عن غيره من المجتمعات. الدليل السادس: أن صلاة العيد صلاة شرعت لها الخطبة فكانت واجبة على الأعيان ( [89] ) وليست فرضاً كالجمعة. يناقش: أن هذا قياس مع الفارق حيث إنها تختلف عن الجمعة لأن خطبة الجمعة واجبة واستماعها واجب بخلاف صلاة العيد فخطبتها غير واجبة واستماعها غير واجب. ما سبق من الأدلة دل على وجوب صلاة العيد في الجملة وأما أدلة عدم وجوبها على الأعيان فهي: الدليل الأول: أن صلاة العيد صلاة لا يشرع لها الأذان فلم تكن واجبة على الأعيان كصلاة الجنازة ( [90] ) . الدليل الثاني: أن صلاة العيد لو كانت واجبة على الأعيان لوجبت خطبتها، ووجب استماعها كالجمعة ( [91] ) . أدلة القول الثاني: الدليل الأول: عن طلحة بن عبيد اللَّه قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم -من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام. فقال رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم -: خمس صلوات في اليوم والليلة. فقال: هل علي غيرها؟ قال:لا إلا أن تطوع. قال رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم -: وصيام رمضان. قال: هل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع. قال: وذكر له رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم -الزكاة. قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع. قال: فأدبر الرجل، وهو يقول: واللَّه لا أزيد على هذا ولا أنقص. قال رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم -: أفلح إن صدق" ( [92] ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 455 وجه الدلالة: أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -بين للأعرابي في هذا الحديث عدم وجوب أي صلاة سوى الصلوات الخمس مما يدل على سنية ما عداها من الصلوات. ومن ضمن الصلوات صلاة العيد فتكون سنة. يناقش: أنه لا حجة لكم فيه لأن الأعراب لا تلزمهم الجمعة لعدم الاستيطان فالعيد أولى ( [93] ) . الدليل الثاني: عن عبادة بن الصامت رضي اللَّه عنهما قال: سمعت رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم -يقول: خمس صلوات كتبهن اللَّه على العباد، من جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند اللَّه عهدٌ أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند اللَّه عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ( [94] ) . وجه الدلالة: أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -لم يذكر في هذا الحديث سوى الصلوات الخمس المفروضة مما يدل على سنية ما عداهن. يناقش: أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -إنما صرح بوجوب الخمس وخصها بالذكر دون ما عداها لتأكدها ووجوبها على الأعيان، ووجوبها على الدوام وتكرارها في كل يوم وليلة، وغيرها يجب نادراً ولعارض كصلاة الجنازة والمنذورة والصلاة المختلف فيها فلم يذكرها ( [95] ) . الدليل الثالث: أن صلاة العيدين صلاة ذات ركوع وسجود لم يشرع لها أذان فلم تجب ابتداءً بالشرع كصلاة الاستسقاء والكسوف ( [96] ) . يناقش: أن هذا القياس لا يصح لأن كونها ذات ركوع وسجود لا أثر له، بدليل أن النوافل كلها فيها ركوع وسجود، وهي غير واجبة، فيجب حذف هذا الوصف لعدم أثره، ثم ينقض قياسهم بصلاة الجنازة وينتقض بكل حال بالمنذورة ( [97] ) أدلة القول الثالث: استدل أصحاب هذا القول بعموم الأدلة التي دلت على وجوب صلاة العيد في الجملة ( [98] ) ، وقالوا بأنها باقية على عمومها لعدم وجود دليل يخص أو يستثني بعض المسلمين دون بعض، وقد سبق مناقشة ما يحتاج إلى مناقشة منها. الترجيح: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 456 بعد النظر في هذه المسألة والاطلاع على الأقوال الواردة فيها ومعرفة أدلة هذه الأقوال ومناقشة ما يحتاج إلى مناقشة من هذه الأدلة تبين لي أن القول الراجح هو القول الأول وهو أن صلاة العيد فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الجميع وإن لم يقم بها من يكفي أثم الجميع. وذلك لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة ولعدم استقامة أدلة الأقوال الأخرى، واللَّه أعلم. الفصل الثالث: في الجنائز المبحث الأول: حكم زيارة قبور المشركين عندما يوجد المغترب في بلاد الكفار فإن أغلب القبور التي تكون موجودة فيها تكون قبور كفار، وقد يرغب المسلم المغترب في زيارتها أو قد يضطر لزيارتها إما مجاملة لزميل له أو نحو ذلك، فهل يجوز له زيارة قبور المشركين أم لا يجوز له ذلك؟ اتفق جمهور الفقهاء ( [99] ) على أنه يجوز للمسلم أن يزور قبور الكافرين والمشركين وذلك لأنه يتحصل له من هذه الزيارة تذكر الموت والدار الآخرة والتي علل بها المصطفى- صلى الله عليه وسلم -الإذن العام بزيارة القبور، دون تفريق بين قبور المسلمين وقبور الكافرين. استدلوا على ذلك بما يأتي: الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: " زار النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت " ( [100] ) . وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه وتعالى أذن للنبي- صلى الله عليه وسلم -أن يزور قبر أمه وهي مشركة مما يدل على جواز زيارة قبور المشركين. قال ابن تيمية: ولهذا تجوز زيارة قبورالمشركين لهذه العلة كما ثبت في الصحيحين عن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -أنه زار قبر أمه ( [101] ) . وقال النووي: فيه جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى ( [102] ) . الدليل الثاني: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 457 عن بريدة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم -: " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الاسقية كلها، ولا تشربوا مسكراً " ( [103] ) . وجه الدلالة: عموم قول النَّبِي- صلى الله عليه وسلم -: " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"، حيث كان النهي عن زيارة القبور عاماً سواء كانت قبور مسلمين أو قبور كفار، فجاء الإذن بزيارتها عام أيضاً فيشمل قبور المسلمين وقبور الكفار أيضاً. المبحث الثاني: حكم الدفن في التابوت هناك بعض البلاد غير الإسلامية تشترط وضع جثمان الميت مهما كان في تابوت. سواء كان هذا الميت مسلماً أو غير مسلم. وقد يموت في هذه البلاد أحد من المسلمين الذين يعيشون فيها، فهل يجوز أن يضع المسلم قريبه المتوفى في تابوت إذا اشترطت سلطات البلد الذي يوجد فيه وضعه في هذا التابوت أم لا يصح منه ذلك؟ اتفق جمهور الفقهاء ( [104] ) من الحنفية ( [105] ) ، والمالكية ( [106] ) ، والشافعية ( [107] ) ، والحنابلة ( [108] ) على أنه ينبغي أن يكفن الميت ويوضع في قبره بدون تابوت حيث يكره وضع الميت في تابوت إلا عند الحاجة إلى ذلك كأن تكون الأرض ندية أو رخوة لا تتماسك حتى يوضع فيها الميت، أو كانت أرضاً مسبعة تكثر فيها السباع التي تعتدي على الأموات بنبش قبورهم وأكلهم أو أن تكون سلطات البلد الذي يقيم فيه المغترب تلزم بوضع جثمان الميت في تابوت ثم دفنه فيه كما هو حال بعض الدول الأوربية، أو نحو ذلك، فإنه لا يكره في هذه الحالة وضع الميت في تابوت للحاجة إلى ذلك. وقد استدلوا بالأدلة الآتية: الدليل الأول: أن وضع الميت ودفنه في تابوت لم ينقل عن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -مما يدل على عدم مشروعيته ( [109] ) . الدليل الثاني: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 458 أن وضع الميت ودفنه في تابوت تشبه بالكفار حيث إنه من عملهم وقد ورد النهي عن التشبه بهم ( [110] ) . الدليل الثالث: أن دفن الميت في الأرض أنشف لفضلاته حيث يعجل بنشوف فضلاته وتأخر إنتانه بخلاف وضعه في تابوت حيث إنه يساعد على تأخر نشوف فضلاته وسرعة إنتانه ( [111] ) . الدليل الرابع: أن عدم إدخال التابوت معه في قبره ولا شيء مما مسته النار تفاؤلاً بألا يمس الميت النار ( [112] ) . الدليل الخامس: أن في الدفن في التابوت إضاعة مال مع عدم ورود ذلك عن السلف ( [113] ) . المبحث الثالث: حكم دفن المسلم في مقابر الكفار قد يموت المسلم المغترب في بلد اغترابه ولا يستطيع ورثته دفنه في مكان خاص بالمسلمين لعدم وجود مقابر خاصة بالمسلمين في البلد الذي مات فيه. أو لا يجدون بلداً من بلاد المسلمين تسمح سلطاته باستقبال جثمان الميت المسلم لدفنه في مقابرها. فهل يجوز دفنه في مقابر الكفار أم لا يجوز ذلك؟ اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية ( [114] ) ، والمالكية ( [115] ) ، والشافعية ( [116] ) ، والحنابلة ( [117] ) . على أنه لا يجوز دفن المسلم في مقابر الكفار. إلا عند الضرورة كأن يموت المسلم في بلد كفار لا يوجد فيه مقبرة خاصة بالمسلمين، ولا يستطيع ورثته نقله إلى بلد من بلاد المسلمين لدفنه فيها لعدم قدرتهم المالية على ذلك أو لأنهم لا يجدون بلداً من بلاد المسلمينتسمح سلطاته باستقبال جثمان الميت المسلم لدفنه فيها. فإنه يجوز في هذه الحالة دفن المسلم في مقابر الكفار. وهذا ما أفتى به مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره الثالث المنعقدة بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407 الموافق 11-16 أكتوبر 1986م ( [118] ) . الخاتمة: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 459 أحمد اللَّه حمداً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه على ما وهب من نعم، وما دفع من نقم، وما رزق من شكر، وما تجاوز وعفا عن ذنب وخطيئة، وعلى ما ستر من عيب، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ليهدي به اللَّه من شاء هدايته ويدله على طريق الخير القويم، ويضل به من سبقت عليه الضلالة إلى يوم الدين. صلاة وسلاماً ما تعاقب الليل والنهار الجديدين إلى أن يرث اللَّه الأرض فيبعث اللَّه العالمين، وبعد: فإن مما لا شك فيه ولا ريب أن لكل شيء بداية، وله في ذات الأمر نهاية وهذا البحث من الأشياء التي كانت لها بداية فكان لابد له من نهاية يختم بها وينهي الحديث عنه بالحديث عنها، فجعلت خاتمته في أهم النتائج التي توصلت إليها فيه وهي: 1 - أنه لا يشترط إذن الإمام في صحة إقامة صلاة الجمعة سواء كان ذلك في بلاد المسلمين أم في بلاد الكافرين. 2 - أن صلاة الجمعة تنعقد بثلاثة رجال وهم إمام يخطب واثنان يستمعان. فإذا وجد ثلاثة رجال من أهل الجمعة، صحت إقامة صلاة الجمعة في المكان الذي يقيمون فيه. 3 - أن الأصل في الخطبة أن تكون باللغة العربية ولا تصح بغيرها عند عدم الحاجة لذلك، وتصح بغير العربية عند الحاجة لذلك إذا كان المستمعون لا يفهمون العربية ولا يعرفونها بشرط قراءة الآيات القرآنية بالعربية ثم تترجم معانيها بلغة الخطبة. 4 - أن صلاة العيد فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يقم بها من يكفي أثم الجميع. 5 - أنه يجوز للمسلم أن يزور قبور الكافرين والمشركين؛ لأنه يتحصل له من هذه الزيارة تذكر الموت والآخرة كما يتحصل من زيارة قبور المسلمين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 460 6 - أنه ينبغي أن يكفن الميت المسلم ويوضع في قبره بدون تابوت، حيث يكره وضع الميت في تابوت إلاَّ عند الحاجة إلى ذلك كأن تكون الأرض ندية أو رخوة لا تتماسك حتى يوضع فيها الميت أو كانت أرض مسبعة تكثر فيها السباع التي تعتدي على الأموات بنبش قبورهم وأكلهم أو أن تكون سلطات البلد الذي يقيم فيه المغترب المتوفى تُلزم بوضع جثمان الميت في تابوت ثم دفنه فيهكما هو حال بعض الدول الأوربية ونحو ذلك، فإنه لا يكره في هذه الحالة وضع الميت في تابوت للحاجة إلى ذلك. 7 - أنه لا يجوز دفن المسلم في مقابر الكفار إلاَّ عند الضرورة كأن يموت المسلم المغترب في بلد كفار لا يوجد فيه مقبرة خاصة بالمسلمين ولا يستطيع ورثته نقله إلى بلد من بلاد المسلمين لدفنه فيها لعدم قدرتهم المالية على ذلك أو لأنهم لا يجدون بلداً من بلاد المسلمين تسمح سلطاته باستقبال جثمان الميت المسلم لدفنه فيها؛ فإنه يجوز في هذه الحالة دفن المسلم في مقابر الكفار. هذه هي أهم النتائج والثمرات التي تم التوصل إليها في هذا البحث المتواضع، فأسأل اللَّه العظيم ذا الوجه الكريم والسلطان العظيم البر العفو الرحيم، أن يتقبله عنده وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن يغفر فيه الزلة ويمحو الخطيئة ويتجاوز عن الخلل وأن يجبر العثرة وأن يثقل به موازين من بحثه وكتبه وقرأه وطبعه وأن يجعله من العمل الصالح الذي يسر النظر إليه يوم القيامة. آمين، آمين، آمين، والحمد لله رب العالمين. الهوامش والتعليقات --- (1) هناك مسألة تتعلق بهذا الموضوع وهي مسألة: "إقامة صلاة الجمعة في معابد الكفار" لم أذكرها هنا لأنه سبق لي بحثها في بحث آخر مستقل بعنوان "أحكام المغتربين الفقهية في الصلاة" فأردت عدم تكرارها هنا؛ لأنه يشترط في البحوث المقدمة للترقية في الجامعات عدم التكرار وفي حالة طباعة هذا البحث طباعة مستقلة سوف أذكرها تتميماً للفائدة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 461 (2) ابن رشد، بداية المجتهد1/116، محمد الدسوقي، حاشية الدسوقي1/374، عبد الباقي الزرقاني، شرح الزرقاني على موطأ مالك1/515. (3) الشافعي، الأم 1/156، السيد البكري، إعانة الطالبين 2/58، زين الدين المليباري، فتح المعين 2/58، محمد الغزالي، الوسيط 2/269. (4) محمد بن مفلح، الفروع 2/81، ابن قدامة، المغني 3/206، إبراهيم بن مفلح، المبدع 2/164. (5) السرخسي، المبسوط 2/25، ابن الهمام، شرح فتح القدير 2/26، محمد البابرتي، شرح العناية 2/26. (6) محمد بن مفلح، الفروع 2/11، إبراهيم بن مفلح، المبدع 2/164، ابن قدامة، المغني 3/206. (7) محمد بن مفلح، الفروع 2/11، إبراهيم بن مفلح، المبدع 2/164. (8) رواه البخاري. صحيح البخاري 1/171، كتاب الأذان، باب إمامة المفتون والمبتدع. (9) ابن قدامة، المغني 3/206-207. (10) انظر: المرجع السابق الجزء نفسه ص207. (11) انظر: المرجع السابق نفس الجزء والصفحة. (12) المرجع السابق نفس الجزء ص206. (13) المرجع السابق نفس الجزء ص207. (14) سورة النساء، الآية: 141. (15) ابن قدامة، المغني 3/204، إبراهيم بن مفلح، المبدع 2/152، علي المرداوي، الإنصاف 2/378. (16) السرخسي، المبسوط 2/34، علي المرغيناني، الهداية 2/31، ابن الهمام، شرح فتح القدير 2/31، محمد البابرتي، شرح العناية 2/31. (17) إبراهيم بن مفلح، المبدع 2/152، علي المرداوي، الإنصاف 2/378. (18) الشافعي، الأم 1/190، الماوردي، الإقناع 1/51، سليمان البجيرمي، حاشية بجيرمي على الخطيب 2/170. (19) ابن قدامة، المغني 3/204، إبراهيم بن مفلح، المبدع 2/152، علي المرداوي، الإنصاف 2/378، ابن ضويان، منار السبيل 1/139. (20) نفس المصادر السابقة نفس الأجزاء والصفحات. (21) محمد الدسوقي، حاشية الدسوقي 1/377، الخطاب، مواهب الجليل 2/161، أحمد الدردير، الشرح الكبير 1/376. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 462 (22) السرخسي، المبسوط 2/24، علي المرغيناني، الهداية 2/31، ابن الهمام، شرح فتح القدير 2/31، محمد البابرتي، شرح العناية 2/31. (23) إبراهيم بن مفلح، المبدع 2/152، علي المرداوي، الإنصاف 2/378. (24) ابن حزم، المحلى 3/249، 289. (25) رواه أبو داود. سنن أبي داود 1/371، كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة واللفظ له، ورواه النسائي 2/106-107، كتاب الإمامة، باب التشديد في ترك الطاعة، ورواه الإمام أحمد في المسند 5/196، وصححه ابن خزيمة، انظر: صحيح ابن خزيمة 2/371، كتاب الإمامة في الصلاة، باب التغليظ في ترك صلاة الجماعة في القرى والبوادي واستحواذ الشيطان على تاركها، والحاكم في المستدرك 1/330، كتاب الصلاة. وقال الحاكم: هذا حديث صدوق رواته، شاهد لما تقدمه متفق على الاحتجاج برواته إلا السائب بن حبيش، وقد عرف من مذهب زائدة أنه لا يحدث إلاَّ عن الثقات. المستدرك 1/331. ووافقه الذهبي في التلخيص 1/331، ورواه البيهقي. السنن الكبرى 3/54، كتاب الصلاة، باب فرض الجماعة في غير الجمعة على الكفاية، ورواية ابن حبان، الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 3/267، كتاب الصلاة، باب فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها، ذكر استحواذ الشيطان على الثلاثة إذا كانوا في بدو أو قرية ولم يجمعوا الصلاة، والبغوي في شرح السنة 2/369، كتاب الصلاة، باب التشديد على ترك الجماعة (ح794) . (26) انظر: ابن عثيمين، الشرح الممتع 5/52. (27) سورة الجمعة، الآية: 9. (28) انظر: ابن قدامة، المغني 3/204. (29) المرجع السابق نفس الجزء والصفحة. (30) السرخسي، المبسوط 2/24. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 463 (31) الزركشي، شرح الزركشي 2/194، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/160، 161، كتاب الجمعة، باب أول من جمع، وباب الإمام يجمع حيث كان ولم يذكر العدد، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3/196، كتاب الجمعة، باب وجوب الخطبة وأنه إذا لم يخطب صلى ظهراً أربعاً. (32) الزركشي، شرح الزركشي 2/195. (33) انظر: ابن عثيمين، الشرح الممتع 5/48. (34) الهَزْم: ما اطمأن من الأرض. انظر: ابن منظور، لسان العرب 12/608، حرف الميم، فصل الهاء، مادة (هزم) . و (النَّبيت) بطن من الأنصار وهو عمرو بن مالك بن الأوس. معجم البلدان 5/405. (35) بياضة: بطن من الأنصار وهو بياضة بن عامر بن رزيق بن عبد حارثة من الخزرج. ياقوت الحموي، معجم البلدان 5/405. (36) نقيع الخضمات: موضع حماه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، لخيل المسلمين وهو من أودية الحجاز يدفع سيله إلى المدينة يسلكه العرب إلى مكة منه. ياقوت الحموي، معجم البلدان 5/301. (37) رواه أبو داود. سنن أبي داود 1/645-646، كتاب الصلاة، باب الجمعة في القرى، واللفظ له. ورواه ابن ماجة. سنن ابن ماجة 1/343-344، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في فرض الجمعة، والحاكم في المستدرك 1/417، كتاب الجمعة، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وقال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم، التلخيص مع المستدرك 1/417. (38) قال الأثرم عن أحمد هو حسن الحديث. وقال مالك: دجال من الدجاجلة. وقال البخاري رأيت علي بن عبد اللَّه يحتج بحديث ابن إسحاق. قال وقال علي: ما رأيت أحداً يتهم ابن إسحاق. وقال أبو زرعة الدمشقي وابن إسحاق رجل قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه. وقال حنبل بن إسحاق: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: ابن إسحاق ليس بحجة. انظر: ابن حجر، تهذيب التهذيب 9/43، 44. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 464 (39) رواه الدارقطني. سنن الدارقطني 2/4، أول كتاب الجمعة، باب من تجب عليه الجمعة، واللفظ له، ورواه البيهقي. السنن الكبرى 1/177، كتاب الجمعة، باب العدد إذا كانوا في قرية وجبت عليهم الجمعة. (40) لأن في إسناده عبد العزيز بن عبد الرحمن الجزري البالسي. قال البيهقي: وهو ضعيف. السنن الكبرى 3/177، قال أحمد: اضرب على أحاديثه فإنها كذب أو موضوعة، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني: منكر الحديث. وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به. انظر: محمد آبادي، التعليق المغني على الدارقطني 2/4. (41) انظر: الزركشي، شرح الزركشي 2/195، ابن عثيمين، الشرح الممتع 5/49. (42) رواه الدارقطني. سنن الدارقطني 2/4، أول كتاب الجمعة، باب من تجب عليه الجمعة. (43) لأن في إسناده جعفر بن الزبير متروك. سنن الدارقطني 2/4، وقال ابن معين: شامي لا يكتب حديثه. وقال أبو زرعة: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال: ليس بثقة. وقال أحمد: اضرب على حديث جعفر. انظر: ابن حجر، تهذيب التهذيب 2/91. (44) سورة الجمعة، الآية: 11. (45) رواه مسلم. صحيح مسلم 1/590، كتاب الجمعة، باب في قوله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً} . (46) انظر: ابن قدامة، المغني 3/205. (47) ابن عثيمين، الشرح الممتع 5/50. (48) ذكره البيهقي. السنن الكبرى 3/179، كتاب الجمعة، باب العدد إذا كانوا في قرية وجبت عليهم الجمعة. (49) البيهقي، السنن الكبرى 3/179، وقال البيهقي: وهذا منقطع وإن صح فإنما أراد بمعونة الاثنى عشر النقباء الذين بعثهم النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم في صحبتهم أو على أثرهم إلى المدينة ليقرىء المسلمين فيصلي بهم. السنن الكبرى 3/179. (50) انظر: ابن حزم، المحلى 3/250. (51) سورة الجمعة، الآية: 9. (52) السرخسي، المبسوط 2/24. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 465 (53) رواه الدارقطني، سنن الدارقطني 2/7، 8، كتاب الجمعة، باب الجمعة على أهل القرية، ورواه البيهقي، السنن الكبرى 3/179، كتاب الجمعة، باب العدد الذين إذا كانوا في قرية وجبت عليهم الجمعة. (54) انظر: ابن حزم، المحلى 3/249، والبيهقي، السنن الكبرى 3/179، وقال الدارقطني: لا يصح هذا عن الزهري كل من رواه عنه متروك، انظر: سنن الدارقطني 2/8، ومدار الحديث بجميع طرقه كله على الزهري، ولم يثبت سماعه عن أم عبد اللَّه الدوسية، فالحديث مع ضعف رواته منقطع أيضاً، فلا ينتهض للاحتجاج به. محمد آبادي، التعليق المغني على الدارقطني 2/7. (55) انظر: ابن قدامة، المغني 3/205. (56) ابن عثيمين، الشرح الممتع 5/52، وانظر: ابن حزم، المحلى 3/250-251. (57) انظر: المرجع السابق نفس الجزء ص53 (58) النووي، روضة الطالبين 2/26، محمد الرملي، نهاية المحتاج 2/317، أحمد القليوبي، حاشية قليوبي 1/278. (59) علي المرداوي، الإنصاف 5/219، منصور البهوتي، شرح منتهى الإرادات 1/298. (60) محمود العيني، البناية 2/206، ابن الهمام، شرح فتح القدير 1/249، محمد البابرتي، شرح العناية 1/249. (61) اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، الفتاوى الإسلامية للجنة 1/405. (62) محمد الدسوقي، حاشية الدسوقي 1/378، أحمد الدردير، الشرح الكبير 1/378، الشيخ عليش، تقريرات الشيخ عليش 1/378، محمد الخرشي، شرح الخرشي 2/78، علي العدوي، حاشية العدوي 2/78. (63) النووي، روضة الطالبين 2/26، النووي، المجموع 4/521، محمد الرملي، نهاية المحتاج 2/317، محمد الشربيني، مغني المحتاج 1/286، سليمان الجمل، حاشية الجمل 2/28، أحمد القليوبي، حاشية قليوبي 1/278. (64) علي المرداوي، الإنصاف 5/219، محمد بن مفلح، الفروع 2/113، منصور البهوتي، شرح منتهى الإرادات 1/298. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 466 (65) محمود العيني، البناية 2/206، ابن الهمام، شرح فتح القدير 1/249، محمد البابرتي، شرح العناية 1/249. (66) النووي، روضة الطالبين 2/26، النووي، المجموع 4/522. (67) علي المرداوي، الإنصاف 5/219. (68) رواه البخاري، صحيح البخاري 1/155، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة، واللفظ له، ورواه مسلم، صحيح مسلم 1/465، 466، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة. (69) انظر: محمد الشربيني، مغني المحتاج 1/286. (70) انظر: النووي، المجموع 4/522، محمد الشربيني، مغني المحتاج 1/286. (71) سورة التوبة، الآية 122. (72) انظر: النووي، المجموع 4/522. (73) محمد عليش، منح الجليل 1/458، محمد الخرشي، شرح الخرشي 2/98، أحمد الصاوي، بلغة السالك 1/187. (74) إبراهيم الشيرازي، المهذب 1/125، النووي، المجموع 5/2. (75) ابن قدامة، المغني 3/253، علي المرداوي، الإنصاف 2/420، محمد بن مفلح، الفروع 2/137. (76) ابن نجيم، البحر الرائق 2/158، الزيلعي، تبيين الحقائق 1/224. (77) ابن عبد البر، الكافي ص77، ابن جزي، القوانين الفقهية ص83، محمد المواق، التاج والإكليل 2/109، محمد عليش، منح الجليل 1/458، صالح الأبي، جواهر الإكليل 1/101، محمد الخرشي، شرح الخرشي 2/98، أحمد الصاوي، بلغة السالك 1/187. (78) إبراهيم الشيرازي، المهذب 1/125، النووي، المجموع 5/2، بدر الدين الزركشي، البحر المحيط 1/386. (79) علي المرداوي، الإنصاف 2/420، محمد بن مفلح، الفروع 2/137. (80) ابن نجيم، البحر الرائق 2/157، ابن عابدين، منحة الخالق على البحر الرائق 2/158، الزيلعي، تبيين الحقائق 1/223. (81) محمد عليش، منح الجليل 1/458، أحمد الصاوي، بلغة السالك 1/187. (82) علي المرداوي، الإنصاف 2/420، محمد بن مفلح، الفروع 2/137، ابن تيمية، الاختيارات الفقهية ص150. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 467 (83) سورة الكوثر الآية: 2. (84) رواه البخاري. صحيح البخاري 2/8، كتاب العيدين، باب خروج النساء والحيض إلى المصلى، ورواه مسلم. صحيح مسلم 1/605-606، كتاب صلاة العيدين، باب إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال، واللفظ له. (85) انظر: ابن قدامة، المغني 3/254. (86) ابن عثيمين، الشرح الممتع على زاد المستقنع 5/150. (87) انظر: ابن قدامة، المغني 3/254. (88) انظر: المرجع السابق نفس الجزء والصفحة. (89) انظر: المرجع السابق نفس الجزء ص253. (90) المرجع السابق نفس الجزء ص254. (91) المرجع السابق نفس الجزء والصفحة. (92) رواه البخاري. صحيح البخاري 1/17، كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام. وقوله: {وما أمروا إلا ليعبدوا اللَّه مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} ، واللفظ له، ورواه مسلم. صحيح مسلم 1/40-41، كتاب الإيمان، باب بيانالصلوات التي هي أحد أركان الإسلام. (93) انظر: ابن قدامة، المغي 3/254. (94) رواه أبو داود 1/295-296، كتاب الصلاة، باب في المحافظة على وقت الصلوات، ورواه النسائي. سنن النسائي 1/230، كتاب الصلاة، باب المحافظة على الصلوات الخمس واللفظ له، ورواه ابن ماجة. سنن ابن ماجة 1/448، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها. ورواه مالك في الموظأ 1/123، كتاب صلاة الليل، باب الأمر بالوتر، ورواه الدارمي، سنن الدارمي 1/370، كتاب الصلاة، باب في الوتر، وقال ابن عبد البر: وهو صحيح ثابت لم يختلف عن مالك فيه. الشوكاني، نيل الأطار 1/365. (95) انظر: ابن قدامة، المغني 3/254. (96) المرجع السابق نفس الجزء والصفحة. (97) المرجع السابق نفس الجزء ص255. (98) سبقت هذه الأدلة عند ذكر أدلة القول الأول في هذه المسألة ص22-24. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 468 (99) علي المرداوي، الإنصاف 2/562، ابن تيمية، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 24/344، 27/377، لأبي الطيب محمد آبادي، عون المعبود 9/41، علي البعلي، القواعد والفوائد الأصولية 1/167، النووي، شرح النووي على صحيح مسلم 7/45، ابن حجر، فتح الباري 3/179، وقال ابن حجر في فتح الباري: قال صاحب الحاوي لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط. انتهى. وحجة الماوردي قوله تعالى {ولا تقم على قبره} الآية [التوبة:] وفي الاستدلال به نظر لا يخفى " فتح الباري 3/179. (100) رواه مسلم. صحيح مسلم 1/671، كتاب الجنائز، باب استئذان النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه. (101) ابن تيمية، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 24/344. (102) النووي، شرح النووي على مسلم 7/45. (103) رواه مسلم. صحيح مسلم 1/672، كتاب الجنائز، باب استئذان النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه (104) جاء في نهاية المحتاج: " ويكره دفنه في تابوت بالإجماع ". محمد الرملي، نهاية المحتاج 3/30، وانظر: محمد الشربيني، مغني المحتاج 1/363، وانظر: النووي، المجموع 5/287-288. (105) الزيلعي، تبيين الحقائق 1/245، ابن نجيم، البحر الرائق 2/194، الكاساني، بدائع الصنائع 1/318، ابن عابدين، حاشية ابن عابدين 1/599، علاء الدين الحصكفي، الدر المختار 1/599. (106) عبد الباقي الزرقاني، شرح الزرقاني 2/100، محمد المواق، التاج والإكليل 2/234، محمد عليش، منح الجليل 1/502. (107) محمد الرملي، نهاية المحتاج 3/30، محمد الشربيني، مغني المحتاج 1/363، الكوهجي، زاد المحتاج 1/421، عميرة، حاشية عميرة 1/349، أحمد القليوبي، حاشية قليوبي 1/349، النووي، المجموع 5/287، 293. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 469 (108) منصور البهوتي، كشاف القناع 2/134، علي المرداوي، الإنصاف 2/546، محمد ابن مفلح، الفروع 2/270، منصور البهوتي، شرح منتهى الإرادات 1/349، ابن قدامة، المغني 3/435. (109) انظر: ابن قدامة، المغني 3/435، منصور البهوتي، كشاف القناع 2/134. (110) انظر: منصور البهوتي، كشاف القناع 2/134، منصور البهوتي، شرح منتهى الإرادات 1/349، ابن قدامة، المغني 3/435. (111) انظر: منصور البهوتي، كشاف القناع 2/134، منصور البهوتي، شرح منتهى الإرادات 1/349، ابن قدامة، المغني 3/435. (112) انظر: منصور البهوتي، كشاف القناع 2/134، منصور البهوتي، شرح منتهى الإرادات 1/349، ابن قدامة، المغني 3/435. (113) عميرة، حاشية عميرة 1/349. (114) ابن عابدين، حاشية ابن عابدين 1/599، محمود العيني، البناية 3/280-281. (115) صالح الأبي، جواهر الإكليل 1/114، 115، 116، 117، محمد عليش، منح الجليل 1/501، عبد الباقي الزرقاني، شرح الزرقاني 2/100. (116) أحمد القليوبي، حاشية قليوبي 1/349، عميرة، حاشية عميرة 1/349، النووي، روضة الطالبين 2/142. (117) منصور البهوتي، كشاف القناع 2/124، منصور البهوتي، شرح منتهى الإرادات 1/257، ابن قدامة، المغني 3/513 -514، علي المرداوي، الإنصاف 2/557، محمد بن مفلح، الفروع 2/285. (118) مجمع الفقه الإسلامي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث 2/1400. المصادر والمراجع 1 - آبادي، أبو الطيب محمد. التعليق المغني على الدارقطني: مطبوع مع سنن الدارقطني، الناشر: عالم الكتب، بيروت، ط. الرابعة 1416هـ/1986م. 2 - آبادي، أبو الطيب محمد. عون المعبود شرح سنن أبي داود: الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط. الأولى، 1410هـ/1990م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 470 3 - ابن الهمام، محمد بن عبد الواحد المتوفى عام (681هـ) . شرح فتح القدير: الناشر دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 4 - ابن تيمية، أحمد بن عبد السلام. الإختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: اختارها علي البعلي الدمشقي المتوفى عام (803هـ) : الناشر المؤسسة السعيدية بالرياض، مطابع الدجوى عابدين. 5 - ابن جزي، أبي عبد الله محمد بن أحمد المتوفى عام (741هـ) . القوانين الفقهية: الناشر دار الكتب العربي، بيروت، ط-الثانية 1409هـ. 6 - ابن حزم، أبو محمد علي المتوفى عام (456هـ) . المحلى بالآثار: الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 7 - ابن حنبل، الإمام أحمد المتوفى عام (241هـ) . المسند: الناشر دار الدعوة، اسطنبول، تركيا. 8 - ابن رشد الحفيد، أبو الوليد محمد بن أحمد المتوفى عام (595هـ) . بداية المجتهد ونهاية المقتصد: الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، توزيع مكتبة الرياض الحديثة. 9 - ابن ضويان، إبراهيم بن محمد، المتوفى عام (1253هـ) . منار السبيل في شرح الدليل: الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، ط. الخامسة (1402هـ) . 10 - ابن عابدين، محمد أمين الشهير، المتوفى عام (1252هـ) . منحة الخالق على البحر الرائق: مطبوع مع البحر الرائق. الناشر: مكتبة رشيدية، باكستان، طبع في المطبعة العربية - باكستان. 11 - ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد، المتوفى عام (463هـ) . الكافي في فقه أهل المدينة المالكي: الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط-الأولى 1407هـ. 12 - ابن قاسم، عبد الرحمن بن محمد وابنه محمد. مجموع فتاوى شيخ الإسلام: الناشر الرئاسة العامة لشؤون الحرمين، طبع بإدارة المساحة العسكرية، القاهرة 1404هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 471 13 - ابن قدامة، أبو محمد عبد الله بن أحمد المتوفى عام (620هـ) . المغني: تحقيق عبد الله التركي، وعبد الفتاح الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان. 14 - ابن مفلح، أبو اسحاق إبراهيم المتوفى عام (884هـ) . المبدع في شرح المقنع: الناشر المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 15 - ابن مفلح، محمد المتوفى عام (763هـ) . الفروع: الناشر مكتبة ابن تيمية، القاهرة. 16 - ابن منظور، أبي الفضل محمد بن مكرم. لسان العرب: الناشر: دار صادر، بيروت - لبنان، ط. الأولى 1410هـ/1990م. 17 - ابن نجيم، زين العابدين ابراهيم المتوفى عام (970هـ) . البحر الرائق شرح كنز الدقائق: الناشر مكتبة رشيدية، باكستان، المطبعة العربية. 18 - الأزهري، صالح عبد السميع الآبي. جواهر الأكليل شرح مختصر خليل: الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت. 19 - البارتي، محمد بن محمود المتوفى عام (786هـ) . شرح العناية على الهداية: مطبوع مع شرح فتح القدير، الناشر دار إحياء التراث الإسلامي، بيروت، لبنان. 20 - البجيرمي، سليمان البجيرمي. حاشية البجيرمي: الناشر دار الفكر، ط-الأخيرة 1401هـ. 21 - البخاري، أبو عبد الله محمد بن اسماعيل المتوفى عام (256هـ) . صحيح البخاري: الناشر دار الدعوة، اسطنبول، تركيا. 22 - البهوتي، منصور بن يونس البهوتي المتوفى عام (1051هـ) . كشاف القناع عن متن الإقناع: الناشر مكتبة النصر الحديثة، الرياض. 23 - البهوتي، منصور بن يونس المتوفى عام (1051هـ) . شرح منتهى الإرادات: الناشر دار الفكر. 24 - البيهقي، أبو بكر أحمد بن حسين المتوفى عام (458هـ) . السنن الكبرى: الناشر دار المعرفة، بيروت، توزيع مكتبة المعارف، الرياض. 25 - الجمل، سليمان الجمل. حاشية الجمل على المنهج: دار الفكر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 472 26 - الحاكم، أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الله المتوفى عام (405هـ) . المستدرك على الصحيحين: الناشر دار الكتب العلمية، بيروت 1411هـ، ط- الأولى. 27 - الحصكفي، علاء الدين محمد بن علي، المتوفى عام (1088هـ) . الدر المختار شرح تنوير الأبصار: الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان. 28 - الحطاب، أبو عبد اللَّه محمد المغربي، المتوفى عام (954هـ) . مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: الناشر: دار الفكر، ط. الثانية 1398هـ. 29 - الحموي، أبو عبد اللَّه ياقوت. معجم البلدان: الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان. 30 - الحنبلي، علي بن عباس البعلي، المتوفى عام (803هـ) . القواعد والفوائد الأصولية: الناشر: مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1375هـ/1956م. 31 - الخرشي، محمد المتوفى عام (1101هـ) . شرح الخرشي على مختصر خليل: الناشر دار الكتاب الإسلامي لإحياء ونشر التراث الإسلامي، القاهرة، مصر. 32 - الخطيب، محمد الشربيني المتوفى عام (977هـ) . مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: الناشر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي 1377هـ. 33 - الدارقطني، علي بن عمر المتوفى عام (375هـ) . سنن الدارقطني: الناشر عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط-السابعة 1406هـ. 34 - الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل المتوفى عام (255هـ) . سنن الدارمي: نشر وطبع بدار الدعوة، اسطنبول، تركيا. 35 - الدرير، أبو البركات أحمد، المتوفى عام (1201هـ) . الشرح الكبير: الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. 36 - الدسوقي، محمد عرفة الدسوقي المتوفى عام (1230هـ) . حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: الناشر دار الفكر للطباعة والنشر. 37 - الدمياطي، سيد البكري بن السيد محمد شطا المصري. إعانة الطالبين: طبع بمطبعة دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 473 38 - الذهبي، شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عثمان، المتوفى عام (748هـ) . تلخيص المستدرك: الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط. الأولى، 1411هـ. 39 - الزرقاني، عبد الباقي. شرح الزرقاني على مختصر خليل: الناشر دار الفكر، بيروت، لبنان. 40 - الزركشي، بدر الدين بن محمد بن بهادر، البحر المحيط: الناشر: دار الكتبي. 41 - الزركشي، شمس الدين محمد بن عبد اللَّه، المتوفى عام (772هـ) . شرح الزركشي على مختصر الخرقي: طبع بشركة العبيكان للطباعة والنشر، الرياض. 42 - الزيلعي، فخر الدين عثمان المتوفى عام (743هـ) . تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: الناشر دار الكتاب الإسلامي، ط-الثانية بمطابع الفاروق، القاهرة. 43 - السجستاني، سليمان بن الأشعث المتوفى عام (275هـ) . سنن أبي داود: نشر وتوزيع محمد علي السيد، حمص، سوريا، ط-الأولى 1388هـ. 44 - السرخسي، أبو بكر بن أبي سهل المتوفى عام (490هـ) . المبسوط: الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ودار المعرفة، بيروت. 45 - الشافعي، أبو عبد الله محمد بن إدريس، المتوفى (204هـ) . الأم: الناشر دار المعرفة، بيروت، لبنان. 46 - الشافعي الصغير، محمد بن أبي العباس الرملي المتوفى عام (1004هـ) . نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط-الأخيرة 1404هـ. 47 - الشوكاني، محمد المتوفى عام (1255هـ) . نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار: الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 48 - الشيرازي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي، المتوفى عام (476هـ) . المهذب: الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، ط. الثانية، 1379هـ. 49 - الصاوي، أحمد بن محمد. بلغة السالك لأقرب المسالك: الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة- مصر، ط. الأخيرة، 1372هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 474 50 - الصنعاني، أبو بكر عبد الرزاق بن همام المتوفى عام (211هـ) . مصنف عبد الرزاق: الناشر المجلس العلمي في الهند، مطابع دار العلم، بيروت. 51 - العثيمين، محمد بن صالح. الشرح الممتع على زاد المستقنع: الناشر: مكتبة آسام، الرياض، المملكة العربية السعودية. 52 - العدوي، علي. حاشية العدوي: مطبوع مع شرح الخرشي، الناشر: دار الكتاب الإسلامي لإحياء ونشر التراث الإسلامي، القاهرة - مصر. 53 - العسقلاني، أحمد بن حجر المتوفى عام (852هـ) . تهذيب التهذيب: الناشر دار الكتاب الإسلامي، القاهرة. 54 - عليش، محمد، المتوفى عام (926هـ) . منح الجليل شرح على مختصر خليل: الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان ط. 1409هـ. 55 - عميرة، شهاب الدين أحمد أبو يعلى المتوفى عام (957هـ) . حاشية عميرة على شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين: الناشر مطبعة دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي، القاهرة. 56 - العيني، أبو محمد محمود. البناية في شرح الهداية: الناشر: دار الفكر ببيروت، ط. الثانية، 1411هـ/1990م. 57 - الغزالي، محمد بن محمد، المتوفى عام (505هـ) . الوسيط: الناشر: دار السلام، القاهرة، ط. الأولى 1417هـ. 58 - القزويني، أبو عبد الله محمد بن يزيد المتوفى عام (255هـ) . سنن ابن ماجه: نشر وطبع بدار الدعوة، اسطنبول، تركيا. 59 - القشيري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج المتوفى عام (261هـ) . صحيح مسلم: الناشر دار الدعوة، اسطنبول، تركيا. 60 - القليوبي، شهاب الدين أحمد بن أحمد المتوفى عام (1069هـ) . حاشية قليوبي على شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين: الناشر مطبعة دار إحياء الكتب العربية، مصر. 61 - الكاساني، علاء الدين أبي بكر بن مسعود المتوفى عام (587هـ) . بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ط-الثانية 1406هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 475 62 - الكوهجي، عبد اللَّه بن حسن. زاد المحتاج بشرح المنهاج: الناشر: المكتبة العصرية، بيروت - لبنان، 1409هـ. 63 - مجلة مجمع الفقه الإسلامي. الناشر مجمع الفقه الإسلامي بجدة التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. 64 - المرداوي، علي الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي المتوفى عام (885هـ) . الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل: الناشر مكتبة السنة المحمدية ط- الأولى 1374هـ، توزيع مكتبة ابن تيمية، القاهرة. 65 - المرغيناني، أبو الحسن علي بن أبي بكر، المتوفى عام (593هـ) . الهداية شرح بداية المبتدي: مطبوع مع شرح فتح القدير، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان. 66 - المليباري، زين الدين بن عبد العزيز. فتح المعين: الناشر: دار الفكر، بيروت. 67 - المواق، أبو عبد اللَّه محمد بن يوسف العبدري، المتوفى عام (897هـ) . التاج والإكليل لمختصر خليل: مطبوع مع مواهب الجليل، الناشر: دار الفكر، ط. الثانية، 1398هـ. 68 - النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب المتوفى عام (303هـ) . سنن النسائي " المجتبى ": نشر وطبع بدار الدعوة، اسطنبول، تركيا. 69 - نظام، الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند. الفتاوى الهندية المسماة "بالفتاوى العالمكيرية": الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط. الرابعة. 70 - النووي، أبو زكريا محيي الدين المتوفى عام (676هـ) . المجموع شرح المهذب: الناشر دار الفكر. 71 - النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف المتوفى عام (676هـ) . روضة الطالبين وعمدة المفتين: الناشر المكتب الإسلامي، دمشق، سوريا ط-الثالثة. 72 - النيسابوري، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي، المتوفى عام (311هـ) . صحيح ابن خزيمة: الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، ط. الثانية، 1412هـ/1992م. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 476 حياة القائد بين القدوة والاقتداء د. علي بن حسن علي القرني كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة ملخص البحث إن القدوة الذي دار معظم ما ورد في هذا البحث عن دوره وأهميته هو ما تفتقده أمتنا اليوم في شتى مناحي الحياة وميادينها ولو فُعِّل دور القدوة اليوم بالشكل الذي يطالبنا به ديننا لتغير الحال إلى ما تصبوا إليه الأمة من عزة وسؤدد فقدناه. لقد ركز البحث على فئة هي من أكبر فئات المجتمع تأثيراً إذا ما تحسست دورها فيما يتعلق بالاقتداء منها وبها ألا وهم (القادة) القادة في كل ميدان يرأس فيه إنسان مجموعة من الناس سواء كان قائداً عسكرياً أو مدنياً وقد تم في هذا البحث إعطاء تعريف محدد للقائد في اللغة والاصطلاح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 477 وبينت الفرق بين الأسوة والقدوة وأن بينها عموم وخصوص ثم حاولت أن أزيد المعنى وضوحاً حول مفهوم القدوة فحاولت أن أدون الأساس النفسي في عملية الاقتداء. بعدها جاء بيان أنواع القدوة وأنها لا تخرج بحال عن نوعين قدوة صالحة وهو ما ركز عليه البحث، وقدوة سيئة وهو ما حذر منه البحث، كما تضمن البحث بيان أصول القدوة الصالحة وأنها تعود إلى أصلين هامين هما حسن الخلق، وموافقة القول للعمل ولأن البحث يدور حول القائد ودوره في عملية الاقتداء ركزت على أنه لا مناص للقائد من دوره كقدوة لكن عليه أن يكون قدوة صالحة لا سيئة كما ركزت أيضاً على أن عليه في الوقت نفسه أن يكون مقتدياً بقائد القادة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها كان التأكيد على أهمية القدوة الصالحة وبيان آثارها الحميدة أما الفصل الثاني فقد دار حول بيان وتوضيح دور آخر للقائد لا يقل أهمية عن الدور الأول ألا وهو دور القائد في الدعوة والاحتساب بين أفراده تخلل ذلك تزويده بشيء من فقه الدعوة والاحتساب فبعد أن بينت ما يجب أن يعد به القائد نفسه ليكون مستعداً للقيام بهذا الواجب فيما يتعلق بصفاء العقيدة من الشرك وسلامة الأخلاق من الانحراف والتحصين بالعلم زودته بتعريف للمحتسب والحسبة وبينت له أهمية الحسبة في حياته بخاصة وحياة المسلمين بعامة كما أنني عددت له شروط المحتسب وآدابه ثم جاء بيان شروط إنكار المنكر، وخطوات إنكار المنكر ومراتب تغيير المنكر، وختمت تلك الأحكام الفقهية فيما يتعلق بالاحتساب ببيان شروط وضوابط تغيير المنكر بالقلب فبمجموع هذه القواعد الفقهية للاحتساب يكون القائد مستعداً للقيام بهذا الدور الحيوي الهام. وختمت البحث بخاتمة بينت فيها بعض التوصيات والنتائج سائلاً الله أن أكون وفقت في هذا الملخص لإعطاء فكرة مفهومة للبحث والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل. المقدمة: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 478 الحمد لله الذي أمر بالإقتداء وأصلي وأسلم على من جعله ربه قدوة لكل قدوة محمد وعلى آله وصحبه وبعد. فإن القائد الذي هو محط أنظار مرؤسيه قدره أنه قدوة لا مناص له من ذلك، ومن هنا جاء إعداد هذا البحث الذي ركزت فيه على ما يتعلق بالقدوة الصالحة التي نريد للقائد المسلم أن يتمثلها وقد جعلته في فصلين. في الفصل الأول أوضحت مفهوم القدوة، وأهميتها والفرق بين القدوة والأسوة، وكذلك بيَّنت دور الأساس النفسي في عملية الإقتداء، ثم ذكرت أنواع القدوة وأصول القدوة الصالحة، وختمت الفصل بنقطة مهمة جداً ألا وهي القائد بين القدوة والإقتداء حاولت فيها أن أبيَّن أن القائد الذي هو قدوة كما تقرر في النقاط قبلها هو في الوقت نفسه مقتدياً بقائد القادة محمد رسول الله وغيره من قادة الأمة الأفذاذ. أما الفصل الثاني وهو بعنوان القائد قدوة ومحتسب بين أفراده فقد ركزت فيه على تزويد القائد بشيء من فقه الحسبة الذي هو عدته في إصلاح نفسه ومن ثم استصلاح من هم تحت مسئوليته من مرؤسيه وبهذا أكون قد أوضحت أهمية بل وخطورة الدور الذي يمثله القائد من خلال منصبه والموقع الذي يتبوأه سواء كان قائداً عسكرياً أو مدنياً فإذا ما أدرك كل قائد هذه الأهمية للموقع الذي هو فيه عمل مجتهداً على الوفاء بمتطلباته منصبه الذي هو تكليف قبل أن يكون تشريف ومطلب قبل أن يكون مغنم وبتحقق هذا من قبله يتحقق للأمة الذي يمثلها هذا القائد الناجح العز والتقدم والرقي. نسأل الله أن يحقق للأمة الإسلامية كل ما تصبو إليه من عز وسؤدد إنه القادر على ذلك وحده وصلى الله وسلم وبارك على من لا نبي بعده وهذا البحث ليس الا جهدا متواضعا فيما يتعلق بالقدوة بشكل عام الى جانب جهود سبقته خدمت الموضوع وبينت الدور العظيم بل والحساس للقدوة لعل من ابرزها فيا اطلعت عليه الكتب التاليه: 1.القدوة الصالحة اخلاق قرآنية ونماذج ربانية للاستاذ حسين ادهم جار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 479 2.القدوة الصالحة وأثرها في الدعوة للدكتور /علي بن حسن القرني. الفصل الأول: القدوة وأهميتها تمهيد: إن استقامة المؤمن على دينه، وقوة علاقته بربه، وحسن خلقه وتعامله يعكس التَدَّين الحقيقي لجوهر تلك النفس التي بين جنبيه، والذي يفيض عنها ذلك التأثير الذي يجذب إليه الأفئدة ويجمع عليه القلوب فيكون كل ذلك مدعاة للتأثير والاقتداء. وفي هذا الفصل سأحاول أن أتعرض لبيان مفهوم القدوة الصالحة التي أراها لازمة للقائد بحكم المكانة التي هو فيها فيعمل على تقمصها بدل أن يتقمص ضدها فهو لا محالة متقمص إحداهما شاء أم أبى لأن موقعه ومكانه بين مرؤسيه هو مكان اقتداء كذلك سأشير إلى أهمية هذا الدور الذي هو فيه وهو (القدوة) حتى يتحسس خطورته فيختار لنفسه ما ينقذها ويليق بها. ويبعدها عن ما يشينها وبالتالي يكون سبباً في فشل قيادته والقدح في سيرته وفيه سيكون. بيان الفرق بين القدوة والأسوة، والأساس النفسي في عملية الإقتداء، وانواع القدوة، واصول القدوة الصالحة، ثم يكون ختام الفصل اهمية القدوة الصالحة 0 تعريف القدوة: في اللغة: جاء في المعجم الوسيط (1) (القدوة: يقال فلان قدوة إذا كان يقتدى به، ولي بك قدوة. ومنها قوله (اقتدى به، أي فعل مثل فعله تشبهاً به) . وفي لسان العرب (2) (القدوة من التقدم، يقال فلان لا يقاديه أحد ولا يباريه أحد ولا يجاريه أحد وذلك إذا تميز في الخلال كلها) . أما في الاصطلاح: (فالاقتداء هو طلب موافقة الغير في فعله) (3) . والقدوة هو الأسوة والعكس، فالأسوة كما يقول القرطبي رحمه الله (هو ما يتأسى به أي يعتزي به فيقتدي به في جميع أحواله) (4) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 480 ومن خلال ما جاء في كتب اللغة وبعض كتب التفسير عن القدوة يتضح لنا أن القدوة لا تتحقق بصفة واحدة، ولكن يلمح ابن منظور في لسان العرب إلى شمول القدوة للصفات كلها، فلا يتحلى بخلة دون خله ومن هنا وجب على القائد المسلم الذي نريده أن يكون قدوة صالحة أن يتمثل شمائل النبي صلى الله عليه وسلم ويطبق كل ما أثر عنه في سلوكه وأخلاقه ويتأسى به في كل أفعاله. كذلك اتضح لنا من التعريفات ضرورة أن تكون الخلال التي يتخلق بها أصلية لا مصطنعة، وكلما كانت الصفات والخلال الحسنة فطرية ومترسخة في الإنسان كان تأثيرها في الغير أكبر، وكان داعي التخلق بها والاقتداء والمحاكاة منهم أشد. وإذا قلنا إن الصفات يجب أن تكون خلقية فطرية أو مغروسة بالتمرن والتخلق وطيبة تجذب الآخرين وتدعوهم للمحاكاة فإنه ينبغي أن يكون القدوة أيضاً قدر الإمكان حسن الهيئة غير ذميمها حتى تنجذب إليه الأعين وأن يكون لين الجانب غير فظ، يقول الحق تبارك وتعالى في شأن قدوة كل قدوة محمد صلى الله عليه وسلم (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك. فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) (5) . وأجمل ما تكون الخلال التي يتخلق بها القدوة إذا كانت مستوية مستقيمة على دينه وخاضعة له أو نابعة منه. ثم إن من الأفضل أن يكون القدوة ذا طريقة واضحة حتى يسهل الاقتداء به على ضوئها دون غموض. والاقتداء فيه معنى التشبه فأنت إذا اقتديت بشخص ما قلدته فإذا حصل تقليده حصل التشبه به. ومن الناحية الشكلية فإن لفظة القدوة تذكر باعتبار صاحبها وتؤنث باعتبار اللفظ فللذكر والأنثى تطلق كلمة (قدوة) لا فرق. هل القدوة هي الأسوة؟ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 481 مر بنا أحد المعاني في التعريفات بما يفيد أن القدوة هي الأسوة ومع ذلك فإن المتتبع يجد أن كلا اللفظتين وإن ظهر بينهما توافق في المعنى في بعض الجوانب إلا أن هذا التوافق ليس على إطلاقه فلا تزال بين اللفظتين فروقاً يمكن حصرها في أن: (1) التأسي أشد في بابه من الاقتداء. (2) التأسي يجعل معنى الالتزام من الغير بشكل أقوى ولذلك فإنها جاءت مع النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره أفضل الأنبياء والمرسلين (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة … الآية) (6) . أما القدوة فقد جاءت مع غيره من الأنبياء والصالحين من الصحابة وغيرهم (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) (7) يعني بالأنبياء والرسل السابقين لمحمد صلى الله عليه وسلم جميعاً، وكذلك ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) (8) . الأساس النفسي في عملية الاقتداء: إن فكرة وجود القدوة تقوم على أساس منطوقة تأثير الطباع في الطباع. (وحاجة الناس إلى القدوة النابعة من غريزة تكمن في نفوس البشر أجمع هي التقليد، وهي رغبة ملحة تدفع الطفل والضعيف والمرؤوس إلى محاكاة سلوك الرجل، والقوي، والرئيس، كما تدفع غريزة الانقياد في القطيع جميع أفراده اتباع قائده واقتفاء أثره) (9) . وعلى هذا الأساس يتضح لنا أن عملية الاقتداء ليست حالة طارئة قد تحصل وقد لا تحصل ولكنها كما تقدم غريزة مغروسة في نفس كل إنسان تظهر متى وجد واحد من عناصرها الثلاثة وهي: (1) الرغبة في المحاكاة والاقتداء: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 482 فالطفل أو الفتى مدفوع برغبة خفية لا يشعر بها نحو محاكاة من يعجب به في لهجة الحديث، أو أسلوب الحركة، أو المعاملة، وهذا التقليد قد يكون في حسنات السلوك وقد يكون في سيئاته، وقد تلاحظ في بعض المرؤسين مع قائدهم شيء من هذا فتجد المقتدي (المقلد) يقلد رئيسه وقائده في بعض الحركات حتى في طريقة ونبرة الصوت وحركة الشفائف، وهذا لاحظناه في أوساط قواتنا المسلحة ممن يعجبوت ببعض قادتهم ويتأثرون بهم. (2) الاستعداد للتقليد: لكل مرحلة من العمر استعدادات وطاقات محددة وعلى هذا نجد الإسلام لم يأمر الأطفال بالصلاة قبل سبع سنوات، ولا يمنع ذلك من ترك الطفل يقلد أبويه بحركات الصلاة قبل أن يبلغ السابعة ومن الظروف التي تهيب بالناس جميعاً استعداداً لتقليد الأزمات والكوارث والآلام الاجتماعية التي يتحول معها القائد ليكون أباً وبطلاً يحاكيه كل مرؤسيه في كل سلوك من حياته ومن تلك الأسباب أيضاً الشعور بالضعف أمام القوة فالمغلوب يقلد الغالب. كما يقول ابن خلدون في مقدمته (المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه) (10) . (3) الهدف: إن لكل تقليد هدفاً وقد يكون هذا الهدف معروفاً لدى المقلد وقد لا يكون معروفاً، فعدم وضوح الهدف أو معرفته تكون لمجرد المحاكاة والتقليد فقط، وأما وضوحه فقد يرتقي معه وعي التقليد لدى المقلد حتى يصبح عملية فكرية يمزج فيها بين الوعي والانتماء والمحاكاة والاعتزاز وعندها يرتقي بهذا التقليد إلى مفهوم راق في الإسلام، يطلق عليه (الاتباع) وأرقى هذا الاتباع ما كان على بصيرة (11) ، يقول الحق تبارك وتعالى (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) (12) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 483 فإذا ما أدرك القائد هذا وعرفه كان لزاماً عليه أن يراعي وجود هذه الغريزة لدى مرؤسيه، فيجتهد بعد ذلك أن لا يعمل ولا يتصرف إلا على وحي مما كان عليه قدوته وقدوة المسلمين بعامة نبينا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيكون القائد قد استثمر هذه الفطرة عند مرؤسيه فيما يعود على الجميع بالنفع والفائدة. أنواع القدوة: عند النظر في وضع الكلمة اللغوي وما جاء في تعريفها اصطلاحاً نتبين بدقة أن المُعرفين لكلمة القدوة يميلون إلى صرفها نحو الوجه الحسن فينحازون بها إلى القدوة الصالحة المؤثرة في الغير ويعتبر هذا المنحى أساسياً وظاهراً في الوضع اللغوي ومن أوضح الأدلة على بيان ذلك وبيان معالم القدوة الصالحة قوله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة … ) (13) . فالقدوة الحسنة هي التي تأست وتمثلت شمائل النبي صلى الله عليه وسلم في صبره ومصابرته ومجاهدته وخلقه واقتفت أثره في كل شيء ونهجت نهجه وتمسكت بسنته ولا بأس أن نستأنس بمثال ساقه صلى الله عليه وسلم يوضح فيه أثر كلا النوعين من القدوة؛ القدوة الصالحة والقدوة السيئة ليُقرِب المعنى ويرسخ المفهوم ويوضح الأثر الذي يمكن أن يتركه القدوة في نفوس مقلديه والذين يحاكون أخلاقه وتصرفاته يقول صلى الله عليه وسلم (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك (14) وإما أن تبتاع منه (15) وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة) (16) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 484 إن الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا المثال المحسوس أراد أن يبين تلك الآثار التي يمكن أن يتركها الجليس الصالح - والذي يمثل القدوة الحسنة – فيمن يجالسه فالمسلم إذا اختار جليسه الصالح ثم اقتدى به يكون قد ضمن لنفسه الاقتداء بقدوة صالحة ولو أردنا أن نقف على بعض الآثار التي يتركها الجليس الصالح فيمن يجالسه لوجدنا أنه يأمر جليسه بالخير والمعروف وينهاه عن الشر ويسمعه القول الصادق والعلم النافع ثم هو يعرفك عيوب نفسك ويشغلك عن ما لا يعنيك وهو دائماً يدلك على الخير ويرغبك فيه ويحذرك من الشر وما يزال معك على هذا الحال حتى يكون فعلاً كبائع المسك الذي لا يمكن أن ينالك منه إلا ما كان طيباً. وهكذا يكون كل قدوة في الخير لا يصدر عنه إلا ما كان خيراً يفيض على عقول الناس كما تفوح رائحة المسك من بسطة بائعه. وقد ينحرف الإنسان في سلوكه ويدبر أموراً مضره ويحفر حفراً للشر يريد بها غيره. فيصير عندئذ قدوة سيئة يحتذي حذوه كل من فسدت طويته، وساء خلقه، وفي هذا نرى أرباب الشر في كل مكان يتزعمهم أقواهم تدبيراً ويسمى هذا النوع بالقدوة السيئة، وبالطبع فإن القدوة السيئة هو على نقيض ما هو عليه القدوة الصالحة الذي يتأسى بشمائل الرسول صلى الله عليه وسلم والقدوة السيئة يتمثل أخلاق الشياطين من الجن والإنس، والقائد لاشك يدرك أنه قدوة شاء ذلك أم أباه، فإذا كان الأمر كذلك فلا بديل أبداً في أن يختار النوع الأول وهو أن يكون قدوة صالحة، وبذلك يضمن أن لا يصدر عنه في تصرفاته وأخلاقه إلا ما يخدم مصلحته ومصلحة مرؤسيه. ومن هذا نخلص إلى القول بأن أنواع القدوة لا تخرج عن نوعين قدوة صالحة وقدوة سيئة. يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي (17) (الأسوة نوعان أسوة حسنة وأسوة سيئة فالأسوة الحسنة هي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن نهج نهجه، وأما الأسوة بغيره إذا خالف (أي خالف الرسول) فهو الأسوة السيئة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 485 أصول القدوة الصالحة (18) : إن أصول القدوة الصالحة التي يكون بها القائد قدوة طيبة لغيره ترجع إلى أصلين كبيرين هامين هما: حسن الخلق، وموافقة العمل للقول. فإذا تحقق هذان الأصلان حسنت سيرة القائد وأصبحت سيرته الطيبة دعوة صامتة إلى كل خلق إسلامي جميل وإن فاته هذان الأصلان ساءت سيرته وصارت قيادته مثلاً سيئاً يُنَفّر الطيبين من حوله. فأما الأصل الأول وهو حسن الخلق فعلى القائد أن يتمثل كل الأخلاق الإسلامية الحميدة مثل الصدق، الأمانة، الصبر، الرحمة، التواضع، المخالطة التي تتخللها المودة والمحبة، العطف، الإيثار والرفق وما إلى ذلك. وأما الأصل الثاني هو موافقة العمل للقول فإن على القائد أيضاً أن يحذر كل الحذر أن تخالف أفعاله أقواله فإن النفس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه ولا يوافق فعله قوله ولهذا حذرنا الله عن ذلك بقوله (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) (19) . والقائد الذي لا يعتني بهذا الأصل من أصول القدوة مثله كمثل طبيب قام أمام الناس يشرح أضرار التدخين مستعيناً في ذلك بكل الوسائل والأدلة التي تثبت ما يقول ثم فجأة ومع متابعة من يتكلم معهم له وانجذابهم إلى ما يقول نراه يخرج سيجارة من جيبه ويشعلها أمامهم ثم يبدأ يدخنها!!!؟ القائد قدوة ومقتدياً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 486 كما سبق تقريره من قبل من أن القائد لا ينفك عن كونه قدوة فهو في الوقت نفسه مقتدياً ومقلداً ومتأسياً بسلفه من قادة الأمة الإسلامية وأولهم أسوة وقدوة كل قدوة محمد رسول الله وصحبه. إن القائد يحاكي سيرة المثل الكامل نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه الحق تبارك وتعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة … ) (20) والذي قالت فيه زوجه عائشة وهي تصف خلقه عليه الصلاة والسلام (كان خلقه القرآن) أي أنه صاغ نفسه في فعله وقوله على نحو مما جاء في القرآن فأصبح قرآناً يمشي على الأرض، إن القائد عليه أن يحاكي سيرته وفي الوقت نفسه يدرس كل جوانب شخصيته عليه الصلاة والسلام يدرس سلوكه، عبادته، حلمه، تواضعه، زهده، جوده، كرمه، رحمته، شجاعته، قوته، حسن سياسته، تدبيره، ثباته على المبدأ. ويعلم القائد وهو يفعل كل ذلك أن هذا منه موافق لما كان يقوم به الصحابة في شأن التأسي برسول الله، فلقد كانوا يُدَرِسُون سيرته ويحاكون كل ما عرفوه عنه قليه وكثيره بل كانوا يغرسون ذلك في نفوس أبنائهم يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقد عاش زمناً بعد رسول الله (كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القرآن) (21) . والقائد معني بدراسة تلك المغازي قبل أي أمر آخر، وبعدها ينظر في سيرته الأخرى عليه الصلاة والسلام فإنه المعلم الذي ينزل عليه الوحي برسالة الإسلام ليبلغها للناس جميعاً، وهو صاحب المدرسة التي تخرج منها قادة أمم وعباقرة حروب ورجال إصلاح وعلماء وفلاسفة ورواد حضارة، ولم يكن هذا الإنجاز الرائع أمراً يسيراً وهيناً فيكفي أن نقارن بين حال العرب قبل الإسلام وحالهم بعده حتى ندرك السر في هذا التحول الكبير فلقد حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمانة وبلغ الرسالة وجاهد في الله حق جهاده فكانت مدرسته خير مدرسة وجدت بين البشر وجمعت قلوبهم على الحق وقادتهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 487 إلى الخير وحملت مشاعل الحرية والحضارة للإنسانية جمعاء ولقد حقق القادة الذين تخرجوا من مدرسة النبوة أعظم الفتوحات في تاريخ البشرية في مدة هي بمقاييس ذلك الزمن قياسية جداً ففي أقل من مائة عام غطت فتوحاتهم جزءاً كبيراً من العالم القديم (وامتدت من الصين شرقاً إلى شاطئ الأطلس غرباً وبلغ عدد قادة الفتح الإسلامي مئتان وستة وخمسين قائداً منهم مئتان وستة عشر قائداً من الصحابة والباقون من التابعين) (22) . هؤلاء القادة هم ومن جاء بعدهم من قادة الأمة الإسلامية جميعهم ينبغي للقائد الذي نعنيه في هذا البحث أن يحاكي أفعالهم ويقرأ سيرهم فإذا أحسن القائد في محاكاة كل هؤلاء فإنه بلا أدنى شك سيصبح قدوة حسنة يستفيد منه غيره ممن تنالهم قيادته، وهو موضع اقتداء لهم، وبهذا يصبح من الدعاة إلى الله لا بمقاله فقط ولكن بحاله وسلوكه، وبسيرته الطيبة التي يحاكي ويقلد فيها من أُمر بتقليده والتأسي به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. ومن هنا يتبين أهمية الدور الذي يقوم به ويمثله بل وخطورته إن لم يحسن القيام به. أهمية القدوة الصالحة إن للقدوة الصالحة التي يمثلها القائد أثراً فعالاً في حياة من يرأسهم وهو مسئول عنهم، لها أثر في تربيتهم وإصلاحهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 488 ذلك أن القدوة نموذج إنساني يعيش ممثلاً ومطبقاً لذلك المنهج الرباني الذي جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهذا النموذج يعيش واقعاً عملياً يحقق تطبيق ذلك المنهج من خلال السلوك والتصرفات التي تُرى بالعين فتترك أثراً عميقاً في نفوس الناس الذين يعيشون من حوله مما يجعلهم يأخذون ويقبلون ما يقوله أو يفعله دون تردد أو ريبة لأن ما يمثله هو الإسلام الذي صاغ نفسه على وفق ما دعى إليه الإسلام فجعل منه نموذجاً قرآنياً يدب على الأرض ولنستعيد هنا أيضاً ما قالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئلت عن خلق رسول الله قالت: (كان خلقه القرآن) فكأنها بوصفها هذا جعلت من الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم قرآناً متحركاً يراه الناس ويلمسونه من خلال تمثله في سلوكه وكل تصرفاته لدقة وقوة تمسكه وتطبيقه لما جاء في القرآن الكريم. وعلى هذا يكون القائد الداعية، مثلاً حياً لكل المبادئ التي يعتنقها، مثلاً ترنوا إليه أعين مرؤسيه وتنجذب إليه نفوسهم حتى يستمدوا من الفضائل التي يفترض أن يحملها فينير لهم طريق الخير. ألا وإن مما يمكن أن نبين به أهمية القدوة هو ذلك المثال العظيم والأثر الكبير الذي مثلته القدوة في نشر الإسلام في كثير من أصقاع الدنيا بواسطة تلك النماذج المتحركة التي دعت إلى الإسلام بأفعالها قبل أقوالها، فاستقطبت تلك النماذج ملايين البشر دخلوا في دين الله دونما فتح ولا جهاد تلك النماذج تمثلت في أعداد ليست بالكثيرة من التجار المسلمين والزوار الذين أدخلوا بسيرتهم وتمسكهم بتعاليم دينهم كل هذه الأعداد إلى الإسلام. والقائد وهو يتحسس هذه الأهمية للقدوة سيسعى وبكل ما أوتي إلى أن يجعل من نفسه قدوة صالحة يستميل بها مرؤسيه نحوه لإنجاز ما يناط به وبهم من مهام وأعمال على الوجه الذي يرضي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 489 كما أن على القائد أن يدرك أيضاً أن هناك خطورة حقيقية في حال عدم تحسسه لأهمية الدور الذي هو فيه فعليه أن يأخذ جانب الحيطة والحذر في كل تصرفاته وأن لا يأتي إلا ما يراه خيراً يرضي ربه ويحض به جنده لأنه في نظر أفراده ومرؤسيه إن صح لنا أن نشبهه كالشاشة البيضاء الناصعة البياض التي يمكن أن ترى عليها أدنى الملوثات. وإن المرؤسين حول قائدهم الذي هو قدوتهم ينظرون إليه دائماً نظرة الناقد وفي الوقت نفسه المُقلد الذي يَتَلقون عنه، وهم يحسبون عليه كل حركاته وسكناته سواء شعر بذلك أم لم يشعر لأنه كما كررنا في نظر مرؤسيه مصدر إقتداء، ومادام على هذا الحال فإنهم يرون فيه الكمال مما يجعله في أعينهم فاضلاً وبالتالي يجب تقليده والأخذ عنه، فإذا وفق في أن يكون سلوكه طيباً وعمله يوافق قوله كان فعلاً قدوة صالحة يجب التأسي به والأخذ عنه. أما إذا كان غير ذلك كان والعياذ بالله قدوة سيئة يصبح في الأخذ عنه وتقليده خطورة على مرؤسيه ومن ثم على قواته المسلحة التي ينتمي إليها، لأنه بموجب رتبته ووظيفته مع مرؤسيه بمثابة الغالب. والمغلوب دائماً مولع بتقليد الغالب وهذه سنة من سنن الحياة فطر الناس عليها، وقد تقدم قول ابن خلدون في مقدمته (المغلوب دائماً أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده والسبب في ذلك أن النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه) (23) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 490 والكمال الذي أشار إليه ابن خلدون ينقسم إلى قسمين؛ القسم الأول هو مقدار ما يملكه الإنسان من مبادئ وهو ما يعنينا هنا والقسم الثاني هو الكمال في الساعد والسلاح والقائد في الحقيقة أنه يملك من الصلاحيات ما يؤهله لبلوغ ذلك الكمال بما يجعله في موضع الاتباع والاقتداء من قبل المرؤسين مهما تضاءل هذا المقدار مادام المُقلد فاقداً له، ومن أجل هذا استحق القائد مرتبة الاقتداء الذي قد يحسنها فيكون قدوة صالحة وقد يسيء استخدامها فيكون قدوة سيئة. والقدوة الصالحة من أهم وسائل التأثير في الآخرين سيما إذا كان هؤلاء الآخرين هم في مرتبة أقل كما قلنا من مرتبة القدوة، ولذلك فإن كثيراً من الناس لا يعمل ويطبق ما يقال له إلا إذا رأى ذلك الذي قيل له واقعاً يشاهده بعينه في عمل القدوة وفعله، عندها تزداد قناعة المقلد ويعلم أن الأمر الذي يطلب منه أن يحاكيه ويقلده ليس من باب المستحيلات أو المعجزات التي لا يمكن تطبيقها وإنما هو من باب الممكنات التي يتيسر فعلها، قال الإمام الشاطبي رحمه الله (إذا وقع القول بياناً فالفعل شاهد له ومصدق، وبيانه وتفصيله أن العالم إذا أخبر عن إيجاب عبادة من العبادات أو لزوم فعل من الأفعال ثم فعله هو لم يخل به مقتضى ما قاله فيه، عند ذلك يقوي اعتقاد إيجابه وينتهض العمل به عند كل من سمعه وأخبر عنه ورآه يفعله) (24) . ومن هنا تظهر النتائج العكسية عندما يخالف العمل القول من قبل القدوة يظهر شعور لدى المقلدين والأتباع بأن ذلك الأمر غير ممكن العمل به فيعملون بضده معتمدين على ما شاهدوه من قدوتهم وهنا تكمن خطورة الاقتداء عندما ينحرف صاحبه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 491 وأريد أن أختم هذه الأهمية لعملية الاقتداء بما ذكر سيد سابق وفقه الله في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) إذ يقول: (والقدوة الطيبة والأسوة الحسنة لها شأن كبير وأثر بعيد المدى في نفس الإنسان ونجاحه في الحياة، إذ هي هاد يشير إلى المثل الحي والفضيلة المجسمة وعرض للنماذج البشرية الصالحة التي يراد محاكاتها والاقتداء بها. وقد أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقتدي برسل الله وأنبيائه الذين تقدموه فقال تعالى (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) (25) . ومن كل ما تقدم في هذا الفصل يصبح الأمر واضح في نظر القائد وضوح الشمس بأنه قدوة وأن هذه المكانة التي هو فيها توجب عليه أن يتلمس مستتبعاتها فيدرك أنه مؤهل لأن يمارس واجباً آخر يقوم بدور مهم ألا وهو الدعوة إلى الله عز وجل الذي لا فكاك له منه ويتبين ذلك من خلال أسطر الفصل بعده (القائد قدوة ومحتسب بين أفراده) . الفصل الثاني: القائد قدوة ومحتسب بين أفراده تقرر معنا في الفصل قبله أن القائد قدوة وأنه لا مناص له من هذا الدور مادام يشغل منصب القيادة، وإذا كان الأمر كذلك فلابد من وقفة نحدد فيها ملامح شخصية القدوة بشكل عام وكيف يمكن إعداده حتى يكون ذلك عوناً له كيما يعد نفسه على وحي من ذلك فيكون متصفاً بصفات القدوة الصالحة التي بها ينجح في قيادته ودعوته إلى الله بين أفراده. وفي نقاط مختصرة نستطيع أن نحدد تلك الملامح للقدوة التي جاءت في القرآن من خلال النقاط التالية: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 492 (1) أن القدوة (القائد) صنف من البشر قد اختاره الله لأن يكون راعياً ومسئولاً عن رعيته وهذا يوجب عليه أن يكون محتسباً في الدعوة إلى الله وهذا التشريف له بهذه المسئولية هو في الوقت نفسه تكليف يقول الله في شأن هذا التكليف (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس) (26) ، ويقول (الله يجتبي إليه من يشاء) (27) ، ويقول (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) (28) . (2) إن القدوة وهو مختار، ملزم بمتابعة منهج لا يحيد عنه، وهذا المنهج هو ما جاء به الإسلام يقول الحق موجهاً كل أتباع هذا الدين (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (29) . (3) أن القدوة تحوطه عناية الله وتوفيقه مادام مستقيماً على منهج الله ومطبقاً له في نفسه ومع الآخرين وهذه العناية وهذا التوفيق متمثل في نصر الله له وتثبيته له يقول الله في ذلك (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) (30) ويقول تعالى (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) (31) . (4) أن القدوة الذي يحالفه النصر من الله والتوفيق والثبات على منهجه يكون قد أصبح في درجه تؤهله بأن يكون قدوة صالحة يأمر بكل معروف وينهى عن كل منكر، وعندها تحصل له الخيرية التي وعد الله بها من يقوم بذلك ويحصل له الاجتباء والاختيار يقول الحق تبارك وتعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر … الآية) (32) ، ويقول (واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم) (33) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 493 هذه إذن نقاط بارزة يجب أن تظهر في شخصية القدوة الذي يجب على الأمة أن تعد أبناءها الذين سيصبحون في يوم ما قادة لأمتهم يحملون رسالتها ويدعون إلى مبادئها، ولن يكونوا على مستوى هذه المهمة، إلا إذا تم لهم ذلك الإعداد الذي يتطلبه إعداد القدوة، وهذا الإعداد يتطلب أن ندرك أن الإنسان الذي يمثل هذا الدور (دور القدوة) يولد ومعه بعض الصفات الموروثة التي يمكن استغلالها وصقلها، ومن هذه الصفات الذكاء، والفطرة المستقيمة (كل مولود يولد على الفطرة … الحديث) . أما الصفات المكتسبة من البيئة التي يعيش فيها الشاب كالتقاليد واللغة والروح الجماعية والانعزالية وغيرها فيمكن استغلالها وتوجيهها في نفس هذا الشاب على نحو ما تدعو إليه عقيدته ويسير في مرضات ربه. ولو فتشنا من حولنا كيف يتم إعداد الفرد الذي يراد له أن يمثل فكرة مذهبية، أو سياسية كما هو الحال مثلاً في مدارس ما يسمى بالتبشير (التنصير) لرأينا العجب، في ضخامة الجهود التي تبذل والوسائل والأساليب التي تتخذ لكي تعد هذا الشخص للقيام بأعباء هذه المهمة التي سيتولاها في التنصير، فهم مثلاً يقومون باختيار طلاب هذه المدارس بواسطة شروط معينة ثم يقومون بعد ذلك بعزله عن مجتمعه تماماً لكي يتكون تكويناً خاصاً في بيئة أعدت له خصيصاً، ثم بعد ذلك تخرجه إلى الناس وقد انغرست فيه هذه المبادئ وأصبح ينشرها ويدافع عنها كأقوى وأخلص ما يكون. فما أحرى القائد وقد بلغ من العقل والوعي والإدراك لأَبعاد ما هو فيه من مسئولية، أن يعد نفسه الإعداد المناسب لكي يتولى مهمة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين مرؤسيه على أكمل وأحسن ما يمكن، وأنه إذ يقوم بإعداد نفسه إعداداً يتناسب وعظم المسئولية المنوطة به، يجب أن يدرك أن ذلك لا يتأتى له إلا إذا فقه دينه، وعلم بمقاصده حتى تكون دعوته واضحة والاقتداء به مأمون. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 494 ولعل من أبرز وأهم ما يمكن أن يُعد به القدوة لكي تتحقق الثمرة من الاقتداء به أن يُهتم بثلاث أساسيات في ذلك، هي ركائز لا يكون القائد قدوة صالحة دون وجودها في ثقافته وتربيته وهذه الركائز هي العقيدة، الأخلاق، والعلم. فأما العقيدة ودورها في تكوين القدوة فهو دور أساسي يفوق في أهميته وضرورته. وأثره في حياة المسلم بصفة عامة، والقدوة بصفة خاصة، كل المؤثرات والأسباب الأخرى. وقائد ليس له عقيدة لا يكون محل اقتداء (بل هي قضية مصيرية تمّيز بين القائد الحق المؤمن وبين القائد المزيف) (34) فالعقيدة الراسخة ضرورة لكل قائد وليس بقائد حقاً من لا يتحلى بعقيدة راسخة تجعله موضع ثقة رؤسائه ومرؤسيه على حد سواء إذ أن تبادل الثقة بين القائد ورجاله تجعلهم يسيرون وراءه للموت، وهم قطعاً لا يسيرون إلى الموت وراء قائد لا يثقون به. والعقيدة هي التي تشكل في القائد الشخصية المتميزة التي تعرف هدفها وتعمل على تحقيقه. وأما إعداد القدوة خُلقياً فإننا نعني بذلك الإعداد الخلقي للقدوة بأن يكون مع الناس جيَّاش العواطف كبير القلب ينبسط للخير ويفرح به للآخرين ويحرص عليه، وينقبض عن الشر ويضيق به، ويفر منه وهذا هو جوهر الإيمان (35) . ولو تتبعنا اهتمام الإسلام بأمر الأخلاق التي اعتبرناها ركيزة أساسية في إعداد القدوة لعرفنا مدى أهمية إعداد القدوة خُلُقياً وتزويده بالأخلاق الإسلامية، ثم لوجدنا أن مبعث الأخلاق يستند إلى نص إلهي يحقق للإنسان نمواً اجتماعياً وحضارياً، والأخلاق الإسلامية ليست في جانب دون آخر بل هي شاملة لكل الجوانب التي تمس معاملات وآداب المسلم (فالأخلاق الإسلامية تدفع بطبيعتها إلى التكامل في البناء الاجتماعي الذي يقوم بتوطيد العلاقات الإنسانية بين الناس على أسس الإيمان والإخلاص. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 495 والأخلاق الإسلامية وإن اتفقت مع بعض الأخلاق غير الإسلامية في المسمى إلا أنها تختلف عنها من حيث المصدر والتحلي والتطبيق. فالإسلام في باب الأخلاق يُوصل الأخلاق الأساسية الإنسانية ويوطد أركانها في جانب، ويوسع في تطبيقها بحيث تشمل مظاهر الحياة الإنسانية كلها في جانب آخر، وخذ لذلك مثالاً للصبر، فمهما بلغ الرجل الغاية في الصبر واستولى على الأمر في حلبته، فلابد أن يقف تحمله وينفذ ثباته عند حد معلوم إذا كان لأغراض عاجلة ويستمد قوته ويتغذى من الجذور الفكرية للشرك والعبودية المادية. أما الصبر الذي يستجلب قوته من جذور التوحيد والذي لا يبتغي من ورائه إلا وجه الله تعالى فهو كنز مكنون لا تصل إليه يد السارق (36) . والإسلام يُظهر ويُبرز قيمة الفضائل الخلقية التي ينبغي أن يتحلى بها كل مسلم سيما الإنسان الذي نتكلم عنه هنا وهو القائد (القدوة) . ويمكن تلخيص وجهة نظر الإسلام في شأن تربية الإنسان المسلم وإعداده خلقياً في النقاط التالية التي وردت في كتاب سيد سابق (دعوة الإسلام) ومنها: (1) أن الإنسان خلق مزوداً بقوى واستعدادات يمكن أن توجه إلى الخير كما يمكن أن توجه إلى الشر، مع التفاوت في ذلك لأن الناس كما قال عليه الصلاة والسلام (معادن كمعادن الذهب والفضة) (37) . (2) أن كل إنسان مسئول عن تهذيب نفسه وإصلاحها، يقول الله عز وجل (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) (38) . (3) أن تزكية النفس وإصلاحها هو سبيل الفلاح في الدنيا والآخرة وإهمالها هو سبيل الخسران (والعصر إن الإنسان لفي خسر … الآية) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 496 (4) إصلاحها وتزكيتها ويتمثل في التخلص من الهوى وفي كبت الشهوة والارتفاع عن المادة والسمو عن النقائص الخلقية فإن الهوى داعية للشر والفساد وصاد عن الحق وصارف عن الهدى والرشاد كما أنه مطية للشيطان وباب ينفذ منه إلى بني آدم (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله) (39) . (5) وهذا التخلص من الهوى يحتاج إلى مجاهدة شاقة، صبر، وجلد فإن طريق الوصول إلى تلك المرتبة التي نريد أن يصل إليها القدوة ليست مفروشة بالورود والرياحين يقول صلى الله عليه وسلم ( … وحفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره … ) (40) . فإذا تربى القدوة تربية خلقية على هذا الأساس ضمن لنفسه التحلي بهذه الفضائل الخلقية التي تؤهله لمهمته كقدوة، والفضائل والأخلاق التي دعى إليها الإسلام كثيرة لعل من أبرزها؛ الصدق، الأمانة، العفاف، الوفاء، الشجاعة، التضحية، الإيثار، قوة الإرادة، الصبر، التفاني في سبيل الحق، الصبر والثبات، الطاعة، التذلل لله، الإخاء والحب في الله والبغض في الله، الرحمة، الحياء، الثقة، العفاف، العزة، والجود، الكرم، الأخلاق، التواضع، الحلم، الرفق وكل ما خلق يحبه الله ودعى إليه القرآن أو ورد في السنة. وأما تحصين القدوة بالعلم فلأن العلم فعلاً حصانة من الزلل بل هو له بمثابة السلاح للجندي في ميدان المعركة. وهو الوسيلة الضرورية لإيصال ما يفترض أنه يملك من الخير والفضائل إلى الآخرين وهذا هو في الحقيقة أثر العلم وفائدته بعد أن يكون القدوة قد حصله وتحصن به. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 497 وإلى جانب كون العلم وسيلة لتوصيل ذلك الخير الذي يفترض أن يحمله ليُقتدى به على أساسه فهو في الوقت نفسه ذو فائدة للقدوة إذ به (أي العلم) يمكن أن يحصن نفسه من الزلل لأن العلم نور يهتدي به المسالم في دياجير الحياة وظلماتها، فبالعلم يُميز بين الخطأ والصواب، وأنظر معي إلى قول أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه يوصي كميل بن زياد بأن يحصل العلم ويحترس به ويتحصن (يا كميل العلم خير من المال، فالعلم يحرسك وأنت تحرس المال) (41) . والقدوة الذي يعد إعداداً عقيدياً ليقوم بالدعوة إلى الله يعتبر ربانياً لأنه يعلم الناس الخير يقول الله تعالى في ذلك (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) (42) . وقد اختلف العلماء حول هذه النسبة فبعض العلماء قال سموا بذلك لأنهم يربون العلم (أي يقومون به) وزيدت الألف والنون للمبالغة (43) . في حين أن البعض يقول أن تلك النسبة إلى الرب فيقال هو رباني لأنه يقصد تنفيذ ما أمره الله به من العلم والعمل. فإذن القدوة بتلقيه العلم ثم بتعليمه للناس يكون ربانياً وهذه منزلة شريفة لا ينالها إلا إذا كان عالماً ومعلماً للخير. ولذلك اهتم الإسلام بأمر العلم اهتماماً كبيراً ورغب فيه ترغيباً عظيماً دل كل ذلك على أهميته وضرورته ويكفي في الدلالة على ذلك أن أول آية أنزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم كانت دعوة إلى العلم (إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم … الآية) (44) . والنصوص التي جاءت تحث على تحصيل العلم كثيرة جداً، يكفي أن أحد الباحثين قام بإحصاء تلك الآيات التي تلفت أنظار الناس إلى أسرار الكون وتحثهم على استجلاء غامضها فبلغت خمس القرآن (45) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 498 أما حامل العلم فمنزلته في الإسلام رفيعة والنصوص التي جاءت تبين ذلك كثيرة جداً ويكفينا أن نثبت هنا قليلاً منها؛ أولها أن الله رفعهم بقوله (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط) ، ويقول سبحانه: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) (46) ، ويقول (العلماء ورثة الأنبياء) ومعلوم أنه لا رتبة فوق رتبة النبوة ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة. والآثار أيضاً في فضله كثيرة أكثر من أن نستقصيها هنا لعل من أبرزها قول عبد الله بن المبارك رحمه الله عندما سئل (فقيل له: من الناس؟ قال: العلماء. قيل: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قيل: فمن السفلة؟ قال: الذين يأكلون الدنيا بالدين) . قال الغزالي (حجة الإسلام) تعليقاً على هذا القول من ابن المبارك، قال: (فلم يجعل (يعني ابن المبارك) غير العالم من الناس، لأن الخاصية التي يتميز بها الناس عن سائر البهائم هو العلم. فالإنسان بما هو شريف لأجله؛ فليس ذلك بقوة شخصيته فالجمل أقوى منه، ولا بعظم خلقته فالفيل أعظم منه، ولا بشجاعته فالسباع أشجع منه، ولا بأكله فالثور أوسع بطناً منه، ولا ليجامع فإن أخس العصافير أقوى على السفاد منه، بل لم يخلق إلا للعلم) (47) ومن كل ما تقدم وغيره كثير، يتبين لنا مدى أهمية هذا السلاح للقدوة في أي موقع كان من مواقع الحياة قائداً أو غير قائد. ولكن القائد حاجته لهذا السلاح كبيرة لأنه محتسب للخير والعمل به بين أفراده يأمرهم بكل معروف وينهاهم عن كل منكر حتى يوفي بمسئوليته التي استرعاه الله إياها (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته … ) (48) . القائد محتسب مكلف: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 499 قد يتبادر إلى أذهان بعض الناس أن القيام بالاحتساب الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعين على فئات من المجتمع دون أخرى، وهذا فهم لاشك بأنه قاصر. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو فريضة لا تسقط إلا بالأداء، والمسلم مطلوب منه أن يقوم بهذا الواجب على حسب علمه وقدرته وفي شأن هذا الوجوب يقول الحق تبارك وتعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (49) . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (50) والوجوب في هذين النصين هو وجوب عيني لا كفائي ولا يسقط إلا بالأداء لأن (من) في النصين السابقين هي للبيان وليست للتبعيض كما يقول أهل اللغة (51) . وعلى هذا فالوجوب في حق القائد جاء من جهتين الأولى كونه مسلماً، والثانية كونه مسئولاً، فأصبح بالثانية محتسباً مكلفاً يترتب عليه من الوجوب ما لا يترتب على المحتسب المتطوع. فإذا علم هذا فإن الأمر يحتاج إلى أن نزود القائد القدوة المحتسب بشيء من فقه الحسبة، حتى يكون أداءه مميزاً وعمله منضبطاً بضوابط الشرع. وما سنثبته هنا تعريف الحسبة والمحتسب حتى نُكون مفهوماً وإطاراً عاماً لهذا العمل ومن يقوم به، ثم نحاول أن نبين طرفاً من أهمية الحسبة وبعدها. نتعرف على الشروط الواجب توفرها في المحتسب وكذا الآداب ومن ثم نحدد شروط إنكار المنكر، وخطوات إنكار المنكر، ومراتب تغيير المنكر، وآخر ذلك نتلمس ضوابط إنكار المنكر بالقلب، محاولين أن تكون كل هذه في نقاط مختصرة وعلى من أراد التوسع في ذلك العودة لكتاب الحسبة في الماضي والحاضر بين ثبات الأهداف وتطور الأسلوب) المجلد الأول للباحث، وهذا استعراض موجز لتلك الأحكام في الكتاب نفسه: أولاً: تعريف الحسبة: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 500 في اللغة يقول ابن منظور في لسان العرب (الحسبة مصدر احتسابك الأجر على الله) (52) .وتعاريفها واشتقاقها كثيرة يجمع بينهما هذا التعريف: (الحسبة لغة من احتساب الأجر عند الله على العمل،وطلب ثوابه، بإنكار المنكر والأمر بالمعروف في حسن تدبير ونظر) (53) . وأما تعريفها في الاصطلاح فكما جاء في كتاب (الحسبة في الماضي والحاضر) وهي من أكثر المصطلحات إن لم تكن أكثرها على الإطلاق، التي اختلف في معناها وتعددت تعاريفها، وذلك في الغالب ناشئ عن اختلاف الأفهام والنظرة للدور الذي يقوم به المكلف بها داخل المجتمع، ولكن سأحاول أن أثبت هنا أشهر تعريفين لهذا المصطلح حسب ما أراه؛ أولهما تعريف الماوردي في كتابه القَيم (الأحكام السلطانية) (54) حيث يقول (الحسبة هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي المنكر إذا ظهر فعله) . وثانيهما تعريف آخر أحسبه جامعاً مانعاً للحسبة وهو (الحسبة عمل يقوم به المسلم لتغيير منكر ظاهر أو أمر بمعروف داثر من خلال ولاية رسمية أو جهود تطوعية، وعلى المكلف بها ما ليس على المتطوع) (55) . وفدلكة ومحترزات هذا التعريف تتمثل في أنه يعطي صورة واضحة وشمولية للحسبة وأنها فريضة إسلامية عينية، أو كفائية على حسب حال المتولي لها مكلفاً أو متطوعاً فهي عينية في حق المكلف كالمعنى معنا في هذا البحث وهو (القائد) وكفائية في حق التطوع كما قرر ذلك الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية بقوله (إن فرضه (أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) متعين على المحتسب (الوالي) بحكم الولاية وفرضه على غيره داخل فروض الكفاية) (56) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 1 كما أنه قد روعي في هذا التعريف أن يشتمل على ما يقوم به المحتسب للوالي والمتطوع وأنه (أي الاحتساب) عمل لا يسمى حسبة إلا إذا أتى من المسلم، ولو جاء من غيره فلا يسمى حسبة وإن وافق صورته، ولم يغفل فيه تلك الضوابط والقيود التي قررها الفقهاء من قبل، كقيود ظهور المنكر وترك المعروف ثم أشير في نهاية التعريف إلى أن هناك فرقاً بين احتساب كل من المكلف والمتطوع وبهذا كان هذا التعريف في نظري جامعاً مانعاً. ثانياً: أهمية الحسبة: إن قيام الحسبة في أي مجتمع كان هي بمثابة صِمَام أمان لذلك المجتمع، أو هي بمثابة جهاز صيانة دائمة في أوساط المجتمع، تحول بين أفراد ذلك المجتمع وبين الوقوع في مخالفة الشرع. فالحسبة بمفهومها الشمولي العام لا غنى عنها لأمة أو مجتمع يريد أن يطبق منهج الله في أرضه فبقيامها تحصل له الخيرية الواردة في قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر … الآية) (57) . ولا أبالغ إذا قلت بأن نظام الحسبة الذي هو نظام إسلامي أصيل وهو الوجه العملي التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو لحُمة هذا الدين (الإسلام) ، بل الشريان الذي تسري من خلاله الأخوة الإسلامية، والمودة، والتراحم، والترابط الذي يجب أن يتم بين الأمة أفراداً وجماعات. فكيف يمكن أن تتصور مجتمعاً ضاع فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتشرت فيه المنكرات؟ إنه مجتمع لا يمكن أن تنتظم الحياة فيه، ويأمن فيه المسلم على ضروراته الخمس؛ الدين، العرض، النفس، المال، العقل. ولذلك نرى أن أمة من الأمم قد فضلها الله يوم أن كان هذا الأمر قائماً فيها، فلما اندثر فيها مقَتَها الله ولعنها (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) (58) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 2 والحسبة نوع من أنواع التكافل الإجتماعي ألم يقل الحق سبحانه وتعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله) (59) . بل عدَّه ابن تيمية (بأنه القطب الأعظم في الدين الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوى بساطه وأهمل عمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمَّت وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد) (60) . ونختم استعراض هذه الأهمية بذكر ذلك المثال الرائع الذي ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُبين فيه مدى خطورة ضياع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أي مجتمع فهو يقول (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم في أعلاها وبعضهم في أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أننا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذي من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجواونجوا جميعاً) (61) . ولأهمية الحسبة وشرف منزلتها في الإسلام فإنه كان أئمة الصدر الأول يباشرونها بأنفسهم لعموم صلاحها وجزيل ثوابها (62) . وانطلاقاً من هذه الأهمية للحسبة فإن تعلما ومعرفة أحكامها وفقهها لا يقل أهمية عن ما نوهنا عنه اعلاه (فالاحتساب من أدق العلوم وأسماها، ولا يدركه ويقوم به إلا من له فهم ثاقب وحدس صائب، ولا تسند ولايته إلا لمن له قدرة قدسية مجردة عن الميل والهوى) (63) . واكتملت في حقه الشروط والآداب التي قررها الفقهاء والتي يأتي بيانها. ثالثاً: تعريف المحتسب: كما مر معنا في تعريف الحسبة من أنه قد تعددت تعاريفها فإن تعريف المحتسب أيضاً قد تعددت تعاريفه وسأختار أحدها ثم أناقشه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3 (فالمحتسب مسلم يسعى لتغيير المنكر وإقامة المعروف وفقاً لمنهج الشريعة إمتثالاً لأمر الله وطلباً لثوابه متولياً ومتطوعاً) (64) ، ففي قولي (مسلماً) أعني أن غير المسلم لا يعتبر عمله وإن كان تغييراً للمنكر حسبة، لأن من أول شروط المحتسب كما سيأتي أن يكون مسلماً، ولأن دافع المسلم في تغيير المنكر وإقامة المعروف غير دافع الكافر، فالأول دافعه تعبدي بخلاف الثاني. وقولي (وفقاً لمنهج الله) قيد لئلا يتجاوز المحتسب وهو يؤدي واجبه، ما أمر به الشرع ونهى عنه، وأما قولي (إمتثالاً لأمر الله) فلأننا عرفنا فيما تقدم أن القيام بالحسبة واجب على المسلم يؤديه مع غيره، وأما قولي (وطلباً لثوابه فإنه مر معنا في تعريف الحسبة لغوياً أن المسلم يقوم بذلك ويرجو عليه الثواب من الله، وأما قولي (متولياً أو متطوعاً) فحتى لا يفهم أن الحسبة لا تكون إلا من المكلف من قبل ولي الأمر كما فهمه بعض من عَّرف الحسبة، مما لم نستعرض تعريفه، فإذا كان الذي يُعِّرف الفاعل للعمل هو العمل نفسه فالمكلف والمتطوع في ذلك سواء. رابعاً: شروط المحتسب: حتى ينهض المحتسب بعمله على الوجه الذي يرضي فلابد من توفر مستلزمات في نفسه أولها وأهمها توفر شروطاً معينة بذل الفقهاء جهوداً مشكورة في تحديدها. والشروط التي حددها الفقهاء للمحتسب على ضربين؛ شروط متفق عليها وأخرى مختلف فيها. أ. الشروط المتفق عليها. (1) الإسلام: وهذا شرط بدهي في كل الواجبات الدينية إذ أن ما يقوم به المحتسب هو من الواجبات الدينية التي يراد بها نصرة الدين وإعلاء كلمته. وغير المسلم جاحد لأصل الدين فكيف يكون من أهل الوجوب فيه، ثم إنه لا ولاية لكافر على مسلم. ثم إن تكليف غير المسلم للقيام بعمل المحتسب هو إكراه له على القيام بعمل لا يعتقده، ولا إكراه في الدين كما جاء في القرآن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4 (2) التكليف: الاحتساب واجب شرعي ولا وجوب على غير المكلف وحد التكليف البلوغ من المكلف، وهذا يدخل في شروط الوجوب، فأما إمكان الفعل فلا يستدعي إلا العقل إذ بإمكان الصغير المميِّز أن يقوم بعمل المحتسب وليس لأحد منعه من ذلك. (3) العلم. واشتراط العلم أمر يتطلبه حُسن الأداء حتى يكون أمر المحتسب ونهيه تبعاً لأمر الله وأمر رسوله فإن المراجع في تحديد القبح والحسن هو كتاب الله وسنة رسوله، فلربما استحسن بعض الناس بعقله ما قبحه الشرع أو استقبح ما حسن الشرع، وعلى هذا نجد قولاً لابن تيمية رحمه الله يقوله فيه (ولا يكون عمله (أي المحتسب) صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه في الدين كما قال عمر بن عبد العزيز يرحمه الله: من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح) . وكما قال معاذ رضي الله عنه: (العلم إمام العمل والعمل تابعه) (65) . (4) القدرة: يقول الله تعالى (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) وأي واجب في أحكام الشريعة الإسلامية لا يكون إلا في حدود القدرة ووسع المكلف. فيشترط في المحتسب القدرة وإلا سقط عنه الوجوب عند الجمهور وعدم القدرة قد يكون حسياً لضعف، أو مرض، أو غي، أو ضرس في اللسان وغيرها، وقد يكون معنوياً كأن يتوقع المحتسب أن يصيبه شر في نفسه أو ماله أو عرضه، وليس من عدم القدرة مجرد الهيبة فقط، ولذلك روى الترمذي وغيره (أن لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول الحق إذا علمه) (66) . وعدم القدرة إذا ثبت يرفع الوجوب عن المكلف في المرتبتين الأولى والثانية (أي مرتبة تغيير المنكر باليد واللسان) ، أما المرتبة الثالثة وهي مرتبة التغيير بالقلب فلا يرتفع الوجوب في حقه وستأتي ضوابط الإنكار بالقلب بعد قليل. (5) أن يكون ذا رأي وصرامة وقوة في الدين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 5 (6) أن يكون عفيفاً متورعاً عن أموال الناس؛ لأن ذلك يُؤثِّر بشكل مباشر على عمله ويهز شخصيته في نظر المحتسب عليهم ومن ذلك الهدية في كثير من الأحيان. ب. الشروط المختلف فيها: 1. العدالة. 2. الاجتهاد. 3. إذن الإمام. 4. الذكورة. 5. الحرية. هذه الشروط الخمسة هي التي حصل بين الفقهاء اختلاف فيها إذ أن بعضهم يرى أن في إشتراطها تضييق لدائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تتوافق مع منطوق عموم الآيات والأحاديث الواردة في ذلك، أما البعض فيشترطها أو بعضها احتياطاً للقيام بهذه المهمة الجليلة متأولين في ذلك نصوصاً من الكتاب والسنة. والكلام يطول في إثبات أدلة كل فريق ورد الفريق الثاني وأنا أرى أن هذا ليس مكان بسطها ويمكن لمن أراد التقصي أن يعود لذلك في مظانها في كتب الفقه (أبواب الحسبة) . فأما الذين إشترطوا العدالة فهم قليل في مقابل من لم يشترطها، وأما إذن الإمام فالذين إشترطوها أيضاً قليل وهم يشترطونها في حق المحتسب المتطوع، أما المحتسب المكلف، فإنهم يرون أن قرار التولية يشتمل على الإذن وغيره (67) ، وهذا ينسحب على قرار تعيين القائد، وأما شرط الإجتهاد، فلو قلنا به لضاقت جداً دائرة المعروف والنهي عن المنكر، حتى يصبح الذين يقومون به فئة قليلة من المجتمع وخرج بذلك فئات كثيرة لا تخرجهم نصوص وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي قلنا بأنها تجعل القيام به من فروض الأعيان على من رآه وكان مسلما. وكذلك بالنسبة لإشتراط الذكورة فنحن نكون باشتراطها قد عطلنا وأعفينا نصف المجتمع من القيام بهذا الواجب الشرعي العظيم مع أنه يمكن للمرأة أن تحتسب في وسطها وفي بيتها، ولكن رد بعضهم وقال نشترط الذكورة فقط في ولاية الحسبة وما عداها لا نشترط الذكورة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 6 والذين اشترطوا الحرية قالوا لأن العبد وقته لسيده وبذلك فليس له أن يحتسب إلا بإذنه، والصحيح أنه مسلم يمكنه أن يأمر وينهي في حدود استطاعته وقدرته ولا يعفيه الرق من هذا الواجب الإسلامي الجليل. خامساً: آداب المحتسب: لابد للمحتسب من أن يتحلى بآداب ذاتية تجعل منه نموذجاً يمثل الإسلام في أبهى وأحسن صورة ليكون ذلك أدعى للآخرين لامتثال أمره ونهيه والاقتداء بفعله وآداب المحتسب التي نريد أن نثبتها هنا تنقسم إلى قسمين أولهما ذاتية يحققها في نفسه وآداب مع الآخرين تظهر عند احتسابه عليهم. أ. الآداب الذاتية: (1) الإخلاص. (2) التقوى. (3) أن يعمل بما يقول ولا يكون قوله مخالفاً لفعله. (4) المواظبة على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. (5) التحلي بالصبر فهو عدة عظيمة لمهمته وسلاح يحتاج له لإنجازها. (6) عليه أن يكون حذراً فطناً لا ينخدع بحيل المستهترين وألاعيب العابثين. (7) عليه أن يكون على وعي بعلم الواقع وثقافة العصر الذي يعيشه. ب. آدابه مع الآخرين: (1) الرفق واللين في القول وطلاقة الوجه وسهولة الأخلاق عند أمره ونهيه. (2) الحلم والأناة وعدم تعجل العقوبة. (3) أن يتعامل مع الناس بالصدق والأمانة وعدم الخيانة. (4) محاولة تقليل علائقه عند الآخرين حتى لا تؤثر على عمله. (5) أن يكون باعثه العطف والشفقة على المعاصي (لأنه (أي - المحتسب – بمثابة الطبيب) . سادساً: شروط إنكار المنكر: بقدر حرص المحتسب على تغيير المنكر، وإزالته، فإن ذلك لا يكون سبباً كافياً لوقوعه فيما يبطل إحتسابه. لأن لكل منكر ضوابط ومعايير تسمى شروط إنكار المنكر، ومن أبرزها ما يلي: أ - وجود منكر يستدعي الإحتساب. وضابطه الوجود (أي يكون منكراً ظاهراً دون الحاجة إلى الإجتهاد، فكل ما هو محل للإجتهاد لا محل فيه للإنكار على سبيل الإلزام. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 7 ب - أن يكون المنكر المحتسب فيه محذور الوقوع في الشرع. لأن المعروف ما جعله الشرع معروفاً، والمنكر ما جعله الشرع منكراً. ج - أن يكون المنكر قد وقع فعلاً أو ظهرت العزيمة على فعله، والمنكر الذي وقع لابد أن تتجمع لدى المحتسب المكلف أدلة كافية ومنها الظهور، إذ بدون الظهور يوقع المحتسب نفسه في محذور شرعي آخر هو التجسس وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من أتى من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإن من أبدى لنا صفحة أقمنا عليه كتاب الله) (68) . والظهور ظهوران؛ ظهور حقيقي ومثاله رجل خلى بآخر ليقتله، وظهور حكمي ومثاله تتبع مرتكب الجريمة بعد خروجه مباشرة من مكان وقوعها. د - أن يدفع المنكر المحتسب فيه بأيسر منه فإذا كان يدفع بأشد ترك الإحتساب. سابعاً: خطوات إنكار المنكر: اتفاق شبه تام بين الفقهاء الذين استنبطوا أحكام الحسبة وخطوات إنكار المنكر فهم يرون أن على المحتسب أن يأخذ الأمر خطوة خطوة، فلا يثبت على أول خطوة يبدأها في الإنكار ولا يقفز إلى آخر خطوة يستدعي الأمر الوصول إليها، فهو لا يحاسب ويعاقب لأول زلة تبدو من المحتسب عليه، لأن العصمة في الخلق مفقودة إلا من عصمه الله كالأنبياء والرسل. ومن هذا المنطلق وجب على المحتسب أن يسلك طريقاً اتفق على تسميته مراتب الإحتساب أو خطوات إنكار المنكر وهي على النحو التالي: أ - التعريف بالمنكر وأنه محذور الوقوع في الشرع. ب - الوعظ بما يهز النفوس ويبعد عن الإثم بأسلوب الترغيب والترهيب. ج - الزجر والتأنيب بالقول، والشدة في التهديد، وهجن الخطاب، وهذا في حق من لم تنفع معه الخطوتان السابقتان. د - إذا لم تنفع الخطوات السابقة ينتقل إلى مرحلة أقوى وهي إزالة المنكر بالقوة حيث من شأن هذه الخطوة أن تحول بين الفاعل وما يريد ارتكابه من منكر كإراقة الخمر لمن يريد شربه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 8 هـ - إيقاع العقوبة التي هدد بها المحتسب وهذه الخطوة ليست لكل المحتسبين وإنما هي للمحتسب المكلف (القائد) وليست لكل محتسب لا يملك صلاحية إيقاع العقوبة. لكن عليه الرفع لمن يستطيع إيقاع تلك العقوبة على فاعل المنكر. ثامناً: مراتب تغيير المنكر: هذه المراتب مدارها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (69) ، وهذه المراتب كما لاحظنا تختلف عن الخطوات السابقة فالخطوات تبدأ من الأخف للأشد بينما المراتب تبدأ من الأشد للأخف. كذلك فالتغيير فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين بينما الإنكار فرض عين، ومن الفروق بينهما أيضاً أن التغيير يحتاج إلى قوة، بينما الإنكار لا يحتاج إلى تلك القوة، ومن الفروق أيضاً أن الخطوات تكون قبل وقوع المنكر بينما مراتب تغيير المنكر تكون أثناء الوقوع في المنكر وبعده تاسعاً: شروط وضوابط التغيير بالقلب: عرفنا في مراتب تغيير المنكر بأنها تبدأ بالقوة، ثم اللسان وهي أخف، ثم تنتهي للتغيير بالقلب، وقد يعجز بعض الناس عن القيام بما تتطلبه المرتبتين الأولى والثانية لأسباب كثيرة ولكنه لا يعجز أحد مهما كان ضعفه من الإنكار بالقلب ومن ثم التغيير بواسطة هذه المرتبة سيما إذا تحسس المسلم الضوابط والشروط التي يجب أن يتحلى بها المُغيِّر بهذه المرتبة. إذ أن التغيير كما جاء في نص الحديث يقتضي الوجوب حسب الإستطاعة لكن لم يُستثنى أحد من هذا الوجوب. وبعض الناس تراه يرى المنكر أو يجالس أهله ولا يغير فتقول له لماذا لم تُغير المنكر؟ قال لا أستطيع ولكن أنكرته بقلبي ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!! أي أنه يدعي أنه انتقل إلى المرتبة الأخف في التغيير. قلنا له ما رأينا شيئاً من ضوابط هذا التغيير بالقلب؟ قال وما هي تلك الضوابط؟ قلنا له الآتي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 9 أ - تغيير ملامح الوجه: فإن من اغتاظ من أمر بدت علائم الغضب على وجهه وبما يشعر من حوله أنه غاضب ومستاء حتى ولو لم يتكلم. ب - كثرة الحركة في المكان، وتوالي الزفرات: فهذا أيضاً يشعر صاحب المنكر الذي تجالسه ولا تستطيع أن تكلمه لشره أو لكونه رئيساً كبيراً وتخافه بأنك منكر لما يفعل ويقوم به. ج - مفارقة المكان: وهذا أقل وأسهل ما يمكن أن يفعله المنكر بالقلب وهو في متناول كل أحد يقول الحق تبارك وتعالى (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره … الآية) (70) . وفي ختام هذا الفصل أود القول بأن النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كفيل بأن يصور للمحتسب كل هذه الأحكام المتعلقة بالحسبة في مواقف عملية حدثت في حياته عليه الصلاة والسلام. الخاتمة: لاشك أن كل أمة تعمل جاهدة عل تحقيق عزها ومجدها والأمة التي تتكون من مجموعات ومؤسسات وقطاعات وولايات يقود كل منها قائد تريد من هذا القائد أن يحقق أهدافها من خلال تبصره لمتطلبات قيادته وعمله بإخلاص وتفان في ذلك. والقائد الذي يعد إعداداً صحيحا هو الذي يحقق لأمته عزها ومجدها بل وسؤددها , وما أحوج أمة الإسلام اليوم إلى وجود مثل هؤلاء القادة الذين ينشأون وهم على وعي تام بأهداف أمتهم ورسالتها بما يؤدي إلى نجاحهم وهذا ما نتمناه لأمة الأسلام التي تحمل أمانة هذا الدين العظيم وإبلاغه للناس وتحقيق عبودية العباد لربهم وهذا يتحقق بإذن الله تعالى بالتربية بالقدوة التي بها انتشر الإسلام وتخرج القادة من مدرسة النبوة (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) وفي هذا البحث المقتضب حاولت مجتهدا أن أبرز تلك الأهمية لواحدة من أهم وأنجح وسائل التربية ألا وهي القدوة التي تخرج بها قادة الأمة ونشر بها الإسلام في أصقاع المعمورة. أهم نتائج البحث: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 10 إن البحث فيما يتعلق بالقدوة وإعدادها هو من البحوث التي يصعب الإتيان على كل ما يتعلق بها وما ذاك إلا لأهمية الموضوع ودقة وحاجة الباحث فيه إلى تجارب تثريه وهذا مالا يتوفر لكل أحد 0 وأني ببحثي هذا فيما يتعلق بالاقتداء وفي حق فئة مهمة جدا وهم (القادة) قد توصلت إلى نتائج لعل من أبرزها: 1 - أن دراسة القدوة والتأكيد عليها من أبرز الدراسات التي تحتاجها الأمة اليوم وباستمرار حتى يعم ويسترسخ مفهوم أهميتها في أذهان الناس. 2 - أن أمتنا الإسلامية اليوم التي أهملت الاعتناء بمثل هذه الدراسة قد خسرت كثيرا ولو عادت للاهتمام بها لعاد إليها الكثير من عزها ومجدها المفقود. 3 - أن التركيز على فئة القادة من خلال مراحل التعليم والدورات هو من الأهمية بمكانة الصدارة. 4 - إلى جانب التركيز على دور القدوة فإن القادة بل كل أفراد المجتمع بحاجة ماسة وملحة بدورهم فيما يتعلق بالاحتساب (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا ما ركزت عليه في هذا البحث أيضا) . 5 - أني أوصي بأن يكون ضمن مناهج التعليم العام ما يبرز أهمية القدوة حتىيتربى عليها شباب الأمة وقادة مستقبلها إما من خلال مادة مستقلة لذلك أو ضمن موضوعات مواد أخرى والله الموفق وهو المعين سبحانه وتعالى. الهوامش والتعليقات --- (1) لمجموعة من المؤلفين 2/321، الطبعة الثالثة. (2) ابن منظور 15/171، طبعة دار صادر، بيروت. (3) فتح القدير للإمام محمد بن علي الشوكاني 2/137، طبعة دار الفكر. (4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/237، طبعة دار الثقافة. (5) سورة الأنعام، الآية 90. (6) سورة الأحزاب، الآية 21. (7) سورة آل عمران، الآية 90. (8) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة. رقم 1233. (9) أصول التربية الإسلامية وأساليبها: عبد الرحمن النحلاوي، ص229، طبعة دار الفكر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 11 (10) أصول التربية الإسلامية وأساليبها: عبد الرحمن النحلاوي، ص229، طبعة دار الفكر. (11) أصول التربية الإسلامية وأساليبها: عبد الرحمن النحلاوي، ص229، طبعة دار الفكر. (12) سورة يوسف، الآية 108. (13) سورة الاحزاب الآية 21. (14) سورة الاحزاب الآية 21. (15) أي يهدي إليك. (16) أي تشتري منه. (17) رواه البخاري في كتاب البيوع باب (38) ورواه مسلم في كتاب البر باب (146) (18) تفسير كلام المنان 6/208 (بتصرف) . (19) القدوة الصالحة (أخلاق قرآنية ونماذج ربانية) : حسين أدهم جرار، ص17. (20) سورة الصف، الآيتان 2 – 3. (21) سورة الأحزاب، الآية 21. (22) القدوة الصالحة أخلاق قرآنية ونماذج ربانية، مصدر سابق، ص27. (23) مجلة الأزهر، الجزء الثاني، ذو الحجة 1401هـ: بقلم اللواء محمد جمال الدين محفوظ، ص53. (24) انظر مقدمة ابن خلدون، مصدر سابق، ص 33. (25) الموافقات، 3/317 للإمام الشاطبي (بتصرف) . (26) الدعوة إلى الإسلام لسيد سابق، ص69 طبعة دار الكتاب العربي، الزرقاء، الأردن والاية في سورة الانعام رقمها (90) . (27) سورة الحج، الآية 75. (28) سورة الشورى، الآية 13. (29) سورة الأنعام، الآية (90) . (30) سورة الأنعام، الآية 153. (31) سورة الروم، الآية 47. (32) سورة آل عمران، الآية 110. (33) سورة الأنعام، الآية 87. (34) اللواء الركن/محمود شيت خطاب، بين العقيدة والقيادة.ص 48 (35) دعوة الإسلام: سيد سابق، ص65، طبعة دار الفكر، بيروت. (36) الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية: أبو الأعلى المودودي، ط2، مؤسسة الرسالة ص 98. (37) رواه مسلم. في كتاب الفضائل الباب 199 والبخاري في كتاب الانبياء الباب 19 (38) سورة الشمس.الاية 7 (39) سورة الجاثية، الآية 23. (40) رواه مسلم.في كتاب الجنة باب (1) وبو داود في كتاب السنة باب (21) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 12 (41) الاسس الاخلاقية للحركة الاسلامية مصدر سابق. (42) سورة آل عمران، الآية 79. (43) فتح الباري: لابن حجر 1/171، طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. (44) سورة العلق الاية (1) . (45) هذا هو الإسلام: مصطفى السباعي، ص17، ط المكتب الإسلامي. (46) متفق عليه. رواه البخاري في كتاب العلم باب 10 ومسلم في كتاب الامارة باب 175 (47) إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، صفحة 1/7، طبعة دار الندوة الجديدة. (48) رواه البخاري في كتاب الجمعه باب 11 وسلم في كتاب الامارة باب 20 (49) سورة أل عمران، الآية 104. (50) رواه مسلم. (51) انظر تفسير الآية في فتح القدير للشوكاني 1/369 ط دار الفكر. (52) لسان العرب لابن منظور 1/314. (53) الاحكام السلطانية للماوردي ص240 (54) الحسبة في الماضي والحاضر مصدر سلبق 1/6 (55) الاحكام السلطانية مصدر سابق ص241 (56) الاحكام السلطانية مصدر سابق ص241 (57) سورة أل عمران، الآية 110. (58) سورة المائدة، الآيتان 78 – 79. (59) سورة التوبة.الاية 71 (60) انظر إحياء علوم الدين للغزالي 2/306.فقد حكاه عن ابن تيمية (61) رواه البخاري في كتاب الشركه باب 6. (62) الأحكام السلطانية للماودي، مصدر سابق.ص241 (63) معالم القربة في أحكام الحسبة، لابن الأخوة، ص4. (64) الحسبة في الماضي والحاضر، مصدر سابق، ص88. (65) الحسبة في الإسلام، لابن تيمية، مصدر سابق، ص84 – 85. (66) رواه الترمذي في كتاب الفتن الباب رقم (26) وقال: حديث حسن صحيح وهو جزء من حديث طويل (67) هموم المثقفين: د/محمد إمام، ص106. (68) رواه الإمام مالك في الموطأ 2/825 والحاكم في المستدرك 4/244 وقال عن صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (69) رواه مسلم في كتاب الايمان باب 7 واحمد 3/202 (70) سورة النساء، الآية 140. المصادر والمراجع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 13 1- إحياء علوم الدين للإمام (حجة الإسلام) الغزالي، طبعة دار الندوة الجديدة. 2- أصول التربية الإسلامية وأساليبها، عبد الرحمن النحلاوي، طبعة دار الفكر. 3- الأحكام السلطانية للماوردي. 4- الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية، أبو الأعلى المورودي، طبعة دار الرسالة. 5- الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، طبعة دار الثقافة. 6- الحسبة في الإسلام، لشيخ الإسلام ابن تيمية. 7- الحسبة في الماضي والحاضر، د/ علي بن حسن القرني، طبعة دار الرشد بالرياض. 8- الدعوة إلى الإسلام، لسيد سابق، طبعة دار الكتاب العربي - الأردن. 9- السيرة النبوية، لابن هشام، طبعة دار العلم. 10- القدوة الصالحة (أخلاق قرآنية ونماذج ربانية) ، حسين أدهم جرار، طبعة دار الضياء - الأردن. 11- المستدرك للحاكم. 12- المعجم الوسيط في اللغة، لمجموعة من المؤلفين. 13- الموافقات، للإمام الشاطبي. 14- تفسير كلام المنان، لفضيلة الشيخ عبد الرحمن السعدي. 15- حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصفهاني. 16- سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الألباني، طبعة مكتبة المعارف - الرياض. 17- سنن ابن ماجه، للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد. 18- سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن سوره. 19- شرح المواهب، للزرقاني. 20- صحيح الإمام البخاري، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. 21- صحيح الإمام مسلم، أبي الحسين مسلم بن حجاج. 22- عظماؤنا في التاريخ، د/ مصطفى السباعي، طبعة المكتب الإسلامي. 23- فتح الباري، شرح صحيح البخاري لابن حجر، طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 24- فتح القدير (تفسير) ، للإمام محمد بن علي الشوكاني، طبعة دار الفكر. 25- لسان العرب، لابن منظور، طبعة دار صادر - بيروت. 26- كتاب إصلاح المساجد، لمحمد بن ناصر الدين الألباني. 27- مجلة الأزهر، الجزء الثاني، ذو الحجة 1401 هـ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 14 28- محمد رسول الله (سيرة) ، الأستاذ محمد صادق عرجون، طبعة دار القلم - دمشق. 29- مسند الإمام أحمد بن حنبل. 30- معالم القربة في أحكام الحسبة، لابن الأخوة. 31- مقدمة ابن خلدون، طبعة دار الهلال - بيروت. 32- هذا هو الإسلام، د/ مصطفى السباعي، طبعة المكتب الإسلامي. 33- هموم المثقفين، للدكتور / محمد إمام. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 15 الدعوة في السودان وتأثرها بالدعوة السلفية " دراسة تاريخية وثائقية " د. عمر سالم عمر بابكور الأستاذ المشارك في التاريخ الحديث والمعاصر جامعة أم القرى - كلية الشريعة والداسات الإسلامية - قسم التاريخ الإسلامي ملخص البحث رغم أن إعلان محمد أحمد “ المهدية ” قد يباعد بينه وبين ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلا أن المتتبع لسيرته سواء منذ بداية دعوته وبعد إعلان المهدية ومن خلال تراثه الفكري بعد المهدية المتمثل في منشوراته ومجالسه وخطبه بالإضافة إلى حكومته الإسلامية التي أقامها في السودان، وسياسته الخارجية التي حملت التوجيه الإسلامي الخالص، يلاحظ مدى عمق العلاقة بين المهدية في السودان ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية. فقد تأسى محمد أحمد “ المهدي ” بالشيخ محمد بن عبد الوهاب منذ بداية دعوته فقد ظل فترة من الزمن يدعو سلماً بالمواعظ والكتب والرسائل والوفود، للعودة إلى منابع الدين الأولى وترك البدع ومظاهر الشرك، وإحياء سنن الشريعة، والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة، ومحاربة الفساد.. وهذا يتفق مع ما جاء في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية منذ بدايتها أيضاً وحملات رسائله بالدعوة إلى بعض بلدان وإمارات نجد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 16 ثم نلاحظ أسلوبه الجهادي وعقيدته السلفية ومنهجه السلفي في الإصلاح في معظم مناشيره التي تغطي الفترة منذ إعلانه المهدية في “ أبا ” حتى فتح “ الخرطوم ” ونهاية الحكم القائم وعموم دعوته، مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتبليغ الدعوة وإزالة مظاهر الشرك والبدع وإقامة مجتمع إسلامي في حكمه، وظهرت عقيدته السلفية بوضوح في تلك المناشير وأيضاً منهجه السلفي للإصلاح ونلاحظ الاتفاق في المضمون فيما دعا إليه الاثنين من العودة بالإسلام إلى عصوره الزاهرة وترك البدع والمنكرات وإن اختلفا في الأسلوب لأن كل واحد منهما كان يخاطب قومه باللغة التي يفهمونها وكان هم كل منهما منصرفاً إلى المعاني لا إلى العبارات. مقدمة: بدأت دعوة محمد أحمد الإصلاحية عندما بني جامعاً للصلاة وخلوة للتدريس والتعبد وبدأ في بث أفكاره ومبادئه بين سكان جزيرة أبا والقبائل المجاورة لها، سالكاً منهجاً قويماً في العبادة والزهد والغيرة علي الدين وداعياً إلي بناء مجتمع ديني يأخذ مقوماته من المجتمع الذي أقامه الرسول صلي الله عليه وسلم، وصحابته، واستطاع أن يكسب لأفكاره ومبادئه الكثير من الاتباع والمريدين، عاهدوه علي السمع والطاعة، والتمسك بأوامر الدين، والانتهاء عن نواهيه، والاستعداد إلي نصرة الحق، وإقامة سنن الشريعة الإسلامية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 17 ثم انتقلت دعوته الإصلاحية إلي طور جديد عندما أعلن أمام صفوة من العلماء ورجال الدين وبعض رجال الدولة الذين حضروا حفل ختان أولاد شيخه محمد شريف سنة 1878 م أن ما أقدم عليه شيخه من إجازة الرقص والغناء واللهو في الحفل مخالف للشريعة الإسلامية، ورغم أن ما أعلنه سّبب الخلاف والقطيعة بينه وبين شيخه إلا أنه قد خرج من هذا الخلاف منتصراً عليه ومؤيداً من قطاعات عريضة من السودانيين بسبب قوة تدينه وغيرته علي الشريعة والإسلام، وصار حديث العلماء ورجال الدين والعامة بعد أن أذاع أنه أنفصل عن شيخه لأنه خالف الشريعة والسنة، فأصبح شخصية لها محبة خاصة في قلوب السودانيين. فاستغل محمد أحمد (المهدي) هذا الانتشار وتلك الشهرة التي حققها في بث ونشر أفكاره ومبادئه والتمكين لها في جميع أنحاء السودان فبدأ في تقوية اتصالاته بالعلماء ورجال الدين والإصلاح فكتب إلي بعض العلماء ورجال الدين المرتبطين بالحكم التركي المصري يدعوهم إلي الزهد في الدنيا وشهوتها، والإقبال إلي الآخرة 00 وكتب أيضاً إلي بعض رجال الدين والعلماء يعلمهم أن الدين قد أصبح غريباً بسبب شيوع البدع ومظاهر الشرك ويدعوهم للوقوف معه لإقامة الدين وأحياء سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم 0 وأعقب ذلك بالانطلاق بدعوته يجوب ربوع السودان يوثق أواصر التفاهم بينه وبين نظار القبائل والعلماء ورجال الدين وشيوخ الطرق وأصحاب الشأن في البلاد، يدعوهم إلي العودة إلي تعاليم الدين الصحيح ونبذ البدع ومظاهر الشرك، ومحاربة الفساد واستطاع بالفعل أن يخرج من تلك السياحات والرحالات بشهرة واسعة، وبعشرات الألوف من المؤيدين المخلصين لدعوته 0 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 18 وكانت قمة دعوته الإصلاحية عندما وضع رسالته (أثناء رحلته الأولي إلى غرب السودان سنة 1297هـ 1880م) التي حض فيها أتباعه علي تطهير الإيمان الذي فسد وأنحط بفساد الحكمة، وعدم احترام الموظفين أركان الدين، فكانت دعوة صريحة لتغيير الأوضاع للعودة بالمسلمين وبالبلاد إلي الدين الصحيح، والرجوع إلي أيام الرسول صلي الله عليه وسلم وصحابته، وإقامة مجتمع إسلامي مماثل لمجتمعه يلتزم في حكمه بالشريعة الإسلامية الغراء. وعندما أيقن محمد أحمد من إمكانية نجاح دعوته فكر في الشكل والأسلوب الذي يناسب ظروف السودان حينذاك، فأهتدي إلي فكرة إسلامية أخذ بها بعض المصلحون والمجددون في تاريخ الإسلام وحظيت بانتشار واسع في السودان ظهور المهدي عندما يشتد الظلم والجور في المجتمع وتجعله رمزاً للعدل والخير والصلاح التي طالما أنتظرها المسلمون في السودان لتنقذهم من الأوضاع السيئة والتي تمثلت في المظالم والمفاسد الخلقية وشيوع البدع التي عمت المجتمع السواد ني المسلم، فأعلن (في سنة 1898 هـ / 1881 م) أنه المهدي، مؤيداً من الله ورسوله، ليعود بالمسلمين إلي الدين الصحيح ويقيم الحكم الإسلامي القائم علي الالتزام بالقرآن الكريم والسنة المطهرة. ورغم أن إعلان محمد أحمد " المهدية " قد يباعد بينه وبين ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلا أن المتتبع لسيرته سواء منذ بداية دعوته وبعد إعلان المهدية ومن خلال تراثه الفكري بعد المهدية المتمثل في منشوراته ومجالسه وخطبه بالإضافة إلي حكومته الإسلامية التي أقامها في السودان، وسياسته الخارجية التي حملت التوجيه الإسلامي الخالص، يلاحظ مدى عمق العلاقة بين المهدية في السودان ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 19 فقد تأسي محمد أحمد " المهدي " بالشيخ محمد بن عبد الوهاب منذ بداية دعوته فقد ظل فترة من الزمن يدعو سلماً بالمواعظ والكتب والرسائل والوفود، للعودة إلي منابع الدين الأولي وترك البدع ومظاهر الشرك، وأحياء سنن الشريعة، والزهد في الدنيا والإقبال علي الآخرة، ومحاربة الفساد 00 وهذا يتفق مع ما جاء في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية منذ بدايتها أيضاً وحملات رسائله بالدعوة إلى بعض بلدان وإمارات نجد. ثم نلاحظ أسلوبه الجهادي وعقيدته السلفية ومنهجه السلفي في الإصلاح في معظم مناشيره التي تغطي الفترة منذ إعلانه المهدية في " أبا " حتى فتح " الخرطوم " ونهاية الحكم القائم وعموم دعوته، مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتبليغ الدعوة وإزالة مظاهر الشرك والبدع وإقامة مجتمع إسلامي في حكمه، وظهرت عقيدته السلفية بوضوح في تلك المناشير وأيضاً منهجه السلفي للإصلاح ونلاحظ الاتفاق في المضمون فيما دعا إليه الاثنين من العودة بالإسلام إلي عصوره الزاهرة وترك البدع والمنكرات وإن اختلفا في الأسلوب لأن كل واحد مهما كان يخاطب قومه باللغة التي يفهمونها وكان هم كل منهما منصرفاً إلي المعاني لا إلي العبارات. وقد ظهرت تأثر محمد أحمد الشديد بالتعاليم والمبادئ السلفية وجاءت دعوته في منشوراته إلي التوحيد الخالص وإفراد العبودية لله، ومنع الحلف بغير الله، ومنع الاستغاثة بغير الله لو كان نبياً رسولاً أو ملكاً 00 بالإضافة إلي تحريم التسمية بالعبودية لغير الله، وهدم القباب ومنع التوسل إلي الأولياء الصالحين 00 تجسيد حي وقوي لأقوال أعلام السلف وعلي رأسهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وأيضاً كل خطب محمد أحمد المدونة تحث علي الزهد في الدنيا وطلب الآخرة وتتضمن دعوة قوية للجهاد، وأسلوبه فيها يعتمد علي كثرة الاستشهاد من القرآن الكريم والسنة المطهرة وهو يتأسى بالشيخ محمد بن عبد الوهاب في خطبه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 20 ويمكن أن نقول أن التأثر والمحاكاة بل والاقتباس قد ظهر واضحاً في العقيدة " الجانب النظري " القول والاعتقاد في تراث محمد أحمد وسيرته، وإن لم تظهر نفس الألفاظ والمعاني لأن كل واحد منهما كان يخاطب قومه بلغة يفهمونها ولكن المضمون واحد. أما " الشريعة " أو الجانب العملي وموقف محمد أحمد من المذاهب والمدارس الفقهية المختلفة، ففي تراثه وسيرته ما يؤكد عمق العلاقة بينه وبين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وخاصة ما أقدم عليه من ممارسات سلفية، وظهرت بقوة دعوة الشيخ السلفية واضحة جلية فيما دعا إليه المهدي من فتح باب الاجتهاد، واتفقت الوجه السلفية في دعوته للاجتهاد مع ما دعا إلي الشيخ محمد عبد الوهاب لنفس الهدف. فقد أمر محمد أحمد أنصاره بالرجوع إلي الكتب العلمية رغم حفاوته بالقرآن الكريم الذي أصدر أمراً عاماً بتدريسه إجبارياً متأسياً بالشيخ محمد بن عبد الوهاب. وإذا كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد حرم الدخان وشدد تلاميذه في التحريم فإن محمد أحمد في مجالسه قد حرم التنباك تحريماً قاطعاً وأعتبره من جملة الخبائث وشربه حرام وثمنه حرام. بالإضافة إلي أن محمد أحمد كان يشجع نوابه وعماله علي الاجتهاد وعدم التعليق بالأئمة متأسياً في ذلك بالشيخ محمد بن عبد الوهاب. وظهرت ممارساته السلفية بقوة واضحة جلية في منشوراته والتي حملت اسم "الأحكام والآداب " والتي خالف بها المهدي علماء عصره فيما جرت به العادة من الفتوى تبعاً للمذاهب الفقهية المعروفة. لذلك لم يكن بدعاً أو عجباً أن يعلن محمد أحمد إلغاء المذاهب والطرق الصوفية حتى لا يبقي إلا الدين الخالص، ويمكن أن نقول أنه كان سلفياً مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب فهو قد نفذ تعاليم السلفية في القصاص والسرقة والزنا والحدود الشرعية عامة. الصلات القديمة بين شبه الجزيرة العربية والسودان: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 21 مما لاشك فيه أن الصلات بين أفريقية عامة والسودان خاصة وشبه الجزيرة العربية، عميقة الجذور، موغلة في القدم، فقد كانت شبه جزيرة العرب – علي مر العصور – مستودعاً بشرياً عظيماً، ومنبعاً لموجات بشرية تتدافع في تيارات متتالية علي مدي العصور والأجيال نحو الأقطار المجاورة، وكانت أهم هذه الموجات وأسبقها في الزمان بحكم الجوار وسهولة الانتقال تلك الموجات المتجهة نحو شرق القارة الأفريقية عن طريق باب المندب ثم عبر طرق البحر الأحمر كلها ( [1] ) . ومما يزيد من عمق هذه الصلات أن هناك بعض النظريات التي تتحدث عن غياب البحر الأحمر (كحاجز مائي) كله بين آسيا وأفريقيا وتقول بوحدة " أصل البجة " ( [2] ) وقدماء المصريين النابع من الجزيرة العربية ( [3] ) . بالإضافة إلي أن البحر الأحمر لم يكن حاجزاً صعباً يمنع الاتصال بين شواطئه الأسيوية العربية، وشواطئه الأفريقية، فلم يكن من الصعب اجتيازه بالسفن الصغيرة، ومن المؤكد أن بلاد البجة في شرق السودان هاجر إليها الحضارمة قبل الإسلام ( [4] ) . وكان بفضل هذه الصلات والتي تمثلت في انتقال العرب من شبه الجزيرة العربية إلي مناطق كثيرة في أفريقيا ولعل أهمها منطقة وادي النيل، أن تزايدت المؤثرات العربية وأصبحت تلك المناطق الأفريقية شبه عربية، وقطعت في عروبتها شوطاً طويلاً عبر آلاف السنين وذلك عندما ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي ( [5] ) . وقد دفعت هذه الصلات والهجرات العربية ببعض الباحثين ( [6] ) في تاريخ السودان إلي الترجيح بأن سودان وادي النيل قد عرف الثقافة العربية الجاهلية بكل مقوماتها العقائدية والفكرية قبل أن يعرف الثقافة الإسلامية التي صاحبت الدعوة الإسلامية، وأن تأثيرات الدماء العربية والثقافة أيضاً لم يكن مقصوراً علي الجهات التي تقابل الجزيرة العربية في السودان الشرقي بل تجاوزتها إلي السودان الأوسط، والسودان الغربي أيضاً. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 22 ونخلص فيما سبق إلي أن الصلات والعلاقات كانت قائمة بين شبه الجزيرة العربية والسودان، وأن أجزاء كثيرة من سودان وادي النيل قد تأثرت بما يحدث بشبه جزيرة العرب بفضل الانتقال والاستقرار السلمي للعرب في أرض السودان. ومن ثم لم يكن مستغرباً أن تجد الدعوة الإسلامية في شرق أفريقيا " الحبشة " الملاصقة للسودان ملجأها الأول بالإضافة إلي سرعة انتشار الإسلام في أجزاء كثيرة من أفريقيا في سنوات الإسلام الأولي مما يدفعه دليلاً علي عمق وقدم الصلات والوشائج والارتباط بين شبه الجزيرة العربية ومناطق شرق السودان. نفوذ الدعوة الإسلامية إلي السودان: بقيام الدعوة الإسلامية وتوطيدها في شبة الجزيرة العربية وبداية انتشارها وسيطرتها علي مصر في شمال وادي النيل بحملة عمرو بن العاص، لم تنقطع العلاقات والصلات العربية بالسودان بل زادت بفضل قوة الدعوة الإسلامية وأصبح هناك طريقان ( [7] ) أو مدخلان نفذا منهما العرب والدعوة الإسلامية من شبه الجزيرة العربية إلي السودان وهما: الأول: المدخل الشرقي عبر البحر الأحمر مباشرة، الثاني: المدخل الشمالي عبر مصر، وأن كان هناك ترابط كبير بين المدخلين، وسوف نعرض بإيجاز دور كل واحد منهما في تطوير أبعاد تلك العلاقات، واستمرار هذا الاتصال. أولاً: المدخل الشرقي (عبر البحر الأحمر) تكاد المراجع التاريخية تجمع على أن الكثير من قبائل الجزيرة العربية أو على الأدق بعض البطون منها قد قامت بهجرات واسعة مباشرة عبر البحر الأحمر إلي شرق السودان وخاصة بعد قيام الدعوة الإسلامية، ومن أشهر هذه الانتقالات والهجرات، انتقال " جهينه" من منطقة " ينبع " من الجزيرة العربية إلي شرق السودان ( [8] ) وجهينة اسم لقبيلة عربية مشهورة هي فرع من قضاعة، وأهم وحدات هذه المجموعة القبائل الآتية: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 23 1- قبيلة رفاعة وتمتد مواطنها علي جانبي النيل الأزرق في السودان من السفوح الحبشية إلي المقرن، والشماليين منهم يمارسون الزراعة والتجارة، أما الجنوبيين فالبداوة سائدة بينهم وهم ينقسمون إلي قسمين: رفاعة الشرق (شرقي النيل الأزرق) ويطلق عليهم ناس أبو جن ورفاعه الهوى (غربي النيل الأزرق) ويطلق عليهم ناس أبو روف، وقد حل بهم اضطهاد شديد في عهد الخليفة عبد الله حين رفض شيخ القبيلة (يوسف المرضي أبو روف) القدوم إلي أم درمان. لمبايعة الخليفة، فقبض عليه وأعدم في أم درمان. 2- قبيلة الشكرية، ويعيشون في إقليم البطانة وينتقلون بإبلهم شمالاً حتى شندي وجنوباً إلي النيل الأزرق وأهم مراكزهم بلدة أبو دليق جنوب شرقي شندى ورفاعة علي النيل الأزرق والفاشر علي العطبرة والقضارف. وقد كان للشكرية شأن كبير أيام الحكم المصري، وكان لها أسرة حاكمة يتزعمها الشيخ أحمد أبو سن وكان موضع ثقة الحكومة فعندما قصد مرسي باشا حمدي حكمدار السودان القاهرة لمقابلة الخديوي إسماعيل، اصطحب معه أحمد بك أبو سن وعدداً من كبار السودانيين، فأنعم عليهم الخديو بالرتب والهدايا وكان نصيب الشيخ أحمد سيفا مذهباً وخمائل ذات قيمة ( [9] ) ويلاحظ أن موطن هذه المجموعة الأولي لقبائل جهينة (رفاعة والشكرية) في أقاليم النيل الأزرق والبطانة أي في النصف الشرقي من السودان. أما المجموعة الثانية فيطلق عليها المجموعة الفزارية وتعيش في شرقي كردفان ووسطها ومن أشهر قبائلها دار حامد فى شمالي الأبيض، ويعملون بالزراعة ورعي الإبل. وأهم قبائل المجموعة الثانية هي: 1- البقارة ويطلق هذا اللفظ علي شعبة جهينة التي تعيش جنوبي كردفان ودارفور، ويعملون كما يدل اسمهم في رعي البقر. ويمتد إقليم البقارة غرباً حق بحيرة تشاد إلي إقليم واداى والبرنو كما أن حدودهم الجنوبية تتاخم أقاليم الزنوج حيث يعيش الدنكا والفرتيت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 24 وإقليم البقارة واسع جداً في امتداده من الشرق إلي الغرب، فيقع بين النيل الأبيض وبحيرة تشاد في حين أنه محدود في امتداده من الشمال إلي الجنوب فيقع بين خطي عرض 11ْ و 13ْ وإن كانت بعض الوحدات تمتد جنوبي هذا الخط كالحمر الرزيقات. ويتوزع البقارة علي النحو التالي: في كردفان: بنوسليم علي النيل الأبيض بين الجمع في الشمال والشلك في الجنوب ويليهم غرباً أولاد حميد ويعيشون حول تقلي ( [10] ) ثم الحوازمة وينتشرون بين الأبيض ودلنج وتالودي ثم المسيرية غربي دلنج وأخيراً الحمر في الركن الجنوبي الغربي من كردفان شمالي بحر العرب. في دارفور: ويمتدان من الشرق إلي الغرب علي الترتيب التالي: الزريقات فالهبائية والتعايشة وبنوهلبه 2- الكبابيش وتملك أعدادا كبيرة من الإبل بالإضافة إلي الضأن أيضاً، ومواطنهم محورها وادي المِلك. وقد فتك بهم الخليفة عبد الله فتكا ذريعاً لما خرجوا عليه. 3- الحمر: Hamar ويعيشون علي الأطراف الغربية لكردفان علي حدود دارفور وتمتد أوطانهم بين خطى عرض 12ْ و 14 ْ، وقد عملوا على نصرة المهدية بخلاف الكبايش فانتهز الحمر لسلبهم الشطر الأعظم من قطعانهم. ولا يتم الحديث عن العناصر العربية في شمالي السودان دون الإشارة إلى مجموعة الكواهلة وهى لا تنتسب إلى الجعليين أو الجهنيين، رغم أنهم من عرب شبه الجزيرة، وأوطانهم موزعة في جهات متعددة أخصها النيل الأبيض فيفصلون بين قبيلتين جعليتين هما الجموعية والجمع ( [11] ) ومنهم قبيلتنا الحسانية والحسينات وهي تعمل في الزراعة ورعي الإبل. وهناك قسم ثان من الكواهلة استوطن شمالي كردفان جنوب ديار الكبابيش ويعملون في رعي الإبل. أما الشعبة الثالثة فتعيش علي العطبرة والنيل الأزرق ويشتغل أفرادها بالزراعة ورعي الإبل والغنم والماعز. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 25 والكواهلة ( [12] ) يرجعون نسبهم إلي الزبير بين العوام رضي الله عنه كما يرجع الجعليون نسبهم إلي العباس عم النبي صلي الله عليه وسلم. وانتقال جماعات من عرب " هوازن " عبر البحر الأحمر واستقرارهم في أرض البجة، وعرفوا باسم " الحلانقة " ( [13] ) ، وأيضاً عرب " الكواهلة " الذين جاءوا من جزيرة العرب مباشرة عبر البحر الأحمر واستقروا في الإقليم الساحلي بين سواكن وعيذاب ( [14] ) . بالإضافة إلي بعض البطون من قبائل أخري لعل أشهرها ربيعه وبلي ورفاعه وغيرها ( [15] ) . وبجانب هذا الانتقال والاتصال السلمي للقبائل العربية بمناطق شرق السودان، فقد امتد النفوذ السياسي والسيطرة الإسلامية في عهد الأمويين إلي مواني البحر الأحمر علي الساحل الأفريقي فقد تم احتلال جزائر " دهلك " ( [16] ) في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك الأموي (65-86هـ / 685 –705م) ومما يؤكد استمرار سيطرة الدولة الإسلامية في عهد الأمويين علي تلك الجزيرة القاحلة عند مدخل البحر الأحمر في الجنوب الشرقي للسودان أن الخليفة هشام ابن عبد الملك الذي أعقب الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز قد جعلها منفي لأصحاب التيارات الفكرية المخالفة في عهده ( [17] ) وزادت سيطرة الدولة الإسلامية في عهد العباسيين علي معظم مناطق شرق السودان الداخلية عندما استطاع الخليفة " المأمون " أبن " هارون الرشيد " بحمله " عبد الله بن الجهم" سنة 831م، ومن بعدة الخليفة المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بحمله محمد بن عبد الله القمي " سنة 856م بإخضاع البجه في شرق السودان للحكم الإسلامي، وهي القبائل الحامية التي تعيش بين النيل والبحر الأحمر ( [18] ) . ففي الشمال ينتشر بشاريو (أم علي) بين البحر الأحمر وأسوان بينما يتركز بشاريو (أم ناجي) حول العطبرة. ثم هناك بنو عمار ( [19] ) في المرتفعات الواقعة غربي سواكن والمنحدرات التي تليها غرباً، وتمتد أوطانهم حتى العطبرة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 26 وأكثر هذه القبائل عدداً وأشدها مراسا في الهدندوه، ويعمل الشماليون منهم في الرعي، في حين يمارس الجنوبيون الزراعة. وأخيراً نجد بني عامر ( [20] ) ، وهم أهدأ عيشاً من سائر البجه، ومواطنهم في طوكر وخور بركه. وقد تأثرت قبائل البجة بالدعوة المهدية وأثرت عليها تأثيراً يتفاوت بين كل قبيلة وأخري وأحياناً بين أقسام القبيلة الواحدة. وعندما قامت الثورة المهدية كان بشاريو الشمال (أم علي) بمنأى عن المهدية، فلم تستطع أن تخضعهم لها، ومن جانبها عملت الحكومة المصرية علي استبقاء ولائهم لها بتوزيع الغلال عليهم ( [21] ) . في حين حارب بشاربو الجنوب (أم ناجي) في صف عثمان دقنه قائد المهدية في شرقي السودان ( [22] ) . أما أبو عمار فقد أثرت فيهم الدعوة المهدية تأثيراً شديداً، وكان معظمهم يقف من الحكومة المصرية موقفاً ودياً، علي أن هذا لم يمنع البعض منهم من أن يقاتل إلى جانب عثمان دقنه، مما أدي إلي انقسام القبيلة علي نفسها انقساما شديداً، بقيت آثاره حتى وقت قريب. أما الهدندوه، فقد كان لها دور أكبر وأخطر مما كان لسائر البجة. فهي قد أسهمت في الدعوة المهدية إسهاماً جدياً وحاربت تحت قيادة عثمان دقنه، وبذلك شغلت الحكومة المصرية في السودان الشرقي فترة طويلة وهي التي قامت بقطع طريق بربر – سواكن. ولم يبق إلا بنو عامر، وهؤلاء كانوا في عهد المهدية ينتشرون بين طوكر ومصوع، وقد اتصلت الأقسام التي تحيط بطوكر بالمهدية اتصالا وثيقاً، في حين قاوم بعضها المهدية، والأمر الذي لا شك فيه أن الكثيرين من بني عامر يؤيدوا الدعوة المهدية ( [23] ) وأصبحت بذلك الأراضي الواقعة شرق النيل من جنوب أسوان إلي جنوب دهلك – مصوع جزءاً من الدولة الإسلامية ( [24] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 27 وبالفعل صاحب هذا الامتداد والنفوذ الإسلامي هجرات بطون بعض القبائل والجماعات العربية التي استقرت في تلك المناطق ونشرت معها ثقافتها الإسلامية وأصبحت ترتبط ارتباطا وثيقاً بالدولة الإسلامية، وخاصة موانئ السودان الشرقية والتي ارتبطت بموانئ الحجاز عقب السيطرة العثمانية على الشرق العربي ثم الحرمين في الحجاز، فأصبحت المواني الشرقية والغربية للبحر الأحمر مثل جده، وسواكن ومصوع، وزبيد اليمن، والحديدة، وزيلع تحت سلطة " والي " الحجاز التركي ( [25] ) ، وكان من الطبيعي أن تكون تبعية موانئ السودان الشرقي الإدارية للحجاز – في عهد العثمانيين– واستفادة سكان تلك المناطق من الامتيازات ( [26] ) التي منحها العثمانيون لسكان الحرمين قد شجع الكثير من القبائل العربية علي الهجرة والاستقرار في مناطق شرق السودان، ولعل أشهر الهجرات الجماعية الحديثة هجرة قبيلة الرشايدة إلى شرق السودان ( [27] ) . وكل هذا بلا شك سواء انتقالات القبائل وبطونها من الجزيرة العربية إلي السودان الشرقي والسيطرة الإسلامية علي تلك المناطق ساهم في نشر العقيدة الإسلامية ( [28] ) . وما صاحبها ونتج عنها من أفكار سلفية وجعلها متأثرة دائماً بما يحدث في شبه جزيرة العرب. ثانيا: المدخل الشمالي (عبر مصر) عندما فتح المسلمون مصر كان شمال السودان ووسطه يعتنق المسيحية منذ القرن السادس الميلادي، وقد قامت فيه ممالك مسيحية ( [29] ) لعل أهمها مملكة المغيرة وعاصمتها "دنقلا" ومملكه علوه وعاصمتها " سوبا " وما أن استتب الأمر لعمرو بن العاص بعد فتح مصر سنة 624 م حتى سير حملة جنوباً لغزو النوبة المسيحية وفتحها باسم الإسلام، ولتأمين حدود مصر الجنوبية، ولكن هذه الحملة قوبلت بمقاومة عنيفة ولم تستطع التوغل جنوباً، كانت فرصة لتسرب بعض العرب إلي داخل السودان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 28 ونجد أن " عبد الله بن سعد بن أبي السرح " الذي خلف " عمرو بن العاص " في حكم مصر، استطاع بعد قتال شديد مع النوبة المسيحية أن يفرض عليهم معاهدة عرفت "بالبقط " يفسرها المؤرخون بأنها معاهدة حسن جوار، أو عدم اعتداء بتعبير حديث تحقق لمصر الإسلامية الاطمئنان علي سلامة أراضيها من ناحية الجنوب، واشترطت علي النوبة المسيحية حفظ مصالح المسلمين وحريتهم الدينية والتجارية ( [30] ) . وتكاد المراجع التاريخية ( [31] ) تجمع علي أن الفترة اللاحقة لفتح مصر وسيطرة المسلمين علي شمال أفريقيا قد شهدت هجرات عربية واسعة للاستقرار في السودان. وأصبح تدفق العرب إلي السودان مرتبطاً بالأحداث التاريخية والصراعات السياسية في الدولة الإسلامية، فقد عرف السودان اللاجئين السياسيين من العرب كبني أمية الذين فروا من وجه العباسيين إلي بلاد النوبة ( [32] ) التي تمتد من أسوان، وقد أطلق العثمانيون عليها أسم "أرض البرابرة " وتضم هذه المنطقة أجزاء في شمال وجنوب الحدود المصرية السودانية الحالية. ويعيش السكان فيها علي ضفتي النيل ويمثلهم حالياً: السكوت، والمحس، ويطلق عليهم أسم النوبيين المستعمرين، وكانوا في بداية الأمر زراعيين ( [33] ) يعيشون علي الشريط الضيق علي جانبي النيل أو في الجزر النهرية – وبعضها عظيم الاتساع نسبياً – وتروي من فيضان النهر بواسطة السواقي النهرية التي تعتبر من الممتلكات الهامة ( [34] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 29 وقد سيطرت قبيلتا الجوابرة والغربية علي المنطقة بين أسوان، ووادي، ونشروا سلطانهم علي كثير من القبائل الصغيرة ( [35] ) ، ثم حدث نزاع بينهما فاستنجدت قبيلة الغربية بالسلطان سليم الأول الذي أرسل سرية " من البوشناق ( [36] ) بقيادة حسن قوصي طردت الجوابرة إلي دنقلة، وأمتد بهذا النفوذ العثماني، وأسس البوشناق قلاعاً وأقاموا الحاميات وحملوا لقب " كشاف " وعرفوا بالغز، ومنحهم السلطان العثماني امتيازات ورثها أبناؤهم وأحفادهم ومنها: إعفائهم من شتي الالتزامات المالية التي فرضها السلطان سليم الأول علي أملاكه كلها، بل أجري عليهم معاشاً سنوياً. ورغم ذلك كان حسن قوصي يرسل ما يسمي بالميري سنوياً إلي والي مصر وان كان – في الواقع مستقلاً عنه. وفي عهد الخليفة المعتصم العباسي أصبح يحكم مصر ولاه من الترك المنافسين للعرب، مما أقصي العرب عن مكانتهم المرموقة، وآثار في نفوسهم الامتعاض والتذمر، وأخذوا في الهجرة جنوباً إلي السودان، وزاد هذا التدفق في عهد المماليك في مصر، الذي شب صراع بينهم وبين العرب ونظروا إليهم كمتمردين وخارجين عن القانون مما دفع الكثير من القبائل العربية للهجرة إلي السودان واختلطوا بالسكان المحليين وانتشر دينهم ولغتهم ( [37] ) . وكانت النتيجة الحتمية لكل هذا التدفق العربي الإسلامي إلي السودان والاستقرار فيه، ليس فقط تغير طبيعة الحياة الاجتماعية هناك، بل تخطاها إلي تغير الأوضاع السياسية أيضاً، فأمام تكاثر الهجرات العربية للنوبة " وحالة الفوضى التي أصبحت عليها المنطقة نتيجة غزوات سلاطين المماليك أيضاً، فقد استطاع هؤلاء العرب المسلمون بمساعدة من أسلم من النوبيين في القضاء سليماً علي الدولة المسيحية في دنقلة في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي وأصبح الحكم في شمال السودان إسلامياً ( [38] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 30 وبسقوط دولة المغيرة في " دنقلة " وسيطرة القبائل العربية علي شمال السودان، انفتح الباب علي مصراعيه لتلك القبائل فتدفقت جنوباً، وأخذوا يكونون بيئاتهم القبلية ومجتمعاتهم ويتجمعون ويتوحدون، ودولة علوه تنتظر مصيرها المحتوم، وجاءت الخطوة الأخيرة في مستهل القرن السادس عشر الميلادي حين تحالف العرب المهاجرون من الشرق والشمال مع الفونج ( [39] ) القادمين من الجنوب أو الغرب وقضوا علي دولة " علوة نهائياً، انتهت بذلك ممالك السودان المسيحية، وأعلن رسمياً سيطرة الدين الإسلامي بقيام دولة الفونج الإسلامية والقبائل العربية المتحالفة معها في شمال وشرق ووسط السودان في عام 1504م ( [40] ) . والحقيقة أن رواد الثقافة الإسلامية في السودان قبل قيام دولة الفونج كان معظمهم من التجار والبدو – وهم ممن تنقصهم المعرفة الدقيقة بالفقه الإسلامي ( [41] ) – والذين اهتموا بنشر الدعوة الإسلامية وكسب المسيحيين والوثنيين مركزين علي المبادئ العامة دون التفاصيل. ورغم مشاركة بعض العلماء لهاتين الفئتين إلا أن جهودهم ظلت محدودة، فيروي أن أول من أشتهر من هؤلاء العلماء هو الشيخ " غلام الدين بن عابد اليمني " ( [42] ) في دنقلة، وأيضاً أولاد عون السبعة ( [43] ) ، الذين ظهروا في نواحي " أبو حليمة " على النيل الأزرق وتولي أحدهم منصب القضاء. وقد شهد القرن السادس عشر الميلادي الانتشار الكبير للطرق الدينية والذي يرجع في الأصل إلي ضعف الحركة العلمية، وضعف الفقهاء وجمود معاهد العلم والتعليم واقتصارها علي الطريقة التقليدية التي تقوم علي الحفظ والتكرار، فضلاً عن أن خمول الحكومة الإسلامية في القرون الأربعة الماضية أوجد لدى الناس فراغاً كان لابد من ملئه، وكان لابد أيضاً للناس أن يجتمعوا حول شئ ما. ويرتبطون به ويوثقون هذا الارتباط وإلا ازداد أمرهم سوءاً مما أدى إلي زيادة الإقبال علي هذه الطرق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 31 وفي رأي البعض أن السوداني فيما يبدو ميال إلي الاعتزاز بالانتساب إلي مجموعة معينة: إلي قبيلة أو حزب أو جمعية أو طريقة أو نقابة، أو لعل في نفسه إحساساً داخلياً يدفعه إلي الانتظام في سلك العبادة المنتظمة، وهو إحساس وليد أجيال أو قرون ( [44] ) . مهما يكن من أمر فان نظام الطريقة كنظام القبيلة أو ككل نظام اجتماعي له تطوراته الخاصة، فالطريقة قد تتفرغ عنها طريقة أخري والاختلافات بصفة عامة ضئيلة بين الأصل والفرع ومما يستوقف النظر الزيادة الواضحة في عدد شيوخ الطرق الذين هم من أصل مغربي. أما عن نشأة هذه الطرق فيرى البعض أن الإسلام في السودان في عهد سلطنة الفونج لم يتأثر بمصر بقدر تأثره بالحجاز وذلك بسبب قرب المسافة بين السودان والأراضي المقدسة. وكان من نتيجة ذلك أن كثيراً من السودانيين درس في مكة والمدينة. ومن ناحية أخري قدم كثير من رجال الدين إلي سلطنة الفونج من مكة، وهذا الاتصال أدي إلي ظهور الطرق الدينية في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) ولم تكن هذه الطرق علي درجة من التنظيم كالتي نعرفها اليوم بل بدأت بأفراد من الصالحين قدموا إلي السودان، وأسسوا لأنفسهم (زوايا) أو خلوة ( [45] ) . وقد ازدهرت هذه الطرق في ظل سلطنة الفونج إزهاراً كبيراً، ودليلنا علي ذلك هذه المجموعة الغنية من السير التي وردت في (طبقات محمد النور ود. ضيف الله) ، وهي تدل دلالة واضحة علي مدي قوة الأثر الذي خلفته تعاليمهم في البلاد ( [46] ) ، إذ وجدوا تربه خصبة بين السكان، ولم يلبث خلفاؤهم – وقد أصبحوا سودانيين - أن نالوا مكانة مرموقة لدي سلاطين الفونج في المسائل الدينية والسياسية علي السواء بل وبدأ الناس يلتمسون وساطتهم عن طريق صلتهم بالحكام، وازداد تعلقهم بهم ( [47] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 32 ويتهم البعض أغلب السكان في السودان بالجهل والأمية إذ أن سلاطين الفونج كانوا يؤسسون لدين جديد بعد القضاء علي مملكة علوة المسيحية – رحبوا بكل من يتحدث إليهم باسم الدين، فأدي ذلك إلي أن السودان لم يجتذب إليه العلماء النابهين فحسب بل جاء معهم أيضاً من يدعون العلم والمعرفة. وقد اشتهر في الإسلام عدد من مؤسسي الطرق الدينية مثل عبد القادر الجيلاني (1079 – 1186م) من العراق وأبو الحسن الشاذلي (1196 – 1258 م) من المغرب وقد توفي في طريق عيذاب بين النيل والبحر الأحمر وهو في طريقه إلي الحجاز. وقد وصلت الشاذلية إلي السودان علي يد الشريف أحمد أبو دنانه قبل سقوط مملكة علوة، واستقر في بربر سنة 849 هـ 1445م وبقيت الخلافة في سلالته. أما الطريقة القادرية الجبلانية فقد وصلت بعد ذلك بقرن من الزمان حوالي سنة 1550 وقيل أيضاً أن أول خليفة لها في السودان هو إدريس أبن أرباب (1507 – 1561) وهو من المحس كما نالت الشاذلية أيضاً نفوذاً كبيراً أيام الفونج علي يد خوجلي ابن عبد الرحمن (المتوفى في 1743) وهو أيضاً من المحس وكان قادريا ثم أنضم للشاذلية لما زار مكة. وبدأت الطريقة المجذوبية (وقد تفرعت عن الشاذلية) تنتشر في شمال السودان في بداية القرن الثامن عشر علي يد حمد بن محمد المجذوب الجد الأكبر للمجاذيب (1693-1776) وأصبحت لأسرته مكانة فيه في الدامر ( [48] ) . وقد أورد لنا محمد ضيف الله في طبقاته تراجم وسير لمائتين من شيوخ هذه الطرق وما تردد عن معجزاتهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 33 وفى الحقيقة يمكننا أن نقول أن آفة هذه الطرق هو ارتباطها في بعض الحالات بالخرافات وقد يرجع الكثير منها للأصول الوثنية التي كان عليها الناس قبل وصول الإسلام فبعض هؤلاء كان يدعي القدرة علي الرؤيا (vision) وهذه تلعب دوراً كبيراً في الحياة الدينية في السودان إلي الوقت الحاضر. وهي " رؤيا " بالتحليق في السماوات وأحياناً يدعون رؤيا النبي صلي الله عليه وسلم نفسه استناداً إلي الحديث الشريف الوارد في صحيح البخاري عن أنس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " من رآني في المنام، فقد رآني حقاً لأن الشيطان لا يتمثل بي " ( [49] ) وعلي ذلك فرؤيا النبي مصدقة لدي العامة من المسلمين. ولهذا الحديث أهميته، فإن المهدي محمد أحمد والخليفة عبد الله أيضاً من بعده سوف يلجأن للرؤيا لتبرير أعمالهما وقراراتهما. بل وبعض هؤلاء كان يزعم بأن الشريعة التي تنطبق أحكامها علي عامة الناس لا تسري عليه، لأنه يرتبط بالله ارتباطاً وثيقاً ( [50] ) . ويطلق علي أمثال هؤلاء الملامتيه ( [51] ) . وكان الملامتية في السودان كنظرائهم من ملاميتة البلاد الإسلامية الأخرى – حسبما جاء في طبقات ود ضيف الله ( [52] ) . وأدعي لبعض أن لهم القدرة علي تحويل الماء إلي سمن وعسل وإلي اليوم يقولون في السودان عن الفقيه الماهر (هو فقي يروب ألما) وأشهر هؤلاء حسن ود حسونه المتوفى سنة 1664 وادعوا أنه كان لديه القدرة على ذلك ( [53] ) ، وإذا تناقل الناس ادعاءات قدرة الشيخ حسن ود حسونه، فليس من المستغرب بعد ذلك أن يؤمنوا بما كان يدعيه محمد أحمد والخليفة عبد الله من بعده برؤيا النبي صلي الله عليه وسلم. فالخليفة عبد الله أصدر منشور المعروف في بداية حكمة لتأييد حقه في الخلافة، وجاء فيه أنه ابتلع شعره من شعر المهدي عند مقبرته، وهي شعره لا تعدلها الدنيا بأكملها، فانكشف عنه الغطاء ( [54] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 34 هذه هي المرحلة الأولي التي مرت بها الطرق في السودان، أما المرحلة الثانية فقد جاءت نتيجة لحوادث دارت خارج السودان. إذ بدأ أن مرحلة الجمود التي كان يمر بها العالم الإسلامي قد قاربت النهاية وظهرت حياة جديدة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ويرجع ذلك أصلاً إلي رد الفعل الذي أحدثه التوسع الاستعماري الأوربي في الدول الإسلامية مما أدي إلي ظهور طرق جديدة تلتزم بالاتجاه الجديد. ففي عام 1800 دخلت السودان الطريقة السمانية علي أيدي أحد أفراد قبيلة الجموعية وهو أحد الطيب البشير ولم يلبث أن تبعه خلق كثيرون من بين أفراد الجموعية والكواهلة والحلاويين في الجزيرة ( [55] ) . وكان شيخ هذه الطريقة وقت ظهور محمد أحمد هو الشريف محمد نور الدائم الذي كان شيخاً للمهدي ثم أنفصل عنه محمد أحمد واتخذ لنفسه طريقته الخاصة. ولعل أحدا لم يحرز نفوذاً في السودان كما أحرزه السيد أحمد بن إدريس الفاسي (1760 – 1837) ، وهو أحد كبار المصلحين الذين تأثروا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعمل أتباعه علي نشر طريقته بين المسلمين والوثنيين علي السواء، ورغم أنه أسس الطريقة الإدريسية التي لا تزال تمارس نشاطها في السودان ومركزها في دنقله، وهناك فروع لها في عسير تنتمي إلي هذه الطريقة، إلا أن تأثير أحمد بن إدريس الأكبر جاء عن طريق تلاميذه وهم: 1- محمد المجذوب الصغير 1796 – 1832. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 35 2- محمد عثمان الميرغني 1796 – 1832، مؤسس الطريقة الميرغنية أو الختمية في الشمال والشرق، وهي واسعة الانتشار، وهي قد سبقت الفتح المصري بقليل، ومثل هذه الطرق كانت تعطف علي الحكم المصري، لأنها بحكم تكوينها ووجودها ليست سودانية بالمعني الوطني الحرفي، بل هي إسلامية لها أتباع وأسانيد وموارد خارج حدود السودان الضيقة، فالميرغني ولد في الحجاز عام 1793م، وحين زار السودان لأمور تتعلق بالطريقة في عام 1817 تزوج امرأة من دنقلة، وكان أبنه الحسن نائبه في السودان وخلفه عام 1853 م عقب وفاته، وقد ذهب محمد عثمان إلي أن طريقته قد أتت علي كل الطرق الأخرى وأتمتها ولذلك أعلن عليها (خاتم الطرق) ومنهما الختمية وهي أكبر منافس للمجذوبية. 3- محمد بن علي السنوسي المتوفى في عام 1856 م، ولعله أشهر تلاميذ أحمد ابن إدريس، وأصله من الجزائر وانتقل إلي الجزيرة العربية واتصل بأحمد بن إدريس، ثم عاد إلي أفريقيا لينشر طريقته في ليبيا ( [56] ) . وقد كانت هناك طريقة ثانية سودانية صرفة وهي الإسماعيلية التي أسسها إسماعيل بن عبد الله 1793 – 1863 في الأبيض بإذن من الشيخ محمد عثمان الميرغني، وكان خليفته محمد المكي من أكبر أنصار الخليفة عبد الله وقد انتشرت طريقته في بعض جهات كردفان ( [57] ) . وقد كان للطرق تأثير كبير علي الناس لدرجة لم يكن من السهل عليهم قبول فكرة المهدى والمهدويه، ولكن ما أن عزز محمد أحمد دعوته بانتصاراته العسكرية المذهلة، حتى نقل الناس ولاءهم له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 36 وكان أول عمل للمهدية هو إلغاء الطرق كلها بعد أن أنكر شيوخها دعوته فضلاً عن أن هذه الطرق كانت تقاسم محمد أحمد الولاء والسلطة ( [58] ) ومحمد أحمد كان في الأصل تابعاً للطريقة السمانية، وكان يقول أن أتباع المهدي هم أتباع الني صلي الله عليه وسلم وخلاصة القول، أن تنظيم الحياة الدينية في السودان ظاهرة واضحة لا تزال تحتفظ بأهميتها حتى الوقت الحاضر، وكما رأينا فإن كثيراً من الطرق يرجع لأزمنة حديثة نسبياً وبعضها سبق الفتح المصري بقليل إن لم يكن دخل البلاد مع الفتح وعاصر الحكم المصري. ولا ينفرد السودان وحده بهذه الظاهرة التي تميز بها التاريخ الإسلامي في العصور الحديثة، حيث عمت الطرق الدينية وتعلق بها العامة بل وامتدت إلي بعض الخاصة أيضاً. وإلى جانب هذه النزعة، هناك وجه آخر للحياة الدينية وهي ناحية الفقهاء ( [59] ) . الفونج وصلاتهم بالجزيرة العربية:- كان طبيعياً أن يصاحب قيام دولة إسلامية فى السودان ( [60] ) محاولات من القائمين على الحكم فيها لتوثيق علاقاتهم بالدول الإسلامية وخاصة فى النواحي الثقافية والدينية، لتبدأ حركة علمية تقوم بشرح تفاصيل الدعوة الإسلامية ومبادئها للناس لنهيهم عما يتعارض من عاداتهم ومعتقداتهم مع الإسلام والعقيدة الصحيحة. وتتفق المراجع التاريخية ( [61] ) على أن الحركة العلمية والثقافية التي صاحبت قيام دولة الفونج كان مصدرها مصر والحجاز، وسوف نقصر حديثنا عن الحجاز فقط كمصدر لهذه الثقافة الدينية وذلك حسب مقتضى البحث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 37 فقد كان طبيعياً أن يرنو السلاطين دولة الفونج بأبصارهم إلى الحجاز وتوثيق علاقتهم به فبالإضافة إلى شرف الانتماء إلى آل البيت، فإن الحج إلى البيت الحرام كان أملاً يراود الملوك والعلماء والتجار والعامة وأيضاً التجارة وسهولة الاتصال مباشرة بالحجاز من سواكن عبر البحر الأحمر ( [62] ) ، كل هذا بلا شك أسهم في التشجيع على قيام علاقات ثقافية بين السودان والحجاز، وأثر مباشرة في انتقال الثقافة الحجازية إلى السودان بفضل بعض السودانيين الذين خرجوا من بلادهم إلى الحجاز يطلبون العلم، وأيضاً بعض المشايخ الذين وفدوا إلى السودان من الحجاز لنشر أفكارهم ومبادئهم. ومن العلماء الذين تذكروهم الراويات والذين حضروا من الحجاز إلى السودان السيد " أحمد البيلي " الذي ولد فى مكة ودرس بالحرم المكي، ثم هاجر للسودان عن طريق جدة، وعبر البحر الأحمر عن طريق سواكن إلى أن نزل بمدينة " شندي " حوالي 932هـ /1526م ثم سار إلى " مروى " حتى أستقر فى " تنقاس " ( [63] ) ، وتزوج هناك ويقال أنه نال تكريماً من الملوك ( [64] ) . ومن العلماء أيضاً الذين وفدوا إلى السودان من المدينة المنورة الشيخ عيسى بن بشارة الأنصاري، والذي أسس مدرسة للتعليم بقرية " كترانج " التي تقع على الضفة اليمني للنيل الأزرق على بعد 36 ميلاً جنوب الخرطوم، وقد أقبل الناس على الشيخ عيسى وأبناءه وأحفاده يتلقون عليهم العلم، وكان الشيخ عيسى بارعاً فى المذهبين المالكي والشافعي ونابغة فى العلوم المعقولة والمنقولة ( [65] ) . ويذخر طبقات " ود ضيف الله " ( [66] ) بالعديد من العلماء السودانيين الذين ذهبوا إلى الحجاز سواء للحج أو للمجاورة والدراسة والتعليم، وكذلك من حضر من العلماء والشيوخ إلى السودان لنشر الدعوة الإسلامية والثقافة الدينية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 38 ولعل أشهر العلماء الذين قدموا من الحجاز إلى السودان على الإطلاق هو الشيخ " تاج الدين البهاري " ( [67] ) الذي جاء إلى السودان تلبيةً لدعوة أحد التجار السودانيين المشهورين بتجارة الرقيق والثراء ( [68] ) . ويقال أن الشيخ " تاج الدين " أستقر فى أرض الجزيرة بالسودان حوالي سبع سنوات، تمكن فيها من إدخال الطريقة القادرية الجيلانية وسلك العديد من المريدين، وقد قام هؤلاء بتسليك غيرهم بعد عودة شيخهم مرة ثانية إلى الحجاز ( [69] ) . ومن أشهر من تتلمذ على يده من القائمين على الحكم فى السودان وقتذاك الشيخ عجيب الكبير ( [70] ) والذي كان له الفضل الكبير فى وضع أسس للحياة الإسلامية الثقافية فى السودان وجعلها تأخذ طابعها العلمي المنظم ( [71] ) . ويرى د. حسن إبراهيم حسن أن أثر العلماء والشيوخ الذين حضروا من الحجاز إلى السودان فى عهد الفونج " فى أنهم لم يكتفوا بإنشاء الزوايا فى بلاد الفونج فقط بل عملوا على نشر الإسلام فى مناطق أخرى من السودان حيث مضى بعضهم صوب الغرب حتى بلغوا دار فور. ولا شك أنه كان لموقع دار فور الفريد أثر كبير فى تنوع السلالات التي يضمها هذا الإقليم من ناحية، وتعرضه لمؤثرات ثقافية من ناحية أخرى. وقد أمكن تقسيم هذه السلالات إلى خمس مجموعات: المجموعة الأولي ومصدرها إقليم تبتي وما يليه من ناحية الغرب إلى أواسط الصحراء الكبرى وهي تضم القرعان والبدايات والزغاوة وهي تمتد بهذا الترتيب من الشمال إلى الجنوب حتى المنحدرات الشمالية لجبال مرة. المجموعة الثانية ومصدرها إقليم النوبة وهي الميدوب ومركزهم جبل ميدوب على مسيرة ستة أيام شمال شرقي الفاشر والتنجر وتقع ديارهم إلى الشرق من جبل مرة وقيل أنهم كانوا يحكمون البلاد ثم أغتصبها منهم الغور. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 39 المجموعة الثالثة وهي التي تأثرت بالهجرات والثقافة النوبية ولكنها لم تتأثر كثيراً بالدماء النوبية وهي تتألف من البرتي Berti ومركزهم جبل (تقابو) على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشمال من الفاشر والداجو ومركزهم جبل داجو 0 المجموعة الرابعة وهي المجموعة الغربية ومصدرها الأقاليم الجنوبية من ليبيا أو ما كان يعرف باسم السودان الفرنسي الممتد حتى حوض نهر النيجر. وتشتمل على عناصر من الفلاتا والميمة والبرتو والتكارنة المراريت وينتشرون بين كبكابية وكلكل. المجموعة الخامسة وهي أقدم هذه المجموعات وتضم خمسة قبائل هي القمر ومركزهم يقع على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشمال من كلكل ويليهم تماماً من جهة الغرب والجنوب الغربي الارتجا وهم فى نظر البعض جماعة واحدة ثم المساليط ويقعون بين الغور شرقاً ووادي غرباً ودار تاما شمالاً ودار سولا جنوباً. وأخيراً الغور ووطنهم الرئيسي الجبال ومركزهم جبل مرة والأرجح أنهم أقدم هذه العناصر جميعأً ولعل هذا ما يبرر تسمية الإقليم باسمهم ( [72] ) . ومن أوائل السودانيين الذين سافروا الحجاز فيما يعرف هو العجمي الذي جاور بمكة، وسكن فى رباط العباسي، وانقطع للذكر والعبادة ومات دون أن يتزوج ( [73] ) . وأيضاً الشيخ عبد الله دفع الله العركي الذي حج أربعاً وعشرين حجة اثنتي عشرة ذهاباً وإياباً واثنتي عشرة جواراً وأشتهر هناك بالعلم ودرس في مكة وعاد إلى بلاده مرشداً للناس ( [74] ) . وهناك فئة كانت تسافر للحجاز طلباً للعلم ( [75] ) والانتساب لطريق من الطرق الصوفية فالشيخ حمد المجذوب (1693-1776) ذهب إلى هناك، وأخذ الطريقة الشاذلية عن الفقيه " على الداروى " المغربي، وصار من مريديها في الحجاز، ثم نشرها بعد عودته بين مريديه من الجعليين وبعض البجة ( [76] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 40 و" محمد بن عدلان الحوشابي الشايقي " قرأ علم الكلام والمنطق والأصول على الفقيه " عبد الله المغربي " عالم المدينة المنورة، ثم قدم إلى " تنقاس" من دار الشايقيه، فقرأ بها القرآن، وكان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، وكان عالماً مجدداً ( [77] ) . ونلاحظ أيضاً أن بعض علماء السودان قد أشاد بهم علماء الحرمين والحجاز فمثلاً الشيخ " جنيد ولد طه " أعطاه الله قبولاً تاماً عند الملوك والسلاطين " ولا سيما أهل الحرمين والحجاز وحده ( [78] ) وعبد اللطيف بن الخطيب عمار برع فى مجال التدريس هناك، وقد مدحه أحد علماء الحجاز، وقال عنه " عالم الديار السنارية وعلامة الأقطار الإسلامية ( [79] ) . ولم يكتف السودانيين بالدراسة والتعليم فقط فى الحجاز ( [80] ) بل جلب الكثيرون منهم معهم من هناك العديد من الكتب العربية الدينية والثقافية فيقال أن الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ صالح بان النقى ملأ من الكتب التي طلبها من الحجاز ومصر ست خزانات ( [81] ) . ويقال أيضاً أن " عمار بن عبد الحفيظ أحضر معه نحو رحلين أو ثلاثة من الكتب ( [82] ) . إذن ثمة عوامل أدت إلى توطيد وتوثيق أواصر الصلة بين الحجاز والسودان اعتبارا من عهد الفونج تميزت برحيل علماء من السودان للحج والمجاورة والعلم والتجارة ثم العودة لنشر الثقافة الإسلامية بين السودانيين فقد كانوا فور عودتهم يبادرون بتأسيس الخاوي والمساجد ويعلمون فيها الناس القرآن والدين بالإضافة إلى بعض الشيوخ الذين حضروا من الحجاز إلى السودان لنشر مبادئ الشريعة الإسلامية. عندما أعلن الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوته السلفية فى نجد لم يكن يقصد أن تكون حدود دعوته شبه الجزيرة العربية فقط، بل كانت دعوته عمومية للعالم الإسلامي كله ليعود إلى منهج السلف فى الدعوة والحكم، وكانت دعوة صريحة لرفض قيام نظام حكم مخالف للحكم الإسلامي فى ديار المسلمين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 41 لذلك عقب نجاح الدعوة فى قلب نجد، وتمكينها فى شبه الجزيرة العربية،بسيطرتها على الحجاز نهائياً سنة 1221هـ/ 1805م، انطلقت الدعوة من الحرمين لأهميتها الدينية عند المسلمين إلى بلاد الإسلام فى محاولة منها لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن حقيقة الدعوة، وبالتالي نشرها فى أرجاء العالم الإسلامي. وكان نصيب الجناح الأفريقي الإسلامي من نشر تلك الدعوة عظيم، حيث يتفق الباحثون والمؤرخون ( [83] ) على أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية لقيت استجابة سريعة في القارة الأفريقية، وخاصة شمال وشرق وغرب القارة ونطاق الصحراء الكبرى الأفريقية الإسلامية. فإذا كانت هذه الاستجابة والانتشار لدعوة الشيخ فى أفريقيا، فماذا كان نصيب السودان؟ وهو الأكثر قرباً واتصالا بشبه الجزيرة العربية عامة والحجاز خاصة، ومن حمل إليه أفكار ومبادئ الدعوة، وكيف نفذت إليه؟ للإجابة على تلك التساؤلات سأقوم بعرض إحدى المنافذ التي انتقلت من خلالها الدعوة إلى داخل السودان وأقصد بها المنفذ الشرقي المتمثل فى " الحجاز وعسير " بحكم الجوار والاتصال، مستعرضاً دور الدعاة فى بث تلك الأفكار والمبادئ التي تدعو بالعودة إلى العقيدة الصحيحة، ونبذ البدع، ومظاهر الشرك. المنفذ الشرقي " الحجاز وعسير" لم يكن المسلمون فى السودان حكام ورعية قد سمعوا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فور إعلانها رسمياً فى نجد، وأثناء توحيدها فى قلب شبه الجزيرة العربية على يد أنصار الدعوة ودور آل سعود، فمن الطبيعي أن يكونوا قد سمعوا بها وتساءلوا عن حقيقتها بعد الحرب الدعائية ( [84] ) الضخمة التي قام بها الأشراف فى الحجاز. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 42 وترقبوا بين مادح وقادح للدعوة نهاية الصراع الحربي بين الأشراف فى الحجاز وأنصار الدعوة فى نجد والذي أستمر من سنة 1205هـ إلى سنة 1213هـ لمنع سيطرة الدعوة على الحرمين وانتشارها هناك، وكان طبيعياً أن يزداد التأييد والقبول أو الرفض والمعارضة من بعض السودانيين لأفكار ومبادئ الدعوة بعد سيطرتها نهائياً على الحجاز ( [85] ) . وبسيطرة الدعوة نهائياً سياسياً ودينياً على الحجاز والمناطق المواجهة ( [86] ) لشرق السودان على البحر الأحمر منذ أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، كان من السهولة انتقال الأفكار والمبادئ السلفية عبر البحر الأحمر إلى منطقة شرق السودان وخاصة أنه لم يكن هناك شئ يمنع ذلك فى تلك المناطق البعيدة عن الحكومات المركزية. كان الحجاز ومنطقة عسير أكثر مناطق شبه الجزيرة العربية اتصالاً بالسودان بحكم سهولة الاتصال وقرب المسافة، والإقليم الإداري الواحد ( [87] ) لذلك وجد أنصار الدعوة المتحمسين الفرصة أمامهم بعد سيطرتهم على الحجاز المنفذ الطبيعي لبث ونشر الدعوة إلى أقطار العالم الإسلامي وجدوا الفرصة لنشر مبادئهم ودعوتهم إلى السودان. وقد تحولت المهدية من دعوة تدعو إلى تطهير المجتمع من مفاسده وتنادى بإصلاح الملة والعمل بالقرآن الكريم والسنة إلى دولة إسلامية قوية تقوم سلطاتها على أسس ثلاثة: أولاً: القيادة العليا، وكانت تتمركز فى شخص محمد أحمد ذاته والخلفاء الثلاثة عبد الله بن محمد وعلى بن محمد حلو ومحمد شريف، بالإضافة إلى كبار قواد المهدية أمثال عبد الرحمن النجومي وعثمان دقنة ومحمد الخير عبد الله خوجلي وحمدان أبو عنجة وغيرهم هذا فضلاً عن الأشراف أقارب المهدي. ثانياً: النظام المالي الذي استحدثته المهدية وأمكنها بواسطته تصريف الشئون المالية والاقتصادية للدولة. ثالثاً: النظام القضائي الذي كان مسئولاً عن الفصل فى المنازعات وإصدار الأحكام ( [88] ) . القيادة العليا: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 43 كانت أول وظيفة فى المهدية هي وظيفة نائب المهدي،ولقد ظهرت هذه الوظيفة فى جزيرة (آبا) وكان الذي يتولاها يقوم بالأعمال المدنية والعسكرية معاً، وقد ظهرت بعد حلول المهدي بقدير وظيفة الخليفة التي حلت محل نائب المهدي ( [89] ) ولو أن البعض يرى أن هذه الوظيفة ظهرت قبل أن يخرج المهدي من جزيرة آبا ( [90] ) . وكان لفظ الخليفة يطلق على كل أعوان المهدي الذين يقومون بالإدارة العسكرية والمدنية بصرف النظر عن مكانتهم والأدوار التي يقومون بها، ثم جاء تحول كبير، إذ أجرى المهدي أول تعديل فى أنظمة الدولة، ومقتضى هذا التعديل أقتصر استعمال لفظ الخليفة على قادة الرايات مثل عبد الله وعلى حلو وشريف، وأبطل استعماله على غيرهم، واستخدم بعد ذلك لفظ " الأمير " بدل الخليفة للدلالة على باقي القواد، وكان المقصود من لفظ " الخليفة " فى التنظيمات الجديدة هو قيادة الراية وكان المهدي هو رأس هذا التنظيم والقائد الأعلى للجيش، ويليه فى المكانة والقوة شقيقه محمد عبد الله الذي تولى القيادة العامة وكان الخلفاء " قادة الرايات " مسئولين أمامه ( [91] ) . ومن أشهر هذه الرايات: الراية الزرقاء ( [92] ) وكان يقودها الخليفة عبد الله والراية الخضراء ويقودها الخليفة على محمد حلو والراية الحمراء ويقودها الخليفة محمد شريف وكانت الراية الزرقاء تتألف من البقارة أهل الغرب،وقد تزايد عددها باستمرار وخاصة بعد الهجرة من آبا إلى قدير حتى بانت أكثر الرايات عدداً. أما الراية الخضراء فكانت تتألف من قبيلتي دغيم وكنانة، وهم من البقارة النازلين بالجزيرة. وأخيراً كانت هناك الراية الحمراء وتتألف من الأشراف والأنصار الذين ينتمون إلى القبائل التي تعيش على النيل أو بالقرب منه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 44 وكانت هناك أيضاً راية بيضاء هي راية المهدي نفسه وكان يقودها شقيقه محمد عبد الله وكانت بمثابة راية القيادة، ورغم أن القوات التي كانت تنضوي تحت لواء هذه الراية قد أدمجت فيما بعد فى قوات الخليفة شريف، إلا أن الراية ذاتها بقيت إلى أواخر عهد المهدية. ويقال أنه كانت هناك راية صفراء كان المنة إسماعيل يرفعها إلى أن سقطت الأبيض، ثم عرضت على السيد محمد المهدي السنوسى، ثم طمسها النسيان بعد خلاف المنة مع المهدي، وبعد ذلك أضيفت قوات هذه الراية إلى الراية الزرقاء والتي يقودها محمد عبد الله. وينبغي أن نشير هنا إلى تطور كبير حدث فى التنظيم الحكومي فى عهد المهدي عقب سقوط الأبيض الذي قتل فيه محمد عبد الله شقيق المهدي، كما قتل أيضاً كبار مستشاريه، وبذلك خلا الجو لعبد الله، ولم يعد الناس يذكرونهم إلا قليلاً، مع أن مركزهم فى الواقع كان أعلى من مركز الخليفة عبد الله وبقية الخلفاء حتى هذه الواقعة ( [93] ) . ومما يلفت النظر أن مكانة الخلفاء الثلاثة قد ارتقت من حيث المراتب، وهذا التطور حدث بعد سقوط الأبيض، أما قبل ذلك، فرغم أن المهدي عنى بإيجاد نظام المراتب فى المهدية فإنه لم يخطط لها نظاماً تفصيلياً، واكتفى بوضع الحد الأدنى لهذه المراتب، فقال أن أدنى اتباعه له مرتبة. وكان يلي الأمراء فى المرتبة العسكرية ضباط يحملون لقب " مقدم " ( [94] ) وقد استبدله المهدي فيما بعد بلقب " نقيب ". ويقول (هولت) أنه يبدو أن لفظ " نقيب " لم يلق قبولاً، وأستدل على ذلك بأن المنشورات كانت ترسل فى عهد الخليفة باسم " العملاء والمقاديم ( [95] ) هذا بالرغم من أنه توجد منشورات كثيرة صادرة عن الخليفة وموجهة إلى العملاء والنقباء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 45 وقد أشار (شقير) إلى أن المهدي أقام مجلساً للشورى يتألف من سبعة أمناء برئاسة أحد الأشراف للفصل فى المسائل الإدارية عقب سقوط الخرطوم، كانت قراراتهم تحمل ختم المهدي بعد موافقة الخليفة عليها ( [96] ) . وليس هناك سوى أربع وثائق تحمل قرارات هذا المجلس فى تظلمات تقدم بها بعض سكان الخرطوم مما نزل بهم، ويرى (هولت) أن الشهور الستة ما بين سقوط الخرطوم ووفاة المهدي، كانت بلا شك كافية للبت فى هذه المطالب والتظلمات ( [97] ) . النظام المالي: يعد النظام المالي هو الأساس الثاني الذي قامت عليه الدعوة المهدية، وقد نشأت الحاجة إلى وضع نظام مالي بسبب الغنائم الوفيرة من أسلحة وذخائر ودواب وأموال وسلع ورقيق التي وقعت فى أيدي المهدية، وقد حاول المهدي أن يبين حكم الشرع أن الغنيمة هي ملك للجماعة الإسلامية توزع عليها حسب حاجتها وليست ملكاً للأفراد. وبعد سقوط الأبيض بدأ من الواضح ضرورة وضع أساس لجهاز يدير الشئون المالية للدولة، وهو الذي أطلق عليه " بيت المال " وهو نفس الاسم الذي كان يطلق على الإدارة المالية فى العهود الإسلامية، ويبدو أن أحمد سليمان وهو من قبيلة المحس ومن أقرب المقربين للمهدي كان يتولى شئون بيت المال هذا، قبل أن يعلن المهدي توليته لهذا المنصب رسمياً فى جمادى الثانية 1300هـ (إبريل مايو 1883) ( [98] ) وبعد انتصار شيكان، وضع المهدي أساساً لتوزيع الغنائم طبقاً للشريعة الإسلامية، فكان يناله شخصياً بوصفه قائداً للجماعة خمس الغنائم، ويوزع الباقي على هذه الجماعة أي يذهب إلى بيت المال (98) . ويبدو أن المحاربين كان يخفون الغنائم ولا يقدمون عنها بياناً ( [99] ) ورغم تحذير المهدي من إخفاء الغنيمة، فقد استمروا يخفونها بعد وفاته وتوليه الخليفة بدليل المنشورات الكثيرة التي أصدرها الخليفة يحذرهم من ذلك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 46 ثم فرضت ضريبة العشر وهي الزكاة على الماشية والغلال، وقد طلب المهدي من الأصحاب والخلفاء بصفة خاصة أن يعاونوا عبد الله فى جمع الغنائم والزكاة من أجل بيت المال ( [100] ) وقد أطلق على هذه العملية "خدمة حقوق الله ". النظام القضائي: أخذت المهدية باعتبارها قائمة على دعوة دينية سلفية وعلى اعتبار أيضاً أن المهدي يقتدي أثر رسول الله صلي الله عليه وسلم ببعض النظم والوظائف القضائية التي عرفت في الدولة الإسلامية الأولي، وكان على رأس تلك الوظائف وظيفة " قاضى الإسلام " فبالرغم من أن المهدي كان القاضي الأعلى في دولته مثلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، إلا أنه أسند منصب " قاضي القضاة " أو قاضى الإسلام إلى الشيخ أحمد ودجباره ( [101] ) ، وجعل دونه قضاة ونوابا كثيرين ( [102] ) . فانتشرت بذلك المحاكم الشرعية فى أقاليم المهدية المختلفة، وكان القاضي يأتي بالدرجة الأولي من حيث المرتبة بعد أمير الإقليم مباشرة ويتبعه إداريا، لأن المهدي كان يرى أنه ليس هناك حداً فاصلاً بين الدين والدولة متأسياً بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى حكومتها الإسلامية، حيث يقول أحمد جمعة ( [103] ) ولم يكن حكام الأقاليم يشرفون على كل الأمور بمفردهم بل كان إلى جانبهم بعض الموظفين مثل قضاة الشرع الذين كانوا يقومون بإصدار الفتاوى فى الأحكام الشرعية، ويفصلون فى الخصومات التي تقع بين الناس ويشرفون على تنفيذ أحكام الدين فى الأقاليم. وكان أيضاً قضاة المهدية ( [104] ) فى الأقاليم مستقلين فى أحكامهم، ويحكمون فى المسائل الشرعية الأهلية وينظرون أيضاً الدعاوى البسيطة التي لا تستلزم وقتاً طويلاً وكانت الدعاوى الكبيرة أو الشائكة ترفع إلى قاضى الإسلام فى أم درمان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 47 ورغم أن فترة حكم الخليفة عبد الله شهدت تداخلاً واضحاً فى شئون القضاء، إلا أن مصادر أحكام المهدية ( [105] ) كانت قائمة على الشرع وتستند إلى الكتاب والسنة، واجتهادات المهدي، فنفذت الحدود الشرعية، فرجمت الزاني والزانية، وجلدت شارب الخمر، وقطعت يد السارق ( [106] ) . وفى النهاية يمكن القول أن أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فى دعوة المهدي الإسلامية والتي لاحظنا أن المهدي التزم فيها تماما بالعودة إلى " مجتمع " السلف ونظمه وتشريعاته ظهر واضحاً، وظهر المهدي بما أقدم عليه من نظام إسلامي للحكم متأسياً بما نفذته دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى قلب شبه الجزيرة العربية. الخاتمة: أهم النتائج التي توصل إليها الباحث: أن الصلات والعلاقات بين شبه الجزيرة العرب وسودان وادي النيل عميقة الجذور موغلة فى القدم فبعيداً عن النظريات التي تقول بغياب الحاجز المائي (البحر الأحمر) وبوحدة أصل سكان المنطقتين منذ فجر التاريخ واعتبارهم منطقة واحدة، فقد تأثرت أجزاء كبيرة من سودان وادي النيل عبر عصور التاريخ وقبل إعلان الإسلام بما يحدث بشبه جزيرة العرب بحكم الجوار وسهولة الاتصال، وبفضل الانتقال والاستقرار السلمي للعرب الذين انتقلوا بعقائدهم ثقافتهم إليها، وأصبحت تلك المناطق شبه عربية قبل ظهور الإسلام فى جزيرة العرب. ثم ازدادت وتطورت الصلات والعلاقات بينهما بفضل قوة الدعوة الإسلامية التي نهضت فى جزيرة العرب منذ القرن السابع الميلادي ونفذت إلى سودان وادي النيل عبر عدة قرون من خلال انتقال كثير من القبائل العربية وبطونها واستيطانها مناطق واسعة من السودان، بالإضافة إلى محاولات القوى الإسلامية المستمرة لمد نفوذها وسيطرتها على تلك المناطق، وتمثل ذلك فى نشر العقيدة الإسلامية وما صاحبها ونتج عنها من أفكار سلفية وجعل تلك المناطق متأثرة دائماً بما يحدث فى شبه جزيرة العرب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 48 وبقيام سلطنات إسلامية فى سودان وادي النيل منذ أوائل القرن السادس عشر الميلادي كان طبيعياً أن يصحبها محاولات من حكام تلك السلطنات وعلى رأسهم سلاطين دولة " الفونج " لتوطيد وتوثيق علاقاتهم مع دول العالم الإسلامي وخاصة " الحجاز " باعتباره مهبط الوحي ومنبع الدعوة والحرمين، وخاصة فى النواحي الدينية والثقافية لتبدأ حركة علمية تقوم بشرح تفاصيل الدعوة الإسلامية ومبادئها للناس لنهيهم عما يتعارض من عاداتهم ومعتقداتهم مع الإسلام والعقيدة الصحيحة، وتميز توطيد وتوثيق الصلات الثقافية بين المنطقتين برحيل علماء السودان للحج والمجاورة والعلم والتجارة ثم العودة لنشر الثقافة الإسلامية بين السودانيين من خلال تأسيس الخلاوي والمساجد والمدارس الدينية، بالإضافة إلى بعض الشيوخ الذين حضروا من الحجاز إلى السودان لنشر مبادئ الشريعة الإسلامية،وكان لهذا أثره المباشر فى انتقال الثقافة الإسلامية التي تميز بها الحجاز فى هذا العصر، وانتشار الإسلام في المجتمع السوداني. وقد كان معظم العلماء الذين أرسو قواعد الشريعة الإسلامية فى السودان (طوال حكم الفونج) من العلماء الذين لهم نزعة إسلامية وغلبت عليهم جميعاً الروح السنية، مما جعلهم قريبين من الإسلام الصحيح بانتهاجهم الشريعة الإسلامية القائمة على الالتزام بالكتاب والسنة وأقوال وأفعال السلف الصالح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 49 وفى تلك الأثناء التي سيطرت فيها الثقافة الإسلامية على الحجاز والسودان على حداً سواء وتميزت بالارتباط الثقافي الوثيق بينهما، وتأثر السودان الثقافي بما يحدث بشبه جزيرة العرب وخاصة الحجاز، قامت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فى نجد بقلب شبه جزيرة العرب وتوطدت دعائمها طوال النصف الثاني من القرن 18م، فى الحجاز والمناطق المواجهة لشرق السودان على البحر الأحمر منذ أوائل القرن 19م، وباعتبار أن السودان كيان إسلامي قريب الصلة والتأثر بما يحدث فى الحجاز وشبه جزيرة العرب عموماً فكان طبيعياً أن تظهر فيه أصداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، فلم يكن هناك ما يمنع انتشار أفكار ومبادئ الدعوة إلى تلك المناطق البعيدة وقتذاك عن الحكومات المركزية والمرتبطة ثقافياً بما يحدث فى الحجاز، وقد كان طبيعياً أن يستغل أنصار دعوة الشيخ مواسم الحج وتوافد الحجيج على الحرمين ومنهم بلا شك حجاج السودان الذين كانوا ينقلون بسهولة مباشرة من موانئ السودان الشرقي إلى الحجاز ليوضحوا حقيقة دعوتهم والدعوة لأفكارهم ومبادئهم بين فئات الحجيج. ومن هنا بدأت الدعوة السلفية في الانتشار إلى السودان،واستطاعت أن تنفذ فيه أيضاً بفضل بعض رجال مصلحين، وتحول الإسلام بفضلهم إلى دعوات إيجابية تميزت بتأثرها بما يجرى على الساحة الإسلامية من دعوات للإصلاح، وقد كان لهؤلاء الفضل الأكبر فى تقبل كثير من السودان لأفكار ومبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية (التي يتفق الباحثون على أنها لقيت استجابة سريعة فى القارة الأفريقية وقتذاك) تحت ستار إصلاحي ملتزم بالكتاب والسنة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 50 وإذا كانت دعوة الشيخ السلفية قد نفذت مباشرة إلى السودان عن طريق استغلال مواسم الحج والدعاة وبفضل دور بعض رجال إصلاحيين، إلا أننا لا يمكن أن نغفل طريق أخر غير مباشر نفذت منه أيضاً تلك الأفكار والمبادئ وهو الفتح المصري للسودان الذي ساهم بما قدمه من تسهيلات ودعم لزيادة أعداد السودانيين الدراسيين فى الأزهر وفتح أمامهم باب الاتصالات والتأثر بما يحدث فى عالم الإسلام من دعوات إصلاحية، بجانب الدعم والتشجيع لبعض رجال الطرق الإصلاحية لنشر أفكارهم ومبادئهم فى السودان بالإضافة إلى تشجيع القائمين على العملية التعليمية هناك وعدم التدخل فيها، والإصلاحات التي أدخلت فى مجال المواصلات. كل هذا ساهم بلا شك وسّهل للعلماء والدعاة التنقل بين أرجاء السودان الفسيح ويسر نقل لأفكار والمبادئ والدعوات الإصلاحية سواء من مصر أو من الحجاز، وانتشارها فى سودان وادي النيل. وكان نتاج ذلك كله أن استطاعت دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب النفاذ إلى السودان برغم سيطرة الأفكار الأخرى على الحياة الفكرية حينذاك، ولكن مع دعوة محمد أحمد تهيأت فرص أكبر لدخول وانتشار الأفكار والمبادئ السلفية إلى سودان وادي النيل كنتيجة طبيعية لاستمرار واستقرار وإعادة نشاط وبث دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية من جديد بفضل أنصارها ومؤيدها فى شبه جزيرة العرب وعلى رأسهم آل سعود بانتهاجهم الحكم الإسلامي القائم على مبادئ الشريعة الإسلامية وتعاليم الدعوة. أما النتائج التي ترتبت على تأثر الدعوة المهدية بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيمكن تلخيصها فيما يلي:- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 51 أولاً: اتفق أصحاب الدعوتين في الأساس الفكري السلفي الذي قامت عليه دعوتيهما فالسلفية عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت تراثها في فكر أحمد بن حنبل وأبن تيمية الوقوف عن ظواهر النصوص الدينية، جعل المعاني المستفادة من هذه الظواهر المرجع في كل أمور الدين وأمور الدنيا فهي قد وقفت عند مفهوم الإسلام كدين، كما كان الحال هذا المفهوم في عصر البساطة قبل التطورات العلمية والإضافات العقلية التي استدعتها صراعات الأمة الفكرية مع الملل والنحل غير الإسلامية بعد الفتوحات.. ومن ثم فإن الدعوة بهذا المعنى وتعتبر كل ذلك " بدعاً " طرأت على الإسلام، كما فهمه السلف الصالح ". أما فكر المهدي أيضاً فقد اتسم بالسلفية بمعنى العودة إلى النصوص الأصلية، كتاباً وسنة وأسقط خرافات العصور الوسطى وإضافاتها التي حجبت الجوهر البسيط والمتقدم للدين، ثم أنه قد أعلى من قدر " المصلحة " وفتح الباب واسعاً للاجتهاد والمحكوم بالمصالح المتجددة على هدى من الكتاب والسنة فهو يعلن أنه " يتبع آثار من سلف فى التوحيد، وهي التي تنكر الوسائط والتوسل بالأولياء الصالحين أحياء كانوا أم من الأموات 000". أي أن الدعوتين اتفقتا تماماً فى الأساس الفكري السلفي والدعوة إلى تصحيح العقيدة الإسلامية وتطهيرها مما علق بها من مظاهر الشرك والبدع والخرافات، والعودة بالإسلام إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين، ثم إقامة مجتمعإسلامي متكامل فى ظل دولة إسلامية تؤمن بالإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ومنهج حياة، وتطبق أحكامه فى جميع شئونها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 52 ثانياً: تشابه الدعوتان فى النشأة، فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نشأت ونمت وانطلقت من منطقة نائية فى قلب شبه الجزيرة العربية، وكذلك دعوة المهدية اختارت مكاناً نائياً منذ كانت فى " آبا "، وكلاهما ظل فترة من الزمن يدعو سلماً بالمواعظ، والكتب،والوفود والرسائل، وذلك لتبيلغ الدعوة وإزالة الشرك والبدع 0 ثالثاً: اتفقت الدعوتان أيضاً فى " العمومية " بمعنى أنهما لم تكونا موجهتين فقط إلى الجماهير فى كل من سودان وادي النيل وقلب شبه الجزيرة العربية، بل كانتا موجهتين إلى المسلمين كافة، فقد حاول أنصار الشيخ محمد ابن عبد الوهاب الخروج بالدعوة من قلب الجزيرة العربية وحاولوا نشر عقيدتهم ومبادئهم فى أقطار العالم الإسلامي المختلفة واستطاعوا تحقيق نجاحات فى ذلك المجال، وحاولت المهدية بث ونشر دعوتها أيضاً خارج حدود السودان وخاطبه زعماء العالم الإسلامي وقتذاك عامة، وسلطنات غرب السودان الإسلامية خاصة وحققت بعض النجاح فى ذلك. رابعاً: استطاعت الدعوتان أن تقيم دولة إسلامية قامت على أساس من تطبيق الشرع، فقد استطاعت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بفضل مناصرة أمراء آل سعود أن تقيم دولة إسلامية قام حكمها على أساس من تطبيق حدود الشريعة الإسلامية، واستطاعت أيضاً المهدية أن تقيم دولة إسلامية فى سودان وادي النيل قامت على تطبيق الحدود الشرعية، فقطعت يد السارق ورجمت الزاني وجلدت شارب الخمر وجلدت على السب. خامساً: اتفقت الدعوتان بعد أن استطاعت أن تقيم نظاماً إسلامياً، فى محاربة البدع ومظاهر الشرك وتبسيط الحياة فى مجتمعاتهما وردها إلى ما يشبه الحياة الإسلامية فى صفائها الأول أيام الرسول صلي الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين واستطاعت الدعوتان تحقيق نجاحات فى ذلك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 53 سادساً: ومن أوجه الخلاف التي تمثلت فى نتائج الدعوتين نستطيع أن نقول أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية استطاعت بفضل الله سبحانه وتعالي أن تنتشر فى أرجاء كثيرة فى العالم الإسلامي، واستطاعت أيضاً بفضل أمراء آل سعود أن يكون لها دور فى دولة مازالت قائمة حتى الآن تنفذ تعاليم الدعوة وهي المملكة العربية السعودية. لكن دعوة المهدية رغم انتصارها السريع في محاولة إقامة مجتمع سوداني واحد في حياة المهدي بفضل شخصيته إلا أنها لم تستطع الاستمرار مع خليفة المهدي وسقطت بعد سنوات قليلة. الهوامش والتعليقات (1) محمد محمد أمين: العلاقات العربية الأفريقية (دراسة تحليله في أبعادها المختلفة) معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة 1978، ص 31. (2) البجة أو البيجة أو البجاه هم سكان شرق السودان ويقال أنهم من أقدم الشعوب في أفريقيا بعد السود، وهم ينقسمون إلي أربعة أقسام رئيسية في الصحراء الشرقية للسودان ما بين النيل والبحر الأحمر (البشاريون والأمراء، والهدندوه، وبني عامر) . أنظر: نعوم شقير: تاريخ السودان الحديث وجغرافيته، طبعة أولي القاهرة سنة 1903، ج 1 (م ص49 إلي ص 56) وأيضاً يوسف أبو قرون: قبائل السودان الكبرى، الخرطوم 1969م من ص 59 إلي ص 74. (3) عبد العزيز حسين الصاوى، محمد علي جادين: الثورة المهدية مشروع رؤية جديدة، الخرطوم بدون تاريخ ص 10. (4) عبد الرحمن حسب الله الحاج: العلاقات بين بلاد العرب، وشرق السودان منذ ظهور الإسلام حتى ظهور الفونج (رسالة ماجستير غير منشورة) بجامعة القاهرة سنة 1980، ص 7.، وأيضاً محمد محمد أمين: المرجع السابق، ص 58. (5) محمد محمد أمين: نفس المرجع ص 31. (6) أنظر: عبد المجيد عابدين: تاريخ الثقافة العربية في السودان منذ نشأتها إلي العصر الحديث، القاهرة سنة 1967 م ص.10. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 54 عبد القادر محمود: الفكر الصوفي في السودان مصادره وتياراته وألوانه، القاهرة 1969، ص 41 محمد عوض محمد: السودان الشمالي سكانه وقبائله، القاهرة 1951 م، ص 159 (7) بجانب هذين الطريقين أو المدخلين هناك طريق ثالث دخلت منه الثقافة الإسلامية إلي السودان أيضاً ولكنه متأخر نوعاً ما هو الطريق الشمالي الغربي والذي ظهر عقب ارتداد المسلمين بعد طردهم من الأندلس في القرن الخامس عشر الميلادي. (8) عبد الرحمن حسب الله الحاج: المرجع السابق ص 13، محمد عوض محمد: المرجع السابق ص 209. (9) محمد فؤاد شكري: الحكم المصري في السودان، القاهرة 1947 م، ص 77 (10) انظر ملحق الخرائط خريطة مملكة تقلى، ص 661. (11) Read, Some Notes on the Trides of the white Nile Province, S.N.R., 1930, P. 149. (12) أنظر ملحق الخرائط، الخريطة التي تبين القبائل وأهم المدن في الدولة المهدية، ص662 (13) حسن أحمد محمود: الإسلام والثقافة العربية في أفريقية، طبعة ثانية، القاهرة 1963، ج 1، ص 310. (14) محمد عوض محمد: نفس المرجع السابق، ص 143. (15) يوسف فضل حسن: مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي (1450-1821) طبعة ثالثة، الخرطوم 1989، ص 1، 2 كذلك نعوم شقير: المصدر السابق ج 1 ص 60، محمد عوض محمد: نفس المرجع، ص 159. (16) جزائر دهلك تقع تجاه الجنوب الشرقي من سودان وادي النيل وهي مجموعة أهمها (دهل وحرات وكباري ودركة ونوره ونقره وعرات) . أنظر: إبراهيم علي طرخان: الإسلام والممالك الإسلامية الحبشية – المحلة التاريخية المصرية مجلد 8 سنة 1959 م (ص1 إلي ص68) ص 30. (17) يقال أنه جمع العديد من قادة المعتزلة وأهل العدل والتوحيد ونفاهم إلي هناك. انظر محمد عمارة: تيارات الفكر الإسلامي طبعة أولي، القاهرة 1983 م، ص110. (18) انظر ملحق الخرائط خريطة قبائل البجة الرئيسية ومواطنها في السودان الشرقي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 55 (19) Holt, The Mahdist State in the Sudan, Oxford 1958, P.8. (20) يطلق عليهم في المراجع الأجنبية الأمراء. (21) انظر جريدة القاهرة العدد 1032 الصادر في 4 يونيو 1889. (22) G.E.R. Sanders, The Bisharin, Sudan Notes & Records (S.N.R.) , Part II, vol.XVI, 1933. (23) انظر ملحق خريطة الإمبراطورية المهدية، ص 664. (24) حسب الله محمد أحمد: قصة الحضارة في السودان (الفترة التاريخية من 3400 ق. م إلي سنة 1900م) بيروت سنة 1966 ص 216. (25) محمد صالح ضرار: تاريخ السودان – البحر الأحمر اطعنا البجه، بيروت ستة 1965م، ص108. (26) كان السلطان العثماني بعد ضم الحجاز وتلقيبه (حامي الحرمين الشريفين) قد منح أهل الحرمين عدة امتيازات منها عدم تجنيدهم، وعدم تحصيل أي رسوم أو عوائد أو ضرائب سواء من الأهالي الحضريين أو أهل البادية، وجعل مرتبات سنوية للأشراف وزعماء العشائر 00 الخ) . انظر. محمد صالح ضرار، المرجع السابق، ص 115 وما بعدها. (27) محمد عوض محمد، المرجع السابق ص 156. (28) أنظر ملحق الخرائط خريطة توزيع القبائل في سلطته دارفور شرقي السودان، ص (29) المزيد من التفاصيل عن الممالك المسيحية في السودان قبل إعلان السيطرة الإسلامية، أنظر: مصطفي مسعد: امتداد الإسلام والعروبة إلي وادي النيل الأوسط، المجلة التاريخية المصرية، مجلد 8 سنة 1959م، ص 69 إلي ص 99. حسن أحمد محمود: المرجع السابق ص 304 ص 328. (30) مصطفي مسعد، المرجع السابق ص 71، حسن أحمد محمود، المرجع السابق ج1 ص310. (31) للمزيد من التفاصيل انظر: حسن إبراهيم حسن: انتشار الإسلام والعروبة فيما يلي، الصحراء القضاة شرق القاهرة الأفريقية وغربها – جامعة الدول العربية، للقاهرة سنة 1957، (ص 80 إلي ص 90) وأيضاً حسن أحمد محمود، المرجع السابق، ص 300 – 333) ، حسب الله محمد أحمد: المرجع السابق (175 – 185) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 56 (32) حسن إبراهيم حسن: المرجع السابق ص 96، يوسف فضل حسن: المرجع السابق ص 46. (33) جلال يحي: مصر الأفريقية والأطماع الاستعمارية في القرن التاسع عشر، القاهرة 1967 م، ص 41. (34) الشاطر بصيلي: معالم تاريخ سودان وادي النيل القاهرة 1955 م، ص 302 (35) بوركهارت: رحلات إلى النوبة والسودان،ترجمة فؤاد أندراوس، القاهرة 1959م، ص 117 (36) البوشناق من اطعنا البوسنة بيوغوسلافيا (37) انظر:حسن أحمد محمود، المرجع السابق، ص 321، محمد سليمان: المرجع السابق ص 16. (38) لمزيد من التفاصيل انظر: حسن إبراهيم حسن: المرجع السابق (ص 100 – 104) (39) لازال أصل الفونج وموطنهم الأصلي يشكل تحدياً كبيراً للباحثين في تاريخ السودان الحديث، فيرجعون موطنهم وأصلهم العربي إلي واحدة من ثلاث مناطق: بلاد الحبشة، وبلاد البرنو، ومنطقة الشلك علي النيل الأبيض، أنظر في ذلك يوسف فضل حسن. المرجع السابق، الفصل الثالث " أصل الفونج وموطنهم من (ص 39 إلي ص 59) .كذلك انظر ملحق الخرائط خريطة سلطنة الفونج والممالك والمشيخات التي كانت تابعة لها ص 666. (40) كان المسلمون في السودان قد استطاعوا تأسيس سلطنة إسلامية في غرب السودان حملت أسم " سلطنة دارفور، وقد تأسست علي يد سليمان سولون الأول (1440 – 1476) م. انظر نعوم شقير المرجع السابق، ج 2 ص 113 وما بعدها. (41) انظر ملحق الوثائق مخطوطة الفونج للشيخ إبراهيم عبد الدافع التي تم كتابتها عام 1884م، ص 656. (42) للمزيد من التفاصيل عن الشيخ " غلام الدين " ورواد الثقافة الإسلامي، أنظر د. يحي محمد إبراهيم: تاريخ التعليم الديني في السودان. طبعة أولي بيروت سنة 1987 ص 33. (43) للمزيد من التفاصيل عن أولاد عون انظر: مصطفي مسعد، المرجع السابق ص 93 وما بعدها. (44) محمد عوض محمد: المرجع السابق ص 18 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 57 (45) الخلوة أكثر الكلمات التي تطلق في السودان علي معاهد التعليم. ولهذه الكلمة تاريخ قديم يرتبط بمعناها اللغوي. فهي في اللغة تفيد الانفراد والوحدة وقد أطلق الصوفية (الخلوة) علي محادثة السر مع الحق وعلي المكان الذي تحصل فيه المناجاة والمحادثة، وهي بهذا المعني الشائع بين طبقات الصوفية معروفة في السودان، فللرجل الصالح خلوة ينفرد فيها بنفسه لتبداته ومناجاة ربه، وإطلاقها هنا علي معاهد التعليم أنفرد بها السودان وحده. وكانت (الخلوة) في السودان تقوم مقام (الزاوية) في مصر أو المغرب ويعلل البعض أحجام السودانيين علي إطلاق لفظ الزاوية علي مكان التعبد والتعليم إلي أنه لما ظهر السودان الإسلامي في أوائل القرن السادس عشر كانت الزوايا قد ساءت سمعتها وأصبح أهلها ممن يشترون الدنيا بالدين، فأبى السوداني المتقشف البدوي المحافظ أن يطلق هذا اللفظ علي مكان تعبده وانقطاعه لله ولتعليم العباد وأثر استعمال كلمة خلوة لما تدل عليه من العزلة والانصراف عن شئون الدنيا ولذاتها. أنظر: عبد العزيز عبد المجيد: التربية السودانية. القاهرة 1947 ج1 ص 98 – 100، كذلك أنظر ملحق الوثائق اهتمام الحكام بإنشاء الزوايا والخلوات ص (46) محمد ضيف الله محمد الجعلي الفضلي. الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء في السودان، القاهرة 1930 ص 142 (47) Trimingham , Islam in the Sudan, London 1949, pp. 195 – 96. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 58 (48) في صيف 1814 م وصل الرحالة السويسري بوركارت إلي الدامر وأعجبته نظافة البلدة التي كان يسودها جو من الصلاح والتقوى، فالسيادة فيها كانت لرجال الدين وينتمون جميعاً لأسرة سماها خطأ (المجد ولين) وصحتها (المجذوبين) نسبة إلي حمد بن المجذوب، ولهذه الجماعة فضل كبير في نشر التعاليم الإسلامي في السودان (أنظر Burckhardt, J., Travels in Nubia, London 1819, P.265. وقد فر حفيده محمد المجذوب (1796-1832) إلي مكة أمام الفتح المصري وعاد إلي سواكن 1830 ونشر تعاليمه في شرقي السودان وأصبح له نفوذ كبير لدي الجعليين والبجه علي السواء وسوف يجد عثمان دقنة قائد المهدية في شرق السودان تأييداً كبيراً من شيخ الطريقة في سواكن الطاهر الطيب المجذوب 1822 – 1890. (49) صحيح البخاري: الجزء الرابع ص 135 (50) Trimingham, op. Cit,, pp. 132 -135 (51) أصل (الملامتيه) قوم تعودوا فعل ما يجلب عليهم من الخلق السخط والازدراء ويرسل ألسنتهم بالذم والتأنيب، أوهم قوم قاموا مع الحق تعالي علي حفظ أوقاتهم ومراعاة أسرارهم فلاموا أنفسهم علي جميع ما أظهروا من أنواع التقرب، وأظهروا للخلق قبائح ما هم فيه وكتموا محاسنهم. وقيل أنهم سموا كذلك لأنهم لا يظهرون ما ببواطنها علي ظواهرهم، ويعمدون إلي التستر والاستغناء وراء مظاهر تستدعي أن ينعي الناس عليهم ويفضوا من شأنهم ولكنهم لا يعنيهم من ذلك شي " بل الذي يعنيهم هو الاجتهاد في تحقيق كمال الإخلاص ووضع الأمور في مواضعها، والاكتفاء بما بينهم وبين الله من حبب وتودد وما بينهم وبين أنفسهم من موافقة إرادتهم وعلمهم لإرادة الله وعلمه بحيث لا ينفون الأسباب ولا يثبتونها إلا في محل يقتضي نقبها أو ثبوتها. أنظر محمد مصطفي حلمي: الحياة الروحية في الإسلام – القاهرة 1945، ص 177. (52) طبقات ود. ضيف الله مرجع سابق ص 142 (53) Trimingham, op. Cit., p. 138. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 59 (54) Wingate, R., Mahdiism and the Egyptian Sudan, London, 1899, PP. 229-33 ; Holt, op. Cit., p.123 (55) شقير: المرجع السابق ج 3 ص 613 – 614 (56) السنوسية طريقة تخلو من التعقيد وتؤكد الكتاب والسنة والتوحيد وهي جماعة تعليم للدين أكثر منها أي شئ آخر لذلك ابتعدت عن المدن ودخلت الفيافي واتصلت بالبدو وشيدت الزوايا وهي بمثابة مراكز دينية يتبعها أمن وانتظام في المعاملة وزراعة واستغلال لموارد الطبيعة، وقد أحرزت السنوسية نجاحاً كبيراً في الصحراء وفي دفع الأوربيين. أنظر محمد فؤاد شكري: السنوسية دين ودولة، القاهرة 1948، ص 150، أيضاً: Evans. Pritchard, The Sanusi of Cyrenaica, Oxford, 1949, P. 235. (57) Trimingham, op. Cit,. P.200; Holt, op. Cit., p. 20 (58) Wingate, op. Cit,. P. 48. (59) المقصود هنا العلماء الذين قاموا علي دراسة الدين والشريعة الإسلامية دراسة علمية في معاهد العلم. ويطلق لفظ (فقيه) علي الشخص المثقف أو الحجة في مادته. وقد حرف اللفظ في السودان إلي (فقي) دون أن يتناول معني واحداً. وجمع (فقي) ليس (فقهاء) كما نتوقع أنما (فقراء) يقال: " فلان ودر كل ماله علي الفقراء أي اضاع ماله علي الفقهاء. كما تطلق كلمة (فقي) في السودان أيضاً علي معلم الكتاب أو الخلوة، وتطلق أيضاً علي الرجل إذا كان شديد الورع والتقوى أو علي الشخص الذي يعالج المرضي أنظر: Triminghnm, op. Cit. , pp. 140-41 (60) انظر ملحق الخرائط مملكة الفونج، ص 667. (61) المزيد من التفاصيل عن أثر بعض البلدان الإسلامية على الحركة العلمية الثقافية فى عهد الفونج: انظر: عبد المجيد عابدين:المرجع السابق ص 56، 57 حسن إبراهيم حسن:المرجع السابق، ص 152، 154 يحي محمد إبراهيم:المرجع السابق، ص 42، 44 (62) انظر ملحق الخرائط خريطة الطرق التجارية، ص 668. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 60 (63) إحدى قرى المديرية الشمالية بالسودان (ديار الشافعية) (64) يحي محمد إبراهيم:المرجع السابق ص 46 (65) عز الدين الأمين: قرية كترانج وأثرها العلمي فى السودان (مجلة الدراسات السودانية، مجلد 2، عدد أول مارس سنة 1970م (من ص 48 إلى ص 70) (66) ولمزيد من التفاصيل عن الطبقات انظر: مقدمة التحقيق، وأيضاً: الذيل والتكملة: رجز إبراهيم عبد الرافع، شرح الشيخ أحمد السلاوي، تحقيق وتقديم محمد إبراهيم أبو سليم، ويوسف فضل حسن. الخرطوم فبراير سنة 1981من ص 1 إلى ص 14 وأيضاً تقييم نماذج بعض المصادر والمراجع فى نهاية البحث. (67) هو محمد تاج الدين البهاري البغدادي: أحد خلفاء الشيخ عبد القادر الجيلاتي،حج إلى بيت الله الحرام وأثناء تواجده هناك، دعاه أحد التجار السودانيين لزيارة السودان فقدم من هناك وأقام بمنطقة الجزيرة حوالي سبع سنوات وهناك خلاف بين الباحثين فى تاريخ قدومه. (68) Trininghan J.S: Op.Cit.P218 (69) الطبقات: نفس المرجع، ص 44، 45، الذيل والتكملة ص 52 (70) هو الشيخ عجيب بن الشيخ عبد الله جماع أحد مؤسسي دولة سنار، ويقال أن هذا الشيخ قد جلس على كرسى الحكم لمدة طويلة (970-1019هـ /1563 1610م) وكان مؤلفاً بالثقافة الإسلامية لذلك بني المساجد ودور العلم وأنشأ أروقة للسودانيين بالأزهر والحرمين وعمل خفير على طريق الحج والتجار مما ذلل من وعورته، محمد سليمان: المرجع السابق، ص 20 (71) يحي محمد إبراهيم، المرجع السابق، ص 44 (72) شقير: تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته. القاهرة 1903، ج 1 ص 48- 49، محمد عوض محمد:السودان الشمالي القاهرة 1951ص 266 270 وأيضاً: Mac Michael.H.,A History of the Arabs in the Sudan,Cambridge 1922,pp.52 ff (73) الطبقات تحقيق يوسف فضل ص 88، الذيل والتكملة ص21 (74) نفس المرجع ص 29 (75) انظر ملحق الوثائق، ص 650. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 61 (76) الطبقات: نفس المرجع ص 187-188. (77) نفس المرجع ص 259 (78) المرجع السابق ص 299 (79) نفس المرجع ص 299 (80) الطبقات: نفس المرجع ص 291 (81) انظر ملحق الوثائق وثيقة عن القمصان الحجازية لم تصلح للتعليم ص 651. (82) الطبقات: نفس المرجع ص 259. (83) هناك العديد من الدراسات التي تتحدث عن الاستجابة السريعة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى الجناح الأفريقي منها ما يلي:- · عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم:تأثر الإصلاح الديني والاجتماعي فى مصر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فى النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي،الدارة، العدد الثاني،السنة السابعة سنة 1981 · عبد الفتاح مقلد الغنميي: أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى غرب أفريقيا، الدارة، العدد الثالث السنة الخامسة سنة 1980من ص88 ص 103. (84) لمعرفة ما قام به الأشراف والعثمانيون من حرب ضد لدعوة أنظر: عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم:المرجع السابق، ص 35 وما بعدها. (85) أقصد بها المناطق الممتدة على سواحل البحر الأحمر من الحجاز شمالاً حتى شمال اليمن جنوباً مروراً بمناطق بيشة ورنيه والدواسر جنوب الحجاز، ومناطق المخلاف السليماني (أبو عريش، ضمد، صبياً) وقبائل جنوب المخلاف ومناطق شمال اليمن: لمعرفة سيطرة الدعوة على تلك المناطق أنظر: محمد أحمد العقيلي:تاريخ المخلاف السليماني، راجعه وأشرف على طبعه حمد الجاسر، ج 1،طبعة ثانية سنة 1984، ص 482، 484. أنظر محلق الوثائق منشور الخليفة عبد الله إلى كافة قريش ص (86) عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، المرجع السابق ص 148 - 172، ولمع الشهاب المرجع السابق ص 134، 135. (87) الدولة العثمانية جعلت كل الموانئ على البحر الأحمر سواء الشرقية أو الغربية تحت سلطة حاكم الحجاز التركي (88) Holt, Op.Cit.,P.100 (89) Slatin,R.,Fire and Sword in The Sudan ,London 1896,P.138 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 62 (90) محمد إبراهيم أبو سليم: مفهوم الخلافة وولاية العهد فى المهدية، الخرطوم، ص 2 (91) نفس المرجع السابق ص 7 (92) الزرقاء باللغة الدارجة السودانية معناها السوداء. (93) دفتر رسائل النجومي ورقة 28، شقير ج 3 ص 171، أنظر أيضاً Holt,Op.Cit.,P.104,Wingate,Op.Cit.,P.71 (94) كان لقب (مقدوم) يطلق على حكام الأقاليم تتاخم سلطنة دارفور قبل الحكم المصري كما أن لفظ (مقدم) يطلق على من يلي (الخليفة) تتاخم المرتبة تتاخم الطرق الصوفية تتاخم شمالي أفريقيا أنظر: Holt,Op.Cit.,P.105-106 (95) شقير: نفس المرجع ج 3 ص 357. (96) Holt, Op.Cit. ,p.108 (97) دفتر رسائل النجومي: ورقة رقم 14 (98) دفتر رسائل النجومي: ورقة رقم 10 (99) دفتر رسائل النجومي: ورقة رقم 11 (100) فيصل الحاج محمد موسى:النظام المالي فى المهدية،رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة سنة 1976م، ص 125 (101) أحمد ود جبارة: من أوائل العلماء الذين تلقوا تعليمهم تتاخم الأزهر الشريف وأتبعوا الدعوة المهدية وأنضم إلى المهدي تتاخم آبا، وهاجر معه إلى قدير، فعينه المهدي قاضياً للإسلام لشدة ورعه وتقواه واستشهد تتاخم واقعة الأبيض الأولي تتاخم 8 سبتمبر سنة 1882م. ومن أشهر من تولوا هذا المنصب هو الشيخ الحسيني زاهر. (102) شقير، المرجع السابق، ج 3، ص 669 (103) نفس المرجع، ج 3، ص 48 (104) لمزيد من التفاصيل عن صلاحيات قضاة المهدية، انظر: إبراهيم الجاك " النظام القضائي فى الدولة المهدية فى السودان، وأثره على الحياة الأجتماعية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة، سنة 1975م ص 96 وما بعدها. (105) لمزيد من التفاصيل عن مصادر وأحكام المهدية، انظر:إبراهيم الجاك: نفس المرجع، ص 55، 57 (106) لمزيد من التفاصيل عن عقوبات الجرائم والحدود، انظر: إبراهيم الجاك، نفس المرجع، ص 147 وما بعدها. المصادر والمراجع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 63 أولاً: المخطوطات: مخطوط الفنج للشيخ إبراهيم عبد الدافع مفتي الخرطوم في ذلك الوقت حيث كتب هذا المخطوط عام 1884م وهو موجود بدار الوثائق القومية بالقلعة. ثانيا: الوثائق الرسمية للدولة المهدية بإدارة الوثائق القومية السودانية بالخرطوم. مهدية 3/1/3 دفتر صادر 3 مهدية 3/7/14 دفتر صادر 14 معية تركي رقم 106 دفتر رقم 9 دفتر رسائل عبد الرحمن النجومي. المهدية قسم 1 صندوق 1 ثالثاً: المراجع العربية:- 1- الشاطر بصيلي عبد الجليل: معالم تاريخ سودان وادي النيل، القاهرة 1955م. 2- جلال يحي: مصر الأفريقية والأطماع الاستعمارية في القرن التاسع عشر، القاهرة 1967م. 3- جون لويس بوركهارت: رحلات إلي النوبة والسودان، ترجمة فؤاد أندراوس، القاهرة 1959م. 4- حسب الله محمد أحمد: قصة الحضارة في السودان، بيروت 1966م 5- حسن إبراهيم حسن: انتشار الإسلام والعروبة فيما يلي الصحراء الكبرى شرق القاهرة الأفريقية وغربها، القاهرة 1957م 6- حسن أحمد محمود: الإسلام والثقافة العربية في أفريقيا، طبعة ثانية، القاهرة 1963م. 7- عبد العزيز حسين الصاوي ومحمد علي جادين: الثورة المهدية مشروع رؤية جديدة، الخرطوم. 8- عبد العزيز عبد المجيد: التربة السودانية، القاهرة 1947م. 9- عبد القادر محمود: الفكر الصوفي في السودان مصادرة وتياراته وألوانه، القاهرة 1969م. 10- عبد المجيد عابدين: تاريخ الثقافة العربية في السودان منذ نشأتها إلي مصر الحديث، القاهرة 1967م. 11- محمد إبراهيم أبو سليم: مفهوم الخلافة وولاية العهد في المهدية، الخرطوم. 12- محمد أحمد العقيلي: تاريخ المخلاف السليماني، أشرف علي طبعة حمد الجاسر، الجزء الأول، طبعة ثانية 1984م. 13- محمد صالح ضرار: تاريخ السودان – البحر الأحمر إقليم البجة، بيروت 1965م الجزء: 9 ¦ الصفحة: 64 14- محمد ضيف الله بن محمد الجعلي الفضلي: الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء في السودان، القاهرة 1930م 15- محمد عمارة: تيارات الفكر الإسلامي، طبعة أولي، القاهرة 1983م. 16- محمد عوض محمد: السودان الشمالي سكانه وقبائله، القاهرة 1951 م. 17- محمد فؤاد شكري: الحكم المصري في السودان، القاهرة 1947م. 18- محمد فؤاد شكري: السنوسية دين ودولة، القاهرة 1948م. 19- محمد محمد أمين: العلاقات العربية الأفريقية، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة 1978 م. 20- محمد مصطفي حلمي: الحياة الروحية في الإسلام، القاهرة 1945م. 21- نعوم شقير: تاريخ السودان الحديث وجغرافية، طبقة أولى، القاهرة 1903م. 22- يحي محمد إبراهيم: تاريخ التعليم الديني في السودان، طبعة أولي بيروت 1987م. 23- يوسف أبو قرون: قبائل السودان الكبرى، الخرطوم، 1969م. 24- يوسف فضل حسن: مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي "1450-1821" طبعة ثالثة، الخرطوم 1989 م. رابعاً: الدوريات: 1- إبراهيم الجاك: النظام القضائي في الدولة المهدية في السودان، وأثره علي الحياة الاجتماعية رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة سنة 1975م. 2- إبراهيم علي طرخان: الإسلام والممالك الإسلامية الحبشية، المجلة التاريخية المصرية المجلد الثامن سنة 1959م. 3- جريدة القاهرة العدد 1032 الصادر في يونيو 1889 م. 4- عبد الرحمن حسب الله الحاج: العلاقات بين بلاد العرب، وشرق السودان منذ ظهور الإسلام حتى ظهور الفونج رسالة ماجستير غير منشورة بجامعة القاهرة سنة 1980م. 5- عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم: تأثر الإصلاح الديني والاجتماعي في مصر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، الدارة، العدد الثاني، السنة السابعة، سنة 1981م. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 65 6- عبد الفتاح مقلد الغنيمي، أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في غرب أفريقيا، الدارة، العدد الثالث، السنة الخامسة، سنة 1980م. 7- عز الدين الأمين: قرية كترانج وأثرها العلمي في السودان، مجلة الدراسات السودانية، المجلد الثاني، عدد أول مارس سنة 1970 م. 8- فيصل الحاج محمد موسى: النظام المالي في المهدية، رسالة ماجستير غير منشورة بجامعة القاهرة سنة 1976م. 9- مصطفي مسعد: امتداد الإسلام والعروبة إلي وادي النيل الأوسط، المجلة التاريخية المصرية المجلد الثامن سنة 1959م. خامساً: المراجع الأجنبية: 1. Burckhardt, J., Travls in Nubia, London 1819. 2. Evans, Pritchard., The Sanusi of Cyrenaica, Oxford 1949. 3. Holt.:P.M., The Mahdist state in the Sudan, Oxford 1958. 4. Macmichael, H., A history of the Arabs in the Sudan, Cambridge, 1922. 5. Slatin, R., Fire and sword in the Sudan, London, 1896. 6. Trimingham, J,S., Islam in the Sudan, London 1949. 7. Wingate, R., Mahdiism and the Egyptian Sudan, London, 1899. 8. Sanders, G,E,R., The Bisharin, Sudan Notes & Records “S.N.R.” Part II vol XVI, 1933. الملاحق أ - ملحق الوثائق اهتمام الحكام بإنشاء الزوايا والخلوات وتمويل بنائها حرصاً منهم على أن يقوموا بواجبهم الأساسي. دفتر رقم 220عابدين ترجمة المكاتبة التركية رقم 340 بتاريخ 11 ذي القعدة سنة 1252هـ من الجناب العالي بالفشن إلى علي أغا مأمور دنقلة 114 19 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 66 لقد أطلعنا على خطابكم المؤرخ فى 8 رمضان سنة1252 هـ الذي أشرتم فيه إلى أن يسن أغا (هكذا) رئيس متطوعي الدليل باشي الحاج إسماعيل أغا المقيم بدنقلة قد أنشأ جامعاً ومدرسة بدار الشايقية كما أنشأ مزرعة عبارة عن فدان وساقية للإنفاق من أثمان محصولها على الجامع والمدرسة حيث طلبتم إصدار إرادتنا بإقامة الشعائر الدينية فى الجامع وإعفاء المزرعة من التكاليف الأميرية ونحن نود أن نعرف ما إذا كان الأغا المذكور قد أقام الجامع والمدرسة حقاً وصرف على إقامتها من ماله الخاص أم أنه يريد بحجة أن يعجل له من هذه المزرعة إيراداً حسناً إذا ما أعفيت من التكاليف الأميرية فعليكم بموافاتنا بالحقيقة حاشية. إذا كان الأغا المذكور قد قام بنفقات بناء الجامع والمدرسة والمزرعة حقاً فما هو المبلغ الذي أنفقه فى هذا السبيل وكيف كان ذلك. محفظة نمرة 19 وثيقة نمرة 114 سودان بدون تاريخ الختم أمير المؤمنين وسلالة الأكرمين محمد الحسين المهدي أبن السلطان محمد الفضل أبن السلطان عبد الرحمن الرشيد أبن السلطان أحمد بكر أبن السلطان موسى أبن السلطان سليمان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 67 من الواثق برب الثقلين المتمسك بسنه سيد الكونين أمير المؤمنين وخلافة الأكرمين مولانا السلطان محمد الحسين الملقب بالمهدي المنصور بالله تعالي أمين: إلى الرشيد الأعظم والمشير الأفخم والي مصر حالاً أمام الله عزه أمين أما بعد فإنه قد حضر لدينا الشيخ محمد على فراغي صهراً السيد محمد عثمان المرغني المذكور من خلفاء طريقة (الختمية) النقشبندية القاطنة بمكة المشرفة والآن مقيم بمديرية دنقلة بأحكام لكم وله بها بيت وعيال ويتردد فى كل زمان إلى الحرمين الشريفين ويرجع إلى أهله وهو من أهل الخير والصلاح وقدم إلى طرفنا على سبيل السياحة والزيارة ودوامنا مخاطبته فانتشرت حقه لسعادتكم لكي تحرروا له جانب معاش لمن خزينة دنقلا يستعين بها على نفقه العيال والغلمان وذكر لأجل خاطرنا وكرماً للحرمين الشريفين وحرمه للوين كما هو شأنكم ورجاء للدعوات الصالحات منه فى أوقات الذكر والإجابات وله أيضاً من سابق واحد ساقيه ورقمها باقيمه تحت يده فالمرجو منكم تحديد تلك القايمة وتحديد أرض تلك الساقية على أملها لأجل راحته بارك الله فيكم ودمتم سالمين. دفتر رقم 9 معية تركي ترجمة المكاتبة التركية رقم 106 بتاريخ 28 محرم سنة 1237هـ من: إرادة سنية إلى: محمد بك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 68 قد علمت مآل خطابكم الوارد المتضمن أنكم سترسلون ما يلزم للنقورات التي عين حاكم دنقلة مأموراً لإنشائها وأن القمصان الحجازية ذوات الأكمام الضيقة التي صنعت بمعرفة الكتخدا سليمان لم تصلح للتعليم وأنه لذلك قرر أن تكون على طراز أخر وأنكم جلبتم من أسيوط ألفي ثوب من القماش لتكون جاهزة فقطعتموها بمقدار ما ينتج منها ونظمتموها وقيدتم لنا عينه مسلمة إلى صالح هو أحد الأغواث علمائنا وأنكم لم تسمحوا لأي تقصير فى إنشاء الثكنات الجاري إنشاؤها وبما أن العينة المذكورة وأن كانت بقيت بمصر ولم يمكن رؤيتها إلا أن من الظاهر والواضح أن ما كان مناسباً ومستحسنا عندكم هو مناسب ومستحسن أيضاً عندنا. فطولبنا أن تعملوا على خياطة تلك القمصان بذلك الطراز وتحضروها وتجهزوها وترسلوا منها إلى دنقلة ما سيرسل إليها وتهتموا بإتمام الثكنات تتاخم أقرب وقت اهتماماً تاماً. (دار الوثائق القومية السودانية بالخرطوم، مهدية 3/1/3 دفتر صادر 3 منشور الخليفة عبد الله إلى كافة قريش فى 17 القعدة سنة 1305هـ) تحرر من خليفة المهدي عليه السلام إلى كافة قريش صورته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد له الوالي الكريم إلخ وبعد فمن العبد الواثق بربه خليفة المهدي عليه السلام الخليفة عبد الله بن محمد خليفة الصديق:- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 69 بعد أن نهدي لكم جزيل السلام ورحمة الله وبركاته الفخام فلا يخفى عليكم أن الله تعالي قد جعل الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس ونوه بفضلها وعظيم قدرها فى غير ما أية فى كتابه العزيز بما لا إخفاء فيه ولا لباس ومعلوم أنه لا مزيد لأحد عند الله إلا بامتثال أوامره واجتناب منا كره والتماس رضاه طبق ما فى قوله تعالي " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " الآية، ولا شك أن ذلك لا يتحقق إلا بإقامة الأحكام الإسلامية وسلوك نهج السنة المحمدية وقد أظهر المهدي المنتظر عليه السلام خليفة خير الأنام لإحياء تلك السنة بعد الممات وجمع شملها بعد الشتات وأيده بالكرامات والخوراق العجيبة والأدلة الباهرة فأقام الدين وقصم ظهور الكافرين وأحياء الفروض والسنن وأمات البدع والمحن ونشر العدل بين الأنام ورفع منار الإسلام وسعد قوم سلكوا بإجابة دعوته وإتباع سكته طريق الإصابة وشقي آخرون أعرضوا عن ذلك جحدوا للحق فأذاقهم الله عذابه وأنكم ممن أكرمهم الله بحضور هذا الزمن الذي تنور بإحياء السنن وقد بلغتكم دعوة المهدية وقيام أنصارها بإحياء السنة المحمدية ولعلكم أن المهدي المنتظر عليه السلام هو أمام الحق الذي طال ما ترقب ظهوره السابقون وتمنى إدراكه الأولياء العارفون 000 فكيف يليق بكم وأنتم بضعة سلف طاهرين وبقية أخبار بذلوا أرواحهم فى نصرة الدين أن تتكاسلوا عن المبادرة لإجابة دعوة المهدية، بل المناسب لحالكم حيث أنكم بتلك البقاع الطاهرة والأماكن التي لا يليق بها إلا لنشر أحكام الإسلام وأتباع سكة خير الأنام أن تبادروا الإجابة لتلك الدعوة الدينية 000 وحيث أن المهدي عليه السلام قد شيد أمر الدين وبين معالمه للسالكين ثم أنتقل لدار الإكرام وصار بإشارته النبوية العبد لله قايماً من بعده بأمر الإسلام فأعلموا أني داعيكم كافة إلى الله بمقتضى خلافتي عن مهدي الله فيحق عليكم أن تبادروا دعوتي بالتلبية أو بلوغها إليكم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 70 وتتدرجوا فى سلك طاعة المهدية " فإن المبادرة إلى إجابة داعي المهدي وواجبة على كل الورى 000 فبادروا حكم الله للأمر بالامتثال. [إدارة الوثائق القومية السوداني بالخرطوم مهدية 3/7/14 دفتر صادر 14 وثيقة ص 45] " خطاب إلي الحسن سعد العبادي صورته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الولي الكريم إلخ. وبعد فم عبد ربه خليفة المهدي عليه السلام الخليفة عبد الله بن محمد خليفة الصديق إلي المكرم حسن سعد العبادي كان الله له أمين بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فنعرفك أن جوابك تاريخ شهر رمضان الذاكر فيه لسوف عرضكم لنا بطلب الألفين مجاهد أو ألف وخمسمائة من عماله بربر وما أوضحته من كيفية الفكرة والعصاة والمنافقين وترغبوا استعجال إرسال الجيوش الذي صدر به الأوامر إلخ 00 ما هو موضحاً بجوابك وجوابك المؤرخ بتاريخه بالشهادة في حق بطران حمد نضراي وقيامه بكامل جهده معكم ومساعدته لكم وتعريفك لنا بحضوره لطرفنا للمقابلة والمبايعة وتجديد العهد علي يدنا وترغب عودته إليكم سريعاً إلخ. ما تدون لهذا وهذا صار معلوماً لدينا والحال أما في خصوص الحبيب فقد كان سبق التحرير لعثمان ألد كيم بإرساله لكم وقد كان 000 وكافة الأخبار التي تبلغكم من جهة الحجاز والأرياف فأرياف فارفعوها إلينا وبطران حمد نضراي ما هو متوجهاً لكم وفقكم الله وتولاكم هذا والسلام ". 4 القعدة سنة 1305هـ The Arab Kingdoms and Mashiakhiat in to Sudan During the 16th century (A comparative study of their political And Economic organizations and their cultures) . These kingdoms and Mashiakhiat had a leading role in the Nile valley in the Sudan during the 16th century. They had a cultural role which was as important as their political one. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 71 This was a result of their penetration within the Sudanese society with its customs that were inherited along its history. They could also develop these. Costumes in away that got it in cores pendence with Islam instructions. This study contains an introduction and five chapters. The introduction dealt with the up rise of the Arab Kingdoms and Maskiakhiat in the Nile valley in the Sudan tracing the human roots and the geographical Factors surrounding them. Chapter one dealt with the “ Fong “ and their role in the Islamic struggle (jihad) the history of their kingdom, their income, then comparative study about the cultural role. They contributed. Chapter Two introduced the political systems in these organizations, kingdoms and Mashiakhiat and their outer and inner relations. It also had a comparative study on these regimes and relations which clarified the policy kingdoms and Maskiakhiat had taken on burden. Chapter three is dedicated for the economic activities, and the comparative study showed the range of economic development of these kingdoms and that some of them had in a high degree in the industrial development. As for chapter four it introduced the cultural activities and comparative study introduced cultural cities that were in great prosperity at that time, and the Sufia groups and chair role in the Sudanese society. Chapter Five dealt with the social status in these kingdoms and through the comparative study the research has reached much of the customs that prevailed in the Nile valley society and had great effects on society. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 72 Last the study ended with a conclusion appendixes and research References ب - ملحق الخرائط --- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 73 العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية د. هشام فوزي عبد العزيز أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد كلية المعلمين في حائل ملخص البحث تهدف الدراسة إلى معالجة طبيعة العلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية بين عامي 1993-1998م / 1413-1418هـ وأهدافها من وراء ذلك، ومجالات تلك العلاقات التي تمثلت في قيام إسرائيل بتحديث القوات العسكرية التركية وتزويدها بمختلف أنواع الأسلحة، وإقامة مشاريع مشتركة للصناعات العسكرية المختلفة، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة، إضافة إلى التعاون الأمني والاستخباري بينهما. كما تطرقت الدراسة إلى أخطار تلك العلاقات على الأمن القومي العربي والإسلامي. وتوصلت الدراسة إلى أن العلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية، هي علاقات تحالفيه واستراتيجية أثرت وتؤثر سلباً على الأمن القومي العربي والإسلامي. أولا- بداية العلاقات العسكرية الإسرائيلية التركية وتطورها: كانت العلاقات التركية مع إسرائيل والغرب في فترة أواخر الأربعينيات والخمسينيات الميلادية، قوية، ومما يدلل على ذلك أنها اعترفت بإسرائيل في آذار عام 1949م – 1369هـ، وفي العام التالي عينت ممثلاً لها في تل أبيب، وفي عام 1952م – 1372هـ تم تبادل السفراء بينهما (1) . وفي تلك الفترة وما بعدها أخذت تركيا توطد علاقاتها مع الغرب إذ انضمت في العام الأخير إلى حلف شمال الأطلسي N.A.T الأمر الذي أدى إلى زيادة التواجد العسكري الغربي في أراضيها كما أنها انضمت في عام 1955م – 1375هـ إلى حلف بغداد إلى جانب بريطانيا وإيران وباكستان والعراق، وقد أكد ذلك توجهاتها الغربية، ورغبتها في السيطرة على المنطقة ومحاولتها تطويق المد العربي فيها (2) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 74 وفي مجال العلاقات العسكرية قامت إسرائيل وتركيا وإيران بتنسيق جهودهم الأمنية والاستخبارية للتصدي " للخطرالشيوعي والبعثي " الذي ظهر آنذاك في كل من العراق وسوريا. وقد استمرت تلك العلاقة إلى فترة الستينيات الميلادية (3) . وفي فترة السبعينيات الميلادية أخذت إسرائيل تزود تركيا بالأسلحة (4) . واستخدم البعض منها كالمدافع والصواريخ والرشاشات عندما استولى الأتراك على الجزء الشمالي من قبرص عام 1974م –1394هـ. وفي تلك الفترة عينت تركيا مستشاراً عسكرياً لها في إسرائيل بهدف توطيد علاقتهما العسكرية (5) . لقد اعتمدت العلاقات بين إسرائيل وتركيا في فترة الثمانينيات الميلادية على موقف الجهاز السياسي والعسكري التركي من إسرائيل، إذ شهدت الفترة بين عامي 1980- 1984م / 1400-1404هـ فتوراً في العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بينهما، وكان ينظر إلى إسرائيل على أنها تشكل خطراً على تركيا. لكن تلك النظرة قد تغيرت بعد عام 1985م- 1405هـ واصبح ينظر إليها إيجابيا، وتعزز ذلك بانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان في ذلك العام، عندها أعيدت العلاقات العسكرية بين الطرفين حيث شكلت لجان مشتركة بينهما، وذلك لبحث ومناقشة القضايا العسكرية والأمنية بينهما (6) . وفي عام 1989م - 1409هـ وقعت اتفاقية عسكرية محدودة بين سلاحي الجو التركي والإسرائيلي، بهدف التعاون في مجال التدريب وتبادل المعلومات العسكرية (7) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 75 وشهدت الفترة ما بين عامي 1990م- 1992م / 1410-1412هـ، ظهور تغييرات سياسية واقتصادية وعسكرية، إقليمية في الشرق الأوسط، واسيا وعالمية تمثلت في عملية السلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية مثل الأردن وسورية وفلسطين، وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991م – 1411هـ، وانتهاء حرب الخليج الثانية 1991م-1411هـ، وتقلص العلاقات الاقتصادية بين تركيا والبلدان العربية، وظهور مشكلات سياسية داخلية وخارجية في تركيا، أدت إلى تطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل دون معوقات تذكر من الجانب العربي والإسلامي (8) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 76 وتميزت الفترة بين عامي 1991م - 1411هـ وبداية 1996م – 1416هـ بأنها مرحلة لبناء العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين تركيا وإسرائيل ففي المجال الأول، رفع مستوى التمثيل السياسي بين البلدين إلى مستوى السفراء عام 1991 م –1411هـ، كما قام وزير السياحة التركي السابق عبد القادر أتش Abdul kadir Ates بزيارة إلى إسرائيل عدت الأولى من نوعها، وتمخض عنها توقيع معاهدة في حزيران 1992م-ذو الحجة، 1412هـ لتسهيل الزيارات السياحية بينهما (9) . كما قام حكمت جتين Hikmet Cetin، بأول زيارة لوزير خارجية تركي إلى إسرائيل في 12 تشرين الثاني 1993م –28جمادى الأول 1414هـ نتج عنها التوقيع على مذكرة للتفاهم والتعاون المشترك ما بين تركيا وإسرائيل، وتم فيها التأكيد على التعاون الاقتصادي والعلمي وتبادل الزيارات، والتعاون الإقليمي، وتنسيق الجهود المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية (10) وفي المقابل قام عزرا وايزمن Ezra Weizman، رئيس دولة إسرائيل بزيارة إلى تركيا في25 كانون الثاني 1994م- 13شعبان1414هـ، ولمدة ثلاثة أيام، تناولت المباحثات التي اجراها مع الأتراك سبل تطوير شتى العلاقات بين البلدين (11) وللتأكيد على مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين، قامت تانسو جللر Tansu Ciller رئيس الوزراء التركية بزيارة إلى إسرائيل في 31آذار1994م-19شوال1414هـ، تم فيها التوقيع على العديد من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والأمنية (12) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 77 وفي مجال العلاقات العسكرية، فقد سمحت تركيا لإسرائيل في عام 1990م- 1410هـ بإنشاء محطات للتجسس الأمني والاستخباري على الدول المجاورة وبخاصة العراق وسوريا وإيران (13) .وفي أثناء أزمة الخليج عام 1991م –1411هـ سمحت تركيا للطائرات الإسرائيلية باستخدام مطاراتها العسكرية لأغراض التجسس على العراق (14) . وضمن إطار الزيارات العسكرية، فقد زار قائد سلاح الجو الإسرائيلي هرتزل بودينغر Herzel Bodenger، تركيا في شهر آب 1993م – ربيع الأول 1414هـ، والتقى فيها وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان، وقائد سلاح الجو الأتراك. وتم فيها البحث في سبل تطوير العلاقات العسكرية بين البلدين (15) . وأعقبها زيارة قام بها دافيد عفري David Evri، المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، إلى أنقرة أواخر ذلك العام، على رأس وفد من كبار قادة الجيش الإسرائيلي. وقد اجتمع الوفد الإسرائيلي مع نظيره التركي، وكان محور المحادثات إقامة روابط عسكرية على أساس المصالح الاستراتيجية المشتركة (16) . ورغبة في توطيد العلاقات العسكرية والأمنية بين تركيا وإسرائيل، قام المفتش العام للشرطة الإسرائيلية اساف حيفتسIsaf Hevetz بزيارة تركيا في شهر تشرين الأول 1994م - جمادى الأولى 1415هـ، واجتمع مع رئيس خدمات الأمن التركي محمد آجار. وتناولت المباحثات التعاون في مجال " مكافحة الإرهاب " (17) . وفي 18أيلول1995م -23ربيع الثاني 1416هـ، اجتمع دافيد عفري مع قادة الجيش التركي في أنقرة، وبحث موضوع المشاريع الأمنية المشتركة، وتطورات الوضع في الشرق الأوسط (18) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 78 وأثمرت الجهود الإسرائيلية – التركية خلال الفترة ما بين عامي1990-1995م /1410-1415هـ عن تطورات جذرية في العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين خلال الفترة اللاحقة التي تمتد ما بين عامي 1996-1998م / 1416-1418هـ إذ شهدت انطلاقة جديدة في حجم ونوع العلاقات العسكرية بينهما، فتجسد ذلك في عقد الاتفاقيات العسكرية والأمنية، وقيام إسرائيل بتحديث مختلف أسلحة الجيش التركي، إضافة إلى تزويده بشتى أنواع الأسلحة، وإجراء المناورات الجوية والبحرية المشتركة، فضلاً على التنسيق العسكري والاستراتيجي، وتبادل الزيارات العسكرية على مختلف المستويات والأصعدة (19) . ففي مجال عقد الاتفاقيات العسكرية بين إسرائيل وتركيا، أثمرت جهودهما عن التوقيع على اتفاقية التعاون العسكري والأمني في 24 شباط 1996م – 5 شوال 1416هـ. وتضمنت تبادل زيارات العسكريين والأسلحة والمعدات العسكرية في البلدين، وإجراء التدريبات الجوية والبحرية، بالتنسيق والتعاون المشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى التعاون الأمني والاستخباري و " مكافحة الإرهاب ". وقد تم الإعلان عن بعض تلك البنود رسمياً مثل إجراء التدريبات المشتركة المحدودة، وسرب البعض الآخر منها في الصحف التركية والإسرائيلية. وثمة بنود أخرى، تتعلق بطبيعة العلاقات العسكرية ومجالاتها وأهدافها، بقيت سرية ولم يعلن عنها (20) . وقد دأب المسؤولون الأتراك على التقليل من أهمية تلك الاتفاقية، وكذلك على التأكيد على أنها لا تشكل تحالفاً بين إسرائيل وتركيا، وليست موجهة ضد طرف ثالث هو الطرف العربي والإسلامي، وأنها تماثل اتفاقيات التدريب والتعاون العسكري التي وقعتها تركيا مع العديد من الدول. وهذا التفسير لا يعول عليه لأسباب وعوامل عديدة من أهمها (21) : الجزء: 9 ¦ الصفحة: 79 1- أن الاتفاقية تسمح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في أجواء تركيا، وهذا الأمر غير مسموح به في الاتفاقيات التي وقعتها تركيا مع الدول الأخرى. 2- لم تعلن بنود الاتفاقية جلها رسمياً، حتى أنه لم يعلن عنها شيئاً إلا في نيسان 1996م -ذو القعدة 1416هـ، أي بعد أكثر من شهرين من إبرامها، حيث سربت بعض بنودها في الصحف التركية والإسرائيلية، وهناك بنود بقيت سرية. 3- هناك أطراف عربية وإسلامية مستهدفة في الاتفاقية العسكرية الإسرائيلية – التركية، وبخاصة سوريا، التي تعد من وجهة نظرهما " داعمة للإرهاب " وتسعى لإيجاد توازن استراتيجي معهما، إضافة إلى خلافاتهما العميقة حول الحدود والمياه، معها. 4- أثبتت مجالات التعاون العسكري الإسرائيلي – التركي، والتي تميزت بالشمول والتنوع، كما سيشار إلى ذلك بالتفصيل فيما بعد، بأن التصريحات المشتركة لهما بشأن تعاونهما العسكري غير صحيحة ومتناقضة، هدفها التضليل عن أهمية وخطورة ذلك التعاون. ومن المؤشرات الهامة على تطور العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبخاصة في المجال الأخير، الزيارات المتبادلة بين الطرفين. ففي أعقاب التوقيع على الاتفاقية العسكرية والأمنية في شباط 1996م- شوال 1416هـ قام الرئيس التركي سليمان دميرل Suleman Demirel، بأول زيارة لرئيس دولة تركي، إلى إسرائيل، وبصحبته وفد يضم 200 عضو، وذلك في 11 آذار1996 م –21 شوال1416هـ. وقد ناقش الوفد التركي مع الجانب الإسرائيلي مجالات التعاون بين البلدين، وبخاصة التعاون العسكري بينهما (22) . كما قامت تركيا بزيادة عدد الملحقين العسكريين الأتراك في سفارتها في إسرائيل من واحد إلى ثلاثة (23) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 80 واستمرت العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية بالتطور حتى في ظل ازدياد النفوذ الإسلامي في تركيا: اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وبخاصة بعد تسلم نجم الدين اربكان Necmettin Erbakan، رئاسة الحكومة في الفترة من حزيران 1996م - محرم 1417هـ إلى حزيران 1997م – محرم 1418هـ وكان اربكان زعيم حزب الرفاه من المعادين لإسرائيل والغرب، ومن دعاة التقارب مع العالم الإسلامي، لكن التيارات السياسية العلمانية بعامة، وقيادة الجيش بخاصة، قد مارست عليه شتى أنواع الضغوط السياسية والإعلامية والعسكرية، مع العلم بأن العلاقات الخارجية مع إسرائيل كانت تدار من قبل جنرالات الجيش التركي، مما أجبر اربكان على تغيير مواقفه من إسرائيل، وأخذ يبرر التعاون العسكري بين الدولتين بأنه في مصلحة تركيا (24) . ومن الأمثلة التي توضح دور الجيش في العلاقات مع إسرائيل أن إسماعيل حقي كردائي Ismael Kardai قام بزيارة إسرائيل في شهر شباط 1997م –رمضان، 1417هـ، وبرفقته 13 صحفياً، دون إبلاغ اربكان بها، وبرر ذلك بأنه ليست هناك حاجة للحصول على موافقته (25) . ومن الأمثلة التي تبين تغير موقف اربكان من إسرائيل انه اجبر على استقبال دافيد ليفي David Lavy وزير الخارجية الإسرائيلية في أنقرة خلال شهر شباط 1997م – رمضان 1417هـ وقابلة دون أن يتحدث معه عن العلاقات العسكرية بين البلدين (26) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 81 لقد اعتبرت المؤسسة العسكرية، النشاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يقوم بها أنصار التيار الإسلامي تهديداً للعلمانية في تركيا لذلك برروا سياستهم إزاء نجم الدين اربكان بانها وفق الدستور الذي منحهم دورا سياسياً فهذا سيفيل باير Cevik Bir، نائب رئيس هيئة الاركان والمتحدث باسم الجيش التركي يقول عن ذلك الأمر " بأننا نتصرف وفق الدستور التركي بشكل صارم حيث يشير البند الثاني أننا دولة علمانية، ويشير البند الرابع أن هذا النص لا يمكن تغييره، ولقد أعطانا البرلمان مسؤولية حماية الأراضي التركية وحماية الجمهورية التركية. في الولايات المتحدة وبريطانية ليست من مهمة الجيش الدفاع عن النظام السياسي، أما في تركيا فان هذه المهمة معطاة لنا من قبل القانون ". ولذلك فأن قادة الجيش قد أرغموا اربكان على الاستقالة من منصبه في 18حزيران 1997م –12صفر 1418هـ (27) . وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات العسكرية التركية مع إسرائيل قد منحت قادة الجيش التركي قوة دفع، ووسائل مناسبة للتصدي لمختلف النشاطات الإسلامية في تركيا، كما وفرت لهم المعلومات المناسبة عن الارتباطات الخارجية لتلك النشاطات (28) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 82 واستمرت وتيرة العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية بالتطور والتوسع في شتى المجالات أعقاب استقالة أربكان وحتى نهاية عام 1998م -1418هـ. فعلى صعيد الزيارات العسكرية بين البلدين قام طرخان طيان Turhan Tayan وزير الدفاع التركي بزيارة إسرائيل تعتبر الأولى من نوعها وذلك في الفترة 3/4/1997م – 26/11/1417هـ - 2/5/1997م - 25/12/1417هـ أجتمع خلالها مع الرئيس الإسرائيلي عزرا وايزمن ورئيس الحكومة الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyah ونظيره وزير الدفاع الإسرائيلي اسحاق مردخاي Yitzhaq Mordachai تناولت المباحثات بين الطرفين شؤون التعاون العسكري بينهما (29) . وأعقبها زيارة قام بها نائب رئيس هيئة الأركان التركي سيفيل باير إلى إسرائيل يرافقه وفد يضم 24 عسكرياً اجتمعوا مع نظرائهم الإسرائيليين قادة الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى رئيس الوزراء نتنياهو الذي أكد على العلاقات العسكرية المتميزة بين البلدين (30) . وفي المقابل قام وزير الدفاع الإسرائيلي اسحاق مردخاي بزيارة تركيا في 9/12/1997م -9/8/1418هـ أجتمع خلالها مع رئيس الحكومة التركية مسعود يلماز Mesut Yilmaz ومع قادة الجيش التركي وتناولت المباحثات توطيد العلاقات العسكرية بين البلدين، وترافق ذلك مع قيام المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية ايلان بيران Elan Biran بالتباحث مع قادة الجيش التركي حول موضوعات التعاون العسكري والأمني بينهما (31) . وضمن الإطار السابق، زار وزير الدفاع التركي تونشر كيللينش Tonchar kiLLinch إسرائيل في 21 كانون الأول1997م – 21 شعبان 1418هـ بهدف تعميق العلاقات العسكرية الإسرائيلية- التركية. كما قام دافيد عفري بزيارة تركيا على رأس وفد يضم أعضاء من قسم التخطيط، إضافة إلى قادة من سلاح الجو الإسرائيلي (32) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 83 وبهدف توطيد العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية قام المرشح لرئاسة هيئة الأركان الإسرائيلية شاؤل موفاز ShaoL Movaz بزيارة تركيا في 17/6/1998م -22/2/1419هـ فاجتمع مع كبار جنرالات الجيش. وفي 1 كانون الأول 1998م –12 شعبان1419هـ زار قائد سلاح الجو التركي الجزال ابلريين بتلتيش، إسرائيل وحل ضيفا على قائد سلاحها الجوي ايتان بن الياهو Eitan Ben Eliaho كما التقى مع اسحاق مردخاي إضافة إلى قيامه بزيارة قواعد سلاح الجو والصناعات العسكرية الجوية (33) . ويتضح مما سبق عمق العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية ومن مؤشرات ذلك مستوى التنسيق والزيارات ذات الأغراض والأهداف والمستويات المختلفة، وإن غلب عليها زيارات الشخصيات السياسية والعسكرية رفيعة المستوى كما أنها اتسمت بالتطور وبالتكرار. يضاف إلى ذلك أن البلدين وقعا العديد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية التي من شأنها أن تؤكد عمق تلك العلاقة بينهما. ثانياً – أهداف ومبررات العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية: لم تبرز العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية فجأة ودون وجود أهداف ومبررات لها، بل كانت نتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية لكل من تركيا وإسرائيل، وعلاقاتهما مع دول جوارهما، إضافة إلى أنها جاءت تمشياً مع السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وأواسط أسيا. وعليه فإن ثمة أهداف ومبررات تسعى تلك الدول لتحقيقها، يمكن إجمالها على الشكل الآتي: أ – الأهداف والمبررات التركية رأت المؤسسات العلمانية في تركيا بعامة، والمؤسسة العسكرية بخاصة، أن تعاونها العسكري مع إسرائيل قد يحقق لها الأهداف الداخلية والخارجية الآتية: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 84 1- ممارسة الضغوط على النشاطات الإسلامية المختلفة في تركيا، والاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في هذا المجال، وبخاصة بعد تسلم نجم الدين اربكان رئاسة الوزراء في تركيا. إذ رأت المؤسسات العلمانية في النشاطات الإسلامية تهديداً لتوجهاتها العلمانية وخطراً على علاقاتها مع إسرائيل والغرب، لذلك ارتأت أن تعاونها العسكري مع إسرائيل يمنحها قوة لممارسة الضغوطات على تلك النشاطات، إضافة إلى أنه يمكن الاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في مقاومة الحركات الإسلامية الأصولية (34) . 2- التصدي لنشاطات حزب العمال الكردستاني Kurdish Worker,s Party. عانت تركيا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وبشرياً من العمليات العسكرية التي شنها حزب العمال الكردستاني على المؤسسات التركية المختلفة خلال الفترة ما بين عامي 1984-1995 م /1404هـ 1415هـ والتي ترتب عليها خسارة أكثر من 20 ألف ضحية، وتدمير أكثر 2.000 قرية، ونفقات سنوية تقدر ما بين6-8 مليار دولار أمريكي لذلك كان من جملة أهدافها الرئيسة من وراء التعاون العسكري مع إسرائيل، الإستفادة من خبراتها، الفنية والأمنية والعسكرية والمعلوماتية لتحد من نشاطات ذلك الحزب (35) . 3- ممارسة الضغوطات على الدول المجاورة لها: عانت تركيا من مشاكل عديدة ومعقدة مع دول جوارها وبخاصة، سوريا والعراق وإيران واليونان وروسيا، جعلها في وضع صعب، وتمر في ظروف مقلقة. ويعبر حكمت جتين، وزير خارجية تركيا السابق عن ذلك الوضع بقوله: " بسبب العوامل الجيو – جغرافية والجيو – استراتيجية، وموقع تركيا المجاور لدول معظمها غير مستقر، وغير متوقع الاحتمالات، يجعلها (تركيا) في مواجهة العديد من التحديات، وهي في معظمها محتملة الأزمات والصراعات التي يمكن أن تصلها ... فلها مشاعر القلق مع أربعة دول مجاورة لها هي اليونان وإيران وروسيا وسوريا" (36) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 85 وتعود أسباب الخلافات ما بين تركيا وسوريا إلى عوامل عديدة منها الاختلاف حول الحدود واستيلاء تركيا على لواء الاسكندرونه السوري عام 1939م – 1358هـ، والاختلاف حول قضية توزيع مياه الفرات، والادعاء التركي القائل بأن سوريا تدعم حزب العمال الكردستاني عسكرياً ولوجستياً، إضافة إلى المخاوف التركية من التعاون العسكري السوري مع اليونان، وبخاصة في أعقاب التوقيع على اتفاقية عسكرية بينهما1995 م -1415هـ (37) . أما خلافاتها مع إيران، فتتمثل في إدعاء تركيا بأن الأخيرة تدعم النشاطات الإسلامية في تركيا، وتوفر الدعم لحزب العمال الكردستاني. أما مع العراق فهناك خلافات حول توزيع مياه دجلة، والادعاء بأنه يدعم حزب العمال. فيما تجسد الخلاف مع روسيا حول المرور في المضائق، والتنافس على الجمهوريات الإسلامية في أسيا الوسطى. وفيما يتعلق بخلافات تركيا مع اليونان فتتمثل في الخلاف حول بحر ايجه، وقضية قبرص، والادعاء التركي بدعم اليونان لحزب العمال الكردستاني (38) . ونظراً لتعدد مشكلات تركيا مع دول جوارها وتعقدها، فقد رأت أن تعاونها العسكري مع إسرائيل سيجعل منها قوة قادرة على مجابهة أي دولة في حالة حدوث نزاع عسكري معها، إضافة إلى اتخاذ تلك العلاقة ورقة ضغط على تلك الدول لوقف ما تسميه تركيا ب " دعم الأكراد " وعدم مطالبتها بحقوقها بشأن الأراضي والمياه، كما هو الحال بالنسبة لسوريا (39) . 4- تحديث وتطوير جيشها: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 86 ترى تركيا بأنها تستطيع التغلب على مشاكلها الداخلية والخارجية من خلال تطوير وتحديث جيشها ليصبح قادراً على مواجهة تلك المشاكل بفاعلية. علماً بأن تعداد الجيش التركي أوائل التسعينيات نحو نصف مليون جندي نظامي ونحو 400 ألف احتياطي،ويضم 4300 دبابة، و450 طائرة. وهذا يعد جيشاً كبيراً من ناحية العدد وفقاً للمفاهيم العسكرية، وبخاصة إذا ما قورن بالجيوش الموجودة في منطقة الشرق الأوسط (40) . ولكن تلك الأسلحة أغلبها من الأنواع القديمة وتحتاج إلى تطوير، يضاف إلى ذلك هناك ضعف في القدرات العسكرية التركية ضد أسلحة الدمار الشامل، وضعف في نظام الاتصالات ووسائل النقل الضرورية (41) . لقد وضعت تركيا خططها العسكرية لتطوير جيشها وتحديثه ليصبح قادراً على أن يكون في طليعة الجيوش في منطقة الشرق وحتى على المستوى العالمي، وعليه فإن أهم ما جاء في تلك الخطط المستقبلية، إنفاق نحو 150 مليار دولار أمريكي لتحديث الجيش التركي خلال 25 عاماً، ينفق من بينها 65مليار دولار لتطوير سلاحها الجوي، و 60 مليار للقوات البرية، و 25 مليار للقوات البحرية (42) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 87 وكان بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم بتطوير وتحديث الجيش التركي لأن 80 % من أسلحته مصدرها منها (43) . وقد واجهت تركيا صعوبات في الحصول على الأسلحة الأمريكية المتطورة نظرا لاعتراضات جماعات حقوق الإنسان الأمريكية على تزويدها بالأسلحة وذلك لانتهاكها حقوق الإنسان فيها، إضافة إلى اعتراض جماعات الضغط والمجموعات المعارضة لتركيا وبخاصة اليونانية التي عارضت بشدة تزويد تركيا بالأسلحة المتطورة (44) . ولم تكن إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلنتون BiLL Clenton راغبة في خوض صراع مع تلك المجموعات بل لجأت إلى إسرائيل، من الباب الخلفي لها، والتي تمتلك تكنولوجيا عسكرية متقدمة وبديلة عن الأسلحة والتكنولوجيا الأمريكية لتقوم بهذه المهمة من خلال تشجيعها لقيام تحالف إسرائيلي – تركي، وبذلك فان تلك المجموعات لا تستطيع الاعتراض على قيام إسرائيل بتحديث وتطوير الجيش التركي وتزويده بالأسلحة المتطورة، لاعتبارات عديدة أهمها أنها دولة حليفة للولايات المتحدة، والنفوذ اليهودي فيها كبيراً. ويضاف إلى ذلك أن الأسلحة الإسرائيلية اقل كلفة من الأسلحة الأمريكية، وإسرائيل لا تربط عملية بيع أسلحتها بقضايا حقوق الإنسان. وبذلك فان الولايات المتحدة استطاعت الخروج من الوضع السابق من خلال تشجيع التحالف العسكري الإسرائيلي – التركي،الذي يلبي للأخيرة الحصول على أسلحة متطورة، ويلبي المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط في الوقت نفسه (45) . 5- تدعيم دورها الإقليمي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 88 رأت تركيا أن مساهمة إسرائيل في تحديث قواتها العسكرية سيجعلها مؤهلة لان تساهم بفاعلية في المجال الإقليمي، أي في منطقة الشرق الأوسط واسيا الوسطى، هذا في ظل قوة اقتصادية تتمتع بها، وموقع استراتيجي مهم. ومن شأن ذلك أن يتيح لها القيام بدور إقليمي بارز في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، بالتنسيق والتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة، وذلك بهدف مواجهة " الإرهاب " الذي يتمثل من وجهة نظرهم " بالإسلام الأصولي " ممثلاً ببعض المنظمات الإسلامية المتطرفه في تركيا، ومنظمة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني، وحزب العمال الكردستاني. كما تسعى تلك الدول من وراء تعاونها الإقليمي نشر الاستقرار والأمن، وحفظ التوازن الإستراتيجي، ومنع انتشار الأسلحة غير التقليدية لدى الدول الأخرى غير تركيا وإسرائيل، وبالذات الدول الإسلامية (46) . 6- توطيد علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية مع إسرائيل: إن من شأن توطيد تركيا لعلاقاتها العسكرية مع إسرائيل إن توطد، أيضا، العلاقات في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وبالتالي فان إسرائيل ستقدم لتركيا خبراتها في تلك المجالات، إضافة إلى أنها ستدعم الدخول التركي إلى المؤسسات الاقتصادية العالمية، كالسوق الأوربية المشتركة، ثم أن بإمكان مراكز الضغط اليهودية في الولايات المتحدة أن تدعم المطالب العسكرية والاقتصادية التركية في الإدارة الأمريكية (47) . ومن الأمثلة على ذلك، أن المؤسسة العسكرية التركية طلبت من دافيد ليفي وزير الخارجية الإسرائيلي، في أثناء زيارته لانقرة عام 1997م-1417هـ، أن تستخدم إسرائيل نفوذها لدى واشنطن من أجل الإفراج عن الأسلحة التركية المحتجزة (48) . 7- استعادة أهميتها ومكانتها في السياسة الأمريكية:- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 89 تمتعت تركيا قبيل فترة التسعينيات الميلادية بأهمية ومكانة مرموقة في السياسة الأمريكية في المنطقة لكونها خط الدفاع الأول أمام الخطر الشيوعي، ولكنه في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م - 1411هـ وانتهاء الحرب الباردة شعرت النخبة العسكرية التركية أن تلك الأهمية قد قلت لذلك فإنها قد رأت أن تطوير علاقاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية مع إسرائيل سوف يعيد لها تلك الأهمية (49) . ب- الأهداف والمبررات الإسرائيلية: سعت إسرائيل إلى تحقيق عدة أهداف من وراء تعاونها العسكري مع تركيا منها: 1- فتح أسواق جديدة للمنتجات العسكرية الإسرائيلية في تركيا. سعت إسرائيل إلى توطيد علاقاتها العسكرية مع تركيا بهدف فتح أسواق جديدة لمنتوجاتها العسكرية والتي من شأنها أن توفر لها دخلاً ماليا مهماً في ظل توقعات بحصولها على معظم الصفقات العسكرية التركية لتحديث جيشها. وبالتالي فان بيع الأسلحة والتكنولوجيا الإسرائيلية إلى تركيا سيؤدي إلى إنعاش الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعتمد في بعض جوانبه الرئيسة على تلك الصادرات، إضافة إلى أن هناك توقعات إسرائيلية بقيام الولايات المتحدة الأمريكية بتخفيضها للدعم المالي المقدم لإسرائيل. وعليه فتركيا ستكون عاملاً إيجابيا للاقتصاد الإسرائيلي (50) . ويتضح ذلك جلياً من خلال التصريح الذي أدلى به اسحاق مردخاي، وزير الدفاع الإسرائيلي في أثناء زيارته لتركيا عام 1996م – 1416هـ عن تلك الصفقات العسكرية " من منظورنا فنحن نتطلع إلى منجم ذهب محتمل " (51) . 2 –الضغط على سوريا وايران: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 90 رأت إسرائيل في سوريا، كما هو الحال بالنسبة لتركيا، عدوتها الرئيسة، لذلك سعت من خلال تعاونها العسكري مع تركيا إلى الضغط عليها عسكرياً ووضعها بين فكي الكماشة الإسرائيلية والتركية، وبخاصة بعد أن وزعت سوريا قواتها العسكرية على تلك الجبهتين لأنهما تشكلان خطراً عليها، ولم يعد بمقدورها أن تشكل خطراً عسكرياً على إسرائيل، أو أن تفكر على أقل تقدير بإسترجاع الجولان في ظل هذه الأوضاع (52) . لقد استطاعت إسرائيل أن تمارس ضغوطاً عسكرية على سوريا، من خلال وجودها العسكري المكثف في الأراضي التركية، الأمر الذي أتاح لها جمع المعلومات الاستخبارية عن المنشآت العسكرية والاقتصادية الحساسة في سوريا، بحيث غدا أمنها القومي معرضاً للخطر من جراء ذلك، إذ أن تلك المعلومات ستستغل مستقبلاً من قبل إسرائيل نفسها أو تركيا، في حالة نشوب حرب مع سوريا (53) . وسعت إسرائيل من وراء ضغطها على سوريا، بمباركة أمريكية، إلى إجبارها على الدخول في مفاوضات السلام العربية – الإسرائيلية وفقا للشروط الإسرائيلية والأمريكية للتسوية السلمية، بهدف التنازل عن بعض مطالبها بشأن الجولان ووقف دعمها لحزب الله اللبناني، الذي أقض مضاجع إسرائيل (54) . وتعتبر كل من إسرائيل وتركيا أن تحالفهما العسكري هو الرد المناسب على السعي السوري للحصول على أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الكيماوية (55) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 91 وفيما يتعلق بإيران، فان إسرائيل ترى فيها قوة إقليمية قد تشكل عليها وعلى تركيا نفسها خطراً، إضافة إلى أنها تسعى لمنافستهما إقليمياً، وبخاصة أنها تمتلك بنية عسكرية متقدمة وأسلحة دمار شامل وأسلحة كيماوية. كما أنها دولة مصنعة للأسلحة، وبالذات الصواريخ البالستية، يضاف إلى ذلك أن إيران هي داعم رئيس لحزب الله اللبناني. وعليه فان إسرائيل ترى في تعاونها العسكري مع تركيا ورقة ضغط على إيران، من خلال الأراضي التركية لتكون قاعدة عسكرية للتجسس عليها، وإمكانية استغلالها لضرب المنشآت العسكرية الإيرانية، وذلك لأن القواعد العسكرية التركية تتيح لإسرائيل ضرب أية أهداف عسكرية واقتصادية في إيران بسهولة ويسر لقربها من الأراضي التركية، إذ بإمكان طائرات سلاح الجو الإسرائيلي ضرب تلك الأهداف دون حاجة للتزود بالوقود في الجو (56) . 3 - الاستفادة من المميزات العسكرية والإستراتيجية إلى تتمتع بها تركيا: تتميز الأراضي والمياه والأجواء التركية بالاتساع والتنوع، إضافة إلى أنها مشابهة وقريبة لمثيلاتها في إيران وسوريا والعراق بحيث يمكن أن تستغلها إسرائيل لتدريب ملاكاتها العسكرية، نظراً لقلة توافرها لديها، فمثلا فان الأجواء الإسرائيلية ضيقة وغير مناسبة لتدريب الطيارين الإسرائيليين في بيئات جغرافية متنوعة، فيما تتميز الأجواء التركية باتساعها، وتنوع التضاريس الجغرافية التي تجري فيها التجارب، كما أن أجوائها تماثل إلى حد كبير الأجواء في إيران وسوريا والعراق، بشكل عام كما أنها قريبة من تركيا. مما سيسهل على الطيارين الإسرائيليين ضرب أهداف عسكرية واقتصادية في تلك الدول مستقبلاً (57) . 4 - تدعيم دورها الإقليمي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 92 ترى إسرائيل أن توطيد علاقاتها العسكرية مع تركيا من شأنه أن يدعم دورها الإقليمي في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، إذ أن تلك العلاقة قد منحتها بطاقة دخول رسمية أخرى، غير معاهدات السلام العربية الإسرائيلية، إلى منطقة الشرق الأوسط واسيا الوسطى، عبر دولة إسلامية. كما أن تعاونها مع تركيا، سيمنحها القدرة على طرح المشاريع المشتركة بينهما لتكون وفقا لمصالحهما ورؤيتهما للموضوع، إضافة إلى سعيها المشترك للتصدي للقوى الإقليمية الأخرى إيران، سوريا، ومصر، والتي قد تحاول أيجاد نوع من التوازن الإستراتيجي مع تركيا وإسرائيل. وتعلق الأخيرة آمالها، من خلال توطيد علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع تركيا، أن تكون بوابة دخول لها إلى الدول الإسلامية في آسيا الوسطى، حيث الموارد الاقتصادية الهامة هناك وبخاصة البترول وذلك لأن تركيا تربطها بتلك الدول، علاقات دينية وتاريخية وقومية وجوار جغرافي (58) . 5 - الإفادة من الامكانات الاقتصادية التركية: توجد في تركيا إمكانات اقتصادية كبيرة تتمثل في الزراعة والمياه، وإسرائيل بأمس الحاجة للحصول على المورد الأخير، حيث جرت مفاوضات متعددة حول تزويد تركيا لإسرائيل بالمياه بطرق ووسائل متنوعة إضافة أن إسرائيل تأمل بان تصدر خبراتها الاقتصادية، وبخاصة الزراعية إلى تركيا حتى تجلب لها الفوائد المالية هذا بجانب السعي لتطوير التبادل التجاري بين البلدين (59) . ج – الأهداف والمبررات الأمريكية: قامت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، مع بروز النظام العالمي الجديد، على ثلاثة مبادئ الأول سياسة الاحتواء المزدوج لإيران والعراق، والثاني عملية السلام العربية – الإسرائيلية، والثالث إنشاء التحالف الإسرائيلي – التركي (60) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 93 وفيما يتعلق في المبدأ الأخير، فان الولايات المتحدة الأمريكية، قد شجعت إقامة التحالف الإسرائيلي - التركي، ويتضح ذلك من التصريحات الأمريكية الرسمية، فقد أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيقولاس بيرنNicolas Burn، أوائل عام 1997م– 1417هـ بان الإدارة الأمريكية رحبت بهذا الحلف (61) . وبين انه " من الأهداف الاستراتجية للولايات المتحدة أن تقوم تركيا وإسرائيل بتطوير تعاونهما العسكري وعلاقاتهما السياسية، وإذا لم يعجب ذلك بعض الدول العربية، فان ذلك يعود للحلف " (62) . وعندما زار مسعود يلماز، رئيس الوزراء التركي الأسبق، واشنطن في أعقاب تشكيله للحكومة التي خلفت حكومة أربكان في شهر تموز 1997م – صفر 1418هـ، التقى بالرئيس الأمريكي بيل كلينتون، الذي استقبله اسقبالاً حاراً، وأكد له أهمية تركيا كحليف يعتمد عليه (63) مع العلم بان إسرائيل حليفة طبيعية للولايات المتحدة، وبالتالي فان الدول الثلاث متحالفه مع بعضها البعض. ولقد أكد متحدث آخر باسم وزارة الخارجية الأمريكية جيمس فولي James Foloy في شهر كانون الأول 1997 م – شعبان 1418هـ. أن الولايات المتحدة الأمريكية ترحب بالحلف التركي الإسرائيلي وتدعمه لانه يمثل السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط (64) . ولعل من الأدلة الدامغة على الموقف الأمريكي من الحلف هو سماح الإدارة الأمريكية ببيع أسلحة أمريكية ذات فنية متطورة إلى تركيا، ودورها ومشاركتها الفاعلة في المناورة البحرية التي جرت أوائل شهر كانون الثاني 1998م – رمضان 1418هـ (65) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 94 وتتمثل الأهداف الأمريكية في سعيها لإقامة الحلف الإسرائيلي – التركي في تنفيذ مبادئها السياسية العامة في منطقة الشرق الأوسط واسيا الوسطى. وبخاصة تنفيذ سياسة الإحتواء المزدوج لإيران والعراق، واستمرار عملية السلام العربية الإسرائيلية، وضمان المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة وتوفير الأمن والإستقرار والتصدي للحركات " الإرهابية " من وجهة نظرها (66) ويستخلص مما سبق، أن ثمة مصالح إسرائيلية وتركية وأمريكية في إقامة علاقات عسكرية وتحالفيه ما بين إسرائيل وتركيا، لأن من شأن تلك العلاقة تأكيد دورهما الإقليمي وسعيهما لطرح مشاريع عسكرية وأمنية واقتصادية في الشرق الأوسط، وفقا لمصالحهما، والمصالح الأمريكية. وفي المقابل أضعاف النفوذ العربي والإسلامي في المنطقة. ثالثاً- مجالات التعاون العسكري: اشتمل التعاون العسكري الإسرائيلي - التركي خلال الفترة بين عامي 1993- 1998م / 1413-1418هـ على مجالات عسكرية متعددة برية وبحرية وجوية، بحيث تضمن ذلك قيام إسرائيل بتزويد تركيا بمختلف أنواع الأسلحة، وتحديثها لأسلحة الجيش التركي، وإنشاء مشاريع عسكرية مشتركة، وتدريبات ومناورات مشتركة، وإقامة حوار استراتيجي بين البلدين، إضافة إلى التعاون الأمني والاستخباري بينهما. أ - بيع الأسلحة الإسرائيلية إلى تركيا: تنوعت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى تركيا، فمنها الأسلحة الخفيفة والثقيلة، والأسلحة التي تضم قطاعات الجيش التركي البرية والجوية والبحرية. ففي مجال الأسلحة الخفيفة فان إسرائيل زودت تركيا ببنادق من نوع " جليل " Galil (67) ، ورشاش " عوزي " Ozi، إضافة إلى الأسلحة الثقيلة، كمدافع الهاون، ومختلف أنواع العتاد والقذائف (68) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 95 وفي المجال الجوي، ركزت تركيا على تزويد سلاحها الجوي بشتى أنواع الأسلحة الإسرائيلية، وبصفة خاصة طائرات إسرائيلية رادارية بلا طيار لمهمات الاستطلاع وجمع المعلومات العسكري (69) . وفي عام 1997م - 1417هـ عرضت تركيا مناقصة لتزويد قواتها الجوية ب 145 طائرة هيلوكوبتر هجومية متقدمة تقدر قيمتها بنحو 4 مليار دولار أمريكي، لتكون بذلك أعلى صفقة طائرات هيلوكوبتر في العالم. ولهذا الغرض كونت إسرائيل وروسيا شركة مشتركة بهدف الحصول على الصفقة، علماً بان التوقعات في هذا المجال تشير بان الشركة الإسرائيلية –الروسية ستفوز، في ظل غياب الشركات الأمريكية، إضافة إلى التطور الكبير في العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين إسرائيل وتركيا (70) . كما عرضت إسرائيل على تركيا أن تبيعها طائرات إسرائيلية تستخدم للإنذار المبكر من طراز اواكس (71) . لكنه لم يبت في هذا الأمر حتى عام 1998م – 1418هـ. وزودت إسرائيل تركيا بصواريخ من نوع بوباي 2Popey –جو – أرض، والذي يصل مداه إلى 70 كم، ويستخدم في تسليح الطائرات الأمريكية من طراز –F 16 بلغ عددها عام 1997م- 1417هـ، 40صاروخا، وعام 1998 م- 1418هـ، 60 صاروخاً. كما باعت إسرائيل لتركيا صواريخ جو- جو من طرازبايثون Python –4 الذي يتميز بفاعلية جيدة، ومخصص لضرب الطائرات في حالة حدوث تلاحم جوي على مسافات قريبة (72) . وزودت إسرائيل تركيا بصواريخ وقذائف ذكية موجهة بالليزر وتسمى ب Harc-Nap، وقنابل من طراز تال (73) . وقدرت المصادر الإسرائيلية حجم مبيعات الصواريخ الإسرائيلية إلى تركيا بين عامي 1996-1998م/1416- 1418هـ بنحو 400 مليون دولار أمريكي (74) . وتجدد الإشارة إلى أن عملية بيع إسرائيل لمثل تلك الأنواع من الأسلحة يتطلب موافقة أمريكية على ذلك. وتشير الدلائل في هذه الصدد أن تلك المبيعات من الأسلحة تتم بناء على موافقة أمريكية تامة وتحظى بدعمها (75) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 96 وأبدت تركيا اهتمامها بالحصول على أنظمة صواريخ مضادة للصواريخ البالتسية (76) ، وبخاصة أن سوريا وإيران تمتلكان مثل تلك الصواريخ، إذا ابرمت في شهر اذار 1998م- ذو القعدة 1418هـ مذكرة للتفاهم العسكري بينهما، تضمنت حاجة تركيا من الأسلحة، حيث ورد في أحد بنودها أن تقوم إسرائيل بنصب منظومة صواريخ مضادة للصواريخ البالستية في تركيا (77) .كما وقع الطرفان على اتفاق يقضي بنصب الصاروخ الإسرائيلي آرو – حيتس Arrow في تركيا، حال الانتهاء من أجراء التجارب عليه، ودخوله الخدمة الفعلية (78) .ومما يؤكد ذلك بعض الشئ ان دافيد عفري، مستشار وزير الدفاع الإسرائيلي، قد اعلن في اجتماع خصص لبحث الجوانب العسكرية والإستراتيجية في الشرق الأوسط، عقد في لندن خلال شهر تشرين الأول 1998م–جمادى الثانية 1419هـ،أن إسرائيل ستكون مستعدة لنشر صواريخ آرو – حيتس في تركيا إذا ما دعت الضرورة لذلك (79) . وفي المجال البري، فان إسرائيل مهتمة بتطوير سلاح المدرعات التركي، إذا أنها اقترحت على الأخيرة شراء الدبابات الإسرائيلية المتطورة من نوع ميركفاه Merkvah، لتكون الدبابة الرئيسة في سلاح المدرعات التركي. وتقتضي الخطة التركية شراء نحو 1,000 دبابة في المرحلة الأولى (80) . وتقدر تكاليف تطوير سلاح الدروع التركي بنحو 5 مليار دولار أمريكي (81) . وفيما يتعلق بالقوات البحرية، فهناك مشروع لتزويد الأسطول التركي بأنظمة إسرائيلية للدفاع الجوي المضادة للطائرات، والصواريخ من نوع باراك Barak، ومن المحتمل أن يكون هذا المشروع من أهم مشاريع التعاون العسكري بين البلدين، إذ سيعنى اعتماد تركيا على الصاروخ المذكور، ليكون نظام الدفاع الجوي الرئيس للبحرية التركية، مما سيترتب على ذلك عقد صفقات أسلحة لصالح إسرائيل، قد تزيد قيمتها على مليار دولار (82) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 97 وأولت تركيا عناية خاصة للحصول على أسلحة أمنية خاصة من إسرائيل لمنع تسلل أفراد حزب العمال الكردستاني عبر حدودها مع العراق وسوريا وإيران (83) . ففي أثناء زيارة إسماعيل كردائي إلى إسرائيل في الفترة بين 24-28 شباط 1997م/17- 21 شوال 1417هـ،عرضت عليه قائمة بالأسلحة الإسرائيلية التي قد يحتاج إليها الجيش التركي، وابدي اهتماماً بالحصول على أسلحة أمنية لحماية الحدود التركية مع الدول المجاورة (84) .وقد أثمرت تلك الزيارة، إضافة إلى جهود سابقة، في هذا المجال، عن قيام إسرائيل بتزويد تركيا بأسلحة إلكترونية وأنظمة رادارات تستطيع تحديد الألغام البلاستيكية والعادية، واسيجة رادارية، واجهزة اتصالات متطورة (85) . ب - تحديث إسرائيل للجيش التركي: تبنت المؤسسة العسكرية والسياسية في تركيا خططا متعددة المستويات والمراحل لتحديث وتطوير قواتها المسلحة، والتي تتمثل في إدخال تحسينات على الأسلحة المستخدمة فيها، وتزويدها بأجهزة فنية متقدمة، لتصبح قادرة على الأداء بشكل مناسب. وقد خصص لهذا المجال مبلغ 10 مليارات دولار أمريكي لتحديث مختلف الأفرع البرية والبحرية والجوية خلال الفترة بين عامين 1995-2005م / 1415-1426هـ (86) . ففي مجال القوات الجوية،أدرك الأتراك ضرورة تحديث أسطولهم الجوي لمجاراة التطورات العسكرية الجوية التي تجري على المستويين الإقليمي والدولي،إذ ركزت جهودها على تحديث الطائرات الأمريكية التي تمتلكها وبخاصة طائرات أف– 16،التي تعتبر العمود الفقري لسلاحها الجوي، وطائرات الفانتوم phantom-F.4 (87) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 98 لقد بدأت الجهود الإسرائيلية لتحديث سلاح الجو التركي في أعقاب التوقيع على اتفاقية المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1993م – 1413هـ، التي أفسحت لها المجال لتطوير علاقاتها العسكرية مع تركيا. ففي أثناء الزيارة التي قام بها قائد سلاح الجو الإسرائيلي هرتزل بودينغير إلى تركيا، تباحث مع قادة الجيش التركي في مواضع متعددة كان أهمها البحث في مساهمة إسرائيل في تحديث سلاح الجو التركي (88) . وفي نهاية عام 1993م-1413هـ صرح المدير للصناعات الجوية في إسرائيل، عن خطة تعدها المؤسسة العسكرية التركية للتعاون مع إسرائيل، تتمثل في إنتاج أجزاء من الطائرات التركية أف –16 وتحديث طائرات أف- 5 التابعة لأسطولها الجوي (89) . ومنذ عام 1994م– 1414هـ أخذت الصناعات العسكرية الإسرائيلية بدخول المنافسة للحصول على مناقصات لتحديث وتطوير الجيش التركي (90) . وقد جرت مفاوضات تركية إسرائيلية لتحديث سلاح الجو التركي بين عامي 1993-1995م /1413 – 1415هـ واستندت إسرائيل في مقترحاتها في ذلك المجال على ما أدخلته من تحسينات على سلاحها الجوي، حيث طورت طائرات الفانتوم إلى نوع جديد متطور أطلق عليها اسم كورنيس2000 (91) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 99 لقد استطاعت إسرائيل أن تحصل على أول صفقة لتحديث الطائرات التركية من نوع سوبركوبرا وذلك أوائل عام 1995م– 1415هـ، إذ زودت تلك الطائرات بشبكة رؤيا ليلية. وبلغت قيمة الصفقة 120 مليون دولار أمريكي (92) . ثم تعاقبت تلك الصفقات، إذ حصلت إسرائيل على عقد في ذلك العام لتحديث طائرات الفانتوم التركية، بتزويدها بأجهزة لمراقبة الحرارة في محركاتها (93) . ومع تطور العلاقات الإسرائيلية التركية في شتى المجالات، وبخاصة العسكرية منها، نجحت إسرائيل في إقناع قادة الجيش التركي بقدراتها وإمكانياتها الفنية لتحديث الطائرات التركية من نوع فانتوم أف – 4. وتم التوقيع على اتفاقية بين إسرائيل وتركيا في26 آب 1996م–12 ربيع الثاني 1417هـ (94) ،نصت على أن تقوم الصناعات الجوية الإسرائيلية بتحديث 54 طائرة من ذلك النوع بقيمة 650 مليون دولار، لتصل مع الفوائد إلى 800 مليون دولار ومدة العقد تترواح ما بين 6-8 سنوات. وسوف يتم تحديث تلك الطائرات من خلال تزويدها بأجهزة رادارات وأجهزة ملاحية، وأنظمة رؤيا ليليه، وأجهزة حربية إلكترونية (95) .ومن شأن تلك التحسينات أن تطيل عمرها القتالي إلى ما بين 15-20 عاماً أخرى. وستجعلها تمتلك قوة ضاربة محسنة، وقدرة على المناورة، والقتال في الليل، ورؤية إلكترونية أفضل (96) . ومما هو جديد بالذكر أن نجم الدين اربكان، رئيس الوزراء التركي، هو الذي وقع على الاتفاقية العسكرية مع إسرائيل لتحديث طائرات الفانتوم – 4، وقد اخذ يبرر ذلك بأنها صفقة تجارية (97) .علماً بأنه قد تم تمويل تلك الصفقة من قبل البنوك الإسرائلية بضمانه من الحكومة الإسرائيلية، ولعل الهدف من وراء ذلك تشجيع تركيا وتحفيزها لعقد الصفقة مع إسرائيل (98) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 100 وفيما يتعلق بالطائرات التركية من طراز أف- 5، فقد اوضح وزير الدفاع التركي الأسبق طرخان طيان، الذي زار إسرائيل في2/5/1997م - 25/12/1417هـ،ان شركات الصناعات العسكرية الإسرائيلية ستشارك في المناقصة لتحديث 48 طائرة من ذلك النوع (99) . وقد تقدمت الشركات الإسرائيلية بعروضها للحصول على المناقصة، ونجحت في ذلك،بعد منافسة مع شركات فرنسية (100) وكان للزيارة التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي اسحاق مردخاي إلى تركيا في شهر كانون الأول 1997م – شعبان 1418هـ، أثرها في الحصول على المناقصة (101) . وتضمن العقد، الذي حصلت عليه الصناعات الجوية الإسرائيلية، على تزويد 48 طائرة تركية من نوع أف- 5 برادارات متطورة، وأجهزة إلكترونية، وأنظمة رؤيا ليليه، وتحسين مهماتها القتالية، مقابل 75 مليون دولار أمريكي (102) . وفي المجال البري، سعت إسرائيل للحصول على عقد لتحديث سلاح الدبابات من نوع باتون - pattons-M6oA3، إضافة إلى M-47-48، والتي يقدر تعدادها بنحو 4000 دبابة (103) . وقد تم الإعلان عام 1997م / 1417هـ، انه تم الاتفاق بين الدولتين، تقوم بمقتضاه اسرائيل بتحديث نحو 300 دبابة من نوع 1م-60 (104) ، بهدف إطالة عمرها القتالي الافتراضي. وتتمثل عملية التحديث، تزويد تلك الدبابات بمدافع من عيار 120 ملم، وأجهزة كومبيوتر لادارة النيران ومراقبة القذائف المطلقة والأهداف، والرؤية الليلية، وبنظام متطور للتدريع، بغية زيادة فاعليتها (105) . ج-التصنيع العسكري المشترك: وامتد التعاون العسكري الإسرائيلي - التركي إلى مجال آخر هام يتمثل في إنشاء صناعات عسكرية مشتركة، تبدأ من أجراء البحوث، ومشاريع التطوير الى إنتاج الأسلحة الحديثة (106) مع التركيز على الصناعات الهامة، وبخاصة الصواريخ، والطائرات، والدبابات (107) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 101 ففي المجال الصاروخي، فقد جرت مداولات ومناقشات إسرائيلية- تركية في شهر آب1996م– ربيع الأول 1417هـ، حول تصنيع صواريخ بوباي- 2 (108) ، وهو صاروخ جو – أرض،يتمتع بقدرة حسنة على ضرب اهدافة (109) . فأثمرت تلك المحادثات عن التوقيع على اتفاقية للتصنيع المشترك لذلك الصاروخ في شهر أيار 1997م– ذو الحجة 1417هـ، في أثناء المحادثات المشتركة ما بين وزير الدفاع الإسرائيلي إسحاق مردخاي ونظيرة التركي طرخان طيان (110) . ومن بنود تلك الاتفاقية صناعة بضعة مئات منه بتكلفة مقدارها 500 مليون دولار أمريكي، على أن ينفذ من قبل شركات للصناعات العسكرية في الدولتين. وتم الاتفاق على أن تسلم أول دفعة من تلك الصواريخ لتركيا في بداية عام 2000 م-1420هـ (111) . وفي مجال الصواريخ طويلة المدى، فقد بحثت إسرائيل وتركيا مشروع إنشاء مصنع مشترك لانتاج الصواريخ الإسرائيلية دليله DeLiLah، بعيدة المدى، والتي تصل إلى مابين 400-500 كم، وهي ذات محرك نفاث وذات قدرة توجيه عالية لضرب الأهداف (112) . ويظهر انه قد تم الاتفاق بينهما على التصنيع المشترك للصاروخ، وذلك في أثناء زيارة امنون شحاق Amnon Shahak، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، إلى تركيا في شهر تشرين الأول 1997م –جمادى الاولى 1418هـ (113) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 102 وسعت تركيا لإيجاد مشروع عسكري مشترك مع إسرائيل، لانتاج صواريخ مضادة للصواريخ البالستية، نظراً لتخوفها من امتلاك الدول المجاورة لمثل تلك الصواريخ وبخاصة إيران وسوريا واليونان، حيث اعتبرت ذلك تهديداً لأمنها القومي (114) . وعليه فقد بذلت تركيا جهوداً حثيثة لإقامة مثل هذا المشروع، ففي أثناء زيارة اسحاق مردخاي إلى تركيا عام 1997م – 1417هـ التقى مع نظيره التركي إسماعيل كردائي، الذي نقل إليه اهتمام تركيا بإنشاء مشروع مشترك لإنتاج صاروخ آرو- حيتسالمضاد للصواريخ (115) ،والذي تقوم كل من إسرائيل والولايات المتحدة بإجراء التجارب عليه وتطويره، وبدعم مالي من الأخيرة. وقد أشارت بعض المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع، أنه تم الاتفاق على الإنتاج المشترك للصاروخ (116) . وفي مجال التصنيع العسكري البري المشترك، فقد أبدت تركيا اهتمامها بتطوير قواتها المدرعة وبخاصة الدبابات، من خلال إقامة مشروع مشترك مع إسرائيل لتصنيع دبابة ميركفاه. وأجرى الجانبان محادثات بهذا الشأن (117) . وقد صرح صدقي اورون، وهو جنرال تركي يعمل مستشاراً لوزارة الدفاع التركية، بأن تركيا مهتمة بشكل رئيس بالدبابات الإسرائيلية من طراز ميركفاه كشريك محتمل لبرنامجها المتعلق بإنتاج 800 دبابة، في صفقة تقدر بحوالي 3.2 مليار دولار أمريكي (118) . ويبدو أن التعاون الإسرائيلي - التركي المشترك بإنتاج دبابة الميركفاه قد بدأ فيه عام 1997م - 1417هـ. ويعد ذلك من أهم مجالات التعاون العسكري بين البلدين (119) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 103 أما في مجال الطيران، فقد تم في شهر آب 1996م- ربيع الاول 1417هـ إقامة مشروع مشترك إسرائيلي – تركي لتصنيع طائرات تدريب دون طيار وأخرى بطيار، لأغراض تجسسية واستخبارية (120) . وتوصلت الدولتان في 22/8/1997م –18/4/1418هـ، إلى تصنيع أول طائرة دون طيار بزنة 1935 كغم، ولديها قدرة على التحليق في الأجواء لمدة 8 ساعات، وعلى ارتفاع 20 ألف قدم. وبقدرة هذه الطائرة أن تحمل معدات إلكترونية للرصد والقتال (121) . وتجدر الإشارة إلى أن عملية تعاون إسرائيل مع تركيا، لإقامة مشاريع مشتركة للصناعات العسكرية المختلفة يخضع للموافقة الأمريكية، وذلك لأن إسرائيل والأخيرة قد اتفقتا في إطار التعاون الاستراتيجي بينهما، على أن لا تزود إسرائيل دولة أخرى بالتكنولوجيا العسكرية الأمريكية (122) . ويبدو أن الإدارة الأمريكية تشجع مثل ذلك التعاون، ولكن ضمن قيود معينة لا يمكن تجاوزها، بحيث تتأكد من أن تلك التكنولوجيا العسكرية لا يمكن أن تتسرب عبر تركيا إلى دول أخرى. كما أن الإدارة الأمريكية لن تعامل تركيا كمعاملة إسرائيل، بالتالي فإنها قد لا تسمح بنقل تكنولوجية معينة، كالنووية إلى تركيا (123) . وذلك لأن هناك بعض المخاوف الأمريكية والغربية وحتى الإسرائيلية من عودة الإسلام إلى حكم تلك الدولة. د- التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة: أجرت إسرائيل وتركيا تدريبات ومناورات جوية وبحرية يمكن إجمالها على الشكل التالي: 1- المناورات والتدريبات الجوية: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 104 بدأ التعاون الإسرائيلي – التركي في المجال الجوي،قبل التوقيع على الاتفاقية العسكرية والأمنية في شباط 1996م- 1416هـ، بعامين، ففي أثناء زيارة دافيد عفري إلى تركيا في نفس الشهر من عام 1994م- 1414هـ، أتفق مع المؤسسة العسكرية التركية على أجراء تدريبات جوية مشتركة (124) ، وقد تم تنفيذها في شهر أيار1994م- ذو الحجة 1414هـ. وكانت الأولى من نوعها، ونفذت في الأجواء التركية، وجرى خلالها تزويد الطائرات التركية المشاركة بالوقود من الجو، قامت بها طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. وقد تم إبراز المناورة على أنها تهدف إلى تشجيع مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى تركيا، واعتبرت " انطلاقة في الصلات الأمنية الإسرائيلية – التركية في الشرق الأوسط " (125) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 105 ونصت الاتفاقية العسكرية والأمنية الإسرائيلية – التركية في بعض بنودها على تبادل الخبرات العسكرية في المجال الجوي، وتبادل الزيارات، وإجراء المناورات الجوية المشتركة بين البلدين (126) ، بمعدل ثمانية تدريبات مشتركة سنوياً، على أن تعقد أربعة منها في إسرائيل، والأربعة الأخرى في تركيا (127) . وعلى أثر التوقيع على تلك الاتفاقية بدأ التعاون في المجال التدريبي المنظم بينهما. ففي 15/4/1996م-27/11/1416هـ، جرت تدريبات جوية مشتركة، شاركت فيها 8 طائرات إسرائيلية من نوع أف – 16 كانت قد حطت في مطار اكناسي Akinci قرب أنقرة. واستمرت تلك التدريبات لمدة أربعة أسابيع (128) . وفي المقابل قامت 12 طائرة تركية في شهر حزيران1996م – محرم 1417هـ، بإجراء تدريبات مشتركة مع طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، فوق الأجواء الإسرائيلية (129) . وفي شهر تشرين الأول 1996م –جمادى الثانية 1417هـ استضافت إسرائيل طاقم من سلاح الجو التركي بطائراتهم ومعداتهم، في القاعدة الجوية الإسرائيلية نباطيم Nabtem في النقب،وقاموا بإجراء سلسلة من التدريبات الجوية مع طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي (130) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 106 وفي أثناء زيارة قائد سلاح الجو الإسرائيلي ايتان بن الياهو إلى تركيا أواخر شهر تشرين الأول 1996م–جمادى الثانية 1417هـ، اجتمع مع قادة الجيش التركي وناقش معهم قضايا التعاون العسكري الجوي ين البلدين. وقد تزامن ذلك مع قيام طائرات إسرائيلية بطلعات تدريبية في الأجواء التركية (131) . وقد وصف بن الياهو التعاون التركي – الإسرائيلي في ذلك المجال بأنه " يجري بنجاح منذ أكثر من سنة "، وفي شتى المجالات العسكرية التدربيبة (132) وأشارت بعض التقارير العسكرية المتخصصة إلى أن التعاون الإسرائيلي – التركي في مجال التدريبات الجوية لعام 1997م – 1417هـ، وحده، قد مكن الطائرات الإسرائيلية من القيام ب 120 طلعة جوية فوق الأجواء التركية، وكذلك الأمر بالنسبة للطائرات التركية التي قامت بنفس العدد من الطلعات الجوية في الأجواء الإسرائيلية (133) وفي العام 1998م –1418هـ، استمر التعاون التدريبي الجوي على نفس الوتيرة السابقة، وأن أتخذ أبعاداً ومجالات جديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، قامت طائرات تركية في 19/4/1998م –22/12/1418هـ، بالتدريب في المطارات الإسرائيلية، ولكن هذه المرة بدون مشاركة الطائرات الإسرائيلية (134) . كما قامت ست طائرات تركية من طراز أف – 16 بالتوجه إلى إسرائيل بهدف تدريب الطيارين الأتراك على عمليات الهجوم على أهداف وهمية لبطاريات الصواريخ، بعد أن شاركت في مناورات وتدريبات جرت في قاعدة سدما في النقب (135) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 107 وثمة فوائد جنتها كل من إسرائيل وتركيا من وراء إجراء التدريبات والمناورات الجوية المشتركة، فبالنسبة للأتراك فقد استفادوا من الخبرة الإسرائيلية في هذا المجال، إذ تم تدريبهم على القيام بطلعات جوية بهدف ضرب أهداف عسكرية محددة، والتدريب على التجهيزات الإلكترونية الإسرائيلية المتطورة (136) . وفيما يتعلق بالجانب الإسرائيلي، فقد أتاحت تلك المناورات المجال أمام الطيارين الإسرائيليين، استخدام مناطق وحقول تدريبية مختلفة، وواسعة لم تكن متاحة لهم في إسرائيل (137) . ومنحتهم فرصة التدريب على أهداف مستقبلية، كمهمات محتملة ضد إيران، وسوريا لتشابه أجوائهما مع الأجواء التركية (138) . 2 - المناورات والتدريبات البحرية: لقد تم التأكيد عليها في الاتفاقية العسكرية والأمنية الموقعة بين إسرائيل وتركيا، ومهد لها من خلال أجراء المناقشات حولها، ففي أثناء الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي اسحاق مردخاي إلى تركيا أواخر شهر آذار 1997م –ذو القعدة 1417هـ، اجرى محادثات مع رئيس هيئة الأركان التركي حول أجراء مناورات بحرية مشتركة، والذي أبدى موافقته على ذلك. وتم الاتفاق بينهما على أن يقوم الوزير الإسرائيلي بطرح الفكرة على وزير الدفاع الأمريكي وليم كوهين William Cohenالذي رحب بها وشجعها (139) . وبعد الزيارة التي قام بها وزير الدفاع التركي طرخان طيان إلى إسرائيل أوائل شهر نيسان 1997م –ذو الحجة 1417هـ،تمت بلورة الفكرة السابقة (140) ، وبعد زيارة طيان تلك، بدأ نائب رئيس هيئة الأركان التركي، سيفيل باير باجراء محادثات مع دافيد عفري، تركزت بالدرجة الأولى على الإجراءات التي اتخذت بشأن المناورات البحرية (141) . كما اجرى اسحاق مردخاي محادثات مع الإدارة الأمريكية بشأن المناورات البحرية والدور الأمريكي فيها،وذلك أوائل عام 1997م - 1417هـ (142) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 108 وبهدف توطيد العلاقات العسكرية البحرية بين البلدين قامت خمس سفن تركية وعلى متنها نحو ألف ملاح من القوات البحرية، إضافة إلى ثلاث فرقاطات، وغواصة، وسفن إمداد، بزيارة ميناء حيفا في 17/6/1997م -11/2/1418هـ (143) . وكان من المفترض أن تجرى المناورة البحرية المشتركة الإسرائيلية – التركية- الأمريكية في شهر أيلول 1997م-جمادى الاولى 1418هـ لكنه تم تأجيلها إلى بداية عام 1998م –1418هـ. ويبدو أن ذلك يعود إلى صعود حزب الرفاة بقيادة نجم الدين اربكان، إلى الحكم، والذي أعلن بعد تسلمه منصبه انه سيؤجل المناورة البحرية المشتركة لتركيا مع إسرائيل والولايات المتحدة. وعلى الرغم انه لم يكن يمتلك القدرة على فعل ذلك، إلا انه اعتبر نوعاً من الضغط الداخلي على المؤسسة العسكرية لتأجيلها (144) . يضاف إلى ذلك ردود الفعل العربية والإسلامية السلبية ازاء التعاون التركي- الإسرائيلي في المجال العسكري، هذا إلى جانب أن بعض الدول العربية قد رفضت المشاركة في المناورة، وهي عوامل بمجملها قد أسهمت في تأجيلها (145) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 109 لقد أثمرت الجهود الأمريكية والإسرائيلية والتركية عن اجراء مناورة بحرية مشتركة شاركت فيها القوات العسكرية البحرية في تلك الدول إضافة إلى الأردن بصفة مراقب بعضو واحد، وذلك في 7 كانون الثاني 1998م–9/رمضان 1418هـ، وعلى المياه الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، والممتدة من حيفا إلى قبرص، واطلق عليها اسم ((حورية البحر)) (146) . وشاركت في المناورة خمس سفن، اثنتان من السفن الصاروخية الإسرائيلية من طراز صاعر- 5، واثنتان من تركيا من طراز يازول وزعفر، ويبلغ وزن الواحدة منها 6 آلاف طن، وسفينة من الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى حوامات بحرية من تلك الدول، وقد استغرقت المناورة مدة عشر ساعات (147) . وكان الهدف المعلن هو التدرب على عمليات والإنقاذ والبحث عن ثلاث سفن تطلب الإغاثة في البحر، إلا أن هناك أهدافا أخرى غير معلنة سعت لتحقيقها من أهمها: أنها كانت بمثابة دعم أمريكي للتحالف الإسرائيلي – التركي، ومن شأنها أن تؤدي إلى تنسيق الجهود والتعاون العسكري بين تلك الدول، كما امكنها التعرف على المشاكل والمصاعب التي تواجهة العمل العسكري المشترك بينهم (148) . واعتبرت المناورة خطوة أولية لأجراء المزيد من التدريبات المشتركة، حيث سعت تلك الدول بين عامي 1998-1999م / 1418-1419هـ لإجراء مناورات بحرية أخرى، وفقا للمعايير التي تمت فيها مناورة " حورية البحرية " مع السعي لضم دول أخرى إليها كالأردن ومصر (149) . هـ- الحوار الإستراتيجي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 110 عندما بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية تتطور، بين إسرائيل وتركيا، شكلت لجنة مشتركة بينهما في شهر تشرين الثاني 1993م –جمادى الثانية 1414هـ أطلق عليها اسم " لجنة التعاون الاستراتيجي " وعقدت اجتماعها الأول فيشباط 1994م / جمادى الاولى 1414هـ (150) وفي شهر تشرين أول 1995م / جمادى الاولى 1416هـ وقعت ثلاث اتفاقيات للتعاون العسكري وتضمنت مجالات التعاون العسكري والأمني بينهما، وكان من بين تلك المجالات انشاء ما يسمى ب " مجموعة عمل التقويم الاستراتيجي Group Strategic Assessment Working بهدف تنسيق التعاون الاستراتيجي والاستخباري والمساعدات الإسرائيلية لتنظيم وتدريب الجيش التركي (151) . ويبدو أن صيغ التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل وتركيا كانت في تطور، ففي أعقاب التوقيع على الاتفاقية العسكرية والأمنية في شباط 1996م – رمضان 1416هـ، تمت بلورة التعاون الاستراتيجي بين البلدين في إنشاء منتدى للحوار الاستراتيجي بينهما، وهو في واقع الأمر انبثق من مجموعة عمل التقويم الاستراتيجي، وتطويراً لها. ويهدف المنتدى إلى التعاون في مجال التخطيط الاستراتيجي، وتقديرات الوضع في المنطقة، والمخاطر المحتملة من الدول المعادية لهما (سوريا، وإيران..) ، وإيجاد الآلية المناسبة للتصدي لتلك الأخطار، وصياغة الخطط القتالية المشتركة إن لزم الأمر (152) . ناهيك عن المواضيع الإستراتيجية والعسكرية التي تهمهما، مثل شراء الأسلحة، والإنتاج المشترك للأسلحة، والتدريبات المشتركة، والتعاون الاستخباري والأمني بينهما (153) . ويجتمع المنتدى الأمني للحوار الإستراتيجي، مرة واحدة كل ستة أشهر على مستوى عال يتمثل في قادة الجيش ورؤساء هيئة الأركان ووزراء الدفاع. اما على مستوى مجموعات العمل فتعقد اجتماعات دورية تعقد على اقل تقدير مرة كل ثلاثة اشهر (154) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 111 ولتبيان طبيعة الحوارات الإستراتيجية التي كانت تجري بين إسرائيل وتركيا بين عامي 1995-1998م /1415-1418هـ تذكر أمثلة على اللقاءات بين الطرفين في هذا الصدد، ففي الزيارة التي قام بها دافيد عفري، إلى تركيا 18 أيلول 1995م – 23 ربيع الثاني 1416هـ بحث مع القادة الأتراك " المشاريع الأمنية المشتركة وتقديرات الوضع في المنطقة " (155) . وفي بداية أيار 1997م - ذو الحجة 1417هـ قام سيفيل باير، نائب رئيس هيئة الأركان التركي، بزيارة إسرائيل، لأجراء محادثات استراتيجية مع الجانب الإسرائيلي، ومن جملة المواضيع التي بحثها معهم، أجراء المناورات البحرية المشتركة (156) . وبهدف أجراء الحوار الإستراتيجي النصف سنوي بين إسرائيل وتركيا، قام وفد إسرائيلي برئاسة دافيد عفري، بزيارة تركيا في 22/12/1997م - 22/8/1418هـ حيث التقى مع الجانب التركي الذي ترأسه سيفيل باير في مقر وزارة الدفاع التركية في انقرة، واستغرق الحوار عدة ايام، نوقشت فيه المواضيع الإستراتيجية والأمنية المشتركة، وبحثا موضوع إنشاء صناعات عسكرية مشتركة، وانتاج ايران لصواريخ بعيدة المدى، واعتبر ذلك من وجهه نظرهما تهديداً موجها لهما (157) . ولعل من المؤشرات الهامه على قوة العلاقات الاستراتيجية بين اسرائيل وتركيا، تواجد مجموعات عسكرية اسرائيلية تمثل مختلف فروع الجيش، مثل شعبة العمليات وقادة الميدان وسلاح الجو، وسلاح البحرية، وتتألف من12 ضابطا من رتبة عقيد وعميد على الاراضي التركية، بهدف تنسيق التعاون الاستراتيجي بين البلدين (158) . و التعاون الإسرائيلي - التركي في مجالات عسكرية أخرى: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 112 لم تقتصر مجالات التعاون العسكرية بين اسرائيل وتركيا على ما ذكر سابقا، بل امتدت إلى مجالات عسكرية أخرى هامة وخطيرة في نفس الوقت، ويتمثل ذلك بشكل واضح في التعاون النووي بين البلدين، إذا ان المؤسسة العسكرية التركية سعت في تخطيطها المستقبلي حتى عام 2020 م -1441هـ الى ان تصبح قوة نووية في ذلك العام، من خلال تعاونها الاستراتيجي والعسكري مع اسرائيل، وهذا الأمر أكده التقرير الذي اعدة مركز التقويم الاستراتيجي الامريكي الذي يعرف اختصارا ب Saic (159) . ومما يدعم ذلك، انه ثمة مؤشرات على بداية التعاون الاسرائيلي مع تركيا في المجال النووي إذ ان ادبيات معهد وايزمن الاسرائيلي للعلوم والتكنولوجيا، تشير إلى ان 30 عالما من علماء الذرة في اسرائيل قد توجهوا الى تركيا بين عامي 1996-1998م/ 1416-1418هـ لمعاونتها في ذلك المجال. كما ان هناك بعض المعلومات تشير إلى ان اسرائيل تحث تركيا على تبنى برنامج نووي من شأنه ان يكون خيارا نوويا عسكريا لتركيا في مواجهة البرنامج النووي الايراني (160) . كما سعت تركيا إلى توثيق علاقاتها مع إسرائيل في مجال الفضاء، وذلك ضمن اطار التعاون الأمني والاستراتيجي بينهما، حيث توصلتا إلى اتفاق بهذا الشأن في اثناء زيارة اسحاق مردخاي وزير الدفاع الاسرائيلي، الى تركيا في شهر كانون الأول 1997م -شعبان 1418هـ (161) ومن بين مجالات التعاون الفضائي، التنسيق والتعاون في مجال الأبحاث الفضائية، وإقامة مشاريع مشتركة بهذا الشأن، مع التركيز على مشاريع الفضاء ذات الأهداف العسكرية (162) . وقد ابدى الاتراك اهتمامهم بالفنية الإسرائيلية المتقدمة في مجال التجسس الفضائي وبخاصة بالقمر الاسرائيلي Ofek، الذي ارسل للفضاء لاغراض عسكرية عام 1997م–1417هـ (163) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 113 واشتمل التعاون العسكري الاسرائيلي – التركي، على المشاركة في المعارض العسكرية التي تقام في احدى الدولتين، ومن أمثلة ذلك، مشاركة 13 شركة اسرائيلية للصناعات العسكرية في معرض الصناعات العسكرية الذي اقيم في انقرة، وتم افتتاحه في 27/9/1995م – 3/5/1416هـ (164) . كما شاركت طائرات اسرائيلية تابعة لسلاح الجو، من نوع يسعور في اطفاء الحريق الضخم الذي شب يوم 4/7/1997م - 28/1/1418هـ في أحد مصانع الذخيرة شمالي انقرة. وقد رأى الاسرائيليون فيه دليلا على ثبات التحالف الاستراتيجي بين البلدين (165) . ز- التعاون الأمني والاستخباري: اشتمل التعاون الأمني والاستخباري بين اسرائيل وتركيا على المجالات الرئيسة التالية (166) : 1- التعاون في مجال ما يسمى في المصطلحات الاسرائيلية والتركية والامريكية ب " مكافحة الارهاب "، والذي يتمثل من وجهة نظرهم ب " الاسلام الاصولي "، وما يتفرع عنه من تنظيمات واحزاب اسلامية، كحزب الرفاه في تركيا وحماس والجهاد الفلسطينيين، وحزب الله اللبناني، اضافة إلى حزب العمال الكردستاني، وبعبارة أخرى التنظيمات والاحزاب المعادية لتلك الدول. 2- متابعة التطورات العسكرية التي تحدث في منطقة الشرق الاوسط والدول العربية والاسلامية المجاورة لاسرائيل وتركيا، وبخاصة ايران وسوريا والعراق، والتركيز على الاسلحة غير التقليدية التي تمتلكها تلك الدول، وآلية التعامل معها، يضاف الى ذلك، فان إسرائيل وتركيا تسعيان لطرح مشاريع أمنية وعسكرية في المنطقة بحيث تكون لهما الريادة. 3- التعاون الأمني والإستخباري بين إسرائيل وتركيا في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط. 4- التعاون في مجال تحليل البيانات والاحصاءات العسكرية والامنية التي تهمهما. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 114 وهناك نشاطات تكشف عن التعاون الأمني والاستخباري بين البلدين، تتمثل في التصريحات والزيارات والاتفاقيات المشتركة بهذا الشان، إضافة الى ان ثمة مظاهر لذلك التعاون تتمثل في التطبيقات العملية، للتعاون الأمني والاستخباري فبالنسبة للنشاطات، فانه في أثناء زيارة حكمت جتين وزير الخارجية التركي الأسبق إلى إسرائيل 13/11/1993م - 29/5/1414هـ أعلن ان بلاده وإسرائيل ستتعاونان ضد التوسع الإسلامي الأصولي، وستجريان مشاورات استخبارية بشأن إيران ونفوذها (167) . وصرح عزرا وايزمن في 27/1/1994م–15/8/1414هـ، بان إسرائيل وتركيا ستتعاونان في المجال الاستخباري ضد الإرهاب الانفصالي، أي ضد حزب العمال الكردستاني. وكانت الصحف الإسرائيلية، قد أشارت إلى أن التعاون في ذلك المجال قائم بين الدولتين (168) . وفي أثناء زيارة تانسو جللر، الى إسرائيل في 4تشرين الثاني 1994م –1 جمادى الثانية 1415هـ، وقعت اتفاقية مع الجانب الإسرائيلي، ورد في أحد بنودها نص لتبادل المعلومات الأمنية المتعلقة بالارهاب أي " الاسلام الاصولي " وحزب العمال الكردستاني (169) . وقد تزامنت تلك الزيارة، مع زيارة أخرى، قام بها رئيس وكالة الاستخبارات التركية العام إلى اسرائيل، وذلك بهدف توثيق العلاقات الأمنية والاستخبارية بين البلدين (170) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 115 لقد اثمرت الجهود الاسرائيلية – التركية المشتركة في المجال الأمني والاستخباري، عن توقيع اتفاقية متعلقة بهذا الأمر في شباط 1996م – رمضان 1416هـ، ضمن ملحقات الاتفاقيات العسكرية والامنية الاسرائيلية – التركية (171) . وقد وقعت الاتفاقية الأمنية من قبل ممثلين عن الموساد الاسرائيلي، ووكالة الاستخبارات التركية العامة (172) . واستمر التعاون الأمني والاستخباري الاسرائيلي التركي في عهد حكومة نجم الدين اربكان 1996-1997م / 1416-1417هـ على النهج نفسه دون احداث تغيير فيه (173) . وفي اثناء زيارة اسماعيل كردائي، رئيس هيئة الاركان التركي، إلى اسرائيل في الفترة بين 24-28 شباط 1997م / 17-21 شوال 1417هـ، أعلن ان الدولتين اعلنتا بأنهما سوف تعملان على زيادة التعاون الاستخباري بينهما (174) . وفي نفس الاتجاه، قام امنون شاحق، رئيس هيئة الاركان الاسرائيلية، بزيارة أنقرة في شهر تشرين الأول 1997م - جمادى الثانية 1418هـ، ناقش مع نظرائه الأتراك، موضوع تقوية الجهود الثنائية في المجال الاستخباري (175) . أما مظاهر التعاون الأمني والاستخباري الاسرائيلي - التركي، فقد تجسدت في التطبيقات العملية للتعاون المشترك في هذا المجال، الذي يمكن ايجازه على الشكل التالي: 1- التعاون الاسرائيلي - التركي في المجال الأمني والاستخباري لمكافحة الارهاب. وتمثل ذلك في النشاطات المشتركة لمقاومة التنظيمات الإسلامية الأصولية، وحزب العمال الكردستاني ويتلخص التعاون بينهما في هذا المجال بما يلي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 116 أ - التعاون الاستخباري: الذي تجسد في تبادل المعلومات المتعلقة بتلك المجالات من حيث نشاطاتها الداخلية والخارجية، ومصادر تمويلها، وطرق التصدي لها (176) . ومن الأمثلة الواضحة على التعاون المشترك لمكافحة تلك النشاطات قيام 50 خبيراً من الاستخبارات الاسرائيلية، بزيارة تركيا في شهر اذار 1995م -شوال 1415هـ، حيث قدموا لتركيا " معلومات تتعلق بغزوها لمنطقة الحكم الذاتي في شمال العراق " إضافة الى تقديم المشورة للاتراك استناداً إلى خبراتهم التي اكتسبوها في محاربة التنظيمات الفلسطينية واللبنانية المختلفة في لبنان" (177) . كما ان إسرائيل اسهمت بفاعلية في إلقاء القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان في بداية عام 1999م –1419هـ، بعد أن تابعت تحركاته ونشاطاته المختلفة قبل تلك الفترة (178) . ب -لعب التحالف الاسرائيلي – التركي، دوراً هاماً في توفير الدعم والتأييد للمؤسسة العسكرية في تركيا، للضغط على مختلف النشاطات الاسلامية فيها، ممثلا بحزب الرفاة الاسلامي، بزعامة نجم الدين اربكان، حيث قدمت اسرائيل لتركيا معلومات امنية واستخبارية عن النشاطات الاسلامية في تركيا وارتباطاتها الخارجية. وعلى اثرها مارست المؤسسة العسكرية التركية بدعم من اسرائيل، الضغوطات على أربكان حيث اجبر على تغيير مواقفة المعارضة لاسرائيل. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أجبر على التسريع من وتيرة العلاقات الاسرائيلية- التركية، ووقع على اتفاقيات عسكرية واقتصادية بين البلدين (179) . ج – قدمت اسرائيل لتركيا مساعدات أمنية،بهدف الحد من تسلل افراد حزب العمال الكردستاني على الاراضي التركية، وقد أشير إلى ذلك سابقا (180) . 2- التعاون الأمني والاستخباري الاسرائيلي – التركي في متابعة التطورات العسكرية لدول جوارهما: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 117 تابعت اسرائيل وتركيا، بالتعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة الامريكية، جهودهم الحثيثة لمتابعة التطورات العسكرية التي تجري في ايران والعراق وسوريا، وذلك من خلال الزيارات على مختلف المستويات والاصعدة، وعقد الاجتماعات الدورية، وتشكيل لجان العمل المشتركة بينهما (181) . وقد سعت الدولتان للحصول على المعلومات الاستخبارية والامنية لدول جوارهما من خلال ما يلى: أ - زرع محطات التجسس في داخل الاراضي التركية وبالقرب من الحدود مع سوريا والعراق وايران وسوريا وبهذا الصدد يقول اوري لوبراني، أحد اعمدة اجهزة المخابرات الاسرائيلية والمسؤول عن ملف جنوب لبنان منذ الثمانينيات وحتى وقت اعداد الدراسة، بان تركيا قد " سمحت لاسرائيل باستئناف نشاطاتها السرية ولتعمل بحرية مطلقة في ربوع الاراضي التركية، وخصوصا في منطقة ديار بكر جنوب تركيا، حيث انتشرت اجهزة التنصت والرصد والخدمات الاستخبارية، لتتابع عن كثب ما يجري في كل من العراق وسوريا … كما عززت اسرائيل نشاطها، فاقامت محطات استخبارية إضافية داخل الحدود التركية " (182) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 118 ب -جمع المعلومات الأمنية والاستخبارية من الجو: لقد اتاحت الاتفاقية العسكرية والامنية الموقعة بين اسرائيل وتركيا في شباط 1996م –رمضان 1416هـ. لاسرائيل القيام بطلعات جوية في الاجواء التركية بالقرب من الحدود مع سوريا وإيران والعراق. وقد اشارت مصادر تركية واسرائيلية وعربية ان تلك الطائرات تحمل اجهزة الكترونية للتجسس على تلك الدول، مما شكلت مصدراً هاماً للمعلومات الاستخبارية للبلدين، وبخاصة ان تلك الطلعات كانت تجري بصورة دورية (183) . كما اشارت بعض التقارير الصحفية ان تركيا قد انشأت قاعدة جوية في شرق الاناضول، من اجل استخدامها للاغراض الامنية والاستخبارية مع اسرائيل (184) . كما زودت اسرائيل تركيا، بطائرات رادارية بلا طيار، بهدف جمع المعلومات الأمنية والاستخبارية عن الدول المجاورة لها (185) . كما زودت اقمار التجسس الاسرائيلية، تركيا بمعلومات وصور عن النشاطات العسكرية لدول جوارها (186) . ج- تنظيم خلايا تجسس في الدول المجاورة لاسرائيل وتركيا، والاستفادة من الاقليات الموجودة في تلك الدول. فإسرائيل نجحت في تجنيد فئات من الاكراد لصالحها، كما أن تركيا استطاعت تجنيد بعض الأفراد من تركمان سوريا للعمل لصالحها (187) . وثمة نماذج للمعلومات الأمنية والاستخبارية التي قدمتها اسرائيل لتركيا عن الاسرار العسكرية لسوريا، منها ما يلي: * قدمت اسرائيل لتركيا معلومات تقنية عن طائرات الميج Mig- 29-، الروسية الصنع والتي تعد عماد سلاح الجو السوري، والطائرات الاحدث فيه، حيث حصلت على نماذج منها، من احدى الدول الاوروبية، ويعتقد بانها المانيا. وفي ضوء ذلك اصبح جزء من اسرار سلاح الجو السوري بحوزة الاتراك واسرائيل (188) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 119 * زودت إسرائيل تركيا بمعلومات وصور جوية حصل عليها الطيارون الاسرائيليون في اثناء طلعاتهم الجوية في جنوب تركيا، عن مصنع سوري للغازات الكيماوية، يمارس نشاطه بشكل سري، في موقع مخفي تحت جبل بالقرب من الحدود مع تركيا (189) . 2 - المساهمة في المشاريع الأمنية الاقليمية: سعت إسرائيل وتركيا إلى تأكيد دورهما الإقليمي في المجال الأمني، وذلك من خلال اقتراحهما لمشاريع أمنية في الشرق الأوسط، ومن أمثلة ذلك السعي لتأسيس مؤتمر لمجلس الأمن والتعاون في الشرق الأوسطConference of Security co- Operation in the Middle East ليتولى نزع فتيل التهديدات العسكرية وبخاصة الصاروخية، والسعي لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة ولكن هذا المشروع لم يلق الاستجابة المطلوبة من قبل دول المنطقة لأنه يؤكد الهيمنة الإسرائيلية والتركية على ذلك المشروع (190) . كما نشطت اسرائيل وتركيا في مجال قضية الأمن في الشرق الأوسط، حيث ساهمتا إلى جانب أطراف أخرى في المحادثات الثنائية المتعلقة بالسيطرة على السلاح، والأمن الإقليمي Arms Countrol and Regional Security الذي يرمز له اختصاراً ب Acrs، ويهدف الى تبادل المعلومات العسكرية المتعلقة بالأمن في منطقة الشرق الأوسط، والحؤولة دون قيام منازعات عسكرية، والعمل على بناء الثقة العسكرية بين تلك الدول. وكان ذلك في أعقاب عملية السلام العربية الإسرائيلية منذ عام 1991م –1411هـ. وضمن هذا الإطار، فان الدولتين شاركتا في محادثات متعددة الأطراف الإقليمية التي عقدت لموظفي وزارات الخارجية في المنطقة، والمتعلقة بالأمن والاستقرار في الشرق الأوسط (191) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 120 ويستخلص مما سبق، ان مجالات التعاون العسكري الإسرائيلي – التركي، تتميز بالتنوع والشمول لشتى انواع العلاقات العسكرية، إضافة إلى أن الفنية العسكرية الإسرائيلية التي تقدم الى تركيا، تعتبر ارقى ما وصلت اليه الفنية العسكرية على الصعيد العالمي، ومن شأن ذلك ان يجعل من تركيا دولة متقدمة عسكريا في المنطقة. وسيجعل ذلك التعاون إسرائيل وتركيا قوة اقليمية مهيمنة على المنطقة، وفي المقابل ضعف عسكري عربي مواز له، مما سيحدث إخلالا بموازين القوى لصالح إسرائيل وتركيا. رابعا- مخاطر العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية على الأمن الإقليمي: شكل التعاون العسكري الإسرائيلي – التركي، تهديدا عسكريا وامنياً وأستراتيجياً للامن الأقليمي بعامة وللأمن القومي العربي وأمن ايران بخاصة. وهناك اسباب تبين التهديد والخطر، هي: أ - طبيعة العلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 121 يتضح من مجالات التعاون العسكري الإسرائيلي - التركي، والتي اشير إليها سابقاً، ان طبيعة التعاون يمكن ان تكون علاقات استراتيجية متكاملة في طريقها إلى تكوين حلف عسكري بينهما، ولعل ما يكشف عن ذلك التصريحات التي صدرت عن السياسيين والعسكريين الاسرائيليين - والاتراك، إضافة الى محلليين سياسيين غربيين. فقد وصفت تانسو جللر، رئيس وزراء تركيا في اثناء زيارتها الى تل ابيب في شهر تشرين الثاني 1994م -جمادى الثانية 1415هـ العلاقات مع إسرائيل بانها " علاقة إستراتيجية " (192) . كما وصف مسؤول كبير في وزارة الدفاع الاسرائيلية العلاقات بين البلدين في عام 1994م – 1414هـ " بانها علاقة استراتيجية، وهي من أكثر المواضيع أهمية خلال العقد الحالي " (193) . وقد ابدت وزارتا الدفاع في اسرائيل وتركيا عن رغبتهما في التعاون الاستراتيجي الكامل (194) . وعندما قام رئيس الاركان التركي اسماعيل كردائي بزيارة إسرائيل أواخر شهر شباط 1997م - شوال 1417هـ علق الاسرائيليون عليها أهمية كبيرة، وقد وصفت من قبل محلليين سياسيين بانها " تتم في اطار علاقة استراتيجية بين الجانبين " (195) . ويرى ستيفن كينزر، في مقالة له في نيويورك تايمز، New York Times، بان التحرك السياسي والعسكري الرئيس الأخير في الاستراتيجية الجديدة لتركيا هو التعاون مع إسرائيل. فجيشا البلدين يعملان معا، حتى في فترة الحكومة التي قادها الاسلاميون، والآن فإن الحكومتين تربطهما علاقات مدهشة، فالجنرالات والوزراء واعضاء الهيئات التشريعية يعملون في العديد من مشروعات التنمية ويخططون لما يريدونه كحلفاء عسكريين على المدى الطويل " (196) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 122 واطلق مسعود يلماز، رئيس الوزراء التركي عام 1997م - 1417هـ، على العلاقات التركية مع الولايات المتحدة وإسرائيل ما أسماه " الشراكة الاستراتيجية " (197) . كما اشار تقرير عسكري نمساوي ان إسرائيل وتركيا قد وقعتا سلسلة من المشاريع العسكرية والأمنية والاستراتيجية التي من شأنها ان ترقى إلى مستوى التحالف الإستراتيجي بينهما (198) . ويؤكد افرايم عنبر، استاذ العلوم السياسية في جامعة بارايلان في إسرائيل، ان الأخيرة قد " اعتبرت تركيا دائما هي شريكها الاستراتيجي الأول.." (199) . وقد اعتبر غيث ارمنازي، مدير مكتب جامعة الدول العربية في بريطانيا على تلك العلاقة بانها على " شفا علاقة استراتيجية كاملة، وان هناك حلف استراتيجي تجري صياغته بين إسرائيل وتركيا " (200) . ولعل التصريح الذي ادلى به دافيد عفري، المسؤول الاسرائيلي الرئيس، عن العلاقات العسكرية والأمنية مع تركيا، في ندوة كلية القيادة والاركان – الإسرائيلية في 3 ايار 1996م – 15ذو الحجة 1416هـ، يعبر عن واقع تلك العلاقة، أفضل تعبير بقوله ان علاقاتنا الراهنة مع تركيا إذا ما قيست بالعلاقة التي نشأت اواخر الخمسينيات، ضمن حلف المحيط (دول المنطقة) من حيث شموليتها وتعدد مجالاتها، تعد علاقات تحالف فعلاً … " (201) . ومما يؤكد على عمق العلاقات العسكرية الاسرائيلية – التركية ان الدولتين قد وقعتا على 20 اتفاقا عسكريا وامنيا وإستراتيجيا بين عامي 1995-1996م / 1415-1416هـ (202) . ويتضح مما سبق بان العلاقات العسكرية الاسرائيلية -التركية، متطورة جداً يمكن ان يطلق عليها التعاون الاستراتيجي الكامل، وهي في طور التحالف الاستراتيجي ومما يدعم ذلك مجالات التعاون التي اتصفت بالشمول والتنوع لشتى اوجه العلاقات العسكرية التي يمكن ان تحدث بين بلدين، ناهيك على ان التصريحات الرسمية السياسية والعسكرية في إسرائيل وتركيا، تؤكد على هذه الحقيقة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 123 ب - تغيير موازين القوى في الشرق الاوسط: غيرت العلاقات الاستراتيجية المتكاملة او التحالفية، بين إسرائيل وتركيا من موازين القوى العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، فاصبحت لصالحهما، وذلك لامتلاكهما أكبر قوة عسكرية من حيث العدد، إذ يصل عداد قواتهما العسكرية الى نحو مليون مقاتل، يمتلك أفضل ما توصلت إليه الفنية العسكرية على المستوى العالمي، وبخاصة لدى الجانب الاسرائيلي. وفي المقابل فان القوى العربية والاسلامية في المنطقة تعاني من الانقسام وقلة التعاون والتنسيق العسكري، مع ضعف الفنية العسكرية الموجودة لديهم، مقارنة باسرائيل وتركيا. يضاف إلى ذلك ان سوريا وايران والعراق تعاني من نقص في الحصول على المعونات العسكرية الخارجية (203) . ولعل من الدلائل الأخرى التي تدعم تغيير موازين القوى في الشرق الاوسط لصالح إسرائيل وتركيا، التصريحات التي صدرت بهذا الشأن، فهذا موشية ارنز Moshe Arens، وزير الدفاع الاسرائيلي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 124 1983-1984 م / 1403-1404هـ - 1990-1992م / 1410هـ 1412هـ، ووزير الخارجية 1988-1990م / 1408هـ – 1410هـ الذي صرح بان الحلف العسكري بين إسرائيل وتركيا " قد غير موازين القوى الأقليمية " (204) . وكتب المحلل السياسي التركي البارز سامي كوهين Sami Cohen عن تلك العلاقة بان " هذا التحالف الغني قد غير من ميزان القوى الاستراتيجية في الشرق الأوسط الغني بالنفط " (205) . أما صبري سياري Sabri Sayari المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون، فقد صرح، بان العلاقة العسكرية الاسرائيلية – التركية " أهم علاقة عسكرية في الشرق الاوسط ". فيما وصفت مجلة الاخبار الدفاعية Defense News العلاقة بانها " حركة رائعة ترفع الأمن الأسرائيلي والتركي لدرجة لا يمكن عمليا التعرض لها" (206) . واعتبرت صحيفة Mideast DaiLy Digest، ان انشاء الحلف الجديد من شأنه ان يؤثر على منطقة الشرق الأوسط برمتها ويعيد رسم خريطة المنطقة من جديد (207) . كما ان تلك القوة الجديدة في المنطقة، من شأنها ان تزيد من النفوذ الامريكي في المنطقة (208) . إضافة الى انها ستؤدي الى ادخال إسرائيل، من بوابه اسلامية، كطرف رئيسي له علاقة مباشرة بما يجري في شؤون العالم العربي والاسلامي (209) . ج – ممارسة الضغط والتهديد للبلاد العربية والاسلامية: اولى التحالف الاسرائيلي – التركي منطقة الشرق الاوسط عناية خاصة، لانهما تعيشان فيها، ولاهميتها الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية. لذلك مارستا ضغوطا وتهديدات على الدول العربية والاسلامية في المنطقة، وتتضح تلك المظاهر من خلال ما يلي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 125 1- اشتملت الاتفاقية العسكرية والامنية الاسرائيلية - التركية على بند ينص على ان " يشترك جيشا البلدين في المعارك التي تحدث بين احداها ودولة ثانية " (210) . وهي بذلك تسمح لاسرئيل بزيادة عمقها الاستراتيجي، وتتيح لها ولتركيا المشاركة في العمليات العسكرية، تحت شعارات واغطية مختلفة منها "محاربة الارهاب" " ونشر السلام " (211) . وبهذا الصدد يشير ميخائيل بايبس في دراسته المعنونة "محور جديد" الى ان الروابط التركية – الاسرائيلية القوية ستؤدي الى "استقرار المنطقة من خلال قيامها بردع عسكري مهول ضد أي عدو محتمل" (212) . كما يؤكد ميخائيل ايزندات MichaeL Eisens tadt، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الاوسط بان "على اعداء اسرائيل وتركيا التفكير مليا في حالة وقوع مجابهة مع إي منهما، لأنهما ستقفان إلى جانب بعضهما البعض " (213) . 2- تدعيم الدور الاقليمي لهما والعمل على أضعاف القوى الأخرى: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 126 دعم التحالف الاسرائيلي – التركي، بفضل الامكانيات والقدرات العسكرية الكبيرة والمتقدمة، وما يترتب على ذلك من اخلال في موازين القوى لصالحهما، الدور الاقليمي لكل من إسرائيل وتركيا والذي يتمثل في إقامة مشروع النظام الشرق أوسطي الجديد، وفقا لاهدافهما ومصالحهما المشتركة، وما يتماشى مع السياسية الامريكية في المنطقة. وذلك بهدف ان يكون دورهما الاقليمي قياديا ومتميزا في المجالات العسكرية والامنية والاقتصادية والعمل على منع ظهور أي قوة عسكرية منافسة لهما، والحؤولة دون وصول اسلحة دمار شامل إلى الدول العربية والاسلامية (214) . ويؤكد يحزقل دور، الباحث الاستراتيجي الاسرائيلي في كتابة "استراتجية عظمى لاسرائيل" بقوله ان تركيا واسرائيل " تعتبران أكبر قوتين خارج النسق العربي وان تعاونهما وتحالفهما سيمنع ظهور قوة عربية في المنطقة تمارس سياسة مهددة لأمن كل منهما، بل ان في مقدور الدولتين ان تعملا على احداث الانقسامات وتشتيت القدرات العربية خشية ان يؤدي ذلك إلى تهديد الدول غير العربية في المنطقة " (215) . وترى اسرائيل وتركيا ان سوريا وإيران والعراق، سعت بدرجات متفاوتة، الى منافستهما اقليمياً وبالتالي تسعى إلى ايجاد نوع من التوازن معهما (216) . وبهذا الشأن يقول افرايم عنبر، بان العلاقات العسكرية بين اسرائيل وتركيا " إشارة واضحة إلى الانظمة الرديكالية في المنطقة التي تسعى إلى اعادة ترتيبها، وإعادة موازين القوى فيها " (217) . واعتبرت بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية والتركية ان المناورة البحرية الاسرائيلية – التركية – الامريكية التي جرت اوائل عام 1998م –1418هـ، كان من شأنها بناء تشكيل عسكري لمواجهة التهديدات السورية أو الايرانية، أو أي ازمة تحدث في منطقة الخليج، والتلميح لدول المنطقة بان جبهة قوية موحدة تقف أمامها (218) . وثمة اتفاق اسرائيلي وتركي وامريكي بان الجهود التي تقوم بها ايران الجزء: 9 ¦ الصفحة: 127 وسوريا في مجال تطوير قدراتهما العسكرية في مجالي الحرب الكيمياوية والصواريخ البالستية، تشكل خطرا عسكريا عليهما وان السبيل الوحيد للتصدي لتلك الاخطار هو تقوية " الحلف الاستراتيجي بين إسرائيل وتركيا " (219) . وعليه فانهما تعاونا معا في مجال السعي لوقف الجهود الإيرانية والسورية السابقة بشتى الطرق والوسائل، وبخاصة الترويج في وسائل الاعلام المختلفة بانهما يمتلكان او يطوران اسلحة من شأنها ان تؤثر على المنطقة سلباً، واستغلال النفوذ الامريكي للضغط عليهما لمنعهما من السير في هذا الاتجاه، أو الضغط على الدول الداعمة لهما عسكريا لوقف امداداتها العسكرية لهما (220) . 3 - الضغط والتهديد التركي – الاسرائيلي لسوريا: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 128 مارس التحالف التركي- الاسرائيلي ضغوطا على سوريا، بهدف تحقيق مصالحهما الخاصة، فاسرائيل تريد الضغط على سوريا لاجبارها على دخول عملية السلام وفقا للشروط الاسرائيلية، أما تركيا، فترى في ذلك التحالف ورقة ضغط على سوريا من اجل ان تتنازل عن حقوقها في الاسكندرونه، ووقف دعمها للاكراد وعدم تلبية طلباتها بشأن المياه في الفرات. وقد مارست الأخيرة اشكالا عديدة للضغط على سوريا منها،التحكم بكميات المياه، ونوعيتها، الجارية من تركيا إلى الاراضي السورية، وحبسها في بعض الفترات لتملأ بعض سدودها (221) . وفي اثناء زيارة مسعود يلماز، وزير الخارجية التركي السابق، الى لواء الاسكندرونه في21 اذار 1996م–2 ذو القعدة 1416هـ، اتهم سوريا بدعم الارهاب وهددها باستخدام سلاح المياه ضدها، واتهمها بانها تريد تحطيم وحدة الاراضي التركية (222) . واستخدم لغة التهديد والمعاقبة لعدوانيتها قائلا: " نحن الأتراك شعب صبور، ولكن عندما ينفذ صبرنا سيكون ردنا قاسياً " (223) . وفي يومي 24-25 ايار 1996م –7-8 محرم 1417هـ زار السفير الاسرائيلي في تركيا زفي البيلج Zvi Albelge، يرافقه مجموعة من رجال المخابرات والعسكريين الإسرائيليين، لواء الاسكندرونه. وبعد ذلك بفترة وجيزة حدثت انفجارات في شمالي سوريا. وقد أكدت مصادر متخصصة في الشؤون التركية ان تلك التفجيرات كانت بتدبير من السلطات الأمنية والعسكرية التركية بمساعدة تلقتها من نظيرتها الاسرائيلية (224) . وعلى اثر توطيد تركيا لعلاقاتها العسكرية مع اسرائيل لجأت إلى تصعيد وتيرة تهديداتها الموجهة الى سوريا، إذ وصل الأمر بقادتها العسكريين تهديدها بالاجتياح العسكري اوائل شهر تشرين الاول 1998م –جمادى الثانية 1419هـ بحجة دعمها لحزب العمال الكردستاني وقد تدخلت مصر وايران لنزع فتيل تلك الأزمة وازالة التوتر القائم بين البلدين (225) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 129 4- شكل التحالف الاسرائيلي التركي اختراقاً للامن القومي العربي والاسلامي، ويتضح ذلك من خلال ما يلي: أ- ان اسرائيل قد استغلت الاراضي والأجواء التركية، للتجسس على ايران والعراق وسوريا، بحيث غدت نسبة لا بأس بها من اسرارها العسكرية في متناول يد اسرائيل وتركيا (226) . كما ان بامكان الطائرات الاسرائيلية المتواجدة في القواعد الجوية التركية توجيه ضربات جوية للاهداف الحيوية والهامة في تلك الدول، وحتى يمكن ان تصل الى دول الخليج (227) . وتعتبر صحيفة هاراتس - الإسرائيلية ان تحليقات سلاح الجو الاسرائيلي في المجال الخلفي لسوريا بشكل اساس ردع لايستهان به (228) . وبالنسبة لايران سوف تكون أهم الأهداف الاقتصادية والعسكرية، على بعد يتراوح ما بين 500-700 كليو متر، إذ ان الطائرات الاسرائيلية المتمركزة في الاراضي التركية بإمكانها ضرب تلك الاهداف دون الحاجة الى التزويد بالوقود في الجو. وقد ابدى مدير معهد موشى دايان للدراسات الاسيوية والافريقية، التابع لجامعة تل ابيب " إن اسرائيل وتركيا ستقوم ببناء نظام تحالف يمكنه ان يخدمهما بصورة فاعلة في حالة ظهور تهديد أو خطر من ايران وسوريا " (229) . وقد اشارات صحيفة صنداي اكسبرس البريطانية عام 1996م –1416هـ، إلى ان اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية وتركيا قد خططت لشن هجمات من الاراضي التركية على المنشأة النووية الرئيسة في إيران، والتي يطلق عليها اسم نيكا، وهي قريبة من بحر قزوين، والتي يعتقد بانها ذات مستوى متطور، ويمكن ان تجعل من إيران دولة ذات قدرة نووية " (230) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 130 ب- وضع التحالف الاسرائيلي – التركي سوريا بين فكي الكماشة الاسرائيلية التركية، واصبحت محاصرة عسكريا في ظل التنسيق العسكري التام بين الدولتين. كما يؤكد ذلك الباحث العسكري ادجار اوبالانس (231) . وكذلك يؤكد ما يكل ايزندات بانه " بامكان الجيش التركي ان يحشد قواته على الحدود مع سوريا. وهذا سيؤدي إلى تقييد الاحتياط الاستراتيجي السوري، وبامكان تركيا ان تسمح للطائرات الاسرائيلية بالهبوط في القواعد التركية لتقوم بتحرير المعلومات الواردة من الطيران الاستطلاعي. وهذا سيدفع سوريا إلى إعادة صياغة أنظمة الدفاع الجوية. وفي البحر، فان بامكان تركيا ان تسمح لاسرائيل بالعمل من خلال القاعدة البحرية في الاسكندرونة، أو في المناطق المحظورة في المياه التركية قريبا من سوريا مما يدفع سوريا لتوزيع اسطولها " (232) . ج- استطاعت إسرائيل من خلال تحالفها مع تركيا اختراق جدار الأمن القومي العربي والإسلامي، وذلك لأن تركيا دولة ذات أغلبية سكانية مسلمة، ولو أنها موالية للغرب، قد اقامت تحالفا مع دولة معادية للعرب والمسلمين ورأس حربة للاستعمار. وقد منح ذلك اسرائيل صفة رسمية لدخول منطقة الشرق الأوسط وكما أن هناك مخاوف عربية وإسلامية، من حدوث اختراق آخر، يتمثل في انضمام دول عربية الى التحالف الاسرائيلي – التركي، وبخاصة الاردن الذي تربطة علاقات متميزة مع الدولتين، ومع الولايات المتحدة الراعية لذلك الحلف (233) . د- يعتبر التحالف الاسرائيلي – التركي، ركيزة من ركائز السياسة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط، وبالتالي فان الحلف يمثل امتداداً لسياسة الاحلاف الغربية في المنطقة العربية التي ظهرت في فترة الخمسينيات الميلادية. ويعد بمثابة ذراع متقدمة لتحقيق السياسة الامريكية في المنطقة، وينظر إليه على انه رأس حربة للاستعمار الامريكي في المنطقة (234) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 131 ويتبين مما سبق، ان التعاون العسكري الاسرائيلي – التركي، يشكل خطراً جسيماً على الامن القومي العربي والاسلامي لانه سيحاصر بعض الدول العربية كسوريا، والاستفادة من الاراضي التركية للتجسس على ايران والعراق وسوريا، مما يعني ان بعض الاسرار العسكرية لتلك الدول قد اصبحت معروفة لدى اسرائيل وتركيا، اضافة الى انه يمكن توجيه ضربات عسكرية مؤلمة الى تلك الدول، من الاراضي التركية، وعليه فان الاوضاع العسكرية والاستراتيجية للدول العربية والاسلامية محرجة جداً في ظل غياب التنسيق والتعاون العسكري العربي والاسلامي. خامسا- المواقف العربية والإسلامية من العلاقات العسكرية الاسرائيلية- التركية: اتصفت المواقف العربية والاسلامية ازاء العلاقات العسكرية الاسرائيلية – التركية بشكل عام بالمعارضة والتنديد والشجب، منطلقة من كون تركيا دولة ذات أغلبية سكانية اسلامية لها ارتباط ديني وتاريخي مع العالمين العربي والاسلامي، لما يزيد عن ستمائة عام، إضافة إلى انها مجاورة لأهم البلدان العربية والاسلامية، عسكرياً واقتصاديا وبشريا وهي ايران وسوريا والعراق. كما ينظر الى تلك العلاقات بانها احياء جديد لسياسة الاحلاف، التي ظهرت في المنطقة في فترة الخمسينيات الميلادية، كحلف بغداد عام 1955م – 1375هـ (235) ولتسهيل دراسة المواقف العربية والاسلامية من العلاقات العسكرية الاسرائيلية – التركية فانه سيتم دراسة تلك المواقف من ناحيتين الأولى، مواقف والمنظمات والمؤسسات العربية والاسلامية وبخاصة جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي، والثانية دراسة مواقف أهم ردود فعل الدول العربية. وفيما يتعلق بمواقف المؤسسات والمنظمات العربية والاسلامية فيمكن اجماله على الشكل التالي: أ - موقف جامعة الدول العربية: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 132 اولت جامعة الدول العربية موضوع العلاقات العسكرية الاسرائيلية - التركية عنايتها الخاصة، منذ ان بدأت تلك العلاقة تتخذ ابعاداً جديدة، وبخاصة بعد التوقيع على الاتفاقية العسكرية والامنية الاسرائيلية – التركية في شباط 1996م - رمضان 1416هـ. وعلى أثر ذلك عقد مؤتمر القمة العربي في القاهرة في حزيران 1996م-محرم 1417هـ. وقد طالب المؤتمر تركيا باعادة النظر في تلك الاتفاقية (236) . كما ادانت الجامعة الاتفاقية باعتبارها تهديدا للدول العربية المجاورة لتركيا (237) . وبعد اجراء المناورة البحرية المشتركة اوائل عام 1998م - 1418هـ ابدت الجامعة على لسان امينها العام عصمت عبد المجيد قلقها ازاء تلك المناورة (238) . لقد نظرت جامعة الدول العربية في الاثار المترتبة على العلاقات العسكرية الاسرائيلية – التركية على منطقة الشرق الاوسط، واعتبرتها تعرض المصالح العربية للخطر، وذلك بعودة المنطقة من جديد الى سياسة الاحلاف والمعاهدات التي ظهرت سابقا في فترة الخمسينيات (239) . وقد حاولت الجامعة من وقت الى آخر، ان تحث تركيا على ضرورة إعادة النظر في علاقاتها مع اسرائيل (240) . وذلك من خلال التأكيد على " الماضي المشرف للشعب التركي في الدفاع عن القيم الاسلامية، وعن الاماكن المقدسة من الغزو الصليبي البرتغالي في القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي، وفي المقدمة منها القدس الشريف … والرصيد التاريخي للعلاقات الثقافية والحضارية والدينية العربية- التركية " (241) . وعلى الرغم من جهود جامعة الدول العربية تلك، فانها لم تتخذ مواقف حازمة او خطط عملية واضحة المعالم لسبل التصدي للتعاون العسكري الإسرائيلي – التركي، ولعل ذلك يعزى الى ضعف امكانيات وقدرات الجامعة في شتى النواحي، إضافة ان بعض الدول العربية مثل الأردن، كانت تعارض اتخاذ اجراءات عملية ضد تركيا (242) . ب -موقف منظمة المؤتمر الاسلامي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 133 عقد مؤتمر للقمة لمنظمة المؤتمر الاسلامي في طهران خلال شهر كانون الأول 1997م –شعبان 1418هـ وشاركت فيه معظم الدول الاسلامية، ومن بين جملة المواضيع التي تم بحثها موضوع العلاقات الاسرائيلية التركية، وتعرض الوفد التركي الذي ترأسه الرئيس سليمان دميرل إلى انتقادات شديدة حتى ان هذا الوفد لم يستطع الاستمرار في المؤتمر إلى نهايته. وقد تجسد الموقف الاسلامي في المؤتمر في البيان الختامي، إذ ورد في احد قراراته الرئيسة إدانة تركيا، وان لم تذكر بالاسم لتعاونها مع اسرائيل. وتجدر الاشارة الى ان سوريا هي التي قادت عملية ادانة تركيا في المؤتمر (243) . وعلى صعيد مواقف أهم الدول العربية والاسلامية من العلاقات العسكرية الاسرائيلية- التركية، فيمكن اجمالها على الشكل التالي: أ - الموقف السوري: كانت سوريا، من الاهداف الرئيسة للعلاقات العسكرية الاسرائيلية - التركية، إذا اعتبرت ان تلك العلاقة خطراً يتهددها، لذلك قامت بالعديد من الاجراءات لتخفيف وطأة تلك العلاقة، منها تبيان اخطارها على المنطقة، وحث الدول الاسلامية على التصدي لها. كما انها سعت إلى توطيد علاقاتها مع كل من إيران والعراق واليونان إذ انها وقعت مع الأخيرة اتفاقا عسكريا عام 1995م –1415هـ، كان من بنوده السماح للطائرات العسكرية لدى الجانبين باستخدام مطارات الدولة الأخرى، في حالة وقوع اعتداء عسكري على أي منهما (244) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 134 وبعد تسريب بعض المعلومات عن الاتفاقية العسكرية والامنية الاسرائيلية - التركية، في شهر نيسان 1996م –ذو القعدة 1416هـ، استدعت وزارة الخارجية السورية السفير التركي في دمشق في 8/4/1996م– 20/11/1416هـ، واعربت له عن احتجاجها على تلك الاتفاقية كما أبرزعدنان عمران، مساعد وزير الخارجية السوري لدى اجتماعه مع السفراء العرب في دمشق، خطورة الاتفاق وانعكاساته السلبية على العالم العربي، وعلى السلام في المنطقة، واعتبره عودة لسياسة الاحلاف، وتحدي صارخ لدول الجوار، وإنه اعلان للحرب. وطالب السفراء، تنسيق الجهود العربية ازاء ذلك (245) . كما نشطت الدبلوماسية السورية في المجالين العربي والاسلامي لبناء جبهة موحدة لمواجهة التعاون العسكري الاسرائيلي - التركي، فعقدت مؤتمراً للقمة شاركت فيه اضافة الى سوريا مصر والسعودية. وعقد في العاصمة السورية دمشق في شهر حزيران 1996م– محرم 1417هـ. وصدر المؤتمر في ختام اعمالة بيانا عبر عن قلق تلك الدول من التحالف الاسرائيلي – التركي، كما طالب تركيا باعادة النظر في الاتفاق العسكري الموقع مع اسرائيل (246) . وقد اعتبر فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري، ان التحالف الاسرائيلي - التركي من شأنه ان يؤدي إلى مواجهة عسكرية مع سوريا، بهدف الضغط عليها وعلى الدول المجاورة لتركيا: إيران والعراق، وحتى الدول الخليجية، في ظل تعاون عسكري وأمني يهدف إلى اضعاف الأمن القومي العربي، وزيادة السيطرة الاسرائيلية والتركية على الاراضي العربية، والسعي لاحداث انقسام عربي وإسلامي (247) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 135 ووصفت الخارجية السورية المناورات البحرية الإسرائيلية – التركية – الامريكية، التي جرت عام 1998م–1418هـ، بأنها " ألعاب حرب، وتتنافى مع روح السلام " (248) . كما وصفت التدريبات المشتركة لسلاحي الجو الإسرائيلي والتركي، في اراضي الأخيرة، والتي جرت بين عامي1997-1998م / 1417-1418هـ بأنها موجهة ضد سوريا (249) . الموقف المصري: أبدت مصر اهتماماً ونشاطاً واضحاً في مجال العلاقات العسكرية - الإسرائيلية التركية، وأثرها على العالمين العربي والإسلامي، ولعل ذلك يبرر بأهمية الدور المصري على الصعيدين العربي والإقليمي، إضافة إلى أن تلك العلاقة من شأنها أن تؤثر سلباً على المنطقة برمتها، بما في ذلك مصر نفسها (250) . لقد تمثل الموقف المصري من الاتفاقية العسكرية والأمنية الإسرائيلية – التركية، بما يلي: - إدانة وانتقاد الاتفاقية، وقد تجسد ذلك في التصريحات العديدة التي أدلى بها وزير الخارجية المصري، عمرو موسى، منها أنها " ظهرت في وقت غير مناسب، ولا تساعد في الجهود لتحقيق السلام في المنطقة" (251) . وفي تصريح آخر قال عنها: " أقل ما يقال عن ذلك بأنه عمل عدواني ضد الدول العربية وتشكل خطراً على أمن الشرق الأوسط " (252) . أما الرئيس حسني مبارك فقد صرح في 29/5/1996م –12/1/1417هـ بأنه أبدى عدم تفهمه لوجهتي النظر الإسرائيلية والتركية بشأن أهداف إجراء التدريبات الجوية المشتركة بمحاذاة السواحل السورية، والتي تتمثل في محدودية مجال إسرائيل الجوي. وقد حذر الرئيس مبارك من أي اعتداء تركي على سوريا لأنه سيؤدي إلى مشكلات كبيرة في المنطقة (253) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 136 - أوفد الرئيس المصري، حسني مبارك، وزير خارجيته، عمرو موسى، إلى تركيا في الفترة2-3/5/1996م –14-15 ذو الحجة1416هـ، لتقصي الحقائق فيما يتعلق بالاتفاقية العسكرية الإسرائيلية – التركية. وقد أكدت الأخيرة أن الاتفاقية تدريبية وليست استراتيجية، ولا تستهدف أي دولة في المنطقة وأن أنقرة لن تقف إلى جانب تل أبيب في الصراع العربي – الإسرائيلي (254) . - تواصل الاهتمام المصري بالعلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية المتنامية، إذ قام الرئيس حسني مبارك بزيارة أنقرة في 11 تموز 1996م-25 محرم 1417هـ وليوم واحد، قدمت فيها تركيا تفسيرات لعلاقاتها العسكرية مع إسرائيل، وأنها تقوم على المنفعة المشتركة وليست موجهه ضد طرف آخر (255) . - وتابع الرئيس حسني مبارك اهتمامه بالعلاقات العسكرية التركية مع إسرائيل، إذ اجتمع مع الرئيس سليمان دميرل في 16/9/1997م -14/5/1418هـ، لبحث قضايا مشتركة بينهما، إضافة إلى موضوع اجراء المناورات البحرية المشتركة مع إسرائيل والولايات المتحدة التي أعلن عنها في ذلك العام. وقد حصل الرئيس مبارك على تفسيرات مطمئنة من تركيا لكونها تهدف إلى التدرب على عمليات البحث والإنقاذ (256) . وبعد إجراء تلك المناورات عام 1998م –1418هـ أعلن وزير الخارجية المصري، عمرو موسى،" أن المناورات تحمل رسالة سلبية، وهي خطوة سلبية " (257) . - ولم تقتصر الجهود المصرية ازاء تنامي العلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية على ما ذكر سابقاً، بل أسهمت إلى جانب دول أخرى كإيران، في تهدئة الأوضاع بين تركيا وسوريا، عندما هددت الأولى باحتلال سوريا عسكرياً (258) . ويبدو أن الجهود المصرية السابقة، لم تعجب الجانب الإسرائيلي، مما حدا برئيس دولتها، عزرا وايزمن، أن يعرب عن أمله في " أن يواصل الرئيس المصري قيادة عملية السلام، ولكن ليس بطريقة ملتوية " (259) . ج - الموقف الإيراني: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 137 اهتمت إيران بالعلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية، لكونها مستهدفة فيها ومن شأنها أن تشكل خطراً عليها. فقد أعلنت شجبها لتلك العلاقة (260) ، واعتبرتها في غير صالح تركيا، لأنها ستشير غضب الشعب التركي المسلم عليها (261) . وفي أثناء اجتماع رؤساء دول " منظمة التعاون الاقتصادي الأسيوية – ايكيو " الذي عقد في شهر أيار 1996م -ذو الحجة 1416هـ، في عشق اباد عاصمة تركمنستان، التقى الرئيسان الإيراني هاشمي رافسنجاني، والتركي سليمان دميرل، وتباحثا في موضوع الاتفاقية العسكرية والأمنية الإسرائيلية – التركية، وقد نفى دميرل عقد تركيا لاتفاقيات عسكرية مع إسرائيل، وأن أنقرة تسعى لتطوير علاقاتها مع إيران فيما أكد رافسنجاني بأن الإسرائيليين سوف يستغلون تلك الاتفاقية لضرب إيران (262) . وقد ادانت كل من تركيا والأردن لمشاركتهما إسرائيل والولايات المتحدة في المناورة البحرية المشتركة التي جرت بداية عام 1998م –1418هـ (263) . واعتبرتها تصعيداً لحدة التوتر في المنطقة، كما حثت تركيا على إجراء مراجعة شاملة لعلاقاتها مع إسرائيل، وعدت تلك المناورة تعارضاً مع القرارات التي اتخذها مؤتمر قمة منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1997م - 1417هـ، الذي أشار إلى الخطر الإسرائيلي على المنطقة برمتها. ومن وجهة النظر الإيرانية، فإن المناورات تعتبر تهديداً للأمن في المنطقة (264) . ولعل المخاوف الايرانية من العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية، تكمن في القدرة العسكرية المتطورة التي تمتلكها إسرائيل، والتي من خلالها تستطيع تهديد مرافقها ومنشآتها العسكرية والاقتصادية، مما يشكل خطراً كبيراً على أمنها (265) . د - مواقف الدول العربية الأخرى: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 138 فيما يتعلق بالموقف العراقي من العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية، فقد اتصف بالتنديد والشجب من خلال التصريحات الإعلامية، ولم يكن فاعلاً في هذا المجال، وهذا مبرر بسبب المشاكل الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية التي يعاني منها جراء الحصار المفروض عليه. فقد أكد مندوب العراق لدى الأمم المتحدة نزار حمدون في 16/4/1996م 16/11/1416هـ بأن تركيا لم تراع الرفض العربي والإسلامي لتلك الاتفاقية، ولم تراع حساسية جيرانها العرب والمسلمين (إيران، سوريا، العراق) .، وأن من شأن ذلك أن لا يساعد على استقرار منطقة الشرق الأوسط (266) . كما ادان وزير الخارجية العراقي، محمد سعيد الصحاف، المناورات العسكرية الجوية والبحرية المشتركة بين إسرائيل وتركيا، باعتبارها عمل استفزازي ضد الأمة العربية (267) . أما الدول الخليجية بعامه، فقد أخذت بعين الاعتبار الأوضاع السياسية والاقتصادية والإستراتيجية التي حدثت في المنطقة، بعد تطور العلاقات الإسرائيلية – التركية، وأثرها في إدخال عنصر غريب في المنطقة (268) فيما اعربت لبنان عن قلقها من التعاون التركي – الإسرائيلي في المجالات العسكرية، واعتبرته تهديداً للأمن القومي العربي والإسلامي بعامه، وسورية بخاصة (269) . وكذلك عبرت ليبيا عن قلقها إزاء الحلف العسكري الإسرائيلي – التركي المشبوه، الذي يستهدف " النفط والمصادر المائية " في المنطقة (270) . أما الموقفان الأردني والفلسطيني من العلاقات العسكرية بين إسرائيل وتركيا فلم يندد بتلك العلاقة، بل العكس من ذلك، إذ ان الأردن قد شارك في المناورات البحرية المشتركة عام 1998م - 1418هـ، ومرشح للدخول في الحلف التركي – الإسرائيلي. أما الموقف الفلسطيني، فلم يهمه هذا الموضوع كثيراً وكل ما يريده من تركيا أن تقوم بدور بارز في عملية السلام مع إسرائيل (271) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 139 وعلى الرغم من الاعتراضات والتنديدات العربية والإسلامية بشكل عام، فان تركيا لم تأبه بها، حيث اعتبر سليمان دميرل" ان مصالح الأمة التركية أهم بكثير من أي اعتراضات عربية على علاقات تركيا مع إسرائيل، وأكد على أن تركيا " دولة مستقلة، ولا يحق لاي كائن من كان ان يحدد لنا ما ينبغي أن نفعله " (272) . ويبدو ان تركيا قد نجحت إلى حد ما أواخر 1998-1999م / 1418-1419هـ في التخفيف من ردود الفعل العربية والإسلامية، إذا ما قورنت بردود الفعل العربية والإسلامية بين عامي 1996-1997م (273) . ويستخلص مما سبق تباين المواقف العربية والإسلامية من العلاقات العسكرية الإسرائيلية- التركية، فسوريا ومصر وإيران بذلت جهوداً ملحوظة لشرح خطورة تلك العلاقة وتأثيراتها السلبية على منطقة الشرق الأوسط، وحاولت توحيد الجهود العربية والإسلامية في هذا المجال. فيما لجأت بقية الدول العربية إلى الشجب والاستنكار والتنديد، أما الأردن وفلسطين، فأقل ما يقال عن موقفهما انه اتصف بالسلبية، لانطلاقه من مصلحتهما الخاصة. وتأسيساً على ما سبق فان ردود الفعل العربية والإسلامية لم تكن موحدة، وغلب عليها ردود الفعل الآنية على الأحداث الهامة، دون أن يكون لها خطط منظمة وواضحة المعالم للتصدي لتلك العلاقة، الأمر الذي سيزيد من أخطارها على المنطقة. الخلاصة: 1- جاءت العلاقات العسكرية الإسرائيلية- التركية نتيجة لظروف وعوامل سياسية واقتصادية وعسكرية داخلية وخارجية لكل من تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وفيها مصالح مشتركة لهم. 2- تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيس للعلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية، لإن مبدأ رئيس من مبادئ سياستها الشرق أوسطية، يقوم على إنشاء تحالف إسرائيلي – تركي، يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، ويحافظ على الأمن والاستقرار، وإحتواء الأنظمة المعارضة لها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 140 3- تميزت العلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية بتطورها وتقدمها، حيث وصلت إلى مرحلة التكامل الإستراتيجي، وهي في طور التحالف، وهناك مؤشرات على تنامي تلك العلاقات خلال الفترات القادمة. 4- قامت إسرائيل بتزويد تركيا بأفضل ما وصلت اليه الفنية العسكرية على المستوى العالمي، ومن شأن ذلك ان يضع تركيا في مقدمة الدول المتقدمة عسكرياً في المنطقة، وحتى على المستوى العالمي، خلال الفترات القادمة. وفي المقابل، فان الأتراك سيعتمدون عسكرياً على إسرائيل، مما يجعل السياسة التركية رهينة الظروف والرغبات الإسرائيلية. 5- تميزت العلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية بالتنوع والشمول لشتى مجالات التعاون البري والبحري والجوي، الذي تمثل في قيام إسرائيل ببيع أسلحة إلى تركيا، وقيامها بتحديث جيشها، وإقامة مشاريع عسكرية مشتركة، واجراء مناورات وتدريبات مشتركة، واجراء حوارات إستراتيجية بصورة مستمرة، إضافة إلى التعاون في مجالات عسكرية هامة كالتعاون في المجال النووي، وفي مجال الفضاء لأغراض عسكرية. 6 – عضدت العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية، دورهما الإقليمي في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، وزادت من نفوذهما وهيمنتهما على المنطقة، وتسعيان إلى صياغة شرق أوسط، جديد وفقا لمصالحهما ورؤيتهما للأمور. وقد يطلب منهما، مستقبلاً القيام بمهام محددة للولايات المتحدة الأمريكية. 7- حدث اختلال في توازن القوى في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل وتركيا، لما تمتلكانه من تعداد يناهز المليون مقاتل، إضافة إلى فنية عسكرية متقدمة جداً، هذا في ظل ضعف التنسيق العسكري العربي، ووجود الخلافات بين بعض الدول العربية، ونقص في الإمدادات العسكرية لبعض الدول الأخرى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 141 8- يشكل التحالف العسكري بين إسرائيل وتركيا، خطراً، وتهديداً للأمن القومي العربي والإسلامي (إيران) ، لأن إسرائيل استغلت الأراضي والاجواء التركية، للتجسس العسكري على إيران وسوريا والعراق. واتخذتها وسيلة للضغط العسكري على تلك الدول، لتحقيق أهدافها الخاصة، إضافة إلى ان تركيا ستتخذ ذلك وسيلة ضغط على الدول المجاورة لها، والتي تواجهه مشاكل معها. 9- لم تتناسب المواقف العربية الإسلامية بعامة مع حجم ونوع التحالف القائم بين إسرائيل وتركيا، وإذ غلب على المواقف العربية التنديد والشجب دون وضع الخطط المناسبة لذلك، أو اتخاذ إجراءات عملية مناسبة. الهوامش والتعليقات 1- Ihsan Gurkan," Turkish – Israeli Relations and the Middle East Peace Process” Turkish Review of Middle east stadies ,7,1993,p.191. 2- آلون ليآل، تركيا في الشرق الأوسط: نفط وإسلام وسياسة، ترجمه عن العبرية الدار العربية للدراسات والنشر والترجمة، القاهرة، 1999م، ص 115. 3- Neill Lochery, " Israel and Turkey: Deeping Ties And Strategic Implications 1995-1998 " , Israel Affairs, vol. 5, No. 1, Autuman 1998, p. 46.م. الوثائق السرية للمخابرات الأمريكية، المخابرات الإسرائيلية، ترجمة وإعداد مجدي نصيف، الوطن العربي، بيروت، 1984م، ص 68. 4- بشارة بحبح وليندا بتلر، إسرائيل وأمريكا اللاتينية: البعد العسكري، ترجمة أسامة البابا، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1987م، ص 17. 5– خليل إبراهيم الناصري، التطورات المعاصرة في العلاقات العربية التركية، د. ن، بغداد، 1992، ص 204 6 –Lochery , OP. Cit. , P. 46. 7- وصال نجيب العزاوي " أبعاد التعاون العسكري التركي – الإسرائيلي، دراسة في الدوافع والأهداف "، دراسات إستراتيجية (بغداد) ، عدد 5، 1998م، ص 259-260. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 142 8- هشام فوزي عبد العزيز، " التقارب التركي من إسرائيل في التسعينيات: دراسة تحليلية للأسباب والعوامل التي ساعدت تركيا على التقارب من إسرائيل "، بحث غير منشور، ص 5-8-10. 9- M. Hakan Yavuz, " Turkish – Israeli Relations Through the lens of the Turkish Identity , Journal of Palestine Studies , vol. 27, No 1, Autuman 1997 , pp. 26 – 29. 10- Ihasan Gurkan , " Turkish – Israeli Relations and the Middle East Peace " , Turkish Review of the middle East Studies (Ankra) , 1993,PP. 133 – 136. 11- George Gruen , " Dynamic Progress in Turkish – Israeli Relations " , Israel Affairs , vol. 1 No.4 , Summer 1995 , pp. 40 – 41. 12- Robert Olson, " Turkey – Syria Relations Since the Gulf War , kurds and Water " , Middle East Polisy. vol. V, No.1 , 1997 , p. 179. 13- اوري لوبراني، " العلاقات بين إسرائيل ودول الجوار المحيطة بالعالم العربي: تركيا وإيران وأثيوبيا "، في ندوة الموقف الإسرائيلي من الجماعات الأثنية والطائفية في العالم العربي، ترجمه عن العبرية الدار العربية، الدار العربية، القاهرة، 1997 م، ص 11-21. 14- العزاوي، المرجع السابق، ص 260-262. 15- جريدة معريف الإسرائيلية 12/8/1993م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، النشرة الأسبوعية للصحافة الإسرائيلية، 8/8/1993م – 12/8/1993م، عدد 32، 1998م، ص 200، " مأمون كيوان "، العلاقات الإسرائيلية- التركية "، مجلة الأرض (دمشق) ، عد10، تشرين الأول / أكتوبر 1995م، ص 69. 16- نزار آغري، " الاتفاق التركي – الإسرائيلي للتعاون العسكري والأمني "، شؤون الأوسط (بيروت) عدد 62، أيار/ مايو 1997م، ص 109. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 143 17- جريدة دافار الإسرائيلية 17/10/1994م- ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 41، 1994م ص 593. 18- جريدة هارآتس الإسرائيلية 18/9/1995م –، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة 28/9/1995م، ص 25. 19- دانيال بايبس، " محور جديد: بروز الوفاق التركي – الإسرائيلي "، البيان (لندن) ، عدد، 125، مايو1998م، ص 112-121؛ إدجار أو بالانس " الارتباط الإسرائيلي – التركي "، الحرس الوطني (الرياض) ، عدد 197، سنة 20، كانو الأول / ديسمبر 1998م، ص.60-62. 20- Jennifer Washburn “ Power Bloc: Turkey and Israel Lock Arms, “ Progressive, 29 December 1998, p. 20; Alain Gresh Turkish –Israeli – Syrian ReLations and Their Impact on the MiddLe East, MiddLe East JournaL, voL. 5, no. 2, Spring 1998 pp. 189-190; NicoLe Pope “ Expandiny Ties with Israel “. MrMiddLe East Interna tional. No.579.17 JuLy 1998. p.11. 21- فيليب روبنس، في حلقة نقاشية حول التعاون التركي – الإسرائيلي، الباحث العربي، عدد 47، أيار – حزيران 1998م، ص 60-61؛ جلال معوض، صناعة القرار في تركيا والعلاقات العربية – التركية،مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1998م، ص 221-224. 22- قيس محمد نوري، " التحديات التي يفرضها التعاون العسكري - الإسرائيلي على الأمن القومي العربي "، دراسات، عدد 122 كانون الثاني 1998م، ص 64. 23- Pope ,Turkey: Expanding Ties With IsraeL , Op.Ct. , P.11-21. 24- هشام فوزي عبد العزيز، " دور التحالف التركي – الإسرائيلي في التصدي للنفوذ الإسلامي وعمليات الأكراد المسلحة في تركيا "، مجلة البصائر – (جامعة البتراء الأردنية) ، م4،ع2 أيلول 2000،ص23-29 25- Yavuz. Op. Cit., p. 30. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 144 26- NicoLe Pope ,” Turkey,s GeneraLs Behind The IsraeL Axis, MiddLe East,16 No.550May. 1997 , P. 3. International , رضا هلال، السيف والهلال: تركيا من اتاتورك إلى اربكان،الصراع بين المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي. دار الشروق، القاهرة، 1999م، ص 179-180. 27- بايبس، المرجع السابق، ص 114-115. 28- عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 14-10. 29- Peretz Kidron “ EncircLing Syria “ , Middle East International, No.550, 16 May 1997, p. 4. جريدة معريف الإسرائيلية 30/4/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد18، 17/5/1997م، ص293. 30- Kidron. Op. Cit., P. 4. هاراتس، 9/12/1997م ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 50، 17/12/1997م، ص766-677 31 - Lochery, O P. Cit. , P. 53. 32- جريدة هاراتس 17/6/1998م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 43، 24/6/1998م، ص 343. 33- جريدة معريف 15/12/1998م، مجلة الأرض (دمشق) ، عدد 1، كانون الثاني 1999م، ص 102. 34- عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 3-8، 11-14. 35- نفس المرجع، ص 8-9، 14-18. 36- Malik Mufti, “ Daring and Caution in Turkish Foreign Policy “ , Middle East Journal , vol. 52 , No. 1 , Winter 1998 , PP. 33-34 37 Olson , Turkey – Syria Relations , Op. Cit. , P. 170-190; Gresh , OP. Cit. , PP. 188 –202 38 - عبد العزيز، التقارب التركي من إسرائيل في التسعينيات، المرجع السابق، ص 13. 39 - Olson , Turkey – Syria ,Op.Cit., PP. 107 – 190. Gresh ; Op. Cit. , PP. 190 – 192. Kidron , Op. Cit. , P. 4 ; Mufti ,Op Cit. , P. 35. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 145 40- افرايم عنبر، " التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل وتركيا " في تركيا وإسرائيل في شرق أوسط متغير، حوارات حول قضايا الأمن القومي، ترجمة الدار العربية، الدار العربية، القاهرة، 1996م، ص 62. 41- عبد العزيز، التقارب التركي من إسرائيل في التسعينيات، المرجع السابق، ص 12. 42- Amikam Nachmani, "The Remarkable Turkish – Israeli Tie " , Middle East , vol. v ,No. 2 , 1998 , P. 25.Quarterly 43washburn , Op. Cit. , P. 21. 44- Sabri Sayari, " Turkey and the Middle East in the 1990 s " , Journal of Palestine Studies , vol. xxvl, No. 3,1997,P. 49. Alan Makovsky," Israeli – Turkish Relations, A Turkish Periphery Stratege " , in Reluctant Neighbor Turkey,s Role in the Middle East , Henri T.Barkey (editor) , United State Institute of Peace Press , Washington , D.C, 1996, P. 154,. 45- Washburn , OP. Cit. , pp. 20-21 , Makovsky, Op. Cit., p. 164. 46- هشام فوزي عبد العزيز " التعاون " التركي- الإسرائيلي في مجال الإقليمي 1991-1998 "، بحث مقبول للنشر في مجلة المنارة، جامعة ال البيت (المفرق – الأردن) ، ص6 –27. 47- Washburn Op. Cit. P. 23 , Makovsky. Op.Cit. , P. 152-156 48- Yavuz , Op. Cit. , P.30. 49- ايان ليسر، تركيا والغرب بعد حرب الخليج، ترجمة ظافر قطمة، الثقافة العالمية (الكويت) ، عدد 54أيلول 1992 ص 142-144؛ بوليك باشا، المرجع السابق، ص 36-38. 50- Lochery, Op.Cit., p. 46 بحبح وبتلر، المرجع المذكور، ص 3-12، اوبالانس، المرجع المذكور، ص61. 51- راسم محمد قاسم، " العلاقات العسكرية التركية – الإسرائيلية "، تقديرات اسراتيجية (القاهرة) ، عدد 66، 15 كانون الاول 1997م، ص 48. 52- Washburn. Op. Cit. P. 19 , Lochery , OP. Cit. , P. 4 6. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 146 53– kidron, Op. Cit., P. 4. 54–Makovsky , OP. Cit. , P.149; Robert Olson , " The Turkey – Israel Agreement and the kurdish question " , Middle East International , No. 526 , 24 May 1996 , P. 18 ; Washburn , OP. Cit., P. 20, kidron, OP. Cit., P4. 55– لوبراني، المرجع السابق، ص170-18،21. 56– Olson, The Turkey – lsrael Agreement, Op. Cit., P. 18. كيوان، المرجع السابق، ص 56-57. 57- Lochery , OP. Cit., P. 46 , Olson , The Turkey – Israel Agreement , OP. Cit. , P. 8 هيثم الكيلاني، " الاتفاق التركي – الإسرائيلي "، الحرس الوطني (الرياض) . عدد 204،اكتوبر 1999م، ص 33. 58- عبد العزيز، التعاون التركي – الإسرائيلي في المجال الإقليمي، المرجع المذكور، ص 16-25. 59- Gurkan , Op. Cit. , P. 118 – 127. عوني عبد الرحمن السبعاوي، إسرائيل ومشاريع المياه التركية. مستقبل الجوار المائي العربي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 1997م، ص 20-40. 60 – عزرا بنجو وغينجر اوزجان، " التحالف التركي – الإسرائيلي: وجهة نظر باحثين إسرائيلي وتركي في الحلف القائم بين بلديهما "، جريدة الحياة، 13/9/1997م، ص 19. 61- بايبس، المرجع السابق، ص 120. 62- Gresh , OP. Cit. , P. 199. 63- ستيفن كينزر، " تركيا تتجه نحو إقامة علاقات استراتيجية جديدة " هيرالد تربيون الدولية 29/12/1997م، الترجمة العربية في مجلة النافذة (الدمام) ، عدد 2، مارس 1998م، ص 65. 64- Arieh Osullivan, " Defens Ties With Turkey bolstered “ , The Jerusalem Post lnternational , December 9 , 1997 , P 4. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 147 65- Lochery , OP. Cit. , P. 32. Gresh; Op. Cit., P. 191; Pope, Turkeys Generals behind Israel Axis, Op. Cit. , p. 3. 66- Osullivan, OP. Cit., P. 4. كينزر، تركيا تتجه نحو إقامة علاقات استراتيجية جديدة، الدورية السابقة، ص 65، جنكيز تشاندار، " التقارب التركي – الإسرائيلي "، شؤون الأوسط (بيروت) ، عدد 51، نيسان – آيار، 1996م. ص 37. 67- Nachmani , OP. Cit. , P. 24 ; Yavuz, OP. Cit , P. 29. 68- لوبراني، المرجع السابق، ص 15. 69- نفس المرجع، ص 18-19 70- Washburn Op. Cit. , p. 21. هاراتس 26/1/1998م، ترجمة مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية، المرجع السابق، عدد 20، 20/1/1998م، ص 33. 71- سها بوليك باشا " تطور العلاقات بين تركيا وإسرائيل والدول العربية المجاورة "، الباحث العربي (لندن) عدد 48، تموز تشرين الأول 1998م، ص 36. Lochery , Op. Cit. P.52 ,Olson , Turkey and Syria, Op. Cit. , P 169. 180. 72 - هاراتس 14/3/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 12، 26/3/1997م، ص 102، معريف، 21/10/1997م، نفس الدورية، عدد43، 28/10/1997م، ص 710، هاراتس 25/10/1998م عدد 43، 5/11/1998م، ص 619. 73- لوبراني، المرجع السابق، ص 15، 18-19، الكيلاني، الاتفاق التركي الإسرائيلي، المرجع السابق، ص30. 74- هاراتس 25/10/1998م، المرجع السابق، ص 619. 75- Olson, Turkey and Syria Op. Cit. P. 189-190. 76- بايبس، المرجع السابق، ص 116. 77- إذاعة إسرائيل 23/4/1998م، ورد في مجلة الأرض عدد 5، ايار 1998م، ص98. 78- خالد عبد الله " العلاقات العسكرية التركية – الإسرائيلية: تعاون تسليحي وتدريبي أم تحالف استراتجي "، تقديرات استراتيجية، عدد 74-75، نيسان- ايار 1998م، ص 33. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 148 79 – هاراتس 20/4/1998م، ترجمة مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 41، 27/10/1998م، ص 20. 80- هاراتس 19/9/1997م، الدورية السابقة عدد 39، 21/10/1997م، ص 50. 81- بايبس، المرجع السابق، ص 116. 82- الكيلاني، الاتفاق التركي- الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 30. 83- عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص15 بايبس، المرجع السابق، ص 116. 84- Olson, Turkey and syria op. Cit. P.180 جريدة يديعوت احرونوت الإسرائيلية 21/2/1997م، ترجمة مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 9، 5/3/1997م، ص 142. 85- عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 15-17، بايبس، المرجع االسابق، ص 116. Olson , Turkey and Syria.Op. Cit. , p.180. 86- عبد الله، المرجع السابق، ص34. 87- نفس المرجع. 88- كيوان، المرجع السابق، ص 69، جريدة الرأي الأردنية " العلاقات الإسرائيلية التركية تطل من تحت الرماد " الرأي 27/1/1994م، ص 15. 89- كيوان، المرجع السابق، ص 69 - 86. 90- الرأي الاردنية، المرجع السابق، ص 15. 91- هاراتس 23/10/1994م، ترجمة مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 43، 1/11/1994م، ص 27. 92- دافار 20/2/1995م المرجع نفسه، عدد 8، 27/2/1995م، ص 140. 93- معن الحلقي، " الصادرات العسكرية الإسرائيلية في التسعينيات " مجلة الأرض، عدد 9 أيلول 1996م، ص 27. 94- Lochery , Op. Cit, Pp. 49- 50. Olson , Turkey Syria ReLations, Op. Cit. , p. 179. 95- آغري، المرجع السابق، ص 110، يديعوت احرونوت 25/3/1996م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 13، 2/4/1996م، ص 237. 96- بايبس، المرجع السابق، ص 115، الحلقي، المرجع المذكور، ص 27. 97- Yavuz, Op. Cit., p. 29. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 149 98- Osullivan , Op. Cit., p. 4 معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 223. 99- هلال، المرجع السابق، ص 191. 100- أو بالانس، المرجع السابق، ص 60. 101- Gresh Op. Cit., P. 191, Osullivan, Op. Cit. , P.4. 102- Washburn Op. Cit. , p. 21, Nachmani, Op. Cit. , P. 24. هاراتس25/10/1998م –، ترجمة مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد42، 5/11/1998م ص619. 103- Nachmani, Op. Cit.p. 24. بايبس، المرجع السابق، ص 115. 104- بوليك باشا، المرجع السابق، ص 36. 105- عبد الله، المرجع السابق، ص 40، راسم، المرجع السابق، ص 50. 106- Lochery, OP. Cit. , P. 54. 107- هلال، المرجع السابق، ص 179. 108- Nachmani , OP. Cit. , P. 25. 109- Washburn , OP. Cit. P. 20. 110- Lochery , OP. Cit. , PP. 5O – 51. 111- Yavuz , OP. Cit. , P. 29. هاراتس 19/5/1997م -، مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، المرجع المذكور، عدد 21، 28/5/1997م، ص 542. 112- Nachmani , OP. Cit. , P. 25. بوليك باشا، المرجع السابق، ص 636، معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 54. 113- Lochery , OP. Cit. , P. 52. 114- O,sullivan, OP. Cit. , P. 4. 115- Washburn , OP. Cit. , P. 21. 116- Nachmani , OP. Cit. , PP. 25 – 26 , Gresh , OP. Cit. , P. 191. 117- يديعوت أحرونوت 15/7/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 23، 27/7/1997م، ص 23، راسم، المرجع السابق، ص 50. 118- جريدة الرأي 28/11/1997م، ص 1، جريدة الجزيرة (الرياض) السعودية 28/1/1997م. ص 1 119- Nachmani , OP. Cit. , P. 26. 120- هلال، المرجع السابق، ص 181. 121- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 254. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 150 122- جريدة الدستور الأردنية (عمان) 28/7/1998م، ص 1، 19. 123- Osullivan, OP. Cit. , P. 5. 124- محمد توفيق جراد " ملف الأرض – شهر حزيران 1994م، مجلة الأرض "، عدد 7، تموز 1994م، ص 111 125- هاراتس 17/6/1994م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، المرجع السابق، عدد 25، 28/6/1994م، ص 366. 126- آغري، المرجع السابق، ص 112-117. 127- Nachmani , OP. Cit. ,P. 2 4. 128- John king , " Turkey and Israel ", Middle East International , No. 524, 26 April 1996 , P. 1. 129- يديعوت احرونوت 11/6/1996م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 43، 29/10/1996م، ص 792. 130 – Nachmani , Op. Cit. , P. 24 131- معريف 1/11/1996م، الدورية السابقة، عدد 45، 13/11/1996م، ص 831. 132- يديعوت احرونوت 20/12/1996م، نفس الدورية، 2/12/1996م - 26/12/1996م، ص 966 133- راسم، المرجع السابق، ص 50. 134- هاراتس 21/4/1998م، وردت في مجلة الأرض، عدد 5، ايار 1998م، ص 98. 135- معريف 14/7/1998م، نفس الدورية، عدد 8، آب 1998م - ص 108. 136- بايبس، المرجع السابق، ص 116؛ راسم، المرجع السابق، ص 50. 137- King , OP. Cit. , P. 11 ; Nachmani , OP. Cit. , P. 24. 138- بايبس، المرجع السابق، ص 116. 139- Nachmani , OP. Cit. P. 24 ;Olson , Turkey - Syria Relations, OP. Cit. , P. 17. معريف 31/3/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، المرجع السابق، عدد 14، 8/4/1997م، ص 238. 140- اوبالانس، المرجع السابق، ص 60. هاراتس 9/4/1997م، مجلة الأرض. عدد 5، ايار 1997 1997م، ص 117. 141- نفس الجريدة، 2/5/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة،عدد 19، 14 / 5 / 1997، ص 34. 142- نفس الدورية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 151 143- نفس الدروية، 18/6/1997م، الدورية السابقة، عدد 25، 25/6/1997م، ص 410 144- بايبس، المرجع السابق، ص 116، معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 232. 145- هاراتس، 14/5/1997م؛ في مجلة الأرض عدد 6، حزيران 1997م، ص 87-88. 146- Lochery , OP. Cit. , P. 54. بوليك باشا، المرجع السابق، ص 19، اوبالانس. المرجع السابق، ص 12. 147- هاراتس 17/12/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد5، 24/12/1997م -، ص 780؛ الدورية السابقة 8/1/1998م، يديعوت احرونوت 7/1/1998م، الدورية السابقة، عدد 1، 14/1/1998م، ص 16. 148- Gresh, OP. Cit., P. 18. 149- هاراتس، 14/9/1998م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة. عدد 36، 22/9/1998م، ص 538. 150- نفس الجريدة 25/1/1994م، الدورية السابقة، عدد 4، 1/2/1994م، ص 58-59. 151- Lochery , OP. Cit. , P. 48. 152- راسم، المرجع السابق، ص 48. 153- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 233؛ هلال، المرجع السابق، ص 179-181؛ هاراتس 10/3/1996م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة 19/3/1996م -، ص 196. 154- Osullivan , OP. Cit. , P. 4. اوبالانس، المرجع السابق، ص 61. بايبس، المرجع السابق، ص 115. هلال، المرجع السابق، ص179-181. 155- هاراتس 18/9/1995م، في مجلة الأرض، عدد 10، تشرين الأول 1995م، ص 106. 156- نفس الجريدة، 1/5/1997م، في الدورية السابقة، ص 311. 157- نفس الجريدة 23/12/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 52، 31/12/1997م، ص 795. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 152 158- نظيره محمود خطاب، " نوع وحجم الاسناد العسكري التركي - الإسرائيلي في حالة وقوع مواجهه عسكرية مع سوريا "، تقديرات استراتيجية، عدد 54-55، حزيران 1997م، ص 18. 159- هلال، المرجع السابق، ص 183. 160- عبد الله، المرجع السابق، ص 43. 161- هاراتس 11/12/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد50، 17/12/1997م، ص 767. 162- Lochery , OP. Cit., P. 52. 163- Nachmani , OP. Cit. , PP. 25- 26. 164- يديعوت احرونوت 6/7/1997م ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 28، 16/7/1997م، ص 654. 165- محمد توفيق جراد، " ملف الأرض، آخر تطورات الأوضاع في الكيان الصهيوني والمناطق المحتلة. أيلول 1995م "، مجلة الأرض، عدد 10، تشرين أول 1995م، ص 106. 166- Nachmani , OP. Cit. , P. 26. 167- هاراتس `25/11/1993م–، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة عدد46، 28/11/1993م، ص 647. 168- دافار 28/1/1994م، مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة. عدد 4، 21/2/1994م، ص 18-19. 169- عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 11. 170- Makovsky , OP. Cit. , P. 150. 171- Gresh , OP. Cit. , PP. 189 - 190. 172- يديعوت احرونوت 1/3/1996م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة،14/3/1996م. ص 167. 173- هاراتس 14/8/1996م، في صورة إيران في الأعلام الإسرائيلي، ترجمة صلاح عبد الله، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث، بيروت، 1997م، ص 22. 174- OLson , Israeli – Turkish Relations , OP. Cit. , P. 180. 175- Lochery , OP. Cit. , P. 51. 176- عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص – 12 – 13، 16- 18. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 153 177- معريف 23/3/1995م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 12، 27/3/1995م، ص 20. 178- عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 17. 179- نفس المرجع، ص 12-14. 180- نفس المرجع، ص 18 – 16، بايبس، المرجع السابق، ص 116. 181- لوبراني – المرجع السابق، ص 18. 182- يوسي ملمان، " خبراء اسرائيليون ساعدوا تركيا في مكافحة حركة المتمردين الأكراد "، هاراتس17/2/1999م،ترجمة عربية في مختارات إسرائيلية (القاهرة) ، عدد 51، 1999 -، ص 34. 183- Washburn , OP. Cit. , P. 212 ; Yavuz , OP. Cit. , P28 ; Olson , The Turkey Israeli Agreement , OP. Cit. , PP. 18 – 19 ; John Donnelly and Miami Herald , Israel – Turkey Ties , The Dallas Morning , August 11. 1996. 184- Pope, Turkey Expanding Ties With Israel , OP. Cit , P. 11. 185- لوبراني، المرجع السابق، ص 18. 186- Lochery , OP. Cit. , P. 51 , Nachmani , OP. Cit , P. 25. 187- لوبراني، المرجع السابق، ص 61 راسم، المرجع السابق، ص 50. 188- بايبس، المرجع السابق، ص 116. 189- آغري، المرجع السابق، ص 110. 190- عبد العزيز، التعاون التركي – الإسرائيلي في المجال الاقليمي، المرجع السابق، ص 23-24. 191- Makovsky , OP. Cit. , PP. 158 – 159. 192- Ibid., P. 154. 193- آغري، المرجع السابق، ص 109. 194- هاراتس 1/5/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 8، 7/5/1997م، ص 292-293. 195- يديعوت احرونوت 17/2/1997م، نفس الدورية، عدد 2 25/2/1997م، ص 24 196- ستيفن كينزر، " أصدقاء تركيا أصدقاء جدد "، نيويورك تايمز 28/12/1997م، ترجمة عربية في مجلة النافذة، عدد 1، فبراير 1998، ص 73. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 154 197- كينزر، تركيا تتجه نحو إقامة علاقات استراتيجية جديدة، المرجع السابق، ص 66. 198- راسم، المرجع السابق، ص 49-50. 199- عنبر، المرجع السابق، ص 31. 200- تعقيب غيث ارمنازي مدير مكتب جامعة الدول العربية في بريطانية على بحث بوليك باشا، " يخاطر العرب اشد مخاطرة أن تجاهلوا الرسالة التي يقدمها البحث "، الباحث العربي، عدد 48، نيسان 1998م، ص45. 201- عبد الله، المرجع السابق، ص 43. 202- هاراتس 26/2/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 9، 5/3/1997م، ص 42. 203- Washburn , OP. Cit. , PP. 20 – 21. بايبس، المرجع السابق، ص 121. بنجو واوزجان، المرجع السابق، ص 19. معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 255-256. 204- . Gresh, Op.Cit.,P.189 205- بايبس، المرجع السابق، ص120. 206- نفس المرجع. 207- . Dialy Digest , 13 May 1997 New Alliances that Could Reshape, The Mideast 208- Washburn , Op.Cit., P.23. 209- New Alliances that Could Reshape , OP. ,Cit. 210- نوري، المرجع السابق، ص 10-11. 211- خطاب، المرجع السابق، ص 16-24. 212- بايبس، المرجع السابق، ص 121. 213- . Washburh, OP.Cit., PP. 20-21 214- عبد العزيز، التعاون التركي الإسرائيلي في المجال الأقليمي، المرجع السابق، ص 16-25، الكيلاني، الاتفاق التركي الاسرائيلي، المرجع السابق، ص 33. 215- العزاوي، المرجع السابق، ص 358-359. 216- عبد العزيز، التعاون التركي – الاسرائيلي في المجال الاقليمي، المرجع السابق، ص25-26. 217- World News , Turkish – IsraeLi U.S Search and Rescuce Upsets Neighbors , 7 January 1999 218- هاراتس 2/5/1997م، ترجمة مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 9، 14/5/1997م، ص 80. 219- Kidron, Op.Cit., P.4. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 155 220- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 255، ياسر خطاب، "العلاقات الايرانية التركية بين محفزات التطور ومعوقات التراجع"، تقديرات استراتيجية، عدد 43-44، كانون الثاني 1997، ص 134. 221- Olson, Turkey- Syria Relations, OP.Cit. , P. 83. نور الدين، تركيا في الزمن المحول، المرجع السابق، ص 278. 222- Olson , Turkey – Syria Rolations, Op. Cit. , p. 183. 223– Mufti, Op. Cit. , p. 35 , Olson , Turkey – Israeli. Agreemant, p. 2 224- Robert Olson, “ An Israeli – Kurdish Conflict " Middle East International , No. 529 , 5 July 1996 , p. 17 ; Turkey – Syria Relations, Op. Cit. , p. 183 ; Gresh, Op. Cit , p. 193 ; Thomas Friedman , Israelis and Turks from Military Alliance Against the Arabs , NewYork Times , June 16 , 1996. 225- نور الدين، تركيا الجمهورية الحائرة، المرجع المذكور، ص 210؛ جلال عبد اللة معوض، العلاقات الإقتصادية العربية – التركية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، أبوظبي، 1999، ص 66، وإبراهيم نافع في حديث مع الرئيس سليمان ديميريل، الحياه 24/7/1999م، ص 10، عوديد جرانوت، " المسألة الكردية ضربة قاسمة للحركة السرية "، معريف، 17/2/1999م، مختارات إسرائيلية، عدد 4، ابريل 1996، ص 50. 226- Washburn , Op. Cit. , p. 21. اوبالانس، المرجع السابق، ص 62. 227 – هيثم الكيلاني، تركيا والعرب: دراسة في العلاقات العربية – التركية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، أبوظبي، 1996، ص 47-48. 228 – هاراتس 11/4/1996م، مجلة الأرض، عدد 5، ايار 1996م، ص 102 - 103. 229 – الكيلاني، تركيا والعرب، المرجع السابق، ص 47-48. 230 – يديعوت احرونوت 1/4/1996م، مجلة الأرض، عدد 5، ايار 1996م -، ص 103. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 156 231 – اوبالانس، المرجع السابق، ص 60. 232 – بايبس، المرجع السابق، ص 119. 233 – عثمان كامل، " التداعيات الإستراتيجية لإنضمام الأردن للتعاون العسكري التركي – الإسرائيلي، تقديرات إستراتيجية، عدد 66، 15 كانون الأول 1997م، ص 3 - 8؛ بايبس، المرجع السابق، ص 121، جريدة الرأي 17/7/1999م، ص 20 – 21؛ آلون ليئال، " التحالف الإسرائيلي التركي: محور اقليمي هش "، هاراتس، 6/9/1998م، مختارات إسرائيلية، عدد 46، اكتوبر 1998م، ص 24. 234- بنجو وارزجان، المرجع السابق، ص 19؛ الكيلاني، الإتفاق التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 33؛ نوري، المرجع السابق، ص 11؛ معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 262 - 265. 235- الكيلاني، الاتفاق التركي الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 31. Nachmani , Op. Cit. , pp. 27 – 28 ; Pope , Turkey,s Generals behind the Israel Axis, Op. Cit. , p. 3 236 - Sayari , Op. Cit. , pp. 49 – 50. معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 242. 237 – King , Op. Cit. , p. 11. 238- بوليك باشا، المرجع المذكور، ص 37. 239- Washburn , Op. Cit. , p. 21. Sayari , Op. Cit. , pp. 49 240- سيد عبد المجيد، " تركيا – الأردن ومزيد من التعاون العسكري "، الأهرام، 25/5/1999م، ص 6 241- الكيلاني – الاتفاق التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 31. 242 – Sayari , Op. Cit. , pp. 49 – 50. عبد المجيد، المرجع السابق، ص 6. 243- Turkey Criticized Over Military Cooperation With Israel , Combind dispatches: http / Me. times. Com Issue 50. اوبالانس، المرجع السابق، ص 62؛ بركات حديد، " مسألة المياه والعلاقات مع دول الجوار "، معلومات دولية (دمشق) عدد 56، ربيع 1998م، ص 128 - 129؛ قاسم، المرجع السابق، ص 45 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 157 244- Lochery , Op. Cit. , pp. 55 – 56. بوليك باشا، المرجع السابق، ص 31. 245- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 242. 246- Sayari, Op. Cit., pp. 49 – 50; Washburn, Op. Cit. , p. 21. 247- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 268. 248 – بوليك باشا، المرجع السابق، ص 37. 249- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 257-259. 250- Nachmani , Op. Cit. , pp 27 – 28 ; Pope , Turkey,s Generals behind the Israel Axis, Op. Cit. , p. 3. 251- shburn , Op. Cit. , p. 23. 252- King , Op. Cit. , p. 23. 253- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، 333-238. 254- بوليك باشا، المرجع السابق، ص 36، الكيلاني، تركيا والعرب، المرجع السابق، ص 44. 255- Olson , Turkey – Syria Ralations , Op. Cit. , p. 194. 256- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع المذكور، ص269. 257- بوليك باشا، المرجع السابق، ص 37. 258– لورد، " العقدة التركية "، يديعوت احرونوت 13/11/1998م، مختارات إسرائيلية، عدد 48، ديسمبر 1998م، ص 43. 259- هاراتس 12/6/1996م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 14، 17/6/1996م، ص 433. 260 –Olson , The Turkey – Israel Agreement , Op. Cit. , p. 180. 261- King , Op. Cit. , pp. 11 – 12. 262- Friedman , Op. Cit. , p. 6. الكيلاني، تركيا والعرب، المرجع السابق، ص 44. 263- بوليك باشا، المرجع السابق، ص 37. 264- BBC News Online , Despatche , Iran Condemers Naval Exercises , Januany 1998. http. / WWW / bbc News. org. Low / end Lin / despathes News 44ooo / 4489.6 stm. 265- بايبس، المرجع السابق، ص 120. 266- معوض، المرجع السابق، ص 242-243. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 158 267- بوليك باشا، المرجع السابق، ص 36-37. Pope , Turkey,s Generals behind the Israel Axis, Op. Cit. , p. 3 268- New Alliance that Could Reshape , Op. Cit. , P.4 269- بوليك باشا، المرجع السابق، ص 37، معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 268 270- بايبس، المرجع السابق، ص 120. 271- علي عبد الهادي الدليمي، " العلاقات الاقتصادية التركية – الإسرائيلية وأثرها في الأمن الاقتصادي العربي " الحكمة (بيت الحكمة / بغداد) ، عدد 6 شباط 1999م، ص 120. 272- آغري، المرجع السابق، ص 109. 273- مجدي الحسيني، مقابلة مع اسماعيل جيم وزير خارجية تركيا، الأهرام 20/3/1999م، ص 7. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 159 حروف المعاني المركَّبة وأثر التركيب فيها د. فائزة بنت عمر المؤيَّد أستاذ النحو والصرف المشارك بقسم اللغة العربية وآدابها في كليَّة الآداب للبنات بالدَّمام ملخص البحث لقد قسَّم النحاة (الحرف) تقسيماتٍ عدَّة؛ فمنهم من قسَّمه إلى: أحادي وثنائي وثلاثي ورباعي وخماسي، وذلك كما فعل " المرادي " في " الجنى "، ومنهم من قسَّمه إلى: محض وهو الذي لا يقع في الكلام إلاَّ حرفاً، ومشترَك وهو المشارك للأسماء أو الأفعال أو كليهما، وذلك كما فعل " الإربلي " في " جواهر الأدب "، ومنهم من قسَّمه إلى: عامل لاغير، وغير عامل لاغير، وعامل وغير عامل، وذلك كما فعل " المالقي " في " رصف المباني ". أمَّا تقسيمه إلى: بسيط ومركَّب فلم يقسِّمه هذا التقسيم حسب علمي إلاَّ أبو حيَّان في " ارتشاف الضرب "، وما ذلك إلاَّ لأنَّ التركيب على خلاف الأصل، ولذا ستنقِّب هذه الدراسة عن الحروف المركَّبة والقائلين بتركيبها حتى لو كان القائل واحداً من النحاة. الحرف في اللغة هو: الطَرَف والجانب، فحرف كلِّ شيءٍ ناحيته، كحرف الجبل والنهر والسيف، وحرفُ السفينة جانب شقِّها، وحرفا الرأس شقَّاه (1) ، ولذا سمَّى النحاة ما يأتي في طرف الكلام "حرفا " (2) . والحروف (3) منها ما هو (بسيط) وهو الأصل، ومنها ما هو (مركَّب) وهو الفرع (4) ، يقول ابن يعيش (5) : (المركَّب فرعٌ على الواحد وثانٍ له؛ لأنَّ البسيط قبل المركَّب) (6) ، والتركيب يكون في جزأين لا أكثر (7) ، وهو عبارة عن (جمع الحروف البسيطة ونظمها لتكون كلمة) (8) . ومن اللاَّفت للنظر أنَّ الحروف الدالة على معانٍ إذا زيد منها حرفٌ إلى حرف، وضُمَّ إليه دلَّت بالضمِّ على معنًى آخر لم يدلَّ عليه واحدٌ منهما قبل الضم (9) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 160 ولتوضيح هذا سوف تتبع هذه الدراسة بتوفيق الله أشهرَ حروف المعاني التي تركَّبت مع غيرها، وأدَّت معنًى جديدا لم تكن لتؤدِّيه قبل التركيب، كما ستتناول الأمور الأخرى التي يحدثها التركيب في هذه الحروف عدا تغيير معانيها، وستعرِّج على الخلاف الذي دار بين النحاة حول تركيب بعض هذه الحروف؛ بما يوضِّح حجة القائلين بتركيبه، ورأي المخالفين له وحجتهم ... وهذه الحروف هي: الحرف الأول: حرف التنبيه والاستفتاح (10) (ألا) وهو مركَّبٌ (11) من "همزة" الاستفهام الدالة على الإنكار وحرف النفي "لا "، وبما أنَّ الإنكار ما هو إلَّا نفي، ونفي النفي إثبات، لذا أفاد هذا الحرف بعد تركيبه التوكيد والتحقيق (12) ، يقول ابن هشام (13) : (وإفادتها التحقيق من جهة تركيبها من "الهمزة" و" لا "، وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق) (14) ويستدلُّ الزمخشري (15) على إفادتها التحقيق بتصدر الجملة بعدها بما تتصدر به جملة القسم؛ يقول: (ولكونها في هذا المنصب من التحقيق لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مُصدَّرة بنحو ما يتلقى به القسم) (16) ، أمَّا عن معنى التوكيد الذي دلَّت عليه " ألا " فيبيِّن منشأه الإسفراييني (17) بقوله: (ولعلَّ التأكيد نشأ من الاهتمام المستفاد من ذكرها بشأن الكلام؛ حيث أُزيلت غفلةُ السامع بها قبل ذكره) (18) . و (ألا) هذه تختلف عن (ألا) التي للعرض في نحو قوله تعالى: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور 22] فحرف العرض هذا لو حُذِف لتغيَّر المعنى (19) ، وهو مختصٌّ بالأفعال (20) ، أمَّا حرف التنبيه (ألا) فإنَّه يكون في الكلام كالحرف الزائد، يقول الهروي (21) : (تكون " ألا " تنبيها وافتتاحا للكلام، وتدخل على كلامٍ مكتفٍ بنفسه) (22) ، والدليل على ذلك جواز دخوله على (لا) أخرى؛ في نحو قول عمرو بن كلثوم: ألا لا يجهلنْ أحدٌ عَلينا فنجهلُ فوقَ جهلِ الجا هِليِنا (23) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 161 ولذا دخلت " ألا " على الجملة خبريةً كانت أو طلبية سواء أكانت الطلبية أمراً أم نهياً أم استفهاماً أم تمنياً أم غير ذلك (24) ، فيليها الاسم؛ في نحو قوله تعالى: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود 8] ويليها الفعل؛ في نحو قول زهير: ألا أبلغِ الأحلافَ عنِّي رِسَالةً وذُبيَانَ هَلْ أقْسَمتُم كلَّ مُقسَمِ (25) ويليها الحرف؛ في نحو قوله تعالى: {أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس 62] ويكثر مجيء النداء بعدها (26) ؛ كقول الشمَّاخ: ألا يا اسْقِياني قبلَ غارةِ سِنْجالِ وقبلَ منَايا قدْ حَضَرْنَ وآجالِ (27) . الحرف الثاني: حرف الجواب (بلى) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 162 وهو مكوَّنٌ من حرف العطف "بل" و "الألف" الزائدة، وإنَّما تركَّب مع "الألف" لأنَّه حرف جواب، وحقُّ حروف الجواب أن يوقفَ عليها؛ لأنَّها (نائبة عن جملة) (28) ، ولمَّا لم يمكن الوقوف على "بل" لأنَّه حرف عطف، وحروف العطف لا يوقف عليها، تركَّب مع "الألف" للوقف (29) ، هذا رأي الفراء (30) ووافقه ابن فارس (31) ، ويستدلان على ذلك باستعمال العرب لهذا الحرف بعد النفي ليبطله، وكأنَّه رجوعٌ عنه كما أنَّ "بل" قد استعملته العرب "للإضراب" الذي هو: الإعراض والصرف والعدل (32) ، وكلُّها تؤدي معنى الرجوع، يقول الفراء: (أصلها كان رجوعاً محضاً عن الجحد إذا قالوا: ما قال عبد الله بل زيد، فكانت "بل" كلمة عطفٍ ورجوعٍ لا يصلح الوقوف عليها، فزادوا فيها ألفاً يصلح فيها الوقوف عليه، ويكون رجوعاً عن الجحد فقط، وإقراراً بالفعل الذي بعد الجحد، فقالوا "بلى" فدلَّت على معنى الإقرار والإنعام، ودلَّ لفظ "بل" على الرجوع عن الجحد فقط) (33) ويوضِّح ابن فارس المهمة التي قامت بها "الألف" سوى أنها زيدت لكي يوقف عليها بقوله: (تقول: بلى، والمعنى أنَّها "بل" وُصِلت بها ألفٌ تكون دليلا على كلام، يقول القائل: أما خرج زيد؟ فتقول: بلى، ف "بل" رجوعٌ عن جحد، و "الألف" دلالةُ كلام، كأنَّك قلت: بل خرج زيد) (34) ، وهذا من أثر التركيب على هذا الحرف. الحرف الثالث: حرف التشبيه (كأنَّ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 163 وقد عدَّ ابن جني (35) تركيبَ هذا الحرف من صور إصلاح اللفظ التي عقد لها بابا في كتابه " الخصائص" أسماه (بابٌ: في إصلاح اللفظ) ، يقول: (ومن إصلاح اللفظ قولهم: كأنَّ زيدا عمرو، اعلم أنَّ أصل هذا الكلام: زيد كعمرو، ثم أرادوا توكيد الخبر فزادوا فيه "إنَّ" فقالوا إنَّ زيدا كعمرو، ثم إنهم بالغوا في توكيد التشبيه فقدَّموا حرفه إلى أول الكلام عنايةً به، وإعلاماً أنَّ عقد الكلام عليه، فلمَّا تقدَّمت الكاف وهي جارة لم يجز أن تباشر "إنَّ" لأنَّها ينقطع عنها ما قبلها من العوامل، فوجب لذلك فتحها، فقالوا: كأنَّ زيدا عمرو) (36) . وبعد أن تقدَّمت (الكاف) وتركَّبت مع (إنَّ) استغنت عمَّا كانت تتعلَّق به (37) ، فلم تعدْ تتعلَّق بشيء، وهذا أوَّل تغييرٍحصل لها بسبب "التركيب" أمَّا التغيير الآخر: فإنَّ معنى التشبيه الذي كانت تؤدِّيه اختلف! ويوضِّح هذا الاختلاف ابن يعيش بقوله: (فإن قيل: فما الفرق بين الأصل والفرع في "كأنَّ "؟ - قيل: التشبيه في الفرع أقعد منه في الأصل؛ وذلك إذا قلت: زيد كالأسد، فقد بنيت كلامك على اليقين ثم طرأ التشبيه بعدُ، فسرى من الآخِر إلى الأول، وليس كذلك في الفرع الذي هو قولك: كأنَّ زيداً أسد؛ لأنَّك بنيت كلامك من أوله على التشبيه) (38) ، ويؤكِّد ابن جني الرأيَ القائل بأنَّ هذا التغيير سببه "التركيب" بقوله: (فهذا يدلُّك على أنَّ الشيئين إذا خُلطا حدث لهما حكمٌ ومعنى لم يكن لهما قبل أن يمتزجا) (39) . الحرف الرابع: حرف الاستدراك (لكنَّ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 164 وهو حرفٌ ينصب المبتدأ ويرفع الخبر؛ لأنَّه كغيره من الحروف الناسخة قد أشبه الفعل في لفظه ومعناه (40) ، وبهذا علَّل النحاة إعمال هذا الحرف إلاَّ الفراء فقد ردَّ سببَ إعماله إلى مسألة "التركيب"؛ يقول: (وإنَّما نصبتْ العرب بها إذا شُدِّدت نونها لأنَّ أصلها: إنَّ عبدَ الله قائم، فزيدت على (إنَّ) لامٌ وكاف فصارتا جميعا حرفا واحدا، ألا ترى أنَّ الشاعر قال: ولكنَّني من حبِّها لكميد فلم تدخل اللامُ إلاَّ لأنَّ معناها "إنَّ") (41) . ولو وافقناه على رأيه (42) ، وقلنا إنَّ أصل هذا الحرف (إن َّ) التوكيدية قد تركَّبت مع "اللام" و" الكاف" الزائدتين، فماذا أحدث هذا التركيب ل " إنَّ" من تغيير؟ لقد أزال معنى " التوكيد" عنها تماماً، وأصبحت تدلُّ على معنًى لم يكن لها أبداً، وهو معنى "الاستدراك" الذي يُعرِّفه ابن هشام بقوله: (هو تعقيب الكلام برفع ما توهِّم ثبوته) (43) ، ويقول الإسفراييني: (لأنَّها إنَّما يؤتىبها إذا توهِّم خلاف مضمون جملتها من سابقها؛ فإن قلت: زيد قائم، وتوهِّم منه أنَّ "عمرا " أيضا قائم تستدرك ذلك، فتقول: لكنَّ عمراً لم يقم) (44) ، ولاشكّ أنَّ هذا المعنى لم تكن لتؤديه " إنَّ" لو لم تركَّب. الحرف الخامس: حرف الجزم (لمَّا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 165 وهو مركَّبٌ من (لم) الجازمة و (ما) الزائدة (45) ، وإنَّما تركَّبتا لتؤديا معاً معانيَ لا تؤدِّيها (لم) وهي مفردة بسيطة؛ وذلك لأنَّ (لم) وإن كانت تجزم الفعل المضارع وتقلب زمنه إلى الماضي وتنفي حدوثه (46) مثل (لمَّا) ، إلَّا إنَّ النفي بها يختلف (47) عن النفي ب (لمَّا) ، ويوضِّح ابن يعيش الفرق بين نفي الاثنين فيقول: ("لمَّا " نفيا لقولهم: قد فعل، وذلك أنَّك تقول "قام " فيصلح ذلك لجميع ما تقدمك من الأزمنة، ونفيه " لم يقم "، فإذا قلت " قد قام " فيكون ذلك إثباتا لقيامه في أقرب الأزمنة الماضية إلى زمن الوجود، ولذلك صلُح أن يكون حالا … ونفيُ ذلك "لمَّا يقم " زدت على النافي وهو "لم" "ما" كما زدت في الواجب حرفا وهو "قد" لأنَّهما للحال) (48) ، ولمَّا ناظرتْ (لمَّا) (قد) أُعطيت ما أعطيته (قد) من جواز حذف الفعل بعدها إذا دلَّ عليه دليل، يقول المالقي (49) : (يجوز الوقف عليها، فتقول: شارف زيدٌ المدينةَ ولمَّا، وتريد: يدخلها، فحذفتَ الفعل للدلالة عليه، وكأنَّ " ما " عوضٌ منه، وذلك لمناظرتها ل "قد" إذ يجوز الوقف عليها دون الفعل، نحو قوله: … لمَّا تزُلْ برحالنا وكأنْ قَدِ، أي: زالت) (50) وهذا لا يجوز في (لم) إلاَّ في الضرورة (51) ، ويعلِّل الفارسي (52) استحسان ذلك مع (لمَّا) دون (لم) بقوله: (وإنَّما حسُن أن تحذف الفعل بعد " لمَّا " ولم يحسن ذلك في "لم"؛ لأنَّهم لمَّا استعملوها " ظرفا " في قولهم: لمَّا جئتَ جئتُ، وقعت موقع الأسماء فأشبهتها، فلما أشبهتها حسُن أن لا يقع الفعل بعدها، ولم يحسن ذلك في " لم " وأخواتها لأنَّها لم تقع في مواقع الأسماء فلم تشبهها) (53) ، وهو بهذا يشير إلى التغيير الآخر الذي أحدثه التركيب في (لمَّا) وهو انتقالها من "الحرفية " إلى " الاسمية "؛ حيث عدَّها ظرفا بمعنى "حين " (54) وبهذا التغيير حصل لها تغيرٌ (في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 166 اللفظ والمعنى؛ فأمَّا التغيير في المعنى فكانت نافية فصارت موجبة، وأمَّا التغيير في اللفظ فكانت تدخل على المضارع فصارت تدخل على الماضي) (55) بل وأصبحت متضمِّنة معنى الشرط ولذا اقتضت جوابا، نحو: لمَّا جئتني أكرمتك، قال الله تعالى: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ} [يونس 98] وتفارق (لمَّا) (لم) في شيءٍ آخر، وهو أنَّها تأتي بمعنى (إلاَّ) وتقع موقعها، كما في قولهم: نشدتك الله لمَّا فعلت، أي: إلَّا فعلت (56) ، وكقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق 14] وعندها تدخل على الجملة الاسمية وعلى الفعل الماضي لفظا لا معنى، وهذا كلُّه من أثر التركيب. الحرف السادس: حرف النصب (لن) والذي قال بتركيبه الخليل (57) رحمه الله فقد كان يرى أنَّه مركَّب من (لا) النافية و (أن) الناصبة للفعل المستقبل؛ وذلك لأنَّه رآه ينفي كنفي (لا) وينصب الفعلَ المستقبل كنصب (أنْ) له، ثم خُفِّفت الهمزة بالحذف فصار (لانْ) فحُذفت الألف لالتقاء الساكنين (58) ، أي قد صُنِع به ما صنعه القاريء (59) عندما قرأ قولَ الله عز وجل: {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة 203] حيث قرأها: {فَلَثْمَ عليه} (60) ، بحذف همزة (إثم) وألف (لا) . أمَّا سيبويه (61) فقد ردَّ رأي الخليل هذا؛ لأنَّه قد لاحظ أنَّ معمول الفعل بعد (لن) قد يتقدم عليها في نحو: زيداً لن أضرب، وقال: (ولو كانت على ما يقول الخليل لما قلت: أمَّا زيداً فلن أضرب؛ لأنَّ هذا اسم والفعل صلة) (62) يريد أنَّه لو كانت (لن) مركَّبة من (أنْ) و (لا) لكان الفعل بعدها صلة الموصول الحرفي (63) (أنْ) ، ولمَّا جاز أن يتقدم معموله عليه؛ لأنَّ (أنْ لا يتقدم عليها ما في حيِّزها) (64) فلما جاز ذلك انتقض كون (لن) مركَّبة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 167 وقد اعتذر الأنباري (65) عن الخليل بأنَّ (الحروف إذا رُكِّبت تغيَّر حكمها بعد التركيب، عمَّا كانت عليه قبل التركيب) (66) ، ويستدلُّ على ذلك بحرف الاستفهام "هل " فإنَّه لا يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، لكنَّها إذا رُكِّبت مع (لا) ، ودخلها معنى التحضيض جاز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، فيقال: زيداً هلاَّ أكرمت (67) . فإذا صحَّت دعوى تركيب (لن) من: (لا) و (أنْ) فواضحٌ جدًّا الفرقُ بين معنى (لن) ومعنى (أن) ؛ ف (أن) تدلُّ على إمكان الفعل دون الوجوب والاستحالة، و (لن) تنفي معنى الإمكان الذي دلَّت عليه (أنْ) (68) . أمَّا عن الفرق بين النفي ب (لا) والنفي ب (لن) فخير مَن وضَّحه السُهيلي (69) حيث يقول: (ومن خواصها أنَّها تنفي ما قرب، لا يمتدُّ معنى النفي فيها كامتداد معنى النفي في حرف " لا " إذا قلت: لا يقوم زيد أبدا، وقد قدَّمنا أنَّ الألفاظ مشاكلة للمعاني التي هي أرواحها … فحرف " لا " لامٌ بعدها ألف، يمتدُّ بها الصوت ما لم يقطعه تضييق النفس، فآذن امتداد لفظها بامتداد معناها، و " لن " بعكس ذلك) (70) ، ولا شكَّ أنَّ هذا الفرق الدقيق بينهما قد أحدثه التركيب. الحرف السابع: حروف التحضيض (ألاّ) ً و (هلا) ًّ و (لولا) و (لوما) (71) . فهذه الحروف جميعها مركَّبة؛ ف " ألاًّ " مركَّبة من " أنْ " المصدرية أو المفسِّرة التي بمعنى: أي (72) ، في نحو قوله تعالى: {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا} [ص 6] معناه: أي امشوا، و " لا " النافية، فقُلبت النون لاماً وأُدغمت. و" هلاَّ " مركَّبة من " هل " الاستفهامية و " لا " النافية (73) . و" لولا " مركَّبة من " لو " الامتناعية و " لا " النافية (74) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 168 و " لو ما " مركَّبة من " لو " الامتناعية و " ما " المغيِّرة (75) ، أي: المغيِّرة للحرف عن معناه الذي وضِع له (76) ، ف " لو " وضِعت ليمتنع بها الشيء لامتناع غيره (77) ؛ وذلك نحو: لو جاء زيد لأكرمته، فمعناه: أنَّ الكرامة امتنعت لامتناع المجيء، فلمَّا تركَّبت مع " ما " دلَّت على معنى (التحضيض) الذي دلَّت عليه باقي أخواتها " ألاَّ " و " هلاَّ " و " لولا " بعد التركيب، وهو لم يكن لمفرداتها قبل التركيب. والتحضيض: هو الحثُّ على الشيء (78) ، يقال حضضته على فعله إذا حثثته عليه، ولذا لا يلي هذه الحروف إلاَّ الأفعال (79) ؛ لأنَّه لمَّا (حصل فيها معنى التحضيض، وهو الحثُّ على إيجاد الفعل وطلبه، جرت مجرى حروف الشرط في اقتضائها الأفعال، فلا يقع بعدها مبتدأ ولا غيره من الأسماء) (80) ، وإنَّما يقع بعدها الفعل الماضي فتكون للوم والتأنيب على ترك الفعل (81) نحو قوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور 13] ويقع بعدها الفعل المضارع فتكون للحضِّ على الفعل (81) وطلبه، نحو قوله تعالى: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ} [الحجر 7] ولا يحذف الفعل بعدها إلا إذا دلَّ عليه دليلُ حالٍ أو دليلُ لفظ (82) ؛ فدليلُ الحال نحو قولك لمن تراه يعطي: هلاَّ زيدا، أي: هلاَّ تعطي زيدا، ودليلُ اللفظ كقول جرير: تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أفْضلَ مَجْدِكُم بَني ضَوْطَرَى لَولَا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا (83) أي: لولا عددتم. وهذا جميعه قد اكتسبته هذه الحروف بعد التركيب. الحرف الثامن: حرف الشرط (إذما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 169 وللتركيب مع هذا الحرف صورةٌ جديدة تُظهِر قوَّته وتمكَّنه؛ وذلك لأنَّ هذا الحرف مركَّبٌ من جزأين (إذ) و (ما) ، والمتأمل في كلِّ جزءٍ منهما يلحظ التأثيرَ القوي الذي أحدثه " التركيب "؛ فالجزء الأول منه (إذ) وهي ظرفٌ للزمن الماضي (84) ، أي إنَّها " اسم " (والدليل على اسميتها الإخبار بها، وإبدالها من الاسم، وتنوينها في غير ترنم، والإضافة إليها بغير تأويل، نحو: مجيئُك إذ جاء زيد، ورأيتك أمس إذ جئت، ويومئذٍ، و " بعد إذ هديتنا ") (85) ، ولكن لمَّا كان في هذا الاسم كثيرٌ من خواص الحروف؛ فقد جاء على حرفين وهو مبنيٌّ ومبهم مفتقر إلى جملةٍ بعده توضِّحه وتبيِّنه (86) ، ولمَّا كانت (المجازاة بابها الإبهام) (87) ، سُوِّغ لهذا الاسم أن يدخل في باب " الجزاء " شريطة أن يُمنع عن الجملة الموضِّحة له، أي أن " يُكفَّ " عن الإضافة إليها، لذا جيء ب (ما) لتتركَّب معه وتكفَّه عن الإضافة كما كفَّت (إنَّ) و (كأنَّ) عن العمل (88) ، إلَّا إنَّها مع " إذ " لازمة ومع " إنَّ " و " كأنَّ " غير لازمة، وهذا هو التغيير الذي حدث ل (ما) " الكافة " بعد تركيبها مع (إذ) ، أمَّا (إذ) فإنها بعد أن تركَّبت مع (ما) تغيَّرت تغيراً تاماً، حيث إنها انتقلت من الاسمية إلى الحرفية، يقول سيبويه: (ولا يكون الجزاء في " حيث " ولا في " إذ " حتى يضمَّ إلى كل واحد منهما " ما " فتصير " إذ " مع " ما " بمنزلة: إنَّما وكأنَّما، ليست " ما " فيهما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 170 [أي: في إذ وحيث] بلغو، ولكن كلُّ واحدٍ منهما مع " ما " بمنزلة حرفٍ واحد) (89) ، ولم يقف التغيير الذي أحدثه التركيب في هذا الاسم عند هذا الحدِّ، وإنَّما صرفه من الدلالة على الزمن الماضي إلى المستقبل؛ لأنَّ الشرط مختصٌّ بالمستقبل، يقول الجرجاني (90) : (والتغيير في " إذ " … أنَّه يُصرف عن المضي إلى الاستقبال، ألا ترى أنَّ الجزاء لا يكون بالماضي، وقوله: إذ ما أتيتَ، بمنزلة قولك: إذ ما تأتِ، وتغيير المعنى يقتضي تغيير اللفظ، فإلزامه " ما " يدلُّ على تغيير معناه) (91) . الحرف التاسع: حرف الردع والزجر (92) (كلاَّ) ويُنسب (93) القول بتركيبها إلى ثعلب (94) ، فهي مركَّبة عنده من (كاف) التشبيه و (لا) النافية (وقال: إنَّما شُدِّدت لامها لتقوية المعنى، ولدفع توهم بقاء معنى الكلمتين) (95) ، والمتتبع للمعاني المختلفة التي أدَّتها (كلاَّ) في جميع استعمالاتها سيتبيَّن له أنَّها لم يبقَ فيها أثرٌ للمعنيين " النفي " و " التشبيه "، وخير دليلٍ نسوقه على ذلك ورودها في السياق القرآني العظيم … عندما وردت (في ثلاثةٍ وثلاثين موضعا في خمس عشرة سورة ليس في النصف الأوَّل من ذلك شيء) (96) ، وهي في جميع تلك المواضع قد أدَّت معانيَ مختلفة لم يكن النفي أو التشبيه أحدها؛ فقد جاءت على خمسة معانٍ (97) : أحدها: الردع والزجر، وذلك كقوله تعالى: {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا} [المعارج 38، 39] الثاني: تكون بمعنى " حقًّا "؛ وذلك كقوله تعالى: {كَلَّا إنَّ الإنَّسَانَ لَيَطْغَى} [العلق 6] الثالث: تكون بمعنى " ألا " الاستفتاحية؛ وذلك كقوله تعالى: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ 3، 4] الرابع: تكون بمعنى " إي " فتكون حرفَ تصديقٍ؛ كقوله تعالى: {كَلَّا وَالْقَمَرِ} [المدثر 32] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 171 الخامس: تكون ردًّا لما قبلها وهذا قريب من معنى الردع؛ وشاهده قوله تعالى (98) : {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلَّا} [مريم78، 79] الحرف العاشر: حرف العطف (99) (إمَّا) وهذا الحرف يُظهِر صفةً هامةً من صفات التركيب، وهي أنَّ الحرف إذا تركَّب مع حرفٍ آخر فإنَّه لا يصحُّ بحال استخدام أحدهما دون الآخر ليؤدِّي المعنى الذي كانا يؤدِّيانه معاً، وبهذا الفرق تختلف (إمَّا) العاطفة عن (إمَّا) الشرطية؛ حيث إنَّ كليهما مكوَّن من " إنْ " الشرطية و " ما " الزائدة، إلَّا إنَّ زيادة " ما " في الشرطية ليست واجبة، أمَّا زيادتها في العاطفة فواجبة (100) ، يقول المبرِّد (101) ، (إنَّ " إمَّا " هذه إنَّما هي " إنْ " ضُمَّت إليها " ما " لهذا المعنى، ولا يجوز حذف " ما " منها إلَّا أن يضطرَّ إلى ذلك شاعر … فأمَّا في المجازاة إذا قلت: إن تأتني آتك، وإن تقم أقم، فإنَّك إن شئت زدت " ما " كما تزيدها في سائر حروف الجزاء … فتقول على هذا إن شئت: إمَّا تأتني آتك، وإمَّا تقم أقم معك) (102) . وإنَّما قالوا إنَّ أصل (إمَّا) العاطفة " إنْ " الشرطية تركَّبت مع " ما " (لأنَّ المعنى في قولك: قام إمَّا زيد وإمَّا عمرو؛ وإنْ لم يكن قام زيد فقد قام عمرو) (103) ، ولكنَّها مع هذا ابتعدت كثيراً بعد التركيب عن معنى الشرط؛ وذلك حينما أدَّت ما تؤديه (أو) العاطفة (104) من معنى " الشكِّ " في نحو: جاء إمَّا زيد وإمَّا عمرو ومعنى " الإبهام "؛ في نحو قوله عز وجل: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} [التوبة 106] ومعنى " التخيير "؛ في نحو قوله تعالى: {إمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} [الكهف86] ومعنى " الإباحة "؛ في نحو قوله تعالى: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 172 {فَإمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإمَّا فِدَاءً} [محمَّد 4] ومعنى " التفصيل "؛ في نحو قوله تعالى: {إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِرًا وَإمَّا كَفُورًا} [الإنَّسان 3] وكلَّها معانٍ لا يمكن أن تؤدِّيها (إنْ) وهي مفردة بسيطة. وبعد هذا العرض المفصَّل لتركيب هذه الحروف وموقف النحاة منه نتوقف الآن لنستخلص أهمَّ الآثار التي يحدثها التركيب في حروف المعاني بالإضافة إلى تغيير معانيها، والتي من أهمها: -قلب معنى الحرف من النفي إلى الإيجاب؛ وذلك كما في حرف النفي (لا) عندما تركَّب مع همزة الإنكار، وأصبحا يدلاَّن على التنبيه والاستفتاح. -قلب معنى الحرف من الإيجاب إلى النفي؛ وذلك كما في (أنْ) الناصبة للفعل المضارع الدالة على إمكان الفعل، فإنَّها بعد أن تركَّبت مع (لا) عادت تدلُّ على نفي إمكان الفعل. -إمكانية الوقوف على الحرف بعد أن كان يمتنع الوقوف عليه بتاتاً؛ وذلك كما في حرف العطف (بل) عندما تركَّب مع (الألف) ، وأصبح حرفَ جوابٍ يوقَف عليه كباقي حروف الجواب. -استغناءحرف الجرِّ عمَّا كان يتعلَّق به؛ وذلك كما في حرف التشبيه (الكاف) عندما تركَّب مع (إنَّ) ، فإنَّه أصبح له صدر الجملة، ولم يعدْ بحاجة لشيءٍ متقدِّم عليه يتعلَّق به. -جواز حذف الفعل بعده إذا دلَّ عليه دليل بعد أن كان فعله لا يُحذف إلاَّ في الضرورة؛ وذلك كما في حرف الجزم (لم) عندما تركَّب مع (ما) الزائدة، فقد أصبح من الممكن أن يُقال معه: شرف زيدٌ المدينةَ ولمَّا، أي: ولمَّا يدخلها. -انقلاب الحرف اسماً؛ وذلك كما في (لم) عندما تركَّب مع (ما) ، فقد عُدَّ ظرفاً بمعنى (حين) في نحو: لمَّا جئتَ جئتُ. -انقلاب الاسم حرفاً؛ وذلك كما في الظرف (إذ) عندما تركَّب مع (ما) ، فإنَّه أصبح حرف شرطٍ يدلُّ على الزمن المستقبل بعد أن كان ظرفاً للزمن الماضي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 173 -فَقْدُ الحرف لعمله؛ وذلك كما في حرف العطف (إمَّا) المركَّب من (إن) الشرطيَّة و (ما) الزائدة، فإنَّ (إنْ) بعد التركيب ابتعدت كثيراً عن معنى الشرط وعمله، وأصبحت تؤدِّي معاني (أو) العاطفة من شكٍّ وإبهامٍ وتخييرٍ وإباحةٍ وتفصيل ... -أنَّ الحرف المركَّب يختلف عن الحرف المزيد في أنَّ المركَّب لم تستعمله العرب إلاَّ بصورته المركَّبة، أمَّا المزيد فكما أنَّها استعملته مزيداً استعملته أيضاً وهو مجرَّد؛ وذلك كما في الحرف (إمَّا) فإنَّه لمَّا عُدَّ مركَّباً في باب العطف لم يُستخدم فيه إلاَّ مركَّباً، ولكن عندما عُدَّ مزيداً في باب الشرط استُخدم فيه بصورتيه المزيدة (إمَّا) والمجردة (إنْ) ... والله أعلم الهوامش والتعليقات (1) انظر:العين 3/211؛ تهذيب اللغة 5/12؛ المحكم 3/229؛ اللسان 9/41. (2) أسرار العربية 12. (3) انظر: ارتشاف الضرب 3/255. (4) انظر: شرح المفصَّل 1/28؛ جواهر الأدب 448. (5) هو يعيش بن علي بن يعيش، من كبار أئمة العربية، أخذ عن جلةٍ من العلماء، منهم: أبو اليمن الكندي، وأبو الفضل الطوسي، له مصنفات عدَّة منها: (شرح المفصَّل) ، (شرح الملوكي لابن جني) توفي سنة (643هـ) . - انظر ترجمته في: إنباه الرواة 4/45؛ إشارة التعيين 388؛ البلغة 243؛ بغية الوعاة 2/351. (6) شرح المفصَّل 1/65، وانظر: اللباب 2/33. (7) شرح المفصَّل 8/80. (8) التعريفات 84. (9) انظر: الأشباه والنظائر 1/94_100. (10) على الرغم من أنَّ ابن الحاجب قد وضَّح في أماليه 4/118 أنَّ تسمية هذا الحرف بحرف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 174 (التنبيه) أولى من تسميته بحرف (الاستفتاح) إلَّا إنَّ رأي الإربلي الذي ردَّ به على ابن الحاجب كان أجدر بالأخذ؛ إذ يقول: (والصحيح عندي أنَّه حرف تنبيه إذا كان الغرض من إدخاله تنبيه المخاطب لئلا يفوته المقصود بغفلته عنه، وحرف استفتاح إذا كان الغرض مجرد تأكيد مضمون الجملة وتحقيقه) . جواهر الأدب 416، وانظر: المغني 1/68. (11) انظر: التخمير 4/91؛ شرح المفصَّل 8/115؛ جواهر الأدب 416؛ المغني 1/68؛ المنصف للشُّمنِّي 1/147، وينقل المرادي في الجنى 381 خلافا بين الزمخشري وابن مالك حول تركيب هذا الحرف مفاده: أنَّ ابن مالك يذهب إلى أنَّ (ألا) الاستفتاحيَّة بسيطة ووافقه في ذلك أبو حيَّان؛ لأنَّ الأصل عدم التركيب، ولأنَّه قد وقع بعدها " إنَّ " و " ربَّ " و " ليت " و " النداء " وهذه أشياء لايصلح (النفي) قبلها، أمَّا الزمخشري فقد ذهب إلى تركيب (ألا) وأراه الرأي الراجح، وأمَّا عن وقوع تلك الأشياء بعدها فذلك بعد أن تركبَّت وفقدت ما كان لها قبل التركيب. (12) لقد عقد السهيلي في أماليه 47 فصلاً بعنوان " أثر الاستفهام على أسلوب النفي ". (13) هو عبد الله بن يوسف بن أحمد بن هشام الأنصاري، أحد أئمة العربية، قال عنه ابن خلدون: مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له " ابن هشام " أنحى من سيبويه، من مصنفاته: (مغني اللبيب) ، (شرح شذور الذهب) ، (شرح قطر الندى) وغيرها. توفي سنة (761هـ) . - انظر ترجمته في: الدرر الكامنة 2/ 415؛ النجوم الزاهرة 10/ 336؛ بغية الوعاة 2/68؛ شذرات الذهب 6/ 191؛ البدر الطالع 1/ 400. (14) المغني 1/68، وانظر: الفريد للهمذاني 1/224. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 175 (15) هو أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري، نحوي، لغوي، مفسِّر على مذهب المعتزلة، كان واسع العلم، متصفاً بالذكاء، من مصنفاته: (الكشاف) ، (الإنموذج) ، (الفائق في غريب الحديث) وغيرها، توفي سنة (538هـ) . - انظر ترجمته في: نزهة الألباء 290؛ إنباه الرواة 3/265؛ البلغة 220؛ بغية الوعاة 2/279؛ طبقات المفسرين للسيوطي 104. (16) الكشاف 1/118. (17) هو عصام الدين إبراهيم بن محمد بن عرب شاه الإسفراييني، تلقَّى مباديء العلوم على يد والده، وجده لأمه، وتتلمذ على نور الدين الجامي، من مؤلفاته: (شرح الفريد) ، (حاشية على الفوائد الضيائية) ، توفي سنة (945هـ) وقيل: (951هـ) . - انظر ترجمته في: شذرات الذهب 8/291؛ هدية العارفين 1/26؛ الأعلام 1/66. (18) شرح الفريد 480. (19) انظر: التخمير 4/91. (20) انظر: رصف المباني 165؛ الجنى 382. (21) هو أبو الحسن علي بن محمد الهروي من العلماء بالنحو، والأدب، من أشهر مصنفاته: (الأزهية في علم الحروف) توفي سنة (415هـ) . - انظر ترجمته في: إنباه الرواة 2/311؛ معجم الأدباء 14/248 – 249؛ بغية الوعاة 2/205؛ هدية العارفين 5/686. (22) الأزهية 165. (23) من معلقته، انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني 176. (24) انظر: شرح الكافية للرضي 2/380. (25) من معلقته، انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني 146. (26) انظر: الهمع 4/366. (27) استشهد به سيبويه 2/307؛ وابن عصفور في المقرب 1/70؛ وابن يعيش في شرح المفصَّل 8/115؛ وابن هشام في المغني 2/373. (28) الأمالي الشجريَّة 1/230. (29) لأنَّ " الألف " قد يوقف به كما في نحو: رأيت زيدا، انظر: شرح اللمحة البدرية 2/376. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 176 (30) هو أبو زكريا يحيى بن زيادٍ بن عبد الله الفراء، إمام الكوفيين، ومن أوسعهم علما، قال عنه ثعلب: لولا الفراء ما كانت لغة، من أشهر مصنفاته: (معاني القرآن) ، وله أيضا: (المذكَّر والمؤنث) ، (المقصور والممدود) ، توفي سنة (207هـ) . - انظر ترجمته في: طبقات النحويين 131؛ تاريخ العلماء النحويين 187؛ نزهة الألباء81؛ إنباه الرواة 4/7؛ إشارة التعيين 379؛ غاية النهاية 2/371. (31) هو أحمد بن فارس بن زكريا اللغوي، أخذ عن أبي بكرٍ الخطيب روايةَ ثعلب، وأخذ عنه بديع الزمان الهمذاني، وغيره، من مصنفاته: (المجمل) ، (مقاييس اللغة) و (جامع التأويل في تفسير القرآن) . توفي سنة (395هـ) . - انظر ترجمته في: نزهة الألباء 235؛ إشارة التعيين 43؛ البلغة 61؛ بغية الوعاة 1/352؛ طبقات المفسرين للسيوطي 16. (32) انظر: لسان العرب 1/547؛ الأزهية 219. (33) معاني الفراء 1/53، أمَّا عن النحاة الذين تكلموا عن تركيب هذا الحرف فقد رفضوا ذلك بعباراتٍ مختلفة فالرضي في شرح الكافية 4/428 يقول: (والأولى كونها حرفاً برأسها) ، والإربلي في جواهر الأدب 448 يقول: (والصحيح الإفراد؛ لأنَّه الأصل، ولا موجب للمخالفة) ، وأبوحيان في الارتشاف 3/261 يقول: (وأمَّا بلى فهو حرفٌ ثلاثي الوضع مرتجل، والألف من سنح الكلمة) ، والمرادي في الجنى 420 يقول: (حرفٌ ثلاثي الوضع، والألف من أصل الكلمة) ، وابن هشام في المغني 1/113 يقول: (حرف جوابٍ أصلي الألف) . (34) الصاحبي 207، وانظر: أمالي السُهيلي 44. (35) هو أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، أخذ العربية عن أبي علي الفارسي، له تصانيف مشهورة منها: (الخصائص) ، (سر صناعة الإعراب) ، (المحتسب في شواذ القراءات) ، (المنصف) وغيرها. توفي سنة (392هـ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 177 - انظر ترجمته في: تاريخ العلماء النحويين 24؛ نزهة الألباء 244؛ إنباه الرواة 2/335؛ معجم الأدباء 12/81؛ البلغة 241؛ بغية الوعاة 2/132. (36) الخصائص 1/317، وانظر: الكتاب 1/474؛ تأويل مشكل القرآن 528؛ الصاحبى 249؛ اللباب 1/205؛ شرح المفصَّل 8/81 82؛ شرح الكافية للرضي 4/369؛ جواهر الأدب 487؛ الجنى 568؛ المغني 1/191؛ الهمع 2/151، أمَّا المالقي في الرصف 284 285 فإنَّه رفض دعوى التركيب وساق لذلك عدَّة أدلة. (37) سر صناعة الإعراب 1/304. (38) شرح المفصَّل 8/82، وانظر: اللباب 1/205؛ الجنى 568. (39) سر صناعة الإعراب 1/306. (40) انظر: الجمل للزجاجي 51 52؛ أسرار العربية 148؛ شرح المفصَّل 8/54. (41) معاني الفراء 1/465، وانظر: الإنَّصاف 1/208 – 218؛ المتبع 1/284؛ شرح الرضي على الكافية 4/372؛ جواهر الأدب 528؛ الجنى 617؛ المغني 1/291، وقد استحسن رأيه ابن يعيش في شرح المفصَّل 8/79. (42) إنَّما قلنا هذا لأنَّ النحاة قد ردُّوا عليه رأيه وضعَّفوه؛ لأنَّه ليس من أقيستهم تركيب ثلاثة أشياء وجعلها حرفا واحدا، كما أنهم قد فنَّدوا حجَّته التي استدلَّ بها، وهي دخول " لام " التوكيد على خبر " لكنَّ " في بيت الشاهد كدخولها على خبر " إنَّ " بأنَّ اللام إمَّا أن تكون زائدة، وإمَّا أن يكون التقدير: ولكن إنَّني من حبها لكميد، فأدخل " اللام " في خبر " إنَّ ". - انظر: اللامات للزجاجي 158؛ الخصائص 2/333، 3/92؛ المحتسب 2/29؛ شرح اللمع لابن برهان 1/87؛ المقتصد 1/572؛ البيان 2/107 – 108؛ اللباب 1/ 217 – 218، الأمالي النحوية لابن الحاجب 4/22؛ شرح ألفية ابن معطي 2/912؛ رصف المباني 134؛ الارتشاف 1/329؛ الجنى 402؛ المساعد 4/120، الهمع 2/116. (43) شرح اللمحة البدرية 2/46، وانظر: الإرشاد 178؛ الفوائد الضيائية 2/351. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 178 (44) شرح الفريد 252، وانظر: لباب الإعراب 1/218؛ الجنى 615. (45) انظر: اللباب 1/48؛ شرح المفصَّل 8/110؛ البسيط 1/237؛ الهمع 4/313. (46) انظر: الصاحبي 255؛ المقتصد 2/1092؛ التبصرة 1/405؛ شرح الكافية الشافية 3/1572؛ لباب الإعراب 449؛ جواهر الأدب 522. (47) لنفي الفعل صورٌ متعددة، تختلف باختلاف الزمن " الدقيق " له؛ لأنَّ الماضي وإن كانت له دلالةٌ واحدة إلاَّ إنَّ أزمنته مختلفة وذلك من حيث قربه من الحال وبعده عنه، وكذلك المضارع، يقول سيبويه 1/460 (إذا قال " فَعَل " فإنَّ نفيه " لم يفعل " وإذا قال " قد فعل " فإنَّ نفيه " لمَّا يفعل " وإذا قال " لقد فعل " فإنَّ نفيه " ما فعل " لأنَّه كأنَّه قال " والله لقد فعل " فقال " والله ما فعل " وإذا قال " هو يفعل " أي: هو في حال فعل، فإنَّ نفيه " ما يفعل " وإذا قال " هو يفعل " ولم يكن الفعل واقعا، فنفيه " لا يفعل " وإذا قال " ليفعلن " فنفيه " لا يفعل " كأنَّه قال " والله ليفعلن " فقلت " والله لا يفعل " وإذا قال " سوف يفعل " فإنَّ نفيه " لن يفعل ") . (48) شرح المفصَّل 8/110، وانظر: شرح اللمع لابن برهان 2/366؛ شرح المقدمة المحسبة 1/243؛ التبصرة 1/405؛ المغني 1/278 – 279. (49) هو أحمد بن عبد النور بن أحمد راشد المالقي النحوي، له من المصنفات: (رصف المباني في حروف المعاني) ، (شرح الجزولية) وغير ذلك، توفي سنة (702هـ) . – انظر ترجمته في: البلغة 59؛ الدرر الكامنة 1/207؛ بغية الوعاة 1/331. (50) رصف المباني 351، وانظر: الكتاب 2/307؛ الخصائص 2/361؛ المتبع 2/521؛ جواهر الأدب 523. (51) انظر: رصف المباني 351؛ جواهر الأدب 523. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 179 (52) هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، أخذ النحو عن الزجَّاج، وابن السرَّاج، وغيرهما، وبرع من تلاميذه نخبة من العلماء منهم: ابن جني، والربعي، والعيدي، وغيرهم، له مؤلفات جليلة القدر منها: (الإيضاح) ، (التكملة) ، (الحجة في القراءات) وغيرها. توفي سنة (377هـ) . - انظر ترجمته في: نزهة الألباء 232؛ إنباه الرواة 1/308؛ إشارة التعيين 83؛ البلغة 80؛ غاية النهاية 1/206؛ بغية الوعاة 1/496. (53) البغداديات 316. (54) الفارسي يتبع في هذا ابنَ السرَّاج حيث يقول: (وتقول: لمَّا جئتَ جئتُ، فيصير ظرفا) الأصول 2/157، ووافقهما الزجَّاجي في حروف المعاني 11، والعكبري في اللباب2/48، بل إنَّ الإربلي عدَّها الحرفَ الوحيد المشترك بين الأسماء والحروف، انظر: جواهر الأدب 521، أمَّا سيبويه 2/312 فقد عدَّها حرفا مثل " لو "، وانظر: رصف المباني 354. (55) البسيط 1/238. (56) انظر: الكتاب 1/ 455؛ حروف المعاني 11؛ الأزهية 198؛ الأمالي الشجرية 3/145؛ رصف المباني 352 – 353؛ جواهر الأدب 521 – 522؛ المغني 1/281. (57) هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، أستاذ سيبويه، وأوَّل من استخرج علم العروض، عمل كتاب (العين) ، وكان زاهدا في الدنيا، منقطعا إلى العلم. توفي سنة (170هـ) وقيل: (175هـ) - انظر ترجمته في: مراتب النحويين 54؛ أخبار النحويين البصريين 54؛ تاريخ العلماء النحويين 123؛ إنباه الرواة 1/376؛ غاية النهاية 1/275. (58) انظر: الكتاب 1/407؛ المقتضب 2/8؛ معاني القرآن للزجاج 1/161؛ علل النحو 192؛ سر الصناعة 1/305؛ شرح المقدمة المحسبة 1/231؛ أسرار العربية 329؛ نتائج الفكر 130؛ اللباب 2/32؛ شرح المفصَّل 8/112 (59) هو سالم بن عبد الله كما في المحتسب 1/120، والقرطبي 3/14. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 180 (60) انظر: المحتسب 1/120 – 121؛ إعراب القراءات الشواذ 1/241، 2/644، وقد عقد ابن جني في الخصائص 3/149 بابا بعنوان (باب في حذف الهمز وإبداله) ذكر فيه أمثلةً كثيرة على ذلك، ومع هذا نصَّ على أنَّه " غير مقيس" (61) هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، أخذ النحو عن الخليل ويونس وعيسى بن عمر، وأخذ اللغة عن أبي الخطاب الأخفش، وعمل كتابه الذي لم يُسبق إليه. توفي سنة (180هـ) . - انظر ترجمته في: أخبار النحويين البصريين 63؛ طبقات النحويين واللغويين 66؛ تاريخ العلماء النحويين 90؛ نزهة الألباء 54؛ إنباه الرواة 2/346؛ غاية النهاية 1/602. (62) الكتاب 1/407، والرأي أيضا للمبرد في المقتضب 2/8، وانظر: شرح المفصَّل 8/112؛ الجنى 271 المغني 1/284. (63) يبين الإربلي في جواهر الأدب 230 الفرق بين الموصول الحرفي والاسمي فيقول: (إنَّ الموصول الاسمي لابدَّ أن يكون في الصلة ضمير يعود إلى الموصول، والحرفي لا يحتاج إلى الضمير، فإذا قلت: أعجبني ما صنعت، إن قدَّرت ضميرا محذوفا، أي: صنعته، كانت " ما " موصولا اسميا مقدرةً بالذي، وإن لم تقدِّره، كانت حرفيا، أي: صنيعك) . (64) اللباب 2/33. (65) هو أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباري، قرأ النحو على أبي السعادات ابن الشجري، واللغة على أبي منصور الجواليقي، من مصنفاته: (أسرار العربية) ، (الإنَّصاف في مسائل الخلاف) ، (نزهة الألباء) ، توفي سنة (577 هـ) . - انظر ترجمته في: إنباه الرواة 2/169؛ إشارة التعيين 185؛ البداية والنهاية 12/310؛ البلغة 133؛ بغية الوعاة 2/86 (66) أسرار العربية 329، وانظر: علل النحو 192؛ نتائج الفكر 130؛ سر الصناعة 1/306؛ اللباب 2/33. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 181 (67) انظر: المراجع السابقة، ويرى السُهيلي أنَّ تقدُّم معمول معمولها عليها لأنَّها (قد ضارعت " لم " لتقارب المعنى واللفظ، حتى قُدِّم عليها معمولُ فعلها، فقالوا: زيدا لن أضربَ، كما قالوا: زيدا لم أضربْ) . (68) نتائج الفكر 126، 130. (69) هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السُهيلي، من أئمة النحو، واللغة، والقراءات، والتفسير، أخذ عن ابن العربي، وابن الطراوة، وغيرهما، من مصنفاته: (نتائج الفكر) ، (الروض الأنف) . توفي سنة (581هـ) . - انظر ترجمته في: إشارة التعيين 182؛ غاية النهاية 1/371؛ بغية الوعاة 2/81؛ طبقات المفسرين للداودي 1/266. (70) نتائج الفكر 130 – 131، وانظر: الغرَّة المخفية 1/160؛ شرح المفصَّل 8/111؛ شرح ألفية ابن معطي 1/339؛ شرح العوامل المائة 246؛ الهمع 4/94. (71) لقد جمعها تحت عنوانٍ واحد الزمخشري في المفصَّل 315، وابن الشجري في أماليه 1/425، وابن الحاجب في الكافية 233، والإسفراييني في لباب الإعراب 467. (72) انظر: الأمالي الشجريَّة 2/543؛ شرح المفصَّل 8/144؛ جواهر الأدب 483. (73) انظر: الكتاب 1/407؛ علل النحو لابن الورَّاق 192؛ معاني الحروف للرماني 132؛ الأمالي الشجريَّة 2/543؛ شرح المفصَّل 8/144، وينقل الإربلي رأيا آخر يرى أنَّ "هل" من " هلاَّ " هي " هل " التي للحثِّ، ويقول: (ويضعِّفه عدم الاكتفاء بها دون " لا " مع أنَّه أولى، بل واجب؛ لأنَّ " لا " حينئذ تنفي الحثَّ، فيفوت الغرض) جواهر الأدب 483. (74) انظر: الكتاب 2/306؛ معاني الفراء 2/377؛ الأمالي الشجريَّة 2/543؛ جواهر الأدب 483. (75) انظر: الكتاب 2/306؛ معاني الحروف 124؛ الأمالي الشجريَّة 2/543 جواهر الأدب 483. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 182 (76) وقد اقتبست اسم " ما المغيِّرة " من ابن الشجري في أماليه 2/568؛ وقد سمَّاها الاسم نفسه الدكتور " محمد بن عبد الرحمن المفدى " في كتابه " حديث ما " وجعلها أحدَ أنواع " ما " الزائدة. انظر: 131. (77) انظر:حروف المعاني 3. (78) انظر: المحكم 2/343. (79) انظر: معاني الحروف 124؛ الغرَّة المخفية 1/160؛ الكافية 2330؛ لباب الإعراب 467؛ شرح الكافية 4/442 – 443؛ جواهر الأدب 483؛ الجنى 509؛ المغني 1/74. (80) شرح المفصَّل 8/144، وانظر: الأمالي الشجريَّة 1/425؛ التخمير 4/130؛ رصف المباني 365. (81) انظر: الغرَّة المخفية 1/160؛ شرح الكافية 4/442 – 443. (82) انظر: الأمالي الشجريَّة 1/425؛ شرح الكافية 4/443. (83) في ديوانه 2/907، وهو من شواهد: أبي عبيدة في المجاز 1/52؛ والمبرد في الكامل 1/363؛ والفارسي في الإيضاح 29، وابن جني في الخصائص 2/45؛ والصيمري في التبصرة 1/334؛ وابن الحاجب في الإيضاح 2/235 وابن مالك في شرح الكافية الشافية 3/1654. (84) انظر: المقتضب 2/54؛ الصاحبي 196 –197؛ شرح المفصَّل 7/46. (85) ارتشاف الضرب 2/234. (86) انظر: رصف المباني 148 – 149. (87) التبصرة 408. (88) انظر: المقتصد 2/1115؛ شرح المفصَّل 7/46 – 47؛ رصف المباني 148، ويعلِّل الجرجاني ذلك بقوله: (وليكون فعل الشرط واقعا في حكم الابتداء وصدر الكلام) . (89) الكتاب 1/131، وانظر: التبصرة 1/408؛ المقرب 1/274؛ الجنى 508؛ المغني 1/87. (90) هو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، إمام في العربية، واللغة، والبلاغة، وهو أوَّل من دوَّن علم المعاني، أخذ النحو عن أبي الحسين بن عبد الوارث الفارسي وأخذ عنه علي الفصيحي له مصنفات كثيرة منها: (المقتصد في شرح الإيضاح) ، (دلائل الإعجاز) ، (أسرار البلاغة) . توفي سنة (471هـ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 183 - انظر ترجمته في: نزهة الألباء 264؛ إنباه الرواة 2/188؛ إشارة التعيين 188؛ البلغة134؛ بغية الوعاة 2/106 (91) المقتصد 2/1115، وانظر: المتَّبع 2/531؛ شرح المفصَّل 7/47. (92) هكذا سمَّاها سيبويه 2/312. (93) نسبه إليه كلٌّ من: القيسي في شرح " كلا " و " بلى " و " نعم " 22، وأبو حيان في الارتشاف 3/262، وابن هشام في المغني 1/188، والسيوطي في الهمع 4/384، أمَّا ابن فارس في الصاحبي 250 فقال: (زعم ناس) دون أن ينسبها إلى أحد، وكذلك الإربلي في جواهر الأدب 506 (94) هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن سيار الشيباني، من أئمة الكوفيين في النحو، واللغة، وله معرفة بالقراءات، أخذ عنه جُلَّة من العلماء منهم: علي بن سليمان الأخفش، وأبو عمر الزاهد، له (كتاب في القراءات) ، (كتاب الفصيح) ، وغيرهما، توفي سنة (291هـ) . – انظر ترجمته في: مراتب النحويين 151؛ طبقات النحويين واللغويين 141-150؛ تاريخ العلماء النحويين 181؛ نزهة الألباء 173؛ إنباه الرواة 1/173-186؛ بغية الوعاة 1/396. (95) المغني 1/188، وانظر: شرح " كلا " 22؛ الارتشاف 3/262؛ الهمع 4/384. (96) شرح " كلا " 27، وانظر: الهمع 4/384. (97) انظر: الكتاب 2/312؛ تأويل ابن قتيبة 558؛ معاني القرآن للزجَّاج 3/345؛ حروف المعاني 11؛ الصاحبي 250، شرح " كلا " 23 – 26؛ شرح الكافية للرضي 4/478؛ الارتشاف 3/262؛ الدرَّ المصون 7/637؛ الهمع 4/384؛ شرح الفريد 494. (98) هذا هو الموضع الأوَّل الذي وردت فيه (كلَّا) في القرآن الكريم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 184 (99) تسميتها بحرف عطف إنَّما هو من باب " التجوز " وإلَّا فإنَّ الرأي الراجح فيها عدم عدها من حروف العطف ويوضِّح ذلك ابن الشجري في أماليه 3/126 فيقول: (" إمَّا " ليست من حروف العطف، كما زعم بعض النحويين؛ لأنَّه لا يخلو أن تكون الأولى منهما عاطفة أو الثانية، فلا يجوز أن تكون الثانيةُ عاطفةً؛ لأنَّ الواو معها، والواو هي الأصل في العطف، فإن جعلت " إمَّا " عاطفة فقد جمعت بين عاطفين، ولا يجوز أن تكون الأولى عاطفة؛ لأنَّها تقع بين العامل والمعمول، كقولك: خرج إمَّا زيد وإمَّا بكر، ولقيت إمَّا زيداً وإمَّا بكرا، فهل عَطَفَتِ الفاعلَ على رافعه، أو المفعولَ على ناصبه؟ … وإنَّما ذكرها مَن ذكرها من النحويين في حروف العطف تقريبا؛ لأنَّها بمعنى " أو " ولأنَّ إعراب ما بعد الثانية كإعراب ما قبلها) . (100) انظر: الكتاب 2/67؛ كتاب الشعر 1/89؛ الأزهية 142؛ الأمالي الشجريَّة 3/127؛ اللباب 1/426؛ التسهيل 176؛ شرح الكافية للرضي 4/402 – 403؛ شرح ألفية ابن معطي 1/782؛ الجنى 210؛ المساعد 2/463؛ المغني 1/59؛ الهمع 5/255؛ شرح الفريد 469. (101) هو أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي الثمالي، من أئمة النحاة البصريين، ابتدأ بقراءة كتاب سيبويه على الجرمي، وأكمله على االمازني، من أشهر مصنفاته: (الكامل) ، (المقتضب) .توفي سنة (286هـ) . - انظر ترجمته في: مراتب النحويين 135؛ أخبار النحويين البصريين 105؛ طبقات النحويين واللغويين 101؛ تاريخ العلماء النحويين 53؛ غاية النهاية 2/280. (102) المقتضب 3/28 – 29، وانظر: الكتاب 1/135. (103) اللباب 1/426، وانظر: المساعد 2/463. (104) انظر الفرق بين (إمَّا) و (أو) في شرح الكافية للرضي 4/401؛ الهمع 5/252 المصادر والمراجع 1- القرآن الكريم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 185 2- أخبار النحويين البصريين ومراتبهم وأخذ بعضهم عن بعض، لأبي سعيد السيرافي، تحقيق: محمد إبراهيم البنا، دار الاعتصام، الطبعة الأولى، 1405هـ 1985م. 3- ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيَّان الأندلسي، تحقيق د. مصطفى أحمد النحاس، مطبعة المدني، المؤسسة السعودية بمصر، القاهرة، الطبعة الأولى، ج1 1404هـ 1984م، ج2 1408هـ 1987م ج3 1409هـ 1989م. 4 - الإرشاد إلى علم الإعراب للكيشي، تحقيق: د. عبد الله علي الحسيني البركاتي، د. محسن سالم العميري، مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1410هـ 1989م. 5 - الأزهية في علم الحروف، لعلي بن محمد الهروي، تحقيق: عبد المعين الملوحي، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق، الطبعة (بدون) ، 1391هـ 1971م. 6 - أسرار العربية لأبي البركات الأنباري، تحقيق: محمد بهجة البيطار، من مطبوعات المجمع العلمي العربي، دمشق، الطبعة (بدون) 1377هـ – 1957م 7- إشارة التعيين وتراجم النحاة واللغويين لعبد الباقي بن عبد المجيد اليماني، تحقيق: عبد المجيد دياب، مركز الملك فيصل للبحوث، الرياض، الطبعة الأولى، 1406هـ 8- الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، مكتبة الكليَّات الأزهرية، القاهرة، الطبعة (بدون) ، 1395هـ 1975م. 9- الأصول في النحو لابن السراج، تحيقيق: د. عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ 1985م. 10- إعراب القراءات الشواذ للعكبري، دراسة وتحقيق: محمد السيد أحمد عزوز، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1417هـ 1996م 11- الأعلام لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة التاسعة، 1990م. 12- أمالي السُهيلي في النحو واللغة والحديث والفقه، تحقيق: محمد إبراهيم البنا، مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الأولى، 1390هـ 1970م. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 186 13- الأمالي النحوية لابن الحاجب، تحقيق: هادي حسن حمودي، مكتبة النهضة العربية، وعالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ 1985م. 14- إنباه الرواة على أنباه النحاة، لأبي الحسن القفطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ 1986م. 15- الإنَّصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين لأبي البركات الأنباري، ومعه كتاب الإنتصاف من الإنصاف لمحمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، مكان النشر (بدون) ، الطبعة (بدون) ، 1982م. 16- الإيضاح العضدي لأبي علي الفارسي، تحقيق: د. حسن شاذلي فرهود، مطبعة دار التأليف، مصر، الطبعة الأولى، 1389هـ 1969م. 17- الإيضاح في شرح المفصَّل لابن الحاجب، تحقيق: د. موسى بناي العليلي، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، مطبعة العاني، بغداد، الطبعة والتاريخ (بدون) . 18- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لإسماعيل باشا البغدادي، مكتبة المثنى، بغداد، الطبعة والتاريخ (بدون) . 19- البداية والنهاية لابن كثير، مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة والتاريخ (بدون) . 20- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للشوكاني، ويليه الملحق التابع للبدر الطالع للمؤرخ محمد بن محمد بن يحيى زبارة اليمني، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة والتاريخ (بدون) . 21- البسيط في شرح جمل الزجاجي لابن أبي الربيع، تحقيق ودراسة: د. عيَّاد الثبيتي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ 1986م. 22- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، لجلال الدين السيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، مكان النشر (بدون) ، الطبعة الثانية 1399هـ 1979م. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 187 23- البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادي، تحقيق: محمد المصري، من منشورات مركز المخطوطات والتراث، الكويت، الطبعة الأولى، 1407هـ 1987م. 24- تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم، لأبي المحاسن المعري التنوخي، تحقيق: عبد الفتاح الحلو، منشورات إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة (بدون) 1401هـ 1981م. 25- تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، شرحه ونشره: السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، الطبعة الثانية 1393هـ 1973م. 26- التبصرة والتذكرة للصيمري، تحقيق: د. فتحي أحمد مصطفى، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1402هـ 1982م. 27- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك، تحقيق: د. محمد كامل بركات، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، مكان النشر (بدون) الطبعة (بدون) 1387هـ 1967م. 28- التعريفات للشريف الجرجاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1408هـ 1988م. 29- تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنَباء والنشر، الطبعة (بدون) ، 1384هـ 1964م. 30- الجمل في النحو للزجاجي، تحقيق: د. علي توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة، بيروت، دار الأمل، الأردن، الطبعة الأولى، 1404هـ 1984م. 31- الجنى الداني في حروف المعاني للمرادي، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، محمد نديم فاضل، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ 1983م. 32- جواهر الأدب في معرفة كلام العرب، لعلاء الدين الإربلي، شرح وتحقيق: د.حامد أحمد نيل، جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية، توزيع: مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، الطبعة (بدون) 1403هـ 1983م. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 188 33- حديث (ما) أقسامها وأحكامها للدكتور محمد بن عبد الرحمن المفدى، النادي الأدبي، الرياض، الطبعة (بدون) ، 1400هـ 1980م. 34- حروف المعاني للزجاجي، تحقيق: د. علي توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة، بيروت، دار الأمل، الأردن، الطبعة الثانية، 1406هـ 1986م. 35- الخصائص لابن جني، تحقيق: محمد علي النجار، دار الهدى، بيروت، الطبعة الثانية، التاريخ (بدون) . 36- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد سيد جاد الحق، دار الكتب الحديثة، مصر، الطبعة والتاريخ (بدون) . 37- الدرّ المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، تحقيق: د. أحمد محمد الخرَّاط، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1408هـ 1987م. 38- رصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي، تحقيق: د. أحمد محمد الخرَّاط، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية، 1405هـ 1985م. 39- سر صناعة الإعراب لابن جني، تحقيق: د. حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1405هـ 1985م. 40- شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي، دار المسيرة، بيروت، الطبعة الثانية، 1399هـ 1979م. 41- شرح ألفية ابن معطي لابن جمعة الموصلي، تحقيق: د. علي موسى الشوملي، مكتبة الخريجي، الرياض، الطبعة الأولى 1405هـ 1985م. 42- شرح العوامل المائة لخالد الأزهري، تحقيق وتقديم وتعليق: د. البدراوي زهران، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الأولى، 1983م. 43- شرح الفريد لعصام الدين الإسفراييني، تحقيق: نوري ياسين حسين، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1405هـ 1985م. 44- شرح الكافية في النحو للرضي الاستراباذي، صحَّحه وعلق عليه: يوسف حسن عمر، منشورات جامعة بنغازي، الطبعة والتاريخ (بدون) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 189 45- شرح الكافية الشافية لابن مالك، تحقيق: د. عبد المنعم هريدي، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1402هـ 1982م. 46- شرح كلاَّ وبلى ونعم، والوقف على كلِّ واحدة منهن في كتاب الله عز وجل للقيسي، تحقيق: د. أحمد حسن فرحات، دار المأمون للتراث، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1404هـ-1983م. 47- شرح اللمحة البدرية في علم العربية، لابن هشام الأنصاري، تحقيق: د.صلاح راوي، مطبعة حسان، القاهرة، الطبعة الثانية، التاريخ (بدون) . 48- شرح اللمع لابن برهان العكبري، تحقيق: د. فائز فارس، من منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، الطبعة الأولى، 1404هـ-1984م. 49- شرح المفصَّل لابن يعش، عالم الكتب، بيروت، الطبعة والتاريخ (بدون) . 50- شرح المفصَّل في صنعة الإعراب الموسوم بالتخمير للخوارزمي، تحقيق: د. عبد الرحمن العثيمين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1990م. 51- شرح المقدمة الجزولية الكبير للشلوبين، تحقيق: د. تركي بن سهو العتيبي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1413هـ 1993م. 52- شرح المقدمة المحسبة لابن بابشاذ، تحقيق: خالد عبد الكريم، الناشر (بدون) ، الكويت، الطبعة الأولى، 1977م. 53- كتاب الشعر أو شرح الأبيات المشكلة الإعراب للفارسي، تحقيق وشرح: د. محمود محمد الطناحي، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1408هـ 1988م. 54- الصاحبي لابن فارس، تحقيق: السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه القاهرة، الطبعة والتاريخ (بدون) . 55- طبقات المفسرين للداودي، تحقيق: علي محمد عمر، مكتبة وهبة، مصر، الطبعة الأولى، 1392هـ-1972م. 56- طبقات المفسرين للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة والتاريخ (بدون) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 190 57- طبقات النحويين واللغويين للزبيدي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية، التاريخ (بدون) . 58- علل النحو لابن الورَّاق، تحقيق ودراسة: محمود جاسم محمد الدرويش، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1420هـ 1999م. 59- العين، للخليل بن أحمد، تحقيق: د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، الطبعة والتاريخ (بدون) . 60- غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري، عنى بنشره: ج. برجستراسر، مكتبة المتنبي، القاهرة، الطبعة والتاريخ (بدون) . 61- الغرّة المخفية لابن الخباز، تحقيق: حامد محمد العبدلي، دار الأنبار، بغداد، الرمادي، مطبعة العاني، الطبعة والتاريخ (بدون) . 62- الفريد في إعراب القرآن المجيد للهمذاني، تحقيق: د. محمد حسن النمر (الجزء الأول والثاني) د. فؤاد علي مخيمر (الجزء الثالث والرابع) ، دار الثقافة، قطر، الطبعة الأولى، 1411هـ 1991م. 63- الفوائد الضيائية (شرح كافية ابن الحاجب) للجامي، تحقيق: د. أسامة طه الرفاعي، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، العراق، الطبعة (بدون) . 64- الكامل للمبرد، تحقيق: محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1413هـ 1993م. 65- الكتاب لسيبويه، المطبعة الأميرية ببولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1316هـ. 66- الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشري، رتَّبه وضبطه وصحَّحه: مصطفى حسين أحمد، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة (بدون) 1406هـ 1986م. 67- اللامات للزجاجي، تحقيق: مازن المبارك، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، الطبعة الثانية، 1405هـ 1975م. 68- لباب الإعراب لتاج الدين الإسفراييني، تحقيق: بهاء الدين عبد الوهاب عبد الرحمن، دار الرفاعي، الرياض، الطبعة الأولى، 1405هـ 1984م. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 191 69- اللباب في علل البناء والإعراب للعكبري، تحقيق: د. عبد الإله نبهان، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الأولى، 1414هـ 1993م. 70- لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت، الطبعة والتاريخ (بدون) . 71- المتبع في شرح اللمع للعكبري، دراسة وتحقيق: د. عبد الحميد حمد الزوي، منشورات: جامعة قاريونس، بنغازي، الطبعة الأولى، 1994م. 72- مجاز القرآن لأبي عبيدة معمَّر بن المثنى، تحقيق: د. محمد فؤاد سزكين، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1401هـ 1981م. 73- المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاحات عنها لابن جني، تحقيق: علي النجدي ناصف، د. عبد الحليم النجار، د. عبد الفتاح شلبي. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر، الطبعة (بدون) 1386هـ (الجزء الأول) 1389هـ (الجزء الثاني) . 74- مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار نهضة مصر، القاهرة، الطبعة والتاريخ (بدون) . 75- المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات لأبي علي الفارسي، تحقيق: صلاح الدين السكاوي، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بغداد، الطبعة والتاريخ (بدون) . 76- معاني الحروف لأبي الحسن الرماني، تحقيق: د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي، دار الشروق، جدة، الطبعة الثالثة، 1404هـ 1984م. 77- معاني القرآن للفراء، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثالثة، 1403هـ 1983م. 78- معاني القرآن وإعرابه للزجاج، تحقيق: د. عبد الجليل شلبي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ-1988م. 79- معجم الأدباء لياقوت الحموي، راجعته وزارة المعارف العمومية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأخيرة، التاريخ (بدون) . 80- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، مكتبة ومطبعة: محمد علي صبيح وأولاده، الطبعة والتاريخ (بدون) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 192 81- المفصَّل في علم العربية للزمخشري، وبذيله كتاب المفضَّل في شرح أبيات المفصَّل لبدر الدين النعساني الحلبي، دار الهلال، بيروت، الطبعة الأولى، 1993م. 82- المقتصد في شرح الإيضاح، لعبد القاهر الجرجاني، تحقيق: كاظم المرجان، وزارة الثقافة والإعلام، العراق، الطبعة (بدون) 1982م. 83- المقتضب لأبي العباس المبَّرد، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت، الطبعة والتاريخ (بدون) . 84- المقرب لابن عصفور الإشبيلي، تحقيق: أحمد عبد الستار الجواري، عبد الله الجبوري، رئاسة ديوان الأوقاف، إحياء التراث الإسلامي، العراق، الطبعة الأولى، 1391هـ 1971م. 85- المنصف من الكلام على مغني ابن هشام للشُّمنِّي، وبهامشه شرح الدماميني على متن المغني، المطبعة البهية، مصر، الطبعة والتاريخ (بدون) . 86- نتائج الفكر في النحو للسُهيلي، تحقيق: د. محمد إبراهيم البنا، دار الرياض للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية، 1404هـ 1984م. 87- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي، طبعة مصوّرة عن طبعة دار الكتب، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة العامة للتأليف والترجمة والطباعة، الطبعة والتاريخ (بدون) . 88- نزهة الألباء في طبقات الأدباء لأبي البركات الأنباري، تحقيق: إبراهيم السامرائي، مكتبة المنار، الأردن، الطبعة الثالثة، 1405هـ 1985م. 89- هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين لإسماعيل باشا البغدادي، طبع بعناية وكالة المعارف، استانبول، 1951م، منشورات مكتبة المثنى، بغداد. 90- همع الهوامع للسيوطي، تحقيق: د. عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلمية، الكويت، الطبعة (بدون) ، ج1، 1394هـ-1975م، ج2، 1395هـ 1975م، ج3 1397هـ 1977م، ج4، ج5، 1399هـ 1979،ج6،ج7،1400هـ، 1980م. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 193 معالجة المادة المعجميّة في المعاجم اللفظيّة القديمة د. محمد بن سعيد الثبيتي الأستاذ المساعد بمعهد اللغة العربية بجامعة أم القرى ملخص البحث إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، وبعد: فقد تناول البحث بالوصف والتحليل معالجة المادة المعجميّة في المعاجم اللفظيّة القديمة، بمراحلها المختلفة، فاقتضت طبيعة هذا البحث أن يكون على النحو التالي: التمهيد: وتحدثت فيه عن الكلمة بوصفها المادة الأساسيّة في المعجم فأشرت إلى مفهومها لدى القدماء والمحدثين وموقف المعجميين من ذلك المفهوم. المبحث الأول: وتحدثت فيه بإيجاز عن جمع المادة المعجميّة فبيّنت الدوافع إلى جمع المادة اللغويّة ثمّ أهم الطرق التي سلكها المعجميون في جمع مادتهم، ومصادر تلك المادة التي جمعوها. المبحث الثانيّ: وتحدثت فيه عن ترتيب المادة المعجميّة لدى المعجميين القدماء، سواء كان ذلك ترتيباً خارجياً للمداخل أم ترتيباً داخلياً، وكان لابد أن أعرض لأهم المدارس المعجميّة التي ظهرت كثمرة من ثمار تلك الجهود التي بلغ فيها التنافس أشدّه عند المعجميين القدماء. المبحث الثالث: وتحدثت فيه عن تحليل المادة المعجميّة فأشرت إلى جهود المعجميين القدماء في هذا الجانب سواء كان ذلك من ناحية اللفظ أم من ناحية المعنى، وتطرقت فيه إلى أهم الوسائل التي سلكها المعجميون القدماء في تحليل المعنى موضحاً بعض المآخذ التي تتعلق بهذا الجانب. الخاتمة: ولخصت فيها أهم الملاحظات التي توصلت إليها. والله أسأل أن ينفع بهذا العمل، ويجعلني ممن أخلص النيّة فَتُقُبِّل بقبول حسن في الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. التمهيد: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 194 اللغة خاصية إنسانية ينفرد بها الإنسان عن غيره من الكائنات وهي في أبسط وأوجز تعريفاتها: ((أصوات يعبر بها كلّ قوم عن أغراضهم)) (1) . وتعدّ الكلمة هي المادة الأساسية في المعجم اللغويّ ومن هنا عُرِّف المعجم اللغويّ بأنّه ((كتاب يضم بين دفتيه أكبرعدد من مفردات اللغة مقرونة بشرحها، وتفسير معانيها،على أن تكون المواد مرتبة ترتيباً خاصاً، إما على حروف الهجاء أو الموضوع، والمعجم الكامل هو الذي يضم كل كلمة في اللغة مصحوبة بشرح معناها واشتقاقها وطريقة نطقها وشواهد تبيّن مواضع استعمالها)) (2) . لذا كان تدوين المعجم ضرورة لغويّة لكل مجتمع متقدم، ليتمكن أفراده من معرفة الكثيرمن المعلومات التي توضح ما يحيط بالمادة الأساسية فيه ألا وهي الكلمة. (3) أما المادة في عُرْف اللغويين فكل ما يكون مدداً لغيره ومادة الشيء أصوله وعناصره التي منها يتكون حسيّة كانت أو معنوية ومواد اللغة ألفاظها. (4) وعلى الرّغم من وضوح الكلمة ومفهومها في الذهن إلا أن الخلاف بين علماء اللغة – قدماء ومحدثين – كبير جدّا في تحديد ماهيتها حيث إن للكلمة جوانب متعددة يمكن النظر إليها، كالجوانب الصوتيّة أو الصرفيّة أو النحويّة أو الدلاليّة ومن ثمّ تعددت التعريفات، وواجه كلّ تعريف منها نقداً من علماء اللغة على اختلاف مدارسهم. (5) . فالكلمة عند النحاة من علماء العربية هي: ((اللفظة الدّالة على معنى مفرد بالوضع)) (6) ، وهي ((لفظ وضع لمعنى مفرد)) (7) وهي ((قول مفرد مستقل أو منوي معه)) (8) . وقد حدد ابن يعيش الشروط الواجب توافرها في مفهوم الكلمة العربيّة وهي:الصوت والمعنى أو الوضع ثمّ الاستقلال بدلالة محددة. (9) ولكن هذه الحدود والتعريفات غير دقيقة - في نظر بعض المحدثين - لأسباب أهمها: 1- أنها لاتفرق بين الصوت والحرف. 2- أنها تخلط بين الوظيفة اللغويّة والمعاني المنطقيّة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 195 3- أنها لاتفرق بين وجود الكلمة وعدمها في التعريف. (10) أما الكلمة عند المحدثين فهي: (أصغر صيغة حرّة) (11) ، وهي: ((ربط معنى ما بمجموعة من الأصوات صالحة لاستعمال جراماطيقي ما)) (12) ، وهي: ((جزء من الحدث الكلاميّ له صلة بالواقع الخارج عن اللغة، ويمكن اعتبارها وحدة غير قابلة للتقسيم، ويتغيّر موضعها بالنسبة لبقية الحدث الكلاميّ)) (13) . وخلاصة القول أنّ ثمّة معايير ينطلق منها المحدثون في تصورهم لماهيّة الكلمة من أهمها: 1- معيار الدلالة وهوالذي قامت على أساسه المعاجم اللغويّة والكلمة بهذا المعيار هي التي تدل على معنى ما. 2- معيار الشكل والكلمة بهذا المعيارامتداد صوتي محدد يحافظ على شكله واستقراره حيثما وقع في الجملة ويشغل فيها وظيفة نحويّة. 3- معيار ثلاثي وفحواه أنّ الكلمة تشتمل على جوانب ثلاثة هي: الصوت، الدلالة، الوظيفة النحويّة. (14) غير أن كلّ معيار من هذه المعايير- قديمها وحديثها - لا يخلو من النقص والاضطراب عند التطبيق، ومن هنا آثر تمام حسّان تعريف الكلمة العربية بأنّها: ((صيغة ذات وظيفة لغويّة معينة في تركيب الجملة، تقوم بدور وحدة من وحدات المعجم، وتصلح لأن تُفْرَدَ، أو تُحْذَفَ، أو تُحْشَى، أو يُغَيَّرَ موضعها، أويُسْتَبْدَل بها غيرها في السياق وترجع مادتها غالبا إلىأصول ثلاثة وقد تلحق بها زوائد)) (15) . ويرى أحد الباحثين أنّ علماء المعاجم ينطلقون من وجهة نظر تخالف غيرهم من العلماء، ولذلك لم يحاولوا البحث عن تعريف نظريّ للكلمة، وإنّما انصرفوا إلى تحديد ماهيتها من الناحية العملية؛ لأنّ مهمة المعجم اللغويّ هي بيان وشرح معاني الكلمات سواء من ناحية المبنى أم المعنى. (16) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 196 وهذا ما نلحظه في ضوء ترتيب المعاجم العربية القديمة؛ إذ يدل ذلك على إدراك المعجميين العرب لجانبين مهمين في طبيعة الكلمة، وهما جانب اللفظ، وجانب المعنى، وقد نتج عن ذلك ظهور نوعين من المعاجم اللغويّة هما: أ- معاجم الألفاظ: وهي المعاجم التي تضم أكبر عدد من مفردات اللغة مقرونة بشرحها وتفسير معانيها ومرتبة ترتيبا خاصا، والمعجم الكامل هو الذي يضم كل كلمة في اللغة. وأول هذه المعاجم معجم (العين) المنسوب إلى الخليل بن أحمد الفراهيديّ (ت170هـ) رحمه الله، ثمّ توالت بعد ذلك معاجم الألفاظ كالجيم لأبى عمرو الشيباني (ت 206هـ) ، والجمهرة لابن در يد (ت321 هـ) ، والبارع للقالي (ت 356هـ) ، وتهذيب اللغة للأزهريّ (ت370هـ) ، والمحيط للصاحب ابن عباد (ت 385هـ) ، ومقاييس اللغة والمجمل لابن فارس (ت395 هـ) ، والصحاح للجوهريّ (ت 400 هـ) ، والمحكم لابن سيّده (ت458 هـ) ، وأساس البلاغة للزمخشريّ (ت 538 هـ) ، والعباب للصاغانيّ (ت 650هـ) ، ولسان العرب لابن منظور (ت 711 هـ) ، والقاموس المحيط للفيروزآ باديّ (ت817هـ) ، وتاج العروس للزَّبيديّ (ت1205هـ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 197 ب- معاجم الموضوعات: وهي التي ترتب الألفاظ اللغويّة حسب الموضوع أو المجال اللغويّ، أي أنّ المعجميّ يجمع الألفاظ المتصلة بمجال معين كخلق الإنسان مثلا للأصمعيّ، والمطر لأبي زيد الأنصاريّ، والبئر لابن الأعرابيّ، والنخل لأبي حاتم السجستانيّ، ونحوها مما نظم تحت مجال واحد، وقد لقي هذا النوع من التأليف عناية كبيرة عند القدماء بدأ بما يسمى بالرسائل اللغويّة، وانتهى بالموسوعات الموضوعيّة كا لغريب المصنف لأبى عبيد (ت223هـ) ، والمنجد لكراع النمل (ت310هـ) والمخصص لابن سيده (ت458هـ) . (17) ويلاحظ مجال التنافس بين القدماء كان واضحا بالنسبة للنوع الأول (معاجم الألفاظ) حيث ظهرت عندهم عدّة طرق للترتيب المعجميّ - كما سنبينه في موضعه - بخلاف النوع الثاني (معاجم الموضوعات) حيث لم توجد عندهم إلا طريقة واحدة وهي الترتيب حسب الموضوع أو المجال. طرق معالجة المادة المعجميّة المبحث الأول: جمع المادة المعجميّة لا يمكن الحديث عن جمع المادة المعجميّة بمعزل عن جمع المادة اللغويّة حيث كانت العناية الأولى بجمع المادة اللغويّة استجابة إلى ما توجبه المحافظة على القرآن الكريم وتفهم معانيه من حفظ مادته اللغويّة وما ترمي إليه من دقيق الدلالة والمغزى وصحيح المبنى والمعنى (18) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 198 وعلى ضوء ذلك شمّرالأوائل من أئمة اللغة فأخذوا يجمعون اللغة وكان هدفهم الأول جمع الكلمات الغريبة وتحديد معانيها، ويعدّ (المربد) بالبصرة أول محطة رأى فيها العلماء وطلاب العربية تحقيق ذلك الهدف حيث كان (المربد) من أسواق البصرة التي يقصدها الأعراب للمتاجرة ولتبادل المنفعة، وربما حضر بعضهم وليس عنده سلعة يبيعها ولا رغبة في شراء وإنّما جاء ليشبع رغبته في القول والإنشاد واستماع الشعر والأخبار كما هي عادة العرب في أسواقها. وكان أهل البصرة يخرجون إلى هذه السوق وبينهم فئة من رواة اللغة وطلابها جاءوا ليدونوا ما يسمعون عن هؤلاء الأعراب (19) ، وكان من بين هؤلاء الفئة الأصمعيّ؛ إذ يقول: ((جئت إلى أبى عمرو بن العلاء فقال: من أين جئت يا أصمعي، قلت: من المربد. قال: هات ما معك، فقرأت عليه ما كتبت في ألواحي، ومرّت به ستة أحرف لم يعرفها فأخذ يعدو في الدّرجة قائلاً: شمّرت في الغريب ياأصمعيّ)) (20) وعندما أحسّ الأعراب بالحاجة إليهم أخذوا يرحلون إلى الأمصار فرادى وجماعات يعرضون بضاعتهم من اللغة، ويتلقاهم العلماء للسماع عنهم ويتنافسون في الأخذ منهم حتى أصبحت اللغة سلعة غالية يبيعها الأعراب ويشتريها الرواة في (المربد) بالبصرة وفي (الكناسة) بالكوفة، بل إنّ منهم من اتّخذ التعليم مهنة له كأبي البيداء الرياحي الذي كان يعلم الصبيان بأجر. (21) ومنهم من ألّف الكتب كأبي خيرة الأعرابيّ الذي ألف كتاباً في الحشرات وآخر في الصفات. (22) وكان أبو مهدي والمنتجع من أبرز الأعراب الذين يُتَحَاكَمُ إليهم، كلّ يمثل لهجة قومه؛ يقول الأصمعيّ: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 199 ((جاء عيسى بن عمر الثقفيّ ونحن عند أبي عمرو بن العلاء فقال يا أباعمرو: ما شيء بلغني عنك تجيزه؟ قال: وما هو؟ قال بلغني أنك تجيز ليس الطيب إلا المسك (بالرفع) فقال أبوعمرو: نمت وأدلج الناس. ليس في الأرض حجازيّ إلا وهو ينصب، وليس في الأرض تميميّ إلا وهو يرفع. ثمّ قال أبو عمرو: قم يا يحي- يعني اليزيديّ - وأنت يا خلف- يعني خلف الأحمر- فاذهبا إلى أبي المهديّ فإنّه لا يرفع، واذهبا إلى المنتجع ولقناه النصب فإنه لا ينصب. قال: فذهبنا فأتينا أبا المهديّ ... قال اليزيديّ: ليس ملاك الأمرإلا طاعةُ الله والعملُ الصالح فقال: ليس هذا لحني ولا لحن قومي؛ فكتبنا ما سمعنا منه، ثمّ أتينا المنتجع فأتينا رجلاً يعقل، فقال له خلف: ليس الطيب إلا المسكَ (بالنصب) فلقّنّاه النصب وجهدنا فيه فلم ينصب وأبى إلا الرفع)) (23) . ولما طال مكث الأعراب في الحضرلانت جلودهم وطاعت ألسنتهم بشوائب العجمة؛ يقول الجاحظ: ((كان بين يزيد بن كثوة يوم قدم علينا البصرة وبينه يوم مات بون بعيد على أنّه كان قد وضع منزله آخر موضع الفصاحة وأول موضع العجمة)) (24) . فلما ضعفت ثقة العلماء بالأعراب رحل العلماء والرواة إلى البادية بمدادهم وصحفهم ليسمعوا من أولئك الذين لم تتأثر ألسنتهم بمخالطة الأعاجم، قال أبو العباس ثعلب: ((دخل أبو عمرو الشيبانيّ (إسحاق بن مرار) البادية ومعه دستيجانحبراً فما خرج حتى أفناهما بِكَتْبِ سماعه عن العرب)) (25) . وممن خرج إلى البادية الكسائيّ، ورجع وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبراً في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ. (26) وكان أبوعمرو بن العلاء من أوائل الرواة الذين رحلوا إلىالبادية وأعجب بأهل السروات وعدّهم من أفصح العرب لساناً وأعذبهم لغة. (27) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 200 وهكذا ظل التواصل مستمراً بين الرواة والبادية وحرص العلماء على مشافهة الأعراب حتى وجدنا في أواخر القرن الرابع من يروي عن الأعراب كالأزهريّ، (ت370هـ) ، وابن جنيّ (ت392هـ) ، والجوهريّ (ت393هـ) وابن فارس (ت395هـ) . ثمّ توقّف هذا التواصل مع نهاية هذا القرن حتى أصبحت الرواية عن الأعراب أنفسهم يشوبها شيء من الحذر، يقول ابن جنيّ: ((أنا لا نكاد نرى بدوياً فصيحاً وإن نحن آنسنا منه فصاحة في كلامه لم نكد نعدم ما يفسد ذلك ويقدح فيه وينال ويغض منه)) (28) . ويرى أحد الباحثين أنّ الطبقة التي تلت الخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب كانت من أغزر العلماء إنتاجاً، ومنهم ثلاثة رواة يعتبرون عصب الرواية في البصرة وهم: أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو زيد الأنصاري، وعبد الملك بن قريب الأصمعيّ. (29) وقد حدد اللغويون مادة جمعهم فيما صحّ عن العرب ضمن شروط ومعايير هي: 1- شرط المكان: وهو الفيصل الذي تم بمقتضاه تحديد مواطن الفصاحة في وسط الجزيرة العربية دون بقية أطرافها التي كانت على صلة بالأمم الأخرى، وفي بواديها دون الحواضرالتي كانت تعجّ بحركة الوافدين عليها من خارج الجزيرة أو من أطرافها بقصد التجارة ونحوها. 2- شرط الزمان: وهو الفيصل الذي تم بمقتضاه تحديد عصورالفصاحة عند منتصف القرن الثاني الهجري بالنسبة للاحتجاج باللغة الأدبية وخاصة لغة الشعر، ونهاية القرن الرابع الهجري بالنسبة للاحتجاج باللغة الشفوية المنقولة عن الأعراب. 3- شرط الفصاحة وهو الشرط الذي تم بمقتضاه الحكم على فصاحة اللفظ إذا ثبتت نسبته إلى عربيّ قحّ سواء بالمشافهة أو الرواية الصحيحة وذلك العربي القحّ هو من انطبق عليه شرط الزمان والمكان السابقين. (30) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 201 وعلى ضوء هذه المعاييرعُدّ كلّ ما خالف ذلك مولداً، فَقُسِّم الشعراء إلى طبقات، والقبائل إلى درجات، أعلاها قبيلة قريش؛ يقول ابن فارس: ((أجمع علماؤنا بكلام العرب والرواة لأشعارهم والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالّهم: أنّ قريشاً أفصح العرب ألسنة وأصفاهم لغة ... وكانت قريش – مع فصاحتها وحسن لغاتها ورقة ألسنتها-إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم فاجتمع ما تخيروا من تلك اللغات إلى نحائزهم وسلائقهم فصاروا بذلك أفصح العرب ... ألا ترى أنّك لا تجد في كلامهم عنعنة تميم ولا عجرفيّة قيس ولا كشكشة أسد ولا كسكسة ربيعة ... )) (31) . ويقول الفارابي: ((كانت قريش أجود العرب انتقاداً للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النطق وأحسنها مسموعاً وأبينها إبانة عمّا في النفس)) (32) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 202 ويقول وهو يرتب درجة الفصاحة: ((والذين عنهم نقلت اللغة العربية وبهم اُقْتُدِيَ وعنهم أُخِذَ اللسانُ العربي من بين قبائل العرب هم: قيس وتميم وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتّكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثمّ هذيل وبعض كنانة وبعض الطّائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم، وبالجملة فإنّه لم يؤخذ عن حضري قط، ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم التي تجاور سائر الأمم الذين حولهم، فإنّه لم يؤخذ لا من لخم ولا من جذام فإنهم كانوا مجاورين أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة ولا من غسان ولا من إياد فإنهم كانوا مجاورين أهلَ الشام، وأكثرهم نصارى يقرؤون بالعبرانية، ولا من تغلب ولا النمر فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا من بكر لأنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس، ولا من عبد القيس لأنهم كانوا سكان البحرين مخالطين للهند والفرس، ولا من أزد عمان لمخالطتهم للهند والحبشة، ولا من أهل اليمن أصلاً لمخالطتهم للهند والحبشة ولولادة الحبشة فيهم؛ ولامن بني حنيفة وسكان اليمامة، ولا من ثقيف وسكان الطائف؛ لمخالطتهم تجار اليمن المقيمين عندهم، ولا من حاضرة الحجاز؛ لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدأوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم، وفسدت ألسنتهم … )) (33) . ولكنّ اللغة لم تجمع دفعة واحدة، بل اتّخذ جمعها أشكالاً مختلفة قسّمها بعضهم إلي ثلاث مراحل هي: المرحلة الأولى: جمع الكلمات كيفما اتفق فالعالم يرحل إلي البادية فَيُدَون كلّ ما سمع من غير ترتيب ولا تنظيم فيجمع كلمة في المطر وكلمة في النبات وكلمة في الخيل ونحو ذلك. المرحلة الثانية: جمع الكلمات المتعلقة بموضوع واحد في موضع واحد، وقد توجت هذه المرحلة بظهور الرسائل اللغويّة التي عرفت بأسماءٍ من نحو: المطر، البئر، الإبل ونحو ذلك. (34) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 203 ويعد موضوع الحشرات أقدم الموضوعات، وأول من نسب إليه كتاب في ذلك أبو خيرة الأعرابي ثم تلاه بعد ذلك بعض اللغويين فألفوا في الموضوع نفسه ككتاب النحلة للشيبانيّ والأصمعي والذباب لابن الأعرابي ونحو ذلك. (35) المرحلة الثالثة: وضع معجم يضم كلّ الكلمات على نمط خاص وترتيب معين، ويعد الخليل بن أحمد - رحمه الله - (ت170هـ) أول من شمّر لهذه المهمة ففتح الله على يده أعظم عمل لغويّ حيث سنّ لمن جاء بعده منهج التأليف المعجميّ فظهرت المعاجم اللغوية،التي من أبرزها: الجمهرة لابن دريد (ت321هـ) ، والبارع للقالي (ت356هـ) ، وتهذيب اللغة للأزهريّ (ت370هـ) ، والمحيط للصاحب بن عباد (ت385هـ) ، ومقاييس اللغة والمجمل لابن فارس (ت395هـ) ، والصحاح للجوهريّ (ت400هـ) ، والمحكم لابن سيده (ت458هـ) ، وأساس البلاغة للزمخشريّ (ت538هـ) ، والعباب للصاغانيّ (ت650هـ) ، ولسان العرب لابن منظور (711هـ) ، والقاموس المحيط للفيروزاباديّ (ت817هـ) ، وتاج العروس للزَبيديّ (ت1205هـ) . طريقة جمع المادة المعجميّة: أما عن طريقة جمع المادة المعجميّة فنلحظ أن القدماء اتبعوا طريقتين: الأولى: طريقة الإحصاء التّام بغرض استقصاء المواد اللغويّة مستعملها ومهملها، ويعد الخليل بن أحمد - رحمه الله - أول من ابتدع هذا المنحى؛ إذ أدرك بعبقريته الفذة في علوم اللغة والحساب أنّ ثمّة نظاماً من شأنه حصر جميع المفردات اللغويّة، فكان له فضل السبق في وضع هذا النظام الذي بُني عليه كتاب العين والذي يتفق جلّ اللغويين إن لم يكن كلّهم على أنّه من ابتكار الخليل نفسه، ويختلفون فيما وراء ذلك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 204 ويحكي لنا اللّيث بن المظفر (180هـ) قصة هذا النظام، فيقول: ((كنت أصير إلى الخليل بن أحمد فقال لي يوماً:لو أن إنساناً قصد وألّف حروف ألف، وباء، وتاء، وثاء على أمثلة لاستوعب في ذلك جميع كلام العرب فتهيأ له أصل لا يخرج عنه شيء منه بتة، قال: فقلت له وكيف يكون ذلك؟ قال: يؤلّفه على الثنائيّ، والثلاثيّ، والرباعيّ، والخماسيّ وأنّه ليس يُعْرَفُ للعرب كلامٌ أكثرُ منه. قال الليث: فجعلت أستفهمه ويصف لي ولا أقف على ما يصف فاختلفت إليه في هذا المعنى أياماً؛ ثم اعتلّ وحججت فما زلت مشفقاً عليه وخشيت أن يموت في علته فيبطل ما كان يشرحه لي فرجعت من الحج وصرت إليه فإذا هو قد ألّف الحروف كلّها على مافي صدر هذا الكتاب، فكان يملي علىّ ما يحفظ، وما شكّ فيه يقول لي: سل عنه فإذا صحّ فأثبته إلى أن عملت الكتاب)) (36) . وخلاصة هذا النظام الذي توصل إليه الخليل بن أحمد - رحمه الله - في حصر المفردات، أنّه يقوم على ثلاثة أسس هي: 1- الترتيب الصوتيّ الذي يعتمد على مخارج الأصوات. 2- تقليب المادة الواحدة ليتكون منها عدّة صور. 3- اتباع نظام الأبنية من ثنائيّ وثلاثيّ ورباعيّ وخماسيّ. كما سنبينه في موضعه إن شاء الله. الثانية: طريقة الإحصاء النّاقص بُغْيَةَ الاقتصار على بعض مفردات اللغة واختيارها دون غيرها، وأول من نهج هذا المنهج ابن در يد في كتابه (جمهرة اللغة) حيث قال في مقدمته: ((هذا كتاب جمهرة الكلام واللغة ومعرفة جمل منها تؤدي الناظر فيها إلى معظمها إن شاء الله ... وإنما أعرناه هذا الاسم؛ لأنّا اخترنا له الجمهور من كلام العرب وأرجأنا الوحشيّ المستنكر والله المرشد للصواب)) (37) . وممن سلك هذا المسلك الجوهريّ في صحاحه؛ إذ يقول في مقدمته أيضاً: ((أما بعد فإني أودعت هذا الكتاب ما صحّ عندي من هذه اللغة، التي شرف الله منزلتها، وجعل علم الدين والدنيا منوطاً بمعرفتها)) (38) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 205 وخلاصة القول في ذلك أنّ من المعجميين القدماء من أخذ بمنهج الخليل بن أحمد، وطريقته في جمع مادته المعجمية، ومنهم من أخذ بمنهج ابن در يد والجوهريّ: فاقتصر على المشهور أو الصحيح، ولعلّ النّاظر في المعاجم اللغويّة القديمة يدرك من أسمائها غرض أصحابها، وطريقة جمع مادتها، فكل اسم يوحي تقريباً بذلك. مصادر جمع المادة المعجمية: أما مصادر جمع المادة المعجمية لدى القدماء فيمكن حصرها في مصدرين: أحدهما: السماع والمشافهة عن العرب، وممن اعتمد هذا المصدر الخليل ابن أحمد –رحمه الله- في كتاب (العين) حيث نصّ الليث في مقدمته - كما أسلفنا- أنّ الخليل كان يملي عليه ما يحفظ وما شكّ فيه يقول له سل عنه، والخليل من أوائل العلماء الذين عاصروا جمع اللغة، وسمع عن الأعراب خاصة في الحجاز ونجد وتهامة، يضاف إلى هذا ما نجده في أثناء كتاب (العين) من روايات عن بعض من عاصر الخليل أو جاء بعده، وروى عن العرب: كالأصمعي وأبي عبيدة وسيبويه ويونس وأبي زيد وغيرهم من الأعراب الذين كان يعوّل عليهم في رواية اللغة كأبي الدقيش وعرام وزائدة وأبي ليلى. وممن اعتمد السماع والمشافهة من المعجميين القدماء الأزهريّ في (التهذيب) فقد ذكر في مقدمته أنّ من دواعي تأليفه ((تقييد نكت حفظها ووعاها عن العرب الذين شاهدهم وأقام بين ظهرانيهم سُنيّات)) (39) . ويقول في موضع آخر: ((ولم أُوْدِعْ كتابي هذا من كلام العرب إلا ماصحّ لي سماعاً منهم، أو رواية عن ثقة أو حكاية عن خطّ ذي معرفة ثاقبة اقترنت إليها معرفتي)) (40) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 206 وممن اعتمد السماع والمشافهة الجوهريّ في (الصحاح) ؛ إذ ألزم نفسه ما صحّ عنده رواية ودراية ومشافهة للعرب في البادية وخاصة في الحجاز وربيعة ومضر إذ يقول: ((فإني قد أودعت هذا الكتاب ما صحّ عندي من هذه اللغة بعد تحصيلها بالعراق رواية وإتقانها دراية ومشافهتي بها العرب العاربة في ديارهم بالبادية. ولم آل في ذلك نصحاً ولا ادخرت وسعاً)) (41) . الآخر: الرواية النقليّة ويعدّ هذا الأسلوب من الرواية مما يميّز المعاجم اللغويّة بصفة عامة حيث نلحظ أن اللاحق يروي عن السابق، وقد أشار ابن دريد إلى هذه التبعيّة؛ إذ يقول في مقدمة كتابه (جمهرة اللغة) عن الخليل وكتاب (العين) : ((وكل مَنْ بعده له تَبَعٌ أقرّ بذلك أم جحد ولكنه رحمه الله ألّف كتاباً مشكلاً لثقوب فهمه وذكاء فطنته وحدّة أذهان أهل عصره)) (42) . ولعل هذا ما دفع أحد خصوم ابن دريد إلى إنكار كتاب (الجمهرة) بحجة أنّه كتاب (العين) ؛ إلا أنه قد غيّره. (43) وأول من اعتمد الرواية عن السابقين اعتماداً كلياً- فيما نعلم - القالي (356هـ) في كتابه (البارع في اللغة) وإنّ من الطرائف التي ذكرها محققه هو أن كتاب (البارع) ما هو إلا كتاب (العين) للخليل بن أحمد؛ لشدة التشابه بينهما. (44) وهكذا ظلّ أصحاب معاجم الألفاظ يعتمدون في جمع مادتهم المعجميّة على الرّواية النقليّة عن السابقين حتى رأينا ذلك واضحاً جلياً عند المتأخرين منهم خاصة كصاحب (المقاييس) وصاحب (اللسان) وصاحب (التّاج) فقد ذكر الأول أنّه اعتمد في جمع مادته المعجمية على خمسة كتب هي: كتاب العين للخليل، وإصلاح المنطق لابن السّكيّت، والجمهرة لابن در يد، وغريب الحديث، ومصنّف الحديث لأبى عبيد، حيث يقول في مقدمته: ((فهذه الكتب معتمدنا فيما استنبطناه من مقاييس اللغة وما بعد هذه الكتب فمحمول عليها وراجع إليها)) (45) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 207 ويفصح ابن منظور في (اللسان) عَنْ أنّه نقل معجمه عن سابقيه كتهذيب اللغة للأزهري، والمحكم لابن سيده، والصحاح للجوهري، والحواشي لابن بريّ، والنهاية لابن الأثير. وفي ذلك يقول: ((وقد نقلت من كلّ أصل مضمونه ولم أبدل منه شيئاً بل أديت الأمانة وما تصرفت فيها بكلام غيرما فيها فليعتدّ من ينقل عن كتابي هذا أنّه إنمّا ينقل عن هذه الأصول الخمسة)) (46) . ويذكر الزَّبيديّ صاحب (التاج) أنّه جمع مادته المعجميّة مما يقرب من مائة وعشرين كتاباً من بينها المعاجم السابقة: كالجمهرة والتهذيب والمحكم والصحاح والمجمل ولسان العرب والتكملة وأساس البلاغة وغيرها موضحاً في مقدمته أنّ عمله اقتصر في كتابه (تاج العروس) على جمع ما تفرّق في هذه الكتب، إذ يقول: ((وجمعت منها في هذا الشرح ما تفرّق وقرنت بين ما غرّب منها وبين ما شرّق وأنا مع ذلك لا أَدعي فيه دعوى فأقول شافهت أو سمعت أو شَدَدْت أو رحلت وليس لي في هذا الشرح فضيلةٌ سوى أنني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب)) (47) . وخلاصة القول أنّ الأخذ والاعتماد على السابقين في جمع المادة المعجمية أدى إلى وفرة المجموع وتضخمه واعتبار اللغة العربية وحدة واحدة مع اختلاف القبائل ألفاظا، وتراكيبَ ولهجةً، إذ لم تكن تلك الوفرة وذلك المجموع في درجة واحدة من الصحة فتطرق الخلل إليه أحياناً من وجوه أهمها: 1 - تعدد الأقوال في الوحدة المعجمية الواحدة. 2- فُشُوُّ ظاهرة التصحيف والتحريف نتيجة اعتماد المتأخرين على النقل عن السابقين. 3 - الخلط بين مستوى الفصحى واللهجات العربية وقد كان لذلك الأثرالأكبر في بروز ظواهرلغوية كظاهرة: المشترك والترادف والأضداد، أو تعدد صيغ الجمع الواحد، أو تعدد المصادر ونحوها. 4- وجود ثغرات في جمع المادة المعجميّة أدت إلى ضياع كثير من الثروة اللغويّة التي كان حقها أن تأخذ مكانها في المعجم اللغويّ (48) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 208 المبحث الثانيّ: ترتيب المادة المعجميّة ونعني به الطريقة التي عالج بها المعجميون القدماء تنظيم مادتهم المعجميّة، وقبل الوقوف على هذه الطريقة يجدر بنا أن نشير إلى رأي المحدثين من علماء المعاجم في هذا الجانب، حيث يرى المحدثون أنّ هناك نوعين من الترتيب يجب أن يُرَاعَيَا في وضع المعجم هما: (49) النوع الأول الترتيب الخارجيّ للمداخل: ويسمى بالترتيب الأكبر، ويتم ذلك باتباع طريقة من طرق الترتيب القائمة على الحروف الهجائية أو غيرها. وهذا النوع من الترتيب يعدّ شرطاً لوجود المعجم وبدونه يفقد العمل المعجمي قيمته المرجعية. وبالوقوف على معاجم الألفاظ عند القدماء، نجد أنّ المعجميين أدركوا أهمية النوع الأول وهو الترتيب الخارجيّ للمدخل فبرعوا في ضبطه وكانت عنايتهم به تعدّ الأساس الأول في تنظيم مادتهم المعجميّة، فكان من آثار ذلك ظهور العديد من المدارس التي تسير على عدد من الأنظمة يمكن تصنيفها على النحو الأتي: أولاً:النظام الصوتيّ أو المدرسة الصوتيّة وأول من ابتدع هذا النظام الخليل بن أحمد - رحمه الله - في كتاب (العين) المنسوب إليه ويقوم هذا النظام على ثلاثة أسس يكمل بعضها بعضاً وهي: ا- الترتيب الصوتي: حيث رتب مواده حسب مخارج الأصوات وفق النظام التالي: ع ح هـ خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ظ ذ ث ر ل ن ف ب م وأي (50) فبدأ كتابه بمجموعة الأصوات الحلقية وهي ع -ح - هـ –غ ثمّ اللهوية وهي ق– ك ثم الشجرية وهي ج – ش – ض ثمّ الأسلية وهي ص – ز ثمّ النطعيّة وهي ط – د – ت ثمّ اللثوية وهي ظ – ث – ذ ثم الذلقيّة وهي: ر – ل – ن - ف – ب – م ثم الهوائية وهي و – ا – ي، وأخيراً الهمزة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 209 وقد روي عن الخليل - رحمه الله - أنّه بدأ بالعين دون سواها من أصوات الحلق لأسباب تتبيّن من قوله: ((لم أبدأ بالهمزة لأنّها يلحقها النقص والتغيير والحذف، ولا بالألف لأنّها لا تكون في ابتداء كلمة ولا في اسم ولا فعل إلا زائدة أو مبدلة، ولا بالهاء لأنّها مهموسة خفية لا صوت لها، فنزلت إلى الحيز الثاني وفيه العين والحاء فوجدت العين أنصع الحرفين فابتدأت به ليكون أحسن في التأليف ... )) (51) . ب- نظام الكميّة: حيث أخضع الخليل بن أحمد – رحمه الله – مادته المعجمية لنظام الكمية فرأى أنّ الكلمات العربية باعتبار أصولها إما أن تكون ثنائيّة أو ثلاثيّة أو رباعيّة أو خماسيّة؛ إذ يقول: ((كلام العرب مبني على أربعة أصناف: على الثنائيّ والثلاثيّ والرباعيّ والخماسيّ فالثنائيّ على حرفين نحو: قد ولم ... والثلاثيّ من الأفعال نحو قولك: ضرب ........ ومن الأسماء نحو: عمر ...... والرباعيّ من الأفعال نحو: دحرج … ... ومن الأسماء نحو: عبقر ... والخماسيّ من الأفعال نحو اسحنكك ... ومن الأسماء نحو: سفرجل ... وليس للعرب بناء في الأسماء ولا في الأفعال أكثر من خمسة أحرف)) (52) . وعلى ضؤ ذلك جاء ت معالجته للكلمات في حرف العين على النحو التالي: أولاً – الثنائيّ وهو ما اجتمع فيه حرفان صحيحان ولو تكرر أحدهما نحو قَدَّ، وقَدْقَدَ، ولو، وبل. ثانياً- الثلاثيّ الصحيح وهو ما اجتمع فيه ثلاثة أحرف صحيحة على أن تكون من أصول الكلمة. ثالثاً: الثلاثيّ المعتل وهو ما اجتمع فيه حرفان صحيحان، وحرف واحد من حروف العلة (مثال أو أجوف أو ناقص) رابعاً: اللفيف وهو ما اجتمع فيه حرفا علة في أي موضع (مفروق أو مقرون) خامساً: الرباعيّ وهو ما اشتمل على أربعة أحرف. سادساً: الخماسيّ وهو ما اشتمل على خمسة أحرف. سابعاً: المعتل وقد أدخل فيه الهمزة بحجة أنّها قدّ تسهّل إلى أحد حروف العلة. (53) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 210 ج - نظام التقليبات: وقد قَصَدَ به الخليل - رحمه الله - تَنَقُّلَ الحرفِ الواحدِ في أكثر من موضع في كلّ بناء من الأبنية السابقة، فجاء الثنائيّ على وجهين، والثلاثيّ على ستة أوجه، والرباعيّ على أربعة وعشرين وجهاً، والخماسيّ على مائة وعشرين وجهاً منها المستعملُ ومنها المهلُ (54) فعالج الكلمةَ ومقلوباتها في كلّ بناء من الأبنية السابقة في موضع واحد مراعياً في ذلك الحروف الأصول وسمّى كلّ حرف من الحروف الهجائية كتاباً فبدأ معجمه بكتاب العين ومقلوباتها، فكتاب الحاء ومقلوباتها، وسمّى ما نطقت به العرب مستعملاً وما لم تنطق به مهملاً. فمثلاً نجد الكلمات: (عرب - رعب –عبر-–ربع - بعر-–برع) تحت باب العين لأنّ العين أسبق من الراء والباء. ومن المعاجم التي سارت على نظام الخليل بن أحمد – رحمه الله- البارع للقاليّ (ت356هـ) والتهذيب للأزهريّ (ت 370هـ) والمحيط للصاحب ابن عبّاد (385هـ) والمحكم لابن سيده (ت458هـ) . والرابطة المشتركة التي تجمع بين هذه المعاجم اتحادها في الترتيب الخارجي للمادة المعجمية على طريقة الخليل بن أحمد – رحمه الله- مع بعض الاختلاف في الترتيب أو الأبنية، فنجد على سبيل المثال أنّ القالي بدأ معجمه بالهاء، كما نجد أيضاً أن ابن سيده في (المحكم) زاد في الأبنية السداسي. (55) وقد أُخِذَ علىهذا النظام صعوبة البحث، ومشقة الاهتداء إلى اللفظ المراد؛ بسبب قيامه على المخارج، والأبنية، والتقليبات، وهذا ما لمسه بعض المعجميين القدماء أنفسهم فهذا ابن دريد يقول في مقدمته عن الخليل وكتاب (العين) : (( ... … قد الّف الخليل بن أحمد كتاب العين فأتعب من تصدّى لغايته وعنى من سما إلى نهايته ... )) ثمّ نراه يلتمس العذر للخليل بقوله أيضاً: (( ... ولكنه رحمه الله أَلّف كتابه مشاكلا لثقوب فهمه، وذكاء فطنته، وَحِدَّةِ أذهانِ عصرِه)) (56) . ويقول صاحب (لسان العرب) عن هذا النظام أيضاً: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 211 ((لم أجد في كتب اللغة أجمل من تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهريّ، ولا أكمل من المحكم لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده ... غير أن كلاً منهما مطلب عسر المهلك ومنهل وعر المسلك ... فأهمل الناس أمرهما وانصرفوا عنهما)) (57) . ثانيا: نظام القافية أو مدرسة القافية: وأول من ابتدع هذا النظام الجوهريّ - رحمه الله - (ت400هـ) في (الصحاح) إذ يقول: ((أما بعد فإنّي أودعت هذا الكتاب ما صحّ عندي من هذه اللغة التي شرّف الله تعالى منزلتها وجعل علم الدين والدنيا منوطاً بمعرفتها على ترتيب لم أسبق إليه وتهذيب لم أغلب عليه في ثمانية وعشرين باباً وكلّ باب منها ثمانية وعشرون فصلاً على عدد حروف المعجم وترتيبها إلا أن يهمل من الأبواب جنس من الفصول … )) (58) . وكان الغرض من هذا النظام تيسير البحث عن ألفاظ اللغة بطريقة سهلة وميسرة تقوم على النظام الألفبائي بدلاً من النظام الصوتي، فابتدع الجوهري هذا النظام الذي بناه على آخر الكلمة بعد ردّها إلى أصلها وتجريدها من الزوائد، وسمّى الحرف الأخير باباً والحرف الأول من الكلمة فصلاً، ثمّ رتب المواد بين الحرفين (الأول والأخير) ترتيباً ألفبائيا، فتخلص بطريقته هذه من جميع أسس مدرسة الخليل بن أحمد، وهي النظام الصوتي، ونظام التقليبات، ونظام الكمية أوالأبنية، وأصبح معجمه في متناول الباحثين لسهولة البحث فيه عن مفردات اللغة، وذلك عكس المعاجم السابقة عليه، والقائمة على النظام الصوتيّ. ولم يخرج الجوهريّ عن نظامه هذا إلا في الباب الأخير من معجمه حيث جمع فيه الألفاظ المنتهية بالواو والياء معاً وختمه بالألفاظ المنتهية بالألف اللينة ويعني بها التي ليست منقلبة عن همزة أو حرف علّة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 212 ومن المعاجم التي سارت على هذا النظام العباب للصاغانيّ (ت650هـ) الذي توفي قبل أن يتمه، ولسان العرب لابن منظور (ت711هـ) ، والقاموس المحيط للفيروزآباديّ (ت817هـ) ، وتاج العروس للزَّبيديّ (ت1205هـ) . ثالثا: النظام الألفبائيّ أو المدرسة الهجائيّة: وقد ابتدع هذا النظام أبو عمرو الشيبانيّ (ت206هـ) في كتاب (الجيم) وأخذ به ابن در يد (ت321هـ) في (الجمهرة) ، وابن فارس (ت395هـ) في (المقاييس) ، و (المجمل) ، والزمخشريّ (ت538هـ) في (أساس البلاغة) . ويلاحظ على هذا النظام أن له صورتين: إحداهما: مراعاة الحرف الأول فقط وقد أخذ بهذا أبو عمرو الشيبانيّ والزمخشريّ وانفرد الأول بعدم مراعاة الترتيب بعد الحرف الأول للكلمة وكذلك عدم مراعاة الزوائد في حين التزم الزمخشريّ بذلك. الأخرى: مراعاة الترتيب الهجائي والأبنية معاً وقد أخذ بهذا النظام ابن دريد وابن فارس وانفرد الأول بإيراد تقلبات المادة في موضع واحد في حين لم يلتزم ابن فارس بذلك بل قَسَّم كتابه إلى حروف وسمّى كلّ حرف كتاباً وكلّ كتاب يضم الأبنية: الثنائي والثلاثي الخ. النوع الثاني الترتيب الداخليّ للمداخل: ويسمى بالترتيب الأصغر ويتم باتباع ترتيب خاص للمعلومات في المدخل الواحد وقدأشرنا فيما سبق إلى الترتيب الخارجي لدى المعجميين العرب ورأينا أنّه قام على عدّة أنظمة هي: النّظام الصوتيّ والتقليبات، ونظام القوافي، والنظام الألفبائيّ، وقد رأينا أنّ عناية القدماء به كانت كبيرة وتعدّ الأساس الأول الذي قامت عليه معاجمهم، أما إذا انتقلنا إلى الترتيب الداخليّ للمداخل فنلحظ أنّه أقلّ حظاً وعناية لدى القدماء؛ ولعل عذرهم في ذلك أنّ العربيّة لغة اشتقاقيّة، وهذا ما دفعهم إلى الاعتماد على المادة اللغويّة في الترتيب الداخلي، فجعلوا من أصل المادة اللغوية أساس البحث عن كل الكلمات التي تشتق من ذلك الأصل فكلمات مثل: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 213 عِلم وتعلم ومعلم وعلوم … إلى غير ذلك من مشتقات المادة، تورد تحت مدخل واحد دون مراعاة للترتيب الداخليّ لهذه الكلمات خاصّة عند المتقدمين منهم كالخليل والقالي وابن دريد والأزهريّ، حيث نلحظ خلط الأسماء بالأفعال والمجرد بالمزيد ونحو ذلك مما يضطر الباحث عن كلمة من الكلمات أن يقرأ كل ما يقع تحت مادتها للحصول على بغيته، ومن هنا افتقرت المعاجم القديمة إلى الدقة في الترتيب الداخليّ، فمنهم من يبدأ مادته بالفعل ومنهم من يبدأ مادته بالاسم ومنهم من يبدأ بالمجرد ومنهم من يبدأ بالمزيد بل إن منهم من يبدأ بالشاهد (النثري أو الشعري) أو الراويّ كقولهم: قال فلان، ونحو ذلك ... ولعل فيما يلي من النماذج ما يدل على ذلك وهو قليل من كثير: قال صاحب العين: ((امرأة جعماء: أنكر عقلها هرماً، ولا يقال رجل أجعم. وناقة جعماء: مسنة. ورجل جَعِم وامرأة جَعِمة.. . وجَعِم الرجل جَعَما أي: قرِم إلى اللحم. (59) حيث نجد أن صاحب (العين) قدّم الاسم على الفعل والمزيد على المجرد. وفي الجمهرة: ((الكَذب ضدّ الصدق – ورجل كذّاب وكذوب … وكذّبت بالحديث … وكذّب الوحشي إذا جرى شوطاً ثم وقف لينظر ما وراءه – وحمل فلان فما كذّب حتى طعن أو ضرب أي ما وقف … )) (60) . فقدم الاسم على الفعل، والمزيد على المجرد تارة والمجرد على المزيد أخرى. وفي تهذيب اللغة يقول الأزهريّ: ((جاء في الحديث: من روى في الإسلام هِجاءً مُقْذِعاً فهو أحد الشامتين. والهجاء المقذِع: الذي فيه فحش)) (61) . حيث بدأ مادّته المعجمية بالحديث الشريف، ومثل ذلك يفعل مع الشواهد القرآنية وهذا كثير عنده. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 214 وفي الصحاح: ((وجَب الشيء، أي لزم، يجِب وجوباً. وأوجبه الله، واستوجبه، استحقه. ووجب البيع يجِب … وأوجبت البيع فوجب، والوجيبة: أن توجب البيع ثمّ تأخذه أوّلاً فأوّلاً … ووجب القلب وجيباً: اضطرب، وأوجب الرجل: إذا عمل عملاً يوجب له الجنّة أو النّار، والوجب الجبان … والوجبة: السَّقطة … ووجب الميت إذا سقط ومات … ووجبت الشمس أي غابت … )) (62) . فنلحظ أنّ الجوهريّ قدّم وأخّر في المشتقات، مما يضطر الباحث عن كلمة (وجب) مثلاً، أن يقرأ كل ما تشتمل عليه المادّة فقد ذكرها في أول المادة وآخرها. وكان حقّ هذه المادة أن ترتب كالتالي: وجب الشيء، والبيع، والقلب، والميت، والشّمس … وأوجب الرجل … واستوجب الشيء … والوجْب … والوجبة … والوجيب … والوجيبة … الجزء: 9 ¦ الصفحة: 215 وهذا ما تنبه له بعض المتأخرين كابن سيده في (المحكم) فنهج نهجاً يعدّ أدق منهج التزمته المعاجم اللغويّة القديمة على الرغم من أنّ ابن سيده لم يف بهذا المنهج وفاءً تاماً لكنه حاول أن يرتب الكلمات ترتيباً داخلياً مقبولاً كتقديم المجرد على المزيد والفعل على الاسم ومثل ذلك فعل الفيروزآبادي في (القاموس) حيث فصل معاني كل صيغة عن الأخرى وقدّم الصيغ المجردة على المزيدة، وأخّر الأعلام، مما عده أحد الباحثين (63) ميزة تميزه عن سائر المعاجم العربية فتخلص بذلك من الاضطراب الذي كان يرغم الباحث على قراءة المادة كلِّها؛ كي يحصل على معاني الصيغة التي يريدها،ولكنه مع هذا لم يسلم من النقد فقد خصص صاحب (الجاسوس على القاموس) باباً من أبواب نقده للترتيب الداخليّ لدى صاحب (القاموس) إذ يقول فيه: ((ومن خلله أنّه لا يذكر المشتقات باطّراد وترتيب، فيخلط الأفعال بالأسماء، والأصول بالمزيدات، والأولى تميّز بعضها من بعض، وربما ذكر في أول المادة أحد معاني اللفظة ثم ذكر باقيها في آخرها ... )) (64) وهو نقد لا ينفرد به (القاموس) وحده بل تشترك فيه سائر معاجم الألفاظ الأخرى، ولعل عذر القدماء في ذلك هو أنّ اللغة العربية لغة اشتقاقية، وعلى ضوء ذلك كان همهم وتنافسهم - كما رأينا - منصباً على الترتيب الخارجيّ للمداخل، فبرعوا في التنافس فيه فتعددت طرقه ومدارسه. وهذا ما دفع أصحاب المعاجم الحديثة إلى معالجة هذا الخلل، بوضع ضوابط للترتيب الداخليّ؛ من أبرزها المنهج الذي نهجته لجنة تأليف (المعجم الوسيط) والذي تمّ بمقتضاه ترتيب المواد المعجميّة على النحو التالي: 1- تقديم الأفعال على الأسماء. 2- تقديم المجرّد على المزيد من الأفعال، أما الأسماء فقد رتبت ترتيباً هجائياً. 3- تقديم ما يدل على المعنى الحسيّ على ما يدل على المعنى العقليّ، والحقيقيّ على المجازيّ. 4- تقديم الفعل اللازم على الفعل المتعدي. (65) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 216 المبحث الثالث: تحليل المادة المعجميّة ويقصد به ما يقدمه المعجم من معلومات حول المادة المعجمية وأهم هذه المعلومات كما يرى المحدثون: (66) أ- ما يتعلق باللفظ، كطريقة النطق، وتحديد الرسم الإملائيّ أو الهجائيّ، وبعض المعلومات الصرفية أو النحوية أو اللغويّة. ب- ما يتعلق بالمعنى، كجلاء الشرح، ووضوحه، وعدم الخلط فيه، وهو يمثل أكبر صعوبة يواجهها صانع المعجم لأسباب من أهمها: 1- صعوبة تحديد المعنى. 2- سرعة التطور والتغير في جانب المعنى. 3- اعتماد تفسير المعنى على جملة من القضايا الدلالية التي تتعلق بمناهج دراسة المعنى وشروط التعريف وعوامل التطور الدلالي والتمييز بين المعاني المركزية وسائر المعاني الأخرى. 4- توقف فهم المعنى في بعض أجزائه على درجة اللفظ في الاستعمال وعلى مصاحبته لكلمات أخرى. (67) وعلى ضوء ذلك تعددت وسائل تحديد المعنى في المعاجم عامّ ة وفي معاجمنا العربية خاصّة وكان من أهمها: 1 - التفسير بالمغايرة وأكثر ما يكون التعبير عنها بلفظ نقيض أوضدّ أو خلاف. 2- التفسير بالترجمة ويكون بشرح المعنى بكلمة أو كلمات من اللغة نفسها أو من لغة أخري. 3- التفسير بالمصاحبة وهو ما يصحب الكلمة من كلمات هي جزء من معناها الأساسي. 4 - التفسير بالسياق سواء كان ذلك السياق سياقاً لغوياً أم مقامياً. 5- التفسير بالصورة وهي من وسائل الإيضاح الحديثة التي تعين على تحديد المعنى ودقته. (68) ونستطيع القول بأن تحليل المادة المعجمية في معاجم الألفاظ القديمة، شمل جانبي الكلمة وهما المبنى والمعنى وفيا يلي توضيح ذلك: أولاً: مايتعلق بالمبنى: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 217 أ: ضبط الكلمة من الناحية النطقيّة: وقد اختلف المعجميون القدماء في الاهتمام بهذا الجانب، فالعين، والجمهرة، والتهذيب مثلاً، لم يعن أصحابها بضبط الكلمة،ولم يجعلوه سمة بارزة لمعاجمهم؛ ذلك أنهم لم يروا حاجة إلى ضبط الكلمة في عصرهم على حين اهتم به المتأخرون ورأوا ضرورته والحاجة إليه، وأول من اهتم به من القدماء - فيما نعلم -القالي في كتابه (البارع في اللغة) ثمّ الجوهريّ في (الصحاح) ثمّ الفيروزآباديّ في (القاموس المحيط) . وقد اعتمد القدماء في ضبط الكلمة على أمور أهمها: 1- الضبط بالنصّ أو العبارة، ومن أمثلة ذلك قولهم: ((شَمَج ثوبه يشمجه شَمْجا بفتح الميم في الماضي وضمها في المستقبل وسكونها في المصدر: إذا خاطه خياطة متباعد الكتب.. .)) (69) . وكقولهم ((دبغ الجلد يدْبَغه ويَدْبُغه بفتح الدال والباء في الماضي، وفتح الباء وضمها في المستقبل، وسكون الباء في المصدر. والدِباغ بالكسر ما يدبغ به. والمدْبغة بفتح الميم والباء: الموضع الذي يُدْبغ فيه)) . (70) 2- الضبط بالوزن أو المثال، ومن أمثلة ذلك قولهم: ((لغب لغبا ولَغوباولُغوبا كمَنَع وسَمِع وكَرُم … أعيا أشدّ الاعياء … )) . (71) وكقولهم ((الرّشَأ، على فَعَلٍ بالتحريك، ولد الظبية الذي قدّ تحرّك ومشى)) (72) . 3- الضبط بالإعجام، ومن أمثلة ذلك قولهم: ((َتَهّتأ الثوب: تقطّع وبَلِي، بالتاء معجمة بنقطتين من فوق وكذلك تهمّأ بالميم)) (73) . ب: ضبط الكلمة من الناحية الصرفيّة والنحويّة واللغويّة، إِذ حاول القدماء تقديم بعض المعلومات الصرفيّة أو النحويّة أو اللغويّة التي تسهم في فهم المعنى وتوضيحه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 218 1- تصريف الأفعال وبيان مشتقاتها ونوعها من حيث التعدي واللزوم؛ كقول الجوهريّ ((سقط الشيء من يدي سقوطاً، وأسقطته أنا. والَمسقَط، بالفتح: السُقوط … والمَسقِط، مثال المجلس: الموضع … وساقطه، أي أسقطه … وسُقط في يده، أي ندم … وقال أبو عمرو: ولا يقال أُسقِط في يده على مالم يسمّ فاعله … )) (74) . 2- بيان الصور غير المستعملة من بعض الأفعال؛ كقول الجوهريّ: ((وقولهم: دع ذا، أي اتركه. وأصله ودع يدع وقد أُمِيتَ ماضيه، لا يقال ودعه وإنما يقال تركه، ولا وادع ولكن تارك، وربما جاء في ضرورة الشعر: ودعه فهو مودع على أصله … )) (75) . بيان ملازمة بعض الأفعال للبناء للمجهول؛ كقول ابن منظور: ((وللعرب أحرف لا يتكلمون بها إلا على سبيل المفعول به وإن كان بمعنى الفاعل مثل زُهِي الرجل وعُِني بالأمر ونُتِجَت الشاة والناقة وأشباهها)) (76) . بيان المفرد والجمع؛ كقول صاحب (العين) : ((وجمع الشَّعر: شُعور وشَعر وأشعار. والشِّعار ما استشعرت به من اللباس تحت الثياب ... وجمعه شُعُر ... والأشعر: ما استدار بالحافر من منتهى الجلد حيث تنبت الشعيرات حوالي الحافر، ويجمع: أشاعر ... )) (77) . 5- بيان جنسه من حيث التذكير والتأنيث؛ كقول ابن سيده: ((شَجُع شَجاعة: اشتدّ بأسه. ورجل شُجاع، وشِجاع، وشَجاع، وأشجع، وشَجِع، وشَجيع، وشِجَعَة، على مثال عنبة ... وامرأة شَجِعَة، وشَجِيعة، وشُجَاعة، وشَجعاء ... )) (78) 6- بيان النسب إلى الاسم؛ كقول صاحب (العين) : ((يقال أديم عُكاظيّ، منسوب إلى عكاظ ... )) (79) وكقوله أيضاً: ((العجم: ضدّ العرب. ورجل أعجميّ: ليس بعربيّ)) (80) . 7- بيان المحذوف من الاسم؛ كقول ابن منظور: ((والأبُ: أصله أَبَوٌ، بالتحريك؛ لأن جمعه أباء مثل قفا وأقفاء، ورحى وأرحاء، فالذاهب منه واو، لأنك تقول في التثنية أبوان ... )) (81) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 219 8- ببيان درجة استعمال اللفظ فأشاروا إلى المستعمل من الألفاظ والمهمل والضعيف والمنكر والرديء والمذموم، ومن أمثلة ذلك، قول الأزهريّ عند كلامه عن باب العين والقاف مع الجيم ((عقم، عمق، قمع، قعم، معق، مقع: مستعملات)) (82) وكقوله في موضع آخر من باب العين ((أهملت وجوهه)) (83) . 9- بيان اللغات الفصيحة أو المذمومة أو المنكرة، ونحو ذلك؛كقول صاحب (العين) مثلاً: ((الصّقْع: الضرب بِبُسسط الكف، صقعت رأسه بيدي، والسين لغة فيه. والديك يصقع بصوته، والسين جائز. وخطيب مصقع: بليغ، وبالسين أحسن، والصقيع: الجليد يصقع النبات، وبالسين قبيح)) (84) وكقول الأزهريّ: ((وقال ابن دريد: الذَّعْج: الدفع، وربما كني به عن النكاح. يقال: ذعجها ذعجاً. قلت: ولم أسمع بهذا المعنى لغير ابن دريد، وهو من مناكيره)) (85) . ويتبيّن لنا مما سبق أن المعجميين القدماء أدركوا أهمية اللفظ في تفسير المعنى وتوضيحه، فدفعهم ذلك إلى الاهتمام بالمادة المعجمية من الناحية الصوتية أو الصرفيّة أو النحويّة أو اللغويّة، غير أنها تتمايز في معالجة هذا الجانب فيتميّز البارع والصحاح والقاموس مثلاً بالضبط، ويتميّز المحكم بالنواحي الصرفيّة والنحويّة، والصحاح بدرجة استعمال الألفاظ والنص على الضعيف والمنكر ونحو ذلك، والمقاييس ببيان المعنى الجامع لأصل المادة ومشتقاتها، ويتميّز اللسان، والتاج بجمع الأقوال وكثرة الشواهد. ثانياً: ما يتعلق بالمعنى: أما الجانب الأخر للكلمة وهو المعنى فقد اهتم به القدماء اهتماماً بالغاً تمثل في وسيلتين من وسائل الشرح والتوضيح هما: (86) أولاً: الشرح بالتعريف، والمراد به تمثيل المعنى بواسطة ألفاظ أخرى أكثر وضوحاً وفهماً. وبالتأمل في المعاجم اللفظيّة القديمة، نستطيع أن نقسم ذلك إلى قسمين رئيسين: أحدهما: الشرح بالتعريف بألفاظ واضحة ومحددة، ومن أمثلة ذلك: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 220 قولهم: ((خَبَع الصّبي خُبُوعاً: أي فُحِم من شدّة البكاء حتى انقطع نفسه)) . (87) فقد شرح المعنى بألفاظ واضحة وحدد معنى الخبوع بأنه حالة تكون من شدّة البكاء المؤدي إلى انقطاع النفس. وقولهم: ((الهُبَع: الحوار الذي ينتج في الصيف في آخر النتاج، والأنثى هبعة وسمّي هبعاً؛ لأنه يهْبَع إذا مشى، أي: يمدّ عنقه ويتكاره ليدرك أمه)) (88) . فقد شرح المعنى بألفاظ بينة وواضحة، وحدد معنىالهُبَع بأنه الحِوار، ثمّ خصص بزمن معين وهو الصيف، ثمّ حدد بآخر النتاج، وبيّن علة تسميته وهي كونه يمدّ عنقه متكارها ليلحق بأمه. وقولهم: ((الغِبّ: أن ترد الإبل الماء يوماً وتدعه يوماً)) (89) . فحدد معنى الغِبّ بأنه ورود الإبل للماء في زمن معين وهو يوم بعد يوم. الآخر: الشرح بالتعريف بألفاظ غامضة وغير محددة، ومن أمثلة ذلك: 1- التعريف بكلمة (نقيض) كقول بعضهم: ((العَقْل نقيض الجهل ومنه عَقَل يعقل عقلاً فهو عاقل)) (90) . 2- التعريف بكلمة (ضِدّ) كقول بعضهم: ((الحقّ ضدّ الباطل)) (91) . 3- التعريف بكلمة (خِلاف) كقول بعضهم: ((والعرض: خِلاف الطول، والجمع أعراض)) (92) . 4 - التعريف بالمرادف كقول بعضهم: ((مضى هزيع من الليل: كقولك مضى جَرْس وجَرْش وهَدِيء كله بمعنى واحد)) (93) . 5- التعريف بكلمة (مثل) كقول بعضهم: ((الكُهْبَة لون مثل القُهْبَة)) (94) . 6- التعريف بكلمة (معروف) كقول بعضهم: ((الخبيص معروف، والخبيصة أخصّ منه. والمخبصة: الملعقة يعمل بها الخبيص)) (95) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 221 ونحو ذلك من التعريفات العامة الغامضة التي لا تفيد شيئاً كقولهم: وادٍ لبني فلان، ومكان معروف، وماء لبني فلان، ونبات في الصحراء، ودويّبة أو طائر، أو موضع، وكقولهم: البياض لون الأبيض، والسواد لون الأسود الخ ذلك من ألفاظ مبهمة وغير محددة المعنى،مما دفع أحد المحدثين إلى اتهام المعاجم اللفظيّة القديمة بابتعادها عن صفات المعجم الجيد إذ يقول: ((وفي الحق أن كثيراً جداً من الألفاظ في المعاجم قد أهمل شرحها إهمالاً شنيعاً فجاءت دلالتها غامضة أو مبتورة وبعدت عن الدقة التي هي من أهم صفات المعجم الجيد)) (96) . والحق أن هذا الذي أشرنا إليه، وإن عدّ عيباً من عيوب المعجم الجيد، إلا أنه لا يقلل من قيمة المعاجم اللفظيّة القديمة إذا قارنّا ذلك بتلك الجهود التي بذلت في جمع المادة وترتيبها، كما تقدم في المبحثين السابقين، بل إن اعتماد الشرح بالتعريف لم يكن هو الوسيلة الوحيدة في بيان المعنى المعجميّ، وممن اعتمد هذه الوسيلة اعتماداً كلياً – فيما أعلم – صاحب (القاموس) ، ولكنّه مع ذلك لم يسلم من النقد اللاذع من صاحب (الجاسوس على القاموس) فجلّ نقده كان منصباً على طريقته في شرح المعنى كالإبهام وقصور العبارة وتعريف اللفظ بالمعنى المجهول ونحو ذلك. (97) أما سائر المعاجم اللفظيّة الأخرى، فقد ضمت إلى جانب الشرح بالتعريف شواهد يستطيع القارئ من خلالها تحديد المعنى المراد، على ما سنبينه فيما يلي. ثانيا: الشرح بالتعريف مقترناً بالشاهد، حيث أدرك معظم المعجميين القدماء، أهمية الشاهد في شرح المعنى فلجأوا إلى الاستشهاد بالنصوص ضمن المعايير التي وضعوها للفصاحة، وكانت نتيجة ذلك أن جاءت مصادر احتجاجهم على النحو التالي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 222 أ - الاحتجاج بالقرآن الكريم: ومن أمثلة ذلك، قول صاحب (العين) : ((عددت الشيء عدّاً: حَسَبْتُهُ وأحْصيته. قال عز وجلّ: {نَعُدُّ لَهُم عَدَّا} (98) يعني أن الأنفاس تُحصى إحصاءً ولها عدد معلوم)) (99) وقول الأزهريّ: ((قال الله عزّ وجلّ: {كَأنَهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِر} (100) معنى المنقعر المنقطع من أصله ... )) (101) . وقول ابن سيده: ((العرش: سرير الملك. وفي التنزيل: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظيِمٌ} (102) وقد يستعار لغيره)) (103) . وقول الجوهريّ: ((هششت الورق أَهُشُهُ هَشَّا: خبطته بعصا لِيَتَحات، ومنه قوله تعالى: {أَهُشُّ بِها على غَنَمِي} (104) . وقول ابن فارس: ((قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرسَلنا الشّيَاطِينَ عَلَى الكَافِرِينَ تَؤُزُهُمْ أَزَّا} (105) قال أهل التفسير: تزعجهم إزعاجاً)) (106) . ب- الاحتجاج بالحديث الشريف: ومن أمثلة ذلك، قول صاحب (العين) : ((الخُشْعَة: قُفٌّ، غلبت عليه السهولة، قفٌّ خاشع وأَكَمَة خاشِعة أي ملتزمة لاطئة بالأرض. وفي الحديث: (كانت الكعبة خُشْعَة على الماء فَدُحِيت منها الأرض) ... )) (107) . وقول الأزهريّ: (( ... (روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مثل الكافر كمثل الأرزة المُجْذِيَة حتى يكون انجعافها مرّة واحدة) . قال أبو عمرو: الانجعاف: الانقلاع. ومنه قيل جَعَفْت الرّجل، إذا صرعته فضربت به الأرض ... )) (108) . وقول ابن سيده: ((وأكل الشيء عُرْضا: أي مُعْتَرِضا. ومنه الحديث: (كُلِ الجُبن عرضاً) أي اعترضه. يعني كله ولا تسأل عنه: أمن عمل أهل الكتاب هو، أم من عمل غيرهم؟)) (109) . وقول الجوهريّ: ((والحِبَّةُ بالكسر: بزور الصحراء مما ليس بقوت. وفي الحديث: (فَيَنْبِتُونَ كما تَنْبُتُ الحِبَّة في حَمِيل السيل) والجمع حبب)) (110) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 223 وقول ابن فارس: ((قال الفرّاء: اَلأَلُّ رفع الصوت بالدعاء والبكاء، يقال منه أَلَّ يَئِلُّ أليلا. وفي الحديث (عَجِبَ ربّكم من أَلِّكم وقنوطكم وسرعة إجابته إيّاكم ... ) (111) . والذي يبدو من تصفح المعاجم اللفظيّة القديمة هو أنّ أصحابها لم يكن بينهم خلاف في الاحتجاج بالقرآن ولا بالحديث الشريف ومن هنا رأينا المعاجم اللفظيّة تحفل بهذين المصدرين، وفي ذلك يقول السيوطيّ: ((ومن ينعم النظر في معاجم اللغة وكتب قواعدها يجد كتب اللغويين أوفر حظّاً في الاستشهاد بالشعر والنثر على السواء في إثبات معنى أو استعمال كلمة، ويجد النحاة يكادون يقتصرون على الِشعر)) (112) . ويعدّ تهذيب اللغة من أبرز معاجم الألفاظ في هذا الجانب، فقد اعتنى بالشواهد القرآنية، والأحاديث النبوية عناية فائقة؛ ولا غرابة في ذلك فقد ربط الأزهريّ خاصّة وعلماء اللغة عامّة بين فهم اللغة ومعرفة الكتاب والسنة يقول الأزهريّ: ((نزل القرآن الكريم والمخاطبون به عرب أولو بيان فاضل وفهم بارع أنزله جل ذكره بلسانهم وصيغة كلامهم الذي نشأوا عليه وجبلوا على النطق به فتدربوا به يعرفون وجوه خطابه ويفهمون فنون نظامه ولا يحتاجون إلى تعلم مشكله وغريب ألفاظه حاجة المولدين الناشئين فيمن لا يعلم لسان العرب حتى يعلّمه ... وبيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - للمخاطبين من أصحابه رضي الله عنهم ما عسى أن تمسّ الحاجة إليه … فاستغنوا بذلك عمّا نحن إليه محتاجون من معرفة لغات العرب والاجتهاد في تعلّم العربية الصحيحة التي بها نزل الكتاب وورد البيان)) (113) . ومما يلاحظ على هذه الشواهد: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 224 1- ميل أصحاب المعاجم إلىشرح الآيات والأحاديث والتعليق عليها، بما يخرجهم عن شرح المادة المعنية، مما أدى إلى تضخم شرح المواد، وذلك نحو قول صاحب العين –تحت مادة لعق: ((وفي الحديث: ((إن للشيطان لعوقاً ونشوقاً يستميل بهما العبد إلىهواه)) فاللعوق اسم ما يلعقه، والنشوق اسم ما يستنشقه)) (114) . فشرح معنى النشوق في غير مادته. ومثل ذلك قول الأزهر-–تحت مادة عج -: ((روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أفضل الحج العجّ والثجّ) قال أبو عبيدة العجّ: رفع الصوت بالتلبية، والثجّ: سيلان دماء الهدي.)) (115) فنلاحظ أنه شرح كلمة (الثجّ) وهي ليست من كلمات المادة. ومثل ذلك قول ابن سيده في مادة (عجل) : ((وقوله تعالى: {خُلِق الإنسان من عَجَلٍ} (116) قيل: إن آدم عليه السلام، حين بلغ منه الروح الرُّكبتين، هم بالنهوض قبل أن يبلغ القدمين، فقال تعالى: {خُلِقَ الإنسَانُ من عَجَلٍ} ... )) (117) فنلاحظ أنه ذكر قصّة نفخ الروح في آدم عليه السلام الجزء: 9 ¦ الصفحة: 225 2- ذكر الوجوه والآراء المختلفة، وذلك نحو قول الأزهري في مادة (عجز) : ((قال الله عزّ وجلّ: {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ في الأرضِ ولا في السّمَاءِ} (118) قال الفرّاء: يقول القائل كيف وصفهم الله أنهم لا يُعجِزون في الأرض ولا في السّماء وليسوا في أهل السماء؟ فالمعنى ما أنتم بمعجزين في الأرض ولا من في السّماء بمعجِز. وقال أبو إسحاق: معناه ما أنتم بمعجزِين في الأرض ولا لو كنتم في السّماء. وقال أبو العباس: قال الأخفش:ما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السّماء، أي لا تعجزوننا هرباً في الأرض ولا في السماء. قال أبو العباس: وقول الفراء أشهر في المعنى، ولو كان قال ولا أنتم لو كنتم في السّماء بمعجزين لكان جائزا)) (119) فنلاحظ أن الأزهريّ لم يكتفِ بقول الفراء ما دام أظهر في المعنى بل أردفه بغيره من الأقوال الأخرى التي لا تكاد تضيف شيئاً جديداً للمعنى المعجميّ. ج- الاحتجاج بالشعر: ويعدّ أبكر صورالاحتجاج اللغويّ، فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تساءل عن معنى قوله تعالى: {أو يأخذهم على تخوّف} (120) فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا يا أمير المؤمنين، التخوف التنقص … قال عمر: فهل تعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال: قال شاعرنا أبو كبير الهذليّ: تخوّف الرّحل منها تامكا قَرِدا كما تخوّف عود النبعة السّفن فقال عمر: ((أيّها الناس عليكم بديوانكم شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم)) (121) . ثمّ أخذ هذا الاتجاه صورته التطبيقيّة على يد حبر الأمة عبد الله بن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما فيما عرف بعد بمسائل نافع بن الأزرق، وأصبح حجة فيما أشكل من غريب القرآن والحديث، حيث وصفه ابن فارس بقوله: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 226 ((والشعر ديوان العرب وبه حفظت الأنساب وعرفت المآثر ومنه تعلمت اللغة وهو حجة فيما أشكل من غريب كتاب الله وغريب حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحديث صحابته رضي الله عنهم)) (122) . وعلى ضوء ذلك قٌسّم الشعراء إلى أربع طبقات: الجاهليون، وهم الذين عاشوا قبل الإسلام، ثمّ المخضرمون، وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ثمّ الإسلاميون، وهم الذين كانوا في العصر الأموي كجرير والفرزدق، وقد عدّهم بعض اللغويين - كأبي عمرو- من المولدين وكان يقول: لقد حسن هذا المولد حتى لقد هممت أن آمر صبياننا برواية شعره، يعني بذلك جريراً. (123) ويقول الأصمعيّ: جلست إليه (يعني أبا عمرو) ثماني حجج فما سمعته يحتج ببيت إسلامي (124) ، وأخيراً المولدون، ويقال لهم المحدثون أيضاً، ويعدّ بشار بن برد (ت167هـ) أول شعراء طبقة المحدثين، وقيل ختم الشعر بإبراهيم بن هَرْمَة (ت176هـ) . (125) ، وعن الاحتجاح بشعر هذه الطبقات؛ يقول السيوطيّ: ((أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام المولدين والمحدثين في اللغة والعربيّة، وفي (الكشاف) ما يقتضي تخصيص ذلك بغير أئمة اللغة ورواتها … )) (126) . وبالتأمل في معاجم الألفاظ نلحظ صحة ما ذكره السيوطيّ، فقد استشهد أصحاب هذه المعاجم بشعراء الطبقات الثلاث الأول، فهذا صاحب (العين) يستشهد بشعر جرير -الذي عدّه أبو عمرو مولداً - إذ يقول في مادة (عق) وقال جرير: فهيهات هيهات العقيق وأهله وهيهات خلّ بالعقيق نواصله أي بَعُد العقيق. (127) كما نجد الازهريّ - في المادة نفسها - يحتج بالأخطل (ت90هـ) والفرزدق (ت110هـ) وهما من طبقة جرير (ت110هـ) . (128) أما طبقة المولدين المحدثين فكان الاستشهاد بشعر بعضهم على استحياء، ولعل ذلك للاستئناس بعربيتهم كبشار بن برد (ت167هـ) ، الذي قال عنه الأصمعيّ: ((بشار خاتمة الشعراء، والله لولا أن أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم)) (129) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 227 ومن هنا رأينا ابن دريد يذكره في (جمهرة اللغة) ويصرح بأنه ليس حجة؛ إذ يقول في مادة (بظبظ) : ((استعمل من معكوسه – الظَبْظَاب – وهو من قولهم ليس به ظبظاب أي ليس به داء – وسألت أبا حاتم عن الظبظاب فلم يعرف فيه حجة جاهليّة إلا أنه قال فيه بيت بشّار وليس بحجة – وأنشد: بُنيّتي ليس بها ظبظاب. ..)) (130) . ومما يلاحظ على المعجميين في هذا الجانب استشهادهم بأبيات غير منسوبة والاكتفاء بقولهم قال الشاعر، أو أنشدنا، أو قال آخر، ونحو ذلك من العبارات التي تخل بالشاهد اللغويّ؛ ذلك أنّه لا يجوز الاحتجاج بشعر أو نثر لا يعرف قائله،خوف أن يكون لمولد، أو من لا يوثق بفصاحته، على حدّ قول السيوطيّ. (131) الخاتمة: وبعد هذا الوصف والتحليل لمعالجة المادة المعجمية في المعاجم اللفظيّة لدى القدماء تبرز لنا الملاحظات التالية: - اختلاف مفهوم الكلمة بين المعجميين وغيرهم من علماء اللغة، نظراً لاختلاف طبيعة معالجتها بين النظريّة والتطبيق، لذلك آثر المعجميون في معالجتهم للكلمة المعيار الدلاليّ؛ لأنه أقرب إلى طبيعة المعجم ومن ثمّ تحرروا من كثير من الحدود التي لا تخدم هذا المعيار. - أن عملية جمع المادة المعجميّة وقف باللغة عند عصور الاحتجاج، فاكتفى المعجميون القدماء بمادتهم اللغويّة التي ورثوها عن الأعراب في البادية، ضمن شروط الفصاحة التي حددوها بحكم الهدف الديني الذي انطلقوا منه، مما فوّت على المعاجم اللفظيّة القديمة ثروة لغويّة كان حقها أن تدرج ضمن مواده مع التنبيه إلى عصرها، أو قائلها، أو القبائل التي انفردت بها. - أن مجال التنافس بين المعجميين القدماء وصل ذروته في صنع المعاجم اللفظيّة، وخاصة فيما يتعلق بالترتيب الخارجيّ للمداخل فظهر لديهم أكثر من نظام أو مدرسة معجمية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 228 - أن معالجة المادة المعجمية في كتاب (العين) تعدّ عملاً سابقاً لعصره، حيث جاءت في صورتها الكاملة جمعاً وترتيباً وتحليلاً، مع كونه باكورة المعاجم اللفظيّة الأخرى، مما يرجح أن كتاب (العين) من صنع الخليل بن أحمد. - اهتم المعجميون في تحليلهم للمادة المعجمية بالمبنى، ولكنه اهتمام فرضته المراحل التطوريّة للمعاجم اللفظيّة، فجاء هذا الجهد متفرقاً في تلك المعاجم، مما يفوت على الباحث الاستفادة الكاملة من تلك الملاحظات القيّمة إلا بعد مشقة البحث، والتمحيص في أكثر من معجم لفظيّ. - اعتمد المعجميون في الجانب التحليليّ للمادة المعجميّة على الشرح بالتعريف المبهم، وعلى الشواهد غير المنسوبة إلى قائليها، وهو أمر يفقد معه العمل المعجميّ قيمته ومصداقيته العلميّة التي طالما يتحراها مستخدم المعجم أو الباحث اللغويّ،ولكنّ ذلك قليل من كثير أجادوا في ضبطه وإتقانه. - أن مما يؤخذ على ترتيب المادة المعجميّة في المعاجم اللفظيّة القديمة، صعوبة البحث عن المادة المعجميّة، فيما يتعلق بالترتيب الخارجيّ للمداخل في بعض مدارسها، وصعوبة الوصول إلى الكلمة المراد البحث عنها فيما يتعلق بالترتيب الداخليّ للمداخل إلا بعد قراءة المادة كاملة. - لم يكن ثمة خلاف بين المعجميين القدماء في الاستشهاد بالقرآن الكريم والحديث الشريف، بينما نجدهم قد اقتصروا في الاستشهاد بالشعر على طبقة الجاهليين، والمخضرمين، والإسلاميين. الهوامش والتعليقات (1) الخصائص، ابن جني 1/314 (2) مقدمة الصحاح،أحمد عبد الغفور عطار ص38 (3) اللغة معناها ومبناها، تمّام حسّان ص315 (4) ينظر: المعجم العربي التاريخي، عبد المنعم عبد الله ص 174 (مقال بمجلة المعجميّة، العددان الخامس عشر والسادس عشر 1409/1410هـ (5) الكلمة دراسة لغويّه ومعجميّة، حلمي خليل ص14 (6) المفصل، الزمخشريّ ص6 (7) شرح الرضي على الكافية 1/9 (8) همع الهوامع، السيوطي 1/3 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 229 (9) شرح المفصل، ابن يعيش 1/18 (10) مناهج البحث في اللغة، تمّام حسّان ص 260 (11) ينظر: المصدر السابق، ودور الكلمة في اللغة ص 45 (12) ينظر: الكلمة دراسة لغويّة ومعجميّة ص17، ومناهج البحث في اللغة ص 261 (13) ينظر: الكلمة دراسة لغويّة ومعجميّة ص 17 (14) المغني الجديد في علم الصرف، محمد حلواني ص 15 (15) مناهج البحث في اللغة، تمّام حسّان ص 262 (16) الكلمة دراسة لغويّة ومعجميّة، حلمي خليل ص 18 (17) ينظر: المعجم العربيّ،حسين نصّار 1 /123، وعلوم اللغة العربية، عمر كحاله ص 13، ومعاجم الموضوعات، محمد سليمان ص 15فما بعدها (18) مقدمة الصحاح، أحمد عبد الغفور عطار ص35 (19) ينظر: رواية اللغة، الشلقانيّ ص 69صرف. (20) معجم البلدان، الحمويّ 2/202، وينظر: ذيل الأمالي والنوادر ص 182 (21) البيان والتبيين، الجاحظ 1/252 (22) ينظر: الفهرست، ابن النديم ص 70 (23) الأمالي، القاليّ 3/39 (24) البيان والتبيين، الجاحظ 1/174 (25) إنباه الرواة، للقفطيّ 1/224 (26) المصدر السابق 2/258 (27) ينظر: رواية اللغة ص 81 (28) الخصائص، ابن جني 3/5، ولمعرفة المزيد عن ذلك ينظر:1/383فما بعدها (29) ينظر: رواية اللغة، الشلقاني 104فما بعدها (30) لمعرفة المزيد عن ذلك ينظر: الاحتجاج بالشعر في اللغة، محمد حسن جبل ص 74 (31) الصاحبي في فقه اللغة،أحمد بن فارس ص33 (32) الاقتراح ص 44،المزهر في علوم اللغة وأنواعها، السيوطي 1/211 (33) الاقتراح ص 44-45،المزهر 1/212 (34) أحمد أمين، ضحى الإسلام ص 263. وقد ردّ هذا التقسيم الشلقانيّ ينظر: رواية اللغة ص 103. وعدّه حسين نصار تقسيماً مقبولاً نظرياً لا عملياً، المعجم العربي 1/33 (35) ينظر: معاجم الموضوعات، محمود سليمان ص52 ينظر: الفهرست، ابن النديم ص 1/64 (37) جمهرة اللغة ص1/4 (38) الصحاح 1/33 (39) تهذيب اللغة 1/40 (40) المصدر السابق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 230 (41) مقدمة الصحاح 1/ 33 (42) مقدمة الجمهرة 1/3 (43) ينظر المزهر 1/93 (44) مقدمة محقق البارع ص64 (45) مقدمة معجم مقاييس اللغة 1/3-5 (46) مقدمة اللسان 1/ ذ (47) مقدمة تاج العروس1/5 (48) لمعرفة المزيد عن هذه الثغرات، ينظر: الاستدراك علي المعاجم العربية، محمد حسن جبل ص 15 فما بعدها (49) ينظر: صناعة المعجم الحديث، مختار ص98 (50) ينظر: مقدمة العين 1/48 (51) ينظر: مقدمة العين 1/45، والمزهر في علوم اللغة وأنواعها 1/90 (52) ينظر: مقدمة العين 1/48، 49، والمعاجم العربية، درويش ص80 (53) ينظر: المعاجم العربية، درويش ص20بتصرف (54) ينظر: مقدمة العين 1/59 (55) ينظر: المعجم العربيّ،حسين نصّار 1/393، والمعاجم العربية، درويش ص34 (56) ينظر: مقدمة الجمرة 1/3 (57) ينظر: مقدمة اللسان 1/ خ (58) ينظر: مقدمة الصحاح 1/33 (59) العين مادة (جعم) 1/239 (60) الجمهرة مادة (بذك) 1/251 (61) تهذيب اللغة مادة (فحش) 1/213 (62) الصحاح مادة (وجب) 1/231 (63) ينظر:المعجم العربي، حسين نصار 2 /589 (64) ينظر:الجاسوس على القاموس، الشدياق ص275 (65) ينظر:مقدمة المعجم الوسيط ص67 بتصرف (66) ينظر:صناعة المعجم الحديث، مختارص115، واللغة معناها ومبناها، تمّام حسّان ص325 (67) ينظر: صناعة المعجم الحديث،مختار ص 117 بتصرف (68) ينظر:المعاجم اللغوية، أبو الفرج ص102 (69) البارع مادة (شمج) ص620 (70) البارع مادة (دبغ) ص351 (71) القاموس مادة (لغب) 1/313 (72) الصحاح مادة (رشأ) 1/53 (73) الصحاح مادة (هتأ) 1/82 (74) الصحاح مادة (سقط) 3/1132 (75) المصدر السابق مادة (ودع) 3/296 (76) اللسان (زها) 2/59 (77) العين مادة (شعر) 1/250 (78) المحكم مادة (شجع) 1/174 (79) العين مادة (عكظ) 1/195 (80) المصدر السابق مادة (عجم) 1/237 (81) اللسان مادة (أبي) 1/12 (82) تهذيب اللغة مادة (عقم) 1/288 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 231 (83) المصدر السابق مادة (غجظ) 1/350 (84) العين مادة (صقع) 1/129 (85) تهذيب اللغة (ذعج) 1/350 (86) لمعرفة المزيد عن هذه الوسائل ينظر: صناعة المعجم الحديث، مختار 120فما بعدها (87) العين مادة (خبع) 1/79 (88) التهذيب مادة (هبع) 1/147 (89) الصحاح مادة (غبب) 1/190 (90) العين مادة (عقل) 1/157 (91) الجمهرة مادة (حقق) 1/62 (92) المحكم مادة (عرض) 1/242 (93) التهذيب مادة (هزع) 1/132 (94) الصحاح مادة (كهب) 1/215 (95) الصحاح (خبص) 3/1035 (96) دلالة الألفاظ، إبراهيم أنيس ص 249 (97) ينظر على سبيل المثال:النقد الثاني، الثالث، الخامس، السادس (98) سورة مريم، الآية 84 (99) مادة (عدد) 1/79 (100) سورة القمر، الآية 20 (101) تهذيب اللغة مادة (قعر) 1/228 (102) سورة النمل، الآية 23 (103) المحكم مادة (عرش) 1/121 (104) الصحاح مادة (هشش) 3/1027 (105) سورة مريم، الآية 83 (106) مقاييس اللغة مادة (أزز) 13 (107) العين مادة (خشع) 1/112 (108) تهذيب اللغة مادة (جعف) 1/384-385 (109) المحكم مادة (عرض) 1/242 (110) الصحاح مادة (حبب) 1/105 (111) مقاييس اللغة مادة (ألل) 1/20 (112) الاقتراح ص 59 (113) مقدمة تهذيب اللغة 1/3-4 (114) العين مادة (لعق) 1/67 (115) تهذيب اللغة مادة (عجج) 1/67 (116) سورة الأنبياء، الآية 37 (117) المحكم مادة (عجل) 1/194 (118) سورة الشورى، الآية 31 (119) تهذيب اللغة مادة (عجز) 1/340 (120) سورة النحل، الآية 47 (121) ينظر: الجامع لأحكام القران، القرطبي 10/110. والكشاف، الزمخشريّ 2/205 (122) الصاحبيّ ص 467 (123) ينظر: البيان والتبيين، الجاحظ 1/321، والعمدة، ابن الرشيق 1/56. (124) ينظر: العمدة، ابن الرشيق 1/56 فما بعدها (125) ينظر: الاقتراح ص55 (126) المصدر السابق ص 54 (127) العين مادة (عق) 1/64 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 232 (128) تهذيب اللغة مادة (عق) 1/56 (129) ينظر: الأغاني لأبي الفرج 3/135 (130) جمهرة اللغة 1/127 (131) ينظر: الاقتراح ص55. المصادر والمراجع 1- الاحتجاج بالشعر في اللغة (الواقع ودلالته) ، محمد حسن حسن جبل، القاهرة، دار الفكر العربي. 2- الاستدراك على المعاجم العربية، محمد حسن حسن جبل، القاهرة، دار الفكر العربي. 3- الاستشهاد والاحتجاج باللغة (رواية اللغة والاحتجاج بها في ضوء علم اللغة الحديث) محمد عيد، القاهرة، عالم الكتب،ط3 (1988م) 4- الاقتراح في علم أصول النحو، جلال الدين السيوطي، تحقيق وتعليق: أحمد سليم الحمصي ومحمد أحمد محمد قاسم، مطبعة الفيصليّة،ط1 (1988م) 5- الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، طبعة دار الكتاب 6- الأمالي، أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي، دار الكتاب (1926م) 7- إنباه الرواة على أنباه النحاة، جمال الدين القفطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتب، دار الكتاب، القاهرة (1973م) 8- البيان والتبيين، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، دار الفكر. ط4 (بدون تأريخ) . 9- البارع في اللغة، أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي، تحقيق: هاشم الطّعان، ساعدت جامعة الكويت في نشره. 10- تاج العروس من جواهر القاموس، العلامة مر تضى الزبيديّ،ط1، المطبعة الخيرية (1306هـ) 11- تاج اللغة وصحاح العربية، العلامة إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار القاهرة، دار الملايين،ط2 (1402هـ) 12- تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهريّ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الدار المصرية للتأليف والترجمة (1384هـ) 13- الجاسوس على القاموس، أحمد فارس الشدياق، القسطنطينية، مطبعة الجو ائب (1299هـ) 14- جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن دريد، دار صابر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 233 15- الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبيّ، دار الكاتب العربيّ للطباعة والنشر، القاهرة (مصور) 16- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، عبد القادر البغداديّ، دار صادر، بيروت (1030-1093هـ) 17- الخصائص، صنعة أبي الفتح عثمان بن جنيّ، تحقيق: محمد على النجار، دار الكتاب العربيّ، بيروت/لبنان. 18- دلالة الألفاظ، إبراهيم أنيس، مكتبة الانجلو المصريّة، ط4 (1980م) 19- دور الكلمة في اللغة، ستيفن أولمان، ترجمة كمال بشر، مكتبة الشباب، القاهرة. 20- رواية اللغة، عبد الحميد الشلقاني، القاهرة، دار المعارف (بدون تأريخ) 21- شرح المفصل، موفق الدين علي بن يعيش، بيروت، عالم الكتب. 22- الصاحبيّ في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها،أحمد بن فارس، تحقيق: السيد أحمد صقر، القاهرة، مطبعة عيسى البابي وشركائه. 23- ضحى الإسلام، أحمد أمين، لجنة التأليف والترجمة والنشر (1357هـ) 24- صناعة المعجم الحديث، أحمد مختار عمر، عالم الكتب، ط1 (1418هـ) 25- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، أبو علي الحسن بن رشيق القيروانيّ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت /دار الجيل. 26- العين، الخليل بن أحمد، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، إيران، مؤسسة دارالهجرة. 27- الفهرست، ابن النديم، بيروت، دار المعرفة. 28- القاموس المحيط، الفيروزآبادي، بيروت، دار الجيل. 29- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشريّ، مصطفى البابي الحلبي (1367هـ) 30- الكلمة دراسة لغوية ومعجمية، حلمي خليل،الهيئة المصرية العامة، فرع الإسكندرية (1980م) . 31- لسان العرب، ابن منظور، بيروت، دار الفكر (صورة) . 32- اللغة العربية معناها ومبناها، تمّام حسّان،الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2 (1979) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 234 33- اللغة العربية وعلومها، عمر رضا كحالة، دمشق،دار المعلم العربي، المطبعة التعاونية (1391هـ) . 34- مجلة المعجمية، جمعية المعجميّة العربية، تونس، العددان الخامس والسادس 1409هـ) 35- المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، أبو الفتح عثمان ابن جنيّ، تحقيق: علي النجدي ناصف وعبد الفتاح شلبي، الجمهورية العربية المتحدة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. 36- المحكم والمحيط الأعظم، علي بن إسماعيل بن سيده، تحقيق: مصطفى السقا وحسين نصار، ط1 (1377هـ) ، مطبعة البابي وأولاده بمصر. 37- المزهر في علوم اللغة وأنواعها، عبد الرحمن جلال الدين السيوطي، شرح وضبط: محمد أبو الفضل وغيره، دار الفكر. 38- معاجم الموضوعات في ضوء علم اللغة الحديث، محمود سليمان ياقوت، الإسكندرية، دارالمعرفةالجامعية (1994م) 39- المعاجم العربية، عبد الله درويش، مكة المكرمة، الفيصلية (1406هـ) . 40- المعاجم اللغوية العربية بداءتها وتطورها، إميل يعقوب،بيروت، دار العلم للملايين، ط2 (1985) . 41- المعاجم اللغوية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث، أحمد أبو الفرج، دار النهضة العربية، ط1 (1966م) . 42- معجم البلدان، ياقوت الحمويّ، بيروت، دار صادر. 43- معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مصطفى البابي الحلبي، ط2 (1389) . 44- المعجم العربي نشأته وتطوره، حسين نصار،دار مصر للطباعة. 45- المعجم العربي بين الماضي والحاضر، عدنان الخطيب، محاضرات ألقاها على طلاب قسم الدراسات الأدبية واللغويّة (1966م) . 46- المعجم الوسيط،مجمع اللغة العربية، القاهرة (بدون تأريخ) 47- المغني الجديد في علم الصرف، محمد خير حلواني، لبنان، بيروت، دار الشرق العربي 48- المفصل في علم العربية، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، بيروت، دارالجيل، ط2 (بدونتأريخ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 235 49- مقدمة الصحاح، أحمد عبد الغفور عطار، القاهرة، ط2 (1402هـ) 50- مناهج البحث في اللغة، الانجلو (1955م) . 51- نشأة النحو وتأريخ أشهر النحاة، محمد الطنطاوي، تعليق: عبد العظيم الشناوي ومحمد عبد الرحمن الكردي، ط2 (بدون تأريخ) . 52- همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، جلال الدين السيوطي، تحقيق وشرح:عبد السلام هارون وعبد العال مكرم، ساعدت جامعة الكويت على نشره. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 236 قضية التنازع في الاستعمال اللغوي د. أبو سعيد محمد عبد المجيد الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا ملخص البحث إن هذا البحث يهدِف إلى تأصيل بعض قواعد النحو العربي من خلال أفصح الأساليب، والكشف عن تلوّن مظاهر هذه القواعد في تقديم هذا الأسلوب، والكشف عن أهمية دراسة النحو في ظلّ الأسلوب القرآني، كما أن فيها حسمًا لبعض قضايا الاختلاف حول المسائل النحوية، ودعوى إلى النظر في التأويل والتخريج النحويين. يسعى هذا البحث إلى دراسة قضية التنازع في الاستعمال اللغوي، ويشتمل على مفهوم التنازع وتعريفه وركنَيْه مع الشروط، وأي العاملَين يعمل في حال التنازع، ويتضمن كذلك حكم الإضمار في العامل المهمل وتعدد العامل والمعمول في أسلوب التنازع، كما احتوى على آراء العلماء في التنازع وتعقيب ومزيد من المناقشة. توصلتْ هذه الدراسة إلى نتائج أهمها: أن تسمية التنازع كانت دقيقةً وموفقةً؛ لأن كل عامل من العوامل يطلب المعمول لنفسه وكأنما يريد أن ينزعه من الآخر ليستأثر به، وأن التعريفات التي استقرّت في كتب النحو تنطلق من نقطة واحدة هي أن التنازع هو عبارة عن توجه عاملَين أو أكثر إلى معمول واحد أو أكثر. إن التنازع قد يقع في الظرف والمفعول المطلق والمفعول معه ولا يقع في المفعول له وفي الحال والتمييز. إن مذهب البصريين أسهل وأحسن وموافق تمامًا للقرآن الكريم. واختتم البحث بتوصيات واقتراحات من أهمها: أن باب التنازع باب أصيل، ولن يمكن إلغاؤها بناء على ما قدّم بعض المحدثين. ويلغى التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعولَين أو ثلاثة مفاعيل؛ لأنها لم ترد في القرآن الكريم ولا في أشعار الشعراء ولا في كلام العرب. التمهيد: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 237 الحمد للَّهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيّد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ............ أما بعد؛ فما من شكٍّ في أنَّ العربَ نسبوا إلى الأمين صلَّى اللَّه عليه وسلّم أخيلةَ الشاعر وسبحاتِ الأديب حين راعى القرآن الكريم خيالَهم بصوره الحية، ومشاهده الشاخصة، وألفاظه الموحية، وفواصله الشافية، فقالوا: شاعرٌ نتربّص به ريبَ المنون، وسحرهم أسلوبُهُ المعجزُ الذي تحدّى أساطينَ البلغاء، وأمراء البيان، ومصاقعَ العلماء، وتحدّى العربَ والعجمَ على أن يأتوا بمثله، وهو جميع كلامِ الله؛ فقال لهم {أَمْ يَقُوْلُوْنَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لاَ يُؤْمِنُوْنَ* فَلْيَأْتُوْا بِحَدِيْثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوْا صَادِقِيْنَ*} [الطور:33 34] ، ثم تنازل لهم عن التحدّي بجميع القرآن إلى التحدّي بعشر سور مثلِهِ، وكانت مفتريات لا أصلَ لها، ولا سندَ، فقال: {أَمْ يَقُوْلُوْنَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوْا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُوْنِ اللهِ إْنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ} [هود:13] ، فلما عجزوا تنازل إلى تحديهم بسورة واحدة من مثله، فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِيْ رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوْا بِسُوْرَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوْا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُوْنِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ} [البقرة:23] ، ولكنهم عجزوا فلم يستطيعوا ولم يقاربوا وهم أمة الفصاحة والبلاغة جلجل صوتُهُ في الآفاق، وتحدّى أممَ العالَم قاطبةً جنًّا وإنسًا مُعْلِنًا: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ والجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوْا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يَأْتُوْنَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيْرًا} [الإسراء:88] ؛ فالعربُ الفصحاءُ عرفوا أسلوبَهُ الذي يَعُلُوْ ولا يُعْلَى عليه، حتى إنَّ الوليدَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 238 بْنَ المغيرة وهو من أشدّ أعداء الإسلام لما سمع شيئا منه رقّ له قلبُهُ وقال:" وَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلاَوَةً وإِنَّ أَصْلَهُ لَعِذْقٌ، وإِنَّ فَرْعَهُ لَجُنَاةٌ" ( [1] ) ، وذلك بسحر بيانه وروعة معانيه ودقّة ألفاظه، ومبانيه، ففكّرَ وقدَّرَ ولكنّ الحظَّ ما كان حليفَهُ، وفي ذلك قال تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ البَشَرِ} [المدثر:18 25] . لا جرمَ أنّ المؤمنين عُنُوا عنايةً كبرى شملتْ نواحيَه المختلفة، وأحاطتْ بكل ما يتصل به؛ لأنه هو البيانُ المعجزُ، وباعث نهضة علمية، ورائد فكر قويم، إذ شَمَرَ الأوائلُ منهم عن سواعدهم يتعهدّونه بقراءاته، وتفسير ألفاظه وبيان أحكامه وأعقبهم آخرون غيارى، تناولوا نصَّهُ بالضبط إعجامًا وإعرابا، أن وجدوا في ألسن المسلمين المستجدّين زيغًا عن قراءته وانحرافا عن فصاحته وقد بدأ اللحن قليلاً منذ أيام الرسول عليه السلام، فقد لَحَنَ رجلٌ بحضرته عليه السلام؛ فقال: " أَرْشِدُوْا أخاكُمْ فَإِنَّهُ قَدْ ضَلَّ" ( [2] ) ، والأنكى أن اللحنَ قد تسرَّبَ إلى قراءة الناس القرآنَ فقد قدم أعرابيٌّ في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه فقال: " من يُقْرِئُنِي شيئا مما أُنْزِلَ على محمد؟ فأقرأه رجلٌ سورةَ البراءة بهذا اللحن {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُوْلِهِ إَلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِىْءٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ ورسوله ... } [التوبة:3] ، بكسر اللام في (رسولِهِ) ؛ فقال الأعرابي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 239 " إن يكنِ الله بريئا من رسوله فأنا أبرأ منه"، فبلغ ذلك عمرَ فدعاه فقال عمرُ: ليس هكذا يا أعرابي" فقال: كيف هي يا أمير المؤمنين"؟ فقال: " ... أن اللَّهَ برىءٌ من المشركين ورسُوْلُهُ" فقال الأعرابي: وأنا أبرأ ممن بَرِئَ الله ورسولُهُ منهم"، فأمر عمرُ ألاّ يُقْرِئَ القرآنَ إلا عالمٌ باللغة" ( [3] ) . ويُنْسَبُ إلى عمر أيضا أنه قال: (تَعَلَّمُوْا العَرَبِيَّةَ فإنها تُثْبِتُ العقلَ وتزيد في المروءة) ( [4] ) ، كما تناول اللاحقون القرآن بالدرس وقراءاته بالتفسير والإعراب، وأفاد منها كلُّ مظهر من مظاهر النشاط الفكريّ والعلميّ. إن علمَ النحو أثرٌ من آثار العقل العربي، فرغ له العباقرة من أسلافنا، فجمعوا أصوله وثبّتوا قواعده، ورفعوا بنيانَه شامخًا ركينا، ومنزلته من العلوم الإنسانية منزلةُ الدستور من القوانين الحديثة، هو أصلها الذي تستمدّ عونه، وهذه العلوم النقلية لا سبيلَ إلى استخلاص حقائقها والنفاذ إلى أسرارها بغير النحو، فهل نُدْرِكُ كلامَ الله تعالى ونفهم دقائق التفسير وغير ذلك من هذه العلوم إلا بإلهام النحو وإرشاده؟. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 240 لقد اعتمد النحاةُ في تقعيد النحو وتأصيله على الشعر، وجعلوه الركيزةَ الأساسيةَ لصياغة القواعد النحوية التي يقاس عليها في الاستشهاد لقضاياه الكلية والجزئية، وأغفلوا أهمّ مصدر من مصادر اللغة وهو القرآن الكريم الذي يعدّ الركنَ الركينَ والحصنَ الحصينَ للغة العربية، فلم يحتجّ النحاةُ بالقرآن الكريم في كثير من القضايا النحوية، مع أنه النص الوحيد الموثوق بصحته وأما غيره من النصوص العربية وفي ذروتها الشعر فقد تطرّقَ إليها التصحيفُ ودخلها كثيرٌ من التغيير، ورأيتُ أن مؤلفاتِ النحو قديمها وحديثها يدورُ بعضها في فلك بعض، فاللاحق يرثُ ما في السابق من مسائل نحوية بشواهدها، ولو أنهم اعتمدوا على القرآن الكريم بالدرجة الأولى لما أدّى إلى اختلاف في هذه المسألة. أرى أن العلماءَ وضعوا (التنازعيةَ) أساسًا لهذه القضية، من هذا المنطلق اختلفوا في أصوله وأحكامه الفرعية؛ ففي جملة التَنَازُع يُوْجَدُ عاملان يحاولُ كلٌّ منهما الاستئثار بمعمول؛ فالأول يطلبُهُ باعتبار أنه أحقُّ من العامل الثاني؛ لأنه جاء أولاً. والعامل الثاني يطلبه باعتباره مجاورًا له وملاصقًا. وعندئذٍ ينشب التنازعُ بين العاملَيْنِ لمحاولة استئثار كل منهما بذلك المعمول؛ فهذا القول أدّى إلى مشكلاتٍ واضطراباتٍ في أحكامه المختلفة، ولهذا وغيره من الأسباب نادى العلماءُ بإلغاء هذا الباب من النحو العربي، ومنهم د. شوقي ضيف وعباس حسن ود. محمد صلاح الدين مصطفى بكر، وسيأتي بيانهم إن شاء الله تعالى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 241 تهدف هذه الدراسة إلى تأصيل قاعدة التنازع من خلال أفصحِ الأساليب على الإطلاق والنصوص اللغوية الأخرى، والكشف عن تلوّن ظاهرة هذه القاعدة في هذا الأسلوب، وإظهار قاعدةٍ فتية قوية، وحسم اختلاف النحاة وتخليصه مما فيه من تقعيد وعسر شديدٍ، والوصول إلى نقطةٍ تكشِف عن الأسرارِ التي تَكْمُنُ فيها مشكلاتُ التقعيد وتقديم حلولٍ مناسبة لعلها تُرْضِيْ العلماءَ وتُقْنِعُ الفضلاءَ إن شاء الله تعالى. مفهوم التنازع: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 242 لا جرمَ أن النحويين اختلفوا في تحديد مصطلح (التنازع) وتعريفه، كما اختلفوا في وجه تسميته وجوانِبِه المختلفةِ، ولم يكن مصطلح التنازع معروفًا لدى سيبويه (ت: 180هـ) . إن القدماءَ لم يهتمّوا به اهتمامًا وافيًا؛ لأن العلومَ كانت في عُنْفُوَانِ شبابها، وتأتي معالجتُهُم له مبعثرةً في كتب النحو. فما نجده من مصطلحاتٍ عند أحدِ النحاة، كثيرًا ما نجد ما يُخالفُهُ لفظًا عند غيره، أو نجد هذا المصطلحَ لمفهوم آخر وذلك في موضع آخر، ناهيك عن تداخل المصطلحات بين العلومِ المختلفة؛ ( [5] ) لذلك أرى أن سيبويه يذكر مسائلَ التنازع تحت عنوان: " هذا باب الفاعِلَيْنِ والمفعُوْلَيْنِ اللّذَيْنِ كلُّ واحد منهما يَفْعَلُ بفاعِلِهِ مثلَ الذي يَفْعَلُ به وما كان نحو ذلك" ( [6] ) " وإن كان رحمه الله لم يجمعْ في الترجمة مسائلَ الباب كما جرت عادته في أكثر أبواب كتابه وإنما اكتفى منها ببعض مسائل الباب اتّكالاً على فهم الباقي في نثر المسائل أو من تفهيم الموقف، ... " ( [7] ) . وتابع الزجاجي (ت: 337هـ) وغيره سيبويه في هذا المفهوم وذكر أحكامَ التنازع تحت عنوان: " باب الفاعلَين والمفعولَيْن اللَّذَيْن يفعل كل واحد منهما بصاحبه مثل ما يفعل به الآخر" ( [8] ) . ونرى المبرّد (ت: 285هـ) يعرِض مسائلَ هذا الباب تحت عنوان:" الإخبار في باب الفِعْلَيْنِ المعطوف أحدهما على الآخر" ( [9] ) . وسار مسيرَه سابق الدين محمد بن علي بن يعيش الصنعاني (ت: 680هـ) فيعرض مسائلَه تحت عنوان: " عقد في باب إعمال الفِعْلَيْنِ اللَّذَيْنِ يعطف أحدهما على الثاني" ( [10] ) . ولم يتعرض الزمخشري (ت: 538هـ) لذكر مصطلح التنازع، ولكنه يذكر مسائله تحت باب الفاعل ويقول: " ومن إضمار الفاعل قولك ضَرَبَنِي وضَرَبْتُ زيدًا ... ولما لم يكن بدّ من إعمال أحدهما فيه أعملت الذي أوليته إياه" ( [11] ) . ويذكر موفق الدين ابن يعيش (ت: 643هـ) مسائلَ هذا الباب تحت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 243 عنوان:" هذا الفصل من إعمال الفِعْلَيْنِ وهو باب الفاعلَيْن والمفعولَيْنِ" ( [12] ) . لقد ظهر هذا المصطلح في الوجود أول ظهوره لدى ابن هشام (ت: 671هـ) ( [13] ) . وقد تابعه النحاة الذين جاؤوا بعده، ويكاد يكون المصطلح قد ستقرّ في كتبهم، إلا أننا نجد أن بعضهم يستعمل مصطلحًا آخر أيضا معه، وهو مصطلح الإعمال بكسر الهمزة عند الكوفيين ( [14] ) . يتضح مما سبق أن مصطلح (التنازع)) قد ظهرت باكورته في نهاية القرن السابع الهجري على الرغم من أن المفهوم كان واضحًا لدى سيبويه في النصوص لا في العنوان، ثم تطورّت واحتلّت مكانًا بارزًا في النحو العربي. التنازع لغةً واصطلاحًا: تعريفه لغةً: يجدر بنا قبل أن نتحدّث عن تعريف التنازع اصطلاحًا أن نشير إلى معناه لغة: وهو مصدر على زنة (تَفَاعَلَ) والتنازع: التخاصم والتجاذب وتنازع القوم في الشيء: اختصموا، وبينهم نزاعة، أي خصومة في حق ( [15] ) . تعريفه اصطلاحًا: لقد عرّفه النحويون بتعريفاتٍ متعددة كلها تعطي المعنى نفسَه مع فروق بسيطة. ومرّ بنا أن سيبويه لم يقدم على عادته التي التزمها في كل موضوعاته تقريبًا أي تعريف دقيق مباشر له، ولكنه يتضح هنا من خلال العنوان حيث قال: " هذا باب الفاعلَين والمفعولَين اللَّذَيْنِ كل واحد منهما يفعل بفاعله مثل الذي يفعل به وما كان نحو ذلك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 244 وهو قولك: ضَرَبْتُ وضَرَبَنِيْ زيدٌ، وضَرَبَنِيْ وضَرَبْتُ زيدًا، تحمل الاسم على الفعل الذي يليه ... " ( [16] ) . وقد عرّفه الزجاجي (ت: 337هـ) بالأسلوب نفسِهِ حيث قال:" باب الفِعْلَيْنِ والمفعولَيْنِ اللَّذَيْنِ يفعل كل واحد منهما بصاحبه مثل ما يفعل به الآخر" ( [17] ) ، وذهب المبرّد إلى أنه: " الإخبار في باب الفِعْلَين المعطوف أحدهما على الآخر وذلك قولك: ضربتُ، وضربني زيدٌ ... " ( [18] ) . وتابعه ابن يعيش الصنعاني (ت: 680هـ) وهو القائل: " عقد في باب إعمال الفِعلَيْنَ اللَّذَين يُعطف أحدهما على الثاني" ( [19] ) . ويذهب موفق الدين ابن يعيش (ت: 643هـ) إلى المعنى نفسه ويقول: " هذا الفصل من باب إعمال الفِعْلَيْن وهو باب الفاعلَيْن والمفعولَين" ( [20] ) . وعرّفه ابن المعطي (ت: 628هـ) بقوله ( [21] ) : عوامِل تنازعُ اسمًا انْجَلَى وَذَاكَ فِيْ عَطْفِ عَوَامِل عَلَى ومنه آتُوْنِيْ أُفْرِغْ قِطْرًا كَمِثْل زَارَنِي وزُرْتُ عمْرًا وقال ابن مالك (ت: 672هـ) ( [22] ) : قَبْلُ فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا العَمَلْ إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسمٍ عَمَلْ وقد قدَّمَ أبو حيان الأندلسي (ت: 745هـ) تعريفًا أوضحَ، وقال: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 245 " أن يتقدّم عاملان فصاعدًا من فعل أو شبهه غير حرف ليس أحدهما للتأكيد مجتمعين على معمول فصاعدًا ... " ( [23] ) . وقد ارتضى ابن هشام الأنصاري (ت: 671هـ) تعريفًا لا يخرج مع طوله عن التعريفات السابقة ولكنه يزيده إيضاحًا حيث قال:" أن يتقدّم فِعْلاَنِ متصرّفان، أو اسمان يُشْبِهانهما، أو فعلٌ متصرّف واسم يُشْبِهه، ويتأخر عنهما معمول غير سببي مرفوع، وهو مطلوب لكل منهما من حيث المعنى" ( [24] ) . وقد تابعه الذين جاؤوا بعده واستقرّ في كتبهم جميعًا، ويذكر عباس حسن من المُحْدَثِين عن النحاة تعريفًا شاملا وقال: " ما يشتمل على فِعْلَيْنِ غالبًا متصرّفَيْن مذكورَين، أو على اسمين يشبهانهما في العمل، أو على فعل واسم يشبههه في العمل، وبعد الفِعْلَين وما يُشْبِههما معمول مطلوب لكل من الاثنين السابقين" ( [25] ) . يبدو لي أن هذه التعريفات التي استقرّت في مؤلفات النحو تنطلق من نقطة واحدة هي أن التنازع هو عبارة عن توجُّّه عامِلَيْنِ أو أكثر إلى معمول واحد أو أكثر. ركنا التنازع: للتنازع ركنان ( [26] ) : 1 الفِعْلاَن أو ما يُشبههما يسمّيان:" عامِلَيْ التنازع". 2 والمعمول يسمّى:" المتنازع فيه". ولكل واحد من هذين الركنَيْنِ شروطٌ عامة، وهي أربعة شروط عند الجمهور: الشرط الأول ( [27] ) : " أن يكون بين العاملين ارتباط فلا يجوز أن نقول: (قَامَ قَعَدَ أَخُوْكَ) إذ لا ارتباطَ بين الفِعْلَيْن، ويحصل الارتباطُ بين العاملين بواحد من ثلاثة أشياء: الرابط الأول: عطف ثانيهما على أولهما بحرف من حروف العطف، نحو أن تقول: " قَامَ وقَعَدَ أَخُوْكَ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 246 الرابط الثاني: كون أولهما عاملا في ثانيهما، نحو قوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوْا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَدًا} [الجن:7] فالعاملان المتنازعان هما (ظنوا وظننتم) ، والمعمول المتنازع فيه هو (أن لن يبعث الله أحدا) ، و (كما ظننتم) معمول ل (ظنوا) ؛ لأن الجار والمجرور صفة لمصدر يقع مفعولا مطلقًا ناصبُهُ (ظنوا) ، والتقدير: ظنوا ظنًّا مماثلا لظنكم أن لا يبعث الله أحدا. الرابط الثالث: أن يكونَ ثاني العامِلَيْن جوابًا للأول معنويا، نحو قوله تعالى: {يَسْتَفْتُوْنَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيْكُمْ فِيْ الكَلاَلَةِ ... } [النساء:176] ، أو صناعيًا، نحو قوله تعالى: {قَالَ آتُوْنِيْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ... } [الكهف:96] ( [28] ) الشرط الثاني: " أن يكونَ العامِلان متقدِّمَين على المعمول، فليس من التنازع عند جمهور النحاة، نحو قولك: (زيدٌ قَامَ وقَعَدَ) ولا نحو قولك: (زيدًا لَقِيْتُ وأَكْرَمْتُ) لتقدّم المعمول في هذين المثالَيْن" ( [29] ) . وأجاز بعض المَغَارِبَة تقدُّم المعمول على العامل، " مستدلاً بقوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَءُوْفٌ رَحِيْمٌ} [التوبة: 128] ( [30] ) ، فإن كلمة (بالمؤمنين) تتعلق ب (رءوف) وكذلك تتعلق ب (رحيم) ، فيكون من باب التنازع. وقد ردَّ الأزهري وقال: " ولا حجةَ له؛ لأن الثاني لم يجئ حتى استوفاه الأول، ومعمول الثاني محذوف لدلالة معمول الأول عليه" ( [31] ) . " وما قاله بعض المغاربة قال به الرضي وعبارته:" وقد يتنازع العاملان ما قبلهما إذا كان منصوباً، نحو: (زيدًا ضربتُ وقتلتُ) و (بِكَ قمتُ وقعدتُ) . وتعقبه البدر الدماميني فقال: يلزم عليه إعمال الثاني تقدم ما في حيّز حرف العطف عليه وهو ممتنع" ( [32] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 247 وليس من التنازع عندهم، نحو قولك: (قَعَدَ زيدٌ وتَكَلَّمَ بخيرٍ) ، ولا نحو قولك: (لقيتُ زيدًا وأكرمتُ) لتوسُّط المعمول بين العاملين خلافًا للفارسي: " ومال المرادي في شرح التسهيل إلى جواز التنازع في التوسط والتقدم" ( [33] ) . الشرط الثالث: أن يكون كل واحد من العاملين موجهًا إلى المعمول من غير فساد في اللفظ أو في المعنى ( [34] ) ، فلاتنازعَ في نحو قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ سَفِيْهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} [الجن::4] ، لاحتمال عمل (كان) في ضمير الشأن؛ فلا تكون متوجةً إلى (سفيهنا) ، ولم يشترط ذلك آخرون، فجوّزوا التنازع في المثال على تقدير عملها في ضمير الشأن، وهذا هو الأظهر ( [35] ) . ولا يقع التنازع في نحو قول جرير ( [36] ) : فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العَقِيْقُ ومَنْ به وهَيْهَاتَ خلٌّ بالعقيقِ نُوَاصِلُه خلافًا للفارسي والجرجاني ( [37] ) ؛ لأن الطالب بالمعمول وهو (العقيق) إنما هو (هيهات) الأول وأما (هيهات) الثاني فلم يؤت به للإسناد إلى العقيق، بل لمجرد التقوية والتوكيد لهيهات الأول، فلا فاعلَ له أصلاً ولهذا قال الشاعر: فَأَيْنَ إِلَى أَيْنَ النَّجَاةُ بِبَغْلَتِيْ أَتَاكَ أَتَاكَ اللاَحِقُوْنَ احْبِسِ احْبِسِ فليس كل واحد من (أتاك أتاك) موجها إلى قوله (اللاحقون) إذ لو توجه كل واحد إليه لقال: أتوك أتاك اللاحقون، أو قال: أتاك أتوك اللاحقون، بل المتوجه إليه منهما هو الأول، والثاني تأكيد له ( [38] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 248 الشرط الرابع: أن يكونَ مذكورين ( [39] ) ؛ " فلا تنازع بين محذوفين، نحو: (زيدًا) في جواب (منْ ضربتَ وأكرمتَ؟) ووجّهَ الروداني كون (زيدا) في المثال ليس من التنازع بأن الجواب على سنن السؤال، و (ضربت وأكرمت) لم يتنازعا (من) لتقدمها، بل عمل فيها الأول، وعمل الثاني في ضميرها محذوفًا فهو مثل (ضربتُ زيدًا، وأكرمتُ زيدًا) ولا تنازع في ذلك، فحينئذ يكون الجواب كالسؤال، والتقدير: (ضربتُ زيدًا، وأكرمتُ زيدًا) فذكر مفعول أحد العاملين المقدرين، وحذف مفعول الآخر: من باب دلالة الأوائل على الأواخر أو العكس لا من التنازع. ولا بين محذوف ومذكور، لقولك في جواب هذا السؤال: (أكرمتُ زيدًا) . ( [40] ) ثم اعلم ثانيًا أن العاملين 1 إما أن يكونا فِعْلَيْن، ( [41] ) نحو قوله تعالى: {كُلُوْا واشْرَبُوْا مِنْ رزْقِ اللهِ ... } [البقرة:60] ، وقال أيضا: {قُلْ تَعَالَوا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ..... } [الأنعام:151] ، وقال أيضا: {آتُوْنِيْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف:96] . 2 وإما أن يكونا وصفَيْن (أ) إما اسمي فاعلَين، ( [42] ) نحو قوله تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِيْنَ وَمُنْذِرِيْنَ لِئَلاَّ يَكُوْنَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ... } [النساء: 165] ، (ب) وإما اسمَيْ مفعولَيْن، نحو قول كثير عزة: قَضَى كُلُّ ذِيْ دَيْنٍ فَوَفَّى غَرِيْمَهُ وَعَزَّةُ مَمْطُوْلٌ مُعَنَّى غَرِيْمُهَا (ج) وإما أن يكونا اسمَي تفضيل، ( [43] ) نحو: (زيدٌ أضبطُ الناسِ وأجمعُهُمْ للعلمِ) (د) وإما أن يكونا صفتَيْن مشبهتَين، ( [44] ) نحو: (زيدٌ جميلٌ ونظيفٌ ظاهرُهُ)) وكقوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِيْ أَقَرِيْبٌ أَمْ بَعِيْدٌ مَّا تُوْعَدُوْنَ} [الأنبياء:109] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 249 3 وإما أن يكونَ العامِلان مصدرَيْن، نحو قولك: (عَجِبْتُ من حبِّك وتقديرِكَ زيدًا) ، ( [45] ) ونحو قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيْ الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتَاعٌ إِلَى حِيْنٍ} [البقرة:36] ، وقال أيضا: {وَعَلَى المَوْلُوْدِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوْفِ ... } [السورة نفسها: 233] ، أو يكون ثلاثة مصادر، كقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءِ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلمُسْلِمِيْنَ} [النحل:89] . 4 وقد يكونان مختلفَيْن ( [46] ) (أ) أحدهما فعل والآخر اسم فعلٍ، نحو قوله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرُءُوْا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] ، (ب) أو أحدهما فعل والآخر اسم فاعلٍ، نحو قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّيْ فِيْ المِحْرَابِ ... } [آل عمران:39] ، (ج) أو أحدهما فعل والآخر مصدر، نحو قوله تعالى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُوْنَ} [النحل:1] ، (د) أو المتنازع فعل ومصدران، نحو قوله تعالى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ... } [المائدة:14] . " ويُشْتَرَطُ في الفعل زيادة على الشروط العامة التي قدّمنا ذكرها أن يكون متصرفا؛ فلا يجوز أن يكون جامدًا كعسى وليس، وفعل التعجب، ونعم وبئس، وفي هذا خلاف لبعض النحويين ... ويُشْتَرَطُ في غير الفعل أن يكون مشابهًا للفعل في العمل، فلا يجوز أن يكون وصفًا غير عامل كاسم الفاعل واسم المفعول إذا كانا بمعنى الماضي". ( [47] ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 250 وعُلِمَ مما قدّمنا " أن التنازعَ لا يقع بين حرفَيْن؛ لأن الحروف لا دلالةَ لها على الحدث حتى تطلب المعمولات وأجاز ابن العلج التنازعَ بين الحرفين مستدلاً بقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوْا ... } [البقرة: 24] ؛ فقال تنازع (إِنْ ولَمْ) في (تفعلوا) وردّ بأن (إِنْ) تطلب مثبتًا و (لَمْ) تطلب منفيًا وشرط التنازع الاتحاد في المعنى". ( [48] ) " ولا يقع التنازع بين حرف وغيره من فعل واسم ومن أجاز بين حرفين أجازه بين الحرف وغيره، كما نقل ابن عمرون عن بعضهم أنه جوّز تنازع لعلّ وعسى، نحو: (لعل وعسى زيد أن يخرجَ) على إعمال الثاني، (ولعل وعسى زيدًا خارج) على إعمال الأول، وردّ بأن منصوب عسى لا يحذف". ( [49] ) ولا يقع التنازع بين عاملَيْن (جامدين) ؛ لأن التنازع يقع فيه الفصل بين العامل ومعموله والجامد لا يفصل بينه وبين معموله. ( [50] ) " ولا يقع التنازعُ بين جامد وغيره من فعل أو اسم متصرف وعن المبرد في كتابه المدخل إجازته في فِعْلَيْ التعجب مع جمودهما سواء كانا بلفظ الماضي أو بلفظ الأمر فالأول، نحو: (مَا أَحْسَنَ وأَجْمَلَ زيدًا)) فتعمل الثاني في الاسم الظاهر وتعمل الأول في ضميره وتحذفه؛ لأنه فضلة، والثاني، نحو: (أَحْسِنْ بِهِ وأَجْمِلْ بعمرو) فتعمل الثاني في الظاهر المجرور وتعمل الأول في ضميره المجرور ولا تحذفه". ( [51] ) ولا يمتنع التنازعُ في السببي المنصوب، نحو: (زيدٌ ضرب وأكرمَ أخاه)) ؛ لأن السببي وهو (أخاه) منصوب بأحد العاملَين والربط موجود بالضمير المستتر، أو بالمضاف إليه السببي، ومنع الشاطبي ( [52] ) التنازع في السببي المنصوب وعلله بأنك إن أعملت الأول أو الثاني فلابد من ضمير يعود على السببي، وضمير السببي لا يتقدم عندهم عليه، قال ابن خروف: " لأنه لو تقدّم كان عوضا من اسمين مضاف ومضاف إليه وهذا مما لا سبيلَ إليه". فالوجه امتناع التنازع في السببي مطلقًا". ( [53] ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 251 وإن كان المتنازع فيه ضميرًا منفصلاً منصوبًا، نحو: (ما ضربتُ وما أكرمتُ إلا إياك) جاز أن يكون من باب التنازع، وتكون قد حذفت المفعول مع (إلا) من الأول مع إعمال الثاني، أو من الثاني من إعمال الأول، إذ المفعول يجوز حذفه بخلاف الفاعل، وكذا المجرور المنصوب المحل، نحو: (قمتُ وقعدتُ بك) فعلى هذا يجوز التنازعُ في المضمر المنفصل والمجرور ولا سيما إذا تقدّم ذلك الضمير على العاملَيْنِ، نحو: (إياك ضربتُ وأكرمتُ) . ( [54] ) أي العاملين يعمل في حال التنازع: اتفق البصريون والكوفيون على جواز إعمال أي العاملين شئت، ثم اختلفوا في المختار، فاختار الكوفيون إعمال الأول، والبصريون إعمال المتأخر. " واحتجّ الكوفيون بالنقل والقياس على أن إعمال الأول أولى. أما النقل فلمجيئه في كلامهم كثيرًا، قال امرؤ القيس: ( [55] ) فَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيْشَةٍ كَفَانِيْ ولَمْ أَطْلُبْ، قَلِيْلٌ مِنَ المَالِ فأعمل الفعل الأولَ، ولو أعمل الثاني لنصب (قليلا) وذلك لم يروه أحد. وقال المرار الأسدي: ( [56] ) وسُوْئِلَ لَوْ يُبِيْنُ لنا السُؤَالاَ فَرَدَّ عَلَى الفُؤَادِ هَوًى عَمِيْدًا بِهَا يَقْتَدْنَنَا الخُرُدَ الخِدَالاَ وَقَدْ نَغْنَى بِهَا ونَرَى عُصُوْرًا فأعمل الأول ولذلك نصب (الخرد الخدالا) ولو أعمل الفعل الثاني لقال: (تقتادنا الخرد الخدال) بالرفع". ( [57] ) " وقال عمربن أبي ربيعة: ( [58] ) تُنْخل فاسْتاكتْ بِهِ عُوْدُ إِسْحَلِ إذَا هِيَ لَمْ تَسْتَكْ بِعُوْدِ أَرَاكَةٍ فرفع (عود إسحل) ب (تنخل) ولو أعمل الثاني لقال: فاستاكت بعود إسحل؛ لأن استاكت لا يتعدّى بنفسه". ( [59] ) " وقال ذو الرمة: ( [60] ) لئيما أن يكونَ أَفَادَ مالاَ وَلَمْ أَمْدَحْ لأُرْضيه بشعري ف (لئيما) منصوب بأمدح بدليل الإضمار في قوله: لأرضيه". ( [61] ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 252 أما القياس فلأن المتقدمَ أولى بالأعمال لاعتناء العرب به وجعله في أول الكلام. ومما يقوّي مذهبهم أن يقولوا: قد وجدنا من كلام العرب أنه متى اجتمع طالبان وتأخر عنهما مطلوب وكل واحد منهما يطلبه من جهة المعنى فإن التأثير للمتقدم منهما. دليل ذلك القَسَم والشرط إذا اجتمعا فإن العرب تبني الجواب على الأول منهما وتحذف جواب الثاني لدلالة جواب الأول عليه تقول: (إنْ قَامَ زيدٌ واللهِ يَقُمْ عمروٌ، واللَهِ إِنْ قَامَ زيدٌ ليقُوْمَنَّ عمروُ) ، فكذلك أن يكونَ الاختيار إعمال الأول". ( [62] ) ودليل آخر أنه لا يجوز إلغاء (ظننت) إذا وقعت مبتدأة، نحو: ظننت زيدًا قائمًا، بخلاف ما إذا وقعت متوسطة أو متأخرة، نحو: (زيدٌ ظننت قائم، وزيدٌ قائمٌ ظننتُ) وكذلك لا يجوز إلغاء (كان) إذا وقعت مبتدأة، نحو: (كان زيدٌ قائما) بخلاف ما إذا كانت متوسطة، نحو: (زيدٌ كان قائمٌ) فدلّ على أن الابتداء له أثر في تقوية عمل الفعل. واحتجّوا بأن إعمال الثاني يؤدي إلى الإضمار قبل الذكر، والإضمار قبل الذكر لا يجوز في كلامهم. ( [63] ) ودليل آخر" أنّا رأينا العربَ تراعي المتقدم في قولهم: (عندي ثلاثة ذكور من البط) ، و (عندي ثلاث من البط ذكور) ، فأتوا بالتاء مع ثلاثة لما تقدّم لفظ ذكور، وحذفوها لما تقدم لفظ البط، فدلّ ذلك على مراعاتهم المتقدم". ( [64] ) " وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أنّ الاختيار إعمال الفعل الثاني النقل والقياس. أما النقل فقد جاء كثيرًا، قال تعالى: {آتُوْنِيْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] ؛ فأعمل الفعل الثاني وهو أفرغ، ولو أعمل الفعل الأول لقال أفرغه عليه، وقال أيضًا {هَاؤُمُ اقْرَءُوْا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] ؛ فأعمل الثاني وهو (اقرءوا) ، ولو أعمل الأول لقال: اقرءوه، وقال الفرزدق: ( [65] ) بَنُوْ عَبْدِ شَمسٍ مِنْ مَنَافٍ وَهَاشِمِ وَلَكِنَّ نَصْفًا لَوْ سَبَبْتُ وسَبَّنِيْ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 253 فأعمل الثاني، ولو أعمل الأول لقال: (سببت وسبّوني بني عبد شمس) بنصب (بني) وإظهار الضمير في (سبني) ، وقال طُفَيْل الغَنَوِي: ( [66] ) جَرَى فَوْقَهَا وَاسْتَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ وَكُمْتًا مُدَمَّاةً كَأَنَّ مُتُوْنَهَا قد أعمل الشاعر الثاني ولو أعمل الأول لرفع (لون مذهب) . وقال رجل من باهلة: ( [67] ) تُصْبِي الحليمَ ومِثْلُهَا أَصْبَاهُ وَلَقَدْ أَرَى تَغْنَى بِهِ سَيْفَانَةٌ قد أعمل الشاعر الثاني في (سيفانة)) بدليل مجيئه مرفوعًا". ( [68] ) " وأما القياسُ فهو أن الفعل الثاني أقرب إلى الاسم من الفعل الأول وليس في إعماله دون الأول نقض معنى، فكان إعماله أولى، ألا ترى أنهم قالوا: (خشنت بصدرِهِ وصدرِ زيدٍ) فيختارون إعمال الباء في المعطوف، ولا يختارون إعمال الفعل فيه؛ لأنها أقرب إليه منه وليس في إعمالها نقض معنى، فكان إعمالها أولى. والذي يدل على أن للقرب أثرًا أنه قد حملهم القرب والجوار حتى قالوا: (جُحْرُ ضبٍ خربٍ) فأجروا (خربٍ) على (ضب) وهو في الحقيقة صفة للجحر؛ لأن الضب لا يوصف بالخراب". ( [69] ) " ودليل آخر أن إعمال الأول يلزم منه الفصل بين العامل ومعموله بجملة قطعًا، والفصل بين العامل ومعموله بجملة قطعًا لا نظيرَ له إلا في الاعتراض، والاعتراض لا اعتبارَ له لقلته. ودليل آخر وهو أن إعمال الثاني أكثر في كلام العرب بدليل قول سيبويه: " ولو لم تحمل الكلام على الآخر لقلت: ضربت وضربوني قومك، وإنما كلامهم: ضربت وضربني قومك". ( [70] ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 254 فهذا النص يقتضي أن العرب لا تعمل إلا الثاني لأنه ذكره بلفظ (إنما) التي للحصر، فلو اقتصر عليه لما كان عن عمل الثاني عدول، ولكنه قال بعد بأسطار " وقد يجوز: ضربت وضربني زيدًا؛ لأن بعضهم يقول: متى رأيت أو قلت زيدًا منطلقًا ... ". ( [71] ) فذكره في الأول بلفظ (إنما) كما تقدم، وقوله في الثاني لأن بعضهم يدل على أن إعمال الثاني هو الكثير، وإعمال الأول قليل، وهذا إنما قاله سيبويه نقلاً عن العرب، بدليل قوله: " وإنما كلامهم" والحملُ على ما كثر في كلام العرب أولى من الحمل على ما قلّ". ( [72] ) رد البصريين على أدلة الكوفيين: " أما قول امرئ القيس: كَفَانِيْ ولَمْ أَطْلُبْ قَلِيْلٌ مِنَ المَالِ فَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيْشَةٍ فنقول: إنما أعمل الأول منهما مراعاةً للمعنى؛ لأنه لو أعمل الثاني لكان الكلام متناقضًا، وذلك من وجهين، أحدهما: أنه لو أعمل الثاني لكان التقدير فيه: كفاني قليلٌ ولم أطلب قليلاً من المال، وهذا متناقض؛ لأنه يخبرنا تارةً بأن سعيه ليس لأدنى معيشة، وتارةً يخبرنا بأنه يطلب القليل، وذلك متناقض، والثاني أنه قال في البيت الذي بعده: وَقَدْ يُدْرِكُ المَجْدَ المُؤَثَّلَ أَمْثَالِيْ وَلَكِنَّمَا أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ فلهذا أعمل الأول ولم يُعمِل الثاني، وأما قول الآخر: بِهَا يَقْتَدْنَنا الخُرُدَ الخِدَلاَ وَقَدْ نَغْنَى بِهَا ونَرَى عُصُوْرًا فنقول إنما أعمل الأول مراعاةً لحركة الرويّ؛ فإن القصيدة منصوبة، وإعمال الأول جائز، فاستعمل الجائز ليخلص من عيب القافية، ولا خلاف في الجواز، وإنما الخلاف في الأولى". ( [73] ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 255 وأما قولهم: إن المتقدمَ أولى بالإعمال لاعتناء العرب به؛ " فنقول: لو أعملوا الأول لراعوه من كل وجه، وأهملوا الثاني من كل وجه، وهذا نقيض الحكمة، بل جعلوا تقدم الأول عناية به من وجه، وإعمال الثاني عناية من وجه، فأعطوا لكل منهما حصةً من العناية، على أنا نقول: إعمال الثاني لا يمنع الأول شيئًا من العناية على أن لا تصير إلى إعمال الثاني إلا بعد إعطائنا الأول ما يستحقه إما مضمرًا فيه إن طلب فاعلاً، أو محذوفًا معه إن طلب مفعولاً بخلاف إعمال الأول، فإنا نذكر العامل الثاني قبل توفية الأول ما يقتضيه، فلو قيل بما ذكرنا إن إعمال الثاني أتم في الاهتمام بالأول من إعماله لم يبعد ذلك". ( [74] ) " وأما قولهم:" لو أعملنا الثاني لأدّى إلى الإضمار قبل الذكر" فنقول: إنما جوّزنا ههنا الإضمار قبل الذكر لأن ما بعده يفسّره لأنهم قد يستغنون ببعض الألفاظ عن بعض إذا كان في الملفوظ دلالة على المحذوف لعلم المخاطب، قال تعالى: {وَالحَافِظِيْنَ فُرُوْجَهُمْ وَالحَافِظَّاتِ وَالذَّاكِرِيْنَ اللَّهَ كَثِيْرًا وَالذَّاكِرَاتِ ... } [الأحزاب:35] ، فلم يعمل الآخر فيما عمل في الأول استغناءً عنه بما ذكره قبل ولعلم المخاطب أن الثاني قد دخل في حكم الأول، وقال الله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِىْءٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ وَرسُوْلُهُ ... } [التوبة:3] ، فاستغنى بذكر خبر الأول عن ذكر خبر الثاني". ( [75] ) وأما قولهم: أنا رأينا العرب تراعي المتقدم في قولهم: " عندي ثلاثة ذكور من البط ... " " فنقول: ما ذكرتم دليل لنا لا لكم؛ لأن العرب راعت فيه الأقرب إلى العدد فذكرته إذا تقدم (الذكور) أقرب إليه، وأنَّثتْه إذا تقدم (البط) لقربه منه أيضا، ثم ذكرتم معارض بقول العرب: (علمتُ لزيدٌ منطلقٌ، وعلمتُ أزيدٌ منطلقٌ، وعلمتُ ما زيدٌ منطلقٌ) ، فإنهم راعوا الثاني في اللفظ لقربه دون الأول". ( [76] ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 256 وأما قولهم:" القَسَم والشرط إذا اجتمعا فإن العرب تبني الجواب على الأول ... " فنقول:" إذا اجتمع طالبان فلا يخلو إما أن يكونا عاملَيْن أو ليسا كذلك، فإن لم يكونا عاملَيْن فقد يكون الأمر كما ذكرتم في اجتماع الشرط والقسم من مراعاة الأول وقد يراعي الثاني كما ذكرنا في: علمت أزيد منطلق، وأما إذا كان الاثنان عاملين فإنما تعمل العرب الثاني منهما، بدليل قولنا: إن لم يقم زيدٌ قمتُ، فإنه لما اجتمع حرف الشرط و (لم) وهما جازمان، جزمت الفعل (بلم) دون (إِنْ) بدليل وقوع جواب الشرط فعلاً ماضيًا في فصيح الكلام، ولو كان الجزم (بإن) لما وقع جواب الشرط ماضيًا وقد عمل حرف الشرط في الفعل إلا في الشعر على الأصح، فعرفنا أن العمل ل (لم) دون (إِنْ) وإذا لم يكن إعمال الثاني هنا واجبًا كما كان في اجتماع (إن ولم) فلا أقل من أن يكونَ أولى". ( [77] ) إن احتاج الأول إلى مرفوع ففي المسألة ثلاثة مذاهب: 1 مذهب سيبويه (180هـ) :الإضمار قبل الذكر. ( [78] ) 2 مذهب الكسائي (ت: 189هـ) : " الكسائي وهشام الضرير والسهيلي من الكوفيين يوجبون الحذف للضمير المرفوع على الفاعلية أو شبهها هربًا من الإضمار قبل الذكر وتمسكًا بظاهر قول علقمة بن عبدة يمدح الحرث ابن جبلة الغساني: رِجَالٌ فَبَذَّتْ نَبْلَهُمْ وَكَلِيْبُ" ( [79] ) تَعَفَّقَ بِالأَرْطَى لَهَا وَأَرَادَهَا قد استشهد جماعة من النحاة منهم الكسائي وهشام من الكوفيين والسهيلي وابن مضاء من المغاربة على أنه إذا أعمل ثاني العاملَيْن في لفظ المعمول وأعمل الأول في ضميره، وجب حذف هذا الضمير ولو كان الضمير مرفوعًا، لئلا يلزم على ذكره عود الضمير على متأخر، وقد جرى في هذا البيت على هذا، فقوله (رجال) فاعل بقوله (أرادها) وحذف ضمير الرجال من (تعفق) ولو أظهره لقال (تعفقوا) وأرادها رجال". ( [80] ) وكذلك قال ذو الرمة: ( [81] ) ثلاثُ الأثَافِي والرسُومُ البلاقِعُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 257 وَهَلْ يَرْجِعُ التسليمَ أو يَكْشِفُ العَمَى ولو أضمر فاعل الفعل الأول لقال: أو يكشفن، إذ الفرق بين مذهب سيبويه رحمه الله تعالى ومذهب الكسائي إنما يظهر بالتثنية والجمع، فيبرز الضمير فيهما على مذهب سيبويه رحمه الله، وأما على مذهب الكسائي فالإفراد والتثنية والجمع بمنزلة واحدة لحذف الفاعل. إن الذي يدل على صحة مذهب سيبويه أنه قد حكى من كلام العرب: ضربوني وضربت قومك وضرباني وضربت الزيدين، وهذا لا يخرج إلا على مذهب سيبويه. وأما هذان البيتان فقد يتخرجان على أن يكون الضمير فيهما عائدًا على الجمع بلفظ المفرد، فاستتر كما يستتر في حال الإفراد، والدليل من كلام العرب على جواز عود الضمير على المثنى والمجموع على حد عوده على المفرد ما حكي من كلام العرب هو أحسنُ الفتيان وأجملُهُ وأحسن بني أبيه وأنبله ( [82] ) . وقد كان ينبغي أن يقول: وأجملهم وأنبلهم، فأجري ذلك مجرى المفرد. ومنه قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِىْ الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيْكُمْ مِمَّا فِيْ بُطُوْنِهِ ... } [النحل:66] ولم يقل في بطونها. ( [83] ) 3 مذهب الفراء (ت:207هـ) : " والفراء يقول إن استوى العاملان في طلب المرفوع وكان العطف بالواو فالعمل لهما؛ لأنهما لما كان مطلوبهما واحدًا كانا كالعامل الواحد، نحو: (قَامَ وقَعَدَ أَخَوَاكَ) ف (أخواك) مرفوع عنده ب (قام وقعد) فيكون الاسم الواحد فاعلاً لفِعْلَيْنِ مختلفَيْنِ لفظًا ومعنًى". ( [84] ) " وهذا فاسد لأنه قد تقرّر أن كل عامل، يحدث إعراباً، وعلى مذهب يكون العاملان لا يحدثان إلا إعرابا واحدًا. وهذا الذي قاله كسر لما اطّرد في كلام العرب من أنه لابد لكل عامل من إحداث إعراب وأيضا فالسماع يرد عليه ألا ترى قول الطُفَيْل الغَّنَوِي: جَرَى فَوْقَهَا واسْتَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ وَكُمْتًا مُدَمَّاةً كَأَنَّ مُتُوْنَهَّا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 258 بنصب (لون) ، فأعمل الثاني وهو (استشعرت) مع احتياج الأول وهو (جرى) إلى مرفوع وليس العاملان متفقين في العمل فيعملها في (لون) فلم يبق إلا مذهب سيبويه رحمه الله أو مذهب الكسائي". ( [85] ) " وجاز عند الفراء وجه آخر وهو أن يأتي بفاعل الأول ضميرًا منفصلاً بعد المتنازع فيه لتعذر المتصل بلزوم الإضمار قبل الذكر هذا هو النقل الصحيح عن الفراء. وإن اختلف العاملان في طلب المعمول فإن كان أولهما يطلب مرفوعا أضمرته مؤخرا وجوبًا ك (ضرَبَنِيْ وضربتُ زيدًا هو) ف (هو) فاعل (ضربني) وإنما أخّر عن الظاهر هربًا من الإضمار قبل الذكر ولم يحذفه هربًا من حذف الفاعل، هذا كله إذا احتاج الأول لمرفوع مع إعمال الثاني". ( [86] ) حكم الإضمار في العامل المهمل: قلنا إنك لو أعملت أحد العاملين في الظاهر أعملت الآخر (المهمل) في ضمير ذلك الاسم الظاهر. ولكن تارةً يجب الإضمار في العامل المهمل، وتارةً يمتنع، وتارةً يجب فيه الإتيان بالظاهر بدل الضمير وإليك التفصيل: وجوب الإضمار: ويجب الإضمار، أي: ذكر ضمير الاسم الظاهر في العامل المهمل في ثلاث حالات: الحالة الأولى: إذا كان مطلوب العامل المهمل مرفوعًا (لا يجوز حذفه) كالفاعل ونائبه، ففي تلك الحالة: يجب الإضمار في العامل المهمل سواء كان هو العامل الأول، أم الثاني: وذلك كقولك: (يُحْسِنُ ويُسِيءُ ابناكَ)) فكل واحد من (يحسن ويسيء)) يطلب (ابناك) فاعلاً، فإذا أعملت الثاني في الاسم، وجب أن تضمر في الأول فاعله، فتقول: (يُحْسِنَانِ ويُسِيءُ ابناك) ، وإذا أعملت الأول، وجب أن تضمر في الثاني في فاعله، فتقول: (يُحْسِنُ ويُسِيْئَانِ ابناك) ، ومثاله: (بَغَى واعْتَدَيا عبداك) بإعمال الأول ووجوب الإضمار في الثاني؛ لأن ترك الإضمار يؤدي إلى حذف الفاعل، والفاعل يلتزم ذكره. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 259 فأنت ترى: أنه وجب الإضمار في المهمل أيا كان ولا يجوز ترك الإضمار، فلا تقول: (يُحْسِنُ ويُسِيْءُ ابناك) ولا (بغى واعتدى عبداك)) ؛ لأن ترك الإضمار يؤدي إلى حذف الفاعل، والفاعل ملتزم ذكره. وأجاز الكسائي ترك الإضمار وحذفه، بناء على مذهبه في جواز حذف الفاعل، وأجاز الفراء على توجه العاملَين معًا إلى الاسم الظاهر كما سبق. والسبب في إجازتهما ذلك أي: ترك الإضمار، أنهما يمنعان الإضمار في الأول عند إعمال الثاني، فلا تقول عندهما: يحسنان ويسيء ابناك. ( [87] ) الحالة الثانية: إذا كان مطلوب العامل المهمل منصوبا، لكنه في الأصل عمدة، أي مرفوعا، كمفعولي (ظن وأخواتها)) فإن أصلهما المبتدأ والخبر، ففي تلك الحالة، يجب الإضمار أي، ذكر ضمير الظاهر في العامل المهمل سواء كان هو الأول أم الثاني: غاية الأمر، أن العامل المهمل لو كان هو الأول، وجب الإضمار مؤخرًا، مثل: ظنني وظننت زيدًا عالمًا، إياه. ولو كان العامل المهمل هو الثاني: أتيت بالضمير متصلا به أو منفصلا عنه فتقول: ظننت وظننته زيدًا عالمًا، أو ظننتُ وظنّني إياه زيدًا عالمًا. ( [88] ) الحالة الثالثة: إذا كان مطلوب العامل المهمل منصوبا ليس عمدة أو كان مجرورا وفي تلك الحالة لا يخلو: إما أن يكونَ العامل المهمل هو الأول أو الثاني، فإن كان المهمل هو الأول: لم يجز فيه الإضمار، بل يحذف منه الضمير فتقول: (أَكْرَمْتُ وأكَرَمَنِيْ خالد، ومررت ومرّ بي خالد) ، بحذف الضمير المنصوب والمجرور من الأول، ولا يجوز ذكره، فلا تقول: (أكرمته وأكرمني خالدٌ، ولا مررت به ومرّ بي خالد) ؛ لأنه فضلة يستغنى عنه فيحذف ولا داعي لإضماره أولا. ( [89] ) وقد جاء في الشعر ذكر الضمير المنصوب أولا، كقول الشاعر: ( [90] ) جِهَارًا فَكُنْ فِيْ الغَيْبِ أَحْفَظَ للعهدِ إِذَا كُنْتَ تُرْضِيْهِ ويُرْضِيْكَ صاحبٌ يُحَاوِلُ وَاشٍ غَيْرَ هِجْرَانِ ذِيْ وُدِّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 260 وَأَلْغِ أَحَادِيْثَ الوُشَاةِ؛ فَقَلَّمَا والشاهد: (ترضيه ويرضيك) ؛ فالأول يطلب (صاحب) مفعولا به والثاني يطلبه فاعله، فأعمل الثاني. ولم يحذف من الأول ضميره مع أنه فضلة، والقياس حذفه من الأول، فتقول: (ترضي ويرضيك) . وإن كان العامل المهمل هو الثاني وجب الإضمار، أي: ذكر ضمير المنصوب أو المجرور، فتقول: (أكرمني وأكرمته خالد، ومرّ بي ومررت به خالد) ، ولا يجوز حذف الضمير في الثاني، فلا تقول: (أكرمني وأكرمت خالدٌ، ولا مرّ بي ومررت خالدٌ) . ( [91] ) وقد جاء في الشعر حذف الضمير في العامل الثاني، كقول عاتكة بنت عبد المطلب: ( [92] ) - إذا هُمُ لَمَحُوْا - شُعَاعُهْ بِعُكَاظَ يُعْشِي النَاظِريْن ف (يعشي) يطلب (شعاعه) فاعلاً، ولمحوا يطلبه مفعولاً به، وقد أعمل الأول ولم يذكر ضميرًا في الثاني، مع أنه حقه الذكر، والقياس: أن يقول: لمحوه لكنه ترك الإضمار شذوذا. وجوب الإظهار في العامل المهمل بدل الإضمار: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 261 " يجب أن يؤتى بمفعول الفعل المهمل ظاهرًا إذا لزم من إضماره عدم مطابقته لما يفسّره، لكونه خبرًا في الأصل عما لا يطابق المفسِّر، كما إذا كان في الأصل خبرا عن مفرد ومفسِّره مثنى، نحو: " أظنّ ويظناني زيدًا وعمرا أَخَوَيْن" ف (زيدا مفعول أول لأظن و (عمرا) معطوف عليه، و (أخوين) مفعول به ثانٍ لأظن، والياء مفعول أول ليظنان، فيحتاج إلى مفعول به ثانٍ، فلو أتيت به ضميرًا فقلت: (أظن ويظناني إياه زيدًا أخوين) فكان (إياه) مطابقا للياء في أنهما مفردان، ولكن لا يطابق ما يعود عليه وهو (أخوين) ؛ لأنه مفرد، و (أخوَين) مثنى، فتفوت مطابقة المفسِّر للمفسَّر وذلك لا يجوز، وإن قلت: (أظن ويظناني إياهما زيدا وعمرا أخوين) حصلت مطابقة المفسِّر للمفسَّر، وذلك لكون (إياهما) مثنى وأخوين كذلك، ولكن تفوت مطابقة المفعول الثاني الذي هو خبر في الأصل للمفعول الأول الذي هو مبتدأ في الأصل، لكون المفعول الأول مفردا وهو الياء، والمفعول الثاني غير المفرد وهو (إياهما) ولابد من مطابقة الخبر للمبتدإ، فلما تعذرت المطابقة مع الإضمار وجب الإظهار، فتقول: (أظنّ ويظنّاني أخا زيدًا وعمراً أخوَين) ف (زيدًا وعمرا أخوين) مفعولا أظن، والياء مفعول يظنان الأول، و (أخا) مفعوله الثاني. وقد خرجت هذه المسألة من باب التنازع؛ لأن كلا من العاملَين عمل في ظاهر، وهذا مذهب البصريين. وأجاز الكوفيون الإضمار مراعى به جانب المخبر عنه، فتقول: (أظن ويظناني إياه زيدًا وعمرًا أخوَين) وأجاز أيضا الحذف، فتقول: (أظن ويظناني زيدًا وعمرا أخوين) ". ( [93] ) تعدد العامل والمعمول في أسلوب التنازع: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 262 " ليس من اللازم الاقتصار في أسلوب التنازع على عاملَين متقدمَين ولا على معمول واحد ظاهر بعدهما؛ فقد يقتضي الأمر " أن يتنازع العاملان أكثرَ من معمول، نحو (ضربتُ وأهنتُ زيدًا يومَ الخميس) . وقد تكون العوامل ثلاثة متقدمة من غير أن يتعدد المعمول، نحو: (يجلس ويسمع ويكتب المتعلم) . ( [94] ) ومنه قول الشاعر: ( [95] ) عفوًا وعافيةً في الروحِ والجسدِ أَرْجُوْ وَأَخْشَى وَأَدْعُوْ اللَّهَ مبتغيًا فقد تنازع ثلاثة عوامل في العمل في لفظ الجلالة (الله) ، وهي أرجو وأخشى وأدعو. ( [96] ) وفي هذه الحال، يجوز أن يكون معمولا لأي منها، إلا أن البصريين يفضّلُون أن يكونَ معمولاً للأخير منها، لقربه، والكوفيون يفضّلون الأول منها، لتقدمه، ونضمر معمولا للآخرين. وقد تتنازع ثلاثة وقد يكون المتنازع متعددًا، ( [97] ) نحو قوله عليه السلام: ((تسبّحون وتحمدون وتكبّرون دبرَ كل صلاة ثلاثا وثلاثين)) . ( [98] ) " فدبر: ظرف وثلاثا: مفعول مطلق، وهما مطلوبان لكل من العوامل الثلاثة". ( [99] ) " يستنبط من تمثيل ابن هشام بهذا الحديث أمران: الأول: أن المتنازع فيه قد يكون ظرفًا وقد يكون مفعولا مطلقا، وذلك لأن (دبر كل صلاة)) ظرف، و (ثلاثا وثلاثين) مفعول مطلق مبين للعدد وظاهر إطلاق المؤلف أن التنازع يكون في جميع المعمولات، لكن قال ابن الخباز ( [100] ) : إن التنازع لا يقع في المفعول له ولا في الحال ولا في التمييز ويجوز في المفعول معه، تقول: (قمت وسرت وزيدا) على أنك أعملت الثاني، فإن أعملت الأول قلت: (قمت وسرت وإياه وزيدًا) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 263 الأمر الثاني: أنه إذا تنازع أكثر من عاملَين أعملت الأخير منها كما في الحديث، فقد أعمل (تحمدون) في لفظ المعمولين، وأعمل العامل الأول والعامل الثاني في ضميريهما، وحذف الضميرين لكونهما فضلتين، ولو أعمل الأول لأعمل الثاني والثالث في ضميريهما ولم يحذف الضميرين فكان يقول: (تسبحون، وتحمدون الله فيه إياه وتكبرون الله فيه إياه) ، ولو أعمل الثاني لأعمل الأول في ضميريهما ثم حذف منه الضميرين لكونهما فضلة، وكان يعمل الثالث في الضميرين ولم يحذفهما، فكان يقول: (تسبحون وتحمدون وتبكرون الله فيه إياه)) فلما لم يقل إحدى العبارتين استدللنا على أنه أعمل الثالث كما قلنا أولا. وهل يجوز في تنازع أكثر من عاملين إعمال الأول والثاني والثالث أو يتعين إعمال الثالث؟ والجواب عن ذلك أن ابن خروف ( [101] ) زعم أنه استقرأ كلام العرب فوجدهم يعملون الأخير ويلغون ماعداه، ووافقه ابن مالك ( [102] ) على هذه الدعوى، ولكن أثبات الرواة ردوا منهم المرادي ( [103] ) ذلك وقالوا: إنهم عثروا على ما يدل على أن العرب تعمل أول العوامل وتضمر فيما عداه، من ذلك قول أبي الأسود الدؤلي: ( [104] ) أَخٌ لَكَ يُعْطِيْكَ الجَزِيْلَ ونَائِلَهْ كَسَاكَ وَلَمْ تَسْتَكْسِهِ فَاشْكُرَنْ لَهُ فههنا ثلاثة عوامل وهي: كساك، ولم تستكس، واشكرن، وقد أعمل أولها فرفع الأخ به، وأضمر في الثاني والثالث، وأظهر هذا الضمير؛ لأنه لا يترتب على إظهاره محظور على ما هو قاعدة الباب". ( [105] ) " والكثير في التنازع الاقتصار على عاملين ومعمول واحد، ولا يعرف في الأساليب القديمة الزيادة لى أربعة عوامل" ( [106] ) . كقول الحماسي: ( [107] ) قعدت ولم أبغِ الندى عند سائبِ طلبتُ فلم أُدْرِكْ بوجهي وليتني الجزء: 9 ¦ الصفحة: 264 ولا يكون التنازع في الحال والتمييز؛ لأنهما لا يضمران فإذا قلت (قمتُ وخرجتُ مسرعًا أو تصببت وامتلأتُ عرقا) كان من الحذف للدليل لا من التنازع، ( [108] ) وقال تعالى: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ} [يوسف:12] ، (وإنا له لحافظون) : جملة حالية، والعامل الأمر أو الجواب، ولا يكون ذلك من باب الإعمال؛ لأن الحال لا تضمر، والإعمال لابد فيه من الإضمار إذا أعمل الأول. ( [109] ) وكذلك لا تنازع في مجرور حتى، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ... } [التوبة: 6] . (حتى) يصح أن تكون غاية، أي إلى أن يسمع، ويصح أن تكون للتعليل وهي متعلقة ب (أجره) ولا يصح أن يكون من باب التنازع، لكن من ذهب من النحويين إلى أن (حتى) تجر المضمر يجوز عنده أن يكون ذلك من باب التنازع، وكون (حتى) لا تجرّ المضمر هو مذهب الجمهور. ( [110] ) يجوز أن يكون المتنازع فيه فاعلاً، كقوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَّ ضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُوْنَ} [الأنعام:94] وقوله تعالى {وَإِنْ أَدْرِيْ أَقَرِيْبٌ أَمْ بَعِيْدٌ مَا تُوْعَدُوْنَ} [الأنبياء:109] . ومفعولاً به، نحو قوله تعالى: {يُرِيْدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ اللذِّيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ ... } [النساء:26] ، وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى ... } [هود:102] . وظرفا، نحو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوْا اذْكُرُوْا اللهَ ذِكْرًا كَثِيْرًا وَسَبِّحُوْهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:41 42] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 265 ومفعولا لأجله، نحو قوله تعالى: {لاَ تَرْفَعُوْا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوْا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ ... } [الحجرات:2] ، وقوله تعالى {عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس:1 2] . وجارا ومجرورًا، نحو قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيْ الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِيْنٍ} [البقرة:36] وقوله تعالى {كُلُوْا وَاشْرَبُوْا مِنْ رِزْقِ اللهِ ... } [السورة نفسها: 60] . أساليب التنازع: ولما كان العاملان قد يتفقان أو يختلفان في طلبهما من حيث الرفع والنصب، كان للتنازع دائمًا أربع صور كلها جائز وإليك بيانها: ( [111] ) أ " إذا كان العاملان يطلبان مرفوعاً". لهذه الحالة أربعة أساليب، وهي كالآتي: (قام، وقعد الرجالُ) : هنا نجد الاسم الظاهر (الرجال) أعطي فاعلا للفعل الثاني (قعد) ، وأما الفعل الأول فلم يُعَطَ شيئًا. هذا الأسلوب لا يقبله سيبويه، فعنده أن العامل الذي يطلب مرفوعًا لابد من إعطائه هذا المرفوع إما ظاهرًا وإما مضمرًا، فالأسلوب الصحيح عنده يقال: قاموا وقعد الرجالُ ( [112] ) . وأما الكسائي والفراء فقد أجازا هذا الأسلوب كما سبق. (قَامَ، وقَعَدَ الرجالُ) : هنا نجد العكس: فقد أعطي الظاهر للفعل الأول، أما الثاني فلم يعط شيئا. (قاموا، وقعد الرجالُ) : هنا نجد الفعل الثاني قد أخذ الظاهر، ولكن الأول لم يحرم حرمًا تامًا، بل أرضي بالضمير. (قام، وقعدوا الرجالُ) : هنا نجد الظاهر قد أعطي للأول، وأما الثاني فقد أرضي بالضمير. ب ((إذا كان العاملان يطلبان منصوبًا)) ، وصورها أربع أيضا كلها جائز: (رأيتُ وضربتُ زيدًا) : أعطيت الثاني وحرمت الأول. (رأيتُ وضربتُ زيدًا) : أعطيت الأول وحرمت الثاني. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 266 ومن النحاة من لم يجز هذا الأسلوب، كما سبق، وطالب بإرضاء الثاني بالضمير إن حرم من الظاهر، وهو مردود بقول الشاعرة عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي عليه السلام: إِذَا هُمُوْ لَمَحُوْا شُعَاعُهْ بِعُكَاظَ يُعْشِيْ النَّاظِرِيْنَ (رأيته، وضربت زيدًا) : ومن النحاة من لم يجز هذا الأسلوب ذاهبا إلى أن الأول إذا حرم من الظاهر فلا يعطى الضمير، إذا كان يطلب منصوبا، وهو مردود بقول الشاعر: جِهَارًا، فَكُنْ فِيْ الغَيْبِ أَحْفَظَ لِلعَهْدِ إِذَا كُنْتَ تُرْضِيْهِ وَيُرْضِيْكَ صَاحِبٌ (رأيتُ وضربتُهُ زيدًا) : أعطيت الظاهر للأول وأرضيت الثاني بالضمير. ج (إذا كان الأول رافعًا والثاني ناصبًا) : والصور الأربع نفسها ستتكرر: (رآني ورأيت الرجالَ) : أعطيت الظاهر للثا رأوني ورأيت الرجالَ ني، وأما الأول فحرمته مرفوعه لدلالة منصوب الثاني عليه. (رآني ورأيت الرجالُ) : أعطيت الظاهر للأول مرفوعا أما الثاني فحرمته منصوبه. (رأوني ورأيت الرجالَ) : أعطيت الظاهر للثاني منصوبا وأما الأول فأرضيته بالضمير. (رآني ورأيتهم الرجالُ) : أعطيت الظاهر للأول وأما الثاني فأرضيته بالضمير. د ((إذا كان الأول ناصبا والثاني رافعا)) : والصور الأربع نفسها ستتكرر: (رأيتُ ورآني الرجال) . (رأيت ورآني الرجال) . (رأيتهم ورآني الرجال) . (رأيت ورأوني الرجال) . آراء العلماء في التنازع: 1 رأي أبي عمر الجرمي (ت: 255هـ) : الجزء: 9 ¦ الصفحة: 267 إن أبا عمر الجرمي كان يأبى التعقيد في النحو وكثرة التقديرات، ومما يؤكد ذلك عنده أنه كان يمنع التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعوليَن أو ثلاثة، ذاهبًا إلى أنه ينبغي أن يقتصر في الباب على السماع والقياس عليه دون الإتيان بصور معقدة لم يرد لها مثيل عن العرب، فإن في ذلك تكلفًا وإيغالاً في تمرينات لا تفيد في تعلم العربية، وإن كان النحاة لم يستمعوا إلى رأيه فقد مضوا يطبقون الباب في (ظن) وأخواتها و (أعلم) وأخواتها، مما كان سببًا في أن يحملَ عليهم ابن مضاء، في كتابه الرد على النحاة، حملة شعواء. ( [113] ) 2 رأي ابن مضاء القرطبي (ت592 هـ) : يدرس ابن مضاء باب التنازع في النحو درسًا مفصلاً، وهو درس أراد به أن يصور ما تجره نظرية العامل من رفض بعض أساليب العرب، وأن يضع النحاة مكانها أساليب لا تعرفها العربية، فإنهم يرفضون في باب التنازع صورًا من التعبير دارت على ألسنة العرب، وذلك أنهم قد يعبرون بعاملَين، ثم يأتون بعدهما بمعمول واحد على نحو ما نرى في مثل (قام وقعد إخوتك) وقول علقمة: رِجَالٌ فَبَذَّتْ نَبْلَهُمْ وكَلِيْبُ تَعَفّقَ باِلأَرْطَى لَهَا وأَرَادَهَا وقد رفض النحاة هذه الصورة من التعبير؛ لأنه لا يصح أن يجتمع عاملان على معمول واحد، أو كما يقولون لا يصح أن يجتمع مؤثران على أثر واحد، وإذن فإما أن نعمل الأول ونضمر في الثاني، أو نعمل الثاني ونضمر في الأول. اختار الكوفيون إعمال الأول لسبقه، واختار البصريون إعمال الثاني لقربه، فيطلبون إلى صاحب المثال الأول أن يقول (قام وقعدوا إخوتك) أو يقول: (قاموا وقعد إخوتك) ويطلبون إلى علقمة أن يقول (تعفقوا .... وأرادها رجال .... وكليب) وهي جمع كلب أو يقول (تعفق ... وأرادها رجال ... وكليب) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 268 وعلى هذه الصورة يرفض النحاة أساليب العرب، ويضعون مكانها أساليب أخرى تسولها لهم فكرة العامل. وإن الاستمرار في درس هذا الباب ليطلعنا على مدى تكلفهم، فإن من يرجع إليهم فيه يجدهم يطبقون هذا المنهج تطبيقًا واسعًا، فلا يتركون فعلاً ولا ما يشبه الفعل دون أن يجروا فيه صور هذا التنازع، على طريقتهم في الإضمار. وقد استمرّ ابن مضاء يعرض هذه الصور ليدل على ما صنعوه في أساليب اللغة من تعقيد، وإنه ليعرض للدلالة على ذلك صور التنازع التي يذكرونها في باب ظن وأعلم، فظن مثلا يجري فيها التنازع على هذا الشكل: (ظننت وظناني شاخصا الزيدين شاخصين) وأما أعلم التي تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، فشأنها في الإضمار أعقد وأعسر، إذ يجري فيها التنازع على هذا الشكل. (أعملت وأعلمانيهما إياهما الزيدين العمرين منطلقين) ويعقب ابن مضاء على هذه الصورة وأمثالها بأنه لا يجوز أن تجري في الكلام؛ لأن العرب لم يستخدموها، وإنما هو عقل النحاة الذي يتعبهم لما يتصور من خطر نظرية العامل ذلك الخطر الذي جعلهم ينحازون عن صور أصلية في التعبير العربي إلى صور أخرى جديدة، صور نحوية لا تيسر كلامًا ولا تسهل حديثًا، بل تصعب الكلام وتعقده، وتحيله ألغازا عسيرة الحل. ( [114] ) أي العاملين أولى بالتعليق في التنازع: يقول ابن مضاء: " بين النحويين اختلاف في أي الفِعْلَين أولى أن تعلق به الاسم الآخر، فاختيار البصريين الثاني للجوار، واختيار الكوفيين للسبق، ومذهب البصريين أظهر؛ لأنه أسهل، فإنه ليس إلا حذف ما تكرر في الثاني، أو إضماره الأول على مذهبهم إن كان فاعلاً. والتعليق بالأول فيه إضمار كل ما تكرر من متعلقات الأول في الثاني، وتأخير المتعلقات بالأول بعد الثاني، وقد حملهم الجوار أن يقولوا (هذا جحر ضبٍّ خربٍ)) فيخفضون خرب وهو للجحر المتقدم. ( [115] ) 3 رأي ابن مالك: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 269 إن اختيار البصريين إعمال الثاني دون الأول، لسببين هما: كثرة الضمائر إذا أعملنا الأول، ثم تأخير المتعلقات بالأول بعد الثاني، أي الفصل بين العامل وهو الفعل الأول ومعمولاته بالفعل الثاني. وقد لاحظ ابن مالك في شرحه على التسهيل أن إعمال الثاني هو الذي جاء كثيرًا في كلام العرب، ( [116] ) واستدلّ على ذلك بقول سيبويه في التنازع: " ولو لم تحمل الكلام على الآخر لقلت ضربت وضربوني قومك وإنما كلامهم: ضربت وضربني قومك". ( [117] ) 4 رأي أبي حيان: ويقول أبو حيان: " إن إعمال الأول قليل، ومع قلته لا يكاد يوجد في غير الشعر، بخلاف إعمال الثاني فإنه كثير الاستعمال في النثر والنظم. وقد تضمنه القرآن المجيد في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى: {يَسْتَفْتُوْنَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيْكُمْ فِيْ الكَلاَلَةِ ... } [النساء: 176] ، وقوله تعالى: {آتُوْنِيْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} } [الكهف: 96] ، وقوله جل وعز {هَاؤُمُ اقْرَءُوْا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] ، وقوله أيضا {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوْا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَدًا} [الجن: 7] ، ولو أعمل الأول لجاءت الآيات الكريمة على هذا النسق: يفتيكم فيها الكلالة، وآتوني أفرغه قطرا، وهاؤم اقرءوه كتابيه، وأنهم ظنوا كما ظننتموه" ( [118] ) ، بالإضمار على قاعدتهم. ويقول أبو حيان أيضا في تفسير البحر المحيط: أعمل الثاني على الأفصح، وعلى ما جاء في القرآن، وإعمال الأول لم يرد في القرآن لقلته. ( [119] ) 5 رأي الرضي: ويقول الرضي: إعمال الثاني أكثر في كلام العرب بالاستقراء. وكل ما جاء من أساليب التنازع في القرآن فإنما أعمل فيه الثاني وأهمل الأول، على ما هو المختار عند البصريين ولو أعمل الأول لأضمر في الثاني ما يطلبه عند الجميع. ( [120] ) 6 رأي عباس حسن: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 270 يرى عباس حسن أنه يعدّ " باب (التنازع) من أكثر الأبواب النحوية اضطرابا، وتعقيدا، وخضوعا لفلسفة عقلية خيالية. ليست قوية السند بالكلام المأثور الصحيح، بل ربما كانت مناقضة له. فأما الاضطراب فيبدو في كثرة الآراء والمذاهب المتعارضة التي لا سبيل للتوفيق بينها أو التقريب". ( [121] ) يتجلى هذا في أن بعضها يجيز حذف المرفوع كالفاعل، وبعضها لا يجيز. وفريق يجيز أن يشترك فعلان أو أكثر في فاعل واحد. وفريق يمنع. وطائفة تبيح الاستغناء عن المعمولات المنصوبة، وعن ضمائرها. وطائفة تبيح حذف ما ليس عمدة الآن أو في الأصل وفئة تحتم تقدير ضمير المعمول متأخراً في بعض الصور وفئة لا تحتم، فليس بين أحكام التنازع حكم متفق عليه أو قريب من الاتفاق. ( [122] ) وأما التعقيد فلما أوجبوه مما ليس بواجب، ولا شبه واجب، فقد حتموا أن يكون ضمير الاسم المتنازع فيه واجب التأخير عنه حينا في رأي كثرتهم فرارا من الإضمار قبل الذكر، ومتقدمًا حينًا آخر إذا تعذر تأخيره لسبب ما تخيلوه. ( [123] ) ولقد نشأ من مراعاة أحكامهم هذه أساليب بلغت الغاية في القبح، لا ندري: ألها نظير في الكلام العربي، أم ليس لها نظير؟ كقولهم: (استعنتُ واستعان علي زيد به) و (ظننتُ مطلقة وظنتني منطلقا هند إياها) و (أعلمني وأعلمته إياه إياه زيد عمرا قائما) و (أعلمتُ زيدًا عمرا قائما إياه إياه) وهذا قليل من الأمثلة البغيضة التي لا يطمئن المرء أن لها نظائر في الأساليب المأثورة. ( [124] ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 271 وأما الخضوع إلى الفلسفة العقلية الوهمية فواضح في عدد من مسائل هذا الباب، منها تحتيمهم التنازع في مثل: قام وذهب محمدٌ، حيث يوجبون أن يكون الفاعل: (محمد) لأحد الفعلين، وأما فاعل الآخر فضمير، ولا يبيحون أن يكون لفظ (محمد) فاعلا لهما، بحجة" أن العوامل كالمؤثرات فلا يجوز اجتماع عاملَيْن على معمول واحد، ولا ندري السبب في منع هذا الاجتماع مع إباحته لو قلنا: قام محمد وذهب؛ فإن فاعل الفعل (ذهب) ضمير يعود على محمد فمحمد في الحقيقة فاعل الفعلَين؛ ولا يقبل غير هذا. ( [125] ) من كل ما سبق يتبين ما اشتمل عليه هذا الباب من عيوب الاضطراب والتعقيد والتخيل الذي لا يؤيده في ظننا الفصيح المأثور. ومن سلامة الذوق الأدبي وحسن التقدير البلاغي الفرار من محاكاة الصور البيانية وأساليب التعبير الواردة في هذا الباب ولو كان لها نظائر مسموعة؛ لقبح تركيبها، وغموض معانيها، وصعوبة الاهتداء إلى صياغتها الصحيحة. ( [126] ) 7 رأي د. شوقي ضيف: ( [127] ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 272 لم يقف النحاة بباب التنازع عند صوره البسيطة التي عرفها سيبويه في الأبيات فقد مضوا يعرفونه في الأفعال المتعدية إلى مفعولَين فتقول في رأي الكوفيين" ظننتُ وظنوني شاخصًا الزيدين شاخصَين" أي ظننت الزيدين شاخصين وظنوني شاخصًا". وكذلك في الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل، فتقول في رأي الكوفيين" أعلمتُ وأعلمونيهم إياهم الزيدين العمرين منطلقين" أي أعلمت الزيدين العمرين منطلقين وأعلمونيهم إياهم. ومعروف مما سبق أن البصريين لا يضمرون المفاعيل مع الفعل الأول المتعدي إلى مفعولَين أو ثلاثة مفاعيل. وتوقف ابن مضاء بإزاء هاتين الصورتين الكوفيتين للأفعال المتعدية إلى مفعولَين وثلاثة مفاعيل، وقال: رأيي وفيما شاكلهما أن كل ذلك لا يجوز؛ لأنه ليس له نظير في كلام العرب ولا جرى في لسانهم. ومن قبله ذهب الجرمي كما ذكر ذلك السيرافي في شرحه على سيبويه والرضي في شرحه على الكافية إلى أنه لا يجوز إجراء التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعولَين أو ثلاثة؛ لأن ذلك يخرج عن القياس، وإنما يستعمل التنازع فيما استعملته العرب وتكلمت به وما لم تتكلم به فمردود. وواضح مما سبق أن الأمثلة المستعملة في العربية من هذا الباب هي خبر فعلى الكينونة كما يرى البصريون أو الحال كما يرى الكوفيون وقد يتنازع الفعلان فاعلاً أو مفعولاً به كقوله {آتُوْنِىْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف:96] وقد يطلب أحد الفعلين الاسم على أنه فاعل ويطلبه الآخر على أنه مفعول به. وقد يطلبان جره بالحرف كما في الآية الكريمة {يَسْتَفْتُوْنَكَ قُلِ اللُّهُ يُفْتِيْكُمْ فِىْ الكَلاَلَةِ ... } [النساء:176] . وتشهد كل هذه الأمثلة برجحان رأي سيبويه القائل بأن الثاني هو الذي يعمل في الاسم رفعًا ونصبًا وجرًا وأنه استغنى عن الاسم في الفعل الأول لعلم المخاطب به أو بعبارة أخرى حذف لدلالة السياق عليه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 273 وواضح مما سبق أن باب التنازع إنما هو من افتراضات البصريين والكوفيين وأنه حري بأن يحذف من النحو إذ يعرض صورًا من التعبير لا تجري في العربية ولا نطق بها العرب لا هي ولا قواعد الإضمار التي اجتلبت الأمثلة تطبيقا عليها. 8 رأي محمد صلاح الدين مصطفى بكر: تتلخص وجهة نظره في التنازع فيما يلي: ( [128] ) أولاً: ليس هناك تنازع بين الأفعال في هذه المعمولات (الأسماء المرفوعة أو المنصوبة) فكل الأفعال موجهة للعمل في هذه الأسماء ولا داعي للقول بتقدير معمولات لكل فعل أو تقدير ضمائر تعتمد عليها. ثانيا: لقد قال النحاة بحذف الفاعل في أبواب معينة، والفاعل له الأهمية الأولى دون سائر الأبواب جميعها عند النحاة فلماذا القول هنا بتقدير ضمائر تعتمد عليها الأفعال التي لم نجد لها معمولات. ثالثا: لقد حاول النحاة بيان مذهبهم في مسألة التنازع باختراع نصوص لا صلة لها باللغة العربية فصاحةً وتعاملاً مما يدل على أن المعالجة عقلية خالصة ليست على أساس لغوي بمقدار ما هي مبنية على أمثلة متخيلة لتأييد وجهة نظر عقلية خالصة تختلف من مذهب إلى مذهب نحوي آخر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 274 رابعًا: ينبغي فهم الإسناد في التنازع في ضوء الأفكار اللغوية المحضة وعدم التقيد بالأفكار غير اللغوية التي فرضت على النحو أن يتجه اتجاهًا بعيدًا عن طبيعة اللغة. إن اللغة ليست كائنًا حيا يخضع لنواميس طبيعية ينبغي أن يسير عليها ولكن اللغة عرف اجتماعي بين اللغويين أي المتحدثين بلغة معينة في بيئة معينة وفي محيط اجتماعي معين إننا لا نقف لنسأل لماذا اتجهت اللغة هذا الاتجاه ولماذا سارت إلى هذه الوجهة ولماذا لم يكن في ذلك الاتجاه. إن اللغة بعيدة كل البعد عن المنطق الذي حاول النحاة مجتهدين إخضاعها له معتقدين أن في ذلك صلاحها ورسوخها. إن اللغة لا يهمها أن يكون للفعل معمولان أو أكثر ولا يهمنا أن يكون المعمول راجعا لفعل واحد يمكن أن يكون له أكثر من معمول فلا اشتغالَ والمعمولات يمكن أن ترجع إلى أكثر من فعل فلا تنازع. المهم أن يكون الإسناد صحيحًا شكلاً ومضمونًا. تعقيب ومزيد من المناقشة: بعد تتبعي في القرآن الكريم ومظان اللغة العربية تبين لي أن باب التنازع باب أصيل، وأن مذهب البصريين أسهل وأحسن وموافق تمامًا للقرآن الكريم حيث إن الأمثلة الواردة فيه تؤيد المذهب البصري في إعمال العامل الثاني في المعمول المتنازع فيه، وأما مذهب الكوفيين فلا يتوافق مع القرآن الكريم ألبتة وإن كان قد يوافق بعض الشواهد الشعرية ولكنها لقلتها لا تصل إلى درجة القياس. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 275 لقد ذهب الكسائي وأيده هشام بن معاوية الضرير (ت 205هـ) وبعض المغاربة إلى أن الفاعل قد يحذف على نحو ما يلقانا في باب التنازع في مثل (قام وقعد علي) ففي رأيهم أن لفظة (علي) فاعل للفعل الثاني وأن الفعل الأول حذف فاعله، حتى لا يكون هناك إضمار قبل ذكر الفاعل ويتضح ذلك أكثر في حالتي التثنية والجمع، فمذهب سيبويه فيهما أن يقال في التثنية (ضرباني وضربتُ الزيدين) وفي الجمع (ضربوني وضربتُ الزيدين) . أما مذهب الكسائي وهشام وبعض المغاربة فيقال في التثنية: (ضربني وضربتُ الزيدين) وفي الجمع (ضربني وضربت الزيدين) فتوحد الفعل الأول معهما لخلوه من الضمير واستشهد في ذلك ببعض الأشعار، والذي قاله الكسائي ومن تبعه غير منطقي؛ لأن الفاعل له الأهمية الأولى دون سائر الأبواب كلها عند النحويين فلا يمكن حذفه. أنا لا أوافق على جميع ما قاله النحاة، بل أنتصر لما ذهب إليه أبو عمر الجرمي وابن مضاء القرطبي أنه يمتنع التنازع في الأفعال المتعدية إلى مفعولين أو ثلاثة مفاعيل، وأنه ينبغي أن يقتصر في الباب على السماع والقياس عليه دون الإتيان بصيغ معقدة عسرة لم ينطق بها العرب ولا وقعت في أوهامهم لما في ذلك من تكلف لصيغ لم تأت عن العرب. أنا أؤيد ما ذهب إليه عباس حسن أن باب التنازع مضطرب مائج بسبب كثرة الآراء والمذاهب المتعارضة التي لا سبيلَ إلى التوفيق بينها ولكني لا أؤيده في بعض العلل التي قدّمها في مناقشته حيث يقول: إن النحاة لا يبيحون أن يكون لفظ (محمد) فاعلاً للعاملين كليهما في مثل قولنا: قام وذهب محمد، بحجة أن العوامل كالمؤثرات فلا يجوز اجتماع عاملَين على معمول واحد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 276 وهو مذهب الفراء الذي يجيز توجه عامليَن إلى معمول واحد إذا كان موافقا، إن سلمنا بهذا وألغينا باب التنازع فما نقول في الصور الأخرى؛ لأنه قد يتنازع الفعلان فاعلاً ومفعولا به، نحو: (رآني ورأيت الرجال) وقد يطلب أحد الفعلين الاسم على أنه مفعول به والآخر على أنه فاعل، نحو: (رأيت ورآني الرجال) وقد يطلبان جره بحرف الجر، نحو قوله تعالى: {اجْتَباهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ} [النحل: 121] . وأما د. شوقي ضيف فقد ذكر آراء سيبويه والنحاة وما قاله أبو عمر الجرمي وابن مضاء ثم أعلن أن باب التنازع إنما هو من افتراضات البصريين والكوفيين وأنه حري بأن يحذف من النحو إذ يعرض صورا من التعبير لا تجري في العربية ولا نطق بها العرب. هذا القول ليس مقنعًا، والأدلة التي قدّمها ليست مرضية، سبق أن ذكرت أن الصور التي لم ترد عن العرب تحذف من النحو، هذا لا يعني أننا نحذف الباب كله؛ لأن أمثلة التنازع قد وردت في التنزيل وفي كلام العرب فلا يمكن إنكارها. وأما محمد صلاح الدين مصطفى بكر فقد ذهب إلى أنه ليس هناك تنازع بين الأفعال في المعمولات، فكل الأفعال موجهة للعمل في هذه الأسماء، وهذا القول قد يكون مستساغاً إذا كان العاملان يطلبان مرفوعا أو منصوبا وأما إذا كان الأول رافعًا والثاني ناصبًا أو إذا كان الأول ناصبًا والثاني رافعًا فلا يكون مستساغًا؛ لأن العاملَين لا يمكن أن يتوجه إلى معمول واحد في آن واحد. الخاتمة: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 277 أحمد اللهَ العليم الحكيم الذي أعانني على اجتياز درب هذا البحث الوصفي التحليلي المحفوف بالصعوبات؛ لأن مسائل باب التنازع غير المجلات في مظانها المختلفة تكاد تسيطر على كثير من مسائله. ولقد مهدت لي هذا الدرب رغبة قوية دفعتني إلى اجتيازه كلما اعتراني الفتور، ويشفع لهذه الرغبة القوية أن هذا البحث يدور في فلك التنزيل. ومن المعلوم أن النص اللغوي العربي يتمثل في القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر والنثر؛ فالقرآن الكريم هو المنبع الأصيل بحيث لو استشهد الصرفي والنحوي استشهادا شاملا بنص قرآني لكانت كافية كلمة الصرف والنحو، ولجاءت القواعد موحدة وقد توصل هذا البحث المتواضع إلى كثير من النتائج الجزئية المتناثرة في موضوعاته وسأكتفي بذكر أهم هذه النتائج وهي على النحو التالي: 1 اتضح من خلال البحث أن مصطلح (التنازع) قد ظهر في الوجود أول ظهوره في نهاية القرن السابع الهجري لدى ابن هشام الأنصاري على الرغم من أن المفهوم كان واضحًا لدى سيبويه في النصوص لا في العنوان. 2 إن تسمية التنازع كانت دقيقةً وموفقةً ومنطقيةً؛ لأن كل عامل من العوامل يطلب المعمول لنفسه وكأنما يريد أن ينزعه من الآخر ليستأثر به. 3 إن التعريفات التي استقرت في كتب النحو تنطلق من نقطة واحدة هي أن التنازع هو عبارة عن توجه عاملين أو أكثر إلى معمول واحد أو أكثر. 4 يجوز التنازع في التوسط والتقدم. 5 لا يقع التنازع بين حرفين؛ لأن الحروف لا دلالة لها على الحدث حتى تطلب المعمولات كما لا يقع بين حرف وغيره من فعل واسم. ولا يقع التنازع بين عاملين جامدين؛ لأن التنازع يقع فيه الفصل بين العامل ومعموله والجامد لا يفصل بينه وبين معموله. 6 ولا يمتنع التنازع في السببي المنصوب، نحو: (زيدٌ ضرب وأكرم أخاه) . ولا يقع التنازع في الاسم المرفوع بعد إلا على الصحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 278 7 إن التنازع قد يقع في الظرف والمفعول المطلق والمفعول معه ولا يقع في المفعول له وفي الحال والتمييز. 8 والكثير في التنازع الاقتصار على عاملين ومعمول واحد، ولا يعرف في الأساليب القديمة الزيادة على أربعة عوامل ولكن لا مانعَ من الزيادة عند وجود ما يقتضيها. 9 بعد تتبعي في القرآن الكريم ومظان اللغة العربية تبيّن لي أن باب التنازع باب أصيل وأن مذهب البصريين أسهل وأحسن وموافق تماما للقرآن الكريم حيث إن الأمثلة الواردة فيه تؤيد المذهب البصري في إعمال الثاني في المعمول المتنازع فيه، وأما مذهب الكوفيين فلا يتوافق مع القرآن الكريم ألبتة وإن كان قد يوافق بعض الشواهد الشعرية ولكنها لقلتها لا تصل إلى درجة القياس. 10 يمتنع التنازع في الأفعال المتعدية إلى مفعولَين أو ثلاثة مفاعيل، وينبغي أن يقتصر في الباب على السماع والقياس دون الإتيان بصيغ معقّدة عسرة لم ينطق بها العرب. 11 أظهر البحث أن دعوة بعض المحدَثِين إلى إلغاء باب التنازع لا تستند إلى أدلة مقنعة؛ لأن ظاهرة التنازع قد وردت في آيات قرآنية كثيرة وأشعار العرب وكلام الفصحاء ولن يمكن إغفالها. الاقتراحات والتوصيات أقدّم الاقتراحات والتوصيات التالية: 1 لقد ثبت من خلال البحث في القرآن الكريم ومظان اللغة أن باب التنازع باب أصيل، ولن يمكن إلغاؤها بناء على ما قدم بعض المحدثين. 2 إلغاء التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعولَين أو ثلاثة مفاعيل؛ لأنها لم ترد في القرآن الكريم، ولا في أشعار الشعراء ولا في كلام العرب. 3 ينبغي أن ينظر في تيسير النحو كما ذكره بعض النحاة وذلك لا يتم من خلال إلغاء الباب، لعله يتم من خلال الأمور التالية: أتشكيل لجنة خاصة تقوم بمراجعة كتب قواعد اللغة العربية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 279 ودراستها دراسة علمية متعمقة شاملة وتقوم بجمع رؤوس مسائل النحو في موطن واحد حتى لا يتيه المتعلم والمتلقي في هذه الموضوعات المتفرقة في أبواب شتى ثم تصنيفها تصنيفا ميسرا. ب تطوير الدراسات النحوية على جميع المستويات بغية تسهيل القواعد العربية وخاصة باب التنازع. ج وضع مناهج عصرية لتدريس المواد النحوية د تبسيط أسلوب العرض ليتلاءم مع الطلبة والبعد عن التعقيدات. هـ إنشاء مراكز خاصة لإعداد المعلِّمين وتدريبهم على ضوء ما تصل إليه لجنة التطوير. وتكثيف التدريبات والتطبيقات والتمارين على الصعوبات التي تكشف عنها الدراسات الحديثة. ز دراسة الأساليب النحوية من خلال القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وكلام العرب الفصحاء. الهوامش والتعليقات --- ( [1] ) ابن هشام: السيرة النبوية، ط2، شركة مكتبة مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1375هـ، 1: 270. ( [2] ) روي في إرشاد الأريب عن عبد الله بن مسعود، 1: 82. ( [3] ) ابن جني: الخصائص، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1374هـ، 2: 8. ( [4] ) إرشاد الأريب: 1: 77. ( [5] ) عبد المجيد عابدين: المدخل إلى دراسة النحو العربي، مطبعة الشبكسي، مصر، 1951م، ص: 103 وما بعدها. ( [6] ) سيبويه: الكتاب، ت: عبد السلام محمد هارون، ط3، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1408هـ 1988م، 1: 73. ( [7] ) أبو حيان الأندلسي: تذكرة النحاة، ت: د. عفيف عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1406هـ 1986م، ص: 337. ( [8] ) ابن عصفور الإشبيلي: شرح جمل الزجاجي، ت: صاحب أبو جناح، القاهرة، 1971م، 1: 613. ( [9] ) المبرد: المقتضب، ت: محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت، (د ت) ، 3: 112. ( [10] ) سابق الدين ابن يعيش الصنعاني: كتاب التهذيب الوسيط في النحو، ت: د. فخر صالح سليمان قدارة، دار الجيل، بيروت، 1411هـ 1991م، ص: 400. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 280 ( [11] ) الزمخشري: المفصل في صنعة الإعراب، ت: علي بو ملحم، دار ومكتبة الهلال، بيروت، ط1، 1993م، ص38. ( [12] ) موفق الدين ابن يعيش: شرح المفصل، مكتبة المتنبي، القاهرة: 1: 77. ( [13] ) ابن هشام الأنصاري: أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، لبنان، د: 186 ( [14] ) المرجع نفسه: 2: 186، وانظر ابن عصفور الإشبيلي: شرح جمل الزجاجي: 1: 613، وخالد بن عبد الله الأزهري: شرح التصريح على التوضيح، دار الفكر (د ت) : 1: 315. ( [15] ) محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي: مختار الصحاح، المكتبة الأموية، بيروت، دمشق، مادة نزع، ص: 654، وانظر ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت، مادة نزع: 8: 352، ومحمد بن علي الصبان: حاشية الصبان، ترتيب مصطفى حسين أحمد، دار الفكر، 1: 97، والخضري: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، دار الفكر، 1398، ص: 182. ( [16] ) سيبويه: الكتاب: 1: 73. ( [17] ) ابن عصفور الإشبيلي: شرح جمل الزجاجي: 1: 613. ( [18] ) المبرد: المقتضب، 3: 112. ( [19] ) ابن يعيش الصنعاني: كتاب التهذيب الوسيط في النحو: ص: 400. ( [20] ) ابن يعيش: شرح المفصل: 1: 77. ( [21] ) ابن المعطي: شرح ألفية ابن المعطي، ت: د. علي موسى الشوملي، مكتبة الخريجي، ط1، 14-5هـ 1985م، ص: 651. ( [22] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، 1399هـ 1979م، 2: 157. ( [23] ) أبو حيان الأندلسي: تذكرة النحاة: ص: 337. ( [24] ) ابن هشام الأنصاري: أوضح المسالك: ص: 186. ( [25] ) عباس حسن: النحو الوافي، ط9، دار المعارف، (د ت) ، 2: 187. ( [26] ) المرجع نفسه: 2: 187. ( [27] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك: 2: 186. ( [28] ) ياسين بن زين الدين الحمصي: حاشية على شرح الفاكهي لقطر الندى، ط2، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1390 هـ 1971م، ص: ص: 90. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 281 ( [29] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 187. ( [30] ) الأزهري: شرح التصريح، دار الفكر، (د ت) ، 1: 318. ( [31] ) المرجع نفسه: 1: 318. ( [32] ) المرجع نفسه: 1: 318. ( [33] ) المرجع نفسه: 1: 318. ( [34] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 187. ( [35] ) الصبان: حاشية الصبان: 2: 97، 98. ( [36] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 318. ( [37] ) عبد القاهر الجرجاني: كتاب المقتصد في شرح الإيضاح، ت: د. كاظم بحر المرجان، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، 1982م: 1: 575. ( [38] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 187. ( [39] ) الأزهري: شرح التصريح: 2: 419. ( [40] ) الصبان: حاشية الصبان: 2: 98. ( [41] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 188. ( [42] ) المرجع نفسه: 2: 188. ( [43] ) المرجع نفسه: 2: 188. ( [44] ) المرجع نفسه: 2: 188. ( [45] ) المرجع نفسه: 2: 188. ( [46] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 316. ( [47] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة االسالك: 2: 189. ( [48] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 317. ( [49] ) المرجع نفسه: 1: 317. ( [50] ) المرجع نفسه: 1: 317. ( [51] ) المرجع نفسه: 1: 317. ( [52] ) الشاطبي: المقاصد الشافية: 1: 175. ( [53] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 319. ( [54] ) رضي الدين الإستراباذي: شرح كتاب الكافية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1405هـ 1985م: 1: 78. ( [55] ) ديوان امرئ القيس، ص: 39، وانظر كتاب سيبويه: 1: 79، والخزانة: 1: 158، والإنصاف: 39، ومغني اللبيب: 417، وشرح قطر الندى: 81، والأشموني: 407، وشرح المفصل: 95. ( [56] ) من شواهد سيبويه: 1: 78، والإنصاف: 40. ( [57] ) الأنباري: الإنصاف في مسائل الخلاف، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، 1982م، مسالة 13، ص: 83 وما بعدها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 282 ( [58] ) قد اسشهد كل من سيبويه: 1: 87، وشرح المفصل: 1: 78، وشواهد العيني: 3: 22، والهمع: 1: 66، والأشموني: 2: 105، وديوانه: 37. ( [59] ) ابن المعطي: شرح ألفية ابن المعطي: 1: 655. ( [60] ) ديوانه: 441، وشرح مشكلات الحماسة: 134، وشرح جمل الزجاجي: 1: 615. ( [61] ) ابن عصفور الإشبيلي: شرح الجمل: 1: 615. ( [62] ) المصدر نفسه: 1: 613. ( [63] ) الأنباري: الإنصاف: 1: 87. ( [64] ) أبو حيان الأندلسي: تذكرة النحاة: 348. ( [65] ) ديوان الفرزدق: 844، وانظر كتاب سيبويه: 1: 77، والإنصاف: 42. ( [66] ) ديوان طفيل: 7، وانظر كتاب سيبويه: 1: 77، والإنصاف: 43. ( [67] ) الشاهد في كتاب سيبويه: 1: 77، والإنصاف: 44. ( [68] ) الأنباري: الإنصاف: 1: 87 89. ( [69] ) المصدر نفسه: 1: 92. ( [70] ) سيبويه: الكتاب: 1: 76. ( [71] ) المصدر نفسه: 1: 79. ( [72] ) أبو حيان: تذكرة النحاة: 348. ( [73] ) الأنباري: الإنصاف: 1:93. ( [74] ) أبو حيان: تذكرة النحاة: 349. ( [75] ) الأنباري: الإنصاف: 1: 94. ( [76] ) أبو حيان: تذكرة النحاة: 349. ( [77] ) المصدر السابق: 1: 350. ( [78] ) سيبويه: الكتاب: 1: 79. ( [79] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 321، والشاهد أيضا يوجد في أوضح المسالك: 2: 201، وحاشية الصبان: 1: 102. ( [80] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 202. ( [81] ) ديوانه: 332، وإصلاح المنطق: 303، والمقتضب: 2: 179، والمخصص: 17: 100، وشرح جمل الزجاجي: 1: 619. ( [82] ) سيبويه: الكتاب: 1: 41، الفراء: معاني القرآن: 1: 129. ( [83] ) ابن عصفور: شرح جمل الزجاجي: 1: 620. ( [84] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 321. ( [85] ) ابن عصفور: شرح الجمل: 1: 618. ( [86] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 321. ( [87] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل: 2: 161 وما بعدها. ( [88] ) المرجع نفسه: 2: 163، وانظر الأزهري: شرح التصريح: 1: 321، وابن هشام: أوضح المسالك: 2: 202 وما بعدها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 283 ( [89] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل: 2: 163، وانظر ابن هشام: أوضح المسالك: 2: 203. ( [90] ) البيتان من الشواهد التي لم نقف لأحد على نسبتها لقائل معين، واستشهد بهما، ابن هشام في أوضح المسالك: 2: 203، وابن عقيل: 2: 163، والأزهري في شرح التصريح: 1: 322. ( [91] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل: 2: 165. ( [92] ) المرجع نفسه: 2: 165. ( [93] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل: 2: 167 168. ( [94] ) عباس حسن: النحو الوافي: 2: 189. ( [95] ) استشهد بهذا البيت ابن هشام في شذور الذهب، ص: 541 ولم ينسب إلى قائل معين، ولم أعثر له على ذكر في المصادر التي عدت إليها. ( [96] ) هامش من شذور الذهب. ( [97] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 316. ( [98] ) الحديث أخرجه البخاري بلفظ:" تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين" وفي السنن الكبرى للبيهقي بهذا اللفظ، وفي صحيح مسلم جاء بلفظ: تسبحون وتكبرون وتحمدون. صحيح البخاري (ط دار الفكر) :1: 213، وسنن البيهقي (ط بيروت) : 2: 186، وصحيح مسلم (ط: البابي الحلبي) : 8: 417. ( [99] ) ابن هشام: شرح شذور الذهب: 547. ( [100] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 316. ( [101] ) المرجع نفسه: 1: 316. ( [102] ) ابن مالك: شرح التسهيل، ت: عبد الرحمن السيد، ط1، توزيع مكتبة الأنجلو المصرية، (د ت) ، 2: 176. ( [103] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 317. ( [104] ) المرجع السابق: 1: 316. ( [105] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة االسالك: 2: 191. ( [106] ) عباس حسن: النحو الوافي: 2: 1899. ( [107] ) ياسين بن زين الدين الحمصي: حاشية على شرح الفاكهي، ط2، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1390هـ 1971م، 2:: 90. ( [108] ) المصدر نفسه: 2: 91. ( [109] ) أبو حيان الأندلسي: تفسير البحر المحيط، ط1، دار الفكر، 1403هـ 1983م، 5: 285. ( [110] ) المصدر السابق: 5: 11. ( [111] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 315 وما بعدها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 284 ( [112] ) سيبويه: الكتاب: 12: 79. ( [113] ) د. شوقي ضيف: المدارس النحوية، ط3، دار المعارف بمصر، 1968، ص: 114. ( [114] ) ابن مضاء القرطبي: كتاب الرد على النحاة، ت: د. شوقي ضيف، ط3، دار المعارف، 1982، ص: 94 99. ( [115] ) المرجع نفسه: ص: 101 وما بعدها. ( [116] ) ابن مالك: شرح التسهيل: 2: 167 168. ( [117] ) سيبويه: الكتاب: 1: 76. ( [118] ) ابن مالك: شرح التسهيل: 2: 170. ( [119] ) أبو حيان: تفسير البحر المحيط، 3: 127، 4: 339. ( [120] ) شرح الرضي على الكافية: 1: 70 وما بعدها. ( [121] ) عباس حسن: النحو الوافي: 2: 201. ( [122] ) المرجع السابق: 2: 201. ( [123] ) المرجع السابق: 2: 201 202. ( [124] ) المرجع السابق: 2: 202. ( [125] ) المرجع السابق: 2: 202. ( [126] ) المرجع السابق: 2: 202. ( [127] ) د. شوقي ضيف: تيسير النحو التعليمي قديمًا وحديثًا مع نهج تجديده، ط2، دار المعارف، 1986م، ص: 113. ( [128] ) محمد صلاح الدين مصطفى بكر: النحو الوصفي من خلال القرآن، مؤسسة الصباح ومكتبة النهضة العربية، 1405هـ 1980م، ص: 103 وما بعدها. المصادر والمراجع 1 القرآن الكريم مصحف المدينة المنورة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1407هـ. 2 ابن جني: الخصائص، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1374هـ. 3 كتاب الكافية في النحو، شرح رضي الدين محمد بن الحسن الإستراباذي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1975م. 4 ابن عصفور الإشبيلي: شرح جمل الزجاجي، ت: د. صاحب أبي جناح، القاهرة، 1971م. 5 ابن عقيل: شرح ابن عقيل، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، 1399هـ 1979م. 6 ابن مالك: شرح التسهيل، ت: عبد الرحمن السيد، ط1، توزيع مكتبة الأنجلو المصرية، (د ت) . 7 ابن مضاء القرطبي: كتاب الرد على النحاة، ت: د, شوقي ضيف، ط3، دار المعارف، 1982م. 8 ابن المعطي: شرح ألفية ابن المعطي، ت: علي موسى الشوملي، الناشر مكتبة الخريجي، ط1، 1405هـ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 285 9 ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1388هـ 1968م. 10 ابن هشام: = أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، (د ت) . = مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 1411هـ 1994م. = شرح شذور الذهب، دار الفكر، بيروت، 1414هـ 1994م. 11 ابن يعيش: شرح المفصل، عالم الكتب، بيروت، (د ت) . 12 ابن يعيش الصنعاني (سابق الدين محمد بن علي بن أحمد) : كتاب التهذيب الوسيط في النحو، ت: فخر صالح قدارة، دار الجيل، بيروت، 1411هـ 1991م. 13 أبو حيان الأندلسي (محمد بن يوسف) : = تفسير البحر المحيط، ط1، دار الفكر، 1403هـ 1983م. = تذكرة النحاة، ت: عفيف عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1406هـ 1986م. 14 الأزهري (خالد بن عبد الله) : شرح التصريح على التوضيح، دار الفكر، (د ت) . 15 الأشموني: شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، فيصل عيسى البابي الحلبي، دار إحياء الكتب العربية، (د ت) . 16 الأنباري (كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد) : الإنصاف في مسائل الخلاف، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، 1982م. 17 بكر (د. محمد صلاح الدين مصطفى) : النحو الوصفي من خلال القرآن الكريم، مؤسسة الصباح ومكتبة النهضة العربية، 1405هـ 1980م. 18 حسن (عباس) : النحو الوافي، دار المعارف بمصر، القاهرة، (د ت) . 19 الحلواني (د. محمد خير) : أصول النحو العربي، الناشر الأطلسي، الرباط، 1983م. 20 الحمصي (ياسين بن زين الدين) : حاشية على شرح الفاكهي لقطر الندى، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط2، 1390هـ 1971م. 21 الخضري: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، دار الفكر، 1398هـ. 22 الرازي (الإمام محمد بن أبي بكر عبد القادر) : مختار الصحاح، المكتبة الأموية، بيروت، دمشق، (د ت) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 286 23 الزمخشري (أبو القاسم محمود بن عمر) : المفصل في صنعة الإعراب، ت: علي بو ملحم، ط1، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1993م. 24 سيبويه (أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر) : الكتاب، ت: عبد السلام هارون، ط3، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1408هـ 1988م. 25 صافي (محمود) : الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه، دار الرشيد، دمشق، بيروت، ط1، 1411هـ 1990م. 26 الصبان (محمد بن علي) : حاشية الصبان على شرح علي بن محمد الأشموني لألفية ابن مالك، ترتيب مصطفى حسين أحمد، دار الفكر، (د ت) . 27 ضيف (د. شوقي) : = المدارس النحوية، دار المعارف بمصر، ط2، 1968م. = تيسير النحو التعليمي قديمًا وحديثًا مع نهج تجديده، ط2، دار المعارف، 1986م. 28 عابدين (عبد المجيد) : المدخل إلى دراسة النحو العربي، مطبعة الشبكسي، مصر، 1951م. 29 عبد الباقي (محمد فؤاد) : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1407هـ 1987م. 30 عضيمة (محمد عبد الخالق) : دراسات لأسلوب القرآن الكريم، مطبعة حسّان، (د ت) . 31 الغلاييني (مصطفى) : جامع الدروس العربية، ط12، المكتبة العصرية، بيروت، 1393هـ 1973م. 32 الفراء: معاني القرآن، ت: أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1374هـ 1955م. 33 المبرد (أبو العباس محمد بن يزيد) : المقتضب، ت: محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت، (د ت) . 34 المرادي المعروف بابن أم قاسم: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، ت: عبد الرحمن علي سليمان، ط2، مكتبة الكلية الأزهرية، (د ت) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 287 التدريس المصغر في ميدان تعليم اللغات الأجنبية وتطبيقه في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها د. عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي الأستاذ المساعد بقسم تأهيل معلمي اللغة العربية - معهد تعليم اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ملخص البحث التدريس المصغر: أسلوب من أساليب تدريب المعلمين، يمثل صورة مصغرة للدرس أو جزءاً من أجزائه أو مهارة من مهاراته، تحت ظروف مضبوطة، ويقدم لعدد محدود من المتعلمين أو المعلمين المتدربين. يهدف البحث إلى التعريف بالتدريس المصغر، وذكر أنواعه ومراحله ومهاراته، وبيان أهميته في برامج إعداد معلمي اللغات الأجنبية، وتقديمه حلاً لبعض المشكلات التي يواجهها القائمون على هذه البرامج، ثم تقديم نموذج تطبيقي للتدريس المصغر في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى. والتدريس المصغر أنواع، منها: التدريب المبكر على التدريس المصغر، والتدريب عليه أثناء الخدمة، والتدريس المصغر المستمر، والتدريس المصغر الختامي، والتدريس المصغر الموجه، والتدريس المصغر الحر، والتدريس المصغر العام، والتدريس المصغر الخاص. يقدم التدريس المصغر على مراحل، هي: الإرشاد والتوجيه، والمشاهدة، والتحضير للدرس، والتدريس، والحوار والمناقشة، وإعادة التدريس، والتقويم، والانتقال إلى التدريس الكامل. وللتدريس المصغر مهارات، من أهمها: مهارات التحضير، ومهارات اختيار المواد التعليمية، ومهارات التوزيع والتنظيم، ومهارات التقديم والتشويق والربط، ومهارات الشرح، ومهارات التعزيز، ومهارات الأسئلة والإجابات، ومهارات مراعاة مستوى الطلاب والفروق الفردية بينهم، ومهارات الحركة، ومهارات استخدام تقنيات التعليم، ومهارات التدريب والتقويم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 288 وفي نهاية البحث قدم الباحث نموذجاً مصغراً لتدريس النحو لمعلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، بدأ من المرحلة الثالثة (التحضير للدرس) وانتهى بالمرحلة السابعة (التقويم) وشمل جميع المهارات في هذه المراحل. مقدمة: انتشرت في العقود الثلاثة الماضية معاهد لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في عدد من الجامعات العربية. وكان الهدف من إنشاء هذه المعاهد - في الغالب - تعليم اللغة العربية لأبناء المسلمين، وإلحاقهم بكليات الشريعة والدعوة وأصول الدين واللغة العربية ( [1] ) . وقد افتتح في بعض هذه المعاهد أقسام وبرامج لإعداد معلمي اللغة العربية وتأهيلهم تأهيلاً علمياً وتربوياً ومهنياً ( [2] ) ، يقدم للملتحقين بها عدد من المقررات في اللغويات النظرية واللغويات التطبيقية وعلم النفس والتربية وتقنيات التعليم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 289 وإذا كانت المقررات النظرية مهمة لإعداد معلم اللغة العربية للناطقين بغيرها إعداداً علمياً؛ فإن التدريب العملي لا يقل أهمية عن هذه المقررات. ولا شك في أن التدريب العملي الميداني على تدريس اللغة العربية والمواد الشرعية أثناء الدراسة، في فصول حقيقية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ أفضل وسيلة لتدريب المعلمين على هذه المهنة، والتأكد من تمكنهم من مهاراتها قبل دخولهم الميدان بعيدين عن الإشراف والتوجيه والتعزيز. بيد أن هذا النمط من التدريب لا يتوفر في بعض أقسام إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ لأسباب كثيرة، من أهمها: ندرة الفصول الكافية للتدريب، وغياب بعض المواد المراد التدرب عليها من المنهج الذي يتدرب فيه المعلمون، وعدم ملاءمة وقت الدراسة للمعلمين المتدربين. وتلك مشكلة يعاني منها المشرفون على هذه الأقسام وأساتذة التربية العملية فيها، مما يعد نقصاً في التأهيل والتدريب. لهذا يلجأ الأساتذة إلى توجيه طلابهم المعلمين إلى وسائل وأنشطة لا تعوض هذا النقص، ولا تقدم بديلاً عملياً عن هذا الجانب المهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها يتطلب التدرب على عدد من المهارات والمهمات، وممارسة بعض الإجراءات والأنشطة، ومناقشة بعض القضايا المهنية المهمة، التي يصعب تنفيذها أثناء التدريب العملي الكامل في فصول حقيقية أمام متعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها، كالتسجيل التلفازي، وحضور الأستاذ المشرف، وتبادل الأدوار بين المتدربين ونحو ذلك. لذا فإن الوسيلة الممكنة التي يرى الباحث أنها مفيدة لسد النقص في هذا الجانب المهم من إعداد المعلمين، هي التدريس المصغر Microteaching، الذي سوف يقدم في هذه الدراسة؛ ليكون مكملاً للتدريب الميداني الحقيقي، لا بديلاً عنه، إلا في حالات الضرورة. وهذا النمط من التدريس له فوائد أخرى ربما لا تتوفر في التدريب على التدريس الحقيقي الكامل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 290 أهداف البحث يسعى الباحث، من خلال هذا البحث، إلى تحقيق بعض الأهداف؛ النظرية والتطبيقية، التي يمكن إيجازها في النقاط التالية: 1- التعريف بالتدريس المصغر وأنواعه ومراحله ومهاراته. 2- بيان مزاياه وأهميته في برامج إعداد معلمي اللغات الأجنبية. 3- تقديمه حلاً لعدد من المشكلات التي يواجهها القائمون على برامج تعليم اللغات الأجنبية. 4- تقديم نموذج تطبيقي للتدريس المصغر في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى. أهمية البحث وضرورته هذا البحث يعالج مشكلة تتكرر كل عام، بل كل فصل دراسي من فصول برنامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، وهي قلة الفرص المتاحة للطلاب المعلمين للتدرب على مهارات تدريس اللغة العربية في فصول حقيقية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، بالإضافة إلى حاجتهم إلى التدرب على مهارات والقيام بمهمات وأنشطة يصعب ممارستها أمام متعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها. وكثيراً ما تقيم الجامعات العربية والمنظمات الإسلامية دورات تدريبية قصيرة لأعداد كبيرة من معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها في مختلف دول العالم، فلا تجد الوقت الكافي لتدريبهم على المهارات الأساسية من خلال التدريس الكامل. بناء على التجربة الميدانية والبحث النظري، يعتقد الباحث أن التدريس المصغر أفضل وسيلة لحل هذه المشكلة، التي لا تقتصر على برامج إعداد معلمي اللغة العربية، بل هي مشكلة عامة في تعليم اللغات الأجنبية، بما فيها تعليم اللغة الإنجليزية للناطقين بغيرها ( [3] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 291 ويرى الباحث أن هذا البحث مهم لجميع العاملين في ميدان تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ أساتذة مشرفين ومعلمين متدربين؛ إذ لم يعثر على دراسة متكاملة ومفصلة في هذا الموضوع باللغة العربية، تجمع بين النظرية والتطبيق؛ بالإضافة إلى ما يقدم في هذه الدراسة من مقترحات مهمة للاستفادة من التدريس المصغر في البحث العلمي في مجال تعليم اللغات الأجنبية. ما التدريس المصغر؟ التدريس المصغر – بوجه عام - موقف تدريسي، يتدرب فيه المعلمون على مواقف تعليمية حقيقية مصغرة تشبه غرفة الفصل العادي، غير أنها لا تشتمل على العوامل المعقدة التي تدخل عادة في عملية التدريس. ويتدرب المعلم – في الغالب – على مهارة تعليمية واحدة أو مهارتين، بقصد إتقانهما قبل الانتقال إلى مهارات جديدة ( [4] ) . والتدريس المصغر في برامج تعليم اللغات الأجنبية: إجراء أو أسلوب منظم من أساليب تدريب المعلمين على تدريس اللغة الهدف، يمثل صورة مصغرة للدرس، أو جزءاً من أجزائه، أو مهارة من مهاراته، تحت ظروف مضبوطة؛ منظمة ومرتبة، وعادة ما يقدم لعدد محدود من المتعلمين أو الزملاء من المعلمين المتدربين ( [5] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 292 ويتضح من هذا التعريف أن المعلم المتدرب يمكن أن يُصَغِّر درسه من خلال التركيز على مهارة واحدة من مهارات التدريس، أو خطوة واحدة من خطواته، مع الاحتفاظ بالزمن والأنشطة المطلوبة لهذه المهارة في الحالات العادية. فقد يختار المتدرب، أو يُوَجَّه، إلى التدرب على التمهيد للدرس، أو شرح قاعدة من قواعده، أو شرح عدد معين من المفردات الجديدة، أو إجراء تدريب قصير، أو تقويم أداء الطلاب في مهارة معينة. وقد يكون التدريس موجهاً إلى التدرب على مهمة محددة، كإثارة انتباه الطلاب، وأسلوب طرح الأسئلة عليهم، والإجابة عن استفساراتهم، وتصويب أخطائهم. يقوم المتدرب بهذه العملية مرة أو مرتين أو أكثر، ويحاول في كل مرة تلافي الأخطاء السابقة أو التقليل منها، حتى يتقن هذه المهارة. فالتدرب على مهارة من هذه المهارات أو مهمة من هذه المهمات إذن لا يستغرق كل الوقت المخصص للدرس، وإنما يتطلب جزءاً يسيراً منه، يختلف حسب طبيعة المهارة المراد التدرب عليها. فالتقديم للدرس مثلاً لا يستغرق – في الغالب - أكثر من خمس دقائق، وإجراء التدريب الواحد ربما لا يحتاج إلا إلى ثلاث دقائق، وإثارة انتباه الطلاب أو طرح السؤال أو الإجابة عنه لا تحتاج إلا إلى دقيقة واحدة، أما شرح القاعدة فقد يتطلب مدة تتراوح ما بين خمس إلى عشر دقائق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 293 بالإضافة إلى ذلك، فإن حجم الفصل يمكن تصغيره إلى أقل من عشرة طلاب، وهؤلاء قد يكونون طلاباً حقيقيين من متعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها، وقد يكونون من زملاء المعلم المتدرب، الذين يجلسون في مقاعد الدرس؛ يستمعون إليه، ويتفاعلون معه كما لو كانوا طلاباً حقيقيين من متعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها. والحالة الثانية هي المتبعة غالباً في التدريس المصغر في برامج تعليم اللغات الأجنبية ( [6] ) ؛ لأن عدم توفر الطلاب الحقيقيين، أو صعوبة التدرب أمامهم، من أهم أسباب اللجوء إلى التدريس المصغر، بالإضافة إلى الاستفادة من الزملاء المعلمين في التعزيز والنقد والمناقشة. الخلفية التاريخية والنظرية للتدريس المصغر ظهر التدريس المصغر في أوائل الستينيات من القرن العشرين، عندما كانت تطبيقات الاتجاه السلوكي في علم النفس Behavioral Psychology هي المسيطرة على مناهج التعليم، بما فيها مناهج تعليم اللغات الأجنبية. وقد بدأ تطبيق التدريس المصغر في العلوم التطبيقية في جامعة ستانفورد Stanford University على يد دوايت ألن Dwight Allen وزملائه عام 1961م ( [7] ) ، وعرف بمذهب ستانفورد Stanford Approach، ثم طبق في جامعة بركلي في كاليفورنيا University of California (Berkeley) . وقد عرف هذا النمط من التدريس آنذاك بنموذج العلم التطبيقي The Applied Science Model، ثم طبق بعد ذلك على نطاق واسع في تدريب المهندسين والعاملين في المصانع وبرامج تدريب الجيش الأمريكي ( [8] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 294 وقد شاع استخدام هذا النمط من التدريس في برامج التربية العملية للمعلمين في التعليم العام في الجامعات الأمريكية منذ ذلك التاريخ. ثم استخدم في بعض الجامعات الأوربية، وبخاصة البريطانية منها، في بداية السبعينيات الميلادية، حيث استحدثت أنماط وأساليب جديدة، بل إن الجامعات البريطانية أقرت التدريس المصغر واعتمدته جزءاً أساسياً في عمليات إعداد المعلمين ( [9] ) . ثم انتقل هذا النمط من التدريس إلى العالم العربي في منتصف السبعينيات الميلادية، وطبق في كثير من جامعاته وكلياته، ونقلت بعض الكتب والدراسات الأجنبية إلى اللغة العربية ( [10] ) ، ثم ألفت كتب أخرى باللغة العربية نفسها ( [11] ) ، كما نشرت بعض البحوث والدراسات وعقدت ندوات في مجال تدريب المعلمين، تناول بعضها جوانب من التدريس المصغر ( [12] ) . لقد قام هذا النموذج من التدريس المصغر على أساس من المفهوم السلوكي للتعلم من خلال تعديل السلوك، كما هو عند رائد التعليم المبرمج ف سكنر B. F. Skinner، الذي يؤكد على أهمية التغذية الراجعة Feedback والتعزيز الفوري Immediate Reinforcement في تعديل السلوك. وبناء على ذلك؛ فإن المتدرب يحتفظ بالسلوك الصحيح، عندما يلقى تعزيزاً إيجابياً من أستاذه أو من الحضور، ويبتعد عن السلوك الخاطئ بناء على التعزيز السلبي، ويحسن من أدائه تدريجياً حتى يصل إلى الأداء المطلوب. ولكي يضمن المتدرب الاستفادة من التغذية الراجعة والتعزيز لتحسين أدائه؛ ينبغي أن تكون المهمة أو المهارة التي يتدرب عليها قصيرة قدر الإمكان. من هنا جاءت فكرة تقسيم الدرس إلى أجزاء، ثم تقسيم كل جزء إلى مهارات أو مهمات قصيرة، يمكن التدرب عليها مرات عديدة حتى يتم إتقانها ( [13] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 295 غير أن هذا النموذج العلمي التطبيقي لم يكن مقبولاً بدرجة كافية لدى المهتمين بتعليم اللغات الأجنبية؛ لأن تعليم اللغة وتعلمها عملية معقدة ومتداخلة، ينبغي أن ينظر إليها بوصفها وحدة متكاملة، لا ينفصل بعضها عن البعض الآخر. بل يرى بعض الباحثين أن هذا النموذج، كما هو لدى جامعة ستانفورد، لم يطبق في برامج تعليم اللغات الأجنبية على نطاق واسع ( [14] ) . ولعل السبب في هذا شعور اللغويين التطبيقيين بأن تعليم اللغة يختلف عن تعليم مهارة منفصلة من مهارات العلوم الطبيعية أو التصميم الهندسي أو التصنيع أو التشغيل، أو السلوك العسكري الموجه توجيهاً آلياً في كثير من الحالات. وبناء على ذلك؛ طبق اللغويون التطبيقيون نموذجاً آخر عرف بالنموذج الانعكاسي التأملي The Reflective Model، يقوم على فكرة أن التدريس المصغر ينبغي النظر إليه بوصفه سلوكاً مهنياً معرفياً يعكس كفاية المعلم، لا سلوكاً آلياً ناتجاً عن المحاولة والخطأ وتعديل السلوك جزئياً نتيجة التغذية الراجعة والتعزيز. وقد استفاد أصحاب هذا النموذج من آراء عالم النفس الروسي فيجوتسكي Vygotsky ونظراته السلوكية الجديدة حول التدريس بوجه عام والتدريس المصغر بوجه خاص، تلك النظرات التي تربط التدريس بكل من البيئة الاجتماعية والثقافة والمعرفة. يرى فيجوتسكي أن التدريس المصغر انعكاس طبيعي للتفاعل بين العوامل التاريخية والثقافية والمعرفية لبيئة التعلم ( [15] ) . فالتدريس المصغر – في ضوء هذه النظرة - ليس سلوكاً آلياً ولا عملية إبداعية في جميع الأحوال والظروف، وإنما يعتمد على البيئة التي تلقى فيها المعلم ثقافته والأسلوب الذي نشأ عليه وتلقى فيه تدريبه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 296 ومنذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين، بدأ التدريس المصغر يظهر من جديد، لكن بصورة غير الصورة السلوكية التقليدية التي كان عليها في الستينيات والسبعينيات. فقد بدأ اللغويون التطبيقيون يطبقونه من خلال الاتجاه المعرفي The Cognitive Approach؛ انطلاقاً من المقولة التي ترى أن تغيير سلوك الفرد يتطلب التأثير على تفكيره واتجاهه نحو هذا السلوك أولاً، ثم توجيهه إلى السلوك المطلوب ثانياً. وبناء على ذلك؛ فإن التدريس المصغر يمكن أن يكون وسيلة لتغيير الاتجاه نحو أساليب التعلم والتعليم، وبالتالي بناء اتجاه معين نحو أساليب التدريس. وأياً كان الأمر، فقد طبق التدريس المصغر، منذ نشأته في الستينيات من القرن العشرين حتى الآن، في برامج تعليم اللغات الأجنبية في أنحاء مختلفة من العالم، وبخاصة في أمريكا وبريطانيا ( [16] ) ، كما أنه لا يزال مطبقاً في اليابان بشكل واسع ( [17] ) . بيد أن أوج انتشاره في الدول الغربية كان في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين؛ حيث أشارت إحدى الدراسات التي أجريت في نهاية الثمانينيات إلى أن ما يربو على ثمانين بالمائة من برامج تدريب معلمي اللغات الأجنبية في الغرب في ذلك الوقت كان يعتمد على التدريس المصغر. وكان التدريس المصغر في بداية الأمر مقصوراً على تدريب الطلاب المعلمين قبل تخرجهم، أي قبل العمل في التدريس Pre-service Training، ثم طبق في برامج تطوير مهارات المعلمين الذين هم على رأس العمل In-service Training، بعد أن تبين أن له فوائد في التدريب على مهارات جديدة، وتطوير المهارات السابقة ( [18] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 297 وقد انتُقِدت بعضُ برامج التدريس المصغر لاعتمادها على التدريب الآلي الذي يعد تطبيقاً للاتجاه السلوكي التقليدي في علم النفس عندما كان مهيمناً على برامج التعليم في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين. ولا شك في أن التعليم بوجه عام، وتدريب المعلمين بوجه خاص، تدريباً آلياً وفقاً للنظرة السلوكية التقليدية فقط، منهج غير مقبول؛ لأن التعلم والتعليم سلوك وإبداع في آن واحد. ولعل ارتباط التدريس المصغر أثناء نشأته بالاتجاهات السلوكية التقليدية كان سبباً في النفور منه لدى بعض التربويين ومعلمي اللغات الأجنبية. وقد انتقد التدريس المصغر أيضاً لكونه عملية مصنوعة في كثير من الحالات، وبخاصة عندما يكون الحضور من زملاء المعلم المتدرب. على الرغم من ذلك، فإن النماذج المطورة التي تلت المراحل الأولى جيدة جداً وصالحة للتطبيق، وبخاصة في برامج تعليم اللغات الأجنبية، في ضوء الاتجاه المعرفي الذي ساهم أيضاً في التقليل من الخطوات والمراحل الآلية غير الضرورية، والمرتبطة بالنظرة السلوكية التقليدية نحو التعلم. ولا شك في أن معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، في ضوء الظروف التي أشرنا إليها في موضع سابق، في حاجة إلى التدريس المصغر وتطوير نماذج منه تتفق مع الاتجاهات الحديثة في تعليم اللغات الأجنبية. الدراسات السابقة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 298 بدأ الاهتمام بالتدريس المصغر في ميدان تعليم اللغات الأجنبية في منتصف الستينيات من القرن العشرين، بيد أن الدراسات العلمية التي أجريت للتأكد من جدواه في إعداد معلمي اللغات الأجنبية لم تبدأ إلا في نهاية الستينيات. وكان من أقدم هذه الدراسات دراسة أجرتها ديانا بارتلي Diana Bartley عام 1969، في ضوء الاتجاه السلوكي لدى سكنر Skinnerian Concept of Behavior، التي استخلصت منها أن التغذية الراجعة Feedback والتعزيز Reinforcement من قبل الزملاء المعلمين في التدريس المصغر – تقود إلى تغيير سلوك المتدرب تدريجياً نحو الأداء السليم ( [19] ) . ثم تلت هذه الدراسة دراسات أخرى، كالدراسة التي أجراها مكليز McAleese عام 1973م ( [20] ) ، والدراسة التي قام بها جورج براون George Brown عام 1975م ( [21] ) . ثم أجريت دراسات مسحية جمعت مادتها من خلال استبانات وزعت على المتدربين من معلمي اللغات الأجنبية والمشرفين على تدريبهم؛ لاستطلاع آرائهم حول التدريس المصغر، منها دراسة بوشان Bhushan، التي نشرها عام 1976م، والتي أظهرت نتائجها أن غالبية المعلمين المتدربين والمشرفين على التدريب، الذين أجريت عليهم الدراسة، يرون أن التدريس المصغر من أهم الوسائل المهمة والمفيدة لتدريب معلمي اللغات الأجنبية وتعديل سلوكهم نحو الأفضل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 299 وفي الثمانينيات أجريت دراسات أخرى في ضوء الاتجاه المعرفي في تعليم اللغات الأجنبية. من هذه الدراسات دراسة قامت بها فلورا أورتيز Flora Ortiz عام 1985م، حول استخدام الفيديو في التدريس المصغر لتدريب معلمي اللغات الأجنبية، وقد دلت نتائج الدراسة على أهمية التدريس المصغر وفائدته إذا تم التحضير والتخطيط للدرس بشكل جيد، وساهم فيه المتدربون والحضور مساهمة حقيقية. بيد أن هذه الدراسة أظهرت نتائج أخرى مهمة، وهي أن التحضير للدرس المصغر لا يضمن النتائج المطلوبة، خلافاً لما يعتقده السلوكيون، وأن المتدربين يختلفون فيما بينهم في استراتيجيات التدريس والتعامل مع المشكلات التي تحدث في غرفة الصف. تلت ذلك دراسات أخرى لم تقتصر على فوائد التدريس المصغر وحسب، وإنما اهتمت أيضاً بالأساليب والوسائل المتبعة في التدريس المصغر، كتبادل الأدوار Role Play in Language Teaching، واستخدام تقنيات التعليم الحديثة، وبخاصة جهاز الفيديو، وأهمية ذلك كله في تطوير برامج تدريب معلمي اللغات الأجنبية. فمن الدراسات التي اهتمت بالأساليب المفيدة في برامج التدريس المصغر الدراسة التي قدمتها الاكساندرا جولبيوسكا Aleksandra Golebiowska لاجتماع الجمعية العالمية لمعلمي اللغة الإنجليزية لغة أجنبية في أدنبرا عام 1988م، وكانت الدراسة حول تبادل الأدوار في برامج تدريب المعلمين الجدد من خلال التدريس المصغر ( [22] ) . ومن الدراسات التي اهتمت بتقنيات التعليم في التدريس المصغر دراسة فلورا أورتيز عام 1985م، حول استخدام الفيديو في التدريس المصغر، والتي أشرنا إليها قبل قليل، وهناك دراسات أخرى مماثلة لا يتسع المقام للحديث عنها في هذا الموضع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 300 بالإضافة إلى هذه الدراسات، نشر عدد من التقارير حول برامج التدريس المصغر في عدد من الدول الغربية، وبخاصة في بريطانيا وأمريكا، بالإضافة إلى اليابان. من أهم هذه الدراسات وأوسعها الدراسة التي نشرها جون ستودارت John Stoddart عام 1981م، عن برامج التدريس المصغر في بريطانيا وبخاصة في برامج تعليم اللغة الإنجليزية للناطقين بغيرها. وقد شملت هذه الدراسة وصفاً موجزاً لعشرات البرامج منذ نشأة التدريس المصغر في بداية الستينيات، وانتقاله إلى بريطانيا في السبعينيات حتى الثمانينات، والدراسات التي أجريت حول هذه البرامج ( [23] ) . وأجريت دراسات أخرى مشابهة لهذه الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، من أهمها تقرير حديث نشرته تيسا وودوارد Tessa Woodward عام 1998م في عدد خاص من مجلة Teacher Trainer، حوى عدداً من البحوث والدراسات حول التدريس المصغر من وجهات نظر مختلفة، وتطبيقات متنوعة ( [24] ) . وقريب من هذه الدراسة دراسة أخرى أجراها مورقان سيمبسون Morgan Simpson، عام 1998م، حول أهمية التدريس المصغر في برامج التربية العملية في المدارس الأمريكية ( [25] ) . وقريب من هذه الدراسات والتقارير تلك الدراسة التي نشرها أساجي يونياما Asaji Yoneyama، عام 1988م عن التدريس المصغر في برامج إعداد معلمي اللغة الإنجليزية لغة أجنبية في اليابان. وقد جمعت هذه الدراسة بين النظرية والتطبيق، كما تضمنت تقريراً شاملاً عن تدريب معلمي اللغات الأجنبية في الجامعات اليابانية، واستخدام تقنيات التعليم في الإعداد والتدريب ( [26] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 301 وعلى الرغم من ذلك، فإن ما كتب في اللغة العربية عن التدريس المصغر كان في مجالات التعليم العام وحسب، وبخاصة تدريس العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية؛ حيث نقل بعض ما كتب في اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية ( [27] ) ، وألفت بعض الكتب باللغة العربية نفسها ( [28] ) . كما نشرت بعض البحوث والدراسات الميدانية في مجالات التعليم العام باللغة العربية مع الاهتمام – بوجه خاص - بتكنولوجيا التعليم في برامج إعداد المعلمين ( [29] ) . أما في برامج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، فإن التدريس المصغر لم يحظ بالعناية الكافية، على الرغم من أهميته وممارسته عملياً في بعض برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها ( [30] ) . وقد نشرت المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (أيسيسكو) عام 1418هـ كتاباً أعده الأستاذ إسحاق محمد الأمين، تضمن منهج المنظمة لتدريب معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، وأساسيات طريقة التدريس والتربية العملية لدورات تدريب المعلمين. وقد استهل المؤلف كتابه بمدخل جيد إلى التدريب والتربية العملية، أشار فيه باختصار شديد إلى التدريس المصغر في برامج تدريب معلمي اللغة العربية، غير أن هذه الإشارة غير كافية للتعريف بالتدريس المصغر وأنواعه ومراحله، فضلاً عن خلو الكتاب من نموذج تطبيقي لهذا النمط من التدريس في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها ( [31] ) . ولم يعثر الباحث على دراسة علمية تفصيلية، تبين أهمية التدريس المصغر وأنواعه ومراحله، وتقدم نموذجاً عملياً لتدريب معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها. إن كل ما كتب عن التدريس المصغر في هذا المجال لا يعدو الإشارات العابرة ( [32] ) إلى أهمية هذا النمط من التدريس في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها ( [33] ) . أنواع التدريس المصغر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 302 يختلف التدريس المصغر باختلاف البرنامج الذي يطبق من خلاله، والهدف من التدريب، وطبيعة المهارة أو المهمة المراد التدرب عليها، ومستوى المتدربين، ويمكن حصر هذه التقسيمات في الأنواع التالية: 1- التدريب المبكر (على التدريس المصغر) Pre-service Training in Microteaching: وهو التدريس المصغر الذي يبدأ التدرب عليه أثناء الدراسة، أي قبل تخرج الطالب وممارسته مهنة التدريس في أي مجال من المجالات. وهذا النوع يتطلب من الأستاذ المشرف اهتماماً بجميع مهارات التدريس العامة والخاصة؛ للتأكد من قدرة الطالب على التدريس. 2- التدريب أثناء الخدمة (على التدريس المصغر) In-service Training in Microteaching: وهذا النوع يشمل المعلمين الذين يمارسون التدريس ويتلقون – في الوقت نفسه – تدريباً على مهارات خاصة لم يتدربوا عليها من قبل، ومن هذا القبيل تدريب معلمي اللغة العربية الملتحقين في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، الذين تخرجوا في أقسام اللغة العربية ومارسوا تدريسها للناطقين بها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 303 3- التدريس المصغر المستمر Continuous Microteaching: يبدأ هذا النوع من التدريس في مراحل مبكرة من البرنامج، ويستمر مع الطالب حتى تخرجه. وهذا النوع غالباً ما يرتبط بمقررات ومواد تقدم فيها نظريات ومذاهب، يتطلب فهمها تطبيقاً عملياً وممارسة فعلية للتدريس في قاعة الدرس، تحت إشراف أستاذ المادة. من ذلك مثلاً التدرب على تدريس اللغة الثانية أو الأجنبية لأهداف خاصة Teaching Foreign/Second Language for Specific Purposes، كتدريس اللغة العربية لغة ثانية من خلال محتوى مواد العلوم الشرعية؛ تطبيقاً لمبدأ تدريس اللغة من خلال المحتوى Content-Based Instruction، أحد المداخل المقترحة لتدريس اللغة الثانية لأهداف خاصة. ومن ذلك التمثيل التطبيقي لطريقة من طرائق تدريس اللغات الأجنبية، كالطريقة الاتصالية مثلاً، أو تطبيق أنشطة من أنشطتها في موقف اتصالي معين، أثناء شرحها داخل الفصل؛ لمزيد من التوضيح. 4- التدريس المصغر الختامي Final Microteaching: وهو التدريس الذي يقوم المعلم المتدرب بأدائه في السنة النهائية أو الفصل الأخير من البرنامج، ويكون مركزاً على المقررات الأساسية، كمقرر تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها في برامج إعداد معلمي اللغة العربية مثلاً، ومقرر تدريس العلوم الشرعية أو السيرة النبوية للناطقين بغير العربية. وقد يدخل التدريس المصغر الاختباري ضمن هذا النوع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 304 5- التدريس المصغر الموجه Directed Microteaching: هذا النوع من التدريس يشمل أنماطاً موجهة من التدريس المصغر، منها التدريس المصغر النموذجي Modeled Microteaching، وهو الذي يقدم فيه المشرف لطلابه المعلمين أنموذجاً للتدريس المصغر، ويطلب منهم أن يحذوا حذوه، وهذا النوع غالباً ما يطبق في برامج إعداد معلمي اللغات الأجنبية الذين لما يمارسوا هذه المهنة بعد Pre-Service Teachers. ومنها التدريس المعتمد على طريقة معينة من طرائق تدريس اللغات الأجنبية المعروفة؛ كالطريقة السمعية الشفهية، أو الطريقة الاتصالية..، وقد ينطلق من مذهب من مذاهب تعليم اللغات الأجنبية؛ كالمذهب السمعي الشفهي، أو المذهب الاتصالي، أو المذهب المعرفي. ومنها التدريس المصغر الذي يعتمد فيه المتدرب على كتاب مقرر في البرنامج، ككتاب القراءة أو كتاب القواعد أو كتاب التعبير مثلاً؛ حيث يختار جزءاً من درس من دروس الكتاب المقرر، ويحدد المهارة التي سوف يتدرب عليها، والإجراءات والأنشطة التي سوف يقوم بها، ثم يعد درسه ويقدمه بناء على ذلك، وفي ضوء الطريقة والإجراءات المحددة في دليل المعلم ( [34] ) . 6- التدريس المصغر الحر (غير الموجه) Undirected Microteaching: هذا النوع من التدريس غالباً ما يقابل بالنوع السابق (الموجه) ، ويهدف إلى بناء الكفاية التدريسية، أو التأكد منها لدى المعلم، في إعداد المواد التعليمية وتقديم الدروس وتقويم أداء المتعلمين، من غير ارتباط بنظرية أو مذهب أو طريقة أو أنموذج. وغالباً ما يمارس هذا النوع من التدريس المصغر في البرامج الختامية أو الاختبارية. وقد يمارس في بداية البرنامج للتأكد من قدرة المتدرب وسيطرته على المهارات الأساسية العامة في التدريس، أو يقوم به المتمرسون من المعلمين بهدف التدرب على إعداد المواد التعليمية وتقديمها من خلال التدريس المصغر، أو لأهداف المناقشة والتحليل أو البحث العلمي ( [35] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 305 7- التدريس المصغر العام General Microteaching: يهتم هذا النوع بالمهارات الأساسية التي تتطلبها مهنة التدريس بوجه عام، بصرف النظر عن طبيعة التخصص، ومواد التدريس، ومستوى الطلاب؛ لأن الهدف منه التأكد من قدرة المتدرب على ممارسة هذه المهنة. وغالباً ما يكون هذا النوع من التدريس مقرراً أو ضمن مقرر من المقررات الإلزامية للجامعة أو الكلية، وأحد متطلبات التخرج فيها، وغالباً ما تقوم كليات التربية بتنظيم هذا النوع من التدريب، ويشرف عليه تربويون مختصون في التدريب الميداني ( [36] ) . في هذا النوع من التدريس يتدرب المعلمون على عدد من المهارات الأساسية، مثل: إثارة انتباه الطلاب للدرس الجديد، ربط معلوماتهم السابقة بالمعلومات الجديدة، تنظيم الوقت، استخدام تقنيات التعليم، إدارة الحوار بين الطلاب وتوزيع الأدوار بينهم، التحرك داخل الفصل، رفع الصوت وخفضه وتغيير النغمة حسب الحاجة، حركات اليدين وقسمات الوجه وتوزيع النظرات بين الطلاب أثناء الشرح، ملاحظة الفروق الفردية بين الطلاب ومراعاتها، أسلوب طرح السؤال على الطلاب وتوقيته، طريقة الإجابة عن أسئلة الطلاب واستفساراتهم، أساليب تصويب أخطاء الطلاب، ونحو ذلك. 8- التدريس المصغر الخاص Specific Microteaching: هذا النوع يهتم بالتدريب على المهارات الخاصة بمجال معين من مجالات التعلم والتعليم؛ كتعليم اللغات الأجنبية، والرياضيات، والعلوم الطبيعية، والعلوم الاجتماعية، لمجموعة معينة من الطلاب المعلمين المتخصصين في مجال من هذه المجالات، في كلية أو قسم أو برنامج خاص. وقد يكون التدريب موجهاً إلى فئة من الطلاب ممن لديهم ضعف أكاديمي أو نقص في التدرب على مهارات معينة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 306 والواقع أن بعض الأنواع التي ذكرناها متداخلة ومتشابهة في المداخل والأهداف والإجراءات، بيد أن أهم هذه الأنواع أو التقسيمات وأشملها هو تقسيمها إلى نوعين: التدريب العام، أي التدريب على المهارات العامة في التدريس، والتدريب الخاص على مهارات خاصة بمجال معين، وبخاصة مجال تعليم اللغات الأجنبية؛ لأن كل نوع من الأنواع الستة الأولى يمكن أن يدخل ضمن أحد النوعين الأخيرين؛ السابع والثامن. ونظراً لاهتمامنا في هذا البحث بتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ فإننا سوف نقتصر في الحديث على برنامج التدريس المصغر الخاص بمعلمي اللغات الأجنبية، الذي يهتم بالمهارات الخاصة بتعليم اللغة الثانية أو الأجنبية، بعد أن تتوفر في المعلم المهارات الأساسية للتدريس، وقد أشرنا إلى أن هذا النوع يمكن أن يشمل جميع الأنواع السابقة باستثناء النوع السابع، وهو التدريس المصغر العام. مزايا التدريس المصغر وفوائده التدريس المصغر تدريس تطبيقي حقيقي، لا يختلف كثيراً عن التدريب على التدريس الكامل؛ حيث يحتوي على جميع عناصر التدريس المعروفة؛ كالمعلم، والطلاب أو من يقوم مقامهم، والمشرف، والمهارات التعليمية، والوسائل المعينة، والتغذية والتعزيز، والتقويم. وإذا كانت بعض المواقف فيه مصنوعة، فإن فيه من المزايا ما لا يوجد في غيره من أنواع التدريس العادية الكاملة، كالتغذية الراجعة والتعزيز الفوري والنقد الذاتي وتبادل الأدوار ونحو ذلك. وللتدريس المصغر فوائد ومزايا عديدة، لا في التدريب على التدريس وحسب، بل في ميادين أخرى من ميادين التعلم والتعليم، كالتدريب على إعداد المواد التعليمية، وتقويم أداء المعلمين والطلاب، وإجراء البحوث التطبيقية ... وفيما يلي بيان بأهم مزايا التدريس المصغر وفوائده في برامج تعليم اللغات الأجنبية: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 307 1- حل المشكلات التي تواجه القائمين على برامج إعداد معلمي اللغات الأجنبية؛ بسبب كثرة المعلمين المتدربين أو نقص المشرفين، أو عدم توفر فصول دراسية حقيقية لتعليم اللغة الهدف، أو صعوبة التوفيق بين وقت الدراسة ووقت المتدربين، أو غياب المادة المطلوب التدرب عليها من برنامج تعليم اللغة الهدف ( [37] ) . 2- توفير الوقت والجهد؛ حيث يمكن تدريب المعلمين في التدريس المصغر على عدد كبير من المهارات الضرورية في وقت قصير، وعدم إهدار الوقت والجهد في التدريب على مهارات قد أتقنها المعلمون من قبل، كما أن التدريس المصغر يقلل من الحاجة إلى تدريس كل متدرب جميع المهارات؛ لأن المشاهدة والمناقشة تفيد المشاهد مثلما تفيد المتدرب. 3- تدريب المعلمين على عدد من مهارات التدريس المهمة، كالدقة في التحضير والتدريس، وتنظيم الوقت واستغلاله، واتباع الخطوات المرسومة في خطة التحضير، واستخدام تقنيات التعليم بطريقة مقننة ومرتبة، وبخاصة جهاز الفيديو، بالإضافة إلى استغلال حركات الجسم في التدريس. 4- تدريب المعلمين على إعداد المواد التعليمية وتنظيمها بأنفسهم؛ لأن التحضير للدرس المصغر غالباً ما يحتاج إلى مادة لغوية جديدة يعدها المتدرب بنفسه، أو يعدل من المادة التي بين يديه؛ لتناسب المهارة والوقت المخصص لها. 5- مناقشة المتدرب بعد انتهاء التدريس المصغر مباشرة، وإمكان تدخل المشرف أثناء أداء المتدرب، وإعادة التدريس، وبخاصة في حالة تدريس الزملاء المتدربين. وتلك أمور يصعب تطبيقها في التدريس الكامل، وبخاصة في الفصول الحقيقية. 6- اعتماد التدريس المصغر على تحليل مهارات التدريس إلى مهارات جزئية، مما يساعد على مراعاة الفروق الفردية بين المعلمين، من خلال تدريبهم على عدد كبير من هذه المهارات التي قد تغفلها برامج التدريب على التدريس الكامل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 308 7- إتاحة الفرصة للمتدرب لمعرفة جوانب النقص والتفوق لديه في النواحي العلمية والعملية والفنية، من خلال ما يتلقاه من التغذية والتعزيز من المشرف والزملاء في مرحلة النقد، مما يتيح له تعديل سلوكه وتطويره قبل دخوله ميدان التدريس حيث لا نقد ولا تغذية ولا تعزيز، كما أنه يساعد على التقويم الذاتي من خلال مشاهدة المتدرب نفسه على شاشة الفيديو. 8- إتاحة الفرص للمتدربين لتبادل الأدوار بينهم، والتعرف على مشكلات تعليم اللغة الأجنبية وتعلمها عن قرب، وهي مشكلات المعلم والمتعلم، وذلك من خلال الجلوس على مقاعد الدراسة، وتقمص شخصية المتعلم الأجنبي، والاستماع لمعلم اللغة الأجنبية، والتفاعل معه، ثم القيام بدور المعلم وهكذا. (هذه الحالة خاصة بالتدريس للزملاء المتدربين) 9- اختبار قدرات المعلمين المتقدمين للعمل في مجال تعليم اللغة للناطقين بغيرها؛ حيث يستطيع المخْتَبِرُ اختيار المهارة أو المهارات التي يريد اختبار المعلم فيها دون غيرها، مما يوفر له مزيداً من الوقت والجهد، كما أن التدريس المصغر مهم لتقويم أداء المعلمين أثناء الخدمة، واتخاذ القرار المناسب بشأن استمرارهم في العمل أو حاجتهم إلى مزيد من التدريب والتطوير. 10- الاستفادة منه في جمع المادة العلمية في الدراسات اللغوية التطبيقية في مدة أقصر من المدة التي يستغرقها جمع المادة في التدريس الكامل. فمن خلال التدريس المصغر يستطيع الباحث رصد أثر تدريس مهارة واحدة أو عدد من المهارات على كفاية المتعلم، كما يستطيع رصد أثر التغذية الراجعة والتعزيز بأنواعه على بناء كفاية المعلم في التدريس، مع القدرة على ضبط المتغيرات الأخرى. 11- الربط بين النظرية والتطبيق؛ حيث يمكن تطبيق أي نظرية أو مذهب أو طريقة، تطبيقاً عملياً في حجرة الدرس، أثناء الشرح أو بعده لمدة قصيرة، إذا دعت الضرورة إلى ذلك. مهارات التدريس المصغر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 309 مهارات التدريس المصغر لا تختلف كثيراً عن مهارات التدريس الكامل، بيد أنه ينبغي النظر إلى التدريس المصغر على أنه مهارة أو مهارات Skills محددة ومقننة، يقتنع بها المعلم، ويسعى إلى فهم أصولها وقواعدها، ثم يتدرب عليها حتى يتقنها؛ لا مهمات Tasks أو إجراءات عملية مؤقتة، يعدل فيها المتدرب حتى يرضي أستاذه أو يقنع زملاءه. وفيما يلي بيان بأهم هذه المهارات، وما يندرج تحتها من مهارات فرعية: 1- مهارات الإعداد والتحضير: أ- مناسبة خطة التحضير للزمن المخصص للدرس، وللمهارة المطلوبة. ب- مناسبة المادة اللغوية لمستوى الطلاب وخلفياتهم. ج- صياغة الأهداف صياغة تربوية، تسهل عملية التدريس والتقويم. 2- مهارات الاختيار: أ- اختيار المواد اللغوية والتدريبات المناسبة لمستوى الطلاب وللوقت المحدد للدرس. ب- اختيار الأسئلة المفيدة والمناسبة لمستوى الطلاب، وكذلك الإجابات عن استفساراتهم. ج- اختيار الوسائل التعليمية المحققة للأهداف، مع قلة التكاليف وسهولة الاستخدام. د- اختيار الأنشطة المفيدة والمحببة للطلاب، كالحوار والتمثيل وتبادل الأدوار. هـ- اختيار الواجبات المنزلية المرتبطة بمادة الدرس، والمناسبة لمستوى الطلاب. و اختيار مظهر أو مشهد من ثقافة اللغة الهدف؛ كأسلوب البدء في الكلام وإنهائه، وآداب استخدام الهاتف، وطريقة الاستئذان لدخول المنزل أو الفصل، وتقديمها للطلاب بأسلوب واضح يمثل ثقافة اللغة الهدف. 3- مهارات التوزيع والتنظيم: أ- توزيع الوقت بين المهارات والأنشطة بشكل جيد، وفقاً لخطة التحضير. ب- توقيت الكلام والسكوت والاستماع إلى كلام الطلاب والإجابة عن استفساراتهم وإلقاء الأسئلة عليهم، وعدم استئثار المعلم بالكلام معظم الوقت. ج- توزيع الأدوار على الطلاب والنظرات إليهم بشكل عادل، مع مراعاة ما بينهم من فروق فردية. د- تنظيم الوسائل المعينة بشكل جيد، واستخدامها في الوقت المناسب فقط. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 310 4- مهارات التقديم والتشويق والربط: أ- التقديم للدرس في مهارة محددة (فهم المسموع – الكلام – القراءة - الكتابة) ولمستوى معين (المبتدئ – المتوسط - المتقدم) . ب- إثارة انتباه الطلاب وتشويقهم للدرس الجديد، وربط معلوماتهم السابقة بالمعلومات الجديدة، مع مراعاة مستوياتهم في اللغة الهدف. ج- المحافظة على حيوية الطلاب وتفاعلهم مع الموضوع طوال الدرس. د- ربط ما تعلمه الطلاب في الدرس بالحياة العامة، كتقديم موقف اتصالي طبيعي من خلال ما قدم للطلاب في الدرس من كلمات وعبارات وجمل. هـ- تشويق الطلاب للدرس القادم، وتشجيعهم للتفكير فيه والاستعداد له. 5- مهارات الشرح والإلقاء: أ- وضوح الصوت، والطلاقة في الكلام، والدقة في التعبير. ب- رفع الصوت وخفضه، وتغيير النغمة الصوتية، والتكرار عند الحاجة. ج- بيان معاني الكلمات والعبارات الجديدة في النص المقروء أو المسموع، عن طريق الشرح أو التمثيل أو تقديم المرادف أو المضاد. د- التفريق بين الكلمات الحسية والمفاهيم المجردة، مع مراعاة مستوى الطلاب وخلفياتهم السابقة عن هذه الكلمات. هـ- شرح القاعدة الجديدة، وربطها بالقواعد السابقة، وطريقة استنباطها من النص، والقدرة على تلخيصها بأسلوب مفهوم ومناسب لمستوى الطلاب. 6- مهارات التعزيز: أ- القدرة على حفظ أسماء الطلاب، ومناداة كل طالب باسمه الذي يحب أن ينادى به. ب- استعمال عبارات القبول والمجاملة التي تشجع المصيب، وتشعر المخطئ بخطئه بطريقة غير مباشرة. 7- مهارات الأسئلة والإجابات: أ- اختيار السؤال والوقت المناسب لطرحه، واختيار كلماته وعباراته التي تناسب مستوى الطلاب وتفيدهم في الدخل اللغوي. ب- صياغة السؤال صياغة سليمة وموجزة، والتأكد من فهم الطلاب له. ج- تنويع الأسئلة من حيث الطول والعمق والابتكار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 311 د- الإجابة عن سؤال الطالب؛ إجابة موجزة أو كاملة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من قبل المعلم أو أحد الطلاب، والوقت المناسب لذلك. 8- مراعاة مستوى الطلاب: أ- مراعاة المعلم لمستوى الطلاب في طريقة النطق، وسرعة الحديث أثناء الشرح. ب- استعمال الكلمات والعبارات والجمل والنصوص المناسبة لهم، والتي تقدم لهم دخلاً لغوياً مفهوماً يفيدهم في اكتساب اللغة الهدف. ج- التفريق بين الأخطاء والمشكلات التي تتطلب معالجة في الحال والأخطاء والمشكلات التي يمكن تأجيلها إلى مراحل لاحقة. د- التفريق بين الموضوعات النحوية والصرفية التي يجب شرحها بالتفصيل والموضوعات التي ينبغي أن تقدم على مراحل. 9- مراعاة الفروق الفردية: أ- القدرة على ملاحظة الفروق الفردية بين الطلاب في الخلفيات اللغوية والثقافية والاجتماعية. ب- مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب في الاستيعاب والإنتاج وقدراتهم على التفاعل مع المعلم والزملاء، وظهور ذلك في حركات المعلم داخل الفصل، وطرح الأسئلة عليهم، وتقبل إجاباتهم، وتحمل أخطائهم. ج- مراعاة الفروق الفردية في تصويب الأخطاء؛ تصويباً مباشراً أو غير مباشر؛ من قبل المعلم أو أحد الطلاب، والوقت المناسب لذلك. د- الاستفادة من ذلك كله في تقسيم الفصل إلى مجموعات متعاونة، يستفيد كل عضو منها من مجموعته ويفيدها. 10- مهارات الحركة: أ- التحرك داخل الفصل؛ أمام الطلاب، وبين الصفوف والممرات، وفي مؤخرة الفصل، بطريقة منظمة وهادئة. ب- تغيير النشاط أثناء التدريس، أي الانتقال من مهارة إلى أخرى؛ كالانتقال من الاستماع إلى الكلام، ومن الكلام إلى القراءة، ومن القراءة إلى الكتابة. ج- توزيع الأدوار بين الطلاب وإدارة الحوار بينهم، وبخاصة أسلوب الالتفات والانتقال من طالب إلى آخر. د- استخدام حركات اليدين وتغيير قسمات الوجه أثناء الشرح بشكل جيد ومعتدل، وتوزيع النظرات إلى الطلاب حسب الحاجة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 312 هـ- استخدام التمثيل بنوعيه؛ المسموع والصامت، وممارسة ذلك في التدريس بطريقة معتدلة؛ تناسب الموقف. 11- مهارات استخدام تقنيات التعليم: أ- تحديد الوسيلة التعليمية المناسبة لكل مهارة، وكيفية استخدامها، والهدف منها. ب- تحضير الوسيلة وتنظيمها بشكل جيد، ثم عرضها في الوقت المناسب. ج- قدرة المعلم على إعداد الوسائل بنفسه، مع البساطة وقلة التكاليف. د- الاعتدال في استخدام الوسائل التعليمية؛ بحيث لا تطغى على محتوى المادة اللغوية، أو تشغل المعلم أو الطلاب. 12- مهارات التدريب والتقويم: أ- إجراء التدريب في مهارة أو نمط لطلاب في مستوى معين، مع القدرة على ربط ذلك باستعمال اللغة في ميادين مختلفة. ب- تقويم الطلاب في المهارة المقدمة، وتحديد مواطن القوة ومواطن الضعف فيها لدى الطلاب. ج- ربط التقويم بالأهداف السلوكية المرسومة في خطة التحضير. مراحل التدريس المصغر: المرحلة الأولى: الإرشاد والتوجيه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 313 مرحلة الإرشاد والتوجيه هذه مسؤولية الأستاذ المشرف على التدريب أو أستاذ المقرر الذي يطبق من خلاله التدريس المصغر ( [38] ) . يبدأ المشرف هذه المرحلة بتوجيهات عامة وشاملة تقدم لجميع المتدربين في الفصل، شفهياً أو تحريرياً، ويفضل أن يكتفي بتقديم الخطوط العامة؛ لأن إغراق المتدربين بالتفصيلات الجزئية قد تربكهم أو تقلل من إبداعهم، ويستثنى من ذلك المهارات والمهمات التي ينبغي الاهتمام بها بشكل خاص. وغالباً ما تبنى هذه التعليمات على ما قدم للمتدربين من نظريات واتجاهات ومذاهب في المواد النظرية المقررة. وقد تقدم لهم هذه التوجيهات بطريقة غير مباشرة؛ في شكل نماذج يقوم المشرف بأدائها عملياً أمام المتدربين، أو يستعين بمعلمين مهرة، أو يعرض عليهم درساً مسجلاً على شريط فيديو، ثم يناقشهم في نقاط القوة ونقاط الضعف فيما شاهدوه، ويفضل أن يقدم لهم عدداً من الدروس الحية والمسجلة بأساليب مختلفة وإجراءات متنوعة. وقد يرشد المشرف طلابه إلى قراءة ما كتب حول إعداد التدريس المصغر وتنفيذه، إن وجد شيء من ذلك في اللغة الهدف، أو كانوا قادرين على قراءته بلغة أجنبية. ويفضل أن يقدم لهم جدولاً للملاحظة يحتوي على قائمة بالمهارات والمهمات والأنشطة التي ينبغي أن يراعيها المعلم، ويطالبهم بالاحتفاظ بها أثناء المشاهدة والحوار والنقد ( [39] ) . وعلى المشرف أن يوضح لطلابه أثناء التوجيه أن الهدف من هذه النماذج هو الاستئناس بها، لا الاقتصار عليها ومحاكاتها بطريقة آلية، كما أن عليه أن يشجع طلابه على الإبداع ويدربهم عليه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 314 ولا شك في أن طريقة الإرشاد والتوجيه ومدتها تختلف باختلاف مستويات المتدربين، وخبراتهم السابقة في التدريس، وخلفياتهم اللغوية والعلمية، والوقت المخصص للتدريب. فالمبتدئون الذين لم يسبق لهم ممارسة مهنة التدريس من قبل يحتاجون إلى إرشاد مكثف في المهارات العامة، بالإضافة إلى المهارات الخاصة بتعليم اللغة الثانية، كما يحتاجون إلى مشاهدة عدد من الدروس الحية أو المسجلة. والذين مارسوا مهنة التدريس للناطقين باللغة، لا يحتاجون إلا إلى التذكير بالمهارات الأساسية العامة، مع الاهتمام بالمهارات الخاصة بتعليم اللغة الثانية. أما الذين لديهم خبرة في ميدان تعليم اللغة الثانية، فلا يحتاجون إلى مزيد من التوجيه والمشاهدة، بل يكتفون بما تعلموه في الدروس النظرية. ولا شك أيضاً أن المتدربين يتفاوتون في القدرات والاستفادة من الخلفيات السابقة في التدريس ومن الدروس النظرية الأكاديمية، حتى داخل الفئة الواحدة، والمشرف وحده هو القادر على التمييز بينهم، ومعرفة من يحتاج منهم إلى مزيد من الإرشاد والتوجيه والمشاهدة، حسب ما يسمح به الزمن المخصص لهذه المرحلة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 315 وعندما يبدأ التدريب العملي، يحدد المشرف لكل متدرب المهارة التي ينبغي أن يتدرب عليها، وقد يختارها المتدرب بنفسه، ثم يقدم المشرف إليه المعلومات والتعليمات اللازمة للتحضير للدرس، ويبين له الأساليب والإجراءات والأنشطة التي ينبغي أن يقوم بها. هذه المعلومات والتعليمات يمكن أن تقدم شفهياً، ويمكن أن تسلم للمتدرب مكتوبة؛ موجزة أو مفصلة. وعلى المشرف أن يكون مستعداً لمساعدة الطالب وتقديم المشورة له أثناء مرحلة الإعداد والتخطيط والتحضير، وقد يستمع إلى أدائه التجريبي على انفراد قبل تقديمه، ويقترح عليه التعديلات التي يراها. وعندما يشعر المشرف أن الطالب بحاجة إلى مزيد من الاطلاع والمشاهدة، يمكن أن يقترح عليه مزيداً من القراءة، وقد يسلمه نسخة أو نسخاً من أشرطة الفيديو لمزيد من المشاهدة. المرحلة الثانية: المشاهدة هذه المرحلة مكملة للمرحلة السابقة، مرحلة الإرشاد والتوجيه؛ حيث تتداخل معها في كثير من الحالات والمواقف، بل إن بعض خطوات التوجيه والإرشاد قد تكون أثناء المشاهدة أو قبلها أو بعدها بقليل. والمشاهدة غالباً ما تتم على مرحلتين: المشاهدة المبدئية التي تهدف إلى إطلاع المتدربين على ما يجري في فصول تعليم اللغة الهدف، والمشاهدة التدريبية النقدية التي يقوم بها المتدربون للنقد والحوار والتعزيز. وفي كلتا المرحلتين ينبغي أن تكون المشاهدة منظمة وموجهة إلى مهارات ومهمات وأنشطة محددة، وقد يستعين المشاهدون بنماذج مكتوبة تحتوي على المهارات والأنشطة المطلوب ملاحظتها ونقدها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 316 والمشاهدة قد تكون حية في فصول دراسية حقيقية، وقد تكون مسجلة على شريط فيديو من دروس حية أو مسجله لأغراض التدريب. ولكل حالة مزايا وعيوب، ومن الأفضل الجمع بينهما؛ حيث يبدأ المتدربون في المشاهدة الحية في فصول تعليم اللغة إن أمكن ذلك، ثم ينتقلون إلى مشاهدة الدروس المسجلة. وقد أظهرت الدراسات التي أجريت في هذا الموضوع أن استخدام التسجيل أفضل من المشاهدة الحية في الفصل لمرة واحدة أو مرات محدودة، وبخاصة مع المتدربين الجدد ( [40] ) . كما أثبتت الممارسة العملية أن مشاهدة التدريس المصغر المسجل على شريط فيديو يفوق الدروس المشاهدة في الفصل فقط؛ لأسباب كثيرة، منها: توفير الوقت والجهد، وسهولة اختيار المواقف المراد مشاهدتها، وتنويع المهارات والتحكم في الأنشطة، وإمكان المناقشة أثناء المشاهدة، بالإضافة إلى مراعاة الفروق الفردية بين المتدربين؛ حيث يستطيع كل متدرب مشاهدة الدرس وحده، وفهم النقاط التي أثيرت في الحوار، وتحسين أدائه بناء على ذلك ( [41] ) . ومن الأفضل أن يحضر المشرف المشاهدة، وبخاصة مع المتدربين الجدد، سواء أكانت المشاهدة حية أم مسجلة؛ لإرشادهم وتوجيههم نحو الاستفادة منها، والإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم. وإذا لم يكن لدى المشرف وقت كاف لحضور جميع الدروس، بسبب كثرة المتدربين، فمن الأفضل تقسيمهم إلى مجموعتين أو ثلاث مجموعات، يجلس مع كل مجموعة جزءاً من الوقت، وينيب عنه مساعده أو أحد النابهين من المعلمين، وقد يتعمد التغيب عن المشاهدة أحياناً، ويتركهم يديرون الدروس والحوارات بأنفسهم؛ لطمأنتهم، وزرع الثقة في نفوسهم. وفي حالة استخدام الدروس المسجلة على شريط فيديو، ينبغي عرض بعض مواقف التدريس غير المرغوب فيها، على أن تكون قليلة قدر الإمكان، وألا تقدم في بداية المشاهدة، وبخاصة أمام المتدربين الجدد، مع ضرورة التنبيه عليها، وتقديم المواقف البديلة الصحيحة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 317 وقد لوحظ أن التسجيل قد ينتج عنه مشكلات معينة لدى بعض المتدربين، غير أن معظم هذه المشكلات تزول بعد فترة قصيرة ( [42] ) . ولتلافي بعض هذه المشكلات؛ ينصح بالتدريب على التسجيل ومشاهدة المتدرب نفسه على الشاشة قبل التسجيل الأخير، لأن بعض المتدربين قد ينشغلون للمرة الأولى بالصورة ويهتمون بها على حساب التدريس، وبخاصة من لم يمارسوا ذلك ولم يروا أنفسهم في الشاشة من قبل. وإذا لم تتوفر الأجهزة اللازمة، ولم تتح فرص للمشاهدة الحية؛ فإن المشرف نفسه يمكن أن يقوم بعرض نماذج حية لكل مهارة أو موقف أو مهمة، ويمكن أن يستعين ببعض المعلمين القادرين على تنويع المواقف والأنشطة حسب المهارة المطلوبة. المرحلة الثالثة: التحضير للدرس بعد أن يقدم الأستاذ المشرف لطلابه النموذج الذي ينبغي أن يُحتذى أو يستأنس به، ويمدهم بالمعلومات الضرورية، ويتيح لهم فرص المشاهدة؛ تبدأ مسؤولية المعلم المتدرب في التحضير لدرسه. والتحضير للدرس المصغر يختلف من حالة إلى أخرى، لكنه غالباً ما يحتوي على العناصر التالية: 1- تحديد المهارة أو المهارات المراد التدرب عليها وممارستها. 2- تحديد أهداف الدرس الخاصة والسلوكية، وكيفية التأكد من تحققها. 3- تحديد الأنشطة التي سوف يتضمنها الدرس، سواء أنشطة المعلم، كالتقديم للدرس، والشرح، وطرح الأسئلة، والتدريب والتقويم؛ أو أنشطة الطلاب، كالإجابة عن الأسئلة، وتبادل الأدوار، والكلام والقراءة والكتابة. 4- تحديد مدة التدريس، وتوزيع الوقت بين المهمات والأنشطة بدقة. 5- تحديد مستوى الطلاب، إن كانوا من الزملاء المتدربين، ومعرفة مستواهم إن كانوا من الطلاب المتعلمين. 6- إعداد المادة اللغوية المطلوبة، أو اختيارها من مواد أو كتب مقررة، مع ذكر المصدر أو المصادر التي اعتمد عليها المتدرب. 7- الإشارة إلى الطريقة التي اعتمد عليها، والمذهب الذي انطلق منه في التحضير للدرس، مع ذكر المسوغات لذلك ( [43] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 318 7- تحديد الوسائل التعليمية التي سوف يستعين بها المتدرب، وبيان المسوغات لاستخدامها، والأهداف التي سوف تحققها. 8- تحديد أدوات التقويم وربطها بأهداف الدرس. ومن الأفضل تحديد الزمن الذي يستغرقه التحضير للدرس المصغر، والالتزام به قدر الإمكان، وتدريب المعلمين على ذلك؛ لأن هذا مما يساعدهم في تنظيم الوقت أثناء التحضير للدرس الكامل فيما بعد؛ إذ ليس من المعقول أن يمضي المتدرب ساعات عدة لتحضير درس لا يستغرق تقديمه سوى بضع دقائق، ولو كان الأمر كذلك لاستغرق تحضير الدرس الكامل عدداً من الأيام، وهذا أمر غير ممكن. وإذا اشترك في الدرس الواحد أكثر من متدرب، فينبغي توزيع مسؤولية التحضير بينهم، كل فيما يخصه. وقد تقوم المجموعة المتدربة، المشتركة في درس واحد، بممارسة بعض الأنشطة وتجريبها وتبادل الأدوار في ذلك أثناء التحضير، أي قبل عرض الدرس في الفصل أمام الأستاذ المشرف؛ لتخفيف التوتر وإزالة الرهبة، والتأكد من توزيع المهمات حسب الوقت المحدد لها. المرحلة الرابعة: التدريس هذه هي المرحلة العملية التي يترجم فيها المتدرب خطته إلى واقع عملي؛ حيث يقوم بإلقاء درسه حسب الخطة التي رسمها، والزمن الذي حدده لتنفيذها. وهذه المرحلة تشمل كل ما وضع في خطة الدرس، من مهارات وأنشطة، وعلى المتدرب أن يتنبه للوقت الذي حدده لنفسه؛ بحيث لا يطغى نشاط على آخر، ولا يخرج عن الموضوع الأساس إلى موضوعات أو قضايا جانبية؛ فينتهي الوقت قبل اكتمال الأنشطة المرسومة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 319 ومن المهم أن يحضر المشرف جميع وقائع التدريس، ما لم يكن مشغولاً مع مجموعات أخرى، أو يشعر بأن وجوده في الفصل يؤثر على أداء المتدرب. وإذا لم يحضر فعليه أن ينيب مساعده أو أحد النابهين من المعلمين، ويمده بالتعليمات والمعلومات الضرورية. وإذا حضر فمن الأفضل أن يجلس هو والزملاء المتدربون في الفصل على مقاعد الدراسة، يستمعون إلى الدرس ويدونون ملحوظاتهم؛ تمهيداً لتقويم الدرس، ومناقشته فيما بعد. وإذا اشترك في الدرس الواحد أكثر من متدرب، فينبغي التزام كل واحد منهم بالوقت المحدد له، وعلى المشرف أو من يقوم مقامه أن يتنبه لذلك؛ حتى لا تتداخل المهمات، وتختل الخطة بكاملها. ومن الأفضل تحديد فترة لا تزيد عن دقيقتين، تفصل بين كل متدربين، ولا تحسب ضمن المدة المقررة للتدريس. إن من أهم ما يميز هذه المرحلة هو تبادل الأدوار بين المتدربين، وبخاصة إذا كان التدريس المصغر يقدم للزملاء من المعلمين؛ حيث يقوم كل واحد منهم بدور معين؛ بدءاً بالتحضير والتدريس، ومساعدة زميله المتدرب في تشغيل جهاز الفيديو ومراقبته، وانتهاء بالجلوس في الفصل على مقاعد الدراسة، والتفاعل مع المعلم كما لو كان طالباً من متعلمي اللغة الأجنبية. ولا شك أن هذه الحالة، وإن غلب عليها التصنع والتكلف، مفيدة لكل من المتدرب والمشاهد، ومهمة في التغذية والتعزيز، وتطوير عملية التدريس ( [44] ) . فالمتدرب سوف يتلقى تغذية مفيدة من زملائه المشاهدين، والمشاهد سوف يقدر موقف كل من المتدرب والمتعلم الأجنبي، ويستفيد من ذلك كله عندما يقف معلماً أمام زملائه أو أمام متعلمي اللغة الأجنبية في فصول حقيقية ( [45] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 320 وفي هذه المرحلة يتم تسجيل الدرس على شريط فيديو، وهي عملية يقوم بها مهندس التسجيل أو المسؤول عن المختبر، أو أحد الزملاء المتدربين، وقد يقوم بها الأستاذ المشرف أو يشارك فيها أحياناً؛ لإظهار الانشغال عن المتدرب، وبخاصة إذا شعر أن وجوده في الفصل يربك المتدرب أو يؤثر على أدائه. المرحلة الخامسة: الحوار والمناقشة تعد هذه المرحلة من أصعب المراحل وأكثرها تعقيداً وشفافية، وبخاصة فيما يتعلق بحضور الأستاذ المشرف ومشاركته فيها؛ لأنها لا تقتصر على التحليل والحوار، وإنما تشمل أيضاً النقد وإبداء الرأي في أداء المعلم المتدرب. فقد رأى كثير من الباحثين ضرورة حضور الأستاذ المشرف في هذه المرحلة؛ لإدارة الحوار وتوجيه المناقشة توجيها سليماً، وإبداء رأيه في أداء المتدرب إذا لزم الأمر، وقد أيد هذا الرأي بعض الدراسات الميدانية المقارنة ( [46] ) . بيد أن نتائج دراسات أخرى في هذا الجانب قد أشارت إلى أن حضور المشرف في هذه المرحلة قد يؤثر تأثيراً سلبياً على سير الحوار والمناقشة، ويقلل من قدرة المتدرب وزملائه على إبداء رأيهم بحرية تامة ( [47] ) ، فقد ينظر المعلم إلى رأي أستاذه نظرة أمر، ولا يتجرأ على إبداء رأيه الخاص، بينما يتحدث مع زملائه ويناقشهم بحرية تامة. وأياً كان الأمر، فإن حضور الأستاذ المشرف ضروري في معظم الحالات، بيد أن الأمر متروك له وحده؛ لأنه هو القادر على تقدير الموقف، وتقرير ما إذا كان حضوره ضرورياً في حالة من الحالات أو موقف من المواقف. ومرحلة الحوار والمناقشة هذه يمكن أن تتم بطريقتين: الأولى: تدريس فنقد؛ حيث يبدأ الحوار والنقاش بعد التدريس مباشرة، أي قبل تدريس المعلم الآخر، وهذه هي الطريقة المثلى، غير أنها قد تسبب تخوف المتدربين من التدريس، وتقلل من مشاركتهم، لكن ذلك غالباً ما يزول بمرور الوقت والحوار الهادئ البناء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 321 الثانية: تدريس فتدريس؛ وفي هذه الحالة يؤدي جميع المتدربين التدريس المصغر، ثم يبدأ الحوار والنقد واحداً تلو الآخر، وهذه الطريقة تقلل من فائدة التغذية والتعزيز، وبالتالي تقل من أهمية الحوار والنقد، وبخاصة إذا كان عدد المتدربين كثيراً. غير أن هذه الطريقة قد يُلجأ إليها عندما يشترك مجموعة من المتدربين في تقديم درس كامل لمتعلمين حقيقيين، كل واحد منهم يقدم جزءاً منه، ففي هذه الحالة يجب تأخير الحوار والنقد بعد انتهائهم من الدرس، حتى لا تنقطع السلسلة، وحتى لا يرتبك المتعلمون. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 322 وقبل أن تبدأ مرحلة الحوار والمناقشة، ينبغي تشغيل جهاز الفيديو ومشاهدة الدرس، الذي غالباً ما يستغرق بضع دقائق، هي مدة الدرس السابق. يوقف الجهاز بعد ذلك مدة قصيرة؛ ليتحدث المشرف خلالها عن الدرس؛ فيشيد بجهد المتدرب وقدراته، ويشير إلى نقاط القوة لديه، ويشجعه على تقبل النقد، وتوضيح موقفه بحرية تامة ( [48] ) . ثم يعطيه الفرصة لشرح طريقته في الإعداد والتقديم، وإبداء رأيه وتوضيح موقفه من بعض القضايا، في مدة لا تتجاوز ثلاث دقائق. ثم يلقي المشرف على الحضور بعض الأسئلة التي تثير الحوار، وتنبههم إلى أهم القضايا والنقاط التي ينبغي أن تناقش. وعلى المشرف ألا يفرض رأيه على الحضور، بل يتركهم يتوصلون إلى النتائج السليمة بأنفسهم، وخير ما يعين على ذلك أن يفتتح الحوار، ثم يلخص آراء المشاركين، ثم يناقشهم فيما يختلف معهم فيه، أو ينبههم إلى القضايا التي أهملوها، وقد يلجأ إلى تذكيرهم بما درسوه في المحاضرات السابقة أو شاهدوه من دروس ونماذج. ولا شك أن سيطرة المشرف على النقاش يعتمد على درجة المناقشة وأهميتها؛ فإذا كان النقد بناء والمتدرب حريصاً على التغذية والتعزيز من زملائه، فإنه يستحسن عدم تدخل المشرف، وإن لاحظ إحجام الحضور وضعف النقاش، تَدَخَّل ووجه المناقشة توجيهاً قوياً وسليماً. ويفضل أن يكون جهاز الفيديو مفتوحاً خلال النقاش؛ يُشَغَّل ويوقف عند الحاجة. وقد يتطلب الأمر تدخل الأستاذ المشرف لتنبيه المتدرب إلى بعض النقاط التي قد غفل عنها، فإن لم يستطع المتدرب توضيحها للحضور، طلب المشرف من الحضور إبداء رأيهم فيها قبل أن يوضحها بنفسه، وقد يتطلب هذا الإجراء إعادة الشريط حول هذه النقطة مرة أو مرتين أو ثلاث مرات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 323 لكن ما القضايا التي ينبغي أن تناقش في هذه المرحلة؟ للإجابة عن هذا السؤال نذكر بأن التدريس المصغر غالباً ما ينطلق من نظرية أو مذهب أو طريقة قدمت للمتدربين في الدروس النظرية، وقد يعتمد على توجيه المشرف طلابه نحو استراتيجيات معينة، أو يقوم على نموذج يقدمه لهم حياً أو مسجلاً، ويرى أنه النموذج الذي ينبغي احتذاؤه. فيناقش في هذه المرحلة كل ما يتعلق بالنظرية أو المذهب أو الطريقة أو غيرها مما قدم في الدروس النظرية، كما يناقش في هذه المرحلة كل ما له علاقة بالنموذج الذي اتفق عليه. كما نذكر بقائمة التقويم التي كانت مع المشرف والزملاء؛ ليعودوا إليها ويناقشوا ما دونوه فيها من ملحوظات. وينبغي أن يدرب المشرف طلابه المعلمين على إثارة النقاط المهمة ولو بدت صغيرة، والابتعاد قدر الإمكان عن القضايا الجزئية الجانبية. ومما يساعد المتدربين على ذلك تقديم قائمة بالمهارات والمهمات والأنشطة التي ينبغي ملاحظتها ومناقشتها والبحث فيها. وعلى المتدرب وزملائه أن يدونوا جميع النقاط التي نوقشت في هذا الحوار في مذكرات خاصة؛ للاستفادة منها في المرحلة التالية، التي هي إعادة التدريس، والتي هي موضوع الحديث في الفقرة التالية. المرحلة السادسة: إعادة التدريس تعد مرحلة إعادة التدريس مرحلة مهمة من مراحل التدريس المصغر إذا دعت الحاجة إليها؛ لأن نتائج الحوار وفوائده لا تظهر لدى غالبية المتدربين إلا من خلال إعادة التدريس. وقد تعاد عملية التدريس مرة أو مرات حتى يصل المتدرب إلى درجة الكفاية المطلوبة، بيد أن الحاجة إلى إعادة التدريس تعتمد على نوع الأخطاء التي يقع فيها المتدرب وكميتها، وجوانب النقص في أدائه، وأهمية ذلك كله في العملية التعليمية، بالإضافة إلى طبيعة المهارات المطلوب إتقانها، وعدد المتدربين، وتوفر الوقت. والأستاذ المشرف هو صاحب القرار في إعادة التدريس وعدد المرات، بعد أن تتوفر له المعلومات اللازمة لذلك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 324 وقد دلت بعض الدراسات المسحية على أن إعادة التدريس غير مطبقة في كثير من برامج التدريب؛ إما لكثرة المتدربين وضيق الوقت، وإما لاقتناع القائمين على التدريب بعدم جدواها. وتشير نتائج بعض الدراسات الميدانية إلى أن الدرجة التي يحصل عليها المتدرب في إعادة التدريس لا تختلف كثيراً عن الدرجة التي حصل عليها في التدريس الأول، وقد تكون أقل منها ( [49] ) ، ولعل السبب في ذلك هو الطريقة التي كانت تؤدى بها إعادة التدريس، لا الإعادة بحد ذاتها. بل إن بعض المهتمين بهذا الأمر يرون أن إعادة التدريس مرحلة انتهت مع انتهاء الاتجاه السلوكي التقليدي، أما الآن، وفي ضوء الاتجاهات المعرفية، فإن التنبيه على السلوك كاف لتغييره ( [50] ) . ولكي تكون إعادة التدريس مفيدة وفعالة؛ ينبغي ألا يفصل بين التدريس وإعادته أكثر من أسبوع؛ لأن طول الفترة بين التدريس وإعادته قد يقود إلى نسيان بعض النقاط التي أعيد التدريس من أجلها. ولا شك أن الإعداد والتحضير لإعادة التدريس لن يستغرق مدة تساوي مدة الإعداد للدرس الأول؛ لأن إعادة التدريس غالباً ما يركز فيها على الأخطاء ونقاط الضعف في الدرس السابق، مع الاحتفاظ بالخطوات والعناصر الجيدة فيه. ويرى بعض الباحثين أن يعاد الدرس بعد الحوار مباشرة في مدة لا تتعدى بضع ساعات، بل إن منهم من يرى ألا تزيد هذه المدة عن خمس عشرة دقيقة، هي مدة التحضير لإعادة التدريس ( [51] ) . غير أن الواقع أثبت أن المتدرب يحتاج إلى وقت أطول، لا للتحضير وحسب، بل للراحة والاطمئنان النفسي والمراجعة. المرحلة السابعة: التقويم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 325 يقصد بالتقويم هنا تقويم أداء المتدرب، ويتم ذلك من خلال ثلاث قنوات: الأولى تقويم المتدرب نفسه ( [52] ) ، ويخصص لها ثلاثون بالمائة من الدرجة، والثانية تقويم الزملاء المعلمين، ويخصص لها أربعون بالمائة من الدرجة، والثالثة: تقويم الأستاذ المشرف، ويخصص له ثلاثون بالمائة من الدرجة. وينبغي أن يكون هذا التقويم موضوعياً؛ حيث يتكون من مجموعة من الأسئلة، تحتها خمسة خيارات، ويفضل ألا يذكر اسم المقوِّمُ، حتى لا يؤثر على التقويم ( [53] ) . وقد يكون التقويم في شكل استبانة، تحتوي على أسئلة مغلقة وأخرى مفتوحة؛ يقدم المشارك فيها آراءه واقتراحاته حول التدريس المصغر ( [54] ) . المرحلة الثامنة: الانتقال إلى التدريس الكامل لكي يؤدي التدريس المصغر دوره، وليستفاد منه في الميدان؛ يحتاج المتدرب إلى الانتقال من التدريس المصغر إلى التدريس الكامل، غير أن الانتقال ينبغي ألا يتم فجأة، وإنما يتم بالتدريج. والتدرج في تكبير الدرس يكون بزيادة في زمنه؛ من خمس دقائق إلى خمس وعشرين دقيقة مثلاً، وفي عدد المهارات؛ من مهارة واحدة إلى عدد من المهارات، وفي عدد الحضور؛ من خمسة طلاب إلى عشرة طلاب، وقد يكونون من المتعلمين الحقيقيين، بدلاً من الزملاء المتدربين. في المرحلة الأولى من تكبير الدرس ينبغي أن يشترك في الدرس الواحد أكثر من متدرب، حيث يؤدي كل متدرب جزءاً كاملاً من الدرس؛ كأن يبدأ الأول بالتقديم للدرس الجديد وربطه بالدرس السابق، ثم يأتي زميله الثاني فيشرح قاعدة الدرس، يليه الثالث لتدريب الطلاب عليه وتقويم أدائهم. ثم يُبدأ في تقليل عدد المتدربين المشاركين في الدرس الواحد، من ثلاثة طلاب إلى اثنين، ثم يستقل كل متدرب بدرس خاص في نهاية التدريب. وفي هذه المرحلة ينبغي أن يستمر التسجيل بالفيديو، وكذلك الحوار والمناقشة، لكن إعادة التدريس غير مطلوبة. درس نموذجي مصغر لتدريب معلمي اللغة العربية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 326 يبدأ هذا النموذج من المرحلة الثالثة من مراحل التدريس المصغر، التي هي مرحلة التحضير للدرس، وينتهي بالتقويم، متخطياً المرحلتين الأولى والثانية؛ باعتبار أن المتدربين قد أنهوا مرحلة الإرشاد والتوجيه، وشاهدوا عدداً من الدروس النموذجية؛ الحية والمسجلة، ومستغنياً عن المرحلة الثامنة، مرحلة الانتقال إلى التدريس الكامل؛ باعتبارها مرحلة انتقالية تالية للتدريس المصغر. أولاً: التحضير للدرس تشتمل كراسة التحضير على العناصر التالية: المادة/المقرر: قواعد اللغة العربية. الموضوع: الفعل المبني للمجهول ونائب الفاعل. مستوى الطلاب: المتوسط. عدد المتدربين: ثلاثة معلمين، يتبادلون الأدوار. الزمن: عشرون دقيقة موزعة بين المتدربين (خمس دقائق للأول، وعشر دقائق للثاني، وخمس دقائق للثالث) . نوع المتدربين وخلفياتهم: المتدربون من معلمي اللغة العربية للناطقين بها، الملتحقين ببرنامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها. الحضور: ستة طلاب، جميعهم من الزملاء المتدربين. نوع التدريس المصغر: ختامي أثناء الخدمة، وخاص بمعلمي اللغات الأجنبية، غير موجه ولا معتمد على طريقة معينة أو كتاب مقرر. أهداف الدرس: 1- أن يعرف الطلاب الأسباب النحوية والبلاغية لبناء الفعل للمجهول في العربية، وقيام النائب عنه مقامه ( [55] ) . 2- أن يدرك الطلاب التغيرات التي تحصل في الأفعال المبنية للمعلوم عندما تبنى للمجهول. 3- أن يفرق الطلاب بين صيغ الأفعال المبنية للمعلوم وصيغ الأفعال المبنية للمجهول ( [56] ) . 4- أن يحول الطلاب الجمل المبنية للمعلوم، الواردة في التدريب الثاني، إلى جمل مبنية للمجهول، وما يتطلبه ذلك من تغيير وحذف. 5- أن يعرب الطلاب الكلمات التي تحتها خط من الجمل الواردة في التدريب الثالث إعراباً سليماً وموجزاً. الوسائل التعليمية: 1- السبورة. 2- جهاز العارض فوق الرأس. 3- لوحات من الورق المقوى. 4- جهاز الفيديو (لتصوير الدرس) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 327 محتوى الدرس: 1- أمثلة التراكيب المبنية للمعلوم (للتقديم) : أ- أَخَذَ المعلمُ الحضورَ. ب- صلَّى الجميعُ صلاةَ الظُهرِ. ج- قال المُرشِدُ كلمةً قصيرةً. د- اعْتَمَدَ المديرُ مبلغاً كبيراً للنَّفَقاتِ. هـ- تَمْنَحُ البلديةُ الناسَ أراضيَ لبناءِ المساكنِ. و تَبْنِي الوزارةُ المساجدَ والمدارسَ في داخلِ الأَحْياءِ. ز- يُقِيمُ التُّجَّارُ المصانعَ في أطرافِ المدينةِ. 2- أمثلة التراكيب المبنية للمجهول (للشرح) : كان الطلابُ مُستعدِّين لرحلةٍ داخلَ المدينة. وفي تمامِ الساعةِ الثانيةَ عشرةَ أُخِذَ الحضورُ، وصُلِّيَتْ صلاةُ الظهرِ جماعةً في المسجدِ، ثم قِيلَتْ كلمةٌ موجزةٌ. كان عددُ الطلابِ كثيراً؛ لذا اُعْتُمِدَ مبلغٌ كبيرٌ للنفقات … وعندما كانت السَّيَّارةُ تسِيرُ في شوارعِ المدينةِ، قال رائدُ النشاطِ للطلاب: في هذا الحي، يُمْنَحُ الناسُ أراضيَ لبناء المساكن، وتُبْنَي المساجدُ والمدارسُ في داخلِ الأَحْياءِ، وتُقامُ المَصانعُ في أَطْرافِ المَدينةِ … 3- القاعدة: أ- يبنى الفعل الماضي للمجهول بضم أوله وكسر ما قبل آخره، وإذا كان ما قبل آخره ألفاً قلبت ياء، وإذا كان مبدوءاً بهمزة وصل وجب ضم ثالثه مع أوله. ب- يبنى الفعل المضارع للمجهول بضم أوله وفتح ما قبل آخره، وإذا كان آخره أو ما قبل آخره ياء أو واواً قلبتا ألفاً. ج- عند بناء الفعل للمجهول يحذف الفاعل، ويصبح المفعول به نائباً عنه مرفوعاً. د- يؤنث الفعل إذا كان نائب الفاعل مؤنثاً أو جمع تكسير لغير العاقل. 4- التدريبات (للتقويم) : التدريب الأول: عيِّن الفعل المبني للمجهول ونائب الفاعل في الجمل التالية: أ- قال تعالى: {وإذا قُرِىءَ القرآنُ فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تُرحمون} ( [57] ) ب- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دَخَلَ رمضانُ فُتِحَت أبوابُ الجنة، وغُلِّقَت أبوابُ النار، وصُفِّدَت الشياطينُ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 328 ج- يُجْزَى كلُّ إنسانٍ يومَ القيامةِ بما عَمِلَ في الدنيا. د- يُسْتَقْبَلُ الضَّيفُ عندما يَنزِلُ من الطائرة. التدريب الثاني: حَوِّل الأفعال المبنية للمعلوم في الجمل التالية إلى أفعال مبنية للمجهول، وغير ما يلزم تغييره: أ- عَقَدَ المديرُ اجتماعاً طارئاً. ب- يَفْتَحُ الحارسُ البابَ في الصباحِ ويُغلقُه في المساء. ج- يَلُومَ الناسُ المُقَصِّرَ في أداءِ واجِبِه. د- صامَ المسلون شهرَ رمضانَ. التدريب الثالث: أعرب ما تحته خط من الجمل التالية: أ- منِع الخروج من الفصل. ب- تستخدم في الحج حافلات كبيرة. ج- يزار العلماء في بيوتهم. د- شوهد محمد في المكتبة. مهارات التدريس يشترك المتدربون الثلاثة في اختيار المادة اللغوية اللازمة للتدريس، المناسبة للزمن ولمستوى الطلاب، كما يشتركون في التحضير للدرس وتوزيع الوقت وتحديد الوسائل المعينة، وتجريب جهاز الفيديو. كما أنهم يشتركون في عدد من المهارات الفرعية، منها: إلقاء السؤال - الإجابة عن السؤال - تصويب الخطأ – التعزيز - الالتزام بالوقت – مراعاة مستوى الطلاب – رفع الصوت وخفضه حسب الحاجة - استخدام اليدين وتغيير قسمات الوجه وحركات العينين – ملاحظة الفروق الفردية بين المتعلمين ومراعاتها … وينفرد كل واحد منهم في مهارة أساسية واحدة، على النحو التالي: 1- التقديم للدرس الجديد وربطه بالدرس السابق (للمتدرب الأول) . 2- شرح الأمثلة واستنباط القواعد منها (للمتدرب الثاني) . 3- إجراء التدريبات وتقويم الطلاب وتعيين الواجبات المنزلية (للمتدرب الثالث) . الأنشطة والمهمات داخل الفصل: أنشطة المتدرب الأول: 1- إحضار الأمثلة المبنية للمعلوم مكتوبة على ورقة تلصق على السبورة، أو ورقة شفافة توضع على جهاز العارض فوق الرأس، وتوزيع صور منها على الحضور. 2- قراءة الأمثلة المبنية للمعلوم، أو طلب قراءتها من أحد الطلاب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 329 3- سؤال الطلاب عن كل من الفعل والفاعل والمفعول به في الجمل المبنية للمعلوم التي أمامهم. 4- إلقاء الأسئلة التالية: هل يمكن الاستغناء عن الفاعل في هذه الجمل؟ ماذا يحدث لو حذف الفاعل منها؟ ولماذا يحذف؟ 5- ملاحظة جهاز الفيديو أثناء نشاط المتدرب الثاني، وأخذ الملاحظات أثناء المشاهدة. أنشطة المتدرب الثاني: 1- تعليق اللوحة التي تحوي النص المشتمل على الجمل المبنية للمجهول، أو وضعها على سطح جهاز العارض فوق الرأس، بجانب الجمل المبنية للمعلوم، وتوزيع صور منها على الحضور. 2- قراءة النص أو طلب قراءته من أحد الطلاب. 3- وضع خطوط ملونة باللون الأخضر تحت الجمل المبنية للمعلوم. 4- الاستفسار عن كل من الفعل والفاعل والمفعول به في الجملة. 5- الاستفسار عما حدث لكل من الفعل والمفعول به من تغييرات في الشكل بعد أن حذف الفاعل. 6- وضع خطوط ملونة باللون الأحمر تحت الجمل المبنية للمجهول. 7- استنباط القاعدة من الأمثلة ( [58] ) ، وتلخيصها على السبورة، أو تعليق اللوحة الخاصة بها، أو عرضها على جهاز العارض، إن كانت معدة سلفاً. 8- ملاحظة جهاز الفيديو أثناء نشاط المتدرب الثالث، وأخذ الملاحظات أثناء المشاهدة. أنشطة المتدرب الثالث (التدريب والتقويم) : 1- الإشارة إلى أحد الطلاب ليقرأ عنوان التدريب الأول، ثم الإجابة عن الفقرة الأولى منه، ثم الإشارة إلى طالب آخر ليجيب عن الفقرة الثانية، ويطبق هذا الأسلوب في التدريب الثاني. 2- سؤال الطلاب عن إعراب الجمل الواردة في التدريب الثالث إعراباً سليماً وموجزاً. 3- سؤال الطلاب عن سبب حذف الفاعل في بعض الجمل، وهل يمكن ذكر الفاعل بعد بناء الفعل للمجهول، ولماذا. 4- تكليف الطلاب بواجب منزلي هو: تحويل الأفعال التالية إلى أفعال مبنية للمجهول ووضعها في جمل مفيدة: قَرَأَ – يَمنَعُ – يَصُومُ – أَعْطَى – وَجَّهَ – يَنْشُرُ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 330 5- ملاحظة جهاز الفيديو أثناء نشاط المتدرب الأول، وأخذ الملاحظات أثناء المشاهدة. ثانياً: التدريس المرحلة الأولى: التقديم للدرس (للمتدرب الأول) : 1- يدخل المتدربون الثلاثة الفصل، فيسلمون على الحضور، ثم يقف المتدرب الأول أمام الطلاب، ويجلس زميلاه الآخران في مقاعد الفصل مع المشرف وبقية الزملاء، بعد أن يتم تشغيل جهاز الفيديو. 2- يضع المتدرب الأول الأمثلة المبنية للمعلوم على السبورة أو يعرضها على جهاز العارض فوق الرأس، ثم يقرأ الأمثلة أو يطلب من الطلاب قراءتها واحداً بعد الآخر. 3- يسأل الطلاب عن كل من الفعل والفاعل والمفعول به في الأمثلة التي أمامهم، ويطلب منهم إعراب مثالين إعراباً موجزاً. 4- يلقي على الحضور السؤال التالي: هل يمكن الاستغناء عن الفاعل في هذه الجمل؟ ماذا يحدث لو حذف الفاعل منها؟ ولماذا يحذف؟ 5- يلخص إجابات الطلاب في أن الجمل التي أمامهم قد ذكر فيها الفعل والفاعل والمفعول به، وتسمى جملاً مبنية للمعلوم. ثم يذكر أن هذه الجمل وأمثالها يمكن حذف الفاعل منها وتغيير صيغة الفعل، وأن الفاعل يحذف لأسباب منها: العلم به، أو الجهل به، أو الخوف منه، أو الخوف عليه، أو لشرفه، أو رغبة في الاختصار ... 6- يختتم كلامه قائلاً: إن هذه الأمور هي ما سوف نراه في الدرس الجديد، الذي سوف يقدمه زميلي الأستاذ (محمد) . 7- تستغرق هذه العملية خمس دقائق فقط، بما فيها الأسئلة التي يلقيها المعلم، والإجابات عنها من قبل الطلاب، والأسئلة التي قد يثيرها الطلاب والأخطاء اللغوية التي قد يقعون فيها أثناء الإجابات أو الاستفسارات، وأسلوب المتدرب في معالجتها. المرحلة الثانية: شرح الدرس (للمتدرب الثاني) : 1- بعد أن يثير المتدرب الأول انتباه الطلاب، ويشوقهم للدرس الجديد، ويربطه بالدرس السابق؛ يجلس مع زملائه في مؤخرة الفصل، ثم يقوم المتدرب الثاني إلى مقدمة الفصل؛ لشرح الدرس الجديد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 331 2- يضع النص الجديد، المحتوي على الصيغ المبنية للمجهول، على السبورة أو يعرضه على جهاز العارض فوق الرأس، ثم يقرأه أو يطلب من الطلاب قراءته. 3- يبدأ في شرح الموضوع بطريقة الحوار والاستنباط، على النحو التالي: المعلم: إذا نظرنا إلى هذه الجمل (يشير إليها) نلاحظ أنها تشتمل على أفعال ماضية تختلف في أشكالها عن الأفعال الأولى التي رأيناها وتحدث عنها زميلي الأستاذ (أحمد) قبل قليل. فالفعل أَخَذَ في المجموعة الأولى (يشير إليه) فعل ماض جاء بعده فاعل مرفوع هو: المعلمُ، ثم مفعول به منصوب وقع عليه فعل الفاعل هو: الحضورَ، لكن هذا الفعل في المجموعة الثانية هنا (يشير إليه) قد تغيرت صورته، فمن منكم يوضح لنا ماذا تغير فيه؟ أحد الطلاب: تحولت الفتحة التي على الهمزة إلى ضمة، وتحولت الفتحة التي على الخاء إلى كسره. المعلم: نعم، هذا جواب صحيح، بارك الله فيك. لقد ضُمَّ أولُ الفعل وكُسِرَ ما قبل آخره ( [59] ) . المعلم: يسأل طالباً آخر عن الفعل في الجملة الثانية: صُلِّيَتْ، ثم يسأل طالباً ثالثاً عن الفعل: قِيلَ … المعلم: إذن ما حدث في هذه الأفعال الثلاثة الماضية هو ضم أولها وكسر ما قبل آخرها، لأنها بنيت للمجهول بدلاً من المعلوم، أما الفعل اُعْتمِدَ فقد ضُمَّ ثالثه بالإضافة ضم أوله؛ لأنه ماض مبدوء بهمزة وصل. المعلم: نعود إلى الفعلين: صُلِّيَتْ واعْتُمِدَتْ، نلاحظ أنهما أنثا لتطابق نائب الفاعل المؤنث في الأول وجمع التكسير غير العاقل في الثاني، كما يؤنث الفعل المبني للمعلوم. المعلم: يشير إلى المثال الأول فيقول: هل لاحظتم تغيراً آخر في هذه الجملة في المجموعة الثانية عن الجملة المقابلة لها في المجموعة الأولى؟ (يشير إليها) . يحجم الطلاب عن الإجابة، رغم إحساسهم بهذا التغير؛ لصعوبة التعبير الدقيق عن ذلك. المعلم: أين الفاعل؟ أحد الطلاب: الحضورُ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 332 المعلم: لاحظ زميلكم - بارك الله فيه - ملاحظة جيدة، وهي أن كلمة الحضور مرفوعة، وأنها يمكن أن تكون هي الفاعل، لكن هل يمكن أن يكون الحضور فاعلاً، أي يقوم بالفعل بنفسه؟ الطالب نفسه: لا يا أستاذ، الفاعل محذوف. المعلم: أحسنت، هذا جواب صحيح. المعلم: إذن أين المفعول به؟ طالب آخر: الحضورُ. المعلم: لقد فهمتَ المعنى - بارك الله فيك - لكن هل يمكن أن يكون المفعول به مرفوعاً؟ الطالب نفسه: هذا هو المفعول به في المعنى، لكن قد يكون حصل فيه بعض التغيير، لا أعرف! المعلم: نعم، كلامك صحيح، لقد حصل تغيير في تركيب الجملة مثلما حصل تغيير في شكل الفعل الماضي بعد بنائه للمجهول. فعندما بني الفعل للمجهول حذف الفاعل الذي هو المعلم، وناب عنه المفعول به؛ فرفع كما يرفع الفاعل، ويسمى هذا نائب الفاعل. يعود المعلم إلى بقية الأمثلة، فيشرحها بهذه الطريقة ويسأل من بقي من الطلاب كالطريقة السابقة، ثم يلخص لهم قاعدة الدرس. تستغرق هذه العمليات أربع دقائق فقط. ينتقل المعلم إلى الأفعال المضارعة في النص، فيشير إلى الفعل يُعْطَى، ويقارنه بالفعل المضارع تُعْطِي من المجموعة الأولى (المبنية للمعلوم) ، فيوضح لهم أنه فعل مضارع جاء بعده فاعل مرفوع هو: البلدية، ثم مفعول به منصوب وقع عليه فعل الفاعل هو: الناس، ثم يقول: لكن هذا الفعل في المجموعة الثانية هنا (يشير إليه) قد تغيرت صورته، فمن منكم يوضح لنا ماذا تغير فيه؟ أحد الطلاب: ضُمَّ أوله وفتح ما قبل آخره ( [60] ) . المعلم: أحسنت، بارك الله فيك، هذه إجابة صحيحة، وتعبير ممتاز. المعلم: يسأل طالباً آخر عن الفعل تُبنَى في الجملة الثانية، ثم يسأل طالباً ثالثاً عن الفعل يُرْسَلُ في الجملة الثالثة، ثم يسألهم عما حدث في هذه الجمل من حذف وتغيير، مثلما سألهم عن الجمل السابقة ذوات الأفعال الماضية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 333 هذه العملية تستغرق ثلاث دقائق فقط؛ لأن الطلاب قد فهموا قاعدة تركيب الجملة من حيث حذف الفاعل ونيابة المفعول به عنه، ولم يبق سوى شرح قاعدة التغيير الداخلي في الفعل المضارع. يعود المعلم بعد ذلك ليشير إلى ما حدث من تغير آخر في الفعلين المضارعين: تُبنى وتُقام، من قلب الياء ألفاً؛ لوقوع الأولى في الآخر والثانية فيما قبل الآخر. يلخص المعلم قاعدة الفعل المبني للمجهول ونائب الفاعل، بعرضها على جهاز العارض فوق الرأس، على النحو التالي: أ- الفعل الماضي يبنى للمجهول بضم أوله وكسر ما قبل آخره، مثل: أُخِذَ وصُلِّيَ وقِيلَ، إلا إذا كان مبدوءاً بهمزة وصل فإنه يضم ثالثة مع أوله مثل: اُعْتُمِدَ. ب- الفعل المضارع يبنى للمجهول بضم أوله وفتح ما قبل آخره، مثل: يُمْنَحُ، وإذا كان آخره أو ما قبل آخره ياء أو واواً قلبتا ألفاً، مثل: تُبْنَى وتُقَامُ. ج- عندما يبنى الفعل للمجهول يحذف الفاعل ويصبح المفعول به نائباً عنه مرفوعاً. تستغرق عملية تلخيص القاعدة دقيقة واحدة، ثم يجيب المتدرب عن أسئلة الطلاب في الدقيقتين الباقيتين. المرحلة الثالثة: التدريب والتقويم (للمتدرب الثالث) : يعود المعلم الثاني إلى مكانه في مؤخرة الفصل، ثم يتقدم المتدرب الثالث، فيشكر زميليه على التقديم والشرح، ويشكر الطلاب على تجاوبهم، ثم يبدأ مرحلة التدريب والتقويم. يبدأ المتدرب الثالث هذه المرحلة بتوزيع ورقة تحوي التدريب الأول، الموضح في خطة التحضير، ويضع النسخة الأصلية على جهاز العارض فوق الرأس، ثم يطلب من كل واحد منهم قراءة فقرة من الفقرات فيه ويجيب عنها. يكرر هذه العملية في التدريبين الثاني والثالث، مع مراعاة الإيجاز في الإعراب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 334 إن حل التمرينات في هذه المرحلة عملية تقويم أيضا؛ حيث يتأكد المتدرب خلالها من فهم الطلاب للدرس وقدرتهم على التطبيق، وتحقق الأهداف الموضحة في خطة التحضير. وهذه العملية تستغرق خمس دقائق بما فيها الأسئلة والإجابات. ثالثاً: الحوار والمناقشة بعد انتهاء التدريس، يجلس المشرف مع طلابه المتدربين في حجرة الدرس أو في مختبر اللغة، فيقدم للمناقشة بكلام موجز؛ يشيد فيه بجهود المتدربين في التحضير والأداء، ويشير إلى نقاط القوة ونقاط الضعف لديهم، ويشجع الجميع على تقبل النقد والاستفادة منه. ثم يطلب من أحد المتدربين الثلاثة توضيح طريقة التحضير في مدة لا تتجاوز دقيقتين، ويعطي كل واحد منهم دقيقة واحدة لتوضيح وجهة نظره حول بعض القضايا أو المشكلات في التحضير أو الأداء، ثم يشير المشرف نفسه إلى أهم القضايا والنقاط التي ينبغي أن تناقش، ويذكرهم بما درسوه في المحاضرات السابقة أو شاهدوه من دروس ونماذج. وينبغي ألا تتعدى هذه المقدمة خمس دقائق. ثم يشغل جهاز الفيديو مدة خمس دقائق؛ لمشاهدة أداء المتدرب الأول في المرحلة الأولى، ويطلب من الجميع تتبع بطاقة الملاحظة أثناء المشاهدة؛ للتأكد من صحة ما دونوه فيها. ثم يوقف الجهاز إيقافاً مؤقتاً؛ ليبدأ الحوار، ويعاد تشغيله عند الحاجة لمشاهدة مقطع أو إعادة فقرة. وينبغي أن يقتصر الحوار والمناقشة على مرحلة التقديم لموضوع الدرس، وربطه بالدروس السابقة، وتشويق الطلاب إليه، وما يدخل ضمن هذه المرحلة من أنشطة وحركات جسمية، وما تتطلبه من وسائل تعليمية ومهارات فرعية، كتوزيع الوقت وطرح الأسئلة، والتعزيز ونحو ذلك. وينبغي أن يكون الحوار ضمن الإطار المتفق عليه في المحاضرات السابقة، المدون في بطاقة الملاحظة، وقد يتطرق الحضور إلى ما يرتبط بهذه المرحلة من خطوات التحضير للدرس. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 335 تستغرق عملية الحوار هذه مدة عشر دقائق، تضاف إليها الخمس الأولى. ثم ينتقل الحوار إلى المرحلة الثانية بطريقة لا تختلف كثيراً عن المرحلة الأولى إلا في الزمن وموضوعات المناقشة؛ حيث يشغل جهاز الفيديو في مدة لا تتجاوز عشر دقائق؛ لمشاهدة أداء المتدرب الثاني في شرح الدرس الجديد، ثم يوقف التشغيل ويبدأ الحوار، وقد يعاد تشغيل الجهاز عند الحاجة إليه أثناء الحوار. وقد تستغرق هذه المرحلة عشرين دقيقة؛ منها عشر دقائق لمشاهدة الدرس، وعشر دقائق أخرى للحوار والمناقشة. ثم ينتقل الحوار إلى المرحلة الأخيرة التي لا تختلف عن سابقتيها إلا في الزمن وموضوعات المناقشة؛ حيث تستغرق في مجموعها أقل من عشر دقائق. وهكذا يكون الزمن الذي استغرقته عملية التدريس المصغر بمراحلها الثلاث خمساً وأربعين دقيقة أو تزيد قليلاً، يضاف إليها خمس دقائق لتلخيص الحوار في المراحل الثلاث. رابعاً: إعادة التدريس ذكرنا في الجزء الأول من هذه الدراسة أن إعادة التدريس مرحلة مهمة من مراحل التدريس المصغر، إذا دعت الحاجة إليها، غير أن أساليب الإعادة المعمول بها في برامج تعليم اللغات الأجنبية غالباً ما تنطلق من المنهج السلوكي التقليدي. لهذا السبب، واتباعاً لمبادئ المنهج المعرفي في تعليم اللغات؛ فإننا نرى ألا يعاد الدرس نفسه ولا العناصر موضع النقد، وإنما يطلب من المتدرب التنبه إليها في الدروس القادمة، ويحاسب عليها في بطاقة الملاحظة. وقد أثبتت الممارسة العملية أن التنبيه إلى بعض الأخطاء وتلافيها في دروس لاحقة أفضل من إعادتها أو إعادة الدرس نفسه، لا سيما أن الوقت المخصص للتربية العملية في كثير من برامج تأهيل معلمي اللغة العربية محدود جداً. خامساً: التقويم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 336 يُعد الأستاذ المشرف بطاقة تقويم لكل مرحلة من مراحل التدريس الثلاث؛ التقديم، والشرح، والتدريب والتقويم ( [61] ) . كل بطاقة منها تحتوي على خمس وعشرين أو ثلاثين فقرة، وكل فقرة تمثل مهارة جزئية من مهارات التدريس أو عنصر من عناصره. توضع المهارة في الجانب الأيمن من البطاقة، ويخصص لها أربع درجات تكون في الجانب الأيسر منها، مقسمة إلى خمسة مستويات حسب درجات الأداء: ممتاز له أربع نقاط، وجيد جداً له ثلاث نقاط، وجيد له نقطتان، وضعيف له نقطة واحدة، وغير موجود له صفر. فتكون الدرجة الكبرى لكل بطاقة مائة درجة إن كانت فقراتها خمساً وعشرين (25×4=100) ، ومائة وعشرين إن كانت فقراتها ثلاثين (30×4=120) . وقد يترك في نهاية البطاقة فراغ يسجل فيه المقوِّم ملحوظاته على أداء المتدرب واقتراحاته حول التدريس. ويفضل أن تقسم الفقرات أو تصنف إلى خمس أو ست مجموعات، تختلف باختلاف مرحلة التدريس؛ فمرحلة التقديم للدرس مثلاً يمكن أن تصنف فقراتها في المجموعات الست التالية: 1- مهارات الإثارة والتشويق. 2- مهارات الأسئلة والإجابات. 3- مهارات استخدام تقنيات التعليم أو الوسائل المعينة 4- مهارات الحركة، أي حركات الجسم، والتحرك داخل الفصل. 5- مهارات التعزيز، بنوعيه؛ الإيجابي والسلبي. 6- مهارات الدقة والتنظيم والتوزيع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 337 يلاحظ أن بعض المهارات التي تحدثنا عنها في الجانب النظري غير موجودة في هذه المجموعات، ولم يتضمنها النموذج المقترح لهذه المرحلة، إما لأنها غير مطلوبة فيها؛ كمهارات الشرح، ومهارات التدريب والتقويم، أو لأنها أدمجت ضمن مهارات أخرى؛ كمهارات الاختيار، التي أدمجت في مهارات الأسئلة والإجابات، والمهارات المتعلقة بمراعاة مستوى الطلاب ومراعاة الفروق الفردية، التي أدمج بعضها في مهارات الأسئلة والإجابات، وأدمج بعضها الآخر في مهارات التعزيز. تسلم نسخة من بطاقة التقويم في بداية الدرس للزملاء الحضور وكل من الأستاذ المشرف والمتدرب نفسه. وفي نهاية الدرس تجمع الدرجات، ويحسب متوسط ما حصل عليه المتدرب بعد أن يخصص أربعون بالمائة منها للمشرف وستون بالمائة للحضور ( [62] ) . وليس الغرض من هذه البطاقة رصد الدرجات وحسب، بل هي أداة يستفاد منها أيضاً في مرحلة الحوار والمناقشة. وفيما يلي نموذج لهذه البطاقة: المستويات المهارات الفرعية المهارات الأساسية م 0 1 2 3 4 1. استهلال الدرس 2. إثارة انتباه الطلاب للدرس الجديد 3. تذكيرهم بمعلوماتهم السابقة المرتبطة بالموضوع 4. مراعاة مستواهم اللغوي 5. تشويقهم للدرس الجديد مهارات الإثارة والتشويق 1 6. اختيار السؤال ووضوح الهدف منه 7. مناسبة كلماته وعباراته لمستوى الطلاب 8. تنويع الأسئلة وتوقيت طرح كل سؤال 9. مراعاة مستوى الطلاب والفروق بينهم في قبول الإجابة 10. أساليب الإجابة عن أسئلة الطلاب مهارات الأسئلة والإجابات 2 11. مناسبة الوسيلة للمهارة ووضوح الهدف منها 12. بساطة الوسيلة وقلة تكاليفها 13. استخدامها في الوقت المناسب 14. نجاح الوسيلة في تحقيق الهدف 15. سلامة استخدامها من الناحية الفنية مهارات استخدام تقنيات التعليم 3 16. التحرك داخل الفصل بطريقة منظمة وهادفة 17. تغيير النشاط والانتقال من مهارة إلى أخرى 18. توزيع الأنشطة بين الطلاب بعدل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 338 19. الاستعانة باليدين والعينين وحركات الجسم 20. استخدام التمثيل بنوعيه؛ المسموع والصامت مهارات الحركة 4 21. مناداة كل طالب باسمه المحبب إليه 22. استعمال عبارات القبول والمجاملة باعتدال 23. تشجيع الطالب المصيب 24. أسلوب تصويب الأخطاء 25. مراعاة الفروق بين الطلاب في التعزيز مهارات التعزيز 5 26. توزيع الوقت بين الأنشطة وفقاً للخطة 27. توقيت الكلام والاستماع إلى الطلاب 28. نسبة كلام المعلم إلى كلام للطلاب 29. الدقة في توزيع الأدوار بين الطلاب 30. مطابقة الأداء العملي لخطة التحضير مهارات التنظيم والتوزيع 6 الهوامش والتعليقات --- ( [1] ) في المملكة العربية السعودية وحدها ثلاثة معاهد في كل من: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة الملك سعود في الرياض، وجامعة أم القرى في مكة المكرمة، بالإضافة إلى شعبة تعليم اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. وهناك معاهد ومراكز في كل من مصر والكويت وقطر والعراق وتونس وغيرها، بالإضافة إلى معهد الخرطوم الدولي لتعليم اللغة العربية. ( [2] ) سمي بعض هذه الأقسام بقسم تأهيل معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، وسمي بعضها بقسم إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، وسمي البعض الآخر بأسماء أخرى. ( [3] ) انظر مثلاً: Cassel, Jeanne and Blake, Frances. “Microteaching with a Multicultural Focus.” The Educational Resources Information Center (ERIC) , 1988, PP. 4, 5 ( [4] ) عبد الله عمر الفرا، وعبد الرحمن عبد السلام جامل. المرشد الحديث في التربية العملية والتدريس المصغر. عمان: مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1999 م، ص 153. ( [5] ) Wallace, Michael. Training Foreign Language Teachers: a Reflective Approach. Cambridge: Cambridge University Press, 1991, P. 92. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 339 ( [6] ) Cassel, Jeane and Blake, Frances. “Microteaching with a Multicultural Focus.” Op. Cit. , P. 5 ( [7] ) ألف دوايت الن وكيفين ريان Kevin Ryan عام 1969م كتاباً عنوانه: Microteaching، ترجمه صادق إبراهيم عودة ومحمد الخوالدة إلى العربية عام 1975م. (8) Vare, Jonatha. Co-construcing the Zone: a Neo-Vygostkian View of Microteaching. Paper Presented at the American Educational Research Association 1993 Annual Meeting, Atlanta, Georgia. April 12-16, 1993. P. 3 (9) Perrot, E. Microteaching in Higher Education: A Society for Research into Higher Education. 1977. ( [10] ) مما نقل إلى العربية كتاب: Microteaching: A Programm of Teaching Skills. By: George Brown, 1975.، الذي نقله محمد رضا البغدادي بعنوان: التدريس المصغر: برنامج لتعليم مهارات التدريس، ط1 عام 1979م، ط2 عام 1998م، بالإضافة إلى كتاب الن وريان الذي سبق ذكره. ( [11] ) من هذه الكتب: المرشد الحديث في التربية العملية والتدريس المصغر، تأليف عبد الله عمر الفرا وعبد الرحمن عبد السلام جامل، صدر عام 1999م، وقد أشرنا إليه قبل قليل. ( [12] ) من ذلك مثلاً البحث الذي أعده حسن حسيني جامع بعنوان: التعليم المصغر ودوره في إعداد المعلمين، ونشر في مجلة تكنولوجيا التعليم، العدد التاسع، 1982م. ( [13] ) Stoddat, John Dennis. Microteaching: Current Practice in Britain with Special Reference to ESOL. Working Documents. London: London University, Institution of Education, 1981, P. 15. ( [14] ) Ibid. ( [15] ) Vare, Jontha. Co-Constructing the Zone. Op. Cit., PP. 9, 10 ( [16] ) Cassel, Jeanne: Micro-Teaching with a Multicultural Focus. Op. Cit. See also: Stoddart, John: Microteaching: Current Practice in Britain. Op. Cit. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 340 ( [17] ) Yoneyama, Asaji. Integration of Theory and Practice in a Pre-service Teacher Training Course. ERIC, 1988, PP. 2, 3. ( [18] ) Ortiz, Flora. The Use of Video-Tape and Micro-Teaching in the Preparation of Bilingual Teachers. Paper Presented at the Annual Meeting of the American Educational Research Association, 10th. Chicago: 1985, P.5. ( [19] ) Bartley, D. E. “Microteaching: Rationale, Procedures, and Application to Foreign Language.” Audio-Visual Language Journal 7, 3 (1970) : 139-44. ( [20] ) McAleese, W. R. “Microteaching: A New Tool in the Training of Teachers”. Educational Review V. 25, No. 5, (1973) . ( [21] ) Brown, G. Microteaching: A Program of Teaching Skills. London: Methuen, 1975. ( [22] ) Golebiowska, Aleksandra. Role-Play in Pre-Service Teacher Training. Paper Presented at the Annual Meeting of the International Association for Teachers of English as a Foreign Language (22nd, Edinburgh, Scotland, April, 11-14, 1988) . ( [23] ) Stoddart, John Dennis: Microteaching: Current Practice in Britain. Op. Cit. PP. 2-6. ( [24] ) Woodward, Teassa. The Teacher Trainer: A Practical Journal Mainly for Modern Language Teacher Trainers. Teacher Trainer, V 12 n1-3, Spr-Aut, 1998. ( [25] ) Morgan, Simpson. Professor-in Residence: Redefining the Work of Teacher Educators. ERIC, 1998. ( [26] ) Yoneyama, Asaji. Integration of Theory and Practice in a Pre-service Teacher Training Courses. Op. Cit. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 341 ( [27] ) بالإضافة إلى ترجمة محمد رضا بغدادي لكتاب جورج براون، وترجمة صادق عوده ومحمد الخوالدة لكتاب الن وريان، نشير إلى بحث ماجستير غير منشور أعده عبد القادر عباس مجاهد عام 1413هـ، في قسم المناهج وطرق التدريس في كلية التربية بجامعة أم القرى، عنوانه: فاعلية التدريس المصغر في تنمية بعض المهارات التدريسية للطلاب المعلمين بقسم الجغرافيا في جامعة أم القرى بمكة المكرمة. ( [28] ) أشرنا في هذا الصدد إلى كتاب: المرشد الحديث في التربية العملية والتدريس المصغر، تأليف: الدكتور عبد الله عمر الفرا والدكتور عبد الرحمن عبد السلام جامل، الذي صدر عام 1999م. ( [29] ) بالإضافة إلى بحث حسن حسيني جامع، الذي أشرنا إليه قبل قليل، ثمة بحوث أخرى منها: بحث قدمه عبد الرحيم صالح عنوانه: التعليم المصغر: برنامج للتدريب التربوي، نشر في مجلة تكنولوجيا التعليم، الكويت، العدد الثامن، 1981م. وهناك دراسة تحليلية أعدها الباحث علي محمد عبد المنعم، بعنوان: دراسة تحليلية للبحوث السابقة في مجال التدريس المصغر، كتاب المؤتمر العلمي الأول للجمعية المصرية لتكنولوجيا التعليم، القاهرة، أكتوبر، 1991م. ودراسة مسحية أعدها الباحث فتح الباب عبد العليم سيد، عنوانها: التعليم المصغر عبر التاريخ، مجلة تكنولوجيا التعليم، الكويت العدد التاسع، 1982. ( [30] ) نشير في هذا الصدد إلى محاضرات الدكتور رشدي أحمد طعيمة في المناهج وطرائق تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها التي ألقاها على طلاب الماجستير في قسم تأهيل معلمي اللغة العربية بمعهد تعليم اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض عام 1404هـ، والتي تضمنت تطبيقات عملية في استخدام التدريس المصغر في برامج تدريب معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 342 ( [31] ) إسحاق محمد الأمين. منهج الأيسيسكو لتدريب معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها: أساسيات طريقة التدريس والتربية العملية لدورات تدريب المعلمين. الرباط: منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (أيسيسكو) ، 1418هـ. ( [32] ) من ذلك إشارة الدكتور محمود أحمد السيد إلى اعتماد التدريس المصغر والتغذية الراجعة ضمن مظاهر التطور في ميدان تعليم اللغات، في بحثه المنشور في المجلة العربية للتربية م6، ع1، 1986م، ص 151. ( [33] ) نشير في هذا الصدد إلى بعض الكتب القيمة التي صدرت لعدد من الأساتذة المتخصصين في الميدان، والتي حملت عناوين، مثل: مرشد المعلم، ودليل المعلم … ، منها: مرشد المعلم في تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها: تطبيقات عملية لتقديم الدروس وإجراء التدريبات، تأليف كل من الدكتور محمود إسماعيل صيني، والأستاذين ناصف مصطفى عبد العزيز، ومختار الطاهر حسين، ونشر مكتب التربية العربي لدول الخليج في الرياض الطبعة الأولى منه عام 1403هـ، والثانية 1406هـ. ومنها: مرشد المعلم الذي أعده الدكتور رشدي أحمد طعيمة والدكتور محمود كامل الناقة، ونشرته جامعة أم القرى عام 1405هـ. ومنها أيضاً: دليل المعلم للكتاب الأساسي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، الذي أعده الدكتور فتحي علي يونس والدكتور السعيد محمد البدوي، ونشرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس عام 1983م. وقد اقتصرت هذه الأدلة على توجيه المعلمين إلى استخدام الكتب الأساسية المرتبطة بها، استخداماً تطبيقياً، باستثناء كتاب الدكتور محمود صيني ومساعديه الذي أشير فيه إلى بعض التوجيهات في تحضير الدروس في الصفحات من 265-272، غير أن هذه الأدلة جميعها لم تشر إلى التدريس المصغر. ( [34] ) Stoddart, John Dennis: Microteaching: Current Practice in Britain. Op. Cit., P. 13 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 343 ( [35] ) Brumfit, C. J. “Aseven-day Microteaching Programme for EFL Teachers.” In Microteaching and EFL Teacher Education. University of London, Institute of Education. P. 123, 1979. ( [36] ) هذا النوع من التدريب نادر في الجامعات العربية، رغم انتشاره في بعض الجامعات الغربية. ( [37] ) غالباً ما تجتمع هذه المشكلات في الدورات القصيرة التي تقام لتدريب معلمي اللغة العربية والثقافة الإسلامية خارج الوطن العربي؛ فتزداد الحاجة إلى التدريس المصغر. ( [38] ) كمقرر طرائق تدريس اللغة العربية، ومقررات العلوم الشرعية والسيرة النبوية للناطقين بغير العربية، في برامج إعداد معلمي اللغة العربية. ( [39] ) سوف نقدم أنموذجاً لهذا الجدول في الجزء التطبيقي من هذا البحث، إن شاء الله. ( [40] ) Stoddart, John Dennis. Microteaching: Current Practice in Britain. Op. Cit., P. 47 ( [41] ) Ortiz, Flora. The Use of Video-Tape and Micro-Teaching in the Preparation of Bilingual Teachers. Op. Cit., P. 5, 1985 ( [42] ) Ibid. ( [43] ) تحديد الطريقة أو المذهب ليس من الأمور الضرورية، كما سوف نرى في الدرس النموذجي. ( [44] ) نُذَكِّر هنا أنه لا شيء أفضل من الحالات الطبيعية، إن توفرت ولم يترتب عليها مشكلات تربوية أو فنية، كما ننبه إلى ما أشرنا إليه من قبل من أن التدريس المصغر مكمل للتدريب العملي، وليس بديلاً عنه. ( [45] ) Golebiowska, Aleksendra. Role-Plays in Pre-Service Teacher Training. Op. Cit., P. 6. ( [46] ) Mcknight, P. C. “Microteaching in Teacher Training: A Review of Research.” Research in Education 6, (1971) : 32. ( [47] ) Wallace, Michael. Training Foreign Language Teachers: a Reflective Approach. Op. Cit., P.101 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 344 ( [48] ) الإشادة بأداء المتدرب ليست ضرورية في كل مرة ومع كل طالب، وإنما يلجأ إليها عند تحليل الدرس الأول والثاني، وربما الثالث؛ تشجيعاً للمتدربين. ( [49] ) Stoddat, John Dennis. Microteaching: Current Practice in Britain. Op. Cit., P. 55 ( [50] ) Ibid. ( [51] ) Ibid. ( [52] ) يلاحظ أن المتدرب لا يقوِّم نفسه في بعض أنواع التدريس المصغر، وبخاصة التدريس المصغر الختامي، كما سوف نرى فيما بعد. ( [53] ) Yoneyama, Asaji. Integration of Theory and Practice in a Pre-service Teacher Training Course. Op. Cit., PP. 8-11. ( [54] ) سوف نقدم – في الجانب التطبيقي - أنموذجاً لأداة التقويم. ( [55] ) اتباعاً لمبدأ التدرج في تقديم المواد اللغوية؛ يقتصر هنا – فيما ينوب عن الفاعل – على الشائع منها، وهو المفعول به، ثم يعرف الطلاب في مرحلة لاحقة بالمصدر واسم المصدر والظرف والجار والمجرور. ( [56] ) وذلك من خلال أمثلة النص وتطبيقه في التدريب الأول. ( [57] ) الأعراف: 204 ( [58] ) بالطريقة التي سوف نبينها في مرحلة التدريس بعد قليل. ( [59] ) يلاحظ هنا أن المعلم قد أعاد صياغة القاعدة صياغة علمية من غير أن يقاطع الطالب. (60) لاحظ أن الطلاب في هذا المثال بدأوا يستعملون أسلوب المعلم في التعبير عن التغييرات في شكل الفعل، بخلاف تعبيرهم في المثال الأول (أُخِذ) . ( [61] ) هذه البطاقة يمكن أن تكون بطاقة الملاحظة أو قريبة منها. ( [62] ) يؤخذ متوسط درجات الحضور بعد أن تجمع وتقسم على عددهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 345 ظاهرة الغموض بين عبد القاهر الجرجاني والسجلماسي د. محمود درابسه الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية - جامعة اليرموك إربد – الأردن ملخص البحث يتناول هذا البحث ظاهرة الغموض بوصفه جوهر النص الابداعي وأساسه. حيث يتجسد هذا الغموض من خلال أساليب البلاغة التي تجعل من النص الابداعي نصاً إبداعياً يتميز عن غيره من الكلام. وقد تناول البحث هذه الظاهرة الفنية من خلال ناقدين هما: عبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) وأبو محمد القاسم السجلماسي (ت. القرن الثامن الهجري) . وقد انقسم البحث إلى ما يلي: أولاً – إضاءة: الغموض مفهوماً ومصطلحاً. ثانياً – عناصر الغموض: 1. عناصر الغموض عند عبد القاهر الجرجاني. 2. عناصر الغموض عند السجلماسي. ثالثاً – الغموض والمتلقي. أولاً – إضاءة: الغموض مفهوماً ومصطلحاً. أشارت المعاجم العربية القديمة إلى الغموض من خلال استخداماته اللغوية المختلفة، فالغموض في اللغة مصدر من غمض (بفتح الميم وضمها) وكل ما لم يصل إليك واضحاً فهو غامض، ولذلك فالغامض من الكلام خلاف الواضح، كما يقال للرجل الجيد الرأي: قد اغمض النظر. والمسألة الغامضة: هي المسألة التي فيها دقة ونظر. ومعنى غامض: لطيف (1) . كما يحمل مصطلح الغموض (Ambiguty) في المعاجم الإنجليزية المعاصرة معنى اللغة المجازية (Figurative Language) أو تعدد احتمالات المعنى، تلك اللغة التي تمثل المستوى الفني والجمالي المتصل بالدلالات والرموز المرتبطة بالأعمال الابداعية كالشعر مثلاً (2) . فالغموض الذي يعنيه البحث هنا هو "ليس ذلك الذي يصعب فتح أقفاله وتخطي أسواره ليصل إلينا، بل هو السمة الطبيعية الناجمة عن آلية عمل القصيدة العربية وعناصرها المكونة من جهة، وعن جوهر الشعر الذي هو انبثاق متداخل من تضافر قوات عدة من الشعور والروح والعقل متسترة وراء اللحظة الشعرية" (3) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 346 والغموض المعني هنا هو ما شدك إلى حوار معه، واستفز مشاعرك وعقلك من خلال غموض عباراته وصوره وموسيقاه، إذ يتجسد الغموض في ثراء النص الابداعي، وتعدد دلالاته وقراءاته، مما يخلق نوعاً من اللذة الحسية والذهنية تجاه خبايا النص واللامتوقع أو اللامنتظر في صوره وجمالياته الفنية. وهذه الحال تخلق نوعاً من التواصل والألفة بين النص والقارئ الذي يتلقى النص، ويشعر أنه بحاجة إليه مهما كان غامضاً ليطفئ من خلاله لهيب مشاعره، وطموحه الذهني. ولذا، فإن الغموض له دلالتان: دلالة جمالية يكون الغموض بموجبها فنا، ودلالة لغوية يكون فيها إبهاماً وتعمية. وبهذا المفهوم يشكل الغموض ظاهرة فنية مرتبطة بالفن الإنساني، وبالفنان المبدع، مما يجعل المتلقي لهذا العمل الفني بحاجة حسية وفكرية ماسة من أجل فك رموز العمل الفني، وتفسير دلالاته، وتحديد قراءاته، لكي يقف المتلقي على طبيعة العمل الفني وجوهره، وهذه الحال تشكل قمة اللذة الحسية والذهنية عند المتلقي، كما أنها تجسد غاية المبدع وهدفه، وهذا هو سر النص الابداعي، وجوهر وجوده. وقد نال مصطلح الغموض من القلق والاضطراب أكثر من أي مصطلح نقدي آخر لارتباطه بجوهر العمل الابداعي من حيث المبدع والنص والمتلقي. ويعود هذا القلق والاضطراب في تحديد مصطلح الغموض إلى تعدد مستوى درجاته، وإلى الاختلاف في تحديد مفهومه، ومعرفة غايته وأهميته، كما تعود اشكالية تحديد مصطلح الغموض إلى مرادفاته اللغوية الكثيرة مثل التعمية والإبهام والاستغلاق والألغاز وغيرها من التسميات التي ربما يضلل بعضها المتلقي في تقدير أهمية المصطلح ومفهومه ووظيفته (4) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 347 ولذلك، فإن حديث العلماء العرب القدماء عن "الغموض حديث مفرق متناثر في دراسات المفسرين والأصوليين واللغويين والنحاة والبلاغيين. كما كانت عناية القدماء بالتطبيق في دراستهم لهذه الظاهرة، أكثر من عنايتهم بالتنظير، كما هو شأنهم دائماً، ولكن الذي لا شك فيه أن ظاهرة الغموض بما لها من صلة ببنية الكلام قد لفتت أنظار القدماء منذ وقت مبكر، ولم يمنعهم إيمانهم العميق بإعجاز القرآن الكريم وقدسيته، من دراستها من خلال آياته، وقد استخدموا في الدلالة على ذلك مصطلحات كثيرة أشاروا بها إلى غموض المعنى ودرجات هذا الغموض مثل تعدد المعنى، وغير ذلك، سواء في القرآن الكريم أو الشعر، وتعددت هذه المصطلحات واختلفت اختلاف العلماء بين مفسرين ولغويين ونحاة وأصوليين وبلاغيين، وفي أحيان كثيرة كان المصطلح الواحد يتردد بأكثر من مفهوم في كل بيئة من هذه البيئات العلمية، ولكنها كانت تتفق جميعاً على خفاء المعنى أو عدم وضوحه أو تعدده، سواء في المفردات أو التراكيب" (5) . وكذلك فقد تعددت عند العلماء العرب القدماء الأسباب التي عزوا إليها غموض المعنى، فكانت إما تعود الأسباب إلى البنية الصوتية للكلمة والكلام، أو تعقد التركيب النحوي، أو بعد الاستعارة والتشبيه واستغلاقهما، أو مخالفة قواعد عمود الشعر العربي (6) . فقد استخدم سيبويه (ت 180هـ) مصطلح اللبس للدلالة على الغموض الناشئ عن وجود لفظ يحتمل أكثر من معنى أو دلالة أو تركيب يؤدي إلى الغموض. يقول سيبويه: "وينبغي لك أن تسأل عن خبر من هو معروف عنده (يقصد السامع) كما حدثته عن خبر من هو معروف عندك بالمعروف، وهو المبدوء به" (7) . ويقصد سيبويه هنا بأن الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة لكي يصح السؤال عنه، وإذا لم يكن كذلك وقع الغموض في الكلام، وترتب عليه عدم فهم السامع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 348 ولعل الآمدي (ت 370هـ) من أوائل النقاد العرب القدماء الذين استخدموا مصطلح الغموض في كتابه الموازنة بين أبي تمام والبحتري، حيث وصف شعر أبي تمام بالغموض والاستغلاق في المعاني والصور مقابل وصفه لشعر البحتري الذي يتسم بوضوح المعنى وقربه. يقول الآمدي: "فإن كنت … ممن يفضل سهل الكلام وقريبه، ويؤثر صحة السبك وحسن العبارة وحلو اللفظ وكثرة الماء والرونق فالبحتري أشعر عندك ضرورة. وإن كنت تميل إلى الصنعة، والمعاني الغامضة التي تستخرج بالغوص والفكرة، ولا تلوي على غير ذلك فأبو تمام عندك أشعر لا محالة" (8) . ويقول كذلك بهذا الخصوص ناسباً أبا تمام إلى النزعة الفلسفية والتعقيد والغموض: "وذلك كمن فضل البحتري، ونسبه إلى حلاوة اللفظ، وحسن التخلص ووضع الكلام في مواضعه، وصحة العبارة، وقرب المآتي، وانكشاف المعاني، وهم الكتاب والأعراب والشعراء المطبوعون وأهل البلاغة، ومثل من فضل أبا تمام، ونسبه إلى غموض المعاني ودقتها، وكثرة ما يورد، مما يحتاج إلى استنباط وشرح واستخراج، وهؤلاء أهل المعاني والشعراء أصحاب الصنعة ومن يميل إلى التدقيق وفلسفي الكلام" (9) . ويكشف هذا الفهم للآمدي عن إدراكه لأهمية الغموض ووظيفته في الشعر، وذلك على الرغم من تفضيله للبحتري مقابل رفضه لشعر أبي تمام. إذ حدد الآمدي أسباب الغموض وعناصره في شعر أبي تمام، وعبر كذلك عن دهشته. إزاء الغموض ومفاجآته في شعر أبي تمام، وبذلك يكون الآمدي أول من وضع مصطلح الغموض الشعري أمام النقاد العرب القدماء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 349 وقد اتضح معنى الغموض وأهميته عند أبي اسحق الصابي (ت 384هـ) ، حيث حدد الفرق بين النثر والشعر، مبيناً أن النثر مجاله الوضوح في المعاني والألفاظ، وأما الشعر فمجاله الغموض، حيث يخلق الغموض في الشعر مفاجآت من خلال تعدد المعاني، والاحتمالات المختلفة في التفسير، وبهذا التعدد تتشكل اللذة الحسية والعقلية عند قارئ الشعر ومتلقيه. يقول أبو اسحق الصابي: "إن طريق الإحسان في منثور الكلام يخالف طريق الإحسان في منظومه، لأن الترسل هو ما وضح معناه، وأعطاك سماعه في أول وهلة ما تضمنته ألفاظه. وأفخر الشعر ما غمض، فلم يعطك غرضه إلا بعد مماطلة منه" (10) . كما كان لعمود الشعر الذي أرسى قواعده المرزوقي (ت 421هـ) في شرحه لديوان الحماسة لأبي تمام دور سلبي على الشعر العربي، ولا سيما في الحركة النقدية حول أبي تمام، الشاعر المبدع. فقد حدد المرزوقي أركان عمود الشعر التي تنفي صفة الغموض، وعمق الاستعارة عن الشعر الجيد وتحبذ وتلزم الشاعر بضرورة اتباع الوضوح، وقرب التشبيه، ومناسبة المستعار منه للمستعار له، يقول: "إنهم كانوا يحاولون شرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، والإصابة في الوصف –ومن اجتماع هذه الأسباب الثلاثة كثرت سوائر الأمثال، وشوارد الأبيات- والمقاربة في التشبيه، والتحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن، ومناسبة المستعار منه للمستعار له، ومشاكلة اللفظ للمعنى، وشدة اقتضائها للقافية حتى لا منافرة بينهما- فهذه سبعة أبواب هي عمود الشعر" (11) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 350 ومن خلال هذا التصور عند المرزوقي، فقد لجأ إلى تفضيل النثر على الشعر، وقد عد سبب كثرة الشعراء إلى أن الشاعر يستطيع أن يؤدي شعره بكل ما فيه من غموض وخفاء وغرابة دون اهتمام بالوضوح في المعاني والألفاظ، وهذا يعد أمراً يحتاج إلى معاناة وجهد، ولذا فإن المترسلين يعانون في سبيل الوضوح في المعاني والألفاظ أكثر من الشعراء، وبهذا يكون الغموض سمة للضعف في الشعر. يقول: "وكان الشاعر يعمل قصيدته بيتاً بيتاً، وكل بيت يتقاضاه بالاتحاد، وجب أن يكون الفضل في أكثر الأحوال في المعنى، وأن يبلغ الشاعر في تلطيفه. والأخذ من حواشيه، حتى يتسع اللفظ له، فيؤديه على غموضه وخفائه" (12) . ولعل تسمية الغموض بهذا الاسم قد ترك أثراً سلبياً عند النقاد والبلاغيين العرب القدماء، مما جعلهم يستبدلونه بمرادفات أخرى لها نفس المضمون والمعنى، حيث أصبح الغموض ومرادفاته يجسد علامة للجودة وأساساً للشعرية الحقة. ولهذا فقد استخدم عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) مصطلح الغموض من خلال الإشارة إليه مباشرة أو من خلال تسميات تدل عليه مثل التوسع (13) ، والغرابة (14) ، ومعنى المعنى، حيث بين عبد القاهر الجرجاني أن الغموض يكمن في المعنى الثاني أو المستوى الفني المتمثل في العمل الأدبي سواء أكان نثراً أو شعراً. يقول: "الكلام على ضربين: ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده وذلك إذا قصدت أن تخبر عن زيد مثلاً بالخروج على الحقيقة فقلت خرج زيد. وبالانطلاق عن عمرو فقلت: عمرو منطلق: وعلى هذا القياس. وضرب آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض ومدار هذا الأمر على الكناية والاستعارة والتمثيل" (15) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 351 وفي ضوء ما سبق، فقد استقر مصطلح الغموض بتسمياته المختلفة عند عبد القاهر الجرجاني، وأصبح يجسد المستوى الفني للعمل الابداعي، بوصفه جوهر الشعر وأساسه. كما ارتبط الغموض عند السلجماسي (ت القرن 8هـ) بتسميات مختلفة تجسد الجوانب الأسلوبية التي يستند النص الابداعي إليها، وتجعل من النص الابداعي نصاً إبداعيا، مثل: الكناية والإشارة والغرابة وغيرها (16) ، وعلاقة ذلك بالمتلقي، من حيث خلق اللذة والدهشة عنده على المستويين الحسي والعقلي. وأما حضور مصطلح الغموض في النقد المعاصر، فيرجع الفضل فيه إلى الناقد والشاعر الإنجليزي وليام امبسون (William Empson – 1906) في كتابه المعروف سبعة أنماط من الغموض (Seven Types of Ambiguity) الذي نشره عام 1930م، حيث عرّف الغموض بقوله: كل ما يسمح لعدد من ردود الفعل الاختيارية إزاء قطعة لغوية واحدة" (17) . وبناء على ذلك، فقد حدد أنماط الغموض في سبعة أنواع هي (18) : 1. النوع الأول من الغموض يحدث عندما يتجسد في النص عدداً من التفاصيل التي تتحدث عن دلالات متعددة في الوقت نفسه، ويتمثل ذلك في الاستعارة البعيدة أو الإيقاع أو الوزن. 2. النوع الثاني يتمثل في وجود تركيب نحوي في النص يسمح بتعدد التأويلات. 3. النوع الثالث، يحدث في النص عندما يتوفر فيه عدد من المفردات أو التراكيب ذات الدلالات المشتركة. 4. النوع الرابع يتمثل في عدد من التراكيب ذات المعاني المتبادلة التي تجسد نوعاً من التعقيد في تفكير المؤلف. 5. النوع الخامس، يحدث عندما تظهر في لغة المؤلف جمل وعبارات متداخلة، تظهر عدم قدرة المؤلف على تحديد مراده. 6. النوع السادس، يحدث عندما تظهر في لغة المؤلف عدة تراكيب ذات معاني متناقضة. 7. النوع السابع، يتمثل في نوع من التعارض أو التناقض التام الذي يقع أحياناً في لغة المؤلف مما يعكس نوعاً من التشتيت الذهني. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 352 ولعل هذا التحديد الواضح لمصطلح الغموض وأنماطه عند امبسون قد سبقته بعض الاهتمامات عند الأوروبيين من خلال دراستهم للنصوص الأدبية، ومثال ذلك جهود الشاعر الإيطالي دانتي (Dante) الذي كان أول من نظر في تعدد مستويات المعنى في النص الأدبي، كما فتحت دراسة الناقد الإنجليزي جريرسون (Grierson) عن الشاعر جون دون (Jhon Donne) الباب في هذا المجال من أجل الكشف عن مظاهر الغموض في شعر بعض الشعراء وتعدد مستويات المعنى فيه (19) . ثانياً – عناصر الغموض 1. عناصر الغموض عند عبد القاهر الجرجاني. لقد بين عبد القاهر الجرجاني أهمية الغموض وعناصره، وفرق بين الغموض والتعقيد السلبي الناشئ عن الضعف والركاكة وسوء الفهم، كما أبرز الفرق بين الغموض والوضوح، إذ إن سمة الغموض ركيزة أساسية للعمل الابداعي. ولذا فقد عد الجرجاني سوء النظم والتأليف وانغلاق الكلام سبباً من أسباب التناهي في الغموض إلى درجة التعقيد، يقول: "واعلم أن لم تضق العبارة ولم يقصر اللفظ ولم ينغلق الكلام في هذا الباب إلا لأنه قد تناهى في الغموض والخفاء إلى أقصى الغايات" (20) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 353 ويكشف هذا الموقف للجرجاني عن إدراكه لأهمية الغموض في بنية النص الابداعي، فهو جوهره وأساسه. فالغموض هو الذي يثير الدهشة والاستفزاز للمتلقي، ويجعل من النص الابداعي نصاً ابداعياً. ومن هنا، فإن الجرجاني لا يعارض الوضوح والقرب في المعاني الأدبية شريطة أن لا يصل هذا الوضوح إلى حد السطحية والركاكة والضعف مما يبعد النص الابداعي عن جوهره وإثارته للمتلقي. فالنص الذي تتعدد وجوه التأويل فيه، ويستفز القارئ إلى بذل الجهد في المتابعة والتفكير هو النص الابداعي الأصيل. كما أن وضوح النص في ظاهره، وفي قراءة القارئ الأولية له لا يعني الوضوح السطحي، فقد يبدو القول التالي: (كالبدر أفرط في العلو) سهلاً وبسيطاً، بيد أن المتفحص لهذا التشبيه يخرج إلى معاني أخرى إضافية تحتاج إلى التفكير والدقة. يقول الجرجاني: "هذا- وليس إذا كان الكلام في غاية البيان وعلى أبلغ ما يكون من الوضوح أغناك ذاك عن الفكرة إذا كان المعنى لطيفاً، فإن المعاني الشريفة اللطيفة لا بد فيها من بناء ثان على أول، ورد تال إلى سابق. أفلست تحتاج في الوقوف على الغرض من قوله: "كالبدر أفرط منه ووجه المجاز في كونه دانياً شاسعاً وترقم ذلك في قلبك ثم تعود إلى ما يعرض البيت الثاني عليك من حال البدر ثم تقابل إحدى الصورتين بالأخرى وترد البصر من هذه إلى تلك وتنظر إليه كيف شرط في العلو الإفراط ليشاكل قوله "شاسع" لأن الشسوع هو الشديد من البعد ثم قابله بما لا يشاكله من مراعاة التناهي في القرب فقال "جد قريب". فهذا هو الذي أردت بالحاجة إلى الفكر، وبأن المعنى لا يحصل لك إلا بعد انبعاث منك في طلبه واجتهاد في نيله" (21) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 354 فمجال الغموض إذن عند عبد القاهر الجرجاني يكمن في المستوى الفني للعمل الابداعي المتمثل في ضروب البلاغة المختلفة مثل الكناية والمجاز والاستعارة والتشبيه ثم في الصورة والصياغة. يقول "قد أجمع الجميع على أن الكناية أبلغ من الإفصاح والتعريض أوقع من التصريح. وأن للاستعارة مزية وفضلاً. وأن المجاز أبداً أبلغ من الحقيقة" (22) . وهذا الفهم هو ما عبر عنه الجرجاني في موقع آخر من كتابه دلائل الإعجاز ليسميه بمعنى المعنى وهو المستوى الفني الذي يقع فيه الغموض. يقول: "وإذ قد عرفت هذه الجملة فها هنا عبارة مختصرة وهي أن نقول المعنى ومعنى المعنى تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تصل إليه بغير واسطة وبمعنى المعنى أن تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر" (23) . وقد استخدم الجرجاني ألفاظاً تعبر عن المستوى الفني للعمل الابداعي، وهي أقل سلبية في ظاهرها الخارجي من لفظة الغموض التي تعكس معنى سلبياً للوهلة الأولى. وهذا يشكل حرص عبد القادر الجرجاني، وإدراكه لأهمية الغموض بمرادفاته المختلفة في العمل الابداعي، ولا سيما في النصوص الشعرية. ولذا فقد استعمل الجرجاني مصطلح الغرابة ليشير إلى الغموض الفني في العمل الابداعي. يقول: "والمعنى الجامع في سبب الغرابة أن يكون الشبه المقصود من الشيء مما لا ينزع إليه الخاطر، ولا يقع في الوهم عند بديهة النظر إلى نظيره الذي يشبه بل بعد تثبت وتذكر وفكر للنفس في الصور التي تعرفها وتحريك الوهم في استعراض ذلك واستحضار ما غاب منه" (24) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 355 كما أشار الجرجاني إلى مرادفات أخرى للغموض مثل التعقيد غير المقصود، والتعمية، وهذا ما يكسب العمل الابداعي قوة وخصوصية فنية، وأما إذا كان التعقيد والتعمية مقصودان لذاتهما فإن ذلك يفقد العمل الفني خصوصيته، ويبعده عن جوهره. يقول: "وأشباه ذلك مما ينال بعد مكابدة الحاجة إليه، وتقدم المطالبة من النفس به، فإن قلت فيجب على هذا أن يكون التعقيد والتعمية وتعمد ما يكسب المعنى غموضاً مشرفاً له وزائداً في فضله، وهذا خلاف ما عليه الناس. ألا تراهم قالوا: إن خير الكلام ما كان معناه إلى قلبك أسبق من لفظه إلى سمعك، فالجواب إني لم أرد هذا الحد من الفكر والتعب، وإنما أردت القدر الذي يحتاج إليه في نحو قوله: فإن المسك بعض دم الغزال" (25) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 356 وقد جسد الجرجاني في مواقع أخرى من كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة جوهر الغموض المتمثل في الإشارة والكناية والرمز والصياغة والصورة، حيث تبرز هذه الأشكال والموضوعات البلاغية أهمية الغموض المتمثل في المستوى الفني الذي يجسد جوهر العمل الابداعي وأساسه. يقول: "ثم إن التوق إلى أن تقر الأمور قرارها، وتوضع الأشياء مواضعها، والنزاع إلى بيان ما يشكل، وحل ما يتعقد، والكشف عما يخفى، وتلخيص الصفة حتى يزداد السامع ثقة بالحجة، واستظهاراً على الشبهة، واستبانة للدليل، وتبييناً للسبيل شيء في سوس العقل، وفي طباع النفس إذا كانت نفساً ولم أزل منذ خدمت العلم أنظر فيما قاله العلماء في معنى الفصاحة والبلاغة، والبيان والبراعة، وفي بيان المغزى من هذه العبارات وتفسير المراد بها، فأجد بعض ذلك كالرمز والإيماء والإشارة في خفاء، وبعضه كالتنبيه على مكان الخبيء ليطلب، وموضع الدفين ليبحث عنه فيخرج، وكما يفتح لك الطريق إلى المطلوب لتسلكه، وتوضع لك القاعدة لتبني عليها، ووجدت المعول على أن ههنا نظماً وترتيباً، وتأليفاً وتركيباً، وصياغة وتصويراً، ونسجاً وتحبيراً، وأن سبيل هذه المعاني في الكلام الذي هي مجاز فيه سبيلها في الأشياء التي هي حقيقة فيها. وأنه كما يفضل هناك النظم النظم والتأليف التأليف، والنسج النسج والصياغة الصياغة. ثم يعظم الفضل. وتكثر المزية، حتى يفوق الشيء نظيره، والمجانس له درجات كثيرة، وحتى تتفاوت القيم التفاوت الشديد، كذلك يفضل بعض الكلام بعضاً. ويتقدم منه الشيء الشيء، ثم يزداد من فضله ذلك ويترقى منزلة فوق منزلة، ويعلو مرقباً بعد مرقب، ويستأنف له غاية بعد غاية، حتى ينتهي إلى حيث تنقطع الأطماع، وتحسر الظنون، وتسقط القوى، وتستوي الأقدام في العجز" (26) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 357 فمجال الغموض في النص الابداعي هو الصياغة والتأليف والإشارة والرمز، فضلاً عن الكناية والتلويح والتعريض. وهذه المصطلحات تجسد معنى الغموض، وتبتعد عن سلبية المعنى الظاهري لكلمة الغموض. كما أنها تشكل جوهر العمل الابداعي الذي يتميز بخصوصيته الفنية التي تميزه عن الكلام العادي أو الكلام غير الابداعي. ولهذا فالنص الابداعي يستمد طاقته المتجددة من ضروب البلاغة التي تجعل النص الابداعي نصاً إبداعياً يحتاج متلقيه إلى طول التدبر والتفكير لكي يصل إلى فهمه ومعرفة ظلاله وإيحاءاته. يقول: "واعلم أن ذلك الأول وهو المشترك العامي، والظاهر الجلي والذي قلت أن التفاضل لا يدخله، والتفاوت لا يصح فيه، إنما يكون كذلك منه ما كان صريحاً ظاهراً لم تلحقه صنعة وساذجاً لم يعمل فيه نقش، فأما إذا ركب عليه معنى، ووصل به لطيفة، ودخل إليه من باب الكناية، والتعريض، والرمز، والتلويح، فقد صار بما غير من طريقته، واستؤنف من صورته، واستجد له من المعرض، وكسى من ذلك التعرض، داخلاً في قبيل الخاص الذي يملك بالفكرة والتعمل، ويتوصل إليه بالتدبر والتأمل. كقوله: إلى نداك فقاسته بما فيها" (27) . إن السحاب لتستحيي إذا نظرت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 358 إضافة إلى ما جاء من عناصر الغموض عند الجرجاني، فقد تبين أن قيمة المجاز والاستعارة والتمثيل تكمن في الغموض الذي يمنح النص حياة وقوة ويجعله نصاً ابداعياً متجدداً عند متلقيه. ويكمن هذا التجدد من انزياح الكلام في النص عن ظاهر اللفظ، وهذا ما يستفز المتلقي إلى إمعان النظر في النص، وإدراك أسراره وصوره وإيحاءاته، فالانزياح في النص الابداعي هو مجال الغموض، ويتمثل هذا الغموض والانزياح في المجاز وضروبه البلاغية، يقول: "اعلم أن الكلام الفصيح ينقسم قسمين قسم تعزى المزية والحسن فيه إلى اللفظة، وقسم يعزى ذلك فيه إلى النظم. فالقسم الأول الكناية والاستعارة والتمثيل الكائن على حد الاستعارة وكل ما كان فيه على الجملة مجاز واتساع وعدول باللفظ عن الظاهر، فما من ضروب من هذه الضروب إلا وهو إذا وقع على الصواب وعلى ما ينبغي أوجب الفضل والمزية" (28) . كما يشكل التشبيه ضرباً من الغموض عند الجرجاني، ولا يمكن للقارئ أن يتوصل إلى خبايا الصورة التشبيهية إلا من خلال التأويل والتفكير. يقول: "ومثال الثاني وهو الشبه الذي يحصل بضرب من التأويل كقولك هذه حجة كالشمس في الظهور وقد شبهت الحجة بالشمس من جهة ظهورها كما شبهت فيما مضى الشيء بالشيء، من جهة ما أردت من لون أو صورة أو غيرهما إلا أنك تعلم أن هذا التشبيه لا يتم لك إلا بتأويل. وذلك أن تقول حقيقة ظهور الشمس وغيرها من الأجسام أن لا يكون دونها حجاب ونحوه مما يحول بين العين وبين رؤيتها، ولذلك يظهر الشيء لك ولا يظهر لك إذا كنت من وراء حجاب أو لم يكن بينك وبينه ذلك الحجاب" (29) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 359 كما حاول الجرجاني التركيز على مصطلح الغموض نفسه، مبيناً، أهمية العقل في إدراك الفكرة التي يعبر عنها النص الابداعي من خلال ضروب البلاغة، والصياغة والتأليف. فالجرجاني هو ذلك الناقد العقلاني الفذ الذي يرفع من قيمة الفكرة، ويرى الوصول إليها من أهم أنواع اللذة النفسية في تتبع صور الجمال، فالمجاز والاستعارة والتشبيه والتمثيل ضروب تحرك القارئ إلى معرفة الفكرة وإدراكها التي يعبر عنها النص الابداعي، وبهذا يستطيع المبدع من خلال النص الإبداع أن ينقل القارئ من منطقة العقل وتتبع الفكرة إلى منطقة الحس والشعور بالنشوة واللذة النفسية العارمة، وهذه غاية أساسية للعمل الابداعي تجاه المتلقي، يقول الجرجاني: "ومن المركوز في الطبع أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له أو الاشتياق إليه، ومعاناة الحنين نحوه، كان نيله أحلى، وبالميزة أولى، فكان موقعه من النفس أجل وألطف، وكانت به أضن وأشغف، وكذلك ضرب المثل لكل ما لطف موقعه ببرد الماء على الظمأ كما قال: مواقع الماء من ذي الغلة الصادي وهنّ ينبذن من قول يصبن به وأشباه ذلك مما ينال بعد مكابدة الحاجة إليه، وتقدم المطالبة من النفس به، فإن قلت فيجب على هذا أن يكون التعقيد والتعمية وتعمد ما يكسب المعنى غموضاً مشرفاً له وزائداً في فضله" (30) . وعد الجرجاني التباين والتنافر في أطراف التشبيه أكثر قدرة على شد المتلقي وإثارته واستفزازه لما في هذا التنافر من غموض يحرك العقل والحس معاً. يقول: "كلما كان مكان الشبه بين الشيئين أخفى وأغمض وأبعد من العرف كان الإتيان بكلمة التشبيه أبين وأحسن وأكثر في الاستعمال" (31) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 360 ولعل استخدام كلمة الغموض والإصرار عليها إلى جانب المرادفات الأخرى لها مثل التعقيد والتعمية والغرابة والإشارة والتلويح والرمز والتعريض، فضلاً عن المجاز والكناية والاستعارة والتشبيه يعود لما لهذا الموضوع من قدرة على إضفاء الخصوصية الفنية على العمل الابداعي، ذلك العمل الذي يثير القارئ عقلاً وحساً، مما يجعل النص في دائرة التأويل والتفسير وتعدد الاحتمالات، وهذا ما يجعل النص الابداعي نصاً إبداعياً. فالغموض هو الذي يمنح النص خصوصيته الجمالية والإبداعية، يقول الجرجاني: "ثم إن ما طريقه التأول يتفاوت تفاوتاً شديداً. فمنه ما يقرب مأخذه ويسهل الوصول إليه ويعطي المقادة طوعاً، حتى أنه يكاد يداخل الضرب الأول الذي ليس من التأول في شيء، وهو ما ذكرته لك. ومنه ما يحتاج في استخراجه إلى فضل رؤية ولطف وفكرة" (32) . وبهذا يكون الجرجاني قد استطاع إبراز أهمية الغموض في بنية النص الابداعي، وأن ضروب الغموض تشتمل على الصياغة والتركيب، فضلاً عن ضروب البيان والمعاني والبديع، إضافة إلى ذلك فقد ربط عبد القاهر الجرجاني الغموض باللذة العقلية والحسية عند القارئ. ولذلك فالغموض بأشكاله المختلفة من تعمية وتعقيد وغرابة يدفع القارئ إلى دائرة التأويل وإدراك الفكرة التي تضمنها النص الابداعي، وهذا ما يثير لذة نفسية وعقلية عند القارئ. فالجرجاني قد أدرك أهمية الغموض بأنماطه المختلفة في تشكيل بنية النص الابداعي، ومنحه الخصوصية الفنية والجمالية، حيث النص الابداعي البعيد عن الغموض الفني نصاً سطحياً لا يرقى إلى العمل الابداعي الحقيقي الذي يجعل القارئ جزءاً من العملية الإبداعية، ومشاركاً فيها من خلال وقوعه في دائرة التأويل والتفسير، وتعدد المعاني والاحتمالات. 2- عناصر الغموض عند السجلماسي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 361 لقد ابتعد السجلماسي تماماً عن استخدام كلمة الغموض بصفة مباشرة بوصفها الجوهر الأساسي لبنية النص الابداعي، واكتفى باستخدام مرادفات الغموض المتمثلة في ضروب البلاغة من بيان ومعاني وبديع، فضلاً عن تركيزه على العدول الأسلوبي بوصفه سمة أساسية للانتهاك اللغوي في النص الابداعي. ومن هنا، فقد وضح بشكل مباشر أن الغموض المتمثل في ضروب البلاغة، فضلاً عن الصياغة والبناء والعدول أفضل وأجمل من التصريح، ويعني بذلك الوضوح، لأن الوضوح الذي يصل بالكلام إلى السطحية لا يشكل سمة من سمات العمل الابداعي. يقول السجلماسي: "والمماثلة هي النوع الثالث من جنس التخييل، وحقيقتها التخييل والتمثيل للشيء بشيء له إليه نسبة وفيه منه إشارة وشبهة، والعبارة عنه به، وذلك أن يقصد الدلالة على معنى فيضع ألفاظاً تدل على معنى آخر، ذلك المعنى بألفاظه مثال للمعنى الذي قصد الدلالة عليه، فمن قبل ذلك كان له في النفس حلاوة ومزيد إلذاذ، لأنه داخل بوجه ما في نوع الكناية من جنس الإشارة، والكناية أحلى موقعاً من التصريح. ويشبه أن يكون السبب في ذلك هو أن التصريح إنما هو الدلالة على الشيء باسمه الموضوع له بالتواطئ كما قد تقرر في دلالة اللفظ، والدلالة على الشيء بالكناية وطريق المثل إنما هو بطريق الشبه، والشبه –كما قد قيل مراراً- هو أن يكون في الشيء نسبة من شيء أو نسب، وبالجملة هو أن يكون الشيئان في الواحد –بالمشابهة أو المناسبة- الموضوع للصناعة الشعرية فيوضع أحدهما مكان الآخر ويدل عليه، ويكنى به عنه، وفيه –أعني في الواحد بالمشابهة أو بالمناسبة- المكنى به، ما فيه من غرابة النسبة والاشتراك وحسن التلطف لسياقة التشبيه على غير جهة التشبيه، وفي التخييل بذلك كذلك ما فيه من بسط النفس وإطرابها للإلذاذ والاستفزاز الذي في التخييل" (33) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 362 وانطلاقاً من هذا الاقتباس للسجلماسي يلاحظ الدارس أن الكناية تمثل ضروباً مختلفة ومتعددة من البلاغة مثل الإشارة والرمز والتلويح وغيرها، حيث تجسد هذه الضروب البلاغية الصناعة الشعرية، وهذه الإشارة للسجلماسي تعد من أهم الإشارات التي تجسد أهمية الغموض بمرادفاته المختلفة بوصفه أساساً للصناعة الشعرية، وبهذا يكون الغموض قد ارتبط عند السجلماسي بالأسلوب الذي يجسد الصناعة الشعرية. إضافة إلى ذلك، فقد ربط هذه العناصر الأسلوبية بالمتلقي من حيث اللذة والاستفزاز الناتجان عن النص الابداعي بأسلوبه وصياغته وتركيبه. فمجال الصناعة الشعرية وأساسها عند السجلماسي يتمثل في المجاز والاستعارة والتشبيه والمماثلة أو التمثيل. فالغموض بمرادفاته المختلفة من ضروب الأسلوب يجسد الصناعة الشعرية. يقول: "التخييل: هذا الجنس من علم البيان يشتمل على أربعة أنواع تشترك فيه ويحمل عليها من طريق ما يحمل المتواطئ على ما تحته، وهي: نوع التشبيه، ونوع الاستعارة، ونوع المماثلة –وقوم يدعونه التمثيل- ونوع المجاز، وهذا الجنس هو موضوع الصناعة الشعرية" (34) . وقد ركز السجلماسي على موضوع الإشارة بوصفه صورة حقيقية للغموض، الذي هو نقيض الوضوح، فيقول: "والإشارة عند الجمهور مثال أول لقولهم: أشار يشير كأنه الإيماء إلى الشيء والإلماع نحوه. وهو منقول بلوازمه وعوارضه المتقدمة، أو المتأخرة، أو المساوقة، من غير أن يصرح لذلك المعنى بلفظ أو قول يخص ذاته وحقيقته في موضوع اللسان" (35) . كما حدد السجلماسي ضروب الإشارة التي تشكل جزءاً من موضوع الكناية بالتعريض والتلويح والإبهام والتنويه والتفخيم والرمز والإيماء والتعمية واللحن والتورية (36) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 363 وقد ربط صاحب المنزع البديع هذه الأنماط الأسلوبية المتجسدة في الإشارة وضروبها بالتجاوز، وهو الخروج على المألوف، وذلك من خلال تجسيد هذه الأنماط الأسلوبية في النص الابداعي، حيث يتجاوز النص من خلالها الوصف اللغوي، والحقيقة اللغوية إلى المستوى الفني الذي هو أساس الصناعة الشعرية وجوهرها. وقد عد بذلك السجلماسي "التتبيع" نمطاً من أنماط الإشارة، حيث ينطلق مفهوم التتبيع إلى ما يمكن تسميته بالمعنى الثاني أو المستوى الفني للعمل الابدعي. يقول: "والتتبيع هو المدعو الإرداف، والمدعو عند قوم التجاوز. وقول جوهره وحقيقته هو اقتضاب في الدلالة على الشيء بلازم من لوازمه في الوجود، وتابع من توابعه في الصنعة. وقال قوم: هو أن يريد الدلالة على ذات المعنى فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى لكن بلفظ هو تابع وردف. وقال قوم: هو أن يريد ذكر الشيء فيتجاوزه ويذكر ما يتبعه في الصفة وينوب عنه في الدلالة. ومن صوره قوله: نؤؤم الضحى لم تنطبق عن تفضل ويضحي فتيت المسك فوق فراشها فإنما أراد أن يصفها بالترف والنعمة وقلة الامتهان في الخدمة، وأنها شريفة مكيفة المؤونة، فجاء بما يتبع ذلك وعبر عن الشيء بلازمه" (37) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 364 وقد حدد السجلماسي مفهوم التجاوز من خلال استخدامه لكلمة العدول وهي تقابل مصطلح الانحراف الأسلوبي في النقد المعاصر، والذي يقابله بالإنجليزية كلمة (Deviation) . يقول: "العدول: والموطئ من أولية مثالية الاسم والحمل والمطاوعة بين. أعدله فعدل كالذي تقدم في صدر هذا الجنس. فالعدول مثال أول مصدر عدل عدولاً، وجهة تلاقي النقل فيه أيضاً النسبة، فلنقل في الفاعل وهو: افتنان إرادة وصف المتكلم شيئين إلى القصد الأول أو الثاني. والعدول اسم محمول يشابه به شيء شيئاً في جوهره المشترك لهما، فلذلك هو جنس متوسط تحته نوعان: أحدهما: التتمة، والثاني: التوجيه. وذلك لأنه إما أن يكون الأول تأكيداً أو تلاقياً أو غير ذلك من أغراض القول" (38) . فالعدول أو التجاوز أو الاتساع هي تسميات تؤكد اهتمام السجلماسي وإدراكه للمستوى الفني المتمثل بأنماط الغموض ومرادفاته التي تشكل جوهر الصناعة الشعرية. فالعدول أو الاتساع هو الغموض الفني أصلاً، لأنه يتجاوز من خلاله المبدع المعاني الأول إلى المعاني الثواني وهي التي تشكل بنية النص، وتمنحه خصوصيته الفنية. فالاتساع هو الذي يضع القارئ في دائرة التأويل وتعدد الاحتمالات، وبهذه الاحتمالات يتشكل النص الابداعي، حيث إن جوهر الصناعة الشعرية ينطلق من تعدد الاحتمالات، والتأويل، وبهذا يتكون الغموض الفني الذي يعطي النص الحيوية، ويخلق فيه اللذة التي تدهش القارئ وتسره. يقول السجلماسي: "والاتساع هو اسم مثال أول منقول إلى هذه الصناعة، ومقول بجهة تخصيص عموم الاسم على إمكان الاحتمالات الكثيرة في اللفظ بحيث يذهب وهم كل سامع سامع إلى احتمال احتمال من تلك الاحتمالات، ومعنى من تلك المعاني. وقول جوهره في صنعة البديع والبيان هو صلاحية اللفظ الواحد بالعدد للاحتمالات المتعددة من غير ترجيح. وقيل: هو أن يقول المتكلم قولاً يتسع فيه التأويل" (39) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 365 كما عد السجلماسي الغلو والمبالغة أسلوباً بلاغياً يعطي النص الابداعي خصوصيته وجماله وحيويته، فضلاً عن أن السجلماسي قد ربط الغلو بالخروج عن الحقيقة اللغوية والوصف المباشر إلى المبالغة، وهذا ما يخلق نوعاً من الكذب الفني كما أسماه السجلماسي، ويعني هذا الغموض الفني الناشئ عن أساليب البلاغة. ولعل هذا الربط بين المبالغة أو الغلو والكذب يعد من أهم النتائج التي توصل إليها السجلماسي في إدراك أهمية الغموض بوصفه أساس الصناعة الشعرية وجوهرها. فالكذب هنا هو المستوى الفني في النص الناشئ عن أساليب البلاغة. يقول: "والغلو: وهو المدعو الافراط عند قوم في صناعة الاشتقاق، هو من قولهم: غلا في الأمر يغلو غلواً، وهو يرادف الإفراط، ثم نقل من ذلك الحد إلى علم البيان على ذلك الاستعمال والوضع، فيوضع فيه على الافراط في الاخبار عن الشيء والوصف له، ومجاوزة الحقيقة إلى المحال المحض، والكذب المخترع لغرض المبالغة، وبالجملة هو أن يكون المحمول ليس في طبيعته أن يصدق على الموضوع وليس في طبيعة الموضوع ولا في وقت ولا على جهة أن يصدق عليه المحمول، لكن إذا حمل عليه وأنزل خبراً عنه، ووضع وصفاً له لقصد المبالغة. واختيار هذا النوع من طرق البلاغة وأساليب البديع هو أمر بالإضافة والحكم غير المطلق من قبل أن لأهل هذه الصناعة فيه رأيين: فقوم –وهم الأكثرون- يرون أن الشريطة فيه وملاك أمره هو أن يتجاوز فيه حال نوعي الوجود العقلي والحسي إلى المحال والكذب والاختراع. وقوم يرون التوسط فيه آثر وأحمد وأفضل في الصناعة إحجاماً ورهبة للاختراع والكذب. ونقول: إن من أحب الوقوف على الأرجح من الرأيين، وعلى الأدخل في الأمر الصناعي، فليس به غنى عن الفحص عن موضوع الصناعة الشعرية فنقول: إن موضوع الصناعة الشعرية هو التخييل والاستفزاز والقول المخيل المستفز من قبل أن القضية الشعرية إنما تؤخذ من حيث التخييل والاستفزاز فقط. دون نظر إلى صدقها وعدم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 366 صدقها. وقوم يرون أن القضية الشعرية إنما تؤخذ من حيث الامتناع، فالموضوع للصناعة الشعرية عندهم الممتنعات" (40) . فالأشياء الممتنعة هي التي لا تعطي نفسها لقارئ إلا بعد مماطلة وروية وتفكر، وهذا هو ديدن العمل الابداعي. فالأساليب البلاغية هي التي تخرج اللغة فيها من وصف الحقيقة المباشرة إلى المستوى الفني الذي يضفي على النص سمة الجمال والحيوية التي تستفز القارئ إليه، وتجعله يفكر ويطيل النظر في الاحتمالات المتعددة والتساؤلات التي يتركها النص في فكره. ولهذا فقط ربط السجلماسي أساليب البلاغة ومن ضمنها المجاز بالصناعة الشعرية، وجعلها أساس هذه الصناعة وجوهرها. كما ربط هذه الأساليب بالمتلقي بوصفه المحاور للنص الابداعي. يقول السجلماسي: "واسم المجاز مأخوذ في هذا الموضوع من علم البيان بخصوص، ففيه استعمال عرفي بحسب الصناعة، وقول جوهره هو القول المستفز للنفس المتيقن كذبه، المركب من مقدمات مخترعة كاذبة" (41) . وربط السجلماسي أسلوب الالتفات بالغرابة والغموض، لأنه فيه يتحول من معنى لآخر في النص الابداعي، مما يجعل المتلقي إزاء دائرة واسعة من التأويل، وتعدد الاحتمالات، وهذا الأسلوب يضفي نوعاً من اللذة على نفسية المتلقي، وذلك من خلال انتهاك النسق اللغوي المألوف في الوصف المثالي. فانتقال الكلام الابداعي من صيغة إلى صيغة، ومن خطاب إلى غيبة، ومن غيبة إلى خطاب يجسد لوناً من ألوان الغموض الفني الذي يميز النص الابداعي. يقول: "الالتفات: وهو عند قوم خطاب التلون. والموطئ ها هنا أيضاً كالموطئ في جنسه. والفاعل هو: ما تقرر عند تقسيم جنسه، وهو تردد المتكلم في الوجوه … وفائدة هذا الأسلوب من النظم والفن من البلاغة استقرار السامع والأخذ بوجهه، وحمل النفس بتنويع الأسلوب وطراءة الافتنان على الإصغاء للقول والارتباط بمفهومه" (42) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 367 كما ربط السجلماسي أسلوب التشكيك بالغموض الناتج عن الخفاء والشك والالتباس والاختلاط الذي يوقع المتلقي ويدهشه. يقول: "والتشكيك هو إقامة الذهن بين طرفي شك وجزئي نقيض وهو من ملح الشعر وطرف الكلام، وأحد الوجوه التي احتيل بها لإدخال الكلام في القلوب وتمكين الاستفزاز من النفوس وفائدته الدلالة على قرب الشبهين حتى لا يفرق بينهما ولا يميز أحدهما من الآخر، فلذلك كان له في النفس حلاوة وحسن موقع. بخلاف نوع الغلو والسبب في ذلك أن المتكلم موهم أن ذهنه قد قام متحيراً بين طرفي الشك وجزئي النقيض لشدة الالتباس والاختلاط بينهما، وعدم التمييز بين الأمرين لخفائه على النفس على القصد الأول في طرفي النقيض ودأبهما. فلذلك فالقول المشكك هو في النهاية من المبالغة. والغاية في التلطف للتشبيه. وتقريب الشيئين أحدهما من الآخر لتمكين عدم الفرق والفصل بينهما" (43) . ويمكن القول أخيراً أن السجلماسي لم يستخدم كلمة الغموض مباشرة، وربما يعود السبب في ذلك لدلالتها السلبية ظاهرياً، ولذلك فقد استخدم مرادفات الغموض المتمثلة في أساليب البيان والمعاني والبديع، مركزاً على أسلوب الكناية والإشارة والرمز والتعريض والتلويح والتورية والتتبيع والتشكيك والغلو، فضلاً عن أسلوب العدول أو التجاوز أو الاتساع. فهذه الأساليب تجسد عند السجلماسي جوهر الصناعة الشعرية وأساسها، وهذا ما تميز به السجلماسي في موضوع الغموض. فقد ربط السجلماسي أساليب البلاغة بالكذب والمبالغة لما لهذا الأسلوب من قدرة على إضفاء الخصوصية الفنية والجمالية على النص الابداعي، مما يستفز المتلقي ويجعله قريباً ومحاوراً للنص من خلال التأويل وتعدد الاحتمالات. فهذا التأويل وتعدد الاحتمالات ناشئ عن المستوى الفني المتمثل في الأساليب البلاغية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 368 كما أن استخدام كلمة أسلوب، واطلاقها على الأنماط البلاغة يعد ميزة في بحث موضوع الغموض عند السجلماسي. وبهذا، فإن السجلماسي يكون قد أدرك جوهر الغموض وأهميته من خلال اعتباره أنه الأساس للصناعة الشعرية، ولبنية النص الابداعي. ثالثاً- الغموض والمتلقي إن إثارة مشكلة الغموض من صميم البحث في جوهر الشعر أساساً، لأن الشعر يقوم أساساً على الغموض (44) . فالغموض في النص الشعري المثقل بالدلالات والإيحاءات والصور ناتج عن الكثافة والحدة الشعرية. وهذه الحدة الشعرية نابعة من أساليب البلاغة، ولا سيما أسلوب العدول أو الاتساع وهو تجاوز اللغة الشعرية للوصف المباشر والتعبير عن الحقيقة إلى إيحاءات ودلالات إضافية تشكل مجال النص وجوهره. كما أن الغموض المتولد عن أساليب البلاغة مثل أسلوب الالتفات والتشبيه والاستعارة والمجاز والتورية والكناية وغيرها يخلق نوعاً من تعدد احتمالات المعنى، فضلاً عن اتساع دائرة التأويل والتفسير الناجمة عن هذا الغموض. فالغموض بهذا المعنى يشكل جوهر الشعر، وهو نتيجة أساسية تميز النص الشعري عن غيره، وتمنحه الخصوصية الفنية والجمالية (45) . فالمتلقي يحتل مساحة مهمة ومركزية في العملية الابداعية، ويعد المتلقي محاوراً رئيساً للنص الابداعي، بل ومشاركاً في إعادة انتاجه وخلقه. فالعملية الابداعية لا تتم إلا من خلال أركانها الثلاثة وهي: المبدع والنص والمتلقي (46) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 369 فالمتلقي يقوم بدور هام ورئيسي في العملية الابداعية، ولعل دوره يكمن في إعادة تفكيك النص وانتاجه مرة أخرى، وذلك لأن النص الأدبي مثقل بالدلالات والإيحاءات والرموز والصور. فالطاقة الفنية تجعل النص غامضاً، بحيث يطرح النص الابداعي بسبب غموضه إمكانيات متعددة، واحتمالات مختلفة للتأويل والتفسير. فالغموض الذي يواجه المتلقي ناشئ عن اهتزاز الصورة الثابتة لعلاقة الدال بالمدلول، بحيث تصبح للكلمات والتعابير دلالات جديدة متشابكة مع غيرها في النص الابداعي، وذلك على خلاف ما كانت تعبر عنه من معاني وأسماء قبل دخولها في النص الابداعي. فلهذه المعاني والتعابير دلالات محددة في نفس القارئ، بيد أن دخول هذه الكلمات والتعابير ضمن صياغة جديدة في النص الابداعي يكسر طبيعة النمط المألوف لهذه الكلمات في نفس المتلقي، وتصبح لهذه الكلمات والتعابير ضمن جسد النص الابداعي أكثر من معنى وصورة ودلالة (47) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 370 وضمن هذا الفهم لأهمية الغموض وعلاقته بالمتلقي، فقد ربط عبد القاهر الجرجاني النص الابداعي بالمتلقي، مبيناً دور النص المثقل بالدلالات المجازية، في شد المتلقي واستفزازه من خلال علاقة الحوار والمشاركة بين النص والمتلقي، فالغموض ناشئ عن الدلالات المجازية، والتجاوز للمألوف في التعبير والإيحاء والصورة، وبهذا يقع المتلقي في دائرة التأويل والتفسير، ويصبح مشاركاً فاعلاً في خلق النص وإعادة إنتاجه مما يفرض حالة من الإرهاق الفكري والنفسي على المتلقي. يقول الجرجاني بهذا الخصوص: "هذا –وإن توقفت في حاجتك أيها السامع للمعنى إلى الفكر في تحصيله فهل تشك في أن الشاعر الذي أداه إليك، ونشر بزه لديك، قد تحمل فيه المشقة الشديدة، وقطع إليه الشقة البعيدة، وأنه لم يصل إلى دره حتى غاص، وأنه لم ينل المطلوب حتى كابد منه الامتناع والاعتياص؟ ومعلوم أن الشيء إذا علم أنه لم ينل في أصله إلا بعد التعب، ولم يدرك إلا باحتمال النصب، كان للعلم بذلك من أمره من الدعاء إلى تعظيمه، وأخذ الناس بتفخيمه، ما يكون لمباشرة الجهد فيه، وملاقاة الكرب دونه، وإذا عثرت بالهوينا على كنز من الذهب لم تخرجك سهولة وجوده إلى أن تنسى جملة أنه الذي كد الطالب، وحمل المتاعب، حتى إن لم تكن فيك طبيعة من الجود تتحكم عليك … ." (48) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 371 ولعل هذا الاستفزاز للمتلقي لا يتم إلا من خلال غموض النص الابداعي، فالغموض هو جوهر الشعر وأساسه، كما أن الغموض ناشئ عن التنافر بين أجزاء الصور والتشبيهات والاستعارات، وهذا التنافر والتباعد يحدث اهتزازاً في مخيلة المتلقي وفكره للصورة الأولى للكلمات والتعابير قبل دخولها صناعة الشعر وابداعه، مما يدفع المتلقي إلى دائرة التأويل، وتعدد الاحتمالات. يقول الجرجاني: "وهكذا إذا استقريت التشبيهات وجدت التباعد بين الشيئين كلما كان أشد، كانت إلى النفوس أعجب، وكانت النفوس لها أطرب، وكان مكانها إلى أن تحدث الأريحية أقرب، وذلك أن موضع الاستحسان، ومكان الاستظراف، والمثير للدفين من الارتياح، والمتألف للنافر من المسرة والمؤلف لأطراف البهجة، انك ترى بها الشيئين مثلين متباينين، ومؤتلفين مختلفين، وترى الصورة الواحدة في السماء والأرض، وفي خلقة الإنسان، وخلال الروض، وهكذا طرائف تنثال عليك إذا فصلت هذه الجملة، وتتبعت هذه اللمحة، ولذلك تجد تشبيه البنفسج في قوله: بين الرياض على حمر اليواقيت ولا زوردية تزهو بزرقتها أوائل النار في أطراف كبريت كأنها فوق قامات ضعفن بها أغرب وأعجب، وأحق بالولوع وأجذر، من تشبيه النرجس بمداهن در حشوهن عقيق، لأنه إذا ذاك مشبه لنبات غض يرف وأوراق رطبة ترى الماء منها يشف بلهب نار مستول عليه اليبس، وباد فيه الكلف، ومبنى الطباع وموضوع الجبلة على أن الشيء إذا ظهر من مكان لم يعهد ظهوره منه، وخرج من موضع ليس بمعدن له، كانت صبابة النفوس به أكثر، وكان بالشغف منها أجدر، فسواء في إثارة التعجب، وإخراجك إلى روعة المستغرب، وجودك في مكان ليس من أمكنته" (49) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 372 كما وضح السجلماسي في كتابه المنزع البديع العلاقة الهامة بين الغموض الذي يشكل جهور النص الشعري وبين المتلقي الذي يقوم بدور المحاور والمشارك في العملية الإبداعية لخلق النص وإعادة إنتاجه، وذلك بعد أن يبذل جهداً فكرياً ونفسياً في فك أسرار النص، ومحاولة سبر غور احتمالاته المتعددة، ودلالاته وإيحاءاته الكثيرة. وهذه الحالة من المعاناة التي يبذلها المتلقي تجعله يشعر بنشوة غامرة من الفرح والسرور، والمتعة الفكرية، ومن هنا تقوى العلاقة بين أطراف العملية الابداعية: المبدع والنص والمتلقي. يقول: "ولا خفاء بارتباط الانفعال هنا والارتياح بما يقرع السمع ويفجأ البديهة فقط دون ما عداه. والانفعال التخييلي بالجملة هو غير فكري فكيف يعود الأمر غير الفكري فكرياً وينقلب الأمر البديهي اختيارياً" (50) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 373 إن المناوشة الفكرية والنفسية ما بين المتلقي والنص المثقل بالغموض، والمبني من خلال الأساليب البلاغية تجعل المتلقي أكثر تحفزاً وقلقاً وتوتراً إزاء المفاجآت، والاحتمالات المتعددة، والدلالات المتباينة للمعاني لمعرفة التناسق بين هذه المعاني والتعابير الشعرية، وذلك للوصول إلى ادراك سر النص الابداعي وغايته، وفك ألغاز صوره ودلالاته، والوقوف على الاهتزاز الحاصل بين المعاني والتعابير قبل دخلوها النص، والبنية التي آلت إليها بعد دخولها النص. ولعل هذا التوتر والمتابعة ما بين المتلقي والنص يخلق نوعاً من الدهشة واللذة الغامرة للمتلقي، فيشعر بعد هذه المعاناة بالمتعة النفسية والفكرية. يقول السجلماسي بهذا الخصوص: "والاقتضاب هو اقتضاب الدلالة، وذلك أن يقصد الدلالة على ذات معنى فيترقى عن التعبير المعتاد، وعبارة التأخر من الجمود على مسلك وأسلوب واحد، من أساليب العبارة، ونحو واحد من أنحاء الدلالة، فيظهر المقدرة على العبارة عن المعاني، وبعد مرماه في التصرف في مجال القول، وتوسعة في نطاق الكلام فيقتضب في الدلالة على ذات المعنى، والدلالة عليه باللوازم والعوارض المتقدمة، أو المتأخرة، أو المساوقة، اعتماداً على ظهور النسبة بين اللوازم وبين الملزوم، وقوة الوصلة والاشتراك بينهما. وفي ذلك ما فيه من الإلذاذ للنفس والإطراب لها بالغرابة والطراءة التي لهذا النوع من الدلالة. والسبب في ذلك كله هو ما جبلت النفس عليه وعنيت به وجعل لها من ادراك النسب، والوصل، والاشتراكات بين الأشياء؟، وما يلحقها عند ذلك، ويعرض لها من انبساط روحاني وطرب" (51) . الهوامش والتعليقات (1) ابن منظور: لسان العرب: مادة غمض. (2) انظر. Woolf, Henry Bosley (and others) : Webster's New Collegiate Dictionary, Merriam Company, Massachusetts, 1976. Bernet, Sylvan (and others) : Dictionary of literary Terme, Constable, London, 1976. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 374 سليمان، خالد: أنماط من الغموض في الشعر العربي الحر، جامعة اليرموك، اربد 1987، ص 9. السيد، شفيع: الاتجاه الأسلوبي في النقد الأدبي، دار الفكر العربية، القاهرة 1986، ص 82. صليبا، جميل: المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنجليزية واللاتينية، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1982، ج2/119-120. (3) الخواجة، دريد يحيى: الغموض الشعري في القصيدة العربية الحديثة، دار الذاكرة، ط1، حمص 1991، ص 107. (4) انظر الخواجة: الغموض الشعري في القصيدة العربية الحديثة، ص 65-66. اسماعيل، عز الدين: الشعر العربي المعاصر، دار العودة، ط3، بيروت 1983، ص 181. طبانة، بدوي: التيارات المعاصرة في النقد الأدبي، دار الثقافة، بيروت 1985، ص439. (5) خليل، حلمي: العربية والغموض، دار المعرفة الجامعية، ط1، الإسكندرية 1988، ص7. (6) انظر، خليل: العربية والغموض، ص 8. (7) سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان: الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، 1966، ج1/48. (8) الآمدي، أبو القاسم الحسن بن بشر: الموازنة بين أبي تمام والبحتري، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار المسيرة، بيروت (مصورة عن نسخة صادرة سنة 1944) ، ص11. (9) المصدر نفسه، ص 10. (10) ابن الأثير، ضياء الدين: المثل السائر، تحقيق أحمد الحوفي وبدوي طبانة، مطبعة الرسالة، بيروت 1962، ج4/6-7. (11) المرزوقي، أبو علي: شرح ديوان الحماسة (المقدمة) ، تحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون، القاهرة 1951، ج1/9. (12) المصدر نفسه، ج1/18. (13) انظر: الجرجاني، عبد القاهر: أسرار البلاغة، تحقيق السيد محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت 1978، ص 22-23. (14) انظر: الجرجاني، عبد القاهر: دلائل الإعجاز، تحقيق السيد محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت 1981، ص 196. (15) المصدر نفسه، ص 202. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 375 (16) انظر: السجلماسي، أبو محمد القاسم: المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، تحقيق علال الغازي، مكتبة العارف، الرباط 1980، ص 262-266. (17) Empson, W: Seven types of Ambiguity, London 1930. P. 19. نقلاً عن: خليل: العربية والغموض، ص 28-29. انظر، سليمان: أنماط من الغموض في الشعر العربي الحر، ص 17. (18) انظر. Empson: Seven Types of Ambigity, P. 41, 80, 104, 127, 160, 173, 184, 207, 231. خليل: العربية والغموض، ص 28-29. (19) انظر، خليل: العربية والغموض، ص 25. جبوري، فريال: فيض الدلالة وغموض المعنى في شعر محمد عفيفي مطر، مجلة فصول مج4، ع3، 1984، ص 176. (20) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص 210. انظر. السنجلاوي، ابراهيم: موقف النقاد العرب القدماء من الغموض. دراسة مقارنة، مجلة عالم الفكر، مج18، ع3، 1987، ص 195-196. (21) الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 123. (22) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص 55. انظر، عباس، إحسان: تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الثقافة، بيروت، 1978، ص429. (23) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص 203. (24) الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 135. (25) المصدر نفسه، ص 118. (26) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص 28-29. (27) الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 295-296. (28) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص 329. (29) الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 72-73. (30) المصدر نفسه، ص 118. انظر. عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 430-431. (31) الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 289. (32) المصدر نفسه، ص73. (33) السجلماسي: المنزع البديع، ص 244. (34) المصدر نفسه، ص 218. (35) المصدر نفسه، ص 262. (36) انظر. المصدر نفسه، ص 265-270. (37) المصدر نفسه، ص 263-264. (38) المصدر نفسه، ص 448. (39) المصدر نفسه، ص 429. (40) المصدر نفسه، ص 273-274. (41) المصدر نفسه، ص 252. (42) المصدر نفسه، ص 442-443. انظر كذلك. السجلماسي: المنزع البديع، ص 472. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 376 عبد المطلب، محمد: البلاغة والأسلوبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1984، ص 205-209. (43) السجلماسي: المنزع البديع، ص 276. (44) انظر. الطرابلسي، محمد الهادي: من مظاهر الحداثة في الأدب. الغموض في الشعر، مجلة فصول، مج4، ع2، ج2،1984، ص 28-29. الخواجة: الغموض الشعري في القصيدة العربية الحديثة، ص 10-11. (45) انظر. أبو ديب، كمال: في الشعرية، مؤسسة الأبحاث العربية، ط1، بيروت، 1987، ص 132. (46) انظر. الخواجة: الغموض الشعري في القصيدة العربية الجديدة، ص 8-9. (47) انظر. أدونيس: الثابت والمتحول، دار العودة، ط1، بيروت 1977، ص117-118. (48) الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 123-124. (49) المصدر نفسه، ص 109-110. انظر. ناجي، مجيد عبد الحميد: الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، بيروت 1984، ص 208. (50) السجلماسي: المنزع البديع، ص 500-501. (51) المصدر نفسه، ص 262-263. المصادر والمراجع العربية 1- الآمدي، أبو القاسم الحسن بن بشر: الموازنة بين أبي تمام والبحتري، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار المسيرة، بيروت (مصورة عن نسخة صادرة سنة 1944) . 2- ابن الأثير، ضياء الدين: المثل السائر، تحقيق أحمد الحوفي وبدوي طبانة، مطبعة الرسالة، بيروت 1962. 3- أدونيس: الثابت والمتحول، دار العودة، ط1، بيروت 1977. 4- اسماعيل، عزالدين: الشعر العربي المعاصر، دار العودة، ط3، بيروت، 1983. 5- جبوري، فريال: فيض الدلالة وغموض المعنى من شعر محمد عفيفي مطر، مجلة فصول، مج4، ع3، 1984 6- الجرجاني، عبد القاهر: - أسرار البلاغة، تحقيق السيد محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت 1978. - دلائل الإعجاز، تحقيق السيد محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت 1981. 7- خليل، حلمي: العربية والغموض، دار المعرفة الجامعية، ط1، الإسكندرية 1988. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 377 8- الخواجة، دريد يحيى: الغموض الشعري في القصيدة العربية الحديثة، دار الذاكرة، ط1، حمص 1991. 9- أبو ديب، كمال: في الشعرية، مؤسسة الأبحاث العربية، ط1، بيروت 1987. 10- السجلماسي، أبو محمد القاسم: المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، تحقيق علال الغازي، دار المعرفة، الرباط 1980. 11- سليمان، خالد: أنماط من الغموض في الشعر العربي الحر، جامعة اليرموك، اربد 1987. 12- سنجلاوي، ابراهيم: موقف النقاد العرب القدماء من الغموض. دراسة مقارنة، مجلة عالم الفكر، مج18، ع3، 1987. 13- سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان: الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة 1966. 14- السيد، شفيع: الاتجاه الأسلوبي في النقد، دار الفكر العربي، القاهرة 1986. 15- صليبا، جميل: المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنجليزية واللاتينية، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1982. 16- طبانة، بدوي: التيارات المعاصرة في النقد الأدبي، دار الثقافة، بيروت 1985. 17- الطرابلسي، محمد الهادي: من مظاهر الحداثة في الأدب … الغموض في الشعر، مجلة فصول، مج4، ع2، ج2، 1984. 18- عباس، إحسان: تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الثقافة، بيروت 1978. 19- عبد المطلب، محمد: البلاغة والأسلوبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1984. 20- المرزوقي، أبو علي: شرح ديوان الحماسة (المقدمة) ، تحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون، القاهرة 1951. 21- ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت. د. ت. 22- ناجي، مجيد عبد المجيد: الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، بيروت 1984. المراجع الأجنبية - Bernet, Sylvan (and others) : Dictionary of Literary Terme, Constable, London 1976. - Empson, W: Seven Types of Ambiguity, London 1930. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 378 - Woolf, Henry Bosley (and others) : Webster’s New Collegiate Dictionary, Merriam Company, Massachusetts 1976. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 379 الشعر في كتاب الأمثال الظاهرة المنسوب إلى الماوردي د. مصطفى حسين عناية الأستاذ المشارك بجامعة الملك خالد - أبها - ملخص البحث يتناول هذا البحث دراسة أبيات الشعر التي وردت في كتاب " الأمثال الظاهرة في القرآن " المنسوب إلى الماوردي، وهي شواهد أدبية، ولغوية، ونحوية،، ويبلغ عددها تسعة وتسعين بيتاً وشطر بيت، وقد قمت بدراسة هذا الشعر، ووضحت الشاهد في كل بيت، وأسندت كل شاهد إلى بابه، فذكرت أولاً الشواهد التي وردت في باب " أصل المثل في اللغة " ثم الشواهد التي وردت في تفسير آيات الأمثال في القرآن الكريم كما رتبها المؤلف، ثم وضحت الشاهد، وأسندته إلى قائله إن عثرت عليه. أما آيات الأمثال التي وضحها المؤلف وأورد عليها الشواهد فهي كما يأتي: الآيات: 17 20 من سورة البقرة. الآية: 26 من سورة البقرة. الآية: 71 من سورة البقرة. الآيتان: 261 262 من سورة البقرة. الآيتان: 264 265 من سورة البقرة. الآية: 58 من سورة الأعراف. الآيتان: 176 177 من سورة الأعراف الآية: 179 من سورة الأعراف. الآية: 24 من سورة يونس. الآية: 17 من سورة الرعد. الآية: 18 من سورة إبراهيم. الآيات: 24 26 من سورة إبراهيم. الآيتان: 75 76 من سورة النحل. الآينان: 47 48 من سورة الإسراء. الآيات: 42 44 من سورة الكهف. الآيتان: 35 36 من سورة النور. الآيات: 77 80 من سورة يس. الآيات: 27 29 من سورة الزمر. الآية: 29 من سورة الفتح. الآية: 5 من سورة الجمعة. والله من وراء القصد. " كتاب أمثال القرآن الظاهرة " مخطوط توجد صورة منه بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة برقم (1008) أدب، وهو مصور عن نسخة بباريس برقم (9628) ، وقد جاء في الصفحة الأولى: كتاب أمثال القرآن تأليف أبي القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر النيسابوري المعروف بالماوردي رحمه الله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 380 وجاء في الصفحة الأخيرة: تم كتاب الأمثال الظاهرة في القرآن ولله المنة. وتقع المخطوطة في مائة صفحة، في كل صفحة عشرون سطرا ً، وبدأ المؤلف كتابه بما يأتي: " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي تعالى عن الأشياء والأمثال، وارتفع عن الأندادوالأشكال الذي ليس له شريك ولا فوقه مليك ... " وعلى الصفحة الأولى والأخيرة من الكتاب عدة تمليكات مثل: " تملكه محمد بن محمد الفوهوني سنة 965 " وعلى الصفحة الأولى والأخيرة خاتم منقوش عليه عبارة " لا إله إلا الله محمد رسول الله وقف الحاج عبد الله السيد في الروشة في الجامع الكبير سنة مائتين بعد الألف ". وقد تحدث مؤلف الكتاب عن الأمثال الظاهرة التي وردت في السور الآتية: البقرة، وآل عمران، والأعراف، ويونس، والرعد، وإبراهيم، والنحل، والإسراء، والكهف، والنور، ويس، والزمر، والفتح، والجمعة. وكان يذكر أولا ً آراء المفسرين الذين سبقوه في تفسير الآيات التي وردت فيها الأمثال، ثم يناقش تلك الآراء، ويأتي بعد ذلك برأيه قائلاً: قال أبو القاسم: ... وعلى ما يبدو فإن مؤلف الكتاب ليس الماوردي، فاسم الماوردي: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري، وعلى ما يبدو فإن الناسخ قد اختلط عليه الأمر للتشابه الكبير بين الاسمين، فأضاف عبارة: المعروف بالماوردي. وكنية المؤلف: أبو القاسم، ونرى هذه الكنية تتكرر أكثر من مرة في كل صفحة من صفحات الكتاب، فالكتاب على ما يبدو من تأليف أبي القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر النيسابوري المتوفى سنة 406 هـ، وكما يظهر في الصفحة الأولى من الكتاب. وقد نسب السيوطي في كتابه " الإتقان في علوم القرآن " هذا الكتاب خطأً إلى الماوردي، وقد نقل من الكتاب بعض العبارات، يقول: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 381 " النوع السادس والستون في أمثال القرآن أفرده بالتصنيف الإمام أبو الحسن الماوردي من كبار أصحابنا، قال الماوردي: من أعظم* علوم القرآن علم أمثاله، والناس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال وإغفالهم الممثلات، والمثل بلا ممثل كالفرس بلا لجام، والناقة بلا زمام ... ". وعلى ما يبدو، فإن السيوطي اعتمد على ما كتبه الناسخ في الصفحة الأولى، وهو عبارة " المعروف بالماوردي "، ولم تذكر الكتب التي ترجمت للماوردي أي كتاب باسم" أمثال القرآن ". وعلى كل حال فأنا لست بصدد صحة نسبة الكتاب إلى الماوردي أو غيره، وقد ناقشت ذلك في مقدمة الكتاب الذي سيظهر قريباً إن شاء الله تعالى، والذي يهمني هنا هو: الشعر الذي ورد في هذا الكتاب، والشعر هو شواهد أدبية، ولغوية، ونحوية، وقد قمت في هذا البحث بدراسة هذا الشعر ووضحت الشاهد في كل بيت، وأسندت كل شاهد إلى بابه، فذكرت أولاً الشواهد التي وردت في باب أصل المثل في اللغة، ثم الشواهد التي وردت في تفسير آيات أمثال القرآن كما رتبها المؤلف ثم شرحت *في المخطوط: من أغمض الشاهد وأسندته إلى قائله إن عثرت عليه؛ فإن كنت قد وفقت فهذا من توفيق الله سبحانه وتعالى، وإن كنت قصرت فهذا من نفسي، وقد حرمت التوفيق، وما توفيقي إلا بالله. أنشد المؤلف في باب " أصل المثل في اللغة ": ولم يُضِعْها بين فِرْكٍ وَعَشَق (1) فَعَفّ عَنْ أَسْرارِها بَعْدَ الْعَسَق الشاهد: تقول العرب: مَثلٌ ومِثلٌ، ونظيرهما في الكلام: الشَّبَهُ والشِّبْهُ، والأتَنُ والإتْنُ، والبَدَلُ والبِدْلُ والعَشَقُ والعِشْقُ، والبيتان لرؤبة بن العجاج يذكر الحمار والأتن، وهما من أرجوزة في وصف المفازة. (1) ويقال لصفة الشيء: مَثلٌ وَمِثلٌ قال الله تعالى " مثل الجنة التي وعد المتقون " (2) وقرأ علي بن أبي طالب " أمثال الجنة " (3) وعَسَقَت الناقة بالفحل: أرَبَّتْ، وكذلك الحمار بالأتان. (4) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 382 والعشق: فرط الحب، وقيل: هو عجب المحب بالمحبوب، يكون في عفاف الحب ودعارته. عشقه يعشقه عشقاً وعشقاً وتعشقه. وقيل: التعشق: تكلف العشق، وقيل: العشق: الاسم، والعشق: المصدر، والدليل بيت رؤبة السابق. والعَشَقُ والعَسَقُ (بالشين والسين) : اللزوم للشيء لا يفارقه. ولذلك قيل للكلف: عاشق للزومه هواه. (5) والفرك: البغضة عامة، وقيل: الفرك: بغضة الرجل لامرأته، أو بغضة امرأته له، وهو أشهر. (6) مِثْلي لا يَقْبَلُ مِنْ مِثْلِكا (2) يا عَاذِلي دَعْنِي مِنْ عَذلِكا الشاهد فيه: أن العرب تسمي نفس الشيء: مثله، قال الله جل ذكره " فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " (7) وقال ابن عباس: يعني بما آمنتم به (8) ، وقال جل ذكره: " ليس كمثله شيء" (9) يعني ليس كهو شيء لأنه لا مثل له (10) . ومعنى الشطر الثاني من البيت: أي: أنا لا أقبل منك. ولم أتعرف قائل البيت: ألَمَّ بِنَا مِنْ أُفْقِهِ المتباعِدِ (3) مِثَالُكَ مِنْ طَيْفِ الخليلِ المعاودِ الشاهد: مثالك وهو بمعنى: الشبه والبيت للوليد بن عبيد البحتري (11) ، وهو مطلع قصيدة في مدح الفتح بن خاقان. عَلَى الجليلِ حزين القلبِ حيرانا (4) مِثْلُ وقوفِكَ يَوْمَ العرضِ عُرْيانا الشاهد في هذا البيت أن مثل:معناها شبه والتمثيل: التشبيه. ولم أعثر على قائل البيت. إذا ما تأمَّلَهُ النَّاظِرُ (5) فَلَو كانَ للشُّكْرِ شَخْصٌ يُرَى فتعلمُ أَني امرؤٌ شاكِرُ لمثلتُهُ لك حتى تَراهُ الشاهد: لمثلته، أي لصورته، فالتمثيل معناه هنا التصوير. والبيتان للوليد بن عبيد البحتري كما ذكر المؤلف (12) ولم أعثر بهما في ديوانه. (6) فَمِنْها مُسْتَبِينٌ وماثِلُ الشاهد: معنى كلمة ماثل: أي: لاطئ بالأرض ومثل: لطئ بالأرض. ويقال رأيته ثم مثل: أي ذهب. والشاهد جزء من بيت لزهير بن أبي سلمى (13) وتتمته: سِنُونَ، فَمِنْها مُسْتَبينٌ وماثِلُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 383 تَحَمَّلَ مِنْها أَهْلُها، وَخَلَتْ لها فالمستبين هنا: الأطلال. والماثل: الرسوم اللاطئة بالأرض. يريد: من هذه المنازل منها ما يستبين، ومنها ما لا يستبين. والماثل في غير هذا الموضع: القائم المنتصب، فهي من الأضداد، قال الشاعر: (14) على الجِذَلِ إلآ أنَّهُ لا يُكَبرُ يَظَلُ بها الحِرْ باءُ للشَّمْسِ ماثلاً حَدَا بهُم إلى زَيْغٍ فزَاغُوا (7) فكمْ متفرغين مُنُوا بجَهْلٍ وَأَوْرَطَهُمْ مَعَ الرَجُلِ الَّرداغُ وزيغَ بِهِمْ عَن المُثْلَى فَتَابُوا إلى نارٍ غلى مِنْها الدِّماغُ فزلَّت فيهِ أَقدامٌ فصارَتْ الشاهد: كلمة (المثلى) في البيت الثاني، وهي بمعنى: الطريقة المستقيمة، ومنه قوله تعالى " ويذهبا بطريقتكم المثلى " (15) والبيت أنشده للمؤلف والده الذي أخذه عن أبي محمد القشاني المؤدب عن أبي سعيد الضرير. وزاغ أي: عدل عن الطريق. والرداغ: الردغة: الماء والطين والوحل الشديد. (16) رِقابُ وُعولٍ على مَشرَبِ (8) كأَنَّ تَماثيلَ أرْيافِهِ الشاهد: كلمة " تماثيل "جمع كلمة " تمثال " بمعنى الصورة. ومثله قوله تعالى " يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل " (17) والوعول مفردها: وعل، وهو تيس الجبل، وعادة ما يشبه العرب الأشراف والرؤوس بالأوعال التي لا ترى إلا في رؤوس الجبال. أنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون * أوكصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير " [البقرة: 1720] أرْضُ وضاءَتْ بنورِكَ الأُفقُ (9) وأَنْتَ لَمّا ظَهَرْتَ أشْرَقَتِ ال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 384 الشاهد: ضاء، حكى أبو عبيدة عن الفراء: يقال: ضاء القمر يضوء ضوءاً، وأضاء يضيء إضاءة. ويقال:ضاءت وأضاءت بمعنى: أي: استنارت،وصارت مضيئة. وأضاءت يتعدى ولا يتعدى. (18) ونسب المؤلف البيت إلى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه. (19) هُمُ القومُ كُل القومِ يا أم خالدِ (10) إنّ الذي حانَتْ بفِلجٍ دِماؤُهم الشاهد: الذي هنا بمعنى: الذين. قال تعالى " والذي جاء بالصدق وصدق به " (20) ثم قال سبحانه وتعالى " أولئك هم المتقون " (21) والدليل على أنه أراد به الجمع أيضاً قوله: دماؤهم. (22) وجاء في لسان العرب (23) : " وقال الليث: الذي تعريف لذ ولذي، فلما قصرت قووا اللام بلام أخرى، ومن العرب من يحذف الياء، فيقول:هذا اللذ فعل كذا، بتسكين الذال، وأنشد: كاللّذْ تَزَبى زُبْيَةً فاصطيدا (24) وللاثنين: هذان اللذان، وللجمع: هؤلاء الذين، قال: ومنهم من يقول: هذان اللذا، فأما الذين أسكنوا الذال وحذفوا الياء التي بعدها، فإنهم لمّا أدخلوا في الاسم لام المعرفة طرحوا الزيادة التي بعد الذال وأُسكنت الذال، فلمّا ثنّوا حذفوا النون، فأدخلوا على الاثنين لحذف النون ما أدخلوا على الواحد بإسكان الذال، وكذلك الجمع. فإن قال قائل: ألا قالوا: اللذو في الجمع بالواو؟ فقل: الصواب في القياس ذلك، ولكن العرب اجتمعت على الذي بالياء، والجر والنصب والرفع سواء، وأنشد: هُمُ القومُ كُلُّ القومِ يا أمّ خَالدِ وإنَّ الّذي حَانَتْ بِفَلْج ٍدماؤُهم وقال الأخطل: (25) قتلا المُلوكَ وفَكّكَا الأغلالا أبَني كُلَيْبٍ إنّ عَمَّيّ اللذا وقال الخليل وسيبويه: " الذين" لا يظهر فيها الإعراب، تقول في الرفع والنصب والجر: أتاني الذين في الدار، ورأيت الذين في الدار، ورأيت الذين في الدار، ومررت بالذين في الدار، وكذلك الذي في الدار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 385 قالا: وإنما منعا من الإعراب؛ لأن الإعراب إنما يكون في أواخر الأسماء، والذي والذين مبهمان لا يتمان إلا بصلاتهما، فلذلك منعا من الإعراب. وأصل الذي لذ على وزن عم. قال ابن الأنباري: قال ابن قتيبة في قوله عز وجل: " مثلهم كمثل الذي استوقد نارا " معناه: كمثل الذين استوقدوا نارا، فالذي قد يأتي مؤديا عن الجمع في بعض المواضع؛ واحتج بقوله: إنَّ الذي حانَتْ بِفَلْج ٍدماؤهم قال أبو بكر: احتجاجه على الآية بهذا البيت غلط؛ لأن الذي في القرآن اسم واحد ربما أدى عن الجمع فلا واحد له، والذي في البيت جمع واحده: اللذ، وتثنيته اللذا، وجمعه:الذي، والعرب تقول: جاءني الذي تكلموا، وواحد الذي: اللذ، وأنشد: يا رَبَّ عَبْس ٍلا تُبارِكْ في أحَدْ في قائِم ٍمِنْهُمْ وَلا فِيمَنْ قَعَدْ إلا الذيَّ قامُوا بأطْرافِ المَسَدْ أراد الذين. قال أبو بكر: والذي في القرآن واحد ليس له واحد والذي في البيت جمع له واحد وأنشد الفراء: كاللّذْ تَزَبّى زُبْيَةً فَاصطيدَا فكنتُ والأمر الذي قد كيدا وقال الأخطل: قَتَلا الملوك وفَكَّكَا الأغلالا أبني كُلَيْبٍ إنَّ عَمَّيّ اللذا قال: والذي يكون مؤدياً عن الجمع، وهو واحد لا واحد له في مثل قول الناس: أوصي بمالي للذي غزا وحج، معناه للغازين والحجاج. وقال الله تعالى: " ثم آتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن " (26) قال الفراء: معناه: تماماً على المحسنين، أي تماماً للذين أحسنوا، يعني أنه تمّم كتبهم بكتابه، ويجوز أن يكون المعنى: تماماً على ما أحسن، أي تماماً للذي أحسنه من العلم وكتب الله القديمة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 386 قال: ومعنى قوله تعالى: " كمثل الذي استوقد نارا " أي: مثل هؤلاء المنافقين كمثل رجل كان في ظلمة " لا يبصر من أجلها ما عن يمينه وشماله وورائه وبين يديه، وأوقد ناراً فأبصر بها ما حوله من قذى وأذى فبينما هو كذلك طفئت ناره فرجع إلى ظلمته الأولى، فكذلك المنافقون كانوا في ظلمة الشرك، ثم أسلموا فعرفوا الخير والشر بالإسلام، كما عرف المستوقد لما طفئت ناره ورجع إلى أمره الأول ". اهـ والبيت للأشهب بن رميلة في مجموع شعره (27) ، وهو أول بيت من ثلاثة أبيات، وهو يرثي قوماً قتلوا بفلج، وهو موضع بعينه كانت فيه وقعة. كِ بِالْحقِّ والنّورِ بَعْدَ الظُّلَمْ (11) فَلَمّا أتانا رَسُولُ الملي غَداة َأتانا من ارْضِ الحرمْ رَكَنَّا إلَيْهِ وَلَمْ نَعْصِهِ ك هلمّ إليْنَا وَفِينَا أَقِمْ وَقلْنَا صَدَقْتَ رَسُولَ الملي ك أرسلت نوراً بِدينٍ قيمْ فَنَشْهَدُ أنكَ عِنْدَ الملي الشاهد: والنور بعد الظلم: أراد بالنور: الإسلام، وأراد بالظلم: الجهالات والكفر، كما قال تعالى " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ". (28) والأبيات لحسان بن ثابت، يقولها في شهداء بدر (29) ، ورواية الأول في الديوان: ... بالنور والحق، ورواية الأخير في الديوان: وحقاً بدين قيم. وصارِمٌ مِنْ سُيوفِ الله مسلولُ (12) إنّ الرسول لنورٌ يُسْتضَاءُ بهِ الشاهد: لنور: أي: لضياء. والبيت لكعب بن زهير (30) من قصيده يمدح بها الرسول صلى الله عليه وسلم حين أتاه تائباً مسلماً، ويستضاء به: يهتدى به إلى الحق، والصارم: السيف. ومن سيوف الله: أي من سيوف عظمها الله بنيل الظفر والانتقام. والمسلول: المخرج من غمده. وروايته في الديوان: إن الرسول لسيف ... يُقِيمُ بِهِ البَريَّة َأنْ تَمُوجا (13) وَيَظْهَرُ في البلادِ ضِياءُ نُورٍ ويَلقَى من يُسَالِمُهُ فلُوجا فَيَلْقَى مَنْ يُحارِبُهُ خَسَاراً الجزء: 9 ¦ الصفحة: 387 الشاهد: ضياء نور، ويعني به الرسول صلى الله عليه وسلم. والبيتان لورقة بن نوفل (31) ضمن أبيات قالها حين أخبرته السيده خديجه زوج النبي صلى الله عليه وسلم عما كان يراه غلامها ميسرة، إذ كان يرى الملكين يظلان الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقال ورقه بن نوفل: لئن كان هذا حقاً يا خديجة، إن محمداً لنبي هذه الأمة، وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر، هذا زمانه. فجعل ورقة يستبطىء الأمر، ويقول: حتى متى؟ وقال ورقة في ذلك أبياتاً مطلعها: لِهَمٍّ طَالَما بَعَثَ النَّشيجا لَججْتُ وكنتُ في الذكرى لَجُوجَا وتموج: تضطرب. والفلوج: الظهور على الخصم والعدو. فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذاكَ مُجِيبُ (14) وداعٍ دَعَا يا مَنْ يُجيبُ إلى النّدى الشاهد: فلم يستجبه: أي لم يجبه. قال الأخفش: استوقد: بمعنى أوقد، كما يقال: أجاب واستجاب، وأنشد البيت. (32) والبيت من شواهد الكشاف في تفسير قوله تعالى في سورة آل عمران: " فاستجاب لهم ربهم " (33) يقال: استجاب له ربه، واستجابه. وجاء في معاني القرآن للزجاج (34) في تفسير قوله تعالى: " فليستجيبوا لي " (35) أي فليجيبوني، واستشهد بالبيت على قوله، ثم قال: أي فلم يجبه أحد. والبيت من شواهد الطبري (36) في تفسير قوله تعالى: " فاستجاب لهم " بمعنى: فأجابهم، ثم ذكر البيت، وقال بعد ذلك: فلم يجبه عند ذاك مجيب. وجاء في هامش الطبري: أورده ابن قتيبة في الأفعال التي تتعدى تارةً بنفسها، وتارةً باللام في " أدب الكاتب ". قال: يقول: استجبتك واستجبت لك، وقال شارحه ابن السيد: كذلك يعقوب، ومن كتابه نقل ابن قتيبة. وقد يمكن أن يريد: فلم يجبه، ويدل عليه أنه قال: مجيب، ولم يقل: مستجيب، فيكون الشاعر أجرى " استفعل " مجرى " أفعل " مثل: استوقد بمعنى أوقد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 388 والبيت في شرح أبيات سيبويه للسيرافي (37) ، وجاء فيه: وأراد: رب داع دعا إلى أن يجاد عليه ويعطى، فلم يستجبه، يريد: لم يجبه عند ذاك: عند دعائه، فقلت: ادع أخرى، يريد دعوة أخرى، لعل ابا المغوار يسمع، وهذا يقوله القائل على طريق التلهف على فقد من فقده. والبيت لكعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه شبيباً واسمه هرم، وكنيته: أبو المغوار. (38) لِستَّةِ أعْوامٍ وَذا العام سَابعُ (15) تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَها فَعَرَفْتُها ونؤيٌ كجِذْمِ الحوضِ أثلمُ خَاشِعُ رَمَادٌ كَكُحْل ِالعين ِما إنْ تُبِينَهُ الشاهد: قوله: توهمت آيات. . . ثم انقطع النصب، فقال: رماد ككحل العين ... البيت. ذكر المؤرج في تفسير قوله تعالى " صم بكم عمي "، قال تعالى " وتركهم في ظلمات لا يبصرون " ثم استأنف، فقال: " صم بكم عمي "، ثم أنشد للنابغة البيتين. والبيت الأول من شواهد سيبويه (39) ، والشاهد فيه: رفع" سابع " خبراً عن " ذا " لأنّ العام من صفته، فكأنه قال: وهذا سابعٌ. وجاء في شرح ديوان النابغة الذبياني (40) : اتفقت الروايات على رفع رماد، فوجه الرفع أنه جعل الجملة استئنافاً بيانياً جواباً لسؤال مقدر؛ لأنه لما تحدث عن هذه الآيات، وأطال، فكان ذلك مثاراً لسؤال السامع: ماذا بقي من آثار الديار بعد هذه السنين، فأجيب بأنها رماد ونؤيٌ، فرفع رماد على أنه خبر لمبتدأ محذوف وهذا من الحذف الذي جرى الاستعمال بمثله كما نبه عليه السكاكي في حذف المسند إليه. والبيت الأول من شواهد المقتضب للمبرد (41) في أن تجعل الاسم نعتاً للمبهم، فتقول: هذا الرجل زيد، تجعل الرجل نعتاً، فيكون بمنزلة: هذا زيد، كما تقول: زيد الطويل قائم، قال الشاعر ... البيت. وتوهمت: تعرفت وتفرست. آيات: علامات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 389 لها: أي لفرتنى وهي آثار بيتها. لستة أعوام: أي بعد أن مضت هذه المدة فلم أره، فاللام في قوله: لستة أعوام: بمعنى: عند، تفيد توقيت الفعل الذي دلت عليه آيات من قوله: توهمت آيات؛ لأن آيات تدل على معنى دلائل ديار القوم التي تركوها، كما تقول: كتبت لعشر خلون، أي: بعد عشر. (42) لأياً: (وهي رواية الديوان) أي: أبينها بياناً متعباً. كجذم الحوض: أي: أصله. خاشع: منحط إلى الأرض منهدم. النؤي: حفير يحيط بالخيمة ليمنع دخول مياه الأمطار إلى البيت. وهو يصف خلاء ديار أحبته، وتنكرها عليه لتغيرها بعده، وأنه لم يعرفها إلا توهماً وتذكراً بما عاين من آياتها، وهي علاماتها كالأثافي والرماد والنؤي وغيرها. والبيتان للنابغة الذبياني في ديوانه من قصيدة في مدح النعمان بن المنذر (43) ، ويعتذر إليه مما وشت به بنو قريع بن عوف من تميم، ويهجو مرة بن ربيعة، أو ابن قريع لما قذف عليه عند النعمان. منّي وما سَمِعُوا مِنْ صَالح ٍدَفَنُوا (16) إنْ يَسْمَعُوا رِيبةً طاروا بها فرحاً وإنْ ذكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أذِنوا صُمّاً إذا سَمِعُوا خيراً ذُكِرْتُ بهِ الشاهد: صماً، فنصبها على الذم نحو قوله تعالى " ملعونين أينما ثقفوا " (44) وذلك في تفسير قوله تعالى " صم بكم عمي " فتقرأ بالنصب على معنى: تركهم صماً بكماً، أو على الذم، كما في الآية السابقة. (45) قال المبرد: ومن أهل المعاني من يريد التصام عن الحق، والتباكم والتعامي عنه، وذلك موجود في كلام العرب، ثم أورد البيتين. والبيتان لقعنب بن أم صاحب (46) ، وقد روي البيت الثاني برفع " صم "، وليس بنصبها، وذلك في جميع المصادر التي ذكرت البيتين. و" أذنوا " الواردة في البيت الثاني بمعنى: سمعوا. ألا يكونُ لِبَابِهِ سِترُ (17) ما ضَرَ لي جاراً أجاورُهُ وإليه قَبْلِي تنزلُ القدْرُ ناري ونار الجار واحدة حتى يواري جارتي خِدْرُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 390 أعْمَى إذا ما جَارَتي بَرَزَتْ أذني وَما في سَمْعِها وَقْرُ وتصمّ عمّا كان بَيْنَهُما الشاهد: أعمى ... وتصم وذلك في سياق تفسير الآية القرآنية الكريمة: " صم بكم عمي فهم لا يرجعون " والمقصود هنا: التعامي عن جارته، والتصام عما يكون بين جاره وجارته. والأبيات نسبها المؤلف إلى مسكين بن عارم الدارمي، وهي في ديوانه ضمن قصيدة من خمسة عشر بيتاً (47) ، وهي في ديوان حاتم الطائي (48) ، وقال محقق الديوان: نسبت هذه الأبيات لحاتم في شرح شواهد الكشاف. كاللّذ تزبَّى زُبية فاصطيدا (18) فظلتُ في شرّ من اللذ كيدا الشاهد: قول الحسن بن يحيى بن نصر صاحب كتاب النظم (49) في قوله تعالى: " كمثل الذي استوقد نارا " فوحد الفعل في قوله " استوقد " وجمع في قوله: " ذهب الله بنورهم " وهما جميعاً راجعان إلى " الذي " والعلة في ذلك: أن في " الذي " لغتين: إحداهما " الذي " بياء مرسلة، و" اللذ " بحذف الياء وجزم الذال، قال الشاعر .... البيت فمن قال: " الذي " بإثبات الياء، قال في التثنيه " اللذان "، وفي الجمع " الذين " بنصب النون على هجاء واحد، ومن العرب من يقول على هجائين في الرفع: الواو، وفي النصب والخفض: الياء، وهي قليلة. وقد سبق الحديث عن هذا البيت عند حديثنا عن الشاهد رقم " 10 " والرواية المشهورة في هذا البيت: فكنتُ والأمرَ الذي قد كيدا وذكر النحاس (50) أن في " الذي " لغات، يقال: جاءني الذي كلمك، وجاءني اللذ كلمك بكسر الذال، واللذ بإسكان الذال، وأتي بالبيت شاهدا على ما يقول. والزبية: مصيدة الأسد، ولا تتخذ إلا في قلة أو رابية أو هضبة. ولم أعثر بقائل هذا الشعر. (51) قَتلا الملوكَ وفكّكَا الأغلالا (19) أبني كليب إنَّ عَمَّيَّ اللّذا الشاهد: من قال في الذي " اللذ " بحذف الياء، ووقف الذال قال في التثنية " اللذا " كقول الأخطل ... البيت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 391 والشاهد فيه عند سيبويه (52) : حذف النون من " اللذا " تخفيفاً لطول الاسم بالصلة. واستشهد به صاحب المقتضب (53) على حذف النون مما لم يشتق من فعل، ولا تجوز فيه الإضافة، فيحذفون لطول الصلة. وقد سبق الحديث عن هذا الشاهد عند الحديث عن الشاهد رقم "10". والبيت للأخطل (54) يفخر على جرير، وهو من بني كليب بن يربوع، بمن اشتهر من قومه بني تغلب وساد كعمرو بن كلثوم التغلبي قاتل عمرو بن هند الملك، وعصم أبي حنش قاتل شرحبيل ابن عمرو بن حجر يوم الكلاب، وغيرهم من سادات تغلب. مِنْ رُوس ِقَوْمِكَ ضَرْباً بالمصاقيلِ (20) قَوْمي اللّذو بِعُكَاظٍ طَيَّرُوا شرَرَاً الشاهد قوله: اللذو: إذ ذكرها مخففة بحذف النون كما ذكرها بالرفع بالواو وهي قليلة. والبيت في خزانة الأدب للبغدادي (55) ، ولم أعثر به في مصدر آخر، وهو الشاهد الخامس والعشرون بعد الأربعمائة، ونسبه إلى أمية بن الإسكندر الكناني. (56) وشررا: إما جمع" شررة " وهو ما يتطاير من النار، وإما مصدر: شررت يا رجل " بفتح الراء وكسرها " شراً أو شرراً أو شرارةً من الشر نقيض الخير. من روس قومك: " بحذف الهمزة ": من رؤوس قومك. ضرباً: إما منصوب بنزع الخافض، أي: بضرب، وإما منصوب بعامل محذوف حال من الواو في طيروا، أي يضربون ضرباً، أو ضاربين ضراباً. المصاقيل: جمع مصقول من الصقل، وهو جلاء الحديد وتحديده: أي جعله قاطعا، أراد كل آلة من السلاح مثل السيف والسنان. نَكُنْ مِثلَ منْ يا ذئب يصطحبانِ (21) تعالَ فإنْ عاهدتني لا تَخُونُني الجزء: 9 ¦ الصفحة: 392 الشاهد: " من " قد توضع للواحد والاثنين والجميع، وهنا وضعت للاثنين، قال ابن جني في الخصائص: وذلك قليل (57) . والشاهد فيه عند سيبويه (58) " يصطحبان " لأنه ثنى على معنى " من" فوقعت " من" هنا على الاثنين، وقد أخبر عنه وعن الذئب، فجعله ونفسه بمنزلتهما في الاصطحاب. وفرق بين " من " وصلتها بقوله يا ذئب، وساغ له ذلك، لأن النداء موجود في الخطاب، وإن لم يذكره، فإن قدرت " من " نكرة، ويصطحبان: في موضع الوصف كان الوصف بينهما أسهل وأقيس (59) . والبيت للفرزدق (60) ، وقد وصف أنه أوقد نارا، وطرقه الذئب، فدعاه إلى العشاء والصحبة. كَصيب لَيْلَةٍ هَطِلِ (61) (22) سَيْبُكَ فِي القومِ حين تَذكُرهُ الشاهد: الصيب: بمعنى المطر، وذلك في تفسير قوله تعالى:" أو كصيب من السماء ". والسيب: العطاء. ولم أعثر بصاحب هذا البيت. وهو يشبه عطاءه في الناس بالمطر الكثير في ليلةٍ كثيرة المطر. سقتكِ روايا المزن حين تَصُوبُ (23) فلا تفسدي بيني وبين مُغمّرٍ الشاهد: تصوب، وذلك في معرض تفسيره لقوله تعالى: " أو كصيب من السماء " تقول العرب: صاب السهم يصوب إذا ذهب في انحطاط، وصابت السماء تصوب إذا أمطرت. قال ابن هشام في السيرة النبوية (62) " الصيب: المطر، وهو من صاب يصوب، مثل قولهم: "السيد " من ساد يسود، و" الميت " من: مات يموت، وجمعه صيائب، قال علقمة بن عبده، أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم: (63) صواعقُها لطيرهنّ ربيب كأنهمُ صابت عليهم سحابة وفيها: سقتكِ روايا المزن حيث تصوبُ فلا تَعْدلي بيني وبين مُغَمّرٍ المغمر والغمير: الجاهل الذي لا يجرب الأمور كأن الجهل غمره واستولى عليه ". وروايا المزن: ما حمل الماء منه. والراوية: البعير يستقى عليه، ومعنى يصوب: يقصد وينزل. وإن كان فيهم يفي أو يَبَرّ (24) يُهينون من حقَّروا شيئه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 393 الشاهد: قال أبو عبيدة (64) : " أو كصيب " معناه: وكصيب على معنى واو النسق، وأنشد البيت ... أي: يفي ويبر ولم أعثر بقائل البيت. لِنَفْسِي تُقَاها أوْ عليَّ فجورها (25) وقدْ زَعَمَتْ سلمى بأني فاجِرٌ الشاهد: أنشده الفراء (65) في معرض تفسير المؤلف للآية الكريمة " أو كصيب من السماء " معناه: وكصيب على معنى واو النسق ثم ذكر البيت. أي: وعلي فجورها. وقد أورده الأنباري في " الأضداد " (66) مستشهداً على أن " أو " من الأضداد، ذلك أنها تكون بمعنى الشك في قولهم: يقوم هذا أو هذا، أي: أحدهما، وتكون معطوفة في الشيء المعلوم الذي لا شك فيه، ثم ذكر البيت، وعقب بعده قائلاً: أي وعليها فجورها. والبيت شاهد نحوي في موضوع " أو " وجاءت هنا للجمع المطلق كالواو. والبيت لتوبة بن الحمير في ديوانه من قصيدة أولها: (67) وشَطَّتْ نواها واستمرّ مريرُها نأتك بِلَيْلَى دارُها لا تزورُها ورواية البيت في الديوان: وقد زعمت ليلى بأني فاجر تَفْتَرُّ عَنْهُ الأرْضُ لَمّا أنْ سرى (26) بصيِّبٍ راحَ يَرْوي الْغُدُرَا الشاهد: الصيب: أي المطر الذي يصوب كما قال سيبويه، وأنشد البيت شاهداً على قوله. (68) سماوة َالهلالِ حتى احقوقفا (27) طيَّ اللّيالي زلفاً فزلفا الشاهد: سماوة: مفرد سماوات، وقد استشهد بالبيت في معرض حديثه في تفسير قوله تعالى: " ... فسواهن سبع سماوات ": وذكر أن " سماء " تكون جمعاً لسماوة، ويدل على صحة هذا قوله عز وجل " ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات "، وإذا كانت السماء واحدة فتأنيثها كتأنيث عناق. (69) واستشهد سيبويه بقول الشاعر في هذا البيت " طي الليالي " فذكر أنه نصبه على المصدر المشبه به دون الحال؛ لأنه معرفة، ولم يقصد فيه أن يجعله على إضمار فعل من غير لفظه كما تأول عليه من غلطه، ونسب إليه أنه استشهد بنصب سماوة على المصدر المشبه به. (70) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 394 وقال المبرد (71) : نصب طي الليالي؛ لأنه مصدر من قوله: طواه الأين وليس بهذا الفعل، ولكن تقديره طواه الأين طياً مثل طي الليالي كما تقول: زيد يشرب شرب الإبل، إنما التقدير: يشرب شرباً مثل شرب الإبل: فمثل: نعت، ولكن إذا حذفت المضاف استغنى بأن الظاهر يبينه، وقام ما أضيف إليه مقامه في الإعراب. من ذلك قول الله تبارك وتعالى: " واسأل القرية " (72) نصب؛ لأنه كان واسأل أهل القرية، وتقول: بنو فلان يطؤهم الطريق: تريد أهل الطريق، فحذفت " أهل " فرفعت " الطريق " لأنه في موضع مرفوع. (73) والشعر للعجاج (74) يصف بعيراً أضمره دؤوب السير حتى اعوج من الهزال كما تمحق الليالي القمر شيئاً بعد شيء حتى يعود هلالاً محقوقفاً معوجاً. والزلف (75) : الساعات المتقاربة واحدتها زلفة، وجاء في لسان العرب: زلفاً فزلفاً: منزلة بعد منزلة، ودرجة بعد درجة. وأراد بها هنا الأوقات التي يطلع بها بعد منتصف الشهر وبعضها يتأخر عن بعض تأخراً قريباً. وقيل: سميت مزدلفة بهذا الاسم لازدلاف آدم من عرفة إلى حواء وهي بها. (76) وسماوة كل شيء أعلاه، ونصبها بالطي نَصْبَ المفعول به. والمحقوقف: المعوج، والحقف ما اعوج من الرمل. وكان ينبغي أن يقول: سماوة القمر، ولكنه سمى القمر هلالاً لما يؤول إليه. (77) لحقنا بالسَّماءِ مع السحابِ (28) فَلَو رَفَعَ السماء إليه قَوْماً الشاهد: السماء، وقد وردت هنا على لغة من يذكّرها، وجاء هذا الشاهد ضمن تفسير المؤلف للآية الكريمة " ... فيه ظلمات " فذكر أن الهاء تعود على " الصيب " وتعود على السماء إذا أردت بها السحاب وتعود على الليل، وتعود على السماء نفسها على لغة من يذكّرها. (78) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 395 وقد ذكر الخليل بن أحمد، وغيره من النحويين سوى الفراء، أن السماء مؤنثة (79) ، وبذلك جاء القرآن الكريم " إذا السماء انشقت " (80) و " إذا السماء انفطرت " (81) ، وحكى الفراء أنها تؤنث وتذكّر، وأنشد البيت ... (82) وذكر النحاس (83) أن هذا البيت لو كان حجة لحُمِلَ على غير هذا، وهو أن يكون يحمل على تذكير الجميع. وذكر محمد بن يزيد المبرد: أن سماء تكون جمعاً لسماوة وأنشد هو وغيره: سماوة الهلال حتى احقوقفا. ويدل على صحة هذا قوله عز وجل " ثم استوى إلى السماء فسواهن ... " وإذاكانت السماء واحدة فتأنيثها كتأنيث عناق. ولم أعثر بقائل هذا البيت. (84) خفوقاً وَرَقْصَاتُ الهوى في المفاصلِ (29) أبَتْ ذِكَرٌ عوَّدْنَ أحشاء قلبه الشاهد: رقصات: إذ ترك القاف في الجمع على سكونها في التوحيد، وجاء بالشاهد في معرض حديثه في تفسير قوله تعالى " ... فيه ظلمات " فظلمات جمع ظلمة، وضم اللام على الإشباع لضمة الظاء، وقرأ الأعمش بسكون اللام على أصل الكلام. واستشهد به في المقتضب (85) على ما جاء في الأسماء بالإسكان في " فعلة " وفيه " رفضات الهوى. ورفضات الهوى: ما تفرق من هواها في قلبه. وجاء في هامش المقتضب: الذكَر: بكسر الذال وفتح الكاف جمع: ذكر، والذكر بالكسر والضم: اسم لذكرته بقلبي وبلساني ذكرى، بالكسر والقصر، وأنكر الفراء الكسر في القلب وقال: اجعلني على ذكر منك بالضم لا غير. وجاء في لسان العرب بأنه خفف رقصات: للضرورة. (86) والبيت لذي الرمة من قصيدة في ديوانه. (87) على موطن ٍلا نَخْلِطُ الجدّ بالهزْلِ (30) فلَمّا رأوْنا بادِياً رُكَْبَاتُنا الشاهد: فتح الكاف في " ركَباتنا " وجاء ذلك في معرض حديثه عن كلمة " ظلمات " إذ قرأ أشهب العقيلي " ظلمات " بفتح اللام، وذلك لما أراد تحريك اللام حركها إلى أخف الحركات، كقول الشاعر في " ركباتنا "، وحركت الكاف استثقالا لتوالي ضمتين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 396 وجاء في المقتضب (88) : ينشدون أيضاً: رُكُباتنا، ورُكَباتنا، وهذه الآية الكريمة " في الظلُمات، والظلَمات، والظلْمات ". والبيت من شواهد سيبويه، قال سيبويه (89) : " ومن العرب من يفتح العين إذا جمع بالتاء، فيقول: رُكَبات وغُرَفات " يريد أن جمع " ُفعلة " في السلامة يجوز في عينه أن تضم، وأن تفتح، وأن تسكن. وجاء في تفسير الآية الكريمة " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات " (90) في تفسير غريب القرآن (91) : الحجرات: واحدها " حُجْرة " مثل ظُلْمة وظُلُمات، ثم أورد البيت. وزعم بعض النحويين أنه جَمَعَ رُكْبة على رُكَب، ثم جمع ُركَباً على ركَبات، فهو جمع الجمع كما قالوا: بيوتات وطرقات. (92) وقد رد الأعلم الشنتمري (93) عليهم قائلا ً إن قول سيبويه أصح وأقيس؛ لأنهم يقولون: ثلاثُ رُكَبَات بالفتح، كما يقولون: ثلاث ركُبات بالضم، والثلاثة إلى العشرة إنما تضاف إلى أدنى العدد لا إلى كثيره. والبيت لعمرو بن شأس الأسدي. (94) يقول: رأونا وقد شمرنا للحرب وكشفنا عن أسؤقنا حتى بدت ركباتنا، وقوله على موطن: أي في موطن من مواطن الحرب يجد من حضره، ولا يهزل؛ لأنه موضع قتال لا موضع لعب. (31) قَدْ كادَ مِنْ طُول ِالبِلى أنْ يَمْصَحا الشاهد: قد كاد: فالعرب تقول: كاد يفعل كذا بغير " أن "؛ فإذا شبهوه بعسى قالوا: كاد أن يفعل، وجاء ذلك في معرض حديثه في تفسير قوله تعالى: " يكاد البرق يخطف أبصارهم ". والبيت من شواهد سيبويه (95) والشاهد فيه: دخول " أن " على " كاد " ضرورة، والمستعمل في الكلام إسقاطها، ودخلت عليها تشبيهاً " بعسى " كما سقطت من " عسى " تشبيهاً بها لاشتراكهما في معنى المقاربة. وجاء في تأويل مشكل القرآن (96) : كاد بمعنى هَمَّ، ولا يقال: يكاد أن يفعل، إنما يقال: كاد يفعل، وقال الله تعالى " فذبحوها وما كادوا يفعلون " (97) ، وقد جاءت في الشعر، ثم ذكر البيت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 397 وذكر المبرد (98) أن كاد فعل تقول: " كاد العروس يكون أميراً "، و" تكاد النعام تطير " إلا أن يضطر شاعر، فإن اضطر جاز له فيها ما جاز في " لعل "، ثم ذكر البيت. والأحسن عند ابن السيد البطليوسي (99) : أن يقال إن حذف " أن " من خبر " عسى " على التشبيه لها ب " لعل " وليس على التشبيه لها ب " كاد "؛ لأن " عسى " و " لعل " رجاء وطمع كما أنهم ربما أدخلوا في خبر لعل " أن " تشبيهاً ب " عسى ". ويرى صاحب الإيضاح العضدي (100) أن الشاعر ربما اضطر فحذف " أن " من خبر " عسى " تشبيها لها ب " كاد " كما تشبه " كاد " ب " عسى ". والبيت لرؤبة (101) ، وهو يصف منزلا بالقدم وعفو الأثر. والبلى: القدم. ويمصح في معنى يذهب، يقال: مصح الظل إذا انتعله الشخص عند قائم الظهيرة. (32) تدافع السيلُ ولم يِقِتِل ِ الشاهد: يقتل وفيه إتباع الكسرة بالكسرة فمن القراء من قرأ الآية الكريمة " يكاد البرق يِخِطِف " بكسر الياء والخاء والطاء ومثل لذلك بهذا البيت؛ ولم أعثر بقائل الشعر. وَهوَ في المُلْكِ يَأمُلُ التَّعميرَا (33) خَطَفَتْهُ مَنِيَة ٌفترَدَّى الشاهد: خطفته، ومعنى الخطف في قول الأصمعي: استلاب الشيء، والبيت أنشده الأصمعي (102) تَمُدُّها بها أيْدٍ إلَيْكَ نوازعُ (34) خطاطيفُ حُجْنٌ في حِبَالٍ مَتِينَةٍ الشاهد: خطاطيف: من يتخطف ومنه سمي الخطّاف. والخطّاف: حديدة معوجة من طرفها يعلق فيها الدلو عند إدلائه إلى الماء ويرفع بها. حجن: جمع حجناء: أي معوجة. والبيت للنابغة الذبياني (103) وهو تمثيل لحاله بحال دلو تنزع من البئر، واستشهد به في سياق تفسير قوله تعالى: " يكاد البرق يخطف أبصارهم ". فإنَّ زَمَانَكُم زَمَنٌ خَمِيصُ (35) كلوا في نِصْفِ بَطنِكُمُ تَعِيشُوا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 398 الشاهد: بطنكم: والمقصود بطونكم، والعرب تقول: لهم عقل وبصر. قال تعالى: " ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم " (104) قال أبو عبيدة (105) : ولم يقل: بأسماعهم وأبصارهم، ومثله " لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء " (106) ولم يقل " طروفهم " وقوله: " فإن طبن لكم عن شىء منه نفساً " (107) ولم يقل نفوساً، وما أشبهها من القرآن الكريم. وقد استشهد سيبويه (108) بهذا البيت على استعمال الواحد في معنى الجمع. يريد الشاعر بعض بطونكم؛ لأنه يريد بطن كل واحد منهم، وروايته فيه: بعض بدل نصف. وقد أجاز المبرد (109) ، في الشعر، أن تفرد، وأنت تريد الجماعة إذا كان في الكلام دليل على الجمع، ثم استشهد على كلامه بهذا البيت. وقد حكى الفراء (110) في قراءة قوله تعالى " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليهايظهرون " (111) : أن سقفاً جمع سقيفة؛ فأما من قرأ " لبيوتهم سقفاً من فضة " فتأولها إسماعيل ابن إسحق على أن " من " لواحد، قال: والمعنى: لجعلنا لكل من كفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة، إلا أن الفراء (112) استبعد هذه القراءة، وحكى أن هذا متناول بعيد، واستدل على أن القراءة بالجمع أولى؛ لأن بعده ومعارج وسرراً وأبواباً فكذا سقف بالجمع أولى. وقد رد عليه أبو جعفر النحاس (113) ، ورأى أن الذي تأوله بعيد، وأولى منه أن يكون " ُسقُف " بمعنى " سَقف " " كما قال عز وجل " ... ثم نخرجكم طفلاً " (114) ، وكما قال الشاعر، ثم ذكر البيت. ولم أعثر بقائل هذا البيت، وجاء في خزانة البغدادي (115) أن البيت من الأبيات الخمسين في كتاب سيبويه التي لا يعرف لها قائل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 399 والخميص في الأصل: الجائع، والخمص: الجوع، وأراد بوصفه الزمن بخميص أنه جائع من فيه، فالصفة للزمن، والمعنى لأهله، يقول لهم: اقتصروا على بعض ما يشبعكم، ولا تملأوا بطونكم من الطعام فينفد طعامكم، فإذا نفد طعامكم احتجتم إلى أن تسألوا الناس أن يطعموكم شيئاً، وإن قدرتم لأنفسكم جزءا من الطعام ولم تكثروا من الأ كل عشتم، وفي رواية سيبويه: تعفوا بدل تعيشوا وعلى هذا يكون المعنى.. عففتم عن مسألة الناس، وتعيشوا أو تعفوا مجزوم لأنه جواب الأمر (116) . قد عضّ أعناقَها جِلدُ الجواميس (36) تدعوك تيمٌ وتيمٌ في قرى سبإ الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله، فقد أراد الشاعر: جلود الجواميس، فأفرد وهو يريد الجماعة. والبيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (117) على أن الشاعر قال: جلد الجواميس بالإفراد ولم يقل جلود الجواميس في مقابلة أعناقهم، وروايته فيه: قدْ عَضَّ أعناقَهم جلدُ الجواميس الواردون وتيم في ذرا سبإ والبيت أيضاً من شواهد الكشاف للزمخشري (118) ، وروايته فيه مثل رواية الطبري والفراء، وقد استشهد به الزمخشري على صرف كلمة سبإ، وذلك في تفسير قوله تعالى " وجئتك من سبإ بنبإ يقين " (119) عند من يصرفه حيث جعله الحي، أو الأب الأكبر، وأما من لم يصرفه فيجعله اسم القبيلة. وقد ذكر محقق تفسير الطبري (120) أنه لم يقف على البيت في المراجع، ولا على قائله، والبيت لجرير في ديوانه، وروايته فيه: (121) قد عض أعناقهم جلدُ الجواميس تدعوك تيمٌ وتيمٌ في قرى سبإ وهو من قصيدة قالها جرير في هجاء التيم. ومعناه: تيم في قرى سبإ مغلولون من جلد الجواميس بحيث يعض أعناقهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 400 وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين " [سورة البقرة 26] لعلاتٍ وَأمكم رَقوبُ (37) ألا تَحْيُون مِنْ تكثير قوم الشاهد: في قوله " تحيون "؛ فالعرب تقول: حييت أحيا حياء، واستحييت أستحيي استحياء، وأنشد البيت شاهداً على ذلك. وجاء في لسان العرب (122) : وقال أبو زيد: يقال حييت من فعل كذا، وكذا أحيا حياء: أي: استحييت، وأنشد البيت، ثم قال: معناه: ألا تستحيون. وعلات: يقال: بنو علات: بنو رجل واحد من أمهات شتى، سميت بذلك؛ لأن الذي تزوجها على أولى قد كانت قبلها، ثم عَلَّ من هذه. قال ابن بري: وإنما سميت عِلّة؛ لأنها تعل بعد صاحبتها من العلل (123) . والرَّقوب: التي لا يعيش لها ولد. والبيت في لسان العرب دون عزو (124) ونسب إلى عبيد بن الأبرص في الأمالي الشجرية (125) . والبيت ليس في ديوانه. عَلَيَّ مِنَ الحَقِ الّذي لا يُرَى لِيا (38) وإني لأستحيي أخي أن أرَى لهُ الشاهد: لأستحيي: حيث خرج الاستحياء هنا في موضع الأنفة. وذكر المبرد (126) أن هذا البيت يحمله قوم على خلاف معناه، وإنما تأويله: إني لأستحي أخي أن يكون له عليّ فضل، ولا يكون لي عليه فضل، ومني إليه مكافأة؛ فأستحي أن أرى له عليّ حقاً لما فعل إليّ، ولا أفعل إليه ما يكون لي به عليه حق، وهذا من مذاهب الكرام، ومما تآخذ به أنفسها. ونسب المبرد البيت إلى جرير، ولم أعثر عليه في ديوانه، وهو غير منسوب في لسان العرب (127) وفيه: معنى: وإني لأستحيي: آنف من ذلك. وضَرْبٌ في البلادِ بِغَيرِ زادِ (39) لَحِفْظُ المال ِأيْسَرُ مِنْ بُغَاهُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 401 الشاهد: وضرب: الضرب في اللغه على وجوه: فمنها التبيين، ومنها: النوع، تقول العرب: أخذ فلان في ضرب من الحكم، أي نوع منه، ومنها: السير، قال تعالى " وآخرون يضربون في الأرض " (128) وقال تعالى " وإذا ضربتم في الأرض " (129) والبيت شاهد على هذا المعنى. واستشهد به المؤلف في أثناء تفسيره لقوله تعالى ". .... أن يضرب ... " ولم أعثر بقائل البيت. خَشاشٌ كَرَأسِ الحيّةِ المُتَوَقدِ (40) أنا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الذي تعْرِفونَهُ الشاهد: قوله: الرجل الضرب: ومعناه: الرجل الخفيف الجسم، واستشهد به في تفسير قوله تعالى " ..... أن يضرب ... " وذلك في معاني كلمة " ضرب ". والبيت لطرفة بن العبد (130) وهو من معلقته المشهورة، ومعنى خشاش: رجل لطيف الرأس، ماض، سريع الدخول في الأمور. المتوقد: شديد النشاط. وطرفة في هذا البيت يفخر بنفسه قائلا ً: أنا الرجل الخفيف اللحم، الذي ليس يرهل، السريع الحركة، الماضي الذي يحسن الدخول في الأمور والتخلص، شديد النشاط كرأس الحية الذي لا يستقر. (41) مثلُ الفتى مثلُ الهلال ِإذا تَنَقَّصَهُ التئامُهْ حتى إذا خَرَجَتْ جوارِحُهُ وعادَ لَهُ تَمَامُهْ انسلّ من ُنقصانهِ عنه فَزَايَلَهُ نِظامُهْ الشاهد: قوله: مثل الفتى مثل الهلال: الأمثال في اللغه: الأشباه والنظائر والصفات، ويحتاج كل مثل إلى ممثل حتى يتم، وذكر في هذه الأبيات المثل والممثل جميعاً. ويشبه الشاعر حياة الإنسان بالهلال فعندما يبدأ بالاكتمال يحين وقت انتهاء حياته. ولم أعثر بقائل الأبيات. فما مَواعِيدُه إلا ّالأباطيلُ (42) كانَتْ مَواعِيدُ عُرْقُوبٍ لهَا مَثلا الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد في الذي قبله. والبيت لكعب بن زهير (131) ، وهو في قصيدته المشهورة التي قالها أمام الرسول صلى الله عليه وسلم حين أسلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 402 وعرقوب: هو عرقوب بن نصر، رجل من العمالقة نزل بالمدينة قبل أن ينزلها اليهود بعد عيسى بن مريم عليه السلام، وكان صاحب نخل، وإنه وعد صديقا له ثمر نخلة من نخله، فلما حملت، وصارت بلحاً أراد الرجل أن يصرمه، فقال عرقوب: دعه حتى يُشَقَّح، أي يحمر، أو يصفر، فلما شقحت أراد الرجل أن يصرمها، فقال عرقوب له: دعها حتى تصير رطباً، فلما صارت رطباً قال: دعه حتى يصير تمراً، فلماصارت تمراً انطلق إليه عرقوب فجده ليلا ً، فجاء الرجل بعد أيام فلم ير إلا عوداً قائماً، فذهب موعود عرقوب مثلا ً، وهو من أمثال العرب في خلف الوعد (132) . وَمَا هُوَ عَنْها بالحَديثِ المُرَجَّمِ (43) وما الحربُ إلاّ ما عَلِمْتُمْ وَذُقتُمُ وَتضْرَ إذا أضْرَيْتُمُوها فَتَضْرَمِ مَتَى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوها ذمِيمةً وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثُمَّ تُنْتِجْ فَتُتْئمِ فَتَعْرُكُكُمُ عَرْكَ الرَّحَى بثِفَالِها كَأحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ فَتِنْتِجْ لَكُمْ غِلمَانَ أشْأمَ كُلُهُمْ قُرًى بالعراق ِمِنْ قَفِيزٍ وَدِرْهَمِ فَتُغْلِلْ لَكُمْ ما لا تُغِلُّ لأِهْلِها الشاهد: هذه الأبيات من الأمثال التي خرجت على جهة الإطناب والإكثار. ومن هذا النوع في قوله تعالى " وضرب الله مثلا ًقرية كانت آمنة مطمئنة ... " (133) الآية. ومنه قوله تعالى " ضرب الله مثلا ًرجلين ... " (134) الآية، وفي البيت الأول شاهد نحوي إذ أجاز الكوفيون تعليق باء الجر بضمير المصدر، كما أجازوا تعليقها بمظهره لأنه في معناه، وأنشدوا في ذلك: وما هو عنها بالحديث المرجم ف" عن " على ما ذكروه متعلق ب " هو " والمجرور في موضع نصب ب "هو "، وقال صاحب الإيضاح العضدي (135) : هذا مذهب القوم، ورأيت بعض أصحابنا البصريين لا يستبعد مذهبهم؛ بل يقويه وينصره اهـ. والأبيات لزهير بن أبي سلمى من معلقته المشهورة. (136) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 403 ويعني بالبيت الأول: أي: ما علمتم من هذه الحرب، وما ذقتم منها، وما علمكم عنها بالحديث الذي يرمى فيه بالظنون، فكنى عن العلم، أي: هو حق، والمرجم: المظنون. ومعنى تبعثوها: تثيرونها: أي لا تحمدوا أمرها. وذميمة: مذمومة، وأكثر ما يكون " فعيل " المصروف عن " مفعول " بغير هاء، مثل: امرأة قتيل ومقتولة، وكف خضيب ومخضوبة. وتضر: أي: تعوَّدْ. إذا أضريتموها: أي عودتموها يعني الحرب. وتعرككم: يعني الحرب أراد: تطحنكم هذه الحرب. بثفالها والثفال: جلدة تكون تحت الرحى يقع الدقيق عليها. وتلقح كشافاً: أي تدارككم الحرب. ويقال: لقحت الناقة كشافاً: إذا حمل عليها في دمها. فتتئم: أي تأتيكم باثنين اثنين بتوأمين، وإنما يقطع بهذا أمر الحرب. تنتج لكم: أي: الحرب. غلمان أشأم: في معنى: غلمان شؤم، فجعل أشأم مصدراً، ولم يحتج إلى " مِنْ " ولو كان " أفعل " لم يكن له بد من " مِنْ ". أي كلهم في الشؤم كأحمر عاد، وقيل: وإنما أراد " أحمر ثمود " فقال: " أحمر عاد "، والمقصود هنا عاقر الناقة، واسمه: قدار بن سالف. ويعني أن ولادتهم ونشأتهم تكون في الحرب، فيصبحون مشائيم على آبائهم. ويعني في البيت الأخير: هذه الحرب تغل لكم من هذه الدماء ما لا تغل قرى بالعراق، وهي تغل القفيز والدرهم، وهذا تهكم منه واستهزاء. القفيز: نوع من المكاييل: والمقصود به ما يملأه من المحصولات. (137) وما حِبَالُ مُحِبٍ وامقٍ تَصِلُ (44) يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم الشاهد: استشهد المؤلف بهذا البيت في تفسيره لقوله تعالى " مثلاً ما بعوضة " فالبعوضة واحدة البعوض و" ما " صلة، وهي منصوبة على البدل من المثل، قال الكسائي والفراء هي نصب بانتزاع بين كما تقول: مُطِرْنا ما زُبَالة َ والثّعلبية َ، وله عشرون ما ناقة ً وجملا ً. (138) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 404 والذي وجدته في معاني القرآن للفراء في الوجه الثالث في قراءة " بعوضة " وهو أحب الوجوه إليه: أن تجعل المعنى على: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها، والعرب إذا ألقت " بين " من كلام تصلح " إلى " في آخره نصبوا الحرفين المخفوضين اللذين خفض أحدهما ب " بين " والآخر ب " إلى " فيقولون: مطرنا ما زُبَالة فالثعلبية، وله عشرون ما ناقة فجملا ً، وهي أحسن الناس ما قرنا فقدما " إشارة إلى البيت السابق " يراد به: ما بين قرنها إلى قدمها، ويجوز أن تجعل القرن والقدم معرفة فتقول: هي حسنة ما قرنها فقدمها. (139) وجاء فيه: قال الكسائي " سمعت أعرابيا ورأى الهلال فقال: الحمد لله ما إهلالَك إلى سرارِك، يريد: مابين إهلالِك إلى سرارِك، فجعلوا النصب الذي كان يكون في " بين " فيما بعده إذا سقطت؛ ليعلم أن معنى " بين " مرَاد، وحكى الكسائي عن بعض العرب: الشَّنْق ما خمساً إلى خمس وعشرين، يريد ما بين خمس إلى خمس وعشرين، والشنْق ما لم تجب فيه الفريضة من الإبل، والأوقاص في البقر. (140) وذكر السيوطي: " أصله ما بين قرن فحذف بين وأقام قرناً مقامها ومثله " ما بعوضة فما فوقها" قال: والفاء نائبة عن إلى، وكون الفاء للغاية بمنزلة إلى، غريب " (141) . والبيت مجهول القائل. أيام يَنْسون ما عواقبُها (45) لم أرَ مثلَ الفِتْيان في غِيَر ال الشاهد: ما عواقبها، أي: ما هو عواقبها. استشهد الشاعر بهذا البيت في تفسير قوله تعالى " مثلا ًما بعوضة " وذلك على قراءة رؤبة بن العجاج للآية الكريمة، إذ قرأ " بعوضة " بالرفع وأضمر لها اسماً، يعني: الذي هو بعوضة. وذكر الفراء أن الرفع في " بعوضة " جائز لأن الصلة ترفع واسمها منصوب ومخفوض. (142) فَواسِقاً عن قَصْدِهَا جَوائرا (46) يَهْوين في نَجْدٍ وغَوْراً غائرا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 405 الشاهد: قوله: فواسقاً، فالفاسق: الخارج عن الطاعة، واستشهد به في تفسير قوله تعالى " وما يضل به إلا الفاسقين" واستشهد به أبو عبيدة في مجاز القرآن (143) فقال: ففسق عن أمر ربه: جار عنه، وكفر به، ثم ذكر الشعر ونسبه إلى رؤبة. واستشهد به صاحب لسان العرب (144) ؛ فقال: وفسق عن أمر ربه، أي جار ومال عن طاعته، ثم ذكر البيت. والعرب تقول: إذا خرجت الرطبة عن قشرها: قد فسقت الرطبة من قشرها. والبيت من شواهد سيبويه (145) ، إذ استشهد به لنصب " غور " حملا ًعلى موضع " نجد " وما عمل فيه؛ لأن معنى يذهبن في نجد " وهي رواية سيبويه " ويسلكن نجداً واحداً، فكأنه قال: يسلكن نجداً وغوراً غائراً. والغور: تهامة وما يليها. ونجد:هو من نحو فيد إلى الكوفة وإلى البصرة، وما يلي ذلك. يعني بذلك قصائد قد سادت في الغور وتهامة، أو أفعالا ًيفتخر بها، أو حروباً قد غار ذكرها وأنجد. وقيل: وصف الراجز ظعائن منتجعات يأتين مرة نجداً، وهو ما ارتفع من بلاد العرب، ومرة الغور، وهو تهامة، وهي ما انخفض من بلادها. ونسب البيتان إلى العجاج في الكتاب، وقد وردا في زيادات ديوان رؤبة. (146) لسُبّ بِذلِكَ الجرو الكِلابا (47) وَلَوْ وَلَدَتْ قَفِيرَةُ جَرْوَ كَلْبٍ الشاهد: استشهد المؤلف بهذا البيت عند تفسيره لقوله تعالى " وما يضل به إلا الفاسقين " فروى قراءة ابن مسعود وعطاء والحسن " وما يضل به " على لفظ ما لم يسم فاعله، و " إلا الفاسقين " بالنصب، قال ابن مجاهد: أسانيد هذه القراءة منكرة جداً، فإن صحت، فطرقها من اللغة أن يضمر لها اسم، ويكون ما ظهر خبراً له، وتقديره: وما يضل به إلا أفسق الفاسقين، كقول الشاعر: ولو ولدت ... البيت. (147) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 406 وذكر النحاس في إعراب القرآن (148) أن النحويين " قد أجمعوا على أنه لا يجوز: ضرب الضرب زيداً، حتى إنه قال بعضهم: لا يجوز: ضرب زيدا ً سوطاً، لأن " سوطاً " مصدر، وإنما يقام المصدر مقام الفاعل على حروف الخفض إذا نعت، فإذا لم يكن منعوتاً لم يجز، وهذا أعجب أن يقام المصدر مقام الفاعل غير منعوت مع اسم غير مصدر ". " وفيه أيضاً علة أخرى: أنه أضمر الجزاء، ولم يتقدم له ذكر على أن " يجزي " يدل عليه، وهذا وإن كان يجوز، فإنه مجاز، فأما إنشادهم: ولو ولدت ... البيت فلا حجة فيه، ورأيت أبا إسحاق يذهب إلى تقديره: ولو ولدت قفيرة الكلاب، " وجرو كلب" منصوب على النداء ". (149) وهو من شواهد تأويل مشكل القرآن (150) ، وذلك في قراءة أبي جعفر المدني في سورة الجاثية، وهو قوله تعالى " ليجزى قوماً بما كانوا يكسبون " (151) أي: ليجزي الجزاء قوماً، واستشهد على ذلك بقول الشاعر: ولو ولدت قفيرة ... البيت. ونسب البيت إلى جرير في خزانة الأدب للبغدادي (152) ، وهو غير موجود في ديوانه، وهو غير منسوب في إعراب القرآن للنحاس (153) ، وغير منسوب أيضاً في القرطبي. (154) حُبُ النبيّ محمدٍ إيانا (48) فَكَفى بنَا فضْلاً عَلى مَنْ غَيرِنا الشاهد: على من غيرنا، فقد جعل " من" اسماً تاماً، وجعل " غيرنا " نعتاً له، وذلك في تفسير قوله تعالى " ماذا أراد الله بهذا مثلا ً" فتكون " ذا " بمنزلة " الذي" وتكون " ماذا " شيئاً واحداً، كما قال تعالى " ماذا أنزل ربكم قالوا خيراً " (155) . وقال الفراء: " ما بعوضة " نصبت " ما " وأردت: " ما بين بعوضة " وإن شئت جعلت " ما " اسماً تاماً كما قال حسان: فكفى بنا ... البيت. (156) والبيت من شواهد سيبويه (157) ، فقد جعل الشاعر " غيرنا " نعتاً ل " من " ولم يجعل " من " موصولة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 407 وجاء في تحصيل عين الذهب (158) : الشاهد فيه حمل " غير" على " من " نعتاً لها، لأنها نكرة مبهمة، فوصفت بما بعدها وصفاً لازماً يكون لها كالصلة، والتقدير: على قوم غيرنا، ورفع" غير" جائز على أن تكون " من" موصولة، ويحذف الراجع عليها من الصلة، والتقدير: على من هو غيرنا، والحب مرتفع ب " كفى " والباء في قوله " بنا " زائدة مؤكدة. ونسب المؤلف البيت إلى حسان بن ثابت، ولم أعثر به في ديوانه وهو منسوب في شرح أبيات سيبويه إلى كعب بن مالك، وهو في ديوانه (159) ، ونسب في الكتاب إلى الأنصاري (160) ، وفي تحصيل عين الذهب إلى الأنصاري حسان، ويقال إنه لبشر بن عبد الرحمن بن مالك الأنصاري كما في اللسان (161) ، وجاء فيه: إنه خفض " غير" على الإتباع ل " من"، ويجوز فيه الرفع على أن تجعل " من " صلة بإضمار " هو ". ومعنى البيت: كفانا فضلا ًعلى من غيرنا حب النبي صلى الله عليه وسلم إيانا وهجرته إلينا. (162) إلى حمامتنا أو نِصْفُه فَقدِ (49) قالت: فيا ليتماهذا الحمامُ لنا الشاهد: قوله: فيا ليت ما هذا الحمام لنا، ولم تعمل " ليت " هنا، واستشهد بهذا البيت على قراءة رؤبة بن العجاج لقوله تعالى " ... مثلا ًما بعوضة " فقرأ بعوضة بالرفع، واستشهد على ذلك بقول الشاعر: قالت ... البيت. والبيت من شواهد سيبويه (163) ، والشاهد فيه: إلغاء " ليتما " ورفع ما بعدها، ويجوز أن تكون معملة في " ما " على تقدير: ليت الذي هو هذا الحمام لنا. ويجوز نصب " الحمام" على زيادة " ما " وإلغائها. والبيت للنابغة الذبياني من قصيدة له (164) ، وفي هذا البيت يصف ما كان من أمر " زرقاء اليمامة " حين نظرت إلى القطا طائرة فحصلت عدتها، ومعنى قدي: حسبي، يقال: قدي كذا، وقدني. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 408 وكانت زرقاء اليمامة، فيما زعموا، نظرت إلى قطاً يطير بين جبلين، فقالت: ليت الحمام ليه، إلى حمامتيه، ونصفه قديه، تم الحمام مائة، فاتبع القطا، إلى أن ورد الماء، فعد، فإذا هو ست وستون. (165) وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون " [البقرة: 171] وما هِيَ وَيْبَ غَيْرِكِ بالعَناقِ (50) حَسِبْتَ بُغَامَ راحلتي عَناقا الشاهد: حسبت بغام راحلتي عناقا: ففي الكلام اختصار، يعني: حسبت بغام راحلتي بغام عناق واستشهد بهذا البيت في تفسير قوله تعالى " مثل الذين كفروا ... " إذ ذكر أن في الكلام اختصاراً، وتقديره: مثل وعظ الكافرين كمثل الراعي ينعق بالغنم، ولا تفهم الغنم عنه سوى الصوت. والبيت في دلائل الإعجاز ونسبه إلى أعرابي (166) ، واستشهد به على ما حذف منه المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه مثل قوله تعالى " واسأل القرية " (167) . وجاء في لسان العرب (168) : وقوله: حسبت بغام راحلتي عناقا: أراد بغام عناق، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وجاء فيه عن ابن بري: وفي حاشية الكتاب بيت شاهد على " ويب " بمعنى " ويل " ثم ذكر البيت، وعن ابن بري أيضاً: أن البيت لم يذكر قائله، وهو لذي الخرق الطهوي (169) يخاطب ذئباً تبعه في طريقه، وفي دلائل الإعجاز أن الأعرابي أناخ راحلته بالليل فبغمت، فجاء الذئب يظن أنها عناق، أي معزى، فيقول الشاعر: حسبت بغامها صوت عناق، وويب: مثل " ويل " وزناً ومعنى واستعمالاً (170) . فتيقنوا عِلْمَاً بِبَيْنِ رفيقِ (51) نَعَقَ الغُرابُ ولاتَ حينَ نعيق الشاهد: قوله: نعق الغراب، فالنعق والنعيق: صوت الراعي والغراب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 409 وجاء في لسان العرب (171) نعق الغراب نعيقاً ونعاقاً، والغين في الغراب أحسن، قال الأزهري: نعق الغراب، ونغق بالعين والغين جميعاً، ونَعيقُ الغراب ونُعاقُهُ ونَغيقُه ونُغاقُهُ: مثل نهيق ِ الحمار ونُهاقِهِ، وشحيج ِالبغل وشُحاجه، وصهيل ِوصُهال الخيل، وزَحير وزُحار، قال: والثقات من الأئمة يقولون: كلام العرب نغق الغراب، بالغين المعجمة، ونعق الراعي بالشاء بالعين المهملة، ولا يقال في الغراب: نعق، ويجوز: نعب، قال هذا هو الصحيح. وحكى ابن كيسان: نعق الغراب بعين مهملة، واستعار بعضهم النعيق في الأرانب. ولم أقف على قائل هذا البيت. مَنَّتْكَ نَفْسُكَ ضَلَّةً وَخَسارا (52) فانْعِقْ بِضَأنك يا جَريرُ فإنّما الشاهد: فانعق بضأنك، قال أبو عبيدة: النعيق: الصوت، وأنشد للأخطل. ويروى: منتك نفسك في الخلاء ضلالا. وجاء في لسان العرب: النعيق: دعاء الراعي الشاء، يقال: انعق بضأنك أي: ادعها. ونعق الراعي بالغنم ينعِقُ، بالكسر، نَعْقاً ونُعاقاً ونَعيقاً ونَعْقانا: صاح بها وزجرها يكون ذلك في الضأن والمعز. وفي الحديث: أنه قال لنساء عثمان بن مظعون لما مات: " ابكين وإياكن ونعيق الشيطان " يعني الصياح والنوح، وأضافه إلى الشيطان لأنه الحامل عليه. وفي حديث المدينة: آخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما أي: " يصيحان ". (172) والبيت للأخطل في ديوانه من قصيدة (173) ، وروايته فيه: مَنّتْكَ نفسُك في الخلاءِ ضَلالا وجاء في الهامش: يعيره أنه راعي ضأن لا مكان له في المفاخر والأمجاد، وذكر الجاحظ أن بني يربوع كانوا يرمون بإتيان الضأن واستشهد بهذا البيت، انظرفخرالسودان ص 61. ولم يك سَمْعُهُ إلا ندايا (53) إذا ما الشَّيْخُ صُمّ ولم يعوج الجزء: 9 ¦ الصفحة: 410 الشاهد: قوله " ندايا "، فأصل النداء " نداي " والياء والواو في قوله تعالى " إلا دعاء ونداء " ممدودان؛ لأن أصل الدعاء " دعاو " وأصل النداء " نداي " والياء والواو لام من هذا البناء، فقلبتا همزة لوقوعهما بعد ألف ساكنة، وكذلك كل ممدود في نفسه، فهذا علته. وروى ابن الأنباري (174) عن ثعلب بيتا: إذا ما الشيخ .... البيت. وفي لسان العرب (175) : وفي حديث ابن عوف: وأودى سمعه إلا ندايا أراد إلا نداء، فأبدل الهمزة ياء تخفيفا وهي لغة بعض العرب. وورد شطر البيت في لسان العرب مرة أخرى برفع " سمعه " (176) . ولم أقف على قائل هذا البيت. على زيد بِتَسْلِيمِ الأميرِ (54) وَلَسْتُ مسلّماً ما دمتُ حَيّاً الشاهد: ولست مسلماً بتسليم الأمير: يريد: كما يسلم على الأمير. وهذا قول الفراء في تفسير المثل في الآية القرآنية " ومثل الذين كفروا ...... " إذ في رأيه: يضيف المثل إلى الذين كفروا وداعيهم كمثل الناعق، كما تقول: إذا لقيت فلانا، فسلم عليه تسليم الأمير، وإنما تريد به: كما تسلم على الأمير. (177) (55) أصَمُّ عمّا ساءَه سميعُ الشاهد: العرب تقول لمن يسمع ولا يعمل بما يسمع كأنه أصم كما قال: البيت، وذلك في تفسير قوله تعالى " صم بكم عمي فهم لا يعقلون ". وهذا القول في لسان العرب (178) دون عزو، ونقل عن التهذيب: يقول القائل: كيف جعلهم الله صماً، وهم يسمعون، وبكماً وهم ناطقون، وعمياً وهم يبصرون؟ والجواب في ذلك أن سمعهم لما لم ينفعهم، لأنهم لم يعوا به ما سمعوا، وبصرهم لما لم يجد عليهم لأنهم لم يعتبروا بما عاينوه من قدرة الله وخلقه الدال على أنه واحد لا شريك له، ونطقهم لما لم يغن عنهم شيئا إذ لم يؤمنوا به إيماناً ينفعهم، كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر ولا يعي، ونحو منه قول الشاعر: أصم عما ساءه سميع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 411 وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم * الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ". [البقرة: 261 262] عمرو بن ميمون لئامَ الناتِ (56) يا لَعَنَ اللهُ بني السَّعلاتِ الشاهد: قوله: لئام النات، أراد لئام الناس، فحول السين تاء؛ لأن التاء والسين مهموستان؛ فهما يتعاقبان، وقد استشهد المؤلف بهذا الشعر على قراءة من أدغم في قوله تعالى: " أنبتت سبع سنابل " وهذا الرجز أنشده أبو عمرو بن العلاء، وقيل وكان يزعم أن الرجز والرجس بمعنى واحد، وأنها مقلوبة، قلبت السين زاياً، كما قلبت شئز وهي: شئس، بسين، وكما قالوا: قربوس وقربوز، وكما قال الشاعر: يا لعن الله ... البيت وهو يريد لئام الناس، فقلبت السين تاءً. (179) والشعر في كثير من كتب النحو مع اختلاف في بعض الألفاظ، وورد في لسان العرب عن أبي زيد (180) ، قال: من العرب من يجعل السين تاءً، وأنشد لعلباء بن أرقم: (181) يا قبَّحَ الله بني السّعلات عمرو بن يربوع شرار الناتِ ليسوا أعفّاءَ ولا أكياتِ يريد الناس والأكياس. ووردت الأبيات في نوادر أبي زيد الأنصاري. (182) وإن نعموا لا كدروها ولا كدُّوا (57) وإنْ كانَت النُّعمى عليهم جزوا بها الشاهد: استشهد المؤلف بهذا البيت عند تفسيره لقوله تعالى: " ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذىً " إذ حث الله عباده على مكارم الأخلاق، فحظر عليهم المن بالصنيعة، واختص به صفة لنفسه؛ لأنها من العباد تكدير وتعيير، ومن الله إفضال وإنعام، كقول الشاعر: وإن كانت..البيت. وقد نسب المؤلف البيت إلى طرفة، ولم أعثر به في ديوانه. كلفته للعُرفِ إعظامَكا (58) ما تم معروف عند امرئ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 412 إكرامَ من أظهر إكرامَكا إنْ مِنَ البِرّ فلا تَكْذِبنْ تَسْتَفْسِدَنْ بالمنّ إنعامَكا والمنُّ للمُنعم نقصٌ فلا مذلة ٌأحببتُ إعْلامَكا (م) والعزُّ في الجود وَبُخْلُ الفتى الشاهد: الشاهد في هذه الأبيات كالشاهد في البيت السابق. وقد نسب المؤلف الأبيات إلى محمود الوراق، ولم أعثر بها في ديوانه. لَيْسَ الكريمُ إذا أسدى بمنانّ (59) أفسَدْتَ بالمَنّ ما أوْليْتَ مِنْ نِعَم الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله. إذا فَعَلَ المَعْرُوفَ زَادَ وَتَمَّمَا (60) يَرُبُّ الذي يَأتِي مِنَ الخَيْرِأنَّهُ الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله. وقد ذكر المؤلف أن أبا نصر منصور بن عبد الله أنشده إياه بهراة. والبيت غير منسوب في لسان العرب (183) ، وفيه قال الأنباري: الرب ينقسم على ثلاثة أقسام: يكون الرب: المالك، ويكون الرب: السيد المطاع، قال تعالى: " فيسقى ربه خمراً " (184) أي: سيده، ويكون الرب: المصلح، رب الشيء: إذا أصلحه، وأنشد البيت. على الأعناق ِمِنْ مِنَنِ الرِّجالِ (61) وما شيء بأثقلَ وهو خِفُّ بِوَجْهِكَ إنَّهُ بالوَجْهِ غالِ ولا تَفْرَحْ بمالٍ تَشْتَرِيهِ الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله. وقد سأل رجل ابن شبرمة أن يكتب رقعة إلى بعض الأغنياء ليعطيه شيئاً، فأعطاه مائتي درهم، وأنشأ يقول: (185) .... البيتان. في كُلّ وَقْتٍ وَزَمنْ (62) أحْسَنُ مِنْ كُلِّ حَسنْ خاليةٌ مِنَ المِننْ ضَيْعَةٌ مَرْبُوبة الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله. وقد نسب المؤلف البيتين إلى محمود الوراق ولم أعثر بهما في ديوانه. وإنّما العُرْفُ بالرّباباتِ (63) يَرُبُّ مَعْرُوفَهُ وَيُكْمِلهْ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 413 الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله. وذكر المؤلف أن جعفر بن محمد الصادق قال: لا يتم المعروف إلا بثلاث: تعجيله وتصغيره، وترك المن به، فإنك إذا عجلته فقد هنأته، وإذا صغرته فقد عظمته، وإذا تركت المن به، فقد أتممته، ثم أنشد (186) ... البيت. وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين * ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصيرٌ ". [البقرة 264 265] (64) برّاقُ أصْلادِ الجبين ِالأجْلَهِ الشاهد: أصلاد، قال قطرب: الصلد: الصلب، وهو الأخلق الأملس وأنشد (187) ... البيت. وفي لسان العرب عن ابن السكيت (188) : الصفا: العريض من الحجارة الأملس. قال: والصلداء والصلداءة: الأرض الغليظة الصلبة، قال: وكل حجر صلب، فكل ناحية منه صلد، وأصلاد جمع صلد وأنشد لرؤبة: ... البيت. وعن أبي الهيثم: أصلاد الجبين: الموضع الذي لا شعر عليه، شبه بالحجر الأملس. وجله الرجل جلهاً: رده عن أمرٍ شديد، والجَلَهُ: أشد من الجلح، وهو ذهاب الشعر من مقدم الجبين، وقيل: النزع، ثم الجَلَحُ ثم الجَلا ثم الجَلَه، وقد جَلِهَ يَجْلَهُ جَلَهاً، وهو أجله، وقيل: الأجله: الأجلح في لغة بني سعد. (189) إنْ ديّموا جادَ وإنْ جادُوا وَبلْ (65) أنا الجوادُ بنُ الجوادِ ابْنِ سبل الشاهد: وبل: قال المؤرج: الوابل: الشديد العظام القطر، يقال: وبل، يبل، قال الشاعر: أنا الجواد ... البيت يريد: أنه يزيد عليهم في كل حال منها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 414 وهذا البيت من شواهد ابن جني في الخصائص (190) على التدريج في اللغة، فمن التدريج قولهم: ديمة وديم، واستمرار القلب في العين للكسرة قبلها، ثم تجاوزوا ذلك لما كثر وشاع إلى أن قالوا: ديمت السماء، ودومت؛ فأما دومت فعلى القياس، وأما ديمت فلاستمرار القلب في ديمة، وديم، وأنشد أبو زيد: إنْ دوّموا جادَ وإن جادوا وبل هو الجوادُ بن الجوادِ بنِ سَبَلْ ورواه أيضاً " ديموا " بالياء، ثم قالوا: دامت السماء تديم،فظاهر هذا أنه أجري مجرى باع يبيع، وإن كان من الواو. وجاء في لسان العرب (191) : سبل، اسم فرس قديمة، وعن الجوهري: سبل اسم فرس نجيب في العرب، قال الأصمعي هي أم أعوج، وكانت لغني، وأعوج لبني آكل المرار، ثم صار لبني هلال بن عامر، وقال: هو الجواد ابنُ الجواد ابن سبل قال ابن بري: الشعر لجهم بن سبل. قال أبو زياد الكلابي: وهو من بني كعب بن بكر، وكان شاعراً لم يسمع في الجاهلية والإسلام من بني بكر أشعر منه؛ قال: وقد أدركته يرعد رأسه وهو يقول: أنا الجواد ... البيت. قال ابن بري: فثبت بهذا أن سبلا ًاسم رجل، وليس باسم فرس كما ذكر الجوهري. وأنشد في توضيح المثل في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد " [البقرة: 267] مِنَ الأرْض ِمِنْ مَهْمَهٍ ذِي شزَن (66) تيمّمْتُ قَيْساً وَكَمْ دُونهُ الشاهد: تيممت: التيمم: القصد للشيء، يقال: تيممته وتأممته وأممته: إذا قصدته، قال الأعشى: تيممت ... البيت والبيت للأعشى في ديوانه (192) من قصيدة في مدح قيس بن معدي كرب الكندي الذي ذكره في البيت. والمهمه: الفلاة الخالية. ذي شزن: غليظ والمعنى: يقول: إنها تقصد " قيساً " وكم دونه بيد ومسافات بعيدة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 415 وأنشد في توضيح المثل في قوله تعالى: " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون " [الأعراف: 58] لا خيرَ في المنكودِ والنّاكدِ (67) وأعط ما أعطيتَه، طيّباً الشاهد: المنكود والناكد: قال المبرد: النكد: الرديء، ويقال لكل ما يتشاءم به: نكد وناكد قال الشاعر: وأعط ... البيت. والنكد: الشؤم واللؤم، وذكر ثعلب أن النَّكد والنُّكد: قلة العطاء وألاّ يهنأه من يعطاه، واستشهد على ذلك بالبيت. (193) ولم أعثر بقائل البيت. عدوّاً له ما من صداقته بدُّ (68) ومن نكدِ الدنيا على الحرّ أن يرى الشاهد: الشاهد فيه كما في قبله. والبيت لأبي الطيب المتنبي من قصيدة في مدح محمد بن سيار بن مكرم التميمي. (194) يقول: من نكد الدنيا وقلة خيرها أن الحر يحتاج فيها إلى إظهار صداقة عدوه ليأمن شره، وهو يعلم أنه عدوه، وهو لا يجد بداً من أن يريه الصداقة من نفسه دفعاً لغائلته، وأراد: ما من مداجاته، ولكنه سمى المداجاة صداقة لما كانت في صورة الصداقة، ولما كان الناس يحسبونها صداقة. وقيل: لو قال: " ما من مداجاته " لكان أشبه، والذي قاله أحسن في اللفظ، وأقوى في المعنى، وحسنه أنه ذكر العدو وضده، وفي قوة المعنى: أن المداجي: المساتر للعداوة، وقد يساتر العداوة من لا يظهر الصداقة، فإذا أظهر الصداقة لم يكن له من إظهارها بد، فهو يعاني من ذلك أمراً عظيماً، ونكداً في الحياة، فهو أسوأ حالاً من المداجي. (195) وقيل: إنما أراد بهذا السلطان الذي لا بد من صداقته بإخلاص القول والنية فبأيها أخل دخل منه الضرر. (196) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 416 وأنشد في توضيح المثل في قوله تعالى: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون* ساء مثلا ًالقوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون " [الأعراف176177] صَائِر مَرّة إلى أنْ يزُولا (69) كلّ عيش ٍوإنْ تَطاول دَهراً في قلال ِالجبالِ أرعى الوُعولا لَيْتَني كُنْتُ قَبْلَ مَا قَد بدَا لي شَابَ فِيهِ الصغيرُ يَوْماً ثقيلا إنّ يومَ الحِسَابِ يومٌ عظيم الشاهد: استشهد الشاعر بهذه الأبيات في مناسبة حديثه عن سبب نزول الآيتين الكريمتين، فمن الآراء التي قيلت في ذلك أنها نزلت في أمية بن أبي الصلت، فمن رأى هذا الرأي قال: كان ابتداء أمره قرأ الكتب، وعلم أن الله تعالى مرسل رسولاً في ذلك الوقت، وظن أنه يكون ذلك الرسول، فلما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم حسده، وكان قصد بعض الملوك، فلما رجع مر على قتلى بدر، فسأل عنهم، فقيل: قتلهم محمد، فقال: لو كان نبياً ما قتل أقرباءه، فلما مات أمية، أتت أخته الفارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن وفاة أخيها، فقالت: بينا هو راقد أتاه اثنان، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجله، فقال الذي عند رجله للذي عند رأسه: ... الأبيات. (197) ولا شيء أعلى منك جدّاً وأمجدُ (70) لكَ الحمدُ والنّعماءُ والفضلُ ربَّنا لعزّته تَعْنُو الوجوهُ وَتَسْجُدُ مليك على عرش السماء مُهَيْمِنٌ وأنهار نور حوله تتوقدُ عليه حجابُ النور والنور حوله ودون حجاب النور خلق مؤيدُ فلا بصرٌ يَسْمو إليك بطرفهِ وأعناقهم فوق السماوات صعد ملائكة أقدامهم تحت أرضهِ فرائصهم من شدة الخوف تصعد قيام على الأقدام عانون تحته مصيخون للأسماع للوحي ركد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 417 وسبط صفوف ينظرون وراءه وميكال ذو الروح القوي المسدد أميناه روح القدس جبريل فيهم الشاهد: ذكر المؤلف أن هذه الأبيات أنشدتها الفارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي لأخيها أمية بن أبي الصلت، وهي قصيدة طويلة جداً كما ذكر المؤلف. (198) فشَقِيٌّ مُعذبٌ وسَعِيدُ (71) يُوقَفُ النّاسُ لِلحِسابِ جَميعا الشاهد: مطلع قصيده أنشدتها الفارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي لأخيها أمية بن أبي الصلت. (199) يعلم الجهر والسرار الخفيا (72) عند ذي العرش يعرضون عليه إنه كان وعده مأتيا يوم نأتي الرحيم وهو رحيمٌ ثم لا يذر راشداً أو غويا يوم نأتيه مثلما قال فرداً أو مهاناً بما اكتسبت شقيا أسعيداً سعيداً أنا أرجو أو تعاقبْ فلم تعاقب بريا ربّ إنْ تعفُ فالمعافاةُ ظنّي سوفَ ألقى من العذاب فريا أو تؤاخذ بما اجترمت فإني الشاهد: هذه أبيات من قصيدة أنشدتها الفارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي لأخيها أمية ابن أبي الصلت. (200) وبعد أن استمع الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الأبيات قال لها: آمن لسانه وكفر قلبه. وقال عمرو بن الشريد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض المغازي، فقال لي: هل تروي من شعر أمية بن أبي الصلت؛ قلت: نعم، فأردفني فركبت الناقة فجعلت أنشده، وهو يقول: هيه ... حتى أنشدته أكثر من مائة بيت، فقال: آمن لسانه وكفر قلبه. (201) (73) فَنِعْمَ الزّادُ زادُ أبيك زادا الشاهد: الشاهد فيه اجتماع التمييز والمميز على جهة التأكيد. واستشهد المؤلف بهذا الشعر في معرض حديثه عن الآية الكريمة " ساء مثلا ًالقوم الذين كذبوا بآياتنا " فنصب مثلا ًعلى التمييز والحال، أي ساء المثل مثلا ً، فقوله " مثلا ً" حال من المثل المضمر كما قال جرير ..... فنعم ..... البيت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 418 هذا إذا جعلت " ساء " من فعل المثل، ورفعت القوم بدلا ًمن المضمر فيه، وإن حولت فعله إلى " القوم " ورفعت " هم " به كان انتصابه على التمييز، يريد: ساء مثل القوم، فلما حولته إليهم خرج المثل مفسرا كما تقول: قَرَّ بِهِ عَيْنَاً، وضاق به ذرعا، ومتى ما سقط التنوين من المميز انخفض بالإضافة. وقد أجاز المبرد والفارسي وجماعة من النحويين اجتماع التمييز والمميز على جهة التأكيد. (202) وذكر المبرد في المقتضب (203) في قول القائل: نعم الرجل رجلا ًزيد، فقوله " رجلا ً" توكيد لأنه مستغنى عنه بذكر الرجل أولا ً، وإنما هذا بمنزلة قولك: عندي من الدراهم عشرون درهماً، إنما ذكرت الدرهم توكيداً، ولو لم تذكره لم تحتج إليه، وعلى هذا قول الشاعر: فنعم ... البيت. والبيت لجرير وصدره: تزوّد مثلَ زادِ أبيك زادا من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز. وأنشد في توضيح المثل في قوله تعالى " ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ". [الأعراف 179] وَدَورُنا لِخَرابِ الدهرِ نبنيها (74) أمْوالُنا لِذوِي الميراثِ نَجْمَعُهَا الشاهد: اللام في خراب: لام العاقبة، وهي دليل على إثبات معنى الصيرورة، وذلك مثل قوله تعالى " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً " ولام ل" جهنم " الواردة في الآية الكريمة تسمى لام العاقبة أيضاً كما يقول المؤلف، إذ أخبر الله تعالى عما خلقهم له بعدما علم مصيرهم إليه (206) . ولستُ أرى حيّاً لحيٍّ يخلدُ (75) ألا كلّ مولودٍ فللموت يولدُ الشاهد: لام " فللموت " والشاهد فيه كالشاهد في البيت الذي قبله. والبيت لأبي العتاهية في ديوانه، وهو مطلع قصيدة في الزهد. (207) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 419 وقد أخبر المسعودي قال: مر عابد براهب في صومعة، فقال له عظني، فقال: أعظكم وشاعركم الزاهد قريب العهد بكم، فاتعظ بقول أبي العتاهية حيث يقول: ألا كل ... البيت. فكلكم يصيرُ إلى التراب (76) لدوا للموتِ وَابنوا للخرابِ الشاهد: الشاهد فيه " للموت " فاللام للعاقبة، فهو كالبيت الذي قبله. والبيت لأبي العتاهية، وهو مطلع قصيدة في الزهد. (208) وروايته: فكلكم يصير إلى تباب. والتباب: الهلاك. وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون " [يونس 24] إذا رَأيْتُ خُصْيَة ًمُعَلقهْ (77) وَمَا أبَالي أنْ أكُونَ مُحْمِقَهْ الشاهد: جاء المؤلف بهذا البيت في معرض حديثه عن قراءة قوله تعالى " وازينت " إذ ذكر أن قطرب قال: قرأ أبو العالية " وأزينت " فقطع الألف، أي: أتت بالزينة، كقولهم: أحمر، وأدم، وأذكرت المرأة، وأنثت، وقالت امرأة من العرب: وما أبالي ... البيت. والخصية: البيضة، وإذا ثنيت قلت: " خصيان " بطرح التاء، وأجاز شارح كتاب الفصيح في اللغة أن يقال: " خصيتان ". (209) والبيت لامرأة من العرب تذكر أنها تريد الولد الذكر، وإن كان أحمق، لأنه أقدر على معونتها ونفعها من البنت. وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال " [الرعد: 17] إنّما الكفرُ ضَلالٌ ينمحقْ (78) ذهَبَ الكُفْرُ جُفاءً فَاعْلَمُوا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 420 الشاهد: استشهد المؤلف بهذا البيت على معنى " جفاء " أي: يذهب مرمياً مطروحاً. ونسب المؤلف البيت إلى حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. (210) (79) كأنني سَيْفٌ بهِ إصْلِيتُ الشاهد: إصليت: نقول: أصلت السيف إصليت: إذا مضى. وهو غريب في الأفعال كما يقال: أجفل الظليم في عدوه: إذا أسرع، فهو إجفيل. والبيت لرؤبة في ديوانه (211) ، وروايته: ينشق عني الحزن والبّريتُ كأنني سيف بها إصليتُ وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد." [إبراهيم 18] (80) يومين غيمين وَيَوْماً شَمْسَا الشاهد: تقول العرب: يوم ماطر ومغيم، وليل فلان نائم، ونهاره صائم، وهذه الأفعال إنما تكون في النهار والليل، فأضيفت للمجاورة إليهما، قال الشاعر: يومين .... البيت. يعني أن الغيم والشمس في اليوم. (212) علمتُ بِأنَّ اليَوْمَ أحْمَسُ فاجرُ (81) وَلَمّا رَأيْتُ القومَ تَتْرى أثابجاً الشاهد:أحمس فاجر: فالعرب تضيف الشجاعة، والجبن، والفجور إلى اليوم مثل قول الشاعر. والبيت من شواهد " تأويل مشكل القرآن " (213) إذ يجيء المفعول به على لفظ الفاعل، كقوله سبحانه وتعالى " لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم " (214) أي: لا معصوم من أمر الله. والعرب تقول: ليل نائم، وسر كاتم مثل قول الشاعر: ولما رأيت ...... البيت. ومعنى أثابج: جماعات. وأحمس: شديد، وفاجر: يركب فيه الفجور ولا يبق فيه محرم، أراد: مفجور فيه. (215) ونسب البيت إلى وعلة الجرمي (216) ، أو الحارث بن وعلة الجرمي. (217) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 421 وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء* تؤتي أ ُكُلها كل حين بإذن ربهاويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار" [إبراهيم 24 26] حَيٌّ بِمُنْعَرج ِالمسيلِ مُقيمُ (82) واجْتثَّ كَلمَاهُمْ عَشِيَّة َهَزْمِهمْ الشاهد: واجتث: قال المؤرج: أخذت جثها، وهي نفسها، وأنشد للبيد البيت ... وذلك في تفسير قوله تعالى " اجتثت من فوق الأرض ". والبيت للبيد بن ربيعة في ديوانه (218) ، وروايته: فَارْتَثَّ كَلماهم عشية هزمهم وإذا أخذنا بهذه الرواية، فلا شاهد في البيت. وارتث: حمل إلى أهله وبه رمق. الكلمى: الجرحى. الهزم: الهزيمة. الحي هنا: جماعة الضباع. منعرج السيل: موضع لا يصيبه السيل. يقول: جاءت الضباع إلى القتلى بعد الهزيمة فأكلتهم. والبيت من قصيدة للبيد، قيل: إنها من قصائده المبكرة، ولما سمعها النابغة قال له: أنت أشعر قيس، أو قال: هوازن كلها. وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيءٍ ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سرا وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون * وضرب الله مثلا ًرجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيءٍ وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم " [النحل: 75 76] وَعَلَى الأصْحاب كَلٌّ في السَّفر (83) أنْتَ غَاوٍ مِنْ غُواتٍ جُهَّلٍ الشاهد: " كلّ " قال المبرد: ِثقلٌ (219) ، وأنشد ... البيت. وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " ونحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 422 [الإسراء 47 48] عَصَافيرُ مِنْ هذا الأنامِ المُسَحَّرِ (84) فإنْ تَسْألِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإنَّنا الشاهد: المسحر. قال المبرد: يقال: رجل مسحور ومسحر: أي ذو نجوى وسحر. والعرب تقول: هو يسحر بكلامه، ومعناه: يعلل ويخدع (220) ، وذكر يونس في قوله تعالى: " إنما أنت من المسحرين " (221) أي: المعللين. والسحر أيضاً: الاستهواء وذهاب العقل. والسحر: صرف الإنسان عن الشيء إلى غيره. يقال: سحرته عن كذا أي صرفته عنه، وقال الله عز وجلّ " فأنّى تسحرون " أي تصرفون. والبيت للبيد في ديوانه من قصيدة قالها يذكر من فقد من قومه، ومن سادات العرب، ويتأمل في سطوة الموت، وضعف الإنسان إزاءه. (222) وعصافير: ضعاف. ومسحر: معلل بالطعام والشراب. وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً *كلتا الجنتين آتت أُكلها ولم تظلم منه شيئاً وفجرنا خلالهما نهراً * وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً * ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلباً *قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ً*لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحداً * ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولداً * فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً * أو يصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلباً * وأُحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً * ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً * هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا ". [الكهف 42 44] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 423 حِلْمٌ وَمَنْ نَالَهُ قَدْ فَازَ بالفرجِ (85) لاشَيْءَ أحْسَنُ مِنْ عِلْمٍ يزينهُ الشاهد: ومن ناله: أي من نال كل واحد منهما. واستشهد به في تفسير قوله تعالى " كلتا الجنتين آتت أُكلها " (223) فالمعنى: كلتا الجنتين آتت كل واحدة منهما أكلها، ونظيره " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " (224) أي: وجعلنا كل واحد منهما آية. والمسي والمصبح لا بقا معهْ (86) لِكُلِ هَمٍّ مِنَ الهمومِ سَعَهْ الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله أي: كل واحد منهما. (87) كأنّهن فتياتٌ زَوْرُ الشاهد: زور: قال تعالى: " أو يصبح ماؤها غوراً " (225) أي داخلا ًفي الأرض لا تناله الأيدي والدلاء، يقال: ماء غور، ومياه غور، ومنه قوله عز وجل: " قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً " (226) أي غائر، وكذلك كل ما كان من هذه الأسماء بوصف مصدره، كما يقال: رجل زور، وفطر، وصوم، أي: زائر، ومفطر، وصائم، واستشهد على ذلك بقول الشاعر: كأنهن ... والزَّورُ: الذي يزورك، ورجل زَوْرٌ، وقوم زَوْرٌ، وامرأة زَوْرَ، ونساء زَوْرٌ، يكون للواحد والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد لأنه مصدر. (227) فَلا عَطَسَتْ شَيْبَانُ إلاَّ بِأجْدَعا (88) فهُمُ صَلبُوا العَبْدِيَّ فِي جذع ِنَخْلةٍ الشاهد: في جذع نخلة، أي: على جذع نخلة، واستشهد بهذا البيت في تفسير قوله تعالى: " على ما أنفق فيها " أي: عليها، ونظيره " ولأصلبنكم في جذوع النخل " (228) أي: عليها. واستشهد بالبيت المبرد (229) فذكر أن حروف الخفض يبدل بعضها من بعض إذا وقع الحرفان في معنى في بعض المواضع قال الله جل ذكره " ... ولأصلبنكم في جذوع النخل " أي: على، ولكن الجذوع إذا أحاطت دخلت " في " لأنها للوعاء يقال: فلان في النخل، أي قد أحاط به، قال الشاعر:هم صلبوا ... البيت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 424 وورد البيت في كثير من كتب النحو والتفسير، وهو في الخصائص لامرأة من العرب (230) ، وفي لسان العرب (231) لسويد بن أبي كاهل، ونسب لسويد في شرح المغني للسيوطي (232) وجاء فيه: " هذا البيت من قصيدة لسويد بن أبي كاهل اليشكري ... هذا في كتاب منتهى الطلب وعزاه صاحب الحماسة البصرية إلى قراد بن حنش الصاردي " والبيت غير منسوب في كثير من الكتب. (233) والعبدي: نسبة الى عبد القيس، وقوله بأجدع: أي: بأنف أجدع. وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم * في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار " [النور 35 37] يغري الحَزون ويغري البيدَ والأكما (89) فانْصَاعَ كالكوكبِ الدّرّيّ مُنْصلتاً الشاهد: الدري: نسبه إلى الدر لبياضه، وقد استشهد المؤلف بهذا البيت في تفسير قوله تعالى: " كأنها كوكب دري " وقد ورد صدره في تفسير الطبري (234) على هذه الصورة: فَانْقَضَّ الكوكَبُ الدّريُّ مُنْصَلِتاً وأتى به شاهداً على معنى انقضت الدار: إذا انهدمت وسقطت، ومنه انقضاض الكوكب، وذلك سقوطه وزواله عن مكانه. والمنصلت: المسرع من كل شيء. عوذاً تَأجَّلُ بالفضاء ِبِهَامُها (90) فَالعِينُ ساكِنة ٌعلى أطلائها الشاهد: تأجل: بمعنى: تتأجل، واستشهد به المؤلف على قراءة ابن محيص " تَوَقَّدَ " بالتاء المفتوحة مع التشديد والرفع على معنى يتوقد. والبيت للبيد في ديوانه (235) ، ويروى: والوحش ساكنة، وهو من معلقته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 425 العين: بقر الوحش، والمفرد: عيناء سميت بذلك لكبر عيونها. ساكنة: آمنة مطمئنة لا تنفر. الأطلاء: الأولاد والمفرد " طلا ". العوذ: التي نتجت حديثاً، والمفرد: عائذ. تأجل: تجتمع فتصبح " إجلا ً" أي: قطيعاً. الفضاء: المتسع من الأرض. البهام: جمع بهمة، وهي من أولاد الضأن خاصة واستعارها هنا لبقر الوحش. ومعنى البيت: أنه يصف أن هذه الديار صارت مألفاً للوحوش لخلائها، يؤكد طموس الآثار بها. في السرى بالغدوّ والآصالِ (91) قرّبا مربط النعامة مني الشاهد: الآصال: جمع الأصيل، وهو بعد العصر إلى جنح الليل وقد استشهد به في تفسيره لقوله تعالى " بالغدو والآصال " وقد نسب المؤلف البيت إلى أبي نعامة. والنعامة فرس مشهورة فارسها الحارث بن عُبَاد. (236) أهذا دِينُهُ أبداً وديني؟ (92) تَقُولُ إذا دَرَأتُ لَها وضيني الشاهد: درأت، قال ابن دريد في كتاب الجمهرة (237) : هو من درأ يدرأ إذا بسط، ودرأت: بسطت، وجاء هذا الشاهد في تفسير قوله تعالى " كوكب دري " وذلك لمن همز في قوله " دري " فهومن درأ يدرأ. ويقال: درأت له وسادة: إذا بسطتها، ودرأت وضين البعير: إذا بسطته على الأرض، ثم أبركته عليه، لتشده به، وقد درأت فلاناً الوضين على البعير وداريته، ومنه قول الشاعر: تقول (238) .... البيت والبيت من شواهد الطبري (239) في تفسيره، وذلك في معنى قوله تعالى: " ... فادرءوا " الواردة في الآية 169 من سورة آل عمران، فذكر أنها بمعنى: فادفعوا من قول القائل: درأت عن فلان القتل. بمعنى: دفعت عنه، أدرؤه درءا. والبيت من شواهد المبرد (240) في معنى كلمة: الدين، فذكر أن معناه: العادة، يقال: ما زال هذا ديني ودأبي وعادتي وديدني وإجرياي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 426 وكذا في مجاز القرآن (241) ، فذكر أن مجاز " كدأب آل فرعون " كعادة آل فرعون وحالهم وسننهم، والدأب والديدن والدين واحد. والبيت للمثقب العبدي في الكامل للمبرد، ولسان العرب، وهو له من قصيدة في المفضليات (242) ومصادر أخرى كثيرة (243) ، ولكن صاحب الكشاف نسبها إلى سحيم بن وثيل الرياحي (244) . والبيت قاله الشاعر حكاية عن ناقته؛ فقد رآها في حال من الجهد والكلال فقضى عليها بأنها لو كانت ممن تقول الكلام لقالت مثل الذي ذكر (245) . وجاء في اللسان عن الجوهري (246) : الوضين للهودج بمنزلة البطان للقتب، والتصدير للرحل، والحزام للسرج، وإذا كان مضفوراً من سيور مضاعفاً عريضاً فهو وضين والجمع وضن. (93) يا أيها الداريّ كالمنكوفِ الشاهد: الداري، قال قطرب: هو من ظهوره، أي: هو أظهر من جميع الكواكب. تقول العرب: درأ البعير: إذا ظهرت غدته، وأنشد ... البيت وجاء ذلك في تفسير قوله تعالى:" ... كوكب دري ". وورد هذا البيت في لسان العرب (247) ونسبه إلى رؤبة، قال ابن الأعرابي: درأ البعير يدرأ دروءاً فهو دارئٌ: أغد وورم ظهره، فهو دارئٌ، وكذلك الأنثى: دارئٌ بغير هاء. قال ابن السكيت: ناقة دارئٌ: إذا أخذتها الغدة من مِراقها، واستبان حجمها. قال: ويسمى الحجم دَرْءاً بالفتح، وحجمها: نتوؤها، والمراق: بتخفيف القاف: مجرى الماء من حلقها، واستعاره رؤبة للمنتفخ المتغضب، فقال: يا أيها الداريّ كالمنكوفِ والمتشكّي مَغْلة المحجوفِ جعل حقده الذي نفخه بمنزلة الورم الذي في ظهر البعير. والمنكوف: الذي يتشكى نَكفَتَهُ، وهي أصل اللِّهْزِمَة. والشعر له في ديوانه ص178 مِنَ الشرّ ما فيهِ مُسْتكرَه (94) لِبَيْتكَ إذ بَعْضُهُم بَيْته الشاهد: لبيتك: أي: إلى بيتك، وجاء ذلك في تفسير قوله تعالى: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 427 " يهدي الله لنوره من يشاء " يعني: إلى نوره، ونظيره " بأن ربك أوحى لها " (248) أي: إليها، وقوله " هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان " (249) أي: إلى الكفر وإلى الإيمان. ونسب المؤلف البيت إلى الأعشى، ولم أعثر به في ديوانه. وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلا ًونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم * الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون " [يس 77-80] كِ خَالَط َمِنْهُنَّ مَرْخٌ عُفارَا (95) زِنادُكَ خَيْرُ زِنادِ الملو الشاهد: مرخ عفارا: وهما نوعان من الشجر النار فيهما أكثر من الأشجار الأخرى، وقد أجمع الناس على أن كل شجر فيه نار إلا العنّاب. واستشهد بهذا البيت في تفسير قوله تعالى: " الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً " قال ابن عباس: هما شجرتان، يقال لأحدهما المرخ، وهي ذكر، والأخرى: العفار، وهي أنثى، فمن أراد منهما النار قطع منهما مثل المسواكين، وهما خضراوان، فيسحق المرخ على العفار فخرجت منهما نار بإذن الله تعالى. والعرب تضرب بهما المثل في الشرف العالي، فتقول: في كل الشجر نار، واستمجد المرخ والعَفار، أي كثرت فيهما على ما في سائر الشجر. واستمجد: استكثر، وذلك أن هاتين الشجرتين من أكثر الشجر ناراً وزنادهما أسرع الزناد ورياً، وفي المثل: اقدح بعَفارٍ أو مَرْخ ٍ ثم اشدد إن شئت أو أرخ. (250) والبيت للأعشى من قصيدة في مدح قيس بن معدي كرب (251) ، وهو يخاطب ممدوحه في هذا البيت قائلا ً له: إنك لأورى الملوك زناداً تتوقد ذكاءً وتتحفز يقظة ونشاطاً كأنك الزند ينقدح في شجر " المرخ " و " العفار " السريع الاشتعال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 428 وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون * ضرب الله مثلا ًرجلا ًفيه شركاء متشاكسون ورجلا ًسلماً لرجل ٍ هل يستويان مثلا ًالحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون " [الزمر 27-29] تكونُ مُخَالِفاً شَكِساً أبِيا (96) أراكَ مُوافِقاً حِيناً وَحِيناً وأحياناً تُصادَفُ أجنبيا فأحياناً تكونُ أخاً وخِلا الشاهد: شكساً: يقال: رجل شكس: إذا كان يخالف الناس وينازعهم، وأصل الشكاسة: سوء الخلق. وجاء في لسان العرب (252) : الشكس والشكس والشرس، جميعاً: السيء الخلق في المبايعة وغيرها. وتشاكس الرجلان: تضادا. وقد نسب المؤلف البيتين لأبي سعيد أحمد محمد. (253) وهو يصف أحد الأشخاص بأنه يكون موافقاً وأحياناً يكون مخالفاً سيء الخلق، وأحياناً يكون صديقاً وأخاً وأحياناً يكون عدواً. وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا ً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع ٍأخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً " [الفتح: 29] بِبُرْهَانِهِ والله أعْلا وأمْجَدُ (97) ألمْ تَرَ أنَّ الله فَضَّلَ أحْمَداً فَذو العرشِ مَحمودٌ وهذا محمدُ وشق لَهُ مِنْ اسْمِه لِيُجِلهُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 429 الشاهد فيه: معنى محمد: من أكثر حمده؛ لأن التفضيل تكثير الفعل نحو قوله: " وغلقت الأبواب " (254) فاسمه كرامة، واسم سائر الأنبياء علامة. قال ابن عباس: اسمه في السماء أحمد، وفي الأرض محمد. وأما أحمد، فإن الحسين ابن الفياض قال: الأنبياء كلهم حامدون، ونبينا صلى الله عليه وسلم أحمد منهم، أي: أكثر حمداً، كما تقول: رجل عالم وهذا أعلم منه. ونسب المؤلف الشعر إلى العباس بن عبد المطلب عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم (255) وروي البيت الثاني لأبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في ديوانه (256) .والبيت الثاني مطلع قصيدة لحسان بن ثابت في ديوانه. (257) تُبْغِضْ أخاه أبا بكرٍ فَقَدْ نَصَرهْ (98) يا صاحِ إنْ كُنْتَ أحْبَبْتَ النبيَّ فلا كما بِحُبِ أبي حَفْصٍ فلنْ أذرَهْ إني بِحُبِ أبي بكرٍ أدينُ بهِ فرض وحبّ علي قاتل الكفرهْ وحبّ عثمان ذي النورين يا سكني فكلهم طائعٌ لله قدْ شَكرَهْ أكرم بطلحة والزبير معاً قد عظّمَ اللهُ في أصحابهِ خَطرهْ واذكُرْ سعيداً وسعداً في فِعالهما عبيدةٍ ذي النُّهى واعْرِفْ له أثرَهْ واذكُرْ فعالَ ابن ِعَوْفٍ والتقيّ أبا فبايعوهُ على نُصْح ٍلذي الشَجَرهْ مدّوا إلى أحمدَ بالسّمْعِ أيْدِيَهُمْ بِجَنّةٍ هُيِّئَتْ للسَّادَةِ البرَرَهْ إنّ النبيّ رسولُ الله بَشَّرَهمْ تسمعْ بِفَضْلِهمْ والله قد ذكرهْ السّادة القادة الغُرّ الكرام ألمْ صلّى الإلهُ على مَنْ يبغض العشره صَلّى الإلهُ عَلى رُوحِ النبي ولا الشاهد: في تفسير المؤلف لقوله تعالى " ليغيظ بهم الكفار " قال: وفي ظاهر الآية على أن من أبغض الصحابة لم يأمن من الكفر، ثم أنشد هذه الأبيات ونسبها إلى علي الخيري، وقد أنشده إياها ابنه أبو منصور مهلهل بن علي الخيري. (258) وواضح أنه في هذه الأبيات يتحدث عن المبشرين بالجنة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 430 وأنشد في توضيح المثل في قوله تعالى: " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين " [الجمعة: 5] بجيّدِها إلاّ كعِلْم ِالأباعرِ (99) زَوامِلُ للأشعَارِ لا عِلْمَ عِنْدَهُمْ بِأسْفَارِهِ أو راحَ مَا في الغَرائرِ لعمركَ ما يدري المطيّ إذا غدا الشاهد: تمثل بهما المؤلف عند تفسيره لقوله تعالى " كمثل الحمار يحمل أسفاراً " تقول العرب: كتبت الكتاب، وسفرته، وخططته، ونمقته، وزبرته، وذبرته: إذا كتبته. نسب المؤلف البيتين إلى أبي سعيد الضرير يهجو قوماً. (259) وهما لمروان بن أبي حفصة في مجموع شعره (260) ، وهو يهجو رواة الشعر بأنهم لا يعلمون ما هو على كثرة استكثارهم من روايته، ورواية الثاني: لعمرك ما يدري إذا غدا الزوامل: جمع زامل وهو البعير يحمل المتاع وغيره. الأباعد: جمع بعيد. الغرائر: جمع غرارة وهي الأوعية التي تسمى الجوالق. الهوامش والتعليقات (1) مجموع أشعار العرب ص 104. ورؤبة بن العجاج البصري الشاعر، ولد حوالي سنة 65هـ، وعاش معظم أيامه في البادية، توفي عام 145هـ. له ديوان شعر ليس فيه إلا الأراجيز، مدح الأمويين وأثبت ولاءه لهم، ثم مدح أبا جعفر المنصور وغيره من الأمراء العباسيين. (2) سورة محمد: 15، والرعد: 35. (3) أمثال القرآن ص: 2. (4) لسان العرب: مادة: عسق. (5) نفسه مادة: عشق. (6) نفسه مادة: فرك. (7) البقرة: 137. (8) أمثال القرآن ص 2. (9) الشورى: 11. (10) أمثال القرآن ص 2. (11) ديوانه 1 /64. والوليد بن عبيد البحتري، غلب عليه لقب البحتري نسبة إلى عشيرته الطائية بحتر، شاعر عباسي ولد سنة 204 هـ بمنبج إلى الشمال الشرقي من حلب، فتح له المتوكل أبوابه فمدحه بقصائد كثيرة، وله قصيدة مشهورة في رثائه، توفي سنة 284 هـ، وله ديوان مطبوع. (12) أمثال القرآن ص 2. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 431 (13) شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ص 13، وزهير شاعر جاهلي ولد في بلاد مزينة بنواحي المدينة، وقد عده النقاد حكيم الشعراء في الجاهلية، وهو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء، عاش في كنف خاله بشامة بن الغدير، وزهير من أصحاب المعلقات، وقد جمعت اشعاره في ديوان شرحه ثعلب، توفي قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم. (14) لسان العرب مادة: مثل، والبيت في اللسان ونسبه إلى زهير بن أبي سلمى، وأخل به شرح ديوان زهير. والبيت لذي الرمة في ديوانه 2/631. (15) طه: 63. (16) لسان العرب مادة: ردغ. (17) سورة سبأ: 13. (18) لسان العرب مادة: ضوء. (19) والبيت له في لسان العرب مادة: ضوء، والبحر المحيط 1/78، وروايته فيهما: ولدت بدل ظهرت، والعباس بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم. (20) الزمر: 33. (21) الزمر: 33. (22) تحصيل عين الذهب ص 151. (23) لسان العرب مادة: تصغير ذواتا. (24) سيأتي ذكر هذا الشاهد. (25) سيأتي ذكر هذا الشاهد. (26) الأنعام: 154. (27) مجموع شعر الأشهب بن رميلة ص 191 وانظر تخريجه هناك. والأشهب بن رميلة من شعراء الدولة الأموية جعله ابن سلام من شعراء الطبقة الرابعة الإسلاميين، وهو من الشعراء المغمورين، وله خبر في يوم صفين ذكره الجاحظ في البيان والتبيين، وكان بينه وبين الفرزدق مهاجاة. (28) البقرة: 257. (29) ديوانه ص 223، وحسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو من المخضرمين، عاش في المدينة يدافع عن الإسلام والمسلمين، وقد اتفق الرواة والنقاد أنه أشعر أهل المدر في عصره، وقد خلف ديواناً ضخماً دخله بعض الانتحال، حقق وطبع عدة مرات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 432 (30) ديوانه ص 40، وكعب بن زهير من الشعراء المخضرمين، أبوه زهير بن ابي سلمى الشاعر المعروف، وقد أسلم بعد فتح مكة، إذ قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وبايعه على الإسلام، وأنشده قصيدته اللامية الخالدة، فكساه النبي صلى الله عليه وسلم بردته، ولقبت القصيدة من أجلها بالبردة، وله ديوان مطبوع. (31) السيرة النبوية لابن هشام 1/191. (32) أمثال القرآن ص 5. (33) ص 330، والآية في آل عمران: 195. (34) 1/242. (35) البقرة: 186. (36) 4/225. (37) 2/241. (38) البيت لكعب بن سعد الغنوي، يقال له كعب الأمثال لكثرة ما في شعره من الأمثال، عده بعض المؤلفين من الجاهليين، وعده آخرون من الإسلاميين، والبيت من مرثية له في أخيه وهي في أمالي القالي وانظر البيت في تأويل مشكل القرآن ص 230، وأمالي المرتضي 3/60، والبحر المحيط 2/47، والحماسة البصرية 1/24، والأصمعيات ص 96، وخزانة الأدب للبغدادي 4/375، ولسان العرب مادة: جوب. (39) شرح أبيات سيبويه 1/300، وتحصيل عين الذهب ص 249. (40) ص 162. (41) 4/322. (42) تحصيل عين الذهب ص 269. (43) ديوانه ص 162، والنابغة الذبياني هو زياد بن معاوية، كنيته أبو أمامة، وابو ثمامة، وهما ابنتاه، جعله ابن سلام في الطبقة الأولى من الشراء الجاهليين، اتصل في حياته بالمناذرة والغساسنة، كان يحكم بين الشعراء في سوق عكاظ، كان عمر بن الخطاب وعبد الملك بن مروان يعجبان بشعره وله ديوان مطبوع، توفي قبل سنة 608. (44) الأحزاب: 61. (45) أمثال القرآن ص 5. (46) نسب المؤلف البيتين لقعنب بن أم صاحب، وهما له في شواهد الكشاف ص547وحماسة ابي تمام مقطوعة رقم 612، ومغني اللبيب 692، وشرح الأشموني 4/17، والاقتضاب في أدب الكتاب 292، وقعنب بن أم صاحب الفزاري اشتهر بنسبته إلى أمه، وهو شاعر مجيد مقل، من الشعراء الأمويين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 433 (47) ديوان مسكين بن عارم الدارمي ص 13 وانظر تخريجه هناك (48) ديوان شعر حاتم بن عبد الله الطائي وأخباره ص 313، مقطوعة رقم 7، ومسكين بن عارم الدارمي شاعر إسلامي مشهور، واسمه ربيعة، ومسكين لقب غلب عليه، شارك بشعره في الدعوة ليزيد بن معاوية بالخلافة، له مهاجاة مع الفرزدق وله ديوان شعر مطبوع. (49) لم أستطع تعرف المؤلف والكتاب، وقد ورد هذا القول في كتاب أمثال القرآن ص 6. (50) إعراب القرآن 1/428. (51) البيت غير منسوب في لسان العرب مادة: زبى وفي مادة: تصغير ذواتا، والبيت دون عزو في الكامل ص 12، وخزانة الأدب للبغدادي 2/498. (52) تحصيل عين الذهب ص 150. (53) المبرد 4/146. (54) ديوان الأخطل، وانظر تخريجه هناك. والأخطل هو غياث بن غوث التغلبي، ولد حوالي سنة 20 هـ من أب وأم نصرانيين، نشأ نصرانياً وظل حياته على دينه، ولم يدخل الإسلام، كان يكثر من الهجاء فلقبه أحد الشعراء بالأخطل ومعناه: السفيه، وهو من شعراء النقائض في العصر الأموي، اتصل بعبد الملك بن مروان، وله فيه مدائح كثيرة، توفي سنة 92 هـ. (55) 6/14. (56) أمية بن الإسكندر الكناني: هو أمية بن حرثان بن الإسكندر بن عبد الله بن سرابيل الموت، شاعر فارس مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وكان من سادات قومه وفرسانهم، وله أيام مأثورة مذكورة. (57) 2/422. (58) شرح أبيات سيبويه 2/92 ز (59) تحصسل عين الذهب ص 381. (60) شرح ديوان الفرزدق ص 870، والفرزدق شاعر أموي من شعراء النقائض، نشأ في بيت كربم وكان لذلك أثر عميق في نفسه، مدح خلفاء بني أمية، وله ديوان شعر مطبوع، توفي شنة 114 هـ (61) هكذا ورد البيت في الأصل وصدره من المنسرح وعجزه من الوافر وربما يكون البيت على هذه الصورة وسيبك حين تذكره كصيب ليلة هطل (62) 1/532. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 434 (63) البيت في شرح ديوان علقمة بن عبدة الفحل ص24، ولقب بالفحل لأنه خلف على امرأة امرئ القيس لما حكمت له على امرئ القيس بأنه أشعر منه في صفة فرسه، فطلقها، فخلفه عليها، وقيل غير ذلك، نشأ في بادية نجد في قومه تميم، حظيت قصائده بمكانة مرموقة بين شعراء عصره، وعلقمة من فرسان قبيلته المشهورين، توفي قبل الإ سلام بأعوام عديدة. (64) أمثال القرآن ص 6. (65) نفسه ص 9. (66) ص 279. (67) ديوانه ص 37، وتوبة بن الحمير الخفاجي، من خفاجة وهم بطن من بني عقيل بن كعب، وقيل: كان توبة شريراً كثيرة الغارة على بني الحارث بن كعب وخثعم وهمدان، وذلك في أيام الدولة الأموية، شهر توبة بليلى وشهرت به، وخطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجه إياها، وعلى ما يبدو أنه قتل حوالي سنة 70 هـ (68) أمثال القرآن ص 9، والبيت في شرح شواهد الشافية ص 202، وشرح الأشموني 4/205، وشرح المرزوقي لحماسة أبي تمام 1750، ونسب إلى الشماخ ولم أعثر به ديوانه. (69) إعراب القرآن للنحاس 3/363. (70) تحصيل عين الذهب ص 220، وشرح أبيات سيبويه 1/209 (71) الكامل 1/88. (72) يوسف: 82. (73) تحصيل عين الذهب ص 220 (74) ديوانه ص 84، والعجاج هو عبد الله بن رؤبة التميمي من شعراء الرجز في العصر الأموي، سخر أراجيزه في مدح الخلفاء الأمويين، وأراجيزه مليئة بشوارد اللغة، وله أراجيز كثيرة في وصف الصحراء (75) لسان العرب مادة: زلف. (76) تفسير الطبري 12/129. (77) تحصيل عين الذهب ص 220. (78) أمثال القرآن ص 9. (79) إعراب القرآن: 3/363. (80) الانشقاق: 1. (81) الانفطار: 1. (82) معاني القرآن: 1/128. (83) إعراب القرآن: 3/363. (84) انظر البيت في إعراب القرآن للنحاس 3/363، ومعاني القرآن للفراء 1/128، وتفسير الطبري 29/139، ولسان العرب مادة: سما. (85) 2/192. (86) لسلن العرب مادة: سنب. (87) ديوان ذي الرمة 2/1337، وانظر تخريجه هناك. (88) 2/187. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 435 (89) شرح أبيات سيبويه 2/221. (90) الحجرات: 4. (91) ص 415. (92) جاء في هامش تحصيل عين الذهب ص531: يعني الكسائي. (93) تحصيل عين الذهب ص 531. (94) شعره ص 92، وانظر تخريجه هناك، وعمرو بن شأس الأسدي شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وكان أكثر أهل طبقته شعراً، أسلم وشهد القادسية. (95) تحصيل عين الذهب ص 438، والكتاب 1/478. (96) ص 534. (97) البقرة: 71. (98) المقتضب 3/75. (99) الحلل ص 521. (100) الإيضاح العضدي 1/78. (101) ملحق ديوانه ص 172. (102) أمثال القرآن: ص10. (103) ديوانه (104) البقرة: 20. (105) أمثال القرآن ص 10. (106) إبراهيم: 43. (107) النساء: 4. (108) شرح أبيات سيبويه 1/247، والكتاب 1/108. (109) المقتضب 2/169. (110) إعراب القرآن للنحاس هامش 3/89. (111) الزخرف: 33. (112) إعراب القرآن هامش 3/89. (113) نفسه، الجزء والصفحة. (114) الحج: 5. (115) طبعة بولاق 3/ 379. (116) شرح أبيات سيبويه 1/ 247، وانظر البيت في: الكتاب 1/ 108، وتحصيل عين الذهب ص 165، ومعاني القرآن 1/ 307، والمقتضب 2/ 172، والأمالي الشجرية 1/ 311، وابن يعيش 6/ 21، وإعراب القرآن 3/ 89. (117) معاني القرآن 1/ 307. (118) ص 431. (119) النمل: 22. (120) تفسير الطبري 14/ 117. (121) ديوان جرير ص 325. (122) مادة: حيا. (123) لسان العرب مادة: علل. (124) مادة: رقب. (125) 2/ 287. (126) الكامل 1/ 322، 1/ 350. (127) مادة: حيا. (128) المزمل: 20. (129) النساء: 101. (130) شرح ديوانه ص 114، وطرفة بن العبد شاعر جاهلي، من أصحاب المعلقات، واسمه الحقيقي عمرو، توفي والده وهو صغير، أنفق أمواله على لهوه وملذاته، قصد عمرو بن هند وأخاه قابوسا ً ومدحهما ثمّ هجاهما، قتله عامل البحرين في قصة مشهورة بناء على طلب عمرو بن هند. (131) ديوانه ص 29. (132) لسان العرب: مادة: عرقب، وانظر ديوان كعب بن زهير ص 29. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 436 (133) النحل: 112. (134) النحل: 76 (135) 1/201 (136) شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ص 42 وما بعدها. (137) نفسه 42 44. (138) أمثال القرآن ص 12. (139) معاني القرآن 1/22. (140) نفسه 1/23. (141) تهذيب شرح شواهد المغني 1/320. (142) معاني القرآن 1/22. (143) 1/206. (144) مادة: فسق. (145) الكتاب 1/49، وانظر شرح أبيات سيبويه 1/271، وتحصيل عين الذهب ص 103 (146) ملحق ديوان رؤبة ص 190 (147) أمثال القرآن ص 12. (148) 3/129. (149) نفسه. (150) ص 54. (151) الجاثية: 14. (152) 1/163. (153) 3/129. (154) 11/335. (155) النحل: 30. (156) أمثال القرآن ص 12، وانظر معاني القرآن 1/22. (157) شرح أبيات سيبويه 1/372، والكتاب 1/269. (158) ص 274. (159) ص 289. (160) 1/269 (161) مادة: من. (162) وانظر البيت في أمالي ابن الشجري 2/169، والمفصل 4/12. (163) الكتاب 1/282، وشرح أبيات سيبويه 1/26، وتحصيل عين الذهب 283. (164) ديوان النابغة الذبياني ص 162. (165) انظر شرح أبيات سيبويه 1/26. (166) ص 234. (167) يوسف: 82. (168) مادة ويب. (169) اسمه قرط ويقال: ذو الخرق بن قرط أخو بني سعيدة بن عوف بن مالك بن حنظلة، شاعر فارس، ويقال: هو خليفة بن عامر بن حميري، ولقب بذي الخرق لأبيات قالها وذكر المرزباني أن له اشعاراً جياداً في كتاب بني طهية. انظر معجم الشعراء 109، 119. (170) ص 234. (171) مادة: نعق. (172) نفسه. (173) ديوان الأخطل 1/126. (174) أمثال القرآن ص 13. (175) مادة: ندى. (176) مادة: ودى. (177) معاني القرآن 1/100 (178) مادة: صمم. (179) تفسير الطبري 8/222. (180) مادة سبا (181) هو: علباء بن أرقم اليشكري له ذكر في المؤتلف والمختلف للآمدي ص 304، وله ذكر مع النعمان بن المنذر. (182) ص180. (183) مادة: ربب. (184) يوسف: 41. (185) أمثال القرآن ص 16. (186) نفسه. (187) نفسه ص 17. (188) مادة: صلد. (189) مادة: جله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 437 (190) 1/357. (191) مادة: سبل. (192) ديوان الأعشى ص 362، والأعشى ميمون بن قيس، ولد باليمامة في قرية تدعى " منفوحة " لقب بالأعشى لضعف بصره، كان راوية لخاله المسيب بن علس، اقترن عند القدماء بشعر الخمر، فعدوه أشهر شعرائها بين الجاهليين، رحل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ظهر الإسلام ولكنه لم يسلم، دافع في شعره عن قبيلة بكر في يوم " ذي قار " الذي انتصرت فيه " بكر " على جيوش الفرس، جعله ابن سلام في الطبقة الأولى من الشعراء الجاهليين، له ديوان طبع عدة مرات. (193) لسان العرب: مادة: نكد. (194) التبيان في شرح الديوان 1/375. (195) هذا القول لابن جني، السابق. (196) هذا القول للخطيب التبريزي، السابق. (197) أمثال القرآن ص 26. (198) نفسه. (199) نفسه. (200) نفسه. (201) نفسه. (202) انظر الإيضاح العضدي 1/88 وهامش الصفحة نفسها. (203) 2/148. (204) ديوان جرير ص 135. (205) القصص: 8. (206) أمثال القرآن ص 27. (207) ديوان أبي العتاهية ص 128. (208) نفسه ص46. (209) شرح الفصيح في اللغة ص 295 وما بعدها، وورد البيت في إصلاح المنطق ص 168، والبيان والتبيين 1/185، والمحكم 3/17، والمخصص 16/129 وتهذيب اللغة 4/84، وشرح المفصل لابن يعيش 4/143، ولسان العرب: مادة: خصا. (210) أمثال القرآن ص 29. (211) ديوان رؤبة ص 25. (212) أمثال القرآن ص 30. (213) ص 296. (214) هود: 43. (215) المعاني الكبير 2/946. (216) الأصمعيات ص 198، المعاني الكبير 2/946، العقد الفريد 5/231، الأغاني 15/77، النقائض 1/155، خزانة البغدادي 1/199. (217) المفضليات ص 166، الأزمنة والأمكنة 2/308، ووعلة بن الحارث الجرمي، والحارث ابن وعلة الجرمي شاعران جاهليان لهما ذكر في معجم الشعراء للمرزباني ص 196. (218) ديوان لبيد ربيعة ص192. (219) أمثال القرآن ص 36. (220) الفاخر ص 174. (221) الشعراء: 153. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 438 (222) ديوان لبيد بن ربيعة ص 103. (223) الكهف: 33. (224) المؤمنون: 50. (225) الكهف: 41. (226) الملك: 30. (227) لسان العرب مادة: زور. (228) طه: 71. (229) الكامل 2/82. (230) الخصائص 2/213. (231) مادة: عبد. (232) شرح شواهد المغني 64. (233) أدب الكاتب ص 502، والاقتضاب ص 431، والبحر المحيط 6/261، وتفسير الطبري 6/141، والصاحبي ص 128، والكامل 2/71، ومجاز القرآن 2/24. (234) 15/228، وجاء في هامشه: " هذا صدر بيت لذي الرمة " ولم أعثر به في ديوانه. (235) ديوانه ص 203 (236) لسان العرب مادة: ربط. (237) 2/305. (238) لسان العرب مادة: درأ. (239) 4/169. (240) الكامل 1/193. (241) 1/247. (242) ص 586. (243) انظر مثلا: أمالي اليزيدي 114، والصناعتين 86، وتأويل مختلف الحديث ص 82 والمثقب العبدي اسمه: عائذ بن محصن، وقيل: شأس بن عائذ بن محصن، سمي بالمثقب ببيت قاله، وهو شاعر جاهلي من البحرين. (244) ص 550. (245) تأويل مشكل الحديث ص 107. (246) لسان العرب مادة: وضن. (247) مادة: درأ. (248) الزلزلة: 5. (249) آل عمران: 167. (250) لسان العرب مادة: عفر. (251) ديوانه ص 146. (252) مادة: شكس. (253) أمثال القرآن ص 445. (254) يوسف: 23. (255) أمثال القرآن ص 47. (256) ص 37. (257) ديوانه ص 92. (258) أمثال القرآن 48. (259) نفسه ص 49 (260) ص 58. المصادر والمراجع (1) إصلاح المنطق: ابن السكيت، يعقوب بن إسحاق، تحقيق، أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف بمصر 1949م. (2) الأصمعيات: الأصمعي، عبد الملك بن قريب، تحقيق، أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف بمصر (3) الاقتضاب في شرح أدب الكتاب: البطليوسي، عبد الله بن محمد بن السيد، المطبعة الأدبية، بيروت 1901 م. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 439 (4) إعراب القرآن: النحاس، أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل ن تحقيق، د. زهير غازي زاهد، مطبعة العاني ببغداد. (5) الأمالي الشجرية: ابن الشجري، أبو السعادات هبة الله، حيدر أباد 1349. (6) أمالي المرتضي: المرتضين علي بن الحسين، تحقيق، محمد أبي الفضل إبراهيم، القاهرة 1954 م. (7) الإيضاح العضدي: الفارسي، أبو علي الحسن بن أحمد، تحقيق، د. حسن الشاذلي فرهود، مطبعة دار التأليف بمصر. (8) البحر المحيط: أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. (9) البيان والتبيين: الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، تحقيق، عبد السلام هارون، القاهرة. (10) تأويل مشكل القرآن: ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم، شرح، السيد أحمد صقر، المكتبة العلمية ببيروت 1401 1981. (11) ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح أبي البقاء العكبري المسمى بالتبيان في شرح الديوان، تحقيق مصطفى السقا وأصحابه، دار المعرفة ببيروت. (12) تحصيل عين الذهب في معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب: الأعلم الشمنتري، أبو الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى، حققه وعلق عليه، د. زهير عبد المحسن سلطان، دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد 1992م. (13) جامع البيان في تفسير القرآن: الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، دار المعرفة ببيروت 1398هـ 1978م. (14) الجامع لأحكام القرآن: القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ببيروت 1387 1967 م. (15) الحلل في شرح أبيات الجمل: البطليوسي، عبد الله بن محمد بن السيد، دراسة وتحقيق، د. مصطفى إمام، مكتبة المتنبي بالقاهرة 1979 م. (16) الحماسة: الطائي، أبو تمام حبيب بن أوس، تحقيق >. عبد الله بن عبد الرحيم عسيلان، إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض 1401 1981 م. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 440 (17) الحماسة البصرية: البصري، صدر الدين بن أبي الفرج بن الحسين، تحقيق، د. مختار الدين أحمد، حيدر أباد الهند 1383 هـ 1964 م. (18) خزانة الأدب: البغدادي، عبد القادر بن عمر، بولاق 1299 هـ. وخزانة الأدب للبغدادي، تحقيق وشرح، عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي بالقاهرة ودار الرفاعي بالرياض. (19) الخصائص: ابن جني، أبو الفتح عثمان، تحقيق، محمد علي النجار، دار الهدى للطباعة والنشر ببيروت. (20) ديوان الأعشى، دار صادر ببيروت. (21) ديوان أمية بن الصلت الثقفي جمع وتحقيق ودراسة، صنعة، د. عبد الحفيظ السطلي 1974 م. (22) ديوان البحتري، تحقيق، حسن كامل الصيرفي، دار المعارف بمصر. (23) ديوان توبة بن الحميّر الخفاجي، تحقيق، خليل إبراهيم العطية، مطبعة الإرشاد ببغداد 1387 هـ 1968م (24) ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، دار بيروت للطباعة والنشر 1398 هـ 1978م. (25) ديوان ذي الرمة: تحقيق، د. عبد القدوس أبو صالح، من مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1392هـ (26) ديوان شعر حاتم الطائي ك دراسة وتحقيق، د. عادل سليمان جمال، مطبعة المدني بالقاهرة. (27) ديوان أبي طالب عم النبي صلى الله غليه وسلم: تحقيق، محمد التونجي، دار الكتاب العربي ببيروت 1414هـ 1994. (28) ديوان أبي العتاهية: دار صادر ببيروت. (29) ديوان العجاج: تحقيق د. عزة حسن، دار الشرق ببيروت. (30) ديوان كعب بن زهير: تحقيق، د. حنا نصر الحتي، دار الكتاب العربي ببيروت 1414هـ 1994م. (31) ديوان لبيد بن ربيعة: تحقيق، د. حنا نصر الحتي، دار الكتاب العربي ببيروت 1414هـ 1993 م. (32) ديوان مسكين بن عارم الدارمي: جمع وتحقيق، خليل إبراهيم العطية، وعبد الله الجبوري، مطبعة دار البصرة ببغداد 1389هـ 1970 م. (33) ديوان النابغة الذبياني: جمع وتحقيق وشرح الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، نشر الشركة التونسية للتوزيع 1976م. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 441 (34) السيرة النبوية لابن هشام: تحقيق مصطفى السقا وأصحابه، مكتبة الحلبي بالقاهرة 1375هـ 1955م. (35) شرح أبيات سيبويه: السيرافي،أبو محمد يوسف بن ابي سعيد الحسن بن عبد الله المرزبان، تحقيق، محمد علي الريح هاشم مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة 1394 هـ 1974 م. (36) شرح الأشموني على ألفية بن مالك: الأشموني، علي بن محمد، تحقيق، محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر. (37) شرح ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس: تحقيق، جنا نصر الحتي، دار الكتاب العربي ببيروت 1414 هـ 1994 م. (38) شرح ديوان جرير: تأليف، محمد بن إسماعيل الصافي، دار الأندلس للطباعة والنشر ببيروت. (39) شرح ديوان زهير بن أبي سلمى: تحقيق، د. حنا نصر الحتي، دار الكتاب العربي ببيروت 1412هـ 1992 م (40) شرح ديوان طرفة بن العبد: تحقيق د. سعدي الضناوي، دار الكتاب العربي ببيروت 1414هـ 1994 م (41) شرح ديوان علقمة بن عبدة الفحل: تحقيق د. حنا نصر الحتي، دار الكتاب العربي ببيروت 1414هـ1993م. (42) شرح ديوان الفرزدق: جمع وتعليق، عبد الله إسماعيل الصاوي، مطبعة الصاوي بمصر 1963 م. (43) شرح شواهد الشافية: عبد القادر البغدادي، تحقيق، محمد نور الحسن وأصحابه، دار الكتب العلمية ببيروت 1975 م. (44) شرح شواهد المغنش: السيوطي، الإمام جلاال الدين، تصحيح الشيخ محمد محمود الشنقيطي، المطبعة البهية بمصر 1322 هـ. (45) شرح الفصيح في اللغة: أبو منصور بن الجبان، تحقيق، د. عبد الجبار جعفر القزاز، دار الشؤون الثقافية ببغداد. (46) شعر الأخطل أبي مالك غياث بن غوث التغلبي، تحقيق د. فخر الدين قباوة، دار الآفاق الجديدة بيروت 1399هـ 1979 م. (47) شعر الأشهب بن رميلة، ضمن كتاب: شعراء أمويون، تحقيق، د. نوري حمودي القيسي، مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد 1402هـ 1982 م. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 442 (48) شعر عمرو بن شأس الأسدي: تحقيق، يحيى الجبوري، مطبعة الآداب بالنجف الأشرف 1396 هـ 1976 م (49) العقد الفريد: ابن عبد ربه، أبو عمر أحمد بن محمد، تحقيق أحمد أمين وأصحابه، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة 1381 هـ 1962 م. (50) الفاخر: أبو طالب المفضل بن سلمة بن عاصم، تحقيق، عبد العليم الطحاوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة 1974 م. (51) الكامل في اللغة والأدب: المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد، مؤسسة المعارف ببيروت. (52) الكتاب: سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان، تحقيق، عبد السلام هارون، القاهرة. (53) لسان العرب: ابن منظور، محمد بن مكرم، مطبعة دار الشعب بالقاهرة. (54) مجاز القرآن: أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي ن تحقيق، د. محمد فؤاد سزكين، مؤسسة الرسالة بيروت 1401هـ 1981 م. (55) مجموع أشعار العرب وهو مشتمل على ديوان رؤبة بن العجاج وعلى أبيات مفردات منسوبة إليه، تصحيح وترتيب وليم بن الورد البروسي، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1979 م. (56) معاني القرآن: الفراء، أبو زكريا يحيى بن زياد، عالم الكتب، بيروت، 1980 م. (57) معاني القرآن وإعرابه: الزجاج، شرح د. عبد الجليل عبده شلبي، منشورات المكتبة العصرية، صيدا لبنان (58) المخصص: ابن سيده، بولاق 1318هـ. (59) المعاني الكبير، ابن قتيبة، حيدر أباد 1949. (60) معجم الشعراء: المرزباني، أبو عبيد الله محمد بن عمران، مكتبة القدسي 1402هـ 1982 م. (61) المفصل في علم العربية: الزمخشري، دار الجيل، بيروت. (62) المقتضب: المبرد، تحقيق، محمد عبد الخالق عضيمة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة 1399 هـ. (63) النقائض نقائض جرير والفرزدق: أبو عبيدة معمر بن المثنى، ليدن 1905 م. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 443 فن التوقيعات الأدبية في العصر الإسلامي والأموي والعباسي د. حمد بن ناصر الدخيل الأستاذ المشارك في كلية اللغة العربية - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ملخص البحث تعد التوقيعات فنًا أدبيًا من فنون النثر العربي، ارتبطت نشأتها وازدهارها بتطور الكتابة. والتوقيع عبارة بليغة موجزة مقنعة، يكتبها الخليفة أو الوزير على ما يرد إليه من رسائل تتضمن قضية أو مسألة أو شكوى أو طلب. والتوقيع قد يكون آية قرآنية، أو حديثًا نبويًا، أو بيت شعر، أو حكمة، أو مثلاً، أو قولاً سائرًا. ويشترط أن يكون ملائمًا للحالة أو القضية التي وُقِّع فيها، فهو مرتبط بفن توجيه المعاملات الرسمية في الإدارة الحديثة. ورأيت أن هذا الفن الأدبي لم ينل حظه من عناية الأدباء والدارسين، على الرغم من أهميته، فأعددت هذا البحث الموجز الذي يتضمن التعريف به، والحديث عن نشأته وتطوره، وأفول نجمه، وهو توطئة لكتاب يتناول هذا الفن بشيء من التفصيل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 444 عرض البحث بعد المقدمة لنشأة الكتابة عند العرب، لارتباط فن التوقيعات بها، ثم عرض لمصادرها الأدبية التي تضمنت طائفة كثيرة منها كالعقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي، وخاص الخاص للثعالبي، وعَرَّف بالتوقيع لغة واصطلاحًا، وتطور دلالة، ثم درس أنواع التوقيعات بحسب مصادرها من القرآن، والحديث، والشعر، والحكمة، والمثل، والقول السائر. وتضمن البحث تحديد الزمن الذي نشأت فيه التوقيعات، وهو خلافة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه -، ثم إيراد طائفة منها بدءًا من العصر الإسلامي، فالأموي، فالعباسي الذي يعد العصر الذهبي لهذا الفن؛ حيث خصص له ديوان عُرف بديوان التوقيعات، يعين فيه كبار الكتاب، وخلص البحث إلى وضع مقاييس للتوقيع الأدبي، وهي الإيجاز، والبلاغة، والإقناع، ويراد بالبلاغة أن يكون التوقيع مناسبًا للحالة التي وُقِّع فيها، وخُتِمَ البحث ببيان أثر التوقيعات في السياسة والأدب، فنتائج البحث، ثم مصادره ومراجعه. مقدمة: تعد التوقيعات فنَّا أدبيَّاً من فنون النثر العربي، ارتبط بالكتابة منذ ازدهارها وشيوعها. وهو من الأنواع الأدبية التي لم تأخذ حظها من البحث والدراسة، على الرغم من أن كتب الأدب تحفل بفيض زاخر منها، منذ العصر الإسلامي حتى أفول نجمها في أواخر العصر العباسي. ولذلك أقدمت على كتابة هذا البحث الموجز؛ ليكون مدخلاً إلى دراسة هذا الفن دارسة فيها شيء من التوسع والتفصيل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 445 وقد عرضت الكتب التي تؤرخ للأدب العربي لهذا الفن، وتحدثت عنه في إطار عرضها للفنون الأدبية الأخرى، ولكنها تناولته تناولاً موجزًا في أسطر معدودات، لا تتجاوز التعريف به، وضرب بعض الأمثلة له، وأغفلت الحديث عن نشأته، وارتباطه بالكتابة، ومصادره، وتطوره، وأنواعه، والعوامل المؤثرة فيه، وبلاغة أدائه، واكتفت بذكر عددٍ محدود من البلغاء والكتاب ممن أجادوا هذا الفن، دون أن تقدم تفصيلات دقيقة وافية للذين أسهموا في رقيه وانتشاره من الخلفاء والوزراء والولاة والقادة والكتاب، من خلال نصوص التوقيعات الكثيرة التي أثرت عنهم. والهدف من البحث محاولة إلقاء الضوء على ما تحفل به التوقيعات من مضامين وأفكار ومعان، مثلها مثل أي فن أدبي آخر، إذ من المعروف أن التوقيعات أسهمت في توجيه سياسة الدولة الإسلامية، وفي حل كثير من المشكلات والقضايا الاجتماعية في المجتمع العربي والمسلم، وارتبطت بالحكمة والقول المقنع الفصل في كثير من المواقف، وامتازت بأنها لون أدبي، ليس لما تحمله من أفكار وآراء سديدة تتسم في كثير من الأحيان بالإبداع فقط، بل في أدائها الأدبي الذي من خصائصه الوجازة في التعبير، واختيار الكلمات المناسبة، وملائمتها للحالة أو الموقف، والإقناع بالرأي، وهي جميعًا من خصائص الأسلوب البليغ. ومجال البحث فيها ذو سعة واستفاضة؛ لكثرة ما أثر عن البلغاء والكتاب من توقيعات كانت قمة ازدهارها في العصر العباسي الأول (132 – 232هـ) ، والعصر العباسي الثاني (232 – 334هـ) ، يلي ذلك ازدهارها في العصر العباسي الثالث (334 – 447هـ) وفي الأندلس تأثرًا بأهل المشرق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 446 غير أنني اقتصرتُ في هذا البحث على صلة التوقيعات بفن الكتابة، وجعلت ذلك تمهيدًا، ثم تحدثت عن مصادر التوقيعات، فمعنى التوقيع في اللغة والاصطلاح، ثم أشرت إلى تطور مفهومها ودلالتها، وانتقلت بعد ذلك إلى الحديث عن أنواعها، ثم ازدهارها، ثم تحدثت عن مقاييس التوقيع الأدبي البليغ المقنع المؤثر، وأثر التوقيعات في السياسة والأدب، وخلصت إلى ذكر نتائج البحث. أما مصادر البحث فأشرت إلى بعضها في مصادر التوقيعات الرئيسة، وهي كثيرة تتنازعها كتب اللغة والأدب والتاريخ والتراث عامة. ومما ينبغي أن يلاحظ أن التوقيعات تبدو متفرقة متناثرة في كتب الأدب والتراث عامة، وتحتاج – بادئ ذي بدء – إلى جمع وتوثيق وتحقيق وضبط وشرح، مع بيان المناسبات التي أملتها وقيلت فيها، وتأتي بعد هذه المحاولة – التي لابد أن تخضع للدقة والاستقصاء – الدراسة التي ينبغي أن تقوم على نصوصها الكثيرة، وتكون في متناول الدارس الذي يتصدى لدراستها دراسة موضوعية وفنية دقيقة. وقد قام الأستاذ أحمد زكي صفوت – رحمه الله – الذي كان أستاذًا في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة بمحاولة جمع كثير منها في كتابه القيم (جمهرة رسائل العرب) ، ولكن فاته كثير من المصادر التي لم تكن بين يديه في أثناء الجمع، فأخل بالكثير منها. وفي أثناء حديثي عن مصادر التوقيعات حاولت أن أشير إلى أهم المصادر التي عنيت بتدوينها، ولكن لم يكن من المتيسر في هذا البحث الموجز أن أستقصي جميع المصادر التي ألمت بها، وحسبي أني وضعت الطريقة والمنهج وحددتُ الهدف. ولابد من الإشارة إلى أن التوقيعات ترتبط بتوجيه المعاملات الإدارية، فقد نشأت في ظل السياسة والإدارة للدولة الإسلامية، وتطورت بتطورهما، وازدهرت في أروقة الدواوين، ولا سيما ديوان التوقيعات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 447 ولي أمل في ختام هذه المقدمة – وإن كنت أراه بعيد المنال في الوقت الحاضر – وهو أن يعود للتوقيعات ما كان لها من مجد وازدهار، وأن توظف في الشرح على المعاملات الرسمية في الإدارات الحكومية ما أمكن. وأرجو بهذه الإضاءة الموجزة أن أكون قد أسهمت في بيان أهمية هذا الفن الأدبي النثري. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. تمهيد: نشأة الكتابة عند العرب ليست التوقيعات فنًا أدبيًا يؤدى بوساطة المشافهة والارتجال، كالخطابة، والوصية، والمحاورة، والمفاخرة، والمنافرة، وغيرها من الفنون الأدبية الشفهية التي شاعت في العصر الجاهلي، بل هي فن كتابي وجد مع شيوع الكتابة وازدهارها؛ ولذلك نرى غياب هذا الفن في البيئات التي تعتمد على إيصال آثارها إلى الآخرين بوسيلة الخطاب المباشر القائم على اللسن والارتجال، وما دام الأمر كذلك، فلابد من تمهيد أتحدث فيه عن نشأة الكتابة عند العرب وتطورها حتى أصبحت فنًا أدبيًا قائمًا، له قواعده وأصوله المعروفة؛ لارتباطها بنشأة التوقيعات في الأدب العربي. وليس من مهمة هذا التمهيد أن يستقصي نشأة الخط العربي، وعرض الآراء التي قيلت في ذلك ومناقشتها، فمكان ذلك الكتب المتخصصة في الموضوع ( [1] ) ، بل مهمته أن يعرض في إيجاز وجود الكتابة العربية في العصر الجاهلي، والإشارة إلى البيئات التي عنيت بها. كان العرب في الجاهلية يعرفون الكتابة، ولكنها لم تكن فنًا منتشرًا في جميع بلدانهم وبيئاتهم، بل كان الذين يجيدونها عدد قليل، يقيمون في الحواضر والمدن. ومن المدن والبيئات التي عرفت الكتابة في الجاهلية، الأنبار، والحيرة، ودومة الجندل، ومكة والطائف، والمدينة، والشام ( [2] ) ، ولم يقتصر الأمر على معرفة الكتابة في المدن المذكورة وما ماثلها، بل كانت في الجاهلية مدارس وكتاتيب تتيح للفتيان والفتيات تعلمها ( [3] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 448 وفي ديوان الشعر الجاهلي نصوص شعرية كثيرة تدل على أن عرب الجاهلية كانوا يعرفون الكتابة ويمارسونها، من ذلك قول المرِّقش الأكبر ( [4] ) : رقَّشَ في ظهرِ الأديمِ قَلَمْ ( [5] ) الدَّارُ قَفْرٌ والرسومُ كما وقول أميةَ بن أبي الصلتِ ( [6] ) يمدح قبيلة إياد: سَاروا جميعًا والقِطُّ والقَلَمُ ( [7] ) قومٌ لهم سَاحةُ العراقِ إذا وقول امرئ القيس ( [8] ) : كخطِّ زَبُورٍ في مَصَاحفِ رُهْبَانِ ( [9] ) أنتْ حِجَجٌ بعدي عليها فأصْبَحَتْ وقول لبيد بن ربيعة العامري ( [10] ) : زُبَرٌ تُجِدُّ متونَها أقلامُها ( [11] ) وجلا السيولُ عن الطُّلُولِ كأنها ويعضد النصوص الشعرية التي تثبت شيوع الكتابة في العصر الجاهلي ما ذكره أبو هلال العسكري ( [12] ) (000 – نحو 400هـ) من أن أكثم بن صيفي كان إذا كاتب ملوك الجاهلية يقول لكتابه: (فصِّلوا بين كل معنىً منقضٍ، وصلوا إذا كان الكلام معجونًا بعضُه ببعض) . وكان الحارث بن أبي شمر الغساني ( [13] ) يقول لكاتبه المُرقَّش ( [14] ) : (إذا نزع بك الكلام إلى الابتداء بمعنىً غير ما أنتَ فيه فَفَصِّلْ بينه وبين تبيعته من الألفاظ؛ فإنك إن مذقْت ( [15] ) ألفاظَك بغير ما يحسن أن تُمْذَقَ به نفرت القلوبُ عن وعيها، وملتها الأسماعُ، واستثقلتها الرواة) ( [16] ) . وكان بعض اليهود في المدينة يعرف الكتابة بالعربية – إلى جانب معرفته الكتاب بالعبرية – ويعلمها للصبيان، فلما جاء الإسلام كان في الأوس والخزرج عدد من الكُتّاب، وبعضهم كان يكتب بالعربية والعبرية، كزيد بن ثابت ( [17] ) . ولم تقتصر معرفة الكتابة في العصر الجاهلي على الرجال، بل كان لبعض النساء معرفة بها، كالشِّفاء بنت عبد الله القرشية العدوية ( [18] ) من رهط عمر بن الخطاب، وكانت كاتبة في الجاهلية، وعلمت حفصة زوج الرسول –- صلى الله عليه وسلم - - الكتابةَ بأمرٍ منه، كما علمتها رقية النملة ( [19] ) ، فأصبحت حفصةُ كاتبةً ( [20] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 449 ومن الكاتبات اللاتي ذكرهن البلاذري أم كلثوم بنت عُقْبة ( [21] ) ، وعائشة بنت سعد ( [22] ) ، وكريمة بنت المقداد ( [23] ) . وكانت عائشة رضي الله عنها، تقرأ في المصحف ولا تكتب، وكانت أم سلمة زوج النبي الكريم تقرأ أيضًا ولا تكتب ( [24] ) . وعقد محمد بن حبيب (000 – 245هـ) فصلاً ذكر فيه أسماء المعلمين في الجاهلية والإسلام الذين يعلمون الكتابة والقراءة ( [25] ) . فلما أظل الإسلام برايته كان هناك عدد من الكتاب المعروفين في الحواضر والمدن، ولا سيما في مكة والمدينة، ذكر البلاذري ( [26] ) (000 – 279هـ) وابن عبد ربه ( [27] ) (246 – 327هـ) أنه كان في وقت دخول الإسلام سبعة عشر رجلاً في مكة يجيدون الكتابة، وربما يكون هذا الإحصاء غير دقيق، فيحتمل أن الذين يعرفون الكتابة أكثر من هذا العدد. والعرب في الجاهلية كانوا – كغيرهم من الأمم – في حاجة ماسة إلى معرفة الكتابة، لتدوين كتبهم الدينية، وإثبات شروطهم وعقودهم في معاملاتهم التجارية، وتنظيم شؤون حياتهم ( [28] ) . ويذهب بعض الباحثين إلى أن بعض شعراء الجاهلية كانوا يحرصون على تقييد أشعارهم كتابة ( [29] ) . ونستخلص مما تقدم أن الكتابة كانت معروفة في العصر الجاهلي. أما في عصر صدر الإسلام فلا يماري أحد في معرفتها وانتشارها والحرص على تعلمها، والإقبال على حذقها. واعتمد عليها الرسول –- صلى الله عليه وسلم - - في بعث رسائله إلى الملوك والرؤساء والأباطرة التي دعاهم فيها إلى الدخول في الإسلام ( [30] ) . واعتمد عليها الخلفاء الراشدون في تبليغ أوامرهم وتوجيهاتهم إلى الولاة والقادة والقضاة، ومهدت السبيل إلى نشأة التوقيعات في وقت مبكر من نشأة الدولة الإسلامية. وكانت هذه النشأة إرهاصًا لتطورها في العصر الأموي، وازدهارها في العصر العباسي الأول، والعصر العباسي الثاني اللذين تمخضا عن إنشاء ديوان خاص بها، لا يعين فيه إلا كبار الكتاب والبلغاء. مصادر التوقيعات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 450 ليس من السهل أن ألم في هذا المقام بمصادر التوقيعات في التراث العربي؛ لأنها كثيرة متفرقة، ولكن حسبي أن أشير إلى المصادر التي احتفظت بطائفة غير قليلة منها في العصور المختلفة. لعل أهم مصدر عني بتدوين هذا الفن الأدبي كتاب العقد الفريد، لابن عبد ربه الأندلسي (246 – 327هـ) الذي أورد عددًا من النماذج للخلفاء في عصر صدر الإسلام، بدءًا من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وفي العصر الأموي، والعباسي إلى عهد الخليفة المأمون. ولم يقتصر على توقيعات الخلفاء، بل أثبت نماذج كثيرة من توقيعات الأمراء والولاة والقادة والكتاب وكبار رجال الدولة، مثل الحجاج بن يوسف الثقفي، وأبي مسلم الخراساني، وجعفر بن يحيى البرمكي، والفضل بن سهل، والحسن بن سهل، وطاهر بن الحسين، وختم ذلك بإيراد طائفة من توقيعات ملوك الفرس، واستغرق ذلك من الكتاب تسع عشرة صفحة ( [31] ) . ويعد كتاب (الوزراء والكتاب) ، للجهشياري (000 – 331هـ) من المصادر القديمة للتوقيعات وردت فيه في مواضع متفرقة ( [32] ) . ويحفل كتاب (نثر الدر) ، للآبي (000 – 421هـ) بطائفة منها ( [33] ) . وعني أبو منصور الثعالبي (350 – 429هـ) بتدوين قدر غير يسير منها، ولكنه لم يحصرها في كتاب واحدٍ من كتبه الكثيرة التي اتجه فيها إلى إثبات ما يختاره من عيون الشعر والحكم والأمثال والأقوال البليغة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 451 ومن أهم كتبه التي اهتم فيها بتدوين التوقيعات (خاص الخاص) الذي يعد مصدرًا من مصادرها المهمة، على الرغم من صغر حجمه. عقد فصلاً أورد فيه طائفة من توقيعات الملوك المتقدمين مثل الإسكندر المقدوني (356 – 323 ق. م) وبعض ملوك الروم والفرس، وعقد فصلا ثانيًا أثبت فيه عددًا من توقيعات الخلفاء والقواد والأمراء والولاة المسلمين، وعقد فصلاً ثالثًا دون فيه أجناسًا من توقيعات الوزراء وكبار رجال الدولة العباسية، وتجاوز المدة الزمنية التي وقف عندها ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد ( [34] ) . وأورد توقيعات قليلة في كتابه (لطائف اللطف ( [35] )) ، وكُتب فصلٌ في كتاب (تحفة الوزراء) المنسوب إليه أُثبت فيه جملة من توقيعات الوزراء والكتاب ( [36] ) . وأخلص إلى ذكر أهم مرجع حديث عني بتدوين التوقيعات في عصر الخلفاء الراشدين وفي العصر الأموي، وفي العصر العباسي الأول، وهو كتاب (جمهرة رسائل العرب) ، لأحمد زكي صفوت، الذي أشرت إليه في مقدمة البحث. تضمن الجزء الأول قدرًا يسيرًا من توقيعات الخلفاء الراشدين ( [37] ) . واشتمل الجزء الثاني على ما دونه من توقيعات خلفاء دولة بني أمية، ومن اتصل بهم بسبب ( [38] ) . أما الجزء الرابع فدون فيه المؤلف التوقيعات في العصر العباسي الأول (132 – 232هـ) . وما ذكر منها في هذا الجزء يفوق ما ذكر في الجزأين السابقين. وهذا دليل على ازدهار هذا الفن الأدبي في العصر العباسي ( [39] ) . غير أنه أهمل إثبات شيء من التوقيعات في العصر العباسي الثاني (232 – 334هـ) ، والعصر العباسي الثالث (334 – 447هـ) ، ولم يذكر شيئًا من التوقيعات في المغرب العربي والأندلس. وبذلك يحتاج عمله إلى تكملة واستدراك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 452 ومما ينبغي أن يشار إليه أن الكتاب اقتصر على جمع التوقيعات من مصادرها المختلفة دون أن يشفع ذلك بدراسة أدبية عنها. ولسنا نطالب المؤلف بذلك ما دام قد اقتصر في منهجه على الجمع فقط. ولكن يُعَد ما عمله رائدًا في ميدانه؛ فقد أصبح الكتاب مرجعًا مهمًا للباحثين والدارسين وأساتذة الأدب في الجامعات. التوقيع في اللغة: يطلق التوقيع في اللغة على عدة معان، حقيقية وأخرى مجازية، حسية ومعنوية. ذكرتها معجمات اللغة، كالصحاح، والأساس، واللسان، والقاموس، والتاج. فالواو والقاف والعين أصل واحد يرجع إليه فروعه وما يشتق منه، ويدل في عمومه على سقوط شيء ( [40] ) على التحقيق أو التقريب. ولكنّ المعاني التي ذكرتها كتب اللغة للفظة التوقيع لا تهمنا في هذا المجال، وإنما يهمنا المعنى اللغوي الذي نجد له ارتباطًا بالتعريف الاصطلاحي للتوقيعات، وبعبارة أخرى المعنى اللغوي الذي اشتقت منه التوقيعات بعدها فنًا أدبيًا. التوقيعات مشتقة في اللغة من التوقيع الذي هو بمعنى التأثير، يقال: وقَّعَ الدَّبرُ ( [41] ) ظهرَ البعير إذا أثر فيه، وكذلك الموقِّع (كاتب التوقيع) يؤثر في الخطاب، أو الكتاب الذي كتب فيه حسّا أو معنى ( [42] ) . وقيل: إن التوقيع مشتقٌ من الوقوع؛ لأنه سبب في وقوع الأمر الذي تضمنه، أو لأنه إيقاع الشيء المكتوب في الخطاب أو الطلب، فتوقيع كذا بمعنى إيقاعه ( [43] ) . قال الخليل ( [44] ) :» التوقيع في الكتاب إلحاقٌ فيه بعد الفراغ منه. واشتقاقه من قولهم: وقّعْتُ الحديدة بالميقعة، وهي المطرقة: إذا ضربتها، وحمار موقَّع الظهر: إذا أصابته في ظهره دَبَرَةٌ. والوقيعة: نُقْرَةٌ في صخرة يجتمع فيها الماء، وجمعها: وقائع. قال ذو الرمة: ونلْنَا سِقَاطًا من حديثٍ كأنَّهُ جَنىَ النحلِ ممزوجًا بماءِ الوقائعِ ( [45] ) فكأنه سُمِّى توقيعًا؛ لأنه تأثير في الكتاب، أو لأنه سببُ وقوع الأمر وإنفاذه، من قولهم: أوقعت الأمر فوقع ( [46] ) «. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 453 وأميل إلى ترجيحِ السبب الأخير؛ لأن التوقيع يتضمن إجراءًا يلزم تنفيذه. وقال ابن الأنباري:» توقيع الكاتب في الكتاب المكتوب أن يجمل بين تضاعيف سطوره مقاصد الحاجة، ويحذف الفضول. وهو مأخوذ من توقيع الدَّبَرِ ظهر البعير؛ فكأن الموقِّع في الكتاب يؤثر في الأمر الذي كتب الكتاب فيه ما يؤكده ويوجبه « ( [47] ) . التوقيع في الاصطلاح: وقد اكتسبت التوقيعات في الإسلام معنىً اصطلاحيًا يرتبط بالمعنى اللغوي الذي ذكرناه، فأصبحت تستعمل لما يوقعه الكاتب على القضايا أو الطلبات المرفوعة إلى الخليفة أو السلطان أو الأمير، فكان ( [48] ) الكاتب يجلس بين يدي الخليفة في مجالس حكمه، فإذا عرضت قضية على السلطان أمر الكاتب أن يوقع بما يجب إجراؤه، وقد يكون الكاتب أحيانًا السلطان نفسه. يقول البطليوسي (44- 521هـ) في تعريف التوقيع: (وأما التوقيع فإن العادة جرت أن يستعمل في كل كتاب يكتبه الملك، أو مَنْ له أمر ونهي في أسفل الكتاب المرفوع إليه، أو على ظهره، أو في عَرْضه، بإيجاب ما يُسْأل أو منعه، كقول الملك: ينفذ هذا إن شاء الله، أو هذا صحيح. وكما يكتب الملك على ظهر الكتاب: لِتُرَدَّ على هذا ظُلاَمته. أو لينظر في خبر هذا، أو نحو ذلك) ( [49] ) . ويقول ابن خلدون (732 – 808هـ) ( [50] ) : » ومن خُطط الكتابة التوقيع، وهو أن يجلس الكاتب بين يدي السلطان في مجالس حكمه وفصله، ويوقع على القصص المرفوعة إليه أحكامها والفصل فيها، متلقاة من السلطان بأوجز لفظ وأبلغه. فإما أن تصدر كذلك، وإما أن يحذو الكاتب على مثالها في سجل يكون بيد صاحب القصة، ويحتاج الموقع إلى عارضة من البلاغة يستقيم بها توقيعه «. تطور دلالتها: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 454 تطوَّر مفهوم التوقيعات في العصر العباسي، واكتسب معنى أدبيًا، فأصبحت تطلقُ على تلك الأقوال البليغة الموجزة المعبرة التي يكتبها المسؤول في الدولة، أو يأمر بكتابتها على ما يرفع إليه من قضايا أو شكايات، متضمنة ما ينبغي اتخاذه من إجراء نحو كل قضية أو مشكلة، وهي بهذا المفهوم أشبه ما تكون بتوجيه المعاملات الرسمية في الوقت الحاضر. وفي العصور الوسطى أضيف إلى التوقيعات دلالة جديدة مع بقاء دلالتها الأدبية السائدة في العصر العباسيّ، حيث أصبحت تطلق على الأوامر والمراسيم التي يصدرها السلطان أو الملك؛ لتعيين والٍ، أو أمير، أو وزير، أو قاضٍ، أو حتى مدرس، وامتازت بطولها، والإسهاب في ذكر الحيثيات والأسباب المسوغة للتعيين؛ حتى تجاوز بعضها أربع صفحات، وقد أورد القلقشندي في صبح الأعشى نماذج كثيرة منها ( [51] ) ، ولا يتسع المجال لذكر شيء منها. والتوقيعات بهذا المفهوم لا تُعَدُّ توقيعات أدبية لافتقادها عنصري البلاغة والإيجاز، ولا تدخل ضمن هذا البحث، وعَدُّها من باب الكتابة الديوانية والنثر التاريخي أولى وأصح. ثم تحول معناها بعد ذلك إلى علامة اسم السلطان خاصة التي تذيل بها الأوامر والمراسيم والصكوك كالإمضاء عندنا ( [52] ) ، ثم توسع في معناها فأصبحت تدل على تأشيرة الاسم، وهي كتابته بتلك الهيئة الخاصة التي تقابل في الإنجليزية لفظة (Signature) . أنواع التوقيعات الأدبية: بعد أن تحدثنا عن التطور الدلالي للفظة (التوقيع) ، يحسن أن نتحدث بإيجاز عن أنواع التوقيعات الأدبية، التي نلاحظ – من خلال استقرائها وتتبعها في كتب الأدب والتراث - أنها لا تخرج عن الأنواع التالية: 1 - قد يكون التوقيع آيةً قرآنيةً تناسب الموضوع الذي تضمنه الطلب، أو اشتملت عليه القضية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 455 من ذلك ما ذكر ( [53] ) أن أبا محمد الحسن بن محمد المهلبي وزير معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه الديلمي ( [54] ) كان قبل اتصاله بمعز الدولة وتقلده منصب الوزارة يعاني من قلة ذات اليد وشدة الفقر وضيق الحال، وكان يشكو رمدًا في عينيه لا يفارقه، وسافر في بعض الأيام مع رفيق له أديب من أهل الأسفار والتجوال ( [55] ) ، ولكنه لقي في سفره هذا مشقة ونصبا، فلا زاد معه ولا مال، ونزل مع رفيقه في بعض الأماكن واشتهى اللحم، فلم يجد ثمنه، فأنشد ارتجالاً ورفيقه يسمع: فهذا العيشُ مالا خيرَ فيهِ ألا مَوْتٌ يُباَعُ فأشْتَريهِ يُخلِّصُني من العيشِ الكريهِ ألا مَوْتٌ لذيذُ الطعمِ يأتِي ودِدْتُ لو أنَّني مما يليهِ إذا أبصَرْتُ قبرًا من بعيدٍ تصدَّقَ بالوفاةِ على أخيهِ ألا رَحِمَ المهيمنُ نَفْسَ حُرٍّ فتأثر رفيقه بالأبيات ورثى لحاله، ورق له، فاشترى له بدرهم لحمًا، وأعده وقدمه إليه، وتفرقا. ثم تتابعت الأيام، وتغيرت الأحوال، وحسنت حال المهلبي وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة البويهي، وضاقت الحال برفيقه في السفر الذي اشترى له اللحم، وحقق له رغبته، وآل به الأمر إلى أن جلس على بساط الفقر والفاقة، وبلغه تولي المهلبي الوزارة، فشد الرحال وقصده في بغداد، فلما بلغه كتب إليه رُقْعَة تتضمن أبياتًا، منها: مَقَالَ مُذَكِّرٍ ما قد نسيهِ ألا قُلْ للوزير فَدتْه نَفْسِي (ألا مَوْتٌ يباعُ فأشتريهِ) أتذكرُ إذ تقول لضنْكِ عَيْشٍ: فلما قرأ المهلبي الأبيات تذكر صحبة رفيقه، وفضله عليه، وهزته أريحية الكرم ورعاية حق الصحبة، وردّ الفضل لأهله والمعروف لمستحقيه. إنّ الكرامَ إذا ما أَسهَلُوا ذَكَروا مَنْ كان يألفُهمْ في المنزلِ الخَشِنِ ( [56] ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 456 فأمر له بسبع مئة درهم، ووقَّع في رقعته قوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} ( [57] ) . ثم دعاه وأكرمه، وقَلده عملاً مناسبًا يرتزق به ( [58] ) . والتوقيع الذي وقعه المهلبي على رقعة صاحبه (الآية القرآنية الكريمة) يبدو مطابقًا تمامًا لفحوى القصة ومضمونها، أعطاه رفيقه درهما في وقت الضيق والشدة، فأعطاه هو سبع مئة درهم في وقت السعة والرخاء تحقيقًا لما في الآية الكريمة. ومن ذلك ( [59] ) ما كتب به عامل إرمينية إلى المهدي الخليفة العباسي يشكو إليه سوء طاعة الرعية، فوقع المهدي في خطابه قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} ( [60] ) . والتوقيع بألفاظ القرآن حسن في الجدّ من الأمور، محظور في المُزْح والمطايبة ( [61] ) . 2- وقد يكون التوقيع بيت شعر. من ذلك ( [62] ) ما كتب به قتيبة بن مسلم الباهلي إلى سليمان بن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي يتهدده بالخلع، فوقع سليمان في كتابه: زعمَ الفرزدقُ أن سَيَقْتُلُ مِرْبَعًا أبشرْ بطولِ سلامةٍ يا مِرْبَعُ ( [63] ) وكتب ( [64] ) ألفونس السادس ملك قَشْتالةَ إلى يوسُف بن تاشِفين أمير المرابطين في الأندلس يتوعده ويتهدده، فوقع يوسف في كتابه بيت أبي الطيب المتنبي: ولا كُتْبَ إلا اَلمْشَرفِيَّةُ والَقنَا ولا رُسُلٌ إلا الخميسُ الَعْرمْرَمُ ( [65] ) 3- وقد يكون مثلاً سائرًا. من ذلك ما وقع ( [66] ) به علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – إلى طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -:» في بيته يؤتى الحكم) ( [67] ) «. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 457 ومن ذلك أيضًا ما وقَّع به يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان إلى مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، وقد أُخبر يزيد أنه يتلكأ في مبايعته بالخلافة:» أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، فإذا أتاك كتابي فاعتمد على أيهما شئت « ( [68] ) . 4- وقد يكون التوقيع حكمة، من ذلك ما وقع به السفاح الخليفة العباسي الأول في رقعة قوم شكوا احتباس أرزاقهم:» من صبر في الشدة شارك في النعمة « ( [69] ) . وكتب إبراهيم بن المهدي إلى الخليفة المأمون يعتذر إليه مما بدر منه من خروجه عليه، ومطالبته بالخلافة، فوقع المأمون في كتابه:» القدرةُ تُذْهِبُ الحفيظة، والندم جزء من التوبة، وبينهما عفو الله « ( [70] ) . 5- وقد يكون التوقيع غير ذلك، رفعت إلى يحيى بن خالد البرمكي رسالة ركيكة العبارة، كتبت بخط جميل فوقع:» الخط جسمٌ روحه البلاغة، ولا خير في جسمٍ لا روحَ فيه « ( [71] ) . ووقع ابنه جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي لبعض عماله:» قد كَثُرَ شاكوكَ، وقل شاكروك، فإما عَدَلْت، وإما اعتزلت « ( [72] ) . متى وجدت التوقيعات في الأدب العربي؟: التوقيعات فن أدبي نشأ في حضن الكتابة، وارتبط بها، ولذلك لم يعرف عربُ الجاهلية التوقيعات الأدبية ولم تكن من فنون أدبهم؛ لسبب يسير وهو أن الكتابة لم تكن شائعة بينهم، بل كان الذين يعرفون الكتابة في هذا العصر قلة نادرة، لذلك فإن الأدب الجاهلي يتضمن الفنون الأدبية القائمة على المشافهة والارتجال، كالشعر، والخطابة، والوصية، والمنافرة، وغيرها من الفنون القولية القائمة على ذلاقة اللسان، والبراعة في الإبانة والإفصاح، وإصابة وجه الحق ومفصل الصواب كالحكم والأمثال. كذلك لم تُعْرَف التوقيعات في عهد الرسول -- صلى الله عليه وسلم --؛ لأن الكتابة أيضًا لم تكن شائعة، وقد جاء الإسلام وليس يكتب بالعربية غير سبعة عشر شخصًا ( [73] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 458 ولعل أقدم ما أثر من توقيع في تاريخ الأدب العربي ما كتب به أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – إلى خالد بن الوليد – رضي الله عنه – حينما بعث للصديق خطابًا من دومة الجندل يطلب أمره في أمر العدو، فوقع إليه أبو بكر:» ادن من الموت توهبْ لك الحياة « ( [74] ) . ثم شاعت التوقيعات في عهد عمر وعثمان وعلي – رضي الله عنهم -، لشيوع الكتابة، وامتد هذا الشيوع بصورة أوسع في عصر بني أمية. ولذلك نلحظ أن التوقيعات فن أدبي نشأ في عصر صدر الإسلام، وليس صحيحًا ما ذهب إليه بعض مؤرخي الأدب العربي من أن التوقيعات فن أدبي عباسي، أخذه العباسيون من الفرس ( [75] ) . التوقيعات في عصر صدر الإسلام: مرّ بنا أن التوقيعات عرفت في الأدب العربي أول ما عرفت في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، والسبب في ذلك شيوع الكتابة بعد أن أقبل المسلمون على تعلمها، وأصبح الذين يجيدونها يمثلون شريحة كبيرة. يضاف إلى ذلك استخدام الكتابة في تحبير الرسائل، وتبليغ أوامر الخليفة وتوجيهاته إلى الولاة والقواد في مختلف أنحاء الدولة الإسلامية. ويعد الخليفة الراشد أبو بكر الصديق أول من استعمل التوقيعات في تاريخ الأدب العربي، وفي التاريخ الإسلامي، غير أنّ التوقيعات التي أثرتْ عنه ووصلت إلينا قليلة، لا نستطيع أن نبني عليها حكمًا أدبيًا. واستخدم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – هذا الفن في مكاتباته لرجال الدولة من ولاة وقواد. ومن توقيعاته أن سعد بن أبي وقَّاص – رضي الله عنه – كتب إليه من الكوفة – وكان واليًا عليها – يستأذنه في بناء دار الإمارة، فوقّع في أسفلِ كتابه:» ابن ما يُكِنُّكَ من الهواجِرِ، وأذى المطر) ( [76] ) ، وفي روايةٍ (ابن ما يستر من الشمسِ، ويُكِنُ من المطر « ( [77] ) . ووقع في كتاب عمرو بن العاص:» كن لرعيتك كما تحبُّ أن يكونَ لك أميرُك « ( [78] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 459 وأثرت لعثمان بن عفان – رضي الله عنه – بعض التوقيعات، من ذلك أن نفرًا من أهل مصر كتبوا إليه يشكون مروان بن الحكم، وذكروا أنه أمر بوَجءِ ( [79] ) أعناقهم، فوقع في كتابهم: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} ( [80] ) . ووقع في قصة رجل شَكَا عَيْلةً ( [81] ) :» قد أمرنا لك بما يُقيمك، وليس في مالِ الله فَضْلٌ للمسرفِ « ( [82] ) . وما وصل إلينا من توقيعات الخليفة علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أكثر مما بلغنا من توقيعات أبي بكر وعمر وعثمان؛ فمن توقيعاته ما وقَّع به إلى طلحة بن عبيد الله ( [83] ) - رضي الله عنه –» في بيته يُؤْتى الحكم « ( [84] ) . وكتب الحسن أو الحسين إليه في شيءٍ من أمر عثمان - رضي الله عنه – فوقع إليه:» رأي الشيخ خيرٌ من مَشْهدِ الغلام « ( [85] ) . ووقع في كتاب سلمان الفارسي – وكان سأله كيف يُحاسب الناسُ يوم القيامة –» يحاسبون كما يرزقون « ( [86] ) . ووقع في كتاب أتاه من الأشتر النخعي ( [87] ) فيه بعض ما يكره» مَنْ لك بأخيك كله ( [88] ) ؟! «. ووقع في كتابٍ لصعصعةَ بن صُوحانَ ( [89] ) يسألُه في شيءٍ:» قيمة كل امرئٍ ما يحسن « ( [90] ) . وكتب إليه الحُضَيْن بن المنذر ( [91] ) في صفين يذكر أن السيف قد أكثر في ربيعة، وبخاصةٍ في أسرى منهم، فوقع إليه:» بقيةُ السيفِ أنمى عددًا « ( [92] ) . ونلحظ أن التوقيعات التي أثرت عن الخلفاء الراشدين ووصلت إلينا تمتاز ببلاغة الأداء ووجازة التعبير، وموافقتها للصواب. وقد يكون التوقيع يوقع به الخليفة آية قرآنية، أو مثلاً سائرًا أو حكمة، أو قولاً بليغًا يجري مجرى الحكمة أو المثل. ولكن ينبغي أن نقرر حكمًا وهو أن التوقيعات في عصر صدر الإسلام تعد قليلة جدًا إذا ما قورنت بالتوقيعات في العصور التالية، وربما يعزى السبب إلى أن هذا الفن الأدبي لا يزال آنذاك في بداية نشأته. التوقيعات في العصر الأموي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 460 تعد التوقيعات في العصر الأموي امتدادًا طبعيًا لها في عصر صدر الإسلام، بعد أن عرفت واستعملت، وغدت في العصر الذي نتحدث عنه فنًا أدبيًا، حيث اعتاد كل خليفة أموي أن يوقع على الرسائل التي ترد إليه بعد أن يطلع عليها ويعرف مضمونها، ووصلت إلينا نماذج كافية لتوقيعات خلفاء بني أمية ابتداءً من معاوية بن أبي سفيان، وانتهاءً بمروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية في المشرق. ولم يقتصر فن التوقيعات على الخلفاء فقط، بل مارسه بعض الأمراء والولاة والقواد، كزياد بن أبيه، والحجاج بن يوسف الثقفي. ولا يتسع المجال لإيراد كل ما نعرفه من توقيعات الأمويين، وحسبي أن أشير إلى نموذج أو أكثر لكل خليفة وصل إلينا شيء من توقيعاته، ولكل أمير أو والٍ أثرت عنه توقيعات.. وقع معاوية بن أبي سفيان في كتاب:» نحن الزمان من رفعناه ارتفع، ومن وضعناه اتضع « ( [93] ) . وكتب إليه الحسن بن علي – رضي الله عنهما – كتابًا أغلظ له فيه القولَ فوقع إليه:» ليت طولَ حلمنا عنك لا يدعو جهلَ غيرِنا إليك « ( [94] ) . وكتب إليه ربيعة بن عِسْلٍ اليربوعي ( [95] ) يسأله أن يعينه في بناء داره بالبصرة باثني عشر ألف جذع، فوقع إليه:» أدارك في البصرة أم البصرةُ في دارك؟ « ( [96] ) . وكتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ( [97] ) إلى يزيد بن معاوية يستميحه لرجال من خاصته، فوقع إليه:» احكم لهم بآمالهم إلى منتهى آجالهم «، فحكم عبد الله بن جعفر بتسع مئة ألف، فأجازها يزيد ( [98] ) . وكتب إليه عبد الله بن جعفر يستوهبه جماعة من أهل المدينة، فوقع إليه:» مَنْ عرفتَ فهو آمن « ( [99] ) . وكتب الحجاج بن يوسف الثقفي إلى عبد الملك بن مروان يخبره بسوء طاعة أهل العراق، وما يقاسي منهم، ويستأذنه في قتل أشرافهم، فوقع له:» إنّ من يُمْنِ السائسِ أن يُتَأَلَّفَ به المختلفون، ومن شؤمِه أن يختلفَ به المؤتلفون « ( [100] ) ووقع في كتاب: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 461 كيف يرجونَ سِقَاطي بعدما شَمِلَ الرأس مَشِيبٌ وصَلَعْ ( [101] ) ؟ ‍ وقع الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز:» قد رأب الله بك الداء، وأوذَمَ بكل السِّقَاء « ( [102] ) . وكتب إليه الحجاج لما بلغه أنه خَرَق فيما خَلَّف له عبد الملك، ينكر ذلك عليه، ويعرِّفه أنه على غير صواب، فوقّع في كتابه،» لأجمعنَّ المال جمعَ مَنْ يعيش أبدًا، ولأفرقَنَّهُ تفريقَ من يموتُ غدا « ( [103] ) . كتب قتيبة بن مسلم الباهلي إلى سليمان بن عبد الملك يتهدده بالخلع، فوقَّع في كتابه: زَعَمَ الفرزدقُ أن سيقتلُ مِرْبَعًا أبشرْ بطولِ سلامةٍ يا مِرْبَعُ ( [104] ) وقع في كتابه أيضًا:» العاقبة للمتقين « ( [105] ) . ووقع إليه أيضًا جوابَ وعيده: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} ( [106] ) . كتب والي العراق إلى عمر بن عبد العزيز يخبره عن سوءِ طاعةِ أهلها فوقَّع إليه: (ارضَ لهم ما ترضى لنفسِك، وخُذْهم بجرائمهم بعد ذلك) ( [107] ) . ووقع في قصة متظلم:» العدلُ أمامَك « ( [108] ) . وفي رقعة محبوس:» تُبْ تُطْلَقْ « ( [109] ) . وفي رقعة امرأة حُبِسَ زوجها:» الحقُّ حبسه « ( [110] ) . وفي رقعة رجل تظلم من ابنه:» إنْ لم أنصفكَ منه فأنا ظلمتكَ « ( [111] ) . ووقع يزيد بن عبد الملك في قصة متظلم شكا بعضَ أهلِ بيته::» ما كان عليك لو صفحتَ عنه واستوصلتني « ( [112] ) . ولهشام بن عبد الملك توقيعات كثيرة منها: أنه وقع في قصة متظلم: » أتاك الغوثُ إن كنت صادقًا، وحَلَّ بكَ النَّكالُ إنْ كُنْتَ كاذبًا، فتقدَّمْ أو تأخر « ( [113] ) . ووقع في قصة قوم شكوا أميرهم:» إنْ صَحّ ما ادعيتمْ عليه عزلناه وعاقبناه « ( [114] ) . وقع يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان إلى والي خراسان ( [115] ) في المُسَوِّدَة ( [116] ) : نجم أمرٌ أنت عنه نائم، وما أراكَ منه أو مني بسالم « ( [117] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 462 ولمروان بن محمد آخرِ خلفاء الدولة الأموية توقيعات مأثورة ( [118] ) . ولزياد بن أبيه والحجاج بن يوسف الثقفي توقيعات عدة ( [119] ) ، فمن توقيعات زياد أن عائشة – رضي الله عنها – كتبت إليه في وُصَاةٍ برجل، فوقع في كتابها:» هو بين أبويه « ( [120] ) . ووقع في قصة سارق:» القطع جزاؤك « ( [121] ) . ومن توقيعات الحجاج ما وقع به في قصة محبوس ذكروا أنه تاب: (ما على المحسن من سبيل) ( [122] ) . ازدهار التوقيعات في العصر العباسي: والحقّ أن التوقيعات الأدبية لم يكتب لها حظّ من الذيوع والانتشار إلا في العصر العباسيّ، وذلك حينما ازدهرت الكتابة الفنية، وتعددت أغراضها، وحلت محل الخطابة في كثير من شؤون الدولة وقضاياها، وأصبح الكاتب البليغ مطلبًا من مطالب الدولة تحرصُ عليه وتبحث عنه، لتسند إليه عمل تحرير المكاتبات، وتحبير الرسائل في دواوينها التي تعدّدت نتيجة لاستبحارها، واتساع نطاقها، وكثرة ما يجبى من الخراج من الولايات الإسلامية الكثيرة المتباعدة، وأصبح لا يحظى بالوزارة إلا ذوو الأقلام السيالة من الكتاب والبلغاء المترسلين كالبرامكة، والفضل بن الربيع، والفضل والحسن ابني سهل، وغيرهم من الكتاب الذين جمعوا بين الوزارة والكتابة الأدبية البليغة. وقد ألم بكثير من أخبارهم وآثارهم كتاب الوزراء والكتاب لأبي عبد الله محمد ابن عبدوس الجهشياري المتوفى سنة 331هـ، وكتاب تحفة الوزراء المنسوب لأبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي المتوفى سنة 429هـ. بل إن الخلفاء العباسيين في العصر العباسي الأول (132 – 232هـ) كانوا يطّلعون على ما يرد إليهم من كتب ورسائل فيوقعون عليها، وصدرت عنهم توقيعات بليغة وصل إلينا منها قدر لا بأس به ( [123] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 463 وفي العصر العباسي الثاني (232 – 334هـ) والثالث (334 – 447هـ) شاعت التوقيعات على أقلام عدد من الكتاب والوزراء المشهورين من ذلك ما ذكره الثعالبي ( [124] ) أن الصاحب بن عباد (326 – 385هـ) رفع إليه بعضهم رقعة يذكر أن بعض أعدائه يدخل داره فيسترق السمع، فوقع فيها:» دارنا هذه خان، يدخلها مَنْ وفى ومن خان «. وكتب إليه إنسان رقعة أغار فيها على رسائله، وسرق جملة من ألفاظه، فوقع فيها:» هذه بضاعتنا ردت إلينا ( [125] ) «. ووقع في رقعة استحسنها {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} ( [126] ) . شخصية كاتب التوقيعات: في هذه البيئة الفنية الخصبة ازدهرت التوقيعات ( [127] ) ، وأنشئ لها ديوان خاص سمي بديوان التوقيعات، وأسند العملُ فيه إلى بلغاء الأدباء والكتاب ممن استطارت شهرتهم في الآفاق، وعرفوا ببلاغة القول، وشدة العارضة، وحسن التأتي للأمور، والمعرفة بمقاصد الأحكام وتوجيه القضايا. يقول ابن خلدون (732 – 808هـ) في ذلك: » واعلم أن صاحب هذه الخطة لابد أن يتخير من أرفع طبقات الناس، وأهل المروءة والحشمة منهم، وزيادة العلم وعارضة البلاغة، فإنه معرض للنظر في أصول العلم لما يعرضُ في مجالس الملوك، ومقاصد أحكامهم، مع ما تدعو إليه عِشْرة الملوك من القيام على الآداب، والتخلق بالفضائل مع ما يضطر إليه في الترسيل، وتطبيق مقاصد الكلام من البلاغة وأسرارها « ( [128] ) . وكان للتوقيعات البليغة الموجزة رواج عند ناشئة الكتاب وطلاب الأدب، فأقبلوا عليها ينقلونها ويتبادلونها ويحفظونها، وينسجون على منوالها. يقول ابن خلدون: » كان جعفر بن يحيى البرمكي يوقع القصص بين يدي الرشيد، ويرمي بالقصة إلى صاحبها، فكانت توقيعاته يتنافس البلغاء في تحصيلها؛ للوقوف فيها على أساليب البلاغة وفنونها؛ حتى قيل: إنها كانت تباع كُلُّ قصة منها بدينار « ( [129] ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 464 وكان يقول لكُتّابه ( [130] ) :» إن استطعتم أن يكون كلامكم كله مثل التوقيع فافعلوا «. وسبق أن بيّن لنا ابن خلدون في الحديث عن المعنى الاصطلاحي للتوقيع الكيفية التي تنم فيها التوقيعات في مجلس الخليفة أو السلطان. وكما برع العباسيون في فن التوقيعات كذلك برع فيها الأندلسيون ( [131] ) ، ولا سيما بعد استقرار دولتهم، وأخذهم بأسباب المدنية والحضارة. والتوقيعات عند الأندلسيين في حاجة إلى بحث مستقل، فعسى أن أوفق إلى ذلك. مقاييس التوقيع الأدبي: ليس كل توقيع يصلح أن يكون توقيعًا أدبيًا، وإنما يشترط في التوقيع لكي يكون كذلك الشروط التالية: 1- الإيجاز، وهو أن تكون ألفاظه قليلة معدودة ذات معانٍ غزيرة. وقد بالغ بعض الكتاب والأدباء في وجازة التوقيع؛ حتى إن بعضهم اقتصر في بعض توقيعاته على حرف، أو نقطة. ذُكرَ أن الصاحب بن عباد الوزير الأديب المؤلف وقّع في رقعة بألف، وفي أخرى بنقطة، وذلك أنه التمس منه بعض السائلين شيئًا من مال، ثم كتب في آخر رقعته» فإن رأى مولانا أن يَفْعَلَ ذلك فَعَل «، فوقع الصاحبُ قبل (فَعَل) ألفًا، فصار (أفعلُ) . وأما النقطة فإنه وضعها في رقعة على لفظة (يفعل) ، فنقط الياء من فوقها فصارت نونًا ( [132] ) . ولا شك أن ما فعله الصاحب يعد من التوقيعات المستظرفة المستملحة، وإن كان يبدو توقيعه متكلفًا لا بلاغة فيه. 1 - البلاغة، وهو أن يكون التوقيع مناسبًا للحالة، أو القضية التي قيل فيها. 2 - الإقناع: وذلك أن يتضمن التوقيع من وضوح الحجة وسلامتها ما يحمل الخصم على التسليم، ومن قوة المنطق وبراعته ما يقطع على صاحب الطلب عودة المراجعة. ومن التوقيعات التي توافرت فيها الشروط الثلاثة ما وقع به عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي لعامله بحمص في الشام حينما كتب إليه أن مدينته تحتاج إلى بناء حصن لحمايتها من الأعداء:» حصنها بالعدل. والسلام « ( [133] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 465 وكذلك ما وقع به أبو جعفر المنصور حين كتب إليه عامله بمصر يذكر نقصان النيل» طهر عسكرك من الفساد، يعطك النيل القياد « ( [134] ) . ومن التوقيعات المستحسنة ما كتبه يحيى بن خالد البرمكي في الاستبطاء والاقتضاء:» في شكر ما تقدم من إحسانك شاغلٌ عن استبطاءِ ما تأخر منه « ( [135] ) . أثر التوقيعات في السياسة والأدب: أسهمت التوقيعات الأدبية منذ أبكر عصورها في توجيه السياسة العامة للدولة الإسلامية، في عصر صدر الإسلام، ودولة بني أمية، ودولة العباسيين، وكان الخلفاء في أكثر الأحايين هم الذين يتولون توجيه ما يرد إليهم من رقاع أو خطابات أو معاملات كما نسميها بلغة عصرنا، وكان التوجيه في حد ذاته توقيعًا أدبيًا موجزًا يتضمن الرأي، أو ما يجب إجراؤه، ويكلون التوجيه والتوقيع إلى بعض الكتاب البلغاء تحت إشرافهم في بعض الأحيان، وكان في ذلك كله ثروة لا تقدر بثمن في بناء الدولة وسياسة الرعية، وإغناء التاريخ بالنافع المفيد، وإثراء الأدب والفكر، فالتوقيع يحمل رأيًا صائبًا، أو فكرة جديدة، أو حكمة بالغة، أو توجيهًا سديدًا. ويحرص كاتب التوقيع أن يكون توقيعه بليغًا مؤثرًا موجزًا، يعرضه في كلمات قليلة. وهذا أتاح للأدب العربي أن يظفر بطائفة من التعبيرات الأدبية الراقية، تضم إلى ما أثر عن العرب من حكم وأمثال وأقوال بليغة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 466 والذي جعل للتوقيعات هذه القيمة السياسية هو أنها ارتبطت منذ نشأتها بدواوين الخلفاء والوزراء، وكانت إحدى الوسائل المباشرة – مثلها مثل الرسائل والخطب – لتوجيه السياسة العامة للدولة، وتزويد الولاة والقواد في ولاياتهم ومواقع مواقع حروبهم بالنصائح والإجراءات المناسبة؛ فكل توقيع يوقعه الخليفة إلى والٍ أو وزير أو قائد يتضمن توجيهًا ذا علاقة بسياسة الدولة. من ذلك ما وقّع به المأمون في قصة متظلم من حميد الطوسي ( [136] ) أحد قواده:» يا أبا حامد إلا تتكل على حسن رأيي فيك؛ فإنك وأحد رعيتي عندي في الحق سواء ( [137] ) «. وما وقّع به إلى أحد عماله، وقد شكاه أهل عمله:» إن آثرتَ العدل حصلت على السلامة، فانصف رعيتك من هذه الظَّلامة ( [138] ) «. والتوقيعان يحثانِ على وجوب العدل بين الناس في الحقوق والمعاملات. نتائج البحث: عرفنا في الصفحات السابقة أن التوقيعات فن أدبي من فنون النثر، تتوافر فيه عناصر التعبير البليغ. وتناول البحث هذا الفن في العصر الإسلامي والأموي والعباسي، ومهد للموضوع بالحديث عن نشأة الكتابة عند العرب لارتباط التوقيعات بها ثم مصادر التوقيعات، وعرف بالتوقيع في اللغة والاصطلاح، وتطور دلالته، ودرس أنواع التوقيعات بحسب مصادرها الأدبية، وقدم لمحة عن نشأتها وتطورها عبر العصرين الإسلامي والأموي، وازدهارها وتميزها في العصر العباسي، وخلص البحث إلى تحديد مقاييس التوقيع الأدبي، ثم أثر التوقيعات في السياسة والأدب. ومن أهم النتائج التي وصل إليها البحث ما يلي: 1- أن التوقيعات فن أدبي قائم بذاته، وله خصوصيته ومقاييسه الأدبية المستقلة. 2- لم يعرف عرب الجاهلية هذا الفن من التعبير، ولم يستخدموه في مكاتباتهم، على الرغم من أنَّ الكتابة كانت معروفة لديهم. 3- التوقيعات فن أدبي نشأ في ظل الإسلام وازدهر، وليس صحيحًا ما ذهب إليه بعض الباحثين من أن العرب أخذوه من الفرس. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 467 4- عرفت التوقيعات منذ وقت مبكر في الإسلام، وأول ما أثر منها توقيعات أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – في خلافته. 5- أن بعض الخلفاء كانوا يتولون كتابة التوقيعات، أو يملونها على الكاتب الذي بين يديهم، أو يعهدون إلى كتابهم البلغاء بكتابتها بعد تزويدهم بالتوجيهات اللازمة. 6- أن كبار المسؤولين من وزراء وولاة وقواد في العصر الأموي والعباسي كانوا يمارسون كتابة التوقيعات، وكانت توقيعاتهم مأثورة، لأنهم جمعوا بين السياسة والأدب. 7- لا يشترط في التوقيع البليغ أن يكون كلامًا مبتكرًا، بل قد يكون آية قرآنية، أو حديثًا نبويًا، أو بيت شعر، أو مثلاً، أو حكمة. الهوامش والتعليقات ( [1] ) انظر في نشأة الخط العربي: فتوح البلدان: 456 – 457، والعقد الفريد، 4/156- 157، والوزراء والكتاب: 1-2، والصاحبي في فقه اللغة: 10، والفهرست، 6-7، وصبح الأعشى: 3/6-10، والقاموس المحيط (جزم) ، وزهر الأكم في الأمثال والحكم: 2/221 – 222، ومصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية 23- 37. (2) فتوح البلدان: 457 – 459. (3) طبقات ابن سعد 5/15، وعيون الأخبار: 4/103، وفتوح البلدان: 459، وتاريخ الطبري (حوادث 23هـ) 4/240، ومعجم البلدان (نُقَيْرَة) 5/301. وهي قرية من قرى عين التمر في العراق. (4) هو ربيعة بن سعد بن مالك، وقيل: هو عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، شاعر جاهلي، وأحد عشاق العرب المشهورين، لقب بالمرقش بقوله هذا البيت، وهو أحد شعراء المفضليات. الشعر والشعراء: 210 – 213، والأغاني: 6/121 – 128. (5) الشعر والشعراء: 210، واللسان (رقش) ، ورقش: كتب، والترقيش: الكتابة، والتنقيط، والتسطير في الصحف، والرقْش: الخط الحسن. اللسان (رقش) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 468 (6) أمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي، شاعر جاهلي، أدرك الإسلام، وبقي على دينه لم يسلم، وكان في الجاهلية قرأ الكتب الدينية كالتوراة والإنجيل، ورغب عن عبادة الأوثان، وكان يطمع أن يكون رسولاً، فلما بعث الرسول الكريم كفر حسدًا له، توفي في السنة الثامنة، وقيل التاسعة من الهجرة. الشعر والشعراء: 459 – 462، والأغاني: 4/123 – 136، والإصابة: 1/384 – 387. (7) أمية بن أبي الصلت، حياته وشعره: 268، واللسان والتاج (قطط) . القط: الكتاب، والصك بالجائزة. وقيل: هو كتاب المحاسبة، والصحيفة المكتوبة. اللسان (قطط) والمراد به هنا الكتاب. (8) ديوانه، 89. (9) حجج: سنوات. الزبور: اسم الكتاب الذي أنزل على داود عليه السلام. والزبور: الكتاب المزبور. وقيل الزبور: التوراة والإنجيل والقرآن. اللسان (زبر) . (10) شرح ديوانه: 299. والبيت من معلقته. (11) جلا: كشف. الطلول: مفردها طلل، وهو ما شخص من آثار الديار. الزُّبَر: الكتب. تجد: تجدد وتعيد. والضمير في أقلامها يعود على الزبر. (12) الصناعتين: 460. (13) من ملوك الغساسنة في الشام، كان معاصرًا للنعمان بن المنذر اللخمي ملك الحيرة، وكانت بينهما منافسة، له خبر مع حسان بن ثابت ذكره المسعودي، أدرك الإسلام، وبعث إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - رسالة دعاه فيها إلى الإسلام، توفي في السنة الثامنة من الهجرة، وملك بعده جبلة بن الأيهم آخر ملوك الغساسنة. مروج الذهب: 2/107 – 108، وعيون الأثر: 2/270- 271، ومجموعة الوثائق السياسية: 97، والأعلام: 2/155. (14) لم أهتد إلى معرفته. (15) المذق: الخلط. (16) الصناعتين: 460. (17) فتوح البلدان: 459, وصبح الأعشى: 3/11. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 469 (18) هي الشِّفاء بنت عبد الله بن شمس بن خلف القرشية العدوية، وقيل: اسمها ليلى. أسلمت قبل الهجرة، وكانت من عقلاء النساء وفضلياتهن، وكان عمر بن الخطاب يقدمها في الرأي، ويفضلها، ويرضاها، وربما ولاها شيئًا من أمر السوق، وأقطعها رسول الله دارًا بالمدينة، وكان يقيل عندها، واتخذت له فراشاً وإزارًا ينام فيه، توفيت نحو عام: 20هـ. انظر: طبقات ابن سعد: 8/268، وطبقات خليفة: 334، والاستيعاب: 1868 – 1870، وأسد الغابة: 7/162 – 163، والإصابة: 8/201 – 203، وتهذيب التهذيب: 12/428، وأعلام النساء: 2/300 – 301. (19) النملة والنمل: قروح أو بثور صغار مع ورم يسير، تخرج في الجنب وغيره، ثم تتقرح وتتسع، ويسميها الأطباء الذُّبَاب. اللسان (نمل) . (20) فتوح البلدان: 458. ومصادر ترجمة الشفاء. (21) أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط القرشية الأموية، أخت الوليد بن عقبة، وأخت عثمان ابن عفان لأمه. أسلمت بمكة قديمًا، وصلت القبلتين، وهاجرت إلى المدينة ماشية في هدنة الحديبية سنة سبع. تزوجها زيد بن حارثة، فقتل عنها يوم مؤتة، فتزوجها الزبير بن العوام، ثم طلقها، فتزوجها عبد الرحمن بن عوف، وتوفي عنها، فتزوجها عمرو بن العاص، فمكثت عنده شهرًا، ثم توفيت نحو عام: 32هـ. انظر: طبقات ابن سعد: 8/230- 231، وطبقات خليفة: 332، والاستيعاب: 1953- 1954، وأسد الغابة: 7/386- 387، والإصابة: 8/462-464، وتهذيب التهذيب: 12/477- 478. (22) هي عائشة بنت سعد بن أبي وقاص الزهرية المدنية، تابعية، ومن رواة الحديث الثقات، أدركت ستا من أمهات المؤمنين، وروت عنهن وعن أبيها، روى لها البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. قيل: إنها كانت من أجمل نساء عصرها، توفيت عام: 117هـ، ولها من العمر أربع وثمانون سنة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 470 انظر: طبقات ابن سعد: 8/467- 468، والفاخر للمفضل بن سلمة، ضمن المثل (تعست العجلة) 189، والأغاني: 17/201-202، ومجمع الأمثال: 1/243، والكامل في التاريخ، لابن الأثير: 5/195، والعبر للذهبي: 1/147، والوافي بالوفيات: 16/606-607، والإصابة: 8/235، وتهذيب التهذيب: 12/436، وشذرات الذهب: 1/154، وأعلام النساء: 3/135-136. (23) هي كريمة بنت المقداد بن الأسود الكندية، من رواة الحديث، روت عن أمها ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وروى عنها زوجها عبد الله بن وهب بن زمعة، وابنتها قرببة بنت عبد الله بن وهب بن زمعة، ذكرها ابن حبان في الثقات. انظر: تاريخ الطبري: 2/272، وتهذيب التهذيب: 12/448، وتقريب التهذيب: 2/612، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال: 495، وأعلام النساء: 4/244. (24) فتوح البلدان: 458. (25) المحبر: 475. (26) فتوح البلدان: 457. (27) العقد الفريد: 4/157. (28) انظر: موضوع (موضوعات الكتابة وأدواتها في العصر الجاهلي) في كتاب: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخيه: 59 وما بعدها. (29) انظر موضوع (كتابة الشعر الجاهلي) في المرجع السابق: 107 وما بعدها، ولمزيد من التوسع ينظر بحث: الكتابة عند العرب في الجاهلية والإسلام، للدكتور أحمد كوتي، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، الجزء الثاني، المجلد: 61، رجب: 1406هـ، إبريل: 1986م، ص348- 361. (30) من أدق ما كتب في ذلك كتاب: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، للدكتور محمد حميد الله، وانظر عيون الأثر: 2/259 وما بعدها. (31) العقد الفريد: 4/205 – 223. (32) انظر على سبيل المثال الصفحات: 205، 306، 308. (33) انظر: نثر الدر: 5/108 وما بعدها. (34) خاص الخاص: 264 – 293. (35) لطائف اللطف: 64، 68. (36) تحفة الوزراء: 144 – 149. (37) جمهرة رسائل العرب: 1/530 – 531. (38) المرجع السابق: 4/367-401. (39) المرجع نفسه. (40) معجم مقاييس اللغة (وقع) 6/133-134. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 471 (41) الدَّبرُ: بفتح الدال والباء: قروح تصيب الإبل في ظهورها من جراء الحمل أو القتب. (42) زهر الأكم في الأمثال والحكم، للحسن اليُوسي: 2/220، واللسان والتاج (وقع) ، وتاريخ اللغة العربية، لجرجي زيدان ص: 25 مطبعة الهلال بمصر، عام: 1904م. (43) زهر الأكم في الأمثال والحكم: 2/220، والتاج (وقع) . (44) الاقتضاب في شرح أدب الكتاب: 1/196. والقول من غير عزو في اللسان (وقع) . (45) البيت في ديوانه: 786، والأساس (سقط) ، ووردت الكلمة بهذا المعنى في أكثر من موضع في شعره. يقال: تذاكرنا سِقَاط الحديث، وساقطهم أحسن الحديث، وهو أن يحادثهم شيئًا بعد شيء. وسقاط الحديث: أن يتحدث الواحد وينصت له الآخر، فإذا سكت تحدث الساكت. الأساس وشرح الديوان. (46) الاقتضاب في شرح أدب الكتاب: 1/196. (47) تهذيب اللغة (وقع) : 3/35 – 36، واللسان (وقع) . (48) انظر: تاريخ اللغة العربية، ص: 25. (49) الاقتضاب في شرح أدب الكتاب: 1/195. (50) المقدمة ص:681، تحقيق: د. علي عبد الواحد وافي، دار نهضة مصر للطبع والنشر، الطبعة الثانية: 1981. (51) انظر من صبح الأعشى: 10/292-467، 11/33-425، 12/36-482، 13/13-46. وراجع فهارس الكتاب التي أعدها وصنفها محمد قنديل البقلي ص: 12-29. (52) تاريخ اللغة العربية، ص: 25. (53) راجع المثال والتوقيع في: إحكام صنعة الكلام، للكلاعي: 162- 163، تحقيق: محمد رضوان الداية، بيروت 1966، والمستطرف: 2/67، وترجمة المهلبي في وفيات الأعيان: 2/124 – 127، وفوات الوفيات: 1/353-357. (54) ترجمته في وفيات الأعيان: 1/174- 177. (55) قيل: إنه أبو عبد الله الصوفي، وقيل: أبو الحسين العسقلاني، وفيات الأعيان: 2/124. (56) تنازعه عدد من شعراء العصر العباسي، منهم البحتري ديوانه: 5/2684، وشرح المضنون به على غير أهله: 223، وانظر مزيد تخريج له في حاشية الديوان، وحاشية كتاب الآداب: 498. (57) سورة البقرة، الآية: [261] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 472 (58) أورد القصة موجزة القلقشندي في صبح الأعشى: 1/41. (59) العقد الفريد، تحقيق أحمد أمين وآخرين: 4/212. (60) سورة الأعراف، الآية: [199] . (61) تحفة الوزراء المنسوب للثعالبي، 148، ت/ حبيب علي الراوي، ود. ابتسام مرهون الصفار، بغداد: 1977م. (62) العقد الفريد: 4/208. (63) البيت لجرير، ديوانه: 348، بشرح الصاوي، واللسان والتاج (ربع) . مربع: لقب لرواية جرير، واسمه وعوعة بن سعيد بن قرط بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب، وكان الفرزدق قد حلف ليقتلنه. انظر التاج، وحاشية شرح الديوان. (64) إحكام صنعة الكلام: 164. (65) شرح ديوانه: 4/70، ط البرقوقي. المشرفية: السيوف. القنا: الرماح. الخميس: الجيش. العرمرم: الكثير. (66) العقد الفريد: 4/206. (67) مجمع الأمثال للميداني: 2/442، ط محمد أبو الفضل إبراهيم، الحلبي، القاهرة. (68) العقد الفريد: 4/210. (69) المصدر السابق: 4/211. (70) المصدر نفسه: 4/216. (71) تحفة الوزراء: 146. (72) المصدر السابق: 147، والعقد الفريد: 4/219. (73) العقد الفريد: 4/157. (74) خاص الخاص، للثعالبي: 269. (75) تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الأول) ، لشوقي ضيف: 489. (76) العقد الفريد: 4/205-206. يكنك: يقيك. الهواجر، مفردها هاجرة، وهي نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر، ولا تكون إلا في القيظ. اللسان (هجر) . (77) خاص الخاص:270. (78) العقد الفريد: 4/206. (79) الوجأ: الضرب واللكز. اللسان (وجأ) . (80) العقد الفريد: 4/206، وخاص الخاص: 270. والتوقيع آية قرآنية: الآية: [216 من سورة الشعراء] . (81) العيلة: الفقر. (82) العقد الفريد: 4/206. (83) صحابي جليل، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى. توفي عام:36هـ، الإصابة: 3/430 – 432. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 473 (84) العقد الفريد: 4/206، وهو من أمثال العرب، انظر: أمثال أبي عبيد: 54، ومجمع الأمثال: 2/422-443، واللسان (حكم) . (85) العقد الفريد: 4/206، وفيه كتب الحسن، وخاص الخاص: 270 وفيه كتب الحسين. ومعناه: أن رأي الشيخ وحكمته وتجربته خيرٌ مما يراه الغلام ويشهده، ثم يصدر رأيه عنه. (86) العقد الفريد: 4/206. (87) هو مالك بن الحارث النخعي، من التابعين، وكان رئيس قومه، شاعر، شهد اليرموك، وضربه رجل على رأسه فسالت الجراحة قيحًا إلى عينه فشترتها، أي قطعتها وذهبت بها، وكان ممن ألب على عثمان، وشهد مع علي الجمل وصفين، وكان شجاعًا جوادًا، ولاه عليُّ مصر، فلما صل إلى القُلْزم شرب شربة عسل فمات بها عام: 38هـ. وقعة صفين في مواضع كثيرة (ينظر الفهرس) ، والمؤتلف والمختلف: 31-32، ومعجم الشعراء: 362، والإصابة: 6/212-213. (88) العقد الفريد: 4/206، وهو من أمثال العرب: انظر أمثال أبي عبيد: 51، ومجمع الأمثال: 3/313، والفاخر: 265. ومعناه: من لك بأخ يبذل لك جميع ما يرضيك؟ (89) أبو طلحة وأبو عمر صعصعة بن صوحان العبدي، تابعي، أسلم ولم ير النبي – عليه الصلاة والسلام – من رؤساء بني عبد القيس وكبارهم، ومن أصحاب علي بن أبي طالب، قتل أخواه زيد وسبحان يوم الجمل، فأخذ بعدهما الراية، وشهد صفين مع علي أميرًا على كردوس، وكان خطيبًا مفوهًا، وأخباره كثيرة. توفي نحو عام: 60هـ. في الكوفة، وقيل في غيرها. المعارف: 402، 624، والشعر والشعراء: 639، وسير أعلام النبلاء: 3/528 – 529، والوافي بالوفيات: 16/309، والإصابة: 3/348، 373، وفي حاشية المصادر الثلاثة الأخيرة ذكر لمصادر كثيرة لترجمته، وانظر الأعلام: 3/205. (90) العقد الفريد: 4/206، والقول في التمثيل والمحاضرة: 29. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 474 (91) هو أبو ساسان الحضين بن المنذر بن الحارث الرقاشي، أحد بني عمرو بن شيبان بن ذهل، من سادات ربيعة، شاعر فارس، كان رئيس بكر بن وائل وحامل رايتهم يوم صفين، دفعها إليه علي بن أبي طالب، وهو ابن تسع عشرة سنة، وولاه علي إصطخر، وكان باقعة داهية، توفي عام 97هـ، وكانت ولادته عام 18هـ. وقعة صفين في مواضع كثيرة (ينظر الفهرس) ، والمؤتلف والمختلف: 120 – 121، وسمط اللآلي: 816 – 817، وتهذيب التهذيب: 2/395، وخزانة البغدادي: 4/38، وتاج العروس (حضن) . (92) العقد الفريد: 206، وخاص الخاص: 271، وفي التمثيل والمحاضرة: 30» بقية السيف أنمى عددًا، وأكثر ولدًا «وأنمى: أكثر. (93) خاص الخاص: 271. (94) المصدر نفسه: 271. (95) أحد بني عمرو بن يربوع، من كبار قومه، ومن رجالات الدولة الأموية، عينه زياد بن أبيه مع آخرين على جباية الخراج لما تولى العراق، وصحب سعيد بن عثمان لما خرج إلى خراسان عام 56هـ، خطب إلى معاوية فرده، وكان محبًا للنساء، معجبًا بهنّ. تاريخ الطبري: 3/372، 4/327، 5/226، 305، 233، والكامل في التاريخ 3/145. (96) العقد الفريد: 4/207، وتاريخ الطبري: 5/333. (97) من الأجواد المشهورين، قيل: لم يكن في الإسلام أسخى منه، سكن المدينة، وتوفي سنة: 80هـ. الوافي بالوفيات: 17/107- 109، وفوات الوفيات: 2/170 – 171، ومصادر ترجمته وأخباره كثيرة. (98) العقد الفريد: 4/207، وخاص الخاص: 272. (99) خاص الخاص: 272. (100) العقد الفريد: 4/207. (101) المصدر نفسه: 4/208. (102) المصدر نفسه. أوذم: شدّ وربط. (103) العقد الفريد: 4/208. (104) سبق التوقيع في هذا البحث. (105) العقد الفريد: 4/208، وهو جزء من آية، [الأنعام: 128، وهود: 49، والقصص: 83] . (106) العقد الفريد: 4/208، وهو جزء من آية، [آل عمران: 120] . (107) المصدر نفسه: 4/208. (108) المصدر نفسه: 4/209. (109) المصدر نفسه. (110) المصدر نفسه. (111) المصدر نفسه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 475 (112) المصدر نفسه. استوصلتني: طلبت مني أن أصلكَ بمال. (113) العقد الفريد: 4/209، وخاص الخاص: 275. (114) العقد الفريد: 4/209. (115) هو نصر بن سيار بن رافع الكناني. تاريخ الطبري: 7/299، له ترجمة في خزانة الأدب: 2/223 – 224، والأعلام: 8/23. (116) المسودة: الذين يلبسون السواد، وهو شعار العباسيين، والخضرة شعار العلويين. (117) العقد الفريد: 4/210. (118) انظر العقد الفريد: 4/210، وخاص الخاص: 275 –276، وجمهرة رسائل العرب: 2/498 – 500. (119) انظر العقد الفريد: 4/217- 218، وجمهرة رسائل العرب: 2/500-503. (120) العقد الفريد: 4/217. (121) المصدر نفسه: 4/217. (122) المصدر نفسه: 4/218. والتوقيع جزء من آية، [التوبة: 91] . (123) انظر: العقد الفريد 4/211-216، وخاص الخاص: 276-282. (124) يتيمة الدهر: 3/197، وإحكام صنعة الكلام: 160- 161. (125) يتيمة الدهر: 3/197. (126) المصدر نفسه. والتوقيع آية قرآنية. [الطور: 15] . (127) الخراج وصناعة الكتابة، لقدامة بن جعفر، 53-54، تحقيق: د. محمد حسين الزبيدي – دار الرشيد للنشر، بغداد: 1981. (128) المقدمة: 681. (129) المصدر نفسه: 681. (130) البيان والتبيين: 1/115، والعقد الفريد: 2/272، والصناعتين: 179. (131) التاج (وقع) . (132) تحفة الوزراء:144، وإحكام صنعة الكلام: 161. (133) خاص الخاص: 274. (134) العقد الفريد: 4/212. (135) تحفة الوزراء: 145. (136) هو أبو غانم حميد بن عبد الحميد الطوسي، من كبار قواد المأمون، وكان جبارًا، فيه قوة وبطش وإقدام، وكان المأمون يندبه للمهمات، مدحه بعض الشعراء. توفي عام 210هـ. وفيات الأعيان: 3/351 – 354 (ترجمة العكوك) ، والنجوم الزاهرة: 2/190. (137) خاص الخاص: 280. وهكذا وردت كنيته في المصدر. (138) المصدر نفسه: 281. المصادر والمراجع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 476 1- إحكام صنعة الكلام، أبو القاسم محمد بن عبد الغفور الكلاعي الإشبيلي الأندلسي (القرن السادس) ، تحقيق: محمد رضوان الداية، الطبعة الأولى: 1966م، دار الثقافة، بيروت. 2- أساس البلاغة، جار الله محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي الزمخشري (467 – 538هـ) ، دار مطابع الشعب: 1960م، القاهرة. 3- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي (368 – 463هـ) ، تحقيق: علي محمد البجاوي، مكتبة نهضة مصر ومطبعتها، القاهرة. 4- أسد الغابة في معرفة الصحابة، عز الدين الأثير أبو الحسن علي بن محمد الجزري (555- 630هـ) . تحقيق: محمد إبراهيم البنا، ومحمد أحمد عاشور، ومحمود عبد الوهاب فايد، دار الشعب، القاهرة. 5- الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 – 852هـ) ، حققه: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوّض، الطبعة الأولى: 1415هـ= 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 6- الأعلام (قاموس تراجم) ، خير الدين الزركلي (1310 – 1396هـ= 1893 – 1976) ، الطبعة السابعة: 1986م، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان. 7- أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، عمر رضا كحالة (1323 – 1408هـ = 1905- 1987م) ، الطبعة الرابعة: 1402 = 1982م، مؤسسة الرسالة – بيروت. 8- الأغاني، أبو الفرج الأصبهاني علي بن الحسين (284 – 356هـ) ، الطبعة الثالثة: 1381 هـ= 1962م، دار الثقافة، بيروت. 9- الاقتضاب في شرح أدب الكُتَّاب، أبو محمد عبد الله بن محمد بن السِّيد البطليوسي (444 – 521هـ) . حققه: الأستاذ مصطفى السقا، والدكتور حامد عبد المجيد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة: 1981 - 1983م. 10- الأمثال، أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (151 – 224هـ) ، تحقيق: عبد المجيد قطامش (000-1414هـ = 000- 1993م) ، الطبعة الأولى: 1400هـ = 1980م، جامعة الملك عبد العزيز، مكة المكرمة، طبع: دار المأمون للتراث، دمشق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 477 11- أمية بن أبي الصلت (000- 8هـ) حياته وشعره، دراسة وتحقيق: د. بهجة عبد الغفور الحديثي، الطبعة الثانية: 1991م، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد. 12- البيان والتبيين، أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الجاحظ (150 – 255هـ) ، حققه: عبد السلام محمد هارون (1327- 1408هـ = 1909 – 1988م) ، الطبعة الثانية: 1380هـ = 1960م، مكتبة الخانجي بمصر، ومكتبة المثنى ببغداد. 13- تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي الأول، د. شوقي ضيف، الطبعة الثامنة، دار المعارف، القاهرة. 14- تاريخ الرسل والملوك (تاريخ الطبري) ، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (224 – 310هـ) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (1322 – 1401هـ = 1905- 1981م) ، الطبعة الأولى: 1960م، دار المعارف بمصر. 15- تاريخ اللغة العربية، جورجي زيدان (1278 – 1332هـ = 1861- 1914م) ، الطبعة الأولى: 1904م، مطبعة الهلال، مصر. 16- تاريخ اليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي الكاتب (ت بعد 292هـ) ، دار صادر، بيروت. 17- تحفة الوزراء المنسوب إلى أبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي (350 – 429هـ) ، تحقيق: حبيب علي الراوي، والدكتورة ابتسام مرهون الصفار، الطبعة الأولى: 1977م، وزارة الأوقاف، بغداد، مطبعة العاني. 18- تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 – 852هـ) ، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مصورة عن الطبعة الثانية: 1395هـ = 1975م. 19- التمثيل والمحاضرة. أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي 3500 – 429هـ) . تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو (1356 – 1414هـ = 1937 – 1994م) ، الطبعة الأولى: 1381هـ = 1961م، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. 20- تهذيب التهذيب؛ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني حجر (773 – 852هـ) ، دار صادر – بيروت. نسخة مصورة من الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية – حيدر آباد الدكن، الهند: 1325هـ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 478 21- تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (272 – 370هـ) ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون (1327 – 1408هـ = 1909 – 1988م) ، وآخرين، الطبعة الأولى: 1384هـ = 1964م، دار القومية العربية للطباعة، القاهرة. 22- جمهرة رسائل العرب، أحمد زكي صفوت، الطبعة الثانية: 1391هـ = 1971م، مصطفى البابي الحلبي – القاهرة. 23- خاص الخاص، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي (350 – 429هـ) . حققه وعلق عليه: د. صادق النقوي، الطبعة الأولى: 1405هـ = 1984م، مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند. 24- الخراج وصناعة الكتابة، أبو الفرج قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب البغدادي (000 – 337هـ) . تحقيق: د. محمد حسين الزبيدي. دار الرشيد للنشر: 1981م، بغداد. 25- خزانة الأدب، ولب لباب لسان العرب، عبد القادر بن عمر البغدادي (1030 – 1093هـ = 1620 – 1682م) ، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون (1327 –1408هـ = 1909 – 1988م) ، الطبعة الأولى: 1979 – 1986م، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومكتبة الخانجي، القاهرة. 26- خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، صفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي الأنصاري (900 – بعد 923هـ) ، الطبعة الثانية: 1391هـ = 1971م، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب. 27- ديوان البحتري (206- 284هـ) ، تحقيق: حسن كامل الصيرفي (1326- 1404هـ = 1908- 1984م) ، دار المعارف بمصر. 28- ديوان ذي الرمة غيلان بن عُقْبة العَدَويّ (77 – 117هـ) ، حققه: د. عبد القدوس ناجي أبو صالح، الطبعة الأولى: 1392هـ = 1972م، مجمع اللغة العربية بدمش، سورية. 29- زهر الأكم في الأمثال والحكم، أبو علي نور الدين الحسن بن مسعود بن محمد اليوسي (1040 – 1102هـ) ، حققه: د. محمد حجي، ود. محمد الأخضر، الطبعة الأولى: 1401هـ = 1981م، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 479 30- سمط ( [1] ) اللآلي في شرح أمالي القالي، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (432 – 487هـ = 1040 – 1094م) ، تحقيق: عبد العزيز الميمني (1306- 1398هـ = 1888- 1978م) ، الطبعة الثانية: 1404هـ = 1984م) ، دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت. 31- سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (673 – 748هـ) ، تحقيق: مجموعة من المحققين، الطبعة الأولى: 1401هـ = 1981م، مؤسسة الرسالة، بيروت. 32- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي الدمشقي (1032 – 1089) ، الطبعة الثانية: 1399هـ = 1979م، دار المسيرة، بيروت، نسخة مصورة عن نشرة مكتبة القدسي، عام: 1350هـ. 33- شرح ديوان جرير (33- 116هـ) ، محمد إسماعيل عبد الله الصاوي، دار الأندلسي للطباعة والنشر، بيروت. 34- شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري (000- 41هـ) ، حققه: د. إحسان عباس، الطبعة الثانية: 1984م، وزارة الإعلام، الكويت. 35- شرح ديوان المتنبي (303 – 354هـ) ، وضعه: عبد الرحمن البرقوقي (1293 – 1363هـ = 1876 – 1944م) ، مطبعة السعادة، القاهرة. 36- شرح المضنون به على غير أهله، عبيد الله بن عبد الكافي العبدي (القرن السابع والقرن الثامن) ، مكتبة دار البيان ببغداد، ودار صعب ببيروت. 37- الشعر والشعراء، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (213 – 276هـ) ، تحقيق: أحمد محمد شاكر (1309 – 1377هـ = 1892 – 1958م) ، الطبعة الثانية: 1966 – 1967، دار المعارف بمصر. 38- الصاحبي، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (000 – 395هـ) ، تحقيق: السيد أحمد صقر: القاهرة 1977م، عيسى البابي الحلبي. 39- صبح الأعشى في صناعة الإنشا، أبو العباس أحمد بن علي القَلْقَشندي (756هـ – 821هـ) ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر (الهيئة المصرية العامة للكتاب) ، نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 480 40- الطبقات، شباب العصفري: أبو عمرو خليفة بن خياط (160 – 240هـ) ، حققه: أكرم ضياء العمري، الطبعة الأولى: 1387هـ = 1967م، مطبعة العاني، بغداد. 41- الطبقات الكبرى، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الزهري (168 – 230هـ) كاتب الواقدي (130 – 207هـ) ، دار صادر ودار بيروت: 1380هـ = 1960م، بيروت. 42- العبر في خبر مَنْ غبر، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (673 – 748هـ) ، تحقيق: صلاح الدين المنجد، وفؤاد السيد (1334 – 1387هـ = 1916 – 1967م) ، ورشاد عبد المطلب (1335 – 1394هـ = 1917 – 1975م) ، الطبعة الثانية: 1984م، وزارة الإعلام، الكويت، مطبعة حكومة الكويت. 43- العقد الفريد، أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (246 – 327هـ) ، حققه: أحمد أمين 1295 – 1373هـ = 1878 – 1954م) ، وأحمد الزين (1318 – 1366هـ = 1900 – 1947م) ، وإبراهيم الأبياري (1320 – 1414هـ = 1902 – 1994م) ، وعبد السلام محمد هارون (1327 – 1408هـ = 1909 – 1988م) ، الطبعة الثالثة: 1384هـ = 1965م، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة. 44- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، ابن سيد الناس أبو الفتح محمد ابن محمد بن محمد الأندلسي الإشبيلي المصري (671- 734هـ) ، مكتبة القدسي: 1356هـ، القاهرة. 45- عيون الأخبار، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (213 – 276هـ) ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، القاهرة، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية. 46- الفاخر، أبو طالب المفضل بن سلمة بن عاصم (000 – نحو 291هـ) ، تحقيق: عبد العليم الطحاوي، الطبعة الأولى: 1380هـ = 1960م، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. 47- فتوح البلدان، أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري (000 – 279هـ) ، راجعه وعلق عليه: رضوان محمد رضوان، مطبعة السعادة: 1959م، مصر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 481 48- الفهرست، أبو الفرج محمد بن إسحاق بن محمد النديم البغدادي (000 – 438هـ) ، تحقيق: رضا تجدد، كراجي، باكستان. 49- فوات الوفيات والذيل عليها، محمد بن شاكر الكتبي (000- 764هـ) ، تحقيق: د. إحسان عباس، الطبعة الأولى: 1973م، دار الثقافة، بيروت. 50- الكامل في التاريخ، ابن الأثير عز الدين علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري (555 – 630هـ) ، الطبعة الأولى: 1385هـ = 1965م، دار صادر، ودار بيروت، بيروت. 51- كتاب الآداب، أبو الفضل جعفر بن محمد أبي عبد الله شمس الخلافة (543- 622هـ) ، حققه: عبد الرحمن بن ناصر السعيد، رسالة ماجستير مقدمة إلى قسم الأدب في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية عام: 1421هـ. 52- كتاب الصناعتين: الكتابة والشعر، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري (000 – نحو 400هـ) ، تحقيق: علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم (1322 – 1401هـ = 1905 – 1981م) ، عيسى البابي الحلبي، القاهرة. 53- لطائف اللطف، أبو منصور عبد الملك بن محمد النيسابوري الثعالبي (350 – 429هـ) ، تحقيق: د. عمر الأسعد، الطبعة الثانية: 1407هـ = 1987م، دار المسيرة، بيروت. 54- مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، الجزء الثاني، المجلد: 61، رجب: 1406هـ، نيسان (أبريل) : 1986م. 55- مجمع الأمثال، أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري (000- 518هـ) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (1322 – 1401هـ = 1905 – 1981م) ، الطبعة الأولى: 1978 – 1979م، عيسى البابي الحلبي، القاهرة. 56- مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، جمعها: الدكتور محمد حميد الله، الطبعة الثالثة: 1389هـ = 1969م، دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 482 57- المحبر، أبو جعفر محمد بن حبيب بن أمية بن عمر الهاشمي البغدادي (000 – 245هـ) تحقيق: د. إيلزه ليحتن شتيتر. الطبعة الأولى: 1361هـ = 1942م، جمعية دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند. 58- مروج الذهب ومعادن الجوهر، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (000 – 346هـ) ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد (1318 – 1393هـ = 1900 – 1973م) ، الطبعة الرابعة: 1384هـ = 1964م، مطبعة السعادة بمصر. 59- المستطرف في كل فن مستظرف، شهاب الدين محمد بن أحمد الأيشيهي المحلي (790 – 850هـ) ، القاهرة: 1371هـ = 1952م، مصطفى البابي الحلبي. 60- مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، الدكتور ناصر الدين الأسد، الطبعة الرابعة: 1969م، دار المعارف بمصر. 61- المعارف، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (213 – 276هـ) ، تحقيق: د. ثروت عكاشة، الطبعة الثانية. 1969م، دار المعارف بمصر، القاهرة. 62- معجم البلدان، شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (574 – 626هـ) ، الطبعة الأولى: 1376هـ = 1957م، دار صادر، ودار بيروت، بيروت. 63- معجم الشعراء، محمد بن عمران بن موسى المرزباني البغدادي (296 – 384هـ) . تحقيق: سالم الكرنكوي (فريتس كرنكو) (1872 – 1953م) . مكتبة القدسي: 1354هـ، القاهرة. 64- معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (000- 395هـ) ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون (1327 – 1408هـ = 1909 – 1988م) ، الطبعة الثانية: 1389هـ = 1969م، مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة. 65- مقدمة ابن خلدون (732 – 808هـ) ، تحقيق: د. علي عبد الواحد وافي (1319 – 1412هـ = 1901 – 1992م) ، الطبعة الثانية: 1981، دار نهضة مصر، القاهرة. 66- المؤتلف والمختلف، أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي (000- 370هـ) ، تحقيق: أحمد عبد الستار فراج (1335 – 1401هـ = 1916 – 1981) ، الطبعة الأولى: 1381هـ = 1961م، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 483 67- نثر الدرّ، أبو سعد منصور بن الحسين الآبي (000- 421هـ) ، تحقيق: عدد من المحققين، الطبعة الأولى: 1981 – 1990م، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة. 68- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي (813 – 874هـ) ، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، القاهرة. 69- الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (696 – 764هـ) . تحقيق: مجموعة من المحققين. 1399هـ – 1408هـ = 1979 – 1988م. فيسبادن – شتوتغارت – ألمانيا. 70- الوزراء والكتاب، أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري (000 – 331هـ) . تحقيق: عبد الله إسماعيل الصاوي، الطبعة الأولى: 1357هـ = 1938م، مطبعة أحمد حنفي بمصر. 71- الوزراء والكتاب، أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري (000- 331هـ) ، حققه: مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ شلبي، الطبعة الثانية: 1401هـ = 1980م، شركة مصطفى الحلبي، القاهرة. 72- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس أحمد بن محمد بن خلكان (608 – 681هـ) ، تحقيق: د. إحسان عباس، الطبعة الأولى: 1397هـ = 1977م) ، دار صادر، بيروت، لبنان. 73- وقعة صفين، نصر بن مزاحم المنقري (000 – 212هـ) حققه: عبد السلام محمد هارون (1327 – 1408هـ = 1927 – 1988م) ، الطبعة الثالثة: 1401هـ = 1981م، مكتبة الخانجي، القاهرة. 74- يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي (350- 429هـ) ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد (1318- 1393هـ = 1900- 1973م) ، الطبعة الثانية: 1392هـ= 1973م، نسخة مصورة، دار الفكر، بيروت. --- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 484 العقل المستعار بحث في إشكالية المنهج في النقد الأدبي العربي الحديث المنهج النفسي أنموذجاً د. صالح بن سعيد الزهراني الأستاذ المشارك في كلية اللغة العربية - جامعة أم القرى ملخص البحث تهدف هذه الورقة إلى البحث في قضية المثاقفة بين الثقافة العربية والثقافة الغربيّة المعاصرة وذلك من خلال التركيز على الثاقفة النقدية، واتخاذ المنهج النفسي أنموذجاً لهذه الثقافة. وتعرض للمهاد الفلسفي والمعرفي الذي تأسس عليه المنهج النفسي في نقد الأدب وتؤكد أنه منهج له سياقه الثقافي الخاص به، وتكشف عن محاسن هذا المنهج وعيوبه التصورية والإجرائية، كما تكشف عن أن المنهج النقدي بوصفه البستمولوجيا لا يمكن فصله عن فلسفته التي نشأ في ظلالها. وترى أن المثاقفة الحقيقية يجب أن تكون مثاقفة راشدة تبحث عن الحكمة وتستلهمها ولا تستنسخها كيفما اتفق. الثقافة العربية والمثاقفة “ المثاقفة ” بين الأمم، ضرورة تفرضها الرغبة في التأثير والتأثر بحثاً عن الحكمة، واسترشاداً بالرؤى النيرة، والأفكار الخلاّقة من أجل تشييد بنية ثقافية متماسكة، وواعية بذاتها، وعارفة ما لدى الآخرين من منجزات وأفكار يمكن توظيفها، أو رفع المناعة ضدها، لما لها من أثر في سلب الهويّة، وطمس معالم الخصوصيّة. وبمقتضى الطبيعة البشرية المبنية على النقص، وعلى حبّ البحث عن الجديد، ومعرفة الآخر قامت الثقافات البشرية على “ المثاقفة ” فأثرت وتأثرت، واختلفت درجات ذلك التأثير والتأثر باختلاف الرصيد الحضاري، والشعور بقيمة الذات والحفاظ عليها، فذابت ثقافات في نسيج ثقافات غالبة، وفقدت هويتها، كما حدث مع غالب ثقافات العالم الثالث، ونجحت ثقافات أخرى في المثاقفة، عندما قامت على أسس محكمة، كما تحقق للثقافة اليابانية، والثقافة الكونفوشوسيّة في الصين عندما تثاقفت مع “ ثقافة الغرب ”. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 485 وهذه الورقة معنيّة بالبحث في “ المثاقفة ” بين الثقافة العربيّة والثقافة الغربيّة مع التركيز على المثاقفة النقديّة عبر تحوّلاتها العديدة وتقديم “ المنهج النفسي ” في النقد الأدبي أنموذجاً لهذه المثاقفة. وقد عرضت الورقة لماهية الثقافة، وأبرزت حرص ديننا الإسلامي على البحث عن الحكمة، ودعوته للمثاقفة الراشدة. وعرّفت المثاقفة، مع سرد موجز لتاريخ المثاقفة في الثقافة العربيّة، مع الثقافات الأخرى ابتداءً بحركة الترجمة على يدي خالد بن يزيد بن معاوية في القرن الهجري الأول، ومروراً بمرحلة الازدهار على يدي الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد. ثمّ بما حدّث بعد ذلك في حالات الشقاق السياسي والدويلات المتناحرة في القرن الرابع، وأوضحت طبيعة تلك المثاقفة، وما تركته من آثار في تراثنا الثقافي. وكشفت عمّا آل إليه المشهد الثقافي في “ مثاقفتنا الجديدة ” مع الغرب عقب دخول الحملة الفرنسيّة إلى مصر عام 1798 م، وكيف انقسم الواقع الثقافي إلى فئتين متنابذتين؟ ، وكيف غذّى الوسط الاجتماعي هذا الانقسام، وساعد على نشوء كثير من تشوهاته؟ . وحين عرضت “ للمثاقفة ” النقديّة المعاصرة مع الغرب منذ منتصف القرن العشرين الميلادي، باعتبارها شريحة تكشف طبيعة مثاقفتنا مع الغرب كشفت على وجه الإجمال عن تحوّلات المناهج النقدية ابتداءً بمناهج الحتمية العلميّة، وانتهاء بمناهج النقد النسائي والنقد الثقافي، وأبرزت تحيّز هذه المناهج إلى سياقها الفكري والتاريخي، وما حدث من اضطراب وخلط في تطبيق تلك المناهج على أدب مغاير له سياقه الفكري والتاريخي المغاير، مع الإشارة إلى ما حققته تلك المناهج من كشوفات في تفتيق النّص وإن أساءت إلى روح الثقافة العربيّة، ورصيدها الحضاري، بحسب تعبير بعض النقّاد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 486 وكان “ المنهج النفسي ” هو المنهج الذي استوقف هذه الورقة حتى تكون الرؤية أكثر علميّة، وإنصافاً، فوقفت على نشأة علم النفس وأوضحت تحوّلاته، ومدارسه المتعدّدة، التي كانت ثمرة من ثمار تحوّلات الحمولات الفكرية والاجتماعية في الغرب، وهي تحولات زعم كثير من النقاد العرب، أنها لا تؤثر في المناهج النقدية، فهم يتعاملون مع هذه المناهج التقديّة بوصفها أداة إبستمولوجيه، لا بوصفها مذهباً فلسفياً، وكأنه يمكن نزع المنهج من سياقه الثقافي، والتعامل مع مفاهيمه وأدواته الإجرائية بمعزلٍ عن خصوصيّة السياق وحمولات الفكر والتاريخ. وقد أثبتت هذه الورقة أن مقولة فصل الأداة الإبستمولوجية عن سياقها الفكري والتاريخي مقولة خاطئة، فكثير من حمولات ذلك السياق كانت حاضرة في الممارسة الإجرائية، وما كان للمفاهيم أن تتجه تلك الوجهة لولا أن السياق الثقافي كان الموجه الرئيس لها. ماهيّة الثقافة: الثقافة في الفكر العربي ( [1] ) تعني التقويم والتهذيب، من ثقفت الرمح إذا هذّبته وقوّمته، ويراد بها الحذق والفطنة، وترد بمعنى التمكن والغلبة كما في قوله تعالى: س إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ش ( [2] ) . أمّا في الفكر الغربي فدلالتها مرتبطة بزراعة الأرض، ثم استخدمت مجازاً في تعريف الفلسفة حيث عرفها شيشرون بأنها زراعة العقل (Mentis Culture) وفي عصر النهضة أصبحت الكلمة تطلق على الدراسات المتعلقة بالتربية والإبداع ( [3] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 487 وقد تعددت تعريفات الثقافة حتى أصبحت تقارب مائتي تعريف تقريباً، وقد أقرّت منظمة اليونسكو في مؤتمرها الذي عقدته للثقافة في المكسيك عام 1982 م التعريف الآتي: ((إن الثقافة بمعناها الواسع يمكن أن ينظر إليها اليوم على أنها جميع السمات الروحيّة والمادية والفكرية والعاطفية التي تميّز مجتمعاً بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون، والآداب، وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسيّة للإنسان، ونظم القيم، والتقاليد، والمعتقدات)) ( [4] ) . وكثرة تعريفات الثقافة زادت المفهوم تعقيداً، حتى اختلط بمفاهيم أخرى كالحضارة، والمدنية، والتقدّم، ومع هذا فيمكن إجمال تلك المفاهيم المتعددة للثقافة في معنيين اثنين: 1 - المعنى الأنثربولوجي الذي بمقتضاه تصبح كلُّ فعاليّة إنسانية ونشاط ذهني أو مادي “ ثقافة ” سواءً كان تراكم خبرات، أو صنع أدوات، أو ممارسة تصوّرات فهي بهذا المفهوم الإنسان فاعلاً ومنفعلاً. 2 - السمات المميزة لأمة من الأمم في المعارف والقيم وطرائق الإبداع الجمالي والتقني وطرز الحياة ونمط التفكير والسلوك والتعبير، والتطلعات للمثل العليا ( [5] ) . وأمّا المثاقفة فيعرفها ميلقن هرسكر فيتز، ورالف لنتون، وروبرت ردفيلد بأنها: ((التغيير الثقافي في تلك الظواهر التي تنشأ حين تدخل جماعات من الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافتين مختلفتين في اتصال مباشر، ممّا يترتب عليه حدوث تغييرات في الأنماط الثقافية الأصلية السائدة في إحدى الجماعتين أو فيهما معاً)) ( [6] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 488 ممّا سبق يتضح لنا أن الثقافة هي السمة المميّزة لأي أمة من الأمم روحياً ومادياً، وفكراً وإبداعاً (وفي إطار من هذا التصوّر نعرض للثقافة العربيّة بوصفها سمة مميّزة للأمة الإسلامية عن غيرها من أمم الأرض في التصور والممارسة) ، ونقف على المثاقفة بوصفها رافداً ثقافياً تسعى كل أمة من خلاله لتنمية كيانها الثقافي، واستثمار ما لدى الآخرين من الحِكمَ التي كانت نِتاج عبقرية مُلهَمَة، وعملٍ دؤوب، وستكون المثاقفة النقديّة نموذجاً نكشف من خلاله عن الوعي الثقافي بالآخر تكافؤاً واختلافاً. القرآن الكريم وهو يعرض لنا تجارب الأمم السابقة وتصوّراتها يؤسس لنا منهجاً في الوعي بالآخر، ويحدّد لنا سبيلاً إلى المثاقفة. فالبشرية واحدة، والعالم الذي تتدافع فيه عالم واحد، والربّ الذي تتجه إليه بمشاعرها وسلوكياتها واحد لا شريك له. وهذا الانفتاح على تلك الثقافات يؤكد أن الثقافة البشريّة واحدة، وأن استيعابَ تلك الثقافات ونقدها هو أساسُ بناءِ الكيان الثقافي الخاص. فالبنية الثقافية بنية ممتدّة في أعماق الزّمان، تضيف إليها الأمم إضافات متباينة في كمها وكيفها، ولهذا لم تدّعِ أمةٌ من الأمم أنها مكتفيةٌ ذاتياً بما لديها، وأنها طفرة عبقريّة مفاجئة، لم تقل ذلك الحضارة اليونانية والرّومانية، ولا الحضارة العربيّة الإسلاميّة، ولا الحضارة الغربيّة ( [7] ) . من هنا كانت المثاقفة ضرورة وجود، وإمكانية تواؤم. والمثاقفة الراشدة هي التي تقوم على أسس متينة وتوظف ((جملة من النماذج المعرفية والمناهج الحكميّة والموازين الدقيقة للفصل بين المطلق والنسبي والمشترك والخاص، والمؤقت والدائم من ذلك التراث وبذلك استوعب المطلق والمشترك الإنساني والدائم المستمر، وتجاوز النسبي والخاص والمؤقت)) ( [8] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 489 وحين نتأمل حركة التاريخ نجد أن الحضارة العربيّة الإسلاميّة بوعي من دستورها الإلهي قدرت الثقافات الأخرى. فلم تقف معزولة عنها، وإنما تثاقفت معها فتأثرت بها وأثرَّت فيها. وتكاد تجمع المصادر العربيّة على أن خالد بن يزيد بن معاوية 85 هـ كان أول من بدأ حركة الترجمة إلى العربيّة للعلوم الهرمسيّة ( [9] ) . ثم تعزّزت حركة الترجمة على يدي المأمون الذي شجع حركة الترجمة وأغدق عليها، إمّا لأنه كان مُحبّاً للفلسفة اليونانية، وإما لاستراتيجيّة سياسيّة يقاوم بها المأمون الغنوصَ المانوي والعرفان الشيعي المصدر المعرفي الذي تنفرد به الحركات المعارضة للعباسيين ( [10] ) . غاية الأمر أن شيوع الفكر الهرمسي والاشتغال بالفلسفة اليونانية أحدثا هزّة للعقل العربي تمثلت في الولع بالنظر التجريدي والتأملات العقلية والقياس المنطقي وإهمال المنهج التجريبي الذي التقطه الغرب فبدأ به ثورته العلمية الحديثة ( [11] ) واتجاه كثير من المفكرين إلى الجدل العقائدي أولاً عند بني أميّة في “ الجبر ” والاختيار ثم إلى الجدل الفلسفي، وبلغ هذا الجدل في القرن الثالث الهجري على أيدي المعتزلة مرحلة النضج حيث اتسم منهجهم ((بظاهرة الإمعان في استقصاء الفكرة الواحدة، وتقليبها من جميع وجوهها والتغلغل فيها إلى أقصى إمكانياتها، وشق أبعاد جديدة لها، واكتشاف ما يمكن أن تنطوي عليه من عناصر عقلية ومواد فكرية تساعدهم على صياغة وجهة نظرهم في الله والكون والحياة والمصير … )) ( [12] ) . ومع هذا جمع العرب بين الفلسفة والعلم، والتأمل والتجربة، وأضافوا للعلم إضافات مهمة قائمة على الاستقراء والملاحظة ونقد المنطق الصوري الأرسطي، الذي يغلب عليه التجريد ومجافاة المحسوسات، كما نجد ذلك في كشوفات الجغرافيين وعلماء الطب والطبيعة، وما نقف عليه في مباحث ابن خلدون في علم التاريخ وعلم العمران ( [13] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 490 لقد أثرت هذه المثاقفة على الفكر العربي تأثيراً واضحاً لكنّ الغلبة كانت للثقافة العربيّة لأنها ثقافة غالبة وليست مغلوبة. وفي أشدّ حالات الشقاق السياسي والدويلات المتناحرة في القرن الرابع الهجري، ونجاح الحملات الصليبية على الشام، ونجاح المغول في تدمير بغداد والشام بعد ذلك لم ينبهر العرب بالغزاة، لأن حضارة المغزو أعظم من حضارة الغازي، فكانت الهزيمة للجسد وليست للروح ( [14] ) وللجغرافيا وليست للتاريخ، وكانت الثقافة العربيّة تعيش ازدهاراً لا مثيل له، واستطاعت تجاوز المحنة، وكان كثيرٌ من عباقرة الثقافة العربيّة نتاجاً لتلك الحقبة وما تلاها أمثال المتنبي والمعري والفارابي وابن سينا وابن حزم وابن طفيل وابن رشد وعبد القاهر وابن جني وابن خلدون وغيرهم ( [15] ) . لقد وُجدت آثار الثقافات الأخرى في تراثنا الفكري، ولكنها آثارٌ ذائبة في النسيج الثقافي، فهي أشبه ما تكون بالجداول الرقراقة التي تصب في نهر عظيم. أما الذي حصل مع بداية القرن التاسع عشر الميلادي عقب دخول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798 م فقد كان مختلفاً حيث حدث شرخ ثقافي هائل في الثقافة العربية وانقسم الناس إلى قسمين ((القسم الأول الذي أوجعته الهزيمة الجسدية فركز جهوده على تقوية الجسد العسكري الاقتصادي كيف؟ بالتوحد بالخصم الغالب، يأخذ سلاحه منه، بتقليده والأخذ عنه، بتحديث مجتمعنا على شاكلته ... بدأ الأخذ المنبهر بالتكنلوجيا (ق 19) وانتهى بمفاهيم العلم (ق 20) . أما القسم الثاني: الأخفتُ صوتاً والأبعدُ عن النفوذ فكان القسم الذي أوجعته الهزيمة الروحية. فركز جهوده على بعث الروح والإحساس بالقيمة الذاتية. انعزل عن الخصم الغالب وخاصمه، وعكف على تراث السلف الصالح يحاول العثور على منابع القوة فيه)) ( [16] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 491 الانشقاق الثقافي وانكسار الروح والجسد ولد فئتين متصارعتين فئة منكفئة على ذاتها، وفئة مرتمية في أحضان الآخر، وكانت هذه الفئة هي الريح الهوجاء التي عصفت بالأمة وذلك من خلال المشروع الذي رسمه محمد علي باشا وذلك بإرسال البعثات العلمية إلى فرنسا عام 1826 م، وكان الشيخ حسن العطار وتلميذه رفاعة الطهطاوي من ضمن أفراد هذه البعثة، ونلحظ الانبهار بحضارة الغرب وثقافته في كتابي الطهطاوي “ تخليص الإبريز في تلخيص باريز ” و “ مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية ” ( [17] ) ، وتم بناء المعاهد ومصانع السلاح على النمط الغربي ( [18] ) . فحصل الفصام الثقافي والانبهار بمنجزات الغرب في حداثته وتحديثه. وكان المبتعثون العرب كما عبّر المفكر مالك بن نبي يعيشون إمّا في “ مزابل الغرب ” وإمّا في “ مقابره ” ( [19] ) ، وهكذا عاشت الثقافة العربية بين فكرتين “ ميتة ” و “ مميتة ” ( [20] ) . عاد المثقفون العرب يقدمون لنا الثقافة الغربية نموذجاً مثالياً يجب أن يحتذى، كما رأينا عند رفاعة الطهطاوي وأحمد لطفي السيد، وسلامة موسى، وطه حسين، ومحمود عزمي، وعلي عبد الرازق، ومنصور فهمي، وشبلي شميل، وفرح أنطون، وإلياس أبي شبكة. وقد ارتبط “ التغريب ” لدى هؤلاء المفكرين بالعداء لكل انتماء عربي وإسلامي وشرقي تاريخي أو ديني أو أدبي، والولاء للقومية المصرية أو الفرعونية أو ثقافة الأبيض المتوسط، وكان العداء للفصحى، ومعركة القديم والجديد، وفصل الدين عن الدولة بعض أقنعة التغريب المتعددة ( [21] ) . فالتقدم عند هؤلاء على اختلاف مجالات طروحاتهم مرهون باستنساخ الثقافة الغربية والتماهي معها، وكانت النتيجة من هذه التبعية المقيتة والمثاقفة الذليلة اتساع الهوة الفاصلة بيننا وبين الغرب بدلاً من تجسير الفجوات وبناء القناطر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 492 وممّا عزّز هذا الانسلاخ وهذه المثاقفة غير المتكافئة كون القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين مهادَ ركودٍ حضاري وهزائم عسكرية مما أشعل فتيل الإحساس بالدونية والغبن الحضاري، وانطفاء الإحساس بالكرامة وقيم الانتماء، فضعفت المباديء في النفوس، وتحطمت الإرادة. هذا الفراغ الحضاري في العالم الإسلامي الذي تقابله كتلة حضارية هائلة في الغرب أحدث خللاً في التوازن الاستراتيجي بين الثقافتين العربية الإسلامية والثقافة الغربية المسيحية، فعمدت الحضارة الغربية إلى تصدير ثقافتها عبر ترسانة إعلاميّة هائلة تضخ قيماً ثقافية تكرّس الاستعلاء والغَلَبة وتمارس إرهاباً فكرياً، وغسيلاً عقلياً منظماً يزلزل القيم، ويتلاعب بالعقول ابتداءً من دعايات الكوكاكولا، وانتهاءً بأفلام سلفستر ستالون، وبطولات الهكرز، ودراسات المستقبل ( [22] ) . هذا الركود الحضاري وتلك الهزائم المتتالية كانا مناخاً مناسباً لنشوء أورام سرطانية ثارت على نظام الجسد الاجتماعي وبدأت تفتك بخلاياه ونسيجه الداخلي، فاستحالت الثقافة العربية إلى ساحة حرب أهليّة، وسجال مغالط، عطل قدراتها، وأفقدها القدرة على الاستبصار، وجرّها إلى صناعة ثنائيات متضادّة كالأصالة والمعاصرة، والتراث والحداثة، والرجعيّة والتقدميّة، والعقلانية والعرفانية، والذكورة والأنوثة وما إلى ذلك ( [23] ) . وتحوّل المجتمع الثقافي إلى طوائف متنافية ينكر بعضها بعضاً. واشتغل المثقفون بالتجريح والاتهامات وتصيّد العثرات، والتنابز بتهم العمالة والزندقة، والتخلف والخنوع حتى أصبحت الثقافة العربيّة ثقافة شتائمية قوامها التنافي، وليس التنامي والتكامل ( [24] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 493 وهذا الانشقاق الثقافي الذي ولّدته المثاقفة مع الغرب لا يدّل على خطورة المثاقفة من حيث هي بحث عن المعرفة بقدر ما يدل على ضعف المؤسسات الثقافية في العالم العربي فالارتماء في أحضان الآخر، والانكفاء على الذات وجهان لقصور في الوسائل والغايات لدى أجهزة بناء المعرفة. الذين نادوا بالتغريب لم يجدوا في مناهج التعليم لديهم ما يحقق الرضا الثقافي ويبني الحصانة الذاتية ضد التلاشي والاستلاب، والذين آثروا التقوقع وغمرهم طوفان الانطفاء والتبلّد لم يجدوا في ما تلقوا من معارف منهجاً رشيداً يتجافى الرتابة والتكرار ويزرع الشغف بالمعرفة والبحث عن الحكمة الضالة، فكان القصور الذاتي سمة لكلا الفريقين. ((عجز عن اكتشاف الذات)) و ((خوف من الآخر)) . الثقافة العربيّة المعاصرة “ ثقافة استنساخ ” للآخر أو للذات، والخروج من حال النسخ إلى حال الابتكار يحتاج إلى محاضن خاصة، ووسط اجتماعي حيّ، وهذا ما عجز عن تحقيقه العرب، ونجح في إيجاده اليابانيون لقد كانت ((الانطلاقة الحديثة للمجتمع الإسلامي معاصرة لانطلاقة أخرى في اليابان. فالمجتمعان قد تتلمذا سوية حوالي عام (1860) في مدرسة الحضارة الغربيّة. واليوم هاهي اليابان القوة الاقتصادية الثالثة في العالم (فالأفكار المميتة) في الغرب لم تصرفها عن طريقها. فقد بقيت وفيّة لثقافتها، لتقاليدها، لماضيها ... بينما المجتمع الإسلامي وبالرغم من الجهود الحميدة التي خصه بها التاريخ تحت اسم النهضة فإنه بعد قرن من الزمان ليس غير مجتمع ذي نموذج متخلف. والواضح في النتيجة أن المشكلة التي تطرح نفسها لا تتعلق بطبيعة الثقافة الغربية، بل بالطبيعة الخاصة بعلاقتنا بها)) ( [25] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 494 إن الأزمات والمحن هي “ المحفزات ” التي تنشط خلايا الثقافة، وتجدد دماءها كما حصل في تاريخ الأمة في القرن الرابع الهجري، وكما حدث بعد سقوط دولة الخلافة، وتداعي القوى الكبرى حيث هبّ دعاة الإصلاح الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربيّة، والشوكاني في اليمن، والأفغاني ومحمد عبده في مصر، وعبد الحميد بن باديس في الجزائر، والكواكبي في بلاد الشام ( [26] ) . والثقافة العربية في أزماتها الماحقة منذ 1967 م كانت حالة نشاز، كانت شذوذاً عن القانون الحضاري، حيث لم ترتفع حمى المرض في جسد الأمة، فكانت قوى المناعة تغط في سبات عميق، مع أن العالم العربي يتثاقف مع الغرب، ويستهلك كل أدوات تحديثه ( [27] ) . بين “ الارتماء ” و “ الانكفاء ” أين تكمن المثاقفة الراشدة، وما السبيل إلى تحقيقها؟! “ المرتمون ” و “ المنكفئون ” كُلٌّ يدعي الأصالة، والانتماء. وكُلٌّ يرى في الآخر وجهاً من وجوه التخلف والانهزاميّة، وسبباً من أسباب تعثر الأمة في شهودها الثقافي الخلاق. “ المرتمون ” لا يُقرون باستلابهم الثقافي وغربتهم الفكرية، و“ المنكفئون ” لا يعترفون بعجزهم وخوفهم من الجهاز المعرفي عند الغرب، فالأزمة تكمن في القدرة لدى الفريقين على اكتشاف الذات ونقدها، هناك استسلام مفعم بالطمأنينة في المعتقد والمنهج والمعرفة، وليس هناك رغبة في الاعتراف بالقصور الذاتي والنقص ((هذه الغبطة هي العائق عن اكتشاف الفرد لذاته لأنه لم يدرك أنه يعيش استلاباً كاملاً، فهو يتوهم أنه تام التفرد.. لذلك يندر في الناس من يخترق هذا العائق؛ لأنه أصلاً لا يعلم بوجوده فلا يحاول اكتشافه فضلاً عن اختراقه)) ( [28] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 495 إننا نؤمن إيماناً لا يداخله شك، أن الغرب يعلن لنا العداء، ويرى في الثقافة العربية الإسلامية خطراً ينعته الساسة والمفكرون الغربيون “ بالخطر الأخضر ” ولهذا يمارس الغرب بمراكز دراساته الاستراتيجية، وترساناته الإعلامية ضغطاً هائلاً على مراكز الحس في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، ويسعى جاهداً لتفكيك بنيتها، والتشكيك في مرجعيتها، ويمجد هتك نسيجها الداخلي، ويلتف حول الخارجين على قيمها الثابتة. كما حدث مع طه حسين، وسلمان رشدي، ونصر أبو زيد، وفاطمة المرنيسي، ومحمد شكري، وأدونيس، ومحمد أركون، ويمارس قمعاً ثقافياً لمن يشب عن الطوق كما حدث مع محمد إقبال، وعبد الوهاب المسيري، وجارودي*. وليست مؤسسة فرانكلين، والمنظمة العالمية لحرية الثقافة، وأندية الروتاري ورابطة مقاومة الهتلرية، ومجلة الكاتب المصري وحوار وشعر إلاّ نماذج لمسخ الثقافة العربيّة، واستقطاب مبدعيها إلى جبهاتها. ونؤمن إيماناً تاماً أن الثقافة العربيّة تملك تصوّراً كونيّاً شاملاً للوجود من خلال مرجعيّة قطعية الثبوت هي القرآن الكريم والسنة النبوية، وأن الخيرية التي كنا بسببها أعظم الأمم، والأمانة التي حملناها، والاستخلاف الذي ينتظرنا لا ترضى جميعاً لنا هذا السبات الثقافي، وهذه الغيبوبة الفكريّة، ونؤمن كذلك أننا نعيش حالة انقراضٍ ثقافي يحتاج إلى تدخل عاجل ومراجعة دؤوبة ونقد ذاتي لا يتوقف ونؤمن أن الغرب حقق من خلال مثاقفته معنا سبقاً حضارياً وثقافياً لا مثيل له، يوجب علينا أن نفيد من تجاربه، ونتثاقف معه فنعيش العصر ونحييه ونحياه في آنٍ واحد. المثاقفة النقدية: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 496 منذ منتصف القرن العشرين الميلادي والنقد العربي يعيش انفتاحاً على النقد الغربي بكافة تحولاته ابتداءً بمناهج الحتمية العلمية (المنهج التاريخي - والمنهج النفسي - والمنهج الاجتماعي) ومروراً بالأسلوبية والنقد الجديد وانتهاءً باللسانيات ونظريّة التلقي والنقد النسائي والنقد الثقافي. وهذه المناهج تختلف في إجراءاتها وتصوّراتها وممارساتها، فإذا كانت مناهج الحتمية العلميّة تتعامل فيما بينها مع النص الأدبي على أنه وثيقة تاريخية أو نفسية أو اجتماعية وتقف عند حدود المحيط الخارجي للنص، فلا نجد في المنهج التاريخي إلاّ أسماء الناس والأماكن، ولا نلمس في المنهج النفسي إلا عقد الكاتب وحصاراته ولا نستدل من المنهج الاجتماعي إلاّ على أحوال الناس وسلوكياتهم ومستوى المعيشة في المجتمع، فإن الأسلوبيّة ركزت على النص وأولته اهتماماً خاصاً، ما لبث عند أصحاب النقد الجديد أن تحول إلى بنية مغلقة على ذاتها، فإذا كان النقد عند أصحاب الحتمية العلميّة مؤلفاً بلا نصّ، فقد أصبح عند النقد الجديد نصاً بلا مؤلف ( [29] ) . وجاءت البنيوية لتجمع بين الطرفين وتضيف طرفاً ثالثاً هو المتلقي في البحث عن أنظمة النص ووحداته مع التركيز على النص الأدبي، وما لبثت التفكيكيّة أن أماتت المؤلف، والنص، واستبقت المتلقي لتجعله مبدعاً يكتب نصاً موازياً للنص المكتوب ( [30] ) . وقد حاول الدكتور محمود أمين العالم أن يحصر لنا اتجاهات المثاقفة مع هذه المناهج النقدية في أربع مدارس تجمع عدداً من المناهج المختلفة في طرائق الإجراء المتفقة في جذورها الأبستمولوجية والفلسفية، هي: 1 - المدرسة الوجدانية التي تضم النظرية الرومانتيكية كما في ممارسات مدرسة الديوان، ومدرسة أبولو، وجهود جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وتطبيقات المنهج النفسي عند أحمد محمد خلف الله، والنويهي، والخولي، ومصطفى سويف، ويحيى الرخاوي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 497 2 - مدرسة الذوق الفني كما تجلّت في نقد طه حسين الذي بدأه تقليدياً ثم متأثراً بمناهج الحتمية العلمية التاريخي عند هيبولت تين، ثم الجمع بين منهج البحث العلمي والتذوق الفني بعد ذلك وكما نجد لدى محمد مندور - في نظراته النقدية 3 - المدرسة النقدية الجدلية: التي تتخذ من مفهوم الانعكاس أساساً في فحص العمل الأدبي، كما في كتابات عصام حفني ناصف، وسلامة موسى، ومجلة الطليعة السورية، وعمر فاخوري، ومفيد الشوباشي، ورئيف خوري. ثم مجلة الثقافة الجديدة، وحسين مروّه، والشرقاوي، والخميسي، ولويس عوض، ومحمد دكروب، وصلاح حافظ، وعبد العظيم أنيس، ومحمود العالم، وعبد المحسن طه بدر، وغالي شكري ... الخ ثم في أتباع البينوية التكوينية عند (غولدمان) أمثال: جابر عصفور، ومحمد بنّيس، ومحمد برادة، وأتباع باختين أمثال: يُمنى العيد، وسيد البحراوي، وأمينة رشيد. 4 - المدرسة النقديّة الوضعيّة والبنيويّة كما في كتابات أدونيس، وصلاح فضل، وفريال غزول، وسيزا قاسم، وخالدة سعيد، وكمال أبو ديب، وعبد الفتاح كليطو، والغذامي، وعبد الكريم الخطيبي ( [31] ) . وفي نهاية عرضه يسجل ملاحظات مهمة أهمها أن: ((التصورات الأساسيّة لهذا الفكر النقدي صدى لتصورات ومفاهيم نقدية أوروبيّة، وإن كانت استجابة في أغلب الأحيان لاحتياجات اجتماعية موضوعية أسهمت في استيعابها وتشكيلها تشكيلاً خاصاً يتلاءم وهذه الاحتاجات، ويعبر عنها بمستوى آخر)) ( [32] ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 498 * هذه المناهج النقديّة التي استنسخها النقد العربي الحديث نتاج خصوصيّة ثقافية، وتحوّلات فكرية واجتماعية مغايرة، ولهذا لا يمكن تجريدها من خصوصيتها الثقافية وحمولاتها الفكريّة، فهي ((بوصفها نظريات أو مقاربات أو أدوات بحثية تحليلية للأدب تحمل مضامين ثقافية تجعلها متلائمة مع بيئتها الحضارية الغربية، وأن الناقد غير الغربي، ونقصد به هنا الناقد الذي يحمل ثقافة عربية إسلامية مضطر إن هو أراد تطبيق أيٍّ من تلك المناهج على أدب أنتجته تلك الثقافة العربية إلى سلوك أحد سبيلين: 1 - أن يطبق تلك المناهج كما هي، وبالتالي يتبنى سواءً أراد أم لم يرد المضامين والتوجهات الفكرية التي شكلت تلك المناهج، ومثل ذلك التطبيق سيؤدي في الأغلب إلى إساءة فهم المادة الأدبية موضوع التحليل النقدي. 2 - أن يُحدث تغييراً جوهرياً في المنهج الغربي الذي يطبّقه إلى حد يجعل من الصعب القول بأن المنهج المطبق هو المنهج الأصلي ذاته. أما القول بإمكانية فصل المنهج عن سياقه دون إحداث أية تغييرات، أو بعد إدخال تعديلات طفيفة، فهو نوع من الوهم الذي سرعان ما يتكشف تحت محك التحليل التاريخي للخلفية الثقافية الفلسفية التي تحملها تلك المناهج)) ( [33] ) . لكننا نجد عدداً من النقاد العرب يرفض هذا التصوّر، ويرى إمكانية الفصل بين المنهج النقدي ومضمونه الفلسفي، فعبد الله العروي مثلاً يقول: ((يمكن أن ترفض التاريخانية أو البنيويّة كفلسفة، وتوظف كمنهج للتحليل في حدود معيّنة)) ( [34] ) ويذهب أبو ديب إلى أن البينوية ليست فلسفة ((لكنها طريقة في الرؤية والمنهج ومعاينة الوجود)) ( [35] ) . وهذا المنطق التبريري لا يثبت أمام البحث العلمي وقبل ذلك أمام صيرورة الأفكار، وطبيعة الأشياء، فالمناهج النقدية لا يمكن أن تنشأ من فراغ، وما تحولات الخطاب النقدي الغربي إلا نتيجة لكشوفات العلوم التجريبية، وتراكمات البنية الثقافيّة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 499 فالحتمية العلمية ثمرة من ثمار “ المادية ” التي كانت تشكل عصب الفكر الغربي في القرن التاسع عشر في الفيزياء والفسيولوجيا والفلسفة الوضعيّة. المادية هي التي تفسر لنا حتمية العلاقة بين النص ومحيطه الخارجي، وتربط بين الواقع والإبداع، فالإبداع انعكاس لعلاقات الإنتاج، ونتيجة حتمية للبيئة والمناخ والعرق ( [36] ) . وهي التي تكشف لنا منهج السلوكية، والتحليل النفسي لدراسة النفس الإنسانية، فالحقيقة كل ما هو مادي يمكن إدراكه بإحدى الحواس، ولأن العقل لا يمكن إدراكه بإحدى الحواس قامت السلوكية بدراسة السلوك متخذة من نظرية الفعل المنعكس الشرطي سنداً لها. وذهبت مدرسة التحليل النفسي إلى أن الشعور لا أثر له في سلوك الإنسان، فاللاشعور هو الذي يحدد سلوكيات الإنسان، ويحكم حركته في الحياة. فالشخصية مثل كتلة الجليد العائمة لا يعلو منها إلا أقلها أما معظمها فهو مغمور بالماء ( [37] ) . وجاءت فيزياء القرن العشرين لتنقض هذه المسلمات التي قامت في ظلالها تلك المناهج فتحطمت فيزياء نيوتن على يدي إنشتاين ونظريته في النسبية التي أثبتت أن علاقات المكان والزمان وقوانين الحركة لا تُعرف إلا بالمواقف الشخصية للمراقب، وليس بالحياد كما أقر نيوتن. وبناءً على هذا اكتشف الغربيون أن الميكانزم الآلي لا يطاق في فرع من فروع المعرفة مكرّس لخدمة البشر يُنظر من خلاله إلى الإنسان على أنه حيوان أو آلة صماء، فهو قوّة واعية يجرّب ويقرّر ويتصرّف ( [38] ) . وجاءت الشكلانية والبنيويّة كنتيجة من نتائج العلم التجريبي الذي لا يرى للذات دوراً في معرفة العالم، لأنه لا يمكن إخضاعها لمبادئ القياس التجريبي فكان محتوى اللغة هو اللغة؛ لأن اللغة يمكن إخضاعها وقياسها بالمعايير التجريبية ( [39] ) . وهذا يفسر لنا الاهتمام بالنص الأدبي عند هؤلاء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 500 وحين ثار الفكر الغربي على التجربة وآمن بقدرة العقل على إدراك المعرفة الكاملة جاءت التفكيكية ارتداداً إلى الذات وإيماناً بقيمة العقل في إدراك المعرفة، وهكذا ينشأ منهج نقدي في ظل التجريبية، ليقوم على أنقاضه منهج آخر في ظلال “ المثاليّة ”. إن البحث عن العقد والحصارات في النص الأدبي لا يمكن فصلها عن “ غريزة الجنس ” التي جعلها فرويد أم الغرائز، وجعل كل نشاط إبداعي تسامياً بهذه العقدة المكبوتة، حتى الله تعالى يفسره تفسيراً جنسياً، تعالى الله عما يقول الجاهلون علواً كبيراً. هذا التصور البهيمي لنشاط الإنسان وإبداعه لا يمكن قبوله، فلا يمكن اختصار جهاد الإنسان وكدحه في غريزة حيوانية إلاّ إذا عُدنا إلى المهاد الفلسفي الأول لهذا الفكر وآمنا به وهو نظرية النشوء والارتقاء عند داروين. ولا يمكن أن تتحول كلمات اللغة إلى رموز جنسيّة أو أسطورية إلا من خلال تغييب العقل، واحتقار الإنسان، والجهل بماهيته وغايته في هذه الحياة. لقد أصبحت أعين الشعراء الجاهليين عند أصحاب المنهج الأسطوري شاخصة إلى السماء ((فإذا ركبوا نياقهم فإنما هم يركبون ناقة السماء الخالدة، وإذا صوّروا الصراع بين الصياد الرامي، أو الصياد الكلاّب وبعض حيوان الصحراء فإنما هم يتحدثون عن هذه المجموعات من كواكب السماء ونجومها، وإذا صوروا ظبية أو مهاة أو نخلة فإنما هم يصورون الإلهة القديمة الشمس، وإذا ذكروا ثوراً وحشياً فإنما هو ثور السماء المعبود لدى شعوب كثيرة)) ( [40] ) . ولا يمكن فهم مقولة البنية الفوقية والبنية التحتية عند جاكبسون بمعزل عن المقولة ذاتها عند ماركس، فالدين والسياسة والثقافة (البنية الفوقية) لا يمكن دراستها بمعزل عن (البنية التحتية) القوى الاقتصادية والاجتماعية ( [41] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 1 وليس موت المؤلف، واللعب الحُرّ بالدوال، وانتفاء القصدية، وغياب المركز الثابت، وتعدد القراءات سوى ثمرة من ثمار الشك في اليقينيات حتى أصبح النص - كما يصوره بارت - كصفحة السماء، ناعمة منبسطة وعميقة من دون حواف أو علامات، والقارئ كالعرّاف الذي يرسم عليها بطرف عصاه مربعاً وهميّاً يستطيع أن يستقريء منه حسب قواعد معينة، حركة طيران الطيور ( [42] ) . ولهذا ليس للنص معنى، ولا وجود لقراءة خاطئة، فكل قراءة إساءة لقراءة سابقة. إننا لا ننكر أن هذه معرفة لا يمكن تجاهلها، لكنها “ معرفة منحازة ” للغرب؛ لأنها نتاج تصورات خاصة، ولا ننكر أن النقد العربي الحديث حقق من خلالها كشوفاً مهمة في قراءة النص النقدي والإبداعي، لم تكن لتتحقق لولا وجود هذه المثاقفة، لكن هذا النجاح كان مصحوباً بإخفاق أكبر منه فقد وُضِعت النصوص في كثير من الممارسات على أجهزة التعذيب، وأجبرتها على الإفضاء باعترافات كاذبة وهذا ما أدركه شولز ( [43] ) قبل أن ندركه نحن، والأدهى من ذلك أنها شوّهت التشكيل الحضاري للأمة برمته ( [44] ) . وقد كشف الدكتور سعد البازعي عن أربع سمات للخطاب الحداثي في النقد العربي الحديث في مثاقفته مع الغرب هي: 1 - مناهضة الفكر المحافظ في الثقافة العربيّة من خلال توظيف خطاب ذي منزع ليبرالي أو تقدمي يساري. 2 - النظر إلى الغرب بوصفه مركز القيادة الثقافية للعالم فالتحرر والتقدم والمعرفة لا تتم إلا من خلال المثاقفة معه. 3 - عزل المفاهيم والمناهج المستعارة عن سياقها المنهجي والثقافي، إما جهلاً بها، أو تهميشاً لها. 4 - الاضطراب والخلط بين المفاهيم والمناهج والسياقات في التنظير والممارسة الإجرائية ( [45] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 2 “ المثاقفة النقدية ” تكشف لنا إشكالية الثقافة العربيّة في مثاقفتها مع الغرب في جميع المعارف، فهي إشكالية منهج هذه الإشكالية يمكن اختصارها في اتجاهين متعارضين: ((أحدهما: يدعي الأصالة ولكنه منغلق عاجز. والثاني: يزعم التفتح ولكنه واقع في براثن التبعيّة والاستلاب)) ( [46] ) . وكثيراً ما يذهب أصحاب الاتجاه الثاني إلى الحديث عن نجاحهم في كسر شوكة الجبهة المضادة التي تراجعت إلى الصفوف الخلفية وانتقلت من مرحلة الهجوم إلى موقع الدفاع، وأعلنت إفلاسها الثقافي عندما جمدت التراث في قوالب ثابتة مقابل التألق والتجدد وتعدد الرؤى عند أصحاب الاتجاه الأول كما يعبر سامي سويدان ( [47] ) . والانغلاق “ والانفتاح ”، أو الرفض المطلق والقبول المطلق دليل تيه منهجي ومثاقفة بلا وعي ((لا الرفض بحد ذاته قادراً على إضعاف حضور تلك المناهج في سياقات حضارية غير سياقاتها، ولا مجرد القبول ممكناً من منح تلك المناهج صفة الحياد الذي يمكنها من الانسجام الكامل داخل أطرٍ ثقافية غير أطرها الأصلية..)) ( [48] ) . فأين يكمن “ المنهج ” وكيف تتحقق المثاقفة الراشدة؟؟ أسهل الحلول بروز نزعة توفيقية في النقد العربي الحديث تدّعي توافق كثير من المفاهيم النقدية بين خطابين نقديين مختلفين “ غربي ” و “ عربي ” بحجة أن كثيراً من المفاهيم النقدية الجديدة عن الغرب ذات أصول ضاربة في تراثنا النقدي فالبيئة بوصفها سمة مميزة للإبداع موجودة عند الجاحظ والقاضي الجرجاني وابن رشيق، والوجهة النفسية في تحليل النص الأدبي مبثوثة في تراث عبد القاهر، والتناص هو السرقات الشعرية، والبنية الفوقية والتحتية يمكن أن نجد لها أصولاً في “ المعنى ” و “ معنى المعنى ”. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 3 وهذا “ التلفيق ” الذي يلغي الحمولات الفكرية، وينتزع المفاهيم من سياقاتها ليس أقل ضلالاً من “ الانغلاق الفجّ ” والتشيّع الأعمى للذات أو للآخر. وخطورة هذا التوجه لا تنحصر في تخطيه للأبعاد الفلسفية للمناهج النقدية، وإغفال المرجعية الفكرية للمفاهيم والمصطلحات وطرائق الإجراء فحسب. وإنما في كون التراث النقدي العربي يصبح مرهوناً في أصالته وقدرته على الانفتاح والتجدد بتعالقه مع المقولات النقدية الغربية الحديثة، فهي التي دائماً تمنحه البقاء، وتهبه شهادة استمرار الصلاحيّة. يذهب الدكتور عبد العالي بو طيب إلى وجوب استحضار ثلاثة مباديء أساسية للتعامل المنهجي الذي يهدف إلى استثمار إيجابيات المناهج الغربية في نقد الأدب هي: 1 - ضرورة فهم المنهج في شموليته، فهناك جانبان في كل منهج “ جانب مرئي ” يتمثل في وجود أدوات إجرائية تساعد على إدراك الحقيقة وتقديم الدليل عليها، “ وجانب لا مرئي ” يتمثل في الخلفية النظرية المؤطرة للمنهج، والمحددة لغاياته والعلاقة بين هذين الجانبين علاقة جدلية كعلاقة العلة بالمعلول، والفهم العميق لا يتحقق إلا باستحضارهما معاً. 2 - قيمة المنهج في كفايته الإجرائية، فكل المناهج صالحة بالقوة مهما اختلفت خلفياتها الايدلوجيّة مالم يثبت الفحص عكس ذلك، فالإيمان بصلاحية المنهج أو عدم صلاحيته بدون فحص لكفايته “ تشيع أعمى ” منافٍ لأبسط قواعد البحث العلمي، والاختبار يتحقق من خلال التماسك النظري للمنهج والقدرة الإجرائية أو التطبيق. 3 - قضية المنهج والإشكال الحضاري العام: فانقسامنا إلى تيارين متضادين مظهر لهذا الإشكال، ظروف تاريخية تحتم الاقتباس، وخصوصية ثقافية تفرض شروطاً موضوعية تضبط الاقتباس وترسم حدوده ( [49] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4 هذه المباديء الأساسية التي يطرحها الدكتور بو طيب ويطرحها غيره من النقاد العرب ( [50] ) ، يدّعي العلم بها كثير من الناس، وإن كانت الممارسات النقدية تنفي هذا العلم، أو تكشف عواره. المثاقفة النقدية مع الغرب مرّت بمرحلتين اثنتين: 1 - مرحلة الانبهار والتقليد. 2 - مرحلة التساؤل. في مرحلة الانبهار والتقليد كان الناقد العربي يملأ خزائنه بكل جديد أو قديم من المفاهيم والآليات، وهدفه الاستعراض الثقافي، ومجاراة الموضات النقدية، وإشعار الآخرين بالتفرد، وقد مارس كثير من النقاد العرب على قرائهم “ قمعاً ثقافياً ” حيث يحيط الناقد نفسه بهالة من المافيا اللغوية التي يتمترس خلفها موهماً القاريء بدونيته، وتخلفه، وقصور وعيه، وأصبح الاعتراض على أي ممارسة نقدية تقوم على آليات هذه المناهج سمة التخلف والانحطاط الفكري، وهذا العنف في الطرح كان له عنف مضاد استخدم لغة التشهير، والاستعداء، بدلاً من نقد الذات، والمراجعة، والاعتراف بالانطفاء والتبلد، ولم تزل هذه المرحلة تلقي بظلالها على الخطاب النقدي العربي، وتمسك بمفاصله، وتتحكم في حركته. وهذا ما نجده عند كمال أبو ديب في “ الرؤى المقنّعة ”، وسعيد بن سعيد في “ حداثة السؤال ” وجابر عصفور في كثير من دراساته المنشورة بمجلة فصول، وأدونيس في “ صدمة الحداثة ” وغيرهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5 وفي مرحلة التساؤل بدأت تظهر نغمة جديدة من “ الشك والتساؤل ” في الظهور على السطح، عن وضع النقد العربي المعاصر الذي عجز عن صياغة نظرية نقدية عربية تنتمي إلى التراث الإسلامي، وتعي شروط العصر، وبدلاً من “ السجال المغالط ” “ وحوار العنف ” بدأنا نجد اعترافات بالتيه المنهجي، والمثاقفة غير المتكافئة كما ظهر جلياً في كتابات الدكتور شكري عياد، وعباس الجراري، وحسن المنيعي، وحسين الواد، وإدريس الزمزاني، وعبد العالي بو طيب، وعبد العزيز حمودة، ومصطفى ناصف، وعبد القادر القط، ووهب رومية وغيرهم. وظهر ما يسمى “ بالنقد الإسلامي ” الذي يقدم نفسه بديلاً، وحلاً لإشكالية المنهج كما نجده في جهود عماد الدين خليل، ونجيب الكيلاني صاحب مفهوم “ الإسلاميّة ” وعددٍ كبير من أعضاء رابطة الأدب الإسلامي. ولكن حضور هذا المنهج ظل ضعيفاً، واصطبغت ممارسات نقاده بالسطحية والهشاشة إلى حدّ كبير. وهذا التساؤل المطروح لم يكن مقتصراً على المثاقفة النقدية، فقد أصبح شغل كبار المفكرين العرب في الفترة الأخيرة البحث عن أسباب تعثرنا الثقافي وركودنا الحضاري الأمر الذي استدعى مراجعة الثقافة العربية ونقدها وتفكيك آلياتها، تارة بآليات غربية ورؤية انتقائية متعسفة كما نجده عند أدونيس ومحمد عابد الجابري، وفؤاد زكريا، وحسن حنفي، والطيب التيزني، وجابر عصفور، والعروي وأركون وبرهان غليون، وغيرهم، وتارة برؤية عربيّة باحثة عن منقذ يعضدها إحساس بقيمة العقل العربي وعظمة تراث الإسلام كما نجده عند محمد جابر الأنصاري، وعبد الحميد أبو سليمان، وعماد الدين خليل، وطه جابر العلواني، ومحمد قطب، وفهمي جدعان، ومحمود شاكر، وجودت سعيد، وخالص جلبي، وعبد الكريم بكّار، وجمال سلطان وغيرهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 6 الثقافة العربية تدخل ألفيتها الثانية* في غبشٍ من التصوّر أفقدها كثيراً من القيم، وأدخلتها المثاقفة غير المتكافئة نفقاً مظلماً لا يمكن الخروج منه إلا باستراتيجية* واعية تستشعر عالمية الإسلام، وخصوصية الثقافة، وكرامة الإنسان واستخلافه. * المثاقفة غير المتكافئة سلخت من أذهان المثقفين العرب “ حقيقة الثقافة ” حيث إن الثقافة في العربية تعني مجموعة من الدلالات المهمّة. 1 - مضمون مفهوم الثقافة نابعٌ من الذات الإنسانية، لا يُغرس فيها من الخارج فكلمة ثقافة تعني تهذيب الفطرة البشرية وتقويم اعوجاجها وإطلاق طاقاتها. 2 - مفهوم الثقافة يعني التنقيب عن قيم الحق والخير والعدل، وهي قيم تهذب الوجود وتقوّم اعوجاجه، وكل قيمة تناهض هذه القيمة لا تتسق مع مقتضيات التهذيب. 3 - مفهوم الثقافة مرتبط بالفطنة والذكاء يقال: غلام لَقِنٌ ثقف أي ذو فطنة وذكاء. والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه، فتكديس الأفكار الميتة أو المميتة كما يرى مالك بن نبي ليس وعياً، وإنما الوعي في إدراك ما تقتضي الحاجة إلى معرفته لصناعة الحياة، وإصلاح المجتمع. 4 - مفهوم الثقافة في أصله العربي مرتبط بالنقد الذاتي والمراجعة والتهذيب والإصلاح. 5 - مفهوم الثقافة لا يحمل أحكاماً قيمية تحدد نوعية الثقافة وحشية أو بربرية أو بدائية أو مستنيرة، فالتهذيب يجعل من الثقافات انطلاقاً من قيم المجتمعات التي تنتمي إليها، وظروفها التي تعيشها على درجة واحدة من القيمة الإنسانية ( [51] ) . 6 - مفهوم الثقافة يعني التمكن والغلبة. وهذه الدلالات لا نجدها في المفهوم الغربي للثقافة الذي يعني زراعة الأرض، ((الكل المركب الذي يشمل المعارف والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع)) ( [52] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 7 فليس هناك بحث عن قيم الحق الخير والعدل، وليس هنا دلالة على إصلاح اجتماعي، أو نقد ومراجعة، ولهذا انطلاقاً من هذا المفهوم يمكن فهم ممارسات الغرب تجاه أبناء المجتمعات الأخرى، وتفسير ثقافة الرجل الأبيض التي يسعى لزرعها في عقول الناس بالقوة، وليست مفاهيم “ الانتشار الثقافي ” و “ اللحاق بالركب ” و “ تضييق الفجوة ” و “ الثورات الثقافية ” و “ الدور التحضيري لأوروبا ” ( [53] ) ، ونهاية التاريخ و “ صدام الحضارات ” إلاّ نتاجاً لمفهوم الثقافة في سياقها الغربي. وفرضت المثاقفة النقدية غير الراشدة مفاهيم شديدة الخطورة على تراثنا وذوقنا الجمالي، ونظريتنا الأدبية، فالنص مثلاً في التراث العربي يعني الرفع والإسناد يقال: نصَّ الحديث ينصُّه نصاً رفعه، وكُلّ ما أظهِر فقد نُصّ، وقال عمرو بن دينار: ما رأيت رجلاً أنصَّ للحديث من الزُّهري: أي أرفع له وأسند ( [54] ) . وفي تاج العروس: ((النصّ بمعنى الرفع والظهور. قلت: ومنه أخذ نص القرآن والحديث وهو: اللفظ الدال على معنى لا يحتمل غيره..)) ( [55] ) ((فأين هذا من المدلول اليوناني حيث تحمل الكلمة معنى “ النسيج ” و “ التداخل ” وهو المعنى الذي مهد لظهور نظرية النصوصية، أو اشتباك النصوص ببعضها بشكل نسيجي)) ( [56] ) . وجرتنا هذه المثاقفة إلى القول بأن الشاعر صانع أشكال، لا صانع أفكار، وأصبح هوس البحث عن الأشكال الجديدة سمة للإبداع والتفرد ابتداءً بقصيدة التفعيلة، ومروراً بالقصيدة الكلية، وانتهاءً بالقصيدة التوقيعة وقصيدة النثر، والشعر في العربية يعني العلم والفطنة، وإنما سمي الشاعر شاعراً لأنه يشعر بمالا يشعر به غيره. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 8 وبدلاً من أن يكون النقد “ تقويماً وتأويلاً ” أصبح بحوثاً في التاريخ وأحوال النفس الإنسانية، وعلاقات المجتمع، وقراءات إسقاطية للأساطير والخرافات وترميزاً للواضح الجليّ، وتلاعباً بالدوال، ورسوماً هندسية، وإحصاءات حسابية، وقراءات شارحة ومتيالغة بحجة أن النقد فلسفة وليس لعبة يتوسط فيها الناقد بين النص والمتلقي. المثاقفة الراشدة نقدية أو غير نقدية تحتاج أولاً إلى أسس متينة تقوم عليها، تتمثل في الإيمان اليقيني بخصوصية الثقافة العربية الإسلامية، وأنها نتاج مرجعية مميزة، فالتفريط في هذه الخصوصية، أو التهاون في ثوابت هذه المرجعية الخالدة خيانة لله وللأمة. لكن هذا الإيمان اليقيني لا يتحقق بالوعود وكتابة الاستراتيجيات على الورق وإنما يتحقق ببناء المؤسسات الثقافية وتشييد مراكز البحث وبناء العقول الواعية، والمراجعة الدؤوبة والنقد الذاتي والتثقيف المتواصل للمناهج والمعرفة. لقد عجزت المؤسسات الثقافية في الوطن العربي عن إيجاد “ الكتلة الحرجة ” من العقول الحية التي تؤمن بأن الثقافة والمثاقفة غربلة دائمة، وتهذيب متجدد، فنشأت أجيال من “ المثقفين الموظفين ” تتخذ مسارين متعاكسين “ هروب من الثقافة العربية ” و “ هروب إلى الثقافة العربية ” وكلا المسارين نتاج صناعة ثقافة رديئة. المثاقفة الراشدة إيمان بأن الحكمة ضالة المؤمن، ولكن الحكمة إبرة في كومة من القش تحتاج إلى صبر ومهارة في آن واحد. وهذا هو المنهج الذي نبحث عنه منذ أن كتب شكيب أرسلان قبل مائة عام لماذا تقدم الغرب، وتخلف المسلمون، وها نحن نعيد السؤال مرة أخرى بعد قرن من الزمان، فأين المنهج، وكيف يتحقق؟ هذا هو السؤال. ولو أني جُعلت أميرَ جيشٍ لما قاتلتُ إلاّ بالسؤالِ فإنّ الناس ينهزمون عنه وقد ثبتوا لأطراف العوالي ( [57] ) علم النفس - السند الفلسفي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 9 فكر الأمة يشكل منظومة من الوعي في التصور والممارسة تنبثق من رؤية خاصة للكون والإنسان والحياة. ولهذا فإن نزع الأفكار من سياقاتها التي نبتت فيها نظر للشيء من غير جهته؛ بمقتضاه يغدو تفكيك تلك الأفكار وعرضها تحت مجهر النقد أمراً يفتقر إلى أبجديات المنهج العلمي الصحيح، ومن ثم تكون الأحكام المبنية على هذا النظر - وإن وقفت على شيء وأدركت أبعاده - مفتقرة إلى رؤية شمولية تتتبّع خيوط الأفكار كما نمت في رؤية الأمة التي نسجتها في ظلال تصور كوني خاص. وعلم النفس بوصفه منظومة من الوعي بالسلوك، لا يصح النظر إليه ومحاكمته بمعزل عن سياقه الفكري والتاريخي والاجتماعي، الذي استمد منه رؤيته، وتحددت بموجبه أنساقه. لقد نشأ هذا العلم في عصر التنوير في أوروبا معتمداً على ثلاثة علوم هي: 1 - الفيزياء. 2 - الفسيولوجيا. 3 - الفلسفة العقلية ( [58] ) . وهذه العلوم الثلاثة تشكل لحمة الفكر المادي وسداه في الخطاب الغربي الحديث في القرن التاسع عشر الميلادي. في الفيزياء ظهرت قوانين الحركة الآلية عند “ جاليلو ” و “ نيوتن ” فأكدا ما ذهب إليه “ كوبرنيقوس ” ونقضا نظرية “ بطليموس ” التي كانت تدين بها الكنيسة وتقول: إن الأرض هي مركز الكون، وإن الأجرام السماوية تدور حول هذا المركز ( [59] ) . جاء “ كوبرنيقوس ” فاكتشف في كتابه “ حركات الأجرام السماوية ” أن الأرض هي التي تدور حول الأجرام، وأيد جاليلو بتلسكوبه الذي صنعه ذلك عملياً، وعاد عن ذلك تحت تعذيب الكنسية، وجاء “ نيوتن ” بقانون الجاذبية وأيده بقانون رياضي مطرد ( [60] ) . وجوهر ما ذهب إليه “ جاليلو ” و “ نيوتن ” ((أن الكون آلة ضخمة)) ( [61] ) وفسر “ نيوتن ” جميع ما يحدث في الكون على أساسٍ من حركة أجزاء المادة بنظريته التي تقول: ((إنه من الممكن تفسير ظواهر الطبيعة بربط بعضها ببعض دون حاجة إلى تدخل قوى خارجية عنها)) ( [62] ) أي أن الكون شبيه بالآلة في حركته. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 10 وعرّف الفيزيائيون المادة بأنها: ((ما شغلت حيزاً من الفراغ، وهي صلبة وبسيطة وواضحة للعيان)) ( [63] ) وأن حركتها محكومة بنظام آلي لا يختل، فتركيب المادة، وترتيب أجزائها المكونة لها هما مصدر فهم الحركة وتفسيرها ((فما نحس به، وما يفوح عن الزهر من العطر، أو ينبثق عن الشمس الغاربة من اللون، أو ما نشعر به من المخاوف والآمال.. جميع هذه الظواهر مردها تبعاً للمذهب المادي إلى حركات أجزاء صغيرة من المادة، تنطلق في الفضاء طبقاً لقوانين حتمية حاسمة، هذه الأجزاء الصغيرة هي التي يتولد عنها علمنا بها، فليس العقل بعبارة أخرى إلا شعور هذه الأجزاء الصغيرة بذاتها)) ( [64] ) وبهذا يصادر المنهج المادي في فيزياء القرن التاسع عشر قيمة الإنسان الذي كرمه الله بالقوة العاقلة يقول جود: ((لكن هذا الانتصار التجريبي للمادية، كان يعاني من نقص كبير، لقد سلب الإنسان أهميته في النظام الكوني للأشياء، وأنكر عليه حقيقة عقله، ليس في تصميم الكون ما يدعو إلى إعلاء الإنسان)) ( [65] ) . فنتج عن هذا القصور المادي للكون المحكوم بميكانزم آلي لا يختل ((أن الأشياء الحقيقية إنما هي الأشياء المادية وحدها)) ( [66] ) لأنها هي التي يمكن أن تدركها الحاسة، وما سوى ذلك فهو الوهم، لأنه ((ما من شيء يمكن أن يكون حقيقياً إلا وهو قابل من الناحية النظرية؛ لأن يدرك بالحواس، ومن هنا فإن البحث في طبيعة الأشياء المحسوسة وتحليلها إلى عناصرها وذراتها؛ إنما هو معالجة للحقيقة بصورة مباشرة، أما تصور القيم الأخلاقية، وتأمل الخبرات الدينية والاستمتاع بها مثلاً، فليس إلا خبط عشواء وجرياً وراء السراب)) ( [67] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 11 وفي ضوء هذا التفسير المادي لحقيقة الكون لم تفهم طائفة علماء الفسيولوجيا الحياة إلا أنها ((نتيجة عرضية لسلسلة عمليات مادية لا حياة فيها، ولم تر العقل إلا أنه نشاط متولد عن الدماغ)) ( [68] ) وظهر اليهودي الانجليزي تشارلز دارون بكتابه “ أصل الأنواع ” الذي ذهب فيه إلى أن الحياة تطورت شيئاً فشيئاً، من الكائنات العضوية إلى الإنسان، لقد كانت نطفاً هلامية في زبد البحر، فظهرت “ الأميبا ” في المياه الدافئة، قبل ستمائة مليون سنة، وخرجت إلى اليابسة حيث تناسلت في هيئة زواحف ضخمة، ثم في هيئة طيور ولبائن أنجبت قرد مدغشقر، الذي ظهرت عنه سلالتان هما الإنسان، وقرود تشبه الإنسان)) ( [69] ) . وبحسب قانون “ الانتخاب وبقاء الأصلح ” عاشت الأنواع التي استطاعت التكيف مع الطبيعة، بفضل ما وهبتها الطبيعة من صفات نوعية ساعدتها على البقاء ( [70] ) . وكان ذلك كله يتم بدون منطق منظم ( [71] ) . ((ولم يزد علم الأحياء الحديث عن إيراد التفاصيل ووضع النقط على الحروف في ذلك الاكتشاف)) ( [72] ) . وذهبت الفلسفة العقلية في عصر التنوير إلى الثورة على الكنيسة، ونقض مسلماتها من خلال الاعتماد على العقل، وإعلاء مكانته فجاء ديكارت بفلسفة الكوجيتو أنا أشك فأنا أفكر، وأنا أفكر: فأنا موجود ( [73] ) . أي الاستدلال على وجود النفس بالفكر ( [74] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 12 جاء ديكارت وقد أثبت علم الآليات أن حركة المادة تخضع لقانون معلوم، لكن هذا لم يعجب الفلاسفة، ولم ينكروه في آن واحد، فسعوا إلى التوفيق بين الرؤيتين، فذهبوا إلى أن العقل والجسم يقعان في خطين متوازيين، وإذا كان وقع لأحدهما حادث، ووقع لصاحبه حادث آخر فإن هذا لا يعني أن الحادث العقلي ناتج عن حادث جسمي، لأن هذا معناه تبادل التأثير بينهما، فمرد هذا التأثير هو العناية الإلهية تلك العناية التي تجعل اليد تمتد إلى الطعام عند الإحساس بالجوع وهذه النظرية المعروفة عند تلاميذ ديكارت بنظرية الموازاة ( [75] ) . وجاء العلم في القرن التاسع عشر فرفض هذه الفكرة التي ترد حركة الجسم والعقل إلى العناية الإلهية فهذه تعاليم الكنيسة التي لا يقوم العلم إلا على أنقاضها، فقال العلماء والفلاسفة إن العقل ((نوع مهذب راق من المادة، يمكن تصوره باعتباره هالة من الإشعاع تحيط بالدماغ، كتلك الهالة من الضياء تشع عن رؤوس القديسين، ووظيفة هذه الهالة هي أن تعكس الأحداث التي تقع في الدماغ)) ( [76] ) . وهذا المنهج العقلي الذي دعا إليه “ ديكارت ”، لتطبيقه على مناحي الفكر والحياة ما عدا الدين، ذهب إليه “ روجر بيكون ” صاحب المنهج التجريبي - ففصل بين ما هو بشري، وما هو إلهي، لكن هذا الخوف مما هو إلهي تلاشى على يد “ سبينوزا ” واضع أسس مدرسة النقد التاريخي الداعية إلى إخضاع الكتب المقدسة للبحث العقلي، وكأنها تراث بشري ( [77] ) . وعزز هذا التوجه الجديد “ جان لوك ” القائل: ((من استبعد العقل ليفسح للوحي مجالاً فقد أطفأ نور عينيه كلتيهما وكان مثله كمثل من يقنع إنساناً بأن يفقأ عينيه، ويستعيض عنهما بنور خافت يتلقاه بواسطة المرقب من نجم سحيق)) ( [78] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 13 لقد اتضح لنا أن العلوم الطبيعية تشكل وحدة واحدة جذرها الفيزياء والكيمياء وتتفرع منها علوم الحياة وعلم النفس. الفيزياء والكيمياء يبحثان المادة في صورتها الأولى البسيطة، وعلم الحياة وعلم النفس يتناولان المادة في صورتها المعقدة ( [79] ) . وهذه العلوم الطبيعية تقوم على عدد من الأسس هي: 1 - وحدة الكون أو وحدة العلوم. ولهذا يقولون: ((إن الوحدة الحقيقية للعالم تنحصر في ماديته)) ( [80] ) . 2 - الميكانزم ويعني أن الكون آلة ضخمة، وأن سلوك الإنسان وظيفة من وظائف الميكانزم يمكن معرفته وتفسيره من الكائن ذاته. 3 - الإجرائية: وتعني صحة النظرية العلمية القائمة على الإجراء. 4 - الحتمية: فكل معلول ناتج عن علة ( [81] ) . مدارس علم النفس وفي ظل هذا التصور الكوني للعالم والحياة نشأ التصور الخاص بالإنسان في علم النفس الغربي من خلال مدرستين اثنتين هما: 1 - السلوكية. 2 - التحليل النفسي. 1 - السلوكية: ظهرت السلوكية في علم النفس الأمريكي على يدي “ جون واطسون ”، الذي سعى إلى دراسة السلوك دراسة موضوعية ( [82] ) متأثراً في منهجه بالمنهج التجريبي للعلم في القرن التاسع عشر الذي حصر الحقيقة في كل ما هو مادي، يمكن إدراكه بإحدى الحواس، ولما كان العقل غير ذلك جعلت السلوكية دراسة السلوك مقصورة على ما يمكن إدراكه وهو الحركة متخذة من نظرية “ الفعل المنعكس الشرطي ” في تجارب “ بافلوف ” على الكلاب سنداً لها وهي نظرية تتلخص في ما يسمى “ بالمثير والاستجابة ”، فهناك مثير يثير العقل فيحدث استجابة لدى الجسم، ولهذا كان الدماغ أشبه ما يكون بمحطة الاستقبال عند “ بافلوف ”، يستقبل الدوافع سواءً كانت دوافع حث، أم دوافع كف فتؤدي إما إلى التهيج وإما إلى القمع ونتيجة لهذا القمع الذي يحدث للدوافع يحصل تعديل في الشبكة العصبيّة في الدماغ ويتم ذلك بصورة آلية لا دخل للإنسان فيها ( [83] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 14 لقد ألغت السلوكية قيمة العقل في السلوك، فهي وإن آمنت بوجوده، فإنها لا ترى له سلطة على سلوك الكائن الحي، وهذا ما ذهب إليه أصحاب نظرية الموازاة، فالإنسان ((ما هو إلا جسم، أما الشعور فلا يعدو أن يكون حصيلة ثانوية لعمليات جسمية، يصاحبها أحياناً، وإن كان ذلك يحدث بصورة عرضية)) ( [84] ) ، وهذا ما ذهب إليه “ ماركس ” حين جعل مشاعر الإنسان تالية لوجوده. يقول: ((في الإنتاج الاجتماعي الذي يزاوله الناس تراهم يقيمون علاقات محددة لا غنى عنها، وهي مستقلة عن إرادتهم، وعلاقات الإنتاج تطابق مرحلة محدودة من تطور قواهم المادية في الإنتاج، والمجموع الكلي لهذه العلاقات يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع، وهو الأساس الحقيقي الذي تقوم عليه النظم القانونية والسياسية والتي تطابقها أشكال محدودة من الوعي الاجتماعي. فأسلوب الإنتاج في الحياة المادية هو الذي يعين الصفة العامة للعمليات الاجتماعية والسياسية والمعنوية في الحياة. ليس شعور الناس هو الذي يعين وجودهم، بل إن وجودهم هو الذي يعين مشاعرهم)) ( [85] ) . لقد جاءت السلوكية لتسد ثغرة في الميكانزم المادي لحركة الكون، فكان الميكانزم العصبي كما تصوره السلوكية بحثاً عن قانون ذلك الميكانزم في جانب النفس الإنسانية يقول هاري ويلز: ((لقد ظلت المادية تعاني ضعفاً ما منذ أن كانت تفتقد هذه الحلقة أي منذ كان الميكانزم العصبي مجهولاً، واستغل المثاليون هذا الضعف واستفاد منه الرجعيون لنشر الجهل وتشويش الفكر وخلق أساطير عن الطبيعة البشرية)) ( [86] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 15 وبهذا التصور أصبح الإنسان كالحيوان لا عقل له، فهو منقاد لدوافعه التي تدفعه وفق قانون لا يختلف، وكأنه ترس في آلة. وبهذا يفقد الإنسان في هذا التصور أغلى ما يملك وهو العقل، وليس غريباً أن تصل السلوكية إلى هذا التصور فهي تبني نظرتها على فكرة أصل الأنواع عند “ دارون ” الذي يجعل الإنسان حيواناً متطوراً، وعلى نظرية “ بافلوف ” في ردود أفعال الكلاب على عددٍ من المثيرات. 2 - التحليل النفسي: التحليل النفسي هو المدرسة الأخرى في علم النفس، وقد ذهبت هذه المدرسة في تحليل الشخصية إلى أن الشعور لا أثر له في سلوك الإنسان، فاللاشعور هو الذي يحدد سلوكيات الإنسان، ويحكم حركته في الحياة ((فالشخصية الإنسانية مثل كتلة الجليد العائمة في البحار القريبة من القطب لا يعلو منها فوق سطح البحر إلا جزء ضئيل، ويبقى معظمها مغموراً بالماء، وكذلك الشعور يؤلف جزءاً ضئيلاً من العقل، أما الباقي وهو ما يُعرف باللاشعور أو العقل الباطن فهو الجزء الأعظم، وليس ذلك فحسب بل إنه الجزء المهم من العقل)) ( [87] ) . ويعود الفضل في بروز هذه المدرسة إلى الطبيب النمساوي “ سيجموند فرويد ” عندما أصدر عدداً من الدراسات التي تبحث في اللاشعور أو ما يسمى بالعقل الباطن، ثم جاء بعده عدد من تلاميذه أبرزهم “ إدلر ” و “ يونج ”. وقد كان غرض هذه المدرسة الكشف عن طبيعة القوى اللاشعورية في النفس الإنسانية ( [88] ) . 1 - فرويد: قدم فرويد نظرية مهمة، وذائعة الصيت في تحليل الشخصية، فقد كان طبيباً نفسياً يعالج العصابيين ( [89] ) فأراد فهم سلوكياتهم، وتوجيهها وجهة صحيحة ( [90] ) . فجعل “ اللاشعور الشخصي ” محور السلوك الإنساني وهو ((مجموعة العوامل النفسية والفسيولوجية غير المحسوسة التي توثر في السلوك البشري)) ( [91] ) ، ولا يمكن فهم اللاشعور الشخصي عند فرويد بمعزل عن حديثه عن قوى النفس الثلاث الهو، والأنا، والأنا الأعلى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 16 أما الهو فمعناه ((كل ما هو موروث، كل ما يظهر عند الميلاد، كل ما هو مثبت في الجبلّة)) ( [92] ) . وأما الأنا فالخصائص الرئيسة له أنه يسيطر على الحركة الإرادية، ويحفظ الذات ( [93] ) . وأما الأنا الأعلى فهو ((راسب من رواسب فترة الطفولة الطويلة التي يعيش فيها الإنسان الناشيء معتمداً على والديه تتكون في الأنا منظمة خاصة يمتد فيها تأثير الوالدين هذا)) ( [94] ) . إن كل ما يثبت في الجبلّة عند “ فرويد ” هو الطاقة الجنسية التي تبدأ من المرحلة الفمية عند الطفل ((فإلحاح الطفل في المص وتشبثه به في مرحلة مبكرة ينم بوضوح عن حاجة إلى الإشباع، على الرغم من أنها حاجة تنبعث عن تناول الغذاء وتتأثر به إلا أنها تسعى إلى الحصول على لذة مستقلة عن التغذية، وبالتالي يمكن ويجب أن توصف بأنها جنسية)) ( [95] ) ، وتتطور طاقة “ اللّبيدو ” مع الطفل إلى المرحلة السادية الشرجية والمرحلة القضيبية التي يتجلى فيها الشكل النهائي للحياة الجنسية ( [96] ) . ويأتي دور الأنا أو الذات الواعية التي تحاول الموازنة بين الرغبات الخاصة، والواقع الخارجي بكل ما فيه من سلطة وقيم اجتماعية، والأنا الأعلى ((ينشأ من تلبس الطفل بشخصية والده وحينئذ تنشأ “ عقدة أو ديب ” كنتيجة طبيعية لحب الولد لأمه جنسياً، يحول وجود الأب دون تحقيقه، فيتكون في نفس الطفل نحو أبيه شعور مزدوج طرفاه الحب والكراهية في آن واحد. ثم يتخلص الطفل من هذا الصراع أما البنت فإنها تتخذ المقابل، وتتخلص من العقدة [عقدة أليكترا] بزيادة تلبسها بشخصية أمها وعند ذلك ينشأ الضمير. وتكون مهمته الكبت والقمع للشهوات الجنسية غير المرغوب فيها، وذلك لحماية الذات من عسف ذوي السلطان في الخارج الأب أو المجتمع أو الدين أو التقاليد)) ( [97] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 17 وعلى هذا فغريزة الجنس هي عاصمة الغرائز، ينشأ الإنسان حاملاً في أعماقه هذه البذرة التي تصبح المحرك الرئيس لطاقاته في الحياة، ويغدو همه الوحيد في حياته هو إفراغ هذه الطاقة، إلا أن ذلك لا يتحقق على الوجه الأكمل حفاظاً على قيم المجتمع، وخوفاً من تعاليم السلطة، وهنا يأتي الحلم الذي تتحقق فيه الرغبة حين يخلد الأنا الأعلى في سباته العميق. ((وقد يكون الحلم صريحاً وواضحاً وربما لا يكون. وإذ ذاك تصبح لصور الحلم دلالة رمزية، فالصور التي تظهر في الحلم رموز الحقائق في اللاشعور: فالطائر ليس طائراً حقيقة بل رمزاً لشيء آخر قد يكون أما أو أباً، والطيران شبق جنسي، والسير إلى الشمال رغبة في الزنا بالمحارم)) ( [98] ) . ومن هذا المنظور ذهب فرويد إلى تفسير الدين والأخلاق والفن فليست هذه الأشياء إلا تعويضاً عن الدوافع الغريزيّة لدى الإنسان فالدين ((يستقي أصوله من رغبتنا إلى الرعاية السماوية التي نتصورها في صورة الأب الحنون الذي يحل محل الأب الحقيقي لأن هذا لا يلبث أن يخيب آمالنا كلما شببنا عن الطوق، وبلغنا مبلغ الرجولة)) ( [99] ) والأخلاق ما هي ((إلا قواعد أوجدها الإنسان لتكون كالحاجز تصد غرائزه التي لو انطلقت من زمامها لجعلت النظام الاجتماعي أمراً مستحيلاً)) ( [100] ) أما الفن فقيمته ((إنما تنبثق من حاجة الإنسان إلى أن يبتدع أنواعاً من الوهم تقيه من النظر إلى الأشياء كما هي في حقيقتها مما لا يسهل على الإنسان أن يحتمله)) ( [101] ) . وهذا هو ما يسميه “ فرويد ” بالتسامي، فالأنا بوصفها المسيطر على الحركات الإرادية تتقبل الدافع الغريزي وتتسامى به وذلك بأن تحيله من صورته التي هو عليها أو من وضعه إلى وضع آخر ذي قيمة، وهو ما عبر عنه بقوله: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 18 ((إن المنبهات القوية الصادرة عن المصادر الجنسية المختلفة تنصرف وتستخدم في ميادين أخرى بحيث تؤدي الميول التي كانت خطرة في البداية إلى زيادة القدرات والنشاط النفسي زيادة ملحوظة. تلك إحدى مصادر الإنتاج الفني، وإن تحليل شخصية الأفراد ذوي المواهب الفنية ليدلنا على العلاقات المتغيرة القائمة بين الخلق الفني والانحراف والعصاب، بقدر ما كان التسامي كاملاً أم ناقصاً ... وإن الجانب الأكبر لما نسميه الطبع مركب من مادة المنبهات الجنسية ومؤلف من ميول ثبتت منذ الطفولة أو اكتسبت عن طريق التسامي أبنية الغاية منها كبت الاتجاهات المنحرفة التي استحال استخدامها)) ( [102] ) . وعلى هذا فالإبداع الفني إنما هو إعلاء لدافع غريزي أو جنسي على وجه التحديد. وحين اتجه “ فرويد ” إلى التحليل النفسي للإبداع الفني نظر إليه في إطار من تشبيهه باللعب والتخيل والحلم وربط ذلك بالإنسان فالإنسان ((يلعب طفلاً، ويتخيل مراهقاً، ويحلم أحلام يقظة وأحلام نوم)) ( [103] ) والطفل حين يلعب، والمراهق عندما يتخيل، أو يحلم أحلام يقظة أو أحلام نوم فإنه يبني له عالمه الخاص به، والإبداع من حيث هو مشابه للحلم، لأنه هروب من سلطة الرقيب، تحت قناع مخادع هو الرمز الذي ينطوي على دلالتين ظاهرة وباطنة ( [104] ) . ((وأغلب الرموز في الحلم رموز جنسية)) ( [105] ) . ومهمة المحلل النفسي أن يكشف دلالات هذه الرموز الجنسية التي يستحيل فيها الإبداع إلى استراتيجية من الدعارة المقنعة، والهوس الجنسي المراوغ؛ لأن ((كل قائم في صورة إنما يرمز إلى عضو الذكورة، وأن كل تجويف يعني أعضاء المرأة التناسلية، وأن العمود أو التمثال المنحوت لجسم إنسان منتصب لم يكن في الأصل غير رمز لعضو التناسل، وأن الجزء الداخلي من المبني يرمز إلى رحم المرأة)) ( [106] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 19 واستوقفت فرويد سيكلوجية التلقي فرأى أن الفنان يقدم لمتلقيه بفنه رشوة، ينال من خلالها المتعة التي تغريه بالاندفاع نحو متعة أعمق حين يصبح حالماً مع الفنان ( [107] ) . والمبدع الحقيقي عند فرويد هو الذي يخلع على أحلامه الخاصة طابع الفن، ولا يكون ذلك إلا بطمس النزوع الذاتي، وإضفاء صفة الإنسانية من خلال التعالي على البواعث الخاصة للأحلام ( [108] ) . ويشعر المتلقي بلذة الإبداع حينما يشاهد نوازعه التي عجز عن تحقيقها تتحقق أمام عينيه، فيكون الفن بمثابة العزاء الذي ينتزعه من إحساسه بالحرمان من الوصول إلى غاياته التي يطمح إليها ( [109] ) . ويكاد ينحصر جهد “ فرويد ” في التحليل النفسي للإبداع من خلال ثلاثة أعمال هي: 1 - أعمال الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي. 2 - رواية الإخوة كرامازوف للروائي الروسي دستوفيسكي. 3 - قصة غراديفا لفلهم ينسن. قاص ألماني مجهول. 1 - الدراسة الأولى سماها ((ليوناردو دافنشي دراسة نفسية جنسية لذكريات طفولية)) ( [110] ) . وفيها قام بتحليل شخصية دافنشي تحليلاً نفسياً متكئاً على ملاحظة وجدها في إحدى أوراق الرسام العظيم وهي رؤيا طفولية ((فقد روى أنه يذكر عندما كان في المهد أنه رأى نسراً ينزل عليه ويفتح له فمه ويضربه بذيله على شفتيه عدة مرات)) ( [111] ) ، وفي ضوء هذه الرؤيا فسر “ فرويد ” ذلك البطء الذي اشتهر به “ دافنشي ” وهو ينجز أعماله العظيمة، وتنقلاته الكثيرة وغموض ابتسامة “ الجوكندا ” ( [112] ) ، فكان عند دافنشي فيما يرى “ فرويد ” ((انحراف جنسي على مستوى اللاوعي تأثرت به حياته، وتأثر به فنه)) ( [113] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 20 2 - ((دستوفسكي وجريمة قتل الأب)) ( [114] ) وقد اتخذ من رواية الإخوة كرامازوف مصدراً لهذه الدراسة التحليلية ((وقد وجد “ فرويد ” في شخصية هذا الكاتب الروائي فناناً وأخلاقياً وعصابياً وآثماً، وبقدر ما مجد “ فرويد ” الفنان في شخصية “ دستوفسكي ” ورآه جديراً بالخلود، قسا على الإنسان فيه، فهو عنده سجان من سجاني الإنسانية، وهو سادي يعذب نفسه، ويعذب الآخرين، ومجرم يتعاطف مع الآثمين)) ( [115] ) . 3 - ((الإيهام والحلم في غراديفا لفلهم ينسن)) ( [116] ) . وفي هذه الدراسة يتخطى ما قرره في الدراستين السابقتين فإذا كان كتابه الأول ((في معظمه قصة مرض باثوغرافيا)) ( [117] ) وكان كتابه الثاني بحثاً عن ((الصراع الهستيري الذي كان يصيب دوستوفسكي ورغبة الأوديبية في موت أبيه، وشذوذه الجنسي الدفين)) ( [118] ) فإن كتابه هذا ((تحليل أدبي خالص)) ( [119] ) يعتمد فيه على دراسة النص الأدبي وكشف رموزه الفنية ولهذا يرفض ((أي محاولة للكشف عن عقد ينسن وأمراضه العصبية ... ويكتفي بتفسير المبنى السيكلوجي والحلمي في الكتاب محللاً تقنياته الرمزية في الخلط الكلامي، والخلط المكاني معمقاً في معناه مقوياً له بعامة، ويستنتج أن ينسن كان على وعي بحقائق التحليل النفسي، لا لأنه درس هذا العلم بل لأنه استكشف ذاته فما الفنان إلا محلل نفسي من نوع آخر)) ( [120] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 21 والمبدع عند فرويد يشبه العصابي، فهو كثير الانطواء، على صدام دائم مع واقعه، الذي لا يسمح له بإظهار دوافعه الغريزية ((فيلجأ لإشباعها إلى عالم الوهم حيث يجد بديلاً عن الإرضاء المباشر لرغباته، ويستعين للوصول إلى تحول مطالبه اللاواقعية إلى غايات قابلة للتحقيق من الوجهة الروحية على الأقل بما يسميه فرويد بالقدرة على التسامي، وتعتبر هذه إحدى آليات الدفاع التي تعفيه من القصاص أو المرض لكنها تجعله رهين عالم وهمي حيث لن يطول الأمد به حتى يصبح مريضاً بالعصاب)) ( [121] ) . وبهذا يختصر الإنسان بجميع مناشطه وتطلعاته وأحلامه في هذه الغريزة، ويطمس جماليات العمل الفني، ويشوه غاياته. 2 - إدلر: إذا كان “ الجنس ” هو أم الغرائز عند فرويد، وهو الموجه للسلوك الإنساني، وكل نشاط يمكن تفسيره بهذه القوة الدافعة. فإن “ الشعور بالنقص ” هو قوة الدفع الأولى للسلوك عند “ إدلر ” يقول في كتابه “ فهم الطبيعة البشرية ”: ((إن كل طفل وهو يقف بمفرده أعزل عن معونة الآخرين لا يلبث أن يشعر إن عاجلاً، أو آجلاً بعجزه عن معالجة شؤون العالم الواقعي. وهذا الشعور بالعجز هو القوة الدافعة ونقطة الارتكاز الأولى التي يبدأ منها جهاد الإنسان، وهو يقرر الهدف الأقصى لوجوده)) ( [122] ) . فالطفل حين يولد، يكون بحاجة إلى نوع من الرعاية والاهتمام، وهي رعاية سرعان ما تستحيل في نظر الطفل إلى نوع من التسلط على نفسيته؛ لأنها تشعره بعجزه، الأمر الذي يولِّد لديه شعوراً بالنقص، مما يفضي به إلى أن يبني لنفسه عالماً من الخيال يكون فيه سيداً مطاعاً، ويسعى إلى تقديم نفسه للآخرين على أنه مركز القوة، وسيد القرار ( [123] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 22 و“ إدلر ” يركز في تحليله للسلوك الإنساني على سنوات الطفولة الأولى لأنها هي الموجّه للسلوك في المستقبل، مقلّداً أستاذه “ فرويد ” ((لأن الأساليب التي يتخذها الطفل للتعويض عن شعوره بالنقص تقرر طبيعة الهدف الذي يوجه نشاطه خلال حياته كلها)) ( [124] ) . وبحسب تفسير “ إدلر ” فإن النشاط الإنساني تعبير عن هذا الشعور، لكن الناس يختلفون في طبيعة النقص، وطريقة التعبير عنه وتعويضه وهو أمر لا يتم إلا على أنقاض الآخر من خلال ((قوة الإرادة، وفرضها على الجماعة، والتسلط على المجتمع، فكأن تحقيق الهدف يأتي عن سبيل الكفاح، والاقتحام لا على سبيل الألفة، والتعاون مع المجتمع، والفرد إذ يبلغ النجاح في مساعيه، فإن نجاحه يعني الحيلولة بين الآخرين وبين تحقيق أهدافهم)) ( [125] ) . وهذا هو الصراع الذي تنطلق منه المادية الجدلية عند لينين، والمادية التاريخية عند ماركس وهو صراع على مطالب الإنسان في هذه الحياة كما حددها ماركس ((الغذاء والكساء والإشباع الجنسي)) ( [126] ) . فحضارات الأمم، وتعاقبها، وصدامها إنما يكون حول هذه المطالب الثلاثة. وهذه المطالب الأرضية تنبثق من تصور دارون للإنسان، في أنه حيوان بوهيمي، دنيوي الآمال، فلا غرابة أن يولي هذا الحيوان غرائزه هذه العناية، كما عند فرويد، ويصبح كل توجيه لها كبتاً وقمعاً، يورث العقد، ويُشعر بالنقص يقول الفيلسوف الإنجليزي جود: ((بينما يذهب فرويد إلى الكشف عن جانب الوحش في الإنسان، فإن إدلر يذهب إلى الكشف عن جانب الشيطان المتمرد فيه)) ( [127] ) . 3 - يونج: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 23 إذا كان اللاشعور الشخصي هو محور نظرية “ فرويد ” في بناء الشخصية ونموها فإن اللاشعور الجمعي هو جوهرها عند “ يونج ” وهو عنده ((صور ابتدائية لا شعورية، أو رواسب نفسية لتجارب ابتدائية لا شعورية، لا تحصى، شارك فيها الأسلاف في عصور بدائية، وقد ورثت في أنسجة الدماغ، بطريقة ما، فهي - إذن - نماذج أساسية قديمة لتجربة إنسانية مركزية)) ( [128] ) . لم يعد وعي الإنسان مقصوراً على علاقة الطفل بوالديه كما عند “ فرويد ”، فالوعي عند يونج إنما يتشكل في ظلال مخزون ثقافي موروث يمتد حتى تجربة الإنسان البدائي مع الكائنات والأشياء، وقوام هذا المخزون الذي يسميه “ يونج ” باللاشعور الجمعي “ الأنماط العُليا ” وهي تلك الأساطير والخرافات التي يحركها نداء اللاوعي ((فتبدو في أحلام الأفراد ورؤى الفنانين العرافين، كي تعيد التوازن النفسي للعصر)) ( [129] ) . والأنماط العليا عند يونج لها مرتبتان: 1 - الأنماط العليا الشخصية، نمط الظل، والقِران المقدس والأنيما، وهذه تبرز في شكل شخصي فترى مباشرة. فالإنسان يلتقي أولاً مع ظله أو مع وجهه الذي يخفيه بواسطة الشخصية، ويلتقي بوالديه اللذين يشكلان له نمط القِران المقدس، ويواجه أحوال اللاشعور، وهي الأنيما أو النفس ( [130] ) . 2 - أنماط التحول، كنمط الأم، ونمط الطفل، ونمط البنت، فنمط الأم ((يحمل صورة الأم الطبيعية، والأم الأرض، والأم الروح، ونمط الطفل الذي يحمل صورة الطفل الإله أو الطفل البطل، ونمط البنت الذي يحمل صورة العذراء، والأنثى المجهولة، والأنثى الخرافية، والأنثى الأضحية)) ( [131] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 24 وعلى هذا تكون هذه الأنماط الشخصية، وأنماط التحول ميراثاً إنسانياً انبثق من تصور الإنسان البدائي للكون، وهو ما يسمى بالأساطير، وليست الأساطير ((إلا تاريخ البشرية الأولى، تنوسيت ملامحه الدقيقة، وأضفى الخيال الإنساني عليه جواً فضفاضاً، وتاريخ الآلهة، ما هو إلا تاريخ لعصر الأبطال حين كان الإنسان يعجب بالقوة والجبروت، والبطولة في شتى ألوانها المادية والمعنوية، ويتطور هذا الإعجاب عند الأجيال إلى نزعة من التقديس تتلاشى معها حيناً بعد حين الحدود الفاصلة بين المحدود المطلق، وبين حقائق الواقع الإنساني، وخفايا الوجود الغيبي، فتصل إلى حد عبادة الآباء، ثم تصل إلى تناسي هذه الأبوة، ودخولها في مرحلة تالية)) ( [132] ) . وعبقرية الإبداع الفني كامنة في هذه الصور الأسطورية التي تشكل قاسماً مشتركاً بين الناس، فهي التي تطلق قوى المخيلة للمبدع ((ومن هنا كانت الروائع في الأعمال الفنية خالدة ولا وطن لها. ذلك لأنها إنما تنبع من اللاشعور الجمعي، حيث ينبسط التاريخ وتلتقي الأجيال، فإذا غاص الفنان إلى هذه الأعماق فقد بلغ قلب الإنسانية، وإذا عرض على الناس قبساً من هذا المنبع العظيم عرفوا أنه منهم ولهم)) ( [133] ) . والإبداع كما يعتمد على التسامي عند فرويد فإنه عند تلميذه يونج يعتمد على الإسقاط وهو ((العملية النفسية التي يحول بها الفنان تلك المشاهد الغريبة التي تطلع عليه من أعماقه اللاشعورية يحولها إلى موضوعات خارجية يمكن أن يتأملها الأغيار)) ( [134] ) . وهذا الإسقاط يتم من خلال الرمز الناتج عن إطلاع المبدع حدسياً على اللاشعور الجمعي ولهذا كان إبداع الرمز أعظم وظائف اللاشعور ( [135] ) ؛ لأنه ((أفضل صيغة ممكنة للتعبير عن حقيقة مجهولة نسبياً)) ( [136] ) . والأسطورة هي جوهر هذا الرمز الذي عمد إليه الشاعر المعاصر ليستثمر قيم الفن والجمال فيه يقول د: أنس داود: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 25 ((لقد أثرت آراء فرويد ويونج على الأخص في الاتجاهات الأدبية المعاصرة، واعتبرت الأسطورة عملاً فنياً رمزياً، يستطيع أن يتكيء الفنان المعاصر على دلالاتها الخصبة في التعبير عن القيم، وعن المشاعر الإنسانية الأصيلة والمتطورة على السواء. فإنه بالتوسع في الدلالات الرمزية للأساطير وبانتقاء بعض العناصر دون بعضها الآخر في تمثل فني واعٍ، يمزج بين عالم هذه الأساطير وبين الرؤية الفنية الشاملة للإنسان وللعالم، يستطيع الشاعر المعاصر أن يحيل هذه الرموز الأسطورية إلى وسائط فنية ثرية بالعطاء، لقارئه، حيث تستثير في نفسه أعمق النوازع وأصدق الأحاسيس بجانب ما تشف عنه في استخداماتها الموفقة من اتجاهات فكرية معاصرة)) ( [137] ) . التحليل النفسي والفكر الحديث: لقد حظيت نظرية التحليل النفسي بكثير من العناية والاهتمام، وأثرت في الفكر الحديث تأثيراً عنيفاً حتى إنه ((لا تكاد توجد نظرية واحدة قد أحدثت ما أحدثته من الانقلاب في سير المجتمعات إلا نظرية دارون من قبل، ونظرية كارل ماركس التي سبقت فرويد في الزمن ولكنها لحقته في التنفيذ ... لقد اعتنقت آراءه الجماهير، يظاهرها في ذلك كثير من العلماء. ولم يكتفوا بنصوص نظرياته، بل توسعوا في تفسيرها على هواهم، وآمنوا جميعاً بأن الأمر الطبيعي هو أن تنطلق الغرائز من معقلها، ولا تقف عند حد إلا حد الاكتفاء)) ( [138] ) . وقد رجع المفكر الإسلامي محمد قطب هذه الهزة العنيفة التي أحدثتها هذه النظرية إلى الأسباب التالية: 1 - الثورة على تعاليم الكنيسة التي رأى فيها الناس حجراً على الحريات، وسبباً للعقد والانحرافات الخلقية. 2 - انتصار النظريات العلمية على قيم الكنيسة، وتدميرها تدميراً شاملاً. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 26 3 - الحرب العالمية الأولى، ونتائجها النفسية على الشباب المسجون في متاريس الحرب الذي قضى شبابه في السجون والخنادق والمعتقلات، وتعرض لحروب الميكروبات، والغازات السامة. فخرج هذا الجيل لا يفتش إلا عن إشباع غرائزه الحيوانية، فكان فرويد هو الهادي، والداعي إلى هذه السنة السيئة. فكان في نظرهم أحد صناع الحضارة الحديثة في القرن العشرين. 4 - ظهور بحوث في الفلسفة وفي علم الاجتماع تنطلق من تصورات فرويد للنفس الإنسانية فتسعى جاهدة لإثبات أن المجتمع قيد لحركة الحياة، وصيرورة الأشياء. 5 - الدعم الكبير الذي لقيته نظرية فرويد من اليهود حتى جعلوها من أهم الأسس التي تقوم عليها سياستهم وفكرهم الخاص، فقد ورد في بروتوكولات حكماء صهيون ما نصه ((يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا.. إن فرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه)) ( [139] ) . أما أبرز آثارها في الفكر الحديث فهي: 1 - الشك في العقل، وقد كان ذلك نتيجة لنظرة فرويد إلى العقل، فهو خادم للغريزة، وليس هادياً إلى الحقيقة كما يُعتقد، ووظيفته ليس الحدس بالحقيقة، بل الإقناع بما نعتقده غريزياً، ولهذا فنتائجه لا يمكن الوثوق بها لأنها تبرير لمتعقداتنا فهو أداة ضعيفة في مجال المعرفة. 2 - التمرد على السلطة: فقد كشف فرويد وإدلر إلى أن نزعة التسلط على الآخرين من أهم دوافع اللاشعور، وهذه الرغبة يحدث لها نوع من التسامي في الحق الإلهي للملوك أو في سلطة رجال الدين، أو في سلطة القانون، وليست هذه الصور إلا قناعاً للرغبة في فرض السيطرة على العقول ينشأ الشك فيها والتمرد عليها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 27 3 - الجبرية: فالإرادة في التحليل النفسي ليست ملكة تُمارس بحرية، إذ ليس بمقدور الإنسان أن يضبط نفسه، فأساليب الإنسان في الحياة نتاج رغبات لاشعورية في أعماق نفسه، وعلى هذا ليس هناك ما يسمى بحرية الإرادة، ونتج عن هذا التصور انزلاق في الشهوات، واستغراق في الملذات، لأن المستقبل في علم الله، وللإنسان ساعته التي يعيشها. 4 - الأبيقورية العملية: وذلك بالاستمتاع بملذات الحياة، يقيناً بزوالها، بمعزل عن التفكير فيما هو محرّم، وهذا نتاج الشك في الأخلاق عند مدرسة التحليل النفسي، وزرع التعاليم التي تقول: إن كبح الدافع الغريزي مضر بالشخصية، يورث الاضطرابات العصبية، والسخط من الحياة، فأصبح الباطل حقاً، والحرام حلالاً ( [140] ) . التحليل النفسي والنقد الأدبي: من المألوف الذي لا ينكره أحدٌ أن النزعة النفسية في تفسير الأدب قديمة قدم الأدب، فهي تمتد في أفق التاريخ الإنساني حتى فيلسوفي اليونان أفلاطون وأرسطو فأفلاطون يجعل الشاعر متبوعاً ينطق عن وحي سماوي وهو في حالة استحضار بين النبوة والجنون ( [141] ) . ويربط الشعر بوظيفة خلقية لما له من تأثير على النفوس ( [142] ) ، وأرسطو ((المصدر الأول لعلم النفس والنقد النفسي للأدب)) في عدد من مؤلفاته أمثال كتاب النفس، وكتاب الطبيعيات الصغرى وغيرهما ( [143] ) . لكن هذه النزعة لم تأخذ طابع العلم فتصبح منهجاً نقدياً ((إلا بعد أن ظهرت نتائج دراسات الفرويديين للغة والباطن، كذلك بعد أن أفاض أتباع يونج في الحديث عن الأسطورة والرمز..)) ( [144] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 28 وقد كان غرض هذا المنهج البحث عن سيكلوجية المبدع من خلال أثره الأدبي الذي تركه عبر اتجاهات عديدة ((فهي تارة تحلل أثراً معيناً من الآثار الأدبية، لتستخرج من هذا التحليل بعض المعلومات عن سيكلوجية المؤلف. وهي تارة أخرى تتناول جملة آثار المؤلف وتستخرج منها نتائج عامة عن حالته النفسية ثم تطبق هذه النتائج العامة في توضيح آثار بعينها من آثاره. وهي تارة تتناول سيرة كاتب من الكتاب على نحو ما تظهر من أحداث حياته الخارجيّة، وفي أمور أخرى كرسائله واعترافاته أو يومياته الشخصية ثم تبني من هذا كله نظرية في شخصية الكاتب: صراعاته، حرماناته، صدماته، عصاباته، لتستعمل هذه النظرية في توضيح كل مؤلف من مؤلفاته، وهي تارة أخرى تنتقل من حياة المؤلف إلى آثاره، ومن آثاره إلى حياته، موضحة هذه بتلك، وتلك بهذه ... وهي في أكثر الأحوال تجمع بين هذه الأغراض كلها، وتستعمل هذه الأساليب جميعها)) ( [145] ) . وقد استثمر هذا المنهج في الغرب استثماراً كبيراً فقام أيرنست بتفسير لمسرحية هاملت في ضوء عقدة أوديب، وكونراد إيكن في كتبه شكيات، وملحوظات في الشعر المعاصر، والعقلية الشعرية، وريتشاردز في مباديء النقد الأدبي، ومودبودكين في الأنماط العليا في الشعر، وشارل بودوان في التحليل النفسي للفن، وهوقمان في الفرويديّة والعقل الأدبي وكولردج في قينوس وأدونيس. وأتورانك في الفنان وأسطورة ميلاد البطل، ودكروتش في إدجار الأن بو - دراسة في العبقرية، وشارل مورون في نظريات وقضايا ( [146] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 29 ومع الناقد الإنجليزي “ آي ا. ريتشاردز ” شهد علم النفس حضوراً واسعاً في النقد الأدبي، حيث فرّق بين اللغة العلمية لغة الحقائق، واللغة الانفعالية لغة المشاعر، وجعل “ التوازن الحسي ” عنصراً ثابتاً في الجمال الفني ومعناه ((اتزان الدوافع وانسجامها)) فالتجربة الجمالية هي التي تتوازن فيها الدوافع من خلال عنصري: الحركة والانسجام، وهذا بخلاف التردد الذي تتصارع فيه الدوافع وتتعارض مشبهاً ذلك بالحمار الموضوع بين رزمتي حشيش ( [147] ) . واستطاع “ جاك لاكان ” أن يبتدع نظرية جديدة في النقد النفسي، من خلال صياغة جديدة لنظرية فرويد في تفسير الأحلام، حيث نقلها إلى النص، فاللاشعور يطوي المعنى في صورة رمزية تحتاج إلى فكّ لشفرة تلك الصورة، فصور الأحلام تخضع إلى “ تكثيف ” أولاً، ثم “ إحلال ” آخراً، وقد سمّى الأولى “ استعارة ” والثانية “ كناية ” ( [148] ) . وفي العقد السابع من القرن العشرين الميلادي حدثت تحولات جديدة على يدي “ نورمان هولاند ” حين اتجه باهتماماته إلى القاريء وترك المبدع والنص، وقد نتج عن هذا التحول ما يسمى الآن بنظرية التلقي ( [149] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 30 وأصبح هذا المنهج بكل تصوراته من أهم المناهج التي اصطبغت بها حياتنا الفكرية، في العقد الخامس من القرن العشرين، فأمين الخولي ينشر بحثاً بعنوان “ علم النفس الأدبي ” بمجلة علم النفس عام 1945 م ( [150] ) . وينشر بعده بعامين محمد خلف الله ((من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده عام 1947 م، وتتابع العطاء فكتب طه حسين كتابه عن المتنبي، ومع أبي العلاء في سجنه والعقاد ابن الرومي حياته من شعره، وشخصية أبي نواس، والعبقريات، والنويهي نفسية أبي نواس، وشخصية بشار، وثقافة الناقد الأدبي، والشعر الجاهلي منهج في دراسته وتقويمه، وحامد عبد القادر دراسات في علم النفس الأدبي، ومصطفى سويف الأسس النفسية للإبداع في الشعر خاصة، وأنور المعداوي الأداء النفسي في شعر علي محمود طه، وعز الدين إسماعيل، الأسس الجمالية للنقد العربي، والأدب وفنونه، والتفسير النفسي للأدب، وقضايا الإنسان في المسرح المعاصر، ومصطفى ناصف، قراءة ثانية لشعرنا القديم، ودراسة الأدب العربي، والصورة الأدبية، والمؤلفات في هذا الباب كثيرة تعد ولا تحصى ( [151] ) . وبلغ من حماس بعض الباحثين أن يبحث عن أصول هذا المنهج في النقد القديم كما فعل محمد خلف الله، مع أن المنزع مختلف، والغاية مباينة، ولكنه الولع بالجديد الذي أفضى بإقحام تصورات تراث أمة على تراث أمة أخرى، وكأنه لا قيمة لتراثنا إلا بحديثه عن كل نظرية غربية. والمتتبع لحركة هذا المنهج في عقول أبناء الأمة في هذا العصر يجد أنه يتخذ مسارين ربما يستقل أحدهما عن الآخر: 1 - المسار الأول يتخذ من منهج فرويد ونظريته في اللاوعي الشخصي سبيلاً لدراسة النص الأدبي وهو ما يعرف بالتحليل النفسي. 2 - المسار الآخر ينطلق من فكرة اللاشعور الجمعي عند يونج. وهو ما يسمى في النقد الحديث “ بالمنهج الأسطوري ”. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 31 وكلا الاتجاهين ينمانِ عن غيبوبة فكرية، في عصر من عصور الانحطاط والتخلف يتخذ من مقولة إنسانية الفكر وكونية العالم متكئاً لطرحه النقدي، وفي هذا الكلام حق وباطل فالإنسان لا يمكن أن يعيش بمعزل عن التأثر والتأثير، فإما أن يكون مؤثراً وفاعلاً في حركة التاريخ، وإلا سحقته العجلة، ولفظه العالم خارج السياق، وبهذا يكون ملاذاً لكل فكر تخطته صيرورة الحياة، وقام على أنقاضه فكر جديد. إن التراث العربي في أزهى عصوره لم يقف متخاذلاً يتغنى بماضيه، بل زاحم تراث الأمم الأخرى وأثر فيها، وتأثر بها، ولكنه ظل تراثاً إسلامياً في تصوره، عربياً في محياه؛ لأن الأمة كانت غالبة، يعتد فيها المفكر والشاعر بأمته، ويفتخر بإرثها الحضاري والثقافي، أما الذي يحدث في عصرنا هذا فهو بالضد مما كان، إذ شاع لدى كثير من الباحثين الإيمان بضآلة الأمة، والتنصل من كل ما يمت لها بصلة، فكان المثقف الجديد انهزامياً في داخله، مستهلكاً لثقافة غيره، مغلوباً على أمره. يقول الدكتور عبد الحكيم حسان: ((لعل أهم ما يفرق بين اتصال العرب بالثقافات الأجنبية في القرون الوسطى وبين اتصالهم بالثقافة الأوروبية في العصر الحديث أن العرب في العصر العباسي اتصلوا بثقافات ميتة سياسياً كالثقافة الهيلينّية، أو مغلوبة كالثقافة الفارسية، أو ليست ذات تأثير من هذه الناحية كالثقافة الهندية. أما في العصر الحديث فقد اتصلوا بثقافة حية متفوقة، وذات تأثير سياسي بالغ القوة. ولهذا فإن إحساس العرب في العصر العباسي بأنهم سادة موقفهم، وأنهم أحرار في اختيار ما يروقهم ورفض مالا يرضيهم من هذه الثقافات لم يكن له وجود في العصر الحديث الذي أحس العرب فيه بالإضافة إلى الشعور بالضعف العسكري بالنسبة للغرب، ثم الخضوع لنفوذه السياسي - بالحاجة الماسة إلى الإصلاح وإلى تغذية تراثهم الثقافي بدم جديد يعينه على النهوض ومواكبة الركب الحضاري الحديث الجزء: 10 ¦ الصفحة: 32 )) ( [152] ) . محاسن المنهج وعيوبه: الذي لا ينكره منصف أن المنهج النفسي في نقد الأدب فتح آفاقاً جديدة لمعرفة النفس الإنسانية أمام النقاد والأدباء، وهي آفاق كانت بعيدة عن أذهانهم، وزادهم وعياً بخصائص النفس الإنسانية في نماذجها المختلفة، ووصف لهم ما أمكن من خلجات النفس ومشاعرها ( [153] ) . ودعا نقاد الأدب إلى تخطي الرؤية الساذجة في النظر إلى العمل الأدبي، والبحث عن دلالات أعمق ينطوي عليها النص، تتجاوز الدلالة الظاهرة التي يعرفها كل إنسان ( [154] ) . وكشف عن علاقة متينة بين العمل ومنتجه ( [155] ) ، وأوضح العبقرية التي يتميز بها المبدعون تلك العبقريات التي كانت تنسب إلى الإلهام أو إلى الجنون، أو إلى شياطين الشعر، يقول فرويد: ((الشعراء والروائيون يعرفون بين السماء والأرض كثيراً من الأشياء ما تزال حكمتنا المدرسية غير قادرة على الحلم بها. فهم في معرفة النفس أساتذتنا نحن البشر العاديين؛ لأنهم يعّبون من ينابيع لم نجعلها بعد قابلة للإدراك علمياً)) ( [156] ) . وقدّم لنا فهماً جديداً للنص، وفسر أفكاره الغامضة، وهي من أهم محاسن هذا المنهج ((سواءً في فهم الصور الشعرية والتركيبية أو في وعي شخصيات أبطال الآثار المسرحية والقصصية. فالصورة الأدبية كانت، في ما سبق فرويد من مدارس النقد واتجاهاته، تعد ضرباً من ضروب الزينة الأسلوبية، وتحمل على ولوع الأدباء بترصيع الكلام بالأصباغ المجازية، لذلك فإن عناية الناقد إنما تتجه إليها في حدود انطباع بسيط لا يتجاوز الوقوف على ما فيها من جودة الانفراد، أو ابتذال الاحتذاء. أما مع فرويد وبعده، فقد حملت هذه الصور دلالات بلغت من العمق شأناً بعيداً عندما عُدّت رمزاً يفصح عن خبايا نفسية مضمرة تحيل على اللاوعي وعلى ما في الشخصية المبدعة أو القارئة من عقد ومركبات وحصارات يشترك فيها الجميع ويتمايز بها الأفراد في القوة والضعف والاشتداد)) ( [157] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 33 والمنهج النفسي عند بسلر هو الذي أخرجنا من مأزق التطرف في الحكم النقدي لصالح الجمالية أو لصالح الأخلاقية؛ لأن هذا المنهج لا يقف عند وظيفة التقويم، ولكنه يتخطاها إلى تفسير النص فاجتمع الجمالي والأخلاقي معاً في أصل واحد ((هو الأصل النفسي. فبالرجوع إلى هذا الأصل لن نرد كلامنا عن الأثر الفني إلى اعتبار جمالي أو أخلاقي، لأننا نريد لهذا الأثر تقويماً، وإنما سنرد الأثر إلى مصدره، ونحاول أن نجد له تفسيراً نفسياً. فإذا وفقنا إلى هذا التفسير أخرجنا هذا من ورطة التقويم على أساس الاعتبارات الجمالية أو الأخلاقية)) ( [158] ) . واستطاع المنهج النفسي أن يقدم لنا شيئاً عن سيكلوجية التذوق الفني حين جعل فرويد قيمة الفن عند المتلقي في أنه يقدم له رشوة من خلال تحقيقه لرغباته المكبوتة في عمل أدبي، يصبح معه المتلقي حالماً بغد أفضل ( [159] ) . لكن محاسن المنهج النفسي لا تكاد تذكر إذا ما قيست بعيوبه، وهي عيوب كثيرة يمكن إرجاعها إلى مستويين اثنين: 1 - عيوب تتعلق بالأساس العلمي للمنهج وتصوره للإنسان. 2 - عيوب تتعلق بالإجراء النقدي. 1 - عيوب الأساس العلمي للمنهج وهي قسمان: أ - عيوب علمية تتعلق بالأساس العلمي للمنهج. ب - عيوب فكرية تتعلق بتصور الإنسان. أ - العيوب العلمية: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 34 أما العيوب العلمية فكما سبق أن عرفنا، انطلق علم النفس في القرن التاسع عشر من تصور مادي للإنسان كما في التحليل النفسي، أو من تصور حيواني كما في السلوكية، ومبنى هذا التصور أو ذاك على مفاهيم الفيزياء والأحياء والفلسفة العقلية التي كانت تشكل عصب الفكر المادي في أوروبا آنذاك. وقد حصل لتلك المفاهيم التي وقفنا عليها تغير جذري في القرن العشرين، وهو تغير يفضي بنا إلى القول بأن تلك المفاهيم العلمية التي اتكأ عليها علم النفس في القرن التاسع عشر مفاهيم أثبت العلم الحديث فسادها، ومن ثم فساد كل تصور أو نظرية فلسفية تجعل منها سنداً لما تقول. ففي الفيزياء لم تعد المادة واضحة متماسكة تشكّل حيّزاً من الفراغ، كما كان يُعتقد، لقد أصبحت عالماً من الطلاسم والألغاز، وصارت ((شبكة من الشحنات الكهربائية، وسلسلة من الأحداث المحتملة ترتفع وتنخفض حتى تتلاشى في العدم)) ( [160] ) بل إنه لا يمكن مشاهدتها ( [161] ) . تلك الذرة الصغيرة أصبحت في فيزياء القرن العشرين ((كأنها نموذج مصغر لمنظومة شمسية ... في مركزها عدد من الشحنات الكهربائية الموجبة تعرف بالبروتونات، وهذه تؤلف النواة، ويدور حول النواة على مسافات مختلفة، وفي مدارات غير منتظمة عدد من الشحنات السالبة تسمى الالكترونات. والشحنة الموجبة في كل بروتون تساوي تماماً الشحنة السالبة من كل اليكترون غير أن عدد البروتونات التي تتألف منها النواة أكبر كثيراً في العادة من عدد الالكترونات. وإنما تحصل الموازنة بين الشحنات الموجبة للبروتونات، والشحنات السالبة للالكترونات الجزء: 10 ¦ الصفحة: 35 التي تدور حول النواة، بوجود شحنات سالبة، الكترونات أخرى موجودة في النواة)) ( [162] ) والذرة التي كانت صلبة في وضع مادي ثابت أصبحت بخلاف ذلك فقد ((أخذ الفيزيائيون المحدثون يطاردونها - كما يقول أدنجتون - من السائل المتصل إلى الذرة، ومن الذرة إلى الالكترون، حتى أضاعوها في النهاية)) ( [163] ) . والذرة التي كان يُظن أن معرفتها لا يمكن الشك فيها أصبحت تلك المعرفة خادعة، لأنه ثبت حديثاً أنه ((إنما يستنتج وجودها من أحداث تقع خارجها، يظن أنها تُسببّها وتأتي عنها)) ( [164] ) . فالإدراك الحسي في الفيزياء الحديثة، لم يعد في الوجود العيني للمادة، وإنما في الحادث النفسي الداخلي، فحقيقة الأشياء عقلية وليست مادية، فالظاهرة المادية ليس إلاّ أثراً للكيفية التي تتجلى فيها الحقيقة الروحية ( [165] ) . لقد كانت الفيزياء القديمة تقول بالتمّاس بين ماديين عندما أضغط بأصبعي على طرف المنضدة مثلاً، أما الفيزياء الحديثة فتقول: إن الدفع ناشيء عن ذرات الأصبع وذرات المنضدة. وذلك الدفع يولد تياراً عصبياً يصل إلى الدماغ ينتج عنه شعور باللمس، فليس هناك علم بشيء يقع خارج الجسم، لأنه قد يحصل تنبيه للجهاز العصبي دون وجود منضدة ( [166] ) . فيزياء القرن العشرين بكشوفاتها الجديدة لم تكمل ما قام به (نيوتن) بل حطمت بنيانه، حيث هدم إنشتاين بنظرية النسبية فكرتي الزمان والمكان المطلقين، وأثبت أن علاقات المكان والزمان وقوانين الحركة لا يمكن تعريفها إلا بالمواقف الشخصية للمراقب، وليس بالحياد كما ذهب إلى ذلك (نيوتن) ( [167] ) . وجاءت ثورة فيزياء الجسيمات على يد “ إيرنست رذرفورد ” حيث أثبت أن الذرة عبارة عن نواة متناهية الصغر يحيط بها كم هائل من الإلكترونات أصبحت تفسيرات نيوتن لها تبعث على الإحباط، فانهارت إمبراطورية نيوتن وتطورت ميكانيكا الكم على يدي “ نيلزبور ” و “ فيرنرها يزنبي ” ( [168] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 36 وانبنى على هذا التغير الفيزيائي تغيرٌّ في مفهوم علم الأحياء للحياة في القرن العشرين، فقد كانت النظرية الآلية ترى أن الحياة نتيجة عرضية لعمليات مادية، وأن العقل نشاط متولد من الدماغ. واجتمع أخيراً أدلة تقول: إن أسلوب الكائن الحي ليس آلياً ولا يمكن تفسيره آلياً، فالحياة ظاهرة من صفتها التجدد والإبداع، واستحداث صور جديدة في الكائنات، ومنها ظهرت نظريات التطور المبدع، والتطور الناشيء، ونظرية الكائن الحي، والنظرية العضوية ( [169] ) . إن الماء يتكون من الأوكسجين والهيدروجين بنسبة معينة، لكن في الماء خصائص ليست هي خصائص كل من الأوكسجين والهيدروجين. وكذلك جسم الإنسان فهو دماغ ولحم وعظام وأعصاب، ولكل منها خاصية معينة لكن له من اجتماع هذه الأجزاء خصائص ليست موجودة في تلك الأجزاء ( [170] ) . وبناءً على هذا فلم يعد كل مادي حقيقياً، وأصبح المعنوي كالدين، وقيم الحق والخير والجمال مما صح ثبوته، وعدّ باباً من أبواب الحقيقة، وبهذا تقوّض الأساس العلمي لعلم النفس، فالإنسان لم يعد شبيهاً بالآلة لا دخل للعقل في سلوكياته، فله عقل، وله غاية يسعى إلى تحقيقها، ومطالب يهدف إلى بلوغها هي أسمى من مطالب الجنس والغذاء والكساء. فلم يعد التفسير الآلي أو الحيواني للسلوك الإنساني واعياً بأبعاد الإنسان، إن الإنسان يستجيب للمنبه، كما تستجيب الآلة، لكنه لا يعمل كما تعمل، فاستجابتها آلية أما استجابته فهي استجابة فعالة ونشيطة. فهو يدرك الموقف الخارجي، ولذلك فاستجابته لا تعتمد على قوة ذلك المنبه بقدر ما تعتمد على الدافع النزوعي الذي لديه، وهو مؤثر بالغ في الاستجابة، وهذه الاستجابة موجهة إلى غاية يمكن استمرارها بعد زوال المثير بخلاف الآلة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 37 والإنسان كل موحدٌ، أما الآلة فهي خليط مركب، ولهذا يمكن تبديد هذا الخليط وتعديله ويظل له نفس الخصائص، أما الإنسان فلا يمكن أن يُؤلف منه إنسانٌ آخر ( [171] ) . ب - عيوب فكرية: والإنسان لم يكن حيوانياً في مطالبه، كما صوّره فرويد، وماركس، ولا يمكن تفسير سلوكه تفسيراً حيوانياً كما فعلت السلوكية، التي طبقت سلوكيات الحيوان على الإنسان، وفسرت سلوكه بذلك المقتضى استناداً على نظرية “ الفعل المنعكس الشرطي ” عند بافلوف، وهي نظرية ثبت فشلها، فقد ذهب كوهلر في تجاربه الشهيرة على القردة والموز إلى نسبة القدرة والاستبصار للقردة، وهي قدرة مكنتها من إدراك الموقف الذي وضعت فيه من حيث هو كل منظم ( [172] ) . ومما سبق يتضح أن علم النفس الغربي في مدرستي التحليل النفسي والسلوكية أنه علم يقوم على احتقار الإنسان، ومسخ مكانته، فهو كائن حيواني تسيّره غرائزه، كما تسيّر الحيوان غرائزه وشهواته، أو كما يحرك الآلة مفتاح التشغيل وفق قانون أوتوماتيكي مطرد. وهذا التصور المبني على أسس فكرية خاصة، يمكن فهمه من خلال سياقه الذي نبت فيه ويمكن إيجاد مسوغات له في فكر جاهلي منحرف، رأى أن تعاليم الكنيسة تخدير للعقول وهيمنة “ للأكليروس ” على أفكار الناس وحرياتهم، فكل ما يمت إليها حقاً كان أو باطلاً لا تقوم الحياة به، ولا يتحقق الوجود الإنساني إلا على أنقاضه، فالإنسان سيد نفسه يعرف طريقه الذي يسلكه، ويملك قضاءه وقدره بيديه، ويدرك أن الحياة إنما هي أيام قليلة السعيد فيها من أشبع غرائزه، وعاش ساعته بكل ما فيها من لذة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 38 إن هذا المنهج نتاج موقف من العالم وإدراك له، وهو موقف وإدراك لا يصلح لأمة أعزها الله بالإسلام، الدين الذي أقام تصوراً سوياً وشاملاً للكون والإنسان والحياة، تجلى فيه الإنسان كائناً مكرماً على جميع المخلوقات قال تعالى: س ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ش ( [173] ) ، كرمه الله تعالى بالعقل، وأوجد لديه الغريزة، وحدد له الغاية، وأنار له السبيل، وهو قادر بعد هذا كله على أن يصعد إلى منزلة الملائكة حين يغلب عقله على نزواته، وهو قادر أيضاً على اللصوق بالأرض حين ترجح نوازعه على عقله. إن الإسلام يؤمن بمطالب الإنسان الدنيوية، فهي مطالب لا تقوم الحياة إلا بها، ولكنها مطالب محكومة بالعقل، وبالغايات، التي تجعلها تتحقق وفق توازن نادر الوجود قال تعالى: س وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدينش ( [174] ) يقول محمد قطب: ((والإنسان يكره فقدان التوازن ولو كان إلى أعلى؛ لأنه يحرص على أهدافه العليا التي لا تتحقق بغير الاستجابة لنوازع الأرض، وكل ما يعمله ويهدف إليه هو تنظيف الوسائل التي يستجيب بها الفرد لنوازعه، حتى ترتفع الحياة كلها، وتصبح كريمة جميلة، خليقة بمعنى التكريم الذي أسبغه الله على الإنسان)) ( [175] ) . لقد نشأ الإنسان على الفطرة السوية، لا على الشبق الجنسي، فأدرك قيمة الكون والحياة، وفسره تفسيراً إيمانياً يعيده إلى بارئه سبحانه وتعالى، فلم يكن محض الصدفة ولم يكن ذرة ضائعة، أو آلة ضخمة محكومة بنظام آلي خاص إنه صنع الله الذي أتقن كل شيء ( [176] ) . وأدرك أن له في هذه الحياة غاية، هي عبادة الله فهو مستخلف في هذه الأرض، ووفق هذا التصور يكون نشاطه الحركي، وتكون استجاباته وانفعالاته ( [177] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 39 وليس هناك نفس إنسانية كاملة، وخالصة من النقائص إلا نفسه صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا أسس الإسلام منهجاً متكاملاً لفهم النفس الإنسانية وتربيتها، فهي مجموعة من الخطوط المتقابلة، الخير والشر، والحب والكراهية، والسلب والإيجاب، قد يغلب جانب على جانب فيحدث انحراف في سلوكياتها، فكان منهج التربية الإسلامية خير منهج كشف عن طبيعة النفس، وحدد لها ما يجعلها نفساً سوية يتغلب فيها جانب الخير على نوازع الشر وأدرانه ( [178] ) . وعلى هذا فإن الفهم الصحيح لطبيعة النفس الإنسانية، وتقدير مناشطها في الحياة، إنما ينبغي أن يكون وفق هذا التصوير الرباني العظيم، فموجد النفس هو أعلم بطبيعتها، وهو الأقدر سبحانه على وضع المنهج الملائم لها قال تعالى: س ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ش ( [179] ) . وإن النقد النفسي حين يكون محتاجاً إلى فهم طبيعة النفس الإنسانية والقوى الدافعة لسلوكها، في تفسيره للعمل الأدبي إنما يجب أن يتمثل هذه النظرة، لأنها الأقدر، والأجود، ففيها يظل للإنسان مكانته، وللعقل قيمته، وللغايات أثرها البالغ في توجيه المناشط في هذه الحياة. ولقد اكتشف الغربيون أنفسهم - تبعاً للكشوفات العلمية الحديثة - ضلال تصورات مدرسة التحليل النفسي والمدرسة السلوكية في دراسة السلوك البشري، حيث يتم إخضاع العقل للغريزة في الأولى، وإلغاؤه في الأخرى، حيث ذهب كثير من علماء النفس في أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى أن هذا الموقف ((لا يطاق في فرع من فروع المعرفة مكرس لخدمة الجنس البشري)) ( [180] ) مما إدى إلى نشوء حركة جديدة تنادي بأنسنة علم النفس. ففي اجتماع وطني للرابطة الأمريكية لعلم النفس عقدت في عام 1971 م قرر أتباع هذه الحركة أن يطلقوا علها اسم “ علم النفس الإنساني ” ( [181] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 40 وجوهر ما ترمي إليه هذه الحركة كما يعبر “ إيرفن تشايلد ” الأستاذ بجامعة ييل النظر إلى الإنسان ((بوصفه إنساناً، لا مجرد حيوان أو آلة، فالإنسان قوة واعية، وهذه هي نقطة الانطلاق، فهو يجرب، وهو يقرر، وهو يتصرف..)) ( [182] ) . النظرة الجديدة تتجه إلى الإنسان ليس بوصفه رزمة من ردود الأفعال، ولا هو نتاج قوى خارجية، ليس آلة، وليس جرذاً كما يُعبر “ فكتور فرانكل ” ( [183] ) . وإن الأساطير لا يمكن أن تكون ميراثاً إنسانياً. فهي رؤية وثنية للعالم، سواءٌ أكانت أساطير يونانية، أو جاهلية عربية. فالأساطير اليونانية تقوم على تقسيم الكون بين آلهة عديدة، إله للخصب، وإله للنسل، وإله للشمس، وإله للقمر ( [184] ) . والأساطير الجاهلية تقوم على عبادة الأصنام، والحيوانات، وقوى الطبيعة، اعتقاداً بوجود قوى خارجية فيها، فعبدوها إفادة منها أو دفعاً لشرورها ( [185] ) . الأساطير اليونانية يمكن أن تكون ميراثاً فكرياً للشاعر الأوروبي الذي ورث هذا التصور حين كانت هذه الأساطير الوثنية إحدى دعائم وجوده الثقافي وتصوراته للكون والحياة. والأساطير الجاهلية يمكن أن تكون مصدراً لتصور جاهلي جديد يؤمن بالخرافة ويقدسها، ويجعل من الحق باطلاً، والباطل حقاً. إن هذه الأساطير يونانية أو عربية، لا يصح أن تكون مصدراً لتصور الإنسان المسلم الذي يملك أعظم تصور شامل للإنسان والكون والحياة، يقوم على منهج إلهي محكم، يجعل من الكون دليلاً من دلائل قدرة الله سبحانه وتعالى، وخادماً مطيعاً للإنسان، تدبر حركته قوة إلهية. وهو منقاد لربه، يسبح له ويخضع لنواميسه. لا يحس الإنسان تُجاهه بالخصومة واللَّدد، فالعلاقة بينهما قوامها الحب والألفة. والخضوع كله لله سبحانه وتعالى ( [186] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 41 قال تعالى: س ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون، وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون، هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ش ( [187] ) . 2 - عيوب الإجراء النقدي: إن المنهج النقدي، إنما كان منهجاً نقدياً، لأنه يفترض فيه أن يقوم بوظيفة من وظائف النقد، التقويم، أو التفسير أو التوجيه، ومطامح أصحاب هذا المنهج - كما عند بسلر - تجعله يجمع بين التفسير والتقويم بدون انحياز لأي وظيفة من هاتين الوظيفتين. وحينما نتأمل نتائج المنهج في الكشف عن جماليات النص الأدبي التي تمثل جوهر أي نظرية نقدية لا نجد شيئاً، فالنص الأدبي في ضوء المنهج النفسي يستحيل إلى وثيقة نفسية، نعرف من خلالها عقد المؤلف وحصاراته، ولا نعرف شيئاً عن النص الأدبي، إلا فيما ندر فهو إذ يحلل النص لا يدلنا على ما ينطوي عليه النص من قيم فنية وجمالية تجعل منه أدباً له خصوصيته الفنية في الرؤيا والنسيج. تقول إليزابيث دور: ((يبدو لي أن أي تناول للشعر عن طريق علم النفس فاشل منذ اللحظة الأولى، فعلم النفس يستطيع أن يقدم الكثير فيما يختص بالقوى اللاشعورية التي تعمل خلف مفهوم الفن، ولكن له حدوده التي تجعل منه أداة نقدية غاية في الضعف. فهو لا يستطيع أن يلمس العمل الفني ذاته، ولا يستطيع أن يميز بين الجيد والرديء)) ( [188] ) . إن كل عمل أدبي يمكن أن نجد فيه نفسية منتجه، ولكن ما قيمة ذلك في موازين أدبية الأدب، وإذا كان هذا المنهج لا يكشف لنا الجيد من الرديء، فإنه لا يفرق بين الجيد والرديء. وهو منهج أحادي النظرة، لا يبحث في الأدب إلا عن دور اللاوعي والأدب نتاج الوعي واللاوعي معاً ( [189] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 42 وحين يولي اللاوعي قيمة في تفسير النص الأدبي، يصبح مسرحاً للرموز الجنسية يقول إريك إندرسون: ((وفي سبر ما هو جنسي تعوّد نقاد الأدب المتخصصون في التحليل النفسي أن يغتصبوا نزاهة الأعمال الفنية)) ( [190] ) . ويقول آرنولدهوسر: ((أما عن دراسة الآثار الفنية بوصفها مطايا للرموز الجنسية فقد كانت باديء ذي بدء، من بين الفروع المحببة لأبحاث نظرية التحليل النفسي، لقد كانت هذه مهمة مجزية حقاً، يسهل أداؤها بطريقة آلية إن في قليل أو كثير، وليس من حد - فيما يظن - لتأملاتها الجسورة، ونتائجها المذهلة،.. وألف الناس في النهاية بل ضاقوا بذاك الزعم القائل بأن أي موضوع قد يكون رمزاً لأعضاء التناسل، وأن من الممكن أن نربط بين العلاقات الإنسانية جميعها تقريباً وبين موقف أوديب. وأن الفن يكتظ بصور الأمهات. وأن الأبطال ما كانوا يخشون شيئاً خشيتهم من الخصاء)) ( [191] ) . لقد أصبحت كل دلالة رمزية في النص تصب في بنية فكرية واحدة تحرك النص هي بنية الجنس، وهذا التفكير الأعوج، والمنطق المضلل يغفل قيماً إنسانية جليلة القدر في الأدب؛ لأن المحلل النفسي يحاكم النص بمقتضى تصور مسبق، فهو يبحث عن دليل يعزز ذلك التصور، فذهب كثير من الباحثين انطلاقاً من هذا التصور إلى إيجاد دلالات غامضة لما هو غاية في المباشرة ( [192] ) ، وحين يستعصي ربط النص على هؤلاء بمنتجه، فتنعدم أو تتلاشى صورته فيه يرمى النص بالضعف، وعدم المصداقية ( [193] ) . لقد حلل العقاد شخصية أبي نواس على أساس من نرجسيته، ونظر إليها النويهي في ضوء شذوذه الجنسي، ولاسيما في ولعه بالخمرة، التي كانت عنده تمثل شعوراً جنسياً، ورغبة كرغبة الولد في أمه ( [194] ) ، لكن هذا التفسير مع نشازه، لا يقدم لنا قيمة فنية لهذا الشعر تجعله رؤية خاصة، وشعوراً مميزاً بالأشياء لا نجده إلا عند أبي نواس. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 43 وأصبحت الناقة عند الشورى ومصطفى ناصف رمزاً للأمومة ( [195] ) ، وغدا الحمار والثور في شعر الجاهليين عند علي البطل، ونصرت عبد الرحمن إلهين يُعبدان من دون الله، ولذلك فهما لا يُقتلان ( [196] ) ، وإذا ما قتلا - في غير شعر الرثاء - قال أحدهما إن الشاعر أخطأ في التصور، وأن أول شاعر قتل عنده الثور هو أبو ذؤيب الهذلي في عينيته الشهيرة، التي قالها بعدما أسلم إذ لا حرج أن يموت الإله القديم ( [197] ) . على أن هذا ليس صحيحاً فهناك شعراء جاهليون قتل عندهم الحمار والثور في غير شعر الرثاء كامرئ القيس، وزهير، وعلقمة وغيرهم ( [198] ) . إن هذا المنهج يجعل من الحيوانات كائنات مقدّسة، وأساطير لآلهة قديمة لم يزل صداها حياً في نفس الإنسان الحديث، ويبدو النص الشعري عالماً من الطقوس، وقطعاً من التفكير اللاهوتي المظلم. لقد ذهب “ مالكولم كادلي ” إلى تشبيه دعاة هذا المنهج بمن اكتشف فجأة نصف كرة أرضية جديدة ( [199] ) . وهذا المنهج قد يجد في الأدب ما يحقق له مبتغاه، لكنه يقع فيما وقع فيه أتباع فرويد ومريدوه من أصحاب منهج التحليل النفسي. فلا يكشف لنا عن أدبية النص، ولا يقدم تقديراً للقيمة الجمالية فيه. الخاتمة: “ المثاقفة ” كما هي بحث عن الحكمة، فهي خيار لا محيد عنه، لكل أمة تولي شهودها الثقافي أهميّة كبيرة، وتطمح لحمل شعلة الحضارة، والإضافة المبدعة للبشرية، وتحقيق أمانة الاستخلاف. والمثاقفة كما هي طموح، فهي منهج راشد، لأن المثاقفة وفق المنهج الراشد، توسيع للمدراك، وإنارة للذاكرة الجمعية، بمقتضى هذا الرشد يتحقق ترسيخ الهوية، واستيعاب منجزات العصر، والمشاركة الفاعلة في أحداثه. والأمة العربية المسلمة أمة مثاقفة، فهي أشد الأمم حرصاً على المعرفة لأنها أمة “ اقرأ ”، وأقوم منهجاً لأنها أمة القرآن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 44 وحين تثاقفت الأمة بمنهج راشد حين كانت غالبة، ذوّبت المعرفة في نسيجها الثقافي، وظلت محافظة على هويتها الخاصة. وعندما غُلبت صارت مولعة بتقليد الغالب في تحديثه وحداثته. وهنا انقسمت الثقافة العربية على نفسها بين متقوقع عاجز، منفتح مستلب، وكل حزب بما لديهم فرحون. وليست المثاقفة النقديّة إلاّ صورة من صور المشهد الثقافي العربي في مثاقفته مع الغرب في ظل من غياب المنهج الراشد الذي أورث “ عقلاً مستعاراً ” يعيش انقطاعاً مع تراثه، ومسخاً لهويته، واستلاباً لذاته. الهوامش والتعليقات (1) انظر على سبيل المثال: لسان العرب لابن منظور ((ثقف)) . (2) سورة الممتحنة، آية رقم 2. (3) الحضارة – الثقافة – المدنية ((دراسة لمسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، نصر محمّد عارف. منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية، والدار العالمية للكتاب الإسلامي. الرياض ط 2 / 1415 هـ - 1995 م)) ص 19. وانظر ثقافة المسلم في وجه التيارات المعاصرة. الدكتور: عبد الحليم عويس، الرياض النادي الأدبي بالرياض، 1399 هـ / 1979 م ص 15. وانظر المنظور الإسلامي للثقافة والتربية ((دراسة في اجتماعيات التربية)) الأستاذ الدكتور محمّد عبد العليم مرسي، الرياض، مكتبة العبيكان، ط1 / 1417 هـ - 1996 م ص 27. (4) الوثائق الرئيسيّة لإعلان مكسيكو 1982 م نقلاً عن الدكتور محمّد الرميحي في مقالة ((واقع الثقافة ومستقبلها في أقطار الخليج العربي)) ، ضمن كتاب الثقافة والمثقفون في الوطن العربي. بيروت: منشورات مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط1 / 1992 م ص 267. (5) الخطة الشاملة للثقافة العربيّة. منشورات المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم تونس، الطبعة الثانية 1996 م ص 18، 19. (6) الحضارة – الثقافة – المدنية ص 24. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 45 (7) إشكالية التحيّز رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد، الجزء الأوَّل، تحرير: الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكيّة، ط2، 1417 هـ / 1996 م، ص 615، وانظر كذلك مقدمة الكتاب لرئيس المعهد المفكّر طه العلواني ص ((ك)) . (8) المرجع السابق ((ك)) المقدمة. (9) تكوين العقل العربي. الدكتور محمّد عابد الجابري، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، الطبعة الثالثة 1988 م ص 194. (10) المرجع نفسه ص 224. (11) انتفاضة العقل العربي. الدكتور: محمد عبد الرحمن مرحبا، بيروت: منشورات دار عويدات، الطبعة الأولى 1994 م ص 245. (12) المرجع نفسه ص 364. (13) نفسه ص 249. (14) تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها دعوة لتشخيص الموروث المجتمعي العربي وإعادة تأسيس الثقافة العربيّة لعصر تنوير جديد. الدكتور: محمد جابر الأنصاري. بيروت: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 1992 م ص 13. (15) المرجع نفسه ص 17. (16) إشكالية التحيّز ص 603. (17) أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث. الدكتور فهمي جدعان، عمّان – دار الشروق، الطبعة الثالثة 1988 م ص 117، 118. (18) إشكالية التحيّز ص 608. (19) نقلاً عن مخطط الانحدار وإعادة البناء. الدكتور: خالص جلبي، الرياض: منشورات كتاب الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفيّة، 1417 هـ / 1996 م ص 103. (20) مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي، مالك بن نبي، ترجمة الدكتور، بسام بركة، والدكتور: أحمد شعبو وإشراف وتقديم عمر مسقاوي، بيروت، دار الفكر المعاصر، ودمشق دار الفكر الطبعة الأولى، 1413 هـ / 1992 م ص 146. والفكرة الميّتة: هي الفكرة المنحرفة عن مثلها الأعلى في الثقافة الأصلية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 46 والفكرة المميتة: هي الفكرة المستوردة التي فقدت هويتها وجذورها في عالمها الأصلي، انظر المرجع نفسه ص 153. (21) أسس التقدم ص 329. (22) انظر على سبيل المثال: - سقوط آسيا - كالوم هندرسون ترجمة: فريق بيت الأفكار الدولية عمّان، 1999 م. - المتلاعبون بالعقول ((الإصدار الثاني)) هربرت أ. شيلر، ترجمة: عبد السلام رضوان، الكويت، عالم المعرفة، 1419 هـ / 1999 م. - صدمة المستقبل - المتغيّرات في عالم الغد، ألفين توفلر، ترجمة: محمد ناصف، تقديم: الدكتور أحمد كمال أبو المجد، القاهرة: نهضة مصر، 1990 م. (23) انظر الفكر العربي وصراع الأضداد، للدكتور: محمّد جابر الأنصاري، بيروت: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر. (24) انظر بنية التخلّف. إبراهيم البليهي، الرياض: منشورات كتاب الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفيّة 1415 هـ / 1995 م ص 92. (25) مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي ص 151. (26) تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها ص 19. (27) المرجع نفسه ص 19 وما بعدها. (28) بنية التخلّف ص 192. (29) الموقف من الحداثة ومسائل أخرى. الدكتور عبد الله محمّد الغذّامي، جدة، مطابع دار البلاد، الطبعة الأولى، 1407 هـ / 1987 م ص 60. (30) المرايا المحدّبة من البنيوية إلى التفكيك، الدكتور: عبد العزيز حمّودة، الكويت، عالم المعرفة 1418 هـ / 1998 م، ص 65 وما بعدها. (31) الفلسفة العربيّة المعاصرة مواقف ودراسات بحوث المؤتمر الفلسفي العربي الثاني الذي نظمته الجامعة الأردنيّة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط1، 1988 م، ص 77 – 99 والجدير بالذكر أنه يذكر مدارس أخرى لكن لا علاقة لها بالمثاقفة مع الغرب. (32) المرجع نفسه ص 100. (33) إشكاليّة التحيّز ص 267، ص 268. (34) المرجع نفسه ص 269. (35) المرجع نفسه ص 269. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 47 (36) علم اجتماع الأدب، الدكتور سيّد البحراوي. القاهرة: الشركة المصريّة العالميّة للنشر، ط1 / 1992 م، ص 13 وما بعدها. (37) منازع الفكر الحديث، جود، نقله إلى العربيّة عباس فضلي، راجعه الدكتور: عبد العزيز البسام، بغداد، مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1956 م، ص 249. (38) العلم في منظوره الجديد، روبرت م. أغروس وآخرون، ترجمة الدكتور: كامل خلايلي، الكويت، عالم المعرفة 1409 هـ / 1989 م. (39) المرايا المحدّبة ص 191. (40) شعرنا القديم والنقد الجديد، الدكتور: وهب روميّة، الكويت، عالم المعرفة 1416 هـ / 1996 م، ص 126. (41) المرايا المحدّبة ص 191. (42) المرجع نفسه ص 337. (43) نفسه ص 285. (44) إشكاليّة التحيّز ص 272. (45) عالم الفكر – الكويت – المجلد الثامن والعشرون – العدد الرابع إبريل – يونيو 2000 م من إشكاليات المثاقفة في النقد الأدبي العربي الحديث ص 124، ص 125. (46) عالم الفكر، الكويت المجلد الثالث والعشرون، العددان الأول والثاني يوليو – ديسمبر 1994 م بحث إشكاليّة المنهج في الخطاب النقدي ص 462. (47) عالم الفكر - الكويت - المجلد الثامن والعشرون، ص 125. (48) إشكالية التحيز 272. (49) عالم الفكر ص 469. (50) انظر على سبيل المثال: عباس الجراري في خطاب المنهج منشورات السفير بالمغرب 1990م والمصطفى الشاذلي في ظاهرة الاغتراب في النقد العربي رسالة علمية بكلية الآداب جامعة المولى إسماعيل بالمغرب. وإدريس الزمزاني في أفق الرؤيا مقاربات في النص والإبداع منشورات بابل بالرباط 1991 م، وشكري عياد في المذاهب الأدبيّة والنقديّة عند العرب والغربيين، منشورات عالم المعرفة 1414 هـ / 1993 م. ومصطفى ناصف في دراسة الأدب العربي، منشورات الأندلس، وعبد العزيز حمّودة في المرايا المحدّبة (سبق ذكره) وغيرهم من النقاد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 48 (51) الحضارة – الثقافة – المدنيّة، بتصرّف ص 31 / 32. (52) المرجع نفسه ص 20. (53) نفسه ص 20 وما بعدها. (54) لسان العرب ((نصص)) . (55) تاج العروس ((نصص)) ، وانظر إشكاليّة التحيّز ص 275. (56) إشكالية التحيّز ص 275. (57) الشعر، لأبي هلال العسكري. (58) علم النفس ومشكلات الفرد، ط. عبد الرحمن عيسوي، بيروت: دار النهضة العربية، 1992 م، ص 44. (59) العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة. سفر بن عبد الرحمن الحوالي، مكة المكرمة، مطابع جامعة أم القرى، ط1، 1402 هـ / 1982 م، ص 150. (60) المرجع نفسه 150 - 156. (61) منازع الفكر الحديث، جود، نقله إلى العربية عباس فضلي، راجع الترجمة د. عبد العزيز البسام، بغداد، مطبعة المجمع العلمي العراقي 1956 م، 1375 هـ، ص 81. (62) العلمانية ص 155. (63) منازع الفكر الحديث ص 5. (64) المرجع نفسه ص 37. (65) نفسه ص 22 – 23. (66) نفسه ص 5. (67) نفسه ص 5 – 6. (68) نفسه ص 9. (69) نفسه بتصرّف ص 24. (70) تعالى الله عما يقول الجاهلون، إنه الهروب من كل ما يمت إلى الكنيسة بصلة. (71) العلمانية ص 179. (72) منازع الفكر الحديث ص 24 – 25. (73) مدخل إلى فلسفة العلوم، دراسات ونصوص في الإيبستيمولوجيا المعاصرة ج2، المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي، د. محمد عابد الجابري، المغرب، دار النشر المغربية، بدون تاريخ ص 51. (74) المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية، د. جميل صليبا، بيروت: دار الكتاب اللبناني ط1 / 1973 م، ج2 / ص 250. (75) منازع الفكر الحديث ص 33 – 34 بتصرف. (76) المرجع نفسه ص 35. (77) العلمانية ص 154. (78) المرجع نفسه ص 154. (79) علم النفس ومشكلات الفرد ص 45. (80) الإنسان بين المادية والإسلام. محمد قطب. بيروت: دار الشروق، ط 8 – 1403هـ، 1983 م، ص 57. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 49 (81) علم النفس ومشكلات الفرد ص 45 – ص 48. (82) المرجع نفسه ص 61. (83) منازع الفكر الحديث 51 – 52. (84) المرجع نفسه ص 68. (85) نقلاً عن الإنسان بين المادية والإسلام ص 57. (86) نقلاً عن العلمانية ص 398. (87) منازع الفكر الحديث ص 249. (88) علم النفس ومشكلات الفرد ص 34. (89) في النقد الحديث دراسة في مذاهب نقدية حديثة وأصولها الفكرية، د. نصرت عبد الرحمن، عمان مكتبة الأقصى 1979 م، ص 186. (90) علم النفس ومشكلات الفرد ص 33. (91) المعجم الأدبي، جبّور عبد النور، بيروت، دار العلم للملايين، ط2، 1984 م، ص 224. (92) الموجز في التحليل النفسي، سيجموند فرويد، ترجمه عن الألمانية سامي محمود علي، وعبد السلام القفاش، راجعه مصطفى زيور، القاهرة، دار المعارف ط2، 1970 م، ص 15. (93) المرجع نفسه ص 16. (94) المرجع نفسه ص 16. (95) المرجع نفسه ص 24. (96) المرجع نفسه ص 24. (97) الإنسان بين المادية والإسلام ص 31. (98) في النقد الحديث ص 187 – ص 188. (99) منازع الفكر الحديث ص 252. (100) المرجع السابق ص 252. (101) المرجع نفسه ص 252. (102) نقلاً عن الموجز في التحليل النفسي ص 93. (103) في مناهج الدراسات الأدبية، حسين الواد، الدار البيضاء، منشورات عيون، 1988م، ص 8. (104) المرجع نفسه ص 9. (105) الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي، محمد الولي، نشر المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1 / 1990 م، ص 200. (106) فلسفة تاريخ الفن، أرنولد هوسر، ترجمة رمزي عبده جرجس، مراجعة، د. زكي نجيب محمود منشورات المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بالقاهرة، 1968 م ص 59. (107) الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة، د. مصطفى سويف، القاهرة، دار المعارف، ط4 / 1981 م، ص 74. (108) في مناهج الدراسات الأدبية ص 9 – ص 10. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 50 (109) انظر النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، جان لوي كابانس، ترجمة د. فهد عكام، دمشق، دار الفكر، ط1، 1402 هـ، 1982 م، ص 45. وانظر أيضاً علم النفس والأدب، د. سامي الدروبي، القاهرة: دار المعارف، ط2 / 1981 م، ص 34. وانظر أيضاً في مناهج الدراسات الأدبية ص 10. (110) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة ستانلي هايمن، ترجمة د. إحسان عباس، ود. محمد يوسف نجم، بيروت: دار الثقافة 1981 م، 1 / 262. (111) في مناهج الدراسات الأدبية ص 7، والنقد الأدبي والعلوم الإنسانية ص 37. (112) في مناهج الدراسات الأدبية ص 7. (113) المرجع نفسه ص 8. (114) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة 1 / 262. (115) في مناهج الدراسات الأدبية ص 8. (116) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة 1 / 262. (117) المرجع نفسه 1 / 263. (118) المرجع السابق 1 / 263. (119) المرجع نفسه 1 / 264. (120) نفسه 1 / 264. (121) فلسفة تاريخ الفن ص 51. (122) نقلاً عن منازع الفكر الحديث ص 254. (123) المرجع نفسه ص 254. (124) نفسه ص 254. (125) نفسه ص 256. (126) الإنسان بين المادية والإسلام ص 63. (127) منازع الفكر الحديث ص 256. (128) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة 1 / 245 – 246. (129) المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي دراسة نقدية، عبد الفتاح محمد أحمد، بيروت، دار المناهل، ط1، 1408 هـ، 1987 م، ص 23. (130) المرجع نفسه 25 – 26. (131) المرجع نفسه، ص 253. (132) الأسطورة في الشعر العربي الحديث، د. أنس داود، القاهرة: مكتبة عين شمس، 1975 م، ص 24 – 25 (133) الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة ص 204. (134) المرجع نفسه ص 203. (135) المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي ص 16. (136) الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة ص 206. (137) الأسطورة في الشعر العربي الحديث 33 – 34. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 51 (138) الإنسان بين المادية والإسلام ص 43. (139) نقلاً عن الإنسان بين المادية والإسلام، هامش 55. ولم أقف على النص أو على ترجمة معناه في كتاب الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون، ترجمة التونسي. ومثل هذا الاحتفاء لقيه بافلوف من حكومة ستالين التي كانت تقيم له المهرجانات حتى وفاته، وهناك نصوص كثيرة يصرح فيها فرويد بيهوديته، وتسخير فكره لأمته، ذكرها الدكتور حمد المرزوقي في كتابه إشكاليات فكرية معاصرة، تحت عنوان ((فرويد قراءة عربية)) ص 221. (140) منازع الفكر الحديث 277 – 284 بتصرف. (141) مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ديفد ديتشس، ترجمة د. محمد يوسف نجم، ود. إحسان عباس، بيروت: دار صادر، 1967 م، ص 23. (142) المرجع نفسه. (143) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة، ستانلي هايمن 1 / 258. (144) النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته، د. أحمد كمال زكي، بيروت: دار النهضة العربية، 1981 م، ص 247. (145) علم النفس والأدب ص 255. (146) الاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي أصوله وقضاياه، د. سعد أبو الرضا، الرياض: مكتبة المعارف، ط1 / 1401 هـ / 1981 م، ص 13 – 20، والنقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته ص 248. (147) في النقد الأدبي الحديث مدارسه ومناهجه وقضاياه (ودراسات نقديّة تطبيقيّة) الدكتور: محمد صالح الشنطي، حائل: دار الأندلس ط1 / 1419 هـ / 1999م، ص 151. (148) المرجع نفسه ص 153. (149) نفسه ص 146. (150) الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة، ص ((ج)) المقدمة. (151) انظر النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته ص 247 – 249، والاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي أصوله وقضاياه ص 13 – 21. (152) أنطونيو وكليوباترا دراسة مقارنة بين شيكسبير وشوقي، د. عبد الحكيم حسان، جدة: الدار السعودية للنشر والتوزيع، ط2، 1407 هـ / 1987 م، ص 215 – 216. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 52 (153) النقد الأدبي أصوله ومناهجه، سيد قطب، بيروت: دار الشروق، ط3، 1400هـ - 1980 م، ص 190. (154) دراسة الأدب العربي، د. مصطفى ناصف، بيروت: دار الأندلس، ط3، 1983 م، ص 136. (155) في مناهج الدراسات الأدبية ص 14. (156) النقد والعلوم الإنسانية ص 29. (157) في مناهج الدراسات الأدبية 12 – 13. (158) التفسير النفسي للأدب، د. عز الدين إسماعيل، بيروت: دار العودة، ط4، 1981م، ص 19. (159) في مناهج الدراسات الأدبية 9 – 10، النقد الأدبي والعلوم الإنسانية ص 45، علم النفس والأدب ص 34 (160) منازع الفكر الحديث ص 7. (161) المرجع نفسه ص 108. (162) المرجع نفسه ص 102، والذرات تختلف فذرة الهيدروجين تحتوي على بروتون واحد ذي شحنة موجبة، وعلى الكترون واحد ذي شحنة سالبة وذرة الهليوم فيها أربعة بروتونات والكترونات. أما ذرة اليورانيوم ففيها 238 بروتون، 146 الكترون في النواة، و92 الكترون خارج النواة، انظر ص 102. (163) المرجع نفسه 121 - 122. (164) نفسه 115. (165) نفسه 120 - 124. (166) نفسه 120. (167) العلم في منظوره الجديد. روبرت م. أغروس، جورج ن. ستانيو، ترجمة د. كامل خلايلي، الكويت: عالم المعرفة 1409 هـ / 1989 م، ص 21. (168) المرجع نفسه ص 21. (169) نفسه 9. (170) نفسه 175 - 176. (171) نفسه 149 - 152. (172) نفسه 73. (173) سورة الإسراء، آية 70. (174) سورة القصص 77. (175) الإنسان بين المادية والإسلام ص 70. (176) مقومات التصور الإسلامي، سيد قطب، القاهرة: دار الشروق، ط3، 1403 هـ / 1988 م، ص 351. (177) المرجع نفسه ص 362. (178) انظر للاتساع دراسات في النفس الإنسانية، محمد قطب، القاهرة: دار الشروق، ط10، 1414 هـ / 1994 م. وفي النفس والمجتمع، محمد قطب، بيروت: دار الشروق، ط7، 1403 / 1983 م. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 53 ومنهج التربية الإسلامية ج1، محمد قطب، بيروت: دار الشروق، ط6، 1402 هـ/ 1982 م. (179) سورة الملك، آية 14. (180) العلم في منظوره الجديد ص 85، ص 86. (181) المرجع نفسه ص 86. (182) نفسه ص 86. (183) نفسه ص 88. (184) مقومات التصور الإسلامي ص 352. (185) الشعر الجاهلي تفسير أسطوري 86. (186) مقومات التصور الإسلامي 343. (187) سورة الجاثية، آية 27 - 29. (188) الأسس الجمالية في النقد العربي عرض وتفسير ومقارنة د. عز الدين إسماعيل، القاهرة: دار الفكر العربي، ط3، 1974 م، ص 108. ومثل هذا التصور انظر: النقد الأدبي أصوله ومناهجه 189. في مناهج الدراسات الأدبية 16، النقد الأدبي والعلوم الإنسانية ص 49، فلسفة تاريخ الفن ص 80. (189) في مناهج الدراسات الأدبية 17. والنقد الأدبي ومدارسه الحديثة 1 / 284. (190) مناهج النقد الأدبي إنريك إندرسون إمبرت، ترجمة د: الطاهر أحمد مكي، القاهرة: دار المعارف، ط2، 1992 م، ص 138. (191) فلسفة تاريخ الفن 58 - 59. (192) دراسة الأدب العربي 133. (193) المرجع نفسه ص 150 وهناك دراسة قيمة أعدها الدكتور وهب رومية بعنوان “ شعرنا القديم والنقد الجديد ” صدرت عام 1416 هـ عن عالم المعرفة بالكويت، كشفت عوار هذا المنهج. (194) النقد الأدبي أصوله واتجاهاته 256 - 257. (195) انظر الشعر الجاهلي تفسير أسطوري. د: مصطفى عبد الشافي الشوري، القاهرة: دار المعارف، ط1، 1986 م، ص 147. وقراءة ثانية لشعرنا القديم، د: مصطفى ناصف، بيروت: دار الأندلس، ط2، 1401 هـ / 1981 م، ص 93 وما بعدها. (196) الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري دراسة في أصولها وتطورها، د: علي البطل، بيروت: دار الأندلس، ط1، 1980 م، ص 131، 138. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 54 والصورة الفنية في الشعر الجاهلي في ضوء النقد الحديث، د. نصرت عبد الرحمن، عمان: مكتبة الأقصى، ط2، 1402 هـ / 1982 م، ص 81 - 83. (197) الشعر الجاهلي تفسير أسطوري 162. (198) على الترتيب انظر: ديوان امريء القيس، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة: دار المعارف، ط4، 1984 م، ص 76، 175، 268. شرح شعر زهير بن أبي سُلمى صنعة أبي العباس ثعلب: تحقيق: د. فخر الدين قباوة، بيروت: دار الآفاق الجديدة، ط1، 1402 هـ / 1982 م، ص 108. شرح ديوان علقمة بن عَبْدة الفحل للأعلم الشنتمري، قدم له ووضع هوامشه وفهارسه د: حنا نصر الحتي، بيروت: دار الكتاب العربي، ط1، 1414 هـ / 1993 م، ص 63. (199) المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي ص 226. المصادر والمراجع 1 - الاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي أصوله وقضاياه، الدكتور: سعد أبو الرضا، الرياض: مكتبة المعارف، ط1، 1401 هـ / 1981 م. 2 - أسس التقدّم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث، الدكتور: فهمي جدعان، عمّان، دار الشروق، ط3، 1988 م. 3 - الأسس الجماليّة في النقد العربي عرض وتفسير ومقارنة، الدكتور: عز الدين إسماعيل، القاهرة: دار الفكر العربي، ط3، 1974 م. 4 - الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة، الدكتور: مصطفى سويف، القاهرة: دار المعارف، ط4، 1981 م. 5 - الأسطورة في الشعر العربي الحديث، الدكتور: أنس داود، القاهرة: مكتبة عين شمس، 1975 م. 6 - إشكالية التحيز، رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد، ج1، تحرير: الأستاذ الدكتور: عبد الوهاب المسيري، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية، ط2، 1417 هـ / 1996 م. 7 - انتفاضة العقل العربي، الدكتور: محمد عبد الرحمن مرحبا، بيروت: منشورات دار عويدات، ط1، 1994 م الجزء: 10 ¦ الصفحة: 55 8 - الإنسان بين المادية والإسلام، محمد قطب، بيروت: دار الشروق، ط8، 1403 هـ / 1983 م. 9 - أنطونيو وكليوباترا دراسة مقارنة بين شيكسبير وشوقي، الدكتور: عبد الحكيم حسان، جدة: الدار السعودية للنشر والتوزيع، ط2، 1407 هـ / 1987 م. 10 - بنية التخلف، إبراهيم البليهي، الرياض، منشورات كتاب الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية 1415 هـ / 1995 م. 11 - تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها، دعوة لتشخيص الموروث المجتمعي العربي وإعادة تأسيس الثقافة العربية لعصر تنوير جديد، الدكتور: محمد جابر الأنصاري، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1992 م. 12 - التفسير النفسي للأدب، الدكتور: عز الدين إسماعيل، بيروت: دار العودة، ط4، 1981 م. 13 - تكوين العقل العربي، الدكتور: محمد عابد الجابري، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط3، 1988 م. 14 - ثقافة المسلم في وجه التيارات المعاصرة، الدكتور: عبد الحليم عويس، الرياض: النادي الأدبي بالرياض، 1399 هـ / 1979 م. 15 - الثقافة والمثقفون في الوطن العربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1992 م. 16 - الحضارة - الثقافة - المدنية - دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، نصر عارف، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن والدار العالمية بالرياض، ط2، 1415 هـ / 1995 م. 17 - الخطة الشاملة للثقافة العربية، منشورات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، ط2، 1996 م 18 - دراسة الأدب العربي، الدكتور: مصطفى ناصف، بيروت: دار الأندلس، ط3، 1983 م. 19 - دراسات في النفس الإنسانية، محمد قطب، القاهرة: دار الشروق، ط10، 1414 هـ / 1994 م. 20 - ديوان امريء القيس، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة: دار المعارف، ط4، 1984 م. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 56 21 - سقوط آسيا، كالوم هندرسون، ترجمة: فريق بيت الأفكار الدولية، عمان، 1999 م. 22 - شرح ديوان علقمة بن عبدة الفحل، الأعلم الشنتمري، قدم له ووضع هوامشه وفهارسه الدكتور: حنا نصر الحتي، بيروت: دار الكتاب العربي، ط1، 1414 هـ / 1993 م. 23 - شرح شعر زهير بن أبي سلمى، صنعة أبي العباس ثعلب، تحقيق: الدكتور فخر الدين قباوة، بيروت: دار الآفاق الجديدة، ط1، 1402 هـ / 1982 م. 24 - الشعر الجاهلي تفسير أسطوري، الدكتور: مصطفى عبد الشافي الشوري، القاهرة: دار المعارف، ط1، 1986 م. 25 - شعرنا القديم والنقد الجديد، الدكتور: وهب رومية، الكويت: عالم المعرفة، 1416هـ/ 1996 م. 26 - صدمة المستقبل - المتغيرات في عالم الغد، ألفين توفلر، ترجمة: محمد علي ناصف، تقديم: الدكتور أحمد كمال أبو المجد، القاهرة: دار نهضة مصر، 1990 م. 27 - الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي، محمد الولي، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط1، 1990 م 28 - الصورة الفنية في الشعر الجاهلي في ضوء النقد الحديث، الدكتور: نصرت عبد الرحمن، عمّان: مكتبة الأقصى، ط2، 1402 هـ / 1982 م. 29 - الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري دراسة في أصولها وتطورها، الدكتور: علي البطل، بيروت: دار الأندلس، ط1، 1980 م. 30 - عالم الفكر، الكويت، المجلد الثالث والعشرون، العددان الأول والثاني يوليو - ديسمبر 1994 م. عالم الفكر الكويت المجلد الثامن والعشرون، العدد الرابع، إبريل - يونيو - 2000 م. 31 - علم اجتماع الأدب، الدكتور: سيد البحراوي، القاهرة: الشركة المصرية العالمية للنشر، ط1، 1992 م 32 - العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة، سفر الحوالي، مكة المكرمة: مطابع جامعة أم القرى، ط1، 1402 هـ / 1982 م. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 57 33 - علم النفس والأدب، الدكتور: سامي الدروبي، القاهرة: دار المعارف، ط2، 1981 م. 34 - علم النفس ومشكلات الفرد، الدكتور: عبد الرحمن عيسوي، بيروت: دار النهضة العربية، 1992 م. 35 - العلم في منظوره الجديد، روبرت م. أغروس، جورج ن. ستانيو، ترجمة الدكتور: كامل خلايلي، الكويت: سلسلة عالم المعرفة، 1409 هـ / 1989 م. 36 - فلسفة تاريخ الفن، آرنولد هوسر، ترجمة: رمزي عبده جرجس، مراجعة الدكتور: زكي نجيب محمود، القاهرة: منشورات المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، 1968 م. 37 - الفكر العربي وصراع الأضداد، الدكتور: محمد جابر الأنصاري، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1996 م. 38 - الفلسفة العربية المعاصرة مواقف ودراسات، بحوث المؤتمر الفلسفي العربي الثاني الذي نظمته الجامعة الأردنية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1988 م. 39 - في مناهج الدراسات الأدبية، حسين الواد، الدار البيضاء: منشورات عيون، 1988 م. 40 - في النقد الأدبي الحديث مدارسه ومناهجه وقضاياه ودراسات نقدية تطبيقية، الدكتور: محمد الشنطي، حائل: دار الأندلس، ط1، 1419 هـ / 1999 م. 41 - في النفس والمجتمع، محمد قطب، بيروت: دار الشروق، ط7، 1403 هـ / 1983م. 42 - في النقد الحديث دراسة في مذاهب نقدية حديثة وأصولها الفكرية، الدكتور: نصرت عبد الرحمن، عمان: مكتبة الأقصى، 1979 م. 43 - قراءة ثانية لشعرنا القديم، الدكتور: مصطفى ناصف، بيروت: دار الأندلس، ط2، 1401 هـ / 1981 م. 44 - لسان العرب، لابن منظور، طبعة جديدة محققة ومشكولة ومذيلة بفهارس مفصلة تحقيق: عبد الله الكبير وآخرين، القاهرة: دار المعارف، بدون تاريخ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 58 45 - المتلاعبون بالعقول “ الإصدار الثاني ” هربرت أ. شيلر، ترجمة: عبد السلام رضوان، الكويت: سلسلة عالم المعرفة، ط2، 1419 هـ / 1999 م. 46 - مخطط الانحدار وإعادة البناء، الدكتور: خالص حلبي، الرياض: كتاب الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية، 1417 هـ / 1996 م. 47 - مدخل إلى فلسفة العلوم - دراسات ونصوص في الابيستيمولوجيا المعاصرة ج2 - المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي، الدكتور: محمد عابد الجابري، المغرب: دار النشر المغربية، بدون تاريخ. 48 - المرايا المحدبة من البنيويّة إلى التفكيك، الدكتور: عبد العزيز حمودة، الكويت: عالم المعرفة، 1418 هـ / 1998 م. 49 - مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي، مالك بن نبي، ترجمة الدكتور: بسام بركة، والدكتور: أحمد شعبو، وإشراف وتقديم عمر مسقاوي، بيروت: دار الفكر المعاصر، ودمشق: دار الفكر، ط1، 1413 هـ / 1992 م. 50 - المعجم الأدبي، جبور عبد النور، بيروت، دار العلم للملايين، ط2، 1984 م. 51 - المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية، الدكتور: جميل صليبا، بيروت: دار الكتاب اللبناني، ط1، 1973 م. 52 - مقومات التصور الإسلامي، محمد قطب، القاهرة: دار الشروق، ط3، 1403 هـ / 1983 م. 53 - منازع الفكر الحديث، جود، نقله إلى العربيه: عباس فضلي، راجع الترجمة الدكتور: عبد العزيز البسام، بغداد: مطبعة المجمع العلمي العراقي 1956 م. 54 - مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ديفيد ديتش، ترجمة الدكتور: محمد يوسف نجم، والدكتور: إحسان عباس، بيروت: دار صادر، 1967 م. 55 - مناهج النقد الأدبي، إنريك إندرسون إمبرت، ترجمة الدكتور: الطاهر أحمد مكي، القاهرة: دار المعارف، ط2، 1992 م. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 59 56 - المنظور الإسلامي للثقافة والتربية، دراسة في اجتماعيات التربية، الأستاذ الدكتور: محمد عبد العليم مرسي، الرياض: مكتبة العبيكان، ط1، 1417 هـ / 1996 م. 57 - المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي دراسة نقدية، عبد الفتاح محمد أحمد، بيروت: دار المناهل، ط1، 1408 هـ / 1987 م. 58 - منهج التربية الإسلامية، محمد قطب، ج1، بيروت: دار الشروق، ط6، 1402هـ/ 1982 م. 59 - الموجز في التحليل النفسي، سيجموند فرويد، ترجمه عن الألمانية: سامي محمود علي وعبد السلام القفاش، راجعه: مصطفى زيور، القاهرة: دار المعارف، ط2، 1970م. 60 - الموقف من الحداثة ومسائل أخرى، الدكتور: عبد الله الغذامي، جدة: مطابع دار البلاد، ط1، 1407 هـ / 1987 م. 61 - النقد الأدبي الحديث أصوله ومناهجه، سيد قطب، بيروت: دار الشروق، ط3، 1400 هـ / 1980 م 62 - النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته، الدكتور: أحمد كمال زكي، بيروت: دار النهضة العربية 1981 م 63 - النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، جاي لوي كابانس، ترجمة الدكتور: فهد عكام، دمشق: دار الفكر، ط1، 1402 هـ / 1982 م. 64 - النقد الأدبي ومدارسه الحديثة، ستانلي هايمن، ترجمة الدكتور: إحسان عباس والدكتور: محمد يوسف نجم، بيروت: دار الثقافة، 1981 م. --- الجزء: 10 ¦ الصفحة: 60 فضل أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه تأليف شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية النميري المتوفى سنة 728هـ تحقيق د. عبد العزيز بن محمد الفريح الأستاذ المساعد في كلية الحديث الجامعة الإسلامية ملخص البحث الحمد لله والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، أما بعد فقد تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في هذه الرسالة عن فضل أبي بكر الصديق وفضل علي رضي الله عنهما، وملخصها كما يلي: - إن هناك فرقا بين "الخصائص" التي لم يشارك فيها أحدهما الآخر، كثبوت الخلة لأبي بكر – رضي الله عنه – لو كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خليل، وكذلك أمره - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر – رضي الله عنه – أن يصلي بالناس مدة مرضه، من خصائصه التي لم يشركه فيها أحد. وكذلك تأميره له من المدينة على الحج إقامة للسنة ومحواً لأثر الجاهلية هو بين المناقب والفضائل التي هي مشتركة بينه وبين غيره. وكقوله - صلى الله عليه وسلم - في علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ((أنت مني وأنا منك)) ، وهذه العبارة قد قالها - صلى الله عليه وسلم - أيضا لجليبيب – رضي الله عنه – الذي قتل عدة من الكفار: ((هذا مني وأنه منه)) ، وكذلك قال - صلى الله عليه وسلم - للأشعريين: ((هم مني وأنا منهم)) . - لم يرد في حديث صحيح خصيصة لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه – امتاز بها على أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – وكل ما ورد فيه إما صحيح غير صريح أو صريح غير صحيح. - وردت أحاديث صحيحة في مناقب علي – رضي الله عنه – ومنها:- 1- ((أنت مني وأنا منك)) . 2- ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) . 3- ((لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) . فهذه الأحاديث صحيحة صريحة في فضله – رضي الله عنه – لكنها لا تدل على أنه أفضل الخلق؛ فإنه ثبتت مثل هذه العبارة والفضائل لغيره من الصحابة سواه – رضي الله عنهم أجمعين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 61 وقد وردت أحاديث كثيرة في فضائل أبي بكر – رضي الله عنه – ومنها ما امتاز بها على غيره وهي كثيرة، مما يدل على أنه أفضل هذه الأمة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. هذا – وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ عليه وعلى صحبه الهداة المهتدين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين. أما بعد: فإن الله جلَّ ثناؤه وتباركت أسماؤه قد أرسل محمداً - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الكفر والشرك إلى الإيمان والتوحيد فاستجاب له وآمن به قوم أشرق نور الإيمان في قلوبهم، فانجلت عنها ظلمة الشرك، فأبصروا الحق الذي دعاهم إليه. فما زال النبي - صلى الله عليه وسلم - يغذيهم بالقرآن والحكمة، ويزكيهم بالعمل حتى صار هذا الدين أعظم ما يكون في قلوبهم، وصار الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحبّ إليهم من آبائهم وأبنائهم وأموالهم بل وأنفسهم، فناصروه في دعوته وتحملوا معه في سبيل الله أقصى ما يمكن أن يتحمله بشر - غير الأنبياء - من أجل العقيدة، ذلك الجيل الربّاني الذي آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وآزره ونصره هم صحابته الكرام الذين اختصهم الله وشرفهم بصحبة نبيه وإقامة شرعه. كان مجتمعهم طرازا فريدا، ونسيجا وحيدا، هو أفضل المجتمعات وخيرها. شهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم خير القرون حيث قال: ((بُعثتُ من خير قُرُون بني آدم، قَرْناً فقرْناً، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه)) ( [1] ) . وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبِقُ شهادةُ أحدِهِم يمينه، ويَمينُه شَهادتَه)) ( [2] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 62 وأفضل هذا المجتمع الفريد، الذين هم أفضل أتباع الأنبياء أبو بكر الصديق - رضي الله عنه. فقد أخرج البخاري من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كنّا نُخيِّر بين الناس في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فنُخَيِّر أبا بكر، ثم عُمرَ بن الخطاب، ثُمّ عُثمان ابن عفَّان - رضي الله عنهم ( [3] ) . وأخرج البخاري من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لو كنتُ مُتّخِذاً من أُمَّتي خليلا لاتَّخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي)) ( [4] ) . وأخرج البخاري من حديث محمد بن الحَنَفِيِّة قال: قُلتُ لأبي: أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: ((أبو بكر)) قلت: ((ثم من)) ؟ قال: ((ثم عمر)) وخشيت أن يقولَ عُثمان، قلت: ((ثُمَّ أنت)) ؟ قال: ((ما أنا إلا رجل من المسلمين)) ( [5] ) . وفي هذه الرسالة أبان شيخ الإسلام بن تيمية فضل أبي بكر على من سواه، بأسلوب علمي رصين وحجج واضحة بينة، رحمه الله تعالى. وقد سرت في تحقيق هذه الرسالة على النحو الآتي: الفصل الأول: الدراسة، وتشمل على: 1- اسم المصنف ونسبه. 5- شيوخه وتلاميذه. 2- ولادته ونشأته وأسرته. 6- كتبه. 3- صفاته، وشجاعته وكرمه. 7- وفاته. 4- تعبّده وزهده وورعه. 8- وصف النسخة الخطية. اسمه ونسبه: هو شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر ابن محمد ابن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية النميري، الحراني ( [6] ) . فهو ينتسب إلى قبيلة عربية قيسية، من بني نُمَيْر بن عامر بن صعصعة من قيس عيلان بن مُضر ( [7] ) . وقيل: من بني سليم بن منصور من قيس عيلان بن مضر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 63 قال التجيبي في برنامجه: ((جزء لطيف منتقى من حديث أيوب.. قرأت جميعه بمدرسة القصاعين من دمشق على الإمام العالم الحافظ أعجوبة الزمان في حفظ المتون والأسانيد وأقوال العلماء وفقه السلف الماضين تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام السُّلَمي الحراني المعروف بابن تيمية نفع الله به)) ( [8] ) . ولادته، ونشأته وأسرته: وُلد شيخ الإسلام يوم الاثنين العاشر من ربيع الأول، وقيل: ثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى وستين وست مئة (661هـ) في حران ( [9] ) – وهي بلدة في الجزيرة بين العراق والشام ( [10] ) ، وهي جنوب شرق تركيا الآن. وقد عاش الشيخ في مسقط رأسه إلى أن بلغ سبع سنين ( [11] ) ، ثم تحول مع أهله وأسرته إلى دمشق سنة سبع وستين وست مئة (667هـ) بسبب جور التتار، فساروا بالليل، ومعهم الكتب على عجلة ( [12] ) لعدم الدواب، فإن العدوّ ما تركوا في البلد دواب سوى بقر الحرث، وكلّت البقر من ثقل العجلة، فوقفت، فكاد العدو أن يلحقهم فابتهلوا إلى الله واستغاثوا به، فسارت البقر بالعجلة، فنجوا وسلموا ( [13] ) . جده أبو البركات مجد الدين عبد السلام، كان فقيها محدثا أصوليا نحويا من العلماء الأعلام ( [14] ) . ووالده: شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام من العلماء الأفاضل، كان مفتياً، وله كرسي بجامع دمشق، وولي مشيخة دار الحديث السكريّة ( [15] ) . وأخوه عبد الرحمن بن عبد الحليم؛ كان خيراً دينا حبس نفسه مع الشيخ في الاسكندرية، وكان معظما للشيخ، ويهابه ( [16] ) . وله أخ آخر هو شرف الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الحليم، كان حافظاً زاهداً مجاهداً عابداً ورعاً، بارعا في الفقه، مستحضرا لتراجم السلف ووفياتهم، كثير العبادة والتأله ( [17] ) . صفاته، وشجاعته وكرمه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 64 يقول الذهبي - رحمه الله -: ((كان الشيخ أبيض، أسود الرأس واللحية، قليل الشيب، كأن عينيه لسانان ناطقان، ربعة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، جهوريّ الصوت، سريع القراءة، تعتريه حدة، ثم يقهرها بحلم وصفح، وإليه كان المنتهى في فرط الشجاعة، والسماحة، وقوة الذكاء، ولم أر مثله في ابتهاله، واستغاثته بالله، وكثرة توجهه ... )) ( [18] ) . وقال البزّار: ((وكان - رضي الله عنه - من أشجع الناس، وأقواهم قلبا، ما رأيت أحدا أثبت جأشا منه، ولا أعظم غناء في جهاد العدو منه، كان يُجاهد في سبيل الله بقلبه، ولسانه ويده لا يخاف في الله لومة لائم)) ( [19] ) . وقال: ((كان مجبولا على الكرم لا يتطبّعه ولا يتصنعه، بل هو له سجية، وكان لا يردّ من يسأله شيئا يقدر عليه من دراهم ولا دنانير، ولا ثياب ولا كتب)) ( [20] ) . تعبده وزهده وورعه كان شيخ الإسلام بن تيمية من أعبد الناس وأتقاهم لله، وكان ملازما لعبادته، وتلاوة كتابه الكريم، آناء الليل وأطراف النهار. يقول البزّار: ((أما تعبده - رضي الله عنه - فإنه قلّ أن سُمع بمثله، لأنه كان قد قطع جُلّ وقته وزمانه فيه، حتى إنه لم يجعل لنفسه شاغِلة تشغله عن الله تعالى، ما يُراد له لا من أهل ولا من مال. وكان في ليلة متفرّدا عن الناس كلهم، خاليا بربّه عزّ وجل، ضارعا مواظبا على تلاوة القرآن العظيم، مكرّرا لأنواع التعبدات الليلية والنهارية ... )) ( [21] ) . وقال: ((أما زهده في الدنيا ومتاعها؛ فإن الله تعالى جعل ذلك له شعارا من صِغَره. ولقد اتفق كلّ مَن رآه، خصوصا مَن أطال ملازمته، أنه ما رأى مثله في الزهد في الدنيا، حتى لقد صار ذلك مشهورا، بحيث قد استقرّ في قلب القريب والبعيد من كل من سمع بصفاته على وجهها ... )) ( [22] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 65 وكان - رحمه الله - في الغاية التي ينتهى إليها في الورع؛ لأن الله تعالى أجراه مدة عمره كلها عليه؛ فإنه ما خالط الناس في بَيْع ولا شراء ولا معاملة، ولا تجارة، ولا مشاركة، ولا زراعة، ولا كان مُدّخِرا دينارا ولا درهما ولا متاعا، وإنما كان بضاعته مُدّة حياته وميراثه بعد وفاته، العلمُ اقتداء بسيّد المرسلين، وخاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم - ( [23] ) . شيوخه تلقى ابن تيمية رحمه الله العلم عن أعلام من علماء عصره، ساعده على ذلك اشتغاله بالعلم صغيرا، وحبه وشغفه فيه، ونهمه المتواصل على الاستفادة منهم؛ حتى قيل: إنه سمع من أكثر من مئتي شيخ. ومن هؤلاء العلماء: ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، والكمال ابن عبد، والمجد بن عساكر، وأصحاب الخشوعي، وأحمد بن شيبان، والقاسم الأرْبَلي، وخلق كثير ( [24] ) . تلاميذه كان لشغف شيخ الإسلام بالعلم ومحبته له، وهمته العالية في تتبع العلماء والأخذ عنهم أثرٌ بالغ في جعله من أوعية العلم؛ ورائدا من رواده، فاشتهر أمره وبَعُد صيته، واتصل به كثير من ذوي الهمم العالية من كل بلاد الإسلام. ومن هؤلاء الجلة: الإمام المحدث الفقيه أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الزُّرعي المعروف بابن قيم الجوزية، والإمام الحافظ الناقد مؤرخ الإسلام: أبو عبد الله محمد ابن أحمد الذهبي، والإمام المفسر المؤرخ: أبو الفداء ابن كثير الدمشقي، والإمام الحافظ: أحمد بن محمد بن عبد الهادي ( [25] ) . مؤلفاته كان لدى شيخ الإسلام بن تيمية مثابرة عظيمة لتأليف الكتب في مختلف العلوم والفنون، وجعل الله في مؤلفاته الخير والبركة، فتلقاها الناس بالقبول، وحرصوا على اقتنائها؛ لما اشتملت عليه من فوائد عظيمة مستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وقد أوصل بعض من ترجم له مؤلفاته إلى أكثر من خمس مئة مجلّد. قال الذهبي: وما أبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمس مئة مجلد ( [26] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 66 وقال: وسارت بتصانيفه الركبان، ولعلها ثلاث مئة مجلد ( [27] ) . وقال تلميذه البزار: ((وأما مؤلفاته ومصنفاته فإنها أكثر من أن أقدر على إحصائها، أو يحضرني جملة أسمائها، بل هذا لا يقدر عليه غالبا أحد؛ لأنها كثيرة جدا، كبارا وصِغارا)) ( [28] ) . وقد حاول بعض تلاميذه إحصاءها كالبزار في "الأعلام العلية" ( [29] ) وابن عبد الهادي في "العقود الدرية" ( [30] ) وابن القيم في رسالة خاصة ذكر فيها: واحدا وأربعين وثلاث مئة ( [31] ) من مؤلفات شيخ الإسلام. ومن هذه المؤلفات النفيسة: 1- درء تعارض العقل والنقل. 2- اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أهل الجحيم. 3- الصارم المسلول على شاتم الرسول. 4- الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح. 5- منهاج السنة النبوية في نقد كلام الشيعة والقدرية. 6- الاستقامة. وغيرها من الكتب النافعة المباركة. وفاته بعد حياة حافلة بالتعلم والتعليم والتأليف وجهاد بالقلب واللسان واليد لنصرة الدين وإعلاء كلمة الله توفي رحمه الله في العشرين من ذي القعدة في بُكرة ذلك اليوم، وذلك سنة ثمانٍ وعشرين وسبع مئة ( [32] ) . وكان مسجونا في قلعة دمشق رحمه الله تعالى رحمة واسعة ( [33] ) . وصف النسخة الخطية هذه النسخة محفوظة في مركز مخطوطات المكتبة المركزية في الجامعة الإسلامية تحت رقم 2385/4، وهي مصورة عن الأصل المخطوط في دار الكتب المصرية في القاهرة، وهذه الرسالة ضمن مجموع فيه مؤلفات لعدد من العلماء، وليس فيه لشيخ الإسلام إلا هذه الرسالة. اسم الكتاب: يوجد في فهارس المخطوطات في الجامعة الإسلامية هذا الاسم: ((الرد على سؤال عن تفضيل علي على الخلفاء الراشدين)) . وليس هذا الاسم من وضع المصنف، وإنما هو مستل من السؤال الوارد لشيخ الإسلام بن تيمية. وقد وضعت لهذا السؤال عنوانا وهو: "فضل أبي بكر" لأن الجواب يدور حول تفضيل أبي بكر على عليّ، وليس فيه ذكر لغيره من الخلفاء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 67 ويوجد في فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية التي جمعها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم 4/414 جواب لهذا السؤال ولكنه مختصر. نسبة الكتاب للمؤلف: ليس ثمة ما يوجب الشك بأن هذه النسخة من تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنه يوجد في الأصل المخطوط: سئل شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن الشيخ مجد الدين بن عبد السلام ابن تيمية. عدد أوراقها ومسطرتها: تقع هذه النسخة في سبع أوراق ذات وجهين، تبدأ من أول [136/أ] وتنتهي في أواخر [142/ب] . ويحتوي كل وجه على ستة عشر سطرا، وعدد كلمات كل سطر ثلاث عشرة كلمة تقريبا، وخطها مشرقي؛ وناسخها: صالح بن أحمد بن عبد القادر. وعلى حاشية هذه النسخة إلحاقات لما سقط أثناء النسخ بخط الناسخ، وهذا فيه دليل على عناية الناسخ بها؛ وذلك بمراجعتها وقراءتها ( [34] ) مرة ثانية. إلا أن فيها بعض الأخطاء النحوية والإملائية، وفي النسخة سقط يسير لبعض الكلمات المعلومة من السياق ( [35] ) . وبداية هذه النسخة ونهايتها: ((بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي [إلا بالله] سئل الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن الشيخ مجد الدين عبد السلام ... تمت وبالخير عمت على يد أفقر عباد الله وأحوجهم إليه مغفرة صالح ابن أحمد بن عبد القادر غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات)) . منهج ابن تيمية – رحمه الله – المنهج الذي توخى السير عليه شيخ الإسلام فهو كما يأتي: 1- أورد الخصائص والفضائل التي اختص بها أبو بكر – رضي الله عنه – مدعما بالأدلة الصحيحة الصريحة التي تبيّن أنه لم يكن في الصحابة من يساريه. 2- أورد الأحاديث التي وردت في فضل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – وبيّن أنها مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة. 3- تعقب – رحمه الله – بعض الأحاديث التي استدل بها أهل الأهواء وبيّن أنها ليست ناهضة للاستدلال، ثم قام بتصويباته النفسية علميا، ونقدها تأريخيا وحديثيا نقدا رصينا. النص المحقق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 68 بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي [إلا بالله] ( [36] ) سئل الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن الشيخ مجد الدين عبد السلام ابن تيمية - رحمهم [الله] ( [37] ) تعالى - عن رجل شريف متمسك بالسنة لكنه يحصل له أحيانا ريبة في تفضيل أبي بكر ( [38] ) وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- فيغلب على ظنه أن علياً - رضي الله عنه - أفضل منهم، ويستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنت مني وأنا منك)) ( [39] ) . وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) ( [40] ) وهارون كان من موسى بمنزلة رفيعة ولم يكن عنده أعز منه. وبقوله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر ( [41] ) : ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويُحِبُّه الله ورسوله يفتح الله على يده)) فأعطاها لعلي ( [42] ) . وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه ( [43] ) ، وعادِ من عاداه، وأدر الحق معه كيفما دار)) ( [44] ) . وبقوله يوم غدير خم ( [45] ) : ((أُذكركم الله في أهل بيتي)) ( [46] ) . وبقوله تعالى: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية [آل عمران 61] ، وبقوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} ( [47] ) [الحج 19] وبقوله سبحانه: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا} [الإنسان 1] ، ويزعم أن هذه السورة نزلت في علي - رضي الله عنه - أفتونا. الحمد لله [1/أ] رب العالمين. يجب أن نعلم أولاً أن التفضيل إنما يكون إذا ثبت للفاضل من الخصائص ما لا يوجد للمفضول، فإذا استويا في أسباب الفضل وانفرد أحدهما بخصائص لم يشركه فيها الآخر كان أفضل منه، وأمّا ما كان مشتركا بين الرجل وغيره من المحاسن فتلك مناقب وفضائل ومآثر لكن لا توجب تفضيله على غيره، وإذا كانت مشتركة فليست من خصائصه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 69 وإذا كانت كذلك ففضائل الصديق - رضي الله عنه - الذي ميّز بها خصائص لم يشركه فيها أحد، وأما فضائل علي - رضي الله عنه - فمشتركة بينه وبين الناس غيره. وذلك أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا، لا تبقين في المسجد خوخة ( [48] ) إلا سدت إلا خوخة أبي بكر، إن أمنّ الناس عليَّ في صحبته لي وذات يده أبو بكر)) ( [49] ) ، أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي سعيد ( [50] ) ( [51] ) ، وقصة الخلة في الصحيح من وجوه متعددة ( [52] ) . وهذا الحديث فيه ثلاث خصائص لم يشرك أبا بكر فيها غيره: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أمنّ الناس علينا في صُحبته وذات يده أبو بكر)) بيّن فيه أنه ليس لأحد من الصحابة عليه من حق في صحبته وماله مثل ما لأبي بكر رضي الله عنه. الثاني: [1/ب] قوله: ((لا تبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر)) ، وهذا تخصيصٌ له دون سائر الصحابة، وقد أراد بعض الكذابين أن يروي لعلي - رضي الله عنه - مثل ذلك، لكن الصحيح الثابت لا يعارض بالضعيف الموضوع ( [53] ) . الثالث: قوله: ((لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا)) فإنه نص أنه لا أحد ( [54] ) من البشر يستحق الخلة لو كانت ممكنة إلا أبو بكر، ولو كان غيره أفضل منه لكان أحق بالخلة لو كانت واقعة. وكذلك أمره لأبي بكر أن يُصَلِّي ( [55] ) بالناس ( [56] ) مدة مرضه من خصائصه التي لم يشركه فيها أحد، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته أن تصلي خلف أحد في حياته بحضرته إلا خلف أبي بكر ( [57] ) . وكذلك تأميره له من المدينة على الحج ليقيم السنة ويمحو أثر الجاهلية، فإن هذا من خصائصه ( [58] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 70 وكذلك قوله في الحديث الصحيح: ((أُدع لي أباك أو أخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي)) ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) ( [59] ) وأمثال هذه الأحاديث كثيرة ( [60] ) تبين أنه لم يكن في الصحابة من يساويه. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنت مني وأنا منك)) ( [61] ) فهذه العبارة قد قالها لغيره من المؤمنين، كما قالها -[عليه الصلاة و] ( [62] ) السلام - لجليبيب ( [63] ) الذي قتل عدة من الكفار: ((هذا مني وأنا منه)) ( [64] ) . وفي الصحيحين: ((إن الأشعريين ( [65] ) إذا كانوا في السفر ونقصت نفقة [2/أ] عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد ثم قسموه بينهم بالسويّة؛ هم مني وأنا منهم)) ( [66] ) ، فقد جعل الأشعريين أبا موسى ( [67] ) وأبا عامر ( [68] ) وغيرهما منه وهو منهم، كما قال لعلي: ((أنت مني وأنا منك)) ( [69] ) . وقال تعالى: {والذين ءامنوا من بعدُ وهاجروا وجهدوا معكم فأولئك منكم} [الأنفال 75] وقال تعالى: {ألم تَرَ إلى الذين تولَّوا قوماً غضب اللهُ عليهم ما هم منكم ولا منهم} [المجادلة 14] وقال تعالى: {ويحلِفون بالله إنَّهم لمنكم وما هم منكم} [التوبة 56] . وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا)) ( [70] ) ونحو ذلك، وهذا يقتضي أن السليم من هذه الكبائر يكون منا، وهذه العبارة تستعمل في النوع الواحد فيقال: هذا من هذا، إذا كان من نوعه، فكل من كان من المؤمنين الكاملين الإيمان فهو من النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي منه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 71 وقوله - صلى الله عليه وسلم - في قصة بنت حمزة: ((أنت مني وأنا منك)) ( [71] ) . وكقوله لزيد ابن حارثة ( [72] ) : ((أنت أخونا ومولانا)) ( [73] ) ، ومعلوم أن هذا ليس مختصا بزيد بل كل من كان من مواليه يطلق عليه هذا الكلام لقوله تعالى: {فإن لم تَعلموا ءاباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} [الأحزاب 5] فكذلك قوله لعلي: ((أنت مني وأنا منك)) ( [74] ) وليس ذلك من خصائصه، بل من كان موافقاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - في كمال الإيمان كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي منه. وكذلك قوله: ((لأعطين [2/ب] الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله)) هو من أصح الأحاديث وهو أصح حديث روي في فضائل علي - رضي الله عنه - أخرجاه في الصحيحين ( [75] ) ، وقد زاد فيه بعض الكذابين: ((إن الراية أخذها أبو بكر وعمر فهربا)) ( [76] ) . وفي الصحيح أنه لما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لأعطين الراية رجلا)) قال عمر: ((ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ)) ( [77] ) ، واستشرف لها عمر وغيره، ولو جاء منهزماً لما استشرف لها، فهذا الحديث رد على الناصبة الواقعين في علي - رضي الله عنه - تباً لهم؛ فإنه مؤمن تقي يحب الله ورسوله، [ويحبه الله ورسوله] ( [78] ) ، ولكن ليس هذا من خصائصه، بل كل مؤمن كامل الإيمان يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وقد قال تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [المائدة 54] وهؤلاء الذين قاتلوا أهل الردة وإمامهم أبو بكر - رضي الله عنه - وفي الصحيح أنه قال - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: ((والله إني لأحبكم)) ( [79] ) . وفي الصحيح أن عمرو بن العاص ( [80] ) سأله: أي الناس أحبّ إليك؟ قال: ((عائشة)) قال: فمن الرجال؟ قال: ((أبوها)) . وهذا فيه أن أبا بكر أحبّ الرجال إليه، وهذا من خصائصه رضي الله عنه ( [81] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 72 وكان أسامة بن زيد ( [82] ) يسمى الحبّ ابن الحبّ لحبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - له ولأبيه ( [83] ) . وأمثال هذه النصوص التي تبين أنه ليس كل شخص عرف أنه يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يجب أن يكون أفضل الخلق؛ فإن هذا الوصف ثابت لخلائق [3/أ] كثيرين، فليس هذا من خصائص الشخص المعين. وأما قوله: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) ( [84] ) فحديث صحيح، وهذا قاله في غزوة تبوك ( [85] ) لما استخلفه على المدينة فطعن الناس فيه وقالوا: إنما استخلفه لأنه يبغضه ( [86] ) ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من المدينة استخلف عليها رجلاً من أمته، وكان يكون بها رجال من المؤمنين يستخلفه عليهم، فلما كان عام تبوك لم يأذن لأحد من المؤمنين القادرين في التخلف، فلم يتخلف أحد بلا عذرٍ إلا عاص لله ورسوله، فكان ذلك استخلافا ضعيفا، فطعن فيه المنافقون بهذا السبب، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أني لم استخلفك لنقص قدرك عندي فإن موسى استخلف هارون وهو شريكه في الرسالة، أفما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى فتخلفني في أهلي كما خلف هارون أخاه موسى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 73 ومعلوم أنه استخلف غيره ( [87] ) قبله، وكان أولئك منه بهذه ( [88] ) المنزلة، فلم يكن هذا من خصائصه. ولو كان هذا الاستخلاف أفضل من غيره لم يخف ذلك على علي - رضي الله عنه - ولم يخرج إليه وهو يبكي ( [89] ) ويقول: ((أتخلفني في النساء والصبيان)) . ومما بين ذلك أنه بعد هذا الاستخلاف أمّر عليه أبا بكر عام تسع، فإن هذا الاستخلاف كان في غزوة تبوك في أوائلها، فلما رجع من الغزو وأمّر [3/ب] أبا بكر ( [90] ) على الحج ثم أردفه بعلي فلما لحقه قال: ((أميرٌ أو مأمور)) قال: ((بل مأمور)) ( [91] ) ، فكان أبو بكر يصلي بعلي وغيره، ويأمر عَلَى علي وغيره من الصحابة يُطيعون أبا بكر، وعلي يتعاطى نبذ العهود التي كانت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين، لأن العادة كانت جارية أنه لا يعقد العقود ولا يحلها إلا رجل من أهل بيته، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يبلغ عني العهد إلا رجل من أهل بيتي)) ( [92] ) للعادة الجارية. ولم يكن هذا من خصائص علي - رضي الله عنه - بل أي رجل من عترته نبذ العهد حصل به المقصود، لكن علي أفضل بني هاشم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أحق بالتقديم من سائر الأقارب، فلما أُمر أبو بكر عليه بعد قوله: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) علمنا أنه لا دلالة في ذلك على أنه بمنزلة هارون من كل وجه؛ إذ لو كان كذلك لم يُقدَّم عليه أبو بكر لا في الحج ولا في الصلاة كما أن هارون لم يكن موسى يقدِّم عليه غيره، وإنما شبهه به في الاستخلاف خاصّة، وهذا أمر مشترك بينه وبين غيره. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 74 وقد شبّه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح أبا بكر بإبراهيم وعيسى، وشبّه عمر بنوح وموسى ( [93] ) ، لما أشارا عليه في أسارى بدرٍ: هذا بالفدى وهذا بالقتل. وهذا أعظم من تشبيه علي بهارون، ولم يوجب ذلك أن يكونا بمنزلة أولئك الرسل مطلقا، ولكن تشابها بالرسل: هذا في [لينه في الله وهذا] ( [94] ) [4/أ] في شدته في الله، وتشبيه الشيء بالشيء لمشابهته به من بعض الوجوه كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب. وأما قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه كيفما دار)) ( [95] ) . فهذا الحديث ليس في شيء من الأمهات إلا في الترمذي ( [96] ) وليس فيه إلا: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) ( [97] ) وأما الزيادة فليست في الحديث، وقد سئل عنها الإمام أحمد - رحمه الله - فقال: ((الزيادة كوفية)) ( [98] ) . ولا ريب أنها كذب لوجوه: أحدها: أن الحق لا يدور مع شخص معين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لا مع أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي - رضي الله عنهم –؛ لأنه لو كان كذلك كان بمنزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - يجب اتباعه في كل ما يقوله، ومعلوم أن عليا كان ينازعه أصحابه وأتباعه في مسائل كثيرة ولا يرجعون فيها إلى قوله، بل فيها مسائل وجد فيها نصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - توافق قول من نازعه، كالمتوفى عنها زوجها وهي حامل، فإن عليا – رضي الله عنه – أفتى أنها تعتد أبعد الأجلين ( [99] ) ، وعمر وابن مسعود ( [100] ) – رضي الله عنهما – وغيرهما أفتوا بأنها تعتد بوضع الحمل ( [101] ) ، وبهذا جاءت السنة ( [102] ) . وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - - وكان أبو السنابل ( [103] ) يفتي بمثل قول علي - رضي الله عنه - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [4/ب] ((كذب أبو السنابل قد حللت فانكحي)) ( [104] ) قوله لسبيعة الأسلمية ( [105] ) لما سألته عن ذلك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 75 وقوله: ((اللهم انصُر من نصره، واخذل من خذله)) خلاف الواقع؛ فإن الواقع ( [106] ) ليس كذلك، بل قاتل معه أقوام يوم صفين فما انتصروا ( [107] ) ، وأقوام لم يقاتلوا معه فما خذلوا كسعد ابن أبي وقاص ( [108] ) الذي فتح العراق لم يقاتل معه، وكذلك أصحاب معاوية ( [109] ) وبني أمية ( [110] ) الذين قاتلوه فتحوا ( [111] ) كثيرا من بلاد الكفار ونصرهم الله تعالى. وكذلك قوله: ((والِ من والاه، وعادِ من عاداه)) مخالف لأصول الإسلام؛ فإن القرآن قد بين أن المؤمنين مع اقتتالهم وبغي بعضهم على بعض هم إخوة مؤمنون كما قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحبُّ المقسطين. إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات 9، 10] فكيف يجوز أن يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للواحد من أمته: ((اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه)) ( [112] ) والله تعالى قد أخبر أنه ولي المؤمنين والمؤمنون أولياؤه وأن بعضهم أولياء بعض، وأنهم إخوة وإن اقتتلوا وبغى بعضهم على بعض. وأما قوله: ((من كنت [5/أ] مولاه فعليٌّ مولاه)) ففي علماء الحديث من طعن فيه كالبخاري ( [113] ) وغيره، ومنهم من حسنه كأحمد بن حنبل والترمذي وغيرهما. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 76 فإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال ذلك أراد به ولاية يختص بها أو لم يرد به إلا الولاية [المشتركة وهي ولاية الإيمان التي جعلها الله بين المؤمنين. وتبين] ( [114] ) بهذا أن عليا - رضي الله عنه - من المؤمنين المتقين الذين ( [115] ) يجب موالاتهم ليس كما تقول النواصب أنه لا يستحق الموالاة، والموالاة ضد المعاداة ولا ريب أنه يجب موالاة جميع المؤمنين، وعلي من سادات المؤمنين كما يجب موالاة أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم - ولا يجوز معاداة أحد من هؤلاء، ومن لم يوالهم فقد عصى الله ورسوله ونقص إيمانه بقدر ما ترك من موالاتهم الواجبة، وقد قال تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون. ومن يتولَّ الله ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [المائدة 55، 56] وهذه موجبة لموالاة جميع المؤمنين. وحديث التصدق بالخاتم في الصلاة كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة، وذلك مبين من وجوه كثيرة مبسوطة في غير هذا الموضع ( [116] ) . وأما قوله في يوم غدير خم: ((أذكركم بالله في أهل بيتي)) فهذا حديث رواه مسلم ( [117] ) ، وليس هذا من خصائص علي بل هو مساوٍ لجميع أهل البيت [5/ب] : علي وجعفر وعقيل وآل العباس، وأبعد الناس عن هذه الوصيّة الرافضة؛ فإنهم من شؤمهم يعادون العباس وذريته، بل يعادون جمهور أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعينون الكفار عليهم، كما أعانوا التتار على الخلفاء من بني العباس، فهم يعاونون الكفار ويعادون أهل البيت، وأما أهل السنة فيعرفون حقوق أهل البيت ويحبونهم ويوالونهم ويلعنون من ينصب لهم العداوة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 77 وأما آية المباهلة [عمران 61] فليست أيضاً من خصائصه - رضي الله عنه - بل قد دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين كما رواه مسلم ( [118] ) ، ودعوتهم لم تكن لأنهم أفضل أمته بل لأنهم أخص أهل بيته. كما روى مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدى زكاة علي وفاطمة والحسن والحسين وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)) ( [119] ) فدعا لهم دعوة خصهم بها. ولما كانت المباهلة بالنساء والأبناء والأنفس ودعا هؤلاء، ولفظ الأنفس يعبّر بها عن النوع الواحد كما قال تعالى: {لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنت بأنفسهم خيرا} [النور 12] يعني عامة وقال تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} [البقرة 54] أي يقتل بعضكم بعضا. وهذا مثل قوله: ((أنت مني وأنا منك)) ليس المراد أنه من ذاته، ولا ريب أن أعظم الناس قدرا من الأقارب هو علي - رضي الله عنه - فله مزية القرابة والإيمان ما لا يوجد [6/أ] لبقيّة القرابة والصحابة فدخل بذلك في المباهلة، وذلك لا يمنع أن يكون في غير الأقارب من هو أفضل منه؛ لأن المباهلة وقعت بالأقارب، فلهذا لم يباهل بأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - ونحوهم. وأما قوله تعالى: {هذان خصمانِ اختصموا في ربهم} [الحج 19] ففي الصحيح عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنها نزلت في المختصمين يوم بدر، وأول من برز من المؤمنين علي وحمزة وعبيدة بن الحارث - رضي الله عنهم - برزوا لعتبة وشيبة والوليد بن عتبة ( [120] ) . وهذه فضيلة مشتركة أيضاً بين علي وحمزة وعبيدة بن الحارث، بل سائر البدريين يشاركونهم في هذه الخصومة، ولو قدر أنها نزلت في الستة ( [121] ) المبارزين ( [122] ) فلا يدل على أنهم أفضل من غيرهم، بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والحسن والحسين وأبا بكر ( [123] ) وعمر وعثمان [وغيرهم] ( [124] ) ممن هو أفضل من عُبيدة ابن الحارث باتفاق أهل السنة ( [125] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 78 فهذه منقبة لهم وفضيلة، وليست من الخصائص التي توجب كون صاحبها أفضل من غيره. وأما سورة {هل أتى} ( [126] ) وقول من يقول: إنها نزلت لما تصدقوا على مسكين ويتيم وأسير، ويذكرون أن ذلك كان لما تصدقت فاطمة - رضي الله عنها - بقوت الحسن [6/ب] والحسين. وهذا كذب؛ لأن سورة {هل أتى} مكية بالإجماع، والحسنين إنما ولدا بالمدينة بعد غزوة بدر باتفاق أهل العلم، وبتقدير صحتها ( [127] ) فليس هذا ما يدل على أن من أطعم مسكينا ويتيما وأسيرا كان أفضل الأمة وأفضل الصحابة، بل الآية عامة مشتركة بين كل من فعل هذا الفعل، وهي تدل على استحقاقه لثواب الله تعالى على هذا العمل وغيره من الأعمال كالإيمان بالله والصلاة في مواقيتها والجهاد في سبيل الله تعالى أفضل من هذا العمل بالإجماع ( [128] ) . وهذا جواب هذه المسائل والله تعالى أعلم. واعلم أن كل ما يظن أن فيه دلالة على فضيلة غير أبي بكر ( [129] ) إما أن يكون كذبا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإما أن يكون لفظا محتملا لا دلالة فيه، وأما النصوص المفصلة [لأبي بكر] ( [130] ) فصريحة ( [131] ) مع دلائل أخرى من القرآن والإجماع والاعتبار والاستدلال والله أعلم. [سبب تسمية الرافضة] ( [132] ) وإنما سموا رافضة لأنهم رفضوا أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - ولم يرفضهما أحد من أهل الأهواء غيرهم، والشيعة دونهم وهم الذين يفضلون عليا ( [133] ) على عثمان - رضي الله عنهما - ويتولون أبا بكر وعمر، فأما الرافضة فلها غلو شديد في علي ذهب فيه ( [134] ) بعضهم مذهب النصارى في المسيح وهم السبابة ( [135] ) أصحاب عبد الله بن سبأ ( [136] ) ، وفيهم يقول الحميري: قوم غلو في علي [7/أ] لا أبا لهم وأجشموا أنفساً في حبه تعبا قالوا هو الله جل الله خالقنا من أن يكون ابن شيئاً أو يكون أبا وقد أحرقهم عليّ - رضي الله عنه - بالنار ( [137] ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 79 ومن الروافض المغيرة بن سعد مولى بجيلة ( [138] ) ، قال الأعمش ( [139] ) : دخلت على المغيرة بن سعد فسألته عن فضائل علي - رضي الله عنه – فقال لي: إنك لا تحتملها، قلت: بلى، فذكر آدم عليه السلام فقال: علي خير منه، ثم ذكر من دونه من الأنبياء عليهم السلام فقال: علي خير منهم، حتى انتهى إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال: علي مثله، فقلت: كذبت عليك لعنة الله، قال: قد أعلمتك أنك لا تحتمله. ومن الروافض من يزعم أن عليا في السحاب، فإذا أظلتهم سحابة قالوا: السلام عليك يا أبا الحسن، وقد ذكر [ذلك] ( [140] ) بعض الشعراء ( [141] ) : من الغَزّال منهم وابنِ باب ( [142] ) برئت من الخوارج لستُ منهم يَرُدّون السلام على السحابِ ومن قومٍ إذا ذكروا علياً وأعلم أن ذاكَ من الصواب ولكنّي أحبّ بكلّ قلبي به أرجو غدا حُسن الثواب ( [143] ) ( [144] ) رسول الله والصِّديق حقا ( [145] ) تمت وبالخير عمت على يد أفقر عباد الله وأحوجهم إليه مغفرة: صالح بن أحمد بن عبد القادر، غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات. الخاتمة: تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في هذه الرسالة القيمة وبيّن فيها أن الصديق – رضي الله عنه – أفضل الصحابة، بل أفضل هذه الأمة على الإطلاق بعد نبيها، لأنه جاءت في حقه أحاديث صحيحة صريحة لم يشركه فيها غيره من الصحابة وتميز بها؛ كثبوت الخلة لأبي بكر – رضي الله عنه – لو كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خليل، وكذلك أمره - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر أن يصلي بالناس مدة مرضه، وكذلك تأميره له على الحج سنة تسع من الهجرة. بينما غيره من الصحابة وردت في فضله أحاديث هي مشتركة بينه وبين غيره. فائدة: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 80 ويحسن بنا أن نختم هذه الرسالة القيمة بأثر جاء بسند صحيح وعلى لسان عليّ رضي الله عنه نفسه، وفيه ذكر فضائل الشيخين ومنزلتهما في الإسلام، فالمسألة قد حكم فيها صاحب الشأن، وفيه أن مسألة التفضيل لها جذور تاريخية قديمة، وأنها ليست مجرد تفضيل بل تستخدم من بعض أهل الأهواء للطعن في كبار الصحابة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما. فعن سويد بن غَفلة ( [146] ) قال: مررت بنفر من الشيعة وهم يتناولون أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - وينتقصونهما، قال: فدخلت على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقلت له: يا أمير المؤمنين إني مررت آنفا بنفر من أصحابك وهم يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما له من الأمر أهل، ولولا أنهم يرون أنك تضمر لهما بمثل ما أعلنوا ما اجتروا على ذلك، فقال علي: أعوذ بالله أن أُضمِر لهما إلا الحسن الجميل، لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل، أخوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحباه ووزيراه - رحمة الله عليهما - ثم نهض دامعا عيناه يبكي قابضا على يديّ حتى دخل المسجد، وصعد المنبر فجلس عليه متمكنا قابضا على لحيته ينظر فيها - وهي بيضاء - حتى اجتمع له الناس، ثم قام فتشهد بخطبة بليغة موجزة، ثم قال: ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش، وأبوي المسلمين بما أنا عنه متنزه وعما يقولون بريء وعلى ما يقولون معاقب، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا فاجر رديء؛ صحبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الوفاء والصدق، يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان، ولا يجاوزان رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى مثل رأيهما رأيا، ولا يحب كحبهما أحدا، مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهما راض، ومضيا والمؤمنون عنهما راضون، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر على صلاة المؤمنين فصلى بهم تسعة أيام في حياة رسول الله - الجزء: 10 ¦ الصفحة: 81 صلى الله عليه وسلم -، فلما قبض الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - واختار له ما عنده، ولاّه المؤمنون ذلك، ثم أعطوه البيعة طائعين غير كارهين، أنا أول من سن ذلك من بني عبد المطلب، وهو لذلك كاره، يود لو أن أحدنا كفاه ذلك، كان والله خير من بقي وأرحمه رحمة وأرأفه رأفة وأبينه ورعا وأقدمه سنا وإسلاما، شبهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بميكائل رحمة، وبإبراهيم عفوا ووقار، فسار بنا سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى مضى على ذلك - رحمة الله عليه -، ثم ولي الأمر بعده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - واستأمر المسلمين في ذلك، فمنهم من رضي ومنهم من كره فكنت فيمن رضي، فلم يفارق الدنيا حتى رضي من كان كرهه وأقام الأمر على منهاج النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه، يتبع آثارهما كاتباع الفصيل أثر أمه، كان والله رفيقا رحيما بالضعفاء والمؤمنين، عونا وناصرا للمظلومين على الظالمين، لا تأخذه في الله لومة لائم، ثم ضرب الله بالحق على لسانه، وجعل الصدق من شأنه حتى إن كنا لنظن أن ملكا ينطق على لسانه، أعز الله بإسلامه الإسلام، وجعل هجرته للدين قواما، ألقى الله له في قلوب المنافقين الرهبة، وفي قلوب المؤمنين المحبة، شبهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجبريل: فظا غليظا على الأعداء، وبنوح حنقا مغتاظا على الكفار، الضراء في طاعة الله آثر عنده من السراء في معصية الله. من لكم بمثلهما - رحمة الله عليهما - ورزقنا المضي على سبيلهما، فإنه لا يبلغ مبلغهما إلا باتباع آثارهما، والحب لهما، فمن أحبني فليحبهما ومن لم يحبهما فقد أبغضني وأنا منه بريء، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا أشد العقوبة، إنه لا ينبغي أن أعاقب قبل التقدم، ألا فمن أُتيت به يقول هذا بعد اليوم فإن عليه ما على المفتري، ألا وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق وعمر الفاروق، ثم الله أعلم بالخير أين هو، أقول قولي هذا ويغفر الله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 82 لي ولكم ( [147] ) . الهوامش والتعليقات --- ( [1] ) البخاري: الصحيح، كتاب المناقب 3/1305 رقم 3364. ( [2] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1335 رقم 3451. ( [3] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1337 رقم 3455. ( [4] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1338 رقم 3456. ( [5] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1342 رقم 3468. ( [6] ) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة 1/271. ( [7] ) ابن حزم: جمهرة أنساب العرب 275، وانظر: التبيان شرح بديعة البيان لابن ناصر، وكتاب الزيادات للربعي، والمدخل لبكر أبو زيد 1/532. ( [8] ) التجيبي: برنامج ص213، وص192. ( [9] (ابن عبد الهادي: العقود الدرية ص2،3، ابن رجب: ذيل طبقات الحنابلة 4/387. ( [10] ) ياقوت: معجم البلدان ص235. ( [11] ) الذهبي: معجم الشيوخ 1/56، ابن عبد الهادي: العقود ص3. ( [12] ) العَجَلة بالتحريك: الدَّوْلاب. لسان العرب 11/428. ( [13] ) ابن عبد الهادي: العقود ص2، والبزار: الأعلام العليّة ص16، ابن كثير: البداية والنهاية 14/142. ( [14] ) الذهبي: السير: 23/291، ابن رجب: ذيل طبقات الحنابلة 4/249. ( [15] ) ابن كثير: البداية والنهاية: 13/320. ( [16] ) ابن عبد الهادي: العقود ص272، والبزار: الأعلام العليّة ص56، 57. ( [17] ) ابن رجب: الذيل على طبقات الحنابلة 4/383. ( [18] ) ابن الوزير: العواصم والقواصم 5/262. ( [19] ) البزار: الأعلام العلية ص69. ( [20] ) المصدر المتقدم: ص65. ( [21] ) البزار: الأعلام العليّة ص38. ( [22] ) المصدر المتقدم: ص47، 48. ( [23] ) البزار: الأعلام العلية ص44. ( [24] ) ابن عبد الهادي: العقود ص3، الذهبي: معجم الشيوخ ص56. ( [25] ) الذهبي: معجم الشيوخ 1/56. ( [26] ) ابن عبد الهادي: العقود ص25. ( [27] ) الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/1497. ( [28] ) البزار: الأعلام العلية ص25. ( [29] ) البزار: الأعلام العلية ص26. ( [30] ) ابن عبد الهادي: ص26. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 83 ( [31] ) طبعت بتحقيق صلاح الدين المنجد. ( [32] ) البزار: الأعلام العلية: ص84. ( [33] ) ابن عبد الهادي: العقود ص361. ( [34] ) ق1/أ، 1/ب، 2/أ، 3/أ، 4/أ، 5/ب، 7/ب. ( [35] ) 1/أ، 2/أ، 4/أ، 6/ب، 7/أ. ( [36] ) ساقط من الأصل. ( [37] ) ساقط من الأصل. ( [38] ) في الأصل: ((أبا بكر)) . ( [39] ) البخاري: الصحيح، كتاب الصلح باب كيف يكتبُ: هذا ما صالح فلان بن فلان.. 2/960 رقم 2552 ورقم 4005. ( [40] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب مناقب علي 3/1359 رقم 3503 بلفظ: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) ، وباب غزوة تبوك رقم 4154 وفيه زيادة مفيدة. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1870 رقم 2404. ( [41] ) خيبر: لفظ خيبر بلسان اليهود الحصن، وصار يطلق هذا الاسم على الولاية وتشتمل على سبعة حصون ومزارع ونخيل كثيرة فتحها النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة سبع من الهجرة، وتقع شمال المدينة بحوالي 164 كيلا. انظر: معجم البلدان 2/409، مرويات غزوة خيبر ص8. ( [42] ) البخاري: الصحيح، كتاب المغازي باب غزوة خيبر /1542 رقم 3973. وهو بلفظ المصنف غير أنه قدم قوله: ((يفتح الله على يديه)) فجعله بعد قوله ((غدا رجلا)) . ( [43] ) قوله ((اللهم وال)) تكرر في الأصل، بعد قوله: ((والاه)) . ( [44] ) قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب 5/591 رقم 3713، من طريقين عن شعبة. وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال، ورجال الإسناد كلهم ثقات. وأخرجه إلى قوله: ((وعاد من عاداه، وانصر من نصره)) الإمام النسائي في خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بتخريج أبي إسحاق الحويني ص99، 100 رقم (95) قال المحقق: إسناده صحيح، وقد نقل عن ابن كثير في البداية والنهاية (5/210) قوله: ((وهذا إسناد جيد)) . وأخرج عبد الله ابن أحمد في زوائده على المسند (1/118) إلى قوله: ((واخذل من خذله)) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 84 قلت: وتمامه: ((اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)) وفي سنده: شريك بن عبد الله النخعي، وهو سيئ الحفظ، وعمرو ذي مر وهو مجهول. قال الحافظ ابن حجر: ((وأما حديث ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان)) اهـ. وقال الذهبي في السير (8/334، 335) : ((هذا حديث حسن ومتنه متواتر)) يعني به الشطر الأول منه فقط. وقد حسّن الشيخ الألباني - رحمه الله - الشطرين الأولين: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) ثم قال: ((وأما قوله في الطريق الخامسة من حديث علي رضي الله عنه: ((وانصر من نصره واخذل من خذله)) ففي ثبوته عندي وقفة لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث: ((اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) الصحيحة 4/343، 344 رقم (1750) . قلت: وقد تقدم أن الحديث بشطر ((وانصر من نصره)) أيضاً ورد بسند صحيح رجاله كلهم ثقات، أما قوله: ((واخذل من خذله)) فلم أقف عليه بسند صحيح إلا ما أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند (1/118) وفيه: شريك بن عبد الله القاضي النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيرا، وفيه أيضاً عمر بن ذي مر، وقد ترجمه البخاري في الكبير (3/2/329-330) وقال: ((لا يعرف)) وكذا قال العقيلي، وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول، ولذا فالحديث بهذه الزيادة ضعيف. والشطر الأخير: ((وأدر الحق معه كيفما دار)) فقد أخرجه الترمذي في جامعه (5/592) (3714) كتاب المناقب، باب مناقب علي رضي الله عنه بلفظ: ((اللهم أدر الحق معه حيث دار)) وقال: ((هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والمختار ابن نافع شيخ بصري كثير الغرائب)) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 85 وقال الحافظ في التقريب رقم 6525: ضعيف. قلت: فهذا الشطر ضعيف لم يثبت من وجه يصح. فيكون الحديث صحيحا إلى قوله: ((وانصر من نصره)) أما ما عدا ذلك وهو قوله: ((واخذل من خذله، وأدر الحق معه كيفما دار)) فلم يثبت. ( [45] ) غدير خم يعرف الآن باسم (الغُرَبَة) ، وهو غدير عليه نخل قليل لأناس من حرب، ويقع شرق الجحفة على ثمانية أكيال. معجم معالم الحجاز 3/159. ( [46] ) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1873 رقم 2408. ( [47] ) الآية في الأصل بالهامش بخط الناسخ. ( [48] ) الخوخة - بفتح الخاءين - باب صغير كالنافذة الكبيرة، وتكون بين بيتين ينصبُ عليها باب. النهاية 2/86. ( [49] ) البخاري: الصحيح، كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد 1/558 مع الفتح، رقم 466 و 467. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبو بكر الصديق 4/1854 رقم 2382 بلفظ - وهو أقرب لفظ للفظ المصنف -: ((إن أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر)) . وفي لفظ عنده من حديث عبد الله بن مسعود: ((لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا ... )) . مسلم: الصحيح رقم 2383. وفي رواية: ((لا تبقينّ في المسجد باب إلا سُدّ إلا باب أبي بكر)) . البخاري مع الفتح 1/558، رقم 466 كتاب الصلاة باب الخوخة والممر في المسجد. ( [50] ) سعد بن مالك أبو سعيد الخدري، الأنصاري، له ولأبيه صحبه، شهد ما بعد أحد، وتوفي بالمدينة سنة ثلاث وستين، وقيل أربع وستين. التقريب ص232. ( [51] ) البخاري: الصحيح، كتاب المساجد 1/177 رقم 454. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1854 رقم 2382. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 86 ( [52] ) من ذلك: ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - في صحيح البخاري، كتاب المساجد باب الخوخة والممر في المسجد 1/178، وفي فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كنت متخذا خليلا)) 3/1338، وعن عبد الله بن الزبير 3/1338 رقم 3458. ومسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1854، 1855 رقم 2382 و 2383 عن عبد الله ابن مسعود. ( [53] ) قال ابن الجوزي: طرقه كلها باطلة، وقال: هذه الأحاديث من وضع الرافضة قابلوا به حديث أبي بكر في الصحيح. (انظر: الفوائد المجموعة للشوكاني ص316) بينما يرى الحافظ ابن حجر في القول المسدد ص16-18 أن الأحاديث في هذا الباب صحيحة بل بمجموعها يقطع بصحتها. وقال عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في تعليقه على الفوائد المجموعة ص317 ما نصه: ((وتصدى الحافظ ابن حجر في القول المسدد والفتح للدفاع عن بعض روايات الكوفيين، وفي كلامه تسامح، والحق أنه لا تسلم رواية منها عن وهن)) . قلت: وأقرب هذه الروايات إلى الصحة ما رواه الإمام النسائي عن طريق شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبواب المسجد فسُدّت إلا باب علي رضي الله عنه. وإسناده صحيح. الخصائص ص50 (41) . وهو مخرج في جامع الترمذي 5/641 رقم 3732 كتاب المناقب باب مناقب علي. وينظر: مجمع الزوائد 9/114، 115، فضائل الصحابة 2/581 رقم 985. ( [54] ) في الأصل: ((أحدٌ)) وهو لحن؛ لأن (لا) نافية للجنس، وحينئذٍ يكون اسمها منصوباً، فالتنوين لعله من الناسخ. والله أعلم. ( [55] ) في الأصل ((يُصل)) وهو تحريف؛ وذلك أن الفعل منصوب فيقال ويكتب: (أن يُصَلِّيَ) ، فلعلها من الناسخ. والله أعلم. ( [56] ) في الأصل: ((في الناس)) . ( [57] ) البخاري: الصحيح، كتاب الجماعة والإمامة 1/240 رقم 646. مسلم: الصحيح، كتاب الصلاة 1/316 رقم 420. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 87 ( [58] ) البخاري: الصحيح، كتاب الحج 2/586 رقم 1543. مسلم: الصحيح، كتاب الحج 2/982 رقم 1447. ( [59] ) البخاري: الصحيح مع الفتح، كتاب الأحكام 13/205 رقم (7217) بلفظ: ((لقد هممت - أو: أردت - أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائل أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون)) . وهو عند مسلم بلفظ: ((ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بكر الصديق 4/1857 رقم2387. ( [60] ) ومنها حديث: ((ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر الصديق)) ذكر ذلك الناسخ في الهامش بخطه. قلت: أخرجه بنحوه أحمد في فضائل الصحابة 1/352 رقم 508، وإسناده ضعيف لتدليس ابن جريج، وفيه أبو بكر لم أعرفه. وأخرجه عبد بن حميد في المنتخب 1/217 رقم 212، وفي إسناده أبو سعيد البكري لم أعرفه، وابن جريج وقد دلس. ( [61] ) البخاري: الصحيح، كتاب الصلح 2/960 رقم 2552، وقد تقدم، تخريجه ص19. ( [62] ) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. ( [63] ) قال الحافظ: غير منسوب، (الإصابة 1/253 رقم 1175) . ( [64] ) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل جلبيب رضي الله عنه 4/1918 رقم 2472 بلفظ: ((قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه..)) الحديث. وهو مخرج في سنن النسائي الكبرى أيضاً. ( [65] ) الأشعريون هم بنو الأشعر نبت بن أُدد بن ريد بن يشحب بن عريب بن زيد ابن كهلان بن سبأ. (جمهرة أنساب العرب ص397) . ( [66] (البخاري:الصحيح، كتاب الشركة باب الشركة في الطعام والعروض 5/153 رقم 2486. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل الأشعريين رضي الله عنهم 4/1944 رقم 2500 بلفظ: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم)) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 88 ( [67] ) عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، صحابي مشهور، أمّره عمر ثم عثمان، وهو أحد الحكمين بصفين، توفي سنة خمسين. (التقريب ص318) . ( [68] ) أبو عامر الأشعري، صحابي، اسمه عبيد، وهو عم أبي موسى الأشعري، استشهد بحنين. (التقريب ص653) . ( [69] ) البخاري: الصحيح، كتاب الصلح 2/960 رقم 2552، وقد تقدم، تخريجه ص19. ( [70] ) البخاري: الصحيح، كتاب الفتن باب من حمل علينا السلاح فليس منا، أما قوله: ((من غشنا)) الحديث فلم يخرجه في صحيحه. مسلم: الصحيح، كتاب الإيمان 1/98 رقم 98، وفيه تقديم الشطر الثاني. ( [71] ) سبق تخريجه ص19. ( [72] (زيد بن حارثة الكلبي، شهد بدرا وما بعدها وقتل في غزوة مؤتة وهو أمير. الإصابة 3/25، 26. ( [73] ) البخاري: الصحيح، كتاب الصلح باب كيف يكتب: هذا ما صالح عليه فلان بن فلان 2/960 رقم 2552. ( [74] ) سبق تخريجه ص 1246، حاشية 39. ( [75] ) البخاري: الصحيح، كتاب الجهاد 3/1086 رقم 2812. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1871 رقم 2407، وقد سبق تخريجه ص! خطأ الإشارة المرجعية غير معرفة.. ( [76] ) قلت: وقد ذكر هذه الرواية الهيثمي في مجمع الزوائد 9/124 من رواية ابن عباس عند الطبراني، وقال: ((وفيه حكيم بن جبير، وهو متروك ليس بشيء)) . ومن رواية ابن أبي ليلى عند البزار، ثم قال: ((وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو سيء الحفظ وبقية رجاله رجال الصحيح..)) بلفظ: ((إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا أبا بكر فعقد له لواء ثم بعثه فسار بالناس فانهزم حتى إذا بلغ ورجع فدعا عمر فعقد له لواء فسار ثم رجع منهزما بالناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله وبحبه الله ورسوله يفتح الله له ليس بفرار فأرسل..)) الحديث. مسند البزار 2/135 رقم 496. قلت: قال الحافظ: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: صدوق سيء الحفظ جدا. فالحديث ضعيف كما ترى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 89 ( [77] ) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي 4/1871 رقم 2405 ( [78] ) المثبت من الهامش بخط الناسخ. ( [79] ) البخاري: الصحيح، كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنتم أحب الناس إليّ 3/1379 رقم 3574، 3575. بلفظ: ((اللهم أنتم من أحبّ الناس إلي)) قالها ثلاث مرات، يعني الأنصار. وفي حديث آخر: ((والذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إلي)) قالها مرتين أو ثلاث مخاطبا لامرأة من الأنصار. هذا وما وقفت على لفظ المصنف في الكتب الستة. والله أعلم. ( [80] ) السهمي، الصحابي المشهور، أسلم عام الحديبية، وولي إمرة مصر مرتين، وهو الذي فتحها، توفي بمصر سنة نيف وأربعين. (التقريب ص423) . ( [81] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - 7/22 رقم 3662. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بكر الصديق 4/1856 رقم 2384. ( [82] ) ابن حارثة الكلبي، الأمير، صحابي مشهور، توفي سنة أربع وخمسين بالمدينة. (التقريب ص98) . ( [83] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب زيد بن حارثة 3/1365 رقم 3524 و3526. ( [84] ) سبق تخريجه ص 1246، حاشية 40. ( [85] ) تبوك: موضع بين وادي القرى والشام، خرج إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنة تسع من الهجرة، وهي آخر غزواته، وتبوك الآن مدينة كبيرة وهي قاعدة شمال غرب المملكة، وتبعد عن المدينة حوالي سبع مائة كيل. معجم البلدان 2/14، شمال غرب المملكة 1/349. ( [86] ) وقد ورد ذلك في حديث سعد بن أبي وقاص عند النسائي في الخصائص ص51 رقم (42) قال المحقق: إسناده صحيح بما بعده، ولفظه: ((لما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك خلّف عليا في المدينة، قالوا فيه: ملّه وكره صحبته..)) الحديث. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 90 قلت: فيه قتادة وقد عنعن وكان مدلسا، قال إسماعيل القاضي في "أحكام القرآن": ((سمعت علي بن المديني يضعف أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب تضعيفا شديدا ويقول: أحسب أن أكثرها بين قتادة وسعيد رجال)) . وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم 1343 بنفس الإسناد، وأخرجه أبو نعيم في الحلية 7/196، والخطيب في التاريخ 1/324، 325 من طرق عن قتادة به. وله متابعات صحيحة ذكرت أصل الحديث، انظر: الترمذي: السنن رقم 3731، والنسائي: الخصائص رقم 43، 44، 46. ( [87] ) انظر: ابن هشام: السيرة 2/302، 3/92، 292، 298، 306، 401، 426، 4/59. ( [88] ) في الأصل: ((بهذا)) . ( [89] ) لم أقف على رواية صحيحة فيها ذكر بكاء علي رضي الله عنه، وقد ورد ذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند النسائي في الخصائص ص63 رقم 57، وفيه: قال علي رضي الله عنه: ((يا رسول الله! زعمت قريش أنك إنما خلفتني أنك استثقلتني وكرهت صحبتي وبكى علي رضي الله عنه ... )) الحديث. قال المحقق: ((إسناده ضعيف)) . قلت: فيه عبد الله بن شريك وهو متكلم فيه، والحارث بن مالك مجهول. (التقريب رقم 1046، 3384) . ( [90] ) في الأصل: ((أبو بكر)) . ( [91] ) النسائي: كتاب الحج، باب الخطبة قبل يوم التروية 5/247 رقم 2993 بلفظ: قال له أبو بكر: أمير أم رسول؟ قال: لا بل رسول.. قال النسائي: ((ابن خُثيم ليس بالقوي في الحديث، وإنما أخرجت هذا لئلا يجعل ابن جريج عن أبي الزبير ... )) ... الخ (المصدر نفسه) . وذكره الألباني في ضعيف سنن النسائي وقال: ضعيف الإسناد. رقم 2993. ( [92] ) قال الحافظ في الفتح 8/320 كتاب التفسير باب {وأذان من الله ورسوله ... } : ((وأخرج أحمد بسند حسن عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث ببراءة مع أبي بكر، فلما بلغ ذا الحليفة قال: لا يُبَلِّغُها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي، فبعث بها مع علي)) . (المسند 13/434 رقم 13214) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 91 قلت: وأخرجه الترمذي في سننه 5/275 رقم 3090 والنسائي في خصائص علي (70) ولفظ الترمذي: ((لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهل بيتي فدعا عليا فأعطاه إياه)) . وقال: ((حسن غريب من حديث أنس)) . قلت: وإسناده حسن، رجاله كلهم ثقات غير سماك بن حرب، فقد قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأخرة فكان ربما يلقن. (التقريب رقم 2624) . قلت: روايته هنا عن أنس بن مالك رضي الله عنه وليست عن عكرمة. ( [93] ) أحمد: المسند 1/383، وفضائل الصحابة 1/181، والترمذي: السنن 4/213 رقم 1714 كتاب الجهاد، جميعهم عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود. قال الترمذي: ((هذا حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وفي الباب عن عمر وأبي أيوب وأنس وأبي هريرة)) . وله شاهد من حديث عمر أخرجه مسلم في صحيحه 3/1383 رقم 1763. فقول الترمذي: حسن، لعله يعني لشواهده، وإلا فقد صرح هو بانقطاعه. وليس في مسلم تشبيه أبي بكر وعمر بالأنبياء. ( [94] ) في الأصل بالهامش بخط الناسخ. والعبارة حصل فيها تقديم وتأخير في الأصل. ( [95] ) ابن تيمية: منهاج السنة 1/501، تقدم تخريجه ص 1247، حاشية 44. ( [96] ) سبق تخريجه ص! خطأ الإشارة المرجعية غير معرفة.. أما قوله: ((وأما الزيادة فليست في الحديث)) قلت: بلى إن الشطر الأخير: ((وأدر الحق معه حيثما دار)) مخرج في جامع الترمذي أيضاً 5/592 رقم 3714، ص 1231. ( [97] ) الترمذي: السنن 5/633. وقد سبق تخريجه ص 1247، حاشية 44. ( [98] ) لم أجد هذا النص. ( [99] ) روي عنه بوجه منقطع. (المغني 11/227) . وانظر أيضاً: التمهيد (فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر) ترتيب المغراوي 10/591 كتاب الطلاق، باب عدة الوفاة تنتهي بوضع الحمل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 92 ( [100] ) عبد الله بن مسعود الهُذَلي، أبو عبد الرحمن، من السابقين الأولين، ومن كبار العلماء من الصحابة، مناقبة جمة، مات سنة اثنتين وثلاثين، أو في التي بعدها بالمدينة. (التقريب ص323) . ( [101] ) ابن قدامة: المغني 11/227، 228، والخطابي: معالم السنن بهامش سنن أبي داود 2/729 كتاب الطلاق، باب في عدة الحامل. ( [102] ) منها ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه 5/2037 (5012، 5013، 5014) كتاب الطلاق باب {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} من حديث سبيعة الأسلمية. ومنها: ((أفتاني النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ وضعتُ أن أنكح)) . مسلم:الصحيح، كتاب الرضاع، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل 2/1122 رقم 1484 القصة بطولها. ( [103] ) أبوا السنابل بن بَعْكَك بن الحارث القرشي، قيل اسمه: عمر، وقيل غير ذلك، صحابي مشهور (التقريب ص646) . ( [104] ) أخرجه باللفظ الذي ساقه المصنف أحمد في مسنده 1/447. قال الهيثمي - بعد أن ذكر هذا الحديث -: ((ورجاله رجال الصحيح)) . وأخرجه أيضاً الإمام البيهقي في السنن الكبرى 7/429. وانظر التعليق السابق. ( [105] ) سُبيعة بنت الحارث الأسلمية، زوج سعد بن خولة، لها صحبة. (التقريب ص748) . ( [106] ) قوله ((فإن الواقع)) في الأصل بالهامش. ( [107] ) قلت: كان علي - رضي الله عنه - قريبا من الانتصار العسكري في صفين، لكنه نزل على تحكيم كتاب الله لما دُعي إليه، وأوقف الحرب، لأنه يرى أو كما قال بعد ذلك: ((وكتاب الله كله لي)) أي يحكم لي. فيرى أنه سيحقق ما يريد عن طريق التحكيم بدلا من القتال، لكن التحكيم فشل ولم يخرجوا منه بالنتيجة التي أرادوها منه. ولم يتمكن بعد ذلك من غزو الشام وإدخالها في الجماعة والبيعة، بسبب ظهور الخوارج ودخول الوهن على بعض جيشه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 93 ويبدو أن الذي يعنيه شيخ الإسلام بعدم الانتصار هو عدم تحقيق الهدف الذي أراده الخليفة علي - رضي الله عنه - من غزو الشام وهو إدخاله ضمن خلافته. أما المعروف عن علي - رضي الله عنه - فإنه لم يَخِبْ في أي معركة دخلها، ولم يُهزم في معركة قط. وأما الذين لم يدخلوا المعركة أصلا كسعد بن أبي وقاص فذلك بناء على اجتهاده رضي الله عنه، ولا نستطيع أن نقول إنه أراد بذلك خذل عليّ رضي الله عنه، فكيف يترتب عليه خذله رضي الله عنه. ولا يشك أحد منا أن عليا رضي الله عنه كان أقرب إلى الحق من معاوية رضي الله عنه بدليل حديث عمار. وهذا الذي قاله شيخ الإسلام بأن معاوية وأصحابه انتصروا وفتحوا البلاد مع أنهم خذلوا عليا يقال بأن أصحاب معاوية ما أرادوا ذلك وإنما كان همهم شيئاً آخر وهو القصاص، والذي جعلهم يقاتلونه - رضي الله عنه – أمر خارجي وليس بغضه، فهذا اجتهاد منهم، وهم على اجتهادهم مأجورون، بل كانوا يحبونه بدليل حديث صحيح مروي عن علي أنه قال: ((والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنه لعهد النبي إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق..)) صحيح مسلم 1/64 من الجزء الثاني كتاب الإيمان باب حب علي من الإيمان، وبلا شك فهم كانوا مؤمنين وقد وصفهم الله عزّ وجلّ بذلك في كتابه: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا..} . وبهذا ظهر الأمر جليا أن معاوية ومن معه رضوان الله عليهم أجمعين لم يكن قتالهم ناشئاً من العداوة، وإنما ذلك من أجل القصاص لدم عثمان رضي الله عنه، وإلا فهم كانوا يوالونه موالاة المؤمنين بعضهم لبعض ولم يكونوا يعادونه لا قبل تلك المعارك ولا بعدها. فإذا كان الأمر كذلك فلا معارضة إذاً بين الحديث والواقع، علماً بأن الحديث لم يصح بجميع أجزائه، وإنما صح منه بعض الأطراف دون غيرها. وقد سبق بيان ذلك ص20،21. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 94 ( [108] ) هنا تجنب المؤلف أن يقول: ((خذلوه)) وقال: ((لم يقاتلوا معه)) لأن سعداً جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريقه أحاديث في فضل علي في الصحيحين وغيرهما، ويعتبر مبايعا له، ولكن توقف عن نصرته لأنه لا يرى القتال بين المسلمين، وصح عنه قوله: ((ائتوني بسيف له عينان وشفتان يقول هذا مسلم وهذا كافر)) أو كما قال. ( [109] ) ابن أبي سفيان. ( [110] ) بنو أمية في دولتهم انتصروا في الجهاد في سبيل الله كمن سبقهم من الخلفاء الراشدين والنبي - صلى الله عليه وسلم -. لكنهم أيضاً لم ينتصروا في صفين وهي الحرب الوحيدة مع علي رضي الله عنه، بل كادوا أن يُهزموا فيها لولا أن عليا أوقف القتال عندما طلبوا منه تحكيم الكتاب بينهم. ( [111] ) في الأصل ((وفتحوا)) . ( [112] ) وذلك لأنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، مثل ما ورد ذلك في الأنصار: ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)) وفي لفظ آخر: ((الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق ... )) البخاري: كتاب مناقب الأنصار باب حب الأنصار من الإيمان 3/1379 رقم 3572، 3573. ( [113] ) قلت: ما وقفت على طعن الإمام البخاري في هذا الحديث إلا ما جاء في تاريخه الكبير 1/1/375 (1191) في ترجمة إسماعيل بن نشيط العامري، فساق السند والمتن ثم قال: ((في إسناده نظر)) . وهذا حكم خاص بالنسبة لهذا السند الذي ساقه، وليس ذلك حكماً عاماً على الحديث. والله أعلم. ( [114] ) في الأصل بالهامش بخط الناسخ. ( [115] ) في الأصل ((الذي)) . ( [116] ) لم أجده. ( [117] ) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1873 رقم 2408. ( [118] ) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب 4/1871 رقم 2404. ( [119] ) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب 4/1883 رقم 2424. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 95 ( [120] ) البخاري: الصحيح، كتاب التفسير باب {هذان خصمان} 4/1768 رقم 4466. ( [121] ) في الأصل: ((الستت)) . ( [122] ) بذلك جاء الحديث، فقد قال أبو ذر رضي الله عنه - وكان يقسم فيها قسما -: ((إن هذه الآية {هذان خصمان اختصموا في ربهم} نزلت في حمزة وصاحبيه، وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في يوم بدر ... )) الحديث. البخاري 4/1768. ( [123] ) في الأصل ((أبو بكر)) وهو خطأ؛ لأنه معطوف على (النبي) وهو منصوب اسم (أن) . ( [124] ) في الأصل بالهامش بخط الناسخ. ( [125] ) الجملة غير تامة بسقوط خبر (أن) ، ولعل الخبر أن يقال: انهم لم يدخلوا في هذه الخصومة، أو ما شابه ذلك، مما تتم به الجملة. ( [126] ) ذكر الإمام السيوطي في الدر المنثور 6/485: ((وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ويطعمون الطعام على حبه..} الآية قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) اهـ. ( [127] ) في الأصل: ((صحتهما)) . ( [128] ) ما بعد هذا لا يوجد في مجموع الفتاوى. ( [129] ) أي على أبي بكر. ( [130] ) ساقط من النص مصحح في الهامش بخط الناسخ. ( [131] ) قوله: ((صريحة)) تكرر في الأصل فحذف. ( [132] ) ما بين المعقوفتين زيادة مني. ( [133] ) في الأصل: ((علي)) وهو لحن. ( [134] ) في الأصل: ((فيهم)) . ( [135] ) في الأصل: ((السبابة)) والمراد بهم السبئية، أتباع عبد الله بن سبأ، ولعل هذا الاسم من أسمائهم. ( [136] ) انظر الطبري: التاريخ 7/181، وابن قتيبة: المعارف ص622. ( [137] ) خبر إحراقهم ورد عند البخاري: الصحيح مع الفتح 12/267 رقم 6922، وانظر الفتح 12/370. ( [138] ) انظرالطبري: التاريخ 7/128. ( [139] ) سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي، ثقة حافظ عارف بالقراءات، ورع، لكنه يدلِّس، توفي سنة سبع وأربعين ومئة. (التقريب رقم 254) . ( [140] ) زيادة يقتضيها السياق. ( [141] ) إسحاق بن سويد العدوي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 96 ( [142] ) في الأصل: ((ابن داب)) والتصويب من البيان والتبيين. والغزال: هو واصل بن عطاء، وابن باب: عمرو بن عبيد؛ وهما من المعتزلة. ( [143] ) البيان والتبيين 1/23. ( [144] ) في الهامش: ((ومنه كلامهم: كفى في فضل مولانا عليّ وقوع الشك في أنه هو الله، ومات الشافعي وليس يدري عليٌّ ربه أم ربه الله)) . وجاء في هامش الأصل تحت هذه الفقرة: ((فيه ما فيه)) . قلت: تعالى الله عن قولهم، وبرأ الله الشافعي من قولهم الباطل. ( [145] ) في البيان والتبيان ((حُبّاً)) . ( [146] ) الجعفي، مخضرم من كبار التابعين، توفي سنة ثمانين. (التقريب ص260) . ( [147] ) أبو إسحاق الفزاري: كتاب السير ص327 (647) ورجاله رجال الصحيح، وأورد هذا النص كاملا ابن قدامة في منهاج القاصدين في فضائل الخلفاء الراشدين ق75، 76، 77، وأورده بألفاظ مقاربة خيثمة بن سليمان، من حديث خيثمة بن سليمان ص122، 123، 124، والتيمي في سير السلف ص162، 163. وأورده مختصرا ابن الأثير في أسد الغابة 3/661، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال 13/22،23. وانظر في ثناء علي على عمر – رضي الله عنهما – بعد موته، ابن عبد الهادي: محض الصواب 3/854. المصادر والمراجع - ابن الأثير: علي بن محمد الجزري (ت630هـ) . 1. أسد الغابة في معرفة الصحابة، دار الفكر، بدون تاريخ. - ابن الأثير: المبارك بن محمد الجزري (ت606هـ) . 2. النهاية في غريب الحديث، طبع بعناية طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت، بدون تاريخ. - أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت240هـ) . 3. فضائل الصحابة، تحقيق وصي الله بن محمد عباس، طبعة البحث العلمي في جامعة أم القرى، مكة، الطبعة الأولى 1403هـ – 1983م. 4. المسند، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة. 5. المسند، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الخامسة 1405هـ-1985م. - الألباني: محمد ناصر الدين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 97 6. سلسلة الأحاديث الصحيحة، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة 1405هـ-1985م. 7. ضعيف سنن النسائي، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1411هـ-1990م. - البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي (ت256هـ) . 8. التاريخ الكبير، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، بدون تاريخ. 9. الجامع الصحيح، طبع بعناية مصطفى ديب البغا، مطبعة اليمامة، دمشق، الطبعة الثالثة 1407هـ-1986م. - البزار: عمر بن علي البزّار (ت749هـ) . 10. الأعلام العليّة في مناقب ابن تيمية، حققه زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1396هـ بيروت. - بكر بن عبد الله أبو زيد. 11. المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل، طبع المجمع الفقهي، نشر دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى 1417هـ. - البلادي: عاتق بن غيث. 12. معجم معالم الحجاز، دار مكة، الطبعة الأولى 1400هـ-19980م. - التجيبي: القاسم بن يوسف السبتي (ت730هـ) . 13. برنامج التجيبي، تحقيق عبد الحفيظ منصور، الدار العربية للكتاب، تونس 1981م. - الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة السلمي (ت279هـ) . 14. الجامع الصحيح (سنن الترمذي) ، تحقيق أحمد محمد شاكر، وإبراهيم عطوة عوض، مطبعة البابي الحلبي، مصر، الطبعة الأولى 1382هـ-1962م. - ابن تغرى بردي: أبو المحاسن يوسف الأتابكي (ت874هـ) . 15. النجوم الزاهرة، تحقيق فهيم محمد شلتوت، نشر الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر والترجمة، مصر 1390هـ-1970م. - ابن تيمية: أبوالعباس أحمد بن عبد الحليم النميري (ت728هـ) . 16. مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، دار المدني، بدون تاريخ. 17. منهاج السنة النبوية، تحقيق محمد رشاد سالم، إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام، الرياض، الطبعة الأولى 1406هـ-1986م. - الجاحظ: عمرو بن بحر (250هـ) . 18. البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت. - الجاسر: حمد بن محمد (ت1421هـ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 98 19. شمال غرب المملكة، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1397هـ. - ابن أبي حاتم: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الرازي (ت327هـ) . 20. الجرح والتعديل، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ. - ابن حجر: أحمد بن علي (ت852هـ) . 21. الإصابة في تمييز الصحابة، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ. 22. تقريب التهذيب، طبع بعناية محمد عوامة، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1406هـ-1986م. 23. فتح الباري شرح صحيح البخاري، بعناية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ. - ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد (ت456هـ) . 24. جمهرة أنساب العرب، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ. - الخطابي: حمْد بن محمد البستي (ت388هـ) . 25. معالم السنن، بهامش سنن أبي داود، تحقيق عزت الدعاس. - خيثمة بن سليمان القرشي (ت343هـ) . 26. من حديث خيثمة، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، بدون تاريخ. - الذهبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت748هـ) 27. تذكرة الحفاظ، تصحيح عبد الرحمن المعلمي، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ. 28. سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة 1405هـ. 29. معجم الشيوخ، تحقيق الدكتور محمد الحبيب الهيلة، مكتبة الصديق، الطائف، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى سنة1408هـ. 30. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت. - ابن رجب: عبد الرحمن بن أحمد السلامي الحنبلي (ت759هـ) . 31. الذيل على طبقات الحنابلة، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ. - السيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر (911هـ) . 32. الدر المنثور، طبع دار الكتب العلمية. - الشوكاني: محمد بن علي (ت250هـ) . 33. الفوائد المجموعة، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1407هـ بيروت. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 99 - الطبري: محمد بن جرير (ت310هـ) . 34. تاريخ الرسل والملوك، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، الطبعة الثانية، بدون تاريخ. - ابن عبد الهادي: محمد بن أحمد. 35. العقود الدرية، تحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة المؤيد، الرياض. - ابن عبد الهادي: يوسف بن الحسن بن عبد الهادي (ت909هـ) . 36. محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، تحقيق عبد العزيز ابن محمد الفريح، من مطبوعات عمادة البحث العلمي في الجامعة الإسلامية، نشر مكتبة أضواء السلف، الطبعة الأولى 1420هـ-2000م. - العقيلي: أبو جعفر محمد بن عمرو (ت322هـ) . 37. الضعفاء الكبير، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م. - الفزاري: إبراهيم بن محمد بن الحارث (ت185هـ) . 38. كتاب السير، تحقيق فاروق حمادة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ-1987م. - أبو القاسم الأصفهاني: إسماعيل بن محمد التيمي (ت535هـ) . 39. سير السلف، رسالة علمية مطبوعة على الآلة الكاتبة، قدمها عبد العزيز بن محمد الفريح، رسالة العالمية (الماجستير) . - ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري (ت276هـ) . 40. المعارف، تحقيق د/ ثروت عكاشة، دار المعارف، مصر، الطبعة الرابعة. - ابن قدامة: عبد الله بن أحمد المقدسي (ت620هـ) . 41. المغني، تحقيق د/ عبد الله التركي، د/ عبد الفتاح الحلو، هجر، القاهرة، الطبعة الأولى. 42. منهاج القاصدين في فضائل الخلفاء الراشدين، مصورة عن النسخة المخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم (1218) تاريخ. - ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر (ت774) . 43. البداية والنهاية، تصحيح د/ أحمد أبو ملحم وزملائه، دار الريان للتراث، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م، مصر. - مسلم بن الحجاج القشيري (361هـ) . 44. الصحيح، تحقيق فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر، بدون تاريخ. - ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم (ت711هـ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 100 45. لسان العرب، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ. - النسائي: أبو عبد الرحمن محمد بن شعيب (ت303هـ) 46. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، تحقيق أبو إسحاق الحويني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ. 47. السنن (المجتبى) ، تصحيح عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ-1986م. - الهندي: علاء الدين علي بن حسان (975هـ) . 48. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تصحيح بكري حبائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الخامسة 1405هـ-1985. - الهيثمي: أبو بكر علي بن أبي بكر (ت807هـ) . 49. مجمع الزوائد، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة 1402هـ-1982م. - ابن الوزير: محمد بن إبراهيم (ت840هـ) . 50. العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم لابن الوزير اليماني، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة 1412هـ. - ياقوت: أبو عبد الله الحموي (ت622هـ) 51. معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، 1399هـ-1979م. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 101 ضرب من التطور في الصحافة العربية أ. د. إبراهيم السامرائي (رحمه الله) ملخص البحث هذا العمل عبارة عن تتبع ألفاظ وتراكيب شاعت في لغة الصحافة المعاصرة في المشرق العربي، وفيها شيء من الخروج على المألوف من قواعد العربية، ويدعو إلى تقبل مثل هذه الألفاظ والتراكيب، وأن لا تقف رغبتنا في صحة وسلامة اللغة حائلاً دون استعمالها وإشاعتها، لأنها تمثل عربية جديدة لا تضار لغتنا لو أدخلناها فيها، وهي تمثل لغة جديدة أحدثها صحفيون ليس لديهم حسّ لغوي يميز بين الخطأ والصواب، ومثله في علوم وفنون أخرى. تمهيد: أقول: هذا درس في ((العربية المعاصرة)) التي أوشكت أن تكون جديدة في ألفاظها وطرائق أدائها، وقد يكون من جديدها بعض ملامح من نحو وصرف جديدين. ولا أرى أن صيحة القائلين بالخطأ والصواب على وجاهتها وسدادها تقف حائلاً دون شيوع هذه ((العربية الجديدة)) . ضرب من التطور في الصحافة العربية سأذهب إلى القول بالتطور، ولا أجنح إلى النبز فأرمي جملة ما يثبت في الصحف من وجوه القول بالخطأ، ذلك أن هذا ليشقى به العاملون في هذا الميدان عربية جديدة. وأن هذه العربية قد اكتسبت الشيوع حتى راحت تغزو مساحات واسعة في الذي يقال والذي يكتب. ولست بعيداً عن هذا الذي تقرؤه في الصحف وأنت تسمع المعربين في البيت والمدرسة والجامعة والمسجد، ومن ثم فليس لك أن ترمي جملة هذا ب ((لغة الجرائد)) . وقد بدا لي أن أعرض لطائفة من هذه النماذج اللغوية، وما أراني مستوفياً أو قريباً من هذا وأنا أبسط بين يدي القارئ هذا الموجز، وقد جمعته من هنا وهناك من الصحف في بلدان المشرق العربي. وقد خصصت المشرق العربي لأني سأعود إلى شيء مثل هذا قد وقفت عليه في صحافة بلدان المغرب العربي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 102 إن لغة الصحافة جديدة في نظم جملها وتراكيبها، وهي جديدة في انصراف الكلم فيها إلى معان جديدة تندرج في المجازات الجديدة والمصطلح الجديد. ولكن هذه الجدّة تدخل في باب الضعف وفساد التركيب وسوء الأبنية بسبب أن الذين شقوا بهذه الحرفة لم يكونوا على مقدرة من العربية. ثم إن جل هذه اللغة في مصطلحاتها ومجازاتها وطريقة نظمها منقولة من اللغات الغربية ولاسيما الانكليزية. غير أن هذه اللغة تؤلف في عصرنا ضرباً من العربية المعاصرة بدأ يتجاوز حدّ الصحف إلى ذلك من مجال القول، فأنت تجد منها اليوم قليلاً أو كثيراً لدى أهل ما يسمَّى بالعلوم الاجتماعية عامة كالجغرافية والتاريخ والاجتماع والاقتصاد وغير هذا. ولا تعدم أن تجد لمادة هذه اللغة حضوراً في الأدب الجديد من شعر وقصة ونحو هذا. وسيكون لي في هذا الموجز أن أعرض لما وقفت عليه في الصحف العربية في بلدان المشرق العربي متخذاً من ذلك نماذج تشير إلى خصائص هذه اللغة الجديدة. ولابد لي أن أقول: إني لا أسعى في عرضي هذا إلى ما يذهب إليه أهل التصحيح اللغوي المعنيين بالصواب والخطأ الذين أخطأوا السبيل وتعجلوا المسيرة فنسبوا إلى الخطأ ما ليس منه، وكان لهم في سردهم لهذه المواد شيء من جديد يمكن أن يحمل على الخطأ الذي باشروه. وقد عرضت لطائفة من هذه المعجمات فوقفت فيها على ما يمكن أن يكون تجاوزاً للعربية. ومن أجل هذا كان غرضي من هذا الاستقراء أن أثبت هذا الضرب الجديد من العربية مبتعداً عن قصة التصحيح ومشيراً إلى أن هذه العربية تؤلف نمطاً جديداً لغوياً لعله ساد وغلب وشاع حتى صار في جملته عربية جديدة معاصرة. وسأذكر ما وقفت عليه ولا أسعى فيه إلى أن يكون لي فيه ترتيب خاص، بل أقتصر على إثباته كما وقع لي شيئاً بعد شيء، وسأعلق على ما أذكره بالقدر الذي تقتضيه المناسبة فأقول: قرأت وأنا في صنعاء صحفاً يمنية وأخرى مصرية ولبنانية وعراقية فوجدت في بعضها مَن قال: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 103 (( ....... فالدولة في تعاملها مع مواطنيها على المستوى الداخلي أولاً، وفي تعاملها مع الغير على المستوى الخارجي، تسير ... )) . أقول: إن من خصائص هذه اللغة المتأثرة باللغات الأعجمية من إنكليزية أو غيرها، طول الجمل بحيث يأتي ما ندعوه المسند إليه في ابتداء الكلام، ولكنك لا تظفر بالمسند الذي يتم به المعنى إلا بعد كلام طويل، وقد يتجاوز هذا المعترض في طوله حداً يكاد القارئ فيه ينسى أول الجملة. ثم إن ((التعامل)) مصدر الفعل ((تعامل)) قد استعير من حيز الاقتصاد في دلالته في البيع والشراء إلى هذا الحيز الجديد. و ((المستوى)) ، وهو كلمة عربية قد وصلوا إليها لتؤدّي ما تؤديه كلمة أجنبية في الانكليزية أو الفرنسية بمعناها، ووصف ((المستوى)) بالداخلي أو الخارجي كله مما يصادفه الذي يقرأ الصحف الأجنبية. ولا أشير إلى ((الغير)) واقترانها بأداة التعريف فقد تجاوز هذا المنشئون منذ زمان طويل. ومما قرأت أيضاً قول أحدهم، والقول عام لا خاص فهو مما يتردّد في الصحف، وهو: ((وعلى ضوء هذه النظرة المنطقية .... )) . أقول: لا أتوقف في استعمال حرف الجر ((على)) فأقول كما قال المصححون: إن الصواب هو استعمال ((في)) ، ولكني أقول إن استعمال ((الضوء)) في هذا السياق أو في قولهم: ((إن إلقاء الضوء على هذه المسألة .... )) جديد مستعار من اللغات الأعجمية. وقرأت أيضاً: (( .... وكما أشار الرئيس فلان إلى هذه ((الإشكالية)) فإن أية دولة بمفردها مهما كانت لن تستطيع الوصول إلى تحقيق أهدافها الاقتصادية ... )) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 104 أقول: إن ((الإشكالية)) مصدر صناعي أقيم على مصدر آخر للفعل ((أشكَلَ)) وهو ((إشكال)) ، وهذا المصدر الصناعي جديد في العربية المعاصرة، وقد شقي المعاصرون في الوصول إليه ليكون مؤدياً ما يؤديه مثله في اللغات الأعجمية، وهو غير كلمة ((مشكلة)) بل إن في ((الإشكالية)) شيئاً من ((المشكلة)) . ويراد بها ضرب من الوضع فيه إشكال وفيه ((وضع خاص)) . وإنك لا تجد هذه ((الإشكالية)) في العربية التي نعرفها قبل خمسين أو ثلاثين سنة، فهي جديدة. أما استعمالهم ((بمفردها)) فمعناه ((وحدَها)) ، وهو من هذا الجديد الذي حفلت به العربية المعاصرة. ثم إن ابتداء الكلام ب ((كما)) يأتي بعدها جملة طويلة معلَّقة في فهم المراد منها على كلام آخر مبدوءاً بقولهم: ((فإن أيّة دولة ... )) يُشعر القارئ إن القائل أراد ب ((كما)) ما يراد من أدوات الشرط، وان الأسلوب شرطي، ومجيء الفاء يشعر بهذا. وليس هذا مما نعرفه في العربية، ولكنه جديد حفلت به العربية المعاصرة. ومثله قولهم: ((وعلى الرغم مما ورد ... فإن المقصود .... )) . وقرأت أيضاً: (( .... اعتقالات عشوائية بمدينة القدس عقب طعن مستوطن إسرائيلي)) . أقول: إن الوصف ب ((عشوائي وعشوائية)) جديد، ومعناه معروف أي أن ((الاعتقالات)) جرت على غير قصد ونظام، وأن السلطات الإسرائيلية اعتقلت كل من شوهد في الحال لا يهمها أن يكون للمعتقل مشاركة فيما جَرَى. ومثل هذا قولهم: ((لابد من العمل للحدّ من الاستهلاك العشوائي ... )) . ويراد ب ((الاستهلاك)) الإنفاق الكثير ولاسيما ما كان من أجل الطعام والشراب وغير ذلك مما يدخل في حاجات الناس كالاستهلاك للطاقة الكهربائية ونحو ذلك. أقول: وجعل ((الاستهلاك)) منصرفاً إلى هذا يشير إلى تخصيص الإنفاق بدلالة اقتصادية معينة، وهذا التخصيص عرفناه في العربية المعاصرة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 105 ووصف ((الاستهلاك)) ب ((عشوائي)) أي أن المستهلكين ومعهم الدولة لا يذهبون إلى تنظيمه وحصره في نطاق محدود. وهذا يعني أن الوصف ب ((عشوائي)) دلّ هذه الدلالة التي لا نعرفها إلا في هذه العربية المعاصرة. ولابد لنا أن نبسط القول على هذا الوصف، وكيف اهتدى له المعاصرون فنقول: إن ((عشواء)) وصف مؤنث، والمذكر ((أعشى)) ودلالة ((أعشى وعشواء)) معروفة، وهو الإبصار أو ضعفه، وهو ((العشا)) بالقصر. وقد وردت الصفة ((عشواء)) في بيت زهير بن أبي سلمى: رأيتُ المنايا خبط عشواء من تُصبْ تُمتْه ومن تُخطِئ يُعَمَّر فيَهرمِ أقول:و ((عشواء)) هذه تشبث المعاصرون فاستعاروها وصرفوها على التوسع إلى ما أرادوا لإدراكهم أن ((العشواء)) تخبط على غير هدى. وقرأت: ((جهود مكثّفة لتقييم نتائج الاستفتاء)) . أقول: ((الجهود المكثّفة)) هي الجهود الحثيثة المحصورة في أمر ما، وهذه الصفة ((مكثّفة)) قد تُوسِّع في معناها، والأصل أن الشيء الكثيف هو الثخين في الجِرم والوزن ومنه جاء المصطلح العلمي ((كثافة)) وهو معروف في علوم الطبيعة وغيرها. وهذه الاستعارة أو قل هذا التوسع في الدلالة جديد اقتضته حاجة أهل العربية إليه ثم إن ((التقييم)) معناه تعيين قيمة الشيء، وهذا المصدر للفعل ((قيَّم)) جديد، وقد أخذ الفعل والمصدر من الاسم ((قيمة)) ، وتوهّم الآخذون أن الياء في ((قيمة)) حرف أصلي فأثبتوه في الفعل والمصدر. وحقيقة اللفظ أن ((قيمة)) وزان ((فِعلة)) من الفعل ((قام يقوم)) ، والياء فيها من الواو، ولذلك حين احتاج المعربون في القرون التي خلت إلى حساب القيمة وضبطها جعلوا الفعل مزيداً وأثبتوا الواو فقالوا: قوَّم السلعة، أي أعطاها قيمتها وسعرها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 106 على أن هذا قد هجر في الاستعمال في عصرنا واستُبدل به ((التقييم)) في المعنى نفسه، وجُعل ((التقويم)) خاصاً بدلالة أخرى، وكأنه بمعنى ((التربية)) ، يقال: تقويم الأحداث. على أنك تجد ((التقويم)) مفيداً شيئاً من معناه القديم كأن يقال تقويم نتائج الامتحانات العامة. وقرأت: ((إن المسؤولين يعملون على تقديم الخدمات الأفضل للمواطنين)) . أقول: و ((الأفضل)) هنا ((أفعل)) للتفضيل، وهي صفة للجمع ((الخدمات)) . ولما كانت محلاّة بالألف واللام كان لنا أن نحملها على المطابقة فنقول: ((الخدمات الفُضْلى)) . غير أن المعاصرين لايستشعرون معنى التفضيل في ((الفضلى والكبرى والعليا)) ونحو ذلك. ولم تدرك أنهم يتحرّون حدّ التفضيل. أقول: ومن هذا قول الكثيرين: ((الدولتان الأعظم ... )) ، والصواب ((الدولتان العظميان)) ، فانظر كيف ننال من حدود العربية. وقرأت أيضاً: ((إن العاصمة الاقتصادية تتمتع بدورها الاقتصادي كمنطقة حرّة ... )) . أقول: إن ((الدور)) في هذه الجملة قد دخل العربية المعاصرة وصار شيئاً من مادتها. ولم نعرف هذه الكلمة في العربية التي عرفناها إلا منذ عدة عقود من السنين، وقد جئنا بها فيما نترجمه من اللغات الغربية، وأصلها شيء من لغة أهل المسرح. وأصل ((الدور)) في العربية مصدر للفعل ((دار)) كالدوران. ثم إن استعمال الكاف في قول القائل المحرر ((كمنطقة)) مأخوذ مما يقال ويكتب في اللغات الغربية، وهي ليست كاف التشبيه في العربية، غير أنها دخلته هذه العربية المعاصرة وشاع استعمالها. وقرأت: ((إن وزير الخارجية يتسلم رسالة من نظيره العراقي)) . أقول: إن استعمال المحرر ل ((نظير)) مأخوذ من اللغات الأجنبية، فالوزير العراقي لا يصح أن نطلق عليه الوصف ((نظير)) لأنه يشغل هذا المنصب كالوزير اليمني، ولكنها اللغة الجديدة التي تنقل الذي يدور ويعرف في اللغات الأجنبية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 107 وقرأت أيضاً: (( .... ضمن جولته لمنطقة الشرق الأوسط، ((بيكر)) [الوزير الأمريكي] بدأ أمس زيارته للسعودية)) . أقول: هذه لغة صحفية لا نعرفها في العربية التي لا تجيز عود الضمير على متأخر إلا في سياقات خاصة وردت في بعض الشواهد الشعرية القديمة، غير أن هذا جائز في اللغات الأعجمية، فكان علينا أن نحمله على العربية ونهيّء أذهان القراء وأذواقهم إلى تقبّل هذا الجديد المحمول إلينا. ومثل هذا ما قرأت أيضاً: ((ناقلاً رسالة جوابية للأخ رئيس مجلس الرئاسة وزير الإسكان يعود من بغداد)) . أقول: وهذه ((الخلبطة)) في سوء النظم وفساد التركيب أدهى وأمر مما لحن فيه من أمر عود الضمير على ما هو متأخر في البناء السليم من العربية، وأنه ((قرزحة)) صحفية بل عدوى داء حملت إلينا. وقرأت في نظائر هذا وأشباهه الكثير من عبث الصحفيين بسماحة العربية وانتهي منه بما اجتزئ في هذا الموجز، وهو: ((مبتدئاً أعمال الفترة الثالثة من الدورة الأولى .... السبت القادم مجلس النواب يناقش تقرير لجنة الحريّات عن مشروع قانون الأحزاب ... )) . أقول: لا أدري كيف أقول في عبارة لا أنت بالقادر على أن ترمّ بناءها فقد استهدم حتى بدا آيلاً إلى التدهور والسقوط. لقد مكر هؤلاء القائلون، فهل أتى أهل العلم بنيانهم من القواعد؟ ثم إن هذه اللغة أقرّت الكلم الجديد فكان لنا أن ندرجه في المعجم الجديد الذي لما نباشر منه شيئاً، ومنه كلمة ((مشروع)) وهو مما قوبل به المصطلح الأعجمي ((Project)) . وقرأت قولهم: ((قافلة عسكرية أمريكية تدخل شمال العراق)) . أقول: و ((القافلة)) هي العائدة في العربية، وقد ذهب إلى التفاؤل بالخير فوصفوا الجماعة العائدة التي لم تتعرض لأذىً في رحلتها ب ((القافلة)) . غير أن المعاصرين جهلوا هذه الخصوصية في الدلالة فتوسعوا فيها بل قلبوا الكلمة إلى ضدها فهي لديهم الجماعة الذاهبة. ومثل هذا قولهم: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 108 ((أبناء الجالية اليمنية يؤكدون حرصهم في المملكة السعودية على أن يكونوا ممثلين بلدهم)) . أقول: والجماعة اليمنية في المملكة السعودية ممن أقاموا فيها منذ سنين، فهم الجماعة المستقرة ولم ((يجلوا)) عن المملكة السعودية، فكيف يكونون جالية؟ وقرأت أيضاً: ((إعداد ورقة عمل لما سيقوله الوفد في ندوة الخبراء)) . أقول: و ((ورقة عمل)) هذه كثيرة الورود، فاشية معروفة، وهي من الكلم الجديد الذي لابد أن يندرج في المعجم الجديد. ومن هذه اللغة الجديدة ما نقرؤه كل يوم: ((البحث عن مصادر جديدة في إطار الخطط والبرامج التنموية من إعطاء الأولوية للمشروعات الزراعية)) . أقول: قولهم: ((في إطار الخطط)) من التعابير الجديدة التي تومئ إلى أصلها في لغات أعجمية غربية فهي في الفرنسية ((dons le cadre)) . إن ((الإطار)) معروف في العربية وهو ما يؤطر به أي يحيط بالشيء كإطار الغربال ونحو ذلك، ثم استعير للصورة وللجداول وللإعلانات الرسمية. وقولهم: ((في إطار)) لا يشير إلى الظرفية المكانية، ولكنه منقول على هيئته في اللغة التي نقل عنها. ومثل هذه التعابير التي لا تشير إلى الظرفية استعمالهم: ((من خلال)) في قولهم مثلاً: ((وسيتحقق ذلك من خلال القيام بمشروع للريّ واسع)) . وقولهم: ((من خلال)) يعني ((بما يقام من مشروع)) فلو قالوا: ((سيتحقق ذلك بالقيام بمشروع للري)) لأوجزوا ولوصلوا إلى ما أرادوا. و ((الباء)) هنا للاستعانة وهذا معروف. ولكن قولهم: ((من خلال)) ترجمة لكلمة انكليزية هي ((Through)) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 109 ثم إن في قولهم: ((البرامج التنموية من إعطاء الأولوية .... )) مجيء ((التنموية)) و ((الأولوية)) على النسب، وقد كثر هذا النسب في هذه اللغة الجديدة فقالوا: النظم التعبوية، والحلول التصفوية، وقد قالوا قبل ذلك: البرامج التربوية، واستعملوا النسب، ولو أنهم عدلوا عن النسب إلى أسلوب الإضافة لأصابوا أكثر مما كان لهم كقولهم: برامج التنمية ونظم التعبئة وحلول التصفية .... ثم صنعوا مصدراً صناعياً من اسم التفضيل ((أولى)) لفائدة مقتضاة جديدة. وقرأت أيضاً: ((إن استخدام هذه الندوة لتنقية المياه من قبل الأهالي على مستوى فردي منذ قرون)) . أقول: و ((الاستخدام)) هنا بمعنى ((الاستعمال)) ، وقد ذهبوا بها هذا المذهب في هذه اللغة الجديدة. وحقيقة ((الاستخدام)) غير هذا، يقال: استخدمت فلاناً بمعنى طلبت إليه أن يخدمني. وقد أرادوا بقولهم: ((من قِبَل)) ما يقال في العربية: ((من لدن ... )) . وقرأت: ((السود يشكلون 6% من الأمريكيين)) . أقول: وقولهم: ((يشكلون)) فعل جديد وهو المضاعف ((شكل)) ، وليس في مادة ((شكل)) في العربية شيء يقرب من هذا، ولكنهم أخذوه من ((شكل)) الكثيرة في استعمال المعربين في اللغة الدارجة وهي بمعنى ((هيئة)) أو ((صورة)) . ولو أنهم قالوا: ((يؤلفون 6% من الأمريكيين)) لكانوا في ملاك العربية. وقرأت أيضاً: ((الناس الصبورون على الغلاء .... )) . أقول: والمسموع في العربية أن الوصف على ((فَعول)) يأتي جمعه على ((فُعُل)) بضمتين، قال تعالى: {تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض} ، و ((الرسل)) جمع رسول، وليس لنا أن نقول: رسولون. وكذلك نقول: ((صُبُر)) ولا نقول: ((صبورون)) . وقرأت أيضاً: ((وخلت البرامج الزراعية من أي تركيز على زراعة النخيل)) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 110 أقول: وقولهم: ((التركيز على)) من الكلم الجديد، وكأن ((التركيز)) قد عُدِّي إلى مدخوله ب ((على)) لأنه أخذ من الفعل المجرّد ((ركز)) وهذا محتاج إلى الحرف ((على)) . ثم إن ((التركيز)) من مصطلح أهل الكيمياء في عصرنا، والحامض المركّز لديهم هو الشديد الحموضة، ودرجة التركيز شيء من هذا. وهذا كله جديد في الصحف والكيمياء. وقرأت أيضاً: ((قامت المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون بإنزال مشروع ((استبيان)) خاص بالمشاهدين بغرض تقصّي آرائهم حول البرامج)) . أقول: و ((الاستبيان)) من الكلم الجديد، وهو مصدر الفعل ((استبيَن)) الذي تحول في العربية إلى ((استبانَ)) . وليس لنا إذاً ((استبيان)) لعدم وجود ((استبين)) ، ولكن أهل هذه العربية صاغوه ليأتي مقابلاً ل ((questionnaire)) . وقرأت: ((الجمعية العلمية تعرض استضافة أعضاء المؤتمر)) . أقول: ((الاستضافة)) طلب الرجل من آخر أن ينزله لديه ضيفاً، يقال: استضفته، أي طلبت إليه أن أكون ضيفه ينزلني عنده وليس هذا حاصلاً في الاستعمال الجديد. ثم إن ((المؤتمر)) من الكلم الجديد الذي ينبغي لنا أن ندرجه في المعجم الجديد للعربية المعاصرة. وإذا عدنا إلى الفعل ((إاْتَمَر)) في فصيح العربية فلا نجد شيئاً من دلالة ((المؤتمَر)) . وقرأت: ((الدستور ما يزال في حظيرة الإسلام)) . ومن دلالات ((الحظيرة)) ما يشير إلى أن من المناسب ألاّ تضاف إلى الإسلام. وقرأت: ((انفتاح في العلاقات الموريتانية السنغالية)) . أقول: و ((الانفتاح)) في هذه العبارة يعني ((الانفراج)) ، وهذه جديد يندرج في باب ((تطور الدلالة)) . وقرأت أيضاً: ((البرامج الشيّقة)) . وكأن ((الشيِّق)) هو ((المشوِّق)) ، والصواب أنه ((المشتاق)) ، قال الشاعر: ما لاحَ برق أو ترنَّم طائر إلاّ انثنيت ولي فؤاد شيّق وقرأت: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 111 ((ليلة البارحة كنت وأحد أصحابي وتكلمنا في حق الرأي والرأي الآخر)) . أقول: ((البارحة)) هي التي تصرَّمت وأعقبها الصباح ثم حلّت ليلة أخرى، جاء في المثل: ((ما أشبه الليلة بالبارحة)) وعلى هذا فعبارة الصحيفة بعيدة عن الصواب لأن ((البارحة)) فيها تعني ((أمس)) . ثم إن في العبارة شيئاً من سوء التركيب وهو أن العطف باسم ظاهر على ضمير المتكلم المعطوف عليه لا يكون إلا بعد توكيد الضمير المتصل بآخر منفصل فيقال: ((كنت أنا وأحد أصحابي ... )) . ثم إن عبارة ((الرأي والرأي الآخر)) من الأساليب المنقولة إلى العربية. ولم نسمع بهذه العبارة، ولم تظهر في الصحف إلا منذ برهة صغيرة لا تتجاوز عدة أشهر. تمّ [هذا ما كتبه (رحمه الله) ، ويظهر أنّ للمقالة بقية] هيئة التحرير الجزء: 10 ¦ الصفحة: 112 عرض كتاب المصنفات المغربية في السيرة النبوية ومصنفوها تأليف الدكتور محمد يسف د. سعد بن موسى الموسى الأستاذ المساعد في كلية الشريعة - جامعة أم القرى والمؤلف يعمل في دار الحديث الحسنية وكانت رسالته الماجستير بعنوان " الرؤية المغربية للسيرة النبوية طرقها وأسانيدها ورواتها" وحصل عليها من دار الحديث الحسنية. نشر في المغرب وطبعته مطبعة المعارف الجديدة في الرباط 1412هـ والكتاب قدم لنيل درجة الدكتوراه بإشراف الدكتورة عائشة عبد الرحمن. وهو مقسم إلى قسمين: القسم الأول السيرة في المغرب، وفيه مدخل وثلاثة أبواب المدخل كان عن تطور علم المغازي والسير من الرواية الشفوية وحتى التدوين في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة وسبب وضعه لهذا المدخل للوصول إلى الربط بين المدونات المغربية ومنابعها المشرقية. وأما الأبواب الثلاثة: فالباب الأول منها ويقسم إلى خمسة فصول الفصل الأول: عن كتب السيرة والمغازي وعرض فيه لما يقارب التسع والعشرين مصنفا. الفصل الثاني: وكان عن الأقضية والأحكام، وعرض فيه ثلاثة مصنفات في أقضية النبي - صلى الله عليه وسلم - وبرر وجود هذه الكتب مع أنها في ظاهرها لاعلاقة لها بالسيرة فقال: وقد ترددت باديء الأمر في إدراج الأقضية مع مصنفات السيرة على اعتبار أنه يبدو من عناوينها أنها من كتب الأحكام الجامعة المستمدة من الأحاديث النبوية، ولكن الناظر في كتاب ابن الطلاع، لايسعه إلا أن يضعه في صميم السيرة بتركيزه على عصر المبعث، واستخلاص ماكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - من مواقف وأحكام فيما واجه المسلمين من قضايا ونوازل، وما كان من أحداث المجتمع الإسلامي الأول قضى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع أصحابه في بيته، وفي مغازيه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 113 الفصل الثالث: المولد النبوي قدم فيه خمسة مصنفات ونبه أن التصنيف في المولد لم يتأخر إلى عصر الحافظ أبي الخطاب ابن دحية؛ وأبي العباس العزفي السبتيين في أواخر القرن السادس وأوائل السابع، ولكن بدأ قبل ذلك بكثير على يد الحافظ أبي زكريا يحيى بن مالك العائذي الطرطوشي المغربي في القرن الرابع الهجري. الفصل الرابع: خصصه للمصنفات في المسجدين أو الحرمين الشريفين. لأنهما من أظهر معالم السيرة. وفيه عرض لكتب ثلاثة. الفصل الخامس: السيرة الشعرية والمنظومة وقد تحدث فيه عن القصائد النبويات الكبار، والمنظومات في السيرة النبوية للشعراء المغاربة. ومن هذه القصيدة الشقراطسية التي نظمها عبد الله بن أبي زكريا التوزري الشقراطسي نسبة إلى شقراطس: وهو قصر قديم بقرب قفصة في الجنوب التونسي. ولم يورد القصيدة ولكن تحدث عنها وعمن نظم عليها، ومن شرحها، ومنهم الناظم نفسه، وابن الاجدابي الطرابلسي، وابن عظيمة الأشبيلي، والشريف العواني القيرواني وغيرهم. الباب الثاني: خصصه للدلائل والأعلام والمعجزات، فجاء في ثلاثة فصول: الفصل الأول: الدلائل والأعلام، وذكر فيه ثمانية مصنفات أقدمها يرجع إلى أواخر القرن الثالث، وهو أعلام النبوة للفراء المعتزلي القيرواني المعروف بابن أبي عصفور. الفصل الثاني: المعجزات وعرض فيه ثمانية مصنفات، أقدمها أُلف في أواخر القرن الثالث، وأوائل القرن الرابع، وهو كتاب المعجزات لأبي جعفر القصري التونسي. الفصل الثالث: الشمائل والخصائص، وقدم فيه ستة وأربعين مصنفاً، مابين مؤلفات أصول، ومؤلفات عليها. الباب الثالث: الصحابة والكنى والأنساب، وفيه ثلاثة فصول. الفصل الأول: الصحابة، وعرض فيه اثنين وعشرين مصنفا، ونبه على أن معرفة الصحابة وثيقة الصلة بالسيرة النبوية؛ حيث هم رجال عصر المبعث وشهود أحداثه، وجنوده وقادة سراياه، ومدار وقائعه، إليهم المرجع في تاريخ السيرة النبوية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 114 الفصل الثاني: الكنى، عرض فيه خمسة مصنفات، وأشار إلى أن الكنى ملحق بكتب الصحابة، إذ منهم من اشتهر بكنيته يكاد لايذكر إلا بها، كأبي بكر الصديق، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي ذر، وأم سلمة وأم حبيبة، وأم هانيء. الفصل الثالث: الأنساب، وجمع فيه ستة عشر مصنفا مابين مصنفات أصول، ومؤلفات عليها. وأشار إلى أن كتب الأنساب، مكملة لكتب معرفة الصحابة، أو مدخلا لها كما قال الحافظ ابن عبد البر في خطبة الاستيعاب. واتجه قصد المؤلف في الابواب الثلاثة وفصولها إلى محاولة إستقراء ما استطاع حسب وسائله وطاقته من علماء السيرة المغاربة من طبقة الرواد الأوائل إلى نهاية القرن السادس الهجري في رؤية شاملة للربوع المغربية، توضح أبعاد علمائها، على السياق الزمني، وتبين آفاق انطلاقهم في الميدان، من حيث وصلت جهود الذين سبقوهم، وأفرد لكل كتاب، فقرة خاصة للتعريف بمؤلفه، تلميذا طالبا بذكر بعض شيوخه واستاذا مدرسا بذكر بعض تلامذته، وكاتبا مؤلفا بتسمية ماوقف عليه من تراثه. وفيهم بلا ريب من تغني شهرتهم عن التعريف بهم بمثل الفقرات التي قدمهم بها مع مصنفاتهم في السيرة. القسم الثاني: أفرده للسيرة المغربية عند المشارقة وقصد من ذلك عرض التراث المغربي في السيرة بالمشرق، هو فقط تقديم نماذج، تُبرز عناية المشارقة بكتاب السيرة المغربي. إذ مامن مؤلف مغربي للسيرة في المغرب إلا وتردد له صدى علمي في المشرق بل إن بعض مؤلفات المغاربة لانجد لها ذكرا إلا في مصنفات أهل الشرق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 115 وقد جاء هذا القسم في تمهيد، وباب واحد من أربعة فصول، ركز في التمهيد على موضوع رحلة الكتاب المشرقي الى المغرب ثم رحلة الكتاب المغربي إلى المشرق بعد ذلك. واستخلص من ذلك حقيقة يرى أنها لاتخلوا من طرافة، وهي أن المغرب منذ فجر الإسلام حضي بشرف نقل العلم والثقافة، وتأصيل التواصل العلمي بين مشرق الإسلام ومغربه، ويرجى أن تبقى المبادرة المغربية، حفية بهذا التواصل، حريصة على امتداده، ذابة عنه بكل همة، مهما تكن الظروف والملابسات، ومهما يعترض طريقها من ذرائع التعويق وعوامل الاحباط. الفصول الأربعة التي يتضمنها الباب قدم فيها أربعة نماذج للكتاب المغربي في السيرة النبوية بالمشرق يمثل كل واحد منها نمطا خاصا من انماط السيرة، وضربا من ضروبها، تبين من خلالها الاهتمام البالغ والعناية الفائقة للمشرق بالكتاب المغربي في السيرة النبوية. وقد وقدم في الفصل الأول منها كتاب» الاستيعاب «للحافظ ابن عبد البر مثالا لكتاب الصحابة المغربي. وعرض في الفصل الثاني» القصيدة الشقراطسية «مثالا للسير الشعرية التي تترجم وجدان الجماهير واحاسيسها. وتناول في الفصل الثالث كتاب» الشفا «للقاضي عياض، نموذجا لعطاء المدرسة المغربية في الحقوق والخصائص والشمائل. ثم أفرد الفصل الرابع لكتاب» الروض الأنف «للسهيلي، نهجا رائدا في دراسة السيرة النبوية، دراسة نقد وتفقه واستنباط. ووضُحَ من خلال هذه النماذج العناية الفائقة التي أحاط بها المشارقة كتاب السيرة المغربي، واستخلص من ذلك شبهة التقليد والتكرار لسابق عطاء المشارقة. وختم دراسته بخاتمة أوجز فيها ماتوصل إليه من نتائج. ومنها: 1. كثرة الكتب المتنوعة تشهد للمغرب بأنه كان دار سيرة كما كان دار قرآن وفقه ولغة وأدب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 116 2. وجود رواد بمصنفاتهم التي لم يسبقوا ببعضها حتى في المشرق مثل الفراء المعتزلي بكتابه أعلام النبوة، وأبي جعفر القصري بكتابه المعجزات. لافرادهما هذه الشعب من السيرة بالتصنيف وكان من قبلهما يدمجها ضمن المادة العامة للسيرة، ويعرضها في سياقها الموضوعي. 3. اثبات العلاقة الوثيقة بين موضوع علم السيرة وبعض الفنون التي كانت تعرض مفصولة عنه ككتب الأقضية والأحكام النبوية وكتب الصحابة والكنى والأنساب ممايعطي للسيرة تنوعا وثراء في المادة وامتدادا في الزمان. وعلى الكتاب ملحوظات لاتقلل من أهميته والجهد الذي بذل في إعداده منها: أورد كتب الموالد ضمن كتب السيرة ولم يعلق على بدعية هذا الأمر بل إنه ذكر (1/178) أن أبا العباس العزفي في كتابه "الدر المنظم في مولد النبي الأعظم " أنه ألف هذا الكتاب ليصرف الناس عن الاحتفال بالاعياد الجاهلية كأعياد المجوس "النيروز _ والمهرجان"، وأعياد النصارى ميلاد المسيح عليه السلام. وصار يسعى إلى تلقين الناشئة الصغار أمر الاعتناء بمولد الرسول- صلى الله عليه وسلم -. ولم يرى في هذا الأمر المبتدع بأساً مع أنه لم يكن على عهد الصحابة وأول من عمله هم زنادقة العبيدية. فكيف يرى مسألة صرف الناس من ضلال إلى ضلال آخر. إنما كان ينبغي أن يصرفهم إلى ماكان عليه السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم. ذكر بعض الأبيات الشعرية التي فيها غلو في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعلق عليها مثل: قول أبي بكر بن حبيش (1/216) : ترجيت فضلا منك يعفو ويغفر ومالي سوى مدح الرسول مكفر وأشار إلى آثار بركته على الأنبيا والرسل منذ أن كان نورا - كما يزعم أهل التصوف - حيث توسلوا بجاهه لتفريج الكرب عنهم (1/234) : ينير به الله العصور الخواليا ومازال ذاك النور من عهد آدم وذكر قول الشاعر: توسل بالمختار لله داعيا وأدناه منه بعدما كان نائيا فخلصه إذ كان في الموج داعيا وآدم لما خاف يجزى بذنبه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 117 فتاب عليه الله لما دعا به وأدرك نوحاً في السفينة رعيه ذكر (1/113) أن محمد بن يوسف بن عمر المشهور بالسنوسي ت895هـ وقال: إن من مؤلفاته "العقيدة الكبرى" التي سماها "عقيدة أهل التوحيد" وهي أول ماصنفه في الفن وشرحها. ثم "الوسطى" وشرحها ثم "الصغرى" وشرحها، وهذه من أجل العقائد، لاتعادلها عقيدة. وهذه العقيدة التي يذكرها هي عقيدة الأشاعرة فكيف لاتعادلها عقيدة بل عقيدة أهل السنة والجماعة التي لم تشب بالفلسفة وعلم الكلام هي التي يجب على المسلم تعلمها واعتقادها، وهي التي لاتعادلها عقيدة. عند حديثه عن الكتب لايورد مقاطع منها بل يهتم اهتماما كبيرا بذكر من أوردها من العلماء. لم يتتبع الكتب التي يتحدث عنها من حيث طباعتها وخاصة الطبعات المشرقية مثل مغازي ابن حبيش الذي نشره الدكتور أحمد غنيم في القاهرة، في مطبعة حسان عام 1403هـ، والاكتفا الذي يذكر أن ماسيه نشره في الجزائر مع أن الدكتور مصطفى عبد الواحد نشره أيضا في القاهرة في مكتبة الخانجي، عام 1380هـ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 118 العدد 23 شوال 1422هـ / ديسمبر (كانون الأول) 2001م محتويات العدد أولاً: القسم العربي: أ - دراسات في الشريعة وأصول الدين 1- حديث " لا نكاح إلا بولي " رواية ودراية د. صلاح الدين أحمد الإدلبي 2- حديث " احفظ الله يحفظك": دراسة عقدية د. محمد بن عبد العزيز العلي 3- أثر الإيمان في توجيه الأخلاق د. عبد الله بن سليمان الغفيلي 4- مرض القلوب وشفاؤها عند شيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم: جمع ودراسة د. سعود بن حمد الصقري 5- دعاوى النصارى في مجيئ المسيح عليه السلام: دراسة نقدية د. سعود بن عبد العزيز الخلف 6- القياس ومكانته في المنطق اليوناني د. ابتسام بنت أحمد جمال 7- حكم الطهارة لمس القرآن الكريم: دراسة فقهية مقارنة د. عمر بن محمد السبيل 8- إزالة الإشكال في صلاة الركعتين إذا دخل الجمعة والإمام يخطب. د. عبد الله بن جمعان الدادا الغامدي 9- التفريق بين الزوجين للغيبة د. عبد العزيز بن محمد الربيش 10- اللموع فيما يختلف الرجال والنساء من أحكام البيوع د. أحمد بن عبد الله العمري 11- الترخص بمسائل الخلاف: ضوابطه وأقوال العلماء فيه د. خالد بن محمد العروسي 12- مصطلح رواه الجماعة: عند الحنابلة د. عبد الرحمن بن علي الطريقي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 119 13- منهج مالك بن أنس في العمل السياسي د. أحمد بن عبد الله العوضي ب- دراسات في التاريخ والحضارة 14- توسعة المسجد النبوي الشريف في العهد السعودي الزاهر 1368 - 1413هـ د. محمد بن هزاع الشهري ج- دراسات في اللغة العربية وآدابها 15- أرأيت وفروعه: دراسة لغوية د. عبد الله بن حمد الدايل 16- الخلاف بين سيبويه والخليل في الصوت والبنية د. أحمد بن محمد القرشي 17- قضايا " لن " في النحو العربي د. إبراهيم بن سليمان البيعمي 18- أبو الحسن بن الباذش الغرناطي وأثره النحوي د. شريف بن عبد الكريم محمد النجار 19- التنغيم في التراث العربي د. عليان بن محمد الحازمي 20- أثر الصحراء في نشأة الشعر العربي وتطوره حتى العصر العباسي الثاني د. حمد بن ناصر الدخيل 21- القصة القصيرة عند شيخة الناخي رائدة القصة الإماراتية د. زينب بن بيرة جكلي د- الندوات 22- مؤتمر الأوقاف الأول في المملكة العربية السعودية. 23- توصيات ندوة المجتمع والأمن المنعقدة بكلية الملك فهد الأمنية (13-15 صفر 1422هـ الموافق 7-9 مايو 2001م.) تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية ثانياً: القسم الإنجليزي ملخصات الأبحاث العربية باللغةالإنجليزية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 120 حديث لا نكاح إلا بولي - رواية ودراية د. صلاح الدين بن أحمد الإدلبي المدرس بكلية الدراسات العربية والإسلامية بدبي ملخص البحث المرأة المسلمة الصالحة القانتة يخطبها الخاطب إلى وليها، فيستأمرها الولي أو يستأذنها في أن يعقد لها عقد زواجها، فإذا رضيت الخاطب زوّجها منه وليها، ويمنعها الحياء أن تفكر بتزويج نفسها دون أن يعقد لها الولي أو من يأذن له. ولكن هل من حقها أن تفعل؟! وهل لها الحق في أن تزوج نفسها دون الولي كما لها الحق في أن تتصرف بأموالها؟! جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين على أنها لا تملك ذلك، وأنه لا بد من الولي أو من يأذن له الولي في عقد النكاح، وذهب نفر من أهل العلم إلى أنه يجوز لها ذلك إذا زوجت نفسها من كفء، لكنه لا يستحب. ولكن ألم يأت الحديث عن رسول الله (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) ؟! فهل صح سنده وثبتت نسبته؟ هذا ما دفعني إلى خوض غمار هذا البحث والكتابة في هذا الحديث: أولا من حيث الرواية بجمع طرقه وتتبع أسانيده، وثانيا: من حيث الدراية بدراسة تلك الأسانيد المتعددة الكثيرة لمعرفة ما صح سنده منها، ثم كان لا بد من استعراض مناقشة الإمام الطحاوي رحمه الله للاستدلال بهذا الحديث، وبيان رجحان ما فهمه الجمهور منه. * * * المقدمة: الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على الرحمة المهداة والنعمة المُسْداة سيدنا محمد الصادق الأمين. وعلى آله الأبرار وأصحابه الأخيار والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فإن من أهم المسائل الفقهية التي تمس واقع المسلمين اليوم ما يتصل منها ببناء الأسرة المسلمة، وإقامة هذه اللبنة من لبنات صرح المجتمع الإسلامي. ولا يمكن أن تنشأ الأسرة المسلمة إلا في ظل نظام الزواج، المؤسس على ما يرضي الله تعالى ورسوله ((والله ورسوله أحق أن يرضوه ( [التوبة 6] . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 121 ومما اتفقت عليه الأمة -في ذلك النظام التشريعي الرباني -أن الرجل الحر البالغ العاقل يمكنه أن يعقد بنفسه عقد نكاحه لنفسه، ولكن مما اختلفت فيه الأمة أن المرأة الحرة البالغة العاقلة هل يمكنها أن تعقد بنفسها عقد نكاحها لنفسها؟ أي دون وليها؟ أو لا بد من الولي يعقد لها أو يأذن في ذلك لمن يتوخى فيه حسن النيابة عنه؟ خضت غمار هذا البحث منطلقاً من الحديث النبوي ((لا نكاح إلا بولي)) ، وقسمته حسب الخطة التالية: المبحث الأول: حديث ((لا نكاح إلا بولي)) من حيث الرواية. المبحث الثاني: حديث ((لا نكاح إلا بولي)) من حيث الدراية. - أهم نتائج البحث وأسأل الله تعالى التوفيق والتسديد بفضله ومنه وكرمه. المبحث الأول: حديث (لا نكاح إلا بولي) - من حيث الرواية روي هذا الحديث عن النبي (من طريق جماعة من الصحابة، منهم أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن المسجد الحرامعود، وعمران بن الحصين، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة، وعائشة، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسمرة بن جندب، وضي الله عنهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 122 فأما حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: فروي من طريق إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السَبيعي (1) ويونس بن أبي إسحاق السَبيعي (2) ، وشَريك بن عبد الله النخعي (3) ، وأبي عوانة الوضاح بن عبد الله (4) وزهير بن معاوية (5) ، وقيس بن الربيع (6) ، وعبد الحميد بن الحسن الهلالي (7) ، وأبي حنيفة النعمان (8) ، ورَقَبة بن مَصْقَلة العبدي (9) ،   (1) ... مسند الإمام أحمد 4 / 394، 413. مصنف ابن أبي شيبة 4 / 131، 14/168 – 169. سنن الدارمي 2/575. سنن أبي داود 2/568. سنن الترمذي 3 / 407. مسند أبي يعلى 13/195. شرح معاني الآثار للطحاوي 3/8. صحيح ابن حبان 9/ 395.سنن الدارقطني 3/219. المستدرك للحاكم 2/170. التمهيد لابن عبد البر 19/88. وله نحو عشرة طرق عن إسرائيل بن يونس (2) ... سنن الترمذي 3/ 407. مسند البزار 8/113 - 114. المستدرك للحاكم 2/17. سنن البيهقي 7/109 (3) ... سنن الترمذي 3/407. سنن الدارمي 2/575.مسند البزار 8/112، 115. صحيح ابن حبان 9/ 391، 400. المعجم الأوسط للطبراني 1/391، 8/ 438. سنن البيهقي 7/108. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 6/41. (4) ... مسند أبي داود الطيالسي ص 71. سنن سعيد بن منصور 3/ 1/ 148. سنن الترمذي 3/ 407. سنن ابن ماجه 1/ 605. شرح معاني الآثار للطحاوي 3/9. المستدرك للحاكم 2 / 171. سنن البيهقي 7 / 107. التمهيد لابن عبد البر 19 / 88. (5) ... صحيح ابن حبان 9 / 389. المنتقى لابن الجارود ص 268. المستدرك للحاكم 2 / 171. سنن البيهقي 7 / 107. (6) ... مسند البزار 8 / 113. شرح معاني الآثار للطحاوي 3 / 9. سنن البيهقي 7/108. (7) ... مسند البزار 8 / 114، الكامل لابن عدي 5 / 1958. (8) ... جامع مسانيد أبي حنيفة 2 / 102. وأشار إلى روايته هذه الحاكم في المستدرك 2/ 17. (9) ... أشار إلى روايته الحاكم في المستدرك 2 / 171، وكذا إلى متابعة غيره من الرواة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 123 كلهم عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي بُردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه أبي موسى الأشعري، عن رسول الله (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) . وروي كذلك من طريق سفيان الثوري (1) وشعبة بن الحجاج (2) عن أبي إسحاق السبيعي به. وروي من طريق سفيان الثوري (3) وشعبة بن الحجاج (4) وأبي الأحوص سلام بن سليم (5) ثلاثتهم عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن النبي (مرسلا لم يذكروا فيه عن أبي موسى الأشعري. فتبين من هذا أنه قد اختلف في إسناد هذا الحديث على أبي إسحاق وصلا وإرسالا. وأما من غير طريق أبي إسحاق فقد روي من طريق يونس بن أبي إسحاق (6) وأبي حَصين عثمان بن عاصم (7) كلاهما عن أبي بردة عن أبي موسى موصولا. وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: فروي من طريق بكر بن بكار عن عبد الله بن محرَّر عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين عن ابن مسعود عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (8)   (1) ... مسند البزار 8 / 110. المستدرك للحاكم 2 / 169. تاريخ بغداد 2 / 214. (2) ... مسند البزار 8 / 112. المستدرك للحاكم 2 / 169. تاريخ بغداد 2 / 214. 13 / 86. (3) مصنف عبد الرزاق 6/196. مسند البزار 8 / 109. شرح معاني الآثار للطحاوي 3/9. التمهيد لابن عبد البر 19 / 88. (4) ... مسند البزار 8 / 111. شرح معاني الآثار للطحاوي 3/9. (5) ... مصنف ابن أبي شيبة 4 / 131. 14 / 168. (6) ... مسند الإمام أحمد 4 / 413، 418. سنن أبي داود 2 / 568. المستدرك للحاكم 2/ 171.سنن البيهقي 7 / 109. (7) ... المستدرك للحاكم 2 / 172. (8) سنن الدارقطني 3 / 225، الكامل لابن عدي 4 / 1453. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 124 وأما حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: فرواه عبد الرزاق، وروي من طريق أبي نُعيم الفضل بن دُكين، كلاهما عن عبد الله بن محرر، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن الحصين عن النبي (بلفظ حديث ابن مسعود. (1) وروي من طريق عبد الله بن عمرو الواقعي قال: حدثنا أبان بن يزيد العطار عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحصين عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) . (2) وأما حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فروي من طريق عمرو بن عثمان الرقي قال حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي سفيان (طلحة بن نافع) عن جابر عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) . (3) وروي من طريق يحيى بن غيلان عن عبد الله بن بزيع عن هشام بن حسان القردوسي عن عطاء عن جابر عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي، وأيما امرأة تزوجت بغير ولي فنكاحها باطل)) . (4) وروي من طريق قَطَن بن نُسَير الذارِع، عن عمرو بن النعمان الباهلي قال: حدثنا محمد بن عبد الملك، عن أبي الزُبير، عن جابر، عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (5) وروي من طريق محمد بن عبيد الله العرزمي عن أبي الزبير به مثله (6) .   (1) ... مصنف عبد الرزاق 6 / 196. سنن البيهقي 7 / 125. (2) ... تاريخ جرجان للسهمي ص 490 - 491، ورواه ابن عدي من طريق الواقعي به، الكامل 4 / 1569. (3) ... المعجم الأوسط للطبراني 4 / 551. (4) ... المعجم الأوسط للطبراني 5 / 247 - 248، ورواه ابن عدي من هذا الطريق بلفظ (لا نكاح إلا بولي) الكامل 4 / 1567. (5) ... المعجم الأوسط للطبراني 6 / 263. (6) ... الكامل لابن عدي 6 / 2113. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 125 وروى ابن عدي عن أبي يعلى الموصلي عن محمد بن المنهال عن أبي بكر الحنفي [عبد الكبير بن عبد المجيد] عن ابن أبي ذئب عن عطاء عن جابر عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي ولا طلاق قبل نكاح)) . وعقب ابن عدي فقال: قال لنا أبو يعلى: وفي كتابي في موضعين، في موضع ليس فيه لا نكاح إلا بولي، وفي موضع فيه لانكاح إلا بولي. وعلق ابن عدي على هذا بقوله: وهذا إنما هو لا طلاق قبل نكاح بهذا الإسناد (1) وأما حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقد روي عنه من طريق سعيد بن جبير وعكرمة وعطاء بن أبي رباح. فأما طريق سعيد بن جبير فروي من طريق عَدي بن الفضل، عن عبد الله بن عثمان ابن خُثَيم، عن سعيد بن جيبر، عن ابن عباس، عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل)) . (2) ورواه الطبراني في الأوسط عن أحمد بن القاسم، قال حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، قال حدثنا عبد الله بن داود وبشر بن المفضل وعبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري عن ابن خُثيم به، ولفظه: ((لا نكاح إلا بإذن ولي مرشد أو سلطان)) . (3) ورواه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن أحمد ابن حنبل عن القواريري به مرفوعاً ولفظه: ((لا نكاح إلا بولي)) . (4)   (1) ... الكامل لابن عدي 6 / 2043. (2) ... سنن الداقطني 3 / 221 - 222.وقال: رفعه عدي بن الفضل ولم يرفعه غيره. سنن البيهقي 7 / 124 وقال: كذا رواه عدي بن الفضل وهو ضعيف والصحيح موقوف. (3) ... المعجم الأوسط للطبراني 1 / 318. (4) المعجم الكبير للطبراني 12 / 64 وسقط منه عبد الله بن داود. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 126 وروي من طريق معاذ بن المثنى، عن عبيد الله بن عمر القواريري به، لكن فيه (عن النبي (: إن شاء الله) . ولفظه مثل رواية أحمد بن القاسم عن القواريري. (1) وأما طريق عكرمة عن ابن عباس فرواه مُعّمر بن سليمان الرقي ومَخشي بن معاوية عن الحجاج بن أرطاة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي (أنه قال: ((لانكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له)) (2) . ورواه أبو كُرَيب عن عبد الله بن المبارك عن حجاج بن أرطاة به ولفظه ((لا نكاح إلا بولي)) (3) . ورواه الطبراني في الكبير عن الحسين بن إسحق التُستَري عن سهل بن عثمان عن ابن المبارك به، إلا أن فيه (عن خالد الحذّاء) بدلاً من (عن حجاج بن أرطاة) (4) . ورواه الطبراني في الأوسط بالسند السابق عينه وفيه الجمع بينهما (عن خالد الحذاء عن الحجاج بن أرطاة) ولفظه ((لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له)) (5) . ورواه البيهقي من طريق سعيد بن عثمان الأهوازي، عن سهل بن عثمان، وفيه (عن الحجاج بن أرطاة) (6) .   (1) ... سنن البيهقي 7 / 124 وجاء في سنده: بشر بن منصور بدلا من بشر بن المفضل، وكلاهما ثقة معطوف على اثنين من الثقات، وعلق علييه البيهقي قائلا: كذا قال معاذبن المثنى، ورواه غيره عن عبيد الله القواريري فقال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) من غير استثناء، تفرد به القواريري مرفوعا، والقواريري ثقة، إلا أن المشهور بهذا الإسناد موقوف على ابن عباس. (2) ... مسند الإمام أحمد 1 / 250. التاريخ الكبير للبخاري 8 / 71. (3) ... سنن ابن ماجه 1 / 605. مسند أبي يعلى 4 / 386. (4) ... المعجم الكبير للطبراني 11 / 340. (5) ... المعجم الأوسط للطبراني 4 / 282. (6) ... سنن البيهقي 7 / 109 – 110. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 127 وأما طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس فقد روي من طريق النهّاس بن قَهْم عن عطاء به ولفظه ((لا نكاح إلا بولي)) (1) . وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقد روي من طريق عمر بن قيس عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) (2) . وروي من طريق سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (3) . وروي من طريق المغيرة بن موسى، عن هشام بن حسَّان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وخاطب وشاهدي عدل)) (4) . وروي من طريق أبي عامر الخزّاز صالح بن رستم، عن محمد بن سيرين به، ولفظه ((لا نكاح إلا بولي)) (5) . وروي من طريق محمد بن عبيد الله العّرْزَمي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، فما كان على غير ذلك فباطل مردود)) (6) . وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد روي من طريق الزهري عن عروة عنها ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها. فأما طريق الزهري فقد روي من طريق سعيد بن يحيى بن سعيد الأُموي، قال حدثنا حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله (قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) (7)   (1) ... المعجم الأوسط للطبراني 7 / 97 – 98. (2) ... المعجم الأوسط للطبراني 6 / 262. (3) ... المعجم الأوسط للطبراني 7 / 191، الكامل لابن عدي 3 / 1101. (4) ... الكامل لابن عدي 6 / 2356. سنن البيهقي 7 / 125. تاريخ بغداد 3/ 244. (5) صحيح ابن حبان 9 / 387 – 388. (6) ... الكامل لابن عدي 6 / 2113. (7) ... صحيح ابن حبان 9 / 386. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 128 وروي من طريق محمد بن هارون الحضرمي قال: حدثنا سليمان بن عمر الرقي، قال حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، قال حدثنا ابن جريج به، بلفظ ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (1) . وروي من طريق عيسى بن يونس، عن ابن جريج به، بلفظ ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) (2) . وروي من طرق عن الحجاج بن أرطاة، عن الزهري به، بلفظ ((لا نكاح إلا بولي، والسلطان ولي من لا ولي له)) (3) . وروي من طريق عثمان بن عبد الرحمن الوقّاصي، عن الزهري، به، بلفظ ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (4) . وروي من طريق عبد الله بن فَرّوخ الخراساني عن أيوب بن موسى عن الزهري (5) وأما طريق هشام بن عروة فقد روي من طريق محمد بن يزيد بن سنان، قال حدثنا أبي، عن هشام بن عروة، عن عروة، به (6) . وروي من طريق نوح بن دَرّاج، عن هشام بن عروة، به، بلفظ ((لانكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (7) .   (1) ... سنن البيهقي 7 / 125. (2) سنن الدارقطني 3 / 225 – 227. سنن البيهقي 7 / 125. وعقب الدارقطني عليه بقوله: وكذلك رواه سعيد بن خالد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ويزيد بن سنان ونوح بن دراج وعبد الله بن حكيم أبو بكر، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالوا فيه (شاهدي عدل) ، وكذلك رواه ابن أبي مليكة عن عائشة. (3) مسند الإمام احمد 1 / 250. 6 /260. المصنف لابن أبي شيبة 4 / 130. سنن سعيد بن منصور 3 / 1 / 150. سنن ابن ماجه 1 / 605. مسند أبي يعلى 4 / 387. التمهيد لابن عبد البر 19 / 87. (4) المعجم الأوسط للطبراني 10 / 135. (5) الكامل لابن عدي 4 / 1516. (6) سنن الدارقطني 3 / 227. (7) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 12 / 157. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 129 وروي من طريق مَنْدل بن علي العنزي عن هشام بن عروة به بلفظ: ((لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له)) (1) . وروي من طريق علي بن جميل الرقي، قال حدثنا حسين بن عياش، عن جعفر بن بُرقان، عن هشام بن عروة، به، بلفظ: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدين)) (2) وروي من طريق مُطَرِّف بن مازن الصنعاني عن ابن جريج عن هشام بن عروة (3) . وروي من طريق الحسين بن علوان الكلبي عن هشام بن عروة (4) . وأما حديث علي رضي الله عنه فقد روي من طريق شبيب بن الفضل، قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) (5) . وروي من طريق عبّاد بن العوام، عن الحجاج (بن أرطاة) ، عن حصين (بن عبد الرحمن الحارثي) ، عن الشعبي، عن الحارث (بن عبد الله الأعور) ، عن علي، به، بلفظ: ((لا نكاح إلا بولي، ولا نكاح إلا بشهود)) (6) . وروي من طريق حسين بن عبد الله بن ضُمَيرة، عن أبيه عن جده، عن علي، به، بلفظ: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدين)) (7) . وروي من طريق الإمام أبي حنيفة عن خُصَيف عن جَابِر بن عقيل عن علي رضي الله عنه عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدين، من نكح بغير ولي وشاهدين فنكاحه باطل)) (8) .   (1) مسند أبي يعلى 8 / 191. وروي من طريق مندل عن ليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة. الكامل لابن عدي 6 / 2448. (2) المعجم الأوسط للطبراني 7 / 469 – 470. (3) الكامل لابن عدي 6 / 2374. (4) المصدر السابق 2 / 770. (5) الكامل لابن عدي 4 / 1532. تاريخ جرجان للسهمي ص 297. (6) تاريخ بغداد 2 / 224. (7) تاريخ بغداد 8 / 7. (8) جامع مسانيد الإمام أبي حنيفة 2 / 102. الكامل لابن عدي 1 / 197. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 130 وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقد روي من طريق ثابت بن زهير، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (1) . وروي من طريق أيوب بن عروة، عن أبي مالك الجَنْبي (عمرو بن هاشم) عن عبيد الله، عن نافع، به، بلفظ: ((لا نكاح إلا بولي)) (2) . وأما حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: فرواه محمد بن عبيد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) (3) . وأما حديث أنس رضي الله عنه: فرواه هشام بن سلمان المُجَاشِعي عن يزيد الرَّقَاشي عن أنس عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (4) . ورواه محمد بن علي بن سهل - شيخ ابن عدي - بسنده عن يزيد الرقاشي به (5) . ورواه دينار بن عبد الله عن أنس عن رسول الله (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) (6) . ورواه إسماعيل بن سيف البصري من حديث أنس (7) . وأما حديث أبي أمامة رضي الله عنه: فرواه عمر بن موسى عن أبي غالب عن أبي أمامة عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) (8) .   (1) ... سنن الدارقطني 3 / 225. الكامل لابن عدي 2 / 521، 522. (2) الكامل لابن عدي 1 / 356. ورواه العقيلي من طريق أيوب بن عروة لكن ليس فيه الجزم برفعه إذ قال الراوي (عن ابن عمر أظن رفعه) ، ولفظه: لا نكاح إلا بولي وشاهدين [الضعفاء الكبير للعقيلي 3 / 294] . (3) ... الكامل لابن عدي 6 / 2113. (4) ... المصدر السابق 7 / 2566. 1/ 318. (5) ... المصدر السابق 6/2298. (6) ... المصدر السابق 3/979. (7) ... المصدر السابق 1 / 318. (8) المصدر السابق 6/2298. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 131 وأما حديث سمرة رضي الله عنه: فرواه الفضل بن محمد بن عبد الله الباهلي-شيخ ابن عدي -بسنده عن مكحول عن سمرة عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وإذا أنكح المرأة وليان فالأول أحق بالنكاح)) (1) . المبحث الثاني: حديث ((لا نكاح إلا بولي)) من حيث الدراية أما حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقد رواه جماعة عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن جده أبي إسحاق، عن أبي بُردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه أبي موسى، عن النبي (، وهذه دراسة موجزة للسند: - إسرائيل بن يونس: وثقه أحمد والعجلي وأبو حاتم ومحمد بن عبد الله بن نُمَير وغيرهم، وقال يعقوب ابن شيبة: في حديثه لين. قال إسرائيل: كنت أحفظ حديث أبي إسحق كما أحفظ السورة من القرآن. قال بعضهم ليونس بن أبي إسحق: أمْلِ علي حديث أبيك. فقال: اكتب عن ابني إسرائيل فإن أبي أملاه عليه. ولد سنة /100/وتوفي سنة /161/تقريباً (2) . - أبو إسحق السبيعي عمرو بن عبد الله: اتفقوا على توثيقه، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم، وأشار أحمد وابن معين إلى تغير حفظه في آخر عمره، ونسبه الكرابيسي وابن حبان وأبو جعفر الطبري للتدليس، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وتوفي سنة /127/ تقريباً (3) . - أبو بردة بن أبي موسى الأشعري: اتفقوا على توثيقه، وثقه ابن سعد والعجلي وابن خراش وغيرهم. ولد سنة /22/، وتوفي سنة /104/ تقريباً (4) . توفي والده أبو موسى الأشعري ولأبي بردة ما بين عشرين إلى واحد وثلاثين سنة (5) .   (1) المصدر السابق 6/2043 – 2044. (2) تهذيب التهذيب 1/261 – 263. تهذيب الكمال وحاشيته 2 / 515 – 524 وخاصة ص 523. (3) تهذيب التهذيب 8/63 – 67. (4) تهذيب التهذيب 12/18 – 19. (5) تهذيب التهذيب 5/362 – 363. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 132 قد يقال: إن إسرائيل بن يونس في حديثه لين، وإن أبا إسحاق السبيعي تغير حفظه في آخر عمره، ونسب للتدليس، ثم إن ثلاثة من الرواة عن أبي إسحاق رووا عنه هذا الحديث مرسلاً، فهذه أربعة اعتراضات على إسناد هذا الحديث. فأما ما قيل من لين في حديث إسرئيل فإنه يزول بمتابعة جماعة من الثقات له. وأما ما قيل من تغير حفظ أبي إسحاق في آخر عمره فهذا غير وارد هنا، لأنه قد روى عنه هذا الحديث فضلاً عن حفيده إسرائيل بن يونس ابنه يونس، وهو والد إسرائيل فروايته عنه قديمة، وكذا رواه عنه شريك بن عبد الله، وقد نص الإمام أحمد على أنه سمع منه قديماً (1) . وأما ما نسب إلى أبي إسحاق السبيعي من التدليس فإن سفيان الثوري سأله هل سمع هذا الحديث من أبي بردة، فقال: نعم (2) . ثم إن هذا الحديث قد روي من طريقين آخرين عن أبي بردة، من طريق يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ومن طريق أبي حَصين عثمان بن عاصم الثقفي. فأما طريق يونس عن أبي بردة فروي عنه من طرق (3) ، لكن روي الحديث كذلك من طرق عنه عن أبيه عن أبي بردة، كما تقدم في طرق الحديث من رواية أبيه أبي إسحاق السبيعي، ولم يقل في أي طريق من الطرق التي وقفت عليها حدثني أبو بردة، فربما كان قد سمعه من أبيه عن أبي بردة، فيكون بذلك قد رجع هذا الطريق إلى طريق أبي إسحاق.   (1) تهذيب التهذيب 4/334. (2) سنن الترمذي 3/ 409. (3) ... مسند الإمام أحمد 4/413، 418. سنن أبي داود 2/568. المستدرك للحاكم 2/ 171 سنن البيهقي 7/ 109. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 133 وأما طريق أبي حصين فقد رواه الحاكم في المستدرك، قال: حدثنا أبو علي الحافظ، قال: أنبأنا أبو يوسف يعقوب بن خليفة بن حسان الأَيلي وصالح بن أحمد بن يونس وأبو العباس الأزهري، قالوا حدثنا أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة، قال حدثنا خالد بن يزيد الطبيب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله (: ((لا نكاح إلا بولي)) (1) . - أما أهم ما انتقد به سند هذا الحديث فهو أنه قد اختلف فيه على أبي إسحاق وصلاً وإرسالاً، فتطرق إليه احتمال الإعلال، فلا بد من النظر فيمن رووه مرسلاً ومن رووه موصولاً. فأما من رووه مرسلاً فسفيان الثوري وشعبة وأبو الأحوص سلاّم بن سُليم، وسفيان وشعبة جبلان في الحفظ. وأما من رووه موصولاً فإسرائيل بن يونس، ويونس بن أبي إسحق، وشريك بن عبد الله، وزهير بن معاوية، وقيس بن الربيع، وعبد الحميد بن الحسن الهلالي، وأبو حنيفة وغيرهم، وإسرائيل كان يحفظ حديث جده كما يحفظ السورة من القرآن، فهو وسائر من روى هذا الحديث عن أبي إسحاق السبيعي لا يمكن أن تتوارد رواياتهم كلها على الخطأ بزيادة (أبي موسى الأشعري) وتتفق عليه. فإن قيل: أليس سفيان الثوري وشعبة جبلين في الحفظ وقد أرسلاه؟! فالجواب: بلى، ولكن بين ذلك الإمام الترمذي إذ قال: شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد، ومما يدل على ذلك ما حدثنا محمود بن غيلان قال: أخبرنا أبو داود قال: أنبأنا شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق: أسمعت أبا بردة يقول: قال رسول الله: (لا نكاح إلا بولي) ؟ فقال: نعم (2) . ومحمود بن غيلان متفق على توثيقه (3) ، وأبو داود هو الإمام الحافظ أبو داود الطيالسي صاحب المسند.   (1) المستدرك 2 / 172. (2) سنن الترمذي 3/ 409. (3) تهذيب التهذيب 10 / 64 – 65. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 134 وتبين من هذه الرواية أن رواية شعبة والثوري ليست مأخوذة عن أبي إسحاق في مجلس واحد فحسب، بل لم تكن مأخوذة عنه في مجلس تحديث، وإنما جاءت جواباً على سؤال سفيان الذي كان يريد أن يعرف ما إذا كان أبو إسحاق قد سمع هذا الحديث من أبي بردة سماعاً. ملحوظة: ذكر الإمام الترمذي من روى هذا الحديث عن أبي إسحاق موصولاً وهم إسرائيل وشريك بن عبد الله وأبو عوانة وزهير بن معاوية وقيس بن الربيع، وأبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله اليشكري. وأسقطت ذكر أبي عوانة عامداً، لأنه لم يسمع هذا الحديث من أبي إسحاق وإن كان قد رواه عنه، وإنما سمعه من إسرائيل عن أبي إسحاق، فقد رواه عنه الإمام الطحاوي بالوجهين ثم قال: فرجع حديث أبي عوانة إلى حديث إسرائيل (1) . ومما يؤكد ذلك أن أحمد بن عبدة قال: ثم إن أبا عوانة قال يوماً: لم أسمعه إلا من إسرائيل عن أبي إسحق. فقال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان له: سمعت أبا عونة يذكر هذا؟ . فقال: سمعت يحيى بن حماد يذكر عن أبي عوانة (2) . وإذا انتفت الاعتراضات الأربعة على إسناد هذا الحديث تبين أن سنده صحيح من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن (. هذا وقد صححه شيخ البخاري الإمام علي ابن المديني (3) ، وكذا عبد الرحمن بن مهدي وأبو الوليد الطيالسي (4) . وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: ففي سنده عبد الله بن مُحَرّر، قال عنه عمرو بن علي وأبو حاتم والدارقطني وغيرهم: متروك الحديث (5) .   (1) شرح معاني الآثار 3 / 9. (2) العلل لابن أبي حاتم 2 / 406 وفي المطبوع: لم أسمع من إسرائيل. وفيه تحريف، وأحمد بن عبدة ثقة ويحيى بن حماد ثقة وهو ختن أبي عوانة. (3) قال الإمام البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي ابن المديني [سير أعلام النبلاء للذهبي 11 / 46] . (4) نقله عنهم الحاكم في المستدرك 2 / 170. (5) نهذيب التهذيب 5 / 389 – 390. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 135 وأما حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: ففي طريقه الأول عبد الله بن محرر، وتقدم أنه متروك الحديث. وفي طريقه الثاني عبد الله بن عمرو (بن حسان) الواقعي، قال علي ابن المديني: كان يضع الحديث. وقال أبو زرعة: كان لا يصدق (1) . وأما حديث جابر رضي الله عنه: ففي طريقه الأول عمرو بن عثمان بن سيار الكلابي الرقي قال عنه أبو حاتم: يحدث الناس من حفظه بأحاديث منكرة وقال النسائي والأزدي: متروك الحديث (2) . وفي طريقه الثاني عبد الله بن بزيع قال عنه الدارقطني: ليس بمتروك. لكن قال عنه الساجي: ليس بحجة روى عنه يحيى بن غيلان مناكير. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه ليست بمحفوظة (3) . وفي طريقه الثالث قطن بن نُسير كان أبو زرعة يحمل عليه وقال عنه ابن عدي: يسرق الحديث (4) . وفيه محمد بن عبد الملك قال عنه الإمام احمد وأبو حاتم: كان يضع الحديث. وقال الشافعي والبخاري ومسلم والنسائي: منكر الحديث (5) . وفي طريقه الرابع محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي وهو متفق على تضعيفه، وقال عنه عدد من الأئمة: متروك الحديث (6) . وأما طريقه الخامس فظاهره الصحة، فالسند متصل ورواته كلهم ثقات لا مغمز في واحد منهم، ولكنه معلول. وعلته أن أبا يعلى قد وجد الحديث مكتوبا عنده في موضعين، ونصه في أحدهما: لا نكاح إلا بولي ولا طلاق قبل نكاح، ونصه في الموضع الآخر لاطلاق قبل نكاح، وكأن أبا يعلى قد تردد في نص سماعه فلم يجزم بشيء، وإذا وقع التردد في إثبات لفظ ونفيه لم يجز إثباته بالشك.   (1) لسان الميزان 3 / 320. (2) تهذيب التهذيب 8 / 76 – 78. (3) لسان الميزان 3 / 263. (4) تهذيب التهذيب 8 / 382 – 383. (5) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 8 / 4. لسان الميزان 5 / 265 – 266. الكامل لابن عدي 6 / 2166 – 2170. (6) ... تهذيب التهذيب 9/ 322 – 324. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 136 ومما يؤكد أن جملة لا نكاح إلا بولي ليست من أصل الحديث عدم ورودها عند الرواة الآخرين الذين رووه من هذا الطريق، فمن ذلك أن محمد بن سنان القزاز قد رواه عن أبي بكر الحنفي دون هذه الزيادة (1) ، وأن وكيع بن الجراح وأبا داود الطيالسي قد روياه عن ابن أبي ذئب كذلك دون هذه الزيادة (2) . وهذا ما يفسر لنا تعليق ابن عدي رحمه الله بقوله: وهذا إنما هو لا طلاق قبل نكاح بهذا الإسناد. وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما من طريق سعيد بن جبير عنه ففي طريقه الأول عدي بن الفضل، اتفقوا على تضعيفه وقال عنه النسائي وابن معين في رواية: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال الدارقطني: متروك (3) . وقد خالفه في رفع الحديث عن ابن خُثيم: سفيان الثوري من الطرق المحفوظة عنه وابن جريج وجعفر ابن الحارث كما سيأتي. وأما طريقه الثاني فمعلول، رواه عبيد الله بن عمر القواريري وهو متفق على توثيقه (4) عن جماعة من الثقات عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً، هكذا رواه عنه اثنان جازمين بالرفع، ورواه عنه ثالث وفيه التردد برفع الحديث، فيبدو أنه وقع له تردد في رفعه بعد أن كان جازماً بالرفع، وقد خالفه في رفع الحديث عن سفيان الثوري وكيع وعبد الرزاق، كما سيأتي، ولهذا قال البيهقي رحمه الله: تفرد به القواريري مرفوعاً،والقواريري ثقة إلا أن المشهور بهذا الإسناد موقوف على ابن عباس (5) .   (1) سنن البيهقي 7 / 319. (2) المستدرك للحاكم 2 / 420. سنن البيهقي 7 / 319. (3) تهذيب التهذيب 7 / 169 – 170. (4) تهذيب التهذيب 7 / 40 – 41. (5) سنن البيهقي 7 / 124. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 137 ورواية ثقتين بوقف الحديث أولى من رواية ثقة واحد برفعه، وخاصة إذا تردد في رفعه في بعض الأوقات.ثم إذا ارتقينا درجة في سلم الإسناد لوجدنا ابن جريج وجعفر بن الحارث يرويان الحديث عن ابن خثيم موقوفاً، وهذا يؤكد صحة رواية ذينِك الثقتين، وأن الثالث قد وهم. أما طريق عكرمة عن ابن عباس ففيه الحجاج بن أرطاة، وصفه أحمد والبزار بالحفظ، وضعفه ابن سعد، ولينه سائر النقاد، ووصفوه بالتدليس، وقال أبو حاتم: يدلس عن الضعفاء.وأشار ابن المبارك إلى أنه يدلس عن المتروكين، وقال الدارقطني: كثير الوهَم (1) . وهو فضلاً عما فيه من لين فإنه لم يصرح بالسماع. وأما الطريق الذي خلا عن (الحجاج بن أرطاة) وفيه بدلاً منه خالد الحذاء فلا يعول عليه، لأنه معلول. وعلته أن سهل بن عثمان راويَه عن ابن المبارك اختلف عليه فيه، فقال مرة (عن الحجاج بن أرطاة) وقال مرة (عن خالد الحذاء) ، وحيث إن أبا كُريب رواه عن ابن المبارك عن (ابن أرطاة) فتبين أن هذه هي الرواية المحفوظة، وأن عبد الله بن المبارك لم يرو هذا الحديث إلا عن الحجاج بن أرطاة، فالطريق التي فيها غير ذلك خطأ (2) . وأما طريق عطاء عن ابن عباس ففيه النهاس به قهم، متفق على تضعيفه، وقال ابن معين وأبو حاتم: ليس بشيء (3) .   (1) تهذيب التهذيب 2 / 196 – 198. العلل للدارقطني 6 / 123. (2) ومما يؤكد أن بعض الرواة عن سهل بن عثمان قد أخطؤوا في نقل هذا الحديث جواب عبدان لما سئل عن هذا الحديث إذ قال: حدثنا إبراهيم بن حرب وراق سهل بن عثمان قبل أن يقدم علينا سهل قال: حدثنا سهل حدثنا ابن المبارك عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي، ثم قدم علينا سهل بن عثمان فسألناه عن هذا الحديث فقال: إنما حدثناه ابن المبارك عن حجاج بن أرطاة عن عكرمة عن ابن عباس [الكامل لابن عدي 3 / 1139] . (3) تهذيب التهذيب 10 / 478. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 138 وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ففي طريقه الأول عمر بن قيس المكي، متفق على تضعيفه، وقال عمرو بن علي وأبو حاتم والنسائي: متروك الحديث. (1) . وفي طريقه الثاني سليمان بن أرقم، قال عنه ابن معين: ليس بشيء، ليس يسوى فلساً. وقال أبو حاتم والترمذي وأبو أحمد الحاكم وغيرهم: متروك الحديث (2) . وفي طريقه الثالث المغيرة بن موسى، ضعفه أكثر النقاد، وقال البخاري: منكر الحديث (3) . وفي طريقه الرابع أبو عامر الخزاز صالح بن رستم، وثقه أبو داود الطيالسي وأبوداود السجستاني والبزار ومحمد بن وضاح، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أحمد: صالح الحديث. وقال العجلي: جائز الحديث. وضعفه ابن معين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال أبو أحمد الحاكم والدارقطني: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: وهو عندي لابأس به، ولم أر له حديثا منكراً جداً (4) . فهذا الراوي من أهل الصدق والعدالة، وصاحب أوهام وأغلاط، وعلى هذين الأمرين تتنزل أقوال الموثقين والمجرحين، والذي يظهر لي أن رفعه لهذا الحديث من أغلاطه، وقد خالفه أيوب السختياني فرواه عن ابن سيرين موقوفاً، كما سيأتي. وأما حديث عائشة رضي الله عنها: من طريق الزهري مما رواه ابن جريج عن سليمان بن موسى عنه ففي طريقه الأول حفص بن غياث عن ابن جريج، وقد كان حفص من الثقات إلا أنه ساء حفظه بعد أن ولي القضاء، ونسبه أحمد وابن سعد للتدليس (5) . ولم يصرح بسماع هذا الحديث من ابن جريج، ففي السند شبهة الانقطاع.   (1) ... تهذيب التهذيب 7 / 490 – 493. (2) تهذيب التهذيب 4 / 168 – 169. (3) لسان الميزان 6 / 79 – 80. (4) تهذيب التهذيب 4 / 391. (5) ... تهذيب التهذيب 2 / 415 – 418. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 139 وفي طريقه الثاني خطأ في السند حيث جاء فيه من طريق أبي العباس عصم بن العباس الضبي قال: حدثنا محمد بن هارون الحضرمي، قال: حدثنا سليمان بن عمر الرقي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، قال: حدثنا ابن جريج. ورواه الدارقطني -كما في الطريق الذي يلي هذا -قال: حدثنا محمد بن هارون الحضرمي، به. لكن عنده (عيسى بن يونس) بدلاً من (يحيى بن سعيد الأموي) ، والدارقطني إمام ثقة حافظ مصنف، فروايته هي المحفوظة، فرجع هذا الطريق إلى الطريق الذي يليه. وفي طريقه الثالث اختلاف في المتن، فهو هنا بهذا اللفظ، بينما رواه أبو يوسف الرقي محمد بن أحمد بن الحجاج عن عيسى بن يونس عن ابن جريج بلفظ: ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها وشاهدي عدل فنكاحها باطل)) (1) ، فلا بد من الترجيح بين اللفظين، ويبدو أن الراجح هو ما رواه أبو يوسف الرقي، بدليل الفقرة التالية. ثم إن روايةً اختلف على راويها في تسمية راو في السند أو اختلف عليه في حكاية لفظ المتن أو رويت من طريق راو مدلس لم يصرح بالسماع؛ كيف تقف أمام ما رواه ثلاثة عشر راوياً -فيهم السفيانان وابن المبارك وابن وهب-كلهم عن ابن جريج بالسند ذاته بغيرهذا اللفظ؟!!! وروايتهم بلفظ ((أيما امراة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)) ، فهذا هو اللفظ المحفوظ عن ابن جريج كما سيأتي، ولفظ ((لا نكاح إلا بولي)) بهذا الإسناد معلول. وفي الطريق الثاني عن الزهري الحجاج بن mأرطاة عنه، وقد تقدم أنه كثير الوهَم ويدلس عن الضعفاء والمتروكين، ويضاف هنا أنه كان قد صرح بأنه لم ير الزهري، فالسند ضعيف بسبب الانقطاع فضلاً عن كثرة أوهام الراوي.   (1) ... سنن البيهقي 7 / 124 – 125 وعقب البيهقي عن الإمام الحافظ أبي علي النيسابوري أن أبا يوسف الرقي من حفاظ أهل الجزيرة ومتقنيهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 140 وفي الطريق الثالث عن الزهري عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عنه، وهو متفق على تضعيفه، وقال عنه جماعة من النقاد: متروك الحديث. ونسبه ابن معين للكذب (1) . وأما طريق هشام بن عروة ففي طريقه الأول محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه عنه، ومحمد بن يزيد بن سنان ذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه الحاكم، وضعفه جمهور النقاد لغفلته وروايته المناكير، وأبوه يزيد بن سنان اتفق النقاد على تضعيفه، ووصف بأنه روى المناكير الكثيرة، وأنه منكر الحديث، وأنه متروك الحديث (2) . وفي طريقه الثاني نوح بن دراج عنه، وقد وثقه ابن نمير، ولكن ضعفه جمهور النقاد، واتهم بالكذب ووضع الحديث وأنه حدث عن الثقات بالموضوعات (3) . وفي طريقه الثالث مندل بن علي العنزي عنه، وقد قال عنه ابن معين في رواية: لابأس به. وكذا أبو حاتم في رواية، وضعفه جمهور النقاد، لرفع المراسيل وإسناد الموقوفات ورواية المناكير (4) . وفي طريقه الرابع علي بن جميل الرقي، قال عنه ابن حبان: يضع الحديث وضعاً. وضعفه سائر النقاد (5) . وفي طريقه الخامس مطرف بن مازن الصنعاني، متفق على تضعيف (6) . وفي طريقه السادس الحسين بن علوان الكلبي، وهو متهم بالكذب ووضع الحديث (7) .   (1) تهذيب التهذيب 7 / 133 – 134. (2) تهذيب التهذيب 9 / 524 – 525. 11/ 335 – 336. (3) ... تهذيب التهذيب 10 / 482 – 484. (4) تهذيب التهذيب 10 / 298 – 299. (5) ... كتاب المجروحين لابن حبان 2 / 116. لسان الميزان 4 / 209 – 210. (6) لسان الميزان 6 / 47 – 48. (7) المصدر السابق 2 / 299 – 300. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 141 وأما حديث علي رضي الله عنه: ففي طريقه الأول عبد الله بن أبي جعفر الرازي وهو مختلف فيه، وفيه قيس بن الربيع وهو مختلف فيه، أثنى عليه ووثقه جماعة من معاصريه، وضعفه آخرون لروايته المناكير، وذكر علي ابن المديني وابن نمير وأبو داود الطيالسي وابن حبان أن الآفة من ابنه حيث أدخل عليه في كتبه ما ليس من حديثه فحدث بذلك وهو لا يشعر، وفي هذا الطريق الحارث ابن عبد الله الأعور، وهو مختلف فيه وضعفه الأكثرون واتهمه جماعة بالكذب (1) . وفي طريقه الثاني حجاج بن أرطاة وقد تقدم أن أكثر النقاد لينوه لكثرة أوهامه ثم هو مدلس ولم يصرح بالسماع، وفيه حصين [بن عبد الرحمن الحارثي] وقد نقل أبو حاتم عن الإمام أحمد ان أحاديثه مناكير فلا ينفعه ذكر ابن حبان في الثقات، وفيه الأعور وقد تقدم حاله قريبا (2) . وفي طريقه الثالث حسين بن عبد الله بن ضميرة وقد كذبه مالك وأبو حاتم وابن الجارود وقال غيرهم: متروك الحديث (3) . وفي طريقه الرابع خصيف [بن عبد الرحمن الجزري] وهو مختلف فيه وقال ابن حبان: تركه جماعة من أئمتنا واحتج به آخرون وكان شيخا فقيها عابدا إلا أنه كان يخطئ كثيرا فيما يروي (4) وفيه جابر بن عقيل ولم أجد له ترجمة فلعله في عداد المجهولين. وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ففي طريقه الأول ثابت بن زهير فقد اتفق النقاد على تضعيفه وقال عنه البخاري والساجي والدارقطني: منكر الحديث، وقال عنه أبو حاتم: ضعيف الحديث لا يشتغل به (5) .   (1) ... تهذيب التهذيب 5 / 176 – 177. 8 / 391 – 395. 2 / 145 –147. (2) ... تهذيب التهذيب 2 / 383. (3) ... ميزات الاعتدال 2 / 293. لسان الميزان 2 / 289 – 290. (4) ... تهذيب التهذيب 3 / 143 – 144. (5) ... لسان الميزان 2 / 76 – 77. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 142 وفي طريقه الثاني عمرو بن هاشم أبو مالك الجنبي وقد ضعفه جمهور النقاد وقال فيه ابن معين: لم يكن به بأس وقال فيه البخاري: فيه نظر. وضعفه مسلم وغيره وقال فيه ابن حبان: كان يقلب الأسانيد ويروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات لا يجوز الاحتجاج بخبره (1) . وأما حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ففيه محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي، وقد تقدم أنه متروك الحديث. وأما حديث أنس رضي الله عنه ففي طريقه الأول هشام بن سلمان المجاشعي وهو ضعيف (2) ، وفيه يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف متروك الحديث (3) . وفي طريقه الثاني محمد بن علي بن سهل الأنصاري المروزي وقد قال فيه الإسماعيلي: لم يكن بذاك.واتهمه الذهبي بإحدى الروايات المنكرة وقال: ما أرى الآفة إلا منه. وذكره سبط ابن العجمي فيمن اتهموا بوضع الحديث (4) . وفيه يزيد الرقاشي وقد تقدم قريبا أنه ضعيف متروك الحديث وفي طريقه الثالث دينار مولى أنس وقد حدث وروى عنه بوقاحة في حدود سنة 240، وهو ممن قيل فيه: يروي الموضوعات (5) . وفي طريقه الرابع إسماعيل بن سبف البصري وقد ذكره ابن حبان في الثقات، لكن ضعفه البزار وأبو يعلى وعبدان الأهوازي، وقال عنه ابن عدي: يسرق الحديث (6) .   (1) ... تهذيب التهذيب 8 / 111 – 112. (2) ... لسان الميزان 6 / 194 – 195. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 9 / 62. (3) ... تهذيب التهذيب 11 / 309 – 311. (4) ... ميزان الاعتدال 6 / 264.لسان الميزان 5 / 295. الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث لسبط ابن العجمي ص 241. (5) ... لسان الميزان 2 / 434 – 435. وإنما قيل فيه تلك الكلمة الجارحة لأنه حدث عن أنس رضي الله عنه بعد وفاته بمئة وخمسين عاما مدعيا لقاءه وهو لم يدركه. (6) ... المصدر السابق 1 / 409. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 143 وأما حديث أبي أمامة رضي الله عنه ففيه عمر بن موسى الوجيهي وهو أحد الوضاعين (1) . وأما حديث سمرة رضي الله عنه ففيه الفضل بن محمد بن عبد الله الأنطاكي الأحدب وهو متهم بالكذب ووضعه الحديث (2) . مناقشة الإمام الطحاوي للاستدلال بهذا الحديث: مال الإمام الطحاوي رحمه الله إلى أن حديث: ((لانكاح إلا بولي)) مرسل، حيث إنه رواه من طريق سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي بُردة عن النبي (مرسلا، ليس فيه ذكر لأبي موسى الأشعري، ورواه من طريق إسرائيل بن يونس وقيس بن الربيع وأبي عوانة، كلهم عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي (موصولا، ورواه من بعض الطرق عن أبي عوانة عن إسرائيل عن أبي إسحاق، فرجع طريق أبي عوانة إلى إسرائيل، فلم يبق أمامه سوى رواية سفيان وشعبة بالإرسال، ورواية إسرائيل وقيس بن الربيع بالوصل، وسفيان وشعبة أقوى من هذين بكثير، فترجحت - بناء على ذلك - رواية الإرسال، والمرسلُ -عند المحدثين - ليس مما تقوم به حجة. (3) وإن أهم مايزيل هذا الاعتراض هو أن الراويين اللذين رويا هذا الحديث موصولا لم ينفردا بذلك، بل تابعهم على روايته بالوصل كل من يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وشريك بن عبد الله النخعي، وزهير بن معاوية، وعبد الحميد بن الحسن الهلالي، والإمام أبو حنيفة، مما يجعل الواقف على هذه الطرق يجزم بثبوت رواية الوصل وأنها ليست من باب الوهَم. (4)   (1) ... المصدر السابق 4 / 332 - 334. (2) ... المصدر السابق 4 / 448. (3) ... شرح معاني الآثار للطحاوي:3/8-9. (4) ... وقد سبق ذكر قرائن أخرى وروايات كثيرة للحديث تؤكد صحته وثبوته عند الكلام على هذا الحديث من حيث الدراية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 144 من أن الإمام الطحاوي -رحمه الله -وضع احتمال ثبوت الحديث وسلامة سنده من علة الإرسال، فأورد عدة احتمالات في فهم الحديث بحيث تبعده عن مجال الاحتجاج به لقول الجمهور، وذلك إذ يقول: لو ثبت عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) لم يكن فيه حجة لما قال الذين احتجوا به لقولهم في هذا الباب، لأنه قد يحتمل معاني: فيحتمل ما قال هذا المخالف لنا أن ذلك الولي هو أقرب العَصَبة إلى المرأة، ويحتمل أن يكون ذلك الولي من توليه المرأة من الرجال قريبا كان منها أو بعيدا، … ويحتمل أن يكون الولي هو الذي إليه ولاية البضع من والد الصغيرة أو مولى الأمة أو بالغةً حرة لنفسها، فيكون ذلك على أنه ليس لأحد أن يعقد نكاحا على بضع إلا ولي ذلك البضع، وهذا جائز في اللغة، قال الله تعالى: (فليملل وليه بالعدل ( [البقرة 282] ، فقال قوم: ولي الحق هو الذي له الحق (1) . فكأن الإمام الطحاوي -رحمه الله - يقول لنا: ما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال. فالجواب: أن ليس كل ما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال، لأنه لو أُخذ بهذا القول على إطلاقه لما كاد يسلم استدلال لمستدل، إذ أين الدليل الذي لايتطرق إليه احتمال قوي ولاضعيف ولا واهن؟!! فلا بد من التفريق بين الاحتمال القوي والاحتمال الضعيف والواهن، والذي يفصل في تمييز الاحتمالات وترتيبها هو القرائن. ولاشك أن من أقوى القرائن المعينة على فهم معنى الحديث تبادر المعنى إلى الأذهان، وخاصة أذهان الصحابة والتابعين.   (1) ... شرح معاني الآثار للطحاوي:3/10. ... الجزء: 10 ¦ الصفحة: 145 وأما الاحتمال الأخير الذي أورده فهو إخلاء للنص عن الفائدة، وهذا مرجوح، إذ المعنى على هذا الاحتمال: لا يصح عقد على بُضع إلا بأن يعقده ولي ذلك البضع، وهذا تحصيل حاصل، بخلاف ماإذا فُسر الحديث بالمعنى الذي فهمه جمهور الصحابة والتابعين، وهو أنه لايصح عقد نكاح المرأة إلا بأن يعقده لها وليها الذي له عليها ولاية التزويج، فهذا تأسيس لمعنى يستفاد من النص، وهو أولى من حمله على معنى لا يتجاوز ماهو مسّلم معروف ببديهة العقول قبل ورود النص، وهو أنه لايصح لأحد أن يعقد على شيء إلا من له الحق في العقد عليه. قد يُقال: إن المراد في الحديث نفي كمال النكاح، لا نفي صحته، فالجواب أن ((لا)) في قوله (( (لانكاح إلا بولي)) نافية للجنس، واسمها نكرة، والنكرة في سياق النفي للعموم، ثم إن الأصل في النفي نفي الحقيقة، فيكون المعنى هنا نفي الجواز والصحة، وأما حمله على أن المراد به نفي الكمال فهذا خلاف الأصل، ولايصار إليه إلا بقرينة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 146 هذا وإن من أهم ما يؤكد دلالة الحديث على أن المرأة لا تعقد عقد نكاحها لنفسها دون وليها: تضافر الآثار الواردة عن الصحابة وجمهور التابعين على أنه لا نكاح إلا بولي، منهم عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم، وجابر بن زيد والحسن البصري وشريح وابن سيرين وسعيد بن المسيب وبكر بن عبد الله المزني وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم النخعي ومكحول وغيرهم من التابعين رحمهم الله (1)   (1) ... انظر: الموطأ للإمام مالك: 2 / 525. الأم للشافعي 5 / 13، 19، 22. مصنف عبد الرزاق 6 / 196 – 200، 202. مصنف ابن أبي شيبة 4 / 129 – 132، 135.سنن سعيد بن منصور 3 / 1/ 149 – 151، 154، 158. الأوسط لابن المنذر 3/ 187 ب، 190 ب. أخبار القضاة لوكيع 2 / 249، 255، 296. سنن الدارقطني 3 / 225، 227 – 229. سنن البيهقي 7 / 110 – 113، 124 – 127.معرفة السنن والآثار للبيهقي 5/ 236 – 237. شرح السنة للبغوي 9 / 45. ومعظم أسانيد هذه الآثار جيدة، انظر البحث الذي كتبته بعنوان: حديث لا نكاح إلا بولي من حيث الدلالة على المعنى المستفاد، ولعله ينشر قريبا بإذن الله. المصادر والمراجع الإحسان = صحيح ابن حبان. أخبار القضاة: وكيع: عالم الكتب، بيروت، مصورة. الأم: الإمام الشافعي، دار المعرفة، بيروت، مصورة. الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف: ابن المنذر، مخطوطة أحمد الثالث باستانبول، رقم المخطوطة 1110. البحر الزخار = المسند للبزار. تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، مصورة. تاريخ جرجان: السهمي، عالم الكتب، بيروت، ط 4، 1407 / 1987. التاريخ الكبير: البخاري، دار الفكر، بيروت، مصورة. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: ابن عبد البر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، 1387 / 1967. تهذيب التهذيب: ابن حجر، حيدر آباد الدكن، الهند، ط 1، 1325. تهذيب الكمال: المزي، ت د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1403 / 1983. جامع مسانيد الإمام أبي حنيفة: الخوارزمي، دار الكتب العلمية، بيروت، مصورة. الجرح والتعديل: ابن أبي حاتم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، مصورة. سنن ابن ماجه، ت محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1372 / 1952. سنن أبي داود، ت عزة عبيد دعاس،دار الحديث، حمص، ط 1، 1388/ 1969. سنن البيهقي، دار المعرفة، بيروت، مصورة. سنن الترمذي: ت الشيخ أحمد محمد شاكر وغيره، دار الكتب العلمية، بيروت، مصورة. سنن الدارقطني: ت عبد الله هاشم يماني، دار المعرفة، بيروت، 1386 / 1966. سنن الدارمي: ت د مصطفى البغا، دار القلم، دمشق، ط 1، 1412 / 1991. سنن سعيد بن منصور: ت الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405 / 1985. سير أعلام النبلاء: الذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4، 1406 / 1986. شرح السنة: البغوي، ت الشيخ شعيب الأرناءوط، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1403 / 1983. شرح معاني الآثار: الطحاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1407 / 1988. صحيح ابن حبان [الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان] : ابن بلبان، ت الشيخ شعيب الأرناءوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1408 / 1988. الضعفاء الكبير: العقيلي، ت د عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1404 / 1984. العلل للدارقطني، ت د محفوظ الرحمن السلفي، دار طيبة، الرياض، ط1، 1405/ 1985 علل الحديث: ابن أبي حاتم، دار السلام، حلب، مصورة. الكامل في ضعفاء الرجال: ابن عدي، دار الفكر، بيروت، ط2، 1405 / 1985. لسان الميزان: ابن حجر، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، مصورة عن الطبعة الهندية الأولى. المجروحين: ابن حبان، ت محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، ط1، 1396. المستدرك: الحاكم، دار الكتاب العربي، بيروت، مصورة. المسند: أبو داود الطيالسي، دار المعرفة، بيروت، مصورة. المسند: أبو يعلى، ت حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، ط1، 1404 / 1984. المسند: الإمام أحمد، دار الفكر، بيروت، مصورة. المسند: البزار، ت د محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن، بيروت، ط1، 1409 / 1988. المصنف: ابن أبي شيبة، ت عامر العمري الأعظمي، الدار السلفية، بومباي. المصنف: عبد الرزاق الصنعاني، ت الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1403 / 1983. المعجم الأوسط: الطبراني، ت د محمود أحمد الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1405 / 1985. المعجم الكبير: الطبراني، ت حمدي عبد المجيد السلفي، ط2. معرفة السنن والآثار: البيهقي، ت د عبد المعطي قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي، ط1، 1411/ 1991. المنتقى: ابن الجارود، دار القلم، بيروت، ط1، 1407 / 1987. الموطأ: الإمام مالك، ت محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، مصورة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 147 أهم نتائج البحث: حديث لا نكاح إلا بولي حديث صحيح ثابت من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله (. لم يصح هذه الحديث من طريق أي صحابي آخر، فلم تخل أسانيد تلك الطرق من راو متهم أو شديد الضعف. لا يجوز للمرأة أن تعقد عقد زواجها بنفسها دون ولي. لا بد للمرأة من ولي يعقد لها عقد زواجها أو يأذن لمن يعقد لها، وهذا لا يلغي أمره باستئمارها إذا كانت ثيبا واستئذانها إذا كانت بكرا. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. الحواشي والتعليقات الجزء: 10 ¦ الصفحة: 148 حديث: (احفظ الله يحفظك) دراسة عقدية د. محمد بن عبد العزيز بن أحمد العلي أستاذ مساعد بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - بكلية أصول الدين-الرياض جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ملخص البحث هذا البحث هو شرح لحديث رسول الله (في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما حينما قال له وهو رديفه: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) ، وفي رواية: (احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) . وهذا الحديث، وإن سبق شرحه قديماً وحديثاً، إلا أني لم أقف على من درسه دراسة عقدية تبرز ما فيه من مسائل كثيرة تتعلق بأساس الدين وأصله، إذ فيه من المسائل المتعلقة بألوهية الله وربوبيته وأسمائه وصفاته ونحو ذلك مما يؤكد الحاجة الضرورية لدراسته. ولهذا كتبت فيه هذا البحث الذي بدأته بمقدمة ذكرت فيها أهميته وسبب اختياره، ثم كتبت تمهيداً ضمنته ذكر الحديث برواياته، ثم شرحه إجمالاً، مع بيان مكانته وما قاله العلماء فيه، ثم قسمت البحث إلى اثني عشر مبحثاً، جعلت كل فقرة من فقراته في مبحث خاص، ثم ختمته بخاتمة ذكرت فيها أهم نتائجه، ثم وضعت فهرساً لأهم المصادر والمراجع التي أفدت منها. وإني لأنبه إلى أن هذا الحديث لا يزال بحاجة إلى عناية خاصة بالتأليف لما اشتمل عليه من مسائل عظيمة. أسأل الله إخلاص النية، وصلاح العمل وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم. المقدمة: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 149 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله صحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد. فإن رسول الله (أعطي (فواتح الكلام وجوامعه وخواتمه) (1) ، ويتضح ذلك لكل من تتبع سنته واقتفى أثره، وكان (حريصاً كل الحرص على نجاة أمته، بتعليمها وتربيتها التربية النبوية العقدية القويمة، يفعل ذلك في كل أوقاته، حتى أثناء تنقله من مكان إلى آخر، كما في أحاديث، منها وصيته (لابن عباس رضي الله عنهما عندما كان رديفه على الدابة، وهو موضوع هذا البحث، وهذا الحديث العظيم وإن كان موجهاً من رسول الله (إلى ابن عباس رضي الله عنهما إلا أنه وصية عظيمة القدر للأمة جمعاء، وإرشاد نبوي لكل من أراد النجاة في الدنيا والآخرة. هذا وقد اعتنى العلماء بهذا الحديث، قديماً وحديثاً، شرحاً وتفصيلاً، فتتبعت ما كتب فيه فرأيت أنه بحاجة إلى دراسة عقدية تظهر ما فيه من مسائل عظيمة تتعلق بأشرف العلوم وأجلها قدراً، وأوجبها مطلباً، وهو علم التوحيد، لأنه مفتاح الطريق إلى الله (وأساس الشرائع قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ((2) . فإن كثيراً مما كتب في شرح هذا الحديث اعتنى ببسط مسائله الوعظية، وفي هذا خير عظيم، والأمة بحاجة ماسة إلى من يذكرها ويعظها بما جاء في كتاب الله تعالى وثبت في سنة رسوله (، إلا أن التركيز على مسائله العقدية من أهم المهمات. وهذا لا يعني أن من كتب في شرحه أغفل مسائل العقيدة لكنه أجمل في ذكرها مقارنة مع ما في الحديث من مسائل كبيرة.   (1) ... جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد 1/ 408، و1/ 437. وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/472 ح 1483. (2) ... سورة النحل، الآية 36. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 150 ومن أفضل ما قرأته المملكة العربية السعودية ما كتبه أسلافنا شرح ابن دقيق العيد (ت 702هـ) في كتابه (شرح الأربعين حديثاً النووية) ، وشرح ابن رجب (ت 795 هـ) في كتابه (جامع العلوم والحكم) و (نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي (لابن عباس) وغيرهما، وبخاصة ممن كتب في شرح الأربعين النووية. إلا أنه كما ذكرت آنفاً رأيت أن الحديث بحاجة إلى دراسة عقدية تبرز ما فيه من مسائل أُجمل في ذكرها، وبخاصة أنه قد تناوله بالشرح ممن هو ليس على عقيدة السلف، فظهرت آثار ذلك في شرحه. وقد بدأت البحث بمقدمة ذكرت فيها أهمية وسبب الكتابة في هذا الموضوع، ثم تمهيداً ذكرت فيه الحديث ومكانته وشرحه إجمالاً. بعد ذلك قسمت البحث إلى اثني عشر مبحثاً، كل فقرة في الحديث جعلتها في مبحث مستقل. ثم ختمت هذه الدراسة بخاتمة كتبت فيها أهم ما توصلت إليه إجمالاً. أسأل الله إخلاص النية وصلاح العمل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. التمهيد: متن الحديث: عن أبي العباس عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما – قال: كنت خلفَ النبي (يوماً فقال: (يا غلامُ إني أُعَلِّمُك كلمات: احفظِ الله يحفظك، احفظِ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف) (1) .   (1) ... رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب 59، ح 2516، والإمام أحمد 1/ 293، 303، وأخرجه الطبراني في الكبير ح 1298، وأبو نعيم في الحلية 1/ 314. وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير 2/ 1318 ح 7957. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 151 وفي رواية: (احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) . وفي رواية: (يا فتى ألا أهب لك ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنه قد جف القلم بما هو كائن، واعلم بأن الخلائق لو أرادوك بشيء لم يردك الله به لم يقدروا عليه، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) (1) . مكانة الحديث: حديث ابن عباس هذا حديث عظيم – وكل أحاديث الرسول (عظيمة وشريفة - فهو أمر نبوي كريم بحفظ الدين، وبيان لنتيجة ذلك، وهو نصر الله وتأييده وحفظه لمن حفظ دينه، وقد اشتمل هذا الحديث على مسائل عقدية تعد أصولاً عظيمة، من الإيمان بالله والإخلاص له بالعبادة والتوكل عليه والاستعانة به، والقضاء والقدر، والاتباع لما جاء به رسوله (.   (1) ... الروايتان في مسند الإمام أحمد 1/ 293، و1/ 303،307 وعند أبي يعلى 2/ 665، والحاكم في مستدركه 3/ 541، والطبراني في المعجم الكبير 3/ 121. وصححه الألباني: انظر كتاب السنة لابن أبي عاصم، تخريج الألباني 1/ 138،139، ورياض الصالحين بتحقيق الألباني ص 63، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 5/ 496، 497 ح 2382. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 152 ومما يدل على مكانته اختيار النووي (ت 676هـ) له أن يكون ضمن الأربعين حديثاً التي جمعها، وكان رقمه التاسع عشر، وذكر سبب اختياره لها بقوله: ((وقد استخرت الله تعالى في جمع أربعين حديثاً … ، ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين، وبعضهم في الفروع، وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخطب، وكلها مقاصد صالحة، رضي الله عن قاصديها، وقد رأيت جمع أربعين أهم من هذا كله، وهي أربعون حديثاً مشتملة على جميع ذلك، وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين، قد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه، أو هو نصف الإسلام، أو ثلثه، أو نحو ذلك … ، وينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث لما اشتملت عليه من المهمات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات، وذلك ظاهر لمن تدبره)) (1) . كما اختاره النووي أيضاً ليكون ضمن كتابه القيم (رياض الصالحين) ، ووضعه في الباب الخامس، باب المراقبة، من الكتاب الأول، فكان رقمه الثاني والستين من جملة الأحاديث التي بلغت 1896 حديثاً، وقد قال في مقدمتها: ((فرأيت أن أجمع مختصراً من الأحاديث الصحيحة، مشتملاً على ما يكون طريقاً لصاحبه إلى الآخرة، ومحصلاً لآدابه الباطنة والظاهرة، جامعاً للترغيب والترهيب، وسائر أنواع آداب السالكين، من أحاديث الزهد، ورياضات النفوس، وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح، وإزالة اعوجاجها، وغير ذلك من مقاصد العارفين)) (2) . وقد وجد هذان الكتابان قبولاً عظيماً عند العلماء، وطلبة العلم بعد النووي، إذ كثر انتشارهما، واعتني بهما بالشرح والتعليق.   (1) ... متن الأربعين النووية ص 11- 12. (2) ... رياض الصالحين ص 28. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 153 وقد اعتنى العلماء بهذا الحديث خاصة، وشرحوه، وبينوا منزلته، ومن ذلك ما ذكره ابن رجب الحنبلي (ت 795هـ) حيث قال: ((هذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة، وقواعد كلية من أهم أمور الدين، وأجلِّها، حتى قال الإمام أبو الفرج في كتابه (صيد الخاطر) : تدبرت هذا الحديث، فأدهشني، وكدت أطيش، فوا أسفي من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه)) (1) . وقال ابن حجر الهيتمي (ت 974هـ) بأن هذا الحديث اشتمل على ((هذه الوصايا الخطيرة القدر، الجامعة من الأحكام والحكم والمعارف ما يفوق الحصر)) (2) . وقال ابن عثيمين: ((فهذا الحديث الذي أوصى به عبد الله بن عباس ينبغي للإنسان أن يكون على ذكر له دائماً، وأن يعتمد على هذه الوصايا النافعة، التي أوصى بها النبي (ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما)) (3) . شرح الحديث إجمالاً: قوله: (كنت خلف النبي () أي راكباً معه، ورديفه. قوله: (فقال: يا غلام … ) قال له: (يا غلام) ؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيراً، فإن الرسول (توفي وعمر ابن عباس ثلاث عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة سنة (4) . قوله: (إني أعلمك كلمات) ذكر له ذلك قبل ذكر الكلمات، ليكون ذلك أوقع في نفسه، وجاء بها بصيغة القلّة؛ ليؤذنه أنها قليلة اللفظ؛ فيسهل حفظها (5) . قوله (: (احفظ الله) أي احفظ حدوده، وحقوقه، وأوامره ونواهيه. وحفظ ذلك يكون بالوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به، وأذن فيه إلى ما نهى عنه، فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله.   (1) ... جامع العلوم والحكم ص 462. (2) ... فتح المبين لشرح الأربعين ص 172. (3) ... شرح رياض الصالحين ص 456. (4) ... انظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 10/ 53. (5) ... انظر فتح المبين لشرح الأربعين ص 171. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 154 وأعظم ما يجب حفظه التوحيد، وسلامة العقيدة، فهي الأصل والأساس لبقية أركان الإيمان والإسلام، التي يجب حفظها، بالإيمان بها قولاً وعملاً واعتقاداً، إخلاصاً لله تعالى، واتباعاً لما جاء به رسول الله (. قال ابن دقيق العيد (ت 702هـ) في معنى (احفظ الله) : ((ومعناه كن مطيعاً لربك، مؤتمراً بأوامره، منتهياً عن نواهيه)) (1) . وكذلك من حفظ الله أن يتعلم المسلم من دينه ما يقوّم به عباداته ومعاملاته، ويدعو به إلى الله (. وقوله: (يحفظك) يعني أن من حفظ حدود الله، وراعى حقوقه حفظه الله، في الدنيا من الآفات والمكروهات، وفي الآخرة من أنواع العقوبات، جزاء وفاقاً. فكلما حفظ الإنسان دين الله حفظه الله. وحفظ الله لعبده الحافظ لدينه، يكون في أمرين: الأول: حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرّمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفّاه على الإيمان. هذا هو الأمر الأول، وهو أعظمهما وأشرفهما، وهو أن يحفظ الله عبده من الزيغ والضلال؛ لأن الإنسان كلما اهتدى زاده الله هدى، وكلما ضل ازداد ضلالاً. الثاني: حفظ الله للعبد في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله (2) . إذن من حفظ حدود الله حفظه الله في دينه، وفي بدنه وولده وأهله وماله. قوله (: (احفظ الله تجده تجاهك) أي احفظ الله أيضاً، بحفظ حدوده وحقوقه، وشريعته بالقيام بأمره واجتناب نهيه.   (1) ... شرح الأربعين حديثاً النووية ص 55. (2) ... انظر جامع العلوم والحكم ص 248، 249. وشرح رياض الصالحين 2/ 451. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 155 (تجده تجاهك) ، وفي رواية: (أمامك) ، ومعناهما واحد، أي من حفظ حدود الله وجد الله تجاهه وأمامه، في كل أحواله حيث توجه، يحوطه وينصره ويوفقه ويسدده، كما قال تعالى: (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ((1) . نعم من حفظ الله وجد الله أمامه يدله على كل خير، ويذود عنه كل شر، ولا سيما إذا حفظ الله بالاستعانة به؛ فإن الإنسان إذا استعان بالله، وتوكل على الله كان الله حسبه وكافيه، ومن كان الله حسبه؛ فإنه لا يحتاج إلى أحد بعد الله، فلن يناله سوء. (2) يقول ابن دقيق العيد في شرح هذه العبارة: ((أي اعمل له بالطاعة، ولا يراك في مخالفته؛ فإنك تجده تجاهك في الشدائد)) ((3) . قوله (: (إذا سألت فاسأل الله) سؤال الله تعالى هو دعاؤه والرغبة إليه، فدل هذا التوجيه النبوي الكريم على أن يسأل الله (، ولا يسأل غيره، فسؤال الله (دون خلقه هو المتعين؛ لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضرر، وجلب المنافع، ودفع المضار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده. والله سبحانه يحب أن يُسأل، ويُلَحّ في سؤاله، والمخلوق بخلاف ذلك، يكره أن يُسأل، ويحب أن لا يسأل؛ لعجزه وفقره وحاجت (4) . قوله (: (وإذا استعنت فاستعن بالله) دل هذا الحديث على أن يستعان بالله دون غيره، وأن لا يعتمد على مخلوق، فالاستعانة هي طلب العون، ولا يطلب العون من أي إنسان ((إلا للضرورة القصوى، ومع ذلك إذا اضطررت إلى الاستعانة بالمخلوق فاجعل ذلك وسيلة وسبباً، لا ركناً تعتمد عليه … )) (5) .   (1) ... سورة النحل، الآية 128. (2) ... انظر جامع العلوم والحكم ص251، وشرح رياض الصالحين 2/ 451، 452. (3) ... شرح الأربعين حديثاً النووية ص 55. (4) ... انظر جامع العلوم والحكم ص 256، 257. (5) ... انظر شرح رياض الصالحين 2/ 425، 453. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 156 يقول ابن رجب: ((وأما الاستعانة بالله (دون غيره من الخلق؛ فلأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا لله (، فمن أعانه الله فهو المعان … ، فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترك المحظورات)) (1) . قوله (: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) . المراد أن كل ما يصيب الإنسان في دنياه، مما يضره أو ينفعه، فهو مقدر عليه، فلا يصيب الإنسان إلا ما كتب له من ذلك في الكتاب السابق، ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعاً. فالرسول (يخبر في هذا الحديث أن الأمة لو اجتمعت كلها على نفع أحد لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وإذا وقع منهم نفع له فهو من الله تعالى؛ لأنه هو الذي كتبه، وكذلك لو اجتمعوا على أن يضروا أحداً بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه (2) . ولهذا جاء في الحديث: (إن لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه) (3) . قوله: (رفعت الأقلام وجفت الصحف) هذا إخبار من الرسول (عن تقدّم كتابة المقادير، وأن ما كتبه الله فقد انتهى ورفع، والصحف جفّت من المداد، ولم يبق مراجعة، فما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك (4) .   (1) ... جامع العلوم والحكم ص 257. (2) انظر جامع العلوم والحكم ص 258، وشرح رياض الصالحين 2/ 454. (3) ... رواه الإمام أحمد في مسنده 6/ 441، وابن أبي عاصم في السنة ح 246. وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير ح 2150. (4) ... انظر شرح رياض الصالحين 2/ 455. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 157 قوله (: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) يعني أن ما أصاب العبد من المصائب المؤلمة المكتوبة عليه، إذا صبر عليها نصره الله، وجعل في صبره خيراً كثيراً. يقول صاحب شرح رياض الصالحين في شرح هذا الحديث: ((يعني اعلم علم اليقين أن النصر مع الصبر، فإذا صبرت، وفعلت ما أمرك الله به من وسائل النصر؛ فإن الله تعالى ينصرك. والصبر هنا يشمل الصبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى أقداره المؤلمة)) (1) . قوله: (وأن الفرج مع الكرب) أي كلما اشتدت الأمور واكتربت وضاقت؛ فإن الفرج من الله قريب، يقول ابن حجر الهيتمي: ( … (وأن الفرج) يحصل سريعاً (مع الكرب) فلا دوام للكرب، وحينئذ فيحسن لمن نزل به أن يكون صابراً، محتسباً، راجياً سرعة الفرج مما نزل به، حسن الظن بمولاه في جميع أموره، فالله (أرحم به من كل راحم، حتى أمه وأبيه، فهو (أرحم الراحمين)) (2) . وقوله: (وأن مع العسر يسراً) أي أن كل عسر فإن بعده يسراً، بل إن العسر محفوف بيُسرَيْن، يُسر سابق، ويُسر لاحق، لقوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ((3) . فالعسر لا يدوم لمن احتسب وصبر، وعلم أن ما أصابه بمقدور الله تعالى، وأنه لا مفر له من ذلك، واستقام كما أمر ربه؛ إخلاصاً وحسن اتباع (4) . المبحث الأول في قوله (: (يا غلام: إني أعلمك كلمات) مما يؤخذ من هذا الجزء في حديث الرسول (الأمور التالية: وجوب تعليم الناس العقيدة الصحيحة، وتربيتهم عليها، وعل العلم النافع، ويكون ذلك بأسلوب مختصر، وكلم جامع واضح، فلو تأملت هذا الحديث لوجدته جامعاً لمسائل عقدية كثيرة بأسلوب موجز.   (1) المصدر السابق 2/ 455. (2) ... فتح المبين لشرح الأربعين ص 177. (3) ... سورة الشرح، الآيتان 5،6. (4) ... انظر قواعد وفوائد من الأربعين النووية ص 178. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 158 الحرص على تربية الناشئة على العلم النافع، ويبدأ بتربيتهم على العقيدة الصافية الخالصة؛ فإن الرسول (وجه هذه الكلمات النافعات إلى ابن عباس وهو صغير؛ إذ قال له: (يا غلام: إني أعلمك كلمات) ؛ ليتربى الشاب المسلم على معرفة الله وتوحيده، وحفظ حدوده، يلجأ إلى الله في الرخاء والشدة، ويسأله ويستعين به، ويتوكل عليه (، فيصبح شجاعاً مقداماً؛ لأنه يعلم أنه لا يملك أحد من البشر له نفعاً ولا ضراً إلا بإذن الله تعالى، ولأن الله معه ينصره ويؤيده وييسر له أموره، ما دام متمسكاً بشرع الله إخلاصاً واتباعاً. فعلى الجميع الحرص على غرس الإيمان في نفوس الأبناء، وتربيتهم على فهم أصول الإيمان، والعمل بأحكام الإسلام، وتعويدهم على المراقبة والمحاسبة منذ الصغر، قبل أن تصلهم الفلسفات الإلحادية والشبهات البدعية والشهوات المغرضة، وغير ذلك مما تشنه تلك الحملات المسعورة من حرب ضروس ضد شباب الأمة ذكوراً وإناثاً، مرة باسم التثقيف، وباسم التسلية والترفيه مرات أخرى. استحباب تشويق المتعلم، وتهيئته بلطف العبارة، وتنبيهه إلى أهمية ما يلقى إليه، وإشعاره بسهولة حفظه ووعيه ليسهل عليه تلقيه واستيعابه، وبالتالي حفظه ووعيه، وبخاصة المسائل العقدية التي يحتاج إلى دقة في حفظها ونقلها، ويؤخذ هذا من فعل الرسول (عندما قال لابن عباس مقدماً له هذه المسائل: (يا غلام: إني أعلمك كلمات) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 159 ومما يؤخذ من هذا الحديث حرص الرسول (على توجيه الأمة، وتنشئة الجيل المسلم على العقيدة الصحيحة والشرع القويم، وقد قال الله تعالى في وصفه (: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ((1) ، أي يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته، ويشق عليها، حريص على هدايتكم، ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم (2) ، ولهذا ورد عن أبي ذر (أنه قال: تركنا رسول الله (وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علماً، قال: فقال رسول الله (: (ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم) (3) . المبحث الثاني في قوله (: (احفظ الله) ومما يؤخذ في هذا الجزء ما يلي: 1- إثبات صفة الحفظ لله تعالى، أخذاً من قوله (: (احفظ الله يحفظك) ، فهنا أثبت أن الله (متصف بأنه يحفظ عباده الذين يحفظون حدوده، فدل على إثبات صفة الحفظ لله تعالى، وأنها تتعلق بإرادته ومشيئته، وهذه الصفة ثابتة لله (في القرآن الكريم، لقوله تعالى: (فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين () (4) (، وقوله سبحانه: (إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظ ((5) . وقد ذكر العلماء أن من أسماء الله تعالى (الحافظ) و (الحفيظ) ؛ أخذاً من الآيتين السابقتين، ومن المعلوم أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء؛ وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة، وأسماء الله تعالى إن دلت على وصف فقد تضمنت ثلاثة أمور: أحدها: ثبوت ذلك الاسم لله (. الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله (.   (1) ... سورة التوبة، الآية 128. (2) ... انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 385. (3) ... رواه أحمد 5/ 153، و162، والبزار ح 147، والطيراني في المعجم الكبير ح 1647، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 416 ح 1803. (4) سورة يوسف، الآية 64. (5) سورة هود، الآية 57. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 160 الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاها (1) . مثال ذلك (الحافظ) يتضمن إثبات (الحافظ) اسماً لله تعالى، وإثبات الحفظ صفة له، وإثبات حكم ذلك ومقتضاه، وهو أنه سبحانه يحفظ عباده، الذين يحفظونه. ومن الأدلة أيضاً على تسمية الله بالحفيظ قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ((2) ، وقوله: (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظ ((3) . يقول صالح البليهي (ت 1410هـ) : ((الحفيظ من أسماء الله الحسنى، واشتقاقه من الحفظ، والحفظ لغة هو الحراسة والصيانة والحياطة، والله جل وعلا سمى نفسه حفيظاً … فالله تقدّس اسمه هو الحافظ والحفيظ، هو تعالى على كل شيء حفيظ، أي شاهد وحافظ، يحفظ على عباده أقوالهم وأفعالهم، فيجازي كلاً بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر … ، والله تعالى من فضله ولطفه ورحمته وإحسانه يحفظ عباده المؤمنين، وهو خير الحافظين، يحفظهم من كل شر، ومن كل محنة وبلاء، يحفظهم تعالى (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظ (يحفظهم بشرط أن يحافظوا على ما أوجب الله عليهم في شريعة الإسلام، وبشرط أن يحفظوا جوارحهم عن كل ما حرم الله … ، ودعاء الله بأسمائه مشروع، وكيفيته يا غفور اغفر لي، يا رحمن ارحمني، يا رزاق ارزقني، يا معافي عافني، ونحو ذلك، فالله تعالى هو الحافظ والحفيظ … اللهم يا حافظ ويا حفيظ احفظنا وأنت خير الحافظين)) (4) . 2 - وجوب حفظ العقيدة، والحرص على سلامتها مما قد يشوبها، وأن ذلك أعظم أسباب حفظ الله للعبد، كما يجب حفظ الشريعة، وذلك بالعمل بها، والدعوة إليها، والدفاع عنها.   (1) ... انظر القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ص 10، 15، 21. (2) ... سورة الشورى، الآية 6. (3) ... سورة سبأ، الآية 21. (4) ... عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين 2/ 37 – 41. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 161 فإذا كان قوله (: (احفظ الله) يعني حفظ حدوده، وحقوقه، وأوامره ونواهيه، فإن أعظم حقوقه توحيده في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، واتباع كتاب الله تعالى وسنة رسوله (، المصدرين لتلقي العقيدة، والحذر من الانزلاق مع الهوى، أو تقديم العقل على النص الشرعي مما أوقع كثيراً من الفرق والنحل في الشرك والبدع والمخالفات. وحفظ العقيدة يكون بتعلمها والإيمان بها والعمل بمقتضاها، وتعليمها والدعوة إليها. فقوله: (احفظ الله) أمر بحفظ توحيده، وأوامره ونواهيه، وحقوقه وحدوده، كما أنه أمر بحفظ الجوارح كالسمع والبصر واللسان والبطن والفرج. ولهذا يقول الله تعالى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ((1) يقال للمتقين على وجه التهنئة: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أواب حفيظ) أي هذه الجنة وما فيها، هي التي وعد الله لكل أواب، أي رجاع إلى الله، في جميع الأوقات، بتوحيده وذكره، وحبه، والاستعانة به، (حفيظ) أي محافظ على ما أمر الله به، من توحيده وشرعه، على وجه الإخلاص، والإكمال له على أتم الوجوه، حفيظ لحدوده (2) .   (1) ... سورة ق، الآيات 31- 33. (2) ... انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 1364. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 162 وخصت بعض الأعمال بالتنصيص على حفظها اعتناء بشأنها، ومن ذلك قوله تعالى: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ((1) . وقوله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ((2) ، وقوله: (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ((3) ، وقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون ((4) ، وقوله: (وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ ((5) ، إلى غير ذلك من الآيات. وقوله (: (من حفظ ما بين لحييه ورجليه دخل الجنة) (6) ، وفي رواية: (من وقاه الله شر ما بين لحييه، وشر ما بين رجليه دخل الجنة) (7) ، وقوله (: (ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) (8) . إذن من فعل الواجبات وترك المحرمات فقد حفظ حدود الله تعالى، ومن ثم فقد حفظ الله، وأعظم ما أوجبه الله على عباده، توحيده، وعبادته سبحانه إخلاصاً له، ومتابعة لما جاء به رسوله (، فهي الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون ((9) .   (1) ... سورة البقرة، الآية 238. (2) ... سورة النور، الآية 30. (3) ... سورة الأحزاب، الآية 35. (4) ... سورة (المؤمنون) ، الآية 5. (5) ... سورة المائدة، الآية 89. (6) ... رواه الحاكم في المستدرك 4/ 357، وصححه، ورواه الترمذي وحسنه ح 2409، وصححه ابن حبان ح 5703، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 23. (7) ... رواه الترمذي 2/ 66، وقال: هذا حديث حسن غريب، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 22 ح 510. (8) ... رواه أحمد في المسند 5/ 282، والدارمي 1/ 168، وصححه ابن حبان ح 1037، وصححه الألباني، انظر صحيح الترغيب والترهيب ح 192، 1/ 86. (9) ... سورة الذاريات، الآية 56. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 163 فمن آمن بذلك وعمل به فهو من الحافظين لحدود الله تعالى، الذين أثنى الله عليهم سبحانه بقوله: (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ((1) ، وقوله سبحانه: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ((2) . ومن الأدلة على حفظ الجوارح ما جاء في حديث ابن مسعود المرفوع: (الاستحياء من الله حق الحياء: أن يحفظ الرأس وما وعى، ويحفظ البطن وما حوى) (3) . وحفظ الرأس وما وعى: يدخل فيه حفظ اللسان من الكذب والغيبة، والنميمة، وشهادة الزور، والقول الحرام، وحفظ السمع عن الأصوات المحرمة، وحفظ البصر عن النظر إلى ما حرم الله تعالى النظر إليه، ونحو ذلك. وحفظ البطن وما حوى: يدخل فيه حفظ القلب عن الاعتقاد الباطل، والإصرار على المحرم، وحفظ البطن من إدخال ما حرم الله من المأكولات والمشروبات الممنوعة شرعاً (4) (. قال تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ((5) ؛ أي ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبّت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك، فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسؤول عما قاله وفعله، وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته أن يُعدّ للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله تعالى، وإخلاص الدين له، وكفها عما يكرهه الله جل وعلا (6) .   (1) ... سورة التوبة، الآية 112. (2) ... سورة ق~، الآية 32. (3) ... رواه أحمد في المسند 1/ 387، والترمذي ح 2458 في كتاب صفة القيامة باب (24) ، والحاكم 4/ 323، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ح 2000. (4) ... انظر: نور الاقتباس ص 10. (5) ... سورة الإسراء، الآية 36. (6) ... انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 409. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 164 ((وكما هو معروف الجزاء من جنس العمل فمن حفظ الله حفظه الله، وحفظ الله لا يحصل إلا بفعل الواجبات وترك المحرمات، فمن فعل جميع ما أوجب الله عليه، وترك جميع ما حرم الله عليه حفظه الله بما يحفظ به عباده الصالحين، ومن المعروف أن هذه الحياة في غالب الأزمان تموج بالشرور والفتن، والحروب الطاحنة، ولكن من حفظ الله حفظه الله)) (1) . ومما يلزم التنبيه عليه أن ((الله عزوجل ليس بحاجة إلى أحد حتى يحفظه، ولكن المراد حفظ دينه وشرعه، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُم ((2) ، وليس المعنى تنصرون ذات الله؛ لأن الله (غني عن كل أحد، ولهذا قال في آية أخرى: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لاَنتَصَرَ مِنْهُم ((3) ، ولا يعجزونه (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْض ((4)) ) (5) . وهذا الفهم الخاطئ قد يفهمه الجهلة أو يثيره الأعداء، فإن اليهود عندما سمعوا قول الله تعالى: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة ((6) ، قالوا: يا محمد: افتقر ربك فسأل عباده القرض، ما بنا إلى الله من حاجة، وإنه إلينا لفقير، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنياً ما استقرض منا – كما نُقل ذلك عنهم (7) – فأنزل الله (قوله: (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ((8) . المبحث الثالث   (1) ... عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين 2/ 38. (2) ... سورة محمد، الآية 7. (3) ... سورة محمد، الآية 4. (4) ... سورة فاطر، الآية 44. (5) ... انظر شرح رياض الصالحين 2/ 450، 451. (6) ... سورة البقرة، الآية 245. (7) ... انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 410، وأسباب النزول ص 98، 99. (8) ... سورة آل عمران، الآية 181. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 165 في قوله ((يحفظك) إذا حفظ العبد توحيده، وراعى حقوق ربه، فعندئذ يحفظه الله؛ في دينه، وفي بدنه وماله وأهله. وأعظم هذه الأمور حفظ الله تعالى دين العبد، بأن يسلّمه من الزيغ والضلال، والانحراف، لأن الإنسان كلما حرص على حفظ توحيده، وسلامة عقيدته من البدع والخرافات والضلالات، حفظ الله عليه عقيدته وتوحيده، وكلما التزم الهداية زاده الله هدى، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُم ((1) ، وكلما ضل الإنسان، والعياذ بالله، فإنه يزداد ضلالاً، ولهذا قال الله تعالى عن المنافقين: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ((2) ، أي: ختم على قلوبهم، وسد أبواب الخير التي تصل إليه بسبب اتباعهم أهواءهم، التي لا يهوون فيها إلا الباطل (3) . ولهذا جاء في الحديث: (إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء؛ فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ () (4) .   (1) ... سورة محمد، الآية 17. (2) ... سورة محمد، الآية 16. (3) ... انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 731. (4) ... رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ح 3334 في كتاب التفسير، وابن ماجه، كتاب الزهد ح 4244، وأحمد في مسنده 2/ 297. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 166 يحفظ الله (عبده الحافظ لدينه في حياته، وعند موته، فيتوفاه على الإيمان، إذ الجزاء من جنس العمل، ومنه قوله تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ((1) ، وقوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ((2) ، وقوله: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُم ((3) ، وقوله (: (إذا قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه فلينفضه بصَنِفة إزاره ثلاث مرات؛ فإنه لا يدري ما خلفه عليه بعده، وإذا اضطجع فليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) (4) . فمن حفظ الله في حياته، بإخلاص العبادة له سبحانه، وحسن الاتباع لرسوله (حفظه الله بالإسلام ونصره وأيده؛ وقد علّم رسول الله (عمر بن الخطاب (أن يقول: (اللهم احفظني بالإسلام قائماً، واحفظني بالإسلام قاعداً، واحفظني بالإسلام راقداً، ولا تشمت بي عدواً ولا حاسداً، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك) (5) . وقال (: (من أراد أن يسافر فليقل لمن يخلِّف: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه) (6) .   (1) ... سورة البقرة، الآية 40. (2) ... سورة البقرة، الآية 152. (3) ... سورة محمد، الآية 7. (4) ... رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب السؤال بأسماء الله تعالى 11/ 107، ورواه مسلم، كتاب الذكر، باب ما يقول عند النوم ح 2714. (5) ... رواه الحاكم في المستدرك 1/ 525، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ح 1540. (6) ... رواه أحمد 2/ 403، وابن ماجه ح 2825 في كتاب الجهاد، باب تشييع الغزاة ووداعهم، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح 16. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 167 وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول للرجل إذا أراد سفراً: ادنُ منِّي أودعك كما كان رسول الله (يودّعنا، فيقول: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك) (1) . وجاء في الحديث عن رسول الله (أنه قال: (إن الله إذا اسْتُودع شيئاً حفظه) (2) . فالله (يحفظ العبد الحافظ لدينه، المخلص في عبادته، ويحول بينه وبين ما يفسد عليه دينه من مفسدات الشبهات والشهوات، من البدع والخرافات، وأنواع المغريات، فيحفظه الله منها بأنواع الحفظ، قد يخفى بعضها عليه؛ إذ يكون في ظاهرها بلاء، وفي حقيقتها صرف السوء عنه، كما قال تعالى في قصة يوسف (: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين ((3) .   (1) 71) ... رواه الترمذي، كتاب الدعوات، باب 45، ح 3439، وأحمد 2/7 و 25 و 38، وصححه ابن حبان، ح 2376، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح 14. (2) رواه أحمد في المسند 2/87، وابن حبان 3376، وصححه الألباني، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/21. (3) ... سورة يوسف، الآية 24. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 168 يقول السعدي (ت 1376هـ) في حديثه عن قصة يوسف (: ((فصبر عن معصية الله مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد هم فيها هماً تركه لله، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف عن هذه المعصية الكبيرة، (قال معاذ الله) أي أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح؛ لأنه مما يسخط الله، ويبعد عنه … ، والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله، ومراعاة سيده، الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم، الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما من الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر، والجامع لذلك كله: أن الله صرف عنه السوء والفحشاء؛ لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم، الذين أخلصهم الله، واختارهم واختصهم لنفسه، وأسدى عليهم من النعم، وصرف عنهم المكاره، ما كانوا به من خيار خلقه)) (1) . وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ((2) . روي عن ابن عباس أنه قال: ((يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان)) (3) .   (1) ... تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 351، 352. (2) ... سورة الأنفال، الآية 24. (3) ... ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 285، وقال: رواه الحاكم في مستدركه موقوفاً. وانظر المستدرك 2/ 328. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 169 فمن حافظ على سلامة توحيده من الشبهات والانحرافات، وقام بحقوق الله عليه؛ فإن الله يحفظه بحفظ جميع مصالحه في الدنيا والآخرة، فمن أراد أن يتولى الله حفظه في أموره كلها فليراعِ حقوق الله عليه، وأعظمها حق توحيده، وإفراده بالعبادة، والعمل بشريعته، اتباعاً لرسوله (، وقد أخبر الله تعالى بأنه ولي المؤمنين وكافيهم وحسبهم، قال تعالى: (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُر ((1) ، وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ ((2) ، وقال سبحانه: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه ((3) ، وقال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ((4) . فالحافظ لدينه يحفظه الله في دينه ودنياه، ويحييه حياة طيبة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ((5) روى الطبري (ت 310هـ) عن ابن عباس قوله بأن المعقبات ((هم ملائكة يحفظونه بأمر الله، فإذا جاء القدر خلوا عنه)) (6) . وروى الطبري أيضاً، عن مجاهد (ت 104هـ) قوله: ((ما من عبد إلا له ملك موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما من شيء يأتيه يريده إلا قال: وراءك، إلا شيئاً يأذن الله فيه فيصيبه)) (7) .   (1) ... سورة البقرة، الآية 257. (2) ... سورة محمد، الآية 11. (3) ... سورة الطلاق، الآية 3. (4) ... سورة الزمر، الآية 36. (5) ... سورة الرعد، الآية 11. (6) ... انظر جامع البيان في تفسير القرآن 13/ 77. (7) ... انظر المصدر السابق ص 78. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 170 وقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: لم يكن النبي (يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: (اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) (1) (. ويقول الله (: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ((2) ، فهذه الآية ((وعد من الله تعالى لمن عمل صالحاً، وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة رسوله (، من ذكر أو أنثى، من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، أن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله، بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه الله بأحسن ما عمله في الدار الآخرة، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت)) (3) ، وذلك بأن يوفق الله عبده إلى ما يرضيه، ويرزقه العافية والرزق الحلال (4) . فلو أن الأمة رعاة ورعية حفظوا شرع الله تعالى، واحتكموا إلى كتاب الله وسنة رسوله (وحكموهما في جميع مجالات الحياة، لسلمت الأمة من كثير من الأخطار والفتن والابتلاءات كالجوع والخوف والغزو ونحو لك؛ إذ إن ما أصابها من تشتت وفرقة هو بسبب تهاونها في حفظ حدود الله تعالى والقيام بشرعه.   (1) ... رواه أبو داود، في الأدب ح 5074، وابن ماجه، في الدعاء ح 3871، والحاكم في مستدركه 1/ 517، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/ 332. (2) ... سورة النحل، الآية 97. (3) ... تفسير القرآن العظيم 2/ 566. (4) ... انظر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 3/ 352- 355. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 171 وإن انتصار الأمة مرهون بنصرها دين الله تعالى، بالعمل به والدعوة إليه، والدفاع عنه، يقول تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ((1) ففي هذه الآية الكريمة يبين الله تعالى ((أنه أقسم لينصرن من ينصره، ومعلوم أن نصر الله إنما هو باتباع ما شرعه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ونصرة رسله واتباعهم، ونصرة دينه، وجهاد أعدائه، وقهرهم، حتى تكون كلمته هي العليا، وكلمة أعدائه هي السفلى، ثم إن الله جل وعلا بيّن صفات الذين وعدهم بنصره؛ ليميزهم عن غيرهم، فقال مبيناً من أقسم أنه ينصره؛ لأنه ينصر الله جل وعلا: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَر ((2) الآية، وفي قوله: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ (دليل على أنه لا وعد من الله بالنصر إلا مع إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فالذين يمكن الله لهم في الأرض، ويجعل الكلمة فيها والسلطان لهم، ومع ذلك لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، فليس لهم وعد من الله بالنصر؛ لأنهم ليسوا من حزبه، ولا من أوليائه، الذين وعدهم بالنصر، بل هم حزب الشيطان وأولياؤه، فلو طلبوا النصر من الله بناء على أنه وعدهم إياه فمثلهم كمثل الأجير الذي يمتنع من عمل ما أجر عليه، ثم يطلب الأجرة، ومن هذا شأنه فلا عقل له)) (3) .   (1) ... سورة الحج، الآية 40. (2) ... سورة الحج، الآية 41. (3) ... أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 5/ 703، 704. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 172 وخلاف ذلك، من كفر بأنعم الله تعالى وضيّع حدوده، فقد عرّض نفسه للهلاك، يقول تعالى: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ((1) . قال الشنقيطي (ت 1393هـ) بعد تفسيره هذه الآية: ((وعلى كل حال، فيجب على كل عاقل أن يعتبر بهذا المثل، وألا يقابل نعم الله بالكفر والطغيان؛ لئلا يحل به ما حل بهذه القرية المذكورة، ولكن الأمثال لا يعقلها عن الله إلا من أعطاه الله علماً؛ لقوله (: (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُون ((2)) ) (3) . ((ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه لله في حال كبره، وضعف قوته، ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله)) (4) . ذكر ابن كثير (ت 774هـ) أن أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري الشافعي (ت 450هـ) ، قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله، فوثب يوماً وثبة شديدة، فعوتب في ذلك فقال: ((هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر)) (5) . وعكس هذا أن بعض السلف رأى شيخاً يسأل الناس، فقال بأن هذا الشيخ لم يحفظ الله في صغره، فلم يحفظه الله في كبره ((6)   (1) ... سورة النحل، الآيتان 112، 113. (2) ... سورة العنكبوت، الآية 43. (3) ... أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 3/377. (4) ... انظر جامع العلوم والحكم، ص 466. (5) ... انظر البداية والنهاية 12/85، وسير أعلام النبلاء 17/668 – 671، وجامع العلوم والحكم، ص 466. (6) ... انظر جامع العلوم والحكم، ص 466. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 173 وقد يحفظ الله العبد بصلاحه بعد موته، في ذريته، بدليل قوله تعالى: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّك ((1) . قال ابن كثير: ((وقوله: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا، والآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم)) (2) . وروي عن ابن عباس أنه قال: ((حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاحاً)) (3) . وقال السعدي في تفسير الآية السابقة: ((أي: حالهما تقتضي الرأفة بهما ورحمتهما؛ لكونهما صغيرين عدما أباهما، وحفظهما الله أيضاً بصلاح والدهما)) (4) . وذكر ابن رجب أن سعيد بن المسيب قال لابنه: ((لأزيدن في صلاتي من أجلك؛ رجاء أن أُحفظ فيك)) (5) ثم تلا هذه الآية (وكان أبوهما صالحاً (. ونقل عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ((ما من مؤمن يموت إلا حفظه الله في عقبه وعقب عقبه)) (6) . وقال أبو نعيم (ت430هـ) بأن ابن المنكدر (ت130هـ) قال: ((إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده، وولد ولده، والدويرات التي حوله، فما يزالون في حفظ من الله وستر)) (7) .   (1) ... سورة الكهف، الآية 82. (2) ... تفسير القرآن العظيم 3/ 97. (3) ... انظر المصدر السابق، وذكر هذا الأثر ابن المبارك في الزهد (332) ، والطبري في جامع البيان في تفسير القرآن 16/ 7، والحاكم 2/ 369 (4) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 432. (5) ... جامع العلوم والحكم، ص 467. (6) ... المصدر السابق، الصفحة نفسها. (7) الحلية 3/ 148، ورواه ابن المبارك في الزهد (330) ، والحميدي (373) ، وانظر جامع العلوم والحكم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 174 وجاء في الحديث أن النبي (قال: (كانت امرأة في بيت فخرجت في سرية من المسلمين، وتركت ثنتي عشرة عنزاً، وصيصيتها (1) كانت تنسج بها، قال: ففقدت عنزاً لها وصيصيتها، فقالت: يا رب، إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه، وإني قد فقدت عنزاً من غنمي وصيصيتي، وإني أنشدك عنزي وصيصيتي) قال: وجعل رسول الله (يذكر شدّة مناشدتها ربها تبارك وتعالى، ثم قال رسول الله (: (فأصبحت عنزها ومثلها، وصيصيتها ومثلها) (2) . ومن حفظ الله تعالى لعبده الحافظ لحدود الله أن يجعل الحيوانات المؤذية، حافظة له من الأذى، كما حدث لسفينة مولى النبي (، حيث كسر به المركب، وخرج إلى جزيرة، فرأى أسداً، فجعل يمشي معه حتى دله على الطريق، فلما أوقفه عليها جعل يهمهم كأنه يودعه، ثم رجع عنه (3) . ومن ضيع حدود الله واتبع الشبهات أو غرق في الشهوات، ولم يحفظ الله، لم يحفظه الله، وكان عرضة لعقاب الله وسخطه، ودخل عليه الضرر والأذى، وربما أصابه ذلك ممن كان يرجو نفعه من أهله وماله، كما نقل عن الفضيل بن عياض (ت 187 هـ) أنه قال: ((إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي ودابتي)) (4) . المبحث الرابع في قوله (: (احفظ الله تجده تجاهك) وفي الرواية الأخرى: (احفظ الله تجده أمامك)   (1) الصيصية: هي الصنّارة التي يغزل بها وينسج. انظر لسان العرب 2/ 501، والنهاية في غريب الحديث والأثر ص533. (2) رواه الإمام أحمد في المسند 5/ 67، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 277 وقال: رجاله رجال الصحيح. (3) رواه الطبراني في الكبير (6432) ، وصححه الحاكم 3/ 606، وانظر الحلية 1/ 369. (4) حلية الأولياء 8/ 109، وجامع العلوم والحكم ص 468. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 175 من حفظ الله بحفظ توحيده وشريعته، وقام بأوامر الله تعالى، واجتنب نواهيه وجد الله تجاهه وأمامه، ومعناهما واحد، أي وجد الله أمامه يدله على كل خير، ويذود عنه كل شر، وبخاصة إذا حفظ الله بالاستعانة به والتوكل عليه، فإن الإنسان إذا استعان بالله، وتوكل على الله كان الله حسبه وكافيه، ومن كان الله حسبه؛ فإنه لا يحتاج إلى أحد بعد الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ((1) ، ((أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو الله، فهو كافيكم كلكم، وليس المراد أن الله والمؤمنين حسبك كما يظنه بعض المغالطين؛ إذ هو وحده كاف نبيه، وهو حسبه، ليس معه من يكون هو وإياه حسباً للرسول)) (2) . وقال تعالى: (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ ((3) ؛ فإذا كان الله حسب الإنسان، أي كافيه؛ فلن ينالوه بسوء، ولا يزال عليه من الله حافظ، ولهذا قال (: (احفظ الله تجده تجاهك) . قال ابن حجر الهيتمي: ((أي تجده معك بالحفظ، والإحاطة والتأييد والإعانة، حيثما كنت، فتأنس به، وتستغني به عن خلقه … ، على حد قوله تعالى: (أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ((4) ، (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ((5) … ، المعنى تجده حيثما توجهت وتيممت وقصدت من أمر الدين والدنيا)) (6) . ومعية الله لخلقه نوعان:   (1) سورة الأنفال، الآية 64. (2) انظر الرسالة التدمرية ص 153. (3) سورة الأنفال، الآية 62. (4) سورة البقرة، الآية 194. (5) سورة البقرة، الآية 153. (6) فتح المبين لشرح الأربعين ص 172. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 176 الأولى: المعية الخاصة بالمؤمنين، الحافظين حدود الله، وهي تقتضي النصر والتأييد، والحفظ والإعانة، وتوجب لمن آمن بها كمال الثبات والقوة. ودليل هذه المعية الخاصة قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ((1) ، وقوله تعالى: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ((2) ، وقوله تعالى عن موسى أنه قال: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ((3) ، وقول النبي (لأبي بكر وهما في الغار: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ((4) ، وقوله تعالى: (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ((5) . فمن حفظ الله حفظه الله وأيده ونصره. الثانية: المعية العامة لجميع الخلق، وهي تقتضي الإحاطة بجميع الخلق من مؤمن وكافر، وبر وفاجر، في العلم، والقدرة، والتدبير، والسلطان، وغير ذلك من معاني الربوبية. وهي توجب لمن آمن بها كمال المراقبة لله (. ومن أمثلة هذا النوع قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَمَا كُنْتُمْ () (6) ، وقوله تعالى: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ((7) ، وقوله: (وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْل ((8) .   (1) سورة النحل، الآية 128. (2) سورة طه، الآية 46. (3) سورة الشعراء، الآية 62. (4) سورة التوبة، الآية 40، والحديث رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب المهاجرين وفضلهم، ح3653، ورواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر (ح 2381. (5) سورة الأنفال، الآية 19. (6) سورة الحديد، الآية 4. (7) سورة المجادلة، الآية 7. (8) سورة البقرة، الآية 108. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 177 والكتاب والسنة يدلان على قرب الله تعلى من عبده الحافظ لدينه، يقول الله (: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ((1) . وقول الله تعالى في الحديث القدسي: (وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه) (2) . والمراد أن الله (يسدد هذا الولي في سمعه وبصره وعمله، بحيث يكون إدراكه بسمعه وبصره، وعمله بيده، كله لله تعالى، إخلاصاً، وبالله تعالى استعانة، وفي الله تعالى شرعاً واتباعاً، فيتم له بذلك كمال الإخلاص والاستعانة والمتابعة، وهذا غاية التوفيق) (3) . وقوله (فيما يرويه عن الله تعالى أنه قال: (من تقرّب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)) (4) . فالله (يقرب من عبده كيف يشاء مع علوه جل وعلا، ويأتي عبده كيف يشاء بدون تكييف ولا تمثيل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ) : ((وأما دنوه نفسه وتقربه من بعض عباده، فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة ونزوله واستواءه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف، وأئمة الإسلام المشهورين، وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر)) ) (5) .   (1) سورة البقرة، الآية 186. (2) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع ح 6502. (3) انظر القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ص 69. (4) رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى ح 2687، وروى البخاري نحوه في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ (ح 7405. (5) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 5/ 466. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 178 وروى ابن رجب عن قتادة (ت 118 هـ) أنه قال: ((من يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل)) . وذكر أن بعض السلف كتب إلى أخ له يقول: ((أما بعد، فإن كان الله معك فممن تخاف؟! وإن كان عليك فمن ترجو؟! والسلام)) (1) . ولا شك أن الذي يحفظ عقيدته من الانحراف، وعمله من الشرك، ويتقي الله يكون الله معه، بنصره وتأييده، يهديه ويحفظه، ويؤمنه، ومن اتبع الشبهات، أو ضيع حدود الله فقد عرّض نفسه للهلاك. فمن أراد أن يتولى الله حفظه ورعايته في أموره كلها، فليراعِ حقوق الله عليه، ومن أراد ألا يصيبه شيء مما يكره، فلا يأتِ شيئاً مما يكرهه الله منه، وعلى قدر اهتمام العبد بحقوق الله ومراعاة حدوده وحفظه لها، يكون حفظ الله له ونصره وتأييده، ومن كان غاية همه توحيد الله ومعرفته وطلب قربه ورضاه؛ فإن الله يكون له حسب ذلك، بل هو سبحانه أكرم الأكرمين، فهو يجازي بالحسنة عشراً ويزيد، ومن تقرّب منه شبراً تقرب منه ذراعاً، ومن تقرب منه ذراعاً تقرب منه باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة. المبحث الخامس في قوله (: (وإذا سألت فاسأل الله) قوله: (إذا سألت فاسأل الله) أي لا تعتمد على أحد من المخلوقين، وإذا احتجت فاسأل الله وحده، يأتيك رزقك من حيث لا تحتسب، أما إذا سأل الإنسان المحتاج الناس فربما أعطوه أو منعوه، ولهذا جاء في الحديث: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب ثم يبيعه لكان خيراً له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه) (2) . فعلى المسلم أن يتجه بسؤاله لله وحده، ويدعوه بإلحاح، مثل أن يقول: (اللهم ارزقني) ، و (اللهم أغنني بفضلك عمَّن سواك) وما أشبه ذلك من الكلمات (3) . وفي قوله: (إذا سألت فاسأل الله) أمر بإفراد الله (بالسؤال، ونهي عن سؤال غيره.   (1) انظر نور الاقتباس ص 22. (2) رواه البخاري، كتاب الزكاة ح 1471. (3) انظر شرح رياض الصالحين 2/ 452. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 179 وقال الله (: (وَاسْأَلُواْ اللهَ مِن فَضْلِهِ ((1) ، وقال جل وعلا: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين ((2) . ((وهذا من لطفه بعباده، ونعمته العظيمة، حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة، ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم، وتوعّد من استكبر عنها)) (3) . فيجب على المسلم أن يتوجه بسؤاله لله وحده، لاسيما في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله، فمن طلبها من غير الله فقد أشرك مع الله غيره، كمن يدعو أصحاب القبور ونحوهم، قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَة ((4) . أما سؤال الناس في الأمور التي يقدرون عليها، فقد وردت نصوص كثيرة تذم طلبها منهم، وتثني على المتعففين الذين لا يسألون الناس، قال تعالى: (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ((5) . وقد بايع النبي (جماعة من أصحابه عل ألا يسألوا الناس شيئاً منهم: أبو بكر الصديق، وأبو ذر، وثوبان، وكان أحدهم يسقط سوطه أو خطام ناقته فلا يسأل أحداً أن يناوله إياه ((6) .   (1) سورة النساء، الآية 32. (2) سورة غافر، الآية 60. (3) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 687. (4) سورة الأحقاف، الآية 5. (5) سورة البقرة، الآية 273. (6) رواه مسلم في كتاب الزكاة، باب كراهية المسألة للناس ح (1043) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 180 وقد أجاد شيخ الإسلام ابن تيمية في تفصيل الحكم في هذه المسألة فقال: ((وتفصيل القول: أن مطلوب العبد إن كان في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى، مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم، أو وفاء دينه من غير جهة معينة، أو عافيته، أو عافية أهله، وما به من بلاء الدنيا والآخرة، وانتصاره على عدوه، وهداية قلبه، أو غفران ذنبه، أو دخول الجنة، أو نجاته من النار، أو أن يتعلم القرآن والعلم، أو أن يصلح قلبه، ويحسن خلقه، ويزكي نفسه، وأمثال ذلك، فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله تعالى، ولا يجوز أن يقول لا لملك ولا نبي، ولا شيخ، سواء كان حياً أو ميتاً: اغفر ذنبي، ولا انصرني على عدوي، ولااشف مريضي، ولا عافني وعافي أهلي ودوابي، وما أشبه ذلك، ومن سأل ذلك مخلوقاً – كائناً من كان - فهو مشرك بربه، من جنس المشركين، الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل، التي يصورونها على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه، وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ ((1) ، وقال تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ((2) .   (1) سورة المائدة، الآية 116. (2) سورة التوبة، الآية 31. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 181 وأما ما يقدر عليه العبد، ويجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض؛ فإن مسألة المخلوق قد تكون جائزة، وقد تكون منهياً عنها، وقال تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) ((1) ، وأوصى النبي (ابن عباس: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) ، وأوصى النبي (طائفة من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئاً، فكان أحدهم يسقط السوط من يده، فلا يقول لأحد: ناولني إياه … ، ومن الأمر المشروع في الدعاء دعاء غائب لغائب؛ ولهذا أمرنا النبي (بالصلاة عليه، وطلب الوسيلة له، وأخبرنا بمالنا بذلك من الأجر إذا دعونا بذلك (2) … ويشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه، وممن هو دونه … لكن النبي (لما أمرنا بالصلاة عليه، وطلب الوسيلة له، ذكر أن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشراً، وان من سأل الله له الوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة، فكان طلبه منا لمنفعتنا في ذلك، وفرق بين من طلب من غيره شيئاً لمنفعة المطلوب منه، ومن يسأل غيره لحاجته إليه فقط)) (3) . وكيف يطلب من غير الله كشف الضر أو جلب النفع، وذلك كله بيده (، قال تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ ((4) ، وقال سبحانه: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ((5) .   (1) سورة الشرح، الآيتان 7،8. (2) يشير إلى الحديث الذي رواه مسلم، كتاب الصلاة 1/ 288، 289. (3) اللمعة في الأجوبة السبعة ص 22- 26، ومجموع الفتاوى 27/ 67 – 69. (4) سورة يونس، الآية 107. (5) سورة فاطر، الآية 2. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 182 والله (يحب أن يُسأل ويُرغب إليه في الحوائج، ويلح في سؤاله ودعائه، ويغضب على من لا يسأله، قال (: (من لم يدْعُ الله سبحانه يغضب عليه) (1) .، ويستدعي من عباده سؤاله، وهو قادر على إعطاء خلقه كلهم سؤلهم من غير أن ينقص من ملكه شيء، والمخلوق بخلاف ذلك. وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ((2) ، ويقول الرسول (: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) (3) . وعن أبي ذر (عن النبي (فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) (4) .   (1) رواه الترمذي في كتاب الدعوات، باب رقم (3) ح 3370، وأحمد 2/ 442، وابن ماجه ح 3827، وقال الألباني عنه بأنه حديث حسن، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح 2654، وصحيح ابن ماجه 3085. (2) سورة البقرة، الآية 186. (3) رواه البخاري، كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، ح 1145. (4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، ح 2577. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 183 يقول ابن القيم (ت 751 هـ) في شرح هذه المسألة: ((وهذا كله تحقيق للتوحيد والقدر، وأنه لا رب غيره، ولا خالق سواه، ولا يملك المخلوق لنفسه، ولا لغيره ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، بل الأمر كله لله، ليس لأحد سواه منه شيء، كما قال تعالى لأكرم خلقه عليه، وأحسنهم إليه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْء ((1) وقال جواباً لمن قال: (هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ ((2) (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ((3) ، فالملك كله له، والأمر كله له، والحمد كله له، والشفاعة كلها له، والخير كله في يديه، وهذا تحقيق تفرده بالربوبية والألوهية، فلا إله غيره، ولا رب سواه، (قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُون ((4) (وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ((5) ، (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ((6) فاستعذ به منه، وفرّ منه إليه، واجعل لجاك منه إليه، فالأمر كله له، لا يملك أحد معه منه شيئاً، فلا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو، ولا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه، ولا يضرّ سم ولا سحر ولا شيطان ولا حيوان ولا غيره إلا بإذنه ومشيئته، يصيب بذلك من يشاء، ويصرفه عمن يشاء)) (7)   (1) سورة آل عمران، الآية 128 (2) سورة آل عمران، الآية 154. (3) سورة آل عمران، الآية 154. (4) سورة الزمر، الآية 38. (5) سورة الأنعام، الآية 17. (6) سورة فاطر، الآية 2. (7) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ص 273. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 184 ولذلك قال تعالى؛ مخبراً عن نوح (أنه قال لقومه: (إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ((1) . فنوح (قال لقومه: إن كان عظم عليكم مقامي فيكم بين أظهركم، وتذكيري إياكم بحجج الله وبراهينه، (فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ (؛ فإني لا أبالي، ولا أكف عنكم، سواء عظم عليكم، أولا، فاجتمعوا أنتم وشركاؤكم، الذين تدعون من دون الله، من صنم ووثن، (ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً (، أي ولا تجعلوا أمركم عليكم ملتبساً، بل افصلوا حالكم معي، فإن كنتم تزعمون أنكم محقون فاقضوا إليّ ولا تتأخروا ساعة واحدة، مهما قدرتم فافعلوا؛ فإني لا أباليكم، ولا أخاف منكم؛ لأنكم لستم على شيء (2) . وقال تعالى، مخبراً عن هود (: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ((3) .   (1) سورة يونس، الآية 71. (2) انظر تفسير القرآن العظيم 2/407. (3) سورة هود، الآيات 54-56. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 185 يبين هود (أنه واثق غاية الوثوق أنه لا يصيبه منهم، ولا من آلهتهم أذى؛ ولهذا أشهد الله وأشهدهم أنه (بريء من جميع الأنداد والأصنام، ثم قال لهم: (فَكِيدُونِي جَمِيعًا (أي اطلبوا لي الضرر كلكم، أنتم وآلهتكم، إن كانت حقاً، بكل طريق تتمكنون بها مني ولا تمهلون طرفة عين، (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ (واعتمدت عليه في أمري كله، فهو خالق الجميع، ومدبرنا وإياكم، وهو الذي ربانا، فلا تتحرك دابة ولا تسكن إلا بإذنه، فلوا اجتمعتم جميعاً على الإيقاع بي، والله لم يسلطكم علي، لم تقدروا على ذلك؛ فإن سلطكم فلحكمة أرادها، (إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (أي على عدل وقسط وحكمة، لا تخرج أفعاله عن الصراط المستقيم، التي يحمد، ويثنى عليه بها (1) . أما سؤال الناس فيما يقدرون عليه فتركه أولى، وذلك أن في طلب الناس وسؤالهم ذلة وخضوعاً، والمسلم مطالب بإظهار كمال الذل والخضوع لله وحده لا شريك له. يقول ابن رحب: ((واعلم أن سؤال الله تعالى، دون خلقه هو المتعين، لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على دفع هذا الضرر، ونيل المطلوب، وجلب المنافع، ودرء المضار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده، لأنه حقيقة العبادة)) (2) . وقال في كتاب آخر: ((واعلم أن سؤال الله تعالى دون خلقه هو المتعين عقلاً وشرعاً، وذلك من وجوه متعددة، منها: أن السؤال فيه بذل ماء الوجه وذلة للسائل، وذلك لا يصلح إلا لله وحده، فلا يصلح الذل إلا له بالعبادة والمسألة، وذلك من علامات المحبة الصادقة.   (1) انظر تفسير القرآن العظيم 2/231، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 340. (2) جامع العلوم والحكم ص 481. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 186 ومنها أن في سؤال الله عبودية عظيمة؛ لأنها إظهار للافتقار إليه، واعتراف بقدرته على قضاء الحوائج، وفي سؤال المخلوق ظلم، لأن المخلوق عاجز عن جلب النفع لنفسه، ودفع الضر عنها فكيف يقدر على ذلك لغيره؟ وسؤاله إقامة له مقام من يقدر، وليس هو بقادر. ومنها أن الله يحب أن يسأل، ويغضب على من لا يسأله، فإنه يريد من عباده أن يرغبوا إليه ويسألوه، ويدعوه ويفتقروا إليه، ويحب الملحين في الدعاء، والمخلوق غالباً يكره أن يُسأل لفقره وعجزه، … ومنها: أن الله تعالى يستدعي من عباده سؤاله، وينادي كل ليلة: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فاستجيب له … ، فأي وقت دعاه العبد وجده سميعاً قريباً مجيباً، ليس بينه وبينه حجاب ولا بواب، وأما المخلوق؛ فإنه يمتنع بالحجاب والأبواب، ويعسر الوصول إليه في أغلب الأوقات)) (1) . ولهذا كان عقوبة من سأل الناس تكثراً أن يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، كما ثبت عن النبي (أنه قال: (ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم) (2) . وقال (: (يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة، حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة، حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة، حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال سداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً) (3) .   (1) نور الاقتباس ص31؛ وانظر الوافي في شرح الأربعين النووية ص 127. (2) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب من سأل الناس تكثراً، ح (1474) . ورواه مسلم، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس، ح (1040) . (3) رواه مسلم كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة، ح 1044. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 187 في هذا الحديث يبين الرسول (أن من يحل له المسألة من الناس ثلاثة: الأول صاحب الحمالة، وهو أن يكون بين القوم تشاحن، في دم أومال، فيسعى رجل في إصلاح ذات بينهم، ويضمن مالاً يبذل في تسكين ذلك التشاحن، فإنه يحل له السؤال، ويعطى من الصدقة قدر ما تبرأ ذمته عن الضمان، وإن كان غنياً، والثاني: أن يكون معروفاً بالمال، فيهلك ماله بسبب ظاهر كالجائحة، فهذا يحل له الصدقة، حتى يصيب ما يسد خلته به، ويعطى من غير بينة، تشهد على هلاك ماله؛ لأن سبب ذهاب ماله أمر ظاهر، والثالث: صاحب مال هلك ماله بسبب خفي من لص، أو خيانة، أو نحو ذلك، فهذا تحل له المسألة، ويعطى من الصدقة بعد أن يذكر جماعة من أهل الاختصاص به، والمعرفة بشأنه أنه قد هلك ماله)) (1) . وقد ذكر النووي (ت 676 هـ) ، اتفاق العلماء على النهي عن السؤال إذا لم تكن ضرورة، ثم قال: ((واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين أصحهما أنها حرام؛ لظاهر الأحاديث والثاني حلال مع الكراهية بثلاثة شروط: أن لا يذل نفسه، ولا يلح في السؤال، ولا يؤذي المسؤول؛ فإن فقد أحد هذه الشروط فهي حرام بالاتفاق)) (2) . وإذا علم المسلم أن الغني القادر الذي بيده الخير كله هو الله (، تربى على الأنفة والاستغناء عن المخلوقين، وعلم أن السبيل الوحيد إلى ذلك هو التعلق بالله تعالى والتوكل عليه، وعبادته والالتجاء إليه، مع الأخذ بأسباب الجد والعمل، وبذلك يحفظ المسلم ماء وجهه من التذلل والسؤال، وخفض الأكف والانكسار للأشخاص مهما كانوا، فيحفظ كرامته، وتبقى له عزته ومكانته. المبحث السادس في قوله (: (وإذا استعنت فاستعن بالله)   (1) انظر شرح السنة 6/125، 126. (2) صحيح مسلم بشرح النووي 7/127. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 188 الاستعانة طلب العون من الله تعالى، بلسان المقال، كأن تقول، عند شروعك بالعمل: اللهم أعني، أو لا حول ولا قوة إلا بالله، أو بلسان الحال، وهي أن تشعر بقلبك أنك محتاج إلى الله تعالى أن يعينك على هذا العمل، وأنه إن وكلك إلى نفسك وكلك إلى ضعف وعجز، أو طلب العون بهما جميعاً، والغالب أن من استعان بلسان المقال فقد استعان بلسان الحال (1) . فتجب الاستعانة بالله تعالى على تحمل الطاعات، وترك المنهيات، كما تجب الاستعانة به سبحانه على الصبر على المقدورات؛ فإن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في الإتيان بهذه الأمور، ولا بد له من طلب الإعانة من ربه (، ولا معين للعبد على مصالح دينه ودنياه إلا الله (، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن فرط في حق الله تعالى، لم يعنه الله، فهو المخذول. يذكر ابن كثير (ت 774 هـ) أن الدين كله يرجع إلى العبادة والاستعانة، فالعبادة تبرؤ من الشرك، والاستعانة تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله (، وهذا المعنى في غير آية من القرآن (2) ، مثال ذلك قوله تعالى: (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ((3) ، وقوله تعالى: (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ((4) ، وقوله: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ((5) ، وقوله: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ((6) ، ونحو ذلك من الآيات. ولهذا أشار الإمام محمد بن عبد الوهاب (ت 1206 هـ) ، أن معنى الاستعانة: ((سؤال الله الإعانة وهو التوكل والتبري من الحول والقوة)) (7)   (1) انظر القول المفيد على كتاب التوحيد 3/130. (2) انظر تفسير القرآن العظيم 1/24. (3) سورة هود، الآية 123. (4) سورة الملك، الآية 29. (5) سورة المزمل، الآية 9. (6) سورة هود، الآية 88. (7) تفسير الفاتحة، ص 52. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 189 ويعرف أحد العلماء الاستعانة بقوله: ((والاستعانة هي الاعتماد على الله تعالى، في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك)) (1) ويؤكد هذا التعريف قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين (2) ( هذه الآية العظيمة التي يتلوها المسلم في كل ركعة من ركعات صلواته، وهي آية من سورة الفاتحة، التي (هي أعظم السور في القرآن) (3) ومعنى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (: أي نخصك وحدك يا إلهنا بالعبادة والاستعانة، وذلك لأن تقديم المعمول يفيد الحصر، وهو إثبات الحكم للمذكور وفيه عما عداه، ف: انه يقول: نعبدك،ولا نعبد غيرك، ونستعين بك، ولا نستعين بغيرك، أي نوحدك ونطيعك خاضعين، ونطلب منك وحدك المعونة على عبادتك وعلى جميع أمورنا (4) . ((وللقيام بعبادة الله تعالى، والاستعانة به هما الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما، وإنما تكون العبادة عبادة إذا كانت مأخوذة عن رسول الله (، مقصوداً بها وجه الله، فبهذين الأمرين تكون عبادة، وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها، لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى؛ فإنه إن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي)) (5)   (1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 22. (2) سورة الفاتحة، الآية 5. (3) جزء من حديث أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب ما جاء في الفاتحة. (4) انظر: معالم التنزيل 1/41، وتفسير القرآن العظيم 1/24، 25. (5) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 22. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 190 وجاء في الحديث الصحيح قوله (: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولاتعجز) (1) ، أي احرص على طاعة الله تعالى، والرغبة فيما عنده، واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك، ولا تعجز ولا تكسل عن طلب الطاعة، ولا عن طلب الإعانة (2) . ولهذا كان النبي (يعلم أصحابه خطبة الحاجة، وهي: (أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره … ) (3) الحديث. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وتستحب هذه الخطبة في افتتاح مجالس التعليم، والوعظ،والمجادلة، وليست خاصة بالنكاح) (4) . وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله (أخذ بيده، وقال: (يا معاذ إني والله لأحبك فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) (5) . وكان النبي (يدعو ويقول: (رب أعني، ولا تُعن عليّ) (6) الحديث. فالمسلم مطالب بالاستعانة بالله تعالى في فعل المأمورات، واجتناب المنهيات.   (1) رواه مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، والاستعانة بالله، ح2664. (2) صحيح مسلم بشرح النووي 16/215. (3) رواه أبو داود، كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح، ح 2118، والترمذي في النكاح، ح 1105، والنسائي، في الجمعة، باب كيف الخطبة، 3/105، وابن ماجة، في النكاح، باب خطبة النكاح، ح 1892، وانظر: صحيح ابن ماجة 1/319، ح 153. (4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 18/287. (5) رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الاستغفار، ح 1522، والنسائي، في السهو، باب نوع آخر من الدعاء 3/53، واحمد في المسند 5/245، وانظر: صحيح الكلام الطيب، ح 115، وصحيح الجامع الصغير 2/1320، ح 3063. (6) رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا سلم، ح 1510، والترمذي في كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي (، ح 3546، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وانظر: صحيح سنن الترمذي 3/461، ح 3551، وصحيح سنن ابن ماجة 2/324، ح 3830. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 191 يقول ابن تيمية عند تفسير قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (: ((وكل واحد من العبادة والاستعانة دعاء، وإذا كان قد فرض علينا أن نناجيه وندعوه بهاتين الكلمتين في صلاة، فمعلوم أن ذلك يقتضي أنه فرض علينا أن نعبده وأن نستعينه … ، كما أمر بهما في قوله: (فاعبده وتوكل عليه (، والأمر له ولأمته، وأمره بذلك في أم القرآن، وفي غيرها، لأمته؛ ليكون فعلهم ذلك طاعة لله، وامتثالاً لأمره، لا تقدماً بين يدي الله ورسوله، وإلى هذين الأصلين كان النبي (يقصد في عبادته وأذكاره ومناجاته، مثل قوله في الأضحية: (اللهم هذا منك ولك وإليك) (1) ؛ فإن قوله: منك، هو معنى التوكل والاستعانة، وقوله: لك، هو معنى العبادة)) (2) . وقال في موضع آخر: ((فإن الإخلاص والتوكل جماع صلاح الخاصة والعامة، كما أمرنا أن نقول في صلاتنا: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (، فهاتان الكلمتان قد قيل إنهما تجمعان معاني الكتب المنزلة من السماء)) (3) . ويذكر ابن القيم أن آية (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (( (متضمنة لأجلّ الغايات وأفضل الوسائل، فأجلّ الغايات عبوديته، وأفضل الوسائل إعانته، فلا معبود يستحق العبادة إلا هو، ولا معين على عبادته غيره، فعبادته أعلى الغايات، وإعانته أجل الوسائل … ، وقد اشتملت هذه الكلمة على نوعي التوحيد، وهما توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وتضمنت التعبد باسم الرب، واسم الله، فهو يعبد بألوهيته، ويستعان بربوبيته، ويهدي إلى الصراط المستقيم برحمته … ، وهو المنفرد بإعطاء ذلك كله، لا يعين على عبادته سواه، ولا يهدي سواه)) (4) .   (1) رواه أبو داود، كتاب الضحايا، باب ما يستحب من الضحايا، ح 2795. (2) دقائق التفسير 1/173، 174، وانظر منهاج السنة 4/244. (3) دقائق التفسير، ص 212. (4) كتاب الصلاة وحكم تاركها، ص 104. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 192 كما أن العبد مطالب بالصبر والاستعانة بالله تعالى عند وقوع المصائب والابتلاءات، ولهذا قال يعقوب (، عند وقوع مصيبته: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ((1) . ولما قال أهل الإفك ما قالوا في عائشة رضي الله عنها قالت: ((والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذ قال: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (، فبرأها الله مما قالوا)) (2) . وعندما هدد فرعون موسى وقومه، (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ((3) ، فجاء الأمر على خلاف ما أراد فرعون؛ إذ أعزهم الله وأذله، وأرغم أنفه، وأغرقه وجنوده (4) . وأخبر الله تعالى عن الرسول (أنه لما كذبه قومه: (قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون ((5) ، أي والله المستعان عليكم فيما تقولون وتفترون من التكذيب والإفك (6) . وكان عمر بن الخطاب (يدعو في قنوته بقوله: (اللهم إنا نستعينك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك) (7) . ولما بشَّر الرسول (عثمان بن عفان (بالجنة، مع بلوى تصيبه، قال (: ((اللهم صبراً، الله المستعان)) (8) .   (1) سورة يوسف، الآية 18. (2) أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً، ح 2661. (3) سورة الأعراف، الآية 128. (4) انظر تفسير القرآن العظيم 2/229. (5) سورة الأنبياء، الآية 112. (6) انظر تفسير القرآن العظيم 3/197. (7) أخرجه ابن أبي شيبة 2/61/1 و 12/42/1، وصححه الألباني، انظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 2/170 ح 428. (8) أخرجه مسلم، في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عثمان بن عفان (ح 2403. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 193 وقد قال الرسول (لأحد الصحابة: (قل لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها كنز من كنوز الجنة) (1) . يقول ابن حجر (ت 852 هـ) ، ((تسمى هذه الكلمة كنزاً؛ لأنها كالكنز في نفاسته، وصيانته عن أعين الناس … ؛ لأن معنى (لا حول) لا تحويل للعبد عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة له على طاعة الله إلا بتوفيق الله … ، وحاصله أن المراد أنها من ذخائر الجنة، أو من محصلات نفائس الجنة)) (2) . ويقول النووي: ((قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى، واعتراف بالإذعان له … )) (3) . فهي كلمة عظيمة تتضمن اعتراف العبد بأنه لا تحول له من حال إلى حال، ولا قوة له على ذلك إلا بإعانة الله وحده. فالاستعانة لا تطلب من أي إنسان، إلا عند الضرورة، وفيما يقدر عليه فقط، وإذا اضطر العبد الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه، فعليه أن يجعل ذلك وسيلة وسبباً، لا ركناً يعتمد عليه، وإنما الركن الأصيل الذي يعتمد عليه في الدعاء والسؤال والاستعانة هو الله وحده لا شريك له. كما أنّ على العبد إذا احتاج إلى الاستعانة بالمخلوق، كحمل صندوق مثلاً، أن لا يشعر نفسه أن هذه استعانة كاستعانته بالخالق، وإنما عليه أن يشعر أنها كمعونة بعض أعضائه لبعض، كما لو عجز عن حمل شيء بيد واحدة، فإنه يستعين على حمله باليد الأخرى (4) . وعلى هذا فالاستعانة بالمخلوق، فيما يقدر عليه، كالاستعانة ببعض الأعضاء، فلا ينافي ذلك قوله (: (فاستعن بالله) . فإذا وقع العبد في مكروه وشدة فلا بأس أن يستعين بمن له قدرة على تخليصه، أو الإخبار بحاله بعد الاستعانة بالله تعالى، ولا يكون هذا شكوى للمخلوق؛ فإنه من الأمور   (1) رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا علا عقبة، ح 6384. (2) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري 11/188، 500، 501. (3) صحيح مسلم بشرح النووي 17/26. (4) انظر القول المفيد على كتاب التوحيد 3/130، وشرح رياض الصالحين 2/452، 453. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 194 العادية، التي جرى العرف باستعانة الناس، بعضهم ببعض، ولهذا قال يوسف (للذي ظن أنه ناج من الفتيين (1) : (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ((2) . والمصيبة العظيمة، والخطر الجسيم فيمن يسأل أو يستعين بأصحاب القبور، أو غيرهم ممن يسمون بالأولياء والصالحين، سواء أكانوا أمواتاً أم أحياء فيسألهم ويستعين بهم فيما لا يقدرون عليه من جلب نفع أو دفع ضر، أو رزق ولد، أو دخول الجنة، أو النجاة من النار، ونحو ذلك مما هو واقع في بعض البلاد، فإن هذا شرك بالله تعالى، إذ هو وحده القادر على كل شيء، وما دونه من نبي أو ولي لا يملك لنفسه جلب الخير أو دفع الشر إلا بإذنه (، ولهذا قال الله (لنبيه محمد (: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوء ((3) ، فهذه الآية تبين جهل من يقصد النبي (، ويدعوه لحصول نفع، أو دفع ضر، فإنه ليس بيده شيء من الأمر، ولا ينفع من لم ينفعه الله، ولا يدفع الضر عمن لم يدفعه الله عنه، ولا له من العلم إلا ما علمه الله. ويقول (: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ((4) ، هذه صفة كل مدعو ومعبود من دون الله، فإنه لا يملك لنفسه، ولا لغيره، نفعاً ولا ضراً (ذَلِكَ هُوَ   (1) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 365. (2) سورة يوسف، الآية 42. (3) سورة الأعراف، الآية 188. (4) سورة الحج، الآيات 11-13. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 195 الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ (الذي بلغ في البعد حد النهاية، حيث أعرض عن عبادة النافع الضار، الغني المغني، وأقبل على عبادة مخلوق مثله، أو دونه، ليس بيده من الأمر شيء، بل هو إلى حصول ضد مقصوده أقرب؛ ولهذا قال (يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ (؛ فإن ضرره في العقل والبدن، والدنيا والآخرة معلوم، (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (أي لبئس هذا المعبود والقرين، الملازم على صحبته، فإن المقصود من المولى والعشير حصول النفع، ودفع الضر، فإذا لم يحصل شيء من هذا، فإنه مذموم ملوم (1) . ولهذا ينبه الله تعالى على حقارة الأصنام، وسخافة عقول عابديها بقوله تعالى:: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ((2) . يقول ابن دقيق العيد في شرح هذا الجزء من توجيه رسول الله (لابن عباس: ((أرشده إلا التوكل على مولاه، وأن لا يتخذ إلهاً سواه، ولا يتعلق بغيره، في جميع أموره، ما قل منها وما كثر، وقال الله تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه ((3) ، فبقدر ما يركن الشخص إلى غير الله تعالى، بطلبه، أو قلبه، أو بأمله، فقد أعرض عن ربه، بمن لا يضره ولا ينفعه، وكذلك الخوف من غير الله)) (4) . ومما يدل عليه قوله (: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) أن الإيمان يشمل العقائد القلبية، والأقوال،   (1) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 484. (2) سورة الحج، الآيتان 73-74. (3) سورة الطلاق، الآية 3. (4) شرح الأربعين حديثاً النووية ص 55. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 196 والأعمال، كما هو المذهب الحق، وهو قول أهل السنة والجماعة؛ فإن (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) (1) ، وهذه الشعب التي ترجع إلى الأعمال الباطنة والظاهرة كلها من الإيمان. ويدل هذا الحديث العظيم على أنه من نقص التوحيد أن الإنسان يسأل غير الله، ولهذا قال العلماء بكراهية المسألة لغير الله (، في قليل أو كثير، والله (إذا أراد إعانة أحد يسر له العون، سواء أكان بأسباب معلومة أو غير معلومة، فقد يعين الله العبد بسبب غير معلوم له، فيدفع عنه من الشرّ ما لا طاقه لأحد به، وقد يعينه الله على يد أحد من الخلق يسخره له، ويذلّله له حتى يعينه، ولكن مع ذلك لا يجوز للعبد إذا أعانه الله على يد أحد أن ينسى المسبب وهو الله ((2) . المبحث السابع   (1) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، ح 3. (2) انظر شرح رياض الصالحين 2/453. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 197 في قوله (: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) يبين الرسول (في هذا الكلمات أن الأمة لو اجتمعت واتفقت كلها على نفع إنسان بشيء لم يستطيعوا نفعه إلا بشيء قد كتبه الله وقدره له، وإن وقع منهم نفع له فإنما هو من الله تعالى؛ لأنه هو الذي كتبه وقدره. فالرسول (لم يقل لو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك، وإنما قال: (لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك) ، فالناس ينفع بعضهم بعضاً، لكن كل هذا مما كتبه الله للإنسان، فالفضل فيه لله (أولاً، فهو الذي سخر لك من ينفعك، ويحسن إليك، ويزيل كربتك. وكذلك لو اجتمعت الأمة على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ((والإيمان بهذا يستلزم أن يكون الإنسان متعلقاً بربه، ومتكلاً عليه، لا يهتم بأحد؛ لأنه يعلم أنه لو اجتمع كل الخلق على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وحينئذ يعلق رجاءه بالله، ويعتصم به، ولا يهمه الخلق، ولو اجتمعوا عليه، ولهذا نجد الناس في سلف هذه الأمة لما اعتمدوا على الله وتوكلوا عليه لم يضرّهم كيد الكائدين، ولا حسد الحاسدين: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط ((1) … )) (2) . فالإيمان بالقضاء والقدر، والاعتماد على الله وحده، في كل الشؤون، سكينة واطمئنان للعبد، إذ لا يبالي بما يدبره الخلق أو يهددونه به، لأنه يعلم أن الخير والشر بتقدير الله تعالى، والنفع والضر بإرادته وحكمته سبحانه، فلا يستطيع أحد من الخلق أن يحقق للعبد أذى أو ابتلاء إلا بإذن الله تعالى لحكم يريدها سبحانه، بل الله يدافع عنه وينصره ويؤيده، وكذلك لا يستطيع أحد من الخلق تحقيق منفعة   (1) سورة آل عمران، الآية 120 (2) انظر شرح رياض الصالحين 2/454-455 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 198 للعبد لم يأذن بها الله تعالى. كما أن الإيمان بالقضاء والقدر، وبما جاء في هذا الجزء من الحديث، من أعظم أسباب الشجاعة والإقدام والجهاد، فلن يستطيع الأعداء أن يضروا أحداً بشيء مهما خططوا وتآمروا إلا بشيء قد كتبه الله وقدره لحكم أرادها. والشجاعة ليست هي قوة البدن، فقد يكون الرجل قوي البدن، ضعيف القلب، وإنما الشجاعة قوة القلب وثباته، فإن القتال مداره على قوة البدن، وصنعته للقتال، وعلى قوة القلب وخبرته به، والمحمود منهما ما كان بعلم ومعرفة، دون التهور الذي لا يفكر صاحبه، ولا يميز بين المحمود والمذموم (1) . فهذا الحديث العظيم يوجب الإيمان بالقضاء والقدر، وهو الركن السادس من أركان الإيمان، والإيمان به يتضمن الإيمان بمراتبه الأربع، وهي: المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وأنه تعالى قد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم، وعلم أرزاقهم وأقوالهم وأعمالهم وجميع حركاتهم وسكناتهم، وإسرارهم وعلانياتهم ومن هو منهم من أهل الجنة، ومن هو منهم من أهل النار، قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة ((2) ، وقال سبحانه: (عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ ((3) ، وقال: (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ((4) ، وقال (: (إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم) (5) ، ولما سئل (عن أولاد المشركين قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين) (6)   (1) انظر الاستقامة 2/271. (2) سورة الحشر، الآية 21. (3) سورة سبأ، الآية 3. (4) سورة الطلاق، الآية 12. (5) أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب كل مولود يولد على الفطرة، ح 2662. (6) أخرجه البخاري، كتاب القدر، باب الله أعلم بما كانوا عاملين، ح 6597، ومسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، ح 2659. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 199 ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الحديث: ((أي يعلم من يؤمن منهم ومن يكفر لو بلغوا، ثم إنه جاء في حديث إسناده مقارب عن أبي هريرة (عن النبي (قال: (إذا كان يوم القيامة فإن الله يمتحنهم، ويبعث إليهم رسولاً في عرصة القيامة، فمن أجابه أدخله الجنة، ومن عصاه أدخله النار) فهنالك يظهر فيهم ما علمه الله سبحانه، ويجزيهم على ما ظهر من العلم، وهو إيمانهم وكفرهم، لا على مجرد العلم)) (1) . المرتبة الثانية: الإيمان بأن الله تعالى قد كتب جميع ما سبق به علمه أنه كائن، وفي ضمن ذلك الإيمان باللوح والقلم. قال تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِين ((2) ، وقال سبحانه: (إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَاب ((3) ، وقال: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ((4) ، وقال (: (ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإلا وقد كتب شقية أو سعيدة) (5) . المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، وهما متلازمتان من جهة ما كان وما سيكون، ولا ملازمة بينهما من جهة ما لم يكن ولا هو كائن، فما شاء الله تعالى فهو كائن بقدرته لا محالة، وما لم يشأ الله تعالى لم يكن لعدم مشيئة الله إياه، لا لعدم قدرة الله عليه، تعالى الله عن ذلك: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ((6) . ومن أدلة هذه   (1) مجموعة فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 4/246. (2) سورة يس، الآية 12. (3) سورة الحج، الآية 70. (4) سورة فاطر، الآية 11. (5) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة (والليل إذا يغشى (، ح 4948، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي، ح 2648. (6) سورة فاطر، الآية 44. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 200 المرتبة قوله: ((وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّه ((1) ، وقوله تعالى: (مَن يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ((2) ، وقوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ((3) ، وقوله (: (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء) ، ثم قال (: (اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) (4) . المرتبة الرابعة: الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه ما من ذرة في السموات ولا في الأرض ولا فيما بينهما إلا والله خالقها وخالق حركاتها وسكناتها، (لا خالق غيره ولا رب سواه، قال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ((5) ، وقال سبحانه: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْض ((6) ، وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ ((7) ، وقال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ((8) ، وعن حذيفة (مرفوعاً: (إن الله يصنع كل صانع وصنعته) (9) . والإيمان بالقدر نظام التوحيد، كما أن الإيمان بالأسباب التي توصل إلى خيره وتحجز عن شره هي نظام الشرع، ولا ينتظم أمر الدين ويستقيم إلا لمن آمن بالقدر وامتثل   (1) سورة الإنسان، الآية 30. (2) سورة الأنعام، الآية 39. (3) سورة يس، الآية 82. (4) رواه مسلم، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء، ح 2654. (5) سورة الزمر، الآية 62. (6) سورة فاطر، الآية 3. (7) سورة الروم، الآية 40. (8) سورة الصافات، الآية 96. (9) رواه البخاري في خلق أفعال العباد ص 73، وابن أبي عاصم في السنة 357، 358، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/181، ح 1637. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 201 الشرع، فمن نفى القدر زاعماً منافاته للشرع فقد عطل الله عن علمه وقدرته، وجعل العبد مستقلاً بأفعاله خالقاً لها، فأثبت مع الله تعالى خالقاً، بل أثبت أن جميع المخلوقين خالقون، ومن أثبت القدر محتجاً به على الشرع، نافياً عن العبد قدرته واختياره فقد نسب الله تعالى إلى الظلم. وليعلم أن الله (الذي أمرنا بالإيمان بالقضاء والقدر، أمرنا بالعمل والأخذ بالأسباب، فقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ ((1) ، وقال الرسول (: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) (2) ، وفي هذا رد على المتخاذلين، المستسلمين لأهوائهم وشهواتهم، محتجين بتقدير الله تعالى ذلك عليهم، فعلى المسلم أن يحرص على حسن الاتباع لما جاء به الرسول (، مع إخلاص العمل لله تعالى، وسلامة العقيدة، والاجتهاد بالأخذ بالأسباب، والسعي وبذل الجهد، فمن ترك الأسباب محتجاً بالقدر فقد عصى الله تعالى وخالف شرعه. والمؤمنون حقاً يؤمنون بالقدر خيره وشره وأن الله خالق أفعال العباد، وينقادون للشرع أمره ونهيه، ويحكمونه في أنفسهم سراً وجهراً، وأن للعباد قدرة على أعمالهم، ولهم مشيئة وإرادة، وأفعالهم تضاف إليهم حقيقة، وبحسبها كلفوا، وعليها يثابون ويعاقبون، ولكنهم لا يقدرون إلا على ما أقدرهم الله عليه، ولا يشاؤون إلا أن يشاء الله (3) (. قال أبو بكر محمد بن الحسبن الآجُرِّي (ت 360هـ) : ((قد جرى القلم بأمره (في اللوح المحفوظ بما يكون، من بِرّ أو فجور، يثني على من عمل بطاعته من عبيده، ويضيف العمل إلى العباد، ويعدهم عليه الجزاء العظيم، ولولا توفيقه لهم ما عملوا ما استوجبوا به منه الجزاء (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ((4)   (1) سورة التوبة، الآية 105 (2) جزء من حديث سيأتي تخريجه. (3) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 8/ 449، 459، وأعلام السنة المنشورة ص 139، 141. (4) سورة الحديد، الآية 21. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 202 ، وكذا ذم قوماً عملوا بمعصيته، وتوعدهم على العمل بها وأضاف العمل إليهم بما عملوا، وذلك بمقدور جرى عليهم، يضل من يشاء، ويهدي من يشاء)) (1) . وقوله (في الرواية الثانية: (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك) ، هو توجيه إلى الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره، فقوله: (واعلم أن ما أخطأك) أي من المقادير فلم يصل إليك، (لم يكن) مقدراً عليك (ليصيبك) ؛ لأنه بان بكونه أخطأك أنه مقدر على غيرك، (وما أصابك) منها (لم يكن) مقدراً على غيرك (ليخطئك) ، وإنما هو مقدر عليك؛ إذ لا يصيب الإنسان إلا ما قدر عليه، ومعنى ذلك: أنه قد فرغ مما أصابك أو أخطأك من خير وشر، فما أصابك فإصابته لك محتومة لا يمكن أن يخطئك وما أخطأك فسلامتك منه محتومة، فلا يمكن أن يصيبك، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير ((2) ، وقال تعالى: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا ((3) . وقال سبحانه: (قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ((4) . وثبت في الحديث الصحيح أن رجلاً قال: يا رسول الله فيمَ العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير، أم فيما يستقبل؟ قال: (لا بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قال: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) (5) . فلابد من الإيمان بأن كل ما يصيب العبد مما يضره وينفعه في دنياه فهو مقدر عليه، وأنه لا يمكن أن يصيبه ما لم يكتب له ولم يقدر عليه ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعاً. قال   (1) الشريعة، ص152. (2) سورة الحديد، الآية 22. (3) سورة التوبة، الآية 51. (4) سورة آل عمران، الآية 154. (5) رواه مسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، ح 2648. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 203 تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ((1) . يعني أن من أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب، واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ويقيناً صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيراً منه، روى ابن كثير عن ابن عباس أنه قال، في قوله تعالى: (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (: يعني يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه (2) . يقول ابن دقيق العيد: ((هذا هو الإيمان بالقدر، والإيمان به واجب، خيره وشره، وإذا تيقن المؤمن هذا، فما فائدة سؤال غير الله والاستعانة به)) (3) . ومما يجب أن يعلم أن القدر السابق لا يمنع العمل، ولا يوجب الاتكال عليه، بل يوجب الجد والاجتهاد، والحرص على العمل الصالح وحسن الاتباع، ولهذا لما أخبر النبي (أصحابه بسبق المقادير وجريانها وجفوف القلم بها، قال بعضهم: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فقال ((اعملوا فكل ميسر) (4) ، ثم قرأ: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ((5) . ((فالله (قدر المقادير وهيأ لها أسباباً، وهو الحكيم بما نصبه من الأسباب في المعاش والمعاد، وقد يسر كلاً من خلقه لما خلقه له في الدنيا والآخرة، فهو مهيأ له ميسر له؛ فإذا علم العبد أن مصالح آخرته مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها كان أشد اجتهاداً في فعلها والقيام بها، وأعظم منه في أسباب معاشه ومصالح دنياه، وقد فقه هذا كل الفقه من قال من الصحابة لما سمع أحاديث القدر: ما كنت أشد اجتهاداً مني الآن)) (6)   (1) سورة التغابن، الآية 11. (2) انظر تفسير القرآن العظيم 4/375. (3) شرح الأربعين حديثاً النووية ص 55. (4) سبق تخريجه. (5) سورة الليل، الآيات 5-7. (6) أعلام السنة المنشورة ص 134. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 204 وقد قال النبي (: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) (1) ، وروى عنه (أنه لما قيل له: أرأيت دواءً نتداوى به ورقى نسترقيها هل ترد من قدر الله شيئاً؟ قال: (هي من قدر الله) (2) ، يعني إن الله (قدر الخير والشر، وأسباب كل منهما (3) . والأسباب وإن عظمت إنما تنفع إذا لم يعارضها القدر والقضاء، فإذا عارضها القدر لم تنفع شيئاً، بل لا بد أن يمضي الله ما كتب في اللوح المحفوظ من الموت والحياة، وعموم المصائب التي تصيب الخلق، من خير وشر، فكلها قد كتب في اللوح المحفوظ، صغيرها وكبيرها، ((وهذا أمر عظيم لا تحيط به العقول، بل تذهل عنه أفئدة أولي الألباب، ولكنه على الله يسير)) (4) .ولهذا جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه) (5) . يقول ابن رحب: ((واعلم أن مدار جميع هذه الوصية من النبي (لابن عباس على هذا الأصل، وما بعده وما قبله متفرع عليه وراجع إليه، فإنه إذا علم العبد أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، من خير أو شر، أو نفع أو ضر، وأن اجتهاد الخلق كلهم جميعاً على خلاف المقدور غير مفيد شيئاً البتة، علم حينئذ أن الله تعالى وحده هو الضار النافع، والمعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه (، وإفراده بالاستعانة والسؤال والتضرع والابتهال،   (1) سيأتي تخريجه بعد قليل. (2) رواه ابن ماجة، كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، والترمذي، كتاب الطب، باب ما جاء في الأدوية، ح 2065، وقال هذا حديث حسن صحيح. (3) انظر أعلام السنة المنشورة ص 134-135. (4) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 121، 781. (5) رواه الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء في الإيمان بالقدر خيره وشره، ح 2144، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/446، وسلسلة الأحاديث الصحيحة ح 2439. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 205 وإفراده أيضاً بالعبادة والطاعة، لأن المعبود إنما يقصد بعبادته جلب المنافع ودفع المضار، ولهذا ذم الله (من يعبد ما لا ينفع ولا يضر، ولا يغني عن عابده شيئاً، وأيضاً فكثير ممن لا يحقق الإيمان وقلبه يقدّم طاعة مخلوق على طاعة الله رجاء نفعه أو دفعاً لضره، فإذا تحقق العبد تفرد الله وحده بالنفع والضر، وبالعطاء والمنع، أوجب ذلك إفراده بالطاعة والعبادة، ويقدم طاعته على طاعة الخلق كلهم جميعاً، كما يوجب ذلك أيضاً إفراده سبحانه بالاستعانة به والطلب منه)) (1) .ثم قال أيضاً شارحاً حديث ابن عباس: ((ثم عقب ذلك بذكر إفراد الله بالسؤال وإفراده بالاستعانة، وذلك يشمل حال الشدة وحال الرخاء، ثم ذكر بعد هذا كله الأصل الجامع الذي تنبني عليه هذه المطالب كلها،وهو تفرد الله (بالضر والنفع والعطاء والمنع، وإنه لا يصيب العبد في ذلك كله إلا ما سبق تقديره وقضاه له، وأن الخلق كلهم عاجزون عن إيصال نفع أو ضر غير مقدر في الكتاب السابق، وتحقيق هذا يقتضي انقطاع العبد عن التعلق بالخلق، وعن سؤالهم واستعانتهم ورجائهم بجلب نفع أو دفع ضر، وخوفهم من إيصال ضر أو منع نفع، وذلك يستلزم إفراد الله سبحانه بالطاعة والعبادة أيضاً، وأن يقدم طاعته على طاعة الخلق كلهم جميعاً، وأن يتقي سخطه، ولو كان فيه سخط الخلق جميعاً)) (2) . وفي قوله (: (وما أصابك لم يكن ليخطئك) أعظم وقاية ضد القلق النفسي، وسائر الهواجس والاضطرابات النفسية، التي يشتكي منها كثير من الناس، حتى سماها بعضهم بمرض العصر، فمن آمن بهذا الحديث اطمأن قلبه وانشرح صدره، وعلم أن كل ذلك بقضاء الله وقدره، وأنه خير له، فيبتعد عن التضجر والزفرات والحسرات، جاء في الحديث الصحيح قوله (: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو   (1) نور الاقتباس ص 46 , (2) المصدر السابق ص 47 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 206 أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان) (1) . المبحث الثامن في قوله (: (رفعت الأقلام وجفت الصحف) أي تركت الكتابة في الصحف، لفراغ الأمر وانبرامه منذ أمد بعيد، فقد تقدم كتابة المقادير كلها، فما كتبه الله فقد انتهى ورُفع، والصحف جفت من المداد، ولم يبق مراجعة. فما أخطئك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك. وهذا يدل على أن ما في علم الله تعالى، أو ما أثبته سبحانه في أم الكتاب ثابت لا يتبدل ولا يتغير ولا ينسخ، وما وقع وما سيقع كله بعلمه تعالى وتقديره (2) ، وهذه الجملة من الحديث تأكيد لما سبق من الإيمان بالقدر، والتوكل على الله وحده، وأن لا يتخذ إلهاً سواه، فإذا تيقن المؤمن هذا فما فائدة سؤال غير الله والاستعانة به، ولهذا قال: (رفعت الأقلام وجفت الصحف) : أي لا يكون خلاف ما ذكرت لك بنسخ ولا تبديل (3) . ويشهد لهذا قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير ((4) وقوله ((إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: يارب، وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) (5) . وقوله: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) (6) .   (1) رواه مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله، ح 2664. (2) انظر شرح رياض الصالحين 2/ 455، وبهجة الناظرين شرح رياض الصالحين 1/136. (3) انظر شرح الأربعين حديثاً النووية ص 55. (4) سورة الحديد، الآية 22. (5) رواه أبو داود في كتاب السنة، باب في القدر، ح 4700، والترمذي في كتاب القدر، ح 2155، وأحمد 5/317، وانظر صحيح سنن الترمذي 2/450 ح 2155. (6) رواه مسلم في كتاب القدر، باب احتجاج آدم وموسى عليهما السلام، ح 2653. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 207 وعن أبي الدرداء (عن النبي (أنه قال: (فرغ الله إلى كل عبد من خمس: من أجله، ورزقه، وأثره، ومضجعه، وشقي أو سعيد) (1) . وعن جابر (أن رجلاً قال: يا رسول الله فيم العمل اليوم؟ أفيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير، أم فيما يستقبل؟ قال: (لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قال: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر) (2) . وعن ابن مسعود (عن النبي (قال: (خلق الله كل نفس، وكتب حياتها، ورزقها، ومصائبها) (3) . وفي قوله: (رفعت الأقلام) جاءت (الأقلام) في هذا الحديث وفي غيره، مجموعة، فدل ذلك على أن للمقادير أقلاماً، وقد ذكر العلماء أقساماً للأقلام، وهي (4) : القلم الأول: العام الشامل لجميع المخلوقات، وهو القلم الذي خلقه الله وكتب به في اللوح المحفوظ مقادير الخلائق، وهذا أول الأقلام وأفضلها وأجلها، كما دل على ذلك قوله (: (أول ما خلق الله تعالى القلم، فقال له: اكتب، قال: يارب، وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) . القلم الثاني: قلم الوحي: وهو الذي يكتب به وحي الله إلى أنبيائه ورسله، وقد رفع النبي (ليلة أسري به إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام (5) ، فهذه الأقلام هي التي تكتب ما يوجبه الله تبارك وتعالى من الأمور التي يدبر بها أمر العالم العلوي والسُّفلي. القلم الثالث: حين خلق آدم (، وهو قلم عام أيضاً، لكن لبني آدم.   (1) أخرجه أحمد في المسند 5/197، وابن أبي عاصم في السنة ح 304، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 2/774 ح 4201. (2) سبق تخريجه. (3) رواه الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء لا عدوى ولا هامة ولا صفر، ورواه أحمد 1/440، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/446 ح 2143. (4) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 345-348 بتصرف يسير. (5) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء، ح 349، ومسلم كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله (، ح 263. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 208 القلم الرابع: حين يُرسل الملك إلى الجنين في بطن أمه، فينفخ فيه الروح، ويأمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، كما قال (: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويأمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد) (1) الحديث. القلم الخامس: الموضوع على العبد، الذي بأيدي الكرام الكاتبين، الذين يكتبون ما يفعله بنو آدم، كما قال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ((2) . وقوله (: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يعقل، وعن الصبي حتى يحتلم) (3) . وقد اختلف العلماء هل القلم أول المخلوقات أو العرش؟ فقيل بأن العرش قبل القلم لقوله (: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء) ، فهذا صريح أن التقدير وقع بعد خلق العرش، والتقدير وقع عند أول خلق القلم. وقيل بأن القلم أول المخلوقات بدليل قوله (: (أول ما خلق الله تعالى القلم فقال له: اكتب، قال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) .   (1) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ح 3208، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، ح 2645. (2) سورة الانفطار، الآيات 10-12. (3) علقه البخاري في صحيحه، في كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق، وأخرجه أبو داود في كتاب الحدود، باب: في المجنون يسرق، أو يصيب حداً، ح 4399، والترمذي في كتاب الحدود، باب: ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد، ح 1423، وابن ماجة، كتاب الطلاق، باب: طلاق المعتوه والصغير، ح 2042، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/117، ح 1423. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 209 ولعل القول الأول أصح للحديث الصريح الصحيح السابق الذي يدل على أن العرش مخلوق قبل تقدير الله مقادير الخلق، أما قوله (: (أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب) فإن معناه: عند أول خلقه قال له اكتب، ويدل عليه لفظ: (أول ما خلق الله القلم قال له اكتب) ، بنصب (أولَ) و (القلمَ) ، وحملت رواية الرفع (أولُ) و (القلمُ) على أن القلم أول المخلوقات من هذا العالم، فيتفق الحديثان؛ إذ حديث القول الأول يدل على أن العرش سابق على التقدير، وحديث القول الثاني يدل على أن التقدير مقارن لخلق القلم (1) . وقد رجح القول الأول ابن تيمية، وذكر أنه مذهب ((كثير في السلف والخلف)) (2) . هذا وقد رجح بعض أهل العلم أن القلم أول مخلوق، واستدل برواية: (إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم، وأمره أن يكتب كل شيء يكون) (3) ، قال الألباني: ((وفيه رد على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق، ولا نص في ذلك عن رسول الله ( … ، فالأخذ بهذا الحديث – وفي معناه أحاديث أخرى – أولى؛ لأنه نص في المسألة، ولا اجتهاد في مورد النص، كما هو معلوم، وتأويله بأن القلم مخلوق بعد العرش باطل؛ لأنه يصح مثل هذا التأويل لو كان هناك نص قاطع على أن العرش أول المخلوقات كلها، ومنها القلم، أما ومثل هذا النص مفقود، فلا يجوز هذا التأويل)) (4) . والإيمان باللوح والقلم هو من الإيمان بالقضاء والقدر، ولهذا يذكرهما هل العلم ضمن الإيمان بالمرتبة الثانية من مراتب الإيمان بالقدر، وهي مرتبة الإيمان بكتابة المقادير، ويدخل في هذه المرتبة خمسة من التقادير هي:   (1) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 345. (2) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 2/275 و 16/139، ومنهاج السنة النبوية 1/361، 362. (3) رواه ابن أبي عاصم في السنة، ح 108، والبيهقي في السنن الكبرى 9/3، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/257 ح 133. (4) سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/258. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 210 الأول: التقدير الأزلي: وهو كتابة المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، عندما خلق الله القلم، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير (، وقال الرسول (: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء) (1) ، وقال (: (أول ما خلق الله القلم، فقال له: أكتب، فقال: يا رب وماذا أكتب؟ فقال: أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) (2) . الثاني: التقدير العمري، حين أخذ الميثاق، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين ((3) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي (قال: (إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم (بنعمان - يعني عرفه - فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنشرها بين يديه، ثم كلمهم قبلاً، قال (: (أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا (إلى قوله تعالى: (المبطلون ((4) .   (1) سبق تخريجه. (2) سبق تخريجه. (3) سورة الأعراف، الآية 172. (4) الحديث رواه الإمام أحمد 1/272، وابن أبي عاصم 202، وصححه الألباني في سلة الأحاديث الصحيحة ح 1623. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 211 الثالث: التقدير العمري أيضاً، عند تخليق النطفة في الرحم، قال تعالى: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ((1) وقوله (: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد … ) (2) الحديث. الرابع: التقدير الحولي، في ليلة القدر، قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا) (3) . الخامس: التقدير اليومي، قال تعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ () (4) (. ((وكل هذه التقادير كالتفصيل في القدر السابق، وهو الأزلي الذي أمر الله تعالى القلم عند خلقه أن يكتبه في اللوح المحفوظ، وبذلك فسر ابن عمر وابن عباس (قوله تعالى: (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ () (5) ، وكل ذلك صادر عن علم الله الذي هو صفته تبارك وتعالى)) (6) . المبحث التاسع في قوله (: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) يعني أن العبد إذا اتقى الله وحفظ حدوده وراعى حقوقه في حال رخائه، فقد تعرف بذلك إلى الله، فعرفه ربه في الشدة، ورعى له تعرفه إليه في الرخاء، فنجاه من الشدائد بهذه المعرفة.   (1) رواه أبو داود في كتاب السنة، باب في القدر، ح 4700، والترمذي في كتاب القدر، ح 2155، واحمد 5/317، وانظر: صحيح سنن الترمذي 2/450، ح2155. (2) ورواه مسلم في كتاب القدر، باب احتجاج آدم وموسى عليهما السلام، ح2653. (3) سورة الدخان، الآيتان 4، 5. (4) سورة الرحمن، الآية 29. (5) سورة الجاثية، الآية 29. (6) أعلام السنة المنشورة ص 133. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 212 يذكر ابن رجب أن معرفة العبد لربه نوعان: ((أحدهما – المعرفة العامة، وهي معرفة الإقرار به والإيمان، وهذه عامة للمؤمنين. والثاني - معرفة خاصة تقتضي ميل القلب إلى الله بالكلية، والانقطاع إليه)) . كما يذكر ابن رجب أن معرفة الله لعبده نوعان، أيضاً، هما: الأول: معرفة عامة، وهي علمه تعالى بعباده واطلاعه عليهم، قال تعالى: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُم (وقال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (. والثاني: معرفة خاصة، وهي تقتضي المحبة وإجابة الدعاء ونحو ذلك (1) . ويقول ابن علان (ت 1057 هـ) : (( … ، (تعرّف) بتشديد الراء: أي تحب (إلى الله في الرخاء) بالدأب في الطاعات، والإنفاق في وجوه القرب والمثوبات، حتى تكون متصفاً عنده بذلك، معروفاً به، (يعرفك في الشدة) بتفريجها عنك، وجعله لك من كل ضيق فرجاً، ومن كل هم مخرجاً، بواسطة ما سلف منك من ذلك التصرف)) (2) . والمراد بقوله ((يعرفك في الشدة) : أي المعرفة الخاصة التي تقتضي النصر والتأييد والقرب، قال (فيما يرويه عن ربه (: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) (3) . فمتى تعرّف العبد إلى الله في الرخاء المعرفة التامة الخاصة، وذلك بحرصه على إكمال إخلاص عبادته، وخضوعه لله تعالى، واتباعه لرسوله (، عرفه الله في كل وقت، وبخاصة في وقت الشدائد والكرب، فينصره الله ويؤيده، ويسدده في سمعه وبصره، ويده ورجله، ويعطيه سؤاله، ويعيذه ويحفظه.   (1) انظر جامع العلوم والحكم، ص 252. (2) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، 1/232. (3) سبق تخريجه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 213 يقول (: (من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب؛ فليكثر الدعاء في الرخاء) (1) . ويونس (إنما نجاه الله بسبب ذكره الله في الرخاء، قال تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ((2) . يقول الطبري: ((يقول تعالى ذكره: (فلولا أنه) يعني يونس كان من المصلين لله، قبل البلاء، الذي ابتلي به من العقوبة بالحبس في بطن الحوت، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ... ، ولكنه كان من الذاكرين الله قبل البلاء، فذكره الله في حال البلاء؛ فأنقذه ونجاه)) (3) ، وأشار إلى هذا القول ابن كثير بقوله: ((قيل لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء)) تم نسبه إلى بعض أهل العلم. (4) واستدل عليه بحديث ابن عباس (5) ، وقيل معناه لولا أنه سبح الله في بطن الحوت، وقال ما قال من التهليل والتسبيح، والتوبة إلى الله (6) .   (1) رواه الترمذي في كتاب الدعوات، باب رقم (9) ، ح 3379، والحاكم 1/544، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/140 ح 593. (2) سورة الصافات، الآيات 139 – 147. (3) جامع البيان في تفسير القرآن 23/64. (4) انظر تفسير القرآن العظيم 4/22. (5) انظر البداية والنهاية 1/219. (6) انظر المصدر السابق، الصفحة نفسها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 214 وفرعون كان طاغياً باغياً، فلما أدركه الغرق (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِين ((1) فقال الله تعالى له: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ((2) ، أي أهذا الوقت تقول، وقد عصيت الله قبل هذا فيما بينك وبينه، وكنت من المفسدين في الأرض الذين أضلوا الناس، فهو سبحانه يبين أن هذا الإيمان في هذه الحالة غير نافع له (3) . ومن اتقى الله في جميتع أحواله جعل الله له مخرجاً من المضائق والمحن، يقول الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب ((4) أي من يتق الله يجعل له مخرجاً ونجاه من كل كرب في الدنيا والآخرة، ومن كل شيء ضاق على الناس، ويرزقه من جهة لا تخطر بباله، ولهذا يروى عن ابن مسعود (أنه قال عن هذه الآية بأنها أكبر آية في القرآن فرجاً (5) ، ((فكل من اتقى الله ولازم مرضاته في جميع أحواله، فإن الله يثبته في الدنيا والآخرة، ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرجاً ومخرجاً من كل شدة ومشقة، … ، ويسوق الله الرزق للمتقي من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به)) (6) . وإذا كان من يتقي الله يجعل له فرجاً ومخرجاً، فإن من لم يتق الله يقع في الآصار والأغلال والشدائد التي لا يقدر على التخلص منها، والخروج من تبعاتها (7) ، قال تعالى: (إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ((8) .   (1) سورة يونس، الآية 90. (2) سورة يونس، الآية 91. (3) انظر تفسير القرآن العظيم 2/421. (4) سورة الطلاق، الآيتان 2، 3. (5) انظر دقائق التفسير 5/8-10، وتفسير القرآن العظيم 4/380. (6) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 806. (7) انظر المصدر السابق، الصفحة نفسها. (8) سورة آل عمران، الآية 159. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 215 وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ((1) . وقوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ((2) . فمن عرف الله واستقام على شرعه تنزلت عليه الملائكة بأن لا يخاف ولا يحزن، ويبشرونه بالجنة، وذلك عند موته وفي قبره وحين يبعث، وقيل بأن هذا التنزّل عند الاحتضار، والصحيح بأنه في الأحوال الثلاثة المذكورة آنفاً؛ ولهذا قال ابن كثير بعد ذكره أن البشارة من الملائكة للعبد تكون عند الموت، وفي القبر، وحين البعث: ((وهذا القول يجمع الأقوال كلها، وهو حسن جداً، وهو الواقع)) (3) .   (1) سورة فصلت، الآيات 30-32. (2) سورة الأحقاف، الآيتان 13-14. (3) انظر تفسير القرآن العظيم 4/101. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 216 وإذا علم من قوله (: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) أن التعرف إلى الله في الرخاء يؤدي إلى معرفة الله لعبده في الشدة، وعلم بأن شدة الموت من أعظم الشدائد التي يلقاها العبد المؤمن، فالواجب المبادرة بالاستقامة والاستعداد للموت بالأعمال الصالحة وإخلاصها لله وحده لا شريك له، فهي السبيل إلى تنزل الملائكة على العبد المؤمن عند الاحتضار بألا يخاف ولا يحزن والبشارة له بالجنة؛ كل ذلك في وقت الشدائد والكرب عند الموت، وفي القبر، وحين البعث، فلا بد من الاستعداد لتلك الأهوال العظيمة؛ فإن المرء لا يدري متى يفاجئه الموت، ويقبل على تلك الشدائد. يقول الطبري في تفسير الآيات السابقة في سورة فصلت: ((يقول تعالى ذكره: إن الذين قالوا ربنا الله وحده لا شريك له، وبرئوا من الآلهة والأنداد، ثم استقاموا على توحيد الله، ولم يخلطوا توحيد الله بشرك غيره به، وانتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى … ، تتهبط عليهم الملائكة عند نزول الموت بهم … ، قائلة: لا تخافوا ما تقدمون عليه من بعد مماتكم، ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم … ، وقيل إن ذلك في الآخرة، وقوله: (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (يقول: وسروا بأن لكم في الآخرة الجنة التي كنتم توعدونها في الدنيا على إيمانكم بالله واستقامتكم على طاعته)) (1)   (1) جامع البيان في تفسير القرآن 24/73، 74. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 217 ويقول في تفسير آية الأحقاف: ((يقول تعالى ذكره: إن الذين قالوا ربنا الله الذي لا إله غيره ثم استقاموا على تصديقهم بذلك فلم يخلطوه بشرك، ولم يخالفوا الله في أمره ونهيه، فلا خوف عليهم من فزع يوم القيامة وأهواله، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم بعد مماتهم، وقوله تعالى: (أولئك أصحاب الجنة (يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين قالوا هذا القول واستقاموا أهل الجنة وسكانها (خالدين فيها (يقول: ماكثين فيها أبداً، (جزاء بما كانوا يعملون (يقول: ثواباً منا لهم، آتيناهم ذلك على أعمالهم الصالحة، التي كانوا في الدنيا يعملونها)) (1) . فلا بد من الاستقامة على شرع الله، والحرص على سلامة التوحيد مما قد يشوبه، في حال الصحة والرخاء، وفي جميع الأحوال، والاستعداد للقاء الله، فمن عرف الله في هذه الأحوال عرفه الله عند الشدائد فكان معه بتأييده وتوفيقه، يعينه ويتولاه، ويثبته على التوحيد، في الحياة وعند الممات، ومن نسي الله في حال صحته ورخائه، ولم يستعد للقائه نسيه الله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ((2) .   (1) المصدر السابق 26/11. (2) سورة الحشر، الآيتان 18 و 19. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 218 ويجب التعرف إلى الله في رخاء العيش، وتكاثر الأموال، وذلك بأن تكون مصادرها حلالاً، بعيدة عن الربا، ونحوه، وأن تؤتى زكاتها، وينفق على أوجه الخير منها، ويحذر من الطغيان والإنفاق على المحرمات والمنهيات، فمن تعرف إلى الله في أمواله، وتصرف فيها وفق الشرع الحكيم عرفه الله في الشدة، وذلك بأن يسهل له أبواب الرزق، ويسدده لاستعماله على الوجه المطلوب شرعاً، ويلهمه شكره وحمد الله تعالى عليه، قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِب ((1) ، وقال سبحانه: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ((2) ، وقال عن أهل الكتاب: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ((3) ، أي لو أنهم عملوا بما في الكتب التي بأيديهم عن الأنبياء على ما هي عليه، من غير تحريف ولا تبديل، ولا تغيير، لقادهم ذلك إلى اتباع الحق، والعمل بمقتضى ما بعث الله به محمداً (؛ فإن كتبهم ناطقة بتصديقه، والأمر باتباعه، حتماً لا محالة، ومن ثم (لأكلوا … ) يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء، والنابت لهم من الأرض (4) . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله (فقال: (يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا. ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان عليهم.   (1) سورة الطلاق، الآيتان 2 و3. (2) سورة الجن، الآية 16. (3) سورة المائدة، الآية 66. (4) انظر: تفسير القرآن العظيم 2/72. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 219 ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلّط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم. وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم) (1) وفي رواية: (ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم، وما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله (عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة، إلا حبس الله عنهم القطر) (2) . فمن عمل لله بالطاعة في جميع أوقاته، ولا سيما في الرخاء، عرفه الله في الشّدة ووجده تجاهه ينصره ويؤيده ويفرج عنه، كما جرى للثلاثة الذين أصابهم المطر فأووا إلى غار فانحدرت صخرة فانطبقت عليهم، فقالوا: انظروا ما عملتم من الأعمال الصالحة، فاسألوا الله تعالى بها، فإنه ينجيكم، فذكر كل واحد منهم سابقة سبقت له مع ربه في الرخاء، فانحدرت عنهم الصخرة، فخرجوا يمشون (3) . المبحث العاشر في قوله (: (واعلم أن النصر مع الصبر)   (1) رواه ابن ماجة، كتاب الفتن، باب العقوبات، ح 4019، والحاكم 4/540، وصحح الألباني، انظر: صحيح ابن ماجة 2/370، ح 3246، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 1/216، 217، ح 106. (2) رواه الحاكم 2/126، والبيهقي 3/346، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/219، ح 107. (3) انظر: نص الحديث في صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب إذا اشترى شيء بغير إذنه فرضي، ح 2215، وفي صحيح مسلم، كتاب الذكر، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، ح 2743. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 220 يجب على كل مسلم أن يعلم علم اليقين أن النصر مع الصبر، فإذا صبر وفعل ما أمره الله به من وسائل النصر؛ فإن الله تعالى ينصره؛ لأن العدو يصيب الإنسان من كل جهة فقد يشعر الإنسان أنه لن يطيق عدوه فيستحسر ويدع الجهاد، وقد يشرع في الجهاد، فإذا أصابه الأذى استحسر، وتوقف، وقد يستمر، فيصيبه الألم من عدوه، فيكون عرضة لليأس والخذلان، فهذه الأمور كلها يجب الصبر عليها، والحذر من اليأس وأسبابه، وليعلم المسلم أن الصبر من أعظم أسباب النصر (1) ، قال تعالى: (وَلاَتَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ((2) .   (1) انظر: شرح رياض الصالحين 2/455. (2) سورة آل عمران، الآيتان 139، 140. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 221 في هاتين الآيتين يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين لما أصيبوا يوم أحد، وقتل منهم سبعون، مسلياً لهم قائلاً: (ولا تهنوا (أي لا تضعفوا بسبب ما جرى (ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين (أي العاقبة والنصر لكم أيها المؤمنون، (إن يمسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله (أي إن كنتم قد أصابتكم جراح، وقتل منكم طائفة فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح، ثم قال تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس (أي نديل عليكم الأعداء تارة، وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة؛ ولهذا قال تعالى: (وليعلم الله الذين آمنوا (أي لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء، (ويتخذ منكم شهداء (يعني يقتلون في سبيله، ويبذلون مهجهم في مرضاته، ثم قال تعالى: (وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ((1) ، أي يكفر عنهم ذنوبهم، إن كانت لهم ذنوب، وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به، أما الكافرون فإنهم إذا ظفروا وبغوا وبطروا فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم. (2) ومن كلام السعدي في تفسير هذه الآيات قوله: ((يقول تعالى مشجعاً لعباده المؤمنين، ومقوياً لعزائمهم، ومنهضاً لهممهم، (ولا تهنوا ولا تحزنوا (أي: ولا تهنوا أو تضعفوا في أبدانكم، ولا تحزنوا في قلوبكم عندما أصابتكم المصيبة، وابتليتم بهذه البلوى؛ فإن الحزن في القلوب، والوهن على الأبدان، زيادة مصيبة عليكم، وأعون لعدوكم عليكم، بل شجعوا قلوبكم، وصبروها، وادفعوا عنها الحزن، وتصلبوا على قتال عدوكم، وذكر تعالى أنه لا يليق بهم الوهن والحزن، وهم الأعلون في الإيمان، ورجاء نصر الله وثوابه، فالمؤمن المبتغي ما وعد الله من الثواب الدنيوي والأخروي لا ينبغي له ذلك … )) (3)   (1) سورة آل عمران، الآية 141. (2) انظر: تفسير القرآن العظيم 1/385، 386. (3) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 117. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 222 وقال تعالى: (وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ((1) أي لا تضعفوا في طلب عدوكم، بل جدّوا فيهم، وقاتلوهم، واقعدوا لهم كل مرصد، فكما يصيبكم الجراح والقتل، كذلك يحصل لهم، وأنتم وإياهم سواء فيما يصيبكم وإياهم من الجراح والآلام، ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد كما وعدكم إياه في كتابه وعلى لسان رسوله (، وهم لا يرجون شيئاً من ذلك، فأنتم أولى بالجهاد منهم، وأشد رغبة فيه، وفي إقامة كلمة الله وإعلانها، وهو (أعلم وأحكم فيما يقدره ويقضيه، وينفذه ويمضيه في أحكامه الكونية والشرعية، فإذا صبر الإنسان وصابر ورابط؛ فإن الله سبحانه ينصره (2) . فهذه النصائح والتوجيهات توجب للمؤمن المصدق زيادة القوة، وتضاعف النشاط، والشجاعة التامة؛ لأن من يقاتل ويصبر على نيل عزّه الدنيوي، إن ناله، ليس كمن يقاتل ويصبر لنيل السعادة الدنيوية والأخروية، والفوز برضوان الله وجنته (3) .   (1) سورة النساء، الآية 104. (2) انظر: تفسير القرآن العظيم 1/521. (3) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 163. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 223 وفي قوله (: (واعلم أن النصر مع الصبر) تنبيه على أن الناس في هذه الدار معرضون للمحن والمصائب وطروق المنغصات والمتاعب، لا سيما الصالحون منهم، فينبغي للمسلم أن يصبر ويحتسب، ويرضى بالقضاء والقدر، وينتظر وعد الله تعالى له بأن عليه صلوات من ربه ورحمة وبأنه المهتدى، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون ((1) ، فالنصر من الله تعالى للعبد على جميع أعداء دينه ودنياه إنما يوجد (مع الصبر) على طاعته، وعن معصيته، فهو سبب للنصر، ولهذا فإن الغالب على من انتصر لنفسه عدم النصر والظفر، وعلى من صبر ورضي بقضاء الله تعالى وحكمه تعجيلهما له كما هو المعهود من مزيد كرمه وإحسانه (2) . ولهذا يقول الله تعالى: (وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرين ((3) ؛ لأنه سبب لنصرهم على أعدائهم وأنفسهم وإعلاء لدرجاتهم، وقال تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِين ((4) .   (1) سورة البقرة، الآيات 155 - 157. (2) انظر: شرح الأربعين حديثاً النووية، ص 55، 56، وفتح المبين لشرح الأربعين، ص 177. (3) سورة النحل، الآية 126. (4) سورة البقرة، الآية 249. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 224 يقول السعدي في تفسير قوله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع … . (الآيات: ((أخبر تعالى أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن؛ ليتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، وهذه سنته تعالى في عباده؛ لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان، ولم يحصل معها محنة، لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر، هذه فائدة المحن … ، فهذه الأمور لا بد أن تقع، لأن العليم الخبير أخبر بها فوقعت كما أخبر، فإذا وقعت انقسم الناس قسمين: جازعين وصابرين، فالجازع حصلت له المصيبتان، فوات المحبوب، وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو أعظم منها، وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر، ففاز بالخسارة والحرمان، ونقص ما معه من الإيمان، وفاته الصبر والرضا والشكران، وحصل له السخط الدال على شدة النقصان. وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب، فحبس نفسه عن التسخط قولاً وفعلاً، واحتسب أجرها عند الله، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له، بل المصيبة تكون نعمة في حقه؛ لأنها صارت طريقاً لحصول ما هو خير له وأنفع منها؛ فقد امتثل أمر الله، وفاز بالثواب؛ فلهذا قال تعالى: (وبشر الصابرين … (أي: بشّرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب، فالصابرون هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة … ، فكون العبد لله، وراجعاً إليه، من أقوى أسباب النصر … .. ودلّت هذه الآية على أن من لم يصبر فله ضد ما لهم، فحصل له الذم من الله، والعقوبة والضلال والخسارة، فما أعظم الفرق بين الفريقين … ، فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها؛ لتخف وتسهل إذا وقعت، وبيان ما تقابل به إذا وقعت، وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر، وما للصابرين من الأجر، ويعلم حال غير الصابر بضد حال الصابر … )) (1) .   (1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 58، 59. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 225 ويقول (: (عجباً لأمر المؤمن. إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) (1) . وقال (: (إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع) (2) ، يدل هذا الحديث على أن صاحب البلاء يكون محبوباً عند الله تعالى إذا صبر على البلاء ورضي بقضاء الله (.   (1) رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، ح 2999. (2) رواه الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، ح 2396، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، ح 4031، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/276، ح 146، وصحيح الجامع الصغير 1/351، ح 1706. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 226 ومن الأدلة التي تؤكد أن النصر مع الصبر كثرة الآيات والأحاديث التي تأمر بالصبر عند لقاء العدو، منها: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُون ((1) ، وقوله: (فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ((2) ، وقوله تعالى في قصة طالوت: (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِين ((3) ، وقوله: (بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ((4) ، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ((5) . وقوله (: (لا تمنّوا لقاء العدو، فإذا لقيتموهم فاصبروا) (6) .   (1) سورة الأنفال، الآية 45. (2) سورة الأنفال، الآية 66. (3) سورة البقرة، الآية 249. (4) سورة آل عمران، الآية 125. (5) سورة آل عمران، الآية 200. (6) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب لا تمنوا لقاء العدو، ح 3026. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 227 والمسلم في هذه الحياة معرض لفتن كثيرة، ومعارك متنوعة، وابتلاءات في الأموال والأنفس، وأذى من المشركين والمخالفين، وأعظم أسباب الانتصار على كل هذا العقيدة السليمة، والعمل الصالح، والصبر والاحتساب، قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور ((1) .   (1) سورة آل عمران، الآية 186. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 228 وإذا عظمت المحنة كان الصبر للمؤمن الصالح ((سبباً لعلو الدرجة، وعظيم الأجر، كما سئل النبي (أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة) (1) ، وحينئذ يحتاج من الصبر إلى ما لا يحتاج إليه غيره، وذلك هو سبب الإمامة في الدين كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ((2) ، فلابد من الصبر على فعل الحسن المأمور، وترك السيئ المحظور، ويدخل في ذلك الصبر على الأذى، وعلى ما يُقال، والصبر على ما يصيبه من المكاره، والصبر عن البطر عند النعم، وغير ذلك من أنواع الصبر، ولا يمكن العبد أن يصبر إن لم يكن له ما يطمئن له، ويتنعم به، وهو اليقين،..؛ فالحاجة إلى السماحة والصبر عامة لجميع بني آدم، لا تقوم مصلحة دينهم ولا دنياهم إلا بهما)) (3) . فالذي يستقيم على شرع الله ويحفظ حدوده، ويصبر على العبادة، وعلى ما يصيبه من الابتلاءات، ويرضى بقضاء الله وقدره، يتولاه الله، ويوصل إليه مصالحه، وييسر له منافعه الدينية والدنيوية، وينصره على عدوه، ويدفع عنه كيد الفجار وتكالب الأشرار، قال تعالى: (فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ((4) ، ومن كان الله مولاه وناصره فلا خوف عليه، ومن كان الله عليه فلا عزّ له، ولا قائمة تقوم له   (1) رواه الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، ح 2398، وقال الترمذي: " هذا حديث حسن صحيح"، ورواه ابن ماجة، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، ح 3249، وانظر صحيح سنن ابن ماجة 2/371، ح 4023. (2) سورة السجدة، الآية 24. (3) انظر: الاستقامة 2/260 - 263. (4) سورة الأنفال، الآية 40. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 229 (1) . فالصبر أمر واجب لا بد منه؛ فإن الله تعالى أمر بالصبر ووعد عليه الأجر العظيم، قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب ((2) ، وقال سبحانه: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ ((3) ، وقال: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ((4) ، وقال: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ((5) . ويقول الرسول (: (من يتصبّر يصبّره الله، وما أعطى أحد عطاءً خيراً ولا أوسع من الصبر) (6) . ولهذا قال عمر بن الخطاب: ((وجدنا خير عيشنا الصبر)) (7) . كما يجب أن يكون الصبر عند الصدمة الأولى للمصيبة أو الحادثة، قال (: (إنما الصبر عند الصدقة الأولى) (8) .   (1) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 282. (2) سورة الزمر، الآية 10. (3) سورة الحج، الآيتان 34، 35. (4) سورة البقرة، الآية 177. (5) سورة محمد، الآية 31. (6) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعطاف في المسألة، ح 1469، وفي الرقاق، باب الصبر عن محارم الله، ح6470. (7) رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به في كتاب الرقاق، باب الصبر عن محارم الله، وقال ابن حجر: "وقد وصله أحمد في كتاب الزهد بسند صحيح عن مجاهد قال: قال عمر"، انظر فتح الباري 11/303، وكتاب الزهد ص 117. (8) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، ح 1283. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 230 قال ابن حجر: ((والمعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل، الذي يترتب عليه الأجر)) (1) ، ثم نقل قول الخطابي (ت388هـ) : ((المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعد ذلك فإنه على الأيام يسلو)) (2) . فالصبر واجب في كل الأحوال، فيجب الصبر على العبادة وإقامة شرع الله تعالى، ويجب الصبر وحبس النفس عن المحرمات والمنهيات، ويجب الصبر عند وقوع المصائب والابتلاءات، وفي ميادين القتال ومنازلة الكفار. أما بالنسبة إلى الرضا بالقضاء، فيختلف حكمه باختلاف الأمور السابقة؛ فإن الرضا بالواجبات الشرعية واجب من حيث إنه قدر الله وقضاؤه، ومن حيث المقضي إذ الرضا بالواجبات الشرعية والعمل بهما واجب، أما بالنسبة للمعاصي والمحرمات فمن حيث القضاء الذي هو فعل الله فيجب الرضا وأن الله تعالى حكيم ولولا حكمته اقتضت وجودها ما وقعت، وأما من حيث المقضي وهو معصية الله والوقوع في المحرمات فيجب عدم الرضا بها والسعي لإزالتها، أما المصائب والابتلاءات فيجب الرضا بها من حيث إنها قضاء الله وفعله، أما الرضا من حيث وقوعها على العبد فإنه مستحب عند جمهور أهل العلم (3) . وأما الفرق بين الصبر والرضا؛ فإن الصبر كف النفس وحبسها عن التسخط مع وجود الألم، والرضا يوجب انشراح الصدر وسعته، وإن وجد الإحساس بأصل الألم، لكن الرضا يخفف الإحساس بالألم (4) .   (1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 3/149، 150. (2) انظر المصدر السابق ص 150. (3) انظر فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين 1/ 61. (4) انظر المصدر السابق، ونور الاقتباس ص55. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 231 يقول ابن القيم: ((وأما حديث (الرضا بالقضاء) فيقال: أولاً: بأي كتاب: أم بأي سنة، أم بأي معقول علمتم وجوب الرضا بكل ما يقضيه ويقدره؟ بل بجواز ذلك، فضلاً عن وجوبه؟ هذا كتاب الله وسنة رسوله (، وأدلة العقول ليس في شيء منها الأمر بذلك، ولا إباحته، بل من المقضي ما يرضى به، ومنه ما يسخطه ويمقته، فلا نرضى بكل قضاء..، ويقال: ثانياً: هاهنا أمران (قضاء) وهو فعل قائم بذات الرب تعالى؛ و (مقضي) وهو المفعول المنفصل عنه، فالقضاء خير كله، وعدل وحكمة، فيرضى به كله، والمقضي قسمان، منه ما يرضى به، ومنه ما لا يرضى به … ، ويقال: ثالثاً: القضاء له وجهان: أحدهما: تعلقه بالرب تعالى، ونسبته إليه، فمن هذا الوجه يرضى به كله، الوجه الثاني: تعلقه بالعبد، ونسبته إليه، فمن هذا الوجه ينقسم إلى ما يرضى به، وإلى ما لا يرضى به)) (1)   (1) مدارج السالكين بين منازل (إياك نعبد وإياك نستعين) 1/256. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 232 وفي موضع آخر ذكر ابن القيم أن الناس تنازعوا في الرضا بالقضاء ((هل هو واجب أو مستحب؟ على قولين، وهما وجهان لأصحاب أحمد، فمنهم من أوجبه واحتج على وجوبه بأنه من لوازم الرضا بالله رباً، وذلك واجب … ، ومنهم من قال هو مستحب غير واجب؛ فإن الإيجاب يستلزم دليلاً شرعياً، ولا دليل يدل على الوجوب، وهذا القول أرجح؛ فإن الرضا من مقامات الإحسان، التي هي من أعلى المندوبات)) (1) ، ولعل مراده هنا الرضا بالمصائب من حيث وقوعها على العبد، بدليل قوله بعد ذلك: ((الحكم والقضاء نوعان: ديني وكوني، فالديني يجب الرضا به، وهو من لوازم الإسلام، والكوني منه ما يجب الرضا به كالنعم، التي يجب شكرها، ومن تمام شكرها: الرضا بها، ومنه ما لا يجوز الرضا به كالمعايب والذنوب التي يسخطها الله، وإن كانت بقضائه وقدره، ومنه ما يستحب الرضا به كالمصائب، وفي وجوبه قولان، هذا كله في الرضاء بالقضاء الذي هو المقضي، وأما القضاء الذي هو وصفه سبحانه وفعله، كعلمه وكتابته وتقديره ومشيئته فالرضا به من تمام الرضا بالله رباً وإلهاً ومالكاً ومدبراً)) (2) المبحث الحادي عشر في قوله (: (واعلم أن الفرج مع الكرب) كلما اشتدت الأمور واكتربت وضاقت؛ فإن الفرج بإذن الله تعالى قريب؛ يدل على ذلك قوله تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ((3) . ((فكلما اشتدت الأمور فانتظر الفرج من الله ()) (4) .   (1) انظر شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ص 278. (2) المصدر السابق، الصفحة نفسها. (3) سورة النمل،آية 62. (4) انظر شرح رياض الصالحين 2/456. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 233 يقول السعدي في تفسير هذه الآية: ((أي: هل يجيب المضطرب، الذي أقلقته الكروب، وتعسر عليه المطلوب، واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده؟، ومن يكشف السوء، أي: البلاء، والشر، والنقمة إلا الله وحده؟، ومن يجعلكم خلفاء الأرض، يمكنكم منها، ويمد لكم بالرزق، ويوصل إليكم نعمه، وتكونون خلفاء من قبلكم، كما أنه سيميتكم ويأتي بقوم بعدكم، أإله مع الله، يفعل هذه الأفعال؟ لاأحد يفعل مع الله شيئاً من ذلك، حتى بإقراركم أيها المشركون؛ ولهذا كانوا إذا مسهم الضر، دعوا الله مخلصين له الدين، لعلمهم أنه وحده المقتدر على دفعه وإزالته، (قليلاَ ما تذكرون (أي: قليل تذكركم وتدبركم للأمور التي إذا تذكرتموها ادكرتم، ورجعتم إلى الهدى، ولكن الغفلة والإعراض شامل لكم، فلذلك ما ارعويتم ولا اهتديتم) (1) . والكرب إذا اشتد وأيس العبد من جميع المخلوقين، وتعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله، وهو من أعظم ما تطلب به الحوائج، ومن توكل على ربه كفاه (2) ، (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه ((3) . فالفرج يحصل سريعاً مع الكرب، فلا دوام للكرب، وحينئذ فيحسن لمن نزل به كرب أن يكون صابراً محتسباً، راجياً سرعة الفرج مما نزل به، حسن الظن بمولاه، في جميع أموره، فالله (أرحم به من كل راحم، حتى أمه وأبيه؛ إذ هو (أرحم الراحمين.   (1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 557. (2) انظر فتح المبين لشرح الأربعين ص 178،وبهجة الناظرين ص 136. (3) سورة الطلاق،الآية 3. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 234 ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ((1) ، وقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ((2) ، فهؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر كانوا قانطين من نزوله إليهم قبل ذلك، فلما جاءهم جاءهم على كرب وشدة وفاقة فوقع منهم موقعاً عظيماً، فكان فرجاً وتيسيراً. وقد قصّ الله تعالى في كتابه قصصاً كثيرة تتضمن وقوع الفرج بعد الكرب والشدة، كقصة نجاة نوح عليه الصلاة والسلام، ومن معه، في الفلك من الكرب العظيم، مع إغراق سائر أهل الأرض، وقصة نجاة إبراهيم عليه الصلاة والسلام من النار التي ألقاه المشركون فيها، وأنه سبحانه جعلها عليه برداً وسلاماً، وقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع ولده الذي أمر بذبحه، ثم فداه الله بذبح عظيم، وقصة موسى عليه الصلاة والسلام مع أمه لما ألقته في اليم حتى التقطه آل فرعون، وقصته مع فرعون لما نجى الله موسى في البحر وأغرق عدوه، وقصص أيوب ويونس ويعقوب ويوسف عليهم الصلاة والسلام، وقصص محمد (في نصره على أعدائه ونجاته منهم في عدة مواطن، مثل قصته في الغار، ويوم بدر، ويوم أحد، ويوم حنين، وكذا قصة عائشة في حديث الإفك، والبراءة منه، وقصة الثلاثة الذين خلفوا، وغير ذلك من قصص القرآن الكريم وأخباره (3) .   (1) سورة الشورى، الآية 28. (2) سورة الروم، الآيتان 48-49. (3) انظر نور الاقتباس ص 65، وجامع العلوم والحكم ص 491. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 235 وفي السنّة أخبار كثيرة من تفريج الكرب عند اشتدادها، كقصة الثلاثة الذين دخلوا الغار فانطبقت عليهم الصخرة، فدعوا الله بأعمالهم الصالحة ففرج عنهم (1) ، وقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وسارة مع الجبار الذي طلبها من إبراهيم عليه الصلاة والسلام فرد الله كيد الظالم (2) ، وعندما اشتكى رجل إلى النبي (، وهو قائم يخطب يوم الجمعة، احتباس المطر وجهد الناس، فرفع رسول الله (يديه فاستسقى لهم، فنشأ السحاب ومطروا إلى الجمعة الأخرى، حتى قاموا إليه (وطلبوا منه أن يستصحي لهم، ففعل فأقلعت السماء (3) ، إلى غير ذلك من القصص والأخبار الثابتة. والعبد معرض للمصائب والفتن، فقد تشتد عليه الأمور، وتضيق عليه الدنيا، ويتمكن منه الهم والحزن؛ فإذا صبر واحتسب، ولم ييأس من نصر الله وفرجه، والتجأ إلى مولاه بالدعاء والتضرع، في جميع أحواله، جاءه النصر والتأييد والفرج. يروى عن الشافعي (ت 204هـ) قوله: صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا من راقب الله في الأمور نجا من صدق الله لم ينله أذى ومن رجاه يكون حيث رجا (4) المبحث الثاني عشر في قوله (: (وإن مع العسر يسراً) أي أن كل عسر بعده يسر، بل إن العسر محفوف بيسرين، يُسر سابق ويسر لاحق، قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ((5)   (1) سبق تخريج حديث هذه القصة. (2) انظر القصة بتمامها في صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه، ح 2217. (3) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب رفع اليدين في الخطبة، ح 932. (4) انظر مناقب الشافعي 2/362. (5) سورة الشرح، الآيتان 4-5. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 236 يقول السعدي: ((وقوله: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (: بشارة عظيمة أنه كلما وجد عسر وصعوبة؛ فإن اليسر يقاربه ويصاحبه … وتعريف (العسر) في الآيتين يدل على أنه واحد، وتنكير (اليسر) يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين. وفي تعريفه بالألف واللام، الدال على الاستغراق والعموم دلالة على أن كل عسر، وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ، فإنه في آخره اليسر ملازم له)) (1) . ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ((2) ، ففي هذه الآية بشارة للمعسرين بأن الله تعالى سيزيل عنهم الشدة، ويرفع عنهم المشقة (3) . والكرب والعسر والشدة أمور تصقل العبد وتصفيه من الشوائب؛ إذ تزيد من تعلقه بربه والالتجاء إليه بإخلاص وحسن اتباع، فتطهره من ذنوبه إذا صبر واحتسب، وأخلص وتابع، والعسر لا يدوم بالعبد بل معه اليسر والفرج. وقد استدل ابن كثير (4) على هذه المسألة، بحديث عن رسول الله (، جاء في إحدى رواياته، عن أبي هريرة (قال: أصاب رجلاً حاجةٌ، فخرج إلى البرية، فقالت امرأته: اللهم ارزقنا ما نعتجن، وما نختبز، فجاء الرجل والجفنة ملأى عجيناً، وفي التنور حبوب الشواء، والرحى تطحن، فقال: من أين هذا؟ قالت: من رزق الله، فكنس ما حول الرحى، فقال رسول الله (: (لو تركها لدارت أو طحنت إلى يوم القيامة) (5) .   (1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 859، وانظر تفسير القرآن العظيم 4/527. (2) سورة الطلاق، الآية 7. (3) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 808. (4) انظر تفسير القرآن العظيم 4/384. (5) أخرجه الطبراني في الأوسط 2/41، والبيهقي في الدلائل 6/105، والبزار في مسنده 4/267، وأحمد في مسنده 2/513، 421 برواية أخرى، وانظر مجمع الزوائد 10/207، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 6/1051،1052، ح 2937. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 237 ويدل على أن العسر إذا اشتد بالعبد؛ فإن بعده اليسر بإذن الله تعالى، قوله سبحانه: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا ((1) . وقوله: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيب ((2) ، فهنا يذكر الله تعالى أن نصره ينزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله، في أحرج الأوقات، وكما تكون الشدة ينزل من النصر مثلها (3) .   (1) سورة يوسف، الآية 110. (2) سورة البقرة، الآية 214. (3) انظر تفسير القرآن العظيم 1/239، 2/478، ودقائق التفسير 3/301، 303. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 238 يقول السعدي عند تفسير الآية السابقة من سورة البقرة: ((يخبر تبارك وتعالى أنه لا بد أن يمتحن عباده بالسراء والضراء والمشقة، كما فعل بمن قبلهم، فهي سنته الجارية، التي لا تتغير ولا تتبدل، أن من قام بدينه وشرعه لا بد أن يبتليه؛ فإن صبر على أمر الله، ولم يبال بالمكاره الواقعة في سبيله، فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها، ومن السيادة آلتها، ومن جعل فتنة الناس كعذاب الله؛ بأن صدته المكاره عما هو بصدده، وثنته المحن عن مقصده، فهو الكاذب في دعوى الإيمان؛ فإنه ليس الإيمان بالتحلي والتمني، ومجرد الدعاوى، حتى تصدقه الأعمال أو تكذبه، فقد جرى على الأمم الأقدمين ما ذكر الله عنهم (مستهم البأساء والضراء (أي الفقر والأمراض في أبدانهم، (وزلزلوا (بأنواع المخاوف من التهديد بالقتل والنفي، وأخذ الأموال، وقتل الأحبة، وأنواع المضار، حتى وصلت بهم الحال، وآل بهم الزلزال إلى أن استبطؤوا نصر الله مع يقينهم به، ولكن لشدة الأمر وضيقه (يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله (، فلما كان الفرج عند الشدة، وكلما ضاق الأمر اتسع، قال تعالى: (ألا إن نصر الله قريب (فهكذا كل من قام بالحق فإنه يمتحن، فكلما اشتدت عليه وصعبت – إذا صابر وثابر على ما هو عليه – انقلبت المحنة في حقه منحة، والمشاق راحات، وأعقبه ذلك الانتصار على الأعداء، وشفاء ما في قلبه من الداء)) (1) . وأخبر (عن يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه لم ييأس من لقاء يوسف عليه الصلاة والسلام وأخيه، وقال: (عَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ((2) ، وقال لبنيه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون ((3) .   (1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص79. (2) سورة يوسف، الآية 83. (3) سورة يوسف، الآية 87. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 239 فمن فوائد هذه القصة ((أن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً؛ فإنه لما طال الحزن على يعقوب، واشتد به إلى أنهى ما يكون، ثم حصل الاضطرار لآل يعقوب، ومسهم الضر، أذن الله حينئذ بالفرج، وحصل التلاقي في أشد الأوقات إليه حاجة واضطراراً، فتم بذلك الأجر، وحصل السرور، وعلم من ذلك أن الله يبتلي أولياءه بالشدة والرخاء والعسر واليسر، ليمتحن صبرهم وشكرهم، ويزداد بذلك إيمانهم ويقينهم وعرفانهم)) (1) . وقد ذكر بعض أهل العلم أموراً عدّوها من حكم اقتران الفرج باشتداد الكرب، واقتران اليسر بالعسر، فمن ذلك: 1- أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وجد الإياس من كشفه من جهة المخلوقين، ووقع التعلق بالله وحده، (، فحينئذ يستجيب الله له ويكشف عنه ما به، فإن التوكل هو قطع الاستشراف باليأس من المخلوقين، والاعتماد على الله وحده لا شريك له، والتوكل على الله من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج؛ فإن الله يكفي من توكل عليه، كما قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (. 2- أن العبد إذا وقع في عسر، واشتد عليه الكرب؛ فإنه يحتاج إلى مجاهدة نفسه، والشيطان، لأن الشيطان قد يأتيه فيقنطه، فيحتاج العبد إلى مجاهدته ودفعه، فيكون ثواب ذلك دفع البلاء عنه، وتيسير أمره، وتفريج كربته، ولهذا جاء في الحديث: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي، فيدَعُ الدعاء) (2) . 3- أن العبد إذا استبطأ الفرج، ولا سيما بعد الدعاء والتضرع، رجع باللائمة إلى نفسه، وبحث عن تقصيره، فأصلح خطأه، وعالج نقصه (3)   (1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 366. (2) رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل، ح 6340، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب، ح 2735. (3) انظر نور الاقتباس ص 76،77، وجامع العلوم والحكم ص 494،495. المصادر والمراجع إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1399هـ. أسباب النزول، أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، عالم الكتب، بيروت. الاستقامة، أبو العباس أحمد بن تيمية، أشرف على طباعته جامعة الإمام، الرياض، الطبعة الأولى 1404هـ. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، المطابع الأهلية، الرياض، 1403هـ. أعلام السنة المنشورة، حافظ بن أحمد الحكمي، مكتبة السوادي، جدة، الطبعة الثانية، 1408هـ. الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة السابعة 1976م. إيضاح المعاني الخفية في الأربعين النووية، محمد تاتاي، دار الوفاء المنصورة بمصر، الطبعة الأولى 1418هـ. البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، مطبعة كروستان، مصر، الطبعة الأولى، 1348هـ. بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، السعدي، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثالثة 1404هـ. بهجة الناظرين شرح رياض الصالحين، سليم بن عيد الهلالي، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى 1415هـ. تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ. التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية، إسماعيل بن محمد الأنصاري، مكتبة الإمام الشافعي، الرياض، الطبعة الأولى، 1415هـ. تفسير الفاتحة، محمد بن عبد الوهاب، مكتبة الحرمين، الرياض، الطبعة الثالثة، 1409هـ. تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الخامسة، 1416هـ. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الرابعة، 1417هـ. جامع البيان في تفسير القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، دار الفكر، بيروت، 1398هـ. جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة السابعة 1419هـ. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصبهاني، دار الكتب العلمية، بيروت. خلق أفعال العباد، محمد بن إسماعيل البخاري، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة. دقائق التفسير، أبو العباس أحمد بن تيمية، مؤسسة علوم القرآن، دمشق، الطبعة الثانية، 1404هـ. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، محمد بن علان، نشر وتوزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض. ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف، عبد الله الغفيلي، دار المسير، الرياض، الطبعة الأولى، 1418هـ. الرسالة التدمرية، أبو العباس أحمد بن تيمية، المكتب الإسلامي، دمشق، الطبعة الثالثة، 1400هـ. رياض الصالحين، أبو زكريا يحيي بن شرف النووي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1417هـ. الزهد، أحمد بن حنبل، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403هـ. الزهد، عبد الله بن المبارك، دار الكتب العلمية، بيروت. سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1392هـ. السنة، لابن أبي عاصم، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1400هـ. سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، دار الدعوة، إستانبول، 1401هـ. سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، دار الدعوة، إستانبول، 1401هـ. سنن ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة، دار الدعوة، إستانبول، 1401هـ. السنن الكبرى، البيهقي، دار الفكر. سنن النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، دار الدعوة، إستانبول، 1401هـ. سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة 1405هـ. شرح الأربعين حديثاً النووية، ابن دقيق العيد، مؤسسة الطباعة، جدة، 1403هـ. شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، 1415هـ. شرح السنة، الحسين بن مسعود البغوي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1390هـ. شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1413هـ. الشريعة، أبو بكر محمد بن الحسين الآجري، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ. شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ابن قيم الجوزية، دار المعرفة، بيروت. صحيح البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، دار الدعوة، إستانبول، 1401هـ. صحيح الترغيب والترهيب للمنذري، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1402هـ. صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، دمشق، الطبعة الثانية، 1399هـ. صحيح ابن حبان، تحقيق محمد حمزة، دار الكتب العلمية. صحيح سنن الترمذي، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1420هـ. صحيح سنن ابن ماجة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ. صحيح الكلم الطيب لابن تيمية، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1400هـ. صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن حجاج القشيري، دار الدعوة، إستانبول، 1401هـ. صحيح مسلم بشرح النووي، أبو زكريا يحيي بن شرف النووي، نشر وتوزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض. عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين، صالح بن إبراهيم البليهي، المطابع الأهلية، الرياض، الطبعة الثانية، 1404هـ. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت. فتح المبين لشرح الأربعين، أحمد بن حجر الهيتمي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1398هـ. الفتوحات الوهبية بشرح الأربعين حديثاً النووية، إبراهيم بن مرعي الشبرخيتي، دار الفكر. فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبد الرؤوف المناوي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية 1391هـ. القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، محمد الصالح العثيمين، مطابع السلمان، بريدة، 1405هـ. قواعد وفوائد من الأربعين النووية، ناظم محمد سلطان، دار الهجرة، المملكة العربية السعودية، الطبعة السادسة، 1419هـ. القول المفيد على كتاب التوحيد، محمد بن صالح العثيمين، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1415هـ. كتاب الصلاة وحكم تاركها، ابن قيم الجوزية، إدارة ترجمان السنة، باكستان. الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، ابن أبي شيبة، الدار السلفية، الهند، الطبعة الأولى، 1401هـ. لسان العرب المحيط، ابن منظور، دار لسان العرب، بيروت. اللمعة في الأجوبة السبعة، شيخ الإسلام ابن تيمية، دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى، 1419هـ. متن الأربعين النووية، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، ضبط ألفاظها وشرح غريبها محيي الدين مستو، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1398هـ. المجالس السنية في الكلام على الأربعين النووية، أحمد بن حجازي الفشني، [وهو بهامش شرح الشبرخيتي] . مجمع الزوائد، الهيثمي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1402هـ. مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب ابن قاسم، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض. مدارج السالكين بين منازل (إياك نعبد وإياك نستعين (، ابن قيم الجوزية، دار الكتاب العربي، بيروت، 1392هـ. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، علي بن سلطان محمد القاري، مكتبة إمدادية، باكستان. المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله النيسابوري الحاكم، مكتبة النصر الحديثة، الرياض. المسند، أحمد بن حنبل الشيباني، المكتب الإسلامي، بيروت 1978م. المسند، الحميدي، تحقيق الأعظمي، عالم الكتب، بيروت. مسند أبي يعلى، أبو يعلى الموصلي، تحقيق حسين سليم، دار المأمون، بيروت، الطبعة الأولى، 1404هـ. معالم التنزيل، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1407هـ. المعجم الكبير، الحافظ أبو القاسم الطبراني، مطبعة الوطن العربي في بغداد، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي. مناقب الشافعي، البيهقي، تحقيق أحمد صقر، مكتبة دار التراث، القاهرة، 1391هـ. منهاج السنة، أبو العباس أحمد بن تيمية، أشرفت على طباعته جامعة الإمام، الطبعة الأولى، 1406هـ. نور الاقتباس، ابن رجب الحنبلي، مكتبة دار البيان، دمشق، الطبعة الأولى 1412هـ. الوافي في شرح الأربعين النووية، مصطفى البغا ومحيي الدين مستو، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة العاشرة، 1417هـ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 240 الخاتمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وخاتم الأنبياء والمرسلين. وبعد. فإنه من خلال دراسة هذا الحديث العظيم، وهذه الوصية الكريمة من رسول الله (، يتبين ما يلي: 1- ضرورة تربية الناس، وبخاصة النشء على التعلق بالله تعالى، وحفظ حقوقه. 2- أن أعظم حقوق الله تعالى توحيده في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، والحرص على سلامة العقيدة مما قد يشوبها من الشرك والبدع والضلالات، إذ إن سلامة العقيدة وإخلاص العمل لله تعالى مع حسن المتابعة لرسوله (هي شروط قبول العبادة؛ التي إن تأخر أحدها حبط العمل. 3- أن من حفظ حدود الله، بفعل المأمورات واجتناب المنهيات فإن الله يحفظه في دينه ودنياه. 4- أن تحقيق هذا الحديث والعمل به يقتضي انقطاع العبد عن التعلق بالخلق وعن سؤالهم، واستعانتهم، ورجائهم بجلب نفع أو دفع ضر، وخوفهم من إيصال ضر أو منع نفع، وذلك يستلزم إفراد الله (بالطاعة والعبادة، وتقديم طاعته على طاعة الخلق كلهم جميعاً، والحذر مما يسخطه ولو كان فيه سخط الخلق جميعاً. 5- وجوب تربية الناس وتعليمهم الإيمان بالقضاء والقدر وأن ذلك لا يناقض العمل والاجتهاد في العبادة، بل يوجبه ويدعو إليه. 6- وجوب التعرف إلى الله والالتزام بشرعه في جميع الأوقات، وبخاصة في أوقات الرخاء، الذي هو مظنة الفتور والنسيان، وأن ذلك التعرف هو سبب نصر الله وتأييده في الشدة وعند الكرب والعسر. 7- فهم هذا الحديث والعمل به من أعظم أسباب الشجاعة والإقدام والجهاد في سبيل الله، وذلك أن المسلم يعلم أن الضر والنفع بيد الله، وأن العبد لا يصيبه ضر ولا نفع إلا ما قدر عليه. الحواشي والتعليقات الجزء: 10 ¦ الصفحة: 241 أثر الإيمان في توجيه الأخلاق د. عبد الله الغفيلي الأستاذ المشارك بكلية الدعوة وأصول الدين الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة ملخص البحث ... يبين هذا البحث الأثر العظيم للإيمان في توجيه الأخلاق وتطهير النفوس من قبيح الأفعال وسيئها. وذلك لما للأخلاق في دين الإسلام من شأن عظيم ومكانة عالية حيث دعا الإسلام المسلمين إلى التحلي بها وتنميتها في نفوسهم لأنها أحد الأصول الأربعة التي يقوم عليها دين الإسلام، وهناك ارتباط وثيق بين الأخلاق والإيمان، وكل عمل يقوم به العبد المسلم يحتاج إلى الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة ولاشك أن من فقد الإيمان والتقوى فقد فقد تلك الأخلاق، وكلما كان المؤمن أكمل أخلاقاً كان أكثر إيماناً. ... والالتزام بمكارم الأخلاق فيه تقوية لإرادة الإنسان وتمرينها على حب الخير وفعله والبعد عن الشر وتركه، وبذلك تتحقق سعادة القلب، وعلى رأس تلك الأخلاق: الصدق، الصبر، الأمانة، التواضع وغيرها. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في التحلي بالأخلاق الكريمة والصفات الحسنة، والتي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع والأمة. المقدمة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (] آل عمران 102 [. (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً (] النساء 1 [، (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً (] الأحزاب 70،71 [. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 242 وبعد: فإن الأخلاق في دين الإسلام عظيم شأنها عالية مكانتها، ولذلك دعا المسلمين إلى التحلي بها وتنميتها في نفوسهم، وهي أحد الأصول الأربعة التي يقوم عليها دين الإسلام وهي: الإيمان والأخلاق، والعبادات، والمعاملات، ولذا نالت العناية الفائقة الكبرى والمنزلة العالية الرفيعة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله (. بل إن الأخلاق الكريمة تدعو إليها الفطر السليمة، والعقلاء يجمعون على أن الصدق والوفاء بالعهد والجود والصبر والشجاعة وبذل المعروف أخلاق فاضلة يستحق صاحبها التكريم والثناء، وأن الكذب والغدر والجبن والبخل أخلاق سيئة يذم صاحبها. والدعوة إلى توحيد الله عز وجل وإخلاص العمل له وإلى دينه تحتاج إلى الأخلاق الحميدة، والصفات الحسنة، ويصعب توفر تلك الأخلاق فيمن يفقد الإيمان والتقوى، ورسول الله (وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين أفضل من دعا إلى الله تعالى بأخلاقهم الإسلامية الحميدة وصفاتهم الحسنة، قال الله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله وضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود (] محمد 29 [. فحاجة المؤمن إلى الاقتداء بهم كحاجته إلى الطعام والشراب بل أشد، وأهداف العقيدة السليمة يرأسها دعوة العبد إلى التحلي بالأخلاق الحسنة ليفوز بسعادة الدارين، قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً (] الأحزاب29 [ فالعقيدة هي التي تقود العبد، فإذا صحت العقيدة وكمل الإيمان حسنت الأخلاق والعكس يؤدي به إلى التخلق بالأخلاق السيئة والأفعال القبيحة، عن أبي هريرة (أن رسول الله (قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)) (1) .   (1) ... أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان (1/56) ، ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان (1 /76) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 243 وقد يتصور بعض الناس أن حسن الخلق محصور في الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة فقط، والحقيقة أن حسن الخلق أوسع من ذلك فهو يعني إضافة إلى الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، التواضع وعدم التكبر ولين الجانب، ورحمة الصغير واحترام الكبير، ودوام البشر وحسن المصاحبة وسهولة الكلمة وإصلاح ذات البين والتواضع والصبر والحلم والصدق وغير ذلك من الأخلاق الحسنة والأفعال الحميدة التي حث عليها الإسلام ورغب فيها. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو يتكلم عن منهج السلف في الأخلاق والسلوك "يأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله (: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)) (1) ، ويندبون أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى، والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك، وينهون عن الفخر والخيلاء، والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق، ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفاسفها" (2)   (1) ... أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الرضاع (3/457) ، وقال: هذا حديث صحيح، وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/3) وقال: هذا حديث صحيح. (2) ... العقيدة الواسطية مع شرحها لمحمد خليل هراس ص (181، 182) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 244 ويقول السفاريني (1) : حسن الخلق القيام بحقوق المسلمين، وهي كثيرة منها أن يحب لهم ما يحب لنفسه، وأن يتواضع لهم ولا يفخر عليهم ولا يختال، فإن الله لا يحب كل مختال فخور، ولا يتكبر ولا يعجب فإن ذلك من عظائم الأمور … وأن يوقر الشيخ الكبير , ويرحم الطفل الصغير، ويعرف لكل ذي حق حقه مع طلاقة الوجه وحسن التلقي ودوام البشر ولين الجانب وحسن المصاحبة وسهولة الكلمة، مع إصلاح ذات بين إخوانه وتفقد أقرانه وإخوانه، وأن لا يسمع كلام الناس بعضهم في بعض وأن يبذل معروفه لهم لوجه الله لا لأجل غرض مع ستر عوراتهم وإقالة عثراتهم وإجابة دعواتهم … وأن يحلم عن من جهل عليه ويعفوا عن من ظلم … " (2) . وقال الحسن البصري (3) - رحمه الله تعالى - "معالي الأخلاق للمؤمن، قوة في لين وحزم في دين وإيمان في يقين وحرص على العلم واقتصاد في النفقة، وبذل في السعة وقناعة في الفاقة، ورحمة للمجهود وإعطاء في كرم وبر في استقامة " (7) وقال الأشعث بن قيس (يوماً لقومه: إنما أنا رجل منكم ليس في فضل عليكم، ولكن أبسط لكم وجهي، وأبذل لكم مالي، وأقضي حقوقكم، وأحوط حريمكم. فمن فعل مثل فعلي فهو مثلي، ومن زاد علي فهو خير مني، ومن زدت عليه فأنا خير منه. قيل له: يا أبا محمد ما يدعوك إلى هذا الكلام؟ قال أحضهم على مكارم الأخلاق (4) .   (1) ... هو محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، محدث، فقيه، أصولي، من مصنفاته: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب، توفي سنة 1188هـ. الأعلام (6/240) ، معجم المؤلفين (8/262) . (2) ... غذاء الألباب للسفاريني (1/362، 363) باختصار. (3) ... هو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، أبو سعيد، كان من أعلم الناس بالحلال والحرام، وقد عرف بالزهد والشجاعة، توفي سنة 110هـ. سير أعلام النبلاء (4/563) ، تهذيب التهذيب (2/263) . (4) ... المصدر السابق (1/367) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 245 ويقول ابن حبان (1) – رحمه الله تعالى -: "الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق، وترك سوء الخلق، لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل، وقد تكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة كلها، وخلق سيئ، فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الصالحة كلها" (2) . وليس المقصود من هذا البحث هو استقصاء الأخلاق الحسنة والفضائل الطيبة التي حث الإسلام عليها ورغب فيها، وكلام أهل العلم في الحث عليها، وإنما المقصود بيان ارتباط الأخلاق بالإيمان، وأن للإيمان أثراً في توجيه الأخلاق وتزكية النفوس وتهذيبها، وكلما كان المؤمن أكمل أخلاقاً كان أكثر إيماناً، ومن أوضح الأدلة على فضل الأخلاق وعلو منزلتها ومكانتها من الإيمان ما جاء في حديث أنس بن مالك (قال: كنا جلوساً مع رسول الله (، فقال: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة)) فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان من الغد، قال النبي (مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث، قال النبي (مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي (، تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمتُ أن لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضيَ، فعلتُ. قال: نعم.   (1) ... هو محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم البستي، كان من أوعية العلم في اللغة والفقه والحديث والوعظ، من مصنفاته: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، توفي سنة 354هـ. تذكرة الحفاظ (3/920) ، شذرات الذهب (3/16) . (2) ... روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص (64) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 246 قال أنس: وكان عبد الله يحدِّثُ أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئاً، غير أنه إذا تعارَّ وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبّر، حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث ليالٍ، وكدتُ أن أحقرَ عمله، قلت: يا عبد الله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضبٌ ولا هجرٌ ثم، ولكن سمعت رسول الله (يقول لك ثلاث مرار: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة)) فطلعت أنت الثلاث مرارٍ، فأردت أن آوي إليك، لأنظر ما عملك، فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثيرَ عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله (؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خيرٍ أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق (1) . وقد وفقني الله سبحانه لاختيار هذا البحث لأبين فيه ما للإيمان من أثر عظيم في توجيه الأخلاق وتطهير النفوس من قبيح الأفعال وسيئها، وجعلت عنوانه: "أثر الإيمان في توجيه الأخلاق". وقد سلكت فيه الخطة التالية: المقدمة، وقد اشتملت على أهمية الموضوع وأسباب اختياره. المبحث الأول: تعريف الإيمان لغة واصطلاحاً. المبحث الثاني: تعريف الأخلاق لغة واصطلاحاً. المبحث الثالث: منزلة الأخلاق في الإسلام. المبحث الرابع: الارتباط بين الأخلاق والإيمان. المبحث الخامس: الغاية من الأخلاق الإسلامية. المبحث السادس: بعض الأخلاق الإسلامية وأثر الإيمان عليها. المبحث السابع: أثر الإيمان في توجيه الأخلاق. الخاتمة: وتشتمل على أهم نتائج البحث.   (1) ... أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/166) ، وعبد الرزاق في مصنفه (11/287) ، وابن عبد البر في التمهيد (6/121) ، والبغوي في شرح السنة (13/112) ، وقال الهيثمي في المجمع (8/79) : ورجال أحمد رجال الصحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 247 وكان عملي في هذا البحث عزو الآيات إلى سورها من القرآن وتخريج الأحاديث والحكم عليها من خلال كلام أهل العلم فيها إذا كانت في غير الصحيحين، والترجمة للأعلام غير المشهورين، وشرح الكلمات الغريبة، والتعريف بالفرق والمصطلحات الواردة فيه، وتوثيق النقول وعزوها إلى أصحابها وغير ذلك مما يتطلبه البحث العلمي، وعملت فهرساً للمصادر والمراجع، وآخر للموضوعات. وفي الختام أسال الله سبحانه أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به من قرأه، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يحسن أخلاقنا، إنه سميع مجيب. وصلى الله وصلى سلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. المبحث الأول: تعريف الإيمان لغة واصطلاحاً وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإيمان لغة الإيمان مصدر آمن يؤمن إيماناً، فهو مؤمن، وهو مشتق من الأمن. وأصل آمن بهمزتين لينت الثانية، وهو من الأمن ضد الخوف (1) . قال الجوهري (2) : الإيمان: التصديق، والله تعالى المؤمن، لأنه أمّن عباده من أن يظلمهم، وأصل آمن أأمن بهمزتين لينت الثانية ... والأمن ضدّ الخوف (3) ( وقال ابن منظور) (4) (: الإيمان ضدّ الكفر، والإيمان بمعنى التصديق ضدَه التكذيب، يقال: آمن به قوم وكذب به قوم) (5) (.   (1) ... تهذيب اللغة للأزهري (15/513) . (2) هو إسماعيل بن حماد الجوهري، اللغوي، صاحب كتاب " الصحاح في اللغة، توفي سنة 396هـ. معجم الأدباء (6/151) ، بغية الوعاة (1/446) . (3) الصحاح (5/2071) . (4) هو أبو الفضل محمد بن مكرم بن علي الأنصاري الإفريقي، المعروف بابن منظور، أديب لغوي، من مصنفاته: لسان العرب، توفي سنة 711هـ. بغية الوعاة (1/248) ، شذرات الذهب (6/26) . (5) لسان العرب (13/21) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 248 وقال الراغب الأصفهاني) (1) (: آمن إنما يقال على وجهين: أحدهما: متعدّياَ بنفسه، يقال: آمنته، أي جعلت له الأمن ومنه قيل لله مؤمن. والثاني: غير متعدُّ، ومعناه صار ذا أمن. وقوله تعالى: (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين (] يوسف 17 [قيل: معناه بمصدق لنا، إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمن) (2) ( وقال الفيروز أبادي) (3) (: ((الإيمان الثقة، وإظهار الخضوع)) (4) (. وخلاصة ما سبق أن الإيمان في اللغة معناه التصديق الذي معه أمن وليس مجرّد التصديق يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (تعالى: (( ... فإن الإيمان مشتق من الأمن، فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر كالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المخبر، ... فاللفظ متضمّن مع التصديق معنى الائتمان أو الأمانة , كما يدلّ عليه الاستعمال والاشتقاق، ولهذا قالوا: (وما أنت بمؤمن لنا (] يوسف 17 [، أي لا تقرّ بخبرنا ولا تثق به، ولا تطمئن إليه ولو كنا صادقين، لأنهم لم يكونوا عنده ممّن يؤتمن على ذلك، فلو صدقوا لم يأمن لهم ... )) ) (5) (. المطلب الثاني: تعريف الإيمان اصطلاحاً من أصول أهل السنة والجماعة أن الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان، وعمل بالأركان.   (1) هو الحسين بن محمد بن المفضل أبو القاسم الأصبهاني المعروف بالراغب، من مصنفاته: المفردات في غريب القرآن، توفي سنة 502هـ. سير أعلام النبلاء (18/120) ، بغية الوعاة (2/297) . (2) المفردات ص (56) . (3) هو محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزآبادي الشافعي، اللغوي، صاحب القاموس المحيط، توفي سنة 817هـ. شذرات الذهب (7/126) ، معجم المؤلفين (12/118) . (4) القاموس المحيط (ص 1518) . (5) مجموع الفتاوى (7/291، 292) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 249 قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - ((ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح)) ) (1) (. فهذه خمسة أمور اشتمل عليها مسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة: قول القلب، وعمله، وقول اللسان، وعمله، وعمل الجوارح، كما ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -. والأدلة على دخول هذه الأمور في مسمى الإيمان كثيرة منها: أولاً: قول القلب، وهو تصديقه وإيقانه، قال الله تعالى: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين (] الزمر33، 34 [. وقال تعالى: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين (] الأنعام 75 [. وقال تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا (] الحجرات 15 [قال تعالى في المرتابين الشاكين: (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم (] آل عمران 167 [. وفي حديث الشفاعة ((يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه من الخير ما يزن شعيرة)) (2) ، وغير ذلك من الأدلة.   (1) العقيدة الواسطية بشرح الهراس ص (161) . (2) أخرجه البخاري في صحيحه (13/473) ، ومسلم في صحيحه (1/177) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 250 ثانياً: قول اللسان: وهو النطق بالشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والإقرار بلوازمهما، قال الله تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (] البقرة 136 [، وقال تعالى: (وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق (] القصص 53 [وقال تعالى: (وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب (] الشورى 15 [، وقال تعالى: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون (] الزخرف 86 [، وقال تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (] الأحقاف 13 [، وقال (: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأني رسول الله..)) (1) وما في معنى هذا من النصوص. ثالثاً: عمل القلب، وهو النية والإخلاص والمحبة والانقياد والإقبال على الله عز وجل والتوكل عليه ولوازم ذلك وتوابعه، قال الله تعالى: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه (] الأنعام 52 [وقال: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى (] الليل 20 [وقال تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون (] الأنفال 2 [، وقال: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون (] المؤمنون 60 [وغير ذلك من النصوص الدالة على وجوب التوكل والخوف والرجاء والخشية والخضوع والإنابة وغير ذلك من أعمال القلوب، وهي كثيرة جداً في الكتاب والسنة.   (1) أخرجه البخاري في صحيحه (1/75) ، وأخرجه مسلم (1/53) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 251 رابعاً: عمل اللسان، وهو العمل الذي لا يؤدى إلا به كتلاوة القرآن وسائر الأذكار من التسبيح والتحميد والتكبير والدعاء والاستغفار وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى باللسان، قال تعالى: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانيةً يرجون تجارة لن تبور ((فاطر 27 [، وقال تعالى: (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته (] الكهف 27 [، وقال: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً (] الأحزاب 41 [، وقال: (واستغفروا الله إن الله غفور رحيم (] المزمل 20 [. وغير ذلك من نصوص الشرع الدالة على أعمال اللسان والطاعات التي تؤدى به. خامساً: عمل الجوارح، وهو العمل الذي لا يؤدى إلا بها مثل القيام والركوع والسجود والمشي في مرضاة الله كنقل الخطا إلى المساجد وإلى الحج والجهاد في سبيل الله، وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى بالجوارح، قال الله تعالى: (وقوموا لله قانتين (] البقرة 238 [، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم (] الحج 78،77 [. وقال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً (] الفرقان 64،63 [، والنصوص في هذا كثيرة جداً (1) .   (1) انظر معارج القبول للشيخ حافظ حكمي (2/17 وما بعدها) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 252 قال محمد بن حسين الآجري (1) في باب ((القول بأن الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، لا يكون مؤمناً إلا أن يجتمع فيه هذه الخصال الثلاث)) قال: ((اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح. ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً، ولا تجزئ معرفة القلب ونطق اللسان حتى يكون عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال كان مؤمناً، دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين ... )) (2) . ثم ساق من النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية ما يدل على ذلك ويؤيده. المبحث الثاني: تعريف الأخلاق لغةً واصطلاحاً وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الأخلاق لغةً الأخلاق جمع خلق بضم الخاء المعجمة، وبضم اللام وبسكونها، والخلق يطلق في اللغة على معانٍ هي: الدين، والطبع، والسجية والمروءة، مأخوذة من الخلق، وهو التقدير) (3) .   (1) هو محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري، كان عالماً صاحب سنة واتباع، من مصنفاته: كتاب الشريعة، توفي سنة 360هـ. تاريخ بغداد (2/243) ، تذكرة الحفاظ (3/936) . (2) الشريعة للآجري ص (119) ، وانظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (4/832) . (3) لسان العرب، لابن منظور (10/86) ، والقاموس المحيط للفيروزآبادي (3/229) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 253 قال ابن فارس) (1) (: ((الخاء واللام والقاف: أصلان: يدل أحدهما على تقدير الشيء والآخر على ملامسته، أما الأول: فيقال فيه: خلقت الأديم للسقاء، إذا قدرته، ومن ذلك الخُلُق، وهي السجية؛ لأن صاحبها قد قدّر عليه، وفلان خليق بكذا، وأخلق به، وما أخلقه! أي هو ممن يُقدر فيه ذلك، والخلاق: النصيب؛ لأنه قد قدّر لكل أحد نصيبه … . أما الأصل الثاني: فيقال فيه: صخرة خلقاء أي ملساء … ومن هذا الباب: أخلق الشيء وخلق وخلِق إذا بلي … )) ) (2) (. أو هو مأخوذ من الخلق بمعنى الإبداع من غير أصل ولا احتذاء ... قال الراغب في المفردات: ((والخَلق والخُلق في الأصل واحد كالشَّرب، والشُّرب والصَّرم والصُّرم، لكن خُصَّ الخَلْق بالهيئات والأشكال، والصور المدركة بالبصر، وخص الخلق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة)) ) (3) (. المطلب الثاني: تعريف الأخلاق اصطلاحاً الخُلُق: حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير حاجة إلى فكر وروية) (4) (. وعرفه ابن المبارك) (5) (رحمه الله تعالى بقوله: "هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى) (6) (. وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "حقيقة حسن الخلق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه") (7) (.   (1) هو أحمد بن فارس بن زكريا الرازي اللغوي الأديب، من مصنفاته: معجم مقاييس اللغة، توفي سنة 395هـ. معجم الأدباء (4/80) ، وفيات الأعيان (1/118) . (2) معجم مقاييس اللغة (2/213214) . (3) المفردات في غريب القرآن للراغب ص (158) . (4) ... المعجم الوسيط (1/261) . (5) هو عبد الله بن المبارك أبو عبد الرحمن الحنظلي المروزي، شيخ الإسلام في زمانه، وأمير الأتقياء في وقته وأمير المؤمنين في الحديث آنذاك، توفي سنة 181هـ. سير أعلام النبلاء (8/378) . (6) ... أخرجه الترمذي في سننه: كتاب البر والصلة (4/363) . (7) ... الآداب الشرعية لابن مفلح (2/216) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 254 وعرفه ابن مسكويه) (1) (بأنه: (حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية. وهذه الحال تنقسم إلى قسمين: منها ما يكون طبعياً من أصل المزاج، كالإنسان الذي يحركه أدنى شيء نحو غضب، ويهيج من أقل سبب ... ومنها ما يكون مستفاداً بالعادة والتدرب، وربما كان مبدؤه بالروية والفكر، ثم يستمر عليه أولاً فأولاً حتى يصير ملكة وخلقاً)) (2) (. وعرفه الغزالي) (3) (بأنه: (هيئة في النفس راسخة، عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلاً وشرعاً، سميت تلك الهيئة خلقاً حسناً، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئاً)) (4) (. وعرفه الأصفهاني بأنه: اسم (للهيئة الموجودة في النفس التي يصدر عنها الفعل بلا فكر)) (5) (. وعرفه الجرجاني بقوله: (عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية فإذا كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة عقلاً وشرعاً بسهولة سميت الهيئة خلقاً حسناً، وإذا كانت الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئاً)) (6) (.   (1) هو أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب بن مسكويه، اشتغل بالفلسفة والكيمياء والتاريخ، توفي سنة 421هـ، معجم الأدباء لياقوت (5/5) ، والأعلام للزركلي (1/211) . (2) تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق لابن مسكويه ص (41) . (3) هو أبو حامد محمد بن محمد الطوسي، الفقيه الشافعي الغزالي، الفقيه الأصولي، من مصنفاته: إحياء علوم الدين، توفي سنة 505هـ. وفتيات الأعيان لابن خلكان (4/216) ، والأعلام للزركلي (7/22) . (4) الإحياء للغزالي (3/52) . (5) الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصفهاني ص (114) . (6) التعريفات للجرجاني ص (152) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 255 وقال القرطبي: "الأخلاق أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره، وهي محمودة ومذمومة، فالمحمود على الإجمال أن تكون مع غيرك على نفسك فتنصف منها، ولا تنصف لها، وعلى التفصيل: العفو والحلم والجود، والصبر، وتحمل الأذى، والرحمة، والشفقة، وقضاء الحوائج، والتوادد، ولين الجانب، ونحو ذلك، والمذموم منها ضد ذلك ") (1) (. ومن أجمع التعاريف وأحسنها التي جمعت بين عناصر الخلق كلها تعريف العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى حيث قال: (هيئة مركبة من علوم صادقة، وإرادات زاكية، وأعمال ظاهرة وباطنة، موافقة للعدل والحكمة والمصلحة، وأقوال مطابقة للحق، تصدر تلك الأقوال والأعمال عن تلك العلوم والإرادات فتكتسب النفس بها أخلاقاً هي أزكى الأخلاق وأشرفها وأفضلها)) (2) (. المبحث الثالث: منزلة الأخلاق في الإسلام علم الأخلاق من أشرف العلوم وأعلاها قدراً، وقيمة الإنسان تقاس بأعماله وأخلاقه، ولذا فإن للأخلاق في الإسلام منزلة عظيمة تعلم من مبلغ العناية التي عنيت بها في الكتاب والسنة، جاء في حديث أبي هريرة (أن النبي (قال: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) (3) . وقد كانت عناية القرآن الكريم منذ بداية نزوله على نبينا محمد (بأمرين: الأول: تقرير الإيمان بالله تعالى وحده لا شريك له، وغرس عقيدة التوحيد الصافية في النفوس، والتحذير من الشرك والبعد عنه، قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله ءواجتنبوا الطاغوت (] الأعراف 36 [.   (1) ... فتح الباري (10/456) . (2) التبيان في أقسام القرآن لابن القيم ص (196) . (3) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب (4/1987) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 256 الثاني: غرس الأخلاق الفاضلة لتزكية القلوب وتطهير النفوس واستئصال رذائلها والأخلاق السيئة منها، ومن ذلك قوله تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (] الأعراف 199 [قال جعفر الصادق رحمه الله تعالى: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية (1) . وقد كان من أجل غايات بعثة نبينا محمد (إتمام مكارم الأخلاق كما جاء في حديث أبي هريرة (قال: قال رسول الله (( (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)) (2) . قال ابن عبد البر (3) في التمهيد: "ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كله، والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل فبذلك بعث ليتممه" (4) . ومن أجل ذلك فقد جعل الله الأخلاق مقياساً للخيرية كما قال (( (إن من خياركم أحاسنكم أخلاقاً)) (5) .   (1) مدارج السالكين لابن القيم (2/304) . (2) أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/381) ، والإمام مالك في الموطأ بلاغاً (2/904) ، والحاكم في المستدرك (2/613) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي، وقال ابن عبد البر في التمهيد (24/334) : هذا حديث مدني صحيح. (3) هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد الله النمري، أبو عمر، من كبار حفاظ الحديث في المغرب، قال الذهبي: كان في أصول الديانة على مذهب السلف، توفي سنة 463هـ. سير أعلام النبلاء (18/153) . (4) التمهيد (24/334) . (5) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب (7/80) ، ومسلم في صحيحه: كتاب الفضائل (4/1810) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 257 وجعلها من كمال الإيمان كما قال (( (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً)) (1) ، وأكثر ما يثقل الميزان يوم القيامة بالحسنات هو الأخلاق، قال (: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق)) (2) . وقال (: ((إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم)) (3) . وهي أكثر أسباب دخول الجنة، "سئل رسول الله (عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة؟ فقال: ((تقوى الله وحسن الخلق)) (4) . وبحسن الخلق تنال محبة المصطفى (، والقرب منه مجلساً يوم القيامة وإنها لغاية عظيمة، قال (( (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثّرثارون (5) والمتشدقون (6) والمتفيهقون (7)) (8) .   (1) تقدم تخريجه ص (6) . (2) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب البر (4/362363) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (3) أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الأدب (5/149) ، والحاكم في المستدرك (1/60) ، وقال: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (4) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب البر، (4/363) ، وقال: حديث حسن صحيح. (5) الثرثار: هو كثير الكلام تكلفاً، والثرثرة: كثرة الكلام. النهاية في غريب الحديث (1/209) . (6) المتشدق: المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه تفاصحاً وتعظيماً لكلامه، وقيل: أراد بالمتشدق: المستهزئ بالناس يلوي شدقه بهم وعليهم. النهاية في غريب الحديث (2/453) . (7) المتفيهق: أصله من الفهق وهو الامتلاء، وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويغرب به تكبراً وارتفاعاً وإظهاراً للفضيلة على غيره. النهاية في غريب الحديث (3/482) . (8) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب البر (4/370) ، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 258 فهذه الأحاديث العظيمة فيها حث عظيم على التحلي بمحاسن الأخلاق لما فيها من بيان لفضله ومنزلته في الإسلام، فما من خلق كريم ولا فعل جميل إلا وقد وصله الله بالإسلام. ومن هنا يتبين لنا أن الإيمان القوي يكسب الخلق الفاضل، وأن سوء الأخلاق مرده إلى ضعف الإيمان، أو فقدانه، والشخص المعوج في السلوك هو الذي يقترف الرذائل غير آبه لأحد، وقد جاء عن الرسول (في وصف حاله: ((الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار)) (1) . والذي يذكر جيرانه ويرميهم بالسوء، ضعيف الإيمان كما جاء في حديث الرسول (قال: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)) ، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه)) (2) . ولقد سأل الرسول (أصحابه يوماً: ((أتدرون من المفلس؟)) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: ((المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)) (3) .   (1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/500) ، والترمذي في كتاب البر والصلة (4/365) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (2) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأدب (7/78) . (3) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة والآداب (4/1997) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 259 يقول محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله تعالى -: "الحض على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات كثير جداً في كتاب الله تعالى وسنة نبيه (، ولذلك لما سئلت عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن خلقه (قالت: "كان خلقه القرآن " (1) . لأن القرآن يشتمل على جميع مكارم الأخلاق لأن الله تعالى يقول في نبيه (: (وإنك لعلى خلق عظيم (] القلم 4 [. فدل مجموع الآية وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها على أن المتصف بما في القرآن من مكارم الأخلاق أنه يكون على خلق عظيم، وذلك لعظم ما في القرآن من مكارم الأخلاق" (2) . المبحث الرابع: الارتباط بين الأخلاق والإيمان الدين الإسلامي دين عظيم يشمل كل جوانب الحياة ولا يهمل شيئاً منها، فهو يربط بين العقيدة، وبين الأخلاق التي ارتضاها للمسلمين، قال تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (] الإسراء 9 [فمن تأمل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله (، تبين له إن مقتضى الإيمان بالله تعالى أن يكون المؤمن ذا خلق محمود، وإن الأخلاق السيئة دليل على ضعف الإيمان، وبذلك يمكننا أن نعرف مدى قوة إيمان الشخص بمقدار ما يتحلى به من مكارم الأخلاق. ومدى ضعف إيمانه بمقدار ما يتصف به من ذميم الأخلاق، حيث يتبين لنا الصلة القوية بين الأخلاق والعقيدة على نحو يجعل انفصال العقيدة عن الأخلاق واستقلالها أمراً مستحيلاً، لأن الذي يحمل على التحلي بفضائل الأخلاق والتخلي عن رذائلها إنما هو الإيمان بمشرعها وهو الله سبحانه وتعالى، وبما جاء به رسولنا (، والإيمان بما يترتب عليها من ثواب عند الامتثال، وعقاب عند الترك، والإيمان بوجوب تزكية النفس وتطهيرها من دنس المعاصي.   (1) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1/513) . (2) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (3/411) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 260 ويتضح هذا جلياً في كتاب الله عز وجل، فالأخلاق الإسلامية التي حث عليها ورغب فيها وأرشد إليها تسبق دائماً بنداء الإيمان، فعندما أمر الله عز وجل المؤمنين بالعدل، سبق الطلب وصف الإيمان للإشارة إلى أن الإيمان يقتضي العدل، فيقول عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (] المائدة 8 [. وعندما أمر بالصدق سبقه نداء الإيمان فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (] التوبة 119 [. كما ورد الربط بين الإيمان، وبين عمل الصالحات والإحسان، فقال عز وجل (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً (] النساء 125،124 [. كما بين الرسول (في السنة الصلة القوية بين الإيمان والأخلاق الحسنة من الصدق والوفاء والأمانة أو ضد هذه الأخلاق من جانب آخر فقال (: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)) (1) . وفي روايةٍ: ((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خلة منهن، كانت فيه خلة من نفاق، حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر) غير أن في حديث سفيان: ((وإن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق)) (2) . وهذا يبين لنا أن هذه الأخلاق السيئة التي حذر الإسلام منها من الكذب، وخلف الوعد، وخيانة الأمانة، والغدر، والفجور دليل على ضعف الإيمان بالله تعالى، إذ الأخلاق نبتة وثمرة من ثمار الإيمان.   (1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان (1/14) . (2) أخرجه مسلم في صحيحه (1/78) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 261 والإيمان بالله عز وجل يقتضي أن يكون المؤمن متصفاً بالأخلاق الفاضلة من الكرم والجود والسماحة وحسن الجوار، يعرف حقوق جاره عليه، فيؤديها، ولا يفعل ما يؤذيه أو يضره، ويعلم حق ضيفه عليه فيؤديه، يقول عليه الصلاة والسلام: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه)) (1) . ويقول (( (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)) ، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه)) (2) . وعن عبد الله بن مسعود (قال: قال رسول الله (: (إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله عز وجل يعطي الدنيا من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب، فمن أعطاه الدين فقد أحبه، والذي نفسي بيده، لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه)) . قالوا: وما بوائقه يا نبي الله؟ قال: ((غَشْمه وظلمه، ولا يكسب عبد مالاً من حرام، فينفق منه، فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار. إن الله عز وجل لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو بالخبيث)) (3) . كما يقتضي أن يكون المؤمن حيياً: فقد مر رسول الله (على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله (: ((دعه فإن الحياء من الإيمان)) (4) . ويقتضي أن يكون المؤمن رحيماً: يقول عليه الصلاة والسلام: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا)) (5) .   (1) أخرجه البخاري (4/54) . (2) سبق تخريجه ص (34) . (3) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/387) ، والحاكم في المستدرك (2/447) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. (4) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان (1/74) . (5) أخرجه الترمذي في كتاب البر، (4/322) وقال: هذا حديث حسن غريب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 262 وليس المقصود بالرحمة معنى ضيقاً محدوداً، يشمل شخصاً دون آخر، أو جماعة دون أخرى، أو جنساً دون غيره، بل الرحمة بمعناها العام الذي يشمل كل من يستحق الرحمة من خلق الله تعالى. عن أبي موسى (أنه سمع النبي (يقول: ((لن تؤمنوا حتى تراحموا)) قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: ((إنه ليس رحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة)) (1) . أي الرحمة الشاملة لجميع خلق الله جل في علاه. وإن من مقتضى الإيمان أن يكون المسلم صابراً محتسباً، راضياً بما قدر الله له، فالرسول (يقول: ((ليس منا من لطم الخدود. وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)) (2) . فإذا وقر الإيمان في القلب، تقبل المؤمن كل ما يأتيه في السراء والضراء، لأنه يعلم أن أمره كله خير، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له)) (3) . فالمؤمن لا يخاف من المصائب والأقدار، إنما يخاف من الذنوب والسيئات وسوء الأخلاق. قال عبد الله بن مسعود (: ((إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل، يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه، فقال به هكذا)) قال أبو شهاب: بيده فوق أنفه" (4) .   (1) أخرجه أبو يعلى في المسند (7/250) ، والطبراني في مكارم الأخلاق ص (55) ، وقال الهيثمي في المجمع (8/187) ، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (2) أخرجه البخاري في صحيحه (3/163) . (3) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الزهد الرقائق (4/2295) . (4) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الدعوات (7/146) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 263 كما بين الرسول (للمؤمن ميزاناً يعرف به إيمانه فقال عليه الصلاة والسلام: (إذا ساءتك سيئتك، وسرتك حسنتك، فأنت مؤمن) (1) . فالمؤمن دائماً يسعى إلى مكارم الخلاق يتحلى بها، وإلى محاسن السجايا يتصف بها، حتى يكتمل إيمانه، ويثقل ميزان حسناته يوم القيامة، فيدخل جنة ربه. وقد فهم الصحابة رضوان عليه ذلك فحرصوا عليه، عن أم الدرداء قالت: قام أبو الدرداء ليلة يصلى. فجعل يبكي، ويقول: اللهم أحسنت خلقي، فحسن خلقي، حتى أصبح، فقلت يا أبا الدرداء، ما كان دعاؤك منذ الليلة إلا في حسن الخلق، فقال: يا أم الدرداء إن العبد المسلم يحسن خلقه، حتى يدخله حسن خلقه الجنة، ويسئ خلقه، حتى يدخله النار، والعبد المسلم يغفر له وهو نائم. فقلت: يا أبا الدرداء، كيف يغفر له. وهو نائم؟ قال: يقوم أخوه من الليل فيتهجد، فيدعو الله عز وجل فيستجيب له، ويدعو لأخيه، فيستجيب له فيه (2) . وعن عطاء عن ابن عباس، لما دخل رسول الله (على الأنصار، فقال: أمؤمنون أنتم؟ فسكتوا، فقال عمر: نعم يا رسول الله. قال: وما علامة إيمانكم؟ قالوا: نشكر على الرخاء، ونصبر على البلاء، ونرضى بالقضاء. فقال (: مؤمنون ورب الكعبة (3) . فالرسول عليه الصلاة والسلام جعل هذه الأخلاق الكريمة من الشكر على النعمة، والصبر على البلوى، والرضا بما قضى الله وقدر أمارات وعلامات على الإيمان بالله سبحانه وتعالى.   (1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/246) ، والطبراني في الكبير (8/137) ، والحاكم في المستدرك (1/14) ، وقال: صحيح متصل على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع (1/86) : رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. (2) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/387) . (3) أخرجه الطبراني في الكبير (11/123) ، وفي الأوسط (9/163) ، وسكت عنه الهيثمي في مجمع البحرين (1/195،196) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 264 وبهذا يتبين لنا أن العلاقة وثيقة بين الإيمان والأخلاق في الفرد والمجتمع المسلم، وأن الرابطة الإسلامية والأخوة الإيمانية تزيد كلما التزم أفراد المجتمع بالأخلاق الفاضلة، فالصدق في الحديث والمعاملة والعدل في الحكم والأمانة في جميع الأمور، والوفاء بالعهد والحياء والصبر والحلم والرفق والتعاون على البر والتقوى توجد الثقة والمحبة وتشعر الجميع بالرضى والأمن. المبحث الخامس: الغاية من الأخلاق الإسلامية إن الغاية من الالتزام بالأخلاق والفضائل الإسلامية والابتعاد عن الرذائل والأخلاق السيئة هو اكتساب مرضاة الله عز وجل، فإنه سبحانه يحب فعل الخير ويكره فعل الشر، ومن رضي عنه الله سبحانه وتعالى ظفر بسعادة الدارين وعظم أجره وعلت منزلته. والالتزام بمكارم الأخلاق التي أمر بها الإسلام أو رغب بفعلها فيه تقوية لإرادة الإنسان وتمرينها على حب الخير وفعله والبعد عن الشر وتركه، ويتحقق للمؤمن سعادة القلب بمقدار ما حققه بأفعاله من مرضاة الله سبحانه وتعالى. وباكتساب مرضاة الله تعالى تتحقق النجاة من الشقاوة التي يجلبها الإنسان لنفسه بفعل السيئات. فبالالتزام بالخلق والحرص عليها تطهر النفوس وتزكو قال عز وجل: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ((الشمس 10،9) ، وبالأخلاق يسعد الفرد والمجتمع، وتنتشر الفضيلة وتختفي الرذيلة، وبالأخلاق يكثر الخير والصلاح والصالحون، ويقل الفساد وأهله، وبالأخلاق تبقى الأمم وتقوى وترقى، وجماع ذلك كله حصول مرضاة الله سبحانه وتعالى والأمن من عذابه في الدار الآخرة. وهذه هي الغاية العظمى من عناية الإسلام بالأخلاق وحرصه عليها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 265 ولقد أدرك أعداء المسلمين قيمة الأخلاق الإسلامية في تكوين الأمة المترابطة القوية المتينة، فعملوا على إفساد الأخلاق للمسلمين بكل ما أوتوا من مكر ودهاء وبكل ما أوتوا من وسائل مادية ومعنوية، ليبعثروا قوتهم المتماسكة، وليفتتوا وحدتهم الصلبة التي كانت مثل الجبل الراسخ الصلب قوة، ويزيلوا جمالها وبهجتها التي هي مثل الجنة الوارفة الظلال المثمرة خضرة وبهاءً وثمراً. إن أعداء المسلمين قد أدركوا وعرفوا أن الأخلاق الإسلامية في أفراد المسلمين تمثل معاقد القوة، فجندوا جنودهم لغزو هذه المعاقل وكسرها بجيوش الفساد والفتنة، وكان غزوهم من عدة جهات، ولقد عرفوا أن النبع الأساسي الذي يزود الإنسان بالأخلاق الإسلامية العظيمة إنما هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والالتزام بشرعه، فصمموا على أن يكسروا مجاري هذا النبع العظيم ويسدوا عيونه، ويقطعوا شرايينه، وعرفوا أن ذلك يتم بدراسة حياتهم وإفساد المفاهيم والأفكار فوجهوا جهودهم لغمس أبناء المسلمين بالانحلال الخلقي بغية إصابتهم بالرذائل الخلقية عن طريق العدوى وسراية الفساد واستمراء الشهوات المرتبطة برذائل الأخلاق، وقد حققوا بعض ما يريدون ولكن جنود الله من الدعاة والمصلحين لهم جهد كبير في الدعوة إلى دين الله ونشر الفضيلة ودحض الرذيلة وصد كيد الأعداء مستعينين بالله عز وجل الذي كتب النصر لأوليائه كما قال تعالى: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز (] المجادلة 21 [. وإذا عرف المسلمون الغاية من الأخلاق الإسلامية وأهميتها في حياتهم وتمسكوا بها استطاعوا أن يردوا كيد الأعداء في وجوههم ويحفظوا مجتمعاتهم من الرذيلة، والله الموفق. المبحث السادس: بعض الأخلاق الإسلامية وأثر الإيمان عليها الجزء: 10 ¦ الصفحة: 266 الإيمان بالله سبحانه تعالى هو مصدر الأخلاق ومنبعها، فهو الذي يزكي النفوس ويطهرها ويهذب الأخلاق ويحسنها، وله أثر عظيم في التمسك بها والحرص عليها، والبعد عن مساوئ الأخلاق ورذائلها، وقد اخترت جملة من الأخلاق الفاضلة التي رأيت أنها جمعت أصول الأخلاق مع بيان أثر الإيمان عليها، ومنها: 1 الصدق: الصدق خلق عظيم، نال أهمية بالغة في الإسلام، ومن ذلك أن الله مدح الصادقين وأمرنا بالصدق فقال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (] التوبة 119 [. كما أنه سبحانه أثنى على الأنبياء والمرسلين، وبعض عباده المتقين بالصدق، وطلب من المؤمنين اتباع الصادقين وبشرهم به فقال عز وجل: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً (] مريم 41 [. وقال تعالى: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً (] مريم 54 [. وقال تعالى: (رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه (] الأحزاب 23 [. وقال تعالى: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم (] المائدة 119 [. الصدق لغة: نقيض الكذب، وهو من صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقاً، وصِدْقاً يقال: صَدَقْتُ القومَ، أي: قلت لهم صدقاً، ومن أمثالهم: الصدق ينبئ عنك لا الوعيد، رجل صَدُوقٌ: أي: أبلغ من الصادق، والصديق المبالغ في الصدق (1) . عرف الماوردي الصدق بقوله: " الصدق هو الإخبار عن الشيء على ما هو عليه، والكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه" (2) . وعرفه الغزالي بقوله: "فمن حفظ لسانه عن الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه فهو صادق" (3) . وقال بعضهم: "أقل الصدق استواء السر والعلانية، والصادق من صدق في أقواله، والصديق: من صدق في جميع أقواله وأفعاله وأحواله" (4) .   (1) لسان العرب (10/193194) . (2) أدب الدنيا والدين ص (224) . (3) الإحياء (4/388) . (4) المصدر السابق (4/389) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 267 وإذا تأملنا النصوص الواردة في خلق الصدق، نجدها تجعل المسلم يدرك أن الصدق من متممات إيمانه ومكملات إسلامه. وقد حث الرسول (على الصدق وأخبر أنه يهدي إلى البر وأن البر يهدي إلى الجنة كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود (قال: قال رسول الله (: ((عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)) (1) . قال النووي: قال العلماء في هذا الحديث حث على تحري الصدق، وهو قصده الاعتناء به، وعلى التحذير من الكذب، والتساهل فيه، فإنه إذا تساهل فيه كثر منه، فيعرف به (2) . وقد أخبر النبي (أن كذب الحديث من النفاق وعلاماته: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)) (3) . وقد أمر الله تعالى عباده المتقين بالقول السديد فقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً (] الأحزاب 71،70 [. فالصدق في الأقوال، يجعل أصحابها يصدقون في الأعمال، ويكون ثمرة ذلك الصلاح في الأحوال، وذلك الفوز العظيم. فالمسلم حين يعامل إخوانه لابد أن يكون صادقاً في معاملاته معهم، فلا يغش ولا يخدع. قال عليه الصلاة والسلام: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، محقت بركة بيعهما)) (4) .   (1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب (7/95) ، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة (4/2012) . (2) شرح صحيح مسلم للنووي (12/253) . (3) تقدم تخريجه ص (38) . (4) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع (4/309) ، ومسلم في صحيحه: كتاب البيوع (3/1164) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 268 وقال (أيضاً: ((الحلف منفَقَةٌ للسلعة ممحقة للبركة)) ، وفي رواية مسلم ((للربح)) (1) . فيجب على المسلم إذا وعد أحداً أنجز له ما وعد به؛ إذ خلف الوعد من علامات النفاق كما مر ذكره في الحديث. لهذا، فصدق الوعد من الصفات الحميدة، التي ينبغي أن يتمسك بها المسلم، لأنها سبب من أسباب النجاح في هذه الحياة. ومن صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور، كما قال تعالى: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً (] الفرقان 72 [. لأن شهادة الزور تعد من أكبر الكبائر، فقد قرنت بالإشراك بالله وعقوق الوالدين، قال رسول الله (: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)) وكان متكئاً فجلس فقال: ((ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور)) فما زال يقولها، حتى قلت: لا يسكت (2) . وقد نهى سبحانه وتعالى المؤمنين عن كتم الشهادة، وأخبر بأن الذي يكتمها آثم القلب، قال تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم (] البقرة283 [.كما أمر سبحانه وتعالى المؤمنين بالوفاء بالعهد فقال تعالى: (وأوفوا بالعهد إ ن العهد كان مسؤولاً (] الإسراء 34 [. وقال تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم (] النحل 91 [. وأثنى على الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فقال: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً (] الأحزاب 23 [.   (1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع (4/315) ، ومسلم في صحيحه: كتاب المساقاة (3/1228) . (2) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب (7/70) ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان (1/38) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 269 وذم الذين أخلفوا ما عاهدوه عليه، قال تعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلي يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون (] التوبة75، 77 [. وللصدق ثمرات طيبة يجنيها الصادقون، فهو طريق الفلاح والنجاح وفيه راحة الضمير وطمأنينة النفس، والبركة في الكسب وزيادة الخير، والنجاة من المكروه، والهداية إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، كما في الحديث المشهور المتقدم. وقد التزم المسلمون في صدر الإسلام بهذا المبدأ العظيم، وجاء القرآن مؤكداً لهذه الحقيقة، حيث قال تعالى: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون (] الزمر 33 [. ولذا فالمسلم الحق هو الذي يصدق في كل أقواله وأفعاله، ويتجنب الكذب ومزالقه، ولا يكذب أبداً مهما نال بذلك من مكاسب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 270 ومن أعظم الأمثلة على صدق الصادقين حديث كعب بن مالك (قال: فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي وطفقت أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخطه غدا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل إن رسول الله (قد أظل قادما زاح عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله (قادما وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله (علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك فقلت بلى إني والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله (أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله (بما اعتذر إليه المتخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله (لك فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ثم قلت لهم هل لقي هذا معي أحد قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما قالوا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي ونهى رسول الله (المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض الجزء: 10 ¦ الصفحة: 271 فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله (فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو بن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار قال فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان فإذا فيه أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأتها وهذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله (يأتيني فقال إن رسول الله (يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال لا بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر قال كعب فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله (فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه قال لا ولكن لا يقربك قالت إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله (في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت والله لا أستأذن فيها رسول الجزء: 10 ¦ الصفحة: 272 الله (وما يدريني ما يقول رسول الله (إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله (عن كلامنا فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله (بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض إلي رجل فرسا وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله (فيتلقاني الناس فوجا فوجا يهنونني بالتوبة يقولون لتهنك توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله (جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله (قال رسول الله (وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله (إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله قال رسول الله (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر فقلت يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما لقيت فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله (أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله (إلى يومي هذا كذبا وإني الجزء: 10 ¦ الصفحة: 273 لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله على رسوله ((لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار (إلى قوله (وكونوا مع الصادقين (فوالله ما نعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله (أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد فقال تبارك وتعالى: (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم (إلى قوله: (فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين (قال كعب وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله (حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله (أمرنا حتى قضى الله فيه فبذلك قال الله: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا (وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو إنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه (1) . فالصدق من أعظم مقامات الإيمان وشعبه، فالإخلاص والمحبة والرجاء والاستقامة كلها تفتقر إلى الصدق ولا تصح إلا به، فلذا يجب التحلي بهذه الصفة العظيمة. 2- الصبر: الصبر لغةً: هو المنع والحبس، وهو نقيض الجزع، يقال: صبر صبراً فهو صابر وصبَّار وصبِّير وصبور. وسمي الصوم صبراً، لما فيه من حبس النفس عن الطعام والشراب والنكاح (2) . وفي الاصطلاح: هو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لايحسن ولا يجمل. وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها، وقوام أمرها. وقيل: هو ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله، لا إلى الله؛ لأن الله تعالى أثنى على أيوب عليه السلام بالصبر بقوله: (إنا وجدناه صابراً ((ص 44) ، مع دعائه في دفع الضر عنه بقوله: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسّني الضر وأنت أرحم الراحمين (] الأنبياء 83 [.   (1) أخرجه البخاري في صحيحه، (4/1603) . (2) لسان العرب (4/438، 439) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 274 ولقد اهتم الإسلام بالصبر، ورفع منزلته، وأثنى على المتحلين به، وهذا يدل على عظم أمره، لأنه أساس كثير من الفضائل، بل هو أصلها، فما من فضيلة إلا وهي محتاجة إليه، فالشجاعة هي الصبر على مكاره الجهاد، والعفاف هو الصبر عن الشهوات، والحلم هو الصبر على المثيرات. لهذا أحب الله سبحانه وتعالى الصابرين فقال عز وجل: (والله يحب الصابرين (] آل عمران 146 [ وقال تعالى: (ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (] النحل 96 [. وأخبر سبحانه وتعالى أنهم ينالون مزيداً من الفضل والرحمة والثواب في الدنيا والآخرة، فقال: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب (] الزمر 10 [. كما أخبر الله تعالى أن الصبر من الخصال العظيمة التي يجب أن يتصف بها المؤمنون فقال عز وجل: (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور (] آل عمران 186 [. وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم، فقال تبارك وتعالى: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (] البقرة 157 [. فالصبر وحده هو الذي يعصم من التخبط، ويجعل المسلم يسير متزناً وفق منهج الإسلام في كل شؤون الحياة، فلابد أن يوطن المسلم نفسه على احتمال المكاره دون ضجر، ومواجهة الأعباء مهما ثقلت، وكان الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام ممن برز في هذه الفضيلة، وفي مقدمتهم أولوا العزم من الرسل، ولذلك خاطب الله نبيه الخاتم صاحب الخلق العظيم (، وأمره بالصبر، فقال تعالى: (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل (] الأحقاف 35 [. فنبينا محمد (، أوذي أذىً شديداً ولقي من قومه ما لقي من البلاء، فصبر، واحتمل، وبلّغ رسالة ربه، حتى أتاه اليقين. يقول الماوردي: "فقد لقي بمكة من قريش وغيرهم ممن كان يدعوهم إلى الله أو يطلب منهم حمايته ليؤدي رسالة الله ما يشيب النواصي، وهو مع ذلك صابر صبر المستعلي، وثابت ثبات المستولي" (1)   (1) أعلام النبوة للماوردي ص (283) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 275 والصبر ثلاثة أنواع: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على البلاء، وذلك هو الحياة كلها، لذلك كان الصبر نصف الإيمان؛ لأنه ما من مقام من مقامات الإيمان إلا ويلازمه الصبر. فالمؤمن يحتاج إلى الصبر على الطاعة لأن النفس بطبعها تنفر من العبودية، وهي شاقة على النفس مطلقاً، ثم من العبادات ما يكره بسبب الكسل، كالصلاة، ومنها ما يكره بسبب البخل كالزكاة، ومنها ما يكره بسببهما جميعاً كالحج والجهاد، فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد. ومن أنواع الصبر الصبر عن المعاصي وهي مقتضى باعث الهوى، وما أحوج العبد إلى الصبر عنها. وقد جمع الله أنواع المعاصي في قوله تعالى: (وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي (] النحل 90 [. وأشد أنواع الصبر: الصبر عن المعاصي التي أصبحت مألوفة بالعادة. وأما النوع الثالث من أنواع الصبر فهو الصبر على المصائب والأقدار، مثل موت الأعزة، وهلاك الأموال، وزوال الصحة بالمرض. فالصبر على ذلك من أعلى مقامات الصبر. والمؤمن بحاجة إلى الصبر أمام مواجهة المصائب التي تجري عليه بأن يعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم ويحبس نفسه عن الجزع والتسخط؛ لأن الصبر على المصائب ثمرة من ثمار الإيمان بالقدر الذي هو أحد أركان الإيمان الستة. والصبر من الأمور المشكورة، والأفعال الحميدة، والمؤمن حين يتقي ويصبر ويغفر ويشكر، يوفى أجره بغير حساب، ويكتب له النجاح والفلاح والظفر، في شؤون حياته كلها، وذلك هو الخير كله. قال الله تعالى: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور (] الشورى 43 [. وقال تعالى: (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور (] آل عمران 186 [. وقال تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب (] الزمر 10 [. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 276 وقال رسول الله (: ((عجباً لأمر المؤمن: إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له)) (1) . والمؤمن يبتلى في هذه الحياة، والفائز من المؤمنين من حسن عمله وصبر واتقى قال تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً (] الملك 2 [. وهذه نصوص من الكتاب والسنة تبين لنا أنواع الابتلاء وتبشر الصابرين عليه بأعظم المثوبة في الدارين. وقال الله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (] البقرة 155، 157 [. وقال تعالى: (والصابرون في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (] البقرة 177 [. وقال تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين (] محمد 31 [. وقوله تعالى: (واصبر وما صبرك إلا بالله (] النحل 127 [. وقوله تعالى: (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور (] لقمان 17 [. وفي السنة عن أنس بن مالك (أن رسول الله (قال: ((إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه)) (2) . وفي رواية الترمذي قال:: قال رسول الله (: ((إن الله تعالى يقول: إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا، لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة)) (3) . وعن أبي هريرة (قال: قال النبي (: ((يقول الله عز وجل: من أذهبت حبيبته فصبر واحتسب، لم أرض له ثواباً دون الجنة)) (4) .   (1) تقدم تخريجه ص (43) . (2) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المرضى (7/116) . (3) سنن الترمذي (4/602) . (4) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الزهد (4/603) . وقال: حديث حسن صحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 277 وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (: ((إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيِّه (1) من أهل الأرض فصبر واحتسب وقال ما أمر به بثواب دون الجنة)) (2) . وعن أبي هريرة (قال: إن رسول الله (قال: ((يقول الله ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)) (3) . وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: (ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي (فقالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: ((إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك)) ، قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها) (4) . وما عند الله من الجزاء والمثوبة للصابرين هو خير حافز يدعو المؤمن إلى الصبر والمصابرة، حتى يكون من المفلحين. (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (] آل عمران 200 [. على ما يصيبه ابتغاء مرضاة الله ومن ذلك قوله تعالى: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (] البقرة 155، 156 [. وقوله تعالى: (واصبر وما صبرك إلا بالله (] النحل 127 [. وقوله تعالى: (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور (] لقمان 17 [.   (1) بصفيه: بمحبه الخاص من الولد وغيره، يقول الحافظ ابن حجر في الفتح (11/242) : صفيه: بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتانية وهو الحبيب المصافي كالولد والأخ وكل من يحبه الإنسان، والمراد بالقبض قبض روحه وهو الموت. (2) أخرجه النسائي في سننه: كتاب الجنائز (4/23) . وصححه السيوطي في الجامع الصغير (1/73) (3) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الرقاق (7/173) . (4) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة: (4/1994) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 278 ومن السنة ما رواه أنس بن مالك (قال: قال رسول الله (: ((الصبر عند الصدمة الأولى)) وفي رواية: (أنه أتى على امرأة تبكي على صبي لها، فقال: ((اتقي الله، واصبري)) فقالت: وما تبالي بمصيبتي، فلما ذهب قيل لها: إنه رسول الله (فأخذها مثل الموت، فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك. قال: ((إنما الصبر عند أول الصدمة)) أو قال: ((عند أول الصدمة)) . وفي أخرى نحوه، أنها قالت: (إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، وأنه قال (: لما جاءته وقالت: لم أعرفك: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) ) (1) . وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (أرسلت بنت النبي (إليه: أن ابناً لي قبض، فائتنا وفي رواية: ابني احتضر فأشهدنا وفي أخرى: إن ابنتي قد حضرت فأرسل يقري السلام، ويقول: ((إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمىً، فلتصبر ولتحتسب)) ، فأرسلت إليه تقسم بالله ليأتينها) (2) . فكل من قام بحق، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، فلابد أن يؤذى، فما له دواء إلا الصبر في الله، الاستعانة بالله، والرجوع إلى الله (3) . وكان الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في مقدمة من أوذي في الله، وقد لقي الرسول (وصحبة الكرام أنواعاً كثيرة من الأذى. قال تعالى عن قول الرسل لأقوامهم: (ولنصبرن على ما ءاذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون (] إبراهيم 12 [. وقال تعالى: (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا (] المزمل 10 [. وقال تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصبرين واصبر وما صبرك إلا بالله (] النحل 126، 127 [   (1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجنائز (3/171) ، ومسلم في صحيحه (2/637) . (2) أخرجه البخاري في صحيحه (3/151) ، ومسلم في صحيحه (2/635) . (3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/445) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 279 وعن ابن مسعود رحمه الله تعالى قال: كأني أنظر إلى رسول الله (، يحكي نبياً من الأنبياء، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: ((اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون)) (1) . وعن يحيى بن وثاب، عن شيخ من أصحاب رسول الله (قال: قال رسول الله (: ((المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم)) أخرجه الترمذي، وقال: وكان شعبة يرى أنه ابن عمر (2) . وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: (شكونا إلى رسول الله (وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: ((كان الرجل فيمن قبلكم، يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) (3) . ولقد صبر النبي (على الاضطهاد والتعذيب والإيذاء والسخرية. وتحمل كل ذلك (بصبر جميل وعزيمة قوية، ولم يقتصر الأمر عليه (، بل لحق ذلك الأذى كل أتباعه وأقاربه. ففي يوم الخندق حوصرت المدينة ذلك الحصار الشديد الذي لم يعرف المسلمون فيه نوماً ولا راحة، وطالت الفترة، وتعب المسلمون، وكانوا كما وصفهم الله تعالى: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصر وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا (] الأحزاب 10،11 [.   (1) أخرجه البخاري (7/249) في ومسلم في صحيحه (3/1417) . (2) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب صفة القيامة (4/663) . وابن ماجه في سننه: كتاب الفتن (2/1338) . وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح (10/512) . (3) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب (4/180) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 280 فالصبر له مكانة عظيمة في الإسلام ومنزلة رفيعة في الإيمان؛ لأن أكثر أخلاق الإيمان لا تتم إلا بالصبر، وقد أدرك السلف رحمهم الله تعالى هذه المنزلة العظيمة للصبر من الإيمان حتى قال عبد الله بن مسعود (: "الصبر نصف الإيمان" (1) ، وهذا يبين لنا أهمية خلق الصبر ومكانته العظيمة من الإيمان. 3 الحلم والأناة الحلم بالكسر: الأناة والعقل، وجمعه: أحلام، وحلوم، والحلم: ترك العجلة (2) . وفي الاصطلاح: إمساك النفس عن هيجان الغضب. والأناة: التثبيت وترك العجلة (3) . والحلم بالكسر هو الأناة والتثبت في الأمور (4) ، والحلم: هو ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب (5) . ومن أسماء الله سبحانه وتعالى الحسنى الحليم، قال تعالى: (ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم (] آل عمران 155 [، وقال تعالى: (والله شكور حليم (] التغابن 17 [. والحلم من الأخلاق الإسلامية الحميدة التي يحبها الله تعالى، ويدل على ذلك قوله (للأشج عبد القيس: ((إن فيك لخصلتان يحبهما الله، الحلم والأناة)) (6) .   (1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (5/34) ، والبيهقي في شعب الإيمان حديث رقم (48) . (2) انظر: معجم مقاييس اللغة (2/93) ، القاموس المحيط (4/99) . (3) انظر شرح صحيح مسلم للنووي ص (1/155) . (4) النهاية في غريب الحديث (1/434) . (5) المفردات للراغب ص (129) . (6) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان (1/48) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 281 وهو من صفات المؤمنين، ومن كان له عقيدة سليمة إذ هي التي تقود الإنسان وتؤثر في جميع تصرفاته فيغضب في مقام الغضب، ولا يتسرع إلى الانتقام، ولذا كان الحلم من أبرز صفات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فلا ينتقمون من الكفار بأفعالهم السيئة تجاههم، قال الله عز وجل في حق نبيه إبراهيم عليه السلام: (إن إبراهيم لأواه حليم (] التوبة 114 [ونبي الله هود عليه السلام دعا قومه إلى توحيد الله عز وجل وقالوا له: (إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين (] الأعراف 66 [فرموه بالحماقة، وخفة العقل، ولكن بحلمه عليه الصلاة والسلام لم يرم بهم بالقول أو الفعل بل (قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين (] الأعراف 67 [وهذا الصفات التي يتصف بها الرسل من البلاغ والنصح والأمانة والحلم مما ينبغي أن يتصف بها الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: أي لست كما تزعمون بل جئتكم بالحق من الله الذي خلق كل شيء فهو رب كل شيء ومليكه (أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين (.] الأعراف68 [وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل البلاغ والنصح والأمانة (1) . وقوة الإيمان لها تأثير كبير على اكتساب الفضائل الخلقية والسلوكية ومنها صفة الحلم، فالمؤمن الذي يعلم فضل الحلم يجد في نفسه اندفاعاً قوياً لاكتساب فضيلة الحلم.   (1) تفسير القرآن العظيم (2/208) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 282 وهنالك ارتباط وثيق بين الحلم والعقل، وقد سبق تفسير الحلم بالعقل؛ لأن العقل السوي هو الذي يعقل صاحبه عن الاندفاع وراء عواطفه وغرائزه، أو وراء انفعاله وشهواته، أو وراء طبائعه النارية، أو وراء كل ما يميل به إلى الجنوح والانحراف، وإن الإنسان الذي يتحكم في انفعالاته يعد إنساناً قوياً. يقول رسول الله (: ((ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) (1) . ومما يدل على فضل الحلم وبيان أهميته: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (لأشج عبد القيس: ((إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة)) (2) . ومن حلمه (ما جاء في حديث أبي هريرة (قال: بال أعرابي في المسجد فتناوله الناس، فقال لهم النبي (: ((دعوه، واهريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)) (3) . فقد علّم الرسول (في هذا الحديث أصحابه كيف يكون الحلم بالجاهلين، وكيف يكون الرفق بهم، وكيف يجب أن يكون الدعاة إلى الله والحق والخير والفضيلة وأنهم ميسرين لا معسرين. وفي رواية أخرى عن أنس (قال بينما نحن في المسجد مع رسول الله (إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله (: مه مه!! حتى بال، ثم إن رسول الله (دعاه فقال له: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن)) ، قال أنس: ((وأمر (أي رسول الله () رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فسنّه عليه)) (4) . (أي فصبه على المكان الذي بال فيه الأعرابي) .   (1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة والآداب (4/2014) . (2) تقدم تخريجه ص (81) . (3) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوضوء (1/61) . (4) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الطهارة (1/236) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 283 وهذا يدل على حلم الرسول (وعلى رفقه وحسن سياسته وهذا الخلق العظيم هو الذي ملك به قلوب أصحابه وفرض به احترامه على أعدائه. ومن حلمه (عدم دعائه على الذين آذوه من قومه، وكان باستطاعته أن يدعو عليهم فيهلكهم الله، ولكنه (حلم عليهم رجاء صلاحهم، وصلاح من يخرج من ذريتهم. فقد روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: إن النبي (قال لملك الجبال لما جاءه عارضاً عليه أن يطبق على قومه الجبلين المحيطين بمكة فقال النبي (: ((بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً)) (1) . وهكذا كان الرسول (حليماً في أحلك الأوقات وأقسى الحالات شدة. فالحلم أشرف الأخلاق وأحقها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد؛ وقد قال علي بن أبي طالب (: أول عوض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره (2) . يقول صاحب بهجة الناظرين: الحلم منزلة بين رذيلتين الغضب والبلادة، وهو تأني وسكون عند الغضب أو مكروه مع قدرة وقوة وصفح وعقل؛ فالحليم لا يستفزه الذين لا يعلمون ولا يستخفه الذين لا يعقلون وإنما يضبط نفسه عند هيجان الغضب. وهو يبدأ بكظم الغيظ ثم النظر في عواقب الأمور وبوضع الشيء في موضعه مما يدل على صحة العقل وكماله وعلم صاحبه وإرادته القوية التي تبصره في اتخاذ رد الفعل السليم باتباع أيسر الأمور وأرشدها، وقد ينتهى الأمر بالعفو والإحسان (3) ، ولذلك يقول الله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (] آل عمران 134 [. (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقها إلا الذين صبروا وما يلقها إلا ذو حظ عظيم (] فصلت 34، 35 [.   (1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الخلق (4/83) ، ومسلم في صحيحه: كتاب الجهاد (3/1421) . (2) أدب الدنيا والدين للماوردي ص (245) . (3) بهجة الناظرين ص (678679) ، بتصرف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 284 ويقول الرسول (: ((يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه)) (1) . ويقول (: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزع من شيء إلا شانه)) (2) . ويقول (: ((من يحرم الرفق يحرم الخير)) (3) . أما عن أسباب الحلم التي تؤدي إلى ضبط النفس، فيقول الماوردي: "وأسباب الحلم الباعثة على ضبط النفس عشرة: أحدها: الرحمة للجهال وذلك من خير يوافق رقة … والثاني: القدرة على الانتصار وذلك من سعة الصدر وحسن الثقة ... والثالث: الترفع عن السباب وذلك من شرف النفس وعلو الهمة ... والرابع: الاستهانة بالمسيء وذلك عن ضرب من الكبر والإعجاب … والخامس: الاستحياء من جزاء الجواب وهذا يكون من صيانة النفس وكمال المروءة … والسادس: التفضل على الساب فهذا يكون من الكرم وحب التألف … والسابع: استكفاف الساب وقطع السِّباب وهذا يكون من الحزم … والثامن: الخوف من العقوبة على الجواب وهذا يكون من ضعف النفس وربما أوجبه الرأي واقتضاه الحزم … والتاسع: الرعاية ليد سالفة وحرمة لازمة، وهذا يكون من الوفاء وحسن العهد ... والعاشر: المكر وتوقع الفرص الخفية، وهذا يكون من الدهاء … " (4) . والمؤمن الذي يعلم فضل الحلم عند الله، والثواب العظيم الذي أعده الله للحلماء، لابد أن يجد في نفسه اندفاعاً قوياً لاكتساب فضيلة الحلم، والتحلي بها. وكما رغب الإسلام بالحلم وحث عليه حذّر من الأخلاق المنافية له، والتي منها الغضب، والغضب مناف للحلم، جاء في حديث أبي هريرة (أن رجلاً قال للنبي (: أوصني، قال: ((لا تغضب)) ، فردد ذلك مراراً، فقال: ((لا تغضب)) (5) .   (1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البر (4/2004) . (2) المصدر السابق (4/2004) . (3) المصدر السابق (4/2003) . (4) أدب الدين والدنيا ص (245249) . (5) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأدب (7/99) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 285 وفي حديث عبد الله بن مسعود أن النبي (قال: ((ما تعدون الصُّرعة فيكم؟)) قلنا: الذي لا يصرعه الرجال، فقال الرسول (: ((ليس بذلك ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب)) (1) . فبين الرسول (أن الذي يملك نفسه عند الغضب هو القوي وهي تدل على صفة الحلم العظيمة عند هذا الإنسان. يقول أبو حاتم: "الواجب على العاقل إذا غضب واحتد أن يذكر كثرة حلم الله عنه مع تواتر انتهاكه محارمه وتعديه حرماته، ثم يحلم ولا يخرجه غيظه إلى الدخول في أسباب المعاصي" (2) . فالحلم من صفات رب العالمين، وصف الله به أنبياءه وبعض عباده الصالحين فحري بالمؤمن التحلي به والحرص عليه. 4 الأمانة الأمانة لغةً: ضد الخيانة (3) . وحقيقتها: أن يعف الإنسان عن أخذ ما ليس له بحق. وعرفها صاحب البحر المحيط بقوله: "كل ما يؤتمن عليه المرء من أمر ونهي وشأن دين ودنيا، والشرع كله أمانة" (4) . والأمانة من الأخلاق الإسلامية العظيمة التي دعا إليها الإسلام، وقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تحث على الأمانة والوفاء بالعهود وتدعو كل مؤمن بالله بالمحافظة عليها، قال تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ((النساء 58) . وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون (] الأنفال 27 [. ولا يمتثل بهذا الأمر إلا من كان يعتقد أن الله تعالى يسمع ويبصر ومن ثم تؤثر فيه هذه العقيدة، وتزجره عن الخيانة (إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً (] النساء 58 [.   (1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة والآداب (4/2014) . (2) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لأبي حاتم ص (212) . (3) القاموس المحيط للفيروزآبادي (4/178) . (4) البحر المحيط (7/253) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 286 وقد بين الله تعالى الجزاء الذي يستحقه المتصف بالأمانة فقال عز وجل: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون (] المؤمنون 1، 11 [. وعلق ابن كثير رحمه الله تعالى على هذه الآية قائلاً: (هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات المذكورة في الآيات هم المفلحون السعيدون) (1) . فالأمانة فضيلة من الفضائل وخلق اجتماعي لا يستطيع أي مؤمن أن يستغني عنها إن كان يرجو الله واليوم الآخر والثواب العظيم. فقد قال رسول الله (: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته)) (2) . ويتضح معنى الأمانة من خلال قوله سبحانه وتعالى: (إنا عرضا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً (] الأحزاب 72 [. فالأمانة فسّرها ابن عمر بالنية التي يعتقدها الإنسان، فيما يظهره باللسان من الإيمان، ويؤديه من الفرائض في الظاهر (3) . وقد ذكر الحافظ ابن كثير أقوال المفسرين في معنى الأمانة في هذه الآية، وذكر منها الفرائض، والطاعة، والدين، والحدود، قال ابن كثير: (وكل هذه الأقوال لا تنافي بينها، بل هي متفقة وراجعة إلى أنها التكليف، وقبول الأوامر والنواهي) (4) .   (1) تفسير ابن كثير (3/232) . (2) أخرجه البخاري في صحيحه (2/441) . برقم (893) مع الفتح. (3) انظر: لسان العرب (13/22) . (4) تفسير ابن كثير (3/530) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 287 وقال ابن منظور في اللسان: الأمانة: تقع على الطاعة، والعبادة، والوديعة، والثقة، والأمان. وقال ابن التين: (الأمانة: كل ما يخفى ولا يعلمه إلا الله من المكلف) (1) . وعليه فطاعة الله وأداء الفرائض التي شرعها الله للناس أمانة، وبهذا تكون شاملة لجميع التكاليف، والالتزامات الدينية والدنيوية، التي يثاب فاعلها، ويعاقب تاركها. إنها أمانة ضخمة حملها هذا المخلوق الصغير الحجم، الضعيف الحول، المحدود العمر، الذي تتناوشه الشهوات، والنزاعات، والميول والأطماع، وتخلت عن حملها السموات والأرض والجبال. فالأمانة تنتظم الاستقامة في شؤون الحياة كلها، من عقيدة وأدب ومعاملة، وتكافل اجتماعي، وخلق حسن كريم. والأمانة بهذا المعنى، وهذه الحدود، سر سعادة الأمم، أو شقائها، ويوم كانت أمة الإسلام صادقة في حمل هذه الأمانة والوفاء بها كانت خير أمة أخرجت للناس. والأمانة بهذا المعنى تشمل الدين كله فعن أنس بن مالك، (قال: ما خطبنا نبي الله (، إلا قال: ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)) (2) . وعن ابن مسعود (قال: ((إن الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والغسل أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، وأشياء عدوها، وأشد ذلك الودائع)) (3) .   (1) لسان العرب (12/22) . (2) أخرجه أحمد في المسند (3/135) ، وابن حبان في صحيحه (1/208) ، والبغوي في شرح السنة (1/75) ، وقال: هذا حديث حسن. وصححه الألباني في تحقيقه للإيمان لابن أبي شيبة ص (18) . (3) ذكره المنذري في الترغيب (4/5) ، وقال رواه أحمد والبيهقي مرفوعاً، وذكر عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد أنه سأل أباه عنه فقال: إسناده جيد، وقال ابن كثير في تفسيره (3/488) : إسناده جيد ولم يخرجاه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 288 فكل ما أوجبه الشرع، وأمر به الإسلام، حفاظاً على مصالح الناس الدينية والدنيوية، من دين وعقل ومال ونفس ونسل، يدخل في معنى الأمانة التي يجب المحافظة عليها. والأمانة وضع كل شيء في مكانه اللائق به، فلا يسند منصب إلا لصاحبه الحقيق به، فالولايات والأعمال العامة أمانة لدى الولاة، وهذا أمر قدره الإسلام، فقد جاء في حديث أبي ذر (قال: قلت يا رسول الله: ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: ((يا أبا ذر.. إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها)) (1) . لذا نجد أن النبوة التي نالها نبي الله يوسف عليه السلام انضاف إليها الحفظ والعلم وقال: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم (] يوسف 55 [ وتقتضي الأمانة أن نختار للأعمال الأكفاء، فإذا عدلنا عنهم إلى غيرهم لهوى أو رشوة أو قرابة فقد وقعنا في خيانة، حيث أبعدنا الكفؤ، ومكنا من هو دونه، قال رسول الله (: ((من استعمل رجلاً من عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين)) (2) . وقال عليه الصلاة والسلام: ((من ولي من أمر المسلمين شيئاً، فأمر عليهم أحداً محاباة، فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، حتى يدخله جهنم)) (3) . وقال عليه الصلاة والسلام: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)) فقال السائل عن قيامها: وكيف إضاعتها؟ قال: ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) (4) .   (1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة (3/1407) . (2) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/9293) ، عن ابن عباس، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (3) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/93) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (4) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب العلم (1/21) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 289 ومن الأمانة حفظ الحواس والمواهب التي أنعم الله بها على الإنسان وخصه بها، وكذلك رعاية الأهل والذرية والمال، إذ هي بمثابة ودائع الله الغالية عند الإنسان، فينبغي أن يسخرها في مرضاة الله. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم (] الأنفال 27، 28 [. وقال تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً (] الكهف 46 [. ومن الأمانة حفظ أسرار العلاقات الزوجية، فما يضمه البيت من شؤون العشرة بين الرجل وامرأته، يجب أن يطوى، ولا يطالع عليه أحد مهما كان قريباً إلى أحد الزوجين، لأنه خلاف أدب الإسلام. تقول أسماء بنت يزيد رضي الله تعالى عنها بأنها كانت عند رسول الله (والرجال والنساء قعود عنده، فقال: ((لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها)) ، فأرم (1) القوم، فقلت: إي والله، يا رسول الله، إنهم ليفعلون، وإنهن ليفعلن!!! قال: ((فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة، فغشيها والناس ينظرون)) (2) . وقال رسول الله (: ((إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها)) (3) . فالأمانة من مكارم الأخلاق التي يحث عليها الإسلام.   (1) سكتوا وجلين، أرم القوم: أي سكتوا ولم يجيبوا. النهاية في غريب الحديث (2/267) . (2) أخرجه أحمد في المسند (6/457) ، وقال الهيثمي في المجمع (4/294) رواه أحمد والطبراني وفيه شهر بن خوشب وحديثه حسن وفيه ضعف، قال العلامة الألباني بعد ذكره لشواهد هذا الحديث: فالحديث بهذه الشواهد صحيح أو حسن على الأقل: انظر آداب الزفاف في السنة المطهرة ص (144) . (3) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب النكاح (2/1061) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 290 والأمانة أمر جامع لكل ما كلف به الفرد أو استؤمن عليه، وهي تشمل حقوق عدة، منها حقوق الله تعالى ومنها حقوق العباد. والأمانة هي صفة المؤمنين المصلين لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذلك يقول تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون … والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (] المؤمنون 1، 8 [. وقال تعالى: (إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً إلا المصلين (إلى قوله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (] المعارج 19، 32 [. كما حذرنا الله سبحانه وتعالى من الخيانة فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون (] الأنفال 27 [، وعن الحث والأمر بأدائها يقول تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها (] النساء 58 [. ويقول (: ((أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)) (1) . ولذلك فالأمانة تنقسم إلى عدة حقوق واجبة على الإنسان. منها: حقوق الله تعالى ومنها حقوق العباد. أما حقوق الله تعالى على العباد فتتمثل في أداء كل ما كلف به العباد من تكاليف وهي العبادات بمعناها الشامل والتي خلق الله الإنسان من أجلها يقول تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون … (] الذاريات 56، 58 [.   (1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/414) ، وأبو داود في سننه، كتاب البيوع (3/805) ، وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب البيوع (3/564) ، وقال: هذا حديث حسن غريب، وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/46) ، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 291 وأما حقوق العباد فتتمثل في حسن معاملتهم وعدم فعل ما يضرهم وينطبق ذلك على أقرباء الفرد بحسب قربهم، وعلى الجيران، وعلى الناس والمجتمع كله، فيؤدي الفرد ما عليه نحو المجتمع من عطاء ووفاء بحيث يرقى بمجتمعه ويحفظ كيانه ومرافقه، ويخلص في عمله، ويكون أميناً في معاملة الناس في أية مهنةٍ يمتهنها أو عمل يقوم به. ومن الأمانة إخلاص الفرد في عباداته، ومن الأمانة حسن الانتفاع بالوقت خاصة وأننا سوف نسأل عن العمر فيما أفنيناه. ومن الأمانة إخلاص الفرد في عمله والدارس في درسه، ولذلك ذهب بعض المفسرين أن قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها (] النساء 58 [تضمنت جميع الدين والشريعة وآدابها. وخيانة الأمانة تشمل الكذب وعدم الوفاء بالوعد، لأنها تجمع كل الخصال السيئة، ومن ثم يصبح خائنها منافقاً كما جاء في الحديث السابق. فينبغي على كل مؤمن الاتصاف بها والحرص على ذلك حتى يكمل إيمانه ويحسن إسلامه. 5 الرحمة الرحمة: هي الرفق والمغفرة والتعطف (1) . والرحمة كمال في الطبيعة تجعل المرء المؤمن بالله تعالى يشعر بآلام الآخرين، ويسعى لعلاجها فيعرف أخطاءهم ويدعو لهم بالهدى والصلاح. لأن الرحمة خلق من أخلاقه، قال تعالى: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم (] غافر 7 [. أي أن رحمة الله وعلمه وسعت كل شيء حيث إنه يغفر الشرك الذي هو أعظم الذنوب عنده ويعفو عنه إذا تاب منه إلى الله وأناب. والرحمة صفة كريمة وعاطفة إنسانية نبيلة تبعث على بذل المعروف وإغاثة الملهوف وإعانة المحروم وكف العسف والظلم ومنع التعدي على الضعفاء والمساكين والبغي عليهم (2) .   (1) انظر: الصحاح للجوهري (5/1929) ، ومجمل اللغة (2/424) . (2) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/192) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 292 والرحمة صفة من صفات رب العالمين وصف سبحانه وتعالى به نفسه في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، قال تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة (] الأنعام 54 [، وقال سبحانه وتعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون (] الأعراف 156 [. وقد جعل سبحانه وتعالى إرسال نبينا محمد (رحمة للعالمين، قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (، ووصفه بالرحمة فقال: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (] التوبة 128 [. وهي خلق من أخلاق المؤمنين والسلف الصالحين، بها يكمل الإيمان، ويسود الحب والمودة بين الناس، وقد حث عليها رسول الله (في أحاديث كثيرة. منها قوله (: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا)) (1) . ولهذا فإن المؤمن يحب الرحمة ويبذلها ويوصي بها ويدعو إليها مصداقاً لقوله تعالى: (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة (] البلد 17، 18 [. وقوله (: ((إنه من لا يرحم لا يُرحم)) (2) . وقد كان رسول الله (رحيماً عطوفاً. قال أنس بن مالك (: ((ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله ()) (3) . وديننا دين الإسلام دين الرحمة، ولذلك نجد النصوص الكثيرة في القرآن والسنة تحث على الرحمة وتوصي بالتحلي بها. منها: أمر الله للعباد بطلب المغفرة والرحمة من الرحمن الرحيم أرحم الراحمين، يقول تعالى: (وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين (] المؤمنون 118 [.   (1) تقدم تخريجه ص (41) . (2) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الفضائل (4/1808) . (3) المصدر السابق (4/1708) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 293 ومنها: وصف من يتخطون العقبة يوم القيامة بصفة الرحمة والتواصي بها يقول تعالى: (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذي آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة (] البلد 11، 18 [. وقد وردت أحاديث كثيرة تدعو إلى الرحمة وتحث عليها: منها: حديث جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله (: ((لا يرحم الله من لا يرحم)) (1) . ومنها حديث عياض (قال: قال رسول الله (: (( … وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربي ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال)) (2) . ومنها حديث أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم الصادق المصدوق (يقول: ((لا تنزع الرحمة إلا من شقي)) (3) . ومنها حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله (: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) (4) . ولذلك كان الإصلاح بين الإخوة المؤمنين بدافع الرحمة بهم جالباً لرحمة الله، قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (] الحجرات 10 [.   (1) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الفضائل (4/1809) . (2) المصدر السابق: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (4/2198) . (3) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/442) ، والترمذي: كتاب البر والصلة (4/323) ، وقال: هذا حديث حسن. (4) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/17 18) ، وأخرجه الترمذي في سننه: كتاب البر (4/324) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 294 ومن رحمة الرسول (بأمته تطبيقاً لوصف الله له بالرحمة، قوله عن نفسه (: ((إنما أنا رحمة مهداة)) (1) ، وجعل نفسه مثل الوالد لولده، فعن أبي هريرة (قال: قال رسول الله (: ((إنما أنا لكم مثل الوالد لولده)) (2) . وعن معاوية بن الحكم السلمي (قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله (إذ عطس رجل من القوم أي المصلين فقلت له: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت لهم: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلي؟. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله (فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، حيث قال عليه الصلاة والسلام: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن … )) (3) . وقد حث الإسلام على معاملة الحيوان بالرفق والرحمة، ونهى عن إيذائه وتعذيبه، ومما ورد في ذلك حديث ابن عمر (أن رسول الله (قال: ((عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)) (4) .   (1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر (4/2025) . (2) أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/247، 250) ، وأبو داود في سننه: كتاب الطهارة (1/18) ، وابن ماجه في سننه: كتاب الطهارة (1/114) . (3) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/381) . (4) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب السلام (4/1760) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 295 وعن أبي هريرة (عن النبي (قال: ((بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له)) ، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: ((في كل ذات كبد رطبة أجرٌ)) (1) . وعن أنس بن مالك (قال: ((ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)) (2) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله (لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً (3) . فالرحمة من الصفات العظيمة التي ندب الله عباده إلى التحلي بها وحثهم عليها فينبغي الاتصاف بها، فبها يحسن الإسلام ويزداد الإيمان. 6 التواضع التواضع: التذلل. ويقال: تواضع الرجل: إذا تذلل (4) ، وقيل: التواضع سلم الشرف، وسئل الفضيل عن التواضع فقال: أن تخضع للحق وتنقاد له ولو سمعته من صبي قبلته، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته، وقال ابن المبارك: رأس التواضع: أن تضع نفسك عند من دونك في نعمة الدنيا، حتى تعلمه أنه ليس لك بدنياك عليه فضل (5) . والتواضع: تجمل النفس بالخضوع لله تعالى ومنع النفس من الترفع على الناس والاستخفاف بهم وحملها على احترامهم وهو لين الجانب للناس والخشوع وخفض الجناح.   (1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المساقاة (3/77) . (2) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة (3/1189) . (3) المصدر السابق: كتاب الصيد (3/1550) . (4) لسان العرب (8/397) ، والقاموس المحيط (3/25) . (5) إحياء علوم الدين (3/342) ، مدارج السالكين (2/329) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 296 وهو من الأخلاق الإسلامية الحميدة التي يكتسبها المؤمن من إيمانه بالله عز وجل، ولذا وصف الله تعالى عباده الصالحين بالتواضع وخصهم بذلك دون غيرهم فتأثير الإيمان في هؤلاء جعلهم يتميزون عن غيرهم، قال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً (] الفرقان 63 [. قال ابن كثير: هذه صفات عباد الرحمن المؤمنين الذين يمشون في الأرض بسكينة ووقار وتواضع دون استكبار وجبرية، وإذا خاطبهم الجاهلون بكلام سيئ سفيه لا يردونهم بمثله بل يعفون ويصفحون ولا يقولون إلا خيراً (1) . ولذا ينبغي على المؤمن أن لا يفتخر على الآخرين ولا يتكبر عليهم، لأن المتكبر يرى نفسه في مكان لم يصل إليه غيره ويظن أنه أفضل وأحسن من الناس، قال تعالى: (واخفض جناحك للمؤمنين (] الحجر 88 [. والتواضع يزيد المؤمن عزة وكرامة كما جاء في حديث المصطفى (: ((ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) (2) . والكبر لا يأتي إلا من جهل الإنسان بربه الذي خلقه وبنفسه التي بين جنبيه والمتكبر يضع نفسه في مكانة ليست له، فهو ينازع المولى تبارك وتعالى في صفة من صفاته، جاء في الحديث القدسي أن الله سبحانه وتعالى يقول: ((الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، من نازعني واحداً منهما قذفته في النار)) (3) . فالكبر عاقبته الذل والهوان والخسران، والمتكبر عقابه العذاب الأليم، قال تعالى: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آيةٍ لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً (] الأعراف 146 [.   (1) تفسير ابن كثير (3/314) . (2) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب البر والصلة (4/2001) . (3) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/414) ، وأبو داود في سننه (4/350) وصححه الألباني انظر السلسلة الصحيحة (2/79) حديث رقم 541 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 297 وقال تعالى: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (] غافر 70 [. يقول ابن حبان: الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر، ولو لم يكن في التواضع خصلة تحمله إلا أن المرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة لكان الواجب عليه أن لا يتزيا بغيره، والتواضع تواضعان: أحدهما محمود، والآخر: مذموم، والتواضع المحمود: ترك التطاول على عباد الله والإزراء بهم، والتواضع المذموم: هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه. فالعاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها، ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها (1) . وفي القرآن الكريم حث على التواضع، بل فيه الأمر الصريح كما قال تعالى مخاطباً رسوله (: (واخفض جناحك للمؤمنين (] الحجر 88 وفي الشعراء يقول تعالى 0 واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين (] الآية 315 [ والخفض في اللغة: نقيض الرفع، وخفض الجناح كناية عن اللين والرفق والتواضع، والمقصود أنه تعالى لما نهاه عن الالتفات إلى الأغنياء من الكفار، أمره بالتواضع لفقراء المسلمين. ونظيره قوله تعالى: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين (] المائدة 54 [. ويمتدح الله رسوله (فيقول: (وإنك لعلى خلق عظيم (] القلم 14 [. ويثني على عباد الرحمن بقوله: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً (] الفرقان 63 [. وقال في جزاء المتواضعين: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين (] القصص 83 [. وفي ذم الكبر يقول تعالى مخاطباً رسوله (: (ولا تصعِّر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختار فخور (] لقمان 18 [.   (1) روضة العقلاء، ونزهة الفضلاء ص (59) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 298 وتوعد سبحانه وتعالى المتكبرين فقال: (وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم الله عذاباً أليماً (] النساء 173 [. وقال: (إنه لا يحب المستكبرين (] النحل 23 [. وقال: (فلبئس مثوى المتكبرين ((النحل 29) . ويقول في شأنهم أيضاً: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرو ن في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (] الأعراف 146 [. وفي السنة النبوية دعوة إلى التواضع وحث عليه، فعن عياض بن حمار (قال: قال رسول الله (: ((إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحدٍ ولا يبغي أحد على أحدٍ)) (1) . وعن أبي هريرة (أن رسول الله (قال: ((ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، ولا تواضع لله أحد إلا رفعه الله)) (2) . وفي الترغيب في التواضع يقول عليه الصلاة والسلام: ((ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم)) فقال له أصحابه: وأنت؟ قال: ((نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)) (3) . وقال: ((لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت)) (4) . وفي السنة النبوية ذم للكبر ودعوة إلى التنفير منه، قال رسول الله (: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملك كذاب، وعائل مستكبر)) (5) . وقال عليه الصلاة والسلام: ((العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته)) (6) .   (1) تثدم تخريجه ص (115) . (2) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة (4/2001) . (3) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإجارة (3/48) . (4) المصدر السابق، كتاب النكاح (6/144) . (5) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الإيمان (1/102) . (6) المصدر السابق (4/2023) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 299 وقال عليه الصلاة والسلام: ((بينما رجل يمشي قد أعجبته جمته وبراده؛ إذ خسف به الأرض، فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة)) (1) . مما تقدم تبين لنا أن التواضع خلق عظيم من أخلاق الإسلام، وقد كان سمة بارزة للرسول (، ولهذا فينبغي للمسلم أن يتواضع في غير مذلة ولا مهانةٍ، بحيث يكون التواضع من أخلاقه المثالية، وصفاته العالية؛ إذ المسلم يتواضع ليرتفع. وبالتواضع يرفع الإنسان، وبالكبر يخفض، إذ سنة الله جارية في رفع المتواضعين له، ووضع المتكبرين، والمسلم عندما يصغي بأذنه وقلبه إلى مثل هذه الأخبار الصادقة، من كلام الله وكلام رسوله في الثناء على المتواضعين مرة، وفي ذم المتكبرين أخرى، يحرص على ألا يكون من المتكبرين أسوة في ذلك برسول الله (، إذ لابد أن يتواضع الإنسان لعظمة الله وكبريائه، وسيظهر هذا التواضع في كلمته التي ينطق بها، وفي حركته التي يدب بها فوق ظهر الأرض، كما وصف الحق تبارك وتعالى عباده فقال: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً (] الفرقان 63 [. وعن تواضع رسول الله (جاءت الأخبار الصحيحة والآثار الشهيرة، حيث تواترت الأخبار عمن اجتمع معه من أصحابه عليه الصلاة والسلام أنه كان يبدأهم بالسلام، وينصرف بكليته إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً، وكان آخر من يسحب يده إذا صافح، وإذا أقبل جلس حيث ينتهي بأصحابه المجلس، وكان يذهب إلى السوق، ويحمل بضاعته، ويقول: أنا أولى بحملها، وشارك في بناء مسجده (، وفي حفر الخندق، وكان يجيب دعوة الحر والعبد والأمة، ويقبل عذر المعتذر، وكان يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم في مهنة أهله، ويأكل مع الخادم، ويقضي حاجة الضعيف والبائس، ويجلس على الأرض، وكان متواضعاً في ملبسه ومسكنه (2) .   (1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء (4/153) ، ومسلم في صحيحه كتاب اللباس والزينة (3/1653) . (2) انظر مدارج السالكين (2/328، 329) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 300 وكان (بين أصحابه مثلاً أعلى للخلق الذي يدعو إليه، فهو يغرس بين أصحابه هذا الخلق السامي بسيرته العاطرة قبل أن يغرسه بما يقول من حكم وعظات (. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن النبي (لما قدم إلى مكة استقبله أغيلمة بني عبد المطلب، فحمل واحداً بين يديه وآخر خلفه (1) ، وقال معاذ: كنت رديف رسول الله (على حمار، يقال له عفير، وكان مرة في سفر مع صحبه. فأرادوا أن يهيؤوا له طعاماً فقسّم العمل بينهم، فقام بجمع الحطب، فأرادو أن يكفوه ذلك فأبي، لأن الله يبغض الرجل يتعالى على رفاقه. ولما وقف عليه أعرابي يرتجف خشية، قال له (: "هون عليك فلست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد (2) . وخرج على جماعة من أصحابه يتوكأ على عصا فقاموا له، فقال ((لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضهم بعضاً)) (3) . وعن أنس ابن مالك (قال: كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله (فتنطلق به حيث شاءت (4) . وكان إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل الذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه، ولم يرَ مقدما ركبتيه بين يدي جليس له (5) . وسئلت عائشة (ما كان رسول الله (يفعل في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة توضأ، فيخرج إلى الصلاة (6) .   (1) أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب العمرة (2/204) ،. (2) أخرجه ابن ماجه في سننه: كتاب الأطعمة (2/3312) ، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة: 1141 إسناده صحيح ورجاله ثقات. (3) أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/352) ، وأبو داود في سننه: كتاب الأدب (5/398) . (4) أخرجه البخاري في صحيحه الكتاب الأدب (7/90) . (5) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب القيامة (4/654) وقال: هذا حديث غريب. (6) أخرجه البخاري (2/160) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 301 وعن عبد الله بن الحارث: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله (1) . فقد كان (يتواضع في كل حال من أحواله، فهو سهل الطبع، لين الجانب، دائم البشر، ليس بفظ ولا غليظ، ولا فاحش، ولا عتاّب، ولا مدّاح. قال عكرمة بن أبي جهل (عندما أسلم: (أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأنت عبد الله ورسوله، وأنت أبر الناس، وأصدق الناس، وأوفي الناس) ، قال عكرمة: أقول ذلك، وإني لمطأطئ رأسي استحياء منه. وقال أنس بن مالك: خدمت رسول الله (عشر سنين والله ما قال لي: أُفا قط، ولا قال لي لشيء فعلته: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا (2) . وقال أنس بن مالك (: (كان رسول الله (يعود المريض ويشهد الجنازة، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، وكان يوم بني قريظة على حمار) (3) . وقد ضرب الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وغيرهم من الصحابة والتابعين أروع الأمثلة في التواضع أسوة برسول الله ((4) . فالتواضع من صفات المؤمنين التي يكمل بها الإيمان وترتفع به الدرجة عند الرحمن سبحانه وتعالى. المبحث السابع: أثر الإيمان في توجيه الأخلاق   (1) أخرجه الترمذي (5/601) وقال: حسن غريب. (2) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الفضائل (4/1804) . (3) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الجنائز (3/337) وابن ماجه في سننه: كتاب الزهد (2/1398) . (4) انظر عن تواضع الخلفاء، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص (61، 94، 120، 140) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 302 للإيمان أثر كبير في توجيه الناس إلى الأخلاق الفاضلة، وقد يظن بعض الناس أن حسن الخلق من الصفات الجبلِّية التي لا مجال للتغيير فيها، ولا يمكن اكتسابها، فإن كان الإنسان مجبولاً على سوئها أو فقدها فإنه يبقى سيئ الخلق وهذا مفهوم خاطئ يحتاج إلى تصحيح، لأنه لو كانت الأخلاق لا تكتسب ولا تقبل التغيير لم يكن للخطب والمواعظ والإرشاد قيمة، ولم يكن للتربية والتهذيب معنىً، والحق أن لذلك أثراً في تهذيب الطباع والتربية على الأخلاق. صحيح أن الإنسان إذا كان مجبولاً على حسن الخلق فإنه يبقى حسن الخلق، وخاصة إذا سعى إلى تحقيق ما جُبِل عليه في واقع حياته. ولكن الشخص الذي لم يجبل على حسن الخلق فإنه يمكن أن يكتسب شيئاً بل أشياء من الأخلاق الحسنة، وإن لم يكن مجبولاً عليها، وهذا هو أثر الإيمان في توجيه الأخلاق، ومن الأدلة على ذلك: 1 إن الشرع الحكيم دعا الناس إلى الأخلاق الحسنة وأمرهم بها ورغبهم فيها، ولو لم يمكن اكتسابها لم يكن لدعوة الشرع إلى ذلك معنىً، ولم يكن فيه فائدة للوعظ والوصايا في ذلك، وقد سبقت أدلة كثيرة تحث على الأخلاق وترغب فيها. يقول الراغب الأصبهاني: " ولو لم يكن كذلك لبطلت فائدة المواعظ والوصايا والوعد والوعيد والأمر والنهي، ولما جوز العقل أن يقال للعبد: لم فعلت؟ ولم تركت؟ وكيف يكون هذا في الإنسان ممتنعاً وقد وجدناه في بعض البهائم ممكناً" (1) .   (1) الذريعة إلى مكارم الشريعة ص (115، 116) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 303 2 أننا نرى بعض الحيوانات تعلم وتدرب على بعض الأمور فتتعلمها ومن ذلك أن الفرس تعلم حسن المشي وجودة الانقياد فتتعلم وهي من قبل على خلاف ذلك، وكذلك الحال بالنسبة للكلب المعلم، يُعلم ترك الأكل فيتعلم وهو على خلاف ذلك من قبلُ، والحمار الوحشي يستأنس بعد توحشه. فهذا دليل على أنه يمكن تغيير الصفات الجبلية أو بعضها، وإذا كان الحيوان يستطيع أن يتعلم فابن آدم أولى بذلك وأقدر، وهذا لا يحصل إلا بعد كثرة المراس والتعلم والاستفادة. يقول الغزالي: "كيف ننكر هذا يشير إلى تغير الخلق في حق الآدمي، وتغير خلق البهيمة ممكن، إذ ينقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد، وكل ذلك تغير للأخلاق" (1) ويقول ابن قدامة (2) رحمه الله تعالى: وأما خيال من اعتقد أن ما في الجبلة لا يتغير، فاعلم أنه ليس المقصود قمع هذه الصفات بالكلية، وإنما المطلوب من الرياضة رد الشهوة إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط، كيف والشهوة إنما خلقت لفائدة ضرورية في الجبلة ولو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإنسان، أو شهوة الوقاع لانقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية، لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه. وقد قال تعالى: (أشداء على الكفار رحماء بينهم (] الفتح 29 [، ولا تصدر الشدة إلا من الغضب، ولو بطل الغضب لامتنع جهاد الكفار، وقد قال تعالى: (والكاظمين الغيظ (] آل عمران 134 [ولم يقل الفاقدين الغيظ.   (1) إحياء علوم الدين (3/48) . (2) هو أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي، أبو العباس، الفقيه المحدث، توفي سنة 689هـ.ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (4/322) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 304 واعلم أن الاعتدال تارة يحصل بكمال الفطرة منحة من الخالق، فكم من صبي يخلق صادقاً سخياً حليماً، وتارةً يحصل بالاكتساب، وذلك بالرياضة، وهي حمل النفس على الأعمال الجالبة للخلق المطلوب. فمن أراد تحصيل خلق الجود فليتكلف فعل الجواد من البذل ليصير ذلك طبعاً له، وكذلك من أراد التواضع تكلف أفعال المتواضعين، وكذلك جميع الأخلاق المحمودة، فإن للعادة أثراً في ذلك" (1) . فإذا كان الإنسان المؤمن مجبولاً على حسن الخلق فذاك فضل من الله تعالى، فما عليه إلا أن يستغل ما وهبه الله تعالى من حسن الخلق بإصلاح الناس والنهي عن الفساد، وإن لم يكن كذلك فعليه أن يكتسب حسن الخلق بأحواله، فإن حسن الخلق من الأمور التي دعا إليها الإسلام، ومن صفات عباد الله المؤمنين. ولقد أثنى الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد (لما جبله عليه من الأخلاق العظيمة (وإنك لعلى خلق عظيم (] القلم 4 [. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجية وخلقاً تطبعه، وترك طبعه الجبلي فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه، مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق جميل (2) . فالله سبحانه وتعالى أثنى على رسوله (بهذه الآية الكريمة وبين أنه على خلق عظيم في عبادته وتعامله وامتثال أمر ربه. ويفهم من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى يحب صاحب الخلق، بدليل ثنائه على رسوله (لاتصافه بالخلق العظيم وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن يتسابق المسلمون للاتصاف بهذه الصفة المحبوبة إلى الله تعالى. وعن أنس بن مالك (قال: كان رسول الله (أحسن الناس خلقاً (3) الحديث.   (1) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة ص (191192) باختصار. (2) تفسير ابن كثير (4/402) . (3) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب (4/128) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 305 فهذا أنس (الذي لازم رسول الله (طويلاً وكثيراً، يصف رسول الله (بأنه أحسن الناس خلقاً. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص (قال: لم يكن رسول الله (فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: " إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً " (1) . ففي هذا الحديث الصحيح , تصريح من الرسول الله (أن من خيار الأمة من كان خلقه حسناً. وأي واحد من المسلمين لا يرغب أن يكون من خيار هذه الأمة. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه سمع النبي (يقول: ((ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ فسكت القوم فأعادها مرتين أو ثلاثاً)) قال القتوم: نعم يا رسول الله. قال ((أحسنكم خلقا)) (2) . فأخبر (أن أحب الناس إليه وأقربهم منه مجلساً يوم القيامة أحسنهم أخلاقاً. وهذه منزلة عظيمة يجب على المؤمن أن يبذل كل غال ورخيص للحصول عليها لأن ذلك حصل بسبب الخلق الحسن. وعن النواس بن سمعان (قال: ((سألت رسول الله (عن البر والإثم؟ فقال: البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)) (3) . وعن عبد الله بن مسعود (أن رسول الله كان يقول: ((اللهم أحسنت خلقي فحسن خلقي)) (4) . وعن أبي الدرداء (عن النبي (قال: ((ليس شيء أثقل في الميزان من خلق حسن)) (5) .   (1) أخرجه البخاري في صحيحه , كتاب المناقب (4/518) . (2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/185) والإمام البخاري في الأدب المفرد ص (272) .، قال الهيثمي في المجمع (8/21) : رواه أحمد، وإسناده جيد. (3) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب البر والصلة (4/1980) . (4) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/ 403) ، وقال الهيثمي في المجمع: (10/173) : رواه أحمد وأبو يعلى … ورجالهما رجال الصحيح. (5) أخرجه الإمام أحمد في المسند (6/ 448) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 306 أخرجه أبو داود بلفظ ((ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق (1) زاد الترمذي ((فإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء)) (2) . وعن عائشة (قالت: سمعت رسول الله (يقول ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)) (3) . وعن أبي هريرة (قال: سئل رسول الله (عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، قال: ((تقوى الله وحسن الخلق)) (4)   (1) سنن أبي داود كتاب الأدب (4/253) . (2) أخرجه الترمذي في سننه. أبواب البر والصلة (4/363) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (3) تقدم تخريجه ص (32) . (4) أخرجه الترمذي في سننه. أبواب البر والصلة (3/244) ، وقال: ((هذا حديث غريب)) () . المصادر والمراجع آداب الزفاف في السنة المطهرة للعلامة / محمد ناصر الدين الألباني، المكتبة الإسلامية – عمان – الأردن – الطبعة الأولى للطبعة الجديدة 1409 هـ إحياء علوم الدين للغزالي المتوفى سنة 505هـ دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان. الأخلاق الإسلامية وأسسها لعبد الرحمن بن حسن حبنكة الميداني الطبعة الرابعة دار القلم دمشق 1417هـ. أخلاق العلماء لأبي بكر الآجري دار الكتاب العربي. أخلاق النبي (وآدابه لأبي الشيخ عبد الله بن جعفر الأصفهاني ت 369هـ تحقيق: عصام الدين سيد/ الطبعة الأولى سنة 1411هـ الدار المصرية القاهرة. الأخلاق والسير في مداوة النفوس لابن حزم الطبعة الثانية دار الكتب العلمية بيروت. أدب الدنيا والدين لأبي الحسن الماوردي ت 450هـ تحقيق / مصطفى السقا دار الفكر العربي. الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح المقدسي دار ابن تيمية للطباعة والنشر القاهرة. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للعلامة محمد الأمين الشنقيطي، الناشر مكتبة ابن تيمية مصر عام 1408 هـ الرياض المملكة العربية السعودية سنة 1403هـ. الإيمان لابن أبي شيبة (ت 235) ن المكتب الإسلامي الطبعة الثانية 1403 هـ. بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية الطبعة الثانية مكتبة القاهرة القاهرة سنة 1392هـ. بصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادى المكتبة العلمية بيروت. التبيان في أقسام القرآن لابن قيم الجوزية ت 751هـ دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الأولى 1415هـ. الترغيب والترهيب للحافظ المنذري المتوفى سنة 656هـ الطبعة الثالثة دار إحياء التراث العربي بيروت. التمهيد لما جاء في الموطأ من المعاني والأسانيد لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري ت 463هـ. طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب سنة 1397هـ الطبعة الأولى. تهذيب الأخلاق لابن مسكويه المتوفى سنة 421هـ دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى سنة 1405هـ. التعريفات للجرجاني الطبعة الأولى 1403هـ بيروت لبنان. تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير المتوفى سنة 774هـ دار المعرفة بيروت. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي دار إحياء التراث العربي. جامع البيان عن تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، مكتبية مصطبة مصطفى البابي الحلبي مصر الطبعة الثالثة. الجواب الكافي عن سأل عن الدواء الشافي لابن قيم الجوزيه المطبعه للسلفيه الطبعة الأولى سنة 1394هـ. روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان تحقيق حامد الفقي دار الكتب العلمية لبنان روضة المحبين نزهة المشتاقين لابن قيم الجوزية مطبعة السعادة مصر. سنن الترمذي لأبي عيسى الترمذي الناشر المكتبة الإسلامية. سنن أبي داود للإمام أبي داود السجستاني إعداد وتعليق / عزت عبيد الدعاس وعادل السيد دار الحديث للطباعة والنشر بيروت لبنان. سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي / مجموعة من المحققين / مؤسسة الرسالة لبنان. شرح السنة للبغوي المتوفى سنة 516 هـ تحقيق / شعيب الأرناؤوط المكتب الإسلامي 1394 هـ. شرح صحيح مسلم للنووي المطبعة المصرية. الشمائل المحمدية لأبي عيسى الترمذي ت 279هـ تخريج وتعليق عزت عبيد الدعاس الطبعة الثانية 1396هـ الناشر: مؤسسة الزعبي للطباعة والنشر بيروت. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري دار العلم للملايين بيروت. صحيح البخاري للإمام البخاري المتوفى سنة 256 هـ المكتب الإسلامي إستانبول تركيا. صحيح مسلم للإمام مسلم المتوفى سنة 261 هـ / تحقيق / محمد فؤاد عبد الباقي. طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن قيم الجوزية المطبعة السلفية القاهرة سنة 1375 هـ. فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ المطبعة السلفية. القاموس المحيط للفيروزآبادي الطبعة الثانية مؤسسة الرسالة بيروت. قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام دار الباز مكة المكرمة. لسان العرب لابن منظور المصري دار صادر بيروت. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لأبي بكر الهيتمي دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الثانية. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن حاكم طبع مجمع الملك فهد الطباعة المصحف الشريه. مدارج السالكين لابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751 هـ دار الكتب العلمية بيروت. مساوئ الأخلاق ومذموها للخرائطي المتوفى سنة 327 هـ مكتبة السوادي الطبعة الأولى سنة 1412هـ. المسند لأبي عبد الله الإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241 هـ المكتب الإسلامي بيروت. المستدرك لأبي عبد الله الحاكم دار الفكر بيروت 1398 هـ. المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني المتوفى سنة 502 هـ دار المعرفة بيروت. مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا المتوفى سنة 281 هـ دار المكتب الطبعة بيروت لبنان الطبعة الأولى سنة 1409 هـ. مكارم الأخلاق ومعاليها للخرائطي المتوفى سنة 327 هـ مكتبة السلام العالمية. الموطأ للإمام مالك بن أنس المتوفى سنة 170 هـ تصحيح وتعليق / محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي. النهاية في غريب الحديث الأثر لابن الأثير الجزري تحقيق / طاهر أحمد الزاوي ومحمد الطناحى المكتب الإسلامي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 307 الحديث. فهذه الأحاديث الشريفة - وغيرها كثير - تبين فضل حسن الخلق وتدعو إليه. فليحرص كل مؤمن ومؤمنة أن يكون حسن الأخلاق، طيب الأفعال حتى ينال هذه المنزلة والدرجة الرفيعة فإذا كان الإيمان يطهر النفوس ويزكيها ويكسبها الأخلاق الفاضلة، فإن التزم المؤمن بالأخلاق الفاضلة يجذب الناس إلى الإيمان ويحببهم فيه فيدخلون في دين الله أفواجاً، وهذه مرتبة عالية وميزة عظيمة فيها ثواب عظيم وأجر كبير وعاقبة حميدة. الخاتمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: أحمد الله وأشكره على أن من عليّ بإتمام هذا البحث، وفيما يلي أهم نتائج هذا البحث: 1 الإيمان بالله سبحانه وتعالى يدفع صاحبه إلى الخلق الكريم والفعل الحسن لأن الإيمان إذا استقر في القلب انعكس ذلك على أفعال الإنسان وأقواله. 2 أن المؤمن يدرك بحسن الخلق المنازل والدرجات العلا في الدنيا والآخرة، وإن الأخلاق لها منزلة عالية فهي تحقق السعادة لمن كرمت أخلاقه، تأسياً بالرسول (، فأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً. 3 الرسول (خير قدوة لنا في الأخلاق الكريمة والصفات الحسنة من الصدق والبر والرحمة والحلم والصبر والصدق والتواضع وغير ذلك. 4 أن الأخلاق تبوأت في الإسلام مكانة رفيعة فمن أهم رسالة هذا الدين إتمام مكارم الأخلاق، لأنه ما من خلق كريم ولا فعل جميل إلا وقد وصله الله عز وجل بهذا الدين. 5 إن غاية الأخلاق الإسلامية تحقيق السعادة الدنيوية الممتثلة في جوانبها الروحية والعقلية والنفسية والحسية، وتحقيق السعادة في الآخرة بوصفها السعادة الحقيقية الأبدية. 6 أن التزام الأخلاق الفاضلة له أثر في تقارب المؤمنين وصلاحهم وقربهم من الله، فتسود المحبة والألفة بينهم، ويتعاملون بالمودة والتراحم والتعاون فيسود بينهم الرضى والأمن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 308 7 أن التحلي بالأخلاق الكريمة يعود نفعه على كل من الفرد والمجتمع والأمة. وفي الختام أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يوفقنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الحواشي والتعليقات الجزء: 10 ¦ الصفحة: 309 مرض القلوب وشفاؤها عند شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم جمع ودراسة د. سعود بن حمد الصقري استاذ مشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - كلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم ملخص البحث تضمن البحث موضوع " مرض القلوب وشفاؤها عند شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما اللَّه "، وقد جمعت أقوالهما المتعلقة بهذا الموضوع. وقد اشتمل البحث على مقدمة، وترجمة موجزة لشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وتمهيد وأربعة فصول وخاتمة. أما المقدمة فقد احتوت على بيان أهمية الموضوع وأسباب الكتابة فيه، والمنهج الذي سلكته في كتابة هذا البحث. وأما التمهيد فقد اشتمل على ثلاثة مباحث هي وجوب الاعتناء والاهتمام بحياة القلب، وذكر الأدلة من القرآن الكريم ومن السنة على مرض القلوب وشفائها، وبيان المقصود بالقلب. وأما الفصل الأول: فهو أقسام القلوب والألة على ذلك من الكتاب والسنة. وأما الفصل الثاني: فهو حياة القلوب ويشتمل على مبحثين: الأول: حقيقة حياة القلب وصحته، والثاني: ذكر أسباب حياة القلب وصحته. وأما الفصل الثالث: فهو أمراض القلوب ويشتمل على مبحثين: الأول: أنواع مرض القلوب وعلامة ذلك، الثاني: في انقسام أدوية أمراض القلب إلى طبيعية وشرعية، وأما الفصل الرابع: فقد ذكرت آثار الذنوب والمعاصي على القلوب. وأما الخاتمة فقد بينت فيها نتائج البحث. والله الموفق وصلى اللَّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. المقدمة الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا إله إلا اللَّه إله الأولين والآخرين، الذي لا فوز إلا في طاعته القائل في كتابه العزيز: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأحْيَيْنَاه ((1) ، والصلاة والسلام على إمام المتقين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.   (1) ... سورة الأنعام، الآية: 122. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 310 وبعد: فقد ذكر الله " مرض القلوب وشفاءها " في مواضع من كتابه وجاء ذلك في سنة رسوله (كقوله تعالى عن المنافقين: (فِي قُلُوِبِهم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ((1) ، وقوله تعالى: (وَيَشفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤمِنِين *ويُذْهِبَ غَيْظَ قُلُوبِهِم ((2) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وما ذكر الله من مرض القلوب وشفائها بمنزلة ما ذكر من موتها وحياتها وسمعها وبصرها وعقلها وصممها وبكمها وعماها، لكن المقصود معرفة مرض القلوب ... إلى أن قال: فلذلك كان مرض القلب وشفاؤه أعظم من مرض الجسم وشفائه، فتارة يكون من جملة الشبهات، كما قال تعالى: (فَيَطْمَع الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ((3) ... ففي قلوب المنافقين: المرض من هذا الوجه، ومن هذا الوجه: من جهة فساد الاعتقادات، وفساد الإرادات) (4) . ولما كان مرض القلب بهذه الخطورة أحببت أن أجمع كلام شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم للأسباب التالية: 1 - أنه قد انتشر في هذا الوقت من أمراض القلوب الكثير بين الناس كالحسد، والبخل، والظلم، ومرض الشبهات والشكوك، ومرض الشهوات وغيرها. ولكن لفساد القلب قد لا يحُس بالألم، قال ابن القيم رحمه الله لما ذكر بعض هذه الأمراض: " ... ومرض الشهوات، وهذا النوع هو أعظم النوعين ألماً، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم، ولأن سكرة الجهل والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم ... " (5) . 2 - لما للشيخين من مكانة في العلم ورسوخ قدمهما فيه وتأصيل عبارتهما واعتمادهما في التأليف على الأدلة من الكتاب والسنة، مع السعة والشمول، والجاذبية في الأسلوب والبيان، مع حسن الترتيب والسياق. فكان حرياً بنا أن نتتبع نصحهما وتوجيههما.   (1) ... سورة البقرة، الآية: 10. (2) ... سورة التوبة، الآيتان: 14، 15. (3) ... سورة الأحزاب، الآية: 32. (4) ... مجموع الفتاوى (10/139-141) . (5) ... انظر: إغاثة اللهفان (1/18) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 311 3 - أن لهما اهتماماً خاصاً بحياة القلوب ومرضها، وأسباب ذلك كما سيتبين إن شاء الله في ثنايا البحث. 4 - أن كثيراً من الناس لم ينتبهوا إلى أن حياة القلب وإضاءته مادة كل خير فيه، وموته وظلمته مادة كل شر فيه، وأن القلب لا يفلح ولا يصلح ولا يتنعم ولا يبتهج ولا يطمئن ولا يسكن إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه، ولقد كان لهذين الإمامين أجوبة مفيدة حول هذا الموضوع مدعمة بالأدلة النقلية والعقلية.. فكانت هذه المحاولة جمعاً لأقوالهما المتعلقة بهذا الموضوع، وترتيباً لها والتنسيق فيما بينها، وقد اشتملت خطة البحث - بعد هذه المقدمة - على ترجمة موجزة لشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، وتمهيد وأربعة فصول وخاتمة، ثم الفهارس. وتفصيل ذلك كما يلي: ترجمة موجزة لشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله. التمهيد ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول: بيان المقصود بالقلب. المبحث الثاني: وجوب الاعتناء والاهتمام بحياة القلب. المبحث الثالث: ذكر الأدلة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية على مرض القلوب وشفائها. الفصل الأول: بيان أقسام القلوب والأدلة على ذلك من القرآن الكريم والسنة ويشتمل على ثلاثة مباحث: ... المبحث الأول: القلب الصحيح. ... المبحث الثاني: القلب المريض. ... المبحث الثالث: القلب القاسي. الفصل الثاني: حياة القلوب، ويشتمل على مبحثين: ... المبحث الأول: بيان حقيقة حياة القلب وصحته. ... المبحث الثاني: ذكر أسباب حياة القلب وصحته. الفصل الثالث: أمراض القلوب، ويشتمل على مبحثين: ... المبحث الأول: أنواع مرض القلوب وعلامة ذلك. ... المبحث الثاني: في انقسام أدوية أمراض القلب إلى طبيعية وشرعية. الفصل الرابع: آثار الذنوب والمعاصي على القلوب. الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث. الفهارس: وتتضمن ما يلي: 1 - فهرس الآيات القرآنية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 312 2 - فهرس الأحاديث والآثار. 3 - فهرس الأعلام. 4 - فهرس المصادر والمراجع. 5 - فهرس الموضوعات. منهجي في البحث: أما عن المنهج الذي سلكته في كتابة هذا البحث، فيمكن إجماله فيما يأتي: 1 - قمت بجرد كلام شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله من كتبهم المطبوعة ما أمكن. 2 - قمت بترتيب النقول حسب ما وقع عندي أنه الأحسن في نظري، وحذفت ما كان متكرراً من كلامهما، وأكتفي بالنقل من موضع، وإن كان لهما كلام بالمعنى نفسه في أكثر من موضع، ولا أذكر الأمرين إلا إذا كان لأحدهما معنى واحتمال غير الآخر. 3 - حاولت الاقتصار من كلامهما على ما يفي بالغرض منه في المبحث أو المطلب. 4 - لم أحاول الإكثار من التدخل في أثناء ذكر كلامهما إلا بقدر ما يربط بين النقول فقط، أو ما يهيء القاريء للدخول في الموضوع مباشرة. 5 - قدمت من كلامهما ما كان أوضح وأتم وأخصر واستغنيت به عن غيره مع الإشارة إلى ذلك في الهامش. 6 - لم أذكر من كلامهما شيئاً بالمعنى وذلك للأمانة العلمية في نقل كلامهما ولأمن الخطأ فإن التدخل في كلامهما لابد فيه من الإحاطة بالمعنى وأخشى أن أدرك شيئاً وأنسى غيره فنقلت نص كلامهما رحمهما اللَّه. 7 - ما كان من عبارة غامضة بينتها وما كان من نص خرجته، وما كان من علم ترجمت له في الحاشية. 8 - لم أطل في التراجم والتعريفات، وإنما اكتفيت بما يدل على الموضوع حرصاً على عدم إثقال البحث بالحواشي. 10 - عزوت الأحاديث والآثار إلى من أخرجها، أو من نقلها عنهم، وإذا لم يكن الحديث في الصحيحين أو أحدهما، أنقل حكم العلماء على الحديث إن وجد. 11 - فيما يتعلق بالمراجع حرصت كل الحرص على أن أوحد النسخة والطبعة لكل مرجع ليسهل على القاريء والباحث الرجوع إلى المراجع التي عزوت إليها عند الحاجة، لذلك لم أشر إلى الطبعات في الهامش تفادياً للتطويل، واكتفاء بفهرس المراجع. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 313 وفي الختام أشكر اللَّه عز وجل الذي أمدني بالعافية حتى أتممت هذا العمل، مع علمي أنني لم أوف هذا العمل حقه، إذ الكمال لله وحده فما كان فيه من حق وصواب فبفضل اللَّه ورحمته، وما كان فيه من زلل فأستغفر اللَّه منه، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه اسمه وكنيته ونسبه: هو الإمام العلامة شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد اللَّه بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد اللَّه ابن تيمية الحراني. مولده ونشأته: ولد يوم الاثنين العاشر من ربيع الأول بحران سنة (661هـ) ، ولما بلغ من العمر سبع سنين انتقل مع والده إلى دمشق هرباً من وجه الغزاة التتار، وقد نشأ في بيت علمٍ وفقه ودين فآباؤه وأجداده وأخوانه كانوا من العلماء الأجلاء، وقد بدأ رحمه اللَّه بحفظ القرآن الكريم حتى أتمه ثم اتجه إلى السنة النبوية، واللغة العربية والفقه وأصوله، وتعلم الحساب. علومه: تبحر شيخ الإسلام في علم العقيدة، والتفسير والحديث وعلومهما والفقه وأصوله ... وقد ذكر تلميذ شيخ الإسلام ابن عبد الهادي رحمه اللَّه كلام للذهبي رحمه اللَّه في سعة علوم شيخ الإسلام فقال: (وقال الذهبي (1) : وقرأ وحصل وبرع في الحديث والفقه، وتأهَّل للتدريس والفتوى، وهو ابن سبع عشرة سنة، وتقدم في علم التفسير والأصول، وجميع علوم الإسلام أصولها وفروعها.. إلى أن قال: وهو أعظم من أن يصفه كلمي أو ينبه على شأوه قلمي. فإن سيرته وعلومه ومعارفه، ومحنه وتنقلاته تحتمل أن ترصع في مجلدتين ... ) (2) .   (1) ... هو الإمام الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي مؤرخ الإسلام وناقد المحدثين، وإمام المعدلين والمجرحين، توفي سنة 748هـ رحمه اللَّه. ... انظر: البداية والنهاية (14/221) ، وشذرات الذهب (6/153) . (2) ... انظر: العقود الدرية ص23-25. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 314 جهاده: تميزت حياة شيخ الإسلام بميزة عظيمة وهي الجهاد في سبيل اللَّه بالسيف والقلم واللسان، فلقد كان للشيخ مواقف عظيمة في جهاده التتار والرافضة، والصوفية والباطنية وغيرهم، وقد فضح هذه الطوائف بقلمه ولسانه وجاهدهم بيده. قال البزار (1) : " ما رأيت أحداً أثبت جأشاً منه، ولا أعظم عناءً في جهاد العدو منه، كان يجاهد في سبيل اللَّه بقلبه ولسانه ويده، ولا يخاف في اللَّه لومة لائم " (2) . إنتاجه العلمي: ترك الشيخ رحمه اللَّه للأمة تراثاً ضخماً لا يزال العلماء والباحثون ينهلون منه، طبع كثير من هذه الرسائل والفتاوى والمؤلفات، وبقي مجهولاً أو مكنوزاً في عالم المخطوطات كثير. يقول ابن عبد الهادي (3) : "ولا أعلم أحداً من متقدمي الأمة ولا متأخريها جمع مثل ما جمع، ولا صنف نحو ما صنف، ولا قريباً من ذلك.." (4) . وفاته: لما أخرجت الكتب والأوراق والمداد والقلم من عند شيخ الإسلام في القلعة في يوم الاثنين تاسع جمادى الآخر سنة (728هـ) تفرغ الشيخ للعبادة والتلاوة والتذكر والتهجد حتى أتاه اليقين في ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة سنة (728هـ) ، وقد كانت وفاته على أثر مرض ألم به أياماً يسيرة وعمره سبع وستون سنة.   (1) ... هو عمر بن علي البزار، كان من أصحاب شيخ الإسلام ابن تيمية، ولد سنة (688هـ) ، وتوفي سنة (749هـ) . ... انظر: الدرر الكامنة (3/256) ، وشذرات الذهب (6/163) . (2) ... انظر: الأعلام العلية ص43. (3) ... هو محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن قدامة المقدسي، المحدث الحافظ الناقد النحوي، ولد سنة (705هـ) ، من الملازمين لشيخ الإسلام ولأبي والحجاج المزي، توفي سنة (744هـ) . ... انظر: البداية والنهاية (14/221) ، وشذرات الذهب (6/141) . (4) ... العقود الدرية ص26. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 315 وقد كانت جنازته مشهودة ومشهورة واعتبرها المؤرخون من الجنائز النادرة فيشبهونها بجنازة الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه في بغداد.. (1) ترجمة موجزة للإمام ابن القيم الجوزية رحمه اللَّه اسمه ونسبه ومولده: هو أبو عبد اللَّه شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حَرِيز بن مكي زين الدين الزُّرعي ثم الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية، ولد سنة (691هـ) . عبادته وزهده: قال ابن رجب رحمه اللَّه: " وكان رحمه اللَّه ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتأله ولهج بالذكر، وشغف بالمحبة والإنابة والاستغفار، والافتقار إلى اللَّه والانكسارله ... ولا رأيت أوسع منه علماً ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصوم ولكن لم أر في معناه مثله" (2) . علومه ومدى تأثره بشيخه ابن تيمية رحمه اللَّه: درس ابن القيم رحمه اللَّه التوحيد، وعلم الكلام والتفسير والحديث، والفقه وأصوله والفرائض واللغة والنحو، وغيرهما على علماء عصره المتفننين في علوم الإسلام، وبرع هو فيها وفاق الأقران، وقد لازم ابن القيم شيخه ابن تيمية ستة عشر عاماً أخذ عنه علماً جماً وفوائد كثيرة. مؤلفاته:   (1) ... مصادر الترجمة: العقود الدرية لابن عبد الهادي، وتذكرة الحفاظ لذهبي (4/1496) ، والأعلام العلية للبزار ص8 وما بعدها، والوافي بالوفيات للصفدي (7/15) ، والبداية والنهاية لابن كثير (13/255) ، و (14/141) وما بعدها، والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (2/387) ، والدرر الكامنة لابن حجر (1/154) ، وطبقات الحفاظ للسيوطي (ص516) ، وطبقات المفسرين للداوودي (1/45) ، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (6/80) . (2) ... انظر: الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (2/448) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 316 كان ابن القيم رحمه اللَّه مكثراً من التصنيف، ولهذا فالحديث عن تعداد مؤلفات ابن القيم رحمه اللَّه تعالى على وجه الدقة والسلامة من الغلط والتكرار أمر فيه كلفة وعناء، وقد أحصى الشيخ بكر أبو زيد حفظه اللَّه مصنفات ابن القيم المخطوطة والمطبوعة فبلغت (96) مصنفاً وقد ذكر أسماء هذه الكتب على وجه التفصيل المخطوط منه والمطبوع (1) . وفاته: كانت في ليلة الخميس الثالث عشر من رجب، وقت أذان العشاء الآخرة سنة (751هـ) ، وبه كمل له من العمر ستون سنة رحمه اللَّه تعالى (2) . التمهيد ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول: بيان المقصود بالقلب. المبحث الثاني: وجوب الاعتناء والاهتمام بحياة القلب. المبحث الثالث: ذكر الأدلة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية على مرض القلوب وشفائها. المبحث الأول: بيان المقصود بالقلب القلوب: جمع القَلْب، وهو أخص من الفؤاد في الاستعمال، ولذلك قالوا: أَصَبْتُ حَبَّة قلبه، وسُوَيْداء قلبه، وقيل: هما قريبان من السَّواء، وكرّر ذكرهما لاختلاف لفظيهما تأكيداً، وقلب كل شيء: لُبّهُ وخالِصه. وقيل: القلب: الفؤاد وقد يُعَبَّر به عن العقل. قال الفراء في قوله تعالى: (إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ((3) أي: عقل.   (1) ... انظر: التقريب لفقه ابن القيم (القسم الأول ص168) . (2) ... مصادر الترجمة: الوافي بالوفيات للصفدي (2/270-272) ، والبداية والنهاية لابن كثير (14/246-247) ، والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (2/447-452) ، والدرر الكامنة لابن حجر (4/21) ، والنجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة لابن تغري بردي (10/249) ، وطبقات المفسرين للداوودي (2/91) ، والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني (2/143-147) ، وكتاب ابن قيم الجوزية حياته وآثاره للشيخ بكر بن عبد اللَّه أبو زيد. (3) ... سورة ق، الآية: 37. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 317 وقيل القلب: مضغة من الفؤاد معلّقة بالنِّياط (1) .. (2) . وعرفه أبو حامد الغزالي (3) بقوله: (لفظ القلب، وهو يطلق لمعنيين أحدهما: اللحم الصنوبري الشكل، المودع في الجانب الأيسر من الصدر وهو لحم مخصوص، وفي باطنه تجويف، وفي ذلك التجويف دم أسود هو منبع الروح ومعدنه، ولسنا نقصد الآن شرح شكله وكيفيته؛ إذ يتعلق به غرض الأطباء، ولا يتعلق به الأغراض الدينية. وهذا القلب موجود للبهائم، بل هو موجود للميت.. والمعنى الثاني: هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان، وهو المدرك العالم العارف من الإنسان، وهو المخاطب والمعاقب والمعاتب والمطالب ولها علاقة مع القلب الجسماني) (4) . وقد سمي القلب قلباً لتقلبه (5) في الأمور، أو لأنه خالص ما في البدن، وخالص كل شيء قلبه، أو لأنه وضع في الجسد مقلوباً (6) .   (1) ... النياط: عرق علق به القلب من الوتين، فإذا قطع مات صاحبه. انظر: لسان العرب (7/418) . (2) ... انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (4/96) ، ومختار الصحاح ص547، ولسان العرب (11/271) ، والقاموس المحيط ص162-163، مادة (قلب) ، والمصباح المنير (2/512) . (3) ... هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، الطوسي المعروف بالغزالي، الملقب بحجة الإسلام من أئمة الصوفية ولد سنة (450هـ) ، وقد تفقه على إمام الحرمين، وبرع في علوم كثيرة وله مصنفات منتشرة في فنون متعددة من أشهرها: إحياء علوم الدين، وتهافت الفلاسفة، توفي سنة (505هـ) . ... انظر: سير أعلام النبلاء (9/322) ، والبداية والنهاية (12/185) . (4) ... انظر: إحياء علوم الدين (3/6) . (5) ... انظر: لسان العرب (11/271) . (6) انظر: فتح الباري لابن حجر (1/171) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 318 وقد ورد ذكر القلب في آيات كثيرة من كتاب اللَّه عز وجل منها قوله تعالى: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ((1) ، وقوله جل وعلا: (إنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وهُوَ شَهِيدٌ ((2) . والقلب قد يعبر عنه بالفؤاد، قال اللَّه تعالى: (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ((3) ، وقد يعبر بالقلب عن العقل كما قال تعالى: (إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ((4) ، قال ابن عباس: أي عقل. (5) قال أبو حامد الغزالي: (وحيث ورد في القرآن والسنة لفظ القلب، فالمراد به المعنى الذي يفقه من الإنسان ويعرف حقيقة الأشياء، وقد يكنى عنه بالقلب الذي في الصدر، لأن بين تلك اللطيفة وبين جسم القلب علاقة خاصة، فإنها وإن كانت متعلقة بسائر البدن ومستعملة له ولكنها تتعلق به بواسطة القلب، فتعلقها الأول وكأنه محلها ومملكتها وعالمها ومطيتها) (6) . المبحث الثاني: وجوب الاعتناء والاهتمام بحياة القلب يجب على كل مسلم ومسلمة الاعتناء والاهتمام بحياة القلب لأنه إذا صلح القلب صلح الجسد كله، وإذا فسد القلب فسد الجسد كله. قال ابن رجب (7)   (1) ... سوة ق، الآية: 33. (2) ... سورة ق، الآية: 37. (3) ... سورة الفرقان، الآية: 32. (4) سورة ق، الآية: 37. (5) انظر: تفسير البغوي (4/226) . (6) ... إحياء علوم الدين (3/7) . (7) ... هو الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن السَّلامي الشهير بابن رجب وهو لقب جده عبد الرحمن ولد سنة (736هـ) في بغداد، كان فقيهاً ومحدثاً وواعظاً شهيراً، قال ابن مفلح: الشيخ العلامة الحافظ الزاهد شيخ الحنابلة من مؤلفاته: جامع العلوم والحكم، أهوال القبور، توفي سنة (795هـ) بدمشق، رحمه اللَّه. ... انظر: شذرات الذهب (6/339) ، والتاج المكلل للقنوجي ص333. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 319 رحمه اللَّه: " القلب مَلِكُ الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، وهم مع هذا جنودٌ طائعون له، منبعثون في طاعته، وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيء من ذلك، فإن كان الملك صالحاً كانت هذه الجنود صالحةً، وإن كان فاسداً كانت جنوده بهذه المثابة فاسدةً، ولا ينفع عند اللَّه إلا القلب السليم، كما قال تعالى: (يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُون. إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ((1) " (2) . والقلب محل الإيمان كما قال تعالى: (يَا أيُّها الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهم ((3) ، وقوله تعالى: (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَان ((4) . فدلت هذه الآيات على أن أصل الإيمان في القلب، وأن الإيمان لا يثبت لأحد حتى يدخل القلب ويقوم به.. والأدلة أيضاً كثيرة من السنة على أن أصل الإيمان في القلب منها: قوله (: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" (5) .   (1) ... سورة الشعراء، الآية: 88-89. (2) جامع العلوم والحكم (1/210) . (3) سورة المائدة، الآية: 41. (4) ... سورة المجادلة، الآية: 22. (5) متفق عليه، فقد رواه البخاري في صحيحه (1/19) كتاب الإيمان، باب 39 فضل من استبرأ لدينه، ومسلم في صحيحه (3/1219-1220) كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات (ح1599) عن النعمان بن بشير رضي اللَّه عنه وهذا جزء منه، وقوله "مضغة " يعني القلب؛ لأنه قطعة لحم من الجسد والمضغة: القطعة من اللحم، قدر ما يمضغ. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (4/339) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 320 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: (فإذا كان القلب صالحاً بما فيه من الإيمان علماً وعملاً قلبيّاً، لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر والعمل بالإيمان المطلق ... ) . وقال ابن القيم رحمه اللَّه لما ذكر هذا الحديث: (ولما كان القلب لهذه الأعضاء كالملك المتصرف في الجنود، الذي تصدر كلها عن أمره فهو فهو ملكها وهي المنفذة لما يأمرها به، القابلة لما يأتيها من هديته، ولا يستقيم لها شيء من أعمالها حتى تصدر عن قصده ونيته، وهو المسؤول عنها كلها، لأن كل راع مسؤول عن رعيته: كان الاهتمام بتصحيحه وتسديده أولى ما اعتمد عليه السالكون، والنظر في أمراضه وعلاجه أهم ما تنسك به الناسكون) (1) . وقال ابن رجب رحمه اللَّه لما ذكر هذا الحديث: (فيه إشارةٌ إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه للمحرَّمات واتِّقاءه للشُّبهات بحسب صلاح حركة قلبه، فإن كان قلبه سليماً، ليس فيه إلا محبة اللَّه ومحبة مايحبه اللَّه وخشية اللَّه وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتنابُ المحرّمات كلها، وتوقي الشبهات حذراً من الوقوع في المحرمات. وإن كان القلب فاسداً، قد استولى عليه اتَّباع هواه، وطلب ما يحبّه، ولو كرهه اللَّه، فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كلّ المعاصي والمشتبهات بحسب اتّباع هوى القلب) (2) . وقال ابن حجر رحمه اللَّه (3)   (1) انظر: إغاثة اللهفان (1/5) . (2) جامع العلوم والحكم (1/210) (3) هو الإمام الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المحدث المؤرخ له مؤلفات كثيرة، منها فتح الباري شرح صحيح البخاري والإصابة في تمييز الصحابة وغيرها. توفي سنة (852هـ) . ... انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي ص552، شذرات الذهب (7/270-273) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 321 : (وخص القلب بذلك لأنه أمير البدن، وبصلاح الأمير تصلح الرعية، وبفساده تفسد، وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب، والحث على صلاحه ... ) (1) . مما تقدم تبين لنا أهمية القلب، وأنه إذا صلح صلح الجسد كله.. وأن صلاح هذا القلب وسعادته وفلاحه موقوف على هذين الأصلين الكتاب والسنة كما قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ((2) ، فأخبر سبحانه وتعالى أن حياتنا إنما هي باستجابتنا لما يدعونا إليه اللَّه والرسول من العلم والإيمان فعلم أن موت القلب وهلاكه بفقد ذلك (3) . قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (وأصل صلاح القلب هو حياته واستنارته، قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس كَمَن مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ((4) .   (1) فتح الباري (1/171) . (2) ... سورة الأنفال، الآية: 24. (3) ... انظر: إغاثة اللهفان (1/22) . (4) ... سورة الأنعام، آية: 122. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 322 لذلك ذكر اللَّه حياة القلوب ونورها وموتها وظلمتها في غير موضع كقوله تعالى: (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيحِقَّ الْقَوْل عَلَى الكَافِرِين ((1) ، وقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (ثم قال تعالى: (واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِه وأنَّهُ إِليْهِ تُحْشَرُون ((2) ، وقال تعالى: (يُخرْجَ الحَيَّ مِنَ المَيّت ويُخْرِج الْمَيّت مِنَ الحَيّ ((3) ... إلى أن قال: وإنما المقصود هنا ذكر حياة القلوب وإنارتها وفي الدعاء المأثور: " اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا " (4)   (1) ... سورة يس، آية: 70. (2) ... سورة الأنفال، آية: 24. (3) ... سورة الروم، آية: 19. (4) ... هو جزء من حديث رواه عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: " ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك ... " فذكر الحديث إلى: " أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري.. " إلخ. ... أخرجه أحمد في مسنده (1/391، 452) ، وابن أبي شيبة في المصنف (10/253) (ح9367) ، وأبو يعلى في مسنده (9/198) ، (ح5297) ، وابن حبان في صحيحه (2/230) كتاب الرقائق - باب ذكر الأمر لمن أصابه حزن (ح959) ، والبزار كما في كشف الأستار (4/31) ، (ح3122) ، والطبراني في المعجم الكبير (10/209-210) ، (ح10352) . وقد ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/136) وقال رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، إلا أنه قال: وذهاب غمي مكان همي، والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني، وقد وثقه ابن حبان. وقال الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (4/13) : حديث حسن، وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لمسند أحمد (5/266) (ح3712) : إسناده صحيح، وقد ذكر الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/336-341) ، (ح199) هذا الحديث وقال: (وجملة القول أن الحديث صحيح من رواية ابن مسعود وحده، فكيف إذا انضم إليه حديث أبي موسى رضي اللَّه عنهما. وقد صححه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ... ) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 323 (1) . ولما كانت حياة البدن والجوارح كلها بحياة القلب، تسري الحياة منه إلى الصدر ثم إلى الجوارح - سأل الحياة له بالربيع الذي هو مادتها. ولما كان الحزن والهمّ والغمّ يضاد حياة القلب واستنارته - سأل أن يكون ذهابها بالقرآن، فإنها أحرى أن لا تعود، وأما إذا ذهبت بغير القرآن: من صحة، أو دنيا، أو جاه، أو زوجة، أو ولد - فإنها تعود بذهاب ذلك" (2) . وسيأتي في أسباب حياة القلب وصحته في الفصل الثاني من هذه الرسالة مزيد تقرير لهذا إن شاء اللَّه. المبحث الثالث: ذكر الأدلة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية على مرض القلوب وشفائها ذكر اللَّه " مرض القلوب وشفاءها " في مواضع كثيرة من كتابه وجاء ذلك في سنة رسوله (وسأذكر بعضاً منها: قال اللَّه تعالى عن المنافقين: (فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضَاً ((3) ، وقال تعالى: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ والْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ((4) .   (1) ... انظر: مجموع الفتاوى (10/100، 103) . (2) ... انظر: الفوائد ص49. (3) ... سورة البقرة، الآية: 10. (4) ... سورة الحج، الآية: 53. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 324 وقال تعالى: (لَئِن لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ والْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُنَكَ فِيهَا إلاَّ قَلِيلاً ((1) . وقال تعالى: (وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ والْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذينَ في قُلُوبِهِم مَرَضٌ والْكَافِرُونَ مَاذَا أرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً ((2) .وقال تعالى: (قَدْ جَاءَتْكُم مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنِينَ ((3) . وقال تعالى: (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنينَ. ويُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ((4) . وقال تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهم ((5) ، وقال تعالى: (ولاَ تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَع الَّذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ((6) ، وقال تعالى: (وإذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ مَا وَعَدَنا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلا غُرُوراً ((7) . وأما الأدلة من السنة النبوية فكثيرة منها: قول النبي (في الحديث الصحيح: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (8) .   (1) ... سورة الأحزاب، الآية: 60. (2) ... سورة المدثر، الآية: 31. (3) سورة يونس، الآية: 57. (4) ... سورة التوبة، الآية: 14-15. (5) ... سورة المائدة، الآية: 52. (6) ... سورة الأحزاب، الآية: 32. (7) ... سورة الأحزاب، الآية: 12. (8) ... متفق عليه، وقد تقدم تخريجه ص10. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 325 وعن زيد بن ثابت رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه (يقول: "ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبداً: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم" (1) .   (1) ... أخرجه أحمد في مسنده (5/183) وابن أبي عاصم في السنة (2/504) ، (ح1087) وقال محققه الشيخ الألباني: إسناده صحيح ورجاله كلهم ثقات. ... قال ابن القيم رحمه اللَّه في مدارج السالكين (2/101) أي لا يبقى فيه غل، ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة بل تنفي عنه غِلّه وتنقيه منه، وتخرجه عنه، فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل، وكذلك يغل على الغش، وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة، والضلالة فهذه الثلاثة تملؤه غلاً ودغلاً، ودواء هذا الغل، واستخراج أخلاطه بتجريد الإخلاص والنصح ومتابعة السنة.. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 326 وقال حذيفة بن اليمان رضي اللَّه عنه: سمعت رسول اللَّه (يقول: " تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً (1) ، فأي قلب أشربها (2) نكت فيه نكتة (3) سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا (4)   (1) ... قال الإمام النووي رحمه اللَّه في شرح صحيح مسلم (2/171-172) : "عوداً عوداً" هذان الحرفان مما اختلف في ضبطه على ثلاثة أوجه: أظهرها وأشهرها بضم العين والدال المهملة، والثاني بفتح العين وبالدال المهملة أيضاً، والثالث بفتح العين وبالذال المعجمة، ولم يذكر صاحب التحرير غير الأول، وأما القاضي عياض فذكر هذه الأوجه الثلاثة عن أئمتهم واختار الأول، قال: واختار شيخنا أبو الحسين بن سراج فتح العين والدال قال: ومعنى "تعرض" أنها تلصق بعرض القلوب أي جانبها كما يلصق الحصير بجنب النائم ويؤثر فيه شدة التصاقها به. قال: ومعنى " عوداً عوداً " أي تعاد وتكرر شيئاً بعد شيء، قال ابن سراج: ومن رواه بالذال المعجمة فمعناه سؤال الاستعاذة منها، كما يقال " غفراً غفراً " و"غفرانك"، أي نسألك أن تعيذنا من ذلك وأن تغفر لنا، وقال الأستاذ أبو عبد اللَّه ابن سليمان: معناه تظهر على القلوب. أي تظهر لها فتنة بعد أخرى، وقوله "كالحصير" أي كما ينسج الحصير عوداً عوداً وشظية بعد أخرى. قال القاضي: وعلى هذا يترجح رواية ضم العين، وذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عوداً أخذ آخر ونسجه، فشبه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحداً بعد واحد. وانظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (1/453) . (2) ... " أشربها " أي دخلت فيه دخولاً تاماً وألزمها وحلت منه محل الشراب. (3) ... النكتة: بالضم النقطة. القاموس المحيط ص207. (4) " مثل الصفا " قال القاضي عياض رحمه اللَّه: ليس تشبيهه بالصفا بيانا لبياضه لكن صفة أخرى لشدته على عقد الإيمان وسلامته من الخلل، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه كالصفا، وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء ". انظر: إكمال المعلم (1/453) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 327 فلا تضره فتنة ما دامت السماوت والأرض، والآخر أسود مرباداً (1) كالكوز مجخياً (2) ، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه " (3) .   (1) ... " مرباداً " قال النووي: " كذا هو في روايتنا وأصول بلادنا، وهو منصوب على الحال، وذكر القاضي عياض رحمه اللَّه خلافاً في ضبطه وأن منهم من ضبطه كما ذكرناه، ومنهم من رواه "مربئدّ" بهمزة مكسورة بعد الياء؛ قال القاضي: وهذه رواية أكثر شيوخنا، وأصله أن لا يهمز، ويكون " مربد ". والربدة: شيء من بياض يسير يخالط السواد) . انظر: إكمال المعلم (1/454) ، وصحيح مسلم بشرح النووي (2/172-173) . (2) ... " كالكوز مجخياً " أي: مائلاً. القاموس المحيط ص1638. ... وقال القاضي عياض: قال لي ابن سراج: ليس قوله " كالكوز مجخياً " تشبيهاً لما تقدم من سواده، بل هو وصف آخر من أوصافه بأنه قُلِب ونُكِس حتى لا يعلق به خير ولا حكمة، ومثله بالكوز المجخّى وبيّنه بقوله " لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً " ... وشبه القلب الذي لا يعي الخير بالكوز المنحرف الذي لا يثبت الماء فيه، وقال صاحب التحرير: معنى الحديث: أن الرجل إذا اتبع هواه وارتكب المعاصي دخل قلبه بكل معصية يتعاطاها ظلمة، وإذا صار كذلك افتتن وزال عنه نور الإسلام. والقلب مثل الكوز، فإذا انكب انصب ما فيه ولم يدخله شيء بعد ذلك) . انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/454) ، وشرح صحيح مسلم للنووي (2/173) . (3) ... صحيح مسلم (1/128-129) ، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً (ح144) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 328 قال ابن القيم رحمه اللَّه: (فشبه عرض الفتن على القلوب شيئاً فشيئاً كعرض عيدان الحصير، وهي طاقاتها شيئاً فشيئاً، وقسم القلوب عند عرضها عليها إلى قسمين: قلب إذا عرضت عليه فتنة أُشربها، كما يشرب السفنج الماء فتنكت فيه نكتة سوداء، فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسودّ وينتكس، وهو معنى قوله " كالكوز مجخياً " أي مكبوباً منكوساً، فإذا اسود وانتكس عرض له من هاتين الآفتين مرضان خطران متراميان به إلى الهلاك: أحدهما: اشتباه المعروف عليه بالمنكر، فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، وربما استحكم عليه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعة والبدعة سنة، والحق باطلاً والباطل حقاً، الثاني: تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول صلى اللَّه تعالى عليه وآله وسلم، وانقياده للهوى واتباعه له. وقلب أبيض قد أشرق فيه نور الإيمان، وأزهر فيه مصباحه، فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وردها، فازداد نوره وإشراقه وقوته) (1) . الفصل الأول: بيان أقسام القلوب والأدلة على ذلك من القرآن الكريم والسنة ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول: القلب الصحيح. المبحث الثاني: القلب المريض. المبحث الثالث: القلب القاسي. المبحث الأول: القلب الصحيح القلب الصحيح: هو القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى اللَّه به كما قال تعالى: (يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُون. إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ((2) .   (1) إغاثة اللهفان (1/11-12) . (2) سورة الشعراء، الآيتان: 88-89. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 329 ومما ورد من أدعية رسول اللَّه (قوله: " أسألك قلباً سليماً " (1) . وقد عرف العلماء رحمهم اللَّه القلب السليم بعدة تعريفات أذكر بعضاً منها: فقال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (وهذا هو " القلب السليم " الذي قال اللَّه فيه: (إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (وهو سلامة القلب عن الاعتقادات الفاسدة، والإرادات الفاسدة، وما يتبع ذلك ... ) (2) . وقال ابن القيم رحمه اللَّه: (هو السليمُ من الآفات التي تعتري القلوب المريضة، من مرض الشبهة التي توجب إتباع الظن، ومرضِ الشهوة التي توجب اتباع ما تهوى الأنفس، فالقلبُ السليمُ الذي سَلِمَ من هذا وهذا) (3) .   (1) ... رواه أحمد في مسنده (4/125) ، والترمذي في سننه (5/476) ، كتاب الدعوات، باب (23) (ح3407) ، والنسائي في سننه (3/54) ، كتاب السهو، باب (61) نوع آخر من الدعاء (ح1304) ، وابن حبان كما في الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (3/329) ، كتاب الصلاة، باب ذكر جواز دعاء المرء في صلاته بما ليس في كتاب اللَّه جل وعلا (ح1965) عن شداد بن أوس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يقول في صلاته: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم " واللفظ للنسائي. (2) ... مجموع الفتاوى (10/337) . (3) ... الروح لابن القيم (ص544) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 330 وقد عرفه أيضاً ابن القيم رحمه اللَّه في موضع آخر فقال: (وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم، والأمر الجامع لذلك: أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر اللَّه ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله، فسلم في محبة اللَّه مع تحكيمه لرسوله في خوفه ورجائه والتوكل عليه، والإنابة إليه والذل له، وإيثار مرضاته في كل حال، والتباعد من سخطه بكل طريق وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده. فالقلب السليم: هو الذي سلم من أن يكون لغير اللَّه فيه شرك بوجه ما، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى؛ إرادة ومحبة، وتوكلاً، وإنابة، وإخباتاً، وخشية، ورجاء، وخلص عمله لله، فإن أحب أحب في الله، وإن أبغض أبغض في اللَّه، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله، ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسوله صلى اللَّه تعالى عليه وآله وسلم، فيعقد قلبه معه عقداً محكماً على الائتمام والاقتداء به وحده، دون كل أحد في الأقوال والأعمال، من أقوال القلب، وهي العقائد، وأقوال اللسان. وهي الخبر عما في القلب، وأعمال القلب، وهي الإرادة والمحبة والكراهة وتوابعها، وأعمال الجوارح، فيكون الحاكم عليه في ذلك كله دِقِّه وجِلِّه، هو ما جاء به الرسول صلى اللَّه تعالى عليه وآله وسلم ... ) (1) . وقال ابن رجب رحمه اللَّه: (القلب السليم: هو السالم من الآفات والمكروهات كلِّها، وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة اللَّه وما يحبه اللَّه، وخشية اللَّه، وخشية ما يُباعد منه) (2) . وقال محمد بن سيرين رحمه اللَّه: (القلب السليم هو الذي يعلم أن اللَّه حق، وأن الساعة قائمة، وأن اللَّه يبعث من في القبور) (3) .   (1) انظر: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/7-8) . (2) جامع العلوم والحكم (1/211) . (3) ... انظر: الجامع لأحكام القرآن (15/91) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 331 وقال الطبري رحمه اللَّه في معنى قوله تعالى: (إذْ جاء ربه بقلب سليم (يقول تعالى ذكره: إذْ جاء إبراهيم ربه بقلب سليم من الشرك مخلص له التوحيد (1) . وقيل: صاحب القلب السليم هو الذي لم يلعن شيئاً قط (2) . كما قيل: إنه القلب الخالص، أو هو الخالي من البدعة المطمئن إلى السنة. وأختم أقوال العلماء رحمهم اللَّه في تعريفهم للقلب السليم بقول ابن القيم رحمه اللَّه: (وهل عيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم؟ وقد أثنى اللَّه تعالى على خليله عليه السلام بسلامة القلب فقال: (وإنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمْ. إذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلَيمٍ ((3) ، وقال حاكياً عنه أنه قال تعالى: (يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُون. إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ((4) ، والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر، وحب الدنيا والرياسة، فسلم من كل آفة تبعده عن اللَّه، وسلم من كل شبهة تعارض خبر اللَّه، ومن كل شهوة تعارض أمر ربه، وسلم من كل إرادة تزاحم مراده، وسلم من كل قاطع يقطعه عن اللَّه، فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا وفي جنة البرزخ، وفي جنة يوم المعاد. ولا يتم له سلامته مطلقاً حتى يسلم من خمسة أشياء: من شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض التجريد، والإخلاص يعم) (5) . وهناك أخي الكريم فرق بين سلامة القلب والبَلَه.   (1) ... جامع البيان (23/69) . (2) انظر: جامع البيان (23/70) ، وتفسير ابن كثير (4/14) . (3) سورة الصافات، الآيتان: 83، 84. (4) سورة الشعراء، الآية: 88. (5) انظر: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (ص183) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 332 قال ابن القيم رحمه اللَّه: (والفرق بين سلامة القلب والبَله والتغفل، أنّ سلامة القلب تكون من عدم إرادة الشر بعد معرفته، فيسلم قلبه من إرادته وقصده لا من معرفته والعلم به، وهذا بخلاف البَلَه والغفلة فإنها جهلُ وقلّة معرفة، وهذا لا يحمدُ إذ هو نقص، وإنما يحمد الناس من هو كذلك لسلامتهم منه، والكمال أن يكون القلبُ عارفاً بتفاصيل الشر سليماً من إرادته) (1) . المبحث الثاني: القلب المريض المَرَضُ في القلب: يَصْلُح لكل ما خرج به الإنسان عن الصحة في الدين، ويقال قلب مريض من العداوة وهو النفاق، وقيل المرض في القلب فُتُور عن الحق ... (2) . وقيل: المَرض، بالفتح للقلب خاصة، وبالتحريك أو كلاهما: الشك، والنفاق، والفتور، والظلمة، والنقصان (3) . قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (وكذلك " مرض القلب " هو نوع فسادٍ يحصل له، يفسد به تصوره، وإرادته. فتصوره: بالشبهات التي تعرض له حتى لا يرى الحق، أو يراه على خلاف ما هو عليه، وإرادته: بحيث يبغض الحق النافع ويحب الباطل الضار، فلهذا يفسر المرض تارةً بالشك والريب، كما فسر مجاهد (4) ، وقتادة (5)   (1) ... الروح لابن القيم (ص544) . (2) ... انظر: لسان العرب (13/80) . (3) انظر: القاموس المحيط ص843. (4) مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي، مولى بني مخزوم، تابعي جليل، ثقة إمام في التفسير وفي العلم، مات سنة إحدى - أو اثنتين أو ثلاث أو أربع - ومائة، وله (83) سنة. ... انظر: تقريب التهذيب ص520، وسير أعلام النبلاء (4/499) . (5) ... قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري، ثقة ثبت، كان أحفظ أهل البصرة، مات في واسط بالطاعون سنة (118هـ) ، وقيل سنة (117هـ) . ... تقريب التهذيب ص453، والكاشف للذهبي (2/341) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 333 قوله: (فِي قُلُوبِهمْ مَرَضٌ ((1) ، أي شك (2) . وتارة يُفسر بشهوة الزنا كما فُسِّر به قوله تعالى: (فَيَطْمَع الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ((3) ... (4) إلى أن قال رحمه اللَّه: والمرض دون الموت، فالقلب يموت بالجهل المطلق ويمرض بنوع من الجهل، فله موت ومرض، وحياة وشفاء، وحياته وموته ومرضه وشفاؤه أعظم من حياة البدن وموته ومرضه وشفائه، فلهذا مرض القلب إذا ورد عليه شبهة أو شهوة قوت مرضه، وإن حصلت له حكمة وموعظة كانت من أسباب صلاحه وشفائه ... ) (5) .   (1) ... سورة البقرة، الآية: 10. (2) انظر: تفسير ابن جرير الطبري (1/121-122) ، وتفسير ابن كثير (1/51) . وقد فسر هذا المرض أيضاً بالنفاق وبالرياء. (3) سورة الأحزاب، الآية: 32. (4) انظر: جامع البيان (22/3) ، وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه اللَّه في تيسير الكريم الرحمن ص24، 25: (وقوله (في قلوبهم مرض (المراد بالمرض هنا: مرض الشك، والشبهات، والنفاق وذلك أن القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله: مرض الشبهات الباطلة ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع، كلها من مرض الشبهات والزنا، ومحبة الفواحش والمعاصي وفعلها، من مرض الشهوات كما قال تعالى: (فيطمع الذي في قلبه مرض (وهو شهوة الزنا، والمعافى من عوفي من هذين المرضين. (5) ... انظر: مجموع الفتاوى (10/93-95) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 334 وقد ذكر ابن القيم رحمه اللَّه تعريف القلب المريض فقال: (هو قلب له حياة وبه علة. فله مادتان، تمده هذه مرة، وهذه أخرى. وهو لما غلب عليه منهما، ففيه من محبة اللَّه تعالى والإيمان به والإخلاص له، والتوكل عليه: ما هو مادة حياته، وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها، والحسد والكبر والعجب، وحب العلو والفساد في الأرض بالرياسة: ما هو مادة هلاكه وعطبه، وهو ممتحن بين داعيين: داع يدعوه إلى اللَّه ورسوله والدار الآخرة، وداعٍ يدعوه إلى العاجلة. وهو إنما يجيب أقربهما منه باباً، وأدناهما إليه جواراً ... ) (1) . المبحث الثالث: القلب القاسي ورد ذكر قسوة القلب في القرآن الكريم في عدة مواضع، منها: قوله تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ((2) . وقوله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ((3) . قال الحافظ ابن رجب رحمه اللَّه في معنى هذه الآية: (فأخبر أن قسوة قلوبهم كانت عقوبة لهم على نقضهم ميثاق اللَّه وهي مخالفتهم لأمره وارتكابهم لنهيه بعد أن أخذت عليهم مواثيق اللَّه وعهوده ألا تفعلوا ذلك.. إلى أن قال رحمه اللَّه: فإن من تفقه لغير العمل يقسو قلبه فلا يشتغل بالعمل بل بتحريف الكلم وصرف ألفاظ الكتاب والسنة عن مواضعها ... الثاني: نسيان حظ مما ذكروا به من العلم النافع فلا تتعظ قلوبهم بل يذمون من تعلم ما يبكيه ويرق به قلبه ويسمونه قاصاً) (4) .   (1) ... انظر: إغاثة اللهفان (1/9) . (2) ... سورة البقرة، الآية: 74. (3) ... سورة المائدة، الآية: 13. (4) انظر: بيان فضل علم السلف على علم الخلف (ص99-101) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 335 وقد حذر اللَّه من قسوة القلب لمن ابتعد عن ذكر اللَّه، كما في قوله تعالى: (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِن ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ((1) . وقد أخرج الإمام مسلم بسنده قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه، ولا يطولنّ عليكم الأمد فَتَقْسُوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ... " الحديث (2) . والقسوة في القلب: ذهاب اللين والرحمة والخشوع منه، وقَسا قلبه قَسْوة وقساوة وقَسا، بالفتح والمد: وهو غلظ القلب وشدَّته، وأَقْساه الذنب (3) . وقد عرف شيخ الإسلام رحمه اللَّه القلب القاسي فقال: (هو الجامد اليابس بمنزلة الحجر لا ينطبع، ولا يكتب فيه الإيمان، ولا يرتسم فيه العلم؛ لأن ذلك يستدعي محلاً ليناً قابلاً) (4) .   (1) ... سورة الزمر، الآية: 22. (2) ... صحيح مسلم (2/726) ، كتاب الزكاة، باب (39) لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً (ح1050) . (3) ... انظر: مختار الصحاح ص535، ولسان العرب (11/168) . (4) مجموع الفتاوى (13/271) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 336 وقال ابن القيم رحمه اللَّه في تعريف القلب الميت: (هو الذي لا حياة به، فهو لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته وحظه، رضي ربه أم سخط، فهو متعبد لغير اللَّه: حباً، وخوفاً، ورجاء، ورضا وسخطاً، وتعظيماً، وذلاً. إن أحب أحب لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه. فهواه آثر عنده وأحب إليه من رضا مولاه. فالهوى إمامه، والشهوة قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركبه. فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور. ينادَى إلى اللَّه وإلى الدار الآخرة من مكان بعيد، ولا يتسجيب للناصح، ويتبع كل شيطان مريد. الدنيا تسخطه وترضيه. والهوى يُصِمّه عما سوى الباطل ويعميه ... فمخالطة صاحب هذا القلب سَقَم. ومعاشرته سُمّ، ومجالسته هلاك) (1) . وقد جمع اللَّه سبحانه بين هذه القلوب الثلاثة، قلب المؤمن السليم، والقلب المريض، والقلب القاسي في قوله تعالى: (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وإنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وإنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إلَى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ((2) . قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه لما ذكر هذه الآية: (جعل اللَّه القلوب ثلاثة أقسام: قاسية، وذات مرض، ومؤمنة مخبتة، وذلك لأنها إما أن تكون يابسة جامدة لا تلين للحق اعترافاً، وإذعاناً، أو لا تكون يابسة جامدة.   (1) انظر: إغاثة اللهفان (1/9) . (2) ... سورة الحج، الآيتان: 53، 54. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 337 ف " الأول " هو القاسي وهو الجامد اليابس بمنزلة الحجر لا ينطبع، ولا يكتب فيه الإيمان، ولا يرتسم فيه العلم؛ لأن ذلك يستدعي محلا لينا قابلاً. و" الثاني " لا يخلو إما أن يكون الحق ثابتاً فيه لا يزول عنه لقوته مع لينه، أو يكون لينه مع ضعف وانحلال. فالثاني هو الذي فيه مرض، والأول هو القوي اللين. وذلك أن القلب بمنزلة أعضاء الجسد كاليد مثلاً، فإما أن تكون جامدة يابسة لا تلتوي ولا تبطش، أو تبطش بعنف، فذلك مثل القلب القاسي، أو تكون ضعيفة مريضة عاجزة لضعفها ومرضها، فذلك مثل الذي فيه مرض، أو تكن باطشة بقوة ولين فهو مثل القلب العليم الرحيم، فبالرحمة خرج عن القسوة، وبالعلم خرج عن المرض، فإن المرض من الشكوك والشبهات، ولهذا وصف من عدا هؤلاء بالعلم والإيمان والإخبات ... ) (1) . وقال ابن القيم رحمه اللَّه لما ذكر هذه الآيات: (فجعل اللَّه سبحانه وتعالى القلوب في هذه الآيات ثلاثة: قلبين مفتونين، وقلباً ناجياً. فالمفتونان: القلب الذي فيه مرض، والقلب القاسي. والناجي: القلب المؤمن المخبت إلى ربه. وهو المطمئن إليه الخاضع له، المستسلم المنقاد. وذلك: أن القلب وغيره من الأعضاء يراد منه أن يكون صحيحاً سليماً لا آفة به، يتأتى منه ما هُيىء له وخلق لأجله، وخروجه عن الاستقامة إما ليبسه وقساوته، وعدم التأتي لما يراد منه، كاليد الشلاء، واللسان الأخرس، والأنف الأخشم، وذكر العِنِّين، والعين التي لا تبصر شيئاً، وإما بمرض وآفة فيه تمنعه من كمال هذه الأفعال ووقوعها على السداد، فلذلك انقسمت القلوب إلى هذه الأقسام الثلاثة. فالقلب الصحيح السليم: ليس بينه وبين قبول الحق ومحبته وإيثاره سوى إدراكه، فهو صحيح الإدراك للحق، تام الانقياد والقبول له. والقلب الميت القاسي: لا يقبله ولا ينقاد له.   (1) انظر: مجموع الفتاوى (13/270-271) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 338 والقلب المريض: إن غلب عليه مرضه التحق بالميت القاسي. وإن غلبت عليه صحته التحق بالسليم. فما يلقيه الشيطان في الأسماع من الألفاظ، وفي القلوب من الشبه والشكوك: فتنة لهذين القلبين، وقوة للقلب الحي السليم، لأنه يردّ ذلك ويكرهه ويبغضه، ويعلم أن الحق في خلافه، فيخبت للحق ويطمئن وينقاد، ويعلم بطلان ما ألقاه الشيطان، فيزداد إيماناً بالحق ومحبة له وكفراً بالباطل وكراهة له. فلا يزال القلب المفتون في مِرْية من إلقاء الشيطان، وأما القلب الصحيح السليم فلا يضره ما يلقيه الشيطان أبداً) (1) . وقد رُوي في بعض الأحاديث أن القلوب أربعة، فعن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه (: " القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه وقلب منكوس، وقلب مصفح. فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نوره، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر "، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم، فأي المِدَّتَيْنِ غَلَبَتْ على الأخرى غَلَبَتْ عليه " (2) .   (1) انظر: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/10) . (2) رواه الإمام أحمد في مسنده (3/17) ، والطبراني في الصغير (ح1075) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء (4/385) ، وقال أبو نعيم: غريب من حديث عمرو، تفرد به شيبان عن ليث. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/63) وقال: رواه أحمد والطبراني في الصغير، وفي إسناده ليث بن أبي سُلَيم. ... وذكره ابن كثير في تفسيره (1/59) وقال: وهذا إسناد جيد حسن. ... وقال محققو مسند الإمام أحمد (17/208-209) : إسناده ضعيف لضعف ليث، وهو ابن أبي سُليم، ولانقطاعه، أبو البختري وهو سعيد بن فيروز لم يدرك أبا سعيد الخدري، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 339 وقد بيّن ابن القيم رحمه اللَّه معنىهذه القلوب فقال: (وقوله " قلب أجرد " أي متجرد مما سوى اللَّه ورسوله، فقد تجرد وسلم مما سوى الحق. و"فيه سراج يزهر" وهو مصباح الإيمان: فأشار بتجرده إلى سلامته من شبهات الباطل وشهوات الغي، وبحصول السراج فيه إلى إشراقه واستنارته بنور العلم والإيمان، وأشار بالقلب الأغلف إلى قلب الكافر، لأنه داخل في غلافه وغشائه، فلا يصل إليه نور العلم والإيمان، كما قال تعالى، حاكياً عن اليهود: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ((1) وهو جمع أغلف، وهو الداخل في غلافه، كقُلْف وأقلَف، وهذه الغشاوة هي الأكِنّة التي ضربها اللَّه على قلوبهم، عقوبة لهم على رد الحق والتكبر عن قبوله. فهي أكِنَّة على القلوب وَوَقرٌ في الأسماع، وعمىً في الأبصار، وهي الحجاب المستور عن العيون في قوله تعالى: (وَإذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً. وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً ((2) . فإذا ذكر لهذه القلوب تجريد التوحيد وتجريد المتابعة، ولَّى أصحابها على أدبارهم نفوراً. وأشار بالقلب المنكوس -وهو المكبوب- إلى قلب المنافق، كما قال تعالى: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ واللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ((3) . أي نكسهم وردهم في الباطل الذي كانوا فيه، بسبب كسبهم وأعمالهم الباطلة. وهذا شر القلوب وأخبثها، فإنه يعتقد الباطل حقاً ويوالي أصحابه، والحق باطلاً ويعادي أهله، فاللَّه المستعان.   (1) سورة البقرة، الآية: 88. (2) سورة الإسراء، الآيتان: 45، 46. (3) سورة النساء، الآية: 88. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 340 وأشار بالقلب الذي له مادتان إلى القلب الذي لم يتمكن فيه الإيمان ولم يزهر فيه سراجه، حيث لم يتجرد للحق المحض الذي بعث اللَّه به رسوله، بل فيه مادة منه ومادة من خلافه، فتارة يكون للكفر أقرب منه للإيمان، وتارة يكون للإيمان أقرب منه للكفر. والحكم للغالب وإليه يرجع) (1) . وقال رحمه اللَّه في موضع آخر: (القلوب ثلاثة: قلب قاسٍ غليظ بمنزلة اليد اليابسة وقلب مائع رقيق جداً. فالأول: لا ينفعل بمنزلة الحجر، والثاني بمنزلة الماء، وكلاهما ناقص وأصحُّ القلوب القلب الرقيق الصافي الصلب، فهو يرى الحق من الباطل بصفائه ويقبله ويُؤْثِره برقّته ويحفظه، ويحارب عدوه بصلابته ... وأبغض القلوب إلى اللَّه القلب القاسي، قال تعالى: (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللَّه ((2) (3) . الفصل الثاني: حياة القلوب ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: بيان حقيقة حياة القلب وصحته. المبحث الثاني: ذكر أسباب حياة القلب وصحته. المبحث الأول: بيان حقيقة حياة القلب وصحته تقدم في المبحث الأول من التمهيد الحديث عن وجوب الاعتناء والاهتمام بحياة القلب وأن القلب مَلِكُ الأعضاء، وبقيُّة الأعضاءِ جنوده.. كما ورد في الحديث الصحيح " ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (4) .   (1) إغاثة اللهفان (1/12-13) . (2) سورة الزمر، الآية: 22. (3) انظر: الروح (ص539) . (4) متفق عليه وهذا جزء من الحديث الذي رواه النعمان بن بشير رضي اللَّه عنه، وقد تقدم تخريجه في صفحة (10) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 341 قال ابن رجب رحمه اللَّه: (وأن صلاح حركات العبد بجوارحه واجتنابه للمحرمات واتِّقاءه للشّبهات بحسب صلاح حركة قلبه، فإن كان قلبه سليماً ليس فيه إلاَّ محبة اللَّه ومحبة ما يحبه اللَّه، وخشية اللَّه وخشية الوقوع فيما يكرهه صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرّمات كلها وتوقى الشبهات حذراً من الوقوع في المحرمات، وإن كان القلب فاسداً، قد استولى عليه اتِّباع هواه، وطلب ما يحبه، ولو كرهه اللَّه، فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب ... ) (1) . مما سبق يتبين لنا أهمية حياة القلب وصحته وأن الجوارح تابعة له، فما المقصود بحياة القلب وصحته؟ قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (واعلم أن حياة القلب وحياة غيره ليست مجرد الحس والحركة الإرادية، أو مجرد العلم والقدرة كما يظن ذلك طائفة من النظار في علم اللَّه وقدرته، كأبي الحسين البصري، قالوا: إن حياته أنه بحيث يعلم ويقدر، بل الحياة صفة قائمة بالموصوف، وهي شرط في العلم والإرادة والقدرة على الأفعال الاختيارية، وهي أيضاً مستلزمة لذلك، فكل حي له شعور وإرادة وعمل اختياري بقدرة، وكل ما له علم وإرادة وعمل اختياري، فهو حي.   (1) انظر: جامع العلوم والحكم (1/210) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 342 والحياء مشتق من الحياة (1) : فإن القلب الحي يكون صاحبه حياً فيه حياء يمنعه عن القبائح، فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب، ولهذا قال النَّبِيّ (: " الحياء (2) من الإيمان " (3) ، وقال: "الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق" (4) .   (1) ... انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/471) . (2) جَعل الحَياء، وهو غريزة، من الإيمان وهو اكتساب، لأن المستحيي ينقطع بحيائه عن المعاصي، وإن لم تكن له تقيّة، فصار كالإيمان الذي يقطع بينها وبينه، وإنما جعل بعضه لأن الإيمان ينقسم إلى ائتمار بما أمر اللَّه به، وانتهاء عما نهى اللَّه عنه فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان بعض الإيمان. انظر النهاية في غريب الحديث والأثر (1/470) . (3) متفق عليه، فقد رواه البخاري في صحيحه (1/11) كتاب الإيمان، باب الحياء من الإيمان، ومسلم في صحيحه (1/63) كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان (ح59) من طريق سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول اللَّه (مرّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول اللَّه (: "دعه فإن الحياء من الإيمان ". (4) هذا الحديث رواه أبو أمامة الباهلي رضي اللَّه عنه عن النَّبِيّ (فذكر الحديث. ... وقد أخرجه أحمد في مسنده (5/269) ، والترمذي في سننه (4/375) ، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في العِيّ (ح2027) ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، والحاكم في المستدرك (1/8-9) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 343 فإن الحي يدفع ما يؤذيه: بخلاف الميت الذي لا حياة فيه فإنه يسمى وقحا، والوقاحة الصلابة (1) وهو اليبس المخالف لرطوبة الحياة، فإذا كان وقحاً يابساً صليب الوجه لم يكن في قلبه حياة توجب حياءه، وامتناعه من القبح كالأرض اليابسة لا يؤثر فيها وطء الأقدام، بخلاف الأرض الخضرة. ولهذا كان الحي يظهر عليه التأثر بالقبح، وله إرادة تمنعه عن فعل القبح، بخلاف الوقح الذي ليس بحي فلا حياء معه ولا إيمان يزجره عن ذلك، فالقلب إذا كان حياً فمات الإنسان بفراق روحه بدنه كان موت النفس فراقها للبدن، ليست هي في نفسها ميتة بمعنى زوال حياتها عنها. ولهذا قال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ ((2) ، وقال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ ((3) ، مع أنهم موتى داخلون في قوله: (كل نَفْس ذَائِقَةُ المَوْت ((4) وفي قوله: (إنَّكَ مَيِّتٌ وإنَّهُمْ مَيِّتُون ((5) ، وقوله: (وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ((6) فالموت المثبت غيرا لموت المنفي، المثبت هو فراق الروح البدن، والمنفي: زوال الحياة بالجملة عن الروح والبدن..) (7) .   (1) انظر: المصباح المنير (2/667) ، والقاموس المحيط ص316. (2) سورة البقرة، الآية: 154. (3) سورة آل عمران، الآية: 169. (4) سورة آل عمران، الآية: 185. (5) سورة الزمر، الآية: 30. (6) سورة الحج، الآية: 66. (7) مجموع الفتاوى (10/109-110) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 344 وقد بين ابن القيم رحمه اللَّه أيضاً حقيقة حياة القلب وسعادته وفلاحه وذلك بأن يكون اللَّه وحده هو غاية طلبه ونهاية قصده فقال: (وإنما كان جمع القلب على اللَّه والخواطر على السير إليه: حياة حقيقية؛ لأن القلب لا سعادة له، ولا فلاح ولا نعيم، ولا فوز ولا لذة، ولا قرة عين إلاَّ بأن يكون اللَّه وحده هو غاية طلبه ونهاية قصده، ووجهه الأعلى هو كل بغيته، فالتفرقة المتضمنة للإعراض عن التوجه إليه، واجتماع القلب عليه: هي مرضه، إن لم يمت منها) (1) . وذكر ابن القيم رحمه اللَّه في موضع آخر أن حياة القلب وإضاءته مادة كل خير فيه وموته وظلمته مادة كل شر فيه وأن حقيقة حياة القلب الصحيح أنها إذا عرضت عليه القبائح نفر منها بطبعه وأبغضها فقال:   (1) مدارج السالكين (3/317) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 345 (أصل كل خير وسعادة للعبد، بل لكل حي ناطق: كمال حياته ونوره، فالحياة والنور مادة الخير كله، قال اللَّه تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ((1) فجمع بين الأصلين: الحياة، والنور، فبالحياة تكون قوته، وسمعه وبصره، وحياؤه وعفته، وشجاعته وصبره، وسائر أخلاقه الفاضلة، ومحبته للحسن، وبغضه للقبيح. فكلما قويت حياته قويت فيه هذه الصفات، وإذا ضعفت حياته ضعفت فيه هذه الصفات؛ وحياؤه من القبائح هو بحسب حياته في نفسه، فالقلب الصحيح الحي إذا عُرضت عليه القبائح نفر منها بطبعه، وأبغضها، ولم يلتفت إليها؛ بخلاف القلب الميت، فإنه لا يفرق بين الحسن والقبيح، كما قال عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه: " هلك من لم يكنْ له قلبٌ يعرفُ به المعروف وينكر به المنكر" (2)) (3) . وذكر ابن القيم رحمه اللَّه علامات كثيرة لصحة القلب، فقال: (ومن علامات صحته أن يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة، ويحل فيها، حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها، جاء إلى هذه الدار غريباً يأخذ منها حاجته، ويعود إلى وطنه ... وكلما صح القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة وقرب منها حتى يصير من أهلها، وكلما مرض القلب واعتل آثر الدنيا واستوطنها، حتى يصير من أهلها.   (1) سورة الأنعام، الآية: 122. (2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (9/112) (ح8564) من طريق سفيان، عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، قال جاء عتريس بن عرقوب الشيباني إلى عبد اللَّه فقال: هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر، فقال: بل هلك من لم يعرف قلبه المعروف، وينكر قلبه المنكر، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/275) ، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (3) إغاثة اللهفان (1/20) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 346 ومن علامات صحة القلب أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى اللَّه ويخبت إليه، ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه، الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلاَّ برضاه وقربه والأنس به، فيه يطمئن، وإليه يسكن، وإليه يأوي، وبه يفرح، وعليه يتوكل، وبه يثق، وإياه يرجو، وله يخاف، فذكره قوته، وغذاؤه، ومحبته، والشوق إليه حياته ونعيمه ولذته وسروره، والالتفات إلى غيره والتعلق بسواه داؤه، والرجوع إليه دواؤه، فإذا حصل له ربه سكن إليه واطمأن به، وزال ذلك الاضطراب والقلق، وانسدت تلك الفاقة، فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى اللَّه تعالى أبداً، وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له، وعبادته وحده، فهو دائماً يضرب على صاحبه، حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده، فحينئذٍ يباشر روح الحياة، ويذوق طعمها، ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذي له خلق الخلق، ولأجله خلقت الجنة والنار، وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب، ولو لم يكن جزاء إلاَّ نفس وجوده لكفى به جزاء وكفى بفوته حسرة وعقوبة. قال بعض العارفين: " مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها؛ قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة اللَّه والأنس به والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره وطاعته ... إلى أن قال: ومن علامات صحة القلب: أن لا يفتر عن ذكر ربه، ولا يسأم من خدمته، ولا يأنس بغيره؛ إلاَّ بمن يدله عليه، ويذكره به، ويذاكره بهذا الأمر. ومن علامات صحته: أنه إذا فاته ورده وجد لفواته ألماً أعظم من تألم الحريص بفوات ماله وفقده. ومن علامات صحته: أنه يشتاق إلى الخدمة، كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب. ومن علامات صحته: أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا، واشتد عليه خروجه منها، ووجد فيها راحته ونعيمه، وقرت عينه وسرور قلبه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 347 ومن علامات صحته: أن يكون همه واحداً، وأن يكون في اللَّه. ومن علامات صحته: أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعاً من أشد الناس شحاً بماله. ومنها: أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل، فيحرص على الإخلاص فيه والنصيحة والمتابعة والإحسان، ويشهد مع ذلك مِنَّة اللَّه عليه فيه وتقصيره في حق اللَّه. فهذه ست مشاهد لا يشهدها إلاَّ القلب الحي السليم. وبالجملة فالقلب الصحيح: هو الذي همَّه كله في اللَّه، وحبه كله له، وقصده له، وبدنه له، وأعماله له، ونومه له، ويقظته له، وحديثه والحديث عنه أشهى إليه من كل حديث. وأفكاره تحوم على مراضيه ومحابِّه: الخلوة به آثر عنده من الخلطة إلاَّ حيث تكون الخلطة أحب إليه وأرضى له، قُرَّة عينه به، وطمأنينته وسكونه إليه) (1) . وقال ابن القيم رحمه اللَّه في قصيدته المسماة الكافية الشافية: فالقلب مضطر إلى محبوبه الأعلى فلا يغنيه حب ثان وصلاحه وفلاحه ونعيمه تجريد هذا الحب للرحمن فإذا تخلى منه أصبح حائرا ويعود في ذا الكون ذا هيمان (2) المبحث الثاني: ذكر أسباب حياة القلب وصحته لما علمنا أن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب، وأن القلب الصحيح الحيَّ إذا عُرضت عليه القبائح نفَر منها بطبعه، وأبغضها ولم يَلتفت إليها، بخلاف القلب الميت، فإنه لا يفرّق بين الحسن والقبيح ... وجب علينا معرفة أسباب حياة القلب وصحته، ومن هذه الأسباب ما يلي: 1 - قراءة القرآن الكريم وتدبره:   (1) انظر: إغاثة اللهفان (1/70-73) . (2) انظر: شرح القصيدة النونية (2/447) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 348 قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ((1) ، فأخبر سبحانه وتعالى أن حياتنا إنما هي باستجابتنا لما يدعونا إليه اللَّه والرسول من العلم والإيمان، فعلم أن موت القلب وهلاكه بفقد ذلك (2) . قال شيخ الإسلام: (وفيه من الحكمة والموعظة لحسنة بالترغيب والترهيب والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب، فيرغب القلب فيما ينفعه ويرغب عما يضره، فيبقى القلب محباً للرشاد مبغضاً للغي، بعد أن كان مريداً للغي مبغضاً للرشاد. فالقرآن مزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة حتى يصلح القلب فتصلح إرادته، ويعود إلى فطرته التي فُطر عليها كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي، ويغتذي القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويؤيده كما يغتذي البدن بما يُنَميّه ويقومه، فإن زكاة القلب مثل نماء البدن. و" الزكاة في اللغة " النماء والزيادة في الصلاح. يقال: زكا الشيء إذا نما في الصلاح (3) ، فالقلبُ يحتاج أن يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح، كما يحتاج البدن أن يُرَبّى بالأغذية المصلحة له، ولابد مع ذلك من منع ما يضره، فلا ينمو البدن إلاَّ بإعطاء ما ينفعه ومنع ما يضره. كذلك القلب لا يزكو فينمو ويتم صلاحه إلاَّ بحصول ما ينفعه ودفع ما يضره، وكذلك الزرع لا يزكو إلاَّ بهذا) (4) . وقال ابن القيم رحمه اللَّه: (فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي، والقلب المريض بضد ذلك. وانفع الأغذية غذاء الإيمان، وأنفع الأدوية دواء القرآن، وكل منهما فيه الغذاء والدواء) (5) .   (1) سورة الأنفال، الآية: 24. (2) انظر: إغاثة اللهفان (1/22) . (3) انظر: لسان العرب (6/64-65) ، ومختار الصحاح ص273. (4) مجموع الفتاوى (10/95-96) . (5) إغاثة اللهفان (1/70) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 349 وقد بين ابن القيم رحمه اللَّه أن القلب يتغذى من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويقويه فقال: (فيتغذى القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويقويه، ويؤيده ويفرحه، ويسره وينشطه، ويثبت ملكه، كما يتغذى البدن بما ينميه ويقويه، وكل من القلب والبدن محتاج إلى أن يتربى فينمو ويزيد، حتى يكمل ويصلح، فكما أن البدن محتاج إلى أن يزكو بالأغذية المصلحة له والحمية عما يضره، فلا ينمو إلاَّ بإعطائه ما ينفعه، ومنع ما يضره، فكذلك القلب لا يزكو ولا ينمو، ولا يتم صلاحه إلاَّ بذلك، ولا سبيل له إلى الوصول إلى ذلك إلاَّ من القرآن، وإن وصل إلى شيء منه من غيره فهو نزر يسير، لا يحصل له به تمام المقصود) (1) . وبين رحمه اللَّه في موضع آخر أن القرآن هو الروح التي تحيا به القلوب فقال: (وأخبر أن كتابه الذي أنزله على رسوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم متضمن للأمرين، فهو روح تحيا به القلوب، ونور تستضيء وتشرق به، كما قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ((2) أي أومن كان كافراً ميت القلب، مغموراً في ظلمة الجهل: فهديناه لرشده، ووفقناه للإيمان، وجعلنا قلبه حيا بعد موته، مشرقاً مستنيراً بعد ظلمته ...   (1) إغاثة اللهفان (1/46) . (2) سورة الأنعام، الآية: 122. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 350 إلى أن قال: والمقصود: أن صلاح القلب وسعادته وفلاحه موقوف على هذين الأصلين. قال تعالى: (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا ((1) فأخبر أن الانتفاع بالقرآن والإنذار به إنما يحصل لمن هو حي القلب، كما قال في موضع آخر: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ((2) (3) . وقال ابن القيم رحمه اللَّه لما ذكر هذه الآية: (فإذا حصل المؤثر، وهو القرآن، والمحل القابل، وهو القلب الحيّ، ووُجد الشرط، وهو الإصغاء، وانتفى المانع، وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيء آخر - حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر .... ) (4) . 2 - من أسباب حياة القلب ترك الفواحش والمعاصي: حياة القلب بدوام ذكر اللَّه، وترك الذنوب والمعاصي؛ لأن الذنوب أمراض القلوب وأدواؤها، ولا دواء إلاَّ تركها. قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (وكذلك ترك الفواحش يزكو بها القلب، وكذلك ترك المعاصي فإنها بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن، ومثل الدَّغل في الزرع، فإذا استفرغ البدن من الأخلاط الرديئة كاستخراج الدم الزائد تخلصت القوة الطبيعية واستراحت فينمو البدن، وكذلك القلب إذا تاب من الذنوب كان استفراغاً من تخليطاته، حيث خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فإذا تاب من الذنوب تخلصت قوة القلب وإراداته للأعمال الصالحة، واستراحَ القلبُ من تلك الحوادث الفاسدة التي كانت فيه) (5) .   (1) سورة يس، الآيتان: 69، 70. (2) سورة ق، الآية: 37. (3) انظر: إغاثة اللهفان (1/21-22) ولمزيد من الفائدة انظر مدارج السالكين (3/286-287) . (4) انظر: الفوائد ص16-17 (5) مجموع الفتاوى (10/96-97) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 351 وقال ابن القيم رحمه اللَّه: (وحياة القلب بدوام الذكر، وترك الذنوب كما قال عبد اللَّه ابن المبارك رحمه اللَّه (1) : رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يُورث الذّل إدمانهاوترك الذُّنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانُها (2) إلى أن قال: وكما أن اللَّه سبحانه جعل حياة البدن بالطعام والشراب، فحياة القلب: بدوام الذكر، والإنابة إلى اللَّه، وترك الذنوب، والغفلة الجاثمة على القلب والتعلق بالرذائل والشهوات المنقطعة عن قريب يضعف هذه الحياة، ولا يزال الضعف يتوالى عليه حتى يموت) (3) . 3- من أسباب حياة القلب: الصدقة وتزكية القلب: زكاة القلب موقوفة على طهارته، كما أن زكاة البدن موقوفة على استفراغه من أخلاطه الرديئة الفاسدة، والتوحيد: شهادة أن لا إله إلاَّ اللَّه والإيمان هما اللذان يزكو بهما القلب.   (1) هو عبد اللَّه بن المبارك المروزي، مولى بني حنظلة، ثقة ثبت فقيه عالم، جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، مات سنة 181هـ، وله ثلاث وستون سنة. ... تقريب التهذيب لابن حجر 320، الكاشف للذهبي (2/110) . (2) انظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/165) . (3) انظر: مدارج السالكين (3/292) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 352 قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: " والصدقة " لما كانت تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار صار القلب يزكو بها، وزكاته معنى زائد على طهارته من الذنب. قال اللَّه تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ((1) ... إلى أن قال: فزكاة القلب بحيث ينمو ويكمل. قال تعالى: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا ((2) ... فالتزكية وإن كان أصلها النّماء والبركة (3) وزيادة الخير، فإنما تحصل بإزالة الشر؛ فلهذا صار التزكي يجمع هذا وهذا. وقال: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ((4) وهي التوحيد والإيمان الذي به يزكو القلب، فإنه يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب، وإثبات إلهية الحق في القلب، وهو حقيقة لا إله إلاَّ اللَّه. وهذا أصل ما تزكو به القلوب. والتزكية جعلُ الشيء زكياً: إما في ذاته، وإما في الاعتقاد والخبر، كما يقال عَدَّلته، إذا جعلته عدلاً في نفسه، أو في اعتقاد الناس، قال تعالى: (فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ((5) أي تخبروا بزكاتها (6) . وقال ابن القيم رحمه اللَّه: (ولما كانت حياته ونعيمه لا تتم إلاَّ بزكاته وطهارته لم يكن بد من ذكر هذا وهذا، فنقول:   (1) سورة التوبة، الآية: 103. (2) سورة النور، الآية: 21. (3) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (2/307) . (4) سورة فصلت، الآيتان: 6، 7. (5) سورة النجم، الآية: 32. (6) انظر: مجموع الفتاوى (10/96-97) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 353 الزكاة في اللغة: هي النماء والزيادة في الصلاح، وكمال الشيء، يقال: زكا الشيء إذا نما، قال اللَّه تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ((1) ، فجمع بين الأمرين: الطهارة والزكاة، لتلازمهما. فإن نجاسة الفواحش والمعاصي في القلب بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن، وبمنزلة الدغَل (2) في الزرع، وبمنزلة الخبث في الذهب والفضة والنحاس والحديد، فكما أن البدن إذا استفرغ من الأخلاط الرديئة تخلصت القوة الطبيعية منها فاستراحت فعملت عملها بلا معوق ولا ممانع، فما البدن، فكذلك القلب إذا تخلص من الذنوب بالتوبة فقد استفرغ من تخليطه، فتخلصت قوة القلب وإرادته للخير، فاستراح من تلك الجواذب الفاسدة والمواد الرديئة زكا ونما وقوى واشتد ... إلى أن قال:   (1) سورة التوبة، الآية: 103. (2) أصل الدَّغَل: الشجر الملتف الذي يكمن أهل الفساد فيه، وقيل: هو من قولهم أدغلت في هذا الأمر إذا أدخلت فيه ما يخالفه ويفسده. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/123) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 354 وقال تعالى: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ((1) ، قال أكثر المفسرين من السلف (2) ومن بعدهم: هي التوحيد: شهادة أن لا إله إلاَّ اللَّه، والإيمان الذي به يزكو القلب، فإنه يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب، وذلك طهارته، وإثبات إلهيته سبحانه، وهو أصل كل زكاة ونماء، فإن التزكي - وإن كان أصله النماء والزيادة والبركة - فإنه إنما يحصل بإزالة الشر. فلهذا صار التزكي ينتظم الأمرين جميعاً. فأصل ما تزكو به القلوب والأرواح: هو التوحيد، والتزكية جعل الشيء زكيا، إما في ذاته، وإما في الاعتقاد والخبر عنه، كما يقال: عَدَّلته وفسَّقته، إذا جعلته كذلك في الخارج، أو في الاعتقاد والخبر ... ) (3) . 4 - من أسباب حياة القلب وصحته: الأعمال الصالحة: فالعمل الصالح له أثر في صحة القلب ونفعه، قال مطرف بن عبد اللَّه رحمه اللَّه (4) : (صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية) (5) .   (1) سورة فصلت، الآيتان: 6، 7. (2) كابن عباس وعكرمة. انظر: تفسير ابن جرير الطبري (24/92-93) ، وتفسير ابن كثير (4/99) . (3) انظر: إغاثة اللهفان (1/46-49) . (4) هو مطرف بن عبد اللَّه بن الشّخِّير، أبو عبد اللَّه البصري، ثقة عابد فاضل مات سنة (195هـ) . انظر: حلية الأولياء (2/198) ، وتقريب التهذيب ص534. (5) حلية الأولياء (2/199) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 355 وقال شيخ الإسلام: والعمل له أثر في القلب من نفع وضر وصلاح قبل أثره في الخارج، فصلاحها عدل لها، وفسادها ظلم لها، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ((1) ، وقال تعالى: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ((2) . قال بعض السلف: إن للحسنة لنوراً في القلب، وقوة في البدن، وضياءً في الوجه، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة لظلمة في القلب، وسواداً في الوجه ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق (3) (4) . وقال شيخ الإسلام في موضع آخر: (فصحة القلب بالإيمان تحفظ بالمثل، وهو ما يورث القلب إيماناً من العلم النافع والعمل الصالح فتلك أغذية له) (5) . وقال ابن القيم رحمه اللَّه: (فكذلك القلب لا تتم حياته إلاَّ بغذاء من الإيمان والأعمال الصالحة تحفظ قوته) (6) . 5 - من أسباب حياة القلب وصحته: العدل: قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (و " العدل " هو الاعتدال، والاعتدال هو صلاح القلب، كما أن الظلم فساده، ولهذا جميع الذنوب يكون الرجل فيها ظالماً لنفسه، والظلم خلاف العدل فلم يعدل على نفسه؛ بل ظلمها، فصلاح القلب في العدل، وفساده في الظلم، وإذا ظلم العبد نفسه فهو الظالم وهو المظلوم، كذلك إذا عدل فهو العادل والمعدول عليه، فمنه العمل وعليه تعود ثمرة العمل من خير وشر. قال تعالى: (مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ((7) ...   (1) سورة فصلت، الآية: 46. (2) سورة الإسراء، الآية: 7. (3) رواه أبو نعيم بنحوه في حلية الأولياء (2/161) عن أنس رضي اللَّه عنه. (4) مجموع الفتاوى (10/98-99) . (5) مجموع الفتاوى (10/136) . (6) الجواب الكافي (ص167) . (7) سورة البقرة، الآية: 286. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 356 إلى أن قال رحمه اللَّه: كما أن الجسد إذا صح من مرضه قيل: قد اعتدل مزاجه، والمرض إنما هو بإخراج المزاج، مع أن الاعتدال المحض السالم من الأخلاط لا سبيل إليه، لكن الأمثل، فالأمثل، فهكذا صحة القلب وصلاحه في العدل، ومرضه من الزيغ والظلم والانحراف. والعدل المحض في كل شيء متعذر علماً وعملاً. ولكن الأمثل فالأمثل ... ) (1) . 6 - من أسباب حياة القلب وصحته: أن يستقرّ فيه معرفة اللَّه وعظمته، ومحبته وخشيته والإنابة إليه ومهابته والتوكل عليه: قال سعيد بن إسماعيل رحمه اللَّه (2) : (صلاح القلب من أربع خصال: التواضع لله، والفقر إلى اللَّه، والخوف من اللَّه، والرجاء لله ... ) (3) . وقال ابن القيم رحمه اللَّه: (فكيف بالمحبة التي هي حياة القلوب وغذاء الأرواح؟ وليس للقلب لذة ولا نعيم ولا فرح ولا حياة إلاَّ بها، وإذا فقدها القلب كان ألمه أعظم من ألم العين إذا فقدت نورها ... بل فساد القلب إذا خلا من محبة فاطره وبارئه إلهه الحق أعظم من فساد البدن إذا خلا من الروح، وهذا الأمر لا يصدق به إلاَّ من في قلبه حياة وما لجرح بميت إيلام) (4) .   (1) انظر: مجموع الفتاوى (10/98-99) . (2) هو أبو عثمان سعيد بن إسماعيل بن سعيد الحيري، قال أبو نعيم: كان حميد الأخلاق، مديد الأرفاق، مات سنة (298) هـ. حلية الأولياء (10/244) ، وصفة الصفوة (2/939) . (3) حلية الأولياء (10/244) . (4) انظر: الجواب الكافي ص330. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 357 وقال ابن القيم رحمه اللَّه في موضع آخر: (فالقلب لا يفلح ولا يصلح ولا يتنعم ولا يبتهج ولا يلتذ ولا يطمئن ولا يسكن، إلاَّ بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه، ولو حصل له جميع ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن إليها، ولم يسكن إليها، بل لا تزيده إلاَّ فاقة وقلقاً حتى يظفر بما خُلق له وهُيّيء له: من كون اللَّه وحده نهاية مراده، وغاية مطالبه .... وكلما تمكنت محبة اللَّه من القلب وقويت فيه أخرجت منه تألهُّه لما سواه وعبوديته له) (1) . وقال ابن رجب رحمه اللَّه: (فلا صلاح للقلوب حتى تستقر فيها معرفة اللَّه وعظمته ومحبته وخشيته ومهابته ورجاؤه والتوكل عليه، وتمتلىء من ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد، وهو معنى " لا إله إلاَّ اللَّه "، فلا صلاح للقلوب حتى يكون إلهها الذي تألهه وتعرفه وتحبه وتخشاه هو اللَّه وحده لا شريك له، ولو كان في السماوات والأرض إله يُؤَلَّه سوى اللَّه، لفسدت بذلك السماوات والأرض، كما قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَاءَالِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ((2) (3) . 7 - من أسباب حياة القلب وصحته: أن يكون القلب مدركاً للحق مريداً له، مؤثراً له على غيره: قال ابن القيم رحمه اللَّه: (لما كان في القلب قوتان: قوة العلم والتمييز، وقوة الإرادة والحب، كان كماله وصلاحه باستعمال هاتين القوتين فيما ينفعه، ويعود عليه بصلاحه وسعادته. فكماله باستعمال قوة العلم في إدراك الحق، ومعرفته، والتمييز بينه وبين الباطل، وباستعمال قوة الإرادة والمحبة في طلب الحق ومحبته وإيثاره على الباطل. فمن لم يعرف الحق فهو ضال، ومن عرفه وآثر غيره عليه فهو مغضوب عليه، ومن عرفه واتبعه فهو مُنعَم عليه.   (1) انظر: إغاثة اللهفان (2/198) . (2) سورة الأنبياء، الآية: 22. (3) جامع العلوم والحكم (1/211) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 358 وقد أمرنا اللَّه سبحانه وتعالى أن نسأله في صلاتنا أن يهدينا صراط الذين أنعم اللَّه عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، ولهذا كان النصارى أخصَّ بالضلال، لأنهم أمة جهل. واليهود أخص بالغضب، لأنهم أمة عناد، وهذه الأمة هم المنعم عليهم، ولهذا قال سفيان بن عيينة (1) " من فسد من عُبَّادنا ففيه شبه من النصارى، ومن فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود" (2) ؛ لأن النصارى عبدوا بغير علم، واليهود عرفوا الحق وعدلوا عنه.. إلى أن قال رحمه اللَّه: وينبغي أن تعرف أن هاتين القوتين لا تتعطلان في القلب، بل إن استعمل قوته العلمية في معرفة الحق وإدراكه، وإلا استعملها في معرفة ما يليق به ويناسبه من الباطل، وإن استعمل قوته الإرادية العملية في العمل به، وإلا استعملها في ضده) (3) . 8 - من أسباب حياة القلب وصحته: جمع القلب على اللَّه: قال ابن القيم رحمه اللَّه: (وإنما كان جمع القلب على اللَّه والخواطر على السير إليه: حياة حقيقية؛ لأن القلب لا سعادة له، ولا فلاح ولا نعيم، ولا فوز ولا لذة، ولا قُرَّة عين إلاَّ بأن يكون اللَّه وحده هو غاية طلبه، ونهاية قصده، ووجهه الأعلى: هو كل بغيته. فالتفرقة المتضمنة للإعراض عن التوجه إليه، واجتماع القلب عليه: هي مرضه، إن لم يمت منها) (4) . 9 - ومن أسباب حياة القلب وصحته: مخالفة اليهود والنصارى في الأعمال والأقوال:   (1) هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران: ميمون الهلالي، أبو محمد الكوفي ثم المكي، ثقة حافظ فقيه إمام حجة، مات سنة (198هـ) ، وله إحدى وتسعون سنة. تقريب التهذيب (245) ، الكاشف للذهبي (1/301) . (2) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية (1/79) . (3) انظر: إغاثة اللهفان (1/24-25) . (4) مدراج السالكين (3/317) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 359 قال شيخ الإسلام: (وكلما كان القلب أتمَّ حياة، وأعرف بالإسلام - الذي هو الإسلام، لست أعني مجرد التوسم به ظاهراً، أو باطناً بمجرد الاعتقادات، من حيث الجملة - كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً وظاهراً أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد) (1) . وأختم هذا المبحث بقول ابن الجوزي رحمه اللَّه (2) : (من رزق قلباً طيباً، ولذة مناجاة، فليراع حاله، وليحترز من التغيير، وإنما تدوم له حاله بدوام التقوى) (3) . الفصل الثالث:أمراض القلوب ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: أنواع مرض القلوب وعلامة ذلك. المبحث الثاني: في انقسام أدوية أمراض القلب إلى طبيعية وشرعية. المبحث الأول:أنواع مرض القلوب، وعلامة ذلك تقدم في المبحث الثاني من الفصل الأول تعريف مرض القلب وأنه نوع فسادٍ يحصل له، يفسد به تصوره، وإرادته، فتصوره: بالشبهات التي تعرض له حتى لا يرى الحق، أو يراه على خلاف ما هو عليه، وإرادته: بحيث يبغض الحق النافع ويحب الباطل الضار..   (1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/94) . (2) جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي، الإمام الحافظ، المفسر، الفقيه، الواعظ، الأديب، مات سنة (597هـ) ، وله مصنفات كثيرة مشهورة. ... انظر: تذكرة الحفاظ (4/1342) ، والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (1/399-433) . (3) صيد الخاطر ص508، ولابن الجوزي رحمه اللَّه أيضاً كلام جيد في بيان الطريق إلى صلاح القلب. انظر: صيد الخاطر ص80-81. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 360 وقد بين شيخ الإسلام رحمه اللَّه مرض القلب وأن سببه ضعف الإيمان فقال: (والمرض في القلب كالمرض في الجسد، فكما أن هذا هو إحالة عن الصحة والاعتدال من غير موت، فكذلك قد يكون في القلب مرض يحيله عن الصحة والاعتدال، من غير أن يموت القلب، سواء أفسد إحساس القلب وإدراكه، أو أفسد عمله وحركته وذلك - كما فسروه- هو من ضعف الإيمان، إما بضعف علم القلب واعتقاده، وأما بضعف عمله وحركته. فيدخل فيه من ضعف تصديقه، ومن غلب عليه الجبن والفزع، فإن أدواء القلب من الشهوة المحرمة والحسد والجبن والبخل وغير ذلك، كلها أمراض، وكذلك الجهل والشكوك والشبهات التي فيه ... ) (1) . وقال رحمه اللَّه في موضع آخر: (وإذا حصل في القلب مرض من الشبهات والشهوات أزيل ذلك بضده، ولا يحصل المرض إلاَّ لنقص أسباب الصحة، كذلك القلب لا يمرض بالشهوات والشبهات إلاَّ لنقص إيمانه وعبادته لربه ... ) (2) . ثم ذكر شيخ الإسلام رحمه اللَّه في موضع آخر أنواعاً من أمراض القلوب كالغيظ، والشك، والجهل، ومرض الشهوة، ومرض الشبهة ... فقال: (و " مرض القلب " ألمٌ يَحصلُ في القلب كالغيظ من عدو استولى عليك، فإن ذلك يؤلم القلب. قال اللَّه تعالى: (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ((3) فشفاؤهم بزوال ما حصل في قلوبهم من الألم، ويقال: فلان شفي غيظه، وفي القود استشفاء أولياء المقتول، ونحو ذلك. فهذا شفاء من الغم والغيظ والحزن، وكل هذه آلام تحصل في النفس.   (1) مجموع الفتاوى (28/448) . (2) رسالة في تزكية النفس لابن تيمية (ص56) تحقيق محمد سعيد القحطاني. (3) سورة التوبة، الآيتان: 14، 15. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 361 وكذلك " الشك، والجهل " يؤلم القلب ... والشاك في الشيء المرتاب فيه يتألم قلبه، حتى يحصل له العلم واليقين، ويقال للعالم الذي أجاب بما يبين الحق: قد شفاني بالجواب ... وقال: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ((1) ، كما قال تعالى: (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ((2) لم تمت قلوبهم، كموت الكفار والمنافقين، وليست صحيحة صالحة كصلاح قلوب المؤمنين، بل فيها مرض شُبهة وشهوات، وكذلك (فَيَطْمَع الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ((3) وهو مرض الشهوة، فإن القلب الصحيح لو تعرضت له المرأة لم يلتفت إليها، بخلاف القلب المريض بالشهوة فإنه لضعفه يميل إلى ما يعرض له من ذلك بحسب قوة المرض وضعفه، فإذا خضعن بالقول طمع الذي في قلبه مرض ... ) (4) . وقد بين ابن القيم رحمه اللَّه أيضاً حقيقة مرض القلب ... وأنواعه كمرض الشبهات والشكوك والجهل، ومرض الشهوات ... فقال: مرض القلب نوعان: نوع لا يتألم به صاحبه في الحال، وهو النوع المتقدم، كمرض الجهل، ومرض الشبهات والشكوك، ومرض الشهوات، وهذا النوع من أعظم النوعين ألماً ولكن لفساد القلب لا يُحس بالألم، ولأن سكرة الجهل والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم، وإلا فألمه حاضر فيه حاصل له، وهو متوارٍ عنه باشتغاله بضده، وهذا أخطر المرضين وأصعبهما ... والنوع الثاني: مرض مؤلم له في الحال كالهمِّ والحَزَنِ والغيظ) (5) . وقال في موضع آخر: (ومرض القلوب نوعان: مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغي وكلاهما في القرآن ... ) (6) . هذا مجمل أمراض القلوب وسأذكر بعضاً منها بشيء من التفصيل. مرض الحسد:   (1) سورة الأحزاب، الآية: 60. (2) سورة المدثر، الآية: 31. (3) سورة الأحزاب، الآية: 32. (4) انظر: مجموع الفتاوى (10/94-95) . (5) انظر: إغاثة اللهفان (1/17-18) . (6) زاد المعاد 3/63. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 362 قال أبو حامد الغزالي رحمه اللَّه: (اعلم أنه لا حسد إلاَّ على نعمة، فإذا أنعم اللَّه على أخيك بنعمة فلك فيها حالتان: إحداهما: أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها، وهذه الحالة تسمى حسداً فالحسد حدّه كراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه. الحالة الثانية: أن لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها ولكن تشتهى لنفسك مثلها. وهذه تسمى غبطة، وقد تختص باسم المنافسة. وقد تسمى المنافسة حسداً والحسد منافسة ويوضع أحد اللفظين موضع الآخر، ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني) (1) . وقال ابن رجب رحمه اللَّه: (والحسد مركوز في طباع البشر، وهو أن الإنسان يكره أن يفوقه أحدٌ من جنسه في شيءٍ من الفضائل ... ) (2) . وقيل الحسد: أن يرى الرجل لأخيه نعمه فيتمنى أن تزول عنه وتكون له دونه. والغَبْط: أن يتمنّى أن يكون له مثلها ولا يتمنَّى زوالها عنه (3) . وقال ابن منظور: (الحسد: معروف، حَسَدَه يَحْسِده ويَحْسُدُه حسداً وحَسَّدَه إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما هو) (4) . وقال ابن القيم رحمه اللَّه: (والحسد خُلُق نفس ذميمة وضيعة ساقطة ليس فيها حرص على الخير فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها، وتتمنى أن لوفاته كسبُها حتى يساويها في العدم كما قال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ((5) ، فالحسود عدو النعمة، متمنٍّ زوالها عن المحسود كما زالت عنه هو ... والحسود يحب انحطاط غيره حتى يساويه في النقصان) (6) .   (1) إحياء علوم الدين (3/181) . (2) جامع العلوم والحكم (2/260-263) وقد ذكر رحمه اللَّه أقسام الناس في الحسد بتوسع فأجاد وأفاد فلتراجع. (3) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (1/383) . (4) لسان العرب (3/166) . (5) سورة النساء، الآية: 89. (6) انظر: الروح ص559. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 363 وقال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (ومن أمراض القلوب " الحسد " كما قال بعضهم في حده: إنه أذى يلحق بسبب العلم بحسن حال الأغنياء، فلا يجوز أن يكون الفاضل حسوداً؛ لأن الفاضل يجري على ما هو الجميل، وقد قال طائفة من الناس إنه تمني زوال النعمة عن المحسود، وإن لم يصر للحاسد مثلها، بخلاف الغبطة، فإنه تمني مثلها من غير حب زوالها عن المغبوط. والتحقيق أن الحسد هو البغض والكراهة لما يراه من حسن حال المحسود وهو نوعان: أحدهما: كراهة للنعمة عليه مطلقاً، فهذا هو الحسد المذموم، وإذا أبغض ذلك فإنه يتألم ويتأذى بوجود ما يبغضه، فيكون ذلك مرضاً في قلبه، ويلتذ بزوال النعمة عنه، وإن لم يحصل له نفع بزوالها، لكن نفعه زوال الألم الذي كان في نفسه، ولكن ذلك الألم لم يزل إلاَّ بمباشرة منه، وهو راحة فاسدة كالمريض الذي عُولج بما يسكّن وجعه والمرض باقٍ؛ فإن بُغضه لنعمة اللَّه على عبده مرض، فإن تلك النعمة قد تعود على المحسود وأعظم منها، وقد يحصل نظير تلك النعمة لنظير ذلك المحسود. والحاسد ليس له غرض في شيء معين؛ لكن نفسه تكره ما أنعم به على غيره. ولهذا قال من قال: إنه تمني زوال النعمة، فإن من كره النعمة على غيره تمنى زوالها بقلبه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 364 والنوع الثاني: أن يكره فضل ذلك الشخص عليه، فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه، فهذا حسد وهو الذي سموه الغبطة، وقد سماه النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم حسداً في الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود وابن عمر رضي اللَّه عنهما أنه قال: " لا حَسَد إلاَّ في اثنتين: رجل آتاه اللَّه الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه اللَّه مالاً وسلطه على هلكته في الحق " هذا لفظ ابن مسعود (1) . ولفظ ابن عمر " رجل آتاه اللَّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه اللَّه مالاً فهو ينفق منه في الحق آناء الليل والنهار " (2) . فهذا الحسد الذي نهى عنه النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم إلاَّ في موضعين هو الذي سماه أولئك: الغبطة، وهو أن يحب مثل حال الغير ويكره أن يفضل عليه. فإن قيل: إذاً لِمَ سُمي حسداً وإنما أحب أن ينعم اللَّه عليه؟ قيل: مبدأ هذا الحب هو نظره إلى إنعامه على الغير وكراهته أن يتفضل عليه، ولولا وجود ذلك الغير لم يحب ذلك، فلما كان مبدأ ذلك كراهته أن يتفضل عليه الغير كان حسداً؛ لأنه كراهة تتبعها محبة، وأما من أحب أن ينعم اللَّه عليه مع عدم التفاته إلى أحوال الناس فهذا ليس عنده من الحسد شيء.   (1) رواه البخاري في صحيحه (1/26) ، كتاب العلم، باب (15) الاغتباط في العلم والحكمة، ومسلم في صحيحه (1/559) ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، وفضل من تعلم حكمة من فقه أو غيره فعمل بها وعلمها (ح816) . (2) رواه البخاري في صحيحه (8/209) كتاب التوحيد، باب (45) قول النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم رجل آتاه اللَّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار..، ومسلم في صحيحه (1/558) ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه.. (ح815) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 365 ولهذا يبتلى غالب الناس بالقسم الثاني وقد تسمى: المنافسة (1) ، فيتنافس الاثنان في الأمر المحبوب المطلوب، كلاهما يطلب أن يأخذه، وذلك لكراهية أحدهما أن يتفضل عليه الآخر، كما يكره المستبقان كل منهما أن يسبقه الآخر، والتنافس ليس مذموماً مطلقاً، بل هو محمود في الخير. قال تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ((2) . فأمر المنافس أن ينافس في هذا النعيم، لا ينافس في نعيم الدنيا الزائل، وهذا موافق لحديث النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم فإنه نهى عن الحسد إلاَّ فيمن أوتي العلم، فهو يعمل به ويعلمه، ومن أوتي المال، فهو ينفقه. فأما من أوتي علماً ولم يعمل به ولم يعلمه، أو أوتي مالاً ولم ينفقه في طاعة اللَّه فهذا لا يُحسد ولا يُتمنى مثل حاله، فإنه ليس في خير يرغب فيه، بل هو معرض للعذاب ... والنفوس لا تحسد من هو في تعب عظيم، فلهذا لم يذكره ...   (1) قال ابن القيم رحمه اللَّه في كتابه الروح ص558، المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي تشاهد من غيرك فتنافسه فيه حتى تلحقه أو تجاوزه فهي من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر، قال تعالى: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ( [المطففين:26] ثم ذكر رحمه اللَّه كلاماً جيداً في الفرق بين المنافسة والحسد فليراجع لأهميته.. (2) سورة المطففين، الآيات: 22-26. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 366 والحسد في الأصل إنما يقع لما يحصل للغير من السؤدد والرياسة، وإلا فالعامل لا يحسد في العادة، ولو كان تنعمه بالأكل والشرب والنكاح أكثر من غيره، بخلاف هذين النوعين فإنهما يُحسدان كثيراً، ولهذا يوجد بين أهل العلم الذين لهم أتباع من الحسد ما لا يوجد فيمن ليس كذلك، وكذلك فيمن له أتباع بسبب إنفاق ماله، فهذا ينفع الناس بقوت القلوب وهذا ينفعهم بقوت الأبدان، والناس كلهم محتاجون إلى ما يصلحهم من هذا وهذا ... إلى أن قال: وأما الحسد المذموم كله فقد قال تعالى في حق اليهود: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ((1) يودون: أي يتمنون ارتدادكم حسداً، فجعل الحسد هو الموجب لذلك الود من بعد ما تبين لهم الحق، لأنهم لما رأوا أنكم قد حصل لكم من النعمة ما حصل؛ بل ما لم يحصل لهم مثله حسدوكم ... فالحاسد المبغض للنعمة على من أنعم اللَّه عليه بها ظالم معتدٍ، والكاره لتفضيله المحب لمماثلته منهي عن ذلك إلاَّ فيما يقربه إلى اللَّه، فإذا أحب أن يعطى مثل ما أعطى مما يقربه إلى اللَّه فهذا لا بأس به، وإعراض قلبه عن هذا بحيث لا ينظر إلى حال الغير أفضل. ثم هذا الحسد إن عمل بموجبه صاحبه كان ظالماً معتدياً مستحقاً للعقوبة إلاَّ أن يتوب، وكان المحسود مظلوماً مأموراً بالصبر والتقوى، فيصبر على أذى الحاسد، ويعفو ويصفح عنه، كما قال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ((2) .   (1) سورة البقرة، الآية: 109. (2) سورة البقرة، الآية: 109. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 367 إلى أن قال رحمه اللَّه: والمقصود أن " الحسد " مرض من أمراض النفس، وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلاَّ قليل من الناس، ولهذا يقال: ما خلا جسدٌ من حسدٍ، لكن اللئيم يبديه والكريم يخُفيه. وقد قيل للحسن البصري (1) : (أيَحسدُ المؤمن؟ فقال: ما أنساك إخوة يوسف لا أبالك؟ ولكن غمه في صدرك، فإنه لا يضرك ما لم تعد به يداً ولا لساناً) (2) (3) . والحسد المذموم له أسباب كثيرة وقد ذكر جملة منها أبو حامد الغزالي مع شرح هذه الأسباب فقال: (السبب الأول: العداوة والبغضاء وهذا أشدّ أسباب الحسد. السبب الثاني: التعزز وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره. السبب الثالث: الكبر، السبب الرابع: العجب، السبب الخامس: الخوف من فوت المقاصد المحبوبة، السبب السادس: حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصل إلى مقصود. السبب السابع: خبث النفس وشحها بالخير لعباد اللَّه تعالى ... ) (4) . مرض الشُّحُّ والبخل:   (1) هو الحسن بن أبي الحسن البصري ويكنى أبا سعيد، من علماء التابعين، جمع بين العلم والعمل والعبادة، وهو إمام البصرة، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وتوفي سنة 110هـ. انظر: طبقات ابن سعد (7/156) ، وحلية الأولياء (2/131) . (2) انظر: إحياء علوم الدين (3/180) . (3) انظر: مجموع الفتاوى (10/111-125) . (4) انظر: إحياء علوم الدين (3/184-185) . وقد ذكر رحمه اللَّه في موضع آخر أدوية نافعة جداً لعلاج مرض الحسد وقد بين أن الحسد ضرر على الحاسد في الدين والدنيا ... وأنه لا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم النافع والعمل الصالح ... إلخ، انظر: إحياء علوم الدين (3/187-190) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 368 قال ابن الأثير - رحمه اللَّه -: الشُّحُّ: أشد البخل وهو أبلغ في المنع من البخل وقيل هو البخل مع الحرص، وقيل البُخل في أفراد الأمور وآحادها، والشحُّ عام، وقيل البُخل بالمال، والشُّحُّ بالمال والمعروف ... ) (1) . وقيل: البُخل والبَخَل: لغتان وقرى بهما، والبَخْل والبُخول: ضد الكرم (2) . وقيل البخل: هو المنع من مال نفسه، والشح هو بخل الرجل من مال غيره، وقيل: البخل ترك الإيثار عند الحاجة (3) . قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (والشح مرض، والبخل مرض، والحسد شر من البخل ... وذلك أن البخيل يمنع نفسه، والحسود يكره نعمة اللَّه على عباده، وقد يكون في الرجل إعطاء لمن يعينه على أغراضه، وحسد لنظرائه، وقد يكون فيه بخل بلا حسد لغيره. والشح أصل ذلك.   (1) النهاية في غريب الحديث والأثر (2/448) ، ومختار الصحاح ص331. (2) لسان العرب (1/332) ، والقاموس المحيط ص1247. (3) انظر: كتاب التعريفات للجرجاني ص42-43. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 369 وقال تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ((1) ، وفي الصحيحين عن النَّبِيّ (أنه قال: " إياكم والشح، فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا" (2) .   (1) سورة الحشر، الآية 9، وسورة التغابن، الآية: 16. (2) لم اقف عليه في الصحيحين بهذا اللفظ، وقد أخرجه أحمد في مسنده (2/159، 191، 195) ، والطيالسي في مسنده (ح2272) ، والبيهقي في السنن الكبرى (10/243) ، والحاكم في المستدرك (1/11، 415) كلهم من طريق عمرو بن مُرّة، عن عبد اللَّه بن الحارث عن ابي كثير عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: " الظلم ظلمات يوم القيامة وإياكم والفحش فإن اللَّه لا يحب الفحش ولا التفحش، وإياكم والشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا ... " إلى آخر الحديث واللفظ لأحمد. ... وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقد ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/539) وقال: إسناده صحيح. ... وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد ص106-107 (ح490) ، ومسلم في صحيحه (4/1996) ، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم (ح2578) عن جابر بن عبد اللَّه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 370 وكان عبد الرحمن بن عوف (1) يكثر من الدعاء في طوافه يقول: اللهم! قني شح نفسي، فقال له رجل: ما أكثر ما تدعو بهذا؟ فقال: إذا وقيت شح نفسي وقيت الشح والظلم والقطيعة، والحسد يوجب الظلم. فالبخل والحسد مرض يوجب بغض النفس لما ينفعها، بل وحبها لما يضرها، ولهذا يُقرن الحسد بالحقد والغضب) (2) . وبعد أن تبين لنا أن الشح مرض من أمراض القلوب وأنه أشد البخل لابد أن تعلم أن هناك فرقاً بين الاقتصاد والاعتدال في الإنفاق والشح.. قال ابن القيم رحمه اللَّه: وأما الفرق بين الاقتصاد والشحّ، فإن الاقتصاد خُلُق محمودٌ، يتولّد من خُلُقين: عدل وحكمة، فبالعدل يعتدل في المنع والبذل، وبالحكمة يضع كل واحد منهما موضعه الذي يليق به، فيتولّد من بينهما الاقتصاد وهو وسط بين طرفين مذمومين كما قال الله تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ((3) . وأما الشح فهو خلق ذميم يتولد من سوء الظن وضعف النفس، ويمدّه وعد الشيطان حتى يصيره لمعتاد الهلع، والهلع شدّة الحرص على الشيء والشره به فتولد عنه المنع لبذله والجزع لفقده كما قال تعالى: (إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ((4) (5) .   (1) عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث القرشي الزهري، أحد العشرة، أسلم قديماً، ومناقبه شهيرة، مات سنة (32هـ) وقيل غير ذلك. البداية والنهاية لابن كثير (7/170) ، والإصابة (4/176) . (2) انظر: مجموع الفتاوى (10/128-129) . وقد ذكر الغزالي في إحياء علوم الدين (3/247) أن البخل سببه حب المال ولحب المال سببان: أحدهما: حب الشهوات ... والثاني: أن يحب عين المال ... إلخ، ثم ذكر علاج ذلك.. (3) سورة الإسراء، الآية: 29. (4) سورة المعارج، الآية: 19-21. (5) انظر: الروح ص529-530. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 371 مرض الشهوة والعشق: الشّهوة: شَهِي الشيء وشَهاهُ يَشْهاه شَهْوَةً واشتهاه وتَشَهّاهُ: أحبَّه ورَغِب فيه (1) ، وقيل: الشَّهوةُ: اشتياق النفس إلى الشيء والجمع شهواتِ (2) . والعِشْقُ: فرط الحب، وقيل: هو عجب المحب بالمحبوب يكون في عَفافِ الحبّ ودعارته. وقيل: العَشَقُ والعَسَقُ بالشين والسين المهملة: اللزوم للشيء لا يفارقه، وقيل: (العِشْقُ الإغرام بالنساء، والعشق الإفراد بالمحبة) (3) . قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (وأما مرض الشهوة والعشق فهو حب النفس لما يضرها، وقد يقترن به بغضها لما ينفعها، والعشق مرض نفساني، وإذا قوى أثَّر في البدن فصار مرضاً في الجسم، إما من أمراض الدماغ كالماليخوليا؛ ولهذا قيل فيه: هو مرض وسواسي (4) شبيه بالماليخوليا، وأما من أمراض البدن كالضعف والنُّحول ونحو ذلك. والمقصود هنا " مرض القلب " فإنه أصل محبة النفس لما يضرها كالمريض البدن الذي يشتهي ما يضره، وإذا لم يُطعَم ذلك تألم، وإن أُطعم ذلك قوى به المرض وزاد. كذلك العاشق يضره اتصاله بالمعشوق مشاهدة وملامسة وسماعاً، بل ويضره التفكر فيه والتخيل له وهو يشتهي ذلك، فإن منع من مشتهاه تألم وتعذب، وإن أعطي مشتهاه قوي مرضه، وكان سبباً لزيادة الألم.. والناس في العشق على قولين: قيل أنه من باب الإرادات، وهذا هو المشهور. وقيل: من باب التصورات، وإنه فساد في التخييل، حيث يتصور المعشوق على ما هو به، قال هؤلاء: ولهذا لا يوصف اللَّه بالعشق، ولا أنه يعشق؛ لأنه منزه عن ذلك، ولا يحمد من تخيل فيه خيالاً فاسداً. وأما الأولون، فمنهم من قال: يوصف بالعشق فإنه المحبة التامة واللَّه يُحِب ويحب ...   (1) لسان العرب (7/230) . (2) المصباح المنير (1/326) . (3) المصباح المنير (2/412) . (4) انظر: القاموس المحيط ص1174. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 372 والجمهور لا يطلقون هذا اللفظ في حق اللَّه؛ لأن العشق هو المحبة المفرطة الزائدة على الحد الذي ينبغي، واللَّه تعالى محبته لا نهاية لها فليست تنتهي إلى حد لا تنبغي مجاوزته. قال هؤلاء: والعشق مذموم مطلقاً لا يمدح لا في محبة الخالق ولا المخلوق لأنه المحبة المفرطة الزائدة على الحد المحمود و (أيضاً) فإن لفظ (العشق) إنما يستعمل في العرف في محبة الإنسان لامرأة أو صبي، لا يستعمل في محبة كمحبة الأهل والمال والوطن والجاه، ومحبة الأنبياء والصالحين، وهو مقرون كثيراً بالفعل المحرم: إما بمحبة امرأة أجنبية أو صبي، يقترن به النظر المحرم، واللمس المحرم، وغير ذلك من الأفعال المحرمة ... إلى أن قال رحمه اللَّه: فكيف عشق الأجنبية والذكران من العالمين؟!! ففيه من الفساد ما لا يحصيه إلاَّ رب العباد وهو من الأمراض التي تُفسد دين صاحبها وعرضه، ثم قد تفسد عقله ثم جسمه. قال تعالى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ((1) (2) . وقال ابن القيم رحمه اللَّه في تعريف العشق: (هو الإفراط في المحبة، بحيث يستولي المعشوق على القلب من العاشق، حتى لا يخلو من تخيله وذكره والتفكر فيه، بحيث لا يغيب عن خاطره وذهنه، فعند ذلك تشتغل النفس بالخواطر النفسانية فتتعطل تلك القوى، فيحدث بتعطيلها من الآفات على البدن والروح ما يعسر دواؤه ويعتذر، أفعاله وصفاته ومقاصده، ويختل جميع ذلك فيعجز البشر عن صلاحه ... والعشق مبادئه سهلة حلوة، وأوسطه هم وشغل قلب وسقم، وآخره عطب وقتل، إن لم تتداركه عناية من اللَّه) (3) .   (1) سورة الأحزاب، الآية: 32. (2) انظر: مجموع الفتاوى (10/129-132) . (3) انظر: الجواب الكافي ص305، وقد ذكر ابن القيم رحمه اللَّه في كتابه الجواب الكافي ص302-310 كلاماً جيداً طويلاً في آفات العشق ومضاره ومفاسده الدينية والدنيوية لم أذكره هنا مخافة الإطالة فليراجع لأهميته. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 373 وقال ابن القيم رحمه اللَّه في موضع آخر: (فصل في هديه (في علاج العشق هذا مرض من أمراض القلب مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه وإذا تمكن واستحكم عز على الأطباء دواؤه وأعي العليل داؤه وإنما حكاه اللَّه سبحانه في كتابه عن طائفتين من الناس من النساء وعشاق الصبيان المردان فحكاه عن امرأة العزيز في شأن يوسف وحكاه عن قوم لوط ... ) (1) . وقد بين ابن القيم رحمه اللَّه أن الفتن التي تعرض على القلوب من أسباب مرضها فقال: (والفتن التي تعرض على القلوب هي أسباب مرضها، وهي فتن الشهوات وفتن الشبهات، فتن الغي والضلال، فتن المعاصي والبدع، فتن الظلم والجهل. فالأولى توجب فساد القصد والإرادة والثانية توجب فساد العلم والاعتقاد) (2) . وقال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (كذلك مرض القلب يكون بالحب والبغض الخارجين عن الاعتدال وهي الأهواء التي قال اللَّه فيها: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ((3) ... فكذلك بنو آدم هم جهال ظلموا أنفسهم: يستعجل أحدهم ما ترغبه لذته وبترك ما تكرهه نفسه مما هو لا يصلح له، فيعقبهم ذلك من الألم والعقوبات إما في الدنيا وإما في الآخرة ما فيه عظم العذاب والهلاك الأعظم ((4) . وفي ختام هذا المبحث أذكر بعضاً من علامات مرض القلب لعلها تكون سبباً إن شاء اللَّه في الابتعاد عن هذه الأمراض.   (1) زاد المعاد (3/151) . (2) إغاثة اللهفان (1/12) . (3) سورة القصص، الآية 50. (4) انظر: مجموع الفتاوى (10/143-144) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 374 قال ابن القيم رحمه اللَّه: (كل عضو من أعضاء البدن خلق لفعل خاص به كماله في حصول ذلك الفعل منه، ومرضه: أن يتعذر عليه الفعل الذي خلق له، حتى لا يصدر منه، أو يصدر مع نوع من الاضطراب ... ومرض القلب: أن يتعذر عليه ما خلق له من معرفة اللَّه ومحبته والشوق إلى لقائه، والإنابة إليه، وإيثار ذلك على كل شهوة، فلو عرف العبد كل شيء ولم يعرف ربه، فكأنه لم يعرف شيئاً، ولو نال كل حظ من حظوظ الدنيا ولذاتها وشهواتها ولم يظفر بمحبة اللَّه، والشوق إليه، والأنس به؛ فكأنه لم يظفر بلذة ولا نعيم ولا قرة عين، بل إذا كان القلب خالياً عن ذلك عادت تلك الحظوظ واللذات عذاباً له ولابد، فيصير معذباً بنفس ما كان منعماً به من جهتين: من جهة حسرة فَوْته، وأنه حيل بينه وبينه، مع شدة تعلق روحه به، ومن جهة فَوْت ما هو خير له وأنفع وأدوم، حيث لم يحصل له، فالمحبوب الحاصل فات، والمحبوب الأعظم لم يظفر به، وكل من عرف اللَّه أحبه، وأخلص العبادة له ولابد، ولم يؤثر عليه شيئاً من المحبوبات، فمن آثر عليه شيئاً من المحبوبات فقلبه مريض، كما أن المعدة إذا اعتادت أكل الخبيث وآثرته على الطيب سقطت عنها شهوة الطيب، وتعوّضت بمحبة غيره. وقد يمرض القلب ويشتد مرضه، ولا يعرف به صاحبه، لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك انه لا تؤلمه جراحات القبائح، ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة؛ فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه، وتألم بجهله بالحق بحسب حياته.. إلى أن قال رحمه اللَّه: والمقصود: أن من علامات أمراض القلوب عدولها عن الأغذية النافعة الموافقة لها إلى الأغذية الضارة، وعدولها عن دوائها، النافع إلى دائها الضار، فهنا أربعة أمور: غذاء نافع، ودواء شاف، وغذاء ضار، ودواء مهلك. فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي، والقلب المريض بضد ذلك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 375 وأنفع الأغذية غذاء الإيمان، وأنفع الأدوية دواء القرآن، وكل منهما فيه الغذاء والدواء..) (1) . المبحث الثاني: انقسام أدوية أمراض القلب إلى طبيعية وشرعية بعد أن عرفنا في المبحث الأول بعضاً من أمراض القلوب سواء أمراض الشبهات أو أمراض الشهوات لابد أن نعرف دواءها؛ لأن اللَّه عز وجل ما أنزل من داءٍ إلاَّ له دواء، فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أن النَّبِيّ (قال: " ما أنزل اللَّه داءً إلاَّ أنزل له شِفاءٍ" (2) . وسأذكر بعضاً من أدوية أمراض القلوب التي ذكرها شيخ الإسلام وابن القيم لعل اللَّه أن يعافي قلوبنا من كل داء، ونعوذ باللَّه من منكرات الأخلاق والأهواء. 1 - القرآن الكريم: قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (والقرآن شفاء لما في الصدور ومن في قلبه أمراض الشبهات والشهوات ففيه من البينات ما يزيل الحق من الباطل، فيزيل أمراض الشبهة المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه، وفيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب، فيرغبُ القلب فيما ينفعه ويرغب عما يضره، فيبقى القلب محباً للرشاد، مبغضاً للغي، بعد أن كان مريداً للغي، مبغضاً للرشاد، فالقرآن مزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة، حتى يصلح القلب فتصلح إرادته، ويعود إلى فطرته التي فُطر عليها، كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي، ويغتذي القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويؤيده كما يغتذي البدن بما يُنَمّيه ويقومه، فإن زكاة القلب مثل نماء البدن) (3) .   (1) انظر: إغاثة اللهفان (1/68-70) . (2) أخرجه البخاري في صحيحه (7/11-12) ، كتاب الطب، باب ما أنزل اللَّه داء إلاَّ انزل له شفاء، وابن ماجة في سننه (2/1138) ، كتاب الطب، باب ما انزل اللَّه داء إلاَّ أنزل له شفاء (ح3439) . (3) مجموع الفتاوى (10/95-96) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 376 وقال ابن القيم رحمه اللَّه لما ذكر حديث أبي هريرة السابق: (وهذا يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها، وقد جعل النَّبِيّ (الجهل داء، وجعل دواءه سؤال العلماء.. وقد أخبر سبحانه عن القرآن أنه شفاء فقال تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْءَانًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْءَايَاتُهُءَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَءَامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ((1) ، وقال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ((2) و " من " هنا لبيان الجنس لا للتبعيض، فإن القرآن كله شفاء كما قال في الآية المتقدمة، فهو شفاء للقلوب من داء الجهل والشك والريب، فلم ينزل اللَّه سبحانه من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجع في إزالة الداء من القرآن ... ولكن ههنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يستشفى بها ويرقى بها، هي في نفسها، وإن كانت نافعة شافية، ولكن تستدعي قبول المحل وقوة همة الفاعل وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المنفعل أو لمانع قوي فيه، يمنع أن ينجع فيه الدواء، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية، فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره، فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول. فكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام، وكان للراقي نفس فعالة وهمة مؤثرة في إزالة الداء ... ) (3) .   (1) سورة فصلت، الآية 44. (2) سورة الإسراء، الآية 82. (3) انظر: الجواب الكافي ص21-23. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 377 وقال في موضع آخر: (وقد تقدم أن جماع أمراض القلب هي أمراض الشبهات والشهوات. والقرآن شفاء للنوعين. ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل، فتزول أمراض الشُّبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك، بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه، وليس تحت أديم السماء كتاب متضمن للبراهين والآيات على المطالب العالية: من التوحيد، وإثبات الصفات، وإثبات المعاد والنبوّات، ورد النِّحَل الباطلة والآراء الفاسدة، مثل القرآن. فإنه كفيل بذلك كله، متضمن له على أتمّ الوجوه وأحسنها، وأقربها إلى العقول وأفصحها بياناً. فهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك؛ ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه. فمن رزقه اللَّه تعالى ذلك أبصر الحق والباطل عياناً بقلبه، كما يرى الليل والنهار، وعلم أن ما عداه من كتب الناس وآرائهم ومعقولاتهم: بين علوم لا ثقة بها، وإنما هي آراء وتقليد، وبين ظنون كاذبة لا تغني عن الحق شيئاً، وبين أمور صحيحة لا منفعة للقلب فيها؛ وبين علوم صحيحة قد وعّروا الطريق إلى تحصيلها، وأطالوا الكلام في إثباتها، مع قلة نفعها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 378 إلى أن قال: وأما شفاؤه لمرض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب، والتزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار، فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده، ويرغب عما يضره، فيصير القلب محباً للرشد، مبغضاً للغي. فالقرآن مزيل للأمراض الموجهة للإرادات الفاسدة، فيصلح القلب، فتصلح إرادته، ويعود إلى فطرته التي فطر عليها، فتصلح أفعاله الاختيارية الكسبية، كما يعود البدن بصحته وصلاحه إلى الحال الطبيعي، فيصير بحيث لا يقبل إلاَّ الحق، كما أن الطفل لا يقبل إلاَّ اللبن، فيتغذى القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويقويه ويؤيده ويفرحه، ويسره وينشطه ... ) (1) . 2 - ومن أدوية أمراض القلوب: الإيمان وأوراد الطاعات، واجتناب الآثام والمعاصي وأنواع المخالفات. قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (وهكذا أمراض الأبدان: فإن الصحة تحفظ بالمثل، والمرض يدفع بالضد، فصحة القلب بالإيمان تحفظ بالمثل، وهو ما يورث القلب إيماناً من العلم النافع والعمل الصالح، فتلك أغذية له ... ويضم إلى ذلك الاستغفار؛ فإنه من استغفر اللَّه ثم تاب إليه متعه متاعاً حسناً إلى أجل مسمى. وليتخذ وِرداً من "الأذكار" في النهار، ووقت النوم، وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف، فإنه لا يلبث أن يؤيده اللَّه بروح منه، ويكتب الإيمان في قلبه.   (1) انظر: إغاثة اللهفان (1/44-46) وقد ذكر ابن القيم رحمه اللَّه في عدة مواضع أهمية قراءة القرآن وإنه شفاء لما في الصدور. انظر: إغاثة اللهفان (1/15، 22، 70، 92) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 379 وليحرص على إكمال الفرائض من الصلوات الخمس باطنة وظاهرة فإنها عمود الدين، وليكن هجيراه (1) " لا حول ولا قوة إلاَّ باللَّه " فإنها بها تُحمل الأثقال وتُكابَد الأهوال وينال رفيع الأحوال. ولا يسأم من الدعاء والطلب، فإن العبد يُستجاب له ما لم يعجل (2) . فيقول: قد دعوتُ ودعوتُ فلم يُستجب لي، وليعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً، ولم ينل أحد شيئاً من ختم الخير نبي فمن دونه إلاَّ بالصبر) (3) .   (1) هجيره: الهَجير والهاجرة: اشتداد الحر نصف النهار، وقيل الهِجِّيرُ والهِجِّيرى: الدّابُ والعادة والدَّيدن. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (5/246) . (2) يشير بذلك رحمه اللَّه إلى الحديث الذي في الصحيحين فقد روى البخاري في صحيحه (7/153) كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل، ومسلم في صحيحه (4/2095) كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل فيقول: دعوت فلم يستجب لي (ح2735) عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي ". ... وقال ابن القيم رحمه اللَّه في الجواب الكافي ص28-29: (ومن الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه: أن يستعجل العبد ويستبطىء الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو ما بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً، فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله) . (3) انظر: مجموع الفتاوى (10/136-137) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 380 وقال شيخ الإسلام رحمه اللَّه في موضع آخر: (وكما أن الواجب الاحتماء عن سبب المرض قبل حصوله، وإزالته بعد حصوله، فهكذا أمراض يحتاج فيها إلى حفظ الصحة ابتداء وإلى إعادتها - بأن عرض له المرض دواماً، والصحة تحفظ بالمثل، والمرض يزول بالضد، فصحة القلب تحفظ باستعمال أمثال ما فيها، أو هو ما يقوي العلم والإيمان من الذكر والتفكر والعبادات المشروعة، وتزول بالضد، فتزال الشبهات بالبينات، وتزال محبة الباطل ببغضه ومحبة الحق ... إلى أن قال: فهذه الأمراض إذا كان معها إيمان وتقوى كانت كما قال النَّبِيّ (: " لا يقضي اللَّه للمؤمن قضاء إلاَّ كان خيراً له أن إصابته سراء فشكر كان خيراً له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له" (1)) (2) . وقال ابن القيم رحمه اللَّه: (فالقلب محتاج إلى ما يحفظ عليه قوته، وهو الإيمان وأوراد الطاعات، وإلى حمية عن المؤذى الضار، وذلك باجتناب الآثام والمعاصي، وأنواع المخالفات؛ وإلى استفراغه من كل مادة فاسدة تعرض له، وذلك بالتوبة النصوح، واستغفار غافر الخطيئات ... إلى أن قال رحمه اللَّه: والصحة تحفظ بالمثل والشبه، والمرض يدفع بالضد والخلاف، وهو يقوى بمثل سببه، ويزول بضده، والصحة تحفظ بمثل سببها وتضعف أو تزول بضده.   (1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد روى نحوه الإمام مسلم في صحيحه (4/2295) ، كتاب الزهد والرقائق باب المؤمن أمره كل خير (ح2999) ، وأحمد في مسنده (4/332) ، والطبراني في الكبير (8/47) (ح7316، 7317) ، والبيهقي في السنن (3/375) عن صهيب قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كله خير وليس ذاك لأحدٍ إلاَّ للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له" واللفظ لمسلم. (2) انظر: مجموع الفتاوى (10/145-148) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 381 ولما كان البدن المريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح: من يسير الحر، والبرد، والحركة، ونحو ذلك، فكذلك القلب إذا كان فيه مرض آذاه أدنى شيء: من الشبهة أو الشهوة، حيث لا يقوى على دفعهما إذا وردا عليه، والقلب الصحيح القوي يطرقه أضعاف ذلك وهو يدفعه بقوته وصحته. وبالجملة فإذا حصل للمريض مثل سبب مرضه زاد مرضه وضعفت قوته وترامى إلى التلف، مالم يتدارك ذلك بأن يحصل له ما يقوى قوته ويزيل مرضه) (1) . وأمراض القلوب التي تقدم ذكر بعضها في المبحث الأول كمرض الجهل ومرض الشهوات ومرض الشبهات، وأمراض الهمّ والغمّ والغيط والجهل والشك كل هذه الأمراض وغيرها من أمراض القلوب لها أدوية طبيعية وشرعية. قال ابن القيم رحمه اللَّه: مرض القلب نوعان: نوع لا يتألم به صاحبه في الحال؛ وهو النوع المتقدم، كمرض الجهل، ومرض الشبهات والشكوك، ومرض الشهوات. وهذا النوع هو أعظم النوعين ألماً، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم، ولأن سكرة الجهل والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم، وإلا فألمه حاضر فيه حاصل له، وهو متوارٍ عنه باشتغاله بضده، وهذا أخطر المرضين وأصعبهما، وعلاجه إلى الرسل وأتباعهم، فهم أطباء هذا المرض. والنوع الثاني: مرض مؤلم له في الحال، كالهمّ والغمّ والحَزَنِ والغيظ، وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية، كإزالة أسبابه، أو بالمداواة بما يضاد تلك الأسباب؛ وما يدفع موجبها مع قيامها، وهذا كما أن القلب قد يتألم بما يتألم به البدن ويشقى بما يشقى به البدن، فكذلك البدن يتألم كثيراً بما يتألم به القلب، ويشقيه ما يشقيه.   (1) انظر: إغاثة اللهفان (1/17-18) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 382 فأمراض القلب التي تزول بالأدوية الطبيعية من جنس أمراض البدن، وهذه قد لا توجب وحدها شقاءه وعذابه بعد الموت، وأما أمراضه التي لا تزول إلاَّ بالأدوية الإيمانية النبوية فهي التي توجب له الشقاء والعذاب الدائم، إن لم يتداركها بأدويتها المضادة لها، فإذا استعمل تلك الأدوية حصل له الشفاء، ولهذا يقال " شفى غيظه " فإذا استولى عليه عدوه آلمه ذلك، فإذا انتصف منه اشتفى قلبه، قال تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ((1) فأمر بقتال عدوهم، وأعلمهم أن فيه ست فوائد. فالغيظ يؤلم القلب، ودواؤه في شفاء غيظه، فإن شفاه بحق اشتفى، وإن شفاه بظلم وباطل زاده مرضاً من حيث ظن أنه يشفيه، وهو كمن شفى مرض العشق بالفجور بالمعشوق، فإن ذلك يزيد مرضه، ويوجب له أمراضاً أُخر أصعب من مرض العشق، كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى، وكذلك الغمّ والهم والحزن أمراض للقلب، وشفاؤها بأضدادها: من الفرح والسرور، فإن كان ذلك بحق اشتفى القلب وصح وبرىء من مرضه، وإن كان بباطل توارَى ذلك واستتر، ولم يزل، وأعقب أمراضاً هي أصعب وأخطر. وكذلك الجهل مرض يؤلم القلب، فمن الناس من يداويه بعلوم لا تنفع، ويعتقد أنه قد صح من مرضه بتلك العلوم، وهي في الحقيقة إنما تزيده مرضاً إلى مرضه؛ لكن اشتغل القلب بها عن إدراك الألم الكامن فيه، بسبب جهله بالعلوم النافعة، التي هي شرط في صحته وبُرْئه ... وكذلك الشاك في الشيء المرتاب فيه، يتألم قلبه حتى يحصل له العلم واليقين، ولما كان ذلك يوجب له حرارة قيل لمن حصل له اليقين: ثلج صدره وحصل له بَرْد اليقين ...   (1) سورة التوبة، الآيتان 14،15. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 383 والمقصود: أن من أمراض القلوب ما يزول بالأدوية الطبيعية، ومنها ما لا يزول إلاَّ بالأدوية الشرعية الإيمانية، والقلب له حياة وموت، ومرض وشفاء، وذلك أعظم مما للبدن) (1) . 3 - ومن الأدوية الناجحة لعلاج مرض الحسد وغيره التقوى والصبر. قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (فمن وجد في نفسه حسداً لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر، فيكره ذلك من نفسه، وكثير من الناس الذين عندهم دين لا يعتدون على المحسود، فلا يعينون من ظلمه، ولكنهم أيضاً لا يقومون بما يجب من حقه، بل إذا ذمه أحد لم يوافقوه على ذمه ولا يذكرون محامده، وكذلك لو مدحه أحسد لسكتوا، وهؤلاء مدينون في ترك المأمور في حقه مفرطون في ذلك؛ لا معتدون عليه، وجزاؤهم أنهم يبخسون حقوقهم فلا ينصفون أيضاً في مواضع، ولا ينصرون على من ظلمهم كما لم ينصروا هذا المحسود، وأما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب ومن أتقى وصبر فلم يدخل في الظالمين نفعه اللَّه بتقواه ... ) (2) . وقال ابن القيم رحمه اللَّه: (وجمع سبحانه بين الصبر واليقين (3) إذ هما سعادة العبد، وفَقدُهما يُفقِده سعادته، فإن القلب تطرقه طوارق الشهوات المخالفة لأمر اللَّه، وطوارق الشبهات المخالفة لخبره فبالصبر يَدفعُ الشهوات، وباليقين يدفع الشبهات (4) ، فإن الشهوة والشبهة مُضادّتان للدّين من كل وجهٍ، فلا ينجو من عذاب اللَّه إلاَّ من دفع شهواته بالصبر وشبهاته باليقين ... ) (5) . 4 - ومن أدوية أمراض القلوب كمرض العشق وغيره إخلاص الدين لله وحده لا شريك له ومحبته سبحانه وحده والخوف منه.   (1) انظر: إغاثة اللهفان (1/18-20) . (2) مجموع الفتاوى (10/125) . (3) كما في قوله تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ( [سورة السجدة: 24] (4) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/120) . (5) رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه ص16، 17. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 384 قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: والرسل صلى اللَّه عليهم وسلم بُعثوا لتقرير الفطرة وتكميلها لا لتغيير الفطرة وتحويلها، وإذا كان القلب محباً لله وحده مخلصاً له الدين لم يُبْتَل بحب غيره [أصلاً] ، فضلاً أن يُبتلى بالعشق وحيث ابتلي بالعشق فلنقص محبته لله وحده. ولهذا لما كان يوسف محباً لله مخلصاً له الدين لم يُبتل بذلك، بل قال تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ((1) . وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها، فلهذا ابتليت بالعشق، وما يبتلي بالعشق أحد إلاَّ لنقص توحيده وإيمانه، وإلا فالقلب المنيب إلى اللَّه الخائف منه فيه صارفان يصرفانه عن العشق: (أحدهما) : إنابته إلى اللَّه، ومحبته له، فإن ذلك ألذ وأطيب من كل شيء، فلا تبقى مع اللَّه محبة مخلوق تزاحمه. و (الثاني) : خوفه من اللَّه، فإن الخوف المضاد للعشق يصرفه، وكل من أحب شيئاً بعشق أو غير عشق فإنه يُصرف عن محبته بمحبة ما هو أحب إليه منه، إذا كان يزاحمه، وينصرف عن محبته بخوف حصول ضرر يكون أبغض إليه من ترك ذاك الحب، فإذا كان اللَّه أحب إلى العبد من كل شيء، وأخوف عنده من كل شيء، لم يحصل معه عشق ولا مزاحمة إلاَّ عند غفلة أو عند ضعف هذا الحب والخوف، بترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات، فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فكلما فعل العبد الطاعة محبة للَّه وخوفاً منه وترك المعصية حباً له وخوفاً منه قوي حبه له وخوفه منه، فيزيل ما في القلب من محبة غيره ومخافة غيره) (2) .   (1) سورة يوسف، الآية 24. (2) مجموع الفتاوى (10/135-136) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 385 وبين ابن القيم رحمه اللَّه أن عشق الصور إنما يبتلى به القلوب الفارغة من حب اللَّه والإخلاص له، وأن الإخلاص له سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء فقال: (وهذا إنما تبتلى به القلوب الفارغة من حب اللَّه والإخلاص له، فإن القلب لابد له من التعلق بمحبوب. فمن لم يكن اللَّه وحده محبوبه وإلهه ومعبوده فلابد أن يتعبد قلبه لغيره. قال تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ((1) فامرأة العزيز لما كانت مشركة وقعت فيما وقعت فيه، مع كونها ذات زوج، ويوسف عليه السلام لما كان مخلصاً لله تعالى نجا من ذلك مع كونه شاباً عزباً غريباً مملوكاً) (2) . ولابن القيم رحمه اللَّه أيضاً كلامٌ طويلٌ في علاج داء العشق أذكر بعضاً منه حيث قال: (والكلام في دواء هذا الداء من طريقين أحدهما: حسم مادته قبل حصولها، والثاني: قلعها بعد نزولها، وكلاهما يسير على من يسره اللَّه عليه، ومتعذر على من لم يعنه اللَّه، فإن أزمة الأمور بيديه.   (1) سورة يوسف، الآية 24. (2) إغاثة اللهفان (1/47) ، وانظر: زاد المعاد في هدي خير العباد (3/151) ، وإغاثة اللهفان (2/152) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 386 وأما الطريق المانع من حصول هذا الداء، فأمران: أحدهما: غض البصر كما تقدم، فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، ومن أطلق لحظاته دامت حسراته، الثاني: اشتغال القلب بما يبعده عن ذلك ويحول بينه وبين الوقوع فيه ... إلى أن قال: وإذا عرفت هذه المقدمة فلا يمكن أن يجتمع في القلب حب المحبوب الأعلى وعشق الصور أبداً، بل هما ضدان لا يجتمعان، بل لابد أن يخرج أحدهما صاحبه، فمن كانت قوة حبه كلها للمحبوب الأعلى الذي محبة ما سواه باطلة وعذاب على صاحبها صرفه ذلك عن محبة ما سواه، وإن أحبه لم يحبه إلاَّ لأجله، أو لكونه وسيلة إلى محبته، أو قاطعاً له عما يضاد محبته وينقصها، والمحبة الصادقة تقتضي توحيد المحبوب وأن لا يشرك بينه وبين غيره في محبته، وإذا كان المحبوب من الخلق يأنف ويغار أن يشرك معه محبة غيره، ويمقته لذلك، ويبعده ولا يحظيه بقربه، ويعده كاذباً في دعوى محبته، مع أنه ليس أهلاً لصرف كل قوة المحبة إليه فكيف بالحبيب الأعلى الذي لا تبتغى المحبة إلاَّ له وحده، وكل محبة لغيره فهي عذاب على صاحبها ووبال؟ ولهذا لا يغفر اللَّه سبحانه أن يشرك به في هذه المحبة، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ... ) (1) . 5 - ومن أدوية أمراض القلوب اليأس من حصول المطلوب من عشق أو شهوة أو غيرها.   (1) انظر: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص259، 262، 263، 264، وقد عقد ابن القيم رحمه اللَّه فصلاً في هديه صلى اللَّه عليه وسلم في علاج العشق في أكثر من أربع صفحات ذكر فيه كلاماً مفيداً في علاج هذا المرض لم أذكره مخافة الإطالة. انظر: زاد المعاد (3/151-154) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 387 قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: (ومن في قلبه مرض الشهوة وإرادة الصورة متى خضع المطلوب طمع المريض، والطمع الذي يقوي الإرادة والطلب، ويقوي المرض بذلك، بخلاف ما إذا كان آيساً من المطلوب، فإن اليأس يزيل الطمع فتضعف الإرادة فيضعف الحب، فإن الإنسان لا يريد أن يطلب ما هو آيس منه، فلا يكون مع الإرادة عمل أصلاً، بل يكون حديث نفسٍ إلاَّ أن يقترن بذلك كلام أو نظر ونحو ذلك فيأثم بذلك ... ) (1) . 6 - ومن أدوية أمراض القلوب: دوام الاستعانة باللَّه تعالى والتعرض لأسباب مرضاته والتجاء القلب إليه وإقباله عليه في حركاته وسكناته. قال ابن القيم رحمه اللَّه: (ولما علم عدو اللَّه إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه، أجلب عليه بالوساوس وأقبل بوجوه الشهوات إليه، وزين له من الأحوال والأعمال ما يصده به عن الطريق وأمدّه من أسباب الغَيّ بما يقطعه عن أسباب التوفيق، ونصب له من المصايد والحبائل ما أن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق، فلا نجاة من مصايده ومكايده إلاَّ بدوام الاستعانة باللَّه تعالى، والتعرض لأسباب مرضاته، والتجاء القلب إليه وإقباله عليه في حركاته وسكناته، والتحقق بذل العبودية الذي هو أولى ما تلبس به الإنسان ليحصل له الدخول في ضمان (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ((2) ، فهذه الإضافة هي القاطعة بين العبد وبين الشياطين، وحصولها سبب تحقيق مقام العبودية لرب العالمين، وإشعار القلب إخلاص العمل ودوام اليقين، فإذا أشرب القلب العبودية والإخلاص صار عند اللَّه من المقربين وشمله استثناء (إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ((3) (4) .   (1) مجموع الفتاوى (10/132) . (2) سورة الحجر، الآية 42. (3) سورة ص، الآية 83. (4) إغاثة اللهفان (1/5-6) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 388 7 - ومن أدوية أمراض القلوب: الاستعاذة باللَّه من الشيطان عند قراءة القرآن. قال ابن القيم رحمه اللَّه: (فأمر سبحانه بالاستعاذة به من الشيطان عند قراءة القرآن وفي ذلك وجوه منها: أن القرآن شفاء لما في الصدور يُذْهِب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والإرادات الفاسدة، فهو دواء لما أمَرَّه فيها الشيطان، فأمر أن يطرد مادة الداء ويُخلى منه القلب ليصادف الدواء محلا خالياً، فيتمكن منه ويؤثر فيه ... فيجيء هذا الدواء الشافي إلى القلب قد خلا من مزاحم ومُضادّ له فينجع فيه. ومنها أن القرآن مادة الهدى والعلم والخير في القلب، كما أن الماء مادة النبات والشيطان نار يحرق النبات أولاً فأولاً، فكلما أحس بنبات الخير من القلب سعى في إفساده وإحراقه، فأمر أن يستعيذ باللَّه عز وجل منه لئلا يفسد عليه ما يحصل له بالقرآن والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله، أن الاستعاذة في الوجه الأول لأجل حصول فائدة القرآن، وفي الوجه الثاني لأجل بقائها وحفظها وثباتها ... ) (1) . وأمَّا قسوة القلب فقد ذكر القرطبي رحمه اللَّه لعلاجه عدة أمور فقال: (قال العلماء رحمة اللَّه عليهم: ليس للقلوب أنفع من زيارة القبور وخاصة إن كانت قاسية فعلى أصحابها أن يعالجوها بثلاثة أمور: أحدها: الإقلاع عما هي عليه بحضور مجالس العلم بالوعظ والتذكر، والتخويف والترغيب، وأخبار الصالحين. فإن ذلك مما يلين القلوب وينجع فيها. الثاني: ذكر الموت، فيكثر من ذكر هادم اللذات ومفرِّق الجماعات ومُيَتِّم البنين والبنات. قال العلماء: تذكر الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، ويذهب الفرح بالدنيا ويهون المصائب فيها.   (1) إغاثة اللهفان (1/92) ومن أراد الاستزادة من ذلك فقد خصص ابن القيم رحمه اللَّه الباب الثاني عشر في كتابه إغاثة اللهفان (1/90-102) كله في علاج مرض القلب بالاستعاذة من الشيطان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 389 الثالث: مشاهدة المحتضرين، فإنّ في النظر إلى الميت ومشاهدة سكراته، ونزعاته، وتأمل صورته بعد مماته، ما يقطع عن النفوس لذاتها، ويطرد عن القلوب مسراتها، ويمنع الأجفان من النوم، والأبدان من الراحة، ويبعث على العمل، ويزيد في الاجتهاد والتعب. فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسا قلبُهُ، ولزمه ذنبُهُ، أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وإغوائه، فإن انتفع بها فذاك، وإن عظم عليه ران القلب واستحكمت فيه دواعي الذنب، فزيارة قبور الموتى تبلغ في دفع ذلك ما لا يبلغه الأول، والثاني والثالث ... ) (1) . الفصل الرابع:آثار الذنوب والمعاصي على القلوب للمعاصي والذنوب من الآثار القبيحة المذمومة، المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلاَّ اللَّه (2) . قال ابن القيم رحمه اللَّه: (فمما ينبغي أن يعلم: أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا شك أن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شرور وداء إلاَّ سببه الذنوب والمعاصي ... ) (3) .   (1) انظر: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (1/27-28) . (2) قال الغزالي رحمه اللَّه في إحياء علوم الدين 3/14: (وأما الآثار المذمومة فإنها مثل دخان مظلم يتصاعد إلى مرآة القلب ولا يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى إلى أن يسود ويظلم ويصير بالكلية محجوباً عن اللَّه تعالى، وهو الطبع وهو الرين قال اللَّه تعالى: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( [المطففين: 14] ... ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلوب وعند ذلك يعمى القلب عن إدراك الحق وصلاح الدين ويستهين بأمر الآخرة ويستعظم أمر الدنيا ويصير مقصور الهم عليها، فإذا قرع سمعه أمر الآخرة وما فيها من الأخطار دخل من أذن وخرج من أذن ولم يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة والتدارك ... ) . (3) الجواب الكافي ص80. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 390 ثم ذكر رحمه اللَّه كلاماً جيداً في آثار المعاصي والذنوب على القلوب أذكر بعضاً من هذه الآثار لعل اللَّه أن ينفع بالتدبر بها قلوبنا إنه على كل شيء قدير، حيث قال: (وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة، المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلاَّ الله. 1 - فمنها (أي من آثار الذنوب والمعاصي على القلب) حرمان العلم. فإن العلم نور يقذفه اللَّه في القلب، والمعصية تطفىء ذلك النور، ولما جلس الإمام الشافعي (1) بين يدي مالك (2) ، وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى اللَّه قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بظلمة المعصية ... ) (3) . واللَّه تبارك وتعالى وعد عباده المتقين البعيدين عن المعاصي بوفرة العلم فقال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ((4) . 2 - ومنها: (وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين اللَّه لا يوازنها ولا يقارنها لذة ترك الذنوب إلاَّ حذراً من وقوع تلك الوحشة، لكان العاقل حرياً بتركها ... وليس على القلب أمر من وحشة الذنب على الذنب، فاللَّه المستعان) (5) .   (1) هو محمد بن إدريس بن العباس المطلبي، أبو عبد اللَّه الشافعي، المكي، نزيل مصر الإمام ناصر الحديث وهو المجدد لأمر الدين على رأس المائتين، ثقة مات سنة (204هـ) ، وله أربع وخمسون سنة. الكاشف (3/16) ، وتقريب التهذيب ص467. (2) مالك بن أنس الأصبحي، أبو عبد اللَّه المدني، الفقيه، إمام دار الهجرة رأس المتقنين، وكبير المتثبتين، مات سنة (179هـ) ، وكان مولده سنة (93هـ) . ... الكاشف (3/99) ، وتقريب التهذيب ص516. (3) الجواب الكافي ص97-98. (4) سورة البقرة، الآية 282. (5) انظر: الجواب الكافي ص98. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 391 قال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ((1) . 3 - (ومنها: ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا أدلهم فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره، فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته، حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً في الوجه حتى يراه كل أحد. قال عبد اللَّه بن عباس (2) : " إن للحسنة ضياء في الوجه ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القبر والقلب ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق " (3) . وقد أوضح اللَّه في كتابه هذه الظلمة قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ((4) .   (1) سورة الأنعام، آية 125. (2) عبد اللَّه بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالفهم في القرآن، فكان يُسمى البحر، والحِبْر، لسعة علمه، مات سنة (68هـ) بالطائف وهو أحد العبادلة من فقهاء الصحابة. حلية الأولياء (1/314) ، والإصابة (4/90) . (3) انظر: الجواب الكافي ص98-99. (4) سورة الأنعام، آية 39. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 392 4 - ومنها: (أن المعاصي توهن القلب والبدن، أما وهنها للقلب: فأمر ظاهر، بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية. وأما وهنها للبدن: فإن المؤمن قوته من قلبه، وكلما قوى قلبه قوى بدنه، وأما الفاجر فإنه - وإن كن قوي البدن - فهو أضعف شيء عند الحاجة، فتخونه قوته أحوج ما يكون إلى نفسه، فتأمل قوة أبدان فارس والروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها، وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم) (1) . 5 - ومنها: (وهو من أخوفها على العبد - أنها تضعف القلب عن إرادته، فتقوى فيه إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً، إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، فلو مات نصفه لما تاب إلى اللَّه، فيأتي بالاستغفار وتوبة الكذابين باللسان لشيء كثير، وقلبه معقود بالمعصية مصر عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك) (2) . 6 - ومنها: (أنه ينسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادة، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه، وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التفكه وتمام اللذة حتى يفتخر أحدهم بالمعصية، ويحدث بها من لم يكن يعلم أنه عملها، فيقول: يا فلان عملت كذا وكذا، وهذا الضرب من الناس لا يتعافون، وتسد عليهم طريق التوبة وتغلق عنهم أبوابها في الغالب ... ) (3) .   (1) الجواب الكافي ص99. (2) الجواب الكافي ص101-102. (3) الجواب الكافي ص102. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 393 7 - ومنها: (أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف (1) في قوله تعالى: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ((2) قال: هو الذنب بعد الذنب (3) ، وقال الحسن (4) : هو الذنب على الذنب، حتى يعمى القلب (5) ، وقال غيره (6) : لما كثر ذنوبهم ومعاصيهم أحاطت بقلوبهم (7)) (8) . ثم بيّن ابن القيم رحمه اللَّه عقوبات الذنوب والمعاصي وسأذكر منها ما يختص بالقلب، حيث قال رحمه اللَّه: (1) (ومن عقوباتها: أنها تطفىء من القلب نار الغيرة التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن، فإن الغيرة حرارته وناره التي تخرج ما فيه من الخبث والصفات المذمومة، كما يخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديد، وأشرف الناس وأعلاهم قدراً وهمة أشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس، ولهذا كان النَّبِيّ (أغير الخلق على الأمة، واللَّه سبحانه أشد غيرة منه، كما ثبت في الصحيح عنه (أنه قال: " أتعجبون من غيرة سعدٍ؟ لأنا أغير منه واللَّه أغير منيّ" (9) ....   (1) كابن عباس رضي اللَّه عنه ومجاهد والكلبي رحمهما اللَّه. (2) سورة المطففين، الآية 14. (3) انظر: جامع البيان (30/98، 99) ، وتفسير القرطبي (19/259 -260) . (4) هو: البصري رحمه اللَّه. تقدمت ترجمته. (5) انظر: جامع البيان (30/98) ، وتفسير البغوي (4/460) ، وتفسير ابن كثير (4/518) . (6) كالفراء ومجاهد وابن جرير الطبري رحمهم اللَّه. (7) جامع البيان (30/97-99) ، وتفسير القرطبي (19/259) . (8) الجواب الكافي ص105. (9) رواه البخاري في صحيحه (6/156) كتاب النكاح، باب الغيرة، ومسلم في صحيحه (2/1136) ، كتاب اللعان (ح1499) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 394 إلى أن قال رحمه اللَّه: والمقصود: أنه كلما اشتدت ملابسته للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة على نفسه وأهله وعموم الناس، وقد تضعف في القلب جداً حتى لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيره، وإذا وصل إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك، وكثير من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح، بل يحسن الفواحش والظلم لغيره ويزينه له، ويدعوه إليه ويحثه عليه، ويسعى له في تحصيله، فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح، فتدفع السوء والفواحش، وعدم الغيرة يميت القلب فتموت له الجوارح، فلا يبقى عندها دفع البتة، ومثل الغيرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه، فإذا ذهبت القوة وجد الداء المحل قابلاً، ولم يجد دافعاً، فتمكن منها الهلاك) (1) . (2) ومن عقوباتها: (ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب، وهو أصل كل خير، وذهابه كل خير بأجمعه ... ) (2) . (3) ومن عقوباتها (أنها تضعف القلب من تعظيم الرب جل جلاله، وتضعف وقاره في قلب العبد ولابد، شاء أم أبى، ولو تمكن وقار اللَّه وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه، وربما اغتر المغتر وقال: إنما يحملني على المعاصي حسن الرجاء، وطمعي في عفوه، لأضعف عظمته في قلبي، وهذا من مغالطة النفس، فإن عظمة اللَّه تعالى وجلاله في قلب العبد يقتضي تعظيم حرماته وتعظيم حرماته يحول بينه وبين الذنوب والمتجرئون على معاصيه ما قدروه حق قدره ... ) (3) . (4) ومن عقوباتها: أنها تضعف سير القلب إلى اللَّه والدار الآخرة، وتعوقه وتوقفه وتعطفه عن السير، فلا تدعه يخطو إلى اللَّه خطوة، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه.   (1) انظر: الجواب الكافي ص115-117. (2) الجواب الكافي ص118. (3) الجواب الكافي ص119-120. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 395 فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلى اللَّه بقوته فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيره. فإن زالت بالكلية انقطع عن اللَّه انقطاعاً يبعد تداركه، فاللَّه المستعان. فالذنب إما أن يميت القلب، أو يمرضه مرضاً مخوفاً، أو يضعف قوته ولابد، حتى ينتهي ضعفه إلى الأشياء الثمانية التي استعاذ النَّبِيّ (منها وهي: " الهم، والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال " (1) ... ) (2) . (5) (ومن عقوباتها: ما يلقيه اللَّه سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلاَّ خائفاً مرعوبا، فإن الطاعة حصن اللَّه الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب، فمن أطاع اللَّه انقلبت المخاوف في حقه أمانا، ومن عصاه انقلبت مآمنه مخاوف، فلا تجد العاصي إلاَّ وقلبه كأنه بين جناحي طائر، إن حركت الريح الباب قال: جاء الطلب، وإن سمع وقع قدم خاف أن يكون نذيراً بالعطب، يحسب كل صيحة عليه وكل مكروه قاصداً إليه، فمن خاف اللَّه آمنه من كل شيء، ومن لم يخف اللَّه أخافه من كل شيء) (3) .   (1) فقد أخرجه البخاري في صحيحه (7/159) ، كتاب الدعوات، باب الاستعاذة من الجبن والكسل، ومسلم في صحيحه (4/2079) ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من العجز والكسل وغيره (ح2706) من طريق أنس رضي اللَّه عنه قال: كان النَّبِيّ (يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال " واللفظ للبخاري. (2) الجواب الكافي ص124. (3) الجواب الكافي ص126. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 396 (6) (ومن عقوباتها: أنها توقع الوحشة العظيمة في القلب، فيجد المذنب نفسه مستوحشاً، وقد وقعت الوحشة بينه وبين ربه، وبينه وبين الخلق، وبينه وبين نفسه، وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة وأمر العيش عيش المستوحشين الخائفين، وأطيب العيش عيش المستأنسين، فلو نظر العاقل ووازن بين لذة المعصية وما تولده فيه من الخوف والوحشة لعلم سوء حاله وعظيم غبنه، إذ باع أنس الطاعة وأمنها وحلاوتها بوحشة المعصية وما توجبه من الخوف ... ) (1) . (7) (ومن عقوباتها: أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال مريضاً معلولا لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه، فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب وأداؤها ولا دواء إلاَّ تركها، وقد أجمع السائرون إلى اللَّه على أن القلوب لا تعطى مناها حتى تصل إلى مولاها ولا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة، ولا تكون صحيحة سليمة حتى ينقلب داؤها، فيصير نفس دوائها، ولا يصح لها ذلك إلاَّ بمخالفة هواها، وهواها مرضها، وشفاؤها مخالفته، فإن استحكم المرض قتل أوكاد) (2) . (8) (ومن عقوباتها: أن العاصي دائماً في أسر شيطانه وسجن شهواته، وقيود هواه ... إلى أن قال: فكيف يسير إلى اللَّه والدار الآخرة قلب مأسور مسجون مقيد؟ وكيف يخطو خطوة واحدة؟ وإذا تقيد القلب طرقته الآفات من كل جانب بحسب قيوده، ومثل القلب مثل الطائر، كلما علا بعد عن الآفات، وكلما نزل احتوشته الآفات ... إلى أن قال رحمه اللَّه:   (1) الجواب الكافي ص127. (2) الجواب الكافي ص127. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 397 وأصل هذا كله: أن القلب كلما كان أبعد من اللَّه كانت الآفات إليه أسرع، وكلما كان أقرب من اللَّه بعدت عنه الآفات، والبعد من اللَّه مراتب، بعضها أشد من بعض، فالغفلة تبعد العبد عن اللَّه، وبعد المعصية أعظم من بعد الغفلة، وبعد البدعة أعظم من بعد المعصية، وبعد النفاق، والشرك أعظم من ذلك كله) (1) . (9) ومن عقوبات الذنوب والمعاصي على القلب أنه قد يخونه قلبه ولسانه إذا وقع في شدة أو كربة أو عند الاحتضار والانتقال إلى اللَّه تعالى. قال ابن القيم رحمه اللَّه: (والمقصود: أن العبد العاصي إذا وقع في شدة أو كربة أو بلية خانه قلبه ولسانه وجوارحه عما هو أنفع شيء له، فلا ينجذب قلبه للتوكل على اللَّه تعالى والإنابة إليه، والحمية عليه، والتضرع والتذلل والانكسار بين يديه، ولا يطاوعه لسانه لذكره، وإن ذكره بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه، فلا ينحبس القلب على اللسان بحيث يؤثر فيه الذكر، ولا ينحبس اللسان والقلب على المذكور بل إن ذكر أو دعا بقلب غافل لاه ساه، ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة تدفع عنه لم تنقد له ولم تطاوعه، وهذا كله أثر الذنوب والمعاصي ... هذا، وثم أمر أخوف من ذلك وأدهى وأمر، وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى اللَّه تعالى، فربما تعذر عليه النطق بالشهادة، كما شاهد الناس كثيراً من المحتضرين من أصابهم ذلك، ... ثم ذكر رحمه اللَّه قصصاً كثيرة في المحتضرين بعضهم يهذي بالغناء وبعضهم بالكفر وبعضهم بالمال إلى أن قال رحمه اللَّه: فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل اللَّه سبحانه قلبه عن ذكره واتبع هواه، وكان أمره فرطاً؟ فبعيد من قلبه بعيد من اللَّه تعالى غافل عنه متعبد لهواه مذلل لشهواته، ولسانه يابس من ذكره وجوارحه معطلة من طاعته، مشتغلة بمعصية ربه - بعيد عن هذا أن يوفق لحسن الخاتمة) (2) .   (1) انظر: الجواب الكافي ص131. (2) انظر: الجواب الكافي ص144-146. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 398 (10) ومن عقوبات المعاصي على القلب أنها تعميه فلا يدرك الحق كما ينبغي، وتضعف قوته وعزيمته فلا يصبر عليه ... قال ابن القيم رحمه اللَّه: (فمعلوم أن المعاصي والذنوب تعمي بصيرة القلب فلا يدرك الحق كما ينبغي، وتضعف قوته وعزيمته، فلا يصبر عليه، بل قد تتوارد على القلب حتى ينعكس إدراكه كما ينعكس سيره. فيدرك الباطل حقاً والحق باطلاً، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً، فينتكس في سيره ويرجع عن سفره إلى اللَّه والدار الآخرة إلى سفره إلى مستقر النفوس المبطلة، التي رضيت بالحياة الدنيا واطمأنت بها، وغفلت عن اللَّه وآياته، وتركت الاستعداد للقائه، ولو لم يكن في عقوبة الذنوب إلاَّ هذه وحدها لكانت كافية داعية إلى تركها والبعد منها، واللَّه المستعان. وهذا كما أن الطاعة تنور القلب وتجلوه وتصقله، وتقويه وتثبته، حتى يصير كالمرآة المجلوة في جلائها وصفائها فيتلألأ نوراً، فإذا دنا الشيطان منه أصابه من نوره ما يصيب مسترق السمع من الشهب الثواقب فالشيطان يفرق من هذا القلب أشد من فرق الذئب من الأسد. أفيستوي هذا القلب وقلب مظلمة أرجاؤه، مختلفة أهواؤه، قد اتخذه الشيطان وطنه، وأعده مسكنه، إذا تصبح بطلعته حياه، وقال: فديت من قرين لا يفلح في دنياه ولا في أخراه) (1) . (11) وقال ابن القيم رحمه اللَّه في موضع آخر: (والمقصود: أن من عقوبات المعاصي جعل القلب أعمى أصم أبكم. ومنها: الخسف بالقلب كما يخسف بالمكان وما فيه، فيخسف به إلى أسفل سافلين، وصاحبه لا يشعر ... ثم ذكر رحمه اللَّه علامة الخسف به ...   (1) انظر: الجواب الكافي ص148. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 399 وقال: ومنها مسخ القلب، فيمسخ كما تمسخ الصورة ... ثم ذكر أمثلة لذلك.. إلى أن قال رحمه اللَّه: فسبحان اللَّه كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر؟ وقلب ممسوخ وقلب مخسوف به؟ وكم من مفتون بثناء الناس عليه؟ ومغرور بستر اللَّه عليه؟ ومستدرج بنعم اللَّه عليه؟ وكل هذه عقوبات وإهانات، ويظن الجاهل أنها كرامة. ومنها: نكس القلب حتى يرى الباطل حقاً، والحق باطلاً، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً، ويفسد ويرى أنه يصلح، ويصد عن سبيل اللَّه وهو يرى أنه يدعو إليها، ويشتري الضلالة بالهدى وهو يرى أنه على كل الهدى، ويتبع هواه، وهو يزعم أنه مطيع لمولاه، وكل هذا من عقوبات الذنوب الجارية على القلوب) (1)   (1) انظر: الجواب الكافي ص178-180. المصادر والمراجع إحياء علوم الدين. للغزالي: صحح بإشراف عبد العزيز عز الدين السّيروان، ط. الثالثة، دار القلم - بيروت. الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان. ترتيب علاء الدين الفارسي: ضبط: عبد الرحمن محمد عثمان، ط. الأولى، 1390هـ، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة. الأدب المفرد. للإمام محمد بن إسماعيل البخاري: ط. الأولى 1406هـ، مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت. الأعلام. للزركلي: ط. السادسة 1984م، دار العلم للملايين - بيروت. الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية. للإمام عمر بن علي البزار: حققه الشيخ إسماعيل الأنصاري، طبع في مطابع القصيم، 1390هـ. إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان. تأليف ابن قيم الجوزية: تحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة حميدو – الإسكندرية. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم. لشيخ الإسلام ابن تيمية: تحقيق وتعليق الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل، ط. السابعة 1419هـ، توزيع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية. إكمال المعلم بفوائد مسلم. للقاضي عياض: طبعة دار الوفاء، المنصورة بمصر، 1419هـ. البداية والنهاية. لابن كثير: تحقيق د. أحمد أبو ملحم، والدكتور علي نجيب عطوي، والأستاذ فؤاد السيد، والأستاذ مهدي ناصر الدين، والأستاذ علي عبد الساتر، ط. 4 1408هـ، دار الكتب العلمية - بيروت. البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع. للشوكاني: ط. الأولى 1348هـ، بمطبعة السعادة بمصر. بيان فضل علم السلف على علم الخلف. للحافظ ابن رجب الحنبلي: حققه محمد بن ناصر العجمي، ط. الثالثة 1412هـ، دار الصميعي، الرياض. التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول. للعلامة صديق بن حسن القنوجي: ط. الأولى 1416هـ، مكتبة دار السلام للنشر والتوزيع - الرياض. تذكرة الحفاظ. للذهبي: صحح عن النسخة المحفوظة في مكتبة الحرم المكي، مطبعة أم القرى للطباعة والنشر - مصر. التعريفات. للجرجاني: دار الكتب العلمية - بيروت، 1416هـ. تفسير القرآن العظيم. لابن كثير: قدم له د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، ط. الأولى 1406هـ، دار المعرفة - بيروت. تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل. للإمام الحسين بن مسعود البغوي: ط. الأولى 1406هـ، دار المعرفة - بيروت. تقريب التهذيب. لابن حجر العسقلاني: قدم له محمد عوامة، ط. الأولى 1406هـ، دار البشائر الإسلامية - بيروت. جامع بيان العلم وفضله. للحافظ ابن عبد البر: دار الكتب العلمية - بيروت. جامع البيان عن تأويل آي القرآن. لمحمد بن جرير الطبري: ط. الثالثة 1388هـ، مكتبة مصطفى الحلبي - مصر. جامع العلوم والحكم. للحافظ ابن رجب: تحقيق شعيب الأرناؤوط، وإبراهيم باجس، ط.5، 1414هـ/1994م، مؤسسة الرسالة - بيروت. الجامع لأحكام القرآن. لأبي عبد اللَّه محمد بن أحمد القرطبي: دار إحياء التراث العربي - بيروت. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي. لابن القيم: دار الكتاب العربي - بيروت، ط.2، 1414هـ/1994م. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. لأبي نعيم الأصفهاني: دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. لابن حجر العسقلاني: حققه وقدم له: محمد سيد جاد الحق، دار الكتب الحديثة - مصر. الذيل على طبقات الحنابلة. لابن رجب: وقف على طبعه وصححه محمد حامد الفقي، 1372هـ، مطبعة السنة المحمدية - القاهرة. رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه. لابن القيم: تحقيق عبد اللَّه بن محمد المديفر، ط. الأولى 1420هـ، مطابع الشرق الأوسط. الروح. تأليف ابن القيم الجوزية: حقق نصوصه وخرجه يوسف علي بديوي، ط. الأولى 1414هـ، دار ابن كثير للطباعة والنشر - دمشق. زاد المعاد في هدي خير العباد. لابن القيم: ط. الثانية 1392هـ، دار الفكر - بيروت. سلسلة الأحاديث الصحيحة. للألباني: ط. الجزء الأول والثاني المكتب الإسلامي، والثالث الدار السلفية، الكويت، والرابع دار المعارف - الرياض. سنن الترمذي: الجزء الأول والثاني بتحقيق أحمد محمد شاكر، والجزء الثالث تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، والجزء الرابع والخامس بتحقيق إبراهيم عطوة عوض، دار إحياء التراث العربي - بيروت. السنن الكبرى. للبيهقي: دار المعرفة، بيروت - لبنان. سنن ابن ماجة: حققه ورقمه محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، الناشر: دار الحديث - القاهرة. سنن النسائي: اعتنى به ورقمه وصنع فهارسه عبد الفتاح أبو غدة، ط. الثانية 1406هـ، دار البشائر الإسلامية - بيروت. سير أعلام النبلاء. للذهبي: حققه عدد من الباحثين، خرج أحاديثه وأشرف عليه شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة - بيروت. شرح القصيدة النونية (المسماة الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية) لابن القيم، شرحها وحققها: د. محمد خليل هراس، ط2، 1415هـ، دار الكتب العلمية - بيروت. صحيح البخاري. طبع المكتبة الإسلامية باستانبول - تركيا، 1979م. صحيح مسلم بشرح النووي: ط. الثانية 1392هـ/1972م، دار إحياء التراث العربي - بيروت. صحيح مسلم: تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، ط. 1400هـ، نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية. طبقات الحفاظ. لجلال الدين السيوطي: دار الكتب العلمية - بيروت، ط الأولى، 1403هـ، راجع النسخة لجنة من العلماء، بإشراف الناشر. الطبقات الكبرى. لابن سعد: دار صادر - بيروت، 1405هـ/1985م. طبقات المفسرين. للداوودي: ط. الأولى سنة 1392هـ، بمطبعة الاستقلال بمصر. العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية. تأليف الإمام محمد بن أحمد بن عبد الهادي: ت. محمد حامد الفقي، مكتبة المؤيد - الرياض. فتح الباري شرح صحيح البخاري. للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: ط. الأولى 1410هـ، عن الطبعة التي حقق أصلها الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز، ورقم كتبها وأبوابها وأحاديثها محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية - بيروت. الفوائد. لابن القيم: ت. محمد عثمان الخشت، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، 1413هـ. القاموس المحيط. لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادي: ط. 5، 1416هـ/ 1996م، مؤسسة الرسالة - بيروت. القلب ووظائفه في الكتاب والسنة. سلمان بن زيد اليماني: ط. الأولى 1414هـ، دار ابن القيم للنشر - الدمام. كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة. لنور الدين الهيثمي: تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، نشر مؤسسة الرسالة، ط. الثانية 1404هـ. لسان العرب. لابن منظور: ط. الأولى 1416هـ/1995م، دار إحياء التراث العربي - بيروت. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. للهيثمي: ط. الثالثة 1402هـ، منشورات دار الكتاب العربي - بيروت. مجموع الفتاوى. لشيخ الإسلام ابن تيمية: جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم ومساعدة ابنه محمد، تصوير الطبعة الأولى 1398هـ، مطابع الرياض، توزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. مختار الصحاح. لحمد بن أبي بكر الرازي: طبعة دار الجيل، بيروت - لبنان. مدارج السالكين. لابن القيم الجوزية: ت. أحمد فخري الرفاعي، عصام فارس الحرستاني، ط. الأولى 1412هـ، دار الجيل - بيروت. المستدرك على الصحيحين. للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن الحاكم النيسابوري: ط. الأولى 1406هـ، دار المعرفة - بيروت. مسند الإمام أحمد: مصورة الطبعة الأولى ومعها فهرس الألباني، المكتب الإسلامي، دار صادر - بيروت، طبعة أخرى، ت. أحمد شاكر، دار المعارف بمصر. مسند أبي داود الطيالسي: ط. دار المعرفة، بيروت - لبنان. مسند الإمام أحمد: المشرف على تحقيقه الشيخ شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى 1418هـ، مؤسسة الرسالة - بيروت. مشكاة المصابيح. لمحمد بن عبد اللَّه الخطيب التبريزي: تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، ط. الثالثة 1405هـ، المكتب الإسلامي - بيروت. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، للرافعي: تأليف أحمد بن محمد المقريء الفيومي: ط. الأولى 1414هـ/1994م، دار الكتب العلمية - بيروت. المصنف. للإمام محمد بن عبد اللَّه بن أبي شيبة: اعتنى بتحقيقه ونشره مختار أحمد الندوي، الدار السلفية - الهند. المعجم الكبير. للحافظ سليمان بن أحمد الطبراني: حققه وخرج أحاديثه حمدي عبد المجيد السلفي، ط. الأولى 1400هـ / 1980م، مطبعة الوطن العربي. موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان. للهيثمي: ت. محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية -بيروت. النجوم الزاهرة في ملوك ومصر والقاهرة. لابن تغري بردي: نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية - القاهرة. الوافي بالوفيات. لصلاح الدين خليل الصفدي: اعتناء: س. ديدرينغ، يطلب من دار النشر فرانز شتايز بفيسبادن 1389هـ. النهاية في غريب الحديث والأثر. لابن الأثير: تحقيق محمود محمد الطناحي، الناشر: المكتبة الإسلامية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 400 الخاتمة نسأل اللَّه حسنها، وهي تشتمل على خلاصة البحث ونتائجه وهي ما يلي: أن القلب مَلِك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، وهي المنفذة لما يأمرها به، ولا يستقيم لها شيء من أعمالها حتى تصدر عن قصده ونيته، وهو المسؤول عنها كلها. بينت أهمية القلب، وأنه إذا صلح صلح الجسد كله.. وأن صلاح هذا القلب وسعادته وفلاحه موقوف على هذين الأصلين الكتاب والسنة. أن القلب قد يعبر عنه بالفؤاد والصدر، وقد يعبر عنه بالعقل. ذكرت أقسام القلوب الثلاثة وهي: القلب الصحيح، والقلب المريض، والقلب القاسي. أن القلب الصحيح هو القلب السليم من الآفات التي تعتري القلوب المريضة، من مرض الشبهة التي توجب اتباع الظن، ومرض الشهوة التي توجب اتباع ما تهوى الأنفس. أن القلب المريض هو القلب الذي له حياة وبه علة، فله مادتان، تمده هذه مرة، وهذه أخرى، وهو لما غلب عليه منهما، فإن ورد عليه شبهة أو شهوة قوت مرضه، وإن حصلت له حكمة وموعظة كانت من أسباب صلاحه وشفائه.. أن القلب القاسي هو الجامد اليابس بمنزلة الحجر لا ينطبع، ولا يكتب فيه الإيمان، ولا يرتسم فيه العلم، لأن ذلك يستدعي محلاً ليناً قابلاً. أن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب، وأن القلب الصحيح الحيّ إذا عُرِضَت عليه القبائح نفر منها بطبعه وأبغضها، ولم يَلْتفِتْ إليها. أن من أسباب حياة القلب وصحته قراءة القرآن وتدبره، والأعمال الصالحة، وأن يستقر فيه معرفة اللَّه وعظمته ومحبته وخشيته والإنابة إليه، والابتعاد عن الفواحش والمعاصي. أن مرض القلب هو نوع فسادٍ يحصل له، يفسد به تصوره، وإرادته، فتصوره بالشبهات التي تعرض له حتى لا يرى الحق، أو يراه على خلاف ما هو عليه، وإرادته: بحيث يبغض الحق النافع ويحب الباطل الضار.. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 401 ذكرت أنواع مرض القلوب وعلامة ذلك وتناولت بشيء من التفصيل بعضاً من هذه الأمراض كمرض الحسد، والشحّ والبخل، ومرض الشهوة والعشق. أن من أهم أدوية القلوب القرآن الكريم فهو متضمن لأدوية القلب، وعلاجه من جميع أمراضه. أن للذنوب والمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة للقلب في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلاَّ اللَّه، ومن هذه الآثار: حرمان العلم، والوحشة التي يجدها العاصي في قلبه بينه وبين اللَّه، وأن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين، نسأل اللَّه بكرمه ومنه ألا يجعلني ووالدي وإخواني المسلمين من الغافلين، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الحواشي والتعليقات الجزء: 10 ¦ الصفحة: 402 دعاوى النصارى في مجيء المسيح د. سعود بن عبد العزيز الخلف. أستاذ مشارك - قسم العقيدة - كلية الدعوة وأصول الدين- الجامعة الإسلامية ملخص البحث الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: فإن بحث " دعاوى النصارى في مجيء المسيح (يكشف عن اضطراب النصارى في هذه الدعوى، كسائر تقريراتهم الدينية، فقد كانوا بعد رفع المسيح (على أمل في مجيئه وعودته قريباً. وكثر كلامهم في هذا الموضوع، حتى ظن بولس أن المسيح سيعود وهو حي، وأنه سيرتفع معه إلى السماء، ولا زال هذا هاجساً لهم، إلى أن ارتفع الاضطهاد عنهم، فزالت عنهم حالة الترقب، التي يقويها في الغالب الخوف والضعف، فأعرض الجمهور الأعظم منهم عن هذه الدعوى، وزعموا أن مجيئه إنما يكون للقيامة، وخالفهم في ذلك طوائف أخرى، جعلوا جل نشاطهم في إظهار ذلك الأمر، وادعوا أن المسيح سيعود قريباً، ويقيم حكماً لمدة ألف سنة على الأرض، بعدها تكون القيامة بعد أن يقضى على الدجال ويأجوج ومأجوج والشيطان. وبدراسة اقوالهم يتبين أن النصارى ينطلقون في دعاويهم من أمرين: أولاً: نصوص ليست ثابتة في أصلها، وليست واضحة في مدلولها، بل ربما تكون ألغازاً مستغلقة، لا يمكن فك رموزها إلا بضرب من التخمين. ثانياً: فهوم خاصة تنبع من الأهواء المستحكمة. وقد قمت في هذه الدراسة بتفصيل هذا كله، ليكون المسلم أكثر حمداً وشكراً لله تعالى، بما أنعم على المسلمين من الهداية إلى دينه القويم،وصراطه المستقيم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. *** مقدمة إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل الله، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 403 فإن نزول المسيح (في آخر الزمان كما هو الاعتقاد الحق لدينا نحن المسلمين، من العقائد التي يشاركنا فيها من وجه كلٌ من النصارى واليهود، وهو من الموضوعات - بالنسبة للنصارى واليهود - القديمة المعاصرة، بمعنى أن الاعتقاد بنزوله (لمَّا صار مستقراً في أذهانهم ولم يتحدد له وقت معين بصورةٍ مؤكدة، صار أصحاب كل من الديانتين في ترقبٍ شبه دائم، مع بروز الدعوات عن قرب مجيئه وأنه وشيك، حيث تسمع المناداة بقرب مجيئه في كثيرٍ من شوارع الغرب التي يجوبها بعض متحمسيهم، بل إنني أذكر أن أحد الإخوة في فرنسا كان يسكن في بيت عجوزٍ فرنسية، فسألته مرةً عن حالها، فأخبرني أنها امرأة متمسكة بدينها وأنها لم تتزوج قط، وأخبرني أنه من الغريب في شأن هذه المرأة أنها تعتقد أنها لن تموت؟! وإنما سيأتي المسيح قريباً فيأخذها إليه، وهي في انتظارٍ دائمٍ لهذا الحدث السعيد. فقلت: سبحان الله كيف تَزيَّن الباطل لأهله فصاروا يرونه حسناً وصدق الله القائل: (كذلك زينا لكل أمةٍ عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ( [الأنعام108] . وقوله تعالى: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ( [فاطر 8] . واليهود كذلك ينتظرون المسيح بلهفٍ شديدٍ وترقبٍ دائم، حتى إن من حاخاماتهم من كان يقول لأهله إذا أراد النوم: إذا جاء المسيح المخلص وأنا نائمٌ فأيقظوني دون تردد، ومنهم من جعل غرفةً خاصةً في بيته ووضع فيها كل غالٍ وثمين، ولا يسمح لأحدٍ بدخولها يسميها ((غرفة المسيح)) (1) ، بل إن بعض الكَّتاب يرى أن من أكبر دوافع الغرب وخاصةً أمريكا في دعم اليهود للتجمع في فلسطين وحماسهم للدفاع عنهم، هو اعتقادهم أنهم بهذا يمهدون الطريق لسرعة مجيء المسيح. (2) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 404 هذه التصورات والأعمال مبنية على اعتقاداتٍ لدى القوم، فأحببت أن أكتب في هذا الموضوع بالنسبة للنصارى أولاً، فأجلّيَ موقفهم الديني من مجيء المسيح (وأبين بالتالي أن كثيراً مما ادعوه باطلٌ بناءً على بطلان مصادرهم وبطلان مفهومهم لها. وقد قسمت هذا البحث إلى فصلين وخاتمة: الفصل الأول: في دعاوى النصارى في مجيء المسيح (. وفيه مقدمة وثلاثة مباحث: المقدمة وفيها: أدلة النصارى على المجيىء. المبحث الأول: الذين قالوا بمجيئه بعد وقت قصير من ارتفاعه. المبحث الثاني: الذين قالوا بمجيئه قبل القيامة، وأنه يؤسس ملكاً على الأرض مدته ألف سنة. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: كيفية مجيئه. المطلب الثاني: علامات مجيئه. المطلب الثالث: الحوادث التي تقع بعد الألف سنة. المبحث الثالث: من يرى أن مجيء المسيح إنما هو للقيامة والحساب وأنه لايؤسس ملكاً على الأرض.وفيه مطلبان: المطلب الأول: العلامات التي يتفقون عليها. المطلب الثاني: العلامات التي يختلفون فيها. الفصل الثاني: الرد على النصارى في دعاوى المجيء. وفيه مبحثان: المبحث الأول: بطلان المصادر المعتمدة إجمالاً. وفيه مطلبان: المطلب الأول: العهد القديم، وإنكار طائفة من اليهود والنصارى لقدسيته. المطلب الثاني: العهد الجديد، وإقرار كثير من النصارى بجهالة كتاب تلك الكتب. المبحث الثاني: في بطلان مااستدلوا به على دعاويهم في المجيء سنداً ومتناً. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول:سفر دانيال. المطلب الثاني: رسائل بولس. المطلب الثالث: سفر رؤيا يوحنا. ثم الخاتمة: وفيها أهم نتائج البحث. هذا وأسأل الله (أن يهدينا سواء السبيل، وأن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه، إنه جوادٌ كريم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الفصل الأول: دعاوى النصارى في مجيء المسيح ( مقدمة: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 405 يعتقد النصارى أن المسيح (قد صلبه اليهود، ومات على الصليب، ثم أُنزل من الصليب، وبعد دفنه فيما يقولون بثلاثة أيام (3) قام من قبره، ثم ظهر للتلاميذ، وزعموا أنه بقي معهم أربعين يوماً، ثم ارتفع إلى السماء، وهم ينظرون، وهم يستندون في ذلك على نصوص تدل على عودته ونزوله مرة أخرى. من هذه النصوص: ما ورد في ((إنجيل يوحنا)) (14/2-3) أن المسيح قال لهم: ((في بيت أبي منازل كثيرة وإلا فإني كنت قد قلت لكم أنا أمضي لأعد لكم مكاناً، وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إليّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً)) . وفي ((سفرأعمال الرسل)) (1/11) بعد ارتفاع المسيح (ذكروا أن ملكين قالا لتلاميذه: ((أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء، إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء)) . وفي ((إنجيل متى)) (16/28) ذكروا عن المسيح أنه قال لهم: ((الحق أقول لكم إن من القيام هاهنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته)) . وقد ركز ((بولس)) كثيراً على دعوى مجيء المسيح وقربها جداً، حتى زعم أن المسيح سيأتي وهو حي فقال في رسالته إلى ((كورنثوس الأولى)) (15/51-52) ((هو ذا سر أقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا نتغير في لحظة في طرفة عينٍ عند البوق الأخير، فإنه سيبوق فيُقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير)) . وهكذا زعم أيضاً في رسالته إلى ((تسالونيكى)) (4/15-17) حيث قال: ((فإننا نقول لكم بكلمة الرب إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين، لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة، وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب)) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 406 كما تكرر في ((سفر الرؤيا)) تأكيد المجيء الثاني وأنه مجيءٌ سريع حيث يقول: ((ها أنا آتي سريعاً)) (3/11، 12) (7/12،20) . فهذه النصوص يقرر من خلالها النصارى أن المسيح (سيأتي مرةً ثانية، إلا أنهم اختلفوا في وقت مجيئه إلى أقوالٍ عديدةٍ نذكرها في المباحث التالية ونبين ما في تلك الأقوال من الأخطاء والانحرافات: - المبحث الأول: الذين قالوا بمجيئه بعد ارتفاعه بوقتٍ قصير بعض النصوص السابقة فيها الإيحاء بأن المسيح (سيعود بعد وقت قصير من وقت ارتفاعه، لهذا برز عند النصارى في وقتٍ مبكرٍ من تاريخهم دعوى عودته ومجيئه مرة أخرى. وممن كان على هذا الاعتقاد ((بولس)) فقد صرح بأن مجيء المسيح مرةً أخرى سيكون في الفترة الزمنية التي هو يعيش فيها، كما في قوله السابق لأهل ((تسالونيكى)) ((إنَّا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين.. والأموات في المسيح سيقومون أولاً ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء وهكذا نكون كل حين مع الرب)) . وقوله في ((كورنثوس الأولى)) (15/51-53) ((لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير في لحظة في طرفة عينٍ عند البوق الأخير فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير)) . هكذا زعم. ولا شك أن هذا لم يتحقق فلم يأت المسيح - عليه السلام -، ولم يخطف ((بولس)) ، وبان بهذا أن قوله السابق غير صحيح وهو كاذب فيه، ولعله بسبب هذا القول لم يحرر تاريخ مؤكد لوفاته، فإن النصارى لا يعلمون على اليقين أين تُوفي، ومتى كان ذلك، وإنما يعلمون أنه وصل حسب المعلومات المتوفرة إلى روما، ثم منهم من يقول إنه قُتل في اضطهادات ((نيرون)) (4) عام 64م، ومنهم من يقول إنه لم يُقتل وإنما أطلق سراحه، وسافر إلى المشرق، وربما إلى إسبانيا ويقال أنه قتل سنة 67م (5) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 407 المهم هنا أن هذا القول منه خطأ بيِّن، فيكون كلامه كله مطعوناً فيه، خاصةً وأنه نسب الكلام السابق إلى الله (حيث قال قبله: ((فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب)) .كما أن اعتقاد المجيء السريع للمسيح كان منتشراً بين أناسٍ كثيرين من النصارى في تاريخهم المبكر بعد رفع المسيح (. (1) وفي نهاية القرن الثاني الميلادي ادعت امرأتان اسم احداهما ((بريسكلا)) والأخرى ((ماكسيميلا)) النبوة، وأعلنتا عن قرب نهاية العالم، ورجوع المسيح (وأن بيت المقدس الجديد سوف ينزل على القرية الصغيرة ((بيبوزا)) وأمرتا أتباعهما بالاستعداد لهذا المجيء بالكف عن الزواج، وزيادة أوقات الصيام، والامتناع عن شرب الخمر والأطعمة الشهية، واجتمع جمعٌ غفيرٌ منهم في ((فريجيا)) انتظاراً لرجوع المسيح، حتى إن أسقفاً من سوريا قاد كل أعضاء كنيسته ليقابلوا المسيح في الصحراء، ولكنهم ضلوا الطريق، وكانوا على شفا الموت جوعاً لولا أن أنقذتهم السلطات. (7) المبحث الثاني: الذين قالوا بمجيئه قبل القيامة وأنه يؤسس مُلكاً على الأرض مدته ألف سنة طائفةٌ من النصارى يرون أن المسيح - عليه السلام - سيأتي إلى الأرض، ويؤسس بذلك مُلكاً مدته ألف سنة، يسمون " الألفيين "، وعلى هذا الرأي من المتقدمين: ((جاستن مارتر)) (8) و ((إيريانوس)) ، (9) و ((ترتليان)) (10) . يقول ((دين الفورد)) : ((إن الكنيسة كلها في الثلاثمائة سنة الأولى من العصر المسيحي تفهم ملك الألف سنة في معناه الواضح، بأنه ملك حرفي على الأرض)) (11) ، وعليه أيضاً ((ناشد حنا)) ، صاحب كتاب ((شرح سفر الرؤيا)) ، وكذلك أخذ به من النصارى من يُسمّون ب ((لأصوليين)) (12) ، وهي فرق انبثقت من "البروتستانت" (13) ،مثل: ((السبتيين)) (14) ، و ((شهود يهوه)) (15) ، و ((المورمون)) (16) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 408 ومن أقوالهم في هذا: قول صاحب كتاب ((يسوع على الأبواب)) : ((سيأتي المسيح ثانيةً، ويقيد الشيطان ألف سنة، ويؤسس مملكته على الأرض، وسيملك معه القديسون)) (17) . ويقول ((إبراهيم صبري)) صاحب كتاب ((خطوة خطوة نحو نهاية العالم)) : ((لابد للمسيح أن يعود مرةً ثانيةً ليسترد كرامته التي أُهينت في نفس المكان الذي أهين فيه، فإذا كان قد جاء في المرة الأولى إلى الأرض في صورة الضعف والاتضاع كالحمل الوديع من أجل تحقيق هدفٍ سامٍ هو رفع خطيئة العالم ... فلابد أن يأتي مرةً أخرى إلى الأرض نفسها ... كالأسد لكي يسود ويملك وتوضع أعداؤه موطئاً لقدميه)) (18) . ويستدلون لهذا المجيء بنصوصٍ وردت في ((العهد القديم)) و ((الجديد)) فمما ورد في ((سفر دانيال)) (7/13-14) ((كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان، أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه، فأُعطي سلطاناً، ومجداً، وملكوتاً، لتتعبد له كل الشعوب، والأمم، والألسنة، سلطانه سلطانٌ أبدي ما لن يزول، وملكوته مالا ينقرض)) . ومما جاء في ((العهد الجديد)) ما ورد في ((إنجيل متى)) (24/30) ((قال الرب: وحينئذٍ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحابٍ السماء بقوةٍ ومجدٍ كثير)) . وفي ((سفرالأعمال)) (1/11) ((إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء)) . المطلب الأول: وقت وكيفية مجيئه: اهتم النصارى فيما قبل بتحديد وقت مجيء المسيح بزمنٍ معين، فالأمريكي ((وليام ميلر)) ، مؤسس فرقة السبتيين، أوصلته دراسته للنصوص الواردة في المجيء أن المسيح سيأتي عام 1843م، فأعلن عن ذلك، إلا أن نظره خاب لعدم مجيء المسيح (، ثم أعلن أتباعه من بعده أن مجيئه سيكون عام 1890م، إلا أنهم خاب رجاؤهم أيضاً. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 409 ثم أعلن من بعده التاجر الأمريكي الراهب ((شارل رسل)) المتوفى سنة 1916م، مؤسس مذهب شهود يهوه: أن المسيح سيأتي عام 1874م، وذلك بعد دراسةٍ شاملةٍ للنصوص المتعلقة بالمجيء مع مجموعةٍ من أصدقائه، إلا أنه مني بخيبة أملٍ لعدم مجيء المسيح في تلك السنة. ولإخفاء فشله أعلن سنة 1876م أن المسيح جاء فعلاً إلا أنه أخفى نفسه. ثم ادعى أن نهاية العالم ستكون 1914م، وبعدها سيكون الحكم الألفي السعيد، إلا أن ذلك لم يتحقق، بل وقعت الحرب العالمية الأولى، ومن بعدها الحرب العالمية الثانية (19) . إلا أن الأكثر منهم لم يحددوا لمجيئه وقتاً معيناً. وجميع "الألفيين" يصرحون بأن للمسيح (مجيئين:- المجيء الأول: ويسمى ((الاختطاف)) . وذلك أن المسيح فيما يزعمون يأتي فيختطف صنفين من الناس: الصنف الأول: الصالحون من الأموات من اليهود السابقين لمجيء المسيح، وكذلك الصالحون من أموات النصارى. أما الصنف الثاني فهم: الصالحون من النصارى الأحياء، فيلاقيه الجميع في الهواء، وتتغير أجساد الأحياء إلى أجساد قابلة للبقاء، ومستندهم في ذلك قول ((بولس)) في رسالته لأهل ((تسالونيكى الأولى)) (4/15- 17) ((فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين ..... )) . (20) وهذا المجيء عندهم سرى، وليس له أية علامات تسبقه، ولا يُعرف من ناحيةٍ تاريخيةٍ متى وقوعه، وإنما يأتي فجأةً بدون مقدمات، حتى يكون ذلك أدعى للاستعداد الدائم من الراغبين في الاشتراك مع المسيح (21) فيما يدعون. وهنا ملاحظة، وهي أن للنصارى تعبيرات غير لائقة في لقاء المسيح المزعوم، فيصفون المسيح ب ((الخروف)) والكنيسة بأنها ((عروسه)) والالتقاء ((حفل عرس الخروف)) (22) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 410 ومن عباراتهم في ذلك ((العريس آت)) ((العريس والعروس معاً)) وقالوا: ((إن الرب - العريس - سوف ينزل بنفسه من السماء يخطف عروسه)) ((أما عن المجيء فسوف ينزل الرب بنفسه من السماء لاختطاف واستقبال عروسه في السحب في الهواء)) ((إن المؤمنين هم عروس المسيح، ولا شيء يعزيهم في هذا العالم الشرير مثل الوعد بمجيئه الثاني)) ((إن الكنيسة هي عروس المسيح ويشبهها بولس بعذراء عفيفة مخطوبة للمسيح)) (23) . ولاشك أن هذا التعبير مما لا يليق استخدامه بالنسبة للمسيح (، فتسميته خروفاً حطٌ من قدره، وداعٍ للاستهزاء به (، ومع اعتقادهم أن المسيح هو الإله، وابن إله، فيكون التعبير السابق أدهى وأشنع، فكيف يصفون إلههم بصفة حيوانٍ بهيم؟! كما أن وصفهم له بالعريس، ووصفهم لأنفسهم بالعروس يتنافى مع ذوق الرجال، ويشعر الرجل بالدونية وإن كانوا ليسوا حقيقة عرائس، ولا هو حقيقة عريساً لهم - وحاشاه - (. المجيء الثاني: ويسمى الظهور. ويقصدون به أن المسيح سيعود مرةً أخرى فيظهر للناس، ويرونه بأمِّ أعينهم. يقول ((إبراهيم صبري)) : ((يقصد بالظهور هنا مجيء المسيح مرةً ثانيةً إلى أرضنا، ليس بصورةٍ سريةٍ هذه المرة، كما سيجيء لاختطاف الكنيسة، ولكن بصورةٍ علنيةٍ ظاهرةٍ للعالم أجمع، وليس مع جندٍ سماوي فقط ولكن بصحبة كنيسته - عروسه - التي ستكون قد زُفت إليه من فترةٍ وجيزة)) (24) المطلب الثاني:علامات المجيئ: هذا المجيء المسمى ((الظهور)) له عند النصارى علامات عديدة تكون بين ما يسمونه ((الاختطاف)) و ((الظهور)) وتكون المدة بين الاختطاف والظهور سبع سنين، ويعتبرونه الأسبوع الأخير من الأسابيع الواردة في ((رؤيا دانيال)) (1) ومدته سبع سنوات، وتحدث فيه أمورٌ عظيمة يقولون إنها من أشد ما ابتلى به الناس من الضيق والتعب منها:- ظهور مسحاء كَذَبَة، وأدعياء للنبوة كاذبين. حروب كثيرة تنتشر هنا وهناك ومجاعات وزلازل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 411 تقييد الشيطان وطرحه إلى الأرض. وذلك أن النصارى، أصحاب هذا القول يزعمون أن الشيطان له سلطانٌ على الهواء، وفي منتصف هذا الأسبوع الأخير ستقوم حربٌ بين ((ميخائيل)) وملائكته، والشيطان وأتباعه من الجن - ويسمون الشيطان هنا بالتنين - وأتباعه بملائكته، ويُهزم في تلك الحرب الشيطان، ويُطرح إلى الأرض، وتتخلص السماء من شره، ويستدلون لهذا بما ورد في ((رؤيا يوحنا)) (12/7-17) ((وحدثت حرب في السماء، ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنين وملائكته، ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء، فطرح التنين العظيم، الحية القديمة، المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله طُرح إلى الأرض وطُرحت معه ملائكته..من أجل هذا افرحي أيتها السموات والساكنون فيها، ويل لساكن الأرض والبحر، لأن إبليس نزل إليكم، وبه غضبٌ عظيمٌ عالماً أن له زماناً قليلاً)) . وبعد تلك الحرب وذلك الطرح، يكشِّر الشيطان عن أنيابه، ويكثر شره، ويتسلط على الناس، ويثير شراً عظيماً من أهم صوره: المسيح الكذاب، أوالمتنبيء الكذاب، أو المسيح الدجال، أو ضد المسيح. هذه مسمياتٌ كلها لرجلٍ واحدٍ من اليهود، يخرج في الثلاث سنوات والنصف الأخيرة قبل ظهور المسيح (فيما يزعمون، ويأتي معه آيات وعجائب ليضل الناس، ويسكن في بيت المقدس، ويدَّعي لنفسه الألوهية، ويأمر الناس أن يسجدوا للشيطان (26) ، ويصنع صورة ((للوحش)) وهو أحد الملوك الجبابرة، ويأمر بالسجود لها، كما يضع علامةً على اليد اليمنى لاتباعه على صورة الوحش، ويكثُر أتباعه، ويسلطهم على من عداهم من الناس ممن لم يقبل دعوته، فيأخذون أملاكهم، ويضيقون عليهم في معيشتهم (27) . ويستدلون لذلك بنصين، أحدهما: في ((سفر دانيال)) (11/36-39) ، وفيه: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 412 ((ويفعل الملك كإرادته، ويرتفع ويتعظَّم على كل إله، ويتكلم بأمورٍ عجيبةٍ على إله الآلهة، ويتبجح إلى إتمام الغضب، لأن المقضي به يجري ولا يبالي بآلهة آبائه، ولا بشهوة النساء، وبكل إله لا يبالي لأنه يتعظَّم على الكل، ويكرّم إله الحصون في مكانه، وإلهاًلم تعرفه اّباؤه، يكرمه بالذهب والفضة وبالحجارة الكريمة والنفائس ويفعل في الحصون الحصينة بإلهٍ غريبٍ منْ يعرفه يزيده مجدا، ً ويسلطهم على كثيرين، ويقسِّم الأرض أجرة" (28) . والنص الآخر في ((رؤيا يوحنا)) (13/11-18) وفيه: ((ثم رأيت وحشاً آخر طالعاً من الأرض، وكان له قرنان شبه خروف، وكان يتكلم كتِنِّين، ويعمل بكل سلطان الوحش الأول أمامه، ويجعل الأرض والساكنين فيها يسجدون للوحش الأول الذي شُفي من جرحه المميت، ويصنع آياتٍ عظيمة، حتى أنه يجعل ناراً تنزل من السماء على الأرض قدام الناس، ويضل الساكنين على الأرض بالآيات التي أعطى أن يصنعها أمام الوحش، قائلاً للساكنين على الأرض أن يصنعوا صورةً للوحش الذي كان به جرح السيف، وعاش وأعطى أن يعطي روحاً لصورة الوحش حتى تتكلم صورة الوحش، ويجعل الذين لا يسجدون لصورة الوحش يُقتلون، ويجعل الجميع الصغار والكبار، والأغنياء والفقراء، والأحرار والعبيد، تصنع لهم سمة على يدهم اليمنى أو على جبهتهم، وأن لا يقدر أحد أن يشتري، أو يبيع إلا من له السمة، أو اسم الوحش، أو عدد اسمه)) . مجيء ملك الشمال مع ((يأجوج ومأجوج)) . هكذا يصف بعض النصارى أحد الملوك ممن سيغزوا فلسطين، وزعموا أنه سيأتي بجنود لا عدد لها كثرة، وبعضهم يصفه ب ((الوحش)) ، ويُخضِع مع المسيح الدجال الناسَ، ويقتل أناساً كثيرين ممن لا يخضعون له، وسيحتفي به اليهود ويفرحون به، باعتبار أنه حاميهم ويقبلونه بفرحٍ عظيم (29) ، ويستدلون لذلك بما ورد في ((رؤيا يوحنا)) (13/1-8) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 413 "ثم وقفت على رمل البحر، فرأيت وحشاً طالعاً من البحر له سبعة رؤوس وعشرة قرون.. وأُعطي سلطاناً أن يفعل اثنين وأربعين شهراً. ففتح فمه بالتجديف على الله ليجدف على اسمه وعلى مسكنه وعلى الساكنين في السماء، وأُعطي سلطاناً على كل قبيلة ولسان أمة فيسجد له جميع الساكنين على الأرض)) . مجيء المسيح علناً وإقامة الملك الألفي. بعد اكتمال ثلاث سنوات ونصف من ظهور المسيح الدجال والوحش ينزل المسيح عيسى (ويتوافق مع مجيئه علامتان: إحداهما: سقوط بعض النجوم، وإظلام الشمس والقمر فلا ينبعث منهما نور. ثانيهما: ظهور علامة الصليب في السماء بحيث يراها الناس. ويستدل النصارى لهاتين العلامتين بما ورد في ((إنجيل متى)) (24/29) : ((وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس، والقمر لايعطي ضوءاً، والنجوم تسقط من السماء، وقوات السموات تتزعزع، وحينئذٍ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء)) . وينزل المسيح (، ويرافقه في نزوله الملائكة، ويكون نزوله على جبل الزيتون الذي قبالة بيت المقدس من الشرق، وحسب ادعائهم أن أول ما يقوم به هو القبض على مدعي النبوة، أو المسيح الدجال، وكذلك الملك الأممي أو الوحش، فيقضي عليهما بنفخةٍ من فمه، ثم يلقيهما في النار، ليكونا بذلك أول الداخلين إليها، ويُعذبان فيها عذاباً أبدياً، ثم يقتل أتباعهما بالسيف، ويقبض على الشيطان ويطرحه في الهاوية، التي هي مقر الأرواح، ويقيد فيها مدة ألف سنة. ثم يبدأ حكم المسيح للأرض، والذي يمتد ألف سنة، ويكون حُكماً سعيداً ترتفع فيه اللعنة من الأرض (30) ، ويبني الهيكل في بيت المقدس (31) ، ويُعيد بني إسرائيل من تشردهم، وتُكتب الشريعة على قلوب الناس فلا يحتاجون لمعلِّم (32) ، وترتفع الوحشية من الحيوانات فلا يعتدي بعضها على بعض (33) ، ويطول عمر الناس (34) ، وتختفي الحروب (1) ، ويؤخذ الحق من الأشرار فيبادون في كل صباح (2) . المطلب الثالث: الحوادث التي تقع بعد الألف سنة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 414 بعد انتهاء الألف سنة يكون هناك حادثتان: الأولى: حرب هَرمجدون "هرمجدون" اسم عبري معناه ((جبل مجدو)) ويقع في ((مرج بن عامر)) على خط المواصلات بين القسمين الشمالي والجنوبي من فلسطين، وفيه تقع في زعم هذه الطائفة من النصارى (37) الحرب الأخيرة بين المسيح وأعدائه من ((يأجوج)) و ((مأجوج)) ، فإنهم يقولون:بعد انتهاء الألف سنة يُحل الشيطان من قيوده ويبدأ بإضلال الناس وإغوائهم، ويجمع يأجوج ومأجوج وعددهم مثل رمل البحر، فيأتون فيحيطون ببيت المقدس، وفيه المسيح (وأتباعه فيحاصرونهم، فينزل الله (ناراً من السماء فتحرقهم، ثم يقبض على إبليس ويطرح في النار حيث يعذب العذاب الأبدي، وبذلك يتم القضاء على الشر نهائياً (38) . ويستدلون لذلك بما جاء في ((رؤيا يوحنا)) (16/16) ((مجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون)) ، ثم ذكرتفصيل تلك الحرب في السفر نفسه (20/7) : ((ثم متى تمت الألف سنة يُحل الشيطان من سجنه، ويخرج ليُضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض يأجوج ومأجوج ليجمعهم للحرب، الذين عددهم مثل رمل البحر، فصعدوا على عرض الأرض، وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة، فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم، وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذاب وسيعذبون نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين)) . ثانياً: القيامة بعد هذه المعركة تبدأ القيامة ومحاسبة الناس، وفي زعمهم أن المتولي لذلك هو المسيح (. هذا هو قول هذه الطائفة من النصارى، والذين يسمون "الألفيين". المبحث الثالث: من يرى أن مجيء المسيح (إنما هو للقيامة والحساب وأنه لا يؤسس ملكاً على الأرض. الطائفة الأخرى من النصارى وهم الذين يشكلون غالبية النصارى حيث هو قول الأرثوذكس الأقباط (39) والأرثوذكس اليونان (40) والكاثوليك (41) وطائفة من البروتستانت:- الجزء: 10 ¦ الصفحة: 415 يرون أن المسيح (إنما يكون مجيئه ليوم القيامة والحساب، وأنه لا يؤسس مُلكاً على الأرض، وإن ملكه كان قد ابتدأ من يوم صلبه وقيامته من قبره في زعمهم، وهو ملك روحي، وأن الألف سنة المذكورة في ((رؤيا يوحنا)) (20/7) المقصود بها المدة التي تكون من مجيئه الأول إلى مجيئه الثاني، وأن الشيطان قُيِّد جزئياً منذ صلب المسيح، وقام من قبره وارتفع إلى السماء، ويرون أن المسيح (إذا جاء فإنه يرتفع إليه الأبرار الأحياء، ويقوم الأموات من قبورهم للكرامة، ثم تتغير الأرض والسماء،ويقف الناس أمام عرش المسيح، الذي سيحاسب الناس على أعمالهم (42) .هكذا زعموا. ويعتبر أصحاب هذا القول أن دعوى الملك الألفي خرافة وفكر يهودي دخل على النصارى في القرون الثلاثة الأولى، ثم تجدد في العصور المتأخرة (43) . ويتفق أصحاب هذا القول في أشياء، ويختلفون في أشياء متعلقة بمجيء المسيح (، نجملها في المطلبين التاليين: المطلب الأول: العلامات التي يتفقون عليها: يتفق أصحاب هذا القول على بعض العلامات التي تسبق مجيء المسيح وهي:- 1) انتشار الإنجيل يزعم أصحاب هذا القول أنه لابد أن ينتشر الإنجيل في كل مكان قبل أن يأتي المسيح ((44) ويعتمدون في ذلك على نص ((إنجيل متى)) (24/14) وفيه ((ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يأتي المنُتهى)) . أن الشمس والقمر يظلمان وتسقط النجوم وتتزعزع السماوات (45) ظهور علامة ابن الإنسان في السماء وهي الصليب في زعمهم والتي يعقبها نزول المسيح والقيامة. المطلب الثاني: الأشياء التي يختلفون فيها: يختلف أصحاب هذا القول في أمرين: أحدهما- العلامات الأخرى التي تسبق مجيء المسيح:- مثل: المسيح الدجال، والوحش أو ملك الشمال، ويأجوج ومأجوج، وهرمجدون، ونحوها، فهم يختلفون فيها إلى قولين: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 416 القول الأول: من يرى أن هؤلاء ليسوا أشخاصاً حقيقيين ولا أحداثاً تاريخية ستقع بالصورة التي وردت في النصوص، وإنما هي صور مجازية، تعني انتشار أفكار فاسدة، وكذلك كثرة الشرور الموجهة للكنيسة، وأنه سيتساعد كل من السلطة المدنية والعسكرية للدولة التي تكون فيها الكنيسة مع إبليس، ويتعاونون ضد الكنيسة قبل مجيء المسيح، وهذا هو الذي يرمز إليه ب ((الوحش)) و ((يأجوج ومأجوج)) و ((هرمجدون)) . كما ستساعدهم السلطة الدينية التي يرمز إليها ب"النبي الكذاب"أو"المسيح الدجال"، ويشددون جميعاً وطأتهم على الكنيسة بالترغيب والترهيب حتى يأتي المسيح وتقوم القيامة (1) . القول الثاني: من يرى أن تلك العلامات هي لأشخاصٍ حقيقيين ولأحداثٍ تاريخية ستقع قبيل مجيء المسيح (على الكيفيات التي ذُكرت بالنصوص، ويتفقون في هذا مع الألفيين من النصارى، إلا أن الألفيين يرون أن هذه العلامات تكون في الفترة الواقعة بين ما يسمى بالاختطاف والظهور. أما هؤلاء فيرون أن ذلك قبيل مجيء المسيح (للقيامة (2) ثانيهما- تحديد وقت المجىء والقيامة:- يختلف المنكرون للملك الألفي في تحديد وقت لمجيء المسيح (وبالتالي القيامة إلى قولين أيضاً: القول الأول: إنكار تحديد وقتٍ أو تاريخ معين لمجيء المسيح أو القيامة، بل يعتبرون ذلك خطأ (48) مخالفاً لما ورد في ((إنجيل متى)) (24/36) ((وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا ملائكة السموات إلا أبي وحده)) . القول الثاني: وهم من يحددون تاريخاً معيناً لمجيء المسيح والقيامة:- أصحاب هذا القول وإن كانوا لا يرون أن المسيح سيملك دنيوياً على الأرض قبل القيامة، إلا أنهم يحددون تاريخ مجيئه والقيامة بستة آلاف سنة منذ خلق أدم (.   (1) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 417 ويستدلون لذلك بنصٍ في ((رسالة برنابا)) (49) يقول فيها: ((إن الله أتم عمل يديه في ستة أيام، هذا يعني أن الله سيقود خلال ستة آلاف سنة كل شيء إلى تمامه كل يوم عنده ألف سنة (50) ، ثم يزعمون أنه مضى من خلق آدم إلى ولادة المسيح أربعة آلاف سنة فيبقى ألفا سنة، هي المدة الباقية حتى يجيء مرةً أخرى، ويكون مجيئه في نفس الليلة التي ولد فيها، وهي على حسابهم ليلة 24/25 ديسمبر سنة 4000 من خلق آدم (. وحسب حساب الأقباط: فإن تاريخ ولادة المسيح يتأخر عن التاريخ المعمول به حالياً وهو التاريخ الغربي ثمان سنوات، حيث الميلاد عند الغرب في سنة 754 لتأسيس مدينة ((رومية)) ، أما حسب التقويم القبطي فهو سنة 746 لتأسيس مدينة رومية، أما الميلاد الفعلي فيقولون:إنه وقع متقدماً على ذلك بخمس سنوات، حيث هو في 741 لتأسيس مدينة ((رومية)) ، فيكون الفارق بين التاريخ الفعلي والتاريخ الحالي المعمول به ثلاثة عشر عاماً، فعليه يكون مجيء المسيح (في حدود منتصف ليلة 24/25 ديسمبر سنة 2013 أو 2014م. وأصحاب هذا القول هم ممن يقول بخروج المسيح الدجال والوحش ونحو ذلك من العلامات، وأنهم أشخاص حقيقيون سيخرجون قبيل مجيء المسيح (1) . الفصل الثاني: الرد على النصارى في دعاوى المجيء مما لاشك فيه أن المسيح عيسى (سينزل قبل يوم القيامة، وهو من علامات الساعة الكبرى (2) ، إلا أن الفرق واسعٌ، والبون شاسعٌ بين عقيدتنا في المسيح (وكذلك مصادرنا، وبين عقيدة النصارى فيه ومصادرهم. فمن هنا نرد في هذا المبحث على الانحرافات في دعاوى المجيء، والمبنية إما على نصوصٍ خاطئةٍ، أو غير صحيحةٍ، أو فهومٍ باطلة فاسدة. المبحث الأول: بطلان المصادر المعتمدة إجمالاً الجزء: 10 ¦ الصفحة: 418 المصادر التي اعتمد عليها النصارى في هذه المسألة وفي غيرها من المسائل لايصح اعتمادها مصادر، لعدم ثبوتها من ناحية تاريخية، وإقرار كثيرٍ من النصارى بجهالة كُتَّابها، وسنذكر بشيء من الإيجاز ما يتعلق بكلٍ من العهد القديم والعهد الجديد. المطلب الأول: العهد القديم،وطعن طائفة من اليهود والنصارى فيه: العهد القديم (53) ؛هو الكتاب المشترك بين كل من اليهود والنصارى، ويعتقد كلٌ منهما أنه موحى به من الله تعالى. فاليهود الأرثوذكس (54) يعتقدون أن أسفار موسى بصفةٍ خاصةٍ هي كلام الإله الذي أوحي إلى موسى حرفاً بحرفٍ وأملاه عليه حينما صعد إلى جبل سيناء، وهو كلام أزلي لا يتغير، والكتب الأخرى في العهد القديم هي نتاج الروح القدس، تلك الروح في قولهم التي تغمر روح الإنسان فيتحدث باسم الإله (1) . والنصارى كذلك يعتقدون أن العهد القديم موحى به من الله، فقد جاء في ((وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني)) ما نصه ((الكتاب المقدس كله بجميع أجزائه موحى به من الله)) ، ثم ذكروا أن الروح القدس هو الذي كان يساند عمل الكُتَّاب وينير عقولهم حتى يكتبوا كل ما يريد الله إعلانه، ثم قالوا ما نصه: ((لذا يحق القول – بكل صدق – إن الله تعالى نفسه هو المؤلف الأصلي للكتب المقدسة وأنها كلمة الله)) (2) . كما يزعم طائفة من النصارى موافقين في ذلك دعوى اليهود في التلمود: أن موسى هو الكاتب للتوراة، وأن جُل أسفار العهد القديم كتبها الأشخاص الذين وضعت أسماؤهم عليها (57) . هذا اعتقاد المتدينين من اليهود، واعتقاد جُل طوائف النصارى الكبار مثل: الكاثوليك والأرثوذكس اليونان والأرثوذكس الأقباط والبروتستانت ونحوهم. إلا أن ذلك كله دعوى لا دليل عليها ولا تصمد أمام التحقيق العلمي، إلا أنا هنا لا يمكن أن نستوعب الكلام والأدلة التي تبين بطلان ذلك، إلا أننا سنذكر فيما يلي بعض الحقائق التي تبين بطلان دعواهم: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 419 أولاً: إنكار طائفةٍ كبيرةٍ من اليهود والنصارى للوحي والإلهام في التوراة. قام كل من اليهود والنصارى بنقد التوراة والكتب الأخرى معها، وكان من أوائل نقادها اليهودي القرَّائي (58) ((حيوى البلخي)) ممن عاش في القرن التاسع الميلادي، ومن أظهر النقاد المتأخرين الفيلسوف اليهودي ((سبينوزا)) الذي أنكر أن يكون موسى هو كاتب التوراة وأن كاتبها هو ((عزرا)) . والإصلاحيون من اليهود (1) ينكرون أن العهد القديم موحى به من الله ويعتبرونه من صنع الإنسان. كما أن الصهاينة (60) من اليهود يعتبرون التوراة تراثاً يهودياً شعبياً (61) . ومما يؤكد أن التوراة لا يمكن أن تكون من كتابة موسى، هو أن جمهور النصارى يرون أن التوراة فقدت من بنى إسرائيل خاصةً عند مهاجمة الملك البابلي ((بختنصر)) بيت المقدس وتدميره له، وأن الموجود الآن بين أيديهم إنما كتبه ((عزرا)) الذي كان في زمن السبي البابلي (62) ، إلا أن السؤال هو: من أين وصلت التوراة إلى عزرا وبينه وبين موسى (أكثر من ثمانية قرون؟ اليهود والنصارى يقولون: إن الله أو الروح القدس ألهمه التوراة، إلا أن هذه الدعوى لا يوجد ما يدل عليها في ((سفر عزرا)) ولافي ((سفر نحميا)) اللذين حكيا جمع عزرا للتوراة، وإنما ورد في ((سفر عزرا)) ما يدل على أن ((عزرا)) قد اجتهد في جمع التوراة وتعليمها فقد قالوا: ((لأن عزرا هيأ قلبه لطلب شريعة الرب والعمل بها وليعلٍّم إسرائيل فريضة وقضاء)) (63) . وليس في هذا دلالةً على أن الله أوحى إليه التوراة كما يزعم اليهود والنصارى، ولو كان الله أوحى إليه التوراة لذكر ذلك لأنه مفخرة عظيمة له، وفيه تأييد له وبرهان على صحة ما كتب، فلما لم يذكر ذلك دل على أن الله لم يوح إليه شيء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 420 وأظهر ما يكون في الأسفار الخمسة التي يزعمون أنها ((التوراة)) أنها بشكلها العام من وضع ((عزرا)) ، وقد يكون ((عزرا)) استفاد من أصولٍ أقدم كانت بين يديه لايعلم على التحقيق أصولها ولا كُتَّابها ولا تواريخها، مما يعطي عمل عزرا قيمةً أدبيةً ونوعاً ما تاريخية، لكنه لا يمكن بحالٍ أن يرتقي إلى درجة الكتب المقدسة الموحى بها من الله المعصومة عن الخطأ والزلل. ثانياً: إقرار كثير من النصارى أن كتاب تلك الكتب مجهولون. كما أفاد كثيرٌ من كُتَّاب النصارى التشكيك في كُتَّاب تلك الكتب، والتشكيك في أن يكون موسى (هو كاتبها، ومن هؤلاء: هيئات كنسية معتبرة، من ذلك أصحاب كتاب ((مدخل إلى الكتاب المقدس)) وهم مجموعة من المؤلفين أفادوا عن كُتَّاب العديد من الأسفار أنهم مجهولون. من ذلك: أنهم قالوا عن ((سفر التكوين)) :إن كاتبه مجهول، لكن ((العهد الجديد)) يدل ضمناً على أن كاتبه هو ((موسى)) ، ولم يعترض أحدٌ على هذا المفهوم حتى العصر الحديث. وقالوا: إننا لا نعرف كيف كتب هذا السفر، لكن من المعقول أن نرى موسى كمحرر استطاع أن يضم معاً عدداً كبيراً من القصص والحقائق، التي قد يكون بعضها قد أصبح شائعاً قبل تاريخ تدوينه (64) . وذكروا نحو هذا عن ((سفر التثنية)) ، و ((سفر يشوع)) ، و ((سفر القضاة)) و ((راعوث)) ، و ((صموئيل الأول والثاني)) ، و ((الملوك الأول والثاني)) ، و ((أخبار الأيام الأول والثاني)) ، و ((عزرا)) ، و ((أيوب)) ، و ((المزامير)) ، و ((الجامعة)) ، و ((نشيد الإنشاد)) ، و ((أشعيا)) ، و ((أرميا)) ، و ((مراثي أرميا)) ، و ((حزقيال)) ، و ((دانيال)) ، و ((يونان)) (1) . فهذه المجموعة الكبيرة من كتب ((العهد القديم)) طُعن فيها بما يؤكد أن كُتَّابها مجهولون، أو غير متحقق من شخصية كاتبيها، وكذلك تاريخ كتابتها مجهول، بل جميعها كتبت بعد أزمانٍ من تاريخ حياة من نسبت إليه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 421 ثالثاً: اكتشاف علماء النصارى أن لكتب العهد القديم عدة مصادر: ومما يدل على أن التوراة الموجودة بين أيدي اليهود والنصارى ليست هي التي أنزلت على موسى: أن النقاد من النصارى اكتشفوا أنها جمعت من مصادر عديدة، يقول ((صموئيل يوسف)) في كتابه ((المدخل إلى العهد القديم)) بعد أن ذكر أن المحافظين من علماء الكتاب يرون أن موسى (هو كاتب الأسفار الخمسة، قال: ((ويرى التقدميون بأنه لا يمكن أن يكون موسى كاتب ((الأسفار الخمسة)) ومنها ((سفر التكوين)) ، ومنهم ((جان ستروك إيكهورن)) والكاهن ((الكسندر جديس)) ، و ((فيلهوزن)) ، و ((يوديه)) و ((أدتويشفيلد)) ، والعالم اللاهوتي ((جيرهارد فون راد)) ، وغيرهم كثير، يعتقدون أن ((الأسفار الخمسة)) كتبت بواسطة كاتب غير معروف استعان على كتابته لها بمصادر العديدة. ثم ذكروا أن أولئك العلماء وغيرهم اكتشفوا ما يسمى "نظرية المصادر" وهي: أن جامع ((الأسفار الخمسة)) استعان على كتابته وجمعه لها بمصادر عديدة، وفَّق بينها، وأخرج من مجموعها النص الموجود، واستطاعوا اكتشاف أربعة مصادرٍ أساسيةٍ وهي: 1- اليهوية التي يرمز إليها بحرف "J " وتاريخ كتابته ما بين 950 - 850 ق. م. 2- ((الألوهيم)) التي يرمز إليها بحرف " E " وتاريخ كتابته في حدود 850 - 750 ق0م وهذان المصدران يميزهما استخدام الأولى منها لاسم الإله ((يهوه)) والأخرى تستخدم اسم الإله ((إلوهيم)) . 3- ((سفر التثنية)) وهو خاص بذلك السفر ويرمز إليه بحرف "D "، وتاريخ كتابته في حدود ما بين القرن الثامن إلى القرن السادس قبل الميلاد. 4- ((النص الكهنوتي)) ويرمز له بحرف " P " وتاريخه القرن الخامس إلى الرابع قبل الميلاد. وتشير التواريخ المذكورة أن تلك المصادر كتبت بعد موسى (بفترة طويلة، تصل إلى تسعة قرون في بعضها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 422 كما اكتشفت مصادر أخرى لكل مصدر من هذه المصادر بحيث صار المصدر الواحد يتوزع في أصله بين عدة مصادر (1) . والمقصود بذلك أن جامع ((الأسفار الخمسة)) الموجودة الآن جمعها من مصادر عدة كُتبت قبله، فأخذ من هذا المصدر شيئاً وأخذ ما بعده من مصدرٍ آخر، وكمَّل بعضها من بعض، وقد يكون قد تصرف في ألفاظها حتى يوجد بينها الترابط المناسب، وأخرج من مجموع ذلك ما يسمى ب ((الأسفار الخمسة)) أو ((التوراة)) . إلا أن هذا العمل بما فيه من أخطاء موجودة في المصادر، وأخطاء أخرى وقع فيها الجامع والناسخ، تبين أن تلك الكتب لا يمكن أن تكون وحياً من الله تعالى، وأنها تضمنت وضع وتصرفات البشر. (2) . لعل في هذا كفايةً من ناحية أن مجموعةً كبيرةً من اليهود والنصارى نقدوا العهد القديم بما يفيد أن كاتبه ليس هو موسى (، وليس واحداً من الأنبياء الذين نُسبت إليهم تلك الكتب، بل هم مجهولون، بل إن كُتَّابها عاشوا في فترة زمنية متأخرة جداً عن زمن وتأريخ وقوع الأحداث التي تحكيها تلك الكتب بعضها يقارب الثلاثمائة سنة وأكثر. وبها نعلم عدم دقة وانضباط القول الذي يشيعه المحافظون من اليهود والنصارى من أن كاتب التوراة هو موسى (وأن كُتَّاب الكتب الأخرى هم الأشخاص الذين نسبت إليهم. المطلب الثاني: العهد الجديد وإقرار النصارى بجهالة كُتَّاب تلك الكتب: العهد الجديد هو الكتاب الخاص بالنصارى، ويتكون من الأناجيل الأربعة ((متى)) و ((مرقص)) و ((لوقا)) و ((يوحنا)) ، ثم ((سفر أعمال الرسل)) ثم إحدى وعشرين رسالة ثم ((رؤيا يوحنا)) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 423 ويعتقد النصارى أن العهد الجديد مثل العهد القديم موحى به من الله، جاء في وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني قولهم: ((إن ما تتضمنه وتعرضه الكتب المقدسة من حقائق موحاة مكتوبٌ كله بوحي من الروح القدس، وتؤمن أمنا الكنيسة المقدسة بموجب الإيمان الرسولي أن كتب العهدين القديم والجديد كلها وبجميع اجزائها مقدسة وقانونية، فالله هو مؤلفها مكتوبةٌ بوحيٍ من الروح القدس)) (68) . إلا أن ذلك كله مجرد دعاوى فلا يستطيع النصارى إثبات صحة كتبهم أو أنها بوحي من الله، بل الأدلة تدل على خلاف قولهم، وهذا ما سنبينه في النقاط التالية: أولاً: أن كُتَّاب الكتب مجهولون ولا يصح نسبتها إلى من نسبت إليهم: إن كتب النصارى وخاصةً الأناجيل الأربعة ((متى)) و ((مرقص)) و ((لوقا)) و ((يوحنا)) كتبٌ مجهولٌ كُتَّابها، ومما يبين ذلك عدة أشياء: 1- أن الأناجيل الأربعة وسفر الأعمال لم يذكر في أي واحد منها في بدايته أو نهايته اسم كاتبه، وكذلك أكثر الرسائل، ما عدا رسائل ((بولس)) . 2- أن ((بولس)) صاحب أكبر مجموعة من الرسائل في ((العهد الجديد)) لم يشر ولا مرةً واحدةً لواحدٍ من تلك الأناجيل، ولم يذكر واحداً منها البتة، و ((بولس)) يعتبر من أكثر المتقدمين الذين وصلت كتاباتهم الدينية إلى أيدي النصارى، ومع ذلك لم يذكر ولا مرةً واحدةً في جميع رسائله إنجيلاً واحداً من تلك الأناجيل الأربعة باسمه، وإنما ذكر ما أطلق عليه "الإنجيل" أو "إنجيل الله" (69) ، الذي لا وجود له بين الأناجيل المعتبرة لدى النصارى، بل إن أياً من أصحاب الأناجيل أو الرسائل الأخرى لم يشر إلى إنجيلٍ من تلك الأناجيل، مما يدل دلالةً واضحةً أن تلك الأناجيل لم تكن معروفةً وليس لها وجود في تلك الأزمان وإلا وجب الإشارة إليها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 424 3- أن الدراسات تثبت أنه إلى سنة 140م لم يُعرف أن أحداً أشار إلى شيء من الأناجيل الأربعة أو ذكرها بالاسم (70) ،وهذا التاريخ متأخرٌ جداً عن وفاة آخر من تنسب إليهم تلك الكتب بنحو 70 سنة، فإذا كانت تلك الكتب لم تعرف إلا بعد وفاة المنسوبة إليهم بأكثر من نصف قرن فكيف يمكن إثبات صحة نسبتها إلى أولئك الكُتَّاب. 4- أن اللغة التي كتبت بها تلك الكتب في الأصل إما الآرامية أو العبرية، إلا أنها لم تُعرف إلا باليونانية ولا يعرف من هو مترجمها. ثانياً - أن أصحاب الأناجيل مجهولون تماماً: لا يوجد لدى النصارى أي معلومات محققة عن شخصيات كُتَّاب كتبهم، بل كل المعلومات المتوفرة هي تلك التي تشير إلى شيءٍ قليلٍ جداً من الحوادث ضمن أحداث مع المسيح (وهي لا تعطي تعريفاً بشخصيات كُتَّاب تلك الكتب. ثالثاً - لا يوجد لدى النصارى أي دليل موثق لكتابة أحد من الذين نسبت إليهم تلك الأناجيل: يمكننا أن نقول: إنه لا يوجد معلومة صحيحة عند النصارى تؤكد أن ((متى)) الذي زعموا أنه حواري كتب إنجيلاً، أو ((مرقص)) الذي زعموا أنه من تلاميذ الحواريين، أو ((لوقا)) الذي هو تلميذ ((بولس)) ، أو ((يوحنا)) الذي زعموا أنه من الحواريين كتبوا تلك الأناجيل بالطريقة التي يحتاج إليها لإثبات صحة الكتب، كما هو الحال مثلاً لدى المسلمين، فإن الشيخ يكتب الكتاب وينقله عنه تلاميذه بالسند المتصل، ويأخذه عنهم تلاميذهم، وهكذا حتى تصبح نسبة الكتاب إلى مؤلفه مشهورةً مؤكدةً لا يشك أدنى طالب علمٍ بصحة النسبة إلى ذلك المؤلف. أما النصارى فلا يوجد عندهم أي معلومة من هذا القبيل، ويمكن أن نضرب مثلاً بإنجيل ((متى)) و ((مرقص)) . فأقدم معلومة معتمد عليها في ذلك وربما هي الوحيدة في ذلك هي ما نقله ((يوسابيوس القيصري)) في كتابه ((تاريخ الكنيسة)) عن رجل مجهول الحال يسمى ((بابياس)) كان أسقفاً ((لهيرابولس)) سنة 130 م. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 425 قال ((بابياس)) : ((إن متى كتب الأقوال باللغة العبرانية)) . وقال عن ((مرقص)) صاحب الإنجيل: ((إن مرقص الذي صار مفسراً ((لبطرس)) قد كتب بكل دقة كل ما نذكره من أقوال وأعمال الرب. ولكن ليس بالترتيب لأنه لم يسمع الرب ولم يتبعه، ولكن كما قلت قبلاً عن ((بطرس)) الذي ذكر من تعاليم السيد ما يوافق حاجة السامعين بدون أن يهدف إلى كتابة كل ما قاله الرب وعمله، وهكذا فصل ((مرقص)) أنه لم يعمل خطأً واحداً في كل ما ذكره وكتبه)) (71) . فهذان النصان يعتمد عليهما النصارى في نسبة هذين الكتابين إلى ((متى)) و ((مرقص)) ، وهذان نصان لا يمكن اعتبارهما دليلاً وعمدةً لقضيةٍ خطرةٍ وعظيمةٍ كهذه القضية، وهي إثبات أن هذا الكتاب صحيح صادق موحى به من الله من عدة أوجه: 1- أن ((بابياس)) سيئ الفهم ومحدود الإدراك فقد قال عنه ((يوسابيوس)) المؤرخ، إنه أساء فهم الكتابات الرسولية، ويبدو أنه محدود الإدراك جداً كما يتبين من أبحاثه. وكان قد قال عنه ((يوسابيوس)) : أنه كتب روايات يقول إنها وصلته من التقليد غير المكتوب، وأمثالاً وتعاليم غريبة للمخلص وأموراً خرافية (1) . فبهذا يكون الشخص منكر الحديث، وغير مقبول الرواية، فكيف يمكن اعتبار شهادته وجعلها أصلاً لأمرٍ خطيرٍ كهذا 0 2- إن عبارته عن ((متى)) لا تفيد شيئاً، فلم يعين من هو ((متى)) ، ولم يعين الأقوال ما هي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 426 كما أنه ذكر أن متى كتب كتابه باللغة العبرية، والكتاب لم تُعرف له أصولٌ عبرية البتة، وإنما وجد باللغة اليونانية، وهذا إما أن يدل على أن ((بابياس)) عنى كتاباً آخر غير الموجود عند النصارى، وإما أن يكون ترجم من العبرية إلى اليونانية فينشأ من هذا إشكال آخر وهو: من هو مترجمه؟ وما مدى علمه واستقامته وتدينه؟ وكذلك مامدى معرفته بالعبرية التي ترجم منها ومعرفته باليونانية التي ترجم إليها؟ إذ لابد من الاطمئنان على معرفته باللغتين للتأكد من صحة ترجمته، وهذا مهمٌ جداً لأن النسخة اليونانية صارت هي الأصل، أما العبرية فمفقودة، فلابد من التأكد من علم مترجمها وأمانته وإلا فقدت قيمتها. وكذلك قوله عن ((مرقص)) : فإنه لم يحدد من هو ((مرقص)) هذا الذي صار مفسراً ((لبطرس)) وقال: إنه كتب ما تذكر، مما يدل على أن الكتابة ليست موثقة، وإنما هي كتابة من الذاكرة التي لا يمكن اعتبارها شاهداً موثوقاً، ثم قال أيضاً: إن ((بطرس)) إنما ذكر حاجة السامعين بدون أن يهدف إلى ذكر ما قاله الرب، مما يعنى محدودية المعلومات المذكورة وأن هناك أشياء كثيرة لم يذكرها، مما يدل على ضياع التعاليم ولعدم شمولها لكل أقوال المسيح أو على الأقل أكثرها، بل الأكثر هو الذي لم يذكر. فمن هنا يمكننا القول إنه لا يوجد لدى النصارى الإثباتات اللازمة لتأكيد صحة نسبة الأناجيل إلى من نسبت إليهم. وأن كل دعاويهم التي يدعون: مثل أن تلك الكتب وحي من الله أو الروح القدس، أو أنها صحيحةٌ وصادقةٌ، لا دليل عليها ألبتة سوى مجرد الدعوى. المبحث الثاني: في بطلان ما استدلوا به من دعاويهم في المجيء سنداً ومتناً. استدل النصارى بنصوصٍ عديدةٍ على المجيء بالكيفيات التي ادعوها، وجُل النصوص التي استدلوا بها تعود إلى ثلاثة كتب: 1- ((سفر دانيال)) 2- ((رسائل بولس)) 3- ((سفر رؤيا يوحنا)) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 427 وقد سبق أن بينا بطلان الاستدلال بكتبهم لعدم الثقة بها إجمالاً، وسنبين هنا بشيء من التفصيل ما يتعلق بالكتب التي استدلوا بها سنداً، وكذلك نبين عدم صحة فهمهم للنصوص التي استدلوا بها. المطلب الأول: ((سفر دانيال)) : ((سفر دانيال)) من أهم الكتب التي اعتمدوا عليها في دعوى المجيء، و ((سفر دانيال)) هو سفر تاريخي ورؤى، فجزؤه الأول (1-6) يحكي قصصاً مختلفةً وقعت ل ((دانيال)) مع ملوك بابل، أما الإصحاحات من (7 –12) ففيها رؤى متعلقة بما سيحدث لبني إسرائيل بعد ذلك. أما ((دانيال)) المنسوب إليه السفر، فهو عند بعض النصارى حكيم ورجل سياسة وذو بصيرة بتفسير الأحلام، وهو عند الكاثوليك والأرثوذكس الذين يأخذون بالنسخة اليونانية من الأنبياء الكبار (1) . وتعتبر الرؤى الواردة في ((سفر دانيال)) وخاصةً في ((الإصحاح السابع)) و ((التاسع)) وآخر ((الحادي عشر)) و ((الإصحاح الثاني عشر)) هي أساس من الأسس التي ترتكز عليها دعاوى المجيء الثاني للمسيح والأحداث المرافقة، بل ويعتبر بعضها الأساس لما ورد في ((رؤيا يوحنا)) من ذلك،كما سيأتي، لهذا نشير إلى ما يتعلق بهذا السفر من ناحية صحة سنده وكذلك متنه: 1- كاتب السفر: ينسب التقليد اليهودي والكنسي ((سفر دانيال)) إلى ذلك الشاب الذي عاش في زمن ((بختنصر)) بعد السبي البابلي أي بعد عام 586ق0م في ((بابل)) ، إلا أن هذا الأمر لم يقم على إثباته أي دليلٍ معتبرٍ يمكن الاعتماد عليه. بل إن المقدمة التي كتبت عن ((سفر دانيال)) في طبعة ((دار الكتاب المقدس)) في الشرق الأوسط لعام 1992م، بعناية ((الآباء اليسوعيين)) والأديب ((إبراهيم اليازجي)) (74) قالوا ما نصه: ((ليس دانيال مؤلف السفر الذي يحمل اسمه إن هو إلا شخصه الرئيسي … إن مؤلفاً ملهماً (75) لم يترك لنا اسمه قد ضم إلى هذه الصورة الشهيرة عن الماضي عدة رؤى ذات إنشاءٍ روائي)) (76) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 428 ويقول أصحاب كتاب ((المدخل إلى العهد الجديد)) :"التقليد اليهودي يقول: إن رجال مجمع اليهود هم الذين كتبوا ((سفر دانيال)) ، ويعزوه ((برثولد)) و ((فون لينجرك)) من ألمانيا إلى كاتبٍ مجهول كتبه زمن الملك السلوقي اليوناني ((انتيخس أبيفانس الرابع)) وذهب ((تورى)) وكذلك ((كنت)) و ((مونتجمري)) و ((اينسفيلد)) وغيرهم، إلى أن الجزء الأول من السفر كتب في القرن الثالث ق. م، أي بعد وفاة من تنسب إليه بما يقارب قرنين ونصف، أما الجزء الأخير منه وهو الإصحاحات من (7-12) فيرجع إلى زمن ((المكابيين)) ، أي قبل الميلاد بقرنٍ ونصف " (1) . والإصحاحات الأخيرة من ((سفر دانيال)) هي التي ورد فيها ما يتعلق بالمجيء الثاني الذي يستدل به أصحاب هذه الدعاوى، وهو يعود كما سبق بيانه إلى فترة ((المكابيين)) ، حيث ورد في ((الإصحاح الحادي عشر)) منه تفصيلاً دقيقاً للأحداث الكبرى التي أوقعها الملك السلوقي اليوناني ((انتيخس ابيفانس الرابع)) باليهود، واضطهاده لهم، وقتاله للمصريين، مما يؤكد أن كاتبه قد وجد في تلك الفترة المتأخرة عن وجود ((دانيال)) بما يقارب ثلاثة قرون ونصف القرن (2) . 2- لغة السفر: لغة السفر تعتبر مشكلة لدى اليهود والنصارى، لأنه من المتفق عليه أنه كُتب في أصله بلغتين هما: الآرامية والعبرية، بمعنى أن بعض أجزائه وخاصة الأولى منه كتبت باللغة الآرامية، والأجزاء الأخيرة منه كتبت باللغة العبرية، مما جعل علماء النصارى ينسبونه إلى أكثر من شخص (79) . 3- متن سفر دانيال: ((سفر دانيال)) يمكن تقسيمه إلى قسمين: القسم الأول: فيه جزء من قصة دانيال مع ملوك زمانه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 429 القسم الثاني: أربع رؤى تعود في مضمونها إلى موضوعٍ واحد، وهو الإخبار عن الدول التي ستقوم في منطقة ما يسمى في العصر الحاضر ب ((الشرق الأوسط)) ، فأولها ((مملكة بابل)) ، ثم تخلفها في أملاكها ((مملكة مادى)) ، ثم ((مملكة فارس)) ، ثم ((مملكة اليونان)) ، التي تنقسم إلى أربعة ممالك، وهذه الرؤى مكررة في نفس الموضوع. ويفرد ((السفر الحادي عشر)) تفصيلاً دقيقاً لتحركات ملوك اليونان في سوريا وخاصةً ((انتيخس ابيفانس الرابع)) ، وما فعل باليهود، وتدميره لهيكلهم وتنكيله بهم، ولم يذكر السفر شيئاً البتة عن الدولة الرومانية التي خلفت هؤلاء جميعاً وطال حكمها أكثر منهم، مما يعطي الناظر والفاحص دليلاً على أن كاتب السفر أو جزء كبير منه كان في زمن ((انتيخس ابيفانس الرابع)) اليوناني وهو في الفترة من 175-163ق0م (80) ، مع أن الدولة الرومانية التي خلفت اليونانية فعل ملوكها باليهود الأفاعيل ودمروا هيكلهم واستباحوا بلادهم مرتين، الأولى على يد ((تيطس)) القائد الروماني سنة 70م، والأخرى بأمر الإمبراطور ((هادريان)) سنة 135م بكيفيةٍ أعظم بكثير مما فعل اليونان باليهود، بل إن الأمبراطور ((هادريان)) شتت اليهود في الأرض، وشردهم تشريداً استمر عليهم إلى زماننا هذا الذي بدأوا يتجمعون فيه في فلسطين أي ما يقارب 18 قرناً من الزمان. وهذا كما ذكرتُ يؤكد بأن كاتب السفر ليس هو ((دانيال)) ، وإنما هو رجلٌ آخر عاصر الأحداث التي كتب عنها السفر وذلك بعد دانيال بما يقارب أربعة قرون، وهذا يعني أن السفر ليس موثوقاً به، إذ كاتبه مجهول، وبالتالي معلوماته لا يصح الاعتماد عليها. 4- مغالطات النصارى بما استدلوا به من نص سفر دانيال: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 430 يستدل النصارى للمدة الزمنية المرتبطة بمجيء المسيح بنصٍ من النصوص الواردة في ((سفر دانيال)) وهو قولهم (9/24- 27) ((سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة … إنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة، وبعد اثنين وستين أسبوعاً يقطع المسيح وليس له، وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس، وانتهاؤه بغمارة وإلى النهاية حرب وخرب قضى بها، ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد، وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ويصب المقضي على المخرب)) (1) . هذا النص هو من أهم النصوص عندهم في تحديد التاريخ الذي يأتي فيه المسيح، فإن النصارى بناءً على هذا النص قد قسموا ما ورد فيه إلى قسمين: القسم الأول: 69 أسبوعاً، والأسبوع سبعة أيام، وكل يوم يعدونه بسنةٍ واحدةٍ، فيكون مجموع ذلك 69 × 7 = 483 سنة، ويعتبرون أن هذه المدة هي التي كانت بين صدور الأمر بتجديد بناء بيت المقدس وصلب المسيح في زعمهم. وبناءً على حسابهم، حيث يقولون: أن المسيح عاش ثلاثاً وثلاثين سنة وارتفع سنة 33م، فمعنى ذلك 483 ينقص منها 33 سنة مدة بقاء المسيح وهي بعد الميلاد، فيكون الباقي 450 سنة، بمعنى أن صدور الأمر لبناء بيت المقدس كان في سنة 450ق0م، وهذا يوافق زمن الملك الفارسي ((أرتحشتا)) الذي ملك من سنة 465 – 425 ق0م، ويعينون بداية المدة التي يحسبون من صدور الأمر بتجديد بناء سور مدينة بيت المقدس وبنائها، وذلك حين أخذ ((نحميا)) إذناً من الملك ((أرتحشتا)) بذلك بعد عشرين سنة من حكم الملك ((أرتحشتا)) أي في حدود 445ق0م، وتم بناء السور في 52 يوماً (2) ، إلا أن الملاحظ أن في ذلك مغالطات عديدة وهي: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 431 أولاً: أن بناء بيت المقدس المرة الثانية ابتدأ حسب كلامهم بأمر الملك الفارسي ((كورش)) وذلك في 529 ق0م، ثم توقف البناء إلى زمن الملك ((دارا)) ، حيث جدد الأمر بالبناء سنة 520 ق0م، وفرغ من بناء الهيكل سنة 516ق0م تقريباً (1) ، فيكون بين بناء الهيكل ورفع المسيح (516+33 = 549 سنة، وعلى حساب الأسابيع التي يعدونها تكون 549 ÷ 7 = 78.3 أسبوعاً، ففيها فرق يوازي أكثر من خمسين سنة إذا أغفلنا الاختلاف المشهور في تاريخ مولد المسيح، وهذا يدل على أن النص المعتمد في ذلك غير صحيح ولا دقيق، أي أنهم فهموا من النص فهماً خاطئاً وحملوه على ما لا يدل عليه. القسم الثاني: الأسبوع الأخير من السبعين أسبوعاً، فإنهم كما سبق يجعلون 69 أسبوعاً قبل مجيء المسيح ورفعه، ثم الأسبوع الأخير والذي هو كمال السبعين أسبوعاً لا يربطونه بوقت، بل يجعلونه مفتوحاً إلى نهاية الحياة أو هو عند الألفيين الأسبوع الأخير الذي يعقب المجيء السري للمسيح أو الاختطاف وقبل الظهور المعلن له. ولا يتضح من النص أي دليل على هذا الفاصل، لأن الأسبوع الأخير حسب النص تابع للأسابيع التي قبله، وجاء الفاصل فيه لأن ضيقاً شديداً وحرباً وتدميراً سيحصل على اليهود، وهذا قد حصل عليهم مراراً، فقد تسلط عليهم حكام اليونان بالتنكيل، واستمر عذابهم وبلاؤهم يخف حيناً ويشتد حيناً، إلى أن شردوا زمن ((تيطس)) الروماني في 70م، ثم زمن ((هادريان)) سنة 135م. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 432 والذي يؤكد ويوضح أن الأسابيع المذكورة تعني مدة زمنية تنتهي قبل ولادة المسيح (بأكثر من خمسين سنة، أن ((الإصحاح الحادي عشر)) هو تفسير لما ورد في آخر ((الإصحاح التاسع)) لأن الملك قال ل ((دانيال)) حسب (10/14) : ((جئت لأفهمك ما يصيب شعبك في الأيام الأخيرة لأن الرؤيا إلى أيام بعد)) ، ثم شرحها في ((الإصحاح الحادي عشر)) ، ومجملها متعلق بملوك اليونان في سوريا وحربهم مع ملوك مصر من اليونان أيضاً، وما يوقعه ((انتيخس ابيفانس الرابع)) باليهود كما سبق ذكره. أما قولهم في الرؤيا السابقة ((وبعد اثنين وستين أسبوعاً يقطع المسيح وليس له)) وتفسيرهم بأن ذلك يعني نهاية المسيح (، فإن ذلك غير صحيح، لأن ((الإصحاح الثاني عشر)) يفسرها بأن المقصود به الملك ((ميخائيل)) ، حيث قالوا فيه بعد الأحداث التي تقع على اليهود والضيقة الشديدة التي تصيبهم (12/1) ((وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت)) . فعليه المراد بالمسيح حسب النص السابق هو الملك ((ميكائيل)) ، ولكن لا يتضح من النص أن له دوراً في دفع تلك النكبة لا بالإعانة ولا بالدفع عنهم، فلذا لا يتضح المراد من ذلك إلا أن يكون تعزيةً بوجود ناظرٍ معين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 433 كما أن في النص بعده خطأً تاريخياً واضحاً، حيث يقولون في (12/1) : ((إلى ذلك الوقت ينجى شعبك كل من يوجد مكتوباً في السفر)) ، فهذا لم يتحقق لليهود، لأن البلاء استمر عليهم من بعد اليونان بواسطة الرومان، ثم وجدوا فترة من الهدوء النسبي زمن ((المكابيين)) ، لكن الرومان كانوا أشد على اليهود من اليونان،فقد نكلوا بهم نكالاً شديداً حتى قضوا سنة 135م على دولتهم قضاءً نهائيا وإن كانوا بقوا كشعب مشردين إلى الزمن الحديث حيث بدأوا يتجمعون في فلسطين وأنشاوا لهم دولة فيها، فكل عالم بالتاريخ يعلم أن القول بنجاتهم بعد ذلك خطأ لأنه لم يتحقق لليهود لا أيام اليونان، ولا أيام الرومان، ولا حتى بعد رفع المسيح (، بل زاد عليهم البلاء كما ذكرنا. وبهذا كله نتبين عدم صحة الاستدلال بنص ((سفر دانيال)) لأنه لم تثبت صحته ولا عصمته، بل ثبت كذبه وعدم صحته،كما ان النصارى قد أخطأوا في فهم نصوصه، وغالطوا فيها، وحملوها ما لا تحتمل. المطلب الثاني: ((رسائل بولس)) : ((رسائل بولس)) تشكل الجزء الأكبر والأهم من ((العهد الجديد)) حيث توازي من ناحية الحجم الأناجيل الثلاثة ((متى)) و ((مرقص)) و ((لوقا)) مجتمعة، كما أن فيها تنوعاً في الموضوعات، وتوجيهات كثيرة لأتباعه. وارتباط الديانة النصرانية بها أكثر من ارتباطها بالأقوال المنسوبة إلى المسيح (في الأناجيل، كما أن دعوى المجيء وردت فيها صريحةً. فمن هنا نشير إلى بعض النقاط المهمة المتعلقة بها: أولاً: عدم أهلية بولس لأن يكون وسيطاً في الأمور الدينية: بولس ليس من تلاميذ المسيح (ولم يلقه، كما أنه لم يتعلم من أحد من ((الحواريين)) ، ولم يأخذ منهم شيئاً (84) ، وهو الذي حرف رسالة المسيح (وقد خالف المسيح مخالفةً صريحةً في عدة نقاط أساسية،منها: 1- ادعاؤه أن المسيح ابن الله. (85) 2- دعواه أن الغاية من مجيء المسيح هي الصلب وتكفير الخطايا. (86) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 434 3- دعوته إلى إلغاء العمل بشريعة موسى (. (87) 4- ادعاؤه بأن رسالة المسيح عامة لجميع بنى البشر. (88) 5- إلغاؤه الختان. (89) فلهذا وغيره مما لا يمكن تفصيله في مثل هذا البحث يُعلم أن ((بولس)) ليس أهلاً أن يعتمد وسيطاً للأمور الدينية ولا داعياً موثوقاً. ثانياً: عدم ثبوت الرسائل إليه بدليل أكيد: إن نسبة الرسائل إلى ((بولس)) هو من الأمور المشكوك فيها والتي لم يقم عليها أدلة كافية، يدل على ذلك عدة أشياء: أ- أن مما يجمع عليه النصارى أن ((رسائل بولس)) لم تُعرف إلا في حدود عام150م، حيث بدأت تبرز وتشتهر ((رسائل بولس)) (90) ، مع أن ((بولس)) كان قد اختفى وانطفأت أخباره في حدود عام 64م على الأرجح حيث وصل إلى روما (91) ، وذلك يعني أن هناك انقطاعاً طويلاً بين وفاة ((بولس)) وبين ظهور ((الرسائل)) واشتهارها يقارب قرناً من الزمان، مما يجعل المجال واسعاً للتحريف والكذب وافتراء رسائل ونسبتها إليه. ب - أن ((يوسابيوس)) المؤرخ نقل عن ((أوريجانوس المصري)) المتوفى في حدود عام 253م، وهو أحد كبار آباء الكنيسة النصارى أنه قال عن ((بولس)) : إنه لم يكتب إلى كل الكنائس التي عملها، ولم يرسل سوى أسطر قليلة لتلك التي كتب إليها (1) ، وأكد هذا أيضاً ((يوسابيوس)) نفسه المتوفى سنة 340م، حيث يقول عن ((بولس)) ورسائله: ((فبولس مثلاً الذي فاقهم جميعاً في قوة التعبير وغزارة التفكير لم يكتب إلا أقصر الرسائل)) (93) . فهذان النصان لهما أهمية كبرى في الدلالة على أن بولس لم يكتب إلا شيئاً قليلاً، وذلك بخلاف الموجود بين أيدي النصارى الآن، فإنه يوازي في حجمه الأناجيل الثلاثة " متى، مرقص، لوقا" مجتمعة، مما يدل على أن الرسائل الموجودة ليست هي رسائل ((بولس)) الأصلية، أو أنها تعرضت هي الأخرى للتحريف والإضافات المطولة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 435 ج - أن النصارى يشكون في صحة نسبة عدة رسائل إلى ((بولس)) من ضمنها الرسالة إلى ((كولوسي)) و ((أفسس)) ورسالته الأولى والثانية إلى ((تيموثاوس)) ورسالته إلى ((تيطس)) ، فهذه كلها مشكوك في صحة نسبتها إليه، وبعضهم يرى أن كاتبها أحد اتباع ((بولس)) ، وأن كاتبها اعتمد في ذلك على أفكاربولس. أما الرسالة إلى ((العبرانيين)) فقد رفضت وكان الشك فيها قديماً واستمر وقتا طويلاً (1) . ثالثاً: بطلان النصوص التي استدل بها النصارى من ((رسائل بولس)) : سبق أن ذكرنا أن النصارى يستدلون على المجيء بدعوى ((بولس)) في رسالته إلى ((كورنثوس)) (15/51) ((هو ذا سر أقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير (95) في لحظةٍ في طرفة عيٍن عند البوق الأخير فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير)) ، وكذلك النص الآخر في ((تسالونيكى الأولى)) (4/15) ((فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة، وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف معهم فى السحب لملاقاة الرب في الهواء)) . النص الأول الوارد في ((كورنثوس)) ليس فيه صراحةً ما يتعلق بمجيء المسيح (، وإنما هو في بعث الأموات وتغير الأحياء، ويتضح منه قناعة بولس من أنه لن يموت، بل ستقوم القيامة وهو حي، وأنه سيتغير إلى جسدٍ غير قابل للفساد. هكذا زعم. أما النص الثاني الوارد في ((تسالونيكى)) فهو صريح في موضوع المجيء، إلا أنه يلاحظ عليه عدة ملاحظات: 1- أنه ادعى أن ما يقول بكلمة الله، أي بوحي من الله وليس من عنده، وليس على ذلك أي برهان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 436 2- أن دعواه أن الموت سيخص طائفةً دون طائفةً، وأن البعث سيكون للأموات، أما الأحياء فسيتغيرون فقط دعوى لا دليل عليها، ولاوجود لها في العهد القديم، وهي مخالفة للسنة العامة في البشر بأن الموت سيدركهم جميعاً، ولم تظهر إلا في دعوى ((بولس)) هنا. 3- أن ((بولس)) ادعى لنفسه على سبيل القطع أنه سيبقى حياً إلى مجيء المسيح، وأكد ذلك في كلامه في ((كورنثوس)) بقوله: ((فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير)) . وتكرر هذا بتأكيدٍ واضحٍ في ((تسالونيكى)) حيث يقول: ((إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب)) ، ثم أكد هذا أيضاً بقوله بعده ((ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف معهم في السحاب)) ، وهو قد مات من زمنٍ بعيد ولم يتحقق شيء مما ادعاه مما يدل على كذبه. 4- أن دعوى خطف الأحياء هي من الدعاوى التي ليس لها أي مستند كتابي آخر لدى النصارى، وإنما هي من بنات أفكار ((بولس)) وهي من تحريفاته العديدة وادعاءاته الباطلة الكثيرة، التي حرف بها رسالة المسيح (. وعليه فهذا النص لا يصح الاعتماد عليه، بل إن ((بولس)) لا يجوز بحالٍ اعتباره مصدراً لشيء من المعلومات الدينية، وكذلك رسائله، لما سبق أن بينا من جهله برسالة المسيح وتحريفه المتعمد لها، وكذلك عدم الثقة بصحة نسبة الرسائل إليه. المطلب الثالث: سفر ((رؤيا يوحنا)) : ((رؤيا يوحنا)) هو السفر الأخير من أسفار ((العهد الجديد)) ، وهو عبارة عن رؤى ذات رموز غامضة وصور عجيبة غريبة، يفسر النصارى بعضها على أنها إشارات لما سيحدث آخر الزمان. والسفر منسوب إلى ((يوحنا)) ، الذي يزعمون أنه أحد الحواريين.وسنبين عدم صحة الاستناد على هذا السفر من ناحية سنده ومتنه: أولاً - من ناحية سنده: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 437 1- إن النصارى اختلفوا في كاتبه من هو، فالتقليد الكنسي يضيف الكتاب إلى من يزعمون أنه ((يوحنا الحواري)) ، إلا أن هناك اعتراضات على ذلك، فمن ذلك أن الكاهن الروماني ((غايس)) نسب الكتاب إلى شخص يُسمى ((سيرنيثوس)) كما أن ((ديونسيوس)) أسقف الإسكندرية المتوفى 264م نسبه إلى شخصٍ آخر وليس هو ((يوحنا)) ، وكذلك كثير من كتاب العصر الحديث ينكرون نسبته إلى ((يوحنا)) . والأقوال في نسبة السفر إلى من يزعمون أنه ((يوحنا الحواري)) وإنكار ذلك متقابلة، والآراء متضادة، والأدلة متكافئة، كما يقول القس ((فهيم عزيز)) ويضيف: ((وفي الحقيقة لا يوجد عالم واحد يمكنه أن يؤكد هذا الرأي أو نقيضه تأكيداً تاماً إنما الأمر نسبي)) (96) . ومن المفيد أن نشير هنا إلى أن الكنيسة المصرية ترددت في قبوله وشككت في أصله، أما الكنيسة اليونانية فلم تقبله أول الأمر وظل خارج الكتب القانونية حتى عام 500م. كما شكك في نسبته إلى ((يوحنا)) ((يوسابيوس القيصري)) ، المؤرخ الكنسي،المتوفى 340م، ولم يضعه ((كيرلس الأورشليمي)) (97) ضمن الكتب القانونية. أما الكنيسة السريانية فلم تعترف به ولم تضعه ضمن الكتب المقدسة إلا في القرن الثاني عشرالميلادي، ومدرسة إنطاكية لم تعترف بالكتاب (98) . فإذا كان الكتاب بهذه المثابة من ناحية ثبوت نسبته إلى من يزعمون أنه ((يوحنا الحواري)) ، والبعض من الكنائس بناءً على ذلك ترددت في قبوله، فمعنى ذلك أنه لا يوجد لدى النصارى الذين ينسبونه إلى من يزعمون أنه ((يوحنا الحواري)) دليل قاطع يحسم المسألة، وما لم يقم الدليل القاطع، فإن الواجب عدم اعتبار الكتاب وعدم قبول أقواله، لأن الكتب المقدسة يجب أن تكون موثقةً تمام التوثيق حتى يمكن الاعتماد على صدقها وإقامة الدين عليها. ثانياً - من ناحية متنه: إن النصوص المأخوذة من هذا السفر لا يصح الاستدلال بها لعدة أسباب: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 438 1- إن نص كتاب ((سفر الرؤيا)) يعتبر من أعقد النصوص وأصعبها، وهو في أكثره وأغلبه رؤى تحتاج إلى تفسير، ولم يتفق النصارى على مسلك معين في تفسيرها. يقول أصحاب المقدمة في طبعة ((دار الكتاب المقدس)) في الشرق الأوسط في حاشيةٍ على السفر - بعد أن ذكروا أن بعض أسفاره واضحة لا إشكال فيها:- ((وبقي في خلال ذلك ستة عشر فصلاً تقف عندها بصائر المتأملين، ذُكرت فيها حوادث مبهمةً، مستغلقة المعاني، بعيدة التأويل، ذهب فيها أهل التفسير طرائق شتى)) ، ثم ذكروا من ذلك قولين: القول الأول: رأى الآباء الكنسيين والعلماء المتقدمين منهم: أن ذلك إشارةً إلى زمان المسيح الدجال والدينونة الأخيرة. القول الثاني: المتأخرون من علمائهم: إن ما ذُكر هو إشارة لحوادث وقعت ومضى زمانها، وإن المراد بالأرض المملكة الرومانية،وبالوحش ذي السبعة الرؤوس: القياصرة السبعة الذين اضطهدوا الكنيسة، وبالجامات السبعة المصائب التي نزلت بالمملكة الرومانية ولا سيما عقب اضطهاد ((ديوكلسيانس)) (99) . ثم قال الكاتب: ((لا جرم أن الترجيح بين هذين الرأيين مع صرف النظر عن بقية الأقوال يُقْضي بالدليل القاطع وذلك مالا يتأتى لأحدٍ اليوم)) (100) . ومن علماء النصارى من ذكر أربعة أنماطٍ لتفسيره، منها الأولان المذكوران، ويضاف إليهما: أ- أن ((السفر)) يحكي تخطيطاً طويلاً يبدأ من القرن الأول الميلادي حتى يومنا هذا حتى النهاية. ب- أن ((السفر)) مملوءٌ بالرموز التي يجب أن يُؤخذ كلٌ منها على حدة (101) . فهذا الاختلاف في تفسير السفر لا يصح معه اعتبار النص دليلاً على الدعوى، حتى يتم ترجيح واحد من الأنماط التي تؤيد الدعوى، والمرجح غير موجود كما سبق ذكره من كلامهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 439 2- يلاحظ على ((سفر الرؤيا)) ارتباطه الوثيق ب ((سفر دانيال)) ، فإنه فصَّل ما أجمل في ((سفر دانيال)) ، وأعطاه معنى يتلاءم مع وضع النصارى في الدولة الرومانية، بخلاف ((دانيال)) الذي يحكي وضع اليهود في الدولة اليونانية، ويمكن ملاحظة ذلك في نقاط: أ- إن الرؤى في كلا السفرين بناءً على حالة اضطهادٍ واقعةٍ علىالأمة، والمراد منها التصبير والتشجيع وإعطاء الرجاء بالنصر. وهذا كان حال اليهود، وهو كذلك حال النصارى قبل أن يدخل أباطرة الرومان النصرانية. ب- إن ((سفر دانيال)) جعل النصر حليف الأمة اليهودية،وهم من يسميهم ((قديسو العلى)) بسبب سماوي (102) . وكذلك فعل ((سفر الرؤيا)) بالنسبة للنصارى، إلا أنه فصَّل في كيفية تحقيق النصر وأنواع العذاب الذي يقع على أهل الأرض الذين لا يعبدون المسيح أو يضطهدون أتباعه، وذلك بواسطة الملائكة (103) . ج- إن ((سفر دانيال)) ذكر عبارةً غامضةً عن ((ميكائيل)) في نهاية الاضطهاد فقال: ((وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك، ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت)) . فهذا نقله صاحب ((سفر الرؤيا)) ووسعه وأعطاه معنىً خرافياً، وهو قوله بعد ذكر الاضطهاد الواقع على الأمة الذي رمز لها ((بالمرأة)) (12/7) ((وحدثت حرب في السماء بين ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنين وملائكته ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء)) والمقصود بالتنين هنا الشيطان، وقد ذكروا بعد ذلك كيف أن الشيطان سيصب جام غضبه على أهل الأرض (1) . 3- أن ((السفر)) يحكي عن حالة اضطهاد ورجاء بالنصر، وهنا ملاحظة مهمة، وهي: إن كان ذلك حديثاً عن أمورٍ قد وقعت وانتهت، فدعوى النصارى بأنها ستحدث في المستقبل خلطٌ وخبطٌ غير مقبول. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 440 أما إن قالوا -كما يظهر من أقوال كثيٍر منهم ممن يرون مجيء المسيح:- إن ذلك لأحداثٍ ستأتي، فإن هذا يخالف الواقع، وذلك أن النصارى توقف الاضطهاد الديني بالنسبة لهم منذ رفع ((قسطنطين)) (105) في القرن الرابع الميلادي الاضطهاد عنهم، ثم دخل في ديانتهم،وبدأوا هم يضطهدون الناس المخالفين لهم، كالاضطهاد الذي وقع على اليهود من النصارى، والذي وقع على الموحدين أتباع المسيح من النصارى أتباع بولس. وفي هذه الأزمنة التي نحن فيها أصبحت القوة المادية بأيديهم، والكنيسة في غايةٍ من القوة والتمكن من ناحية عدد الأتباع وكثرة الأموال وكثرة المناصرين، فلا يوجد أي توافقٍ بين الصورة الواقعية لحال النصارى الآن وبين السمة الظاهرة لهم في ((سفر دانيال)) و ((سفر الرؤيا)) ، وهي الاضطهاد والضعف وتسلط الأعداء عليهم. ويزداد بطلان استدلال النصارى بهذين السفرين وضوحاً ويتأكد إذا علمنا أن كثيراً من النصارى يرى أن مجيء المسيح قد أزف وقرب جداً جداً، ولم يبق على مجيئه في زعمهم إلا سنوات قلائل، فمن ذا الذى يستطيع من ناحية القوة المادية في هذا الزمان أن يقاتل النصارى الذين يزعمون أنهم أتباع المسيح والذين يعدون العدة لنصره واستقباله، مع ما يدعون من أن المسيح سينزل بقوات سماوية. لا شك أنه لا يوجد أي تجانس بين الصورتين والحالين: الماضية والحاضرة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 441 ولقد رأينا فيما سبق أن كثيراً من رجال الكنيسة المتقدمين كانوا يرون أن مجيء المسيح قريبٌ جداً من زمانهم، لأنهم يرون أن بمجيئه تنتهي متاعبهم ويتوقف اضطهادهم ويُكتب النصر لهم، إلا أن هذا اختلف لما تغيرت أحوال النصارى بدخول ولاة الرومان في ديانتهم، فصار غالب فِرَق النصارى الكبار يرون أن مجيء المسيح إنما هو للقيامة ومحاسبة الناس وينكرون الملك الأرضي الألفي، أما ماورد في ((سفر الرؤيا)) فإنهم يعتبرونه رموزاً غامضة تُفسر حسب ما تمليه العقيدة الكنسية، وإما أنها عبارة عن إخبار بأحداث قد انتهت وفرغ منها. ومن هذا يتبين أن سفر الرؤيا لا يصح اعتماده مرجعاً لعدم كفاية الأدلة لصحة إسناده، وكذلك لما في نصه من الغموض الذي لا يتمكن معه الإنسان من تحديد مراد كاتبه، بل يجعل المجال مفتوحاً وواسعاً أمام جميع التخرصات، وبه ينتهي بيان ما يتعلق ببطلان دعاوى النصارى في مجيء المسيح (، وبه يتبين أن دعوى النصارى في مجيء المسيح كباقي دعاويهم الدينية، ليس فيها شيء من الحق، وإنما هي دعوى باطلة كافرة، بل هي من أشد الكفر وأظهره وأبطله والله تعالى أعلى وأعلم. الخاتمة الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد، ففي ختام هذا البحث أجمل أهم النتائج التي توصلتُ إليها وهي: أولاً - أن النصارى يقرون بأن المسيح (ارتفع إلى السماء، وأنه سينزل آخر الزمان. ثانياً - أن دعوى النصارى في مجيء المسيح تختلف عن عقيدة المسلمين، حيث يعتقد المسلمون أنه صعد نبياً وسينزل نبياً، أما النصارى فيدَّعون أنه صعد إلهاً وسيعود إلهاً. ثالثاً - أن النصارى اختلفوا في وقت نزول المسيح إلى قولين: فمنهم من كان يرى أن نزوله سيكون قريباً جداً من وقت صعوده، وعلى هذا مضى متقدمو النصارى، أما المتأخرون فصاروا يرون أن نزوله سيكون آخر الزمان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 442 رابعاً - أن النصارى منقسمون في الأحداث المرافقة لنزوله،فمنهم من يعتقد أن المسيح سيكوِّن مملكةً له على الأرض تدوم ألف سنة، ومنهم من يرى أنه لن يفعل ذلك، وأن ملكه سيكون في السماء بعد القيامة ومحاسبة الناس، ويفسرون الأحداث بأنها رموز للشر، ومنهم من يرى أن مُلكه في السماء، ويرى أن الأحداث الواردة في النصوص أحداث حقيقية لأشخاص حقيقيين سيكونون آخر الزمان. خامساً - إن مصادر النصارى المعتمدة في دعاويهم الدينية غير موثقة فلا يمكن الاعتماد عليها، كما أن فهمهم للنصوص فيه مغالطات واضحة، وهو فهمٌ تمليه الأهواء، فلا يمكن بالتالي أن تقوم لأحدٍ منهم حجة واضحة ودليل قاطع في دعوى من الدعاوى الدينية. سادساً - وخلاصة ذلك كله هو أن دعوى النصارى في مجيء المسيح على الكيفيات التي ذكروا وزعموا هي دعاوى عارية عن الدليل الصحيح فهي بالتالي باطلة. وفي الختام نحمد الله عز وجل أولاً وآخراً على أن هدانا لهذا الدين، وحفظ لنا كلامه وكتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا مِن خلفه، وحفظ لنا سنة نبينا محمدٍ (، وأقام لنا ديننا محجةً بيضاء وطريقاً واضحاً ومسلكاً منيراً وأظهر ديننا على الدين كله، ونسأله سبحانه أن يثبتنا على الحق إلى يوم نلقاه، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الحواشي والتعليقات () اليهود الحسيديم ص175، وانظر: دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية ص123. (2) انظر: الأصولية الإنجيلية. محمد السماك ص63،94. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 443 (3) الواقع أن المسيح لم يمت ولم يصلب، كما أن دعواهم أنه دفن ثلاثة أيام فيه خطأ واضح من ناحية أن المسيح فيما زعموا مات آخر نهار الجمعة ودفن ليلة السبت، وبقي في قبره تلك الليلة، ثم نهار السبت، ثم ليلة الأحد، ولما جاءوا عند أول نهار الأحد لم يجدوه في القبر، وقيل لهم إنه قام. انظر: متى (26-28) وهذه إذا حُسبت وجدت نهاراً واحداً وليلتين أي يوماً وليلةً فقط وليس ثلاثة أيام كما يزعمون، والذي اضطرهم للقول بذلك أنهم ذكروا عن المسيح أنه قال حسب إنجيل متى (12-40) ((لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال)) ، فبناءً على ذلك ادعوا أنه بقي في القبر ثلاثة أيام، ثم قام، مع أن ما ذكروه في قصة صلبه وقيامته يخالف ذلك كما سبق0 (4) نيرون: امبراطور روماني وثني، اضطهد النصارى واتهمهم بإحراق روما، انتحر في 68م. المنجد في الأعلام- ص 720. (5) انظر: قاموس الكتاب المقدس ض 199، تفسير العهد الجديد لوليام باركلي (3/135) ، تاريخ سوريا للمطران الدبس (3/38) . (6) تاريخ الكنيسة لجون لوريمر (1/86) . (7) تاريخ الكنيسة لجون لوريمر (1/122) . (8) جاستن مارتر او يوستينوس: ولد في نابلس حوالي 100م، ودرس الفلسفة، واتبع الديانة النصرانية، وقتل في روما سنة 165م. تاريخ الفكر المسيحي (1/431) . (9) إيريانوس: أسقف ليون في فرنسا، قتل سنة 202م. تاريخ الفكر المسيحي (1/431) ، المنجد في الاعلام، ص 100. (10) ترتليان أو ترتوليانس: كان من المدافعين عن الديانة النصرانية ضد الوثنيين الرومان، توفي نحو 200م. تاريخ الفكر المسيحي (1/514) ، المنجد في الأعلام، ص 185. (11) نقلاً عن هامش شرح سفر الرؤيا. ناشد حنا ص 427. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 444 (12) االمجيء الثاني للمسيح ونهاية التاريخ ص 139- 57، المسيحية عبر العصور ص87 في كلامه عن بابياس، وانظر: شرح سفر الرؤيا لناشد حنا ص 416،419،421، مدخل إلى العهد الجديد ص65، تفسير العهد الجديد لوليام باركلي (3/135) ، تاريخ سوريا للمطران الدبس (3/378) . (13) البروتستانت: هم طائفة انشقت عن الكاثوليك، وهم أتباع مارتن لوثر الألماني الذي ظهر في القرن السادس عشر الميلادي في ألمانيا، ونادى بإصلاح الكنيسة، ويتميزون بإنكارهم لصكوك الغفران، وينكرون أن الغفران من حق البشر، ويحرمون الصور والتماثيل، وليس لكنائسهم رئيسٌ عامٌ يتبعونه، وإنما لكل اقليم رئيس يعظمونه ويجلونه إلا أنهم لايلقبونه بالبابا. انظر: المسيحية لأحمد شلبي ص 240، دراسات في الأديان ص 239. (14) السبتيون: نسبةً إلى السبت الذي يقدسونه، ويسمون أيضاً ب" الأدفنتست"، وهي كلمة لاتينية تعني ((المجيء)) ، ويعتقدون بمجيء المسيح والملك الألفي، وقد اسسها ((وليام ميلر)) وهو معمداني أمريكي توفي عام 1844م، وكان يشيع أن المسيح سيعود إلى العالم في عام 1843م، ولهم فروعٌ منتشرة في أماكن متعددة من العالم النصراني وغير النصراني. الموسوعة الميسرة (2/1080) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 445 (15) شهود يهوه: طائفة دينية نصرانية تقوم على سرية التنظيم، ظهرت في أمريكا على يد مؤسسها التاجر الأمريكي ((شارل رسل)) (1852-1916م) ، وكان أعلن عام 1874م عن مجيء المسيح، إلا أنه لم يأت، فزعم أنه جاء ولكن بكيفيةٍ غير منظورة، وهم ينكرون التثليث، والبعض يقول عنهم إنهم يقرون بالتثليث ولكن بفهمٍ خاص، وينكرون ألوهية المسيح، ويعتبرونه إنساناً من شكلٍ آخر يزعمون أنه مات على الصليب، وينكرون كفارة المسيح للخطايا، وينكرون بدعة الصليب والتماثيل والصور، وينكرون الاديان كلها ما عدا ديانتهم، ولا يؤمنون بالآخرة، ولا بالجنة والنار ويزعمون أن الجنة هي الملك الأرضي للمسيح،وهم يأخذون بشعار اليهود، ويقدسون كتب اليهود، ولا يعترفون بالحكومات سوى حكومة المسيح الخالدة.انظر: (بدعةشهود يهوه ص 10، 43، 117، 130) ، شهود يهوه والتطرف المسيحي في مصر ص 44، 70، شهود يهوه ص 31، الموسوعة الميسرة (2/658) . (16) المورمون: طائفة دينية نصرانية أسسها الأمريكي ((يوسف سميث)) (1805-1844م) . يعتقدون بكتب النصارى المقدسة إضافة إلى صحفٍ يزعم يوسف سميث أنه أعطيها من الملاك ((مورمن)) ، وأن المسيح بعد صلبه المزعوم وقيامته، ذهب إلى أمريكا وأسس بها كنيسةً، وعندهم أن الإله على شكل إنسانٍ من لحمٍ وعظام، ويعتقدون بتجمع اليهود، وأن دولة صهيون ستكون في الأرض في القارة الأمريكية، وستكون هناك عاصمتان للعالم: الأولى في أورشليم في فلسطين، والثانية في أمريكا، وهم يعتقون بالملك الألفي للمسيح. انظر: الموسوعة الميسرة (2/649) . (17) يسوع على الأبواب ص 32. (18) خطوة خطوة نحو نهاية العالم ص107، وانظر أيضاً: ملكوت الله - د0 فهيم عزيز ص 250 حقائق أساسية في الإيمان المسيحي للقس فايز فارس ص 29، إيماني للقس إلياس ص 538. (19) انظر: بدعة شهود يهوه ومشايعيهم ص 10-21. (20) رسالة بولس إلى أهل تسالونيكي (4/15-17) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 446 (21) خطوةخطوة نحو نهاية العالم ص15 الرجاء المبارك ص 19-20 (22) الرجاء المبارك ص 78 (23) انظر تباعاً في: خطوة خطوة نحو نهاية العالم ص 14، 15، 16. (24) خطوة خطوة نحو نهاية العالم ص79، وانظر: الرجاء المبارك ص79. (25) سفر دانيال (9/24) ، وقد ورد فيه تفسير الملك جبريل لرؤيا رآها دانيال متعلقة بما يحدث على بني إسرائيل وجاء فيها ((سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم، وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين، فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة، وبعد اثنين وستين أسبوعاً يقطع المسيح وليس له، وشعب رئيس آتٍ يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة والى نهاية حرب وخرب قضى بما يثبت عهداً مع كثيرين في أسبوعٍ واحد، وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة، وعلى جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ويصب المقضي على المخرب)) فهذا النص يقسمه النصارى إلى ثلاث حقب: الحقبة الأولى: مدتها سبعة أسابيع وهي بالسنين 49 سنة، فيجعلون اليوم بسنة تبدأ من صدور الأمر بتجديد بناء بيت المقدس أيام الملك أرتحشتا الفارسي0 الحقبة الثانية: مدتها (62) أسبوعاً وهي بالسنين (434) سنة تبدأ بعد الحقبة الأولى، وتنتهي بصلب المسيح فيما يزعمون بعدها فترة اعتراضية إلى مجيء المسيح (الثاني آخر الزمان، لأنه بالفترتين الأولين ينتهي تاريخ بني إسرائيل بكفرهم بالمسيح0 الحقبة الثالثة: وهي الأخيرة ومدتها أسبوع أي سبع سنين وهي الفترة الواقعة عندهم بين الاختطاف والظهور)) . انظر: خطوة خطوة نحو نهاية العالم ص35، وانظر: الرجاء المبارك ص 39. (26) الرجاءالمبارك ومستقبل العالم ص 58 –59 (27) خطوة خطوة نحو نهاية العالم ص 69 – 70. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 447 (28) يلاحظ أن هذا النص من سفر دانيال من ضمن رؤياه كأنها شاهد عيان يحكي قصة تسلط الحاكم اليوناني انطيوكس أو أنتيخس الذي نكل باليهود وهو الذي يفسر به النصارى ممن لا يقولون بالقول السابق هذا النص، انظر: تاريخ سوريا للمطران الدبس ص (70) . (29) خطوة خطوة نحو نهاية العالم ص 42-44. (30) انظر: عاموس (9/13-14) . (31) انظر: زكريا (6/12- 139. (32) أرميا (31/33- 34) . (33) أشعيا (11/6-8) . (34) أشعيا (65/20) . (35) زكريا (9/10) . (36) المزامير (101/8) . (37) شرح سفر الرؤيا ص 428-433. (38) الذين ينكرون الملك الألفي من النصارى كثير منهم يعتقد ويؤمن بحرب هرمجدون إلا انهم يعتقدون وقوعها قبيل مجيىء المسيح للقيامة، وسيأتي بيان ذلك. (39) الأقباط الأرثوذكس: هم نصارى مصر، ويتميزون بأنهم يزعمون أن المسيح له طبيعةٌ واحدةٌ لاهوتية وناسوتية،وهو رأي مجمع أفسس سنة 431م، ويخالفهم في ذلك الكاثوليك والأرثوذكس اليونان، الذين يقولون بأن المسيح له طبيعتان وهو قرار مجمع خلقيدونيه سنة 451م ويسمون الخلقيدونيين والملكانيين أما الأقباط الأرثوذكس ومن وافقهم فيسمون اللاخلقيدونيين. انظر: نشأة الطوائف المسيحية ص 49، تاريخ الكنيسة لجون لوريمر (3/213-247) . (40) الكاثوليك: وهم عامة نصارى الغرب الذين ينتمون إلى البابا في الفاتيكان، ويتميزون عن الأرثوذكس بأنهم يزعمون بأن روح القدس انبثق من الأب والابن معاً. انظر: محاضرات في النصرانية ص 165، وتحريف رسالة المسيح ص 312. (41) الأرثوذكس اليونان: وهم عامة نصارى الروم الشرقيين، ويزعمون أن المسيح له طبيعتان ويتميزون عن الكاثوليك بأنهم يرون أن الروح القدس انبثق من الأب وحده دون الابن. انظر: محاضرات في النصرانية ص 164، وكتاب "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء" ص 262، وتحريف رسالة المسيح ص 312. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 448 (42) انظر: نهاية العالم وموعد مجيء السيد المسيح ص 124- 128، المجيء الثاني للمسيح ونهاية التاريخ ص 162-166، ملكوت الله ص 276 –286، إيماني ص 542، هل يملك المسيح على الأرض ص 32 – 33 (43) نهاية العالم وموعد مجيىء المسيح ص 19. (44) هل يملك المسيح على الأرض ص 27. (45) انظر النص في: متى (24/29) (46) انظر: ملكوت الله ص270 – 271، هل يملك المسيح على الأرض ص57 - 63، المجيء الثاني للمسيح ونهاية التاريخ ص180–186،حقائق أساسية في الإيمان المسيحي ص 303-306. (47) انظر: المجيء الثاني هل هو على الأبواب ص 128- 131. (48) انظر: كتاب: إيماني ص 532. (49) رسالة برنابا إحدى الرسائل الغير معترف بها، وهي منسوبة إلى برنابا،الذي يزعم النصارى أنه أحد أتباع المسيح الذين عاصروه، وهو صاحب إنجيل برنابا الذي ينسب إليه، انظر: المجيء الثاني هل هو على الأبواب ص 119. (50) انظر: المجيء الثاني هل هو على الأبواب ص 119. (51) انظر: المجيء الثاني هل هو على الأبواب ص 128 – 131، نهاية العالم وموعد مجيء السيد المسيح ص 97 –111، نهاية العالم وأزمنة الأمم ص 67 – 77. (52) الأدلة على نزول المسيح كثيرة جداً نذكر منها حديثين مما ورد فيه التصريح بالنزول: الأول: عن أبي هريرة (أن النبي (قال: ((والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد)) م- الإيمان (1/135) .والثاني حديث جابر بن عبد الله (أن النبي (قال: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة- قال: فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة " م. الإيمان (1/37) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 449 (53) العهد القديم: تسمية يطلقها النصارى على الكتب التي كانت قبل المسيح (، أولها الأسفار الخمسة التي يدعي اليهود والنصارى أنها توراة موسى مضموماً إليها 34 سفراً أخرى ويضيف طائفة منهم سبعة أسفار أخرى ليكون المجموع عندهم ستة وأربعين سفراً، يشكل مجموعها ما يسمى ب " العهد القديم "، أما اليهود فيسمونها "الكتب المقدسة" أو "توراة" ونحوها. انظر: موسوعة اليهود واليهودية 5/84 الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف ص15-16. (54) الأرثوذكس: تعني قويم الرأي، أصولي متشدد. انظر: القاموس إنجليزي -عربي. (55) موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ص 586. (56) وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ص 395. (57) انظر: موسوعة اليهود واليهودية (5/101) ، المدخل إلى العهد القديم ص 41. (58) نسبة إلى فرقة القرَّائين من اليهود اتباع رجل من اليهود يسمى ((عنان بن داؤد)) من أهل بغداد، ظهر زمن أبي جعفر المنصور في القرن الثاني الهجري وأنكر التلمود وسائر الروايات التي يقول بها الغربيون. انظر: فرقة القرائين اليهود ص9، دراسات في الأديان اليهودية والنصرانيةص 120 (59) الإصلاحيون: فرقة معاصرة من فرق اليهود تنكر التلمود وتنكر الوحي في العهد القديم وتنكر تشديدات الحاخاميين، ومن أوائل من دعا إلى هذا المذهب موسى مندلسون المتوفى 1776م في برلين، وأتباعهم الآن ينتشرون في أمريكا حيث يبلغون قرابة المليونين. انظر: الملل المعاصرة في الدين اليهودي ص 36، دراسات في الأديان ص 124. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 450 (60) الصهاينة هم أتباع الصهيونية، وهي حركة يهودية سياسية عنصرية ترمي إلى إقامة دولة لليهود في فلسطين، أنشأها اليهودي هرتزل، والصهاينة في الأصل علمانيون ملاحدة لهم أهداف سياسية واقتصادية واستطاعوا بوسائل كثيرة إدخال جل اليهود المتدينين معهم، فصار لا فرق بين اليهودي المتدين واليهودي العلماني الملحد في الانتساب للصهيونية، والسعي في تحقيق أهدافها، مع محافظة كل واحد منهم على معتقداته ومرئياته، بعد الاتفاق على الأهداف العليا بالنسبة لهم، وهي: الاستيلاء على فلسطين و، وإقامة دولتهم فيها، وما وراءها من أطماع. انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب 1/521 " بتصرف"، موسوعة اليهود واليهودية 0/51. (61) انظر: موسوعة اليهود واليهودية ص 104- 105. (62) المدخل إلى العهد الجديد ص85. (63) سفر عزرا (7/10) . (64) مدخل إلى الكتاب المقدس ص23. (65) انظر: مدخل إلى الكتاب المقدس ص61، 69، 76، 86، 92، 108، 127، 145 169، 179، 216، 224، 234، 254، 275، 283، 294، 338، انظر: المدخل إلى العهد الجديد ص 85، علم اللاهوت النظامي ص 99. (66) انظر في ذلك: المدخل إلى العهد القديم ص 84- 88، القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 28 – 30. (67) انظر: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 9. (68) وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ص 408. (69) انظر: قوله في رسالته إلى تسالونيكى الأولى (2/2) ((جاهرنا في إلهنا أن نكلمكم بإنجيل الله … ..بل كما استحسنا من الله أن نؤتمن على الإنجيل..)) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 451 (70) النصارى يعترفون بأن أناجيلهم لم تعرف إلا في وقت متأخر، فهذا القس فهيم عزيز في كتابه " المدخل إلى العهد الجديد" يؤرخ ظهور الأناجيل وكتب العهد الجديد ما بين 100-170م، ويقول:" كانت أول مجموعة عرفتها الكنيسة من العهد الجديد هي مجموعة رسائل بولس، فهي أول ما جمع من كل كتب العهد الجديد.. ثم يقول: أما المجموعة الثانية فهي مجموعة الأناجيل ألأربعة، وقد ظهرت هذه المجموعة متأخرة بعض الوقت عن مجموعة كتابات بولس ". المدخل إلى العهد الجديد، ص146-147.وقال أصحاب " المدخل إلى العهد الجديد، والمطبوع مع العهد الجديد، الطبعة العاشرة من منشورات دار المشرق، في بيروت 1985م ما نصه:" ومهما يكن من أمر فليس هناك قبل 140م أي شهادة تثبت أن الناس عرفوا مجموعة من النصوص الإنجيلية المكتوبة، ولا يذكر أن لمؤلف من تلك المؤلفات صفة ما يلزم، فلم يظهر إلا في النصف الثاني من القرن الثاني شهادات ازدادت وضوحاً على مر الزمن، بأن هناك مجموعة من الأناجيل، وأن لها صفة ما يلزم، وقد جرى الاعتراف بتلك الصفة على نحو تدريجي، فيمكن القول: إن الأناجيل الأربعة حظيت نحو السنة 170م بمقام الأدب القانوني..". نقلاً عن اختلافات في تراجم الكتاب المقدس ص 89،وانظر أيضاً كلام موريس بوكاي عن ذلك في كتابه القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 98- 103. (71) تاريخ الكنيسة ص 177، وانظر: كتاب المدخل إلى العهد الجديد ص 218. (72) انظر: المدخل إلى العهد القديم ص 478، قاموس الكتاب المقدس ص 357. (73) انظر: المدخل إلى العهد القديم ص 478، قاموس الكتاب المقدس ص 357. (74) إبراهيم بن ناصيف اليازجي، عالمٌ بالأدب واللغة، أصله من حمص، ولد في لبنان، ثم سكن القاهرة، وفيها توفي سنة 1324هـ، اشتغل في إصلاح ترجمة أسفار النصارى، وقضى في ذلك تسعة أعوام. انظر: الأعلام (1/77) . (75) زعموا أنه ملهم، وما أدراهم بذلك؟ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 452 (76) الكتاب المقدس – مقدمة سفر دانيال ص 648. (77) انظر: المدخل إلى العهد القديم ص 472 – 473. (78) انظر: المقارنات والاقتباسات لتلك الأحداث في تاريخ سوريا للدبس ص 3، 18، 160، 112، 113، 114. (79) انظر: المدخل إلى العهد القديم ص 489. (80) انظر: تاريخ سوريا للمطران الدبس (3/109-129) . (81) انظر: طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط 1992م وما فيها من الاختلافات التي فيها عن الطبعة المنقول منها النص، وهي طبعة دار الكتاب المقدس بالقاهرة. (82) انظر: سفر نحميا (1-6) ، وانظر: خطوة خطوة نحو نهاية العالم ص35. (83) تاريخ سوريا الدنيوي والديني للمطران الدبس (2/500 – 505) . (84) انظر قوله في غلاطيه (1/15) عن نفسه ((ثم بعد ثلاث صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس فمكثت عنده خمسة عشر يوماً ولكنني لم أر غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب)) . (85) انظر: رسالته إلى رومية (4/16) . (86) انظر: رسالته إلى رومية (11/3) . (87) انظر: رسالته إلى رومية (4/28) . (88) انظر: رسالته إلى رومية (3/23) . (89) انظر: أعمال الرسل (9/20) ، رسالته إلى غلاطية (4/4) . (90) المدخل إلى العهد الجديد ص144، إختلافات في تراجم الكتاب المقدس ص76. (91) تاريخ الكنيسة ليوسابيوس ص108. (92) تاريخ الكنيسة ص 317. . (93) تاريخ الكنيسة ص 148. (94) انظر في ذلك: المدخل إلى العهد الجديد ص 470، 532، وتفسير العهد الجديد لوليام باركلي، الرسالة إلى تيموثاوس ص 9-24. (95) طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط 1992م ورد فيها النص هكذا: ((إنا سنقوم كلنا ولكن لا نتغير كلنا)) ففي هذه الطبعة ينفي فيها التغير للكل، وتلك يثبته للجميع. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 453 (96) المدخل إلى العهد الجديد ص 652-654. ونحن نضيف إلى قوله: إن أي كتاب مقدس لا يصح اعتباره مقدساً حتى يكون سليماً من الاعتراضات القادحة في صحته، خاصةً من ذوي الاختصاص، فإذا قدح في بعض كتبهم رجالٌ من كبار رجال دينهم، فهذا كافٍ في عدم اعتبار صحتها. (97) كيرلس الأورشليمي: أحد معلمي النصارى المتقدمين، وكان من المعارضين الأشداء لدعوة آريوس، توفي 386م. المنجد في الأعلام ص 604. (98) المدخل إلى العهد الجديد ص 640-641، تاريخ الكنيسة ص 151،373. (99) " دبوكلسيانس " أو " دقلديانوس " (245-313م) . امبراطور روماني. اضطهد النصارى في عهده اضطهاداً شديداً. اعتزل الحكم سنة 305م. انظر: الموسوعة العربية الميسرة (1/798) . (100) الكتاب المقدس، حاشية عليه في آخره ص 504،طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط 1992م، وانظر أيضاً: المدخل إلى العهد الجديد ص 659 -661. (101) المدخل إلى الكتاب المقدس ص 617 (102) سفر دانيال (7/13-28) . (103) سفر الرؤيا- الإصحاحات 16، 17، 18. (104) إن الواضح من سفر دانيال أنه يتحدث عن أحداثٍ تاريخية، قد وقعت وانتهت، فالاقتباس منه لأحداثٍ لم تقع، أو لأحداثٍ وقعت،إلا أن الزمان غير الزمان والأمة غير الأمة دليل على عدم صحة القول. (105) قسطنطين الأول ابن قسطانش، وهو الذي رفع الاضطهاد عن النصارى، وأقر بحريتهم الدينية، وأعاد بناء مدينة بيزنطة، وسماها " القسطنطينية ". توفي سنة 337م. انظر: الموسوعة العربية الميسرة (2/1380) . المصادر والمراجع 1- اختلافات في تراجم الكتاب المقدس. اللواء أحمد عبد الوهاب. ط1. القاهرة. مكتبة وهبة -1417هـ. 2- الأصولية الإنجيلية. محمد السماك.ط1. مركز دراسات العالم الإسلامي -1991م. 3- الأعلام. خير الدين الزركلي. ط8. بيروت. دار العلم - 1989م. 4- إيماني. إلياس مقار. القاهرة. دار الثقافة. بدون تاريخ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 454 5- بدعة شهود يهوه ومشايعيهم. اسكندر جديد. (بدون بيانات نشر) . 6- تاريخ سورية. المطران/يوسف الدبس. راجعه / د. مارون رعد. دار نظير عبود - 1994م. 7- تاريخ الفكر المسيحي. القس: حنا جرجس الخضري. دار الثقافة. دار الطباعة القومية. 8- تاريخ الكنيسة. جون لوريمر. ترجمة: عزرا مرجان. دار الثقافة. دار الطباعة القومية. 9- تاريخ الكنيسة. يوسابيوس القيصري. ترجمة القمص: مرقس داود. القاهرة. مكتبة المحبة. 10- تحريف رسالة المسيح عبر التاريخ.بسمة أحمد جستنيه. ط1.دمشق. دار القلم-1420هـ. 11- تفسير العهد الجديد. وليم باركلي. ط2. القاهرة. دار الثقافة. 12- حقائق أساسية في الإيمان المسيحي. القس: فايز فارس. القاهرة. دار الثقافة المسيحية. 13- خطوة خطوة نحو نهاية العالم. إبراهيم صبري. (بدون بيانات النشر) . 14- دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية. سعود بن عبد العزيز الخلف. ط3. الرياض. مكتبة اضواء السلف. 15- الرجاء المبارك ومستقبل العالم.طلعت فكري (بدون بيانات نشر) 16- شرح سفر الرؤيا.ناشد حنا. ط1. 1967م. 17- شهود يهوه والتطرف المسيحي في مصر. أبو إسلام احمد عبد الله. القاهرة. مكتبة الحكمة. 18- صحيح مسلم. مسلم بن الحجاج. عناية محمد فؤاد عبد الباقي. ط1. دار إحياء الكتب العربية - 1374. 19- علم اللاهوت النظامي. مجموعة من اللاهوتيين النصارى. دار الثقافة. 20- فرقة القرائين اليهود. جعفر هادي حسن. ط1. بيروت. مؤسسة الفجر -1989م. 21- قاموس الكتاب المقدس. مجموعة من أساتذة النصارى. ط2. دار الثقافة المسيحية. 22- القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم. موريس بوكاي. مصر. دار المعارف. 23- الكتاب المقدس. دار الكتاب المقدس. القاهرة –1982م. 24- المجيء الثاني هل هو على الأبواب.مجدي صادق.تقديم زكي شنوده. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 455 25- المجيء الثاني للمسيح ونهاية التاريخ. القس: مكرم نجيب. ط2. دار الثقافة - 1998م. 26- محاضرات في النصرانية. محمد أبو زهرة. مصر. مطبعة المدني. 27- المدخل إلى العهد الجديد. القس: فهيم عزيز. إصدار دار الثقافة. مطبهة دار الجيل. 28- المدخل إلى العهد القديم. القس: صموئيل يوسف. ط1. دار الثقافة-1998م. 29- مدخل إلى الكتاب المقدس. جولد باكلين، بيتر كوتريل وآخرون. ترجمة: نجيب إلياس. ط1. دار الثقافة -1993م. 30- المسيحية. أحمد شلبي. ط9. مكتبة النهضة المصرية - 1984م. 31- المسيحية عبر العصور. إيرل كيرنز. ترجمة: عاطف سامي برنابا. دار نوبار للطباعة. 32- ملكوت الله. فهيم عزيز.ط2. دار الثقافة. 33- الملل المعاصرة في الدين اليهودي. د. إسماعيل الفاروقي. معهد البحوث والدراسات العربية -1968م. 34- المنجد في الأعلام. ط22. بيروت. المطبعة الكاثوليكية. دار المشرق -1973م. 35- الموسوعة العربية الميسرة. إشراف: محمد شفيق غربال. دار الجيل -1416هـ. 36- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة. إشراف: د. مانع حماد الجهني. ط3. الناشر:دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع. الرياض -1418هـ. 37- موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية. د. عبد الوهاب المسيري. ط1. القاهرة. دار الشروق -1999م. 38- نشأة الطوائف المسيحية. المطران إسحاق مسعد. القاهرة. دار التأليف والنشر للكنيسة الأسقفية. 39- يسوع على الأبواب.بلاك ستون.ترجمة: مراد عزيز.لجنة خلاص النفوس للنشر. 40- نهاية العالم وأزمنة الأمم.د. شرابي اسكندروس.تقديم الأنبا ريغوريوس. منشورات اسقفية الدراسات العليا اللاهوتية الثقافية. 41- نهاية العالم وموعد مجيء المسيح.جوزيف بطرس (بدون بيانات نشر) 42- وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. ط2 -1979م. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 456 43- كتاب " ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ". د. رؤوف شلبي. ط2. دار الاعتصام -1400هـ. 44- اليهود الحسيديم. د. جعفر هادي حسن. ط1. دمشق. دار القلم –1415هـ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 457 القياس ومكانته في المنطق اليوناني د. ابتسام بنت أحمد جمال الأستاذ المساعد بقسم العقيدة - كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى ملخص البحث الحمد لله رب العالمين حمداً يليق بجلاله وكماله وثناء عظيماً لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى … والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين وإمام المتقين محمد بن عبد الله الداعي إلى الحق المبين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: هذا بحث المتواضع عن المنطق وقياسه ومكانة القياس فيه والذي اخترت له عنوان: (القياس ومكانته في المنطق اليوناني) وقد تناولت فيه أخم موضوعات وقضايا المنطق كما وضعها المناطقة ليسهل نقدها في المبحث اللاحق بإذن الله تعالى. وذلك لما رأيته من اهتمام بعض المسلمين المشتغلين بالمنطق أردت بيان أثره وخطره، متبعة في ذلك منهج سلف هذه الأمة في اتباع كتاب الله وآياته وهو الذي تقوم به الحجة وتتضح به المحجة. وكذلك منهجي في اتباع السنة. أما الموضوعات التي تناولتها فهي كما جاءت في محتويات البحث: انتقال علم المنطق إلى العالم الإسلامي عن طريق ترجمة علوم الأمم التي من الله على المسلمين بفتح بلادهم، ومن تحدثت عن مكانة القياس في المنطق وأنه المقصود الأهم والأول من فن المنطق كله. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 458 فالتصور يمثل الخطوة الأولى في العلوم التي يبني عليها التصديقات والاستدلالات (القياس) ، ولبيانه لابد من ذكر أوليات موضوعات التصور والتي بدأتها بذكر أنواع العلم الحادث عندهم، الذي قسموه بحسب تحصيله في الذهن إلى تصور وتصديق، كما بينت أن المشتغلين بالمنطق وضعوا تقسيماً آخر لمفهوم الحد وموضوعه والصفات التي تحدد المراد.. إلى مفهوم صادق. أمام التقسيم الذي ذكره المناطقة للفظ فهو: 1-اللفظ المفرد. 2- اللفظ المركب. وقد يكون اللفظ أصلي الدلالة أو مغير الدلالة.. وينقسم من حيث العلموم والخصوص إلى كلي وجزئي. والكلي ينقسم باعتبار استواء معناه في أفراده إلى متواطئ.. ومشكك وباعتبار تعدد مسماه وعدم تعدده إلى مشترك ومنفرد. أما دلالة اللفظ فتنقسم إلى ثلاث أقسام: دلالة المطابقة. ودلالة التضمن. ودلالة الالتزام. وبعد ذلك انتقلت إلى: مبادئ التصور وذكرت الكليات الخمسة التي جعلها المناطقة من أساسيات المنطق، وأهمها وهي: الجنس … النوع … الفصل.. العرض العام.. العرض الخاص. أما الفصل الثاني والذي عليه مدار البحث وعنوانه وهو مبادئ التصديقات (القياس) فقد ذكرت فيه معنى معنى القضية المنطقية وأهم شروطها وقواعدها وأقسامها وما هو منتج منها وما هو غير المنتج في رأي المناطقة. تمهيداً لنقدها لاحقاً وختمت بحثي بحمد الله تعالى على ما وفقني لإتمام هذا البحث وما أفدت منه. المقدمة الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وجعله حجة دائمةً على عباده من الثقلين الجن والإنس، فقامت به الحجة، واتضحت به المحجة، حتى أصبح ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. وصلى الله وسلم على نبيه الهادي الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه ودعا بدعوته وتمسك بسنته إلى يوم الدين. ... ... أما بعد: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 459 فإن الله عز وجل قد من على المؤمنين ببعثه هذا النبي الأمين بهذا الكتاب المبين، الذي أنار به سبيل الهداية، وأزال به ظلمات الجهالة والضلالة والغواية، فبه اهتدى المهتدون، وبرسوله اقتدى المقتدون، وتعلم صحبه الكرام منه ما أنزل إليه، فعلموا وعملوا بما أنزل عليه، مدركين أنه هو الحجة البالغة القائمة، وأن سنة رسول الله (هي الحق المبين، الموضحة الشارحة للقرآن العظيم. فلما مضى عصر الخلافة الراشدة وانتهى عصر الصحابة الذين كان وجودهم أماناً للأمة من البدع - ومع الفتوحات المتسعة- حصل الانفتاح على موروثات بعض الأمم الوثنية، وفي مقدمتها المنطق اليوناني، الذي قام بعض المسلمين بتشجيع من بعض أولي الأمر بترجمته إلى اللغة العربية، مما أدى إلى انتشاره في المجتمع المسلم، الذي كان متحصناً بالكتاب والسنة عن كل دخيل؛ فكان له معارضون من علماء الإسلام، يحذِّرون الأمة من أثره، وخطره، وضرره، كما كان له مؤيدون، يقومون بترويجه والإغراء به، ومزجه ببعض العلوم الإسلامية، زاعمين أن ما انبنى على مبادئه وأسسه هو الذي تقوم به الحجة؛ مما جعل للمنطق اليوناني أثراً سيئاً في البلاد الإسلامية رغم صيحات الناصحين وصرخات المخلصين من علمائهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 460 ولما كانت المعاناة من المنطق اليوناني وأثره لا تزال قائمة –لاشتمال كثير من كتب التراث عليه- وخاصة الكتب المؤلفة في مجال الاعتقاد؛ أردت أن أساهم بهذا البحث في بيان أثره وخطره، متبعة في ذلك أثر العلماء الناصحين ممن اتبعوا منهج سلف هذه الأمة، في تعظيم الكتاب والسنة، ومبينةً أن ما بني على كتاب الله العظيم، وسنة رسوله الكريم؛ هو الذي تقوم به الحجة، وتتضح به المحجة، لا في المنطق اليوناني، الذي أنتجه الفكر الوثني الذي لم يسلم من نقد أهله له فأن اشتراط أر سطو قضية كلية موجبة تخمين لا يستند على دليل، لأن الكلية أساسها الجزئية. واشتراط مقدمتين تحكم وتعسف منه، فربما أحتاج الأمر إلى أكثر من مقدمتين لإثباته، لذلك فالدارس لقياس أر سطو لا يجد فيه سوى شكل الدليل وصورته، هذا ما بينه وأكده شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في كتابه الرد على المنطقين، كما بين أن منطق أر سطو لم يأتي بجديد. وهذا ما دفعني للكتابة في القياس المنطقي ثم أتبعه بنقد ابن تيميه للقياس المنطقي في البحث اللاحق بأذن الله تعالى. والله تعالى أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجه الكريم، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تمسك بسنته ودعا بها وإليها إلى يوم الدين. تمهيد قبل الشروع في البحث يتطلب الأمر إلى تمهيد يتقدمه لبيان بعض الأمور المهمة بين يديه، وهي الأمور التي سبق ذكرها في المقدمة على سبيل الإجمال. وهذا موضع تفصيلها: أولاً: تعريب المنطق اليوناني وانتقاله إلى العالم الإسلامي: مع قرب نهاية القرن الأول الهجري وما تلاه من عقود اجتمعت عدة عوامل ساعدت على انتشار ترجمة كتب ومؤلفات الأمم السابقة، والحضارات البائدة، ونقلها إلى اللغة العربية. فمن هذه العوامل: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 461 امتداد الفتوحات الإسلامية لتشمل معظم أرجاء العالم القديم، حيث امتدت ح دود وثغور الدولة الإسلامية من بلاد الصين شرقاً إلى بلاد الأندلس غرباً، ومن بلاد فارس جنوباً إلى آسيا الصغرى شمالاً؛ وهي مساحة شاسعة توالت وتنوعت فيها الحضارات الإنسانية، وبدخول الإسلام إلى تلك البلاد انهارت تلك الحضارات وتساقطت الواحدة تلو الأخرى. مع إشراق شمس الرسالة الإسلامية على تلك البلدان، ظهر لهم واضحاً جلياً بطلان وتهافت ما كانوا عليه من أديان محرفة، وملل ونحل وآراء ومذاهب فاسدة، فدخل الكثيرون منهم في دين الله أفواجاً. أقر المسلمون كثيراً من أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين بقوا في ديارهم ولم يدخلوا في الإسلام على ما هم عليه؛ حيث سمح لهم المسلمون بالبقاء على ديانتهم استجابة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، حيث شملتهم سماحة الإسلام ومبادئه الخالدة التي ترعى حق الجوار واحترام الأديان السماوية السابقة. هذه العوامل وغيرها قد ولدت عند الكثيرين من المسلمين رغبة قوية في معرفة ما عند أهل تلك البلاد التي دانت لهم من مذاهب وآراء وأقوال، لإقرار ما فيها من حق وخير، وإنكار ما فيها من باطل وشر، وإبطاله وإبعاده عن المسلمين. إلى جانب الرغبة في تعلم ما عندهم أيضاً من علوم ومعارف وفنون وصناعات وحرف للاستفادة منها في شؤون الحياة العادية. ومن هنا نشأت حركة الترجمة لكتابات ومؤلفات أهل تلك البلدان، ونقلها إلى اللغة العربية، هذا بصفة عامة. وأما ما يتعلق بكتب المنطق والفلسفة اليونانية بصفة خاصة فبالإضافة إلى ما سبق من العوامل فقد كان هناك فريق من النصارى والروم يعملون في بلاط الأمويين في بلاد الشام، وفي الدواوين وفي غيرها. وكان هؤلاء النصارى قد تعلموا اللغة السريانية ووقفوا من خلالها على أساليب اليونان ومناهجهم في التفكير، وطريقتهم في الجدل والحوار. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 462 واستعان فريق منهم بالمنهج الجدلي في الدفاع عن النصرانية أحياناً، وأحياناً في الهجوم على الإسلام حتى أن بعضهم وهو (يحي بن عدي) وضع رسالة مستقلة يوضح فيها للنصارى كيف يجادلون العربي المسلم في المسائل اللاهوتية وعيرها؛ كمسائل القضاء والقدر والتوحيد؛ وضعها على طريقة: إذا قال لك العربي كذا، فقل له كذا وكذا، وإذا سألك العربي عن كذا فأجبه بكذا وكذا. وكثرت المجادلات بين النصارى من جانب، والمسلمين من جانب آخر، وتطورت هذه المجادلات إلى عقد جلسات للمناظرات بين المسلمين وغيرهم أحياناً، وبين المسلمين بعضهم بعضاً أحياناً أخرى، وكان كل فريق يستعين بما يملك من فنون القول ومن الدلائل والحجج (1) . ومن هنا قويت الرغبة في تعلم المنطق والفلسفة اليونانية للاستعانة بها في تلك المناظرات والمجادلات. وقد ساعد على ذلك تشجيع بعض خلفاء الدولة العباسية، ودخول بعضهم كأطراف في تلك المجادلات والمناظرات أحياناً. وهكذا تعددت الجهات التي قامت على ترجمة كتب المنطق والفلسفة اليونانية في بلدان العالم الإسلامي مما أدى إلى انتشار المنطق اليوناني ورواجه بين طوائف من المسلمين. وهو ما يعني عزل نصوص الوحي المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من كتاب الله وسنة رسوله محمد (عن أن تكون مصدراً للهداية والنور والعلم والمعرفة للبشرية كلها في كل زمان ومكان، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.   (1) يراجع في ذلك: د/ محمد الجليند: نظرية المنطق بين فلاسفة الإسلام واليونان، ص 34-3، الطبعة الأولى، 1984م. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 463 وهذا أمر في غاية الخطورة، وقد ظهر أثره عند كثير من المتكلمين المنتسبين للإسلام حيث تجرءوا وتبجحوا فجعلوا دعاوى أفكارهم، ومزاعم أذهانهم، مما يسمونه بالأدلة العقلية والتي يصفونها بأنها القواطع العقلية؛ تعارض ما أسموه بالظواهر السمعية، ويعنون بها أدلة القرآن العظيم والسنة، ولم يكتفوا بذلك بل قدموا قواطعهم العقلية المزعومة على نصوص الوحي المعصوم من الكتاب والسنة عند ذلك التعارض المزعوم. ثانياً: علاقة القياس المنطقي بالمنطق اليوناني ومنزلته فيه: الكلام عن القياس المنطقي إنما يمثل الكلام عن أهم مباحث المنطق اليوناني المعروف بمنطق أرسطو طاليس. فالقياس هو الجزء الجوهري من منطق أرسطو (1) . يقول ابن خلدون في مقدمته عن أرسطو واضع علم المنطق: "وكتابه المخصوص بالمنطق يسمى (الأورجانون) ومعناه بالعربية الإله، وهو يشتمل على ثمانية كتب: أربعة منها في صور القياس وأربعة في مادته. وذلك أن المطالب التصديقية على أنحاء: فمنها ما يكون المطلوب فيه اليقين بطبعه، ومنها ما يكون المطلوب فيه الظن، وهو على مراتب. فينظر في القياس من حيث المطلوب الذي يفيده، وما ينبغي أن تكون مقدماته بذلك الاعتبار ومن أي جنس يكون؟ من العلم، أو من الظن، وقد ينظر في القياس لا باعتبار مطلوب مخصوص، بل من جهة إنتاجه خاصة، ويقال للنظر الأول؛ إنه من حيث المادة، ونعني به المادة المنتجة للمطلوب المخصوص من يقين أو ظن. ويقال للنظر الثاني؛ إنه من حيث الصورة وإنتاج القياس على الإطلاق، فكانت لذلك كتب المنطق الثمانية: الأول: في الأجناس العالية التي ينتهي إليها تجريد المحسوسات، وهي التي ليس فوقها جنس، ويسمى: كتاب المقولات. والثاني: في القضايا التصديقية وأصنافها، ويسمى كتاب العبارة.   (1) ... د/ علي سامي النشار: مناهج البحث عند مفكري الإسلام، ص55، الطبعة الثانية، نشر دار المعارف 1967م. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 464 والثالث: في القياس وصورة إنتاجه على الإطلاق، ويسمى كتاب القياس، وهذا آخر النظر من حيث الصورة. ثم الرابع: كتاب البرهان، وهو النظر في القياس المنتج لليقين، وكيف يجب أن تكون مقدماته يقينية، ويختص بشروط أخرى لإفادة اليقين مذكورة فيه؛ مثل كونها ذاتية وأولية وغير ذلك. وفي هذا الكتاب الكلام في المُعرِّفات والحدود، إذ المطلوب فيها إنما هو اليقين لوجوب المطابقة بين الحد والمحدود لا تحتمل غيرها، فلذلك اختصت عند المتقدمين بهذا الكتاب. والخامس: كتاب الجدل، وهو القياس المفيد قطع المشاغب، وإفحام الخصم، وما يجب أن يستعمل فيه من المشهورات. ويختص أيضاً من جهة إفادته لهذا الغرض بشروط أخرى، من حيث إفادته لهذا الغرض، وهي مذكورة هناك. وفي هذا الكتاب يذكر المواضع التي يستنبط منها صاحب القياس قياسه وفيه عكوس القضايا. والسادس: كتاب السفسطة، وهو القياس الذي يفيد خلاف الحق، ويغالط به المناظر صاحبه وهو فاسد. وهذا إنما كتب ليعرف به القياس المغالطي فيحذر منه. والسابع: كتاب الخطابة، وهو القياس المفيد ترغيب الجمهور وحملهم على المراد منهم، وما يجب أن يستعمل في ذلك من المقالات. والثامن: كتاب الشعر، وهو القياس الذي يفيد التمثيل، والتشبيه خاصة، للإقبال على الشيء، أو النفرة عنه، وما يجب أن يستعمل فيه من القضايا التخيلية. هذه هي كتب المنطق الثمانية عند المتقدمين" (1) . قلت: فهذا النص الطويل من كلام العلامة ابن خلدون يبين العلاقة الوثيقة بين المنطق والقياس؛ فالمقصود من المنطق كله الحد والقياس. والقياس هو المطلوب الأعظم. الفصل الأول: المنطق اليوناني وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: مقدمة منطقية المبحث الثاني: التصورات المبحث الثالث: التصديقات توطئة:   (1) ... عبد الرحمن بن محمد بن خلدون: مقدمة ابن خلدون، ج3، ص 1138-1139، الطبعة الثالثة، دار نهضة مصر للطبع والنشر، تحقيق د/ علي عبد الواحد وافي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 465 من خلال العديد من الكتابات والدراسات التي تناولت المنطق اليوناني في القديم والحديث بالبحث والدراسة، سوف أختار طريقة ميسرة وموجزة لعرض مباحث المنطق بحيث اقتصر على أشهر مسائله دون الدخول في تفصيلات وخلافات لا طائل من ورائها، لا سيما وأن المنطق كله –المتفق عليه منه بين أهله والمختلف فيه- لا يكاد ينتفع به في قليل أو كثير. فيما فيه من حق - والنزر اليسير- الناس في غنى عنه إذ إنه فطري لا يحتاج إلى دراسة نظرية. وما فيه من باطل وهو الأكثر فيما أغنانا عنه. وبناء على ذلك فسوف ينقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث: المبحث الأول: مقدمة منطقية: وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: أنواع العلم الحادث. المطلب الثاني: المفهوم والمقاصد. المطلب الثالث: مباحث الألفاظ من حيث صلتها بالمعاني والدلالات. المبحث الثاني: التصورات: وفيه مطلبان: المطلب الأول: مبادئ التصورات وهي الكليات الخمس. المطلب الثاني: مقاصد التصورات وهو التعريفات والحدود. المبحث الثالث: التصديقات. ويلاحظ أنه نظراً لضيق مجال الاجتهاد في المنطق مع كثرة الكتب والدراسات التي تناولته بالبحث والعرض فإن عامة هذه الكتب متشابهة والفروق بينها ليست ذات شأن. المبحث الأول: مقدمة منطقية المطلب الأول: أنواع العلم الحادث المقصود بالعلم الحادث: علم المخلوقين لأن الكلام فيه احترازٌ عن علم الله تعالى، فإنه لا يوصف بصفات علم المخلوقين، والعلم ينقسم بحسب تحصيله في الذهن إلى تصور وتصديق. أولاً: التصور: وهو إدراك الماهية من غير أن نحكم عليها بنفي أو إثبات (1) ، أو هو الإدراك الخالي عن الحكم (2) .   (1) ... معالم أصول الدين للرازي، ص 21، شرح المقاصد، ج1، ص 218. وانظر في جميعها التعريفات للجرجاني. (2) ... تسهيل المنطق، ص 9، عبد الكريم الأثري. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 466 أي: بمعنى إدراك الذهن لمعنى المفرد من غير تعرض لإثبات شيء له ولا لنفيه عنه، فهو تصور عقلي فقط مجرداً عن أي نسبة مضافة إليه صدقاً أو كذباً. مثال ذلك: إدراك معنى الشمس أو الفرس أو الإنسان، أو إدراك معنى اللذة أو الألم، أو معنى المرارة، ومعنى الحلاوة، ونحو ذلك. فالتصور: هو فهم المعنى المراد به ذلك المفرد كما في الأمثلة السابقة ونحوها دون تعرض لإثبات شيء له، ولا لنفيه عنه. وكأن صورة المفرد تنطبق في الذهن لإدراك المتصور لمعناها. والإدراك في الاصطلاح: هو وصول النفس إلى المعنى بتمامه، فإن وصلت إليه لا تمامه فهو المسمى في الاصطلاح بالشعور. ثانياً: التصديق: هو أن تحكم عليه بالنفي أو الإثبات (1) ، أو هو علم إدراك الماهية مع الحكم عليها بالنفي أو الإثبات (2) ، أي إثبات أمر لأمر بالفعل، أو نفيه عنه بالفعل، وهو إدراك الذهن للعلاقة القائمة بين موضوع ومحمول على سبيل النفي أو الإثبات. مثال ذلك: الكاتب إنسان. فإدراك معنى الكاتب فقط: علم تصور. وإدراك معنى الإنسان فقط: علم تصور. وإدراك النسبة بين التصورين دون الحكم بوقوعها أو عدم وقوعها: علم تصور. وأما التصديق: فهو إدراك وقوع النسبة بالفعل، وهو إدراك كون الإنسان كاتباً بالفعل. ويلاحظ أن تسميته جاءت من أن التصديق إما جازم أو لا، والجازم إما بغير دليل - وهو التقليد - وإما بدليل؛ فهو إما أن يقبل متعلقه النقيض بوجه وهو الاعتقاد أولاً، وهو العلم (3) . إذن التصديق خبر، والخبر بالنظر إلى ذاته يحتمل التصديق والتكذيب، فسموه بأشرف الاحتمالين. ويلاحظ أيضاً أن الوصول إلى التصديق لا بد فيه من أربع تصورات (4) : تصور المحكوم عليه: وهو الموضوع. تصور المحكوم به: وهو المحمول.   (1) ... معالم أصول الدين للرازي، ص 21. (2) ... شرح المقاصد، ج1، ص 218. وانظر تسهيل المنطق، ص 9. (3) ... كشاف اصطلاحات الفنون، ج4، ص 263. (4) ... شرح إيضاح المبهم، ص 36. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 467 تصور النسبة الحكمية من غير حكم بوقوعها أو عدم وقوعها. تصور وقوع النسبة الحكمية بالفعل أو عدم وقوعها. ويلاحظ أن الموضوع في اصطلاح المنطقيين هو المعروف في المعاني بالمسند إليه وفي النحو بالمبتدأ أو الفاعل أو نائب الفاعل. والمحمول في اصطلاحهم هو المعروف في المعاني بالمسند، وفي النحو بالخبر أو الفعل، وإنما سمي الموضوع موضوعاً لأن المحمول صفة من صفات الموضوع أو فعل من أفعاله. والصفة لا بد لها من موصوف، والفعل لا بد له من فاعل. فالأساس الذي وضع لإمكان إثبات الصفات أو نفيها هو المحكوم عليه. ولذا سمي موضوعاً كالأساس للبنيان، وسمي الآخر محمولاً لأنه كسقف البنيان لا بد له من أساس يبنى عليه. مثال: لو قلت: (زيد عالم) أو (زيد ضارب) ، فالعلم صفة زيد والضرب فعله، ولا يمكن أن توجد صفة بدون موصوف، ولا فعل بدون فاعل، فصار المحكوم عليه كأنه وضع أساساً للحكم فسمي موضوعاً، وسمي ما يسند إليه من صفات وأفعال محمولاً، لأنها لا تقوم بنفسها، فلا بد لها من أساس تحمل عليه. ويلاحظ أن كلاً من التصور والتصديق ينقسم إلى بدهي وكسبي. فالبدهي: هو ما لا يحتاج إدراكه إلى تأمل. والكسبي: ما يحتاج إدراكه إلى التأمل. فالتصور البدهي: كتصور معنى الواحد ومعنى الاثنين. والتصديق البدهي: كإدراك أن الواحد نصف الاثنين، وأن الكل أكبر من الجزء. والتصور الكسبي: مثّل له بعضهم بتصور الملائكة والجنة، ومن أمثلته: تشخيص الطبيب لعين المريض؛ فهو تصور له بعد بحث وتأمل ونظر. والتصديق الكسبي: كقولك: الواحد نصف سدس الاثني عشر، وربع عشر الأربعين (1) . المطلب الثاني: المفهوم والماصدق:   (1) ... معالم أصول الدين، ص 20 (بتصرف) . وانظر تسهيل المنطق، ص 9. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 468 كل اسم أو حد إما أن يشير إلى موضوع أو موضوعات معينة، وإما أن يشير إلى صفة أو صفات يحتويها ذلك الموضوع أو تلك الموضوعات. والأشياء أو الموضوعات التي يشير إليها الاسم أو الحد تسمى بالماصدق. أما الصفات أو الكيفيات فتسمى بالمفهوم (1) . يطلق لفظ المفهوم في إصلاح المناطقة، ويراد به مجموعة الصفات والخصائص الذهنية التي يثيرها اللفظ في ذهن السامع والقارئ، أي: هو ما يفهم من اللفظ، أي: معناه. أما الماصدق: فهو المسميات الخارجية التي يصدق عليها اللفظ، أي: أنه يدل على الأفراد التي ينطبق عليها اللفظ، وهي الأشياء التي جاء هذا اللفظ ليسميها. أو بعبارة أخرى: الماصدق يطلق على الأفراد المندرجة تحت مفهوم اللفظ، فلكل اسم أو حد إذن ناحيتان: أ- ناحية الماصدق: أي ناحية الإشارة إلى أفراد أو أشياء يتحقق فيهم أو يصدق عليهم اللفظ. ب- ناحية المفهوم: أي مجموعة الصفات والخصائص الذهنية التي تحمل على هؤلاء الأفراد. مثال ذلك: لفظ (معدن) فيه جانبان: أحدهما: يدل على ذاتية المعدن أو صفاته الجوهرية التي منها تتقوم حقيقته وتتميز عن غيرها؛ وذلك جانب المفهوم؛ وهو أنه موصل جيد للحرارة والكهرباء، سهل الطَرْق والتشكيل. وثانيهما: يدل على الأفراد أو الجزئيات التي تندرج تحت هذا المفهوم، وذلك جانب الماصدق. وهو في هذا المثال: الحديد والنحاس والرصاص والذهب … الخ. ويلاحظ أنه يوجد نوع من العلاقة العكسية بين المفهوم والماصدق؛ فكلما زادت خصائص المفهوم قلت أفراد الماصدق، وكلما قلت خصائص المفهوم زادت عدد الماصدق (2) . المطلب الثالث: مباحث الألفاظ من حيث صلتها بالمعاني والدلالات المباحث: جمع مبحث، وهم اسم مكان بمعنى مكان البحث، والبحث: هو الفحص والتفتيش عن الألفاظ من حيث التركيب والإفراد ونحو ذلك كالكلية والجزئية … الخ.   (1) ... مقدمات في الفلسفة، ص 65، علي عبد المعطي محمد. (2) ... نقل بتصرف من مقدمات في الفلسفة، ص 69. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 469 أولاً: تقسم اللفظ من حيث الأفراد والتركيب: الألفاظ الدالة على معان إما أن تكون مفردة أو مركبة: اللفظ المفرد: وهو ما لا يقصد بجزئه الدلالة على جزء معناه (1) . أو: (ما لا يدل جزؤه على جزء معناه) (2) . وينقسم إلى الأسماء والأفعال والحروف. فإنه إن دل بذاته دلالة مطلقة مجردة عن الزمان فهو الاسم، وإن دل بذاته دلالة مقترنة بأحد الأزمنة الثلاثة فهو الفعل، وإن توقفت دلالته على اقترانه بغيره فهو الحرف. اللفظ المركب: (وهو ما قصد بجزء اللفظ الدلالة على جزء المعنى) (3) ، والمركب هو: (ما يدل جزئه على جزء معناه) (4) دلالة مقصودة خالصة. فخرج بقولهم: (ما دل جزؤه) ما لا جزء له أصلاً كباء الجر ولامه، وماله جزء لا دلالة له على شيء كبعض حروف زيد. وخرج بقولهم: (على جزء معناه) : ما له جزء وله دلالة؛ ولكن لا على جزء معناه كأبكم، فإن نصف الأول وهو (الأب) يدل على ذات متصف بالأبوة، ونصفه الأخير وهو (كم) يدل على سؤال عن عدد، ولكن ليس واحدٌ منهما يدل على جزء المعنى المقصود بالأبكم. وخرج بقولهم: (مقصودة) العلم الإضافي؛ كعبد الله، فإن جزءه الأول يدل على العبد، والثاني يدل على الخالق جل وعلا، ولكن هذه الدلالة ليست مقصودة؛ لأن المقصود جعل اللفظين علماً للشخص معيناً له عن غيره من الأشخاص. وخرج بقولهم: (خالصة) : ما لو قصد في تسمية الإنسان بعبد الله مثلاً أنه متصف بالعبودية لله، فإن دلالة جزء اللفظ على جزء المعنى حينئذ مقصودة لكنها غير خالصة من شائبة العلمية. ثانياً: تقسيم اللفظ من حيث عموم المعنى وخصوصه: تنقسم الألفاظ من حيث ما تدل عليه من المعاني إلى نوعين: أصلي الدلالة: وهو ما كان مستعملاً للدلالة على المعاني التي وضعت لها في الأصل.   (1) ... تسيل المنطق، ص 14. (2) شرح إيضاح المبهم في معاني السلم، ص 43. (3) تسهيل المنطق، ص 14. (4) ... معيار العلم في فن المنطق (بتصرف) ص 62. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 470 ومثاله: لفظ الأسد حين يطلق على الحيوان المعروف، والغالب لهذا النوع من الأسماء أن يدل على المعنى الواحد باسم واحد، فإن دل على المعنى الواحد بأسماء كثيرة فإنها تسمى مترادفة، وذلك كدلالة الليث والأسد والغضنفر على نفس الحيوان المعروف (1) . 2- مغير الدلالة: وتغير الدلالة إما أن يكون على سبيل النقل أو على سبيل المجاز والاستعارة أو على سبيل الاشتقاق. واللفظ سواء كان مستعملاً في معناه الأصلي أو في غيره ينقسم بحسب عموم المعنى وخصوصه إلى قسمين (2) : القسم الأول: جزئي: "وهو ما يمنع تصور معناه من وقوع الشركة فيه" (3) ، فالذهن حين يتصوره لا يستطيع أن يجعل دلالته لأكثر من واحد. مثاله: زيد وغيره من أسماء الأعلام والمدن والجبال ونحوها، فمعنى كل منها خاص به فحسب. القسم الثاني: كلي: "وهو ما لا يمنع تصور معناه من وقوع الشركة فيه" (4) ، فالذهن يصح له من مجرد تصوره أن يجعل معناه صادقاً على الكثيرين. مثاله: الإنسان والحيوان والشجر ونحوها من كل ما يصح أن يصدق معناه على الكثيرين. ويلاحظ أن الكلي ينقسم باعتبار استواء معناه في أفراده وتفاوته فيها إلى متواطئ ومشكك. فالمتواطئ: (وهو اتحاد المعنى في أفراد) (5) ، وهو أي أفراده:- (هي التي تدل على أعيان متعددة بمعنى واحد مشترك بينها) (6) ، وقيل: هو الكلي الذي استوى أفراده في معناه. مثاله: الإنسان والرجل والمرأة. فإن حقيقة الإنسانية والذكورة والأنوثة مستوية في جميع الأفراد، وإنما التفاضل بينها بأمور أُخر زائدة على مطلق الماهية.   (1) ... نفس المصدر السابق. (2) ... شرح إيضاح المبهم في معاني السلم، ص 44. (3) ... نفس المرجع السابق. (4) ... نفس المرجع السابق. (5) ... نفس المرجع السابق. (6) ... شرح إيضاح المبهم، ص 48. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 471 والمشكك: (هو ما اختلف في أفراده بالشدة والضعف) (1) ، وقيل: هو الكلي الذي تتفاوت أفراده في معناه بالقوة والضعف (2) . مثاله: النور والبياض. فالنور في الشمس أقوى منه في السراج والبياض في الثلج أقوى منه في العاج. ويلاحظ أيضاً أن الكلي ينقسم باعتبار تعدد مسماه وعدم تعدده إلى مشترك ومنفرد: فالمشترك: (هو ما اتحد منه اللفظ وتعدد المعنى) (3) ، وقيل: (اللفظ الواحد الذي يطلق على موجودات مختلفة بالحد والحقيقة إطلاقاً متساوياً) (4) . مثال: العين للباصرة والجارية، والقرء للطهر والحيض. والمنفرد: أن يكون للكلي مسمى واحد. مثال: الإنسان والحيوان ونحو ذلك. فالحقيقة الذهنية التي هي مسمى اللفظ واحدة، وإنما التعدد في الأفراد الخارجية. وينقسم الكلي أيضاً باعتبار وجود أفراده في الخارج وعدم وجودها فيه إلى ستة أقسام: كلي لم يوجد من أفراده فرد واحد في الخارج مع أن وجود فرد منها مستحيل عقلاً. مثاله: الجمع بين الضدين. كلي لم يوجد من أفراده فرد واحد في الخارج مع جواز وجوده عقلاً. مثاله: بحر من زئبق وجبل من ياقوت. كلي وجد منه فرد واحد مع استحالة وجود غيره من الأفراد عقلاً. مثاله: الإله الحق خالق كل شيء ورب كل شيء والقادر على كل شيء. كلي وجد منه فرد واحد مع جواز وجود غيره من الأفراد عقلاً. هذا ما أثبت وجوده العلماء اليوم. مثاله: الشمس. كلي وجدت منه أفراد كثيرة ولكنها متناهية. مثاله: الإنسان والحيوان. كلي وجدت منه أفراد كثيرة وغير متناهية. مثاله: العدد (5) . ثالثاً: النظر إلى اللفظ بحسب دلالته على المعنى: يعرف هذا البحث عند المناطقة باسم مبحث الدلالة، والمقصود عندهم منه هو دلالة اللفظ وضعاً.   (1) ... معيار العلم. (2) ... شرح إيضاح المبهم، ص 48. (3) ... معيار العلم، ص 52. (4) ... تسهيل المنطق، ص 16. (5) ... شرح إيضاح المبهم في معاني السلم، ص 40. وانظر معيار العلم ص 42. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 472 والوضع في الاصطلاح: هو تعيين أمر للدلالة على أمر، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: المطابقة والتضمن والالتزام. دلالة المطابقة: وهي دلالة اللفظ على تمام المعنى الموضوع له اللفظ (1) . مثاله: دلالة الرجل على الإنسان الذكر، ودلالة المرأة على الإنسان الأنثى. دلالة التضمن: (وهي دلالة اللفظ على جزء من أجزاء المعنى المتضمن له) (2) ، ولا تكون إلا في المعاني المركبة. مثاله: دلالة لفظ إنسان على الحيوان أو على الناطق ودلالة البيت على الجدران أو على السقف. دلالة الإلتزام: (وهي دلالة اللفظ على أمر خارج عن المعنى لازم له لزوماً ذهنياً بحيث يلزم من فهم المعنى المطابقي فهم ذلك الخارج اللازم) (3) . مثاله: دلالة الأربعة على الزوجية، والزوجية في الاصطلاح: هي الانقسام إلى متساويين، ودلالة لفظ السقف على الجدار. ويلاحظ أن هذا النوع من الدلالة يشترط فيه وضوح اللزوم الذهني بين اللفظ وما يلازمه. رابعاً: تقسيم الألفاظ بحسب علاقة معانيها بالماهيات: اللفظ الكلي ينقسم بحسب وظيفة معناه في تحديد ماهية الشيء الموصوف به إلى قسمين: كلي ذاتي: (أن يكون داخلها في الذات بأن يكون جزءاً من المعنى المدلول للفظه) (4) ، وهو يكون معناه جزءاً أساسياً من ذات الموصوف به، أي: أن معناه يعتبر مقوماً له وجزءاً من حقيقته وجوهره، ويشمل الجنس والنوع والفصل؛ كالحيوان الناطق بالنسبة للإنسان. كلي عرضي: (أن يكون خارجاً عن الذات بأن لم يكن جزء من المعنى المدلول للفظه) (5) ، وهو الذي يمثل معناه صفة عارضة لذات الموصوف، أي ليس عنصراً تلتئم منه ذاتيته، وإنما هو عارض له بعد تقويمه، وشمل العرض الخاص (الخاصة) والعرض العام. كالماشي والضاحك بالنسبة للإنسان.   (1) ... شرح إيضاح المبهم في معاني السلم، ص 41. وانظر معيار العلم ص 43. (2) ... نفس المرجع السابق. (3) ... شرح إيضاح المبهم، ص 46. (4) ... نفس المرجع السابق. (5) ... التعريفات للجرجاني، ص 164. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 473 وبهذا نصل إلى الكلام عن الكليات الخمس: الجنس والنوع والفصل والعرض الخاص والعرض العام. والتي تمثل مبادئ التصورات، وهي وأمثلتها موضوع المبحث التالي. المبحث الثاني: التصورات المطلب الأول: مبادئ التصورات سبق أن تبين أن اللفظ الكلي ينقسم بحسب وظيفة معناه في تحديد ماهية الشيء الموصوف إلى قسمين: الذاتي: (هو الذي يدخل في حقيقة جزئياته كالحيوان بالنسبة للإنسان) (1) ، وهو الذي يمثل معناه صفة عارضة لذات الموصوف، وهو ما يمثل الجواب عن السؤال بلفظة "أي" التي يسأل بها عن ما يميز المسئول عنه، ويفصله عما يشاركه ذاتياً كان أو عرضياً، والجواب ينحصر إما في العرض الخاص، أو العرض العام. وبذلك يصل البحث إلى الكيات الخمس التي هي أقسام الذاتي والعرض، وتفصيلها على النحو التالي: الجنس: المقصود بالجنس عند أهل المنطق: قول كلي يقال على كثيرين مختلفين في الحقيقة يقع في جواب ما هو (2) . أو هو المحمول على كثيرين مختلفين بالنوع من طريق ما هو. أو هو جزء الماهية الذي هو أعم منها لصدقه عليها وعلى غيرها. مثاله: لفظ الحيوان. فإنه يطلق على الإنسان والفرس والثور، فإن حقيقة كل من الإنسان والفرس والثور تختلف عن الآخر، ولكن يجمعها كلها أنها تندرج تحت كلمة حيوان لأنه جنسها. ويلاحظ أن الحيوان-في هذا المثال- هو جزء من ماهية الإنسان لأن الإنسان- على قول أهل المنطق- مركب من حيوان ناطق فالحيوان جزء ماهيته الصادق بها، وكذلك الفرس والثور ونحوها. 2- النوع: قول كلي يقال على كثيرين متفقين في الحقيقة (3) مختلفين في العدد واقع في جواب ما هو، وهو ما يترتب تحت الجنس، أو هو الكلي الذي هو تمام ماهية أفراده.   (1) ... نفس المرجع السابق. (2) ... انظر شرح إيضاح المبهم، ص 54. وتسهيل المنطق، ص 27. (3) ... انظر شرح إيضاح المبهم، ص 54. وتسهيل المنطق، ص 32. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 474 مثاله: زيد وعمرو وبكر وخالد وهند. فقولك: ما هو زيد؟ وما هو عمرو؟ وما هو بكر؟ وما هو خالد؟ وما هي هند؟ الكلمة التي تحمل على الجميع هي النوع؟ فجواب ذلك أن تقول: الإنسان لأنه القدر المشترك بين الأفراد. فالإنسان نوع، فهم متفقون في الحقيقة الإنسانية ولكن يختلف كل شخص منهم عن الآخر. ويلاحظ أن كلاً من الجنس والنوع يقع في جواب"ما هو" غير أن الجنس يطلق على كثيرين مختلفين في الحقيقة، والنوع يطلق على كثرين متفقين في الحقيقة؛ فالجنس أعم من النوع لأنه يشتمل على أنواع كثيرة. ويلاحظ أيضاً أن الجنس قد يكون نوعاً لجنس أعلى منه مثل الحيوان "نوع" بالنسبة للجسم "جنساً"، فإن الجسم أعم من الحيوان حيث يشتمل عليه وعلى غيره كالجمادات ونحوها، وهذا الاعتبار يكون الجنس نوعاً لما هو أعلى منه وجنساً لما هو أخص منه، فإن الحيوان جنس للإنسان والفرس ونوع للجسم، وهكذا حتى ينتهي الأمر في الارتقاء وإلى جنس واحد لا جنس فوقه، يسمى جنس الأجناس، وينتهي الأمر في الانحطاط إلى نوع لا نوع بعده يسمى نوع الأنواع. كيف يعتبر أصغر الأنواع نوع الأنواع؟ وإنما الذي يعتبر أكبرها هو نوع الأنواع. الفصل: وهو القسم الثالث للذاتي: وهو كلي مقول على كثيرين متفقين بالحقيقة في جواب أي شيء هو في ذاته (1) ، فهو يمثل صفة أو صفات ذاتية تفصل نوعاً عن غره من الأنواع المشتركة معه في جنس واحد، وذلك كلفظ الناطق الذي يحمل على الإنسان فيفصله عن الفرس والثور اللذين يشتركان معه في الجنس وهو الحيوانية. ويلاحظ أن الفصل بالنسبة للنوع مقوم له، وبالنسبة للجنس مقسم له؛ فالناطق في المثال السابق داخل في تعريف الإنسان الذي هو النوع مقوم له، وفي نفس الوقت قسم من أقسام الجنس الذي هو الحيوان. ويلاحظ أن هذه الأقسام الثلاثة من الكليات من قبيل الذاتي. العرض الخاص (الخاصة) :   (1) ... انظر تسهيل المنطق، ص 33. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 475 كلى خارج عن الماهية مختص بها، وعى خاصا لأنه يختص بنوع واحد فقط من أنواع الجنس ويميزه عن غيره من الأنواع الأخرى (1) . مثل: ضاحك بالنسبة لنوع الإنسان؛ فإنه يميزه عن بقية أنواع جنسه كالفرس والثور مثلا، وسواء وجدت صفة الضحك في كل أفراد الإنسان أم لا فإنها تميز الإنسان عن غيره وتختص به هو، وكذلك صفة الكاتب والقارئ مع أنها تختص ببعض أفراد النوع- إذ ليس كل إنسان قارئاً أو كاتبا- فإنها خاصة به دون غيره. العرض العام: هو الكلي الخارج عن الماهية الشامل لها ولغيرها، وعي عاما لأنه يعم أكثر في نوع واحد سواء وصفت به جملة النوع (2) كصفة البياض بالنسبة للقطن والثلج واللبن، أو وصفت به بعض أشخاص النوع كالحركة بالنسبة للنبات والفرس والإنسان. ويلاحظ أن معنى لفظ العرض انه ليس جزءاً في الحقيقة ولكنه من لوازم النوع. وبهذا القدر المختصر من الكلام عن الكليات الخمس ينتهي الكلام عن مبادئ التصورات ويأتي الكلام عن مقاصد التصورات وهي التعريفات والحدود والتي تعتبر الكليات الخمس بمثابة الأساس لها. المطلب الثاني: مقاصد التصورات: مقاصد التصورات هي التعريفات والحدود. وأهل المنطق يعتبرون مبحث التعريف بالحد والقياس البرهاني لب المنطق وجوهره، وما عدا هذين -أعني ما أصبح مشهوراً باسم القياس المنطقي والحد الأرسطي- فهو نوع متفرع عنهما أو مكمل لهما. ويراد من التعريف للشيء، أن يكون ذلك التعريف جامعاً لجميع أفراد ذلك الشيء بحيث لا يخرج عنه فرد، وأن يكون مانعاً لكل ما سواها من الدخول فيها. ويلاحظ أن التعريف للشيء يقوم على: إدراج النوع تحت جنسه، سواء كان الجنس القريب أو البعيد. تم تمييزه بصفة جوهرية فيه أو بخاصة من خواصه. والتعريف ينقسم إلى قسمين: التعريف بالحد والتعريف بالرسم. وتفصيل الكلام فيهما على النحو التالي: أولاً: التعريف بالحد:   (1) ... إيضاح المبهم، ص 54. (2) ... نفس المرجع السابق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 476 المراد بالحد عند أهل اللغة هو المنع أو الفصل بين شيء وآخر. والمراد بالحد عند أهل المنطق هو: (القول الدال على ماهية الشيء) (1) ، وإنما يكون القول دالاً على ماهية الشيء إذا كان يجمع صفاته الذاتية واللازمة على وجه يتم به تحديده وتمييزه عن غيره، وسمي الحد حداً لأنه يمنع أفراد المحدود من الخروج، ويمنع غيرها من الدخول. والتعريف بالحد ينقسم إلى ما يكون بالحد التام وما يكون بالحد الناقص، وتفصيل ذلك كالآتي: أولاً: الحد التام: هو ما يتركب من الجنس والفصل القريبين كتعريف الإنسان بالحيوان الناطق (2) . أي تعريف الماهية بذكر المقومات الذاتية المشتركة (الجنس) والمقومات الذاتية الخاصة (الفصل) أو على وجه الدقة يقال للتعريف بالحد التام: هو ما يكون بالجنس القريب والفصل. مثال ذلك: تعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق. فالجنس القريب: وهو مقومه الذاتي المشترك فيه مع غيره (حيوان) . والفصل: وهو مقومه الذاتي الخاص به المميز له عن غيره (ناطق) . ثانياً: الحد الناقص: التعريف بالحد الناقص: (هو ما تألف من الجنس البعيد والفصل أو ما كان بالفصل وحد) (3) . مثال ذلك: تعريف الإنسان بأنه جسم ناطق. فكلمة (جسم) تمثل جنساً بعيداً للإنسان لا يدل على طبيعته على وجه الدقة. وكلمة (ناطق) فصل مميز ذاتي يختص به وحده. وعدم الدلالة على حقيقة المعرَّف وماهيته في ذلك المثال هو ما جعل ذلك التعريف من قبيل الحد الناقص. وكذلك الحال إذا اكتفينا في التعريف بالفعل وحده. ثانياً: التعريف بالرسم: هو التعريف المؤلف من الصفات العرضية أو بعضها للشيء المعرَّف، ويسمى التعريف الوصفي أو التعريف بالرسم؛ لأنه يعرَّف الشيء بذكر خاصة من خواصه تميزه عن بقية الأشياء الأخرى، فالتعريف بالرسم: يرسم صورة ظاهرة للشيء دون الكشف عن حقيقته وماهيته.   (1) ... التعريفات للجرجاني، ص 73. (2) ... نفس المرجع السابق. (3) ... انظر التعريفات، ص 74. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 477 والتعريف بالرسم ينقسم إلى التعريف بالرسم التام والتعريف بالرسم الناقص، والتفصيل كالآتي: التعريف بالرسم التام: وهو المؤلف من الجنس القريب والخاصة (1) ، أي من مميز ذاتي مشترك مع صفة ليست جزءاً من الماهية، لكنها لازمة لها، وهي خاصة. مثال ذلك: تعريف الإنسان بأنه حيوان ضاحك أو حيوان كاتب. التعريف بالرسم الناقص: هو التعريف المؤلف من الجنس البعيد والخاصة أو بالخاصة وحدها (2) . مثال ذلك: تعريف الإنسان بأنه جسم كاتب أو جسم ضاحك. فالجسم: جنس بعيد للإنسان، وكاتب -ومثلها ضاحك-: خاصة. أو تعريف الإنسان بأنه ضاحك، فهذا تعريف بالخاصة وحدها. شروط التعريف: لكي يؤدي التعريف إلى الغاية المقصودة منه اشترط أهل المنطق له عدة شروط هي: الشرط (3) الأول: أن يكون التعريف بالحد التام المبين للماهية والكاشف عن الحقيقة. الشرط الثاني: أن يكون التعريف جامعاً مانعاً، أي جامعاً لكل أفراد غيره، ومعنى ذلك أن التعريف لا بد أن يكون مساوياً للمعرف من جهة الماصدق. فلا يكون أعم: أي أوسع مجالاً من المعرّف. ولا يكون أخص: أي أضيق مجالاً من المعرّف. الشرط الثالث: أن يكون التعريف أوضح من المعرّف في المعنى لكي تتحقق الفائدة المقصودة من التعريف. مثال ذلك: تعريف الغضنفر بالأسد؛ لأن الأسد أظهر وأوضح عند السامع من الغضنفر، ولا يجوز أن يكون التعريف مساوياً للمعرّف في الظهور أو أخفى منه. مثال الأول: تعريف الزوج بما ليس فرداً. الشرط الرابع: أن لا يكون التعريف بما لا يعرف إلا بواسطة الشيء المعرّف؛ لأن ذلك يدخل فيما يعرف بالدور السبقي، وهو ممتنع.   (1) ... التعريفات للجرجاني، ص 98. (2) ... نفس المرجع السابق. (3) ... الشرط لغة: إلزام الشيء. ويذهب الفقهاء إلى أن الشرط هو ما لا يتم الشيء إلا به. وعند الفلاسفة: الشرط ما يتوقف عليه وجود الشيء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 478 مثال ذلك: تعريف الشمس بأنها كوكب يطلع نهاراً، فالنهار في الحقيقة إنما يعرف بطول الشمس وليس العكس. ويلاحظ في هذا الشرط عدم جواز إدخال الأحكام في الحدود التي أساسها التصور؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. الشرط الخامس: أن لا يكون التعريف للشيء بنفسه، بمعنى تعريفه بمرادفه أو ببعضه. مثال ذلك: تعريف الحركة بأنها هي النقلة، فالنقلة من أقسام الحركة، أو تعريف الزمان بأنه مدة الحركة؛ إذ المدة مرادفة للزمان (1) . الشرط السادس: أن يكون التعريف خالياً من المجاز إلا مع قرينة تعين المقصود بالتعريف، وأن يكون خالياً من الألفاظ المستعارة والغريبة والوحشية، بل يجب أن تستعمل فيه الألفاظ الواضحة المعتادة (2) . المبحث الثالث: التصديقات مدخل: تبين - مما سبق - أن التصور هو إدراك حقيقة الشيء وماهيته إدراكاً ذهنياً دون حكم عليه بصدق أو كذب. وتبين أيضاً أن الطريق المعتمد لوصول إلى ذلك التصور عند أهل المنطق هو التعريف بالحد التام، وهو ما يعرف بالحد الأرسطي. واشتهر عن أهل المنطق -سواء من تصريحهم أو من طريقة عرضهم لهذه المسائل وما تقتضيه- أنه لا يمكن الوصول إلى التصور النظري إلا بالحد الأرسطي. وعلى كل حال، فالتصور يمثل الخطوة الأولى في العلوم التي ينبني عليها ما بعدها من التصديقات والاستدلالات. وأما التصديق -كما سبق ذكره- فهو الحكم بالارتباط بين تصورين، فإذا جاء الحكم مطابقاً للواقع كان صادقاً، وإذا جاء مخالفاً للواقع كان كاذباً. فإذا كان التصور لا يحكم فيه بصدق أو كذب، فإن التصديق لا يقوم إلا على حكم.   (1) ... انظر: معيار العلم، ص 194. وانظر: إيضاح المبهم، ص 55-57. وانظر: المنطق المنظم في شرح الملوي على السلم، تأليف: عبد المتعال الصعيدي، ص 52-54، الطبعة الثانية بمطبعة السعادة بمصر. (2) ... انظر المنطق المنظم نفس الصفحة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 479 والحكم يحتاج في التعبير عنه إلى تركيب خبري يحتمل الصدق والكذب؛ هذا التركيب يسمى في المنطق "قضية". هذه القضية وأقسامها وما يتعلق بها، سوف أتناولها تحت عنوان: مبادئ التصديقات. ثم يأتي بعد ذلك الكلام عن الارتباط بين هذه "القضايا المنطقية" وصولاً إلى الاستدلال الذي يمثل المقصود الأعظم من فن المنطق كله، وهو ما أتناوله تحت عنوان: مكانة القياس المنطقي: (مقاصد التصديقات) ، وهو ما يمثل الفصل الثاني من القسم الثالث. مبادئ التصديقات: ومبادئ التصديقات هي القضايا المنطقية وأحكامها، والقضية المنطقية هي قول مؤلف يحكم فيه بنسبة شيء إلى شيء على سبيل الإيجاب أو السلب، ويسمى طرفاً للقضية حدين، وهما اللذان يحكم بنسبة أحدهما للآخر (1) . وتتركب القضية المنطقية –كما سبق بيانه- من الموضوع والمحمول والرابطة بينهما: أنواع القضايا: تنقسم القضايا من حيث تركيبها إلى الحملية والشرطية كالآتي: أولاً: القضية الحملية: وهي التي يحكم بها بإثبات شيء بشيء أو نفي شيء عن شيء (2) . وتنقسم القضية الحملية من حيث الكم إلى كلية وجزئية: فالقضية الحملية الكلية: هي التي يكون الحكم فيها واقعاً على كل أفراد الموضوع. والقضية الحملية الجزئية: هي التي يكون الحكم فيها واقعاً على بعض أفراد الموضوع. وتنقسم القضية الحملية من حيث الكيف إلى موجبة وسالبة كالآتي: القضية الحملية الموجبة: هي التي يكون الحكم فيها بإثبات شيء لشيء، بمعنى أن المحمول فيها يثبت صفة للموضوع. والقضية الحملية السالبة: هي التي يكون الحكم فيها بنفي شيء عن شيء، بمعنى أن المحمول فيها يُنفى عن الموضوع. السور في القضية الحملية: المقصود عند أهل المنطق بكلمة "سور القضية" هو ما يدل على الكلية والجزئية فيها تشبيها له بالسور الذي يحيط بالمنزل.   (1) ... انظر المعجم الفلسفي، 2/195 مادة: (قضية) . (2) ... تسهيل المنطق، ص 37. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 480 وتعريف السور عند أهل المنطق: هو اللفظ الدال على إحاطة المحمول بجميع أفراد الموضوع أو بعضها إيجاباً وسلباً. وبذلك ينقسم سور القضية الحملية إلى أربعة أقسام على النحو التالي: سور كلي إيجابي: نحو (كل) و (عامة) وما شابه ذلك. سور كلي سلبي: نحو (لا شيء) و (لا واحد) ونحوهما. سور جزئي إيجابي: نحو (بعض) . سور جزئي سلبي: نحو (بعض ليس) و (ليس بعض) . والقضية الحملية لا بد لموضوعها من أ؛ د أمرين: إما أن يكون كلياً، وإما أن يكون جزئياً. فإن كان موضوعاً كلياً فله مع السور خمس حالات: أن يُسوَّر بسور كلي إيجابي. أن يسور بسور كلي سلبي. أن يسور بسور جزئي إيجابي. أن يسور بسور جزئي سلبي. أن يهمل من السور. وهذا القسم بمنزلة الجزئية. فأقسام القضية الحملية التي موضوعها كلي أربعة في الحقيقة؛ لأن المهملة في قوة الجزئية. وأما إن كان موضوعها جزئياً فهي التي تسمى شخصية ومخصوصة، ولها مع السور حالتان: أن تكون موجبة: نحو (زيد قائم) . أو تكون سالبة: نحو (زيد ليس بقائم) . فتحصل أن القضية الحملية باعتبار الكيف والكم ستة أقسام: كلية موجبة: مثال (كل إنسان حيوان) . كلية سالبة: مثال (لا شيء من الإنسان بحجر) . جزئية موجبة: مثال (بعض الحيوان إنسان) . جزئية سالبة: مثال (بعض الحيوان ليس بإنسان) . شخصية موجبة: مثال (زيد قائم) . شخصية سالبة: مثال (زيد ليس بقائم) . ثانياً: القضية الشرطية: "ما تركبت من جزأين ربط أحدهما بالآخر بأداة شرط أو عناد. مثال: إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. والعدد إما زوج وإما فرد" (1) . إذن تتألف القضية الشرطية من قضيتين حمليتين ترتبطان بأداة ربط معينة، تسمى القضية الأولى: "مقدم"، وتسمى القضية الثانية: "تالي". وعلى أساس الأداة التي تربط بين المقدم والتالي يختلف نوع القضية الشرطية، فهي إما شرطية متصلة، وإما شرطية منفصلة.   (1) ... شرح إيضاح المبهم، ص 63. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 481 ويلاحظ أن تسميتها بالشرطية تمييزاً لها عن القضية الحملية التي هي مطلقة؛ لأن الحكم فيها أطلق بلا شرط أو قيد. أما القضايا الشرطية فإن الحكم فيها يتوقف على استيفاء شرط معين، فهي مشروطة بهذا الشرط. ويلاحظ أيضاً أن القضية الحملية التي تدخل في تركيب القضية الشرطية ينتفي كونها قضية مستقلة بارتباطها بالقضية الأخرى؛ إذ إنها تصبح مجرد جزء من قضية أكبر، هي التي يقال عنها إما صادقة وإما كاذبة. ويلاحظ أيضاً أن القضية الحملية يكون كل طرف من طرفيها مفرداً غير مركب، بينما القضية الشرطية -كما سبق- لا بد أن يكون كل من طرفيها مركباً، ولذلك تسمى القضية الحملية قضية بسيطة، وتسمى القضية الشرطية قضية مركبة. وتفصيل الكلام على نوعي القضية الشرطية على النحو التالي: القضية الشرطية المتصلة: هي التي يكون الحكم فيها بتعليق أحد طرفيها على الآخر، وهي قضية تتكون من قضيتين حمليتين تربط بينهما واحدة من أدوات الشرط: "إن" و "إذا" و "كلما" ونحوها، وإنما سميت متصلة لاتصال طرفيها -أي مقدمها وتاليها- صدقاً ومعية. صدقاً: لأنه يلزم من ثبوت الملزوم ثبوت لازمه. ومعية: لأنه يلزم من وجود مقدمها وجود تاليها معه في المصاحبة والوجود. وتنقسم الشرطية المتصلة بحسب الكيف إلى: شرطية متصلة موجبة: مثال: كلما كانت الشمس طالعة، كان النهار موجوداً. شرطية متصلة سالبة: مثال: ليس كلما كانت الشمس طلعة، كان الليل موجوداً. القضية الشرطية المنفصلة: وهي التي يكون الحكم فيها بالتنافي والعناء أو بسلبه بين طرفيها، وهي تتكون من قضيتين حمليتين بينهما رابطة تفيد معنى الفصل والمباعدة، وتتمثل هذه الرابطة في أداة "إما". وتنقسم الشرطية المنفصلة أيضاً بحسب الكيف إلى: شرطية منفصلة موجبة: مثال: هذه الزاوية إما حادة وإما منفرجة. شرطية منفصلة سالبة: مثال: ليس إما أن يكون هذا العدد زوجاً وإما منقسماً بمتساويين. السور في القضية الشرطية: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 482 أولاً: سور القضية الشرطية المتصلة: هي كل لفظ يدل على الحكم بالمتلازم أو بعدمه في كل الأحوال والأزمان أو بعض الأحوال والأزمان، وعلى ذلك يتنوع بحسب نوع القضية. فإن كانت الشرطية كلية موجبة: كان سورها يدل على الكم بالتلازم بين المقدم التالي في جميع الأحوال والأزمان كلفظ: كلما، ومهما، ومتى. مثال ذلك: كلما كثر مال المرء زاد حبه للمال. وإن كانت كلية سالبة: كان سورها هو اللفظ الدال على سلب التلازم بين المقدم والتالي في جميع الأحوال والأزمان، وهو "ليس البتة" و "ليس أبداً". مثال: ليس البتة إذا كان الماء بخاراً كان أثقل من الهواء. وإن كانت جزئية موجبة: كان سورها يفيد الحكم بالتلازم بين مقدمها وتاليها في بعض الأحوال والأزمان. ويستعمل لذلك اللفظ "قد يكون". مثال ذلك: وقد يكون إذا كان الطالب مجداً في دروسه كان ناجحاً في الامتحان. وإن كانت الشرطية المتصلة جزئية سالبة: كان السور ما يدل على رفع التلازم بين طرفيها في بعض الأحوال والأزمان، ويستعمل لذلك "قد لا يكون" و "ليس كلما". مثال ذلك: قد لا يكون إذا كان الطالب مجتهداً كان ناجحاً. ثانياً: سور الشرطية المنفصلة: يتنوع كذلك سور القضية المنفصلة بحسب أنواعها: فإن كانت كلية موجبة؛ كان سورها اللفظ الدال على التنافي والتعاند بين طرفيها في جميع الأحوال والأزمان، وهو: "دائماً". مثال: دائماً إما أن يكون الجو حاراً وإما أن يكون بارداً. وإن كانت كلية سالبة: كان السور فيها ما دل على سلب التنافي والعناد بين طرفيها في جميع الأحوال والأزمان، ويدل على ذلك باللفظ: "ليس البتة". مثال: ليس البتة إما أن يكون العدد فرداً أو غير قابل للقسمة على اثنين. وإن كانت جزئية موجبة: كان السور ما دل على العناد بين المقدم والتالي في بعض الأحوال أو الأزمان، ويدل على ذلك باللفظ: "قد يكون". مثال: قد يكون إما أن يكون الشيء نامياً وإما أن يكون جماداً. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 483 وإن كانت جزئية سالبة: كان سورها اللفظ الدال على سلب العناد بين مقدمها وتاليها في بعض الأحوال والأزمان، واللفظ الدال على سلب العناد بين مقدمها وتاليها في بعض الأحوال والأزمان المستعمل لذلك: " قد لا يكون" و "وليس دائماً". مثال: قد لا يكون إما أن يكون الشيء حيواناً وإما أن يكون إنساناً. الفصل الثاني: مكانة القياس المنطقي (مقاصد التصديقات) وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تعريف القياس المبحث الثاني: أشكال القياس المبحث الثالث: شروط انتاج القياس مدخل في مقاصد التصديقات: مقاصد التصديقات هي القياس المنطقي، وهو المقصود الأصلي من فن المنطق اليوناي، وهو الجزء الجوهري من المنطق اليوناني، وهو العمدة عند أهل المنطق تحصيل المطالب التصديقية التي هي أشرف من التصورية. وإذا كان القياس عند أهل المنطق: "هو قول مؤلف من قضيتين أو أكثر يستلزم قضية أخرى"، فإن هذا يبين أن القضايا المنطقية هي الأساس الذي ينبني عليه القياس المنطقي، والقضية المنطقية هي التركيب الخبري الذي يحتمل الصدق والكذب فهي التصديق. والتصديق أساسه التصور والتصور لا يعرف-عند المناطقة- إلا بالتعريف بالحد التام، والحد التام يعتمد على مباحث الألفاظ وعلاقاتها بالمعاني والدلالات توصلاً إلى الكليات الخمس أساس التعريف كله. وهكذا يتبين للباحث أن كل مسائل المنطق إنما سيقت وصيغت للوصول إلى القياس المنطقي الذي يمثل الركن الرئيسي من أركان المنطق اليوناني، وقد سبقت الإشارة إلى هذه العلاقة بين القياس المنطقي والمنطق اليوناني لبيان مكانته ومنزلته منه في مقدمة البحث. والكلام عن القياس المنطقي يتمثل في الكلام عن تعريف القياس وأشكال القياس وشروط الإنتاج في القياس الاقتراني الحملي على التفصيل التالي: المبحث الأول: تعريف القياس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 484 تعريف القياس عند أهل المنطق هو قول مؤلف من أقوال إذا صحت لزم عنها بذاتها لا بالغرض قول آخر غيرها اضطرار (1)   (1) ... النجاة لابن سينا، ص 47، وانظر أيضاً إيضاح المبهم، ص 71. المصادر والمراجع المؤلف اسم الكتاب محمد بن إسماعيل البخاري صحيح البخاري مسلم بن الحجاج النيسابوري صحيح مسلم محمد بن محمد الغزالي الإمتاع والمؤانسة عبد الكريم بن مراد الأثري تسهيل المنطق محمد بن محمد بن علي الجرجاني التعريفات علي بن أحمد بن سعيد بن حزم التقريب لحد المنطق والمدخل إليه حسن الشافعي التيار المشائي في الفلسفة الإسلامية أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الرد على المنطقيين عبد المتعال الصعيدي شرح إيضاح المبهم في معالم السلم مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني شرح المقاصد أبو عمر بن الصلاح فتاوى ابن الصلاح علي بن أ؛ مد بن سعيد بن حزم الفصل في الملل والأهواء والنحل محمد بن محمد الغزالي القسطاس المستقيم محمد بن علي بن محمد التهانوي كشاف اصطلاحات الفنون أحمد بن عبد الحليم بن تيمية جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد قاسم مجموع الفتاوى محمد بن محمد الغزالي محك النظر محمد بن محمد الغزالي معالم أصول الدين محمد بن محمد الغزالي المستصفى اشترك في تأليفه مجموعة المعجم الفلسفي محمد بن محمد الغزالي معيار العلم في فن المنطق علي عبد المعطي مقدمات في الفلسفة عبد الرحمن بن محمد بن خلدون مقدمة بن خلدون علي سامي النشار مناهج البحث عند مفكري الإسلام محمد مهران المنطق والموازين القرآنية عبد الكريم بن مراد الأثري تسهيل المنطق عبد المتعال الصعيدي المنطق المنظم في شرح الملوي على السلم أبي علي بن سينا النجاة محمد الجليند نظرية المنطق بين فلاسفة الإسلام واليونان محمد بن محمد الغزالي المنقذ من الضلال محمد سليمان داود نظرية القياس الأصولي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 485 ، وقيل أنه: قول مؤلف من قضيتين –أو أكثر- يستلزم لذاته قضية أخرى. فخرج بقولهم: "مؤلف من قضيتين" ما ليس بمؤلف كالقضية الواحدة، وخرج بقولهم: "يستلزم لذاته قضية أخرى" ما لم يستلزم قضية أصلاً، وخرج بقولهم: "لذاته" ما استلزم قضية أخرى لا لذاته بل من أجل قضية أجنبية أو لخصوص المادة. ويلاحظ في شرح تعريف القياس ما يلي: أن الكلام على القياس في هذا العرض المختصر يقتصر على القياس الاقتراني الحملي. فهو اقتراني؛ لأن عناصره فيها اقتران ونتيجته في مقدمتيه بالقوة لا بالفعل، يعني بالمادة لا بالصورة والهيئة. وهو قياس حملي؛ لأنه مؤلف من القضايا الحملية، وليس فيه من الشرطيات شيء. أجزاء القياس تسمى مقدمات، ويقتصر فيه على مقدمتين فقط وهذا مشهور، وقد يشتمل القياس على أكثر من مقدمتين، ولكنها تؤول إلى مقدمتين: المقدمة الأولى والمقدمة الثانية. الأجزاء التي تتألف منها مقدمتا القياس تسمى حدوداً. لا بد في مقدمتي القياس من حد مشترك، بينما يجمع بين المقدمة الأولى والثانية، وهذا الحد المشترك يسمى الحد الأوسط، وبواسطته ينتقل الذهن من الحكم العام إلى الحكم الخاص. ولكل من المقدمتين حد يخصها تنفرد به عن الأخرى، وهما طرفا الحكم الخاص الذي ينتقل إليه الذهن وهو النتيجة، ويسمى الحد الأول في النتيجة بالحد الأصغر، وتسمى المقدمة التي تشتمل عليه بالمقدمة الصغرى، ويسمى الحد الثاني في النتيجة بالحد الأكبر، وتسمى المقدمة التي تشتمل عليه بالمقدمة الكبرى. فقال: كل إنسان حيوان وكل حيوان حسّاس. ينتج: كل إنسان حسّاس. فالحد الأول ف بالنتيجة (الموضوع) : كل إنسان؛ وهو الحد الأصغر، والمقدمة التي تشتمل لعيه تسمى المقدمة الكبرى، وهي: كل حيوان حسّاس. فالمقدمة الكبرى هي التي تشتمل على محمول النتيجة، والمقدمة الصغرى هي التي تشتمل على موضوعها. المبحث الثاني: أشكال القياس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 486 يحدد وضع الحد الأوسط في المقدمتين أشكال القياس، والقسمة العقلية لوضع الحد الأوسط في المقدمتين لا تخرج عن أربعة أشكال: الشكل الأول: يكون الحد الأوسط فيه: محمولاً في الصغرى موضوعاً في الكبرى. مثال: كل إنسان حيوان وكل حيوان حسّاس. ينتج: كل إنسان حسًاس. الشكل الثاني: يكون الحد الأوسط فيه: محمولاً في الصغرى والكبرى معاً. مثال: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الحجر بحيوان. ينتج: لا شيء من الإنسان بحجر. الشكل الثالث: يكون الحد الأوسط فيه: موضوعاً في الصغرى والكبرى معاً (عكس الشكل الثاني) . مثال: كل إنسان حيوان، وبعض الإنسان كاتب. ينتج: بعض الحيوان كاتب. الشكل الرابع: يكون الحد الأوسط فيه موضوعاً في الصغرى محمولاً في الكبرى (عكس الشكل الأول) . مثال: كل إنسان حيوان، وكل ناطق إنسان. ينتج: بعض الحيوان ناطق. المبحث الثالث: شروط إنتاج القياس أولاً: شروط الإنتاج في القياس الاقتراني الحملي: هناك شروط عامة لا بد منها في كل قياس لكي يكون منتجاً بالضرورة، وهناك شروط تخص كل شكل من الأشكال الأربعة للقياس. ثانياً: الشروط العامة لإنتاج القياس: أن يكون في كل قياس مقدمة كلية؛ لأنه لا إنتاج من جزئين. أن يكون في كل قياس مقدمة موجبة؛ لأنه لا إنتاج من سالبتين. لا بد أن تتبع النتيجة أحسن المقدمين كماً وكيفاً، فإذا كانت إحدى المقدمتين جزئية وجب أن تأتي النتيجة جزئية، وإذا كانت المقدمتين سالبة؛ وجب أن تكون النتيجة سالبة كذلك. ألا يستغرق في النتيجة حد لم يكن مستغرباً في مقدمته؛ بمعنى أنه لا تجيء النتيجة كلية وتكون إحدى المقدمتين جزئية ثالثاً: الشروط الخاصة بكل شكل من أشكال القياس: شروط إنتاج الشكل الأول: أن تكون الصغرى موجبة والكبرى كلية. مثال: كل إنسان حيوان، وكل حيوان فان. ينتج: كل إنسان فان. والضروب المنتجة لهذا الشكل أربع، هي: كلية موجبة + كلية موجبة (كلية موجبة كلية موجبة + كلية سالبة (كلية سالبة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 487 جزئية موجبة + كلية موجبة (جزئية موجبة جزئية موجبة + كلية سالبة (جزئية سالبة شروط إنتاج الشكل الثاني: أن تختلف مقدمتاه سلباً وإيجاباً وأن تكون الكبرى كلية. مثال: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الجماد حيوان. ينتج: لا شيء من الإنسان بجماد. والضروب المنتجة لهذا الشكل أربع كذلك، هي: كلية موجبة + كلية سالبة (كلية سالبة كلية سالبة + كلية موجبة (كلية سالبة جزئية موجبة + كلية سالبة (جزئية سالبة جزئية سالبة + كلية موجبة (جزئية سالبة شروط إنتاج الشكل الثالث: أن تكون الصغرى موجبة، وأن تكون إحدى المقدمتين كلية. ويلاحظ أن ضروب هذا الشكل المنتجة لا بد أن تكون جزئية حتى لا يستغرق حد في النتيجة م يكن مستغرقاً في المقدمة. مثال: كل إنسان حيوان، وكل إنسان ضاحك. ينتج: بعض الحيوان ضاحك. والضروب المنتجة لهذا الشكل ستة، هي: كلية موجبة + كلية موجبة (جزئية موجبة كلية موجبة + كلية سالبة (جزئية سالبة كلية موجبة + جزئية موجبة (جزئية موجبة كلية موجبة + جزئية سالبة (جزئية سالبة جزئية موجبة + كلية موجبة (جزئية موجبة جزئية موجبة + كلية سالبة (جزئية سالبة شروط إنتاج الشكل الرابع: ألا تجتمع فيه خستان وهما (السلب والجزئية) سواء كانتا من جنسين أو من جنس واحد. ويستثنى من هذا الشرط صورة واحدة: وهي كون صغراه جزئية موجبة وكبراه كلية سالبة. مثال: كل إنسان حيوان، وكل ناطق إنسان. ينتج: بعض الحيوان ناطق. والضروب المنتجة لهذا الشكل خمسة، هي: كلية موجبة + كلية موجبة (جزئية موجبة كلية موجبة + جزئية موجبة (جزئية موجبة كلية سالبة + كلية موجبة (كلية سالبة كلية موجبة +كلية سالبة (جزئية سالبة جزئية موجبة + كلية سالبة (جزئية سالبة وهذه الصورة الأخيرة هي الحالة الوحيدة المستثناة من شرط اجتماع الخستين في هذا الشكل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 488 وبهذا ينتهي القسم الأول بعرض المنطق اليوناني والقياس المنطقي بصورة موجزة وميسرة، ويأتي نقد القياس المنطقي في القسم الثاني الذي يعتبر ثمرة هذا البحث. خاتمة البحث الحمد لله على عونه وتيسيره وتوفيقه، والشكر له على تسديده إلى الإيمان بشرعه، ولزوم طريقه، إذ جعلنا برحمته من حزب نبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وأسأله أن أن يوفقني لكل ما يحبه ويرضاه. وبعد: فإنني قد تناولت في هذا البحث وما احتواه من مباحث ومطالب، تاريخ تسلسل المنطق اليوناني الوثني إلى المجتمع الإسلامي، وما قام به بعض العلماء إلى الدعوة إليه، والإشادة به، وتفخيمه ومزجه بالعلوم الإسلامية، وما ترتب على ذلك من فساد فكري جعل الناصحين من علماء الإسلام يحذِّرون منه، ويبينون أثره الخطير، وضرره وشره المستطير في توهين نصوص الشرع، والنيل من مكانتها في بلاد الإسلام. وانطلاقاً من قاعدة: "أن الحكم على شيء فرع عن تصوره"؛ تناولت فيه أسس المنطق اليوناني من التصديقات والتصورات، وبينت بإيجاز القياس المنطقي ومكانته في المنطق اليوناني حتى أتمكن من الرد على ضلالهم من خلال منطقهم، وأبين ما أتفق عليه سلف الأمة من الحق والحكمة الرشيدة التي تنقض أصولهم. وهذا كله حباً لمشاركة أهل العلم وطلابه في النصيحة لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإن وفقت فيما قدمت في هذا البحث؛ فالفضل في التوفيق لله وحده لا شريك له، فله الحمد والمنة، وإن قصرت أو أخطأت؛ فذلك مني وأسأل الله العفو والتجاوز. وأسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجه الكريم، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بكتابه وسنة نبيه، واحتج بهما، وقدمهما على كل قول إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين. الحواشي والتعليقات الجزء: 10 ¦ الصفحة: 489 حكم الطهارة لمس القرآن الكريم دراسة فقهية مقارنة د. عمر بن محمد السبيل أستاذ مساعد - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى ملخص البحث يشتمل البحث على مقدمة ومبحثين، وخاتمة. فالمقدمة في بيان سبب البحث، ومنهجه، أما المبحثان؛ فالأول: في حكم الطهارة للبالغ، وقد بينت فيه إجماع العلماء على تحريم مس المصحف لمن كان عليه حدث أكبر، ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية، أما إن كان عليه حدث أصغر، فقد اختلف العلماء في حكم مسه للمصحف، على قولين: الأول: أنه لا يجوز له مس القرآن. وبه قال جمع من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف، وقال به كثير من التابعين، وهو مذهب الأئمة الأربعة. الثاني: أنه يجوز له مس القرآن. وبه قال بعض التابعين وهو مذهب الظاهرية. وقد ظهر لي رجحان القول الأول: لقوة أدلته ورجحانها. والمبحث الثاني: في حكم الطهارة للصغير. وقد بينت فيه أنه لا يجوز تمكين الصغير غير المميز من مس المصحف، أما المميز فقد اختلف العلماء في حكم مسه للمصحف إذا كان محدثًا على ثلاثة أقوال: الأول: أنه يجوز مسه للمصحف. وبه قال الحنفية، والمالكية، والشافعية في الصحيح من مذاهبهم، وبه قال الحنابلة في رواية. والثاني: أنه يكره له مسه. كراهية تنزيه، وهو قول للحنفية، والمالكية. الثالث: أنه يحرم عليه مسه. وهو قول للشافعية، والصحيح عند الحنابلة. وقد ظهر لي رجحان القول الأول؛ لقوة أدلته، ورجحانها. وأما الخاتمة فقد اشتملت على أهم نتائج البحث. المقدمة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 490 أما بعد: فإن العناية بكتاب الله الكريم، وما يتعلق به من المعاني والأحكام من أفضل أنواع العلم الشرعي وأجله، لشرف موضوعه؛ لأنه يتعلق بأشرف كلام، وأعظم كتاب، ولذا رأيت أن أسهم بجهدي المتواضع في بيان حكم مسألة من المسائل المتعلقة به في هذا البحث الذي عنونت له ب (حكم الطهارة لمس القرآن الكريم) (1) مجليًا آراء العلماء في هذه المسألة، على سبيل الإيضاح والتفصيل، لأنني لم أقف على مؤلَّفٍ مستقل (2) عني ببيان أحكام هذه المسألة على التفصيل الذي ذكرته، والنهج الذي سلكته، وقد انتظم هذا البحث في مقدمة ومبحثين وخاتمة. وقد سلكت في هذا البحث المسلك العلمي المتبع في بحث المسائل الشرعية بحثًا فقهيًا مقارنًا، بذكر آراء العلماء وأدلتهم، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، مع بيان الراجح من تلك الآراء، مبينًا وجه الترجيح. فأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وزلفى لديه إلى جنات النعيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. المبحث الأول: حكم الطهارة للبالغ   (1) الحواشي والتعليقات () ... آثرت التعبير ب (مس القرآن الكريم) على التعبير ب (مس المصحف) رغم أنه التعبير الغالب عند كثير من العلماء والمصنفين وذلك موافقة للأحاديث الكثيرة والتي ورد فيها النهي عن مس القرآن، واتباعًا لاختيار بعض العلماء التعبير بهذا، كابن نجيم الحنفي في البحر الرائق، 1/211. (2) ... لا في القديم ولا في الحديث، سوى رسالة ألفها الشيخ/محمد بن علي بن حسين المالكي المتوفى سنة (1368هـ) بعنوان: (إظهار الحق المبين بتأييد إجماع الأئمة الأربعة على تحريم مس وحمل القرآن الكريم لغير المتطهرين) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 491 أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحدث حدثًا أكبر أن يمس المصحف وخالف في ذلك داود لظاهري (+ (1) وتابعه على القول به أهل الظاهر (2) . أما المحدث حدثًا أصغر؛ فقد اختلف العلماء في حكم مسه للمصحف على قولين: القول الأول: أنه لا يجوز للمحدث حدثًا أصغر أن يمس المصحف كله أو بعضه. وبهذا قال من الصحابة: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وسعد ابن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وسعيد بن زيد، وسلمان الفارسي، وغيرهم. وقال به من التابعين: عطاء بن أبي رباح، وابن شهاب الزهري، والحسن البصري، وطاووس بن كيسان، وسالم بن عبد الله بن عمر، والنخعي (3) ، والفقهاء السبعة (4) .   (1) الإفصاح، 1/76؛ المغني، /147، رحمة الأمة، ص، 21؛ نيل الأوطار، 1/260، موسوعة الإجماع، 2/878. (2) ... المحلى، 1/77. (3) ... انظر: مصنف عبد الرزاق، 1/341؛ الجامع لأحكام القرآن 17/626؛ المغني، 1/147. (4) ... السنن الكبرى للبيهقي، 1/88، معرفة السنن والآثار للبيهقي، 1/185. وقد ذكر الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين 1/23 الفقهاء السبعة وعدَّدَهم بقوله: (وكان المُفْتُون بالمدينة من التابعين: ابن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن حارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود، وهؤلاء هم الفقهاء وقد نظمهم القائل فقال: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة) اهـ وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية، 9/108أن أكثرهم توفي سنة 94هـ ولذا سميت تلك السنة ب (سنة الفقهاء) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 492 وهو قول المذاهب الأربعة: الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) . واستدلوا على ما ذهبوا إليه بالكتاب والسنة، وإجماع الصحابة ودونك (5) أدلتهم بالتفصيل: أولاً: الكتاب: استدلوا من الكتاب بقول الله عز وجل (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين ( [الواقعة77-80] . وجه الدلالة:   (1) ... الهداية، 1/31؛ مجمع الأنهر، 1/25؛ البحر الرائق، 1/211. (2) ... المعونة، 1/160؛ عقد الجواهر، 1/62، الخرشي على خليل، 1/160 إلا أن المالكية ذهبوا إلى جواز مسه للمعلم والمتعلم إذا كان حدثه أصغر لمشقة الاستمرار على الطهارة، وكذا المرأة الحائض يجوز لها المس؛ لضرورة التعليم بخلاف الجنب لقدرته على إزالة المانع. انظر: الشرح الصغير، 1/222، الشرح الكبير، 1/126. (3) ... المهذب، 1/32؛ روضة الطالبين، 1/190؛ مغني المحتاج، 1/36. (4) 10) المقنع، 1/56، منتهى الإرادات، 1/27، الروض المربع، 1/26. (5) 11) التعبير بلفظ (دونك) هو الصحيح لغة؛ لأنه بمعنى (خذ) وهو الشائع عند العلماء قديمًا وحديثًا ومن المصنفين المكثرين من ذلك في مصنفاتهم العلامة محمد الأمين الشنقيطي في كتابه (أضواء البيان) . أما ما عليه كثير من المعاصرين من التعبير بلفظ (إليك) فهو خطأ شائع؛ لأن معنى (إليك) تنح وابتعد وهو غير مراد. فتنبه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 493 أن الله عز وجل أخبر أن هذا القرآن الكريم لا يمسه إلا المطهرون إجلالاً له وتعظيمًا، وجاء الإخبار في الآية بصيغة الحصر فاقتضى ذلك حصر الجواز في المطهرين، وعموم سلبه في غيرهم (1) ، والمراد بالمطهرين؛ المطهرون من الأحداث والأنجاس من بني آدم. والآية وإن كان لفظها لفظ الخبر، إلا أنه خبر تضمن نهيًا (2) . فهو نظير قوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها ( [البقرة 233] فإنه خبر تضمن نهيًا، فدل ذلك على اشتراط الطهارة لمس المصحف (3) . ثانيًا: من السنة: استدلوا من السنة بعدد من الأحاديث، ورد فيها النهي عن مس المصحف لغير طاهر، وأن المراد بالطاهر الطاهرُ من الحدث الأكبر والأصغر، ومن النجاسة الحسية والمعنوية (4) ، ومن هذه الأحاديث: 1 – عن حكيم بن حزام _رضي الله عنه- قال: (لما بعثني رسول الله (إلى اليمن قال: (لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر) . رواه الحاكم في المستدرك (5) ، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، ورواه الدارقطني في سننه (6) ، والبيهقي في السنن الكبرى (7) .   (1) 12) انظر: الذخيرة للقرافي، 1/238. (2) 13) انظر: تفسير البغوي، 5/301، تفسير ابن كثير، 4/299؛ بداية المجتهد، 1/30؛ مغني المحتاج، 7/37؛ كشاف القناع، 1/134. (3) 14) انظر: المجموع شرح المهذب، 2/79. والاستدلال بهذه الآية إنما هو على قراءة من قرأ قوله تعالى: (لا تضارُّ (بالرفع على الخبر وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير. انظر: فتح القدير 1/317. (4) قال في نيل الأوطار، 1/259: (والحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهرًا، ولكن الطاهر يطلق بالاشتراك على المؤمن والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر، ومن ليس على بدنه نجاسة.. فمن أجاز حمل المشترك على جميع معانيه حمله عليها هنا) . (5) 16) 3/485. (6) 17) 1/122. (7) 18) 1/87. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 494 قال في مجمع الزوائد: (رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه سويد أبو حاتم ضعفه النسائي، وابن معين في رواية، ووثقه في رواية، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، حديثه حديث أهل الصدق) (1) . وقال ابن حجر: (وحسَّن الحازمي إسناده) (2) . 2 – عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنه- قال: قال النبي ((لا يمس القرآن إلا طاهر) . رواه الدارقطني في سننه (3) ، وقال في مجمع الزوائد: (رواه الطبراني في الكبير، والصغير، ورجاله موثقون) (4) . قال الأثرم: (واحتج أبو عبد الله يعني أحمد بحديث ابن عمر) (5) وقال ابن حجر: (وإسناده لا بأس به، ذكر الأثرم أن أحمد احتج به) (6) ونقل في إعلاء السنن (7) : تصحيح إسناده عن بعض أهل العلم. 3 – عن عثمان بن أبي العاص قال: (وفدنا على رسول الله (فوجدوني أفضلهم أخذًا للقرآن، وقد فضلتهم بسورة البقرة، فقال النبي (: قد أمرتك على أصحابك وأنت أصغرهم، ولا تمس القرآن إلا وأنت طاهر) . رواه أبو داود في المصاحف (8) ، وقال في مجمع الزوائد: (رواه الطبراني في الكبير في جملة حديث طويل ... وفيه إسماعيل بن رافع ضعفه يحيى بن معين، والنسائي وقال البخاري: ثقة مقارب) (9) . 4 – عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده قال: كان في كتاب النبي (لعمرو بن حزم: (لا يمس القرآن إلا على طهر) .   (1) 19) 1/277. (2) 20) التلخيص الحبير، 1/131. (3) 21) 1/121. (4) 22) 1/276. (5) 23) المنتقى للمجد ابن تيمية، 1/127. (6) 24) التلخيص الحبير، 1/131. (7) 25) 1/268. (8) ص، 212. (9) 27) 1/277. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 495 رواه عبد الرزاق في مصنفه (1) ، ومالك في الموطأ (2) ، وأبو داود في المصاحف (3) والدارمي في سننه (4) ، والحاكم في مستدركه (5) ، والدارقطني في سننه (6) ، وقال: (مرسل ورواته ثقات) ، والبيهقي في السنن الكبرى (7) ، وفي معرفة السنن والآثار (8) . قال البغوي: سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن هذا الحديث فقال: أرجو أن يكون صحيحًا) . وقال أيضًا: (لا أشك أن رسول الله (كتبه) (9) . وقال يعقوب بن سفيان: لا أعلم كتابًا أصح من هذا الكتاب، فإن أصحاب رسول الله (والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم. وقال الحاكم: قد شهد عمر بن عبد العزيز، والزهري لهذا الكتاب بالصحة (10) . وقال الإمام ابن عبد البر: (وكتاب عمرو بن حزم هذا تلقاه العلماء بالقبول والعمل، وهو عندهم أشهر وأظهر من الإسناد الواحد المتصل) (11) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهو كتاب مشهور عند أهل العلم) (12) . ثالثًا: الإجماع:   (1) 28) 1/341. (2) 29) 1/343. (3) ص، 212. (4) 31) 2/161. (5) 32) 1/397. (6) 33) 1/121. (7) 34) 1/88. (8) 35) 1/186. (9) 36) التبيان لابن القيم، 1/409، إرواء الغليل، 1/161. (10) 37) انظر: المستدرك 1/397، نيل الاوطار، 1/259. (11) 38) الاستذكار، 8/10. (12) شرح العمدة، 1/382. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 496 أجمع الصحابة - رضوان الله عليهم- على القول بعدم جواز مس المحدث المصحف، حيث روي ذلك عمن تقدم ذكرهم من فقهاء الصحابة ومشاهيرهم، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف (1) ، فكان إجماعًا سكوتيًا (2) ، بل كان ذلك هو المستقر عند الصحابة زمن النبوة وبعده ويدل عليه قصة إسلام عمر، فإنه حين دخل على أخته وزوجها وهم يقرؤن القرآن فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم أقرؤه، فقالت له أخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم واغتسل، أو توضأ، فقام عمر فتوضأ، ثم أخذ الكتاب، فقرأ طه) رواه الدارقطني (3) ، والبيهقي (4) . وروي عن علقمة قال: كنا مع سلمان الفارسي في سفر، فقضى حاجته، فقلنا له: توضأ حتى نسألك عن آية من القرآن، فقال: سلوني، فإني لست أمسه، فقرأ علينا ما أردنا، ولم يكن بيننا وبينه ماء) وفي لفظ آخر أنه قال: (سلوني فإني لا أمسه، إنه لا يمسه إلا المطهرون) (5) . قال البيهقي بعد روايته هذا الأثر: (وكأنهم ذهبوا – القائلون بعدم جواز مس المصحف – في تأويل الآية إلى ما ذهب إليه سلمان، وعلى ذلك حملته أخت عمر ابن الخطاب في قصة إسلامه) (6) .   (1) 40) انظر: المغني، 1/147، المجموع للنووي، 2/80، مجموع فتاوى شيخ الإسلام، 21/266. (2) 41) إظهار الحق المبين، ص، 17. (3) 42) 1/123 وقال في التعليق المغني على سنن الدارقطني: الحديث أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده مطولاً. قال المؤلف: تفرد به القاسم بن عثمان وليس بالقوي. وقال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها. (4) في السنن الكبرى، 1/88. (5) 44) مصنف ابن أبي شيبة، 1/103؛ سنن الدارقطني، 1/123 وقال في التعليق المغني على سنن الدارقطني: هذا إسناد صحيح موقوف على سلمان، والسنن الكبرى للبيهقي، 1/88، ومعرفة السنن والآثار، 1/185، والمحلى، 1/84. (6) 45) معرفة السنن والآثار، 1/185. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 497 وروى الإمام مالك بسنده عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت، فقال سعد: لعلك مسست ذكرك؟ قال: قلت: نعم، فقال: قم فتوضأ، فقمت فتوضأت ثم رجعت) (1) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد سوقه لهذه الآثار وغيرها: (وكذلك جاء عن خلق من التابعين من غير خلاف يعرف عن الصحابة والتابعين وهذا يدل على أن ذلك كان معروفًا بينهم) (2) . القول الثاني: أنه يجوز للمحدث حدثًا أصغر مس المصحف. روي القول بهذا عن: ابن عباس، والشعبي، والضحاك (3) ، والحكم ابن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان، وداود الظاهري (4) ، وهو مذهب الظاهرية (5) . واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما يأتي: 1 – ما ثبت في الصحيحين (6) أن رسول الله (بعث دحية الكلبي إلى هرقل عظيم الروم بكتاب يدعوه فيه للإسلام، وفيه قول الله تعالى: (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ( [آل عمران 64] .   (1) الموطأ، 1/90،ورواه أبو داود في المصاحف، ص، 211، والبيهقي في السنن الكبرى، 1/88. قال في إرواء الغليل، 1/161: (وسنده صحيح) . (2) شرح العمدة، 1/383. (3) 48) الجامع لأحكام القرآن، 17/226، نيل الأوطار، 1/261. (4) 49) المغني 1/147، المجموع للنووي، 1/79، وقالا أيضًا: وروي عن الحكم وحماد: جواز مسه بظاهر الكف، دون باطنه. (5) 50) وقد تقدمت الإشارة إلى أن أهل الظاهر يرون جواز مس المصحف للمحدث مطلقًا، سواء كان حدثه أكبر أو أصغر. وانظر: المحلى، 1/77. (6) 51) صحيح البخاري، 1/9، صحيح مسلم، 5/165. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 498 قال ابن حزم: فهذا رسول الله (قد بعث كتابًا وفيه هذه الآية إلى النصارى، وقد أيقن أنهم يمسون ذلك الكتاب (1) . فإذا جاز مس الكافر له؛ جاز للمسلم المحدث من باب أولى (2) . 2 – أنه لم يثبت النهي عن مس المصحف لا في الكتاب، ولا في السنة فيبقى الحكم على البراءة الأصلية، وهي الإباحة (3) . 3 – ولأن قراءة القرآن لا تحرم على المحدث، فيكون المس أولى بعدم التحريم (4) . 4 – ولأن حمل المصحف في متاع ونحوه لا يحرم على المحدث، فكذلك المس قياسًا عليه (5) . 5 – ولأن الصبيان يحملون ألواح القرآن وهم محدثون من غير نكير في جميع العصور، فدل على إباحة مسه لكل محدث (6) . الإجابة عن أدلة القول الأول: أجاب القائلون بعدم تحريم مس المصحف على المحدث عن أدلة الجمهور القائلين بتحريم مس المصحف بما يأتي: 1 – أن قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون (خبر، وليس بأمر بدليل: رفع السين في قوله سبحانه: (لا يمسه (ولو كان نهيًا لفتح السين فلا يجوز أن يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنص جلي، أو إجماع متيقن، ولم يثبت شيء من ذلك. ولأن المصحف يمسه الطاهر، وغير الطاهر، فدل على أن الله عز وجل لم يعن بالمصحف المذكور في الآية هذا الذي بأيدي الناس، وإنما عني كتابًا آخر، وهو الذي في السماء (7) .   (1) 52) المحلى، 1/83. (2) 53) انظر: المجموع، 1/79؛ إظهار الحق المبين، ص، 3. (3) 54) انظر: المصدرين السابقين. (4) 55) انظر: بداية المجتهد، 1/30؛ إظهار الحق المبين، ص، 3. (5) 56) انظر: المجموع، 1/79، إظهار الحق المبين، ص، 3. (6) 57) انظر: المصدرين السابقين. (7) 58) انظر: المحلى، 1/83، بداية المجتهد، 1/30. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 499 كما أن المراد بالمطهرين في الآية الملائكة لأنهم طهروا من الشرك والذنوب، وليسوا بني آدم؛ لأن المطهر من طهره غيره، ولو أريد بهم بنوا آدم لقيل: المتطهرون (1) . 2 – أن الأحاديث التي استدل بها على تحريم مس المصحف على المحدث كلها ضعيفة، ولا يخلوا إسناد واحد منها من قدح وعلة، فلا تقوم بها حجة، ولا تصلح للاحتجاج، قال ابن حزم: (فإن الآثار التي احتج بها من لم يجز للجنب مسه، فإنه لا يصح منها شيء، لأنها إما مرسلة، وإما ضعيفة لا تسند، وإما عن مجهول، وإما عن ضعيف، وقد تقصيناها في غير هذا المكان) (2) . 3 – أن دعوى الإجماع غير متيقن، بدليل وجود المخالف من التابعين ومن بعدهم (3) . الإجابة عن أدلة القول الثاني: أجاب الجمهور القائلون بعدم جواز مس المصحف للمحدث عن أدلة القائلين بالجواز بما يأتي: 1 – أجيب عن الدليل الأول: بأن الحديث إنما يدل على جواز مس الرسالة أو الكتاب إذا تضمن آية من القرآن ونحوها، ومثل هذا لا يسمى مصحفًا ولا تثبت له حرمته، وذكر الآيتين في الكتاب إنما قصد بها تبليغ الدعوة فيختص الجواز بمثل ذلك (4) . قال الحافظ ابن حجر: (إن الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين، فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو التفسير، فإنه لا يمنع قراءته ولا مسه عند الجمهور؛ لأنه لا يقصد منه التلاوة، ونص أحمد: أنه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ وقال به كثير من الشافعية، ومنهم من خص الجواز بالقليل كالآية والآيتين) (5) .   (1) 59) انظر: بداية المجتهد، 1/30، شرح العمدة، 1/384. (2) 60) المحلى، 1/81. (3) 61) انظر: المحلى، 1/83. (4) 62) انظر: الشرح الكبير، 1/95، إظهار الحق المبين، ص، 17. (5) 63) فتح الباري، 1/408. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 500 2 – وأجيب عن الدليل الثاني: بعدم التسليم بأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة ما يدل على تحريم المس، بل ورد فيهما ما يدل على ذلك كما سبق ذكره في أدلة الجمهور، فلا يبقى الحكم على البراءة الأصلية، لثبوت الدليل الناقل استنباطًا من القرآن، ونصًا من السنة الصحيحة. 3 – وأجيب عن الدليل الثالث: بأن القراءة على غير طهارة إنما أبيحت للمحدث حدثًا أصغر للحاجة، ولعسر الوضوء للقراءة كل وقت، وإذا حصلت المشقة جاء التيسير؛ لأن المشقة تجلب التيسير (1) . 4 – وأجيب عن الدليل الرابع: بأن قياس مس المصحف على حمله في المتاع قياس مع الفارق؛ لأن الحامل له في متاعه لا يباشر مسه؛ ولأنه غير مقصود بالحمل بخلاف حمله وحده فإنه مقصود لذاته (2) . 5 – وأجيب عن الدليل الخامس: بأن الألواح التي يحملها الصغار وهم محدثون لا تسمى مصحفًا؛ إذ لا يكتب فيها إلا شيء يسير من القرآن تقتضيها ضرورة التعليم (3) ولأنهم غير مكلفين (4) . الإجابة عن اعتراض القائلين بالجواز على أدلة المانعين: أجاب جمهور العلماء عن اعتراض القائلين بجواز مس المحدث المصحف على أدلة التحريم بما يأتي:   (1) 64) انظر: المجموع شرح المهذب، 1/80، إظهار الحق المبين، ص، 18. (2) 65) انظر: المصدرين السابقين. (3) 66) انظر: المصدرين السابقين. (4) 67) انظر: بداية المجتهد، 1/30. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 1 أولاً: أنا نمنع أن قوله سبحانه: (لا يمسه (خبر فقط ورفع السين فيه لا ينفي إرادة النهي، بل هو خبر تضمن نهيًا؛ لأن خبر الله لا يكون خلافه، وقد وجد من يمس المصحف على غير طهارة، فتبين بهذا أن المراد النهي، وليس الخبر، وقد ورد مثل هذا كثير في الكتاب والسنة، ومنه قوله عز وجل: (لا تضار والدة بولدها ( [البقرة233] فإنه خبر تضمن نهيًا، ومنه في السنة قوله (: (لا يبيع أحدكم على بيع أخيه) بإثبات الياء، فإنه خبر تضمن نهيًا (1) . وأما القول بأن الضمير في قوله سبحانه: (لا يمسه (إنما يعود على الكتاب الذي في السماء وهو اللوح المحفوظ، لا على المصحف الذي بأيدي الناس، فالجواب: أن قوله سبحانه: (تنزيل من رب العالمين (بعد قوله سبحانه: (لا يمسه إلا المطهرون (فيه دلالة ظاهرة على إرادة المصحف الذي بأيدي الناس، فلا يحمل على غيره إلا بدليل صحيح صريح (2) . كما أن القول بأن المراد ب المطهرين في الآية هم الملائكة وليسوا بني آدم؛ لأن المطهرين هم الذين طهرهم غيرهم، وأنه لو أريد بهم بنو آدم لقيل (المتطهرون) . فالجواب: أن المتوضئ يطلق عليه طاهر ومتطهر، وهذا سائغ لغة (3) .   (1) 68) انظر: المجموع شرح المهذب، 1/80، إظهار الحق المبين، ص، 18. (2) 69) انظر: المصدرين السابقين. وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن، 17/225: (وقيل: المراد بالكتاب المصحف الذي بأيدينا، وهو الأظهر) . (3) 70) انظر: المصدرين السابقين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 2 ومع التسليم بأن المراد بالمطهرين الملائكة كما هو قول جمهور المفسرين، فإنه يمكن الاستدلال بالآية بقياس بني آدم على الملائكة (1) ، أو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (من باب التنبيه والإشارة؛ لأنه إذا كانت الصحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر، والحديث مشتق من هذه الآية) (2) . وقال أيضًا: (الوجه في هذا والله أعلم أن الذي في اللوح المحفوظ هو القرآن الذي في المصحف كما أن الذي في هذا المصحف هو الذي في هذا المصحف بعينه سواء كان المحل ورقًا أو أديمًا أو حجرًا أو لحافًا، فإذا كان مِنْ حكم الكتاب الذي في السماء أن لا يمسه إلا المطهرون وجب أن يكون الكتاب الذي في الأرض كذلك؛ لأن حرمته كحرمته، أو يكون الكتاب اسم جنس يعم كل ما فيه القرآن سواء كان في السماء أو الأرض، وقد أوحى إلى ذلك قوله تعالى: (رسول من الله يتلو صحفًا مطهرة فيها كتب قيمة ( [البينة2-3] ، وكذلك قوله تعالى: (في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة ( [عبس 13-14] فوصفها أنها مطهرة فلا يصلح للمحدث مسها) (3) . وقال أبو عبد الله الحَلِيمِي الشافعي: (إن الملائكة إنما وصلت إلى مس ذلك الكتاب؛ لأنهم مطهرون، والمطهر هو الميسر للعبادة، والمرضي لها، فثبت أن المطهر من الناس هو الذي ينبغي له أن يمس المصحف، والمحدث ليس كذلك؛ لأنه ممنوع عن الصلاة والطواف، والجنب والحائض ممنوعان عنهما، وعن قراءة القرآن فلم يكن لهم حمل المصحف ولا مسه) (4) .   (1) 71) انظر: كشاف القناع، 1/134. (2) 72) التبيان في أقسام القرآن، 1/402، وانظر نحوه في: البحر الرائق، 1/211 نقلاً عن العلامة الطيبي. (3) شرح العمدة، 1/384. (4) 74) معرفة السنن والآثار للبيهقي، 1/187. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 3 وقال الجصاص: (إن حُمِلَ –لفظ الآية – على النهي وإن كان في صورة الخبر كان عمومًا فينا، وهذا أولى، لما روي عن النبي (في أخبار متظاهرة أنه كتب في كتابه لعمرو بن حزم: (ولا يمس القرآن إلا طاهر) (1) فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية إذ فيه احتمال له) (2) . ثانيًا: أن دعوى عدم صحة الأحاديث، وأنها لا تصلح للاحتجاج بها والعمل بها غير مسلم، فإن تلك الأحاديث التي استدل بها الجمهور على تحريم مس المصحف على المحدث وإن كان لا يخلو إسناد كل واحد منها من مقال إلا أنها بمجموع طرقها ترقى في أقل أحوالها إلى درجة الحسن، فصلح الاحتجاج بها، ووجب العمل بها، كما قال ذلك عدد من أئمة الحديث المشهورين كما تقدم نقل كلام بعضهم. ومن ذلك أيضًا أن الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه احتجا بهذا الحديث، وصرح إسحاق بن راهويه بصحته، فقد قال إسحاق بن منصور المروزي في مسائله عنهما: (قلت –يعني لأحمد- هل يقرأ الرجل على غير وضوء؟ قال: نعم، ولكن لا يقرأ في المصحف ما لم يتوضأ، قال إسحاق – يعني ابن راهويه - كما قال، لما صح من قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يمس القرآن إلا طاهر) وكذلك فعل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام والتابعون) (3) . وقال الإمام ابن عبد البر: (لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث بهذا الإسناد، وقد روي مسندًا من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد؛ لأنه أشبه المتواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة … وما فيه فمتفق عليه إلا قليلاً) (4) .   (1) 75) سبق تخريجه في ص، 8. (2) 76) أحكام القرآن، 3/416. (3) 77) مسائل إسحاق بن منصور، ص، 5، نقلاً عن إرواء الغليل، 1/161. (4) 78) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، 17/338، ونقله عنه في التبيان لابن القيم، 1/409؛ نيل الأوطار، 1/259، إظهار الحق المبين، ص، 20. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 4 وقال الألباني: (صحيح. روي من حديث عمرو بن حزم، وحكيم ابن حزام، وابن عمر، وعثمان بن أبي العاص) ثم ساق أسانيد كل واحد منها ثم قال: (وجملة القول: أن الحديث طرقه كلها لا تخلو من ضعف، ولكنه ضعف يسير، إذ ليس في شيء منها من اتهم بكذب، وإنما العلة الإرسال، أو سوء الحفظ، ومن المقرر في علم المصطلح أن الطرق يقوي بعضها بعضًا إذا لم يكن فيها متهم، كما قرره النووي في تقريبه، ثم السيوطي في شرحه، وعليه فالنفس تطمئن لصحة هذا الحديث، لا سيما وقد احتج به إمام السنة أحمد بن حنبل … وصححه أيضًا صاحبه الإمام إسحاق بن راهويه) (1) . ثالثًا: وأما دعوى عدم ثبوت إجماع الصحابة فغير مسلم، لثبوت ذلك الحكم عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم زمن النبوة وبعده، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف، فكان ذلك منهم إجماعًا سكوتيًا على تحريم مس المصحف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهو قول سلمان الفارسي، وعبد الله بن عمر، وغيرهما، ولا يعلم لهما من الصحابة مخالف) (2) . وقال الإمام النووي: (إنه قول علي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر رضي الله عنهم، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة) (3) فلا عبرة بالمخالف للصحابة، ولا اعتداد بقوله، فهم أعلم الأمة، وأعدلها وأوثقها وقولها أقرب إلى الحق والصواب ممن سواهم. الترجيح: بعد بيان قولي العلماء في حكم مس المحدث حدثًا أصغر للمصحف وأدلة كل قول، وما أورد عليها من اعتراضات، والإجابة عما اعتُرض به على قول الجمهور، ظهر لي رجحان ما ذهب إليه جمهور العلماء من القول بتحريم مس المصحف على المحدث حدثًا أصغر لما يأتي: 1 – قوة ما استدلوا به من الأدلة على ما ذهبوا إليه. 2 – ضعف أدلة المخالف، والرد عليها، وبيان وجه ضعفها.   (1) 79) إرواء الغليل، 1/158، 160-161. (2) 80) مجموع الفتاوى، 21/266. (3) 81) المجموع شرح المهذب، 2/80. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5 3 – أن القول بتحريم المس ناقل عن الأصل، وقد ذهب أكثر الأصوليين إلى أن الدليل الناقل عن الأصل مقدم على الدليل المبقي على البراءة الأصلية (1) . 4 – أن القول بالتحريم أحوط للعبادة، وأبرأ للذمة، فالقول به أولى. 5 – أن القول بالتحريم هو الموافق لتكريم القرآن وتعظيمه، فإن الله عز وجل وصف القرآن بأنه كريم وأنه لا يمسه إلا المطهرون، فعظمه الله تعالى وكرمه، فالأليق بتعظيمه والأنسب لإجلاله وتكريمه أن لا يُمس إلا على طهارة كاملة، لأن مسه بغير طهارة مخل بتعظيمه وتكريمه. 6 – أن القول بالتحريم هو المنقول عن الصحابة زمن النبوة وبعدها، من غير خلاف بينهم، ولذا قال به أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم، وجماهير أهل العلم حتى قال ابن عبد البر (أجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا طاهر) (2) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما مس المصحف فالصحيح أنه يجب له الوضوء كقول الجمهور وهذا هو المعروف عن الصحابة سعد وسلمان وابن عمر) (3) فدل ذلك على عدم الاعتبار للمخالفين، وعدم الاعتداد بقولهم لضعف أدلتهم.   (1) انظر: روضة الناظر، 2/401، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي، ص، 326. (2) الاستذكار، 8/10. (3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/288. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 6 فحسْب المسلم ما أجمع عليه الصحابة، وأفتى به أئمة التابعين، واختاره من بعدهم من أئمة الإسلام المجتهدين في العصور المفضلة وما بعدها إلى يومنا هذا، حيث هو القول المختار المفتى به عند المحققين من علماء العصر وفقهائه (1) . المبحث الثاني: حكم الطهارة للصغير والمراد بالصغير هنا الصغير المميز، أما غير المميز فلا يجوز تمكينه من مس المصحف، ويأثم من مكنه من ذلك (2) . وقد اختلف العلماء في حكم مس المميز للمصحف على غير طهارة على الأقوال التالية: القول الأول: أنه يجوز للصغير مس المصحف على غير طهارة، بمعنى: أنه لا يأثم من مكّن الصغير من مس المصحف وليّا كان أو غيره.   (1) حيث اختاره صاحب كتاب (إظهار الحق المبين) وقد فرغ من تأليفه بمكة سنة 1351هـ وذكر أن علماء المذاهب الأربعة في زمنه أجمعوا على الإفتاء به، ص، 19-20، وكذا أفتى به سماحة مفتي المملكة العربية السعودية في زمنه العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ كما في مجموع الرسائل والفتاوى 2/77، وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة شيخنا العلامة الشيخ عبد العزيز ابن باز، كما في الفتاوى الصادرة عنها 4/72 وما بعدها، وغيرهم من علماء العصر. (2) 86) انظر: المجموع شرح المهذب، 2/75؛ مغني المحتاج، 1/38؛ فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 2/77. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 7 وبهذا قال: الحنفية في الصحيح من المذهب (1) ، والمالكية في المعتمد (2) ، والشافعية في الصحيح (3) ، والحنابلة في رواية (4) ، وهو مذهب الظاهرية (5) . وقيَّد بعضهم الجواز في حال التعلم لا غير (6) . واستدلوا على ما ذهبوا إليه: بأن في تكليف الصبيان وأمرهم بالوضوء حرجًا عليهم، قد يؤدي إلى ترك حفظ القرآن وتعلمه، فأبيح لهم المس لضرورة التعلم، ودفعًا للحرج والمشقة عنهم (7) ، ولقصورهم عن حد التكليف (8) . القول الثاني: أنه يكره للصغير مس المصحف على غير طهارة.   (1) 87) الهداية، 1/31؛ البحر الرائق، 1/212؛ الدر المختار مع حاشية ابن عابدين، 1/316. (2) 88) التفريع، 1/212، المعونة، 1/162، الشرح الصغير، 1/223. (3) 89) روضة الطالبين، 1/192؛ مغني المحتاج، 1/38؛ فتح الجواد، 1/55. (4) 90) الفروع، 1/189؛ الإنصاف، 1/223. (5) 91) حيث تقدم في المبحث الأول أنهم يرون جواز مس البالغ للمصحف وإن كان جنبًا، فالصغير من باب أولى. (6) 92) انظر: حاشية ابن عابدين، 1/317، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي، 1/126، مغني المحتاج، 1/38. (7) 93) انظر: البناية شرح الهداية، 1/650؛ حاشية ابن عابدين، 1/316؛ الذخيرة، 1/237؛ مغني المحتاج، 1/38، الشرح الكبير، 1/95. (8) 94) انظر: المعونة، 1/162. فائدة: قال القرافي في الذخيرة، 1/239: (تحقيق: قد توهم بعض الفقهاء أن هذه النصوص – الدالة على تحريم مس المصحف على غير طهارة – لا تتناول الصبيان كسائر التكاليف، فكما لا يكون تركهم لتلك التكاليف رخصة، فكذلك ههنا، وليس كما ظن، فإن النهي عن ملامسة القرآن لغير المتطهر، كالنهي عن ملامسته لغير الطاهر، من جهة أن كل واحد منهما لا يُشْعِرُ بأن المنهي عن ملامسته موصوف بالتكليف أو غير موصوف، فيكون الجواز في الصبيان رخصة) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 8 وبه قال بعض الحنفية (1) ، وبعض المالكية إن كان للمصحف كله، دون بعضه فلا يكره (2) . ولعل وجه الكراهة: أن الصغير غير مكلف، فيحمل النهي عن مس المصحف في حقه على الكراهة لا على التحريم، لقصوره عن حد التكليف، ولحاجة التعلم، ودفعًا للحرج والمشقة. القول الثالث: أنه يحرم على الصغير مس المصحف كله أو بعضه على غير طهارة كالبالغ، ويأثم من مكنه من ذلك، وليًا كان أو غيره. وبهذا قال: الشافعية في قول (3) ، والحنابلة في الصحيح من المذهب (4) مستدلين على ذلك: بعموم الأدلة الدالة على تحريم مس المصحف على غير طهارة، وأنها عامة في الصغير والكبير، دون ما فرق بينهما (5) . تنبيه: استثنى الحنابلة من هذا الحكم مس الصغير لوحًا فيه قرآن فأجازوا تمكينه من ذلك لمشقة الطهارة عليه، ولضرورة التعلم على أن يمسه من المحل الخالي من الكتابة في الصحيح من المذهب (6) . الترجيح:   (1) 95) البناية شرح الهداية، 1/651. (2) 96) عقد الجواهر، 1/62، الذخيرة، 1/237. (3) 97) روضة الطالبين، 1/192؛ مغني المحتاج، 1/38. (4) 98) الإقناع، 1/40؛ منتهى الإرادات، 1/27 ونص على القول بهذا أيضًا صاحب أسهل المدارك، 1/100، ولم أره لغيره من المالكية. (5) 99) انظر: الكافي، 1/48؛ الشرح الكبير، 1/95. (6) 100) انظر: كشاف القناع، 1/135، مطالب أولي النهى، 1/155. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 9 لعل ما ذهب إليه جمهور العلماء من القول بجواز مس الصغير للمصحف هو الأرجح، لقوة ما استدلوا به، وضعف ما استدل به المخالف، لأن مساواة الصغير بالكبير في إيجاب الطهارة هنا غير ظاهر مع الفارق الكبير بينهما لعدم التكليف في حق الصغير، ففي ذلك مشقة ظاهرة عليه مع عدم تكليفه، قد تؤدي إلى إعراضه عن تعلم القرآن، وقد جاءت قواعد الشرع باليسر والسهولة في الأحكام ورفع الحرج والمشقة عن الأنام، لا سيما فيما يتعلق بنوافل الطاعة فإن الشرع سهل في أحكامها ترغيبًا في العمل بها. فالقول بعدم وجوب الطهارة على الصغير لمس المصحف هو الذي يتمشى مع سماحة الإسلام ويسر أحكامه، هذا مع التأكيد على استحباب إتيانه بالطهارة وحثه عليها، إذ القائلون بالجواز لا يختلفون في استحباب طهارة الصغير لها (1)   (1) 101) انظر: الذخيرة، 1/237؛ مغني المحتاج، 1/38. المصادر والمراجع - ... القرآن الكريم. - ... أحكام القرآن. أبو بكر محمد بن عبد الله ابن العربي، تحقيق: علي محمد البجاوي، بيروت: دار المعرفة. - ... إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، إشراف: محمد زهير الشاويش، الطبعة الأولى، بيروت - دمشق: المكتب الإسلامي. - ... الاستذكار، تصنيف: الإمام يوسف بن عبد الله بن عبد البر الأندلسي، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، بيروت: دار قتيبة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1414هـ-1993م. أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه الإمام مالك، أبي بكر بن حسن الكشناوي، بيروت: دار الفكر. إظهار الحق المبين بتأييد إجماع الأئمة الأربعة على تحريم مس وحمل القرآن الكريم لغير المتطهرين، محمد علي بن حسين المالكي، مكة المكرمة: المطبعة السلفية 1352هـ. - ... إعلاء السنن، ظفر أحمد العثماني التهاوني، كراتشي – باكستان: إدارة القرآن والعلوم الإسلامية. - ... إعلام الموقعين عن رب العالمين، شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الأولى: 1374هـ-1995م. - ... الإفصاح عن معاني الصحاح، يحيى بن محمد بن هبيرة، الرياض: المؤسسة السعودية. - ... الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي، تصحيح وتعليق: عبد اللطيف محمد السبكي، مصر: المكتبة التجارية الكبرى. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، علي بن سليمان المرداوي.صححه وحققه: محمد حامد الفقي، القاهرة: مطبعة السنة المحمدية، 1376هـ/1957م الطبعة الأولى. البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن نجيم الحنفي، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر الطبعة الثانية، طبعة بالأوفست. بداية المجتهد ونهاية المقتصد، أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد.، راجعه وصححه: عبد الحليم محمد عبد الحليم، عبد الرحمن حسن محمود، القاهرة: مطبعة حسان. البداية والنهاية، إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق: محمد عبد العزيز النجار، القاهرة: مطبعة الفجالة الجديدة. البناية في شرح الهداية، أبو محمد محمود بن أحمد العيني، تصحيح: محمد عمر الشهير بناصر الإسلام الرامفوري، بيروت: دار الفكر، 1401هـ / 1981م الطبعة الأولى. التبيان في أقسام القرآن، الإمام محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد زهري النجار.الناشر: المؤسسة السعيدية للطبع والنشر.، القاهرة: مطابع الدجوي. التعليق المغني على الدارقطني (بهامش سنن الدارقطني) ، محمد شمس الحق العظيم آباد، تصحيح وتحقيق: عبد الله هاشم اليماني، القاهرة: دار المحاسن للطباعة، 1386هـ /1966م. التفريع، عبد الله بن الحسين ابن الجلاب المصري، تحقيق: د. حسين بن سالم الدهماني، بيروت: دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى 1408هـ- 1987م. تفسير البغوي (معالم التنزيل في التفسير والتأويل) .، الحسين بن مسعود البغوي، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر، 1405هـ-1985 م. تفسير ابن كثير، إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401هـ/1981م. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، القاهرة: شركة الطباعة الفنية المتحدة، تصحيح وتعليق: عبد الله هاشم اليماني، 1384هـ/1964م. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، الإمام يوسف بن عبد الله بن عبد البر الأندلسي، تحقيق: محمد بوخبزه، وسعيد أحمد أعراب، طباعة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية. الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الناشر: دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، 1387هـ/1967م مصورة عن طبعة دار الكتب. الدر المختار شرح تنوير الأبصار (مع حاشيته لابن عابدين) ، محمد علاء الدين الحصكفي.مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي1386هـ/1966م الطبعة الثانية الذخيرة، أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمد بوخبزه، بيروت: دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى عام 1994م. رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، محمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي، عني بطبعه: عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، قطر: مطابع قطر الوطنية، 1401هـ /1981م. رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين) .، محمد أمين الشهير بابن عابدين، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي1386هـ/1966م الطبعة الثانية. روضة الطالبين، يحيى بن شرف النووي، دمشق: المكتب الإسلامي للطباعة والنشر. روضة الناظر وجنة المناظر، موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة،تحقيق: د. شعبان محمد إسماعيل، بيروت مؤسسة الرياض للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة الأولى1419هـ/1998م الروض المربع بشرح زاد المستقنع، منصور بن يونس البهوتي،القاهرة: المطبعة السلفية، الطبعة السادسة. سنن الدارقطني، علي بن عمر الدارقطني، تصحيح وتحقيق: عبد الله هاشم اليماني، القاهرة: دار المحاسن للطباعة، 1386هـ /1966م. سنن الدارمي، الإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عناية: محمد أحمد دهمان، نشر: دار إحياء السنة النبوية. السنن الكبرى، أحمد بن الحسين البيهقي، حيدر آباد الدكن – الهند: مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية الطبعة الأولى. شرح الخرشي على مختصر خليل، أبو عبد الله محمد الخرشي، بيروت: دار صادر. الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، القاهرة: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، طبع على نفقة راشد بن سعيد المكتوم. شرح العمدة في الفقه (كتاب الطهارة) ، شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق د. سعود بن صالح العطيشان، الرياض: مكتبة العبيكان 1413هـ/1993 م. الشرح الكبير، عبد الرحمن بن محمد بن قدامة المقدسي، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود كلية الشريعة. الشرح الكبير لمختصر خليل (بهامش حاشية الدسوقي) ، أحمد بن محمد الدردير،بيروت: دار الفكر. صحيح البخاري (مع حاشية السندي) ، محمد بن إسماعيل البخاري، مصر: مطبعة دار إحياء الكتب العربية. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر. عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، جلال الدين عبد الله بن نجيم بن شاس، تحقيق: د. محمد أبو الأجفان – أ. عبد الحفيظ منصور، بيروت: دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى: 1415هـ – 1995م. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش.الرياض: شركة العبيكان للطباعة والنشر الطبعة الأولى عام 1411هـ. فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ. جمع وترتيب وتحقيق: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم. مكة: مطبعة الحكومة، 1399هـ. الطبعة الأولى. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تصحيح وتحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، القاهرة: المطبعة السلفية ومكتبتها. فتح الجواد بشرح الإرشاد، أحمد بن حجر الهيتمي، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1391هـ /1971م الطبعة الثانية. الفروع، شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي، راجعه: عبد الستار أحمد فراج، القاهرة: دار مصر للطباعة، 1381هـ /1962م الطبعة الثانية. الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي.الطبعة الثانية، بيروت: المكتب الإسلامي، 1399هـ/1979م. كتاب المصاحف، تصنيف: أبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، بيروت: دار الكتب العلمية – الطبعة الأولى 1405هـ – 1985م. كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي، القاهرة: مطبعة أنصار السنة المحمدية 1366هـ/1947م. مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن سليمان المعروف بداماد أفندي، القاهرة: دار الطباعة العامرة، 1316هـ، تصوير: بيروت: دار إحياء التراث العربي. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد،علي بن أبي بكر الهيثمي، بيروت: دار الفكر 1408هـ – 1988م. المجموع شرح المهذب، الإمام يحيى بن شرف النووي، القاهرة: مطبعة العاصمة. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الرياض: مكتبة المعارف. المحلى، محمد بن علي بن حزم، بيروت: دار الآفاق الجديدة. مذكرة أصول الفقه،الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، المدينة المنورة: المكتبة السلفية. المستدرك على الصحيحين،أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، حلب: مكتبة المطبوعات الإسلامية. المصنف،عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت: المكتب الإسلامي. الطبعة الأولى. المصنف في الأحاديث والآثار، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق: مختار أحمد الندوي، بومباي – الهند: الدار السلفية، 1401هـ/1981م الطبعة الأولى. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى السيوطي الرحيباني، دمشق: المكتب الإسلامي. معرفة السنن والآثار، تصنيف: أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: سيد كردي حسن، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1412هـ – 1991م. المعونة على مذهب عالم المدينة، القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي، تحقيق: د. حميش عبد الحق، الناشر: مكتبة مصطفى الباز مكة المكرمة الطبعة الأولى عام 1415هـ – 199م. المغني، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، الرياض: مكتبة الرياض الحديثة. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد الشربيني الخطيب، بيروت: دار إحياء التراث العربي. المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، القاهرة: المطبعة السلفية ومكتبتها. المنتقى من أخبار المصطفى، عبد السلام بن تيمية الحراني، تحقيق: محمد حامد الفقي، بيروت: دار المعرفة، 1398هـ/1978م. الطبعة الثانية. منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزياداته، محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي المصري تحقيق: عبد الغني عبد الخالق، الناشر: عالم الكتب. المهذب في فقه الإمام الشافعي، إبراهيم بن علي الشيرازي، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر. مصور عن الطبعة الثانية 1379هـ/1959م. موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، سعدي أبو جيب، بيروت: دار العربية للطباعة والنشر. الموطأ (مع شرحه المنتقى) ، مالك بن أنس الأصبحي، بيروت: دار الفكر العربي. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، محمد بن علي الشوكاني، مصور عن الطبعة الأولى، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1402هـ/1982م. الهداية شرح بداية المبتدي، برهان الدين بن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 10 والعلم عند الله. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 11 إزالة الإشكال في صلاة الركعتين إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب الدكتور: عبد الله بن جمعان الدَّادَا الغامدي أستاذ مساعد- قسم الدراسات الإسلامية بفرع جامعة أم القرى في الطائف ملخص البحث 1 يصلي ركعتين إذا دخل والإمام يخطب للجمعة عند: أكثر أهل العلم، الشافعية والحنابلة وبعض المالكية، وكبار الفقهاء والمجتهدين. وفِعْل: الحسن وابن عُيَيْنة. واستدلالهم لذلك بالسنة والأثر والمعقول. 2 يجْلس ولا يُصلّي ركعتين والحالة هذه عند: الحنفية والمالكية، وبعض الصحابة والتابعين والفقهاء والمجتهدين. وفِعْل: شريح وابن سيرين. واستدلالهم لذلك بالقرآن والسنة والأثر والمعقول. 3 يُخيَّر والحالة هذه إن شاء صلّى وإلاّ فلا عند: أبي مِجْلَز. ودليله. 4 المناقشة لجميع ما تقدم من أقوال وأدلة. 5 النتيجة ومؤيِّداتها (يصلي ركعتين والحالة هذه؛ وسبب ذلك؛ ومن ثم فيزول الإشكال في اختلاف أهل العلم والحالة هذه على ثلاثة أقوال) . المقدمة الحمد لله رب العالمين، وبعد: ... فهذا بحثي: ((إزالة الإشكال في صلاة الركعتين إذا دخل الرجل يوم الجمعة والإمام يخطب)) ، أقدمه للقاريء الكريم، بعد أن جعلته في: مقدمة، وأربعة مباحث، وخاتمة. أما المقدمة فهذه، وقد تضمنت خطة البحث، وهي هذه، وأهميته، ومنهجي فيه. وأما المباحث الأربعة: ففي إزالة الإشكال في صلاة الركعتين إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب . أما المبحث الأول: ففي القول الأول، والقائلين به، وأدلتهم من السنة والأثر والمعقول. وفيه مطلبان: المطلب الأول: في القول الأول، والقائلين به. والمطلب الثاني: في أدلتهم من السنة والأثر والمعقول. وقد اشتمل على ثلاثة مقاصد: ... ... المقصد الأول: استدلالهم بالسنة. ... ... المقصد الثاني: استدلالهم من الأثر. ... ... المقصد الثالث: استدلالهم من المعقول. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 12 وأما المبحث الثاني: ففي القول الثاني، والقائلين به، وأدلتهم من القرآن والسنة والأثر والمعقول. وفيه مطلبان: المطلب الأول: في القول الثاني، والقائلين به. المطلب الثاني: في أدلتهم من القرآن والسنة والأثر والمعقول. وقد اشتمل على أربعة مقاصد: المقصد الأول: استدلالهم بالقرآن. ... ... المقصد الثاني: استدلالهم بالسنة. ... ... المقصد الثالث: استدلالهم بالأثر. ... ... المقصد الرابع: استدلالهم بالمعقول. وأما المبحث الثالث: ففي القول الثالث، والقائل به، ودليله. وأما المبحث الرابع: ففي المناقشة والترجيح. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: مناقشة القول الأول. وقد اشتمل على ثلاثة مقاصد: ... ... ... المقصد الأول: مناقشة القول. المقصد الثاني: مناقشة استدلال القول الأول بالسنة. ... ... المقصد الثالث: مناقشة استدلال القول الأول بالأثر. المطلب الثاني: مناقشة القول الثاني. وقد اشتمل على خمسة مقاصد: المقصد الأول: مناقشة القول. ... ... المقصد الثاني: مناقشة استدلال القول الثاني بالقرآن. ... ... المقصد الثالث: مناقشة استدلال القول الثاني بالسنة. ... ... المقصد الرابع: مناقشة استدلال القول الثاني بالأثر. ... ... المقصد الخامس: مناقشة استدلال القول الثاني بالمعقول. المطلب الثالث: مناقشة القول الثالث. وأما الخاتمة: ففي نتيجة هذا البحث، ومؤيِّداتها (الراجح وسببه) . وأهمية هذا البحث تُعرف من عنوانه،وما يدور هذا البحث حوله، وهو صلاة الركعتين حالة الدخول والإمام يخطب يوم الجمعة. هذا الموضوع المهم، الذي يُبتلى به أغلب الناس، والذي يُبين لنا كيف نفقه صلاتنا من خلال اختلاف الفقهاء وأقوالهم وأدلتهم في هذه المباحث الأربعة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 13 وقد اتبعت في كتابته منهجاً علمياً سليماً إن شاء الله تعالى، راعيت فيه أهم قواعد البحوث العلمية،مع الاستعانة بأفضل الكتب الفقهية، مع الانتباه إلى ما في الكتب الأخرى، مبرزاً أقوال وآراء الفقهاء، مع تحرِّي الدِّقة في نسبة الأقوال إلى الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم، مع بيان الأقوال وأدلتها، والمناقشة لكل قول ولأدلته، مبيناً الراجح وسببه، مزيلاً الإشكال في هذا البحث عن صلاة الركعتين والحالة تلك (دخول المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب) . مع ضبط النص وتوضيحه، وإزالة الإشكال والإيهام منه، وعزو الآيات القرآنية لسورها، وتخريج الأحاديث والآثار بما يتطلبه المقام، وترجمة الأعلام ترجمة علمية بعيدة عن الغموض مع الإيجاز والإلمام؛ لتكون الزيادة في حجم البحث قليلة ما أمكن، والفائدة عظيمة، وتوضيح الألفاظ الغريبة، من أهم الكتب المعتمدة. على أنني عند ذكر العلم أول مرة أذكره كاملاً حتى يُعرف، ثم اكتفي عند وروده فيما بعد مرة أخرى بذكر ما يُعرف أو يُشتهر به فقط. وقد رتَّبت المصادر والمراجع في الحواشي والتعليقات حسب الوفاة، وجعلتها في آخر البحث برقم تَسَلْسُلِي واحد، ثم قمت بعد ذلك بعمل فهرس فني للمصادر والمراجع، حسب الفنون، مرتباً في داخل كل فنٍ على الترتيب الهجائي (طريقة المعاجم الحديثة) . وبعد فهذا بحثي هذا أقدمه إلى الباحثين في الفقه الإسلامي خاصة، وفي الشريعة الإسلامية عامة؛ للاستفادة منه. ولنبدأ الآن في المبحث الأول من إزالة الإشكال في اختلاف أهل العلم فيمن جاء يوم الجمعة والإمام على المنبر يخطب هل يصلي ركعتين أم لا؟ على ثلاثة أقوال. فأقول وبالله ومن الله التوفيق: المبحث الأول: القول الأول، والقائلين به. وأدلتهم من السنة والأثر والمعقول. وفيه مطلبان: ... المطلب الأول: القول الأول، والقائلين به. المطلب الثاني: أدلتهم من السنة والأثر والمعقول. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 14 المطلب الأول: القول الأول، والقائلين به. إذا دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب فإنه يصلي ركعتين. وهو مذهب الشافعية (1) ، والحنابلة (2) ، وبه قال:عبد الخالق بن عبد الوارث السُّيُوري (3) من المالكية (4) . وهو قول: الحسن بن أبي الحسن البصري (5) ، ومكحول الشامي (6) ، وسعيد بن أبي سعيد كيسان المقبري (7) ، وسفيان بن عُيينة الكوفي (8) ، وعبد الله بن الزبير الحُميدي (9) ، وإسحاق بن راهويه (10) ، وأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي (11) ، وداود بن علي الأصبهاني (12) ، ومحمد بن إبراهيم بن المنذر (13) ، وآخرون (14) . وفِعل: الحسن البصري (15) ، وسفيان بن عُيينة (16) وكان يأمر به (17) . قال محمد بن يحيى بن أبي عمر (18) : ((كان سفيان بن عُيينة يصلي ركعتين إذا جاء والإمام يخطب، وكان يأمر به، وكان أبو عبد الرحمن المُقريء (19) يراه)) (20) . فهو قول أكثر أهل العلم (21) . المطلب الثاني: استدلالهم من السنة والأثر والمعقول. وفيه ثلاثة مقاصد: المقصد الأول: استدلالهم بالسنة. وذلك بأربعة أدلة. الدليل الأول: حديث جابر بن عبد الله السلمي (22) قال: ((جاء رجل (23) والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال: " أصليت يا فلان؟ "، قال: ((لا)) ، قال: " قم فاركع" (24) . هذه الرواية الأولى، وهي أصح شيء في هذا الباب (25) . وفي رواية قال (26) : ((جاء رجل (27) والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة يخطب، فقال له: " أركعتَ ركعتين؟ "، قال: ((لا)) ، فقال: " اركع" (28) . وهذه الرواية الثانية. وفي رواية أنه قال (29) : ((جاء سُلَيْك الغطفاني (30) يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر، فقعد سُليك قبل أن يصلي)) ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أركعت ركعتين؟ "، قال: ((لا)) ، قال: " قم فاركعهُما " (31) . وهذه الرواية الثالثة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 15 وفي رواية: " فصل ركعتين " (32) . وهي الرواية الرابعة. وفي رواية: جاء سُليك الغَطَفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أصليت ركعتين قبل أن تجيء"، قال: ((لا)) ، قال:" فصل ركعتين وتجوّز فيهما" (33) . وهذه الرواية الخامسة. وفي رواية قال (34) : ((جاء سُليكٌ الغَطَفَانِيُّ يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس، فقال له: " يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوّز فيهما". ثم قال: " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوْز فيهما " (35) . وهذه الرواية السادسة. وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال:" إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين " (36) وهذه الرواية السابعة. وحديث جابر هذا برواياته هذه نص (37) . وهذه الروايات تدل على أنه ينبغي لمن يدخل المسجد والإمام يخطب أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين. الدليل الثاني: حديث أبي سعيد سعد بن مالك الخُدري (38) : " أنه دخل يوم الجمعة ومروان (39) يخطب فقام يصلي، فجاء الحرسُ ليجلسوه فأبى حتى صلى"، فلما انصرف أتيناه فقلنا: ((رحمك الله إن كادوا ليقعوا بك)) ، فقال: " ما كنت لأتركهما بعد شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ثم ذكر: " أن رجلاً (40) جاء يوم الجمعة في هيئة بذَّةٍ (41) والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فأمره فصلى ركعتين، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب". (42) وفي رواية: " نحوه"، وفيه … " ثم صنع مثل ذلك في الجمعة الثالثة (43) فأمره بمثل ذلك (44) ، وفيه قصة التصدق (45) ". وفي رواية قال: " جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: " أصليت؟ "، قال: ((لا)) ، قال: " فصل ركعتين " (46) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 16 الدليل الثالث: حديث أبي قتادة الأنصاري (47) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" (48) . الدليل الرابع: حديث أبي ذر جُندب بن جنادة الغفاري (49) قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست)) ، فقال: " يا أبا ذر هل صليت؟ "، قلت: ((لا)) ، قال: " قم فصل "، قال: ((فقمت فصليت ثم جلست.. الحديث)) . (50) فكان هذا على عمومه (51) ، فمن دخل المسجد فيصلي ركعتين تحية المسجد، فكل شيء له تحية،والركعتان تحية المسجد. المقصد الثاني: استدلالهم من الأثر. وذلك ما روي عن الحسن البصري: " أنه كان يصلي ركعتين والإمام يخطب " (52) . وفي رواية: " كان الحسن يجيء والإمام يخطب فيصلي ركعتين " (53) . وفي رواية: " رأيت (54) الحسن يصلي ركعتين والإمام يخطب "، وقال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين يتجوّز فيهما". (55) وفي رواية رابعة: " رأيت (56) الحسن البصري دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب، فصلى ركعتين ثم جلس". (57) فالحسن البصري فعل هذا اتباعاً للحديث (58) ، على ما يأتي (59) ، وذلك أن الحسن روى حديث جابر (60) رضي الله عنه، كما تقدم، (61) وكما يأتي (62) . المقصد الثالث: استدلالهم من المعقول. ... ... ... ... وذلك أنه دخل المسجد في غير وقت النهي عن الصلاة فسن له الركوع (63) ؛ لما تقدم ههنا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين ". (64) المبحث الثاني: القول الثاني، والقائلين به. وأدلتهم من القرآن والسنة والأثر والمعقول. وفيه مطلبان: المطلب الأول: القول الثاني، والقائلين به. المطلب الثاني: أدلتهم من القرآن والسنة والأثر والمعقول. المطلب الأول: القول الثاني،والقائلين به. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 17 إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب فإنه يجلس ولا يصلي. وهو مذهب: الحنفية (65) ، والمالكية (66) . ... وقول:علي بن أبي طالب (67) ، وشريح بن الحارث الكندي، (68) وإبراهيم بن يزيد النخعي (69) ، ومجاهد بن جبر المكي (70) ، ومحمد بن سيرين البصري (71) ، وعطاء بن أبي رباح المكي (72) ، وقتادة بن دعامة السدوسي (73) ، وسفيان بن سعيد الثوري (74) ، والليث بن سعد الفهمي (75) ، وسعيد بن عبد العزيز التَّنُوْخِيّ (76) . وفِعل: شريح (77) ، وابن سيرين (78) . واختاره: ابن العربي محمد بن عبد الله. (79) المطلب الثاني: استدلالهم من القرآن والسنة والأثر والمعقول. وفيه أربعة مقاصد: المقصد الأول: استدلالهم بالقرآن. وذلك تعلقاً بقوله تعالى: "وَإِذََا قُرِئَ القُرْءَانُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ". (80) وإذا دخل والإمام يخطب فصلى ركعتين فصلاته هذه تُضَادّ الإنصات؛ فهذه الآية نزلت في الخطبة، فسمى الخطبة قرآناً؛ لما يتضمنها من القرآن. (81) المقصد الثاني: استدلالهم بالسنة. وذلك بأربعة أدلة: ... ... ... ... الدليل الأول: حديث عبد الله بن بُسْر (82) قال: ((جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة)) ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجلس فقد آذَيْتَ وآنَيْتَ " (83) . قال حُدَير بن كريب أبو الزاهرية (84) : ((وكنا نتحدث حتى يخرج الإمام، أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل بالجلوس ولم يأمره بالصلاة)) . (85) الدليل الثاني: حديث جابر بن عبد الله: ((أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجعل يتخطى الناس)) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجلس فقد آذيت وآنيت ". (86) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 18 الدليل الثالث: حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب (87) قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا دخل أحدكم المسجد والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام ". (88) الدليل الرابع: الروايات المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن من قال لصاحبه: ((أنصت)) والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغا. (89) ففي حديث أبي هريرة عبد الرحمن بن صخرالدوسي (90) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت ". (91) وهذا يفيد بطريق الدلالة منع الصلاة وتحية المسجد؛ لأن المنع من الأمر بالمعروف وهو أعلى من السنة وتحية المسجد، فمنعه منهما أولى. (92) وفي الباب (الإنصات) حديث أبي هريرة مثله (93) ، وآخَرَيْنِ له كذلك (94) ، وحديث أبي الدرداء عويمر بن مالك الأنصاري (95) ، وحديث أبّي بن كعب الخزرجي (96) ، وحديث سلمان الفارسي (97) ، وحديث أبي سعيد الخُدري وأبي هريرة (98) ، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص (99) ، وحديث أوس بن أوسٍ الثقفي (100) ، وحديث آخر لسلمان الخير (الفارسي) أيضاً. (101) ففي هذه الأحاديث الأمر بالإنصات إذا تكلم الإمام، فذلك دليل أن موضع كلام الإمام ليس بموضع صلاة. (102) المقصد الثالث: استدلالهم بالأثر. وذلك باثني عشر أثراً: الأثر الأول: عن عبد الله بن عباس الهاشمي (103) ، وابن عمر رضي الله عنهما: " أنهما كانا يكرهان الصلاة والكلام يوم الجمعة بعد خروج الإمام ". (104) وفي رواية: " كان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما يكرهان الكلام إذا خرج الإمام يوم الجمعة ". (105) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 19 والحاصل: أن قول الصحابي حجة فيجب تقليده عندنا (الحنفية) إذا لم ينفه شيء آخر من السنة، ولو تجرد المعنى المذكور عنه، وهو أن الكلام يمتد طبعاً، أي يمتد في النفس فيخل بالاستماع، أو أن الطبع يفضي بالمتكلم إلى المد فيلزم ذلك (الإخلال بفرض استماع الخطبة) ، والصلاة أيضاً قد تستلزم المعنى الأول فتخل به، استقل بالمطلوب. (106) الأثر الثاني: أثر ثعلبة بن أبي مالك القرظي: " أن جلوس الإمام على المنبر يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام". وقال:" إنهم كانوا يتحدثون حين يجلس عمر بن الخطاب (108) رضي الله عنه على المنبر حتى يسكت المؤذن، فإذا قام عمر رضي الله عنه على المنبر لم يتكلم أحد حتى يقضي خطبتيه كلتيهما، ثم إذا نزل عمر رضي الله عنه عن المنبر، وقضى خطبتيه تكلموا". (109) وفي رواية نحو المقطع الأخير: " إنهم كانوا … ". (110) وفي رواية قال: " أدركت عمروعثمان (111) فكان الإمام إذا خرج يوم الجمعة تركنا الصلاة ". (112) الأثر الثالث: عن عقبة بن عامر الجهني (113) قال: " الصلاة والإمام على المنبر معصية". (114) فخروج الإمام يقطع الصلاة. الأثر الرابع: عن هشام بن عروة بن الزبير بن العوام (115) قال: "رأيت عبد الله بن صفوان (116) دخل المسجد يوم الجمعة وعبد الله بن الزبير (117) يخطب على المنبر.. وفي آخره.. ثم جلس ولم يركع ". (118) فعبد الله بن صفوان جاء وعبد الله بن الزبير يخطب فجلس ولم يركع، فلم يُنكر ذلك عليه عبد الله بن الزبير، ولا من كان بحضرته من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم. (119) الأثر الخامس: عن شريح: " إذا كان يوم الجمعة أتى المسجد فإن كان الإمام لم يخرج صلى ركعتين، وإن كان قد خرج لم يصلِّ ". (120) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 20 فقد كان شريح يفعل ذلك، ورواه عامر بن شراحيل الشعبي (121) ، واحتج على من خالفه، وهو الحسن (122) ، وشد ذلك الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (123) ، مما تقدم ذكره. (124) وفي رواية: " رأيت (125) شريحاً دخل يوم الجمعة من أبواب كِنْدةَ فجلس ولم يصل". (126) الأثر السادس: عن أبي قِلابة عبد الله بن زيد الجَرْمي (127) : " أنه جاء يوم الجمعة والإمام يخطب فجلس ولم يصلِّ ". (128) فخروج الإمام يقطع الصلاة. ... الأثر السابع: عن عروة بن الزبير بن العوام (129) قال: " إذا قعد الإمام على المنبر فلا صلاة ". (130) الأثر الثامن: عن سعيد بن المسيب القرشي (131) قال: " خروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام ". (132) وفي رواية قال: " خروج الإمام يقطع الصلاة ". (133) الأثر التاسع: عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (134) قال: " خروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام ". (135) وفي رواية عنه في الرجل يجيء يوم الجمعة والإمام يخطب: " يجلس ولا يصلي ". (136) وفي رواية عنه في الرجل يدخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب قال: " يجلس ولا يسبح "، أي: " لا يصلي ". (137) فخروج الإمام يقطع الصلاة. الأثر العاشر: عن مجاهد: " أنه كره أن يصلي والإمام يخطب يوم الجمعة". (138) فخروج الإمام يقطع الصلاة. الأثر الحادي عشر: عن ابن سيرين:أنه كان يقول: " إذا خرج الإمام فلا يصلِّ أحد حتى يفرغ الإمام ". (139) وفي رواية: " كان ابن سيرين يجلس ولا يصلي ". (140) الأثر الثاني عشر: أثر علقمة بن قيس النخعي (141) أنه قيل له: ((أتتكلم والإمام يخطب؟ أو قد خرج الإمام؟)) قال: " لا ". (142) فخروج الإمام يقطع الكلام، فيقطع الصلاة. فلا ينبغي ترك ما قد ثبت بذلك إلى غيره. المقصد الرابع: استدلالهم بالمعقول. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 21 أقالوا: ((يجلس ولا يصلي)) ؛ لأنه معنى يمنع من استماع الخطبة، (143) والواجب الاستماع (144) ؛ لما تقدم من الآثار المستدل بها قبل قليل، وهذا فعل يخل بفرض الاستماع (145) ، فوجب أن يكون ممنوعاً منه كالكلام (146) ، فالركوع يُشغِله عن استماع الخطبة، فكره كركوع غير الداخل (147) . ب ولأن كل من حضر الخطبة كان ممنوعاً من الصلاة كالجالس إذا أتى بتحية المسجد (148) . ج إنا رأيناهم لا يختلفون أن من كان في المسجد قبل أن يخطب الإمام فإن خطبة الإمام تمنعه الصلاة، فيصير بها في غير موضع صلاة. فالنظر على ذلك أن يكون كذلك داخل المسجد والإمام يخطب داخلاً له في غير موضع صلاة، فلا ينبغي أن يصلي. وقد رأينا الأصل المتفق عليه: أن الأوقات التي تمنع من الصلاة، يستوي فيها من كان قبلها في المسجد، ومن دخل فيها المسجد في منعها إياهما من الصلاة. فلما كانت الخطبة تمنع من كان قبلها في المسجد عن الصلاة، كانت كذلك أيضاً تمنع من دخل المسجد بعد دخول الإمام فيها من الصلاة. ... فهذا هو وجه النظر في ذلك. (149) المبحث الثالث: القول الثالث، والقائل به، ودليله هو بالخيار، إن شاء صلى وإلا فلا. وهو قول: أبي مِجْلَز لاحق بن حُميدٍ البصري. (150) وذلك أنه قد روي عن أبي مِجْلز أنه قال: " إذا جئت والإمام يخطب يوم الجمعة فإن شئت ركعت ركعتين، وإن شئت جلست". (151) ويمكن أن يستدل لأبي مجْلَز بأن هذا جمع بين الأدلة؛ فقول أبي مجلز: " إن شئت ركعت ركعتين " لأدلة القول الأول من السنة والأثر والمعقول. وقوله: " وإن شئت جلست " أي ولم تصل الركعتين لأدلة القول الثاني من القرآن والسنة والأثر والمعقول، فقال بجميع هذه الأدلة، وهو الخيار في الركعتين وحالتنا. المبحث الرابع: المناقشة والترجيح. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: مناقشة القول الأول. المطلب الثاني: مناقشة القول الثاني. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 22 المطلب الثالث: مناقشة القول الثالث. ... المطلب الأول: مناقشة القول الأول: يصلي ركعتين. ... وفيه ثلاثة مقاصد: ... ... المقصد الأول: مناقشة القول. ... أيناقش هذا القول بأن القول الثاني (يجلس ولا يصلي ركعتين) : اختيار ابن العربي. (152) ويجاب عن هذا: بأن محمد بن عيسى الترمذي (153) ، وعبد الله بن عبد الرحمن الدَّرامي (154) اختارَا القول الأول على ما يأتي، (155) وهما: أعلم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. ب ويناقش بأن القول الثاني قول الجمهور (156) ؛ قال ابن العربي: ((والجمهور على أنه لا تفعل)) . (157) ويجاب عنه: بأن القول الأول قول أكثر أهل العلم؛ فهو قول الشافعية والحنابلة، وأئمة الفقه ومجتهديه، وفعل الحسن وابن عُييْنة، وكان يأمر به، كما سترى. (158) ج كما يناقش بأن القول الثاني هو الصحيح؛ قال ابن العربي: ((وهو الصحيح أن الصلاة حرام إذا شرع الإمام في الخطبة)) . (159) ويجاب عن هذا: بأن القول الأول هو الأصح على ما يأتي؛ (160) ؛ يُعضده أنه فعل الحسن البصري، فإنه فعل هذا اتباعاً للسنة، كما عرفت. (161) د كما يناقش القول الأول بأن ابن العربي قال عن القول الثاني: ((وهو الصحيح أن الصلاة حرام إذا شرع الإمام في الخطبة)) (162) ؛ وذلك بدليل من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: قوله: " وَإذّا قُرئَ القُرءاَنُ فَاسْتًمِعُوا لَهُ وَأنصِتُوا ". (163) فكيف يترك الفرض الذي شرع الإمام فيه إذا دخل عليه فيه، ويشتغل بغير فرض. (164) الوجه الثاني: صح عنه من كل طريق أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت. (165) فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأصلان المفروضان الزكيان في الملة يَحْرُمان في حال الخطبة فالنفل أولى بأن يَحْرُم. (166) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 23 الوجه الثالث: أنه لو دخل والإمام في الصلاة لم يركع، والخطبة صلاة؛ إذْ يَحْرُم فيها من الكلام والعمل ما يَحْرُم في الصلاة. (167) ويجاب عن هذه الأوجه بالآتي: أما الوجه الأول: فنحن نقول به لمن كان جالساً في المسجد بخلاف الداخل فيصلي ركعتين خفيفتين. وأما الوجه الثاني: فكذلك نحن نقول به ونوافقكم عليه؛ لأن الكلام يؤدي إلى الفوضى في المسجد، ويشوّش على الحضور، بخلاف الركعتين. ... وأما الوجه الثالث: فكذلك أيضاً نحن نوافق على ذلك بأنه إذا كان الإمام في الصلاة لا يركع، وهذا بخلاف الخطبة فيصلي الداخل ركعتين خفيفتين. على أن تلك الأصول الثلاثة التي ذكرها ابن العربي تناقش: بأنه يعترض عليها بحديث سُليك الغطفاني. ويجاب عن هذا: بأن حديث سليك لا يعترض به على هذه الأصول من أربعة أوجه. الأول: لأنه خبر واحد يعارضه أخبار أقوى منه، وأصول من القرآن، والشريعة، فوجب تركه. (168) والثاني: أنه يحتمل أن يكون في وقت كان الكلام مباحاً فيه في الصلاة؛ لأنه لا يُعلم تأريخه، فكان مباحاً في الخطبة، فلما حُرّم في الخطبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو أجدُّ فرضية من الاستماع، فأقلُّ أن يُحْرَم ما ليس بفرض (169) ، وهو النفل. والثالث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم سُليكاً"، وقال له: " صلّ، كما عرفت (170) ، فلما كلمه وأمره سقط عنه فرض الاستماع؛ إذ لم يكن هنالك قول ذلك ذلك الوقت منه صلى الله عليه وسلم إلا مخاطبته له وسؤاله وأمره، وهذا أقوى الباب. (171) والرابع: أن سليكاً كان ذا بَذَاذَةٍ وفقر، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُشَهِّره؛ لِتُرى حاله، فيُغيّر منه. (172) ويجاب عن هذا: بأنه لا حاجة إلى التأويلات، وما لا داعي له؛ لنصرة المذهب أو الرأي، وترك السنة الصحيحة الصريحة التي أولى أن تُتَّبع، ويؤخذ بها. المقصد الثاني: مناقشة استدلال القول الأول بالسنة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 24 أمناقشة دليلهم الأول، حديث جابر بن عبد الله (حديث سُليك) . يناقش هذا الدليل: بأن من دخل المسجد يوم الجمعة والإمام على المنبر يخطب ينبغي له أن يجلس ولا يركع. وذلك: أنه قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر سُلَيكاً بما أمره به من ذلك، فقطع بذلك خطبته إرادة منه أن يُعلِّم الناس كيف يفعلون إذا دخلوا المسجد، ثم استأنف الخطبة. ويجوز أيضاً أن يكون بنى على خطبته، وكان ذلك قبل أن يُنسخ الكلام في الصلاة، ثم نُسخ في الكلام في الصلاة، فنُسخ أيضاً في الخطبة. وقد يجوز أن يكون ما أمره به من ذلك، كما قال أهل القول الأول، ويكون سنة معمولاً بها. (173) وبالنظر هل روي شيء يخالف حديث سُليك ذلك؟ فإذا بنا نجد أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك: ففي حديث عبد الله بن بُسر كما رأيت قال النبي صلى الله عليه وسلم " اجلس فقد آذيت وآنيت ". (174) ولم يأمره بأن يصلي ركعتين. فهذا يخالف حديث سُليك. (175) وفي حديث أبي سعيد الذي في القول الأول ما يدل على أن ذلك كان في حال إباحة الأفعال في الخطبة قبل أن يُنْهى عنها، ألا تراه يقول: " فألقى الناس ثيابهم ". (176) وقد أجمع المسلمون أن نزع الرجل ثوبه والإمام يخطب مكروه، وأن مسه الحصا والإمام يخطب مكروه، وأن قوله لصاحبه ((أنصت)) والإمام يخطب مكروه أيضاً. (177) فذلك دليل على أن ما كان أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سُلَيكاً، والرجل الذي أمره بالصدقة عليه، كان في حال الحكم فيها في ذلك، بخلاف الحكم فيما بعد. (178) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 25 ولقد تواترت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن من قال لصاحبه ((أنصت)) والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغا (179) . وذلك كما عرفت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت ". (180) وفي رواية أنه سمعه يقول: " إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت ". (181) فإذا كان قول الرجل لصاحبه والإمام يخطب ((أنصت)) لغواً، كان قول الإمام للرجل ((قم فصل)) لغواً أيضا. ً (182) فثبت بذلك أن الوقت الذي كان فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر لسُليك بما أمره به، كان الحكم منه في ذلك، بخلاف الحكم في الوقت الذي جُعل مثل ذلك لغواً. (183) وأيضاً روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك ما عرفت حديث أبي الدرداء وفيه: " … إذا سمعت إمامك يتكلم فانصت حتى ينصرف ". (184) . وحديث أبي هريرة وفيه: " مالك من صلاتك إلا ما لغوت " … " صدق أبيّ". (185) فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإنصات عند الخطبة، وجعل حكمها في ذلك كحكم الصلاة، وجعل الكلام فيها لغواً. (186) فثبت بذلك أن الصلاة فيها مكروهة، فإذا كان الناس منهِيِّين عن الكلام ما دام الإمام يخطب، كان كذلك الإمام منهياً عن الكلام ما دام يخطب بغير الخطبة. ألا ترى أن المأمُومين ممنوعون من الكلام في الصلاة؟ فكذلك الإمام، فكان ما مُنع منه غير الإمام فقد مُنع منه الإمام، فكذلك لما مُنع غير الإمام من الكلام في الخطبة كان الإمام منع بذلك أيضاً من الكلام في الخطبة بما هو من غيرها. (187) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 26 وأيضاً روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كما رأيت: حديث سلمان وفيه: " ثم ينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كان له كفارة ما بينه وبين الجمعة التي قبلها.. ". (188) وحديث أبي سعيد الخُدري وأبي هريرة وفيه: " وأنصتَ حتى إذا خرج الإمام كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها ". (189) وحديث عبد الله بن عمرو وفيه: " ولم يَلْغُ عند الموعظة كانت كفارة لما بينهما ". (190) وحديث أوس بن أوس وفيه: " فأنصتَ ولم يَلْغُ كان له مكان كل خطوة عمل سنة.. ". (191) وحديث سلمان الخير (الفارسي) وفيه: " ثم ينصتُ إذا تكلم الإمام غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ". (192) ففي هذه الآثار أيضاً الأمر بالإنصات إذا تكلم الإمام، فذلك دليل أن موضع كلام الإمام ليس بموضع صلاة. فهذا حكم هذا الباب. (193) وقد رويت في ذلك آثار عن جماعة من المتقدمين؛ فالجلوس وعدم صلاة ركعتين (القول الثاني) : فِعل عبد الله بن صفوان، وشريح، وأبي قِلابة كما عرفت. (194) وقول: عقبة ابن عامر، (195) ومجاهد، (196) والزهري، كما رأيت. (197) وتقدم أثر: ابن عمر وابن عباس، وأثر ثعلبة بن أبي مالك، وأثر عقبة بن عامر. (198) فقد روينا في هذه الآثار: أن خروج الإمام يقطع الصلاة، وأن عبد الله بن صفوان جاء وعبد الله ابن الزبير يخطب فجلس ولم يركع، فلم يُنكِر ذلك عليه عبد الله بن الزبير ولا من كان بحضرته من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم. (199) ثم قد كان شريح يفعل ذلك، ورواه الشعبي، واحتج على من خالفه كما عرفت. (200) وشدَّ ذلك الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم مما تقدم كما بينت. (201) ثم من النظر الصحيح ما قد وصفنا؛ (202) فلا ينبغي ترك ما قد ثبت بذلك إلى غيره. (203) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 27 ويجاب عن هذا: بأنه قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين "، كما عرفت من حديث أبي قتادة، وحديث جابر ابن عبد الله. (204) فهذا يدل على أنه ينبغي لمن يدخل المسجد والإمام يخطب أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين. (205) وهو القول الأول. ويجاب عن هذا: بأن ذلك ما فيه دليل على ما ذكرتم، إنما هذا على من دخل المسجد في حال يحل فيها الصلاة، ليس على من دخل المسجد في حالٍ لا يحل فيها الصلاة. ألا ترى: أن من دخل المسجد عند طلوع الشمس أو عند غروبها أو في وقت من هذه الأوقات المنهي عن الصلاة فيها أنه لا ينبغي له أن يصلي، وأنه ليس ممن أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي ركعتين لدخوله المسجد؛ لأنه قد نُهي عن الصلاة حينئذٍ. (206) فكذلك الذي دخل المسجد والإمام يخطب ليس له أن يصلي، وليس ممن أمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. وإنما دخل في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرت، كل من لو كان في المسجد قبل ذلك، فآثر أن يصلي كان له ذلك. فأما من لو كان في المسجد قبل ذلك لم يكن له أن يصلي حينذٍ، فليس بداخل في ذلك، وليس له أن يصلي قياساً على ما ذكرنا من حكم الأوقات المنهي عن الصلاة فيها التي وصفنا. (207) على أن ابن العربي تأوّل الرواية الخامسة لحديث جابر (حديث سُليك) : بأنه كان فقيراً ودخل يطلب شيئاً فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة ليتفطن الناس له فيتصدّقوا عليه. (208) على أنه لم يصحبه عمل فهو منسوخ. (209) ويجاب عن كل ما تقدم: بأن حديث جابر (سُليك الغطفاني) دليل القول الأول أصح شيء في هذا الباب؛ قال الترمذي: ((وهذا حديث حسن صحيح، أصح شيء في هذا الباب)) . (210) وقال ابن العربي: ((هذا حديث متفق عليه)) . (211) فهو حديث صريح واضح لا يحتاج إلى التأويل. ب مناقشة دليلهم الثاني حديث أبي سعيد الخدري. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 28 يناقش هذا الدليل بأن فيه: ((محمد بن عجلان)) (212) فيه مقال؛ فإنه ((سيء الحفظ)) ، (213) وقد اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة. (214) ويجاب عن هذا: بأن أحمد بن حنبل (215) ويحي بن معين الغطفاني (216) ((وثقاه)) . (217) وقال سفيان بن عيينة: ((كان محمد بن عجلان ثقة مأموناً في الحديث)) . (218) ويناقش أيضاً: بأنه إنما أمره بالصلاة ليتصدق الناس عليه إذا رأوه. ويجاب عن هذا: بأن هذا فاسد بفعل راوي الحديث أبي سعيد، ولأن الأمر بالصدقة لا يبيح فعل المحظور. (219) ج مناقشة دليلهم الرابع حديث أبي ذر. يناقش هذا الدليل: بأن فيه ((عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي)) ، (220) و ((أبو عمر الدمشقي)) ، (221) و ((عبيد بن الخشخاش)) . (222) أما المسعودي فاختلط قبل موته. (223) وأما أبو عمر الدمشقي فقال في الكاشف: ((واهٍ)) . (224) وقال في تقريب التهذيب: ((ضعيف)) . (225) وأما عبيد ففي هذا المرجع: ((ليّن)) . (226) ويجاب عن هذا: بأن حديث جابر، وحديث أبي سعيد، وحديث أبي قتادة التي استدلوا بها كلها صحيحة، وجميعها تُعضِّده وتُقويه. المقصد الثالث: مناقشة استدلال القول الأول بالأثر، وهو أثر الحسن. أتناقش الرواية الثالثة لهذا الأثر بأن فيها: ((الربيع بن صَبِِيح البصري)) ؛ (227) ضعفه أحمد بن شعيب النَّسائي؛ (228) وقال في في تقريب التهذيب: ((سيء الحفظ)) . (229) ب وتناقش الرواية الرابعة له بأن فيها: ((العلاء بن خالد القرشي)) ؛ (230) قال في الكاشف: ((ليّن)) . (231) وقال في تقريب التهذيب: ((ضعيف)) . (232) ويجاب عن هذا: بأن الرواية الأولى لهذا الأثر بطريقيها، والرواية الثانية تُعضِّدان هاتين الروايتين وتَشُدُّهما. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 29 وعند التسليم بأثر الحسن ذلك فقد ناقشه ابن العربي بقوله: ((وأما فِعل الحسن فَيُحْتمل أن يكون خطب الإمام بما لا يجوز فبادر الحسن إلى الصلاة، وقد رأيت الزُّهاد بمدينة السلام والكوفة إذا بلغ الإمام إلى الدعاء لأهل الدنيا قاموا فصلوا، ورأيتهم أيضاً يتكلمون مع جلسائهم فيما يحتاجون إليه من أمرهم، أو في علم ولا يصغون إليهم حينئذ؛ لأنه عندهم لغو، فلا يلزم استماعهم، لا سيما وبعض الخطباء يكذبون حينئذ، فالاشتغال بالطاعة عنهم واجب)) . (233) المطلب الثاني: مناقشة القول الثاني: يجلس ولا يصلي. وفيه خمسة مقاصد: المقصد الأول: مناقشة القول. يناقش: بأنه ينبغي على من دخل والإمام يخطب أن يصلي ركعتين تمسكاً بالسنة الصحيحة الصريحة، التي تمسك بها أكثر أهل العلم وقالوا بها، كالشافعية والحنابلة، وأئمة الفقه والاجتهاد، كالحسن ومكحول وابن عيينة والحميدي وإسحاق وأبي ثور وداود وابن المنذر. وفعله: الحسن وابن عيينة، وكان يأمر به، كما عرفت هذا جميعه. (234) المقصد الثاني: مناقشة استدلال القول الثاني بالقرآن. نوقش استدلالهم بالآية: بأنه مخصوص (235) عمومها بالدليل الأول والثاني (حديثي جابر وأبي سعيد) للقول الأول من السنة الصحيحة الصريحة الخاصة بحالتنا. المقصد الثالث: مناقشة استدلال القول الثاني بالسنة. أأما دليلهم الأول: حديث عبد الله بن بُسر فنوقش: بأنه قضيةٌفي عَينٍ، (236) يحتمل: أن يكون الموضع يضيق عن الصلاة، أو يكون في آخر الخطبة، بحيث لو تشاغل بالصلاة فاتَتْه تكبيرة الإحرام. والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالجلوس؛ ليكف أذاه عن الناس؛ لتخطيه إياهم. فإن كان دخوله في آخر الخطبة بحيث إذا تشاغل بالركوع فاتَه أول الصلاة لم يُستحب له التشاغل بالركوع. (237) وهذا آذى الناس فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجلوس؛ إذ لا مجال لأمره بالصلاة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 30 ب وأما دليلهم الثاني: حديث جابر بن عبد الله: " أن رجلاً.." فيناقش بما نوقش به حديث عبد الله بن بُسر قبل قليل. ج وأما دليلهم الثالث: حديث ابن عمر فيناقش بثلاثة أمور: الأمر الأول: فيه ((أيوب بن نَهيك)) ؛ قال في مجمع الزوائد ((وفيه أيوب بن نَهيك، وهو متروك، ضعفه جماعة، وذكره ابن حِبان (238) في الثقات، وقال يخطىء)) . (239) الأمر الثاني: أجيب عنه (أي حديث ابن عمر) من وجهين: أحدهما: أنه غريب. (240) وقال في شرح فتح القدير: ((رفعه غريب، والمعروف كونه من كلام الزهري)) . (241) والثاني: لو صح لحمل على ما زاد على ركعتين جمعاً بين الأحاديث. (242) الأمر الثالث: كما نوقش من وجهين آخَرْين: أحدهما: إنه مجهول؛ قال في الحاوي: ((وأما الحديث فمجهول)) . (243) والثاني: إن صح فإنه مخصوص؛ قال في الحاوي: ((وإن صح كان مخصوصاً)) . (244) د وأما دليلهم الرابع: أحاديث الإنصات فنوافق على أن من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب ((أنصت)) فقد لغا. أما حديثهم حديث أبي هريرة ذلك أنه يفيد بطريق الدلالة منع.. إلخ.. فنوقش: بأن العبارة مقدمة على الدلالة عند المعارضة، وقد ثبتت (245) العبارة، وهو ما روي: ((جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب)) ، فقال: " أصليت يا فلان "، قال: ((لا)) قال: " صل ركعتين وتجوّز فيهما "، كما رأيت؛ (246) فالعبارة في هذا الحديث مقدمة على الدلالة في حديث أبي هريرة ذلك. وأجيب: أن المعارضة غير لازمة منه لجواز كونه قطع الخطبة حتى فرغ. (247) وهو كذلك؛ أخرجه علي بن عمر الدارقطني (248) : " قم فاركع ركعتين، وأَمْسَك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته". (249) وعنده: ((أسنده عُبيد بن محمد العبدي، (250) ووهِم فيه)) . (251) ثم أخرجه: الدارقطني من رواية وفيه: " ثم انْتَظَرَه حتى صلى) ". (252) وهو مرسل. (253) وعنده ((أن هذا المرسل هو الصواب)) . (254) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 31 قال في شرح فتح القدير: ((ونحن نقول المرسل حجة فيجب اعتقاد مقتضاه علينا، ثم رفعه زيادة؛ إذ لم يعارض ما قبلها، فإن غيره ساكت عن أنه أَمْسَك عن الخطبة أولاً، وزيادة الثقة مقبولة، ومجرد زيادته لا توجب الحكم بغلطه وإلا لم تقبل زيادة، وما زاده مسلم فيه من قوله: " إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما "، (255) لا ينفي كون المراد أن يركع مع سكوت الخطيب؛ لما ثبت في السنة من ذلك، أو كان قبل تحريم الصلاة في حال الخطبة، فتَسْلَم تلك الدلالة عن المعارض)) . (256) على أن أحاديث الإنصات جميعها في غير محل المقام. وهذا الأمر بالإنصات لاستماع الخطبة، وليس دليلاً على أن موضع كلام الإمام ليس بموضع صلاة، فتحية داخل المسجد والإمام يخطب تخالف من كان موجوداً في المسجد يستمع للخطبة، فعليه أن ينصت وإلا لعمّت الفوضى، ولما استفيد من الخطبة. المقصد الرابع: مناقشة استدلال القول الثاني بالأثر. أأما دليلهم الأول من الأثر، وهو أثر ابن عباس وابن عمر بروايتيه فيناقش: بأن فيهما: ((الحجاج بن أَرْطأة النخعي)) ، (257) وهو كثير الخطأ والتدليس. (258) ثم ذلك أنهما يكرهان الصلاة والكلام يوم الجمعة لمن كان في المسجد وإلا لما استمع الناس للخطبة، ولما كان للخطبة فائدة. ومن كان في المسجد جالساً فعليه أن يقلد قول الصحابي. ب وأما أثر ثعلبة فالرواية الثالثة له مؤيدة للروايتين الأوليين له. لكنه يناقش: بأنه كالأثر السابق. ولم يخص من دخل والإمام يخطب بمنعه من الصلاة. وفيه: " إنهم كانوا يتحدثون حين يجلس عمر" فدل على أن المراد ليس الداخل وإنما الجالس في المسجد. وفيه في الرواية الثالثة: " كان الإمام إذا خرج.. تركنا "، فدل على أن المراد الموجود في المسجد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 32 ج وأما أثر عقبة ففيه: ((عبد الله بن لَهِيعة (259) الحضرمي)) (260) وهو ((ضعيف)) . (261) والمقصود: الصلاة مِن مَن كان في المسجد جالساً والإمام على المنبر معصية. د وأما أثر عبد الله بن صفوان فذلك خاص به، وقد يكون ذلك هو المناسب أو المصلحة فيه. هـ وكذا أثر شريح بروايتيه مثل هذا. ووأما أثر أبي قِلابة فيناقش: بأن فيه ((علي بن عاصم)) ؛ (262) قال في الكاشف: ((ضعّفوه)) . (263) وقال في تقريب التهذيب: ((يخطئ، ويصرّ، ورمي بالتشيُّع)) . (264) على أن ذلك خاص بأبي قِلابة، وقد يكون ذلك هو المناسب أو المصلحة فيه. ز وأما أثر عروة، وأثر سعيد بن المسيب بروايتيه، والرواية الأولى لأثر الزهري فيجاب عن ذلك: بأن المراد منه لمن كان جالساً في المسجد. ح وأما الرواية الثانية والثالثة لأثر الزهري، وأثر مجاهد، وأثرابن سيرين بروايتيه فيجاب عن ذلك: بأن ذلك اجتهاد منهم وخاص بهم. ط وأما أثر علقمة: فهو في الكلام. ثم هو أمر مُجتهِدٌ فيه علقمة. ويجاب عنه: بأن هذه السنة الجارية، وعندما يصلي فإنه يستمع، وهو يخالف الكلام، فالكلام ليس بعبادة وإنما فوضى وتشويش على الحضور داخل المسجد حال الخطبة، والصلاة تحية المسجد عبادة لله، والركوع لا يُشغله بل ترك الركعتين يجعله يتهاون في أمر العبادة ويَتساهل فيه. المقصد الخامس: مناقشة استدلال القول الثاني بالمعقول. وأما قياسه على الجالس فالمعنى فيه أنه إنما أمر به من تحية المسجد. (265) والداخل ليس كالجالس قبل بدء الإمام في الخطبة. ويختلف عن أوقات النهي، وليس كذلك الخطبة، فالأحاديث صريحة وواضحة، فمن كان في المسجد قيامه حال الخطبة وصلاته يؤدي إلى الفوضى والتشويش على الحضور، بخلاف الداخل حال الخطبة. المطلب الثالث: مناقشة القول الثالث (هو بالخيار) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 33 وأما القول الثالث قول أبي مِجْلَز: فهو قول خاص به، كما أنه يناقش بالقول الأول، ومن قال به، وهم أكثر أهل العلم. كما أنه يناقش أيضاً: بالقول الثاني، ومن قال به، وهم من بقي من أهل العلم. فالقول الأول والثاني قال بهما أئمة المذاهب المعتمدة، وأئمة الاجتهاد، وجميع أهل العلم، معتمدين في ذلك على الأدلة من القرآن والسنة والأثر والمعقول. وأما ما روي عن أبي مِجْلز فيجاب عنه أيضاً بهذا، ويمكن أن يكون جمعاً بين الأدلة، اجتهاداً منه، وأدلة القول الأول عن الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة وصريحة والمقام. الخاتمة: نتيجة البحث، ومؤيداتها. ومن خلال ما تقدم يتضح أن نتيجة البحث (الراجح) هو القول الأول، وهو أنه إذا دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب فإنه يصلي ركعتين ثم يجلس؛ فهو قول: الشافعية والحنابلة، والحسن ومكحول والمقبري وابن عُيينة والحُميدي وابن راهويه وأبي ثور وداود وابن المنذر. أئمة الفقه ومجتهديه. وفِعل: الحسن وابن عيينة، وكان يأمر به. ولولا أنه هو السنة لَمَا فَعلاه، وَلَمَا أَمََر به ابن عيينة، ولَمَا اختاره: الترمذي (266) والدارمي. (267) فهو قول: أكثر أهل العلم؛ قال الحسين بن مسعود البغوي (268) في التهذيب: ((عند أكثر أهل العلم)) . (269) وقال في شرح السنة: ((وهو قول كثير من أهل العلم)) . (270) يُؤيد تلك النتيجة (الراجح) أيضاً، وهو أن القول الأول الأصح:أنه فِعل الحسن البصري؛ وذلك لما رُوي عن ((العلاء بن خالد القرشي)) (271) أنه قال: " رأيت الحسن البصري دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب، فصلى ركعتين، ثم جلس". (272) وفِعل الحسن البصري هذا إنما فَعَله اتباعاً منه للسنة، التي رواها الحسن نفسه؛ فقد روى عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث (273) ، كما عرفت (274) ؛ قال حَمْد بن محمد الخطابي (275) : ((والسنة أولى ما اتُّبِِع)) . (276) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 34 وبالنظر إلى تلك النتيجة (القول الراجح هذا) نجد أن تلك النتيجة مبنيةً على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وفهمها، ترجيحاً لقول أئمة يُقتدى بهم في علم الحديث وغيره. فهو ترجيح موافق لقول أكثر الأئمة والمجتهدين، واختيارهم. وما استدلوا به أحاديث صريحة واضحة صحيحة؛ فحديث جابر حديث صحيح بجميع رواياته، وكذلك حديث أبي سعيد وحديث أبي قتادة: صحيحان. ولولا أنه هو السنة لَما قال به أئمة الهدى؛ فهو ترجيح للسنة الصحيحة، والعقل السليم؛ فحديث جابر رضي الله عنه أصحّ شيء في الباب كما رأيت. (277) لا يعترض على هذا: بأن ابن العربي قال عن القول الثاني (يجلس ولا يصلي) : ((وهو الصحيح)) ؛ (278) لأن هذا مُعارِض للأحاديث الصحيحة الصريحة الواضحة في المقام، حديث جابر برواياته المختلفة، وحديث أبي سعيد، وحديث أبي قتادة، وغيرهم، وأثر الحسن وغيره. وفي نفس الوقت نجد أن الراجح مخالف لقول: الحنفية والمالكية، ومن وافقهما من أهل العلم؛ لقوة أدلته، وفهم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كما عرفت. (279) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 35 على أن السبب في الاختلاف في هذا البحث مُعَارضة القياس (280) لعموم الأثر، وذلك أن عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاء أحدكم فليركع ركعتين)) ، (281) يُوجب أن يركع الداخل في المسجد يوم الجمعة وإن كان الإمام يخطب، والأمر بالإنصات إلى الخطيب كما عرفت (282) يوجب دليله أن لا يشتغل بشيء مما يُشغل عن الإنصات وإن كان عبادة، ويُؤيد عموم هذا الأثر ما ثبت من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إذا جاء أحدكم المسجد والإمام يخطب فليركع ركعتين خفيفتين". (283) وأكثر رواياته:" أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل الداخل أن يركع، ولم يقل إذا جاء أحدكم" (284) فيتطرق إلى هذا الخلاف في هل تقبل زيادة الراوي الواحد إذا خالفه أصحابه عن الشيخ الأول الذي اجتمعوا في الرواية عنه أم لا؟ فإن صحت الزيادة وجب العمل بها؛ فإنها نص في موضع الخلاف. (285) والنص لا يجب أن يعارض بالقياس، لكن يُشْبه أن يكون الذي راعاه مالك بن أنس الأصبحي (286) في هذا هو العمل. (287) إلا أنه يؤيد هذا القول الراجح (القول الأول: يصلي) : السنة الصحيحة، والأثر المعتمد على هذه السنة، والمعقول السليم؛ فحديث جابر (حديث سُليك) : روايته الأولى صحيحة؛ ممن أخرجها: محمد بن إسماعيل البخاري، (288) ومسلم بن الحجاج القُشيري النَّيسابوري؛ (289) فهو ((متفق عليه)) ، حديث صحيح، صححه الترمذي وذكر أنه أصح شيء في هذا الباب كما عرفت، (290) وروايته الثانية صحيحة، وكذلك الثالثة؛ ممن أخرجهما: مسلم، وأيضاً روايته الرابعة صحيحة؛ ممن أخرجها: البخاري ومسلم، وصححها يحيى بن شرف النووي الشافعي، (291) وقال عنها عبد الله بن أحمد بن قُدامة الحنبلي (292) : ((متفق عليها)) ؛ فقد قال في المغني: ((متفق عليه)) . (293) وروايته السادسة صحيحة، وكذا السابعة؛ ممن أخرجهما: مسلم. فحديث جابر هذا نص، وتقدم جميع هذا كما عرفت. (294) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 36 وقد أكّده الترمذي بحديث أبي سعيد: " أنه دخل ومروان يخطب فصلى، وبيّن أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر به ". ويرويه سفيان بن عيينة، وقال عن ((محمد بن عجلان)) : ((ثقة مأمون في الحديث)) كما رأيت. (295) ... وقال ابن العربي: ((والذي عندي أن محمد بن عجلان إمام لا كلام لأحد فيه إلا بغير حجة)) . (296) على أن حديث أبي سعيد هذا صحيح؛ صححه الترمذي. (297) وكذا حديث أبي قتادة صحيح؛ صححه النووي، (298) وقال ابن قدامه: ((متفق عليه)) . (299) فهي أحاديث صحيحة صريحة واضحة لا مجال للتأويل الفاسد. وأثر الحسن لا يضره ما في إسناد الرواية الثالثة والرابعة من ضعف؛ فقد رددته كما رأيت. (300) وأحاديث الإنصات ليست للمقام دليلاً. على أن بحثي هذا خِلافيّ كما رأيت، والنتيجة هذه لا تقلِّل من قيمة القولين المخالفَين، لا سيما وأن من أخذ بذلك، أئمة كبار، إلا أن الواجب الاتباع، ومخالف النص الصحيح لا ينظر إلى قوله مع وجود النص الصحيح الصريح، رحمنا الله برحمته، وفقهنا في دينه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الحواشي والتعليقات الأم 1/198، والحاوي 2/429، والمهذب 1/122 والمجموع 4/53 و 550 و 551 و 552. المغني 2/319، والإنصاف 2/415، 416، والروض المربع 1/ 88. التميمي. توفي (460هـ) ونسبته: إلى عمل السُّيور، وهو أن يقطع الجلد سيوراً دقاقاً ويخرز بها السروج؛ ترتيب المدارك وتقريب المسالك 2/326، والفكر السامي 2/212، واللباب في تهذيب الأنساب 2/ 170. قوانين الأحكام الشرعية 96، وحاشية الدسوقي 1/388، وجواهر الإكليل 1/99. شرح معاني الآثار 1/369، والمجموع 4/552، والمغني 2/319. والحسن: ولد سنة (21هـ) ، وكان إماماً خيراً، عالماً فقيهاً، حجة، مأموناً، عابداً ناسكاً فصيحاً، توفي سنة (110هـ) ؛ طبقات ابن سعد 7/157، وشذرات الذهب 1/136 138. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 37 المجموع 4/552، والمغني 2/319. ومكحول: طاف الأرض في طلب العلم، وكان فقيهاً، وأحد أوعية العلم والآثار، توفي سنة (113هـ) ؛ شذرات الذهب 1/146، 14، وتهذيب التهذيب 10/289 293. المجموع 4/552. وسعيد: توفي سنة (123هـ) . وكان يسكن بالقرب من مقبرة فنسب إليها؛ الكاشف 1/287، واللباب في تهذيب الأنساب 3/245، 246. المجموع 4/552، والمغني 2/319. وسفيان:أحد الأعلام، الإمام الراوي المشهور، والمحدث الحافظ الثقة الثبت، توفي سنة (198هـ) ؛ تأريخ بغداد 9/174 184، والكاشف 1/301. المجموع 4/552. وعبد الله: القرشي المكي الفقيه، أحد الأعلام، كان ناصحاً للإسلام وأهله، توفي سنة (219هـ) ؛ الكاشف 2/77. الجامع الصحيح 2/386، والمجموع 4/552، والمغني 2/319. وإسحاق: ولد سنة (166هـ) وقيل (161هـ) ، اجتمع له الحديث والفقه، والحفظ والصدق والورع والزهد، توفي سنة (238هـ) بنيسابور؛ 321، وتأريخ بغداد 6/345 355، وطبقات الشافعية 1/232 238. المجموع 4/552، والمغني 2/319. وأبو ثور: ثقة أمين، فقيه عالم، توفي سنة (240هـ) ببغداد؛ المرجعان السابقان، الأول ص 65 69، والثاني ص 277. المجموع 4/552. وداود: ولد سنة (200هـ) وقيل (202هـ) ، كان ناسكاً ذو فضل وصدق، يتمسك بظاهر نصوص القرآن والسنة، توفي سنة (270هـ) ؛ الفهرست 303 305، وطبقات الحفاظ 257،258، والفتح المبين 1/159161. المجموع 4/552، والمغني 2/319. وابن المنذر: فقيه مجتهد، حافظ، شيخ الحرم بمكة لم يُصَنّف مثل كتبه، توفي بمكة سنة (319هـ) ؛ طبقات الشافعية 2/126 129، والأعلام 5/294، 295 المجموع 4/552. أخرجه: الترمذي والدارِمي وابن أبي شيبة والطحاوي كما ستعرف؛ رقم (52 57) . الجامع الصحيح 2/386. المرجع السابق. العدني، نزيل مكة، الحافظ الصالح الخيِّرالحجة، شيخ الترمذي، مات سنة (243هـ) ؛ الكاشف 3/95، وشذرات الذهب 2/104. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 38 اسمه ((عبد الله بن يزيد)) المكي، أصله من البصرة أو الأهواز، الحافظ الثقة الفاضل، مات سنة (213هـ) ؛ الكاشف 2/128، وتقريب التهذيب 1/462. الجامع الصحيح 2/386. التهذيب للبغوي 2/339. الأنصاري. توفي سنة (78هـ) بالمدينة المنورة؛ سير أعلام النبلاء 3/189 194، والبداية والنهاية 9 /22. هو سُلَيك بن هُدْبةَ الغطفاني؛ وتأتي ترجمته بعد قليل رقم (30) ؛ شرح معاني الآثار 1/365، وعارضة الأحوذي 2/298. أخرجه: البخاري ومسلم وأبوداود والنسائي والترمذي، واللفظ للبخاري؛ صحيح البخاري 2/223، وصحيح مسلم 2/596 (875/54) و (875) ، وسنن أبي داود 1/291 (1115) ، وسنن النسائي 3/107، والجامع الصحيح 2/384 (510) . المرجع السابق ص 385. القائل: جابر بن عبد الله. هو سُليك كما في الرواية الأولى؛ رقم (23) ، ويأتي رقم (30) هنا. أخرجه: مسلم والنسائي وأحمد والطحاوي، واللفظ لمسلم؛ صحيح مسلم 2/596 (875/56) ، وسنن النسائي 3/103، ومسند أحمد 3/369، وشرح معاني الآثار 1/365 القائل: جابر بن عبد الله. هو: سُلَيْك بن عمرو الغطفاني، وقيل: ابن هُدْبَة، وجاء في شرح معاني الآثار: ((هُدْيَة)) . الصحابي رضي الله عنه؛ تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1 ص 231، ورقم (23) هنا. أخرجه: مسلم وابن ماجة والشافعي والطحاوي، واللفظ لمسلم؛ صحيح مسلم 2/597 (875/58) ، وسنن ابن ماجة 1/353 (1112) ، والأم 1/197، وشرح معاني الآثار 1/365. أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة والدارمي والشافعي، واللفظ للبخاري والشافعي؛ صحيح البخاري 2/223، وصيحيح مسلم 2/596 (875/ 55) ، وسنن ابن ماجة 1/353 (1112) ، وسنن الدارمي 1/365، والأم 1/197. أخرجه: أبو داود وابن ماجة والطحاوي، واللفظ لابن ماجة؛ سنن أبي داود 1/291 (1116) ، وسنن ابن ماجة 1/353، 354 (1114) ، وشرح معاني الآثار 1/365. القائل: جابر بن عبد الله. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 39 أخرجه: مسلم وأحمد والطحاوي، واللفظ لمسلم، أما غيره فبدون: " قم فاركع ركعتين وتجوّز فيهما " وأخرجه: أبوداود وأحمد نحو ما عند مسلم. والطحاوي مثله؛ صحيح مسلم 2/597 (875/59) ، ومسند أحمد 3/316،317، و389 و297، وشرح معاني الآثار 1/365 و 365 و 371، وسنن أبي داود 1/291، 292 (1117) . أخرجه: مسلم والنسائي وأحمد والدارِمي، واللفظ لمسلم؛ صحيح مسلم 2/596 (875/57) ، وسنن النسائي 3/101، ومسند أحمد 3/369، وسنن الدارمي 1/36. المغني 2/319. الأنصاري. توفي سنة (74هـ) ؛ ونسبته إلى خُدرة، وهو: الأبجر بن عوف، قبيلة من الأنصار؛ سير أعلام النبلاء 3/168 172، وشذرات الذهب 1/81، والأنساب 2/380. هو: مروان بن الحكم، جد خلفاء بني أمية، توفي سنة (65هـ) ؛ البداية والنهاية 8/277 281، وشذرات الذهب 1/73. هذا الرجل هو سُليك الغطفاني؛ عارضة الأحوذي 2/298. أي حالته وصفته سيئة. وتطلق تلك الصفة ويراد بها التواضع في الملبس؛ لسان العرب 3/477 بذذ، وعارضة الأحوذي 2/298، 299. أخرجه: النسائي والترمذي والشافعي، واللفظ للترمذي، أما غيره فمطولاً وفيه قصة التصدق، وفيه.. " فأمر أن يصلي ركعتين " والدارمي نحوه، دون قوله: " ثم ذكر أن رجلاً.. إلخ ". وأحمد مطولاً، وفيه قصة التصدق، وفيه.. " فأمره أن يصلي ركعتين.."؛ صحيح النسائي 3/106، 107، والجامع الصحيح 2/385 (511) ، والأم 1/197، 198، وسنن الدارمي 1/364، ومسند أحمد 3/25. أي " ناداه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دنا ". أي الركعتين. أخرجه: الطحاوي؛ شرح معاني الآثار 1/366. أخرجه: ابن ماجة على ما في الرواية قبل السابقة؛ سنن ابن ماجة 1/353 (1113) . السلمي، الصحابي، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي سنة (54هـ) ؛ تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2 ص 265، وشذرات الذهب 1/60. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 40 أخرجه: مسلم ومالك وأحمد والطحاوي والدارمي، واللفظ لمسلم؛ صحيح مسلم 1/ 495 (714) و (714/70) ، والموطأ 1/162 (57) ، ومسند أحمد 5/305 و295 و296 و303 و311، وشرح معاني الآثار 1/370، وسنن الدارمي 1/323، 324. توفي سنة (32هـ) ؛ العبر 1/24، 25، وشذرات الذهب 1/39. أخرجه: أحمد في مسنده: 5/178. ... الحاوي 2/429. أخرجه: ابن أبي شيبة والطحاوي؛ مصنف ابن أبي شيبة 2/110، 111، وشرح معاني الآثار 1/369. أخرجها: ابن أبي شيبة في مصنفه 2/111. الرائي: الربيع بن صَبِيح البصري؛ الرقم القادم. وتأتي ترجمته؛ رقم (227) . أخرجها: الدارمي في سننه 1/364. الرائي: العلاء بن خالد القرشي؛ الرقم القادم. وتأتي ترجمته؛ رقم (230) . يأتي تخريج هذه الرواية في الخاتمة؛ رقم (272) . الجامع الصحيح 2/386. في الخاتمة؛ رقم (273) . الجامع الصحيح 2/386. في الرواية الخامسة لحديث جابر عند الطحاوي؛ حاشية رقم (33) هنا. في الخاتمة؛ رقم (273) . المغني 2/319. قبل قليل. الهداية 1/84، والإختيار 1/84، ومجمع الأنهر 1/171، وشرح فتح القدير 2/37. الكافي 1/196، وبداية المجتهد 1/163، وجواهر الإكليل 1/99، والخَرشي 2/89. أخرجه: ابن أبي شيبة في مصنفه 2/111. وعلي: ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، مشهور المناقب، قُتل على يد عبد الرحمن بن ملجم سنة (40هـ) ؛ تهذيب الأسماء واللغات ق 1ج1 ص 344 349، والبداية والنهاية 7/353 ج 8/16. المجموع 4/552، والمغني 2/319. وأخرجه: ابن أبي شيبة في مصنفه 2/111. وشريح: ولي قضاء الكوفة لعمر فمن بعده (75) سنة، وكان من كبار التابعين، فقيهاً نبيهاً شاعراً مزّاحاً، ثقة، توفي بالكوفة سنة (78) هـ. ونسبته إلى كِنْدة، ثور بن مُرتِّع، وقيل: ثور بن عُفير، قبيلة مشهورة من اليمن؛ وفيات الأعيان 2/460 463، وشذرات الذهب 1/84 86، واللباب في تهذيب الأنساب 3/115، 116. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 41 المجموع 4/552، والمغني 2/319. والنخعي: ولد سنة (46هـ) ، من كبار التابعين في الصلاح والصدق والحفظ، من أهل الكوفة، فقيه العراق بالاتفاق، كان إماماً مجتهداً، توفي سنة (95هـ) ؛ شذرات الذهب 1/111، والأعلام 1/80. أخرجه: ابن أبي شيبة والطحاوي. ومجاهد: ولد سنة (21هـ) ، الإمام الحبر، توفي بمكة سنة (103هـ) ؛ مصنف ابن أبي شيبة 2/111، وشرح معاني الآثار 1/370، وطبقات الحفاظ 42، 43، وشذرات الذهب 1/125. المجموع 4/552، والمغني 2/319. ويأتي تخريجه؛ رقم (139) . ومحمد: ولد سنة (33هـ) بالبصرة، ونشأ بزازاً، وتفقه وروى الحديث، تابعي ثقة جليل، اشتهر بالورع وتعبير الرؤيا، توفي بالبصرة سنة (110هـ) ؛ البداية والنهاية 9/300، والأعلام 6/154. المجموع 4/552. وأخرجه: ابن أبي شيبة في مصنفه 2/111. وعطاء: ولد في جند باليمن سنة (27هـ) ، تابعي جليل عالم، توفي في مكة سنة (114هـ) ؛ طبقات الحفاظ 45،46، والأعلام 4/235. المجموع 4/552، والمغني 2/319. وقتادة: ولد سنة (61هـ) ، مفسر حافظ، عالم بالحديث، رأساً في العربية ومفردات اللغة وأيام العرب والنسب، ضرير أكمه، مات سنة (118هـ) بواسط؛ شذرات الذهب 1/153، 154، والأعلام 5/189. الجامع الصحيح 2/386، والمجموع 4/552، والمغني 2/319.والثوري: ولد سنة (5 أو 6 أو 97هـ) ، كان أمير المؤمنين في الحديث، توفي بالبصرة سنة (161هـ) . ونسبته: إلى ثور بن عبد مناة؛ تأريخ بغداد 9/151 174، ووفيات الأعيان 2/386 391. المجموع 4/552، والمغني 2/319. والليث: ولد سنة (64هـ) ببلدة ((قرقشندة)) بمصر، من أصحاب مالك، إمام ثقة كثير الحديث، مات سنة (175هـ) ؛ الفهرست 281، وشذرات الذهب 1/285. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 42 المجموع 4/552. وسعيد: مفتي دمشق وعالمها، كان صالحاً قانتاً، خاشعاً بكاء خوافاًً، ثقة ثبتاً، مات سنة (167هـ) . ونسبته: إلى تنوخ، اسم لعدة قبائل اجتمعت قديماً بالبحرين؛ الكاشف 1/291، وشذرات الذهب 1/263، والأنساب 1/507. أخرجه: عبد الرازق وابن أبي شيبة والطحاوي كما يأتي؛ رقم (120 126) . يأتي تخريجه؛ رقم (141) . عارضة الأحوذي 2/298. وابن العربي: ولد سنة (468هـ) ، الإمام العلامة القاضي، الحافظ المحدث المشهور، توفي سنة (543هـ) بفاس؛ وفيات الأعيان 4/296، 297، وسير أعلام النبلاء 20/197 203. الأعراف (204) . الحاوي 2/429، وتفسير البحر المحيط 4/448. المازني، صحابي، ولأبيه صحبة، نزل حمص، وهو آخر من مات من الصحابة بالشام في حمص، وذلك سنة (88هـ) ، وقيل (96هـ) ؛ الكاشف 2/66، وتقريب التهذيب 1/404، وشذرات الذهب 1/98، 111. أخرجه: أبوداود والنسائي وأحمد والطحاوي، واللفظ له. وآذيت: أي الناس بتخطيك. وآنيت: تأخرت وأبطأت عن وقتك في المجيء؛ سنن أبي داود 1/292 (1118) ، وسنن النسائي 3/103، ومسند أحمد 4/190 و188، وشرح معاني الآثار 1/366، ولسان العرب 14/27 و48، 49 (أذي، وأني) . الحضرمي الحمصي، ثقة، توفي سنة (129هـ) ؛ الكاشف 1/151، وتقريب التهذيب 1/156. شرح معاني الآثار 1/366. أخرجه: ابن ماجة في سننه 1/354 (1115) . القرشي، صحابي ابن صحابي، ولد في مكة قبل الهجرة بعشر سنين،وتوفي سنة (74هـ) على المشهور؛ سير أعلام النبلاء 3/203 239، والبداية والنهاية 9/5، 6. أخرجه: الطبراني في المعجم الكبير؛ مجمع الزوائد 2/184. شرح معاني الآثار 1/367. اختلف في وفاته (7 أو 8 أو 59هـ) وهذا المشهور، ودفن بالبقيع. ونسبته: إلى دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران، بطن كبير من الإزد؛ البداية والنهاية 8/111 124، واللباب في تهذيب الأنساب 1/513. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 43 أخرجه: البخاري وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة والدارمي والطحاوي وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة،واللفظ للبخاري؛ صحيح البخاري 2/224، وسنن أبي داود 1/290 (1112) ، وسنن النسائي 3/103، 104، والجامع الصحيح 2/387 (512) ، وسنن ابن ماجة 1/352 (1110) ، وسنن الدارمي 1/364، وشرح معاني الآثار 1/367، ومصنف عبد الرزاق 3/222، 223 (5414) و (5416) ، ومصنف ابن أبي شيبة 2/124. شرح فتح القدير 2/37. أخرجه: النسائي والطحاوي وعبد الرزاق؛ سنن النسائي 3/104، وشرح معاني الآثار 1/367، ومصنف عبد الرزاق 3/223 (5415) . أخرج الأول: الترمذي وابن ماجة. وأخرج الثاني: الطحاوي؛ الجامع الصحيح 2/371 (498) ، وسنن ابن ماجة 1/346، 347 (1090) ، وشرح معاني الآثار 1/367. أخرجه: الطحاوي. وأبوالدّرداء: صحابي، من العلماء الحكماء الفرسان القضاة، مات سنة (32هـ) بالشام؛ المرجع السابق، وحلية الأولياء 1/208 227، والأعلام 5/98. أخرجه: ابن ماجة. وأبيّ: أبو المنذر، سيد القراء، كان من علماء الصحابة، توفي سنة (19هـ) ؛ سنن ابن ماجة 1/352، 353 (1111) ، والعبر 1/17 و 20، وشذرات الذهب 1/31. أخرجه: النسائي والطحاوي والدارمي. وسلمان: سلمان الخير، صحابي، مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصله من فارس من ((جَيّ)) ، قرية في أصبهان وقيل: من ((رام هرمز)) . اتفق العلماء على أنه عاش (250) سنة، وقيل (350) سنة، توفي بالمدائن أول سنة (36هـ) ؛ سنن النسائي 3/104، وشرح معاني الآثار 1/368، وسنن الدارمي 1/362، وتهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1 ص 226 228، وشذرات الذهب 1/42. أخرجه: الطحاوي؛ شرح معاني الآثار 1/3680 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 44 أخرجه: أبوداود والطحاوي. وعبد الله: ولد سنة (7 ق هـ) ، قرشي، مكي صحابي عابد، أسلم قبل والده، مناقبه كثيرة، توفي سنة (65هـ) ؛ سنن أبي داود 1/291 (1113) ، وشرح معاني الآثار 1/368، وحلية الأولياء 1/ 283 292، والأعلام 4/111. أخرجه: النسائي والترمذي والدارمي والطحاوي. وأوس: صحابي، نزل دمشق، وقبر بها. وقيل: أويس بن أبي أوس، وأوس بن حذيفة اسم له؛ سنن النسائي 3/102، 103، و97، والجامع الصحيح 2/367، 368 (496) ، وسنن الدارمي 1/363، وشرح معاني الآثار 1/368، 369، وتهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1 ص 129. أخرجه: الطحاوي؛ شرح معاني الآثار 1/369. المرجع السابق. ولد بمكة، سنة (3 ق. هـ) ، ونشأ ملازماً للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ابن عمه، ترجمان القرآن وحبر الأمة، توفي بالطائف سنة (68هـ) ؛ البداية والنهاية 8/317 330، والأعلام 4/95. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/111 و124. أخرجها: الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/370. شرح فتح القدير 2/37. أبو يحي، المدني، إمام مسجد بني قريظة، رأى النبي صلى الله عليه وسلم؛ تهذيب الأسماء واللغات ق 1ج 1 ص 140. قرشي مكي، تولى الخلافة بعد أبي بكر، ومناقبه معروفة، توفي شهيداً سنة (23هـ) ؛ المرجع السابق ق 1 ج 2 ص 15، والبداية والنهاية 7/143 155. أخرجه: الطحاوي؛ شرح معاني الآثار 1/370. أخرجها: عبد الرزاق في مصنفه 3/208 (5352) . هو: عثمان بن أبي العاص بن أمية، ولد بمكة قبل الهجرة ب (47) عاماً، وسيرته مطروحة في موضعها، قُتل سنة (35هـ) بالمدينة؛ البداية والنهاية 7/186 238، ومرآة الجنان 1/9094، والأعلام 4/371، 372. أخرجها: ابن أبي شيبة في مصنفه 2/111. صحابي، ولي مصر سنة (44هـ) ، وعزل عنها سنة (47هـ) ، كان شجاعاً فقيهاً، شاعراً قارئاً، من الرماة، توفي بمصر سنة (58هـ) ؛ حلية الأولياء 2/8، 9، والأعلام 4/24. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 45 أخرجه: الطحاوي؛ شرح معاني الآثار 1/370. القريشي الأسدي، المدني، ولد سنة (61هـ) ، تابعي مشهور، أحد الفقهاء السبعة، كان إماماً جليلاً، ثقة ثبتاً حجة، كثير الحديث، توفي ببغداد سنة (146هـ) ؛ تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج2 ص138، وشذرات الذهب 1/218، 219. ابن أميّة بن خلف الجُمحي، المكي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقُتل مع عبد الله بن الزبير سنة (73هـ) ؛ الكاشف 2/87، وتقريب التهذيب 1/423، 424. هو: عبد الله بن الزبير بن العوام، القرشي الأسدي، ولد سنة (1 هـ) في المدينة، كان صواماً قواماً، بطلاً شجاعاً، فارساً خطيباً، بويع له بالخلافة سنة (64هـ) ، وكانت عاصمته المدينة، إلى أن انتهى الأمر بمقتله في مكة سنة (73هـ) ، على يد الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي سيره الأمويون له، أيام عبد الملك بن مروان؛ جمهرة أنساب العرب 122 125، وشذرات الذهب 1/79، 80، والأعلام 4/87. أخرجه: الطحاوي؛ شرح معاني الآثار 1/370. المرجع السابق. أخرجه: عبد الرزاق وابن أبي شيبة، ونحوه الطحاوي؛ مصنف عبد الرزاق 3/245 (5518) ، ومصنف ابن أبي شيبة 2/111 و 111، 112، وشرح معاني الآثار 1/36. المراجع السابقة، وأيضاً الأخير ص 370. والشعبي: ولد سنة (19هـ) بالكوفة، تابعي يضرب به المثل في الحفظ، توفي بالكوفة سنة (103هـ) ؛ تقريب التهذيب 1/387، والأعلام 3/ 251. شرح معاني الآثار 1/369، 370. المرجع السابق. رقم (83) وأيضاً رقم (86 و88) . الرائي: إسماعيل بن أبي خالد؛ مصنف ابن أبي شيبة 2/111. أخرجه: ابن أبي شيبة في المرجع السابق. من أهل البصرة، ناسك، عالم بالقضاء والأحكام، من رجال الحديث الثقات، مات سنة (104هـ) بالشام؛ حلية الأولياء 2/282 289، وشذرات الذهب 1/126، وتهذيب التهذيب 5/224 226. أخرجه: الطحاوي؛ شرح معاني الآثار 1/ 369. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 46 ولد سنة (23هـ) وقيل (29هـ) ، تابعي ثقة جليل، فقيه عالم، أحد فقهاء المدينة السبعة، توفي سنة (94هـ) ، وقد اضطرب في وفاته من سنة (90هـ) إلى (101هـ) وما بينهما؛ سير أعلام النبلاء 4/321 437، وطبقات الحفاظ 23. أخرجه: ابن أبي شيبة في مصنفه 2/111. أحد أعلام الدنيا، سيد التابعين، فقيه المدينة، جمع بين الحديث والتفسير والفقه، والورع والعبادة، مات سنة (94هـ) ؛ البداية والنهاية 9/111، 112، وشذرات الذهب 1/102، 103. أخرجه: ابن أبي شيبة وعبد الرزاق؛ مصنف ابن أبي شيبة 2/124، 125، ومصنف عبد الرزاق 3/207، 208 (5351) . أخرجها: ابن أبي شيبة في مصنفه 2/111. المدني، من كبار الحفاظ والفقهاء، وأول من دوّن الحديث، كان جامعاً للترغيب والأنساب، والقرآن والسنة، سخياً متواضعاً، توفي سنة (124هـ) ؛ طبقات الحفاظ 49، 50، والفتح المبين 1/97، 98. أخرجه: ابن أبي شيبة في مصنفه2/125. كالسابق ص 111. أخرجها: الطحاوي؛ شرح معاني الآثار 1/369. أخرجه: ابن أبي شيبة والطحاوي؛ مصنف ابن أبي شيبة 2/111، وشرح معاني الآثار 1/370. أخرجه: ابن أبي شيبة في مصنفه 2/111. كالسابق. الكوفي، التابعي الكبير، الجليل الفقيه البارع، الثقة الخيِّر، عم الأسود وعبد الرحمن ابني يزيد، خالي إبراهيم النخعي، توفي سنة (62هـ) ؛ تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1 ص 342، 343، وشذرات الذهب 1/70. أخرجه: عبد الرزاق والطحاوي، واللفظ له؛ مصنف عبد الرزاق 3/208، 209 (5355) ، وشرح معاني الآثار 1/370. الحاوي 2/429. الإختيار لتعليل المختار 1/84. مجمع الأنهر 1/171. الحاوي 2/429. المغني 2/319. الحاوي 2/429. شرح معاني الآثار 1/369. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 47 مصنف ابن أبي شيبة 2/111، والمجموع 4/552. وأبومِجْلَز: السدوسي، تابعي، توفي سنة (106هـ) . وحكي في لقبه هذا فتح الميم، واشتقاقه من جلز السوط وهو مقبضه؛ تهذيب الأسماء واللغات ق1ج2ص70و266، وتهذيب التهذيب 12/222، وشذرات الذهب 1/134. أخرجه: ابن أبي شيبة في مصنفه 2/111. عارضة الأحوذي 2/298. ولد سنة (209هـ) ، إمام حافظ، متقن عالم ثقة، من أئمة الحديث، صاحب ((الجامع الصحيح)) ، توفي سنة (279هـ) .ونسبته: إلى مدينة ((تٍرْمِذ)) المشهورة؛ شذرات الذهب 2/174، 175، والأعلام 6/322، والأنساب 1/482، 483. ولد سنة (181هـ) ، حافظ ثقة، إمام أهل زمانه، توفي سنة (255هـ) . ونسبته: إلى دارِم بن مالك بن بطن كبير من تميم؛ طبقات الحفاظ 239، وشذرات الذهب 2/130، واللباب في تهذيب الأنساب 1/484. في الخاتمة؛ رقم (266) و (267) . عارضة الأحوذي 2/299. المرجع السابق. في الخاتمة؛ رقم (269) و (270) وقبل رقم (266) بسطر. عارضة الأحوذي 2/299، 300. في الخاتمة؛ بعد رقم (270) . رقم (58و60و61) . عارضة الأحوذي 2/299، 300. الأعراف (204) . عارضة الأحوذي 2/ 300. سبق تخريجه؛ رقم (91) . عارضة الأحوذي 2/ 300. المرجع السابق. المرجع السابق ص 300، 301. المرجع السابق ص 302. رقم (24و28و31و32و33و35) . عارضة الأحوذي 2/302. المرجع السابق. شرح معاني الآثار 1/366. رقم (83) . شرح معاني الآثار 1/366. المرجع السابق. المرجع السابق. المرجع السابق. المرجع السابق ص 367. رقم (93) . رقم (91) . شرح معاني الآثار 1/367. المرجع السابق. رقم (95) . رقم (94) الثاني. شرح معاني الآثار 1/368. المرجع السابق. رقم (97) . رقم (98) . رقم (99) . رقم (100) . رقم (101) . شرح معاني الآثار 1/369. رقم (118و120و126و128) . شرح معاني الآثار 1/370، ورقم (114) هنا. رقم (70) . رقم (135 137) . رقم (104و105و109و112و114) . شرح معاني الآثار 1/370. رقم (122) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 48 رقم (124) . رقم (143149) . شرح معاني الآثار 1/370. رقم (35و36و48) . شرح معاني الآثار 1/370، 371 المرجع السابق. المرجع السابق. جواهر الإكليل 1/99، وحاشية الدسوقي 1/388. جواهر الإكليل 1/99. الجامع الصحيح 2/385. عارضة الأحوذي 2/298. المدني، الفقيه الصالح، مات سنة (138هـ) ؛ الكاشف 3/69، وتقريب التهذيب 2/190. الكاشف 3/69. تقريب التهذيب 2/190. ولد سنة (164هـ) ، وسيرته مطروحة في موضعها، توفي سنة (241هـ) ؛ طبقات الحنابلة 1/4 -20، والبداية والنهاية 10/325 343. ولد بنقيا قرب الأنبار سنة (158هـ) ، ونشأ ببغداد، إمام علم، أحد أئمة الجرح والتعديل، وأستاذ أهل هذه الصناعة في زمانه، توفي بالمدينة سنة (233هـ) ؛ البداية والنهاية 10/312، وطبقات الحفاظ 188، 189، والأعلام 8/172، 173. الكاشف 3/69. الجامع الصحيح 2/386. الحاوي 2/430. الكوفي، من كبار العلماء، مات سنة (160هـ) ؛ الكاشف 2/152، وتقريب التهذيب 1/487. الشامي، ويقال: ((أبوعمرو)) ؛ المرجعان السابقان، الأول ص 208و3/318، والثاني 2/454. المرجعان السابقان، الأول 2/208، والثاني 1/543. المرجعان السابقان الأول 2/152، والثاني 1/487. ج 3/318. م2 / 454. م1 / 543. السعدي، كان عابداً مجاهداً، مات سنة (160هـ) ؛ الكاشف 1/236، وتقريب التهذيب 1/245. الكاشف 1/236.والنسائي: ولد سنة (215هـ) ، ومات سنة (303هـ) .ونسبته: إلى مدينة ((نسا)) بخراسان؛ طبقات الشافعية 2/83، 84، وشذرات الذهب 2/ 239 241، واللباب في تهذيب الأنساب 3/307، 308. م1 ص 245. الواسطي.ويقال: الرياحي.ويقال: البصري؛ ميزان الإعتدال 3/ 98، وتهذيب التهذيب 8/179،180. ج2 ص309. م2 ص91. عارضة الأحوذي 2/302. رقم (1 17) . الحاوي 2/430. يصح أن يقال فيها عدة أمور؛ لسان العرب 13/303 306 عين، والتعريفات 176، 177. المغني 2/319. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 49 محمد بن حِبَّان التميمي، ولد بضع و (270هـ) بمدينة بست من بلاد سِجِسْتان، محدث حافظ، مؤرخ فقيه، لغوي واعظ، توفي ببست سنة (354هـ) ؛ طبقات الشافعية 2/141 143، وشذرات الذهب 3/16، ومعجم المؤلفين 9/173، 174. م2 ص184. المجموع 4/552. والغريب: البعيد عن وطنه، والغامض والخفي من الكلام، وقول غريب: بعيد. وأما الخبر الغريب فقال في التعريفات: ((ما يكون إسناده متصلاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن يرويه واحد، إما من التابعين أو من أتباع التابعين أو من أتباع أتباع التابعين)) ص162. وقال في الموقظة: ((تارة ترجع غرابته إلى المتن وتارة إلى السند، والغريب صادق على ماصح وما لم يصح، والتفرد يكون لما انفرد به الراوي إسناداً أو متناً، ويكون لما تفرد به عن شيخ معين)) ص43. وانظر: لسان العرب 1/639، 640 غرب، والمعجم الوسيط 2/653، وعلوم الحديث 243 245. م2 ص37. وانظر: رقم (135) هنا. المجموع 4/552. م2 ص430. كالسابق. شرح فتح القدير 2/37. رقم (24و 28 و 31 و33 و35) . شرح فتح القدير 2/37. الشافعي. ولد سنة (306هـ) ، محدث حافظ، فقيه مقرئ، إخباري لغوي، توفي سنة (385هـ) ببغداد. ونسبته: إلى دار القطن محلة ببغداد؛ شذرات الذهب 3/116، 117، ومعجم المؤلفين 7/157، 158. أخرجه: الدارقطني في سننه 2/15 (9) . المحاربي الكوفي النحاس، والد محمد بن عُبيد؛ الكامل في ضعفاء الرجال 5/1989، وميزان الإعتدال 3/23، وتهذيب التهذيب 7/73. سنن الدارقطني 2/15 (9) . أخرجه: الدارقطني؛ المرجع السابق ص16 (10) . المرجع السابق. والمرسل: ما سقط ذكر الصحابي من إسناده، فيقول التابعي: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)) ؛ معرفة علوم الحديث 25، والموقظة 38، والتبصرة والتذكرة: 1/144. سنن الدارقطني 2/15 (9) . رقم (35) . م2 ص37. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 50 القاضي، أحد الأعلام، وأحد الفقهاء، مات سنة (145هـ) ؛ الكاشف 1/147، وتقريب التهذيب 1/ 152. المرجعان السابقان. والتدليس لغة: الكتمان. واصطلاحاً: ثلاثة أنواع: الإسناد والشيوخ والتسوية. ومن أحب معرفة كل نوع منها فليرجع إلى مراجعه هنا؛ المعجم الوسيط 1/292 دلس، ومعرفة علوم الحديث 103 112، وعلوم الحديث 66 68، والخلاصة في أصول الحديث 71، 72، والتبصرة والتذكرة: 1/179 191، وفتح المغيث 1/179195، وقواعد التحديث 132. اللهيعة: الكسل، وقيل: الغفلة، وقيل: التواني في البيع والشراء حتى يغبن؛ تهذيب الأسماء واللغات ق1 ج 1 ص283، 284، وج2 ص301. ولد سنة (96هـ) ، قاضي مصر وعالمها ومحدثها، كان إماماً بارعاً، صالحاً صادقاً باراً، ضابطاً متقناً، توفي سنة (174هـ) ؛ المرجع السابق، وميزان الإعتدال 2/475 483، وتقريب التهذيب 1/444، وشذرات الذهب 1/283، 284. الجامع الصحيح 3/426، وميزان الإعتدال 2/475483. ابن صُهيب الواسطي التميمي، مات سنة (201هـ) ؛ الكاشف 2/251، وتقريب التهذيب 2/39. ج2 ص251. م2 ص39. الحاوي 2/430. الجامع الصحيح 2/386. سنن الدارِمي 1/364. ولد سنة (436هـ) ، الإمام المحدث، المفسر الفقيه، كان ديناً عالماً، عاملاً على طريقة السلف، توفي بمرو الروذ سنة (516هـ) . ونسبته إلى ((بغا)) من قرى خراسان، بين هراة ومرو؛ طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/281 (248) ، وشذرات الذهب 4/48، 49، والأعلام 2/259. م2 ص339. ج4 ص266. تقدم؛ رقم (230) . أخرجه: الترمذي؛ الجامع الصحيح 2/386. المرجع السابق ص387. في رقم (61) عن رقم (33) . ولد سنة (319هـ) ، كان أحد أوعية العلم في زمانه، حافظاً فقيهاً، مبرزاً على أقرانه، صاحب ((معالم السنن)) ، توفي سنة (388هـ) ؛ شذرات الذهب 3/127، 128، والأعلام 2/273. معالم السنن 1/249. رقم (25) و (210) . رقم (159) . قبل قليل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 51 القياس في اللغة: التقدير بالمثل والرد إلى النظير. وفي الشرع: حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما؛ لسان العرب 6/787 قيس، وروضة الناظر وجنة المناظر 145. رقم (35و36و48) . رقم (89و91و93 102) . رقم (35) . رقم (24و28و3133و35و42و46) . بداية المجتهد 1/163. ولد بالمدينة سنة (93هـ) ، وتوفي بها سنة (179هـ) ، وسيرته مطروحة في موضعها؛ الفهرست 280، وحلية الأولياء 6/316 355. بداية المجتهد 1/164. ولد سنة (194هـ) ، إمام كبير مشهور في الحديث، صاحب ((الصحيح)) ، مات سنة (256هـ) .ونسبته: إلى مدينة ((بُخارى)) المعروفة بما وراء النهر؛ تأريخ بغداد 2/434، والأعلام 6/34، واللباب في تهذيب الأنساب 1/125. ولد سنة (204هـ) ، إمام كبير مشهور في الحديث، صاحب ((الصحيح)) ، مات سنة (261هـ) . ونسبته: إلى قبيلة كبيرة هي قُشير بن كعب. وإلى نَيْسَابور أحسن مدن خراسان؛ تأريخ بغداد 13/100104، والأعلام 7/221، 222، واللباب في تهذيب الأنساب 3/ 37، 38، 3410 رقم (210) . المجموع 4/552. والنووي: ولد في ((نوا)) سنة (631هـ) ، علامة في الفقه والحديث، صاحب ((المجموع)) توفي في ((نوا)) سنة (676هـ) ، ونسبته إليها، وهي من قرى حوران بسوريا؛ طبقات الشافعية 5/165 168، والأعلام 8/149، 150، ومعجم البلدان 5/306. ولد سنة (541هـ) ، من أكابر الحنابلة، صاحب ((المغني)) ، توفي سنة (620هـ) ؛ الأعلام 4/67. ج2 ص319. رقم (2237) . رقم (42و218) . عارضة الأحوذي 2/298. الجامع الصحيح 2/386. المجموع 4/551. المغني 2/319. بعد رقم (232) . المصادر والمراجع أولاً: القرآن وعلومه ... ... ... 1 القرآن الكريم. 2 تفسير البحر المحيط. لأبي حيان محمد بن يوسف (ت 845هـ) . تحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي معوّض. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1، (1413هـ = 1993م) . ثانياً: السنة وعلومها الجزء: 11 ¦ الصفحة: 52 1 التبصرة والتذكرة. لعبد الرحيم بن الحسين العراقي. دار الكتب العلمية. بيروت. 2 الخلاصة في أصول الحديث. للحسين بن عبد الله الطيبي (ت 743هـ) . تحقيق: صبحي السامرائي. عالم الكتب. بيروت. 3 سنن الترمذي (الجامع الصحيح) . لمحمد بن عيسى الترمذي (ت 279هـ) .تحقيق: أحمد محمد شاكر. دار إحياء التراث العربي. بيروت. 4 سنن الدارقطني. لعلي بن عمر الدارقطني (ت 385هـ) . صححه: عبد الله هاشم اليماني. دار المحاسن للطباعة. القاهرة. 5 سنن الدرامي. لعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت 255هـ) . دار الكتب العلمية. بيروت. 6 سنن أبي داود. سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275هـ) . راجعه: محمد ... محيي الدين عبد الحميد. دار إحياء التراث العربي. بيروت. 7 سنن ابن ماجة. محمد بن يزيد القزويني (ت275هـ) . حققه: محمد فؤاد عبد الباقي. 8 سنن النسائي. أحمد بن شعيب. بشرح جلال الدين السيوطي. وحاشية السندي، دار الكتب العلمية. بيروت. 9 شرح السنة. للحسين بن مسعود البغوي (ت516هـ) . تحقيق: زهير الشاويش، وشعيب الأرناؤط. المكتب الإسلامي. بيروت. ط 2 (1403هـ = 1983م) . 10 شرح معاني الآثار. لأحمد بن محمد الطحاوي (ت 321هـ) . حققه: محمد زهري النجار. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1 (1399هـ = 1979م) . 11 صحيح البخاري. محمد بن إسماعيل (ت 256هـ) . المكتبة الإسلامي.إستنابول. 12 صحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261هـ) . رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء. الرياض. (1400هـ = 1980م) . 13 عارضة الأحوذي. لابن العربي محمد بن عبد الله (ت 543هـ) . دار الكتب العلمية، بيروت. 14 علوم الحديث. لابن الصلاح عثمان بن عبد الرحمن (ت 643هـ) . حققه: نورالدين عتر. المكتبة العلمية. بيروت. (1401هـ = 1981م) . 15 فتح المغيث. لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902هـ) . دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1 (1403هـ = 1983م) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 53 16 قواعد التحديث. لمحمد جمال الدين القاسمي. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1، (139هـ =1979م) . 17 مجمع الزوائد. لعلي الهيثمي (ث 807هـ) . دار الكتاب العربي. بيروت. ط 3، (1402هـ = 1983م) . 18 مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ) . دار صادر. بيروت. 19 المصنف. لعبد الرزاق الصنعاني (ت 211هـ) . تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي. ط 2. بيروت. (1403هـ = 1983م) . 20 المصنف. لعبد الله بن أبي شيبة (ت 235هـ) . حققه: عامر العمري الأعظمي، الدار السلفية. الهند. 21 معالم السنن، لحَمْد بن محمد الخطابي (ت 388هـ) ، المكتبة العلمية ط 2 (1401هـ =1981م) ، بيروت. 22 المعجم الكبير. لسليمان بن أحمد الطبراني (ت 360هـ) . حققه: حمدي عبد المجيد السلفي، مطبعة الوطن العربي. العراق. وزارة الأوقاف. ط 1 (140هـ = 1980م) . 23 معرفة علوم الحديث. للحاكم محمد بن عبد الله. مكتبة المتنبي. القاهرة. 24 الموطأ. لمالك بن أنس (ت 179هـ) . تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. دار إحياء الكتب العربية. (1370هـ = 1951م) . 25 الموقظة. لمحمد بن أحمد الذهبي (748 هـ) . مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. ثالثاً: الفقه أالفقه الحنفي: 1 الإختيار لتعليل المختار. لعبد الله بن محمود الموصلي (ت 683هـ) . دار المعرفة. بيروت. ط 3 (1395هـ = 1975م) . 2 شرح فتح القدير. لابن الهمام محمد بن محمد (ت 861هـ) . دار إحياء التراث العربي. بيروت. 3 مجمع الأنهر. لعبد الله بن محمد دامادا أفندي. دار إحياء التراث العربي. بيروت. 4 الهداية. لعلي بن أبي بكر المرغيناني (ت 593هـ) . المكتبة الإسلامية. ب الفقه المالكي: 1 بداية المجتهد ونهاية المقتصد. لمحمد بن أحمد بن رشد (ت 595هـ) .دار المعرفة. بيروت. ط 4 (1398هـ = 1978م) . 2 جواهر الإكليل. لصالح عبد السميع الأزهري. دار المعرفة. بيروت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 54 3 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير. لمحمد بن عرفة الدسوقي (ت 1230هـ) . والشرح لأحمد الدردير. دار الفكر. 4 الخَرشي على مختصر خليل. لمحمد الخرشي المالكي. دار صادر. بيروت. 5 قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية. لمحمد بن أحمد بن جُزي (ت741هـ) . دار العلم للملايين. بيروت. 6 الكافي في فقه أهل المدينة. ليوسف بن عبد الله بن عبد البر (ت463هـ) . تحقيق: د/ محمد محمد ولد ماديك. مكتبة الرياض الحديثة. الرياض. ط 1 (1398هـ=1978م) . ج الفقه الشافعي: 1 الأم. لمحمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ) . دار المعرفة. بيروت. ط 2 (1393هـ = 1973م) . 2 التهذيب. للحسين بن مسعود البغوي (ت 516هـ) . تحقيق: عادل عبد الموجود. وعلي معوّض. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1 (1418هـ =1997م) . 3 الحاوي. لعلي بن محمد الماوردي (ت 450هـ) . تحقيق: علي معوض. وعادل عبد الموجود. دار الكتب العلمية. بيروت. (1419هـ = 1999م) . 4 المجموع شرح المهذب. لمحيي الدين بن شرف النووي (ت676هـ) . دار الفكر. 5 المهذب. لابراهيم بن علي الشيرازي (ت 476هـ) . دار المعرفة. بيروت. ط 21379هـ = 1959م) . د الفقه الحنبلي: 1 الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. لعلي بي سليمان المرداوي (ت885هـ) . تحقيق: محمد حامد الفقي.ط1 (1377هـ = 1957م) . دار إحياء التراث العربي.بيروت. 2 الروض المربع. لمنصور بن يونس البهوتي (ت1051هـ) . الرياض. مكتبة الرياض الحديثة. 3 المغني. لعبد الله بن أحمد بن قدامة (ت620هـ) . مكتبة الرياض الحديثة. الرياض. رابعاً: أصول الفقه: 1 ... روضة الناظر وجنة المناظر. لعبد الله بن أحمد بن قدامة (ت620هـ) . دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1 (1401هـ = 1981م) . خامساً: التأريخ والتراجم والسير والطبقات. ... 1 الأعلام. لخير الدين الزركلي. دار العلم للملايين. بيروت. ط 4 (1979م) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 55 2 الأنساب لعبد الكريم بن محمد السمعاني. (ت 562هـ) . وضع حواشيه: محمد عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1 (1419هـ = 1998م) . 3 البداية والنهاية في التأريخ. لإسماعيل بن عمر بن كثير. (ت 774هـ) . دار نهر النيل للطباعة. الجيزة. القاهرة. 4 تأريخ بغداد. لأحمد بن علي الخطيب (ت 463هـ) . دار الكتاب العربي. بيروت. 5 ترتيب المدارك وتقريب المسالك. لعياض بن موسى اليحصبي. (ت 544هـ) . ضبطه وصححه: محمد سالم هاشم. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1 (1418هـ = 1998م) . 6 تقريب التهذيب. لأحمد بن علي بن حجر (ت 852هـ) . دار المعرفة. بيروت. ط 2 (1395هـ 1975م) . 7 تهذيب الأسماء واللغات. لمحيي الدين بن شرف النووي (ت 676هـ) دار الكتب العلمية. بيروت. 8 تهذيب التهذيب. لأحمد بن علي بن حجر (ت 852هـ) . دار الفكر العربي. 9 جمهرة أنساب العرب. لعلي بن أحمد بن حزم. (ت 456هـ) . دار الباز. مكة. (1403هـ = 1983م) . ط 1 10 حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. لأحمد بن عبد الله الأصفهاني (ت 430هـ) . دار الكتب العلمية. بيروت. 11 الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب. لإبراهيم بن فرحون. (ت 799هـ) . دار الكتب العلمية. بيروت. 12 سير أعلام النبلاء. لمحمد بن أحمد الذهبي (ت 748هـ) . مؤسسة الرسالة. ط 2 (1402هـ = 1982م) . 13 شذرات الذهب في أخبار من ذهب. لعبد الحي بن العماد الحنبلي. (ت 1089هـ) . دار الآفاق الجديدة. بيروت. 14 طبقات الحفاظ. لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي. (ت 911هـ) . دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1 (1403هـ = 1983م) . 15 طبقات الحنابلة. لمحمد بن أبي يعلي. (ت 526هـ) . دار المعرفة. بيروت. 16 طبقات الشافعية. للسبكي عبد الوهاب بن تقي الدين. (ت 771هـ) . ط 2. دار المعرفة. بيروت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 56 17 طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة أبي بكر بن أحمد. صححه: د. عبد العليم خان. عالم الكتب. بيروت. ط 1 (1407هـ = 1987م) . 18 الطبقات الكبرى. لمحمد بن سعد. (ت 222هـ) . دار صادر. بيروت. 19 العبر في خبر من غبر. لمحمد بن أحمد الذهبي. (ت 748 هـ) . حققه: محمد السعيد بسيوني. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1 (1405هـ = 1985 م) . 20 الفتح المبين في طبقات الأصوليين. لعبد الله مصطفى المراغي. ط 2 (1394هـ =1974م) . بيروت. محمد أمين دمج وشركاه. 21 الفكر السامي في تأريخ الفقه الإسلامي. لمحمد بن الحسن الفاسي. (ت 1376هـ) . المكتبة العلمية. المدينة. (1397هـ = 1977م) . 22 الفهرست. لمحمد بن إسحاق بن النديم. (ت 438هـ) . دار المعرفة. بيروت. 23 الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة. لمحمد بن أحمد الذهبي. (ت 748هـ) . دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1 (1403هـ = 198م) . 24 الكامل في ضعفاء الرجال. لعبد الله بن عدي الجرجاني. (ت 365هـ) . دار الفكر. بيروت. ط 2 (1405هـ = 1985م) . 25 اللباب في تهذيتب الأنساب. لعلي بن محمد بن الأثير. (ت 630هـ) . دار صادر. بيروت. 26 مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان. لعبد الله بن أسعد اليافعي. (ت 768هـ) . ط 2 (1390هـ = 1970م) . بيروت. لبنان. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. 27 المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم. لمحمد طاهر بن علي الهندي. دار الكتاب العربي. بيروت. (1399هـ = 1979م) . 28 ميزان الإعتدال في نقد الرجال. لمحمد بن أحمد الذهبي. (ت 748هـ) . تحقيق: علي محمد البجاوي. دار المعرفة. بيروت. 29 وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. لأحمد بن محمد بن خَلِّكان. تحقيق: إحسان عباس. دار الثقافة بيروت. سادساً: اللغة والمعاجم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 57 1 التعريفات: لعلي بن محمد الجرجاني. (ت 816هـ) . دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1 (1403هـ = 1983م) . 2 لسان العرب. لمحمد بن مكرم بن منظور. (ت 711هـ) . دار صادر. 3 معجم البلدان. لياقوت بن عبد الله الحموي. (ت 626هـ) . دار إحياء التراث العربي. بيروت. (1399هـ = 1979م) . 4 المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. لمحمد فؤاد عبد الباقي. دار إحياء التراث العربي. بيروت. 5 معجم المؤلفين. لعمر رضا كحالة. مكتبة المثنى. بيروت. 6 المعجم الوسيط. (مجمع اللغة العربية) . أخرجه: إبراهيم مصطفى. أحمد حسن الزيات. حامد عبد القادر. محمد علي النجار. المكتبة العلمية. طهران. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 58 التفريق بين الزوجين للغيبة د. عبد العزيز بن محمد بن عثمان الربيش أستاذ الفقه المشارك بجامعة الملك سعود - فرع القصيم ملخص البحث يحمل البحث عنوان "التفريق بين الزوجين للغيبة ". جعله الباحث في مقدمة وخاتمة وأربعة مباحث: المبحث الأول: في تعريف وتحديد مصطلح "الغيبة" وقد حدد الباحث مصطلح "الغيبة" الذي يدور عليه البحث وهو من غادر موطنه إلى موطن آخر ولم يعد إليه لفترة وحياته معلومة ومكانه معروف ويمكن الاتصال به وهذا هو "الغائب" أو الغيبة غير المنقطعة الذي سيكون محل الدراسة، ولذا لا يدخل فيه المفقود ونحوه. المبحث الثاني: في اختلاف الفقهاء في التفريق بين الزوجين للغيبة وتبين للباحث رجحان قول من قال بالتفريق بين الزوجين للغيبة إذا تضررت الزوجة من هذه الغيبة وطالبت بالفرقة وتوفرت شروط التفريق. المبحث الثالث: في شروط التفريق بين الزوجين للغيبة عند من يقول بجوازها وتوصل الباحث إلى أن الذين قالوا بالتفريق بين الزوجين للغيبة وهم المالكية والحنابلة اشترطوا شروطاً لابد من توفرها قبل التفريق منها شروط اتفقوا عليها، ومنها ما اشترطه الحنابلة ومنها ما اشترطه المالكية والحنابلة واختلفوا فيها، كما ترجح لدى الباحث رجحان قول المالكية، وهو أنه لا يشترط للتفريق أن تكون الغيبة لعذر. المبحث الرابع: في نوع الفرقة للغيبة. وتبين للباحث رجحان قول من قال إن الفرقة فسخ وليس طلاقاً. واللَّه أعلم بالصواب. *** المقدمة الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فهذا بحث في " التفريق بين الزوجين للغيبة ". جعلته في مقدمة وأربعة مباحث، وخاتمة بينت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها في البحث. أما مباحثه الأربعة فهي كالتالي: الأول: في تعريف وتحديد مصطلح " الغيبة ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 59 والثاني: في اختلاف الفقهاء في التفريق بين الزوجين للغيبة. والثالث: في شروط التفريق بين الزوجين للغيبة عند من يقول بجوازها. والرابع: في نوع الفرقة للغيبة. هذا ولا يخفى أهمية هذا البحث وخاصة لأولئك الذين يسافرون إلى غير بلادهم بدون زوجاتهم ويمكثون فيها مدة طويلة لأي سبب من الأسباب فإن البحث يجيب عن كثير من الأسئلة الفقهية التي تدور في أذهانهم. أسأل اللَّه سبحانه أن أكون قد وفقت في طرح الموضوع ومعالجة مباحثه، كما أسأله جل شأنه السداد والإخلاص. وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. المبحث الأول: تعريف وتحديد مصطلح الغيبة تعريف الغيبة: الغيبة في اللغة: الغيب: الشك، وكل ما غاب عنك وكل ما غاب عن العين فهو غيْب. والغيبة - فتح الغين -: مصدر غاب ومعناها في اللغة: البعد وتستعمل بمعنى التواري، يقال: غابت الشمس إذا توارت عن العين، وامرأة مُغيب ومُغْيب ومُغيبة غاب بعلها أو أحد من أهلها وأغابت المرأة فهي مُغيب (1) . الغيبة في اصطلاح الفقهاء: معنى الغيبة عند الفقهاء لا يخرج عن المعنى اللغوي ويقصدون بالغياب " انتقال الزوج بدون زوجته إلى موطن آخر غير الموطن الذي كان فيه بيت الزوجية " (2) . وحياته معلومة ومكانه معروف ويمكن الاتصال به (3) . تحرير وتحديد مصطلح الغيبة: من المهم قبل دراسة مسائل الموضوع أن أحرر وأحدد مصطلح "الغيبة" الذي ستكون مسائله وأبحاثه ميداناً للبحث بحيث لا يدخل فيه ما ليس منه ولا يخرج عنه ما يعتبر داخلاً فيه.   (1) ... انظر: لسان العرب لابن منظور1/654، والمصباح المنير للفيومي ص174، والموسوعة الكويتية 31/321، والمفصل في أحكام المرأة للدكتور عبد الكريم زيدان 8/460. (2) ... المفيد من الأبحاث في أحكام الزواج والطلاق والميراث لمحمد الشماع ص147. (3) ... الموسوعة الكويتية 29/62، والمفصل في أحكام المرأة 8/460. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 60 لقد تبين لنا من تعريف الغيبة أن الغائب: هو من غادر موطنه إلى موطن آخر أي سافر من بلده إلى بلد آخر ولم يعد إليه لفترة وحياته معلومة ومكانه معروف ويمكن الاتصال به فهذا هو الغائب والذي سيكون محل الدراسة والبحث لا غير، أما من غادر مكانه ولم يعد إليه وجهلت حالته فهو المفقود ولا شك أنه يختلف عن الغائب وله أحكام تختلف عن أحكام الغائب ولذا لن يكون محلاً للدراسة والبحث. وعند بعض الفقهاء يطلقون مصطلح " فقدان الزوج " على الغائب والمفقود ويفرقون بينهما بأن الغائب هو " الغيبة غير المنقطعة " أي: انتقال الزوج ولكنه معروف المكان ويمكن الاتصال به، والمفقود يطلقون عليه " الغيبة المنقطعة " (1) ، ولذا سواء أطلقنا عليه " الغائب " أو " الغيبة غير المنقطعة " فإنه هو ميدان البحث لا غير، ولن أتطرق للمفقود أو غيره، وبالله التوفيق. المبحث الثاني: اختلاف الفقهاء في التفريق بين الزوجين للغيبة اختلف الفقهاء في جواز التفريق بين الزوجين للغيبة إلى قولين في الجملة (2) : القول الأول: عدم جواز التفريق بين الزوجين للغيبة مطلقاً، حتى لو تضررت الزوجة من عدم الوطء وطلبت التفريق. قال بذلك الشافعية (3) . القول الثاني: جواز التفريق بين الزوجين للغيبة إذا طلبت الزوجة التفريق.   (1) ... المرجع السابق، وزوجة الغائب للدكتور محمد عبد الرحيم محمد ص23. (2) ... أشير هنا إلى أن عرض الخلاف في المسألة سيكون مجملاً وهناك تفصيلات سنعرضها عند الكلام عن شروط التفريق للغيبة عند من يقول بها. (3) ... انظر: الأم 5/239، والتكملة الثانية للمجموع شرح المهذب 18/158، ومغني المحتاج 3/442. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 61 قال بذلك المالكية (1) ، والحنابلة (2) ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (3) . أما الحنفية (4) فإنهم وسط بين القولين، فيقولون: لا يجوز التفريق بين الزوجين لغيبة الزوج وترك مباشرته لزوجته بالجملة.   (1) ... قال الحطاب في مواهب الجليل 4/155-156: " اعلم أن الغائبين عن أزواجهم خمسة. فالأول: غائب لم يترك نفقة ولا خلف مالاً ولا لزوجته عليه شرط في المغيب فإن أحبت زوجته الفراق فإنها تقوم عند السلطان بعدم الإنفاق. والثاني: غائب لم يترك نفقة ولزوجته عليه شرط في المغيب فزوجته مخيرة في أن تقوم بعدم الإنفاق أو بشرطها وهو أيسر عليها لأنه لا يضرب له في ذلك أجل. والثالث: غائب خلف نفقة ولزوجته عليه شرط في المغيب فهذه ليس لها أن تقوم إلاَّ بالشرط خاصة وسواء كان الغائب في هذه الثلاثة الأوجه معلوم المكان أو غير معلوم إلاَّ أن معلوم المكان يعذر إليه إن تمكن من ذلك. والرابع: غائب خلف نفقة ولا شرط لامرأته وهو مع ذلك معلوم المكان فهذا يكتب إليه السلطان إما أن يقدم أو يحمل امرأته إليه أو يفارقها وإلا طلق عليه. والخامس: غائب خلف نفقة ولا نفقة ولا شرط لامرأته عليه وهو مع ذلك غير معلوم المكان فهذا هو المفقود " اهـ. ... وانظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/431، وشرح الزرقاني على مختصر خليل 4/155، وشرح منح الجليل على مختصر خليل 2/313. (2) ... انظر: المغني تحقيق الدكتور عبد اللَّه التركي والدكتور عبد الفتاح الحلو 10/240، وانظر: المقنع والشرح الكبير والإنصاف ثلاثة كتب في كتاب واحد تحقيق الدكتور عبد اللَّه التركي 21/406. (3) ... الاختيارات الفقهية للبعلي ص423. (4) انظر: بدائع الصنائع 2/331، والبحر الرائق شرح كنز الرقائق 3/219، وحاشية رد المحتار 3/202. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 62 أما التفصيل: فإنهم يقولون: يسقط حق المرأة في الوطء قضاءاً إذا وطئها الزوج مرة فلا يجوز التفريق بينهما، أما إذا لم يصبها مرة واحدة فإن القاضي يؤجله سنة ثم يفسخ العقد (1) . الأدلة والمناقشة: اختلاف الفقهاء في هذه المسألة مبني على اختلافهم في حق دوام الوطء هل هو حق للرجل فقط وليس للزوجة فيه حق أو أنه حق للزوجة أيضاً مثل ما هو حق للزوج؟ فمن ذهب إلى أنه حق للزوج فقط وليس للزوجة فيه حق الشافعية؛ قالوا إذا ترك الزوج وطأ زوجته مدة لم يكن ظالماً لها أمام القاضي وإذا طلبت التفريق لتضررها بعدم الوطء لا يفرق القاضي بينهما سواء أكان حاضراً أم غائباً، طالت غيبته أو لا، لكن يستحب عند الشافعية أن لا يعطلها؛ لأنه إذا عطلها لم يأمن الفساد (2) . أما من ذهب إلى أنه حق للزوجة أيضاً مثل ما هو حق للزوج واستدامة الوطء واجب للزوجة على زوجها قضاء إذا لم يكن عند الزوج عذر وهم المالكية والحنابلة (3) ، قالوا إذا غاب الزوج عن زوجته مدة وتضررت من ترك الوطء وطلبت التفريق من القاضي فإنه يفرق بينهما (4) . أمَّا الحنفية فتقدم قولهم في المسألة (5)   (1) حاشية رد المحتار 3/202. (2) المهذب 2/67. (3) انظر: مراجع المالكية والحنابلة السابقة وقوانين الأحكام الشرعية ص211، والمغني 10/239. (4) انظر: الموسوعة الكويتية. (5) فقالوا الواجب على الزوج قضاء أن يطأ زوجته مرة واحدة والزيادة عن المرة الواحدة تجب ديانة عند بعض الحنفية وقال بعضهم بل تجب أيضاً قضاء. قال في بدائع الصنائع 2/331: " وللزوجة أن تطالب زوجها بالوطء لأن حله لها حقها كما أن حلها له حقه وإذا طالبته يجب على الزوج ويجبر عليه في الحكم مرة واحدة والزيادة على ذلك تجب فيما بينه وبين اللَّه تعالى من باب حسن المعاشرة واستدامة النكاح فلا يجب عليه في الحكم عند بعض أصحابنا وعند بعضهم يجب عليه في الحكم " اهـ. ... وقال في حاشية رد المحتار 3/202: " قال في النهر: في هذا الكلام تصريح بأن الجماع بعد المرة حقه لا حقها. اهـ. قلت [أي ابن عابدين] : فيه نظر بل هو حقه وحقها أيضاً، لما علمت من أنه واجب ديانة " اهـ. وانظر: البحر الرائق شرح الكنز الدقائق 3/219. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 63 ولهذا سيكون الاستدلال في مسألة الغيبة هو الاستدلال لمسألة الوطء هل يعتبر حقاً للزوجة كما أنه حق للرجل أو أنه ليس بحق لها. أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن الوطء حق للزوج فلا يجب عليه كسائر حقوقه فيجوز له تركه كسكنى الدار المستأجرة (1) . ويناقش: بالتسليم بذلك فيما لو كان الوطء حقاً من حقوق الزوج فقط ولكن الصحيح أنه حق للزوجة أيضاً كما هو حق للزوج كما سيتبيّن لنا من أدلة القول الثاني. الدليل الثاني: أن الداعي إلى الاستمتاع الشهوة والمحبة فلا يمكن إيجابه (2) . ويناقش: بأن الإيجاب هنا من أجل تضرر الزوجة والخشية عليها من الوقوع في الزنا، فالإيجاب حماية للزوجة من الوقوع في المحرم وليس لمجرد الإيجاب، ولذا الذين يقولون بإيجاب الوطء واستمراره على الزوج يقولون إذا لم تتضرر الزوجة من عدم الوطء ولم تطالب به فلن يُلزم الزوج به ولذلك شرع الزواج ومن مصالحه وأهدافه عفة الزوج والزوجة من الوقوع في المحرم وقضاء الوطر فيما أحله اللَّه. كما أن الزوج روعي فيه، فالذين يقولون بإيجابه واستمراره على الزوج قيدوه بما إذا لم يكن بالزوج عذر يمنعه من الوطء (3) . فيتبين لنا ضعف هذا الدليل. أدلة القول الثاني: الدليل الأول:   (1) انظر: المهذب 2/67، والمغني 10/237، والفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي 7/329. (2) انظر: المهذب 2/67، والفقه الإسلامي وأدلته 7/329. (3) انظر: قوانين الأحكام الشرعية ص211، والمغني 10/239. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 64 حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما-، قال: قال لي رسول اللَّه (: " يا عبد اللَّه ألم أُخْبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينيك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً ... "الحديث متفق عليه (1) . فبين النَّبِيّ (في هذا الحديث أن للزوجة على زوجها حقاً (2) . الدليل الثاني: قصة المرأة التي جاءت تشكي زوجها إلى عمر -رضي اللَّه عنه- وعنده كعب بن سور-رضي اللَّه عنه-. وأخرج القصة عبد الرزاق (3) بسنده عن الشعبي قال: " جاءت امرأة إلى عمر فقالت: زوجي خير الناس، يقوم الليل، ويصوم النهار. فقال عمر: لقد أحسنت الثناء على زوجك، فقال كعب بن سور: لقد اشتكت فأعرضت الشكية، فقال عمر: اخرج مما قلت. قال: أرى أن تنزله بمنزلة رجل له أربع نسوة له ثلاثة أيام ولياليهن، ولها يوم وليلة ". قال ابن قدامة -رحمه اللَّه -: " هذه قضية اشتهرت فلم تنكر، فكانت إجماعاً " اهـ (4) . الدليل الثالث: إن الوطأ حق للزوجة " لأنه لو لم يكن حقاً للمرأة لم تستحق فسخ النكاح لتعذره بالجب والعنة " (5) . الدليل الرابع: إن الوطأ حق للزوجة " لأنه لو لم يكن حقاً للمرأة لملك الزوج تخصيص إحدى زوجتيه به كالزيادة في النفقة على قدر الواجب " (6) . الدليل الخامس:   (1) أخرجه البخاري في مواضع متعددة منها في كتاب الصوم، باب حق الجسم في الصوم 2/245، ومسلم في كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فت به حقاً (ح1159) 1/812-813. (2) انظر: المغني 10/237. (3) في المصنف 7/148 (ح12586) ، بهذا اللفظ وألفاظ أخرى، وذكرها ابن قدامة في المغني 10/237-238. (4) المغني 10/238. (5) المصدر السابق. (6) المصدر السابق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 65 إن الوطأ " حق واجب بالاتفاق إذا حلف على تركه، فيجب قبل أن يحلف، كسائر الحقوق الواجبة يحقق هذا أنه لو لم يكن واجباً لم يصر باليمين على تركه واجباً، كسائر ما لا يجب " (1) . الدليل السادس: " إن النكاح شرع لمصلحة الزوجين، ودفع الضرر عنهما وهو مفضٍ إلى دفع ضرر الشهوة عن المرأة كإفضائه إلى دفع ذلك عن الرجل، فيجب تعليله بذلك، ويكون النكاح حقاً لهما جميعاً " (2) . الدليل السابع: إنه لو لم يكن للمرأة في الوطء حق لما وجب استئذانها في العزل (3) . الترجيح:   (1) المغني 10/239. (2) المصدر السابق 10/240. (3) المصدر السابق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 66 تبين لي مما تقدم ترجيح القول الثاني، وهو أن للمرأة حقاً في الوطء كما أن للرجل حقاً في ذلك لقوة أدلتهم وضعف أدلة القول الأول وما أورد عليها من مناقشة، ولأن القول الثاني هو الذي يتوافق مع التشريع الإسلامي الذي جعل من أهداف الزواج ومصالحه إعفاف الزوجين خاصة إذا ألحق تركه ضرراً بالزوجة وقد جاء الإسلام بدفع الضرر لقوله (: " لا ضرر ولا ضرار " (1) .   (1) الحديث روي عن عبادة بن الصامت، وعبد اللَّه بن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وجابر بن عبد اللَّه، وعائشة، وثعلبة بن أبي مالك القرظي، وأبي لبابة -رضي اللَّه عنهم أجمعين-، وذكر طرقه وفصلها الزيلعي -رحمه الله- في نصب الراية 4/384-386، والألباني -رحمه اللَّه - في إرواء الغليل 3/408-414 (ح896) . قال الألباني -رحمه اللَّه- في الإرواء بعدما ذكر طرقه: " فهذه طرق كثيرة لهذا الحديث قد جاوزت العشر وهي وإن كانت ضعيفة مفرداتها، فإن كثيراً منها لم يشتد ضعفها، فإذا ضم بعضها إلى بعض تقوى الحديث بها وارتقى إلى درجة الصحيح إن شاء اللَّه، وقال المناوي في "فيض القدير" والحديث حسنه النووي في "الأربعين" قال: ورواه مالك مرسلاً وله طرق يقوي بعضها بعضاً. وقال العلائي: للحديث شواهد ينتهي مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به. انتهى كلام الألباني. ... وقال الألباني أيضاً في الإرواء: " وقد احتج به الإمام مالك، وجزم بنسبته إلى النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكذلك احتج به محمد بن الحسن الشيباني في مناظرة جرت بينه وبين الإمام الشافعي وأقره الإمام عليه " اهـ. ... وانظر: الموطأ كتاب المكاتب، باب ما لا يجوز من عتق المكاتب 2/805، والمستدرك للحاكم كتاب البيوع، باب النهي عن المحاقلة والمخاضرة والمنابذة 2/57-58، وموسوعة أطراف الحديث النبوي لمحمد السعيد زغلول 7/264. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 67 وينبني على هذا أن القول بالتفريق بين الزوجين للغيبة إذا تضررت الزوجة من ذلك وطالبت بالفرقة وتوفرت شروط التفريق، هو القول الراجح، واللَّه أعلم. المبحث الثالث: أسباب وشروط التفريق بين الزوجين للغيبة عند من يقول بجوازها قلنا في المبحث السابق إن الفقهاء مختلفون في التفريق بين الزوجين للغيبة إلى قولين: الجواز، وعدمه. وفي هذا المبحث سنتحدث عن أسباب وشروط التفريق بين الزوجين للغيبة عند من يقول بجوازه وهم المالكية والحنابلة ومن تبعهم، وعند استعراض هذه الشروط والأسباب نجد أن منها ما هو محل اتفاق بين المالكية والحنابلة، ومنها ما اشترطه الحنابلة فقط، ومنها ما اشترطه المالكية والحنابلة ولكنهم اختلفوا فيه لذا سيكون الحديث عن هذه الشروط مقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: الشروط والأسباب المتفق عليها بين المالكية والحنابلة: أ - الأسباب: 1/1 - النفقة: فيجب على الزوج الغائب أن ينفق على زوجته من ماله حال غيابه وإذا لم ينفق عليها وطلبت التفريق فإنه يفرق بينهما لعدم النفقة (1) . 2/2 - أن تخشى الزوجة على نفسها الضرر بسبب هذه الغيبة: والضرر هنا فسره المالكية (2) بخشية الوقوع في الزنا، وليس اشتهاء الجماع فقط. والحنابلة (3) أطلقوا الضرر ولكنهم يريدون به خشية الزنا كالمالكية (4) ، وهذا واضحٌ؛ لأن المرأة لا تطلب من القاضي التفريق إلاَّ إذا خافت على نفسها من الوقوع في الحرام. ب - الشروط: 3/3 - الكتابة إلى الزوج الغائب:   (1) انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/431، وشرح الزرقاني على مختصر خليل 4/155، وشرح منح الجليل على مختصر خليل 2/313، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 24/96، 21/406 وما بعدها، والمغني 10/240. (2) انظر: مصادرهم السابقة. (3) انظر: مصادرهم السابقة. (4) الموسوعة الكويتية 29/64. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 68 أن يكتب القاضي إلى الزوج الغائب بالرجوع إلى زوجته أو نقلها إليه أو تطليقها ويمهله مدة مناسبة وهذا إذا كان له عنوان معروف وعلم مكانه وأمكن الوصول إليه وإن أبى ذلك كله أو لم يرد بشيء وقد انقضت المدة المضروبة أو لم يكن له عنوان معروف فإن القاضي يفرّق بينهما (1) . 4/4 - أن تطلب الزوجة التفريق: لا يفرِّق القاضي بينهما لغيبة الزوج إلاَّ إذا رفعت الزوجة أمرها إلى القاضي وطلبت التفريق (2) لأنه لحقها فلم يجز من غير طلبها كالفسخ للعنة (3) . القسم الثاني: ما اشترطه الحنابلة فقط: 5/1 - أن تكون الغيبة لغير عذر: اشترط الحنابلة للتفريق بين الزوجين للغيبة أن تكون غيبة الزوج بغير عذر فإن كانت هذه الغيبة لعذر مثل الحج والجهاد وطلب الرزق له ولأولاده (4) ، وطلب العلم (5) ، فإنه لا يفرق بينهما. قال صاحب الإنصاف (6) : " قد صرح الإمام أحمد - رحمه الله - بما قال. فقال في رواية ابن هانىء، وسأله عن رجل تغيب عن امرأته أكثر من ستة أشهر؟ قال: إذا كان في حج، أو غزو، أو مكسب يكسب على عياله، أرجو أن لا يكون به بأس، إن كان قد تركها في كفاية من النفقة ومحرم رجل يكفيها"اهـ.   (1) انظر: مصادر المالكية والحنابلة السابقة، والموسوعة الكويتية 29/64، والمفصل في أحكام المرأة 10/463، والأحوال الشخصية لمحمد أبو زهرة ص427، والفرقة بين الزوجين وأحكامها في مذهب أهل السنة، للدكتور السيد أحمد فرج، ص294 وما بعدها، والطلاق بين الإطلاق والتقييد في الشريعة الإسلامية للدكتور محمود محمد علي ص282. (2) انظر: مصادر المالكية والحنابلة السابقة. (3) الفقه الإسلامي وأدلته 7/534. (4) انظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 21/408، وكشاف القناع 4/193. (5) انظر: كشاف القناع 5/193. (6) انظر: الموضع السابق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 69 أما المالكية فإنهم لا يشترطون ذلك ولهذا للزوجة حق طلب التفريق للغيبة سواء أكانت لعذر أو لغير عذر (1) . الترجيح: الناظر إلى المسألة بعين بصيرة يجد أنها تدور بين حق الرجل وحق المرأة فالحنابلة عندما فرقوا بين الغيبة للعذر والغيبة لغير العذر قالوا بذلك من أجل أن لايتضرر الزوج، فإذا غاب من أجل طلب الرزق له ولأولاده أو لطلب العلم ونحو ذلك لا يفرق بينهما وإن طلبته الزوجة. أما إذا كان سفره لغير حاجة أو بدون عذر كالسياحة مثلاً فإن الزوجة تجاب إلى طلب التفريق؛ لأنه ليس له عذر في غيابه. أما المالكية فإنهم نظروا إلى تضرر الزوجة من غياب زوجها ولو كان غيابه لعذر، فإذا طلبت الزوجة التفريق فإنها تجاب إلى طلبها خشية عليها من الضرر وهو الوقوع في الحرام. فالزوج معذور فيما بينه وبين اللَّه عندما تكون غيبته لعذر، ولكن للزوجة حقاً في التفريق. لذا فإني أميل إلى ترجيح قول المالكية عملاً بالقواعد الفقهية " درء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح "، " والضرر يزال "، و " ارتكاب أخف الضررين" (2) . خاصة وأن المالكية يرون أنه لا يفرق بينهما للغيبة إلا إذا كانت الغيبة طويلة حددوها في المعتمد عندهم بسنة (3) . وهذا كافٍ للزوج في قضاء مصالحه في غيبته، فإن زادت عن ذلك فيكون التفريق مراعاة لمصلحة المرأة ودفع الضرر عنها، واللَّه أعلم. القسم الثالث: ما اشترطه المالكية والحنابلة واختلفوا فيه: 6/1 - أن تكون غيبة الزوج طويلة:   (1) انظر: مصادر المالكية السابقة فإنهم لم يذكروا هذا الشرط عند ذكرهم لشروط التفريق بين الزوجين للغيبة وانظر أيضاً الموسوعة الكويتية 29/64، والفقه الإسلامي وأدلته 7/533، والفرقة بين الزوجين وأحكامها في مذهب أهل السنة ص295، والأحوال الشخصية لمحمد أبو زهرة ص429. (2) انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص85 وما بعدها. (3) انظر تفصيل المسألة في الشرط التالي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 70 فاشترط المالكية والحنابلة للتفريق بين الزوجين للغيبة أن تكون الغيبة طويلة ولكنهم اختلفوا في تحديد مدة هذه الغيبة. فذهب المالكية (1) ، في المعتمد عندهم إلى أن هذه المدة سنة وللفرياني وابن عرفة من المالكية أن السنتين والثلاث ليست بطول بل لابد من الزيادة عليها. وذهب الحنابلة إلى (2) أن توقيت هذه المدة ستة أشهر. قال ابن قدامة (3) : " ... فإن أحمد ذهب إلى توقيته بستة أشهر، فإنه قيل له: كم يغيب الرجل عن زوجته؟ قال: ستة أشهر، يكتب إليه فإن أبى أن يرجع فرق الحاكم بينهما ... " اهـ. واستدل الحنابلة لهذا التوقيت بما أخرجه سعيد بن منصور (4) ، والبيهقي (5) ، عن زيد بن أسلم قال: بينما عمر بن الخطاب يحرس المدينة فمر بامرأة في بيتها وهي تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه وطال على أن لا خليل أُلاعبه ووالله لولا خشية الله وحده ... ... لحُرِّك من هذا السرير جوانبه فسأل عنها عمر، فقيل له: هذه فلانة، زوجها غائب في سبيل الله فأرسل إليها امرأة تكون معها، وبعث إلى زوجها فأقفله، ثم دخل على حفصة، فقال: يا بنية، كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله، مثلك يسأل مثلي عن هذا ‍‍ فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك. قالت: خمسة أشهر أو ستة أشهر فوقّت للناس في مغازيهم ستة أشهر، يسيرون شهراً، ويقيمون أربعة، ويسيرون شهراً راجعين (6) . المبحث الرابع: نوع الفرقة للغيبة اختلف الفقهاء الذين قالوا بجواز التفريق بين الزوجين للغيبة في نوع هذه الفرقة إلى قولين: القول الأول:   (1) انظر: مصادر المالكية السابقة والمراجع المتقدمة. (2) انظر: مصادر الحنابلة السابقة. (3) المغني 10/240، وانظر أيضاً: الشرح الكبير ومعه المقنع والإنصاف 21/407. (4) في سنته 2/174. (5) في السنن الكبرى " مختصرا" في كتاب السير، باب الإمام لا يجمر بالغزى 9/29. (6) وانظر هذه القصة في مصادر الحنابلة السابقة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 71 ذهب المالكية (1) إلى أن هذه الفرقة طلاق بائن؛ لأن المالكية يقولون إن كل فرقة يوقعها القاضي تكون طلاقاً بائناً إلا الفرقة للإيلاء أو الإعسار بالنفقة فإنه يكون رجعياً والسبب في كونه طلاقاً بائناً عند المالكية أنهم يقولون: إن المراد رفع الضرر عن المرأة، وهو لا يرتفع إلا بالبينونة (2) . ويجاب عن ذلك: بأن الضرر يرفع عن المرأة بغير البينونة مثل الفسخ. القول الثاني: ذهب الحنابلة (3) ، إلى أن هذه الفرقة فسخ لأنها فرقة من جهة الزوجة والفرقة من جهة الزوجة عند الحنابلة فسخاً (4) ، والفسخ عندهم بينونة صغرى. دليل القول الثاني: لأن الزوج ترك حقاً عليه تتضرر منه الزوجة (5) ، فيفرق بينهما بالفسخ لأنه يحقق المقصود ولا يحسب من الطلاق. الفرق بين الطلاق والفسخ: الطلاق: إنهاء الزواج واحتسابه من الطلقات الثلاث التي يملكها الزوج على زوجته. أما الفسخ: فهو منع لاستمرار العقد ولا يحتسب من عدد الطلاق (6) . الترجيح:   (1) انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/351-352. (2) الفرقة بين الزوجين وما يتعلق بها من عدة ونسب ص145، والطلاق بين الإطلاق والتقييد في الشريعة الإسلامية ص283. (3) انظر: المغني 10/241، والشرح الكبير ومعه المقنع والإنصاف 24/97، والإنصاف ومعه المقنع والشرح الكبير 21/410، وكشاف القناع 5/193. (4) الفقه الإسلامي وأدلته 7/533. (5) كشاف القناع 5/193. (6) المرجع السابق 7/510. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 72 أرى - والله أعلم بالصواب- أن الراجح في نوع الفرقة للغيبة هو قول الحنابلة حيث يقع فسخاً لا طلاقاً " لأنه أقرب إلى روح التشريع ومقاصده، ذلك التشريع القائم على السهولة والتيسير والمصلحة ورفع الحرج ... وهذا يظهر واضحاً جلياً فيما إذا عاد الزوج الغائب إلى زوجته بعد وقوع الفرقة فمن قال إنها فسخ - وهم الحنابلة - لم يحتسبه طلقة وهذا يعطي الزوج الغائب الفرصة الكافية ليعود إلى زوجته مرة ثانية؛ لأنه لو كان قد طلق امرأته تطليقتين ثم فرق القاضي بينهما للغياب ثم عاد وأراد أن يتزوجها فله ذلك؛ لأن اعتبار التفريق للغياب فسخاً لم يضاف إلى الطلقتين ولم يحسب طلقة وفي هذا محافظة على بناء الحياة الزوجية واستمرارها. أما من قال إنه طلاق فليس للزوج - والحالة هذه - حق مراجعتها حتى تنكح زوجاً غيره لأن بالتفريق كملت الطلقات الثلاث فيجب عليه الامتثال لقوله تعالى: (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ((1) ، وفي هذه الحالة الثانية تفكك للأسرة وتشريد للأطفال وضياعهم وما إلى ذلك من أمور ليست في مصلحة أحد من الزوجين (2) . الفرق بين التفريق والطلاق: حيث ورد في البحث مصطلح التفريق فيحسن هنا أن أوضح الفرق بينه وبين الطلاق: من المعروف أن الطلاق يقع باختيار الزوج وإرادته أما التفريق: فيقع بحكم القاضي، لتمكن المرأة من إنهاء الرابطة الزوجية جبراً عن الزوج، إذا لم تفلح الوسائل الاختيارية من طلاق أو خلع (3)   (1) سورة البقرة: 230. (2) زوجة الغائب ص31. (3) الفقه الإسلامي وأدلته 7/509. المصادر والمراجع أبو زهرة، محمد. الأحوال الشخصية: دار الفكر العربي. الألباني، محمد ناصر الدين. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1405هـ. الأصبحي: مالك بن أنس بن مالك. الموطأ: دار الدعوة. ابن عابدين، محمد أمين. رد المحتار على الدر المختار المسمى "بحاشية ابن عابدين": دار الفكر، الطبعة الثانية 1386هـ. ابن قدامة. موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد. المغني: تحقيق: د. عبد الله التركي، د. عبد الفتاح الحلو، دار هجر - القاهرة، الطبعة الأولى، 1406هـ. ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم. لسان العرب: دار الرشاد الحديثة. البخاري، محمد بن إسماعيل. صحيح البخاري: دار الدعوة. البعلي، علاء الدين علي بن محمد. الاختيارات الفقهية، من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: المؤسسة السعيدية - الرياض. البهوتي، منصور بن يونس. كشاف القناع عن متن الإقناع: عالم الكتب، بيروت. الحطاب، محمد بن عبد الرحمن المغربي. مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: دار الفكر، الطبعة الثانية. الخطيب، محمد الشربيني. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: الناشر مصطفى البابي الحلبي وأولاده - مصر. الدسوقي، محمد بن عرفة. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: دار الفكر. الزحيلي، وهبة. الفقه الإسلامي وأدلته: دار الفكر، دمشق، الطبعة الثانية 1405هـ. الزرقاني، عبد الباقي. شرح الزرقاني على مختصر خليل: دار الفكر، بيروت. زغلول، محمد السعيد بن بسيوني. موسوعة أطراف الحديث النبوي: عالم التراث، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1410هـ. زيدان، عبد الكريم. المفصل في أحكام المرأة: مؤسسة الرسالة - بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1413هـ. الزيلعي، جمال الدين محمد بن يوسف الحنفي. نصب الراية لأحاديث الهداية: دار الحديث - القاهرة. السرخسي، محمد بن أبي الفضل. المبسوط: دار المعرفة، بيروت - لبنان، 1406هـ. البيهقي، الحافظ أحمد بن الحسين بن علي. السنن الكبرى: وفي ذيله الجوهر النقي لابن التركماني، دار المعرفة - بيروت. الشافعي، محمد بن إدريس. الأم: دار المعرفة، بيروت - لبنان، توزيع مكتبة المعارف -الرياض. الشماع، محمد. المفيد من الأبحاث في أحكام الزواج والطلاق والميراث: دار القلم - دمشق، والدار الشامية - بيروت، ودار البشير جدة-، الطبعة الأولى 1416هـ. الشيرازي، إبراهيم بن علي بن يوسف. المهذب: دار المعرفة، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية 1379هـ. الصنعاني، أبي بكر عبد الرزاق بن همام. المصنف: تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي- بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ. علي حسب الله. الفرقة بين الزوجين وما يتعلق بها من عدة ونسب: دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، 1387هـ. عليش، محمد. شرح منح الجليل على مختصر خليل: دار الباز، مكة المكرمة. الغرناطي، محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي المالكي. قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية: الطبعة الأولى، عالم الفكر - القاهرة. فرج، السيد أحمد. الفرقة بين الزوجين وأحكامها في مذهب أهل السنة: دار الوفاء، المنصورة - مصر. الكاساني، علاء الدين أبي بكر. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: دار الكتاب العربي - بيروت. المطيعي، محمد نجيب. المجموع شرح المهذب "التكملة الثانية": دار الفكر- لبنان. محمد، عبد الرحيم محمد. زوجة الغائب: دار السلام، القاهرة - مصر، الطبعة الأولى 1410هـ. محمود محمد علي. الطلاق بين الإطلاق والتقييد في الشريعة الإسلامية: طبع 1398هـ. ابن قدامة، الموفق عبد اللَّه بن أحمد، وابن قدامة، شمس الدين عبد الرحمن بن محمد، والمرداوي، علي بن سليمان. المقنع والشرح الكبير والإنصاف: تحقيق الدكتور/ عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1416هـ، توزيع وزارة الشؤون الإسلامية، المملكة العربية السعودية. الموسوعة الفقهية. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت: طبع ذات السلاسل، الكويت، ودار الصفوة. ابن نجيم، زين العابدين بن إبراهيم: الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، دار الكتب العلمية، بيروت، طبع عام 1400هـ. النيسابوري، مسلم بن الحجاج القشيري. صحيح مسلم: دار الدعوة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 73 الخاتمة وفي ختام هذا البحث أحمده سبحانه على أن أمدني بعونه وتوفيقه حتى انتهيت منه ولما كان لكل شيء ثمرة فإني أذكر في نهايته أهم النتائج التي توصلت إليها: إن أبحاث هذا البحث تخص الغائب الذي غادر موطنه إلى موطن آخر ولم يعد إليه لفترة وحياته معلومة ومكانه معروف ويمكن الاتصال به. إن الراجح من قولي العلماء هو القول بالتفريق بين الزوجين للغيبة إذا تضررت الزوجة من هذه الغيبة وطالبت بالفرقة وتوفرت شروط التفريق. إن الذين قالوا بالتفريق بين الزوجين للغيبة وهم المالكية والحنابلة اشترطوا شروطاً لابد من توفرها قبل التفريق منها شروط اتفقوا عليها، ومنها ما اشترطه الحنابلة فقط، ومنها ما اشترطه المالكية والحنابلة واختلفوا فيه. أنني أميل إلى ترجيح رأي المالكية في عدم اشتراط العذر للتفريق للغيبة دفعاً لتضرر الزوجة من طول الغياب وهو خشية الوقوع في الزنا وعملاً بالقواعد الفقهية "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و"الضرر يزال"، و"ارتكاب أخف الضررين" خاصة وأن المالكية يرون أنه لا يفرق بينهما للغيبة إلا إذا كانت الغيبة طويلة حددوها بسنة على المعتمد في المذهب وهذا كافٍ للزوج لقضاء مصالحه - حتى ولو كان سفره بعذر - فإذا زاد عن ذلك فالتفريق بينهما إذا طلبته الزوجة لمراعاة مصلحة المرأة ودفع الضرر عنها الحاصل من طول الغياب. إن الراجح من القولين قول من قال إن الفرقة فسخٌ وليست طلاقاً لأن القول بأنه فسخ أقرب إلى روح التشريع ومقاصده المبنية على السهولة والتيسير والمصلحة ورفع الحرج. الحواشي والتعليقات الجزء: 11 ¦ الصفحة: 74 اللُّمُوعُ فيما يختلف فيه الرجال والنساء من أحكام البيوع الدكتور أحمد بن عبد الله بن محمد العمري الأستاذ المساعد بقسم الفقه -كلية الشريعة-الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ملخص البحث تتلخص فكرة البحث في أنني رأيت أن قضية تحرير المرأة قد تُصدي لها من الناحية الفكرية بما فيه قُنْعَةٌ للمنصف، ولكنها تحتاج إلى بحوث متخصصة من الناحية العلمية تبين تباين الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية، وهذا من أقوى العوامل التي تساهم في دحض دعاوى مساواتها للرجل، وخلصت من خلال هذا البحث إلى: 1 أن مزاولة التجارة مباحة للرجل، وغير مباحة للمرأة إلا بقيود زائدة على الرجل. 2 أنه لا فرق بين الأمة والعبد في حرمة التفريق بينهما وبين ابنهما الصغير في البيع. 3 أن البيع بعد نداء الجمعة حرام في حق الرجل، يحكم بفسخه، بخلاف المرأة إذا لم تتعامل مع أحد من أهل الوجوب. 4 أنه يجوز بيع المدبَّر والمدبَّرة على حدٍ سواء. 5 أن البَخْر والذفر والزنا عيب في العبد والأمة يرد به البيع. 6 أن الأمة إذا كانت بنت زنا تردُّ في البيع بخلاف العبد. 7 أن كفر العبد لا يعد عيباً في البيع بخلاف الأمة ما لم تكن كتابية. 8 أن عدم الختان عيب في العبد دون الأمة. 9 أن النكاح عيب في الأمة والعبد يرد به البيع. المقدمة الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا - إلى يوم الدين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 75 أما بعد: فإن جوانب العظمة في الدين الإسلامي لا تنحصر، كيف وقد قضى الله أن من تمسك به نصر، ومن حاد عنه خسر، وسط لا غلو فيه ولا جفاء، سهل لا شدة فيه ولا عناء، منزه عن كل عيب ونقصان، صالح لكل زمان ومكان، أرسل الله به سيد المرسلين، وخاتم النبيين، أشرف الأولين والآخرين، وجعل العلم والعمل به أعظم ما يتنافس فيه المتنافسون (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون (. [الزمر 9] وقال النبي (: " العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" (1) صححه الألباني (2) . وإن من جوانب العظمة في هذا الدين أن العلم به ميدان مديد، وصرح مشيد، فتح للعقول أبواب التفكير والاستنباط، وأزال عنها غشاوة الجهل ودواعي الإحباط، فلا زال العلماء على مر الأعوام، وتتابع الأيام، يسطرون المؤلفات، ما بين مطولات ومختصرات، فمنهم الشارح ومنهم المختصر، ومنهم الجامع لما تناثر مما يتعلق بموضوع واحد، ومنهم المُجَلِّي لنازلة نزلت بالأمة وهكذا. وإنه في هذه الأزمان قد ظهرت على الناس طائفة استشرفها الشيطان وزين لها سوء عملها فأصبحت جندا من جنوده ينادون بما ينادي به الكفار من سلخٍ للمرأة عن أُنوثتها، وإخراجها من حجابها سر عفتها، وجعلها سلعة تباع كرامتها بلا ثمن، واتخذوا لذلك شعارات برّاقة من الدعوة إلى حرية المرأة ومساواتها بالرجل وضمان حقوقها إلى غير ذلك، والهدف هو حرية الوصول إلى المرأة ليس غير.   (1) سنن أبي داود 4/57 في العلم باب الحث على طلب العلم حديث 3641، سنن الترمذي 5/49 في العلم باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة ضمن حديث 2682. (2) صحيح سنن الترمذي 2/342 رقم 2159. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 76 أقول ومع أن هذه الدعوى لا يقبلها دين قويم، ولا عقل سليم، إلا أنها قد وجدت لها أنصاراً كثراً. وقد تولى العلماء والمفكرون الرد على هذه الدعوى من الناحية الفكرية بما لا مزيد عليه ثم رأيت أنه ينبغي أن يُطرق الموضوع من الناحية الفقهية لتبيين الفرق بين الصنفين والبون بين الطائفتين. ولما كنت قد جعلت رسالتي الدكتوراه في هذا الموضوع وبحثت فيها ما يتعلق بالعبادات وقد نُشرت تحت عنوان " الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام " رأيت أن من المناسب أن أُقدم بحثا آخر في البيوع، فاستعنت الله تعالى وجمعت ما وجدته من مسائل تدخل تحت موضوع البيوع وسميته " اللموع فيما يختلف فيه الرجال والنساء من أحكام البيوع " وإني أرجو أن أكون بعملي هذا قد ساهمت في سد ثغرة سعى أعداء الإسلام إلى فتحها على الدين الإسلامي من خلال المرأة. وقد سرت في بحثي هذا على المنهج التالي: 1 - قمت بتتبع المسائل التي تدخل تحت هذا الموضوع بالبحث في مظانها وبعد أن تم لي جمعها جعلتها في مباحث أربعة. 2 - قمت بجمع أقوال أهل العلم في كل مسألة ولم ألتزم بتقديم مذهب معين. 3 - قمت بتوثيق كل قول من مصادره الأصيلة خاصة المذاهب الأربعة أما غير المذاهب الأربعة فانقلها من مظانها كالمصنفات وكتب شروح الحديث وكتب الفقه المقارن. 4 - جعلت نصب عيني أن أذكر أقوال المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة مع ذكر أقوال الصحابة والتابعين غالباً. 5 - بعد ذكر الأقوال أبدأ في الاستدلال لها فأذكر أدلة القول الأول مقدما الأدلة النقلية على الأدلة العقلية ذاكراً ما على كل دليل من مناقشة بعده مباشرة، وإن كان هناك جواب على المناقشة ذكرته بعد ذلك وهكذا حتى تتم أدلة القول الأول، ثم أدلة القول الثاني وهكذا. 6 - إذا لم أجد أهل العلم ذكروا أدلة لبعض الأقوال حاولت الاستدلال لها وأحيانا أضيف بعض الأدلة لبعض الأقوال. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 77 7 - قد أناقش أدلة قولٍ ومع ذلك أرجحه، وذلك لما يلي: أ - إما لأن تلك المناقشة غير قوية في نظري فلا تكفي لردها. ب - وإما لأن هناك أدلة قوية غير التي ناقشتها. ج - وإما لاعتبارات أخرى أذكرها في حينها. 8 - قسمت البحث إلى خمسة مباحث والمبحث إلى مطالب. 9 - اعتنيت ببيان النصوص التي أنقلها عن أهل العلم إما بوضعها بين قوسين أو بأن أبدأ الكلام بقولي قال فلان ثم أضع الإحالة في آخر الكلام. 10 - خرّجت الأحاديث والآثار قدر الاستطاعة فما ورد في الصحيحين اكتفيت بالإحالة إليهما وما ورد في غيرهما حاولت بيان درجته من كتب الفن. 11- إذا ورد الحديث في الكتب الستة ذكرت الجزء والصفحة، والكتاب والباب ورقم الحديث وذلك لكثرة طبعات هذه الكتب أما غير الكتب الستة فاذكر الجزء، والصفحة فقط. 12 - رمزت لمصنف عبد الرزاق برمز "عب" ولمصنف ابن أبي شيبة برمز "شب". 13 - عزوت الآيات إلى أماكنها من القرآن الكريم. 14 - قمت بتخريج الحديث عند أول وروده. 15- إذا رجحت أن بين الرجل والمرأة فرقا في مبحث ما فإن كان الفرق ظاهراً اكتفيت ببيان حكم كل من الرجل والمرأة وإن لم يكن واضحا لخصت الفرق بينهما في آخر المبحث. 16 - بينت الراجح في كل مسألة حسب طاقتي. هذا وقد رسمت لعملي في هذا البحث الخطة التالية: جعلته في مقدمة وخمسة مباحث: المقدمة: وضمنتها منهج البحث وخطة العمل فيه. المبحث الأول: حكم مباشرة البيع للرجل والمرأة. المبحث الثاني: حكم التفريق بين الأمة وولدها والعبد وولده في البيع. المبحث الثالث:حكم البيع بعد نداء الجمعة الثاني في حق الرجل والمرأة. المبحث الرابع:حكم بيع المدبر والمدبرة. المبحث الخامس:عيوب البيع التي يختلف فيها العبيد والإماء. الخاتمة. الفهارس. المبحث الأول: حكم مباشرة البيع للرجل والمرأة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 78 من المسلَّمات عند علماء الإسلام قديما وحديثا أن البيع مباح في الجملة، ويدل لذلك الكتاب والسنة والإجماع (1) . فمن الكتاب قوله تعالى: (وأحل الله البيع (. [البقرة 275] وقوله تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم (. [البقرة 282] وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم (. [النساء 29] ومن السنة أحاديث كثيرة، منها ما ورد في الصحيحين من حديث حكيم بن حزام أن النبي (قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا - أو قال حتى يتفرقا - فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" (2) . وأما الإجماع فقد حكاه غير واحد من أهل العلم منهم موفق الدين ابن قدامة وابن حجر العسقلاني (3) . وإذا تبين أن حكم البيع الإباحة من حيث الجملة فإن الرجل داخل في هذا الحكم دخولا أوليا لا ينازع في ذلك أحد كيف وقد جعل الله الرجال قوامين على النساء وأمرهم بالإنفاق على أهليهم، ومن أعظم سبل تحصيل المعاش التجارة الحاصلة بالبيع والشراء والتقلب في الأسواق. ولقد باشر النبي (التجارة بنفسه؛ فشرى جملا من جابر (كما هو ثابت في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة (4) .   (1) تحفة الفقهاء 2/5، تفسير القرطبي 3/356، الغاية القصوى 1/ 455، المغني 6/5. (2) صحيح البخاري مع الفتح 4/309 في البيوع باب إذا بين البيعان رقم 2079، صحيح مسلم 3/1164 في البيوع باب الصدق في البيع والبيان رقم 1532. (3) المغني 6/7، فتح الباري 4/287. (4) صحيح البخاري مع الفتح 4/ 320 في البيوع باب شراء الدواب والحمير رقم 2097، صحيح مسلم 3/1221 في المساقاة باب بيع البعير واستثناء ركوبه رقم715. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 79 وكان ينيب عنه غيره أحيانا؛ فبعث مرة عروة البارقي (بدينار ليشتري له به شاة أو أضحية فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار فدعا له رسول الله (في بيعه بالبركة فكان لو اشترى ترابا لربح فيه (1) . وباشرها أصحابه رضي الله عنهم حتى إن الغالب على المهاجرين الاشتغال بالبيع والشراء في تحصيل معاشهم. قال ابن عبد البر معلقا على قول عثمان (عندما أنكر عليه عمر (تأخره عن الجمعة "يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت ... " (2) قال: "وفي الحديث ... شهود الخيار والفضلاء السوق ومعناه التّجر فيه وهكذا كان المهاجرون يعانون المتاجر لأنه لم يكن لهم حيطان ولا غلاّت يعتمرونها إلا بعد حين وكانت الأنصار ينظرون في أموالهم ويعتمرونها وفي هذا كله دليلٌ على طلب الرزق والتعرض له والتحرف" (3) . وكم من النصوص الحاثة على الاتجار الناهية عن المسألة والاعتماد على الغير، والضابطة لأحكام البيع حلا وحرمة. من ذلك ما روى الشيخان من حديث أبي هريرة (أن رسول الله (قال: "والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره فيأتي به فيبيعه فيأكل منه ويتصدق منه خيرله من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه" (4) .   (1) صحيح البخاري مع الفتح 6/632 في المناقب باب حدثنا محمد بن المثنى رقم3642، سنن الترمذي 3/559 في البيوع باب رقم 34 حديث رقم 1258، سنن ابي داود 3/677 في البيوع باب في المضارب يخالف رقم 3384. (2) صحيح البخاري مع الفتح2/356 في الجمعة باب فضل غسل الجمعة حديث 878، صحيح مسلم 2/580 أول كتاب الجمعة حديث845. (3) التمهيد 10/77. (4) صحيح البخاري مع الفتح3/335 في الزكاة باب الاستعفاف عن المسألة رقم 1470، صحيح مسلم 2/721 في الزكاة باب كراهة المسألة للناس حديث 1042. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 80 وكنهيه (عن تلقي الركبان، وبيع الحاضر للبادي وزيادة الناجش وغيرها من النصوص المبينة لأحكام التجارة. وإذا كانت الأدلة تدل على جواز ممارسة التجارة للرجل بالبيع والشراء طلبا للرزق كما كان يفعله السلف، فهل المرأة كالرجل في حكم مباشرتها للبيع والشراء والصفق في الأسواق أم لا؟ . وللجواب عن هذا السؤال أقول: لابد من بيان أهم المفاسد من خروج المرأة واختلاطها بالرجال لأنه لا خلاف في جواز التجارة للمرأة إذا كانت لا تختلط بالرجال ولا تمشي في الأسواق متكشفةً بحيث يراها الرجال، ولا تتطيب عند خروجها، ولا تخرج دون إذن زوجها، ولا تتعامل بالحرام، أو قل لا ترتكب محذوراً شرعياً. لأن الغاية لا تبرر الوسيلة بل الوسائل لها أحكام الغايات فلا يجوز التوصل إلى غاية مباحة إلا بوسيلة مباحة، فإذا كان في مباشرة المرأة للتجارة ضرر كفساد أو تهمة أو خلوة أو ميل لشهوة (1) فإنه لا يجوز لها مباشرة التجارة سداً للذريعة الموصلة إلى المحرم. قال الإمام مالك رحمه الله: أرى للإمام أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم ... (2) .   (1) انظر المعيار المعرب 5/198. (2) المعيار المعرب 5/199، الطرق الحكمية ص280. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 81 وعقب ابن القيم على كلام مالك بقوله: " فالإمام مسؤول عن ذلك والفتنة به عظيمة قال (: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " وفي حديث آخر أنه قال للنساء (1) : " لكنّ حافات الطريق (2) " ويجب عليه منع النساء من الخروج متزينات متجملات ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة والرقاق ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات ومنع الرجال من ذلك وإن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة - إذا تجملت وتزينت وخرجت - ثيابها بحبر ونحوه فقد رخص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب وهذا من أدنى عقوبتهن المالية، وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها ولا سيما إذا خرجت متجملة بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية والله سائل ولي الأمر عن ذلك " (3) . ومن أهم المفاسد المترتبة على خروج النساء للتجارة والصفق في الأسواق التي يبنى عليها القول بتحريم خروجهن للتجارة في الأسواق مايلي: 1- ما يقتضيه الخروج للتجارة من مزاحمة المرأة للرجال والاختلاط بهم مما يؤدي إلى فتنة عظيمة لها وللرجال بسبب ما أودعه الله في النفوس من ميل الذكر إلى الأنثى والأنثى إلى الذكر خاصة عندما يصاحب ذلك جمال من أحد الطرفين أو خلوة يطل فيها الشيطان بقرونه أو ضعف في التدين، والأدلة الدالة على تأكيد هذا الأصل كثيرة منها: أ - قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن ... (. [الأحزاب 33] قال القرطبي: " معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت وإن كان الخطاب لنساء النبي (فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء فكيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن " (4) .   (1) يأتي تخريجه في الصفحة اللاحقة. (2) أخرجه أبو داود 5/422، في الأدب: باب مشي النساء مع الرجال في الطريق حديث 5272، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 2/537 تحت حديث رقم 856. (3) الطرق الحكمية ص280. (4) تفسير القرطبي 14/179. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 82 فالخروج للأسواق ينافي الأمر بالقرار وما أمر الله بالقرار إلا لما فيه من المصلحة ولما في الخروج من المفسدة. قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " من المعلوم أن نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال يؤدي إلى الاختلاط وذلك أمر خطير جداً له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة وهو مصادم للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها" (1) . ب - قوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ( [الأحزاب 53] والخروج للتجارة يكسر هذا الحجاب ويجعل المرأة تكلم الرجال مباشرة كيف وهذه الآية نزلت في تعليم الصحابة – رضى الله عنهم – وهم أطهر الناس بعد الأنبياء، كيف يسألون نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وهن أطهر النساء. قال الطبري في تفسيرها: " وإذا سألتم أزواج النبي (ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعا فاسألوهن من وراء حجاب. يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن ولا تدخلوا عليهن بيوتهن ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن" (2) . ج - قوله] فيما روى الشيخان من حديث أسامة بن زيد " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " (3) . ومعلوم أنه إذا لم يرها الرجال ولم يسمعوها لم تحصل الفتنة وإنما تحصل بالرؤية والحديث والأخذ والعطاء وما أدى إلى ذلك فإنه يمنع. د - قوله (فيما روى الترمذي من حديث عبد الله " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان " (4) . قال الترمذي: حسن غريب. وقال الألباني: صحيح (5) .   (1) مجلة البحوث الإسلامية عدد 39 ص379. (2) تفسير الطبري 22/28. (3) صحيح البخاري مع الفتح 9/137 في النكاح باب ما يتقى من شؤم النساء حديث 5096، صحيح مسلم 4/2097 في الذكر والدعاء باب أكثر أهل الجنة الفقراء … رقم 2740. (4) سنن الترمذي 3/476 في الرضاع باب حدثنا محمد بن بشار حديث 1173. (5) إرواء الغليل 1/303 حديث 273. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 83 وقوله: استشرفها، أي نظر إليها (1) وفي هذا دلالة على أنه ينظر إليها فيفتنها ويفتن بها. 2 - ما يحصل من التزين والتعطر عند الخروج إذ أن المرأة منذ خلق الله الخليقة مجبولة على حب التزين والجمال بل إن ذلك من أعظم ما يشغل بالها إن لم يكن هو الأعظم وإذا تزينت وتعطرت ثم خرجت عصت ربها ووقعت في المحذور يدلك على ذلك ما صح من حديث أبي موسى الأشعري (أنه قال: قال رسول الله (: "أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الألباني: إسناده حسن (2) . وما في صحيح مسلم من حديث زينب امرأة عبد الله أنها قالت: قال رسول الله (: " إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا " (3) . 3 - ما يحصل بمزاولة التجارة من الخلوة بين الرجال والنساء إذ أنه لا يمكن أن تباشر المرأة البيع والشراء ثم لا تحصل الخلوة وخاصة أنه يوجد من ضعاف الإيمان من الرجال والنساء من يتقصد الخلوات ويتطلع إلى المحرمات والخلوة محرمة وما أدى إليها أخذ حكمها. قال (فيما روى الشيخان من حديث عقبة بن عامر: " إياكم والدخول على النساء " فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت" (4) .   (1) النهاية 2/462. (2) أخرجه أحمد في المسند 4/414 وأبو د اود في السنن 4/400 في الترجل باب طيب المرأة للخروج حديث 4173، والنسائي في السنن 8/153 كتاب الزينة باب ما يكره للنساء من الطيب، والترمذي في السنن 5/106 في الأدب باب ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة حديث2786، مشكاة المصابيح 1/335 رقم 1065. (3) صحيح مسلم 1/328 في الصلاة باب خروج النساء إلى المسجد رقم 443. (4) صحيح البخاري مع الفتح 9/330 في النكاح باب لا يخلو رجل بامرأة إلا ذو محرم حديث رقم 5232، صحيح مسلم 4/1711 في السلام باب تحريم الخلوة بالأجنبية حديث رقم 2171. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 84 4 – ما تتطلبه التجارة من السفر والضرب في الأرض، وقد يكون بدون محرم وهذا حرام لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه قال (: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم" (1) . 5 - ما يحصل بالاختلاط في التجارة مع الرجال من تبادل النظرات المريبة التي تؤدي إلى أمراض القلوب، ولو ابتعدت المرأة عن مثل هذه الأماكن لسلمت وسلّمت، ويؤكد هذا الكلام ما يلي: أ – ما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم من حديث بريدة قال: قال رسول الله (لعلي: " يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة " (2) . وقال الترمذي: حديث حسن غريب. ب – ما روى الشيخان من حديث أبي هريرة أن رسول الله (قال: " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنى العين النظر، وزنا اللسان المنطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه " (3) .   (1) صحيح البخاري مع الفتح 2/566 في تقصير الصلاة باب في كم يقصر الصلاة حديث رقم 1088 صحيح مسلم 2/977 في الحج باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج حديث رقم 1339. (2) المسند 5/351،353،357،سنن أبي د اود 2/610 في النكاح باب ما يؤمر به من غض البصر حديث رقم2149،سنن الترمذي 5/101 في الأدب باب ما جاء في نظرة المفاجأة حديث رقم 2777.. (3) صحيح البخاري مع الفتح 11/26 في الاستئذان باب زنا الجوارح حديث رقم 6343، صحيح مسلم 4/2046 في القدر باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا حديث رقم 2657. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 85 ج - ما قد يحصل بمزاولة المرأة للتجارة من انكشاف شيء من جسدها من وجه أو يد أو رجل إلى غير ذلك وناهيك بالفتنة الحاصلة به وهذه المفسدة متحققة فإنها إذا باشرت التجارة سوف ترفع البضائع وتضعها وتصعد السلالم وتنزل وتحمل على رأسها وظهرها فأي تستر يحصل إذا قامت بهذه الأعمال أمام الرجال، ثم إن التجارة ليست فقط بيعا في المحلات بل ربما تكون عاملة بجسدها في إصلاح الطرق وحفر الآبار وقطع الأخشاب وبناء البيوت فأي حجاب والحال ما ذكر. بهذا يتلخص: أن مزاولة التجارة في الأسواق مباحة للرجل، وغير مباحة للمرأة إلا بقيود زائدة على ما يجب على الرجل أن يتقيد به، وذلك عائد إلى ما يترتب على خروجها للتجارة من مفاسد زائدة على ما يترتب على خروج الرجل، وقد سبق وأن أجملت أهم هذه المفاسد على سبيل التمثيل لا الحصر، والله أعلم. المبحث الثاني: حكم التفريق بين الأمة وولدها والعبد وولده في البيع هذه المسألة تدور حول بيع العبيد من حيث جواز التفريق بين الوالد وولده في البيع ومما هو معلوم أن المالك للعبيد له مصلحة في بيع عبيده كيف شاء، وألا يقيد في ذلك بقيود، كما أن في التفريق بين الوالد وولده ضرراً بالغاً لما جعل الله بين الآباء والأبناء من الحب والشفقة والرحمة حتى إن حب الأم لولدها صار مضرب المثل يدل لذلك ما روى الشيخان من حديث عمر بن الخطاب (قال قدم على النبي (سبي فإذا امرأة من السبي تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا النبي (: " أترون هذه طارحة ولدها في النار"؟ قلنا: لا وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: " لله أرحم بعباده من هذه بولدها " (1) .   (1) صحيح البخاري مع الفتح 10/426 في الأدب باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته حديث رقم 5999، صحيح مسلم 4/2109 في التوبة باب في سعة رحمة الله تعالى … حديث رقم 2754. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 86 ولأجل هذه الرحمة التي أودعها الله في قلوب الآباء والأمهات لأبنائهم منع الإسلام من التفريق بين الوالد وولده في البيع، وهذا من كمال الدين الإسلامي ورعايته لمصالح المالك والمملوك والقوي والضعيف؛ لكنه وقع خلاف بين العلماء في حكم هذه المسألة من حيث امتداد منع التفريق بينهما هل يمتد إلى التمييز أم إلى البلوغ أم إلى ما بعد البلوغ؟ وهل يشمل الوالد والوالدة أم يخص واحدا منهما؟ ومن أجل بيان حكمها جعلتها في أربعة مطالب: المطلب الأول: حكم التفريق بين الأمة وولدها في البيع. المطلب الثاني: إلى متى تمتد حرمة التفريق بينهما؟ المطلب الثالث: حكم التفريق بين العبد وولده في البيع. المطلب الرابع: إلى متى تمتد حرمة التفريق بينهما؟ المطلب الأول: حكم التفريق بين الأمة وولدها في البيع: أجمع أهل العلم على أن التفريق بين الأمة وولدها الطفل غير جائز (1) ولكنهم اختلفوا في كون النهي للتحريم أو للكراهة على قولين: القول الأول: للجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يرون حرمة التفريق بين الأمة وولدها في البيع (2) . القول الثاني: للحنفية حيث يرون أن التفريق بينهما مكروه وليس محرما خلافاً للجمهور. (3) الأدلة: أدلة الجمهور على حرمة التفريق بين الأمة وولدها في البيع.   (1) المغني 13/108 (2) البيان والتحصيل4/170، الكافي1/468، القوانين الفقهية ص 128، شرح السنة 9/335، المنهاج ومغني المحتاج2/38، نهاية المحتاج3/473،476، المغني 13/108،109، الإنصاف4/137،138، المبدع3/330. (3) تحفة الفقهاء 2/115، الهداية شرح البداية وشرح فتح القدير 6/479،484. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 87 1- ما روى الترمذي وأحمد والدارمي والحاكم من حديث أبي أيوب قال: سمعت رسول الله (يقول: " من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " (1) . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقد أورده صاحب المشكاة وقال عنه الألباني: إسناده حسن (2) . قلت: فهذا الحديث فيه وعيد شديد في حق من فرق بين والدة وولدها وهو عام يدخل فيه البيع، ومثل هذا الوعيد يدل على التحريم، وهذا ما فهمه العلماء من هذا الحديث. 2 - ما روى ابن ماجة والدارقطني والبيهقي وأبو يعلى من حديث أبي موسى قال: لعن رسول الله (من فرق بين الوالدة وولدها وبين الأخ وبين أخيه (3) ضعفه النووي (4) وحكم عليه محقق مسند أبي يعلى بالضعف. 3 - ما روى البيهقي في سننه من حديث أبي بكر الصديق (قال: قال رسول الله (: " لا تولّه والدة عن ولدها " (5) . قال صاحب الإشراف بعد ذكر هذا الحديث: أجمع أهل العلم على القول بهذا الخبر إذا كان الولد طفلاً لم يبلغ سبع سنين، واختلفوا في وقت التفرقة (6) . وقدحكم عليه الشيخ الألباني بالضعف (7) .   (1) سنن الترمذي 3/580 في البيوع باب ما جاء في كراهية الفراق بين الأخوين … حديث رقم1283، المسند5/413،414، سنن الدارمي2/227، المستدرك2/55. (2) مشكاة المصابيح2/1003، حديث رقم 3361. (3) سنن ابن ماجة 2/756 في التجارات باب النهي عن التفريق بين السبي حديث رقم2250، سنن الدارقطني 3/67 حديث رقم 255، سنن البيهقي 9/ 128، مسند أبي يعلى13/226 رقم7250. (4) المجموع 9/362 (5) سنن البيهقي 8/5. (6) انظر مواهب الجليل 4/370. (7) ضعيف الجامع 5/78 رقم6294. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 88 4- ما روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث علي بن أبي طالب (قال: أمرني رسول الله (أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما ففرقت بينهما فذكرت ذلك للنبي (فقال: " أدركهما فأرجعهما ولاتبعهما إلا جميعاً " (1) . قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وأجاب الأحناف عن هذا الحديث: بأنه يجب تأويله بأن يحمل على طلب الإقالة أو بيع الآخر ممن باع منه أحدهما (2) . قلت: وهذا الجواب لا يقوى على رد ما صح من أدلة الجمهور. وقال الحاكم: هذا حديث غريب صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الذهبي: غريب (3) . وضعفه الألباني (4) . فإذا دل الحديث على أنه لا يفرق بين الأخوين فبين الأم وولدها من باب أولى. قلت: فما لم يضعَّف من الأدلة السابقة يدل على تحريم التفريق بين الأمة وولدها في البيع وعلى عدم صحة البيع إن وقع (5) . أدلة القول الثاني: أما ما ذهب إليه الحنفية من أن حكم التفريق بين الأم وولدها الكراهة وليس التحريم فدليله قولهم: إن ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى محله والكراهة لمعنى مجاور وهو الوحشة الحاصلة بالتفريق فكان كالبيع وقت النداء وهو مكروه لا فاسد كالاستيام (6) . الترجيح: الذي يظهر لي أن قول الجمهور أقوى من قول الأحناف لما يلي: 1 أن الوعيد الوارد في قوله (: "من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" وعيد شديد يفهم منه حرمة التفريق.   (1) المسند 1/97،98، سنن الترمذي3/581 في البيوع باب ما جاء في كراهية التفريق بين الأخوين000 حديث رقم1284، سنن ابن ماجة2/755 في التجارات باب النهي عن التفريق بين السبي حديث رقم2249، المستدرك 2/54. (2) شرح فتح القدير، وشرح العناية 6/84. (3) تلخيص المستدرك 2/ 54. (4) مشكاة المصابيح 2/1003 رقم 3362. (5) انظر المغني 13/110. (6) شرح العناية على الهداية 6/483،484. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 89 2 أن تجويز الأحناف التفريق بين الوالدة وولدها قياساً على البيع وقت النداء من قياس المختلف فيه على المختلف فيه، وهذا لا يُسلَّم. المطلب الثاني: إلى متى تمتد حرمة التفريق بينهما؟ بعد أن تبين في المطلب السابق أنه يحرم التفريق بين الأمة وولدها الصغير فإنه يأتي سؤال يفرض نفسه، وهو إلى متى تمتد حرمة التفريق؟ وللجواب عن ذلك أقول: وقع في إجابته خلاف بين أهل العلم على أقوال أهمها ثلاثة: القول الأول: لا يُفَرَّق بينهما حتى يبلغ الصغير باحتلام أو حيض، هذا ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة في قول، وهو قول للمالكية وقول للشافعية (1) . القول الثاني: لا يفرق بينهما حتى يبلغ الصغير سبع أو ثمان سنين، هذا هو المعتمد عند الشافعية والمالكية (2) حيث قالوا لا يفرق بينهما إلى أن يثغر (3) وهو لا يثغر إلا في حدود هذا السن. القول الثالث: لا يفرق بينهما أبداً، هذا قول للمالكية والحنابلة، وعليه المذهب عند الحنابلة، وهي من المفردات (4) . الأدلة: أدلة القول الأول: استدلوا لقولهم بان التفريق بين الوالدة وولدها لا يجوز إلا بعد البلوغ بأدلة من السنة والمعقول من ذلك:   (1) تحفة الفقهاء 2/115، الهداية شرح البداية وشرح فتح القدير6/479،484، البيان والتحصيل 4/170، القوانين الفقهية ص128، المنهاج ومغني المحتاج 2/38، نهاية المحتاج 3/475، المغني 13/109، المقنع والإنصاف 4/137. (2) الكافي 1/468، القوانين الفقهية ص128، شرح السنة 9/335، مغني المحتاج 2/38، نهاية المحتاج 3/473. (3) أي إلى أن يلقي أسنانه، والثغر هو المبسم ثم أطلق على الثنايا. المصباح المنير مادة ثغر 1/101. (4) البيان والتحصيل 4/170، المغني 13/109، الإنصاف4/137. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 90 1 ما روى مسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه غزى فزارة مع أبي بكر رضي الله عنه فأسر سلمة عنقاً من الناس وفيهم امرأة من بني فزارة معها ابنة لها فنفله أبوبكر البنت فلما عادوا إلى المدينة استوهبها منه رسو ل الله (فبعث بها إلى مكة ففدى بها ناساً من المسلمين (1) ولم ينكر النبي (تفريق أبي بكر بينهما (2) . وقال النووي: فيه دلالة للتفريق بين المرأة وولدها بعد البلوغ (3) . 2 ما روى الحاكم والبيهقي من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه يقول: نهى رسول الله (أن يفرق بين الأم وولدها، فقيل: يا رسول الله إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية (4) . وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: موضوع، وابن حسان كذَّاب. وضعفه الحافظ في التلخيص (5) . 3 أن الأحرار يتفرقون بعد البلوغ فإن المرأة تزوَّج ابنتها (6) . أدلة القول الثاني: استدلوا لقولهم بعدم جواز التفريق بين الأمة وولدها حتى يبلغ الصغير سبع أو ثمان سنين بما يلي: 1 ما تقدم من قوله (: "لا توله والدة عن ولدها". 2 ما تقدم من حديث أبي أيوب قال: سمعت رسول الله (يقول: "من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة". 3 ما تقدم من حديث أبي موسى قال::لعن رسول الله (من فرق بين الوالدة وولدها … " وتقدم أنه ضعيف.   (1) صحيح مسلم 3/ 1375 في الجهاد باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى، حديث 1755، سنن أبي داود 3/146 في الجهاد، باب الرخصة في المدركين يفرق بينهم حديث رقم 2697، سنن ابن ماجة 2/949 في الجهاد، باب فداء الأسارى، حديث رقم 2846، مسند الإمام أحمد 4/46. (2) المغني 13/109. (3) المجموع 9/363. (4) المستدرك 2/55، السنن الكبرى 9/128. (5) التلخيص الحبير 3/16. (6) المغني 13/109. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 91 استدل الشافعية بهذه الأحاديث ويظهر أنهم حملوا النهي على ما دون التمييز (1) معللين ذلك بأن الولد يستغني عن الأم بعد هذه السن (2) ويظهر أن المالكية يعللون بمثل تعليل الشافعية حيث قال ابن عبد البر معللاً لمذهبهم تأخير التفريق حتى يثغر أو يبلغ ثماني سنين. قال: وكان ممن يعرف القيام من نفسه بما يقوم به مثله (3) . أدلة القول الثالث: استدل أهل هذا القول لمذهبهم القائل بأن النهي عن التفريق بين الوالدة وولدها يمتد أمد الحياة بما يلي: 1 بعموم الخبر (4) ، أي حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه المتقدم أنه (قال: "لا توله والدة عن ولدها" وما ذكر معه من الأحاديث. 2 أن الوالدة تتضرر بمفارقة ولدها الكبير ولهذا حُرِّم عليه الجهاد بدون إذنها (5) . الترجيح: الذي يظهر لي أن التفريق بين الأمة وولدها بالبيع جائز بعد البلوغ لما مر من أدلة القول الأول، وغير جائز قبل التمييز لما مر من نقل الإجماع على منعه في المطلب الأول، أما ما بين التمييز والبلوغ فلم أستطع الجزم فيه بجواز التفريق أو عدمه وإن كان هناك ما قد يدل على الجواز إذ أنه يجوز التفريق بين الحرة وابنتها بالنكاح قبل البلوغ فيؤخذ منه جواز التفريق بين الأمة وابنتها بالبيع قبل البلوغ، وقد يجاب عنه بأن بين الأمرين فرقاً فالتفريق بالبيع فيه وحشة وتفريق على غير رغبة أما التفريق بالنكاح ففيه أنس وتفريق عن رغبة ومحبة من الأم والبنت جميعا فالله أعلم بالصواب. المطلب الثالث: حكم التفريق بين العبد وولده في البيع: اختلف أهل العلم في حكم هذه المسألة على ثلاثة أقوال:   (1) المهذب مع المجموع 9/361، مغني المحتاج 2/38. (2) شرح السنة 9/335، المهذب مع المجموع 9/361. (3) الكافي 1/468. (4) المغني 13/109، البيان والتحصيل 4/170. (5) المغني 13/109. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 92 القول الأول: يحرم التفريق بين العبد وولده الصغير في البيع، هذا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة واللخمي من المالكية إلا أن الشافعية شرطوا عدم وجود الأم فإن وجدت الأم والأب حَرُمَ التفريق يبينه وبين الأم دون الأب (1) . القول الثاني: يكره التفريق بين العبد وولده الصغير في البيع حتى يبلغ فإن فُرِّق بينهما كره ذلك وصح العقد، هذا ما ذهب إليه الحنفية (2) . القول الثالث: يجوز التفريق بين العبد وولده الصغير بالبيع ولا حرج في ذلك، هذا ما ذهب إليه المالكية (3) . الأدلة: أدلة القول الأول: استدلوا بالأدلة السابقة الناهية عن التفريق بين الوالدة وولدها ومنها: 1- ما ورد من طريق أبي أيوب (أن رسول الله (قال: " من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " وقد تقدم أنه حديث حسن. قال ابن قدامة: إنه أحد الأبوين فأشبه الأم (4) . 2- حديث علي قال: أمرني رسول الله (أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما ففرقت بينهما فذكرت ذلك للنبي (قال: " أدركهما فأرجعهما ولاتبعهما إلا جميعاً " وقد تقدم أن كثيرا من العلماء حسنه وبعضهم ضعفه؛ فإذا كان لا يُفرَّقُ بين الأخوين فالتفريق بين الوالد والولد أولى بالنهي. أدلة القول الثاني: ... قد سبق أن ذكرت دليل الحنفية على أن النهي عن التفريق للكراهة لا للتحريم في المطلب السابق أيضا. أدلة القول الثالث:   (1) مواهب الجليل 4/ 370، شرح السنة 9/335، المنهاج ومغني المحتاج 2/38، نهاية المحتاج 3/473-476، الإنصاف 4/ 137،138، المغني 13/ 109. (2) الهداية وشرح فتح القدير 6/479، 483، تحفة الفقهاء 2/115. (3) مواهب الجليل 4/370، القوانين الفقهية ص 128. (4) المغني 13/109. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 93 أما أدلة المالكية على جواز التفريق بين الرجل وابنه بالبيع فما رأوه من أنه لا دليل يمنع من ذلك إذ يقولون إنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه وليس من أهل الحضانة بنفسه، وحملوا الأحاديث السابقة على عدم التفريق بين الوالدة وولدها دون الأب (1) . الترجيح: الذي يظهر لي أنه يحرم التفريق بين الوالد وولده بالبيع، وكون الحديث نص على عدم التفريق بين الأم وولدها لا يدل على جوازه بين الأب وولده؛ لأن السبب هو الشفقة والوله الحاصل بالتفرقة، وهذا يوجد بين الأب وابنه أيضا والفرق بين الأم والأب في ذلك يسير لا يعرج عليه قال الشاعر: وإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ هذان في الدنيا هما الرحماء (2) . فلعل الحديث خص الأم بالذكر لمزيد شفقتها لا لجواز التفريق بين الأب وولده أو لعل السبب أن التفريق في الغالب إنما يحصل بين الأم وولدها من أجل أن الرجال البالغين المستأسرين غالباً يُقتلون أو يُفتدى بهم أسرى من المسلمين أو يُمنُّ عليهم وقل من يُسْتَرَقُّ منهم فلهذا جاء النص بذكر الأم فقط. وبهذا يتلخص من هذا المبحث: أنه لا يجوز التفريق بين الأم وولدها في البيع، وكذلك لا يجوز التفريق بين الأب وولده في البيع خلافاً لمن أجاز ذلك والله أعلم. المطلب الرابع: إلى متى تمتد حرمة التفريق بينهما؟ بعد أن تبين في المطلب الثالث حرمة التفريق بين العبد وولده بالبيع وأنه كالأم في ذلك فهل يمتد منع التفريق مدى الحياة أم له حد ينتهي عنده؟ للجواب على ذلك أقول: اختلف العلماء القائلون بالنهي عن التفريق بين العبد وولده في المدة التي ينتهي عندها المنع على أقوال ثلاثة:   (1) مواهب الجليل 4/370، المغني 13/109. (2) الشوقيات 1/ 36. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 94 القول الأول: لا يفرق بين العبد وولده بالبيع حتى يبلغ الولد سن الرشد باحتلام أو حيض هذا هو المذهب عند الأحناف ورواية في مذهب الإمام احمد (1) . القول الثاني: لا يفرق بين العبد وولده بالبيع حتى يبلغ الولد سبع إلى ثمان سنين، هذا هو المذهب عند الشافعية (2) . القول الثالث: لا يجوز التفريق بين العبد وولده بالبيع أبداً، هذا هو المعتمد في مذهب الإمام أحمد، وهي من المفردات (3) . الأدلة: أدلة الأقوال في هذا المطلب هي عين أدلتهم السابق ذكرها في المطلب الثاني فلا نطيل بذكرها. الترجيح: الذي يظهر لي هنا هو عين ما رجحته في المطلب الثاني أنه لا يجوز التفريق بين العبد وولده قبل التمييز، ويجوز بعد البلوغ. أما ما بين التمييز والبلوغ فلم أستطع الجزم فيه بشيء، والله أعلم. المبحث الثالث: حكم البيع بعد نداء الجمعة في حق الرجال والنساء مما هو معلوم أن الجمعة واجبة على الرجال الأحرار البالغين المقيمين الذين لا عذر لهم وأنها غير واجبة على النساء (4) . ومن هنا فإن حكم البيع بعد نداء الجمعة يختلف باختلاف فاعله فإن من كانت الجمعة في حقه واجبة كان قد اشتغل بالبيع المباح عن أداء الجمعة الواجبة ومن كانت في حقه سنة فأمره أخف؛ ولأجل الاختلاف في حكم الجمعة اختلفت أقوال العلماء في حكم البيع. والكلام هنا يقع في خمسة مطالب: المطلب الأول: حكم البيع بعد نداء الجمعة في حق الرجال. المطلب الثاني: بداية وقت النهي عن البيع يوم الجمعة. المطلب الثالث: حكم فسخ البيع إن وقع وقت النهي يوم الجمعة من الرجل.   (1) الهداية وشرح فتح القدير 6/479،483، تحفة الفقهاء 2/115، المغني 13/109، الإنصاف 4/138 مع ملاحظة أن الأحناف يرون التفريق مكروهاً والحنابلة يرونه محرماً. (2) المنهاج ومغني المحتاج 2/38، نهاية المحتاج 3/474. (3) المغني 13/109، الإنصاف 4/137. (4) الإجماع لابن المنذر، ص8. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 95 المطلب الرابع: حكم البيع بعد نداء الجمعة في حق النساء المطلب الخامس: حكم فسخ البيع إن وقع وقت النهي يوم الجمعة من المرأة. المطلب الأول: حكم البيع بعد نداء الجمعة في حق الرجال: اتفقت آراء العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم على النهي عن البيع بعد النداء للجمعة إلا أنه جرى خلاف يسير من حيث كون البيع مكروهاً أو محرماً على قولين: القول الأول: للمالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد: أنه يحرم البيع بعد النداء الثاني (1) . القول الثاني: للحنفية: أن البيع مكروه تحريماً بعد النداء الأول على الأصح ومعلومٌ أن المكروه تحريماً عند الحنفية دون الحرام، وقال بعضهم بكراهته تنزيهاً (2) . الأدلة: أدلة القول الأول: استدلوا لقولهم بتحريم البيع بعد النداء يوم الجمعة بما يلي: 1 قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع (. [الجمعة 9] فالله تعالى أمر بالسعي ونهى عن البيع بعد النداء (3) والأمر بترك البيع يكون نهياً عن مباشرته (4) . 2 أنه يشغل عن الصلاة ويكون ذريعة إلى فواتها أو فوات بعضها وكلاهما محرم (5) . أدلة القول الثاني:   (1) المدونة 1/154، أحكام القرآن لابن العربي 4/1805، الجامع لأحكام القرآن 18/108، الكافي لابن عبد البر 1/250، المجموع 4/500، روضة الطالبين 2/47، تفسير ابن كثير 4/573، المغني 3/163، الإنصاف 4/323، 324، الفروع 4/43، المبدع 4/41. (2) البداية وشرحها الهداية وشرح فتح القدير 2/68، بدائع الصنائع 1/270، أحكام القرآن للجصاص 5/341، البحر الرائق 2/156، حاشية ابن عابدين 2/161. (3) المغني 3/163. (4) بدائع الصنائع 1/270. (5) المبدع 4/41. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 96 يظهر أن الأحناف حملوا النهي عن البيع بعد النداء الوارد في آية الجمعة على الكراهة تحريماً أو تنزيهاً حيث قال الكاساني بعد سياق الآية: الأمر بترك البيع يكون نهياً عن مباشرته وأدنى درجات النهي الكراهة (1) . الترجيح: الذي يظهر لي أن ما ذهب إليه الجمهور من تحريم البيع بعد النداء أقوى؛ لأن الآية نصت على النهي عن البيع والنهي يقتضي التحريم ولم يأت الحنفية بصارف لهذا النهي من التحريم إلى الكراهة تحريماً أو تنزيهاً. المطلب الثاني: بداية وقت النهي عن البيع يوم الجمعة: تبين من المطلب السابق اتفاق أهل العلم على النهي عن البيع بعد نداء الجمعة إلا أنه وقع خلاف في بداية هذا النهي على أقوال: القول الأول: يبدأ وقت النهي عن البيع إذا جلس الإمام على المنبر وأذن المؤذن الأذان الثاني هذا هو قول المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد وقول لبعض الحنفية (2) . القول الثاني: يبدأ وقت النهي عن البيع بعد النداء الأول هذا هو المعتمد عند الأحناف، وهو رواية لأحمد (3) . القول الثالث: يبدأ وقت النهي بدخول الوقت أي بعد الزوال مباشرة، هذا قول الضحاك وعطاء والحسن ومجاهد وهو رواية عن أحمد (4) . الأدلة:   (1) بدائع الصنائع 1/270. (2) حاشية ابن عابدين 2/161، تفسير الألوسي 28/98،99، المدونة 1/154، أحكام القرآن لابن العربي 4/1805، الجامع لأحكام القرآن 18/108، الكافي لابن عبد البر 1/250، المجموع 4/500، روضة الطالبين 2/47، تفسير ابن كثير 4/573، المغني 3/163، الإنصاف 4/323، 324، الفروع 4/43، المبدع 4/41. (3) البداية وشرحها الهداية وشرح فتح القدير 2/68، بدائع الصنائع 1/270، البحر الرائق 2/156، حاشية ابن عابدين 2/161، الإنصاف 4/324. (4) عمدة القاري للعيني 5/289، المغني 3/163، الإنصاف 4/323، 324. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 97 أدلة القول الأول: استدلوا على أن وقت النهي عن البيع يوم الجمعة يبدأ بالأذان الثاني بقولهم: إن الله تعالى أمر بالسعي ونهى عن البيع بعد النداء والنداء الذي كان على عهد رسول الله (هو النداء عقيب جلوس الإمام على المنبر فتعلق الحكم به دون غيره (1) . أدلة القول الثاني على أن وقت النهي عن البيع يوم الجمعة يبدأ بالأذان الأول ما يلي: 1 قالوا: المعتبر هو الأول إذا كان بعد الزوال لحصول الإعلام به (2) . 2 أنه لو اعتبر الأذان الثاني في وجوب السعي لم يتمكن من السنة القبلية ومن الاستماع بل ربما يخشى عليه فوات الجمعة (3) . أدلة القول الثالث: لم أجدهم نصوا على أدلة لهذا القول، ولعل دليله هو دليل القول الأول بناءً على أن السنة أن يظهر الخطيب على الناس في بداية الوقت مباشرة وهو وقت النداء الذي أمر الله بالسعي للصلاة عنده ونهى عن البيع. الترجيح: الذي يظهر لي أن القول الأول أقوى الأقوال لما يلي: 1 أن الله تعالى أمر بالسعي إلى الذكر بعد النداء والمراد بالذكر الخطبة والصلاة والأذان الأول إذا كان قبل الزوال لا تجوز الخطبة ولا الصلاة بعده قبل الزوال على قول جماهير العلماء ومنهم الحنفية، فكيف يُحرِّم هذا النداء البيع مع كونه لا يبيح الخطبة ولا الصلاة التي نادى لها وبهذا يتضح رد القول الثاني.   (1) المغني 3/163. (2) الهداية شرح البداية مع الفتح 2/69، البحر الرائق 2/156. (3) البحر الرائق 2/156. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 98 2 أن الوقت متسع للصلاة والخطبة وزيادة فإذا رأى الإمام أن يتأخر عن أول الوقت فإن البيع لم يشغل عن الذكر، والبيع إنما حُرِّم لإشغاله عن الذكر والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فعلى هذا لا يحرم البيع بدخول الوقت بل بخروج الإمام. قال ابن قدامة: ولا يصح هذا القول "لأن الله تعالى علقه على النداء لا على الوقت؛ لأن المقصود بهذا إدراك الجمعة … ولو كان تحريم البيع معلقاً بالوقت لما اختص بالزوال … " (1) . وبهذا يتضح رد القول الثالث. المطلب الثالث: حكم فسخ البيع إن وقع وقت النهي يوم الجمعة: اختلف أهل العلم في ذلك على قولين مشهورين: القول الأول: البيع صحيح لازم متى وقع وقت النهي هذا ما ذهب إليه الأحناف والشافعية وأحمد في رواية مرجوحة (2) . القول الثاني: البيع باطل بعد النداء ويجب فسخه هذا ما ذهب إليه المالكية والحنابلة في المعتمد (3) . الأدلة: أدلة القول الأول: استدلوا لما ذهبوا إليه من إمضاء البيع إن وقع في وقت النهي يوم الجمعة وعدم فسخه بمايلي: 1- قالوا إن النهى لمعنىً في غير البيع لا لعدم مشروعيته (4) .   (1) المغني 3/163. (2) البداية وشرحها الهداية مع شرح فتح القدير 2/68، بدائع الصنائع 1/270، أحكام القرآن للجصاص 5/241، البحر الرائق 2/156، حاشية ابن عابدين 2/161، تفسير ابن كثير 4/573، المجموع 4/500، روضة الطالبين 2،47، الإنصاف 4/324. (3) المدونة 1/154، أحكام القرآن لابن العربي 4/1805، الجامع لأحكام القرآن 18/108، الكافي لابن عبد البر 1/250، المغني 3/163، الإنصاف 4/ 323/ 324، الفروع 4/43، المبدع 4/41. (4) حاشية ابن عابدين 2/161، بدائع الصنائع 1/270، المهذب مع المجموع 4/500. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 99 قال الجصاص: لمّا لم يتعلق النهىً بمعنىً في نفس العقد وإنما تعلق بمعنىً في غيره وهو الاشتغال عن الصلاة وجب أن لا يمنع وقوعه وصحته كالبيع في آخر وقت صلاة يخاف فوتها إن اشتغل به وهو منهي عنه، ولا يمنع ذلك صحته؛ لأن النهي تعلق باشتغاله عن الصلاة (1) . وأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الاستدلال بقوله: إن عنى بذلك أن نفس الفعل المنهي عنه ليس فيه معنىً يوجب النهي فهذا باطل فإن نفس البيع اشتمل على تعطيل الصلاة … وإن أرادوا بذلك أن ذلك المعنى لا يختص بالصلاة بل هو مشترك بين الصلاة وغيرها فهذا صحيح (2) ثم قال في مكان آخر: والملك الحاصل بذلك كالملك الذي لم يحصل إلا بمعصية الله وغضبه ومخالفته كالذي لا يحصل إلا بغير ذلك من المعاصي مثل الكفر والسحر والكهانة والفاحشة، وقد قال النبي (" حلوان الكاهن خبيث ومهر البغي خبيث " (3) فإذا كنت لا أملك السلعة إن لم أترك الصلاة المفروضة كان حصول الملك سبب ترك الصلاة كما إن حصول الحلوان والمهر بالكهانة والبغاء، وكما لو قيل له إن تركت الصلاة اليوم أعطيناك عشرة دراهم فإنّ ما يأخذه على ترك الصلاة خبيث، كذلك ما يملكه بالمعاوضة على ترك الصلاة خبيث، ولو استأجر أجيراً بشرط أن لا يصلي كان هذا الشرط باطلاً وكان ما يأخذه عن العمل الذي يعمله بمقدار الصلاة خبيث مع أنّ جنس العمل بالأجرة جائزة، كذلك جنس المعاوضة جائزة لكن بشرط أن لا يتعدى على فرائض الله (4) .   (1) أحكام القرآن للجصاص 5/242. (2) الرسائل الكبرى 2/229. (3) صحيح مسلم 3/1199 في المساقاة باب تحريم ثمن الكلب حديث رقم 1568. (4) الرسائل الكبرى 2/232. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 100 2- قال الجصاص: ظاهر قول الله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ( [النساء 29] وقول النبي ("لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" (1) . تقتضي وقوع الملك للمشتري في سائر الأوقات لوقوعه (عن تراض (فإن قيل قال الله تعالى: (وذروا البيع ( [الجمعة 9] قيل له نستعملها فنقول يقع محظوراً عليه عقد البيع في ذلك الوقت لقوله: (وذروا البيع (ويقع الملك بحكم الآية الأخرى والخبر الذي رويناه (2) . قلت: والذي يظهر لي أن هذا الاستدلال ضعيف لما يلي: 1- أن ما ستدل به الجصاص عام يدل على حصول الملك في أي وقت إذا كانت تجارة عن تراض وآية الجمعة خاصة تحِّرم البيع بعد النداء والقاعدة أن الخاص يقدم على العام ويخصصه. 2 - أن آية الجمعة تنهى عن البيع بعد النداء والنهي يقتضي التحريم والتحريم يدل على فساد ما جاء الشرع بتحريمه إذ أنّ الشارع " دلَّ الناس بالأمر والنهي والتحليل والتحريم، وبقوله في عقود هذا لا يصلح فيقال الصلاح المضاد للفساد، فإذا قال لا يصلح علم أنه فاسد، كما قال في بيع مُدَّين بمد تمرٍ لا يصلح، والصحابة والتابعون وسائر أئمة المسلمين كانوا يحتجون على فساد العقود بمجرد النهي كما احتجوا على فساد نكاح ذوات المحارم بالنهي المذكور في القرآن وكذلك على فساد الجمع بين الأختين … " (3) . أدلة القول الثاني: استدلوا لقولهم بفساد البيع وفسخه إذا وقع وقت النهي يوم الجمعة بما يلي: 1- قوله تعالى: (وذروا البيع (إذ أنَّ النهي يدل على التحريم والتحريم يدل على فساد ما جاء الدليل بتحريمه (4) .   (1) مسند الإمام أحمد 5/72، سنن الدارقطني 3/26 وقال الألباني صحيح كما في الإرواء 5/279 رقم 1459. (2) أحكام القرآن للجصاص 5/241. (3) الرسائل الكبرى 2/225 وراجع الرسالة الحادية عشرة في العقود المحرمة لأهمية ما ورد فيها حول هذا الموضوع. (4) الرسائل الكبرى 2/225، تفسير ابن كثير 4/573. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 101 2 - ما ورد في صحيح مسلم من حديث عائشة (أنَّ رسول الله (قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ٌّ" (1) . قال النووي: قال أهل العربية: الرد هنا بمعنى المردود ومعناه فهو باطل غير معتد به.. وفي هذا الحديث دليل لمن يقول من الأُصوليين إنَّ النهي يقتضي الفساد، ومن قال لا يقتضي الفساد يقول هذا خبرُ واحدٍ ولا يكفي في إثبات هذه القاعدة المهمة، وهذا جوابٌ فاسد (2) . الترجيح: بعد ما تقدم من كلام في هذه المسألة يظهر لي أنَّ البيع بعد النداء الثاني باطل مردود إذ أنه ليس مع من يرى صحة البيع إلا الطعن في كون النهي الوارد في آية الجمعة يدل على البطلان أو الاستدلال بالعمومات التي تفيد أنَّ البيع سبب للملك وقد تقدم الجواب عن هذا عند ذكر الأدلة والله أعلم. المطلب الرابع: حكم البيع بعد نداء الجمعة في حق النساء: ظهر مما تقدم في المطلب الأول أن البيع بعد نداء الجمعة حرام في حق الرجال وتبين في المطلب الثالث أنه مردود إن وقع عند جماعة من العلماء، ويصح مع الإثم عند غيرهم، أما المرأة فإن الأمر في حقها مختلف إذا أنها غير مخاطبة بالجمعة على سبيل الوجوب بالإجماع كما مر وبناءً على ذلك فإنها إذا اشتغلت ببيع أو شراء بعد النداء لم يكن شاغلاً لها عن أمر واجب ومن أجل هذا اختلف العلماء في حكم بيعها وشرائها من حيث الجواز وعدمه، ولبيان حكمه أقوال: لا يخلو الحال من أن لا تتعامل مع أحد من أهل وجوب الجمعة أو أن تتعامل مع أحد من أهل الوجوب: الحال الأول: أن لا تتعامل بالبيع مع أحد ممن تلزمه الجمعة، وفيه لأهل العلم أقوال ثلاثة: القول الأول: بيعها صحيح جائز مع الكراهة، هذا مذهب مالك وبعض الحنابلة (3) .   (1) صحيح مسلم 3/1343 في الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور حديث 1718 (2) شرح النووي على مسلم 12/16. (3) المدونة 1/154، الإنصاف 4/325. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 102 القول الثاني: بيعها صحيح جائز لا كراهة فيه، وممن قال به الشافعي وأحمد في المعتمد (1) . القول الثالث: يحرم البيع منها في وقت النهي حتى وإن لم تتعامل مع أحد من أهل الوجوب، هذا رواية في مذهب أحمد (2) . الأدلة: أدلة القول الأول: أما كراهة البيع للمرأة بعد النداء فلعل دليله ما يلي: 1- عموم النهي في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع (فإن المرأة مؤمنة تدخل في هذا العموم. 2 - أن في عدم انتهاء المرأة عن البيع والشراء تسبباً في إيقاع غيرها من أهل الوجوب في البيع والشراء خاصة من كان جاهلا بالحكم أو ضعيفا في تدينه " فكره لما فيه من الإعانة على الإثم " (3) . أدلة القول الثاني: استدلوا لجواز البيع بما يلي: 1 - أن الله تعالى إنما نهى عن البيع من أمره بالسعي فغير المخاطب بالسعي لا يتناوله النهي (4) . 2 - أن تحريم البيع معلل بما يحصل به من الاشتغال عن الجمعة وهذا معدوم في حقها (5) . أدلة القول الثالث: لم أجدهم نصوا على أدلة تدل على تحريم البيع في حق المرأة إذا لم تتعامل مع أحد من أهل الوجوب، ولعل السبب سد الذريعة حتى لا يقع البيع منها مع أحد من أهل الوجوب. الترجيح: الذي يظهر مما تقدم أن البيع والشراء جائز في حق المرأة بعد النداء الثاني ما دام أنها لم تتعامل مع أحد من أهل الوجوب لأنه لا يتناولها النهي والأصل جواز البيع والله أعلم. الحال الثاني: أن تتعامل بالبيع مع أحد من أهل وجوب الجمعة، وفيه خلاف من حيث الجواز وعدمه على أقوال أشهرها ثلاثة:   (1) الأم 1/195، الحاوي 2/456، المجموع 5/500، المغني 3/163،164، الإنصاف 4/325. (2) الإنصاف 4/325. (3) المغني 3/164. (4) الأم 1/195، الحاوي 2/456، المغني 3/164. (5) المغني 3/164. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 103 القول الأول: إذا تعاملت بالبيع مع أحد من أهل الوجوب فبيعها محرم، هذا قول مالك والشافعي وأحمد في المذهب (1) . القول الثاني: بيعها والحال ما ذكر مكروه في حقها حرام في حق المتعامل معها من أهل الوجوب، هذا قول لبعض الحنابلة (2) . القول الثالث: بيعها والحال ما ذكر صحيح، وهو قول لبعض الحنابلة (3) . الأدلة: أدلة القول الأول: استدلوا لتحريم البيع في حق المرأة إذا باعت ممن تلزمه الجمعة: 1 بما فيه من الإعانة على الإثم (4) . قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان (. [المائدة 2] 2 أن أحدهما توجه عليه الفرض فاشتغل عنه والآخر شغله (5) . أدلة القول الثاني: استدلوا لقولهم بكراهة البيع في حق المرأة وحرمته في حق المتعامل معها من أهل الوجوب بالقياس على المحرم يشتري صيداً من مُحل ثمنه حلال للمحل والصيد حرام على المحرم (6) . أدلة القول الثالث: لم أجدهم نصوا على أدلة له، ولعل السبب كون البيع مباحاً لها لكونها من غير أهل الوجوب. الترجيح: الذي يظهر لي تحريم البيع في حق المرأة والحال ما تقدم لقوة أدلة القول الأول وضعف ما خالفها، والله أعلم. المطلب الخامس: حكم فسخ البيع إن وقع وقت النهي يوم الجمعة من المرأة: لا يخلو الحال من أن تتعامل مع من لا تلزمه الجمعة أو تتعامل مع من تلزمه الجمعة: الحال الأول: أن تتعامل مع من لا تلزمه الجمعة. إذا تعاملت مع من لا تلزمه الجمعة ففيه أقوال ثلاثة لأهل العلم: القول الأول: البيع صحيح لا زم مع الكراهة، هذا قول مالك (7) .   (1) المدونة 1/154، الأم 1/195، الحاوي 2/456، المجموع 5/500، المغني 3/163، 164، الإنصاف 4/425. (2) الإنصاف 4/325. (3) الإنصاف 4/325. (4) المغني 3/164. (5) المهذب والمجموع 5/500. (6) الإنصاف 4/325. (7) المدونة 1/154. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 104 القول الثاني: البيع صحيح لازم لا كراهة فيه، هذا قول الشافعي وأحمد في المعتمد (1) . القول الثالث: البيع غير صحيح في رواية عن أحمد، وحكمه الفسخ بناءً على قواعد المذهب (2) . الأدلة: أدلة القول الأول: لعل دليلهم على عدم فسخه مع كونه مكروهاً عدم الدليل على الفسخ إذ أن الأصل الحل والمكروه يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله فمن هنا لم يقولوا بفسخه. أدلة القول الثاني: سبق في المطلب السابق أن ذكرت أدلتهم على جواز البيع وإذا كان جائزاً فإنه لازم غير مفسوخ. أدلة القول الثالث: لم أجدهم ذكروا دليلاً لهذا القول، ولعل دليله عموم الآية الناهية عن البيع بعد النداء. الترجيح: يظهر لي أن بيعها وقت النهي مع من لا تلزمه الجمعة لازم غير مفسوخ؛ لأن الأصل الحل، ولم يرد دليل بالمنع في حقها في هذه الحالة. الحال الثاني: أن تتعامل مع من تلزمه الجمعة، ففيه قولان: القول الأول: بيعها غير صحيح، ويجب فسخه، هذا مذهب مالك وأحمد (3) . القول الثاني: بيعها صحيح لازم لا يفسخ، هذا مذهب الشافعية (4) . الأدلة: أدلة القول الأول: قد ذكرت أدلة هذا القول في المطلب الثالث من هذا المبحث عند الكلام على بيع الرجل فلا نطيل بإعادتها غير أني أذكر دليلاً خاصاً بالمرأة يدل على فسخ البيع إذا باعت ممن لا تلزم الجمعة، وهو القياس على من "اشترى الطعام من نصراني أو يهودي وقد اشتراه النصراني على كيل فباعه من المسلم قبل أن يكتاله النصراني او اليهودي … فبيعه غير جائز" (5) . أدلة القول الثاني: قد ذكرتها في المطلب الثالث من هذا المبحث، فأغنى عن إعادتها. الترجيح:   (1) الأم 1/195، الحاوي 2/456، المجموع 5/500، المغني 3/163،164، الإنصاف 4/325. (2) الإنصاف 4/325. (3) المدونة 1/154، المغني 3/163،164، الإنصاف 4/325. (4) الأم 1/195، الحاوي 2/456، المجموع 5/500. (5) المدونة 1/154. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 105 وبناءً على ما تقدم فإنه يظهر لي رجحان قول من قال بفسخ البيع؛ لأنها إذا تعاملت مع من تجب عليه الجمعة كان البيع داخلاً في النهي الوارد في الآية والنهي يقتضي الفساد، والله أعلم. المبحث الرابع: حكم بيع المُدبَّر والمُدبَّرة التدبير لغة: مأخوذ من قولك: دَبَرَ القوم يَدْبُروُنَ دِباراً إذا هلكوا، وأدبروا إذا ولَّى أمرهم إلى آخره فلم يبق منهم باقية (1) . واصطلاحاً: عتق يعلِّقه السيد بموته (2) . والعلاقة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي ظاهرة من حيث إنه يُعتَقُ العبد على سيده دُبُر الحياة أي آخرها فسُمي تدبيراً (3) . إذا علم هذا فإن الكلام يقع هنا في مطلبين: المطلب الأول: حكم بيع المدبر. المطلب الثاني: حكم بيع المدبرة. المطلب الأول: حكم بيع المدبر: اختلف أهل العلم في حكم بيع المدبر تدبيراً مطلقاً على أقوال: القول الأول: لا يباع المدبر بحال من الأحوال ومن أصحاب هذا القول من نصَّ على تحريم البيع كالأحناف والمالكية وأحمد في رواية ومنهم من لم يصرح بالتحريم وممن نُقل عنه النهي عن بيع المدبر ابن عمر وسعيد بن المسيب والشعبي والنخعي وابن سيرين والزهري والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح (4) القول الثاني: يجوز بيع المدبر مطلقاً أي سواء كان سيده محتاجاً أو غير محتاج، هذا هو المذهب عند الشافعية والحنابلة وروي مثل هذا عن جابر وعائشة وعمر بن عبد العزيز وطاووس وعطاء ومجاهد وقال به إسحاق وأبو ثور (5) .   (1) ... لسان العرب 4/273 مادة دبر. (2) الحاوي 18/100. (3) الحاوي 18/100، المغني 14/412. (4) المبسوط 7 /179، بدائع الصنائع 4/120، شرح فتح القدير 5/20، البيان والتحصيل 9/412، بداية المجتهد 2/390، المنتقى 7/45، الإنصاف 7/438. (5) الأم 8/18، الحاوي 18/102، معرفة السنن والآثار 14/430، المنهاج ومغني المحتاج 4/512، المغني 14/420، الإفصاح 2/373، المبدع 6/329.. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 106 القول الثالث: لا يباع إلا في الدَيْن، قال ابن قدامة: هذا ظاهر كلام الخرقي وقد أومأ إليه أحمد (1) . القول الرابع: لا يباع إلا في الدين أو الحاجة كأن يكون السيد فقيراً لا يملك غيره، وهذا القول رواية في مذهب أحمد ونُقل عن إسحاق وأبي أيوب وأبي خيثمة (2) . الأدلة: أدلة القول الأول: استدلوا لقولهم بالمنقول والمعقول من ذلك: 1- ما روى الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر (أن النبي (قال: " المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حرٌ من الثلث " (3) . قال الدارقطني: لم يسنده غير عبيدة بن حسان وهو ضعيف وإنما هو عن ابن عمر موقوفاً من قوله. وقال الألباني: موضوع (4) . 2- أن المدبر مملوك تعلق عتقه بمطلق موت سيده فلا يجوز بيعه كأُم الولد (5) . ويجاب عن هذا الاستدلال بأنه قياس مع الفارق؛ لأن أم الولد يثبت عتقها بغير اختيار سيدها وليس بتبرع منه ويكون من جميع المال ولا يمكن إبطاله بحال والتدبير بخلافه (6) . 3- أنه لما استفاد بالتدبير اسماً غير اسم العبيد وجب أن يستفيد به حكماً غير أحكام العبيد لأن انتقال الاسم يوجب انتقال الحكم ولو جاز بيعه لبقي على حكمه مع انتقال اسمه وهذا غير جائز كالمكاتب (7) ويجاب عنه بأنه استفاد بالتدبير حكماً غير أحكام العبيد ألا وهو عتقه بعد موت سيده بخلاف ألقن ولا يلزم من تدبيره زوال أحكامه كما لم يلزم زوال استخدامه (8) .   (1) المغني 14/419، الإنصاف 7/438. (2) المغني 14/419، الإنصاف 7/438. (3) السنن الكبرى 10/314، سنن الدارقطني 4/138. (4) الإرواء 6/177. (5) المبسوط 7/179. (6) المغني 14/421، الحاوي 18/103 (7) الحاوي 18/102. (8) انظر الحاوي 18/103. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 107 قلت: هذه أهم أدلتهم وقد أورد صاحب الهداية بعض الأدلة العقلية للحنفية ولا يصلح الاستمساك بشيء منها حتى إن بعضها ناقض أصول المذهب الحنفي نفسه مما حدى بصاحب العناية إلى الاعتذار عن ذلك أو محاولة توجيه التناقض (1) . أدلة القول الثاني: لهم أدلة من السنة والأثر من ذلك: 1- ما روى البخاري ومسلم واللفظ له من حديث جابر قال: أعتق رجل من بني عذرة عبداً له عن دبر فبلغ ذلك رسول الله (فقال: ألك مال غيره؟ فقال: لا. فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم فجاء بها رسول الله (فدفعها إليه ثم قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك ... الحديث (2) . قلت: هذا الحديث ناصع الدلالة على جواز بيع المدبر، وقد ترجم له البخاري في موضعين من صحيحه بقوله: باب بيع المدبر، لكن المخالفين لهم أجوبة عليه أكثرها متكلفة لا تقوى على رد الأدلة الصحيحة التي ذكرها أهل القول الأول من ذلك: أ - قولهم يحتمل أنه إنما باعه النبي (في دين وقد يباع في الدين ما يمنع من بيعه في غير الدين كالمعتق في المرض. وأجيب عنه بأنه لو كان بيعه لا يجوز إلا في الدين لكان بيعه موقوفاً على طلب الغرماء، ولما جاز أن يبيع منه إلا قدر الدين وقد باعه كله بثمن دفعه إليه وقال له: أنفق على نفسك ثم على عيالك ثم على ذوي رحمك ثم اصنع بالفضل ما شئت فدل على بيعه في الدين وغير الدين (3) . ب - يحتمل أن النبي (إنما باع خدمة المدبر لا رقبته أي أنه أجَّره والإجارة تسمى بيعاً بلغة أهل المدينة (4) .   (1) الهداية مع شرح فتح القدير 5/21،23. (2) صحيح البخاري مع الفتح 4/422 في البيوع باب بيع المدبر حديث رقم 2230، صحيح مسلم 2/692 في الزكاة باب الابتداء في النفقة بالنفس حديث 997. (3) الحاوي 18/102. (4) المبسوط 7/179. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 108 وأجاب الماوردي عن هذا الاعتراض بأنه لا يجوز أن يُعدل عن حقيقة المذكور إلى مجازٍ غير مذكور ما لم يصرف عنه دليل (1) . ج - أنه يحتمل أن المدبر كان مقيداً لأن المدبر المقيد يجوز بيعه عند الحنفية (2) . قلت: هذا أضعف من الاعتراض السابق إذ أنه لم يرد أنه علق عتقه بزمنٍ معينٍ وإنما جعله حراً بعد موته. د - يحتمل أنه باعه في بداية الإسلام عندما كان بيع الحر جائزاً في بداية الإسلام (3) على حد زعم الحنفية. قلت: فأين الدليل على أن هذه الحادثة كانت في بداية الإسلام قبل أن ينسخ بيع الحر على التسليم جدلاً بصحة هذه الدعوى لاسيما وأنها لم تكن في بداية الإسلام بل كانت بعد الهجرة. ولهم ردود أخرى تركتها خشية الإطالة كقولهم إن حديث جابر حادثة عين إلى غير ذلك ويا لله العجب كيف يسعون بهذه الاحتمالات إلى رد حديث متفق على صحته ثم يأتون إلى حديث لا أصل له فيحتجون به على حرمة بيع المدبر- أعني حديث ابن عمر السابق - وإلى حديث مرسل " أن النبي (قال: لا بأس ببيع خدمة المدبر " (4) فيقدمونه على الحديث الصحيح حتى قال ابن الهمام: مرسل تابعي ثقة وقد أقمنا الدلالات على وجوب العمل بالمرسل بل وتقديمه على المسند (5) . قال ابن حجر: ولو صح لم يكن فيه حجة إذ لا دليل فيه على أن البيع الذي وقع في قصة المدبر الذي اشتراه نعيم بن النحام كان في منفعته دون رقبته (6) .   (1) الحاوي 18/102. (2) المبسوط 7/179. (3) المبسوط 7/179، شرح فتح القدير 5/21. (4) أخرجه الدارقطني 4/138، وحكم عليه بالإرسال، وانظر فتح الباري 4/423. (5) شرح فتح القدير 5/24. (6) فتح الباري 4/423. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 109 2- ما روى الشيخان من حديث أبي هريرة قال: سمعت النبي (يقول: " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يُثَرِّب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يُثَرِّب ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر " (1) . ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: باب بيع المدبر، وقال ابن حجر: ووجه دخوله في هذا الباب عموم الأمر ببيع الأمة إذا زنت فيشمل ما إذا كانت مدبرة أو غير مدبرة فيؤخذ منه جواز بيع المدبر في الجملة (2) . 3- ما روى مالك وأحمد والبيهقي بأسانيدهم أن عائشة دبّرت جارية لها فسحرتها فاعترفت بالسحر فأمرت بها عائشة أن تباع من الأعراب ممن يسيء ملكها فبيعت ... (3) . قال ابن حجر: إسناده صحيح (4) . وهذا الأثر يدل على ما دل عليه الحديثان السابقان لكن ابن الهمام لم يقبل بهذا بل نفى الاحتجاج به لجواز أن تدبيرها كان مقيداً ولأنه واقعة حال لا عموم لها (5) . قلت هذه احتمالات لا يشهد لها دليل لا ينبغي أن يُسعى بها إلى رد الأدلة الصحيحة في حين أنهم تعلقوا بالحديث الضعيف والأثر المرسل في مقابل أدلة لا يتطرق لها احتمال لا من ناحية السند ولا من ناحية الدلالة. أدلة القول الثالث والرابع: استدلوا بالحديث السابق من طريق جابر في أدلة القول الثاني أن رجلا من بني عذرة باع عبداً له عن دبر فبلغ ذلك رسول الله (فقال: ألك مالك غيره؟ فقال: لا. فقال: من يشتريه مني ... الحديث.   (1) صحيح البخاري مع الفتح 4/421 في البيوع باب بيع الرقيق حديث 2234، صحيح مسلم 3/1328 في الحدود باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا حديث 1703. (2) فتح الباري 4/423. (3) الموطأ برواية الزهري 2/422 في التدبير باب ما جاء في بيع المدبر حديث 2782، مسند أحمد 6/40، معرفة السنن والآثار 14/426، 427 السنن الكبرى 10/313. (4) التلخيص الحبير 4/41.. (5) شرح فتح القدير 4/24. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 110 فالنبي (قد باع المدبر لمّا علم أن صاحبه لا يملك شيئاً غيره وعلم حاجته (1) . الترجيح: يتلخص مما سبق أن الصواب جواز بيع المدبر كما هو القول الثاني لما يلي: 1- للسنة الصحيحة الثابتة بذلك ولثبوته من فعل عائشة رضي الله عنها ولم ينكر عليها أحد من الصحابة. 2- أنه يعامل معاملة الوصية وللموصي أن يتصرف فيما أوصى به قبل أن يموت كيف شاء. 3- أنه لا يوجد للمانعين ما يوجب الاستمساك به ولم يأتوا بجواب مقنع لأدلة المجيزين. المطلب الثاني: حكم بيع المدبرة: تقدم أن في صحة بيع المدبر خلافاً على أقوال أربعة: أما بالنسبة للمدبرة فلم أجد من فرَّق بين حكمها وحكم المدبر في البيع إلا الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه حيث قال: لاتباع المدبرة (2) ولهذا قال موفق الدين ابن قدامة: لا نعلم هذا التفريق بين المدبرة والمدبر عن غير إمامنا رحمه الله وإنما احتاط في رواية المنع من بيعها؛ لأن فيه إباحة فرجها وتسليط مشتريها على وطئها مع وقوع الخلاف في بيعها وحلها فكره الإقدام على ذلك مع الاختلاف فيه والظاهر أن هذا المنع منه كان على سبيل الورع لا على التحريم البات فإنه إنما قال: لا يعجبني بيعها؛ والصحيح جواز بيعها فإن عائشة باعت مدبرة لها سحرتها؛ ولأن المدبرة في معنى المدبر فما ثبت فيه ثبت فيها (3) . ولأنه تقدم في المطلب السابق أن النبي (قال: إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب ... إلى أن قال: فليبعها ولو بحبل من شعر. وهذا يعم الأمة المدبرة وغيرها ولهذا بوب له البخاري بقوله: باب بيع المدبر. قلت: وبهذا يتلخص أنه يجوز بيع المدبر والمدبرة لحاجة ولغير حاجة ولا فرق بينهما في ذلك والله أعلم. المبحث الخامس: عيوب البيع التي يختلف فيها العبيد والإماء:   (1) انظر المغني 14/419، 420. (2) الإنصاف 7/438. (3) المغني 14/421. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 111 يبحث العلماء هذه المسألة عند الكلام على خيار العيب من كتاب البيوع وضابط العيب الذي يؤثر في البيع هو كل ما أوجب نقصاً في الثمن في عادة التجار (1) . ويزيد النووي الأمر إيضاحاً فيقول: يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص العين أو القيمة تنقيصاً يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون في أمثاله عدمه (2) . وقد نظرت في هذه العيوب فرأيتها على ثلاثة أقسام: قسم لا يوجد إلا في الذكر. وقسم لا يوجد إلا في المرأة. وقسم مشترك. فمن القسم الأول الخصاء والجب (3) وتخنث العبد، فهذه عيوب لا توجد في الأمة بل هي خاصة بالعبد وهي مما يُرَّد به البيع في قول جماعة من العلماء ومن القسم الثاني ارتفاع حيض المرأة وكونها حاملاً أو مستحاضة أو رتقاء (4) . أو قرناء (5) أو معتدة أو ثيباً فهذه عيوب خاصة بالمرأة لا يوجد مثلها في العبد وهي أيضاً مما يرد به البيع على خلاف في بعضها عند أهل العلم. ومن القسم الثالث البخر والذفر والزنا وكون واحد منهما ولد زنا والكفر وعدم الختان والتزوج (6) .   (1) الهداية مع شرح فتح القدير 6/357، المنتقى 4/188، المغني 5/235. (2) روضة الطالبين 3/463. (3) الجَبُّ: هو القطع المجبوب من استؤصلت مذاكيره 0 المصباح المنير مادة جبب، 1/10. (4) الرتقاء: من انسد مدخل الذكر من فرجها فلا يُستطاع جماعها 0 المصباح المنير مادة رتق 1/ 259. (5) القرن: العفلة وهو لحم ينبت في الفرج في مدخل الذكر كالغدة الغليظة وقد يكون عظما المصباح المنير مادة قرن 2/603. (6) تحفة الفقهاء 2/94، الهداية وشرح فتح القدير 6/360، المنتقى 4/188، مواهب الجليل 4/429 وما بعدها، روضة الطالبين 3/459، 462، مغني المحتاج 2/50، المغني 6/236 -238، كشاف القناع 3/216-217. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 112 وهذا النوع من العيوب أعني الثالث منها هو الذي سوف نتناوله بالتفصيل إن شاء الله لأنه هو الذي يدخل تحت خطة هذا البحث إذ أنها عيوب مشتركة بين الذكر والأنثى ويختلف فيها حكم الذكر عن حكم الأنثى عند بعض العلماء. أولاً: البخر: تعريفه: البخر بفتح الباء والخاء: الرائحة المتغيرة من الفم. قال أبو حنيفة: البخر: النتن يكون في الفم وغيره (1) . وقال النووي: والبخر الذي هو عيب هو الناشئ عن تغير المعدة دون ما يكون لقلح الأسنان فإن ذلك يزول بتنظيف الفم (2) . حكمه: أما بالنسبة للأمة فجماهير أهل العلم بمن فيهم الأئمة الأربعة يرون أن البخر عيب ترد به الأمة المباعة (3) . والدليل على هذا الحكم ما يلي: 1- أن الأمة قد تُراد للفراش والبخر يمنع منه (4) . 2- أنه يوكس الثمن (5) إذ أن ذات البخر لا يمكن أن تكون الرغبة فيها كالتي لا بخر فيها لما لتلك الرائحة من الأذى. وأما بالنسبة للعبد فقد جرى في رد البيع إذا كان به بخر خلاف بين العلماء على قولين: القول الأول: قول جماهير العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم يرون أن البخر عيب في العبد يرد به البيع كالحكم في الأمة (6) .   (1) لسان العرب 4/47 مادة بخر. (2) روضة الطالبين 4/459. (3) الهداية وشرحها البداية وشرح فتح القدير 6/360، تحفة الفقهاء 2/94، منح الجليل 4/430 الخرشي على خليل 5/126، الحاوي 5/253، روضة الطالبين 3/459، المغني 6/236، كشاف القناع 3/216. (4) الهداية 6/360. (5) الحاوي 5/253. (6) الخرشي على خليل 5/126، منح الجليل والتاج والإكليل 4/430، الحاوي 5/253، روضة الطالبين 3/ 459 المغني 6/236، كشاف القناع 3/216. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 113 القول الثاني: لبعض أهل العلم ومنهم الأحناف يرون أن البخر ليس بعيب في العبد ولا يُردُّ به البيع إلا إذا كان فاحشاً لا يكون مثله في عامة الناس أو كان ناتجاً عن مرض فيرد لأجل المرض (1) . الأدلة: أدلة القول الأول: 1- أن ما كان عيباً في الأمة كان عيباً في العبد كالسرقة (2) وقد تقدم أن البخر عيب في الأمة اتفاقاً. 2- أن البخر يمنع من مقاربة العبد ويؤذي مَنْ جالسه أو خاطبه أو سارَّه (3) . أدلة القول الثاني: استدل أهل القول الثاني بقولهم إن المقصود من العبد الاستخدام والبخر ليس مانعاً منه فلا يُعدُّ عيباً إلا أن يكون من داء؛ لأن الداء عيب (4) . قلت: والذي يظهر لي أن قول الجمهور أقوى لأن البخر يؤذي بلا شك، والقيمة تتفاوت به فليست الرغبة في من به بخر كالرغبة في من لا بخر به وإذا كان الأمر كذلك فإنه عيب يرد به البيع كيف والنبي (قال: " من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزل مسجدنا " (5) فعد النبي (الثوم والبصل مع حلهما من الخبائث التي تمنع آكلمها من دخول المسجد لخبث رائحتمها والبخر أشد أذىً من الثوم والبصل لخبث رائحته، ولكونه ملازماً للمصاب به دائماً بخلاف الثوم والبصل والجامع بين الأمرين التأذي بالرائحة فالشرع اعتبر الأذى هناك ومنع صاحبه من دخول المسجد لكي لا يؤذي الناس، فليعتبر هنا ما هو أشد أذىً فيرد به البيع لكي لا يؤذي المشتري. ثانياً: الذَّفر: تعريفه:   (1) الهداية والبداية وشرح فتح القدير 6/36، تحفة الفقهاء 2/94. (2) الحاوي 5 /253. (3) الحاوي 5/353، المغني 6/236. (4) بداية المبتدئ وشرح فتح القدير 6/360. (5) صحيح البخاري مع الفتح 2/339 في الأذان باب ما جاء في الثوم الني والبصل حديث 855، صحيح مسلم 1/ 394 في المساجد باب نهي من أكل ثوماً أو بصلاً حديث 564 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 114 الذَّفر بالتحريك: شدة ذكاء الريح من طيب أونتن وخصه اللحياني برائحة الإبطين المنتنين. تقول: ذَفِر- بكسر الفاء - يَذْ فَرُ فهو ذَفِرٌ وأذفر والأنثى ذَفِرَة وذفراء (1) . والذفر الذي هو عيب هو المستحكم الذي يخالف العادة دون ما يكون لعارض عرق أو حركة عنيفة (2) . حكمه: أما بالنسبة للأمة فقد صرّح أكثر أهل العلم بأن الذفر عيب فيها يرد به البيع وممن صرح بذلك الأحناف والشافعية والحنابلة وعبارات المالكية تدلّ عليه وإن لم أجد تصريحاً بذلك إذ قال ابن رشد: وبالجملة فأصل المذهب أن كل ما أثر في القيمة - أعني نقص منها- فهو عيب (3) ؛ ولأنه لا يقل ضرراً عن البخر وقد عدوه عيباً (4) . ودليل هذا الحكم ما تقدم في البخر من أنَّ الأمة قد تراد للفراش فيتأذى بذلك الحليل، وأنه أيضاً يوكس الثمن. أما بالنسبة للعبد فقد اختلف العلماء في رد البيع إذا كان يوجد به ذفر على قولين: القول الأول: للشافعية والحنابلة أنه عيب يرد به البيع (5) . القول الثاني: للأحناف أنه ليس بعيب في العبد فلا يرد به البيع (6) . والأدلة لهذه المسألة هي عين الأدلة في مسألة البخر السابقة فلا نطيل بإعادتها، ويظهر لي هنا أن الراجح اعتبار الذفر عيباً في العبدكالبخر وقد تقدم بيان السبب والله أعلم. ثالثاً: الزنا:   (1) لسان العرب 4/306 مادة ذفر (2) روضة الطالبين 3/459 (3) بداية المجتهد 2/176. (4) تحفة الفقهاء 2/94، شرح فتح القدير 6/360، بداية المجتهد 2/176، الشرح الصغير 4/201، الغاية القصوى 1/478، روضة الطالبين 3/459، الإنصاف 4/406، كشاف القناع 3/216. (5) الغاية القصوى 1/478، روضة الطالبين 3/459، الإنصاف 4/406، كشاف القناع 3/216. (6) تحفة الفقهاء 2/94، شرح فتح القدير 6/360. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 115 لا شك أن الزنا جرم كبير وفاحشة قذرة تتلطخ بها الأعراض وتسري معرتها إلى غير الزاني والزانية فيلحق العار بها أقارب الزاني وربما تتناقل الأجيال أذاها وشؤمها جيلاً بعد جيل ومن هنا فإنه إذا زنى العبد أو الأمة قلت الرغبة فيهما عند أهل الفطر السليمة وبناءً على ذلك تكلم العلماء في رد البيع إذا تبين أن العبد، أو الأمة من أهل الفجور. فأما بالنسبة للأمة فجماهير أهل العلم يعتبرون زناها عيباً يرد به البيع وعلى هذا المذاهب الأربعة (1) . واستدلوا لهذا القول بأدلة منها: 1- أن الزنا يفسد النسب ويوجب الحد (2) وما كان كذلك فإنه عيب يوجب الرد. 2- أنه يخل بالمقصود في الجارية وهو الاستفراش (3) . أما إذا كان البيع وقع على عبد ثم ظهر أنه زان فقد اختلف العلماء في حكم رد البيع على قولين: القول الأول: للجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أنه عيب يُرَدُّ به البيع (4) . القول الثاني: للحنفية يرون أنه ليس من العيوب التي يرد بها البيع في حق العبد إلا إذا كثر منه وصار عادة له (5) . الأدلة: أدلة القول الأول: استدل الجمهور لقولهم بما يلي: 1- أن الزنا ينقص ماليته إذ أنه يعرضه لإقامة الحد عليه والتعزير (6) . 2 - أنه لا يأمنه سيده على حريمه (7) وفي ذلك من العنت ما فيه. 3 - أن ما كان عيباً في الأمة كان عيباً في العبد كالسرقة (8) .   (1) تحفة الفقهاء 2/94، الهداية وشرح فتح القدير 6/360، المنتقى 4/19، مواهب الجليل والتاج والإكليل 4/430، الشرح الصغير 4/201، الحاوي 5/253، الغاية القصوى 1/478، المغني 6/236، كشاف القناع 3/216 (2) الحاوي 5/253. (3) الهداية مع شرح فتح القدير 6/360. (4) انظر مصادر المسألة السابقة. (5) انظر مصادر المسألة السابقة. (6) المغني 6/236، وانظر الحاوي 5/253. (7) المغني 6/236. (8) الحاوي 5/253، المنتقى 4/190. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 116 قلت: في هذا الدليل نظر لأن هناك من العيوب ما يختلف فيه العبد عن الأمة والعكس فلا يلزم من كونه عيباً في الأمة أن يكون عيباً في العبد. أدلة القول الثاني: استدل الحنفية بقولهم: إن الزنا لا يخل بالمقصود في الغلام وهو الاستخدام (1) . الترجيح: الذي يظهر لي أن قول الجمهور أقوى؛ لأن زنا العبد يوجب عليه الحد وربما أتلفه وبهذا يخسر المشتري قيمته، إضافة إلى ما تقدم من أنه لا يؤمن على حريم سيده والاحتياط للعرض واجب. رابعاً: أن يكون الرقيق ولد زنا: لقد شرف الإسلام النكاح وحط منزلة السفاح وشتان بين من وُلِد بين أبوين عفيفين ومن ولد بين أبوين فاجرين إن نظرة الناس إلى ابن السفاح تذكرهم بإنسان نشأ من الفجور، فلا تنشرح له الصدور، ومن أجل ذلك تكلم العلماء في حكم رد البيع إذا تبين أن الرقيق ولد زنا. فأما بالنسبة للعبد ففي حكم رد البيع إذا تبين أنه ولد زنا قولان: القول الأول: للجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة لا يرون رد البيع إذا تبين أن العبد ولد من زنا (2) . القول الثاني: للمالكية حيث ذهبوا إلى أن ذلك من العيوب التي تجيز رد البيع (3) . الأدلة: أدلة القول الأول: 1- أن أكثر الرقيق أولاد زنية وليس لذلك تأثير في أثمانهم (4) . 2- أن النسب في الرقيق غير مقصود بدليل أنهم يُشترون مجلوبين غير معروفي النسب (5) . أدلة القول الثاني:   (1) الهداية مع شرح فتح القدير 6/360. (2) البداية وشرحها وشرح فتح القدير 6/360، تحفة الفقهاء 2/64 الحاوي 5/253، روضة الطالبين 3/459، المغني 6/238، كشاف القناع 3/217. (3) مواهب الجليل والتاج والإكليل 4/432. (4) الحاوي 5/253، المبسوط 13/107. (5) المغني 6/238. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 117 لم أجد المالكية نصوا على دليل معين لهذه المسألة فيما اطلعت عليه ولكن يظهر أنهم رأوا أن كون العبد ولد زنا ينقص الثمن فأفتوا بوجوب الرد قال ابن عبد البر: وكل عيب ينقص من الثمن ويرغب الناس عنه فالرد به واجب لمن طلبه (1) . قلت: ويظهر أن قول الجمهور أقوى؛ لأن المقصود في العبد الخدمة وهذا لا يختلف فيه ولد الزنا عن غيره. وأما بالنسبة للأمة التي يتبين بعد البيع أنها من زنى فإن العلماء اختلفوا في حكم رد البيع على قولين أيضاً: القول الأول: للحنفية والمالكية يرون أن هذا عيب يرد به البيع (2) . القول الثاني: للشافعية والحنابلة يرون أنه ليس بعيب معتبر في رد البيع (3) . الأدلة: استدل أهل القول الأول بقولهم: إن ذلك يخل بمقصوده منها وهو الاستيلاد فإن ولده يعير بأمه إذا كانت ولد زنا (4) . واستدل أهل القول الثاني بما تقدم من: 1 - أن أكثر الرقيق أولاد زنية وليس لذلك تأثير في أثمانهم (5) . 2 - أن النسب فيهم غير مقصود بدليل أنهم يشترون مجلوبين غير معروفي النسب (6) . والذي يظهر لي والعلم عند الله أن الأقوى قول من قال برد البيع إذا ظهر أن الأمة من زنا بخلاف العبد لما يلي: 1 - أن الانتفاع المقصود في العبد يكون بالخدمة بخلاف الأمة فربما كان السر في شرائها الاستفراش والولد يعير بالأم المولودة بين زانيين والنفس لا تتوق إلى استفراش بنت زنا. 2 - أن ثمن الجارية يتأثر إذا علم أنها من زنا إذ لا تستوي عند الناس جارية من نكاح مع جارية من سفاح والله أعلم. خامساً: الكفر:   (1) الكافي 2/712. (2) المبسوط 13/107، تحفة الفقهاء 2/94، مواهب الجليل والتاج والإكليل 4/432. (3) الحاوي 5/253، روضة الطلبين 3/462، المغني 6/238، كشاف القناع 3/217. (4) المبسوط 13/107، العناية على الهداية 6/360 (5) الحاوي 5/253. (6) المغني 6/238. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 118 من العيوب التي تكلم العلماء في رد العبد المباع بها الكفر ومعلوم أن الكفار تختلف مللهم وبناء على ذلك تختلف أحكامهم فمنهم الكتابي ومنهم المجوسي ومنهم الوثني فإن كان المباع عبدا لم يعلم المشتري بكفره ففي جواز رده قولان: القول الأول: للأحناف أن الكفر عيب يرد به البيع ولا فرق بين كتابي وغيره (1) . القول الثاني: للحنابلة والشافعية في قول أنه لا يعد الكفر عيبا في العبد لا فرق بين كتابي وغيره (2) . القول الثالث: وهو الأصح عند الشافعية: أنه إن كان قريبا من بلاد الكفر بحيث لا تقل الرغبة فيه فلا رد وإلا فله أن يرده (3) . الأدلة: استدل الأحناف لقولهم بما يلي: 1 - قوله تعالى: (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ( [البقرة221] فالآية دلت على أفضلية المؤمن على المشرك. 2 - أنه ربما يحتاج إلى استخدامه في الأمور الدينية نحو اتخاذ الماء لطهوره وحمل المصحف إليه والكافر نجس لا يؤدي الأمانة. (4) . 3 - أنه يمتنع صرفه في بعض الكفارات فتقل الرغبة فيه (5) . 4 - أن طبع المسلم ينفر عنه للعداوة الدينية وفي إلزامه به غاية الإضرار بالمسلم (6) . أدلة القول الثاني: استدلوا لمذهبهم بقولهم: إن العبيد يكون فيهم المسلم والكافر والأصل فيهم الكفر (7) . أدلة القول الثالث: يظهر لي أن الشافعية نظروا إلى تأثير العيب في نقص الثمن وإذا كان قريباً من بلاد الكفار فإن ثمنه لا يتأثر لوجود من يشتريه بخلاف البعيد. الترجيح: الذي يظهر لي أن القول الثاني أقوى لما يلي:   (1) المبسوط 13/106، الهداية وشروحها 6/361. (2) روضة الطالبين 3/461، نهاية المحتاج 4/31، المغني 6/238. (3) روضة الطالبين 3/461. (4) المبسوط 13/106. (5) الهداية مع شرح فتح القدير 6/ 361. (6) شرح فتح القدير 6/ 361. (7) المغني 6/ 238. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 119 1- أن استدلالهم بالآية مجاب عنه بأن كون المؤمن خير من الكافر لا يقتضي كون الكفر عيبا كما أن المتقي خير من غيره ... وليس عدم ذلك عيبا (1) . 2 - أن استخدامه في أمور العبادة جائز كإعداد الماء ونحوه ولم يأت في الشرع نهي عن ذلك. أما إن كان البيع وقع على أمة ثم ظهر أنها كافرة فالمنصوص عليه عند الحنفية والشافعية والحنابلة أن الكفر عيب يرد به البيع إلا أن بينهم خلافا في نوع الكفر الذي يرد به البيع على قولين: القول الأول: للحنفية: أنها ترد بأي كفر كان (2) . القول الثاني: للشافعية والحنابلة أنها لا ترد إلا بكفر يحرمها تحريما عاما كأن تكون وثنية أو مجوسية أما إن كانت يهودية أو نصرانية فلا يرد البيع بذلك (3) . الأدلة: استدل أهل القول الأول بما تقدم في المسألة السابقة في حكم رد العبد الكافر. أما أهل القول الثاني فالذي يظهر لي أن عمدتهم في ذلك أن الاستمتاع أهم منافع الأمة والتهود والتنصر لا يمنع من ذلك فلا يرد البيع من أجله أما بقية الأعمال فلا دخل للكفر فيها. وعلى هذا فالذي يظهر لي أنه لا يرد البيع بكون الأمة كتابية ما لم يكن هناك خديعة من البائع. سادساً: عدم الختان:   (1) المغني 6/238. (2) المبسوط 13/106، الهداية وشروحها 6/316. (3) روضة الطالبين 3/461، نهاية المحتاج 4/31، الإنصاف 4/406، كشاف القناع 3/217. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 120 من المعلوم عند المحققين من أهل العلم أن الختان واجب في حق الذكر سنة في حق الأنثى وقد بينت ذلك بدلائله في مبحث مستقل بعنوان " حكم ختان الرجل وحكم ختان المرأة " (1) فإن بِيع عبد وليس بمختون فإنه قد يموت إذا ختنه المشتري وكذا الأمة إضافة إلى ما يصاحبه من ألم شديد يعيق عن العمل المطلوب من العبيد، ومن هنا تكلم العلماء في حكم رد البيع إذا ظهر أن الرقيق المباع غير مختون. فأما بالنسبة للعبد فقد اتفقت المذاهب الأربعة على أن عدم ختان العبد الكبير الذي فات وقت ختانه عيب يرد به البيع، لكن قيد الحنفية الحكم بأن لا يكون العبد حربيا لأن أهل دار الحرب لا ختان لهم. وقيده المالكية بأن يكون مولودا في ديار المسلمين أو أن يكون طويل الإقامة بين المسلمين إن كان مجلوبا (2) . واستدل أهل العلم لهذا القول بما يلي: 1 - أن في الختان حالة الكبر زيادة ألم (3) . 2 - أنه يخاف على العبد من الختان في حالة الكبر فربما أدى إلى موته (4) . وأما تقييد الحنفية لاعتبار العيب بأن لا يكون مجلوبا من دار الحرب، فلأن أهل دار الحرب لا ختان لهم فلو جعل ذلك عيبا يرد به لضاق الأمر على الناس ولأن الختان إذا لم يكن من فعل أهل دار الحرب وعادتهم ومع ذلك اشتراه كان ذلك منه دلالة على الرضا بالعيب (5) .   (1) كان هذا البيان في رسالة الدكتوراه والتي نشرت بعنوان " الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام". (2) بدائع الصنائع 5/275، مواهب الجليل والتاج والإكليل 4/432، الشرح الصغير على أقرب المسالك 4/204، الحاوي 5/254، روضة الطالبين 3/462، المغني 6/237، كشاف القناع 3/216. (3) بدائع الصنائع 5/275. (4) انظر روضة الطالبين 3/462. (5) بدائع الصنائع 5/275. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 121 وأما تقييد المالكية بأن يكون مولودا أو طويل الإقامة عند المسلمين إن كان مجلوبا فظاهر حيث إن الغالب ختانه فإذا كان غير مختون فهو عيب أما المجلوب حديثا من عند الكفار فالغالب عدم ختانه فكأن المشتري اشتراه وهو يعلم بحاله. وأما إن كان البيع وقع على جارية كبيرة غير محفوظة فقد وقع في رد البيع خلاف بين أهل العلم على قولين: القول الأول: عدم الختان عيب ترد به الأمة هذا ما ذهب إليه الأحناف والمالكية (1) . القول الثاني: عدم ختان الأمة ليس بعيب يرد به البيع هذا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة (2) . الأدلة: استدل أهل القول الأول بما سبق من: 1- أن في الختان حالة الكبر زيادة ألم (3) . 2- وبأن الغالب أن المولود في دار الإسلام لا يترك دون ختان حتى يبلغ فإن لم يختن فإن التجار يعدونه عيبا (4) . واستدل أهل القول الثاني بأن الختان ليس بواجب في حق الأمة (5) فلا يعد تركه عيبا. الترجيح: الذي يظهر لي أن عدم الختان ليس بعيب في الأمة لما يلي: 1 - أن عدم الختان في حقها ليس بمذموم شرعا إذ أن الختان ليس بواجب في حقها. 2 - أن عدم الختان لا يؤثر على صحة الأمة ولا على عملها في الخدمة ولا على التسري بها. وبهذا يختلف الحكم في الرد بعدم الختان فيقال بالرد في العبد ولا يقال به في الأمة. سابعاً: التزوج: من المعلوم أن الرقيق قد يراد للعمل وقد يراد للتجارة وقد يراد للوطء وهذا في الأمة على وجه الخصوص وكون الرقيق متزوجا قد يؤثر على هذه المصالح ومن هنا تكلم العلماء في حكم رد البيع إذا تبين أن الرقيق متزوج.   (1) المبسوط 14/107، بدائع الصنائع 5/275، منح الجليل والتاج والإكليل 4/432 (2) روضة الطالبين 3/462، المغني 6/237، كشاف القناع 3/216 (3) بدائع الصنائع 5/275. (4) المبسوط 14/107. (5) المغني 6/237. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 122 فإن كان البيع وقع على أمة ثم ظهر أنها متزوجة فالمذاهب الأربعة تنص على أنه عيب يرد به البيع (1) . ويستدل لذلك بما يلي: 1 - قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الجارية إذا اشتراها الرجل ولها زوج والمشتري لا يعلم أن ذلك عيب يجب به الرد (2) . 2 - أن المقصود بملك الجارية الاستفراش وهذا المقصود يختل إذا ظهر أنها منكوحة الغير (3) . أما إن كان البيع وقع على عبد ثم تبين أنه متزوج ففي حكم رد البيع بذلك خلاف على قولين: القول الأول: أنه عيب يرد به البيع وإليه ذهب الأحناف والمالكية والشافعية (4) . القول الثاني: أن تَزَوُّج العبد لا يعد عيبا يرد به البيع في مذهب الحنابلة (5) . الأدلة: استدل الجمهور لمذهبهم بأن العبد بسبب النكاح تلزمه نفقة امرأته وذلك ينقص من ماليته (6) . أما الحنابلة فلم أرهم نصوا على دليل لمذهبهم لكن الذي يظهر أنهم لم يعتبروا التزوج عيبا يرد به البيع في حق العبد. الترجيح: الذي يظهر لي أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور من أن النكاح عيب في العبد لما يلي: 1 - لأنه لا بد من الإنفاق على زوجته من مال سيده وفي هذا إضرار به (7)   (1) المبسوط 13/103، الخرشي على خليل 5/127، روضة الطالبين 3/461، كشاف القناع 3/216. (2) الإجماع ص54. (3) المبسوط 13/103. (4) المبسوط 13/103، الخرشي على خليل 5/127، روضة الطالبين 3/461. (5) المغني 6/236، كشاف القناع 3/216، المبدع 4/86. (6) المبسوط 13/103. (7) المغني 9/425. المصادر والمراجع الفقه الحنفي: أبو بكر بن مسعود الكاساني، بداع الصنائع، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1402هـ. برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني، الهداية شرح بداية المبتدي، مطبوعة مع شرح فتح القدير، الناشر: مطبعة مصطفى الحلبي، الطبعة الأولى، سنة 1389هـ. زين الدين بن نجيم، البحر الرائق، الطبعة الباكستانية. علاء الدين محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي، تحفة الفقهاء، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ. كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي، شرح فتح القدير، الناشر: مطبعة مصطفى الحلبي، الطبعة الأولى، 1389هـ. محمد أمين بن عابدين، رد المحتار «حاشية ابن عابدين» ، الناشر: مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثانية، 1386هـ. محمد بن أبي سهل السرخسي، المبسوط، الناشر: دار المعرفة. محمد بن محمود البابرني، شرح العناية على الهداية، مطبوع مع شرح فتح القدير، الناشر: مطبعة مصطفى الحلبي، الطبعة الأولى، 1389هـ. محمد علاء الدين الحصفكي، الدر المختار شرح تنوير الأبصار، مطبوع بمتن حاشية ابن عابدين، الناشر: مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثانية، 1386هـ. الفقه المالكي: أحمد بن محمد الدردير، الشرح الصغير على أقرب المسالك، الناشر: عيسى البابي الحلبي. أحمد بن يحيى الونشر بسي، المعيار المعرب، الناشر: وزارة الأوقاف المغربية، 1401هـ. سليمان بن خلف الباجي، المنتقى شرح الموطأ، الناشر: دار الكتاب العربي. عبد الله بن محمد عليش، منح الجليل شرح مختصر خليل، الناشر: دار الفكر. مالك بن أنس، المدونة الكبرى، الناشر: دار صادر. محمد بن أحمد بن جزي، القوانين الفقهية، الناشر: دار الفكر. محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، البيان والتحصيل، تحقيق: د. محمد حجي، الناشر: دار الغرب، سنة 1404هـ. محمد بن أحمد بن محمد بن رشد، بداية المجتهد، الناشر: دار المعرفة. محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب، مواهب الجليل، الناشر: دار الفكر. محمد بن يوسف العبدري، التاج والإكليل، مطبوع مع مواهب الجليل، الناشر: دار الفكر. يوسف بن عبد الله بن عبد البر، الكافي، تحقيق: محمد محمد الموريتاني، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة. الفقه الشافعي: إبراهيم بن علي الشيرازي الفيروزبادي، المهذب، الطبعة المدمجة مع المجموع، الناشر: دار الفكر. عبد الله بن عمر البيضاوي، الغاية القصوى في دراية الفتوى، تحقيق: علي محيي الدين قره داغي. علي بن محمد بن حبيب الماوردي، الحاوي، تحقيق: محمد علي معوض، وعادل أحمد، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1414هـ. محمد الشربيني، مغني المحتاج، الناشر: مصطفى البابي الحلبي، سنة 1377هـ. محمد بن إبراهيم بن المنذر، الإجماع، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405هـ. محمد بن أبي العباس، نهاية المحتاج، الناشر: دار الفكر، سنة 1404هـ. محمد بن إدريس الشافعي، الأم، الناشر: دار المعرفة. يحيى بن شرف النووي، المجموع شرح المهذب، الناشر: دار الفكر. يحيى بن شرف النووي، المنهاج، مطبوع بمتن مغني المحتاج، الناشر: مصطفى البابي الحلبي، سنة 1377هـ. يحيى بن شرف النووي، روضة الطالبين، إشراف: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي. الفقه الحنبلي: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح، المبدع، الناشر: المكتب الإسلامي. أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، الرسائل الكبرى، الناشر: دار إحياء التراث. عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، المغني، تحقيق: د. عبد الله التركي، ود. عبد الفتاح الحلو، الناشر: هجر للطباعة. علي بن سليمان المرداوي، الإنصاف، صححه: محمد حامد الفقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي. محمد بن أبي بكر الزرعي، الطرق الحكمية، تحقيق: محمد حامد الفقي، الناشر: دار الكتب العلمية. محمد بن مفلح، الفروع، الناشر: عالم الكتب، بيروت. منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع، الناشر: عالم الكتب، طبعة سنة 1403هـ. يحيى بن محمد بن هبيرة، الإفصاح عن معاني الصحاح، الناشر: المؤسسة السعيدية بالرياض. التفسير: أحمد بن علي الرازي الجصاص، أحكام القرآن، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي، الناشر: دارإحياء التراث العربي. إسماعيل بن عمر بن كثير، تفسير القرآن العظيم، الناشر: دار الكتب العلمية. محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، الطبعة الواقعة في عشرين مجلداً. محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل القرآن، تحقيق: محمود محمد شاكر، الناشر: دار المعارف بمصر. محمد بن عبد الله، المعروف: بابن العربي، أحكام القرآن، الناشر: دار الجيل، بيروت. الحديث وشروحه: الحافظ أحمد بن علي بن حجر، التلخيص الحبير، بعناية: عبد الله هاشم يماني، الناشر: دار المعرفة. أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت. أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، معرفة السنن والآثار، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، الناشر: دار الواعي، وآخرون، الطبعة الأولى، 1411هـ. أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، السنن الكبرى، الناشر: دار الفكر. أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاس، الناشر: محمد علي السيد، دار الحديث، حمص سوريا. أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر. أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، الجامع الصحيح «سنن الترمذي» ، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: دار إحياء التراث العربي. الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحاكم، المستدرك، الناشر: دار المعرفة. الإمام أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، سنن الدارمي، الناشر: دار إحياء السنة النبوية. الإمام أحمد بن علي بن المثنى التميمي، مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر: دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى، 1404هـ. الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، المسند، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت. الإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تلخيص المستدرك، مطبوع بذيل المستدرك، الناشر: دار المعرفة. الإمام محيي السنة الحسين بن مسعود البغوي، شرح السنة، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي. الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، سنن النسائي، رقمها: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، التمهيد، الناشر: مؤسسة قرطبة. الحافظ أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: المكتبة السلفية. علي بن عمر الدارقطني، سنن الدارقطني، بعناية: عبد الله هاشم يماني، الناشر: دار المحاسن للطباعة. مالك بن أنس، الموطأ، برواية يحيى الليثي، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405هـ. مالك بن أنس، الموطأ، برواية: أبي مصعب الزهري، تحقيق: د. بشار عواد، ومحمود محمد خليل، الناشر: مؤسسة الرسالة. محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، الطبعة التي مع فتح الباري، الناشر: المكتبة السلفية. محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، مشكاة المصابيح، تحقيق: محمد بن ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1405هـ. محمد بن ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، الناشر: المكتب الإسلامي. محمد ناصر الدين الألباني، إرواء الغليل، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1399هـ. محمد ناصر الدين الألباني، ضعيف الجامع الصغير وزياداته، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1399هـ. محمود بن أحمد العيني، عمدة القاري، الناشر: مكتبة مصطفى البابي، الطبعة الأولى، 1392هـ. يحيى بن شرف النووي، شرح صحيح مسلم، نشر: رئاسة البحوث العلمية. المجلات: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، مجلة البحوث الإسلامية، الناشر: إدارة البحوث العلمية، العدد 39. اللغة والغريب والشعر: أحمد بن محمد بن علي الفيومي، المصباح المنير، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. أحمد شوقي، الشوقيات، الناشر: دار الكتب العربية، بيروت. المبارك بن محمد الجزري بن الأثير، النهاية في غريب الحديث، الناشر: المكتبة العلمية، بيروت. محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، الناشر: دار صادر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 123 2 - أن القيام بمهام الزوجية يشغل عن العمل ويقلل الرغبة فيه عند بيعه وبهذا يتضح أنه لا فرق بين العبد والأمة في هذه المسألة، والله أعلم. الخاتمة بعد ما تقدم من مباحث طوفنا فيها على أقوال العلماء وأدلتهم ووجوه الاستدلال بها ظهر لي نتائج عامة ونتائج خاصة. فأما النتائج العامة فأهمها ما يلي: 1 أن محاولة التسوية بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات كما ينادي به دعاة تحرير المرأة ضرب من العبث إذ أن الحكيم الخبير مايز بينهما في الأحكام الشرعية، وهذا يدل على أن التسوية من رابع المستحيلات. 2 أن اختلاف الرجل والمرأة في الأحكام فيه الحكمة والصلاح لكل من الرجل والمرأة حيث إن الله شرع لكلٍ منهما ما يناسب حاله من الناحية الجسدية والنفسية والعقلية. 3 أن اختلاف الرجل والمرأة في الأحكام ليس فيه ما يدعوا إلى انتقاص المرأة بل إن في محاولة تسويتها بالرجل إخراجاً لها عن ما فطرت عليه، وهو إفساد لها أيما إفساد. أما النتائج الخاصة فتكمن في بيان الراجح في كل مسألة على حدة من ذلك: 1 أن مزاولة التجارة في الأسواق مباح للرجل، وأما المرأة فلا يباح لها إلا بقيود زائدة على ما يجب على الرجل أن يتقيد به عند الخروج للتجارة كما مرَّ في البحث. 2 أن التفريق بين الأمة وولدها والعبد وولده في البيع غير جائز قبل التمييز خلافاً لمن جوز التفريق بين العبد وولده دون الأمة وولدها. 3 أن البيع بعد نداء الجمعة حرام في حق الرجل المكلف ويحكم بفسخه خلافاً للمرأة بشرط عدم تعاملها مع أحد من أهل الوجوب. 4 أنه يجوز بيع المدبَّر والمدبَّرة ولا فرق بينهما في ذلك خلافاً لمن فرَّق. 5 أن البخر عيب في الأمة والعبد وكذا الذفر وكذا الزنا. 6 أن كون العبد ولد زنا لا يعتبر عيباً يرد به البيع بخلاف الأمة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 124 7 أن كون العبد كافراً لا يعتبر عيباً يرد به البيع، وأما الأمة فإن كانت كتابية فلا يرد البيع، وإن لم تكن كتابية فكفرها عيبٌ يرد به البيع. 8 أن عدم الختان عيبٌ يرد به البيع في العبد الكبير بخلاف الأمة. 9 أن النكاح عيبٌ في الأمة والعبد يرد به البيع خلافاً لمن فرَّق. الحواشي والتعليقات الجزء: 11 ¦ الصفحة: 125 الترخُّص بمسائل الخلاف ضوابطه وأقوال العلماء فيه الدكتور خالد العروسي الأستاذ المساعد بقسم الشريعة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة أم القرى ملخص البحث مسألة الترخّص بمسائل الخلاف، من المسائل التي بحثها الأصوليون والفقهاء على حدٍّ سواء، وهي مسألة أحسب أنّا أحوج ما نكون إلى ضبطها الآن، فالواقعون فيها بين مشدِّدٍ منكرٍ لجواز الترخص بها مطلقاً، وبين متساهلٍ مستهينٍ بها، فأجاز العمل بمسائل الخلاف مطلقاً، إلا أن أثر وخطر الفريق الثاني أعظم، لولع الناس والعوام بكل سهل ولو كان منكراً مستغرباً. وكلا الفريقين على خطأ، وكلاهما قد خالف مذهب الأئمة والسلف القائل: بالجواز ولكن بضوابط وقيود، وفي هذا البحث الذي أقدمه بين يديك، حاولت تتبع مذاهب الأئمة في هذه المسألة، فجمعت أقوالهم وأقوال أصحابهم في هذه المسألة، مستدلاً على هذا ببعض تفريعاتهم وفتاواهم، وقد جعلت هذا البحث من مقدمة وثمانية مباحث هي: 1 - الخلاف: أسبابه، وبيان أنه من السنن الكونية. 2 - الاختلاف هل هو رحمة؟ 3 - فضل معرفة علم ما يختلف فيه. 4 - بيان زلاّت العلماء. ... 5 - تأصيل المسألة. 6 - أقوال العلماء في المسألة. ... 7 - قاعدة مراعاة الخلاف. 8 - ضوابط العمل بمسائل الخلاف. والحمد لله رب العالمين. مقدِّمة الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتمَّ علينا النعمة، وجعلنا خير أمّة أخرجت للناس، حثَّنا على التآلف والاجتماع، ونهانا عن التفرق والاختلاف. والصلاة والسلام على من أرسله ربه رحمة للعالمين، سيّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 126 أما بعد: فمنذ غرّة سنيِّ الطلب، تلقينا عن مشايخنا وأساتذتنا، حبَّ أسلافنا من العلماء، وتوقيرهم، ومعرفة حقوقهم وأفضالهم، فهم بحور العلم الزاخرة، وجباله الشوامخ، فاستقرَّ ذلك في نفوسنا، وجعلناه ديناً ندين الله تعالى به. وجعلوا آية هذه المحبة والتوقير ترك التعصب لمذهب على آخر، وعدم الإنكار على مقلدة المذاهب في اختياراتهم واجتهاداتهم، ففي هذا الاختلاف رحمة للأمة كما صحّ عن كثير من السلف. وأئمة المذاهب مجتهدون، والمجتهد مأجور في كل الأحوال، حتى أسلمنا ذلك إلى جواز الأخذ بقول أيِّ إمام من الأئمة، من غير نظرٍ إلى دليل، فكون المسألة تُعدُّ من مسائل الخلاف، هي دليل الإباحة. ومما زاد من غلواء هذا، ما كنّا نسمعه من بعض أهل العلم من جعلهم الخلاف حجّةً يحتجون بها في معرض الجدال والنقاش، وسبباً للبحث عن الرخص للعوام من الناس من غير ضابط ولا قيد، ويستدلون بما سطّره بعض أسلافنا من العلماء - رحمهم الله - في كتبهم من أنه لا إنكار في المجتهدات، فبلغ السيل زباه، حتى صار العوام من الناس يلوكون هذه الكلمة من غير معرفة لمعناها فيرددون: المسألة فيها خلاف. ولا تحسبنَّ أن هذه الآفة التي ابتلي بها زماننا، هي أمر مستجد، بل هي قديمة ظلّت تتحدَّر من زمان إلى زمان، ومن قرن إلى قرن، تنصُّ برأسها بين حين وآخر، يعينها على هذا النصوص، قلَّة العلماء العاملين، وكثرة الجهّال الذين يفتون بغير علم. وخير من يصف هذا الحال هو الشاطبي (1)   (1) الحواشي والتعليقات () هو إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي الغرناطي، من أئمة المالكية، صاحب ((الموافقات)) و ((الاعتصام)) توفي سنة 790 هـ. ... انظر ترجمته في: الأعلام 1 / 75. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 127 ، وإنك لواجدٌ في كلامه كلَّ غَناء، وكأنه يرى زماننا رأي العين، يقول: ((وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية، حتى صار الخلاف في المسائل معدوداً في حجج الإباحة ... فربما وقع الإفتاء في المسألة بالمنع، فيقال: لِمَ تمنع؟ والمسألة مختلف فيها، فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفاً فيها)) (1) . ويقول: ((ويقول - أي المخالف -: إن الاختلاف رحمة وربما صرّح صاحب هذا القول بالتشنيع على من لازم القول المشهور، أو الموافق للدليل أو الراجح عند أهل النظر، والذي عليه أكثر المسلمين، ويقول له: لقد حجَّرت واسعاً، وملت بالناس إلى الحرج، وما في الدين من حرج، وما أشبه ذلك)) (2) . ويقول: ((الورع قلَّ، بل كاد يعدم، والتحفظ على الديانات كذلك، وكثرت الشهوات، وكثر من يدعي العلم، ويتجاسر على الفتوى فيه)) (3) . وقال: ((صار كثير من مقلدة الفقهاء يفتي قريبه، أو صديقه بما لا يفتى به غيره من الأقوال اتباعاً لغرضه وشهوته ..... ولقد وجد هذا في الأزمنة السالفة فضلاً عن زماننا، كما وجد فيه تتبع رخص المذاهب اتباعاً لشهوته)) (4) . ورحم الله الشاطبي فما زاد على ما نشاهده في أيامنا هذه قلامة ظفر.   (1) انظر: الموافقات 4 / 141. (2) انظر: نفس المرجع 4 / 142. (3) انظر: نفس المرجع 4 / 146. (4) انظر: نفس المرجع 4 / 35. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 128 والإشكال الذي كنت أقف أمامه حائراً متعجباً، أن ما نقلوه عن بعض الأئمة من أنه لا إنكار في مسائل المجتهدات، وأن الخلاف خير ورحمة، هو صحيح وثابت، ثم أجد ما يناقضه مسطوراً في كتبهم، فيفتون بجلد شارب النبيذ متأولاً أو مقلداً، ويزجرون من لا يتم ركوعه وسجوده، وينكرون على من يلعب الشطرنج وغيرها من مسائل الخلاف التي تتفاوت درجات الإنكار فيها بين الوعظ والتعزير. ولكن سرعان ما أعزو هذا العجب إلى قلَّة فهمي ومعرفتي بكلام الأئمة. ومضى على ذلك دهر، حتى وقفت على نصٍ لإمام من أئمة الحنابلة هو ابن مفلح (1) - رحمه الله - يعجب مما عجبت منه فقال: ((ولا إنكار فيما يسوغ فيه خلاف من الفروع على من اجتهد فيه، أو قلَّد مجتهداً فيه، كذا ذكره القاضي (2) والأصحاب، وصرّحوا بأنه لا يجوز. ومثلّوه بشرب يسير النبيذ، والتزوج بغير ولي، ومثلّه بعضهم بأكل متروك التسمية، وهذا الكلام منهم مع قولهم يحدّ شارب النبيذ متأولاً ومقلداً أعجب، لأن الإنكار يكون وعظاً وأمراً ونهياً وتعزيراً وتأديباً، وغايته الحدُّ، فكيف يحدُّ ولا ينكر عليه؟ أم كيف يفسق على رواية، ولا ينكر على فاسق)) (3) .   (1) هو محمد بن مفلح بن محمد المقدسي الحنبلي، شمس الدين، أبو عبد الله، صاحب ((الفروع)) و ((أصول الفقه)) توفي سنة 763 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 8 / 340، الأعلام 7 / 107. (2) هو القاضي محمد بن الحسين بن محمد الحنبلي، أبو يعلى الفرّاء، صاحب ((العدّة)) و ((الاحكام السلطانية)) توفي سنة 458 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 5 / 252، الأعلام 6 / 99. (3) انظر: الآداب الشرعية 1 / 132. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 129 إذن هو تناقض وقع فيه بعض أتباع الأئمة، ومقلدة المذاهب، فعلمت يومئذ أن العمل بمسائل الخلاف ليس على إطلاقه، وما يردده كثير من أهل العلم من أنه لا إنكار في المجتهدات ليس بصحيح، فالمسألة لها ضوابط وآداب، يجب أن تراعى عند الترخص بها، لذلك تجد المحققين من أهل العلم كابن تيمية (1) وابن رجب (2) وغيرهما يفرقون بين الاجتهاد والتقليد، المقبول منه والمردود بكونه: ((سائغاً)) ، وهي كلمة مجملة، يعنون بها الاجتهاد أو التقليد الملجوم بضوابط الشرع وآدابه.   (1) هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، تقي الدين، أبو العباس، صاحب ((الفتاوى الكبرى)) و ((منهاج السنة)) توفي سنة 728 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 8 / 142، الأعلام 1 / 144. (2) هو زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، صاحب ((القواعد الفقهية)) و ((جامع العلوم والحكم)) توفي سنة 795 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 8 / 578، الأعلام 3 / 359. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 130 وفي هذا البحث حاولت - مستعيناً بالله - جمع أقوال العلماء في مسألة الترخص بمسائل الخلاف، توسطت فيه بين أقوال المنكرين على جواز الترخص مطلقاً، وبين أقوال المفرِّطين المتساهلين الذين يأخذون المسألة على إطلاقها، فجمعت هذه الضوابط من كلام العلماء - لاسيما المحققين منهم - على اختلاف مذاهبهم، وذكرت بعض الآداب التي يجب على المفتي مراعاتها، خاصة في هذا الزمن، الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة، فالفتوى التي تصدر في مكة مثلاً أو في القاهرة، لا تلبث ساعات، بل دقائق، حتى يعلم بها، كل مَن في أرجاء هذه المعمورة، وما تهيجه من شرٍّ وفتنة إذا لم تكن مضبوطة بضوابط الشرع. وسطّرت في هذه الصحف بعض المباحث التي لها صلة بهذه المسألة، فبيّنت أسباب اختلاف العلماء، والخلاف هل هو رحمة أم لا؟ ثم دفعت ما ظُنَّ أنه تناقض في كلام أسلافنا من الأئمة، وذكرت الأصل الذي تفرعت منه هذه المسألة مبيناً صحة هذا الأصل أو سقمه. هذا والله تعالى أسأله أن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه سميع مجيب. المبحث الأول: الخلاف: أسبابه، وبيان أنه من السنن الكونية من أعظم آيات الله عزَّ وجلَّ أن خلق الناس مختلفين في ألوانهم وألسنتهم، وعقولهم وأفهامهم، فقرنها الله تعالى مع عجيبة أخرى وهي خلق السموات والأرض فقال (: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ( [الروم: 22] فكان من مقتضى هذه الحكمة أن يقع الخلاف بين الناس، فهي سمة البشرية، وسنة كونية لا تتغير ولا تتبدّل وقد صحّ عن ابن عباس (1)   (1) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي، ابن عم رسول الله ش، حبر هذه الأمة، توفي بالطائف سنة 68 هـ. انظر ترجمته في: أسد الغابة 3 / 291، الأعلام 3 / 95. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 131 رضي الله عنهما قوله: ((كان بين آدم ونوح عشرة آخرون كلهم على الإسلام ثم اختلفوا بعد ذلك)) (1) ذكر هذا في معرض تفسيره لقوله تعالى (: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ( [البقرة 213] ، فالخلاف ما زال بين بني آدم من زمن نوح عليه السلام، لم تسلم منه أمّة من الأمم ويقول النبي (: ((افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة)) (2) . وهذه الأمة ليست ببدع من الأمم، فقد بقى رسولها ش ثلاثاً وعشرين سنة بين ظهرانيهم، يعلمهم الكتاب والحكمة، ويتلوا عليهم آياته ويزكيهم، ومع هذا تنازع الصحابة واختلفوا، في مراد النبي ش كما ثبت في الصحيحين أن النبي (قال: ((لا يصلّينَّ أحدٌ العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم الصلاة في الطريق. فقال بعضهم: نصلي ولا نترك الصلاة. وقال بعضهم: لا نصلي إلا في بني قريظة فصلوا بعد غروب الشمس فلم يعنف أحداً منهم)) (3) .   (1) أخرجه الحاكم في مستدركه في كتاب التفسير، باب تفسير سورة حم عسق، رقم (3654) ، وصححه ووافقه الذهبي. (2) أخرجه الترمذي في كتاب الايمان، باب افتراق هذه الأمة رقم (2778) عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال: ((حديث حسن صحيح)) . (3) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب مرجع النبي ش من الأحزاب رقم (4119) ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو رقم (1770) عن ابن عمر رضي الله عنهما مع اختلاف يسير في الألفاظ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 132 وكذلك حديث: ((خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماءٌ فتيمَّما صعيداً طيباً فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله (فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يُعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين)) (1) . فلما قُبض النبي (تركهم ((على بيضاء نقية، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)) (2) وما أبلغ كلمة عمه العباس بن عبد المطلب (3) رضي الله عنه حين شك الناس في موته فقال: ((والله ما مات رسول الله ش حتى ترك السبيل نهجاً واضحاً، وأحلّ الحلال، وحرّم الحرام، ونكح، وطلَّق، وحارب، وسالم، وما كان راعي غنم يتبع رؤوس الجبال، يخبط عليها العضاة بمخبطه، ويمرر حوضها بيده، بأنصب ولا أدأب من رسول الله ش فيكم)) (4) . وميراث النبوة الذي ورَّثه النبي ش لأمته منه ما هو بيِّنٌ لا اشتباه فيه مثل الحلال المحض كأكل الطيبات من الزروع والثمار وكالنكاح، والتسري. وآخر هو الحرام المحض، كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والربا، ونكاح المحارم وغيرها.   (1) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب المتيمم يجد الماء بعدما يصلي رقم (334) عن أبي سعيد الخدري، قال أبو داود: وذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ، وهو مرسل. (2) هو جزء من حديث أخرجه الحاكم في المستدرك، في كتاب العلم رقم (331) عن العرباض ابن سارية رضي الله عنه وصححه السيوطي في الجامع الصغير 2 / 379. (3) هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي، عم رسول الله ش، وجد الخلفاء العباسيين شهد حنيناً وفتح مكة، توفي سنة 32 هـ. انظر ترجمته في: أسد الغابة 3 / 163، الأعلام 3 / 262. (4) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 2 / 267. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 133 ومنه ما هو مشتبه فيه، كأكل ما اختلف في تحريمه وحلِّه، كالخيل والبغال، والحمير، والضبِّ، وشرب الانبذة التي يسكر كثيرها، وغيرها. وهذا القسم هو الذي عناه النبي ش بقوله: ((الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهاتٌ، لا يعلمها كثير من الناس)) (1) ، فسّره على هذا المعنى الإمام أحمد وإسحاق (2) وغيرهما من الأئمة (3) والعلماء هم الوارثون لعلم النبوة، وأنواع الشبه تختلف بقوة قربها من الحرام، وبعدها عنه، لذلك يقع الخلاف في تحليله وتحريمه لأسباب كثيرة، عني الفقهاء على استقصاءها وذكرها مطوّلة، لكن أعجبني ما لخَّصه ابن رجب رحمه الله فقال: ((ومنه - أي الحلال والحرام - ما لم يشتهر بين حملة الشريعة فاختلفوا في تحليله وتحريمه وذلك لأسباب: منها: أنه قد يكون النص عليه خفياً، لم ينقله إلا قليل من الناس فلم يبلغ جميع حملة العلم. ومنها: أنه قد ينقل فيه نصان، أحدهما بالتحليل، والآخر بالتحريم، فيبلغ طائفة أحد النصين دون الآخر، فيتمسكون بما بلغهم، أو يبلغ النصان معاً من لا يبلغه التاريخ فيقف لعدم معرفته بالناسخ. ومنها: ما ليس فيه نص صريح، وإنما يؤخذ من عموم أو مفهوم أو قياس، فتختلف أفهام العلماء في هذا كثيراً. ومنها: ما يكون فيه أمر أو نهي، فيختلف العلماء في حمل الأمر على الوجوب أو الندب، وفي حمل النهي على التحريم أو التنزيه. وأسباب الخلاف أكثر مما ذكرنا)) (4) . المبحث الثاني: الاختلاف هل هو رحمة؟   (1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم (52) عن النعمان ابن بشير. (2) هو إسحاق بن إبراهيم التميمي المروزي، أبو يعقوب بن راهويه، عالم خراسان في وقته، له كتاب ((المسند)) توفي سنة 238 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 3 / 172، الأعلام 1 / 292. (3) انظر: جامع العلوم والحكم ص 84. (4) انظر: جامع العلوم والحكم ص 85. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 134 شاع وذاع على لسان كثير من السلف أن اختلاف الأمة في الفروع هو ضرب من ضروب الرحمة، فروى عن القاسم بن محمد (1) قوله: ((كان اختلاف أصحاب رسول الله (رحمة)) (2) وعن عمر بن عبد العزيز (3) : ((ما يسرني باختلاف أصحاب النبي ش حُمْرُ النَّعَم)) (4) واشتهر حديث عند الفقهاء وهو: ((اختلاف أمتي رحمة)) (5) . وهذا كله حق لا مرية فيه، إلا أنه حق يعوزه شيء من التفصيل، وهذا التفصيل ذكره الإمام الشافعي - رحمه الله - في ((رسالته)) حيث جعل لهذا الاختلاف المرحوم قسيماً آخر، وهو: الاختلاف المحرَّم، فلما سئل - رحمه الله - ما الاختلاف المحرّم؟ قال: ((كل ما أقام الله به الحجة في كتابه، أو على لسان نبيِّه منصوصاً بيّناً لم يحلَّ الاختلاف فيه لمن علمه)) واستدل على ذلك من كتاب الله تعالى بقوله: ((وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( [البينة: 40] وبقوله (: (ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات ( [آل عمران: 105] فهؤلاء المخالفين ما اختلفوا حتى جاءهم العلم، وجاءتهم البينة، فاختلفوا للبغي والظلم، لا لأجل اشتباه الحق بالباطل (6) .   (1) هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد الفقهاء السبعة في المدينة وأحد سادات التابعين توفي سنة 107 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 2 / 44، الأعلام 5 / 181. (2) انظر: الطبقات الكبرى 5 / 89. (3) هو عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي القرشي أبو حفص، قيل له: خامس الخلفاء الراشدين لعدله وصلاحه، توفي سنة 101 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 2 / 7، الأعلام 5 / 50. (4) انظر: الطبقات الكبرى 5 / 381. (5) والحديث ليس له أصل. انظر: الدرر المنتثرة ص 41. (6) انظر: الرسالة ص 352. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 135 ومن ههنا نشأ الوهم عند من أطلق جواز الترخّص بمسائل الخلاف، مستدلاً بعموم أقوال الأئمة، فأصابهم في ألفاظ العموم، ما أصاب غيرهم في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، فسمعوا أن الاختلاف رحمة، فاعتقدوا أن هذا شامل لكل خلاف، ولم يتدبروا أن الخلاف له ضوابط وشروط، وإلا كان محرّماً مذموماً. أما كون اختلاف أصحاب النبي (رحمة، فلأنهم كانوا على الحنيفية السمحة، ففتحوا باب الاجتهاد للناس، فتنازعوا وهم مؤتلفون متحابون، يُقرُّ كل واحد منهم الآخر على اجتهاده ومن لطيف توجيهات ابن تيمية في كون الخلاف رحمة قوله ما ملخصه: إن النزاع قد يكون رحمة لبعض الناس، لما فيه من خفاء الحكم، فقد يكون في ظهوره تشديداً عليه، ويكون من باب قوله تعالى (: (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ( [المائدة: 101] لهذا صنّف رجل كتاباً سماه: ((كتاب الاختلاف)) فقال أحمد: سمه ((كتاب السعة)) وضرب لها مثلاً بما يوجد في الأسواق من الطعام والشراب والثياب، فقد يكون في نفس الأمر مغصوباً، فإذا لم يعلم الإنسان بذلك، كان كله له حلاً لا إثم عليه بحال، بخلاف ما إذا علم (1) . وبيَّن رحمه الله أن من تبعات الخلاف المحرّم أن يخفى عنهم العلم بما يوجب الرخصة، فكما أن الله تعالى حرّم على بني إسرائيل طيبات أحلت لهم لأجل ظلمهم وبغيهم، وشريعة محمد ش لا تُنسخ، لكنهم يعاقبون بتحريم ما هو طيب حلال لخفاء تحليل الله ورسوله عندهم، كما فعل ذلك كثير من الأمة اعتقدوا تحريم أشياء فروج عليهم بما يقعون فيه من الأيْمان والطلاق، واعتقدوا تحريم كثير من المعاملات التي يحتاجون إليها كضمان البساتين، والمشاركات، فصارت محرمة عليهم تحريماً كونياً، وتحريماً شرعياً في ظاهر الأمر (2) .   (1) انظر: مجموع الفتاوى 14 / 159. (2) انظر: مجموع الفتاوى 14 / 153. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 136 وشرور الخلاف لا تنقضي، وشرُّها إذا استحال إلى تعصب للمذاهب والآراء بالباطل، واتباعٍ للظن وما تهوى الأنفس. وما يتبع ذلك من تباغض وتدابر، بل وتلاعن. وإذا أنعمت النظر وجدت أن أكثر هذه المسائل المتنازع فيها هي من الفروع الخفية التي يسوغ فيها الخلاف، وأغلب هؤلاء المتعصبين إنما قامت عصبيتهم على الانتصار للنفس والهوى لا الانتصار للحق، وهذا أمر خفي دقيق يتسلل إلى القلوب والنفوس، لذلك نبّه عليه ابن رجب فقال: ((ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين، وكثر تفرقهم، كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم، وكل منهم يظهر أنه يبغض لله، وقد يكون في نفس الأمر معذوراً، وقد لا يكون معذوراً، بل يكون متبعاً لهواه مقصراً في البحث عن معرفة ما يبغض عليه، فإن كثيراً من البغض إنما يقع لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحق، وهذا الظن خطأ قطعاً، وإن أريد أنه لا يقول إلا الحق فيما خولف فيه. وهذا الظن قد يخطئ ويصيب. وقد يكون الحامل على الميل إليه مجرّد الهوى والألفة، أو العبادة، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله. فالواجب على المؤمن أن ينصح لنفسه، ويتحرز في هذا غاية التحرز. وما أشكل منه فلا يدخل نفسه فيه خشية أن يقع فيما نهى عنه من البغض المحرّم. وههنا أمر خفي ينبغي التفطن له، وهو أن كثيراً من أئمة الدين قد يقول قولاً مرجوحاً، ويكون مجتهداً فيه مأجوراً على اجتهاده فيه. موضوعاً عنه خطؤه فيه، ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته في هذه الدرجة، لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله، بحيث لو أنه قد قاله غيره من أئمة الدين لما قبله، ولا انتصر له، ولا والى من يوافقه، ولا عادى من يخالفه، ولا هو مع هذا يظن أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه. وليس كذلك، فإن متبوعه إنما كان قصده الانتصار للحق، وإن أخطأ في اجتهاده. وأما هذا التابع فقد شاب انتصاره لما يظنه أنه الحق، إرادة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 137 علو متبوعه، وظهور كلمته، وأنه لا ينسب إلى الخطأ، وهذه دسيسة تقدح في قصده الانتصار للحق، فافهم هذا فإنه مهم عظيم)) (1) . وحسبنا شراً ما رُزئت به هذه الأمة من تبعات الخلاف حين حُرمت الكتاب الذي أراد النبي (كتابته لها، حتى صار ابن عباس رضي الله عنهما يتحسر ويقول: ((إن الرزية كل الرزية ما حال بين النبي (وبين كتابه)) وذلك: ((لما اشتد بالنبي (وجعه فقال: ائتوني بكتاب، أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً. فقال عمر: إن النبي (غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا، وكثر اللغط قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع)) (2) . المبحث الثالث: فضل معرفة علم ما يختلف فيه رُوي عن طائفة من السلف آثار في فضل تعلّم علم الخلاف، فمن ذلك ما رواه أحمد رحمه الله عن سعيد بن جبير (3) أنه قال: ((من عَلِمَ اختلاف الناس فقد فقه)) وعن قتادة (4) قال: ((قال سعيد بن المسيّب (5)   (1) جامع العلوم والحكم ص 370. (2) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب كتابة العلم، رقم (114) عن ابن عباس رضي الله عنهما. (3) هو سعيد بن جبير الأسدي الكوفي، أبو عبد الله، من فقهاء التابعين توفي سنة 95 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 1 / 382، الأعلام 3 / 93. (4) هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، المفسر الحافظ، كان يرى القدر، توفي سنة 118 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 1 / 370، الأعلام 5 / 189. (5) هو سعيد بن المسيب بن حرب القرشي، أبو محمد، أحد فقهاء المدينة السبعة، توفي سنة 94 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 2 / 80، الأعلام 3 / 102. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 138 : ما رأينا أحداً أسأل عما يختلف فيه منك، قلت: إنما يسأل من يعقل عما يختلف فيه فأما ما لا يختلف فيه فلم نسأل عنه)) (1) ، وغيرها من الآثار، فملكة الفقه لا تتأتَّى إلا بالارتياض في معرفة أقوال العلماء باختلافها، وما أتوا به في كتبهم، فالحق لا يعرف إلا إذا عُرف الباطل، والفاسد لا يعلم إلا إذا عُلِمَ الصحيح، فبضدها تتميز الأشياء، فنبتة التعصب إنما تنشأ عند من ألِف قولاً واحداً فتربى حتى كهل عليه، لذلك أحسب أن هذا العلم الذي يدرّس في الجامعات والمعاهد فيما يسمى ((بالفقه المقارن)) أو ((الفقه الموازن)) ، هو من أعظم الفنون أثراً في تنمية ملكة الاحتجاج والاستنباط، وتحليل ما في الكتب ورده إلى الحجج، لاسيما إذا تولى تعليم هذا الفن من يؤمن به، ومن له تمكن من معرفة الصحيح من الفاسد، فهذا كفيل - بإذن الله - على نزع هذه النبتة من جذورها، فيستقر في قلب الطالب حب جميع العلماء، فيعرفهم حينئذ بالحق، ولا يعرف الحق بهم. بل ويعجبني فيمن تولى تدريس ((فقه المذهب)) أن يبيّن بعض المسائل التي خالف فيها أصحاب المذهب إمامهم، فتركوا التعصب واتبعوا الدليل، ولم يستنكفوا من ذلك. المبحث الرابع: بيان زلاّت العلماء واستغفر الله تعالى من هذا العنوان، واستعيذ بالله مما استعاذ منه ابن تيمية رحمه الله حين اضطره المقام إلى الخوض في هذه المسألة فقال: ((نعوذ بالله سبحانه مما يفضي إلى الوقيعة في أعراض الأئمة، أو انتقاص أحد منهم، أو عدم المعرفة بمقاديرهم وفضلهم، أو محادتهم وترك محبتهم وموالاتهم، ونرجو من الله سبحانه أن نكون ممن يحبهم ويواليهم ويعرف من حقوقهم وفضلهم ما لا يعرفه أكثر الأتباع، وأن يكون نصيبنا من ذلك أوفر نصيب وأعظم حظ، ولا حول ولا قوة إلا بالله)) (2) .   (1) انظر هذه الآثار وغيرها في الآداب الشرعية 2 / 51. (2) انظر: الفتاوى الكبرى 6 / 92. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 139 فالداعي إلى خوض هذه المسألة أن كثيراً من المقلدين، وكذلك المفتين وأهل العلم، يجادلون من ينكر عليهم التوسع في تتبع رخص العلماء من غير ضابط بقولهم: أأنتم أعلم أم الإمام الفلاني؟ وألستم تعرفون فضل هؤلاء الأئمة، ومكانتهم من العلم والفقه والتقوى؟ فما بالنا لا نأخذ برخصهم وأقوالهم؟ وهذه معارضة فاسدة لا تصح، لأن الله لم يجعل العصمة لأحدٍ دون رسوله (، فالرجل الجليل القدر، العظيم المنزلة، قد تقع منه الهفوات والزلاّت، وهذا بشهادة أئمة الدين، وسادات الدنيا فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((ثلاث يهدمن الدين زلة العالم، وجدال المنافق بالقرآن، وأئمة مضلون)) (1) . وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: ((ويل للأتباع من عثرات العالم. قيل: وكيف ذاك؟ قال: يقول العالم شيئاً برأيه ثم يجد من هو أعلم منه برسول الله ش فيترك قوله ذلك، ثم يمضي الاتباع)) (2) . وقد روى عن النبي (في هذا المعنى قوله: ((إني أخاف على أمتي من ثلاث: زلة عالم، ومن هوى متبع، ومن حكم جائر)) (3) . وليست هناك شهادة بعد هذه الشهادة، فأي معنى للتشبث ببعض المستشنعات التي وردت عن الأئمة، وإفتاء الناس بها، ناهيك عن كثير من المسائل التي يخرِّجها الاتباع على لوازم باطلة لا تصح (4) ، بل وقد يُنسب للإمام ما لم يقله، كما حدث لأحمد رحمه الله حين نُسب إليه القول أن الغسل   (1) انظر: الفتاوى الكبرى 6 / 95. (2) انظر: الفتاوى الكبرى 6 / 96. (3) الحديث ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 187 قال: وفيه كثير بن عبد الله بن عوف، وهو متروك، وقد حسّن له الترمذي. واحتج بالحديث ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى 6 / 940. (4) انظر: إعلام الموقعين 3 / 286. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 140 لا يكون إلا من الإنزال، فكان أحمد ينكر ذلك ويقول: ما أحفظ أني قلت به قط، فقيل له: بلغنا أنك تقوله، فقال: الله المستعان، من يكذب عليَّ في هذا أكثر من ذاك (1) . ورحم الله الإمام أحمد فما زال الكذب على العلماء، وتقويلهم ما لم يقولوه، باق حتى يومنا هذا. ثم أليس من أوثق عرى الإسلام النصيحة؟ يقول عليه الصلاة والسلام: ((الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله عزَّ وجل ولكتابه، ولرسوله (، ولأئمة المؤمنين وعامتهم)) (2) . فأين النصيحة للعلماء؟ فهم من جملة أئمة المؤمنين، يقول ابن رجب: ((ومما يختص به العلماء - أي في النصيحة - ردّ الأهواء المضلة بالكتاب والسنة على موردها، وبيان دلالتهما على ما يخالف الأهواء كلها، وكذلك رد الأقوال الضعيفة من زلاّت العلماء، وبيان دلالة الكتاب والسنة على ردّها)) (3) . فمن حقهم أن لا ننسب لهم قول - يجد الواحد منّا حرجاً أن ينسبه لنفسه، فضلاً أن ينسبه لهؤلاء الأئمة - لاسيما للعوام منهم: فهم مولعون بالنوادر، متهالكون على الغرائب، لذلك كان هذا أخوف ما يُخاف علينا، فالعالم إذا زلّ، زلَّت معه أمّة، وإني لناقلٌ لك من قبائح فهم العوام مما قصّه لنا ابن القيم (4)   (1) ذكرها ابن رجب في فتح الباري 1 / 385. (2) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الايمان رقم (95) عن تميم بن أوس الداري. (3) انظر: جامع العلوم والحكم ص 98. (4) هو محمد بن أبي بكر الحنبلي، الشهير بابن قيم الجوزية، شمس الدين، أبو عبد الله، صاحب ((إعلام الموقعين)) و ((إغاثة اللهفان)) توفي سنة 751 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 8 / 287، الأعلام 6 / 56. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 141 رحمه الله فقال: ((قد نُسب إلى مالك رحمه الله تعالى القول بجواز وطء الرجل امرأته في دبرها، وهو كذب على مالك وأصحابه فكتبهم كلها مصرِّحة بتحريمه، ثم لما استقر عند هؤلاء أن مالكاً يبيح ذلك نقلوا الإباحة من الإناث إلى الذكور وجعلوا البابين باباً واحداً، وهذا كفر وزندقة من قائله بإجماع العلماء)) ثم قال: ((ونظير هذا الظن الكاذب، والغلط الفاحش ظن كثير من الجهال أن الفاحشة بالمملوك كالمباحة أو مباحة، أو أنها أيسر من ارتكابها من الحر ... قال شيخنا - أي ابن تيمية - ومن هؤلاء من يتأول قوله تعالى: (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ( [البقرة 221] على ذلك - أي إباحة ذكران العبيد المؤمنين - ... ومنهم من يجعل ذلك مسألة نزاع يبيحه بعض العلماء، ويحرّمه بعضهم، ويقول: اختلافهم شبهة، وهذا كذب وجهل)) (1) . ولا يبقى بعد هذا كله إلا الحذر ثم الحذر من إطلاق الفتاوى على عواهنها من غير قيد ولا ضابط. ثم إن لهؤلاء الأئمة حقاً آخر - دون الحق الأول - وهو ردُّ المسائل التي أخطأوا فيها الاجتهاد وعرضها على الكتاب والسنة، فهذه وصيتهم رحمهم الله تعالى، حكى البويطي (2) أنه سمع الشافعي يقول: ((قد ألفت هذه الكتب ولم آل فيها ولابد أن يوجد فيها الخطأ، إن الله تعالى يقول: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ( [النساء 120] فما وجدتم في كتبي مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه)) (3) .   (1) انظر: إغاثة اللهفان 2 / 180 - 182. (2) هو يوسف بن يحيى البويطي القرشي، أبو يعقوب، صاحب الشافعي، له كتاب ((المختصر)) توفي سنة 231 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 3 / 143، الأعلام 8 / 257. (3) انظر: الآداب الشرعية 2 / 103. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 142 ويقول أبو حنيفة: ((هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت، فمن جاء براي خير منه قبلناه)) وصحّ مثل هذا القول عن مالك وأحمد (1) . وإذا أنت بحثت ونظرت، وجدت أن أكثر الناس نصحاً لهؤلاء الأئمة، هم كبار أصحابهم، فهذا محمد بن الحسن (2) وأبو يوسف (3) قد خالفا أبا حنيفة في كثير من المسائل، ولا يجدون غضاضة في الرجوع إلى الحق، ولهذا لما اجتمع أبو يوسف بمالك فسأله عن الصاع، وصدقة الخضروات، ومسألة الأجناس، فأخبره مالك بما تدل عليه السنة في ذلك، قال: ((رجعت إلى قولك يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع إلى قولك كما رجعت)) (4) . وهذا المزني (5) وهو ناشر مذهب الشافعي، اختصر مذهب صاحبه، ولم يجد حرجاً أن يذكر بعد البسملة في افتتاح الكتاب وصية الشافعي فقال: ((اختصرت هذا الكتاب في علم محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - ومن معنى قوله، لأقربه على من أراده، مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه، ويحتاط لنفسه)) (6) .   (1) انظر: مجموع الفتاوى 20 / 211. (2) هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، أبو عبد الله، صحب أبا حنيفة وسمع منه، له ((المبسوط)) و ((الجامع الكبير)) توفي سنة 189 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 2 / 407، الأعلام 6 / 80. (3) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، أبو يوسف، صاحب أبي حنيفة، له ((أدب القاضي)) و ((الأمالي)) توفي سنة 182 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 2 / 367، الأعلام 8 / 193. (4) انظر: مجموع الفتاوى 20 / 211. (5) هو إسماعيل بن يحيى المزني، أبو إبراهيم، صاحب الشافعي، من كتبه ((الجامع الكبير)) و ((المختصر)) توفي سنة 264 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 3 / 278، الأعلام 1 / 329. (6) انظر: مختصر المزني ص 1. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 143 وهذا كله لا يقدح في أقدار هؤلاء الأئمة، ولا يغض من منزلتهم فما من أحد إلا وقد خُفيت عليه سنة، أو فاته فهم صحيح، فميراث النبوة ميراث ضخم واسع لا يحصى، وجعله النبي ش مشاعاً، لينهل منه العلماء، فما فات هذا الإمام من سنة وجدته عند الآخر، وما غفل عن فهمه ذاك، انقدح في ذهن هذا معناه، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، لذلك يقول الله تعالى: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً ( [الأنبياء: 78] فهذان نبيان كريمان إلا أن الله تعالى خصَّ أحدهما بالفهم دون الآخر. ولا تظنَّن أن خفاء السنة عائد لعدم شهرتها - وأعني بالشهرة المعنى اللغوي - أو لكونها مذكورة في غير الصحاح، بل هناك أحاديث في صحيح البخاري غفل عنها كبار الأئمة، وإني لناقلٌ مسائل استدركها ابن رجب رحمه الله على بعضهم منها: - أن ابن تيمية رحمه الله أنكر ورود لفظ: ((كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)) في ألفاظ الصلاة على النبي (في التشهد، بالجمع بين ((إبراهيم وآل إبراهيم)) فقال: فهذه الأحاديث التي في الصحاح لم أجد فيها ولا فيما نقل لفظ: ((إبراهيم وآل إبراهيم)) بل المشهور في أكثر الأحاديث والطرق لفظ: ((آل إبراهيم)) وفي بعضها لفظ: ((إبراهيم)) وقد يجيء في أحد الموضعين لفظ: ((آل إبراهيم)) وفي الآخر لفظ: ((إبراهيم)) (1) . وقد تعقبه ابن رجب في ((القواعد)) (2) فقال - بعد أن نقل كلامه -: ((كذا قال، وقد ثبت في ((صحيح البخاري)) الجمع بينهما من حديث كعب ابن عجرة (3)   (1) انظر: الفتاوى الكبرى 2 / 192. (2) انظر: تقرير القواعد 1 / 90. (3) هو كعب بن عجرة بن أمية البلوي، حليف الأنصار، سكن الكوفة وتوفي بالمدينة سنة 51 هـ. انظر: أسد الغابة 4 / 454. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 144 ، ويعني به قوله (: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)) (1) . - وسنة أخرى من سنن الغُسل وهي تخليل شعر الرأس واللحية الوارد في حديث عائشة (2) رضي الله عنها أنها، قالت: ((كان رسول الله (إذا اغتسل من الجنابة، غسل يديه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم اغتسل، ثم يخلِّل بيده شعره، حتى إذا ظنَّ أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم يغسل سائر جسده)) (3) فقد غفل عنه كبار الأئمة، يقول ابن رجب: ((قول عائشة ((حتى إذا ظنَّ أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات)) يتبين أن التخليل كان لغسل بشرة الرأس، وتبويب البخاري (4) يشهد لذلك أيضاً)) . يقول ابن رجب: ((وهذه سنة عظيمة من سنن غسل الجنابة، ثابتة عن النبي ش، لم يتنبه لها أكثر الفقهاء، مع توسعهم للقول في سنن الغسل وادائه. ولم أر من صرّح منهم، إلا صاحب ((المغني)) (5) ، من أصحابنا، وأخذه من عموم قول أحمد: الغسل على حديث عائشة (6) .   (1) انظر: صحيح البخاري كتاب الأنبياء، رقم (3370) . (2) هي عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي ش، وأشهر نسائه، تزوجها النبي ش قبل الهجرة بسنتين، توفيت سنة 57 هـ. انظر ترجمتها في: أسد الغابة 7 / 186. (3) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الغسل، باب تخليل الشعر رقم (272) . (4) هو محمد بن إسماعيل البخاري، أبو عبد الله، أشهر من أن يعرّف، صاحب ((الجامع الصحيح)) توفي سنة 256 هـ انظر ترجمته في: شذرات الذهب 3 / 252، الأعلام 6 / 34. (5) هو عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، موفق الدين، أبو محمد، صاحب ((المغني)) و ((روضة الناظر)) توفي سنة 620 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 7 / 155، الأعلام 4 / 67. (6) انظر: المغني 1 / 138. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 145 وكذلك ذكره صاحب ((المهذب)) (1) من الشافعية قال: - بعد ذكر الوضوء -: ((ثم يدخل أصابعه العشر في الماء، فيغترف غرفة يخلِّل بها أصول شعره من رأسه ولحيته، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات)) (2) . فإذا كان الخطأ والوهم قد وقع فيه هؤلاء العلماء وهم من هم في الحفظ والذكاء والاتقان، فهي فيمن دونهم أولى، أمّا التعصب وإلباس الأئمة ثوب العصمة فليس من التناصح أو الإنصاف في شيء، وإذا شئت أن تعرف كيف يكون الانصاف فاقرأ كلام ابن المنير (3) وهو مالكي حين قال: ((وقد ذكر قوم من أتباع المذاهب في تفضيل أئمتهم. وأحق ما يقال في ذلك ما قالت أم الكملة عن بنيها: ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل، كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها. فما من واحد منهم إذا تجرَّد النظر إلى خصائصه إلا ويفنى الزمان حتى لا يبقى فيهم فضلة لتفضيل على غيره)) (4) . المبحث الخامس: تأصيل المسألة   (1) هو إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، أبو إسحاق، صاحب ((اللمع)) و ((التهذيب)) توفي سنة 476 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 5 / 323، الأعلام 1 / 51. (2) انظر: المهذب مع شرح المجموع 2 / 180، وانظر نصّ ابن رجب في شرحه فتح الباري 1 / 311. (3) هو ناصر الدين أحمد بن محمد الجذامي الجروي المالكي، قاضي الاسكندرية، من تصانيفه ((تفسير حديث الإسراء)) ، توفي سنة 683 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 7 / 666، الأعلام 1 / 220. (4) انظر: البحر المحيط 6 / 293. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 146 مسألة الترخّص بمسائل الخلاف، عني بها الفقهاء والأصوليون على حدٍّ سواء. فالفقهاء يذكرونها - استطراداً - عند ذكرهم حكم من أتى فرعاً مختلفاً فيه يعتقد تحريمه، في شروط من تقبل شهادته (1) . والأصوليون سطّروها عقيب مسألة من التزم مذهباً معيناً، واعتقد رجحانه، فهل يجوز أن يخالف إمامه في بعض المسائل، ويأخذ بقول غيره من مجتهد آخر (2) ؟ ، فهي شبيهة بها، مفرّعة عنها، وهذه المسألة تعود إلى قاعدة عظيمة هي قاعدة: ((تصويب المجتهدين)) ، والخلاف فيها: هل كل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد؟ فمن توسع في الأخذ برخص العلماء من غير ضابط ولا قيد، يرى أن كل مجتهد مصيب فيما عند الله، ومصيب في الحكم، وليس هناك تحجير على تتبُّع مسائل الخلاف، واستمع إلى ما يحكيه ابن المنيِّر حينما فاوض بعض مشايخ الشافعية في هذه المسألة فقال: ((وقال - أي الشيخ -: أي مانع يمنع من تتبع الرخص ونحن نقول: كل مجتهد مصيب، إن المصيب واحد غير معين، والكل دين الله، والعلماء أجمعون دعاة إلى الله، حتى كان هذا الشيخ رحمه الله من غلبة شفقته على العامي إذا جاء يستفتيه - مثلاً - في حنث ينظر في واقعته، فإن كان يحنث على مذهب الشافعي، ولا يحنث على مذهب مالك، قال لي: أفته أنت، يقصد بذلك التسهيل على المستفتي ورعاً)) (3) . ونقل الشاطبي عن بعض العلماء قولهم: ((كل مسألة ثبت لأحد من العلماء فيها القول بالجواز - شذّ عن الجماعة، أو لا، فالمسالة جائزة)) (4) .   (1) انظر على سبيل المثال لا الحصر: الفروع 6 / 491، الانصاف 12 / 50. (2) انظر كذلك: البحر المحيط 6 / 325، تيسير التحرير 4 / 254. (3) انظر: البحر المحيط 6 / 324. (4) انظر: الاعتصام 2 / 354. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 147 والحق الذي عليه الأئمة الأربعة وجمهورهم أن الحق من ذلك واحد من أقوالهم وأفعالهم، والباقون مخطئون، غير أنه معذور بخطئه (1) ، للحديث الصحيح: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد)) (2) . ثم اختلف هؤلاء الأئمة - وهو اختلاف لا يقدح في أصل القاعدة - فيمن لم يصب الحكم الباطن: هل يقال: إنه مصيب في الظاهر؟ فقيل: المخطئ في الحكم مخطئ في الاجتهاد ولا يطلق عليه اسم الإصابة بحال. وقيل: إنه مصيب في الظاهر، لكونه أدى الواجب المقدور عليه من اجتهاده (3) . وتنازعوا أيضاً علامَ يؤجر المخطئ؟ بين قائلٍ: إنه يؤجر على القصد إلى الصواب، ولا يؤجر على الاجتهاد، لأنه اجتهاد أفضى به إلى الخطأ، وهو اختيار المزني. وبين قائلٍ: إنه يؤجر عليه وعلى الاجتهاد معاً، لأنه بذل ما في وسعه في طلب الحق، والوقوف عليه (4) . وذهب الخطابي (5) إلى أن المجتهد إذا أخطأ فلا يؤجر على الخطأ، بل يوضع عنه الإثم فقط، فجعل قوله ش: ((وله أجر واحد)) مجازاً عن وضع الإثم (6) .   (1) انظر: تيسير التحرير 4 / 202، شرح تنقيح الفصول ص 438، البحر المحيط 6 / 241، شرح الكوكب المنير 4 / 489. (2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام، باب أجر الحاكم، رقم (7352) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه. (3) انظر: البحر المحيط 6 / 245، مجموع الفتاوى 19 / 125. (4) انظر: الشرح الكبير 12 / 478، شرح الكوكب المنير 4 / 490، فواتح الرحموت 2 / 381. (5) هو أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي الشافعي، صاحب ((معالم السنن)) و ((غريب الحديث)) توفي سنة 388 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 4 / 472، الأعلام 2 / 273. (6) انظر: معالم السنن 4 / 249، فتح الباري 13 / 319. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 148 وشذَّ أبو علي بن أبي هريرة (1) فقال: إن المخطئ آثم (2) . ولا يهولنّك ما ينسبه بعض المحققين - كالمازري (3) والماوردي (4) وغيرهما - إلى الجمهور من القول بأن كل مجتهد مصيب، وأن الحق في طرفين، فهؤلاء نظروا إلى وجوب العمل بما أدى إلى الاجتهاد، لأن لله تعالى حكمين: أحدها: مطلوب بالاجتهاد ونصب عليه الدلائل والامارات. والثاني: وجوب العمل بما أدى إليه الاجتهاد، وهذا متفق عليه، فنظروا إلى هذا الحكم الثاني، ولم ينظروا إلى الأول، وهذا حق، فالخلاف حينئذ لفظي (5) . أو أن يكون شقَّ عليهم، فكرهوا أن يقال للمجتهد: إنه أخطأ لأن هذا اللفظ يستعمل في الذنب كما جاء في قراءة ابن عامر (6)   (1) هو أبو علي بن أبي هريرة الحسن بن الحسين الشافعي، له ((شرح مختصر المزني)) توفي سنة 345 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 4 / 240، الأعلام 2 / 188. (2) انظر: الشرح الكبير 12 / 478. (3) هو محمد بن علي بن عمر المالكي المازري، أبو عبد الله، صاحب: ((المعلم في شرح مسلم)) توفي سنة 536 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 5 / 186، الأعلام 6 / 277. (4) هو علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي صاحب ((الحاوي)) و ((الاقناع)) توفي سنة 450 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 5 / 218، الأعلام 4 / 327. (5) انظر: البحر المحيط 6 / 260، نفائس الأصول 9 / 4060، مجموع الفتاوى 20 / 28. (6) هو عبد الله بن عامر بن يزيد أبو عمران، أحد القرّاء السبعة، توفي سنة 118 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 2 / 85، الأعلام 4 / 118. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 149 : ((ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خَطَأً كبيراً)) على وزن عَمَلاً، والأكثرون يقرأون: ((خِطْأً)) على وزن: عِلْماً-وهذا خلاف المشهور، لأن لفظ الخطأ يفارق العمد، فهو من الرباعي أخطأ يخطئ، أي: لم يصب الحق، لا من الثلاث خطأ يخطأ فهو خاطئ أي: مذنب - فهم أرادوا أن كل مجتهد مصيب أي: مطيع لله ليس بآثم أو مذموم، وهذا صحيح، والخلاف أيضاً لفظي (1) . وأصل هذه المقالة - أي القول بأن كل مجتهد مصيب - بدعة ابتدعها المعتزلة، يقول أبو الطيب الطبري (2) : ((وهم الأصل في هذه البدعة وقالوا ذلك لجهلهم بمعاني الفقه وطرقه الصحيحة الدالة على الحق، الفاصلة بينه وبين ما عداه من الشبه الباطلة فقالوا: ليس فيها طريق أولى من طريق، ولا أمارة أقوى من أمارة، والجميع متكافؤن وكل من غلب على ظنه شيء حكم به فحكموا فيما لا يعلمون وليس من شأنهم وبسّطوا بذلك شبه نفاه القياس منهم ومن غيرهم الذين يقولون: لا يصح القياس والاجتهاد لأن ذلك إنما يصح من طريق تؤدي إلى العلم أو إلى الظن، وليس في هذه الأصول ما يدل على حكم الحوادث علماً ولا ظناً)) (3) . ثم تلقفها عنهم أكثر الأشعرية كأبي الحسن (4) والباقلاني (5)   (1) انظر: مجموع الفتاوى 20 / 19 - 22. (2) هو طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري الشافعي، أبو الطيب، له ((شرح مختصر المزني)) توفي سنة 450 هـ. انظر ترجمته في شذرات الذهب 5 / 215، الأعلام 3 / 222. (3) انظر: شرح اللمع 2 / 1048. (4) هو علي بن إسماعيل بن أبي بشر البصري، صاحب ((مقالات الإسلاميين)) و ((الإبانة عن أصول الديانة)) توفي سنة 324 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 4 / 129، الأعلام 4 / 263. (5) هو محمد بن الطيب بن محمد البصري المالكي، القاضي أبو بكر، صاحب ((الإبانة)) و ((إعجاز القرآن)) توفي سنة 403 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 5 / 20، الأعلام 6 / 176. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 150 والغزالي (1) وغيرهم فقالوا مثل مقالة المعتزلة، وزادوا عليه أن التكليف مشروط بالقدرة، فتكليف المجتهد الإصابة لما لم ينصب عليه دليل قاطع تكليف بما لا يطاق، فلا يقال: أخطأه (2) لذلك قال أبو إسحاق الشيرازي (3) لما بلغته مقالة أبي الحسن الأشعري: ((يقال: إن هذه بقية اعتزال بقي في أبي الحسن رحمه الله. هذا مذهب أصحابنا، ومذهب هؤلاء)) (4) .   (1) هو محمد بن محمد الغزالي الشافعي، أبو حامد، حجة الإسلام، صاحب ((المستصفى)) و ((إحياء علوم الدين)) توفي سنة 505 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 5 / 18، الأعلام 7 / 22. (2) انظر: المستصفى 2 / 362، 363، مجموع الفتاوى 19 / 124. (3) هو إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي، جمال الدين، صاحب ((اللمع)) و ((المهذب)) توفي سنة 446 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 5 / 323، الأعلام 1 / 51. (4) انظر: شرح اللمع 2 / 1048. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 151 وفي الجملة فقد دلت نصوص السنة الصحيحة على أن المصيب عند الله واحد في مسائل الحلال والحرام المختلف فيها، ومن أظهرها: ((إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس)) يقول ابن رجب: ((كلام النبي (يدل على أن هذه المشتبهات، من الناس من يعلمها، وكثير منهم لا يعلمها، فدخل فيمن لا يعلمها نوعان: أحدهما: من يتوقف فيها لاشتباهها عليه. والثاني: من يعتقدها على غير ما هي عليه. ودلّ الكلام على أن غير هؤلاء يعلمها ومراده أنه يعلمها على ماهي عليه في نفس الأمر من تحليل أو تحريم، وهذا من أظهر الأدلة على أن المصيب عند الله في مسائل الحلال والحرام المشتبهة المختلف فيها واحد عند الله، وغيره ليس بعالم بها بمعنى أنه غير مصيب لحكم الله فيها في نفس الأمر وإن كان يعتقد فيها اعتقاداً يستند فيه إلى شبهة يظنها دليلاً، ويكون مأجوراً على اجتهاده مغفوراً له خطؤه)) (1) . وكذلك الحديث الصحيح: ((إذا حاصرت أهل حصن فسألوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله فإنك لا تدري ما حكم الله فيهم، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك)) (2) فدلَّ الحديث على أن لله تعالى حكماً معيناً، يصيبه من يصيبه، ويخطئه من يخطئه. ثم إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم خطَّأ بعضهم بعضاً، ونظر بعضهم في أقاويل بعض، ولو كان قولهم كله صواباً عندهم لما فعلوا ذلك (3) . وقال غير واحد من الصحابة كابن مسعود (4)   (1) انظر: جامع العلوم والحكم ص 88. (2) هو جزء من حديث طويل أخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب تأمير الإمام الأمراء، عن سليمان بن بريدة عن أبيه. (3) انظر: جامع بيان العلم وفضله 2 / 84 وقد عقد ابن البرّ فصلاً كاملاً نقل فيه آثار الصحابة. (4) هو عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي، أبو عبد الرحمن، من فقهاء الصحابة، توفي سنة 32 هـ. انظر ترجمته في: أسد الغابة 3 / 381، الأعلام 4 / 137. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 152 رضي الله عنه: ((أقول فيها برأيي فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان)) (1) . ولهذه القاعدة - أي أن الحق في قول واحد - كان الأئمة ينكرون ويعذرون في مسائل الخلاف على حسب الأدلة، وهذا هو قول الإمام أحمد، وهو تصرف أصحاب الشافعي، فمن أخذ بحديث ضعيف وترك حديثاً صحيحاً لا معارض له، يقطع بخطئه، ناهيك عمن يخالف إجماعاً أو يترك سنة صحيحة لقول إمام، وإذا كان في المسألة حديثان صحيحان نظر في الراجح فأخذ به، ولا يسمى الآخر مخطئاً، أما إذا كانت المسألة مشتبهة لا نصَّ فيها اجتهد برأيه، ولا يسمى الآخر مخطئاً (2) ، وهذا الذي يسميه العلماء: الخلاف السائغ. المبحث السادس: أقوال العلماء في المسألة سبق القول في المبحث السابق أن مسألة الترخّص بمسائل الخلاف، لها شبه بمسألة من التزم مذهباً فهل يجوز أن يخالف إمامه في بعض المسائل؟ ولكنه ليس شبهاً مطلقاً، لذلك غلط الزركشي (3)   (1) انظر: مجموع الفتاوى 20 / 24. (2) انظر: مجموع الفتاوى 20 / 25، البحر المحيط 6 / 253. (3) هو محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي الشافعي، بدر الدين، صاحب ((البحر المحيط)) و ((البرهان)) توفي سنة 794 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 8 / 572، والأعلام 6 / 60. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 153 - رحمه الله - حين جعل الخلاف جارٍ فيهما على حدٍّ سواء (1) ، فمسألة مخالفة العامي المقلَّد، أو المفتي المقلِّد لمذهب إمام في بعض المسائل، الخطب فيها يسير، والخلاف هيِّن، وأقوال العلماء فيه بين: مجيزٍ مطلقاً، ومانعٍ، ومفصِّل (2) . أما مسألة تتبع الرخص فهي أعم من سابقتها، فصاحبها يكتفي من فتياه بموافقة قول إمام - ولو كان نادراً - من غير نظرٍ في ترجيحٍ أو دليل، ويجعل كل خلاف دليلاً على الحلِّ أو التحريم. وهذا الفرق أشار إليه أبو العباس ابن تيمية في ((المسوّدة)) فقال: ((قلت: التخيير في الفتوى والترجيح بالشهوة، ليس بمنزلة تخيِّر العامي في تقليد أحد المفتين، ولا من قبيل اختلاف المفتين على المستفتي، بل كل ذلك راجع إلى شخص واحد، وهو صاحب المذهب، فهو كاختلاف الروايتين عن النبي (، راجع إلى شخص واحد، وهو الإمام، فكذلك اختلاف الأئمة راجع إلى شريعة رسول الله ش، حتى إن من يقول: ((إن تعارض الأدلة يوجب التخيير)) لا يقول: إنه يختار لكل مستفت ما أحب، بل غايته أنه يختار قولاً يعمل به ويفتي به دائماً)) (3) . فإذا بان لك هذا الفرق فمذاهب العلماء في هذه المسألة لا تعدوا ثلاثة هي: الأول: منع الترخّص مطلقاً، وهذا القول مبني على القول بوجوب الاقتصار على مذهب واحد، لأن قول كل إمام مستقل بآحاد الوقائع، فإذا لم يجز مخالفة الإمام في بعض المسائل، فمن باب أولى ألاّ يجوز على وجه الإطلاق وهذا المذهب جزم به الجيلي (4) في ((الإعجاز)) .   (1) انظر: البحر المحيط 6 / 324. (2) انظر: البحر المحيط 6 / 320 - 321، المسوّدة ص 478، تيسير التحرير 4 / 253. (3) المسوّدة ص 479، وأشار الشيخ عبد الله درار إلى هذا الفرق في تعليقه على الموافقات 4 / 144. (4) لعله شافع بن عبد الرشيد الجيلي الشافعي، أبو عبد الله، من كبار أئمة الشافعية توفي سنة 541 هـ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 154 الثاني: الجواز مطلقاً وهو قول ذهب إليه بعض العلماء. الثالث: المنع، ما لم يكن الخلاف فيه سائغاً فيجوز، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وجمهور السلف (1) ، وحكى ابن عبد البر (2) الإجماع على تحريم تتبع الرّخص للعوام (3) ، وفسّقه الإمام أحمد ويحيى القطان (4) ، ونُقل عنه قوله: ((لو أن رجلاً عمل بكل رخصة: بقول أهل المدينة في السماع يعني الغناء، وبقول أهل الكوفة في النبيذ، وبقول أهل مكة في المتعة، لكان فاسقاً)) (5) . وحكى الزركشي أن إسماعيل القاضي (6) قال: ((دخلت على المعتضد (7)   (1) انظر: البحر المحيط 6 / 325، 326، شرح الكوكب المنير 4 / 577، روضة الطالبين 8 / 101، تيسير التحرير 4 / 254. (2) هو يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي المالكي، أبو عمر، صاحب ((التمهيد)) و ((جامع بيان العلم وفضله)) توفي سنة 463 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 5 / 266، الأعلام 8 / 240. (3) انظر: جامع بيان العلم وفضله 2 / 112. (4) هو يحيى بن سعيد القطان التميمي، أبو سعيد، من حفاظ الحديث، له كتاب ((المغازي)) توفي سنة 198 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 2 / 468، الأعلام 8 / 147. (5) انظر: المسوّدة ص 463. (6) هو إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الجهضمي الأزدي المالكي، له ((المبسوط)) في الفقه و ((السنن)) توفي سنة 282 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 3 / 334، الأعلام 1 / 310. (7) هو أحمد بن طلحة بن جعفر، المعتضد بالله ابن الموفق بالله، ابن المتوكل، خليفة عباسي توفي سنة 289 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 3 / 371، الأعلام 1 / 140. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 155 فدفع إلى كتاباً نظرت فيه، وقد جمع فيه الرخص من زلل العلماء، وما احتج به كل منهم، فقلت إن مصنف هذا زنديق، فقال: لم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديث على ما رويت، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح المسكر، وما من عالم إلا وله زلّة، ومن جمع زلل العلماء، ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب)) (1) ، وصحَّ مثل هذا الكلام عن طائفة من السلف (2) . وهذا الكلام المنقول عن الأئمة محمول على إذا ما كان الخلاف غير سائغ، وآية ذلك أن الأئمة قد نُقل عنهم ما لا يحصى من المسائل، في جواز الأخذ برخص العلماء إذا كان مما يسوغ الاجتهاد فيه فقد صحّ أن الإمام أحمد سئل عن مسألة في الطلاق فقال: ((إن فعل حنث)) فقال السائل: ((إن أفتاني إنسان: لا أحنث)) فقال: ((تعرف حلقة المدنيين؟)) قلت: ((فإن أفتوني حلّ)) ، قال ((نعم)) ، وروي عنه روايات أنه سئل عن الرجل يسأل عن المسألة فأدله على إنسان، هل علي شيء؟ قال: ((إن كان متبعاً أو معيناً فلا بأس، ولا يعجبني رأي أحد)) (3) . وعقد الخطيب البغدادي (4)   (1) انظر: البحر المحيط 6 / 326. (2) انظر: روضة الطالين 8 / 101، المسوّدة ص 463، البحر المحيط 6 / 326. (3) انظر: الإنصاف 8 / 428، شرح الكوكب المنير 4 / 589. (4) هو أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الشافعي، أحد الحفاظ، صاحب ((الفقيه والمتفقه)) و ((تاريخ بغداد)) توفي سنة 463 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 5 / 262، الأعلام 1 / 172. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 156 رحمه الله باباً في كتابه ((الفقيه والمتفقه)) سماه باب التمحل في الفتوى، فقال: ((متى وجد المفتي للسائل مخرجاً في مسألته، وطريقاً يتخلص به أرشده إليه ونبهه عليه، كرجل حلف أن لا ينفق على زوجته ولا يطعمها شهراً، أو شبه هذا، فإنه يفتيه بإعطائها من صداقها، أو دين لها عليه، أو يقرضها ثمن بيوتها، أو يبيعها سلعة وينويها من الثمن، وقد قال الله تعالى لأيوب عليه السلام لما حلف أن يضرب زوجته مئة (وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث ( [ص: 44] )) (1) ثم ساق الخطيب آثاراً كثيرة في هذا المعنى، وهذا هو الفقه، لا إفراط فيه ولا تفريط يقول النووي (2) : ((ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرّمة أو المكروهة والتمسك بالشبه طلباً للترخيص لمن يروم نفعه، أو التغليظ على من يريد ضرّه وأما من صحّ قصده فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها لتخليص من ورطة يمين ونحوها، فذلك حسن جميل، وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا كقول سفيان (3) : ((إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد)) )) (4) .   (1) انظر: الفقيه والمتفقه 2 / 194. (2) هو يحيى بن شرف الحوراني النووي الشافعي، صاحب ((المجموع شرح المهذب)) و ((شرح صحيح مسلم)) توفي سنة 676 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 7 / 618، الأعلام 8 / 149. (3) هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله، له ((الجامع الكبير)) و ((الجامع الصغير)) في الحديث توفي سنة 161 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 2 / 274، الأعلام 3 / 104. (4) انظر: المجموع شرح المهذب 1 / 46. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 157 أما المذهبان الأولان فإنهما ليكادان يتساقطان من شدة الوهن، فالأول قال بالمنع، وبوجوب الاقتصار على مذهب واحد، وهذا القول مخالف للإجماع لأن من أسلم لا يجب عليه اتباع إمام معين، بل هو مخيَّر، فإذا قلَّد إماماً بعينه، وجب أن يبقى ذلك التخيير المجمع عليه حتى يحصل دليل على رفعه، لاسيما الإجماع، لا يرفع إلا بما مثله في القوة (1) ، كذا قال الشيخ عز الدين (2) . ثم إن السنة قد جاءت في إيقاع العبادات على أوجه متعددة، كالأذان، والإقامة، وأحاديث التشهد، وصلاة الخوف، وغيرها، فمن الأئمة من اقتصر على بعض تلك الوجوه، وترك الأخرى، لظنه أن السنة لم تأت به، أو أنه منسوخ، فالتزام مذهب معين قد يؤدي إلى هجر هذه السنن. أما المذهب الثاني القائل بالجواز مطلقاً، فما سبق من كلام الأئمة في هذا المبحث، والمباحث الأخرى، كافٍ في الرد عليه. وفي الجملة فالخير كل الخير في التوسط، وصدق المرداوي (3) حين قال: ((وهذا هو الصواب، ولا يسع الناس في هذه الأزمنة غير هذا)) (4) فنستدرك على الشيخ قائلين: ((بل لا يسع الناس في كل زمان غير هذا)) . المبحث السابع: قاعدة مراعاة الخلاف   (1) انظر: نفائس الأصول 9 / 4147. (2) هو عبد العزيز بن عبد السلام بن الحسن الشافعي، أبو أحمد، سلطان العلماء، صاحب ((قواعد الأحكام)) و ((الفتاوى)) توفي سنة 660 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 7 / 522، الأعلام 4 / 21. (3) هو علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الحنبلي، أبو الحسن، علاء الدين، صاحب ((الإنصاف)) و ((شرح التحرير)) توفي سنة 885 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 8 / 510، الأعلام 4 / 292. (4) انظر: التحبير شرح التحرير 8 / 4110، شرح الكوكب المنير 4 / 590. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 158 وتسمى أيضاً قاعدة: ((الخروج من الخلاف)) وصلتها بهذا البحث ما ذكره الشاطبي، أن هذه القاعدة أشكلت على طائفة من المالكية، منهم ابن عبد البرِّ، وذلك لأن قولنا: ((الخلاف لا يكون حجة)) يتناقض مع هذه القاعدة، لأن دليلي القولين لابد أن يكونا متعارضين، كل واحد منهما نقيض ما يقتضيه الآخر. ومراعاة الخلاف، يعني إعطاء كل واحد منهما ما يقتضيه الآخر، أو بعض ما يقتضيه، وهذا تناقض (1) . وهذا الإشكال وقع فيه بعض الأئمة من غير المالكية كابن أبي هريرة من الشافعية، وبعض الحنابلة (2) ، وسببه أنهم أطلقوا هذه القاعدة من عقالها، وطردوها في كل خلاف، بحيث إذا وقع خلاف فالخروج منه أفضل من التورط فيه مطلقاً. وليس الأمر كذلك، فالقاعدة لها ضابط، وهو أن يكون دليل المخالف قوياً بحيث لا يبعد قوله كل البعد فحينئذ يستحب الخروج من الخلاف، حذراً من كون الصواب مع الخصم، لاسيما إذا قلنا بأن مدعى الإصابة لا يقطع بخطأ مخالفه، ومثاله: المضمضة والاستنشاق، فهما فرضان عند الحنفية والحنابلة (3) ، والتسمية في الوضوء، واجبة عند الحنابلة (4) ، فينبغي الخروج من الخلاف بفعلها. أما إذا كان مأخذ المخالف واهناً، بعيداً عن الصواب، فلا ينظر إليه،   (1) انظر: الموافقات 4 / 151. (2) انظر: المنثور في القواعد للزركشي 1 / 244، جامع العلوم والحكم ص 126. (3) انظر: شرح فتح القدير 1 / 50، المغني 1 / 138. (4) انظر: المغني 1 / 73. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 159 ولا يعوَّل عليه، ومثاله ما ذكره ابن رجب: ((فيما ثبت فيه عن النبي ش رخصة ليس لها معارض، فاتباع تلك الرخصة أولى من اجتنابها، وإن لم تكن تلك الرخصة بلغت بعض العلماء فامتنع منها لذلك، وهذا كمن تيقن الطهارة، وشك في الحديث، فإنه صح عن النبي ش أنه قال: ((لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) (1) ولاسيما إن كان شكه في الصلاة، فإنه لا يجوز له قطعها لصحة النهي عنه)) (2) . وهذا التفصيل المذكور هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره فإنه قال: ((يحدُّ من شرب النبيذ متأولاً، ولو رفع إلى الإمام من طلّق البتة، ثم راجعها متأولاً أن طلاق البتة واحدة، والإمام يرى أنها ثلاث لا تفرق بينهما، وقال: هذا غير ذاك، أمره بيِّن في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه (، ونزل تحريم الخمر وشرابهم الفضيح، وقال النبي (: ((كل مسكر حرام)) (3) فهذا بيِّن وطلاق البتة إنما هو شيء اختلف الناس فيه)) (4) . ونصّ الشافعي في ((سير الواقدي)) - وهو من كتب ((الأم)) -: ((فإذا قُدِّم المرتد ليُقتل، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقتله بعض الولاة، فالذين لا يرون أن يستتاب المرتد فعلى قاتله الكفارة والدية، ولولا الشبهة لكان عليه القود وقد خالفنا في هذا بعض الناس)) (5) .   (1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن رقم (137) عن عبد الله بن زيد بن عاصم (2) انظر: جامع العلوم والحكم ص 126، وانظر هذا التفضيل في البحر المحيط 6 / 265 قواعد الأحكام ص 183. (3) أخرجه البخاري في كتاب الأشربة، باب الخمر من العسل رقم (5586) عن عائشة رضي الله عنها. (4) نقله عنه ابن رجب من رواية الأثرم. انظر: جامع العلوم والحكم ص 473. (5) انظر: الأم 4 / 294. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 160 والرافعي (1) رحمه الله ردّ على من اعترض على إيجاب الحدِّ على شارب النبيذ وهو مختلف عليه وعدم إيجابه على من وطئ امرأة في النكاح بلا ولي لشبهة الاختلاف فقال: ((أدلة تحريم النبيذ أظهر وأيضاً فإن الطبع يدعو إليه، فيحتاج إلى الزجر، ولهذا نوجبه على من يعتقد إباحته أيضاً، وهنا بخلافه)) (2) . أما ما ذكره الشاطبي من استشكال المالكية. فقد رد عليهم القرطبي المالكي (3) قائلاً: ((لذلك راعى مالك الخلاف، وتوهم بعض أصحابه أنه يراعي صورة الخلاف، وهو جهل، أو عدم إنصاف. وكيف هذا وهو لم يراع كل خلاف وإنما راعى خلافاً لشدة قوته)) (4) . المبحث الثامن: ضوابط العمل بمسائل الخلاف من تصدّى للإفتاء فليعلم أن الله تعالى أمره أن يحكم بما أنزل من الحق فيجتهد في طلبه، ونهاه عن أن يخالفه وينحرف عنه (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ( [المائدة: 49] فهو مخبر عن الله تعالى، ناقل عنه حكمة ولهذا جعل العلماء للإفتاء والعمل بمسائل الخلاف ضوابط شرعية حتى يكون سائغاً، وهذه الضوابط بعضها ينتهي إلى الوجوب والفرض، وأخرى تعود لدين العالم وإنصافه، ولا تعدوا أن تكون آداباً يتحلى بها المفتي في مواضع النزاع. وفي هذا المبحث جمعت ما استطعت جمعه من هذه الضوابط، إما من صريح أقوال الأئمة، أو من لوازمها، أو آداباً ذكروها في مسالة ((آداب   (1) هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي الشافعي، أبو القاسم، صاحب ((الشرح الكبير)) و ((الوجيز)) توفي سنة 623 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 7 / 189، الأعلام 4 / 55. (2) انظر: الشرح الكبير 7 / 533. (3) هو أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي المالكي، أبو العباس، صاحب ((المفهم شرح صحيح مسلم)) توفي سنة 656 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 7 / 373، الأعلام 1 / 186. (4) نقله عنه الزركشي في البحر المحيط 6 / 265. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 161 المفتي)) ، لكني أحسبها نافعة كل النفع في ضبط العمل بمسائل الخلاف، وإليكها بالتفصيل: أولاً: وزن كل مسألة شرعية خلافية بميزان الشريعة، وردها إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله (، امتثالاً لقوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ذلك خير وأحسن تأويلاً ( [النساء: 59] والمعنى: رد النزاع والخصام إلى الكتاب والسنة، وهو قول جمهور المفسرين (1) ، ولو كان لأحد من الأئمة العصمة لأوجب رد ما تنازعوا فيه إليه، كما أوجب طاعتهم في صد الآية في قوله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( [النساء: 59] . واعلم علم اليقين أن هذا الضابط لا يخفى على مبتدئ في الطلب، فضلاً عن العلماء، ولكني أذكره تذكيراً لأن الالتزام به عسير إلا لمن يسره الله تعالى عليه، فنوازع النفوس، وحب الغلبة والظهور، والتعصب للآراء والمذاهب، كلها أدواء تجعل بينها وبين الحق حاجزاً، ورحم الله الشافعي إذ يقول: ((ما ناظرت أحداً إلا قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه، فإن كان الحق معي اتبعني، وإن كان الحق معه اتبعته)) (2) . ثانياً: أن لا يخالف الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي السالم عن المعارض، فلا يجوز الإفتاء به، ولا نقله للناس بل لو قضى القاضي على خلاف هذه المسائل الأربعة لجاز نقضه فإذا كنا لا نقر حكماً قضى به القاضي، فمن باب أولى أن لا نقره إذا لم يقض به. ولا يعرى مذهب من المذاهب عن هذه المخالفة لكنه قد يقل ويكثر، والأئمة معذورون، مغفور لهم خطؤهم (3) .   (1) انظر: تفسير ابن كثير 2 / 345. (2) انظر: قواعد الأحكام 2 / 305. (3) انظر: الفروق 2 / 109، نفائس الأصول 9 / 8418. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 162 فإذا لم نُجز نقل أقوالهم والافتاء بها مع علو مكانتهم وسعة علمهم، فمَن دونهم أولى بالتحريم، وأحرى بالإنكار، لاسيما بعد أن دونت المذاهب، وانتشرت الأقوال، وضبطت الأدلة. وهذا الضابط هو أكثر الضوابط التي يقع فيها الخُلْف من بعض العلماء والدعاة، فكم من مسألة استقرّ العمل بها واستبان الحق فيها، بل وأجمعت الأمة عليها، ثم يغالطون هذا كله بالمخالفة بحجة أن الخلاف لا إنكار فيه. لا. بل الإنكار هو المتعين، وبيان الحق هو الواجب وتختلف درجات الإنكار باختلاف الأشخاص والأحوال، فإهمال هذا الضابط يفضي إلى تمييع النصوص والاستهانة بالشرع، وفيه ما فيه على ما مرّ بك سابقاً. ثالثاً: الحذر ثم الحذر من الأغلوطات التي نهى عنها النبي ش (1) ، يقول الخطابي: ((هي المسائل التي يغالط بها العلماء ليزلوا فيها، فيهيج بذلك شر وفتنة)) (2) ، فكم من فتوى ظاهرها جميل وباطنها مكرو وخداع وظلم، فيسألون عن مسائل خلافية لا لمعرفة الحق، بل لضرب الفتاوى بعضها ببعض، وإظهار العلماء على أنهم فريقان، فريق متشدد متنطع، وآخر سهل لين. وقد تكون الأغلوطة في اختيار وقت الفتوى، فيلقيها على المفتي وهو يعلم ما ستحدثه من ضغائن وأحقاد. ولا تتعجب فهؤلاء يخبؤن فتواهم لهذه الأغراض، وقد رزئت هذه الأمة منذ القدم بأمثالهم، يقول مالك: ((قال رجل للشعبي (3)   (1) أخرجه أبو داود في كتاب العلم، باب التوقي في الفتيا، رقم (3651) عن معاوية رضي الله عنه. (2) انظر: عون المعبود 10 / 64. (3) هو عامر بن شراحيل الشعبي الحميري، أبو عمرو، من فقهاء التابعين، توفي سنة 103 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 2 / 24، الأعلام 3 / 251. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 163 : إني خبأت لك مسائل فقال: خبئها لإبليس حتى تلقاه فتسأله عنها)) (1) ، وإذا كان الأمر كذلك، كان الاحتياط والاحتراز هو المتعين، يقول ابن القيم: ((ينبغي له - أي للمفتي - أن يكون بصيراً بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم، ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذراً فطناً فقيهاً بأحوال الناس وأمورهم)) (2) . رابعاً: وهذا الضابط يعود إلى دين المفتي وإنصافه، وهو مراعاة مذاهب الدول والبلدان، وما استقر فيها من عمل، إذا كان من الاجتهاد السائغ، فلا يصح أن يأتي من هو خارج عنهم فيشغب على أهلها وعلمائها، بفتاوى تثير البلبلة والتشويش، فعلماء البلد أعلم بأحوال أهلها، وأعرف بما ينفعهم ويضرهم، واستمع إلى ما نقله ابن تيمية في ((المسودة)) : ((حكى عن القاضي أبي يعلى أنه قصده فقيه ليقرأ عليه مذهب أحمد فسأله عن بلده فأخبره، فقال: إن أهل بلدك كلهم يقرأون مذهب الشافعي، فلماذا عدلت أنت عنه إلى مذهبنا؟ فقال له: إنما عدلت عن المذهب رغبة فيك أنت، فقال له: إن هذا لا يصلح، فإنك إذا كنت في بلدك على مذهب أحمد، وباقي أهل البلد على مذهب الشافعي، لم تجد أحداً يعبد معك، ولا يدارسك وكنت خليقاً أن تثير خصومة ونزاعاً، بل كونك على مذهب الشافعي حيث أهل بلدك على مذهبه أولى، ودلّه على الشيخ أبي إسحاق وذهب به إليه، فقال: سمعاً وطاعة، أقدمه على الفقهاء)) (3) ، وسياق القصة يغني عن أي تعليق.   (1) انظر: الآداب الشرعية 2 / 56. (2) انظر: إعلام الموقعين 4 / 229. (3) المسوّدة ص 483. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 164 خامساً: إذا كان المختلفون في بلد واحد وتحت ظلِّ إمام واحد، فإن الخلاف يرتفع بحكم الحاكم، ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الإمام وهذا هو مذهب الجمهور (1) ، واستدلوا بحديث: ((أن ابن مسعود صلى أربعاً في منى مع عثمان، فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعاً فقال: الخلاف شر)) (2) . وأيضاً ما روي عن أبي موسى (3) : ((أنه كان يفتي بالمتعة فقال رجل لأبي موسى: رويدك بعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك، فقال: يا أيها الناس: من كنا قد أفتيناه فتيا فليتئد، فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فأتموا، قال: فقدم عمر، فذكرت ذلك له، فقال: أن تأخذ بكتاب الله فإن الله تعالى قال: (وأتموا الحج والعمرة لله ( [البقرة: 196] وأن تأخذ بسنة رسول الله (، فإن رسول الله (لم يحل حتى نحر الهدي)) (4) ، قال ابن هبيرة (5)   (1) انظر: الفروق 2 / 103، المنثور في القواعد 1 / 345. (2) الحديث أصله في الصحيح وورد بهذا اللفظ في سنن أبي داود، في كتاب المناسك، باب الصلاة في منى رقم (1958) . (3) هو عبد الله بن قيس بن سليم بن الأشعري، صحابي جليل، توفي بالكوفة سنة 42 هـ وقيل 44 هـ. انظر ترجمته في: في أسد الغابة 3 / 364. (4) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب في نسخ التحلل من الإحرام رقم (221) . (5) هو يحيى بن محمد بن هبيرة الذهبي الشيباني، أبو المظفر، من كبار الوزراء في الدولة العباسية، فقيه أديب، له كتاب ((اختلاف العلماء)) و ((المقتصد)) في اللغة توفي سنة 560 هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 6 / 319، الأعلام 8 / 175. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 165 : ((يتعين على العالم إذا كان يفتي بما كان الإمام على خلافه مما يسوغ فيه الاجتهاد في مثل هذه المسألة وذلك الموطن أن يترك ما كان عليه ويصير إلى ما عليه الإمام)) (1) . وقد ذكر القرافي (2) - رحمه الله - أنه لولا هذا، الضابط لما استقرت للحكام قاعدة ولبقيت الخصومات، ودام التنازع والعناد، وهو مناف للحكمة التي لأجلها نصب الحكام. ثم إن الحاكم هو نائب لله تعالى، فهو مخبر عن الله بهذا الحكم الذي قضى به، وقد جعل الله له أن ما حكم به فهو حكمه، فهو كالنص الوارد من قبل الله تعالى في تلك الواقعة (3) . سادساً: وهذا القيد مبني على قاعدة أصولية وهي: ((تجزؤ الاجتهاد)) أو ما نسميه في عصرنا هذا: ((التخصّص)) ، فجمهور الأصوليين على أن الاجتهاد ليس أمراً واحداً لا يقبل التجزئ والانقسام، بل قد يكون مجتهداً، أو متخصصاً في فن أو باب أو مسألة، دون فن أو باب أو مسألة (4) ، وإذا كان الأمر كذلك، كان على المفتي أن يراعي الفتاوى التي تصدر عن أهل الاختصاص، فلا يسارع إلى المعارضة والتشغيب، لاسيما إذا صدرت هذه الفتاوى من هيئات علمية عُرف حسن قصدها، وإخلاص علمائها، والغالب على هذه الهيئات أنها لا تصدر فتوى إلا بعد عرضها على من له صلة بها، كالأطباء إن كانت الفتوى تتعلق بمسألة طبية، أو الاقتصاديين إن كانت تتعلق بمسألة مالية.   (1) انظر: الفروع 6 / 392. (2) هو أحمد بن إدريس القرافي المالكي، أبو العباس، شهاب الدين، صاحب ((نفائس الأصول)) و ((الفروق)) توفي سنة 684 هـ. انظر ترجمته في: الأعلام 1 / 95. (3) انظر: الفروق 2 / 104، 105. (4) انظر: تيسير التحرير 4 / 182، شرح الكوكب المنير 4 / 473، مجموع الفتاوى 20 / 212، شرح تنقيح الفصول ص 438. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 166 سابعاً: أن المفتي إذا أتى شيئاً مما يظنه الناس شبهة وهو عنده حلال في نفس الأمر، فمن كمال دينه وحسن إنصافه أن يتركه، استبراءً لعرضه لحديث ((فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) وروى أن أنساً (1) رضي الله عنه خرج إلى الجمعة فرأى الناس قد صلوا ورجعوا فاستحيا ودخل موضعاً لا يراه الناس فيه وقال: ((من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله)) (2) . وإذا لم يكن تركاً وبعداً، فليكن إمساكاً عن الافتاء به، ونقله عن الأئمة، لاسيما إذا كانت المسألة من المستقبحات؛ لهذا يقول الإمام أحمد: ((من أراد أن يشرب النبيذ فليشربه لوحده)) (3) وكان رحمه الله يكره أن يحكي عن الكوفيين والمدنيين والمالكيين المسائل المستقبحة، مثل مسالة النبيذ، والصرف، والمتعة، وفحاش النساء. ثامناً: أن ينظر المفتي إلى قواعد الشريعة ومقاصدها، وأثر فتواه على هذه القواعد والمقاصد، ومن ذلك ما حكي عن الشيخ ابن عبد السلام حين سئل: لماذا أجزنا أن يصلي الشافعي خلف المالكي وإن خالفه في بعض الفروع كمسح الرأس، ولا نجيز للمختلفين في جهة الكعبة أن يقلدوا واحد منهم الآخر؟ فأجاب: ((الجماعة في الصلاة مطلوبة لصاحب الشرع، فلو قلنا بالمنع من الائتمام لمن يخالف في المذهب وأن لا يصلي المالكي إلا خلف المالكي، ولا شافعي إلا خلف شافعي لقلَّت الجماعات، وإذا منعنا ذلك في القبلة ونحوها لم يخلّ ذلك بالجماعات كبير خلل لندرة وقوع مثل هذه المسائل، وكثرة وقوع الخلاف في مسائل الفروع)) (4)   (1) هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله ش، توفي سنة 91 هـ وقيل 92 هـ. انظر ترجمته في: أسد الغابة 1 / 294. (2) انظر: جامع العلوم والحكم ص 89. (3) انظر: الآداب الشرعية 1 / 132. (4) انظر: الفروق 2 / 100. المصادر والمراجع - الآداب الشرعية والمنح المرعية، لشمس الدين محمد بن مفلح المقدسي (ت 763 هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية. - أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعز الدين ابن الأثير الجزري (ت 630 هـ) تحقيق: علي معوّض - عادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - أصول ابن مفلح، لشمس الدين محمد بن مفلح المقدسي (ت 763 هـ) ، تحقيق: الدكتور فهد السدحان، مكتبة العبيكان، الرياض 1420 هـ. - الأعلام، لخير الدين الزركلي، الطبعة الثامنة، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان. - إعلام الموقعين عن رب العالمين، لشمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) ، دار الجيل، بيروت - لبنان. - إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، لشمس الدين ابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) ، تحقيق: خالد السبع العلمي، الناشر: دار الكتاب العربي. - الأم، لمحمد بن إدريس الشافعي (ت 204 هـ) ، الناشر: دار المعرفة. - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي (ت 885 هـ) ، تحقيق: محمد حامد فقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي. - البحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي (ت 794 هـ) ، راجعه: الدكتور عمر الأشقر، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت 1409 هـ. - التحبير شرح التحرير، لأبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (ت 885) تحقيق: د/ عبد الرحمن الجبرين، د/ عوض القرني، د/ أحمد السراج، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض. - تفسير الطبري، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) ، دار الكتب العلمية - بيروت. - تفسير ابن كثير، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي (ت 774 هـ) ، تحقيق: ساهي السلامة، دار طيبة للنشر - السعودية. - تقرير القواعد وتحرير الفوائد، لزين الدين عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (ت 795 هـ) ، تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سليمان، الناشر: دار بن عفان، الخبر - السعودية. - تيسير التحرير على كتاب التحرير، لابن الهمام (ت 861 هـ) ، لمحمد أمين المعروف بأمين بادشاه، دار الفكر. - الرسالة، للإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت 204 هـ) ، تحقيق: خالد العلمي، زهير الكلبي، دار الكتاب العربي - بيروت. - جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (ت 463 هـ) ، دار الفكر - بيروت. - جامع العلوم والحكم، لأبي الفرج زين الدين بن رجب الحنبلي (ت 795 هـ) ، تحقيق: خليل منصور، الناشر: دار الكتب العلمية. - روضة الطالبين، لأبي زكريا يحيى النووي (ت 676 هـ) ، الناشر: دار الكتب العلمية. - سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت 275 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت 1418 هـ. - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لشهاب الدين عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت 1032 هـ) ، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط ومحمود الأرناؤوط، دار ابن كثير - دمشق، بيروت. - شرح الكوكب المنير في أصول الفقه، لمحمد بن أحمد ابن النجار الحنبلي (ت 972 هـ) ، تحقيق: الدكتور محمد الزحيلي والدكتور: نزيه حماد، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي - مكة المكرمة. - شرح اللّمع، لأبي إسحاق إبراهيم الشيرازي (ت 469 هـ) ، تحقيق: عبد المجيد تركي، الناشر: دار الغرب الإسلامي - صحيح البخاري مع شرح فتح الباري، لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ) ، دار صادر. - صحيح مسلم مع شرح النووي، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261 هـ) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - العزيز شرح الوجيز، المعروف بالشرح الكبير، لأبي القاسم عبد الكريم الرافعي (ت 623 هـ) ، الناشر: دار الكتب العلمية. - الفتاوى الكبرى، لتقي الدين ابن تيمية (ت 728 هـ) ، تحقيق: محمد ومصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية. - فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) ، تحقيق: الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر. - فتح الباري في شرح صحيح البخاري، لأبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (ت 795 هـ) ، تحقيق: طارق عوض الله محمد، دار ابن الجوزي. - الفروع، لشمس الدين محمد بن مفلح المقدسي (ت 762 هـ) ، تحقيق: أبي الزهراء حازم القاضي، الناشر: دار الكتب العلمية. - الفروق، لشهاب الدين أبي العباس القرافي (ت 684 هـ) ، الناشر: دار المعرفة، بيروت. - الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (ت 463 هـ) ، دار الكتب العلمية - بيروت. - فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، لعبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري (ت 122هـ) مطبوع بذيل المستصفى، دار العلوم الحديثة، بيروت. - قواعد الأحكام في مصالح الأنام، لأبي محمد عز الدين بن عبد السلام السلمي (ت 660) ، الناشر: مؤسسة الريّان. - المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا محيي الدين النووي (ت 676 هـ) ، الناشر: المكتبة السلفية. - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، لتقي الدين ابن تيمية (ت 728 هـ) جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد النجدي المستصفى من علم الأصول، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505 هـ) ، دار العلوم الحديثة، بيروت. - المسوّدة في أصول الفقه، لمجد عبد السلام بن عبد الله بن تيمية وشهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية وشيح الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية. مطبعة المدني، المؤسسة السعودية بمصر. - معالم السنن شرح سنن أبي داود، لأبي سليمان الخطابي (ت 388 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. - المنثور في القواعد، لأبي عبد الله محمد بن بهادر الزركشي، تحقيق: محمد إسماعيل، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. - منهاج السنة النبوية، لتقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ) ، تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم. - الموافقات في أصول الشريعة، لأبي إسحاق الشاطبي (ت 790 هـ) ، الناشر: دار المعرفة، بيروت. - نفائس الأصول في شرح المحصول، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (ت 684 هـ) ، تحقيق: عادل عبد الموجود - علي معوض، مكتبة نزار الباز مكة المكرمة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 167 ولله درُّ الشيخ، فهذا هو الفقه، فمن أعظم مقاصد الشريعة، تأليف القلوب، وجمع الكلمة، وتوحيد الصفوف والفقيه عليه أن يراعي هذه المقاصد في فتاواه ما استطاع من مراعاة، ييسر إذا اقتضى المقام التيسير، ويشدِّد إذا اقتضى الحال التشديد وينظر إلى أثر هذه الفتوى على هذه المقاصد. هذا ما تيسّر جمعه في هذا المبحث، وهو آخرها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 168 مصطلح رواه الجماعة عند الحنابلة د. عبد الرحمن بن علي بن سليمان الطريقي أستاذ مساعد - قسم الدراسات الإسلامية- كلية التربية جامعة الملك سعود - الرياض ملخص البحث الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فهذا البحث يتناول مصطلحاً خاصاً بفقه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى المنقول عنه مباشرة، وقد جاء التعبير عن هذا المصطلح (رواه الجماعة) بصيغ متعددة في كتب المذهب الحنبلي، تعود جميعها إلى معنى واحد. وقد وضع هذا المصطلح تلميذ تلاميذ الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أبو بكر الخلال؛ حيث عبّر به في ديوانه العظيم (الجامع) الذي جمع فيه روايات الإمام أحمد من فيّ تلاميذ الإمام مباشرة أو بواسطة. ويعني بهذا المصطلح (رواه الجماعة) أن الرواية نقلها عن الإمام أحمد في تلك المسألة جمع من تلاميذ الإمام يصدق عليهم وصف الجماعة من غير تحديد بعدد أو معدود محددين. وهذا ما سار عليه من جاء بعد الخلال من فقهاء الحنابلة، ولم يعرف تحديد هذا المصطلح بعدد ومعدود محددين إلا عند بعض متأخري الأصحاب. ويظهر مما تقدم أن مصطلح (رواه الجماعة) بدأ مع بدايات تدوين فقه الإمام أحمد - رحمه الله- مقدمة إن الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (1) ، صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:   (1) الحواشي والتعليقات () ... هذه خطبة الحاجة كما في مسند الإمام أحمد، 1/302. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 169 فإن المصطلح علم وفن قائم بنفسه، مختلف باختلاف العلوم وتنوعها، فلكل علم اصطلاحاته التي تخصه، فهو علم يكشف المعاني، ويزيل الغموض، ليدل على مفهوم يتناوله عند إطلاقه، وهو وسيلة ومفتاح للعلم، وضرورة علمية، به تلتقي العقول على دلالات واضحة تنفي اللبس وتدفع الوهم، وهذا دليل أهميته وبرهان منزلته. والمصطلحات قد تكون عامة أو خاصة، شرعية أو وضعية، وقد اعتنى العلماء واهتموا بهذه المصطلحات، فصنفوا مصنفات عظيمة، منها مصنفات اعتنت بمصطلحات العلوم عامة ككتاب (التعريفات) (1) ،وكتاب (الكليات) (2) وكتاب (كشاف اصطلاحات الفنون) (3) ، ومنها ما هو خاص بفن أو علم من العلوم، ومن تلك العلوم التي لها مصطلحاتها الخاصة: العلوم الشرعية على اختلافها، ومما صنف فيها على سبيل المثال: (المفردات في غريب القرآن) (4) ، ولدى المحدثين علم (مصطلح الحديث) وفيه مصنفات كثيرة من أشهرها كتاب: (علوم الحديث) (5) ، وفي الفقه نجد كتباً عدة ألفت على اختلاف المذاهب الفقهية منها: كتاب (طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية) (6) عند الحنفية (7)   (1) ... للجرجاني، علي بن محمد، وهو مطبوع. (2) لأبي البقاء الكفوي، وهو مطبوع. (3) للتهاوني، محمد بن علي، وهو مطبوع. (4) للراغب الأصفهاني، وهو مطبوع. (5) وهو المعروف ب (مقدمة ابن الصلاح) ، وقد تناوله العلماء بالاختصار والشرح، ككتاب العراقي المسمى: (التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح) ، وقد اختصره العلامة النووي في كتابه المسمى: (التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير) والذي شرحه السيوطي في كتابه المسمى: (تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي) . (6) لنجم الدين النسفي الحنفي، وهو كتاب عني بالاصطلاحات الفقهية المتداولة في كتب فقهاء الحنفية. وهو مطبوع. (7) ذكر ابن عابدين في مقدمة حاشية رد المحتار على الدر المختار شيئاً من المصطلحات الفقهية عند الحنفية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 170 وعند المالكية كتاب: (الحدود) (1) وغيره، وعند الشافعية كتاب (حلية الفقهاء) (2) وغيره، وعند الحنابلة كتاب: (تهذيب الأجوبة) (3) ، و (المطلع على أبواب المقنع) (4) وغيرهما (5) (6) ، والمذهب الحنبلي شأنه شأن المذاهب الفقهية الأخرى، له اصطلاحاته الخاصة بإمامه وأصحابه، ومن جملتها مصطلح (رواه الجماعة) . وكنت أثناء إعداد رسالتي للدكتوراه أرى هذا المصطلح (رواه الجماعة) يتكرر كثيراً في كثير من مدونات الحنابلة الفقهية، لكن هذا المصطلح لم يحض بعناية الباحثين فيما اطلعت عليه الذين قاموا بتحقيق تراث المذهب الحنبلي في رسائل علمية أو غيرها، فأشكل عليّ كثيراً وبخاصة إذا جاء تفسير المصطلح متفاوتاً عند بعض المصنفين مما يجعل الباحث في حيرة عند إرادة تحديد المراد به؛ لهذا كان هذا البحث المتواضع، ومن الله أستمد العون والتوفيق.   (1) لابن عرفه المالكي، وقد طبع مع شرح العلامة محمد الأنصاري المعروف بالرصاع. (2) 10) لأحمد بن فارس الرازي، شرح فيه غريب ألفاظ مختصر المزني، وقد طبع بتحقيق د. عبد الله التركي. (3) 11) لأبي عبد الله، الحسن بن حامد. وهو مطبوع. (4) 12) لمحمد بن أبي الفتح البعلي، وهو مطبوع. (5) 13) هناك مصنفات معاصرة في الاصطلاحات الفقهية، منها: معجم لغة الفقهاء، د. محمد رواس قلعه جي، ود. حامد صادق، والقاموس الفقهي، سعدي أبو حبيب، وبحوث للدكتور محمد إبراهيم علي منها: (المذهب عند الحنفية) ، و (اصطلاح المذهب عند المالكية) ، وللشيخ بكر أبو زيد كتاب: المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل وتخريجات الأصحاب. (6) 14) انظر: فقه النوازل للشيخ بكر أبو زيد، مبحث (المواضعة في الاصطلاح على خلاف الشريعة وأفصح اللغى) ، 1/101، 149، ومقدمة د. رضوان غربية في تحقيقه للدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، 1/101، 132. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 171 وقد انتظمت خطة البحث على مقدمة وتمهيد وموضوع؛ أما المقدمة ففي بيان أهمية هذا الموضوع وسبب البحث فيه، وأما التمهيد ففي بيان معنى الرواية والجماعة، وأما الموضوع ففي الفصول الآتية: الفصل الأول: في صيغه. ... الفصل الثاني: في نشأة مصطلح (رواه الجماعة) . الفصل الثالث: في واضع هذا المصطلح، وفيه مبحثان: المبحث الأول: من وضعه؟ المبحث الثاني: ترجمته. الفصل الرابع: المراد به عند الحنابلة. الفصل الخامس: فائدة التعبير به. ثم ذيلت ذلك بخاتمة بينت فيها أهم النتائج في الفصول السابقة. وفي الختام، فإن هذا العمل لا أدعي له الكمال والعصمة، وحسبي أني اجتهدت قدر طاقتي ووسعي مبتغياً الصواب مجتنباً خلافه، فإن كان ما أردت فلله الحمد أولاً وآخراً، وإن كانت الأخرى فأستغفر الله، وأنا عائد للصواب بإذنه تعالى، فلا تبخل أيها الأخ الباحث، والقارئ الفاحص بما ظهر لك وهديت إليه على أخيك، وجزاك الله خيراً، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. تمهيد: وفيه مباحث: المبحث الأول: معنى الرواية، وفيه مطلبان: المطلب الأول: معنى الرواية لغة. الرواية: مصدر رَوَى يَرْوِي رِواية، وتطلق الرواية ويراد بها تحمل الحديث أو الشعر ونحوهما، ونقله جاء في لسان العرب (1) : «ويقال: روَّى فلان فلاناً شعراً إذا رواه له حتى حفظه للرواية عنه» . وفي المصباح المنير (2) : «رويت الحديث: إذا حملته ونقلته ... » . «وروَّاه الشعر تَرْوِ يةً، وأروَاه أيضاً: حَمَله على رِوَايته» (3) . المطلب الثاني: معنى الرواية اصطلاحاً:   (1) 15) لابن منظور، 14/348، وانظر: القاموس المحيط، للفيروز آبادي، ص1665، والمعجم الوسيط، ص384. (2) 16) للفيومي، ص129. (3) 17) مختار الصحاح، للرازي، ص265. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 172 يختلف المعنى الاصطلاحي للرواية تبعاً لاختلاف الفنون، فعلى سبيل المثال الرواية تختلف عند المحدثين عنها عند الفقهاء، فعلم الرواية عند المحدثين (1) هو: «علم يشتمل على أقوال النبي (وأفعاله، وروايتها، وضبطها، وتحرير ألفاظها» (2) . وأما علم الرواية عند الفقهاء فيختلف باختلاف المذاهب، ففي المذهب الحنبلي الرواية هي: ما نقلت نصاّ عن الإمام أحمد (3) ، أو إيماء أو تخريجاً. جاء في المسودة (4) : «الروايات المطلقة نصوص للإمام أحمد» .   (1) 18) يقسم علم الحديث إلى قسمين: 1 علم الرواية، وهو كما سبق ذكره أعلاه. 2 علم الدراية، وهو: «علم يعرف منه حقيقية الرواية، وشروطها، وأنواعها، وأحكامها، وحال الرواة، وشروطهم، وأصناف المرويات، وما يتعلق بها» . تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، للسيوطي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، 1/40. (2) 19) تدريب الراوي، 1/40. (3) 20) انظر: الإنصاف، للمرداوي بتحقيق د. عبد الله التركي، 30/382، والمطبوع مع المقنع والشرح الكبير. (4) 21) لآل تيمية، ص474، وانظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، لابن بدران، تحقيق د. عبد الله التركي، ص138، ومقدمة في بيان المصطلحات الفقهية على المذهب الحنبلي، علي الهندي، ص12. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 173 وقال ابن حمدان (1) : «ثم الرواية قد تكون نصاً، أو إيماءً، أو تخريجاً من الأصحاب» (2) وفي شرح المنتهى (3) : «الحكم المروي عن الإمام في مسألةٍ يسمى رواية» . وفي المذهب الحنفي نجد ما يسمى ب (ظاهر الرواية) ، «وهي مسائل رويت عن أصحاب المذهب، وهم: أبو حنيفة، وأبو يوسف (4) ، ومحمد (5) رحمهم الله تعالى ... » (6) .   (1) 22) هو: أبو عبد الله، أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان الحراني، النميري، الحنبلي، شيخ الفقهاء، وصاحب الرعايتين، وإليه انتهت معرفة المذهب، نزل القاهرة، ولد سنة 603هـ، وتوفي سنة 695هـ. انظر: العبر في خبر من غبر، 3/385، والذيل على طبقات الحنابلة، لابن رجب، 2/331، والمنهج الأحمد، 4/345، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب، 5/428. (2) 23) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لابن حمدان، بتعليق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ص114، وانظر مقدمة د. ناصرالميمان في تحقيقه لكتاب التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح، للشويكي، 1 / 115. (3) 24) للبهوتي، 1 / 8.، وانظر: المطلع على أبواب المقنع، للبعلي، ص 460. (4) 25) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس بن سعد الأنصاري، كان من أهل الكوفة وهو صاحب أبي حنيفة، صحبه سبع عشرة سنة، له تصانيف منها الخراج، وتوفي سنة 182هـ. انظر وفيات الأعيان، لابن خلكان، تحقيق أحمد عباس 6/378. (5) 26) هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، أبو عبد الله الكوفي، ولد بواسط ونشأ بالكوفة، أخذ عن أبي حنيفة بعض الفقه، وأتمه على القاضي أبي يوسف، توفي سنة 189هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، 9/135 وما بعدها. (6) 27) مجموعة رسائل ابن عابدين، ص16، من رسالته الموسومة ب (شرح المنظومة المسماة بعقود المفتي) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 174 وقد يلحق بهم غيرهم، «ولكن الغالب الشائع في ظاهر الرواية أن يكون قول الثلاثة، وكتب ظاهر الرواية كتب محمد الستة: المبسوط، والزيادات، والجامع الصغير، والسير الصغير، والجامع الكبير؛ وإنما سميت بظاهر الرواية لأنها رويت عن محمدٍ بروايات الثقات، فهي ثابتةٌ عنه إما متواترة أو مشهورة عنه» (1) . ومما تقدم يظهر الفرق بين معنى الرواية عند الحنابلة عنها عند الحنفية، فعند الحنابلة تطلق على ما روي عن الإمام أحمد رحمه الله فحسب، وعند الحنفية تطلق في الغالب على ما روي عن الإمام أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله. المبحث الثاني: معنى الجماعة، وفيه مطلبان: المطلب الأول: معنى الجماعة لغة: الجماعة: تطلق على الجماعة من الناس وغيرهم، يقال: جَمَع الشيء المفترق فاجتمع، وتجمَّع القوم إذا اجتمعوا من هنا وهنا (2) . جاء في المصباح المنير (3) : «والجماعة من كل شيء يطلق على القليل والكثير» . المطلب الثاني: معنى «رواه الجماعة عند المحدثين» (4) .   (1) 28) حاشية رد المحتار، لابن عابدين، 1 / 69. وجاء في رسالته الموسومة ب (شرح المنظومة المسماة بعقود المفتي) ص 16 ذكر هذه الكتب في قوله: وكتب ظاهر الروايات أتت صنّفها محمد الشيباني الجامع الصغير والكبير ثم الزيادات مع المبسوط. ستاً وبالأصول أيضاً سميت حرر فيها المذهب النعماني والسير الكبير والصغير تواترت بالسند المضبوط. (2) 29) مختار الصحاح، للرازي، ص110، وانظر: لسان العرب، 8 / 53، والقاموس المحيط، ص917. (3) 30) ص60، 61. (4) 31) لعل ابن مندة المتوفى سنة (395هـ) من أقدم من عبر بهذا المصطلح، كما في كتابه الإيمان، 1/ 181، ويعنى به جمعاً من أئمة الحديث من أصحاب المصنفات كالبخاري ومسلم وغيرهما، غير أني لم أقف على وجه الدقة منهم الجماعة الذين يقصدهم في كتابه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 175 يختلف المراد بهذا المصطلح باختلاف المصنفين في علم الحديث في تحديده عدداً أو معدوداً، فعند بعضهم يطلق الجماعة على ستة من الرواة (1) ، وهم: البخاري، ومسلم، ومالك، والترمذي، وأبو داود، والنسائي. ويطلق عند بعضهم (2) على سبعة من الرواة، وهم: الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه. وهذا يعنى أنه ليس هناك ضابط محدد ينصرف إليه المصطلح عند إطلاقه لدى المحدثين، بل لابد لمعرفة المقصود به من النظر إلى قصد مؤلفه وتحديد المراد به لديه. الفصل الأول: صيغ مصطلح (رواه الجماعة) . للتعبير عن هذا المصطلح صيغ عديدة، لكنها تدل على معنى واحد، وهي: 1 صيغة (رواه الجماعة) ، وقد عبر بهذه الصيغة الخلال (3) ، وكذلك عبر عنها بقوله: «على ما روى عنه الجماعة» . أو قوله: «روى عنه هؤلاء الجماعة» (4) . وقد درج على التعبير بذلك الأصحاب في مصنفاتهم (5) . 2 وفي معنى الصيغة المتقدمة ما عبر به بعض الأصحاب عنه بقولهم: (نقل الجماعة) أو (نقلها الجماعة) (6) .   (1) 32) مثل ابن الأثير، مبارك بن محمد الجوزي (ت606هـ) في كتابه: جامع الأصول من أحاديث الرسول (، 1 / 27، 28 بإشراف وتصحيح عبد المجيد سليم، ومحمد حامد الفقي. (2) 33) وهو أبو البركات، مجد الدين عبد السلام بن تيمية، في كتابه المنتقى من أخبار المصطفى (، 1/ 3، بتحقيق محمد حامد الفقي. (3) 34) ستأتي ترجمته في ص: 16 وما بعدها من هذا البحث. (4) 35) انظر فيما تقدم: أهل الملل والردة والزنادقة من الجامع، للخلال، تحقيق د. إبراهيم السلطان، 1/83، 100، 169، 280، 301، 311. (5) 36) انظر: ص: 12، 13 من هذا البحث. (6) 37) انظر: الروايتين، 1/64، 65، 66 وغيرها كثير، والانتصار، 2/151، وشرح العمدة (كتاب الصيام) ، 1/77، والاختيارات الفقهية، ص 182، والإنصاف، 7/217، 8/231. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 176 3 صيغة (رواه جماعة) أو (نقل جماعة) والتعبير بهذه الصيغة المجردة من «أل» كثير في مصنفات الأصحاب (1) . وهذه الصيغة تأتي بمعنى (رواه الجماعة) ، وقد يراد بها معنى آخر تكون في مقابلة رواية أخرى رواها جماعة آخرون (2) ، ونحو ذلك، ومما يدل على أنها تأتي بمعنى (رواه الجماعة) ما يأتي: أجاء في المغني (3) في مسألة «الذمي إذا أعتق لزمته الجزية لما يستقبل، سواء كان المعتق مسلماً أو كافراً» قول الموفق (4) : «هذا الصحيح عن أحمد، رواه جماعة ... » . ثم ذكر الموفق عن أحمد رواية أخرى، وعقب بقوله: «وهَّن الخلال هذه الرواية، وقال هذا قول قديم، رجع عنه أحمد، والعمل على ما رواه الجماعة ... » .   (1) 38) انظر على سبيل المثال: الروايتين، 1/76، 77، 88، 2/ 98، والمغني،2/166، 284، 446، 5/307، والمحرر، 2/188، والشرح الكبير، 3/620، وشرح العمدة (كتاب الحج) ، 2/104، 3/71، 343، وأحكام أهل الذمة، 2/792، والفروع، 2/210، 213، وشرح الزركشي، 1/411، 426، 5/173، والذيل على طبقات الحنابلة، لابن رجب، 1/72، والمبدع، 1/512، والإنصاف، 2/166 4/30، 7/298، والمنهج الأحمد 3/11. (2) 39) ... انظر: أهل الملل والردة، 2/520، والروايتين، 2/61، والمغني، 12/14. (3) 40) ... لابن قدامة، بتحقيق د. عبد الله التركي ود. عبد الفتاح الحلو، 13/223. (4) 41) ... هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله المقدسي، موفق الدين، أبو محمد، ولد سنة 541 هـ، بجماعيل، كان شيخ الحنابلة في عصره، له تصانيف كثيرة منها: المغني، والكافي وغيرهما. توفي سنة 620 هـ. الذيل على طبقات الحنابلة، لابن رجب، 2/133142. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 177 فهنا الموفق عبر في صدر المسألة بقوله: (رواه جماعة) ، وحين نقل كلام الخلال جاء فيه: «والعمل على ما رواه الجماعة» . وهذا يدل على اتحاد الصيغتين في المعنى؛ وإلا لما عبر الموفق بذلك والله أعلم. ب جاء في المغني (1) في حدِّ العورة للرجل: « ... فالكلام في حد العورة، والصالح في المذهب أنها من الرجل ما بين السُّرَّة والرُّكبة. نصَّ عليه أحمد في رواية جماعة ... » . وفي الإنصاف (2) : «الصحيح من المذهب أن عورة الرجل ما بين السرة والركبة. وعليه جماهير الأصحاب. نص عليه في رواية الجماعة» . ومثله أيضاً ما جاء في المغني (3) : «ولا تكره قراءة أواخر السُّور وأوساطها في إحدى الروايتين. نقلها عن أحمد جماعة ... » . وفي الإنصاف (4) : «قوله: ولا يكره قراءة أواخر السور وأوساطها. هذا المذهب. نقله الجماعة ... » . ج قال ابن القيم (5) في معرض حديثه عن مسقطات وجوب الختان: «أن يُسلم الرجل كبيراً ويخاف على نفسه منه، فهذا يسقط عنه عند الجمهور، ونص عليه الإمام أحمد في رواية جماعة من أصحابه» (6) . وجاء في الفروع (7) في كلامه عن هذه المسألة، وبعد ذكره للروايات قال: «قال أبو بكر: والعمل على ما نقله الجماعة، وأنه متى خشي عليه لم يختتن ... » .   (1) 42) 2/284. (2) 43) 3/200. (3) 44) 2/166. (4) 45) 3/619. (5) 46) هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن جرير الزرعي ثم الدمشقي، المعروف بابن قيم الجوزية، ولد سنة 691 هـ وتوفي سنة 751 هـ، له مصنفات عديدة منها: إعلام الموقعين، وزاد المعاد، وغيرهما. الذيل على طبقات الحنابلة، 2/ 147 وما بعدها. (6) 47) تحفة المودود بأحكام المولود، تحقيق محمد أبو العباس، ص136. (7) 48) 1/133، وانظر: المبدع، 1/104، والإنصاف، 1/268. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 178 د جاء في شرح الزركشي (1) : «ونقل عنه جماعة: أن من ملك خمسين درهماً، أو قيمتها من الذهب وإن كان حلياً، فهو غني وإن لم تحصل له الكفاية ... » (2) . وفي الفروع (3) : «ونقل الجماعة (4) : لا يأخذ من ملك خمسين درهماً أو قيمتها ذهباً وإن كان محتاجاً ... » . هـ جاء في أهل الملل والردة، للخلال (5) في مسألة تزوج المسلم بأمة كتابية أن الجماعة نقلوا منعه عن الإمام أحمد. وفي المغني (6) حين ذكر رواية منع المسلم من التزوج بأمة كتابية قال: «هذا ظاهر مذهب أحمد، رواه عنه جماعة» . ومما تقدم عرضه من النصوص نجد أن التعبير بصيغة (رواه جماعة) ونحوها يأتي بمعنى (رواه الجماعة) ، حيث عبر بعض الأصحاب في المسائل المتقدمة بإحداهما، بينما عبر آخرون بالأخرى، وهذا يدل على عدم التفريق بينهما، وأن التعبير بهما سائغ لإفادته معنى الآخر؛ وإلا لما عبروا بذلك. والله أعلم. الفصل الثاني: نشأة هذا المصطلح (رواه الجماعة)   (1) 49) ... هو محمد بن عبد الله بن محمد الزَّرْكشي، الحنبلي، كان إماماً في المذهب، له تصانيف مفيدة، من أشهرها (شرح الخرقي) ، توفي سنة 772هـ، انظر: المنهج الأحمد، 5/137 وما بعدها، وشذرات الذهب، لابن العماد، 6/224 وما بعدها. (2) 50) على مختصر الخرقي، تحقيق د. عبد الله الجبرين، 2/444، وانظر: تصحيح الفروع، 2/589، وما بعدها. (3) 51) 2/589، وانظر: الإنصاف، 7/217، وقارنه مع تصحيح الفروع، 2/589. (4) 52) وقد عبر بعض الأصحاب عن ذلك بقولهم: نقل أو روى عنه أكثر أصحابه. مما يعطي دلالة على أن هذا المصطلح يفيد هذا المعنى الذي عبر به بعض الأصحاب. ... انظر: الهداية، 1/81، والإفصاح، 1/229، والمستوعب، 3/367. والمبدع، 2/417. (5) 53) 1/280، وانظر: ص 21 من هذا البحث. (6) 54) 9/554. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 179 كان الإمام أحمد لا يرى تدوين فقهه بل منع من تدوينه، وشدَّد في نهيه، فلم يكن رحمه الله يرى تدوين الرأي، وكان يحث على الرجوع إلى الدليل والأخذ منه، والاعتماد عليه لا على رأيه وفتواه، فلم يصنف كتاباً مستقلاً في الفقه (1) . قال المَرُّوذِي (2) : «وسألته عن أبي بكر الأثرم (3) ، قلت: نهيت أن يكتب عنه؟ قال: لم أقل إنه لا يكتب عنه الحديث، إنما أكره هذه المسائل» (4) .   (1) 55) انظر: مسائل أحمد، لابن هانئ، 2/164167. ومسائل أحمد رواية عبد الله، 3/1309 وما بعدها. وطبقات الحنابلة، 1/3957120214. وشرح مختصر الروضة، للطوفي، تحقيق التركي 3/626. والإنصاف، 30/367. وشرح الكوكب المنير، لابن النجار، تحقيق الزحيلي وآخر، 4/496. والمدخل، لابن بدران، تحقيق التركي، ص123، ومقدمة محقق شرح الزركشي، د/ عبد الله الجبرين 1/12. (2) 56) هو أحمد بن محمد بن الحجاج بن عبد العزيز، أبو بكر، هو المقدم من أصحاب الإمام أحمد لورعه وفضله، وكان الإمام يأنس به وينبسط إليه، وهو الذي تولى إغماضه لما مات وغسّله، له تصانيف عديدة، ومسائل كثيرة رواها عن أحمد، ولد في حدود المائتين، وتوفي سنة 275 هـ. ... انظر: طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلى، 1/5661، وسير أعلام النبلاء، للذهبي، 13/173، وما بعدها، وتذكرة الحفاظ، للذهبي، 2/631. (3) 57) هو: أبو بكر، أحمد بن محمد بن هانئ، الإسكافي الأثرم، الطائي، الإمام الحافظ، تلميذ أحمد، ونقل عنه مسائل كثيرة، له مصنفات كثيرة، كان له تيقظ عجيب، توفي في حدود 261 هـ، أو بعدها. انظر: الطبقات، 1/66، والسير، 12/623، وتذكرة الحفاظ، 2/570. (4) 58) الجامع في العلل ومعرفة الرجال، للإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد الله، والمروذي، وصالح، والميموني، طبع بعناية حسام بيضون، 1/42. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 180 وقال ابن الجوزي (1) : «وكان ينهى الناس عن كتابة كلامه، فنظر الله تعالى إلى حسن قصده، فنقلت ألفاظه وحفظت، فقل أن تقع مسألة إلا وله فيها نص من الفروع والأصول، وربما عدمت في تلك المسألة نصوص الفقهاء الذين صنفوا وجمعوا» (2) . ويقول ابن القيم (3) : «وكان رضي الله عنه شديد الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أن يكتب كلامه، ويشتد عليه جداً» .   (1) 59) هو: أبو الفرج، عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي، من نسل أبي بكر الصديق، المعروف بابن الجوزي، البغدادي الحنبلي، صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة في أنواع العلم، توفي سنة 597هـ. ... انظر: الذيل على طبقات الحنابلة، 1/399، وشذرات الذهب، 4/329. (2) 60) مناقب الإمام أحمد، ص 191. (3) 61) إعلام الموقعين عن رب العالمين، 1/28. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 181 وقد كان الطريق في الغالب إلى فقه الإمام رحمه الله نقلة المسائل ورواتها عنه، وهم كثير (1) ، وقد تلقى هذه المسائل عن تلاميذ الإمام تلاميذهم مما هيأ نشأة هذا المصطلح وبروزه، وبخاصة أن الرواية في ذلك العصر هي السائدة تلقياً وتصنيفاً، فتلقى الخلال هذه المسائل من رواتها، وسافر في تحصيلها، حتى جمع قدراً كبيراً من مسائل الإمام أحمد رحمه الله، فصنفها، وبوَّبها على أبواب العلم، ومن ثم نراه يستخدم هذا المصطلح للدلالة على كثرة الرواة عن الإمام أحمد في المسألة المنقولة عنه، في كتابه (الجامع) (2) ، ومن هنا بدء هذا المصطلح نشأته في الفقه الحنبلي، وقد تتابع الأصحاب في مصنفاتهم على استخدام هذا المصطلح، والتعبير به بعد الخلال، فقد ورد ذكره في الكتب الآتية على سبيل المثال: 1 كتاب الروايتين والوجهين (3) ، وهو فيه كثير (4) . 2 التعليق الكبير في المسائل الخلافية (5) . 3 الأحكام السلطانية (6) .   (1) 62) انظر: طبقات الحنابلة، المجلد الأول حيث فرغه لتلاميذ الإمام أحمد. وصفة الفتوى، لابن حمدان، ص 7980. والإنصاف، 30/418. (2) 63) انظر: أهل الملل والردة والزنادقة من الجامع، 1/83100311؛ ولجامع الخلال أسماء عدة منها: الجامع في الفقه، والجامع لعلوم أحمد، والجامع الكبير. انظر: الطبقات، 2/12. والمناقب، ص 512. وإعلام الموقعين، 1/28. وسير أعلام النبلاء، 14/297. والبداية والنهاية، 11/159. والمنهج الأحمد، 2/205. والمدخل، ص 124. (3) 64) للقاضي أبي يعلى، محمد بن الحسين الفراء. (4) 65) انظر على سبيل المثال: 1/64، 79, 84،97،117،140،204،341،2/11، 36، 72، 121، 182، 255،312. (5) 66) للقاضي أبي يعلى، انظر: كتاب الحج من التعليق بتحقيق د. عواض العمري، 2/550، 508، 714. (6) 67) للقاضي أبي يعلى، انظر: ص155، 261، بتحقيق: محمد حامد الفقي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 182 4 الجامع الصغير (1) . 5 الانتصار في المسائل الكبار (2) . 6 المغني (3) . 7 العدة في شرح العمدة (4) . 8 الشرح الكبير (5) . 9 شرح العمدة (6) . 10 أحكام أهل الذمة (7) . 11 زاد المعاد في هدي خير العباد (8) . 12 الطرق الحكمية في السياسة الشرعية (9) . 13 الفروع (10) . 14 الآداب الشرعية والمنح المرعية (11) . 15 النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر (12) .   (1) 68) للقاضي أبي يعلى، انظر: قسم العبادات من الجامع، بتحقيق د. محمد التويجري، ص36. (2) 69) لأبي الخطاب، انظر: 1/196، 478، بتحقيق د / سليمان العمير (الطهارة) ، و 2/151 (الصلاة) بتحقيق د/عوض العوفي. (3) 70) لابن قدامة، بتحقيق د/عبد الله التركي، ود/ عبد الفتاح الحلو، انظر: 2/38، 146، 457، 608، 4/99، 9/537، 13/228، 14/334. (4) 71) عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي، ص514. (5) 72) لأبي الفرج، عبد الرحمن بن قدامة، بتحقيق د/عبد الله التركي، ود/ عبد الفتاح الحلو، انظر: 3/200، 649، 4/174، 7/299، 17/80، 20/312. (6) 73) لابن تيمية، انظر: كتاب الطهارة، بتحقيق: د/ سعود العطيشان، 1/207، وكتاب الصلاة، بتحقيق: د/ خالد المشيقح، ص 243، وكتاب الصيام، بتحقيق: زائد النشيري، 1/77، 198، 406، وكتاب الحج، بتحقيق: د/ صالح الحسن، 2/104، 3/71، 343، 620. (7) 74) لابن القيم، بتحقيق: د/ صبحي الصالح، 1/57، 204، 2/472. . (8) 75) لابن القيم، تعليق وتخريج: شعيب الأرنؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط، 5/287. (9) 76) لابن القيم، تحقيق: محمد حامد الفقي، ص151. (10) 77) لابن مفلح، 1/86، 93، 94، 103، 133، 185، 220، 269، 329، 420 2/198، 201، 253، 589، 629. (11) 78) لابن مفلح، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، وعمر القيام، 2/444، 3/276. (12) 79) لابن مفلح، 1/26، 54، 64، 96، 2/281، والمطبوع مع المحرر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 183 16 شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1) . 17 الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (2) (3) . 18 القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية (4) . 19 غاية المطلب في معرفة المذهب (5) . 20 المبدع في شرح المقنع (6) . 21 الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (7) . 22 تصحيح الفروع (8) . 23 معونة أولي النهى شرح المنتهى (9) . 24 كشاف القناع عن متن الإقناع (10) . 25 شرح منتهى الإرادات (11) . الفصل الثالث: بيان من وضعه، وفيه مبحثان: المبحث الأول: من وضعه؟   (1) 80) للزركشي، تحقيق: د/ عبد الله بن جبرين، 1/359، 6/577، 595. (2) 81) هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني، ولد بحران سنة 661 هـ، أُمتحِن وأُوذي وسُجن مرات، مات وهو سجين بقلعة دمشق سنة 728 هـ رحمه الله، له مؤلفات كثيرة منها منهاج السنة النبوية، والسياسة الشرعية، وغيرهما. انظر: الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 2/387. (3) 82) للبعلي، ص17، 182. (4) 83) لابن اللحام، تحقيق: محمد حامد الفقي، ص9، 33، 60، 119. (5) 84) للجراعي، تحقيق: أيمن العمر، ص 126، 284،295، 315. (6) 85) لأبي إسحاق، إبراهيم بن مفلح، 1/104، 232، 272، 2/19، 194، 214، 225، 227. (7) 86) للمرداوي، تحقيق: د/ عبد الله التركي ود/عبد الفتاح الحلو، 1/119، 161، 268، 302، 2/171، 630، 3/64، 201، 617، 619، 651، 4/124، 132، 174، 6/54، 110، 131، 212، 7/217، 424. (8) 87) للمرداوي، 1/76،176، 550، 2/171، 630، والمطبوع مع الفروع. (9) 88) لابن النجار، تحقيق: د/ عبد الملك بن دهيش، 1/274، 470، 554. (10) 89) للبهوتي، 1/427. (11) 90) للبهوتي، 1/27، 100. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 184 يظهر جلياً أن الخلال، أحمد بن محمد بن هارون، مدون فقه الإمام أحمد وجامعه، هو أول من استخدم هذا المصطلح في كتابه: «الجامع» في الفقه الأثري الحنبلي، فهو الواضع له ولم يكن أحد قبله قد استخدمه في التعبير به في الفقه الحنبلي، والأدلة على هذا ما يأتي: 1 أن الخلال هو جامع علوم الإمام أحمد، وحافظ مذهب الإمام الأثري، «سمع مسائل الإمام أحمد، ورحل إلى أقاصي البلاد في جمع مسائل الإمام أحمد، وسماعها ممن سمعها من أحمد، وممن سمعها ممن سمعها من أحمد، فنال منها وسبق إلى مالم يسبقه سابق، ولم يلحقه بعده لاحق ... » (1) . قال الخلال في كتاب (أخلاق أحمد بن حنبل) (2) : «لم يكن أحد علمت عُنِيَ بمسائل أبي عبد الله ما عنيت به أنا، وكذلك كان أبو بكر المَرُّوذِي رحمه الله يقول لي … » . وقال الذهبي (3) : «ولم يكن قبله [يعني الخلال] للإمام مذهب مستقل حتى تتبع هو نصوص أحمد ودوَّنها وبرهنها بعد الثلاث مائة، فرحمه الله تعالى» (4) .   (1) 91) طبقات الحنابلة، 2/13، وانظر: سير أعلام النبلاء، 11/331. (2) 92) فيما نقله الذهبي عنه في سير أعلام النبلاء، 11/331. (3) 93) هو: شمس الدين، أبو عبد الله، محمد بن عثمان بن قايماز التركماني، المعروف بالذهبي، الإمام الحافظ، مؤرخ الإسلام، له تصانيف كثيرة ومفيدة، ولد سنة 673هـ، وتوفي سنة 748 هـ، انظر: شذرات الذهب، 6/153. (4) 94) سير أعلام النبلاء، 14/298. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 185 إذا تقرر هذا، فإن هذا المصطلح وضع للدلالة على أكثرية رواة من نقل المسألة عن الإمام أحمد، ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلا لمن اطلع على رواية من رواها وذلك ما تحقق للخلال دون غيره (1) ، فهو من نتاج جمعه وسبره لتلك المسائل. 2 أن الخلال استخدم هذا المصطلح في كتابه «الجامع» ، وهو كتاب كبير وضخم، لم يصل إلى أيدي الباحثين منه إلا القليل، وقد عثرت على هذا المصطلح (رواه الجماعة) في كتابه: «أهل الملل والردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض من كتاب (الجامع) (2) في مواضع منه، كقوله: «والذي أختار من قول أبي عبد الله ما روى عنه الجماعة» (3) . وقوله: «والذي أذهب إليه مما أختار على ما رواه عنه الجماعة وبالله التوفيق» (4) . وقوله: «والعمل على مارواه الجماعة ... » (5) . وقوله: «ثم روى عنه هؤلاء الجماعة ... » (6) . وغيرها (7) .   (1) 95) هناك من اعتنى بجمع مسائل الإمام في عصر الخلال كما ذكر ذلك الذهبي، وهو محمد بن أبي عبد الله الهمداني، قال الخلال عنه: «جمع مسائل الإمام أحمد وغيرها، سبعين جزءاً» . انظر الطبقات، 1/332، وسير أعلام النبلاء، 11/331، والمنهج الأحمد، 2/43. (2) 96) حققه د/ إبراهيم السلطان. (3) 97) أهل الملل، 1/83. (4) 98) أهل الملل، 1/100. (5) 99) أهل الملل، 1/280. (6) 100) أهل الملل، 1/301. (7) 101) انظر: أهل الملل، 1/169، 311. ... ولم أقف على هذا المصطلح في ما طبع من الجامع غير أهل الملل من الجامع، وهي (الترجل) و (الوقوف) و (أحكام النساء) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 186 3 نص بعض الأصحاب على نسبته إلى الخلال حين نقلوا عنه في مصنفاتهم، ففي كتاب الروايتين (1) ما نصه: «قال أبو بكر الخلال: ... والذي أختار ما روى الجماعة ... » . وفي المغني (2) : « ... ووهَّن الخلال هذه الرواية، وقال: هذا قول قديم، رجع عنه أحمد، والعمل على ما رواه الجماعة ... » (3) . وفي هذا دلالة على أن «كل من اتبع هذا المذهب يأخذ من كتبه» (4) . المبحث الثاني: ترجمة واضعه (5) ، وفيه مطالب: المطلب الأول: اسمه وكنيته: هو أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد البغدادي، أبو بكر، المعروف بالخلال (6) . المطلب الثاني: مولده: ولد سنة أربع وثلاثين ومائتين، وقيل في التي تليها (7) . قال الذهبي (8) : «فيجوز أن يكون رأى الإمام أحمد، ولكنه أخذ الفقه عن خلق كثير من أصحابه» المطلب الثالث: حياته العلمية (9) : بدأ الخلال طلب العلم وهو في مقتبل عمره، واهتم بمسائل الإمام أحمد على وجه الخصوص، وصرف عنايته إليها حتى قيل عنه: «أنفق عمره في جمع مذهب الإمام أحمد وتصنيفه» (10) .   (1) 102) 1/74، وانظر: ص 75، 204، 2/150 من الروايتين. (2) 103) 13/223. (3) 104) انظر غير ما تقدم: أحكام أهل الذمة، 1/57، 204، والفروع، 1/133، والمبدع، 1/104. (4) 105) المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، لابن الجوزي، بتحقيق: محمد عطا، ومصطفى عطا، 13/221. (5) 106) انظر في ترجمته: طبقات الحنابلة، 2/12، ومناقب الإمام أحمد، ص 512، وسير أعلام النبلاء، 14/297، وتذكرة الحفاظ، 3/785، والعبر في خبر من غبر، 1/461 والبداية والنهاية، 11/159، والمنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد، 2/205 وشذرات الذهب في أخبار من ذهب، 2/361. (6) 107) انظر المصادر في الحاشية الآنفة. (7) 108) سير أعلام النبلاء، 14 / 297. (8) 109) العبر، 1/461. (9) 110) انظر: الحاشية رقم (106) . (10) 111) انظر: الحاشية رقم (108) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 187 ولا غرو في هذا، فقد رحل رحمه الله إلى بلاد شتى كفارس، والشام، والجزيرة، يتطلب فقه الإمام أحمد وفتاويه، وتغرّب في سبيل ذلك زماناً حتى نال منها قدراً لم يسبقه إليه سابق، فكان هو المدون لفقه الإمام وجامعه ومرتبه على الأبواب. تفقه الخلال على شيخه المَرُّوذِي ولازمه حتى مات، وشيوخه الذين أخذ عنهم العلم كثير يشق إحصاء أسمائهم، ثم أصبح الخلال إمام المذهب في عصره، وكانت حلقته بجامع المهدي (1) يؤمها العدد الوفير من طلاب العلم، برع منهم طائفة كأبي بكر (2) ، عبد العزيز بن جعفر، المعروف بغلام الخلال. وللخلال مصنفات جليلة القدر، وبخاصة في المذهب الحنبلي، منها: (الجامع) و (العلل) و (السنة) ، وغيرها، وهي تدل على إمامته وسعة علمه. المطلب الرابع: وفاته: توفي الخلال يوم الجمعة ليومين خليا من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وثلاثمائة (311هـ) ، وله سبع وسبعون سنة، ودفن إلى جوار قبر شيخه المَرُّوذِي، قرب قبر الإمام أحمد رحم الله الجميع (3) .   (1) 112) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أبو عبد الله، المهدي، الخليفة العباسي، كان حسن الاعتقاد، تتبع الزنادقة فأفنى منهم خلقاً، وهو أول من أمر بتصنيف كتب الجدل في الرد على الزنادقة، ولد سنة 127هـ، وقيل في التي قبلها، ومات سنة 169هـ، وكانت خلافته عشر سنين وشهراً. انظر: العبر، 1/196، 197، وتاريخ الخلفاء، للسيوطي، ص 218. (2) 113) هو عبد العزيز بن جعفر بن يزداد بن معروف، أبو بكر، المعروف بغلام الخلال، شيخ الحنابلة في وقته، له تصانيف كثيرة في الفقه، منها: (زاد المسافر) ، و (التنبيه) ، توفي سنة 363هـ. انظر: الطبقات، 2/119، والعبر، 2/116، والشذرات، 3/45. (3) 114) انظر الطبقات، 2/15، والمناقب، ص512، والسير، 14 / 298، والبداية والنهاية 11/159، والمنهج الأحمد، 2/207. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 188 الفصل الرابع: المراد به عند الحنابلة. يذهب بعض العلماء إلى أن المراد بمصطلح (رواه الجماعة) محدد بسبعة من الرواة عن الإمام أحمد على اختلاف يسير بينهم على النحو الآتي: أ) أن المراد بهم سبعة، وهم: 1 صالح بن أحمد بن حنبل (1) . 2 عبد الله بن أحمد بن حنبل (2) . 3 حنبل بن إسحاق بن حنبل (3) . 4 أبو بكر أحمد بن محمد المَرُّوذِي.   (1) 115) أبو الفضل، وهو أكبر أولاد الإمام أحمد، ولد سنة 203 هـ، وكان الإمام أحمد يحبه ويكرمه، وقد ابتلي بالعيال على حداثة سنه، فقلَّت روايته عن أبيه، توفي رحمه الله في رمضان، سنة ست وستين ومائتين، وله ثلاث وستون سنة. انظر: الطبقات، 1/173، والمناقب، ص304، سير أعلام النبلاء، 11/333، 12/530، والجوهر المحصل، ص21،22، والمنهج الأحمد، 1/251. (2) 116) أبو عبد الرحمن، كان أروى الناس عن أبيه، وسمع معظم تصانيفه وحديثه. ولد في جمادى الأولى، سنة ثلاث عشرة ومائتين، وكان له حظ وافر من الحفظ مما جعل الإمام يقول عنه: «ابني عبد الله محظوظ من علم الحديث» . توفي يوم الأحد، لتسع بقين من جمادى الآخرة، سنة تسعين ومائتين، وكان سنه يوم مات سبعاً وسبعين سنة. انظر: الطبقات، 1/180، والمناقب، ص360، والجوهر المحصل، ص22، والمنهج الأحمد، 1/313. (3) 117) هو: حنبل بن إسحاق بن حنبل، أبو علي الشيباني، ابن عم الإمام أحمد، وروى عنه مسائل أجاد فيها الرواية، وكان ثقة ثبتاً صدوقاً، توفي سنة 273 هـ. انظر: طبقات الحنابلة، 1/143، والعبر، 1/394، والمنهج الأحمد، 1/264. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 189 5 إبراهيم الحربي (1) . 6 أحمد بن حميد المشكاني، أبو طالب (2) . 7 عبد الملك بن عبد الحميد الميموني (3) . جاء في حاشية المنتهى (4) : « ... وحيث أطلق الجماعة، فالمراد بهم: عبد الله ابن الإمام، وأخوه صالح، وحنبل ابن عم الإمام، وأبو بكر المَرُّوذِي، وإبراهيم الحربي، وأبو طالب، والميموني ... » (5) .   (1) 118) هو: إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشر بن عبد الله بن ديسم، أبو إسحاق الحربي، ولد سنة 198هـ، وسمع الإمام أحمد، ونقل عنه مسائل كثيرة، كان إماماً في العلم، رأساً في الزهد، عارفاً بالفقه، بصيراً بالأحكام، حافظاً للحديث، وصنف كتباً كثيرة، توفي سنة 285هـ. انظر: الطبقات، 1/86، والعبر، 1/410، والسير، 13/356. (2) 119) هو أحمد بن حميد، أبو طالب المشكاني، المتخصص بصحبة الإمام أحمد، نقل عنه مسائل كثيرة، وكان أحمد يكرمه ويعظمه، توفي سنة 244هـ. الطبقات، 1/39، 40 والمنهج الأحمد، 1/198 وما بعدها. (3) 120) هو: أبو الحسن، عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميموني، الحافظ، الفقيه، من كبار تلاميذ أحمد، ونقل عنه مسائل كثيرة، كان عالم الرَّقَّة ومفتيها في زمانه، توفي سنة 274هـ. انظر: الطبقات، 1/212، والسير، 13/89، وتذكرة الحفاظ، 2/603. (4) 121) لعثمان النجدي، والمطبوع مع منتهى الإرادات، للفتوحي، وهما بتحقيق د. عبد الله التركي، 2/179. (5) 122) وجاء مثله في 4/469، وعليه (عثمان النجدي) عوّل الشيخ بكر أبو زيد في المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل، 1/174، 2/657. وقد ذكره الشيخ سليمان بن حمدان رحمه الله في كتابه نهاية الأريب الأمجد لمعرفة أصحاب الرواية عن أحمد، بتحقيق: الشيخ بكر أبو زيد، ص 20، 21، ونسب تحديد المراد به إلى الشيخ محمد الخلوتي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 190 ب) أن المراد بهم سبعة، وهم (1) : 1 أبو طالب، أحمد بن حميد المشكاني. ... 2 إبراهيم الحربي. 3 حرب بن إسماعيل الكرماني (2) . ... ... 4 عبد الملك الميموني. 5 عبد الله ابن الإمام. ... ... ... 6 صالح ابن الإمام. 7 حنبل بن إسحاق بن حنبل (ابن عم الإمام) . ومما تقدم يظهر الاختلاف بين الفريقين في اعتبار بعض الرواة منهم، فلم يُعد المَرُّوذِي من الجماعة عند الفريق الثاني ولم يُعد حرب منهم عند الفريق الأول واتفقا على أن بقية الرواة يدخلون في هذا المصطلح. وهذا الحصر في العدد والمعدود من الرواة فيه نظر، فلم أعثر عليه عند المتقدمين أو المتوسطين من الأصحاب، بل جاء عندهما بخلاف الحصر الآنف، وإنما وجد عند بعض المتأخرين من الأصحاب، فوجدته منسوباً للعلامة محمد الفارضي (ت 981هـ (3)   (1) 123) مقدمة في بيان المصطلحات الفقهية على المذهب الحنبلي، علي محمد الهندي رحمه الله ص 14، 15. (2) 124) هو: أبو محمد، حَرْب بن إسماعيل الكَرْماني، الإمام العلامة، الفقيه، تلميذ أحمد، جليل القدر، روى عن الإمام مسائل كثيرة، ورحل في طلب العلم، توفي سنة 280هـ. انظر: الطبقات، 1/145، والسير، 13/244، وتذكرة الحفاظ، 2/613. (3) 125) نسبه للفارضي الشيخ عثمان النجدي في حاشيته على المنتهى، 2/179. ... والفارضي هو: شمس الدين محمد الفارضي، القاهري، الحنبلي، الشاعر المشهور، له تصانيف، منها: شرح على ألفية ابن مالك، وتعاليق في الفقه وغيرهما توفي سنة 981هـ بقرافة بمصر وبها دفن. ... انظر: شذرات الذهب، 8/393 وما بعدها، والسحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، لابن حميد، تحقيق: الشيخ بكر أبو زيد، والدكتور عبد الرحمن العثيمين، 3/110. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 191 ) ، ولم أقف في نسبته بهذا التحديد إلى أحد قبله (1) ، ونسبه الشيخ سليمان بن حمدان (2) إلى الشيخ محمد الخلوتي (ت 1088 هـ (3)) فقال (4) : «حيث أطلق الجماعة، فالمراد بهم: عبد الله ابن الإمام أحمد، وأخوه صالح، وحنبل ابن عم الإمام، وأبو بكر المَرُّوذِي، وإبراهيم الحربي، وأبو طالب، والميموني رضي الله عنهم، قاله الشيخ محمد الخلوتي» . تحقيق المراد به:   (1) 126) ... وليس القصد من البحث الوقوف على من قال بتحديد ذلك من المتأخرين من الأصحاب، سواء أكان الفارضي أم غيره؛ لأن الهدف الرئيس للبحث هو التصحيح والتنبيه إلى المراد بالمصطلح عند واضعه، وهي النتيجة المرادة هنا، والتي سار عليها الأصحاب من لدن الخلال حتى عصر المرداوي من المتأخرين، كما دلت عليه النقول المسوقة في هذا البحث. (2) 127) ... ... هو سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ولد عام 1322 هـ في بلده المجمعة من إقليم نجد، درّس في المسجد الحرام، وله مصنفات منها: الدر النضيد في شرح كتاب التوحيد وغيره، توفي سنة 1397هـ. انظر ترجمته في مقدمة الشيخ بكر أبو زيد لكتاب هداية الأريب الأمجد لمعرفة أصحاب الرواية عن أحمد، لابن حمدان المترجم له. (3) 128) ... هو محمد بن أحمد بن علي البُهوتي، الشهير بالخَلْوَتي، ولد بمصر وبها نشأ وتلقى العلم، له مصنفات منها: حاشية على المنتهى، وحاشية على الإقناع، وغيرهما. توفي بمصر سنة 1088هـ. انظر: السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، 2/869 وما بعدها. (4) 129) ... في كتابه هداية الأريب الأمجد، ص 21، ولم يحل إلى مصدر يتوثق منه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 192 تقرر فيما سبق أن مصطلح (رواه الجماعة) من صنع الخلال، واستعمله في كتابه (الجامع) ، وهذا يحتم على الباحث النظر إلى مراد واضعه، وقصده من اصطلاحه ما أمكن، والذي يظهر لي من المواضع التي وقفت عليها وساق فيها الخلال مصطلحه (رواه الجماعة) أنه لم يقصد به عدداً مقدراً، أو معدوداً محدداً بعينه، وقد دل على هذا ما يأتي: 1 قال الخلال في باب (الصغير يؤسر مع أحد أبويه) (1) : «قال أبو بكر (2) : روى هذه المسألة أربعة أنفس عن أبي عبد الله بخلاف ما قال علي ابن سعيد (3) ؛ وما روى علي بن سعيد، فأظن أنه قول لأبي عبد الله ثم رجع إلى أن يحمل ولا يترك، وهو مسلم إن مات أو بقي، وهو أشبه بقول أبي عبد الله وبمذهبه ... والذي اختار من قول أبي عبد الله ما روى عنه الجماعة؛ لأن لا يترك، وبالله التوفيق» . وهذا النص سبقه ذكر الروايات في المسألة، فنقل علي بن سعيد عنه ما يدل على أن الصبي إذا أسر يسلم لأهل دينه في أحد حصون الروم. ونقل أبو بكر المَرُّوذِي، ويعقوب بن بختان (4) ،وإسحاق بن إبراهيم (5)   (1) 130) ... أهل الملل والردة، 1/83. (2) 131) ... المراد به الخلال. (3) 132) ... هو علي بن سعيد بن جرير النَّسوي، أبو الحسن، روى عن أبي عبد الله جزأين مسائل، وكان يناظر أبا عبد الله مناظرة شافية، وكان كبير القدر، وصاحب حديث. ... ... الطبقات، 1/224، والمنهج الأحمد، 2/133. (4) 133) ... هو يعقوب بن إسحاق بن بختان، أبو يوسف، كان جار أبي عبد الله، وصديقه، روى عنه مسائل صالحة كبيرة، لم يروها غيره في الورع، ومسائل السلطان. ... ... الطبقات، 1/415، 416، والمنهج الأحمد، 2/175 وما بعدها. (5) 134) ... هو إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري، أبو يعقوب، خدم الإمام أحمد، ونقل عنه مسائل كثيرة، وله عنه مسائل مطبوعة في مجلدين بتحقيق: زهير الشاويش، ولد سنة 218هـ، وتوفي سنة 275هـ. ... ... ... الطبقات، 1/108، 109، والمنهج الأحمد، 1/274. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 193 عنه أنه يحمل ولا يترك (1) . والملاحظ أن الخلال أطلق الجماعة في هذه المسالة على أولئك العدد الذين نقلوا هذه الرواية عن أحمد بخلاف ما نقل علي بن سعيد، وهم يقلون عدداً، ويختلفون ذواتاً عن المصطلح الذي قرره بعض المتأخرين من الأصحاب، فحصروه في عدد ومعدود محددين. 2 جاء في مسألة تبعية الصغير لأبويه الكافرين أو أحدهما حال وجودهما وكفالتهما له، أو أحدهما روايات عن الإمام أحمد، اختار الخلال منها ما رواه عنه الجماعة، وممن رواها عنه إسحاق بن منصور (2) ، وإسحاق بن إبراهيم، فجعلهما الخلال من الجماعة، وهما لا يدخلان عند من حصرهم بأولئك الرواة (3) . 3 روى يعقوب بن بختان عن أحمد في الجزية، هل للإمام التخفيف عن الكفار منها؟ فقال: لا. ونقل أبو بكر الأثرم، وأبو طالب، وأحمد بن القاسم (4) ، وعبد الله بن أحمد، وغيرهم في الجزية أن للإمام أن يزيد وينقص فيها، وليس لمن دونه ذلك (5) .   (1) 135) ... انظر: نصوص رواياتهم في أهل الملل، 1/82، 83، وانظر: رواية إسحاق بن إبراهيم في مسائله عن أحمد، 2/99، 100. (2) 136) هو إسحاق بن منصور بن بهرام المروزي، أبو يعقوب الكوسج، دوَّن عن أحمد مسائل في الفقه طبع بعضها، ولد بعد السبعين ومائة، وتوفي سنة 251هـ. ... الطبقات، 1/ 113 115، والسير، 12/258 260، والمنهج الأحمد، 1/212 214. (3) 137) انظر المسألة ورواياتها في أهل الملل والردة، 1/97 100. (4) 138) هو أحمد بن القاسم الطُّوسي، نقل عن أحمد أشياء كثيرة. الطبقات، 1/56، والإنصاف، 30/403، والمنهج الأحمد، 2/58. (5) 139) انظر الروايات في أهل الملل، 1/169 –172. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 194 قال أبو بكر الخلال (1) : «والذي عليه العمل من قول أبي عبد الله أنه للإمام أن يزيد في ذلك وينقص، وليس لمن دونه أن يفعل ذلك، وقد روى يعقوب بن بختان خاصة عن أبي عبد الله أنه لا يجوز للإمام أن ينقص من ذلك، ثم روى عن أبي عبد الله أصحابه في عشرة مواضع أنه لابأس بذلك، ولعل أبا عبد الله تكلم بهذا في وقت العمل من قوله على ما رواه الجماعة، بأنه لابأس للإمام أن يزيد في ذلك وينقص ... » ا. هـ. 4 ذكر الخلال (2) أن الجماعة نقلوا عن أحمد كراهية (3)   (1) 140) أهل الملل، 1/169. (2) 141) أهل الملل، 1/280. (3) 142) ليس المقصود بالكراهية هنا الكراهة الاصطلاحية، بل المراد المنع وعدم حل نكاح إماء أهل الكتاب، وهذا ظاهر من النصوص التي نقلت عن الإمام أحمد، فقد سأله أبو طالب عن التزويج بالأمة اليهودية والنصرانية؛ فقال: لا والله. قال الله عزوجل: (من فتياتكم المؤمنات (النساء، الآية: 25. ونقل المروذي عنه نحوها، وفي رواية إسحاق بن منصور قال: لا يتزوجها. وفي رواية ابن إبراهيم قال: لا يجوز والله. وساق الآية الآنفة. انظر أهل الملل، 1/276 وما بعدها، والمسائل التي حلف عليها أحمد، لابن أبي يعلى، تحقيق الحداد، ص34. ... قال ابن قدامة في المغني، 9/554، عند قول الخرقي: «وليس للمسلم وإن كان عبداً أن يتزوج أمة كتابية» . قال: «لأن الله تعالى قال: {من فتياتكم المؤمنات} . هذا ظاهر مذهب أحمد، رواه عنه جماعة ... » . ثم ذكر رواية الجواز، ثم قال: «ونقل ذلك عن أحمد، قال: لا بأس بتزويجها. إلا أن الخلال رد هذه الرواية، وقال: إنما توقف أحمد فيها، ولم ينفذ له قول، ومذهبه أنها لا تحل ... » . ... وقال المرداوي في الإنصاف، 20/355: «قوله: وليس للمسلم وإن كان عبداً نكاح أمة كتابية. هذا الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب، ونص عليه في رواية أكثر من عشرين نفساً. قاله أبو بكر. وعنه: يجوز. وردها الخلال، وقال: إنما توقف الإمام أحمد رحمه الله فيها، ولم ينفذ له قول» . ... وانظر: الروايتين، 2/104، والكافي، لابن قدامة، تحقيق د. عبد الله التركي، 4/278، والشرح الكبير، 20/355، وشرح الزركشي، 5/188. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 195 التزويج بإماء أهل الكتاب، وممن نقل ذلك أبو داود (1) ، وأبو طالب، والمَرُّوذِي، وإسحاق بن منصور، وإسحاق بن إبراهيم (2) ،وصالح (3) ،والميموني (4) ، وغيرهم. ونقل أحمد بن القاسم عن أحمد قوله: «إن الكراهية في ذلك ليست بالقوية ... » (5) . وفي رواية الأثرم أجاب بذكر الاختلاف (6) ، ثم قال الخلال (7) : «لم ينفذ لأبي عبد الله قول يعمل عليه في هذا، وإنما حكى قلة تقوية ذلك عنده، والعمل على ما روى عنه الجماعة من كراهيته ذلك. وبالله التوفيق» ا. هـ. 5 جاء في باب (الرجل يتبع قرابته المشرك) . يعني جنازته، وبعد أن ساق الروايات فيه قال الخلال (8) : «قال أبو بكر الخلال: كأن أبو عبد الله لايعجبه ذلك في مسألة محمد بن موسى (9) ، ثم روى هؤلاء الجماعة أنه لا بأس ... » . ومن الجماعة المشار إليهم بقوله: «هؤلاء الجماعة» ممن ساق روايتهم في ذلك: محمد بن الحسن بن هارون (10)   (1) 143) انظر مسائله عن أحمد، ص160. (2) 144) انظر مسائله عن أحمد، 1/219. (3) 145) انظر مسائله عن أحمد، 2/224، 228، بتحقيق: د. فضل الرحمن. (4) 146) انظر رواياتهم في أهل الملل، 1/276، 278. (5) 147) أهل الملل، 1/279. (6) 148) أهل الملل، 1/279. (7) 149) أهل الملل، 1/280. (8) 150) أهل الملل، 1/301، 302. (9) 151) هكذا في المطبوع، ورواية محمد بن موسى المشار إليها يرى الإمام أحمد جواز تشييع المسلم جنازة المشرك. وهذا بخلاف ما قرره الخلال أعلاه. ... انظر: أهل الملل، 1/297، وأحكام أهل الذمة، 1/204. ... ومحمد بن موسى هو: محمد بن موسى بن مُشَيش البغدادي، من كبار أصحاب أحمد، وكان جاراً له، روى عنه مسائل مشبعة، وكان أحمد يقدمه. ... الطبقات، 1/323، والمناقب، ص511، والمنهج الأحمد، 2/32. (10) 152) هو محمد بن الحسن بن هارون بن بَدينا، أبو جعفر، الموصلي، حدَّث عن أحمد، وروى عنه مسائل، توفي سنة 303هـ، وقيل 308هـ. الطبقات، 1/288290، والمنهج الأحمد، 1/335،336. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 196 ، وأبو طالب، وحنبل، وإسحاق بن منصور، وصالح (1) . 6 جاء في باب (أم ولد النصراني تسلم) ، وبعد أن ذكر الروايات في الباب قال (2) : «قلت: الذي أذهب إليه من قول أبي عبد الله بعد ما روى عنه الجماعة التوقف، والاحتجاج في الأقاويل ما حكى عنه إسحاق ابن منصور، والمشكاني (3) أنه ممنوع من وطئها وبيعها ... وإذا مات فهي حرة» . فقوله: «بعد ما روى عنه الجماعة التوقف» . يعني بالجماعة أولئك الرواة الذين ذكر رواياتهم في هذا الباب، وهم: أبو بكر المَرُّوذِي، والفضل بن زياد (4) ، وأبو طالب، ويوسف بن موسى (5) ، وحرب، وهذه الروايات تفيد توقف الإمام أحمد (6) .   (1) 153) انظر نصوص رواياتهم في أهل الملل، 1/297، 301. (2) 154) أهل الملل، 1/311. وانظر نصوص الروايات فيه، 1/309، 311. (3) 155) هو أبو طالب، أحمد بن حميد المشكاني. (4) 156) هو الفضل بن زياد، أبو العباس القطان البغدادي، كان من المتقدمين عند أحمد، وعنده عنه مسائل كثيرة، وكان يصلي بأبي عبد الله. ... الطبقات، 1/251 253، والمنهج الأحمد، 2/148 وما بعدها. (5) 157) يوسف بن موسى، يوجد بهذا الاسم اثنان من أصحاب الإمام أحمد، الأول: يوسف بن موسى بن راشد، أبو يعقوب، القطَّان، الكوفي، نقل عن أحمد أشياء، كان من أوعية العلم، ولد سنة نيّف وستين ومائتين، وتوفي سنة 243هـ. ... والثاني: هو يوسف بن موسى العطار الحربي، روى عن الإمام أحمد أشياء، كان يهودياً، أسلم على يدي أبي عبد الله وهو حدث، فحسن إسلامه، ولزم العلم، ولزم أحمد حتى كان ربما يتبرم به من كثرة لزومه له. ... الطبقات، 1/420، 421، والسير، 12/221، 222، والمنهج الأحمد، 1/221، 2/180. (6) 158) انظر الروايات في أهل الملل، 1/309. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 197 ومما تقدم من النقول الستة يلاحظ أن هذا المصطلح (رواه الجماعة) لم يضبط بعدد أو معدود لدى الخلال، بل نرى أن عدداً من الرواة قلة أو كثرة يتفاوتون حين النص على هذا المصطلح، مما يدل على عدم تحديدهم واختلاف أعيانهم، وهذا مخالف لتحديد بعض المتأخرين. وقد سار سير الخلال في عدم التحديد بعدد أو معدود جمع من الأصحاب من المتوسطين والمتأخرين، وهذه بعض النصوص الدالة على هذا: 1 جاء في كتاب الروايتين والوجهين، لأبي يعلى (1) في مواطن كثيرة تدل على ما تقرر آنفاً، منها: أ) قال القاضي في مسألة العدد المشترط في تطهير نجاسة الكلب والخنزير (2) : «فنقل الجماعة: صالح، وعبد الله، وابن منصور، أنه يجب غسلها سبعاً إحداها بالتراب» . ب) وقال في المسألة التي تليها (3) : «فنقل الجماعة، منهم: أبو الحارث ... » . وأبو الحارث هو: أحمد بن محمد الصائغ (4)   (1) 159) استخدم القاضي هذا المصطلح كثيراً في كتابه المذكور أعلاه، ومما ينبغي التنبيه عليه أن القاضي تلميذ لابن حامد شيخ المذهب في عصره، وابن حامد اعتنى بجمع روايات الإمام أحمد، ونقلها بأسانيدها، وقد ألف في ذلك كتاباً كبيراً سماه: (الجامع في المذهب) ، بلغ نحو أربعمائة جزء. انظر في ذلك طبقات الحنابلة، 2/171 174. ... وأبو يعلى هو محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد الفراء، شيخ الحنابلة، القاضي، صاحب التصانيف المشتهرة، منها: (العدة في أصول الفقه) ، و (كتاب الروايتين والوجهين) ، وغيرهما، توفي سنة: 458هـ. انظر: الطبقات: 2/193، والعبر: 2/309، والشذرات: 3/306. (2) 160) الروايتين 1/64. (3) هي مسألة صوف الميتة وشعرها، هل هو طاهر أم نجس؟ الروايتين، 1/65. (4) 162) هو: أحمد بن محمد الصائغ، كان أحمد يقدمه ويكرمه، ونقل عنه مسائل كثيرة، وجوَّد الرواية عنه. ... الطبقات، ص 74 وما بعدها، والمنهج الأحمد، 2/60. ... الجزء: 11 ¦ الصفحة: 198 ، وهو ممن لا يشمله المصطلح عند من حدده. ج) وقال أيضاً في مسألة طهارة جلود الميتة بالدباغ (1) : «فنقل الجماعة، منهم: صالح، وعبد الله، والأثرم، وحنبل، وابن منصور، وأبو الصقر (2) أنها لا تطهر بالدباغ ... » . د) وقال في مسألة وجوب المضمضة في الطهارة الصغرى (3) : «فنقل الجماعة، منهم: إبراهيم بن هانئ (4) أنها واجبة ... » . هـ) وقال في مسالة تنشيف الأعضاء من ماء الوضوء (5) : «فنقل جماعة منهم: أبو داود، ويعقوب بن بختان، وصالح أنه غير مكروه … » . و) وقال في مسألة بطلان التيمم بخروج الوقت (6) : «فنقل الجماعة، ومنهم: أبو طالب، والمَرُّوذِي، وأبو داود، ويوسف بن موسى أنه يبطل بخروج الوقت ... » . ز) وقال في مسألة ابتداء مدة المسح (7) : «فنقل الجماعة: بكر بن محمد (8) ، والفضل، وأبو الحارث، وصالح من وقت الحدث بعد لبس الخف» .   (1) 163) الروايتين 1/66. (2) 164) هو يحيى بن يزداد الورَّاق، أبو الصَّقر، ورَّاق الإمام أحمد، وعنده عنه مسائل كثيرة، كان مع الإمام أحمد بالعسكر. ... الطبقات، 1/409، والمنهج الأحمد، 2/174. (3) 165) الروايتين 1/70. (4) 166) هو إبراهيم بن هانئ، أبو إسحاق النيسابوري، نقل مسائل كثيرة عن الإمام أحمد، واختفى الإمام أحمد عنده زمن الواثق أياماً، توفي سنة 265هـ. ... الطبقات، 1/97، 98، والمناقب، ص509، والمنهج الأحمد، 1/248 وما بعدها، والشذرات، 2/149. (5) 167) الروايتين، 1/76. (6) 168) الروايتين، 1/90. (7) 169) الروايتين، 1/96. (8) 170) هو بكر بن محمد النسائي (الأصل) ، أبو أحمد البغدادي (المنشأ) ، كان أحمد يكرمه ويقدمه، وعنده عنه مسائل كثيرة. ... الطبقات، 1/119، والمنهج الأحمد، 1/80. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 199 ح) وفي المسألة التي تليها (1) قال: «فنقل الجماعة: صالح، وحنبل، وأبو داود، ويوسف بن موسى، يستأنف الوضوء» . ط) وقال في مسألة ما يجب بوطء الحائض مع العلم بالتحريم (2) : «فنقل الجماعة، منهم: المَرُّوذِي، وإسماعيل بن سعيد (3) يتصدق بدينار أو بنصف دينار» . ي) وقال في مسألة أكثر الحيض (4) : «فنقل الجماعة، منهم: أبو داود، والفضل بن زياد، والميموني، وإسحاق بن إبراهيم» . ك) وقال في مسألة قراءة الفاتحة هل تتعين في الصلاة؟ (5) : «فنقل الجماعة، منهم: إسحاق بن إبراهيم، وأبو الحارث، وعلي بن سعيد أنها تتعين» . ل) وقال في مسألة البسملة هل هي من فاتحة الكتاب؟ (6) : «فنقل الجماعة، منهم: عبد الله، ومهنا (7) ،وإسحاق بن إبراهيم، وابن مشيش (8) ، وحنبل، وأبو طالب أن قراءتها تستحب في الصلاة، وإن سها أن يقرأها أجزأته صلاته، وهذا يدل على أنها ليست آية من الفاتحة ... » .   (1) 171) وهي هل يكتفى بغسل القدمين عند نزع الخفين بعد المسح عليهما؟ ، الروايتين، 1/97. (2) 172) الروايتين، 1/101. (3) 173) إسماعيل بن سعيد، أبو إسحاق الشَّالَنْجي، نقل عن أحمد مسائل كثيرة، وله كتاب (ترجمة البيان) ، كان عالماً بالرأي. ... الطبقات، 1/104، والمنهج الأحمد، 2/73، 74. (4) 174) الروايتين، 1/104. (5) 175) الروايتين، 1/117. (6) 176) الروايتين، 1/117، 118. (7) 177) هو مهنَّا بن يحيى الشَّامي السُّلمي، أبو عبد الله، من كبار أصحاب الإمام أحمد، روى عنه مسائل أكثر من أن تحد من كثرتها، وكان أحمد يكرمه، وصحب أحمد إلى أن مات، قال مهنا: «لزمت أبا عبد الله ثلاثاً وأربعين سنة ... » . ... الطبقات، 1/345، والمناقب، ص511، والمنهج الأحمد، 2/161. (8) 178) هو محمد بن موسى، وقد تقدمت ترجمته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 200 م) وقال في مسألة صفة الدية المغلظة (1) : «فنقل الجماعة: أبو الحارث، وبكر بن محمد، وحرب، وابن منصور أنها أرباع ... » . ن) وقال في مسألة إلحاق الطفل المسبي مع أحد أبويه لأحدهما في الدين (2) : «نقل الجماعة، منهم: صالح، والميموني، وابن إبراهيم إذا سبي مع أحد أبويه فهو مسلم. فظاهر هذا أنه تابع للسابي في الدين ... قال أبو بكر: ما رواه الكوسج قول أول، والعمل على ما رواه الجماعة أنه مسلم» . س) قال في مسألة إذا خير زوجته فاختارت زوجها فهل يقع الطلاق؟ (3) : «فنقل الجماعة، منهم: أبو الحارث، وأبو طالب، والمشكاني (4) : لا يقع الطلاق. ونقل ابن منصور أنها طلقة رجعية. قال أبو بكر: العمل على مارواه الجماعة» . فهذه النقول الكثيرة (5) تدل دلالة واضحة لا لبس فيها على أن مصطلح (رواه الجماعة) غير محدد بعدد، أو معين بذوات كما قرره بعض متأخري الأصحاب. 2 جاء في كتاب التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة، لأبي يعلى (6) ، في مواطن منه تؤيد ما سبق تقريره، منها:   (1) 179) الروايتين، 2/270. (2) 180) الروايتين، 2/368. (3) 181) الروايتين،2/150. (4) 182) هكذا في المطبوع، وهو موهم، فالمشكاني هو أبو طالب، ولعل صواب العبارة: «وأبو طالب المشكاني» . انظر: الطبقات، 1/39. (5) 183) ولمزيد من الأمثلة انظر: الروايتين، 1/140، 204، 316، 317، 341، 2/11، 36، 67، 72، 98، 121، 141، 155، 182، 255، 261، 277، 31. (6) 184) حقق عواض العمري منه (كتاب الحج) في رسالة علمية، وهو المراد هنا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 201 أ) قال أبو يعلى في مسألة نكاح المحرم لنفسه ولغيره باطل (1) : «نص عليه في رواية الجماعة: الميموني، وابن منصور، وأحمد بن أبي عبدة (2) ، وغير ذلك» . ب) وقال في مسالة من دفع من مزدلفة قبل نصف الليل، أو لم يبت بها لغير عذر (3) : « ... ونقل الجماعة عنه: الأثرم، وابن إبراهيم، وأبو طالب، والمَرُّوذِي إذا ترك ليالي منى لا دم عليه، فَيُخَرَّج في ليلة مزدلفة كذلك» . 3 جاء في الأحكام السلطانية في مواضع ما يدل على عدم التحديد، ومنها: أ) ما جاء في حكم تارك الصلاة، وفيه ما نصه: « ... نص على ضرب عنقه في رواية الجماعة: صالح، وحنبل، وأبي الحارث» (4) . ب) قال القاضي: «وأما الحج ففرض عند أحمد على الفور، فيتصور تأخيره عن وقته، وقد قال أحمد في رواية الجماعة، منهم: عبد الله، وإسحاق، وإبراهيم، وأبو الحارث: من كان موسراً وليس به أمر يحبسه، فلم يحج لا تجوز شهادته» (5) .   (1) 185) التعليق الكبير (كتاب الحج) ، 2/558. (2) 186) هو أحمد بن أبي عبدة، أبو جعفر الهمداني، كان أحمد يكرمه، ونقل عن أحمد مسائل كثيرة، توفي قبل وفاة الإمام أحمد. ... الطبقات، 1/84، والإنصاف، 30/402، والمنهج الأحمد، 2/66. (3) 187) التعليق الكبير (كتاب الحج) ، 2/714. (4) 188) الأحكام السلطانية، لأبي يعلى، ص 261. (5) 189) المرجع السابق، ص 262. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 202 4 جاء في كتاب الانتصار في المسائل الكبار (1) ، لأبي الخطاب (2) ، في مواطن منه ما يدل على عدم التحديد كما سلف، ومنها: أ) قال أبو الخطاب (3) : «مسألة: صوف الميتة وشعرها وريشها طاهر. نص عليه في رواية الجماعة، فقال في رواية حنبل ... وفي رواية الجرجاني (4) ... وفي رواية الميموني ... ونحو ذلك روى غيرهم» . ب) وقال أيضا (ً (5) : «مسألة: سؤر الكلب نجس، ويجب غسله سبعاً إحداهن بالتراب. نص عليه في رواية الجماعة: صالح، والمَرُّوذِي، وابن منصور، وأبي داود، ومهنا ... » . ج) وقال أيضا (ً (6) : « ... ونقل الجماعة: حرب، وأبو داود، وأبو طالب، وأحمد بن أبي عبدة، والحسن بن أحمد (7)   (1) 190) والمحقق منه مسائل الطهارة، بتحقيق د. سليمان العمير، ومسائل الصلاة، بتحقيق د. عوض العوفي، ومسائل الزكاة، بتحقيق د. عبد العزيز البعيمي، وكلها مطبوعة في ثلاث مجلدات. (2) 191) هو محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكَلْوَذَانيّ، أبو الخطَّاب، أحد أئمة المذهب وأعيانهم، لزم القاضي حتى برع في المذهب، وصار إمام وقته، له مصنفات في المذهب، منها (الهداية) ، و (العبادات الخمس) ، و (رؤوس المسائل) ، وغيرها، ولد سنة 432هـ، وتوفي سنة 510هـ. ... ... الطبقات، 2/258، والمنهج الأحمد، 3/57 65، والشذرات، 4/27. (3) 192) الانتصار، 1/196، وانظر: الروايتين، 1/65. (4) 193) هو محمد بن بندار السباك الجرجاني، أبو بكر، أحد من روى عن الإمام أحمد. الطبقات، 1/287، والمنهج الأحمد، 2/14، 15. (5) 194) الانتصار، 1/478، وانظر: الروايتين، 1/64. (6) 195) الانتصار، 2/151. (7) 196) هو الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنا البغدادي، أبو علي، صاحب التصانيف في علوم شتى، منها: (شرح الخرقي) ، و (الكامل في الفقه) ، و (الخصال والأقسام) ، ولد سنة 396هـ، وتوفي سنة 471هـ. ... الطبقات، 2/243، والذيل على الطبقات، 1/32، والمنهج الأحمد، 2/405. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 203 ..» . 5 جاء في المغني، لابن قدامة في مواطن ما يؤكد ذلك، ومنها: أ) قال في مسألة دفع الزكاة للقريب الوارث كالأخوين اللَّذين يرث أحدهما الآخر (1) : «ففيه روايتان: أحدهما: يجوز لكل واحد منهما دفع زكاته إلى الآخر، وهي الظاهرة عنه، رواها عنه الجماعة، وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم، وإسحاق بن منصور ... » . ب) وقال في مسألة الرجل يطلق امرأته ويختلفان في المتاع (2) : «قال أحمد في رواية الجماعة، منهم: يعقوب بن بختان ... » . 6 جاء في شرح العمدة، لابن تيمية ذكر هذا المصطلح في مواطن دون تحديد كما سلف، ومنها: أ) قال ابن تيمية (3) : «وإن كان هناك حائل يمنع رؤيته، وهو أن يكون دون مطلعه ومنظره سحاب أو قتر، يجوز أن يكون الهلال تحته قد حال دون رؤيته؛ فالمشهور عن أبي عبد الله رحمه الله أنه يصام من رمضان، ويجزئ إذا تبين أنه من رمضان، ولا يجب قضاؤه. نقله عنه الجماعة، منهم: ابناه، والمَرُّوذِي، والأثرم، وأبو داود، ومهنا، والفضل ابن زياد» . ب وقال في مسألة تبييت النية في صوم رمضان (4) : «قال في رواية الجماعة: صالح، وعبد الله، وإبراهيم، وابن منصور يحتاج في شهر رمضان أن يجمع في كل يوم على الصوم» . 7 جاء في أحكام أهل الذمة، لابن القيم (5) ما نصه: «وقد ذهب بعضهم إلى أنه يرث المسلم الكافر بالموالاة، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، نص عليه في رواية الجماعة: حنبل، وأبي طالب والمَرُّوذِي، والفضل بن زياد ... » .   (1) 197) المغني، 4/99، وانظر: الشرح الكبير 7/299. (2) 198) المغني، 14/334. (3) 199) كتاب الصيام من شرح العمدة، بتحقيق زائد النشيري، 1/77. (4) 200) المرجع السابق، 1/198، وانظر مسألة إذا احتجم وهو صائم، 1/406. (5) 201) بتحقيق د. صبحي الصالح، 2/472. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 204 8 جاء في الآداب الشرعية (1) نقلاً عن القاضي ما نصه: «وقال القاضي: هل يكره فصد العروق أم لا؟ على روايتين: إحداهما لا يكره؛ نص عليها في رواية الجماعة، منهم: صالح، وجعفر (2) ... » . 9 جاء في النكت والفوائد السنية (3) ذكر هذا المصطلح من غير تحديد أيضاً في مواضع منها: أ) قال ابن مفلح (4) : «قوله: ولاحيض مع الحمل. نص عليه في رواية الجماعة: الأثرم، وإبراهيم الحربي، وأبي داود، وحمدان بن علي (5) وغيرهم ... » . ب) وقال أيضا (ً (6) : «قال القاضي: نقل الجماعة: بكر بن محمد، ومهنا، وأبو طالب، وأحمد بن الحسن بن حسان (7) ، وصالح ... » .   (1) 202) لابن مفلح، تحقيق شعيب الأرنؤوط وعمر القيام، 2/444. (2) 203) يوجد بهذا الاسم (جعفر) من أصحاب أحمد كثير، انظر: الطبقات، 1/122127. (3) 204) على مشكل المحرر، لابن مفلح، والمطبوع مع المحرر. (4) 205) النكت، 1/26، وابن مفلح هو: هو محمد بن مُفْلح بن محمد بن مفرّج المقدسي، شمس الدين، أبو عبد الله، برع في علم الفروع، وكان غاية في نقل مذهب الإمام أحمد، له مصنفات منها: (الفروع) ، وله حاشية على المقنع، وغيرهما، وتوفي سنة 763هـ. ... المنهج الأحمد، 5/118، 120، والشذرات، 6/199. (5) 206) هو محمد بن علي بن عبد الله بن مهران بن أيوب، أبو جعفر، الورّاق، الجُرْجاني الأصل، يعرف بحمدان، كان من نُبلاء أصحاب أحمد، وعنده عنه مسائل حسان، توفي سنة 272هـ، ودفن بمقبرة الإمام أحمد. ... ... الطبقات، 1/308، 309، والسير، 13/49، 50، والمنهج الأحمد، 1/262. (6) 207) النكت، 1/64. (7) 208) كذا في النكت، والموجود في الطبقات، 1/39: «أحمد بن الحسين بن حسان، من أهل سُرّ من رأى، صحب إمامنا أحمد، وروى عنه أشياء ... » ا. هـ. وانظر: المنهج الأحمد، 2/48. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 205 ج) وقال أيضاً (1) : «نقل الجماعة: المَرُّوذِي، وأبو داود، وحرب، والميموني، لا تجوز شهادة بعضهم على بعض ... » . يعني أهل الذمة. 10 جاء في شرح الزركشي (2) عند مسألة التيمم لكل صلاة ما نصه: «هذا هو المذهب المشهور، المعمول به عند الأصحاب من الروايات. مع أن القاضي في التعليق لم يحك به نصاً، وإنما قال: أطلق أحمد القول في رواية الجماعة: أبي طالب، والمَرُّوذِي، وأبي داود، ويوسف بن موسى أنه يتيمم لكل صلاة، ومعناه: لوقت كل صلاة ... » . 11 ما جاء في القواعد والفوائد الأصولية (3) في مسألة طلاق الصبي: « ... عن أحمد رحمه الله في ذلك روايتان. إحداهما لا يقع حتى يبلغ. نقل أبو طالب: لا يجوز طلاقه حتى يحتلم. والأصحاب على وقوع طلاقه. وهو المنصوص عن الإمام في رواية الجماعة. منهم صالح، وعبد الله، وابن منصور، والحسن بن ثواب (4) ، والأثرم، وإسحاق بن هانئ، والفضل بن زياد، وحرب، والميموني» . 12 جاء في الإنصاف (5) ، حين ذكر رواية من ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب فهو غني قال: «ونقلها الجماعة عن أحمد، قلت: نقلها الأثرم، وابن منصور، وإسحاق بن إبراهيم، وأحمد بن هاشم الأنطاكي (6)   (1) 209) النكت، 2/281. (2) 210) على مختصر الخرقي، بتحقيق: د. عبد الله الجبرين، 1/359. (3) 211) لابن اللحام، ص 26. (4) 212) هو الحسن بن ثواب، أبو علي الثعلبي، المخرمي، كان الإمام أحمد يأنس به، وكان عنده عن أحمد مسائل مشبعة، توفي سنة 268هـ. الطبقات، 1/131 وما بعدها، والمنهج الأحمد، 1/255 وما بعدها. (5) 213) للمرداوي، والمطبوع مع المقنع والشرح الكبير، بتحقيق: د. عبد الله التركي، 7/217، 218، وانظر 22/134، 135. (6) 214) هو أحمد بن هاشم بن الحكم بن مروان الأنطاكي، نقل عن أحمد مسائل كثيرة حساناً، وكان شيخاً جليل القدر. ... الطبقات، 1/82، والإنصاف، 30/406، والمنهج الأحمد، 2/64. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 206 ، وأحمد بن الحسن (1) ، وبشر بن موسى (2)   (1) 215) وجدت في الطبقات، 1/36،37 اثنين بهذا الاسم هما: أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وأحمد بن الحسن الترمذي، ولعل الأخير هو المراد؛ لأنه من المكثرين الرواية عن أحمد، وممن كان يروي عنه الأكابر كالبخاري وغيره. (2) 216) هو بشر بن موسى بن صالح بن شيخ بن عميرة بن حبان بن سراقة بن مرثد بن حميري، أبو علي الأسدي، البغدادي، روى عن أحمد مسائل صالحة، وكان أحمد يكرمه، ولد سنة 190هـ، وقيل في التي تليها، وتوفي سنة 288هـ. ... الطبقات، 1/121 وما بعدها، والمناقب، ص510، والمنهج الأحمد، 1/311 313 والشذرات، 2/196. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 207 ، وبكر بن محمد، وأبو جعفر بن الحكم (1) ، وجعفر بن محمد (2) ، وحنبل، وحرب، والحسن بن محمد (3) ، وأبو حامد ابن أبي حسان (4) ، وحمدان الوراق، وأبو طالب، وابناه: صالح وعبد الله، والمَرُّوذِي، والميموني، ومحمد ابن داود (5) ، ومحمد بن موسى، ومحمد بن يحيى (6) ، وأبو محمد مسعود ((7) ، ويوسف بن موسى، والفضل بن زياد» .   (1) 217) لم أقف على ترجمته. (2) 218) يوجد بهذا الاسم من أصحاب الإمام أحمد المكثرين عنه الرواية اثنان، الأول: هو جعفر بن محمد النسائي الشقراني الشعراني، أبو محمد، كان أحمد يقدمه ويكرمه ويأنس به. والثاني جعفر بن محمد ابن شاكر الصائغ، أبو محمد، ولد قبل التسعين ومائة، وتوفي سنة 279هـ. انظر: الطبقات 1/124 وما بعدها، والإنصاف، 30/407، والمنهج الأحمد، 1/288، 2/83. (3) 219) يوجد عدد من أصحاب الإمام أحمد بهذا الاسم، وهم: الحسن بن محمد بن الصباح، أبو علي الزعفراني، والحسن بن محمد الأنماطي البغدادي، والحسن بن محمد بن الحارث السجستاني. انظر: الطبقات، 1/138، 139. (4) 220) ... لم أقف على ترجمته. (5) 221) هو محمد بن داود بن صبيح، أبو جعفر المصيصي، كان من خواص أبي عبد الله ورؤسائهم، وكان أبو عبد الله يكرمه، ويحدثه بأشياء لا يحدث بها غيره، نقل عنه مسائل كثيرة مصنفة على نحو مسائل الأثرم، ولكن لم يدخل فيها حديثاً. ... الطبقات، 1/296، والإنصاف، 30/414، والمنهج الأحمد، 2/20. (6) 222) يوجد بهذا الاسم من أصحاب أحمد أربعة هم: محمد بن يحيى بن أبي سمينة المتوفى سنة 287هـ، ومحمد بن يحيى الكحال، له مسائل كثيرة عن أبي عبد الله، وهو من كبار أصحاب الإمام أحمد، ومحمد بن يحيى النيسابوري، ومحمد بن يحيى بن منده الأصبهاني. انظر الطبقات، 1/327، 328. (7) 223) لم أقف على ترجمته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 208 وبعد، فأنت أيها القارئ الكريم، تلحظ من خلال النصوص الآنفة، تظافرها في الدلالة على أن هذا المصطلح (رواه الجماعة) لا يراد به التحديد بعدد مقدر ومعدود معين لا يختلف عنهما بحال، وهي من الوضوح والبيان بمكان لا يتطرق إليه شك أو احتمال في الجملة، وهذا أمر لا يحتاج إلى تطويل ومزيد تقرير، وبخاصة أن الأصحاب اعتمدوا كتب الخلال مصدراً لعلوم أحمد وفقهه، وساروا كما ظهر أثناء النقول المتقدمة سيره في التعبير به وفق منهجه الذي سبق بيانه. قال ابن الجوزي عن الخلال وكتبه (1) : «كل من تبع هذا المذهب يأخذ من كتبه» . وقال ابن بدران (2) في المدخل (3) : « ... ومن ثم كان جامع الخلال هو الأصل لمذهب أحمد، فنظر الأصحاب فيه، وألّفوا كتب الفقه منه» . الفصل الخامس: فائدة التعبير به. يظهر والله أعلم أن الخلال أراد أن يجعله من الدلائل التي يستفاد منها معرفة مذهب الإمام أحمد رحمه الله في المسألة. يقول أبو بكر الخلال (4) : « ... ولأن بعض من يظهر أنه يقلد مذهب أبي عبد الله ربما كنا معهم في مؤنة عظيمة من توهمهم للشيء من مذهب أبي عبد الله، أو تعلقهم بقول واحد، ولا يعلمون قول أبي عبد الله من قبل غير ذلك الواحد، وأبو عبد الله يحتاج من يقلد مذهبه أن يعرفه من رواية جماعة ... » .   (1) 224) في كتابه المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، بتحقيق محمد عطا، ومصطفى عطا، 13/221. (2) 225) هو عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بن عبد الرحيم بن محمد بدران، المعروف بابن بدران، ولد في دوما إحدى القرى القريبة من دمشق، له تصانيف عديدة منها: شرح روضة الناظر، وكتاب المدخل إلى مذهب الإمام أحمد وغيرهما، توفي سنة 1346هـ. انظر:الأعلام، للزركلي،4/37. (3) 226) إلى مذهب الإمام أحمد، بتحقيق: د. عبد الله التركي، ص 124. (4) 227) أهل الملل والردة، 1/214. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 209 ومما لا شك فيه أن معرفة مذهب الإمام أحمد ورأيه في المسألة يحتاج إلى سبر لما رواه تلاميذه عنه فيها، فلا يعول على رواية دون الاطلاع على سائر الروايات عنه، ومن ثم يجزم بأنها مذهبه. ومما يعرف به مذهب الإمام كثرة من نقل الرواية عنه وهو ما يسمى (بالجماعة) ، قال ابن تيمية (1) : «وما انفرد به بعض الرواة عن الإمام وقوي دليله فهو مذهبه، وقيل: لا، بل ما رواه جماعة بخلافه» .   (1) 228) المسودة، ص 472، وانظر: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لابن حمدان، ص96، 97، والفروع، 1/69، وكشاف القناع، 1/22، والمدخل، ص133 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 210 وقال المرداوي (1) : «وما انفرد به بعض الرواة وقوي دليله، فهو مذهبه» (2) . وصحَّح هذا القول فقال (3) : «وهو الصحيح قدمه في الرعايتين وآداب المفتي، والشيخ تقي الدين في المسودة، واختاره ابن حامد (4) ، وقال: يجب تقديمها على سائر الروايات؛ لأن الزيادة من الثقة مقبولة في الحديث عند الإمام أحمد، فكيف والراوي عنه ثقة خبير بما رواه. قلت: وهو الصواب (5)   (1) 229) هو: علاء الدين، أبو الحسن، علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي، السعدي، ثم الصالحي، شيخ المذهب، ومحققه، ومنقحه، ومصححه، محرر العلوم، ولد سنة 817هـ، له التصانيف المشهورة، كالإنصاف، وغيره. توفي سنة 885هـ. انظر: المنهج الأحمد، 5/290 298، والشذرات، 7/340. (2) 230) الإنصاف، 30/373. (3) 231) تصحيح الفروع، 1/69، وانظر: الإنصاف، 30/373 وما بعدهما. (4) 232) هو: أبو عبد الله، الحسن بن حامد بن علي بن مروان، البغدادي، إمام الحنابلة في زمانه، ومدرسهم، ومفتيهم، له المصنفات في العلوم المختلفة، وكان يتقوت من النسخ، ويكثر من الحج، توفي راجعاً من الحج سنة 403هـ. انظر: الطبقات، 2/171 والسير، 17/203، والشذرات، 3/166. (5) 233) وهو ما يتفق مع أصول الإمام أحمد يشهد له ما جاء عن الإمام أحمد حين سأله أبو سفيان المستملي، فقال: «سألت أحمد عن مسألة، فأجابني فيها، فلما كان بعد مدة سألته عن تلك المسألة بعينها، فأجابني بجواب خلاف الجواب الأول، فقلت له: أنت مثل أبي حنيفة الذي يقول في المسألة الأقاويل، فتغير وجهه، وقال: يا موسى ليس لنا مثل أبي حنيفة، أبو حنيفة كان يقول بالرأي، وأنا أنظر في الحديث، فإذا رأيت ما هو أحسن أو أقوى أخذت به وتركت القول الأول، وهذا صريح في ترك الأول» . ... المسودة، ص 470، وانظر: أصول الفقه لابن مفلح، 3/952. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 211 والوجه الثاني: لا يكون مذهبه، بل ما رواه الجماعة بخلافه أولى. اختاره الخلال وصاحبه؛ لأن نسبة الخطأ إلى الواحد أولى من نسبته إلى جماعة، والأصل اتحاد المجلس. قلت: وهذا ضعيف، ولا يلزم من تقديم ذلك خطأ الجماعة، وانفراده بذلك يدل على تعدد المجلس، وكونهما في مجلسين أولى للجمع وعدم الخطأ، ويحتمل أن يتحد المجلس ويحصل ذهول أو غفلة والله أعلم» ا. هـ. ومما تقدم يظهر أن المذهب لدى الخلال وصاحبه وغيرهما هو ما اتفق على نقله الجماعة عن الإمام أحمد (1)   (1) نظر: مقدمة في بيان المصطلحات الفقهية على المذهب الحنبلي، ص 15. فهرس المراجع آل تيمية. عبد السلام، وعبد الحليم، وأحمد. المسودة في أصول الفقه. تقديم: محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة المدني. مصر. أبو زيد. بكر بن عبد الله. المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل وتخريجات الأصحاب. ط/ الأولى. دار العاصمة. الرياض: 1417 هـ. ابن أبي يعلى. محمد بن محمد بن الحسين. المسائل التي حلف عليها أحمد. تحقيق: محمود حداد.ط/ الأولى.دار العاصمة. الرياض: 1407هـ. ابن أبي يعلى. محمد بن محمد بن الحسين. طبقات الحنابلة. دار المعرفة. بيروت. ابن الأثير. مبارك بن محمد الجوزي. جامع الأصول من أحاديث الرسول (. إشراف وتصحيح: عبد المجيد سليم، ومحمد حامد الفقي. ط/ الرابعة: 1404هـ 1984م. دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان. ابن الجوزي. عبد الرحمن بن علي. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك. تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا. ط/ الأولى. دار الكتب العلمية بيروت: 1412 هـ. ابن الجوزي. عبد الرحمن بن علي. مناقب الإمام أحمد بن حنبل. ط/ الثالثة. دار الآفاق الجديدة: 1402 هـ. ابن العماد. عبد الحي. شذرات الذهب في أخبار من ذهب. دار الفكر. بيروت: 1414 هـ. ابن بدران. عبد القادر. المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل. تحقيق د. عبد الله التركي ط/ الثانية. مؤسسة الرسالة. بيروت 1401هـ. ابن تيمية. أحمد بن عبد الحليم. شرح كتاب العمدة. والمطبوع منه: أ – كتاب الطهارة. تحقيق: د. سعود العطيشان. ط/ الأولى. مكتبة العبيكان. الرياض: 1413 هـ. ب – كتاب الحج. تحقيق: د. صالح الحسن. ط/ الأولى. مكتبة العبيكان. الرياض: 1413 هـ. ج – كتاب الصلاة. تحقيق: د. خالد المشيقح.ط/ الأولى. دار العاصمة. الرياض: 1418هـ. د – كتاب الصيام. تحقيق: زائد النشيري. ط/ الأولى. دار الأنصاري. مكة المكرمة:1417 هـ. ابن تيمية. عبد السلام (أبو البركات) . المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل. ط/ الثانية. مكتبة المعارف. الرياض: 1404 هـ. والمطبوع معه النكت والفوائد السنية. لابن مفلح. ابن حمدان. أحمد. صفة الفتوى والمفتي والمستفتي. خرج أحاديثه وعلق عليه: محمد ناصر الدين الألباني. ط/ الأولى. المكتب الإسلامي. دمشق: 1380 هـ. ابن حمدان. سليمان بن عبد الرحمن. هداية الأريب الأمجد لمعرفة أصحاب الرواية عن أحمد. تحقيق: الشيخ/ بكر أبو زيد. ط/ الأولى. دار العاصمة. الرياض: 1418 هـ. ابن حميد. محمد بن عبد الله. السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة. تحقيق: الشيخ/ بكر أبو زيد، ود. عبد الرحمن العثيمين. ط/ الأولى. مؤسسة الرسالة. بيروت: 1416 هـ – 1996 م. ابن حنبل. أحمد بن محمد. الجامع في العلل ومعرفة الرجال. رواية ابنه عبد الله وابنه صالح. والمروذي. والميموني. اعتنى به: محمد حسام بيضون. ط/ الأولى. مؤسسة الكتب الثقافية: 1410 هـ. ابن حنبل. أحمد بن محمد. مسند الإمام أحمد بن حنبل. فهرس رواة المسند: محمد بن ناصر الدين الألباني. مؤسسة قرطبة. ابن حنبل. صالح بن أحمد. مسائل الإمام أحمد بن حنبل. تحقيق: د. فضل الرحمن دين محمد. ط/ الأولى. الدار العلمية. الهند: 1408 هـ. ابن حنبل. عبد الله بن أحمد. مسائل الإمام أحمد بن حنبل.تحقيق:د. علي المهنا. ط/ الأولى. مكتبة الدار بالمدينة المنورة: 1406هـ. ابن رجب. عبد الرحمن. الذيل على طبقات الحنابلة. دار المعرفة. بيروت. ابن عابدين. محمد أمين أفندي. حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار. دار الفكر. ط/ الثانية: 1386 هـ 1966م. ابن عابدين. محمد أمين أفندي. مجموعة رسائل ابن عابدين. دار إحياء التراث العربي. ييروت. لبنان. ابن قدامة. عبد الرحمن بن محمد. الشرح الكبير. تحقيق: د. عبد الله التركي، ود. وعبد المفتاح الحلو. ط/ الأولى. دار هجر للطباعة والنشر. القاهرة: 1414 هـ. والمطبوع مع المقنع والإنصاف. ابن قدامة. عبد الله بن أحمد. المغني. تحقيق د. عبد الله التركي، ود. عبد الفتاح الحلو. دار هجر للطباعة والنشر. ط/ الأولى 1406 هـ. ابن قدامة. عبد الله بن أحمد. الكافي. تحقيق: د. عبد الله التركي. ط/ الأولى.دار هجر للطباعة والنشر. مصر: 1417هـ 1997م. ابن قيم الجوزية. محمد بن أبي بكر. أحكام أهل الذمة. تحقيق: د. صبحي الصالح. ط/ الثالثة. دار العلم للملايين. بيروت: 1983م. ابن قيم الجوزية. محمد بن أبي بكر. إعلام الموقعين عن رب العالمين. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. ابن قيم الجوزية. محمد بن أبي بكر. الطرق الحكمية في السياسة الشرعية. تحقيق: محمد حامد الفقي. دار الكتب العلمية. بيروت. ابن قيم الجوزية. محمد بن أبي بكر. تحفة المودود بأحكام المولود. تحقيق: محمد أبو العباس. مكتبة القرآن. القاهرة. ابن قيم الجوزية. محمد بن أبي بكر. زاد المعاد في هدي خير العباد. تعليق وتخريج: شعيب الأرنؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط. ط/ الخامسة والعشرين. مؤسسة الرسالة. بيروت: 1412 هـ. ابن مفلح. إبراهيم بن محمد. المبدع في شرح المقنع. المكتب الإسلامي. بيروت: 1980 م. ابن مفلح. محمد. أصول الفقه (القسم الثاني من الكتاب) . تحقيق: فهد بن محمد السدحان (رسالة علمية مقدمة لنيل درجة الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: 1404 هـ) . ابن مفلح. محمد. الآداب الشرعية والمنح المرعية. تحقيق: شعيب الأرنؤوط، وعمر القيام. ط/ الثانية.مؤسسة الرسالة. بيروت: 1417 هـ – 1997 م. ابن مفلح. محمد. الفروع. مراجعة عبد اللطيف السبكي. ط/ الثالثة. عالم الكتب. بيروت: 1402 هـ. ابن مفلح. محمد. النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر. ط/ الثانية. مكتبة المعارف. الرياض: 1404 هـ. والمطبوع مع المحرر. ابن مندة. محمد بن إسحاق بن يحيى. الإيمان. تحقيق وتعليق وتخريج: الدكتور: علي بن محمد الفقيهي. ط/3: 1407هـ 1987م. مؤسسة الرسالة. بيروت. ابن منظور. محمد بن مكرم. لسان العرب. دار صادر. بيروت. ابن هانئ. إسحاق بن إبراهيم. مسائل الإمام أحمد. تحقيق: زهير الشاويش. المكتب الإسلامي. بيروت: 1400هـ. ابن هبيرة. يحيى بن محمد. الإفصاح عن معاني الصحاح. المؤسسة السعيدية بالرياض. البعلي. علاء الدين علي بن محمد (ابن اللحام) . القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية. تحقيق: محمد حامد الفقي. مطبعة السنة المحمدية. القاهرة:1375 هـ. البعلي. علاء الدين علي بن محمد. الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. تصحيح: عبد الرحمن حسن محمود. المؤسسة السعيدية بالرياض. البعلي. محمد بن أبي الفتح. المطلع على أبواب المقنع. ومعه معجم ألفاظ الفقه الحنبلي. صنع: محمد بشير الأدلبي. ط/ 1401هـ 1981م. المكتب الإسلامي بيروت ودمشق. البُهوتي. منصور بن يونس. شرح منتهى الإرادات. نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية. البهوتي. منصور بن يونس. كشاف القناع عن متن الإقناع. تعليق ومراجعة: هلال مصيلحي. دار الفكر. بيروت: 1402هـ. الجراعي. تقي الدين أبو بكر بن زيد. غاية المطلب في معرفة المذهب. (من أول الكتاب حتى نهاية الهبة) . تحقيق: أيمن بن محمد العمر. (رسالة علمية مقدمة لنيل درجة الماجستير من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: 1416 هـ) . الخلال. أحمد بن محمد. أهل الملل والردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض من كتاب الجامع. تحقيق: د. إبراهيم السلطان. ط/ الأولى. مكتبة المعارف. الرياض: 1416 هـ. الذهبي. محمد بن أحمد. تذكرة الحفاظ. دار إحياء التراث العربي. الذهبي. محمد بن أحمد. سير أعلام النبلاء.حُقق بإشراف:شعيب الأرنؤوط.ط/ الثالثة. مؤسسة الرسالة. بيروت: 1405هـ. الذهبي. محمد بن أحمد. العبر في خبر من غبر. تحقيق: محمد السعيد زغلول. دار الكتب العلمية. بيروت. الرازي. محمد بن أبي بكر. مختار الصحاح. دار الكتاب العربي. بيروت. 1401 هـ. الزركشي. محمد بن عبد الله. شرح الزركشي على مختصر الخرقي في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل. تحقيق: د. عبد الله الجبرين. طبع بشركة العبيكان للطباعة والنشر. الرياض. الزركلي. خير الدين. الأعلام. الطبعة الثامنة: 1989م. دار العلم للملايين. بيروت. لبنان. السامُرّي. محمد بن عبد الله. المستوعب. تحقيق: د. مساعد الفالح. ط/ الأولى. مكتبة المعارف. الرياض: 1413 هـ. السجستاني. سليمان بن الأشعث (أبو داود) . مسائل الإمام أحمد. تقديم: محمد رشيد رضا. دار المعرفة. بيروت. السعدي. محمد. الجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد بن حنبل. تحقيق: د. محمد زينهم عزب. مكتبة غريب. السيوطي. جلال الدين. تاريخ الخلفاء. ط/ الأولى. دار الكتب العلمية. بيروت: 1408 هـ. السيوطي. جلال الدين. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي. تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف. ط/ الثانية دار الكتب العلمية. بيروت 1399 هـ. الشُّويكي. أحمد بن محمد. التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح. تحقيق: د. ناصر الميمان. ط/ الأولى. المكتبة المكية بمكة المكرمة: 1418 هـ. الطوفي. سليمان بن عبد القوي. شرح مختصر الروضة. تحقيق: د. عبد الله التركي.ط/ الأولى.مؤسسة الرسالة. بيروت: 1410هـ. العليمي. عبد الرحمن بن محمد. المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد. أشرف على التحقيق: عبد القادر الأرنؤوط ط/ الأولى. دار صادر. بيروت. توزيع مكتبة الرشد بالرياض: 1997 م. الفتوحي. محمد بن أحمد. (المعروف بابن النجّار) . شرح الكوكب المنير. تحقيق: محمد الزحيلي، ود. نزيه حماد. جامعة الملك عبد العزيز. مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي: 1400 هـ. الفتوحي. محمد بن أحمد. معونة أولي النهى شرح المنتهى.تحقيق:د. عبد الملك بن دهيش. ط/ الأولى. دار خضر. بيروت: 1416 هـ. الفراء. محمد بن الحسين (أبو يعلى) . الأحكام السلطانية. تحقيق: محمد حامد الفقي. دار الكتب العلمية. بيروت: 1403 هـ. الفراء. محمد بن الحسين (أبو يعلى) . التعليق الكبير في المسائل الخلافية (كتاب الحج) . د. عواض العمري. (رسالة علمية مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الفقه من قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: 1408 هـ) . الفراء. محمد بن الحسين (أبو يعلى) . الجامع الصغير. (قسم العبادات) بتحقيق: محمد التويجري. (رسالة علمية مقدمة لنيل درجة الماجستير من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: 1405 هـ) . الفراء. محمد بن الحسين (أبو يعلى) . المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين. تحقيق د. عبد الكريم اللاحم. ط/ الأولى. مكتبة المعارف. الرياض: 1405 هـ. الفيروز آبادي. محمد بن يعقوب. القاموس المحيط. تحقيق مكتب التراث بمؤسسة الرسالة. ط/ الثانية. مؤسسة الرسالة. بيروت 1407هـ. الفيومي. أحمد بن محمد. المصباح المنير. اعتنى بطباعته: يوسف الشيخ محمد. ط/ الأولى. المكتبة العصرية. القرشي. إسماعيل بن كثير. البداية والنهاية. تحقيق: د. أحمد أبو ملحم وآخرون. ط/ الأولى. دار الكتب العلمية. بيروت: 1405هـ. الكلوذاني. محفوظ بن أحمد (أبو الخطاب) . الانتصار في المسائل الكبار. تحقيق د. سليمان العمير (كتاب الطهارة) ، ود. عوض بن رجاء العوفي (كتاب الصلاة) . ط/ الأولى. مكتبة العبيكان. الرياض: 1413 هـ. الكلوذاني. محفوظ بن أحمد (أبو الخطاب) . الهداية. تحقيق: إسماعيل الأنصاري، وصالح العمري. ط/ الأولى. مطابع القصيم: 1390هـ. مجمع اللغة العربية. المعجم الوسيط. قام بإخراج طبعته د. إبراهيم أنيس وآخرون. المكتبة الإسلامية. استنبول. المرداوي. علي بن سليمان. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. تحقيق: د. عبد الله التركي، ود. عبد الفتاح الحلو. ط/ الأولى. دار هجر للطباعة والنشر. مصر 1414 هـ – 1993م. والمطبوع مع المقنع والشرح الكبير. المرداوي. علي بن سليمان. تصحيح الفروع. مراجعة عبد العزيز السبكي. ط/ الثالثة. دار عالم الكتب. بيروت: 1402 هـ. والمطبوع مع الفروع. المقدسي. عبد الرحمن بن إبراهيم. العدة في شرح العمدة. تعليق: محب الدين الخطيب. ط/ الثانية. المكتبة السلفية. القاهرة. النجدي. عثمان بن أحمد. حاشية المنتهى. تحقيق: د. عبد الله التركي. ط/ الأولى. مؤسسة الرسالة. بيروت: 1419 هـ 1999 م. والمطبوع مع منتهى الإرادات للفتوحي. الهندي. علي بن محمد. مقدمة في بيان المصطلحات الفقهية على المذهب الحنبلي. مطابع قريش: 1388هـ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 212 خاتمة لعل أبرز نتائج البحث في فصوله الخمسة يمكن تدوينها على النحو الآتي: 1 أن صيغ هذا المصطلح متعددة، منها: أ) رواه الجماعة. ب) نقله الجماعة. ج) رواه جماعة. د) نقله جماعة. 2 أن هذا المصطلح نشأ منذ بدايات تدوين فقه الإمام أحمد رحمه الله فقد وجد هذا المصطلح في أعظم مدونات المذهب وأهمها كتاب (الجامع) لمؤلفه: أبو بكر الخلال (ت311هـ) ، ومن ثم تناقله الأصحاب متقدهم ومتأخرهم عنه في مصنفاتهم. 3 أن واضع هذا المصطلح هو أحمد بن محمد الخلال، يشهد له كتابه العظيم (الجامع) ففيه ذكر لهذا المصطلح، كما أن الأصحاب نقلوه منسوباً إليه. 4 أن المراد بمصطلح (رواه الجماعة) : جمع من رواة المسائل عن الإمام أحمد رحمه الله من تلاميذه، بحيث يصدق عليهم وصف الجماعة من غير تحديد بعدد مقدر ومعدود معين. 5 أن فائدة التعبير بهذا المصطلح تتجلى في كونه مما يعرف به المذهب عند المتقدمين كالخلال، فما رواه الجماعة من الدلائل التي يعرف بها المذهب. هذا ما ظهر لي أثناء البحث، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 213 منهج مالك بن أنس في العمل السياسي د. الدكتور أحمد العوضي أستاذ مشارك بقسم الفقه واصوله- كلية الشريعة جامعة مؤتة -الكرك -الأردن ملخص البحث يمثل هذا البحث محاولة للكشف عن منهج مالك بن أنس في العمل السياسي. بدأته بتعريف موجز بشخصية مالك، وعرفت بأشهر شيوخه لبيان مدى استقلاله عنهم وعدم تأثره بهم أو تقليده لهم في منهجه السياسي، وإن توافق معهم في بعض جوانب منهجه، فإنما هو توافق ناشيء عن نظر واجتهاد وليس عن تأثر وتقليد، وتعرضت لمنهجه في سلوكه السياسي وخطابه السياسي مع السلطة الحاكمة، ثم أوضحت منهجه في المشاركة السياسية ومنهجه في موقفه من المعارضة المسلحة (الخروج المسلح) . وتكلمت في الجانب السياسي لأصل فكرة تأليف كتابه "الموطأ"، وأوضحت أثر المصلحة باعتبارها أصلا من أصول الفقه عنده في منهجه السياسي، وختمته بسرد أبرز استنتاجاتي فيه. مقدمة الحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد: ... فإن مالك بن أنس إمام مدرسة كبرى في الفكر الاجتهادي في الفقه وأصوله، وواحد من كبار أئمة مدرسة أهل السنة والجماعة في الفكر العقدي. ونشأت لدي رغبة في التعرف على منهجه في العمل السياسي، وأقصد بذلك، منهجه في سلوكه وخطابه السياسيين، ومنهجه في المشاركة السياسية، أي تولي وظائف الحكم والإدارة، ومنهجه في موقف من الخروج على السلطة السياسية، والجانب السياسي وراء محنته، وموقفه من الجانب السياسي في طلب تأليف الموطأ ودور المصلحة في منهجه في تلك القضايا السياسية. وبعد البحث تشكلت لدي هذه الدراسة، فعزمت على تقديمها تحت عنوان "منهج مالك بن أنس في العمل السياسي". كذلك، حرصت على إضفاء طابع التحليل والاستنتاج على هذه الدراسة وربطها بواقعنا المعاصر. فمنهجي فيها منهج الجمع والتحليل والاستنتاج وتوظيف الجانب النظري للاستفادة منه في الواقع العملي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 214 هذا، وإن من يتصدى للعمل الإسلامي أحوج ما يكونفي نظري -لمثل هذه الدراسات، ليعتمد فقه الأئمة ومناهجهم في في الخطاب السياسي والعمل السياسي. وقد جعلت هذه الدراسة في النقاط الآتية:- اولاً:- ... ترجمة مختصرة للإمام مالك. ثانياً:- ... الحياة السياسية في عصر مالك. ثالثاً:- ... منهجه في خطابه وسلوكه السياسيين. رابعاً:- ... الجانب السياسي في محنة مالك. خامساً:- ... منهجه في المشاركة السياسية (تولي وظائف الحكم والإدارة) . سادساً:- ... منهجه في موقفه من الخروج على السلطة السياسية. سابعاً:- ... موقفه من الجانب السياسي في تأليف الموطأ. ثامناً:- ... أثر أصل المصلحة" في منهجه السياسي. تاسعاً:- ... مدى استقلاله عن شيوخه في منهج العمل السياسي. الخاتمة، وضمنتها أبرز الاستنتاجات في هذه الدراسة. أولا: ترجمة مختصرة للأمام مالك: هو مالك بن أنس مالك بن أبي عامر الأصبحي القحطاني اليمني (1) . واسم أمة العالية بنت شريك الأزدية (2) ، فهي من قبيلة عربية مشهورة. فمالك عربي الأبوين، لم يجر عليه ولاء ولا رق، وفي ذلك قال أبو سهيل بن مالك "نحن قوم من ذي أصبح، ليس لأحد علينا عقد ولا عهد". (3) قدم جده مالك من اليمن متظلما من بعض الولاة، واستقر مقامه قريبا من المدينة المنورة، وكان مالك هذا أحد أربعة حملوا عثمان بن عفان ليلا إلى قبره في البقيع. (4) ولد مالك بن أنس سنة ثلاث وتسعين هجرية على أشهر الروايات (5) وقدم أبوه به إلى المدينة، فنشأ وعاش فيها، ولم يستوطن غيرها، ولم يخرج منها إلا لحج أو عمرة، ومات فيها سنة تسع وسبعين ومائة (971 هجرية (6) . وجلس مالك لتدريس العلم وهو ابن سبع عشرة سنة وأشياح متوافرون (7) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 215 وكان رحمه الله على درجة عالية من العقل والذكاء والهيبة والوقار، قد شهد العلماء الأئمة له بذلك، وأنهت إلينا كتب المناقب والتاريخ الكثير في هذا الجانب، فمن أمثلة ذلك: (8) . قال سفيان بن عينية. إن بالمدينة من بورك له في عقله، يعني مالك. وقال عبد الرحمن بن مهدي: دخلت المدينة سنة أربع وأربعين ومائة، ومالك أسود الرأس واللحية، والناس حواليه سكوت لا يتكلم أحد منهم هيبة له، ولا يفتي أحد في مسجد رسول الله غيره، فجلست بين يديه فسألته فحدثني، فاستزدته فزادني، ثم غمزني بعض أصحابه فسكت. وقال: ما رأيت أثبت عقلا من مالك. وقال: ما أدركت أحدا من علماء الحجاز إلا معظما لمالك. وإن الله لا يجمع أمة محمد في حرمه وحرم نبيه إلا على هدى. وكان شيخه ربيعه إذا رآه قال: قد جاء العاقل. وقد شهد لمالك أنه بلغ رتبة الإمامة في العلم، وذكر أثره في حفظ العلم، لا سيما الحديث والفقه من الضياع، فمن ذلك: قال عبد الله بن المبارك: ما رأيت أحدا ممن كتب عنه علم رسول الله أهيب في نفسي من مالك ولا أشد إعظاما لحديث رسول الله من مالك، ولا أشح على دينه من مالك، ولو قيل: اختر للأمة إماما لاخترت لهم مالكا. وقال رجل لسفيان بن عيينة: يا أبا محمد، رجل أراد أن يسأل عن مسألة رجلا من أهل العلم ليكون حجة بينه وبين الله، فقال سفيان: مالك ممن يجعله الرجل حجة بينه وبين الله. وقال النسائي: "وما أحد عندي بعد التابعين أنبل من مالك بن أنس ولا أجل، ولا آمن على الحديث منه (9) ". ... وقال يحيى بن سعيد القطان "كان مالك أماما في الحديث، وقال سفيان بن عينية: " كان مالك إماما في الحديث (10) . ... وقال الشافعي:"لولا مالك وسفيان-ابن عينية- ذهب علم الحجاز (11) . وقال:"إذا جاء الأثر فمالك النجم" وفي لفظ آخر: "إذا ذكر العلماء فمالك النجم (12) ". ... وقال الشافعي:"العلم -يعني الحديث -يدور على ثلاث: مالك بن أنس وسفيان بن عينية، والليث بن سعد (13) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 216 .. وقال النسائي: "أمناء الله-عز وجل -على علم رسول الله: شعبة ابن الحجاج، ومالك بن أنس، وسفيان بن عينية، ويحيى بن سعيد القطان، والثوري إمام إلا أنه كان يروي عن الضعفاء (14) . ... وسئل أحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله، رجل يريد أن يحفظ حديث رجل بعينه، فقال أحمد:يحفظ حديث مالك (15) . ... وقال وهيب بن خالد: أتينا الحجاز فما سمعنا حديثا إلا نعرف وننكر إلا حديث مالك (16) . وقال علي بن المديني: لم يكن بالمدينة أعلم بمذاهب تابعيهم من مالك (17) . وقال يحيى بن معين: مالك أمير المؤمنين في الحديث (18) . ... وكان -رحمه الله- يكره الجدل والخصومة والنزاع، سواء في ميدان الفكر والعلم النظري وفي الميدان السياسي، وسوف يأتي بحث الجانب السياسي، أما في جانب الفكر والعلم النظري فجاءت روايات نذكر بعضها: قال الشافعي: كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما أنا فإني على بينة من دينه، وأما أنت فشاك، إذهب إلى شاك مثلك فخاصمه. (19) وروي أنه قال: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد -صلى الله عليه وسلم (20) . وقال له الرشيد يوما: ناظر أبا يوسف- صاحب أبي حنيفة -فقال مالك: إن العلم ليس كالتحريش بين البهائم والديكة (21) . ... وقيل له: الرجل عالم بالسنة، أيجاد عنها، قال: لا، ولكن ليخبر بالسنة، فإن قبل منه والإ سكت. فكان مالك يرى الجدل مفسدا للدين، ومبعدا للناس عن الوحي، فلم يكن من منهجه في العلم الخوض في الجدل والخصومة، فانسجم منهجه في العلم مع منهجه في السياسة وهو عدم الميل إلى الصراع والعنف، وحب الأمن والاستقرار، وهو ما سيأتي بيانه-إن شاء الله. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 217 .. وقد استوعى مالك السنة واستوعب الفقه وأصوله، واستجمع فتاوى الصحابة، حتى شهد له سبعون من أكابر فقهاء المدينة بالكفاية للتدريس والإفتاء فقد روي عنه قوله: "ماجلست حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم أن لي موضع لذلك". وقوله: "قل رجل كنت أتعلم منه ما مات حتn يجيئني ويستفتيني" (22) . وكان إماما في العقيدة وعلوم الشريعة، وصاحب منهج متميز في الاجتهاد. ونشأت على أساس من منهجه مدرسة متميزة في الفكر الاجتهادي في الفقه وأصوله نسبت إليه وأطلق عليها "المذهب المالكي". ثانيا: الحياة السياسية في عصر مالك (23) : ... كان من مشايخ مالك وأهله من شاهد كثيرا من الأحداث السياسية في القرن الأول الهجري أو سمع من أنبائها، لاسيما أنباء الخروجات والثورات، فسمع مالك من تلك الأنباء، وشاهد بنفسه أحداثا سياسية وقعت في المدينة، وسمع أنباء أحداث وقعت في عصره ضد بني أمية، وعاصر خروج العباسيين على الأمويين واستيلاء العباسيين على الخلافة، وانتهاء أمر الأمويين في المشرق الإسلامي. ... ولعل مالكا أدرك أن الخروج والثورة كان هو الطابع الغالب على الحياة السياسية منذ أن حاصر الأحزاب المدينة وقتلوا عثمان سنة خمس وثلاثين للهجرة، وكان مالك بن أبي عامر جد الإمام مالك أحد أربعة حملوا عثمان بعد قتله- رضي الله عنه-إلى قبره بالبقيع. (24) ... وعلم مالك بوقعة الجمل بين جيش علي وجيش عائشة وطلحة وابن الزبير، ثم الفتنة بين علي ومعاوية، ووقعة صفين، وخروج الخوارج على علي وقتله سنه أربعين، وتنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية والصلح بين الأمة على يد الحسن -رضي الله عنه-،وأثر ذلك على الأمن والاستقرار في الدولة، وثمرات ذلك على الدين والدعوة والفتوح الاسلامية في عهد معاوية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 218 .. وعلم مالك بأنباء أخذ البيعة ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان بالإكراه وخروج الحسين بن علي على يزيد ومقتل الحسين سنة إحدى وستين، وفرار ابن الزبير من المدينة إلى مكة هربا من الإكراه على البيعة ليزيد، ومحاصرة جيش يزيد له في الحرم ونصب المنجنيق عليها وضربها واحتراق استارها وخشبها، وتصدع جدرانها. وكذلك، جاءه من أنباء وقعة الحرة سنة ثلاث وستين حيث استولت جيوش يزيد بن معاوية على المدينة بسبب إعلان أهلها خلعه لما علموا من أنباء فسقه وجوره، فاستباحها قائد جيش يزيد واستباحتها، ووقع الجنود على النساء ونهبوا الأموال، قال مالك: قتل يوم الحرة سبعمائة ممن حمل القرآن. (25) ... وكذلك، تناهى إلى مالك خروج التوابين بقيادة سليمان بن صرد على عبيد الله بن زياد في خلافة مروان بن الحكم سنة خمس وستين ثأرا للحسين، بعد مقتل سليمان بن صرد وأصحابه، ثم خروج إبراهيم بن الاشتر النخعي بالكوفة وقتله عبيد الله بن زياد سنه سبع وستين، ثم مقتل عبد الله بن الزبير سنه ثلاثة وسبعين، بعد أن حاصرته جيوش عبد الملك بن مروان داخل الحرم وضربت الكعبة بالمنجنيق، حتى أصيب ابن الزبير وقتل. ... وسمع مالك الكثير من أبناء ثورات الخوارج في أرجاء الدولة الإسلامية، وشاهد بعضها. ... ولعل مالكا نشأ على سماع أخبار الفتن والصراعات، والقتل وسفك الدماء وإزهاق الأرواح وأدرك أثر ذلك على الأمة والدولة والدين والدعوة، وأن ذلك لم يقم حقا ولم يدفع باطلا. ... وقد رأى مالك أن العباسيين استولوا على الخلافة بطريق الخروج والثورة ولم يكن حالهم بأحسن من حال الأمويين، فقد عضوا عليها وجعلوها وراثية فيهم، وواجهوا العلويين الذين كانوا يرون أنفسهم أحق بالخلافة بالقمع والاضطهاد والتضييق والتشريد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 219 كذلك، شاهد مالك كيف أن مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم تستباح حرماتها، ويقتل العباسيون فيها أبناء المهاجرين والأنصار، ويستذلونهم في سبيل إقرار الأمن لمصلحة حكمهم وولايتهم. وشاهد مالك خروج (محمد) النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب في المدينة على أبي جعفر سنة مائة وخمسة وأربعين، وما نتج عن ذلك من تضييق على أهل المدينة جيران رسول الله-صلى الله عليه وسلم- واضطهاد لآل علي بن أبي طالب وتقييدهم وجلبهم إلى العراق. وبعد ذلك وفي السنة نفسها خرج إبراهيم أخو النفس الزكية في البصرة على أبي جعفر وكانت نهايته وأصحابه الهزيمة والقتل. وقبل ذلك خرج زيد بن علي بن أبي طالب، وهزم وقتل سنه 221هـ، وقتل من معه وخرج بعده ابنه يحيى وهزم وقتل من معه إلا من هرب فنجا. وفي سنه مائة وثلاثين استولى أبو حمزة الخارجي على المدينة وقتل كثيرا من أهلها، ولعل مالكا أدرك مبكرا أن الخروج يرهق الأمه ويشتت شملها ويفرق صفها، وليس من السهل الميسور على من استولى على السلطة بالقوة أن يفرط بكرسي السلطة أو يفرط في العض عليه وتوريثه لذريته. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الأمة ومصالحها والدعوة ومقاصدها ستضيع بين متطلع إلى السلطة مهما كان مقصده من الوصول إليها، ومستول عليها متشبث بها، ولا يدرى هل من سيصل إليها سيكون مثل المستولي عليها أو أسوأ حالا. وإن مواقف مالك كما سيأتي لتدل على أن الواقع الذي سمع مالك بعضا من أبنائه أو شاهده قد رسخ لديه قاعدة فكرية ما أنفكت تترسخ لديه، وهي أن أول ما ينبغي أن يعنى به ويسعى إليه هو الاستقرار السياسي في الدولة، والأمن للأمة والنصح للأئمة، وذلك لما للعنف والصراعات من أثر سيء وثمر نكد على الأمة والدولة وعلى الدنيا والدعوة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 220 ولعل مالكا قد ترجح لديه أن المفسدة في ظلم أولى الأمر إذا رافقه استقرار سياسي واستتباب للأمن أخف وأهون من المفسدة التي تقترن بالعنف والصراع أو تعقبه، فإن القتل والتشريد والتضييق وضنك العيش المصاحب للخروج على ولي الأمر أو الناتج عنه لا يصيب الخارجين خاصة. وإن هذا ما يمكن في نظر الباحث أن يفسر به دوام حرص مالك على بذل الطاعة والتزام الجماعة، ولكنها طاعة العالم الإمام، الحريص على نصح ولي الأمر، والذي لا يخاف في الحق لومة لائم فلم يكن- رحمه الله-ملاينا للخلفاء، ولا مبالغا في احترامهم، ومما يروى في ذلك قوله: دخلت على أبي جعفر مرارا وكان لا يدخل عليه أحد من بني هاشم ولا غيرهم إلا قبل يده ولم أقبل يده قط (26) . ولم يختلف منهج مالك في الدولة العباسية عنه في الدولة الأموية، فلم يخض في عداء ولا تأييد لأي من أطراف الصراعات السياسية، ولم يشارك في خروج ضد أولي الأمر، بقطع النظر عن كون الخارجين محقين أو مبطلين. ويمكن أن يقال إن منهج مالك في عدم الميل إلى سبيل الخروج ربما نشأ لديه مبكرا، بسبب ما كان يسمع من الفتن والويلات التي كانت تقترن بالثورات والاضطرابات أو تعقبها، وبسبب عدم إفضاء شيء منها إلى إقامة حق أو دفع باطل. ثالثا:- منهجه في خطابه وسلوكه السياسيين:- إن من أبرز معالم منهج مالك في خطابه وسلوكه السياسيين ما يأتي:- 1- ... التلطف في مخاطبة ولي الأمة: ... لم يكن من منهج مالك معاداة الخلفاء ولا استعدائهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 221 .. فمما ورد من ذلك أن أبا جعفر استدعى مالكا وأبا حنيفة وابن أبي ذئب، فسألهم: كيف ترون هذا الأمر الذي أعطاني الله، هل أنا لذلك أهل فقال ابن أبي ذئب:"إن الخلافة تكون بإجماع أهل التقوى عليها، والعون لمن وليها، وأنت وأعوانك كنتم خارجين من التوفيق عالين على الخلق". وكان مما قال أبو حنيفة: "إذا أنت نصحت لنفسك علمت أن ك لم ترد الله باجتماعنا، إن ما أردت أن تعلم العامة أن انقول فيك ما تهواه مخافة سيفك وحبسك، ولقد وليت الخلافة، وما اجتمع عليك نفسان من أهل التقوى، والخلافة تكون عن إجماع المسلمين ومشورتهم". وكان مما قال مالك:"لو يرك الله أهلا لذلك ما قدر لك ملك أمر الأمة، وأزال عنهم من بعد من نبيهم، وقرب هذا الأمر من أهل بيته; أعانك الله على ما ولاك وألهمك الشكر على ما خولك، وأعانك على من استرعاك (27) . ومن المستبعد جدا في نظري أن لا يكون مالك مسل ما بصدق مقالة ابن أبي ذئب ومقالة أبي حنيفة، لكنه لم يكن قاسيا في الخطاب مثلهما، وهو في نظري معذور في ذلك الموقف السياسي، فلعله رأى نفسه بين مفسدتين: مفسدة استعداء الخليفة، ومفسدة مدحه على الرغم من ظلمه، وكلاهما شر " إذ في كليهما ضرر، فلعله رأى مدح أبي جعفر أهون شرا وأخف ضررا، وذلك ليبقي على نفسه، لا لنفسه ولكن للدين وللأمة فلو حبسه أبو جعفر أو قتله لكان على غيره أجرأ، فيتضرر الدين وتتضرر الأمة، ومالك حريص على أن يبقى أمانا للأمة، فاختار أهون الشرين وأخف الضررين في هذا الموقف. ولكن لا يعني تلطفه في مخاطبة ولي الأمر الضعف في بذل النصيحة له، ويدل على ذلك أقول رويت عنه، فمن ذلك: (28) . قوله:"لا ينبغي المقام بأرض يعمل فيها بغير الحق، والسب للسلف الصالح، وأرض الله واسعة، ولقد أنعم الله على عبد أدرك حقا فعمل به". وقوله:"وينبغي للناس أن يأمروا بطاعة الله، فإن عصوا كانوا شهودا على من عصاه". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 222 وقيل له: أيأمر الرجل الوالي أو غيره بالمعروف وينهاه عن المنكر قال: إن رجا أن يطيعه فليفعل. فقيل له: فإن لم يرج هل هو من تركه في سعة فقال: لا أدري. وفيما يتعلق بابن ذئب فسيأتي- إن شاء الله- أن أبا جعفر أمر مناديا ينادي في المدينة ان لا يفتى الناس في المدينة إلا مالك بن أنس وابن أبي ذئب. ولعل ابن أبي ذئب تغير اجتهاده في مسألة العلاقة بالخلفاء، ولعل ذلك آت من فقه الواقع والموازنه الشرعية بين المصالح والمفاسد التي تعود على الدين والدعوة والأمة. وإن من الدعاة، ومن المدارس الفكرية والتيارات السياسية من يتبن ومن منهج العنف في النقد، والقسوة في الخطاب السياسي، وأرى أن اضطراد هذا المنهج والتوسع فيه يجعل العلاقة بين العلماء والسلطة السياسية الظالمة علاقة خصومة، مما يعطل إمكانية التعاون بينهما ويدفع السلطة السياسية الى محاصرة نشاطات العلماء وعرقلتها عن تحقيق أهدافها، والعمل على إضعاف دور العلماء على المستويين الرسمي والشعبي. وإن جعل العنف في النقد السياسي، والقسوة في الخطاب السياسي من قبل المصلحين المعارضة منهجا مضطردا لا يبعد أن يكون مظنة لغلبة المفسدة على المصلحة، لذلك فإن تحري العلماء منهج الاعتدال في نقد السلطة السياسية أدعى إلى استجلاب التجاوب واستيلاد التقارب والتوصل إلى التعاون المثمر والاحترام المتبادل بينهما. 2- ... عدم المبالغة في توقير ولي الأمر. روي عن مالك قوله: دخلت على أبي جعفر فرأيت غير واحد من بني هاشم يقبل يده المرتين والثلاث، ورزقني الله العافية فلم أقبل له يداً (29) . يظهر من هذه الرواية أن مالكا كان يرى تقبيل يد الخليفة نوع بلاء، لذلك ماكان يفعله. وهذا يؤكد أن مدحه لأبي جعفر في الرواية السالفة كان للضرورة اجتلابا للمصلحة واجتنابا للمفسدة. 3- ... الصدق والإخلاص: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 223 ظهر ذلك - كما سيأتي- في موقفه من عرض أبي جعفر عليه أن يجمع الناس على قوله، ويجعل قانون القضاء الاجتهادي على وفق رأيه، لكنه رفض ذلك، مبيناً أن أنظار أهل الاجتهاد تختلف، فغيره يرى غير مايراه (30) فتوحيد الفتوى في القضاء الاجتهادي على رأي مجتهد واحد فيه نوع حجر فكري، لاسيما والعصر عصر نشاط فكري متوقد، واجتهاد فقهي مزدهر. وإن موقفه ذلك ليدل على سعة أفقه وبعد نظره ومعرفته بحال عصره 4- ... عدم رضاه عن ظلم الخلفاء واغتصابهم السلطة: دلت بعض الروايات التاريخية على أن مالكا لم يكن راضيا عن سيرة الخلفاء العباسيين، وعن أخذهم البيعة بالإكراه، فمن ذلك. أ- ... سأل مالك أندلسيا عن عبد الرحمن بن معاوية- الداخل - فأجاب الأندلسي: إنه يأكل خبز الشعير، ويلبس الصوف، ويجاهد في سبيل الله ... فقال مالك ليت أن الله زين حرمنا بمثله، فنقم العباسيون عليه (31) . ب ... -وقال ابن عبد البر: ذكر أحمد بن حنبل أن مالكا كان لا يجيز طلاق المكره، فضرب في ذلك (32) . وهذا في نظر أبي جعفر وواليه على المدينة يمثل عدم رضا عن العباسيين وقدحا لهم، وتفضيلا لغيرهم عليهم، وهو أمر يسوؤهم لاسيما وأنه يصدر من عالم المدينة وإمامها ولعل من اسباب عدم رضاه عن العباسيين أنهم كانوا ياخذون البيعة بالإكراه، وهو غير جائز شرعا. ويؤيد فهمنا هذا ما ذكره ابن خلدون اذ قال:"كان الخلفاء يستحلفون على العهد، ويستوعبون الأيمان كل ها لذلك، فسمي الاستيعاب أيمان البيعة، لأنها أيمان تؤكد بها البيعة، وكان الإكراه فيها أكثر وأغلب، ولهذا لما أفتى مالك بسقوط يمين الإكراه أنكرها الولاة عليه، ورأوها قادحة في أيمان البيعة، ووقع في محنة الإمام (33) . رابعا: الجانب الساسي في محنة مالك:- الجزء: 11 ¦ الصفحة: 224 ذكر أبو نعيم الأصبهاني ان مالكا ضرب وحلق وحمل على بعير، وأمر أن ينادي على نفسه فنادى: ألا من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي، وأنا أقول: طلاق المكره ليس بشيء فبلغ جعفر بن سليمان -والي المدينة -أنه ينادي على نفسه بذلك، فقال: أدر كوه وأنزلوه (34) . وذكر ابن عبد البر في سبب محنه مالك:"لما دع ي مالك بن أنس وش وو ر وسمع منه، وقبل قوله شنف له الناس-أي تنكروا له -وحسدوه ونعتوه بكل شيء، فلما ولي جعفر بن سليمان على المدينة سعوا به إليه وكثروا عليه عنده، وقالوا: لايرى أيمان بيعتكم هذه بشئ، وهو يأخذ بحديث في طلاق المكره انه لايجوز (35) . فغضب جعفر بن سليمان فدعى مالكا وحده وضربه بالسياط ومدت يداه حتى انخلع كتفاه وارتكب منه أمرا عظيما (36) . ويمكن تفسير تعدد الروايات في أسباب محنه مالك تفسيرات متعددة منها تحديثه بحديث طلاق المكره، ومنها حسد الحاسدين ووشايتهم به لدى الوالي والخليفة، ولعل منها رغبة الخليفة بالتلويح لغير الراضين عنه أن الانتقام والعقاب يطال كل معارض حتى ولو كان إمام المدينة هذا، وتوجد روايات عديدة أخرى في سبب محنة الإمام مالك إلا أنها ضعيفة، والمشهور ما ذكرناه. ... وفي ذكر من تولى كبر المحنة ورد أن أبا جعفر المنصور عين جعفر بن سليمان واليا على المدينة، في ربيع أول سنة 641هـ (37) ، أي بعد مقتل محمد النفس الزكية بستة أشهر، فقدم جعفر بن سليمان إلى المدينة، وأكره الناس على البيعة وبلغه أن مالكا يحدث بحديث:؛وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (38) . ... وورد ان مالكا استفتي في الخروج مع محمد النفس الزكية وقيل له: إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر، فقال:" إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين، فأسرع الناس إلى محمد، ولزم مالك بيته" (39) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 225 هذه الرواية تدل على أن والي المدينة جعفر بن سليمان هو الذي تولى كبر محنة مالك. لأنه كان يرى في تحديث مالك تحريضا للناس على نقض بيعتهم للعباسيين، والعباسيون أحوج ما يكونون لإقرار الأمن وإخضاع الناس، لاسيما في المدينة المنورة، بعد فشل ثورة محمد النفس الزكية التي انتهت بمقتله. ولعل العباسيين لم يكن يهمهم نية مالك وأنه لم يقصد التحريض على نقض البيعة لهم، ولكن كان يهمهم أن التحديث بهذا الحديث يودي إلى تحريض الناس على نقض البيعة، لأنه يشكل سندا شرعيا لهم في نقض البيعة، فلا يخافون إثما أخرويا بسبب نقض البيعة للعباسيين الذين اخذوها منهم بالإكراه، فالسلطة السياسية العباسية في مسألة الخروج المسلح كانت تقف عند المآلات ولا تعتد بالبينات. فلعل أبا جعفر المنصور وواليه على المدينة لم يخافا نية مالك، ولكنهما كرها تحديثه به، لما لذلك من مآل خطير، وإن كان باعثه عليه حسنا، وأغضبهما منه عدم انصياعه للنهي بعدم التحديث بذلك الحديث فكان عدم مجرد التحديث به في نظرهما معصية وجريمة، ي ستحق بها العقاب. خامسا:-منهجه في المشاركة السياسية (تولي وظائف الحكم والإدارة) : روى الطبري أن أبا جعفر المنصور انتدب مالكا سنة 441هـ ليقوم بإقناع آل الحسن بن علي بتسليم محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم إلى أبي جعفر، وأرسل بصحبته قاضي المدينة محمد بن عمران (40) . وينشأ هنا سؤال: كيف قبل مالك أن يتوسط تلك الوساطة السياسية لتسليم محمد وإبراهيم إلى أبي جعفر، ومصيرهما لو سلما إليه غير مأمون. والجواب ربما وعد أبو جعفر مالكا أنه سيعفو عنهما لو سلما إليه أو مثلا بين يدية، فأغرى ذلك مالكا فقام بتلك المهمة، لا سيما وأنه كان يتشوف إلى إخراج محمد وإبراهيم من الضيق الذي فرض عليهما والخوف الذي ألبساه من ق ب ل أبي العباس السفاح فأبي جعفر المنصور. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 226 ولعل قبول مالك التوسط بين أبي جعفر واعدائه السياسيين رشحه في نظر أبي جعفر لمنصب سياسي مهم ليس أحد في نظر أبي جعفر أقدر عليه وأصلح إليه من مالك، وهو منصب عام جوهره الرقابة العامة والمحاسبة النافذة في ناحية الحجاز كلها. وفي عام 841هـ حج أبو جعفر، وكان قد أوعز بأن يكلف مالك بالحج والمثول بين يديه بمنى. وقد روي عن مالك من أمر هذه المقابلة مايأتي: فلما دنوت منه رحب بي وقرب، ثم قال: ههنا إلي. فأوفيت للجلوس. فقال: ههنا. فلم يزل يدنيني حتى جلست إليه وألصقت ركبتي بركبتيه، ثم كان أول ما تكلم به أن قال: والله الذي لا إله إلا هو ما أمرت بالذي كان، ولا علمته، وإنه لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم، وإني إخالك أمانا لهم من عذاب الله، وقد رفع الله بك عنهم سطوة عظيمة، فإنهم أسرع الناس للفتن، وقد أمرت بعدو الله أن يؤتى به من المدينة إلى العراق وأمرت بضيق حبسه والاستبلاغ في امتهانه، ولا بد أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه (41) . ويمكن القول: إن تلك المقابلة صنعت م دخلا لأبي جعفر إلى نفس مالك، فقد تضمنت الاعتذار من الخليفة لمالك للإهانة التي ألحقها به جعفر بن سليمان عند تسلمه ولاية المدينة سنة 641هـ وتضمنت الاعتراف بفضل مالك وعظيم قدره والثناء عليه لسيرته السياسية بعد محنته. كذلك، أشار أبو جعفر إلى أنه عالم بمنهج مالك وعدم ميله الى النشاط السياسي المعادي، وحرصه على النشاط الإصلاحي وتجنبه كل ما من شأنه أن يهيج الأمة أو يوقض الفتنة، ولم يخف أبو جعفر رضاه عن مالك، واعترافه بأن منهج الإصلاح بالمناصحة وهجر الخروج له كبير الأثر في إقرار الأمن، وكان ابو جعفر يسعى لاقرار الأمن، لاسيما في المدينة التي كانت تمثل مركز خطر سياسي على السلطة العباسية، وكان ولاء عامة أهلها للخارجين وليس للسلطة الحاكمة، وكانوا قد تجرأوا على الاستنكاف عن الطاعة للعباسيين، حتى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 227 وصفهم أبو جعفر بأنهم أسرع الناس إلى الفتنة ووصف مالكا بمنهجه الإصلاحي بالمناصحة بأنه أمان لهم من عذاب الله. ... ولعل أبا جعفر أيقن أن مالكا ناصح أمين، غير متطلع لشق عصى الطاعة ومعارضة الجماعة، عازف عن التكلم في السياسة، قدير على أداء ما يعهد إليه، لذلك عزم على منحه سلطة عامة رقابية ومحاسبية يخضع لها الناس جميعا في الحجاز بما فيهم الولاة والقضاة; فقال له:؛إن رابك ريب في عامل المدنية أو عامل مكة، أو أحد من عمال الحجاز في ذاتك أو ذات غيرك أو سوء سيرة في الرعية فاكتب إلي بذلك، أنزل بهم ما يستحقون، وقد كتبت إلى عمالي بهذا، وأنت حقيق أن تطاع ويسمع منك (42) . ... لقد قبل مالك ذلك المنصب السياسي العام والعالي الذي استحدثه له أبو جعفر، فتربع مالك على قمة هرم الإدارة والحكم في الحجاز كلها، وأصبح نائبا أول للخليفة في شؤون الرقابة العامة والمحاسبة السياسية في تلك الولاية. ... وإن قبول مالك لتلك الولاية ليدل على استقرار منهجه لديه، وهو منهج الإصلاح عن طريق المشاركة السياسية، وعلى دوام هجره منهج العداء أو البعد عن السلطة السياسية سبيلا، لكن مما تجدر الإشارة إليه هنا أن المشاركة السياسية التي قبلها مالك كانت مشفوعة بتمكنه من تحقيق الإصلاح الذي كان ينشده. ... وإن مما ينبغي أن يكون شرطا لأصحاب المنهج الإصلاحي الذين يتوسلون إلى الإصلاح بالمشاركة السياسية أن يمكنوا حقيقة وواقعا من تنفيذ منهجهم الإصلاحي، والإ غدت مشاركتهم السياسية هزيلة الثمرة، وصاروا بذلك أبعد عن أن ينالوا من الناس الثقة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 228 هذا، وليس أدل على سعة صلاحيات مالك التي أكسبتة إياها مشاركته السياسية من الهيبة العظيمة منه التي وقعت في قلوب الولاة والقضاة، فمما وصل إلينا من أنباء ذلك ما ذكر الشافعي أنه حمل كتابا من والي مكة إلى والي المدينة يطلب منه إيصال الشافعي إلى مالك، قال الشافعي فأبلغت الكتاب إلى الوالي، فلم اقرأه قال: يا فتى: إن المشي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافيا راجلا أهون على من المشي إلى باب مالك بن أنس، فلست أرى الذل ة حتى أقف على بابه (43) . وكذلك، سأله القاضي جرير بن عبد الحميد عن حديث وهو قائم فأمر بحبسه، فقيل: إنه قاض. فقال: أحق أن يؤدب، احبسوه; فحبس إلى الغد (44) . ولم تقتصر مشاركة مالك السياسية على تسلمه منصب الرقابة المحاسبية على الرعية ورجال الحكم والقضاة في الحجاز، فقد تسلم أيضا منصب الإفتاء في المدينة، وأمر أبو جعفر أن ينادى:"ألا لايفتي الناس في المدينة إلا مالك بن أنس وابن أبي ذئب (45) ، فانجمع لمالك منصبان سياسي ان هام ان يعد صاحبهما من علية رجال الدولة ومن المتقدمين من أفرادها جهاز الحكم والإدارة فيها، وحظي باحترام عظيم من قبل أبي جعفر، فكان إذا دخل عليه لايكاد يراه حتى يناديه: "إلى ههنا يا أبا عبد الله، أنت حقيق بكل خير وإكرام (46) . ... وكذلك، أراد أبو جعفر توحيد الأمة على مذهب واحد في القضاء الاجتهادي، ووقع اختياره على مالك لتكون آراؤه مذهب الدولة، فعزم على تأسيس سلطة تشريعية اجتهادية، وعزم على حصر تلك السلطة في شخص مالك، وأناط به صلاحيات أشبه ما تكون بصلاحيات تقنين الأحكام التشريعية في الجانب التشريعي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 229 .. وورد أن أبا جعفر المنصور قال لمالك: "ضع هذا العلم ودونه ... واقصد إلى أواسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة، ولنحمل الناس-ان شاء الله -على علمك وكتبك، ونبثها في الأمصار، ونعهد إليهم ألا يخالفوها ولا يقضوا بسواها. فقال مالك " أصلح الله أمير المؤمنين، إن أهل العراق لا يرضون علمنا، ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر: يحملون عليه، ونضرب عليه هاماتهم بالسيف، ونقطع طي ظهورهم بالسياط، فتعجل (47) . ... من كل ما سبق يتبين أن مالكا ما كان يجد حرجا في المشاركة السياسية، لكن ينبغي أن لا نطلق نسبة ذلك إليه، ذلك أنني لا أظن أنه كان سيقدم على المشاركة السياسية لو لم يعلم أنه سيتمكن من ممارسة منهجه الإصلاحي، وأن ما سيترتب على المشاركة من المصالح أعظم مما سيترتب عليها من المفاسد وهو في ذلك يغفل ما تستجلبه مشاركته من مفسدة إيذاء شريحة من الناس لسمعته، باتهامهم إياه أنه من علماء السلاطين أو علماء الدنيا، وذلك ما قد وقع فعلا من قبل، فقد قال له بعض تلاميذه في شأن دخوله على الخلفاء: إن الناس يستكثرون أنك تدخل على الأمراء فقال: إن ذلك بالحمل على نفسى، وذلك أنه ربما استشير من لا ينبغي (48) ، فهو يعد مصلحته الخاصة ملغاة في جانب مصلحة الدين والأمة، فيرضى بالدخول على الأمراء لئلا يستفرد بهم الفساق وأهل الفساد. إذ مصير احتكار الفساق وأهل الفساد للشورى، أن يحتكروا الوظائف العليا في الدولة، فينخر الفساد مؤسسات الدولة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 230 كذلك مما يمكن أن أفسر به عدم تردد مالك في قبول المشاركة السياسية هو خصال الخير التي ألفاها في أبي جعفر، ومنها: خصلة العلم، فورد أن مالكا قال في شأن مقابلته لأبي جعفر:؛ ثم فاتحنى –يقصد أبا جعفر – فيمن مضى من السلف والعلماء، فوجدته أعلم الناس، ثم فاتحني في العلم والفقه فوجدته أعلم الناس بما اجتمعوا عليه، وأعرفهم بما اختلفوا فيه، حافظا لما روى (49) ، لقد جمع أبو جعفر بين الإمامتين: إمامة العلم وإمامة الحكم. وكان لا يجهل ذلك من نفسه، فقد قال لمالك في مقابلته له بمنى: "لم يبق في الناس أفقه مني ومنك (50) ، وفي رواية:؛ يا أبا عبد الله، ذهب الناس فلم يبق غيري وغيرك (51) ، ويؤكد ذلك مناظرات دارت بينه وبين مالك في المسجد النبوي (52) . ولعل خصال الخير في أبي جعفر حرضت مالكا على قبول المشاركة السياسية، كما حرضه على ذلك خوفه من أن يحتكر الفساق وأهل الفساد الوظائف العامة والعليا في الدولة، فيتأصل الظلم ويتجذر الفساد، واطمئنانه إلى أن صلاحياته في تحقيق الإصلاح ستكون واسعة. وأرى أن تلك الضوابط كانت تمثل عند مالك ثوابت في منهجه السياسي; كان بناء عليها يحدد موقفه من المشاركة السياسية رفضا أو قبولا. سادسا: منهجه في موقفه من الخروج على السلطة السياسية: كان محمد النفس الزكية أفضل آل البيت في زمانه حتى بلغ من فضله وإمامته أن عقد الهاشميون ومنهم العباسيون البيعة له للخروج على الأمويين لكن العباسيين خرجوا على الأمويين قبله، فاستولى أبو العباس السفاح على السلطة، ثم جعل الخلافة من بعده لأخيه أبي جعفر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 231 وخشي العباسيون حركة محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم، فجعلوها أولى أولوياتهم السياسية، فجهد أبو العباس لاعتقاله وأخيه، لكنه فشل ومات قبل أن يتحقق له اعتقالهما. وتابع أبو جعفر سياسة أبي العباس لاعتقال محمد وأخيه والقضاء على حركتهما، فلم يفلح; فقبض على أبيهما عبد الله فلم يزل يؤذيه ويبالغ في أذاه حتى استفز محمدا، فأعلن الخروج في المدينة فقال أبو جعفر”: استخرجت الثعلب من ج حره" (53) . ... وكان مالك إذا قال أهل المدينة: إن في أعناقنا بيعة للمنصور قال لهم: بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين (54) ، فأسرعوا إلى محمد. ولم يتخلف منهم عن الخروج معه سوى القليل (55) . ... وذكر (56) أن أحد الطالبيين شكى إليه مالحقهم من أذى واضطهاد، فقال مالك: اصبر حتى يأتي تأويل هذه الآية: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض فنجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين (57) ، وقد استفتاه الرشيد عن حكم قتال من خرجوا على السلطان، فأجابه مالك: "إن كان خروجهم عن ظلم من السلطان فلا يحل قتالهم، وإن كانوا إنما شقوا عصى الطاعة فقتالهم حلال (58) . لكن كيف نوفق بين مضمون هذه الروايات التي قد يفهم بعض الناس منها ميل مالك الى تأييد الخروج على أبي جعفر وبين أن مالكا لم يشارك في الخروج؟. والجواب: إن مالكا كان يحدث بحديث المستكره إذا سئل عنه من باب نشر العلم وليس تحريضا على الخروج، وكان إذا سئل عن حكم نقض البيعة لأبي جعفر أجاب بعدم الاثم في ذلك لأنها اخذت فهم بالاكراه فهو في ذلك يبلغ علما ولا يؤيد خروجا ولا يميل اليه. ولعله كان يرى مفسدة الخروج راجحة على مصلحته فلم يخرج ولم يؤيد الخارجين، فلا يكون ثمة مناقضة بين تحديثة وإفتائه من جهة وعدم تأييده الخروج من جهة اخرى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 232 وقد حصل ما رآه مالك وذلك أنه لما خرج محمد حاصر جيش أبي جعفر المدينة وأحكم الحصار عليها، فخطب محمد في أتباعه وأنصاره، فقال: يا أيها الناس، إن هذا الرجل- يقصد عيسى بن موسى قائد جيش أبي حعفر-قد قرب منكم في عدد وعده، وقد حل لتكم من بيعتي، فمن أحب المقام فليقم، ومن أحب الانصراف فلينصرف فتسل لوا حتى بقي في شرذمة ليست بالكثيرة بعد أن كان عدد من خرجوا معه أول الأمر يقارب مائة ألف (59) من أهل المدينة وما حولها. وقد أكد الواقع اجتهاد مالك فقد فشل الخروج وقضي على الخارجين، وقتل محمد النفس الزكية وأذل أهل المدينة، فكان ذلك دليلا على سعة أفقه، وبعد نظره، واستحضاره لمآلات الأفعال وعواقب الأمور وهو يجتهد في ضوء ثوابت منهجه السياسي ليحدد مواقفه العملية. وإن مما يدل على أنه كان يرى طاعة ائمة الجور للضرورة، وعدم الخروج لرجحان مفسدة الخروج على مصلحته ما ذكر في المدونة الكبرى: قال مالك: لا أرى بأسا أن يقاتل الروم مع هؤلاء الولاة. قال ابن القاسم وكان فيما بلغني عنه ولم أسمع منه أنه كان يكره قبل ذلك جهاد الروم مع هؤلاء-الولاة-حتى لما صنعت الروم ما صنعت قال: لا بأس بجهادهم. وقال ابن القاسم: وأما أنا فقد ادركته وهو يقول: لا بأس بجهادهم مع هؤلاء الولاة ... لو ترك هذا لكان ضررا على أهل الإسلام (60) . ... فهو يكره ظلم الولاة لكنه لا يرى الخروج عليهم، ولعل كرهه للجهاد تحت رايتهم كان أول الأمرين منه، ثم بعد ذلك رأى رجحان مصلحة الاسلام والأمة في القتال تحت رايتهم، وهذا ما ذكره فقهاء المالكة فذكروا أنه يقاتل العدو مع كل بر وفاجر (61) ، وعللوا ذلك بأن في ترك الجهاد معهم ضرر على المسلمين (62) . وذكر اللخمي حجة مالك في كرهه القتال تحت راية ولاة الجور، فقال:"وروي عن مالك: لا يجب الخروج معهم لكيلا يعينهم على ما يقصدون من الدماء" (63) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 233 فرجحان المفسدة في الخروج في نظره هو مستنده في عدم الخروج على أئمة الجور والاكتفاء يبذل النصيحة لهم، واعتماد منهج الاصلاح معهم، والله أعلم. وقد، أحسن مالك في أنه لم يتجاوز دائرة النشاط السياسي الفكري الإصلاحي، ولم يؤيد الخروج المسلح، ذلك أن الدولة تعتمد الإسلام دستورا، والشريعة الإسلامية مصدرا وحيدا للتشريع، وإن كانت سلطة الحكم تسيء تطبيق التشريع وتجعل الخلافة وراثية. كذلك، فإن الفئة التي تستهدف الخروج المسلح والاستيلاء على السلطة بالقوة المادية، قد تصبح أشد تمسكا بالسلطة متى تمكنت منها، وأكثر ظلما للشعب، فحري بمن يفتي بالخروج المسلح أن يضع في الحسبان هل سيلتزم الخارجون بالعدل بعد توليهم السلطة، وهل سيجعلون من الشعار مبدأ وواقعا تعيشه الأمة في حياتها، أو أنهم سيخلفون السلطة السابقة في الظلم وتعطيل سلطة الأمة. هذا، وإن النظر إلى الواقع والمستقبل معا عند إرادة الفتوى بمشروعية الخروج المسلح يجعل المجتهد أكثر تهيبا وأشد تهربا من الفتوى بذلك. لقد تجنب مالك الخروج وكان منهجه هو هجر كل نشاط سياسي معاد للسلطة السياسية واعتماد منهج الإصلاح من خلال المشاركة السياسية، أي قبول تسلم وظائف عامة وعليا في الدولة. وفي نظر الباحث إن هجر مالك لمسلك الخروج المسلح إلى مسلك الإصلاح بالمشاركة السياسية كان نتيجة للأحداث السياسية في المجتمع آنذاك فقد أحدثت أضرارا بالغة بالأمة والدولة وبالدين والدعوة، فمن تلك الأضرار: تشديد الرقابة على الأمة بوجه عام وعلى العلماء بوجه خاص فأصبحت السلطة الحاكمة ترصد نشاطات العلماء وأصحاب الفكر، وتصنفهم إلى محايدين، وموالين، وأعداء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 234 كذلك، أحكمت السلطة الحاكمة قبضتها على الحكم، ولم تتورع في قمع مخالفيها، بل أصبح الحصار الفكري للمخالفين والتضييق عليهم، ومواجهتهم بالاعتقال والحبس أو الإعدام أبرز النشاطات الأمنية الداخلية، لذلك لعل مالكا ما كان له بد من هجر منهج معاداة السلطة الحاكمة، إلى اعتماد منهج المشاركة السياسية وسيلة للإصلاح، ولعله أدرك أن مصلحة الدين والأمة تقتضي ذلك، والمصلحة أصل من أصوله. سابعا: موقفه من الجانب السياسي في طلب تأليف "الموطأ": أولا: فكرة تأليف الموطأ لدى مالك وعنايته الفائقة به. كان اتجاه العلماء الى تدوين الحديث وأقوال الصحابة والتابعين موجودا قبل مالك، قال البخاري: فأول مع جمع من ذلك الربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حده الى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام، فصنف مالك الموطأ، وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم (64) . فالموطأ يعد أول كتاب ألف في الجمع بين الحديث والفقه، ففتح مالك به الباب للمؤلفين في ذلك فولجوه بعده، وسلكوا طريقه، وقد امتاز مالك فيه عمن سبقوه، بانتقاء القوي من الأحاديث، كما امتاز بترتيب الكتب ووضع التراجم وحسن السياق في التأليف وترتيب التصنيف مما لم يسبقه أحد إليه، مع ما قرنه الله به من التوفيق، وحسن نية مالك في التأليف، ولذلك اشتهر الموطأ وانتشر (65) . وذكر البخاري في كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، فقال: كتب عمر بن عبد العزيز الى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء (66) . قال ابن حجر: "ويستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي، وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ" (67) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 235 وذكر ابن عبد البر أن مالكا قال:كان عمر بن عبد العزيز يكتب إلى الأمصار يعلمهم السنن والفقه، ويكتب إلى المدينه يسألهم عما مضى، وأن يعملوا بما عندهم، وكتب إلى ابن حزم أن يجمع السنن ويكتب إليه، فتوفي عمر وقد كتب ابن حزم كتبا قبل أن يبعث إليه (68) . وورد أن أول من عمل كتابا بالمدينه على معنى الموطأ من ذكر ما اجتمع عليه أهل المدينه عبد العزيز بن عبد الله الماجشون (ت46هـ) ، ولكنه عمله كلاما بغير حديث، فأتي به مالك فنظر فيه فقال: ما أحسن ما عمل، ولو كنت أنا عملت لبدأت بالأثار ثم سددت ذلك بالكلام، فعزم مالك على تصنيف الموطأ، فعمل من كان يومئذ من العلماء الموطآت، فقيل لمالك:تتعب نفسك بهذا الكتاب وقد تشركك فيه الناس وعملوا أمثاله، فقال: أئتوني بما عملوا: فأتي بذلك، فنظر فيه ثم نبذه وقال: لتعلمن أنه لايرتفع من هذا إلا ما أريد به وجه الله، فكأنما ألقيت الكتب في الآبار، وما ذكر منها شئ بعد ذلك (69) . فمالك كان مسبوقا إلى أصل فكرة الموطأ، لكنه سبق من سواه في منهجه فيه، حتى شهد العلماء للموطأ بما لم يشهدوا به لغيره من الموطآت، فقد كان مالك "من أشد الناس تركا لشذوذ العلم، وأشدهم انتقادا للرجال، وأقلهم تكلفا، وأتقنهم حفظا، ولذلك صار إماما (70) ، فظهر ذلك في كتابه الموطأ. ويدل استحسان مالك لصنيع ابن الماجشون على انغراس فكرة تأليف الموطأ في نفس مالك، من أجل حفظ علم المدينة بتدوين السنه النبوية وعلم الصحابة والتابعين، ومن أجل الاستدراك على غيره في منهج التدوين. وقد أدرك مالك حكمة عمر بن عبد لعزيز في تكليفه أبا عمرو بن حزم بتدوين علم المدينة، وهي خوفه على السنة النبوية أن تضيع، والخوف من دروس العلم، فتعزز لدى مالك وهو إمام المدينة من غير منازع الباعث على تأاليف الموطأ. وكان مالك يرى أن الحديث هو حديث الحجاز، فقال:؛إذا جاوز الحديث الحرمين ضعف نخاعه (71) ، فعزم على جمعه، خوف ضياعه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 236 وقد استفاضت شهرة مالك بإعظام حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشدة اتباعه، وتثبته فيما يروي عن النبي وحرصه على معرفة أقوال الصحابة والتابعين، ومما جاء في ذلك (72) . قال مالك:"إن هذا العلم -يعني الحديث- دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، لقد أدركت سبعين ممن يحدث: قال فلان قال رسول الله، عند هذه الأساطين- وأشار إلى أعمدة مسجد رسوله الله - فما أخذت عنهم شيئا، وإن أحدهم لو أتمن على بيت مال لكان أمينا، لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن وفي لفظ:" ولم أترك الحديث عنهم لأنهم لم يكونوا ثقات فيما حملوا، إلا أنهم حملوا شيئا لم يعقلوه". وسأله بشر بن عمر عن رجل، فقال مالك: هل رأيتة في كتبي؟ فقال بشر: لا. فقال مالك: لو كان ثقة لرأيته في كتبي. وقال الشافعي: كان مالك إذا شك في الحديث طرحه كله. وبهذا التثبت والعناية جاء الموطأ جم النفع، قال عبد الرحمن بن مهدي والشافعي، ما كتاب بعد كتاب الله أنفع للناس من موطأ مالك بن أنس (73) وقال الشافعي:"ما كتاب بعد كتاب الله أكثر صوابا من كتاب مالك (74) ". وقد شفع مالك حسن عمله بحسن نيته وإخلاصه لله، فقد سأل مالك يوما بعض أصحابه: ما يقول الناس في موطئي؟ فقال: الناس رجلان: محب مطر وحاسد فقير. فقال مالك إن مد بك العمر فسترى ما يراد به الله (75) . ثانيا: طلب أبي جعفر المنصور تأليف الموطأ: تدل الروايات التاريخية على أن أبا جعفر المنصور قد انغرست لديه فكرة توحيد القضاء في أرجاء الدولة على رأي يلزم به القضاة كافة لاسيما وأن أنباء اختلاف الأقضية الشديد قد تناهى إليه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 237 ومن ذلك ما جاء في رسالة ابن المقفع إلى أبي جعفر، فمما جاء فيها: ومما ينظر أمير المؤمنين فيه، اختلاف هذه الأحكام المتناقضة التي قد بلغ اختلافها أمرا عظيما في الدماء والفروج والأموال، في ستحل الدم والفرج بالحيرة وهما يحرمان بالكوفة، ويكون مثل ذلك الاختلاف في جوف الكوفة، فيستحل في ناحية منها ما يحرم في ناحية أخرى، غير أنه على كثرة ألوانه نافذ على المسلمين في دمائهم وحرمهم، حكم به قضاة جائز أمرهم وحكمهم .... فلو رأى أمير المؤمنين أن يأمر بهذه الأقضية والسير المختلفة فترفع إليه في كتاب ويرفع معها ما يحتج به كل قوم من سنة أو قياس ثم نظر أمير المؤمنين في ذلك وقضى في كل قضية رأيه الذي يلهمه الله ويعزم له عليه وينهى عن القضاء بخلافه وكتب بذلك كتابا جامعا عزما لرجونا أن يجعل الله هذه الأحكام المختلطة الصواب بالخطأ حكما واحدا صوابا ورجونا أن يكون في اجتماع السير اجتماع الأمر برأي أمير المؤمنين وعلى لسانه، ثم يكون ذلك من إمام إلى آخر، آخر الدهر، إن شاء الله (76) . فابن المقفع أشار على أبي جعفر ونصحه أن يوحد عمل القضاة على رأي واحد يتنباه، وقد اتجة أبو جعفر كما اتجه قبله عمر بن عبد العزيز إلى المدينة وعلمها، فهي موطن السنه ومستقر كثير من الصحابة والتابعين، وكان أهلها لا يزالون يتناقلون سنة النبي وأقضيته، فعلمها لا يزال علما نبويا يتناقله الثقاة العدول، فيسهل جمعه، وهذا مالا يتوافر في غيرها شرفها الله. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 238 وإذا كانت المدينة هي ما يصلح ان يتجه إليه أبو جعفر لتحقيق غايته، فإن إمامها وعالمها مالك بن أنس هو خير من يمكن أن ينتدب إلى تلك المهمة الجليلة، وهو ما فعله أبو جعفر، فما أن قدم إلى المدينة من العراق والتقى مالكا، حتى حاوره وطلب منه أن يجمع العلم ويجعله علما واحدا ليتولى أمير المؤمنين حمل الناس عليه، فوافق طلب أبي جعفر عزم مالك على تأليفه، غير أن مالكا أبدى معارضته في مسألة توحيد الأمة على رأي واحد، فاجتمع رأيهما على جمع العلم دون توحيد الأقضية. وإن مسألة وضع كتاب واحد برأي واحد في كل مسألة ليحمل الناس عليه تكررت من الخليفة المهدي ثم من الخليفة هارون الرشيد، وفي كل مرة كان مالك يبين أن المصلحة في عدم حمل الناس على راي واحد أرجح، فمما روي في ذلك: أن المهدي قال لمالك: ضع كتابا أحمل الأمة عليه، فقال مالك: يا أمير المؤمنين، أما هذا الصقع وأشار إلى المغرب، فقد كفيتكه، وأما الشام ففيهم الرجل الذي علمته، يعني الأوزاعي، وأما أهل العراق فهم أهل العراق (77) . كذلك ورد أن مالكا قال: شاورني هارون الرشيد في ثلاثة، أن يعلق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على مافية، وفي أن ينقض منبر رسوله الله -صلى الله عليه وسلم -ويجعله من جوهر وذهب وفضه، وفي أن يقدم نافع بن نعيم إماما يصلى بالناس في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا أمير المؤمنين، أما تعليق الموطأ في الكعبة فإن أصحاب رسول الله اختلفوا في الفروع فافترقوا في البلدان، وكل عند نفسه مصيب، وأما نقض المنبر فلا أرى أن تحرم الناس أثر رسول الله -صلى الله عليه وسلم وما تقدمك نافعا يصلي بالناس فإن نافعا إمام في القراءة لا يؤمن أن تبدر منه في المحراب بادرة فتحفظ عنه. فقال: وفقك الله يا أبا عبد الله (78) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 239 وهذه الروايات تتعاضد في أن أصل الغرض من طلب المنصور من مالك أن يضع كتابا يدون فيه العلم ويجعله علما -أي قولا -واحدا، كان سياسيا، وهو توحيد القضاء على رأي واحد، وهو ما طلبه المهدي ثم الرشيد من مالك بعد ذلك. وورد أن أبا جعفر المنصور قال لمالك:"ضع هذا العلم ودونه، ودون منه كتبا، وتجنب شدائد عبد الله بن عمر، ورخص عبد الله بن عباس، وشواذ عبد الله بن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة، ولنحمل الناس-إن شاء الله- على علمك وكتبك، ونبثها في الأمصار، ونعهد إليهم ألايخالفوها ولا يقضوا بسواها. فقال مالك " أصلح الله أمير المؤمنين، إن أهل العراق لا يرضون علمنا، ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر: يحملون عليه، ونضرب عليه هاماتهم بالسيف، ونقطع طي ظهورهم بالسياط، فتعجل بذلك وضعها، فسيأتيك محمد المهدي ابني العام القابل-إن شاء الله -إلى المدينة ليسمعها منك، فيجدك قد فرغت من ذلك" (79) . وذكر المنذري أن أبا جعفر قال لمالك:"لم يبق في الناس أفقه مني ومنك وقد شغلتني الخلافة، فضع للناس كتابا ينتفعون به، وتجنب رخص ابن مسعود (80) . وفي رواية:"يا أمير المؤمنين، قد رسخ في قلوب أهل كل بلد ما اعتقدوه وعملوا به، ورد العامة عن مثل هذا عسير (81) . وتدل هذه الرواية على أن أبا جعفر وتقنين الأحكام الشرعية بحيث يستقر القضاء في كل مسألة خلافية على مايراه مالك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 240 ولعل واقع الحياة في الساحات: الفكرية، والسياسية، والفقهية، في الدولة هو الذي نشأ هذه الفكرة لدى أبي جعفر: أما الساحة الفكرية فكانت تشهد صراعات شديدة بين سائر المدارس الفكرية العقدية، معتزلة وشيعة وجهميه ومعطلة ومشبهة ... وأما الساحة الفقهية فكانت تشهد اختلافات فقهية متعددة لا تكاد مسألة فقهية تخلو في جانب من جوانبها منها، وهو ما سلف ذكره في رسالة ابن المقفع إلى ابي جعفر، ولعل الخطب قد اشتد في نظر أبي جعفر لما اشتهر أمر مخالفة أبي حنيفة لقضاة الكوفة، وانتقاده لهم وتصريحه بخطئهم إذا خالفوا رأيه مما أضاع هيبة القضاء وول د الجرأة على القضاة. ناهيك عن الفرقة التي انتشرت بين أصحاب الآراء العقدية المتباينة وأتباع المدارس الفكرية المتصارعة، والوحشة التي ظهرت وتزايدت بين أصحاب الآراء الفقهية المختلفة. وأما الساحة السياسية فكانت تشهد جماعات معادية للسلطة العباسية، منها الفكري ومنها المسلح، فالخوارج كانوا لا يفشلون في ثورة حتى يستأنفوا التخطيط والإعداد لثورة أخرى. والمعتزلة أصحاب فكر عقدي ينزح فكرا سياسيا ثوريا انقلابيا، بل إن فكرهم أسهم كثيرا في نظري في خدمة الدعوة العباسية ضد الأمويين. والطالبيون قد أرق خروجهم المسلح الأمويين ثم العباسيين وبعدم موافقة مالك على طلب أبي جعفر توقف الأمر عند حد الاتفاق على تأليف كتاب يحفظ السنة ويجمع علم الحجاز، فألف مالك كتابه "الموطأ". ثامنا:- أثر أصل المصلحة في منهجه السياسي: المصلحة في اصطلاح الاصولين هي: ما اتفق مع مقاصد الشريعة من نفع أو دفع ضرر (82) . فالمصلحة التي بنى العلماء عليها هي المصلحة المعتبرة، وليست الملغاة ولا المرسلة عن الدليل الشرعي الذي يشهد لها، وقد أكثر الإمام مالك من الاعتماد على المصلحة المعتبرة ووضع أصحابه الضوابط لها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 241 وفي معرض الكلام عن أخذ الإمام مالك بالمصلحة واسترساله في ذلك، مراعيا مقاصد الشارع غير مناقض لها ولا خارج عنها، قال الشاطبي: أما قسم العادات الذي هو جار على المعنى المناسب الظاهر للعقول، فإنه استرسل فيه استرسال المدل العريق في فهم المعاني المصلحية، نعم مع مراعاة مقصود الشارع أن لا يخرج عنه ولا يناقض أصلا من أصوله (83) . وقد برزت المصلحة دليلا شرعيا معتمدا بشكل واضح في الفكر السياسي عند مالك، ففي مقابلته وأبي حنيفة وابن أبي ذئب لأبي جعفر لم نجده قاسيا في الكلام كصاحبيه، فهما أخذا بالعزيمة، أما هو فتمسك بالرخصة، ولعله قدر أن المصلحة في الأخذ بها أعظم من المصلحة في الأخذ بالعزيمة فمدح أبا جعفر وبارك له بالخلافة ودعا له بالعون والتوفيق من الله. وإني أرى موقف أبي حنيفة وابن أبي ذئب أبرا للذمة، وأرى موقف مالك أسلم في سبيل مصلحة الدعوة والأمة، لاسيما وأن صاحبيه قد أديا فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن موقفه كان أدعى لأن يسمع منه أبو جعفر لو طلب منه إصلاحا لبعض ما فسد، وهذا فيه مصلحة عظيمة، وأراهم جميعا قد وف قوا من غير اتفاق في مواقفهم في تلك الجلسة مع الخليفة، فكل واحد منهم حقق مقصدا شرعيا، وذلك أن كلا من العزيمة والرخصة تحقق المصلحة في مجالها. ولقد راعى مالك الواقع وظروفه، فالواقع يقتضي عدم الاستعداء، وإن كانت القناعة تدفع إلى القسوة، وإن ذلك ليدل على أن المصلحة أظهر ما يمكن أن يكون مستندا لمالك في موقفه ذلك. كذلك، برزت المصلحة مؤثرة في اختياره سبيل الإصلاح ورغبته عن سبيل الخروج. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 242 الرازي، فخر الدين، المحصول في علم أصول الفقه، ج2، ص 319، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1408هـ، العضد الايجي، شرح العضد على مختصر بن الحاجب، ج2، ص 239، المطبعة الأميرية، د. ت، العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ج1، ص12، مكتبة الاستقامة، د. ت. الغزالي، المستضفي في علم الصول، ط1، ص 286-287، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1403هـ، الطوفي، شرح الأربعين النووية، ملحق برسالة المصلحة في التشريع الإسلامي، ص 211، دار الفكر. وكانت المصلحة أيضا مستنده في دخوله على الأمراء قبل أن يتسلم منصب الرقابة عليهم، على الرغم مما أخذه الناس عليه في ذلك، وقد سبق قوله لما علم بإنكار الناس عليه "ربما استشير من لا ينبغي". هذه نماذج من مراعاة مالك للمصلحة في سلوكه السياسي، وهي مع غيرها تدل على أن مراعاة المصلحة كانت ثابتا من ثوابت فكره السياسي. وإن منهج مالك في الاستناد إلى المصلحة لجدير أن يترسم من قبل مدارس الفكر السياسي المعاصر والأحزاب السياسية الإسلامية في مسألة المشاركة السياسية والخطاب السياسي الإسلامي. تاسعا:- مدى استقلاله عن شيوخه في منهج العمل السياسي. بعد أن أوضحنا منهج مالك في العمل السياسي سنوضح مدى استقلاله في ذلك عن منهج شيوخه، فنقول: إن شيوخ مالك كثيرون، اخترت أربعة منهم، ساعرف موجزا بجانب من منهج كل منهم في العمل السياسي، ليتسنى لي المقارنة -توافقا وافتراقا - بين مالك وبينهم، ولكيما أقترب من الصواب وأنا أتقصده وأتلمسه في الحكم على مالك بالاستقلالية أو بالتأثر والتبعية في منهجه السياسي، والأربعة الذين سأتكلم عنهم هم:- الجزء: 11 ¦ الصفحة: 243 1- ... ابن هرمر، أبو بكر عبد الله بن يزيد الأصم (ت841هـ) تتلمذ عليه الإمام مالك ثمانية أعوام (84) ، واستحكمت المودة بينهما، حتى أفضى إليه ابن هرمز بسره السياسي الخطر، وهو مشاركته في الخروج المسلح على سلطة الحكم العباسية. فابن هرمز كان يرى مشروعية الخروج المسلح ضد من تغلب على الحكم وجعله وراثيا ومما يدل على ذلك الاتجاه الفكري عند ابن هرمز موقفه العملي، فقد خرج مع محمد النفس الزكية سنه 541هـ- يحمل قوسه، فقيل له: والله ما فيك شيء. فقال: قد علمت، ولكن يراني جاهل فيقتدي بي (85) فلم يتحلل من بيعته لمحمد النفس الزكية على الرغم من تحلل الآلاف ممن بايعوا. فابن هرمز شارك فعليا في ثورة محمد النفس الزكية، ولكن مالكا لم يشارك، مما يدل على استقلال مالك في منهجه، وعدم تأثره بمنهج شيخه. 2- ... ابن شهاب الزهري، أبو بكر بن مسلم المدني بن زهرة، (ت421هـ) ، كان يدخل على الخلفاء ويجالسهم ويتقبل هداياهم، وكان مؤدبا لأبناء هشام (86) . وقد توافق مالك مع شيخه ابن شهاب في الدخول على الخلفاء وقبول هداياهم، فيروى قبوله عطاء أبي جعفر، فقد قبل ثلاثة ألآف دينار أعطاها له أبو جعفر ليشتري مسكنا له (87) ، كذلك شكى إلى الرشيد دينا ألم به، فأمر له بألف دينار، فلما هم بالانصراف قال: يا أمير المؤمنين: وزوجت ابني محمدا فصار عليَّ فيه ألف دينار; فأمر الرشيد له بألف أخرى (88) وورد أنه سئل عن حكم قبول العطاء فقال:"أما الخلفاء فلا شك، وأما من دونهم فإن فيه شيئا (89) . ... فكان مالك يرى أن للعالم حقا في بيت المال، وأن الخلفاء إن أعطوا فإنما يعطون من المال العام وليس من خاصة ماله. والعالم له رزق في بيت المال يستحقه لقاء تفرغه للتعليم والتربية والفتيا (90) ، ثم إنه لو لم يقبلها لعل الحاجة تؤدي به إلى ما لا يليق بأمثاله. فكان له مستنده الشرعي وضابطه الفقهي في ذلك الاتجاه الفكري والمنهج السلوكي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 244 لقد توافق مالك مع شيخه الزهري في الدخول على الخلفاء وقبول عطاياهم، غير أن روايات ذكرت عدم سرور مالك وهو يقبل عطايا الخلفاء وأنه كان يرى في ذلك شيئا ; فروي: أنه سئل عن ذلك، فكرهه، فقيل له: إنك تقبلها. فقال: أتريد أن تبوء بإثمي وإثمك معا (91) وفي رواية:أجئت تبكتني بذنوبي (92) . وأرجو أن لا أجافي الصواب إذا قررت عدم التعارض بين قبول مالك عطايا الخلفاء وكرهه لذلك، فيحمل قبوله لها وطلبه إياها على حال الاستحقاق في بيت المال. ويحمل كرهه لها على حال أخذها بغير حق، وحال التوسع في أخذها ولو كان بحق، ولعله خشي أن يفسر فعله ذلك على غير وجهه، فيقلده فيه الجهال أو غير الورعين، فيقبلون عليه من غير مستند شرعي أو يقبلون عليه من غير ضابط فقهي. لقد كان مالك منطلقا في منهجه في قبول العطاء من مستند شرعي ونظر اجتهادي وليس تقليدا لشيخه الزهري ولا تأثرا به. 3- ... جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ت 841هـ) . لم يعن قط بالسياسة بل كان همه التربية. وقد توافق موقف مالك مع موقف شيخه جعفر الصادق، فقد اعتزل مالك طريقة الخروج على الخلفاء، ولأن مالكا قد بلغ درجة الاجتهاد فإنني أرى أن توافقه مع شيخه جعفر الصادق ليس ثمرة تقليد وتأثر، ولكنه ثمرة اجتهاد مستقل، فإن مالكا قد بلغ رتبة الاجتهاد المطلق. 4- ... ربيعة الرأي (بن فروج أبي عبد الرحمن المدني) (ت 631هـ) (93) كان يدخل على الخلفاء ويقابلهم، لكن لا ليأنس بمقابلتهم أو ينال منهم، وإنما ليفتيهم وينصحهم، فق دروى مالك أن ربيعة قابل أبا العباس السفاح، فأمر له أبوالعباس بجائزة فرفضها ربيعة، فأعطاه أبو العباس خمسة آلأف درهم ليشتري بها جارية فامتنع عن قبولها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 245 كذلك، تذكر الروايات التاريخية أن أبا العباس استدعى ربيعة لي سلمه ولاية القضاء فأبى، فلما أراد ربيعة السفر قال لمالك:إن سمعت أني حدثتهم شيئا أو أفتيتهم فلا تدعني شيئا، فوصله أبو العباس بخمسة آلاف درهم فرفض أن يقبلها (94) . هذه الرواية فيها دلالة على أن ربيعة كان يرفض الولاية، ويمكن أن يحمل هذا السلوك على الزهد في الولاية وعلى الخوف من تولي القضاء، ويمكن أن يحمل على أنه فرار من تولي الوظائف في ظل خليفة اغتصب الخلافة وعض عليها، ولم يجعلها شورية تختار الأمة لها من ترتضيه. كان مالك قريبا من شيخه ربيعة، عالما بأحواله، مرافقا له في مقابلاته للخلفاء (95) ، ولكنه كان مستقلا عنه في فكره السياسي، لذلك لم نجده في مسألة تولي الوظائف المهمة في الدولة- متوافقا معه، فلم يرفض مالك -كما سياتي- حسن العلاقة بالسلطة الحاكمة، وتولي الوظائف فيها على الرغم من تيقنه من ظلم تلك السلطة فقد غصبت الأمة منصب الخليفة وجعلته ملكا عائليا وراثيا. والمسألة اجتهادية، فلعل مالكا كان يرى المصلحة أرجح في أن يتولى الوظائف وإن كان الخليفة ظالما. ويمكن القول إن المنهج السياسي عند مالك كان يتسم بطابع الاستقلالية، ذلك أن مالكا إمام بلغ درجة الاجتهاد المطلق، وأن منهجه في علاقته بالسلطة الحاكمة جزء من منهجه الكلي في استنباط الأحكام، فجاء منهجه السياسي ثمرة نظر وتفقه سياسيين وليسا ثمرة تأثر أو تقليد. هذا، ولا يلزم من الاستقلالية في الفكر عدم التوافق في بعض الجوانب، وبناء على عدم اللزوم هذا، نفسر ما وجد من توافق في بعض جوانب الاجتهاد السياسي عند مالك مع الجوانب المناظرة من الفكر السياسي عند شيوخه. الخاتمة خلصت في هذا البحث إلى نتائج من أهمها:- = ... ما انفك مالك يعتمد المستندات الشرعية والضوابط الفقهية في عمله السياسي، حتى شكل ذلك ثابتا من ثوابت المنهج السياسي عنده. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 246 = ... كان مالك يقبل عطايا الخلفاء، وكان جوهر فلسفته في منهجه ذلك أن الخلفاء لايعطون من خاصة مالهم، ولكن من بيت المال، والعالم له حق في بيت المال لقاء تفرغه للتربية والتعليم والفتيان = اعتمد مالك المنهج الإصلاحي بالنصح والمشاركة السياسية، وذلك نزولا على مقتضيات الواقع ; فقد وجد أن مافي المنهج الانقلابي من المفاسد أعظم مما فيه من المصالح. = الدافع الأساسي وراء أصل فكرة تأليف كتابه " الموطأ" كان سياسي ا، هو توحيد القضاء الاجتهادي على رأي واحد = ... أصل المصلحة كان مستندا بارزا في فكره السياسي. = منهج مالك في العمل السياسي كان ثمرة نظر واجتهاد، وليس ثمرة تبعية أو تقليد، فجاء متسما بالاستقلالية والمنهجية، مما يستحق معه مالك أن يوصف بأنه إمام كبير من أئمة الفكر السياسي الإسلامي. والحمد لله رب العالمين الحواشي والتعليقات السيوطي، جلال الدين، تزيين الممالك بمناقب الإمام ملك، ص 302، ومعه مناقب مالك للزواي، المطبعة الخيرية، 1325، والسيوطي، طبقات الحفاظ، ص 809، القاهرة، ط1، 1973م. ... وابن سعد، الطبقات الكبرى، ج5، ص63، ترجمة مالك بن أبي عامر، دار صادر، بيروت، د. ت. ... والسيوطي، طبقات الحفاظ، ص89، القاهرة، ط1، 1973م. السيوطي، ترتيب الممالك، ص4، مرجع سابق. المرجع السابق، ص 4. عياض وترتيب المبارك، ج1، ص111، بيروت، 1967م. ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، التمهيد، ج1، ص87، تحقيق مصطفى العلوي ومحمد الكبري، د. ت. وابن فرجون، الدبياج المذهب، ص18، ط1، مصر، 1351هـ. المصدر السابق، ج1، ص 87. الزواوي، عيسى، مناقب مالك، ص7، مع تزيين الممالك للسيوطي، المطبعة الخيرية، 1325. الزواوي، مناقب ملك، ص9-12 مرجع سابق، والسيوطي، تزيين الممالك، ص8-11 مرجع سابق. ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 63، مصدر سابق. البخاري، التاريخ الكبير، ج7، ص 310، ترجمة رقم 1323، ودار الكتب العلمية، بيروت، د. ت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 247 الذهبي، شمس الدين، تذكرة الحفاظ، ج1، ص 208، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت. وابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 63، مصدر سابق. ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 63، مصدر سابق، والذهبي، تذكرة الحفاظ، ج1، ص 208، مرجع سابق. المرجعان السابقان. ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 62، مصدر سابق. الزواوي، ومناقب مالك، ص4، مرجع سابق. المرجع السابق، ص15، والسيوطي، تزيين الممالك، ص11، المرجع السابق. الزواوي، المناقب، ص15، مرجع سابق. السيوطي، مناقب مالك، ص9، مرجع سابق. السيوطي، تزيين الممالك، ص 144، مرجع سابق. المرجع السابق، ص 14. المرجع السابق، ص 14. جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي، صفة الصفوة، ط1، حلب، 1389هـ، ومناقب الإمام أحمد بن حنبل، ط1، القاهرة، 1399هـ، ج2، ص 177، وأبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، (ت430) ، حلية الأوليان وطبقات الأصفياء، ط2، بيروت، 1967م) ، عياض بن موسى، ترتيب المدارك، ج1، ص126، مصدر سابق. تتبعنا الحالة السياسية في الدولة الإسلامية ما بين سنة أربعين هجرية وسنة مائة وخمسة وأربعين في كتاب البداية والنهاية، لابن كثير، الأجزاء (7،8،9) ولخصنا ما يهمنا منه. السيوطي، تزيين الممالك، ص4، مرجع سابق. القيرواني، أبو زيد، الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ، ص 155، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1403هـ، 1983م. (26) الزواوي، مناقب مالك، ص 25، مرجع سابق. (27) الصيمري، أخبار أبي حنيفة وأصحابه، ط2، بيروت، 1976م، ص 59-60. (28) القيرواني، أبو زيد، ص 155-157، مرجع سابق. ابن عبد البر، الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، مالك، الشافعي، وأبي حنيفة، بيروت، د. ت، ص42. عياض بن موسى، ترتيب المدارك، ج1، ص 192، مصدر سابق، وابن عبد ابر، الانتقاء، ص41، مصدر سابق، مصطفى الشكعة، الئمة الأربعة، ط1، القاهرة، 1979، ص 410-411. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 248 جمال الدين ابن نباتة المصري (686هـ-768هـ) ، سرح العيون في شرح رسالة ابن خلدون، القاهرة، 1383هـ، ص 262. ابن عبد البر، الانتقاء، ص 23، مصدر سابق. ابن خلدون، (ت808هـ) ، المقدمة، دار الشعب، د. ت، ص 187. الأصبهاني، حلية الأولياء، ج6، ص 316، مصدر سابق. ابن عبد البر، الانتفاء، ص 44. السيوطي، تزيين الممالك، ص 12-13، مرجع سابق. الرازي، أدب الشافعي ومناقبه، بيروت، د. ت، ص 203، ابن عبد البر، الانتفاء، ص 44، مصدر سابق. رواه أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه، السنن، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب، بيروت، د. ت، باب طلاق المكره والناسي، ج1، ص 659، وابن حيان، الصحيح، ترتيب علاء الدين الفارسي المسمى الاحسان بترتيب صحيح ابن حيان، دار الكتب العلمية، ط1، 1987م، باب الإخبار عما وضع الله بفضله عن هذه الأمة، ج9، ص 147. أبو جعفر الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج7، ص 560، مصدر سابق، وعبد الرحمن سنبط قنيتو اربلي، (ت717هـ) ، الذهب المسبوك مختصر من سير الملوك، بغداد، د. ت، ص 77، وعماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت774هـ) ، ابداية والنهاية، ط2، بيروت، 1977، ج10، ص 84، وعبد العظيم بن عبد القوي المنذري، (ت656هـ) ، الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، ط2، مصر، 1388هـ، ج1، ص 14. الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج7، ص 539، مصدر سابق. عياض، ترتيب المدارك، ص 229. عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 209، مصدر سابق. ابن عبد البر، الانتفاء، ص 24، مصدر سابق، الرازي، أدب الشافعي ومناقبه، ص 159، مصدر سابق. ابن فرحون، الديباج المذهب، ص 24، مصدر سابق. الزواوي، مناقب مالك، ص13، وابن نباتة، سرح العيون، ص 261، مصدر سابق، وابن عبد القوي، الترغيب والترهيب، ج1، ص 15، مصدر سابق. عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 212، مصدر سابق. عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص192، مصدر سابق، وابن عبد البر، الانتفاء، ص41، مصدر سابق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 249 محمد أبو زهرة، مالك، حياته، عصر÷، آراؤه، فقهه، ط2، القاهرة، 1952م، ص 65. عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 192، مصدر سابق، وابن عبد البر، الانتفاء، ص 41، مصدر سابق، وابن فرحون، الديباج المذهب، ص 25، مصدر سابق. المنذري، الترغيب والترهيب، ج1، ص14، مصدر سابق. المناقب، ص 42. عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 211. أبو جعفر الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج7، ص 564، مصدر سابق. المصدر السابق، ج7، ص 564، وابن كثير، البداية النهاية، ج10، ص 84، مصدر سابق. الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج7، ص559، مصدر سابق. الصفهاني، مقاتل الطالبيين، بيروت، د. ت، ص 395. سورة القصص، الآية رقم (5) . ابن حجر العسقلاني (773-852هـ) ، رفع الإصر عن قضاة مصر، القاهرة، 1957م، ص 169. الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج7، ص582-586، مصدر سابق. مالك بن أنس، المدونة الكبرى، ومعها مقدمات ابن رشد، ج1، ص 369، دار الفكر، 1406هـ. القيرواني، أبو زيد، الرسالة في فقه الإمم مالك، ص 60، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418-1998هـ. الأبي الأزهري، صالح، التمر الداني، شرح رسالة أبي زيد القيرواني، ص 413، المكتبة الثقافية، ص 128، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418هـ. القرافي، شهاب الدين، الذخيرة، ج3، ص 404، تحقيق محمد أبو خبزة، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1994م. البخاري، مقدمة فتح الباري، ص 4، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت. الزواوي، مناقب مالك، ص4، مرجع سابق. البخاري، صحيح البخاري، ج1، ص33، دار الفكر، 1401هـ-1981م، وأنظر لزرقاني، محمد، شرح الزرقاني على موطأ مالك، ص9، دار الفكر، د. ت. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، شرح صحيح البخاري، ج1، ص 259، دار الكتب العلمية، بيروت، 1410هـ. ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص81، مصدر سابق. ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 86، مصدر سابق، والزواوي، مناقب مالك، ص 16، مرجع سابق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 250 ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص86، مصدر سابق، والزواوي، مناقب مالك، ص 33، مرجع سابق. ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 80، مصدر سابق. المصدر السابق، ج1، ص 63، 67. ترتيب المدارك، ج1، ص 191. ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 76، مصدر سابق. المصدر السابق، ج1، ص 85. رسالة البلغاء، جمع محمد كرد علي، ص 125-126، دار الكتب العربية، د. ت. الزواوي، مناقب مالك، ص 27، مرجع سابق. السيوطي، المناقب، ص 46. عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 192، مصدر سابق، ابن عبد البر، الانتقاء، ص 41، مصدر سابق. المنذري، الترغيب والترهيب، ج1، ص14، مصدر سابق. ابن عبد البر، الانتقاء، ص 42. هذا التعريف وضعته بعد النظر في تعريفها عند عدد من الأصوليين. (83) الشاطبي، إبراهيم ابن موسى، الاعتصام، ج2، ص 311، مطبعة المنار، د. ت. (84) إبراهيم بن فرحون، الديباج المذهب، ص 20، مصدر سابق. ابن جرير الطبري، (224هـ-320هـ) ، تاريخ الرسل والملوك، ط2، مصر، 1967م، ج7، ص 597-609، مصدر سابق. (86) المرجع السابق، ص 49. (87) أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء، ج6، ص 321، مصدر سابق. ابن عبد ربه الأندلسي (ت318هـ) ، العقد الفريد، دار الفكر، د. ت، ج1، ص 189. عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 217، مصدر سابق. أبو زهرة، تاريخ المذاهب الإسلامية، القاهرة، د. ت، ج2، ص 149. عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 108، مصدر السابق. المصدر السابق، ج2، ص 218. الخطيب البغدادي (ت463هت) ، تاريخ بغداد، بيروت، د. ت، ج8، ص 426، والسيوطي، طبقات الحفاظ، ص 68-69، مصدر سابق. ابن الجوزي، صفة الصفوة، ج2، ص151، مصدر سابق. شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (608-781هـ) ، وفيات الأعيان وأنباء الزمان، بيروت، 1968م، ج4، ص 135. المصادر والمراجع الآبي الأزهري، صالح الثمر الداني شرح رسالة أبي زيد القيرواني، المكتبة الثقافية، بيروت، د ت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 251 الأربلي، وعبد الرحمن سنبط قنيتو، (ت717هـ) ، الذهب المسبوك مختصر من سير الملوك، بغداد، د ت. الأصبهاني أحمد بن عبد الله (ت034هـ) ،حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ط2، بيروت، 7691م. الأصفهاني، علي بن الحسين بن محمد (ت 653هـ) مقاتل الطالبيين، بيروت، د. ت. ... ابن عبد ربه الأندلسي (ت 813هـ) العقد الفريد، د. ت. البخاري، التاريخ الكبير، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج، صفة الصفوة، ط1، حلب، 9831هـ. ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ط1، القاهرة، 9931هـ. وابن حبان، الصحيح ترتيب علاء الدين الفارسي المسمى الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان دارالكتب العلمية، ط1، 7891م. ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي (258هـ) ، رفع الإصر عن قضاة مصر، القاهرة، 7591م. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار الكتب العلمية، بيروت، 141هـ. الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، د ت. ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد (ت 808هـ) ، المقدمة، دار الشعب، د. ت. ابن خلكان، شمس الدين أحمد بن محمد، (ت 186هـ) ، وفيات الأعيان وأنباء الزمان، بيروت، 8691م. الرازي، عبد الرحمن بن أبي حاتم، أدب الشافعي ومناقبه، بيروت، (د، ت) . الزرقاني، محمد، شرح الزرقاني على موطأ مالك، دار الفكر، د ت. أبو زهرة، محمد، تاريخ المذاهب الإسلامية، القاهرة، د. ت. أبو زهرة، محمد، مالك،حياته، عصره، آرؤه، فقهه، ط، القاهرة، 2591م. الزواري، عيسى، مناقب مالك، مع تزيين المماليك في مناقب مالك للسيوطي، المطبعة الخيرية، 5231هـ. ابن سعد، الطبقات الكبري، دار صادر، بيروت، د ت. السيوطي، جلال الدين (ت 119هـ) تزيين الممالك في مناقب مالك، المطبعة الخيرية، 5231هـ. السيوطي، طبقات الحفاظ، ط1، القاهرة 3931هـ. الشرنوبي، عبد المجيد، تقويب المعاني على رسالة، ابي زيد القيرواني، دار الكتب العلمية، بيروت، 8141هـ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 252 الشكعة، مصطفى، الائمة الأربعة ط1، القاهرة، 9791. الشكعة، مصطفى، إسلام بلا مذاهب، ط5، القاهرة، 7791م. الصيمري، حسين بن علي (ت634) ، أخبار أبي جنيفة وأصحابه، ط2 الناشر، بيروت،6791م. الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (320هـ) ، تاريخ الرسل والملوك، ط2، مصر، 7691م. ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، التمهيد، تحقيق الممالك في مناقب مالك للسيوطي، المطبعة الخيرية، 5231هـ. ابن عبد ربه، العقد الفريد، دار الفكر، د ت. عياض، بن موسى بن عياض البحصي (ت 445هـ) ، ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، بيروت 7691م ابن فرحون، إبراهيم بن علي بن محمد، الديباج المذهب، ط1، الفحامين، مصر 1531هـ. المنذري، عبد العظيم بن عبد القوي، (ت 656هـ) ، الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، ط2، مصر، 8831هـ. القرافي، شهاب الدين، الذخيرة، تحقيق محمد أبو خبزة، دار الغرب الاسلامي، ط1، 4991م. القرطبي، أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري (ت364هـ) ، الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، مالك، الشافعي، وأبي حنيفة، بيروت، د ت. القيرواني، ابو زيد، الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ، مؤسسة الرسالة، بيروت، 3041هـ/3891م. القيروان، ابو زيد، الرسالة في فقه الامام مالك، دار الكتب العلمية، بيروت،8141هـ/8991م. ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء اسماعيل، (ت 477هـ) ، البداية والنهاية، ط2، بيروت، 7791م. ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، السنن، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب، بيروت، د، ت. مالك بن انس، المدونه الكبرى، ومعها مقدمات ابن رشد، دار الفكر، 1406هـ. ابن نباتة المصري، جمال الدين (768هـ) ، سرح العيون في شرح رسالة ابن خلدون، القاهرة، 3831هـ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 253 توسعة المسجد النبوي الشريف في العهد السعودي الزاهر 1368هـ - 1413هـ الدكتور / محمد هزاع الشهري أستاذ مساعد قسم التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة أم القرى ملخص البحث يصف البحث عملين معماريين متميزين،تما في توسعة المسجد النبوي الشريف في العهد السعودي الزاهر . أولهما قام به جلالة الملك عبد العزيز سنة 1372هـ وأتمه ابنه جلالة الملك سعود 1375هـ. وكان لهذا العمل الرائع أسبابه ودواعيه الخاصة به، وقد جاء وفق الطموحات والآمال، التي عقدها المؤسس الباني جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله رغم الإمكانيات المتواضعة التي تملكها الدولة آنذاك. وجاء كل من التصميم والتنفيذ، متوائماً مع معالم الجزء الذي استبقى في مقدمة المسجد النبوي الشريف من العمارة المجيدية. والتي تحوي في بعض جوانبها بقايا من خصائص العمارة المملوكية، والمتمثل في المنارة الرئيسية وبعض أجزاء القبة الشريفة، مع المحافظة على مسمى المداخل والأبواب القديمة. ورغم كبر المساحة التي أضافتها التوسعة المذكورة (6024م) 2 إلى ما كان قبلها، فقد عجز المسجد الشريف، عن استيعاب الأعداد المتزايدة من الزوار والمصلين لاسيما في أيام الجمع والمواسم، مما حدا بجلالة الملك فيصل طيب الله ثراه، إلى إضافة مساحة من الأرض المظللة، في الجانب الغربي من المسجد النبوي الشريف سنة 1395هـ قدرت 35.000 م2. أما العمل الثاني والمميز أيضاً، فقد أنجز في عهد خادم الحرمين الشريفين 1405هـ - 1411هـ؛ وقد عكس جماليات البناء التي تميزت بها المنشآت التي أقيمت في عهده، وجاء بحجم الآمال التي تعقدها الشعوب والحكومات الإسلامية في مقدرة المملكة العربية السعودية في خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة. *** توسعة المسجد النبوي الشريف في العهد السعودي الزاهر 1368 – 1413هـ 1- أسباب التوسعة السعودية الأولى 1368 – 1375هـ: مكونات التوسعة: أولاً: الأروقة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 254 ثانياً: العقود والسقوف. ثالثاً: المآذن. رابعاً: الأبواب والمداخل. خامساً: الإنارة والتهوية. 2- التوسعة السعودية الثانية 1392 – 1395هـ. المرحلة الأولى. المرحلة الثانية. المرحلة الثالثة. 3- التوسعة الكبرى في عهد خادم الحرمين الشريفين 1405هـ - 1413هـ. الجهة المنفذة والمشرفة. جغرافية المنطقة وتكونيها المعماري. مخطط التوسعة الكبرى ومميزاته. أساسات التوسعة (البنية التحتية) . مكونات التوسعة: أولاً: الأروقة والقباب. ثانياً: المآذن. ثالثاً: الأبواب والنوافذ. رابعاً: الساحات والمرافق العامة. توسعة المسجد النبوي الشريف في العهد السعودي الزاهر 1368- 1413هـ توالت على المسجد النبوي الشريف منذ تأسيسه في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم، عدة توسعات وتجديدات،كان لكل منها أسبابها ودوافعها المختلفة. ويمكن لمتتبع تاريخ تلك الأعمال المعمارية أن يلمس حقيقتين هامتين هما: أولاً: إن التوسعات التي تمت في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعهد الخلفاء الراشدين ودولة بني أمية وبداية الدولة العباسية، كانت في معظمها استجابة لنمو أعداد المسلمين، بالإضافة إلى حرص كل من الدولتين الأموية والعباسية على أن يكون لهما عمل مميز في توسعة المسجد النبوي الشريف وعمارته؛ وقد بلغت مساحة تلك الأعمال في مجملها 8890م (1) . ثانياً: إن الأعمال التي جاءت بعد الحريق الذي دمر المسجد النبوي سنة 654هـ، حافظت في معظمها على مساحة المسجد قبل الحريق، ماعدا زيادة بسيطة زادها السلطان المملوكي الأشرف قايتباي، في الجانب الشرقي من مقدمة المسجد سنة 888هـ؛ وقدرت ب 120متراً مربعاً، وكذلك زيادة السلطان العثماني عبد المجيد خان سنة 1265-1277هـ والمقدرة ب 1293م2 (2) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 255 وعندما دخلت الحجاز في كنف الدولة السعودية، في عهد مؤسسها الملك عبد العزيز طيب الله ثراه سنة 1343هـ، كان لابد لهذه الأراضي المقدسة أن تنعم بالأمن والاستقرار كغيرها من أنحاء المملكة، مما زاد بطبيعة الحال في أعداد الراغبين من الحجاج في زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. (3) ولكون المملكة العربية السعودية أدركت منذ عهد مؤسسها الملك عبد العزيز، أنها مسئولة روحياً عن عموم المسلمين في مختلف أنحاء العالم؛ (4) فقد وعت عظم مسئولياتها وواجباتها تجاه الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة. ومن محاسن الصدف أن تكون العناية بالحرم النبوي الشريف فاتحة خير لتوجيه اهتمام الدولة السعودية في عهد جلالة الملك عبد العزيز بالحرمين الشريفين حرسهما الله تعالى. ولذلك من الأسباب والدواعي ما يجب ذكره. أسباب التوسعة السعودية الأولى 1368 – 1375هـ: مر على إتمام العمارة العثمانية التي أنجزها السلطان عبد المجيد خان، في المسجد النبوي الشريف 1277هـ؛ إلى قيام الملك عبد العزيز بأول عمل في ترميم بعض جوانب من المسجد النبوي الشريف سنة 1348هـ. قرابة 71عاماً، وإلى الشروع في الأمر بالبناء سنة 1368هـ 91 عاماً. وهي فترة عاود فيها الخلل أماكن مختلفة من جدران المسجد الشريف وأعمدته وقبابه وعقوده، نتيجة لطول المدة وقلة الصيانة (5) ، ولا سيما الفترة التي احتدم فيها النزاع بين الأتراك والشريف حسين قبل وبعد إعلان الثورة العربية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 256 ومن المعروف جيداً أن عمارة السلطان عبد المجيد، اقتصرت على تجديد بعض أجزاء من الجدار الخارجي لمبنى المسجد النبوي الشريف، (6) ، فيما بقى البعض الآخر محتفظاً بعمارته الأموية أو العباسية أو المملوكية، أو التي جددها أسلاف السلطان عبد المجيد خان (7) . كما تركزت عمارة السلطان عبد المجيد بشكل أساسي في تجديد سقف المسجد النبوي الشريف وإحلال القباب محل السقوف الخشبية المزدوجة (8) ، التي كانت سائدة في المسجد النبوي إبان العصر الأموي والعباسي ومعظم العصر المملوكي. وقد جاءت أول أعمال الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، لتعالج آثار التلف التي ظهرت في هبوط أرض الأروقة المطلة على صحن المسجد؛ من جهاته الأربع عام 1348هـ (9) . ومرد ذلك كما يظهر من كلام عبد القدوس الأنصاري، إلى عدم تصريف مياه الأمطار التي تتجمع في صحن المسجد لانسداد مجاريها، مما أدى إلى انتشار الرطوبة في الأماكن القريبة من الصحن، حيث تركز الخلل فيما بعد في أكثر من موضع. ثم جاء العمل الثاني في عهد الملك عبد العزيز، ليمنع التلف الذي بدأ يظهر في تشقق بعض الأعمدة في المجنبتين الواقعتين شرق الصحن، وغربه، وذلك بوضع أطواق من الحديد على ما تلف منها سنة 1350هـ (10) . وهو أمر مألوف نراه اليوم في بعض أعمدة الجزء القديم من المسجد الحرام ثم عاد الخلل ليظهر مرة أخرى في أماكن مختلفة من المسجد النبوي الشريف، حتى أصبح المبنى كما يقول أحد المهتمين بالآثار في حالة سيئة (11) . ونتيجة لذلك قامت وزارة الأوقاف المصرية، بترميم أماكن مختلفة شملت الأرضيات والأروقة والمآذن والمداخل، وقد امتدت من سنة 1354- 1357هـ؛ (12) وأنفقت عليها من أوقاف الحرمين الشريفين بمصر. (13) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 257 ولم تكن حكومة الملك عبد العزيز ترى في ذلك عضاضة، ولاسيما وأن مصر تملك الخبرة والمقدرة في هذا المجال؛ إلا أن المبالغة التي ضمنها رئيس البعثة المصرية المهندس محمد نافع تقريره عما أنجزه من ترميم في مبنى المسجد الشريف، وما لاحظه من تصدع في أحد الأعمدة الواقعة خلف دكة الأغوات (14) قد آثار الصحف المصرية التي بالغت في تضخيم الضرر، ودعت المسلمين إلى العناية بمسجد نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام. (15) وخوفاً من أن تأخذ القضية بعداً سياسياً في العلاقة بين المملكة والحكومة المصرية كما حدث من قبل حول كسوة الكعبة سنة 1345هـ وما قبلها (16) ، فقد سارعت حكومة المملكة العربية السعودية من خلال الصحف المحلية والعالمية، إلى طمأنة عموم المسلمين في الداخل والخارج بسلامة المسجد النبوي الشريف، وانحصار التلف في مواضع محددة منه، وعزمها على معالجة ذلك بأسرع وقت. (17) وكان الملك عبد العزيز كما يقول أحد العارفين بمزاياه، يتساهل في كل شيء إلا ما يمس سيطرته الشخصية أو مركز حكومته (18) . وللتأكيد على اهتمامه بأمور المسلمين وتسهيل وصولهم على الحرمين الشريفين لأداء مناسك الحج، أنشأ مديرية للحج وأمر في سنة 1371هـ بإلغاء الرسوم المفروضة على الحجاج (19) ولتأكيد النوايا الحسنة لمؤسس المملكة حول هذه القضية، فقد طلبت حكومته آنذاك من الحكومة المصرية؛ تشكيل وفد من كبار المهندسين المصريين لدراسة وتقييم أوضاع المبنى الشريف بشكل عام. فاختير المهندس مصطفى بك فهمي لرئاسة الوفد وقدمت لهم المملكة كل ما يسهل مهمتهم. وتبين لهم بعد إجراء بحوث مطولة في داخل المسجد النبوي وخارجه، بما يملكون من خبرة ووسائل متاحة؛سلامة مبانيه من المخاطر، ماعدا بعض الشروخ التي وجدت في بعض الأعمدة المحيطة بصحن المسجد (20) ، مع سهولة إيجاد الحلول المناسبة لها (21) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 258 ونتيجة لما لمسه أعضاء الوفد المصري من ضيق الطريق المحيط بمبنى المسجد النبوي الشريف، واقتراب بعض البيوت منه كما هو الحال في الحرم المكي آنذاك وانعدام الميادين التي تحيط ببعض المساجد الجامعة في العالم الإسلامي. اقترح الوفد توسعة مسطح المسجد النبوي الشريف من الشرق والغرب والشمال وإحاطته بميدان فسيح (22) ، لتخفيف الضغط على رواق القبلة، وتوفير المساحة اللازمة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المسلمين في كل موسم. وقد أنهى الوفد المصري بجديته وحياده كل جدل حول خطورة مبنى المسجد النبوي الشريف، وجاء دور المملكة العربية السعودية لتؤكد لكل متشكك في إخلاصها ومقدرتها على خدمة الحرمين الشريفين وتسهيل الوصول إليهما، ونشر الأمن في ربوعهما، فقررت بعد استحسانها لاقتراحات الوفد المصري، وما تلاه من التماس تصدر افتتاحية جريدة المدينة المنورة في عددها الصادر في 6/8/1368 رقم 297 (23) ، عزم المملكة العربية السعودية على القيام بعمارة الحرمين الشريفين. وفي 12شعبان 1368هـ أعلن جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه في خطاب إلى الأمة الإسلامية في جريدة المدينة المنورة في 5رمضان سنة 1368هـ العدد 301 عزم حكومته على البدء في توسعة المسجد النبوي الشريف؛ (24) وقد استقبل الخبر بالرضى والاستحسان في الداخل والخارج. وثقة من جلالة المؤسس الباني في مقدرة أبناء الوطن على العطاء والمثابرة، اختير للقيام بهذا العمل المبارك أبرز رجال البناء والتعمير في ذلك الوقت، المعلم محمد بن لادن رحمه الله تعالى، والمعروف عند جلالة الملك عبد العزيز بالأمانة المدعومة بحسن المعتقد والإخلاص في العمل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 259 وصدرت إليه التعليمات الكريمة بالشروع فوراً في إعداد ما يلزم من دراسات، وتوفير العمالة اللازمة لتنفيذ التوسعة المباركة على أحسن وجه، وفي أسرع وقت (25) ، كما صدرت أوامر جلالته إلى المختصين في حكومته بصرف ما يحتاجه المشروع من نفقات دون قيد أو شرط (26) . وكما هي العادة في مثل هذا العمل فلابد للجهة المنفذة من زيارات متكررة لمواقع العمل، مع فريق من المهندسين والمساحين، لدراسة المواضع المقترح إضافتها إلى الحرم النبوي الشريف. وتسجيل ذلك في تقرير هندسي اصطحبه الشيخ محمد بن لادن في سفره إلى الرياض، لعرضه على جلالة الملك عبد العزيز في أوائل شهر رمضان المبارك سنة 1370هـ. وعاد الشيخ محمد بن لادن بعد هذا اللقاء المبارك إلى المدينة المنورة في نهاية الشهر من نفس العام، مدعوماً بالتوجيهات الكريمة في هذا الخصوص، وحضر الاجتماع الذي أقامته إمارة المدينة المنورة؛ داخل المسجد النبوي الشريف في الأول من أيام عيد الفطر المبارك لعام 1370هـ (27) . وبعد افتتاح الحفل بالقرآن الكريم،عرض أمير المدينة المنورة عبد الله السديري، توجيهات الملك عبد العزيز بخصوص التوسعة؛ وأمر بالشروع فيها على بركة من الله وتوفيقه (28) ، ثم تلاه منفذ المشروع فشرح للحضور مواضع الهدم والإزالة، وجميعها في المنطقة الشمالية والشرقية والغربية من مبنى العمارة المجيدية، وغالبها أوقاف متهدمة أو آيلة للسقوط، بالإضافة إلى عدة مدارس ومرافق أخذت الدولة على عاتقها ضرورة استبدالها بأحسن وأوسع منها (29) . وتشكلت لجنة من رئيس البلدية ومدير الأوقاف ومدير المالية وعضوية الشيخ محمد بن لادن، لتقدير أثمان الدور المنزوعة لصالح المشروع (30) ، ورجحت في تقديرها للأثمان مصلحة المالكين للعقار قبل كل شيء (31) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 260 وقد بلغت مساحة ما انتزع من الأرض والدور لصالح التوسعة، بالإضافة إلى مساحة الشوارع والميادين التي أحيط بها المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة 22955م2؛ (32) وبلغت التكلفة الإجمالية لكل ما ذكر أعلاه، أربعون مليون ريال سعودي (33) في وقت كانت قيم العقار في المدينة المنورة متدنية جداً (34) . وكان لهذا الدفع السخي أثره الواضح في الارتفاع بقيم العقار في المدينة المنورة، فضلاً عن تحسن مستوى، البناء لاسيما القريب من المسجد النبوي الشريف، حيث الكثافة السكانية والاستثمار المربح. وإلى جانب هذا كان المردود الاقتصادي الذي عاد بالخير على بعض أهل المدينة المنورة، نتيجة العمالة الوافدة للمشاركة في أعمال البناء. ومهما يكن الحال فقد بدئ في مباشرة هدم المباني التي تقرر إزالتها في 5شوال سنة 1370هـ (35) . واستمر العمل في هدمها ونقل أنقاضها حتى 14شعبان سنة 1372هـ (36) , وقد ساعد هذا التأخير الجهة المنفذة في استكمال الخرائط والرسومات اللازمة لتنفيذ المشروع، وقد أعدت في مصر على يد أشهر المهندسين والرسامين المصريين (37) . كما كان لهذا التأخير ما يبرره من الناحية العملية، فإن الطرق المؤدية إلى المسجد النبوي الشريف، ومواضع الهدم من حوله كانت ضيقة جداً؛ ولا يقدر ذلك إلا من عايش المباني التي كانت محيطة بالمسجد، قبل التوسعة التي قام بها الملك فيصل في الجانب الغربي، وكذلك قبل توسعة خادم الحرمين الشريفين وبالإضافة إلى ذلك فإن حرمة المسجد النبوي، وضرورة التأدب معه أثناء هدم ما يقع خلف رواق القبلة من العمارة المجيدية، وتهيئة مواقع إضافية لمساندة مقدم المسجد النبوي، في استقبال الزوار والمصلين كانت جميعاً من الأسباب التي أخرت البدء بالتنفيذ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 261 ولهذا تأخر الاحتفال بوضع حجر الأساس، الذي تشرف الملك سعود بحضوره حين كان ولياً للعهد إلى شهر ربيع الأول عام 1372هـ (38) .وبدءوا في 14/8/1372هـ في حفر أساس المسجد من الجانب الغربي مما يلي باب الرحمة (39) ، وقد وصلوا بالأساسات إلى عمق 5 أمتار (40) ، أما الأساليب التي نفذت في وضع أساسات التوسعة السعودية الأولى فلا نعرف عنها شيء، إلا أنها لابد قد صارت على نهج الأساليب المتبعة في العمارة الحديثة، قواعد ضخمة للأعمدة والجدران ترتبط بميدات مسلحة. وتأكيداً على اهتمام الدولة بمتابعة أعمال البناء، قام جلالة الملك سعود الذي تولى تصريف أمور الدولة في الفترة التي اشتد فيها المرض على والده، (41) بمتابعة أعمال البناء في توسعة المسجد النبوي الشريف، والذي اكتمل في بناء أساس الجزء الغربي، مما تطلب نقل الأحجار التي وضعها جلالة الملك سعود حين افتتح التوسعة نيابة عن والده سنة 1372هـ إلى هذا الجدار، ووضعها في مكان بارز في إحدى زوايا الجدار الغربي من التوسعة، مكتوباً عليها بخط نسخي واضح " بني بيده هذه الأحجار الأربعة جلالة الملك سعود، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول عام 1372هـ ". (42) . وتواصل العمل في تجهيز مواد البناء وآلاته، واستيراد ما غاب منها عبر ميناء ينبع، وأقيم من أجل العمارة مصنع مخصوص لعمل الأحجار الصناعية (الموزايكو) ، وزود بما يحتاجه من آلات ومعدات لقطع الصخور وصقلها، مع خبراء في هذه المهنة من إيطاليا يساعدهم أكثر من أربعمائة عامل (43) . وتولى الشيخ محمد بن لادن الإشراف على أعمال التوسعة، تسانده نخبة من الإداريين والمهندسين والفنيين (44) ، حتى تم إنجازه في أقصر وقت، ووفق أعلى المعايير الهندسية والإمكانيات المادية المتاحة آنذاك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 262 وقد افتتح رسمياً في شهر ربيع الأول عام 1375هـ تحت رعاية الملك سعود، وحضرته وفود إسلامية من داخل المملكة وخارجها، شارك بعضهم الشعب السعودي فرحته، بإتمام هذا المشروع بكلمات كان أبرزها خطاب سفير مصر لدى المملكة العربية السعودية الدكتور عبد الوهاب عزام، والتي يحسن ذكر شيء منها، لأنها لامست جوانب هامة من اهتمام جلالة الملك عبد العزيز بأمر الحرم النبوي الشريف، وعزمه على توسعته على نفقته قياماً بالواجب ونيل رضى الله تعالى فقال: " فلما أشيع في العالم الإسلامي أن المسجد النبوي في حاجة إلى الترميم والتعمير، وتنادى المسلمون للتعاون في هذا العمل الجليل، أبى المغفور له الملك عبد العزيز إلا أن يحمل وحده هذا العبء، وينفرد بهذا الشرف ويحظى عند الله سبحانه وتعالى بهذه المثوبة ". (45) . وهكذا تمت أعمال البناء في وقت قياسي، مما أثار الدهشة والاستحسان في آن واحد، ولم تكن الغرابة في سرعة تنفيذها فالدولة لم تبخل بشيء في سبيل إنجازها، ولكن الدهشة تركزت في جمال مظهرها وتناسق أجزائها وملاءمتها للطابع المحلي والتاريخي للعمارة الإسلامية (46) ، لاسيما وأنها التجربة التي أظهرت ما يتمتع به الشيخ محمد بن لادن من إمكانيات وخبرة وموهبة، وجعلته جديراً بالثقة التي أولاه إياها الملك سعود، وجلالة الملك فيصل الذي أنعم عليه بلقب معالي (47) ، تقديراً لجهوده المخلصة في إنجاز المشاريع الحكومية وخاصة الدينية منها. وإتمام للفائدة يجب التعرف على مكونات التوسعة السعودية الأولى. مكونات التوسعة السعودية الأولى أولاً: الأروقة: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 263 تغير مسقط المبنى العثماني للمسجد النبوي الشريف، حيث احتفظ فقط برواق القبلة (ظلة القبلة) ، المميز بلونه البني الغامق، وأعمدته الحجرية، وقبابه المزخرفة من الداخل بالكتابات وأشكال الزهور والورود المنوعة؛ ثم ربط به من الشمال المساحة التي شملتها التوسعة، وقد جاء مسقطها على شكل مستطيل طول الجدار الشرقي والغربي فيه 128 متراً والشمالي والجنوبي 91 متراً. (48) وقد احتوت التوسعة خلافاً لما تم من قبل في التوسعات السابقة للعهد السعودي الزاهر، على صحنين يقع الأول خلف رواق القبلة مباشرة، ويفصله عن الصحن الشمالي ثلاث بوائك موازية لجدار القبلة. وللتوسعة مجنبتان ومؤخرة، وتتماثل المجنبتان فبكل واحدة منها ثلاث بلاطات، مسقوفة بعقود تمتد عمودياً على جدار القبلة، وبالمؤخرة خمسة صفوف موازية لجدار القبلة. (49) . وقد أقيمت التوسعة السعودية الأولى كهيكل من الخرسانة المسلحة (50) ، وهي الوسيلة المتبعة حالياً في مختلف أنحاء العالم، لاسيما في المنشآت الكبيرة، وحفرت أساسات الجدران والأعمدة إلى عمق خمسة أمتار (51) . وقد نظمت فيها الأعمدة التي ارتبطت فيما بينها بميدات خرسانية مسلحة لتضمن ثباتها وعدم حركتها. وقد جاء ما يفيد بأن عمق الجدران التي ضمت التوسعة من جوانبها الثلاثة، الشرق والغرب والشمال كان خمسة أمتار (52) ، فلابد إذن أن يكون قد أقيم لها جدار استنادي مسلح، يدعم القواعد وميداتها ويحفظها من الحركة، كما تم في توسعة الملك فهد. أما الأعمدة المستخدمة في التوسعة فقد بلغ عددها 706 (53) وبيانها كالتالي: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 264 232 عمود مستدير ترتكز على قواعد خرسانية بارزة على مستوى الأرض، تتماثل مع قواعد ما تبقى من العمارة المجيدية. وجميع تيجانها متشابهة فهي مربعة من أعلاها ومشطوفة الأركان، مما أدى إلى ظهور مثلثات معتدلة ومقلوبة ومزخرفة بالنحاس المذهب بزخارف نباتية إسلامية مجردة من نوع الأرابسك (54) . كما هو مبين بالصورة رقم (1) . الصورة رقم (1) عن وزارة الإعلام (الأماكن المقدسة) أما الجدران الداخلية المحيطة بالتوسعة فبها 474 عموداً مربعاً (55) ، اقتضتها طبيعة الجدار الذي تعددت فيه الإنكسارات والمداخل بفتحاتها المتعددة. وما نتج عن ذلك من استحداث بعض المكاتب والمخازن، لاسيما في مؤخرة المسجد الشريف، على يمين ويسار باب سيدنا عمر بن الخطاب وباب سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وكذلك باب الملك عبد العزيز وباب الملك سعود رحمهما الله. انظر بالشكل رقم (1) الشكل رقم (1) مسقط المسجد النبوي بعد التوسعة السعودية الأولى عن عبد القدوس الأنصاري (آثار المدينة المنورة) ثانياً: العقود والسقوف: ارتبطت الأعمدة التي كونت أروقة العمارة السعودية الأولى بعقود مدببة (56) ، توحي صنجاتها الملونة بأنها معشقة كما هو الحال في البناء القديم. ويبدو هذا واضحاً في العقود الظاهرة فوق الأبواب والمداخل أو المطلة على صحني التوسعة؛ وبين كل عقدين جامة مدورة بها عبارات ذات دلالات مناسبة. انظر الصورة رقم (2) . الصورة رقم (2) عن عظمت شيخ (الحرمين الشريفين) وقد جاءت العقود التي تعلو النوافذ المفتوحة في الجدران الخارجية من مبنى التوسعة وعددها 44 شباكاً (57) ،مماثلة لما شاع في الداخل من عقود.انظر الصورة رقم (3) . الصورة رقم (3) عن عظمت شيخ (الحرمين الشريفين) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 265 ومن الإبداعات التي وفق فيها مصمم التوسعة، تزيين أرجل العقود في داخل المبنى وعلى أبوابه، بمصابيح كهربائية مزجت بين الوظيفة والجمال في إبداع يثير الإعجاب. انظر الصورة رقم (4) . انظر الصورة رقم (4) عن وزارة الإعلام (الحج إلى بيت الله الحرام) أما السقوف التي تعلو التوسعة فترتفع عن أرض المسجد بحوالي 12.5 متراً، مقارنة بما عرف من ارتفاع السقوف في توسعة خادم الحرمين الشريفين. وقد قسم مسطحه إلى مربعات يحتوي كل منها على وحدات زخرفية مرسومة بأسلوب الأرابسك. (58) . ثالثاً: المآذن: احتفظ مقدم المسجد النبوي الشريف بمئذنتين جميلتين، إحداهما المئذنة الرئيسية والمجاورة للحجرة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. وهي مملوكية البناء والطراز (59) ، وكانت قبل العمارة السعودية أجمل مآذن المسجد النبوي الشريف، لما بها من مقرنصات في صفوف متعاقبة تحمل شرفاتها الثلاثة. ولما يتميز به بدنها المزين بعدد من الفتحات الطولية، وطريقة الانتقال بالبناء فيه من المربع إلى المثمن فأضعاف المثمن فالأسطواني. كما هو الحال في الجزء الأخير منها والمتوج بخوذة مفصصة، ركب في أعلاها هلال جميل المظهر يعود إلى العصر العثماني. ثانيهما: مئذنة باب السلام. وهي عثمانية الطراز (تركية) تنتمي إلى فترتين مختلفتين من العهد العثمان،ي فالزخارف المعمارية التي تميز المربع منها تعود إلى الفترة الممتدة من 1058 – 1099هـ.وتعود الزخارف التي تحلي الجزء العلوي منها إلى فترة سيادة فن الباروك في العمارة العثمانية (60) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 266 والمئذنتان تنتميان إلى عهدين مختلفين من عصور العمارة الإسلامية (مملوكية وعثمانية) ، وهو أمر لم يغب عن الجهة المنفذة. مما حدا بالهيئة المشرفة على اختيار التصاميم المناسبة للعمارة السعودية، وهم اتحاد المهندسين الاستشاريين في كراتشي بباكستان (61) ، إلى المفاضلة بين ما تتميز به المنارتين من خصائص معمارية وزخرفية. ولأن المنارة الرئيسية قد حظيت عند بنائها باشتمالها على كل ما يميز المآذن المملوكة من زخارف وعناصر معمارية (62) ، فإن التشابه بينها وبين المئذنتين اللتين أقيمتا في التوسعة السعودية الأولى، يدعو إلى الاعتقاد إن لم يكن الجزم، بأن زخارفها وتكوينها المعماري، قد أوحى إلى مصمم المئذنتان السعوديتين باقتباس معظم زخارفها، كالمقرنصات والخطوط المتكسرة التي تزين الجزء الأسطواني في الجزء الثالث من المئذنتين السعوديتين. لاسيما وقد طلب الملك عبد العزيز من الجهة المنفذة مراعاة التجانس المعماري بين التوسعة وما تبقى من العمارة العثمانية في مقدمة المسجد النبوي الشريف. (63) وتقع المئذنتان المذكورتان في مؤخرة التوسعة السعودية، إحداهما في الركن الشمالي الشرقي، والأخرى في الركن الشمالي الغربي، وقد حفر أساسهما إلى عمق 17 متراً (64) . وتتكون كل منهما من أربعة طوابق. الطابق الأول: مربع الشكل يرتفع من الأساس إلى أعلى سطح المسجد، وينتهي بشرفة مربعة محمولة على أربعة صفوف من المقرنصات (الدلايات) ، وبكل ضلع منها فتحة ضيقة مسدودة بالزجاج، تمتد من فوق القاعدة إلى قرب الشرفة. وقد جاء موقعهما كما يتضح من الشكل (1) والصورة رقم (5) ، بارزاً عن أصل الجدار وظاهراً في داخل المسجد، مما أضفى على شكلهما الخارجي بهاءاً وجمالاً. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 267 الطابق الثاني: مثمن الشكل كما هو في المنارة المملوكية، وينتهي بشرفة مثمنة محمولة على ثلاثة صفوف من المقرنصات. وقد فتح في كل ضلع فتحة طولية تنتهي بعقد على شكل مثلث تعلوه جامة مدورة، وترتكز رجلاه على عمودين جميلين. وينتهي بحزامين ملونين يمهدان لبداية الشرفة. الطابق الثالث: أسطواني الشكل خال من الفتحات، تميزت زخارفه بأفاريز من الأحجار الملونة على شكل خطوط منكسرة، كما هو الحال في الجزء الثالث من المنارة الرئيسية. الطابق الرابع: أسطوانياً أيضاً ويبدأ أوله محمولاً على ثمانية أعمدة رخامية، نتج عنها تشكيل ثمانية عقود مشرشرة تنتهي بالتدبيب، ويعلوها جميعاً شرفة محمولة على صفين من المقرنصات (الدلايات) . ويعلو هذا الطابق شبه طابق خامس، جاء على شكل خوذة مضلعة تنتهي بشكل شبه مخروطي في نهايته قبة بصلية (65) ، بأعلاها هلال من النحاس المذهب. وترتفع كل من المئذنتين عن مستوى أرض المسجد الشريف 70 متراً. ولقد حرصت على معرفة ارتفاع كل قسم من الأقسام السابقة فلم أجد ما يبين ذلك ويمكن توزيع الرقم الذي أورده على حافظ (66) على أقسام المئذنة كما وردت آنفاً. رابعاً: الأبواب والمداخل: احتفظ مقدم المسجد النبوي الشريف في العمارة السعودية الأولى بأبوابه ومداخله القديمة اثنان منها في الشرق هما: 1- باب جبريل عليه السلام. 2- باب النساء. وثلاثة منها في الجانب الغربي من المسجد الشريف هي على التوالي من الجنوب إلى الشمال. 3- باب السلام. 4- باب الصديق رضي الله عنه. 5- باب الرحمة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 268 وكان لابد للتوسعة السعودية الأولى التي شملت مجنبتي المسجد ومؤخرته مع ما زيد فيها من توسعة، من أبواب تسهل الدخول والخروج إلى المسجد من جميع الجهات، وبالنظر إلى مخطط المسجد الشريف في التوسعة السعودية الأولى شكل (1) ، يتبين أن المداخل الجديدة جاءت منسجمة مع الصحنين اللذين تميزت بهما التوسعة السعودية وكانت على النحو التالي: 6- باب الملك عبد العزيز،وله ثلاثة مداخل ويقع في منتصف الجدار الشرقي من التوسعة، ويقابله على امتداد المحور من الغرب. 7- باب الملك سعود وله ثلاثة مداخل أيضاً،وهو مثل سابقه في السعة والفخامة والجمال. وقد جاء كل من البابين في طرفي الجزء المسقوف، الذي يفصل بين الصحنين وهي ثلاث بلاطات (بوائك) موازية لجدار القبلة. (67) ومن هذا يتبين أن الهدف من وضع البابين المذكورين في وسط الجدار الشرقي والغربي للتوسعة، هو تسهيل حركة الدخول والخروج من وإلى مقدمة المسجد وصحنيه ومؤخرته. وتتميز الفتحات المذكورة بعقود مدببة،محلاة بصنجات ملونة بالأبيض والأسود. أما أبواب المؤخرة فقد جاء توزيعها ملائماً لمخطط المسجد الشريف، وحرص القائمون عليه في تسهيل وتنظيم حركة الدخول والخروج منه وإليه. وقد عكس وفاء المملكة العربية السعودية وتقديرها، لمن أسهم في العصور الماضية بعمل معماري في عمارة المسجد النبوي الشريف، فلم تلغ شيء من الأسماء التي كانت ظاهرة عل أبوابه ومداخله قبل التوسعة. وقد تجلى ذلك في تسمية أبواب المؤخرة، بأسماء ثلاثة من الأعلام كان لكل منهم جهد بارز في صيانة المسجد الشريف وعمارته وبيانها كالتالي: 8- باب عبد المجيد (الباب المجيدي) ويتصدر الجدار الشمالي، وكان الباب الوحيد في هذا الجانب، فقد فتح فيه أثناء العمارة التي أتمها السلطان عبد المجيد خان العثماني سنة 1277هـ، وكان يسمى باب الوسيلة، ثم عرف فيما بعد بالباب المجيدي. (68) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 269 9- باب عمر بن الخطاب رض الله عنه، ويقع على يمين الداخل من باب السلطان عبد المجيد. 10- باب عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويقع على يسار الداخل من باب السلطان عبد المجيد. وتظهر الأبواب الثلاثة بمداخل فخمة ترتفع إلى مستوى السطح تقريباً. انظر الصورة رقم (5) . وقد اقتضت النواحي الهندسية والفنية من المصمم إبراز بابي الفاروق وذي النورين عن مستوى جدار المسجد، مما أضفى عليهما مسحة من الجمال يدركها كل من دقق النظر في الصورة رقم (5) . ومما زادهما بهاءً تحلية الصورة رقم (5) عن وزارة الإعلام عقديهما بزخارف جصية تماثل ما حلى به باب السلام وباب الرحمة، بالإضافة إلى وجود ساحة كبيرة تتقدم الأبواب الثلاثة وتبرز مكانتها وجمالها، وتعرف بساحة الباب المجيدي، وكانت قد أضيفت إلى التوسعة بعد نزع ملكية ما عليها من دو ومتاجر في أواخر التوسعة وتبلغ مساحتها 5000م2 (69) . خامساً: الإنارة والتهوية: لم يكن بالإمكان ربط ما يحتاج المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة الأولى من طاقة كهربائية،على شركة كهرباء المدينة الحديثة آنذاك والضعيفة أيضاً. وحتى لا يتأثر المسجد النبوي بأي عطل أو خلل طارئ، بوشر منذ اللحظة الأولى عندما تقرر إنشاء مصانع نحت الأحجار في أبار على (ذي الحليفة) ، تأسيس محطة توليد كهرباء تقوم بخدمة الهدفين، وتكون في المستقبل نواة لمحطة توليد خاصة بالمسجد النبوي الشريف. وقد تم ربط المسجد النبوي بها بعد اكتمال التوسعة في سنة 1375هـ. (70) أما الإضاءة داخل التوسعة فقد أوضحنا من قبل، أنهم حرصوا عند التصميم والتنفيذ،على تزيين رؤوس الأعمدة وكذلك أرجل العقود بمصابيح كهربائية جميلة؛ كتب في أعلاها بخط الثلث كلمة (الله نور السموات والأرض ((71) انظر الصورة رقم (4) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 270 وقد بين عددها أحد الباحثين فقال إنها 1011 مصباحاً،ركبت في أعلى الأعمدة، وأن 1400 مصباح دائري الشكل ركبت في زوايا العقود، بالإضافة إلى 16 مصباحاً في زوايا العقود تختلف عن سابقتها (72) ، كما نصب في أرضية صحني التوسعة عدد من الأعمدة الرخامية مخروطية الشكل جميلة المظهر، صنعت من قطعة واحدة من أجود أنواع الرخام، تنتهي بتيجان كورنثية الطراز، في نهاية كل منها مصباح كهربائي، عليه حاجز من النحاس المذهب بشكل زخارف نباتية في نهايتها قبة نحاسية مذهبة. انظر الصورة رقم (6) . الصورة رقم (6) عن عظمت شيخ (الحرمين الشريفين) أما تهوية المسجد النبوي الشريف فاقتصرت في هذه التوسعة على المراوح التي وزعت بانتظام على جميع أنحاء التوسعة، كما ركب منها ما يكفي في الجزء المتبقي من العمارة المجيدية في مقدم المسجد. سادساً: الساحات والمرافق: لم يكن للمسجد النبوي بعد التوسعة الأولى من الساحات والميادين إلا موضعين، كما يتضح من الصورة الجوية المرفقة شكل رقم (2) . شكل رقم (2) صورة جوية وأخرى من واقع الطبيعة تبيين ضيق الطرقات المحيطة بالمسجد النبوي الشريف قبل وبعد التوسعة السعودية الأولى،عن محمد سعيد فارسي (التكوين المعماري والحضري لمدن الحج) إحداهما: ساحة باب السلام وتبلغ مساحتها 3000م2 وكانت قبل التوسعة مليئة بالمساكن والدكاكين , فنزعت ملكيتها لصالح الميدان الذي أبرز وسهل الوصول إلى باب السلام، وباب الرحمة، وباب الصديق. ثانيهما: ساحة الباب المجيدي، وكانت أيضاً مكتظة بالمنازل والدكاكين، فنزعت الدولة ملكيتها، وهيأتها لخدمة المسجد الشريف. وهي أكبر من الأولى إذ تبلغ مساحتها 5000م2 (73) . وقد أبرزت كما ذكرنا من قبل الأبواب الثلاثة التي فتحت في شمال المسجد فضلاً عن إمكانية استخدامها لأداء الصلاة في أوقات الذروة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 271 أما دورات المياه فلم أجد لها ذكر عند من كتب عن التوسعة الأولى، وقد رأيت أماكن للضوء بنيت خارج البيوت المحيطة بالساحة المجيدية، وذلك قبل توسعة الملك فهد، فلعلها إحدى المرافق المساندة التي جهزت لهذا الغرض في أعقاب التوسعة المذكورة. لاسيما وأن المساجد الجامعة كانت تزود بهذه المرافق الهامة في جميع عصور العمارة الإسلامية. التوسعة السعودية الثانية في عهد الملك فيصل 1392 – 1395هـ لم تكن التوسعة السعودية الأولى التي تمت ف المسجد النبوي الشريف سنة 1375هـ طموحة بما فيه الكفاية. وإن كانت متمشية مع ظروف بناء الدولة وإمكانياتها في عهد الملك عبد العزيز، بالإضافة إلى أن النمو السكاني والعمراني للمدينة المنورة كان حينذاك بطيئاً. فلم يزد عدد سكانها سنة 1348هـ عن 13 ألف نسمة (74) . ورغم ارتفاعه في سنة 1375هـ إلى 150 ألف نسمة (75) إلا أن أحداً لم يكن يتصور بأن المدينة المنورة ستشهد مجيء أعداد غفيرة من الزوار في المستقبل القريب. وكانت المفارقة الكبيرة عندما ازداد نموها اضطراداً، في أواخر عهد الملك سعود، وعهد الملك فيصل يرحمها الله. كما يتضح من الجدول التالي: السنة عدد السكان المصدر 1231هـ/ 1815م 16000- 20000 بوركهات 1234هـ / 1818م 18000 سادلير 1270هـ / 1853م 16000 بورتون 1326هـ / 1908م 30000 وافيل 1328هـ / 1910م 60000 البتنوني 1323هـ/ 1914م 60000-70000 مورينز 35-1336 هـ/1916/17 م 15000 علي حافظ 1344هـ / 1925م 6000 روتر 1350هـ / 1931م 15000 فيلبي 1394هـ / 1974م 198000 مكتب التخطيط 1401هـ / 1980م 250000 مكتب التخطيط جدول رقم (1) نقلاً عن محمد سعيد فارسي، " التكوين المعماري والحضري لمدن الحج " المملكة العربية السعودية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 272 وعلى الرغم من ارتفاع التوسعة التي تمت في المسجد النبوي سنة 1375هـ بمساحة المسجد، من 10303م2 إلى 16327م2 (76) ، فإن بالإمكان القول أنها جاءت لترتفع بمستوى نوعية العمارة، لا بمستوى المساحة التي قصد بها التوسيع للمصلين القاصدين زيارة المسجد النبوي الشريف. فلم يمض على إنجازها أكثر من عام، حتى ظهرت الحاجة إلى توسعة ثانية (77) ، تستوعب زوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين يزداد عددهم عاماً بعد عام. وفي ذلك يقول شاهد عيان حضر الاحتفال بإتمام التوسعة سنة 1375هـ." أذكر أننا أدينا صلاة الجمعة خارج المسجد، في الشوارع والميادين وعلى أسطح المنازل المحيطة بالحرم، وكان عدد الذين يصلون فيها أضعاف من يضمهم المسجد، وأن بالمسجد ذاته أضعاف من يتسع لهم عادة من المصلين" (78) . وبالرجوع إلى الإحصاءات الرسمية من عدد الحجاج من خارج المملكة، وهم الحريصون في الغالب على الذهاب إلى المدينة المنورة،قبل الحج أو بعده لزيارة المسجد النبوي الشريف والصلاة فيه، يتبين أن عددهم ارتفع من 220735 حاج سنة 1375هـ، إلى 894573 حاج سنة الانتهاء من التوسعة الثانية في عهد جلالة الملك فيصل طيب الله ثراه،سنة 1395هـ. (79) انظر الجدول رقم (3) . وبما أن ضيق المسجد النبوي الشريف بالمصلين، لا يحدث في الغالب إلا في أسابيع محدودة بعد موسم الحج، ولكون العمل ما يزال قائماً في إتمام عمارة المسجد الحرام في مرحلته الثانية من التوسعة السعودية الثانية في عهد الملك فيصل 1389- 1396هـ (80) ، فلعل ذلك كان وراء إرجاء الملك فيصل لفكرة توسعة المسجد النبوي؛ والاكتفاء بإزالة ما يقع غربه من مبان وتهيئة موقعها للمصلين، وقد نفذت على ثلاث مراحل: الجدول رقم (2) تطور أعداد الحجاج، عن محمد سعيد فارسي (التكوين المعماري والحضري لمدن الحج) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 273 المرحلة الأولى: قدرت مساحتها 35000م2 (81) ،وثمنت أنقاضها بخمسين مليون ريال، وتمتد من الجدار الغربي للمسجد النبوي الشريف إلى الشارع العيني بطول 165متراً (82) ، وقد رصفت أرضها بالرخام، وظللت بسقوف مؤقتة، وزودت بالإنارة والمراوح، لتخفيف وطأة الحر عن المصلين. المرحلة الثانية: وقد امتدت من الجنوب الغربي إلى الشمال الغربي لحي الساحة (83) وبلغت مساحتها 5550م (84) . المرحلة الثالثة: وتركزت في إيجاد ميدان فسيح، يتصل بشارع المناخة وتبلغ مساحته 43000م2 (85) ، وقد تم تغطيته بالمظلات المؤقتة في عهد الملك خالد رحمه الله (86) . ولا يخفى ما لهذا العمل من نفع في التوسعة على المصلين، أيام الجمع والمواسم لاسيما وأنها زودت جميعاً بمبكرات للصوت؛ ربطت المصلين فيها بالإمام داخل الحرم النبوي الشريف، كما أن لها نفع آخر تمثل في إبراز جزء كبير من مبنى التوسعة الأولى للمسجد الشريف، ولاسيما الجانب الغربي مع معظم الجزء الشمالي الذي حظي من قبل بميدان فسيح،سهّل حركة الدخول والخروج من وإلى الأبواب الثلاثة التي تقع في هذا الجانب من المسجد الشريف. وكان للحريق الذي أصاب في 18 رجب سنة 1397هـ ما تبقى من المباني الواقعة غرب المسجد النبوي الشريف، بين ميدان المناخة ومسجد الغمامة. والمؤلفة من سوق الحباية والباب المصري وسوق القماشة (سويقة) ومحلة الشونة أثر في توسيع المنطقة المفتوحة التي أحاطت بالمسجد النبوي، وأبرزت مبناه من هذه الجهة وسهلت حركة الوصول إليه. وقد قامت حكومة الملك فيصل رحمه الله، بتعويض أصحاب الدور والمتاجر بأثمان سخية، ثم إزالة أنقاضها وهيأت موقعها ليصبح ميداناً فسيحاً أمام باب السلام، وقد سفلتته بلدية المدينة وأضاءته وشجرته فيما بعد (87) . ورأيت في طرفه عدد كبير من دورات المياه، وقد خصص جزء منه لمواقف السيارات. التوسعة الكبرى في عهد خادم الحرمين الشريفين 1405- 1413هـ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 274 رأينا فيما سبق أن التوسعة التي أنجزت في عهد الملك فيصل، جاءت كحل مؤقت ريثما تهيأت الظروف للقيام بتوسعة تكون قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الزوار والمصلين (88) ، لاسيما وأن الصلاة تحت السقوف التي أقيمت في الساحات التي تقع غرب المسجد النبوي كانت غير مريحة. وقد ذكر أحد أعيان المدينة المنورة في مؤلف خص به الحديث عن عمارة المسجد النبوي الشريف عبر العصور " أنه لم يمض على هذه التوسعة أعوام قليلة حتى ضاقت بالمصلين، ولم تعد تتسع لقاصدي المسجد الكريم.حتى أننا في أيام الجمعة وفي غير المواسم لا نستطيع الصلاة تحت ظل هذه المظلات، وكثير من المصلين يصلون اضطراراً تحت لفحة الشمس وحرارة الجو ". (89) . وقد رأينا فيما سبق، كيف أن أعداد الحجاج من خارج المملكة تضاعف أربع مرات بين سنة 1375هـ - 1395هـ (90) ، وبالرغم أن هذه النسبة قد بقيت على حالها حتى سنة 1401هـ.كما يظهر من الإحصائية الرسمية الصادرة من وزارة الداخلية، إلا أنه يلاحظ من خلال الأرقام التي ذكرتها الإحصائية السابقة، ارتفاع أعداد حجاج الداخل سنة 1395هـ من 1.557.867 حاج إلى 1.943.180 حاج سنة 1401هـ (91) . ولهذه الزيادة الكبيرة في أعداد حجاج الداخل أسباب لخصها أحد المهتمين بتكوين مدن الحج (93) يحسن ذكر أهمها فيما يلي: - 1- توفير الأمن والاستقرار في مناطق الحج. 2- حصول دول إسلامية على استقلالها، وانتهاء القيود التي كانت تحد من ممارستهم لشعائر دينهم. 3- بداية حركة نشيطة وصحوة إسلامية في الدول الإسلامية. 4- الانتعاش الاقتصادي لكثير من الدول الإسلامية. 5- تطور أجهزة النقل والمواصلات. 6- التوسع في إنشاء الطرق البرية، التي تربط المملكة بالدول المحيطة بها. 7- تطوير وسائل النقل وسهولة امتلاكها لمعظم أفراد الشعب السعودي. 8- تطوير أجهزة الخدمات الأساسية للحج، والرعاية الصحية في المشاعر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 275 9- استخدام أعداد كبيرة من الأيدي العاملة المسلمة، في تنفيذ برامج التنمية في المملكة ودول الخليج. واستجابة لهذا النمو المتجدد في أعداد الحجاج،قررت حكومة المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله تعالى؛ القيام بدورها في توسعة الحرمين الشريفين. وبما أن معظم القاصدين الحج يأتون في الغالب إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم تفاوت الحرمين في المساحة (93) ، فقد تأكد لولي الأمر حاجة المسجد الشريف إلى توسعة تخالف ما سبقها من توسعات؛ في السعة والارتقاء بمستوى الخدمات المساندة للتوسعة الكبرى. (توسعة خادم الحرمين الشريفين) . وقد اتخذ القرار في الزيارة الميمونة التي قام بها إلى المدينة المنورة في شهر محرم من سنة 1403هـ، بعد شهور من مبايعة الأمة له في 21/8/1402هـ (94) . وفي هذا ما يدل على أن التفكير في التوسعة لم تكن وليدة الزيارة المذكورة، ولا عملاً ارتجالياً غير مدروس، فقد كان لبقائه في المدينة في تلك الزيارة أكثر من شهر ونصف (95) ؛ ما أكد له ضرورة الشروع في التوسعة. وأذكر أن حكومة المملكة قد دعت عبر وسائل الإعلام المختلفة،جميع الدول الإسلامية والعربية، وأهل الخبرة في مجال البناء؛ إلى المساهمة بأفكارهم ومقترحاتهم في تحقيق هذه التوسعة. (96) . وقد أشار جلالة الملك فهد إلى أن كثير من الآراء التي عالجت جوانب متعددة من المشروع لم تكن مشجعة (97) ، إلا أن حرصه الدائم لخدمة الحرمين الشريفين ورفع مستوى الخدمات بهما، أبى إلا أن تذلل جميع الصعاب التي تقف في طريق هذا المشروع مهما كان نوعها (98) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 276 ولكون خادم الحرمين الشريفين قد عقد العزم في سنة 1403هـ،على توسعة الحرمين الشريفين في وقت واحد (99) ، فقد وضعت قواعد أساسية كقاسم مشترك بين المشروعين، لجميع الأعمال التي ستتم في الحرمين الشريفين، ليكون العمل كما أراده حفظه الله تعالى. وبيانها كما يلي: (100) أولاً: دراسة تفصيلية تتناول كل عناصر التربة والأحمال وأنوع المواد المستخدمة، وأنواع الخرسانات وحاجة كل موقع لهذا النوع أو ذاك لضمان أفضل المعايير الهندسية والفنية والإنشائية والمعمارية. ثانياً: أن تكون التصاميم معبرة بدقة بالغة عن كل الدراسات، وترجمة دقيقة لكل تفصيلاتها، ووضوح بين لا يؤدي إلى أي احتمال للخطأ. ثالثاً: أن تعبر معمارياً عن التجانس الكامل بين التوسعة والحرمين القائمين في العناصر، حتى يكون التداخل طبيعياً ومتآلفا في الشكل والموضوع. رابعاً: استخدام أفضل ما وصلت إليه التقنية الحديثة من آليات ومعدات وخامات،لتوفير أداء وتنفيذ مميزين يحققان الجودة المطلوبة والعمر الأطول بإذن الله. أما الأهداف التي توخاها ولي الأمر من المشروعين، فكانت واضحة ومحددة. وبيانها كالتالي: (101) 1- إضافة مبنيين للحرمين القائمين يزيدان القدرة الاستيعابية. 2- توسيع القاعدة الاستيعابية للمصلين، بالاستفادة من المساحات المحيطة بالحرم، وبأسطح المبنيين الجديدين والحرمين القائمين. 3- تطوير المنطقتين المركزيتين حول الحرمين الشريفين، لإيجاد حرية الحركة وخدمات مساندة فاعلة، وتأمين سهولة الدخول والخروج لهذا الكم الضخم من المصلين والزائرين؛ في فترات الصلوات، وإعداد بوابات كافية ومناسبة للطاقة الاستيعابية. 4- تأمين أنظمة أمن وسلامة متطورة. 5- نظام لتغذية الماء وصرف صحي مناسب لحجم التوسعة في كل حرم. 6- مواقف سيارات ذات طاقة استيعابية متناسبة مع التوسعة وسهولة مرورية فعالة. الجهة المنفذة والمشرفة: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 277 تمتلك مجموعة بن لادن السعودية إمكانيات لا تضاهيها فيها أي مؤسسة أو شركة وطنية أخرى، ويقوم بإداراتها والإشراف عليها مهندسان من أبناء معالي الشيخ محمد بن عوض بن لادن رحمه الله، يتسمان بالكفاءة والإخلاص والمثابرة. ولما لهذه المجموعة من خبرة وقدرة وإسهامات في مجال بناء الوطن، الذي أرسى قواعده جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، فقد أسند لها شرف القيام بتنفيذ عمارة الحرمين الشريفين في هذا العهد الزاهر. وكان يدفعهما إلى العمل والمثابرة ما يلقيانه من خادم الحرمين الشريفين من دعم ومؤازرة (102) ، ومتابعة حتى في أدق التفاصيل. وفي ذلك يقول المهندس بكر بن لادن في تصديره لقصة التوسعة الكبرى " ولم تكن متابعته فقط في مناقشة الخرائط التي أعدت للتوسعتين، وإنما كانت المتابعة مستمرة في مراحل التنفيذ ... فقد كان يزور المشروعين في مراحلهما المختلفة، ويختار من أنواع الخامات الأميز والأفضل والأرقى مستوى " (103) . ولكي لا تعوق الإجراءات المالية تقدم المشروع أصدر خادم الحرمين الشريفين أمراً إلى الجهات المختصة في حكومته، يقضي بوضع حساب مفتوح لهذين المشروعين (104) . أما الإشراف الفني على توسعة خادم الحرمين الشريفين، فقد أسندت إلى مكتب الديار السعودية للاستشارات الهندسية (105) ، ورغم قلة معلوماتنا عن نشاط هذا المكتب وخبرته؛ فإن الدقة التي ظهر بها العمل في المشروعين المذكورين، يدعو إلى الاعتقاد بأن لديه من الإمكانيات والخبرات ما يجعله يكون جديراً بالثقة الغالية، التي شرف بها من قبل الدولة والجهة المنفذة على حد سواء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 278 ونظراً لاهتمام خادم الحرمين الشريفين بهذا المشروع وحرصه الدائم على متابعة جميع مراحله، فقد ترأس اللجنة الخاصة بالتوسعة الكبرى والتي تضم عدداً من الوزراء وأهل الاختصاص، وأناب عنه في رئاستها صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير المدينة المنورة (106) ، لمتابعة العمل في المشروع أولاً بأول وتقديم التقارير اللازمة لخادم الحرمين الشريفين. جغرافية المنطقة وتكوينها المعماري: تتميز المنطقة المحيطة بالمسجد النبوي الشريف بخلوها من الجبال والأودية العميقة، وبكونها منطقة مفتوحة من جميع الجهات (107) ، الأمر الذي ساعد القائمين على تنفيذ مشروع التوسعة الكبرى، في إنجازه في أقصر وقت، وبأساليب تتناسب مع نوعية التربة المتغيرة في الموقع (108) ، دون الحاجة إلى الحفر العميق أو استخدام المتفجرات. أما النسيج العمراني فقد عرفنا فيما سبق من حديث عن الأعمال التي قام بها جلالة الملك فيصل، خلو الجانب الغربي من أي مبان (109) ، مما قلل من الأعباء المالية والعملية؛ وكانت الجهة الشرقية والشمالية مكتظة بالأسواق والفنادق والمساكن الخاصة. وكان حي الأغوات بما يحويه من مبان قديمة ومتهدمة، غالبها أوقاف وأملاك خاصة، تحتل معظم الجزء الجنوبي والشرقي من المسجد الشريف، وقد أزيلت بكاملها مع ما يقع في مقدمة المسجد الشريف من مبان حكومية. انظر الشكل (2) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 279 وقد قدرت مساحة الدور المنزوعة لصالح المشروع بمائة ألف متر مربع، دفع لأصحابها من خزينة الدولة مبالغ مجزية (110) ، واستغرق العمل في هدمها ونقل أنقاضها ثلاث سنوات 1405 – 1408 هـ. روعي فيها حرمة الجوار فلم تستخدم المتفجرات، ولا غيرها مما يؤذي مرتادي المسجد النبوي الشريف، كما أن ولاة الأمر وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، قدروا حاجة السكان من أصحاب الدور والمتاجر المنزوعة ملكيتها؛فأعطوهم من الوقت ما يكفي للبحث عن بدائل مناسبة، دون أن يقطعوا عنهم خدمات الماء والكهرباء والهاتف إلا بعدما يتم الإخلاء بالكامل (111) لجميع ما تقرر هدمه لأجل التوسعة الكبرى. مخطط التوسعة الكبرى ومميزاته: جاء المخطط الذي أقره خادم الحرمين الشريفين، ن لتوسعة المسجد النبوي الشريف كأحسن ما يكون ملاءمة ونفعاً، لما عقد عليه العزم من تنفيذ التوسعة التي تفوق وتختلف عن سابقاتها من التوسعات، التي تمت في المسجد النبوي الشريف، عبر العصور الماضية في السعة والجمال، ومن أبرز خصائصها احتضانها مبنى المسجد الشريف بحالته التي كان عليها بعد التوسعة السعودية الأولى (112) . ولا يمكن لأحد أن يتصور حلاً ملائماً يخالف ما نفذ في توسعة خادم الحرمين الشريفين للأسباب التالية: أولاً: أن مقدمة المسجد النبوي الشريف، تضم كامل مساحة المسجد الشريف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، بما يضم من معالم مشهورة، أبرزها أسطوانات الروضة الشريفة، ومنبر المسجد وموضع مصلاه صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فلا يمكن لأي توسعة أن تتقدم جداد القبلة مهما كانت الأحوال والظروف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 280 كما لا يمكن أن يتصور أحد بأن التوسعة المقترحة بحجمها الحالي ستنجح، لو نفذت فقط في الجانب الغربي من الحرم القديم،لأنها حينذاك ستجعل الجزء الأهم من المسجد النبوي الشريف، في طرف التوسعة. وهو أمر مرفوض هندسياً وعملياً أيضاً، كما لا يمكن لها أن تكون في الجانب الشرقي فقط لأنها حينذاك ستصطدم بمقبرة البقيع، ولا يخفى ما في هذا من محضور شرعي. ثانياً: لا يمكن لها أن تنفذ في الجانب الشمالي من الحرم القديم، أو في الجانب الشمالي والشرقي فقط، أو في الجانب الغربي فقط، لأنها حينئذ ستظهر منعزلة عن المبنى القديم. ولهذا وذاك فإن المخطط الذي نفذت عليه التوسعة كما يتضح من الشكل رقم (3) ، كان ناجحاً بل وموفقاً وملائماً للأسباب التالية: 1- أنه حافظ على كامل مبنى المسجد النبوي الشريف، كما كان عليه بعد التوسعة السعودية الأولى، وظل مستقلاً بأبوابه ومآذنه، مع سهولة الاتصال بينه وبين جوانب التوسعة الكبرى، من خلال المساحة المحيطة به من جميع الجهات. انظر الشكل رقم (3) . الشكل رقم (3) مخطط التوسعات بالحرم النبوي الشريف (عن عمارة الحرمين الشريفين، رؤية حضارية، ج1، مؤسسة عكاظ – إصدارات خاصة) 2- قدراً عالياً المكانة المرموقة التي يحظى به الجزء الأمامي من المسجد النبوي الشريف، فأبرزه عن جدار التوسعة من الجنوب بشكل يسترعي الانتباه، ولم يحطه بشيء يحد من رؤيته أو يضايق مداخله، بل سهل الدخول والخروج منه، من خلال باب البقيع الذي فتحه خادم الحرمين الشريفين، في الجدار الشرقي من مقدمة المسجد النبوي،بجوار المنارة الرئيسية في مقابل باب السلام المواجه له من الشرق، وكانت حركة القادمين من باب جبريل تصطدم بمن جاء من الزوار من باب السلام. كما أن من الأعمال الجيدة استحداث باب في جدار القبلة، على يمين المحراب العثماني خصص لدخول الجنائز للصلاة عليها دون تخطي صفوف المصلين أو مضايقتهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 281 3- احتضن المبنى القديم للمسجد الشريف من ثلاث جهات، دون الإخلال بمظهره أو التأثير عليه بعلو مبان التوسعة عليه، أو إلصاقها بمبانيه. 4- أحيطت التوسعة من جميع الجهات بميدان فسيح، أبرز التوسعة وسهل الوصول إلى جميع أجزائها. (113) . 5- تعددت فيه المداخل الفرعية والرئيسية، بشكل يثير الإعجاب ويحظى بالتقدير، مما يسهل على أي قادم للمسجد الشريف من رؤيته عن بعد؛ والوصول إلى أي جزء فيه دون مشقة أو عناء. أساسات التوسعة (البنية التحتية) : بدئ في تنفيذ المخطط الذي أقره خادم الحرمين الشريفين على أعلى المعايير الهندسية والمهنية، ووضع بيده الكريمة حجر الأساس، للتوسعة الكبرى في المسجد النبوي الشريف، يوم الجمعة 9/2/1405هـ. ورغم عدم توفر المعلومات عن الأبعاد الحقيقية لمسقط التوسعة، فإن بالإمكان كما يتضح من شكلها، ومن المسقط المنشور في قصة التوسعة الكبرى وغيرها من الكتب، ومقارنته بما عرف من أبعاد المسجد الشريف في التوسعة الأولى في العهد السعودي الزاهر (128 × 91 م) . يتبين أنه يشغل مساحة مستطيلة الشكل تمتد من الشرق إلى الغرب بطول 385م، ومن الشمال إلى الجنوب بطول 222م تقريباً، وتعطينا الأبعاد المذكورة مساحة 91 ألف م2، وهي قريبة جداً من المساحة التي شغلتها التوسعة والتي ذكرت في أكثر من مصدر وهي 82 ألف م2 (114) ، خاصة إذا استثنينا منها الجزء المدمج فيها من التوسعة السعودية الأولى وما حوله من الممرات. وكذلك ما بين الأبواب التي برزت عن جدار التوسعة. انظر الشكل رقم (4) . الشكل رقم (4) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 282 وبناء على الدراسة المكثفة التي أجريت على تربة الموقع المتغيرة من مكان لآخر (115) ، تقرر استخدام نظام الخوازيق لتقوية الأساسات بأنواعها، وبدئ في تنفيذها من الجهة الشرقية والغربية في يوم السبت 17/1/1406هـ، وحفرت الأساسات بعمق 4.5م (116) ،ثم غرست الخوازيق التي تقرر تقوية الأساسات بها. ونفذت بطريقتين إحداهما بالدق والأخرى بالحفر العميق، حتى تصل إلى الصخر الذي تراوح الوصول إليه ما بين 30، 50 متراً. (117) . وباكتمال زرع الخوازيق التي بلغت في مجموعها 8500 عمود، جاءت مرحلة بناء القواعد، بحيث تقام قاعدة كل عامود فوق رؤوس أربعة خوازيق. أما قواعد المنارات فتوضع فوق رؤوس مجموعة من الخوازيق، تتراوح بين 16 خازوق أو 32 خازوق، لأسباب اقتضتها القواعد الهندسية والمهنية، وقد جاء ما يفيد بأن تكعيب القواعد كانت في الغالب موحدة 14 × 12 × 2.5م (118) وقد بلغ مجموع القواعد 1877 قاعدة، ارتبطت ببعضها بكمرات من الخرسانة المسلحة، وبنفس ارتفاع القواعد 2.5م، طمعاً في الوصول بأساس التوسعة إلى أعلى مراحل الإتقان والأمان، مما يمكنها مستقبلاً لتحمل إمكانية إنشاء دور ثاني فوق سطح التوسعة الكبرى. وبما أنه قد تقرر تنفيذ مخطط التوسعة من طابقين، أحدهما للخدمات والآخر للمصلين، فقد أعطى الدور السفلي عناية كبرى من جميع النواحي الهندسية والفنية، فقسمت أرضيته إلى 95 بلاطه أصغرها بمساحة 480م2، وأكبرها مساحة 1527م2، وقد صبت أرضياتها بالخرسانة والمواد العازلة للرطوبة، مع مراعاة تنظيم التمديدات الكهربائية وغيرها من الخدمات. (119) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 283 ولتقوية أرضية الطابق السفلي وحماية ركائز الأعمدة وقواعدها من الحركة أو الاهتزازات الأفقية لطبقات الأرض، فقد تقرر إنشاء جدار استنادي يحيط بمساحة التوسعة (120) ، وبارتفاع الدور الأرضي البالغ أربعة أمتار، ثم ألبس من الخارج بطبقة عازلة للرطوبة، وأقيم من وراء ذلك جدار من البلك الأسمنتي إمعاناً في الحيطة والأمان. وعند الانتهاء من أعمال الإنشاء في سقف الدور السفلي، والذي يكون بطبيعة الحال أرضية المصلى في التوسعة الجديدة، نفذت فيه جميع التمديدات اللازمة للإنارة، والهاتف ومكبرات الصوت، والدوائر التلفزيونية المغلقة، بالإضافة إلى تحديد الفتحات الأربع، التي يظهر من خلالها الهواء المبرد من قواعد الأعمدة، وهو عمل جديد في صنعه ونفعه يثير الإعجاب ويستحق التقدير. أما السقف فقد قسم كما هو الحال في أرضية الطابق السفلي التي ظهرت منها الأعمدة التي حملت السقف، إلى 95 بلاطة تتساوى في المساحات مع البلاطات السفلية، ثم صبت الخرسانة بعد اكتمال أعمال الحدادة وتجهيز التمديدات السابق ذكرها. (121) . وقد جاءت جميعاً وفق ما هو مخطط من قبل وبأتم الدقة والكمال، وعند الانتهاء من ذلك كله بدأت معالم التوسعة تظهر للعيان في منتصف عام 1410هـ/ 1990م (122) . مكونات التوسعة: أولاً: الأروقة (الساحات، البلاطات) والقباب: تضمنت التوسعة التي بلغت 82 ألف متر مربع 95 ساحة أو بلاطه مربعة تكون في مجموعها صفوف موازية أو عمودية على جدار القبلة. وتتباعد الأعمدة عن بعضها ما بين 6 أمتار، وهو الغالب في معظم أعمدة التوسعة، وما بين 18 متراً، وهو البعد بين الأعمدة المتقابلة في الجوانب الأربع لجميع الساحات التي تكونت منها التوسعة، والبالغة 95 كما يظهر من الشكل رقم (5) . الشكل رقم (5) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 284 ويبلغ عدد الأعمدة الظاهرة في مبنى التوسعة 2104 عموداً مستديراً بقطر 64سم لكل منها (123) ، ولها جميعاً قواعد بارزة في أرض مصلى التوسعة على شكل مربع مشطوفة أركانه الأربعة، وبها فتحات لخروج الهواء المبرد. كما أن لها جميعاً تيجان متشابهة مع التيجان التي حليت بها أعمدة التوسعة السعودية الأولى، والمزخرفة بزخارف هندسية ونباتية متشابهة في جميع تيجان التوسعتين. الصورة رقم (4) . ونظراً لحرص ولي الأمر في إبراز المبنى القديم للمسجد النبوي الشريف كما ذكرنا من قبل، فقد وزعت الساحات المربعة أو ما يعرف بالبلاطات، التي تكونت منها التوسعة لتظهر متساوية فيما يقع شرق المبنى القديم أو غربه، بواقع خمس بلاطات عمودية على جدار القبلة، في كل جانب كما قسم سقف التوسعة إلى 95 مربعاً غطى منها 68 مربعاً بسقوف ثابتة،تبدو مقسمة مما يلي أرض التوسعة إلى 9 مربعات، محلاة بصرر لزخارف جصية بارزة بأسلوب الأرابسك. انظر الصورة رقم (7) . أما الباقي من المربعات التي تكون منها سطح التوسعة وقدرها 27 مربعاً فتركت مفتوحة لإدخال ما يحتاجه المسجد من هواء وضوء في أوقات البرد واعتدال الجو، ونظراً لضرورة المحافظة على تكييف الهواء في الأوقات التي يشتد فيها الحر، ومنعاً من وصول الأمطار وقت نزولها إلى داخل التوسعة، صنعت لها قباب متحركة ترتفع عن مستوى أرض المسجد الشريف 16.65متراً، وعن سطح التوسعة 3.55 متراً. ومساحة كل قبة 18 × 18 متراً، ونصف قطرها من الداخل 7.375 متراً، ويمكن تحريكها ألياً. فلقاعدتها خاصية الانزلاق بواسطة أربعة دواليب بكل دولاب ما طور قوته 2.5 كيلو وات. كما يمكن تحريك القبة الواحدة باليد وقد يستغرق ذلك نصف ساعة، نظراً لوزنها البالغ 80 طناً.وتتكون من هيكل فولاذي وزنه 40 طناً، ووجه داخلي وآخر خارجي بينهما طبقة إضافية من المواد العازلة للماء والحرارة بسمك 20 سم (124) . الصورة رقم (7) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 285 عن محموعة بن لادن السعودية وقد جاءت فكرة القباب التي وزعت بانتظام في سقف التوسعة كما يظهر من الشكل (6) ، لتمزج بين أصالة البناء التقليدي للقباب، وبين الاستفادة من الوسائل الحديثة، وقد شارك الكثير من أهل الخبرة والاختصاص في مجال البناء في مختلف أنحاء العالم بالأفكار،وقدموا التصاميم المقترحة، وبعد دراستها والمفاضلة بينها، اختير النموذج الذي قدمته إحدى المؤسسات الألمانية المتخصصة الشكل رقم (6) ثم صنعت وفق أعلى المعايير، وركبت فوق مجاري معدنية يسهل تحريكها آلياً أو يدوياً عند الفتح أو الإغلاق رغم ثقل وزنها الذي يبلغ 80 طناً لكل قبة. وزخرفت جميع القباب من الداخل بتقسيمات هندسية، قوامها الطبق النجمي المؤلف من 16 لوزة، 16 كندة، كما زخرفت اللوزات والكندات من الداخل بزخارف نباتية متماثلة من نوع الأرابسك، ومثل ذلك في جميع المثلثات الواقعة في الأركان الأربعة لكل قبة، هذا فضلاً عن الشريط الزخرفي الذي يحيط بالمربع الذي قامت عليه القبة من جهاته الأربعة. انظر الصورة رقم (8) . الصورة رقم (8) عن منصور عطار (الحرمان الشريفان قمة العمارة الإسلامية المعاصرة) ثانياً: المآذن: وزعت مآذن التوسعة على أركانها الأربعة، جرياً على العادة المتبعة من قبل في جميع مراحل بناء المسجد النبوي الشريف، ولكون مسقط التوسعة الكبرى قد جاء مستطيلاً كما رأينا من قبل، فقد أقيمت أربع من المآذن في أركانه، كما أقيمت اثنتان من مآذنه الست على طرفي البوابة الرئيسية للتوسعة، والتي تتوسط الجدار الشمالي والمعروفة ببوابة الملك فهد، لتكون في مقابل مآذن المبنى القديم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 286 وبهذا فإن مجموع ما أنشئ في توسعة خادم الحرمين الشريفين ست مآذن، تزيد في ارتفاعها عن المئذنتين اللتين أقيمتا في مؤخرة التوسعة السعودية سنة 1375هـ ب 32 متراً،أي أن طول كل مئذنة مع هلالها 104متراً (125) ،وهو طول تطلبته ضخامة التوسعة. وسعة مسطحها. وقد أضافت كما يقول أحد الباحثين بشموخها الزاهي، لمسة من التناسق المعماري، وفيضاً من الرونق الجمالي، الذي يأسر شعور الناظر إليها من بعد أو المتأمل لها من قرب (126) . وكما هو الحال في بناء مئذنتي التوسعة الأولى، فإن الخرسانة المسلحة هي مادة البناء الرئيسية في هيكل المئذنة (128) وتتكون كل مئذنة من الداخل من أسطوانة خرسانية مفرغة قطرها 70 سم، وسماكة جدرانها 20 سم، تنتهي إلى نهاية الجزء الثالث من المنارة (المئذنة) ، وبداخلها سلم حلزوني الشكل، عرضه 8سم يؤدي إلى الشرفة الأولى والثانية والثالثة (129) ، لاستخدامه عند الحاجة. أما أبعاد الشكل الخارجي لكل مئذنة فإنما تتألف من عدة أجزاء مختلفة في الشكل والأبعاد. وذلك على النحو التالي: أ - الجزء الأول: مربع الشكل 5.5 × 5.5م، ويرتفع عن مستوى قواعد الدور الأرضي للتوسعة إلى ما فوق سطح التوسعة بطول 4 أمتار،هي ارتفاع الدور الأرضي + 27 متراً من مستوى أرض التوسعة. ينتهي هذا الجزء بشرفة مربعة الشكل محمولة على مقرنصات في صفوف متتالية، ولها حاجز من البناء المزخرف بمربعات تحتوي على مثمنات ظاهرة تتناسب مع الزخارف السفلي. ب – الجزء الثاني: مثمن الشكل قطره حوالي 5.5م، ويرتفع إلى حوالي 21م ويحتوي على ثلاثة نماذج من الشبابيك المتتالية، والتي تظهر في منتصف كل ضلع من أضلاع المثمن وتنتهي بشرفة مثمنة. ج - الجزء الثالث: أسطواني الشكل قطره 5م، ويرتفع إلى 18متراً تقريباً، ويتميز بخلوه من الفتحات، وبزخارفه الملونة بالأبيض والأسود في خطوط أفقيه متكسرة، وينتهي الجزء بشرفة دائرية محمولة على مقرنصات. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 287 د - الجزء الرابع: وهو أسطواني رغم اختلافه عن الجزء الثالث، وقطره حوالي 4.5م، ويرتفع إلى حوالي 15 متراً. تزينه ثمانية عقود مدببة ترتكز أرجلها على أعمدة رخامية بلون أبيض، ويعلوها شرفة دائرية أصغر من سابقتها، وتزينها المقرنصات أيضاً، وتلفها عصابة من الحواجز المحلاة بالمربعات التي تتوسطها دوائر صغيرة. هـ- الجزء الخامس والأخير، ويصل ارتفاعه إلى حوالي 33متراً بما في ذلك الهلال، ويمكن تقسيم هذا الجزء إلى عدة عناصر. فأولها يبدأ ببناء أسطوانياً ينتهي بتاج مشرشر يكون شرفة صغيرة تحمل الجزء العلوي، والذي يبدأ بشكل مخروطي، في نهايته قبة بصلية هي في الواقع قاعدة الهلال البرونزي الذي يتوج جميع المآذن، المطلي بالذهب الخالص.ويبلغ ارتفاعه 6 أمتار ويزن أربعة أطنان ونصف (130) . ثالثاً: الأبواب والنوافذ: تميزت التوسعة الكبرى للمسجد النبوي الشريف بكثرة الأبواب والمداخل، التي تسهل حركة الدخول والخروج من جميع الجوانب، بالإضافة إلى ربط التوسعة الكبرى، بمبنى التوسعة السعودية الأولى، بعدد من المداخل التي تقابل الأبواب القديمة. وبالنظر إلى المخطط الذي أعده مركز أبحاث الحج، وبين عليه أرقام المداخل من واقع ما كتب على أبواب المسجد النبوي الشريف، بعد توسعة خادم الحرمين الشريفين، يتبين ما يأتي: 1- تميز الجانب الشمالي من التوسعة الكبرى بكثرة الأبواب والمداخل، بعضها فتح في أصل الجدار والبعض الآخر بارز عنه، ويتوسطها باب الملك فهد بن عبد العزيز بخمسة مداخل. وقد جاء هذا الباب في مقابلة الأبواب الثلاثة التي فتحت في مؤخرة التوسعة السعودية الأولى، والمسماة بالباب المجيدي، وباب سيدنا عمر بن الخطاب، وباب سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنهما. مع وجود سلمين متحركين في طرفي الضلع الشمالي، لتسهيل الصعود إلى سطح المسجد، الذي أعد أيضاً لأداء الصلاة في أوقات الذروة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 288 2- تتساوى الأبواب المفتوحة في الضلع الشرقي والغربي من التوسعة في العدد واستقامة المحور، مع وجود سلم متحرك في وسط كل ضلع يؤدي إلى سطح التوسعة. 3- أما الضلع الجنوبي فبه مدخلان رئيسيان، جاءا في مقابل المدخلان اللذان يقعان في الجانب الشمالي من التوسعة، على طرفي بوابة الملك فهد بن عبد العزيز. الشكل رقم (4) وإلى جانب ذلك مدخلان صغيران، بالقرب من باب النساء وباب الرحمة، ويحملان رقمي 38، 40، كما أن بطرفي التوسعة من هذا الجانب، سلمان متحركان يسهلان الصعود إلى سطح التوسعة. وبهذا فإن مجموع المداخل التي فتحت في التوسعة الكبرى لخادم الحرمين الشريفين 35 باباً، بعضها بثلاثة مداخل، والبعض الآخر بمدخل واحد. الشكل رقم (5) . وجميعها بعقود محلاة بالأحجار الملونة، ما عدا الفتحتان اللتان تقعان على يمين ويسار المداخل الكبيرة، 3 في الشمال، 2 في الشرق، 2 في الغرب، 2 في الجنوب. فإن لها جميعاً زخارف جصية بيضاء، مماثلة للزخارف التي تعلو الأبواب الرئيسية، في التوسعة السعودية الأولى،كباب السلام وغيره. انظر الصورة رقم (9) . الصورة رقم (9) عن وزارة الإعلام (توسعة الحرمين الشريفين) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 289 ولهذه الأبواب جميعاً مصاريع كبيرة،من أجود أنواع الخشب المزين بتعشيقات مربعة، تحليها المستطيلات المتقابلة والمحلاة بأطر وصرر من النحاس المذهب. انظر الصورة رقم (10) . وقد جاء ما يفيد بأنها صنعت من خشب الساج في مدينة برشلونة بأسبانيا وفق رسومات أعدت مسبقاً لارتفاع المداخل وعرضها. بينما صنعت الأشكال الهندسية النحاسية في مدينة رواه الفرنسية وطليت بالذهب في مغاطس ذات جودة عالية، ثم شحنت إلى برشلونة حيث تم تركيبها على مصارع الأبواب، وكان وزن كل منها بعد اكتمال تصنيعه (2.5) طن (131) . وقد جاءت بعد تركيبها على المداخل آية في الجودة والدقة والجمال، قوام زخارفها أشكال هندسية ونباتية وكتابية،يظهر لفظ الجلالة وكلمة أكبر (الله أكبر) في داخل دائرة بأعلى كل مصراع، كما تظهر عبارة (محمد رسول الله) وسط الصرة النحاسية التي تتوسط المصراعين. وقد تداخلت حروفها مع زخارف نباتية متداخلة غير معقدة. صورة رقم (10) عن حامد عباس (قصة التوسعة الكبرى) أما النوافذ فتعددت بتعدد الإنكسارات الناتجة عن الخروج بالأبواب الرئيسية، عن استقامة جدار التوسعة من جميع الجهات؛ وأكثرها جاء في الجهة، الشمالية.فثمان منها على يمين الداخل من باب الملك فهد بن عبد العزيز، ومثلها عن يساره، وخمس على يمين الباب الذي يقع في الطرف الغربي من هذه الجهة ومثلها على يسار الباب الذي يقع في الطرف الشرقي من هذه الجهة. أما الجهة الشرقية والغربية من التوسعة الكبرى، فنجد مجموعة من النوافذ بين البابين المفتوحين في كل جانب، وتظهر النوافذ المذكورة في الشكل رقم (5) مقابل السلم الكهربائي الذي يتوسط البابين المفتوحين في كل جهة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 290 وأما الجهة الجنوبية فبها عدد من النوافذ على يمين الجزء البارز من المبنى القديم للمسجد النبوي الشريف، وجاء توزيعها بالتساوي عن يمين البابين البارزين عن استقامة جدار التوسعة من هذه الجهة. ثمان نوافذ عن يمينه وثمان على يساره مما يلي باب الرحمة، وكذلك في الجانب الآخر الواقع جهة باب السلام. وجميع النوافذ متشابهة، فتحاتها طولية معقودة بعقود مدببة تدبيباً خفيفاً، ومحلاة بصنجات ملونة مستوحاة من التراث الإسلامي، على هيئة ما زينت به نوافذ التوسعة السعودية الأولى. الصورة رقم (11) والصورة رقم (3) . ولجميع هذه النوافذ أبواب مستطيلة، صنعت من أجود أنواع الخشب قيل إنه خشب القرو وهي مسدودة من الخارج بمشربيات من البرونز (132) ،صنعت على هيئة الخشب المستخدم في نوافذ العمارة الإسلامية بطريقة الخرط، ويعلو أبوابها الخشبية شبابيك مستديرة،من الحجر الصناعي والزجاج الملون، نفذت بمهارة عالية، على خامات راقية، وبها زخارف هندسية ونباتية مستوحاة من التراث الإسلامي العريق. الصورة رقم (11) عن منصور عطار (الحرمان الشريفان قمة العمارة الإسلامية المعاصرة) خامساً: الساحات والمرافق العامة: كان من الأهداف التي رسمت لتوسعة الحرمين الشريفين في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، تطوير المنطقة المركزية المحيطة بالحرمين الشريفين، وإيجاد ساحات ودورات مياه، ومواقف سيارات، تتماشى مع التوسعة، وتلبي احتياجات زوارها ومرتاديها. وقد تم تحقيقها جمعياً في التوسعة التي شهدها المسجد النبوي الشريف 1405هـ /1413هـ، وساعد على ذلك طبيعة الأرض التي نفذت عليها التوسعة الكبرى، وكذلك الأرض المحيطة بها لخلوها من الجبال والمناطق الصخرية، وقد جاءت كما أريد لها أن تكون. فعادت بالنفع على زوار المسجد الشريف وسهلت الوصول إليه من جميع الجهات. وفيما يلي بيان بمواقعها وأعدادها وأهم فوائدها: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 291 أ - الساحات: كان المسجد النبوي الشريف، قبل العهد السعودي محاطاً بالبيوت والطرقات الضيقة، كما هو حال جميع المدن القديمة. ولم يكن بالإمكان تغيير هذا الواقع، عند إتمام الأعمال المعمارية التي تمت فيه عبر العصور الماضية، لأن الجهد الذي أولاه الخلفاء والسلاطين لهذا المسجد – من بعد انتقال العاصمة من المدينة المنورة – كان منصباً على تجديد عمارته أو ترميم ما تلف منها، دون الاهتمام بإحاطته بميادين واسعة، كما هو الحال في بعض الجوامع التي ميزت العهد العثماني. وقد رأينا فيما سبق أن الميادين التي هيأت بعد التوسعة السعودية الأولى، لخدمة المسجد النبوي الشريف، كانت متمشية مع تلك التوسعة، ولم توضع إلا في موضعين، هما ساحة باب السلام وساحة باب المجيدي، ثم أضيفت إليه ساحات أخرى في عهد الملك فيصل رحمه الله تعالى. إلا أنها رغم سعتها لم تبرز التوسعة إلا من جانب واحد،هذا فضلاً عن أنها ركزت التواجد السكاني والتجاري في الجانب الشرقي ومعظم الجنوبي، حتى أن المرء ليشعر بالاختناق عند خروجه من المسجد الشريف أو دخوله إليه وقت الذروة قبل التوسعة الكبرى. وإدراكاً من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله،لما لهذه الساحات من نفع عام للناس وخاص بالتوسعة،حرص من البداية على إيجاد ساحات محيطة بالحرم النبوي الشريف، بعد التوسعة من جوانبه الأربعة. وقد تم ذلك بالفعل، بحيث أحيطت بساحة شبه مستطيلة، قدرت أبعادها التي لم أجد ما يفيد في ذلك بحوالي 570 × 550 متراً طولياً. الشكل رقم (4) . وقد جاء ما يفيد بأن مساحتها 235000 متراً مربعاً (133) ، وقدرت عرضها مما يلي الجنوب 207م، ومن الشمال 154م، ومن الغرب 144م، أما من الشرق فبلغ عرضها 27 متراً لاقتراب مقبرة البقيع من التوسعة، وفرشت أرضها بأجود أنواع الرخام، مع غلبة اللون الأبيض عليه، كل ذلك في تقسيمات هندسية بديعة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 292 كما أنها أضيئت بالمصابيح المحمولة على أعمدة مثمنة،تحاكي ما نصب في صحني التوسعة الأولى، وإن اختلفت تيجانها في نوع الزخرفة وطريقة توزيع المصابيح على جهاتها الأربع. (الصورة رقم 12) . وزودت بثلاثين مدخلاً بسلالم كهربائية، وأخرى ثابتة تؤدي جميعاً إلى مباني الخدمات ودورات المياه. الصورة رقم (12) عن حامد عباس (قصة التوسعة الكبرى) ب – دورات المياه ومواقف السيارات: زود المسجد النبوي الشريف في هذه التوسعة، بعدد كبير جداً من دورات المياه وأماكن الوضوء، روعي في تصميمها وطريقة توزيعها وضوح أماكنها وسهولة الوصول إليها، فوزعت على 30 موقعاً تحت أرض الساحة المحيطة بالتوسعة. الشكل رقم (5) وعددها 6214نقطة وضوء، 758 نقطة شرب (134) 2432 دورة مياه. ويتوصل إليها جميعاً عبر 116 سلماً كهربائياً تؤدي إلى أدوارها الأربعة،وتفضي إلى أرض الساحة من خلال 30 سلماً ثابتاً ومتحركاً (135) . أما مواقف السيارات فقد بنيت من دورين حسب رغبة خادم الحرمين الشريفين، الذي أمر كما يقول المهندس بكر بن لادن بمضاعفة قدرتها الاستيعابية، بعد أن اطلع في البداية على التصاميم الأولية القائمة، على جعلها من دور واحد (136) مما تطلب إعادة التصاميم وفق ما هي عليه الآن. وتشغل مساحة كبيرة جداً (390000) م2 تكفي لاستيعاب 4200 سيارة، تصل في الذروة إلى 4500 سيارة.وقسم كل دور إلى 11 وحدة، تفصل بينها مباني دورات المياه المؤلفة من أربعة طوابق، وسلالمها الثابتة والمتحركة، مما سهل على أصحاب السيارات وركابها استخدامها جميعاً. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 293 ويبلغ ارتفاع الدور السفلي منها 4.9م، والعلوي 4 أمتار فقط، وقد روعي في تصميمها توفير وسائل الأمن والسلامة، بالإضافة إلى توفير عدة مبان خاصة بخدمات المسجد النبوي الشريف (136) ، ويسهل الدخول إليها والخروج منها إلى جميع جهات المدينة المنورة، عبر 6 مداخل ومخارج موزعة بانتظام على ثلاثة أركان من كل طابق ثلاثة في السفلي، وثلاثة في العلوي. انظر الشكل رقم (5) . الشكل رقم (5) مسقط مواقف السيارات أسفل ساحات المسجد النبوي الشريف عن معهد خادم الحرمين الشريفي لأبحاث الحج ج – منطقة الخدمات (ذي الحليفة، آبار علي) : أقيم في ذي الحليفة خارج منطقة الحرم المدني، على بعد 7 كم من المسجد النبوي الشريف، عدة مبان وأجهزة خدمات متكاملة وتضم:- 1- محطة توليد الطاقة بها خمس مولدات ضخمة طاقة كل منها 2.5 ميجاوات، تستخدم في إنارة المسجد وتوسعته بما فيها الساحات والمرافق وتوفير الطاقة اللازمة لما فيه من آلات، بالإضافة إلى توفير ما تحتاجه محطة تكثيف الماء التي أقيمت في منطقة الخدمات من طاقة، وكذلك المضخات (137) التي تدفع الماء البارد عبر أنبوبين يسيران في إحدى جوانب النفق، الذي أنشئ لهذا الغرض لتزويد المسجد بالطاقة؛ بالإضافة إلى مكافحة وسائل الحريق، وتصريف مياه الأمطار والمجاري الصحية الخاصة بالتوسعة. صورة رقم (13) ويعتبر هذا النفق من معالم التوسعة الكبرى، فقد امتد من منطقة الخدمات في ذي الحليفة إلى بدروم التوسعة، بطول 7 كم وبارتفاع 1/4م وعرض 6.2م وبنيت جدرانه بالخرسانة المسلحة، وفق مواصفات عالية الجودة روعي فيها عدم تأثيره على خدمات المدينة المنورة في المستقبل القريب أو البعيد. وزود ب 31 غرفة تهوية مزودة بالمراوح اللازمة لتجديد الهواء بداخله، لسلامة العاملين في صيانته، وللمحافظة على ما فيه من آلات وكوابل ومفاتيح طاقة وخلاف ذلك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 294 وهو أمر ما كان ليتم لولا هذا العطاء السخي، الذي أعان الله به ولي الأمر ووفقه إليه، فله منا ومن عموم المسلمين الدعاء والتوفيق في الدنيا والآخرة. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ... الحواشي والتعليقات (1، 2) علي حافظ، " فصول من تاريخ المدينة المنورة " طبع ونشر شركة المدينة المنورة للطباعة والنشر، جدة، ص 86. (3) محمد سعيد فارسي، " التكوين المعماري والحضري لمدن الحج " طبع ونشر شركة عكاظ، الطبعة الأولى، 1404هـ / 1984م، ص 42. (4) حامد عباس، " قصة التوسعة الكبرى " نشر مجموعة بن لادن السعودية، الطبعة الأولى، 1416هـ / 1995م، ص 317. (5) أسعد درابزوني، " خلاصة عن مشروع توسعة الحرم النبوي الشريف سنة 1372هـ " نشرها مع كتاب عمدة الأخبار في مدينة المختار، لعبد الحميد العباسي، الطبعة الثالثة، نشر أسعد درابزوني، ص 6. (6، 7، 8) محمد هزاع الشهري، " المسجد النبوي الشريف في العصر العثماني " رسالة دكتوراه لم تطبع، 1407هـ / 1987م، ص 8 وما بعدها. (9، 10) عبد القدوس الأنصاري " آثار المدينة المنورة " دار العلم، بيروت، الطبعة الثالثة، 1393هـ/ 1973م، ص 107. (11، 12) نقل ذلك صالح لمعي في كتابه المدينة المنورة تطورها العمراني وتراثها المعماري، دار النهضة المصرية، بيروت، 1981م، ص 286، ص 101؛ وانظر محمد حسين هيكل " في منزل الوحي "، الطبعة الرابعة، مكتبة النهضة المصرية، 1967م، ص 497. (13) عبد القدوس الأنصاري، المصدر السابق، ص 108. (14) كان لهذا التقرير ما يبرره من جهة النظر الأثرية التي تحرص على معالجة الضرر قبل توسعة لاسيما وأن تخصص المهندس المذكور كان في هذا المجال كما يقول أسعد درابزوني في ص 6 من الملخص الذي ذكره في المصدر السابق. ويؤيد ذلك أن الوفد الذي جاء بعده بقيادة المهندس مصطفى بك فهمي أكد صحة بعض هذه المخاطر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 295 (15) أسعد درابزوني، المصدر السابق، ص 6. (16) عبد الله باسلامة، " تاريخ الكعبة المعظمة "، الطبعة الثانية، 1402هـ / 1982م، ص 291. (17) أسعد درابزوني، المصدر السابق، ص 6. (18) حافظ وهبة، " جزيرة العرب في القرن العشرين، الطبعة الخامسة، 1387هـ، ص 284. (19) حامد عباس، المصدر السابق، ص 231، أسعد درابزوني، المصدر السابق، ص 5. (20) لعلها التي سبق أن أشار إليها تقرير المهندس محمد نافع بعد سنة 1357هـ والتي سبق للحكومة السعودية أن طوقتها بأحزمة من الحديد سنة 1350هـ، وانظر ص 4. (21، 22) أسعد درابزوني، المصدر السابق، ص 6، 7. (23) علي حافظ، المصدر السابق، ص 80، 81. (24) عبد القدوس الأنصاري، المصدر السابق، ص 108. (25) أسعد درابزوني، المصدر السابق، ص 7. (26) علي حافظ، المصدر السابق، ص 83. (27) أسعد درابزوني، المصدر السابق، ص 8. (28) أسعد درابزوني، المصدر نفسه، ص 8؛ وانظر علي حافظ، المصدر السابق، ص 84. (29) علي حافظ، المصدر السابق، ص 79، 84. (30) أسعد درابزوني، المصدر السابق، ص 9، وانظر عبد القدوس الأنصاري، المصدر السابق، ص 109. (31، 32) عبد القدوس الأنصاري، المصدر السابق، ص 109. (33) علي حافظ، المصدر السابق، ص 78. (34) محمد حسين هيكل، المصدر السابق، ص 501 وما بعدها. (35) عبد القدوس الأنصاري، المصدر السابق، 108. (36) جاء ذلك في عرض موجز عن التوسعة نشر في نهاية الجزء الرابع من وفاء الوفاء للسمهودي، الطبعة الثانية، 1393هـ، ص 1425. (37) أسعد درابزوني، المصدر السابق، ص 7. (38) عبد القدوس الأنصاري، المصدر السابق، ص 8، وانظر حامد عباس، المصدر السابق، ص 254. (39) عبد القدوس الأنصاري، المصدر السابق، ص 8. (40) علي حافظ، المصدر السابق، ص 87. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 296 (41) ذكر حافظ وهبة في جزيرة العرب في القرن العشرين، ص 313 " أن جلالة الملك سعود قد أصبح منذ 15/12/1372هـ ملكاً غير متوج بيده الحل والربط في أمور الدولة كلها نظراً لاشتداد المرض بوالده -رحمهما الله تعالى. (42) محمد السيد الوكيل، " عمارة المسجد النبوي عبر التاريخ "، دار المجتمع للنشر، الطبعة الأولى، 1419هـ، ص 187، وقد أورد التاريخ التالي " شهر ربيع الأول " عام 1373هـ. (43، 44) انظر وفاء الوفاء، ج 4، ص 1425. (45) حامد عباس، المصدر السابق، ص 258. (46) محمد كامل حته: في ظلال الحرمين، دار المعارف، ص 250. (47) منصور عطاء، " الحرمان الشريفان في العمارة الإسلامية المعاصرة "، ص 116. (48) علي حافظ، المصدر السابق، ص 86. (49) د. سعاد ماهر، " العمارة الإسلامية عبر العصور، ج 4، ص 14؛ وانظر صالح لمعي المصدر السابق، ص 101. (50) . صالح لمعي، المصدر السابق، ص 101. (51) علي حافظ، المصدر السابق، ص 87. (52) لابد أن يكون الجدار قد حفر بعمق الأرض التي وضعت فيها قواعد الأعمدة، وذلك على نحو ما جاء في حفر أساسات توسعة خادم الحرمين، انظر ص 28، ص 29. (53) أورد علي حافظ في المصدر السابق، ص 86 بياناً بعدد الأعمدة نقلاً عن مكتب التوسعة التابع ل بن لادن. (54) سعاد ماهر، المصدر السابق، ص 148. (55) علي حافظ، المصدر السابق، ص 86. (56) صالح لمعي، المصدر السابق، ص 101. (57) علي حافظ، المصدر السابق، ص 87. (58) سعاد ماهر، المصدر السابق، ص 148. (59) محمد هزاع الشهري " عمارة المسجد النبوي في العصر المملوكي " رسالة ماجستير لم تطبع، 1402هـ/ 1982م، ص 388. (60) محمد هزاع الشهري " المسجد النبوي في العصر العثماني " ص 199. (61) منصور عطار، المصدر السابق، ص 115. (62) محمد هزاع الشهري " المئذنة وتطورها في الإسلام " توسعة وعمارة الحرمين رؤية حضارية ج 2 ص 47. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 297 (63) حامد عباس، المصدر السابق، ص 254. (64) علي حافظ، المصدر السابق، ص 87. (65) صالح لمعي، المصدر السابق، ص 104. (66) علي حافظ، المصدر السابق، ص 87. (67) سعاد ماهر، المصدر السابق، ج 4، ص 147. (68) محمد هزاع الشهري، " المسجد النبوي في العصر العثماني " ص 157. (69، 70) حامد عباس، المصدر السابق، ص 257. (71) سورة النور، آية رقم 35. (72) علي حافظ، المصدر السابق، ص 87. (73) حامد عباس، المصدر السابق، ص 257. (74) محمد حسنين هيكل، المصدر السابق، ص 497، 501. (75) محمد كامل حته، المصدر السابق، ص 288. (76) علي حافظ، المصدر السابق، ص 288. (77) عبد القدوس الأنصاري، المصدر السابق، ص 112. (78) محمد كامل حته، المصدر السابق، ص 293. (79) وزارة الإعلام " الحج إلى بيت الله الحرام "؛ حامد عباس، المصدر السابق، ص 280 – 281. (80) توسعة وعمارة الحرمين الشريفين، رؤية حضارية، ج 2، ص 22. (81) وزارة الإعلام " توسعة الحرمين الشريفين "، ص 56. (82، 83) عبد القدوس الأنصاري، المصدر السابق، ص 112. (84، 85) وزارة الإعلام " توسعة الحرمين الشريفين "، ص 56. (86، 87) محمد صالح البليهشي " المدينة المنورة "، الطبعة الثانية، الرياض، 1408هـ، ص 44 (88) وزارة الإعلام " توسعة الحرمين الشريفين "، ص 56. (89) محمد السيد الوكيل، المصدر السابق، ص 201. (90) انظر ص 18. (91، 92) محمد سعيد فارسي، المصدر السابق، ص 40، 38. (93) كانت مساحة المسجد الحرام 160168م2 بينما مساحة المسجد النبوي 16327م2. (94، 95) حامد عباس، المصدر السابق، ص 295، 300. (96) كان هذا بعد قرار توسعة الحرم النبوي عقب الزيارة التي قام بها خادم الحرمين إلى المدينة، في المحرم من سنة 1403هـ؛ وانظر: حامد عباس المصدر السابق، ص 294، سنة 1403هـ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 298 (97) يذكر الناشر لقصة التوسعة الكبرى، ص 294 إن هذه الجوانب مالية وإدارية وفنية. (98) انظر قصة التوسعة الكبرى، ص 294، فقد نقل جزء من كلمة خادم الحرمين الشريفين التي ألقيت في مجلس الوزراء في 3/6/1412هـ. (99) حامد عباس " قصة التوسعة الكبرى " ص 295. (100، 101) حامد عباس، المصدر نفسه، ص 337، 338. (102) منصور عطاء، المصدر السابق، ص 116. (103) حامد عباس، المصدر السابق، تصدير الناشر. (104،105) منصور عطاء، المصدر السابق، ص 115، 116. (106) محمد صالح البليهشي، المصدر السابق، ص 46. (107) صالح لمعي، المصدر السابق، ص 9. (108) منصور عطاء، المصدر السابق، ص 103. (109) انظر ص 19. (110،111) حامد عباس، المصدر السابق، ص 146. (112) انظر الشكل رقم (4) . (113) انظر الشكل رقم (5) . (114) مجلة المدينة المنورة العدد 106 سنة 1410هـ ربيع الثاني وجمادى الأول، جريدة الشرق الأوسط العدد 4941، تقرير مقدم من رئاسة الحرمين الشريفين، وانظر محمد صالح البلهشي، المدينة المنورة، ص 46، وقصة التوسعة الكبرى، ص 347. (115) حامد عباس، المصدر السابق، ص 346؛ منصور عطاء، المصدر السابق، ص 103 (116) مجلة المدينة المنورة، العدد 106؛ جريدة الشرق الأوسط العدد 4941. (117) حامد عباس، المصدر السابق، ص 346. (118) منصور عطار، المصدر السابق، ص 104. (119) لمزيد من المعلومات التفصيلية انظر: حامد عباس " قصة التوسعة الكبرى "، ص 347 (120) حامد عباس، المصدر السابق، ص 348؛ منصور عطار، المصدر السابق، ص 103 (121، 122) حامد عباس، المصدر نفسه، ص 347، 348. (123) منصور عطار، المصدر السابق، ص 103؛حامد عباس، المصدر السابق، ص 347 (124) توسعة وعمارة الحرمين الشريفين، رؤية حضارية، 1/51 وما بعدها. (125) منصور عطار، المصدر السابق، ص 91، 92. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 299 (126) عبد الله سلطان الأفغاني " مآذن الحرم النبوي " توسعة وعمارة الحرمين الشريفين، رؤية حضارية 2/55. (127) انظر ص: 23. (128) عبد الله الأفغاني، المصدر السابق، ج2، ص 56. (129) منصور عطار، المصدر السابق، ص 104. (130) عبد الله الأفغاني، المصدر السابق، ص 56؛ ومنصور عطار، المصدر السابق، ص 104 (131) حامد عباس، المصدر السابق، ص 386. (132) انظر ملخص عن التوسعة الكبرى نشر في نهاية كتاب تاريخ معالم المدينة قديماً وحديثاً. (133) حامد عباس، المصدر السابق، ص 276، 349. (134) ذكر حامد عباس في ص 351 من قصة التوسعة أن عددها 7858 نقطة شرب وهو خطأ لا شك مطبعي والصحة ما ذكره العطار في المصدر السابق ص 99 من أنها 758 نقطة شرب. (135) حامد عباس، المصدر السابق، ص 350؛ والعطار المصدر السابق، 98. (136) انظر كلمة الناشر في قصة التوسعة الكبرى لحامد عباس. (137) جاء تفصيلها في كتاب قصة التوسعة الكبرى لحامد عباس، ص 351 على النحو التالي: 4 مباني للأمن. 1 للعيادات الطبية. 1 مركز صحي. 5 غرف تحكم. 1 غرفة تحكم رئيسية. 6 لمكافحة الحريق. 2 ورش سيارات. 1 غرفة مفاتيح. 4 مراكز تفتيش. 2 مخازن المجموع (27) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 300 (أَرَأَيْتَ) وفروعه دراسة لغوية د. عبد الله بن حمد الدايل الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية بكلية المعلمين في الرياض ملخص البحث يعرض هذا البحث لتفسير مركَّب لغوي هو (أَرَأَيْتَ) وفروعه التي تشمل نوعين: أولهما: (أَرَأَيْتِ - أَرَأَيْتُمَا - أَرَأَيتُمْ - َأَرَأَيْتُنَّ) . والآخر: (أَرَأَيْتَكَ - أَرَأَيْتَكِ - أَرَأَيْتَكُما - أَرَأَيْتَكُمْ - أَََرَأَيْتَكُنَّ) . ويحاول البحث إجراء دراسة صوتية تعرض لصُوَر نطق هذه المركبات، وتستقصي القراءات القرآنيّة الواردة فيها ثمَّ ينتقل البحث إلى إجراء دراسة صرفية تُعْني بتصنيف جزأي الخطاب الواردين في المركّب، ودراسة نحوية تعنى ببيان إعمال الفعل، وبيان المفاعيل. وفي القسم الرابع من البحث تتناول الدِّراسة دلالة (أَرَأَيْتَ) وفروعه. وفي الخاتمة يورد البحث أهمّ النتائج وهي: 1 - أنَّ (أَرَأَيْتَ) من القوالب الثابتة وهذا اللفظ وفروعه كثير الدوران في القرآن الكريم والأساليب العربية الأخرى. 2 - أنَّ معناه هو: أخبرني أو أعلمني، ويفتقر إلى مفعولين. 3 - إذا زيد على هذه الصيغة الكاف فإنّ التاء تلتزم الفتح وتصبح الدَّلالة على الجنس والعدد من وظائف الكاف وفي هذه الحالة يرى البصريون، ومن تبعهم أن التاء هي الضمير وهو في موقع الفاعل، وأنّ الكاف حرف خطاب، وللكوفيين أو لبعضهم خلاف في ذلك. 4 - معنى "أَرَأَيْتَ " مأخوذ من معنى (رأى) البصرية والقلبية في الوقت نفسه، ومعنى الهمزة هنا التعجّب. 5 - دخول الهمزة الدّالة على الاستفهام التعجبي يجعل (أَرَأَيْتَ) جملة إنشائية بمعنى أخبرني أو أعلمني 6 - أنَّ في همزته الثانية أربع لغات هي: التحقيق، والتسهيل، وإبدالها ألفاً، وحذفها. 7 - أنه لم يرد " أَرَأَيْتَ " وفروعه بتحقيق الهمز - في الشواهد الشعرية بل ورد " أَرَيْتَ "، و "أرَيْتَكَ" بلا همز. *** المقدِّمة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 301 الحمدلله وحده، والصلاة، والسلام على من لا نبيَّ بعده: سأعالج هنا " أَرَأَيْتَ"، وفروعه وهو عبارة عن "رأى" التُزِم فيه صيغة المضي، وسُبق بهمزة الاستفهام، ولحق به تاء موحَّدة مفتوحة، يتصل بها في الغالب كاف تختلف باختلاف المخاطب إفراداً، وتثنية، وجمعاً، وتأنيثاً. وتظلَّ تاؤه مفتوحة مع الكاف "أَرَأَيْتَكَ"، ومضمومة مع الميم " أَرَأَيْتُم"، ومع نون النسوة " أَرَأَيْتُنَّ". و"أَرَأَيْتَ" وما زيد عليه من لواصق (أي ما يتصل به من أوله) ، ولواحق (أي ما يلحق به من آخره) كثير الدوران في القرآن الكريم، وفي الأساليب العربية الأخرى فهو يرد على صور "أَرَأَيْتَ"، "أَفَرَأَيْتَ"، "أَرَأَيْتَكَ " "أَرَأَيْتَكُمَا"، "أَرَأَيْتَكُمْ"، "أَرَأَيْتَكُنَّ"، "أَرَأَيْتُم" (1) ، وهذا التعبير يفتقر إلى دراسة لغوية من أجل معرفة جوانبه الصوتية , والصرفية، والنحوية، والدّلالية ولذلك جاءت المباحث وفق هذه الأقسام الأربعة. وتتمثَّل مشكلة البحث في الجمع بين جزأين لغويين دالَّين على شخص واحد، وهذان الجزءان هما تاء المخاطب، والكاف التي ترمز إلى المخاطب المفرد المذكَّر في "أَرَأَيْتَكَ"، والمؤنث في "أَرَأَيْتَكِ"، والمثنى بنوعيه في "أَرَأَيْتَكُما"، وجمع الذكور في "أَرَأَيْتَكُم"، وجمع الإناث في "أَرَأَيْتَكُنَّ". فكيف يتم تحليل هذه العبارة؟ والذي نقصده التحليل النحوي الذي يشمل الصرف، أي باستعمال النحو بمعناه العام.   (1) ورد "أَرأََيْتَ" وفروعه في القرآن العظيم في أربعة وثلاين موضعاً؛ انظر: محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، بيروت، دار المعرفة، ط3، 1992م، (رأي) ، ص ص 357، 358، ومحمد عبد الخالق عضيمة، دراسات لأسلوب القرآن الكريم، مصر، مطبعة السعادة، ط1، 1972م/ 1/540-544. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 302 والتحليل هو الإعراب في الدَّرس النحوي القديم. ولا بدَّ في الإعراب من تصنيف العناصر النحوية أي من وضع تسميةٍ لكلّ عنصر: أهو اسم، أم فعل، أم حرف؟ إنّ موقف النحويين المحلِّلين؛ لهذه العبارة يكشف لنا عن إدراكهم لضرورة التصنيف النحوي لأن الإعراب كما هو معروف يعدُّ تحليلاً نحويَّا للنصوص اللغوية. ومن ثمَّ فإنَّ الدراسة التي تكشف لنا عن طبيعة هذا المركَّب اللغوي يجب أن تتناوله من حيث الأقسام الأربعة: الصوتيّة، والصرفيّة، والنحويّة والدَّلاليّة. ذلك أن الاقتصار في هذا المركب على مستوى دراسي واحد يُبقى في النفس حاجة إلى بيان طبيعة هذا المركب. إن كثيراً من المصادر اللغوية النحوية، أو التفسيرية القديمة تقتصر على ذكر معنى هذا المركَّب دون توضيحٍ لما يكتنفه من غموضٍ يحتاج إلى إزالة، ويتصل ببيان تأصيليّ تحليليّ للمركَّب، فالاقتصار على قولهم: إنَّ العبارة تعني (أخبرني) أو (انتبه) أو (أعلمني) أراه غير كافٍ ولهذا السبب سأتناول هذا التركيب تناولاً لغوياً يشمل المستويات اللغوية المعروفة هادفاً إلى تجلية جوانب هذا المركَّب من خلال الدِّراسة التي تتناوله على المستويات المذكورة وتقوم بالتالي بالدِّراسة التحليليَّة، والتأصيليَّة للعبارة حتى لا يبقى هناك جانب، أو مدخل للغموض يكتنف هذا المركَّب بسبب عدم دراسته دراسة شاملةً تُعنى بالتوضيح، والبيان لكافة الجوانب. إنَّ أهم ما يواجهنا هو مسألة تصنيف جزأي الخطاب من حيث عدُّهما ضميرين، أو عدّ أحدهما ضميراً، والآخر حرفاً دالاَّ على الخطاب، وله في الوقت نفسه دلالة على الجنس، والعدد لا يمكن إنكارها. المبحث الأول: المستوى الصوتي تحقيق الهمز وحذفه: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 303 نبَّه الفرَّاء ت (207 هـ) على أنَّ "أَرَأَيْتَ " البصريَّة مهموزة في حين أنَّ "أَرَأَيْتَ " التي بمعنى (أخبرني) في همزتها الثانية لغتان: الهمز، وتركه بيد أنَّ ترك الهمز هو أكثر كلام العرب، إذ يقول في أثناء تفسيره لقوله تعالى: (( [الأنعام:40] "العرب لها في "أَرَأَيْتَ" لغتان، ومعنيان: أحدهما أن يسأل الرجلُ الرجلَ أَرَأَيْتَ زيداً بعينك؟ فهذه مهموزة ... والمعنى الآخر أن تقول:" أَرَأَيْتَكَ" وأنت تريد "أخبرني"، وتهمزها ... وتترك الهمز إن شئت وهو أكثر كلام العرب" (1) . ويعزو أبو العبَّاس ثعلبَّ ت (291 هـ) إلى الكسائي أنَّهم "إنَّما تركوا الهمز (في أَرَأَيْتَكَ بمعنى أخبرني) ليفرِّقوا بينه، وبين رأي العين" (2) . وهذا القول فيه نظر؛ لأن سياق الكلام، وما يشتمل عليه من قرائن حالية، أو معنوية، أو لفظيّة سيفرِّق بين معاني "أَرَأَيْتَك"، خاصة أنَّ (أَرَأَيْتَكَ) التي بمعنى (أخبرني) الغالب فيها تحقيق الهمزة. والحقيقة أنَّ "أَرَأَيْتَكَ" بجميع معانيه، وفروعه يجوز فيه الهمز، وتركه أي أنَّه يجوز أن يقال: "أَرَأَيْتَكَ" بالهمز، و "أَرَيْتَكَ" بلا همز، وذلك مسموع من العرب.   (1) أبو زكريَّا يحيى بن زياد الفرَّاء، معاني القرآن، بيروت، عالم الكتب، ط3، 1983م، 1/333. (2) أبو العباس ثعلب، مجالس ثعلب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مصر، دار المعارف، 1949م، 1/260. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 304 فالمسألة لا تخص (أَرَأَيْتَك) بمعنى أخبرني فحسب. قال أبو العبَّاس ثعلب ت (291هـ) في أثناء حديثه عن "أَرَأَيْتَك": " ... وربما همزوه" (1) ويلحظ أنَّه هنا أطلق، ولم يخصِّص "أَرَأَيْتَك" التي بمعنى أخبرني هنا في حين أنه ورد في تهذيب اللغة قولٌ ينسب إلى أبي العبّاس ثعلب نصَّ فيه على ترك الهمز، وجوازه في "أَرَأَيْتَكَ" التي بمعنى "أخبرني"؛ إذ جاء ما نصُّه:" ... قال (أي ثعلب) : (أَرَأَيْتَكَ زيداً قائماً) ؟ إذا استخبر عن زيد تَرَكَ الهمز، ويجوز الهمز. وإذا استخبر عن حال المخاطب كان الهمز الاختيار، وجاز تركه كقولك: أَرَأَيْتَكَ نَفْسَكَ؟ أي ما حالك، ما أمرك؟ ويجوز أَرَيْتَكَ نَفْسَكَ" (2) . ونسب ابن جرير الطبري ت (310 هـ) إلى بعض نحويِّي الكوفة أنَّ أكثر الكلام في "أَرَأَيْتَك" هو ترك الهمز يقول:"وقال بعض نحويِّي الكوفة: أَرَأَيْتَكَ عمراً أكثر الكلام فيه ترك الهمز" (3) دون أن يخصِّص "أَرَأَيْتَكَ" التي بمعنى أخبرني. ومعنى هذا أنَّ لغتي تحقيق الهمز، وتركه تشمل باب "رأى" جميعه. ... ونسب ابن مجاهد ت (324 هـ) إلى الكسائي قراءة (أَرَأَيْتَ وفروعه) بحذف الهمزة في كلِّ القرآن (4) .   (1) السابق. (2) أبو منصور الأزهري، تهذيب اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، القاهرة، مكتبة الخانجي، ط1، 1976م، (رأى) 15/321. (3) ابن جرير الطبري، تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل أي القرآن) ، بيروت، دار الفكر، 1988م، م5/ ج7/ ص190. (4) ابن مجاهد، السبعة في القراءات، تحقيق شوقي ضيف، مصر، دار المعارف، ط2، 1980م، ص257. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 305 وممنِّ نسب هذه القراءة إلى الكسائي أيضاً: ابن مهران الأصبهاني ت (381 هـ) (1) ، وأبو زرعة ت (390 هـ) (2) ، ومكي بن أبي طالب ت (437هـ) (3) والفخر الرازي ت (604 هـ) (4) ، وأبو البقاء العكبري ت (616 هـ) (5) ، والدمياطي ت (1117هـ) (6) . وبيَّن أبو زرعة (390هـ) أنَّ حجة الكسائي في ذلك هي "إجماع العرب على ترك الهمزة في المستقبل في قولهم: "ترى ونرى" فَبنى الماضي على المستقبل مع زيادة الهمزة في أوّلها ... لأنَّ من شرطه إذا تقدمها همزة الاستفهام، فحينئذ يستثقل الجمع بينهما، وأخرى وهي أنَّها كتبت في المصاحف بغير ألف" (7) . وعزا أبو جعفر النحاس ت (338 هـ) هذه القراءة إلى عيسى بن عمر والكسائي، إذ يقول: "وقرأ عيسى بن عمر، والكسائي "قُلْ أَرَيْتَكُمْ" بحذف الهمزة الثانية" (8) .   (1) ابن مهران الأصبهاني، المبسوط في القراءات العشر، تحقيق سُبيع حمزة حاكمي، جدة، دار القبلة للثقافة الإسلامية، بيروت، مؤسسة علوم القرآن، ط1، 1988م، ص168. (2) أبو زرعة عبد الرحمن بن زنجلة، حجّة القراءات، تحقيق سعيد الأفغاني، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط4، 1984م، ص 250. (3) مكي بن أبي طالب القيسي، الكشف عن وجوه القراءات السبع وحججها، تحقيق محيي الدين رمضان، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط4، 1978م، 1/431. (4) الفخر الرازي، نفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب، بيروت، دار الفكر، 1990م، 12/234. (5) أبو البقاء العكبري، التبيان في إعراب القرآن، تحقيق علي محمد البجاوي، مصر، عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1976م، 1/494. (6) أحمد بن عبد الغني الدمياطي، إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر، بيروت، دار الندوة الجديدة، (بلا تاريخ) ، ص 56 (7) أبو زرعة، حجة القراءات، ص 250. (8) أبو جعفر النحاس، إعراب القرآن، تحقيق زهير غازي زاهد، مصر، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، ط2، 1985م، 2/66. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 306 وعقَّب على ذلك بقوله: "وهذا بعيدٌ في العربية، وإنَّما يجوز في الشعر" (1) . ويبدو أنَّ حذف الهمزة من " أَرَأَيْتَكَ " ليس مطرداً في القياس؛ إذ التخفيف القياسي جعلها بَيْنَ بَيْنَ دون حذفها، أو قلبها. ومِمَّن نسب أيضاً قراءة حذف الهمزة في " أرَيْتَكُمْ" إلى عيسى بن عمر، والكسائي - أبوعبد الله القرطبي ت (671 هـ) (2) . والفخر الرازي ت (604 هـ) الذي استحسن هذه القراءة فقال: "والكسائي ترك الهمزة في كل القرآن .... وأمَّا مذهب الكسائي فحسن، وبه قرأ عيسى بن عمر، وهو كثير في الشعر، وقد تكلمت العرب في مثله بحذف الهمزة للتخفيف كما قالوا: وسَلْهُ، وكما أنشد أحمد بن يحيى، وَإِنْ لَمْ أُقَاتِلْ فَأَلْبِسُونِي بُرْقٌعا (3) بحذف الهمزة أراد: فَأَلْبِسُونِي بإثبات الهمزة" (4) .   (1) السابق. (2) أبو عبد الله القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1988م، 3/6/272. (3) لم أهتد إلى قائله. ... انظر في الشاهد: ابن جني، الخصائص، تحقيق: محمد علي النجار، بيروت، دار الكتاب العربي، (د. ت) ، 3/151، والقرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 5/10، والسمين الحلبي، الدرُّ المصون في علوم الكتاب المكنون، تحقيق أحمد محمد الخراط، دمشق، دار العلم، ط1، 1987م، 4/617، أبو حيَّان الأندلسي، البحر المحيط، بيروت، دار الفكر، ط2، 1983م، 3/206. (4) الفخر الرازي، تفسير الفخر الرازي، 12/ 234. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 307 ونسب الفارسي ت (377هـ) هذه القراءة إلى عيسى بن عمر فقط مبينّاً أنَّ حذف الهمزة في هذه القراءة ليس حذفاً قياسياً بل هو حذف غير قياسي للتخفيف، يقول: "فأمَّا قراءة عيسى (1) : "أَرَيْتُمْ" بحذف الهمزة فليس بتخفيف قياسي، ولكنَّه يحذف الهمزة حذفاً كما تحذف الحرف حذفاً للتخفيف، وإن لم يوجب القياس المطَّرد؛ ألا ترى أن الهمزة إنَّما تحذف على جهة القياس إذا كان ما قبلها ساكناً، فتلقى حركتها على الساكن (2) كما حكى سيبويه ت (180 هـ) عن عيسى أن أهل التخفيف يقرؤون (3) (( ( [النمل:25] وإذا كان الحذف القياسي في الهمزة إنَّما هو من الوجه الذي ذكرنا، ولم يكن ما قبل الهمزة من قوله "أَرَيْتُم" ساكناً ثبت أنَّ حذفها ليس على القياس" (4) . ومثل حذف الهمزة هنا ما ذكره الخليل بن أحمد ت (175 هـ) من أنَّ "لن" أصلها "لا أَنْ" فحذفت الهمزة استخفافاً، ثم حذفت الألف من "لا" للتخلص من التقاء الساكنين. (5) وأشار العكبري ت (616 هـ) إلى القراءة بحذف الهمزة، وأوضح أنَّ "طريق ذلك أن تُقْلَبَ ياء، وتسكَّن، ثم تحذف لالتقاء الساكنين". (6) وبيَّن السمين الحلبي ت (756 هـ) ثلاث طرق لحذف الهمزة من" أَرَأَيْتَ ":   (1) وهي قراءة الكسائي أيضاً انظر ابن مجاهد، السبعة، ص 257، ومكي بن أبي طالب، الكشف، 1/43، وابن الجزري، النشر في القراءات العشر، تصحيح على محمد الصنَّاع، بيروت، دار الكتب العلمية، (بلا تاريخ) ، 1/397-398، وأبو حيَّان، البحر المحيط، 4/125. (2) أبو علي الفارسي، المسائل الحلبيات، تحقيق حسن هنداوي، دمشق، دار القلم، بيروت، دار المنارة، ط1، 1987م، ص 43. (3) سيبويه، الكتاب، مصر، المطبعة الكبرى الأميريَّة (بولاق) ، 1316هـ، 2/165. (4) أبو علي الفارسي، المسائل الحلبيات، ص 43. (5) سيبويه، الكتاب (طبعة بولاق) ، 1/407. (6) أبو البقاء العكبري، التبيان في إعراب القرآن، 1/494. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 308 الأول: أنها حُذفت مباشرة دون إبدال؛ وذلك لاستثقال الجمع بين همزتين، ولأنَّه حصل بها الثقل، ولثبوت حذفها في المضارع. والثاني: أنها أُبدلت ألفاً، ثم حُذِفت؛ لالتقاء الساكنين. والثالث: أنها أبدلت ياء، ثم حُذِفت؛ لالتقاء الساكنين كذلك (1) والأول عنده هو الظاهر. وحذف الهمزة في "أَرَأَيْتَ" وفروعه له صلة كما يبدو بحذف الهمزة في مضارعه "أَرَى"، وترَى، ونَرَى، ويَرَى، ونحو ذلك. يقول الخليل ت (175هـ) : "واعلم أنَّ ناساً من العرب لمّا رأوا همزة "يرى" محذوفة في كل حالاتها حذفوها أيضاً من "رأى" في الماضي، وهم الذين يقولون: "رَيْتُ" (2) . وقراءة " أَرَيْتَ" بحذف الهمزة ليست بالاختيار عند الزمخشري ت (538 هـ) "لأنَّ حذفها مختصٌّ بالمضارع ولم يصحَّ عن العرب "رَيْتَ" ولكن الذي سَهَّلَ من أمرها وقوع حرف الاستفهام في أول الكلام" (3) . وأرى أنَّ اختيار الزمخشري قراءة معيَّنة، وتركه أخرى، أو تفضيله قراءة على أخرى فيه نظر؛ إذ لا تفاضل بين القراءات المتواترة، فالقراءة سُنَّة مُتَّبعة. والذي يظهر لي أنَّه لو قال: ولغة " أَرَيْتَ" بحذف الهمزة ليست بالاختيار لكان ذلك أولى؛ خاصة أنَّه نصَّ على أنَّ حذفٍ الهمزة في هذه القراءة غير قياسي، إذ يقول: " (أَرَيْتُمْ) بحذف الهمزة ليس بحذفٍ قياسّي". (4) وقول الزمخشري: "ولم يصحّ عن العرب "رَيْتَ" في نصّه السابق - فيه نظر؛ إذ ذكر الخليل أنَّ "بعض العرب تقول: رَيْتَ بمعنى "رَأَيْتَ" (5) ومن حفظ حجَّة على من لم يحفظ كما هو مشهور.   (1) السمين الحلبي، الدر المصون، 4/617. (2) الخليل بن أحمد، العين، تحقيق مهدي المخومي وإبراهيم السامرائي، بيروت، منشورات، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 8/310. (3) أبو القاسم الزمخشري، الكشاف، الرياض، مكتبة المعارف، بيروت، دار المعرفة، (د. ت) ، 4/236. (4) السابق. (5) الخليل بن أحمد، العين، 8/307. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 309 التحقيق والتخفيف والإبدال: قال الفارسي ت (377هـ) : "وفي الهمزة التي هي عين الفعل من "رَأَى" ضربان من اللفظ: التحقيق، والتخفيف. فالتحقيق أن تخرجها نبرة لا تنحو بها نحو حرف من حروف اللين. والتخفيف أن تجعل الهمزة بين الهمزة، وبين الحرف الذي حركتها منه، فإذا خُفِّفت التي في "رَأَى" جُعِلت بين الهمزة، والألف فقلت: "رَاى" (1) . وقد اختلف القُرَّاء في تحقيق الهمز، وتخفيفه، وإثبات الألف من غير همز في "أَرَأَيْتَكَ "، و"أَرَأَيْتَكُمْ" و "أَرَأَيْتَ " وفروعه في القرآن الكريم. إذ نسب ابن مجاهد ت (324 هـ) إلى ابن كثير، وعاصم، وأبي عمرو، وابن عامر، وحمزة قراءة "أَرَأَيْتَكَ"، و "أَرَأَيْتَكُمْ" و "أَرَأَيْتَ "، وفروعه في كلِّ القرآن بالهمز (2) ، أي بتحقيق الهمز. ونبّه على قراءة تحقيق الهمز كثيرون منهم: الأزهري ت (370هـ) (3) ، وابن مهران ت (381 هـ) (4) ، وأبو زرعة ت (390 هـ) (5) ؛ إذ يقول مبينّاً حجَّة من قرأ بالهمز: "وقرأ الباقون: "أَرَأَيْتَكُمْ" و"أَرَأَيْتُم" بالهمزة، وحُجِّتهم أنَهم لم يختلفوا فيما كان من غير استفهام، فكذلك إذا دخل حرف الاستفهام فالحرف على أصله " (6) يريد أنَّ الهمزة حُقِّقَت على الأصل؛ لأنَّ أصل الحرف مهموز؛ فالهمزة عين الفعل.   (1) أبو علي الفارسي، المسائل الحلبيات، ص 42. (2) ابن مجاهد، السبعة في القراءات، ص257. (3) أبو منصور الأزهري، معاني القراءات، تحقيق عيد مصطفى درويش، وعوض بن حمد القوزي، مصر، دار المعارف، ط1، 1991م، 1/353. (4) ابن مهران الأصبهاني، المبسوط في القراءات العشر، ص168. (5) أبو زرعة، حجّة القراءات، ص 250. (6) السابق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 310 وممن أشار أيضاً إلى قراءة تحقيق الهمز مكي بن أبي طالب القيسي ت (437هـ) غير أنَّه ذكر أنَّ حمزة إذا وقف سهَّل الهمزة، وجعلها بين الهمزة، والألف (1) . وممن نبَّه على هذه القراءة الفخر الرازي ت (604هـ) (2) ، وأبوالبقاء العكبري ت (616هـ) (3) . وعزا ابن مجاهد إلى نافع أنَّه قرأ " أَرَيْتَكَ "، و "أَرَيْتَكُمْ"، و"أَرَيْتَ " وأشباه ذلك من غير همز، والألف على مقدار ذوق الهمز أي أنَّه يسهِّل الهمزة، ويذيقها الهمزة، أو يُشِمُّها الهمزة قليلاً بحيث يجعلها بين الهمزة، والألف (4) . أي أنه يقرأ كلّ هذا في القرآن بألف في تقدير الهمز، ولا يهمز؛ من أجل تخفيف الهمز كما يبدو ونسب ابن مهران ت (381هـ) هذه القراءة إلى أبي جعفر أيضاً (5) .   (1) مكي بن أبي طالب القيسي، التبصرة في القراءات، تحقيق محيي الدين رمضان، الكويت، معهد المخطوطات العربية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ط1، 1985م، ص192. (2) الفخر الرازي، نفسير الفخر الرازي، ص 12/234. (3) أبو البقاء العكبري، التبيان في إعراب القرآن، 1/494. (4) ابن مجاهد، السبعة في القراءات، ص257. (5) ابن مهران الأصبهاني، المبسوط في القراءات العشر، ص168. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 311 والمراد بتخفيف الهمزة هنا "جعلها بين الهمزة، والألف على التخفيف القياسي" (1) على حدَّ قول الفخر الرازي وهو ما عبَّر عنه أبو البقاء العكبري ت (616هـ) بقوله: "وتُلَيَّنُ (أي الهمزة) للتخفيف" (2) ، والقراءة بتخفيف الهمزة أو تسهيلها بَيْنَ بَيْنَ وهي قراءة نافع أشار إليها أبو جعفر النحاس ت (338هـ) (3) ، ومكي بن أبي طالب ت (437هـ) (4) ، والفخر الرازي ت (604هـ) (5) ، وغيرهم. ونبّه أبو جعفر النحاس على أنَّ أبا عبيد حكى عن نافع أنَّه يُسْقِط الهمزة، ويُعَوِّض منها ألفاً هكذا "أَرَايْتَكُمْ" (6) . واعترض النحاس على ذلك قائلاً:"وهذا عند أهل اللغة غلط عليه؛ لأنَّ الياء ساكنة، والألف ساكنة، ولا يجتمع ساكنان" (7) . على أنَّ أبا زرعة ت (390 هـ) يحتج لقراءة نافع هذه ب: "أنَّه كره أن يجمع بين همزتين" (8) . ونسب الدمياطي ت (1117 هـ) قراءة "أَرَأَيْتَ"، وفروعه بالتسهيل بَيْنَ بَيْنَ إلى قالون، وورش من طريق الأصبهاني، وكذا أبو جعفر. يقول الدمياطي: "السادس: مفتوحة (أي الهمزة) بعد فتح، فقرأ قالون، وورش من طريق الأصبهاني، وكذا أبو جعفر بالتسهيل بَيْنَ بَيْنَ في (أَرَأَيْتَ) حيث وقع بعد همزة الاستفهام نحو أَرَأَيْتُم، أَرَأَيْتَكُمْ، أَرَأَيْتَ، أَفَرَأَيْتَ" (9) .   (1) الفخر الرازي، تفسير الفخر الرازي، 12/234. (2) أبو البقاء العكبري، التبيان في إعراب القرآن، 1/494. (3) أبو جعفر النحاس، إعراب القرآن، 2/66. (4) مكي بن أبي طالب القيسي، التبصرة في القراءات، ص192، والكشف عن وجوه القراءات السبع وحججها، له، 1/431. (5) الفخر الرازي، تفسير الفخر الرازي، 12/234. (6) أبو جعفر النحاس، إعراب القرآن، 2/66. (7) السابق. (8) أبو زرعة، حجّة القراءات، ص250 (9) أحمد بن عبد الغني الدمياطي، إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر، ص 56. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 312 وتسهيل الهمزة بَيْنَ بَيْنَ أشهر من إبدالها ألفاً خالصة. وعليه الجمهور وهو الأقيس ذكر ذلك الدمياطي (1) . وإبدال الهمزة ألفاً خالصة تروى عن الأزرق، قال ابن الجزري ت (833 هـ) في أثناء حديثه عن قراءة تسهيل الهمزة بَيْنَ بَيْنَ في "رأيت" إذا وقع بعد همزة الاستفهام: "واختلف عن الأزرق عن ورش في كيفية تسهيلها فروى عن بعضهم إبدالها ألفاً خالصة، وإذا أبدلها مدَّ لالتقاء الساكنين مدًّا مشبعاً". (2) أي بمد الصوت عند النطق بالألف. وممن أشار إلى ذلك الدمياطي (3) . وإبدال الهمزة ألفاً في " أَرَأَيْتَ"، وما زيد عليه "أجرى في الرواية" (4) كما يقول مكي بن أبي طالب ت (437 هـ) رادَّا ذلك إلى أنَّ "النقل، والمشافهة إنما هو بالمدَّ عنه (أي عن ورش) وتمكين المد إنما يكون مع البدل" (5) . على أنَّه يذكر أنَّ جعل الهمزة الثانية " بَيْنَ بَيْنَ أقيس على أصول العربية" (6) مستدركاً أنَّ المدّ لا يكون مشبعاً كالبدل (7) .   (1) السابق. (2) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر، 1/398. (3) الدمياطي، إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر، ص 56. (4) مكي بن أبي طالب القيسي، التبصرة في القراءات، ص 192. ... قال مكي بن أبي طالب: "قيل عن ورش إنَّه يبدلها ألفاً وهو أجرى في الرواية "التبصرة في القراءات، ص 192. (5) السابق، وانظر الكشف عن وجوه القراءات السبع له، 1/431. (6) مكي بن أبي طالب القيسي، التبصرة في القراءات، ص 192، وانظر الكشف عن وجوه القراءات السبع له، 1/431. (7) مكي بن أبي طالب القيسي، التبصرة في القراءات، ص 192. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 313 ونجده يشير إلى مسوّغ لجواز البدل في الهمزة، فيقول: "وحَسَّنَ جواز البدل في الهمزة، وبعدها ساكن أنَّ الأول حرف مدّ ولين، فالمدُّ الذي يحدث مع الساكن يقوم مقام حركة يتوصل بها إلى النطق بالساكن الثاني" (1) . وقوله هذا فيه تأكيد للقول بأنَّ الألف حركة مضاعفة، فلا بأس من اعتبارها حركة قبل ساكن. ويبدو أنَّ من قرأ " أَرَايْتَكَ " وفروعه بإبدال الهمزة ألفا يشبع المدّ، لالتقاء الساكنين. وبذلك يتبين أنَّ إبدال الهمزة ألفاً في " أَرَأَيْتَ " رواية صحيحة؛ إذ هو مسموع من العرب وقد حكاه قطرب، وغيره كما في النشر (2) . ويذكر الدمياطي ت (1117هـ) أنه إذا "وقف للأزرق في وجه البدل عليه على نحو أَرَأَيْتَ ... تعيَّن التسهيل بَيْنَ بَيْنَ لئلا يجتمع ثلاث سواكن ظواهر ولا وجود له في كلام عربي" (3) . وعلى الرغم من أنَّ الأصل تحقيق الهمزة التي هي عين الفعل من "أَرَأَيْتَ"، وما شابهه فإنَّه يغلب على ظني أنَّ لغة تسهيل همزة " أَرَأَيْتَ" بَيْنَ بَيْنَ، أو حذفها له ما يسوِّغه وفقاً لقانون الجهد الأقل في الاستعمال اللغوي فالكلمة إذا كثر استعمالها كما هو مشهور اعتراها بعض التغيير، أو الحذف، وذلك؛ لأنَّ كلمة " أَرَأَيْتَ" قد اجتمع فيها همزتان مفتوحتان بينهما حرفٌ مفتوحٌ أيضاً، وهذا أمر مستثقل، ويزيد ذلك ثقلاً اجتماع هاتين الهمزتين في الفعل مع اتصاله بضمير الفاعل، فكان لا بدَّ من تخفيف الهمزة بتسهيلها بين الهمزة، والألف، أو حذفها طلباً للتخفيف ولم يمتنع تخفيف الهمزة بَيْنَ بَيْنَ مع أنَّ ما بعدها ساكن؛ لأنَّها في زنة المخفَّفة المتحركة.   (1) مكي بن أبي طالب القيسي، الكشف عن وجوه القراءات السبع، 1/431. (2) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر، 1/398. (3) الدمياطي، إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر، ص 56. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 314 أمَّا حذف الهمزة هنا فليس له ضابط، ولا عِلَّة، ولكن لكثرة الاستعمال كراهة التكرير، والثقل. قال مكي بن أبي طالب ت (437 هـ) : "فإن قيل: فما بال الهمزة كُرِهَ فيها التكرير، واستُثْقِل ... فالجواب أنَّ الهمزة ... حرف بعيد المخرج جَلْد صعب على اللافظ ... مع ما فيها من الجهر والقوة ولذلك استعملت العرب في الهمزة ... التحقيق، والتخفيف، وإلقاء حركتها على ما قبلها، وإبدالها بغيرها من الحروف، وحذفها في مواضعها وذلك كله؛ لاستثقالهم لها ... فإذا انضاف إلى ذلك تكريرها كان أثقل كثيراً عليهم، فاستعملوا في تكرير الهمزة من كلمتين التخفيف للأولى، والتخفيف للثانية، والحذف للثانية والحذف للأولى، وبعضهم يحققهما جميعاً، إذ الأولى كالمنفصلة من الثانية، إذ هي من كلمة أخرى" (1) . ومما تجدر الإشارة إليه أنَّه امتنع حذف الهمزة الأولى التي هي همزة الاستفهام في "أَرَأَيْتَكَ"، لأنَّ حذفها يخلُّ بالمعنى. يتبينُ مما سبق أنَّ هناك أربع لغات في الهمزة من " أَرَأَيْتَ " وفروعه وهي: 1 - تحقيق الهمز، 2 - تسهيله بَيْنَ بَيْنَ، 3 - إبداله ألفاً، 4 - حذفه. والشواهد الشعرية ل "رأى" بتصاريفها كثيرة في المظانِّ اللغوية، والأدبية بيد أنني سأقتصر على إيراد شواهد " أَرَأَيْتَ" وفروعه، لأنَّ هذا البحث خاص به وقد كشف جمعي لشواهد هذا الباب أنَّ ما جاء منه من الشواهد الشعرية صيغتان هما: ... " أَرَيْتَ "، و "أَرَيْتَكَ" بلا همز. ... قال الراجز: أَرَيْتَ إنْ جَاءَتْ به أُمْلُودا مُرَجَّلاً ويلْبسُ البُرُودا (2)   (1) مكي بن أبي طالب القيسي، الكشف عن وجوه القراءات السبع، 1/72. (2) الشاهد في ملحقات ديوان رؤبة بن العجاج، تصحيح وليم بن الورد البرُوسيّ، مراجعة لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة، بيروت، منشورات دار الآفاق الجديدة، ط2، 1980م، ص 173. ... والشاهد بلا نسبة في الفارسي، المسائل الحلبيات، ص 46، وابن جني، الخصائص، 1/136، والسمين الحلبي، الدر المصون، 4/616، 626، وابن منظور، لسان العرب إعداد يوسف خياط، بيروت، دار لسان العرب، (د. ت) ، (رأى) ، 1/1093 وهو منسوب في خزانة الأدب إلى رجل من هذيل. البغدادي، خزانة الأدب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، القاهرة، مكتبة الخانجي، الرياض، دار الرفاعي، ط1، 1983م، 11/420، الشاهد رقم (950) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 315 أَقَائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودا ... وعدَّ الفارسي ت (377 هـ) قلب الهمزة هنا ضرورة ذاكراً أنه ليس سائغاً مطرداً، وإنْ سُمِعَ في بعض الأشعار (1) . ... وقال أبو الأسود الدؤلي: أَرَيْتَ أمْرَأً كُنْتُ لم أَبْلُهُ ... أَتَانِي فَقَالَ اتَّخِذْنِي خليلاً (2) ... ومنه قوله: ... أَرَيْتَ إِنْ أُعْطِْيْتَ هَيْداً هَيْدَباً (3) ... وقوله: أَرَيْتَ إِذَا جَالَتْ بِكَ الخَيْلُ جَوْلَةً ... وَأَنْتَ على بِرْذَوْنَةٍ غَيْرِ طَائِلِ (4) ... ومن شواهد حذف الهمز في " أَرَأَيْتَكَ " قول الشاعر:   (1) أبو علي الفارسي، المسائل العسكرية، تحقيق محمد الشاطر أحمد محمد، مصر، مطبعة المدني، ط1، 1982م، ص 140، 141. (2) الشاهد لأبي الأسود الدؤلي، ديوانه، تحقيق محمد حسن آل ياسين، بغداد، مكتبة النهضة، 1964م، ص 122 وفي الجوهري، الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، بيروت، دار العلم للملايين، ط3، 1984م، (رأى) ، 6/2348، والسمين الحلبي، الدرَّ المصون، 4/617، وابن منظور، لسان العرب (بيروت) ، (رأى) ، 1/1093، والأزهري، تهذيب اللغة، (رأى) ، 15/320. (3) لم أهتد إلى قائله. ... والشاهد بلا نسبة في الفرَّاء، معاني القرآن، 1/4، والفارسي، المسائل الحلبيات، ص 47، وابن منظور، لسان العرب، (بيروت) ، (هيد) ، 3/854. ... والهيد الهيدب: ثديُ المرأة وَرَكْبُها إذا كان مسترخياً، ابن منظور، لسان العرب (بيروت) ، (هدب) ، 3/780. (4) لم أقف على قائله. والشاهد بلا نسبة في الجاحظ، الحيوان، تحقيق عبد السلام محمد هارون، بيروت، دار إحياء التراث العربي، المجمع العلمي العربي الإسلامي، (د. ت) ، 2/285، ابن يعيش، شرح المفصَّل، بيروت، عالم الكتب، القاهرة، مكتبة المتنبي (د. ت) ، 5/98، وابن منظور، لسان العرب (بيروت) ، (رأي) ، 1/1093. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 316 أَرَيْتَكَ إنْ مَنَعْتَ كَلاَمَ لَيْلى ... أتَمْنَعُِني عَلَى لَيْلَى البُكْاءَ (1) وقول عمر بن أبي ربيعه: أَرَيْتَكَ إذْ هُنَّا عَلَيْكَ أَلَمْ تَخَفْ ... رَقِيْباً وَحَوْلي مِنْ عَدُوِّك حُضَّرُ (2) المبحث الثاني: المستوى الصرفي اختلف النحويون في "التاء" و "الكاف" في "أَرَأَيْتَكَ" وفروعه فذهب سيبويه ت (180هـ) إلى أنَّ "الكاف" التي تلحق "أَرَأَيْتَ " حرفُ خطابٍ يفيد التوكيد والاختصاص وليست ضميراً. و "التاء" هي علامة المضمر المخاطب المرفوع مستدلاً بقول العرب:"أَرَأَيْتَكَ فلاناً ما حاله؟ "؛ يقول: (وإنَّما جاءت هذه الكاف توكيداً وتخصيصاً ... وممَّا يدلُّك على أنَّه ليس باسم قول العرب: أَرَأَيْتَكَ فلاناً ما حالُه؟ فالتاء علامة المضمر المخاطب المرفوع، ولو لم تُلْحِق الكاف كنت مُسْتَغْنياً ... فإنَّما جاءت الكاف في "أَرَأَيْتَ " ... توكيداً، وما يجيء في الكلام توكيداً لو طُرِح كان مستغنىً عنه كثير.. والمعنى في التوكيد والاختصاص بمنزلة الكاف التي في "رُوَيْدَ" وما أشبهها" (3) .   (1) انظر في الشاهد بلا نسبة: الجوهري، الصحاح، (رأى) ، 6/2348. ... وانظره منسوباً لركاض بن أباق الدُبيري في ابن منظور، لسان العرب (بيروت) ، (رأى) ، 1/1093. (2) ديوان عمر بن أبي ربيعه، بيروت، دار القلم للطباعة والنشر (د. ت) ، ص 96. ... وانظر في الشاهد بلا نسبة السمين الحلبي، الدر المصون، 4/616. (3) سيبويه الكتاب (طبعة بولاق) ، 1/124، 125. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 317 فيفهم من قول سيبويه أنَّ "التاء" في "أَرَأَيْتَ " هي ضمير الفاعل، وأنَّ "الكاف" حرف خطاب زائد لا موضع له يجوز إثباته، وحذفه غير أنَّ إثباته يفيد التوكيد، والاختصاص أي أنَّ الكاف حرف يدل على اختلاف المخاطب، والتاء مفردة مفتوحة دائماً. ومذهب سيبويه هذا هو مذهب البصريين (1) عامة ممن حذوا حذوه وهم أبو الحسن الأخفش ت (215 هـ) (2) ، وأبو العبَّاس المبرّد ت (286 هـ) (3) ، وأبوإسحاق الزجَّاج ت (311 هـ) (4) ، وأبوجعفر النحاس ت (338 هـ) (5) ، وأبوعلي الفارسي ت (377 هـ) (6) ، وابن جني ت (392هـ) (7)   (1) نص بعض العلماء على أنَّ هذا المذهب هو مذهب البصريين قال أبو حيَّان:"ومذهب البصريين أنَّ التاء هي الفاعل (يريد في "أَرَأَيْتَكم") وما لحقها حرف يدل على اختلاف المخاطب وأغنى اختلافه عن اختلاف التاء" أبو حيان الأندلسي، البحر المحيط 4/125، ارتشاف الضرب من لسان العرب، تحقيق مصطفى أحمد النماس، جدة، دار المدني، ط1، 1984م، 1/510، وممن عزاه إلى البصريين السمين الحلبي، الدرَ المصون، 4/618، 619، وجلال الدين السيوطي، همع الهوامع، تحقيق عبد العال سالم مكرم، وعبد السلام محمد هارون، الكويت، دار البحوث العلمية، 1975م، 1/265، سليمان الجمل، الفتوحات الإلهية، بيروت، دار إحياء التراث العربي، (د. ت) ، 2/27. (2) الأخفش سعيد بن مسعدة (الأوسط) ، معاني القرآن، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد، بيروت، عالم الكتب، ط1، 1985م، 2/488، 489. (3) أبو العباس المبرّد، المقتضب، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، بيروت، عالم الكتب، (د. ت) ، 3/209، 210، 1/40، 3/277. (4) أبو إسحاق الزجاج، معاني القرآن وإعرابه، تحقيق عبد الجليل عبده شلبي، بيروت، عالم الكتب، ط1، 1988م، 2/270، 271، 3/249. (5) أبو جعفر النحاس، إعراب القرآن، 2/66، 432. (6) أبو علي الفارسي، المسائل الحلبيات، ص75. (7) ابن جني، سرّ صناعة الإعراب، تحقيق حسن هنداوي، دمشق، دار القلم، ط1، 1985م، 1/309. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 318 ، وأبوالقاسم الزمخشري ت (538 هـ) (1) ، وأبو البقاء العكبري ت (616 هـ) (2) ، وابن يعيش ت (643 هـ) (3) ،وابن مالك ت (672 هـ) (4) ، وابن هشام ت (761 هـ) (5) ، والصبان ت (1206 هـ) (6) . ويعلِّل المبرّد ذلك بأنَّ: " ... (الكاف) لو كانت اسماً استحال أن تُعَدِّي "رأيت" إلى مفعولين الأول هو الثاني، والثاني هو الأول (7) . ويؤكد ابن جنيَّ أنَّ الكاف في "أَرَأَيْتَك" حرفُ خطابٍ لا موضع لها من الإعراب وأنَّ "زيداً" في تركيب "أَرَأَيْتَكَ زيداً ما صنع" هو المفعول الأول، "وما صنع" هو المفعول الثاني، حيث يقول: "وأمَّا قولهم "أَرَأَيْتَكَ زيداً ما صنع؟ "فإنَّما الكاف هنا أيضاً للخطاب ... ولا يجوز أن تكون اسماً، لأنَّ "زيداً" هو المفعول الأوَّل، "وما صنع" في موضع المفعول الثاني؛ فالكاف إذن لا موضع لها من الإعراب" (8) .   (1) الزمخشري، الكشاف، 2/13، 366. (2) أبو البقاء العكبري، التبيان في إعراب القرآن، 1/495. (3) ابن يعيش، شرح المفصَّل، 3/134. (4) ابن مالك، شرح التسهيل، تحقيق عبد الرحمن السيَّد ومحمد بدوي المختون، مصر، هجر للطباعة والنشر، ط1، 1990م، 1/247. (5) ابن هشام الأنصاري، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، مراجعة سعيد الأفغاني، بيروت، دار الفكر، ط5، 1979م، ص240. (6) الصبان، حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، مصر، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، (د. ت) ، 1/140. (7) أبو العباس المبرد، المقتضب، 3/277. (8) ابن جني، سرّ صناعة الإعراب، 1/311، وانظر 1/309. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 319 ويستدلُّ أبو البقاء العكبري ت (616 هـ) على أنَّ "الكاف" في "أَرَأَيْتَك" حرفُ خطاب جيء به للتأكيد، وليست اسماً ب "أنَّها لو كانت اسماً لكانت إمَّا مجرورة وهو باطل؛ إذ لا جارَّ هنا، أو مرفوعة وهو باطل أيضاً؛ لأمرين: أحدهما أنَّ الكاف ليست من ضمائر المرفوع، والثاني: أنه لا رافع لها؛ إذ ليست فاعلاً؛ لأنَّ التاء فاعل، ولا يكون لفعلٍ واحد فاعلان. وإمَّا أن تكون منصوبة وذلك باطلٌ لثلاثة أوجه: أحدها: أنَّ هذا الفعل يتعَّدى إلى المفعولين كقولك: أَرَأَيْتَ زيدا ما فعل، فلو جعلت الكاف مفعولاً لكان ثالثاً، والثاني أنَّه لو كان مفعولاً لكان هو الفاعل في المعنى، وليس المعنى على ذلك؛ إذ ليس الغرض أَرَأَيْتَ نَفْسَكَ، بل أَرَأَيْتَ غَيْرَكَ، ولذلك قلت: أَرَأَيْتَكَ زيداً، و (زيدٌ) غير المخاطب، ولا هو بدل منه، والثالث: أنَّه لو كان منصوباً على أنه مفعول لظهرت علامة التثنية، والجمع، والتأنيث في التاء فكنت تقول: أَرَأَيْتُماكُما، وأَرَأَيْتُمُوكُم، وَأَرَأْيتُنَّكُنَّ" (1) . أمَّا الكسائيَّ ت (189هـ) فيرى أنَّ الكاف في "أَرَأَيْتَك" في موضع نصب (2) . ويقول أبو حيان (745هـ) : "ومذهب الكسائي أنَّ الفاعل هو التاء وأنَّ أداة الخطاب اللاحقة في موضع المفعول الأول " (3) .   (1) العكبري، التبيان في إعراب القرآن، 1/495. (2) أبو العباس ثعلب، مجالس ثعلب، 1/260. (3) أبو حيَّان، البحر المحيط، 4/125، وانظر ارتشاف الضرب له، 1/510 وممن عزا هذا المذهب إلى الكسائي أيضاً: السمين الحلبي، وابن هشام، والسيوطي، والجمل، والألوسي. انظر السمين الحلبي، الدر المصون، 4/619، وابن هشام، مغني اللبيب، ص 240، السيوطي، همع الهوامع، 1/266، الجمل، الفتوحات الإلهية، 2/27، الألوسي، روح المعاني، بيروت، إدارة الطباعة المنيرية، دار إحياء التراث العربي، ط43، 1985م، 7/149. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 320 فالكاف عند الكسائي "في موضع نصب كأنَّ الأصل: أَرَأَيْتَ نفسك على غير هذه الحال ... فهذا يثنَّى ويجمع ويؤنَّث فيقال: أَرَأَيْتُماكُما، وأَرَأَيْتُمُوكُم، وأَرَأَيْتُنَّ كُنَّ، أوقع فعله على نفسه، وسأله عنها، ثم كثر به الكلام حتى تركوا التاء موحّدة للتذكير، والتأنيث، والتثنية، والجمع؛ فقالوا "أَرَأَيْتَكُمْ زيداً ما صنع، وَأَرَأَيْتَكُنَّ زيداً ما صنع، فوجَّدوا التاء، وثنّوا الكاف، وجمعوها، فجعلوها بدلاً من التاء" (1) . وقول الكسائي هذا قد اعترض عليه أبوعلي الفارسي ت (377 هـ) (2) ، وابن جني ت (392هـ) إذ يقول: " ... فذلك غلط من قِبَلِ أنَّ السؤال إنَّما هو عن زيد في صنيعه، ولست تسأل عن المخاطب ما صنع، وأيضاً فلو كانت الكاف هي المفعول الأول، وزيد هو المفعول الثاني لجاز أن تقتصر على زيد فتقول: أَرَأَيْتَكَ زيداً، كما تقول: ظننتك زيداً. فحاجة زيد إلى ما بعده تدلُّ على أنه هو المفعول الأول، وأنَّ ما بعده في موضع المفعول الثاني. وأيضاً فإنَّا نجد معنى: أَرَأَيْتَكَ زيداً ما صنع، وأَرَأَيْتَ زيداً ما صنع، واحداً فدلَّ هذا على أنَّ الكاف للخطاب، وليست مغيرّة شيئاً من الإعراب، وأيضاً فلو كانت (الكاف) هي المفعول الأوَّل، و (زيداً) هو المفعول الثاني لوجب أن تقول للمؤنث: أَرَأَيْتَكِ زيداً، فتكسر التاء كما تقول: ظَنَنْتِكِ قائمة ولوجب أن تقول للاثنين أَرَأَيْتُمَاكُما الزيدين، كما تقول: ظَنَنْتُمَاكُمَا قائمين، وكذلك في الجماعة المذكَّرة، والمؤنثة. فترك العرب هذا كلَّه، وإقرارهم التاء مفتوحة على كلِّ حال يدلُّ على أنَّ لها، وللكاف في هذا النحو مذهباً ليس لهما في غير هذا الوضع" (3) .   (1) ابن جرير الطبري، تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل أي القرآن) ،5/10/190، 191. (2) أبو علي الفارسي، المسائل العسكرية، ص139. (3) ابن جني، سر صناعة الإعراب، 1/311، 312. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 321 يتبين من قول ابن جني أنَّ الكاف حرفُ خطابٍ، ولا يمكن أن تكون مفعولاً أول للأسباب الآتية: أولاً: أنَّ السؤال في قولنا: "أَرَأَيْتَكَ زيداً ما صنع "إنَّما هو عن زيد، ثانياً: أنه لا يجوز الاقتصار على زيد في الجملة السابقة؛ لأنَّ الفائدة لا تتمُّ عنده. ثالثاً: أنَّ معنى الجملة السابقة، ومعنى "أَرَأَيْتَ زيداً ما صنع" واحد. رابعاً: ثبات التاء موحَّدة مفتوحة. ويذهب الفرَّاء ت (207 هـ) مذهباً مغايراً، فالكاف عنده ضمير نصب استُعير للرفع أي أنها في موضع الفاعل استُعيِرتْ ضمائر النصب للرفع؛ قال الفرَّاء: "وموضع الكاف نصب، وتأويله رفع" (1) . وينزل الكاف هنا منزلة الكاف في "دُوْنَكَ" في كونها مجرورة لفظاً مرفوعة معنى؛ فيقول: " ... كما أنَّك إذا قلت للرجل: دُوْنَكَ زيداً، وجدت الكاف في اللفظ خَفْضاً، وفي المعنى رفعاً؛ لأنَّها مأمورة" (2) . يريد أنَّ الكاف وإن كان لفظها لفظ المنصوب في نحو " أَرَأَيْتَكَ " إلا أنَّها مرفوعةُ المحلّ. "والتاء" عنده هي حرفُ الخطاب؛ يقول أبو حيَّان الأندلسي ت (745 هـ) : "ومذهب الفرَّاء أنَّ التاء هي حرف خطاب كهي في أنت، وأنَّ أداة الخطاب بعده هي في موضع الفاعل استُعيرت ضمائر النصب للرفع" (3) . ويبدو أن الفرَّاء ذهب هذا المذهب؛ لأن الفعل يتحوَّل عن التاء إلى الكاف. ويعترض الزجاج ت (311 هـ) على قول الفرَّاء هذا فيقول:"قال الفرَّاء لفظها لفظ نصب، وتأويلها تأويل رفع ... وهذا لم يَقُلْه من تقدَّم من النحويين، وهو خطأ" (4) .   (1) الفرَّاء، معاني القرآن، 1/333. (2) السابق. (3) أبو حيَّان الأندلسي، البحر المحيط، 4/125، 126، وارتشاف الضرب له، 1/510. وهذا مخالف لمذهب الفراء في هذا الضمير حيث إن جمهور النحويين هم الذين يرون أن "التاء" من "أنت"، حرف خطاب أما الفراء فيرى أن المجموع هو الضمير. (4) الزجَّاج، معاني القرآن وإعرابه، 2/246. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 322 ويعلِّل ذلك بقوله: "لأنَّ قولك: أَرَأَيْتَكَ زيداً ما شأنه تصير "أَرَأَيْتَ " قد تعدَّت إلى الكاف، وإلى زيد، فيصير ل "رَأَيْتَ" اسمان، فيصير المعنى أَرَأَيْتَ نَفْسَكَ زَيْداً ما حاله؟ وهذا محال" (1) . يُفهم من قول الزجَّاج أنَّ مردّ الخطأ في قول الفرَّاء هو أنَّ " أَرَأَيْتَ " يصير له فاعلان هما: التاء والكاف؛ لذا لم يقبله النحويون القدماء. وممَّن اعترض على قول الفرَّاء هنا أبو جعفر النحاس ت (338 هـ) ؛ إذ يقول: "هذا محال، ولكن الكاف لا موضع لها، وهي زائدة للتوكيد كما يقال: ذاك" (2) ، والزمخشري ت (538 هـ) إذ يقول: "تقول: أَرَأَيْتَكَ زيداً ما شأنه؟ فلو جعلت للكاف محلاً لكنت كأنك تقول: أَرَأَيْتَ نَفْسَكَ زيداً ما شأنه وهو خُلْفٌ من القول" (3) . وقد اعترض أبو علي الفارسي ت (377 هـ) على قول الفرَّاء ذاكراً أنَّ التاء هي الفاعل، لا الكاف، لامتناع وجود فاعلين لفعل واحد؛ يقول: "فالذي يُفْسِدُ قول من قال: إنه رَفْعٌ أنَّ التاء هي الفاعلة، وموضعها رفع ... فيمتنع إذن أن تكون الكاف مرفوعة لاستحالة كون فاعلين لفعل واحد في كلامهم على غير وجه الاشتراك لأحدهم بالآخر بغير حرف العطف؛ فهذا القول بعيد جداً" (4) .   (1) السابق. (2) النحاس، إعراب القرآن، 2/66، وانظر، 2/432. (3) الزمخشري، الكشاف، 2/13. (4) أبو علي الفارسي، المسائل العسكرية، ص 139. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 323 وممَّن اعترض على الفرَّاء: مكي بن أبي طالب ت (437 هـ) ، إذ يقول: "وقال الفرَّاء لفظها لفظ منصوب، ومعناها معنى مرفوع؛ وهذا محال؛ لأنَّ التاء هي الكاف في " أَرَأَيْتَكَ " فكان يجب أن تظهر علامة جمع في التاء، وكان يجب أن يكون فاعلان لفعل واحد، وهما لشيء واحد، ويجب أن يكون قولك " أَرَأَيْتَكَ زيداً ما صنع؟ " معناه: أَرَأَيْتَ نفسك زيداً ما صنع؟ لأنَّ الكاف هو المخاطب، وهذا الكلام محال في المعنى، ومتناقض في الإعراب، والمعنى؛ لأنك تستفهم عن نفسه في صدر السؤال، ثم ترد السؤال عن غيره في آخر الكلام، وتخاطب أولاً، ثم تأتي بغائب آخر؛ ولأنَّه يصير ثلاثة مفعولين ل (رأيت) ، وهذا كله لا يجوز" (1) . والراجح في المسألة ما ذهب إليه البصريون من عدِّ "الكاف" حرف خطاب، والتاء ضمير الفاعل؛ لأنَّه محكومٌ بفاعليّة "التاء" في غير هذا الفعل بإجماع، ولم يُعْهَدْ ذلك في الكاف، ثم إنَّ الكاف يُسْتَغْنى عنها بخلاف التاء فكانت التاء أولى بالفاعليَّة، والدليل على أنَّ الكاف يُسْتَغْنى عنها أنَّ معنى: أَرَأَيْتَكَ زيداً ما حاله، هو أَرَأَيْتَ زيداً ما حاله؟ ... ثم إنَّ الاسم الواقع بعد الكاف لما كان غير الكاف، فإنَّ هذا ليدل دلالة واضحة على أنها ليست المفعول الأول ل أَرَأَيْتَ لأنَّ هذا الفعل يتعدَّى إلى مفعولين الأول منهما هو الثاني في المعنى، فبهذا يكون الكاف حرفَ خطاب بمنزلة الكاف في: "ذَلِكَ"، و"هُنَالك"، و"رُوَيْدَكَ". أمَّا "التاء" في "أَرَأَيْتَكَ" فلا يجوز أن يكون للخطاب؛ لأنَّه لا يجوز أن يلحق الكلمة علامتان للخطاب.   (1) مكي بن أبي طالب القيسي، مشكل إعراب القرآن، 1/266، وممن ردّ مذهب الفراء: السمين الحلي، انظر السمين الحلبي، الدر المصون، 4/621. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 324 لذلك أفردت التاء في جميع الأحوال، وجعلت على لفظ واحد ثابت، وجُعل التغيُّر في الكاف، لَيدُلَّ على اختلاف أحوال الفاعل إفراداً وتثنية وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً. و"أَرَأَيْتَكَ" هذه تاؤها تكون موحَّدةً مفتوحةً دائماً للمفرد والمثنى والجمع مذكَّراً كان، أو مؤنَّثاً إن اتصلت بها الكاف في حين أنَّ الكاف تتغير بتغير المخاطب. قال الفرَّاء ت (207هـ) : " ... تقول: " أَرَأَيْتَكَ"، وتنصب التاء منها ... وتترك التاء موحَّدة مفتوحة للواحد، والواحدة، والجميع في مؤنَّثه ومذكَّره. فتقول للمرأة: أَرَايْتَكِ زيداً هل خرج؟ ، وللنسوة أَرَايْتَكُنَّ زيداً ما فعل؟ (1) . والفرَّاء يريد بقوله: "وتنصب التاء فيها": أي وتفتح التاء كما يبدو؛ لأنَّ التاء في " أَرَأَيْتَكَ " مبنيَّة على الفتح. ومِمَّن أشار أيضاً إلى فتح التاء في "أَرَايْتَكَِ" وفروعه، واختلاف الكاف باختلاف المخاطب أبو العبَّاس ثعلب ت (291 هـ) (2) . ويعلَّل بن جني ت (392 هـ) لزوم فتح التاء في "أَرَأَيْتَكَ"، وتغيُّر الكاف بعدها بتغير حال الفاعل بكَون التاء عُدَّت اسماً خالصاً، والكاف علامة الخطاب؛ يقول: "وإنما فُتِحَت التاء في كلَّ حال، واقتُصِر في علامة المخاطبين، وعددهم على ما بعد التاء في قولك للرجل: أَرَأَيْتَكَ زيداً ما صنَع؟ وللمرأة "أَرَأَيْتَكِ زيداً ما فَعَل؟ وأَرَأَيْتَكُما، وأَرَأَيْتَكُمْ، وأَرَأَيْتَكُنَّ بفتح التاء البتة؛ لأنها أُخْلِصَت اسماً، وجُعِلَتْ علامة الخطاب فيما بعد" (3) .   (1) الفرَّاء، معاني القرآن، 1/333. (2) أبو العبَّاس ثعلب، مجالس ثعلب، 1/259. (3) ابن جني، سرّ صناعة الإعراب، 1/312. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 325 ومما هو جدير بالإشارة إليه أنَّ بقاء التاء مفتوحة في " أَرَأَيْتَكَِ" بمعنى أخبرني أمرٌ جائز، لا واجب؛ قال أبو حيان ت (745 هـ) : "وإذا كانت بمعنى أخبرني جاز أن تختلف التاء باختلاف المخاطب، وجاز أن تتصل بها الكاف مشعرة باختلاف المخاطب، وتبقى التاء مفتوحة كحالها للواحد المذكَّر" (1) . ويرجع ابن الشجري ت (542 هـ) فتح التاء في "أَرَأَيْتَكُمْ" وهو لجماعة الذكور، وفي "أَرَأَيْتَكُنَّ" وهو لجماعة الإناث وفي "أَرَأَيْتَكُما" وهو للمثنى بنوعيه، و"أَرَأَيْتَكِ" وهو للمفرد المؤنث؛ لكون التذكير، والتوحيد هما الأصلين فالتذكير أصل للتأنيث، والتوحيد، أو الإفراد أصل للتثنية، والجمع؛ يقول: "وأمَّا فتح التاء في "أَرَأَيْتَكُمْ"، وأَرَأَيْتَكُما، وأَرَأَيْتَكِ يا هذه، وأَرَأَيْتَكُنَّ فقد علمت أنَّك إذا قلت: رَأَيْتَ يارجل فتحت التاء، وإذا قلت: رَأَيْتِ يا فلانة كسرتها، وإذا خاطبت اثنين، أو اثنتين، أو جماعة ذكوراً، أو إناثاً ضممتها فقلت: رَأيْتُما وَرَأيْتُم وَرَأيْتُنَّ. وقد ثبت، واستقرَّ أنَّ التذكير أصلٌ للتأنيث، وأنَّ التوحيد أصلٌ للتثنية، والجمع فلمَّا خَصُّوا الواحد المذكَّر المخاطب بفتح التاء، ثم جرّدوا التاء من الخطاب، فانفردت به الكاف في أَرَأَيْتَكَ، وأَرَأَيْتَكٍ يا زينب، والكاف، وما زيد عليها في أَرَأَيْتَكُما، وأَرَأَيْتَكُمْ، وأَرَأَيْتَكُنَّ ألزموا التاء الحركة الأصلية؛ وذلك لما ذكرته لك من كون الواحد أصلاً للاثنين، وللجماعة، وكون المذكر أصلاً للمؤنَّث" (2) . توحيد "التاء" في "أَرَأَيْتَكَ":   (1) أبو حيان، البحر المحيط، 4/125. (2) ابن الشجري، الأمالي الشجرية، بيروت، دار المعرفة، (د. ت) ، 1/299-300 (المجلس السابع والثلاثون) ، المسألة السادسة) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 326 ونحن نتساءل لِمَ لمْ يُثَنَّ الضمير الذي هو "التاء" في "أَرَأَيْتَكُما"، ولم يُجْمَعْ في "أَرَأَيْتَكُمْ" و "أَرَأَيْتَكُنَّ" (1) . ويردُّ الفرَّاء ت (207 هـ) توحيد التاء في "أَرَأَيْتَكَ" التي بمعنى أخبرني إلى أنَّ العرب "لم يريدوا أن يكون الفعل منها واقعاً على نفسها، فاكتفوا بذكرها في الكاف، ووجَّهُوا التاء إلى المذكَّر، والتوحيد؛ إذ لم يكن الفعل واقعاً" (2) . فالفرَّاء يذكر أنَّ توحيد التاء هنا ناشيء من أنَّه لا موضع لها، وأنَّ الموضع للكاف أي أنَّ الكاف قامت مقام التاء، فلذلك وحّدوها، وثنّوا الكاف، وجمعوها وتعليله هذا انعكاس لرأيه في التاء، والكاف في "أَرَأَيْتَكَ" وفروعه.   (1) “أَرَأَيْتَ " البصريَّة تتصرَّف تاؤها تصرف سائر الأفعال من إفراد وتثنية وجمع أي تتغير تاؤها قال الفرَّاء في أثناء حديثه عن "أَرَأَيْتَ ": "العرب لها في "أَرَأَيْتَ " لغتان ومعنيان: أحدهما أن يسأل الرجل الرجل أَرَأَيْتَ زيداً بعينك؟ فهذه مهموزة فإذا أوقعتها على الرجل ... قلت أَرَأَيْتَك على غير هذه الحال؟ تريد: هل رأيت نفسك على غير هذه الحال؟ ثم تثنَّى وتجمع فتقول للرجلين: أَرَأَيْتَماكما، وللقوم: أَرَأَيْتُموكم، وللنسوة: أَرَأَيْتُنَّكُنَّ، وللمرأة: أَرَأَيْتِكِ تخفض التاء والكاف ولا يجوز إلاَّ ذلك" الفرَّاء، معاني القرآن، 1/333. (2) الفرَّاء، معاني القرآن، 1/333، وتابعه سليمان الجمل، الفتوحات الإلهية، 2/28؛ يقول: "وإنما تركت العرب التاء واحدة (أي في أَرَأَيْتَكَ وفروعه) لأنهم لم يريدوا أن يكون الفعل واقعاً من المخاطب على نفسه فاكتفوا من علامة المخاطب بذكرها في الكاف وتركوا التاء في التذكير والتوحيد مفردة إذ لم يكن الفعل واقعاً" الجمل، الفتوحات الإلهية، 2/28. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 327 ويعلِّل السيرافي ت (368 هـ) إفرادهم التاء في "أَرَأَيْتَكَِ وفروعه" استغناء بتثنية الكاف، وجمعها عن تثنية التاء، وجمعها من أجل الفرق بين "أَرَأَيْتَ " التي بمعنى أخبرني، والتي بمعنى عَلِمْتُ (1) . ونجد هذا التعليل عند أبي علي الفارسي ت (377 هـ) (2) . أمَّا ابن الشجري ت (542 هـ) فيذكر أنَّه إنَّما جاء مفرداً في "أَرَأَيْتَكُما" و"أَرَأَيْتَكُمْ" و "أَرَأَيْتَكُنَّ"؛ لأنَّه لو ثنِّى، أو جمع لكان ذلك جمعاً بين خطابين، وهو غير جائز (3) . ولقد عدَّ أبو علي الفارسي قولهم " أَرَأَيْتَكَ" وفروعه شاذًّا عن الاستعمال مُطَّرِداً في القياس (4) . المبحث الثالث: المستوى النحوي تحدَّث بعض النحويين عن تعدِّي "أرأيْتَ"، و "أَرَأَيْتَكَ"، وربطوا ذلك بالمعنى؛ إذ يذهب الرضي الإستراباذي ت (686 هـ) إلى أنَّ (أَرَأَيْتَكَ) "منقول من (رَأَيْتَ) بمعنى أبْصَرْتَ أو عَرَفْتَ كأنَّه قيل أَأَبْصَرْتَهُ، وشاهدت حاله العجيبة، أو أَعَرَفْتَها؟ أخبرني عنها ... " (5) . وتكون على هذا القول متعدِّية إلى مفعولٍ واحد.   (1) أبو سعيد الحسن السيرافي، شرح كتاب سيبويه (بيكروفيلم) بقسم المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، برقم 10296/ف مصوَّر من دار الكتب المصرية رقم (137) نحو، 2/ق 53ب، ق 54أ. (2) أبو علي الفارسي، المسائل الحلبيَّات، ص75. (3) ابن الشجري، الأمالي الشجرية، 1/292 (المجلس السابع والثلاثون) ، المسألة الثانية) . (4) أبو علي الفارسي، المسائل العسكرية، ص 135-138. (5) الرضي الأستراباذي، شرح الرضي على الكافية لابن الحاجب، بيروت، دار الكتب العلمية، (د. ت) ، 2/282. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 328 ويعزو الصبان ت (1206 هـ) إلى ابن هشام ت (761 هـ) أنَّ "أَرَأَيْتَ" هذه منقولة من "أَرَأَيْتَ" بمعنى أَعَلِمْتَ؟ لا من أَرَأَيْتَ بمعنى أَأَبْصَرْتَ؟ " (1) ويقوِّي ذلك عنده أنَّها تتعَّدى إلى مفعولين" (2) ويعدّ هذا الأسلوب "مِن الإنشاء المنقول إلى إنشاء آخر" (3) . وسواء أكانت "أَرَأَيْتَ " منقولة من " أَرَأَيْتَ" بمعنى عَرَفْتَ أم بمعنى أبصرت أم بمعنى عَلِمْتُ فإنها في أصلها جملةٌ خبريَّةٌ، ثم تحوَّلت بعد النقل، وبعد أن لازمتها همزة الاستفهام إلى جملة إنشائية لها معنى جديد وهي "أخبرني" وهي مع ذلك لا تدل على استفهام، ولا تحتاج إلى جواب. و"أَرَأَيْتَكَ" يحتاج إلى مفعولين - إذا كان بمعنى أخبرني - الأوَّل الاسم المنصوب بعدها، والثاني جملة الاستفهام. قال سيبويه ت (180 هـ) : " ... وتقول: أَرَأَيْتَكَ زيداً أبو من هو، وأَرَأَيْتَكَ عمراً أعندك هو أم عند فلان؟ لا يحسن فيه إلاَّ النصب في زيد، ألا ترى أنَّك لو قلت أَرَأَيْتَ أبو من أنت؟ أو أَرَأَيْتَ أزيدٌ ثَمَّ أم فلانٌ لم يحسن؛ لأن فيه معنى أَخْبِرْني عن زيد، وهو الفعل الذي لا يَستَغْني السكوت على مفعوله الأول فدخول هذا المعنى فيه لم يجعله بمنزلة أَخْبِرْني في الاستغناء، فعلى هذا أُجْرِيَ، وصار الاستفهام في موضع المفعول الثاني" (4) .   (1) الصبَّان، حاشية الصبَّان، 1/140. (2) السابق. (3) السابق. (4) سيبويه، الكتاب (بولاق) ، 1/122. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 329 ويفهم من قول سيبويه أنَّه لا بدَّ بعد قولك "أَرَأَيْتَكَ" التي بمعنى أخبرني من اسمٍ منصوب هو المفعول به الأول، ثم يليه جملة الاستفهام التي هي في موضع المفعول الثاني. وأنَّه لا يجوز رفع ما بعد "أَرَأَيْتَكَ" - على التعليق؛ لأنَّه لا يجوز تعليقها؛ إذ هي بمعنى أخبرني، وأخبرني لا يُعَلَّق. ومع أنَّ "أَرَأَيْتَكَ" بمعنى أخبرني فإنها لا تقتصر على مفعول واحد مثلها، بل تتعدَّى إلى مفعولين شأنها في ذلك شأن رأى القلبيَّة. المبحث الرابع: المستوى الدلالي نصَّ بعض العلماء على مجيء "أَرَأَيْتَ " وفروعه بمعنى أخبرني؛ قال سيبويه ت (180هـ) ": "..وتقول أَرَأَيْتَكَ زيداً أبو من هو ... فيه معنى أَخْبِرنِي عن زيد" (1) . وقال أبو سعيد السيرافي ت (368هـ) في أثناء شرحه لهذا الباب: ... "أَرَأَيْتَك" .... بمعنى أخبرني " (2) . وفي معاني القرآن للفراء ت (207هـ) : "تقول: أَرَأَيْتَكَ وأنت تريد أخبرني" (3) . وقال الزجاج ت (311هـ) في أثناء تفسيره لقوله تعالى: (( ( [الإسراء: 62] "وقوله: (أَرَأَيْتَكَ) في معنى أخبرني" (4) .   (1) السابق. (2) أبو سعيد الحسن السيرافي، شرح كتاب سيبويه، 2/ق49ب، ق 50أ. (3) أبو زكريَّا يحيى بن زياد الفرَّاء، معاني القرآن، 1/333. (4) أبو إسحاق الزجاج، معاني القرآن وإعرابه، 3/249. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 330 وأشار كثير من العلماء إلى أنَّه بمعنى أخبرني ومنهم الراغب الأصفهاني ت (502هـ) (1) ، وأبوالقاسم الزمخشري ت (538هـ) في مواضع متفرَّقة من كشافه (2) ، وابن مالك ت (672هـ) (3) ، والرضي الإستراباذي ت (686هـ) (4) وأبو حيَّان الأندلسي ت (745هـ) (5) ، والفيروزآبادي ت (817هـ) (6) . وينسب ابن فارس ت (395هـ) إلى أبي عبيد أنه بمعنى أعلمني؛ إذ يقول: "وقال أبو عبيد إذا قيل: أَرَأَيْتَ في المسألة معناه أعلمني" (7) . ويبدو أنَّه ليس هناك اختلاف بين أعلمني، وأخبرني في هذا السياق فهما متقاربان في المعنى. يقول أبو علي الفارسي ت (377هـ) : " ... وأخبروني، وأعلموني متقاربان" (8) . وأشار أبو حيان في "ارتشاف الضرب" إلى هذين المعنيين فقال: "وإذا قلت " أَرَأَيْتَكَ " فالهمزة دخلت على رَأَيْتَ فإمَّا أن يكون بمعنى أعلمتك، أو بمعنى أخبرني" (9) . ونبَّه أبو علي الفارسي على معنى آخر في " أَرَأَيْتَ " وهو (انتبه) .   (1) الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيَّد كيلاني، بيروت، دار المعرفة (د. ت) ، (رأى) ، ص 209. (2) أبو القاسم الزمخشري، الكشاف، 2/13، 366، 396، 2/421، 3/177. (3) ابن مالك، تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، تحقيق محمد كامل بركات، مصر، دار الكاتب العربي، 1967م، ص 40، وشرح التسهيل له، 1/246. (4) الرضي الأستراباذي، شرح الرضي على الكافية لابن الحاجب، 2/282. (5) أبو حيَّان الأندلسي، البحر المحيط، 4/125. (6) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، تحقيق مكتب التراث، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط102، 1987م، (فصل الراء) ، ص 1659. (7) أبو الحسين أحمد بن فارس، مجمل اللغة، تحقيق زهير عبد المحسن سلطان، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 1984م، (رأى) ، ص 412. (8) أبو علي الفارسي، المسائل الحلبيات، تحقيق، ص 77. (9) أبو حيَّان الأندلسي، ارتشاف الضرب من لسان العرب، 1/510. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 331 يقول: (يكون بمعنى "انتبه") (1) . والحقيقة أنَّ هذا المعنى الذي ينبِّه له أبو علي الفارسي ت (377 هـ) ينسب أيضاً إلى أبي الحسن الأخفش ت (215 هـ) فهو عنده قد يخرج من معنى أخبرني إلى "معنى أمَّا، أو تنبَّه" (2) . ويظهر أنه لمح هذ المعنى فيه لأنَّ ما بعده تفصيل لشيء، أو إيضاح كما يبدو. وفي البحر المحيط قول ينسب إلى الكرْمَاني ينص على أنَّ "أَرَأَيْتَكُم"استفهام وتعجب (3) . ويظهر لي أنَّ كون الاستفهام للتعجُّب على هذا الرأي لا ينافي كون ذلك بمعنى أخبرني. والطريف في الموضوع هو إطلاق الرؤية، وإرادة الإخبار؛ إذ الرؤية سببٌ للإخبار كما هو معلوم، وكذلك جعل الاستفهام، بمعنى الأمر ولعلَّ الجامع بين الاستفهام والأمر في أسلوب "أَرَأَيْتَ" كونهما طلباً. ولنا أن نتساءل عن استعمال "أَرَأَيْتَ " في الإخبار أحقيقة هو أم مجاز؟ وما مسوِّغه؟ ورد في الفتوحات الإلهية ما نصُّه:"استعمال "أَرَأَيْتَ " في الإخبار مجاز أي أخبروني عن حالتكم العجيبة" (4) ويجوِّز ذلك بقوله:"ووجه المجاز أنَّه لمَّا كان العلم بالشيء سبباً للإخبار عنه، أو الإبصار به طريقاً إلى الإحاطة به علماً، وإلى صحة الإخبار عنه استعملت الصيغة التي لطلب العلم، أو لطلب الإبصار في طلب الخبر، لاشتراكهما في الطلب. ففيه مجازان: استعمال رأى التي بمعنى عَلِمَ، أو أَبْصَرَ في الإخبار، واستعمال الهمزة التي هي لطلب الرؤية في طلب الإخبار" (5) . والذي يُنْعِم النظر في "أَرَأَيْتَ " وفروعه في السياق القرآني يلحظ أنَّه جاء بمعنى أخبرني كثيراً، من ذلك قوله سبحانه وتعالى: (( ( [النجم:19-22]   (1) أبو علي الفارسي، المسائل الحلبيَّات، ص ص 76، 77. (2) أبو حيَّان الأندلسي، البحر المحيط، 4/126، والسمين الحلبي، الدرُّ المصون، 4/623. (3) أبو حيَّان، البحر المحيط، 4/124. (4) سليمان الجمل، الفتوحات الإلهية، 2/27. (5) السابق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 332 قال أبو علي الفارسي في معرض تفسيره لها: "فهو بمنزلة "أخبروني" ... وقد دلَّ قوله عزَّ وجل " (1) . (( ( [النجم:21] على ذلك. ومنه أيضاً قوله تعالى: (( ( [الأنعام:40] قال أبو القاسم الزمخشري ت (538 هـ) في أثناء تفسيره لها: " () أخبروني" (2) ونبَّه على هذا المعنى (3) وهو يفسَّر قوله سبحانه وتعالى: (( [الإسراء:62] ... وقوله عزَّ وجل: (( [القصص:71-72] وحقيقة الأمر أنَّ معنى "أخبرني" يشترك مع معانٍ أخرى؛ إذ جاء "أَرَأَيْتَ " محتملاً معنى "أخبرني"، ومعنى "أمَّا"، أو "تنبَّه"، أو "انتبه"، أو معناه الأصلي وهو رؤية العين، أو المعرفة؛ وذلك في بعض المواضع من القرآن الكريم من ذلك قوله سبحانه وتعالى: (( [الكهف: 63] فالسمين الحلبي ت (756 هـ) في أثناء تفسيره لهذه الآية ينسب إلى أبي الحسن الأخفش ت (215 هـ) أنَّ " " خرج عن بابه فصار بمعنى "أمَّا" أو "تنبَّه" بيد أنَّه لا يجوِّز رأي الأخفش هذا "لأنَّه إخراجٌ للفظة عن موضوعها من غير داعٍ إلى ذلك" (4) . وهذا المعنى الذي نسبه السمين إلى الأخفش نصَّ عليه أبو علي الفارسي   (1) الفارسي، المسائل الحلبيَّات، ص78، 79. (2) أبو القاسم الزمخشري، الكشاف، 2/13. (3) السابق، 2/366، 3/177. (4) السمين الحلبي، الدرُّ المصون، 4/623. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 333 ت (377 هـ) في معرض حديثه عن الآية السابقة فقال: "كأنَّ المعنى: انتبه فإنَّي نسيت الحوت" (1) . ودللَّ على إرادة هذا المعنى بدخول الفاء الرابطة، يقول: "ولذلك دخلت الفاء كما تدخل في جواب الجزاء" (2) . وبينما يعدُّ الأخفش والفارسي "أَرَأَيْتَ" هنا بمعنى أمَّا، أو تنبَّه، أو انتبه يذكر أبو القاسم الزمخشري أنه بمعنى "أخبرني" (3) في حين أنَّ الفخر الرازي ت (604هـ) جعله على معناه الأصلي وهو رؤية العين، أو معنى عرف، يقول في أثناء تفسيره لها: " ... ورأيت على معناه الأصلي، وقد جاء هذا الكلام على ما هو المتعارف بين الناس، فإنَّه إذا حدث لأحدهم أمرٌ عجيب قال لصاحبه: أَرَأَيْتَ ما حدث لي؟ كذلك هَهنا كأنه قال: أَرَأَيْتَ ما وقع لي منه إذ أوينا إلى الصخرة " (4) . وقد جاء "أَرَأَيْتَ" محتملاً معنى "انتبه" كذلك في قوله تعالى: (( [الملك:30] قال أبو علي الفارسي في أثناء حديثه عن هذه الآية:"كأنه قال: انتبهوا فمن يأتيكم، كما كان قوله: (( [الكهف:63] كذلك" (5)   (1) الفارسي، المسائل الحلبيَّات، ص ص 77، 78. (2) السابق، ص 78. (3) أبو القاسم الزمخشري، الكشاف، 2/396. (4) الفخر الرازي، تنفسير الفخر الرازي، 21/148. (5) الفارسي، المسائل الحلبيَّات، ص78. المصادر والمراجع - ... ... القرآن الكر يم. - ... ... الأخفش أبو الحسن سعيد بن مسعدة ت (215هـ) : ... * معاني القرآن، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد، بيروت، عالم الكتب، ط1، 1405هـ/1985م. ... الأزهري: أبو منصور محمد بن أحمد ت (370هـ) : - ... تهذيب اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، القاهرة، مكتبة الخانجي، ط1، 1396هـ/1976م. - ... معاني القراءات، تحقيق عيد مصطفى درويش، وعوض بن حمد القوزي، مصر، دار المعارف، ط1، 1411هـ/1991م. - ... الألوسي: أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود ت (1270هـ) : ... * روح المعاني، بيروت، إدارة الطباعة المنيرية، دار إحياء التراث العربي، ط4، 1405هـ/1985م. - ... البغدادي: عبد القادر بن عمر ت (1093هـ) : ... * خزانة الأدب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، القاهرة، مكتبة الخانجي، الرياض، دار الرفاعي، ط1، 1403هـ/1983م. - ... ثعلب أبو العباس أحمد بن يحيى ت (291هـ) : ... * مجالس ثعلب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مصر، دار المعارف، 1368هـ/1949م. - ... الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر ت (255هـ) : ... * الحيوان، تحقيق عبد السلام محمد هارون، بيروت، دار إحياء التراث العربي، المجمع العلمي العربي الإسلامي (د. ت) . - ... ابن الجزري: الحافظ أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي ت (833هـ) : ... * النشر في القراءات العشر، تصحيح علي محمد الصناع، بيروت، دار الكتب العلمية، (د. ت) . - ... الجمل: سليمان بن عمر العجيلي الشافعي ت (1204هـ) : ... * الفتوحات الإلهية، بيروت، دار إحياء التراث العربي، (د. ت) . - ... ابن جني: أبو الفتح عثمان ت (392هـ) : - ... الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، بيروت، دار الكتاب العربي، (د. ت) . - ... سر صناعة الإعراب، تحقيق حسن هنداوي، دمشق، دار القلم، ط1، 1405هـ 1985م. - ... الجوهري: إسماعيل بن حماد ت (393هـ) : ... * الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، بيروت، دار العلم للملايين، ط3، 1404هـ/1984م. - ... أبو حيَّان الأندلسي: محمد بن يوسف ت (745هـ) : ... * ارتشاف الضرب من لسان العرب، تحقيق مصطفى أحمد النحاس، جدة، دار المدني، ط1، 1404هـ/1984م. ... * البحر المحيط، بيروت، دار الفكر، ط2، 1403هـ/1983م. - ... الخليل بن أحمد: أبوعبد الرحمن الفراهيدي الأزدي ت (170هـ) : ... * كتاب العين، تحقيق مهدي المخزومي وابراهيم السامرائي، بيروت، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط1، 1408هـ/1988م. - ... الدمياطي: أحمد بن عبد الغني ت (1117هـ) : ... * إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر، بيروت، دار الندوة الجديدة، (د. ت) . - ... الدؤلي: أبو الأسود ظالم بن عمرو ت (69هـ) : ... * ديوانه، تحقيق محمد حسن آل ياسين، بغداد، مكتبة النهضة، 1384هـ/1964م. - ... الرازي: فخر الدين محمد بن ضياء الدين ت (604هـ) : ... * تفسير الفخر الرازي، المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب، بيروت، دار الفكر، 1410هـ/1990م. - ... الراغب الأصفهاني: أبو القاسم الحسن بن محمد ت (502هـ) : ... * المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيِّد كيلاني، بيروت، دار المعرفة، (د. ت) . - ... ابن أبي ربيعة: عمر بن عبد الله ت (93هـ) : ... * ديوانه، بيروت، دار القلم للطباعة والنشر، (د. ت) . - ... الرضي الأستراباذي: محمد بن الحسن نجم الدين ت (686هـ) : ... * شرح الرضي على الكافية، بيروت، دار الكتب العلمية، (د. ت) . - ... الزجَّاج: أبو إسحاق إبراهيم بن السري ت (311هـ) : ... * معاني القرآن وإعرابه، تحقيق عبد الجليل عبده شلبي، بيروت، عالم الكتب، ط1، 1408هـ/1988م. - ... أبو زرعة: عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة ت (حوالي 390هـ) : ... * حجة القراءات، تحقيق سعيد الأفغاني، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط4، 1404هـ/1984م. - ... الزمخشري: أبو القاسم جارالله محمود بن عمر ت (538هـ) : ... * الكشاف، بيروت، دار المعرفة، (د. ت) . - ... السمين الحلبي: أحمد بن يوسف (756هـ) : ... * الدرُّ المصون في علوم الكتاب المكنون، تحقيق أحمد محمد الخراط، دمشق، دار القلم، ط1، 1408هـ/1987م. - ... سيبويه: أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ت (180هـ) : ... * الكتاب، مصر، مطبعة بولاق، 1316/1898م. - ... السيرافي: أبو سعيد الحسن بن عبد الله ت (368هـ) : ... * شرح كتاب سيبويه (ميكروفيلم) بقسم المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، برقم 10296/ف مصوَّر من دار الكتب المصرية برقم (137) نحو. - ... السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ت (911هـ) : ... * همع الهوامع، تحقيق وشرح عبد العال سالم مكرم، وعبد السلام محمد هارون، الكويت، دار البحوث العلمية، 1394هـ/1975م. - ... ابن الشجري: أبو السعادات ضياء الدين هبة الله بن علي بن حمزة العلوي الحسيني ت (542هـ) : ... * الأمالي الشجرية، بيروت، دار المعرفة، (د. ت) . - ... الصبَّان: محمد بن علي ت (1206هـ) : ... * حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، مصر، مطبعة دار إحياء الكتب العربية (عيسى البابي الحلبي) وشركاه، (د. ت) . - ... الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير ت (310هـ) : ... * تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) ، بيروت، دار الفكر، 1408هـ/1988م. - ... عبد الباقي، محمد فؤاد: ... * المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، بيروت، دار المعرفة، ط3، 1412هـ/1992م. - ... ابن العجاج رؤبة بن عبد الله ت (145هـ) : ... * ديوانه، تصحيح وليم بن الورد البروسيّ، مراجعة لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة، بيروت، منشورات دار الآفاق الجديدة، ط2، 1400هـ/1980م. - ... عضيمة، محمد عبد الخالق: ... * دراسات لأسلوب القرآن الكريم، مصر، مطبعة السعادة، ط1، 1392هـ/1972م. - ... العكبري: أبو البقاء عبد الله بن الحسين ت (616هـ) : ... * التبيان في إعراب القرآن، تحقيق علي محمد البجاوي، مصر، عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1397هـ/1976م. - ... ابن فارس: أبو الحسين أحمد ت (395هـ) : ... * مجمل اللغة، تحقيق زهير عبد المحسن سلطان، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 1404هـ/1984م. - ... الفارسي: أبو علي الحسين بن أحمد ت (377هـ) : ... * المسائل الحلبيات، تحقيق حسن هنداوي، دمشق، دار القلم، بيروت، دار المنارة، ط1 1407هـ/1987م. ... * المسائل العسكرية، تحقيق محمد الشاطر أحمد محمد، مصر، مطبعة المدني، ط1، 1403هـ/1982م. - ... الفرَّاء: أبو زكريا يحيى بن زياد ت (207هـ) : ... * معاني القرآن، بيروت، عالم الكتب، ط3، 1403هـ/1983م. - ... الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب ت (817هـ) : ... * القاموس المحيط، تحقيق مكتب تحقيق التراث، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط2، 1407هـ/1987م. - ... القرطبي: أبوعبد الله محمد بن أحمد ت (671هـ) : ... * الجامع لأحكام القرآن، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1408هـ/1988م. * ... القيسي: مكي بن أبي طالب ت (437هـ) : - ... مشكل إعراب القرآن، تحقيق ياسين محمد السواح، دمشق، دار المأمون للتراث، (د. ت) . - ... التبصرة في القراءات، تحقيق محيى الدين رمضان، الكويت، معهد المخطوطات العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ط1، 1405هـ/1985م - ... الكشف عن وجوه القراءات السبع وحججها، تحقيق محيى الدين رمضان، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط4، 1407هـ/1987م. - ... ابن مالك: أبو عبد الله محمد بن مالك ت (672 هـ) : ... * تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، تحقيق محمد كامل بركات، مصر، دار الكتاب العربي، 1386هـ/1967م. ... * شرح التسهيل، تحقيق عبد الرحمن السيد ومحمد بدوي المختون، مصر، هجر للطباعة، ط1، 1410هـ/1990م. - ... المبرّد أبو العباس محمد بن يزيد ت (286هـ) : ... * المقتضب، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، بيروت، عالم الكتب، (د. ت) . - ... ابن مجاهد: أحمد بن موسى ت (324هـ) : ... * السبعة في القراءات، تحقيق شوفي ضيف، مصر، دار المعارف، ط2، 1400هـ/1980م. - ... ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري ت (711هـ) : ... * لسان العرب، إعداد يوسف خيَّاط، بيروت، دار لسان العرب، (د. ت) . - ... ابن مهران الأصبهاني: أبو بكر أحمد بن الحسين ت (381هـ) : ... * المبسوط في القراءات العشر، تحقيق سُبيع حمزة حاكمي، جدة، دار القبلة للثقافة الإسلامية، بيروت، مؤسسة علوم القرآن، ط2، 1408هـ/1988م. - ... النحاس: أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل ت (338هـ) : ... * إعراب القرآن، تحقيق زهير غازي زاهد، مصر، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، ط2، 1405هـ/1985م. - ... ابن هشام الأنصاري: أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف ت (761هـ) : ... * مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق مازن المبارك، ومحمد علي حمدالله، مراجعة سعيد الأفغاني، بيروت، دار الفكر ط5، 1399هـ/1979هـ. - ... ابن يعيش: موفق الدين يعيش بن علي ت (643هـ) : ... * شرح المفصَّل، بيروت، عالم الكتب، القاهرة، مكتب المتنبِّي، (د. ت) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 334 ومع أنَّ هذا الاحتمال وارد في الآية الكريمة إلا إنِّي أرجَّحُ أنه هنا أيضاً بمعنى أخبروني. ... وعليه يتبيَّن أنَّ مجيء () بمعنى "أخبرني" هو الغالب، وهو المعنى الأساس وفقاً للسياق القرآني، وهو مساوٍ لمعنى (أعلمني) والغالب ورود هذا الاستعمال في سياق التعجُّب، والدّال على التعجُّب فيه هو همزة الاستفهام، لأنها تخرج عن معناها الحقيقي المتمثِّل في طلب الفهم إلى معانٍ أخرى مجازية، أو بلاغية من بينها التعجب. وذلك؛ لأنَّ (رأيت) يفهم منها الرؤية البصرية الحسيَّة، أو العلم، الإدراك أو هما معاً وهو ما صرّح به الرّازي فكأنَّ عبارة (أَرَأَيْتَ) مركَّب لغويّ له دلالة على التعجُّب، وطلب الرؤية البصرية، والقلبية بشأن أمرٍ ما وهو ما نلمحه في سائر استعمال هذا المركَّب في السياق القرآني، وفي اللغة. ويشمل هذا المعنى فروع (أَرَأَيْتَ) ذات الجزء الخطابي الواحد: أَرَأَيْتِ - أَرَأَيْتُمَا - أَرَأَيْتُمْ - أَرَأَيْتُنَّ، حيث يتنوع ضمير المخاطب للدلالة على الجنس، والعدد كما يشمل هذا المعنى فروع (أَرَأَيْتَ) ذات الجزأين الخطابيَّين: أَرَأَيْتَكَ - أَرَأَيْتَكِ - أَرَأَيْتَكُمَا - أَرَأَيْتكُمْ - أرأيتكنَّ حيث يتنوَّع حرف الخطاب؛ للدلالة على الجنس، والعدد مع التزام ضمير المخاطب المفرد المذكر. الخاتمة لقد انتهيت بحمدالله، وعونه بعد هذه الدراسة المتواضعة ل "أَرَأَيْتَ " وفروعه إلى هذه النتائج: 1 - أنَّ "أَرَأَيْتَ"، وفروعه كثير الدوران في القرآن الكريم، والكلام العربي شعراً، أو نثراً. 2 - أنَّ معناه هو: أخبرني، أو أعلمني، وأنّ الغالب أن يذكر في سياق التعجّب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 335 3 - أنّه من القوالب الثابتة حيث يلتزم صيغة المضيّ، ويسبق بهمزة الاستفهام للدَّلالة على التعجب، وتتصل به تاء ضمير المخاطب التي تُفْتَحُ، على أصل إرادة المخاطب المفرد المذكر، وقد تكسر أو يضاف إليها الحروف الدّالة على التثنية، أو الجمع بنوعيه (أَرَأَيْتَ - أَرَأَيْتِ - أَرَأَيْتُمَا - أَرَأَيْتُمْ - أَرَأَيْتُنّ) . 4 - إذا زيد على هذه الصيغة الكاف فإنّ التاء تلتزم الفتح، وتصبح الدَّلالة على الجنس، والعدد من وظائف الكاف (أَرَأَيْتَكَ - أَرَأَيْتَكِ - أَرَأَََََََََََيْتَكٌمَا - أَرَأَيْتكُمْ - أَرَأَيْتَكُنّ) وفي هذه الحالة يرى البصريون، ومن تبعهم أنَّ التاء هي الضمير، وهو في موقع الفاعل، وأنّ الكاف حرف خطاب وهو القول الرّاجح، والسائد في النحو العربي. وللكوفيين، أو لبعضهم خلاف في ذلك. 5 - معنى "أَرَأَيْتَ " مأخوذ من معنى (رأى) البصرية، والقلبية في الوقت نفسه، ومعنى الهمزة هنا التعجّب. 6 - دخول الهمزة الدّالة على الاستفهام التعجبي يجعل (أَرَأَيْتَ) جملة إنشائية بمعنى أخبرني، أو أعلمني. وكأنَّ الهمزة دلّت على التعجّب، والطلب في الوقت نفسه. 7 - يفتقر الفعل الى مفعولين يأتي أولهما في الغالب اسماً صريحاً، ويرد الثاني في الغالب جملة، وقد يغني عن المفعولين جملة، أو جُمَل تقع بعد (أَرَأَيْتَ) . 8 - أنَّ في همزته الثانية أربع لغات هي: التحقيق على الأصل، والتسهيل، وإبدالها ألفاً، وحذفها. 9 - أنه لم يرد " أَرَأَيْتَ " وفروعه بتحقيق الهمز على الأصل - في الشواهد الشعرية فيما أعلم، بل ورد " أَرَيْتَ "، و "أَرَيْتَكَ" بلا همز. الحواشي والتعليقات الجزء: 11 ¦ الصفحة: 336 الخلاف بين سيبويهِ والخليل في الصَّوْت والبِنْية د. أحمد بن محمد بن أحمد القرشيّ الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية - كلية المعلمين بالمدينة المنورة ملخص البحث الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبيّ بعده، وبعد: فالكتاب لإمام النّحاة، وحجة العرب سيبويه، هو المَعِين الذي لا ينْضُب على مرّ العصور، وتعاقب الدهور، سمّاه النّحاة "قرآن النّحو"، ولقّبوه بالبحر استعظاماً له واستصعاباً لما فيه. عَقَد سيبويه أبواب الكتاب بلفظه ولفظ الخليل بن أحمد، ووافقه في معظم مسائل البِنْية، وخالفه في بعضٍ منها، إذِ الأصل بينهما هو الاتفاق، والخلاف فرعٌ. فقد خالف سيبويه شيخه الخليل في: النّسب إلى "ظَبيةٍ ونحوها"؛ وفي النّسب إلى "رايةٍ وأمثالها". وفي باب الهمز خالفه في تخفيف إحدى الهمزتين المجتمعتين في كلمتين، و – أيضاً – خالفه في أنّ الهمز والنّبر شيءٌ واحدٌ ولا فرق بينهما. وفي باب القلب المكانيّ ذهب سيبويه إلى أنّه لا قلب في الجمع الأقصى نحو "خطايا"؛ ولا قلب في اسم الفاعل من الأجوف الثلاثي المهموز الّلام، نحو "جاءٍ"؛ وكذلك: لاقلب في جمعه، نحو "جواءٍ"، أمّا الخليل فيرى القلب فيها. وفي باب تداخُل اللُّغات أثبت الخليل التداخُل، وخالفه سيبويه فحكم على ما جاء من الأفعال بأنّها شاذّة. وفي باب الوقف اختلفا في حقيقة ألف المقصور المنّون الموقوف عليه، وكذلك اختلفا في الوقف على المنادى المنقوص غير المنوّن. وفي باب الزّوائد ذهب الخليل إلى أنّ الزائد هو الأول في كلّ مضاعف، وخالفه سيبويه فذهب إلى أنّه الثاني، ثم قال سيبويه: وكلا القولين صوابٌ ومذهبٌ. أمّا باب مخارج الحروف فقد خالف شيخه في عدد مخارج الحروف؛ وفي ترتيب المخارج؛ وفي ترتيب حروف بعض المخارج. هذا ما تيسّر لي ووقفت عليه من أوجه الخلاف بينهما، والله الموفق. *** مقدمة: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 337 أحمد الله سبحانه وتعالى حمداً لاتدرك غايته، ولا تعلم نهايته، وأشكره على نعمه التي لاتحصى، وأستعينه وأستغفره. وأصلّي وأسلّم على سيدنا محمد صفوة الله من خلقه، أما بعد: فالكتاب لسيبويه إمام النّحو، وحجة العرب، هو المنبع الصّافي، والمَعِين الذي لا يَنْضُب على مر العصور، وتعاقب الدهور. استوعب فيه سيبويه أبواب النّحو والصرف، ومسائل التمارين، وعقد أبوابه بلفظه ولفظ الخليل بن أحمد، وهو أعلمُ النّاس بالنّحو بعد الخليل، وأثْبتُ من حمل عنه. مات عنه سيبويه وهو في حداثة سِنّه، وريعان شبابه، وربيع عمره، فأقبل العلماء – بعد موته – على (الكتاب) بالدراسة، والرواية، والشرح، والحفظ، جيلاً بعد جيل، وطبقةً بعد طبقة، فشرّق (الكتاب) وغرّب، وتلقفه القاصي والدّاني، وشُغف العلماء به على اختلاف مشاربهم، وتعدُّدِ مواردهم. وبلغت العناية ب (الكتاب) أنّ الفرّاء من النحويين الكوفيين وُجد بعضُ الكتابِ تحت وسادته التي كان يجلس عليها. قال ثعلبٌ: مات الفرّاءُ وتحت رأسه كتاب سيبويهِ. جمع فيه سيبويه ماتفرّق من أقوال من تقدمه من العلماء، كأمثال: عبد الله بن أبي إسحاق، وأبي عمروٍ بن العلاء. و– أيضاً – جمع فيه أقوال وآراء شيوخه، كأمثال: عيسى بن عمر، وأبي الخطاب الأخفش الكبير، والخليل بن أحمد، ويُونُس بن حبيب، وأبي زيدٍ الأنصاريّ، وغيرهم. فأبدع كتابَه على مثالٍ لم يُسبق إليه، ولم يَدَعْ للمتأخرين استدراكاً عليه. لم يك سيبويه في كتابه جمّاعاً لآراء السابقين آو لآراء شيوخه فحسب، بل كان ذا شخصيةٍ قويةٍ، تظهر في ضمّ ما استخرجه بنفسه من القواعد، اعتماداً على سماعه من العرب الخُلّص. وكان – رحمه الله – يُناقش شيوخه في مسائل النّحو والصرف، فما يُقرّه الدليل أو القياس أخذ به، وما يخالفهما اطّرحه وخالف صاحبه، وإن رأى أنّ القول الآخر قويٌّ أخذ به إلى جانب مايراه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 338 وممّن خالفهم: شيخه الخليل بن أحمد الفراهيديّ الذي لازمه وأخذ النّحو عنه فبرع، وكان سيبويه أكثرَ نقلاً في (الكتاب) عنه، فكان الكتاب سجلاًّ حافلاً بآراء الخليل في النّحو والصرف، وكان سيبويه كثيراً مايحكى عن الخليل بقوله: "وسألته" أو "قال"، ورُغم ذلك خالفه في بعض ماحكاه، إلاّ أنّ الخلاف بينهما فرعٌ، والاتفاق هو الأصل في معظم المسائل. ومما أودُّ التّنبيه إليه في هذه المسائل أنّي لم أقصر الخلاف بين سيبويه وشيخه الخليل على معناه المعروف وهو المخالفة بينهما في الرأي، بل إنّني وسّعت مفهوم الخلافِ ليشمل مطلق التعدّد في الرأي، فإنّ انفراد سيبويه برأيٍ لم يقل به الخليل في المسألة الواحدة عددته من قبيل الخلاف الضمني بينهما، فإنّ سيبويه قد يعرض رأي الخليل، ثم يعرض رأي غيره ويميل إليه وقد يذكر رأيه بعد رأي الخليل ثم يستحسنهما، وذلك كما في مسألة النسب إلى "راية، وغاية، وآية"، وكذلك في مسألة اسم الفاعل من الأجوف الثلاثي المهموز اللام، نحو "جاءٍ، وساءٍ"، وكذلك في مسألة تحقيق أو تخفيف إحدى الهمزتين المجتمعتين في كلمتين، نحو "جاء أشرطها"، وكذلك اختلافهما في مسألة أيّهما الزائد الأول أو الثاني في المضاعف نحو "سُلّم". فمثل ذلك عددته من قبيل المسائل الخلافية بينهما؛ لأنّ مجرد ذكر رأي الخليل، ثم التعقيب عليه بإبداء رأيه هو أو رأي غيره، يفهم منه ضمناً أنّ سيبويه ينتحي منتحىً آخر في الاستقلال بشخصيته، وعدم ميله إلى متابعة شيخه في كل آرائه. والله يعلم أنّ جمع الخلافات بينهما لم أقف عليها بالهيّن الليّن، أو وافتني محض الصُّدفة، وإنّما كان ذلك ثمرةَ اطّلاعٍ واستقراءٍ للكتاب، ولكثيرٍ من كُتب النّحو والصرف، ثمّ عارضت ماجمعته على ماقاله سيبويه في (الكتاب) ، وعلى ما أورده النَّحويون في مصنّفاتهم. وبعد أن جمعتُ المادة العلميّة وفق ماتيسر لي، سميّت البحث: (الخلاف بين سيبويهِ والخليل في الصوت والبِنْية) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 339 أمّا المنهج الذي سلكته في هذه الدراسة فيتلخّص فيما يلي: أولاً: أُقدّمُ بين يدي المسألة مدخلاً وتمهيداً، يتضح منه أبعاد المسألة. ثانياً: أُوردُ الخلافَ بين سيبويه وشيخه الخليل، مؤيّداً ذلك بنصوص (الكتاب) أو من غيره، موضحاً وجهَ الخلاف بينهما. ثالثاً: أَذكرُ آراءَ العلماء وموقفَهم من الخلاف، مؤكّداً ذلك بأقوالهم ونصوصِهم. رابعاً: أُرجّحُ بينهما في ضوء أقوال العلماء، وعللِهم، وحججِهم، قارناً ذلك بالنّصوص الواردة عنهم. خامساً: سلكت في ترتيب مباحث الخلاف بينهما وفق ورودها في (الكتاب) لسيبويه. وقد اقتضت خُطة البحث بعد جمع الخلافات بين سيبويه والخليل في الصّوت والبِنْية، أن تكون وفق مايلي: قسّمت الدّراسة إلى سبعة مباحث؛ يسبقها مقدمةٌ، وتمهيدٌ. أمّا المباحث السبعة، فهي: المبحث الأول: اختلافهما في باب النّسب، وفيه مطلبان. المبحث الثاني: اختلافهما في باب الهمز، وفيه مطلبان. المبحث الثالث: اختلافهما في باب القلب المكانيّ، وفيه مطلبان. المبحث الرابع: اختلافهما في باب تداخُل اللُّغات، وفيه مطلبٌ. المبحث الخامس: اختلافهما في باب الوقْف، وفيه مطلبان. المبحث السادس: اختلافهما في باب الزوئد، وفي مطلبٌ. المبحث السابع: اختلافهما في باب مخارج الحروف، وفيه ثلاثة مطالبٍ. ثُمّ جاءت الخاتمة في نهاية الدراسة، لخّصت فيها أهم نتائج البحث، ثُمّ فِهْرس المصادر والمراجع، ثُمّ فِهْرس الموضوعات. وختاماً أقول: الله أَسْألُ أنْ يجعلَ هذا العملَ في ميزان حسناتي يوم لاينفع مالٌ ولا بنون، وأنْ ينفع به قارئه وجميع المسلمين، إنّه على ذلك قدير، وعلى إجابة الدّعاء جدير، هو مولانا نِعْمَ المولى ونِعْمَ النّصير. تمهيد: علم النّحو من أسمى علوم العربية قدراً، وأعظمها أثراً، وأجلها نفعاً، به يستبين سبيل العلوم على تنوع مقاصدها، واختلاف أنواعها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 340 نشأ علم النّحو أوّل أمره صغيراً، شأن كلّ علمٍ وكلّ فنٍّ، وكانت نشأته في الصّدر الأول للإسلام، فنشأ نشأةً عربيةً محضةً على مقتضى الفطرة، ثم تدرج في وضعه، وتكوينه، ونموّه، ونضجه، واكتماله، شيئاً فشيئاً تمشياً مع سُنّة التّرقّي حتى كَمُلت أبوابه، غير مقتبس من أيّ لغةٍ، لافي نشأته ولافي تطوره وتدرجه، حتى وصل إلى طور الترجيح والبسط في التصنيف. وكان من أسباب نشأة النّحو فُشُوّ الفساد في اللغة العربية، وأوّل مااختلّ من كلام العرب فأحوج إلى التعلم الإعرابُ؛ لأنّ اللحنّ ظهر في كلام الموالي والمتعرِّبين من عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولمّا سطع نور الإسلام، وأظهر الله دينه على سائر الأديان، وانتشرت الفتوحات الإسلاميّة، ودخل النّاس في دين الله أفواجا، وأقبلوا إليه أرسالا، واجتمعت فيه الألسنة المتفرقة، واللّغات المختلفة، واختلط العرب بغيرهم اختلاطاً مستمراً في البيوت والأسواق، والمناسك والحج، وتصاهروا واندمجوا في بعضهم بعضاً، ونتيجةً لهذا الامتزاج والاختلاط تسرب اللحن والضعف إلى سليقة العربيّ، الذي كان ينطق على سجيته في صدر إسلامه، وماضي جاهليته، فاستبان منه الإعراب الذي هو حلية كلامه، والموضّح لمعانيه الدقيقة التي تتميّز بها اللُّغة العربية. وانتشر اللحن فشمل الخاصة، حتى صاروا يَعُدّون من لايلحن. لذلك خشي أهل العلم وعظم الإشفاق منهم من فُشُوّ اللّحن وغلبته على اللّغة العربيّة، فخافوا أن يُؤدي ذلك إلى فساد الملكة، وبطول العهد ينغلق فهم القرآن والحديث؛ فدعاهم الحذرُ من ذهاب لغتهم وفساد كلامهم أن يستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردةً شبه الكليات والقواعد، يقيسون عليها سائر أنواع الكلام، ويُلحقون الأشباه بالأشباه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 341 فكان أوّلَ من رسم للنّاس النّحو، وأصّلَه، وأعملَ فكره فيه، أبو الأسود ظالم بن عمرو الدُّؤليّ، وكان أبو الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين عليّ (رضي الله عنه) ؛ لأنّه سمع لحناً، فقال لأبي الأسود: اجعل للنّاس حروفاً، وأشار له إلى الرفع، والنّصب، والجرّ، فكان لأمير المؤمنين عليٍّ (رضي الله عنه) فضْلُ الهداية إلى الأساس، ولأبي الأسود الدُّؤليّ فضْلُ القيام بوضعه على ضوء هدي وتوجيه أمير المؤمنين. ثم اختلف النّاس إلى أبي الأسود يتعلمون العربيّة، ففرّع لهم ماكان أصَّلَه، فأخذ ذلك عنه جماعةٌ، كان من أفذاذهم: عَنْبَسةُ بن مَعْدان الفيل، ويحي بن يَعْمَر العَدْوانيّ، وميمونُ الأقرن، ونصرُ بن عاصم الليثيّ؛ وكان عَنْبسةُ الفيل أبرعَ أصحاب أبي الأسود، وعن عنبسة – أيضاً – أخذ ميمون الأقرن، فكان البارعَ من أصحابه. وهؤلاء شاركوا في استنباط كثيرٍ من قواعد وأحكام النّحو، وساهموا في نشره وإذاعته بين النّاس. ثم جاء من بعدهم جيلٌ كان أكثرَ عدداً، من أشهرهم: عبد الله بن أبي إسحاقَ الحضرميّ، رَأَسَ النّاسَ بعد موت شيخه ميمون الأقرن، ولم يكن في أصحاب ميمون أحدٌ مثله، وهو أعلمُ أهلِ البصرة، وأعقَلُهم، ففرّع النّحو وقاسه، وتكلّم في الهمز، وكان رئيسَ الناس وواحدَهم. وكان في عصره وزمانه أبو عمرو بن العلاء المازنيّ، وعيسى بن عمر الثقفيّ، وقد كان أبو عمروٍ أخذ عن ابن أبي إسحاقَ. فكان ابن أبي إسحاقَ يُقدّم على أبي عمروٍ في النّحو، وكان أبو عمروٍ يُقدّم عليه في اللّغة. و– أيضاً – أخذ أبو عمروٍ عمّن أخذ عنه ابن أبي سحاقّ، وأخذ العلم عن ابن أبي إسحاقَ وأبي عمروٍ جماعةٌ، منهم: أبو الخطاب الأخفش الكبير، وعيسى بن عمر الثقفيّ، وكان عيسى أفصح النّاس، وصاحبَ تقعيرٍ في كلامه، واستعمال الغريب فيه. وعن هؤلاء وغيرهم أخذ جماعة من العلماء، منهم: يُونُس بن حبيب، أخذ عن أبي عمروٍ، والأخفش الكبير. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 342 وكان في زمانه أذكى النّاس وأعلمهم، وأفضل النّاس وأتقاهم، إنّه الخليل بن أحمد الفراهيديّ، إمام أهل البصرة ورئيس طبقته، أخذ عن عيسى بن عمر، وأبي عمروٍ. وفي عصر الخليل تلاقت فيه طبقته برئاسته مع الطبقة الأولى الكوفية بزعامة أبي جعفر الرُّؤاسيّ الذي أخذ – أيضاً – عن أبي عمروٍ، وهو عالم أهل الكوفة. فنهض النّحو نهضةً قويةً، واشتد التنافس بين البصريين والكوفيين، والخلاف بينهما في إعمال الفكر واستخراج القواعد نتيجةً للتقصّي والاستقراء للمأثور من كلام العرب. كان للخليل بن أحمد الفضل الأكبر على علم النّحو بل على كثيرٍ من علوم اللغة العربية، فكان هو عمادها الذي نهض بها في شتى النّواحي، فمن عهده انتظم شتات النّحو، والتأم عقده، واتخذ تعليمه دوره الفنيّ، وهو الذي بسط النّحو، ومدَّ أطنابه، وسَبّب علله، وفتَقَ معانيه، وأوضح الحِجاجَ فيه، حتى بلغ به أقصى حدوده، وانتهى به إلى أبعد غاياته، ثم لم يرض أن يُؤلّف فيه حرفاً، أو يرسم منه رسماً ترفعاً بنفسه، وترفعاً بقدره؛ واكتفى في ذلك بما أوحى إلى سيبويه من علمه، ولقّنه من دقائق نظره، ونتائج فكره، ولطائف حكمته، فحمل سيبويه ذلك عنه وتقلّده، وألّف فيه الكتاب الذي أعجز من تقدم قبله، كما امتنع على من تأخر بعده. فكان سيبويه أعلم الناس بالنّحو بعد الخليل، ولم يكن في أصحاب الخليل ولا في غيرهم من الناس مثلُه. لَزِم أستاذه الخليلَ وأخذ عنه النّحو وغيره فبرع، ووافقه في معظم المسائل التي حَكاها عنه في الكتاب، أو سأله عنها؛ وخالفه في بعضِ مسائل البِنْية، وهي موضوع هذا البحث، إذِ الخلاف بينهما فرعٌ، والأصل هو الاتفاق (1) .   (1) الحواشي والتعليقات () ... بنيت هذا التمهيد في نشأة النّحو وتطوره وتدرجه على: مراتب النّحويين، وأخبار النّحويين البصريين، وطبقات النّحويين واللُّغويين، والفهرست، ونزهة الألباء، ونشأة النّحو للطنطاويّ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 343 وقبل الخوض في الخلاف بينهما، يطيب لي أن أُعرّف بهما بصورةٍ موجزةٍ. أولاً: تعريفٌ موجزٌ بالخليل بن أحمد. هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيديّ، الأزديّ، البصريّ، النّحويّ، اللُّغويّ. وفراهيد حَيٌّ من أَزْد عُمان. يقال: إنّ أباه أوّلُ من سُميّ بأحمد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وُلد الخليل في البصرة سنة (100هـ) ، ونشأ فيها، غلب على حياته الفقر، كان يقيم في خُصٍّ له بالبصرة، لايقدر على فَلْسَين، والنّاس يقتاتون بعلمه الأموال، وهو يقتات من بستانٍ له خلفه عليه أبوه بالخُريْبة. تلقى علومه على علماء عصره، فأخذ النّحو عن عيسى بن عمر الثقفيّ (149هـ) ، وأبي عمرو بن العلاء التيميّ المازنيّ (154هـ) . وروى الحروف عن عاصم بن أبي النُّجود، وعبد الله بن كثير، وهو من المقلّين عنهما. وحدّث عن أيوب بن أبي تميمة السَّخْتِياني، وعاصم الأحول، والعوَّام بن حَوْشب، وغالب القَطَّان. كان الخليل في أوّل أمره إباضيًّا، فتحوّل عنه إلى مذهب أهل السُّنَّة، قال الأصمعيّ: كادت الإباضيّة تغلب على الخليل، حتى مَنَّ الله عليه بمجالسة أيوب. كان سيد أهل الأدب قاطبة في علمه وزهده، وغايةً في تصحيح القياس، واستخراج مسائل النّحو وتعليله، وهو أوّل من استخرج العروض، وحصر أشعار العرب بها. وكان أعلمَ النّاس وأذكاهم، وأفضلَ النّاس وأتقاهم، وكان من الزّهاد في الدنيا والمنقطعين إلى العلم. وكان آيةً في الذكاء، وكان الناس يقولون: لم يكن للعرب بعد الصحابة أذكى منه ولا أجْمعَ، وهو مفتاح العلوم ومصرِّفها. وكان – رحمه الله – يَحُجّ سنةً، ويغزو سنةً، حتى جاءه الموت. ومن كلامه: أنّه قال: إن لم تكن هذه الطائفة – يعني أهل العلم – أولياء الله، فليس لله وليٌّ. وقال: تربع الجهل بين الحياء والكِبْر في العلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 344 وقال: نوازع العلم بدائع، وبدائع العلم مسارح العقل، ومن استغنى بما عنده جهل، ومن ضمّ إلى علمه علمَ غيره، كان من الموصوفين بنعت الرّبانيّين. وقال: ثلاثة تُنسيني المصائب: مَرّ الليالي، والمرأة الحسناء، ومحادثات الرجال. وقال: لايعرف الرّجلُ خطأَ معلمه حتى يُجالس غيرَه. وقال: زلَّةُ العَالِم مضروبٌ بها الطَّبل. وقال لرجلٍ، قال له: أحسبُني قد ضيّقت عليك، فقال الخليل له: فإنّ شبراً من الأرض لايَضيق على المتحابَّين، والأرضُ برُحْبِها لاتسعُ متباغِضَيْن. وقال: أكمل مايكون الإنسان عقلاً وذهناً عند الأربعين. وغيرها. أخذ عنه خلقٌ كثيرٌ، من أشهرهم: عمرو بن عثمان سيبويه، والنّضْر بن شُميل، وأبو فيد مؤرّج بن عمرو السُّدوسيّ العجليّ، وعلي بن نصر الجهضميّ، والأصمعيّ، وهارون بن موسى النّحويّ، ووهْب بن جرير، وحماد بن سلمة بن دينار، وأبو سليمان كيسان بن معرّف، وبكار بن عبد الله العوديّ، وآخرون. وللخليل مصنفات منها: كتاب العين وقد اختُلف في نسبته إليه، وكتاب النّغم، والجُمل، والعروض، والشّواهد، والنَّقْط والشّكل، والإيقاع. توفي الخليل – رحمه الله – سنة سبعين ومائة، وقيل: سنة خمس وسبعين، وقيل: سنة سبع وسبعين، وقيل: سنة ستين. والأظهر والأغلب أنّها سنة خمس وسبعين ومائة، وله أربع وسبعون سنةً (1) . ثانياً: تعريفٌ موجزٌ بسيبويه.   (1) ... اعتمدت في التعريف بالخليل على المصادر والمراجع التالية: المعارف 541، ومراتب النّحويين 54 - 72، وأخبار النّحويين البصريين 54-56، وطبقات النّحويين 47-51، والفهرست 65، ونزهة الألباء 45-47، وإنباه الرواة 1/341-347، ومعجم الأدباء 11/72-77، وإشارة التعيين 114، وسير أعلام النبلاء 7/429-431، وغاية النهاية 1/275، وبغية الوعاة 1/557-560، وشذرات الذهب 1/275-277، وتاريخ الأدب العربيّ لفروخ 2/111-116. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 345 هو أبو بِشْر عمرو بن عثمان بن قَنْبر، إمام النّحويين والبصريين، وحجة العرب، مولى بني الحارث بن كعب بن عمروٍ، ثمّ مولى آل الرَّبيع بن زيادٍ الحارثيّ؛ وسيبويه لقبٌ، ومعناه: رائحةُ التّفاح. ولد سيبويه بقريةٍ من قرى شِيراز، يقال لها: البيضاء من أرض فارس، نحو سنة (140هـ) . ثم قدم إلى البصرة ونشأ فيها، ورغب في طلب الفقه والحديث، فالتحق بحلقة حمّاد بن سلمه، فبينا هو يستملي على حمادٍ لحن، فعاتبه حمادٌ على لحنه، فقال سيبويه: لاجرم لأطلبنّ علماً لا تُلحِّنُنِي فيه أبداً، ثمّ مضى ولزم الخليل فبرع، وهو أثْبتُ من أخذ عنه. وأخذ – أيضاً – النّحو واللغة والأدب عن يُونس بن حبيب، وأبي الخطاب الأخفش الكبير، وعيسى بن عمر الثقفيّ، وأبي زيدٍ الأنصاريّ، وغيرهم. كان أعلم النّاس بالنّحو بعد الخليل، ولم يكن في البصرة ولا في غيرها مثلُه، ساد أهل عصره وفاقهم، فهو إِمامُ أهل البصرة بلا مدافع، ورئيس طبقته بلا منازع. كان فيه مع فَرْط ذكائه حُبسةٌ في لسانه، وانطلاقٌ في قلمه. كان شاباًّ نظيفاً جميلاً، قد تعلّق من كلّ علمٍ بسببٍ، وضرب بسهمٍ في كلِّ أدبٍ، مع حداثة سِنّه، وبراعته في النّحو. كان الخليل يُحبّه ويُجلُّه، ولا يَملُّ من لقائه، فكان يقول له إذا أَقْبل عليه سيبويه: مرحباً بزائرٍ لايُملّ، وما سُمع الخليل يقولُها لغيره. أمّا كتابه الذي صنّفه فلم يسبقه أحدٌ إلى مثله، ولا لحقه أحدٌ من بعده، سمّاه النّاس "قرآن النّحو"، ولقّبه المبرد بالبحر استعظاماً له، واستصعاباً لما فيه. وكان المازنيّ يقول: من أراد أن يعمل كتاباً في النّحو بعد كتاب سيبويه فليستحي. ونجم من أصحاب سيبويه ممّن أخذ عنه أبو الحسن الأخفش سعيد بن مَسْعدة، وأبو عليّ محمد بن المستنير قُطْرب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 346 قدم سيبويه إلى بغداد، وناظر الكسائيَّ وأصحابه فلم يظهر عليهم، وتعصّبُوا عليه، وجعلوا للعرب جُعْلاً ليوافقوهم، فتابع الأعراب الكسائيَّ، والمناظرة مشهورة، فظهر عليهم سيبويه بالصّواب، وظهر الكسائيُّ عليه بتركيب الحجة والتّعصب. فاستُزِلّ سيبويه فخرج وصرف وجهه تلقاء فارس، ولم يعد إلى البصرة، وأقام هناك إلى أنْ مات غمّاً بالذَّرِبِ، ولم يلبث إلاّ يسيراً. وكانت وفاته في سنة ثمانين ومائة بفارس، في أيّام الرشيد، وقبره في شِيراز. وقيل: غير ذلك في سنة ومكان وفاته، والصحيح ما أثبته وهو قول الأغلب. عاش سيبويه – رحمه الله – كما قيل: اثنتين وثلاثين سنةً، ويُقال: إنّه نيّف على الأربعين سنةً، وهو الصحيح. ولمّا مات سيبويه، قيل ليُونُس: إنّه صنّف كتاباً في ألف ورقةٍ من عِلْم الخليل، فقال: ومتى سمع سيبويه هذا كلَّه من الخليل؟ جيئوني بكتابه، فلمّا نظر فيه رأى كلّ ماحكى، فقال: يجب أن يكون هذا الرّجلُ قد صدق عن الخليل في جميع ماحكاه، كما صدق فيما حكاه عنّي (1) . المبحث الأول: اختلافهما في باب النّسب، وفيه مطلبان: المطلب الأوّل: الخلاف بينهما في النّسب إلى: (ظَبْيةٍ، أو دُمْيةٍ، أو فِتْيةٍ) . الاسم الثلاثي: الذي يُنسب إليه إذا كان آخرُه ياءً، أو واواً، وكان الحرف الذي قبل الياء أو الواو حرفاً صحيحاً ساكناً، إمّا أن يكون مختوماً بهاء التأنيث، أو لايكون.   (1) ... اعتمدت في التعريف بسيبويه على المصادر والمراجع التالية: المعارف 544، ومراتب النّحويين 106، وأخبار النّحويين البصريين 63 - 65، وطبقات النّحويين 66-72، والفهرست 74، ونزهة الألباء 54 - 58، وإنباه الرواة2/346-360، ومعجم الأدباء 16/114-127، وإشارة التعيين 242-245، وسير أعلام النبلاء 8/351، 352 وغاية النهاية 1/602، وبغية الوعاة 2/229، 230، وشذرات الذهب 1/252-255، وتاريخ الأدب العربيّ لفروخ 2/120، 121. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 347 فإن كان مجرداً من هاء التأنيث، فإنّه يُنسب إليه دون تغييرٍ، وذلك نحو: "ظَبْيٍ، وغَزْوٍ"، فتقول في النّسب إليهما: "ظَبْيِيّ، وغَزْوِيّ". وهذا مذهب سيبويه، والخليل، ويونس، وجمهور النّحويين باتفاقٍ (1) . أمّا إذا خُتم بهاء التأنيث بعد الياء، فإنّ فيه اختلافاً بين سيبويه، والخليل، ويونس، فمذهب سيبويه والخليل في أحد قوليه وهو الأقيس، أنّه يُنسب إليه على لفظه بلا تغييرٍ، سوى حذف هاء التأنيث، فتقول في النّسب إلى "ظَبْيةٍ، أو دُمْيةٍ، أو فِتْيةٍ": "ظَبْييّ، ودُمْييّ، وفِتْييّ"، كأنّك نَسبت إلى الاسم الذي ليس فيه هاء التأنيث، وأجريته مجراه؛ ومِثْلُ اليائيِّ الواويُّ، فتقول في النّسب إلى "غَزْوة، أو عُرْوة، أو رِشْوة": "غَزْويّ، وعُرْوِيّ، ورِشْويّ"، بلا تغييرٍ سوى حذف هاء التأنيث، كاليائيّ سواء، قال سيبويه: (فإذا كانت هاء التأنيث بعد هذه الياءات، فإنّ فيه اختلافاً: فمن النّاس من يقول في رَمْيةٍ: رَمْييٌّ، وفي ظَبْيةٍ: ظَبْييٌّ، وفي دُمْيةٍ: دُمْييٌّ، وفي فِتْيةٍ: فِتْييٌّ، وهو القياس ... ، كأنّك أضفت إلى شيءٍ ليس فيه ياءٌ. فإذا جعلت هذه الأشياء بمنزلة مالا ياء فيه، فأجره في الهاء مجراه وليست فيه هاء؛ لأنّ القياس أن يكون هذا النّحوُ من غير المعتل في الهاء بمنزلته إذا لم تكن فيه الهاء، ... وحدثنا يُونُس أنّ أبا عمروٍ كان يقول في ظَبْيةٍ: ظَبْييٌّ، ولاينبغي أن يكون في القياس إلاّ هذا) (2) .   (1) ... ينظر الكتاب 3/346، والمقتضب 3/137، والأصول 3/65، والتكملة 245، وابن يعيش 5/153، وشرح الجُمل 2/317، والمقرب 2/60. (2) ... ينظر الكتاب 3/346-347. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 348 أمّا مذهب يُونُس فإنّه يَنسب إليهما كما ينسب إلى الاسم الثلاثيّ المنقوص، أي: أنّه يُحرك الحرف الساكن الذي قبل الياء أو الواو بالفتحة، ثم بالنسبة للياء يَقلبها ألفاً وفق القاعدة، ثم واواً عند النّسب، فيقول في النّسب إلى ما آخره ياءً: "ظَبَوِيّ، ودُمَوِيّ، وفِتَويّ"، ومثله الواويّ فيقول: "غَزَوِيّ، وعُرَوِيّ، ورِشَويّ" وذلك بتحريك الساكن الذي قبل الواو فقط، وهو اختيار الزجاج (1) . وما ذهب إليه يُونُس في النّسب إلى "ظَبْية" وكذا: "غَزْوة" حكم عليه سيبويه بأنّه شاذٌ ومخالفٌ للقياس، ومذهبه ألاّ يُغيّر منه في النّسب إلاّ ماورد تغييره عن العرب، وذلك مثل قولهم في حيٍّ من العرب يُقال لهم: بنو زِنْية: زِنَوِيّ، وفيِ البِطْية: بِطَوِيّ (2) . أمّا الخليل فقد عَذَرَ يُونُس واحتج له في ذوات الياء دون ذوات الواو؛ لأنّ السماع يُعضّد ويقوّي مذهبه في ذوات الياء، بخلاف ذوات الواو؛ لعدم السماع. وكلام الخليل عن مذهب يُونُس واحتجاجه له في ذوات الياء دون ذوات الواو، يبيّن لنا أنّه يذهب إلى مذهب يُونُس في اليائيّ دون الواويّ؛ لأنّه لم يوافقه في الواويّ، ونَقْلُ سيبويه عن الخليل يحتمل ذلك، وكذا شُرّاح الكتاب، قال سيبويه: (وأمّا يُونُس فكان يقول في ظَبْيةٍ: ظَبَوِيٌّ، وفي دُمْيةٍ: دُمَويٌّ، وفي فِتْيةٍ: فِتَويٌّ. فقال الخليل: كأنّهم شبهوها حيث دخلتها الهاء بفَعِلةٍ؛ لأنّ اللفظ بفَعِلةٍ إذا أسكنت العين وفَعْلةٍ من بنات الواو سواءٌ.   (1) ... ينظر شرح الكافية الشافية 1950، والارتشاف 2/626، وابن يعيش 5/153، وشرح الشافية 2/48، والمساعد 3/376، وشفاء العليل 3/1023، والهمع 2/197، وحاشية الصبان 4/181. (2) ينظر الكتاب 3/347، والارتشاف 2/626، والوافي 77، والقول الفصل 111. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 349 يقول: لو بنيت فَعِلةً من بنات الواو لصارت ياءً، فلو أسكنت العين على ذلك المعنى لثبتت ياء ولم ترجع إلى الواو، فلمّا رأوها آخرُها يشبه آخرَها، جعلوا إضافتها كإضافتها، وجعلوا دُمْيةً كفُعِلةٍ، وجعلوا فِتْيةً بمنزلة فِعِلةٍ. هذا قول الخليل. وزعم أنّ الأول أقيسهما وأعربهما ... وقال: لا أقول في غَزْوة إلاّ: غَزْويٌّ؛ لأنّ ذا لايشبه آخرُه آخر فَعِلةٍ إذا أُسكنتْ عينها ... ، ولا تقول في عُرْوة إلاّ عُرْويّ ... وأمّا يُونُس فجعل بنات الياء في ذا وبنات الواو سواءً، ويقول في عُرْوة: عُرَوِيّ، وقولنا: عُرْويٌّ) (1) . وخلاصة كلام سيبويه أنّ في النّسب إلى اليائيّ أو الواويّ المختوم بهاء التأنيث مذهبين، وأنّ الخليل يجيز الوجهين في ذوات الياء دون الواو، ويختار الإقرار على الأصل. والمذهبان هما: الأول: مذهب سيبويه والخليل في أحد قوليه أن يُنسب إليهما بلا تغييرٍ سوى حذف هاء التأنيث، وبقاء سكون ماقبل الياء أو الواو، فيقال: ظَبْيِيّ، وغَزْوِيّ. الثاني: مذهب يُونُس وهو قول الخليل في اليائيّ دون الواويّ، أنّه يُنسب إليهما بإبدال سكون ماقبل الياء أو الواو فتحة، وقلب الياء ألفاً ثم واواً، فيقال: ظَبَويّ، وغَزَويّ. وقد حكم عليه سيبويه بأنّه مخالفٌ للقياس، وهو قول المبرد، إذْ قال: (فأمّا قولُ يُونُسَ في النّسب إلى ظَبْيةٍ: ظَبَويٌّ، فليس بشيءٍ، إنّما القول ماذكرت لك) (2) . والرّاجح هو ماذهب إليه الخليل بن أحمد من جواز الوجهين في النّسب إلى ذوات الياء؛ إذْ جوّز فيه أن يُنسب إليه على لفظه بلا تغييرٍ، فتقول في النّسب إلى ظَبْيةٍ: ظَبْييٌّ، وهو مذهب سيبويه.   (1) ينظر الكتاب 3/347، 348، وانظر التعليقة 3/170، والنكت على الكتاب 2/889، وابن يعيش 5/153، وشرح الشافية 2/48، والارتشاف 2/626. (2) ينظر المقتضب 3/137. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 350 وأجاز الخليل – أيضاً - أن يُنسب إليه على مذهب يُونُس، فتقول: ظَبَويٌّ؛ قال ابن مالك: (وإنْ أُنّث بالتاء، عُومل معاملةَ منقوصٍ ثلاثيّ، إن كان ياءً وفاقاً ليونس) (1) . ومذهب الخليل هو مذهب جمهور النّحويين كالسيرافيّ، والفارسيّ، والأعلم الشنتمريّ، والزمخشريّ، وابن يعيش، وابن عصفور، وابن مالك، وابن عقيل، وغيرهم (2) . المطلب الثاني: الخلاف بينهما في النّسب إلى (رايَةٍ، وغايَةٍ، وآيَةٍ) . اختلف سيبويه والخليل والنّحويّون في النّسب إلى الاسم الثلاثيّ الذي آخره ياء متحركة، قبلها ألف، وخُتم الاسم بهاء التأنيث، نحو: "رايَةٍ، وغايَةٍ، وآيَةٍ"، فقد اختلفوا في النّسب إليه على ثلاثة أوجهٍ (3) : الوجه الأول: قلب الياء همزةً، فتقول: "رائِيٌّ، وغائِيٌّ، وآئِيٌّ". وعلّة قلب الياء همزةً: أنّها اتصلت بياء النّسب، فثقل النطق بها، فأُبدلت الياء همزة لوقوعها طرفاً بعد الألف المبدلة من أصلٍ، تشبيهاً لها بالألف الزائدة في "سقاية".   (1) ينظر التسهيل 264، والمساعد 3/376، وشفاء العليل 3/1023. (2) ينظر التعليقة 3/170، والنكت على الكتاب 2/889، والمفصل 209، وابن يعيش 5/153، 154، والمقرب 2/61، والتسهيل 264، وشرح الكافية الشافية 1950، والمساعد 3/376. (3) ينظر الكتاب 3/350، 351، والمقتضب 1/284، والأصول 3/66، والتكملة 246، والتبصرة والتذكرة 2/596، وابن يعيش 5/157، وشرح الكافية الشافية 1952، والارتشاف 2/625، والمقرب 2/60، وشرح الشافية 2/51، والمساعد 3/375، والهمع 2/196. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 351 وهذا الوجه هو مذهب الخليل، قال سيبويه: (وسألته عن الإضافة إلى: "رايَةٍ، وطايَةٍ، وثايَةٍ، وآيَةٍ" ونحو ذلك، فقال: أقول: "رائِيٌّ، وطائِيٌّ، وثائِيٌّ، وآئِيٌّ"، وإنّما همزوا لاجتماع الياءات مع الألف، والألف تُشبّه بالياء، فصارت قريباً مما تجتمع فيه أربع ياءات، فهمزوها استثقالاً، وأبدلوا مكانها همزة؛ لأنّهم جعلوها بمنزلة الياء التي تُبدل بعد الألف الزائدة؛ لأنّهم كرهوها ههنا كما كُرهت ثّمَّ، وهي هنا بعد ألف كما كانت ثَمَّ، وذلك نحو ياء "رداءٍ") (1) . وقد نصّ المبرد على أنّ هذا الوجه اختاره سيبويه، وهو مخالفٌ لما ذكره سيبويه في (الكتاب) ، على ماهو مبيّن في الوجهين اللاحقين (2) . الوجه الثاني: بقاء الياء على حالها، فتقول: "رايِيٌّ، وغَايِيٌّ، وآيِيٌّ". وهذا الوجه جعله سيبويه أولى وأقوى، فقال: (ومن قال: "أُميّيٌّ"، قال: "آيِيٌّ، ورايِيٌّ" بغير همزٍ؛ لأنّ هذه لامٌ غير معتلة، وهي أولى بذلك؛ لأنّه ليس فيها أربع ياءاتٍ؛ ولأنّها أقوى) (3) . والسبب في كونه أولى وأقوى: أنّه أقيس، إذْ فيه ترك الياء على حالها دون قلبٍ، كما في "ظَبْييّ"، ولأنّك لو أفردته بعد طرح الهاء لأثبت الياء، وقلت: "رايٌ، وغايٌ، وآيٌ" ولا تلزم الهمزة؛ لأنّ الألف قبل الياء أصلٌ غير زائدٍ، والياء إنّما تُهمز إذا كان قبلها ألفٌ زائدةٌ (4) . وممّن ذهب إلى هذا الوجه ابن السراج، والزمخشريّ، وابن يعيش، والرضيّ (5) . الوجه الثالث: قلب الياء واواً، فتقول: "راويٌّ، وغاوِيٌّ، وآوِيٌّ".   (1) ينظر الكتاب 3/350. (2) ينظر المقتضب 1/285، وانظر الكتاب 3/350 – 351. (3) ينظر الكتاب 3/350-351. (4) ينظر ابن يعيش 5/157، وشرح الشافية 2/51. (5) ينظر الأصول 3/66، والمفصل 209، وابن يعيش 5/157، وشرح الشافية 2/51. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 352 وعلّة قلب الياء واواً: أنّها وقعت ثالثة متطرفة، فاستُثقلت لأجل ياء النّسب بعدها، فقُلبت واواً، كما في "عَموِيّ، وشَجوِيّ" أي: تعامل معاملة النّسب إلى المنقوص الثلاثيّ (1) . وهذا الوجه أجازه سيبويه، فقال: (ولو أَبدلتَ مكان الياء الواوَ، فقلت: "ثاوِيٌّ، وآوِيٌّ، وطاوِيٌّ، وراويٌّ" جاز ذلك، كما قالوا: "شاوِيٌّ"، فجعلوا الواوَ مكان الهمزة) (2) . وممّن ذهب إلى هذا الوجه المبرد، وهو أجود الأقاويل عنده (3) . وحاصل ماسبق ذكره أنّ في المسألة ثلاثة أوجهٍ، لخّصها الصيمريُّ بقوله: (وما كانت لامه ياءً وقبلها ألف، نحو: راية، وآية، فالنّسب إليه على ثلاثة أوجهٍ: أحدها: ترك الياء على حالها، كقولك: رايِيٌّ، وآيِيٌّ. والثاني: قلبُ الياء همزةً، كقولك: رائِيٌّ، وآئِيٌّ. والثالث: قلبها واواً، كقولك: راوِيٌّ، وآوِيٌّ) (4) . أمّا اختلاف سيبويه مع الخليل في المسألة فيتلخص فيما يلي: بيّنت – آنفاً – في الوجه الأوّل أنّ الخليل يذهب إلى قلب الياء همزة، موضحاً علّة ذلك، أما سيبويه فقد نصّ المبرد على أنّه اختار مذهب الخليل. قلت: - أيضاً – ذهب في (الكتاب) إلى تقوية عدم قلب الياء وبقائها على حالها وجعَله أَوْلى، وهو مذهب جماعة من النّحوييّن، وقد بيّنت ذلك في الوجه الثاني. - أيضاً – ذهب سيبويه في (الكتاب) إلى جواز قلب الياء واواً؛ وهو أجود الأقاويل عند المبرد، وهو موضَّح في الوجه الثالث. إذاً: سيبويه يذهب إلى جواز الأوجه الثلاثة في النّسب إلى "رايةٍ، وغايةٍ، وآيةٍ، وثايةٍ، وطايةٍ". وأمّا الخليل فيذهب إلى جواز وجهٍ واحدٍ، هو قلب الياء همزةً.   (1) ينظر شرح الشافية 2/52، وشذا العرف 133، والقول الفصل 108، 111. (2) ينظر الكتاب 3/351. (3) ينظر المقتضب 1/285. (4) ينظر التبصرة والتذكرة 2/596. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 353 والأجود: هو ماذهب إليه الخليل بن أحمد، وهو قلب الياء همزةً؛ لأنّه مذهب جمهور النّحويين كالسيرافيّ، وابن مالك، وأبي حيّان، وابن عقيل، والسّلْسيليّ، وابن جماعة، والسيوطيّ، والصّبان، وغيرهم (1) . قال السيرافيّ معلّلاً مذهب الخليل: (فأمّا من همز؛ فلأنّ الياء وقعت بعد ألفٍ، وكان حقُّها أن تُهمز قبل النّسبة وتُعلّ، ولكنّهم صحّحوها وهي شاذّةٌ، فلمّا نُسب إليها وزِيدت ياءُ النسبة ثقلت، فردّوها إلى ماكان يوجبه القياس من الهمز) (2) . وقال ابن مالك: (وفي نحو: "غايَةٍ" ثلاثة أوجهٍ: أجودها الهمز) (3) . قال ابن عقيل موضّحاً جودة الهمز: (وذلك لسلامته من ثقل الياءات، مع الكسر الموجود، ذلك في الوجه الأول – أي: غايِيّ -؛ ومن الإبدال بعد الإبدال، كما في الوجه الثالث – أي: غاوِيّ -) (4) . وقال السيوطيّ: (والهمز أجود؛ لأنّ فيه سلامةً من استثقال الياءات، وإبدالٌ أخفُّ من إبدالين) (5) . المبحث الثاني: اختلافهما في باب الهمز، وفيه مطلبان: المطلب الأول: الخلاف بينهما في تخفيف الهمزتين المجتمعتين في كلمتين. اعلم أنّ الهمزتين المتحركتين إذا التقتا في كلمتين منفصلتين، فهما على ضربين: الأول: أن تكونا متفقتي الحركة. والثاني: أن تكونا مختلفتي الحركة. فإن اتفقتا في الحركة فعلى ثلاثة أقسام: الأول: اتفاقهما في الكسر، كقوله: (هؤلاءِ إِنْ كنتم) [البقرة: 31) . الثاني: اتفاقهما في الفتح، كقوله: 0جاءَ أَشراطها) [محمد: 18] . الثالث: اتفاقهما في الضم، كقوله: (أولياءُ أُولئك) [الأحقاف: 32] .   (1) ينظر هامش الكتاب3/350، والتسهيل 264، والارتشاف 2/626، والمساعد 3/375،وشفاء العليل 3/1023، وحاشية ابن جماعة 117، والهمع 2/196، وحاشية الصبان 4/181، والنّحو الوافي 4/722. (2) ينظر هامش التعليقة 3/174، وانظر هامش الكتاب 3/350. (3) ينظر التسهيل 264. (4) ينظر المساعد 3/357. (5) ينظر الهمع 2/196. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 354 أمّا إذا اختلفتا في الحركة – وهو الضرب الثاني - فعلى خمسة أقسام، وكانت القسمة تقتضي ستةً: الأول: مضمومة ومفتوحة، كقوله: (السُّفهاءُ أَلا) [البقرة: 13] . الثاني: مفتوحة ومضمومة، عكس الأول، كقوله: (جاءَ أُمّة) [المؤمنون: 44] . الثالث: مكسورة ومفتوحة، كقوله: (وِعاءِ أَخيه) [يوسف: 76] . الرابع: مفتوحة ومكسورة، عكس الثالث، كقوله: (شُهداءَ إِذْ حضر) [البقرة: 133] . الخامس: مضمومة ومكسورة، كقوله: (مَن يشآءُ إِلى) [البقرة: 142] . السادس: مكسورة ومضمومة، عكس الخامس، ولم يرد له شاهد في القرآن. هذه أقسام التقاء الهمزتين المتحركتين في كلمتين منفصلتين (1) . واعلم أنّ القُرّاء والنّحويين اختلفوا في تحقيق الهمزتين معاً، أو تخفيفهما، أو تحقيق الأولى وتخفيف الثانية بإسقاطها، أو العكس، أو تسهيل إحداهما في الأقسام السابقة. قال ابن الحاجب: (وفي كلمتين يجوز تحقيقهما، وتخفيفهما، وتخفيف إحداهما على القياس) (2) . وقال سيبويه: (واعلم أنّ الهمزتين إذا التقتا وكانت كلُّ واحدة منهما من كلمة، فإنّ أهل التحقيق يخفّفون إحداهما، ويستثقلون تحقيقهما لما ذكرت لك، كما استثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة، فليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان فتُحقَّقا) (3) . وحاصل الخلاف بين القُرّاء والنّحويين في المسألة يتلخص في أربعة مذاهب (4) :   (1) ينظر السبعة 138، والتبصرة في القراءات 75، والكشف 1/74، وشرح الهداية 1/46، والتيسير 33، والتذكرة 1/157، والإقناع 1/377، وكشف المشكل 2/404، والنشر 1/382، والإتحاف 1/193. (2) ينظر الشافية 92، وانظر شرح الشافية 3/65. (3) ينظر الكتاب 3/548، وانظر المقتضب 1/295، والأصول 2/404. (4) ينظر الخلاف في مصادر هامش "27" السابق، وأيضاً- الكتاب 3/548، والمقتضب 1/295، والأصول 2/404، والتكملة 220، وهامش التعليقة 4/48، وابن يعيش 9/118، والمقرب 2/36، وشرح الشافية 3/65، والارتشاف 2/729، والجاربردي 265. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 355 الأول: تحقيق الهمزتين جميعاً، سواء اتفقتا في الحركة أم اختلفتا؟ وهو مذهب ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائيّ، وخلف، ورُوح عن يعقوب؛ وهو قول عبد الله بن أبي إسحاق الحضرميّ من النّحويين. وقد ذهب سيبويه إلى عدم تجويزه وحكم على تحقيق الهمزتين بالرداءة، فقال: (وأمّا الهمزتان فليس فيهما إدغام في مثل قولك: "قرأ أبوك"، و"أقْرِئْ أباك"؛ لأنّك لايجوز لك أن تقول: "قرأ أبوك" فتُحققهما … ، وزعموا أنّ ابن أبي إسحاق كان يحقق الهمزتين وأُناسٌ معه، وقد تكلم ببعضه العربُ، وهو رديءٌ) ، وما ذهب إليه سيبويه من عدم التجويز والحكم على تحقيق الهمزتين بالرداءة، هو مذهب المبرد، وابن السراج (1) . والصحيح: هو خلاف ماذهبوا إليه، فإنّه قد سُمع التحقيق فيهما، وقُرئ بهما (2) . الثاني: تخفيف الأولى (أي إسقاطها) وتحقيق الثانية، وهو مذهب أبي عمروٍ من القُرّاء والنّحويين في الهمزتين المتفقتين في الحركة، - أي الأقسام الثلاثة من الضرب الأول - ووافقه ابن شنبوذ عن قُنبل، ووافقهم على ذلك في المفتوحتين خاصةً قالون عن نافع، والبَزّيّ عن ابن كثير، وسهّلا الأولى من المكسورتين، ومن المضمومتين بين بين مع تحقيق الثانية. قال سيبويه: (فليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان فتُحقَّقا، ومن كلام العرب تخفيف الأولى وتحقيق الآخرة، وهو قول أبي عمروٍ، وذلك كقولك: "فقد جا أَشراطها"، و"يازكريّا إِنّا نُبشرك") (3) .   (1) ينظر الكتاب 4/443، والمقتضب 1/295، والأصول 2/404. (2) ممن ذهب إلى جواز تحقيقهما الرمانيّ؛ ينظر هامش التعليقة 4/49، وانظر الارتشاف 730. (3) ينظر الكتاب 3/549، وانظر المقتضب 1/295، والأصول 2/404، والتكملة 220. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 356 الثالث: تحقيق الهمزة الأولى، وتخفيف الثانية بإسقاطها، وهو مذهب الخليل بن أحمد من النّحويين، وبه قرأ ابن كثيرٍ في رواية قُنبل قوله: (هؤلاءِ انْ) ، بهمز الأولى وتخفيف الثانية؛ وهو قول نافعٍ في رواية وَرْش، نصّ على ذلك ابن مجاهد (1) ، وهو مخالفٌ لما أثبته جمهور القُرّاء؛ إذْ أثبتوا عنهما تحقيق الهمزة الأولى كالخليل، وتسهيل الهمزة الثانية لاتخفيفها، واختلفوا في صور التسهيل عنهما، على ماهو مبيّن في كتب القراءات. وما ذهب إليه الخليل هي قراءة نافعٍ، وابن كثيرٍ، وأبي عمروٍ، وأبي جعفرٍ، ورُويس عن يعقوب، في الهمزتين المختلفتين في الحركة – أي الأقسام الخمسة من الضرب الثاني -، فوافقوا الخليل في تحقيق الهمزة الأولى، وخالفوه في عدم حذف الثانية، بل سهّلوها على ماتقتضيه مقاييسُ العربية من وجوه التسهيل (2) . وإلى مذهب الخليل أشار سيبويه بقوله: (ومنهم من يُحقّق الأولى ويخفّف الآخرة، سمعنا ذلك من العرب، وهو قولك: "فقد جاءَ اشْراطها"، و"يازكريّاءُ انّا"، وكان الخليل يستحبُّ هذا القول) (3) . الرابع: تخفيف الهمزتين جميعاً، وهذا المذهب لم يقرأ به أحدٌ من القُرّاء، وإنّما هو لغة أهل الحجاز، قال سيبويه: (وأمّا أهل الحجاز فيخفّفون الهمزتين؛ لأنّه لو لم تكن إلاّ واحدة لخُففّت) . وقال: (وأمّا أهل الحجاز فيقولون: "اقرا آيةً"؛ لأنّ أهل الحجاز يخفّفونهما جميعاً، يجعلون همزة "اقْرأْ" ألفاً ساكنة، ويخفّفون همزة "آية"، ألا ترى أنْ لو لم تكن إلاّ همزة واحدة خفّفوها، فكأنّه قال: "اقرا" ثم جاء "بآية"، ونحوها) (4) .   (1) ينظر السبعة 140. (2) مفهوم التسهيل وضّحه الدّاني في التيسير 34؛ ووجوه التسهيل بيّنها ابن الجزري في النشر 1/388. (3) ينظر مصادر هامش "33" السابق. (4) ينظر الكتاب 3/550. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 357 ولكلِّ مذهبٍ من المذاهب الأربعة السابقة حجّتُه وعلّته (1) . واعلم أنّ ماسبق ذكره يختصّ بالخلاف بين القُرّاء والنّحويين عامّة، أمّا الخلاف بين سيبويه وشيخه الخليل في المسألة، فيتلخص فيما يلي: أولاً: مذهب أبي عمروٍ في التقاء الهمزتين في كلمتين، هو حذف الأولى وتحقيق الثانية. ثانياً: مذهب الخليل هو تحقيق الأولى وحذف الهمزة الثانية. ثالثاً: مذهب سيبويه جواز الوجهين، فقال – بعد ذكره لمذهب أبي عمروٍ والخليل -: (وكلٌّ عربيٌّ) . وأكّد مذهبه بقوله: (وتقول: "اقْرا آيةً" في قول من خفّف الأولى؛ لأنّ الهمزة الساكنة أبداً إذا خُفّفت أُبدل مكانَها الحرفُ الذي منه حركةُ ماقبلها. ومن حقّق الأُولى، قال: "اقْرَ آيةً"؛ لأنّك خفّفتَ همزةً متحركة قبلها حرفٌ ساكنٌ، فحذفتها وألقيت حركتها على الساكن الذي قبلها) (2) . إذاً: خلاصة الخلاف بينهما أن الخليل يرى تخفيف الثانية على كلّ حالٍ، وأمّا سيبويه فيرى جواز الوجهين، أعني: تخفيف الأولى وتحقيق الهمزة الثانية، ويرى العكس، وهو ماعبّر عنه بقوله: (وكلٌّ عربيٌّ) ، وبقوله: (واعلم أنّ الهمزتين إذا التقتا في كلمةٍ واحدةٍ لم يكن بُدُّ من بدل الآخرِة، ولا تُخفّف؛ لأنّهما إذا كانتا في حرف واحد لزم التقاءُ الهمزتين الحرفَ. وإذا كانت الهمزتان في كلمتين، فإنّ كلّ واحدة منهما قد تجرى في الكلام، ولا تَلزَق بهمزتها همزةٌ، فلما كانتا لا تُفارِقان الكلمة كانتا أثقل، فأبدلوا من إحداهما، ولم يجعلوهما في الاسم الواحد والكلمة الواحدة بمنزلتهما في كلمتين) (3) .   (1) ينظر الكتاب 3/549، والمقتضب 1/295، والكشف 1/74، وشرح الهداية 1/46، وشرح الشافية 3/65. (2) ينظر الكتاب 3/549، 550. (3) ينظر الكتاب 3/552. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 358 وقد رجّح المبرد مذهب الخليل، فقال: (وكان الخليل يرى تخفيف الثانية على كلّ حالٍ، ويقول: لأنّ البدل لايلزم إلاّ الثانية، وذلك لأنّ الأُولى يُلفظ بها، ولا مانع لها، والثانية تمتنع من التحقيق من أجل الأُولى التي قد ثبتت في اللفظ، وقولُ الخليل أقيسُ، وأكثر النّحويّين عليه) (1) . المطلب الثاني: الخلاف بينهما في الهمز والنّبر، أهما شيءٌ واحدٌ، أم بينهما فرقٌ؟ اختلف سيبويه مع الخليل في الهمز والنّبر، أهما شيءٌ واحدٌ، أم بينهما فرقٌ؟ فذهب الخليل إلى أنَّ النّبر دون الهمز، وذّلك أنّ الهمزة إذا خُفّفت ذهب بذلك معظم صوتها، وخفّ النّطق بها، فتصير نبْرةً، أي: همزة غير محققة؛ وهو قول بعض القراء والنّحويّين. قال الخليل: (وأمّا الهمزة فمخرجُها من أقصى الحلق مهتوتةً مضغوطةً، فإذا رُفِّه عنها لانت) (2) . وقد وضّح أبو عمروٍ الدانيّ الفرق بين الهمز والنبر، وكذا مذهب الخليل وغيره من القُرّاء، فقال: (وقال – أي الخزاعي فيما رواه عن ابن كثيرٍ – وكان يقرأ "شعائر الله" بنبرة، قال: والنبرة عندهم دون الهمز، قال: وكذلك" خزائن، وبصائر" ونحوها، وقال ابن مجاهدٍ عن الأصبهانيّ عن أصحابه عن ورْشٍ عن نافعٍ في حروفٍ من الهمز منبورة، قال: والنّبرةُ عندهم همزةٌ ضعيفةٌ، كأنّها همزةٌ بين بين وليست بهمزةٍ ثابتةٍ، فوافق الخزاعيَّ فيما حكاه من كونها كذلك. وقال الخليل بن أحمد: النبرة ألطفُ وألينُ وأحسنُ من الهمزة، وهذا أيضاً موافق لما حكيناه) (3) .   (1) ينظر المقتضب 1/295، 296. (2) ينظر العين 1/52، ومقدمة تهذيب اللغة 59. (3) ينظر جامع البيان في القراءات السبع 1/113/أ، والتبيان في شرح مورد الظمآن 46/ب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 359 أي: أنّ الهمز عند الخليل هو الصوت المحقَّقُ للهمزة الذي يخرج من أقصى الحلق؛ والنّبر: هو الهمزة المخففة بوجهٍ من وجوه التسهيل. وهذا مذهب الزمخشري، وابن يعيش، فقال: (اعلم أنّ الهمزة حرفٌ شديدٌ مستثقلٌ، يخرج من أقصى الحلق؛ إذْ كان أدْخلَ الحروف في الحلق، فاستثقل النطق به، إذْ كان إخراجُه كالتهوّع، فلذلك الاستثقال ساغ فيها التخفيف، وهو لغة قريش وأكثر أهل الحجاز، وهو نوعُ استحسانٍ لثقل الهمزة، والتحقيق لغة تميم وقيس، قالوا: لأنّ الهمزة حرف فوجب الإتيان به كغيره من الحروف. وتخفيفها كما ذَكر: يكون بالإبدال، والحذف، وأن تُجعل بين بين؛ فالإبدال: بأن تُزيل نبْرتها فتَلين، فحينئذٍ تصير إلى الألف والواو والياء على حسب حركتها وحركة ماقبلها، وأمّا الحذف فأنْ تُسقطها من اللفظ البتة؛ وأمّا جعلُها بين بين، أي: بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها، فإذا كانت مفتوحةً تجعلها بين الهمزة والألف، وإذا كانت مضمومةً بين الهمزة والواو، وإذا كانت مكسورةً بين الياء والهمزة) (1) . وأما سيبويه فإنّه لايرى فرقاً بين الهمز والنّبر، بل هما اسمان لمسمّى واحدٍ، فالهمزة المحققة عنده تسمّى نَبْرة، والعكس، أي: أنّ اختلاف الاسم – عنده – لايوجب اختلاف المسمّى، فقال: (واعلم أنّ الهمزة إنّما فَعَلَ بها هذا من لم يخفّفها؛ لأنّه بَعُد مخرجُها؛ ولأنّها نبْرةٌ تخرج باجتهاد، وهي أبعد الحروف مخرجا، فثقل عليهم ذلك؛ لأنّه كالتهوُّع) (2) ، فنلحظ من كلامه أنّه سوّى بين الهمزة والنّبرة. والرّاجح هو قول سيبويه؛ لأنّه مذهب جمهور اللُّغويين، والنّحويين، والقُرّاء؛ إِذْ ذهبوا إلى أنّ الهمز والنّبر مترادفان على معنى واحدٍ.   (1) ينظر المفصل 349، وابن يعيش 9/107. (2) ينظر الكتاب 3/548، وانظر الإقناع 1/358، وشرح الشافية 3/31. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 360 قال ابن السكيت: (والنّبْرُ: مصدرُ نبرت الحرف نبْراً، إذا همزتَه) (1) . وقال ابن فارس: (النّبْر في الكلام: الهمز، وكلُّ شيء رَفَع شيئاً فقد نَبَره، ولذلك سُمّي المنبر) ؛ وهو قول الجوهريّ، وابن منظور (2) . وإليه ذهب العكبريّ، والرضيّ وغيرهما من النّحويّين، قال العكبريّ: (اعلم أنّ الهمزة نبْرة تخرج من أقصى الحلق يشبه صوتها التهوّع) (3) . وقد رجّح مذهب سيبويه من القُرّاء أبو عمرو الدّانيّ، فقال: (4) والهمزُ فيه كُلْفةٌ وتعْبُ لأنّه حرفٌ شديدٌ صعْبُ يُخرجُهُ الناطقُ باجتهادِ من صدْره وقُوّة اعتمادِ يُعيبه الكُلفةُ والتّنطعْ إذْ هو كالسَّعلةِ والتهوّعْ لذاك فيه النقلُ والتسهيلُ بالجعْلِ بينَ بينَ والتّبديلُ والهمزُ والنّبْرُ هما لقبانِ لواحدٍ بذاك يُعلمانِ وقال أهلُ العلمِ بالحروفِ النّبرُ تعبيرٌ عن التّخفيفِ. المبحث الثالث: اختلافهما في باب القلب المكانيّ، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الخلاف بينهما في الجمع الأقصى لمفردٍ لامه همزة قبلها حرف مدّ، كخطايا. اعلم أنّ القلب هو: (تقديم بعض حروف الكلمة على بعضٍ) (5) . وعرَّفه أبو حيّان – أيضاً – فقال هو: (تصيير حرفٍ مكان حرفٍ بالتقديم والتأخير) (6) . وأكثر مايكون القلب في المعتل والمهموز، وقد جاء في غيرهما قليلاً، نحو: رعملي في لَعمْري؛ وامضحلَّ في اضْمَحلَّ؛ واكرَهفَّ في اكفَهرَّ (7) .   (1) ينظر إصلاح المنطق 16. (2) ينظر مجمل اللغة "نبر" 852، والصحاح 2/822، ولسان العرب 5/189. (3) ينظر اللباب في علل البناء والإعراب 2/443، وانظر إملاء مامَنّ به الرحمن 1/14، وشرح الشافية 3/31. (4) ينظر الأُرجوزة المنبهة 235، 236. (5) ينظر شرح الشافية 1/21، وانظر حاشية ابن جماعة 21، والمغني 33، وتصريف الأفعال 52. (6) ينظر الارتشاف 1/334، وانظر الهمع 2/224. (7) ينظر التسهيل 315، وشرح الشافية 1/21، والارتشاف 1/334، والهمع 2/224. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 361 والقلب المكانيّ له إماراتٌ وأنواعٌ يكثر فيها، أمّا إماراته التي يُعرف بها، فقد ذكر ابن الحاجب أنّ القلب يعرف بستة أوجهٍ، فقال: (ويُعرف القلب بأصله: كنَاءَ يناءُ مع النأْي؛ وبأمثلة اشتقاقه: كالجاهِ والحادي والقِسِيّ؛ وبصحّته: كأَيس؛ وبقلّة استعماله: كآرامٍ وآدُرٍ، وبأداء تركه إلى همزتين عند الخليل: نحو: جاءٍ؛ أو إلى منع الصرف بغير علّةٍ على الأصحّ: نحو: أشياءَ) (1) . وقد ذهب ابن عصفورٍ إلى أنّ القلب يعرف بأربعة أشياء (2) ، وذهب ابن مالك إلى أنّه يُعرف بدليل واحدٍ، فقال: (وعلامة صحّة القلب: كونُ أحدِ التأليفين فائقاً للآخرِ ببعضٍِ التصريف، فإن لم يثبتْ ذلك فهما أصلان) (3) . وأمّا أنواعه التي يكثر فيها، فهي: (4) تقديم اللام على العين، وهو أكثرها، نحو: راء في رأى، وناء في نأى. تقديم العين على الفاء، نحو: أَيس في يئس، وجاه في وجه. تقديم اللام على الفاء، نحو: أشياء في شَيْئاء. تأخير الفاء عن اللام، نحو: حادي في واحد. تقديم اللاّم الأولى على العين، وهو أقلّها، نحو: طأمن في طمْأَن. واعلم أنّ سيبويه والخليلَ اختلفا في نحو: (خَطَايا، وبَرايا، ودَنَايا) جمع: (خَطِيئة، وبَرِيئة، ودَنيئة) أي: أنّهما اختلفا في الجمع الأقصى الذي على وزن (فَعَائِل) إذا وقعت الهمزة بعد ألف الجمع، وكانت تلك الهمزة عارضةً فيه، وكانت لام مفرده أصلها همزة، فذهب سيبويه إلى قلب الهمزة العارضة ياءً، أمّا الخليل فإنّه يذهب إلى القلب المكاني، فيجعل الياءَ موضع الهمزة، والهمزةَ موضع الياء.   (1) ينظر الشافية 8، وانظر شرح الشافية 1/21، والجاربردي وحاشية ابن جماعة 21، والهمع 2/225، وشذا العرف 23. (2) ينظر المقرب 2/197. (3) ينظر التسهيل 316، وانظر المساعد 4/212، وشفاء العليل 3/1110. (4) ينظر الخصائص 2/73، والتسهيل 315، والارتشاف 1/335، والهمع 2/224، والمغني 34، وتصريف الأفعال 52. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 362 ومُؤدَّى الخلاف بينهما: هو أنّ عدم القلب المكانيّ – عند الخليل – يؤدى إلى اجتماع همزتين، لذا أوجب الفرار ممّا يؤدي إليهما، وإنّما دعا الخليلَ إلى ارتكاب وجوب القلب في مثله، أداء ترك القلب إلى اجتماع إعلالين في الكلمة الواحدة، كما هو مذهب سيبويه، والقولُ بالقلب دَفْعٌ لاجتماعهما. وأمّا سيبويه فإنّه لايقول به، وإن أدّى تركه إلى اجتماع همزتين، ومن ثمّ اجتماع إعلالين؛ لأنّ اجتماع الهمزتين يزول – عنده – بقلب الهمزة العارضة ياءً، فيتخلص مما يجتنبه الخليل مع عدم ارتكاب القلب الذي هو خلاف الأصل. فأصل "خطايا" عندهما: "خطايئ" بياءٍ مكسورة هي ياءُ "خطيئةٍ"، وهمزة بعدها هي لامها، ثم أُبدلت الياءُ المكسورة همزة لوقوعها بعد ألف الجمع على حد إبدالها في (صحائف) ، فصارت "خطائِئ" بهمزتين: الأُولى مبدلة من الياء، والثانية هي لام الكلمة؛ ثمّ أُبدلت الهمزة الثانية التي هي لام الكلمة ياءً؛ لأنّ الهمزة المتطرفة بعد همزة تقلب ياءً مطلقاً، فبعد المكسورة أولى، فصارت "خطائِي" وما سبق ذكره من خطوات هو مذهب سيبويه. أمّا الخليل فيختصر الخطوات السابقة بتقديم الهمزة على الياء، فتصير "خطائِي". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 363 ثمّ بعد ذلك اتفق الخليل وسيبويه في باقي الخطوات، وهي: قلب كسرة الهمزة الأولى فتحةً وذلك للتخفيف، فصارت "خطائَي"؛ ثم قُلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ماقبلها، فصارت "خطاءا" بألفين بينهما همزة، والهمزة تُشْبُه الألف، فاجتمع شبه ثلاث ألفات، وذلك مستكرهٌ، فأُبدلت الهمزة ياءً ولم تُبْدل واواً؛ لأنّ الياء أخفُّ منها، فصارت "خطايا" وذلك بعد خمس خطوات في مذهب سيبويه، وأربعٍ في مذهب الخليل بن أحمد (1) . قال سيبويه: (وأمّا "خطايا" فكأنّهم قلبوا ياءً أُبدلت من آخر "خطايا" ألفاً؛ لأنّ ماقبل آخرها مكسور، ... وأبدلوا مكان الهمزة التي قبل الآخر ياءً، وفُتحت للألف، ... فلمّأ أبدلوا من الحرفِ الآخر ألفاً، استثقلوا همزةً بين ألفين، لقرب الألفين من الهمزة، ... أبدلوا مكان الهمزة التي قبل الآخرة ياءً) (2) . والرّاجح: مذهب سيبويه، وهو قول الجمهور؛ لأنّ الخليل اُعترض عليه بأنّهم قد نطقوا باجتماع الهمزتين، مما يدلّ على صحة مذهب سيبويه، إذْ قال بعض العرب: "اللهمّ اغفر لي خطائِئ" – بهمزتين – على الأصل، وهو شاذٌٌّ (3) . قال ابن جني: (ومذهب مَنْ لم يقُل بالقلب في "خطايا" عندي أقوى من قول الخليل) (4) . قلت: ثمرة الخلاف بينهما هو أنّ وزن "خطايا" عند الخليل (فَعَالِي) ، ووزنها عند سيبويه (فَعَايِل) . المطلب الثاني: الخلاف بينهما في اسم الفاعل من الأجوف الثلاثي المهموز اللاّم.   (1) ينظر التكملة 597، والمنصف 2/54، وابن يعيش 9/117، وشرح الشافية 3/59، وأوضح المسالك 3/321، والمساعد 4/214، وتوضيح المقاصد 6/19، والإنصاف 2/806، وإملاء مامنّ به الرحمن 1/38، والتصريح 2/371، وشذا العرف 154، والقواعد والتطبيقات 37، ومنجد الطالبين 54. (2) ينظر الكتاب 3/553. (3) ينظر المنصف 2/57، وابن يعيش 9/116، وتوضيح المقاصد 6/19، والتصريح 2/371. (4) ينظر المنصف 2/57. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 364 اختلف سيبويه والخليل في الاسم الثلاثي المهموز اللام، إذا كانت عينه واواً أو ياءً، وذلك نحو: سَاءَ يسُوءُ، وناءَ ينُوءُ، وجاءَ يجيئ، وشاءَ يشاءُ، إذا بنيت منها اسم الفاعل فإنّك تقول: سَاءٍ، ونَاءٍ، وجَاءٍ، وشاءٍ. فهو كاسم الفاعل من "قام" وأمثاله، في أنّك إذا أُبدلت من العين همزة، قلت "قائم"، إلاّ أنّ اسم الفاعل من "جاء" يخالف اسم الفاعل من "قام" في أنّه إذا أبدلت عينُه همزةً، التقت همزتان، الأُولى: بدلٌ من عين الكلمة، والثانية: هي لام الفعل، فأُبدلت الهمزة الثانية ياءً، لكسر ماقبلها؛ لأنّه لايلتقي همزتان في كلمةٍ إلاّ لزم الآخرةَ منهما البدلُ، فتصير: "جائِيٌ"، ثم صارت: جاءٍ، عُوملت معاملة: قاضٍ؛ ومثلها: ساءٍ، وناءٍ، وشاءٍ؛ وهذا مذهب سيبويه في أنّه غير مقلوبٍ، ووزنه "فاعل". أمّا مذهب الخليل فإنّه يقلب اللاّم في موضع العين، فلم تلتق همزتان، فأصل "جاءٍ" في مذهبه: جايئٌ، ثم قَلب فصار: جائيٌ، فالهمزة التي تلي الألفَ، إنّما هي لام الفعل التي لم تزل همزةً قُدّمت على عين الفعل التي كانت تُهمز للاعتلال إذا كانت إلى جانب الألف، ثم صارت: جاءٍ، بمنزلة: قاضٍ، ووزنه – عنده – "فالع، ثم فَالٍ" (1) . قال سيبويه: (وأمّا الخليل فكان يزعم أنّ قولك: "جاءٍ وشاءٍ" ونحوهما، اللاّم فيهنّ مقلوبةٌ، وقال: أَلزمُوا ذلك هذا واطّرد فيه، إذْ كانوا يقلبون كراهية الهمزة الواحدة) .   (1) ينظر المقتضب 1/253، والتكملة 595، والمنصف 2/52، وابن يعيش 9/117، وشرح الشافية 1/25، والممتع 2/509، والمساعد 4/213، والارتشاف 1/335. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 365 وقبل ذلك بيّن سيبويه مذهبه، فقال: (فهذه الحروف تجري مجرى: قال يقول، وباع يبيع، وخاف يخاف، وهاب يهاب، إلاّ أنّك تحوّل اللام ياءً إذا همزت العين، وذلك قولك: جاءٍ، كما ترى همزت العين التي همزت في "بائع" واللام مهموزه، فالتقت همزتان، ولم تكن لتجعل اللام بين بين من قِبل أنّهما في كلمة واحدةٍ، وأنّهما لايفترقان، فصار بمنزلة مايلزمه الإدغام؛ لأنّه في كلمة واحدة، وأنّ التضعيف لايفارقه) . وفي نهاية المسألة أكّد مذهبه، فقال: (فهذا تقويةٌ لمن زعم أنّ الهمزة في "جاءٍ" هي الهمزة التي تُبدل من العين) ثم قال: (وكلا القولين حسنٌ جميلٌ) (1) . قال ابن عقيل: (وهذا يقتضي إجازته كُلاًّ منهما، لكنّ الأوّلَ هو الأرجح؛ لأنّ من قاعدته أن كثرة العمل مع الجري على القواعد، أولى من قلبه مع المخالفة) (2) . وقد اختلف النّحاة في الأخذ بأحد المذهبين، فذهب ابن مالك، والرضيّ إلى ترجيح مذهب سيبويه في عدم القلب، قال ابن مالك: (وليس "جاءٍ" و"خطايا" مقلوبين خلافاً للخليل) (3) . وذهب أبو عليّ الفارسيّ، وابن يعيش، وابن عقيل إلى ترجيح مذهب الخليل، وهو القول بالقلب المكانيّ (4) . وذهب بعض النّحويين – وهو الراجح - إلى أنّ كلا القولين حسنٌ جميلٌ، كما ذكر سيبويه في نهاية كلامه، ومن هؤلاء: المبرد، وابن جنى، وابن عصفور، وأبو حيّان، وغيرهم (5) . المطلب الثالث: الخلاف بينهما في جمع اسم الفاعل ك"جائية" على "فواعل".   (1) ينظر الكتاب 4/376، 377، 378. (2) ينظر المساعد 4/213. (3) ينظر التسهيل 316، وانظر شرح الشافية 1/25. (4) ينظر التكملة 596، وابن يعيش 9/117، والمساعد 4/213. (5) ينظر المقتضب 2/254، والمنصف 2/53، والممتع 2/510، والارتشاف 1/335. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 366 اعلم أنّ سيبويه اختلف مع شيخه الخليل في اسم الفاعل من الأجوف الثلاثيّ المهموز اللام – كما بيّنته سابقاً – كما أنّهما اختلفا – أيضاً – في جمعه، أي: اسم الفاعل على "فَواعل"، نحو: جَواءٍ، وسَواءٍ، جَمْعي: جائية، وسائية. فمذهب الخليل أنّ أصل "جواءٍ": "جوايئٌ"، ثمّ قَلب اللام في موضع العين؛ لئلاّ تلتقي همزتان، فصار "جوائيٌ"، على وزن (فوالع) ، فالهمزة التي تلي الألف إنّما هي لام الجمع، قُدّمت على العين التي كانت تُهمز إذا كانت إلى جانب الألف، ثمّ عُومل الجمع معاملة "قاضٍ"، فصار: جواءٍ، على وزن (فوالٍ) . أمّا سيبويه فلا يرى القلب وإن أدّى ذلك إلى اجتماع همزتين في الطرف، وهو ما احترز منه الخليل، وحَمَلَه على ارتكاب وجوب القلب؛ لأنّ ترْكَه يُؤدّي إلى اجتماع إعلالين كما هو مذهب سيبويه، هما: قلب العين همزةً، وقلب الهمزة التي هي لامٌ ياءً، ولا يلزم ذلك في قول الخليل. فأصل "جواءٍ" في مذهب سيبويه: "جوايئٌ"، فأُبدلت الياء التي هي عين الجمع همزة؛ لوقوعها بعد الألف، فصارت "جوائئ"، فاجتمعت همزتان فأُبدلت الهمزة الثانية ياءً؛ لانكسار ماقبلها، فصارت "جوائي"، على وزن (فواعل) ، ثمّ عُومل الجمع معاملة "قاضٍ"، فصار: جواءٍ، على وزن (فواعٍ) ، ولا قلب فيه، قال سيبويه: (وإذا قلت: (فواعل) من "جئت" قلت: "جَواءٍ"، كما تقول من: "شأوت: شَواءٍ"، فتجريها في الجمع على حدّ ما كانت عليه في الواحد؛ لأنّك أَجريتَ واحدها مجرى الواحد من "شأوت") (1) .   (1) ينظر الكتاب 4/377. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 367 والرّاجح هو ما ذهب إليه سيبويه، وهو مذهب جماعة من النّحويّين كالمازنيّ، وأبي عليّ الفارسيّ، وابن جنّيّ، والرضيّ، والجاربرديّ وغيرهم، قال المازنيّ: (وإذا كانت الهمزة ثابتة في الواحد، ثمّ كَسّرت ذلك الواحد على هذا المثال لم تُغيّر الهمزة؛ لأنّها لم تَعرِض في جمعٍ، وذلك أنّك إذا جمعت "جائية" على "فواعل"، قلت: "جواءٍ" مثل "جواعٍ"؛ لأنّ الهمزة لم تَعرِض في جمعٍ فيُفعل بها ما فُعل ب"خطايا، ومطايا، وحيايا، وسوايا") (1) . وفي القلب المكانيّ أربع وقفات: الوقفة الأولى: ذهب الخليل بن أحمد إلى أنّ القلب المكانيّ يكون قياسيًّا في كلّ ما يؤدي ترك القلب فيه إلى اجتماع همزتين في الطرف، وذلك في ثلاث صور: الصورة الأولى: كلّ جمعٍ أقصى لمفردٍ لامه همزة، قبلها حرف مدٍّ، نحو: "خطايا" في جمع "خطيئة". الصورة الثانية: اسم الفاعل من الأجوف الثلاثيّ المهموز اللام، نحو: جاءٍ، وساءٍ. الصورة الثالثة: جمع اسم الفاعل – السابق – على "فواعل"، نحو: جواءٍ، وسواءٍ، جَمْعي: جائية، وسائية. فإنّ هذه الصور عند الخليل قياسيّة، أمّا سيبويه ومن تبعه من جمهور النحويّين فلا يحكمون بقياسيّتها، وإن أدّى ترْكه إلى اجتماع همزتين.   (1) ينظر المنصف 2/63، وانظر التكملة 596، وشرح الشافية 1/25، والممتع 2/511، والارتشاف 1/336، والجاربرديّ 311. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 368 قال الرضيّ: (وليس شيءٌ من القلب قياسيّاً إلاّ ما ادعى الخليل فيما أدّى ترْك القلب إلى اجتماع همزتين ... ، فإنّه عنده قياسيٌّ ... ، وليس ما ذهب إليه الخليل بمتينٍ، وذلك لأنّه إنّما يُحترز عن مكروهٍ إذا خيف ثباتُه وبقاؤه، أمّا إذا أدّى الأمر إلى مكروهٍ وهناك سببٌ لزواله، فلا يجب الاحتراز من الأداء إليه، ... وإنّما دعا الخليلَ إلى ارتكاب وجوب القلب في مثله، أداء ترْك القلب إلى إعلالين كما هو مذهب سيبويه، وكثرةُ القلب في الأجوف الصحيح اللام، نحو: شاكٍ وشواعٍ، في: شائك وشوائع، فلمّا رأى فرارَهم من الأداء إلى همزةٍ في بعض المواضع، أوجب الفرار ممّا يؤدي إلى همزتين) (1) . الوقفة الثانية: توسّع الكوفيّون في إطلاق القلب على كلّ كلمتين اتحد معناهما، ووُجد بينهما خلافٌ في تقديم بعض الحروف على بعضٍ، مع وجود المصدرين لكلٍّ من الفعلين، نحو: جَبَذ، وجذب. أمّا البصريّون فلا يرون القلب إن وُجد المصدران لكلّ واحدٍ من الفعلين، بل هما أصلان، وليس أحدهما مقلوباً من الآخر (2) . قال سيبويه: (وأمّا جَذَبت وجَبَذت ونحوه فليس فيه قلبٌ، وكلّ واحدٍ منهما على حِدَته؛ لأنّ ذلك يطّرد فيهما في كلّ معنىً، ويتصرّف الفعل فيه، وليس هذا بمنزلة مالا يطّرد ممّا إذا قلبتَ حروفه عمّا تكلّموا به، وجدتَ لفظه لفظَ ماهو في معناه من فعلٍ، أو واحدٍ هو الأصل الذي ينبغي أن يكون ذلك داخلاً عليه كدخول الزوائد) (3) .   (1) ينظر شرح الشافية 1/24، 25، وانظر الجاربردي وحاشية ابن جماعة 24، 310، والمغنى 39، وتصريف الأفعال 60. (2) ينظر الارتشاف 1/336، والمزهر 1/481، والمغني 33. (3) ينظر الكتاب 4/381. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 369 وقد عقد ابن جنّي في كتاب الخصائص باباً لهذه المسألة، سمّاه: "بابٌ في الأصلين يتقاربان في التركيب بالتقديم والتأخير"، قال فيه: (اعلم أنّ كلّ لفظين وُجد فيهما تقديمٌ وتأخيرٌ فأمكن أن يكونا جميعاً أصلين ليس أحدهما مقلوباً عن صاحبه فهو القياس الذي لا يجوز غيره، وإن لم يمكن ذلك حكمت بأنّ أحدهما مقلوبٌ عن صاحبه، ثم أريتَ أيّهما الأصل، وأيّهما الفرع، وسنذكر وجوه ذلك: فمّما تركيباه أصلان لا قلب فيهما، قولهم: جَذَب، وجَبَذ، ليس أحدهما مقلوباً عن صاحبه، وذلك أنّهما جميعاً يتصرّفان تصرّفاً واحداً، نحو: جذَب يَجْذِب جَذْباً فهو جاذب، والمفعول مجذوب؛ وجَبَذ يَجْبِذ جبذاً فهو جابذ، والمفعول مجبوذ. فإنَ جعلت مع هذا أحدهما أصلاً لصاحبه فسد ذلك؛ لأنّك لو فعلته لم يكن أحدهما أسعدَ بهذه الحال من الآخر، فإذا وُقفتِ الحالُ بينهما ولم يُؤثَر بالمزيّة أحدهما وجب أن يتوازيا وأن يمثُلا بصفحتيهما معاً، وكذلك ما هذه سبيله) (1) . الوقفة الثالثة: أنكر ابن دُرُستويه القلب المكانيّ، وذهب إلى أنّه لغةٌ أُخرى، قال السيوطيّ: (ذهب ابن دُرُستويه إلى إنكار القلب، فقال في شرح الفصيح: في البطّيخ لغةٌ أُخرى: طبّيخ بتقديم الطاء، وليست عندنا على القلب كما يزعم اللُّغويُّون، وقد بيّنا الحجّة في ذلك في كتاب إبطال القلب) (2) . ولم يوافقه العلماء على ذلك، قال ابن دُريد: (باب الحروف التي قُلبت، وزعم قومٌ من النحويين أنّها لغاتٌ، وهذا القول خلافٌ على أهل اللغة، يقال: جبذ وجذب، وما أطيبه وأيْطبه، وربض ورضب ... ) (3) .   (1) ينظر الخصائص 2/69، وانظر المزهر 1/481. (2) ينظر المزهر 1/481. (3) ينظر المزهر 1/476. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 370 الوقفة الرابعة: ذهب أحمد بن فارس إلى أنّ القرآن الكريم ليس فيه شيءٌ من القلب المكانيّ فيما يظنّ، وهو نحْويٌّ على مذهب الكوفيين، وهم توسعوا في إثبات القلب المكانيّ، كما بيّنته سابقاً، قال ابن فارس: (ومن سُنن العرب القلب، وذلك يكون في الكلمة، ويكون في القصّة، فأمّا الكلمة فقولهم: جَذَب وجَبَذ، وبَكَل ولَبَك، وهو كثيرٌ، وقد صنّفه علماء اللّغة. وليس من هذا فيما أظنّ من كتاب الله – جلّ ثناؤه – شيءٌ) (1) . قال عضيمة معلّقاً على قول ابن فارس: (وقد رجعت لما أحصيته من قراءاتٍ للقرآن الكريم، فوجدت قراءاتٍ سبعيّة متواترة يتعيّن فيها القلب المكانيّ، وأُخرى تحتمل القلب المكانيّ وغيره، أو يكون فيها قلبٌ عند بعض الصرفيين ولا يكون عند الآخرين، كما وجدت قراءاتٍ أُخرى غير سبعيّة تجرى هذا المجرى) (2) . المبحث الرابع: اختلافهما في باب تداخل اللُّغات. وفيه مطلبٌ هو: الخلاف بينهما في حكم تداخل اللُّغات. من الظواهر اللُّغويّة والصرفية ظاهرة تداخل اللّغات، وذلك بأن يُؤخذ الماضي من لغةٍ، والمضارع أو الوصف من أُخرى لا تنطق بالماضي كذلك، فيحصل التَّداخُل والجمعُ بين اللغتين (3) . قال ابن يعيش: (والمراد بتداخل اللّغات أنّ قوماً يقولون: "فَضَل" بالفتح "يَفضُل" بالضّمّ، وقوماً يقولون: "فَضِل" بالكسر "يَفضَل" بالفتح، ثم كَثُر ذلك حتى استُعمِل مضارع هذه اللغة مع ماضي اللغة الأُخرى، لا أنّ ذلك أصلٌ في اللُّغة) (4) . إذاً: فما مفهوم التّداخُل في اللُّغة والاصطلاح؟   (1) ينظر الصاحبي 329، وانظر المزهر 1/476. (2) ينظر المغني في تصريف الأفعال 41، 42. (3) ينظر الخصائص 1/374، والمنصف 1/208، 256، والاقتراح 67، والمزهر 1/262، والإصباح 115، والمغني 155. (4) ينظر ابن يعيش 7/154. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 371 التّداخُل لغة: قال ابن منظور: (تداخُلُ الأمور: تشابُهها والتباسُها، ودخولُ بعضها في بعض. والدَّخْلةُ في اللّون: تخليطُ ألوانٍ في لونٍ) (1) . أمّا في الاصطلاح فقد عرّفه ابن الحاجب، فقال: (ومعنى تداخل اللغتين: أنْ يَثبتَ للماضي بناءانِ، والمضارعُ لكلّ واحدٍ منهما بناءٌ واحدٌ، ثمّ يتكلّم العربيّ بأحد بناءي الماضي مع بناءِ المضارع الذي ليس له، فيتوهم أنّه جارٍ عليه، وليس كذلك) (2) . وقريبٌ منه قولُ ابن جنِّي، إذْ قال ( ... ، ثم تلاقى أصحاب اللغتين، فسمع هذا لغةَ هذا، وهذا لغة هذا، فأخذ كلُّ واحدٍ منهما من صاحبه ماضمّه إلى لغته، فتركبت هناك لغةٌ ثالثة) (3) . وقد وضّح ابن جنّي أسباب تداخُل اللّغات، وهو أن يَتلَقّى الواحد لغة غيره فيُسرع إلى قبولها، أو رفضها والاستعصام بلغته؛ أو أنّ طول تكرر سماعه للغة غيره تلصق به وتُوجد في كلامه، فقال: (واعلم أنّ العرب تختلف أحوالُها في تلقِّي الواحد منها لغةَ غيره؛ فمنهم: من يخفّ ويسرع قبولَ مايسمعه؛ ومنهم: من يستعصم فيقيم على لغته البتّة؛ ومنهم: من إذا طال تكرر لغةِ غيره لصِقت به، ووُجدت في كلامه) (4) . واعلم أنّ النّحويّين واللّغويّين قد اختلفوا في إثبات أو نفي التّداخُل في اللّغات على مذهبين: (5) الأول: ذهب إلى إثبات التّداخُل، وهم على فريقين: فريق أجازه مطلقاً، وفريق أجازه بشرط ألاّ يؤدي إلى استعمال لفظٍ مهملٍ. ومن المجوزين: الخليل بن أحمد. الثاني: ذهب إلى عدم إثباته، وحكم على ماجاء منه بالشّذوذ، أو النّدور، أو القلّة، أو الضّعف، أو أنّها لُغيّة. ومن هؤلاء: سيبويه.   (1) ينظر اللسان "دخل" 11/243. (2) ينظر الإيضاح في شرح المفصل 2/115. (3) ينظر الخصائص 1/376. (4) ينظر الخصائص 1/383. (5) ينظر الاقتراح 69، والإصباح 119. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 372 والحديث عن موضوع التّداخُل في اللّغات مطلقاً، يحتاج إلى بحثٍ مستقلٍ، إلاّ أنّني سأقتصر في هذا المبحث على الأفعال التي اختلف فيها سيبويه والخليل، هل هي من باب تداخل اللُّغات أو أنّها شاذّةٌ؟ مبيّنا موقف العلماء من الخلاف بينهما، فأقول: قال سيبويه: (وقد بنوا "فَعِل" على "يَفْعِلُ" في أحرفٍ، كما قالوا: "فَعُل يَفعُلُ"، فلزموا الضمّة، وكذلك فعلوا بالكسرة فشُبّه به، وذلك: حَسِب يَحْسِبُ، ويَئِس يَيْئسُ، ويَبِس يَيْبِسُ، ونَعِم يَنْعِمُ ... ، والفتح في هذه الأفعال جيّدٌ، وهو أقيس. وقد جاء في الكلام "فَعِل يَفْعُلُ" في حرفين، بنوه على ذلك كما بنوا "فَعِل" على "يَفْعِلُ"؛ لأنّهم قد قالوا: "يَفْعِلُ" في "فَعِل"، كما قالوا في "فَعَل"، فأدخلوا الضمة كما تدخل في "فَعَل"، وذلك: فَضِل يَفْضُلُ، ومِتَّ تَمُوتُ؛ وفَضَل يَفْضُل، ومُتَّ تَمُوتُ أقيسُ. وقد قال بعض العرب: كُدتَ تكادُ، فقال: "فَعُلْتَ تَفْعَلُ"، كما قال: "فَعِلْتُ أَفْعَلُ"، وكما ترك الكسرة كذلك ترك الضمّة. وهذا قول الخليل، وهو شاذٌٌّّ من بابه، كما أنّ "فَضِل يَفْضُل" شاذٌّ من بابه. فكما شَرِكَتْ "يَفْعِل يَفْعُل"، كذلك شَرِكَتْ "يَفْعَل يَفْعُل". وهذه الحروف من "فَعِلَ يَفْعِلُ" إلى منتهى الفصل شواذٌّ) (1) . وقال في موضعٍ آخرَ: (وأما "مِتَّ تَمُوت" فإنّما اعتَّلت من "فَعِل يفْعُل"، ولم تحوّل كما يحوّل "قُلت، وزُدت"؛ ونظيرها من الصحيح "فَضِل يَفْضُل". وكذلك: "كُدتَ تكاد"، اعتلَّت من "فَعُل يَفْعَل"، وهي نظيرة "مِتَّ" في أنّها شاذّةٌ، ولم يجيئا على ماكثُر واطّرد من "فَعُلَ" و"فَعِلَ") (2) . وخلاصة كلام سيبويه: هو أنّ الخلاف بينه وبين الخليل يتركّز في ثلاثة محاور:   (1) ينظر الكتاب 4/38 – 41. (2) ينظر الكتاب 4/343. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 373 الأول: الخلاف بينهما فيما جاء من الأفعال على (فَعِل يَفْعِل) ، نحو: حَسِب يَحْسِب، ويَئِس يَيْئِس، ويَبِس يَيْبِس، ونَعِم يَنْعِم. الثاني: ماجاء على (فَعِل يَفْعُل) من الصحيح، نحو: فَضِل يَفْضُل؛ ومن المعتلّ، نحو: مِتَّ تَمُوت. الثالث: ماجاء على (فَعُل يَفْعِل) ، نحو: كُدتَ تكاد. فقد حكم عليها سيبويه بأنّها شواذٌّ، وحكم عليها الخليلُ بأنّها من تداخُلِ اللُّغات. هذا موقف الإمامين من التداخُل فيما سبق ذكره، وأمّا موقف النّحاة واللُّغويين منهما، فقد اختلفوا في ذلك – أيضاً – على مذهبين: المذهب الأول: ذهب بعض النّحاة واللُّغويين إلى القول بما قاله سيبويه، وحكموا على ماجاء من الأفعال مخالفاً للقياس والاطّراد بأنّه شاذٌّ، وممّن ذهب إلى ذلك: المازنيّ، وابن قتيبة، والسيرافيّ، والجوهريّ، والصّيمريّ، واللَّبليّ، وابن عصفور، وابن منظور، والسيوطيّ، وغيرهم (1) . ووافقهم ابن مالك في (حَسِب يَحْسِب) وأمثالها؛ والرضيّ في (كُدتَ تكاد) ؛ وأبو زيد، وأبو الحسن الأخفش، وابن الشجريّ في (فَضِل يَفْضُل) وأمثالها (2) .   (1) ينظر المنصف 1/206، 256، وأدب الكاتب 483، 484، وشرح الكتاب 122 – 125، والتذكرة والتبصرة 2/747 – 749، وبغية الآمال 77 – 80، والممتع 1/176، 177، والهمع 2/164،والصحاح واللّسان (حَسِب، فَضَل) . (2) ينظر شرح التسهيل 3/438، وانظر شرح الشافية 1/138، وانظر آمالي ابن الشجريّ 1/210،وانظر شرح الملوكي 43، وابن يعيش 7/154. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 374 المذهب الثاني: أجازوا التَّداخُل فيها وفي غيرها، وهم: أبوعمرو، وابن السكيت، والفراء، وثعلب، والزجاجيّ، وابن خالويه، وابن جنّى، والزمخشريّ، وابن يعيش، وابن الحاجب، وابن مالك، والرضيّ، وأبو حيّان، وابن عقيل، والسّلْسيليّ، والجاربرديّ، وغيرهم (1) . والصّواب هو ماذهب إليه الخليل، وغيره - وهو المختار عندي - أنّ التَّداخُل يوجد في اللُّغات، وهو ضرْبٌ من ضروب التوسع في اللغة العربية، ولا يصح إطلاق الشذوذ دون رويةٍ وإمعانٍ؛ كما أنّه لايجوز تضييق واسعٍ؛ لأنّ العربيّ له لغة يرثها ويتكلم بها، وله أُذْنٌ يتلقى بها، فيسمع لغة غيرهِ، وغيُره يسمع لغته، فينشأ عن ذلك الاستماع تركُّبُ لغة ثالثة. وما أحسن قولَ ابن جنّي: (اعلم أنّ هذا موضعٌ قد دعا أقواماً ضَعُفَ نظرهم، وخفّت إلى تلقّى ظاهر هذه اللغة أفهامُهم، أن جمعوا أشياء على وجه الشذوذ عندهم، وادّعوا أنّها موضوعة في أصل اللغة على ماسمعوه بأَخَرةٍ من أصحابها، وأُنْسُوا ماكان ينبغي أن يذكروه، وأضاعوا ماكان واجباً أن يحفظوه. ألا تراهم كيف ذكروا في الشذوذ ماجاء على (فَعِل يفعُل) ، نحو: نَعِم ينعُم، ودِمْتَ تدوم، ومِتَّ تمُوت ... واعلم أنّ أكثر ذلك وعامّته إنّما هو لغاتٌ تداخلت فتركّبت، .... هكذا ينبغي أن يُعتقد، وهو أشبه بحكمة العرب) (2) . المبحث الخامس: اختلافهما في باب الوقف، وفيه مطلبان:   (1) ينظر إصلاح المنطق 212، والجُمل 397، وإعراب ثلاثين سورة 181، والخصائص 1/378 – 380، والمنصف 1/208، 256، 257، والمفصل 277، وابن يعيش 7/154، 157، وشرح الملوكي 42، 43، والإيضاح في شرح المفصل 2/115، والشافية 24، والتسهيل 195، وشرح التسهيل 3/437، وشرح الشافية 1/125، 135، 136، والارتشاف 1/155، 156، والمساعد 2/587 – 589، وشفاء العليل 2/841، 842، والجاربردي 57، والمزهر 1/264، 265. (2) ينظر الخصائص 1/374 – 375. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 375 المطلب الأول: الخلاف بينهما في حقيقة ألف المقصور المنوّن الموقوف عليه. ذهب ابن الحاجب إلىأنَّ الوقف في الاصطلاح، هو: (قطع الكلمة عمّا بعدها) (1) . وعرّفه أبو حيّان، فقال: (الوقف: قطع النطق عند إخراج آخر اللفظة) (2) . والعلّة في الوقف: هو أن يكون للاستراحة، أو تمام المقصود من الكلام، أو النظم في الشعر، أو تمام السجع في النثرِ (3) . قال ابن الباذش: (الحرف الذي يوقف عليه لايكون إلاّ ساكناً؛ لأنَّ الوقف أولُ السكوت الذي ينقطع فيه عملُ اللسان ويسْكُن، كما كان الذي يُبتدأ به لايكون إلاّ متحركاً؛ لأنّ الابتداءَ أولُ الكلام الذي هو بحركة اللسان وتصرُّفه، فأجرَوْا أول الطرفين مُجرى سائرهما) (4) . والوقف له أنواعٌ، ومحالٌّ (5) ، منها: الوقف على الاسم المقصور المنوّن، نحو: "فتىً"، فقد اتفق الجمهور على أنهّ يوقف عليه بالألف في جميع أحواله الثلاث، أي: إن كان مرفوعاً، أو مجروراً، أو منصوباً، فيقال: "هذا فتى، سلّمت على فتى، وأكرمت فتى"، فيوقف عليه بالألف في الأحوال الثلاث.   (1) ينظر الشافية 63، وانظر شرح الشافية 2/271، والجاربردي 168. (2) ينظر الارتشاف 2/798، وانظر كشف المشكل 2/204، وتوضيح المقاصد 5/155، والتصريح 2/338، والأشموني 4/203، والمساعد 4/301، والمكودي 218، وشذا العرف 188. (3) ينظر كشف المشكل 2/206 والمساعد 4/301، والتصريح 2/338، وشذا العرف 188. (4) ينظر الإقناع 1/504. (5) ينظر أنواع الوقف ومحالّه في: كشف المشكل 2/207، والتبيين 186، والتسهيل 328، والارتشاف 2/798، وأوضح المسالك 3/286، وتوضيح المقاصد 5/155، وابن الناظم 807، وابن عقيل 4/170، وشرح الشافية 2/271، وابن يعيش 9/66، وشفاء العليل 3/1129، والمساعد 4/301، والتصريح 2/338، والهمع 2/204، والأشموني 4/203، والقول الفصل 156، والوافي 113. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 376 وقد اختلف النّحويّون في حقيقة ألف المقصور المنوّن الموقوف عليه، على ثلاثة مذاهب: (1) المذهب الأول: أنّ الألف بدلٌ من التنوين المحذوف مطلقاً في الأحوال الثلاث: رفعاً وجراً ونصباً. وهو مذهب المازنيّ، والأخفش، والفراء، واختاره الفارسيّ. وعلّة القائلين بهذا المذهب: أنّ التنوين في الأحوال كلّها قبله فتحة، فأشبه التنوين في "رأيت زيداً"؛ لأنّهم إنّما وقفوا على "رأيت زيدا" بالإبدال ألفا؛ لأنّ الألف لاثِقلَ فيها، بخلاف الواو والياء، وهذه العلة موجودة في المقصور المنوّن (2) . وهو الظاهر من كلام ابن مالك في الألفية، فقال: (3) تنويناً اثْرَ فتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا ... ... وقْفاً، وتِلْوَ غَيْرِ فتْحٍ احْذِفَا إذْ كلامه في النظم يحتمل موافقة المازنيّ؛ لأنّ الألف وقعت بعد فتح. المذهب الثاني: هو أنّ الألفَ هي الألفُ المنقلبة عن لام الكلمة في الأحوال الثلاث. وعلتهم: أنّ التنوين حُذف بسبب الوقف، فلّما حُذف عادت الألف في الأحوال كلّها؛ لأنّ الألف إنّما حُذفت لسكونها وسكون التنوين، فلمّا حُذف التنوين للوقف لم يبق سببٌ لحذفها فعادت. وهذا المذهب مرويٌّ عن أبي عمرو، والخليل بن أحمد، والكسائيّ، ونسبه السيرافي وابن الباذش لسيبويه (4) .   (1) ينظر المذاهب الثلاثة في المصادر السابقة في هامش "94". (2) ينظر التسهيل 328،والارتشاف 2/800، وتوضيح المقاصد 5/156،والمساعد 4/304، وشرح الشافية 2/282، 284، وابن يعيش 9/77، وشرح الجُمل 2/429، والتصريح 2/338، والهمع 2/205، والأشموني 4/204. (3) ينظر الألفية 77، وانظر توضيح المقاصد 5/155، وابن عقيل 4/170، والمكودي 218. (4) ينظر التسهيل 328، والارتشاف 2/801، وتوضيح المقاصد 5/156، وشرح الشافية 2/284، وشرح الجُمل 2/430، والمساعد 4/304، والتصريح 2/338، والهمع 2/205، والوافي 116. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 377 المذهب الثالث: أنّ الألف في النّصب بدلٌ من التنوين، وفي الرفع والجرّ بدلٌ من لام الكلمة. أي: عُومل المقصور المنوّن في الوقف عليه معاملة الاسم الصحيح. وعلّتهم: أنّ الألف في "فتى" في حالتيّ الرفع والجر، عند الوقف عليها هي الألف الأصليّة (أي: لام الكلمة) ، وهي نظيرة الدّال من "زيد"، وأمّا في حالة النصب فإنّها مبدلةٌ من التنوين، نظير الألف في "رأيت زيدا"، حُذفت الألف الأصلية لاجتماع الساكنين. وهذا مذهب سيبويه فيما نقله أكثر النّحويّين؛ وقيل: ومعظم النّحويين عليه (1) . وهو مذهب ابن السّراج، وأبي عليّ الفارسيّ في أحد قوليه (2) ؛ وابن مالك في (التسهيل) ، فقال: (وكالصحيح في ذلك المقصور، خلافاً للمازنيّ في إبدال الألف من تنوينه مطلقاً، ولأبي عمروٍ والكسائيّ في عدم الإبدال منه مطلقاً) (3) . تلك أقوال العلماء في حقيقة ألف المقصور المنوّن إذا وُقف عليه، وبقي أنْ أُبيّن وجه الخلاف بين سيبويه وشيخه الخليل في المسألة، فأقول: إنّ الخليل يذهب إلى مذهب أبي عمروٍ، وتبعهما الكسائي وغيره، وهو أنّ الألف هي المنقلبة في الأحوال الثلاث، ولمّا حذف التنوين للوقف عادت الألف مطلقاً. أمّا سيبويه فله في حقيقة الألف رأيان: أولهما: أنّه يُعامل المقصور المنوّن في الوقف معاملة الصحيح، وقد بيّنته في المذهب الثالث، وهو أشهر رأييه، إذْ نسبه أكثر النّحويين إليه. وثانيهما: أنّه يذهب إلى مذهب أبي عمروٍ، والكسائيّ كشيخه الخليل.   (1) ينظر التبيين 186، وشرح الكافية الشافية 1983، والارتشاف 2/801، وتوضيح المقاصد 5/158، وابن يعيش 9/76 وشرح الشافية 2/280، والمساعد 4/304، 305، وشرح الجُمل2/430، والتصريح 2/338، والهمع 2/205، والأشموني 4/205. (2) ينظر الأصول 2/378، والتعليقة 4/266. (3) ينظر التسهيل 328. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 378 ولم يَنسب له هذا المذهب إلاّ السيرافيّ، ثم تبعه الأعلم الشنتمريّ، وابن الباذش، وذهب إليه الرضيُّ (1) ؛ لأنّ سيبويه قال: (وأمّا الألفات التي تذهب في الوصل فإنّها لاتُحذف في الوقف؛ لأنّ الفتحة والألف أخفُّ عليهم، ألا تراهم يفرّون إلى الألف من الياء والواو إذا كانت العين قبل واحدة منهما مفتوحة، وفرّوا إليها في قولهم: قد رُضَا، ونُهَا) (2) . قال السيرافي: (ومُؤدّى كلام سيبويه: أنّ الألفات التي تذهب في الوصل لاتُحذف في الوقف، نحو ألف "رَحَا، وقَفَا، ومُثَنَّى، وموْلَى" وما أشبه ذلك، فهي تذهب عند الوصل لاجتماع الساكنين: الألف، والتنوين، وعند الوقف يذهب التنوين فتعود الألف: فتقول: "عَصَا، ورَحَا، ومَوْلَى"، وليس كقولك: "هذا قاضٍْ"؛ لخفة الألف؛ وهذا الموضع يدلّ على مذهب سيبويه، وهو أنّ الألف التي تثبت في الوقف هي الألف التي كانت في الحذف ... ) (3) . قلت: ماعزاه السيرافيّ، والشنتمريّ، وابن الباذش، والرضيّ لسيبويه، هومخالفٌ لما نسبه معظم النّحويين له. وربما قال سيبويه بهما، إلاّ أنّه اُشتُهر عنه رأيُه الذي بيّنته في المذهب الثالث آنفاً، وقد رجّحه ابن عصفور، وابن مالك في (التسهيل) (4) . والصّواب: هو ما نُسب للخليل بن أحمد، وهو مذهب أبي عمروٍ، والكسائي، وهو أنّ الألف منقلبة عن لام الكلمة في الأحوال الثلاث، ولمّا حُذف التنوين للوقف عادت الألف.   (1) ينظر هامش التعليقة 4/266، والنكت 2/1111، وابن يعيش 9/76، وشرح الشافية 2/281، 283. (2) ينظر الكتاب 4/187. (3) ينظر كلام السيرافيّ في هامش التعليقة 4/226، وشرح الشافية 2/281. (4) ينظر شرح الجُمل 2/430، والمقرب 2/28، والتسهيل 328. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 379 وعُزي هذا المذهب إلى الكوفيين، وقال به ابن كيسان، والسيرافيّ، والأعلم، وابن برهان، والجزوليّ، وأبو عليّ الشلوبين، والرضيّ، ورجّحه أبو حيّان، وقوّاه ابن عقيل (1) ، ومال إليه ابن مالك في (الكافية الشافية، وشرحها) وقوّاه، فقال: (وهذا المذهب أقوى من غيره، وهذا موافقٌ لمذهب ربيعة في حذفهم تنوين الصحيح دون بدلٍ، والوقف عليه بالسكون مطلقاً. وتُقوي هذا المذهبَ الروايةُ بإمالة الألف وقفاً، والاعتداد بها رويّا، وبدلُ التنوين غيرُ صالحٍ لذلك، ... وهو اختيار السيرافيّ، وبه أقول) (2) . قال الصّبّان: (ثمرة هذا الخلاف تظهر في الإعراب: فعلى أنّها بدلُ التنوين يُعرب بحركاتٍ مقدرةٍ على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين؛ وعلى أنّها المنقلبة عن الياء يُعرب بحركاتٍ مقدرةٍ على الموجودة؛ لأنّها حينئذٍ محل الإعراب، فاحفظه) (3) . المطلب الثاني: الخلاف بينهما في الوقف على المنادى المنقوص غير المنوّن. اعلم أنّ المنقوص على نوعين: منقوص منوّن؛ ومنقوص غير منوّنٍ. وكلّ نوعٍ منهما له أحكام تخصّه في الوقف عليه، هذا بيانها: (4)   (1) ينظر الارتشاف 2/801، وتوضيح المقاصد 5/156، وشرح الشافية 2/280، 284، وابن يعيش 9/76، والمساعد 4/304، 305، والنكت 2/1112، والمقدمة الجزولية 281، وشرح المقدمة 1069، والتصريح 2/338، 339، والهمع 2/205، والوافي 116، والقول الفصل 158 (2) ينظر شرح الكافية الشافية 4/1983. (3) ينظر حاشية الصّبّان على الأشموني 4/204. (4) ينظر أنواع الوقف على المنقوص وأحكامه في الكتاب 4/183، والأصول 2/374، والتبصرة والتذكرة 2/719، والمفصل 340، وشرح الجُمل 2/431، وابن يعيش 9/74، والتسهيل 328، والارتشاف 803، وابن الناظم 808، وشرح الشافية 2/300، وتوضيح المقاصد5/160، والمساعد 4/308، والمكودي 218، والهمع 2/205. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 380 أولاً: إذا وُقف على المنقوص المنوّن، إمّا أن يكون منصوباً، وإمّا أن يكون مرفوعاً أو مجروراً؛ فإن كان منصوباً، نحو: "رأيت قاضياً"، وجب إثبات يائه، وأُبدل من تنوينه ألفا. وإن كان مرفوعاً أو مجروراً، فالأفصح والأجود والأكثر حذْفُ التنوين والياء، فتقول "هذا قاضْ، ومررت بقاضْ"، ويجوز إثبات الياء، لكنّ الأرجح هو الحذف. وقد جاء الوقف بالياء عن ابن كثير، وورش في مواضع من القرآن، كقوله تعالى: (ولِكُلِّ قَوْمٍ هَادِى) [الرعد: 7] ، وكقوله: (وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالِى) [الرعد: 11] (1) . قال ابن مالك: (والمنقوصُ غَيرُ المنصوب، إن كان منوّناً فاستصحابُ حذف يائه أجود) (2) . ثانياً: إذا وُقف على المنقوص غير المنوّن، جاز فيه الوجهان: بقاء الياء وحذفها، والأكثر والأجود بقاء الياء، قال ابن مالك: (وإن لم يكن منوّناً فالإثباتُ أجود) (3) . وحُكْم ابن مالك على إثبات ياء المنقوص غير المنوّن يقع في أربعة أنواع: الأول: ما سقط تنوينه لأجل "أل": فإن كان منصوباً وقف عليه بإثبات الياء قولاً واحداً، نحو: "رأيت القاضي"؛ وإن كان مرفوعاً أو مجروراً فإقرار الياء أقيس وأكثر من حذفها، فتقول: "هذا القاضِي، ومررت بالقاضِي) بالإثبات، ويجوز الحذف فتقول: "هذا القاضْ، ومررت بالقاضْ". الثاني: ماسقط تنوينه لمنع الصرف: فيُوقف عليه بإثبات الياء، نحو: "رأيت جواري" نصباً. الثالث: ماسقط تنوينه للإضافة: فيجوز فيه الوجهان إذا وُقف عليه كالمنوّن، نحو: "قاضِي مكة". الرابع: ماسقط تنوينه للنداء، نحو: "ياقاضِي أَقْبِلْ"، فيجوز الوقف عليه بإثبات الياء، ويجوز حذفها.   (1) ينظر التيسير 69، والإقناع 1/520، والنشر 2/137، والإتحاف 1/324. (2) ينظر التسهيل 328، وانظر التبيين 184، والمساعد 4/308. (3) ينظر التسهيل 328. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 381 وهذا الموضع هو محلّ الخلاف بين سيبويه وشيخه الخليل، فالخليل يختار أن يُوقف عليه بالياء، وسيبويه اختار مذهب يُونُس ورجّحه، وهو حذف الياء، فتقول: "ياقاضْ"؛ لأنّ المنادى محلُّ حذْفٍ وتخفيفٍ، قال سيبويه: (وسألت الخليل عن "القاضِي" في الندّاء، فقال: أختار "ياقاضِي"؛ لأنّه ليس بمنوّنٍ، كما أختار "هذا القاضي". وأمّا يُونُس فقال: "ياقاضْ"؛ وقولُ يُونُس أقوى؛ لأنّه لمّا كان من كلامهم أن يحذفوا في غير النّداء كانوا في النّداء أجدرَ؛ لأنّ الندّاء موضعُ حذْفٍ، يحذفون التنوين ويقولون: ياحَارِ، وياصَاحِ، وياغُلامُ أَقْبلْ) (1) . وقد انقسم النّحويوّن في اختيارهم أحد المذهبين – أعني: مذهب الخليل وهو إثبات الياء، أو مذهب سيبويه ويونس وهو حذف الياء – على فريقين: الفريق الأول: ذهب إلى جواز الوجهين، دون تحديدٍ للمختار منهما، وهو الظاهر والمفهوم من كلامه، وهو قول ابن السراج، والأعلم الشنتمريّ، وابن عصفور، والرضيّ، وأبي حيّان، والمراديّ، وابن عقيل، والأزهريّ، وغيرهم (2) . الفريق الثاني: اختار مذهب الخليل بن أحمد، وصرّح بأنّ إثبات الياء هو الأجود والأقيس؛ ومن القائلين بهذا المذهب المبرد، والصَيمريّ، والزمخشريّ، وابن يعيش، والجزوليّ، وابن الحاجب، وأبو عليّ الشلوبين، وابن مالك، والجاربرديّ، والسيوطيّ، والأشموني، وغيرهم (3) .   (1) ينظر الكتاب 4/184، وانظر القول الفصل 165. (2) ينظر الأصول 2/375، والنكت 1109، وشرح الجُمل 2/432، وشرح الشافية 2/301، والارتشاف 804، وتوضيح المقاصد 5/162، والمساعد 4/309، والتصريح 2/340، والوافي 123. (3) ينظر التبصرة والتذكرة 2/720، والمفصل 340، وابن يعيش 9/75، والمقدمة الجزولية 282، والشافية 65، والإيضاح في شرح المفصل 2/308، وشرح المقدمة الجزولية 1071، والتسهيل 328، والجاربردي 182، والهمع 2/205، والأشمونيّ 4/207؛ وانظر رأي المبرد في شرح الشافية 2/301. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 382 إذاً: المذهب المختار مذهب الخليل، وهو إثبات الياء في الوقف على المنادى المنقوص غير المنوّن، وهو قول معظم النّحويّين؛ لأنّه الأقيس، والأكثر، والأجود. وقد بيّن الأعلم الشنتمريّ حجّة الخليل وعلّته في إثبات الياء، فقال: (وحُجّته: أنّ المنادى المعرفة لايدخلُه تنوينٌ في وقفٍ ولا وصلٍ، والذي يُسْقطُ الياءَ هو التنوين، فوجب أن تَثبُتَ الياءُ؛ لأنّها لام الفعل، كما تَثبُتُ غيرُها من سائر الحروف) (1) . - أيضا – بيّن المراديّ حجة كلٍّ منهما، فقال: (ورجّح سيبويه مذهب يُونُس؛ لأنّ النّداء محلُّ حذْفٍ، ورجّح غيره مذهب الخليل، لأنّ الحذف مجازٌ، ولم يكثُر فيُرجّح بالكثرة) (2) . المبحث السادس: اختلافهما في باب الزوائد. وفيه مطلبٌ: الخلاف بينهما في المضاعف أيّهما الزائد الأوّل أو الثاني؟ اعلم أنّ تضعيف حرفٍ وتكريره من حروف الكلمة، وهو من الحروف غير الزوائد، لا يخلو أن يكون التضعيف في العين، نحو: (سُلَّمٍ، وقِنَّبٍ، وتُبَّعٍ، وقَطَّعَ، وعَلَّمَ) ، وإمّا أن يكون في اللام، نحو: (مَهْدَدٍ، وجَلْبَبَ، وخِدَبٍّ، وبَلِزٍّ) . وقد اختلف الخليل، ويُونُس، وسيبويه، في أيّ الحرفين هو الزّائد في المضعّف؟ أهو الحرف الأول أم الثاني؟ (3) . فذهب الخليل بن أحمد إلى أنّ الزّائد هو الأوّل في كلّ مضاعف، نحو: (سُلّم، وقَطّع، وجَلْبَب، وخِدَبّ) ، فالأول في هذه ونحوها هو الزائد عنده.   (1) ينظر النكت 1109، وانظر ابن يعيش 9/75، والجاربرديّ 182. (2) ينظر توضيح المقاصد 5/162، وانظر التصريح 2/340، والأشموني 4/207. (3) ينظر تفصيل المسألة في الكتاب 4/329، والأصول 3/211، والخصائص 2/61-69، والمنصف 1/164، والممتع 1/303، والتسهيل 297، وشرح الشافية 2/365، والارتشاف 1/59، والمساعد 4/62، والهمع 2/216. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 383 وحجّتُه: أنّ الأوّل قد وقع موقعاً تكثر فيه أمّهات الزّوائد، وهو أنّ الواو والياء والألف قد وقعْن ثانيةً زائدةً في (فَوْعَل، وفَيْعَل، وفاعل) ، نحو: (حَوْقل، وصَيْقل، وكاهل) . وكذلك – أيضاً – قد وقعْن هذه الحروف ثالثةً زائدة، نحو: (جَهُور، وقَضِيب، وكِتَاب) ، فجعل الخليل الحرف الأول من مضعّف العين، نحو (سُلّم، وقَطّع) ، ومضعّف اللام، نحو (جَلْبَب، وخِدَبّ) واقعةً موقع هذه الزوائد وساكنةً مثلها، وقد بيّن سيبويه رأي الخليل، فقال: (سألت الخليل فقلتُ: "سُلّمٌ" أيّتهما الزائدة؟ فقال: الأُولى هي الزائدة؛ لأنّ الواو والياء والألف يقعْن ثوانيَ في (فَوْعل، وفاعل، وفَيْعل) . وقال في (فَعْلَلٍ وفِعَلّ ونحوهما) : الأُولى هي الزائدة؛ لأنّ الواو والياء والألف يقعْن ثوالثَ، نحو: (جَدْولٍ، وعِثْيرٍ، وشَمَالٍ) . وكذلك: (عَدَبَّسٌ) ونحوه، جعل الأُولى بمنزلة واو (فَدَوْكَسٍ) ، وياء (عَميْثلٍ) ، وكذلك: (قَفَعْددٌ) ، جعل الأُولى بمنزلة واو "كَنَهْورٍ") . أمّا يُونُس وسيبويه فيريان أنّ الزائد هو الثاني في نحو: (سُلّم، وقَطّع، وجَلْبَب، وخِدَبّ، ونحوها) . وقد بيّن سيبويه حجتهم في كون الأواخر هي الزوائد، فقال: (وأمّا غيره فجعل الزوائد هي الأواخر، وجعل الثالثة في (سُلّم) وأخواتها، هي الزائدة؛ لأنّ الواو تقع ثالثةً في (جَدْولٍ) ، والياء في (عِثْيرٍ) ، وجعل الآخرة في (مَهْدَدَ) ونحوه، بمنزلة الألف في (مِعْزىً، وتَتْرىً) ، وجعل الآخرة في (خِدَبٍّ) بمنزلة النون في (خِلْفَنةٍ) ، وجعل الآخرة في (عِدَبَّسٍ) بمنزلة الواو في (كَنَهْورٍ، وبَلَهْورٍ) ، وجعل الآخرة في (قِرْشَبٍّ) بمنزلة الواو في (قِنْدَأوٍ) ، وجعل الخليل الأولى بمنزلة الواو في "فِرْدَوْسٍ) . ثم قال سيبويه: (وكلا الوجهين صوابٌ ومذهبٌ) (1) .   (1) ينظر الكتاب 4/329. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 384 قال السيوطي (واختُلف في المِثْلينِ في نحو: "اقْعَنْسَسَ وعَلَّمَ" أيّهما الزائد؟ فذهب الخليل إلى أنّ الزّائد هو الأوّل، وذهب يونس إلى أنّ الزّائد هو الثّاني، وأمّا سيبويه فإنّه حكم بأنّ الثاني هو الزّائد، ثمّ قال بعد ذلك: وكلا الوجهين صوابٌ ومذهبٌ) (1) . وقد اختلف النحويّون في اتباع أحد المذهبين، فذهب ابن السرّاج، وأبو عليّ الفارسيّ إلى اتباع مذهب سيبويه وتصحيحه، وذهب ابن عصفور إلى مذهب الخليل ورجّحه بدليلين (2) . أمّا ابن جنّي فقد ذهب إلى تصويب المذهبين بعد الاستدلال لكلٍّ منهما، فقال: (فليس واحدٌ من المذهبين إلاّ وله داعٍ إليه، وحامل عليه، وهذا مما يستوقفك عن القطع على أحد المذهبين إلاّ بعد تأمّله، وإنعام الفحص عنه، والتوفيق بالله عز وجل) (3) . وأمّا ابن مالك فقد فصّل في اختياره، فذهب إلى أنّ الثاني هو الزائد في مضعّف اللام، نحو: (اقْعَنْسَسَ، ومَهْدَدَ) ، والأوّل هو الأَوْلى بالزيادة في مضعّف العين، نحو: (عَلّم، وسُلّم) ، فحصل من هذا التفصيل مذهبٌ ثالثٌ له، فقال: (وثاني المثلين أَوْلى بالزيادة في نحو: (اقْعَنْسَسَ) ؛ لوقوعه موقع ألف (احْرَنْبَى) ؛ وأوّلهما أَوْلى في نحو: (عَلّم) ؛ لوقوعه موقع ألف فاعل، وياء فَيْعل، وواو فَوْعل) (4) . المبحث السابع: اختلافهما في باب مخارج الحروف، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الخلاف بينهما في عدد مخارج الحروف. اختلف سيبويه مع الخليل في عدد مخارج الحروف، وانقسم العلماء من القُرّاء والنّحويّين إلى مذهبين: مذهبٌ يُؤيّد الخليل، وهم قلّة؛ ومذهبٌ يؤيّد سيبويه، وهم الجمهور.   (1) ينظر الهمع 2/216. (2) ينظر المنصف 1/164، والخصائص 2/61، والممتع 1/306، والهمع 2/216. (3) ينظر الخصائص 2/69. (4) ينظر التسهيل 297، وانظر المساعد 4/62، وشفاء العليل 3/1076. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 385 والخلاف بين سيبويه والخليل يدور حول مخرج الحروف الجوفيّة، أو الهوائية، التي تُسمّى حروف المدّ واللّين، وهي: الألف، والواو الساكنة المضموم ماقبلها، والياء الساكنة المكسور ماقبلها. فالخليل بن أحمد يرى أنّ لها مخرجاً مستقلاً بها، وبذلك يكون عدد مخارج الحروف – عنده – ومن تبعه، سبعة عشر مخرجاً. قال الخليل: (في العربية تسعة وعشرون حرفاً: منها خمسة وعشرون حرفاً صحاحاً، لها أحيازٌ ومدارج، وأربعة أحرف جُوفٌ، وهي: الواو، والياء، والألف اللينة، والهمزة، وسُمّيت جُوفاً؛ لأنّها تخرج من الجوف، فلا تقع في مدْرجةٍ من مدارج اللسان، ولامن مدارج الحلق، ولا من مدارج اللهاة، إنّما هي هاوية في الهواء، فلم يكن لها حيّزٌ تُنسب إليه إلاّ الجوف) (1) . وقد تابعه على ذلك الأزهريّ، ومكيُّ بن أبي طالب، وابنُ حيدرة، وأبو القاسم الهذليّ، وأبو الحسن شريح، وأبو علي ابن سينا، وابن الجزريّ، وغيرهم (2) . وأمّا سيبويه فيرى أنّ مخارج الحروف ستة عشر مخرجاً، وذلك بإسقاط مخرج الحروف الجوفية، التي هي حروف المدّ واللين، إذْ جعل مخرج "الألف" من أقصى الحلق، وجعل "الواو المدية" من مخرج الواو المتحركة من الشفتين، وجعل "الياء المدية" من مخرج الياء المتحركة من وسط اللسان (3) .   (1) ينظر العين 57. (2) ينظر مقدمة تهذيب اللغة 63، والكشف 1/139، وكشف المشكل 2/279، والنشر 1/198، والتمهيد في علم التجويد 113. (3) ينظر النشر 1/198، ومخارج الحروف لابن الطحان 113. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 386 والرّاجح هو ماذهب إليه سيبويه؛ لأنّه مذهب الجمهور من القُرّاء والنّحويين، فقد قال به: المبرد، وابن السراج، وابن جني، والزّجاجيّ، والصّيمريّ، والزمخشريّ، وابن الباذش، وابن أبي مريم، وأبو البركات ابن الأنباريّ، والشاطبيّ، وابن الحاجب، وابن يعيش، وابن عصفور، وابن مالك، وابن عقيل، والسلسيليّ، والرضيّ، وأبو حيّان الأندلسيّ، والجاربردي، والسيوطيّ، وغيرهم (1) . فهؤلاء – جميعاً – يرون أنّ مخارج الحروف ستة عشر مخرجاً، وهو ماذهب إليه سيبويه، فقال: (ولحروف العربية ستةَ عشرَ مخرجاً: فللحلق منها ثلاثة: فأقصاها مخرجا: الهمزة، والهاء، والألف. ومن أوسط الحلق مخرج: العين، والحاء. وأدناها مخرجا من الفم: الغين، والخاء. ومن أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى، مخرج: القاف. ومن أسفلَ من موضع القاف من اللسان قليلا، ومما يليه من الحنك الأعلى، مخرج: الكاف. ومن وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى، مخرج: الجيم، والشين، والياء. ومن بين أوّل حافة اللسان ومايليها من الأضراس، مخرج: الضاد. [ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان، مابينها وبين مايليها من الحنك الأعلى، وما فويق الضّاحك والنّاب والرُّباعيّة والثّنية، مخرج: اللام] (2) .   (1) ينظر المقتضب 1/328، والأصول 3/400، وسر الصناعة 1/46، والجمل 410، والتبصرة والتذكرة 2/926، والمفصل 393، والإقناع 1/139، والموضح في وجوه القراءات 1/163، وأسرار العربية 419، وحرز الأماني 91، والشافية 121، وابن يعيش 10/123، والمقرب 2/5، والممتع 2/668، والتسهيل 319، والمساعد 4/239، وشفاء العليل 3/1115، وشرح الشافية 3/250، والارتشاف 1/5، والجاربردي 335، والهمع 2/228. (2) سقط مخرج اللام من نسخة هارون، ينظر الكتاب 2/405 (بولاق) ، وانظر سر الصناعة 1/47، والممتع 2/669، وشرح الشافية 3/253، والنشر 1/200. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 387 ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان، مابينها وبين مايليها من الحنك الأعلى، وما فُويق الثّنايا، مخرج: النون. ومن مخرج النون غير أنّه أَدْخلُ في ظهر اللسان قليلا، لانحرافه إلى اللام، مخرج: الراء. وممّا بين طرف اللسان وأُصول الثنايا، مخرج: الطاء، والدال، والتاء. وممّا بين طرف اللسان وفُويق الثنايا، مخرج: الزاي، والسين، والصاد. وممّا بين طرف اللسان وأطراف الثنايا، مخرج: الظاء، والذال، والثاء. ومن باطن الشّفة السُّفلى وأطراف الثنايا العُلَى، مخرج الفاء. وممّا بين الشفتين، مخرج: الباء، والميم، والواو. ومن الخياشيم، مخرج: النون الخفيفة) (1) ، أي: النون الساكنة. انتهى كلام سيبويه في تبيين مخارج حروف العربية الأصول، وهي ستة عشر مخرجاً. وقد أقره على ذلك جمهور العلماء من القُرّاء والنّحويين، كما بيّنت ذلك سابقاً، قال الرضيّ: (وأحسن الأقوال ماذكره سيبويه، وعليه العلماء بعده) (2) . وفي عدد مخارج الحروف ثلاث وقفات: الوقفة الأولى: ذهب قطرب، والجرميّ، والفراء، وابن دريد، وابن كيسان إلى أنّ مخارج الحروف أربعة عشر مخرجاً، وموضع الخلاف بينهم وبين سيبويه، هومخرج اللام، والنون، والراء، فهو عندهم مخرج واحد، وعند سيبويه والجمهور ثلاثة مخارج، وهو الصحيح (3) . قال الإمام الشاطبيّ بعد ذكره مخارج الحروف الثلاثة: (4) ... ... ... ... ... وكم حاذقٍ معْ سيبويه بهِ اجْتلَى ... ومن طرفٍ هُنّ الثّلاثُ لقُطْرُبٍ ... ويحْيي معَ الجَرْميّ معْنَاهُ قُوِّلا الوقفة الثانية: ذهب أبو العباس المهدويّ إلى أنّ مخارج الحروف ستة عشر مخرجاً، لكنّه أسقط مخرج الخيشوم، وقسّم الحروف الشفويّة على ثلاثة مخارج:   (1) ينظر الكتاب 4/433 – 434. (2) ينظر شرح الشافية 3/254. (3) ينظر الارتشاف 1/5، والنشر 1/198، والهمع 2/228. (4) ينظر حرز الأماني 92. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 388 الأول: مخرج الفاء؛ والثاني: مخرج الباء، والميم؛ وجعل مخرجيهما وفق مذهب الجمهور. أما الثالث فجعله مخرج الواو، وهو من بين الشفتين – أيضاً – غير أنّها تهوي حتى تنقطع إلى مخرج الألف. والصحيح مذهب سيبويه والجمهور (1) . الوقفة الثالثة: ماذهب إليه سيبويه والجمهور من أنّ مخارج الحروف ستة عشر مخرجاً، إِنّما هو على سبيل التقريب، وإلحاقِ مااشتد تقاربُه بمقارِبِه، وجعْلِه معه من مخرجٍ واحدٍ، وإلاّ فالتحقيق أنّ لكلِّ حرفٍ مخرجاً على حِدَةٍ يخصّه، يخالف مخرج الحرف الآخر، وإلاّ لكان إيّاه، قال ابن الحاجب: (والتحقيق أنّ كلّ حرف له مخرجٌ يخالف الآخر، وإلاّ لكان إيّاه) (2) . وفي هذا المعنى يقول العلامة إبراهيم بن عبد الرزاق: (3) والحصر تقريبٌ، وبالحقيقهْ لكلِّ حرفٍ بُقْعةٌ دقيقهْ إذْ قال جمهور الورَى مانصُّهْ لكلِّ حرفٍ مخرجٌ يُخصّهْ. لمطلب الثاني: الخلاف بينهما في ترتيب مخارج الحروف. ذكرت في المطلب السابق أنّ مخارج الحروف عند الخليل سبعة عشر مخرجاً، وعند سيبويه والجمهور ستة عشر مخرجاً؛ لأنّهم أسقطوا مخرج الجوف. وقد اختلف سيبويه والخليل – أيضاً – في ترتيب مخارج الحروف، فرتبها الخليل وفق مايلي: بدأ بمخارج حروف الحلق الثلاثة، وحروفها: العين، والحاء؛ والهاء؛ والخاء، والغين. ثمّ أتبعها بمخرجيّ أقصى اللسان، فما فوقه من الحنك الأعلى: القاف، وهو المخرج الرابع. ومن أسفله قليلاً: الكاف، وهو المخرج الخامس. ثم من وسط اللسان والحنك الأعلى للحروف الشجْرية: الجيم، والشين، وهو المخرج السادس. ثم من إحدى حافتيه وما يحاذيها من الأضراس: الضاد، وهو المخرج السابع. ثم أردفه بمخرج الحروف الأسلية أو الصفيرية: الصاد، والسين، والزاي، وهو الثامن. ثم مخرج الحروف النطعيّة: الطاء، والدال، والتاء، وهو التاسع.   (1) ينظر شرح الهداية 1/77. (2) ينظر الإيضاح في شرح المفصل 2/480. (3) ينظر هداية القاري 1/64. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 389 ثم مخرج الحروف اللثويّة: الظاء، والذال، والثاء، وهو العاشر. ثم مخارج الحروف الذلقيّة: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، وحروفها وفق ترتيبه لها مايلي: الراء؛ ثم اللام؛ ثم النون. ثم أردفها بمخرجيّ الحروف الشفويّة: الفاء، ومخرجه من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا، وهو المخرج الرابع عشر. ثم من بين الشفتين مخرج: الباء، والميم، وهو الخامس عشر. ثم مخرج الحروف الجوفية أو الهوائية: الواو، والألف، والياء، وهو السادس عشر. ثم مخرج الخيشوم: وهو للغنّة، وهو السابع عشر (1) . وخلاصة مذهب الخليل في ترتيب حروف العربية الأصول وفق مخارجها، هو: (ع، ح* هـ*خ، غ*ق*ك*ج، ش*ض*ص، س،ز*ط، د،ت*ظ، ذ،ث*ر*ل*ن*ف*ب، م*و، ا،ي*الهمزة) (2) . وأمّا مذهب سيبويه في ترتيب مخارج الحروف، فقد وافق شيخه الخليل بن أحمد في بداية المخارج، وفي نهايتها، وخالفه في الترتيب فيما بين ذلك، وفي أوّل وثاني مخارج الحلق. أمّا الموافقة فكانت من المخرج الثالث للحلق، وهو أدنى الحلق مما يلي الفم، وحتى المخرج السابع، وهو مخرج الضاد. ثمّ وافقه في المخارج الثلاثة الأخيرة، وهما مخرجا الحروف الشفويّة؛ ومخرج الخيشوم للغنّة. وأمّا المخارج التي خالف فيها سيبويه الخليل، فهي: أولاً: بدأ سيبويه بأوّل مخرج للحلق من أقصاه، وحروفه: ء، هـ، ا. ثم أردفه بالمخرج الثاني لوسط الحلق، وحروفه: ع، ح. وهو مخالفٌ لما بدأ به الخليل، إذْ بدأ بالحروف: ع، ح،هـ. ثانياً: ذهب سيبويه إلى أنّ مخارج الحروف الذلقيّة تأتي بعد مخرج الضاد، وقبل مخرج الحروف النطعية، وترتيبها حسب مخارجها، هو مخرج اللام؛ ثم مخرج النون؛ ثم مخرج الراء.   (1) ينظر العين 1/57، 58، ومقدمة تهذيب اللغة 63، 64، وكشف المشكل 2/278. (2) ينظر العين 1/48، ومقدمة تهذيب اللغة 57، وكشف المشكل 2/277. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 390 وهذا مخالفٌ لمذهب الخليل، إذْ جعل بعد مخرج الضاد، مخرج الحروف الأسليّة، ثم النطعيّة، ثم اللّثويّة، ثم بعدها مخارج الحروف الذلقيّة، ورتبها كما يلي: مخرج الراء، ثم مخرج اللام، ثم مخرج النون. ثالثاً: ذهب سيبويه إلى أنّ ترتيب مخارج طرف اللسان الثلاثة، تأتي بعد مخارج الحروف الذلقيّة، وأنّ ترتيبها حسب مخارجها، هو: مخرج الحروف النطعية، ثمّ مخرج الحروف الأسليّة أو الصفيريّة، ثم مخرج الحروف اللثويّة. وهذا مخالفٌ لمذهب الخليل، إذْ جعلها بعد مخرج الضاد، ورتّبها خلاف ترتيب سيبويه، وقد وضّحت ذلك في ثانياً (1) . والرّاجح في ترتيب مخارج الحروف هو قول سيبويه، وهو مذهب جمهور القُرّاء والنّحويين، وبه قال ابن الجزريّ (2) . المطلب الثالث: الخلاف بينهما في ترتيب حروف بعض المخارج أو زيادتها. اعلم أنّ الاختلاف بين سيبويه والخليل لم يقتصر على الخلاف في عدد مخارج الحروف، أو في ترتيب المخارج، بل تعداه إلى الخلاف بينهما في الترتيب الداخلي لحروف بعض المخارج، أو زيادتها، وإليك بيان ذلك: أولاً: اختلفا في ترتيب حروف أدنى الحلق مما يلي الفم، فذهب الخليل إلى أنّ ترتيبها: (خ، غ) ، وذهب سيبويه إلى أنّ ترتيبها: (غ، خ) . ثانياً: اختلفا في حروف وسط اللسان ووسط الحنك الأعلى، فذهب الخليل إلى أنّها: (ج، ش) ، وذهب سيبويه إلى أنّها: (ج، ش،ي) ، وهي ماتُسمّى بالحروف الشجْريّة. ثالثاً: اختلفا في ترتيب الحروف التي تخرج مابين طرف اللسان وفُويق الثنايا السُّفلى، وهي ماتُسمّى بالحروف الأسليّة، أو الصفيريّة، فذهب الخليل إلى أنّ ترتيبها: (ص، س، ز) ، وذهب سيبويه إلى أن ترتيبها: (ز، س،ص) ، وفي سرده لحروف العربية وفق مخارجها رتبها هكذا: (ص، ز، س) ، وكلا الترتيبين مخالفٌ لترتيب الخليل.   (1) ينظر العين 1/57، 58، والكتاب 4/433، 434. (2) ينظر مصادر هامش "127"، وانظر النشر 1/198. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 391 رابعاً: اختلفا في الحروف التي تخرج من بين الشفتين، فذهب الخليل إلى أنّها: (ب، م) ، وذهب سيبويه إلى أنّها: (ب، م،و) (1) . هذا وقد بيّنت في المطلب السابق ترتيب الخليل لحروف العربية الأصول وفق مخارجها، وأمّا ترتيبها على مذهب سيبويه وفق المخارج – أيضاً – فهو: (ء، ا،هـ*ع، ح*غ، خ*ق*ك*ج، ش،ي*ض*ل*ن*ر*ط، د،ت*ز، س،ص*ظ، ذ،ث*ف*ب، م،و) (2) . والصّواب هو ماذهب إليه سيبويه، وهو مذهب أصحابه من جمهور القُرّاء والنّحويين (3) . قال ابن جنيّ بعد ترتيبه للحروف وفق منهج سيبويه: (فهذا هو ترتيب الحروف على مذاقها وتصعُّدها، وهو الصحيح، [فأمّا] ترتيبها في كتاب العين ففيه خَطَلٌ، واضطرابٌ، ومخالفةٌ لما قدمناه آنفاً ممّا رتبه سيبويه، وتلاه أصحابه عليه، وهو الصّواب الذي يشهد التأمّل له بصحته) (4)   (1) ينظر العين 1/57، 58، والكتاب 4/433، ومقدمة تهذيب اللغة 63. (2) ينظر الكتاب 4/433، وانظر سر الصناعة 1/45. (3) ينظر مصادر هامش "127". (4) ينظر سر الصناعة 1/45، 46. المصادر والمراجع إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر للبنّا، تحقيق د. شعبان محمد إسماعيل، ط1، 1407هـ، عالم الكتب، بيروت. أخبار النّحويين البصريين للسيرافي، تحقيق د. محمد إبراهيم البنّا، ط1، 1405هـ، دار الاعتصام، القاهرة. أدب الكاتب لابن قتيبة، تحقيق محمد الدّالي، ط1، 1402هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلس، تحقيق ودراسة رجب عثمان محمد، ط1، 1418هـ، مكتب الخانجي، القاهرة. الأرجوزة المنبهة لأبي عمرو الدانيّ، تحقيق محمد بمجقان الجزائري، ط1، 1420هـ، دار المغني، الرياض. أسرار العربية لأبي البركات الأنباري، تحقيق محمد بهجة البيطار، 1377هـ، مطبعة الترقي، دمشق. إشارة التعيين في تراجم النّحاة واللغويين لعبد الباقي اليماني، تحقيق د. عبد المجيد دياب، ط1، 1406هـ، شركة الطباعة العربية السعودية، الرياض. الإصباح في شرح الاقتراح، تأليف د. محمود فجال، ط1، 1409هـ، دار القلم، دمشق. إصلاح المنطق لابن السكيت، شرح وتحقيق أحمد محمد شاكر، وعبد السلام محمد هارون، ط4، دار المعارف، القاهرة. الأصول في النّحو لابن السراج، تحقيق عبد الحسين الفتلي، ط1، 1405هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم لابن خالوية، 1985م، دار ومكتبة الهلال، بيروت. الاقتراح في علم أصول النّحو للسيوطي، تحقيق وتعليق د. أحمد محمد قاسم، القاهرة. الإقناع في القراءات السبع لابن الباذش، تحقيق د. عبد المجيد قطامش، ط1، 1403هـ، دار الفكر، دمشق. ألفية ابن مالك في النّحو والصرف، 1410هـ، مكتبة طيبة للنشر والتوزيع، المدينة المنورة. أمالي ابن الشجري لهبة الله بن علي الشجريّ، تحقيق ودراسة د. محمود محمد الطناحي، مكتبة الخانجي، القاهرة. إملاء مامنّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن لأبي البقاء العكبري، ط1، 1399هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. إنباه الرواة على أنباه النّحاة للوزير القفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط1، 1406هـ، دار الفكر، القاهرة. الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات ابن الأنباري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، 1407هـ، المكتبة العصرية، بيروت. أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام الأنصاري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط6، 1966م، دار إحياء التراث العربي، بيروت. الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب، تحقيق د. موسى العليلي، مطبعة العاني، بغداد. بغية الآمال في معرفة النطق بجميع مستقبلات الأفعال لأبي جعفر اللبليّ، تحقيق د. سليمان العايد، 1411هـ، جامعة أم القرى، مكة المكرمة. بغية الوعاة في طبقات اللُّغويّين والنحاة للسيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت. البلغة في تاريخ أئمة اللغة للفيروز آباديّ، تحقيق محمد المصري، 1972م، دمشق. تاريخ الأدب العربي، تأليف د. عمر فروخ، ط1، 1983م، دار العلم للملايين، بيروت. التبصرة في القراءات لمكي القيسي، تحقيق د. محيي الدين رمضان، ط1، 1405هـ، معهد المخطوطات العربية، الكويت. التبصرة والتذكرة لأبي محمد الصيمري، تحقيق د. فتحي أحمد مصطفى علي الدين، ط1، 1402هـ، دار الفكر، دمشق. التبيان في شرح مورد الظمآن لابن آجطا، (مخطوط) معهد اللغات الشرقية بفرنسا، رسالة ماجستير مسجلة بالجامعة الإسلامية، كلية القرآن. التبيين عن مذاهب النّحويين البصريين والكوفيين لأبي البقاء العكبري، تحقيق ودراسة د. عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، ط1، 1406هـ، دار الغرب الإسلامي، بيروت. التذكرة في القراءات لابن غلبون، تحقيق د. عبد الفتاح بحيري إبراهيم، ط2، 1411هـ، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة. تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك، حققه محمد كامل بركات، 1387هـ، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر. التصريح على التوضيح لخالد الأزهري، دار الفكر، دمشق. تصريف الأفعال ومقدمة الصرف، تأليف الشيخ عبد الحميد عنتر، ط2، 1409هـ، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة. التعليقة على كتاب سيبويه لأبي عليّ الفارسيّ، تحقيق د. عوض القوزي، ط1، 1412هـ، جامعة الملك سعود، الرياض. التكملة لأبي عليّ الفارسي، تحقيق ودراسة د. كاظم بحر المرجان، 1401هـ، مطابع مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل. التمهيد في علم التجويد لابن الجزري، تحقيق غانم قدوري حمد، ط1، 1407هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك للمرادي، تحقيق د. عبد الرحمن علي سليمان، ط1، 1396هـ، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة. التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني، عني بتصحيحه أوتوبرتزل، مكتبة الجعفري التبريزي، طهران. جامع البيان في القراءات السبع المشهورة لأبي عمرو الداني، (مخطوط) محفوظ بدار الكتب الوطنية بالقاهرة برقم 7266، قراءات م/3. الجُمل في النّحو للزجاجي، تحقيق علي توفيق الحمد، ط3، 1407هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. حاشية ابن جماعة على الجاربردي "مجموعة الشافية"، ط3، 1404هـ، عالم الكتب، بيروت. حاشية الصّبّان على شرح الأشموني للصّبان، مطبعة الحلبي، القاهرة. حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع للشاطبيّ، ضبطه وصححه وراجعه محمد تميم الزعبي، ط2، 1410هـ، دار المطبوعات الحديثة، المدينة المنورة. الخصائص لابن جني، تحقيق محمد علي النجار، ط3، 1403هـ، عالم الكتب، بيروت. السبعة في القراءات لابن مجاهد، تحقيق د. شوقي ضيف، ط2، دار المعارف، القاهرة. سر صناعة الإعراب لابن جني، دراسة وتحقيق د. حسن هنداوي، ط1، 1405هـ، دار القلم، دمشق. سير أعلام النبلاء للذهبي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ط6، 1409هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. السيرافيّ النّحويّ في ضوء شرحه لكتاب سيبويه، دراسة وتحقيق د. عبد المنعم فائز، ط1، 1403هـ، دار الفكر، دمشق. الشافية في علم التصريف لابن الحاجب، تحقيق حسن أحمد العثمان، ط1، 1415هـ، المكتبة المكية، مكة المكرمة. شذا العرف، تأليف أحمد الحملاوي، المكتبة العلمية، بيروت. شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. شرح ألفية ابن مالك لابن عقيل، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط20، 1400هـ، دار التراث، القاهرة. شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم، تحقيق د. عبد الحميد السيد محمد عبد الحميد، دار الجيل، بيروت. شرح الألفية للمكوديّ، ط3، 1374هـ، مطبعة الحلبي، مصر. شرح ألفية ابن مالك للأشموني، مطبعة الحلبي، القاهرة. شرح التسهيل لابن مالك تحقيق عبد الرحمن السيد، ومحمد بدوي المختون، ط1، 1410هـ، هجر للطباعة والنشر. شرح جُمل الزجاجي لابن عصفور، تحقيق صاحب أبو جناح. شرح الشافية للجاربرديّ (مجموعة الشافية) ، ط3، 1404هـ، عالم الكتب، بيروت. شرح شافية ابن الحاجب لرضي الدين الاستراباذي، تحقيق محمد نور الحسن وآخرين، 1402هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. شرح الشافية لركن الدين الاستراباذي، دراسة وتحقيق د. عبد الله محمد العتيبي، رسالة ماجستير، 1413هـ - 1414هـ، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة. شرح الكافية الشافية لابن مالك الأندلسي، تحقيق د. عبد المنعم هريدي، دار المأمون للتراث. شرح المفصل لابن يعيش النّحوي، عالم الكتب، بيروت. شرح المقدمة الجزولية الكبير لأبي علي الشلوبين، تحقيق د. تركي بن سهو العتيبي، ط1، 1413هـ، مكتبة الرشد، الرياض. شرح الملوكي في التصريف لابن يعيش، تحقيق د. فخر الدين قباوه، ط1، 1393هـ، حلب. شرح الهداية لأبي العباس المهدوي، تحقيق د. حازم سعيد حيدر، ط1، 1416هـ، مكتبة الرشد، الرياض. شفاء العليل في إيضاح التسهيل لأبي عبد الله السلسيلي، تحقيق د. الشريف عبد الله البركاتي، ط1، 1406هـ، دار الندوة، بيروت. الصاحبي في فقه اللغة لأبي حسين ابن فارس، تحقيق السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى الحلبي، القاهرة. الصحاح للجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، ط3، 1404هـ، دار العلم للملايين، بيروت. طبقات النّحويين واللغويين لأبي بكر الزُّبيدي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، دار المعارف، القاهرة. العين للفراهيدي، تحقيق د. مهدي المخزومي، ود. إبراهيم السامرائي، ط1، 1408هـ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت. غاية النهاية في طبقات القُرّاء لابن الجزري، ط3، 1402هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. الفهرست لابن النديم، اعتنى بها وعلّق عليها الشيخ إبراهيم رمضان، ط2، 1417هـ، دار المعرفة، بيروت. القواعد والتطبيقات في الإبدال والإعلال تأليف الشيخ عبد السميع شبانه، ط5، 1409هـ، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة. القول الفصل تأليف عبد الحميد عنتر، ط2، 1409هـ، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة. الكتاب لسيبويه، طبعة بولاق، ط1، 1316هـ، المطبعة الكبرى الأميرية، القاهرة. الكتاب لسيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، ط2، 1403هـ، مكتبة الخانجي، القاهرة. الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها لمكيّ القيسيّ، تحقيق د. محيي الدين رمضان، ط2، 1404هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. كشف المشكل في النّحو لعلي بن سليمان الحيدرة اليمني، تحقيق د. هادي عطية مطر، ط1، 1404هـ، مطبعة الإرشاد، بغداد. اللُّباب في علل البناء والإعراب لأبي البقاء العكبري، تحقيق غازي مختار طليمات، ط1، 1995م، دار الفكر، دمشق. لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت. مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، المجلد 12، العدد 19، 1420هـ، مطابع جامعة أم القرى، مكة المكرمة. مجمل اللغة لأبي الحسين ابن فارس، دراسة وتحقيق زهير عبد المحسن سلطان، ط1، 1404هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. مخارج الحروف وصفاتها لابن الطحان، تحقيق د. محمد يعقوب تركستاني، ط2، 1412هـ. مراتب النّحويين لأبي الطيب اللغوي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، بيروت. المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي، شَرْح وضَبْط مجموعة من العلماء، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل، تحقيق محمد كامل بركات، 1400هـ، دار الفكر، دمشق. المعارف لابن قتيبة، تحقيق د. ثروت عكاشة، ط2، دار المعارف، القاهرة. معجم الأدباء لياقوت الحمويّ، ط3، 1400هـ، دار الفكر، بيروت. المغني في تصريف الأفعال تأليف محمد عبد الخالق عضيمة، ط3، 1408هـ، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة. المفصل لأبي قاسم الزمخشريّ، ط2، دار الجيل، بيروت. المقتضب لأبي العباس المبرد، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، ط2، 1399هـ، مطابع الأهرام التجارية، القاهرة. مقدمة تهذيب اللغة للأزهري، تحقيق بسام عبد الوهاب الجابي، ط1، 1405هـ، دار البصائر، دمشق. المقدمة الجزولية في النّحو لأبي موسى الجزولي، تحقيق د. شعبان عبد الوهاب، مطبعة أم القرى، القاهرة. المقرب لابن عصفور، تحقيق أحمد عبد الستار الجواري، وعبد الله الجبوري، ط1، 1391هـ، مطبعة العاني، بغداد. الممتع في التصريف لابن عصفور، تحقق د. فخر الدين قباوه، ط1، 1407هـ، دار المعرفة، بيروت. منجد الطالبين في الإبدال والإعلال والإدغام والتقاء الساكنين تأليف أحمد إبراهيم عمارة، ط4، 1408هـ، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة. المنصف على التصريف لابن جنيّ، تحقيق إبراهيم مصطفى، وعبد الله أمين، ط1، 1373هـ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي. الموضح في وجوه القراءات وعللها لابن أبي مريم، تحقيق ودراسة د. عمر حمدان الكبيسي، ط1، 1414هـ، الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، جدة. النّحو الوافي تأليف عباس حسن، ط8، دار المعارف، القاهرة. نزهة الألباء في طبقات الأدباء لابن الأنباري، تحقيق د. إبراهيم السامرائي، ط3، 1405هـ، مكتبة المنار، الأردن. نشأة النّحو وتاريخ أشهر النّحاة لمحمد الطنطاويّ، تعليق عبد العظيم الشناويّ، ومحمد عبد الرحمن الكرديّ، ط2. النشر في القراءات العشر لابن الجزري، تصحيح ومراجعة علي محمد الضباع، دار الكتب العلمية، بيروت. النكت في تفسير كتاب سيبويه للأعلم الشنتمريّ، تحقيق زهير عبد المحسن سلطان، ط1، 1407هـ، الكويت. هداية القاري إلى تجويد كلام الباري لعبد الفتاح المرصفي، ط2، مكتبة طيبة، المدينة. همع الهوامع شرح جمع الجوامع للسيوطي، عُني بتصحيحه محمد بدر الدين النعساني، ط1، 1327، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة. الوافي تأليف أحمد إبراهيم عمارة، ط4، 1408هـ، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 392 الخاتمة أَحْمدُ الله حمد الشاكرين، وأصلّي وأسلّم على سيّدنا محمد سيّد الأولين والآخرين، وبعد: فهذه خلاصةٌ موجزةٌ أُورد فيها خلاصة البحث وأهم نتائجه، فأقول: أولاً: (الكتاب) لسيبويه أعظم كتاب أُلّف في فنّه، اشتمل على علميّ النّحو والصرف، وأحاط بجميع أجزائهما، ولم يشِذّ عنه من أصول فنّه إلاّ مالا خَطر له، سمّاه النّاس "قرآن النّحو"، ولقّبوه بالبحر استعظاماً له، واستصعاباً لما فيه. جَمَع فيه سيبويه ماتفرّق من أقوال من تقدمه من العلماء، فكان كما قيل: لم يسبقه أحدٌ إلى مثله، ولا لحقه أحدٌ من بعده. ثانياً: عقد سيبويه أبواب (الكتاب) بلفظه ولفظ الخليل، وكان كثيراً ما يحكي عنه بقوله: "وسألته" أو: "قال". فكان (الكتاب) سجلاًّ حافلاً لآراء الخليل في النّحو والصرف؛ وافقه سيبويه في معظم ماحكاه، أو سأله عنه، وخالفه في بعضٍ منها، إلاّ أنّ الخلاف بينهما فرعٌ، والاتفاق هو الأصل في معظم المسائل. ثالثاً: اختلف الخليل مع سيبويه في النّسب إلى (ظَبْيةٍ، ودُمْيةٍ، وفِتْيةٍ) ، فسيبويه ينسب إليها بدون تغييرٍ، والخليل يجيز الوجهين: ماذهب إليه سيبويه، ويجيز مذهب يُونُس وهو إبدال الياء واواً، وهو مذهب الجمهور. رابعاً: أجاز سيبويه في النّسب إلى "رَايةٍ" ثلاثة أوجهٍ، وأجاز الخليل فيها قلب الياء همزة، وهو الأجود، وعليه الجمهور. خامساً: اختلف الخليل مع أبي عمروٍ وسيبويه في الهمزتين المتحركتين إذا اجتمعتا في كلمتين، فالخليل يرى تحقيق الأولى وحذف الثانية، أما أبو عمروٍ فيرى عكس الخليل، وذهب سيبويه إلى جواز الوجهين، ورجّح المبرد مذهب الخليل. سادساً: ذهب الخليل إلى أنّ النّبر دون الهمز، وذهب سيبويه إلى أنّهما مترادفان أي: كلاهما بمعنى واحدٍ، وهو الراجح، وهو قول الجمهور. سابعاً: اختلف سيبويه مع الخليل في "خطايا" ونحوها، فذهب الخليل إلى القول بالقلب المكانيّ فيها؛ لأنّ تركه يؤدي إلى اجتماع همزتين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 393 وذهب سيبويه – وهو قول الجمهور – إلى عدم ارتكاب القلب الذي هو خلاف الأصل. ثامناً: اختلف سيبويه مع الخليل في اسم الفاعل من الفعل الثلاثي الأجوف المهموز اللام، فذهب سيبويه إلى الحذف وعدم القلب، وذهب الخليل إلى تقديم اللام على العين. تاسعاً: اختلف الخليل وسيبويه في جمع اسم الفاعل، نحو "جائية" على "فواعل"، فذهب الخليل إلى القلب المكانيّ فيها، والراجح وهو مذهب سيبويه عدم القلب. عاشراً: ذهب الخليل إلى أنّ القلب المكانيّ قياسيٌّ في ثلاث صورٍ، وخالفه سيبويه ومن تابعه؛ كما أن الكوفيين توسّعوا في القلب، وردَّ البصريون عليهم؛ كما أنّ ابن دُرستويه أنكر القلب المكانيّ وجعله لغة أخرى ولم يوافقه العلماء على ذلك؛ كما أنّ ابن فارس نفى وجود القلب في القرآن الكريم، وأثبته غيره. حادي عشر: ذهب سيبويه، وأيّده جماعة من النّحويين واللُّغويين إلى أنّه لايوجد تداخُلٌ في اللّغات، وماورد من الأفعال يخالف القياس فهو شاذٌّ. أما الخليل ومن تبعه – وهو الصّواب – فيرون ماجاء على خلاف القياس، إنّما هو لغاتٌ تداخلت فتركّبت. ثاني عشر: اختلف سيبويه والخليل في حقيقة ألف المقصور المنوّن الموقوف عليه، فذهب سيبويه إلى أنّها في النصب بدلٌ من التنوين وفي غيره بدلٌ من لام الكلمة، وهو المشهور عنه، أما الخليل فيرى أنّها الألف المنقلبة عن لام الكلمة في الأحوال الثلاث وهو الراجح؛ لأنّه قول جمهور العلماء. ثالث عشر: ذهب يُونُس وسيبويه إلى أنّه يوقف بحذف الياء على المنادى المنقوص غير المنوّن، وذهب الخليل إلى أنّه يوقف عليه بإثبات الياء، وهو اختيار جماعة من النّحويين؛ لأنّه أقيس وأجود. رابع عشر: اختلف الخليل ويونس وسيبويه في الحرف الزائد في مضعف العين، نحو "قطّع"، ومضعف اللام، نحو "جلبب"، فذهب الخليل إلى أنّه الأول، وذهب يونس وسيبويه إلى أنّه الثاني، قال سيبويه وكلا: القولين صوابٌ ومذهبٌ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 394 خامس عشر: ذهب الخليل إلى أنّ مخارج الحروف سبعة عشر مخرجاً وذلك بإثبات مخرج الحروف الجوفية، وذهب سيبويه – وهو الراجح – إلى أنّها ستة عشر مخرجاً، وذلك بإسقاط مخرج الحروف الجوفية، وتوزيعها على مخارجها. سادس عشر: اختلف الخليل وسيبويه في ترتيب مخارج الحروف، والرّاجح هو مذهب سيبويه، وبه قال الجمهور من القُرّاء والنّحويين. سابع عشر: اختلف سيبويه مع الخليل في الترتيب الداخلي لحروف بعض المخارج، والصّواب ماذهب إليه سيبويه، وهو مذهب جمهور القُرّاء والنّحويين. والحمد لله أوّلاً وآخراً، ظاهراً وباطناً، وصلّى الله وسلّم وبارك على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليماً كثيراً. وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين الجزء: 11 ¦ الصفحة: 395 قضايا لن في النحو العربي د/إبراهيم بن سليمان البعيمي الجامعة الإسلامية / كلية اللغة العربيه ملخص البحث البحث يتناول بالدرس المسائل النحوية المتعلقة ب (لن) من حيث القول ببساطتها أو تركبها، وكذلك القول بأصالة نونها أو إبدالها من الألف، ودرس البحث أحكام لن من حيث معاقبلة لن ل (لم) في الجزم، وإفادة لن الدعاء، والفصل بين لن ومعمولها، وتلقي القسم بها، ثم درس البحث معاني لن في إفادتها التوكيد أو التأييد، ومدة زمن النفي بلن. وكان يشيع عند بعض النحاة أن الزمخشري هو أول من قال بأن لن تفيد توكيد النفي، بناء على ما يفهم من عبارات ابن هشام في كتبه النحوية التي يقول فيها (لن حرف يفيد النفي والاستقبال بالاتفاق، ولا يقتضي تأييداً للزمخشري في أنموذجه، ولا تأكيداً خلافاً له في كشافه) ، والباحث أوضح أن أول من قال بإفادة لن توكيد النفي هو الخليل بن أحمد في العين. وكذلك شاع عند طلبة العلم أن الزمخشري هو أول من قال بتأييد النفي بلن، بناء على عبارة ابن مالك في شرح الكافية، والباحث أبان أن المعتزلة قبل الزمخشري بزمن طويل بقولون بتأييد النفي بلن ونقل نصوصاً من كتبهم. نتائج البحث: درس الباحث كثيراً من الشواهد النحوية، ورجح في بعضها رواية غير النحاة المبنية على سلامة المعنى. أشار إلى أن الخليل هو أول من قال بتأكيد النفي بلن. أوضح أن المعتزلة في القرن الرابع الهجري كانوا يقولون بتأييد النفي بلن. تمهيد: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 396 الحمد لله رب العالمين الذي شرّف اللغة العربية بالقرآن فأنزل بها أفضل كتبه، وأرسل من أبنائها أشرف رسله، وجعل على المسلمين تعلُّمَها فرضاً كفائياً، وأصلي وأسلم على نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب سيد ولد آدم قاطبة، وعلى آله وأصحابه مصابيح الدجى، حملوا الأمانة وأدوا الرسالة ونصحوا الأمة اللهم ارض عنهم أجمعين، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه واعصمنا اللهم من مضلات الفتن 0 أما بعد: فأن في اللغة العربية مسائلَ دقيقة تحتاج إلى إيضاح وتتبع لقضاياها وتبيان لوجه الحق فيها حتى يظهر جلياً للعيان، دون التباس أو غموض في تلك القضايا، وهي كثيرة مبثوثة في بطون أمَّات الكتب، ومن هذه المسائل الدقيقة: قضايا ((لن)) في مبناها ومعناها؛ إذ يشيع الخلاف فيها بين الزمخشري ومعارضيه، في إفادتها تأكيد النفي كما صرّح به الزمخشري في كتبه كالكشاف والمفصل وفي بعض نسخ الأنموذج، أو في إفادتها تأبيد النفي كما نسب إليه في الأنموذج، وقد كان شيخي الأستاذ الدكتور أحمد عبد اللاه هاشم كتب رسالة سمّاها (قضية لن بين الزمخشري والنحويين) نشرها في مصر عام 1399هـ في دار التوفيقية، ردَّ فيها على من اتَّهم الزمخشري بالقول بتأبيد النفي بلن، واستدل على ما ذهب إليه بأدلة ذكرها في تلك الرسالة مُفادها أن الزمخشري لم يقل بتأبيد النفي بلن، وإنما هو شيء تصحَّف على بعض نسَّاخ الأنموذج إذ تلتبس كتابة (تأبيد) ب (تأكيد) في المخطوطات القديمة، فالكلمتان بينهما جناس لاحق، ولا سيما إذا ظُنَّ أن شرطة الكاف فتحة على الباء، فحمل القومُ قولَه على الأسوأ بسبب معتقده الاعتزالي في قضية رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة، ولمواقفه المتشددة في مسائل الاعتزال وتشدده في الانتصار لهذه الفرقة الضالة ووسمه أهل السنة والجماعة بالحُمُرِ المُوْكَفَةِ في قوله (1)   (1) ينظر الكشاف: 2/116، وسيأتي في الرسالة مزيد إيضاح لموقف الزمخشري، ومواقف خصومه منه 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 397 : لجماعة سمَّوا هواهم سُنَّةً وجماعةٌ حُمْرٌ لعمري مُوكَفَهْ قد شبَّهوه بخلقه وتخوَّفوا شنع الورى فتستروا بالبَلْكَفَهْ ومراده بالبلكفة هو قول أهل السنة والجماعة (صفات الله نؤمن بها ونمرُّها كما جاءت بلا كيف) ، وكان يدعو إلى مذهبه الاعتزالي فيقول لمن يأخذله الأذن عند أبواب من يزورهم قل له أبو القاسم المعتزلي بالباب 0 اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن، ونسألك أن ترينا الحق حقاً وترزقنا اتباعه، وترينا الباطل باطلا وتوفقنا لاجتنابه، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كما نسألك أن ترزقنا رؤيتك يوم القيام لا نضام في ذلك كما نرى البدر ليلة تمامه0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 398 ولكن ظهرت بعد رسالة (قضايا لن) كتب في النحو واللغة والتفسير وهي مهمة جداً، يتغيّر بسببها كثير من الأحكام التي أصدرها الدكتور أحمد هاشم فلهذا رأيت أن أعيد النظر والكتابة في هذه القضية على حسب ما استجد فيها، وأحببت أن يكون الموضوع مستوفياً جميع قضاياها في المبنى والمعنى، متضمناً كلَّ مسائلها، شاملاً ما قيل فيها من النزاع والخلاف، محتوياً جميع مسائلها ومشاكلها في ذاتها وفي معناها وألا ينحصر البحث في قضيّتي التأكيد والتأبيد، ولست أدعي أن القارئ سيرى في هذا البحث مالم يره أحد من قبل، أو أنني جئت بشيء غير مسبوق ولكنني أقول: استطعت في هذا البحث تصحيح نسبة القول بتأكيد النفي بلن للخليل بن أحمد -رحمه الله -وليس للزمخشري كما هو متداول في كتب حروف المعاني، وكتب كثير من النحاة منهم ابن هشام الذي دأب في كتبه على مخالفة الزمخشري في قضية توكيد النفي بلن، وكتب ابن هشام تدرّس في الجامعات السعودية، كما توصَّلت إلى أن القول بتأبيد النفي بلن كان معروفاً قبل ميلاد الزمخشري بزمن بعيد، وذكرت أن الزمخشري ما هو إلا حاكٍ لأقوال من تقدمه سواء في ذلك تأكيد النفي بلن أو تأبيده، كما رجّحت نسبة القول بتأبيد النفي بلن للزمخشري -خلافاً لشيخي الدكتور أحمد هاشم-، كما جمعت في مكان واحد ما تشتت في بطون أمَّات الكتب النحوية، ولممت شمل الأسرة الواحدة التي كانت متفرقة من قبل في كتب النحو وكتب حروف المعاني وكتب التفسير وكتب المعاجم، وحسبي الجمع والترتيب والتنسيق، وجعلت البحث في ثلاثة فصول: الفصل الأول: دراسة مبنى لن وفق المباحث التالية المبحث الأول: لن بسيطة أومركبة وانتظم المطالب التالية: المطلب الأول: رأي الخليل بن أحمد المطلب الثاني: رأي المعارضين له، المطلب الثالث: رأي المنتصرين له المبحث الثاني: نون لن أصيلة أومبدلة الفصل الثاني: أحكام لن المبحث الأول معاقبة لن ل (لم) في الجزم 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 399 المبحث الثاني: إفادة لن الدعاء المبحث الثالث: الفصل بين لن ومعمولها 0 المبحث الرابع: تلقي القسم بلن والفصل الثالث: معانى لن واحتوى المباحث التالية المبحث الأول: تأكيد النفي بلن: وشمل المطالب التالية: المطلب الأول: رأي الزمخشري 0 المطلب الثاني: رأي المخالفين له 0 المطلب الثالث: رأي المؤيدين له المبحث الثاني: لن الزمخشرية وفيه المطالب التالية: المطلب الأول: القول بتأبيد النفي بلن المطلب الثاني رأي الزمخشري المطلب الثالث: رأي المعارضين له المبحث الثالث: لن عند أصحاب المعاني وأسأل الله لي ولأخواني المسلمين الثبات على الحق وحسن الختام، والعصمة من الضلال بعد الهدي، والتوفيق والسداد في الدارين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وسار على نهجه إلى يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 0 الفصل الأول: مبنى لن المبحث الأول: لن بسيطة أو مركبة 0 واشتمل على المطالب التالية المطلب الأول: رأي الخليل روي عن الخليل بن أحمد في لن روايتان الأولى (1) ليست مشهورة عنه وهي: موافقة الجمهور في القول ببساطة لن 0   (1) ... ينظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج: 1/160، وشرح السيرافي: 1/81، وتهذيب اللغة: 15/332، وتفسير أبي السعود الحنفي:1/117 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 400 والرواية الأخرى (1) عن الخليل هي المشهورة عنه عند النحاة، ووافقه عليها الكسائي (2) ، والخازنجي (3) وهي القول بتركب لن من حرفين (لا) النافية، و (أن) المصدرية، ثم حذفت الهمزة من (أن) إمّا تخفيفاً، أو اعتباطاً فالتقى ساكنان: الألف، والنون؛ فحذفت الألف لالتقاء الساكنين فآلت إلى (لن) ويرى الرضي (4) أنها جاءت على الأصل في قول الشاعر:   (1) ينظر رأي الخليل في العين: 8/350، والكتاب 3/5، والمقتضب: 2/8، والأصول:2/147، ومعاني القرآن للزجاج: 1/161، والمسائل الحلبيات: 45، معاني الحروف للرماني: 100، والصاحبي: 256 0 (2) ينظر رأي الكسائي في معاني القرآن للزجاج:1/161، وشرح التسهيل لابن مالك:4/15، والجنى الداني: 271، ومغني اللبيب: 374 0 (3) هو أحمد بن محمد البُشْتي أبوحامد إمام في اللغة والأدب له كتاب التكملة، وهو معجم أكمل به ما فات صاحب العين، توفي سنة ثمانٍ وأربعين وثلاثمائة من الهجرة 0 تنظر ترجمته في: إنباه الرواة: 1/142 وفي هامشه مزيدٌ من المراجع التي ترجمت له، وينظر رأيه في التصريح 4/288 0 (4) ... شرح الكافية: 4/38 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 401 يُرَجِّي المرءُ ما لا أنْ يُلاقي وتَعْرضُ دون أدناه الخطوبُ (1) إذ المراد ما لن يلاقي ورُدَّ عليه بأن البيت مروي ب (ما إنْ لا يلاقي) بتقديم (إن) وكسر همزتها على لا وبه يزول الشاهد وذهب الشَّلَوْبينُ (2) إلى أن الحامل للخليل على القول بالتركيب إنما هو إرادة تقليل الأصول العاملة في الأفعال ما أمكن لتكون عوامل نصب المضارع عنده أداةً واحدة فقط هي (أن) إذ يرى الخليل أن (لن) مركبة من (لا أن) و (إذن) مركبة من (إذ أن) و (كي) ليست ناصبة بنفسها بل المضارع بعدها منصوب بأن مضمرة فلم يبق إلا (أن) وحدها تنصب المضارع 0 واجتمع للمضارع في (لن) ما افترق في لا أن النفي والنصب؛ إذ إنّ (لا) نافية غير ناصبة للمضارع، و (أن) ناصبة غير نافية   (1) ... البيت من الوافر وهو منسوب، لجابر بن رألان الطائي في نوادر أبي زيد: 264 ضمن ثلاثة أبيات كما نسب لإياس بن الأرت في الخزانة 8/445، والرواية المثبتة من شرح الكافية للرضي 4/39، ووافقه عليها صاحب التصريح:4/289، ورواية أبي زيد (ما إن لا يلاقي) بتقديم إن وكسر همزتها على لا النافية، وبها يزول الشاهد، وقال الأخفش في شرح نوادر أبي زيد: ((قال أبو الحسن:قوله يرجي العبد ما إن لا يلاقي غلط، والصواب ما أن لا يلاقي، وأن زائدة 000 ورواية أبي حاتم ما لا أن يلاقي رواية صحيحة؛ لأن لا في النفي بمنزلة ما وإن كانت إن ليست تكاد تزاد بعد لا)) فالرواية عنده بفتح همزة (أن) ، وجاء في الخزانة 8/ 442: ((ورواية أبي حاتم: ما لا إن يلاقي صحيحة)) 0بكسر همزة (إن) ، وخطَّأ البغداديُّ رواية الرضي 0 (2) البيت في كشاف الزمخشري 3/ 525، والجنى الداني 210، ومغني اللبيب:38 () ... ينظر شرح المقدمة الجزولية 473 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 402 قال سيبويه عن (لن) : ((فأما الخليل فزعم أنها لا أن، ولكنهم حذفوا لكثرته في كلامهم كما قالوا: وَيْلِمِّه يريدون وي لأمه، وكما قالوا يومئذٍ وجعلت بمنزلة حرف واحد كما جعلوا هلاَّ بمنزلة حرف واحد فإنما هي هل ولا، وأما غيره فزعم أنه ليس في لن زيادة، وليست من كلمتين، ولكنها بمنزلة شيء على حرفين ليست فيه زيادة، وأنها في حروف النصب بمنزلة لم في حروف الجزم في أنه ليس واحد من الحرفين زائداً، ولو كانت على ما يقول الخليل لما قلت: أمَّا زيداً فلن أضرب؛ لأن هذا اسم والفعل صلة فكأنة قال: أمَّا زيداً فلا الضرب له)) (1) المطلب الثاني: رأي المعا رضين له اُعتُرِض على الخليل باعتراضات عدة؛ فاعتَرَض سيبويه عليه بأنه يجوز أن يتقدم عليها معمول فعلها نحو:أما زيداً فلن أضرب، فلو كانت مركبة من لا وأن لما جاز أن يتقدم معمول فعلها عليها لأن (أن) لها الصدارة، وما كان له الصدارة فلا يتقدم عليه شيء من معمولات جملته، وتقدُّمُ معمول فعل لن عليها دليل على عدم تركبها 0 كما اُعْتُرِضَ (2) عليه بأن نحو لن يقوم زيد كلام تام، لا يحتاج إلى تقدير، ولو كانت مركبة من لا وأن لكان الكلام ناقصاً لأن المصدر المنسبك حينئذٍ من أن المصدرية والفعل يعرب مبتدأ يحتاج إلى خبر مقدّر، وجملة لن يقوم زيد كلام تام ليس محتاجاً إلى تقدير، وهذا دليل على بساطة لن 0 كما اُعتُرض (3) عليه بأن (لاأن) لم يُسمَع من العرب في نظم أو نثر، فلو كان أصلها (لا أن) لسمع ذلك منهم في المنظوم أو المنثور، ويمكن الإجابة عن الشاهد السابق: بأن الرواية الراجحة فيه هي (ما إن لا يلاقي) بتقديم (إن) وكسر همزتها على (لا) النافية 0   (1) الكتاب: 3/5 0 (2) ينظر هذا الاعتراض في نُكت الأعلم: 692 (3) ينظر شرح السيرافي: 1/ 82 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 403 كما اُعْتُرض (1) على الخليل بأن الأصل في الكلمات البساطة، والتركُّب فرع عنها، ولا يعدل عن هذا الأصل إلابثَبَتٍ قاطع 0 كما اُعْتُرض (2) عليه بأن لفظ (لنْ) ليس موافقاً للفظ (لاأن) ولا معناها كمعناها المطلب الثالث: رأي المنتصرين له انتصر المازنيُّ (3) للخليل في الاعتراض الأول بأن الحروف إذا رُكِّبت حصل لها من الاختصاص ما لم يكن لها قبلُ ألا ترى أن الحرف (لو) حرف امتناع لامتناع فإذا تركَّب مع (لا) صار حرف امتناع لوجود وأجاب المبرد (4) عن الاعتراض الثاني بأن الخبر محذوف ملتزم الحذف تقديره: (لا أن تقوم حاصل) أي لا القيام حاصل 0 ولكن يَرُدُّ هذا التوجيه أمران: أ- أن العطف على فاعل مدخول لن جائز دونما تكرار (لا) نحو: لن يقوم زيد وعمرو ولو كانت (لن) أصلها (لاأن) ومنفيها كما يقولون مؤول بالمفرد لوجب تكرار الجملة الاسمية المنفية ب (لا، أن) كما في قوله تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار ((5) وقوله تعالى (ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ((6) وقول الشاعر: فلا الجارةُ الدنيا لها تَلْحَيَنَّها ولا الضيفُ عنها إنْ أناخ محوّلُ (7)   (1) ينظر هذا الاعتراض في علل النحو للوراق: 193، والجنى الداني: 271 0 (2) ينظر نُكت الأعلم: 692 0 (3) ينظر رأيه في المقتصد للجرجاني: 1050 (4) ينظر الارتشاف: 1643، والجنى الداني: 271، والمغني: 374 (5) يس: 40 (6) الكافرون:3 4 0 (7) البيت من الطويل وهو للنمر بن تولب في ديوانه المجموع: 373، وجمهرة أشعار العرب: 534، وفي منتهى الطلب: 1/ 275، وهو من شواهد ابن هشام في المغني 325 0 والضمير في لها يعود لإبل الشاعر، وتلحى تذمّ، ورواية منتهى الطلب ولا الضيف فيها، وبها أخذ جامع ديوانه، يقول: إن إبله لا تذمها جاراته لأنهن لا يمنعن عنها، ولا يتحول ضيفهم إلى سواهم لانتفاعه بألبانها، والنحاة يستشهدون بالبيت في توكيد المضارع بعد لا النافية والجملة بعدها خبرية لا إنشائية 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 404 وقول الآخر: سُئلت فلم تبخل ولم تعط طائلاً فسيَّان لا ذمٌّ عليك ولا حمدُ (1) وقول الشاعر: إذا الجودُ لم يُرزق خلاصاً من الأذى فلا الحمدُ مكسوباً ولا المالُ باقيا (2) ب- لو كانت لن مع مدخولها في تأويل مفرد كما قيل لظهر الخبر في شعر العرب أو نثرهم ولو في بيت نادر أو قول محكي، فلما لم يسمع من العرب مثل هذا دلَّ على أن لن مع مدخولها كلام تام لا يحتاج إلى تأويل، وهذا يؤكد عدم التركيب من لا النافية وأن المصدرية 0 وأجيب (3) عن الاعتراض الثالث بأن المحذوف عند العرب قسمان: قسم يجوز استعمال الأصل فيه كما في قول العرب أيُّ شيء؟ ويلٌ لأمه، كما يجوز استعمال الفرع أيضاً نحو: أيْشٍ؟ ويلمِّه، وقسم متروكٌ استعمالُ الأصل فيه كانتصاب المضارع بعد فاء السببية إذ لم يسمع من العرب إظهار أن بعدها 0 المبحث الثاني: نون لن أصيلة أو مبدلة: روى ابنُ كَيْسانَ عن الفراء (4) أن لن ولم أصلهما لا فأبدلت الألف نوناً في لن وميماً في لم قال السيرافي: ((وزعم الفراء أن لن ولم أصلهما واحد، وأن الميم والنون مبدلتان من الألف في لا، وهذا ادعاء شيء لا نعلم فيه دليلاً، فيقال للمحتج عنه، ما الدليل على ما قلت؟ فلا يجد سبيلاً إلى ذلك)) (5)   (1) البيت من الطويل وهوللحطيئة في ديوانه: 268، والشعر والشعراء: 324، والأغاني: 2/140، والتذكرة الحمدونية:8/306 (2) البيت من الطويل وهو للمتنبي في ديوانه:4/ 531، ضمن إحدى كافورياته، وفيه تعريض مُرٌّ بسيف الدولة، والمتنبي لا يستشهد بشعره ولكن يتمثل به 0 (3) شرح السيرافي: 1/82 (4) ينظر رأيه في شرح السيرافي: 1/ 83، وشرح المفصل لابن يعيش: 7/16، وشرح التسهيل: 4/15، والارتشاف: 4/1643 0 (5) شرح السيرافي: 1/83 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 405 وقال ابن يعيش: ((وكان الفراء يذهب إلى أن الأصل في (لن) و (لم) لا، وإنما أُبدل من ألف لا النون في لن والميم في لم؛ ولا أدري كيف اطَّلع على ذلك؛ إذ ذلك شيء لا يطلع عليه إلا بنص من الواضع)) (1) وقال في موضع آخر عن لن: ((وكان الفراء يذهب إلى أنها لا والنون فيها بدل من الألف وهو خلاف الظاهر، ونوع من علم الغيب)) (2) واعترض (3) على الفراء بأن إبدال الألف نوناً خلاف الأصل، وحمْلٌ على ما لا نظير له في العربية إذ الأصل إبدال النون ألفاً كإبدال نون التوكيد الخفيفة ألفاً حال الوقف عليها كما في قوله تعالى: (القيا في جنهم كلّ كفّار عنيد ((4) ،قيل الخطاب لمالك -عليه السلام - خازن النار وهو واحد، وقيل الخطاب للسائق والشهيد وعليه فلا شاهد في الآية وكقول الشاعر: وذا النُّصُب المنصوب لا تنسكنّه ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا وصلِّ على حين العشيّات والضحى ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا (5) إذ الأصل: فاعبدن، واحمدن بنون التوكيد الخفيفة، فأبدل من النون ألفاً مراعاة للقوافي المطلقة، وقول الآخر يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخاً على كرسيه معمما (6) أي ما لم يعلمن، ومثله قول الآخر:   (1) شرح المفصل: 7/16 0 (2) المرجع السابق: 8/112 0 (3) تنظر الاعتراضات على الفراء في رصف المباني:272، ومغني اللبيب:373، ومصابيح المغاني: 422، والمنصف من الكلام على مغني ابن هشام للشمني2/68، والتصريح:4/287، وهمع الهوامع: 4/94 0 (4) ق: 24 0 (5) البيتان من الطويل وهما للأعشى ميمون بن قيس في ديوانه: 187 0 (6) بيتان من مشطور الرجز مضطربا النسبة إذ نسبا لأبي حيان الفقعسي، ولمساور ابن هند العبسي وللعجاج السعدي وللدبيري، ولعبدٍ من بني عبس، ولأبي حبابة اللص، وهما في وصف الثُّمال أي رغوة اللبن الذي تعلوه 0 ينظر في ذلك: الكتاب: 3/516، ونوادر أبي زيد:164، والأصول لابن السراج:2/172 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 406 بادٍ هواك صبرت أم لم تصبرا وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى (1) أي لم تصبرن، وأمثال هذا كثير جداً في العربية 0 وكذلك اعترض عليه بأن إبدال النون ألفاً إنما هو في حال الوقف، فإذا وصل الكلام صحّت النون، ولن لا يوقف عليها بل لا بدّ من وصلها بما بعدها ولا يجوز قطعها مما يبطل القياس 0 وكذلك اعترض عليه بأن مذهبه خلاف قواعد التصريف ومفارق لسنن العربية في الانتقال من الثقيل إلى الخفيف إذ النون مقطع، والألف صوت، والصوت أخف من المقطع، فلا ينتقل من الخفيف إلى الثقيل، ومذهبه يؤدي إلى هذا واعترض عليه أيضاً بأن الحرف لا حرف مهمل، ولن حرف عامل فكيف يحمل الحرف العامل على حرف مهمل الفصل الثاني: أحكام لن المبحث الأول: معاقبة لن ل (لم) في الجزم: ذهبت طائفة من العلماء إلى أن لن عاقبت لم في الجزم، وأن ذلك لغة لبعض العرب، فيما رواه أبو عبيدة (2) -وهو من النوادر- وساقوا على ذلك طائفة من الشواهد منها قول الشاعر:   (1) البيت مطلع قصيدة عضدية من الكامل وهوللمتنبي في ديوانه: 2/ 160، وقد نوقش المتنبي في موضع الشاهد فقال سلوا الشارح يعني ابن جني: ينظر الصبح المنبي عن حيثية المتنبي: 147 0 (2) ينظر قوله في إعراب القرآن للنحاس:1/200، والمخصص: 14/45، والارتشاف: 1643 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 407 أيادي سبا يا عزَّ ما كنت بعدكم فلن يَحْلَ للعينين بعدكِ منظر (1) ومنها قول الشاعر: هذا الثناء فإن تسمع به حسناً فلن أعرِّضْ أبيت اللعن بالصفد (2) وقول أعرابي في مدح الحسين بن عليٍّ رضي الله عنهما: لن يخب الآن مِنْ رجائك مِنْ حرَّك من دون بابك الحلقه (3)   (1) البيت من الطويل وهو لكثير عزة في ديوانه: 328، والرواية فيه فلم يَحْلَ، وهي المتفقة مع رواية الفراء في المنقوص والممدود: 36، وأبي علي القالي في المقصور والممدود: 274، والزمخشري في المستقصى: 2/90، وعليها فلا شاهد في البيت، والرواية المثبتة من المغني: 375، وروي منزل بدل منظر في ديوانه:254، واللسان والتاج (سبأ) 0والفعل يحلى من باب فرح، يقال حَلِيَ بقلبي وبعيني يَحْلَى وحَلا الشيءُ في فمي يَحْلُو من باب نصر ويقال في الوصف من الفعلين هو حُلْوٌ ينظر المحكم:4/3 0 (2) البيت من البسيط للنابغة الذبياني في ديوانه: 27، والرواية فيه فلم أعرِّض، وفي تفسير الطبري: 13/255، وشرح القصائد التسع المشهورات للنحاس: 2/765، وشرح القصائد العشر للتبريزي 465: (فما عَرَضْتُ) ، وأشارالأخيران إلى رواية الديوان (فلم أعرِّض) ، وعليها فلا شاهد في البيت، والرواية المثبتة في تفسير القرطبي:1/163، والفريد في إعراب القرآن المجيد: 1/249، والدر المصون:1/204، ومصابيح المغاني في حروف المعاني: 424 0 والصفد: بفتحتين: اسم مصدر من أَصْفَدْتُ الرجل أُصْفِدُهُ إصفاداً، وهو العطاء جزاءً، قال الأصمعي: ((لا يكون الصَّفَد ابتداء إنما هو بمنزلة المكافأة)) شرح القصائد التسع للنحاس:766 0 (3) بيت من المنسرح في مدح الحسين بن عليٍّ رضي الله تعالى عنهما، وهو في مغني اللبيب: 375، وهمع الهوامع:4/97، والأشموني: 3/278 0 وللبيت قصة مذكورة في شرح شواهد المغني: 688، وشرح أبيات المغني: 5/161 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 408 ومنها ما رواه الإمام القرطبي في تفسيره (1) ، وابن مالك (2) ، من قول الملَك في النوم لعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: ((لن ترع لن ترع)) (3) بجزم المضارع بلن قال ابن مالك: ((وفي لن ترع لن ترع إشكال ظاهر؛ لأن لن يجب انتصاب الفعل بها، وقد وليها في هذا الكلام بصورة المجزوم 000 ويجوز أن يكون السكون سكون جزم على لغة من يجزم بلن، وهي لغة حكاها الكسائي)) (4)   (1) الجامع لأحكام القرآن:1/163 0 (2) شواهد التوضيح والتصحيح: 158 0 (3) الحديث أخرجه البخاري في عدة مواضع بروايتين الأولى: (لم ترع) في كتاب التهجد باب فضل قيام الليل والثانية (لن تراع) في كتاب فضائل الصحابة باب مناقب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 0 وقال ابن حجر في الفتح:3/10: ((وفي رواية الكشميهني في التعبير:لن تراع وهي رواية الجمهور بإثبات الألف، ووقع في رواية القابسي: لن ترع بحذف الألف قال ابن التين وهي لغة قليلة -أي الجزم بلن- حتى قال القزاز: لا أعلم له شاهداً)) وذكر العيني في عمدة القاري: 6/174 رواية الكشميهني ولم يشر إلى رواية القابسي وعلّق محمد فؤاد عبد الباقي على رواية ابن مالك بقوله: (فمن أين جاءت رواية لن ترع) فقول محمد فؤاد عبد الباقي: ((من أين جاءت رواية لن ترع)) أقول: هي من رواية القابسي كما أشار إليها ابن حجر-رحمه الله - ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وابن مالك -رحمه الله- إمام في الحفظ وآية في باب الشواهد 0 (4) شواهد التوضيح والتصحيح: 160 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 409 وبتمحيص هذه الشواهد التي ساقوها دليلاً على ما ذهبوا إليه نجد أن بيت كثيِّر مرويٌّ في جلّ المصادر ب (لم يَحْلَ) وهي رواية أحسن في المعنى؛ لأنه يشكو لعزة حاله فيما مضى بعد فراقها إياه وأنه كان مشتتاً كأيادي سبا، ولم يَحْلَ له منظر منذ ذلك الفراق، وهذا المعنى عذب في عرف المتصافين، دالٌّ على ثبات الود، و (لم يحلَ) هي المتسقة مع هذا المعنى لإحالتها زمن المضارع للمضي، أما رواية (لن يحلَ) فهي غير متسقة مع المعنى؛ لأن فيها إقراراً بأنه قد حلي له فيما مضى منظر، وكأنها تعاتبه على ذلك، وهو يأسف على ما بدر منه، ويؤكد لها أنه فيما بعدُ لن يَحْلَى له بعدها منظر إنْ هي سامحته0 وكذلك بيت النابغة (لن أُعَرِّضْ) مرويٌّ في المصادر القديمة ب (فلم أُعرِّضْ) ،أو (فما عَرَضْتُ) ، ورواية (لم أعرّض) وكذلك (فما عرَّضت) أقوى في المعنى من رواية (فلن أعرِّض) لأن الرجل ينفي عن نفسه تهمةً رُمِيَ بها عند النعمان في شأن المتجرّدة، وينكر تلك التهمة من أساسها، ورواية (لن أعرِّضْ) فيها إقرار منه بما رُمي به، ومعاهدةٌ بعدم العود مستقبلاً، وفرق شاسع بين نافٍ ما اتهم به، ومقرٍّ معترف معتذر معاهد بعدم العود 0 أما بيت الأعرابي في مدح الحسين رضي الله عنهما فقال عنه البغدادي: ((البيت أنشده أبو الحسين بن الطراوة، وأقول: كيف يصح اجتماع لن مع الآن، ولا يصح ذكر الآن إلا مع لم، فإن قلت اجعل الخيبة المقيَّدة بالآن منفية بالمستقبل قلت: الخيبة المنفية إنما هي المقيدة بالآن 000 قال البَطَلْيَوْسي: وجزم الأعرابي بلن، وذكر اللِّحياني أن ذلك لغة لبعض العرب يجزمون بالنواصب، وينصبون بالجوازم)) (1) والرواية المشهورة لحديث ابن عمر هي (لم ترع لم ترع) ، ولكن رواية (لن ترع لن ترع) أحسن من حيث المعنى فقط؛ لأن فيها بشارةً لابن عمر رضي الله عنهما بأنه لن يراع في قادم الأيام 0   (1) شرح أبيات المغني: 5/161 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 410 وعلى هذا فالجزم بلن لغةٌ لبعض العرب كما ذكر اللِّحياني (1) ، ولكنها لغة ضعيفة، لا ترقى لأن تتخذ قاعدة، وشواهدها لم تسلم من الاعتراض عليها كما رأينا 0 كما لا يمكن من خلال الشواهد التي سيقت عزوها لقبيلة بعينها، لأن الشاهد الأول لخزاعي، والثاني لغطفاني، والثالث لأعرابي دون تخصيص، والرابع لقرشي 0 قال السهيلي عن لن: ((كان ينبغي أن تكون جازمة؛ لأنها حرف نفي مختص بالأفعال، فوجب أن يكون إعرابه الجزم الذي هو نفي الحركة وانقطاع الصوت ليتطابق اللفظ والمعنىكما تقدم في باب الإعراب)) (2) المبحث الثاني: إفادة لن الدعاء: لايُعرف خلاف بين النحاة في جواز الدعاء ب (لا) النافية على المخاطب، أوعلىالغائب، أما الدعاء على النفس فقد منعه طائفة من النحاة منهم أبو حيان (3) ، وأجازه ابن عصفور، وابن هشام واستدلَّ الأخير بقول الشاعر: لن تزالوا كذلكم ثم لا زل تُ لكم خالداً خلود الجبال بضمير المتكلم في (زلتُ) وبضمير المخاطب في (لكم) وستأتي مناقشة هذا البيت أما الدعاء ب (لن) فمحل نزاع عند النحاة؛ إذ نقل ابن السراج عن قوم تجويزه فقال ((وقال قوم يجوز الدعاء بلن مثل قوله (فلن أكون ظهيراً للمجرمين ((4) وقال الشاعر: لن تزالوا كذلكم ثم لا زل تَ لهم خالداً خلود الجبال (5) والدعاء بلن غير معروف، إنما الأصل ما ذكرنا أن تجيء على لفظ الأمر والنهي، ولكنه قد يقصد بها الدعاء إذا دلّت الحال على ذلك)) (6) وفسَّر من أجاز الدعاء بلن في الآية الكريمة بأن المعنى: (رب لا تجعلني أكون ظهيراً للمجرمين)   (1) ينظر سفر السعادة: 565 (2) نتائج الفكر: 130 0 (3) ينظر رأيه في شرح أبيات المغني: 5/156 0 (4) القصص: 17 0 (5) البيت من الخفيف للأعشى وهوآخر بيت ضمن قصيدته التي يمدح فيها الأسود ابن المنذر اللخمي ومطلعها: ما بكاء الكبير بالأطلال وسؤالي فهل ترد سؤالي وهو في ديوانه 296 0 (6) الأصول: 2/171 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 411 ووافقه على ذلك ابن عصفور (1) ، وابن هشام في المغني (2) ، وخالفه في التوضيح (3) وشرح القطر (4) ، وشرح اللمحة البدرية (5) ومنعه أبو حيان (6) واحتجَّ بأن فعل الدعاء لا يسند إلى المتكلم بل إلى المخاطب أو الغائب ورد عليه ابن هشام (7) فزعم جواز إسناد فعل الدعاء إلى المتكلم، محتجاً بأن الشاعر عطف جملة (لازلتُ) وهي جملة إنشائية علىجملة لن تزالوا ولو كانت الأولى خبرية لما صح عطف الإنشائية عليها، وعنده إن جملة (لازلتُ لكم) بتاء المتكلم وكاف المخطاب، وهذه هي رواية بعض النحاة، ورواية الديوان (لا زلتَ لهم) بفتح التاء وضمير الغيبة، أي (لازلتَ) أيها الممدوح خالداً لهم خلود الجبال قال البغدادي: ((وقوله لن يزالوا إلى آخره بالياء التحتية بضمير الغيبة الراجع لمجموع مَن ذَكر ممن قَتلوا وأَسروا وسَبوا ونَهبوا من الأعداء وممن غَزا معه وقَتل وغَنِمَ من الأولياء، وقوله ولازلتَ بالخطاب للمدوح، ولهم بضمير الغيبة، فظهر مما ذكر أن البيت قد روي في كتب النحو على خلاف الرواية الصحيحة)) (8) وإليك هذا الشاهد الذي ورد فيه الدعاء على النفس اصطدته من كتب المعاجم 0 لا ذعرتُ السوَام في فلق الصب ح مغيراً ولا دُعيتُ يزيدا (9) ويجوز أن يكون منه أيضاً قول النابغة: ما قلتُ من سيِّء مما رميت به إذن فلا رفعت سوطي إليَّ يدي (10)   (1) ينظر رأيه في الارتشاف: 1466 0 (2) مغني اللبيب: 373 0 (3) التصريح: 4/136 0 (4) شرح القطر:113 0 (5) شرح اللمحة:2/338 0 (6) ينظر رأيه في شرح أبيات المغني: 5/156 0 (7) ينظر مغني اللبيب: 375 (8) شرح أبيات المغني: 5/157 0 (9) البيت من الخفيف دون عزو في المحكم: 9/87، واللسان (زيد) والسوامّ: هي الإبل الراعية يقال: إبل سائمة وسوام، وهي التي تترك في المرعى حيث شاءت، وذَعَرَها بمعنى أدخل فيها الذُّعْر والخوف وذلك بطردها والإغارة عليها 0 (10) البيت من البسيط في ديوانه: 25 0 وهو من اعتذاريات النابغة للنعمان بن المنذر مما رُمِيَ به في شأن المتجردة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 412 ويحتمله قول الآخر: لا درَّ درِّي إن أطعمت نازلكم قِرْفَ الحَتِيِّ وعندي البُرُّ مكنوز (1) المبحث الثالث: الفصل بين لن ومعمولها الأصل في الإعمال للأفعال؛ فلهذا تعمل متقدمة، ومتأخرة، ومذكورة ومحذوفة، ومتصلة بمعمولاتها، ومفصولة عنها 0 أما الحروف فهي عوامل ضعيفة لاتعمل في متقدم أبداً، ولا يفصل بينها وبين ومعمولاتها بأجنبي في سعة الكلام، فإن فصل بينها وبين معمولاتها بأجنبي أهملت ك (إذن) الداخلة على المضارع نحو إذن زيد يكرمُك بإهمال إذن بسبب الفصل بالأجنبي0 ولن حرف ينصب المضارع بنفسه، ولا يعمل في متقدم أبداً إذ لا يقال يقومَ لن زيد، ولا يفصل بينه وبين معموله فلا يقال: لن زيدٌ يقومَ ولكن العرب يتوسعون في الظرف والجار والمجرور والقسم فيفصلون بهن بين الحرف ومعموله مع بقاء الإعمال سمع من العرب قولهم: فلا تلحني فيها فإن بحبها أخاك مصاب القلب جَمٌّ بلابلُهْ (2) إذ فصل بين إن واسمها وخبرها بالجار والمجرور الذي هو معمول الخبر، والأصل: فإن أخاك مصاب بحبها، كما سمع من العرب قولهم: إذن والله نرميَهم بحرب تشيب الطفل من قبل المشيب (3)   (1) البيت من البسيط للمتنخل الهذلي في أشعار الهذليين:1263، ولأبي ذؤيب في الحيوان: 5/285، وهو من شواهد سيبويه:2/89 0 والحَتِيّ: المُقْل وهو ثمر شجر الدَّوْم، وقِرْفُه: قشره، وكان العرب يجعلون من قشر المُقْلِ سويقاً، والشاعر هنا يذكر نزوله بقوم فلم يقروه، فقال البيت مفتخراً بالجود والكرم وأنه لن يبخل على أضيافه ولن يقدم لهم رديء الطعام والبر عنده موجود 0 (2) البيت من الطويل وهو من شواهد سيبويه غير المعزوة في الكتاب: 2/133، ولم ينسبه من أتى بعده، وأهمله د/رمضان عبد التواب في بحثه بحوث ومقالات في اللغة / أسطورة الأبيات الخمسين في كتب سيبويه، (3) البيت من الوافر وهو لحسان بن ثابت في ملحق ديوانه: 371 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 413 ففصل بين إذن ومعمولها بالقسم، وأعملها فنصبت نرميهم وسمع من العرب في ضرورة الشعر قولهم: لن ما رأيتُ أبا يزيد مقاتلاً أدعَ القتال وأشهدَ الهيجاء (1) إذ المعنى لن أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلاً، ف (ما) مصدرية ظرفية تسبك مع ما بعدها بمصدر أي لن أدع القتال مدة رؤيتي أبا يزيد مقاتلاً قال ابن جني: ((وقد شُبِّه الجازم بالجارّ ففصل بينهما كما فصل بين الجارّ والمجرور؛ وأنشدنا لذي الرمة: فأضحت مغانيها قفاراً رسومها كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهلِ (2) وجاء هذا في ناصب الفعل 0أخبرنا محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى بقول الشاعر: لمَّا رأيت أبا يزيد مقاتلا أدعَ القتال 000 أي لن أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلاً، كما أراد الأول: كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش، وكأنه شبّه لن بأنَّ فكما جاز الفصل بين أنّ واسمها بالظرف في نحو قولك:بلغني أنّ في الدار زيداً، كذلك شبَّه لن مع الضرورة بها ففصل بينها وبين منصوبها بالظرف الذي هو:ما رأيت أبا يزيد أي مدة رؤيتي)) (3) وقال ابن عصفور فيما يخص ضرورة الفصل بين المتلازمين: ((ومنه الفصل بين الحروف التي لا يليها إلا الفعل في سعة الكلام وبين الفعل نحو قول الشاعر: لن - ما رأيت أبا يزيد مقاتلا- أدعَ القتال وأشهدَ الهيجاء يريد لن أدع القتال وأشهد الهيجاء ما رأيت أبا يزيد مقاتلاً ففصل بين لن والفعل المتصل بها)) (4) أما تقديم معمول فعلها عليها فجائز في السعة قال الشاعر:   (1) البيت من الكامل دون عزو وهو في الخصائص:2/411، والمقرب: 1/262، ومغني اللبيب: 373 0 والفعل أدع: منصوب بلن أي لن أدع القتال، وأشهد منصوب بأن مضمرة جوازاً بعد واو العطف والمصدر معطوف على القتال والمعنى لن أدع القتال وشهود الهيحاء 0 (2) البيت من الطويل وهو في ديوانه: 1465 0، ورواية الديوان: مبانيها، بلادها (3) الخصائص: 2/410 0 (4) الضرائر: 201 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 414 مه عاذلي فهائماً لن أبرحا بمثل أو أحسن من شمس الضحى (1) إذ قدم خبر أبرح على لن مع منفيها 0 وكان مما احتج به سيبويه على الخليل بعدم تركب لن من لا وأن قوله أما زيداً فلن أضرب، فقدم معمول فعلها عليها في السعة 0 المبحث الرابع: تلقي القسم بلن العرب توقع المضارع المنفي في جواب القسم (2) ، والمشهور عندهم نفيه ب (لا) ،أو (إنْ) أو (ما) فمثال تلقي القسم ب (لا) النافية قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ((3) وقول الشاعر: لئن عاد لي عبدُ العزيز بمثلها وأمكنني منها إذن لا أقيلُها (4) ومثال النفي ب (ما) قول الشاعر:   (1) بيت من الرجز، أو هما بيتان من مشطوره، دون عزو في شواهد التوضيح: 103، والأشموني: 1/234، وحاشية الخضري: 2/110 0 ومه اسم فعل أمر مبني على السكون بمعنى اكفف، وعاذل منادى منصوب والياء مضاف إليه، والفاء استئنافية، هائماً خبر أبرح مقدم، وبمثل جارومجرور والمضاف إليه محذوف دل عليه اللاحق كما في نحو قطع الله يد ورجل من قالها، والجار والمجرور متعلق بأحسن (2) ينظر في هذا المبحث:شرح الجمل لابن عصفور: 1/526، وشرح التسهيل لابن مالك: 3/206، وشرح الكافية للرضي: 4/312، والارتشاف: 4/ 1779 0 (3) النساء:65 0 (4) البيت من الطويل لكثيّر عزة في ديوانه: 305، وهو يدور في جل كتب النحو في باب إعراب الفعل في إلغاء إذن لتوسطها بين القسم وجوابه 0 ومن خبر هذا البيت أن كثيِّراً مدح عبد العزيز بن مروان بقصيدة أعجبته فقال له احتكم يا أبا صخر -وكان كثيِّرٌ محمَّقاً- فقال اجعلني مكان ابن رُمَّانة -كاتب سر عبد العزيز-، فغضب عليه عبد العزيز وطرده فندم كثيّر وقال قصيدة يعتذر فيها لعبد العزيز منها الشاهد 0 تنظر القصة في: البيان والتبيين: 2/241، والعقد الفريد: 3/8، والخزانة: 8/477 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 415 لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع (1) ومثال النفي بإن قولك: والله إن يعلم بهذا إلا زيد، ولم أقف له على شاهد، ولكنّ النحاة يجيزونه (2) ويجوز حذف النافي مع الفعل المضارع إن كان أحد هذه الحروف (لا أو ما أو إن) ؛ لأنهن مهملات أصالة كما في قوله تعالى: (تالله تفتأ تذكر يوسف ((3) أي لا تفتأ 0 وذهبت طائفة كبيرة من النحاة إلى عدم جواز تلقي القسم ب (لن ولم) من أدوات النفي؛ وعلل الرضي ذلك بأن العامل الحرفي لا يحذف مع بقاء عمله، وإن أبطلوا العمل لم يتعيّن النافي المحذوف (4) وقد سمع من العرب تلقي جواب القسم بلن قال الشاعر: والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسَّد في التراب دفيناً (5) كما سمع منهم تلقي الجواب بلم حكى الأصمعي أنه قيل لأعرابي:ألك بنون؟ قال: (نعم وخالِقِهِمْ لم تَقُمْ عن مِثْلِهِمْ مُنْجِبَةٌ) (6) ومنه قول الأعشى: لئن مُنيْتَ بنا عن غِبِّ معركة لم تلفنا من دماء القوم ننتفل (7)   (1) البيت من الطويل للبيد بن ربيعة في ديوانه: 168 0 (2) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور: 1/526، وشرح التسهيل لابن مالك: 3/206، وشرح الكافية للرضي: 4/312، والارتشاف: 4/ 1779 0 () النساء:65 0 (3) يوسف: 85 0 (4) ينظر شرح الكافية:4/312 (5) البيت مطلع قصيدة من الكامل منسوبة لأبي طالب عم النبي صلى لله عليه وسلم وهو في ديوانه المجموع: 91، والكشاف: 2/12، وشرح التسهيل لابن مالك:3/207، والجنى الداني: 270 0 (6) ينظر القول في شرح التسهيل لابن مالك:3/207،والارتشاف: 4/1779، والمساعد:2/314 0 (7) البيت من البسيط وهو للأعشى في ديوانه: 113 شرح محمد محمد حسين، و312 تحقيق د/ محمد أحمد قاسم، وفي كلتا النسختين (لم تلفنا) وبها يتحقق الشاهد 0 ورواية البيت في كتب النحو (لا تلفنا) إذ يستشهدون به على اجتماع القسم والشرط، وجعل الجواب للمتأخر منهما وهو الشرط 0 ومُنِي بكذا بالبناء للمفعول: ابتلي به، وغِبّ الشيء بكسر الغين وتشديد الباء عقبه، وانتفل من كذا تبرأ منه 0 ينظر: شرح ابن الناظم: 707، وشرح الكافية للرضي: 4/457، وشرح ابن عقيل4/45 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 416 الفصل الثالث: معنى لن المبحث الأول: تأكيد النفي بلن (1) تمهيد لن حرف نفي واستقبال ينصب المضارع بنفسه كما يقول الجمهور، وهو ينفي المضارع الذي دخلت عليه السين قال سيبويه: ((ولن أضرب نفي لقوله سأضرب، كما أن لاتضرب نفي لقوله اضربْ ولم أضربْ نفي لضربْتَ)) (2) ، وقال: ((ولم: وهي نفي لقوله فعل، ولن وهي نفي لقوله: سيفعل)) (3) وقال أيضاً: ((والسين التي في قولك سيفعل، وزعم الخليل أنها جوابُ لن يفعل)) (4) وقد اختلف العلماء في مسألتين مهمتين حيال إفادة لن توكيد النفي أو تأبيده أو عدم دلالتها على شيء من ذلك البتة 0 وسنرجيء الحديث عن قضية تأبيد النفي بلن للمبحث التالي (لن الزمخشرية) وفي هذا المبحث سنحاول لمَّ شتات مسألة توكيد النفي بلن وِفْقَ المطالب التالية 0 المطلب الأول: رأي الزمخشري   (1) ينظر في هذا المبحث كتاب دراسات لأسلوب القرآن الكريم القسم الأول الجزء الثاني:631 (2) الكتاب 1/135-136 0 (3) المرجع السابق: 4/220 0 (4) المرجع السابق: 4/217 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 417 يكرر الزمخشري في جلّ كتبه القول بتأكيد النفي بلن قال: ((ولن لتأكيد ما تعطيه لا من نفي المستقبل، تقول لا أبرح اليوم مكاني فإذا وكَّدت وشدَّدت قلت لن أبرح اليوم مكاني)) (1) ، وقال أيضاً: ((ولن نظيرة لا في نفي المستقبل ولكن على التأكيد)) (2) ، وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ((3) : ((فإن قلت ما حقيقة لن في باب النفي قلت لا ولن أختان في نفي المستقبل إلا أنَّ في لن توكيداً وتشديداً تقول لصاحبك: لا أقيم غداً فإن أنكر عليك قلت: لن أقيم غداً كما تفعل في أنا مقيم وإني مقيم)) (4) ، وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: (قال ربي أرني أنظرْ إليك قال لن تراني ((5) : ((فإن قلت ما معنى لن؟ قلت تأكيد النفي الذي تعطيه لا، وذلك أن لا تنفي المستقبل تقول لا أفعل غداً، فإذا أكَّدت نفيها قلت: لن أفعل غداً)) (6) ، وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ((7) : ((لن أخت لا في نفي المستقبل إلا أن لن تنفيه نفياً مؤكداً)) (8) ، وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: (ولا يتمنونه أبداً بما قدّمت أيدهم ((9) : ((ولا فرق بين لا ولن في أن كل واحدة منهما نفي للمستقبل،إلا أن في لن تأكيداً وتشديداً ليس في لا)) (10) والنحاة الذين جاؤوا بعد الزمخشري انقسموا بين معارض له، ومؤيد في دعواه إفادة لن تأكيد النفي وسأدرس إن شاء الله في المطلبين التاليين هذين المذهبين 0 المطلب الثاني:رأي المعارضين له   (1) المفصل: 307 0 (2) الأنموذج:102 0 (3) البقرة: 24 0 (4) الكشاف: 1/248 (5) الأعراف: 143 0 (6) الكشاف: 2/113 0 (7) الحج: 73 0 (8) الكشاف: 3/22 0 (9) الجمعة: 7 0 (10) الكشاف:4/103 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 418 انبرى للرد على الزمخشري في قضيَّة توكيد النفي بلن طائفة ممن أتي بعده من النحاة منهم ابن عصفور، وأبو حيان، وابن هشام، والمرادي، وغيرهم من تلامذة ابن مالك شراح التسهيل ومن تلامذة أبي حيان0 قال ابن عصفور في رده على الزمخشري: ((ما ذهب إليه دعوى لا دليل عليها بل قد يكون النفي ب (لا) آكد من النفي ب (لن) ؛لأن المنفي ب (لا) قد يكون جواباً للقسم، والمنفي ب (لن) لا يكون جواباً له، ونفي الفعل إذا أقسم عليه آكد)) (1) فابن عصفور بنى اعتراضه على الزمخشري بأن لا النافية تقع جواباً للقسم ولن لا تقع جواباً للقسم، ونفي الفعل المقسم عليه آكد من غير المقسم عليه 0 ولكن رُدَّ عليه بالشاهد السابق وهو: والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسّد في التراب دفيناً إذ وقعت لن فيه في جواباً للقسم 0 وقال أبو حيّان: ((ونقل ابن مالك (2) أن الزمخشري خصَّ النفي بالتأبيد، ونقل ابن عصفور عنه أنه زعم أن لن لتأكيد ما تعطيه لا من نفي المستقبل، وأن مذهب سيبويه والجمهور أن لن لنفي المستقبل من غير أن يشترطا أن يكون النفي بها آكد من نفي لا)) (3) ، فأبو حيّان إذن يذكر أن ابن عصفور نقل عن الزمخشري القول بتأكيد النفي بلن، ونقل عن ابن مالك أن الزمخشري يرى تأبيد النفي بلن، ثم اعترض عليه بأن مذهب سيبويه والجمهور أن لن لنفي المستقبل ولم يشترطوا أن يكون النفي بها آكد من النفي بلا 0   (1) الجنى الداني: 270 0 ومثال وقوع لا في جواب القسم قوله تعالى في سورة الحشر 12 (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولنَّ الأدبار ثم لا ينصرون ( (2) نقل ابن مالك ذلك في شرح الكافية الشافية: 3/1531 0 (3) ارتشاف الضرب:4/1643-1644 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 419 وكرر هذا المعنى تلامذة أبي حيان كالمرادي (1) ، وابن عقيل (2) ، والسمين الحلبي (3) ولهج ابن هشام في مخالفة الزمخشري فقال: ((ولا تفيد لن توكيد النفي خلافاً للزمخشري في كشافه ولا تأبيده خلافاً له في أنموذجه وكلاهما دعوى بلا دليل)) (4) ، وقال أيضاً: ((لن وهي لنفي سيفعل ولا تقتضي تأبيد النفي ولا تأكيده خلافاً للزمخشري)) (5) ، وقال أيضاً: ((ولن حرف يفيد النفي والاستقبال بالاتفاق، ولا تقتضي تأبيداً خلافاً للزمخشري في أنموذجه، ولا تأكيداً خلافاً له في كشافه)) (6) ، وقال الأشموني: ((ولا تفيد تأبيد النفي ولا تأكيده خلافاً للزمخشري: الأول في أنموذجه والثاني في كشافه)) (7) وشرح الشيخ خالد الأزهري (8) كلام ابن هشام دون أن يعترض عليه مما يدلُّ على موافقته له فيما قال 0 وسبق ابنَ هشام في مخالفة الزمخشري في توكيد النفي بلن ابنُ عصفور كما زعم أبو حيّان، والمرادي، ولم أجد في كتب ابن عصفور المطبوعة الآن التي اطلعت عليها (9) شيئاً من ذلك، ولعله في كتبه التي لمّا تطبع بعد 0 وفي الحق أن الزمخشري محظوظ في هذه القضية؛ إذ نَسَبَ له القوم ماليس له، وخالفوه فيما هو تابع فيه غيره، وزادوه شهرة من حيث أرادوا أن يغضُّوا منه؛ إذ أخذ اسمه يتردد في كتبهم، وكتب من جاء بعدهم من النحاة على أنه مؤصِّل مسألةٍ ومبتكرها، وما هو إلا تابع لسواه ليس غير 0   (1) ينظر الجنى الداني: 270، وتوضيح المقاصد:4/173 0 (2) ينظر المساعد: 3/66 0 (3) ينظر الدر المصون: 1/203، 5/449 0 (4) مغني اللبيب: 374 0 (5) أوضح المسالك: 4/136 0 (6) شرح قطر الندى112 0 (7) شرح الأشموني: 3/278 0 (8) ينظر التصريح: 4/286 0 (9) رجعت إلى كتب ابن عصفور التالية: شرج جمل الزجاجي، والمقرَّب، ومُثُل المقرب، والضرائر، والممتع 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 420 ولو تتبع المرء مسألة القول بتوكيد النفي بلن من أصلها لوجد الخليل بن أحمد هو ابنُ بجدتها وهو أول من قال بها، قال في العين: ((وأما لن فهي: لا أن وصلت في الكلام، ألا ترى أنها تشبه في المعنى لا، ولكنها أوكد تقول: لن يكرمَك زيد معناه: كأنه يطمع في إكرامه فنفيت عنه ووكدت النفي بلن فكانت أوكد من لا)) (1) وقال الأزهري: ((الليث عن الخليل في لن أنه لا أن فوصلت لكثرتها في الكلام،ألا ترى أنها تشبه في المعنى لا ولكنها أوكد تقول: لن يكرمك زيد معناه:كأنه كان يطمع في إكرامه فنفيت ذاك ووكَّدت النفي بلن فكانت أوجب من لا)) (2) فالخليل بن أحمد هو أول من قال بتأكيد النفي بلن وأبان بأنها تشبه لا في إفادة النفي ولكنها تتميَّز عن لا بأنها آكد من أختها لا في هذا الباب، وكرر هذا المعنى ثلاث مرات ((ولكنها أوكد)) ((فنفيت عنه ووكدت النفي)) ((فكانت أوكد من لا)) فكان الحق على متأخري النحاة أن يخالفوا الخليل في القول بتوكيد النفي بلن كما خالفوه في القول بتركيبها من لا وأن، وينسبوا الخلاف له وليس للزمخشري المتابع للخليل   (1) العين:8/350 0 (2) تهذيب اللغة: 15/ 332 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 421 وبما أن سيبويه لم يشر في كتابه إلى قضية توكيد النفي بلن من عدمه، فلذلك أظنُّ -والله أعلم- أن ابن عصفور وأبا حيان لم يعلما برأي الخليل فيها، وأظن أنهما لم يطّلعا على مادة (لن) في كتابي العين، وتهذيب اللغة، واطّلع عليها الزمخشري في أحدهما، أو في كليهما؛ فلذلك أفاد منها الزمخشري، ولم يفد منها الأندلسيون، ولعل مما يؤيد ما ذهبتُ إليه أن ابن سيده -الأندلسي -لم يشر إلى رأي الخليل في كتابيه المحكم (1) ، والمخصص (2) بل نقل في المحكم كلام ابن حني في سر صناعة الإعراب عن لن بنصّه (3) وهما من أهم الكتب المعاجم المتداولة في بلاد الأندلس   (1) ينظر المحكم: 10/361 طبعة دار الكتب العلمية وهي طبعة للكتاب كاملة، وما ذكره ابن سيده في لن في المحكم منقول بالنص من سر صناعة الإعراب: 305 0 (2) ينظر المخصص: 14/ 45،55 0 (3) ينظر المحكم: 10/361 تحقيق عبد الحميد هنداوي دار الكتب العلمية، وينظر سر صناعة الإعراب: 305 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 422 ثم إن أبا حيان لم يكن مصرّاً على مخالفة الزمخشري في قضية توكيد النفي بلن بل كان في البحر المحيط كثيراً ما يوافقه على ذلك قال: ((لن نفي لما دخلت عليه أداة الاستقبال، ولا نفي للمضارع الذي يراد به الاستقبال فلن أخص؛ إذ هي داخلة على ما ظهر فيه دليل الاستقبال لفظاً؛ ولذلك وقع الخلاف في لا هل تختص بنفي المستقبل أم يجوز أن تنفي بها الحال، وظاهر كلام سيبويه رحمه الله هنا أنها لا تنفي الحال 000فإذا تقرر هذا الذي ذكرناه كان الأقرب من هذه الأقوال قول الزمخشري أوّلاً من أن فيها توكيداً وتشديداً؛ لأنها تنفي ما هو مستقبل بالأداة، بخلاف لا فإنها تنفي المراد به الاستقبال مما لا أداة فيه تخلصه له؛ ولأن لا قد ينفى بها الحال قليلاً فلن أخص بالاستقبال، وأخصّ بالمضارع؛ ولأن (ولن تفعلوا (أخصر من ولا تفعلون؛ فلهذا كله ترجّح النفي بلن على النفي بلا)) (1) فهو هنا وافق الزمخشري صراحة ((فإذا تقرر هذا الذي ذكرناه كان الأقرب من هذه الأقوال قول الزمخشري أوّلاً من أن فيها توكيداً وتشديداً)) وعللّ ذلك باختصاص لن بنفي ما هو مستقبل بالأداة، وباختصاصها بالمضارع بخلاف لا التي لايختص بها المضارع، وقد ينفى بها المضارع المراد به الحال أيضاً 0 وقال أيضاً ((وكان حرف النفي لن الذي هو أبلغ في الاستقبال من لا إشعاراً بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عدوهم وشوكتهم كالآيسين من النصر)) (2) ، وقال أيضاً: في قوله تعالى: (قال إنك لن تستطيع معي صبراً ((3) : ((ونفى الخضر استطاعة الصبر معه على سبيل التأكيد)) (4) وقال أيضاً (( (لن تتبعونا (وأتى بصيغة لن وهي للمبالغة في النفي)) (5)   (1) البحر المحيط: 1/174 طبعة مصطفى الباز 0 (2) البحر: 3/333 0 (3) الكهف: 67 0 (4) البحر المحيط: 7/205 0 (5) البحر المحيط: 9/489 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 423 وكذلك الحال مع ابن هشام إذ أومأ إلى توكيد النفي بلن في المغني في أثناء حديثه عن السين قال: ((وزعم الزمخشري أنها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة، ولم أر من فهم وجه ذلك، ووجه أنها تفيد الوعد بحصول الفعل فدخولها على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتضٍ لتوكيده وتثبيت معناه، وقد أومأ إلى ذك في سورة البقرة فقال: (فسيكفيكهم الله ((1) ومعنى السين إن ذلك كائن لا محالة، وإنْ تأخر إلى حينٍ، وصرّح به في سورة براءة فقال في: (أولئك سيرحمهم الله ((2) السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة؛ فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد إذا قلت: سأنتقم منك)) (3) وقال أيضاً: ((إن الزمخشري قال في (أولئك سيرحمهم الله (أن السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة فهي مؤكدة للوعد، واعترضه بعض الفضلاء (4) بأن وجود الرحمة مستفاد من الفعل لا من السين، وبأن الوجوب المشار إليه بقوله لا محالة لا إشعار للسين به، وأجيب بأن السين موضوعة للدلالة على الوقوع مع التأخر، فإذا كان المقام ليس مقام تأخر لكونه بشارة تمحَّضت لإفادة الوقوع، وبتحقق الوقوع يصل إلى درجة الوجوب)) (5)   (1) الآية: 137 0 (2) الآية: 71 0 (3) مغني اللبيب: 185 0 (4) المراد به أبو حيّان في البحر المحيط: 5/460 قال: ((وقال الزمخشري السين مفيدة وجوب الرحمة لا محالة فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد في قولك سأنتقم منك يوماً 000 وفيه دفينة خفية من الاعتزال بقوله السين مفيدة وجوب الرحمة لا محالة يشير إلى أنه يجب على الله تعالى إثابة الطائع كما تجب عقوبة العاصي، وليس مدلول السين توكيد ما دخلت عليه، إنما تدل على تخليص المضارع للاستقبال فقط)) أ0هـ (5) مغني اللبيب: 870 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 424 فابن هشام يميل إلى رأي الزمخشري في أن السين الداخلة على المضارع تفيد توكيده، والسين إنما تدخل على المضارع وهو مثبت؛ وبما أن لن نقيضة السين، والسين تفيد التوكيد في حال الإثبات فلا بدَّ أن يكون نفي المؤكد مؤكداً أيضاً، ودفاع ابن هشام عن الزمخشري ضد أبي حيّان دليل على قناعته بقول الزمخشري في أن السين تؤ كد الفعل المضارع الذي اتصلت به في المحبوب والمكروه0 المطلب الثالث:رأي المؤيدين له: وافق الزمخشري على القول بتأكيد النفي بلن طائفة عريضة من النحاة منهم ابن الخباز قال: ((وأما لن فمعناها: النفي المؤكّد تقول: لا أبرح مكاني فإذا بالغت قلت: لن أبرح، وفي التنزيل: (لن تراني (؛ لأنه لم يره)) (1) ، ومنهم المنتجب الهمداني قال: ((لن ولا أختان في نفي المستقبل غير أن لن موضوع للتوكيد والتشديد يقول القائل: لا أفعل كذا، فإن أنكر عليه قال لن أفعل)) (2) ، ومنهم الرضي إذ قال: ((قوله ولن معناها نفي المستقبل هي تنفي المستقبل نفياً مؤكداً وليس للدوام والتأبيد)) (3) ،ومنهم القواس الذي قال عن لن: ((النفي بها أبلغ من النفي بلا، وإن اشتركا في نفي المستقبل؛ لأنه إذا قيل: لا أكرمك،فإذا قصد التوكيد قيل: لن أكرمك)) (4) ، ومنهم الأسفراييني قال: ((لن ومعناها نفي المستقبل نحو: (لن أبرح الأض (وهي أوكد من لا)) (5) ، ومنهم الإربلي قال: ((هي للتأكيد؛لأنها آكد في النفي من لا لقوله تعالى في مجرد النفي (لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين ((6) وفي المبالغة والتأكيد (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي ((7)) ) (8) ، ومنهم الموزعي: ((وزعم في المفصل والكشاف أنها تفيد تأكيد النفي، وبه قال ابن   (1) الغرة المخفية: 160 0 (2) الفريد في إعراب القرلآن المجيد:1/249 0 (3) شرح الكافية: 4/38 0 (4) شرح ألفية ابن معط: 1/339 0 (5) لباب الإعراب: 447 0 (6) الكهف: 60 0 (7) يوسف: 80 0 (8) جواهر الأدب: 260 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 425 الخباز، وما ادعاه من التأكيد حسن قريب، وربما أعطاه كلام سيبويه حيث قال: لا نفي لقولك يفعل، ولن نفي لقولك سيفعل)) (1) ، ومنهم الزركشي قال: ((وهي في نفي المستقبل آكد من لا وقوله تعالى (فلن أبرح الأرض (آكد من من قوله (لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين ()) (2) ، ومنهم السيوطي قال: ((ووافقه على إفادة التأكيد جماعة منهم ابن الخباز بل قال بعضهم إن منعه مكابرة؛ فلذا اخترته دون التأبيد)) (3) وقال أيضاً: ((وذكر الزمخشري في المفصل وغيره أن النفي بها آكد من النفي بلا)) (4) ، ومنهم أبوالسعود الحنفي الذي قال: ((كلمة لن لنفي المستقبل ك (لا) ، خلا، أن في لن زيادة تأكيد وتشديد)) (5) ومنهم الصبان قال: ((وافقه على التأكيد كثيرون)) (6) المبحث الثاني: لن الزمخشرية كثيراً ما يسمع المرء عبارة (لن الزمخشرية) ، والمراد بها في اعتقاد قائلها -والله أعلم - النفي المستمر أو الدائم، وهنا سنحاول بحث هذه الفكرة من جميع جوانبها وفق المطالب التالية: المطلب الأول: القول بتأبيد النفي بلن في الحق أن مسألة تأبيد النفي بلن كانت متداولة عند المعتزلة قبل ميلاد الزمخشري بزمنٍ إذ وجدت أقوالاً عديدة لرؤسائهم يذهبون فيها إلى القول بتأبيد النفي بلن منهم الجبّان، والخطيب الإسكافي، والقاضي عبد الجبار، والشريف المرتضى، وهؤلاء عاشوا في القرن الرابع الهجري وأوائل الخامس، والذي يظهر لي أن الزمخشري تلقفها منهم، ولم يكن ابن بجدتها كما مفهوم عند كثير الناس 0 قال الجبَّان في تفسير قول الشاعر:   (1) مصابيح المغاني: 426 0 (2) البرهان: 4/387 (3) همع الهوامع: 4/ 95 (4) الفرائد الجديدة: 2/471 0 (5) إرشاد العقل السليم:1/177 0 (6) حاشيته على الأشموني: 3/278 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 426 ولن يراجعَ قلبي حبَّهم أبداً زَكِنْتُ من بغضهم مثلَ الذي زَكِنُوا (1) ((أي نحن متباغضون، يبغضوننا ونبغضهم، ويعادوننا ونعاديهم، وأكد أمر العداوة بأن وصفها بأنها لا تزول أبداً؛ لأن لن تفيد نفي الشيء في المستقبل أبداً)) (2) فهو هنا يصرَّح بأن لن تنفي المستقبل أبداً، والجبَّان من أصحاب أبي علي الفارسي، وهو من ندماء الصاحب بن عباد وقرناء ابن جني، وأبي علي المرزوقي شارح الحماسة، ولم تعيِّنْ كتب التراجم سنة وفاته، وإنما تذكر أنه كان حياً عام 416هـ، قال الصاحب ابن عبّاد: ((فاز بالعلم من أصبهان ثلاثةٌ: حائكٌ وحلاَّجٌ وإسكافٌ)) (3) فالحائك أبو عليّ المرزوقي، والإسكاف هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب، والحلاّج هو أبو منصور بن ماشدة وهو الجبّان 0 والصاحب ابن عباد توفي عام 386هـ، وأبو منصور الجبان في ذلك التاريخ كان فائزاً بالعلم، وكان رأساً من المعدودين المشار إليهم وكان يوازن بالمرزوقي وقال الخطيب الإسكافي - المتوفي سنة -420-في شرح قوله تعالى (ولن يتمنوه أبداً بما قدَّمت أيديهم (: ((ووجب أن يكون ما يبطل تمني الموت المؤدي إلى بطلان شرطهم أقوى ما يستعمل في بابه وأبلغه في معنى ما ينتفي شرطهم به، وكان ذلك بلفظ لن التي هي للقطع والبتات ثم أكَّد بقوله أبداً ليبطل تمني الموت الذي يبطل دعواهم بغاية ما يبطل به)) (4)   (1) البيت من البسيط وهو لقنعب بن أم صاحب الفزاري في شرح أبيات إصلاح المنطق 443، وإسفار الفصيح: 1/352 وفي هامشه زيادة تخريج لمن يرغب في المزيد 0 وزَكِنَ كفرح بمعنى:علم (2) شرح فصيح ثعلب لأبي منصور محمد بن علي الجبَّان الأصبهاني: 109 0 (3) معجم الأدباء: 5/34 0 (4) درة التزيل وغرة التأويل: 13 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 427 وقال الشريف المرتضى في تأويل آية الأعراف: ((وقد استدلَّ بهذه الآية كثير من العلماء الموحدين على أنه لايرى بالأبصار من حيث نفى الرؤية نقياً عاماً بقوله (لن تراني (ثم أكَّد ذلك بأن علَّق الرؤية باستقرار الجبل الذي علمنا أنه لم يستقر)) (1) وقال أيضاً ((فأما قوله في قصة موسى عليه السلام: (إنك لن تستطيع معي صبراً (فظاهره يقتضي أنك لا تستطيع ذلك في المستقبل، ولا يدل على أنه غير مستطيع للصبر في الحال)) (2)) والزمخشري مولود عام: 467 هـ، وتوفي عام 538هـ أي أن الزمخشري ولد بعد وفاة هؤلاء بما يقارب نصف قرن 0 فعلى هذا يكون القول بتأبيد النفي بلن معروفاً عند أهل المشرق الإسلامي في القرن الرابع الهجري وأوائل الخامس قبل أن يولد الزمخشري بما يزيد على نصف قرن من الزمان، وقد يكون الجبّان وأقرانه مسبوقين أيضاً بهذه الفكرة، ولا سيما أن طغيان الاعتزال كان قبل هذا الوقت أيام المأمون والمعتصم، ورؤساؤهم الكبار المعدودين فيهم عاشوا قبل زمن الجبّان والمرتضي 0 واستمر القول بهذه العبارة في زمن الزمخشري، وعند طلابه أيضاً؛ إذ نجد الطَّبَرْسِيَّ يقول بتأبيد النفي بلن وهو من أقران الزمخشري سناً وعلماً، قال في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ((3) : ((أي ولن تأتوا بسورة مثله أبداً؛ لأن لن تنفي على التأبيد في المستقبل)) (4) وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: (قال لن تراني ((5) : ((هذا جواب من الله تعالى، ومعناه لا تراني أبداً؛ لأن لن ينفي على وجه التأبيد كما قال (ولن يتمنّوه أبداً ((6) وقال (ولن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له ((7)) ) (8)   (1) الأمالى: 2/221 0 (2) المرجع السابق: 2/166 0 (3) البقرة:24 (4) مجمع البيان: 1/90 طبعة دار الفكر عام 1418 هـ (5) الأعراف:143 0 (6) البقرة:95 0 (7) الحج: 73 0 (8) مجمع البيان: 4/271 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 428 فالطبرسي يؤكد أن لن حرف ينفي المستقبل على وجه التأبيد، والطَّبَرْسِيُّ شيعي إمامي، كان في زمن الزمخشري إذ ولد عام 462 هـ في طَبَرْستان، وتوفي عام 548هـ على الأرجح، والزمخشري كما سبق ولد عام 467 هـ، وتوفي عام 538هـ، وألف الطبرسيُّ كتابه هذا قبل أن يطلَّع على الكشاف؛ إذ فرغ من تأليفه عام 536 هـ وكتابه مجمع البيان مستمدٌّ من كتاب البيان لمحمد بن الحسن بن علي الطوسي، ثم لمَّا اطلع الطَّبَرْسِيُّ على كشاف الزمخشري أعجبه أيَّما إعجاب فصنَّف كتاباً آخر أسماه: جامع الجوامع ليكون جامعاً بين فوائد البيان للطوسي والكشاف للزمخشري ولو قال قائل: إن هذه المسألة - أعني القول بتأبيد النفي بلن - كانت منتشرةً عند الشيعة الإمامية، وعند المعتزلة في عصر الزمخشري لم يكن مجانباً للصواب 0 ويقول الخاروني الشوكاني وهو أحد تلامذة الزمخشري: ((لن وهي للنفي على التأبيد، ولردّ قول من يقول: سيقوم زيد، وسوف يقوم زيد، نحو لن يقوم زيد)) (1) فهذا الخاروني تلميذ الزمخشري ينصُّ علىأن لن تفيد تأبيد النفي، وليس بمستغرب أن يكون تلقَّفها من شيخه الزمخشري في دروسه التي كان يلقيها على تلامذته، ولا سيما أن فكرة تأبيد النفي بلن كانت معروفة عند أهل المشرق الإسلامي كما رأينا قبل قليل وكانوا على علم وبصيرة سابقة بها 0   (1) القواعد والفوائد في الإعراب تحقيق د/ عبد الله بن حمد الخثران: 105 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 429 ويقول صدر الأفاضل - وهو أحد شرَّاح المفصل-: ((قال الشيخ ينبغي أن تعلم أن النفي بها لا يكون للتأبيد، لكنه يكون أشد وأبلغ منه في لا، واستدلَّ لذلك باستعمالهم إيَّاها مع التقييد واستشهد بقوله تعالى (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي ((1) ولك أن تقول: ما المانع من أن تكون للتأبيد، ويستعمل مع التقييد؟ ألا ترى أنك لو قرنتها بلفظة التأبيد لم يمنع من التقييد أيضاً مثاله قولك:لن أخرج أبداً حتى يأذن لي الأمير، وقال تعالى: (إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها ((2) وهذا تقييد مع التأبيد)) (3) فصدر الأفاضل ينقل نصّاً من الشيخ ولا أعلم من هذا الشيخ الذي أومأ إليه، أهو عبد القاهر الجرجاني الذي يقوم صدر الأفاضل في النص السابق بشرح كتابه الجمل في النحو، أم يريد شيخاً آخر غيره من علماء المشرق، فصدر الأفاضل ينافح عن فكرة تأبيد النفي بلن ويرد قول الشيخ المانع من تأبيد النفي بلن، ويجيز مجيء لن للتأبيد مع التقييد، ويجب ألا يغيب عن البال أن صدر الأفاضل أحد شرّاح المفصل ونقل محقق التخمير عن حاشية كُتبتْ على إحدى نسخه الخطية ما يلي: ((جاء في هامش نسخة ب: (ح) ابن الدهان أبو الحسن عن الخليل في كتاب الأدوات أن لن كلمة تؤكد الجحد في المستقبل، فإذا قلت: لن أفعل فقد أكدت على نفسك أنك لا تفعله أبداً، وقال في تفسير لن إنه يخلِّص الفعل للمستقبل وينفيه، وذلك في قولك لن يذهب زيد أبداً إذا قال قائل: سيذهب زيد غداً)) (4) من خلال النص السابق نلمح أن كلمة (أبداً) تكررت مرتين، الأولى منهما تُشْكِلُ؛ لأنها جاءت في سياق تفسير معنى لن من غير أن يكون المتكلم قد نصَّ على الأبد في كلامه، بخلاف كلمة (أبداً) الثانية إذ جاء ت منصوصاً عليها في المثال من المتكلِّم 0   (1) يوسف:80 (2) المائدة 24 0 (3) ترشيح العلل في شرح الجمل: 177 0 (4) التخمير: 4/ 85 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 430 ومن هنا فإن ما ذكره أبو الحسن عن الخليل في كتاب الأدوات مشكل أيضاً،إذ يجوز أن تكون هذه العبارة هي التي استقى منها القائلون بتأبيد النفي بلن مذهبهم وساروا عليه ولا نعلم من أبو الحسن هذا؟ أهوأحد الأخافشة؟ أم هو الرماني؟ أم غيرهم، ثم يقال هل للخليل كتاب يقال له الأدوات؟ كلُّ ذلك لا نجد له إجابة الآن، وإنما نقول: إن القوم قبل الزمخشري كانوا على علمٍ ودراية بمقولة تأبيد النفي بلن 0 ويقول ابن يعيش: ((اعلم أن لن معناها النفي، وهي موضوعة لنفي المستقبل، وهي أبلغ في نفيه من لا؛ لأن لا تنفي يفعل إذا أريد به المستقبل، ولن تنفي فعلاً مستقبلاً قد دخل عليه السين أو سوف، وتقع جواباً لقول القائل سيقوم زيد، وسوف يقوم زيد، والسين وسوف تفيدان التنفيس في الزمان؛ فلذلك يقع نفيه على التأبيد وطول المدة نحو قوله تعالى (ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم ((1) ، وكذلك قول الشاعر: ولن يراجع قلبي حبَّهم أبداً زَكِنْتُ من بغضهم مثل الذي زَكِنُوا (2) فذكر الأبد بعد لن تأكيداً لما تعطيه لن من النفي الأبدي، ومنه قوله تعالى: (لن تراني ((3) ولم يلزم منه عدم الرؤية في الآخرة؛ لأن المراد:إنك لن تراني في الدنيا؛ لأن السؤال وقع في الدنيا، والنفي على حسب الإثبات)) (4) ويقول السكاكي: ((ولن وهو لنفي سيفعل، وأنه لتأكيد النفي في الاستقبال، وقد أشير إلى أنه لنفي الأبد)) (5) ، فالسكاكي يقطع بالتأكيد، ويلّمح بالتأبيد؛ لأنه لم يعترض عليه، وكأنه يقول لامانع من أن يجتمع في لن التأكيد والتأبيد فيكون النفي أبداً مؤكداً0   (1) البقرة: 95 0 (2) سبق تخريج البيت 0 (3) الأعراف: 143 (4) شرح المفصل: 8/111 (5) مفتاح العلوم: 108 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 431 ويقول ابن عطية: ((وقوله عز وجل (لن تراني (نصٌّ من الله تعالى على منعه الرؤية في الدنيا، ولن تنفي الفعل المستقبل، ولو بقينا مع هذا النفي بمجرده لقضينا أنه لا يراه أبداً ولا في الآخرة، لكن وَرَدَ من جهة أخرى بالحديث المتواتر أن أهل الجنة يرون الله تعالى يوم القيامة فموسى عليه السلام أحرى برؤيته)) (1) فابن عطية يرى أن البقاء على أصل الوضع اللغوي في لن يمنع رؤية المؤمنين ربهم مطلقاً؛ لأنها -كما فهم - للنفي المؤبد، ولكنه يقرر أن رؤية المؤمنين ربهم في الآخر ثابتة بسبب أمر خارج عن الوضع اللغوي ل (لن) وهو الحديث المتواتر 0 ويقول الفاكهي: ((محل الخلاف في أنها هل تقتضي التأبيد أم لا فيما إذا أُطلق النفي أو قُيِّد بالتأبيد، أما إذا قيّد بغيره نحو (فلن أكلم اليوم أنسياً (فلا خلاف بينهم في أنها لاتفيده، فقد ظهر أن من ردَّ على الزمخشري في قوله بتأبيد النفي بهذه الآية وشبهها مما قيّد فيه نفيها منفيها بغير التأبيد ليس على تحقيق المسألة)) (2) ويقول يس العليمي: ((وانتصر الحفيد للزمخشري فقال: واعلم أن قول النحويين لن ليست لتأبيد النفي مع أنها لنفي سيفعل متناقض؛ وذلك لأن سيفعل مطلق، ونقيضه لن يفعل الدائمة، فلو لم تكن لتأبيد النفي لم يكن قولنا لن يفعل نقيضاً لقولهم سيفعل؛ لأنه على ما قالوه من عدم التأبيد يجوز أن يكون النفي على حالةٍ والإثبات على أخرى، فالحق أنها لتأبيد النفي كما ذكره الزمخشري لاسيما ومدلولات الألفاظ ليست راجعة إلى اعتقاد أحد)) (3) ثم ردّ يس العليمي على الحفيد بما يطول ذكره فمن أراد الوقوف عليه فليراجعه في موضعه 0   (1) المحرر الوجيز: 7/ 155 0 (2) شرح الفاكهي على قطر الندى: 1/143 0 (3) حاشية يس على شرح الفاكهي: 1/144 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 432 ويقول الأسفندري - وهو أحد شرّاح المفصل-: ((قال رضي الله عنه: فصل ولن لتأكيد ما تعطيه لا إلى آخره (حم) قال صاحب الكتاب: لن ك (لا) في النفي إلا أن في لن معنى التأكيد وليس كما يزعم القوم أنها للتأبيد؛ إذ لو كانت كذلك لما جاز فيه التحديد كما في الآية التي تليت عليك)) (1) والأسفندري يرمز ب (حم) لحاشيةٍ على المفصل منسوبةٍ للزمخشري نفسه، فلئن صحَّت نسبة الحاشية إليه فذلك إما براءةٌ مما نسب إليه، أو رجوع منه عما كان يعتقده0 وقدكتب الأستاذ الدكتور أحمد عبد اللاه هاشم بحثاً عنوانه (قضية لن بين الزمخشري والنحويين) في ستٍ وأربعين صحيفة من القطع المتوسط ونشره في دار التوفيقيةبمصر عام 1979م ذهب في بحثه إلى أن تحريفاً وقع في بعض نسخ الأنموذج للزمخشري إذ يرى أن كلمة تأكيد تحرفت إلى تأبيد في بعض النسخ، لاسيما أن رسم الكلمتين متقارب، فبينهما ما يسمّى الجناس اللاحق، ثم حمل عليه معارضوه، وساعدهم على ذلك سوء معتقد الرجل 0 وأقول: الذي يظهر لي -والله أعلم - أن الرجل قد كتبها في النسخ القديمة من أنموذجه (التأبيد) ولم يقع في بعض النسخ تحريف، كما ذهب إليه الدكتور أحمد هاشم، ثم طارت تلك النسخ مع تلامذتة في الآفاق، وعزاها إلية ابن مالك وغيره بناء على تلك النسخ، والمعروف عن الزمخشري أنه كان باقعة في الدهاء فخشي ألا يُنْظَرَ في كتابه إن أبقاها، فغيَّرها في النسخ اللاحقة إلى تأكيد، ولاسيما أنَّ له في مثل هذا العمل سابقةً، إذ يُرْوَى أنه افتتح كتابه الكشاف بقوله: ((الحمد لله الذي خلق القرآن)) (2) فقيل له: إنْ أبقيتها لم ينظر أحد في كتابك فغيّرها المطلب الثاني رأي الزمخشري   (1) شرح المفصل: 146/ أ (مخطوط) (2) ينظر: وفيات الأعيان: 5/170، ومقدمة كتاب الكشاف: 1/3 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 433 يُنسب إلى الزمخشري - كما ذكرنا في المبحث السابق- القولُ بتأبيد النفي بلن في إحدى نسخ الأنموذج قال الأربلي (1) : ((قال -أي الزمخشري في الأنموذج- ولن نظيرة لا في نفي المستقبل ولكن على التأكيد، أقول: إذا أردت نفي المستقبل مطلقاً قلت:لا أضرب مثلاً، وإذا أردت نفيه مع التأكيد قلت لن أضرب مثلاً، وفي بعض النسخ للتأبيد بدل قوله للتأكيد)) (2) وقال الموستاري (3)   (1) هو محمد بن عبد الغني الأربلي الرومي جمال الدين ويقال له أحياناً الأردبيلي، اُختُلِف في سنة وفاته اختلافاً شديداً، فقيل 647 هـ وعليه حاجي خليفة والزركلي ويُضْعِفُ هذا القولَ أنَّ الأربلي له حاشية على تفسير البيضاوي المتوفي سنة 691هـ، وقيل توفي سنة: 980 هـ وعليه البغداديُّ في هدية العارفين وعمر رضا كحالة، ويُضعِف هذا القول أن إحدى نُسخِ الأنموذج كُتبت سنة 865 هـ 0 وجمعاً بين القولين أرى أن الأربلي من علماء القرن الثامن الهجري أو التاسع، وعلى هذا فهو بعد ابن مالك وتلامذته بزمنٍ، وهو ما يجعل إفادته من كتبهم أمراً محتملاً، وفيها ما نُسب للزمخشري من القول بتأبيد النفي بلن، فنَسَبَ إلى الزمخشري مانسب ثقةً في نقلهم، دون أن يكون وقف عليها، كما يُحتمل أن يكون قد وقف بنفسه على بعض نسخ الأنموذج ورأى فيها ما قاله 0 تنظر ترجمته في: كشف الظنون: 185، وهدية العارفين: 2/275، والأعلام: 6/211، ومعجم المؤلفين: 10/178، وينظر مقدمة محقِّق كتاب شرح الأنموذج، ومن العجيب أنه دوَّن سنة وفاته 647هـ ثم دوّن في مصنفات الأربلي حاشيته على تفسير البيضاوي0 (2) شرح الأنموذج: 233 0 (3) هو مصطفى بن يوسف بن مراد الأيوبي الموستاري ولد عام 1061 وتوفي عام 1151 هـ له الفوائد العَبْدِيَّة في شرح أنموذج الزمخشري 0 ينظر ترجمته في سلك الدرر: 4/218، وهدية العارفين: 2/443، والأعلام: 7/247 0 ... الجزء: 11 ¦ الصفحة: 434 وهو من شرّاح الأنموذج المتأخرين: ((تقول لا أبرح اليوم مكاني، فإذا وكَّدت وشددت قلت: لن أبرح اليوم مكاني قال تعالى: (لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين ((1) وقال: (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي ((2) ، وقد وقع في بعض النسخ التأبيد بدل التأكيد وهو مبني على مذهب أهل الاعتزال)) (3) وقال ابن مالك: ((ثم أشرت إلى ضعف قول من رأى تأبيد النفي بلن وهو الزمخشري في أنموذجه)) (4) ، وقال ابنه بدر الدين: ((وذكر الزمخشري في أنموذجه أن لن لنفي التأبيد)) (5) هكذا جاء في شرح التسهيل بتقديم كلمة نفي على كلمة تأبيد مما جعل المعنى ينعكس. وقال أبو حيّان: ((ونقل ابن مالك أن الزمخشري خصَّ النفي بالتأبيد)) (6) وقال ابن هشام: (لن وهي لنفي سيفعل ولا تقضي تأبيداً ولا تأكيداً خلافاً للزمخشري)) (7) ، وقال أيضاً ((لن حرف يفيد النفي والاستقبال بالاتفاق، ولا يقتضي تأبيداً، خلافاً للزمخشري في أنموذجه، ولا تأكيداً خلافاً له في كشافه)) (8) ،وقال أيضاً: ((ولا تقتضي تأبيداً ولا تأكيداً خلافاً للزمخشري)) (9) والذي بين أيدنا من الأنموذج ليس فيه ذكر للتأبيد قال: ((ولن نظيرة لا في نفي المستقبل ولكن على التأكيد)) (10)   (1) الكهف: 60 0 (2) يوسف: 80 0 (3) الفوائد العبدية:76 / ب (مخطوط) (4) شرح الكافية الشافية: 3/1531 (5) شرح التسهيل: 4/14 0 (6) ارتشاف الضرب: 4/1643 0 (7) أوضح المسالك: 4/136 0 (8) شرح قطر الندى: 112 0 (9) شرح اللمحة البدرية: 2/338 0 (10) الأنموذج: 32 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 435 ويرى الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة -رحمه الله- أن الزمخشري ذكر في كشافه تأكيد النفي بلن، كما ذكر تأبيده أيضاً، وألمح الشيخ عضيمة إلى أن أبا حيان في البحر المحيط قد وقع في مزالق الكشاف في بعض المواضع فتابع الزمخشري في ألفاظه الدالة على القول بتأكيد النفي بلن أوالدالة على القول بتأبيده، وهوما يخالف ما حذَّر منه في كتبه النحوية، قال الشيخ عضيمة: ((في الكشاف لن أخت لا إلا أن لن تنفيه نفياً مؤكداً وتأكيده هاهنا للدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل منافٍ لأحوالهم كأنه قال محال أن يخلقوا)) (1) ثم نقل الشيخ عضيمة عبارة أبي حيان وهي: ((وهذا القول الذي قاله في لن هو المنقول عنه أن لن للنفي على التأبيد)) (2) ، ومن العبارات التي وردت في الكشاف وفَهِمَ منها الشيخ عضيمة تأبيد النفي بلن ما يلي (كأنه محال أن يخلقوا) ، وعبارة: (إقناط من إيمانهم، وأنه كالمحال الذي لا تعلق به للتوقع) وعبارة (فلا يكون منهم اهتداء البتة كأنه محال منهم لشدة تصميمهم) وعبارة: (وإنما جيء بلن الذي هو لتأكيد النفي للإشعار بأنهم لقلتهم وضعفهم، وكثرة عدوهم وشوكته كالآيسين من النصر) وعبارة: (نفي لدخولهم في المستقبل على وجه التأكيد المؤيس) وأمثال هذه العبارات 0 ومن العجب أن أبا حيان كثيراً ما كان يقع في مزالق الكشاف وينقل منه أمثال تلك العبارات السابقة الدالَّة على القول بتأبيد النفي بلن وقد تتبعه الشيخ عضيمة (3) رحمه الله تعالى المطلب الثالث: رأي المعارضين   (1) دراسات لأسلوب القرآن القسم الأول: 2/632 0 (2) ينظر المرجع السابق: 2/ 632 والبحر المحيط: 7/537 0 (3) ينظر دراسات لأسلوب القرآن القسم الأول: 2/ 635 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 436 نسب ابن مالك وأبو حيّان وغيرهما للزمخشري (1)   (1) كان الزمخشري رأساً في الاعتزال، مجاهراً به، داعياً إليه، قال ياقوتٌ في ترجمته: 19/126: ((كان إماماً في التفسير والنحو واللغة والأدب، واسع العلم كبير الفضل، متفنناً في علوم شتَّى، معتزلي المذهب متجاهراً بذلك)) وحكى ابنُ خلكان في وفيات الأعيان: 5/170: عن الزمخشري أنه كان معتزلياً متظاهراً به حتى نُقِلَ عنه أنه إذا قصد صاحباً له وأستأذن عليه في الدخول يقول لمن يأخذ له الإذن قل له أبو القاسم المعتزلي بالباب، وذكر أنه أوّل ما صنف كتابه الكشاف جعل خطبته قوله: (الحمد لله الذي خلق القرآن) فقيل له:إنه متى تركته على هذه الهيئة هجره الناس، ولا يرغب فيه أحد فغيره بقوله: (الحمد لله الذي جعل القرآن) وجعل عندهم بمعنى خلق قال ابن خلكان: ((ورأيت في كثير من النسخ: (الحمد لله الذي أنزل القرآن) وهذا إصلاح الناس لا إصلاح المصنِّف)) ، وهو ما جعل المفسرين يحتاطون من أقواله حتى إن ابن المنيِّر استخرج اعتزاليات من الكشاف بالمناقيش، وكان سبباً في انحراف ابن مالك وأبي حيان عنه، وكانا يصفانه بالنحوي الصغير، وكتابه المفصل بالمحتقر، مع أن أبا حيّان استلَّ جواهر الكشاف في البحر المحيط، وإنك لتجد الصحائف المتعددة في البحر المحيط مأخوذة بنصها من الكشاف، وكثيراً ما يقع أبو حيّان في مزالق الزمخشري الاعتزالية، وأشرت فيما مضى إلى أن الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة -رحمه الله- قد أحصى عليه مواضع قال فيها أبو حيّان بألفاظ الزمخشري الموحية بتأبيد النفي بلن متابعة للزمخشري وهو الذي يحذِّر منه، وكان ابن مالك يقول عن الزمخشري:إنه نحوي صغير، روي الصفدي في الوافي بالوفيات: 3/363، عن ابن مالك قوله عن الشيخ جمال الدين بن الحاجب: ((إنه أخذ نحوه من صاحب المفصل، وصاحب المفصل نحوه صُغيِّرات ثم قال الصفدي، وناهيك بمن يقول هذا في حق الزمخشري)) ونقل هذه العبارة عن الصفدي صاحب نفح الطيب: 2/225، والسيوطي بلفظ: ((وصاحب المفصل نحويٌّ صغير)) بغية الوعاة:1/134 0 ويقول السيوطي في الأشباه والنظائر: 5/27: ((قال الشيخ تاج الدين بن مكتوم في تذكرته:أجاز الزمخشري وصف كم الخبرية، وجعل من ذلك قوله تعالى: (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورئيا (وقال: (أحسنُ أثاثاً (في موضع النصب صفة ل (كم) ذكر ذلك في الكشاف وقد نص الشَّلَوْبين في حواشي المفصل، وابن عصفور في شرح الجمل الكبير على أن كم الخبرية لا توصف، وقلت لشيخنا الأستاذ أبي حيان: قولهما معارِض الزمخشري فردّ ذلك عليّ وقال: أصحابنا يقولون:إن الزمخشري غير نحوي، ولا يلتفتون إليه، ولا إلى خلافه في النحو يعني المواضع التي خالف فيها، وانفرد بها، وكتابه المفصل عندهم محتقر لا يُشتغل به، ولا يُنظر إليه إلا على وجه النقص له والحط عليه، وأنشدني لبعض الأندلسيين: ما يقول الزمخشري عند عمرو بن قنبر والخليل بن أحمدٍ والفتى عبد الاكبر لم يزدنا زيادة غيرتبديل الاسطر وسوى اسمه الذي نصف مجموعه خري)) ينظر رأي الزمحشري في هذه المسألة الكشاف::- 2/521 -، وينظر رد أبي حيان في البحر 7/290 دون استنقاص لشخص الزمخشري كما ورد في تذكرة ابن مكتوم 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 437 القول بتأبيد النفي بلن قال ابن مالك: ومن رأى النفي بلن مؤبدا فقولَه اردد وخلافَه اعضدا وشرح هذا البيت فقال: ((ثم أشرت إلى ضعف قول من رأى تأبيد النفي بلن وهو الزمخشري في أنموذجه، وحامله على ذلك اعتقاده أن الله تعالى لا يرى، وهو اعتقاد باطل بصحة ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعني ثبوت الرؤية جعلنا الله من أهلها، وأعاذنا من عدم الإيمان بها)) (1) وقال أيضاً: ((وينصب المضارع بلن مستقبلاً بحدٍّ وغير حدٍّ خلافاً لمن خصَّها بالتأبيد)) (2) وردَّ ابن الجوزي على من يرى تأبيد النفي ب (لن) دون أن يعين القائل قال: ((قوله (لن تراني (تعلق بهذا نفاة الرؤية، وقالوا لن لنفي الأبد، وذلك غلط؛ لأنها قد وردت وليس المراد بها الأبد في قوله (ولن يتمنّوه أبداً بما قدّمت أيديهم ((3) ثم أخبر عنهم بتمنيه في النار بقوله (يا مالك ليقض علينا ربّك ((4) ؛ ولأن ابن عباس قال في تفسيرها: لن تراني في الدنيا)) (5) ويقول القواس: ((وأما لن فلنفي المستقبل، وقيل:إنها لتأبيد النفي، ويبطله قوله تعالى: (ولن يتمنوه أبداً (لأنها لوكانت موضوعة للتأبيد لما احتيج إليه؛ ولأنها نزلت في حق اليهود، ونفي تمني الموت مختص بالدنيا؛ لأنهم يتمنونه في الآخرة بدليل قوله: (ليقض علينا ربك ()) (6) ويقول أبو حيّان: ((ونقل ابن مالك أن الزمخشري خص النفي بالتأبيد)) (7)   (1) لأبي حيان نفسه أبيات في البحر المحيط في سورة النمل:8/252 يحذر فيها من الزمخشري وكشافه مطلعها: ولكنه فيه مجال لناقد وزلاَّت سوء قد أخذن المخانقا فيثبت موضوع الأحاديث جاهلاً ويعزو إلى المعصوم ما ليس لائقا () شرح الكافية الشافية: 1531 0 (2) تسهيل الفوائد: 229 0 (3) البقرة: 95 0 (4) الزخرف: 77 0 (5) زاد المسير: 3/256 0 (6) شرح ألفية ابن معط:1/ 339 0 (7) الارتشاف: 4/1643 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 438 ويقول ابن هشام: ((ولا تفيد لن توكيد النفي خلافاً للزمخشري في كشافه ولا تأبيده خلافاً له في أنموذجه وكلاهما دعوى بلا دليل)) (1) ، وقال أيضاً: ((لن وهي لنفي سيفعل ولا تقتضي تأبيد النفي ولا تأكيده خلافاً للزمخشري)) (2) ، وقال أيضاً: ((ولن حرف يفيد النفي والاستقبال بالاتفاق، ولا تقتضي تأبيداً خلافاً للزمخشري في أنموذجه، ولا تأكيداً خلافاً له في كشافه)) (3) ويقول المرادي: ((ولا يلزم أن يكون نفيها مؤبداً خلافاً للزمخشري)) (4) ، وقال أيضاً: ((فأما لن فحرف نفي ينصب المضارع، ويخلصه للاستقبال، ولا يلزم أن يكون مؤبداً خلافاً للزمخشري ذكر ذلك في أنموذجه)) (5) ويقول ابن عقيل في شرح هذه العبارة ((وينصب المضارع بلن مستقبلاً بحد وبغير حد خلافاً لمن خصها بالتأبيد)) قال: ((وهو الزمخشري ذكر ذلك في الأنموذج)) (6) وقال ابن الناظم: ((وذكر الزمخشري في أنموذجه أن لن لنفي التأبيد)) (7) ، هكذا بتقديم كلمة نفي على كلمة التأبيد، والمعنى ينعكس حينئذٍ تماماً، ولعل المراد تأبيد النفي كما ذكر ذلك والده، ووردت هذه العبارة أيضاً بتقديم كلمة نفي على كلمة تأبيد عند ابن كثير في تفسير قوله تعالى (لن تراني (قال: ((وقد أشكل حرف النفي ههنا على كثير من العلماء؛لأنها موضوعة لنفي التأبيد 000 وقيل إنها لنفي التأبيد في الدنيا)) (8) ، بتكرار عبارة (نفي التأبيد) مرتين، وهذا أمر مشكل لو بقي على وضعه، ولكن يقال لعله خطأ طباعيٌّ أو سبق لسان من المصنف، أو تحريف من الناسخ 0   (1) مغني اللبيب: 374 0 (2) أوضح المسالك: 4/136 0 (3) شرح قطر الندى112 0 (4) الجنى الداني: 270 0 (5) توضيح المقاصد والمسالك:4/173 0 (6) المساعد: 3/66 0 (7) شرح التسهيل: 4/14 0 (8) تفسير القرآن العظيم: 2/254 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 439 وكأن ابن كثير في استشكاله هذا يرى تأبيد النفي بلن؛ لأنه علل وجه الاستشكال بأن لن (موضوعة لنفي التأبيد) أي لتأبيد النفي، إذ لو كان على حسب عبارته (نفي التأبيد) لم يكن هناك إشكال، فأهل السنة -ومنهم ابن كثير - يرون أنها لا تفيد تأبيداً 0 وحاول الزركشي الجمع بين الأقوال المتعارضة في مسألة إفادتها التأبيد من عدمه، إذ يرى أن التأبيد لا يدلُّ على الدوام فقال: ((وأما التأبيد فلا يدل على الدوام تقول: زيد يصوم أبداً، ويصلي أبداً، وبهذا يبطل تعلق المعتزلة بأن لن تدل على امتناع الرؤية، ولو نفى بلا لكان لهم فيه متعلق)) (1) ، وقال أيضاً: ((وليس معناها النفي على التأبيد خلافاً لصاحب الأنموذج بل النفي مستمر في المستقبل إلا أن يطرأ ما يزيله)) (2) من خلال النصوص السابقة يمكننا القول إن النحاة قد انقسموا في مسألة تأبيد النفي بلن إلى مذهبين: أحدهما: وعليه ابن مالك وأبو حيان أن لن لا تقتضي تأبيد النفي إطلاقاً سواء أقيِّد منفيها بالأبد أم لم يقيد 0 والثاني: أن لن تفيد تأبيد النفي بذاتها، ولكنهم خصُّوا الأبد في الدنيا فقط دون الآخرة، ومنهم ابن عطية، وابن يعيش، والزركشي وحفيد ابن هشام وغيرهم المبحث الثالث: لن عند أصحاب المعاني:   (1) البرهان: 4/388 0 (2) المرجع السابق: 4/387 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 440 ذهبت طائفة من أصحاب المعاني إلى أن (لن) تنفي الزمن القريب فقط، ولا يمتدُّ زمن منفيها؛ وعللوا ذلك بأن لها نصيباً من حروفها؛ إذ الحرف الأخير فيها نون؛ وهو مقطع أي: حرف صامت فكان لها نصيب منه، أما أختها في النفي (لا) فهي تنفي الزمن القريب والبعيد على السواء؛ وذلك لأن الحرف الأخير منها ألف؛ وهو حرف صائت يمتد به النفس عند النطق، فكان لها منه نصيب أيضاً قال السهيلي عن لن: ((ومن خواصها أنها تنفي ما قرب لا يمتدّ معنى النفي فيها كامتداد معنى النفي في حرف (لا) إذا قلت:لا يقوم زيد أبداً 000 فحرف (لا) لام بعدها ألف يمتد بها الصوت ما لم يقطعه تضييق النفس، فآذن امتداد لفظها بامتداد معناها، ولن بعكس ذلك فتأمّله فإنه معنى لطيف، وغرض شريف)) (1) ، وقال الإمام ابن قيِّم الجوزية: ((قلت لشيخنا أبي العباس ابن تيمية قدّس الله روحه: قال ابن جني مكثت برهة إذا ورد عليّ لفظ آخذ معناه من نفس حرفه وصفاته وجرسه وكيفية تركيبه، ثم أكتشفه كما ظننته أو قريباً منه فقال رحمه الله: وهذا كثيراً ما يقع لي، وتأمل حرف (لا) كيف تجدها لاماً بعدها ألف يمتدّ بها الصوت مالم يقطعه ضيق النفس فآذن امتداد لفظها بامتداد معناها، و (لن) بعكس ذلك فتأمله فإنه معنى بديع)) (2) 0، وإلى هذا المعنى ذهب عبد الواحد الزَّمْلَكاني (3)   (1) نتائج الفكر: 130 0 (2) بدائع الفوائد: 1/95 0 (3) ينظر البحر المحيط: 1/174، والمساعد: 3/67، وهمع الهوامع: 4/95، والأشباه والنظائر: 5/19 0 وعبد الواحد الزَّمْلَكاني هو: أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف كمال الدين بن خطيب زَمْلَكى كان عالماً متميِّزاً في علوم عدة، ولي القضاء بصرخد، ودرّس ببعلبك، له معرفة تامة بالمعاني والبيان توفي بدمشق سنة إحدى وخمسين وستمائة 0 تنظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي:8/ 316، وبغية الوعاة: 2/119 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 441 في كتابه التبيان في علم البيان (1) ، والزركشي (2) وذهبت طائفة عريضة من النحاة إلى أن (لن) و (لا) أختان في نفي المستقبل القريب والبعيد على حد سواء، ولا فرق بينهما في امتداد زمن النفي، وليس لأحدهما فضل على الآخر في ذلك، وأن ما ذكره السهيلي ومن تابعه من التفريق بينهما في زمن النفي، وأن لكل واحد من الحرفين نصيب من حروفه ما هو إلا من خيالات البيانيين قال ابن عصفور: ((وهذا الذي ذهب إليه باطل، بل كل منهما يستعمل حيث يمتد النفي، وحيث لا يمتد، فمن الأول في لن (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً ((3) (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ((4) ، وفي لا: (إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى ((5) ، ومن الثاني: (فلن أكلم اليوم إنسياً ((6) وفي لا: (أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام ()) (7) (8) وقال أبو حيان: ((ودعوى بعض أهل البيان أن لن لنفي ما قرب، ولا يمتد نفي الفعل فيها كما يمتد في النطق بلا من باب الخيالات التي لأهل البيان)) (9) كما ذهب البيانيون أيضاً إلى أن العرب تنفي المظنون ب (لن) وتنفي المشكوك ب (لا) ، قال ذلك ابن الزملكاني (10) ، ولكي نقف على الفرق الدقيق بين الشك والظن لا بدّ من التعريف بهما وتلمس الفوارق الدقيقة بينهما   (1) التبيان في علم البيان:84 0 وقال السيوطي عن التبيان: ((وحين وصل كتاب التبيان هذا إلى المغرب نقضه ابن رُشيْد من المقيمين بتونس نقضاً في كل قواعده، ونقضه أيضاً الكاتب أبو المطرّف بن عميرة وكان من البلاغة والتحقيق بالعلوم اللسانية والعقلية بحيث لا يدانية أحد من أهل عصره)) الأشباه والنظائر: 5/21 0 (2) ينظر البرهان: 4/387 0 (3) الجاثية:19 0 (4) البقرة: 24 0 (5) طه: 118 0 (6) مريم: 26 0 (7) آل عمران: 41 0 (8) الأشباه والنظائر: 5/20، وينظر البحر المحيط: 1/174، المساعد لابن عقيل: 3/66 0 (9) ارتشاف الضرب: 4/1644 0 (10) ينظر رأيه في الإتقان: 2/235 0 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 442 فالشك هو: اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما؛ وذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتن عنده في النقيضين، أو لعدم الأمارة فيهما، والشك ضرب من الجهل وأخص منه؛ لأن الجهل قد يكون عدم العلم بالنقيضين رأساً فكل شكٍّ جهل ولا عكس، وإن كان طرف الوقوع وعدمه على السوية فهو الشك 0 وإن كان أحد الطرفين راجحاً والآخر مرجوحاً، فالمرجوح وَهَماً، والراجح إن قارن إمكان الوقوع سمي ظناً، وإن لم يطابق سمي جهلاً مركباً 0 والظن: هو: الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض، ويستعمل في اليقين والشك 0 وقيل الظن: أحد طرفي الشك بصفة الرجحان 0 (1)   (1) كليات أبي البقاء: 3/62، وينظرالفروق لأبي هلال العسكري: 79، ومفردات الراغب: (شكك) 265، والمصباح المنير: (شكك) 122،والتعريفات للجرجاني: 128 والتوقيف على مهمات التعاريف: 436،وكشاف اصطلاحات الفنون: 2/530 المصادر والمراجع *- الإتقان في علوم القرآن جلال الدين السيوطي / تح محمد أبو الفضل إبراهيم /المكتبة العصرية بيروت 1407هـ 0 *-ارتشاف الضرب من لسان العرب لأثير الدين أبي حيان /تح رجب عثمان محمد/ الخانجي / القاهرة 1418هـ 0 *-إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب لياقوت الحموي /نسخة مصورة عن طبعة دار المأمون 0 *- إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود الحنفي / تح عبد القادر عطا / مكتبة الرياض لا ط 0 *- الأزهية في علم الحروف لعلي بن محمد الهروي / تح عبد المعين الملوحي/ مجمع اللغة بدمشق: 1401 هـ 0 *- إسفار الفصيح لأبي سهل محمد الهروي/ تح د أحمد قشاش / المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة 1420هـ0 *- أسماء المغتالين لمحمد بن حبيب -ضمن نوادر المخطوطات - تح عبد السلام هارون / مصطفى الحلبي1393هـ0 *-الأشباه والنظائر للسيوطي / تح د0 عبد العال سالم مكرم / مؤسسة الرسالة بيروت:1406هـ *-الأشموني = منهج السالك إلى ألفية ابن مالك 0 *-الأصول في النحو لابن السراج / تح عبد الحسين الفتلي / مؤسسة الرسالة / بيروت: 1405 هـ *-إعراب القراءات الشواذ لأبي البقاء العكبري / تح محمد عزوز/ عالم الكتب بيروت: 1996م *-إعراب القرآن للنحاس / تح زهير غازي زاهد / عالم الكتب / بيروت: 1405هـ0 *- الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني / تح عبد الستار فراج / الدار التونسية للنشر ط:1983م0 *-الأمالي الشجرية لأبي السعادات بن الشجري / تح د محمود الطناحي/مكتبة الخانجي القاهرة: 1413 هـ0 *-أمالي المرتضي (غرر الفوائد ودرر القلائد) / تح محمد أبو الفضل إبراهيم /دار الفكر العربي 0 *-إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي / تح محمد أبو الفضل إبراهيم/مؤسسة الكتب الثقافية بيروت: 1406هـ 0 *- الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات بن الأنباري / تح محمد محيي الدين عبد الحميد / دار الفكر بيروت 0 *- الأنموذج في النحو للزمخشري / اعتنى به سامي بن حمد المنصور / لاط / لات0 *-أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام / تح محمد محيي الدين عبد الحميد / المكتبة العصرية بيروت 0 *- الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب / تح موسى العليلي / مطبعة العاني بغداد 0 *- البحر المحيط لأثير الدين أبي حيان / المكتبة التجارية مكة المكرمة 1412هـ 0 *- بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية / مكتبة ابن تيمية بالقاهرة 0 *- البرهان في علوم القرآن للزركشي / تح محمد أبو الفضل إبراهيم / دار المعرفة بيروت 0 *- بغية الوعاة للسيوطي / تح محمد أبو الفضل إبراهيم / المكتبة العصرية بيروت 0 *- تاج العروس للزبيدي/تح علي شيري دار الفكر بيروت1414هـ0 *- التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري / تح علي البجاوي / عيسى الحلبي 1976م0 *- التبيان في علم البيان لعبد الواحد الزملكاني / تح د0 أحمد مطلوب ود0 خدبجة الحديثي / مطبعة العاني 1383هـ 0 *-التخميرشرح المفصل في صنعة الإعراب لصدر الأفاضل الخوارزمي / تح د عبد الرحمن العثيمين:دار الغرب بيروت: 1990م 0 *-ترشيح العلل في شرح الجمل لصدرالأفاضل الجوارزمي/تح عادل محسن العميري/جامعة أم القرى:1419هـ0 *- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك / تح محمد كامل بركات / دار الكتاب العربي 1387هـ 0 *- التصريح بمضمون التوضيح للشيخ خالد الأزهري/تح د: عبد الفتاح بحيري/مؤسسة الزهراء 1413 هـ0 *- تعليق الفرائد وتسهيل الفوائد لبدر الدين الدماميني / تح د 0 محمد المفدى / مطابع الفرزدق بالرياض 1403هـ 0 *- تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل القرآن 0 *- تفسير القرآن العظيم لابن كثير / دار المعرفة بيروت لبنان 0 *- تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن 0 *-تنزيه القرآن عن المطاعن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني /دار النهضة الحديثة *-تهذيب اللغة للأزهري/تح محمد علي النجار وزملائه/المؤسسة العامة للتأليف والنشر القاهرة: 1964م 0 *-توضيح المقاصد والمسالك للمرادي/تح د0 عبد الرحمن سليمان /مكتبة الكليات الأزهرية الطبعة الثانية. *- جامع البيان للطبري / دار الفكر بيروت: 1405هـ0 *- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي /دار الكتب العلمية بيروت:1409 هـ0 *-جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي / تح علي البجاوي / دار نهضة مصر ط الأولى 0 *- جمهرة اللغة لابن دريد /تح رمزي البعلبكي/ دار العلم للملايين:1987 م 0 *- الجنى الداني في حروف المعاني للمرادي / تح د0 فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فاضل / دار الآفاق بيروت: 1403هـ 0 *- جواهر الأدب في معرفة كلام العرب لعلاء الدين الأربلي / تح د أميل بديع يعقوب / دار النفائس بيروت:1412هـ 0 *- حاشية الخضري على شرح ابن عقيل لمحمد الخضري / دار إحياء الكتب العلمية بالقاهرة 0 *- حاشية الصبان على الأشموني لمحمد على الصبان / عيسى البابى الحلبي 0 *-حاشية يس العليمي على شرح الفاكهي لقطر الندي/ مصطفى الحلبي 1390 هـ0 *- الحيوان للجاحظ / تح عبد السلام هارون / مصطفي البابي الحلبي 1356هـ0 *- خزانة الأدب لبعد القادر البغدادي / تح عبد السلام هارون / الهيئة المصرية العامة للكتاب: 1979م 0 *- الخصائص لأبي الفتح بن جني / تح محمد على النجار / دار الكتب المصرية: 1371هـ 0 *-دراسات لأسلوب القرآن محمد عبد الخالق عضيمة / مطبعة السعادة:1392هـ0 *-درة التنزيل وغرة التأويل لمحمد بن عبد الله المعروف بالخطيب الإسكافي/دار الكتن العلمية0 *-الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي / تح د0 أحمد الخراط / دار القلم دمشق: 1406هـ 0 *- ديوان أبي طالب / جمعه د محمد التونجي / دار الكتاب العربي:1414هـ 0 *-ديوان الأعشى الكبير /شرح وتعليق د محمد محمد حسين / مؤسسة الارسالة: 1403هـ 0 *-ديوان الأعشى الكبير/تح محمد أحمد قاسم /المكتب الإسلامي - بيروت:1415 هـ0 *- ديوان امرئ القيس / تح حقيق محمد أبو الفضل إبراهيم / دار المعارف:1964م0 *- ديوان حسان بن ثابت / رواية الأثرم، ومحمد بن حبيب / تح د0 سيد حنفي حسنين / الهيئة المصرية العامة للكتاب:1974م 0 *- ديوان الحطيئة / برواية وشرح ابن السكيت / تح د0 نعمان محمد أمين طه / مكتبة الخانجي بالقاهرة: 1407هـ 0 *- ديوان كثير عزة جمع الدكتور إحسان عباس / دار الثقافة بيروت:1971م 0 *-ديوان الكميت بن معروف الأسدي/ضمن شعراء مقلون / صنعة د حاتم الضامن / عالم الكتب:1407 هـ0 *- ديوان لبيد بن ربيعة العامري / تح إحسان عباس /إصدار وزارة الإعلام بالكويت:1984م *- ديوان المتنبي شرح أبي البقاء العكبري / تح مصطفى السقا وزملائه /مطبعة مصطفى الحلبي: 1391هـ 0 *- ديوان النابغة الذبياني شرح الأعلم / تح محمد أبو الفضل إبراهيم / دار المعارف بالقاهرة:1977م 0 *- ديوان النمر بن تولب / ضمن شعراء إسلاميون / صنعة نوري القيسى/ عالم الكتب بيروت:1405 هـ 0 *- رصف المباني في شرح حروف المعاني لآحمد بن عبد النور المالقي / تح أحمد الخراط / دار القلم بيروت: 1405هـ 0 *- زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي / المكتب الإسلامي الطبعة الرابعة: 1407 هـ 0 *- سر صناعة الإعراب لأبي الفتح بن جني / تح د0 حسن هنداوي/دار القلم دمشق: 1405هـ 0 *- سفر السعادة وسفير الإفادة علم الدين السخاوي / تح د محمد الدالي/ مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق: 1403هـ 0 *-سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للمرادي/ دار البشائر:1408 هـ 0 *-السنن الكبرى للبيهقي / نسخة مصورة عن الطبعة الأولى 1344هـ حيدر أباد الهند 0 *-شرح ابن عقيل / تح حقيق محمد محيي الدين عبد الحميد / الطبعة الخامسة عشرة 1386هـ 0 *- شرح ابن الناظم / تح عبد الحميد السيد/دار الجيل بيروت 0 *- شرح أبيات مغني اللبيب لعبد القادر البغدادي / تح عبد العزيز رباح وأحمد الدقاق / دار المأمون دمشق 1393هـ 0 *- شرح أشعار الهذلييين لأبي سعيد السكري / تح عبد الستار فراج / مكتبة العروبة بالقاهرة 0 *- شرح ألفية ابن معط لعبد العزيز القواس / تح د0 علي الشوملي / مكتبة الخانجي بالقاهرة 1405هـ 0 *- شرح الأنموذج في النحو / للأربلي / تح د شاذلي فرهود /دار العلوم بالرياض 1411هـ *-شرح الأنموذج في النحو للموستاري=الفوائد العبدية 0 *- شرح التسهيل لابن مالك / تح د0عبد الرحمن السيد , ود 0 محمد بدوي مختون / هجر بالقاهرة 1410هـ 0 *- شرح جمل الزجاجي لابن عصفور / تح د0 صاحب أبو جناح / وزارة الأوقاف العراقية 1980م 0 *- شرح شذور الذهب لابن هشام / تح محمد محيي الدين عبد الحميد / توزيع دار الأنصار القاهرة 1398 0 *-شرح شواهد المغني للسيوطي/ دار مكتبة الحياة بيروت 1386هـ0 *- شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ لابن مالك / تح عدنان الدوري / مطبعة العاني بغداد 1397هـ 0 *-شرح فصيح ثعلب للجبّان الأصبهاني / تح عبد الجبار حعفر القزاز / المكتبة العلمية لاهور باكستان 0 *- شرح القصائد العشر للخطيب التبريزي / تح د 0 فخر الدين قباوة / دار الآفاق الجديدة بيروت 1400هـ 0 *-شرح قطر الندى لابن هشام / تح محمد محيي الدين عبد الحميد / المكتبة العصرية 1414هـ *- شرح الكافية لرضي الدين الأستراباذي / تح د يوسف حسن عمر منشورات جامعة قار يونس ليبيا 1398 0 *- شرح الكافية الشافية لابن مالك / تح د0 عبد المنعم هريدي / جامعة أم القري مكة المكرمة 1402هـ 0 *- شرح كتاب سيبويه لأبي سعيد السيرافي الجزء الأول والثاني/تح د0 رمضان عبد التواب/الهيئة المصرية العامة للكتاب 6891/ 1990م 0 *- شرح اللمجة البدرية لابن هشام الأنصاري / تح د صلاح راوي/ دار مرجان القاهرة 1984 *- شرح المقدمة الجزولية / للشلوبين / د تركي بن سهو العتيبي / مكتبة الرشد بالرياض 1413هـ *- شرح المفصل في صنعة الإعراب الموسوم بالتخمير لصدر الأفاضل / تح د0 عبد الرحمن العثيمين / دار الغرب الإسلامي 1990م 0 *- شرح المفصل لابن يعيش / المطبعة المنيرية بالقاهرة 1928م *- الشعر والشعراء لابن قتيبة / تح أحمد شاكر / دار المعارف بالقاهرة *-شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح لابن مالك / تحقيق فؤاد عبد الباقي /طار الكتب العلمية بيروت *- الصاحبي لأحمد بن فارس / تح أحمد صقر/ عيسى البابي الحلبي 1977م 0 *- الصبح المنبي عن حيثية المتنبي للبديعي / تح مصطفى السقا وزملائه / دار المعارف 1977م *- الصحاح للجوهري / تح أحمد عبد الغفور عطار / نسخة مصورة عن الطبعة الأولى 0 *- صحيح البخاري ت د0 مصطفى ديب البغا / دار ابن كثير الطبعة الرابعة 1410هـ 0 *- صحيح مسلم / فؤاد عبد الباقي / المكتبة الإسلامية استانبول 0 *- الصفوة الصفية في شرح الدرة الألفية للنيلي / تح د محسن سالم العميري / جامعة أم القرى 1420هـ *- ضرائر الشعر لابن عصفور / تح السيد إبراهيم محمد / دار الأندلس 1402هـ0 *- طبقات الشافعية الكبرى للسبكي / تح عبد الفتاح الحلو، ومحمود الطناحي / دار إحياء الكتب العربية 0 *- العقد الفريد لابن عبد ربه / تح أحمد أمين وزملائه / لجنة التأليف والنشر 1384هـ 0 *- علل النحو لأبي الحسن الوراق / تح د محمود الدرويش / مكتبة الرشد 1420هـ *-عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني / مصطفى البابي الحلبي ط الأولى: 1392 هـ *- العين للخليل بن أحمد / تح مهدي الخزومي , وإبراهيم السامرائي/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت 1408هـ 0 *- عيون الأخبار لابن قتيبة/ نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب 0 *- الغرة المخفية لابن الخباز / تح حامد محمد العبدلي / دار الأنبار بغداد 0 *- فتح الباري لابن حجر العسقلاني / المكتبة السلفية الطبعة الثالثة 1407هـ 0 *- الفرائد الجديدة للسيوطي / تح عبد الكريم المدرس / وزارة الأوقاف العراقية *- الفريد في إعراب القرآن المجيد للمنتجب الهمذاني / تح د0 محمد النمر، وفؤاد مخيمر / دار الثقافة الدوحة 1411هـ 0 *- الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري / تح حسام الدين القدسي / دار الكتب العلمية بيروت *- الفوائد العبدية للموستاري/شرح الأنموذج في النحو / نسخة خطية برقم 100/415 مكتبة عارف حكمت *- القواعد والفوائد في الإعراب لركن الدين الخاروني الشوكاني /تح د عبد الله حمد الخثران / دار المعرفة الأسكندرية 1413 *- قضية لن بين الزمخشري والنحويين / للدكتور أحمد عبد اللاه هاشم / دار التوقيفية 1399 *-الكامل لأبي العباس المبرد / تح محمد الدالي/مؤسسة الرسالة 1406هـ 0 *- الكتاب لسيبوية / تح عبد السلام هارون / الهيئة المصرية العامة للكتاب 1977م 0 *-الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل / لجار الله الزمخشري/مصطفى البابي الحلبي القاهرة 1392 هـ0 *-كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون / لحاجي خليفة / مكتبة المثنى بغداد 0 *- اللباب في علل البناء والإعراب/لأبي البقاء العكبري/تح غازي طليمات وعبد الإله نبهان/مطبوعات جمعة الماجد بدبي / الطبعة الأولى:1416هـ0 *-لسان العرب لابن منظور / دار الفكر بيروت 1410هـ 0 *-ما ينصرف وما لاينصرف لأبي إسحاق الزجاج / تح هدى قراعة / لجنة إحياء التراث الإسلامي بالقاهرة 1391هـ 0 *- مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى / تح محمد فؤاد سزكين / مكتبة الخانجي 1988م 0 *- مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي / ضبط إبراهيم شمس الدين / دار الكتب العلمية بيروت 1418هـ0 *- مجيب الندى إلى شرح قطر الندى لأحمد الفاكهي / مصطفى الحلبى 1390 هـ 0 *- المحتسب لابن جني / تح علي النجدي ناصف وزملائه / لجنة إحياء التراث الإسلامي بالقاهرة 1386هـ 0 *- المحرر الوجيز لابن عطية / تح المجلس العلمي بفاس / وزارة الأوقاف المغربية 1395هـ 0 *- المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده / تح د عبد الحميد هنداوي / دار الكتب العلمية 1421هـ *-المخصص لابن سيده / دار الفكر بيروت0 *- المزهر للسيوطي / تح محمد أحمد جاد المولى وزملائه / دار التراث بالقاهرة الطبعة الثالثة 0 *- المسائل الحلبيات لأبي علي الفارسي / تح د0 حسن هنداوي / دار القلم دمشق 1407هـ0 *- المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل/تح د0 محمد كامل بركات/جامعة أم القرى 1400هـ *- المستقصى في أمثال العرب للزمخشري / دار الكتب العلمية بيروت 1397هـ 0 *-مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب / تح د حاتم الضامن /مؤسسة الرسالة 1407هـ0 *- مصابيح المغاني في حروف المعاني للموزعي/ تح د عايض العمري /دار المنار 1414هـ0 *- المصباح المنير للفيومي / مكتبة لبنان 1987 م 0 *- معاني الحروف للرماني / تح د0 عبد الفتاح شلبي / دار الشروق جدة 1404هـ 0 *-معاني القرآن للأخفش / تح د0 فائز فارس / دار البشير 1401هـ0 *- معاني القرآن وإعرابه للزجاج / تح د0 عبد الجليل عبده شلبي /عالم الكتب 1408هـ 0 *- معاني القرآن للفراء / عالم الكتب بيروت 0 *- معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب 0 *- معجم شواهد العربية لعبد السلام هارون / مكتبة الخانجي 1392هـ0 *-معجم شواهد النحو الشعرية للدكتور حنا حداد / دار العلوم 1404هـ 0 *- معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة / مكتبة المثنى بيروت 0 *- مغني اللبيب لابن هشام ت مازن المبارك ورفاقه / دار الفكر 1979م0 *-المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني / تح محمد سيد كيلاني/مصطفى الحلبي0 *-المفصل للزمخشري / دار الجيل الطبعة الثانية 0 *- مفتاح العلوم للسكاكي / تح نعيم زرزور / دار الكتب العلمية بيروت 1403هـ 0 *- المقتبس في شرح المفصل للأسفندري / نسخة خطية برقم 1948 و 1948مكتبة جار الله تركيا *- المقتصد في شرح الإيضاح للجرجاني / تح كاظم المرجان / وزارة الثقافة العراقية 1982م *- المقتضب لأبي العباس المبرد / تح محمد عبد الخالق عضيمة / وزارة الأوقاف المصرية 1399هـ *- المقرب لابن عصفور / تح أحمد الجبوري وعبد الله الجبوري/ مطبعة العاني بغداد 1391هـ *-المقصور والممدودلأبي عليّ القالي/تح د أحمد عبد هريدي/مكتبة الخانجي 1419هـ *- منتهى الطلب من أشعار العرب لابن ميمون / تح د محمد نبيل طريفي /دار صادر 1999 *- المنقوص والممدود للفراء / تح عبد العزيز الميمني / دار المعارف 1977 0 *- منهج السالك لأبي حيّان / رسالة دكتوراه في الولايات المتحدة نسخة مصورة 0 *- منهج السالك إلى ألفية ابن مالك لعلي بن محمد الأشموني / عيسى البابي الحلبى 0 *- نتائج الفكر للسهيلي / تح د محمد البنا / دار الرياض 1404هـ 0 *- نفح الطيب لأحمد المقرئ التلمساني / تح د0 إحسان عباس / دار صادر 0 *- النكت في تفسير كتاب سيبويه / للأعلم الشنتمري / تح زهير عبد المحسن سلطان / معهد المخطوطات بالكويت 1407هـ 0 *- النوادر لأبي زيد الأنصاري/تح د0 محمد عبد القادر أحمد/دار الشروق 1401هـ *- نوادر المخطوطات / جمعها عبد السلام هارون / مصطفى الحلبي /1393 0 *- همع الهوامع للسيوطي / تح عبد العال سالم / دار البحوث العلمية 1394هـ 0 *- الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي / المعهد الألماني للأبحاث 1411هـ 0 *- وفيات الأعيان لابن خلكان / تح د0 إحسان عباس / دار صادر 1972م 0 *-هدية العارفين وأسماء المؤلفين وآثار المصنفين لإسماعيل البغدادي / مكتبة المثنى بغداد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 443 ومن المعلوم عند البيانيين أن أضرب الخبر ثلاثة: ابتدائي، وطلبي، وإنكاري، وأن النفي أسلوب خبري 0 وبعد الوقوف على هذه الفوارق بين الظن والشك، أستطيع القول إن ابن الزملكاني -وهو المهتم بعلم البيان - أراد تطبيق هذه القواعد على (لن ولا) فلحظ ما في لن من تأكيد النفي المناسب إلقاؤه على المتردد في تلقيه؛ إذ هي أشدُّ في النفي من لا وأوقع في نفس السامع فناسب جعلها للمظنون؛ لأن السامع كان يترجح في اعتقاده ثبات ما نفته لن؛ فجاءت لتؤكد نفي ما كان معتقِداً ثباته 0 وأما ((لا)) فليس فيها شيء من التأكيد فناسب جعلها للشك الذي هو اعتدال النقيضين في نفس السامع وتساويهما عنده 0 الحواشي والتعليقات الجزء: 11 ¦ الصفحة: 444 أبو الحسن بن الباذِش الغرناطي وأثره النحوي الدكتور شريف عبد الكريم النجار أستاذ النحو والصرف المساعد في كلية المعلمين بالإحساء ملخص البحث يَتناولُ هذا البحث واحداً مِنْ الشَّخْصيّاتِ النَّحويّة الأندلسيّةِ التي كَانَ لها دورٌ بارزٌ في الحَياةِ العِلميّةِ في الأندلس في مُنتَصفِ القرنِ الخامسِ وأوائلِ القرن السادسِ الهجري، فَقد ساعدت هذه الشخصيّةُ على إثراءِ التراثِ النحوي في الأندلس،وذلك من خلال الصراعِ النحويّ الذي شهدته الأندلس،وكان بين اتجاهين: اتجاه يُنْقص من قيمة الفارسي وكتبِه، ويتزعّم هذا الاتّجاه ابنُ الطراوَةِ النحوي، وآخر يُقَدّرُ الفارسي وكتبه، وهو مَنْ عنى به هذا البحث،وهو أبُو الحَسَن بن الباذِش الغرناطي، وكلُّ اتجاهٍ منْهُما أيضاً يزعم أنّ ما فهمَه من عبارة سيبويه هو الصحيح. لم يَصِلنا مِنْ كتب أبي الحَسَن بن الباذِش سِوى قِطْعَةٍ صغيرةٍ من شَرْحِه على الجُمَلِ، نَقَلَها أبو حَيَّانَ الأنْدلسيّ في تَذْكِرةِ النُّحاةِ، كَما أنَّ هُناكَ مَجموعةً كبيرَةً مِنْ الآراءِ لابن الباذِشِ منثورة في كتب النحو، وقد اقتَصَرَ البَحْثُ على دراسَةِ آراءِ ابنِ الباذِشِ واخْتِياراتِه وتوجيهاتِه النحويّة،ولابن الباذِشِ آراءٌ واخْتِياراتٌ كثيرة في الصرفِ والقراءاتِ مَبْثوثةٌ في كتاب ولدِه أبي جعفر (الإقناع) . تَنَاوَلَ الباحِثُ في البدايةِ الحياة العِلمِيَّة في عصر ابن الباذِش،ثُمَّ عَرَضَ لحياةِ ابن الباذِش، فتَحَدَّث عن نشأتِه وشيوخِه وتلاميذِه وكتبه،وتناول بعد ذلكَ آراءَه واخْتِياراتِه وتوجيهاتِه النحوية، وتَحَدَّثَ عن خِلافِهِ مع ابن الطَّراوَة،وختم البحثَ بالحديث عن أبرز ما توصّل إليه البحث، ويتضمّن ذلك الحديث عن بعض ملامح نحوه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 445 ورأى الباحثُ أنّ ابنَ الباذِشِ شخصيّةٌ نحويّةٌ لها آراؤها التي يتفرَّدُ بها، كمَا أنَّ لهذِه الشَّخصيَّةِ محاولاتٍ في فهم عبارة سيبويه،وقد يختلف في فهمه مع غيره من النحاة، كمَا أنَّ لهذه الشخصية اهتِمامٌ خاصّ بالعللِ النحويةِ التي يَرى أنّها تُساعِد على فهم القضية النخوية. مُقدِّمة الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على إمامِ الخَلقِ وسيِّدِ المُرْسَلين وعَلى آله الذين اهْتَدوا بهَدْيِه، وسَلَكُوا نَهْجَه وسُنَّتَه وصَحْبِه الذين اتَّبَعُوه ونَصَروه، وانتَشَروا في الأرْضِ داعين لِدِينِه، وبعد: فقد أَخَذَت العلومُ في الأنْدلسِ تَزْدَهِرُ في عصرٍ تَمزَّقَ فيه الأندلسُ، وتَفرّقَ أهلُه شِيَعاً، وانقسمَت أرضُه إلى مَمالكَ وطوائِفَ عِدّةٍ، وكانَ هذا في القرنين الخامسِ والسادسِ،ففي القرنِ الخامسِ وُجدَ مُلوكُ الطوائِفِ، وفي نهايةِ القرنِ الخامسِ وبِدايَةِ القرنِ السادسِ وُجِد المرابطون،فهي فترةُ انْتِقالٍ وتَحَوُّلٍ سِياسيٍّ لمْ تَخلُ مِنْ الاضطرابِ والفَوضى السياسيةِ وعدمِ الاستِقرارِ. وكانَ أهْلُ الأندلسِ قبلَ هذينِ القرنَيْن قد اهتمّوا بعلومِ أهلِ المَشرقِ، فارْتَحَلوا طلباً لها، وجَلبُوا مَا وَضَعَه علماءُ المشرقِ مَعَهُم، فتَدَارَسُوه ودَرَّسوه لأبنائهم،وكَانَ مِنْ ضِمْنِ هذه العلومِ علمُ النَّحوِ والصَّرْفِ والقراءاتِ والتفسيرِ والفقهِ وأصولِه والحديثِ وعلومِه. ... الجزء: 11 ¦ الصفحة: 446 وأخَذَتْ علومُ اللغةِ النَّصيبَ الكَبيرَ مِنْ هذه العلومِ، وكانَ مِنْ أهمِّ الكتبِ النَّحْويَّةِ التي أحْضَروها مَعَهم وتَدَارَسُوها كتابُ سيبويه وإيضاحُ الفارسيِّ وجُمَلُ الزَّجَّاجِيِّ والكافِي للنَّحَّاسِ، فاهْتَمَّ علماءُ الأندلسِ بهذِه الكتبِ وغيرِها، فشَرَحُوها وتَوَسَّعوا في شَرْحِها حَتّى إنّ كتابَ الجُمَلِ شُرِحَ في الأندلسِ أكثرَ ممّا شُرِحَ في الأندلسِ،وممّنْ شَرَحه ابنُ عُصفور، فعُرِفَ له أكثرَ مِنْ شَرْحٍ عَلى كتابِ الجُمَلِ. وكانَ مِنْ أبْرزِ عُلماءِ هذه الفَتْرَةِ عَالِمان كانَ لَهُما الدَّوْرُ الكَبيرُ في ازْدِهارِ الحَياةِ العِلميَّةِ،هما أبُو الحُسين بنُ الطّراوةِ وأبو الحسن بن الباذِشِ الغرناطي، فعلى هذين العَلَمَين أَخَذَ كَثيرٌ مِنْ علماءِ الأندلسِ مَعَارِفَهُم، وكَانا في تَنَافُسٍ ونِدّيّةٍ عِلميَّةٍ دائمةٍ. وقد اختارَ الباحِثُ شَخصيَّةَ ابنَ الباذِشِ الغَرْناطيّ لِتَكونَ مَوْضوعَ هذا البحثِ مَدفوعاً بعِدّةِ أمورٍ: مِنْها أهميَّةُ هذه الشخصيَّةِ،فهي أَبْرَزُ شَخْصيَّةٍ نَحْويَّةٍ في تلكَ الفترةِ، ومِنْها أنَّ هذه الشخصيَّةَ لمْ تَنَل اهتِمَامَ الباحِثين، فلم يكتبوا عنها، والسَّبَبُ في ذلك أنَّه ليسَ لهذِه الشَّخْصيَّةِ كُتُبٌ موجودةٌ، مَخطوطةٌ كانت أو مَطبوعةٌ، فآراؤه واختياراتُه مَبثوثةٌ في بُطونِ الكتبِ، ومِنْ هذِه الدَّوافعِ مُحاولةُ إبرازِ الفِكرِ النَّحْويِّ لِهذِه الشَّخْصِيَّةِ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 447 وارْتَأَى الباحثُ تَقسيمَ هذا البحثِ إلى مُقدِّمَةٍ وثلاثةِ فُصولٍ وخَاتمةٍ، أمّا الفصلُ الأوَّلُ فحَمَلَ عنوانَ"عَصْر ابنِ الباذِش وحياتِهِ "،تَحدّثتُ فيه أولاً عن الفترةِ التي عاشَ فيها ابنُ الباذِش مِنْ ناحِيَةٍ سياسيَّةٍ وعِلميَّةٍ،ثمّ انتقلتُ إلى الحديثِ عَنْ حياةِ ابنِ الباذِش،وقد تَحَدثتُ في هذا المَوضِعِ عن اسْمِه وكنيتِه ومولدِه ولقبِه وأخلاقِه وعلمِه وشيوخِه وتلاميذِه وآثارِه وشعرِه ووفاتِه،ومِنْ الصُّعوباتِ التي واجَهَتني في هذا الفَصْلِ وُجودُ شخصياتٍ غيرِ معروفةٍ،فلمْ أعثرْ على ترجَمَةٍ لها، وأُحبُّ أنْ أُشيرَ هنا إلى أنّ هذا بحثٌ صَغيرٌ وليسَ كِتاباً، ولذلك تَعرّضتُ لشيوخ ابنِ الباذِشِ وتلاميذِه باختصار. وأمّا الفصلُ الثاني فهو بعنوان: " آراؤه واختياراتُه وتوجيهاتُه النحويَّةُ "، وقد ضَمَّنْتُ هذا الفصلَ ما جَمَعْتُه مِنْ أمّهاتِ الكتبِ، وجَعَلْتُ هذا الفصلَ أربَعَة أقسام، الأوّلَ: آراؤه واختياراتُه وتوجيهاتُه في مَسائلَ نحويةٍ عِدّةٍ، والثاني: رأيُه في العاملِ النحويِّ في عِدَّةِ مَسائلَ نحويةٍ،والثالثَ: رأيُه في العلّةِ النحويةِ في بعضِ المَسائلِ، والرابعَ: توجيهاتُه لبعض الآياتِ القرآنيةِ. وأمّا الفصلُ الثالثُ فقد حَمَلَ عنوانَ: " خِلافُه مَعْ ابنِ الطَّراوَةِ "، وهذا هو أصغرُ فصولِ هذا البحثِ،والسببُ في ذلك أنّنا لا نَملكُ تلك الكتبَ التي وَضَعها هذان العالمان أثناءَ تنافُسِهما،فقلّةُ المَعلوماتِ هي السببُ في صِغَرِ هذا الفصلِ. وخَتَمتُ هذا البحثَ بالحديثِ عنْ نتائجِ هذا البحثِ،وقد تَضمّنَتْ هذه الخاتمةُ الحديثَ عنْ منهجِ ابنِ الباذِش النحويّ الذي حاولتُ اسْتِخْلاصَه من المَسائِل النحويةِ التي دَرَسْتُها، ويُضافُ إلى المَنْهَجِ اسْتِخْلاصُ النتائجِ في جَميعِ البحثِ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 448 وأرجو أنْ تكونَ هذه المُحاولةُ قد أعطتْ هذا العالِمَ شيئاً مِنْ حَقّه علينا، ولا أدّعي أني قد أعطيتُ هذا العالِمَ كامِلَ حَقِّه، فهو يَحْتاجُ إلى دراسةٍ أكثرَ اتِّساعاً،وخِتاماً هذا جَهْدي قدّمتُ فيه ما أقْدَرَني اللهُ على تقديمِه،كما يَفتَحُ الباحثُ صَدْرَه لأيِّ نقدٍ مفيدٍ،وأرجو أنْ يَفيدَ الباحثون مِنْ هذا البحثِ كما أفادَ الباحثُ مِنْ غيرِه، كمَا أرجو أن يغفرَ لي ربُّ العالمين ما في هذا البحث مِنْ نَقْصٍ وزَلَلٍ. والحمد لله ربّ العالمين الفصل الأول: عصر ابن الباذِشِ وحياته أوّلاً:الحياة السياسية والعلمية في الأندلس في عصر ابن الباذِش وُجِدَ في الأندلسِ في الفترةِ ما بين (444528هـ) نَمَطان من أَنماطِ الحكمِ، الأولُ ما يُعرَفُ بدولِ ملوكِ الطوائفِ، والثاني دولةُ المُرابطين، أمّا دولُ الطوائفِ فهي ممالكُ صغيرةٌ كانَ بعضُ الملوكِ قد شادها، وهي رمزٌ للفرقةِ والتناحرِ، ومن هذه المَمالك دولةُ بني جَهْوَر في قرطبةَ (422463هـ) ودولةُ بني زِيْرِي بن مَنَاد في غرناطةَ (403483هـ) ودولةُ بني عَبَّاد في اشبيليةَ (414484 هـ) ودولةُ بني الأفْطَسِ في بطليوسَ (413488هـ) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 449 وبقيت هذه الدولُ في نزاعٍ وفرقةٍ فيما بينها، فكلُّ دولةٍ منها تُحاولُ السيطرةَ على الأخرى، وكانت هذه الدولُ تستعينُ بالنَّصارى في هذه المُنازعاتِ، وبلغت هذه الدولُ من الضعفِ والهوانِ أنْ صارت تُؤدّي الجزيةَ للنَّصارى، واستغلَّ النصارى هذا الضعفَ، فَبَدَأوا بمُناوَشَةِ المسلمين،وبقي الأمرُ على هذه الحالِ حتى سقطت طُلَيْطِلَةُ بأيدي النصارى سنة 478هـ،فتنبَّهَ بعضُ المسلمين لهذا الخَطَرِ الداهمِ فَأرسَلوا إلى أمير المسلمين يوسفَ بن تاشفينَ، فدخلَ الأندلسَ سنة 479هـ، وبدأ المُرابِطونَ عهدَهم في محاولةِ السيطرةِ على الأندلسِ،واستمروا في حروب طاحنةٍ مع ملوكِ الطوائفِ من جهةٍ ومع النصارى من جهةٍ أخرى،ولم يستقرَّ الأمرُ لهم في الأندلسِ إلاّ في سنة 500هـ حيث تمّ الاستيلاءُ على معظمِ دولِ ملوكِ الطوائفِ (1) . هكذا كان الجوُّ السياسيُّ في الأندلسِ في القرنِ الخامسِ الهجري، فهو كما يلاحظ جوُّ تمزّقٍ وفُرقةٍ، فلم تشهد هذه الدولةُ الإسلاميةُ الاستقرارَ في الحياةِ السياسيةِ والعسكريةِ إلا في سنواتٍ قليلةٍ في عهد المرابطين 0   (1) ... راجع تاريخ الأندلس في هذه الفترة في دول الطوائف لمُحَمَّد عبد الله عنان وكتاب عصر المرابطين والموحدين لمُحَمَّد عبد الله عنان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 450 والظاهرُ أنّ هذا الاضطرابَ السياسيَّ والعسكريَّ لم يكن تأثيرُه على الحياةِ العلميةِ كبيراً فقد استمرَّ التكوينُ الحضاريُّ لهذه الدولة،وشهدت الأندلسُ ازدهاراً علمياً وفكرياً لم يكن لها من قبلُ، فبقي العلماءُ عاكفين على الدرسِ والتحصيلِ في شتّى الفنون، وذلك يرجعُ إلى الرعايةِ التي حظيَ بها العلماءُ من حكامِ الأندلسِ، فقد كان ملوكُ الطوائفِ حَريصين على استقطابِ العلماءِ وتكريمهم، والظاهر أنهم كانوا يرون في العلماءِ عوناً لهم في نِزاعاتِهم، ولا يُنْسى أنّ بعضَ هؤلاء الملوكِ كان من المعروفين في العلوم والآداب كالمعتمدِ بن عبَّاد والمظفّرِ بن الأفطس. وشهد الأندلسُ نشاطاً علمياً في شتّى العلوم،فبرزت مجموعات كثيرة من العلماء، ففي العلوم الشرعية أذكر منهم: أبا مُحَمَّد بن حَزم الأندلسي الظاهري (1) (ت 456هـ) ،وأبا جعفر أحمد بن علي بن أحمد بن الباذِش (2) (540 هـ) صاحبَ الإقناع في القراءاتِ السبع، وابنَ عطية الأندلسي (3) (ت 542هـ) صاحبَ المحرِّرِ الوجيزِ في التفسير،وأبا بكر بن العربي (4) (ت 543هـ) والقاضي أبا الفضلِ عياض بن موسى (5) (ت 544هـ) ، وغيرهم كثير. وبرزَ في الشعرِ والأدبِ جملةٌ من الأدباءِ، أبرزُهم ملكُ دولةِ بني عبَّاد المُعْتَمدُ بن   (1) انظر ترجمته في الصلة 2/415 (2) انظر ترجمته في الإحاطة 1/194 والبلغة 60 والمعجم لابن الأبار 29وبغية الوعاة 1/238 (3) انظر ترجمته في الإحاطة 3/539 (4) انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 20/197 (5) انظر ترجمته في المعجم في أصحاب القاضي أبي علي الصدفي لابن الأبار 306 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 451 عبَّاد (1) ، وابن زَيدونَ (2) ،وابنُ خَفاجَةَ (3) ، وابنُ حَمديسَ (4) ، كما ظهرَ مجموعةٌ من العلماءِ في الطب، أشهرُهم ابنُ زُهْر الإشبيلي (5) ،وكان هناك نشاطٌ في علومِ الرياضياتِ والفلكِ والتاريخِ وغيرها من العلوم. واهتم العلماءُ في هذا العصر بالنحو واللغة،ومن مظاهرِ هذا الاهتمامِ نشاطُ حركةِ التأليفِ في هذين الموضوعين، وكثرة العلماء فيهما، ومن أبرز العلماء الذين كان لهم جهدٌ ملحوظٌ في النحو واللغة: 1 ابنُ سيدَه اللغوي علي بن إسماعيل (ت 458هـ) صاحبُ المخصَّص والمحكم وشرح إصلاح المنطق (6) . 2 الأعلمُ الشَّنْتَمَري، أبو الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى (ت476هـ) ،له تلاميذ كثر، منهم ابن أبي العافِيَة،وابن الطراوة،وغيرهما،وله من الكتب تحصيلُ عينِ الذهبِ والنكت في تفسير كتاب سِيْبَوَيْه وشرح ديوان الشعراء الستة،وغيرها (7) . 3 مُحَمَّد بن أبي العافِيَة اللخمي (ت509هـ) الإمامُ بجامع إشبيليةَ،أخذ عن الأعلمِ الشَّنتمري، وكان من أهل المَعْرِفَة والأدب، أخذ الناس عنه ذلك (8) . 4 أبو مروان عبد الملك بن سراج (ت 489هـ) (9) . 5 أبو بكر مُحَمَّد بن هشام المَصحَفي (ت481هـ) (10) .   (1) انظر ترجمته في الإحاطة2/108 (2) انظر ترجمته في جذوة المقتبس 130 (3) انظر وفيات الأعيان 1/56 (4) انظر وفيات الأعيان 3/212 (5) انظر الحياة العلمية في الأندلس في عصر الموحدين 332 (6) انظر ترجمته في البلغة148 (7) انظر ترجمته في إنباه الرواة4/59 والبلغة246 وبغية الوعاة2/356 (8) انظر ترجمته في إنباه الرواة 3/73 والصلة 2/513 (9) انظر ترجمته في شيوخ ابن الباذِش من هذا البحث (10) انظر ترجمته في شيوخ ابن الباذِش من هذا البحث الجزء: 11 ¦ الصفحة: 452 6 عبد الله بن مُحَمَّد بن السيد البطليوسي (ت 521هـ) من كبار علماء الأندلس في اللغة والنحو والفلسفة والفقه، له الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، والحلل في أبيات الجمل وشرح الموطأ وغيرها من الكتب (1) . 7 ابن الأبرش خلف بن يوسف (ت 532هـ) كان إماما في العربية واللغة، له حظ وافر من الفرائض (2) . 8 ابن الأخضر، أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن مهدي النحوي الإشبيلي (ت 514هـ) (3) . 9 ابن الطراوة أبو الحسين سليمان بن مُحَمَّد (ت528هـ) أخذ النحو عن الأعلم وابنِ سراج، قيل: كان أعلمُ أهلِ عصرِه بالأدبِ والعربيةِ،له الإفصاح والمقدمات على كتاب سِيْبَوَيْه والترشيح،وغيرها من الكتب (4) . ثانياً: حياته اسمه وكنيته ولقبه ومولده   (1) انظر ترجمته في البلغة 126 وبغية الوعاة2/55 (2) انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/557 (3) انظر ترجمته في إنباه الرواة 2/288وبغية الوعاة 2/174 (4) انظر ترجمته في البلغة108 وبغية الوعاة 1/602 وانظر كتاب ابن الطراوة النحوي -د. عيّاد عيد الثبيتي، وكتاب أبو الحسين ابن الطراوة وأثره في النحو-د. مُحَمَّد إبراهيم البنا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 453 هو (1) أبُو الحَسَن عليُّ بنُ أحمدَ بن خَلف بن مُحَمَّد الأنصاري الأندلسي الغرناطي المالكي النحوي،وزاد ابن فَرْحُون لقبَ (الباذِش) في اسمِه،فقالَ: عليٌّ بنُ أحمدَ بن خلف بن مُحَمَّد الباذِش الأنصاري (2) ،ويبدو لي أنّ هذا هو الصوابُ في اسمِه، فقد عُرفت أسرةُ أبي الحسن في غرناطةَ ببني الباذِشِ (3) ، فالباذِشُ ليس لقباً لأبي الحسن وحدَه وإنما هو لقبٌ لجميع أسرته. عُرِفَ أبو الحسن بهذا اللقب، وكذلك عُرِفَ به ولدُه أبو جعفر وحفيدُه أبو مُحَمَّد، وكان بعضُ الشيوخ يقول: (البَيْذِش) بكسر الذال، وقيل: معناها بالعربية: (الرجلان) (4) . وُلِد أبو الحسن سنةَ أربع وأربعين وأربعمائة بغرناطةَ في أسرةٍ أصلُها من (جيان) (5) في الأندلس، وقد عُرفت بالتديِّن والعفافِ والورعِ،وهي أسرةٌ محبةٌ للعلمِ مجتهدةٌ في تحصيله، قال في الإحاطة عن أبي جعفرالرُّعَيْني (6) : "هو مِنْ بَيْتِ تَصاونٍ وعَفَافٍ ودين والتزامٍ بالسُّنة كَانوا في غَرناطَة في الأشْعارِ وتَجْويدِ القرآنِ والامْتِيازِ بحَمْلِه وعُكوفِهم عليه نُظراءُ بني عظيمة بإشبيليةَ وبني الباذِش بغرناطة ". أخلاقه وعلمه   (1) ترجمته في بغية الملتمس للضبي 419 والصلة لابن بشكوال 2/425 والديباج المذهب لابن فَرْحُون 205206 وإنباه الرواة2/227والبحر المحيط1/290 والمعجم في أصحاب القاضي الإمام أبي علي الصدفي لابن الأبار 286288 والإحاطة 4/1000وبغية الوعاة 2/142وشجرة النور الزكية 1/131 وهدية العارفين 1/696 وكشف الظنون 2/1793 (2) انظر الديباج المذهب 205 (3) انظر الإحاطة1/193 (4) انظر المعجم لابن الأبار 286 (5) انظر بغية الملتمس 419 والمعجم لابن الأبار 286 (6) الإحاطة 1/193 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 454 عُرفَ أبو الحَسَن بالتزامِه بالدين مع ورعٍ صادقٍ وزهدٍ في الدنيا خالصٍ طيلةَ حياته (1) ، وكان إمامَ الفريضةِ بجامع غرناطة (2) ،كما عُرفَ بالتَّواضُعِ، فقد كانَ مُحِبّاً للعلم مجتهداً في طلبه،فيَجْلسُ مُسْتمِعاً أو قارئاً على العلماءِ مَعْ تَلامِذَتِه، يقولُ ابنُ عياض وهو أحَدُ تلامذته (3) : " كانَ مَعْ تَصَدّرِه وتَقَدّمِه لا يَقطَعُ الطلبَ والسَّماعَ والرِّحْلةَ،سَمِعَ مَعَنا عَلى الشيوخِ، وكانَ يَقرَأ على المُقرِئينَ ما فَاتَه مِنْ رِوايةٍ ". وقيلَ في عِلمِه (4) : " وكَانَ من أهْلِ المَعْرِفَةِ بالآدابِ واللغاتِ والتَّقدّمِ في علمِ القراءاتِ والضَّبْطِ للرواياتِ، وكانَ حَسَنَ الخَطِّ جَيِّدَ التَّقْييدِ، وله مُشاركةٌ في الحديثِ ومَعرفةٌ بأسْماءِ رجالِهِ ونَقَلَتِه،وكان مِنْ أهلِ الروايَةِ والإتقانِ والدّرايةِ "، فقد جَمَعَ أبو الحَسَن بنُ الباذِش علمَ القرآنِ والحديثِ واللغةِ والشعرِ والنحوِ،فكان من أهل المَعْرِفَة في علومٍ عدّة.   (1) انظر بغية الملتمس 419 (2) انظر الديباج المذهب 1/205 (3) المعجم لابن الأبار287 (4) الصلة لابن بشكوال 2/425 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 455 ويشهدُ على علمِه في القراءاتِ كتابُ ولدِه أبي جعفر حيثُ يحسُّ القارىءُ لكتابِ الإقناعِ في القراءاتِ السبعِ أنَّ أبا الحَسَن مؤلِّفٌ مُشاركٌ في هذا الكتابِ، فقد ذكره ولدُه أكثرَ من خمسين مرّة ناقلاً عنه مستنيراً برأيه، وكانَ ولدُه أبو جعفر مُعجباً به وبعلمِه ونفاذِ رَأيِه حتى إنه قال فيه (1) : " وحقّ على من أوتي بسطةً في اللسان، وبُوِّىء ذروةَ الإحسان، وأخذ عن النقابِ الماهرِ والشهابِ الزاهر، أستاذِ الأستاذين، وجهبذِ الجهابذة الناقدين أبي الحَسَن علي بن أحمد رضي الله عنه، بقية الأعلام، وذخيرة الأيام "،وقال أيضا (2) : " وطالعت أبي أيّده الله في مشكله وعويصه،فلما سَرّه وأرضاه وأقرّه وارتَضاه، وتقلّده وانْتَضاه، كشفت عنه قناعاً مغدَقاً،وأطلعته نوراً يجلو سُدَفاً، ودرّاً فارق من الكتمان صدفاً استناداً إلى عارضتِه الشديدةِ المكينة، وموادّه العتيدةِ المنيعةِ، لأنّه يَغْرفُ من بُحور، ويسعى بين يديه أوضحُ برهان وأسطعُ نورٍ، فدونَك منه فائدةً تُشَدّ الرحالُ فيما دونَها، ويَلقاها الرجال ولا يعدونها ".   (1) الإقناع في القراءات السبع 50 (2) الإقناع في القراءات السبع 51 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 456 ويَشهدُ على علمِه في الحَديثِ ورجالِه وعلومِ القرآنِ والأدبِ مَا ذَكَرَه ابنُ الأبارِ مِنْ مسموعاتِ ابنِ الباذِش في علومٍ عدّة،فيُدرِكُ القارىءُ لهذِه المسموعاتِ مَدى مَعْرِفَةِ ابنِ الباذِش في هذِه العلومِ، قالَ ابنُ الأبارِ (1) : " ومِنْ جُمْلةِ مَسْمُوعاتِه الغَريبان للهَرَويّ والناسخُ والمَنسوخُ لهبةِ اللهِ، ومسندُ البزّارِ، والشَّمائِلُ للترمذي، والمُؤتلِفُ والمُخْتلِفُ للدارقطني ولعبد الغني، ومُشتبَهُ النسبةِ له، ورِياضَة المُتعَلمين لأبي نعيم، وأدبُ الصحبَةِ للسلمي،وحديثُ يونس بن عبد الأعلى،وحديثُ الزعفراني، وعَوالي الزَّيْنبي، وعَوالي ابنِ خيرون،وعدة مجالس من أمالي أبي الفوارس، وأمالي ابن بشران وكثير من الأجزاء سوى ما لم أقف عليه من الدواوين ". أمّا علمُه في النحو فهو العلمُ الذي عُرفَ به، وانفردَ به دونَ غيرِه مِنْ العلومِ التي شارَكَ فيها، قيلَ عنه (2) : " كان من أحفظِ الناسِ لكتابِ سِيْبَوَيْه وأرفقِهم به "، وكَانَ يَعتَدُّ بنَفْسِه في هذا العِلمِ، قال أبو بكر بن الرّمَاليّة (3) : "سمعتُ أبا الحَسَن بن الباذِش يقولُ:نُحاةُ الأندلس ثلاثةٌ:أبو عبدِ اللهِ بنُ أبي العافيةِ وأبو مَروانَ بنُ سِراج أو ابنُه أبو الحُسَين شكّ أبو بكر وكانَ يسْكُتُ عَنْ الثالثِ فيَرَونَه يريدُ نفسَه "،كما يشهدُ على تَفرّده بهذا العلم دونَ غيره مُصَنَّفاتُه التي سأُشيرُ إليها، فلم يُذكر عنه أنّ له جُهداً في عِلمِ الحَديثِ أو غَيرِه مِنْ العلومِ. شيوخه   (1) المعجم لابن الأبار 286 (2) بغية الملتمس 419 (3) المعجم لابن الأبار 287 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 457 ذَكَر ابنُ الأبار أنّ لأبي الحَسَن بنِ الباذِش برنامجاً حافلاً في تسميةِ شيوخِه وما أَخَذَ عنهم (1) ، كما ذكر ابنُ خير أنَّ لأبي جعفر بن الباذِش كتاباً جَمَعَ فيه شيوخَ والدِه (2) ،ويَدلُّ هذا عَلى كَثرةِ الشيوخِ الذين اتصلَ بهم أبو الحَسَن بن الباذِش، وهذا يناسب العصر الذي عاش فيه ابن الباذِش، فهو عصرٌ زاخرٌ بالعُلماءِ الذين قدّموا للبشرية حضارةً راقيةً، وللأسَفِ لم يصلنا شيء من هذا البرنامج الذي ذَكَره ابنُ الأبارِ أو مِنْ مُؤلّفِ وَلدِه،وسأعرض في هذا الموضع بإيجاز لشيوخ ابن الباذِش: 1 أبو بكر مُحَمَّد بنُ هِشَام بن مُحَمَّد القَيْسي المَصْحَفيّ (ت481هـ) مِنْ كبارِ عُلماءِ قرطبةَ،أَخَذَ عن ابنِ القوطية وصَاعِد بن الحَسن وغيرهما، وتتلمَذ على يديه أبو الحُسَين ابنُ الطَّرَاوَةِ وغَيرُه، ومَرْوِيّاتُه تدلُّ على اهتِمامِه باللغةِ والنحوِ والأدبِ (3) . 2 أبو مَروانَ عبدُ الملك بنُ سِراج بن عبد الله (ت489هـ) (4) عَدّه أبو الحَسن بن الباذِش من نُحاةِ الأندلس الذين يُعْتدُّ بهم (5) ،كان مهتما بكتابِ سِيْبَوَيْه فيُروى أنَّه عَكَفَ على كتابِ سِيْبَوَيْه ثمانية عشر عاما لا يَعْرِفُ سواه،أخذ عن مَكيّ بن أبي طالب وابنِ الإفْلِيْلِيّ. 3 أبو عَليّ الحُسينُ بن مُحَمَّد بن أحمد الغساني (ت 498هـ) رئيسُ المحدثين بقرطبة،وأَخَذَ عنه ابن الباذِش علوم الحديث ذكر ابنُ بشكوال أن ابن الباذِش قد أكثرَ من الأخذِ عنه (6) .   (1) انظر المعجم لابن الأبار 286 (2) انظر فهرسة ابن خير 437 (3) انظر ترجمته في الصلة لابن بشكوال 2/556 (4) انظر ترجمته في أنباه الرواة 2/207 وبغية الوعاة 2/110 (5) انظر المعجم لابن الأبار 287 (6) انظر ترجمته في المعجم لابن الأبار79 والصلة 2/ 425 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 458 4 أبو عَليّ الحُسَين بن مُحَمَّد بن سَكْرة الصَّدَفيّ (ت514) كان حافظاً لمصنفات الحديث وأسانيدها ورواتها، له التعليقة الكبرى في الخلاف والمعجم (1) . 5 أبو الحُسَين سِراجٌ بنُ عبدِ المَلِك بنُ سِراجٍ بنُ عبدِ الله بنُ سَراجٍ (ت 508هـ) قالَ فيه أحَدُ العلماءِ: كانَ أبو الحُسَين مِنْ أكمَلِ أَهْلِ عَصْرِه مروءةً وصيانَةً وأوسَعَهم مالاً وجَاهاً وأكْثرَهم مهابَةً يَجْتِمعُ إليه للسَّمَاعِ في الأربعين والخمسين من رُؤساءِ الملثمين ومهرةِ الكُتَّابِ كأبي عبدِ الله بنِ أبي الخِصَالِ وأبي بكر بنِ عبدِ العزيز وجلة أستاذيّ النحو كأبي القاسم بن الأبْرَشِ وأبي الحَسَن بن الباذِش، وكُلُّهُم إليه مفتقرون لِوُقوفِه على مواد النحو من أشعار العرب وحكاياتها ولغاتها وأخبارها (2) . 6 أبو القاسم نعم الخلف بن مُحَمَّد بن يحيى الأنصاري (3) .لم أستطع العثور على ترجمة له. 7 أبو جعفر بن رزق (4) .لم أستطع العثور على ترجمةٍ له. تلاميذه أَخَذَ العِلمَ عن ابنِ الباذِش كثيرٌ من التلاميذ،ولم يَأخُذوا عنه علمَ النَّحو دونَ غيرِه مِنْ العلومِ التي يُتْقنُها، فمِنْهم مَنْ أَخَذَ عنه علمَ القراءاتِ، وبعضُهم أَخَذَ عنه في علوم الحديث،وأذكر ها هنا أسماء تلاميذه فقط مختصراً: 1 ابن الأبْرَش خلف بن يوسف (ت532هـ) (5) . 2 مُحَمَّد بن يوسف بن عبد الله بن إبراهيم التميمي المازني (ت538هـ) (6) . 3 ولده أبو جعفر أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري المعروف بابن الباذِش (ت540هـ) صاحب الإقناع في القراءات (7) .   (1) انظر ترجمة المحقق له في مقدمة كتاب المعجم في أصحاب أبي علي الصدفي لابن الأبار (2) انظر المعجم لابن الأبار 318 (3) انظر الإحاطة 4/100 والديباج المذهب 205وبغية الوعاة2/142 (4) انظر الصلة 2/425 (5) انظر بغية الوعاة1/557 (6) انظر ترجمته في الإحاطة2/521 (7) انظر ترجمته في الإحاطة 1/ 194 والبلغة 60 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 459 4 أبو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الخِصال (ت540هـ) (1) . 5 مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد بن أبي خَيْثَمة الجبائي (ت540هـ) (2) . 6 عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عطية (ت 541هـ) صاحب المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (3) . 7 أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال (ت 578هـ) (4) . 8 القاضي عياض بن موسى بن عياض اليَحْصبي (ت544هـ) (5) . 9 علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الضحاك الفِزاري (ت557هـ) (6) . 10 القاضي أبو الإصبغ عيسى بن سهل بن عبد الله الأسدي (7) ،لم أعثر على سنة وفاته. 11 أبو داوود المقرىء (8) ،لم أعثر على سنة وفاته. 12 القاضي أبو عبد الله بن عبد الرحيم الأنصاري (9) ،لم أعثر على سنة وفاته. 13 مُحَمَّد بن سابق الصِّقِلّي (10) ،لم أعثر على سنة وفاته. 14 القاضي أبو خالد عبد الله بن أبي زَمَنين (11) ،لم أعثر على سنة وفاته. 15 أبو عبد الله النميري،وهو صهر أبي الحسن (12) ، لم أعثر على سنة وفاته. 16 أبو الوليد يوسف بن عبد العزيز بن يوسف اللَّخمي المعروف بابن الدبَّاغ (13) ،لم أعثر على سنة وفاته. 17 علي بن موسى بن حَمَّاد، نقل تعليق ابن الباذِش على كتاب الجمل (14) ،لم أعثر على سنة وفاته.   (1) انظر ترجمته في المعجم لابن الأبار 149 (2) انظر ترجمته في الإحاطة 2/315 (3) انظر البلغة 129والمعجم لابن الأبار 269والإحاطة3/539 (4) انظر ترجمته في المعجم لابن الأبار 85 (5) انظر ترجمته في المعجم لابن الأبار 306 والإحاطة 4/ 222 (6) انظر ترجمته في الإحاطة4/ 177 (7) انظر الصلة 2/425 (8) انظر الصلة2/425 (9) انظر الديباج المذهب 206 وشجرة النور الزكية 131 (10) انظر الصلة 2/425 (11) انظر الديباج المذهب 206 (12) انظر المعجم لابن الأبار287 (13) انظر المعجم لابن الأبار 287 (14) انظر تذكرة النُّحَاة 551 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 460 18 مُحَمَّد بن عُرَيب بن عبد الرحمن بن عُرَيب العبسي (1) ،لم أعثر على سنة وفاته. آثاره اتَّسَم عصرُ أبي الحسن بكثرةِ الشروحِ والتعليقاتِ على كتبِ أهل المشرق، فاهتموا كثيراً بكتابِ سِيْبَوَيْه وبمؤلَّفاتِ أبي علي الفَارِسِيّ وابن جِنِّي وبجمل الزجاجي،ولم يخرج ابنُ الباذِش عن هذا النهجِ، وقد نَسَبَ المترجمون له مجموعةً من الكتب، وللأسفِ لم يصلنا أيُّ كتابٍ منها، وهذه الكتب هي: 1 شرح كتاب سِيْبَوَيْه (2) . 2 شرح الأصول لابن السراج (3) . 3 شرح المُقْتَضَبِ من كلام العرب (4) ،وهو كتاب لابن جِنِّي في اسم المَفْعُول من معتلِّ العين،وذكر ابن فَرْحُون أن له كلاماً على المقتضب (5) ، فيُحتمَلُ أن يكون تعليقة على كتاب المُبَرّد. 4 شرح الجمل للزجاجي (6) ،وقد وَصَلَنا بعضُ الصفحاتِ من هذا الكتاب، نَقَلَها أبو حيَّانَ الأندلسي في تذكرته (7) . 5 شرح الإيضاح لأبي علي الفَارِسِيّ (8) ، ولابن الباذِش أبياتٌ في إعجابِه بالإيضاحِ ومؤلِّفِه. 6 شرح الكافي لأبي جعفر النحاس (9) ، وذكر ابن فَرْحُون أن ابن الباذِش خَطَّأ النحّاسَ في نحو مئةِ موضع (10) . 7 برنامج شيوخ ابن الباذِش (11) . شعره   (1) انظر ترجمته في المعجم لابن الأبار 187 (2) انظر الديباج المذهب 206 وبغية الوعاة 2/142وشجرة النور الزكية131 وهدية العارفين 1/696 (3) انظر الديباح المذهب 206 وبغية الوعاة 2/142وشجرة النور الزكية131 وهدية العارفين 1/696 (4) انظر كشف الظنون 1793 وهدية العارفين 1/696 (5) انظر الديباج المذهب 206 وبغية الوعاة 2/142 (6) انظر الديباج المذهب 206وبغية الوعاة 2/142 وهدية العارفين1/696 (7) انظر تذكرة النُّحَاة 551 (8) انظر الديباج المذهب 206 وهدية العارفين 1/696 (9) انظر الديباج المذهب 206وبغية الوعاة2/142 وهدية العارفين 1/696 (10) انظر الديباج المذهب 206 (11) انظر المعجم لابن الأبار 286 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 461 لم يصلنا من شعر أبي الحسن بن الباذِش إلاّ أبياتٌ قليلة يمدح فيها أبا علي الفَارِسِيّ ويبدي إعجابه بكتابه الإيضاح العضدي، قال (1) : أضِعِ الكَرى لِتَحَفُّظِ الإيضاحَ وصِلِ الغُدُوَّ لِفهمِه بِرَواحِ (2) هو بُغْيَةُ المُتَعَلِّمين ومن بَغى حَمْلَ الكتابِ يَلِجْه بالمفتاحِ لأبي علي في الكتابِ إمامَةٌ شَهِدَ الرواةُ لَها بفَوزِ قِداحِ يَقضي على أسراره بنَوافِذٍ مِنْ علمِه بَهَرَت قُوى الأمْداحِ (3) فيُخاطِبُ المُتَعَلمينَ بلفظِه ويحلُّ مُشْكِلَه بوَمْضَةِ واحِ مَضَت العصورُ وكلُّ نَحْوٍ ظلمةٌ وأتى فكان النحْوُ ضوءَ صباحِ أوصى ذوي الإعراب أن يتذاكروا بحروفه في الصُحُفِ والألواحِ وإذا همو سَمِعوا النصيحة أنْجَحوا إن النَّصيحة غِبُّها لنجاحِ (4) كما ذكر له المترجمون بيتين من الشعر في الزهد، قال (5) : أصبحتَ تَقعُدُ بالهَوى وتقومُ وبه تَقْرِظُ معشراً وتذيمُ (6) تَعْنيكَ نفسُك فاشْتَغِل بصَلاحِها أنّى يُعيِّر بالسَّقامِ سقيمُ (7) وفاته   (1) انظر الأبيات في إنباه الرواة 2/227 (2) الكرى: النعاس، الرواح: الرجوع (3) بهرت: ظهرت بقوّة، قوى الأمداح: قوى الشعراء المادحين (4) غبها: قليلها (5) انظرها في بغية الملتمس 419 والإحاطة4/101وبغية الوعاة 2/142 (6) تذيم: تبيع (7) في الإحاطة 4/101 (إنني بغير السقام سقيم) وهذا خطأ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 462 أجمعَ المُتَرجِمون لأبي الحسن بن الباذِش على أنَّ وفاتَه كانت ليلةَ الاثنين الثالثة عشرة من المحرم سنة ثمان وعشرين وخمسمائة هجرية، وعمره أربعٌ وثمانون سنةً، قال ابن الأبار يصِفُ يومَ وفاتِه (1) : " وصَلَّى عليه ابنُه أبو جعفر عصرَ ذلك اليوم بالمسجد الجامع وشَهدَه جَمْعٌ عظيمٌ، وما وَصَلَ إلى قبره إلاّ مع الأصيل لازدحام الناس عليه حتى كَسَروا النعشَ،وانصرفوا من دفنه بين العشاءين، وجمع به الخاص والعام، قال ابنه: فلم أرَ يوماً أكثرَ باكياً منه " 0 وقال أبو الحسن علي بن عبد الرحمن السعدي في رثاء عالمنا أبي الحسن بن الباذِش (2) : أبا حَسَنٍ ظَعَنْتَ وكُلُّ حيّ سيَظعَنُ بالبعادِ أو الحِمامِ بعثت إلى خَليلِكَ من أساه بما بعث الهديل إلى الحَمامِ فإن عَجِلتْ ركابك فاستقلّت ... إماماً والفَضيلةُ للأمامِ فإنا سوف نلحق كيف سارت ... على تَعَبٍ هنالك أو جُمامِ الفصل الثاني: آراؤه واختياراته وتوجيهاته النحوية آراؤه واختياراته وتوجيهاته النحوية نَقَلَ لنا أبوحيَّانَ الأندلسي في تذكرتِه مقطوعاتٍ عدّة من كتبٍ نَحْويةٍ مُهمّةٍ لايكادُ يوجدُ من هذه الكتب إلا القليلُ، ومن ضمن هذه المقطوعاتِ جزءٌ ليسَ باليَسيرِ من شرح أبي الحسن بن الباذِش على كتاب الجمل للزجاجي (3) ،والذي رواه لنا أحدُ تلامِذَتِه وهو علي بن موسى بن حَمّاد،ويمكن من خلال هذا الجزء من الكتاب وما نَقَلَه النُّحَاة في كتبهم من آراء لابن الباذِش التعرف على ملامح نحوه، وسأحاول في هذا البحث تناول هذه الملامح عسى أن أوفي هذا العالم حقّه. أوّلاً:آراء واختيارات وتوجيهات نحوية متفرقة الفرق بين الإعراب وعلاماته   (1) المعجم لابن الأبار 287 (2) انظر المعجم لابن الأبار 291 (3) انظر تذكرة النُّحَاة 552 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 463 يَرى ابنُ الباذِش أنّ الإعرابَ وعلاماتِه تغييران لآخِرِ المعربِ بالعامِلِ (1) ، والفرقُ بينَهما كما يرى ابن الباذِش أنّ زوالَ الإعرابِ عن الكلمةِ بالوقفِ أو غيره لا يُغَيّرُ من بناءِ الكلمةِ ومَعْناها، أمّا زَوالُ العلامةِ فيَتَرَتّبُ عليه انتقالُ الكلمةِ من بناء إلى آخرَ وتغييرُ المَعْنى، ويمثّل ابن الباذِش على ذلك بالتثنيةِ والجَمْعِ والأسماء الستة، فالملاحظ أنّ بناءَ (رجل) يختلفُ عن بناءِ (رجلان) ، وكذلك (أخوك) و (أخ) و (زيدون) و (زيد) ، فكُلّ بناءٍ من هذه الأبنية يختلفُ عن الآخرِ، كما أنّ المَعْنى في البناءِ الأوّل يختلفُ عن المعنى في البناء الثاني، ويرى ابن الباذِش أنّ اختلافَ المَبْنى والمَعْنى مَرَدُّه إلى زَوالِ علامةِ الإعرابِ عن البناءِ الأوّل. تفسير معنى المضارعة يَذهبُ ابن الباذِش إلى أنّ صَلاحَ المُضارِعِ لِزَمَانِ الحالِ والاستقبالِ هو المَعْنى الذي ضارَعَ به اسمَ الفاعلِ، فالفِعْل المُضارعُ يَدلُّ على جزءٍ مما يدلُّ عليه اسمَ الفاعلِ الذي يصلحُ للأزمنة كلها، ويرى ابنُ الباذِش أنّ هذا هو رأيُ سِيْبَوَيْه (2) . ويَرى أنّ الفِعْل يُضارعُ اسمَ الفاعل وغيرَه من الأسماء، ويَستند في هذا إلى أنّ بعضَ حُروفِ المَعاني تدخلُ على المُضارع فتُخَصّصُه وتَرْفَعُ الصلاحَ عنه،كما تدخل هذه الحروف على الأسماء الصالحة لذلك، ومثال ذلك أنّك إذا قلت: (يقوم) فهو صالحٌ للحال والاستقبال، فإذا قلت: (سوف يقوم) فقد خصَّصْت الفِعْل للاستقبال فتَقْصرُ الفِعْل على شيءٍ محدّدٍ (3) .   (1) انظر تذكرة النُّحَاة 552 (2) انظر تذكرة النُّحَاة 552553 (3) انظر تذكرة النُّحَاة 552553 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 464 أمّا عبارةُ سِيْبَوَيْه فالمفهومُ الظاهرُ منها أنّ اجتماعَ الفِعْل والفاعلِ في المَعْنى هو السببُ في حُصولِ معنى المُضارعَةِ، يقول (1) : " وإنّما ضارعت أسماء الفاعلين أنّك تقول: (إنّ عبد الله ليفعل) فيوافق قولك: (لفاعل) حتّى كأنّك قلت: (إنّ زيداً لفاعل) فيما تريد من المعنى "، ويقول: " إلا أنّها ضارعت الفاعل لاجتماعهما في المعنى "،فالمقصودُ من هذا أنّ مُضارعةَ الفِعْل لاسم الفاعِل إنّما كانت لاتّفاقهما في المعنى حتّى إنّ كلَّ كلمةٍ منهما يمكن أن تسدَّ مسدّ الأخرى، ولم تكن المضارَعةُ لمُجَرَّد اتفاقهما في وقوعهما خبراً،أو في دخول اللام عليهما. حدّ الفِعْل الماضي والمستقبل عَرَّفَ الزَّجّاجيُّ الفِعْل الماضي بقوله (2) :" ما حَسُنَ فيه أمسُ " وعَرَّفَ المستقبلَ بقوله (3) :"ما حَسُن فيه غد "، ويَرى ابنُ الباذِش أنّ هذا الحدَّ غيرُ سديدٍ مستنداً إلى لفظِ سِيْبَوَيْه، فَحَدُّ الزَّجّاجي يوجبُ أن يكونَ قولُكَ: (قامَ زيدٌ غداً) و (يقومُ زيدٌ أمس) قبيحاً (4) ،والصحيحُ أنّه مُحالٌ كما هو رأيُ سِيْبَوَيْه، يقول سِيْبَوَيْه (5) :"وأمّا المُحالُ فأن تنقضَ أوَّلَ كلامِك بآخِرِه فتقول: (أتَيتُك غداً) و (سآتيك أمس) ". وهذا الاعتراضُ اعتراضٌ لفظيٌّ على استعمالِ الزَّجّاجي لكلمةِ (حَسُن) ، والصَّحيحُ أنّه يُفْتَرَضُ استعمالُ كلمةِ (استقام) ،فالمُحال ضدّه المُستقيم، والتحقيق في حدّ الفِعْل الماضي عند ابن الباذِش (6) : (ما استَقامَ فيه أمس) والمستقبل: (ما استَقامَ فيه غد) . ويرى ابنُ الباذِش أنّ الكلامَ قد يكون مُستقيماً حَسَناً كقولك: (قد قامَ زيدٌ) ،وقد يكون مستقيماً غيرَ حَسَن نحو: (قد زيدٌ قامَ) (7) . الفِعْل الدائم نقد للزجّاجي   (1) سِيْبَوَيْه 1/14 (2) الجمل 7 (3) الجمل 7 (4) انظر التذكرة 553 (5) سِيْبَوَيْه1/25 (6) التذكرة 553 (7) انظر التذكرة 553 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 465 ذكَرَ الزَّجّاجي في جُمَلِه أنّ فعلَ الحالِ يُسَمّى الدائمَ (1) ،ويَبْدو أنّه أخَذ هذه التسميةَ من الكوفيين، إلاّ أنّ الكوفيين يُطْلِقون (الدائم) على اسمِ الفاعلِ دون الفِعْل المُضارعِ لكونه يَصْلُحُ للأزمنَةِ الثلاثةِ، ويرى ابنُ الباذِش أنّ إطلاقَ الزجّاجي مُصْطلحَ (الدائم) على الفِعْل فاسِدٌ، قال (2) : "فأتى به أبو القاسم على أنّه الفِعْل البتةَ فأفسده ". انتصاب (غير) في الاستثناء شَبَّهَ ابنُ الباذِش انْتِصابَ (غَيْر) إذا كانَتْ بمَعْنى الاسْتِثْناءِ بانْتِصابِ الظَّرْفِ المُبْهَمِ،وناصِبُه هو الفِعْلُ، فكَما يَصِلُ الفِعْلُ إلى الظَّرْفِ المُبْهَمِ بنَفْسِه فكَذلِك (غَيْر) يَصِلُ إِلَيْها الفِعْلُ بنَفْسِه دونَ واسِطةٍ، وهو مُشَبَّهٌ بظَرْفِ المَكانِ في نَحْوِ قولك: (وَقَفوا أَمامَكَ) و (خَلفَكَ) ، فالظَّرْفُ هاهنا مُنْتَصِبٌ بالفِعْلِ دونَ واسِطَةٍ، ونُسِبَ هذا الرأيُ للسِّيرافِيِّ (3) . ورَأى ابنُ عُصْفور والمَغارِبَةُ أنَّ (غَيْرَ) تُنْصَبُ كَمَا يُنْصَبُ الاسْمُ بَعْدَ (إلاّ) في الاسْتِثناءِ، والمُشابَهَةُ بَيْنَهما أَنَّ (غَيْر) جاءَتْ فَضْلةً بَعْدَ تَمَامِ الكَلامِ كما أَنَّ المُسْتَثْنى فَضْلةٌ جاءَ بَعْدَ تَمامِ الكَلامِ (4) .   (1) انظر الجمل 7 (2) التذكرة 554 (3) انظر هذا الرأي في شرح الجمل لابن عصفور2/253،والتذييل والتكميل 3/لوحة 18، 45، وارتشاف الضرب 2/322، ومغني اللبيب1/159،والأشموني 2/157،والهمع 3/278،وشرح التصريح1/15. (4) انظر شرح الجمل لابن عصفور 2/253،ومغني اللبيب 1/159،والأشموني 2/157،والهمع 3/278. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 466 واخْتارَ ابنُ مالِك نَصْبَ (غَيْر) عَلى الحالِ (1) ، وأجَازَ أَصْحابُ هذا الرأيِ تأويلَ (غَيْر) بمُشْتَقٍّ، فقيلَ في قولك: (قَامَ القَوْمُ غَيْرَ زَيْدٍ) : قَامَ القومُ مُغَايِرينَ لِزَيدٍ، ولم يُنْكرْ هؤلاء مَعْنى الاسْتِثناءِ المَوْجُودِ فيها، فقالوا: هي مَنْصُوبةٌ عَلى الحالِ وفيها مَعْنى الاسْتثناءِ (2) ، ونُسِبَ هذا الرأيُ لسِيْبَوَيْه (3) ، وهو مَنْسُوبٌ عِندَ أكْثرِ النُّحَاةِ إلى الفَارِسِيِّ، قالوا: ذَكَرَه في التَّذْكِرةِ (4) ، ولم أجِدْ هذا الرأيَ في كُتُبِ الفَارِسِيِّ التي تَيَسَّرَ لي الاطلاعُ عليها. وأرى أنّ الرأيَ الذي ذَهَبَ إليه ابنُ مالِك لا يَقْبَلُه المَنْطِقُ اللُّغَوي، إذ كيف يمْكِنُ للاسمِ أنْ يَحْملَ دَلالتين في وَقتٍ واحِدٍ، ف (غَيْر) عِنْدَه مَنْصُوبةٌ على الحالِ وتَحْمِلُ معنى الاسْتثناء،كَما أَنَّ تأويلَهُم للجُمْلةِ لا يُساعدُ على فَهمِ المَعْنى،وأرى أَنَّ تَوجيهَ ابنِ الباذِشِ هو الصَّوابُ، وأمّا رأيُ ابنُ عُصْفور والمَغاربة فرَأي صحيح لو ذَهَب إلى رأيِ الجُمْهورِ في نصب المُسْتثنى، ولكنَّه يرى أنَّه مَنْصوبٌ عن تَمامِ الكلامِ،وكذلك (غَيْر) . إضافة (بينا) إلى الجملة   (1) انظر شرح التسهيل 2/312. (2) انظر حاشية الصبان 2/157، وشرح التصريح 1/361. (3) انظر شرح التصريح 1/361. (4) انظر ارتشاف الضرب 2/322،ومغني اللبيب 1/159، والهمع 3/278،وشرح التصريح 1/361. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 467 تابَعَ أبو الحَسَن بنُ الباذِش أبا عليٍّ الفَارِسِيِّ وابنَ جِنِّي في مَسْأَلَةِ إِضَافَةِ (بَيْنا) إلى الجُمْلَةِ، وهم يَرَونَ أَنَّ (بَيْنا) في حَقيقَتِها مُضافَةٌ إلى زَمَانٍ مُضَافٍ إلى الجُمْلَةِ، وأَضَافُوهَا إلى ظَرْفِ الزَّمَانِ دُونَ ظَرْفِ المَكَانِ لِغَلبَةِ إِضَافَةِ الأزْمِنَةِ إلى الجُمَلِ دونَ الأمْكِنَةِ،ويَكُونُ تَقْديرُ قَوْلِكَ: (بَيْنا زَيْدٌ قائِمٌ إذْ أَقْبَلَ عَمْروٌ) : بَيْنا أوقاتِ زَيْدٌ قائِمٌ أَقْبَلَ عَمْرو (1) . وهذا يُؤَكِّدُ أنَّ الزَّمَانَ الذي رَآهُ ابنُ جِنِّي وغَيْرُه مِنْ العُلَماءِ في (إذ) الفُجَائِيَّةِ هو في الحَقيقَةِ مَفْهُومٌ مِنْ (بَيْنا) ، فلا شكَّ أَنَّ (بَيْنَ) تَدُلُّ عَلى الزَّمَانِ والمَكَانِ، لكنّ (بَيْنا) و (بَيْنَما) تَدُلُّ عَلى الزَّمَانِ -غالبا- لِكَوْنِهِما تُضَافَان إلى الأزْمِنَةِ. تَعَلُّقُ لامِ المُسْتَغاثِ لَه اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في لامَيْ الاسْتِغَاثَةِ في نَحْوِ قولِ الشاعِرِ: تَكَنَّفَني الوُشَاةُ فَأزْعَجُونِي فَيَا لَلَّه لِلوَاشِي المُطَاعِ (2) ففي لامِ المُسْتَغَاثِ بِهِ أَقْوَالٌ،مِنْها أنَّها زَائِدَةٌ ولا تَتَعَلَّقُ بِشَيءٍ، ومِنْها أَنَّها تَتَعَلَّقُ بفِعْلِ النِّداءِ، ومِنْها أَنَّها تَتَعَلَّقُ بِحَرْفِ النِّداءِ (3) .   (1) انظر المسألة في ارتشاف الضرب 2 /236،والهمع 3/ 202. (2) البيت لقيس بن ذريح العامري في شرح الجمل لابن خروف 746، وانظر البيت في الكتاب 2/ 216، والجمل 166، وابن السِّيْرَافِيّ 1/531،وشرح الجمل لابن عصفور 2/112،وابن يعيش 1/131. (3) انظر الخلاف في شرح الرضي 1/352، والصفوة الصفية 2/218،وارتشاف الضرب 3/140. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 468 أَمَّا لامُ المُسْتَغَاثِ لَهُ ففي تَعَلُّقِها عِدَّةُ أَقْوَالٍ، فمِنْهُم مَنْ عَلَّقَها بفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، ومِنْهُم مَنْ عَلَّقَها باسْمٍ،وقد ذَهَبَ جُمْهورُ النُّحَاةِ إلى أَنَّ هذه اللامَ مُتَعَلِّقَةٌ بفِعْلٍ مَعْ اخْتِلافِهِم في هذا الفِعْلِ، فالفَارِسِيُّ يَرى أَنَّها مُتَعَلِّقَةٌ بفِعْلٍ فيه مَعْنى الدُّعاءِ، فعَنْ ابنِ جِنِّي أنَّه قالَ (1) : " سَأَلَ أبو عليٍّ فقالَ: اّللامُ الثانِيَةُ مِنْ قَوْلِه: … … … … … … … … … . فيَا لَلنَّاسِ لِلوَاشِي المُطَاعِ بأَيِّ شَيءٍ تَتَعَلَّقُ؟ فقلتُ: لا يَجوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بالَّلامِ الأولى؛ لأنَّ الأولى مُتَعَلِّقةٌ ب (يا) ، ولا ضَمِيرَ فيها، فيَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِها شَيءٌ،فقالَ: تَتَعَلَّقُ بمَعْنى الدُّعَاءِ؛ لأنَّ: (يَا لَزَيدٍ) في مَعْنى: يا زَيْدُ، أيْ:أدْعُو،فَكَأَنَّها مُتَعَلِّقَةٌ ب (أَدْعُو) الذي دَلَّ عَلَيْه (يَا لَلنَّاسِ) ". ومِنْ النُّحَاةِ مَنْ ذَكَرَ أنَّها تَتَعَلَّقُ بفِعْلِ النِّداءِ (2) ،ومِنْهم مَنْ قَدَّرَ (أَدْعُو) غَيرَ الفِعْلِ الأوَّلِ المَفْهُومِ مِنْ النِّداءِ فكَأَنَّه قالَ: أَدْعُوك لِزَيدٍ (3) ، ومِنْهُم مَنْ اشْتَقَّ فِعْلاً مِنْ الاسْتِغاثةِ،ورَأى أَنَّ الَّلامَ الثانِيَةَ تَتَعَلَّقُ بفِعْلٍ مَحْذوفٍ تَقْديرُه (اسْتَغَثتُ) (4) ،وذَهَبَ الرَّضيُّ إلى أَنَّها مُتَعَلِّقَةٌ بمَا تَعَلّقَتْ به الَّلامُ الأولى (5) ، واللامُ الأولى مُخْتَلَفٌ في تَعَلُّقِها، فالرّضيُّ لمْ يُحَدِّدْ مَا تَعَلَّقَتْ به الَّلامُ الأولى.   (1) الإيضاح العضدي 251 (هامش) . (2) انظر ارتشاف الضرب 3/ 140. (3) انظر ارتشاف الضرب 3/140، وشرح اللمحة البدرية 2/143. (4) انظر الصفوة الصفية2/218. (5) انظر شرح الرضي1/353. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 469 هذه آراءُ مُعْظمِ النُّحَاةِ في هذِه المَسْألَةِ، فأَكْثَرُهُم يَذْهَبُ إلى تَقْديرِ الفِعْلِ، ولمْ أَرَ أَحَداً مِنْ النُّحَاةِ يُقَدِّرُ اسْماً في هذا المَوْضِعِ سِوى أبي الحَسَنِ بنِ الباذِش الغَرْناطيّ، فقد تَفَرَّدَ في هذا الرَّأيِ، وذَهَبَ إلى أَنَّ لامَ المُسْتَغاثِ لَه مُتَعَلِّقةٌ باسْمٍ مَحْذوفٍ في مَوْضِعِ الحالِ، والتَّقْديرُ عِنْدَه: يا لَلّهِ مَدْعوّاً لِلواشي (1) . وأَرَى أَنَّ مَا ذَهَبَ إليه ابْنُ الباذِش الغَرْناطيُّ في تَقْديرِه لا يختَلِفُ كثيراً عَنْ الجُمْلَةِ الفِعْليَّةِ التي قَدَّرَها الجُمْهورُ، فلا فَرْقَ بَيْنَ التَّقْديرَينِ مِنْ جِهَةِ المَعْنى، لكنّ تَقْديرَ الجُمْهورِ يَجْعَلُك تَتَعامَلُ مَع جُمْلَتَين، وتَقْديرُ ابنِ الباذِش تَتَعامَلُ فيه مَع جُمْلةٍ واحِدَةٍ،ولِذلِكَ أَرى أَنَّ رَأيَ ابنِ الباذِش أَقْرَبُ إلى الذِّهْنِ مِنْ رَأيِ الجُمْهورِ. مَسألة في التنازع مِنْ شَرْطِ التَّنَازُعِ عِندَ ابنِ مَالِك ألاّ يَكُونَ المُتَنَازَعُ فيه سَبَبِيّاً مَرْفُوعَاً، فليسَ مِنْ التَّنازُعِ قَوْلُكَ: (زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ مُسْرِعٌ أَخُوه) ، قالَ (2) : " لأنّكَ لو قَصَدْتَ فيه التَّنازُعَ أَسْنَدْتَ أَحَدَ العَامِلَيْن إلى السَّبَبَيَّ،وهو الأخُ، وأَسْنَدْتَ الآخَرَ إلى ضَمِيرِه، فيَلزَمُ عدمُ ارْتِباطِه بالمُبْتدأ؛ لأنّه لمْ يَرْفَعْ ضَمِيرَه ولا مَا التَبَسَ بِضَمِيرِه"، وهذا حَاصِلٌ أَيْضاً في قَوْلِ كُثَيّر (3) : قَضَى كُلُّ ذِي دَيْنٍ فوَفَّى غَرِيْمَه وعَزَّةُ مَمْطُولٌ مُعَنَّىً غَرِيمُها   (1) انظر ارتشاف الضرب 3/140،والمغني 1/220. (2) شرح التسهيل 2/166. (3) البيت لكثير عزّة في ديوانه1/10،176،وشرح التسهيل 2/166، وشرح الكافية الشافية642،وأوضح المسالك 2/25،وشرح التصريح1/318،والدرر 2/146. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 470 وقد أَشَارَ ابنُ مَالك في شَرْحِ الكَافِيَةِ الشَّافِيَةِ إلى جَوازِ التَّنازُعِ عِندَ بَعْضِهِم (1) ،وهذا هو رَأيُ أبي الحَسَنِ بنِ الباذِش وابنِ طاهِر، واحْتَجَّ السُّيوطي لهذا الرَّأيِ بِقَوْلِه (2) : " تَعْليقُ المَنْعِ بِكَوْنِ المِعْمُولِ سَبَبِيّاً تَعْميمٌ فاسِدٌ؛لأنَّهم أَسْنَدوا المَنْعَ لِعَدَمِ الارْتِباطِ، وذلكَ ليسَ مَوْجُوداً في كُلِّ سَبَبِيّ على تقديرِ التَّنازُعِ فيهِ ". وأَرَى أَنَّ الإضْمَارَ في مِثلِ هذه التَّراكِيبِ لا يُؤَيِّدُه المَعْنى، وكَانَ بالإمْكَانِ الاسْتِغْناءُ عنه،وذلكَ مَوْجُودٌ في تَخْرِيجِ ابنِ مَالِك،فهو يَرَى أَنَّ (مَمْطُول) و (مُعَنَّى) خَبَران، و (غَرِيمُها) مُبْتَدأ، فالمَعْنى: وعَزَّةُ غَرِيْمُها مَمْطُولٌ مُعَنّىً (3) ، ولا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: وعَزَّةُ مَمْطُولٌ غَرِيمُها مُعَنّىً هو، والضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلى المُتَنازَعِ فيه كَمَا هو رَأي ابنِ الباذِش. الاستفهام والتسوية يَرَى ابنُ الباذِش أَنَّ الهَمْزَةَ في قَوْلِكَ: (عَلِمْتُ أَزَيْدٌ عِندَكَ أمْ عَمْروٌ) لَيْسَتْ للاسْتِفْهامِ، وكَذلكَ أَدَاةُ الاسْتِفْهامِ في قَوْلِه تَعالَى: (لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ( {الكهف 12} ،وأَخَذَ بِهذا الرَّأيِ مُنْطَلِقاً مِنْ المَعْنى، فوُجُودُ مَعْنى الاسْتِفْهامِ في مِثلِ هذا المَوْضِعِ يُؤَدِّي إلى تَنَاقُضٍ، فقد تَقَدَّمَ العِلمُ عَلى طَلَبِ الفَهْمِ، فيَسْتَحِيلُ أنْ يَسْتَفْهِمَ المُتَكَلِّمِ عَمَّا أَخْبَرَ أنَّه يَعْلَمُه.   (1) انظر شرح الكافية الشافية 642. (2) الأشباه والنظائر 7/257. (3) انظر شرح التسهيل 2/166. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 471 وهو يَرَى أَنَّ المَعْنى الذي أَفَادَتْهُ الهَمْزَةُ في هذا التَّرْكِيبِ هو التَّسْوِيَةُ عِنْدَ المُخَاطَبِ؛ لأنّكَ لمْ تُبَيَّنْ لَهُ مَنْ المَقْصُودُ، وأَبْهَمْتَ عَلى المُخَاطِبِ،فنَقَلْتَ مَعْنى التَّسْوِيَةِ مِنْ نَفْسِكَ إلى المُخَاطَبِ، وهو يَرَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ أَخَصُّ مِنْ الاسْتِفْهامِ، فالاسْتِفْهامُ لا يَخْلو مِنْ التَّسْوِيَةِ، والتَّسْوِيَةُ تَخْلو مِنْ الاسْتِفهامِ. وقد نَقَلَ أبو حيَّانَ في تَذْكِرَتِه نَصّاً لابنِ الباذِش في هذا المَعْنى، وهو (1) : " قال: (عَلِمْتُ أَزَيْدٌ عِنْدَكَ أمْ عَمْروٌ) و (لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ( {الكهف 12} ليسَ حَرْفُ الاسْتِفْهامِ هُنا لِمَعْنى الاسْتِفْهامِ؛ لأنَّه يَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْتَفْهِمَ عَمَّا أَخْبرَ أَنَّه يَعْلَمُه، وإِنَّمَا مَعْناهُ التَّسْوِيَةُ عِنْدَ المُخَاطَبِ؛ لأنّكَ لمْ تُبَيِّنْ لَهُ مَنْ ثمَّ، وأَبْهَمْتَ عَلَيْه، فنَقَلتَ ب (عَلِمْت) مَعْنى التَّسْوِيَةِ مِنْ نَفْسِك إلى المُخَاطبِ؛ لأنّك حِينَ قُلْتَ: (أَزَيْدٌ عِنْدَكَ أمْ عَمْروٌ) فهُما مُسْتَوِيَانِ عِنْدَك، وإنَّمَا تَطْلُبُ بالاسْتِفْهامِ العِلمَ بأَحَدِهِما، فالتَّسْوِيَةُ أَمْلَكُ مِنْ الاسْتِفْهامِ وأَخَصُّ؛ لأنّ الاسْتِفْهامَ لا يَخْلو مِنْ التَّسْوِيَةِ، والتَّسْوِيَةُ تَخْلو مِنْ الاسْتِفهامِ، ويُبَيِّنُ أَنَّ المُرَادَ بِه التَّسْوِيَةُ المُجَرَّدَةُ قولُه تَعَالَى: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لمْ تُنْذِرْهُمْ ( {البقرة 6} و (سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُون ( {الأعراف193} انتهى كلامه ".   (1) تذكرة النُّحَاة 722. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 472 ومَا أَرَاهُ أَنَّ جَمِيعَ الشَّواهِدِ القُرآنيَّةِ التي سَاقَها لا يُفْهَمُ مِنْها إلا الخَبَرَ، وهذا الخَبَرُ هو معنى التسوية الذي يتكلّم عنه ابن الباذِش، فلا أُخَالِفُه في هذا، وأَخْتَلِفُ مَعَه في نَقْلِ مَعْنى الاسْتِفْهامِ إلى مَعْنى التَّسْوِيَةِ،فالذي أَراهَ أَنَّ الأصْلَ في الهَمْزَةِ الاسْتِفْهامُ،وخُرُوجُها إلى مَعْنى التَّسْوِيَةِ أَمْرٌ طارِىءٌ سَبَّبَه وُجُودُ النَّقيضِ، وهو (عَلِمْت) و (سَوَاء) وغَيْرُهما مِنْ الألْفاظِ التي تُناقِضُ مَعْنى الاسْتِفْهامِ،فلمْ نَكُنْ لِنَفْهَمَ مَعْنى التَّسْوِيَةِ دونَ وُجُودِ (عَلِمْت) ، فقولك: (أَزَيْدٌ عِندَكَ أمْ عَمْروٌ) ليست التَّسْوِيَةُ واضِحَةً فيه، فالمَعْنى هو الاسْتِفْهامُ،وهو مَا أَفَادَتْه الهَمْزَةُ و (أم) عِندَ مَنْ عَدَّها مِنْ حُرُوفِ الاسْتِفهامِ. (سَمِعَ) يتعدّى إلى مفعول واحد ذَهَبَ الفَارِسِيُّ في الإيضَاحِ إلى أنَّ (سَمِعَ) مِنْ الأفْعَالِ التي تَتَعدَّى إلى مَفْعُولَيْن، قالَ (1) : " إلاّ أَنَّ (سَمِعْتَ) يَتَعَدَّى إلى مَفْعُولَيْن، ولا بُدَّ مِنْ أنْ يَكُونَ الثاني مِمّا يُسْمَعُ كَقَوْلِكَ: سَمِعْتُ زَيداً يَقُولُ ذاك "، ونَسَبَ ابنُ مَالِك هذا الرَّأيَ للأخْفَشِ والفَارِسِيِّ، وأَخَذَ بِه (2) ، كَمَا أَخَذَ بِه العُكْبُري (3) وابنُ القَوَّاسِ (4) وابنُ الضَّائِعِ (5) ،واحْتَجُّوا بأنَّ هذا الفِعْلَ يَتَوَقَّفُ فَهْمُه عَلى سَمَاعِ سَامِعٍ، فقد دَخَلَ الفِعْلُ عَلى مَا لا يُسْمَعُ،فاحْتَاجَ عِنْدَها إلى مَعْنى المَسْمُوعِ (6) .   (1) الإيضاح العضدي 197. (2) انظر شرح التسهيل 2/84. (3) انظر اللباب 1/268. (4) انظر شرح ألفية ابن معط 1/489. (5) انظر النكت الحسان 90. (6) انظر شرح الجمل لابن عصفور 1/302،وشرح التسهيل 2/84،وشرح ألفية ابن معط 1/489. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 473 أَمَّا ابنُ الباذِش الغَرْناطي فهو يَرَى أَنَّ هذا الفِعْلَ مِنْ الأفْعَالِ التي تَتَعَدَّى إلى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ (1) ،واحْتَجَّ لِهذا الرَّأيِ بالقِياسِ عَلى سَائِرِ أَخَواتِها مِنْ أَفْعَالِ الحَوَاسِ، فهي جَمِيعاً تَتَعَدَّى إلى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ (2) ، واحْتَجَّ أَيْضاً بأَنَّه لَوْ كَانَ مِمّا يَنْصِبُ الاثنَيْن لَسُمِعَ الثاني غَيْرَ جُمْلَةٍ نَكِرِةً ومَعْرِفَةً، فكَوْنُهُم لمْ يُسْمَعْ عَنْهم ذلك دَلَّ عَلى أَنَّ الفِعْلَ المَسْمُوعَ في مَوْضِعِ الحَالِ، فالجُمْلَةُ في نَحْوِ قَوْلِكَ: (سَمِعْتُ زَيْداً يَتَكَلَّمُ) لَيْسَتْ مَفْعُولاً بِه، وإِنَّما في مَوْضِعِ الحَالِ (3) ، والمَسْمُوعُ في الحَقِيقَةِ هو الصَّوْتُ،وهو عَلى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُه:سَمِعْتُ صَوْتَ زَيْدٍ في حَالِ كَلامِه، فصَوْتُ زَيْدٍ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَلاماً أو غَيْره، واحْتَجُّوا لِهذا بِقَولِه تَعَالى: (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ( {الشعراء72} فالمَعْنى: هَلْ يَسْمَعُونَ دُعَاءَكُم،عَلى حَذْفِ الدُّعَاءِ بدَليل (إذْ تَدْعُونَ) عَليه (4) ، وقَالوا في قَولِ الشاعِرِ: سَمِعْتُ النَّاسُ يَنْتَجِعُونَ غَيْثاً فَقُلْتُ لِصَيْدَحَ انْتَجِعِي بِلالا (5)   (1) انظر رأيه في النكت الحسان 90. (2) انظر شرح الجمل 1/303،والنكت الحسان 90. (3) انظر النكت الحسان 90. (4) انظر شرح الجمل 1/303،والنكت الحسان 90. (5) البيت لذي الرمة في ديوانه 442،وانظر المقتضب 4/10، والجمل329، وشرح الجمل لابن عصفور1/303،وشرح التسهيل لابن مالك2/84،والملخص 264، وشرح الرضي 4/174، والإفصاح330، وترشيح العلل353. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 474 المَعْنى: سَمِعْتُ هذا الكَلامَ الذي هو: (النَّاسُ يَنْتَجِعُونَ غَيْثاً) ، وهذا عَلى الحِكَايَةِ (1) ،وهناكَ أدِلَّةٌ كَثيرةٌ تَدُلُّ عَلى هذا الرَّأيِ (2) . وقد أَشَارَ إلى هذا الرَّأيِ الجُرْجَانيُّ (3) ،ونُسِبَ إلى الرُّمَّانيِّ (4) وابنِ السّيدِ (5) ،وأَخَذَ به ابنُ عُصْفور (6) ، وأَرَى أَنَّ أَدِلَّةَ ابنِ الباذِش تُقوّي رَأيَ مَنْ أَخَذَ بهذا المذهبِ،فهي أَدِلَّةٌ يَقْبَلُها المَعْنى،ويُسَانِدُها العَقْلُ،فالسَّمعُ حَاسَّةٌ، وهذا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ المَسْمُوعُ صَوْتاً لا جِسْماً فقولكَ: سَمِعْتُ زَيْداً،تُريدُ بِه: صوتَ زَيدٍ. حذف مفاعيل (أعلم) اقتصاراً تَحَدَّثَ النُّحَاةُ عَنْ نَوْعَيْن مِنْ الحَذْفِ هُما الاقْتِصارُ والاخْتِصارُ، والفَرْقُ بَيْنَهُما عِنْدَهُم أَنَّ حَذْفَ الاخْتِصَارِ يَكُونُ بِدَليلٍ،والاقْتِصارُ حَذْفٌ مِنْ غَيْرِ دَليلٍ، وفي حَذْفِ مَفَاعِيلِ (أَعْلَمَ) اقْتِصَاراً خِلافٌ بَيْنَ النُّحَاةِ (7) ،وفيه رَأيان:   (1) انظر شرح الجمل لابن عصفور 1/303. (2) انظرها في شرح الجمل لابن عصفور 1/303،والنكت الحسان 90. (3) انظر المقتصد 598. (4) انظر شرح ألفية ابن معط 1/489. (5) انظر النكت الحسان 90. (6) انظر شرح الجمل 1/303. (7) انظر هذه المسألة في شرح الجمل لابن عصفور 1/313، وشرح المقدمة المحسبة 364،والبسيط 450، وشرح المقدمة الجزولية 706،وابن يعيش 7/68،وشرح ألفية ابن معط520، وارتشاف الضرب 3/84، والهمع 2/250،وشرح التصريح 1/265. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 475 الأوَّلُ: مَنْعُ الحَذْفِ، وهو الرَّأيُ الذي أَخَذَ بِهِ أبو الحَسَن بنِ الباذِش (1) ، وقد تابَعَ فيه سِيْبَوَيْه، قالَ في الكِتابِ (2) : " ولا يَجُوزُ أَنْ تَقْتَصِرَ عَلى مَفْعُولٍ مِنْهُم واحِدٍ دونَ الثلاثةِ "، وأَخَذَ كَثيرٌ مِنْ النُّحَاةِ بِهذا الرَّأيِ، مِنْهُم المُبَرَّدُ (3) ،وابنُ بابْشاذَ (4) ،وابنُ عُصْفور (5) ، وابنُ طاهِرٍ (6) ، والسُّهيلي (7) ،قالَ في نَتَائِجِ الفِكْرِ (8) : " لأنّك لا تُريدُ بِقَوْلِكَ: (أَعْلَمْتُ زَيْداً) أيْ: جَعَلْتَهُ عَالِماً عَلى الإطلاقِ، هذا مُحَالٌ، إِنَّما تُريدُ: أَعْلَمْتُهُ بِهذا الحَدِيثِ، فلا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الحَدِيثِ الذي أَعْلَمْتَهُ به ".   (1) انظر ارتشاف الضرب 3/85،والهمع 2/250،وشرح التصريح 1/265. (2) الكتاب1/41. (3) انظر المقتضب 3/ 122. (4) انظر شرح المقدمة المحسبة364. (5) انظر شرح الجمل1/.313 (6) انظر الهمع 2/250،وشرح التصريح 1/265. (7) انظر نتائج الفكر350. (8) نتائج الفكر 350. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 476 الثاني: جَوَازُ الحَذْفِ، وفيهِ آراءٌ كَثِيرَةٌ، فَأَكْثَرُ النُّحَاةِ أَجَازَ حَذَفَ المَفْعُولِ الأوَّلِ بِشَرْطِ ذِكْرِ المَفْعُولَيْن الآخِرَين، أو حَذْفَ المَفْعُولَيْن الآخِرَين بِشَرْطِ ذِكْرِ الأوَّلِ (1) ، فيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: (أَعْلَمْتُ زَيْداً) ،ولا تَذْكُرُ مَا أَعْلَمْتَه بِه، وتَقُولُ: (أَعْلَمْتُ عَمْراً قائِماً) ،ولا تَذْكُرُ المَفْعُولَ الأوَّلَ. ومِنْهُم مَنْ ذَهَبَ إلى جَوازِ حَذْفِ المَفْعُولَيْن الآخِرَين فَقَط فتقولُ: (أَعْلَمْتُ زَيْداً) ،ولا تَذْكُرُ مَا أَعْلَمْتَه بِه (2) . وارْتَضَى الشلوبين عَكْسَ هذا المَذْهَبِ، فقد أَجَازَ حَذْفَ المَفْعُولِ الأوَّلِ فَقَط، ومَنَعَ حَذْفِ المَفْعُولَيْن الآخِرَين،فيَجُوزُ أَنْ تَقولَ: (أَعْلَمْتُ عَمْراً قائِماً) ،ولا تَذْكُرُ مَنْ أَعْلَمْتَه بهذا الخَبَرِ (3) . وذَهَبَ ابنُ مالِك في التَّسْهيلِ إلى جَوازِ حَذْفِ المَفَاعِيلِ الثلاثةِ اقْتِصاراً واخْتِصاراً (4) .   (1) انظر هذا الرأي في البسيط 450، وارتشاف الضرب 3/84. (2) انظر هذا الرأي في ارتشاف الضرب 3/84،وشرح ألفية ابن معط 520،والهمع 2/250. (3) انظر شرح المقدّمة الجزولية706. (4) انظر التسهيل74. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 477 هذه آراءُ النُّحَاةِ في هذه المَسْأَلَةِ، والمُلاحَظُ فيها وُجُودُ التَّناقُضِ في الآراءِ الكَثيرَةِ التي أَجازت الحذَْفَ، فهناك سبعة آراء، وكلُّ رَأيٍ مِنْها يتَعارض مع الآخر،والذي أَراهُ أَنَّ العَرَبِيَّ لا يَرْتَضِي أَنْ يَكونَ كَلامُه مُبْهَماً، فإِذا حَذَفَ كانَ هُناكَ مَا يَدُلُّ عَلى الحَذْفِ لَفْظاً أو مَعْنىً،حَيْثُ يُدْرِكُ أَنَّ السَّامِعَ قد أَدْرَكَ مَا يَرْمِي إليه المُتَكَلَّمُ، أَمَّا أَنْ يَحْذِفَ دونَ تَرْكِ دَليلٍ عَلى المَحْذُوفِ فهذا ليسَ مِنْ سَمْت لُغَةِ العَرَبِيِّ، فالذي يَظْهَرُ لي هو مَنْعُ الحَذْفِ، وهذا مَا اخْتَارَه ابنُ الباذِش إفراد كافِ الخِطابِ تَلْحَقُ بِأَسْمَاءِ الإشَارَةِ في العَرَبِيِّةِ كافُ الخِطَابِ، وهو حَرْفٌ يُبَيِّنُ أَحْوالَ المُخَاطَبِ مِنْ إِفْرَادٍ وتَثْنِيَةٍ وجَمْعِ وتَذْكِيرٍ وتَأْنِيثٍ، فتَقولُ: (ذلكَ) (ذلكُمَا) (ذلكُمْ) (ذلكُنَّ) … الخ،وقد جَاءَ في العَرَبِيَّةِ خِطَابُ الجَمْعِ بِكَافِ الخِطَابِ للمُفْرَدِ،ومِنْ ذلكَ قولُه تَعَالى: (ذلِكَ يُوعَظُ بِه ( {البقرة 232} وفي آيةٍ أُخْرَى: (ذلِكُمْ يُوْعَظُ بِهِ ( {الطلاق 2} والخِطَابُ في الآيَتَيْن للجَمَاعَةِ. وذَكَرَ أبو الحَسَنِ بنُ الباذِش تَأْويلَيْن لإفْرادِ كافِ الخِطابِ عِندَ خِطابِ الجَمَاعَةِ (1) ، أَحَدَهُما أَنْ يَكُونَ الخِطابُ خَاصّاً بِوَاحِدٍ مِنْ الجَمَاعَةِ لجَلالَتِه، والمُرادُ الجَمِيعُ، والثاني تَقْديرُ اسْمٍ مِنْ الأسْمَاءِ (أَسْمَاءِ الجُمُوعِ) التي تَقَعُ عَلى الجَمَاعَةِ،والخِطَابُ فيه للكُلِّ، ويُقَدِّرُه ابنُ الباذِش بقَوْلِه: ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ يا فَريقُ ويا جَمْعُ.   (1) انظر الهمع 1/264. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 478 وقد أَشَارَ العُلمَاءُ إلى أَنَّ المُخَاطَبَ في الآيَةِ الأولى إِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولَ- صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أو كُلَّ سَامِعٍ، فَأُفْرِدَت الكَافُ، وإِمَّا أَنْ يَكُونَ الخِطَابُ للجَمَاعَةِ، وهذا هو الظَّاهِرُ عِنْدَهُم؛ لأنَّ الخِطَابَ في الآيَةِ كُلِّها للجَمَاعَةِ (1) ، ولذلِكَ احْتَاجَ الأمْرُ عِنْدَهُم إلى تَأويلٍ.   (1) انظر التبيان في إعراب القرآن 1/184،والدر المصون 2/461. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 479 ومَا أَرَاهُ أنَّ اسْمَ الإشَارَةِ تَتَّصِلُ بِهِ كَافُ الخِطَابِ لِتُبَيِّنَ حَالَ المُشارِ إِلَيْهِ لا لِتُبَيِّنَ حالَ المُخَاطَبِ فَقَط، فأَنْتَ تَقُوْلُ: (ذلكَ رَجُلٌ) والمُخَاطَبُ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّساءِ،وتَقُولُ: (ذلكَ أَمُرٌ عَظيمٌ) والمُخَاطَبُ جَمَاعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ، فَلَوْ كَانَتْ الكَافُ تُبَيِّنُ أَحْوالَ المُخَاطَبِ فقط لَقُلتَ في الأولى: (ذلكُنَّ رَجُلٌ) ، وفي الثانِيَةِ: (ذلكُمْ أَمْرٌ عَظيمٌ) ،وكُلُّ هذا جَائِزٌ،ولكنَّكَ تَقولُهُ لدَلالَةٍ مُعَيَّنَةٍ في لُغَةِ العَرَبِ، ولا أَرَى أَمْرَ هاتَيْن الآيَتَيْن يَخْتَلِفُ عَنْ قَوْلِه تَعَالى: (ذلِكَ ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِر اللهِ ( {الحج 32} ، وقوله تعالى: (هذا فَلْيَذُوْقُوْهُ حَمِيْمٌ وغَسَّاق ( {ص 57} ، فلا يُوجَدُ مُشَارٌ إليه ظَاهِرٌ في هاتَيْن الآيَتَيْن؛ ولِذلكَ ذَهَبَ النُّحَاةُ هُنا إلى التَّأْوِيلِ بِأَنْ قالوا: خَبَرٌ لمُبْتَدأ مَحْذُوفٍ،أو مُبْتَدأ وخَبَرُه مَحْذوفٌ، وقَدَّرُوا المَحْذُوفَ ب (الأمر) ،فالأغْلَبُ عِنْدي أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ في الآيَتَيْن -مَوْضِعِ الخِلافِ-:ذلكَ الأمْرُ يُوعَظُ بِه، وذلكُمْ الأمْرُ يُوعَظُ بِه،فكَافُ الخِطَابِ لا تَتَعَلقُ بحالِ المُخَاطَبِ، وإِنَّما ببَيانِ حَالِ المُشَارِ إليه، أَمَّا السَّبَبُ في الإفْرَادِ في الأولى والجَمْعِ في الثانِيَةِ فهو يَعُودُ إلى قِيمَةٍ بَلاغِيَّةٍ، فإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِتَعْظِيمِ المُشارِ إِليهِ في مَوْضِع دونَ الآخَرِ، وهو مَا أَشَارَ إليه ابنُ الباذِشِ في تأويلِهِ الأوّل،وأَرَاه صَواباً، وإِمَّا أَنْ يَكُونَ وُجُودُ اسْمِ الإشَارَةِ في هذِه الآياتِ للرَّبْطِ،والمَقصُودُ بِهِ رَبْطُ الَّلاحِقِ بالسَّابِقِ في ذِهْنِ السَّامِعِ،ولا أَرَى حَاجَةً إلى التَّأويلِ في هذا المَوْضِعِ؛ لأنَّ المَعْنى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 480 مُسْتَغْنٍ عَنْ أيِّ لَفْظٍ جَدِيدٍ. بدل الاشتمال تابَعَ أبو الحَسَنِ بنُ الباذِش المُبَرِّدَ في مَعْنى بَدَلِ الاشْتِمَالِ (1) ، فالمُبرِّدُ يَرى أَنَّ المَقْصُودَ في بَدَلِ الاشتِمَالِ هو الثانِي،والاشتِمَالُ عِنْدَه إسْنَادُ الخَبَرِ إلى الأوَّل عَلى إِرَادَةِ غَيْرِه مِمَّا يَتَعَلّقُ بِه، قالَ في المُقْتَضَبِ (2) : " والضَّرْبُ الثالثُ أَنْ يَكُونَ المَعْنى مُحِيطاً بِغَيْرِ الأوَّلِ الذي سَبَقَ له الذِّكْرُ لالتِبَاسِه بِمَا بَعْدَه، فَتُبْدِلُ مِنْه الثانِي المَقْصُودُ في الحَقِيقَةِ ". وفي هذا الرَّأْيِ لا يَشْتَمِلُ البَدَلُ عَلى المُبْدَلِ مِنْه أو العكس، وإِنَّما الاشتِمَالُ للخَبَرِ المُسْنَدِ إلى الأوَّلِ، فإذا قُلْتَ: (سُلِبَ زَيْدٌ ثوبُهُ) أو (أَعْجَبَني زَيْدٌ عِلْمُه) فالمَسْلُوبُ هو الثوبُ لا زَيْدٌ، والمُعْجِبُ هو العِلْمُ لا زَيْدٌ، وبِناءً عَلى هذا يَكُونُ إِسْنَادُ المَعْنى إلى الأوِّلِ مَجَازاً وإلى الثانِي حَقيقَةً (3) . وأَخَذَ بِهذا الرَّأيِ السِّيْرَافِيُّ والرُّمَّانِيُّ وابنُ مَلْكون وغَيْرُهُم مِنْ النُّحَاةِ (4) ، ورَدَّه ابنُ مَالِك (5) ،وابنُ أبي الرَّبيعِ، قالَ في البَسيطِ (6) : " ويَنْكَسِرُ هذا عَلَيْهِم ببَدَلِ البَعْضِ مِنْ الكُلِّ؛ لأنَّ بَدَلَ البَعْضِ مِنْ الكُلِّ عُلَّقَ فيه الفِعْلُ وهو في المَعْنى طالِب بالثانِي ".   (1) انظر رأي ابن الباذش في ارتشاف الضرب 2/624. (2) المقتضب 4/297. (3) انظر تفصيل هذا الرأي في شرح التسهيل 3/338، وشرح المقدمة الجزولية690،والبسيط391،وارتشاف الضرب 2/624، وشرح ألفية ابن معط809،والهمع 5/214. (4) انظر ارتشاف الضرب 2/624،والهمع 5 /214. (5) انظر شرح التسهيل3/338. (6) البسيط 391. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 481 وفي هذه المَسْأَلَةِ آراءٌ أُخْرى، مِنْها أَنَّ المُبْدَلَ مِنْه مُشْتَمِلٌ عَلى البَدَلِ، والمَقْصُودُ بهذا الرَّأيِ أَنَّه يَجُوزُ لك الاكْتِفاءُ بالأوَّلِ لكَوْنِه مُتَضَمِّناً للثانِي، فيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: (سُرِقَ عَبْدُاللهِ) وأنتَ تُريدُ: (سُرِقَ عَبْدُاللهِ ثَوْبُه) (1) . ومِنْ هذه الآراءِ أَنَّ البَدَلَ مُشْتَمِلٌ عَلى المُبْدَلِ مِنْه،فالثوبُ في قَوْلِكَ: (سُرِقَ عَبْدُاللهِ ثوبُهُ) مُشْتَمِلٌ عَلى عَبْدِاللهِ (2) . وذَهَبَ الجُرجانِيُّ إلى أَنَّه لا خُصُوصِيّةَ لاشْتِمالِ أَحَدِهِما عَلى الآخَرِ (3) . وذَهَبَ الزَّجَّاجُ إلى تَسْمِيَةِ هذا النَّوْعِ مِنْ البَدَلِ بِبَدَلِ المَصْدَرِ (4) .   (1) انظر هذا الرأي في شرح الجمل 1/282،وشرح التسهيل 3/338،واللباب 1/431، والبسيط 392،وارتشاف الضرب 2/624،والهمع 5/213،وشرح التصريح 2/157. (2) انظر هذا الرأي في شرح الجمل لابن عصفور 1/281،والبسيط 392، وارتشاف الضرب 2/624. (3) انظر المقتصد935. (4) انظر شرح الجمل لابن عصفور 1/281،ونتائج الفكر 307. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 482 وأَرى أَنَّ هذا الخِلافَ ليسَ بِذي فَائِدَةٍ كَبيرَةٍ، فالنُّحَاةُ لمْ يَخْتَلفوا في إعْرابِ البَدَلِ، وإنّما الخِلافُ في تَحْديدِ المَقْصُود ببَدَلِ الاشْتِمَالِ،فهو خِلافٌ في حَدِّ المصْطَلَحِ،وأرَى أنَّ هذا التَّحْديدِ يَدْخُلُ في الجَانِبِ الفَلْسَفِيِّ للنَّحْو، وأَرَى أنّهُ يُمْكِنُ القَوْلُ: كُلُّ مُبْدَلٍ يَشْتَمِلُ عَلى البَدَلِ ولكنْ ليسَ كُلُّ بَدَلٍ يَشْتَمِلُ عَلى المُبْدَلِ مِنه، ومِثالُ ذلكَ أنَّكَ إذا قلتَ: (أَعْجَبَتْني الزَّهْرَةُ رَائِحَتُها) تَسْتَطِيعُ القَوْلَ إِنَّ الزَّهْرَةَ تَشْتَمِلُ عَلى الرَّائِحَةِ،ولكنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقولَ إنَّ الرَّائِحَةَ تَشْتَمِلُ عَلى الزَّهْرَةِ،فبينَهُما مَا يُشْبِه العُمُومَ والخُصُوصَ، فالعامُّ يَشْمَلُ الخاصَّ ولكِنَّ الخَاصَّ لا يَشْمَلُ جَميعَ العامِّ،كَمَا أَنَّك إذا قلت: (سُرِقَ زَيْدٌ ثوبُه) جَازَ لكَ أنْ تَقولَ إنَّ البَدَلَ يَشْتَمِلُ على المُبْدَلِ مِنْه، وجازَ العَكْسُ، وهذا الذي أَرَاهُ هو الذي دَفَعَ النُّحَاةُ إلى القوْلِ بأكثر من رأي. إعراب المخصوص بالمدح نُسِبَ لسِيْبَوَيْه في إِعْرابِ المَخْصُوصِ بالمَدْحِ قَوْلان: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 483 الأوَّلُ: أَنْ يَكُونَ خَبَراً لمُبْتَدأ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُه (هو) (1) ،وتَقْدِيرُ الجُمْلَةِ: نِعْمَ الرَّجُلُ هو زَيْدٌ، والمُبْتَدَأ هاهُنا مَحْذُوفٌ وُجُوباً، وقد أَخَذَ بِهذا الرَّأْيِ جُمْهُورُ النُّحَاةِ، مِنْهُم الجَرْمِي (2) والمُبَرِّدُ (3) وابنُ السَّراجِ (4) والسِّيْرَافِيُّ (5) والفَارِسِيُّ (6) وابنُ جِنِّي، قالَ في اللُّمَعِ (7) :" و (زَيْدٌ) مَرْفُوعٌ، لأنَّه خَبَرُ مُبْتَدَأ مَحْذُوفٍ، كَأنَّ قائِلاً قالَ: مَنْ هذا المَمْدُوحُ؟ فقُلْتَ: (زَيْدٌ) ، أيْ: هو زَيْدٌ ". الثانِي: المَخْصُوصُ مَرْفُوعٌ بالابْتِداءِ، والجُمْلَةُ الفِعْليَّةُ خَبَرٌ عَنْه (8) ، وهذا هو الرَّأيُ الذي اخْتَارَه أبو الحَسَن بنِ الباذِش (9) وغَيْرُه مِنْ النُّحَاةِ (10) . ويَرَى ابنُ الباذِش أَنَّ الرَّأيَ الأوَّلَ هو رَأْيُ مَنْ يُسيءُ فَهْمَ عِبَارَةِ سِيْبَوَيْه (11) ، ونَقَلَ الأشْمُونِي عَنْ ابنِ الباذِش قَوْلَه (12) : " لا يُجِيزُ سِيْبَوَيْه أَنْ يَكُونَ المُخْتَصُّ بالمَدْحِ والذَّمِّ إلاّ مُبْتَدأ ".   (1) انظر ارتشاف الضرب3/25. (2) انظر ارتشاف الضرب 3/25، وشرح التصريح 2/97. (3) انظر المقتضب 2/142. (4) انظر الأصول 1/112. (5) انظر ارتشاف الضرب 3/ 25،والأشموني 3/37. (6) انظر الإيضاح العضدي 87. (7) اللمع 140. (8) انظر شرح جمل الزجاجي لابن خروف 594،وشرح التصريح 2/97. (9) انظر مغني اللبيب 602، والنكت الحسان 134،والأشموني 3/ 37، وشرح التصريح 2/97. (10) انظر التبصرة والتذكرة 1/275،وشرح جمل الزجاجي لابن خروف 594،وشرح الرضي 2/318. (11) انظر النكت الحسان 134. (12) انظر الأشموني 3/37. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 484 ويَرى ابنُ خَروف أَنَّ في عِبَارَةِ سِيْبَوَيْه غُمُوضاً (1) ، وهذا هو الحَاصِلُ، فعِبَارَةُ سِيْبَوَيْه تَحْتَمِلُ الرَّأْيَيْن، قالَ في كِتابِه (2) : " وإِذا قالَ: (عَبْدُ اللهِ نِعْمَ الرَّجُلُ) فهو بمَنْزِلَةِ: (عَبْدُ اللهِ ذَهَبَ أَخُوه) ،كَأَنَّه قَالَ: (نِعْمَ الرَّجُلُ) فقِيْلَ لَه: مَنْ هو؟ فقالَ: (عَبْدُ اللهِ) ، وإذا قالَ: (عَبْدُ اللهِ) فكَأَنَّه قيلَ له: مَا شَأْنُه؟ فقالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ ". فإِذا أَرَدْتَ المَعْنى العامَّ لِنَصِّ سِيْبَوَيْه فرَأْيُه مَا ذَهَبَ إليه ابنُ الباذِش، وإِذا أَرَدْتَ أَنْ تُفَسِّرَ كَلامَ سِيْبَوَيْه مَقْطَعِيّاً، فالمَقْطَعُ الثانِي مِنْ كَلامِه يَدُلُّ عَلى ما ذَهَبَ إليه الجُمْهورُ، وهو قَوْلُه: " كَأَنَّه قالَ: (نِعْمَ الرَّجُلُ) ،فقِيلَ له: مَنْ هو؟ فقالَ: عَبْدُ اللهِ "، فالمَعْنى عَلى أَنَّ التَّقْديرَ: هو عَبْدُ اللهِ. ونَقَلَ لَنا أبو حَيَّانَ اسْتِدلالَ ابنِ الباذِش عَلى مَذْهَبِه، فذَكَرَ أنّه اسْتَدَلَّ بوَجْهَيْن (3) : الأوَّلِ: جَوازُ حَذْفِ المَخْصُوصِ كَقَوْلِهِ تَعَالى: "نِعْمَ العَبْدُ " فحُذِفَ للعِلْمِ، ولَوْ كَانَ مُبْتَدأ مَحْذُوفَ الخَبَرِ أو عَكْسَه للزِمَ مِنْ ذلكَ حَذْفُ الجُمْلَةِ بأَسْرِها، والعَرَبُ لا تَفْعَلُ ذلك. الثانِي: إِنَّ جَعْلَ جُمْلَةِ المَدْحِ جُمْلَتَيْن يُؤَدِّي إلى ارْتِبَاطِهِمَا مِنْ غَيْرِ رَابِطٍ؛ لأنَّ (نِعْمَ الرَّجُلُ) جُمْلَةٌ، و (زَيْدٌ) المَمَدُوحُ جُمْلَةٌ، ولا تَعَلُّقَ بَينَهما بِخِلافِ المَذْهَبِ الذي يَجْعَلُ جُمْلَةَ المَدْحِ جُمْلَةً وَاحِدَةً. وفي هذه المَسْأَلَةِ رَأيان آخَران:   (1) انظر شرح جمل الزجاجي لابن خروف594. (2) الكتاب 2/176. (3) انظر النكت الحسان 134. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 485 الأوّل: أنْ يَكُونَ المَخْصُوصُ مُبْتَدأ خَبَرُه مَحْذُوفٌ تقديره: نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ المَمْدوحُ، ذَكَرَهُ ابنُ عُصْفور في المُقَرّبِ (1) . الثاني: المَخْصُوصُ بَدَلٌ مِنْ الفاعِلِ، وهو رَأيُ ابنِ كَيْسان (2) ، ويَرُدُّه أَنَّ المَخْصوصُ لازِمٌ،وليسَ البَدَلُ بلازِمٍ في الكَلامِ، كَمَا يَرُدُّه أنَّه لا يَصْلُحُ لمُباشَرَةِ "نِعْمَ". يُلاحَظُ في هذه المَسْألةِ تَعَدُّدّ وُجُوه الإعْرابِ،وسَبَبُ هذا التَّعَدُّدِ هو عِبَارَةُ سَيْبَوَيْه الغامِضَةُ، وأَرَى أَنَّ الاسْتِدلالَ الذي قَدَّمَه ابنُ الباذِشِ اسْتِدْلالٌ يَدُلُّ عَلى فَهْمٍ سَديدٍ لِعَبارَةِ سِيْبَوَيْه،ويُضَافُ إلى اسْتِدْلالِه أَنَّ جُمْلَةَ المَدْحِ تامَّةُ المَعْنى، فلا تَحْتاجُ إلى التَّقْديرِ الذي ذَهَبَ إليه أَكْثرُ النُّحَاةِ في الرَّأْيِ الأوَّلِ. دلالة (ربّ) اسْتَعْمَلَتْ العَرَبُ (رُبَّ) للدّلالَةِ عَلى العَدَدِ،والمَقْصُودُ بالعَدَدِ هو القِيْمَةُ التي تَدُلُّ عليه مِنْ حيث القلَّةِ والكَثرَةِ، وهذا الاسْتِعْمالُ ثابِتٌ في أشْعَارِهم وأقوالِهم، واخْتَلَفَ النُّحَاةُ في القِيمَةِ التي تَدُلُّ عَلَيهِ (رُبَّ) ،واخْتِلافُهُم مَحْصُورٌ في دَلالَتِها على القَلِيلِ أو الكَثيرِ (3) . وذَهَبَ ابنُ الباذِش إلى أنَّه لا يُمْكِنُ تَحْديدُ القِيمَةِ التي تَدُلُّ عَليه سَواء كانت قلَيلَةً أو كثيرةً، فهي مَجْهولَةٌ مُبْهَمَةٌ مِنْ هذه الناحِيَةِ (4) ،وتَابَعَه في هذا الرَّأيِ ابنُ طَاهِر (5) .   (1) انظر المقرب 73. (2) انظر الأشموني 3/37، وشرح التصريح 2/97. (3) انظر ارتشاف الضرب 2 /456،والهمع 4/175،والمسائل والأجوبة (ضمن كتاب رسائل ونصوص في اللغة والأدب) 233. (4) انظر ارتشاف الضرب 2/456،والهمع 4/175. (5) انظر ارتشاف الضرب 2/456،والهمع 4/175. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 486 وبَعْدَ اسْتِعْراضِ مَجْمُوعَةٍ مِنْ شَواهِدِ النُّحَاةِ الشِّعْرِيَّةِ على الكَثرَةِ أو القِلَّةِ رَأَيْتُ أَنَّها لا تَدُلُّ عَلى أَنَّ هناك قيمَةً مَحْدودَةً يُمْكن قِياسُها مِنْ خِلالِ السِّياقِ، فحَقِيقَةُ هذه القِيمَةِ مَجْهُولَةٌ لا يُمْكِنُ إِدْرَاكُها إلاّ بقَرينَةٍ لفظية أو مَعْنَويّة، ومِمّا يُذْكَرُ في هذا المَوْضع أَنَّ كثيراً مِنْ الشَّواهِدِ التي اسْتَدَلُّوا بِها عَلى الكَثْرَةِ قد رُدَّتْ واسْتَدَلّوا بها عَلى القِلةِ (1) ، وهذا مِمّا يُقَوِّي رَأيَ أبي الحَسَن بن الباذِش. اسم وخبر كان إذا كانا معرفتين اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في تَفْسِيرِ عِبَاراتِ سِيْبَوَيْه، ومِنْ تلك العِبارَاتِ التي اخْتَلَفُوا فيها عِبَارَتان تَتَعَلّقان باسْمِ وخَبَرِ (كانَ) إذا كَانا مَعْرِفَتَيْن،وكانَ لأبي الحَسَنِ بن الباذِش رَأيٌ في تَفْسِيرِ هَاتَيْن العِبَارَتَيْن. العِبَارةُ الأولى: قَوْلُ سِيْبَوَيْه (2) : " وإِذا كانا مَعْرِفَةً فأنتَ بالخيارِ: أيَّهُما مَا جَعَلتَه فاعِلاً رَفَعْتَه ونَصَبْتَ الآخَرَ كَما فَعَلْتَ ذلك في ضَرَبَ، وذلك قَوْلُكَ:كَانَ أَخُوكَ زَيْداً، وكَانَ زَيْدٌ صَاحِبَكَ، وكَانَ هذا زَيْداً، وكَانَ المُتَكَلّمُ أَخَاكَ ".   (1) انظر المسائل والأجوبة (ضمن كتاب رسائل ونصوص في اللغة والأدب) 233 وما بعدها. (2) الكتاب 1/4950. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 487 نُقِلَ عن أبي الحَسَن بن الباذِش أنّه اخْتَارَ رَأيَ السِّيْرَافِيِّ في تَعْيينِ اسْمِ وخَبَرِ (كان) ،وأَخَذَ بِرَأيِهِمَا ابنُ الضَّائِعِ وابنُ خَروف، قالوا: تَنْظُرُ إلى المُخَاطَبِ، فإِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَحَدَ المَعْرِفَتَيْن ويَجْهَلُ الآخَرَ جُعِلَ المَعْلومُ الاسْمَ والمَجْهُولُ الخَبَرَ، نَحْو: (كَانَ أَخُو بَكْرٍ عَمْراً) إِذا قَدَّرْتَ أَنَّ المُخَاطَبَ يَعْلَمُ أَنَّ لِبَكْرٍ أَخاً ويَجْهَلُ كَوْنَهُ عَمْراً، و (كَانَ عَمْروٌ أَخا بَكْرٍ) إذا كَانَ يَعْلَمُ عَمْراً ويَجْهَلُ كَوْنَه أَخَا بَكْرٍ (1) . وقد فُسِّر قَوْلُ سِيْبَوَيْه أَكْثرَ مِنْ تَفْسِيرٍ، ونَتَجَ عَنْ ذلكَ أَكْثَرَ مِنْ رَأي، فمِنْهُم مَنْ ذَهَبَ إلى تَخَيُّرِ أَيِّهِما شِئْتَ اسْماً والآخَرَ خَبَراً،وقَالوا:هذا ظَاهِرُ كَلامِ سِيْبَوَيْه (2) ،ومِنْهُم مَنْ رَأى أنَّه إذا لَمْ يَسْتَوِيا في رُتْبَةِ التَّعْريفِ فالاخْتِيارُ جَعْلُ الأعْرَفِ اسْماً والآخَرِ خَبَراً (3) ، وذَهَبَ بَعْضُهُم إلى أَنَّ الخَبَرَ مَا تُريدُ إثباتَه مُطْلَقاً نَحْو: (كَانَتْ عُزْلَتَكَ عُقُوبَتُكَ) فالعُزْلَةُ هي الثابِتَةُ، فهي الخَبَرُ (4) ، ومِنْهُم مَنْ قالَ: مَا صَحَّ مِنْهُما جَواباً فهو الخَبَرُ والآخَرُ الاسْمُ (5) . العِبَارَةُ الثانِيَةُ: قالَ سِيْبَوَيْه (6) : " وتَقولُ: مَنْ كَانَ أَخَاكَ، ومَنْ كَانَ أَخُوكَ، كَما تَقولُ: مَنْ ضَرَبَ أَبَاكَ،إِذا جَعَلْتَ (مَنْ) الفاعِلَ ".   (1) انظر شرح جمل الزجاجي 425،والتذييل 2/لوحة139، والهمع2/9394. (2) انظر ارتشاف الضرب 2/89،والهمع 2/93. (3) انظر الهمع 2/28،وارتشاف الضرب 2/89. (4) انظر ارتشاف الضرب 2/ 89. (5) انظر ارتشاف الضرب 2/ 89. (6) الكتاب 1/ 50. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 488 لمْ تَخْتَلِفْ نَظْرَةُ ابنِ الباذِش وغيرِه مِنْ النُّحَاةِ إلى هذه العِبَارَةِ عَنْ نَظْرَتِهِ إلى العِبَارَةِ السَّابِقَةِ، فَيَنْطَلِقُ في تَفْسِيرِه مِنْ التَّرْكِيبِ مُرْتَبِطاً بِواقِعِ الحَالِ، فهو يَرْبِطُ بَيْنَ االمُسْنَدِ والمُسْنَدِ إليه كَتَرْكِيبٍ وبَيْنَ المُخَاطَبِ مِنْ حَيْثُ عِلْمِه أو جَهْلِه، قالَ أبو حيَّانَ في تَفْسيرِ هذه العِبارَةِ نَقلاً عَنْ السِّيْرَافِيِّ وابنِ الباذِش والشلوبين وابنِ الضَّائِعِ (1) : " مُرَادُ سِيْبَوَيْه أنّكَ لا تُخْبِرُ المُخَاطَبَ فتَجْعَلَ له الخَبَرَ عَنْ (كَانَ) المَجْهُولَ عندَه، إنّما مُرادُه أَنَّهُما إذا كَانَا مَعْرِفَتَيْن والمُخَاطَبُ يَعْرِفُ كُلاً عَلى انْفِرَادِه لا التركيب، فأَرَدْتَ أَنْ تُخْبِرَ بانْتِسَابِ أَحَدِهِمَا إلى الآخَرِ، فأنتَ إذن بالخيارِ، وإِنَّما جَعَلْتَ الاسْمَ والخَبَرَ [بالخيارِ] لأنَّ كُلاً مِنْهُما عِنْدَه في المَعْرِفَةِ سَواء، إذ مَقْصُودُكَ هو أَنْ تُعَرِّفَه تَرْكِيبَهُما ". (كان) التي فيها ضمير الشأن ناقصة اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في (كَانَ) التي يُضْمَرُ فيها الأمْرُ والشَّأْنُ نَحْوَ قَوْلِ الشاعِرِ (2) : إِذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَانِ:شَامِتٌ وآخَرُ مُثْنٍ بالّذي كُنْتُ أَصْنَعُ   (1) التذييل 2/لوحة139. (2) البيت للعجير عمر بن عبد الله بن سلول في شرح الجمل لابن خروف 447،وانظر البيت في الكتاب 1/71، وابن السِّيْرَافِيّ 1/144، والجمل 50،والبسيط 760. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 489 فقد نَقَلَ لَنا أبو جَعْفَر بنُ الإمَامِ أبي الحَسَنِ بنِ الباذِش عَنْ أبي القاسِمِ الشَّنْتَريني أنّه قال (1) : " مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَانَ التي يُضْمَرُ فيها الأمْرُ والشأنُ هي النَّاقِصَةُ فقد أَخْطَأَ، وإنّما هي غَيْرُها "،والمَقْصُودُ بغَيْرِها تَمَامُها وإَلْغاءُ عَمَلِها في المُبْتَدَأ والخَبَرِ، وهو رَأيُ ابنِ الطَّرَاوَةِ (2) . وأَخَذَ أبو الحَسَنِ بنِ الباذِش برَأيِ الجُمْهُورِ، فإِنَّ (كَانَ) التي فيها الأمْرُ والشَّأنُ هي النَّاقِصَةُ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، وقد نَقَلَ لنا رَأيَهُ في هذه المَسْألَةِ وَلَدُه أبُو جَعْفَر، قالَ (3) : "قالَ أَبي: والصَّحِيحُ أَنَّ (كَانَ) المُضْمَرَ فيها الأمْرُ والشَّأنُ هي (كَانَ) النَّاقِصَةُ، والجُمْلةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، يَدُلُّ عَلى ذلكَ أَنَّ الأمْرَ والشَّأنَ يَكُونُ مُبْتدأ ومُضْمَراً في (إِنَّ) وأَخَواتِها و (ظَنَنْت) وأَخَواتِها والجُمْلةُ المُفَسِّرَةُ الوَاقِعَةُ مَوْقِعَ خَبَرِ هذه الأشْياءِ،ومَا ثبَتَ أنَّه خَبَرُ المُبْتَدأ، ولَمّا ذُكِرَ معه ثبَتَ أنَّه خَبَرٌ لِ (كَانَ) . انتهى ". وأَرَى أَنَّ الأقْرَبَ إلى الصَّوَابِ في هذِه المَسْألةِ هو مَا ذَهَبَ إليه الشَّنْتَريني، فإنَّ مَا ذَهَبَ إليه الجُمْهُورُ يُنَاقِضُ المَعْنى، فإضْمَارُ الشأنِ في هذا المَوْضِعِ لا دَلالةَ عليه، فلا حَاجَة تَدْعُونا إلى إضْمَارِه،كَمَا أَنَّ في اخْتِيارِ الشَّنْتَريني بُعداً عَنْ التَكَلُّفِ. العطف على اسم (أنّ) لَنْ أَخُوضَ في الخِلافِ بَيْنَ النُّحَاةِ في مَسْألةِ العَطْفِ عَلى اسْمِ (إنَّ) وأَخَواتِها، فهذِه مَسْأَلةٌ طَويلةٌ أشبعَ البَحْثُ فيها، وهي مَوْجُودَةٌ في الكُتُبِ حَيثُ يَكادُ لا يَخْلو كِتابٌ مِنْ ذِكْرِها.   (1) الأشباه والنظائر 4/34. (2) انظر ابن الطراوة النحوي 166. (3) الأشباه والنظائر 4/35. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 490 يَنْقُلُ ابنُ عَطِيَّةَ الأندَلُسيّ رَأْيَ أُسْتاذِه أبي الحَسَنِ بنِ الباذِش في إعْرابِ قَولِهِ تَعَالى: (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنْ المُشْرِكينَ ورَسُوْلُه ( {التوبة 3} فيقولُ (1) : " ومَذْهَبُ الأسْتاذِ يَعْني ابنَ الباذِش عَلى مُقْتَضَى كَلامِ سِيْبَوَيْه أَنَّ لا مَوْضِعَ لِمَا دَخَلَتْ عَليه (أَنَّ) إذْ هو مُعْرَبٌ قد ظَهَرَ فيه عَمَلُ العَامِلِ، وأنَّه لا فَرْقَ بَيْنَ (أَنَّ) وبَيْنَ (لَيْتَ) ،والإجْمَاعُ عَلى أَنْ لا مَوْضِعَ لِمَا دَخَلَتْ عليه هذه " هذا كَلامُ ابنِ عَطِيَّةَ نَقْلاً لمَذْهَبِ ابنِ الباذِش. ويُفْهَمُ مِنْ هذا الكَلامِ أنَّ عَالِمَنا يَأْخُذُ برَأيِ سِيْبَوَيْه في عَدَمِ جَوَازِ العَطْفِ عَلى مَوْضِعِ اسْمِ (أَنَّ) ، وأَنَّ مَا جَاءَ مِنْها مَرْفُوعَاً كَهذِه الآيةِ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الخَبَرِ، كَأَنَّهُ قالَ: (ورَسُولُه كَذلِكَ) . ورَفْعُه لا يَكُونُ إلاّ مِنْ ثلاثةِ أَوْجُهٍ: أَوَّلُهَا مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً مَحْذُوفَ الخَبَرِ،وثانِيْها أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ، والثالثِ العَطْفُ عَلى مَحَلِّ اسْمِ أَنَّ، وهذا مَا لمْ يُجِزْهُ سِيْبَوَيْه (2) وغَيْرُه مِنْ المُحَقِّقين، ويَرَوْنَ أَنَّ العَطْفَ في هذِه المَواضِعِ عَلى الجُمَلِ لا عَلى المُفْرَداتِ، أيْ: العَطْفُ عَلى جُمْلةِ (أَنَّ) واسْمِها وخَبَرِها لا عَلى اسْمِ (أَنَّ) (3) .   (1) المحرر الوجيز 6/408. (2) انظر الكتاب 1/238،2/144. (3) انظر شرح الجمل لابن خروف 1/463،واللمع 126،وشرح الكافية الشافية1/513،والصفوة 2/101. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 491 ويَرَى أبُو حيَّانَ أَنَّ العِلَّةَ التي ذَكَرَها ابنُ الباذِش في أنَّ لا مَوْضِعَ لِمَا دَخَلَتْ عَلَيه (أَنَّ) غَيرُ صَحيحَةٍ، فالعِلَّةُ ليْسَت هي ظُهُورُ عَمَلِ العَامِلِ بدَلِيلِ: (لَيْسَ زَيْدٌ بقائِمٍ) فقد ظَهَرَ العَامِلُ، ولَهُمَا مَوْضِعٌ (1) . ويُعَلِّقُ أَيْضاً عَلى مَا ذَكَرَه مِنْ إِجْمَاعِ النُّحَاةِ عَلى (لَيْتَ) ،وأَنَّه لا مَوْضِعَ لِمَا دَخَلَتْ عَلَيه، فهُناكَ خِلافٌ في هذه المَسْأَلةِ، فقد ذَهَبَ الفَرَّاءُ إلى أَنَّ حُكْمَ (لَيْتَ) حُكْمُ غَيْرِها مِنْ أَخَواتِها، فلَيْسَ في هذا الرَّأيِ إِجْمَاعٌ كَمَا ذَكَرَ ابنُ الباذِش (2) . ورَدَّ السَّمينُ الحَلَبي قَوْلَ ابنِ الباذِش: (وأنَّ لا فَرْقَ بَيْنَ أَنَّ وبَيْنَ لَيْتَ) فقال (3) : "فإِنَّ الفَرْقَ قائِمٌ، وذلك أَنَّ حُكْمَ الابْتِداءِ قد انتَسَخَ مَعْ (لَيْتَ) و (لَعَلَّ) و (كَأنَّ) لفظاً ومعنىً بخِلافِه مَعْ (إِنَّ) و (أَنَّ) فإِنَّ مَعْناه معهما باقٍ " جواز نصب صفة (أي) في النداء أَجَازَ المَازِنِيُّ نَصْبَ صِفَةِ (أَيّ) في النِّداءِ،وذلكَ في قَوْلِكَ: (يَا أَيُّها الرَّجُلُ) فأَجَازَ النَّصْبَ في (الرَّجُلِ) (4) ،ووَجْهُ نَصْبِهِ عِنْدَ المَازِنِيِّ مِنْ جِهَةِ القِياسِ فيهِ قَوْلان:   (1) انظر البحر المحيط 5/6. (2) انظر البحر المحيط 5/6. (3) الدر المصون 6/8. (4) انظر هذه المسألة في معاني القرآن للزجاج 1/98،وإعراب القرآن للنحاس 1/197،وشرح الكافية الشافية1318،والدر المصون1/185،وشرح اللمع للواسطي 146،وشرح اللمع لابن برهان1/280،والمقتصد2/777،والأشموني3/150،وشرح ألفية ابن معط للقواس 1044،والصفوة الصفية2/200،وارتشاف الضرب3/127،والمجيد في إعراب القرآن 147. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 492 أَوَّلُهُمَا: الحَمْلُ عَلى مَوْضِعِ (أَيّ) ، فالأصْلُ في النِّداءِ النَّصْبُ (1) ، ورَدَّ النُّحَاةُ هذا القِياسَ بأنَّ الحَمْلَ عَلى المَوْضِعِ حَمْلٌ عَلى التَّأويلِ،ولا يُحْمَلُ عَلى التَّأويلِ مَا لمْ يَتِمَّ الكَلامُ (2) ،كَمَا قالُوا: إِنَّ الحَمْلَ عَلى المَعْنى إِنَّما يَكُونُ في المُنَادى المُسْتَغْنِي عَنْ الصَّفَةِ، فأَمَّا (أَيّ) فلا تَسْتَغْنِي عَنْ الصِّفَةِ، فلا تُحمَلُ صِفَتُها عَلى المَعْنى (3) . وثانِيها: القِياسُ عَلى صِفَةِ غَيْرِه مِنْ المُنَادَياتِ المَضْمُومَةِ (4) ،ورَدَّه النُّحَاةُ، قالَ القوَّاسُ (5) : " وهو ضَعِيفٌ؛ لأنَّ المَقْصُودَ بِصِفَةِ العَلمِ الإيضاحُ، والمُنَادَى هُناكَ هو العَلَمُ،وها هُنا الصِّفَةُ هي المُنَادَى،و (أيّ) وَصْلةٌ إلى نِدَائِه، ولِذلكَ لا يُوقَفُ عَلى الوَصْلَةِ دونَ الصِّفَةِ بخِلافِ العَلَمِ". أَمّا وَجْهُ النَّصْبِ مِنْ جِهَةِ السَّمَاعِ فقد أَنْكَرَ النُّحَاةُ وُجودَ سَمَاعٍ في هذا المَوْضِعِ (6) ، قالَ ابنُ بُرْهان (7) : " ولمْ يُسْمَعْ في (الرَّجُلِ) النَّصْبُ، كَمَا قالوا: (يَا زَيْدُ الفاضِلَ) ؛لأنَّ (الرَّجُلَ) وإنْ كَانَ صِفَةً في اللَّفْظِ فإِنَّه المَقْصُودُ بالنِّدَاءِ، فأَلزَمُوا (الرَّجُلَ) الرَّفْعَ ليَدُلُّوا عَلى الفَرْقِ بَيْنَهُما، وسَوَّى بَيْنَهُما أبو عُثمَان قِياساً مِنْ غَيْرِ رِوايَةٍ ".   (1) انظر شرح اللمع للواسطي145،والدر المصون 1/185، والصفوة الصفية 2/200، والمجيد 147. (2) انظر شرح اللمع للواسطي 146، والصفوة الصفية 2/200. (3) انظر الصفوة الصفية 2/200. (4) انظر شرح الكافية الشافية1318، وشرح ألفية ابن معط للقواس1044، والأشموني 3/150. (5) شرح ألفية ابن معط للقواس 1044. (6) انظر المقتصد 2/777778،وشرح اللمع لابن برهان1/280. (7) شرح اللمع لابن برهان1/280. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 493 ونَقَلَ أبُو حيَّانَ عَنْ أبي الحَسَن بنِ الباذِش أَنَّ النَّصْبَ في هذا المَوْضِعِ مَسْمُوعٌ عَنْ العَرَبِ، ولمْ يَذْكُرْ شاهِداً عَلى ذلك (1) ،وذكر الصَّبَّانُ في حَاشِيَتِه عَلى الأشْمُوني سَمَاعَ ابنِ الباذِش، ونَقَلَ شَاهِداً عَلى ذلكَ عَنْ السّنْدُوبي وهو قِراءَةُ بَعْضِهم: " قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرِينَ " {الكافرون 1} بالنَّصْبِ (2) ،ولمْ أجِدْ في كُتُبِ القِراءاتِ التي تَيَسَّرَ لي الاطِّلاعُ عَليْها هذه القراءَةَ،ولا يَعْني ذلكَ أَنَّ هذه القراءَةَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ، فأبو حَيَّانَ يُؤكِّدُ أَنَّ عِنْدَ ابنِ الباذِشِ شَاهِداً عَلى ذلكَ، والصَّبَّانُ يَنْقُلُ هذا الشَّاهِدَ القُرْآنِيّ،ونَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ ابنَ الباذِشِ مِنْ أَكابِرِ عُلماءِ القِراءاتِ في عَصْرِه،ويَشْهَدُ عَلى ذلكَ كِتابُ وَلدِه المَوْسُومُ ب (الإقناعِ) ، فمِنْ الصَّعْبِ الشَّكُّ فيما يَنْقُلُ هذا العَالِمُ مِنْ رِواياتٍ عَنْ القرَّاءِ. والحَقُّ أَنَّ هذه القِراءَةَ إنْ صَحَّت دَعَامَةٌ تُقَوِّي مِنْ رَأيِ المَازِنِيِّ، ومَا نُقِلَ عَنْ ابنِ الباذِش يَدُلُّ عَلى جَوازِ نَصْبِ صِفَةِ (أَيّ) في النِّداءِ عِنْدَه، فلو كَانَ هذا السَّماعُ غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ عِنْدَه مَا ذَكَرَه. الفصل بين نكرتين   (1) انظر ارتشاف الضرب 3/127. (2) انظر حاشية الصبان 3/150. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 494 نَقَلَ أبُو حَيَّانَ وغَيْرُه عَنْ أبي الحَسَن بنِ الباذِشِ أَنَّه حَكَى عَنْ قَوْمٍ مِنْ الكُوفِيَّين أَنَّهُم أَجَازُوا الفَصْلَ بَيْنَ النَّكِرَاتِ (1) ، ومِنْ ذلكَ قَوْلُه تَعالى: "أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هي أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ " {النحل 92} هذا مَا نَقَلَهُ أبو حَيَّانَ عَنْ ابنِ الباذِش، ولا يَدُلُّ هذا عَلى مُتَابَعَةِ ابنِ الباذِش للكُوفِيِّين،وقد ذَكَرَ رَأيَهُم الزَّجَّاجُ في مَعَانيه ورَدَّه (2) . اشتقاق اسم الفاعل من العدد فوق العشرة أَجَازَ سِيْبَوَيْه وجَمَاعَةٌ مِنْ المُتَقدِّمين اشْتِقَاقَ اسْمِ الفَاعِلِ المُخْتَلفِ في المُرَكَّبَاتِ قِياساً لا سَمَاعاً، فيُجِيزُ: رَابِعُ ثَلاثَةِ عَشْر وخَامِسُ أَرْبَعَةِ عَشْر بمَعْنى التَّصْييرِ،وقاسَ سِيْبَوَيْه ذلكَ عَلى مُتَّفقِ الألفاظِ، قالَ (3) : "ونَقُولُ: هو خَامِسُ أَرْبَعٍ إذا أَرَدْتَ أَنْ تُصَيِّرَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ خَمْسَةً، ولا تَكادُ العَرَبُ تَكَلَّمُ بِه كَما ذَكَرْتُ لك، وعَلى هذا تَقُولُ: رَابِعُ ثَلاثَةِ عَشْر ". ومَنَعَ هذا الاشْتِقاق الجُمْهورُ (4) ،وهو مَذْهَبُ الكُوفِيِّين (5) والأخْفَشِ (6) والمَازِنِيِّ (7) والمُبرِّد (8) والفَارِسِيُّ، قالَ الفَارِسِيُّ (9) : " ومَنْ قالَ: خَامِسُ أَرْبَعَةٍ لم يَقلْ: رَابِعُ ثلاثةِ عَشْر، ولا رَابِعُ عَشْر ثلاثةَ عَشْر؛ لأنَّ اسْمَ الفَاعِلِ الجَارِي عَلى الفِعْلِ لا يَكونُ هكذا ".   (1) انظر التذييل1/لوحة188، وارتشاف الضرب1/493، ونتائج التحصيل 2/655. (2) انظر معاني القرآن للزجاج 2/142. (3) الكتاب 3/561. (4) انظر ارتشاف الضرب 1/374. (5) انظر ارتشاف الضرب 1/374. (6) انظر ارتشاف الضرب 1/374،والرضي 3/316،وشرح ألفية ابن معط للقواس 1113. (7) انظر المقتضب 2/181، والكناش 1/305. (8) انظر المقتضب 2/.181 (9) التكملة281. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 495 وتابَعَ أبو الحَسَن بنُ الباذِش الجُمْهورَ في مَنْعِهِم مِثْلَ هذا الاشْتِقاقِ، قالَ أبو حيَّانَ (1) : " وقد رَدَّ بَعْضُ المُتَأَخِّرينَ عَلى هذا القَوْلِ بأَنَّ العَرَبَ إنّما تَشْتَقُّ مِنْ العَقدِ الأوَّلِ فلا تَرْكِيبَ، ومِنْهُ اشْتَقَّتْ ثالِثَ عَشْرَ ثلاثةَ عَشْرَ، اشْتَقَّتْ ثالِثاً مِنْ ثلاثةٍ ثم رَكَّبَتْه بَعْدُ مَعْ (عَشْر) ، قالَ: والعَرَبُ تَقولُ: رَبَّعْتُ الثلاثةَ عَشْرَ، أيْ: رَدَدْتُهُم أَرْبَعَةَ عَشْرَ، فاشْتَقَّتْ مِنْ الصَّدْرِ ولمْ تُرَكِّبْ، فكَذلكَ تَشتَقُّ اسْمَ الفَاعِلِ مِنْ الصَّدْرِ "،ثمّ يَعْتَذِرُ ابنُ الباذِش لسِيْبَوَيْه فيقول (2) : " وإنّما قالَ سِيْبَوَيْه: رَابِعُ ثَلاثةَ عَشْر ولمْ يَعْلَمْ أنَّه مَحْذُوفٌ مِنْ تَرْكِيبٍ،واسْمُ الفاعِلِ تابِعٌ للفِعْلِ " قالَ أبو حيَّانَ (3) : " هكذا قالَ ابن الباذِش "، ومَقْصُودُ ابنِ الباذِشِ أَنَّ (رَابعَ) اسْمُ فَاعِلٍ،وهو مُشْتَقٌّ في هذا المَوْضِعِ (رَابِعُ ثلاثةَ عَشْر) مِنْ التَّرْكِيبِ (أَرْبَعَةَ عَشْر) ، واسْمُ الفَاعِلِ الذي بمَعْنَى المُصيِّر لا بُدَّ لَه مِنْ فِعْلٍ ومَصْدَرٍ، ولمْ يَثْبُتْ فِعْلٌ ولا مَصْدَرٌ مَبْنِيَّان مِنْ عَدَدٍ مُرَكَّب فوقَ العَشْرة. أمس تُسْتَعْمَلُ (أَمْس) في العَرَبِيَّةِ ظَرْفاً وغَيْرَ ظَرْفٍ، وفي الاسْتِعْمَالَيْن خِلافٌ، وهو خِلافٌ لَهَجِيٌّ يَتَعَلَّقُ ببِناءِ أو إِعْرَابِ (أمْس) في لُغَةِ الحِجَازِ وتَمِيم.   (1) التذييل 3/لوحة136. (2) التذييل 3/لوحة136، وارتشاف الضرب 1/374. (3) التذييل 3/لوحة136، وارتشاف الضرب1/374. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 496 أَمَّا الخِلافُ عندَ اسْتِعْمَالِها ظَرْفاً فهو في بِنائِها أوَّلاً، فالظّاهِرُ أَنَّ النُّحَاةَ لمْ يَتّفِقوا عَلى حَرَكَةِ البِنَاءِ، فقد ذَهَبَ الزَّجَّاجُ (1) والزَّجَّاجِيُّ في جُمَلِهِ إِلى أَنَّ بِنَاءَ (أَمْس) عَلى الفَتْحِ لُغَةٌ وَرَدَتْ عَنْ العَرَبِ (2) ، والجُمْهورُ يَرى أنَّها مَبْنِيَّةٌ عَلى الكَسْرِ في حَالِ اسْتِعْمَالِها ظَرْفاً (3) ، وحَمَلَ ابنُ الباذِش عَلى الزَّجَّاجيِّ فقالَ (4) : "خَرَجَ الزَّجَّاجيُّ عَنْ إِجْمَاعِ النُّحَاةِ بِقَولِهِ: ومِنْ العَرَبِ مَنْ يَبْنيه عَلى الفَتْحِ "،وتابَعَ ابنَ الباذِش ابنُ مَالِك في التَّسْهيلِ (5) . ثُمَّ إِنَّهُم اخْتَلفُوا في هذِه الكَلِمَةِ بَيْنَ الإعْرابِ والبناءِ، فالجُمْهُورُ يَرى بِنَاءَها، والخَلِيلُ يَرى أَنَّ الكَسْرَةَ كَسْرَةُ إِعْرابٍ عَلى تَقْديرِ: لَقيتُكَ بالأمْسِ بِحَذْفِ البَاءِ وأل التَّعْريفِ، والكِسَائي يَرى أَنَّ (أَمْس) ليسَ مُعْرَباً ولا مَبْنِياً، وإِنَّما هو اسْمٌ مَحْكِيٌّ سُمِّيَ بِفِعْلِ الأمْرِ مِنْ الأمْسِ كَمَا لو سُمِّيَ ب (أَصْبَحَ) مِنْ الإصْبَاحِ (6) .   (1) انظر ارتشاف الضرب 2/249. (2) انظر الجمل299. (3) انظر التسهيل 95. (4) التسهيل 95هامش. (5) انظر التسهيل 95. (6) انظر هذين الرأيين في ارتشاف الضرب2/249. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 497 أَمَّا إذا اسْتُعْمِلَ (أَمْس) غَيْرَ ظَرْفٍ فأَهْلُ الحِجَازِ يَبْنونَه عَلى الكَسْرِ في كُلِّ حَالٍ، يَقولونَ: (ذَهَبَ أَمْسِِ) و (كَرِهْتُ أَمْسِِ) (1) . أَمَّا بَنو تَميمٍ فاخْتَلَفَ النُّحَاةُ في مَا وَرَدَ عَنْهُم، فقد ذَهَبَ ابنُ الباذِش وابنُ عُصْفور وابنُ مَالِك إلى أَنَّ بَني تَميمً تُعْرِبُ (أَمْس) ، وتَمْنَعُهُ مِنْ الصَّرْفِ للتَّعْرِيفِ والعَدْلِ عَنْ الألِفِ والَّلامِ في حَالِ الرَّفْعِ خَاصَّةً،ويُبْنى عَلى الكَسْرِ في حَالِ النَّصْبِ والجَرِّ، تَقولُ: (ذَهَبَ أمْسُ بمَا فيه) و (كَرِهْتُ أَمْسِِ) (2) . وذَهَبَ الشلوبين إلى أَنَّ بَني تَميمٍ يُعْرِبُونَه في الرَّفْعِ فَيقولون: (ذَهَبَ أَمْسُ) ويُنَوَّنُ في النَّصْبِ والجَرِّ (3) ،فيقولون: (كَرِهْتُ أمْساً) و (مَرَرْتُ بأَمْسٍ) ،وحَكَى الكِسَائي أَنَّ بَعْضِهُم يَمْنَعُه الصَّرْفَ رَفْعاً ونَصْباً وجَرّاً، وبَعْضُهُم يُنَوِّنُهُ تَنْوينَ الصَّرْفِ في الأحْوَالِ الثلاثةِ إلا في النَّصْبِ عَلى الظَّرْفِ (4) ،وحَكَى الزَّجَّاجُ أَنَّ بَعْضَهُم يُنَوِّنُه، وهو مَبْنِيٌّ عَلى الكَسْرِ (5) ، وذَكَرَ ابنُ مَالِك والفَارِقِيّ أَنَّ مِنْهم مَنْ يُعْرِبُه في الجَرِّ بالفَتْحَة (6) كَقولِ الرَّاجزِ: لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَباً مُذْ أَمْسا (7)   (1) انظر ارتشاف الضرب 2/249. (2) انظر التسهيل 95،وشرح الكافية الشافية 1480، وارتشاف الضرب 2/249،والخزانة7/171. (3) انظر ارتشاف الضرب 2/249،والخزانة 7/171. (4) انظر ارتشاف الضرب 2/249،ولباب الإعراب 209. (5) انظر ارتشاف الضرب 2/249. (6) انظر الإفصاح 238، وشرح الكافية الشافية 1480. (7) الشاهد في البيت وقوع أمس مجرورة وعلامة جرها الفتحة لمنعها من الصرف،وهو بلا نسبة في الكتاب2/44،والأمالي الشجرية 2/260،وابن يعيش 4/106، ولباب الإعراب 209،وشرح الكافية الشافية1481، والإفصاح238. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 498 وخَصَّ ابنُ أبي الرَّبِيعِ مَنْعَهُ مِنْ الصَّرْفِ عِنْدَ تَمِيمٍ إذا كَانَ مَرْفُوعاً أو مَخْفُوضاً ب (مُذ) أو (مُنْذُ) ،قالَ (1) : "وكَذلكَ (أَمْس) عِنْدَ بَنِي تَميمٍ إذا كَانَ مَرْفُوعاً أو مَخْفُوضاً ب (مُذ) أو (مُنْذُ) ،وجَعَلوه في حَالِ النَّصْبِ أو الخَفْضِ بِغَيْرِهِما مَبْنِياً عَلى الكَسْر". فالمُلاحَظُ بَعْدَ كُلِّ هذِه الآراءِ أَنَّ الخِلافَ في النَّقْلِ والرِّوايَةِ عَنْ تَمِيم، وأَرَى أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِر في (أَمْس) يَقَعُ ضِمْنَ الخِلافَاتِ الَّلَهَجِيَّةِ، وتَقْرِيرُ كَوْنِ (أَمْس) مَبْنِياً أو مُعْرَباً يَعْتَمِدُ عَلى صِحَّةِ السَّمَاعِ عَنْ تَميم. جواز (هما يفعلان) للمؤنث أَجَازَ أَبو الحَسَن بنُ الباذِش الإخْبَارَ عَنْ المُؤَنَّثِ إِذا سُبِقَ الفِعْلُ بضَمِيرٍ أَنْ تَقولَ: (هُمَا يَفْعَلان) بالياءِ (2) ، وقد أجَازَ ذلكَ حَمْلاً عَلى اللَّفْظِ، فالضَّمِيرُ (هُما) للمُذَكّرين، ونُقِلَ عَنْ ابنِ الباذِش أَنَّه أَجَازَ ذلكَ مِنْ جِهَةِ القِيَاسِ، فقد ذَكَرَ النُّحَاةُ أنَّه يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ المُذَكَّرُ الغَائِبُ عَلى المُؤَنَّثِ فتقولُ: (تَجِيءُ كِتَابي) يريدُ الصَّحيفَةَ (3) ، ومِنْ ذلكَ قَوْلُه تَعَالى: (تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ ( {يوسف 10} ، ونُقِلَ عَنْ ابنِ الباذِش أَيْضاً أنَّه لمْ يَعْلَمْ سَمَاعًا مَخْصُوصاً مِنْ العَرَبِ في هذِه المَسْألَةِ (4) .   (1) الملخص 620. (2) انظر رأيه في ارتشاف الضرب 3/34،والهمع 6/67،وحاشية الصبان 1/98. (3) انظر ارتشاف الضرب 3/4. (4) انظر الهمع6/67. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 499 وذَهَبَ ابنُ أبي العَافِيَةِ إلى وُجُوبِ الحَمْلِ عَلى المَعْنى، فلا يُجِيزُ إلاّ أَنْ تَقولَ: (هُما تَفْعَلان) (1) ،وأَخَذَ بِهذا الرَّأيِ أبو حَيَّانَ (2) ،ورَدَّ رَأْيَ ابنِ الباذِش بأَنَّ الضَّمِيرَ يَرُدُّ الأشْيَاءَ إلى أُصُولِها (3) ، بمَعْنى أَنَّ الضَّمِيرَ يَنْبَغي أَنْ يَدُلَّ عَلى التَّثْنِيَةِ المُؤَنَّثةِ، ولا يَجُوزُ أَنْ يُنَاقِضَ ذلكَ. كَمَا ذُكِرَ أَنَّ السَّمَاعَ جَاءَ بالتاءِ (4) ،وذلكَ في مِثْلِ قولِ عُمَر بنِ أبي رَبِيعَةَ: لَعَلَّهُمَا أَنْ تَبْغِيَا لَكَ حَاجَةً … … … … … … … … (5) وهذا مَا يُؤَيِّد قولَ ابنِ أبي العَافِيَةِ. الاسم بعد حروف النفي في باب الاشتغال يَسْتَوي الرَّفْعُ والنَّصْبُ عِنْدَ أَبي الحَسَن بنِ الباذِش في الاسْمِ المَشْغُولِ عَنْه إذا وَلِيَ أَحَدَ حُرُوفِ النَّفْيِ (مَا،لا، إِنْ) ،نَحْوَ قولِ الشَّاعِرِ: فَلا حَسَباً فَخَرْتَ بِهِ لِتَيْمٍٍ وَلا جَدّاً إِذا ازْدَحَمَ الجُدُودُ (6)   (1) انظر ارتشاف الضرب3/4،والهمع 6/67، وحاشية الصبان 1/98. (2) انظر ارتشاف الضرب3/4. (3) انظر الهمع 6/67. (4) انظر الهمع6/67. (5) كذا رواه السيوطي في الهمع 6/67،وهو في ديوانه 203 برواية: لعلهما أن تطلبا لك مخرجاً وأن ترحبا صدراً بما كنت أحصر (6) البيت لجرير في ديوانه332، وانظر الكتاب1/73، والنكت للأعلم1/269. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 500 وقد رُوِيَ البَيْتُ بالوَجْهَيْن، ونَحْوَ قولِكَ: (مَا زَيْدٌ ضَرَبْتَه) ، والعِلَّةُ في ذلكَ أَنَّ هذِه الحُرُوفِ تَدْخُلُ عَلى الأسْمَاءِ والأفْعَالِ، أَمَّا غَيْرُها مِنْ أَحْرُفِ النَّفْيِ المُخْتَصَّةِ بِدُخُولِها عَلى الأفْعَالِ نَحْوَ: (لمْ،لَمّا، لنْ) فَلا يَجُوزُ فيها إلاّ النَّصْبُ لاخْتِصَاصِها بالأفْعَالِ (1) . وتَابَعَ أَبا الحَسَن بنَ الباذِش في هذا الرَّأيِ ابنُ أبي الرَّبِيعِ (2) وابنُ خَروف،ونَسَبَ هذا الرَّأيَ لسِيْبَوَيْه،قالَ (3) : " وهو الظَّاهرُ مِنْ كَلامِ سِيْبَوَيْه"، واعْتَلَّ بأَنَّ المَوْضِعَ لا يَخْتَصُّ بالفِعْلِ دونَ الاسْمِ (4) . وهُناكَ رَأيانِ آخَرَانِ في هذِه المَسْأَلَةِ، فظَاهِرُ كَلامِ سِيْبَوَيْه تَرْجِيحُ الرَّفْعِ مَعْ جَوازِ النَّصْبِ (5) ، وتَابَعَه في هذا الرَّأيِ ابنُ طَاهِرٍ (6) ، ويَرَى كَثيرٌ مِنْ النُّحَاةِ أَنَّ النَّصْبَ أَرْجَحَ مِنْ الرَّفْعِ، وهو اخْتِيَارُ ابنِ مَالِكٍ (7) وابنِ الحَاجِبِ (8) والرَّضِيِّ (9) والخَوارِزْمي (10) والوَرَّاقِ (11) والنِّيليِّ (12) ،وهو مَذْهَبُ الجُمْهورِ كَمَا ذَكَرَ أبو حَيَّانَ (13) ، والعِلَّةُ في هذا الاخْتِيارِ أَنَّ النَّفْيَ أَوْلى بالفِعْلِ.   (1) انظر رأي ابن الباذِش في ارتشاف الضرب3/108،والمجيد في إعراب القرآن330،وأوضح المسالك2/10، وشرح التصريح1/310، وحاشية الصبان 2/7879. (2) انظر الملخص202. (3) انظر شرح الجمل لابن خروف 410. (4) انظر شرح الجمل لابن خروف 410. (5) انظر الكتاب 1/145146. (6) انظر المجيد 330. (7) انظر شرح الكافية الشافية2/619. (8) انظر شرح المقدمة الكافية 2/467. (9) انظر شرح الرضي1/457. (10) انظر التخمير 1/392. (11) انظر علل النحو 313. (12) انظر الصفوة الصفية833. (13) انظر ارتشاف الضرب3/108. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 1 وأَرَى أَنَّ مَا اعْتَلَّ بِهِ الجُمْهُورُ تَعْليلٌ عَامٌّ يَشْملُ جَمِيعَ حُرُوفِ النَّفْيِ،والنَّفْيُ بابٌ واسِعٌ، فمِنْ حُرُوفِه مَا يَدْخُلُ عَلى الأفْعَالِ، ومِنْه مَا يَخْتَصُّ بالأسْمَاءِ، ومِنْها مَا يَدْخُلُ عَلى الأسْمَاءِ والأفْعَالِ عَلى السَّواءِ، فلا يَجُوزُ أَنْ يُعَامَلَ كُلُّ النَّفْيِ مُعَامَلَةً وَاحِدَةً، ولِذا أَرَى أَنَّ رَأيَ ابنِ الباذِش أَدَقُّ مِنْ غَيْرِه مِنْ الآراءِ، وبِهِ جَاءَ السَّمَاعُ. المشغول عنه بعد الاستفهام يَبْدو لِي أَنَّ السّيوطِي قد خَلَطَ بَيْنَ الاسْتِفْهامِ والنَّفْيِ في نِسْبَةِ اسْتِواءِ الرَّفْعِ والنَّصْبِ بعد النفي لابنِ الباذِش، فقد نَسَبَ إليه في الهَمْعِ اسْتِواءَ الأمْرَيْن بَعْدَ الاسْتِفْهَام نَحْوَ: (أَزَيْداً ضَرَبْتَه) (1) ، ولمْ يَذْكُر رَأْيَهُ في النَّفيِ، ولمْ أَجِدْ هذا الرَّأيَ مَنْسُوباً لَهُ عِنْدَ غَيْرِ السّيوطي. (جُمَع) و (كُتَع) وغيرها من ألفاظ التوكيد أعلام يَكادُ النُّحَاةُ يُجْمِعون عَلى كَوْنِ (أَجْمَعَ) وأخَواتِه و (جُمَع) وأخَواتِه مِنْ أَلْفاظِ التَّوْكِيدِ مَعَارِفَ، ولمْ يَخْرُجْ عَنْ هذا الإجْمَاعِ إلاّ ابنُ الحاجِبِ ومَنْ تَبِعَه حَيْثُ ذَهَبَ إلى أَنَّ (جُمَع) مُنِعَ مِنْ الصَّرْفِ لعِلَّتَيْن هُما العَدْلُ والوَصْفُ الأصْليُّ (2) .   (1) انظر الهمع 5/155. (2) انظر شرح المقدمة الكافية1/272. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 2 واخْتَلَفُوا في تَعْريفِه، فرَأى الخليلُ أنَّ (جُمَع) و (أَجْمَع) وأَخَواتِهِمَا تُعَامَلُ مُعَامَلَةَ (نَفسِه) و (عَيْنِه) المَعْرِفَتَيْن بالإضَافَةِ، قالَ سِيْبَوَيْه (1) : " وسَأَلتُه عَنْ (جُمَع) و (كُتَع) ، فقالَ: هُمَا مَعْرِفةٌ بمَنْزِلَةِ (كُلِّهِم) ، وهُمَا مَعْدولَتانِ جَمْعُ (جَمْعَاءَ) وجَمْعُ (كَتْعَاءَ) "، فهو تَعْرِيفٌ إِضَافِيٌّ عِنْدَ الخَليلِ، وتَابَعَه جَمَاعَةٌ مِنْ النُّحَاةِ. ونُسِبَ لأبي الحَسَن بنِ الباذِش أَنَّ هذِه الألفَاظَ مَعَارِفُ بالعَلَمِيَّةِ (2) ، وقد أَسْعَفَنا أبُو حَيَّانَ فيمَا نَقَلَهُ مِنْ شَرْحِ الجُمَلِ لابنِ الباذِش بِرَأيِ عَالِمِنا في هذِه المَسْأَلَةِ، قالَ ابنُ الباذِش (3) : " وأَسْمَاءُ التَّوْكيدِ التي للإحَاطِةِ أَعْلامُ التَّوْكِيدِ المَعَارِفِ، فهي تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ سَائِرِ الأعْلامِ "، ثُمَّ يُبَيِّنُ لنا أَنَّ هذِه الألْفَاظَ أَعْلامٌ مُشْتَقَّةٌ في حَالِ العَلَمِيَّةِ غَيْرِ مَنْقولةٍ، ثُمَّ يَقولُ: "هذا قَوْلُ سِيْبَوَيْه وكَافَّةِ أَصْحَابِه".   (1) الكتاب2/14. (2) انظر شرح التصريح2/222. (3) تذكرة النُّحَاة557. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 3 وقد وَجَدْتُ هذا الرَّأيَ عِنْدَ ابنِ أبي الرَّبِيعِ في المُلَخَّصِ، قالَ (1) :"وأَمّا (أَجْمَعُ) فمَعْرِفَةٌ بالعَلَمِيَّةِ؛ لأنَّه اسْمُ عَلَمٍ لِجُمْلَةٍ أَجْزَاءِ مَا تَجْرِي عَلَيْه، ولَيْسَ بنَكِرَةٍ "،وأَخَذَ بِهِ ابنُ مَالِك في التَّسْهيلِ (2) ورَدَّه في شَرْحِ عُمْدَةِ الحَافِظِ، قالَ (3) : "وصارَ (جُمَع) لِتَعْرِيفِه بغَيْرِ عَلامَةٍ مَلْفُوظٍ بِها كَأَنَّهُ عَلَمٌ،وليسَ عَلَماً؛ لأنَّ العَلَمَ إِمَّا شَخْصِيّ وإِمَّا جِنْسِيّ، فالشَخْصِيُّ مَخْصُوصٌ ببَعْضِ الأشْخَاصِ، والجِنْسِيُّ مَخْصُوصٌ بِبِعْضِ الأجْنَاسِ، و (جُمِع) بِخِلافِ ذلكَ فالحُكْمُ بِعَلَمِيَّتِه بَاطِلٌ ". ويُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إليه ابنُ الباذِش أَنَّ هذِه الألْفَاظِ تَأتي تَأكِيداً للمَعَارِفِ،فهي مَعَارِفُ، ويُضافُ إلى ذلكَ دَلالَتُها الثابِتَةُ عَلى مَجْمُوعَةِ المُؤَكَّدِ،كَمَا يُؤَيِّدُ رَأيَه أَنَّ (أَجْمَعُ) يُجْمَعُ بالواوِ والنونِ، وهذا الجَمْعُ خَاصّ بالصِّفاتِ والأعْلامِ، و (أَجْمَعُ) وأَخَواتُها لَيْسَت بِصِفَاتٍ، فلمْ يَبْقَ إلا العَلَمِيَّةُ. هل يجوز التعليق فيما لم يجز فيه الإلغاء؟ تَابَعَ أبو الحَسَن بنُ الباذِش ابنَ السَّرَّاجِ وأبا عَليٍّ الفَارِسِيّ في أَنَّه لا يَجُوزُ التَّعْليقُ في مِثْلِ قَوْلِكَ: (عَرَفْتَ أيُّهُم زَيْدٌ) ، وقَوْلِ الشاعرِ (4) : حُزُقٌّ إذا ما القومُ أَبْدَوْا فُكَاهَةً تفكّرَ آإيّاه يَعْنونَ أم قِرْدا   (1) الملخص 546. (2) انظر التسهيل 222. (3) انظر عمدة الحافظ867. (4) البيت لجامع بن عمرو بن مرخيّة الكلابي في شرح شواهد الشافية349، وهو لرجل من بني كلاب في اللسان (حزق) ،وبلا نسبة في سر الصناعة723، وابن يعيش9/118، وارتشاف الضرب3/74، والحزق:الضيق الرأي من الرجال أو النساء، وقيل: القصير. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 4 فابنُ الباذِش يَرى أَنَّه لا يَكُونُ التّعْلِيقُ إلاّ فيمَا جازَ إلغاؤُه،وهذِه الأفْعَالُ لمْ يَرِدْ الإلغَاءُ فيها،وأَجَازَ هو وجَمَاعَةٌ مِنْ النُّحَاةِ أَنْ تُحْمَلَ هذِه الأفعالُ عَلى غَيْرِها ممّا جَازَ فيها التَّعْليقُ، وبِناءً عَلى هذا الرَّأيِ يَكونُ (تَفَكَّرَ) و (عَرَفَ) فِعْلَيْن يَتَضَمَّنانِ مَعْنى مَا يَتَعَدَّى إلى اثنين،وقد سَدَّت الجُمْلةُ مَسَدَّ المَفْعُولين (1) . وذَهَبَ السِّيْرَافِيّ وجَمَاعَةٌ إلى أَنَّه يَجُوزُ التّعْليقُ في أَفْعَالِ القُلوبِ مُطلقاً سَواءً كَانَ ممّا يُلغَى أو ممّا لا يُلغَى (2) . والذي أَرَاه أَنَّ أَمْرَ الإلغَاءِ والتَّعْلِيقِ جَائِزٌ في كُلِّ فِعْلٍ يَدْخُلُ عَلى الجُمْلَةِ الاسْمِيَّةِ، فإِذا جَازَ الإلغَاءُ والتَّعْلِيقُ في نَواسِخِ الجُمْلَةِ الاسْمِيَّةِ جَازَ في غَيْرِها مِنْ الأفْعَالِ التي تُحْمَلُ عَلَيها في دُخُولِها عَلى المُبْتَدأ والخَبَرِ، وإذا كَانَتْ فِكْرَةُ التَّعْلِيقِ جَائِزَةٌ في الأفْعَالِ النَّواسِخِ والمَحْمُولَةِ عَلَيْها فلا أَرَى ضَيْراً مِنْ تَعْلِيقِ الأفْعَالِ التي لمْ يَرِدْ فيها الإلْغَاءُ، وذلك بِحَمْلِها عَلى غَيْرِها مِنْ الأفْعَالِ، ومَا ذَهَبَ إليه السِّيْرَافِيُّ دَعَامَةٌ لِرَأيِ أبي الحَسَن بنِ البَاذشِ. الأصل في واو المَفْعُول معه   (1) انظر هذه المسألة في ارتشاف الضرب 3/74. (2) انظر ارتشاف الضرب 3/74. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 5 ذَهَبَ الزَّجَّاجِيُّ في الجُمَلِ إلى مَنْعِ رَفْعِ ما بَعْدَ الواوِ في قولك: (اسْتَوى الماءُ والخَشَبَةَ) فأَوْجَبَ النَّصْبَ (1) ، وخَالفَهُ أبو الحَسَنِ بنِ الباذِش الغرناطي فهو يَرى أَنَّ أَصْلَ الواوِ في هذا المَوْضعِ هو العَطْفُ، ونَقَلَ إِجْمَاعَ النُّحَاةِ على هذا الأصْلِ (2) ، ويَرى أنّه لا يَكونُ النصبُ على المَفْعُوليَّةِ إلاّ في بَعضِ المَعْطوفِ، وكَأنَّ ابنَ الباذِش لَمَحَ في كَلامِ الزَّجَّاجيِّ عَدَمَ إِقْرارِه بأَنَّ أَصْلَ الواوِ العَطْفُ. وقد نَقَلَ أبو حيَّانَ في التَّذييلِ نَصَّ رَدِّ ابنِ الباذِش على الزَّجّاجيِّ فقال (3) : " وقد ادَّعَى الإجْمَاعَ على ذلك أبو الحَسَنِ بنُ الباذِش، قال: ويَمْتَنِعُ بإِجْماعٍ أَنْ يَكونَ المَفْعُولُ مَعَه غَيرَ مَنْقولٍ من العَطْفِ،فلا يكونُ فيه إلاّ النَّصيبُ في شيءٍ مِنْ الأفْعَالِ كَمَا زَعَمَ أبو القاسم يَعْني الزَّجّاجيَّ في قولهم: (اسْتَوى الماءُ والخَشَبَةَ) أنّه لا يَجوزُ فيهِ إلاّ النَّصْبَ؛ لأنَّ المَعْنى: ساوى الماءُ الخَشَبَةَ، وهذا خِلافُ ما البابُ عَليه مِنْ أنَّ بَعضَ المَعْطوفِ هو الذي يَجوزُ فيه النَّصْبُ. انتهى ".   (1) انظر الجمل 317. (2) انظر ارتشاف الضرب 2/286،والتذييل 3/لوحة201. (3) التذييل 3/لوحة201. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 6 وأُقِرُّ مَع ابن الباذِشِ أنَّ الأصْلَ في هذه الواو هو العطفُ،ولكنَّها في هذا البابِ تحملُ مدلولاً آخرَ يَخْتلِفُ عَنْ مَدْلولِها في العَطْفِ،كما أُ قِرُّ معَه أنَّه لا يَجُوزُ النَّصْبُ على المَفْعُوليَّةِ إِلاّ في القَليلِ مِنْ الأفعالِ،أمّا قوله: (اسْتَوى الماءُ والخَشَبَةَ) ففيه أَمْران: إِنْ قصَدَ المتَكَلِّمُ أنَّ (اسْتَوى) بمَعْنى:ارْتَفَعَ أو اسْتَقامَ،فلا يَجُوزُ إلاّ النَّصْبُ على المَعِيَّةِ، وإنْ أَرادَ أنّ (اسْتَوى) بمَعْنى: تَسَاوَى جَازَ العَطفُ،فالأوّلُ ما أَرادَه الزّجّاجيُّ،والثاني ما قَصَدَه ابنَ الباذِشِ. ثانياً: العامل النحوي العامل في المَفْعُول معه تَابَعَ ابنُ الباذِش سِيْبَوَيْه وجُمْهُورَ البَصْرِيِّين في العَامِلِ في المَفْعُولِ مَعَه، فهو يَرى أَنَّ العَامِلَ فيه الفِعْلُ بِتَوَسُّطِ الواوِ، ويُشَبِّهُ ابنُ الباذِش هذا العَمَلَ بعَمَلِ الفِعْلِ في المُسْتَثْنى بواسِطةِ أَداةِ الاسْتِثناءِ، ويَرى أَيْضاً أَنَّه لا يَعْمَلُ في المَفْعُولِ مَعَه إلاّ الفِعْلُ، وعَزا ذلك إلى سِيْبَوَيْه (1) . وقد نَقلَ أبُو حَيَّانَ قولَ ابنِ الباذِش في التذييلِ فقال (2) : " وقال أبو الحَسَن بنُ الباذِش: المَفْعُولُ مَعَه يَعْمَلُ فيه الفِعْلُ بِتَوَسُّطِ الواوِ بِمَنْزِلَةِ حَرْفِ الاسْتثناءِ، إلاّ أَنَّ حَرْفَ الاسْتِثناءِ يُسَلّطُ الفِعْلُ ومعنى الفِعْلِ، ولا يُسَلّطُ الواوَ بمَعْنى مَع إلاّ الفِعْلُ عِنْدَ سِيْبَوَيْه، فهي مَتْروكَةٌ على العَطفِ أَبَداً إِلاّ في الفِعْلِ فإِنَّها تُنْقَلُ مِنْ العَطفِ إلى التّعْدِيَةِ وتَسَلُّطِ الفِعْلِ.انتهى ".   (1) انظر رأيه في التذييل 3/لوحة201،وارتشاف الضرب 2/286. (2) التذييل 3/لوحة201. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 7 وهذا هو رَأيُ سِيْبَوَيْه، قال (1) : " والواوُ لمْ تُغَيِّرْ المَعْنى، ولكنَّها تُعْمِلُ في الاسْمِ ما قَبْلها "، ولا يُجِيزُ سِيْبَوَيْه عَمَلَ المَعْنى، وصَرَّحَ بذلكَ في قوله (2) : " وزَعَمُوا أَنَّ ناساً يَقولون: كَيْفَ أَنْتَ وزَيْداً، ومَا أَنْتَ وزَيْداً، وهو قَليلٌ في كَلامِ العَرَبِ، ولمْ يَحْمِلُوا الكَلامَ عَلى (مَا) ولا (كَيْفَ) ولكِنَّهُم حَمَلُوه عَلى الفِعْلِ، عَلى شيءٍ لو ظَهَرَ حَتّى يَلْفِظوا بِه لمْ يَنْقُضْ مَا أَرَادُوا مِنْ المَعْنى "، فأَضْمَرَ سِيْبَوَيْه فِعْلاً، فكَأَنَّكَ قلتَ: ما كُنْتَ وزَيْداً.هذا هو رَأيُ سِيْبَوَيْه، وتابَعَه فيه ابنُ الباذِش، وأَخَذَ بِهِ كَثيرٌ مِنْ النُّحَاةِ مِنْهُم ابنُ بابْشاذ (3) والصَّيْمَريّ (4) وابنُ مالك (5) . أمّا الفَارِسِيُّ فالمَنْسُوبُ إليه جَوازُ عَمَلِ المَعْنى (6) ، مُحْتَجّاً بقولِ الشاعِرِ: لا تَحْبِسَنَّكَ أَثْوَابِي فَقَدْ جُمِعَتْ هذا رِدَاِئي مَطْوِيّاً وسِرْبَالا (7)   (1) الكتاب1/297. (2) الكتاب 1/303. (3) انظر شرح المقدّمة المحسبة310. (4) انظر التبصرة والتذكرة256. (5) انظر التسهيل 99، وشرح التسهيل2/248. (6) انظر شرح التسهيل2/248، وتوضيح المقاصد 2/97، وارتشاف الضرب 2/285،والأشموني 2/136، والهمع 3/238، وشرح التصريح1/343،ولم أجده في كتبه التي تيسر لي الاطلاع عليها. (7) لم أعثر على قائله،والشاهد فيه نصب (سربالا) على أنه مفعول معه، وهو منصوب باسم الإشارة عند الفَارِسِيّ، وقد ورد الشاهد بلا نسبة في شرح التسهيل 2/248، وابن الناظم 110،وارتشاف الضرب 2/286،والأشموني 2/136،والهمع 3/238، وشرح التصريح 1/343. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 8 وفي هذه المَسْأَلَةِ آراءٌ أُخْرى، مِنْها رَأيُ الكُوفَيّين، فهُمْ يَرَونَ أَنَّ العَامِلَ مَعْنَويٌّ، وهو الخِلافُ أو الصَّرْفُ (1) ، ومِنْها رَأيُ الأخْفَشِ الأوْسَطِ حَيْثُ ذَهَبَ إِلى أَنَّ مَا بَعْدَ الواوِ يَنْتَصِبُ انْتِصَابَ (مَعْ) ، فهو مَنْصُوبٌ عَلى الظرْفِيَّةِ (2) ، ومِنْها مَا نُسِبَ إلى الزَّجَّاجِ وهو أَنَّ المَفْعُولَ مَعَه مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ بَعْدَ الواوِ،تَقْدِيرُه: (لابَسَ) (3) ،وذَهَبَ الجُرْجانِيُّ في جُمَلِه وعَوامِلِه إلى أنَّه مَنْصُوبٌ بالواوِ نَفْسِها (4) ، ونُسِبَ للصَّيْمَرِيّ أنَّه يَنْتَصِبُ عَنْ تَمَامِ الكَلامِ كَما في التَّمْييزِ (5) ،ولمْ أَجِدْ هذا الرأيَ في كِتابِه،وممّا نُسِبَ إلى الخَليلِ أَنَّ الاسمَ بَعْدَ الواوِ انْتَصَبَ بنَزْعِ الخَافِضِ،وهو (مَعْ) (6) ، وآخِرُ هذه الآراءِ مَا ذَهَبَ إليه الخَوارِزْمِيُّ في التَّخْمِيرِ فقد صَرَّحَ فيه أَنَّ هذه الواوَ هي واوُ الحالِ، وأَنَّ ما بَعْدَها مَنْصُوبٌ على الحَالِ (7) .   (1) انظر رأيهم في معاني القرآن للفراء 1/33،والإنصاف 248،وشرح الرضي 1/ 195،وائتلاف النصرة36. (2) انظر الإنصاف 248،وشرح الرضي 1/195، وارتشاف الضرب 2/286. (3) انظر الإنصاف248، وشرح الرضي 1/195،وشفاء العليل 489،وارتشاف الضرب 2/286،والهمع 3/237. (4) انظر الجمل للجرجاني76، وشرح العوامل للأزهري 187. (5) انظر ارتشاف الضرب 2/285،والهمع 3/239. (6) انظر كشف المشكل 1451،والتهذيب الوسيط181. (7) انظر التخمير 1/ 408. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 9 هذه هي آراءُ النُّحَاةِ في هذه المَسْأَلَةِ،وهي -كَمَا يُلاحَظُ - كَثيرةٌ، وكُلُّها آراءٌ مُحْتَمِلَةٌ للصَّوابِ،وأَخُصُّ مِنْ هذه الآراءِ رَأيُ صَاحِبِ التَّخْميرِ، فالمَعْنى يُرْشِدُ إلى الحَالِ، فقولُكَ: (جَاءَ البَرْدُ والطَّيَالِسَةَ) مَعْناهُ:جَاءَ البَرْدُ مَقْرُوناً مَعْ الطَّيَالِسَةِ، كَمَا أَنَّ الحَالَ جَاءَتْ في القُرآنِ الكَريمَ في مَعْنى المَفْعُولِ مَعَه، وذلك قَوْلُه تَعالى: " فَمَا لَهُمْ عَنْ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِين " {المدثر 49} فالمَعْنى: مَا لَهُم والإعْراضِ عَنْ التَّذْكِرَةِ،ومَعْ كَثْرَةِ الإشاراتِ التي تَدُلُّ عَلى صِحَّةِ رَأْيِهِ إلاّ أنَّ المَنْطِقَ الُّلغويَّ يَرْفُضُهُ؛ فالقَوْلُ بأَنَّ الواوَ واوُ الحَالِ يَسْتَدْعِي أنْ يَكُونَ بَعْدَها جُمْلةٌ اسْمِيَّةٌ صَدْرُها مُبْتدأ مَرْفُوعٌ، والظاهَرُ أَمَامَنا أَنَّ مَا بَعْدَها مَنْصُوبٌ، ولذلكَ أَرى أَنَّ أَقْوى الآراءِ وأَقْرَبَها إلى الصَّوابِ مَا ذَهَبَ إليه الفَارِسِيُّ مِنْ جَوازِ عَمَلِ المَعْنى مُضَافاً إلى عَمَل الفِعْلِ بِتَوَسُّطِ الواوِ. عامل النصب في المُسْتَثْنى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 10 للنُّحاةِ في هذه المَسْأَلَةِ آراء كَثيرَةٌ (1) ،ففي ناصبِ المُسْتَثْنى ثمانِيَةُ آراءٍ،نُسِبَ أَرْبَعَةٌ مِنْها لِسِيْبَوَيْه،وقد كانَ لِعَبارَةِ سِيْبَوَيْه مُتَعَدِّدَةِ الوُجُوهِ دَوْرٌ رَئيسٌ في هذا الخِلافِ وتَعَدُّدِ الآراءِ، وكَانَ أبُو الحَسَنِ بنُ الباذِش أَحَدَ العُلَماءِ الذين حَاوَلوا فهمَ عِبارَةِ سِيْبَوَيْه وأَمْعَنوا النَّظَرَ فيها. أمّا الآراءُ التي نُسِبَت إلى سِيْبَوَيْه وفُهِمَت مِنْ عِبارَتِه فأَوُّلُها: النَّصْبُ عَنْ تَمَامِ الكَلامِ،وهو اخْتِيارُ ابنِ عُصْفُور (2) ،وهذا يُفْهَمُ من قَوْلِ سِيْبَوَيْه (3) : "عَامِلاً فيه ما قَبْلَه كَما تَعْمَلُ عِشْرونَ فيما بَعْدَها إذا قُلْتَ: عِشْرونَ دِرْهَما " فعَامِلُ النَّصْبِ في التَّمْييزِ عندَه هو (عِشْرونَ) ؛ لأنَّ الدِّرْهَمَ مِنْ تَتِمَّتِه، وقد شَبَّه سِيْبَوَيْه انْتِصَابَ التَّمْييزِ في هذا المَوْضِعِ بالمَنْصوبِ في قولِك: (هو أَحْسَنُ مِنْك وَجْهاً) ،فالوَجْهُ مِنْ تَتِمَّةِ (أَحْسَنَ) كَما أَنَّ الدِّرْهَمَ كَذلِك (4) ،وإذا كانَ الدِّرْهَمُ يَنْتَصِبُ بِهذا الشَّكْلِ فالمُسْتَثْنى كذلك.   (1) انظر الخلاف في هذه المسألة في الإنصاف1/260 وأسرار العربية201 وشرح التسهيل2/271 والإيضاح في شرح المفصل 1/361 وشرح الرضي 1/226 وابن يعيش 2/76 وشرح الجمل لابن خروف 958 وشرح الجمل لابن عصفور2/252 والمساعد1/555 والأشموني2/143 وارتشاف الضرب2/300 وشفاء العليل 499 والهمع 3/252 وشرح التصريح 1/349 (2) انظر شرح الجمل لابن عصفور 2/254 (3) الكتاب 2/310 (4) انظر شرح التصريح 1/349 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 11 وثانيها: ما ذَهَبَ إليه ابنُ خَرُوف، قالَ في شَرْحِ الجُمَلِ (1) : " والعَامِل في الاسْمِ المَنْصُوبِ في الصَّحِيحِ مِنْ الأقْوالِ وهو قولُ سِيْبَوَيْه الفِعْلُ الأوَّلُ "،وهذا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ سِيْبَوَيْه (2) : " عامِلاً فيهِ ما قَبْلَه " وأَبْرَزُ العَوامِلِ المَوْجُودَةِ قَبْلَه هو الفِعْلُ. وثالثها: اخْتِيارُ ابنِ مَالك (3) ،فالعَامِلُ عندَه هو (إلاّ) ، ونَسَبَه في شَرْحِ التسْهيلِ لسِيْبَوَيْه والمُبَرّدِ والجُرْجانيِّ،ويُمْكِنُ أنْ يُفْهَمَ هذا مِنْ عِبارَةِ سِيْبَوَيْه السَّابِقَةِ، واحْتَجَّ ابنُ مالك بأَنَّ (إلاّ) مُخْتَصَّةٌ بِدُخولِها على الاسْمِ ولَيْسَت جُزءاً منه، فعَمِلَت فيه ك (إن) ولا التَّبْرِئَةِ.   (1) شرح الجمل لابن خروف 958 (2) الكتاب 2/ 310 (3) انظر رأي ابن مالك في التسهيل 101 وشرح التسهيل 2/271 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 12 ورابعها: اخْتِيارُ ابنِ الباذِش (1) ، والعَامِل عنْدَه هو الفِعْلُ المُتَقَدِّمُ بواسِطةِ (إلاّ) ، وهو الرأيُ الذي أَخَذَ بِه الجُمْهورُ، ونُسِبَ إلى سِيْبَوَيْه (2) والسِّيْرَافِيِّ والفَارِسِيِّ وابنِ بابْشَاذ وابنِ الضَّائِعِ والرُّنْديِّ وغيرِهم مِنْ النُّحَاة (3) ، واسْتَدَلَّ النُّحَاةُ على ذلك بِعِدَّةِ أُمُورٍ مِنْها (4) : 1 القِياسُ عَلى المَفْعُول مَعَه، فالنَّاصِبُ لَه الفِعْلُ بِتَقْوِيَةِ الواوِ. 2 التَّشْبِيهُ بالمَفْعُولِ، فقد جَاءَ المُسْتَثْنى بَعْدَ تَمَامِ الكَلامِ كَمَا يَأتِي المَفْعُولُ بَعْدَ تَمَامِ الكَلامِ. 3 العَمَلُ بالأصَالةِ للأفْعَالِ، فإذا وُجِدَ الفِعْلُ كانَ العَمَلُ مُضَافاً إليه، وها هُنا وُجِدَ الفِعْلُ أو ما يُشَابِهُهُ، ولكنَّهُ لمَّا كانَ لا يَتَعَدَّى قُوِّيَ بإلاّ. هذه هي آراءُ النُّحَاةِ التي يُمْكِنُ فَهْمُها مِنْ عِبَارَةِ سِيْبَوَيْه، والتي فَهِمَها النُّحَاةُ منها، وللنُّحَاةِ آراءٌ أُخْرى غيرُ هذه الأرْبَعَةِ أُوجِزُها فيمايأتي: رأيُ المُبَرِّدِ، قالَ في المُقْتَضَبِ (5) : "وذلك لأنّكَ لمَّا قُلتَ: (جَاءَني القومُ) وَقَعَ عِنْدَ السَّامِعِ أنَّ (زَيْداً) فيهم،فلمّا قُلتَ: (إِلاّ زَيداً) كَانَتْ (إلاّ) بَدَلاً مِنْ قولك: أَعْني زَيْداً وأَسْتَثني في مَنْ جَاءَني زَيْداً، فكانَتْ بَدَلاً مِنْ الفِعْلِ".   (1) انظر الهمع 3/252، وشرح التصريح 1/349. (2) انظر ارتشاف الضرب2/ 300. (3) انظر الهمع 3/252،وشرح التصريح 1/349. (4) انظر الهمع 3/ 252253. (5) المقتضب 4/390. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 13 واخْتَلَفَ النُّحَاةُ في تَفْسيرِ كَلامِ المُبَرِّدِ، فمِنْهُم مَنْ نَسَبَ إلَيْه أَنَّ العَامِل هو مَعْنَى الاسْتِثناءِ المَوْجُودُ في (إلاّ) (1) ،ومِنْهُم مَنْ نَقَلَ عَنْه أَنَّ المُسْتَثْنى مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ بَعْدَ (إلاّ) تَقدِيرُه: أَسْتَثني أو أَعْني (2) ، ومِنْهُم مَنْ نَسَبَ إليه أَنَّ العَامِل هو مَعْنى (إلاّ) لِكَوْنِها بِمَعْنى أَسْتَثني (3) ، وقد نُسِبَتْ جَميعُ هذه الآراءِ إلى الزَّجَّاجِ أَيْضاً (4) . رَأيُ الفَرّاءِ، يَرى أَنَّ (إِلاّ) مُرَكَّبَةٌ مِنْ (إِنْ) و (لا) ، فالنَّصْبُ ب (إنْ) والرَّفْعُ ب (لا) (5) . رَأيُ الكِسائِيِّ، نُسِبَ إليه أَنَّ المُسْتَثْنى مَنْصُوبٌ ب (أنَّ) مُقَدَّرَةٍ بَعْدَ (إلاّ) مَحْذُوفَةِ الخَبَرِ (6) . رَأيٌ آخَرُ للكِسائِيِّ، نُسِبَ إليه أَيْضاً أَنَّ العَامِلَ فيه عَامِلٌ مَعْنَويٌّ،وهو المُخَالَفَةُ (7) ،وهذا العَامِلُ هو نفسُه مُصْطلحُ الخِلافِ أو الصَّرفِ أو الخُروجِ الذي يَسْتَعْمِلُه الكوفيون كثيراً في تَسْويغِ الحَرَكَةِ الإعْرابِيَّةِ. نَصْبُ المُسْتَثْنى بَعْدَ الجُمْلةِ الاسْمِيَّةِ، ذَكَرَ ابنُ خَروفٍ في شَرْحِه على الجُمَلِ أَنَّ الابْتِداءَ بِتَوَسُّطِ (إلاّ) هو العَامِلُ في المُسْتَثْنى (8) ،ويَرى ابنُ الحاجِبِ أَنَّ المُسْتَثْنى منه بِتَوَسُّطِ (إلاّ) هو العَامِلُ (9) .   (1) انظر شرح الرضي1/226. (2) انظر ارتشاف الضرب 2/300، والأشموني 2/143، وشرح الرضي 1/227، والهمع 3/253. (3) انظر شرح التصريح 1/349. (4) انظر ارتشاف الضرب 2/300، وشرح الرضي 1/227، والهمع 3/ 253،وشرح التصريح 1/349. (5) انظر معاني القرآن للفراء2/24. (6) انظر الإنصاف 265،والهمع 3/252. (7) انظر الهمع 3/252. (8) انظر شرح الجمل لابن خروف 958. (9) انظر الإيضاح في شرح المفصّل 1/363،وشرح الرضي 1/227. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 14 هذه هي آراءُ النُّحَاةِ في العَامِلِ في المُسْتَثْنى، ولَعَلَّه يُلاحَظُ ما في هذه الآراءِ مِنْ اضْطِرابٍ،ويُلاحَظُ أيضاً أَنَّ مِنْ أَسْبابِ هذا الاضْطِرابِ العِبَارَةَ المُبْهَمَةَ لسِيْبَوَيْه أو المُبَرِّدِ وغيرِهما مِنْ النُّحَاةِ،ولو تَتَبَّعْتَ هذه الآراءَ وَجَدْتَ أنَّه قد تَمَّ الاعْتِراضُ على جَميعِها،وأَرى أَنَّ أقْرَبَ هذه الآراءِ قُبُولاً هو ما اخْتارَه ابنُ الباذِش وهو رَأيُ الجُمْهورِ. العامل في المضاف إليه للنُّحَاةِ في عَامِلِ الجَرِّ في المُضَافِ إليه ثلاثَةُ آراءٍ، هي: 1 المضافُ. 2 الإضافَةُ. 3 الحَرفُ. أمّا الأوَّلُ فهو مَذْهَبُ سِيْبَوَيْه (1) ، ولِهذا الرَّأيِ تَوْجِيهان،أَحَدُهُما أَنَّ العَامِلَ هو الاسْمُ المُضَافُ بنَفْسِه، وهو مَا أَخَذَ به الرَّضيُّ (2) ، والثاني أنَّ العَامِلَ هو الاسْمُ المُضَافُ بِواسِطَةِ نِيابَتِه عَنْ حَرْفِ الجَرِّ المُقَدَّرِ، وهو مِا ذَهَبَ إليه أبو الحَسَن بنُ الباذِش الغرناطيُّ حَيْثُ نُسِبَ إليه أَنَّ العَامِلَ في المُضَافِ إليه حَرْفٌ مُقَدَّرٌ نَابَ عَنْه المُضَافُ (3) . ويُفْتَرَضُ هنا أَنْ يَدُلَّ المُضَافُ عَلى الحَرْفِ المُقَدَّرِ حَتّى يَنُوبَ عَنْه، فلا يُمْكِنُ للاسْمِ أنْ يَنُوبَ عَنْ الحَرْفِ العَامِلِ إلاّ إذا تَضَمَّنَ هذا الاسْمُ مَعْنى الحَرْفِ وهو الإضَافَةُ، والذي أراه أنَّ المُضَافَ لا يَدُلُّ عَلى الحَرْفِ المُقَدَّرِ، فمَعْنى اللامِ أو (مِنْ) لمْ يَحْدُثْ مِنْ المُضَافِ، وإنَّما مِنْ النِّسْبَةِ المَوْجُودَةِ بينَ المُضَافِ والمُضافِ إليه.   (1) انظر الكتاب 1/177. (2) انظر شرح الرضي 1/25. (3) انظر شرح التصريح2/25. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 15 واحْتَجَّ الإمامُ يَحْيى بنُ حَمْزَةَ لهذا الرأي فقال (1) : " والحَقُّ عندَنا في هذه المَسْألَةِ أَنَّ العَامِلَ في المُضَافِ إليه ليسَ الحَرْفُ نفْسُه،ولا الاسْمُ نَفْسُه؛لأنّه يَلزَمُ مَا ذَكَرُوه، وإنّما العَمَلُ يَكُونُ للاسْمِ بِواسِطَةِ نِيَابَتِه عَنْ الحَرْفِ، فعَلى هذا لا يَلْزَمُ إعْمَالُ الاسْمِ؛لأنّه ليسَ عَامِلاً بنَفْسِه، ولا يَلزَمُ عَليه إعْمَالُ الحَرْفِ وهو مُضْمَرٌ،فإنَّ الاسْمَ قد نَابَ عَنْه، ولا يَلزَمُ عليه أنْ يَكُونَ العَامِلُ مَعْنَويّاً؛ فإنَّ الاسْمَ ها هنا لَفْظِيٌّ،فهذا هو الذي يَجْمَعُ المَذاهِبَ ولا يَلزَمُ منه فَسادٌ ". أمّا الرأيُ الثاني فهو مَذْهَبُ الأخْفَشِ (2) والسُّهَيْليِّ (3) وأبي حيَّانَ (4) ، واحْتَجُّوا لِهذا الرَّأيِ بأنَّ النِّسْبَةَ المَوْجُودَةَ بَينَ المُضَافِ والمُضَافِ إليه هي المُعَرِّفَةُ للمُضَافِ، فهو لا يَقومُ بعَمَلِ التَّعْريفِ كَمَا أَنَّ الحَرْفَ المُقَدَّرَ لا يَقومُ بذلك (5) . وأمّا الرأيُ الثالثُ فهو مَذْهَبُ الزَّجَّاجِ (6) ،واخْتَلفُوا في العِبارَةِ، فقيلَ: حَرْفٌ مُقَدَّرٌ، وحَرْفٌ مَنْوِيٌّ، وحَرْفٌ مُضَمَّنٌ مَعْنى الإضَافَةِ، ومَعْنى الحَرْفِ،ووَجْهُ هذا الرأيِ هو المَعْنى، فلا يَخْلو في كُلِّ إِضَافَةٍ حَقيقِيَّةٍ مِنْ تَقْدِيرِ حَرْفِ جَرٍّ مُناسِبٍ، والمَعْروفُ عندَ النُّحَاةِ أنّه يُقَدَّرُ أحَدُ ثلاثةِ حُروفٍ، هي: اللامُ و (مِنْ) و (في) (7) .   (1) المحصل 2/لوحة71. (2) انظر الهمع 4/265. (3) انظر شرح التصريح 2/25. (4) انظر النكت الحسان 117. (5) انظر النكت الحسان 117. (6) انظر الأشموني 2/237،والهمع 4/265،وشرح التصريح 2/25. (7) انظر ابن يعيش 2/117،وارتشاف الضرب 2/501،والهمع4/266. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 16 والذي يَراهُ البَاحِثُ أنَّ وَظيفَةَ المُضَافِ إليهِ هي تَحْديدُ وتَخْصيصُ الاسْمِ الذي قَبْلَه،كَمَا أنَّ بينَ الاسْمَينِ علاقَةً تَلازُمِيَّةً بحَيثُ يَرْتَبِطُ المُضَافُ إليه بالمُضافِ مِنْ حَيْثُ المَعْنى، فلا يُفْهَمُ مِنْ وُجُودِ المُضَافِ إليه شيئاً إلاّ بارتِبَاطِه مَعْ الاسْمِ الذي خَصَّصَه، وهذا يَدْفَعُني إلى تَرْجيحِ رَأيِ الأخْفَشِ، فالعَامِلُ فيه هو الإضافَةُ، وهو المَعْنى المُسْتَفادُ مِنْ النِّسْبَةِ بينَ المُضَافِ والمُضَاف إليه. العامل في (بَيْنَا) و (إذْ) الفجائية ذَهَبَ سِيْبَوَيْه إِلى أَنَّ (إذْ) في قَوْلِكَ: (بَيْنا زَيْدٌ قَائِمٌ إذْ جَاءَ عَمْرو) و (بَيْنَمَا زَيْدٌ قَائِمٌ إذْ جَاءَ عَمْروٌ) للمُفَاجَأَةِ (1) ، واخْتَلَفَ النُّحَاةُ في (إِذْ) ، فرَأى ابنُ جِنِّي أنَّها ظَرْفِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ (2) ، ونَسَبَ الرَّضيُّ هذا الرأيَ للزَّجَّاجِ (3) ، وأَخَذَ ابنُ الباذِش الغَرناطيُّ بِهِ (4) . وهناك تَأْويلاتٌ عِدَّةٌ للجُمْلَةِ، فَقَدَّروها: جَاءَ عَمْروٌ في زَمَنِ بَيْنَ أَوْقاتِ قِيامِي (5) ،وعَلى هذا التَّقْديرِ تَكُونُ الجُمْلَةُ فِعْلِيَّةً، والعَامِلُ في (إِذْ) هو الفِعْلُ الذي يَليها، أمّا العَامِلُ في (بَيْنَ) فَفِعْلٌ يُفَسِّرُه الفِعْلُ المَذْكُورُ، وهذا هو رَأيُ ابنُ جِنِّي وابنِ الباذِش (6) .   (1) انظر سِيْبَوَيْه 4/232. (2) انظر سر صناعة الإعراب255. (3) انظر شرح الرضي1/273. (4) انظر ارتشاف الضرب2/235،والهمع 3/171،وحاشية الصبان 2/253. (5) انظر حاشية الصبان 2/253. (6) انظر مغني اللبيب 1/84، والجنى الداني190،وارتشاف الضرب2 /235، وحاشية الصبان 2/253. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 17 وقَدَّروا الجُمْلَةَ أَيْضاً: وَقْتُ مَجيءِ عَمْروٍ حَاصِلٌ بَيْنَ أَوْقاتِ قِيامِي،أو بَيْنَ أَوْقاتِ قِيامِي مَجيءُ زَيْدٍ، وعَلى هذا التَّقْديرِ تَكُونُ الجُمْلَةُ اسْمِيَّةً، والعَامِلُ في (إِذْ) و (بَيْنا) هو الابْتِداءُ (1) . ويَذْهَبُ أبو عليٍّ الشلوبين إلى أَنَّ العَامِلَ في (بَيْنا) ما يُفْهَمُ مِنْ مَعْنى الكَلامِ، و (إِذْ) بَدَلٌ مِنْ (بَيْنَ) (2) ، والتَّقديرُ:حِينَ زَيْدٌ قَائِمٌ حِينَ جَاءَ عَمْروٌ (3) ، فلا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ العَامِلُ في (إِذْ) هو الفِعْلُ عِندَ الشلوبين. وفي العَامِلِ في (إِذْ) و (بَيْنا) آراءٌ أُخْرى لا تَخْرُجُ عَمَّا ذَكَرْتُه (4) ، كَمَا أَنَّ في (إِذْ) آراءٌ أخْرى، فمِنْهُم مَنْ يَرى أَنَّها للظرفِيَّةِ المَكَانِيَّةِ كالمُبَرِّدِ (5) ،ومِنْهُم مَنْ يَرى أَنَّها حَرْفُ مُفاجَأَةٍ، وهو رأيُ ابنِ برّي (6) ،ويَرى بَعْضُهم أنّها زائِدَةٌ (7) .   (1) انظر مغني البيب1/84. (2) انظرمغني اللبيب 1/84،والجنى الداني 190، وارتشاف الضرب 2 /235. (3) انظر ارتشاف الضرب 2/ 235. (4) انظرالجنى الداني 190، ومغني اللبيب 1/84. (5) انظر شرح الرضي1/272. (6) انظر شرح الرضي 1/272. (7) انظر شرح الرضي 1/272،والجنى الداني 190،ومغني اللبيب 1/84. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 18 والحَقُّ الذي أَرَاهُ أَنَّ هذه التَأويلاتِ لا تَدُلُّ عَلى وَاقِعِ المَعْنى، وَلا تَخْدمُه، فجُمْلَةُ (بَيْنَما زَيْدٌ قَائِمٌ إِذْ جَاءَ عَمْرو) لا يُعَادِلُها في المَعْنى تَأويلُ ابنُ جِنِّي وابنُ الباذِشِ الغَرْناطيِّ الذي هو (جَاءَ عَمْروٌ في زَمَنِ أَوْقاتِ قِيامِي) ،ولا يُعَادِلُها أَيْضاً تَقْديرُ الجُمْلَةِ الاسْمِيَّةِ: (وَقْتُ مَجيءِ عَمْرٍو حَاصِلٌ بَيْنَ أَوْقاتِ قِيامِي) ، ولا تَقْديرُ الشلوبين: (حِينَ زَيْدٌ قائِمٌ حِينَ جَاءَ عَمْروٌ) ،وأَرى أَنَّ الجُمْلَةَ لا تَحْتاجُ لِكُلِّ هذه التَّأويلاتِ، فالمَعْنى: (جَاءَ عَمْروٌ بَيْنَما زَيْدٌ قائِمٌ) فالجُمْلَةُ فِعْلِيَّةٌ، كَمَا أَرَى أَنَّ الزَّمَانَ الذي رَآهُ ابنُ جِنّي وابنُ الباذِشِ الغَرْناطِيِّ في (إِذْ) الفُجَائِيَّةِ يُفْهَمُ مِنْ (بَيْنَما) والتي هي في هذا المَوْضِعِ تَدُلُّ عَلى الزَّمَانِ،أَمَّا (إِذْ) الفُجَائِيَّةُ فرَأيُ المُبَرِّدِ فيها هو الصَّحيحُ،فالمُفَاجَأَةُ تَكونُ في المَكَان -غالباً- لا في الزّمَانِ، سَواءٌ كَانَتْ في (إِذْ) أو (إِذا) ، فالمَعْنى إذَنْ هو: في الوَقْتِ الذي كَانَ فيه زَيْدٌ قائِمٌ فاجَأَهُ مَجيءُ عَمْروٍ في المَكَانِ المَوْجودِ فيه،وهذا الرَّأيُ مَوْجُودٌ في (إذا) الفُجَائِيَّةِ عِنْدَ كَثيرٍ مِنْ النُّحَاةِ، مِنْهُم الخَوارِزمِيُّ، فهو يَرى أَنَّها مَكَانِيَّةٌ، والتقديرُ عِنْدَه: خَرَجْتُ فبِالحَضْرَةِ السَّبْعُ (1) . ثالثاً:العلَّة النحوية في بعض المسائل علّة بناء (ما) ونحوها   (1) انظر التخمير 1/ 268. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 19 من المعروفِ عندَ النُّحَاة أنَّ علّةَ بناءِ (مَنْ) و (ما) ونَحْوِهِما مشابهةُ الحرفِ (1) ، وقد جَزَمَ بِذلكَ ابنُ مالك (2) ، أمّا ابنُ الباذِش فيَرى أنّ (ما) كبعضِ الاسمِ، وبعضُ الاسمِ مبنيٌّ؛ لأنّ الإعرابَ لا يكونُ إلاّ في أواخِرِ الأسماءِ، ولكون (ما) بعضَ الاسمِ أو جزءاً منه وَجَبَ بِناؤُها (3) . وهذه العلةُ التي ذكرَها ابنُ الباذِش أشارَ إليها غيرُه من النُّحَاة، قال الوَرّاقُ في الحديثِ عن (ما) (4) :" وفي الخبرِ بمنزلةِ (الذي) فقد صارت كبَعْضِ اسمٍ، فوجَبَ بناؤها في جميعِ المَواضعِ ". علة امتناع نعت المَعْرِفَة بالنَّكِرَة والنَّكِرَة بالمَعْرِفَة يَرى ابنُ الباذِش أنَّ سببَ امتناعِ نعتِ النَّكِرَة بالمَعْرِفَة هو أنَّ من حَقِّ المَعْرِفَة التقديمَ على النَّكِرَةِ، وحَقُّ النَّعْتِ التَّأخُّرُ عن المنعوتِ فهُما مُتَدافِعان، أمّا امتناعُ نَعْتِ المَعْرِفَةِ بالنَّكِرَةِ فلأنّ نعتَ المَعْرِفَةِ لإزالةِ التَّنْكيرِ العارضِ فيها، والنَّكِرَةُ يلزَمُها التَّنْكيرُ، فلا تُزيلُ النَّكِرَةُ عن غيرِها ما لا يجوزُ أنْ يزولَ عنها (5) . والظاهِرُ أنَّ ابنَ الباذِشِ تابَعَ الرّبعيّ في هذه العلَّة، وقد نقلَ ابنُ برهان كَلامَ الربعي فقالَ (6) : " وقال علي بن عيسى:لا تُوصَفُ المَعْرِفَةُ إلا بمَعْرِفَةٍ؛ لأنَّ صِفَةَ المَعْرِفَةِ لإزالةِ الاشْتِراكِ العَارِضِ عَلى المَعْرِفَةِ، والنَّكِرَةُ لا تُزيلُ الاشْتِراكَ العَارِضَ. وحُكْمُ النَّكِرَةِ ألاّ توصَفَ إلاّ بِنَكِرَةٍ لأنَّ المَعْرِفَةَ أَحَقُّ بالتقديمِ".   (1) انظر الهمع 1/48 وشرح الجمل لابن خروف 1057 (2) انظر شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ ا /111 (3) انظر التذكرة 555 (4) علل النحو426 (5) انظر التذكرة 556 (6) شرح اللمع لابن برهان 1/203 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 20 أمّا الجَرْمِي فيَرَى أَنَّ المَعْرِفةَ وُصِفَتْ بالمَعْرِفةِ، والنَّكِرَةُ وُصِفتْ بالنَّكِرَةِ لأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما جِنْسٌ على حِيالِهِ (1) ،وهذا مَا أخَذَ بهِ الفارِسِيُّ في الإيضاحِ والمَسائِلِ المَنْثورَةِ (2) ، قالَ في المَسَائِلِ المَنثورةِ (3) : " وإنَّما امْتَنَعَ ذلكَ لأنَّ الوَصْفَ هو المَوْصُوفُ في الحَقيقةِ، ولَمَّا كَانَتْ النكرةُ تَقَعُ عَلى أشْخَاصٍ كَثيرَةٍ، فتدُلُّ على جنسٍ، وهو قولكَ: (مَا جَاءَني أَحَدٌ) و (مَا رَأيتُ أحَداً) ، فلو وَصَفْناه بمَعْرِفَةٍ لكُنّا قد جَعَلنا الذي هو جَمْعٌ واحِداً، وكَذلكَ لو وَصَفنا المَعْرِفَةَ بالنَّكِرَةِ لكُنّا قد جَعَلنا مَا هو واحِدٌ جَمْعاً، وهذا مُتَناقِضٌ"،وسَار على هذا النهجِ في التَّعْليلِ كَثيرٌ مِنْ النحاةِ (4) . ورَدَّ ابنُ خَروف هذا التَعْلِيلَ بأنّه يَلزَمُهُم ألاّ يُبْدَلَ أَحَدُهُما مِنْ الآخَرِ بَدَلَ الشيءِ مِنْ الشَّيءِ وهما لشيءٍ واحِدٍ؛ مِنْ حيثُ لا يَكُونُ الواحِدُ جَمْعاً،ولا فَرْقَ في هذا بينَ النَّعْتِ والبدَلِ (5) .   (1) انظر المسائل المنثورة43 (2) انظر الإيضاح286 والمسائل المنثورة 43 (3) المسائل المنثورة 43 (4) انظر شرح اللمع لابن برهان 1/202 وشرح التسهيل 3/307وابن يعيش3/58 (5) انظر شرح الجمل لابن خروف1/303 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 21 وهناكَ مِنْ العُلماءِ مَنْ أَجَازَ مَا مَنَعه غَيْرُهم،فالأخفشُ أَجَازَ وَصْفَ النَّكِرَةِ بالمَعْرِفَةِ عندَ تَخْصِيصِها مُسْتَدِلاً بقولِه تعالى:" فَآخَرانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهم الأوَّلِيَّانِ " {المائدة 107} ف (الأوَّلِيَّانِ) صِفَةٌ ل (آخَرانِ) (1) ،وجَوّزَ بَعْضُهم العكسَ مُطْلقاً،وذَهَبَ ابنُ الطّرَاوَةِ إلى جوازِ وَصْفِ المَعْرِفَةِ بالنّكِرَةِ إذا كَانَ الوَصْفُ خاصاً بالمَوْصوفِ (2) . وأَرَى أَنَّ أَمْرَ مَنْعِ وَصْفِ النَّكِرَةِ بالمَعْرِفَةِ والعكس لا يَتَعلّقُ بِكَونِ النَّكِرَةِ تدلُّ على جِنْسٍ، والمَعْرِفةُ تَدُلُّ عَلى مُفْرَدٍ،فالطّبيعَةُ العامَّةُ للنَّكِرَةِ والمَعْرِفَةِ لا عَلاقةَ لها بعِلّةِ المَنْعِ؛ بدَليلِ أَنَّ كَثيراً مِنْ النُّحاةِ قد أَجَازَ ذلكَ،كمَا أنَّ تعميمَ المَنْعِ غيرُ دَقيقٍ، فمَتى صارَتْ النَّكِرَةُ بمَنْزِلَةِ المَعْرِفَةِ وكانَ نَعْتُها بالمَعْرِفَةِ يُخَصِّصُها نُعِتَتْ، والعكس جائِزٌ، والذي أَراهُ أَنَّ الأمْرَ يَتَعَلَّقُ بطَبِيعَةِ المَعْرِفةِ والنَّكِرَةِ المَوْصُوفَةِ في النصِّ، ومَا يَدُلُّ على ذلك جَوازُ وَصْفِ النَّكِرَةِ المُخصّصة عندَ بَعْضِهم.   (1) انظر معاني القرآن1/266 (2) انظر المسألة في الهمع 5/172، 173 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 22 أَمَّا إِذا أَرَدْنا أَنْ نَذْهَبَ إلى الأصولِ فهي تَدُلُّ عَلى صِحَّةِ بَعْضِ مَا ذَهَبَ إليه الرّبْعي وابنُ الباذِش،فالأصولُ النَّحْويَّةُ تقولُ: إنّ الأصْلَ في المَعَارِفِ ألاّ تُوصَفَ مُطلقاً؛ لأنَّها مَوْضُوعَةٌ عَلى التَّخْصيصِ،لكنَّ طَبيعَةَ وَضْعِها ككَلِمَةٍ مَوْصُوفَةٍ جَعَلها تَحْتَاجُ إلى الصِّفَةِ،وهذه الطَّبيعَةُ هي أَنَّ هذِه المَعْرِفَةَ المُخَصَّصَةَ صَارَتْ تَحْتَاجُ إلى تَخْصِيصٍ جديدٍ،فأَشْبَهَتْ النَّكرةَ مِنْ هذا الوَجْه، فوُصِفَتْ بمَعْرِفةٍ، والأصْلُ في النَّكِرَةِ أَنْ تُوصَفَ لِكَونِها غيرَ مُخَصّصةٍ،والمَقصودُ مِنْ هذا الكَلامِ أَنَّ المَعْرِفةَ لا تُوصَفُ إلا لإزالةِ عَارِضٍ أَثَّرَ على تَخْصِيصِها السابقِ،أو تَنْعَتُها ثانياً وثالثاً لِتُؤكِّدَ تَخْصيصها، والنَّكِرةُ لا تُزيلُ العَارِضَ المَوجودَ، فلمْ تَنْعَتْ بها المَعْرِفَةَ، فقولك: (زيدٌ المُجتهدُ غائبٌ) مَيّزْتَ بالمُجتهدِ زيداً عن غيرِه من الزُّيودِ، فأَزَلْتَ الاشْتِراكَ،وإذا أَخَذْنا برَأْيِ الفارِسِيِّ وهو أنَّ المَوْصوفَ هو الصِّفَةُ في المَعْنى لقلنا: إنّ زيدأ هو المُجتهدُ،والمُجْتهدُ هو زيدٌ،وهذا غيرُ دقيقٍ،ويَرِدُ عليه بالإضَافَةِ إلى رَدّ ابنِ خَروفٍ أنّه لو كَانَ كَذلكَ لَمَا كانَ مِنْ الصِّفَةِ فائِدَةٌ، فهما واحدٌ،ولَمَا حَدَثَ تَبيينٌ وتَخْصيصٌ، وقد تحدث النحاة كثيرأ عن الخصوص والعموم بين النعت والمنعوت،فالأصل في "النعت أن يكون تعرِيفُهُ أنقصَ تعريفاً مِنْ المنعوت، ولا يجوز أن تنعت الاسم بالأخصّ " (1) ولِهذا كُلّه أَرى أَنَّ مَا ذَهَبَ إليه الرّبْعيُ وابنُ الباذِشِ صواباً، وهو رَأيُ جُمْلةٍ مِنْ النُّحَاةِ، مِنْهُم الوَرّاقُ (2) وابنُ خَروفٍ (3) والقَوّاسُ (4)   (1) علل النحو381 (2) انظر علل النحو380 (3) انظر شرح الجمل لابن خروف1/300 (4) انظر شرح ألفية ابن معطٍ 750 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 23 العلة الرافعة للاسم استعملَ النُّحَاة للدَّلالَةِ على عَمَلِ الفِعْل في الفاعلِ عباراتٍ عِدَّةً، فابنُ السَّرّاجِ يَسْتعملُ مُصْطلحَ (البناءِ) ،ويَرى أنَّ الفاعِلَ مَبْنيٌّ على الفِعْل، وأنّ هذا البناءَ هو العلَّةُ الرافِعَةُ للفاعِلِ،ويُوَضِّحُ ابنُ السَّرّاجِ مُرَادَه بهذه العِلَّةِ فيَقولُ (1) : " ومَعْنى قَوْلي: بَنَيْتُه على الفِعْل الذي بُنِي للفاعِلِ، أيْ: ذَكَرْتُ الفِعْل قبلَ الاسمِ؛ لأنّك لو أتيتَ بالفِعْل بعدَ الاسمِ لارتفَعَ الاسمُ بالابتداء " فظاهرُ عبارَتِهِ يَدُلُّ على أنّ الرفعَ في الفاعِلِ حَصَلَ من الفِعْل لكَوْنِه قد أتى بعده، ويَدُلُّ كلامُه عَلى أنّه ليسَ للمَعْنى دورٌ في الرَّفْعِ، فالبناءُ عندَه تركيبُ ألفاظٍ مُرَتَّبَةٍ بطريقةٍ مُعيَّنةٍ، فإذا انتَقَضَ هذا الترتيبُ بَطُلَ الرفعُ بعِلَّةِ البناءِ، فالعلّةُ في رفعِ الاسمِ في: (حَضَرَ مُحَمَّد) ليست هي العلّةَ في رفعِ الاسمِ في: (مُحَمَّد حَضَرَ) ،وهذا الرأيُ على خِلاف ما يَقْتَضيه المَعْنى. واستعملَ الفَارِسِيّ وغيرُه مُصْطلحَ (الإسنادِ) ، فالفاعِلُ مرفوعٌ لكون الفِعْل مسنداً إليه، قال (2) : " وصِفَتُه أنْ يُسْنَدَ الفِعْل إليه مُقدّماً عليه، ومثاله: (جَرَى الفرسُ) و (غَنِمَ الجيشُ) و (يَطيبُ الخَبَرُ) و (يَخْرُجُ عبدُ الله) وبهذا المَعْنى الذي ذَكَرْتُ ارتَفَعَ الفاعِلُ لا بأنّه أحْدثَ شيئاً على الحقيقةِ "، والظاهرُ أنّ مُصطلحَ البناءِ كَما استعمَله ابنُ السَّرّاجِ يَخْتَلِفُ عن مُصْطَلحِ الإسنادِ عندَ الفَارِسِيّ،فالترتيبُ عندَ ابنِ السَّرّاجِ يَتَعَلّقُ بعمليةِ البناءِ،بينما قد يَكونُ الإسنادُ صحيحاً من غيرِ ترتيبٍ،وإنّما يَكونُ التَّقديمُ شرطاً في عَمَلِ الفِعْل في الفاعِلِ.   (1) الأصول 1/72 (2) الإيضاح العضدي 106 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 24 ويَرفُضُ ابنُ الباذِش هذين التَّفْسيرين لِعَمَلِ الفِعْل في الفاعِلِ، فهو يَرى أنّ استِحْقاقَ الفاعِلِ للرَّفْعِ بسبَبِ تَفَرُّغِ الفِعْل له، وأنَّ المَعْنى الذي يَنْتَصِبُ به المَفْعُول هو اشتغالُ الفِعْل عنه بالفاعِلِ قبلَ وُصولِه إليه، قال (1) :" فبِالتَّفرُّغِ والاشتِغالِ يكونُ الرفعُ والنصبُ لجَميعِ الأفعالِ لا بإسْنادِ الفِعْل لِما يَعْمل فيه ولا بِبِنائِه له ولا لأنّه وَقَعَ مَوْقِعَ الفِعْل من الاسم أو رُفِعَ به " وعَزا هذا الرأي إلى الخليل وسِيْبَوَيْه، قال (2) : "هذا مذهبُ الخَليلِ وسِيْبَوَيْه ". والظاهرُ أنَّ مُصْطلحَ التفرُّغِ والاشتِغالِ يَرْتَبِطُ بالمَعْنى أكْثَرَ من ارتِباطِه بتَركيبِ الألفاظِ وتَرتيبِها،فابنُ الباذِش يرى أنّ تَقَدّمَ المَفْعُول على الفاعِلِ لا يُخْرِجُ الفِعْل عن أن يكونَ مُفرّغاً للفاعِلِ، فالتَقدّمُ لفظيٌّ، والأصلُ تقديمُ الفاعِلِ وتَأخيرُ المَفْعُول. ويَسْتَدلُّ ابنُ الباذِش على ذلك برَفعِ الاسمِ ونَصْبِه في بابِ ما لم يُسَمّ فاعلُه نحو: (أُعْطِي مُحَمَّد ثوباً) ،فكلاهما مَبْنيٌّ له الفِعْل، كما اسْتدَلَّ في باب كانَ وأخواتِها،فالمَرْفوعُ والمَنصوبُ في قولك: (كانَ زيدٌ مجتهداً) لم يَتَعَلقا بالفِعْل من خلال عَمَليَّةِ الإسنادِ أو البناءِ، فالإسنادُ موجودٌ بينَ الاسمين (اسم كان وخبرها) وليس بينَ الاسمِ والفِعْل،لكنَّ تفرّغَ الفِعْل لهذا الاسمِ هو الذي رَفَعَه كما أنَّ اشتِغالَ الفِعْل بهذا المَرْفوعِ أدّى إلى نَصْبِ المَفْعُول (3) .   (1) تذكرة النُّحَاة 554 وانظر شرح المقدّمة الجزولية للشلوبين 235 (2) تذكرة النُّحَاة 554 (3) انظر حججه في تذكرة النُّحَاة 554 وشرح المقدّمة الجزولية 235236 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 25 ويَرى ابنُ الباذِش أنّ مَنْ قالَ: إنَّ العِلَّةَ الرَّافِعَةَ لذلك بناءُ الفِعْلِ للاسمِ ليسَ بمصيبٍ، قالَ (1) : "لأنّا إذا قلنا: (أُعْطِيَ زيدٌ درهماً) فإنّ هذا البناءَ صالِحٌ لكُلِّ واحِدٍ من الاسْمَيْن، فإذا كانَ الأمرُ كذلك فالفِعْلُ في ذلك مَبْنيٌّ للدِّرْهَمِ،وهو لم يَرْفَعْه، فدَلَّ ذلك على أنّ بِناءَ الفِعْلِ للاسمِ ليسَ رافِعاً له، وإنّما الرّافِعُ له الاشتِغالُ والتَّفْريغُ لا البناءُ ". ورَدَّ الشَّلوبين رأيَ أبي الحَسَنِ بنِ الباذِش فقالَ (2) : "ولكنَّ هذا الذي قالَه أبو الحَسَن ليسَ بصَحيحٍ؛ لأنّه ليسَ صَلاحِيَّةُ الاسمِ أنْ يكونَ الفِعْلُ مَبْنِياً له هو بناءُ الفِعْلِ له، بل بناءُ الفِعْلِ للاسمِ أمرٌ آخَرُ غيرُ صَلاحِيَّتِه لأنْ يُبْنى الفِعْلُ له، فإذا قلنا: (أُعْطِي زيدٌ دِرْهَماً) وإنْ كانَ كلُّ واحِدٍ من الاسْمَين صالِحاً أنْ يُبْنى له (أُعْطِي) فإنّه لم يُبْنَ مِنْهُما إلا لِزيدٍ، والدَّرْهَمُ داخِلٌ في حَديثِه كَما أنّا إذا قلنا: (أُعْطِي زيداً دِرْهَمٌ) فإنّه لم يُبْنَ مِنْهُما إلاّ للدَّرْهَمِ،وزيدٌ داخَلٌ في حَديثِه، فبَطُلَ بذلك قولُه: إنَّ الفِعْلَ مَبْنيٌّ لكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما، ولم يَرْفَعْ إلاّ أحَدَهُما، وإنّما غَلطُه في ذلك صَلاحِيَّةُ كُلِّ واحِدٍ مِنْهُما لِبناءِ الفِعْلِ له ".   (1) شرح المقدّمة الجزولية 235236 (2) شرح المقدّمة الجزولية 236 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 26 وأرى أنّ جَميعَ هذه المُصْطَلحاتِ مِنْ مُصْطَلَحاتِ سِيْبَوَيْه إلاّ أنّ عَدَمَ تَحْديدِ سِيْبَوَيْه لِماهِيَّتِها سَبَّبَ هذا الخِلافَ بينَ النُّحَاة، أمّا مُصْطَلحا الإسْنادِ والبِناءِ فذَكَرَهُما في أوَّلِ كِتابِهِ، قالَ في بابِ المُسْنَدِ والمُسْنَدِ إليه (1) : " وهُما ما لا يُغْني واحِدٌ مِنْهما عن الآخَرِ، ولا يَجِدُ المُتَكَلِّمُ منه بُدّاً، فمَنْ ذلك الاسْمُ المُبْتَدأ والمَبْنِيُ عليه وهو قولك: (عبدُاللهِ أخوكَ) و (هذا أَخوكَ) ، ومثلُ ذلك: (يَذْهَبُ عبدُالله) ،فلا بُدَّ للفِعْل من الاسْمِ كَما لم يَكُن للاسْمِ الأوَّلِ بُدٌّ مِن الآخَرِ في الابْتِداءِ ". فالمُلاحَظُ في نَصِّهِ أَنَّ الإسْنادَ والبناءَ بمَعْنىً واحِدٍ، ويَقْصِدُ بهِما ارْتِباطُ اسْمٍ بآخَرَ أو كَلِمَةٍ بأُخْرى، ولا يَسْتَغْني أَحَدُهُما عن الآخَرِ، وهذا يَنْطبِقُ على المُبْتَدأ والخبَرِ، والفِعْلِ والفاعِلِ 0 أَمّا ما فَهِمَهُ ابنُ الباذِش فهو ما جاءَ في قولِ سِيْبَوَيْه (2) : "هذا بابُ الفاعِلِ الذي لم يَتَعَدَّهُ فِعْلُهُ إلى مَفْعُولٍ، والمَفْعُولِ الذي لم يَتَعَدَّ إليه فِعْلُ فاعِلٍ،ولم يَتَعَدَّه فِعْلُهُ إلى مَفْعُولٍ آخَرَ، والفاعِلُ والمَفْعُولُ في هذا سواءٌ، يَرْتَفِعُ المَفْعُولُ كَما يَرْتَفِعُ الفاعِلُ؛ لأنّك لم تُشْغِلْ الفِعْلَ بغَيْره، وفَرَّغْتَهُ له كَما فَعَلتَ ذلك بالفاعِلِ "،فالفاعِلُ ونائِبُهُ رُفِعا لأنّك قد فَرَّغْتَ الفِعْلَ لهُما، ونُصِبَ المَفْعُول لأنّك قد شَغَلتَ الفِعْلَ بالفاعِلِ.   (1) سِيْبَوَيْه 1/23 (2) سِيْبَوَيْه 1/33 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 27 والمُلاحَظُ أَنَّ هناك كَثيراً مِن العُلماءِ يُفَرِّقونَ بينَ هذه المُصْطَلَحاتِ،ويَرَونَ أنّ لِكُلِّ مُصْطلحٍ مَعْنىً خاصاً به واسْتِعْمالاً مُحَدَّدا يَخْتَلِفُ عن غيرِه مِن المُصْطلحاتِ، وهناك مَنْ لم يُفَرِّقْ بَيْنَها، ومِنْهُم ابنُ أبي الرَّبيعِ فقد صَرَّحَ في البَسيطِ أنّ هذه الألفاظَ مُتَرادِفَةٌ، قالَ (1) : "فما ذَكَرْتُه مِن الإسْنادِ إليه وتَفْريغِ الفِعْلِ له وبِناءِ الفِعْلِ للإسنادِ إليه،وهذه الألفاظُ كُلُّها مُتَرادِفَةٌ لمَعْنىً واحِدٍ، وقد أتَى بِها سِيْبَوَيْه في مَواضِعَ فدَلَّ ذلك على أنّها على مَعْنىً واحِدٍ ". وأَرى أَنَّ خِلافَ ابنِ الباذِش مَعْ غيرِهِ مِنْ النُّحَاة في هذه المَسْأَلَةِ مَرَدُّهُ إلى عبارَةِ سِيْبَوَيْه المُبْهَمَةِ، فقد ذَكَرَ سِيْبَوَيْه المُصْطلحاتِ الثلاثَةِ ولم يُحَدِّدْ مَعْنى أَيٍّ منها،ولم يَعْتَمِدْ مَفْهوماً أو مُصْطلحاً واحِداً، وهذا التَّنَوُّعُ في الاصْطِلاحِ أو التعبيرُ المُبْهَمُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبابِ الخِلافِ، وهذا ما سَنَراهُ في جُمْلَةٍ مِنْ المَسَائِلِ 0 علة منع عمل اسم الفاعل مصغّراً في إِعْمالِ اسْمِ الفاعِلِ مُصَغَّراً أو مَوْصُوفاً خِلافٌ بَيْنَ البَصْريِّين والكُوفيِّين، فالبَصْريُّون والفَرّاءُ يَمْنَعونَ إِعْمالَهُ مُصَغَّراً أو مَوْصُوفاً،ويُجِيزُ ذلك الكِسائيُّ وجُمْهورُ الكُوفيِّين، ووافَقَهُم في إِعْمالِه النَّحَّاسُ (2) . ونَسَبَ الأزْهَريُّ إلى ابنِ الباذِش أَنَّ عِلَّةَ المَنْعِ كونُ التَّصْغِيرِ وَصْفاً في المَعْنى، فمَنَعُوه مِنْ العَمَلِ كَما مَنَعوا إِعْمالَه مَوْصُوفاً (3) .   (1) البسيط261 (2) انظر هذه المسألة في شرح التسهيل 3/74 وشرح الكافية الشافية 1042 وارتشاف الضرب 3/181 والهمع 5/ 81 (3) انظر شرح التصريح 2/326327 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 28 والحَقُّ أنَّ هذه العِلَّةَ لمَنْ سَبَقَهُ مِنْ النُّحَاة ولَيْسَت له، قال الفَارِسِيّ في التَّكْمِلةِ (1) : " تَصْغيرُ الاسْمِ بمَنْزِلةِ وَصْفِهِ بالصِّغَرِ، فقَوْلُنا: (حُجَيرٌ) كقولنا: (حَجَرٌ صَغيرٌ) ، ويَدُلُّ على ذلك أَنَّ مَنْ أَعْمَلَ اسْمَ الفاعِلِ نَحْوَ: (هذا ضَارِبٌ زَيداً) إذا صُغِّرَ فقال: (ضُوَيْرِبٌ) لم يَسْتَحْسِنْ إِعْمالَهُ في المَفْعُولِ بِهِ كَما لا يَسْتَحْسِنُ إذا وَصَفَه فقال: هذا ضَارِبٌ ظَريفٌ زَيداً "،فالواضِحُ مِنْ هذا النَّصِّ أَنَّ الوَصْفِيّةَ عِلَّةٌ للمَنْعِ عندَ الفَارِسِيّ. ويَبْدو لي أنَّ هذا اخْتِيارٌ لابنِ الباذِش، وليسَ رأياً له، وهو اخْتِيارُ جُمْهورِ البَصْرِيِّين في التَّعْليلِ لمَنْعِ عَمَلِ اسْمِ الفاعِلِ مُصَغَّراً أو مَوْصُوفاً (2) . أمّا العِلَّةُ الثانِيَةُ وهي عِلَّةُ مَنْعِ المَوْصُوفِ أو الصِّفَةِ عن العَمَلِ فيَرى النُّحَاة أنّ الأسْماءَ العامِلةَ إذا وُصِفَت انْعَزَلت عن العَمَلِ؛ وذلك لبُعْدِها عَنْ مُشابَهَةِ الفِعْلِ (3) ،قال الرضي (4) : "إنّما لم يُصَغَّرْ الاسمُ العامِلُ عَمَلَ الفِعْلِ لغَلبَةِ شَبَهِ الفِعْلِ عليه، إذن فكَما لا يُصَغَّرُ الفِعْلُ لا يُصَغَّرُ مُشْبِهُهُ ". علّة مجيء (أي) الموصولة بعد المستقبل   (1) التكملة 496 (2) انظر الملخص 295 وشرح ألفية ابن معط 1201 وشرح الشافية للرضي 1/292 وشرح اللمع لابن برهان639 والصفوة الصفية 2/382 (3) انظر شرح ألفية ابن معط 1201 وشرح الشافية للرضي 1/292 (4) شرح الشافية للرضي 1/292 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 29 ذَكَرَ الكِسائِيُّ أنَّ (أَيَّ) المَوْصُولَةَ لا يَجُوزُ أنْ يَكونَ عَامِلُها إلاّ مُسْتقبلاً، وقد جَرَت بَيْنَ الكِسائِيِّ ومَروانَ بنِ سَعيدٍ المُهَلَّبيِّ مُنَازَعَةً في هذه المَسْأَلَةِ (1) ،وفيها قالَ مَروانُ للكِسائِيِّ: فَكَيْفَ تَقولُ: (ضَرَبْتُ أيَّهُم في الدارِ) ؟ قالَ: لا يَجُوزُ، قال: لِمَ؟ قالَ: (أَيُّ) كَذا خُلِقَتْ. فلم يَذْكُرْ الكِسائِيُّ عَلَّةً لِوُجُوبِ كَوْنِ عامِلِ (أَيّ) مُسْتقبلاً. وتَابَعَ رَأيَ الكِسائِيِّ أَبُو الحَسَنِ بنِ الباذِش حَيْثُ ذَهَبَ إلى أَنَّه لا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ (أَيُّ) هذه أَبَداً مَعْ الماضي،وإِنَّما تَكونُ بَعْدَ المُسْتَقبَلِ، وزادَ ابنُ الباذِش على ذلك بأنْ ذَكَرَ عِلَّةَ مَجيئِها بَعْدَ المُسْتَقبَلِ فقالَ (2) : " (أَيُّ) مَوْضُوعَةٌ للإبْهامِ، والإبْهامُ لايَتَحَقَّقُ إلاّ في المُسْتَقْبَلِ الذي لا يُدْرى مَقْطَعُه ولا مَبْدَؤُه بِخِلافِ الماضي والحالِ فإِنَّهُما مَحْصُوران، فلمّا كانَ الإبْهامُ في المُسْتَقْبَلِ أَكْثَرَ مِنْه في غَيْرِه اسْتُعْمِلت مَعَه (أَيُّ) المَوْضُوعَةُ على الإبْهامِ ". ورَدَّ الشلوبين هذه العِلَّةَ بأنْ قالَ (3) : " وهذا لا مَعْنى له "، كَما رَدَّها الرَّضيُّ بقوله (4) : " ولَيْسَ بشَيءٍ؛ لاخْتِلافِ الإبْهامَيْن ولا تَعَلُّقَ لأحَدِهِما بالآخر " والمَقْصُود بالإبْهامَيْن الإبْهامُ المَوجودُ في (أَيِّ) والإبْهامُ المَوجودُ في المُسْتَقبَلِ. رابعاً:توجيهات قرآنية توجيه قوله تعالى: (ولا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلي لَهُم ( {آل عمران 178}   (1) انظر مجالس العلماء186 (2) شرح الرضي 3/22 وانظر الحدائق الندية لوحة 133 (3) شرح المقدمة الجزولية 607 (4) شرح الرضي 3/22 وانظر الحدائق الندية لوحة133 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 30 في هذِه الآيَةِ قِرَاءاتٌ عِدَّةٌ، واضْطَرَبَتْ أقوالُ النُّحَاةِ في تَوْجِيهِ قِرَاءَةِ حَمْزَةَ، وأَنْكَرَ قِرَاءَتَهُ جَمْهَرَةٌ مِنْ النُّحَاةِ حَتّى عَدَّها أبو حَاتِم لحْناً (1) ، قالَ النَّحَّاسُ (2) : " وتَابَعَه عَلى ذلكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ ". أَمَّا قِرَاءَتُه فهي: "ولا تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُوا " بالخِطَابِ وفَتْحِ البَاءِ والسِّين (3) ، قالَ الأزْهَرِيُّ (4) : " ومَنْ قَرَأ (ولا تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُوا (لمْ يَجُزْ عِنْدَ البَصْرِيِّين إلاّ كَسْرَ أَلِفِ (إِنَّ) المَعْنى: لا تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُوا إمْلاؤُنا خَيْرٌ لَهُم، ودَخَلَتْ (إِنَّ) مُؤَكّدةً، وإذا فَتَحْتَ صَارَ المَعْنَى:ولا تَحْسَبَنَّ الذين كَفَروا إِمْلاءَنا ". هذا هو رَأيُ البَصْرِيِّين، فهُم لا يُجِيزُونَ في قِرَاءَةِ حَمْزَةَ إلا كَسْرَ هَمْزَةِ (إَنَّ) ، قالَ الفَارِسِيّ (5) : " قَوْلُه (الَّذينَ كَفَرُوا) في مَوْضِعِ نَصْبٍ بأَنَّهُ المَفْعُولُ الأوَّلُ،والمَفْعُولُ الثانِي في هذا البابِ هو المَفْعُولُ الأوَّلُ في المَعْنى، فلا يَجُوزُ فَتْحِ (إِنَّ) ".   (1) انظر أقوال النُّحَاة في الحجة3/100،والتبيان 1/312، وإعراب القراءات السبع1/123، والبحر المحيط 3/122، والدر المصون 3/496. (2) إعراب القرآن للنحاس 1/379. (3) انظرها في الحجة3/100، والبحر3/122، ومعاني القراءات114،وإعراب القراءات السبع1/123،وإعراب القرآن للنحاس1/379. (4) معاني القراءات 114. (5) الحجة 3/107. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 31 وذَهَبَ كَثيرٌ مِنْ النُّحَاةِ إلى جَوازِ فَتْحِ (أَنَّ) ،ومِنْهُم ابنُ الباذِش (1) ،فهو يَرى أَنَّ قَوْلَهُ (أَنَّمَا نُمْلِي لَهُم خَيْرٌ لأنْفُسِهِم) بَدَلٌ مِنْ (الَّذينَ) ،والمَفْعُولُ الثانِي عِنْدَه مَحْذُوفٌ،قالَ (2) : "ويَكُونُ المَفْعُولُ الثانِي حُذِفَ لِدَلالَةِ الكَلامِ عَليه، ويَكُونُ التَّقْديرُ: ولا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَروا خَيْرِيَّةُ إِمْلائِنا لَهُم كَائِنَةٌ أو واقِعَةٌ ". وقد رُدَّ هذا الرَّأيُ بأَنَّ حَذْفَ المَفْعُولِ الثانِي في هذِه الأفْعَالِ لا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدً، قالَ السَّمينُ (3) : " وهذا الرَّدُّ ليسَ بِشَيءٍ". إعراب قوله تعالى: (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلونَ أنفُسَكُمْ ( {البقرة 85} للعُلَمَاءِ في إعْرابِ هذِه الآيَةِ آراءٌ عِدَّةٌ (4) ،مِنْها رَأيٌ لأبي الحَسَن بنِ البَاذِش نَقَلَهُ عَنْه تِلْمِيذُه ابنُ عَطِيَّةَ الأندلسي،قال (5) : "قالَ الأسْتاذُ الأجَلُّ أبو الحَسَن بنُ أحْمَدَ شَيْخُنا: (هؤُلاءِ) رَفْعٌ بالابْتِداءِ، و (أَنْتُم) خَبَرٌ مُقَدَّم، و (تَقْتُلُونَ) حَالٌ بِها تَمَّ المَعْنى،وهي كَانَتْ المَقْصُودَةَ،فهي غَيْرُ مُسْتَغْنى عَنْها،وإنّما جَاءَتْ بَعْدَ أَنْ تَمَّ الكَلامُ في المُسْنَدِ والمُسْنَدِ إليه كَما تَقُولُ: (هذا زَيْدٌ مُنْطَلِقاً) ، وأنتَ قد قَصَدْتَ الإخْبَارَ بانْطِلاقِه لا الإخْبَارَ بأَنَّ هذا هو زَيْدٌ ".   (1) انظر رأي ابن الباذِش والزمخشري وغيرهما في معاني القرآن للفراء 1/248، والكشاف1/482،وكشف المشكلات1/276، والبحر المحيط3/122،والدر المصون 3/496. (2) البحر المحيط3/122. (3) الدر المصون3/ 498. (4) انظر آراءهم في البحر1/290،والدر المصون 1/475، والمجيد في إعراب القرآن المجيد 321،والتبيان 1/86،وكشف المشكلات 1/65،وإعراب القرآن للنحاس 1/19219. (5) المحرر الوجيز 1/379. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 32 وقد خَالَفَ ابنُ الباذِش في هذا الرَّأيِ سِيْبَوَيْه وغَيْرَه مِنْ نُحَاةِ البَصْرَة حَيْثُ يَذْهَبُ سِيْبَوَيْه إلى أنّ (أَنْتُم) مُبْتَدأ و (هؤُلاءِ) خَبَرٌ و (تَقْتُلُونَ) في مَوْضِعِ الحَالِ (1) . ويَتَعَجَّبُ أَبُو حَيَّانَ مِنْ رَأيِ ابنِ الباذِش فيقولُ (2) : " ولا أَدْري مَا العِلَّةُ في عُدُولِه عَنْ جَعْلِ (أَنْتُم) مُبْتَدأ و (هؤلاءِ) الخَبَرَ إلى عَكْسِه "، ولَعَلَّ في رَأْيِ ابنِ الباذِش شَيْئاً مِنْ الصَّوابِ إِذ لَمِ يُرِدْ اللهُ سُبْحانَه وتعَالى الإشَارَةَ إِلَيْهِم، إِنَّما أَرَادَ الإخْبَارَ عَن مَاهِيَّتِهِم وتَصَرُّفَاتِهِم مِنْ قَتْلِ النّفْسْ وسَفْكِ الدِّمَاءِ وغَيرِ ذلك،فالمَعْنى المُرَادُ مِنْ الآيَةِ: أَنْتُم تَقْتُلُونَ أَنْفَسَكم وتَسْفِكُون دِمَاءَكُم،ولِتَوضِيحِ المَعْنى نُفَرِّقُ في المَعْنى بَيْنَ (هؤلاءِ أَنْتُم) و (أَنْتُم هؤلاءِ) ، ففي الجُمْلَةِ الأولى الإخْبَارُ عَنْ اسْمِ الإشَارَةِ، أيْ:الإخْبَارُ عن المُشَارِ إليه بضَمِيرِه، أي:بِذَاتِهِ، ولَيْسَ هذا هو المُرَادُ في الآيَةِ، وإِنَّمَا المُرادُ الإخْبَارُ عَنْ ذَاتِهم أنَّهُم يَفْعَلُونَ كَذا وكَذا، كَقَولي لَكَ: أَنْتَ هذا تَأكُلُ وتَشْرَبُ، والمَعْنى يُوحِي أَنَّ اسْمَ الإشَارَةِ تَوْكيدٌ للضَّميرِ، وهذا المَعْنى هو الّذي دَفَعَ ابنَ الباذِش إلى القولِ بهذا الرَّأيِ، وأَرَاه صَواباً، والله أعلم.   (1) انظر الكتاب 1/379، وابن يعيش 2/16،4/24. (2) البحر 1/290. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 33 ويَرى بَعْضُ الكُوفِيّين أَنَّ (هؤلاءِ) مُنادى حُذِفَ مِنْه الأداةُ،وقد نَسَبَ الرَّضِيُّ هذا الرَّأيَ لَهُم مُعَلِّلِينَ بأَنَّ اسْمَ الإشَارَةِ مَعْرِفَةٌ قَبْلَ النِّداءِ، فلِذلكَ جَازَ حَذْفُ الأدَاةِ قبلَ اسْمِ الإشَارَةِ (1) ، وبَعْضُهُم يُجِيزُ أَنْ تَكُونَ أَسْمَاءُ الإشَارَةِ بمَعْنى الأسْمَاءِ المَوْصُولةِ، فيُصْبِحُ مَعْنى الآيَةِ:أَنْتُم الذين تَقْتُلونَ (2) . وقيلَ في الآيَةِ: إِنَّ (هؤلاءِ) مَنْصوبٌ عَلى الاخْتِصَاصِ (3) . وقيلَ: (تَقْتُلونَ) جُمْلَةٌ مُسْتَأنَفَةٌ (4) . وقيلَ: (هؤلاءِ) خَبَرٌ، ولكن بتَأويلِ حَذْفِ المُضَافِ، أي: مِثلَ هؤلاءِ (5) . توجيه قوله تعالى: " تِلْكَ عشرةٌ كاملةٌ " {البقرة 196} نَقلَ لنا أبُو حَيَّانَ في تَفْسِيرِه رَأياً لابنِ الباذِش في تَوجيهِ قولِه تعالى: "تِلْكَ عَشْرَةٌ كَامِلَةٌ " فقالَ (6) : " فقالَ الأستاذُ أبُو الحَسَن عَليّ بنُ أحمدَ الباذِش مَا مَعْناه: أَتَى بِعَشْرَةٍ تَوْطِئةً للخَبَرِ بَعْدَها، لا أنّها هي الخَبَرُ المُسْتَقِلّ به فَائِدَةَ الإسْنَادِ، فجِيءَ بِهَا للتوكِيدِ كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ رَجُلٌ صَالِحٌ " يَعْني في هذا الكَلامِ أَنَّ المَقْصُودَ هو الإخْبَارُ بالصَّلاحِ، وجِيءَ بِرَجُلٍ تَوْطِئةً،إذْ عُلِمَ أنَّه رَجُلٌ، وفي هذِه الآيَةِ عُلِمَ أَنَّها عَشْرَةٌ حَيْثُ قالَ: " فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ في الحَجِّ وسَبْعَةٍ إِذا رَجِعْتمُ "، فهو لمْ يُرِدْ الإخْبَارَ أنَّها عَشْرةُ أيَّامٍ،إِنَّمَا أَرَادَ الإخْبَارَ بكَمَالِها.   (1) شرح الرضي 1/426. (2) انظر الرضي 3/23،ونتائج التحصيل 2/734،وشرح ألفية ابن معط 1041، والدر المصون 1/477. (3) انظر الدر المصون 1/477،والمجيد 323. (4) انظر الدر المصون 1/478. (5) انظر الدر المصون 1/476. (6) البحر المحيط 2/79،وانظر الدر المصون 2/320. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 34 وفي هذِه الآيَةِ آراءٌ أخْرى (1) ، فمِنْهُم مَنْ ذَهَبَ إلى أَنَّ المَقْصُودَ بِقَولِه (كَامِلَةٌ) إِزَالَةُ التَّوَهُّمِ ورَفْعِ الَّلبْسِ،إذْ قد يَظُنُّ القارِىءُ أَنَّ الواوَ في (وسَبْعَةٍ) للتَخْييرِ، فَأَزَالَ هذا الاحْتِمَالَ، وهذا رَأيُ الزَّجَّاجِ (2) . وذَهَبَ الأخْفَشُ إلى أَنَّ (كَامِلة) جِيءَ بِها للتوكِيدِ (3) ، وأَخَذَ بهذا ابنُ جِنِّي في خَاطِرِيّاتِه (4) . ويُلاحَظُ في رَأيِ ابن الباذِشِ في هذه الآيَةِ ومَا سَبَقَهَا بالمَعْنى، فتَوْجِيهُه للآيَةِ كَانَ مُعْتَمِداً عَلى فَهْمِه للآيَةِ بِكَمَالِهَا لا نَظْرَةً مُقْتَصِرَةً عَلى التَّرْكِيبِ، فإِعْرَابُه لِهذا التَّرْكِيبِ كَانَ ضِمْنَ نَصٍّ كَامِلٍ، فاللهُ سُبْحَانَه وتَعَالى لَمْ يُرِدْ أَنْ يُخْبِرَهُم أَنَّها عَشْرةُ أَيَّامٍ، فهُم يَعْرِفُونَ أَنَّها عَشْرَةُ أَيَّامٍ، ولا حَاجَةَ لإخْبَارِهِم عَنْها، وإِنَّما أَرَادَ أَنْ يُخْبِرَهُم عَنْ كَمَالِها،فلا أَرَى رَأياً مِنْ هذِه الآراءِ أَقْرَبَ إلى المَعْنى مِنْ رَأيِ أبي الحَسَن بنِ الباذِش. الفصل الثالث: خلافه مع ابن الطراوة خِلافُه مَعْ ابنِ الطَّراوةِ   (1) انظر المسألة في معاني القرآن للأخفش 163،ومعاني القرآن للزجاج 1/258، والخاطريات 50،البحر المحيط 2/79،والدر المصون 2/320،وكشف المشكلات 1/145. (2) انظر معاني القرآن للزجاج 1/258. (3) انظر معاني القرآن للأخفش 163. (4) انظر الخاطريات 50. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 35 قيلَ: إنَّ لابنِ الطَّراوَةِ مُؤَلَّفاً خَصّه بمَسْألةِ نَحويّةٍ جَرَتْ بينَه وبَينَ ابنِ الباذِش (1) ، ولا نعلمُ حَقيقةَ هذِه المَسْألةِ، فلَمْ يُشر إلى فَحْواها مَنْ ترجَمَ لابنِ الطَّراوَةِ أو لابنِ الباذِش، ويَبدو أنَّ بَينَ العَالِمَيْن خِلافاً لا يقفُ عندَ حدودِ مَسالةٍ نَحويَّةٍ. ويُمْكِنُ أَنْ نَتِعَرَّفَ عَلى أَبْرزِ نُقاطِ الاخْتِلافِ بينَ الشَّخْصِيَّتَين مِنْ خِلالِ نَهْجِ الحَياةِ العِلميَّةِ في ذلك العصرِ،فقد كَانَ اهتِمامُ نُحاةِ الأندلسِ بجُمْلةٍ مِنْ كتبِ أهلِ المَشْرقِ، منها كتابُ سِيْبَوَيْه والمقتضَبُ للمبَرّدِ وأُصولُ ابنِ السَّراجِ وجُمَل الزجّاجِيّ الذي زادَت شروحه الأندلسية عن خَمسين شرحاً، كما ذاعتْ كُتُب الفَارِسِيّ كالإيضاحِ وكتبُ ابنِ جنِّي كاللُّمَعِ الذي اهتِمامَ علماءِ الأندلسِ، ومِنْ الكتبِ التي نَالتْ اهتِمامَ العلماءِ كتاب الكافي لأبي جعفر النَّحاس. أَمَّا الخِلافُ بينَ العَالِمَين فيُمْكنُ تَبَيُّنُهُ مِنْ خِلالِ مَوْقِفِهِما مِنْ هذِه الكتبِ، فابنُ الباذِش عَالِمٌ مُلتَزِمٌ بعِلمِ القدَمَاءِ،مُعْجَبٌ بجُهُودِهم، ولا يُحاولُ الخُروجَ عَنْ النَّهْجِ الذي رَسَموه، فهو يُتابِعُ سِيْبَوَيْه في كُلِّ مَسألةٍ،وقد قيلَ عنه (2) : " كانَ مِنْ أحفظِ النّاسِ لِكِتابِ سِيْبَوَيْه وأَرْفَقِهم به "، وكَانَ ابنُ الباذِش أَكثرَ النّاسِ إعْجاباً بالفَارِسِيّ وإيضاحِه حَتَّى قالَ فيه: أَضِعْ الكَرى لِتَحَفُّظِ الإيضاحِ وصِلْ الغُدُوَّ لفَهْمِه برَواحِ   (1) انظر أبو الحسين بن الطراوة وأثره في النحو 51 وابن الطراوة النحوي 107 (2) انظر بغية الملتمس419 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 36 ومَنْ كَانَ مُعْجَباً بالفَارِسِيّ وكتبِه أُعْجِبَ بابنِ جِنِّي وكتبِه، فلابنِ الباذِش شرحٌ لأحَدِ كُتبِهِ، وهو المُقتَضَبُ مِنْ كلامِ العربِ، وهو كتابٌ صَغيرٌ مختصرٌ في اسْمِ المَفْعُولِ مُعْتلِّ العين،كما شَرَحَ ابنُ الباذِش جُمَل الزَّجّاجِيّ،ولَمَسْتُ في هذا الشَّرْحِ عِدَّةَ انتِقاداتٍ لآراءِ الزَّجّاحِيّ،أمّا مَوقفُ ابنِ الباذِش مِنْ كتابِ الكافي لأبِي جعفر النحاس فهو مُخْتلفٌ عن مَوقفِه مِنْ بَقِيَّةِ الكُتُبِ، فلابنِ الباذِش نَقدٌ على هذا الكتابِ يُبَيّنُ فيه وَهْمَ أبي جعفر النحاس في أكْثَرِ مِنْ مئةِ موضعٍ. أَمّا ابنُ الطَّرَاوَةِ فقد اخْتَلفَ في نَهْجِه عنْ نَهْجِ ابنِ الباذِش، فقامَ بنَقدِ كِتابِ سِيْبَوَيْه الذي يَعُدُّه ابنُ الباذِش حُجَّةً، وذلكَ مِنْ خِلالِ كتابِه "المُقَدِّمَات" فقد حَفلَ هذا الكتابُ " وبصورَةٍ واضِحَةٍ بنَقدِ سِيْبَوَيْه، فَأثارَتْ هذِه الصورةُ مُعَاصِريه عليه" (1) . أمّا كتبُ أبي عَليّ الفَارِسِيّ وابنِ جِنِّي فهو يَرى أَنَّها " كتبٌ لا تَتَضَمَّنُ جَديداً، وأَنَّها لا تعدو أَنْ تكونَ أسْماءً خاليَة مِنْ المَضْمونِ، وأنّ الأجْدَرَ صَرْفُ هِمَمِ الناشِئينَ إلى كتابِ سِيْبَوَيْه والجُملِ للزَّجّاجِيّ والكافي لابن النحاس، فهذِه كَمَا يقولُ تواليفُ مُسْنَدةٌ ذاتُ قوانينَ مُقيَّدةٍ، وأمّا هذا السيلُ الجَارِفُ المنسوبُ إلى الفَارِسِيّ وابنِ جِنِّي فهو إلى أنَّه لا يُفيدُ جديداً قد خلا مِنْ شَرْطِ النقلِ عن الثقةِ " (2) .   (1) أبو الحسين بن الطراوة وأثره في النحو 49 (2) أبو الحسين بن الطراوة وأثره النحوي 17 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 37 ويَبدو واضِحاً أَنَّ بينَ العَالِمَيْن ندّيّةٌ شَديدةٌ، فابنُ الباذِش يؤلّفُ كتاباً يَنْتَقدُ فيه كتابَ الكافي، ويُخطّىءُ النَّحَّاسَ في نحو مئةِ مَسألةٍ، وابنُ الطَّراوَةِ مُعْجَبٌ بكتابِ الكافي،ونَجِدُه يؤلفُ كتاباً يَنْتقدُ فيه كتابَ الإيضاحِ الذي يُدافِعُ عنه ابنُ الباذِش، والسَّبَبُ في تأليفِ ابنِ الطَّرَاوَةِ لكِتَابِهِ " الإفصاح " هو في الحقيقةِ مَا ظهرَ في عَصْرِه من إعجابٍ بهذا الكتابِ والمَقصودُ مِنْ ذلكَ كلِّه أبو الحَسَن بنُ الباذِش، يقولُ ابنُ الطَّراوَةِ في الإفْصاحِ (1) : "وكَانَ الذي حَدا إلى النَّظرِ في هذا الكتابِ تهافتاً في تفضيلِه عَلى غَيْرِه منْ المُخْتصَراتِ المَرْوِيَّةِ، وتظاهُرَ المُصَحِّفين لتقديمِه على التواليفِ المُسندَةِ خُروجاً مِنْ شَرطِ النقلِ عَن أهلِ الثقَةِ والإسْنادِ إلى الأئِمَّةِ ". ويقولُ في موضعٍ آخرَ مفضِّلاً كتابَ سِيْبَوَيْه والجُمَل والكافي ومُعرّضاً بكتبِ الفَارِسِيّ وابنِ جِنِّي (2) : " وغَبُنَ رأيُه مَنْ عدلَ عن التواليفِ المُسندةِ والقوانينِ المُقيَّدةِ كالجُمَلِ والكافي وكتابِ سِيْبَوَيْه الشافي، وفَرَغَ للإيضاحِ والشيرازياتِ والخصائصِ والحلبياتِ، ترجَمَةٌ تَروقُ بلا مَعنى، واسْمٌ يهولُ بلا جسمٍ إلا تَشدُّقاً بالكتبِ وإحَالةٍ على الصُّحُفِ، وإنَّ هذا لهو الخسرانُ المبينُ " وهذا هو التنافسُ والنِّدِّيَّةُ.   (1) الإفصاح ببعض ما جاء من الخطأ في الإيضاح16 (2) الإفصاح ببعض ما جاء من الخطأ في الإيضاح37 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 38 وخُلاصةُ القولِ في الخِلافِ النَّحْوي بَيْنَهُما أنَّ ابنَ الباذِش لا يَرى في كتابِ الكافي للنحاس شيئا يمكنُ أنْ يقدِّمَه على كتابِ الإيضاحِ،والأمْرُ ضِدَّ هذا عندَ ابنِ الطَّرَاوَةِ،أمّا كتابُ سِيْبَوَيْه فالذي أراه أنَّه خِلافٌ في فهمِ عِبارَةِ الكتابِ لا في تقديرِ الكتابِ نفسِه، فكِلاهُما يُجِلُّ سِيْبَوَيْه ويُقَدِّرُ كتابَه. وهناكَ قضيَّةٌ أخْرى لها أكبرُ الأثرِ في الخِلافِ النَّحْويّ الذي دارَ بينَهما، وهذه القضيَّةُ تَتَعَلقُ في نَشأتِهما، فابنُ الباذِش نَشَأ في أُسْرةٍ مُتدَيِّنةٍ،وبَقِي مُحافِظاً عَلى هذا النَّهْجِ حَتَّى بَلَغَ درجَةً عاليَةً بينَ عُلماءِ الدينِ، فأصبحَ إمامَ الفَريضَةِ في جَامِعِ غَرْناطَةَ،وقد ذَكَرْتُ سابقاً أنَّ لابنِ الباذِش مُشارَكَةٌ في علومِ الحديثِ والقرآنِ، فهذِه النَّشأةُ تَجْعلُ مِنْ ابنِ الباذِش عالِماً مُلتَزِماً مُقدِّراً لجُهودِ القُدمَاءِ العلميّةِ. أمّا ابنُ الطَّرَاوَةِ فلمْ تكُنْ له أيُّ مُشارَكةٍ في المَعارِفِ الإسلاميَّةِ، وتَجَاوَزَ ابنُ الطَرَاوَةِ هذا الأمْرَ بأنْ كانَ " لا يَحولُ بينَه وبينَ أنْ يَأخُذَ مِنْ الحَياةِ بشَيءٍ مِنْ المُتْعَةِ وأنْ يكونِ له مَجْلسُ شُرْبٍ وندامى، وأنْ يَحمِلَهُ الطَّربُ عَلى أنْ يقولَ الشعرَ فيمَنْ يَهوى ويُحِبُّ، وكانَ قد جَاوَزَ الشبابَ والكهولةَ" (1) . وأرى أنه لا اتفاقَ بينَهما في النَّشْأةِ،وهذا ولّدَ عندَهُما شَيئاً منْ التنافُسِ والنِّدِّيَّةِ،وقد تكونُ وَصَلتْ إلى دَرَجَةِ الكَرَاهيةِ، وهذا ظاهِرٌ مِنْ الكَلامِ الذي بَدَأ به ابنُ الطَّراوَةِ كتابَه الإفصاح، ولذلك أرى أنّ هذه النَّشأةَ كانَ لها الأثرُ الكبيرُ في الخِلافِ بينَهما. نَتائِجُ البَحثِ وخَاتمتُه   (1) أبو الحسين بن الطراوة وأثره في النحو 38 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 39 يَتَّضِحُ مِنْ عنوانِ هذا البحثِ (أبو الحَسَن بنِ الباذِشِ الغرناطي وأثرُه النَّحْويّ) أنّ الباحِث يَهْدِفُ إلى التعرُّفِ على شَخصيَّةِ هذا العَالِمِ مِنْ خِلالِ دِراسَةِ آرائِه واخْتِياراتِه النَّحْويّة، فتحدّثَ في البدايةِ عن عصرِ هذه الشَّخْصيَّةِ والحَياةِ التي عاشَتها،ثمّ تناولَ ما نُسِبَ إليه مِنْ آراء واختياراتٍ وتوجيهاتٍ نَحْويةٍ،وتحدّثت في الختام عن خلافِ ابن الباذش معْ ابنِ الطَّراوَةِ. ويودُّ الباحثُ هنا أنْ يُشيرَ إلى ما اسْتطاعَ التوصُّلَ إليه مِنْ نَتائِجَ يَجْدرُ به أنْ يُوجزَ أهمُّها: أوّلاً: لا يَتّفقُ واقِعُ الحَياةِ السياسيّةِ في الأنْدَلُسِ في القَرْنِ الخامسِ وبدايَةِ القرنِ السادِسِ الهجري مَعْ مَا شَهِدَته البِلادُ مِنْ ازدِهارٍ في الحَياةِ العِلميَّةِ،فالأنْدَلسُ كانَت تُعاني مِنْ فوضى واضطِرابٍ سِياسِيّ،وهذا الواقعُ السياسي لا يَسْمحُ بالتفرّغِ لطلبِ العِلمِ، فهناك نقيضان:اضطرابٌ سياسي متمثِّلٌ بتمزّقِ الأندلس،وازدهارٌ علمي. ثانياً: عاشَ ابنُ الباذِشِ في أسْرَةٍ مُحبَّةٍ للعلم، والظاهر أنّ لقبَ الباذِشِ لقَبٌ للأسْرَةِ لا لهذا العالم وحده،فالأصل في اسمه:"أبو الحسَن علي بن أحمد بن خلف الباذِش"، وعُرِفَ ابن الباذِشِ بورعه وحبّه للعلم، فأخَذَ من العلوم كافة، ويشهد على ذلك شيوخُه وتلامِيذه، وعُرفَ منها بعلمي النحو والقراءات، أمّا علمُ القِراءاتِ فأخَذَه عنه ولدُه أبو جعفر، وصَنّفَ كتابَ الإقناعِ في القراءاتِ السبع فكانَ مِنِْ أحسنِ الكتبِ في هذا العلمِ كما يقول أبو حيان في تفسيره،وفي هذا الكتاب وضع أبو جعفر جميع ما أخذه عن والده، فعرضه عليه واستنار برأيه،كما ذكره في هذا الكتاب ما يزيد على خمسين مرّة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 40 ثالثاً: أمّا علمُه في النحو فكانَ له الجُهدُ الكبيرُ فيه،فقد نُسب إليه جملة من الشروح، منها شرح كتاب سيبويه والأصول وإيضاح الفارسي وجمل الزجّاجي وغيرها،ولم يصلنا شيء من هذه الكتب، وعُرِفَ بحبه لإيضاح الفارسي الذي امتدحه بأبيات عِدّة. رابعاً:كانت مَنْزِلةُ أبي الحَسَن بنِ الباذِش عندَ النَّاسِ منزلةً رَفيعَة؛ وذلك بسببِ وَرَعِه وزُهْدِه، فكانَ إمامَ الفريضةِ بجامعِ غَرناطة،ومِنْ حُبّ النّاس له ازدحامُهم عندَ وفاتِه حتّى كسروا النعشَ،وكانت وفاته سَنَة ثمانٍ وعشرين وخمسمائة هجرية، ومولدُه سنة أربع وأربعين وأربعمائة. خامساً: مَنْهَجُه النَّحْويّ: مِنْ الصعبِ تَحْديدُ وتَبَيُّنُ جَميعِ عَناصِرِ المَنْهَجِ النَّحويّ لشَخْصِيَةٍ نَحْويةٍ مِنْ خِلالِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ آرائِهِ القليلةِ، فلا يُمكنُ الحُكمُ عَلى مَوقِفِه مِنْ القِياسِ أو السَّمَاعِ أو العِلَلِ وغيرِها بدِقَّةٍ، وأحاولُ في هذا الموضع تَلَمُّسَ بعض عناصِرِ هذا المنهج، فاتَّضَحت بعضُ المَعَالِمِ مِنْ مَنْهَجِ ابنِ الباذِش أورِدُها فيما يأتي: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 41 1 إِنَّ مِنْ أهَمِّ المَلامِحِ التي وَضُحَتْ في مَنْهَج ابنِ الباذِش مَوْقفَه مِنْ بعضِ النُّحَاةِ، فقد ظهرَ جَليّاً أنَّ ابنَ الباذِش يَسيرُ عَلى خُطى سيبويه لا يَتجَاوزُه إلى غيرِه من العلماءِ، ولمْ أجدْ في هذه الآراءِ مَا يُخَالفُ فيه سِيْبَوَيْه،فتابَعَه في كلِّ مَسألةٍ، ولم يَقفْ الحَدُّ عندَ مُتابَعَتِه لآراءِ سِيْبَوَيْه بل تَجاوَزَ الأمْرُ إلى تَلمُّسِ تفسيرٍ وفهمٍ خاصٍّ لعبارَةِ سِيْبَوَيْه المبهمةِ، وقد وَضُحَ ذلكَ مِنْ خِلالِ حَديثِه حول العِلَّةِ الرَّافِعَةِ للاسْمِ وإيضاحِ مَعْنى المُضَارَعة والقولِ في عَلاماتِ الإعرابِ، وغيرها من المَواضِعِ، ويُحاوِلُ دَوْماً إيجادَ تسويغٍ لحُكمِ سِيْبَوَيْه النَّحويِّ، ويُكْثرُ ابنُ الباذِش مِنْ نَقلِ آرائِهِ والأخْذِ بِها، وهذا الأمْرُ نَجِدْه مَنْثوراً فيما نَقَلَهُ أبُو حيَّانَ مِنْ شَرْحِ ابنِ الباذِش للجُمَلِ في تَذْكِرتِه. 2 خَالفَ ابنُ الباذِش الفَارِسِيَّ في عِدَّةِ مَواضِعَ، ولا يَعْني مدحُ ابنِ الباذِش للفارِسِيِّ وكِتابِهِ مُتابَعَتُه له في كُلِّ آرائِه، والظاهِرُ لي أنَّ الفَارِسِيّ لمْ يَصِلْ إلى مرتبةِ سِيْبَوَيْه عندَ ابن الباذِش، فلا شكَّ أنَّه مُعجبٌ بالإيضَاحِ، وقد عَبَّرِ عَنْ هذا الإعجابِ في القصيدَةِ السابقةِ،وانتقدَ ابنُ الباذِش الزَّجّاجِيَّ في شَرحِه للجُمَلِ في عِدَّةِ مَواضِعَ، وهذا يَدُلُّ عَلى أنَّ هذِه الشخصيَّةَ لها تَمَيُّزُها واسْتِقلاليتُها، أمّا مَا لَمَسْناه مِنْ مُتابَعَتِه لسِيْبَوَيْه فهو في الحَقيقةِ إضافةُ فَهْمٍ جَديدٍ ونَظْرةٍ مستقلةٍ جديدةٍ لعبارةِ سِيْبَوَيْه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 42 3 يَتَّضِحُ ممّا سبَقَ أنَّ ابنَ الباذِش بَصْرِيُّ المذهبِ، ولمْ أجِدْ للكُوفِيّين نَصِيباً كبيراً في تَفْكيرِ ابنِ الباذِش النَّحويِّ، ومَعْ ذلكَ وَجَدْتُه يَعْرضُ كَثيراً مِنْ آرائِهم دونَ نقدٍ أو تَعليقٍ،فها هو يَعْرضُ آراءَهم في الحُروفِ التي تَنْصِبُ المُضارِعَ، ولا أَجِدُه يُصَرِّحُ في مُتابَعَتهِ لرَأيٍّ مِنْ آرائِهم، ولعلَّ هذه القضيَّةَ مِنْ قضايا الخِلافِ بَيْنَه وبَينَ ابنِ الطراوَةِ الذي تابَعَ الكوفيين في مَجموعَةٍ كبيرةٍ مِنْ آرائِهم. 4 لمْ يَتَّضحْ موقفَ ابنِ الباذِش مِنْ السَّماعِ أو القِياسِ، ولكن هُناكَ إشاراتٌ تَدُلُّ على أنَّه كانَ يَأخُذُ بمَرْوِيّاتِ الكُوفيين (1)   (1) انظر البحر المحيط 1/220 المصادر والمراجع القرآن الكريم. ائتلاف النصرة في اختلاف نحاة الكوفة والبصرة للشرجي الزبيدي، تحقيق د. طارق الجنابي، عالم الكتب، ط1، 1987. الإحاطة في أخبار غرناطة لسان الدين بن الخطيب،حققه مُحَمَّد عبد الله عنان،مكتبة الخانجي،ط2، القاهرة1973. ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيَّانَ الأندلسي تحقيق: مصطفى النماس، مكتبة الخانجي، ط1، القاهرة 1984. أسرار العربية لأبي البركات الأنباري، تحقيق مُحَمَّد بهجة البيطار، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق 1957. الأشباه والنظائر في النحو الإمام جلال الدين السيوطي، تحقيق د. عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة، ط1، بيروت 1985. الأصول في النحو لابن السراج تحقيق:عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1985. إعراب القراءات السبع وعللها لابن خالويه، تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين،ط1، مكتبة الخانجي 1992. إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس، تحقيق زهير غازي زاهد،عالم الكتب، ط2،1985. الإفصاح ببعض ما جاء من الخطأ في الإيضاح ابن الطراوة النحوي، تحقيق د. حاتم صالح الضامن، ط1، دار الشؤون الثقافية، بغداد 1990. الإفصاح في شرح أبيات مشكلة الإعراب للفارقي، حققه سعيد الأفغاني، ط2 بنغازي 1974 الإقناع في القراءات السبع أبو جعفر أحمد بن علي المعروف بابن الباذِش، حققه د. عبد المجيد قطامش، مطبوعات جامعة أم القرى، ط1،1403 هـ. الأمالي الشجرية لابن الشجري،دار المَعْرِفَة للطباعة والنشر، بيروت. إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة للقفطي علي بن يوسف تحقيق: مُحَمَّد أبو الفضل إبراهيم، ط1، دار الفكر العربي ومؤسسة الكتب الثقافية 1986. الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات الأنباري، تحقيق مُحَمَّد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر. أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام، تحقيق مُحَمَّد محيي الدين عبد الحميد، ط6، دار إحياء التراث العربي، بيروت1966. الإيضاح العضدي لأبي علي الفَارِسِيّ، تحقيق د. حسن شاذلي فرهود، مطبعة دار التأليف، ط1،مصر 1969. الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب، تحقيق موسى بناي العليلي، مطبعة العاني، بغداد 1982. البحر المحيط = تفسير البحر المحيط البسيط في شرح الجمل لابن أبي الربيع، تحقيق د. عياد الثبيتي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1986. بغية الملتمس أحمد بن يحيى الضبي، دار الكاتب العربي 1967. بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنُّحَاة للسيوطي تحقيق مُحَمَّد أبو الفضل إبراهيم، ط2، دار الفكر 1979. البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة للفيروز أبادي حققه مُحَمَّد المصري، منشورات مركز المخطوطات والتراث، ط1، الكويت، 1987. التبصرة والتذكرة للصيمري، تحقيق د. فتحي أحمد مصطفى،منشورات مركز البحث العلمي، ط1، مكة المكرمة،1982. التبيان في إعراب القرآن للعكبري، تحقيق علي البجاوي، عيسى البابي الحلبي. تذكرة النُّحَاة أبو حيَّانَ مُحَمَّد بن يوسف الأندلسي، تحقيق:د. عفيف عبد الرحمن، ط1، مؤسسة الرسالة،بيروت 1986. التذييل والتكميل في شرح التسهيل لأبي حيَّانَ الأندلسي، نسخة مصورة من المخطوط بحوزة د. طارق نجم عبد الله. ترشيح العلل في شرح الجمل للخوارزمي، إعداد عادل محسن سالم العميري، مطبوعات جامعة أم القرى، ط1، 1419هـ. تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك،تحقيق مُحَمَّد كامل بركات،دار الكتاب العربي 1967. تفسير البحر المحيط أبو حيَّانَ الأندلسي، دار الفكر، بيروت. التكملة للفارسي تحقيق د. كاظم المرجان، ط2،عالم الكتب، بيروت، 1999. التهذيب الوسيط في النحو لابن يعيش الصنعاني، تحقيق د. فخر صالح قدارة، دار الجيل، ط1، بيروت 1994. توضيح المقاصد والمسالك للمرادي، تحقيق د. عبد الرحمن علي سليمان، ط2، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة. جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس لأبي عبد الله الحميدي، الدار المصرية للتأليف، 1966. الجمل في النحو للزجاجي تحقيق: د. علي الحمد، مؤسسة الرسالة ودار الأمل، ط1، 1984. الجمل في النحو للجرجاني، تحقيق يسرى عبد الغني عطية، دار الكتب العلمية، ط1،بيروت 1985. الجنى الداني في حروف المعاني للمرادي، تحقيق د. فخر الدين قباوة ومُحَمَّد نديم، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1983. حاشية الصبان على شرح الأشموني،مُحَمَّد بن علي الصبان،دار إحياء الكتب العربية، فيصل عيسى البابي الحلبي. الحجة للقراء السبعة للفارسي، حققه بدر الدين قهوجي وزميله،ط2، دار المأمون للتراث 1993. الحدائق النديّة في شرح الفوئد الصمدية لابن معصوم، نسخة مصورة بحوزة د. سمير استيتية. الحياة العلمية في الأندلس في عصر الموحدين د. يوسف علي بن إبراهيم العريني، مطبوعات مكتبة الملك عبد العزيز العامة، ط1، الرياض 1416 هـ. أبو الحسين بن الطراوة وأثره في النحو د. مُحَمَّد إبراهيم البنا، ط1، دار الإعتصام، القاهرة 1980. الخاطريات الإمام أبو الفتح عثمان بن جني، حققه علي ذو الفقار شاكر، دار الغرب الإسلامي، ط1، بيروت 1988. خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب لعبد القادر البغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة 1983 الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، تحقيق أحمد مُحَمَّد الخراط، ط1، دار القلم، دمشق 1986 الدرر اللوامع على همع الهوامع للشنقيطي، تحقيق عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة، ط2، بيروت 1994. دول الطوائف منذ قيامها حتى الفتح المرابطي مُحَمَّد عبد الله عنان، مكتبة الخانجي القاهرة ط2، 1969. الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب لابن فَرْحُون المالكي تحقيق مُحَمَّد أبو النور، دار التراث، القاهرة. ديوان جرير، دار صادر،بيروت 1960. ديوان ذي الرمة شرح الإمام أبي نصر الباهلي، تحقيق د. عبد القدوس أبو صالح، مؤسسة الإيمان، ط2، بيروت 1982. ديوان عمر بن أبي ربيعة، ط الهيئة المصرية العمة للكتاب 1978. ديوان كثير عزة، تحقيق د. إحسان عباس، نشر وتوزيع دار الثقافة 1971. رسائل ونصوص في اللغة والأدب والتاريخ حققها وقدم لها: إبراهيم السامرائي،مكتبة المنار،ط1، الزرقاء، الأردن 1988. سر صناعة الإعراب لابن جني، تحقيق د. حسن هنداوي، دار القلم،ط1، دمشق 1985. سير أعلام النبلاء للذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط وزملائه، مؤسسة الرسالة، 1404هـ. شجرة النور الزكية في طبقات المالكية مُحَمَّد مخلوف، دار الكتاب العربي. شرح أبيات سِيْبَوَيْه لابن السِّيْرَافِيّ، تحقيق مُحَمَّد علي سلطاني، دار المأمون للتراث 1979. شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، علي بن مُحَمَّد الأشموني،بأعلى حاشية الصبان، دار إحياء الكتب العربية، فيصل عيسى البابي الحلبي. شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم، اعتنى به مُحَمَّد بن سليم اللبابيدي، انتشارات ناصر خسرو، طهران،إيران. شرح ألفية ابن معط، للقواس عبد العزيز بن جمعة تحقيق د. علي الشوملي، ط1،مكتبة الخريجي، الرياض، 1985. شرح التسهيل لابن مالك تحقيق د. عبد الرحمن السيد ود. مُحَمَّد بدوي المختون،هجر للطباعة والنشر، ط1،1990. شرح التصريح على التوضيح، خالد الأزهري، دار أحياء الكتب العربية، فيصل عيسى البابي الحلبي. شرح جمل الزجاجي لابن عصفور الإشبيلي، تحقيق: د. صاحب أبو جناح، منشورات وزارة الأوقاف، بغداد 1982. شرح جمل الزجاجي لابن خروف الإشبيلي تحقيق: سلوى مُحَمَّد عمر عرب، منشورات جامعة أم القرى، 1419هـ. شرح الرضي على الكافية، تصحيح وتعليق يوسف حسن عمر، وطبعة دار الكتب العلمية، ط3، بيروت 1982. شرح شافية ابن الحاجب، الرضي الإستراباذي، تحقيق مُحَمَّد نور الحسن وزميليه، دار الكتب العلمية،بيروت 1982. شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ لابن مالك تحقيق عدنان الدوري، مطبعة العاني، بغداد، 1977. شرح العوامل المائة النحوية في أصول العربية للأزهري، تحقيق د. البدراوي زهران،ط2، دار المعارف، مصر. شرح الكافية الشافية، لابن مالك، تحقيق د. عبد المنعم هريدي، منشورات جامعة أم القرى، دار المأمون للتراث. شرح اللمحة البدرية في علم العربية لابن هشام الأنصاري، تحقيق د. صلاح رواى، ط2، بدون. شرح اللمع لابن برهان حققه د. فائز فارس،ط1، الكويت، 1984. شرح اللمع في النحو للواسطي الضرير، تحقيق د. رجب عثمان، ط1، مكتبة الخانجي، القاهرة 2000. شرح المفصل لابن يعيش الحلبي، عالم الكتب، بيروت. شرح المفصل الموسوم بالتخمير للخوارزمي،تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين،الطبعة الأولى الخاصة بمكتبة العبيكان، الرياض 1421هـ. شرح المقدمة الجزولية الكبير للشلوبين عمر بن مُحَمَّد، تحقيق د. تركي بن سهو، مؤسسة الرسالة، ط2، بيروت 1994. شرح المقدمة الكافية في علم الإعراب لابن الحاجب، تحقيق جمال عبد العاطي مخيمر، ط1، مكتبة نزار الباز، الرياض 1997. شرح المقدمة المحسبة لابن بابشاذ، تحقيق خالد عبد الكريم، ط1، الكويت 1984. شفاء العليل في إيضاح التسهيل لمُحَمَّد بن عيسى السلسيلي، تحقيق د. الشريف عبد الله الحسيني، ط1، المكتبة الفيصلية 1986. الصفوة الصفية في شرح الدرّة الألفية للنيلي، تحقيق د. محسن بن سالم العميري، منشورات جامعة أم القرى، 1419هـ. الصلة ابن بشكوال،خلف بن عبد الملك،االدار المصرية للتأليف 1966. ابن الطراوة النحوي عياد عيد الثبيتي، مطبوعات نادي الطائف الأدبي، ط1، 1983. عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس مُحَمَّد عبد الله عنان، لجنة التأليف والنشر، القاهرة، ط1،1964. علل النحو لأبي الحسن الوراق تحقيق د. محمود الدرويش،مكتبة الرشد،ط1، الرياض، 1999. فهرسة ما رواه عن شيوخه من الدواوين، لأبي بكر مُحَمَّد بن خير الأشبيلي، ط3، مكتبة الخانجي، القاهرة 1997. كتاب سِيْبَوَيْه، أبو بشر عمرو بن عثمان تحقيق عبد السلام هارون، عالم الكتب، بيروت. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة مكتبة المثنى، بغداد. كشف المشكلات وإيضاح المبهمات لجامع العلوم الباقولي، تحقيق د. مُحَمَّد أحمد الدالي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق. كشف المشكل في النحو للحيدرة، تحقيق هادي عطية، مطبعة الإرشاد، ط1،بغداد،1984. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل للزمخشري،رتبه مصطفى حسين أحمد، دار الريان للتراث ودار الكتاب العربي، ط3، 1978 الكناش في فني النحو والصرف للملك المؤيد الأيوبي صاحب حماة، تحقيق د. رياض الخوام،ط1، المكتبة العصرية، بيروت 2000. لباب الإعراب للإسفراييني، تحقيق بهاء الدين عبد الوهاب، ط1، دار الرفاعي، الرياض 1984. اللباب في علل البناء والإعراب للعكبري، تحقيق غازي طليمات وزميله، مطبوعات مركز جمعة الماجد، دار الفكر، ط1، 1995. اللمع في العربية لابن جني، تحقيق د. فائز فارس، دار الكتب الثقافية، الكويت. مجالس العلماء للزجاجي،تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، دار الفاعي،ط2، القاهرة 1983. المجيد في إعراب القرآن المجيد للصفاقسي، تحقيق موسى مُحَمَّد زنين، ط1، منشورات كلية الدعوة الإسلامية 1992. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ابن عطية الأندلسي، تحقيق عبد الله الأنصاري وزميليه، ط1، الدوحة 1984. المحصل في كشف أسرار المفصّل للإمام يحيى بن حمزة العلوي، مخطوط محفوظ في صنعاء، الجامع الكبير، مكتبة الأوقاف رقم 1731، 1732 نحو. المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل، تحقيق: مُحَمَّد كامل بركات، منشورات مركز البحث العلمي، مكة المكرمة 1984. معاني القراءات لأبي منصور الأزهري،حققه الشيخ أحمد فريد المزيدي،منشورات مُحَمَّد علي بيضون،ط1،دار الكتب العلمية 1999. معاني القرآن للفراء، تحقيق مُحَمَّد علي النجار وأحمد نجاتي، ط3، بيروت 1983. معاني القرآن وإعرابه للزجاج تحقيق عبد الجليل شلبي، عالم الكتب بيروت 1983. المعجم في أصحاب القاضي أبي علي الصدفي ابن الأبار، دار الكاتب العربي، القاهرة، 1967. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الأنصاري، تحقيق مُحَمَّد محيي الدين عبد الحميد،دار إحياء التراث العربي، بيروت. المقتصد في شرح الإيضاح، عبد القاهر الجرجاني،تحقيق كاظم بحر المرجان، منشورات وزارة الثقافة والإعلام العراقية، دار الرشيد، 1982. المقتضب للمبرد، تحقيق مُحَمَّد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت. المقرب لابن عصفور، تحقيق: أحمد الجواري وعبد الله الجبوري،وزارة الأوقاف، لجنة إحياءالتراث الإسلامي، مطبعة العاني، بغداد، 1971. الملخص في ضبط قوانين العربية لابن أبي الربيع،تحقيق د. علي بن سلطان الحكمي، ط1،1985. نتائج التحصيل في شرح كتاب التسهيل للدلائي، تحقيق د. مصطفى الصادق العربي، بدون. نتائج الفكر في النحو للسهيلي، تحقيق د. مُحَمَّد إبراهيم البنا، دار الاعتصام، القاهرة 1984. النكت الحسان في شرح غاية الإحسان لأبي حيَّانَ الأندلسي، تحقيق د. عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، ط2، بيروت 1988. النكت في تفسير كتاب سِيْبَوَيْه للأعلم الشنتمري، تحقيق زهير عبد المحسن سلطان،منشورات معهد المخطوطات العربية،ط1،الكويت1987. هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين إسماعيل باشا البغدادي، مكتبة المثنى بغداد. همع الهوامع في شرح جمع الجوامع للسيوطي تحقيق عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة، ط2، بيروت 1987. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 43 ،وهو يأخُذُ بالقِرَاءاتِ الشاذَّةِ،ويَعْتَدُّ بها،فيجْعَلُ منها أصْلاً في السماع، وذلكَ كَمَا في قِراءَةِ "قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرِينَ "، فَأَجَازَ بهذِه القِراءَةِ نَصْبَ التابِعِ في النداءِ حَمْلاً عَلى المَوْضِعِ، وهو رَأيُ المَازني. 5 يَهْتمُّ ابنُ الباذِش بالعِللِ الأولى، ولا يأخُذُ بالثواني ومَا يَليها مِنْ عِلَلٍ، فهو كَبَقِيّةِ النُّحَاةِ في الأخْذِ بالعِلةِ،وقد ذَكَرْتُ له جُمْلةً مِنْ العِللِ، مِنْها عِللٌ خَاصَّةٌ بابنِ الباذِش كعِلَّةِ مَجيءِ (أيّ) المَوصولةِ بَعدَ المُستقبلِ، فالكِسائِي تَرَكَ الأمْرُ دونَ تَعْليلٍ وتَصَدّى لتعليلِها ابنُ الباذِش مُحاولاً إيجَادَ تفسيرٍ لهذا الحُكمِ أو ذاك،ومِنْها عِللٌ قديمةٌ بثوبٍ جَديدٍ، وهي ضِمْنَ المُحاوَلاتِ لفَهمِ أو تفسيرِ الأحْكامِ المَوْجودَةِ في كتابِ سِيْبَوَيْه، ومن ذلكَ العِلَّةُ الرَّافِعَة للاسْمِ وغيرها، ومنها ما هو مُتَابَعَةٌ لغيرِه في التعليلِ. 6 وجدتُ ابنَ الباذِشِ يَتفردُ في بَعضِ الأحْكامِ النَّحْويَّةِ، ويقوم بترجيحِ الرأي المناسب معتمداً على الأصولِ النحوية وقوّة البرهان، وأذكُرُ في هذا المَوضعِ بعض الأحكام التي تفرّد بها ابن الباذش: تَوْجيهُ رأيِ سيبويه في العِلَّةِ الرَّافِعَةِ للاسْمِ. عِلَّة مَجيء (أيّ) الموصولة بعد المستقبل. العامل في المضاف إليه. تَعلّقُ لام المستغاثِ له. جواز التنازع إذا كان المتنازع فيه سببياً مرفوعاً. تأويله لإفراد كاف الخطاب عند خطاب الجماعة. دلالة ربّ. جواز (هما يفعلان) للمؤنُّث. علمية جُمَع وكُتَع. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 44 سادساً: هناك خِلافٌ بينَ ابن الباذِشِ وابنِ الطراوَةِ يتَمَثّلُ في أنّ ابنَ الباذِشِ معْجبٌ بالفارسيِّ وإيضاحِه وكتبه الأخرى، وينقدُ كِتابَ الكافي للنحّاسِ،أمَّا ابنُ الطّراوَةِ فهو مُعْجَبٌ بكُلِّ الكتبِ النَّحْويّةِ، وقامَ بمَدْحِ كتابِ سيبويه والمقتضبِ والأصولِ والجُمَلِ والكافي في كِتابِه الإفصاح، وذَمَّ كتبَ الفارِسِيِّ وابنِ جِنِّي، هذا هو الخِلافُ النَّحْويُّ الظاهري المَوجودُ بينَ الشَّخْصِيَّتَيْن،والذي أَرَاهُ أنَّ الخِلافَ بينَهما في النَّشأةِ،فابنُ الباذِشِ كانَ عالماً وَرِعاً مُلتزِماً،وكانَ إمامَ الفَرِيضةِ في جَامِع غرناطةَ، أَمَّا ابنُ الطَّراوَةِ فلمْ يَنْشأ هذه النَّشْأةَ التي نَشَأها ابنُ الباذِشِ،والذي يُروَى عنه أنَّه كَانَ له مَجْلسُ شربٍ، وكانَ يقولُ الشعرَ فيمن يهوى، وهذه النشأةُ ولّدَتْ عندَهما شيئاً مِنْ التنافُسِ والنِّدِّيَّةِ، وأرى أنّ لها الأثرَ الكَبيرَ في الخِلافِ بينهما. الحواشي والتعليقات الجزء: 12 ¦ الصفحة: 45 التنغيم في التراث العربي د. عليان بن محمد الحازمي الأستاذ المشارك بقسم اللغة والنحو والصرف كلية اللغة العربية جامعة أم القرى ملخص البحث تهدف هذه الدراسة إلى بيان التنغيم ووظيفته. وتوضح أن التنغيم ليس محصوراً في اختلاف درجات الصوت التي ينشأ عنها ارتفاع النغمة أو هبوطها. ولكن ترى أن التنغيم يحدث من كل ما يحيط بالنطق من وقف، وسكت، وعلو صوت، ونبر. واتباع سنن أهل اللغة في أدائها. لذا يرى البحث أن للتنغيم وظيفتين: 1 - وظيفة أدائية، بها يتم نطق اللغة حسب النظام المتعارف عليه عند أهلها، من حيث الالتزام بطرق أدائها، لأنه لو لم يلتزم بها يصبح نطقه وكلامه غير واضح ولبدا غريباً عند أهلها. 2 - وظيفة دلالية وهو أن التنغيم له تأثير على بيان وتوضيح الدلالات المختلفة ومقاصد الكلام. كما بينت هذه الدراسة إلى تنبه علماء العربية إلى أهمية التنغيم وأشارت إلى الحاجة إلى دراسة طرق الأداء المختلفة عند القراء من وقف، وسكت، ووصل، ومد حيث أنها تحمل عند النطق بها تنغيمات مختلفة. وأوضحت الدراسة أن النحاة عند استنباطهم لقواعد اللغة لم يهملوا دلالة التنغيم فقد اعتمدوا على مشافهة الفصحاء والسماع منهم وعلى ضوء سماع نطقهم وضعوا القواعد. وكان نطقهم يحمل تنغيماً معيناً. كما في كم الخبرية وكم الاستفهامية، والاستفهام والتعجب والإغراء والتحذير. *** التنغيم واللغة العربية مقدمة إن الاهتمام بالأداء والنطق من أهم الجوانب التي أكد عليها ((علم اللسانيات)) . فدراسة الأصوات، ومعرفة أقسامها، وصفاتها، وما يعرض لها من تأثير، هي البداية الأولى لمعرفة وإتقان أي لغة من لغات البشر، والأساس الذي تنطلق منه أي دراسة لغوية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 46 والأداء الصحيح للغة، ونطقها له أسس ومعايير، دوّنها العلماء، ينبغي أن تلقن وتعرف. فالانحراف عن النطق المتعارف عليه عند أصحاب اللغة، يؤدي غالباً إلى اختلاف المعاني وتباين المقاصد. ناهيك عن عدم وضوح المعنى. فمعرفة طرق الأداء والنطق الصحيح، لا يقل في أهميته عن معرفة علم النحو. وللسانيات قدم راسخة في دراسة أساليب الأداء في اللغات، كان من ثمراتها استحداث واستنباط مصطلحات علمية في مجال دراسة الأصوات كالمماثلة، والنبر، والتزمين والتنغيم إلى غير ذلك. والأصل في اللغة أن تكون منطوقة، ((يعبر بها كل قوم عن أغراضهم)) (1) . والكتابة ما هي إلا صدى ومحاولة لنقل وتصوير المنطوق؛ لذا ابتكرت اللغات من الوسائل ما يجعل المكتوب مقارباً للمنطوق. استعانت أحياناً بوضع علامات ورموز سنتحدث عنها يما عد تعين على توضيح المراد وبيان لمطلوب. التنغيم ((Intonation)) أحد المصطلحات التي ترد في علم الأصوات. ويهتم به معلمو اللغات. ويلقنونه الدارسين عند تعلمهم اللغات. ويحاولون أن يجعلوه سجية، وملكة في طبائعهم؛ لأن أي انحراف عنه قد يؤدي إلى عدم وضوح المعنى، وتعثر في فهم كلام المتحدث.   (1) ابن جني الخصائص ج1 ص 33. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 47 وهذه الدراسة تحاول أن تكشف عن أهمية التنغيم في أداء اللغة، ومدى تنبه علماء العربية له. وتوضح في الوقت نفسه بأن كثيراً من معطيات اللسانيات لم تكن بعيدة عن تصور أذهان لغويينا. فليست عقول القوم بأذكى وأقوم من عقول سلفنا. فلقد أثبت كثير من المنصفين (1) بما لا يدع مجالاً للشك بنجابة فهم اللغويين العرب لظواهر اللغة وحسن تعليلهم. إن قراءة التراث العظيم الذي خلفه علماؤنا بتمعن ليقفنا على مدى مالهم من وقفات تعكس براعتهم في التحليل والتفسير والاستنباط. كما أنه يتعين علينا أن ننبذ الحساسية التي ترى أن ((اللسانيات)) علم بعيد عن تراثنا، وأنه تنفس في أجواء غريبة. فاللسانيات وإن كانت نتاجاً غير عربي، فإنه لا يستبعد أن تكون قد هبت عليها رياح من نتاج الأمم الأخرى فتأثرت به. فلقد كان لعلماء الساميات أثر في تقديم قواعد اللغة العربية لأممهم، كما أن لدارسي الإسلام والعربية من المستشرقين أياً كانت توجهاتهم نصيباً في إعطاء ملامح عن التفكير العربي في مختلف الميادين. [فهذا حمزة قبلان المزيني يتلقى رسالة من نعوم تشومسكي رائد المدرسة اللغوية التحويلية رداً على استفسارات بعث له بها اعترف فيها أنه اطلع واستفاد من التراث اللغوي العربي] . كما أن فيرث رائد المدرسة اللغوية الانجليزية استفاد أيضاً من اطلاعه على اللغات الشرقية حيث أن تحليله الذي اهتم فيه بالأصوات ((البروسودي Prosodies)) (2) استقاه من الهنود عندما كان أستاذاً في جامعة البنجاب. لذا يتحتم علينا أن نؤصل ما جاء في تراثنا ونقدمه بما يتوافق   (1) انظر على سبيل المثال التراث النحوي العربي الإسلامي: نحوي عربي من القرن الثامن الميلادي، مساهمة في تاريخ اللسانيات ميخائيل ج. كارتر، تعريب محمد رشاد الحمزاوي ص 179 من قضايا المعجم العربي قديماً وحديثاً. (2) البروسودي يطلق عليه كمال بشر التطريز الصوتي، وآخرون يطلقون عليه النظم. انظر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 48 وحس العصر مع الاهتمام بما يفيد لغتنا في حاضرها ومستقبلها. من هنا جاءت مصادر هذا البحث متعددة ومتنوعة. فقد أفاد من كتب التراث العربي، ومن الدراسات اللغوية المحدثة التي كتبها اللغويون العرب الذين اطلعوا على اللسانيات، كما اعتمد على آراء في مصادرها الأصلية. معنى التنغيم: يعد إبراهيم أنيس أول من أدخل مصطلح التنغيم في الدراسات اللغوية العربية المعاصرة، وسماه ((موسيقى الكلام)) ، حيث ذكر ((أن الإنسان حين ينطق بلغته لا يتبع درجة صوتية واحدة في النطق بجميع الأصوات، فالأصوات التي يتكون منها المقطع الواحد، تختلف في درجة الصوت وكذلك الكلمات قد تختلف فيها .... ويمكن أن نسمي نظام توالي درجات الصوت بالنغمة الموسيقية)) (1) . فالتنغيم مصطلح لساني يقابل لفظ ((Intonation)) يقول روبنز معرفاً التنغيم: ((تتابعات مطردة من الدرجات الصوتية المختلفة)) . ويقول دانيال جونز: ((التنغيم ربما يُعَرّفُ بأنه التغيرات التي تحدث في درجة نغمة الصوت في الكلام والحديث المتواصل، هذا الاختلاف في النغمة يحدث نتيجة لتذبذب الأوتار الصوتية)) (2) ،فالتنغيم مرتبط بالاهتزازات التي تحدثها الأوتار   (1) الأصوات اللغوية ص 176. (2) An Outline of English Phonetics, p. 275 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 49 الصوتية، فكلما زادت عدد الاهتزازات وكانت ذات سرعة كان عدد التغيرات في التنغيمات أوضح. والملاحظ أن إبراهيم أنيس أخذ مصطلح التنغيم من اللسانيات التي ترى التنغيم هو أحد سمات الأداء الذي لابد من وجوده في أي لغة. فاختلاف نغمات الكلام شيء طبيعي في اللغة التي لابد أن تحتوي على ((موسيقى نغمات)) تتألف منها ألفاظها. يقول تمام حسان ((التنغيم ارتفاع الصوت وانخفاضه أثناء الكلام)) (1) . ويقول ((إن الكلام لا يجري على طبيعة صوتية واحدة بل يرتفع الصوت عند بعض مقاطع الكلام أكثر مما يرتفع عند غيره وذلك ما يعرف باسم التنغيم)) (2) . لذا فإن كل جملة أو كلمة ينطق بها لابد أن تشتمل على درجات مختلفة من درجة الصوت، ما بين عالية، ومنخفضة، ومستوية، ومنحدرة تتناسق وتتناغم لتُؤَدّي الكلمة والجملة. فاختلاف درجة الصوت في الكلمة وتباينها من مقطع إلى مقطع آخر قاعدة عامة تخضع له جميع اللغات. إذ أنه من المستحيل أن نجد لغة تستعمل نغمة واحدة في الكلمة أو الجملة وتجعلها سائدة في كل أجزاء الجملة، فلابد أن تكون هنالك عدة نغمات متآلفة متناسبة في الكلمة. وقد أشار العلماء إلى أنواع النغمات ما بين هابطة إلى أسفل وصاعدة إلى أعلى وثابتة مستوية (3) ، كما حددوا الوظيفة الأصواتية للتنغيم بأنها ((النسق الأصواتي الذي يستنبط التنغيم منه)) (4) .   (1) مناهج البحث في اللغة ص 164. (2) البيان في روائع القرآن ص 263. (3) مناهج البحث في اللغة ص 166. (4) مناهج البحث في اللغة ص 164. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 50 فاختلاف التنغيم وتغير النغمة في اللفظ أو الجملة المنطوقة شيء طبيعي ويمكن أن نطلق عليه ((التنغيم الطبيعي)) وهذا يوجد في كل اللغات إذ به ينسجم الأداء المطلوب، وليست له أي وظيفة دلالية. ولكن المتحدث باللغة، أي لغة كانت، لابد له من إتقان هذا النوع، لأنه إذا لم يستعمله أصبح نطقه متنافراً لا يتفق مع طبيعة اللغة وقياسيتها عند أهلها. فعدم إتقانه يجعل المتحدث يبدو غريباً عند أهل اللغة. وربما وقع في خطأ وبدا حديثه غير مفهوم، والسبب يرجع إلى عدم التزامه بمقياسية نغمات ألفاظ اللغة. التنغيم واللغات: قسم العلماء اللغات إلى نوعين: 1 - لغات نغمية ((Tone Languages)) وهي لغات يتحدد معنى الكلمة فيها عن طريق النغمة، حيث أن الاختلاف في درجة الصوت على الكلمة المنطوقة هو المسؤول عن تحديد معناها. ويظهر هذا في اللغة الصينية، فاللفظ ينطق بنغمات مختلفة وبها يتحدد المعنى. يقول أحمد مختار عمر ((إن اختلاف درجة الصوت في هذه اللغات يساعد على تمييز كلمة من أخرى)) (1) . 2 - لغات تنغيمية ((Intonation Languages)) وتمثلها اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية إذ ان الجملة تتعدد دلالاتها باختلاف التنغيمات التي تنطق. فطرق الأداء التي بها يتم نطق الجملة له أثر كبير في المعاني المراد إبلاغها. يقول أحمد مختار عمر ((ونوع يسمى بالتنغيم وهنا تقوم درجات الصوت المختلفة بدورها المميز على مستوى الجملة أو العبارة أو مجموعة الكلمات)) (2) . وهذا ما جعل اللغويين الإنجليز أتباع مدرسة فيرث يهتمون اهتماماً كبيراً بإرساء قواعد التنغيم. يقول روبنز ((لا تجد لغة من اللغات إلا وتستخدم درجات مختلفة من الصوت ((Pitch)) (3) إنها المسؤولة عن التنغيم.   (1) دراسة الصوت ص 192. (2) دراسة الصوت ص 192. (3) R. H. Robins: General Linguistics 111. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 51 واختلاف درجة الصوت موجود في جميع اللغات إلا أن الوظيفة التي تؤديها يختلف من لغة إلى أخرى كما أن الأشخاص يختلفون أيضاً فيها ولكن مع هذا يوجد نوع عام للتنغيم يميز نطق كل لغة. وهذا ما جعل أتباع المدرسة اللغوية الانجليزية يؤكدون على دراسة الأصوات وما يتعلق بها من نبر وتزمين. فبعض المقاطع تكون أكثر جهارة ووضوحاً؛ لأن المقطع المنبور يحمل نغمات أكثر من المقطع غير المنبور. يقول روبنز ((المقطع المنبور تكون نغمته أعلى من المقطع المتوسط أو غير المنبور)) (1) . فالدراسة الأصواتية وما اصطلحت عليه مدرسة فيرث بالتحليل البروسودي ما هو إلا وسيلة يتوصل به إلى معرفة المعنى. فالمعنى أهم ما تسعى إليه الدراسة اللغوية. يقول تمام حسان ((لأن كل دراسة لغوية - لا في الفصحى فقط بل في كل لغة من لغات العالم - لابد أن يكون موضوعها الأول والأخير هو المعنى وكيفية ارتباطه بأشكال التعبير المختلفة)) (2) . وظيفة التنغيم: لاشك أن للتنغيم وظائف يقوم بها، منها: 1 - وظيفة أدائية بها يتم نطق الجملة في اللغة حسب نظم الأداء فيها وحسب ما يقتضيه العرف عند أهل اللغة. 2 - وظيفة دلالية بها يتم معرفة المعاني المختلفة ورغم أن هاتين وظيفتان مختلفتان إلا أنه لا يمكن أن نفصل الوظيفة الأدائية عن الدلالية. فهما متلازمتان ومتكاملتان. لذا فإن إيجاد قواعد عامة توضح التنغيم، وأهمية ما يسمى بدرجة الصوت ((Pitch)) وتتابعها إنما هو على سبيل المقاربة. فالتنغيم - في رأينا - مجموعة معقدة من الأداء الصوتي بما يحمل من نبرات، وفواصل صوتية، وتتابع مطرد للسكنات والحركات، التي بها يحدث الكلام وتتميز دلالاته.   (1) op. cit, 150. (2) اللغة العربية معناها ومبناها ص 6. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 52 وهذا ما دعا ديفيد كريستال إلى القول ((ليس التنغيم نظاماً متفرداً من المناسيب يأتي في نهاية الجملة ولكن خصائص معقدة من مختلف الأنظمة البروسودية)) تشمل النغمة، درجة الصوت، المدى، علو الصوت، التزمين. هذه الأمور كلها مجتمعة تأتي متناغمة ذات إيقاع)) (1) . ((ولقد ظل الدارسون مترددين في حصر التنغيم فقط في حركة درجة الصوت ((Pitch)) بيد أنه عندما يسأل ما أثر التنغيم في توجيه المعنى حينئذ معايير أخرى غير درجة الصوت يشار إليها على أنها جزء مهم وأساس في التأثير على المعنى)) (2) . فالتنغيم أوسع من أن يحصر في ما يسمى بهبوط النغمة، أو صعودها، ولكن كل ما يحيط بالنطق من طرق الأداء. هذه الطرق تشمل الوقف، والسكت، علو الصوت، نبر المقاطع، وطول الصوت وغير ذلك، ثم أن التنغيم يقتصر على التراكيب المسموعة دون التراكيب المقروءة. فالأداء وما يحمل من نبرات، وتنغيمات، وفواصل له أثر كبير في نفوس السامعين، ومتابعتهم، وحسن إصغائهم، وفهم المراد. ولقد تناول سليمان بن إبراهيم العايد ذلك في مقال ((القراءة الجهرية بين الواقع وما نتطلع إليه)) يقول: ((فأنت حين تقول ((اُخرج!)) وأنت تأمر أمراً عادياً لك أداء يختلف عنه حين تقولها وأنت تنهر شخصاً وتطرده. ومثلها ((قم!)) في الحالين، وكذلك حين تأتي باستفهام تريد به مجرد الاستفهام، أو تريد به الإنكار، أو التعجب، أو التقرير)) (3) .   (1) D. Crystal: Intonation, p. 110. (2) op. cit, p. 110. (3) التراث: العدد الأربعون، السنة الثانية والعشرون؛ جريدة البلاد السنة 69 العدد 15826 الخميس 10 شعبان 1420 هـ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 53 والتركيز على حسن الأداء جزء من دراسة الأصوات وطرق أدائها فإبراهيم أنيس يرى ((لطول الصوت أهمية خاصة في النطق باللغة نطقاً صحيحاً، فالإسراع بنطق الصوت أو الإبطاء به يترك في لهجة المتكلم أثراً أجنبياً عن اللغة ينفر منه أبناؤها)) . ويقول: ((فالصوت المنبور أطول منه حين يكون غير منبور وانسجام الكلام في نغماته يتطلب طول بعض الأصوات وقصر البعض الآخر)) (1) . إن وضوح المعاني يتطلب أموراً كثيرة: منها أحكام بناء الجملة، فالإعراب الذي يظهر على أواخر الكلم هو من صميم الأداء يقول محمد إبراهيم البنا: ((الإعراب بيانات أدائية تحقق الوضوح لأبنية التركيب)) (2) . فالتنغيم عنصر مهم من عناصر الأداء، وعدم إتقانه يؤدي إلى عدم الوضوح كما أشرنا (ص 7) . وقد يحدث أن يتحدث إليك من لا يتقن اللغة ولا يجيد أداءها فلا تعرف ما يريد أن يقوله، والسبب في ذلك يعود إلى أنه لا ينطقها بما هو متعارف عليه من التنغيم. إن حسن الأداء لا يتأتى إلا باتباع سنن أهل اللغة في النطق، والاهتمام بالجانب التطبيقي، والتعود على مجاراة الفصحاء، والسماع للقراء المجودين. فالقراءات التي نسمعها من القراء من وقف، ومد، وسكت، ومدود مختلفة هي التنغيم. هذه الجوانب المشرقة في تراثنا، يجب أن نضع أيدينا عليها، لأن حسن الأداء ووضوح المعاني من أهم ما سعى إليه علماء العربية. التنغيم ودلالاته:   (1) الأصوات اللغوية ص 156. (2) الإعراب سمة الفصحى ص 5. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 54 للتنغيم وظيفة أصواتية وتتمثل في انسجام الأصوات، حيث تكتمل فيه النغمات وتتآزر مؤدية المعاني والمقاصد. وقد أشرنا (ص 9) إلى أن التنغيم أوسع من أن يحصر. ((فالوظيفة الدلالية يمكن رؤيتها لا في اختلاف علو الصوت وانخفاضه فحسب ولكن في اختلاف الترتيب العام لنغمات المقاطع)) (1) . فإذا قلت جاءَ محمدٌ قد تكون إثباتاً وقد تكون تأكيداً لمن قام بالحدث. والمعول عليه هنا النطق واختلاف طرق الأداء. وقد أكد تمام حسان هذا بقوله عندما تحدث عن التنغيم ((وربما كان له وظيفة نحوية هي تحديد الإثبات والنفي في جملة لم تستعمل فيها أداة الاستفهام فتقول لمن يكلمك ولا تراه: أنتَ محمدٌ، مقرراً ذلك ومستفهماً عنه وتختلف طريقة رفع الصوت وخفضه في الإثبات عنها في الاستفهام)) (2) . فدلالة التنغيم تظهر في الجمل المنطوقة ((فكم)) تكون استفهامية، وتكون خبرية، والذي يحدد ذلك هو النغمات الصوتية التي يتم بها الأداء. وبيت الشاعر الفرزدق خير مثال على ذلك: كم عمةًٍ لك يا جرير وخالة فدعاء قد حلبت عليّ عشاري إن الفرق بين دلالة الاستفهام والخبر تتضح في النغمة المرتفعة في الاستفهام والمستوية في الخبرية. كم عمةٍ كم عمةً مستوية مرتفعة خبرية استفهامية يقول سلمان العاني ((إن الفرق الرئيسي بين هاتين الأداتين يوجد في المعنى الذي هو الفرق بين الاستفهام للعلم بما يجهله المتكلم ويعلمه السامع المخاطب، والإخبار الذي يعلمه المتكلم علم اليقين ويجهله السامع أو المخاطب ويوجد كذلك في المبنى وهذا ماثل في الحركة الإعرابية ... وفي النغمة الصوتية التي هي في الإخبار نغمة صوتية مستوية بينما هي ذات نغمة صوتية صاعدة في معنى الاستفهام)) (3) .   (1) مناهج البحث ص 164. (2) المصدر نفسه ص 164. (3) S. H. Alani, Arabic Phonology , p.92 , 96 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 55 فمن مظاهر التنغيم أنه يزيل اللبس عن معنى الجملة وبه يدرك الفرق بين المعاني. وهذا يتأتى بإتقان مجموعة طرق الأداء في النطق تتمثل في النبر، والوقف، والسكت والإيقاع، ووصل بعض الكلام، واختلاس بعض الأصوات والاستغناء عن بعضها ومد بعضها لتكون واضحة. هذه الأمور هي علامات بارزة وهي ما يكوّن التنغيم. فالمتكلم قد يهدف بحديثه وتتابع نغمات كلامه العتابَ، أو الاستحثاثَ، أو لفتَ النظرِ، أو الامتعاضَ إلى غير ذلك. التنغيم وعلماء العربية: ذكرنا فيما سبق أهمية التنغيم ودوره في تعيين الدلالة. وأوضحنا أن مفهوم التنغيم لا يمكن حصره في درجة الصوت فقط ((Pitch)) ولكنه مجموعة من الاتحادات الصوتية بها يتم تحقيق الأداء الصحيح. كالنبر، والسكت، والوصل ومد بعض الأصوات، واختلاس بعضها التي بها يتم الانسجام ويتحقق التنغيم. وقد فطن إبراهيم أنيس إلى الآثار التي يتركها طول الصوت وقصره وتحقيقه عندما قال ((وانسجام الكلام في نغماته يتطلب طول بعض الأصوات وقصر البعض الآخر)) (1) . هذه الأمور مجتمعة هي التنغيم. لذا اهتم العلماء بطرق الأداء. ولعلماء القراءات إسهامات متميزة في هذا المجال، فاللحون التي نسمعها من القراء المجودين لقراءات القرآن الكريم هي التنغيم. فالإشبتاع مثل إشباع الفتحة في آخر الآيات الكريمات الآتية: (وتظنون بالله الظنونا ((2) . (يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ((3) . (فأصلونا السبيلا ((4) .   (1) الأصوات اللغوية ص 156. (2) سورة الأحزاب، آية 10. (3) سورة الأحزاب، آية 66. (4) سورة الأحزاب، آية 67. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 56 نوع من التنغيم يؤدي إلى البيان والوضوح والتأكيد على تأصل الكفر. بل إن هاء السكت التي تلحق الكلمات المنتهية بياء المتكلم كتابيه، حسابيه، سلطانيه هي نوع من التنغيم الذي يشير إلى استراحة النفس وذلك بالوقف على هاء السكت ومن ثم يعدل عن الإعراب وبيانه. كما أن القسم لاشك له دلالة التأثير لكن يصاحب القسم نغمة يؤدي بها هذه النغمة، وإن كانت أغفلت لوضوح أن القسم له دلالته، فإن هذه النغمة تكون دائماً مصاحبة للقسم. فقوله تعالى: (المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ((1) يدل على التأكيد ((وقد يساق الموصول مساق التعظيم بسبب ما يحتمله التعميم من التهويل والتضخيم والتكريم)) (2) . إن الجوانب المشرقة التي نراها في اهتمام علماء القراءات بطرق أداء القرآن الكريم وتجويده تقفنا على كمٍّ من المصطلحات التي تحمل في جنباتها آليات التنغيم ودرجاته. فقراءة التحقيق هو ((إعطاء كل حرف حقه من إشباع المد، وتحقيق الهمز، وإتمام الحركات، واعتماد الإظهار والتشديدات، وتوفية الغنات، وتفكيك الحروف وهو بيانها وإخراج بعضها من بعض بالسكت والترسل واليسر والتؤدة)) (3) . والتجويد هو ((الإتيان بالقراءة مجودة الألفاظ بريئة من الرداءة في النطق ومعناه انتهاء الغاية في التصحيح وبلوغ النهاية في التحسين)) (4) . لذا اهتموا بالوقف، وبيان ما يحسن منه وما يقبح؛ لأن الوقف استراحة يقوم بها القارئ، فقد يضطر أن يقف لئلا ينقطع نفسه، فما كان منهم إلا أن أشاروا وبينوا أنواع الوقف فصنفوا المطولات والمختصرات توضح مواطنه لكيلا يوقف على ما يخل بالمعنى.   (1) سورة الرعد، آية 1. (2) روائع البيان ص 365. (3) النشر في القراءات العشر ج1 ص 293. (4) النشر ج1 ص 299. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 57 والذي يعنينا بيانه هنا هو أن النطق والأداء يعتمدان على النفس، والوقف استراحة يلجأ إليها المتكلم ليعاود استئناف كلامه فيما بعد. وما بين استمرار الكلام والوقف والاستئناف نغمات وتسلسل صوتي يدركها السامع وتعيها الأذن المدربة؛ لذا فرق العلماء بين الوقف والسكت، ((فالوقف قطع الصوت على الكلمة زمناً يتنفس فيه)) (1) ، وهذا ما ينشأ عنه في رأينا ما يسمى بالنغمة المنحدرة في أغلب الأحيان. بينما السكت ((قطع الصوت زمناً وهو دون زمن الوقف عادة من غير تنفس)) (2) وهذا ما ينشأ عنه النغمة المستوية كما في قوله تعالى: (الحمد لله لاذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر … (فالسكت الذي على ((قيّماً)) نغمة مستوية ترتفع بعد معاودة القراءة. إن أنواع الوقف تحتاج إلى دراسة تؤخذ من قراءة القراء المجودين لأن النغمات التي تنشأ عنها متباينة وتؤدي معاني مختلفة لاحظها علماء القراءات (3) . يقول محمد الصادق قمحاوي ((به يعرف الفرق بين المعنيين المختلفين والنقيضين المتنافيين والحكمين المتغايرين)) . كذلك السكت أنواع حيث ذكر العلماء السكتة اليسيرة، والقصيرة والمختلسة من غير إشباع، والسكتة اللطيفة من غير قطع (4) . كل هذا - في رأينا - يحدث عنه نغمات أقل ما يقال عنها أنها مختلفة في درجاتها. وقد أبان ابن الجزري المعاني التي تنشأ عن السكت عندما قال: وجه السكت في ((عِوَجا)) قصد به بيان أن قيماً بعده ليس متصلاً بما قبله في الإعراب. وفي ((مَرْقَدِنا)) بيان أن كلام الكفار قد انقضى وأن قوله ((هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن)) ليس من كلامهم (5) .   (1) النشر ج1 ص 334. (2) النشر ج1 ص 337. (3) البرهان في تجويد القرآن ص 57 وانظر الوقف والابتداء ص (4) النشر ج2 ص 57. (5) النشر ج2 ص 57. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 58 والحقيقة أن في كلتا السكتتين السابقتين نغمات مختلفة الأمر الذي لم يغفل عنه المحققون من علمائنا فوضحوه لئلا تلتبس المعاني ومن طريف ما ذكره محمود الطناحي عن أهمية الأداء وحسنه ما كان يفعله الشيخ عامر بن السيد عثمان بترويص المتعلمين لقراءة القرآن من إعطاء كل مقطع حقه من التنغيم وذلك بأن يقسم ((أضللن)) في قوله تعالى: (رب إنهن أضللن (إلى مقطعين يقول ((فكان شيخنا يقرأ أمامه ((أضللن)) على مقطعين هكذا ((أض)) ((للن)) ويكرر المقطعين منفردين ثم يقرأهما معاً حتى يخلص له الترقيق المراد. أما النبر فقد ذكر الطناحي أنه سأل الشيخ عامر عنه فأجابه بقوله: ((إن القراء لم يذكروا هذا المصطلح ولكنه بهذه الصفة يمكن أن يسمى ((التخليص)) أي تخليص مقطع من مقطع)) وذكر أمثلة سمعها من شيخه منها قوله تعالى: (فسقى لهما ثم تولى الي الظل (وقوله تعالى: (فقست قلوبهم (وقوله عز وجل: (وساء لهم يوم القيامة حملاً (يقول: ((فأنت لو ضغطت على الفاء في الآية الأولى صارت من الفسق لا من السقي، وإن لم تضغط على الفاء في الثانية صارت من الفقس لا من القسوة أما في الآية الثالثة فلابد من أن تخلص ((ساء)) من ((لهم)) حتى يكون من السوء لا من المساءلة لو خطفها خطفة واحدة)) )) (1) . التنغيم وعلماء النحو:   (1) محمود الطناحي: مستقبل الثقافة العربية ص 117، 118، 119. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 59 لعلماء النحو وقفات ذكية تدل على تنبههم لما يحدثه التنغيم من توضيح وبيان للإعراب. وقد اطلعت على الدراسة الجادة التي قام بها أحمد كشك في كتابه ((من وظائف الصوت اللغوي)) وكنت قبل مطالعتي كتابه القيم ألقيت في عام 1400 هـ محاضرات في علم اللغة على طلابي بمرحلة البكالوريوس بقسم اللغة العربية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة ذكرت فيها أن ابن جني بحسه أدرك أهمية التنغيم في تفسير بعض المسائل الإعرابية عندما تعرض لقضية حذف الصفة في قولهم ((سير عليه ليل)) يقول: ((وقد حذفت الصفة ودلت الحال عليها وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: سير عليه ليل وهم يريدون ليل طويل وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دل من الحال على موضعها. وذلك إنك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله طويل ونحو ذلك)) (1) . كما أنك عندما تمدح إنساناً وتثني عليه وتقول: ((كان والله رجلاً فتزيد في قوة اللفظ ب ((الله)) هذه الكلمة وتتمكن من تمطيط اللام وإطالة الصوت بها وعليها أي رجلاً فاضلاً أو شجاعاً أو كريماً أو نحو ذلك)) (2) . إن قول ابن جني ((فتزيد في قوة اللفظ ب ((الله)) وتتمكن في تمطيط اللام وإطالة الصوت بها وعليها)) هو نطق الكلمة منغمة. كما أن النحاة قد استخدموا مصطلح الترنم للدلالة على التنغيم. فالترنم إنما هو مد الصوت وإطالته وهو ظاهرة تنغيمية يقول ابن يعيش: ((اعلم أن المندوب مدعو … )) ويقول: ولما كان مدعواً بحيث لا يسمع أتوا في أوله بياء أو واو لمد الصوت ولما كان يسلك في الندبة والنوح مذهب التطريب زادوا الألف آخراً للترنم (3) .   (1) الخصائص ج2 ص 370، ص 371. (2) المصدر نفسه ج2 ص 371. (3) شرح المفصل ج2 ص 13. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 60 إن هذا ليدل على إدراك النحاة بأهمية التنغيم فالواو خصصت للندبة لما فيها من التفجع والحزن إذ ((المراد رفع الصوت ومده لإسماع جميع الحاضرين)) (1) إن هذه الإشارات التي ذكرها علماء العربية تدل على أنهم عرفوا لما للتنغيم من أهمية في إيضاح المعاني. فالفرق بين كم الاستفهامية وكم الخبرية، إنما تأتي أن كل واحدة منهما تحتوي على أداء معين بها تتميز. والنحاة عند استنباطهم واستخراجهم قواعد اللغة اعتمدوا على سماع كلام العرب، ففرقوا بينهما على أساس ما تشتمل عليه من نغمات. ومثل هذا نجده في صيغ التعجب وأساليبه القياسية والسماعية. فالنغمة التي في التعجب توحي بأن هنالك شيئاً خفياً حمل المتكلم على التعجب، وهو ضرب من الإيهام. وقد قال الزركشي نقلاً عن الرماني ((وأصل التعجب إنما هو للمعنى الخفي)) (2) فصيغتا التعجب ((ما أَفْعَلَهُ)) و ((أَفعلْ بِهِ)) تشتمل الأولى على نغمة صاعدة ثم مستوية ثم منحدرة. أما أفعل به فمستوية ومنحدرة. إن التنغيم هو الذي يفرق بين الإغراء والتحذير في قولك ((الرجلَ الرجلَ)) فإذا كانت النغمة مرتفعة فإنها تحذرك من الرجل وأما إذا نطقت بنغمة مستوية فإنها تدل على الإغراء. من هنا كانت إشارات ابن جني الذكية تدل على أهمية التنغيم فقد بين أن ((.. لفظ الاستفهام إذا ضامه معنى التعجب استحال خبراً. وذلك قولك: مررت برجل أي رجل. فأنت الآن مخبر بتناهي الرجل في الفضل، ولست مستفهماً)) (3) والذي يدل على ذلك إنما هو التنغيم الذي يجعل المتحدث يمد صوته عندما يقول أي رجل مستخدماً النغمة العالية المنتهية بالمنحدرة. ويذكر السيوطي ما حدث بين الكسائي واليزيدي حين سأل اليزيدي الكسائي بحضرة الخليفة هارون الرشيد عن بيت من الشعر أنشده وقال له هل ترى فيه من عيب:   (1) المصدر نفسه ج2 ص (2) البرهان في علوم القرآن المجلد الثاني ص 317. (3) الخصائص ج3 ص 269. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 61 لا يكونُ العيرُ مهراً لا يكون المهرُ مهرٌ ((فقال الكسائي قد أقوى الشاعر، لابد أن ينصب المهر الثانية على أنه خبر كان، فقال اليزيدي الشعر صحيح إنما ابتدأ فقال المهر مهر)) (1) . هذه الحادثة تدل على أن المنشد قد سكت سكتة عند ((لا يكون)) الثانية ونطقها بنغمة عالية ومنتهياً بنغمة منحدرة ثم ابتدأ بقوله المهر مهر. ويظهر هذا جلياً عند التحدث والنطق وبالأخص عند إنشاد الشعر. فالأصل في اللغة أن تكون متحدثة ومنطوقة؛ لأن النطق يأتي أولاً والكتابة تمثل المرحلة الثانية، لأنها ما هي إلا صدى ومحاولة لرسم ما نطق. والكتابة غالباً ما تخفي بعض طرق النطق كالنبر والتنغيم لذا لجأ العلماء إلى وضع علامات ورموز عند الكتابة يسترشدون بها إلى النطق الصحيح. وقد دُئِبَ عند طباعة المصاحف الكريمة إلى وضع علامات ورموز اصطلاحية تعين القارئ على القراءة الصحيحة المجودة. لأن تلك الرموز والعلامات لها دور كبير في إبراز وبيان مظاهر التنغيم من سكت، ومد،   (1) كتاب الأشباه والنظائر ج3 ص 245؛ انظر أيضاً أحمد كشك: من وظائف الصوت اللغوي ص 61. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 62 ووقف، ووصل. كما أن علامات الترقيم في الكتابة العربية تقوم مقام التنغيم والأداء حيث أنها تيسر عملية الإفهام وتحدد ((مواضع الوقف، حيث ينتهي المعنى أو جزء منه، والفصل بين أجزاء الكلام، والإشارة إلى انفعال الكاتب في سياق الاستفهام، أو التعجب)) (1) . فالفاصلة تدل على أن يقف القارئ وقفة خفيفة. ولو لم يضع هذه الفاصلة لربما يلتبس المعنى. أما الفاصلة المنقوطة فإنها تتطلب أن يكون الوقف أطول وهي في رأينا تؤدي ما يقوم به التنغيم. أما علامة الاستفهام فإنها توضح ما إذا كانت الجملة استفهامية أو تعجبية مثل قولنا ((تعرف هذا وتسكت)) . وعلامة التأثر ((!)) ((تعبر عن الانفعالات النفسية، كالتعجب، والفرح، والحزن، والدعاء، والدهشة، والاستغاثة، ونحو ذلك)) (2)   (1) عبد العليم إبراهيم: الإملاء والترقيم في الكتابة العربية ص 95. (2) الإملاء والترقيم ص 102، 103. المصادر والمراجع أولاً العربية: - الأشباه والنظائر في النحو، أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال أبو بكر جلال الدين السيوطي، حققه طه عبد الرءوف سعد، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية 1395 هـ - 1975 م. - الأصوات اللغوية، إبراهيم أنيس، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية 1961 م. - الإعراب سمة العربية الفصحى، محمد إبراهيم البنا، القاهرة، دار الإصلاح 1401 هـ - 1981م. - الإملاء والترقيم في الكتابة العربية، عبد العليم إبراهيم، دار المعارف، مصر. - البرهان في علوم القرآن، الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، دار الفكر 1400 هـ - 1980 م. - البرهان في تجويد القرآن، محمد الصادق قمحاوي، عالم الكتب، بيروت 1414 هـ - 1994 م. - البيان في روائع القرآن، تمام حسان، القاهرة، عالم الكتب 1412 هـ - 1993 م. - الخصائص، أبو الفتح عثمان بن جني، حققه محمد علي النجار، دار الكتب المصرية 1376 هـ - 1956 م. - دراسة الصوت اللغوي، أحمد مختار عمر، القاهرة، عالم الكتب 1396 هـ - 1976 م. - دراسات في علم اللغة، كمال محمد بشر، القاهرة، دار المعارف 1986 م. - شرح المفصل، موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش النحوي، بيروت، عالم الكتب. - القراءة الجهرية بين الواقع وما نتطلع إليه، سليمان إبراهيم العايد، التراث، العدد الأربعون، جريدة البلاد، العدد 15826، 10 شعبان 1420 هـ. - اللغة العربية معناها ومبناها، تمام حسان، القاهرة، الهيئة المصرية للكتاب 1973 م. - مستقبل الثقافة العربية، محمود الطناحي، كتاب الهلال، القاهرة، العدد 581. - مناهج البحث في اللغة، تمام حسان، الدار البيضاء، دار الثقافة 1974 م. - من قضايا المعجم العربي قديماً وحديثاً، محمد رشاد الحمزاوي، تونس، دار الغرب الإسلامي 1986 م. - من وظائف الصوت اللغوي، أحمد كشك، القاهرة، مطبعة المدينة 1403هـ - 1983م. - النشر في القراءات العشر، محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري، قدم له وحقق نصوصه وعلق عليها، محمد سالم محيسن، القاهرة، مكتبة القاهرة. - إيضاح الوقف والابتداء، أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري، تحقيق محيي الدين رمضان، دمشق 1391 هـ - 1972 م. الأجنبية: - Alani, S. H. Arabic Phonology. - Crystal, D.: Intonation , Penguin Books 1972. - Firth, J. R. Papers in Linguistics , Oxford Universit , press 1957. - Jones , Daniel. An Out Line of English Phonetics, Comblidge 1967. - Robins, R. H. General Linguistics, Longman 1967. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 63 وخلاصة القول: 1 - أن التنغيم ركن أساسي في الأداء لا تخلو منه أي لغة من لغات البشر. 2 - إتقان التنغيم ومعرفته أمر بالغ الأهمية لما له من صلة بالمعنى فهناك وظيفتان للتنغيم وظيفة أدائية ووظيفة دلالية. 3 - لعلماء العربية إشارات ذكية تدل على تنبههم لما للتنغيم من أهمية في تفسير وتوضيح المعاني والإعراب. 4 - التنغيم ليس محصوراً فقط في درجة الصوت وإنما هو مجموعة معقدة من الأداء الصوتي بما يحمل من نبرات، وفواصل، وتتابع مطرد للسكنات والحركات التي يتم بها الكلام. 5 - التنغيم يقتصر على التراكيب المسموعة أما التراكيب المقروءة فقد استعاضت عنه ببعض رموز وعلامات الترقيم لتدل بها على الاستفهام والتعجب والاستغاثة والدهشة وغير ذلك. 6 - أنواع الوقف في القراءات تحتاج إلى دراسة لأن النغمات التي تنشأ عنها متباينة وتؤدي معاني مختلفة. 7 - إن أساليب الاستفهام والنداء والإغراء والتحذير التي تناولها النحاه بالدرس والتقعيد تحمل في طياتها عند النطق بها تنغيمات مختلفة. 8 - النحاة عند استنباطهم قواعد اللغة العربية اعتمدوا على السماع ومشافهة الفصحاء، وعلى ضوء سماعهم وضعوا القواعد، والعربي عند تحدثه كان يستعمل طرقاً معينة في أدائه ((تنغيمات)) . فالنطق بالإغراء له نمط معين وللتحذير أداء محدد وكذلك التعجب. الحواشي والتعليقات الجزء: 12 ¦ الصفحة: 64 أثر الصحراء في نشأة الشعر العربي وتطوره حتى نهاية العصر العباسي الثاني د. حمد بن ناصر الدخيِّل أستاذ مشارك - قسم الأدب - كلية اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- الرياض ملخص بحث أثر الصحراء في نشأة الشعر العربي وتطوره حتى نهاية العصر العباسي الثاني د. حمد بن ناصر الدخيل الصحراء فضاء واسع ممتد، قَفْر، لا ماء فيها كالأنهار والجداول، قليلة الأمطار والنبات، ذات جوٍّ جاف. والصحراوات في قارات العالم كثيرة، من أشهرها صحراء العرب، وصحراء شمالي إفريقية المعروفة بالصحراء الكبرى. نشأ الشعر العربي في قلب صحراء العرب. وتدرج في نشأته وتطوره وازدهاره حتى وصل إلى مرحلة نضجه في الشعر الجاهلي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 65 ويتناول هذا البحث أثر الصحراء في نشأة الشعر العربي، ويتكون من مقدمة، وتمهيد. تحدثت فيه عن الصحراء المكان والإنسان، أردت بالمكان صحراء العرب، وأردت بالإنسان العربي الذي عاش في الصحراء، وأمضى حياته فيها، وتأثر في نمط عيشه وسلوكه وأخلاقه وعاداته وتقاليده ببيئة الصحراء وطبيعتها، ثم تحدثت عن نشأة الشعر العربي وأوليته، وعلاقة ذلك بالصحراء التي شهدت نشأة هذا الشعر، وهي بداية لا نستطيع تحديد زمنها تحديدًا دقيقًا. وانتقلت إلى دراسة مظاهر أثر الصحراء في الشعر العربي، ومن أبرز هذه المظاهر أثر الصحراء في اللغة، الذي تمثل في تزويد المعجم اللغوي بكثير من الألفاظ والمصطلحات، وفي مقدمة ذلك الأسماء والصفات التي أطلقت على الصحراء. وعرض البحث أيضًا لأثر الصحراء في موضوعات الشعر وأغراضه، التي حملها إلينا الشعر العربي. ومن أهم ذلك وصف طبيعة الصحراء مسالكها ودروبها وجوها ورياحها وأمطارها وحيواناتها وطيورها ونباتاتها، وما يتصل ببيئتها، وأنماط العيش والحياة فيها. تلا ذلك أثر الصحراء في مضمون الشعر من معانٍ وأفكار، وأثرها في صوره الفنية، وهي صور كثيرة استمدها الشاعر العربي من بيئة الصحراء ومناظرها، ونجدها ماثلة بصفة خاصة في شعر الجاهليين والأمويين، وفي شعر كثير من شعراء العربية عبر العصور الذين تأثروا بالشعر الجاهلي والأموي. ويستطيع الباحث من خلال هذه الصور أن يستنبط خصائص الصحراء وسماتها. وختم البحث بخاتمة لخصت أهم نتائجه. ويعد هذا البحث مدخلاً لدراسات كثيرة تدرس أثر الصحراء في اللغة والأدب، وربما لدراسات تتناول أثر الاجتماعي والنفسي. ويأتي أيضًا ضمن اهتمام عدد من الباحثين والأدباء في الشرق والغرب بالصحراء ورصد ما لها من تأثيرات متعددة. مقدمة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 66 أثر الصحراء في نشأة الشعر العربي وتطوره موضوع أدبي مهم، يصلح أن يكون عُنوانًا لكتاب ضخم، يفصل فيه الدارس مؤثرات الصحراء في الشعر العربي من حيث النشأة والتطور في الموضوعات والمعاني وفي اللغة والأسلوب، والصور والأخيلة والأوزان والقوافي، حتى استقام على الطريقة الشعرية المثلى التي وصلت إلينا في شعر امرئ القيس، وأوس بن حجر، والنابغة، وزهير، وطرفة بن العبد، وعنترة، والأعشى، وغيرهم من فرسان الشعر الجاهلي. وكانت واسطة عِقْده القصائد المطولات التي عرفت في اصطلاح بعض الأدباء بالمعلقات السبع أو العشر. والدراسات والكتب التي صدرت عن الشعر الجاهلي والأدب الجاهلي عامة تمثل مكتبة متكاملة؛ لأن أدب العصر الجاهلي يعد النواة الأولى لنشأة الأدب العربي ومسيرته في معارج التطور والازدهار. وكان الرواة والأدباء وعلماء اللغة الأوائل يعنون بهذا الأدب عناية خاصة – ولا سيما الشعر – ويرون فيه النموذج والمثل للشعر العربي الأصيل الذي ينبغي للشعراء أن يحتذوه وينسجوا على منواله. وأقوال الرواة في تفضيل الشعر الجاهلي على غيره كثيرة نجدها في طبقات فحول الشعراء، لمحمد بن سلام الجمحي (000 – 231هـ) ، والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني (284 – 356هـ) ، والموشح للمرزباني (296- 384هـ) ، وسواها من مصادر الأدب. وأثر الصحراء في الشعر والأدب عامة موضوع جدير بالبحث على كثرة ما كتب عن الشعر الجاهلي من دراسات وبحوث وكتب، تناولت بيئته وجغرافيته وتاريخه وشعراءه، وما يتبع ذلك من دراسة شعرهم دراسة موضوعية وفنية. والحقيقة أن ما اطلعت عليه مما كتب عن الأدب والشعر في العصر الجاهلي ألمس فيه تأثير الصحراء، وألحظ أنها ماثلة قائمة في كل سطر من سطوره. ولكن تبقى الحقيقة المهمة الغائبة، وهي تتبع أثر الصحراء المباشر في الشعر بخاصة، وفنون النثر في الأدب الجاهلي بعامة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 67 ولكن قبل أن يلج الدارس هذا الموضوع الأدبي الحيوي، لابد أن يمهد له بدراسة وافية عن بيئة الصحراء وطبيعتها وخصائصها، ونباتاتها وحيواناتها، وما يتصل بطبيعة الحياة فيها، واستخلاص الشعر الذي يوظف في موضوعاته ومعانيه وصوره ما تمتاز به الصحراء من دلالات ورموز، وهو شعر كثير غزير يدلنا على كثرته ما وصل إلينا منه، وهو غيض من فيض. وسوف أتناول في هذا البحث موضوع الصحراء، المكان والإنسان، ثم نشأة الشعر العربي، وأثر الصحراء في تطوره وازدهاره في الموضوعات والمعاني والصور. ويبقى الموضوع على الرغم مما كتب فيه، وما صدر عنه من بحوث ودراسات في حاجة إلى دراسات أخرى تنطلق من حيث انتهت البحوث التي بين يدينا؛ لأن أثر الصحراء في الشعر العربي سيبقى مجالاً لدراسات مجددة مبدعة، تتناول أثرها الكبير من زوايا متعددة، وطروحات مختلفة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. تمهيد الصحراء: المكان، والإنسان للصحراء على الإنسان فضل لا ينكر في توجيه حياته وفكره وسلوكه، وهي مكان وظرف، ولكنها – على الرغم من ذلك – تركت أثرًا لا تمحوه الأيام من ذاكرة الإنسان، في تكوين حياته، وبناء مجده وحضارته، والإنسان ابن الصحراء تقلب في رحمها، وانطلق منها في تشييد حضارة الكون، وإضافة لبنات أساسية في صرح شموخها وعطائها وتوجهها، أكسبته قسوة الصحراء قوة، وبعثت فيه عزمًا لا يلين، ومنحته الذهن الثاقب والذكاء المتوقد، وخلعت عليه في اتساعها، واندياح جنباتها برود السماحة والكرم والخلق الرضي، فكان ذلك الإنسان الذي ينسب إلى الصحراء في تألقه وتفرده وامتيازه ورضاه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 68 والصحراء مكان فضفاض، يغيب فيه البصر الحديد، ويمتد أمامه الأفق واسعًا رحبًا حتى كأنه لا نهاية له. للصحراء في العين مجتلى ومتعة، وللنفس فيها راحة وروحانية، وللفكر انبعاث وإبداع وتجديد. عرف العربيُّ الصحراءَ قبل أن يعرف البحر، ورأى أديمها قبل أن يرى زرقة الماء، ولامس أديمها جلده دون حائل، وجال في حزونها وسهولها، وسرَّح أنعامه في أفيائها، وشمَّ أريجَ نبتها وأزهارها، واستنبط الماء من جوفها لذة للشاربين، وافتن في شؤون الحياة وضروب العيش على ظهرها، وعاش – ما شاء الله له أن يعيش – وهو لا يعرف شيئًا سوى سهولها وجبالها ورمالها وأبارقها ورياضها وأوديتها ووهادها، يضرب في أكنافها سحابة نهاره، فإن جنّ الظلام أوى إلى بيته مستمتعًا بنعيم الراحة ولذة الدفء، إن كان الوقت شتاءً، ولذة الجو المعتدل والنسيم العليل إن كان الوقت صيفًا. امتزج العربيُّ بالصحراء حتى غدت قطعة من نفسه، وجزءًا من حياته، فلا يرى لغيرها بديلاً، ولا عنها متحولاً. استمد منها تجارب حياته، ونمط عيشه، وكوّن من مناظرها، وتفاعله معها ثقافته ورؤيته للحياة. عرف نسائمها ورياحها، وعانى قُرَّها وحَرَّها، وتقلبات جوها، وشارك حيواناتها وطيورها في البحث عن العيش، فكان منها المستأنس الداجن، والسبع الضاري، فعاملها بما ينسجم مع طبيعة حياته وطريقته في الإقامة والتَّرْحال، والبحث عن ما يقيم أوده ويكفيه رزقه. ولم يقنع بما يقنع به القوم ذوو الهمم الضعيفة والأفكار المحدودة، بل كان طمَّاحًا متطلعًا، يدفعه في ذلك ذكاء لمَّاح، وبديهة على اللسان حاضرة، وذهن متوقد، فهو – كما قال طرفةُ بن العبد – (1) :   (1) ... ديوانه: 59، وهو من معلقته المشهورة. الضرب: الخفيف من الرجال. الخشاش بتثليث الخاء: الرجل الذكي الماضي في الأمور. الحية: الثعبان. المتوقد: الذكي الكثير الحركة. شرح ديوانه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 69 أنا الرجلُ الضَّرْبُ الذي تعرفونه *** خُِشَاشٌ كرأسِ الحيَّةِ المتوقِّدِ يضاف إلى ذلك عقل يجيد التكفير، ويرسم له خطوات مستقبله القريب في حدود إمكاناته ومعارفه وتجاربه؛ فكشف عن موهبته في القول والتعبير دون أن يقرأ في صحيفة، أو يخط حرفًا. وكان يملك ناصية اللغة، ويمسك بزمام الفصيح، أخذ ذلك مشافهة من بيئته، فلم يكتف بالتعبير عن حاجات يومه القائمة، بل وظف لغته القوية الغنية بمفرداتها وألفاظها في قول رفيع وبيان رائع، وتصوير يأخذ بمجامع القلوب، فاستنبط من وقع خطوات الإبل المنتظمة – وهي تقطع الصحارى والفيافى – الحُدَاء، وهو أن ينشد للإبل شعرًا موقعًا منغومًا فتطرب وتنشط، فتغذ السير إلى الغاية، ثم تحول حداؤه إلى مقطعات قصيرة موزونة، وتدرجت هذه المقطعات إلى قصائد كانت نواة للشعر الجاهلي الذي وصل إلينا منه قدر غير يسير. وأتى إلينا هذا الشعر يحمل لغة الصحراء ووصفها وصورها وطوابعها، وبرع في تصويرها وتمثيلها حتى لكأننا نراها ماثلة أمام عيوننا نقرؤها في كتاب. وتأصلت منظومة الشعر الجاهلي على أديمها، فعرفنا منها القصائد المطولات وغير المطولات التي وظفها شعراء الجاهلية في الموضوعات المتنوعة، وتضمنت آراءهم وأفكارهم ومعانيهم التي تداعب أخيلتهم وعواطفهم وعقولهم، واستمدوها من بيئة الصحراء. وهذا العطاء الشعري المتنوع الذي ولد في الصحراء، ونما في ربوعها، ووصل إلينا قويًّا سامقًا يمثل قاعدة الشعر العربي وأسسه ومقاييسه؛ فالأشعار التي قيلت في العصور التالية ترسمت خطوات الشعر الجاهلي – ولاسيما الشعر في العصر الأموي – ووظفت لغته، وكثيرًا من معانيه وصوره. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 70 فللصحراء فضل لا ينكر في نشأة الشعر العربي، وتدرجه، ثم تطوره وسموقه وازدهاره. نقرأ الشعر الجاهلي في لغته الرفيعة، وأسلوبه البليغ، وموضوعاته الغنية المتنوعة، فنعجب لابن الصحراء كيف استطاع أن يمتلك عنان عبقرية الشعر، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولم يتخرج في مدرسة أو جامعة، وثقافته في الحياة لا تتعدى ثقافة الصحراء التي منحته هذا القدر الهائل من التفكير والتصوير والبيان الذي يأخذ بمجامع قلوبنا، على الرغم من مضي ستة عشر قرنًا على قرض هذا الشعر الذي نقرؤه وندرسه كما نقرأ وندرس شعر الشعراء الذي نعيش معهم في عصر واحد ومكان واحد. الصحراء ونشأة الشعر العربي في زخم الصراع وخضم العراك بين الاتجاه الحداثي في كتابة الشعر شكلاً ومضمونًا، والاتجاه إلى استلهام مضمون الشعر العربي الأصيل الموروث، واتخاذه قاعدة أساسية، ومرتكزًا أوليًا يعتمد عليه شعراء الأصالة فيما يتناولون من صور التجديد، وعوامل التطوير استجابة لمعطيات الحياة البشرية والتجارب الإنسانية، يحلو الحديث ويطيب عن النبع الأول، والإرهاصات التي تمخض عنها شعر العربية منذ أن كان طفلاً وليدا يحبو حتى اشتد عوده، واستقام على سُوقه. وعلى الرغم من كثرة الدراسات والبحوث التي قام بها الباحثون من عرب ومستشرقين في محاولة لوضع نظرية تقترب من الحقيقة نوعًا ما حول البداية الأولى لنشأة الشعر العربي، فإنها لم تسفر عن نتيجة يطمئن إليها الباحث، ويركن إليها الدارس المعني بهذا الموضوع. وكثيرا ما يتساءل بعض المهتمين بالشعر العربي ونشأته وتطوره عن الكيفية التي ولد بها هذا الشعر؟ وكيف نشأ؟ وما المراحل والخطوات التي مر بها وقطعها حتى استقام على تلك الطريقة الفنية المكتملة شكلاً ومضمونًا، التي وجدناها في شعر أوس بن حجر، والمهلهل، وامرئ القيس، والنابغة الذبياني، وزهير، وأضرابهم من شعراء الرعيل الأول في العصر الجاهلي؟ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 71 وليس من اليسير أن نضع أيدينا على أولية الشعر العربي قبل أن يصل إلينا في صورته الحالية؛ لأن مرحلة الطفولة التي عاشها هذا الشعر مازال يكتنفها الغموض، ويلفها ضباب كثيف، وهي فترة أهملها التاريخ المدون ضمن ما أهمله من تاريخ العرب القديم لأسباب أهمها، ندرة الكتابة في بلاد العرب آنذاك، وشيوع الأمية، والاعتماد على الذاكرة أو الحافظة في تلقي الأدب والأخبار. ولا جرم أن هناك محاولات وإرهاصات أولية لنظم الشعر قبل أن يصل إلينا في صورته الحالية المكتملة وزنًا وقافية وشكلاً ومضمونًا، غير أن هذه المحاولات والإرهاصات ضاعت وسقطت من يد الزمن ضمن ما ضاع من تراث العرب وأخبارهم قبل عصر التدوين والكتابة. قال أبو عمرو بن العلاء (70 – 154هـ) الراوية المشهور:)) ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علم وشعر كثير (( (1) . ويعلل محمد بن سلام الجمحي (139- 231هـ) ضياع شعر العرب بقوله:)) لما جاء الإسلام تشاغلت العرب عن الشعر، وتشاغلوا بالجهاد، وغزو فارس والروم، ولهت عن الشعر وروايته، فلما كثر الإسلام، وجاءت الفتوح، واطمأنت العرب بالأمصار راجعوا رواية الشعر، فلم يؤولوا إلى ديوان مُدون، ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل فحفظوا أقل ذلك، وذهب عليهم منه كثير (( (2) .   (1) ... طبقات فحول الشعراء: 25، والمزهر للسيوطي: 2/472. (2) ... طبقات فحول الشعراء: 25، والمزهر 2/473. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 72 وقد حاول بعض الباحثين من قدامى ومحدثين (1) أن يزيحوا جانبا من الغموض حول أولية الشعر العربي، وبداية نشأته، فوضعوا بعض الافتراضات التي يمكن أن تتخذ منطلقًا وقاعدة بحث لوضع تصور عن بداية الشعر العربي في عصوره المتقدمة في الجزيرة العربية، فرأى بعضهم أنّ نشأة الشعر ارتبطت بحُدَاء الإبل، حيث كان يغني لها صاحبها في أثناء سيرها بصوت منغوم حسن مرتفع، فتطرب، وتنشط في سيرها، ومازال الحُدَاء في صورته الجاهلية القديمة معروفًا لدى القبائل التي تعيش في الصحراء وتقتني الإبل، ثم تطور الحداء إلى الرجز، لأنه أقرب إليه، وقد يكون الحداءُ في بعض صوره رجزًا نظرًا لما بينهما من مشابهة في النغم وطريقة الإنشاد (2) . وقد حاول بعض المستشرقين المهتمين بدراسة الأدب العربي – مثل كارل بروكلمان (3) (1285- 1375 = 1868- 1956م) - أن يستخلصوا من الملابسات المتشابهة عند الشعوب البدائية الأخرى نتائج يمكن تطبيقها على الحياة العربية، في محاولة لرسم نظرية لأولية الشعر العربي، حيث اعتبروا أن الأغاني القصيرة الخفيفة (الطقاطيق) قدر مشترك بين الشعوب البدائية، يرددها أفرادها عند القيام بعمل من الأعمال، أو مزاولة حرفة من الحرف، أو في أثناء السفر، لما لها من أثر سحري فعال في الحث على النشاط، واستنهاض الهمم والإقبال على العمل، أو للتعبير عن الحالات العاطفية والشعورية كالفرح والحزن. وكانت تلك الأغاني أو المقطوعات القصيرة هي الإرهاصة الأولى لنشأة الشعر وتطوره ليس عند العرب فقط، بل عند جميع الشعوب الشاعرة أو ذات الإنتاج الشعري، كاليونان والرومان والفرس والهنود. وهذه المقولة لا تخرج في مفهومها العام عن الفرضية التي ذكرناها، وهي انبثاق الشعر من حُدَاء الإبل.   (1) ... المزهر: 2/474- 476، وتاريخ الأدب العربي، لكارل بروكلمان: 1/44. (2) ... دراسات في الشعر الجاهلي، للدكتور يوسف خليف: 45. (3) ... تاريخ الأدب العربي: 1/44. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 73 وعلى الرغم من أن مقارنة أحوال العرب بأحوال أمم أخرى ومضاهاتها بها قد تفيد في مجال التنظير المجرد، لكنها لا تسلم عند التطبيق من مظنة التعسف والاقتسار، ولا تنأى عن جادة الزلل والخطأ. ويرى بعض الدارسين أن السجع كان البذرة الأولى لبداية الشعر، ثم تطور السجع إلى الرجز، ثم تحول الرجز إلى ذلك الشعر المنظوم على البحور الشعرية المعروفة التي استنبطها الخليل بن أحمد الفراهيدي (100- 170هـ) . ولم يكن الرجزُ في العصر الجاهلي شائعًا، فلا يوجد منه إلاّ الأبيات القليلة يقولها الراجز في حاجته، ولم يكثر الشعراء منه إلا في العصر الأموي، حيث وجد رجاز تفرغوا له، منهم العجّاج، وابنه رؤبة، وأبو النجم العجلي، والزفيان السعدي، حتى سمي بحر الرجز بحمار الشعراء، لكثرة ما نظموا فيه. وقد حاول ابن سلام أن يضرب لنا مثالاً في مقدمة كتابه طبقات فحول الشعراء لبداية نشأة الشعر عند العرب بقوله: ((لم يكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبياتُ يقولها الرجلُ في حاجته، وإنما قصدت القصائد، وطول الشعر على عهد عبد المطلب، وهاشم بن عبد مناف)) (1) . أما أن أوائل العرب من الشعراء لم يكن لهم من الشعر إلا الأبيات فهذا صحيح يؤيده الواقع المشاهد والتجارب المتماثلة؛ لأنّ هذه الأبيات القليلة يقولها الرجل عبارة عن محاولات وإرهاصات وتجارب أولية لتقصيد القصائد وتطويل الشعر، فالشعر وكذا سائر الفنون الأدبية الأخرى لم تنشأ دفعة واحدة، بل كان لابد لها لكي تنضج وتكتمل من مرحلة زمنية تستوعب فيها النمو والنضج والاكتمال.   (1) ... طبقات فحول الشعراء: 26، والمزهر: 2/474. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 74 وأما أنّ تقصيد القصائد وتطويل الشعر لم يحدث إلا في عهد عبد المطلب ووالده هاشم بن عبد مناف، فرأي يحتاج إلى مراجعة ومزيد بحث ودراسة؛ لأن الشعر العربي أقدم من هذا بزمن، فهاشم وهو أقدم الرجلين توفي قبل الهجرة النبوية بما يقرب من مئة عام، ويذكر التاريخ أنه توفي في شبابه المبكر، لم يتجاوز ثلاثين عامًا أو تجاوزها بقليل، ولعل الصواب أن يقال: إن الشعر الذي وصل إلينا من أفواه الرواة يبدأ من هذه المدة التي عاش فيها عبد المطلب ووالده هاشم ابن عبد مناف، أو قبلهما بقليل؛ لأن هناك ذكرًا لشعراء لم يصل إلينا شيء من شعرهم، ووصلت إلينا أسماؤهم في بعض أشعار المتقدمين، فامرؤ القيس يقول: عُوجا على الطَّلَلِ المحُيلِ لعلَّنَا *** نبكي الديارَ كما بكى ابنُ حِذَامِ (1) ولا نعرف شيئًا عن هذا الشاعر سوى إشارة امرئ القيس إلى أنه وقف على الأطلال وبكى الديار، ولا ريب في أن شعره وصل إلى امرئ القيس وإلى معاصريه من الشعراء وحفظوه وفهموه؛ كما نحفظ الآن شعر امرئ القيس ونفهمه، وسائر شعراء الجاهلية الذين وصلت إلينا أشعارهم. ومن الشعراء الأقدمين الذين روي لهم شعر، ولكنه قليل دويد بن زيد ابن نهد القُضاعي. فقد رويت له بعض أبيات حين بلغ من الكبر عتيا، وأبيات قالها حين حضرته الوفاة (2) . لكن يبقى ما ذكرته مجرد افتراضات لا يطمئن الدارس إلى ما تفضي إليه من نتائج وحقائق ما لم تكن مدعومة بالأمثلة الصحيحة والشواهد الأدبية والتاريخية؛ لأن نشأة الشعر العربي حدثت في مدة وبيئة عجز التاريخ عن الكشف عنهما.   (1) ... ديوانه: 114، وطبقات فحول الشعراء: 39، ورواية المزهر: 2/476 (عوجا على طلل الديار لعلنا) . ... عوجًا: اعطفا وميلا. الطلل: الشاخص من آثار الديار. المحيل: الذي أتى عليه الحول، فتغير. (2) ... انظر: طبقات فحول الشعراء: 32، والشعر والشعراء: 104، والمزهر: 2/475. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 75 ولعل الطريق الأمثل لدراسة نشأة أدب من الآداب الإنسانية هو أن نتخذ من دراسة نشأة اللغة، وعوامل تكونها وتطورها، ومضاهاتها باللغات التي تأثرت بها أو أثرت فيها منطلقا لوضع أيدينا على البدايات الأولى للشعر؛ لأن اللغة وعاء الشعر، والشعر أيضا لا ينشأ من فراغ، فلكي يعطي ثماره، لابد أن تكون اللغة نفسها قد وصلت إلى مرحلة من النضج تستوعب فيها التعبير عن العواطف والمشاعر والأفكار وغير ذلك من الحالات الشعورية والمواقف الإنسانية. فإمساك الباحث بأول خيط نشأة اللغة، وتتبع مراحل تطورها عبر الزمن سيتيح له الوقوف على بداية الشعر، ومراحل تطوره، ولكن قد توجه ملحوظة مهمة إلى هذا الرأي، وهي أن بداية اللغة نفسها غير واضحة المعالم، كالشعر تمامًا، والدراسات التي كتبت عن أولية اللغة لا تكاد تسلم من الافتراضات وربما التخمينات في طرح بعض النظريات التي قد لا تصح، ولكن قد يسهم في حل الغموض الاستعانة بالنقوش والكتابات العربية التي عثر عليها في الكهوف والمعابد، وفوق الصخور في أماكن متعددة من شبه الجزيرة العربية، كالجوف، وتيماء، ومدائن صالح، والفاو، بالإضافة إلى الاستعانة بالحفريات والآثار التي تلقي بعض الأضواء على حياة العرب الأولى، وصلتهم بالأمم الأخرى. وقد وجدت دراسات كثيرة حول هذا الموضوع قام بمعظمها رحالة ومستشرقون وكتبوها بلغاتهم الأصلية. ومثل هذه الدراسات والبحوث التي تكتب عن نشأة اللغة وتدوين بداياتها الأولى قد تضعنا على أول الطريق، لوضع نظرية صحيحة لنشأة الشعر العربي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 76 ونخلص من هذا كله إلى نتيجة حتمية، وهي أن الشعر العربي نشأ في صحراء العرب؛ فهي التي ألهمت الشعراء الأوائل في التوصل إلى قرض الشعر، وشهدت سهولها وحزونها البدايات الأولى لنشأته ومرحلة طفولته، وتدرجه حتى استقام شعرًا له وزنه وقافيته، غني بالمعاني والأفكار والموضوعات والصور البيانية والخيالية، التي استمد معظمها من بيئة الصحراء وثقافة الصحراء. مظاهر أثر الصحراء في الشعر العربي: للصحراء أثر واضح في الشعر العربي، ولاسيما الشعر الذي قيل على أديمها، والشعر الذي تأثر به في العصور الأولى، وبخاصة شعر عصر صدر الإسلام، والدولة الأموية، والعصر العباسي الأول والثاني. ونلمس هذا التأثر في مختلف جوانب الشعر: الشكل والمضمون والموضوعات. والشعر العربي ليس نصوصًا إبداعية فقط ولكنه – إلى جانب ذلك – يمثل بيئته، ويعبر عن حياة العرب الاجتماعية، وما تحفل به من نشاط متنوع. وهو بهذا المقياس شعرٌ له رسالة وهدف، وهذا ما دفع بعض الدارسين أن يستوحوا حياة العرب من شعرهم، حين قصر التاريخ عن استيعاب ذلك والإلمام به، بل إن مصادر التاريخ كسيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري، وابن الأثير، وابن كثير، وابن خلدون، تضمنت نصوصًا شعرية كثيرة أسهمت في تدوين أحداث التاريخ، ولذلك ستكون معالجتي لنصوص هذا البحث من هذا المفهوم الذي يرى أن الشعر العربي تصوير لحياة العرب ومناشطهم. وسأتحدث في الصفحات التالية عن أبرز معالم تأثير الصحراء في الشعر مستشهدًا ببعض النصوص الشعرية الغزيرة التي تثبت ذلك في أجلى مظاهره. في اللغة: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 77 اللغة مادة الأدب شعرًا ونثرًا، وأداة البيان والتعبير المثلى. والتأثير في اللغة ثراءً ودلالةً ومضمونًا تأثير في الأدب، وتأثير فيما يحمله من أفكار ومعان. والصحراء بمفهومها الدلالي أثرت اللغة العربية بفيض من الألفاظ والمفردات التي وظفها الشعراء في شعرهم، وبخاصة الشعراء الذين كانت صلتهم بالصحراء مباشرة، وارتباطهم بها قويًّا، بأن ولدوا في رحابها، ودرجوا على ظهرها، وتنسموا هواءها، وأمضوا سنوات عمرهم يتنقلون في جنباتها. ويتضمن معجم الشعر العربي ألفاظًا غزيرة أوحت بها الصحراء ومظاهرها وطبيعة الحياة فيها. والمتتبع للشعر العربي يستطيع أن يُرْجعَ كثيرًا من ألفاظه إلى وحي الصحراء. وتمثل هذه الألفاظ الشعرية معجمًا لغويًا كبيرًا يكوِّن في مجمله جانبًا لا يستهان به من مفردات اللغة العربية، من ذلك أسماء الصحراء وصفاتها، ووصف حزونها وسهولها، وما يتعلق بطبيعتها الساكنة والمتحركة، وهي ألفاظ كثيرة تتصل بالحيوان، والنبات، والسحاب، والمطر، والسيل، إضافة إلى الألفاظ المتعلقة بالحياة ووسائل العيش والتنقل تبعًا لتغير فصول العام، وما تفرضه طبيعة المجتمع الصحراوي من حركة ونشاط، وكر وفر في ميدان المعارك والحروب. ولفظة (صحر) المكونة من الصاد والحاء والراء أصل في بُِنية الكلمة، تدل على أصلين، أحدهما البراز في الأرض، والآخر لون من الألوان، يقال: أصحر القوم إذا برزوا إلى الصحراء لا يسترهم شيء، وأصحر الرجل: نزل الصحراء، وبرز إلى فضاء واسع لا يواريه شيء. والأصل الآخر الصُّحْرَة، وهي لون أبيض مشرب بحمرة (1) . والصحراء من الأرض مثل ظهر الدابة الأجرد ملساء، ليس فيها شجر ولا آكام ولا جبال (2) .   (1) معجم مقاييس اللغة (صحر) : 3/333. (2) اللسان (صحر) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 78 وقيل: الصحراء فضاء واسع ممتد قَفْر، لا ماء فيها ولا حياة (1) . وأيًّا ما كانت التعريفات فهي متفقة على أنّ الصحراء فضاء واسع جدًا، لا ماء فيها كالأنهار والجداول والعيون الجارية، قليلة الأمطار والنبات. ونموذج الصحراء واضح في صحراء جزيرة العرب، والصحراء الكبرى في شمالي إفريقية، وقارات العالم لا تخلو من صحراوات كثيرة مشهورة. وتجمع الصحراء على صحارى بفتح الراء وكسرها، وعلى صحراوات (2) . ووضع العرب للصحراء نحوًا من أربعين اسمًا، وجميعها أسماء تلمح فيها معنى الصفة، وتلحظ دلالتها على ما تمتاز به الصحراء عن غيرها من أنواع البقاع والأراضي (3) . وهي في الأصل صفات تنعت بها البقاع التي تنفرد بسمات لا تخرج عن المفهوم المعروف للصحراء، وتدل جميعها على قدرة واضعي اللغة العربية – وهم العرب – على اختيار اللفظة المناسبة للدلالة على المعنى الماثل في الذهن. ويمكن باستخلاص المعاني والدلالات التي تدل عليها هذه الصفات أن نحدد في دقة خصائص الصحراء كما تعرف في لغة العرب وأدبهم. فمن صفات الصحراء: 1 – القَفْر: الخلاءُ من الأرضِ، والمفازة لا ماء فيها ولا نبات (4) . قال الأعشى (5) : وبَيْدَاءَ قَفْرٍ كَبُرْدِ السَّديرِ مشاربُها داثِرَاتٌ أُجُنْ (6)   (1) الإفصاح في فقه اللغة: 1050. (2) اللسان (صحر) . (3) انظر: فقه اللغة وسر العربية: 284 – 286، والإفصاح في فقه اللغة: 1050- 1051، وراجع ص: 1048-1049. (4) اللسان (قفر) ، والإفصاح: 1050. (5) ديوانه: 67. (6) البرد: ثوب مخطط. السَّدير: أرض باليمن تنسب إليه البرود. معجم البلدان (السدير) 3/201. مشاربها: مفردها مَشْرَب، وهو موضع الماء الذي يشرب منه. داثرات: مطموسات. أجُن: مفردها آجن، وهو الماء المتغير الطعم واللون، يقال: أجَنَ الماء يأجن بكسر الجيم وضمها أجْنًا وأجونًا. اللسان (أجن) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 79 ووصف امرؤ القيس القَفْر في قوله (1) : وقَفْرٍ كَظَهرِ التُّرْسِ مَحْلٍ مَضِلَّةٍ *** مَعَاطِشِ مجرى الماءِ طَامِسَةِ الفَلاَ 2 – الفلاة: القَفْر من الأرض، سميت بذلك لأنها فُليت عن كل خير، أي فطمت وعزلت. وقيل: الصحراء الواسعة. وقيل: هي التي لا ماء فيها. وقال النضر بن شُمَيل (2) : هي التي لا ماء فيها ولا أنيس، وإن كانت مُكْلِئَةً. والجمع: فَلاَ، وفَلَوات، وَفُلِيٌّ، وَفِلِيٌّ (3) . قال حُميد بن ثور الهلالي يصف قطاة: وتأوي إلى زُغْبٍ مسَاكينَ دونها *** فلاً، ما تَخَطَّاهُ العيونُ مَهُوبُ (4) 3 – البريَّة: الصحراء. والجمع: البراري (5) . 4 – البَيْدَاء: الفلاة، والمفازةُ لا شيءَ بها، وسميت الصحراءَ بيداءَ؛ لأنها تُبيدُ سالكها، والإبادة: الإهلاك، والجمع بِيد وبيداوات (6) . قال الحطيئة (7) :   (1) ديوانه: 332، ومعنى البيت واضح. (2) هو: أبو الحسن النضرُ بن شُمَيل المازني التميمي، من نحاة البصرة، ولد بمرو، ونشأ في البصرة، وأخذ العربية والنحو عن الخليل، وطوّف في البادية كثيرًا، وأقام بها أربعين سنة، وشافه الأعراب، وأخذ عنهم، وكان ثقة صدوقًا، صاحب غريب وفقه وشعر ومعرفة بأيام الناس ورواية للحديث، ضاقت به سبل العيش في البصرة، فتركها إلى مرو، وتوفي بها عام 203هـ أو 204هـ. ... أخبار النحويين البصريين: 64، ومعجم الأدباء: 19/238- 243، وإنباه الرواة: 3/348- 352، ووفيات الأعيان: 5/397- 405، وبغية الوعاة: 2/316- 317. (3) انظر هذه المعاني في اللسان والتاج (فلا) . (4) ديوانه: 54، واللسان (فلا) ، ورواية اللسان (مراضيع) ، و (لا تخطاه الرِّقاب) . زغب أراد أنها أفراخ صغار، والزغب: شعيرات صفر على ريش الفرخ. اللسان (زغب) . مهوب: مخيف، يهابه الناس، ومهوب العيون: لا تدركه العيون. (5) القاموس المحيط (برر) ، والإفصاح في فقه اللغة: 1050. (6) اللسان (بيد) ، والإفصاح: 1050. (7) ديوانه: 396. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 80 وطاوِي ثلاثٍ، عَاصِبِ البَطْنِ، مُرْمِلٍ ** ببيداءَ لم يعرفْ بها سَاكِنٌ رسْمَا (1) وقال المتنبي (2) : أما الأحبةُ فالبيداءُ دونهمُ ... *** فليت دونَكَ بِيدًا دونها بِيدُ 5- الفَيْفَاء: الصحراء الملساء، والمفازةُ لا ماءَ فيها، والجمع الفيافي. والفَيْفُ: المكان المستوي، والجمع أفْيَاف وفُيُوف (3) . قال ذو الرمة (4) : طَوَاها إلى حَيْزُومِهَا واْنَطوَتْ لها *** جيوبُ الفيافي حَزنُهَا ورِمَالُهَا (5) 6 – المفازة: البرية القَفْر. ويقال لها أيضًا المفاز، والجمع مفاوز. قال ابن الأعرابي، سميت الصحراءُ مفازةً؛ لأنّ من خرج منها وقطعها فاز. وقال: سميت المفازة من فوَّز الرجل إذا مات (6) . قال امرؤ القيس (7) : وكم دونها من مَهْمَهٍ ومَفَازَةٍ ... ** وكم أرْضِ جَدْبٍ دونها ولصُوصُ (8) 7 – البَسْبَس: البر المقفرُ الواسعُ، والجمع: البسابس (9) . 8 – السَّبْسَب: القَفْر، والقَفْرُ البعيدة مستويةً وغير مستوية، وغليظة وغير غليظة، لا ماء فيها ولا أنيس، والسبسب: الأرض الجدبة، والجمع: السباسب (10) . وقال عبيد بن الأبرص (11) .   (1) طاوي: جائع. ثلاث: ثلاث ليالٍ. عاصب البطن: عصب بطنه وشده بخرقة من ألم الجوع. مرمل: فقير محتاج. الرسم: ما بقي في الأرض من آثار الديار. شرح الديوان: 397. (2) شرح ديوانه: 2/140. (3) الصحاح، والقاموس المحيط (فيف) . (4) ديوانه: 510. (5) طواها: أي أضمرها راكبها. الحيزوم: الصدر. جيوب القيافي: مداخلها. القاموس (جيب) . الحزن: ضد السهل، مكان مرتفع ذو صلابة. (6) اللسان (فوز) . (7) ديوانه: 177. (8) المهمه: سيأتي شرحها. (9) اللسان (بسس) . (10) اللسان (سبسب) . (11) ديوانه: 47. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 81 أنّى اهتدَيْتَ لركبٍ طال سَيْرُهُمُ *** في سَبْسَبٍ بين دَكْدَاكٍ وَأعْقَادِ! (1) 9 – التَّيْهَاء: المفازة يُتَاهُ فيها، أي يُضَل ولا يُهْتَدى لطريق، والأرض المضلة الواسعة لا أعلامَ فيها ولا جبال ولا آكام (2) . قال ذو الرمة (3) : بِتَيْهَاءَ مِقْفَارٍ يكادُ ارتكاضُها ** بآلِ الضحى والهَجْرِ بالطَّرْفِ يَمْصَحُ (4) 10 – الدَّيْمُومَة والديموم: الفلاةُ يدوم السير فيها لبعدها، والأرض المستوية لا أعلامَ بها ولا طريق ولا ماء ولا أنيس وإن كانت مُكْلِئَةً، والجمع: الدياميم. قال أبو عمرو: الدياميم الصحارى الملس المتباعدة الأطراف (5) . قال الأعشى (6) : فوق ديْمُومَةٍ تَغَوَّلُ بالسَّفْ *** رِقِفَارٍ إلاّ من الآجَالِ (7) 11 – المَهْمَهُ: المفازة البعيدة، والخَرْق الأملس الواسع، والفلاة لا ماء بها ولا أنيس، والبرية القفر، والجمع مَهَامِهُ. قال الشاعر:   (1) أنّى: كيف. الدكداك: ما تكبَّس واستوى وتلبَّدَ من الرمل. الأعقاد: مفردها عَقد بفتح أوله وكسر ثانيه وفتحه، ما تعقد من الرمل وتراكم. القاموس (دكك، عقد) . (2) اللسان (تيه) . (3) ديوانه: 1213. وانظر أبياتًا ذكرت فيها التيهاء ص:285، 485، 701. (4) مقفار: قَفْر: ارتكاضها: ركضها، والضمير يعود على تيهاء. الآل: السراب، الهجر: الهاجرة وقت اشتداد الحرارة. الطرف: العين. يمصح: يذهب بالعين. (5) اللسان (دوم) ، والقاموس المحيط (دمم) ، والإفصاح: 1050. (6) ديوانه: 55. (7) تَغَوَّلُ: تتشبه بالغول في إلحاق الأذى والأين بالمسافرين. الآجال مفردها إجْل: القطيع من بقر الوحش. القاموس (أجل) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 82 في تيهِ مَهْمَهَةٍ كأنّ صُوَيَّهَا *** أيدي مُخَالِعَةٍ تَكُفُّ وتَنْهَدُ (1) وقال امرؤ القيس (2) : مَهَامِهِ مَوْمَاةٍ من الأرضِ مَجْهَل * تداعَى على أعلامِهِ البومُ والصَّدَى (3) 12- الخَرْق: الفلاة الواسعة، والأرض البعيدة مستوية كانت أو غير مستوية، سميت بذلك لانخراقِ الريح فيها، والجمع: خُرُوق (4) . قال مَعْقِل بن خويلد الهذلي: وإنهما لجوَّابَا خُرُوقٍ *** وشَرَّابانِ بالنُّطَفِ الطَّوامِي (5) وقال امرؤ القيس (6) : وخَرْقٍ بعيدٍ قد قطعتُ نِيَاطَهُ ... على ذات لَوْثٍ سَهْوَةِ المَشْيِ مِذْعَانِ (7) وقوله (8) :   (1) اللسان (مهه) . الصوى: أعلام من حجارة منصوبة في الفيافي والمفازات المجهولة يستدل بها على الطريق وعلى طرفيها. المخالعة التي تطلب الخُلْع من زوجها أي الطلاق والبينونة. اللسان (صوي، خلع. تنهد: ترفع يديها. يريد أن يشبه هذه الصوى لاختلافها قصرًا وطولاً بامرأة تخالع زوجها فهي مرة تكف يديها وتارة ترفعهما وتمدهما. (2) ديوانه: 332. (3) مَوْمَاة: سيأتي شرحها. الأعلام: الجبال. الصدى: ذكر البوم. (4) اللسان (خرق) . (5) البيت في شرح أشعار الهذليين: 1/380، واللسان (خرق) . جواب: قطاع. النطف: الماء الصافي. وفي الشرح: الماء القليل. الطوامي: المرتفعة المملوءة. (6) ديوانه: 91. (7) نياط الخرْق: بعد طريقه كأنه نيط (وُصِلَ) بخرْق آخر لا يكاد ينقطع، وإنما قيل لبعد الخرق نياط؛ لأنه منوط بخرق آخر يتصل به. اللسان (نوط) . لوث: قوة. يريد بها الناقة. سهوة المشي: لينة المشي سهلته. والسهوة. الناقة. القاموس (سهو) . مذعان: طيِّعة مذللة. (8) ديوانه: 92. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 83 وخَرْقٍ كجْوفِ العَيْر قَفْرٍ مَضِلَّةٍ ** قَطَعْتُ بِسَامٍ سَاهِمِ الوجهِ حُسَّانِ (1) 13 – الصَّرْمَاء: الفلاة، والمفازة لا ماءِ فيها (2) . 14 – الفَدْفَد: الفلاة التي لا شيء فيها. وقيل: الأرض الغليظة ذات الحصى، وقيل: المَوْضع الصُّلْب، والمكان المرتفع فيه صلابة، وقيل: الأرض المستوية. والجمع: فدافد (3) . 15 – المَوْمَاة: المفازة الواسعة الملساء، والفلاة التي لا ماء فيها ولا أنيس، وهي جماعُ أسماء الفَلَوَاتِ، والجمع مَوَامٍ (4) . قال تأبط شرًّا (5) : يَظَلُّ بموْمَاةٍ ويُمْسِي بغيرِها ... *** جَحِيشًا ويَعْرَوْرِي ظُهورَ المهالكِ (6) 16 – القِيُّ والقَوَاء: القفرُ من الأرض، والأرض المستَوية الملساء (7) . قال العَجَّاج (8) : وبلدةٍ نِيَاطُها نَطِيُّ ... *** ... قِيٌّ تُنَاصِيها بلادٌ قِيُّ (9) 17 – التنوفة: المفازة، والأرض القفر، وقيل: الأرض المتباعدة الأطراف، والتي لا ماء فيها من الفلوات ولا أنيس، وإن كان معشبة، والجمع تنائف (10) . قال امرؤ القيس (11) : وتنوفةٍ جَرْدَاءَ مَهْلَكَةٍ ... جاوزتُها بنجائِبٍ فُتْلِ (12)   (1) جوف العير: بطن الحمار الذي ليس فيه شيء يؤكل. وفي الشرح تفصيل في الديوان. مضلة: يضل فيها المسافر. السامي: الفرس المشرف المرتفع. ديوانه (الشرح) . ساهم: ضامر قليل اللحم. القاموس (سهم) . حسان: صيغة مبالغة من الحسن. (2) الصحاح واللسان (صرم) . (3) اللسان (فدفد) . (4) اللسان (موم) . (5) ديوانه: 152. (6) جحيشًا: منفردًا. يعروري: يركب. (7) اللسان (قوي) . (8) ديوانه: 317، واللسان (قوي) . (9) نياطها: ظهرها. نطي: بعيد. تناصيها: تطاولها. شرح ديوانه: 317 – 318. (10) اللسان (تنف) . (11) ديوانه: 237. (12) الفتل مفردها فتلاء، وهي الناقة إذا كان في ذراعها فَتَلٌ وبعد عن جنبها، ويكون ذلك أقوى لها، وأسرع في السير. اللسان (فتل) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 84 18 – الدوّ: الفلاة الواسعة، والمفازة، وقيل: الأرض المستوية الملساء (1) . والدو: أرض مسيرة أربع ليال شبه تُرْس خاوية يسار فيها بالنجوم، ويخاف فيها الضلال، وهي على طريق البصرة متياسرة إذا أصعدت إلى مكة، وإنما سميت الدوّ؛ لأن الفرس كانت لطائمهم تجوز فيها، إذا سلكوها تحاضوا فيها بالجد، فقالوا بالفارسية: دَوْدَوْ (2) ، قال الأزهري (3) : ((وقد قطعت الدوَّ مع القرامطة – أبادهم الله – وكانت مطرقهم قافلين من الهبير، فسقوا ظهرهم، واستقوا بحفر أبي موسى (4) الذي على طريق البصرة، وفوَّزوا في الدو، ووردوا صبيحة خامسة ماءً يقال له: ثَبْرَة، وعطَبت فيها بُخْت كثيرة من إبل الحاج لبلوغ العطش منها والكلال)) . قال الحسن بن عبد الله الأصفهاني المعروف بلغدة (5) : ((والدَّوُّ أرض مستوية مفازة لا ماء به ولا شجر ولا جبال، مسيرة أربعة أيام، قيعان، وهو لأفناء تميم، وليس به ماء ولا شجر، ولا ينبت إلا النَّصِيَّ والسَّخْبَر (6) وما أشبههما، لا تُرى به شجرة مرتفعة رأسًا، لا عرفجة (7) ولا غيرها، إنما تراه مِيْيَاضًا كُلَّه)) .   (1) اللسان (دوا) . (2) تهذيب اللغة: 14/224، ودَوْدَوْ معناها بالفارسية: أسرع أسرع، انظر: معجم البلدان، لياقوت (الدو) : 2/490. (3) تهذيب اللغة: 14/224 – 225. (4) هو أبو موسى الأشعري، حفر فيه آبارًا يستقي منها الحجاج في أثناء ولايته على البصرة في أواخر خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، انظر الكامل في التاريخ حوادث سنة: 22هـ 3/38، ومعجم البلدان (حفر) : 2/275، ويعرف الآن بحفر الباطن، وهو بلدة عامرة كثيرة السكان، تقع في الشمال الشرقي من المملكة، وتبعد عن الرياض بنحو 500كيل، وعن مدينة المجمعة بنحو 300كيل. (5) بلاد العرب: 317. وتعرف الدوّ الآن بالدِّبدِبة، وهي معروفة. (6) نباتان لا يزالان يعرفان بهذا الاسم في نجد. (7) لا يزال يعرف بهذا الاسم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 85 قال ذو الرمة (1) : ودَوٍّ ككفِّ المُشْتَرِي غير أنَّهُ ... ** بِسَاطٌ لأخماسِ المراسِيلِ واسعُ (2) والدويَّة كالدوِّ، والياء فيها زائدةٌ ليست بياء نسبة (3) . وقال أيضًا: ودَوِيَّةٍ يحَارُ بها القَطَا ... ** ... أدِلاَّءُ رُكْبَاهَا بناتُ النجائِبِ (4) وقال العجاج (5) : دَوِيَّةٌ لِهَوْلِها دَوِيُّ ... ** للرِّيح في أقْرَابِهَا هُوِيُّ (6) ومِثلها الدَّاوِيَّة (7) ، قال امرؤ القيس (8) : ودَاوِيَّةٍ قَفْرٍ كَأن الصَّدَى بها ... ** إذا ما دعا عند المساءِ حَزينُ (9) 19 – البَلْقَع والبَلْقعة: الأرضُ القَفْرُ التي لا شيءَ فيها من شجر ونحوه (10) . 20 – المَرْت: المفازة لا نباتَ فيها (11) . قال امرؤ القيس (12) :   (1) ديوانه: 1290، وأمالي القالي: 2/91، وتهذيب اللغة: 14/224، والسان (دوا) . (2) شبه الدو في استوائه وانبساطه يكف المشتري إذا بسطه وصفق براحته على راحة البائع عند إمضاء صفقة البيع. والمراسيل: مفردها مرسال، وهي الناقة السريعة السهلة السير، وأخماس مفردها خِمْس، والمراد خمسة أيام، ثلاثة أيام تكون في المرعى، ويوم ترد فيه الماء، ويوم تصدر عنه. وقيل معناه: ورود الماء في اليوم الخامس. (3) اللسان (دوا) . (4) ديوانه: 1845. سميت دوية لدويِّ الصوت الذي يسمع فيها، وقيل: سميت دوية؛ لأنها تدوي بمن صار فيها، أي تذهب بهم، ودَوَّى في الأرض: ذهب. تهذيب اللغة: 14/224، واللسان (دوا) . وبنات النجائب: الإبل. (5) الرجز في ديوانه: 319- 320، وتهذيب اللغة: 14/224، واللسان (دوا) . (6) دوي: صوت. أقرابها: جوانبها. هُوي: هبوب شديد. (7) اللسان (دوا) . وتأتي الكلمة مثقلة ومخففة. (8) ديوانه: 286. (9) الصدى: الذكر من البوم. اللسان (صدي) . (10) اللسان (بلقع) . (11) اللسان (مرت) . (12) ديوانه: 304. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 86 بِيدٌ مُسَهَّبةٌ، مَرْتٌ مُخَفَّقَةٌ ** ... يَهْمَاءُ حِرْ باؤُها للشمسِ مُنْتَصِبُ (1) 21 – التَّيْمَاء: الفلاة الواسعة. وقال الأصعمي: التيماءُ التي لا ماءَ فيها، وأرضٌ تيماءُ: مَضِلّة مَهْلَكَةٌ (2) . 22 – اليَهْمَاء: المفازة لا ماءَ فيها، ولا يسمعُ بها صوت. وقيل: الفلاة لا ماءَ فيها ولا عَلَم، ولا يُهْتَدى لطرقها. قال الشاعر: كُلُّ يَهْمَاءَ يَقْصُرُ الطرْفُ عنها ... أرْقَلَتْها قِلاَصُنَا إرقالا (3) وقال امرؤ القيس (4) : فَصَبَّحْتَهُمْ مَاءً بَيهْمَاءَ قَفْرَةٍ ** وقد حَلَّقَ النجمُ اليمانيُّ فاسْتَوَى وقال عبيِدُ بن الأبرص (5) : يجتابُ مَهْمَهَةً يَهْمَاءَ صَمْلَقَةً ** سَكْنُ الخلائقِ حاذي اللحمِ مُغْتَبِطُ (6) وقال الأعشى (7) : يَهْمَاءَ مُوحِشَةٍ رفَعْتُ لِعَرْضِها ... طَرْفِي لأَِقْدِرَ بَيْنَهَا أمْيَالَها (8)   (1) مسهبة: طويلة بعيدة ممتدة. مخفقة: تخفق فيها الرياح. يهماء: يأتي شرحها. الحرباء: دابة أكبر من العظاية. شرح الديوان. (2) اللسان (تيم) . (3) اللسان (يهم) . أرقل: أسرع، وأرقلتها: قطعتها، والقِلاَص: جمع قلائص وقُلُص، ومفرد هذين: قَلُوص، وهي الشابة من الإبل أو الباقية على السير. القاموس المحيط (قلص) . (4) ديوانه: 333. (5) ديوانه: 85. (6) يجتاب: يقطع ويجتاز. مهمهة. مر تفسيرها. الصملقة والسملقة: القاع الأملس. اللسان (صملق) ، سَكن الخلائق: هادئ النفس. حاذي اللحم: اسم فاعل من الحَذِيَّة، وهي العطية، والمراد أنه ينحر الإبل أو يذبح الغنم ويقدم لحمها للناس. انظر: اللسان (حذو) . معتبط: ينحر الذبيحة من غير داء ولا كسر، وهي سمينة فتيَّة، واللحم العبيط: السليم من الآفات. اللسان (عبط) . (7) ديوانه: 77. (8) الميل: قدر منتهى مد البصر. اللسان (ميل) ، ويقدر بثلاثة آلاف ذراع بذراع الملك، والذراع ثلاثة أشبار معجم البلدان: 1/36. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 87 23 – المهلكة: المفازة، لأنه يهلك فيها كثير ممن يسلكها (1) . 24 – النَّفْنَفُ: المفازة البعيدة الخالية (2) : قال امرؤ القيس (3) : في نَفْنَفٍ طَامِسِ الأعلامِ ليسَ به ** إلا ذُؤَاَلةُ طَاوٍ كَشْحُهُ جُنُبُ (4) 25 – الصَّرْدحُ والصَّرْداحُ وَالصَّرْدَحَةُ: الصحراءُ لا شجر بها ولا نبت، والفلاة لا شيء فيها، والجمع: الصَّرَادِح (5) . قال ذو الرمة (6) : فجاءَتْ كذودِ الخارِبَيْنِ يَشُلُّهَا ... مِصَكٌّ تهَادَاهُ صَحَارٍ صَرَادِحُ (7) 26 – السَّهْب: الفلاة، وسهوب الفلاة: نواحيها التي لا مسلك فيها (8) . قال الأعشى (9) : وكم دون ليلى من عَدُوٍّ وبَلْدَةٍ ** وسَهْبٍ به مُسْتَوْضِحُ الآلِ يَبْرُقُ (10)   (1) اللسان (هلك) . (2) اللسان (نفنف) . (3) ديوانه: 303. (4) ذؤالة: الذئب. طاو: جائع. الكشح: الخاصرة. جنب: أجنبي غريب. (5) اللسان (صردح) . (6) ديوانه: 900. (7) فجاءت: الضمير يعود على الحمر الوحشية: الذود: من ثلاث إلى تسع، وقد يتجاوز هذا العدد. الخاربان: لصان، والخارب: المفسد. يشلها: يطردها. مصك: قوي. يريد به الحمار الوحشي. تهاداه: ترمي به صحراء إلى صحراء أخرى. شرح الديوان، والقاموس (ذود، صكك) . (8) اللسان (سهب) . (9) ديوانه: 273. (10) الآل: السراب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 88 ومن أدق ما وصفت به الصحراء شعرًا قول المُرَقِّشِ الأكبر (1) : 1- ودوِيَّةٍ غَبْراءَ قد طال عَهْدُها 2- قطعتُ إلى معروِفها منكراتِها 3- تركْتُ بها ليلاً طويلاً ومنزلاً 4- وتَسْمَعُ تَزْقاءً من البومِ حَوْلَنَا 5- فيصبحُ مُلْقَى رَحْلِهَا حيثُ عَرَّسَتْ 6- وتصبحُ كالدَّوْدَاةِ ناطَ زمَامَها 7- ولما أضَأْنا النارَ عند شِواَئِنا 8- نبذْتُ إليه حُزَّةً من شِوَائِنَا 9- فَآضَ بها جَذْلاَنَ يَنْفُضُ رأسَهُ 10- وأعرَضَ أعلامٌ كأنَّ رؤوسَهَا 11- إذا عَلَمٌ خلَّفْتُهُ يُهْتَدَى به تهالَكَ فيها الوِرْدُ والمرءْ ناعِسُ (2)   (1) هو ربيعة بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، من بكر بن وائل، وقيل: اسمه عمرو بن سعد، وقيلك عوف بن سعد، ولقب بالمرِّقش لبيت مشهور قاله، شاعر جاهلي قديم، عاصر المهلهل بن ربيعة، وشهد حرب بكر وتغلب المعروف بحرب البسوس، عرف بحبه لابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك بن ضبيعة، وشعره مما جلبه معه أبو علي القالي من بغداد إلى الأندلس ومعه شعر المرقِّش الأصغر، ويقعان في جزء واحد تام. الشعر والشعراء: 210- 213، ومن اسمه عمرو من الشعراء: 34- 35، والأغاني: 6/121- 128، والمؤتلف والمختلف: 281، ومعجم الشعراء: 201، وجمهرة أنساب العرب: 319- 310، وفهرست ابن خير الإشبيلي: 396. وجمع شعره: د. نوري حمودي القيسي، معتمدًا في المقام الأول على ما ورد في المفضليات، ونشره في مجلة العرب. (2) المفضليات: 225- 336، والمرقش الأكبر أخباره وشعره، مجلة العرب، الجزء العاشر، السنة الرابعة، ربيع الآخر: 1390هـ، حزيران وتموز: 1970م، ص:876- 877. تهالك: أجهد نفسه في السير حتى كاد أن يشرف على الهلاك. الورْد: الإبل. ... الجزء: 12 ¦ الصفحة: 89 بِعَيْهَامَةٍ تَنْسَلُّ والليلُ دامِسُ (1) ومُوقَدَ نارٍ لم تَرُمْهُ القَوَابِسُ (2) كما ضُرِبَتْ بعد الهدوءِ النواقِسُ (3) من الأرض قد دبَّتْ عليه الروامِسُ (4) إلى شُعَبٍ فيها الجواري العوانِسُ (5) عرانا عليها أطلسُ اللَّوْنِ بائِسُ (6)   (1) عَيْهامة: ناقة سريعة، والجمع عياهم. اللسان (عهم) . تنسل: تسرع. يقول: توغلت في قطع هذه الفلاة الغبراء حتى أفضيت إلى مالا يعرف من دروبها وأعلامها. (2) مُوقَد: مكان إيقاد النار. لم ترمه: لم تمسسه، القوابس: من يقتبسون النار، المفرد قابس: يقول: قطعت هذه الدوية وقد بقي من الليل شطر كبير، وغادرت الموضع الذي حللته منها، وموقد النار الذي لا يوجد عنده أحد يقتبس منه نارًا، لوحشة المكان، وبعده عن الناس. (3) تزقاء: صياح، من زقا الديك والطائر ونحوهما يزقو ويَزْقي: صاح، وكذلك الصبي إذا اشتد بكاؤه. اللسان (زقا) . النواقس كالنواقيس، مفردها: ناقوس، وهو جرس يضربه النصارى لأوقات صلاتهم. القاموس المحيط (نقس) . ... (4) ملقى رحلها: موضع إلقاء رحلها، اسم مكان من ألقى. عرَّسَتْ: بركت وأقامتْ. والتعريس: الإقامة والنزول في آخر الليل للاستراحة. الروامس: الرياح الدوافن للآثار. القاموس المحيط (عرس، رمس) : دبت: عفت. (5) الدَّوداة: أثر أرجوحة الصبيان على الأرض، وجمعها دوادٍ. اللسان (دود) . ناط: علق: الزمام: خطام الناقة. العوانس: مفردها عانس، وهي الفتاة التي تبقى زمانًا لا تتزوج بعد أن تدرك ويحين وقت زواجها، وقيل: العانس إذا صارت نصفًا وهي بكر ولم تتزوج، ولا تسمى عانسًا إذا تزوجت مرة واحدة، ويطلق الوصف على الرجل أيضًا، ولكن إطلاقه على المرأة أكثر وأشيع. اللسان (عنس) . (6) عرانا: ألم بنا. الأطلس: الذئب الأمعط في لونه غبرة إلى السواد. والأمعط: الطويل الذي لا شعر على جسده. القاموس المحيط (طلس، معط) . بائس: جائع. ... الجزء: 12 ¦ الصفحة: 90 حياءً، وما فُحْشِي على مَنْ أجَالِسُ (1) كما آبَ بالنَّهْبِ الكَمِيُّ المُحَالِسُ (2) رؤوسُ جبالٍ في خليجٍ تَغَامَسُ (3) بدا عَلَمٌ في الآلِ أغْبَرُ طَامِسُ (4) وَصَفَ المرقش الصحراء بأنها مفازة واسعة شاسعة الأرجاء، جافة، يعلوها الغبار، وتتلاشى فيها الأصوات، لا أثر فيها للماء، ولا ما يقيم الحياة، تكاد الإبل التي تسير فيها تتعرض للهلاك والموت. ويذكر أنه ألم بها وسار في جنباتها، وأفضى به السير إلى أماكن مجهولة موحشة يضرب فيها يمنة ويسرة، لا يتهدى لعلم معروف وطريق مأثور، ووسيلته في ذلك مطيته القوية الصلبة السريعة التي تغذ السير، والليل قد مد رواقه، وأرخى سدوله. وتمكن أن يقطع هذه الفلاة الواسعة، والليل لا تزال منه بقية، وغادر المكان الذي نزل فيه طلبًا للراحة، وفيه موقد ناره الذي لم يلم به قابس؛ لأنه في مكان موحش ناءٍ لا يطرقه المسافرون.   (1) حُزَّة بضم الحاء: قطعة من اللحم قطعت طولاً. القاموس المحيط (حزز) . (2) آض يئيض أيْضًا: رجع. الكمي: الشجاع أو لابس السلاح. القاموس المحيط (أيض، كمي) . المحالس: الشجاع الذي يلازم قِرْنه والذي لا يبرح ساحة القتال. اللسان (حلس) (3) أعرض: برز وبان. قال عمرو بن كلثوم التغلبي. ... ... ... ... فأعرضتِ اليمامةُ واشمخرّتْ ... ... كأسيافٍ بأيدي مُصْلِتِينَا ... شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات: 383. ... أعلام: جبال، مفردها علم: قالت الخنساء: كأنه علم في رأسه نار. ... الخليج: شرمٌ من البحر، وهو ما انقطع من معظم الماء لأنه يجبذ منه أي يقطع. وخليج البحر: رِجْلٌ يختلج منه. اللسان (خلج) . تغامس: تتغامس، أي تنغمس مرة وتظهر أخرى. (4) الآل: السراب. أغبر: تعلوه غبرة. طامس: غير ظاهر. وأغبر وطامس: صفتان لعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 91 ويضاف إلى ما ذكره من خصائص الصحراء أنه يتهادى إلى سمعه أصوات البوم، وهي من طيور الصحراء والخراب التي يشبه صياحها بضرب النواقيس، ويصف موضع رحله حيث عرّس بأنه أصبح أثرًا بعد عين أن سفت عليه الرياح فمحت كل أثر. ويقص علينا ما تعانيه حيوانات الصحراء من جوع ومسغبة، من أظهرها الذئب الذي جلبته رائحة الشواء، فأقبل يتهادى على الرغم من أنه يخشى الإنسان، وينفر من ضياء النار، فرمى إليه قطعةً من الشواء، فآب ينفض رأسه جذلاً وحبورًا بعد أن ظفر ببعض ما يسد جوعه، ويشبهه في أوبته بأوبة فارس شجاع كمي السلاح من ساحة الحرب بعد أن نال من غنائم العدو ما نال. ويذكر منظرًا من طبيعة الصحراء، وهو أنه يمر في سيره بجبال تكاد تغرق في السراب، ويشبه قننها ورؤوسها برؤوس جبال يكتنفها الماء، فهي تبدو تارة وتختفي أخرى. ويؤكد هذا المعنى في البيت الأخير، وهو أنه كلما تجاوز جبلاً يهتدي به بدا جبل أغبر آخر يلوح من خلال السراب لا يكاد يرى. والرحلة في قلب الصحراء ووصف مسالكها ودروبها ومعالمها وحيواناتها وطيورها موضوع مأثور في قاموس الشعر الجاهلي، نجد نماذج منها في القصائد السبع أو العشر الطوال الجاهليات التي عرفت عند بعض الباحثين بالمعلقات، وكقصيدة امرئ القيس الرائية التي وصف فيها رحلته إلى قيصر الروم مستنجدًا به لاستعادة ملك أبيه (1) ، وكقصيدة عبيد بن الأبرص الطائية (2) ، وفي شعر الصعاليك أمثلة كثيرة. أثر الصحراء في موضوعات الشعر:   (1) ديوانه: 56. ... (2) ديوانه: 83. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 92 لم يقتصر أثر الصحراء في الشعر العربي على وضع الأسماء والصفات الخاصة بالصحراء، وما يتصل بها من مفردات وألفاظ دلل عليها الشعر وحملها إلينا، بل تجاوز تأثيرها فيه إلى آفاق أخرى، شملت موضوعاته ومعانيه وصوره وأخيلته وإيقاعه؛ حتى إن الدارس ليستطيع القول إن الشعر العربي وليد الصحراء، نشأ على أديمها، وتدرج في النشأة حتى استقام في صورته الكاملة التي وصلت إلينا في شعر الجاهليين ودواوينهم ومطولاتهم التي بين أيدينا. ولا نبالغ إذا قلنا إننا نجد في كل قصيدة جاهلية أثرًا ظاهرًا من آثار الصحراء، بل نجد هذا الأثر في شعر جميع العصور التي اقتفت الشعر الجاهلي في ألفاظه ومعانيه وصوره، غير أن الباحث لا يجد في الشعر العربي موضوعات مستقلة خاصة بالصحراء، بل يجد أثرها وإيحاءها مبثوثين في موضوعات الشعر المختلفة. ولكي ندرك أثر الصحراء في ديوان العرب إدراكًا شاملاً دقيقًا لابد من استقراء ديوان الشعر العربي ومجموعاته المختلفة؛ لنستخلص منها ما يتعلق بالصحراء. ولا يقتصر الاستقراء على الشعر الجاهلي الذي يعد شعرًا لصيقًا بالصحراء، بل إن الشعر العربي كله في جميع العصور يحمل شيئًا من سمات الصحراء وطابعها؛ لأن التأثر والتأثير ظاهرة ملحوظة في الآداب الإنسانية، وفي طليعتها الشعر. ولكن ليس من السهل في بحث موجز كهذا البحث الإلمام بالشعر العربي كله أو معظمه، وإنما يترك ذلك لدراسات مستقبلة تكون أوعب وأوسع. بل أرى أن بعض دواوين الشعر تستحق أن تفرد بدراسة عن أثر الصحراء فيها، فمن الممكن أن تكون هناك دراسة عن أثر الصحراء في شعر امرئ القيس، أو طرفة بن العبد، أو زهير، أو الأعشى، أو الصعاليك أو غيرهم من شعراء الجاهلية، بل إن أثر الصحراء في شعر بعض الشعراء غير الجاهليين كشعر الفرزدق، وجرير، والمتنبي، والشريف الرضي جدير بأن يأخذ نصيبه من الدراسة. وحتى أولئك الشعراء الذين عاشوا في المدن، وأمضوا حياتهم في بحبوحة الحضارة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 93 والمدنية لم يكن شعرهم بمنأى عن التأثر بالصحراء كقول مسلم ابن الوليد الأنصاري يصف طريقه الصحراوي الذي سلكه ليصل إلى ممدوحه (1) : 1- ومَجْهَلٍ كَاطِّرَادِ السيفِ مُحْتَجِزٍ 2- تمشي الرياحُ به حَسْرَى مُوَلَّهَةً 3- مُوَقَّفِ المتْنِ لا تمضِي السبيلَ به 4- قريْتُهُ الوَخْدَ من خَطَّارّةٍ سُرُحٍ 5- إليكَ بادرْتُ إسفارَ الصباحِ بها 6- وبلدةٍ ذاتِ غَوْلٍ لا سبيلَ بها 7- كأنَّ أعلامَها والآلُ يَرْكبُها 8- كُلِّفْتُ أهوالَها عينًا مُؤَرَّقَةً عن الأدِلاَّءِ مَسْجُورِ الصيَّاخِيدِ (2) حَيْرَى تلوذُ بأكنافِ الجلاميدِ (3) إلاّ التَّخَلُّلَ ريثًا بعد تَجْهِيدِ (4)   (1) شرح ديوانه: 154 – 156. (2) مجهل: مكان مجهول لا يعرفه الناس. كاطراد السيف: يريد أنه مستو أملس كالسيف. محتجز عن الأدلاء أي: يجهلون مسالكه ودروبه. مسجور: موقد. القاموس المحيط (سجر) . الصياخيد مفردها صيخود، وهو شدة الحر، وصخدته الشمس: أحرقته. القاموس المحيط (صخد) . (3) حسرى: أصابها التعب والإعياء فكلت، والتعبير مجاز بالاستعارة، من حسَرَت الدابة والناقة: أعيتْ وكلت. مولهة: شديدة الحزن، والتعبير مجاز بالاستعارة أيضًا. حيرى: متحيرة، لا تدري أين تذهب. الجلاميد: مفردها جلمود، وهو القطعة من الصخر قدر ما يرمي به القَذَّاف. اللسان (حسر، وله، جلمد) . (4) موقف المتن، التوقيف: البياض مع السواد، ودابة موقفة. في قوائمها خطوط سود. اللسان (وقف) . ويريد بموقف المتن المجهل الذي ذكره في البيت الأول، ويعني بذلك أن الصحراء التي سلكها مختلفة الألوان. الريث: الإبطاء. تجهيد: جهد شديد. يصف هذا المجهل بأنه صعب المسالك والمرتقى، لا طرق فيه، والسير فيه مضنٍ لا يتم إلا بالتخلل عبر الأماكن الضيقة، والانعطاف يمنة ويسرة في بطءٍ وجهد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 94 تَفْرِي الفَلاَةَ بِإرْقَالٍ وتَوْخِيدِ (1) من جُنْحِ ليلٍ رحيبِ الباعِ ممدودِ إلاّ الظنونُ وإلاَّ مَسْرَحُ السيِّدِ (2) بُدْنٌ توافى بها نُذْرٌ إلى عيدِ (3) إليكَ لولاكَ لم تُكْحَلْ بتسْهِيدِ (4) هذه الأبيات وصف نادر للصحراء وبيئتها ودروبها لا تقل في روعتها وبلاغتها عن أبيات المرقش الأكبر، قالها مسلم بن الوليد- وهو شاعر عباسي - ضمن قصيدة طويلة تتكون من مائة بيت يمدح بها داود بن يزيد بن حاتم بن خالد بن المهلب بن أبي صفرة (5)   (1) قريته: القرو مصدر قولك قروتُ إليهم أقرو قرْوًا، وهو القصد نحو الشيء. والقرو من الأرض الذي لا يكاد يقطعه شيء. والضمير يعود على المجهل في البيت الأول. الوخد: ضرب سريع من السير. خطارة: ناقة تخْطِر بذنبها في السير نشاطًا. سرح: سهلة السير. الإرقال والتوخيد: ضربان سريعان من السير. اللسان (قرا، وخد، خطر، سرح) . تفري: تقطع بهمة ونشاط. الإرقال والتوخيد: ضربان سريعان من السير. اللسان (رقل) . (2) الغول: بعد المفازة؛ لأنه يغتال من يمر به. اللسان (غول) . السيِّد. الذئب. (3) الآل: السراب. بدن: نياق. توافى بها نذر إلى عيد: أي جلبها لتنحر يوم عيد وفاء لنذر قطعه على نفسه. (4) كلفت: حملت بمشقة. مؤرّقة: من الأرق، وهو عدم النوم، ومثله التسهيد. (5) في النجوم الزاهرة: 2/75 ((داود بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة)) . وهو من الأمراء الولاة القادة الشجعان، ولاه الرشيد إفريقية بعد وفاة والده يزيد عام: 170هـ، ثم خلفه عليها عمه روح بن حاتم المهلبي عام 171هـ، أو عام 172هـ، ثم ولاه الرشيد مصر عام 174هـ، إلى المحرم من عام 175هـ، ثم السند عام: 184هـ، وبقي واليًا عليها إلى أن توفي عام 205هـ. قاد بعض الجيوش لقمع الثائرين على الرشيد. ... ولاة مصر: 157- 158، والكامل في التاريخ لابن الأثير: 5/602، 6/108، 113، 116، 124، 362، والنجوم الزاهرة: 2/3، 75-77، 116، وحسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة: 1/591، والأعلام: 2/336. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 95 ، وهي قصيدة ذائعة مشهورة. ونلحظ تأثره الواضح بالقصيدة الجاهلية في وصفه للمفازة التي سلكها للوصول إلى ممدوحه؛ فهو يسمها بأنها غير معروفة المسالك والدروب، مستوية يغيب فيها البصر، ولا يستطيع الأدلاء أن يهتدوا للسير فيها، ويصف جوها بأنه متوقد الحرارة بالقدر الذي يجعل الرياح تهب في ضعف وكلال، وتلوذ بأكناف الصخور للبحث لها عن أماكن ظليلة. ثم يضفي وصفًا آخر للمفازة التي سلكها، وهي أنها مختلفة الألوان تبعًا لطبيعة الأرض، ويعاني المسافر مشقة بالغة في التوقل في مسالكها، والتخلل عبر منافذها الملتوية الضيقة التي تكون عادة في الشعاب والتلاع والجبال. ويذكر أنه اعتمد في قطع هذه المفازة الشاسعة على ناقة صلبة سريعة سهلة السير ذات نشاط وهمة في اجتياز هذه المسافة الطويلة، وتمكن بها أن يصل إلى ممدوحه عند إشراق ضوء الصباح بعد ليل طويل داجي الظلمة أمضاه في السير. ويصف البلدة التي قصدها بأنها بعيدة بعدًا مضنيًا، يتصور الذهن أن الوصول إليها رجم من الظن والغيب، فالطريق إليها ليس إلا مسرحًا للذئاب. ويشبه جبالها وقد كللها السراب بإبل جللت بالمطارف البيض تغذ السير لتنحر وفاء بنذر في يوم عيد، ويشير إلى أنه عانى من أهوال قطع هذه المفازة، واكتحلت عيناه بالأرق والسهاد؛ ليبلغ ممدوحه وينشده قصيدته. وندرك مما تقدم أن وصف الصحراء من الموضوعات التي عني بها الشعر العربي، وإن لم يكن ذلك الوصف موضوعًا مستقلاً، ولكنه داخل ضمن موضوعات أخرى كالمدح كما تقدم في قصيدة مسلم بن الوليد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 96 يضاف إلى هذا الموضوع وصف حيوانات الصحراء، ما كان منها مستأنسًا وغير مستأنس، ومن أظهر ذلك وصف الناقة التي تعد المركب الذلول لقاطن الصحراء، ووسيلته الأولى في قطع الفيافي واجتياز المفاوز الشاسعة، ولذلك أطلق عليها سفينة الصحراء؛ لأنها تقوى على السير الطويل والحمل الثقيل، في مختلف الأجواء، وتمكث أيامًا دون طعام أو ماء. ومن أبرز الشعراء الذين أثر عنهم شعر في وصف الناقة طرفة بن العبد البكري، الذي اشتمل ديوانه على نعوت كثيرة لها حتى إنّه يستحق أن يلقب بشاعر الناقة، وأشعاره التي قالها فيها جديرة أن تفرد ببحث مستقل. ولست أرى دابة لصيقة بالصحراء وطبيعتها مثل الناقة؛ لذلك أرى أن جميع الأوصاف التي خلعها طرفة وغيره من الشعراء عليها كانت من تأثير الصحراء، ولو بطريقة غير مباشرة. وتحظى معلقته بالنصيب الأوفر من الأبيات التي وظفها في وصف الناقة، فقد حظيت منه باثنين وثلاثين بيتًا من المعلقة (1) وحدها، فضلاً عن الأبيات المتفرقة في ديوانه (2) . من ذلك قوله في وصفها (3) : 1- وإنِّي لأُمْضِي الهمَّ عند احْتِضَارِهِ 2- أَمُونٍ كألواحِ الإرَانِ نَسَأْتُهَا 3- جُمَالِيَّةٌ وَجْنَاءُ تَرْدِي كأنَّها 4- تُبَارِي عِتَاقًا نَاجِيَاتٍ وأتْبَعَتْ بَعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تروحُ وتَغْتَدِي (4)   (1) معلقة طرفة، ديوانه: 34- 46، وشرح القصائد السبع الطوال الجاهليات: 149وما بعدها. ... (2) ديوانه: 61، 62، 94، 95، 100، 101، 167، 176، 184- 186. (3) ديوانه34-35، وشرح القصائد السبع الطوال الجاهليات: 149- 154، وشرح المعلقات السبع: 48- 49. (4) احتضاره: حضوره. العوجاء: التي اعوجتْ من الهُزَال إلى السمن، وهي التي لحِقَ ظهرُها ببطنها فاعوج جسمها. مرقال: سريعة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 97 على لاحِبٍ كأنَّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ (1) سَفَنَّجَةٌ تَبْرِي لأزْعَرَ أربَدِ (2) وظيفًا وظيفًا فوقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ (3) يصف ناقته بأنها هزيلة ضامرة شديدة الضمور سريعة في غدوها ورواحها، وهي مع ذلك سهلة السير مأمونة العِثَار، تشبه الجمل في وثاقة التركيب والقوة، والنعامة في سرعة السير، حتى إنها لتسابق الإبل الكريمة السريعة في قطع المسافات، ويصف في دقة بالغة هيئة يديها ورجليها أثناء السير، وهي تتابعهما في حركة سريعة خاطفة. وليس في الإمكان أن أورد ما قاله طرفة في الناقة في بحث موجز كهذا، والمثال الواحد نموذج لأمثلة كثيرة مماثلة. ومن شعراء الجاهلية الذين عنوا بوصف الناقة الشاعر الجاهلي المثقب العبدي، فله في ذلك قصيدة دالية (4) حشد فيها عددًا من نعوت ناقته، منها قوله (5) : 1- عَرْفَاءَ وَجْنَاءَ جُمَالِيَّةٍ 2- تَنْمِي بنهّاضٍ إلى حَارِكٍ 3- كأنما أَوْبُ يَدَيْهَا إلى 4- نَوْحُ ابنةِ الجَوْنِ على هَالكٍ 5- كَلَّفْتُهَا تَهْجِيرَ دَاوِيَّةٍ 6- في لاَحِبٍ تَعْزِفُ جِنَّانُهُ   (1) الأمون: الناقة التي يؤمن عِثَارُهَا وزللها. الإران: تابوتٌ كانوا يجعلون فيه الموتى من سادتهم وكبرائهم دون سواهم. نسأتها: حملتها على السير، أو ضربتها بالمِنْسَأة، وهي العصا. اللاحب: الطريق الواضح. البُرْجُد: كساء للأعراب ذو خطوط. (2) جُمالية: تشبه الجمل في القوة ووثاقة الخلْق. وجْنَاء: العظيمة الوجنات. تردي: تعدو وتسرع. سفنجة: نعامة. تبري: تعرض. أزعر: قليل الشعر. أربد: لونه لو الرماد. (3) تباري: تسابق. عتاق: إبل كريم. ناجيات: سريعات. الوظيف: ما بين الرُّسْغ إلى الركبة. المور: الطريق. (4) ديوانه، ص: 10 وما بعدها. (5) ديوانه: 26- 31. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 98 مُكْرَبَةٍ أرساغُهَا جَلْمَدِ (1) ثَمَّ كَرُكْنِ الحَجَرِ الأصْلَدِ (2) حَيْزُومِهَا فوق حَصَى الفَدْفَدِ (3) تندبُهُ رافعةَ المِجْلَدِ (4) من بَعْدِ شَأْوَيْ لَيْلِهَا الأبْعَدِ (5) مُنْفَهِقِ القَفْرَةِ كالبُرْجُدِ (6) وله قصيدة نونية وصف فيها الناقة، مطلعها (7) : أفاطمُ قبل بَيْنِكِ مَتِّعِينِي ... *** ومَنْعُكِ ما سَأَلْتُكِ أنْ تبِينِي (8) ومنها قوله (9) : 1- فَسَلِّ الهمَّ عَنْكَ بذاتِ لَوْثٍ 2- بصادِقَةِ الوَجِيِف كأن هرًّا 3- كَسَاها تامِكًا قَرِدًا عليها   (1) عرفاء: مشرفة السنام، أو طويلة العرف، وهو صوف العنق، أو مذكرة تشبه الجمل. وجناء: الغليظة الصُّلْبة. اللسان (عرف، وجن) ، جمالية: وثيقة تشبه الجمل في خِلْقَتها وشدتها وعِظَمها، اللسان (جمل) .. مُكْرَبة: موثقة. الأرساغ مفردها رسغ، وهو الموضع الدقيق الذي بين الخفِّ وموصل الوظيف من اليد والرجل. اللسان (رسغ) . جلمد: قطعة من الصخر. شبه أرساغها بالحجر في القوة. (2) نهّاض: عنق. الحارك: أعلى الكاهل، وهو موضع مقدم السنام. ثمّ: هناك. الأصلد: القوي الأملس. (3) الأوب: ترجيع الأيدي والقوائم، وقيل: سرعة تقليب اليدين والرجلين في السير. الحيزوم: الصدر، وقيل: وسطه. اللسان (أوب، حزم) . الفَدْفَد: مرّ شرحها. (4) ابنة الجون: نائحة من كندة كانت في الجاهلية. المِجْلد: قطعة من جلد تمسكها النائحة بيدها، وتلطم بها وجهها وخدها. وقيل: خرقة تمسكها النوائح بأيديهن إذا نحن. اللسان (جون، جلد) . (5) تهجير: السير في الهاجرة، وهي منتصف النهار عند اشتداد الحرارة. الداوية: الدو. مرّ شرحها. شأوي: مثنى شأو: وهو الغاية والشوط والمدى: اللسان (شأي) . (6) اللاحب والقفرة والبرجد مرّ تفسيرها. منفهق: واسع. (7) ديوانه: 136. (8) البين: البعد والفراق. ومعنى الشطر الثاني أن منعكِ ما سألتك إياه مثل بينك وفراقك. (9) ديوانه: 165 – 174. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 99 4- إذا قَلِقَتْ أشُدُّ لها سَنَافًا 5- كأنَّ مواقِعَ الثَّفِنَاتِ منها عُذَافِرَةٍ كَمِطْرَقَةِ القُيُونِ (1) يُبَارِيها ويأخُذُ بالوضِينِ (2) سَوَادِيُّ الرَّضِيحِ مع اللَّجِينِ (3) أمامَ الزَّوْرِ من قَلَقِ الوَضِينِ (4) مُعَرَّسُ باكراتِ الوِرْدِ جُونِ (5) ومنها البيتان المشهوران (6) : 1- إذا ما قُمْتُ أرْحَلُهَا بِلَيْلٍ 2- تقولُ إذا درأتُ لها وَضِينِي: تَأَوَّهُ آهَةَ الرجلِ الحَزِينِ أهذا دينُهُ أبدًا ودِينِي (7) ؟!   (1) ذات لوْث: ذات قوة. عُذَافرة: قوية صُلْبة. القيون: الحدادون. (2) الوجيف: ضرْب من السير سريع. الوضين: حزام الرَّحْل. (3) التامك: السنام البارز المشرف. قرد: ملبد بعضه على بعض. السوادي: القَتّ والنوى. الرضيح: نوىً يُدَق ويخلط بالخَبَطِ، وتعلف به الناقة. اللجين: ورق الشجر يخبط ثم يخلط بدقيق أو شعير فيعلف للإبل. اللسان (لجن) ، وأدركنا هذا اللون من الطعام وهو يقدم للإبل والبقر. (4) السناف للبعير كاللبب للفرس، وهو ما يشد على صدر الدابة لئلا يتأخر الرحل عن مكانه. الزور: الصدر. (5) الثفنات ما يصيب الأرض إذا بركت الناقة، ويحصل فيها غلظ من أثر البروك، فالركبتان من الثفنات، وكذلك المرفقان وكركرة الناقة، سميت بذلك، لأنها تغلظ من مباشرة الأرض وقت البروك، مفردها ثَفِنَة. وثَفِنَتْ يده: غلظت من العمل. اللسان (ثفن) . مُعَرَّس موضع التعريس، وهو النزول أول الليل أو آخره، وأراد به هنا المكان. باكرات: يريد بها القطا. جون: سود. شبه أثر ثفناتها على الأرض بأثر قطا جثمن على الأرض، وهو تشبيه دقيق. (6) ديوانه: 194 – 195. (7) الوضين: مرّ تفسيره. يقال: درأتُ وضين البعير إذا بسطتُهُ على الأرض ثم أبركته عليه لتشده به. اللسان (درأ) . دينه: عادته ودأبه وديدنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 100 ووصف الحيوانات والطيور يكثر دورانه في الشعر الجاهلي خاصة، وليس من المتيسر أن نلم بالموضوع، ويكفي أنني اتخذت من وصف الناقة نموذجًا؛ لارتباطها الوثيق بالصحراء، واعتماد العرب عليها في التنقل والترحال عبر مسالك جزيرتهم. ووصف الحيوانات والطيور امتد عبر مسيرة الشعر العربي إلى العصر الحديث (1) . ومن الأوصاف التي أوحت بها الصحراء إلى الشعراء وصف البرق والرعد والسحاب والمطر والسيل والرياح، ويمثل ذلك قول أوس بن حجر (2) : 1- قد نِمْتَ عني وَباتَ البرقُ يُسْهِرُنِي 2- يَا مَنْ لبرقٍ أبيتُ الليلَ أرْقُبُهُ 3- دانٍ مُسِفٍّ فُوَيْقَ الأرضِ هَيْدَبُهُ 4- كأن رَيِّقُهُ لما علا شَطِبًا 5- هَبَّتْ جنوبٌ بأعلاهُ ومَالَ به 6- فالْتَجَّ أعْلاهُ ثم ارتجَّ أسفَلُهُ 7- كأنما بين أعلاه وأسفلِهِ 8- يَنْزَعُ جِلْدَ الحَصَى أجَشُّ مُبْتَرِكٌ 9- كأنّ فيه عِشَارًا جِلَّةً شُرُفًا 10- هُدْلاً مَشَافِرُها بُحًّا حَناَجِرُهَا 11- فأصبحَ الروضُ والقيعَان مُمْرِعَةً كما اسْتَضَاءَ يهودِيٌّ بِمصْبَاحِ في عَارِضٍ كَمُضيءِ الصُّبْحِ لّماحِ (3) يكاد يَدْفَعُهُ مَنْ قام بالرَّاحِ (4)   (1) انظر: كتاب الحيوان للجاحظ، والحيوان في الأدب العربي لشاكر هادي شكر. (2) ديوانه: 15- 17، وتروى القصيدة لعبيد بن الأبرص الأسدي، ديوانه: 34. (3) العارض: السحاب المعترض في الأفق. (4) دانٍ: قريب. مسف: قريب من الأرض، هيدبه: هماليل السحاب، وهي ما تدلى منه إلى الأرض، ويكون السحاب حينئذ شديد الغزارة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 101 أقَرَابُ أبْلَقَ يَنْفِي الخيلَ رمَّاحِ (1) أعجازُ مُزْنٍ يَسُحُّ الماءَ دَلاَّحِ (2) وضاقَ ذَرْعًا بِحَمْلِ الماءِ مُنصَاحِ (3) رَيْطٌ مُنَشَّرَةٌ أو ضوءُ مِصْبَاحِ (4) كأنّهُ فَاحِصٌ أو لاعِبٌ داحِي (5)   (1) رَيِّقه: أوله. شَطِب: جبل لا يزال يعرف بهذا الاسم يقع شمالي جبل ثهلان (ذهلان) ، بالقرب من بلدة الشعراء، بينهما صحراء يقطعها الماشي في نحو ساعة، وهو معدود من جبال بني نمير وكذلك جبل ثهلان. معجم البلدان (شطب) 3/343، والمجاز بين اليمامة والحجاز: 95- 96. الأقرب مفردها قُرْبُ، بضم القاف، وسكونها، وبضمها مع الراء: الخاصرة أو من الشاكلة إلى مراق البطن. القاموس (قرب) . الأبلق من الخيل ما فيه سواد وبياض، أو ما فيه تحجيل إلى الفخذين. القاموس (بلق) . ينفي: يطرد. رماح: كثير الرفس. قال ابن السكيت: ينكشف البرق كما يرمح الأبلق فيبدو بياضُهُ. خزانة الأدب: 1/157. ... (2) دلاّح: كثير الماء. القاموس (دلح) . (3) الْتَجّ: صَوَّت, من اللَّجَّةِ وهي الأصوات والجلبة. القاموس (لجج) . المُنْصاح: الفائض الجاري على وجه الأرض: وقيل: انصاح: تشقق من قبل نفسه. اللسان (صوح) . (4) رَيْط ورياط جمع مفرده رَيْطَة، وهي كل مُلاَءة كلها نسج واحدٌ وقطعة واحدة. القاموس (ريط) . (5) أجش: غليظ الصوت، يوصف به ما كان كذلك من إنسان وخيل ورعد وغيره. القاموس (جشش) ، يصف به صوت المطر الغزير. مبترك: غزير، من ابتركت = =السحابة اشتد انهلالها، والسماء دام مطرها. القاموس (برك) . الفاحص: أراد به من يفحص التراب، أي يقلبه ويحوله. يقال: فحص المطر التراب: قلبه. وفحص القطا التراب: اتخذ فيه أفحوصًا، وهو مجثمه. القاموس (فحص) . الداحي: الذي يلعب بالمِدْحَاة، وهي حجارة يَدْحَى بها الصبي فتمر على الأرض لا تأتي على شيء إلا اجتحفته. القاموس (دحو) ، وفيها تفصيل ذكر في اللسان (دحو) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 102 شُعْثًا لهَامِيمَ قد همَّتْ بِإِرْشَاحِ (1) تُزْجِي مرابيعَها في صَحْصَحٍ ضَاحِي (2) من بينِ مُرْتَفِقٍ منها ومن طَاحِي (3) ذكر أوس أنه بات ليله سَهِرًا يرقب البرق الذي بدا يلوح في عارض السحاب كفلق الصبح، وانتقل إلى وصف السحاب، فأشار في البيت الثالث إلى أنه يحمل ماء غزيرًا لدنوه من الأرض، وتدلي ذيوله وهماليله حتى ليكاد المرء أن يلمسه بيده، فهو سحاب مثقل بالماء. ثم وصف هطول المطر وأثره في الأرض، وذكر أنه لغزارته وقوة جريانه يكاد ينزع جلد الحصى ووجه الأرض، ولم يُغْفِلْ وصف الرعد الذي صحب تدفق المطر من السحب، فقد شبهه بصوت حنين نياق مسنة تهدلت مشافرها، وبحت أصواتها كِبَرًا، تسوق أولادها في قاع ممتد. والبيت الثالث من الأبيات المشهورة. ولامرئ القيس أبيات فائية عدتها ثلاثة عشر بيتًا وصف فيها السحاب والرعد والمطر والسيل أفضى فيها إلى الغاية (4) .   (1) العشار من الإبل التي قد أتى عليها عشرة أشهر. الجلة: العظام الكبار من الإبل، وقيل: المسان منها يقع على الذكر والأنثى والواحد والمثنى والجمع. الشرف: الإبل المسنة، والمفرد: شَارِف. اللهاميم: النوق الغزيرة اللبن، المفرد: لهموم. أرشحت الناقة والمرأة وهي مرشح إذا خالطها ولدها وقَوِيَ ومشى معها وسعى خلفها ولم يتعبها. اللسان (عشر، جلل، شرف، لهم، رشح) . (2) هدل مشافرها: مسترخية. اللسان (هدل) . تزجي: تسوق. المرابيع: مفردها مِرْبَاع، وهي الناقة التي تلد في أول النتاج، والمراد بالمرابيع هنا أولادها. الصحصح: الأرض الجرداء المستوية الواسعة. اللسان (ربع، صحح) . الضاحي: الظاهر. (3) المرتفِق: الممتلئ الواقف الثابت الدائم. الطاحي: الممتد المنبسط. اللسان (رفق، طحو) . (4) ديوانه: 325 – 329. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 103 واختصت الصحراء بأشجار ونباتات معينة، بعضها يتحمل البيئة القاسية من شدة حرارة وبرودة وقلة مطر، وبعضها ينبت إبان الربيع بعد هطول الأمطار. وشاع في الشعر العربي ذكر لكثير من هذه الأشجار والنباتات التي عرفها سكان الصحراء، واستعانوا بها في حياتهم وأعمالهم ورعي أنعامهم، واستخدموا ثمار بعضها في غذائهم كالنخيل والزروع التي تنتج القمح والشعير والدُّخْن، ووظفوا أغصانها في صنع الرماح والقسي والسهام والعصي، وخشبها في صنع الرحال والأقتاب والهوادج، ولوقود النار، وغير ذلك من المنافع التي أحسن العرب صنعها واستخدامها. ومن حسن الحظ أن كثيرًا من أسماء الأشجار والنباتات لا تزال تحتفظ بأسمائها التي عرفت بها في الشعر الجاهلي، وانتقلت عبر هذه القرون الكثيرة من السلف إلى الخلف مشافهة حتى وصلت إلينا. غير أن جميع أنواع الأشجار والنباتات الصحراوية لم ترد في شعر العرب في موضوعات مستقلة، بل وردت أسماؤها متناثرة في أبيات متفرقة في دواوين الشعر ومجاميعه، والذين عرضوا لتحقيق الدواوين وجمع الأشعار لم يعنوا بوضع فهرس للنباتات والأشجار التي تضمنتها إلاّ قليلاً منهم، على الرغم من أهمية هذا الفهرس وضرورته، وكان عملهم في الفهارس منصبًا على التقليدي منها، كفهرس الأشعار، والأعلام، والقبائل والطوائف، والمواضع والأمكنة؛ ولذلك فإن الدارس المعني بالموضوع مضطر إلى قراءة الدواوين والمجموعات الشعرية وتصفحها؛ حتى يعثر على بغيته. ومن هنا تأتي أهمية الفهارس الشاملة المفصلة؛ لأنها تضع أمام الباحث مفاتيح الدراسة، وتوفر له جهدًا ووقتًا من الممكن أن يستغلها في جوانب مهمة من دراسته. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 104 ولذلك ستكون نماذج الاستشهاد أبياتًا مفردة؛ لتعذر العثور على نصوص شعرية متكاملة. والأسماء التي وضعها العرب للأشجار والنباتات هي من وحي بيئة الصحراء وتأثيرها، فحق أن ينسب ذلك كله إلى أثرها في الشعر. وليس من المستطاع أن ألم بجميع ما ورد في الشعر العربي، أو الشعر الجاهلي بخاصة من الأسماء، فحسبي ذلك بعض النماذج والأمثلة التي تثري الموضوع وتدل عليه، ويقاس عليها ما سواها مما تحفل به دواوين الشعر ومجاميعه. وسأذكر فيما يلي اسم الشجرة أو النبتة، وأعرف بها، ثم أذكر شاهدها الشعري. 1- النخلة، قال أوس بن حجر (1) : وقتلى كَمِثْلِ جُذُوعِ النَّخِيلِ *** تَغَشَّاهُمُ مُسْبِلٌ مُنْهَمِرْ (2) والمعنى والتشبيه واضحان. 2 – الشَّرْيُ: وهو شجر صحراوي يفترش الأرض، يشبه شجر البطيخ الأحمر (الحبحب) أو (الرّقي) كما يُسَمَّى في العراق، وله حَدَجٌ في مثل حجم البرتقال، وبعضه في مثل حجم البطيخ، شديد المرارة، تأكله بعض الحيوانات، ويقال له الحنظل أيضًا، وله حب صغير يسمى الهبيد، الواحدة شَرْية (3) . وهبيده يُعَالج حتى تذهب مرارته، ثم يؤكل لبه، وهو لذيذ خفيف على المعدة. قال أوس (4) : ألم تَرَيَا إذْ جئتُمَا أنَّ لحمَها ** به طَعْمُ شَرْيٍ لم يُهَذَّبْ وحَنْظَلُ؟! (5) وكان العرب في الجاهلية يأكلون لب الهبيد. قال امرؤ القيس (6) :   (1) ديوانه: 30. (2) مسبل منهمر: مطر غزير. (3) انظر: اللسان (شري، حنظل، هبد) . (4) ديوانه: 94. (5) يصف لحمها بأنه شديد المرارة كالحنظل. لم يهذب: لم يعالج وينق حبه حتى تذهب مرارته. اللسان (هذب) . (6) ديوانه: 9. والبيت من معلقته المشهورة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 105 كأني غداةَ البَيْنِ يوم تحمَّلوا ... ** لدى سَمُرَاتِ الحيِّ ناقِفُ حَنْظَلِ (1) وكان لبُّ الهبيد يؤكل في نجد إلى وقت قريب. 3 – الخزامى: نبت ربيعي طيب الرائحة واحدته خُزَاماة. قال أبو حنيفة الدينوري:)) الخزامى عشبة طويلة العيدان، صغيرة الورق، حمراء الزهرة، طيبة الريح، لها نَوْرٌ كَنَوْرِ البَنَفْسَج (( (2) . قال امرؤ القيس (3) : كأنَّ المُدَامَ وصَوْبَ الغمامِ يُعَلُّ به بَرْدُ أنيابِهَا وريحَ الخُزَامى ونَشْرَ القُطُرْ (4) إذا طَرَّبَ الطائرُ المُسْتَحِرْ (5) وقال عبيد بن الأبرص (6) : وريحِ الخُزَامى في مذانِبِ رَوْضَةٍ ** جَلاَ دِمْنَهَا سَارٍ من المُزْنِ هَطَّالِ (7) ولا يزال الخزامى معروفًا بهذا الاسم والصفة في جزيرة العرب، ويكثر نبته إبان الربيع.   (1) البين: البعد والفراق. تحملوا: رحلوا. سَمُرات مفردها سَمُرة، وهي من شجر الطلح الذي ينمو في صحراء العرب. يستعمل شجره في تغمية (تسقيف) البيوت، ووقودًا للنار. اللسان (سمر) . ناقف الحنظل: الذي يستخرج حبه. يريد أن دموعه سالت عند فراق من أحب كما تسيل دموع ناقف الحنظل رغمًا عنه. (2) اللسان (خزم) . (3) ديوانه: 157 – 158 (خزم) . (4) صوب: وقع. الغمام: السحاب واحدته غمامة. نَشْر: رائحة. القُطُرُ: بضم القاف مع ضم الطاء أو تسكينها، العود الذي يتبخر به، وقد قطّر ثوبه وتَقَطّّرِت المرأة. اللسان (قطر) . (5) يُعَل: من العلل، وهو الشرب الثاني. والنهل: الشرب الأول. والمراد هنا يُسْقى به. طرب: صوت. المستحر: المصوت في السحر. يصف فاها بطيب الرائحة، وأنه لا يتغير بعد النوم. والأنياب أراها كلمة غير مناسبة في هذا المقام ولو قال: أسنانها أو ثنايها لكان أولى. (6) ديوانه: 114. (7) مذانب الروضة: الجداول التي توزع السيل في جنباتها: اللسان (ذنب) . جلا: كشف. الدمنة: آثار الأقوام والدواب. المزن: مفردها مُزْنة، وهي السحابة الممطرة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 106 4 – العَرْفَج: نبات صحراوي ينمو في السهول وعلى ضفاف الأودية، له عيدان دقاق كثيرة، وزهره أصفر، وورقه صغير، ورائحته طيبة، ولون أغبر يميل إلى الخضرة ما دام غضًّا، ويبيض إذا يبس، تأكله الإبل والغنم رطبًا ويابسًا، ولهبه شديد الحمرة، واحدته عرفجة (1) ، ولا يزال يعرف بهذا الاسم. قال الراعي النميري (2) : كَدُخَانِ مُرْتَجِلٍ بأعلى تَلْعَةٍ ... غَرْثَانَ ضَرَّمَ عَرْفَجًا مَبْلُولا (3) 5 – العَوْسَج: شجر ذو شوكٍ من العِضَاه، ينمو في صحارى نجد، ويتحمل العطش، له ثمرٌ أحمرُ صغير مدوّر، كأنه خرز العقيق (4) ، يستطاب أكله، ويقال له في نجد: النبق. وقد أكلناه ونحن صغار، وهو لذيذ الطعم. قال الشماخ (5) : مُنَعَّمَةٌ لم تَدْرِ ما عَيْشُ شِقْوَةٍ ... ولم تَغْتَزِلْ يومًا على عُودِ عَوْسَجِ (6)   (1) اللسان (عرفج) . (2) ديوانه: 240. (3) المرتجل: الذي أصحاب رجلاً من جراد فهو يشويه أو يطبخه. اللسان (رجل) . التلعة: ما ارتفع من الأرض وما هبط منها، ومسيل الماء، وما اتسع من فوهة الوادي ومسيل الماء من الأسناد والجبال والمرتفعات حتى ينصب في الوادي، ولا تكون التلاع إلا في الصحارى. القاموس (تلع) . غرثان: جوعان. ضَرَّم: أوقد وأشعل. (4) ... اللسان (عسج) . (5) ... اللسان والتاج (عسج) . ورواية ديوانه: 74 (لم تَلْقَ بؤسَ مَعِيشَةٍ) . (6) ... تغتزل: تغزل الصوف بالمغزل. والبيت دليل على أن العرب كانوا يصنعون المغزل من أعواد العوسج. وكان يستعمل إلى وقت قريب في البادية؛ لغزل الخيوط التي تنسج منها بيوت الشعر وغيرها من الفرش. وقد رأيت في صغري الأعرابيات وهن يغزلن الصوف في سرعة وخفة ومهارة، وينسجن منه بيوت الشعر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 107 6 – الأُقْحُوَان: من نبات الربيع مُفَرَّض (مُحَزَّز) الورق، دقيق العيدان، له نَوْرٌ أبيض كأنه ثَغْرُ جارية حديثة السن، طيب الرائحة، تشبه به الأسنان، ويجمع على أقَاحٍ (1) ، وهو معروف بهذا الاسم في صحراء نجد. قال ذو الرمة (2) : إذا أخذَتْ مِسْوَاكَها صَقَلَتْ به ** عِذَابًا كنَوْرِ الأُقْحُوَانِ المُهَطَّلِ (3) 7 – الخِمْخمُ: نباتٌ تُعْلَفُ حَبَّهُ الإبلُ، ويروى بالحاء المهملة الحِمْحِم، وهو الشُّقَارى (4) ، وبهذا الاسم يعرف في نجد. قال عنترة (5) : ما رَاعَنِي إلا حمولةُ أهلِها ... وَسْطَ الديارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ (6) 8 – الجَثْجَاثُ: نبات ينمو في القيعان والرياض، له زهرة صفراء، تشبه زهرة العَرْفَجة طيبة الرائحة، يشبه القيصوم، تأكله الإبل والغنم إذا لم تجد غيره، وهو مرّ الطعم، تستطيبه العرب، وتكثر ذكره في أشعارها، واحدته جَثْجَاثة (7) . ويعرف بهذا الاسم في إقليم نجد، ويستعمل هو والقيصوم كمامًا للنخل حماية لثمره من الجراد. قال كثير عزة (8) : فما رَوْضَةٌ بالحَزْنِ طيبةُ الثرى بأطيبَ من فيها إذا جِئْتَ طارقًا يَمُجُّ الندى جَثْجَاثُهَا وعَرَارُهَا (9) وقد أُوقِدَتْ بالمِجْمَرِ اللَّدْنِ نَارُهَا   (1) ... اللسان (قحو) . (2) ... ديوانه: 1472. (3) ... عذابًا: يريد أسنانًا عذابًا، اكتفى بالصفة عن الموصوف. نور: زهر. المهطل: أصابه الهطل وهو المطر. (4) ... اللسان (خمم) . (5) ... ديوانه: 188. (6) ... الحمولة: الإبل التي تحمل المتاع. تَسَف: تأكل. (7) ... اللسان والتاج (جثث) . (8) ... المصدران السابقان (جثث) من غير نسبة، وهما لكثير في ديوانه: 429- 430. ورواية البيت الثاني في الديوان فيها اختلاف عما أثبت هنا. (9) ... الحزن: ضد السهل. يمج: يخرج ويُسيل. العرار: سيأتي بيانه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 108 9 – العرار نبت طيب الرائحة، يسمى بهار البرّ، وقال ابن بري: هو النَّرْجِسُ البري، واحداته: عرارة (1) . قال الصِّمَّةُ القشيري (2) : تَمَتَّعْ من شَمِيمِ عَرَارِ نَجْدٍ ألا يا حبذا نَفَحَاتُ نجدٍ فما بعد العَشِيَّةِ من عَرَارِ وريَّا رَوْضِه بعد القِطَارِ (3) وقال الأعشى (4) : بَيْضَاءُ غُدْوَتُهَا وصَ ... *** فْرَاءُ العَشِيَّةِ كالعَرَارَهْ (5) 10 – القيصوم: ينبت في القيعان والرياض وضفاف الأودية كالجثجاث، طيب الرائحة، وورقه هَدَبٌ، يعد من رياحين الصحراء، له نَوْر أصفر، ينهض على ساقٍ تطول (6) ، ويكم به النخل كالَجثْجَاثِ، وهو معروف بهذا الاسم في ديار نجد حتى الآن، وينمو كالجَثْجَاثِ كثيرًا. قال جرير (7) : نَبتَتْ بمَنْبِتِهِ فَطَابَ لِشَمِّها *** ونأتْ عن الجَثْجَاثِ والقَيْصُومِ وقال الشاعر (8) : بلادٌ بها القَيْصُومُ والشِّيحُ والغَضَى 11 – الشِّيح: نبات سهلي ينبت في القيعان والرياض، وهو من الأمرار، له رائحة طيبة، وطعم مُرّ، وهو مرعى للخيل والنعم، كان العرب يتخذون منه المكانس (9) . قال الشاعر (10) : في زاهرِ الروضِ يُغَطِّي الشِّيحَا   (1) ... اللسان والتاج (عرر) . (2) ... ديوانه: 78، واللسان والتاج (عرر) . (3) ... الريا: الريح الطيبة. القاموس (روي) . القِطَار: مفردها القَطْر، وهو المطر. (4) ... ديوانه: 203، واللسان والتاج (عرر) ، ورواية الديوان (بيضاء ضَحْوَتُها) . (5) ... يريد أنها تتلون بلون الشمس، أو أنها تضمِّخُ جسدها بالزعفران والطيب آخر النهار. (6) ... اللسان (قصم) . (7) ... اللسان (قصم) ، وديوانه: 1038 نقلاً عن اللسان. (8) ... اللسان (قصم) . (9) ... اللسان (شيح) . (10) ... المصدر السابق (شيح) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 109 12 – الغضى: من نبات الرمل، له هَدَبٌ كهدَبِ الأرطى، وهو من أجودِ الوقودِ عند العرب، واحدته غَضَاةٌ (1) . قال سُحيم عبد بني الحَسْحَاس (2) : كأن الثُّرَيَّا عُلِّقَتْ فوق نَحْرِها ... وجَمْرَ غضىً هبَّتْ له الريحُ ذاكِيا وأهل الغضى أهل نجد لكثرته في بلادهم (3) .قالتْ أم خالد الخثعمية (4) : فإنْ كُنْتَ من أهْلِ الحجازِ فلا تَلِجْ رأيتُ لهم سِيمَاءَ قَوْمٍ كرِهْتُهُمْ وإن كُنُتَ نجديًّا فَلِجْ بِسَلاَمِ وأهلُ الغَضَى قومٌ عليّ كرامُ 13- السَّلَم: شجر من العِضَاه، ليس له خشب، وله شوْك دُقَاق طُوال حادٌ إذا أصاب رجل الإنسان، وله زهرة صفراء فيها حبة خضراء طيبة الرائحة، وفيها شيءٌ من مرارة، واحدته سَلَمَة (5) . قال الشاعر (6) :   (1) ... اللسان (غضي) . (2) ... ديوان: 17، واللسان (غضي) وهو من قصيدته المشهورة التي مطلعها: عُمَيْرةَ ودِّعْ إن تَجَهَّزْتَ غازيا ... كفى الشيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهيا (3) ... اللآلي: 641، واللسان (غضي) . (4) ... أمالي أبي علي القالي: 2/10، واللآلي: 641، واللسان (غضي، قطم) ، وانظر معجم النساء الشاعرات في الجاهلية والإسلام: 291، وأعلام النساء: /313- 314، ولم أجد لها ترجمة سوى أنها شاعرة من شواعر العرب، وقصيدتها الميمية قالتها في جَحْوَش العُقَيلي، وكانت فيما يبدو تحبه وتهواه، وجحوش الخفاجي العقيلي عاش في الدولة الأموية، وتوفي في أول القرن الثاني الهجري. ... انظر: شعراء بني عُقَيل وشعرهم في الجاهلية والإسلام حتى آخر العصر الأموي: 1/28- 29، وراجع فهرس الأعلام: 157. ... ... ... ... ... ... ونسب البيت الأول في المؤتلف والمختلف: 157 إلى خنساء بنت أبي الطمّاح، وكانت زوجة للضحاك بن عُقِيل العُقَيْلي. وفي المصدر نفسه ثلاثة أبيات قالتها خنساء بنت التَّيِّحان تتشوق إلى جحوش العُقَيلي الخفاجي. (5) ... اللسان (سلم) . (6) ... المصدر السابق (سلم) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 110 كُِلي سَلَمَ الجرْدَاءِ في كُلِّ صَيْفَةٍ *** فإنْ سألوني عَنْكِ كُلَّ غَرِيمِ (1) وقال الراجز (2) : إنَّكَ لن تَرْوِيَهَا فاذهَبْ ونَمْ *** إنَّ لها رَيَّا كمِعْصَالِ السَّلَمْ (3) 14 – الحرْمَل: شجر دائم الخضرة، صحراوي، ينبت في السهول، مُرّ الطعم، تعافه الدواب ما عدا المِعْزَى، وفي امتناعه عن الأكلة (4) قال طرفةُ يذم قومًا (5) : هُمُ حَرْمَلٌ أعيا على كُلِّ آكِلٍ ... مَبيتًا، ولو أمْسَى سَوَامُهُمُ دَثْرَا (6) وسميت حرملاء بهذا الاسم لكثرة نبات الحَرْمَلِ في أرضها (7) ؛ وهي المعروفة الآن بحريملاء، وتقع شمالي الرياض بنحو مئة كيلٍ. قال أوس (8) : تَجَلَّلَ غَدْرًا حَرْمَلاءَ وأقْلَعَتْ ... سَحَائِبُهُ لما رأى أهْلَ مَلْهَمَا (9)   (1) ... الجَرْداء: بلد دون الفَلْج (الأفلاج) ببلاد يني جعدة. المصدر السابق (سلم) . (2) ... اللسان (سلم، عصل) . (3) ... ريَّا: رائحة طيبة. المِعْصَال: مِحْجَن يتناول به أغصان الشجر لاعوجاجه. اللسان (عصل) . (4) ... اللسان (حرمل) . (5) ... ديوانه: 88، واللسان (حرمل) . (6) ... مبيتًا: مكان البَيَات، أي ليس عندهم موضع يبيت فيه الضيفان، يصفهم بالبخل. ورواية الديوان (مبيرًا) أي مهلكًا. السوام: الأنعام التي ترعى. دثرًا: كثيرًا. القاموس (دثر) . (7) ... معجم اليمامة: 1/317. (8) ... ديوانه: 111، ومعجم ما استعجم: 1/440. (9) ... هذا البيت من ثمانية أبيات في ديوانه. قال البغدادي: ((هذه الأبيات قالها أوس بن حجر لبني الحارث بن سدوس بن شيبان، وهم أهل القرية (سدوس) باليمامة، حيث اقتسموا معزاه، وقيل: اقتسمها بنو حنيفة وبنو سحيم، وكان أوس بن حجر أغرى عليهم عمرو ابن المنذر بن ماء السماء، ثم جاور فيهم فاقتسموا معزاه)) . خزانة الأدب: 4/373. ... والقرية التي تسمى الآن سدوس قريبة من حريملاء وملهم. ذمّ أهل سدوس وحرملاء، وأثنى على أهل ملهم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 111 15- القَرَظ: شجر يُدْبغ به. قال أبو حنيفة الدينوري: القرَظ أجود ما تدبغ به الأهُبُ (الجلود) في أرض العرب، وهي تدبغ بورقه وثمره، واحدته قَرَظَةٌ (1) . وأغصانه طويلة لدنة، وهو معروف باسمه حتى الآن في جزيرة العرب، ورأيناه تدبغ به الجلود ونحن صغار. قال أبو ذؤيب الهذلي (2) : وحتى يؤوبَ القارظانِ كلاهُمَا *** ويُنْشَرَ في القَتْلَى كُليبُ بنُ وائلِ (3) 16- السَّبَطُ: نبات صحراوي رملي سَلِبٌ (4) طُوال دقيق العيدان، تأكله الإبل والغنم والبقر، وليس له زهر ولا شوك، وله ورق دُقَاق على قدر الكُرَّاث، يشبه نبات الدُّخْن، الواحدة سَبَطَة، وأرضٌ مَسْبَطَةٌ كثيرةُ السَّبط (5) . قال ذو الرمة يصف رملاً (6) : بين النهارِ وبين الليلِ من عَقِدٍ *** على جوانبهِ الأسباطُ والهَدَبُ (7)   (1) اللسان (قرظ) . (2) شرح أشعار الهذليين: 1/147، ومجمع الأمثال: 3/152، واللسان (قرظ) . (3) القارظان: رجلان من عنزة، خرجا في طلب القرظ فلم يعودا فضرب بهما المثل في طلب الأمر المستحيل، فقيل: لا آتيك حتى يؤوب القارظان. مجمع الأمثال: 3/152، وجمهرة الأمثال: 1/123- 124، وكليب وائل: هو الذي قتله جساس بن مرة وقامت بسبب حرب البسوس. (4) يقال: شجرة سَلِيب: سُلِبَتْ ورقها وأغصانها. القاموس (سلب) . (5) اللسان (سبط) . (6) ديوانه: 1/27، واللسان (سبط) . (7) عقِد بكسر القاف وفتحها: ما تراكم من الرمل وكثر وتعقد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 112 وأسماء النباتات والأشجار الصحراوية التي حملها إلينا الشعر العربي كثيرة، وهي لا تزال معروفة حتى الآن بأسمائها وصفاتها في جزيرة العرب، ويصعب تعدادها والإحاطة بها في هذا البحث، من ذلك الأرْطى (1) ، والصَّمْعَاءُ (2) ، والنَّصِيُّ (3) ، والحَمْضُ (4) والرِّمْثُ (5) ، والبَسْبَاسُ (6) ، والثُّمَامُ (7) ، والرَّبْل (8) ، واحدته رَبْلَة، وهي أسماء متعددة تحتاج إلى بحث مستقل. أثر الصحراء في معاني الشعر:   (1) اللسان (أرط) . (2) اللسان (صمع) . (3) اللسان (نصي) . (4) اللسان (حمض) . (5) اللسان (رمث) . (6) اللسان (بسس) . (7) اللسان (ثمم) . (8) اللسان (ربل) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 113 لحظنا في الصفحات السابقة أن للصحراء أثرًا واضحًا في توجيه موضوعات الشعر التي عبرت عن بيئة الصحراء، وما زاوله سكانها من نشاط وأعمال، ووصلت إلينا حاملة طابع الصحراء في شكلها ومضمونها؛ فالألفاظ التي تضمنتها الموضوعات المنبثقة عن الصحراء غزيرة تمثل معجمًا ضخمًا، وما يندرج تحتها من معانٍ أضاف إلى الشعر ثروة وامتدادًا؛ فوصف الرحلة عبر الصحراء، ووصف طبيعتها وسهولها وحزونها وحيوانها ونباتها، وما يتصل بذلك من نشاط تضمن معاني كثيرة، أغنت الشعر العربي، وزودته بمضامين وأفكار جديدة، ما كان ليظفر بها لو وجد في بيئة أخرى؛ فجميع الشعراء الجاهليين والإسلاميين والأمويين الذين أتيح لهم أن يعيشوا في الصحراء اقتصروا في معاني شعرهم على ما أوحت به إليهم بيئتها وأجواؤها، فحينما نقرأ شعر امرئ القيس، أو أوس بن حجر، أو زهير بن أبي سلمى نلحظ أن طوابع الصحراء ماثلة في شعرهم، والمعاني التي طرقوها تتجسد فيها إيحاءات الصحراء؛ فالشعر العربي، وشعر كل أمة ابن بيئته، ولا يمكن أن يحمل مضامين بيئة أخرى غريبة عنه، إلا إذا انسلخ الشاعر عن جلدته، واستعار جلدة أخرى، وحتى الموضوعات التقليدية من مدح وغزل، وهجاء وعتاب واعتذار يستحيل أن تتنصّل عن تأثير الصحراء؛ ولذلك نجد بعض الدارسين اتجهوا في بحوثهم ودراساتهم إلى استنباط حياة العرب من شعرهم، وكان نجاحهم في هذا الاتجاه بارزًا؛ لأنهم وصلوا إلى معلومات ثمينة نادرة عن حياة العرب في صحرائهم. ولعل في هذا ردًا على مقولة إن الشعر الجاهلي أكثره موضوع، وكيف يتسنى أن يكون موضوعًا أو منحولاً وهو يمثل بيئتهم الصحراوية في جزيرة العرب بأماكنها ومواضعها ومسالكها وحيواناتها ونباتاتها أصدق تمثيل؟ وكيف يتاح لواضع هذا الشعر أن يتمثل هذه البيئة كلها في شعر ينظمه ثم ينحله الجاهليين؟ وتبين لي من خلال الشواهد الشعرية التي أثبتها في البحث صدق الشاعر الجاهلي ودقته في تحديد الأماكن وصحة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 114 الأسماء والأوصاف التي أطلقها على الحيوان والنبات، والدليل على ذلك أن كثيرًا من أسماء المواضع والأماكن لا تزال تحتفظ بأسمائها التي عرفناها في الشعر الجاهلي، وقد أشرت إلى ذلك في مواضعه من البحث، ولذلك ينبغي أن نستنبط ردودنا على من ينكر صحة الشعر الجاهلي من الشعر نفسه، ونطبق ما ورد فيه من أسماء الأماكن والمواضع والحيوان والنبات على واقع الحال المشاهد، ونستدل من الأوصاف ومظاهر الحياة الاجتماعية التي دونها الشعر على نظائرها التي احتفظت ببقائها إلى وقت قريب، ويعود السبب في ذلك إلى أن الصحراء بقيت إلى عقود قريبة محافظة على خصائصها وسماتها وبيئتها التي قرأناها في الشعر الجاهلي والأموي، وكان سكانها قبل توطينهم وتحضرهم يمارسون الأعمال نفسها التي كان يمارسها عرب الجاهلية، ومن أظهرها الاعتماد في حياتهم على إنتاج الصحراء من حيوان ونبات، والتنقل في مسالكها بحثًا عن المياه والمراعي، أو شن الغارات على الخصوم، وغير ذلك من المهمات التي نسمعها عن عرب البادية في شكل قصص وأخبار، ولا نجد في مضمونها اختلافًا عما كنا نقرؤه عن عرب الصحراء في عهود سحيقة، ووجه الاختلاف الوحيد وسيلة النقل، نقرأ أخبار العرب وقصصهم في الجاهلية والإسلام، وما يصحبها من أشعار باللغة الفصحى، أما أحفادهم عرب البادية فنسمع أخبارهم وقصصهم وأشعارهم من أفواه الرواة باللهجة العامية، ولابد من الإشارة إلى أنه سقط الكثير من أخبار العرب في الجاهلية والإسلام وقصصهم وأشعارهم، وما وصل إلينا من ذلك لا يمثل إلا القليل مما فقد، والسبب في ذلك واضح، وهو أن التدوين الكتابي الفعلي لم يبدأ إلا في القرن الثاني الهجري، كذلك لم يدون من أخبار عرب الصحراء في جزيرة العرب وقصصهم إلا القليل جدًا، ولم يبدأ التدوين إلا منذ عهد قريب، ممثلاً في الكتب التي تعنى بالأدب الشعبي شعرًا ونثرًا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 115 أما قبل ذلك فكانت الأخبار والقصص والأشعار في حوافظ الرواة وذواكرهم، فذهب معظم ما كان معهم بذهابهم عن الدنيا. وما ذكرته أعده مدخلاً لمعاني الشعر المرتبطة بالصحراء، وهي معانٍ كثيرة، ليس في الإمكان أن ألم بها أو ببضعها في هذا البحث، ولكن الدارس يجدها ماثلة في دواوين الشعراء الذين عاشوا في جزيرة العرب، وفي دواوين الشعراء الذين تأثروا بهم. ومن أبرز الصفات المعنوية التي كونتها الصحراء في نفوس ساكنيها، ودونوها شعرًا يفوح منه عبق الصحراء، ما نلحظه من خصائص المجتمع الجاهلي، وكل مجتمع صحراوي، وهي خصائص تتمثل في الشجاعة والجرأة، والميل إلى المخاطرة، والاستهانة بالموت، والصبر على المكاره، وتحمل الأعباء، والحمل على النفس، والكرم، والنجدة، والإيثار، والتآزر في الملمات، والعفة، والحلم، والعفو عند المقدرة، والوفاء، وإباء الضيم، والميل إلى الحرية، والوضوح في المنطق، والصراحة التي تبلغ أحيانًا حد الإثارة والاستفزاز، والغلظة التي تصل في بعض المواقف إلى الجفاء المعهود في الأعراب، والتكتم، والتمويه الذي يمكن عده نوعًا من المراوغة والخداع، كما كان يحدث في الحروب، والولاء للقبيلة، والتعصب لها، والقيافة. وغير ذلك من الخلال والصفات التي حملها الشعر الذي يصدق عليه وصف شعر الصحراء، سواء أكان شعرًا جاهليًا أم إسلاميًَا، ولا يجد الدارس صعوبة في التمثيل لها من النصوص الشعرية الكثيرة (1) . أثر الصحراء في الصور الفنية:   (1) لمزيد من التفصيل انظر: الحياة العربية من الشعر الجاهلي، للدكتور أحمد محمد الحوفي. والموضوع في حاجة إلى دراسات تطبيقية أكثر سعة وشمولاً. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 116 يحفل الشعر العربي بالصور الفنية التي أوحت بها الصحراء، واستقاها الشعراء من بيئتها، وطبيعة الحياة فيها، وكيف يتسنى لشاعر عاش حياته كلها في الصحراء أن يستعير صورًا من خارج البيئة التي خبرها وأمضى ما تصرم من حياته في ربوعها؟! بيئة خبر دروبها وسهولها وحزونها وقيعانها وجبالها ووهادها وأوديتها ورياضها. ولذلك فإن الشعر الذي نصفه بالصحراوي من الطبيعي أن ينتزع صوره من تشبيهات واستعارات من الصحراء، فحينما نأتي إلى وصف الفرس أو الناقة في شعر الشعراء الجاهليين والإسلاميين والأمويين نجدهم لا يخرجون في تصويرهم عما عهد في بيئتهم وشاهدوه وهم يتنقلون في فضاء الصحراء، فامرؤ القيس حينما أراد أن يجسد صلابة فرسه وسرعة كره على العدو وإدباره عنه حيث لا مجال للكر لم يجد ما يشبهه به سوى قطعة صلبة من الصخر دحرجها سيل قوي من مكان مرتفع، وذلك في قوله: مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مدبرٍ معًا **كجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ من عَلِ (1) وصورة التشبيه انتزعها من مشاهدته لما يحدث في الصحراء حينما تتدافع حجارة الجبل، وتنصب في حركة سريعة متتابعة لها دويٌّ وصوت، والتشبيه غير دقيق؛ لأن حركة الكر والفر والإقبال والإدبار لا تطابق كل المطابقة تهدي الحجر من مكانٍ عالٍ. وفي قوله: له أيطلا ظبيٍ وسَاقَا نَعَامةٍ ... ** وإرخاءُ سِرْحَانٍ وتَقْرِيبُ تَتْفُلِ (2) شبه خاصرتي فرسه في الضمور بخاصرتي ظبي، وساقيها بساقيْ نعامة في الصلابة والقصر وطول الفخذين، وهي صفات محمودة في الفرس، وشبه عدوه بإرخاء الذئب (3) وتقريب الثعلب (4) ، والمشبه به منتزع من حيوانات صحراوية شاهدها امرؤ القيس في جزيرة العرب كثيرًا.   (1) ديوانه: 19. (2) ديوانه: 21. (3) الإرخاء: شدة العدو، أو عدو فوق التقريب. القاموس (رخو) . (4) التقريب: ضرب من العدو، أو أن يرفع يديه معًا ويضعهما معًا. القاموس (قرب) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 117 وشبه كَفَل فَرَسِه بدِعْصِ الرمل الذي لبَّدَهُ الندى فثَبتَ وتماسك، وذلك في قوله (1) : له كَفَلٌ كالدِّعْصِ لبَّدَهُ الندى ... ** إلى حَارِكٍ مِثْلِ الغَبيطِ المُذَأَّبِ (2) والدعص الكثيب الصغير من الرمل، وهو مما يشاهد في الصحراء. وشبه عمرو بن كلثوم غضون الدروع بطرائق الغدير إذا هبت عليه الريح، وذلك في قوله (3) : كأن مُتُونَهُنَّ متونُ غُدْرٍ ** تُصَفِّقُها الرياحُ إذا جَرَيْنَا والمشبه به منتزع من الصحراء، فتكسر سطح الغدير إثر هبوب الرياح عليه منظر ألفه ساكن الصحراء العربية، وشاهده كثيرًا. وفي بيت الأعشى (4) : تَسْمَعُ لِلْحَلْي وَسْوَاسًا إذا انْصَرَفَتْ **كما استعانَ بريحٍ عِشْرِقٌ (5) زَجِلُ صورة فنية صحراوية، فالعِشْرِق نبات صحراوي، ولا يزال ينبت فيها، ويعرف بهذا الاسم منذ العصر الجاهلي، وهو يفترش الأرض، وله عناقيد يكون فيها الحب، فإذا يبست، وهبت عليها الريح سمع لها صوت، شبه به الأعشى صوت حُلَيِّ محبوبته هريرةَ إذا انصرفت، وهو تشبيهٌ دقيقٌ مصيب. وفي بيت زهير (6) : تَبَصَّرْ خَلِيلي هل تَرَى من ظَعَائِنٍ *كما زَالَ في الصَّبْحِ الأشَاءُ (7) الحَوَامِلُ   (1) ديوانه: 47. (2) الكفل مؤخرة الفرس، أو الدابة مما يلي الفخذين. الحارك: أعلى الكاهل. الغبيط: رحل قتبه وأحناؤه واحدة، والجمع: غُبُط. القاموس (غَبَطَ) . المُذَأَّب إذا جعل له فرجة بين دَفّتيه، فكان بذلك واسعًا. أو جعل له ذؤابة. اللسان (ذأب) . (3) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات: 416، وشرح المعلقات السبع: 132، وشرح القصائد العشر: 357. (4) ديوانه: 105. (5) العِشْرِق: نبات صحراوي يفترش الأرض، ويستعمل دواءً مسهلاً، وله قوة في الإسهال فعالة. (6) شرح ديوانه: 294. (7) المفرد: أشَاءة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 118 صورة أخذها من الصحراء، شبه مراكب النساء على الإبل وهي تسير بالنخل الصغار الحوامل إذا حركتها الريح، وركنا التشبيه من مشاهد الصحراء البارزة. ومن صور الصحراء المألوفة أثر الدَّبا – وهو صغار الجراد – في الأرض السهلة المنحدرة، واستغل أوس بن حجر هذه الصورة فشبه بها الشطوب التي ترى على صفحة السيف، فقال (1) : وأخرج منه القَيْنُ أثْرًَا كأنَّهُ ** مَدَبُّ دَبًا سُودٍ سَرَى وهو مُسْهِلُ (2) وشبه نصل السيف في بياضه ولمعانه بتلؤلؤ البرق في سحب ركامية (3) في قوله (4) : وأبيضَ هِنْديًّا كأنَّ غِرَارَهُ ** تلألؤُ بَرْقٍ في حَبِيٍّ تَكَلَّلاَ (5) ونهر المجرة (6) الذي يُرَى في السماء يشاهده ساكن الصحراء في ليالي الصحو كثيرًا، فنقل زهير بن أبي سلمى هذا المشهد، وشبه به الطريق الواضح في قوله (7) :   (1) ديوانه: 95. (2) القين: الحداد الذي يصنع السيوف وغيرها. الأثْر: فرند السيف. القاموس (أثر) . مدب: ممشى. مسهل: منحدر إلى السهل أو في طريق سهل. (3) هي السحب التي يركب بعضها بعضها، ويكون برقها شديد اللمعان والإضاءة، ومطرها غزيرًا بإذن الله؛ لأنها مثقلة بالماء، وهي على خلاف السحب الانبساطية التي تكون قريبة من الأرض قليلة الماء. ... (4) ديوانه: 84. (5) هندي: مصنوع في الهند. الغِرَار: حد السيف والرمح والسهم. القاموس (غرر) . ... الحبي: السحاب يشرف من الأفق على الأرض، أو الذي بعضه فوق بعض، ويسمى السحب الركامية، ويكون مطرها غزيرًا بإذن الله. القاموس (حبي) . ... تكلل: تراكم بعضُه فوق بعض كأنّ غشاءً ألبسه. القاموس (كلل) . (6) يسميها العرب: درب التَّبَّانة، أي الذين ينقلون التبن، ويسميها الغرب: الطريق اللبني Mikly Way، نسبة إلى اللبن، ولفظة المجرة يقابلها في الإنجليزية لفظة Galaxy. (7) شرح دوانه: 257. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 119 على لاحِبٍ مِثْلِ المجرَّةِ خِلْتَهُ ... إذا ما علا نَشْزًا من الأرضِ مُهْرَقُ (1) والمطر الغزير من خصائص الصحراء، ولاسيما في العشايا، ووظف علقمة ابن عبدة الفحل هذه الخاصية، فشبه به جري الفرس السريع وهو يعدو خلف قطيع من البقر الوحشي فقال (2) : فَأَتْبَعَ آثارَ الشِّيَاهِ بصَادِقٍ ** حثَيثٍ كغيثِ الرَّائِحِ المُتَحَلِّبِ (3) ومنظر الغنم منتشرة والرعاة خلفها يسوقونها إلى المرعى دون أن تبدي مقاومة من مناظر الصحراء المتكررة، وأخذ علقمة هذا المنظر وشبه به قبيلة زيد مناة بن تميم فيما يراه من ضعفهم وانعدام شخصيتهم، فقال (4) : كأنَّ زيدَ مَنَاةٍ بَعْدَهُمْ غَنَمٌ ** صَاحَ الرِّعَاءُ بها أن تَهْبِطَ القَاعَا (5) وتشبيه النياق أو الجمال وهن يَغْذُذْن السير في الفلاة بسرب القطا الذي أمضه العطش في صبح يوم شديد الحرارة صورة واقعية من صور الصحراء، قال عبيد بن الأبرص (6) : وكُنَّ كأَسْرَابِ القَطَا هَاجَ وِرْدَهَا ** مع الصُّبْحِ في يومِ الحَرُورِ رَمِيضُ (7)   (1) اللاحب: الطريق الواضح. نشزًا: مكانًا مرتفعًا. مُهْرَق: صحيفة بيضاء، وهي كلمة معربة من الفارسية. القاموس واللسان (هرق) . ... والكلمة خير لمبتدأ محذوف تقديره: هو مهرق. حاشية الديوان. والجملة تشبيه بليغ، أي هو مثل الصحيفة البيضاء في الملاسة والاستواء والوضوح. (2) ديوانه: 94. (3) الشياه: مفردها شاة من الغنم عامة، والظباء، والبقر، والنَّعَام، وحمر الوحش، والمرأة. القاموس (شوه) . وتطلق في نجد على أنثى الخراف فقط. بصادق: صفة لموصوف محذوف تقديره: بجريٍ صادق. المتحلب: الممطر في غزارة. (4) ديوانه: 126. (5) القاع: أرض سهلة مطمئنة مستوية، لا حصى فيها ولا حجارة. وفي تعريفه تفصيل في اللسان (قوع) . (6) ديوانه: 81. (7) رميض: شديد الرمضاء. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 120 ومن الصور المألوفة المأخوذة من مشاهدات الصحراء تشبيه عبيد ناقته في قوتها وسرعتها بالحمار الوحشي في قوله (1) : ومَهْمَهٍ مُقْفِرِ الأعلامِ مُنْجَرِدٍ أجَزْتُهُ بِعَلَنْدَاةٍ مُذَكَّرَةٍ نائي المناهِلِ جَدْبِ القاعِ مُنْسَاحِ (2) كالعَيْرِ مَوَّارَةِ الضَّبْعَيْنِ مِمْرَاحِ (3) والصور الفنية المتأثرة ببيئة الصحراء المنتزعة من طبيعتها غزيرة من السهل تتبعها واستخراجها من ديوان الشعر العربي. الخاتمة   (1) ديوانه: 39. (2) البيت فَذٌ في وصف الصحراء، أرض واسعة متاهة مضلة لا أعلام فيها يستدل بها على طريق، بعيدة موارد المياه، جدباء، متسعة الأرجاء. (3) علنداة: ناقة ضخمة طويلة. اللسان. (علد) . مذكرة: تشبه الجمل في قوتها: العَيْر: الحمار الوحشي. موّارة: ناقة سهلة السير سريعة. اللسان (مور) . الضبعين: وسط العَضُد بلحمه يكون للإنسان، وغيره، ويقال: ضبعت الناقة مدَّت ضَبْعَيْهَا في سيرها واهتزت. اللسان (ضبع) . ممراح: نشيطة خفيفة. اللسان (مرح) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 121 للبيئة أثر لا ينكر في توجيه النشاط الإنساني، ومجموع العادات والتقاليد الاجتماعية والسلوكية وفي الأعمال الأدبية، وفي إطار تأثير البيئة كان هذا المبحث الأدبي الموجز الذي درس أثر الصحراء في نشأة الشعر العربي وتطوره، وتضمن البحث مقدمة، ثم تمهيدًا تحدثت فيه عن بيئة الصحراء وساكن الصحراء، وعن امتزاج العربي بها حتى أصبحت جزءًا من كيانه، ثم تطرقت إلى محاولة تلمس البدايات الأولى لنشأة الشعر العربي على أديم جزيرة العرب وتطوره حتى وصل إلينا قصائد طويلة، تمتاز بالنضج الشعري شكلاً ومضمونًا على ألسنة الرعيل الأول الذي عرفناه من شعراء العصر الجاهلي. وتناول البحث بعد ذلك أثر الصحراء في اللغة، ولحظت أن بيئة الصحراء أمدت قاموس اللغة العربية بفيض زاخر من الأسماء والصفات التي اكتسبت صفة الاسمية مع كثرة الاستعمال ومرور الزمن، وأحصيت من أسماء الصحراء نحوًا من ثلاثين اسمًا دللتُ على معظمها بشواهد شعرية، ثم تحدثت عن أثر الصحراء في موضوعات الشعر مثل وصف المظاهر الطبيعية والكونية، ووصف الحيوانات التي كانت تجد لها ملاذًا آمنًا في جزيرة العرب، وخصصت بالحديث الناقة؛ لأنها أظهر حيوان صحراوي، ولها ذكر ووصف في معظم دواوين شعراء الصحراء، ثم وصف الأشجار والنباتات التي امتازت بها صحراء جزيرة العرب مستدلاً بالنماذج والشواهد الشعرية، ثم تحدثت بعد ذلك عن أثر الصحراء في مضمون الشعر ومعانيه، فأثرها في الصور الفنية، وهو أثر ملحوظ؛ لأن الشعراء الذين عاشوا في الصحراء استقوا منها معظم صورهم الشعرية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 122 وأعد هذا البحث مدخلاً أو توطئة لبحوث أو دراسات موسعة تتناول أثر الصحراء في توجيه مسيرة الشعر العربي، وتفصل في أبواب نقاط البحث التي درستها في إيجاز، وتلم بالقضايا الشعرية التي تتصل بالموضوع اتصالاً قريبًا أو بعيدًا؛ وبناء على ما تقدم فمن الممكن أن نطلق على الأدب في العصر الجاهلي والإسلامي أدب الصحراء؛ وأذكر من هؤلاء جريرًا والفرزدق والأخطل، وبشارًا وأبا نواس ومسلم بن الوليد، والمتنبي، وأضرابهم من شعراء الدولة الأموية والعباسية. وأدب الصحراء يمتاز في معظمه بالقوة والمتانة والجزالة والفصاحة في اللغة والأسلوب، إذ هو بمنأى عن رقة المدن التي ربما تفضي إلى ضعف في اللغة والأسلوب، وهذا أمر ملحوظ بين أدب الصحراء وأدب الحاضرة أو المدن، ولهذا السبب لا يستشهد علماء اللغة والنحو بالشعراء الجاهليين الذين قضوا أعمارهم في الحواضر والمدن؛ كعدي بن زيد العِبَادي؛ لأنه نشأ في الحيرة، ولم يأخذوا اللغة عن الحضر، ولا عن القبائل التي كانت تجاور في منازلها أممًا غير عربية (1)   (1) انظر المزهر للسيوطي 1/211- 212. المصادر والمراجع (1) أخبار النحويين البصريين، صنعة: أبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي (284- 368هـ) ، تحقيق: د. محمد إبراهيم البنا، الطبعة الأولى: 1405هـ= 1985م، دار الاعتصام – القاهرة إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (معجم الأدباء) ، ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (574- 626هـ) ، نشرة الدكتور أحمد فريد الرفاعي ( ... – 1376هـ = ... – 1956م) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، نسخة مصورة. الأعلام (قاموس تراجم) ، خير الدين الزركلي (1310- 1396هـ = 1893- 1976م) ، الطبعة السابعة: 1986م، دار العلم للملايين – بيروت، لبنان. أعلام النساء في عالمي العربي والإسلام، عمر رضا كحالة (1323- 1408هـ = 1905 – 1987م) ، الطبعة الرابعة: 1402هـ= 1982م، مؤسسة الرسالة، بيروت. الأغاني، أبو الفرج الأصبهاني علي بن الحسين (284- 356هـ) ، الطبعة الثالثة: 1381هـ= 1962م، دار الثقافة، بيروت. الإفصاح في فقه اللغة، عبد الفتاح الصعيدي (1310- 1391هـ= 1892- 1971م) ، وحسين يوسف موسى، الطبعة الثانية، دار الفكر العربي، القاهرة. الأمالي، أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي (288- 356هـ) ، عناية: محمد عبد الجواد الأصمعي (1312- 1388هـ= 1894- 1968م) ، الطبعة الثانية: 1404هـ= 1984م، دار الحديث، بيروت، مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية، عام: 1344هـ= 1926م، القاهرة. إنباه الرواة على أنباه النحاة، جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي (567- 646هـ) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (1322- 1401هـ= 1905- 1981م) ، دار الفكر العربي، القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية – بيروت: 1406هـ= 1986م.   (1) أهملت إثبات معجمات اللغة، لسهولة الرجوع اليها اعتماداً على ترتيبها المعروف. بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (849- 911هـ) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (1322- 1401هـ= 1905- 1981م) ، الطبعة الأولى: 1384هـ= 1964م، مطبعة الحلبي، القاهرة. بلاد العرب، الحسن بن عبد الله الأصبهاني المعروف بلغدة ( ... – نحو 310هـ) ، تحقيق: حمد الجاسر (1328هـ- 1421هـ= 1910- 2000م) ، والدكتور صالح العلي (1916- ... ) ، الطبعة الأولى: 1388هـ= 1968م، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض. تاريخ الأدب العربي، كارل بروكلمان (1285- 1375هـ= 1868- 1956م) ، تحقيق: عبد الحليم النجار، ورمضان عبد التواب، والسيد يعقوب بكر، دار المعارف، مصر. تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (282- 370هـ) ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون (1327- 1408هـ= 1909- 1988م) ، وآخرين، الطبعة الأولى: 1384هـ= 1964م، دار القومية العربية للطباعة، القاهرة. جمهرة الأمثال، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري ( ... - بعد 400هـ) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (1322- 1401هـ= 1905- 1981م) ، وعبد المجيد قطامش ( ... – 1414هـ= ... – 1993م) ، الطبعة الأولى: 1384هـ= 1964م، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة. جمهرة أنساب العرب، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (384- 456هـ) ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون (1327- 1408هـ= 1909- 1981م) ، دار المعارف بمصر: 1382هـ= 1962م، القاهرة. حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (849- 911هـ) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (1322- 1401هـ= 1905- 1981م) ، الطبعة الأولى: 1387هـ= 1967م، القاهرة. الحياة العربية من الشعر الجاهلي، د. أحمد محمد الحَوْفي (1328- 1403هـ= 1910- 1982م) ، الطبعة الرابعة، مكتبة نهضة مصر ومطبعتها، القاهرة. الحيوان، أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الجاحظ (150- 255هـ) ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون (1327- 1408هـ= 1909- 1988م) ، الطبعة الثانية، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة. الحيوان في الأدب العربي، شاكر هادي شاكر، الطبعة الأولى: 1405هـ= 1985م، مكتبة النهضة العربية، وعالم الكتب، بيروت. خزانة الأدب، ولب لباب لسان العرب، عبد القادر بن عمر البغدادي (1030- 1093هـ= 1620- 1682م) ، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون (1327- 1408هـ= 1909- 1988م) ، الطبعة الأولى: 1979- 1986م، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومكتبة الخانجي، القاهرة. دراسات في الشعر الجاهلي، د. يوسف خليف (1341- 1415هـ= 1922- 1995م) ، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة. ديوان الأعشى الكبير، ميمون بن قيس ( ... - 7هـ= ... - 629م) ، شرح وتعليق: د. محمد محمد حسين (1331- 1403هـ= 1912- 1982م) ، دار النهضة العربية: 1974م، بيروت، لبنان. ديوان امرئ القيس، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (1322- 1401هـ= 1905- 1981م) ، الطبعة الثانية: 1964م، دار المعارف بمصر. ديوان أوس بن حجر، حققه وشرحه: د. محمد يوسف نجم، دار صادر ودار بيروت. بيروت، لبنان. ديوان تأبط شرا وأخباره، جمعه وحققه وشرحه: علي ذو الفقار شاكر، الطبعة الأولى: 1404هـ= 1984م، دار الغرب الإسلامي، بيروت. ديوان جرير (28- 110هـ) ، بشرح محمد بن حبيب ( ... – 245هـ) ، تحقيق: الدكتور نعمان أمين طه، الطبعة الأولى: 1969- 1971م، دار المعارف بمصر. ديوان الحطيئة ( ... - نحو 45هـ) بشرح ابن السكيت (186- 244هـ) ، والسكري (212- 275هـ) ، والسجستاني ( ... - 255هـ أو 248هـ) ، حققه: نعمان أمين طه، الطبعة الأولى: 1378هـ= 1965م، القاهرة، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب عام: 1371هـ= 1951م. ديوان حميد بن ثور الهلالي ( ... – نحو 30هـ= ... – 650م) ، تحقيق: عبد العزيز الميمني الراجكوتي (1306- 1399هـ= 1888- 1978م) ، الدار القومية للطباعة والنشر: 1384هـ= 1965م، القاهرة، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب عام: 1371هـ= 1951م. ديوان ذي الرمة غيلان بن عُقبة العَدَوِي (77- 117هـ) ، شرح أبي نصر أحمد ابن حاتم الباهلي ( ... - 231هـ) صاحب الأصمعي، حققه: د. عبد القدوس ناجي أبو صالح، الطبعة الأولى: 1392هـ= 1972م، مجمع اللغة العربية بدمشق. ديوان الراعي النميري ( ... – 90هـ) ، تحقيق: راينهرت فايبرت، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، بيروت: 1401هـ= 1980م. ديوان سحيم عبد بني الحسحاس ( ... – نحو 40هـ) ، تحقيق: عبد العزيز الميمني (1306- 1399هـ= 1888- 1978م) ، الدار القومية للطباعة والنشر: 1384هـ= 1965م، القاهرة، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية عام: 1369هـ= 1950م. ديوان شعر المثقب العبدي (535- 587م) ، حققه وشرحه وعلق عليه: حسن كامل الصيرفي (1326- 1404هـ= 1908- 1984م) ، الطبعة الثانية: 1418هـ= 1997م، معهد المخطوطات العربية، القاهرة. ديوان الشماخ بن ضرار الذبياني ( ... – 22هـ) ، تحقيق: صلاح الدين الهادي، الطبعة الأولى: 1986م، دار المعارف بمصر. ديوان الصمة بن عبد الله القشيري ( ... – 95هـ) ، جمعه وحققه: د. عبد العزيز محمد الفيصل، الطبعة الأولى: 1401هـ= 1981م، النادي الأدبي – الرياض. ديوان طرفة بن العبد. تحقيق وشرح د. علي الجندي، مكتبة الأنجلو المصرية، مطبعة الرسالة، القاهرة. ديوان عبيد بن الأبرص، تحقيق وشرح د. حسين نصار، الطبعة الأولى: 1377هـ= 1957م، مصطفى الحلبي، القاهرة. ديوان العجاج ( ... – نحو 90هـ) ، رواية عبد الملك بن قريب الأصمعي، تحقيق: د. عزة حسن، مكتبة دار الشروق: 1971م، بيروت. ديوان علقمة بن عبدة الفحل، بشرح الأعلم الشنتمري (410- 476هـ) ، تحقيق: لطفي الصقال، ودرية الخطيب، الطبعة الأولى: 1389هـ= 1969م، دار الكتاب العربي، حلب. ديوان عنترة، تحقيق: محمد سعيد مولوي. المكتب الإسلامي – دمشق. ديوان كثير عزة ( ... – 105هـ) ، جمعه وشرحه: د. إحسان عباس، الطبعة الأولى: 1391هـ= 1971م، دار الثقافة، بيروت، لبنان. سمط () اللآلي في شرح أمالي القالي، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (432-487هـ= 1040- 1094م) ، تحقيق: عبد العزيز الميمني (1306- 1398هـ= 1888= 1978م) ، الطبعة الثانية: 1404هـ= 1984م، دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت. شرح أشعار الهذليين، صنعه: أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري (212- 275هـ) ، حققه: عبد الستار أحمد فراج (1335- 1401هـ= 1916- 1981م) ، الطبعة الأولى، مكتبة دار العروبة، القاهرة. شرح ديوان زهير بن أبي سُلْمى، صنعة: أبي العباس ثعلب أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني (200- 291هـ) ، الدار القومية للطباعة والنشر: 1384هـ= 1964م، القاهرة. مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية عام: 1363هـ= 1944م. شرح ديوان صريع الغواني مسلم بن الوليد الأنصاري ( ... - 208هـ) ، حققه: د. سامي الدهان (1328- 1391هـ= 1910- 1971م) ، الطبعة الثانية: 1970م، دار المعارف بمصر. شرح ديوان المتنبي (303- 354هـ) ، وضعه: عبد الرحمن البرقوقي (1293- 1363هـ= 1876- 1944م) ، مطبعة السعادة، القاهرة. شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري (271- 328هـ) ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون (1327- 1408هـ= 1909- 1988م) ، الطبعة الرابعة: 1400هـ= 1980م، دار المعارف بمصر، ذخائر العرب (35) . شرح القصائد العشر، الخطيب التبريزي (421- 502هـ) ، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، الطبعة الثالثة: 1399هـ= 1979م، دار الآفاق الجديدة – بيروت. شرح المعلقات السبع، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحسين الزوزني ( ... – 486هـ) ، دار صادر، بيروت. شعراء بني عقيل وشعرهم في الجاهلية والإسلام حتى آخر العصر الأموي (جمعًا وتحقيقًا ودراسة) ، د. عبد العزيز بن محمد الفيصل، الطبعة الأولى: 1408هـ، شركة العبيكان للطباعة والنشر، الرياض. الشعر والشعراء، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (213- 276هـ) ، تحقيق: أحمد محمد شاكر (1309- 1377هـ= 1892- 1958م) ، الطبعة الثانية: 1966- 1967م، دار المعارف بمصر. طبقات فحول الشعراء، محمد بن سلام الجمحي (139- 231هـ) ، تحقيق: محمود محمد شاكر (1327- 1418هـ= 1909- 1997م) ، مطبعة المدني، القاهرة. العرب (مجلة) ، الجزء العاشر، السنة الرابعة، ربيع الآخر: 1390هـ، حزيران، وتموز: 1970م، تصدر عن دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض. فقه اللغة وسر العربية، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري (350- 429هـ) ، تحقيق: مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري (1320- 1414هـ= 1902- 1994م) ، وعبد الحفيظ شلبي، الطبعة الأولى: 1392هـ= 1972م، مطبعة الحلبي، القاهرة. الفهرست، أبو الفرج محمد بن إسحاق بن محمد النديم البغدادي ( ... - 438هـ) ، تحقيق: رضا تجدد، كراجي – باكستان. فهرست ما رواه عن شيوخه، أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة الأموي الإشبيلي (502- 575هـ) ، تحقيق: فرنسشكه قداره زيدين، وخليان رباره طرغوه، الطبعة الثانية: 1382هـ= 1993م. الكامل في التاريخ، ابن الأثير عز الدين علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري (555- 630هـ) ، الطبعة الأولى: 1385هـ= 1965م، دار صادر، ودار بيروت، بيروت. المجاز بين اليمامة والحجاز، عبد الله بن محمد بن خميس (1339هـ- ... ) ، الطبعة الأولى: 1390هـ= 1970م، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض. مجمع الأمثال، أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري ( ... - 518هـ) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (1322- 1401هـ= 1905- 1981م) ، الطبعة الأولى: 1978- 1979م، عيسى البابي الحلبي، القاهرة. المزهر في علوم اللغة وآدابها، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (849- 911هـ) ، تحقيق: محمد أحمد جاد المولى (1300- 1363هـ= 1883- 1944م) ، وعلي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم (1322- 1401هـ= 1905- 1981م) ، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب. معجم البلدان، شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (574- 626هـ) ، الطبعة الأولى: 1376هـ= 1957م، دار صادر، ودار بيروت، بيروت. معجم الشعراء، محمد بن عمران بن موسى المرزباني البغدادي (296- 384هـ) ، تحقيق: سالم الكرنكوي (فريتس كرنكو) ، (1872- 1953م) ، مكتب القدسي: 1354هـ، القاهرة. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، أبو عبيدعبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (432- 487هـ= 1040- 1094م) ، حققه: مصطفى السقا، الطبعة الثالثة، 1403هـ= 1983م، عالم الكتب، بيروت. معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ( ... - 395هـ) ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون (1327- 1408هـ= 1909- 1988م) ، الطبعة الثانية: 1389هـ= 1969م، مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة. معجم النساء الشاعرات في الجاهلية والإسلام (خطوة نحو معجم متكامل) ، عبد علي مهنا، الطبعة الأولى: 1410هـ= 1990م، دار الكتب العلميةن بيروت. معجم اليمامة – عبد الله بن محمد بن خميس (1339هـ- ... ) ، الطبعة الأولى: 1398هـ= 1978م، مطابع الفرزدق، الرياض. المفضليات، المفضل بن محمد الضبي الكوفي ( ... - 178هـ) ، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر (1309- 1377هـ= 1892- 1958م) ، وعبد السلام محمد هارون (1327- 1408هـ= 1909- 1988م) ، الطبعة الخامسة: 1976م، دار المعارف بمصر. من اسمه عمرو من الشعراء، أبو عبد الله محمد بن داود ابن الجراح (243- 296هـ) ، حققه: د. عبد العزيز بن ناصر المانع، الطبعة الأولى: 1412هـ= 1991م، مطبعة المدني، القاهرة. المؤتلف والمختلف، أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي ( ... - 370هـ) ، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج (1335- 1401هـ= 1916- 1981م) ، الطبعة الأولى: 1381هـ= 1961م، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة؛ لأبي المحاسن يوسف بن تغري بردي (813- 874هـ) ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر (الهيئة العامة للكتاب حاليًا) ، القاهرة. نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس أحمد بن محمد بن خلكان (608- 681هـ) ، تحقيق: د. إحسان عباس، الطبعة الأولى: 1397هـ= 1977م) ، دار صادر، بيروت، لبنان. ولاة مصر، محمد بن يوسف الكندي (283- نحو 362هـ) ، تحقيق: د. حسين نصار، دار صادر، بيروت. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 123 الحواشي والتعليقات الجزء: 12 ¦ الصفحة: 124 القصة القصيرة عند شيخة الناخي رائدة القصة الإماراتية د. زينب بيره جكلي أستاذ مساعد في جامعة الشارقة ملخص البحث القصة القصيرة عند شيخة الناخي رائدة القصة الإماراتية بقلم الباحثة: د. زينب بيره جكلي يتحدث بحث " القصة القصيرة عند شيخة الناخي " عن العصر الذي عاشت فيه الأديبة وهو عهد التحول الاجتماعي في الإمارات العربية المتحدة من مرحلة ما قبل النفط إلى ما بعده، والتقدم الاجتماعي والثقافي الذي حصل في هذه الدولة وعن فن القصة في الإمارات وريادة شيخة الناخي لهذا الفن إذ كانت قد نشرت أولى قصصها " الرحيل " منذ 1970. وقد ترجم البحث لهذه الأديبة التي تعمل حالياً مديرة لأكبر ثانوية في الشارقة فضلاً عن نشاطها الثقافي في أندية فتيات الشارقة وفي غيرها. ثم انتقل الحديث إلى مجموعتين قصصيتين وهما " الرحيل " و " رياح الشمال "، وكانت تتحدثان مضموناً عن الأوضاع الاجتماعية في الإمارات خاصة ولا سيما في موضوع الحياة الزوجية والتغيرات الحضارية والاجتماعية والثقافية في البلاد، أما القصص السياسية فقد أبانت عن أوضاع داخلية لبلد ما، وتحدثت عن الاغتراب السياسي وعن الحروب بين الأقطار العربية. ثم انتقلت الباحثة إلى الحديث عن بناء القصة، حوادثها ومعناها وشخصياتها فأبانت عن سماتها العامة مبينة استخدامها أساليب شتى في عرض حوادثها، كما تحدثت عن الشخصيات وطرق عرضها وعن نسيج القصة لغوياً، ودرست لغة القصة الفصحى وردت على من شجع على كتابة هذا اللون الأدبي باللغة العامية، ثم انتقلت إلى الوصف وطريقة السرد والتقرير وانتهت إلى الخاتمة التي لخصت دورها القصصي وهو أن الأديبة كانت مصلحة اجتماعية، وكانت عفة القلم، وقد نبهت الأجيال إلى الهفوات الاجتماعية دون أن ينحدر أدبها وبذلك وضعت لبنة في كتابة القصة كتابة هادفة وأغنت المكتبة الأدبية عامة والخليجية خاصة بآداب رفيعة شكلاً ومضموناً. *** الجزء: 12 ¦ الصفحة: 125 مخطط بحث القصة القصيرة عند شيخة الناخي رائدة القصة في الإمارات مقدمة: تمهيد: عصر الأديبة. لمحة عن القصة القصيرة في الإمارات. لمحة عن حياة الأديبة. دراسة القصة القصيرة عند شيخة الناخي أولاً: مضمون القصص: القصص الاجتماعي: أ - الحياة الزوجية. ب- التغيرات الحضارية، وآثارها. 2- القصص السياسي: أ. قصص الأوضاع الداخلية. ب. قصص الاغتراب السياسي ج. قصص الحروب العربية. د. قصص عن الاستعمار. ثانيا: الدراسة الفنية للقصص: 1- بناء القصة: أ - الحوادث. المعنى ولحظة التنوير. ج - شخصيات القصة. 2- نسيج القصة أ- التشكيل اللغوي. ب- الوصف. ج – الحوار. د- السرد المقدمة باسم الله أبدأ، وعلى نهجه أسير، وأسوتي في ذلك رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. فالله ربي جعل القصة عبرة للقارئين، ورسوله العظيم اتخذها مطية للدعوة إلى الله، وإلى الخلق النبيل. وهاهي ذي شيخة الناخي ابنة الإمارات العربية المتحدة ترى الوضع المتردي للقيم الاجتماعية، وانحرافها عن نهج الله، فيهولها هذا، ويقض مضجعها أن ترى في القصص نأيا عن الصراط السوي حين تصور المرأة متعة للرجل في دنيا بعيدة عن أعراف البلاد وعقيدتها، كما ترى الوضع السياسي المتدهور للأمتين العربية والإسلامية فتكتب مجموعتين قصصيتين هما " الرحيل، ورياح الشمال " وكانت في الأولى رائدة القصة الإماراتية، وبها تبدو وقد خطت في مدارج هذا الفن، وألقت فيه أولى إشعاعات الخير والإصلاح، ولكنها كانت في الثانية، وبعد اطلاعها على أصول هذا الفن الأدبي إبان دراستها الجامعية، أقدر على كتابة هذا اللون الأدبي، وأكثر وعيا لقضايا الأمة، ففي " الرحيل " كانت مصلحة اجتماعية، وفي " رياح الشمال " شاركت أمتها في قضاياها السياسية والاجتماعية دون أن تسمي غالبا قطرا أو معركة، لتبقى القصة رمزا لكل حين وحال مشابهة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 126 وقد درست في هذا البحث هاتين المجموعتين، وبدأت بتمهيد أوجز الحديث عن العصر الذي عاشته الأديبة، وعن حياتها، لقلة ما نشر في هذين المجالين ثم أتبعته بالحديث عن مضمون القصة الناخية، ودرستها فنيا، مضمونا وشكلا، وكان اهتمامي بالشكل يفوق اهتمامي بالمضمون بعد أن رأيت الدراسات المعاصرة تصب اهتمامهاعلى الثاني، حتى غدت القصة كبحث عن الدراسات الاجتماعية والسياسية لاعلاقة لها باللغة خاصة، وبالفن عامة إلا لمما. القصة القصيرة عند شيخة الناخي رائدة القصة الإماراتية كتاب القصة ورواتها مصلحون لا تستغني عنهم الحضارة الإنسانية فهم يصورون العالم ويخططون حدوده وأشكاله في الأذهان التمهيد: سأتحدث فيه عن عصر الأديبة والنشاط القصصي في الإمارات، وعن حياة شيخة الناخي بإيجاز يناسب البحث، ويتعلق به. 1- عصر الأديبة: عاشت شيخة الناخي على أرض الإمارات العربية المتحدة، وغذت من معين ثقافاتها، وعاداتها، وشهدت تحولات مجتمعها بعد اكتشاف النفط خاصة، وانفتاحها على العالم اجتماعيا وسياسيا، ونشاط الحركة التعليمية فيها، وتحولها من الكتاتيب إلى التعليم الرسمي، ورأت بأم عينها الاتساع الثقافي، ودور المرأة فيه، ودخول أجهزة الإعلام التي أطلعت الشعب على ما يجري في الساحتين العربية والإسلامية في كفاحهما ضد الاستعمار والصهيونية، كما اطلعت على الوعي السياسي والديني الذي كان قد بدأ بتأثيرالحركة الوهابية، ثم اتسع فقضى على البدع والخرافات ونشر الوعي الديني السديد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 127 وقد تسربت في الربع الأخير من القرن العشرين تيارات فكرية وفنية جديدة أدت إلى تغير البنى الاجتماعية، وقلب معايير العلاقات بين الناس، وتضاءلت فكرة الانتماء القبلي، وساعدت الصحافة التي ظهرت في البلاد منذ 1969 م على نشرالثقافات المتعددة والتطلعات الجديدة، وعلى تقديم القصص للقراء، وكانت جريدتا الخليج والاتحاد تستقبلان نتاج الأدباء وكذلك فعلت المجلات كالرافد والآداب والمنتدى. وفي عام 1976م أنشئت جامعة الإمارات قي مدينة العين فكان لها دورها الثقافي الكبير، وانتسبت الأديبة إلى قسم اللغة العربية فيها، كما عملت البعثات التعليميةعلى تنشيط الثقافة إضافة إلى النوادي الأدبية والجمعيات الثقافية، وكان للمرأة دورها المبكر في هذين المجالين، وكانت "شيخة الناخي " من مؤسسات نادي فتيات الشارقة، ورئيسة القسم الثقافي فيه، وذلك يشير إلى أن المرأة الإماراتية قد حصلت على كثير من حقوقها الثقافية والاجتماعية 0 وقد عمل " اتحاد كتاب وأدباء الإمارات " على تنشيط الفن القصصي في الإمارات وكان يضم أربع عشرة قاصة، وهذه ظاهرة مثيرة للإعجاب في مجتمع محافظ ناشئ كالإمارات (1) . 2- لمحة عن القصة القصيرة في الإمارات: مع ولادة الحركة الأدبية الحديثة في الإمارات برزت القصة كلون أدبي مؤثر، ذلك لأنها من أقدر الفنون الأدبية على تمثيل الأخلاق وتصوير العادات، ورسم خلجات النفوس، وحث القراء على المثل العليا وكريم الخلال 0 وكان للقصة جذورها في أدبنا العربي القديم ولكن الإمارات المعزولة عن العالم بصحرائها الشاسعة لم تعرف الرواية والقصة كجنس أدبي له شروط فنية جديدة إلا بعد ظهور النفط، واحتكاكها بالعالم ثقافيا وتجاريا، ولهذا برز في القصص الإماراتي التفاعل الثقافي، واصطبغ في كثير منه بالصبغة الإماراتية0 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 128 وكانت القصص الأولى ودراسات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات التي بدأت في لقائه الأول 1985م (2) تهتم بالمضمون لا بالشكل الفني، وكان للمرأة مشاركات في هذا المضمار، إذ تحدثت بنبرة واقعية عن حياة مجتمعها، والتغيرات الحضارية التي ظهرت على الساحة، وما صاحبها من قلق روحي ونفسي، ووجدت في القصة القصيرة بغيتها مما أدى إلى نموها كما وكيفا بصورة تلفت النظر، وكان صوت المرأة ينم عن سخطها على التقاليد ورفضها للأعراف القديمة, ولا سيما سطوة الآباء، وكان في نبرة بعضهن نزعة إنسانية تخطت الحدود المحلية الضيقة وإن لم تتضح فيها تسمية أماكن أو أزمنة محددة، إذ جاءت على شكل تداعيات عن واقع مؤلم أحسسن به، وهو يمثل شريحة في مجتمع ما (3) كما بدا في القصص أيضا التأثر الواضح بالقصص العربية التي سادت في أجواء العصر الحديث، ولا سيما في مصر والشام إذ ركزت هذه على الفقر، والعلاقة بين الجنسين (4) فقلدها قصاص الإمارات وصوروا الطبقية وجعلوا العلاقة بين الرجل والمرأة قائمة على الخيانة أو على سوء الفهم (5) ، حتى بدت كأنها تحكي مجتمعا كمجتمع الغرب لا تحكمه قيم ولا دين، ولا تؤثر فيه أخلاق البداوة وعفتها ونقاؤها. فالكاتب " عبد الله صقر " تحدث في مجموعته القصصية " الخشبة " في جرأة تخدش الحياء مما أدى إلى حرقها لمنعها من الانتشار (6) ، والأديبة " سارة الجروان " صورت الرجل أنانيا وقاسيا وزير نساء، مما دعا الكاتب " عزت عمر" أن ينتقدها ويبين أن قصصها لا تصور الرجل على حقيقته إذ جعلته سلبيا، وانحازت إلى صف الأنثى، أو أنها تأثرت بالفكر الاستشراقي في رؤيتها عنهما، وأوضح أن الخلافات الزوجية موجودة في المجتمعات كافة، وعلى المرأة ألا تكون عاطفية في تصويرها للرجل لئلا تنسب إليه أسوأ الصفات (7) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 129 أما " أمينة عبد الله " فقد صورت المرأة خرقة مهترئة ترمى لحي البغاء وتسعى إلى الدعارة، والرجل خبيث الطوية لا مزية إنسانية فيه، وفي قلبه ثعلب شرير، وهو يسخر من الفقراء، ويغري الأطفال بالمال، ونواياه شيطانية، وهو يكره أهل البلد وهم يكرهونه إلا أنهم يزوجونه بناتهم لغناه، والفتيات يكرهنه إلا أنهن يرغمن على الزواج منه ثم يخضعن لسطوته (8) . وقصص "سلمى مطر سيف " تمثل المرأة التي لا تحتمل حياة التقاليد فتنحرف إلى الدعارة، وتجعل الرجل لا يصمد أمام إغرائها، وهي تسعى للانتقام منه ولا سيما إن كان غنيا بطريقتها الخاصة القائمة على السكر والعربدة (9) ‍‍ 000 وتهتم " مريم جمعة فرج " بالعمالة الوافدة وبالناس البسطاء أما " شيخة الناخي " فعفة القلم تنأى عن القصص الجنسي المنحرف، وتهتم بوصف المجتمع النسوي البعيد عن الشبهات، تصف أغوار النفس الأنثوية، وتبين ضعف المرأة أمام تسلط الرجل أباً كان أم زوجاً، وكأنها أرادت أن تنبه الوعي إلى أنها إنسانة هدرت كرامتها بتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، وعلى المجتمع أن يتخلى عن هذه التقاليد المنحرفة القاهرة 0 وسألقي الضوء على قصص هذه الأديبة بعد أن أعرف بها تعريفا موجزا 0 3- ... حياة الأديبة: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 130 في سنة 1952ولدت شيخة الناخي في إمارة الشارقة، وتعد هذه ثالث إمارات الدولة في اتساعها وأهميتها، وفي نشاطها الثقافي والتجاري، كما عرفت بوقوفها أمام العدوان الإنجليزي. وكانت أسرتها أسرة علم وأدب، فوالدها مبارك الناخي شاعر يكتب بالفصيح في وقت قل فيه شعراء الفصحى إذ كان الشعرالنبطي هو السائد، وقد تلقت تعليمها الأولي في مدارس مدينتها، ثم انتسبت إلى جامعة الإمارات، وحازت على شهادة الليسانس في الآداب سنة 1985 وعلى الدبلوم العام في التربية سنة 1987 من الجامعة نفسها، ثم عملت في التدريس، وشغلت منصب مديرة أكبر ثانوية في الشارقة هي ثانوية الغبيبة، ولا تزال على رأس عملها. تعد شيخة الناخي من أوائل المثقفات النشطات في الدولة اللواتي ساهمن في إثراء الثقافة كما أنها رائدة فن القصة القصيرة، فقد نشرت قصتها الأولى " الرحيل" في1970 (10) ثم نشطت القصص بعد ذلك، فدل ذلك على بداية مرحلة اجتماعية وثقافية جديدة. عرفت الأديبة بين زميلاتها بحسن العشرة والأحدوثة، وبالتزامها بالإسلام في تصرفاتها الشخصية والمهنية، ولا سيما الحجاب وعدم الاختلاط، وهي مخلصة في عملها، هادئة، وقور، تقول الكلمة فتسمع، وتعاشر من تعاشره باحترام وهذا ما أكسبها محبة القلوب. والأديبة عضو في " اتحاد كتاب وأدباء الإمارات " الذي كان يساهم منذ 1985في تنشيط الفن القصصي كما أنها رئيسة رابطة أديبات الإمارات في " أندية فتيات الشارقة، ودورها فيه بارز إلى الآن. ولها مجموعتان قصصيتان هما الرحيل، ورياح الشمال، وتضم الأولى تسع قصص هي حسب تسلسلها: (الرحيل، خيوط من الوهم، أنامل على الأسلاك، وكان ذلك اليوم، حصار، رحلة الضياع، القرار الأخير، الصمت الصاخب، من زوايا الذاكرة، وهي جميعاً أقاصيص اجتماعية تصور قطاعاً من الحياة، وقد التقطت الأديبة مواقفها من المجتمع. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 131 أما رياح الشمال فتحوي عشر قصص سبع منها سياسية وهي حسب تسلسلها: " رماد، أحزان ليل، إعصار، للجدران آذان، لا تكن جلاداً، حطام المخاوف، انكسارات روح، حزمة الألوان، هواجس، رياح الشمال ". وسأدرس قصص هاتين المجموعتين مبينة مضامينها وفنيتها. القصة القصيرة عند شيخة الناخي القصة القصيرة أكثر الفنون الأدبية انتشارا في العصر الحديث، وهي تقوم على عناصرعدة يجمعها بناء يحوي حادثة يسلط الضوء فيها على جانب معين أو محدد من الحياة، وتتحرك الشخصيات لأدائه في زمن محدد ومكان ضيق، ويتماسك هذا البناء مع نسيج القصة: " الحوار والوصف والسرد " لأداء هدف يتضح في لحظة التنوير، وبها يتجلى المعنى (11) . وسأدرس قصص شيخة الناخي بادئة بتعريف القارئ على مضامينها ثم أنتقل إلى دراستها فنيا، بناء ونسيجا. أولا: مضمون القصة: مع تغير المجتمع الإماراتي من عصر البحر إلى عصر النفط، ومن الانتماء القبلي إلى الانتماء الدولي برزت تغيرات اجتماعية عديدة رصدها الأدباء وحكوا عنها، وكانت شيخة الناخي قد عايشت هذه التبدلات فراح قلمها يسطر ذلك بأسلوب فني، وقد أولت اهتمامها القضايا الاجتماعية في الإمارات، والسياسية للأمتين العربية والإسلامية اللتين تعانيان في عصرنا هذا من تكالب الاستعمار والصهيونية عليهما. وسأبين هذين الاتجاهين في مجموعتيها الرحيل ورياح الشمال: 1- القصص الاجتماعي: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 132 صورت الأديبة الواقع الاجتماعي في الإمارات العربية المتحدة ولا سيما أوضاع المرأة، ومن الجدير بالذكر أن هذه الكاتبة امتازت بعفة قلمها، إذ ربأت بالمرأة أن تجعلها تعيش في بؤرة فساد أو تقلد نساء مجتمع بعيد عن عاداتها وتقاليدها، ولهذا راحت ترصد واقع المرأة الإماراتية في أسرتها، مع زوجها وأبيها ... وتتأمل بفكر ثاقب ما تعاني منه في مجتمعها، ثم تقدم قصصاً إصلاحية تنظر إلى الحياة من وجهة نظر إسلامية وتظهر الصراع على القيم والسلوكيات في نبرة غلبت فيها سلبية المرأة. ولعل أبرز الموضوعات التي عالجتها هي: الحياة الزوجية. التغيرات الحضارية وآثارها الاجتماعية والثقافية المباشرة وغير المباشرة. الحياة الزوجية: تحدثت الأديبة، ولا سيما في مجموعتها الأولى " الرحيل " عن ظواهر اجتماعية بدت في مجتمعها الجديد، كظاهرة غلاء المهور، والزواج من المسنين والأغنياء، ومن النساء الأجنبيات، كما حكت انحراف الشباب وأخطاره على الحياة الأسرية. ففي قصتها " الرحيل " (12) وهي أول قصة نشرتها نراها تتحدث عن الزواج من الأغنياء، وغلاء المهور من خلال مأساة علياء التي تفتح قلبها منذ صغرها على حب بريء لابن جيرانها دون أن تتكلم معه، وكذلك كان هو، فلما شبا صارت خالته رسولاً بينهما، وكان يمني نفسه بخطبتها، ولكن والدها رفض لأنه فقير، وهو يريد لابنته زوجاً ثرياً، وباءت المحاولات كلها بالإخفاق، بل طرد من البيت ولهذا قرر الرحيل بعد أن خلف رسالة يخبر بسفره، فدهشت للنبأ غير المتوقع (13) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 133 وفي قصة " رحلة الضياع " (14) تبين لنا أضرار الزواج من الكبار، وتحكم الأب بمصير البنات، وذلك من خلال حديثها عن فتاة توفيت والدتها، فتزوج أبوها من أخرى كانت قاسية جافية فتحولت حياة الصغيرة إلى جحيم ملتهب، ورفض أبوها أن يستمع إلىشكواها، ثم أجبرت على الزواج من رجل مسنّ مريض، وحاولت عبثاً رده عن فكرته، وكانت ليلة الزفاف أليمة، بكت كثيراً، وتذكرت أمها ... وحاولت أن تخلص لزوجها، ولكن نوبات المرض كانت تفقده أعصابه فيضربها بكل ما يقع تحت يده، ويقذفها، ثم ينكر ما اقترفت يداه حين يصحو، ويتهمها بالجنون ... وأحست المسكينة أن السعادة سراب ووهم، ولا سيما بعدما فوجئت بورقة الطلاق ولما أفاقت من الصدمة تطلعت إلى ما حولها في ذهول، وحملت حقيبتها وعادت من حيث أتت. أما قضية الزواج من الأجنبيات فقد ألمحت إليها الكاتبة إلماحاً من خلال نقدها لعادة تسمية الزواج منذ الصغر في قصتها " خيوط من الوهم " (15) ، إذ تحدثت عن فتاة كانت منذ نعومة أظفارها تسمع أنها ستكون زوجاً لعلي، وشغل هذا تفكيرها، ونسجت حوله أحلامها، ولكن ابن عمها هذا لم يفاتح أهلها بالقضية عندما جاء ليودعهم قبيل سفره، بل لم يلق نظرة وداع أو تحية عليها فأدركت الفتاة أنها كانت تعيش في حلم وهمي، وسرعان ما تكشفت لها الحقيقة في رسالة أخبرها فيها أنه أكمل نصف دينه بزواجه من أجنبية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 134 وظاهرة انحراف الشباب وإهمالهم لأسرهم، ولهوهم مع رفاق سوء جاءت في قصة " حصار " (16) ؛ وتصف لنا شيخة الناخي بإسهاب معاناة الزوجة وسهرها في انتظار قرينها حتى ساعة متأخرة من الليل، وحين يقدم ثملاً لا يعي من حديثها شيئاً، فتضيق من هذه الحياة … ويصحوان صباح العيد ليذهب إلى صحبه، ويأتي أبوها فترجو منه المرحمة، فيحزن أمضّ الحزن على واقع فلذة كبده، ولكنهما يفاجأان بهاتف من المستشفى يخبرها أن الزوج في حالة خطرة من حادث سيارة، فتهوي السماعة من يدها، وتروح تدور حول نفسها وهي تصرخ " لا.. لا يمكن، إن حياتنا لم تبدأ بعد ". لم تقف شيخة عند سلبيات المجتمع وإنما أبانت عن إيجابياته أيضاً لتحث الرجال على الحفاظ على الروابط الأسرية، ففي قصتها " أنامل على الأسلاك " (17) تطالعنا بحديثها عن امرأة تربي صغيرتها على هم قاتل نتج من إهمال زوجها، ولكن هذا عاد إلى الأسرة بعدما حرك شغاف قلبه حديث ابنته ببراءتها ووداعتها. وفي " القرار الأخير " (18) يبدو جاسم بطل القصة موزع اللب، قد خيم الظلام عليه وهو يقطع أرض الشاطئ جيئة وذهاباً، بعد أن أمضه مطلب زوجته الثانية إذ خيرته بينها وبين الأولى، وكانت هذه قد أصيبت بالعجز، فأصرت عليه أن يقترن بأخرى ليعيش كغيره من الرجال ... وراحت ذكريات فاطمة تنثال على مخيلته، ونسيم البحر يداعب صفحة محياه، ثم اتخذ قراره الأخير وعزم على صرم الثانية إن أصرت على موقفها. التغيرات الحضارية: ولهذه أثرها في القصص الإماراتي، وقد بدت في نواح اجتماعية وأخرى ثقافية، وبصورة مباشرة تارة، وغير مباشرة أخرى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 135 فمن التغيرات الاجتماعية ما تحدثت به الأديبة في قصتها " هواجس " (19) عن ضيق الإماراتي بالمعطيات الحضارية الجديدة التي أدت إلى ازدحام الشوارع بالوافدين من ذوي الوجوه المتعددة الذين لوّثوا نقاء البلد مادياً ومعنوياً، وهم يتكلمون لغة عربية مكسرة، ويحاولون أن ينشروا لغتهم، وعاداتهم وتقاليدهم المغايرة لعادات الإمارات، حتى بات الصغار يطلبون الأفلام المكسيكية، ووجبات الطعام الأمريكية، ولكن ذوي الوعي من أبناء البلد ضاقوا بهذه الحضارة التي جلبت لهم الشر، وحاولوا توجيه الشعب نحو الإفادة من معطياتها الثقافية الجديدة. وهذه القصة التي سطرتها الأديبة في سنة 1995 تمثل أخطار العمالة الوافدة التي باتت مشكلة تتطلب حلاً ناجعاً يحمي الدولة من أخطارها، بعد أن ازدادت نسبة الوافدين أضعاف ما كانت عليه، وكانت الأمم المتحدة في السنة المذكورة تطالب بإعطاء الكثيرين منهم جنسيات إماراتية، وقد تنبه الشعب الإماراتي إلى هذا الخطر الذي يحكم قبضته عليهم، وكان للأدباء دورهم في التحذير من مخاطر سيطرة الغرباء، ولا سيما الهنود على مقدرات الدولة إن أعطيت لهم الهوية الإماراتية، لئلا تصير الإمارات فلسطيناً ثانية (20) ، وشاركت الأديبة الناخي بذلك وحذرت من ذلك، وجاء في قصتها " ما بال الوجوه الغريبة تقتحم عليه كل الأمكنة " (21) و " لم تعد المدينة نقية، أصابها التلوث " (22) ، و " حرك كلامه في نفسه مشاعر حزينة، ورغبة في التمرد على الواقع، وعلى كل الأصوات الغريبة التي تحكم حصارها من حوله، غير أن الحياة تجري لاهثة تصادر هويته، وتتحفز للحظة الانقضاض " (23) . ومن التغيرات الثقافية قضية انتشار التعليم الرسمي في المدارس، والتخلي عن الكتاتيب، مما عرّض معلميها أو المُطَوِّعين فيها كما يسمون للحاجة المادية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 136 وتحكي لنا الأديبة في قصتها " من زوايا الذاكرة " (24) هذا التغيير فتصور لنا امرأة لفت نظرها وهي تقود سيارتها مبكراً في طريقها إلى مدرسة ابنتها – شيخاً ينكب على صندوق القمامة، ويبحث في مخلفاته بحذر، ولما رأته تذكرته وذكرت تعليمه والخميسية التي كان يحصل عليها كل أسبوع، والتربية الناجعة التي كان يربي عليها الأولاد إضافة إلى تعليمهم، وكانت كلماته المؤثرة في حياتها لا تبرح مخيلتها فأسفت على ما آل إليه وضعه بعد التغير الثقافي في البلاد. أما قصة " حزمة الألوان " (25) فتشير إلى عناية الدولة بالمكفوفين وتعليمهم والمتاعب النفسية التي يعاني منها هؤلاء، وهي ترمز بقصة " الوعد الحق " موضوعاً للدرس إلى حياة صاحبها " طه حسين " الذي ثقف وكان أعمى، وكأن هذه القصة الإصلاحية نداء إنساني ليتابع المسؤولون رعايتهم لهؤلاء المبتلين. وهناك قصص عرضت التغيرات الحضارية بشكل غير مباشر، فقصة " حطام المخاوف " (26) تتحدث عن العلاج الطبي خارج الإمارات، وعن السفر للنزهة صيفاً بعيداً عن حر البلاد، وقصة " الصمت الصاخب " (27) تتحدث عن السفر إلى خارج الدولة عن طريق البر، والمخاطر التي قد تتعرض لها الأسر، ولا سيما إن اعتمدت على سائق غريب لا يدرك أخطار البحر. من خلال استعراضي لهذه القصص الاجتماعية تبين لي أن الأديبة رسمت المشاكل الاجتماعية التي ينوء المجتمع تحت وطأتها، وكان الكثير منها يتحدث عن الحياة الزوجية، والمرأة أقدر على تصوير عواطف أختها وقضاياها؛ كما حكى لنا بعض آخر الآثار الإيجابية والسلبية للحضارة الجديدة في الإمارات، وأثرها على نفوس الأبناء كباراً وصغاراً، مثقفين وغير مثقفين. القصص السياسية: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 137 شيخة الناخي أديبة تتمتع بوعي سياسي واضح يجعلها تعيش مع أوضاع الأمة سياسياً كما عايشتها اجتماعياً، ولذلك لم تدع جانباً من الجوانب السياسية إلا أولته عنايتها، ولا سيما أن الفترة التي كتبت فيها " رياح الشمال "، وهي التي احتوت قصصها السياسي، كانت الإمارات فيها تحتضن شعوباً إسلامية عديدة تعاني الاضطهاد السياسي هنا أو هناك، وقد وعت مخيلتها صور مآسيها وأحاديث معذبيها، ثم كانت حرب البوسنة والهرسك وكوسوفو وأذربيجان، وكشمير والشيشان، والهجوم العراقي على الكويت، وحرب اليمن ... وهذه الحروب والأجواء المكفهرة تركت بصماتها على أدبها قصصاً تحكي المآسي والحروب دون أن تسمي بلداً أو تشير – غالباً – إلى دولة، لتكون المأساة عامة تصلح لكل حرب ضد الطغيان كما صرحت لي (28) … . وسأدرس قصصها السياسية مقسمة إياها (29) إلى: - أ - قصص تتحدث عن أوضاع داخلية لبلد ما. ب - قصص تتحدث عن الاغتراب السياسي. ج - قصص تتحدث عن الحروب العربية. د - قصص تتحدث عن الاستعمار. أ - قصص الأوضاع الداخلية: وتحكي هذه معاناة شعب من السجون الداخلية، وقد ابتغت القاصة من ذلك تحريك الرأي العام ضد من ينتهك حرمات شعبه، ويحكم عليه أحكاماً جائرة لمجرد الشبهة أو الظنة، لأن ذلك يخلف في نفوسهم معاناة مادية ومعنوية، ولاسيما إن كانوا أبرياء، كبطل قصة " للجدران آذان " (30) ، إذ جرى حديث بينه وبين سجّانه أبان عن الظلم الذي وقع عليه، كما كشف عن أجهزة التصنت التي يستخدمها الطغاة ضد شعوبهم، وقد عبرت الأديبة عنها بكلمة " للجدران آذان ". ب - أما قصص الاغتراب السياسي: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 138 فقد تابعت فيها الناخي رسمها للأجواء السياسية التي يعاني منها العرب والمسلمون، ففي لا تكن جلاداً (31) يتمكن البطل من الفرار من وطنه واللجوء السياسي إلى دولة ما، وهي ظاهرة كثر أمثالها في عصرنا هذا، وتصوره القاصة يناجي طائراً فيكشف بذلك عن مكنونات نفسه المعذبة، ومن توارد الأفكار على مخيلته ندرك مدى الشقاء الذي يحس به، فهو يجوع طويلاً، وإن أكل فكسرة خبز يطفئ بها هياج أمعائه الخاوية، وهو يعاني الذل والهوان ويحس كأن الناس يطؤونه بأقدامهم، ويفتقر وسط هذه الحضارة المادية إلى الأخوة الإنسانية، وأنى له هذا في مجتمع الغرباء الذي ازدحم فيه الناس، وغدا كلٌّ يفكر بنفسه وسط ضجيج الحياة، وضجيج الكنائس الذي يمقته ويجعله يحن إلى صوت المآذن.. ويتخيل البطل وهو شارد الذهن أن الطغاة يلاحقونه فيتلفت هنا وهناك.. ثم تنقله أفكاره إلى أهله وأولاده، فيتصور نفسه بينهم، ولكن هؤلاء ينصحونه بالعودة إلى مغتربه … ويظل الرجل يذكر الوطن والمعذبين حتى تأتيه رسالة تخبره أن العدو اعتقل ابنه الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وبذلك تكتمل صورة الإجرام الوحشي للمستعمر الذي يجثم على صدر الوطن، وينكل بأبناء البلاد كبارهم وصغارهم. هذه القصة حسب تقديري (32) تمثل واقع الإنسان الفلسطيني الذي يلاقي العنت من الاحتلال الإسرائيلي، إذ يعذب من يناوئه أشد العذاب حتى إن الكثيرين يلاقون حتفهم على أيديه وهم لا يزالون في عمر الورود. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 139 أما القصص التي تتحدث عن الحروب العربية التي جرت بين الأشقاء فقد صورتها الكاتبة في قصتين هما: " إعصار " (33) و " رياح الشمال " (34) ، وصرحت لي أنها تعني في الأولى ما جرى بين العراق والكويت، وقد كشفت عن التوتر النفسي الذي أصاب الناس يومذاك ممثلاً بجاسم بطل القصة إذ أحس أن النبأ كان كقذائف حارقة، وتهاوى متهالكاً بعدما اتصل بصديقه لينقذه، وعبثاً حاول هذا أن يهدئ روعه ليفكرا بهدوء فيما سيفعلانه، ولكن الرجل فارق الحياة بعد أن أوصى صديقه بالعمل الدؤوب لتحرير الوطن. أما " رياح الشمال " فتحدثت عن قلق فتاة وأمها من الحرب الدائرة بين اليمن الشمالي والجنوبي، ورفض أب تزويج ابنته من شاب ينتمي إلى الشمال، وعدّه غريباً بسبب الحرب القائمة بين الجزأين، وكأن الأديبة أرادت أن تنبه الرأي إلى أن هذه الخلافات والمجازر بين الأخوة تقطع الأواصر وتدع الشعوب في قلق قد يودي بمستقبل أولادهم. أما قصص الاستعمار الذي جثم على الأراضي الإسلامية الأخرى بوصفها أرض أخوة لنا تجمعنا وإياهم رابطة العقيدة، فقد صورتها قصة " انكسارات روح " (35) حيث التقطت صوراً من صور التعذيب الوحشي الذي تعرضت له هذه المناطق على أيدي الصرب وقدمت ذلك في أسلوب رمزي يشف عن المعنى (36) ، ويشير إلى الممارسات الجنونية والانزلاق في حفر الهاوية الجهنمية، وإلى الوحش الذي يغرز أنيابه القذرة في أعناق الفتيات العاجية، وأشارت إلى ضرورة الثورة على هؤلاء المجرمين لمقاومة عبثهم الجنوني بنفحات الإيمان، ولئن تطايرت بها الأشلاء فإنها ستكون زهوراً تعبق بشذا رياحين الجنة حتى تزول الأرواح الشريرة وتنكسر حدتها. وهكذا كانت قصص شيخة الناخي معبرة عن آلامها مما يعاني منه العرب والمسلمون في هذا العصر، سواء في الداخل أم في الخارج، وكانت غالباً لا تعين للحدث زماناً ولا مكاناً ليكون أشمل للواقع المحسوس في كل أرض يسودها طغيان. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 140 ثانياً: الدراسة الفنية: إن أهم ما يميز القصة القصيرة عن غيرها أمران: - أولاهما طول القصة، إذ يجب ألا تزيد عن عشرين إلى ثلاثين صفحة، كما قد تصغر حتى لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وحينذاك تسمى أقصوصة. وثانيهما وهو الفارق الجوهري أن القصة القصيرة تحكي حدثاً أو موقفاً تقوم عليه القصة بشكل موجز ومركز، فكأنه منظر التقطته عدسة آلة تصوير من زاوية واحدة، ولذلك لا يمكننا أن نحول القصة الطويلة أو الرواية إلى قصة قصيرة باختصارها وضغط حوادثها. وحتى يصل الأديب إلى بغيته عليه أن يختار مشهداً من الحياة أو حدثاً ما، ويعرضه عن طريق الشخصيات المحددة، وقد تصل إلى واحدة أو اثنتين في زمان محدد بيوم أو يومين أو حتى في لحظات، وكذلك حال المكان يجب ألا يتعدى حدود البلد أو الحي، وتقود الشخصية الرئيسة البناء الفني للقصة، ولذلك يذكر فيها ما هو ضروري لخدمة الحدث إذ لا مجال للاستطراد والتكرار وترادف العبارات (37) . هذه هي الشروط الفنية للقصة القصيرة، ويمكنني أن أجملها في أمرين هامين هما:- 1) بناء القصة: ويعني الوحدة بين أركان الحدث الثلاثة: الحوادث والشخصيات والمعنى، وبذلك يصير الحدث كامل التطور، له بداية ووسط ونهاية، فيتحقق بذلك الشكل، ويميز هذا العمل الفني من غيره. 2) نسيج القصة: ويعني أن يقوم على خدمة الحدث كل من التشكيل اللغوي والوصف والحوار والسرد. والقصة القصيرة سواء من ناحية البناء أو من ناحية النسيج، تهدف إلى تصوير حدث متكامل له بداية ووسط ونهاية، في وحدة مستقلة لها كيان ذاتي لا يجزأ. فهل حققت الأديبة شيخة الناخي هذه الشروط الفنية في قصصها؟ الدراسة الفنية خير ما يجيب على هذا السؤال … (1) بناء القصص: ... كما ذكرت فإن البناء يجب أن تتوفر فيه ثلاثة عناصر هي: الحوادث. المعنى. الشخصيات. وسأبين عن سماتها في قصص شيخة الناخي: أ - الحوادث: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 141 من شروط الحوادث أن تكون مترابطة متآخية يأخذ بعضها برقاب بعض، وإلا غدت مفككة الأوصال، وأن تنشأ من موقف معين ثم تتطور وتنمو، حتى تصل إلى نقطة معينة هي لحظة التنوير التي يكتمل بها الحدث ويبدو بها المعنى (38) . والأديبة الناخي استمدت مواقف قصصها وحوادثها من واقع الحياة السياسية والاجتماعية، وانطلقت تترجم عن هذا الواقع برؤية إسلامية ووعي يقظ جعلاها تشارك الأمة في أحداثها وتبصر مجتمعها بما يدور حولها بأسلوب قصصي مزج الواقع فيه بالخيال، وبطريقة سوية لا تحرف الجيل ولا تحرك الغرائز الشاذة، وهذه أسمى مهمات الأدب، وبذلك تكون قد دفعت عجلة الأدب الإسلامي إلى الإمام (39) . لقد حكت الواقع، ونقدت العادات والتقاليد التي لا تستند إلى شرع أو دين، والتي سببت معاناة للمجتمع كعادة غلاء المهور، وزواج الصغيرات بالمسنين الأغنياء، وإهمال الزوجة والانشغال عنها مع الصحب، كما كشفت عن واقع الأمة السياسي من ثورات داخلية وحروب بين الأشقاء، وإرهاب ضد المسلمين وبذلك وضعت الأديبة لبنة في بناء القصص على أسس واقعية ومعالجتها بنبرة نقدية إصلاحية فيها بعض الروح الإيمانية. ولقد عنيت الكاتبة بمقدمات قصصها، وللمقدمة أثرها في النفس، وقد أشار البلاغيون بأهميتها لأنها أول ما يلاحظ القارئ فيقبل بعدها على النص أو يعرض عنه، كما قد تبين أحياناً نظرة الأديب إلى الحياة. ومقدمات شيخة الناخي إجمالاً تناسب سياق القصص، ففي " الرحيل " (40) وهي قصة تتحدث عن اضطراب حياة علياء والنهاية التعسة التي آلت إليها بعد أن كانت تعيش على الأماني العذاب، نراها تستهل قصتها بوصف الحياة، وتشبهها بسفينة تتقلب في بحر هادر لا يرحم، فكأن هذه المقدمة تشي بما سيكون في هذا المجتمع المادي الجديد الذي خدع بالمظاهر وأثر على حياة أبنائه وبناته فعاشوا على حلم ثم اصطدموا بمجتمع يحكمه عرف لا يستند إلى شرع أو منطق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 142 وفي " القرار الأخير " (41) نرى الشمس تتمايل نحو الغروب تمد أشعتها الناعسة، وتتزاحم في الأفق ألوان من الشفق الأحمر الذي يبعث في النفس راحة وطمأنينة، وكانت تداعب أمواج البحر في فرح وابتهاج، فكأن القاصة عبرت بالأشعة الناعسة وباللون الأحمر عن حالة القلق والاضطراب التي كان عليها جاسم بطل القصة، لكن النهاية السعيدة التي قرّ قراره عليها يلائمها أن تذكر لها الراحة والاطمئنان، والفرح والابتهاج بعد الحمرة والنَّعَس. وندرت المقدمات التي لا توحي بمضمون القصص، وبما ستؤول إليه من نحو " أنامل على الأسلاك " إذ بدأت بالشكوى من الزوج وانتهت بالفرحة بعودته ولكن هذه النهاية لم تتضح إلا قبيل النهاية بقليل. ومما يلاحظ على المقدمات أيضاً أنها استمدت معظمها من الطبيعة، ولا سيما عالم البحر، ولا ننسى أنها ابنة الإمارات التي تطل على الخليج العربي، ويعيش أهلها – قبل النفط – من خيراته، ولذا بدا أثره في أحاديثهم وآدابهم جلياً، من ذلك مقدمات قصصها: الرحيل، وكان ذلك اليوم، والقرار الأخير، ورماد، وحطام المخاوف (42) . وقد تنأى عن ذلك إلى تصوير الحالة النفسية التي كان عليها البطل كما في " إعصار " (43) إذ طالعتنا بالبطل وقد تشبثت يداه بجانبي رأسه في قوة، وكادت أصابعه تنزع خصلات من شعره الكث، وأطبق جفنيه، بينما راحت شفته السفلي تئن تحت وطأة أسنان فكه العلوي، وهذه الحالة الانفعالية الأليمة تناسب الحدث الفجائي الذي حلّ بأرض الكويت من جراء الاعتداء العراقي عليها. وقد عرضت الأديبة حوادث قصصها في أساليب عدة، منها: أ - أسلوب الترجمة الذاتية أو السرد الذاتي على لسان البطل: كما في " خيوط من وهم، ورحلة الضياع " (44) ، كقولها على لسان البطلة في الثانية: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 143 "صعقتُ لكلامه الذي اخترقه جدار صدري كسهم سكن في الصميم، وراح يمزق أحشاء قلبي، أحسست بالمرارة كل المرارة، وبالحزن كل الحزن، وأنا أرى أبي يقف بجانب زوجته دون أن يكلف نفسه عناء معرفة الحقيقة، وعندها أيقنْتُ أن لا فائدة من اللجوء إليه مرة أخرى … " (45) . ب - أسلوب السرد بضمير الغائب، وبقلم الكاتبة، فكأن الحدث خبر تسجيلي يحكي قضية تاريخية، مع أن كاتبة القصة غير كاتبة التاريخ (46) ، ويكثر هذا في مجموعتها " الرحيل " على نحو قولها في القصة المسماة بهذا الاسم " وأقدم على الخطوة التي ستقرر مصيريهما، وتقدم يطلب يدها من أبيها، ولكن توقعه كان في محلّه ... الرفض بالطبع، فهذا الوالد من ذاك المجتمع المتكالب على المادة، وهو يريد لابنته زوجاً ثرياً لا شاباً فقيراً كسعيد " (47) . ج - وقد تمزج بين الحوار والسرد، ويكثر هذا في مجموعتها الثانية " رياح الشمال " وكأنها بعد أن درست الفن القصصي في الجامعة طورت إنتاجها الأدبي فصارت تعرض الحوادث من خلال الحوار الذي يجري بين الشخصيات، كما في قصة " رماد " (48) . د - وقد تعرض الحوادث من خلال النجوى الداخلية أو " الحديث اللاواعي "، أو ما يسمى بالمونولوج الداخلي: كما في قصة " لا تكن جلاداً " إذ بدأت بمناجاة البطل للطير، ثم عرضت علينا الحوادث واحدة تلو الأخرى من خلال تذكر البطل أو تخيله لما حدث أو سيحدث لو عاد إلى وطنه الذي يقبع تحت سلطة مستعمر أو طاغية لم تسّمهما وإن كان السياق يدل عليهما. وغالباً ما تكون الحوادث معروضة بدءاً من مستهل الحدث إلى نهايته كما في " الرحيل " و " حصار " و " إعصار " (49) ، ولكن بعضها رجع بالقارئ القهقرى كما في " من زوايا الذاكرة " (50) حيث طالعتنا الأديبة بالمصير الذي آل إليه المطوع وعُرف فقره بسبب تغير أساليب التعليم من تقليدية إلى معاصرة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 144 وقد وفقت الأديبة في ربط حوادث القصص بعضها إلى بعض برابط السببية، فالمقدمة تنقلنا إلى الحدث، وهذا يتطور حتى النهاية، وكل جزئية تصلنا إلى ما بعدها؛ فصوت الإنذار بالخطر في " أحزان ليل " (51) والمتكلم الذي ينادي " ادخلوا مساكنكم قبل أن تطأكم أقدامهم " وحيرة الجميع، والأسئلة التي تعصف بالرؤوس تبحث عن أسئلة شافية كل هذا يدعو إلى الذعر وإلى الظن بأن عدواً يتربص بهم، وأنهم وقعوا في الفخ، ولهذا أرسل الخفير، ولما تأخر تطوع الشيخ بنفسه ليبحث عن السبب، وانتظر الجميع عودة الشيخ المهيب على حد قول الأديبة، ولكن بلا جدوى. وقد يتدخل القدر لينهي الحدث بطريقة غير منطقية كما في " رحلة الضياع " (52) ، إذ فوجئت بورقة الطلاق على الرغم من إخلاصها لزوجها وتحملها لنوباته التشنجية؛ وقد يكون القدر ناتجاً عن خطأ ارتكبته الشخصية كما في " الصمت الصاخب " (53) إذا كان السائق الغريب لا يدرك هياج البحر في مدّه، ولهذا تعرّضت الأسرة للخطر. وتسير الناخي في حوادث القصص مفصلة لجزئياتها حيناً، ويصير هذا التفصيل عنصر تشويق في القصة، كما في " إعصار " إذ صورت الحالة النفسية التي كان عليها البطل تصويراً مفصلاً مما دعا إلى الإشفاق عليه، لنقرأ لها قولها تحدثنا عن حالته إثر قراءة نبأ احتلال العراق للكويت: " بدأ بقراءة العناوين ... وما إن انتهت سطورها العريضة حتى انطلقت من داخله صرخة حبيسة: اكتملت اللعبة.. الدائرة تدور أسرع نحو الهاتف.. أداره في عصبية، أرسل رنينه المتتابع في إلحاح: أريدك حالاً. لعل الداعي خير. تعال بسرعة ... إني أحترق. لم يستطع إتمام حديثه، كان منهاراً، تهاوى متهالكاً، سقطت سماعة الهاتف من يده، بدأت روحه تحلق في سماء الغرفة التي أحس بجدرانها تنطبق على جسده لتسحقه، وشعر بكتل من اليأس تتراكض حوله بحزن العالم كله.. تهاجر إلى قلبه (54) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 145 فالأديبة أسهبت في حديثها عن انهيار البطل النفسي إثر تلقي نبأ الهجوم وكان هذا الإسهاب مدعاة لمتابعة الحدث الذي سبب له هذا التوتر والضيق. وهناك وسائل تشويق أخر كالإرهاصات التي تنتشر هنا وهناك ففي " خيوط من الوهم " نرى الفتاة قد تعلق قلبها بمن عرفته منذ صغرها خِطباً لها، ولكن تصرفاته كانت تشي بعدم رغبته في الزواج، فهو مثلاً جاء ليودع الأسرة قبيل السفر ولم يتكلم بشيء عن مصيرهما، وسافر ولم يلق نظرة وداع أو تحية، وهذه الإشارات أو الإرهاصات تشوقنا لمعرفة نهاية الحدث، وتجعلنا شبه متيقنين بما سيحدث لها. وقد يكون عنصر الزمن أداة تشويق تحفزنا إلى مواصلة القراءة، كما في " حصار " (55) ، إذ نرى الزوجة تسهر وحيدة تنتظر قرينها إلى ما بعد الثانية والنصف ليلاً، وتقتل وقتها بقراءة صحيفة، أو بالوجوم والتفكير، ثم يقدم الزوج ثملاً تفوح منه رائحة كريهة وهو يجر قدميه جراً، وهنا راحت الأديبة تطيل في تصوير جزيئات هذا الموقف في بطء زمني يوحي بثقل الحدث على قلب الزوجة وسط هذا الليل الطويل حتى أدركت أن لا فائدة من الحديث مع رجل مخمور لا يعي مما تقول شيئاً.. وقد يكون رسم البيئة عنصر تشويق أيضاً، كما في " الصمت الصاخب " (56) ، إذ شوقنا هجوم البحر بمدّه إلى متابعة ما سيحدث لهذه الأسرة القابعة في سيارتها المصفحة بعد أن غمر البحر المكان وتعرضت للخطر. وللبيئة في قصة " هواجس " (57) أثرها في حثنا على متابعة القصة وقد بانت لنا أوضاعها المادية والمعنوية من خلال رؤى خلفان لواقع المدينة، ومن حواره مع السائق ومع أخيه الصغير إذ عرفنا على التغيرات الحضارية وعلى تبدلات الأخلاق، والتأثير الثقافي للوافدين. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 146 ومعظم قصص الناخي باهتة الحبكة، وكأنها تأثرت بنظرة الواقعيين إلى عناصر القصة، إذ لم يعودوا يشترطونها، ولا يتطلبون روعة المفاجأة فيها، بل صاروا يدخلون إلى الحياة الإنسانية في القصة من أي جانب، ويهتمون بتصوير الحدث في قوة وعمق، ومن غير مبالغة أو تحريف وقد حققت الأديبة هذا حين استعاضت عن هذا العنصر المشوق بذكر التفصيلات كما مر، أو بالحديث عن العواطف المتأججة كما في " لا تكن جلاداً " (58) أو بتصوير المفارقة بالحيرة مثلاً التي تنتاب الشخصية إزاء أمر ما كما في " القرار الأخير " (59) . وكانت الحبكة في بعضها الآخر لا تتعدى خواطر بسيطة تجول في مخيلة فتاة، أو هاجساً يمتزج بتفكير البطل، ثم لا تلبث الخاتمة أن تكشف الأمر بسرعة. وقد عنيت الأديبة بنهايات قصصها، والخاتمة نهاية المطاف، وهي آخر ما يعيه القارئ أو السامع، ويرتسم في ذهنه، وهي اللحظة الحاسمة، وتشير إلى قدرة الأديب على أن يرسخ الفكرة أو يؤجج العاطفة، وكانت نهايات القصص عندها مفتوحة غالباً، إذ لم تصرّح فيها بالحقيقة أو بالمصير بل تدعنا نتخيل أموراً عدة، وإن كان ما سبق من تصوير أو إشارات تجعلنا نرجح أمراً على أمر كما في " أنامل على الأسلاك " إذ نتصور عودة الحياة الزوجية إلى القرينين وإن لم تفصح الأديبة عن ذلك، لأن وصفها لمعاناة الزوجة ولندم الزوج،ثم قولها في خاتمة القصة " والتفت لتلتقي نظراته بمن تقف ذاهلة وقد استغرقتها المفاجأة … و … " (60) تجعلنا نتوقع ما ذكرناه، وكأن الأديبة بهذه الخاتمة المفتوحة أرادت أن تثير مشاعرنا أكثر من تعريفنا على الحقيقة، وذلك فن من فنون القصة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 147 ولكني أرى أن الأديبة لو أنطقت شخصية من شخصياتها بما ينم عن الخاتمة وأضافت إلى الحديث ما يكشف عن رؤيا إسلامية أو إيجابية للقضية لكان دور القصة أبين وأجلى، كأن تجعل راوية " من زوايا الذاكرة " تعمل على إيجاد عمل للمطوع بدلاً من أن تنظر إليه وهو يغيب عنها كطائر أبيض ويظل هم الفقر يجثم على كلكله؛ ولعل كثرة مشاهد البؤس في هذا المجتمع غدت – على ما يبدو – لا تحرك ساكناً نحو ذويه. والأديبة تميل إلى النهايات المأساوية – ولهذا أنهت ثلاث عشرة قصة بالمآسي كالموت أو الدمار، واعتقال الصغار وتشريد الكبار، وكان ثلاث قصص فحسب قد انتهت نهاية سعيدة بعودة الزوج، أو الأمل في عودته (61) . ولعل الظروف السياسية والاجتماعية التي تغمر العالمين العربي والإسلامي بالمآسي، وتفشي قيم نتجت عن عصبية جاهلية لا عن شرع صائب أديا بالكاتبة إلى هذه النظرة السلبية في قصصها، وكل إناء بما فيه ينضح. ب - المعنى ولحظة التنوير: وإذا ذكرت الخاتمة ذكر معها لحظة التنوير، وهي النقطة التي تنتهي إليها خيوط الحدث، فيكتسب بها معناه المحدد الذي أراده له الكاتب، ونحن لا نستطيع أن نفصلها عن الخاتمة، إن لم نقل إنها نهاية الخاتمة، وقد أجادت الأديبة تصوير هذه اللحظة بعباراتها الأخيرة الدالة على المعنى كقولها في " رماد " على لسان الصغيرة التي أشفقت على دميتها على حين لم يشفق بنو البشر على بعضهم بعضاً: " وبين حطام النوافذ والأبواب يأتي صوتها من الداخل واهناً مستغيثاً: أنا قادمة إليكم يا أبي، لا تتركوني هنا، أحضرت دميتي معي (62) . وفي " لا تكن جلاداً " تقول على لسان البطل المغترب المشرد متحدثاً عن اعتقال ابنه " عمره لم يتجاوز الثانية عشرة ... مازال صغيراً، ترى ماذا يريد منه الجلادون، وانخرط في البكاء " (63) . فالأديبة في كلتا النهايتين أبانت عن جرائم العدو الذي لا يرحم صغيراً ولا كبيراً إلا ويودى به. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 148 أما في قصة " هواجس " فنرى خلفان يثقل بتكاليف الأسرة ومطالبها ثم ينذر لأنه لم يدفع ثمن فاتورة المياه والكهرباء، وتنهي القاصة حديثها بقوله: " وعاوده هاجس الخوف والصوت الهامس: تجلد يا خلفان، عليك بالصبر، الطريق طويل، أنت رب الدار " (64) . وبلحظة التنوير هذه تتضح معاناة الشاب في أسرته بعد وفاة والده، وهذه الفكرة وإن لازمت مسيرة القصة طويلاً إلا أنها ليست الغاية – فيما أرى – لأن تركيز الحديث كان عن التغيرات الحضارية في المجتمع، ولهذا لم تكن الخاتمة في هذه القصة مناسبة للعنصر السائد فيها (65) ، خلافاً لأعمالها القصصية الأخرى إذ كشفت عن أوضاع المجتمع الإماراتي، وعن الواقع السياسي للأمة – العربية والإسلامية، وهذا العنصر السائد فيها أبان عن وعي الكاتبة لما يجري حولها من إرهاب وأخطار وأخطاء. شخصيات القصص: لا نستطيع الفصل بين الشخصيات والأحداث، لأن الحدث ليس نقل أخبار فحسب بل هو عمل متكامل موحد، أو هو تصوير الشخصية وهي تعمل. وقد برزت شخصيات قصص الناخي في ثلاث طرق: 1" - الطريقة التحليلية (66) : وبها صورت شخصياتها من الخارج، وتحدثت عن عواطفها ودوافعها، وأصدرت أحياناً أحكامها عليها، وكانت هي المفضلة لديها في مجموعتها القصصية الأولى " الرحيل " التي نشرت أولاها منذ سنة 1970، وقد برزت في قصة " الرحيل، وأنامل على الأسلاك، وكان ذلك اليوم، وحصار " (67) ؛ وأرى أن طريقة الترجمة الذاتية تشبه هذه، إذ رويت بلسان المتكلم بدلاً من الغائب، وكانت كلتاهما تعتمدان على السرد، ومن هذه القصص " خيوط من الوهم، ورحلة الضياع، والقرار الأخير ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 149 2" - ولكن الأديبة بدت في مجموعتها الثانية " رياح الشمال " أقدر على كتابة القصة الفنية، وكأنها أفادت من دراستها العربية في الجامعة، ولهذا نراها تعرض شخصياتها بالطريقة التمثيلية، فتسمح لها بذلك أن تكشف عن نوازعها من خلال أحاديثها، لنقرأ لها قولها الذي يبين عن نفسية السجان وسجينه: «لم تقل لي أنت ما تهمتك؟ لا أدري. ولكن من حقك أن تعرف. لقد دفعوني إلى هنا دون أن أعرف التهمة المنسوبة إليّ. لا يعقل هذا، هل هي وشاية؟ سمها بما شئت، والحقائق تصبح مرة حين تفسر بعدة وجوه، بينما الآخرون تمتد الأرض وتطول من تحت أقدامهم. لا أفهم ما تقصده. أعذرك. أفصح بالله عليه. لن تصل معي إلى شيء، أترى الأشجار من حولنا؟ نعم. إنها تحاصرنا، وللجدران آذان صاغية. سمعت هذا القول من قبل (68) » . فالأديبة هنا عبرت عن ظلم فئة متسلطة تمتد الأرض وتطول من تحت أقدامها على حد قولها وهي لا تبالي بمعاناة الشعب، ولهذا تتجسس عليه فتسجن أبناءه وتراقبهم وتتسمع إلى ألفاظهم حتى في أقبية سجونهم، حتى شاع المثل " للجدران آذان "؛ وهذا الحديث يكشف عن ضيق الشعب من الجبابرة الطغاة، مع أن الأديبة لم تذكراً قطراً، ولم تحدد بلداً. 3- طريقة تداعي الأفكار: وبهذه تتضح نوازع الشخصيات وأهواؤها، ومواقفها، كما في " لا تكن جلاداً " إذ نحس أثر المعاناة والضغوط النفسية من خلال ما يجري في مخيلة البطل من خواطر وأحاديث ذهنية على نحو قولها: " أطلق تنهيدة حارة، شعر بوطأة الوحدة ... بالصوت المخيف في قريته يقتحم سمعه وقلبه معاً: قف مكانك.. لا تتحرك.. امتثل للأوامر.. لا تقاوم. قفز من مكانه يهرول مسرعاً، مديراً رأسه خلفه: لا أحد يطاردني. تعوذ من الشيطان وقال مواسياً نفسه: دع عنك المخاوف، اقتل كل الأوهام، اسحقها بأقدامك، لا تضعف الجزء: 12 ¦ الصفحة: 150 مسح بيديه وجهه وبدأ يخفف سرعة خطواته، تناهى إلى سمعه صوت صغيرة وهو يقول له في اضطراب وخوف: لقد عادوا للبحث عنك، كانوا هناك في بيتنا بأحذيتهم السميكة، ماذا ستفعل يا أبي؟ جاء سؤال الصغير حاداً أدماه من الداخل: جميعهم في انتظارك، أمي قلقة، وأخوتي خائفون. تلقى في ذهول تلك الإشارات المشؤومة، أمسك بيد الصغير، ضمه إليه وساروا في طريق العودة وهو يهمس قائلاً: لا تخف (69) » . فالأصوات التي تأتيه من هنا وهناك، فتشعره بالمطاردة والخوف لم تكن إلا من عقله الباطني إذ يحس بها نتيجة الضغوط النفسية في ظروف سياسية قاهرة، أقصته عن الأهل وجعلته يعيش في مغترب ناءٍ بعيد، فكأن الكاتبة قد امتزجت بالشخصية وترجمت عما في أعماقها من مشاعر، بل سبقت عالم النفس في الحديث عن أغوارها، وقد جاء هذا العرض المركز للاشعور موفقاً في القصة، إذ جعلنا ننفعل مع الشخصية، نتألم، ونحقد على الطغاة الظالمين، وبذلك يكون للفن أثره في القراء. ويقول أ. د " بهجت الحديثي " معلقاً على هذه القصة، متحدثاً عن الانطباع الذي خلفته في نفسه: «التمتع بالجمال الفني ... هو غاية قائمة بذاتها، ورؤية فيها الشيء الكثير من الإبداع في إعادة تشكيل الصور الفنية، والتحرر من كل القيود التي تكبل المبدع والمتلقي حيث أن الفن أوسع من أن يعرف أو يصب في قوالب جاهزة ... وهذه وقفة سريعة إلا أنها تسجل انطباعات وملاحظات، وربما وجهة نظر كونتها كقارئ ... «قصة " لا تكن جلاداً " هي بيت القصيدة من حيث أسلوبها وروعة تصويرها ... لقد نقلتني تلك القصة بعيداً وأنا أسبح في بحر خيالها، وهي تحكي حالة إنسانية، وتنطوي على غايات نبيلة، وتفتح آفاقاً رحبة أمام القارئ ليطلّ منها على عوالمنا البائسة الخاوية على عروشها إلا من القهر والتسلط واللاإنسانية، وما فيها من جنون وعنجهية وسادية إن صح التعبير ... أما لغتها فلا أجمل منها ... » (70) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 151 وهذا التأثر الشديد بالنص يذكرنا بالمذهب " التأثري أو الانطباعي " (71) الذي يعولّ على ما يخلفه النص في نفس القارئ والناقد من انطباعات ذاتية تشعره باللذة النابعة من النص، لأن هذا التأثر أو الانطباع هو وحده القادر على تقدير هذا النص تقديراً جمالياً، وقيمة العبقرية في رأي "أناتول " تكمن في السر الذي تعجز العقول عن تفسيره، ولكن النفوس تشعر به وتنجذب إليه بما يحدثه من متعة سحرية تتجاوز العقل والمنطق، ومقياس هذا المذهب لا يعود إلى قواعد مسبقة أو قضايا اجتماعية أو أخلاقية، فتلك تتبدل وتتغير، ولكن أثر النص في النفس يبقى فيها (72) . أما الناقد الإيطالي " كروتشه" صاحب مذهب " النزعة التعبيرية " النقدي فيرى أن المهم في النص الأدبي هو التعبير عما في النفس لا عن الواقع (73) . وقد أجادت الأديبة في هذه القصة في تعبيرها عما تحس به من خلال معايشتها للظروف السياسية التي كانت الأمة تعاني منها في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، وكانت أجهزة الإعلام تنقل الصور المؤثرة عن فلسطين ولبنان والعراق والكويت، وعما يحدث في سوريا والجزائر وفي البوسنة والهرسك وأفغانستان، وأذربيجان.. وإذا أضفنا إلى هذا الحساسية الإيمانية التي تتمتع بها الأديبة الناخي أدركنا التأثر والانفعال الذي كان يمضها من جراء سماع هذه الأنباء، وقد انعكس هذا في قصصها، فبرعت في تصوير نفسيات أبطالها والأديبة في قصصها وصافة للنفسيات، وهاهي في " حطام المخاوف " أيضاً نراها تتحدث عما انتابها – بوصفها البطلة والكاتبة معاً – إثر سماعها نبأ تراجع صحة والدتها، وتوقع وفاتها، وكانت بعيدة عنها: " أتاني الصوت وفيه نبرة رجاء ملهوف: جف حلقها من مناداتكم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 152 انزلقت سماعة الهاتف لتسقط متدلية، وانخرطت في بكاء حار.. أصوات متداخلة وأقدام كثيرة تقترب وتبتعد، صوته يخترق سمعي مواسياً كعهدي به دائماً، رفعت رأسي تصفحت وجهه، كان ينم عما في داخله من قلق دفين. أحسست ساعتها بفقدان قدرتي على التحكم بأعصابي، وقد تراءت لي الأشياء بألوان مختلفة، والزمن يتمطط، وحين يقع الإنسان فريسة للمخاوف يصبح عاجزاً عن الصمود أمامها ومواجهتها بصلابة " (74) . لقد استطاعت الأديبة أن تترجم عن إحساسها بهذه التجربة الشعورية التي أحست بها، فكأنها رسامة عواطف بقلم فني مداده ألفاظ صادقة نبعت من سويداء قلبها، فجعلها تختار كلمة " جف حلقها من مناداتكم " لتشير إلى شدة شوق أمها لأولادها و " وانزلقت سماعة الهاتف.. ولا تعي إلا أقداماً تقترب وتبتعد " لتعبر بذلك عن أثر الصدمة والذهول الذي أصابها، وعن إحساسها بالعجز عن مواجهة الخطب بجلد وقوة. وقد تدع الأديبة شخصياتها تتصرف تصرفات فجائية، لكن المفاجأة تبدو مقنعة فعودة الزوج في " أنامل على الأسلاك " (75) بعد إهمال الأسرة طويلاً كان أمراً مفاجئاً للبطلة، ولكنه كان استجابة لوازع الضمير الذي حركه سماع صوت ابنته الطفولي من الهاتف، وموت البطل في " إعصار " (76) كان بسبب الصدمة النفسية التي أصابته عندما سمع نبأ اعتداء العراق على الكويت. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 153 وشخصيات قصصها إجمالاً مسطحة تلازم حالة واحدة لا تحيد عنها، ففي " خيوط من الوهم " (77) نرى حصة تخلص لخطبها وتكبر مع أحلامها ولكن علياً يبدو غير مبالٍ بها ثم يسافر دون أن يودعها، ويذهب إلى البلد الأجنبي ليتزوج هناك مؤكداً بذلك عدم رغبته في الزواج ممن كانت له خطباً وانتظرته طويلاً؛ وفي " رحلة الضياع " (78) نرى الفتاة معذبة منكودة في بيت أبيها وقرينها، لا تعرف الرحمة إلى قلبها سبيلاً … أما في " أنامل على الأسلاك " (79) فقد بدت شخصية الزوج نامية أو من النوع المستدير (80) إذ غير سلوكه وجعلنا نحس بوازع ضميره. والأديبة محايدة في نظرتها إلى شخصياتها، تبين فضائلها وتكشف عن عيوبها بإلماح لا تجريح فيه، ولكنها تقنعنا من خلال حوادثها بالظلم الواقع على المرأة، فهي تنتظر الزوج، وهو يلهو في عربدته ومع صحبه (81) ، أو يتزوج من أجنبية ويدعها (82) ، وقد يقسو عليها ويضربها (83) ، وهي تعيش على أحلام وردية، ولكن مجتمعها بعاداته وتقاليده غير المنطقية ولا الشرعية كغلاء المهور يقف حائلاً دون سعادتها (84) ، وهي المسؤولة عن رعاية البيت (85) ، وليس لها دور في القضايا السياسية إلا أن تخفف عن زوجها وأولادها الضغوط السياسية بأحاديثها واحتضان أولادها (86) . أما الرجل اجتماعياً فهو، كما في الحياة الواقعية، المسؤول عن جلب لقمة العيش، ودفع مهر الزوجة (87) ، وقد يفي لخطبة، أو يغدر فيتزوج من أخرى أجنبية (88) وقد يتزوج من ثانية فيقسو على أسرته بسببها (89) ، أو يكون وفياً لعهده (90) . والرجل السكير اللاهي لا خير فيه، ونهاية مشؤومة غالباً (91) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 154 أما الرجل سياسياً فيدافع عن وطنه بكل حمية ويجاهد العدو إرضاء لله سبحانه (92) وقد يسجن (93) أو يهاجر خلاصاً من ظلم طاغية (94) أو عدو، أو يجاهد فيتقد وجهه بنفحات إيمانية ويشجع أسرته على الصمود في سبيل استرداد الكرامة، ويدرك أن سبيله إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة (95) ، وقد لا يحتمل نبأ سقوط بلاده بأيدي عدو فيصاب بتوتر شديد يودي بحياته (96) . وبهذا يكون الرجل والمرأة في قصص الناخي نموذجين للبشر في حياتهما اليومية، وكان تصويرهما عفاً، إذ لم تجعلهما ذئباً وفريسة يلهثان وراء الجنس أو المتاع كما فعلت أمينة عبد الله وسلمى مطر سيف في قصصهما، وقد أشرت إلى ذلك في التمهيد. (2) نسيج القصص: ... القصة القصيرة وحدة مستقلة لها كيانها الذاتي الذي لا يتجزأ إلى بناء ونسيج، لأن كلاً منهما يعمل على تصوير الحدث بمعونة الآخر، ويؤدي إلى لحظة تنوير تتضح بها الفكرة، ولكن الفصل بينهما يكون لتسهيل الدراسة فحسب. ونسيج القصة يعني كل ما ساهم في أداء المعنى وتصوير الحدث أو تطويره، من بداية القصة إلى نهايتها، بحيث تصبح كالكائن الحي، ويمكننا أن نقول إنه: أ-التشكيل اللغوي. ب-الوصف. ج_الحوار. د-السرد. وسأدرس هذه العناصر في قصص شيخة الناخي موضحة خصائصها الإيجابية والسلبية. أ-التشكيل اللغوي: لا فصل بين اللغة والمضمون في العمل الفني، فكلاهما يلتحم التحاماً تاماً في بوتقة واحدة، وكل منهما أداة ووسيلة، ولكن " الأسلوب هو الرجل " فلكل أديب ميزة تميزه عن الآخر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 155 وأولى ميزات الأديبة أنها حافظت على اللغة الفصحى في مجموعتيها، وهذا أمر أساسي في آدابنا العربية كلها، حتى في القصة، وإن كان للدكتور رشاد رشدي رأي يخالف ما عليه النقاد، إذ يرى أن الواقعية القصصية لا تتحقق إلا إن نطقت الشخصية باللغة التي تتكلم بها في حياتها اليومية ويؤكد على ذلك ويستشهد بأدباء الغرب الذين يُنطقون شخصياتهم باللغة التي يتحدثون بها، كما يندد بمن يخالف ذلك وينسبه إلى الروح التقليدية في الآداب لتمسكه بالقديم وطرق صياغته وهذا برأيه يخالف فنية القصة التي هي لون جديد في أدبنا العربي (97) . ولكن نقاداً آخرين ردوا عليه، ويأتي في مقدمتهم " د. محمد غنيمي هلال " إذ ناقش قضية العامية والفصحى مناقشة مسهبة في كتابة " النقد الأدبي الحديث " وبين أن الواقعية ليست في اللغة وإنما في الموقف والتصوير، وفي مسيرة الحوادث وتصرفات الشخصيات، وأن الفصحى قادرة على التعبير، ولو كتبنا بغيرها لما أدينا رسالة أدبنا العربي، لأن الفصحى أقدر على تنويع الدلالات وتعميقها من العامية المحدودة في مفرداتها والمتصلة بالمحسوسات، والمتعددة تعدد البلدان العربية بل مدنها وأحيائها أيضاً، وأن علينا أن نرقى بمجهودنا العربي لغوياً عن طريق القصة كما أن علينا أن نرقى بهذا اللون الأدبي ليصبح ضمن آدابنا العربية الهامة (98) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 156 وأقول أيضاً إن طبيعة اللغات الأجنبية غير طبيعة لغتنا العربية، فتلك تفرعت عن اللاتينية ولم تحافظ على كيانها، أما لغتنا فقد قاومت هذا التعدد، وحافظت على أصالتها على مر السنين وكتبت بها حضارات الأمم وآدابها، ثم إن الحفاظ عليها حفاظ على تراثنا، والهجمة ضدها فكرة استعمارية لا نزال نشهد آثارها في الدعوة إلى العولمة، والانصياع للهجات العامية باسم التراث أو باسم الواقعية أو تحت أي اسم براق قضاء على شخصيتنا وهويتنا، ولهذا أحسنت الأديبة شيخة الناخي حين التزمت الفصحى لغة لقصصها، وبها يكتب لها الخلود لا باللغة العامية. والأديبة فضلاً عن ذلك عمدت إلى اللغة الواقعية السهلة في مجمل قصص مجموعتها الأولى الرحيل، إلا أنها جملّت مقدماتها بلغة إنشائية تستهوي بوقعها الجميل قراءها من غير مبالغة في الصنعة، من ذلك قولها في مستهل: " وكان ذلك اليوم ": " كانت تحلق في الفضاء بخيال واسع وأمان، تمخر بأحلامها عباب أمواج البحر الشاسع، حيث الأفق البعيد،وفوق رمال شاطئ الخليج البراقة الجميلة ترى حلمها يرتسم فوق صفحة القمر، وفي خيوط الشمس مع نسمة الهواء، وهي تداعب أوراق الأشجار في دلال، في عين كل طفل وطفلة، وهما يلعبان ويمرحان في براءة وطهر " (99) . فالأديبة لجأت إلى الأسلوب الوصفي الذي استمدت عناصره من الطبيعة لتعبر به عن بهجتها في الحياة، وأمانيها العذاب، وهي ترسم أحلامها المستقبلية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 157 وبعض النقاد يعيبون هذا التأنق في الصياغة وينفرون منه أشد النفور، ويعّدونه بعداً عن الواقعية، ويفضلون عليه المضمون، ويطلبون السهل غير المدبج من الأسلوب، وأرى أن لا ضير في ذلك إن لم يكن متكلفاً، وكان يساعد على أداء الفكرة كهذه المقدمة، إذ يوحي فيها جو الطبيعة بالسعادة التي آلت إليها الشخصية، ولا سيما أن الأديبة كانت تعود إلى الأسلوب الواقعي بعد مقدماتها، بل قد تأخذ به في مستهل قصصها كما في " من زوايا الذاكرة "، وهذا مقطع يبين عن هذا الأسلوب في هذه القصة: " في ركن بعيد آخذ في الانزواء سقطت أنظاري على رجل يقف عند الجانب الآخر من الطريق بالقرب من صندوق للمخلفات، وكان يبدو عليه أنه منهمك في عمل ما، وبين الفنية والأخرى كانت قامته تنتصب يرسل خلالها نظرات فاحصة لكل ما حوله، ثم يعود لما كان عليه " (100) . ولم تخل مجموعتها الثانية " رياح الشمال " من الأسلوب الواقعي أيضاً، وقصة" هواجس " (101) فيها خير شاهد على هذا إذ تحدثت بلغة سهلة وعرض واقعي عن أوضاع الإمارات بعد نهضتها الحديثة المعتمدة على العمالة الوافدة في كثير من أمورها، وأثر هذه العمالة. ولكن الأديبة عمدت إلى الأسلوب الإيحائي تعرض به كثيراً من قصصها لتكون أكثر تأثيراً على نفوس قرائها ففي قصة " إعصار " أشارت إلى شدة انفعال البطل لخبر الهجوم العراقي بلغة موحية بمعناها ومبناها على نحو قولها: " جاء الخبر قذائف حارقة أصابته في الصميم فحطمته، أحس بالغوص في أنفاق مظلمة، وبأيدٍ ممتدة نحوه، تشده في كل الاتجاهات، شعر بالاختناق، صرخ بأعلى صوته … كيف.. لماذا..؟ تباً لك من حياة.. مازلت تنسجين خيوط الأحزان أثواباً للبائسين تباع على قارعة الطريق، وانخراط في بكاء متواصل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 158 كبرت دائرة الألم، أحس معها بخناجر مسمومة تنغرس بلا رحمة لتصل أعماق قلبه المكلوم ... قفز نحو الشرفة وهو يضرب بكلتا يديه، ووقف مشدوهاً وقد اعتصرته الفاجعة بدأ كيانه بالغليان.. جبناء، كلهم جبناء " (102) . فهنا نرى الأديبة تستعين لإظهار الضيق النفسي الذي أحس به البطل بلغة موحية مصورة فالخبر " قذائف حارقة " أصابته في " الصميم "، وكلمة الصميم لها مغزاها، وقد أدى به هذا الخبر إلى " التحطيم "، وكأنه " غاص في نفق مظلم "، ولعل اختيارها لكلمة الغوص كان بتأثير بيئتها البحرية عليها، ولكن غوص هذا المسكين كان في نفق مؤلم، ولم يكن لجلب اللؤلؤ، وهو يحس " بأيد ضاغطة، وبالاختناق، وبالخناجر المسمومة، وبخيوط الأحزان تنسج أثواباً، فيضرب بكلتا يده " و " قد عصرته الفاجعة، وأحس بالغليان ". وهذه اللغة المصورة الموحية تشي بصدق التعبير وجماليته في آن واحد وهي أقدر في الدلالة من اللغة المباشرة، إذ تآزرت فيها الصورة مع اللغة، وجاءت الحروف الجزلة، والانفجارية (103) معاً لتكمل صورة المعاناة النفسية، وللحروف إيقاعها وظلها وإشعاعها، ولهذا رأينا الأديبة تكثر من الكلمات التي تحوي هذه الحروف: فالباء مثلاً وردت في: البائسين، تباع، بكاء، بخناجر، بلد. والتاء في مثل: تباً، مازلت تنسجين، تباع، تنغرس، لتصل، اعتصرته والطاء في: خيوط، الطريق، انخراط. والكاف في: بكاء، كبرت. والقاف في: قارعة، أعماق قلبه، قفز، وقد، وقف. فهذه الحروف الانفجارية ذات النبر القوي شاركت التصوير في التعبير عن الضغوط النفسية التي كان البطل يعاني منها من جراء القصف العراقي للكويت، كما شاركت في الدلالة على هذه المعاناة أيضاً الهاء اللاهثة والحاء التي تشي ببحة الصوت، ووردتا كثيراً في هذا المقطع: فالهاء جاءت في: أصابته، تشده، الاتجاهات، صوته، قلبه، هو، يديه، مشدوهاً، اعتصرته، كيان، كلهم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 159 والحاء في: حارقة، حطمته، أحس، نحوه، حياة، الأحزان. وكان هذا كله دليلاً على شدة التوتر والضغط النفسي الذي أحس به البطل، ثم أودى بحياته. وكان للفواصل التي تكاثرت بين الأسطر على شكل نقط متواليات دورها في التعبير أيضاً فقد زادت الإحساس بالألم عمقاً، حتى بدت وقفاتها وسكناتها ناطقة لا صامتة، وكأنها تدع القارئ يتملى الموقف، ويفكر وسط زخم من الصور التي تنم عن الانفعالات المتكررة الأليمة. ولنقرأ للأديبة أيضاً هذا المقطع من قصة " أحزان ليل "، وفيه فواصل زمنية متعددة لها إيحاءاتها ودلالاتها على شدة الخوف والذعر الذي أحاط بالناس من جراء القصف المتواصل: «شيء مخيف. ماذا تقصد؟ تكلم. أتقول الحقيقة؟ … … … … … … … لا، لا يمكن أن يحدث هذا. إنك تلعب بأعصابنا. لزم الصمت برهة وسرح بعيداً.. ثم تكلم متابعاً حديثه: ليت الساعة تقوم. ... الساعة؟ نعم الساعة … بل القيامة» (104) . فالفواصل المنقطة هنا تدل على الزمن الذي استغرقه المتحدث وهو صامت لا يجيب، وهذا الصمت شارك في الدلالة التعبيرية، إذ أشعرنا بأن الخفير غير قادر على التعبير عن هول الموقف، ولهذا كان يسكت، فلما تكلم قال " ليت القيامة قامت" مشيراً بذلك إلى شدة ذعره من العدو. والأديبة لجأت في معظم قصص رياح الشمال إلى اللغة الرمزية، ولكن الرمز فيها واضح، لاسريالي (105) إذ لا غموص فيه، بل هو يستشف من السياق العام بما فيه من إيحاءات، فيكون أبلغ في الدلالة التعبيرية. قالت في قصتها " انكسارات روح " وهي كما ذكرت لي " تتحدث عن حرب البوسنة والهرسك ويمكن أن نعدها تتكلم عن كل حرب ضد الإسلام والمسلمين" (106) : «إذا كانوا قد سلبوك حقك في الدفاع عن كرامتك فما عليك إلا الصمود. لكنهم يصادرون أحلامي.. يلوثون مساحاتي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 160 المطر لا يزال ينهمر، سيغسل بواباتك المخلوعة، وزجاج نوافذك المهشمة.. وسيطوي الليل رذاذ أنفاسهم القذرة.. وعندها ستمدين يدك نحو القمر مصافحة، ويمتد الفرح ليغمر مساحة روحك وأنت تودعين كآبتك الجنائزية» (107) . فالقاصة هنا استخدمت الرمز للتلويح بالانتهاكات التي تعرضت لها المرأة البوسنية من الصرب المجرمين، ونقلت لنا الحالة الوجدانية التي كانت عليها البطلة بهذه الألفاظ الموحية بالثورة التي كانت لرد الكرامة، ولهذا جاءت الأديبة بما ينم عن هذه المعاني من مثل " مصادرة الأحلام، تلويث المساحات، البوابة المخلوعة، زجاج النوافذ المهشمة، الأنفاس القذرة، الكآبة الجنائزية، المطر ينهمر ليغسل ... الليل سيطوي، القمر سيصافح، الفرحة تغمر مساحة الروح " وهذه الألفاظ كلها جاءت من استدعاء القاصة للمعاني الإيحائية، فالكلمة تستدعي أخرى، فسلب الحق يدعو إلى الدفاع عن الكرامة، وهذا يؤدي إلى الصمود، ويذكر بانتهاكات العدو، ومصادرة الأحلام، وتلويث المساحات … وهذا التلويث وتلك الجرائم تستدعي المطر ليغسلها، والعدو يهشم، وهذا يعني الكآبة الجنائزية … وهناك تفاؤل.. والتفاؤل يذكر بالقمر، والفرح، والمصافحة ... لكأن الأديبة كرست رصيدها اللغوي والصور التي التقطتها مخيلتها من أجهزة الإعلام، واحتفظت بها ذاكرتها لتقدم بهما حكاية للمآسي مؤثرة في الأعماق بألفاظها التي يجمع بينها علاقات التضاد حيناً، والتدرج أخرى (108) . فمن التضاد قولها: السلب والصمود، والفرح والكآبة، والتلويث والغسل، ومن التدرج: سلبوك حقك ... يصادرون أحلامي، يلوثون مساحاتي، المطر ينهمر، الزجاج يهشم، الأنفاس القذرة، الكآبة الجنائزية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 161 فالجرائم بدأت بسلب الحقوق، ومصادرة الأحلام، ثم تلويث المساحة، فكان المطر وهذا أدى إلى ازدياد التهشيم والتحطيم والقذارة، ثم كانت الكآبة الجنائزية، وهذا التدرج أوحى بكثرة الجرائم التي صبت على الشعب المسلم في البوسنة وأمثالها صباً.. إن الكلمات كما تقول د. نور الهدى لوشن " تظل حاملة للمعاني المتعارف عليها إلى أن يأتي الأديب المقتدر الذي يفجر طاقات معانيها لتخرج إلى السياقات المختلفة لكي تتنفس الكلمات وتنبص بالحياة (109) " وهنا برز دور شيخة الناخي وإبداعها في تفجير طاقات كلماتها التي أحكمتها في تراكيب دقيقة وفي سياقات متعددة.. لتعبر عما تريده وعما أحست به تجاه الشعب البوسني المنكوب، بل تجاه كل شعب مسلم في كل أرض يشهد أبناؤها بالله الواحد وبدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم. ولقد كان هذا الأسلوب الإيحائي التصويري عنصراً من عناصر التشويق في القصة، عوض عن فقدان الحبكة، ودل على حسن اختيار الأديبة لألفاظها للدلالة على المعاني التي تريدها بعمق وأصالة. وأسلوب الأديبة في بعض قصصها في مجموعتها رياح الشمال قد ارتقى حتى شابه الشعر في إيقاعه الموسيقي الجميل وإيقاع الشعر وشعور أحاسيس. هاهي ذي تعبر عن حالة المغترب النفسية وهو يناجي الطير ويطلب منه أن يحمل له رسالة إلى أهله فتقول على لسانه: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 162 " لا يأتيني ردك بالرفض، فقد اكتوت نفسي بناره دهراً، غرس الخنجر بداخلي ليقطع أحشائي المشتعلة بحرارة الانتظار، تسافر روحي إليك، أطير محلقاً في خيال الأوهام والآهات، أسكب الدمع أنهاراً تغسل نفسي الهائمة، أتدثر بأغطية الوحشة القاتلة تطاردني بمخالبها اللعينة تهز أوتار قلبي، تلقي بي فوق أرصفة المحطات وزوايا الطرق، تتزاحم الأجساد الملهوفة تخترق الأرض بقوة، تعبر فوق جثتي بأحذية قذرة، أتنفس الهواء المتعفن بالأتربة المتطايرة، أبذل المحاولات في النهوض، أتعثر في خطاي، أرتشف قطرة من عبراتي المنهمرة فوق وجهي المطارد، أقضم كسرة خبز أخمد بها هياج أمعائي الخاوية (110) . في هذا المقطع أرى إيقاعاً صوتياً بين مقدمات جملها، من مثل: أتنفس الهواء. أتعثر في خطاي. أرتشف قطرة. أقضم كسرة. وهذه خاصية من خصائص جملها في المجموعة الثانية، وقد أضفى هذا الإيقاع الصوتي على النص نغمة موسيقية عذبة، ونبرة حلوة، إضافة إلى الشحنات العاطفية المستمدة من العبارات المصورة الموحية، وقد أدى هذا إلى مشاركة المغترب في أحاسيسه؛ والأدب الجميل ما هز المشاعر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 163 ولغة الأديبة ولا سيما في مجموعتها الثانية مصورة بعمق ما تريد أن تعبر عنه، فكثرة الوافدين، ومادية البلد في حضارتها الجديدة عبرت عنهما بعبارة " الأجساد الملهوفة تخترق الأرض بقوة "، والفقر الشديد صورته ب " هياج أمعائي الخاوية "، وأي كلمة أبلغ من " هياج " للدلالة على آلام الجوع، والسيارة " أشبعت " بلوازم السفر للدلالة على الامتلاء الشديد، و " البحر هائج يلتهم الرمال " فكأنه وحش أمام فريسته، و " الصباح يزحف مرسلاً وميضه "،فأشعته الوادعة تشبه الوميض في لغة الأديبة، ولسياط الجلاد لهيب، وهي كوحش جائع، والأجساد لا تقوى على الصمود أمام لهيب السياط المسعورة، وحروف الكلمات " عباءة أتدثربها في لياّلي المرعبة " والخوف سكن في أعماقها كجان يرعبها، والثورة عبث جنوني ... وهذا مجاز ذو علاقة فاعلية يقوم بعمل التجريد، فيحول الخوف من الإنسان المادي إلى الأسئلة المعنوية للدلالة على شدة الذعر وقد بدا في قولها: " لزم الجميع الصمت، والصغار يمطرونهم بوابل من أسئلتهم الخائفة ". وهذه صور اشتركت فيها حاستا السمع والبصر معاً للدلالة على إحساس البطل بالضيق جاءت في قولها: " والخبر يئز في أذنيه، كل ما حوله بدا موحشاً كئيباً ". ولننظر كيف عبرت عن جنود الاحتلال: " كانوا هنا بأحذيتهم السميكة " وكيف عبرت عن التغرب القسري: " لماذا لفظتني مطروداً " وما أكثر المشردين الذين لفظتهم أوطانهم، ولذلك نراها تقول: " الأرض حبلى بالمطرودين أمثالك ". ولم تخل مجموعة الرحيل وهي أول مجموعة كتبتها من خاصية التصوير أيضاً، فهي حين تشير إلى إحساس المرأة بالمرارة تقول " انطويت على نفسي " وإلى الثورة النفسية في الأعماق: " الاستغاثة المتشنجة "، وإلى الركض وراء خطب لا يلقى لها بالاً: " تلهثين خلف سراب الوهم ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 164 ولكل كاتب أسلوبه، والأسلوب هو الرجل كما يقولون، وهو يبرز في آدابه كثيراً كان أم قليلاً، ومن خلال استعراضي لهذه الصور أرى أن الأديبة تمكنت بأسلوبها هذا من التعبير عن الأحاسيس بما تعجز عنه اللغة الحقيقية، والمجاز من عوامل قوة لغتنا، وهو في بعده عن الحقيقة أدى وظيفته الجمالية المرجوة منه بشكل أقوى وأعمق. ومن ميزات أسلوب الأديبة أيضاً أنها تخفي ما يعود إليه الضمير ليفهم من سياق الكلام، والتعمية عامة من نهجها اللغوي والمعنوي، وقد بدت في خواتيم القصص كما بدت في الأسلوب ولكن هذه التعمية أساءت إلى فهم الفكرة أحياناً، وأحاجت القارئ أن ينتظر طويلاً ليعرف من المتكلم، ولا سيما إن كانت في أول القصة، كما في " حزمة الألوان ورياح الشمال " (111) . ويكثر في أسلوبها الألفاظ الرومانسية التي تدل على التشاؤم والمعاناة، وقد بدت هذه الخاصية حتى في عناوين القصص مثل: الرحيل، الحصار، الضياع، انكسارات روح، إعصار ... " ومن عباراتها " الحفر النارية، هذيان الركض، الممارسات الجنونية، الجدار الأخرس ... ". وقلما نرى الأديبة متفائلة في قصصها، وكأن الجو السياسي للعالمين العربي والإسلامي والواقع الاجتماعي المتردي، والتغيرات الحضارية وما آلت إليه من رفض القيم قد انعكس في قصصها. كما بدا في أسلوبها تأثر بالقرآن الكريم، فقد اقتبست منه قولها " وقلبها يكاد يتميز من الغيظ " (112) و " ادخلوا مساكنكم قبل أن تطأكم أقدامهم " (113) ، و " تلطف حتى لا يشعر بك أحد " (114) ، كما تأثرت بالأسلوب المترجم مضموناً وشكلاً فقد تسربت إلى لغتها مفردات من القاموس الأجنبي مثل: " النشيد الجنائزي "، " وروح مصلوبة فوق جدار الألم " و " لتصلب في فضاءات … "، و " سيمفونية " ومن أساليب الترجمة قولها: " كم هي المرات "، والأولى أن تقول: كم مرةٍ، وقولها: " هل مازلْتِ في انتظار المكالمة؟ " والأجود أمازلت … .؟ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 165 والنقد القصصي يتجنب الإشارة إلى الهنات اللغوية أو النحوية، ولكني على تقديري للمؤلفة وأسلوبها – لا أرى مندوحة من ذلك، ومن ذلك قولها: " فأجهشت بالبكاء " بزيادة البكاء لأن الفعل الأول يدل على البكاء، وفي قولها: " بالأمس القريب جداً " وأمس المعرفة بأل تدل على يوم ما مضى، أما أمسِ المبنية على الكسر فتدل على الزمن القريب قبل يومين " أو يوم واحد، والأولى كذلك أن يأتي بعد إذا الفجائية اسم مرفوع لا مجرور ولكن الأديبة قالت " فإذا بالقلوب تخفق "، وحين الظرفية تسبق بحرف الجر على، والكاتبة قالت: " في حين تتسلق يداك … ، وهي تستخدم كلمة الفشل بمعنى الإخفاق، وتعرف كلمة بعض بأل التعريف، وهذه كلها من الأخطاء الشائعة (115) . ب - الوصف: لا يصاغ الوصف في القصة الفنية لمجرد الوصف، ولكن ليخدم الحدث أو الشخصية، ولهذا يعد جزءاً لا يتجزأ من القصة (116) ، وكذلك كان في قصص الناخي، فالفتاة وأمها في قصة " حطام المخاوف " تتلقيان نبأ الطبيب المعالج للأم، فتغرق الفتاة في بحر من ذهول مؤلم، وتغدو الأم سلبية الإرادة، غارقة في عذابها؛ لنقرأ لها قولها: " كان ذلك اليوم الحزين حين أدخلت المستشفى لتتلقى علاجها الأخير، وهي عنه راغبة، وقهرني التخاذل، وغرقت في ذهول سكنه الوجع حين نقل إلي الخبر، تدفق في داخلي لحظتها شلال الأحزان ليجرف معه بقايا أمل يسكن الأعماق، ثار في رأسي طوفان الأفكار المتصارعة، وأنا أنقل إليها القرار المفاجئ لمعالجها، كانت نظراتها تنوء بحزن مقهور بذاك الخبر التفتت إلي في إعياء مشوب بالدهشة وصرخة نفس مكتومة: هل انتهت محاولاته؟ لم يبق أمامه شيء؟ … أليس كذلك؟ ‍‍‍‍! . أغمضت عيني بتعب مرهق، وأحسست في الساعة بالذات أنها أضحت مسلوبة الإرادة، وأنها تغرق في عذابها، وأن الخلاص من عذابها أخذ يبتعد عنها " (117) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 166 فالأديبة هنا عبرت عن إحساسها بالخبر المؤلم في قولها " قهرني التخاذل – غرقت في ذهول سكنه الوجع، تدفق شلال الأحزان، ثار في رأسي طوفان الأفكار المتصارعة ... " وهذا كله يشير إلى المعاناة النفسية من إحساسها بدنو أجل أمها. أما الأم فقد تكلمت في إعياء، ودهشة، وصرخة مكتومة، وقالت في يأس شديد: هل انتهت محاولاته. ثم استخدمت القاصة أسلوب التقرير " لم يبق أمامه شيء " ثم جاءت بالاستفهام فكأنها تشير به إلى عدم تصديق الأم عجز الأطباء مشيرة بذلك إلى أثر القول. ومن الوصف ما طور الحوادث فالزوج المخمور اللاهي في قصة " حصار " ستنتهي حياته نهاية مؤلمة بحادث سيارة، وستصاب قرينته بالدهشة لأنها كانت تحس أن حياتها لم تبدأ بعد بسبب انشغاله عنها بصحبه، تقول الناخي في القصة مصورة شقاء المرأة الذي كان سبباً في إحساسها بالمرارة: " كل شيء كان في البيت ساكناً، قبعت فوق الكرسي في انتظار زوجها، ولم تلبث أن شعرت بوحدة مخيفة، وتقاطرت عليها ضروب الهواجس، وامتزجت بتفكيرها، وتساءلت وهي تجول ببصرها في أرجاء البيت، وتمتمت: الحل، ألا يوجد حل لهذه الحالة؟ لهذه الحياة؟ لقد أكدوا لي بان الزواج هو الحل السعيد للفتاة، والحياة الزوجية نهاية المطاف، وهي أمتع اللحظات، بحق السماء هل هي كذلك؟ لست أدري.. وألقت بجسدها الواهن الذي أضناه السهر وحطمه الانتظار فوق كرسي في صدر الصالة، وبين لحظة وأخرى كانت عقارب الساعة تمزق السكون القاتل " (118) . ويبدو جمال الوصف أيضاً عن طريق المفارقة بين أمرين، فالفتاة في " رحلة الضياع " تجبر على الزواج من الأشيب العجوز، ولهذا لم تحس بسعادة الزفاف على الرغم من مظاهر البهجة المحيطة بها. وهاهي الأديبة تصور لنا هذه المفارقة لتشير إلى ضيق الفتاة في ليلة زفافها: " ولم أشعر إلا وبيد أخرى تسقط فوق كتفي بقوة لتقول: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 167 - هيا سارعي، جهزي نفسك، أنسيت أن اليوم عرسك، لا تتأخري كانت يد زوجة أبي، تراجعت إلى الوراء، رحت أذرع أرض غرفتي في حيرة وقلق واضطراب، أجل، إن مصير حياتي تقرر، وليس هناك من مفر أو خلاص، كل شيء حولي.. الصخب.. الهزج.. الزغاريد تفرض علي الانقياد. قمت أجر قدميّ جراً فكأنما أساق إلى موت محقق لأكون كما يريدونني عروساً تلبس ثوب زفاف أبيض. كنت أشعر لحظتها بمدى كذبي على نفسي أولاً وعلى الناس، وأنا أساق لموكب زفافي … جلست وسط جموع كثيرة، ودعوات كثيرة، وزغاريد متتالية.. لم أشعر بما يجري حولي فقد كنت ساهمة كتمثال جامد، ضغطت على نفسي في محاولة يائسة حتى أرد على المهنئين بابتسامة باهتة شاحبة.. وكان الزواج " (119) . لقد أجادت الأديبة في تصوير المفارقة إذ كان الناس في فرحة غامرة، وهي تبدو في ثوب زفافها لا مبالية … تنقاد للزفاف، وترد على المهنئين بابتسامة باهتة كأنها تمثال جامد … وبذلك عمقت إحساسنا بمأساة الفتاة المكبوتة. ووسط الأجواء العاطفية المحملة بمشاعر الحزن والأسى كانت الأديبة تغرق أحياناً في الوصف، فتبدو بعض المواقف العادية بسبب وصفها ذات تأثير كبير على القراء، هاهي ذي تخاطب الطير لتعرفه على إحساسها بالوحدة وبالحزن اللذين أمضا قلبها وهي ترافق أمها في بلد العلاج: " أعرفك أنني مكبلة بالوحدة، وكل ما حولي يتسكع على أرصفة سفر طويل.. مثلك تماماً يا من ضللت الطريق مهاجراً تطارده أشباح عالم غريب.. محاصر بالخواء من سفري المشحون بالألم نسجت من حروف الكلمات عباءة أتدثّر بها في لياليّ المرعبة.. تحاصرني وحوش الخوف شاهرة سلاحها، تحركه في كل الاتجاهات، ليت الليل الخائف ينام على وسادة من ريش ناعم، وغطاء دافئ، وأحلام وردية؛ يمر الفجر على العيون المسهدة فإذا هي غفوة من نوم خاطف، حتى امتدت أشعة من ضوء النهار تعود روحك الهائمة ويبدأ همسنا معاً، وليس لنا غيره (120) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 168 فإحساس الأديبة بالخوف على حياة أمها جعلها تشعر بالقلق والوحشة، وقد عبرت عن هذا بمثل: الوحدة، الشبح، الليالي المرعبة، الليل الخائف، الغفوة الخاطفة.. ومع أن الفكرة بسيطة يسرة إلا أن خيالها المبدع قد صبغها بألوان من الحزن نمّ عن حالتها النفسية وجعلنا نشاركها في أحزانها ومصابها. ومن الأوصاف ما كان واقعياً، ولا سيما في مجموعتها الأولى الرحيل فالبحر في قصتها " الصمت الصاخب ": " يرسل إشاراته التحذيرية واحدة تلو الأخرى، شاهراً أسلحته أمواجاً صاخبة تنطلق مسرعة نحونا " والفتاة تعبر عن رؤيتها فتقول: " لا بد من اللحاق بوالدي.. الدقائق تمر من عمر الساعة، ودقات قلبي تزداد سرعة واضطراباً، تتلاحق أنفاسي، ومن حولي تكاثفت المخاوف من هول هذا الاتساع الموحش " (121) . فالبحر هنا هائج يحذر الناس منه، وكأن مدّه صار إنذاراً أدى إلى خوف البطلة وإحساسها بأن الزمن يمر بسرعة على غياب أبيها ولا بد من اللحاق به لإنقاذه.. وهذا كله يحدث في بيئة صحراوية وبحرية معاً، ولكن الذي لا أراه واقعياً هو أن تذهب الفتاة في هذه العاصفة للبحث عن أبيها. وهناك وصف آخر لواقع مادي ينم عن التغيرات الحضارية بدا في قصة " هواجس " فأبواق السيارات ترتفع، والمحلات صار لها واجهات زجاجية، ووجوه الناس ملونة وحركة المرور مختنقة، وأشجار النخيل وسط الشوارع العريضة تمتد بقامتها الطويلة (122) ، وهذا كله يشير إلى التطور الحضاري المادي لمجتمع الإمارات يقابله ضيق نفسي لذويها بسبب تأثير التركيبية السكانية على أوضاعها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 169 أما وصف الطبيعة فقد وظفته القاصة ليخدم الفكرة، فالشمس في قصتها " القرار الأخير "، " ترسل أشعتها الناعسة ترسم خيوطاً ذهبية، وتتزاحم في الأفق ألوان من الشفق الأحمر الذي يبعث في النفس راحة وطمأنينة، وتنساب في حقه لتملأ المكان وتلاعب أمواجها رمال الشاطئ في فرح " وهذا يناسب الغضبة الحمراء التي كان عليها جاسم من مطلب قرينته الثانية، ثم الطمأنينة التي أحس بها حين اتخذ قراره الأخير إزاء مريم إن أصرت على موقفها من زوجه الأولى. ج - الحوار: وهو جزء لا يتجزأ من نسيج القصة، وقد عمدت الأديبة إليه لتعرض به فكرة أو حدثاً أو تنميه وتطوره، أو ترسم به شخصية، وكان وسيلة لاستهلال بعض القصص كما في" للجدران آذان " إذ طالعتنا القصة بحوار جرى بين السجان وسجينه عرفنا من خلاله أن السجين كان بريئاً، وأنه سيفرج عنه (123) . وقد تتخذّ " الناخي " الحوار لتنمية الحدث، ففي قصة " رماد " عرفنا إصابة الرجل، وتذمر الأسرة من الأوضاع الراهنة، واحتلال الجنود للمنازل، والانفجار الهائل عن طريقه (124) وفي " الصمت الصاخب " أدركنا المأزق الحرج الذي كانت فيه الأسرة وهي في طريق سفرها إذ تحركت شفتا السائق متمتماً بكلام غير مسموع، غير أن الوالد فاجأه بسؤال غير منتظر: " ماذا تقول؟ أشعر بقلق. لماذا؟ البحر. ما به. هو في طريقه إلينا. ماذا؟ انظر هناك.. أتراه، سيداهمنا.. ما العمل؟ فلنتوقف وننتظر. وانتابته رجفة فبدأ يخفف من اندفاع السيارة. أوقف السيارة. وخيمت لحظة صمت. لقد صدق حدسي. شعوري الداخلي لا يخطئ " (125) . فهذا الحوار الذي داربين السائق ورب الأسرة أطلعنا على حدث جديد وهو أن تيار الموج بدأ يهجم على الطريق، وأن الخطر بدأ يحيق بالمسافرين، وقد أدى هذا إلى النهاية المفجعة التي آلت إليها هذه الرحلة البرية، وبذلك يكون للحوار دوره في تطوير الحدث ودفعه نحو الخاتمة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 170 وكان بعضه يكشف عن التغيير الاجتماعي في الإمارات كما في قصة " هواجس " إذ عرفنا من الحديث الذي داربين خلفان وأخيه رغبة الصغير في رؤيا الأفلام المكسيكية وإن كان لا يدرك خطرها لصغر سنه، وتغير وجبات الطعام اليومية بالأكل في المطاعم.. ولعل من أهم أدوار الحوار عرض نفسيات الشخصيات، ففي " أحزان ليل " لا حظنا الخوف الذي انتابها من تأخر عودة الخفير، ولهذا قالت: " تأخر كثيراً. سقطنا في الفخ. فخ. أجاب وهو يرتجف: شيء مخيف. ماذا تقصد؟ تكلم. أتقول الحقيقة. … … … … … … . ماذا تقول؟ … … … … … … . لا، لا يمكن أن يحدث هذا. إنك تلعب بأعصابنا ". فالحوار الذي دار كشف لنا ذعر الناس من صوت الإنذار، ثم من تأخر الخفير.. فشارك بذلك في إحساسنا بالخطر الذي تتعرض له البلاد، وفي تنمية الوعي ضد العدوان الخارجي. ولكن بعض القصص خلت من الحوار كقصة " القرار الأخير " إذ جاءت بلسان السرد بلهجة الغائب، وقل حوار بعضها الآخر " كأنامل على الأسلاك ". ويمكنني أن أقول إن الأديبة في مجموعتها الثانية كانت أقدر على استخدام الحوار أداة فنية تخدم بناء القصة، وهذا يدل على تطور في فنية القصة عند شيخة الناخي. د - السرد والتقرير: اتكأت الأديبة على السرد في معظم قصص مجموعتها الأولى " الرحيل " وقل في " رياح الشمال " ولكن اللغة الشاعرية فيها جعلته مقبولاً، وقد عرضت به حوادثها في اثنتي عشرة قصة، وجاء معه بعض التقرير ليحكي رأي القاصة في أمر ما من أمور مجتمعها، وذلك على نحو قولها في " الرحيل ": " أي حياة هذه التي ستحياها؟ فمجتمعها قاس وعنيد لا يقيم وزناً للفتاة، إذاً فهي لا تملك من أمر حياتها سوى الأحلام والأوهام " (126) ، وكقولها أيضاً: " فهذا الوالد من ذاك المجتمع المتكالب على المادة، وهو يريد لابنته زوجاً ثرياً لا شاباً فقيراً كسعيد" (127) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 171 وهذا التقرير من عيوب القصة، ذلك لأن الكاتب لا يتدخل تدخلاً مباشراً بالشرح أو بالتعليق، وإنما يوجه الحوادث لتفهم الفكرة من خلالها، إلا إن قصد الغوص إلى أعماق الشخصية، ولو أوردت القاصة الفكرة على لسان شخصية ما لكانت أفضل وأجود. الخاتمة وأخيراً.. فقد وجد الأدباء، ومنهم شيخة الناخي، أن القصة القصيرة مجال خصب لعرض الأفكار التي يرغبون، سياسية كانت أم اجتماعية، فاتخذوها مطية لتصوير معاناة المرأة خاصة، من زوج أهمل الأسرة والولد وشغل بلهوه مع صحبه، أو أب انصاع لزوجه الثانية..، في مجتمع لا يقدرها حق قدرها، وقد عرضت الأديبة هذه المآسي بريشة المصلحة الاجتماعية لتنير للأجيال الدرب القويم بأسلوب مشوق جذاب وهذه مهمة الأديب في الحياة، ولا سيما ممن وعي الإسلام حق وعي. وقد ربأت القاصة عن أن تجعل المرأة من سقط المتاع، واتخذت من الأسلوب العف، واللفظ المهذب نهجها في قصصها، فأرتنا المرأة الإماراتية على حقيقتها، لا كما فعلت صاحبتها أمينة عبد الله وسلمى سيف مطر، فنبهت بذلك الأجيال إلى الأخطاء والهفوات في طهر ونقاء.. وحققت بذلك ما يهفو إليه الجيل من قصص هادف، يرتقي بالبلاد حضارياً واجتماعياً وثقافياً، وتلك من أهم عوامل الصدق الفني (128) ، ونحن في أمس الحاجة إلى مثل هذا اللون الأدبي الجديد. ولا ننسى الدور الهام الذي كان لأدبها في إغناء المكتبة الخليجية بآداب رفيعة في مضمونها وشكلها – إجمالاً – وإغناء المكتبة العربية بل والإنسانية عامة. ... الحواشي والتعليقات الجزء: 12 ¦ الصفحة: 172 (1) ينظر: بوشعير: الرشيد: الشعر العربي الحديث في منطقة الخليج، ط 1418هـ / 1997م، دار الفكر المعاصر بيروت لبنان، دار الفكر دمشق سوريا. ومجلة الرافد عدد خاص بالقصة القصيرة (ملف القصة القصيرة شهادات ورؤى) الشارقة ص 22، وفيه يذكر أن نسبة القاصات في المجموعة القصصية " كلنا 00كلنا 00كلنا نحب البحر " كانت 35 % من مجموع القصاص المشاركين. (2) ينظر: ملكاوي: ثابت: الرواية والقصة القصيرة في الإمارات نشأة وتطور منشورات المجمع الثقافي في أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة ص 27. (3) ينظر عبد الملك: بدر: القصة القصيرة والصوت النسائي في دولة الإمارات العربية المتحدة 1995م منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات – الشارقة –ص 5. (4) ينظر: مريدن: عزيزة: القصة الشعرية الحديثة في العصر الحديث 1404هـ/1998م دار الفكر دمشق سوريا. (5) ... مجلة الرافد عدد خاص بالقصة القصيرة /150 (6) بوشعير: الرشيد: مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية 1998 ن ويرى المؤلف أن هذا هو سبب حرقها ومنعها لا هجومه على الإنكليز كما ورد في كتاب ثابت الملكاوي الرواية والقصة القصيرة في الإمارات ص 118 ن لأن الاستعمار كان قد خرج من الإمارات وأبيحت إدانته. ينظر مجلة الرافد ع خاص ص 19 ينظر: عبد الملك: بدر: القصة القصيرة والصوت النسائي/ 30-37. نفسه / 40-58 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 173 بوشعير: الرشيد: مدخل إلى القصة القصيرة ص/8، وفيه أن عبد الله صقر نشر قصته "قلوب لاترحم" في نادي النصر الرياضي في أواخر الستينات، ولكنه لم ينشر هذه القصة في مجموعته الأولى التي صدرت في 1975م، وهذا يعني أنها كانت أشبه بمقالة قصصية لم يعترف بها بعد، أما قصصه في مجموعته الأولى (الخشبة) فقد أرخت بين (1974-1975) على حين كتبت شيخة الناخي أولى قصصها 1970 كما ذكر في مجموعة (كلنا 00كلنا000كلنا نحب البحر) التي صدرت عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، كما أنها شاركت بها في المسابقة الأدبية التي نظمتها وزارة الشباب بالإمارات 1972م، وفازت بالجائزة الأولى فيها. ينظر رشدي: رشاد: فن القصة القصيرة 1982م دار العودة بيروت ط2: ويعرف من خلال عرضه لعناصر القصة في ص / 29،50،82،97. الناخي: شيخة: الرحيل مجموعة قصصية 1992م، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ص 11. تحار الأديبة بين خاتمتين للقصة، فقد ظهرت في طبعتها الأولى 1970م تتحدث عن انتحار البطلة تحت عجلات سيارة مسرعة، وفي طبعة 1992م أنهتها بالدهشة فحسب، ينظر لذلك في: بوشعير: الرشيد: مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية /19-20. الناخي: شيخة: من المجموعة القصصية الرحيل / 51 نفسه / 19 نفسه / 43 نفسه / 25 نفسه / 59 الناخي: شيخة: من المجموعة القصصية رياح الشمال 1992 منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات /75 بوشعير: الرشيد: مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية /15، وقد عايشت هذه الظروف السياسية التي مرت على البلاد، واطلعت على ما كتب في الصحف من أخطار ما تطلبه الأمم المتحدة من تجنيس، وعلى وقفة الإماراتيين الحميدة والقوية أمام هذا الخطر الداهم على بلادهم. الناخي: شيخة: رياح الشمال / 83 نفسه / 84 نفسه / 78 نفسه / 77 نفسه / 67 نفسه / 53 نفسه / 65 في الحديث الذي أجريته معها في 31/10/2000م الجزء: 12 ¦ الصفحة: 174 كما رأيتها من خلال الحديث المذكور معها، أو من خلال قرائن تشير إلى ذلك. الناخي: رياح الشمال /37 نفسه / 45 إذ لم تصرح الأديبة بذلك على عادتها في تعمية العدو وزمانه ومكانه لتكون دلالة القصة عامة تصلح لكل زمان ومكان. رياح الشمال /27 نفسه /87 نفسه /63 رشدي: رشاد: فن القصة القصيرة / 15 وما بعدها نفسه / 15 وما بعدها نفسه / 15 الأدب الإسلامي يهتم بقضايا الأمة ويواجه مشكلاتها بطريقة جادة يلتزم فيها نظرة الإسلام إلى الحياة، ويعرض بالكلمة الطيبة المعبرة والمؤثرة ما يراه ويوجه نحو ما يجب أن يكون برؤية إسلامية أيضا: ينظر لذلك: د. قصاب: وليد: في الأدب الإسلامي 1419هـ 1988م دار القلم دبي ص/ 91، و: د. القاعود: حلمي محمد: الواقعية الإسلامية في روايات نجيب الكيلاني 1996 دار البشير عمان الأردن ص / 131، والقبسي: عودة الله منيع: تجارب في النقد الأدبي التطبيقي 1405هـ /1985م دار البشير عمان الأردن ص 94 الناخي: مجموعة الرحيل /9 نفسه / 59 ينظر لذلك الصفحات الآتية من: الرحيل9،33،95، ومن رياح الشمال 7 و 51 رياح الشمال / 25 ويشبهها في ذلك قصتا أحزان ليل، ولا تكن جلادا في مجموعة رياح الشمال ص 17و43 و (45) الرحيل / 19و53 (46) ينظر لذلك: نجم: محمد يوسف: 1996 دار صادر بيروت، ودار الشروق عمان – الأردن / 50 (47) الرحيل / 14-15 ومثلها في قصة " وكان ذلك اليوم " في المرجع نفسه /35 (48) رياح الشمال / 14-15 (49) هي حسب تسلسل صفحات ورودها في الرحيل / 9 و 41 ورياح الشمال / 25 (50) الرحيل 75 (51) رياح الشمال / 17 (52) الرحيل/49 (53) نفسه /65 (54) رياح الشمال / 28-29، وينظر لمثلها في المجموعة نفسها في قصتي حطام المخاوف / 51، ولا تكن جلادا / 43، وفي: أنامل على الأسلاك في مجموعة الرحيل / 27. (55) الرحيل / 41 (56) نفسه / 65 (57) رياح الشمال / 73 (58) نفسه / 45 (59) الرحيل / 59 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 175 (60) نفسه / 31، وينظر لمثلها في المجموعة نفسها في قصتي " وكان ذلك اليوم " /33، و" القرار الأخير " ص 59، وفي مجموعة رياح الشمال في قصتي إعصار / 25، وأحزان ليل ص 17 (61) كما في قصص مجموعتها الرحيل: أنامل على الأسلاك / 25، وكان ذلك اليوم /33 والقرار الأخير ص 59 (62) من مجموعة رياح الشمال / 16 (63) نفسه/50 (64) نفسه / 84 (65) يعرف د. محمد يوسف نجم العنصر السائد في القصة بأنه الأثر الذي تخلفه في نفوس القراء، وينتج عن سيادة الحدث أو الشخصبة أو البيئة أو الفكرة، ينظر لذلك فن القصة /13 (66) ينظر أمين: أحمد: النقد الأدبي جزءان 1972منشر مكتبة النهضة المصرية ط4/ 123 (67) الرحيل وبالتتابع /9،27،25،43 (68) رياح الشمال / 39 (69) نفسه 46-47 (70) جريدة الخليج، الإمارات العربية المتحدة ع 7695 تاريخ 13/7/2000م (71) ينظر له: الحوراني: رامز: نشوء النقد الأدبي وتطوره، جزءان 1996م جامعة سبها الإدارة العامة للمكتبات الدار العربية للنشر والتوزيع القاهرة مصر ج2/83 (72) نفسه 2/78 (73) نفسه / 85 (74) رياح الشمال / 59 (75) الرحيل / 25 (76) رياح الشمال / 25 (77) الرحيل/17 (78) نفسه / 49 (79) نفسه/25 (80) الشخصية المستديرة هي التي تتغير سلوكياتها وتدهشنا في أعمالها، وتستطيع أن توقظ فينا المشاعر، ينظر لذلك في فورستر: أركان القصة /90 (81) كما في مجموعة الرحيل: قصة حصار / 49 (82) مجموعة الرحيل / 17 (83) نفسه: قصة رحلة الضياع / 49 (84) نفسه / 9 (85) نفسه /41 (86) من مجموعة رياح الشمال / 43 (87) الرحيل/9 (88) نفسه/17 (89) نفسه 49 (90) نفسه/ 59 (91) نفسه / 41 (92) نفسه /17 (93) رياح الشمال /35 (94) نفسه/43 (95) نفسه 61 (96) نفسه/ 25 (97) رشدي: رشاد: فن القصة القصيرة / 100-103 (98) هلال: محمد غنيمي: النقد الأدبي الحديث 1987 بيروت / 614-627 (99) مجموعة الرحيل /33 (100) نفسه / 77 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 176 (101) رياح الشمال / 73 (102) نفسه / 27-28 (103) الحروف الانفجارية هي (ب-ت-د-ط- ض- ق- ك) ينظر لذلك:د. نور الهدى لوشن: علم الدلالة دراسة وتطبيق 1995م، منشورات جامعة قار يونس – بنغازي- ليبيا / 73و76، ومن الحروف الجزلة: الجيم والميم. (104) رياح الشمال /21-22 (105) ينظر إلى هذا الرمز في كتاب فضل: صلاح: نظرية البنائية في النقد الأدبي 1419هـ1998م، دالا الشروق، القاهرة ص 254 (106) في حديثي معها في 31/10/2000م (107) رياح الشمال / 65 (108) دلالات الألفاظ لها علاقات مع بعضها بعضا منها علاقات التضاد والتماثل والترادف والتنافر و000: ينظر لذلك في: د. لوشن: نور الهدى علم الدلالة / 117-119م (109) علم الدلالة 101 (110) رياح الشمال / 45-46 (111) نفسه/ 67و85 (112) نفسه / 22 وهو مقتبس من قوله تعالى (تكاد تميز من الغيظ) : (تبارك /8) (113) نفسه / 19 " " " " " (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده: (النمل/ 18) (114) نفسه / 20 وهو مقتبس من قوله تعالى:" وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا " (الكهف / 19) (115) ينظر لصحة هذه المعلومات في ابن منظور: لسان العرب، ومغني اللبيب وجامع الدروس العربية للرافعي /26 (116) رشدي: رشاد: فن القصة القصيرة 115 (117) رياح الشمال /7 5 (118) الرحيل / 44 (119) نفسه 55-56 (120) رياح الشمال / 54 (121) الرحيل / 71 (122) ينظر رياح الشمال / 76-77 (123) نفسه/37 (124) نفسه /7 (125) الرحيل/ 69-70 (126) و (127) نفسه / 12و 15 (128) ينظر: مريدن: عزيزة: القصة القصيرة في العصر الحديث / 19، ولوي كابانس: جان: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، ترجمة فهد عكام 1402هـ 1982م دار الفكر دمشق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 177 مؤتمر الأوقاف الأول في المملكة العربية السعودية الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فبفضل من الله وتوفيقه ثم برعاية من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام. افتتح صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة مؤتمر الأوقاف الأول في المملكة العربية السعودية الذي عقد في رحاب جامعة أم القرى بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المدة من الرابع من شهر شعبان 1422هـ وحتى السابع منه. وقد تضمن حفل الافتتاح كلمة راعي الحفل ألقاها نيابة عنه صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة. واشتملت على بيان أهمية الوقف عند المسلمين والخدمات الجليلة التي تقوم بها الأوقاف في النهوض بالمجتمعات دينياً ودنيوياً، والترحيب بالمشاركين والدعاء لهم بالتوفيق. وتمت ناقشة البحوث المقدمة ضمن المحاور الآتية: المحور الأول: الوقف ومفهومه وفضله وأنواعه. المحور الثاني: قضايا الوقف المعاصرة. المحور الثالث: واقع الوقف عبر التاريخ الإسلامي وجهود الدولة السعودية في الأوقاف ورعايتها. المحور الرابع: نماذج وتطبيقات معاصرة في مجال الوقف. المحور الخامس: تنظيم أعمال الوقف وتنمية موارده. المحور السادس: الإعلام والوقف. المحور السابع: أثر الوقف في تنمية المجتمع. المحور الثامن: الوقف والدعوة إلى الله. وقد شارك في جلسات المؤتمر نخبة من أهل العلم والاختصاص والدراية بأمور الأوقاف ... وقدمت فيه أبحاث وأوراق عمل قيمة تجلي فيها العمق والإفادة وكانت هناك مناقشات ومداخلات مثمرة نتج عن ذلك أراء بناءة ومقترحات سديدة. وقد انتهى المؤتمر إلى التوصيات الآتية: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 178 اعتبار كلمة سمو راعي الحفل وثيقة من وثائق المؤتمر للإفادة مما ورد فيها من توجيهات سديدة. تبصير الأمة بمشروعية وبيان ما فيه من الثواب العظيم، وحث الموسرين عليه وترغيبهم فيه عبر منابر التوجيه المعتبرة ذات التأثير الواسع كخطب الجمعة ودروس المساجد ووسائل الإعلام المؤثرة كالصحافة الإذاعية والتلفزة إنهاضاً لعزائمهم وبعثاً لنوازع الخير الكامنة في نفوسهم. التوعية المبكرة بأهمية الوقف عن طريق المناهج الدراسية المناسبة في مراحل التعليم المختلفة. إصدار مجلة علمية متخصصة تعني بشؤون الأوقاف لإثراء الساحة بقضايا الأوقاف. تأسيس منظمة دولية إسلامية تعني بشؤؤن الأوقاف الإسلامية في العالم تجمع في عضويتها جميع وزارات الأوقاف والمؤسسات والصناديق الوقفية. دعوة الشركات والمؤسسات إلى وقف شيء من أموالها في وجوه البر المختلفة. تبصير الأمة بتنوع وجوه البر التي يمكن الوقف عليها لتشمل كل ما يحتاجه المسلمون في دينهم ودنياهم وعدم التركيز على وجه معين منها دون الوجوه الأخرى التي تمس الحاجة إليها. حث الجهات ذات العلاقة على إعداد دراسات تتناول أوجه البر المختلفة التي يمكن الوقف عليها وتصنيفها حسب الأهمية. إعداد نماذج صيغ وقفية تراعى فيها الأحكام الشرعية والأنظمة المرعية. تشجيع البحث العلمي في الوقف من جميع جوانبه مع الاهتمام بالمسائل المستجدة وما يعرض له من مشكلات وإنشاء موسوعة للأوقاف تتناول كل ما يتعلق بها من أحكام. استمرار عقد الندوات والمؤتمرات لبحث قضايا الأوقاف المتنوعة مع الاهتمام بالمسائل المستجدة ومنها توحيد الأوقاف المتنوعة في وقف واحد والأوقاف التي جرى تحكيرها وما يتعلق بالوقف على الذرية وغيرها من المسائل. عدم ترك الأموال الموقوفة مجمدة في المصارف لا تؤدي وظيفة استثمارية مشروعة في المجتمع. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 179 التعاون مع المؤسسات والهيئات الاستثمارية والإفادة من إمكاناتها المشروعة في مجال تمويل الأوقاف واستثمارها لزيادة عوائدها. التأكيد على أن يكون استثمار الأوقاف وتنمية مواردها خاضعاً للقواعد والأحكام الشرعية. إنشاء مؤسسات وقفية تعني بالدعوة إلى الإسلام ومواجهة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية ودعوة الموسرين للإسهام فيها وتمويلها. وضع خطة شاملة للحفاظ على الأوقاف الإسلامية في البلاد التي يعيش فيها أقلية مسلمة. إنشاء أوقاف في البلاد الإسلامية يخصص ريعها لاحتياجات الأقليات الإسلامية من مساجد ومدارس ومستشفيات ونحوها. العمل على حماية الأوقاف الإسلامية في بلاد غير المسلمين عن طريق المنظمات والهيئات كرابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي. حث المسلمين على تخصيص أوقاف ينفق ريعها على المسجد الأقصى. إبراز أثر الأوقاف عبر التاريخ الإسلامي في نشر العلم والنهوض بالمجتمعات وسد حاجاتها المتنوعة. إنشاء مركز للدراسات الوقفية وحصر الوثائق المتعلقة بالأوقاف وجمعها من مظانها. إقامة دورات تدريبية للمعنيين بشؤون الأوقاف من نظار وإداريين للرفع من مستواهم العلمي والإداري. الإفادة من الصيغ الاستثمارية المعاصرة في مجال استثمار الأوقاف وتنمية مواردها والتي تحقق عائدً أفضل من الوفاء بشرط الواقف. مخاطبة المؤسسات الإعلامية في الدول العربية والإسلامية من أجل إعداد حملة إعلامية موسعة لدعم سنة الوقف في الدول الإسلامية تستهدف زيادة الوعي العام والمعرفة بأهمية الوقف من الناحية الشرعية والتنموية والاجتماعية. عقد سلسلة من الدورات التدريبية المتخصصة لعدد من الإعلاميين المسلمين لمزيد تعريفهم بالوقف وأهمية وكيفية توظيف وسائل الإعلام في دعم الوقف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 180 إنشاء مركز إعلامي عبر الإنترنت لتبادل المعلومات عن الوقف في الدول الإسلامية وإمداده بشكل دوري بالإحصاءات والبيانات الدقيقة عن الوقف وجوانبه الشرعية والواقعية ومجالات استثماره في المجتمعات المعنية. التوجه في الرسائل الإعلامية إلى الفئات الفاعلة في المجتمع من قادة الرأي والمفكرين والعلماء والقضاة والخبراء ورجال الأعمال والمؤسسات الكبرى وتخصيص رسائل لكل فئة على حدة لإقناعهم بضرورة الإسهام في مناقشة أثر الإعلام في دعم الوقف وتفعيله. إعداد مجموعة من المطبوعات والدوريات بالتعاون مع الجامعات والمؤسسات التعليمية المتعلقة بالوقف وأهميته. إنشاء مؤسسة إعلامية وقفية إسلامية ضمن الضوابط الشرعية لدعم الإعلام الإسلامي وتصيره في مرحلة تتعرض فيها الأمة إلى حملات إعلامية تشوه قيمها ومنجزاتها الحضارية. تشكيل لجنة من جامعة أم القرى ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لمتابعة تفعيل توصيات المؤتمر. وفي الختام يرفع المشاركون وافر الشكر والامتنان إلى مقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وفقهم الله على اهتمامهم بأمور الأوقاف والعناية بها والتوجيه بعقد المؤتمرات والندوات واللقاءات المتعلقة بها ودعمها مادياً ومعنوياً ويوصون برفع برقيات بذلك. ويقدرون لسمو النائب الثاني رعايته للمؤتمر، ويشكر لسمو أمير منطقة مكة المكرمة افتتاحه للمؤتمر. ويثمنون لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ولجامعة أم القرى مبادرتهما إلى إقامة هذا المؤتمر ويشكرون اللجان العاملة فيه على حسن الإعداد وجودة التنظيم، وجميل العناية بالمشاركين والحضور. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وقد تناولت الأبحاث وأوراق العمل المحاور السابق ذكرها فكانت على النحو التالي: محور الوقف ومفهومه وفضله وأنواعه: الوقف ومفهومه وفضله – د. إبراهيم بن عبد العزيز الغصن. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 181 الوقف مفهومه وفضله وشروطه وأنواعه – د. إسماعيل بن إبراهيم البدوي. الوقف مفهومه وشروطه وأنواعه – د. العياشي الصادق فداد. الوقف فقهه وأنواعه – د. علي بن محمد يوسف المحمدي. الوقف مفهومه، شرعيته، وأنواعه وحكمه، وشروطه – د. محمد بن عبد الرحيم سلطان العلماء. الوقف مفهومه، شرعيته، وأنواعه وحكمه، وشروطه – د. محمود بن أحمد أبو ليل. شروط الوقف في الإسلام – د. محمد بن نبيل غنايم. الوقف: مفهومه، فضله، أركانه وشروطه وأنواعه – د. محمود بن عبد الرحمن عبد المنعم. محور قضايا الوقف المعاصرة: توحيد الأوقاف المتنوعة في وقف واحد – د. خالد بن علي المشيقح. من قضايا الأوقاف المعاصرة والآثار المترتبة على الوقف- د. صالح بن حسن المبعوث. عقد الحكر والآثار المترتبة على زال الأنقاض فيه – أ. صالح بن سليمان الحويس. توحيد الأوقاف المتنوعة في وقف واحد – د. عبد الله بن محمد نوري. الوقف وحكم بيعه واستبداله (ورقة عمل) - الشيخ/ فهد بن محمد الداود. أحكام الأوقاف التي جرى تحكيرها (ورقة عمل) – د. ناصر بن إبراهيم المحيميد. محور واقع الوقف عبر التاريخ الإسلامي وجهود الدولة السعودية في الأوقاف ورعايتها: الوقف الإسلامي وواقعه في الحبشة (أثيوبيا) – د. جيلان بن خضر غمدا. أحباس المغاربة في الحرمين الشريفين – د. حسن بن عبد الكريم الوركلي. المدارس الوقفية في المدينة المنورة – د. طارق بن عبد الله الحجاز. أوقاف عبين زبيدة في عهد الملك عبد العزيز– د. عادل بن محمد نور غباشي. الأوقاف العامة في بريدة – د. عبد العزيز بن سليمان المقبل. العوامل التي أدت إلى تدهور الوقف عبر التاريخ الإسلامي – د. عبد القهار بن داود العاني. ازدهار الأوقاف في عصر المماليك – د. محمد بن حمد أمين. الأوقاف على الحرمين (ورقة عمل) – الشيخ/عبد الرحمن عبد القادر فقيه. محور نماذج وتطبيقات معاصرة في مجال الوقف: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 182 مؤسسة الملك فيصل الخيرية (مؤسسة خاصة) - الأمير بندر بن سعود بن خالد. الأمانة العامة للأوقاف بالكويت (مؤسسة حكومية) - د. محمد بن عبد الغفار الشريف. البنك الإسلامي للتنمية (مؤسسة دولية) – د. أحمد بن محمد خليل الإسلمبولي. نموذج مقترح (باحث) – د. محمد بن عبد الحليم عمر. محور تنظيم أعمال الوقف وتنمية موارده: تنمية موارد الوقف والمحافظة عليه – د. العياشي الصادق فدا. تنظيم أعمال الوقف وتنمية موارده – د. سلطان بن محمد حسين الملا. تنمية موارد الوقف والمحافظة عليه – د. صالح بن عبد الله المالك. إدارة الأوقاف الإسلامية والتجربة السعودية – د. عبد الرحمن بن إبراهيم الضحيان. تنظيم أعمال الوقف وتنمية موارده (ورقة عمل) . محور الإعلام والوقف: أثر التسويق والإعلام في تنمية الوقف – د. أحمد بن سند يوسف. التكامل بين الوقف والإعلام: رؤية تحليلية – د. أنور بن ماجد عشقي. استثمار الإعلام لخدمة الوقف – د. طالب بن عيد الأحمدي. علاقة الإعلام بالوقف: تأصيل نظري – د. عدلي سيد محمد رضا. الإعلام الإسلامي وإحياء سنة الوقف – أ. محمد صلاح الدين. كيفية توظيف وسائل الإعلام لخدمة الوقف – د. محمود حسن طربية. علاقة الوقف بالإعلام: تأصيل من الناحية الشرعية – د. محمود السيد الدغيم. محور أثر الوقف في تنمية المجتمع: الوقف وأثره في نشر العلم في الأحساء – د. عبد الحميد آل الشيخ مبارك. أثر الوقف في التنمية الاقتصادية – د. عبد اللطيف بن عبد الله العبد اللطيف. الوقف والتنمية الاقتصادية – د. عبد الله بن سليمان الباحوث. دور الوقف في دعم الجوانب التربوية والدينية والعلمية – د. عبد الله بن محمد أحمد حريري. دور الوقف في بناء الحياة الاجتماعية وتماسكها – د. عبد الله بن ناصر السدحان. أثر الوقف في التنمية الاقتصادية – د. محمد إبراهيم الخطيب. أثر الوقف في نشر التعليم والثقافة – د. ياسين بن ناصر الخطيب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 183 الوقف وأثره في تطوير المجتمع (ورقة عمل) - د. محمد إرشاد الباري عبد الرشيد. محور الوقف والدعوة إلى الله: صور من علاقة الوقف بالدعوة إلى الله تعالى (مقارنة بين الماضي والحاضر) . الوقف وأثره في نشر الدعوة – د. عبد الرحيم بن محمد المغذوي. مجالات الوقف المؤثرة في الدعوة إلى الله – د. مقتدي بن حسن ياسين. مجالات الوقف المؤثرة في الدعوة إلى الله – د. مقتدى بن حسن ياسين. الوقف وأثره في الدعوة الإسلامية في إندونيسيا (ورقة عمل) – د. محمد راضي الحافظ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 184 توصيات ندوة المجتمع والأمن المنعقدة بكلية الملك فهد الأمنية 13-15 صفر 1422هـ الموافق 7-9 مايو 2001م تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير/محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية تشرفت الكلية خلال الفترة من 13-15 صفر 1422هـ، برعاية صاحب السمو الملكي الأمير/محمد بن نايف بن عبد العزيز لفعاليات ندوة المجتمع والأمن والتي عقدت في رحاب الكلية. ويأتي عقد هذه الندوة وما سبقها وما يليها من ندوات إنفاذاً للتوجيهات الكريمة بضرورة توظيف الجهود العلمية البحثية في مجال الأمن وتحسين أداء مؤسساته. وإدراكاً من إدارة الكلية لأهمية البحث العلمي، فقد قام مركز البحوث بتنظيم الندوة ودعوة الباحثين للمشاركة بالرأي والكتابة في محاور الندوة ضمن منظومة الأمن الشامل الذي تتبناه أجهزة وزارة الداخلية وكافة المؤسسات الحكومية ضمن خطط التنمية الطموحة التي تعيشها بلادنا. وقد حددت الأهداف المتوخاة من ندوة المجتمع والأمن بهدف تسليط الضوء على بعض المشكلات الأمنية التي تواجه المجتمع، وكذلك تحليل المشكلات الأمنية والاجتماعية تحليلاً علمياً بغية الخروج بحلول عملية. كما استهدفت محاور الندوة التركيز على أهمية توعية المجتمع بمخاطر الجريمة وتنمية الحس الأمني لدى المواطن وذلك ضمن تكامل العمل الأمني مع الحاجات الأساسية للمجتمع مع تأكيد أهمية توثيق العلاقة بين الأجهزة الأمنية والجمهور. جلسات الندوة: الجلسة الأولى – علاقة الأجهزة الأمنية بالجمهور وتشمل: العلاقة المتبادلة بين المواطن ورجل الأمن. العلاقات الإنسانية وأثرها في رفع الأداء الوظيفي لرجل الأمن. الرأي العام وتأثيره على أداء رجل الأمن. الجلسة الثانية – الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وعلاقتها ببعض المشكلات الأمنية وشملت المواضيع التالية: البطالة والسلوك المنحرف. توطين العمالة وأثره في الحد من الجريمة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 185 الجلسة الثالثة – انعكاس المشكلات المرورية على أمن المجتمع وشملت المواضيع التالية: حوادث المرور وأثرها على الاقتصاد الوطني. الجذور الاجتماعية للمخالفات المرورية. الحملة الوطنية الشاملة للتوعية المرورية. الجلسة الرابعة – المسجد ودوره الأمني في المجتمع. الجلسة الخامسة – الدور الأمني للمدرسة وشملت المواضيع التالية: الدور الأمني للمدرسة في المجتمع السعودي. الأنشطة المدرسية ودورها في وقاية الشباب من الانحراف. تحديات العولمة للهوية الثقافية وانعكاساتها على أمن المجتمع. وبفضل من الله استقطبت الندوة اهتمام الرأي العام المحلي وحظيت فعاليتها بتغطية واسعة في وسائل الإعلام، كما نشرت بعض أوراق العمل في الصحف المحلية. ومما حققته الندوة أنها هيأت فرص التقاء الباحثين وتعارفهم وولدت العديد من مشاريع البحوث المشتركة. كما تسلمت إدارة الندوة العديد من الاقتراحات البناءة التي ستساهم بشكل كبير في مشاريع الندوات العلمية القادمة. ... توصيات الندوة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فقد خلصت لجنة التوصيات إلى مجموعة من التوصيات حسب محاور الندوة نوردها فيما يلي: المحور الأول: علاقة الأجهزة الأمنية بالجمهور: 1- التركيز على معايير اختيار رجل الأمن وتأهيله وإعداده لمواجهة الجمهور، ورفع مستوى تعامله وتخاطبه مع فئات المجتمع المختلفة من مواطنين ومقيمين، وتأصيل مبدأ المساواة والعدالة بين الجميع من مواطنين ومقيمين، عن طريق وسائل منها: أ- وضع معايير دقيقة لاختيار رجل الأمن، يركز فيها على الاستقامة وحسن الخلق. ب- تضمين برامج التأهيل التعليمية لإعداد رجال الأمن على مختلف تخصصاتهم، مناهج علمية تتعلق بفن التعامل والتخاطب مع الجماهير، وكيفية مواجهتها، وتأصيل مبدأ العدالة من دون النظر إلى جنس أو عنصر أو وطن، وفق ضوابط الأخلاق في الإسلام. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 186 ج- تشكيل لجنة إرشادية توعوية في كل قطاع يوضع لها برنامج دقيق لإلقاء محاضرات توعوية خاصة للمراكز الأمنية ذات العلاقة بالجمهور بكون مرورها بالمراكز دورياً. 2- تنمية العلاقة التكاملية بين الأجهزة الأمنية المختلفة ومؤسسات المجتمع التعليمية والتربوية والإعلامية وغيرها عن طريق وسائل منها: أ – إنشاء قسم لعلاقات المجتمع في المراكز الأمنية وبخاصة ذات الطبيعة الجماهيرية. ب- تبادل الزيارات بشكل مستمر بين المراكز الأمنية في المدارس ومساجد الحي والمراكز الاجتماعية والرياضية. 3- إنشاء هيئة إعلامية وطنية للتوعية المستمرة، تمنح نسبة من المساحات الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة بهدف استخدامها في رفع مستوى الوعي الأمني وغيره تكون أولوياتها حسب ما تقتضيه المصلحة. 4- إنشاء وتفعيل أقسام البحث العلمي والتطوير الإداري في كل قطاع أمني لتطوير آلية العمل ولتحقيق أهداف القطاع ومتابعة وسائل تنفيذها ومعرفة المعوقات والسلبيات والعمل على تلافيها، لتحسين أداء القطاع بشكل عام والذي ينعكس بدوره على علاقة الجهاز الأمني بجمهوره. 5- تسهيل مهمة المتعاونين مع أجهزة الأمن لرفع درجة تفاعل أفراد المجتمع مع الأجهزة الأمنية وصولاً إلى تحقيق أمن شامل. المحور الثاني: الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وعلاقتها ببعض المشكلات الأمنية: الإسراع في تنفيذ برامج السعودة حيث أثبتت الدراسات العلمية ارتباط الجريمة بالبطالة. التأكيد في برامج التوعية على المفهوم الإسلامي لقيمة العمل والحض على قبول العمل الشريف بصرف النظر عن طبيعته. حث مراكز البحوث المعنية على إجراء دراسات ميدانية شاملة عن الأبعاد الاجتماعية الوطنية ومدى علاقتها ببعض المشكلات الأمنية، واستخلاص سبل علاج. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 187 حث وزارة العمل والشئون الاجتماعية ومراكز البحوث المعنية على إجراء دراسات ميدانية عن تجمعات العمالة الوافدة وعلاقتها ببعض المشكلات الأمنية واستخلاص الحلول المناسبة لها. توعية أصحاب العمل بضرورة متابعة مكفوليهم في مقار سكنهم وتجمعاتهم للحيلولة دون وقوع أي إخلال بالأمن، وتبصيرهم بقوانين البلد، وإلزام أصحاب العمل بتسليم مستحقات مكفوليهم المالية أولاً بأول. المحور الثالث: انعكاس المشكلات المرورية على أمن المجتمع 1- ضرورة إنشاء لجنة هندسية من وزارة المواصلات ووزارة البلديات والإدارة العامة للمرور واللجنة الوطنية للسلامة المرورية لمعالجة المواقع التي تكثر فيها الحوادث المرورية وتفادي سلبياتها. 2- إنشاء مدارس خاصة لتعليم القيادة المرورية، غير مخولة بمنح رخص قيادة وإنما لتعليم النشء فنون القيادة الصحيحة. 3- فتح باب التطوع لفئة منتقاة من شرائح المجتمع المختلفة لتسجيل المخالفات المرورية بالتنسيق مع مكتب خاص ينشأ بإدارة المرور مع وضع الضوابط المنظمة لذلك. 4- الحزم في تطبيق الأنظمة المرورية بحق المخالفين، ومعاقبة جميع مرتكبي المخالفات دون استثناء. 5- حث وزارتي المواصلات والشئون البلدية والقروية على إعادة النظر في المواصفات الخاصة بالطرق. المحور الرابع: المسجد ودوره الأمني في المجتمع وضع ضوابط لاختيار أئمة المساجد والجوامع، للقيام بمهام الإمامة وتفعيل دور المسجد على الوجه المطلوب. تفعيل دور المسجد من خلال إنشاء مجلس إدارة من جماعة المسجد يتولى متابعة شئون الحي الأمنية والتعليمية والاجتماعية والصحية وغيرها. التنسيق بين الجهات الأمنية وخطباء المساجد لرفع مستوى الوعي الأمني. إعادة تصميم مكونات المساجد لتلبية رغبات أفراد الحي مثل: مكتبة عامة متعددة الأغراض، حديقة أطفال، صناديق بريد، صالة طعام، فصول لتحفيظ القران الكريم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 188 تشجيع حلقات تحفيظ القران الكريم، والعمل على تعميمها وحث الموسرين على دعمها وإنشاء الأوقاف عليها، لما لها من دور في التنشئة الإيمانية، والقضاء على أوقات الفراغ لدى المنتسبين لها، وانعكاس ذلك على الضبط الاجتماعي والواقع الأمني. الاهتمام بجانب المرأة من خلال فتح حلقات لتحفيظ القران الكريم ملحقة بالمساجد وإقامة الدروس والمحاضرات التوعوية، وفق تنظيم مناسب. المحور الخامس: الدورة الأمني للمدرسة وجوب إعادة النظر في مناهج التعليم للتبصرة بالظواهر الجديدة المتعلقة بالجريمة والوقاية من الوقوع فيها مع ربط المدرسة بالمجتمع المحلي وعدم قصر أنشطتها داخل أروقتها. إنشاء أندية اجتماعية في المدارس موزعة على الأحياء لتعمل في الفترة المسائية تحت إشراف وزارة المعارف ,والعمل على تأهيل مشرفين متخصصين لإدارة أنشطتها. تبادل الزيارات بين المدارس والمراكز الأمنية المختلفة للرفع من الوعي الأمني لدى الطلاب على اختلاف مستوياتهم وكسر الحاجز النفسي بين الطلبة ورجال الأمن. إجراء دراسة ميدانية شاملة على مستوى المملكة للتعرف على حجم وقت الفراغ لدى الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة وبما يشغلونه , واستخلاص الوسائل الكفيلة للاستفادة منه بالشكل الذي يلبي حاجاتهم وميولهم. حث القطاع الخاص على دعم الأنشطة المدرسية مادياً وتبني مشاريع دعم معامل الحاسب الآلي ومختبرات المواد العلمية. المحور السادس: الدور الأمني لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العمل على وضع ضوابط دقيقة لاستقطاب الكوادر المؤهلة للعمل في الهيئات. فتح معمل متخصص لإعداد رجال الحسبة وتأهيلهم في مجال كيفية التعامل مع مختلف فئات المجتمع. تعزيز التنسيق بين مراكز الهيئات والمراكز الأمنية لمنع الازدواجية في الأداء مع دعم مراكز الهيئات بأعداد كافية من رجال الأمن لتسهيل مهامها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 189 حث إدارات المراكز التجارية على تخصيص مكتب للهيئة داخل المراكز لتسهيل مهام الهيئات. توعية أفراد المجتمع بدور الهيئة الأمني في خدمة المجتمع , من خلال المحاضرات ووسائل الأعلام المختلفة. مواصلة دعم الهيئات بما تحتاجه من معدات وتجهيزات تمكنها من القيام بمهامها على الوجه المطلوب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 190 مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها العدد 24 ربيع الأول 1423هـ/مايو (آيار) 2002م محتويات العدد أولاً: القسم العربي: أ- دراسات في الشريعة وأصول الدين: 1- المنهاج في الحكم على القراءات د. إبراهيم بن سعيد الدوسري 2- من منهج إبراهيم (عليه السلام) في الدعوة كما عرضه القرآن الكريم د. محمد منظور بن محمد رمضان 3- من منهج الدعوة إلى الله في سورة هود د. محمد ولد سيدي ولد حبيب 4- الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر: رواية ودراية د. محمد بن عمر بازمول 5- التوبة وشروطها د. سليمان بن إبراهيم اللاحم 6- الأوقاف في العصر الحديث: كيف نوجهها لدعم الجامعات وتنمية مواردها د. خالد بن علي المشيقح 7- من أحكام مس القرآن الكريم: دراسة فقهية مقارنة د. عمر بن محمد السبيل 8- التوكيل في الخصومة في الفقه الإسلامي د. محمد بن إبراهيم الغامدي 9- رد الخبر الواحد بما يسمى ب " الانقطاع الباطن" حقيقته، وحكمه وأثره في الفقه الإسلامي. د. ترحيب بن ربيعان الدوسير 10- منهاج الإمام مالك في التعامل مع الأخبار المتعارضة د. محمد سيد منصور ب - الدراسات التاريخية والحضارية: 11- مسائل في منهج دراسة السيرة النبوية د. محمد بن صامل السلمي 12- موقف الإمام الذهبي من الدولة العبيدية نسباً ومعتقداً د. سعد بن موسى الموسى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 191 ج - اللغة العربية وآدابها: 13- صوت الهاء في العربية د. إبراهيم كايد محمود 14- منهاج الإمام مالك في التعامل مع الأخبار المتعارضة د. محمد سيد منصور 15- بعض آراء بن سيده النحوية من خلال شرحه لمشكل شعر المتنبي د. فائزة بنت عمر المؤيد 16- وقفات في جزم المضارع في جواب الطلب وأثر المعنى على الحركة الإعرابية في الجواب د. سلوى بنت محمد عرب 17- مسائل بلاغية ونقدية في شرح السهيلي لسيرة ابن هشام د. محمد رفعت زنجير 18- الفلسفة الجمالية عند حمزة شحاته د. صالح بن سعيد الزهراني د - تحقيق النصوص: 19- أحكام لاسيما وما يتعلق بها للشيخ أحمد بن أحمد السجاعي (ت 1197هـ) تحقيق ودراسة د. حسَّان بن عبد الله الغنيمان ثانياً: القسم الإنجليزي ملخصات البحوث الإنجليزية الجزء: 12 ¦ الصفحة: 192 المنهاج في الحكم على القراءات د. إبراهيم بن سعيد الدوسري الأستاذ المشارك بقسم القرآن وعلومه- كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مخلص البحث يعنى هذا البحث بإيضاح مفهوم الحكم على القراءات وبيان أصالته التاريخية وأهميته (العلمية، وتحديد أنواع القراءات ومراتبها، وفق الشروط التي اعتمدها أهل السنة والجماعة في قبول القراءة أوردها، وهي نقل الثقات، وموافقة الرسم تحقيقاً أو احتمالا، وكونها غبر خارجة عن اللغة العربية. كما عني بالخطوات العلمية للحكم على القراءات، وذلك عن طريق استقراء مصادرها، ودراستها في ضوء أقوال العلماء فيها للوقوف على درجة كل قراءة صحة وضعفاً. وقد تضمن دراسة تطبيقية على نماذج متنوعة من القراءات المتواتر والشاذة حسب المعايير المعتبرة في الحكم على القراءات. ومن ثم انتهى هذا البحث إلى نتائج متعددة، ومن أهمها: أن القراءات تقع على قسمين أساسين، وهما: أالقراءات المتواترة، وهي القراءات العشر التي عليها عمل القراء إلى وقتنا الحاضر. ب القراءات الشاذة، وهي ما عدا تلك القراءات العشر. أن وصف الشذوذ في القراءة لا يقتضي الضعف في الشاذ جميعه، وإنما يقضي بمنع القراءة بها. والله ولي التوفيق المقدمة: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد: فإن الله تعالى قد فضّل القرآن الكريم على سائر الكتب، إذ جعله مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، ومن وجوه تفضيله ومزاياه ما اختُص به من إنزاله على وجوه القراءات، وتكفل الله بحفظه وترتيله، فجاء مُصرَّفا على أوسع اللغات، وظلّ محروسا من الزيادة والنقصان والتبديل على مر الزمان وتقلّب الأحوال، وما ذاك إلا دلالة من دلائل إعجازه وبدائع نظمه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 193 إن القرآن الكريم وقراءاته روح حياة الأمة الإسلامية ومشكاة حضارتها الفكرية، فلذلك كان حقا على المتخصصين من أبناء الأمة في كل عصر أن يعنوا بمحاسن هذا الدين العالمي من خلال كتابه المبين، وأن ينبروا لإظهار الحق وإبرازه بلغة تناسب عصورهم ومعطياتها. ويأتي هذا البحث القرآني ليعنى بدراسة قضية أخذت حيزا من اهتمام علماء القراءات، غير أنها لم تفرد بمؤلَّف يُسهّل على الباحثين تقريب مباحثها، فجاء هذا البحث ليلمّ ما تشعّب من مسائلها، ويكشف اللثام عن تاريخها وأصولها، في دراسة موضوعية تطبيقية. ومن الله تعالى أستمد العون، ومنه سبحانه أستلهم الرشاد. أهمية الموضوع: يمثل هذا الموضوع دعامة مهمة في الحكم على القراءات وفق المنهج الأمثل الذي اعتمد عليه حذاق القراء ومحرريهم. وهو ذو أهمية ضرورية، إذ به يعرف ما يقبل من القراءات وما يُبنى عليها من أحكام شرعية وتعبدية وما لا يُقرأ به منها وما لا يعمل به أيضا. وتشمل هذه الدعامة الجوانب اللغوية وجميع المسائل التي تنبني على هذا العلم في التفسير وغيره. والحق أن هذا الموضوع يُعمل الفكر ويذكي جذوته في البحث عن ضبط حروف القرآن الكريم وقراءاته، وفي ذلك فوائد جليلة، وإليها أشار الحافظ ابن الجزري (ت 833 هـ) بقوله: فليحرص السعيد في تحصيله * ولا يَملّ قط من ترتيله وليجتهد فيه وفي تصحيحه * على الذي نُقل من صحيحه (1) وحاجة الباحثين في الدراسات القرآنية وما يتصل بها إلى هذا الموضوع أكثر من غيرهم، إذ تستدعي دراستهم معرفة المنهج الذي يتم على ضوئه الحكم علي القراءات بناء على الأسس والمعايير العلمية.   (1) لحواشي والتعليقات () ... طيبة النشر ص31. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 194 وقد لُحظ أن عددا من الباحثين إذا وجد القراءة في كتاب السبعة لابن مجاهد (ت 324 هـ) حكم بتواترها، ومنهم من إذا وجدها في مختصر شواذ القرآن لابن خالويه (ت370 هـ) أو المحتسب لابن جني (ت 392 هـ) حكم بشذوذها، وذلك منهج غير صحيح، كما سيتضح من خلال هذه الدراسة إن شاء الله تعالى، ولا شك أن بيان المنهج الصحيح والحالة هذه أمسى ضرورة ملحّة، ولا سيما أن المصادر التي تثري هذا الموضوع توفرت في هذا الوقت أكثر من ذي قبل، حيث نشطت حركت تحقيق كتب القراءات وطبعها، كما تيسرت ولله الحمد سبل الاطلاع على المخطوطات واستجلابها، وذلك يلقي بظلاله على المهتمين بعلم القراءات دراسة هذا الموضوع وأمثاله على نحو أعمق. ولا تقتصر أهمية الموضوع على الباحثين فحسب، فالموضوع يتصل بكلام الله جل وعلا وشرعة هذه الأمة ومنهاجها، والأعداء يتربصون بالأمة الإسلامية وكتابها أشد التربّص، لنفث سمومهم ونشر شبهاتهم للطعن في القرآن الكريم من خلال اختلاف قراءاته. ولئن كان مثار الجدل حول اختلاف أوجه القراءات مقصورا على فئات معينة فإنه في هذا العصر أصبح أكثر اتساعا بواسطة وسائل الإعلام والاتصال المتعددة التي لم يسبق لها مثيل. فهذا الموضوع وأشباهه من أهم الموضوعات التي ينبغي أن يتجرد لها أهل الاختصاص لحماية هذه الثغرة والحفاظ على ميراثنا الرباني المجيد، ويأتي في مقدمة تلك الموضوعات ما يُعنى بالأسس والمناهج التي إذا أُبرزت بالصورة الصحيحة أسهمت في الكشف عن مظهر حضاري لهذا الدين العظيم، ألا وهو سلامة مناهجه، وثبات مقاييسه، وصدقية أحكامه. هدف البحث: يستهدف هذا البحث دراسة الكلمات القرآنية التي قرئت على أكثر من وجه، وذلك بالكشف عن الأسس والضوابط المعتبرة التي عوّل عليها القراء في الحكم علي القراءات، مع دراسة تطبيقية ترسخ ذلك المنهج لدا الباحثين نظريا وعمليا. خطة البحث: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 195 تتكون خطة هذا البحث من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة،وذلك على النحو التالي: المقدمة: وتتضمن أهمية البحث وهدفه وخطته، كما تقدم بيانه. الفصل الأول: تاريخ الحكم على القراءات وأهميته، ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: تاريخ الحكم على القراءات. المبحث الثاني: أهمية الحكم على القراءات. الفصل الثاني: أنواع القراءات ومراتبها، ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: ما يُقرأ به وما لا يُقرأ به. المبحث الثاني: مراتب القراءات. الفصل الثالث: الخطوات العلمية للحكم على القراءات، ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: الحكم على القراءة عن طريق مصادرها. المبحث الثاني: الحكم على القراءة من خلال دراستها. الفصل الرابع: الدراسة التطبيقية على الحكم على القراءات. الخاتمة: وتتضمن أهم نتائج البحث. *** الفصل الأول: تاريخ الحكم على القراءات وأهميته ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: تاريخ الحكم على القراءات. المبحث الثاني: أهمية الحكم على القراءات. تاريخ الحكم على القراءات: يرجع تاريخ الحكم على القراءات إلى بداية الإذن بالقراءة على سبعة أحرف، فكان الحُكم عند اختلاف الصحابة في القراءات إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي حادثة عمر (ت 23 هـ) رضي الله عنه مع هشام بن حكيم (ت بعد 15 هـ) رضي الله عنه لما استقرأهما الرسول صلى الله عليه وسلم صوّب قراءة كل واحد منهما) (1) ، كما وجّه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إلى أن يقرؤوا كما عُلّموا (2) .   (1) ... يراجع الحديث في صحيح الإمام البخاري:" كتاب فضائل القرآن "، " باب أنزل القرآن على سبعة أحرف " ص 895 رقم الحديث4992، وفي صحيح الإمام مسلم:" كتاب صلاة المسافرين "، " باب بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف " ص 329، رقم الحديث [1899] . (2) ... انظر بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات للمهدوي ص242 وفتح الباري بشرح صحيح البخاري 19 / 30. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 196 فلا يقبل من القراءات إلا ما كان منقولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا النهج جمَع أبو بكر الصديق (ت 13 هـ) رضي الله عنه القرآن الكريم، إذ كان من شروطه أن لا يثبتوا بين اللوحين إلا ما ثبت سماعه من الرسول صلى الله عليه وسلم وتُلقي عنه (1) ،ومما يدل على ذلك قول عمر بن الخطاب (ت 23 هـ) رضي الله عنه: " من كان تلقى من رسول الله شيئا من القرآن فليأتنا به " (2) ، فالتلقي شرط معتبر في القرآن الكريم وقراءاته. وقد لزم جميع الصحابة رضوان الله عنهم هذا النهج القويم، حيث كانوا يقرؤون بما تعلموا، ولا ينكر أحد على أحد قراءته، ثم أن انتشروا في البلاد يعلمون الناس القرآن والدين، " فعلّم كل واحد منهم أهل مصره على ما كان يقرأ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فاختلفت قراءة أهل الأمصار على نحو ما اختلفت قراءة الصحابة الذين علموهم " (3) . وبعد سنة واحدة من خلافة عثمان بن عفان (ت 35 هـ) رضي الله عنه، أي في حدود سنة خمس وعشرين (4) شهد حذيفة بن اليمَان (ت 35 هـ) رضي الله عنه فتح أَرْمينية وأَذربيجان فوجد الناس مختلفين في القرآن، " ويقول أحدهم للآخر: قراءتي أصح من قراءتك، فأفزعه ذلك (5) " فركب حذيفة إلى أمير المؤمنين رضي الله عنهما، فقال: " يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى" (6) .   (1) ... انظر المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز لأبي شامة ص 85، 60. (2) ... المصاحف لابن أبي داود ص 17. (3) ... الإبانة عن معاني القراءات لمكي بن أبي طالب ص 37. (4) ... انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري 19/20. (5) ... النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/7. (6) ... من حديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: " كتاب فضائل القرآن "، " باب جمع القرآن " ص894، رقم الحديث 4987. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 197 فقام عثمان بن عفان الخليفة الراشد بكتابة المصاحف على اللفظ الذي استقر عليه العمل في العرضة الأخيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمشورة الصحابة رضي الله عنهم واتفاق منهم، فأخذ المسلمون بها وتركوا ما خالفها (1) . ومن هنا ظهر العمل بالمقياس القرّائي الذي يعتبر شرطا أساسا في الحكم على القراءة، وهو موافقة الرسم العثماني، وكل قراءة خالفت هذا الرسم عند جمهور العلماء لا تُعدّ متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن ثبتت فإنها منسوخة بالعرضة الأخيرة (2) . فلا تصح القراءة بما خالف الرسم العثماني من أوجه القراءة وإن صح نقلها، وهذا هو أحد الأركان الثلاثة لصحة القراءة، والركنان الآخران هما: ثبوت القراءة بالنقل الصحيح، وموافقتها للغة العربية. أما شرط النقل فقد تقدم آنفا، وأما شرط العربية فمنشؤه من إنزال القرآن على لسان العربية، قال الله تعالى: (وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين ((3) . ومقياس العربية أشبه بالوصف، لأن القراءة إذا صحت نقلا لزم أن تصح عربية. وبعد: فيمكننا القول: إن شروط قبول القراءات التي اعتمدها أهل السنة والجماعة (4) كانت أصولها منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، واكتملت بالتحديد بعد العرضة الأخيرة، حيث لا تجوز القراءة إلا بما أقرأ به الرسول صلى الله عليه وسلم من أوجه القراءات واتصل به، ووافق ما رسم عليه المصحف على مقتضى العرضة الأخيرة، ووافق لغة القرآن، فلا جرم أن تلك الأركان مستقاة مما تواتر نقله عن الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا النحو.   (1) انظر المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز لأبي شامة ص 171. (2) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/395. (3) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/395. (4) انظر مقدمة الجامع المعروف بسوق العروس للطبري (1/أ) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 198 وما كان لهذه الشروط أن يرتكز عليها أهل السنة والجماعة لولا اعتمادها على نصوص الشريعة وأصولها، ولاسيما أن الأمر يختص بالقرآن الكريم، فما خالف هذه الشروط من أوجه القراءات فهو منسوخ أو باطل أو شاذ (1) ، ولا يمكن اعتقاد ذلك والحكم به إلا بدليل من القرآن والسنة، " إذ لا نسخ بعد انقطاع الوحي، وما نُسخ بالإجماع، فالإجماع يدل على ناسخ قد سبق في نزول الوحي من كتاب أو سنة" (2) ، وما يقال في النسخ يقال فيما شابهه من الأحكام المذكورة آنفا القاضية ببطلان ما خرج عن تلك الأصول، ولهذا قال العلماء:" القراءة سنة" (3) ، قال إسماعيل القاضي: (ت 282 هـ) في معنى ذلك:" أحسبه يعني هذه القراءة التي جُمعت في المصحف (4) ". وقد عمل القراء بهذا الميزان إقراء وتأليفا في الحكم على القراءات، كما جاءت الإشارة إليه في أوائل مصنفاتهم، فقال أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ) - وهو أول إمام معتبر جمع القراءات (5) بعد أن ناقش أحد أوجه القراءات علل حكمه بأنه اجتمعت له الشروط الثلاثة المذكورة، حيث قال: " اجتمعت له المعاني الثلاثة من أن يكون مصيبا في العربية وموافقا للخط وغير خارج عن قراءة القراء" (6) . وعلى هذا الأساس اعتمد مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) ما يقبل من القراءات وما لا يقبل (7) .   (1) انظر الإبانة عن معاني القراءات ص 31 والنشر في القراءات العشر 1/9. (2) المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز ص 155. (3) السبعة في القراءات لابن مجاهد ص 50. (4) المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز ص 170. (5) انظر النشر في القراءات العشر ص 1/33. (6) إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل لابن الأنباري 1/311. (7) انظر الإبانة عن معاني القراءات ص 39. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 199 وقد ظل هذا المعيار هو الحكم الذي يُحتكم إليه عند اختلاف أوجه القراءات، ولا سيما بعد أن كثر الاختلاف فيما يحتمله الرسم، وكثر أهل البدع الذين قرؤوا بما لا تحل تلاوته (1) . وكلما تقادم الزمن كثر القراء وانتشروا، وخلفهم أجيال بعد أجيال في طبقات متتابعة، فمنهم المجوّد للتلاوة المشهور بالرواية والدراية، ومنهم المقتصر على وصف من هذه الأوصاف، وكثر بسبب ذلك الاختلاف، وكاد يختلط المتواتر بالشاذّ، فانبرى جهابذة العلماء فميزوا ذلك وحرروه وضبطوه في مؤلفاتهم (2) . قال الحافظ ابن الجزري (ت 833 هـ) :"وإذا كان صحة السند من أركان القراءة كما تقدم تعين أن يعرف حال رجال القراءات كما يعرف أحوال رجال الحديث، لا جرم اعتنى الناس بذلك قديما، وحرص الأئمة على ضبطه عظيما، وأفضل من علمناه تعاطى ذلك وحققه، وقيد شوارده ومطلقه، إماما الغرب والشرق الحافظ الكبير الثقة أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني مؤلف التيسير وجامع البيان وتاريخ القراء وغير ذلك ومن انتهى إليه تحقيق هذا العلم وضبطه وإتقانه ببلاد الأندلس والقطر الغربي، والحافظ الكبير أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمداني مؤلف الغاية في القراءات العشر وطبقات القراء وغير ذلك ومن انتهى إليه معرفة أحوال النقلة وتراجمهم ببلاد العراق والقطر الشرقي. ومن أراد الإحاطة بذلك فعليه بكتابنا غاية النهاية في أسماء رجال القراءات أويى الرواية والدراية" (3) .   (1) انظر لطائف الإشارات لفنون القراءات للقسطلاني 1 /66. (2) انظر إبراز المعاني في حرز الأماني لأبي شامة ص4. (3) النشر في القراءات العشر 1/193. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 200 ثم إن الحافظ ابن الجزري (ت 833 هـ) جمع ما انتهى إليه من سبقه في مصنفاته المنيفة، ويأتي في مقدمتها الكتاب المذكور غاية النهاية وكتابه النشر في القراءات العشر ومنظومته طيبة النشر، ومن ثم عكف الشيوخ عليها تأليفا وإقراء، فاشتهر علم التحريرات الذي يعنى بعزو أوجه القراءات إلى طرقها ومصنفاتها، في دقة متناهية مع بيان الجائز منها والممنوع حال الإقراء، وآخر ما انتهى إليه هذا العلم تحقيقا وتأليفا وإقراء هو الإمام محمد بن أحمد المتولي (ت 13 13هـ) الملقب بابن الجزري الصغير، إذ عليه مدار الإقراء وبه تلتقي جل أسانيد القراء، فهو بجدارة إمام مدرسة القراءات في العصر الحديث (1) . ولئن استمر العمل في تحرير القراءات والحكم عليها بعد ابن الجزري فإنه لن ينقطع بالمتولي، وهو مجال رحب للقراء والباحثين. أهمية الحكم على القراءات القراءات ميراث خالد اختصت به هذه الأمة من بين سائر الأمم، وعلم القراءات علم جليل، له من الرواية ذروة سنامها، ومن الدراية صافي دررها، وإحكام مبانيها والتبحر في مقاصدها والغوص في معانيها بحر لا ساحل له وغور لا قاع له. وعلم القراءات ليس له حد ينتهي إليه، فمجالاته عديدة وفروعه متشعبة، وطرق أسانيده لا تكاد تستقصى، ومعاني وجوه القراءات لا تكاد تنقضي، فكلما أنعم الباحث النظر في تصاريفها تجددت معانيها في حلل أبهى. وتجيء مكانة الحكم على القراءات في أولويات القيم العلمية لهذا النوع من العلوم الشرعية.   (1) انظر كتاب الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات ص 8، 332، 375. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 201 قال الحافظ ابن الجزري (ت 833 هـ) في سياق تعداد فوائد علم القراءات:" ومنها بيان فضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم، من حيث تلقيهم لكتاب ربهم هذا التلقي، وإقبالهم عليه هذا الإقبال، والبحث عن لفظةٍٍ لفظةٍ، والكشف عن صِيغةٍ صِيغةٍ، وبيان صوابه، وبيان تصحيحه، وإتقان تجويده حتى حموه من خلل التحريف، وحفظوه من الطغيان والتطفيف، فلم يهملوا تحريكا ولا تسكينا، ولا تفخيما ولا ترقيقا، حتى ضبطوا مقادير المدات وتفاوت الإمالات وميزوا بين الحروف بالصفات، مما لم يهتد إليه فكر أمة من الأمم، ولا يُوصل إليه إلا بإلهام بارئ النسم " (1) . وتشتمل الأهمية العلمية للحكم على القراءات على الجوانب العقدية والفقهية. أما الجانب العقدي: فإن ما قُطع على صحته يكفر من جحده لأنه من القرآن، وكل قراءة ثبتت على هذا النحو فهي مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، كلاهما حق يجب الإيمان بهما والعمل بهما، وسواء كانتا قراءتين أم أكثر، وأما ما لم يقطع على صحته فإنه لا يكفر من جحده، لأن ذلك من موارد الاجتهاد التي لا يلحق النافي ولا المثبت فيها تكفير ولا فسق، والأولى أن لا يُقدم على الجزم بردّ قرآنيته، وأما ما لم يثبت نقله ألبته أو جاء من غير ثقة فلا يقبل أصلا (2) . وأما الجانب الفقهي: فهو منبثق من الجانب العقدي، إذ ما قطع عليه من القراءات بكونه قرآنا جازت القراءة به في الصلاة وخارجها، وما لم يقطع بصحته فقد اختُلف فيه (3) .   (1) النشر في القراءات العشر 1/53. (2) انظر فضائل القرآن لأبي عبيد 2/152 والإبانة عن معاني القراءات ص 39 والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 8/292 ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/ 391، 398، والنشر في القراءات العشر 1/14. (3) انظر المصادر السابقة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 202 والقراءة الصحيحة المقروء بها لا خلاف في الاحتجاج بها، والأظهر أن الشاذ من القراءات إذا صح نقله فإنه يحتج به في الأحكام وإذا لم يصح نقله فلا يجوز الاستدلال به في الأحكام (1) . وينبغي أن يحمل ذلك على ما جاء في التفسير واللغة أيضا، فلا يُستند فيها إلا على قراءة صحيحة ولو كانت منقولة نقلا آحادا، كما أن القراءة إذا ثبتت وجب قبولها وعدم ردها ولو أباها بعض النحويين (2) . حقا فدراسة القراءات والحكم عليها ذات أهمية فائقة، وتبرز هذه الأهمية في سائر فروع القراءات ومجالاتها النقلية والعقلية، ولا سيما في معايير قبول القراءات واختيارها، وفي مقدمتها أركان قبول القراءة السالفة الذكر. ولا تزال القيمة العلمية في ذلك ذات أهمية فائقة، وبخاصة في القراءات التي لا يقرأ بها الآن، وأكثرها يذكر في الكتب غير معزو بَلْهْ بيان نوعها ودرجتها، وربما أُخذ بها في الأحكام الفقهية والمعاني التفسيرية والقواعد اللغوية وغيرها، وإذا اتضح أن ما كان كذلك من القراءات لا يحتج به إلا إذا كان بنقل صحيح فإن البحث فيها من أولى المهمات. الفصل الثاني: أنواع القراءات ومراتبها، ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: ما يُقرأ به وما لا يُقرأ به. المبحث الثاني: مراتب القراءات. أنواع القراءات ومراتبها كان لأحوال القراءات التاريخية أثر بين في تنوعها، وتعتبر العرضة الأخيرة المرحلة التي عليها الاعتماد، ولا سيما بعد الجمع العثماني (3) ، ومن ثم فإن ما خالف الرسم أقل رتبه مما وافقه أو احتمله. كما أن لنقل القراءات والمشافهة بها أثرا في تفاوت القراءات وتفاضلها، إذ تتنوع بحسب رواتها كثرة وقلة وقوة وضعفا.   (1) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 34/43. (2) انظر فضائل القرآن لأبي عبيد 2/154 ودراسات لأسلوب القرآن الكريم 1/1. (3) انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري 19/36. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 203 وثمة اعتبارات أخرى تعطي القراءات مجالا أوسع في تعداد أنواعها، وسيتناول هذا المبحث منها ما يخص الحكم منها، حيث ستتم دراسة القراءات من جهة المقروء به وغير المقروء به، ومراتب كل منهما. ما يُقرأ به وما لا يُقرأ به ليس كل ما يُروى من القراءات تجوز القراءة به الآن، وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يُعوّل عليه في ذلك؟ أهو ما جاء عن القراء السبعة أو عن العشرة؟ أو ما توفرت فيه أركان صحة القراءة وإن كان عن غير السبعة والعشرة؟ أو أن المعتمد عليه في ذلك ما ورد في كتب القراءات أو كتب معينة منها ككتاب السبعة والشاطبية والنشر؟ والحق أن الذي يجب أن يعول عليه ما نقل متواترا مشافهة، واستمرّ على هذا النحو، حيث ورد عن غير واحد من الصحابة والتابعين أن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول (1) ، وعن علي بن أبي طالب (ت 40 هـ) رضي الله عنه أنه قال:" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل كما عُلّم " (2) . وذلك أن القراءات لا تضبط إلا بالتلقي والسماع من الشيوخ ومشافهتهم بها كما أخذوها عمن قبلهم هكذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يمثل الشرط الأول في أركان القراءة، وهو صحة النقل، والشرطان الآخران وهما الرسم والعربية لازِمان لهذا النوع من القراءات المقروء بها (3) .   (1) انظر السبعة لابن مجاهد ص 51، 52. (2) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 182 واللفظ له، وأحمد في مسنده 7/88 رقم الحديث 3981، والطبري في تفسيره 1/12، والحاكم في مستدركه 2/223 وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن مجاهد في السبعة ص 47. (3) انظر النشر في القراءات العشر 1/10. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 204 وليس كل ما شُوِفهَ به يُقرأ به اليوم، بل لابد من اتصاله بأهل العصر، ولذلك فإن كثيرا من القراءات كان يقرأ بها (1) ، بيد أن انقطاع إسنادها مشافهة لقصور الهمم أدى إلى إهمالها ومن ثم لم تتصل، وعليه فلا تجوز القراءة بها الآن. والذي عليه قراءة هذا العصر هو ما اتصل بالقراء العشرة، وهم: ابن عامر الشامي (ت 118 هـ) وابن كثير المكي (ت 120 هـ) وعاصم بن أبي النَّجود (127 هـ) وأبو عَمرو البصري (ت 154 هـ) وحمزة الزيات (ت 156 هـ) ونافع المدني (ت 169 هـ) والكسائي (ت 189 هـ) والثلاثة الذين يكتمل بهم العشرة، وهم أبو جعفر المدني (130 هـ) ويعقوب الحضرمي (ت 205 هـ) وخلف البزار (ت 229 هـ) . وليس كل ما يُعزى إلى هؤلاء يُقرأ به، بل لا يقرأ إلا بما ثبت عنهم على وجه المشافهة دون انقطاع (2) . وليس لأحد أن يقرأ بأوجه القراءات المقروء بها عن الأئمة العشرة إلا إذا شافهه بها، لأن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول كما تقدم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ) : " ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة، ولكن من لم يكن عالما بها أو لم تثبت عنده ... فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه" (3) . والذي لا يقرأ به أكثر مما يقرأ به، فإن في سورة الفاتحة ما يناهز خمسين اختلافا من غير المقروء به، وفي سورة الفرقان نحو مائة وثلاثين موضعا (4) .   (1) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/329. (2) انظر الدراسة التطبيقية في هذا البحث المثال (1) ، (3) . (3) انظر دقائق التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن تيمية 1/70. (4) انظر التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 8/302 وفتح الباري بشرح صحيح البخاري 19/46. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 205 وما ترك من القراءات له أصل في الشرع، وإلا كانت الأمة آثمة بعدم أدائه، وهذا الأصل هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الأحرف السبعة: " فاقرؤوا ما تيسر منه " (1) ، حيث دلّ الحديث على أن نقل جميع حروف القراءات ليس نقل فرض وإيجاب، وإنما كان أمر إباحة وترخيص (2) ، وبذلك يظهر وجه علّة الأوجه والروايات التي كان يقرأ بها في الأمصار عن الأئمة السبعة أو العشرة ثم اندثرت، مثال ذلك قول الحافظ أبي العلاء (ت 569 هـ) في مقدمة غايته: " فإن هذه تذكرة في اختلاف القراء العشرة الذين اقتدى الناس بقراءتهم، وتمسكوا فيها بمذاهبهم من أهل الحجاز والشام والعراق " (3) ، ثم ذكر بعد ذلك رواتهم ومنهم شجاع ابن أبي نصر (190 هـ) وأبو زيد الأنصاري (ت 215 هـ) عن أبي عمرو البصري (ت 154 هـ) ، وقتيبة ابن مِهْران (ت بعد 200 هـ) عن الكسائي (ت189 هـ) وغيرهم، في حين أن روايات هؤلاء وأمثالهم لا يقرأ بها الآن (4) .   (1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، " باب أنزل القرآن على سبعة أحرف " ص 895، رقم الحديث 4992، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، " باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف " ص 329، رقم الحديث [1899] . (2) انظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 1/28 ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/396. (3) غاية الاختصار في القراءات العشر للحافظ أبي العلاء 1/3. (4) وانظر نحو هذا المثال في مفردة نافع للداني ص 6، وقلما تخلوا كتب القراءات في مقدماتها من هذا القبيل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 206 وأما ما يذكر في كتب القراءات على وجه القراءة مع مخالفته للرسم فقد حمله أكثر العلماء على وجه التعليم فحسب، وذلك من أجل الاستفادة في الأحكام الشرعية والأدبية (1) . مراتب القراءات تختلف مراتب أوجه القراءات على أنواع شتى، فمن أوجهها المتواتر والمشهور والآحاد والضعيف، ومنها المسند على وجه الأداء والتلاوة، والمسند على وجه الرواية دون تلاوة، ومنه المذكور في كتب أهل العلم دون إسناد ومنها ما لا أصل له ... ، غير أنها كلها تؤول إلى نوعين، وهما: النوع الأول: القراءة المتواترة. النوع الثاني: القراءة الشاذة. أولا القراءة المتواترة: وهي القراءات التي اشتملت على شروط صحة القراءة المشهورة، وهي السند والرسم والعربية.   (1) انظر التمهيد لما في الموطأ من معاني وأسانيد لابن عبد البر 8/292 والقول الجاذّ لمن قرأ بالشاذّ للنويري1/75 ولطائف الإشارات لفنون القراءات للقسطلاني 1/37. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 207 والمقصود بالسند: ثبوت الوجه من القراءة بالنقل الصحيح عن الثقات (1) ، وهو غير معدود عندهم من الغلط أو مما شذ به بعضهم (2) ، وقد اختلفت تعبيرات العلماء في ذلك اختلافا يوهم التناقض، فمنهم من نص على الآحاد (3) ، ومنهم من قيده بالشهرة والاستفاضة (4) ، ومنهم من صرح بالتواتر وهم الأكثرون (5) ، وقد استبان بعد النظر في أقوالهم أن الخلاف صوري، فمن نظر إلى أسانيد القراء من جهة نظرية على ما هو مذكور في أسانيد مصنفاتهم وجد كثيرا من أوجه الاختلاف تشتمل على أسانيد آحادية أو مشهورة، ومن نظر إليها من جهة الوقوع عدها متواترة وأجاب بأن انحصار الأسانيد ولو كانت آحادية في طائفة معينة لا يمنع مجيء القراءات عن غيرهم إذ مع كل واحد منهم في طبقته ما يبلغها حد التواتر، لأن القرآن قد تلقاه من أهل كل بلد الجم الغفير طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل، ولو انفرد أحد بوجه دون أهل تلك البلد لم يوافقه على ذلك أحد (6) "، ومما يدل على هذا ما قاله ابن مجاهد: قال لي قُنبل: قال لي القوّاس: في سنة سبع وثلاثين ومائتين الق هذا الرجل يعني البَزِّي فقل له: هذا الحرف ليس من قراءتنا،يعني (وما هو بميت ((7) مخففاً، وإنما يخفف من الميت من قد مات، ومن لم يمت فهو مشدد، فلقيت البَزِّي فأخبرته فقال: قد رجعت عنه " (8) .   (1) انظر الإبانة عن معاني القراءات ص 39 وبيان السبب الموجب لاختلاف القراءات وكثرة الطرق والروايات ص 245. (2) انظر لطائف الإشارات لفنون القراءات 1/68. (3) انظر إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني ص 30. (4) انظر التجبير في علم التفسير للسيوطي ص 141. (5) انظر القول الجاذّ لمن قرأ بالشاذّ ص 57. (6) انظر لطائف الإرشادات 1/78 وإتحاف فضلاء البشر 1/72. (7) سورة إبراهيم، الآية 17. (8) منجد المقرئين ومرشد الطالبين ص 207، وانظر مزيداً من الشواهد في جمال القراء 1/234. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 208 وحيث إن القراءات العشر المقروء بها في هذا العصر على هذا النحو فإنها هي المتواترة، وما عداها فهو الشاذّ، إذ انقطاع الإسناد من جهة المشافهة لأي وجه من القراء مسقط له، ولو تواتر الإسناد نظريا في الكتب، وذلك أن في القراءات وجوها لا تحكمها إلا المشافهة، بله إذا صح إسناده ولم يتصل مشافهة. والتواتر المذكور يختص بأوجه القراءات بصفة عامة، وليس كل ما كان من قبيل الأداء متواتر، بل منه الصحيح المستفاض المتلقى بالقبول، كمقادير المد الزائدة على القدر المشترك بين أهل الأداء، غير أنه ملحق بالمتواترة حكما لأنه من القرآن المقطوع به، قال الحافظ ابن الجزري (ت833 هـ) : " ونحن ما ندعي التواتر في كل فرْدٍ مما انفرد به بعض الرواة أو اختص ببعض الطرق، لا يدّعي ذلك إلا جاهل لا يعرف ما التواتر؟ وإنما المقروء به عن القراء العشرة على قسمين: متواتر، وصحيح مستفاض متلقى بالقبول، والقطع حاصل بهما " (1) . وقال أيضا: " فإنه إذا ثبت أن شيئا من القراءات من قبيل الأداء لم يكن متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كتقسيم وقف حمزة وهشام وأنواع تسهيله، فإنه وإن تواتر تخفيف الهمز في الوقف عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتواتر أنه وقف على موضع بخمسين وجها ولا بعشرين وجها، ولا بنحو ذلك، وإنما إن صح شيء منها فوجه، والباقي لاشك أنه من قبيل الأداء " (2) . ولعل هذا النوع من الأوجه المختلف فيها بين القراء هو الذي جعل بعض العلماء لا يشترط التواتر. والمقصود بموافقة الرسم:   (1) منجد المقرنين ومرشد الطالبين ص 91. (2) المصدر السابق ص 196. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 209 أن تكون القراءة موافقة لأحد المصاحف العثمانية المشهورة، سواء كانت تحقيقا وهي الموافقة الصريحة، أو كانت الموافقة تقديرية وهي الاحتمالية، فإنه قد خولف صريح الرسم في مواضع كثيرة إجماعا نحو: " الصلوة "و" الزكوة "، وبذلك وردت بعض القراءات نحو قراءة " مالك " في سورة الفاتحة بالألف مع أنها مرسومة بدون ألف، فاحتمل أن تكون مرادة كما حذفت من "الرحمن" و " إسحق " (1) . والمقصود بموافقة العربية: أن تكون القراءة على سنن كلام العرب ولهجاتها التي وافقت الأحرف السبعة، وإن لم تكون مشهورة لدى النحويين، قال الإمام الداني (ت 444 هـ) : " وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية، إذا ثبتت لم يردها قياس عربية، ولا فشو لغة، لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها " (2) . وأي وجه من القراءات توفرت فيه تلك الشروط فهو من القرآن الذي يجب الإيمان به، ويكفر من جحده (3) . وجمهور العلماء على جواز الاختيار بين تلك القراءات، واختياراتهم في ذلك مشهورة، " وأكثر اختياراتهم إنما هو في الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة أشياء: قوة وجهه في العربية وموافقته للمصحف واجتماع العامّة عليه " (4) ، إلا أنه ينبغي التنبيه على شيء، وهو أنه قد تُرجّح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحاً يؤدي إلى إسقاط القراءة الأخرى أو إنكارها، وهذا غير مرضي، لأن كلتيهما متواترة (5) .   (1) انظر المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز ص 171 والنشر في القراءات العشر 1/11. (2) جامع البيان في القراءات السبع المشهورة للداني (172/ ب) . (3) انظر الإبانة عن معاني القراءات ص 39. (4) انظر المصدر السابق ص65، وفيه أن العامة ما اتفق عليه أهل المدينة وأهل الكوفة، أو ما اتفق عليه أهل الحرمين. (5) انظر البرهان في علوم القرآن 1/339. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 210 وأما تفضيل ما يعزى إلى القراء السبعة على ماعداهم من القراء العشرة في القراءات المتواترة فهو من حيث الشهرة فحسب، أما من حيث التواتر فالقراءات السبع والعشر سواء (1) . ثانيا القراءة الشاذة: وهي القراءة التي فقدت أحد الأركان الثلاثة لصحة القراءة، وقد لخص ابن الجزري ذلك بقوله: وحيثما يختل ركن أثبتِ شذوذه لو أنه في السبعةِ (2) وقوله رحمه الله: " لو أنه في السبعة " يشير إلى أن الاعتماد في صحة أي وجه من وجوه القراءات على ما استجمع تلك الأوصاف، وليست العبرة بمن تنسب إليهم، فالقراء السبعة أو العشرة مع شهرتهم رُوي عنهم ما خرج عن أوصاف القراءة الصحيحة، وحينئذ ينبغي أن يحكم على ما كان كذلك بالشذوذ (3) ، ولذلك قال أبو العباس الكوَاشي (ت 680 هـ) : " ... فعلى هذا الأصل بني قبول القراءات عن سبعة كانوا أو سبعة آلاف، ومتى فقد شرط من هذه الثلاثة فهو شاذّ" (4) . وقال أبو شامة (ت 665 هـ) : " كل قراءة اشتهرت بعد صحة إسنادها وموافقتها خط المصحف ولم تنكر من جهة العربية فهي القراءة المعتمد عليها، وما عدا ذلك فهو داخل في حيز الشاذّ والضعيف، وبعض ذلك أقوى من بعض " (5) . ويتضح مما سبق أن مصطلح الشذوذ عند القراء مصطلح خاص، يقصد به ما خرج من أوجه القراءات عن أركان القراءة المتواترة. وكما أن القراءات المتواترة على مراتب فكذلك القراءات الشاذة تتفاضل أيضا بحسب إسنادها قوة وضعفا، وبحسب رسمها مخالفة وموافقة، وبحسب عربيتها فصاحة ونحوا وتصريفا (6) .   (1) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/393 ومنجد المقرئين ومرشد الطالبين ص102. (2) طيبة النشر ص 32. (3) انظر الدراسة التطبيقية من هذا البحث، المثال (1) . (4) لطائف الإشارات لفنون القراءات 1/67. (5) المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز 178. (6) انظر الدراسة التطبيقية، المثال (2) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 211 ويندرج في القراءات الشاذة ما لم يصح سنده من المنكر والغريب والموضوع (1) . وامتنع بعض المحققين من إطلاق الشاذ على ما لم ينقل أصلا وإن صح لغة ورسما، وسموه مكذوبا (2) . واعتبر بعض القراء وطوائف من أهل الكلام أن جميع ما روي من القراءات الخارجة عن المصاحف العثمانية محمولة على وجه التفسير وذلك بناء على أن تلك المصاحف اشتملت على جميع الأحرف السبعة، فما خرج منها فهو ليس من الأحرف السبعة أصلا،وهذا النوع على هذا المذهب أشبه بأنواع المدرج في علم الحديث. وذهب أئمة السلف وأكثر العلماء إلى أن المصاحف العثمانية لم تشتمل على جميع الأحرف السبعة، وإنما اشتملت على جزء منها، وأن الجمع العثماني منع من القراءة مالا يحتمله خطه، وعليه فإن ما كان كذلك فهو من القراءات الشاذة وليس من التفسير، ولكن حكمه حكم التفسير بل أقوى (3) . ومذهب السلف هو الأسلم والأولى، وهو الموافق لتاريخ القراءات، وبه لا تنخرم إحدى القواعد المعتبرة التي اعتمدها أهل السنة والجماعة في تصحيح القراءة أو تشذيذها، وهي السند والرسم والعربية، وذلك يقتضي أن كل قراءة خرجت عن رسم المصاحف العثمانية قراءة شاذة وليست تفسيرا.   (1) انظر التجبير في علم التفسير ص142. (2) انظر منجد المقرئين ومرشد الطالبين ص 84 ولطائف الإشارات لفنون القراءات1/72. (3) انظر فضائل القرآن لأبي عبيد ص154 وبيان السبب الموجب لاختلاف القراءات وكثرة الطرق والروايات ص 243 ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/397،401 والإتقان في علوم القرآن 1/266. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 212 وينبغي التنبه هنا على أن المقصود باشتراط العربية ذا بُعد يرجع إلى نزول القرآن على لسان العرب، وإلى أن أحرفه السبعة لا تخرج عن لهجات العرب، وحينئذ فإن الوجه إذا ثبت نقله واستقام رسمه فلا يحكم عليه بالشذوذ لمجرد طعن بعض النحاة ومن تبعهم، بل القراءة هي الحاكمة والحجة، فكيف إذا كان مقروءا بها في الأمصار والمحاريب، ويرحم الله الإمام ابن مالك (ت672 هـ) إذ انتصر لأحد الوجوه التي أنكرت في قوله: وعمدتي قراءةُ ابن عامرِ * وكم لها من عاضد وناصري (1) . وأغلب ما وصف بالشذوذ من القراءات كان بسبب مخالفة الرسم العثماني أو بسبب عدم توافر النقل، وليس من أجل مخالفة العربية، إلا في النادر، مما نقله ثقة ولا وجه له في العربية، ولا يصدر مثل هذا إلا سهوا بشريا، وقد نبه عليه المحققون والقراء الضابطون (2) . الفصل الثالث: الخطوات العلمية للحكم على القراءات، ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: الحكم على القراءة عن طريق مصادرها. المبحث الثاني: الحكم على القراءة من خلال دراستها. الخطوات العلمية للحكم على القراءات الخطوات الرئيسة في الحكم على أي قراءة، تكون من خلال ما يلي: الحكم على القراءة عن طريق مصادرها. الحكم على القراءة من خلال دراستها. فإنه من خلال استقراء نصوص أئمة القراء في الحكم على القراءات استبان أن محاور أحكامهم تعتمد على هذين المحورين، فأول ما يُرجع إليه مصدرها، وهو الذي من خلاله يعرف ما إذا كانت القراءة مقروءاً بها عند أهل الأداء   (1) الكافية الشافية ص53. (2) انظر النشر في القراءات العشر 1/16. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 213 أو لا، فإن كانت من القراءات المقروء بها فهي قراءة متواترة يجب الإيمان بها والعمل بها، وإن لم تكن كذلك درست في ضوء أقوال العلماء فيها للوقوف على درجتها صحة وضعفا. ولا يخفى ما بين هذين المحورين من ترابط يثري المادة العلمية وإن كان لكل قراءة طبيعتها التي تستدعي الأخذ بهما أو بأحدهما. الحكم على القراءة عن طريق مصادرها يمكن تصنيف الكتب التي يستمد منها الحكم على القراءات وهي كتب القراءات المسندة إلى أربعة أنواع: المصادر التي تضمنت القراءات المتواترة المقروء بها إلى وقتنا الحاضر. المصادر التي تضمنت القراءات التي توفرت فيها شروط الصحة، إلا أنه انقطع إسنادها من جهة المشافهة بها، في بعض وجوه القراءات. المصادر التي تضمنت القراءات دون مراعاة لشروط الصحة. المصادر التي تضمنت القراءات الشاذة. أما المصادر التي تضمنت القراءات المتواترة إلى وقتنا الحاضر فإن أئمة القراء في الوقت الحاضر يجعلونها على قسمين: القسم الأول: مصادر القراءات العشر الصغرى، وهي حرز الأماني ووجه التهاني المعروفة بالشاطبية في القراءات السبع للإمام القاسم بن فِيرُّه الشاطبي (ت 590 هـ) وتحبير التيسير في القراءات العشر للحافظ أبي الخير محمد ابن الجزري (ت833 هـ) وسُميت بالعشر الصغرى لأنها أخذت عن كل راو طريقاً واحداً فقط، وينضوي تحت تلك المصادر كل من وافقها من الكتب أو أَسند إليها، ومن أشهرها غيث النفع في القراءات السبع من طريق الشاطبية للصفاقسي (ت 1118 هـ) والدرّة المضيّة في القراءات الثلاث للحافظ ابن الجزري (ت 833 هـ) والبدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة من طريق الشاطبية والدرّة للشيخ عبد الفتاح القاضي (ت 1403 هـ) . القسم الثاني: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 214 مصادر القراءات العشر الكبرى، وهي التي اعتمدت عن كل راو ثمانية طرق أصلية، ولذلك أُطلق عليها العشر الكبرى، وهي في النشر في القراءات العشر وتقريب النشر وطيبة النشر، كلاها للحافظ ابن الجزري (ت 833 هـ) ، وكذلك من وافقه كما في إتحاف فضلاء البشر للبنا الدمياطي (ت 1117 هـ) فيما يرويه عن القُرَّاء العشرة. وهنا أمران ينبغي التنبيه لهما، وهما: الأمر الأول: أن الأوجه التي في القراءات العشر الصغرى قد تضمنتها القراءات العشر الكبرى إلا أربع كلمات زادت فيها الدرة وجها آخر لابن وردان ليس في الطيبة، وهي (لايخرج ((1) بضم الياء وكسر الراء، (فيغرقكم ((2) بالتأنيث وتشديد الراء، (سقاية (و (عمارة ((3) بضم أولهما وحذف الياء من (سقاية (وحذف الألف من (عمارة (. الأمر الثاني: حيث إنه ربما يشق على غير المتخصصين الرجوع إلى جميع المصادر المذكورة في هذا النوع من القراءات، وهي القراءات المتواترة التي عليها الاعتماد عند علماء العصر الحاضر، فإنه يمكن للباحث الرجوع إلى كتاب إتحاف فضلاء البشر للبنا الدمياطي (ت 1117 هـ) فيما يرويه عن القراء العشرة، فإن هذا الكتاب قد اشتمل على المتواتر عن هؤلاء العشرة، لأنه تضمن النشر وطيبته وتقريبه وشروحها وما يدور في فلكها (4) .   (1) سورة الأعراف، الآية 58، وانظر شرح الدرة للزبيدي ص 309. (2) سورة الإسراء،الآية 69، وانظر المصدر السابق ص69. (3) سورة التوبة، الآية 19، وانظر المصدر السابق ص 323. (4) انظر إتحاف فضلاء البشر 1/64. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 215 وهذا الكتاب بمثابة النثر للطيبة والتهذيب للنشر، وذلك أن ابن الجزري لم يذكر في طيبته مما أورده في النشر إلا ما كان معمولا به عند علماء الأداء، ولا يخفى ما في النشر من كثرة طرقه وتشعبها وما في الطيبة من صعوبة من جهة نظمها ورموزها، فالخلاصة أن إتحاف فضلاء البشر من أيسر مصادر هذا النوع وأحسنها عرضاً وترتيباً، وهو من الكتب الأساسية في الحكم على القراءات، ومعرفة ما يقرأ به منها، فهو كما قيل:" كل الصيد في جوف الفَرا " (1) . أما المصادر التي تضمنت القراءات التي توفرت فيها شروط الصحة إلا أنه انقطع إسنادها من جهة المشافهة بها فهي كثيرة، ولا يقرأ بشيء منها الآن إلا فيما اتصل إسناده على وجه المشافهة مما تضمنته المصادر السابقة وعلى رأسها كتاب النشر في القراءات العشر الذي حوى زهاء سبعين مصدرا من أمهات كتب القراءات (2) . وأشهر المصادر التي في هذا النوع السبعة للإمام ابن مجاهد (ت 324 هـ) فهذا الكتاب مع شهرته إلا أنه قد انقطع العمل ببعض رواياته وأوجه قراءاته مشافهة (3) ، وأمثاله كثير (4) . فما وجد من أوجه القراءات في هذه الكتب وثبت أنه لا يُقْرأ به الآن فإنه يحكم عليه بالشذوذ لفقده شرط اتصال السند مشافهة، وهو قليل، لأن الغالب من تلك المصادر قد تضمنه كتاب النشر في القراءات العشر أو وافقه.   (1) انظر كتاب الأمثال لأبي عبيد ص35. (2) انظر النشر في القراءات العشر 1/58 – 98. (3) انظر الدراسة التطبيقية في هذا البحث، المثال (1) . (4) انظر منجد المقرئين ومرشد الطالبين ص87. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 216 وأما المصادر التي تضمنت القراءات دون مراعاة لشروط الصحة، فقد نص عليها ابن الجزري (ت 833 هـ) في قوله رحمه الله: " ومنهم من ذكر ما وصل إليه من القراءات، كسبط الخياط، وأبي معشر في الجامع، وأبي القاسم الهُذلي، وأبي الكرم الشَّهْرزوري، وأبي علي المالكي، وابن فارس، وأبي علي الأهوازي، وغيرهم، فهؤلاء وأمثالهم لم يشترطوا شيئاً، وإنما ذكروا ما وصل إليهم، فيرجع إلى كتاب مقتدى ومقرئ مقلد" (1) . وهذا النص يشير إلى أن المصادر من هذا النوع اشتملت على المتواتر والشاذ، فما وافق المصادر المعتبرة المقروء بها كان متواترا، وما خرج عنها حكم عليها بالشذوذ. وعبارة ابن الجزري: " أو مقرئ مقلّد " تشير إلى أن الاقتصار في الحكم على كتاب " مقتدى" غير كاف، بل لابد أن ينضم إليه ما عليه العمل عند قراء كل عصر. وأما المصادر التي تضمنت القراءات الشاذة فكمختصر شواذّ ابن خالويه (ت 370 هـ) والمحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها لابن جني (ت 392 هـ) والتقريب والبيان في معرفة شواذّ القرآن للصفراوي (ت 636 هـ) وشواذ القرآن واختلاف المصاحف للكرماني، وغيرها، فهذه الكتب وأمثالها أصل مادتها القراءات الشاذة، فما حوته من القراءات حكم عليها بالشذوذ، إلا أن يكون الوجه من القراءة مستعملا في القراءات المتواتر (2) ، فما كان كذلك فهو معدود في المتواتر، وإن نسب في تلك المصادر إلى غير القراء العشرة المشهورين، لأن العبرة باستيفاء الشروط وليس بمن تنسب إليهم القراءة، على أنها عند الاستقراء لا تخرج عن الأئمة العشرة كما سبق بيانه. الحكم على القراءة من خلال دراستها   (1) المصدر السابق ص 88. (2) انظر الدراسة التطبيقية، المثال (3) ، (4) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 217 لقد حظيت حروف القرآن العظيم على اختلاف قراءاته بنقل العلماء، ولكن إن فات شيء فهو نزر يسير، وأما أكثره وجملته فمنقول محكي عنهم، فجزاهم الله عن حفظهم الحروف والسنة أفضل الجزاء وأكرمه (1) . وهذه الحروف منثورة في كتب القراءات المتخصصة وغيرها، أما كتب القراءات فقد سبق الحديث عنها آنفا، وأما الكتب الأخرى فلا شك أن ما اشتملت عليه مما خرج عن القراءات المتواترة أنه من الشاذّ. وإذا تأصّل أنه لا تبنى الأحكام الفقهية والمعاني التفسيرية إلا على ما ثبت فلا جرم أن معرفة درجتها من الأهمية بمكان، وذلك أن الشذوذ في القراءات لا يقتضي الضعف، وإنما يمنع من القراءة بها فحسب. وتقوم دراسة تلك القراءات على الاعتبار بأقوال أئمة القراء والعلماء في أسانيد الطرق والروايات ووجوه القراءات، وتشكل هذه الأقوال والنصوص مادة غنية تساعد الباحث على معرفة درجة القراءة، وينبغي عند الحاجة إلى الرجوع إليها أن يراعى ما يلي: أن بحث الحكم لا يحتاج إليه إلا في القراءات التي انقطع إسنادها، فلا يقرأ بها في العصر الحاضر، لأن القراءة إذا كان مقروءا بها فذلك يكفي دليلا على تواترها، ولا حاجة للبحث عنها أصلا بل يجب الإيمان بها والعمل بها مطلقا، لأنه مقطوع بصحتها. وما جاء عن بعض العلماء مما يوهم تضعيف بعض القراءة المتواترة أو ردها فهو إما أن يكون صادرا عن غير ذوي الاختصاص فهذا مردود عليه، كما هو مشهور عند بعض النحاة، وقد تصدى علماء القراءات للردّ عليهم بما لا مزيد عليه. وإما أن يكون صادرا عن بعض ذوي الاختصاص، فهذا ينبغي أن يرجع فيه إلى أقوال العلماء الآخرين، لحمل تلك الأقوال على محمل حسن أو ردها على صاحبها، فكل يؤخذ منه ويرد إلا نصوص الشرع المطهر، وكفى بتواتر القراءة ردا على من تكلم فيها أو طعن فيها.   (1) انظر التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 8/ 314. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 218 ولعلّ الذين تكلموا في بعض القراءات الثابتة كان بسبب أنها لم تصل إليهم، فهذا الإمام أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) كره قراءة حمزة، فلما تبين له تواترها رجع عن كراهيته تلك (1) ، على أن هذه الكراهية يمكن أن تحمل على الكراهية النفسية وليست الشرعية، والكراهية النفسية بمثابة الاختيار، وهو جائز عند العلماء ما لم يؤدّ إلى إسقاط الروايات الأخرى وإنكارها كما سبق بيانه (2) . وهذا ابن جرير الطبري (ت 310 هـ) ثبت ما يدل أنه لم يكن يقصد باختياراته رد القراءات الصحيحة، حيث قال: " كل ما صح عندنا من القراءات أنه علّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته من الأحرف السبعة التي أذن الله له ولهم أن يقرؤوا بها القرآن فليس لنا اليوم أن نخطئ من قرأ به إذا كان ذلك موافقا لخط المصحف، فإذا كان مخالفا لخط المصحف لم نقرأ به ووقفنا عنه وعن الكلام فيه ". المعوّل عليه في الحكم على نقد القراء ما تضمنته طبقات القراء، ومن أشهرها معرفة القراء الكبار للحافظ الذهبي (ت 748 هـ) وغاية النهاية للحافظ ابن الجزري (ت 833هـ) . كما يمكن الاعتبار بكتب الطبقات الأخرى، مع التأكد أن ما وصف به أحد القراء فيها من ضبط أو جرح يختص بالقراءات، قال الحافظ الذهبي (ت 748 هـ) في ترجمة أبي عمر الدُّوري (ت 246 هـ) : " وقول الدّارقطني: ضعيف، يريد في ضبط الآثار، أما في القراءات فثبت إمام، وكذلك جماعة من القراء أثبات في القراءة دون الحديث، كنافع والكسائي وحفص، فإنهم نهضوا بأعباء الحروف وحرروها، ولم يصنعوا ذلك في الحديث، كما أن طائفة من الحفاظ أتقنوا الحديث، ولم يحكموا القراءة، وكذا شأن كل من برّز في فن ولم يعتن بما عداه " (3) .   (1) انظر طبقات الحنابلة للقاضي ابن أبي يعلى 2/374 والفروع لابن مفلح 1/422. (2) انظر مراتب القراءات من هذا البحث. (3) سير أعلام النبلاء 11/543. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 219 3- لا يقتضي حكم أحد الأئمة على قراءة بأنها صحيحة جواز القراءة بها اليوم، لأن الحكم ربما يقتضي الصحة التي لا ترقى إلى التواتر القرآني، وربما تكون متواترة عند من حكم بها في عصره أو بلده فحسب، ثم انقطع إسنادها من قِبل المشافهة (1) . وثمة وجوه من القراءات رويت أو ذكرت ولم يعثر على نص إمام معتبر فيها أو فيمن نسبت إليه، والغالب فيما كان كذلك أن يكون موغلا في الشذوذ، فهو في أدنى درجاته، ولا طائل من البحث وراءه. الفصل الرابع: الدراسة التطبيقية على الحكم على الدراسة التطبيقية على الحكم على القراءات ستعنى هذه الدراسة بما سبق في الدراسة النظرية، ولذا اقتضى البحث أن يشتمل، كل مثال على المسائل التالية: أ- نص القراءة المراد دراستها. ب- مصادر القراءة والقراء الذين قرؤوا بها. ج- الحكم على القراءة. د- تعليل الحكم. هـ- أهم النتائج. * * * المثال الأول: أ- (غِشاوة ((2) : بكسر الغين ونصب التاء ب- رواتها ومصادرها: رويت هذه القراءة في جميع أنواع مصادر القراءات عدا المصادر التي تضمنت القراءات المتواترة المقروء بها. وفيما يلي ذكر المصادر التي وردت فيها والقراء الذين قرؤوا بها: 1- المصادر التي تضمنت القراءات التي توفرت فيها شروط الصحة إلا أنه انقطع إسنادها من جهة المشافهة بها، وعزتها إلى المُفضَّل الضَّبّي (ت 168 هـ) عن عاصم بن أبي النَّجود (ت 127 هـ) (3) .   (1) راجع مبحث " ما يقرأ به وما لا يقرأ به " فيما سبق من هذا البحث. (2) سورة البقرة، الآية 7. (3) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ص 140 والتذكرة في القراءات الثمان لابن غلبون 2/248 وغاية الاختصار للحافظ أبي العلاء 2/403. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 220 2- المصادر التي تضمنت القراءات دون مراعاة لشروط الصحة، وعزتها إلى المُفضَّل، (ت 168 هـ) وأبَان بن يزيد عن عاصم، وحفص (ت 180 هـ) وشعبة (ت 193 هـ) من بعض طرقهما عن عاصم أيضا، وأبي حيوة شريح بن يزيد (ت 230 هـ) وإبراهيم بن أبي عبلة (ت 151 هـ) . 3- المصادر التي تضمنت القراءات الشاذة، وعزتها إلى المفَّضل وابن أبي عبلة المذكورين في المصادر السابقة، وإلى الحارث بن نبهان عن عاصم ابن أبي النجود، وشعبة من طريق يحيى بن آدم (ت 203 هـ) وغيره عن عاصم (1) . ج- الحكم على القرآءة: قراءة (غشاوةً ((2) نصباً شاذّة. د- التعليل: وقع حكم الشذوذ على هذه القراءة من جهة إسنادها، وذلك من عدة وجوه: انقطاع إسنادها على وجه المشافهة. تفرّد المفضَّل الضبِّي بروايتها في المصادر التي اشترطت الصحة، وما تفرّد به عن عاصم فهو شاذّ (3) . لأنه ضعيف في القراءات (4) ، قال ابن الجزري: "تلوت بروايته القرآن من كتابي المستنير لابن سِوار والكفاية لأبي العزّ وغيرهما مع شذوذ فيها " (5) . ورودها في غير مصدر من كتب الشواذّ. أما من حيث الرسم والعربية فهي موافقة لهما، ووجهها في اللغة العربية على تقدير وجعل على أبصارهم غشاوة (6) . هـ- أهم النتائج: ليس كل ما يروى عن القراء السبعة أو العشرة أو عن أحد من رواتهم يكون متواتراً، فهذا عاصم وراوياه: شعبة وحفص رويت عنهم هذه القراءة وهي شاذة، لكن ثبت عنهما الوجه المتواتر في المصادر التي اشتملت على المتواتر.   (1) انظر مختصر في شواذ القرآن لابن خلوية ص2 والتقريب والبيان في شواذ القرآن واختلاف المصاحف للكرماني (19/ب) (2) سورة البقرة، الآية 7. (3) انظر معرفة القراء الكبار 1/275. (4) انظر الجرح والتعديل للرازي 8/318 والمصدر السابق. (5) غاية النهاية في طبقات القراء 2/307. (6) إعراب القراءات الشواذ للعكبري 1/117. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 221 اشتمال الكتب التي اشترطت الصحة على قراءات لا يقرأ بها اليوم، ومنها السبعة لابن مجاهد (ت 324 هـ) (1) . المثال الثاني: أ- (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج ((2) بزيادة " في مواسم الحج ". ب- رواتها ومصادرها: وردت هذه القراءة عن بعض الصحابة والتابعين في عدد من مصادر القراءات والحديث والتفسير، وغيرها، وفيما يلي ذكرها: مصادر القراءات: وردت في بعض الكتب المختصة بالشاذة، وعزتها إلى ابن عباس (ت 68هـ) رضي الله عنه وعكرمة (ت 106 هـ) وعمرو بن عبيد (ت 144 هـ) (3) . وخلت منها كتب القراءات الأخرى فيما بين يدي من المصادر. المصادر الأخرى المسندة: وروتها عن ابن عباس رضي الله عنه وعكرمة أيضاً (4) . المصادر الأخرى غير المسندة: ذكرتها عن ابن مسعود (ت 32 هـ) وابن الزبير (ت 73 هـ) وابن عباس رضي الله عنهم (5) . ج- الحكم على القراءة: زيادة " في مواسم الحج " بعد قوله تعالى - (فضلا من ربكم (قراءة شاذة، وإسنادها صحيح. " وحكمها عند الأئمة حكم التفسير " (6) . د- التعليل:   (1) انظر قراءات أخرى شبيهة بهذا المثال في كتاب السبعة المذكور ص181، 189،194. (2) 93) سورة البقرة، الآية 198. (3) انظر مختصر في شواذ القرآن ص 12 وشواذ القرآن واختلاف المصاحف (37/ب) . (4) انظر فضائل القرآن بي عبيد ص107 وصحيح البخاري، كتاب البيوع، باب ما جاء في قول الله عز وجل: (فإذا قضيت الصلاة (، ص 329 رقم الحديث 205. وجامع البيان عن تأويل القرآن 2/ 282. (5) انظر المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 2/ 173 وتفسير البحر المحيط 2/ 94. (6) فتح الباري شرح صحيح البخاري 8/78. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 222 هذه القراءة مخالفة لرسم المصحف، ولذلك حكم بشذوذها، وإن كانت قد وردت بأسانيد صحيحة (1) . وهي من القراءات التي كان مأذونا بها قبل العرضة الأخيرة أو الرسم العثماني المجمع عليه، ثم نسخت تلاوته (2) . هـ- أهم النتائج: أن القراءة إذا خالفت الرسم العثماني فهي شاذة وإن ثبتت بالأحاديث الصحيحة. المثال الثالث: أ - (الم ((3) بفتح الميم من غير همز بعدها. فتكون ألِفْ لَام مِّيمَ حسِب. ب - رواتها ومصادرها: ثبتت هذه القراءة في جلّ مصادر القراءات عن ورش وغيره، وفيما يلي تفصيلها: المصادر التي روت القراءات المتواترة المقروء بها وروتها عن ورش (ت197 هـ) عن نافع (ت169 هـ) ، وعن حمزة (ت156 هـ) بخلف عنه وقفا على (حسب (، ويجوز لمن قرأ بالنقل القصر والطول في ميم (4) . وأورد ابن الجزري (ت833 هـ) عن أبي جعفر (ت130 هـ) أصل النقل عنه ولم يعتمده (5) . المصادر التي اشترطت الصحة، ولكنها لم تتصل جميع أوجهها على وجه المشافهة، وروتها عن ورش وحمزة (6) . المصادر التي لم تشترط الصحة، وروتها عن ورش وأبي جعفر وحمزة بِخُلْف عنه (7) .   (1) انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري 9/135، وانظر نظير هذا الاختلاف في صحيح البخاري كتاب التفسير باب " وما خلق الذكر والأنثى " ص884 رقم الحديث 4944. (2) انظر فتح الباري 18/360. (3) سورة العنكبوت، الآية 1. (4) انظر النشر 1/408،434 وإتحاف فضلاء البشر 2/348 وغيث النفع ص 317. (5) انظر النشر 1/409. (6) انظر الإقناع لابن الباذش 1/388، 432، والكنز للواسطي ص 66، 215 والمفتاح للقرطبي 1/235، 254. (7) انظر الكامل في القراءات الخمسين (134/أ، ب) والمصباح الزاهر في القراءات العشر البواهر 3/1197، 1205. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 223 المصادر المختصّة بالشواذ، وروتها عن ورش وأبي جعفر (1) . ج- الحكم على القراءة: فتح سكون الميم حالة وصلها ب (أحسب (قراءة متواترة، وعليها العمل عن ورش، وعن حمزة حالة الوقف على (أحسب (دون وصلها بما بعدها. د - التعليل: انبثق الحكم على هذا الوجه من خلال مصادر القراءات المقروء بها، وهو مستوف للشروط المعتبرة عند علماء القراءات، إسناداً ورسماً وعربية، أما الإسناد فهو يتصل بقارئين من الأئمة السبعة، وهما نافع من رواية ورش، وحمزة، ورويت عن أبي جعفر كما سبق،وأما الرسم فهو في غاية الظهور، (وأما وجههه في العربية فعلى نقل حركة الساكن إلى قبلها، وهو لغة مشهورة لبعض العرب سواء أكان وصلاً أم وقفاً (2) . ولا وجه لمن ضعف وجه النقل في هذا الحرف لغة (3) ، فإن القراءة إذا ثبتت لا يضرها تضعيف النحاة أو غيرهم لها. هـ- أهم النتائج: إذا وردت القراءة في المصادر المقروء بها وغيرها، فالمعول على ما تضمنته المصادر التي عليها العمل. أن كتاب المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات قد اشتمل على بعض القراءات المتواترة كغيره من كتب القراءات المختصة بالشواذ، وكذلك العكس، فربما ورد في المصادر التي اشترطت الصحة شيء من الشواذ، والتحقق من معرفة ذلك بالمقارنة بين جميع تلك المصادر والتعويل على التلقي واستمرار المشافهة. أن الحكم بالتواتر والشذوذ يصدق على أصول القراءات كما يصدق على فرشها، خلافا لمن فرّق بينهما (4) ، إذ الخلاف بين القراء في هذا الحرف معدود من قبل الأصول.   (1) انظر المحتسب في تبين وجوه شواذ القراءات 2/ 158 والتقريب والبيان في معرفة شواذ القرآن 1/106، 125. (2) انظر الكشف عن أوجه القراءات 1/95 وإبراز المعاني من حرز الأماني ص166 والنشر في القراءات العشر 1/408، 428. (3) ... انظر المحتسب 2/158. (4) انظر منجد المقرئين ص 186. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 224 أنه ربما رُوي عن بعض السبعة أو العشرة وجوه غير معمول بها عنهم، وإن عمل بها عند غيرهم، فهذا أبو جعفر قد روي عنه النقل، لكن لا (يقرأ به عنه. اختار بعض العلماء التحقيق فيما يجوز فيه النقل كما في هذا الحرف (1) ، وذلك يدل على جواز الاختيار حتى وإن كان الوجه الذي لم يقع عليه الاختيار مقروءاً به، كما يدل على التفاضل بين وجوه القراءات وتفاوت مراتبها من حيث الدراية. المثال الرابع: أ- (ثلثي ((2) : بإسكان اللام. ب- رواتها ومصادرها: وردت هذه القراءة في جميع أنواع مصادر القراءات، وهي: المصادر التي حوت القراءة المتواترة المقروء بها، وعزتها إلى هشام بن عمّار (ت 245 هـ) عن ابن عامر (ت 118 هـ) من جميع الطرق (3) . المصادر التي تضمنت القراءات الصحيحة إلا أنه انقطع إسنادها من جهة المشافهة، وعزتها إلى هشام عن ابن عامر من أكثر طرقه (4) ، ولذلك أهملتها بعض المصادر كما في غاية ابن مهران (ت 381 هـ) وإرشاد أبي العز القلانسي (ت 291 هـ) . المصادر التي لم تشترط الصحة، وروتها من أشهر الطرق عن هشام عن ابن عامر (5) ، ورويت عن قنبل (ت 120 هـ) ، وآخرين (6) .   (1) ... انظر الكشف عن وجوه القراءات 1/93. (2) ... سورة المزمل، الآية 20. (3) انظر حرز الأماني ووجه التهاني ص89 والنشر في القراءات العشر 1/217 وإتحاف فضلاء البشر 2/569، وغيث النفع ص 375. (4) انظر السبعة ص658 والتلخيص في القراءات الثمان ص450 والكافي لابن شريح 223 والكنز للواسطي ص256. (5) انظر مفردة ابن عامر الشامي للداني ص229 والمبهج لسبط الخياط ص792 والمنتهي للخزاعي ص 624 وبستان الهداة لابن الجندي ص 373. (6) انظر الكامل في القراءات الخمسين (245 / ب) وقرة عين القراء (207/ب) ورواها أبو علي في الحجة 6/337 عن شبل عن ابن كثير، وهي في البحر المحيط 8/366 عن شيبة وأبي حيوة وابن السَّمِيفع وآخرين. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 225 المصادر المختصة بالقراءات الشاذة، وعزتها إلى ابن عامر وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج (ت117) والحسن البصري (ت110 هـ) (1) ج- الحكم على القراءة: إسكان ضم اللام من (ثلثي (قراءة متواترة. د- التعليل: اجتمع في هذه القراءة الأركان الثلاثة، إذ هي من القراءات المتواترة، واستمرار العمل بها إلى وقتنا الحاضر أقوى الأدلة على تواترها، وهي ثابتة في مصادر القراءات العشر الصغرى والكبرى، ومما يشهد لهذا التواتر روايتها عن قراء آخرين غير هشام عن ابن عامر. فالقراءة مستقيمة من حيث الإسناد والرسم، ومن حيث العربية أيضاً، لأن الإسكان جائز إما تخفيفاً وإما لغة (2) . هـ- أهم النتائج: اشتمال كتب الشواذ على بعض القراءات المتواترة، ولذلك ينبغي الحيطة من الاستعجال في إطلاق الشذوذ على القراءة لمجرد وجودها في كتب الشواذ، بل لابد من الرجوع إلى مصادر القراءات الأخرى للتثبت من عدم ورودها فيها. إن تتبع القراءة في أكثر مصادرها يساعد على الكشف عن قراء آخرين، مما يدفع القول بعدم تواتر بعض القراءات المقروء بها، ففي هذا المثال لم يتفرّد هشام بالإسكان، بل شاركه عدد من الرواة والقراء يصدق عليهم حد التواتر. خلوّ بعض المصادر الصحيحة من بعض أوجه القراءات المعتبرة لا يخدش في ثبوتها في المصادر الأخرى، لأن المعتمد في كتب القراءات الرواية والمشافهة، فالأصل أن المصنف لا يثبت إلى ما رواه أو شافهه به، وغاية ما يدل عليه اختلاف المصادر عن أحد القراء أو الرواة أن الوجهين المذكور والمتروك وردا عنه حسب الطرق التي أدت تلك الروايات والقراءات إلى تلك المصادر. المثال الخامس:   (1) انظر مختصر في شواذ القرآن لابن خالوية ص 164 وشواذ القرآن واختلاف المصاحف (252/أ) . (2) انظر الكشف عن وجوه القراءات السبع 2/346 وشرح الهداية 1/234، 2/541. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 226 أ - (فلا يخاف عقباها ((1) بالفاء مكان الواو في " ولا ". ب – رواتها ومصادرها: رواها ابن عامر الشامي (ت 118 هـ) وأبو جعفر المدني (ت 130 هـ) ونافع المدني (ت 169 هـ) وقد تضمنتها جميع مصادر أنواع القراءات (2) ، عدا المصادر الشاذة. ج - الحكم: ... القراءة بالفاء مكان الواو قراءة متواترة. د – التعليل: ... توافر لهذا الوجه أركان صحة القراءة، فمن حيث السند روتها المصادر غير الشاذة، ومن حيث الرسم كونها في مصاحف أهل المدينة والشام رسمت كذلك (3) ، ومن حيث العربية الفاء عطف على قوله: (فكذبوه فعقروها ((4) . هـ- أهم النتائج: ... أن المصاحف العثمانية اختلفت في رسم بعض المواضع (5) ، وجميعها معتبر به في القراءات، وليس ذلك مثل الذي في المثال الثاني من هذه الدراسة، لأن ما جاء على نحو هذا المثال (فلا (، (ولا (فهو من المثبت بين اللوحين (6)   (1) سورة الشمس، الآية 15. (2) انظر السابعة لابن مجاهد ص 689 وجامع البيان للداني (197 / ب) وغاية الاختصار للحافظ أبي العلاء 2/718 والنشر لابن الجزري 2/401 وغيرها. (3) انظر السبعة لابن مجاهد ص689 وهجاء مصاحف الأمصار ص121. (4) انظر الحجة لأبي علي الفارسي 6/420. (5) انظر حصر هذه المواضع في فضائل القرآن لأبي عبيد ص 156، وهي اختلافات يسيرة جداً. (6) انظر المصدر السابق ص162. المصادر والمراجع الإبانة عن معاني القراءات، مكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق: محيي الدين رمضان، دمشق، دار المأمون للتراث، 1399 هـ. إبراز المعاني ِمِِن حرز الأماني، أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي، تحقيق: إبراهيم عطوة عوض، مصر، مصطفى البابي الحلبي 1402 هـ. إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر، أحمد بن محمد البنا (الدمياطي، تحقيق: د. شعبان محمد إسماعيل، بيروت (دار عالم الكتب) ، القاهرة (الكليات الأزهرية) ، 1407هـ. الإتقان في علوم القرآن، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: مركز الدراسات والبحوث، الرياض، مكتبة نزار الباز 1417 هـ. إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي الشوكاني، بيروت، دار المعرفة. إعراب القراءات الشواذ للعكبري، أبو البقاء عبد الله بن الحسين العُكبري، تحقيق: محمد السيد عزّوز، 1417 هـ، بيروت، عالم الكتب. الإقناع في القراءات السبع، أحمد بن علي بن الباذش، تحقيق: د. عبد المجيد قطامش، مكة المكرمة، مركز البحث العلمي، 1403هـ. الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات، إبراهيم بن سعيد الدوسري، الرياض، مكتبة الرشد، 1420 هـ. الأمثال، أبو عُبيد القاسم بن سلاّم، تحقيق د. عبد المجيد قطامش، بيروت، دار المأمون للتراث، 1400 هـ. إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل، أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري، تحقيق: محيي الدين رمضان، 1390 هـ، دمشق، مجمع اللغة العربية بدمشق. البحر المحيط في تفسير القرآن، أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي، الطبعة الثانية 1403هـ، بيروت، دار الفكر. البرهان في علوم القرآن، محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. بستان الهداة، في اختلاف الأئمة والرواة، أبو بكر بن الجندي بن آيدُغْدي، تحقيق حسين العواجي، المدينة المنورة، رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية، 1416هـ. بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات وكثرة الطرق والروايات (ضمن مجموع بعنوان نصوص محققة) ، أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي، تحقيق: أ.د. حاتم صالح الضامن، بغداد، وزارة التعليم العالي. التحبير في علم التفسير، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: د. فتحي عبد القادر، القاهرة، دار المنار، 1406 هـ. التذكرة في القراءات الثمان، طاهر بن عبد المنعم ابن غلبون، تحقيق: أيمن رشدي سويد جدة، الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، 1412هـ. التقريب والبيان في معرفة شواذ القرآن، عبد الرحمن بن عبد المجيد الصفراوي، تحقيق: أحسن سخاء بن محمد أشرف الدين، المدينة المنورة، رسالة دكتوراه في الجامعة الإسلامية 1410هـ. التلخيص في القراءات الثمان، أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري، تحقيق: محمد حسن عقيل، جدة، الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم 1412هـ. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري، تحقيق: محمد الفلاح، المغرب، الطبعة الثانية، 1402 هـ. جامع البيان عن تأويل آي القرآن،أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، 1388هـ. جامع البيان في القراءات السبع، أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، مخطوط، محفوظ بدار الكتب المصرية رقم الحفظ 1966. الجامع المعروف بسوق العروس، أبو معشر عبد الكريم ابن عبد الصمد الطبري (مخطوط) جزء فيه الأصول،نسخة برلين. جمال القراء وكمال الإقراء، علي بن محمد السخاوي، تحقيق: د. علي البواب، مكة المكرمة، مكتبة التراث، 1408 هـ. الجرح والتعديل، عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، بيروت، دار إحياء التراث العربي. الحجة للقراء السبعة،أبو علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي، تحقيق: بدر الدين قهوجي وبشير جويجاتي، دمشق، دار المأمون. حرز الأماني ووجه التهاني (الشاطبية) ، أبو القاسم بن فيرُّة الشاطبي، تصحيح: علي بن حسن الضباع، القاهرة، مصطفى البابي الحلبي 355هـ. اختلاف المصاحف، محمد ابن أبي نصر الكرماني، مخطوط،محفوظة بدار الكتب المصرية برقم 20073 ب. دراسات لأسلوب القرآن الكريم، د. محمد عبد الخالق عضيمة، القاهرة، دار الحديث. دقائق التفسير (الجامع لتفسير ابن تيمية) ، تحقيق: د. محمد السيد الجليند، الطبعة الثانية، بيروت، مؤسسة علوم القرآن 1404 هـ. السبعة في القراءات، أحمد بن موسى بن مجاهد، تحقيق: د. شوقي ضيف، الطبعة الثانية، القاهرة، دار المعارف. سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وزملائه، بيروت، مؤسسة الرسالة. شرح الدرة، عثمان بن عمر الزبيدي، تحقيق: عبد الرازق علي إبراهيم، صيدا، المكتبة العصرية، 1409هـ. شرح الهداية، أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي، تحقيق: د. حازم حيدر، الرياض، مكتبة الرشد، 1416 هـ. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري الطبعة الثانية 1421 هـ، الرياض، دار السلام (طبعة خاصة بجهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني) . صحيح مسلم، مسلم ابن الحجاج النيسابوري، الطبعة الثانية 1421 هـ، الرياض، دار السلام (طبعة خاصة بجهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني) . طبقات الحنابلة،محمد ابن أبي يعلى الحنبلي، تحقيق: د. عبد الرحمن العثيمين، الرياض، الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة، 1419 هـ. طيبة النشر في القراءات العشر، محمد بن محمد ابن الجزري، عناية الشيخ محمدتميم الزعبي، جدة،دار الهدى،1414 هـ. غاية الاختصار، أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني، تحقيق: أشرف طلعت، جدة، الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، 1414هـ. غاية النهاية في طبقات القراء، محمد بن محمد بن الجزري، بيروت، دار الكتب، الطبعة الثالثة 1402هـ. غيث النفع في القراءات السبع، علي النوري الصفاقسي، القاهرة، مصطفى البابي الحلبي الطبعة الثالثة، 1373هـ. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن علي ابن حجر، تحقيق: عبد الرؤوف وزميليه، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، 1398هـ. فضائل القرآن ومعالمه وآدابه، أبو عُبيد القاسم بن سلاّم، تحقيق: أحمد الخياطي،المغرب، مطبعة فضالة، 141ِ5 هـ. الفروع،محمد ابن مفلح الحنبلي، بيروت، عالم الكتب، الطبعة الثالثة 1402 هـ. قرّة عين القراء، إبراهيم بن علي القوّاس المَرَندي، مخطوط مصور في جامعة الإمام في الرياض، رقم الحفظ 6029. القول الجاذّ لمن قرأ بالشاذّ، أبو القاسم محمد بن محمد النويري، تحقيق: أبو سنة (ملحق بشرح الطيبة للنويري ص 46 –88) ، مصر، مطبعة الأميرية 1406 هـ. الكامل في القراءات الخمسين، أبو القاسم يوسف بن جبارة الهذلي، مخطوط، نسخة رواق المغاربة في الأزهر، رقم 369. الكافية الشافية في علم العربية، محمد بن مالك الطائي، مكة المكرمة، 1332 هـ. الكافي في القراءات السبع،محمد بن شريح الرعيني، تحقيق: أحمد محمود الشافعي، بيروت، دار الكتب العلمية. الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، مكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق: د. محيي الدين رمضان، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1401هـ. الكنز في القراءات العشر، عبد الله ابن عبد المؤمن الواسطي، تحقيق: هناء الحمصي، بيروت، دار الكتب العلمية. لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور، بيروت، دار صادر. لطائف الإشارات لفنون القراءات، أحمد بن محمد القسطلاني، تحقيق: الشيخ عامر السيد عثمان، د. عبد الصبور شاهين، القاهرة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية1392هـ. مجموع فتاوي شيخ الإسلام بن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكة المكرمة، مكتبة النهضة. المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، أبو الفتح عثمان ابن جني الموصلي، تحقيق على النجدي ناصف، د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي، دار سزكين، الطبعة الثانية 1406هـ. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، عبد الحق ابن عطية الأندلسي، تحقيق: عبد الله الأنصاري وزملائه، 1398 هـ، الدوحة. المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي، تحقيق: د. طيار آلتي قولاج، بيروت، دار صادر، 1395 هـ. المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، (إشراف يوسف المرعشلي،بيروت، دار المعرفة. المستنير في القراءات العشر، أبو طاهر أحمد ابن سِوار، تحقيق: أحمد طاهر أويس، رسالة دكتوراه، المدينة المنورة، الجامعة الإسلامية 1413هـ. المسند، أحمد ابن حنبل، حقق: تحت إشراف د. عبد الله التركي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1413 هـ. المصاحف، ابن أبي داود السجستاني،بيروت، دار الكتب العلمية، 1405 هـ. المصباح الزاهر في القراءات العشر البواهر، المبارك بن الحسن الشهرزوري، تحقيق: إبراهيم بن سعيد الدوسري، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، رسالة دكتوراه،1414 هـ. المبهج في القراءات،سبط الخياط، (عبد الله بن علي البغدادي) تحقيق: د. عبد العزيز بن ناصر السبر، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، رسالة دكتوراه، 1404 هـ. مختصر في شواذ القرآن، الحسين أحمد ابن خالويه، بعناية برجشتراسر، مكتبة القاهرة. معرفة القراء الكبار، محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: د. طيار آلتي قولاج، إستانبول، مركز البحوث الإسلامية، 1416 هـ. المفتاح في اختلاف القراء السبعة، عبد الوهاب بن محمد القرطبي، تحقيق: فهد المغذّوي، المدينة المنورة، الجامعة الإسلامية، رسالة ماجستير، 1421 هـ. مفردة نافع (المفردات السبع) ، أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، مصر، مكتبة القرآن. المنتهي، أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي، تحقيق: محمد شفاعت رباني، المدينة المنورة، الجامعة الإسلامية، رسالة دكتوراه، 1415 هـ. منجد المقرئين ومرشد الطالبين، محمد بن محمد ابن الجزري، تحقيق: علي العمران، مكة المكرمة، دار عالم الفوائد، 1419 هـ. النشر في القراءات العشر، محمد بن محمد بن الجزري، إشراف علي الضباع، بيروت، دار الكتب العلمية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 227 * * * الخاتمة: ... بعون من الله تعالى وتوفيقه تيسرت دراسة معالم منهج الحكم على القراءات، وذلك من خلال إيضاح مفهوم الحكم على القراءات وبيان أصالته التاريخية وأهميته العلمية في الجوانب العقدية والفقهية، وتحديد أنواع القراءات ومراتبها، وفق الشروط التي اعتمدها أهل السنة والجماعة في قبول القراءة أوردها، وهي نقل الثقات، وموافقة الرسم تحقيقا أو احتمالا، وكونها غير خارجة عن لسان العربية. وقد عني البحث بالخطوات العلمية للحكم على القراءات، وذلك عن طريق استقراء مصادرها، ودراستها في ضوء أقوال العلماء فيها للوقوف على درجة كل قراءة صحة وضعفاً. ... كما عني بالجانب التطبيقي، حيث تضمن دراسة نماذج متنوعة من القراءات المتواترة والشاذة حسب المعايير المعتبرة في الحكم على القراءات. ومن ثم انتهى هذا البحث إلى نتائج متعددة، ومن أهمها: إن القراءات تقع على قسمين أساسين، وهما: القراءات المتواترة، وهي القراءات العشر التي عليها عمل القراء إلى وقتنا الحاضر. القراءات الشاذة، وهي ما عدا تلك القراءات العشر. شروط قبول القراءات الثلاث يرجع أصلا إلى العرْضة الأخيرة، وهي مستقاة مما تواتر نقله عن الرسول صلى الله عليه وسلم. القراءات المقروء بها اليوم هي القراءات العشر، وكلها متواترة، وما كان منها صحيح مستفاض مما هو من قبيل الأداء فهو ملحق بالمتواتر حكما، لأنه من القرآن المقطوع به. ليس كل ما يعزى إلى القراء السبعة أو العشرة تجوز القراءة به، بل لا بد من اتصال المشافهة والتلقي. ليس كل ما حكم بصحته تجوز القراءة به، إذ لا بد من استمرار النقل على وجه المشافهة. كتاب إتحاف فضلاء البشر من أيسر الكتب وأجمعها لمعرفة ما يقرأ به في الوقت الحاضر، وذلك عن القراء العشرة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 228 ربما وقع في الكتب التي اشترطت الصحة قراءات شاذة ككتاب السبعة، وكذلك العكس، فربما وقع في الكتب المختصة بالشاذ قراءات متواترة ككتاب المحتسب. كل ما وافق القراءات السبع أو العشر المتواترة لا يجوز الحكم عليه بالشذوذ، لأن العبرة بوجه القراءة لا بمن نسبت إليه. لا يجوز رد القراءات المتواترة أو الطعن فيها، وما ورد عن بعض الأئمة في ذلك فإنه يحمل على وجه الاختيار. إذا ثبتت القراءة فلا يضرها تضعيف النحاة أو غيرهم لها. تتبع القراءة في أكثر مصادرها يساعد على الكشف عن قراء آخرين، مما يدفع تفردها عن أحد من القراء أو الرواة أو الطرق أو الكتب. خلو بعض المصادر من بعض أوجه القراءات لا يخدش فيما ذكر من القراءات الثابتة في نظائرها من المصادر الأخرى، وإنما يدل على ورود الوجهين المذكور والمتروك عن القارئ حسب الطرق التي أدت تلك الروايات والقراءات إلى تلك المصادر. مذهب السلف أن كل قراءة خالفت الرسم فهي شاذة وليست تفسيراً، ولكن حكمها حكم التفسير. مصطلح الشاذ عند القراء ما افتقد منه أحد أركان صحة القراءة الثلاثة المشهورة. أن وصف الشذوذ في القراءة لا يقتضي الضعف في الشاذ جميعه، وإنما يقضي بمنع القراءة بها. ولقد تأكد من خلال هذا البحث أمران مهمان للغاية يجب العناية بهما، وهما: أولاً: المحافظة على تلقي القراءات العشر المتواترة واستمرار المشافهة بها، وتلقينها للناشئة جيلاً إثر جيل. ثانياً: نشر مصادر القراءات المتواترة والشاذة. فهذان أمران بإذن الله تعالى يضمنان الحفاظ على القراءات ويحميانها من الاندثار، ويبرزان محاسنها للعالمين. وبعد: فإن هذا البحث لا يعدو إلا أن يكون إسهاما ضئيلاً ومحاولة لإيضاح ملامح الحكم عند علماء القراءات، ولعلّ الباحثين في هذا العلم يبرزون تلك الملامح في دراسات واسعة ومتنوعة. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على خاتم المرسلين، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 229 من محتويات سورة هود على الدعوة إلى الله الدكتور محمد ولد سيدي ولد حبيب الأستاذ المساعد بقسم الدعوة- كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى ملخص البحث تعرضت في هذا البحث لأصول دعوة الأنبياء لاشتمال سورة هود على الكثير من ذلك فذكرت عرضاً عن قصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين وسلم، كما ذكرت من شأن هذه السورة أنها هي وأخواتها: عم يتساءلون، إذا الشمس كورت، والمرسلات شيبت رسول الله (وذكرت في البحث مكانة الاستقامة وعظم أمرها حيث أمر بها رسول الله (وموسى وهارون وبينت أن هذه السورة بدئت بالهدف المقصود من العباد وهو إفراد الله وحده بالعبادة، واختتمت به، كما بينت أن الغيب لا يعلمه إلا الله وإن الملائكة لا يعلمون منه إلا ما علمهم الله، كما أوضحت أن إرسال الرسل وإنزال الكتب إنما هو من أجل إقامة توحيد الله في أرضه. * * * مقدمة: الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيّنا محمَّد وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. أمّا بعد: فإِنَّه لمّا كانت الرسل عليهم صلوات الله وسلامه هم مصدر الدعوة إلى الله، وكانوا الأسوة الحسنة، والقدوة المتّبعة في شئون الدعوة؛ كان لزامًا على الدعاة أن يقفوا على دعواتهم ويقتدوا بهم في كلّ مراتب دعواتهم ليتعلّموا طريق الدعوة وأساليبها ومناهجها ووسائلها من خلال قصصهم في القرآن الكريم، لأنّ الله ما قصّ علينا قصصهم في كتابه إِلاَّ لنقتفي أثرهم ونعتبر بحالهم فنصبر كما صبروا، وندعو كما دعوا، ونتسلى بما أصابهم. ولمّا كانت سورة هود (من السور الَّتي ذكر الله فيها جزءًا كبيرًا من قصص الرسل، وكيف صبروا على أذى المدعوين وسخريتهم، وكيف كانت عاقبة مكذّبيهم؛ جعلتها موضوعًا لهذا البحث المتواضع. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 230 فسورة هود تعرّضت لقصص الأنبياء بالتفصيل، فقد تعرّضت لدعوة نوح وهود وصالح وشعيب وموسى عليهم وعلى نبيّنا أتمّ الصلاة والتسليم، وبدأت بقصة نوح (لأَنَّه الأب الثَّاني للبشر من بعد الطوفان، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ((1) ، وهو أطول الأنبياء عمرًا، وأكثرهم بلاءً وصبرًا، فقد صبر على الدعوة ألف سنة إِلاَّ خمسين عامًا وهو يدعوهم إلى الله، ولم يؤمن به في هذه المدّة إِلاَّ القليل، كما قال تعالى: (وَمَاءَامَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ ((2) . ثُمَّ ثنّت بذكر قصّة نبي الله هود، ثُمَّ قصّة صالح، ثُمَّ شعيب، ثُمَّ موسى، وختمت بتوجيه الخطاب لخاتم الرسل محمَّد (بالاستقامة والصبر والثبات على الدعوة إلى الله: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ((3) . وأعقبت ذلك ببيان الحكمة من ذكر قصص الأنبياء ليثبت قلب النَّبي (أمام الصعوبات الَّتي يلاقيها أثناء دعوته: (وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ((4) . فهي بدأت بتقرير أصول الدين، وإقامة الأدلة والبراهين على وجود الله ووحدانيته، وردّ الشبه الَّتي كان أعداء الإسلام يثيرونها حول القرآن والرسالة المحمّدية، حيث تعرّضت لعناصر الدعوة الَّتي هي: التوحيد، والرسالة، والدعوة، وفرّقت بين الأعمى عن دعوة الحقّ وبين من بصّره الله فأنار بصيرته فاستجاب لها، ثُمَّ شرعت تسرد قصص الرسل حتَّى ختمت بما بدأت به من التوحيد: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا   (1) لحواشي والتعليقات () الآية 77 من سورة الصافات. (2) الآية 40 من سورة هود. (3) الآية 112 من سورة هود. (4) الآية 120 من سورة هود. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 231 تَعْمَلُونَ ((1) . وكانت هذه السورة من أعظم السور وأشدّها على رسول الله (هي وأخوات لها من سور القرآن، فقد ورد عنه من طرق متعدّدة أَنَّه شيّبته هود وأخواتها، أخرج الحاكم في المستدرك بسنده إلى ابن عبّاس قال: قال أبو بكر الصدّيق (لرسول الله (: أراك قد شبت، قال: ((شيّبتني هود، والواقعة، وعمّ يتساءلون، وإذا الشمس كوّرت)) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاريّ، ولم يخرجاه (2) ، وسكت عليه الذَّهبيّ في التلخيص، وأخرجه التِّرمذيّ في تفسير سورة الواقعة، وزاد: والمرسلات، وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث ابن عبّاس إِلاَّ من هذا الوجه (3) ، وذكره العجلوني في كشف الخفاء بعدّة روايات وطرق عن ابن مردويه والبزار وغيرهما، فانظره (4) . هذا وقد قسّمت الكلام في هذا الموضوع إلى: مقدّمة وتمهيد ومباحث عدّة. أمّا المقدّمة فقد ذكرت فيها محتويات سورة هود عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام على الدعوة عن طريق الإجمال. وأمّا التمهيد فذكرت فيه تعريف الدعوة لغة واصطلاحًا. وأمّا المباحث فهي بحسب ما ذكر في السورة الكريمة مما له تعلّق بالدعوة تعلّقًا واضحًا. وقد وصلت إلى ثمان مباحث. *** التمهيد: تعريف الدعوة لغة   (1) الآية 123 من سورة هود. (2) المستدرك: 2/343. (3) سنن التِّرمذيّ، تفسير سورة الواقعة. (4) كشف الخفاء ومزيل الإلباس: 2/20 21. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 232 الدعوة: المرّة الواحدة من الدعاء، واسم الفاعل منها: داعٍ، تقول: دعاه يدعوه؛ فهو داع له، وقوله تعالى: (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ( [الأحزاب/46] معناه: داعيًا إلى توحيد الله وما يقرّب منه، وجمع الداعي: دعاة وداعون، كقضاة وقاضون، والدعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، واحدهم داع، ورجل داعية إذا كان يدعو النّاس إلى بدعة أو دين، والهاء للمبالغة، والنبي (داعي الله تعالى، وفي تهذيب اللغة: المؤذّن داعي الله، والنبي داعي الأمّة إلى توحيد الله وطاعته، قال تعالى في شأن الجنّ: (يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ ( [الأحقاف/31] ، ودعوة الحق شهادة أن لا إله إِلاَّ الله، والدعاء إلى الشيء: الحثّ على قصده، ومنه قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ( [يوسف/33] (1) . فتحصّل أن الدعوة إلى الله هي دعوة الحقّ، ودعوة الحق هي شهادة أن لا إله إِلاَّ الله، وأنها تطلق على الدعوة إلى هدى أو ضلالة، وتطلق على الدعاء إلى الشيء والحثّ على قصده. أمّا في الاصطلاح: فقد عرّفها بعض المتأخرين مثل محمَّد الرَّاوي في كتابه ((الدعوة إلى الإسلام دعوة عالمية)) بتعريفين: الأَوَّل، قال: الدعوة الإسلامية هي: دين الله الَّذي بُعث به الأنبياء جميعًا، تجدّد على يد محمَّد (خاتم النبيين كاملاً وافيًا لصلاح الدنيا والآخرة. وقال أَيضًا: الدعوة الإسلامية: تبليغ رسالة النَّبي ((2) .   (1) طالع لسان العرب لابن منظور: 14/225 229، وتهذيب اللغة لأبي منصور: 3/120 وتاج العروس للزبيدي: 10/128. (2) الدعوة إلى الإسلام دعوة عالمية، محمَّد الرَّاوي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 233 وعرّفها الدكتور أبو بكر زكرى فقال: الدعوة هي: قيام من له أهلية النصح والتوجيه السديد من المسلمين في كلّ زمان ومكان بترغيب النّاس في الإسلام اعتقادًا ومنهجًا، وتحذيرهم من غيره بطرق مخصوصة (1) . وعرّفها الأستاذ محمَّد الغزالي فقال: هي برنامج كامل يضمّ في أطوائه جميع المعارف الَّتي يحتاج إليها النّاس ليُبصروا الغاية من محياهم، وليستكشفوا معالم الطريق الَّتي يجمعهم راشدين (2) . وعرّفها آخرون بتعاريف أعرضنا عن ذكرها؛ ففي ما ذكرنا كفاية. وأشمله في رأيي تعريف الغزالي. المبحث الأَوَّل: حكم الدعوة إلى الله، واختلاف العلماء في ذلك، وسببه   (1) الدعوة إلى الإسلام، للدكتور أَبي بكر زكرى، ص8، مكتبة دار العروبة، القاهرة. (2) مع الله، ص17، ط دار الكتب الحديثة بمصر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 234 إنّ الله (أمر نبيّه محمَّدًا (في غير ما آية من كتابه بالدعوة، كما أمر هذه الأمّة المحمّدية بالدعوة إلى الله، وأخبر تعالى أنّ فضل هذه الأمّة على الأمم السابقة إِنَّما هو بسبب أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، وذمّ - سبحانه وتعالى - بني إسرائيل لعدم تناهيهم عن المنكر، وأخبر - سبحانه وتعالى - عن نفسه أَنَّه يدعو إلى الحقّ وأنّ له دعوة الحقّ، وأَنَّه يدعو إلى دار السلام، وأمر النَّبي (أصحابه أن يبلّغوا عنه ولو آية، كما أمرهم أن يبلّغ الشاهد منهم الغائب، وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك موضّحًا، فبان مما ذكر أن للدعوة إلى الله أهميّة بالغة، وأجمعت الأمّة على وجوبها، إِلاَّ أن العلماء اختلفوا هل هذا الوجوب المتّفق عليه على الأعيان بحيث يكون القيام بالدعوة واجبًا على كلّ فرد من أفراد الأمّة الإسلامية، وكلّ من تركه يأثم؟ أم هو وجوب كفاية يكفي في الخروج من عهدة الأمر به قيام بعض الأمّة به دون النظر إلى فاعله، فكل طائفة من المسلمين قامت به سقط الوجوب عن باقي المسلمين؟ وسأذكر كلام العلماء في ذلك إن شاء الله بعد سرد الآيات الَّتي فيها الأمر للنبي (وللأمّة بالدعوة، والآيات الَّتي أخبر فيها - سبحانه وتعالى - أَنَّه يدعو إلى الجنّة ونحو ذلك اهـ. أمره (بالدعوة هو وأمّته قال تعالى مخاطبًا له عليه الصلاة والسلام: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ((1) . يلاحظ أَنَّه جمع الأمر له ولأمّته في هذه الآية، وإن كان الأمر له أمرًا لها لأنّ أمر القدوة أمر للأتباع، وقال تعالى: (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ ((2) ، وقال تعالى: (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ   (1) الآية 108 من سورة يوسف. (2) الآية 67 من سورة الحج. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 235 الْمُشْرِكِينَ ((1) ، وقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ((2) ، وقال تعالى معمّمًا ومخبرًا أَنَّه لا أحد أحسن قولاً ممّن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إِنَّه من المسلمين فقال: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ((3) ، وقال تعالى آمرًا هذه الأمّة بالدعوة إلى الله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ((4) ، وقال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ((5) ، وقال تعالى ذامًّا لبني إسرائيل: (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ((6) ، وقال تعالى: (لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ((7) . دعوة الله عبادَه إلى الخير   (1) الآية 87 من سورة القصص. (2) الآية 125 من سورة النحل. (3) الآية 33 من سورة فصلت. (4) الآية 104 من سورة آل عمران. (5) الآية 110 من سورة آل عمران. (6) الآية 79 من سورة المائدة. (7) الآية 63 من سورة المائدة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 236 قال تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ ((1) . يعني الجنّة، وقال تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ((2) ، وقال تعالى: (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ((3) . أمره (الأمّة بالدعوة أخرج البخاريّ في صحيحه بسنده إلى أَبي بكرة أن النَّبي (قال في حجّة الوداع يوم النحر ... ((أيّ يوم هذا؟ إلى أن قال: ليبلّغ الشاهد الغائب، فإِنَّ الشاهد عسى أن يبلّغ من هو أوعى منه)) (4) ، وقال (: ((بلّغوا عني ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمّدًا فليتبوأ مقعده من النار)) (5) . المبحث الثاني: في اختلاف العلماء في حكم الدعوة، وسببه اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في حكم الدعوة إلى الله تعالى، هل هي فرض عين أو فرض كفاية؟ وقد قدّمنا سرد الآيات الَّتي فيها الأمر الصريح للنبي (وللأمّة بالدعوة.   (1) الآية 25 من سورة يونس. (2) الآية 122 من سورة البقرة. (3) الآية 10 من سورة إبراهيم الخليل (. (4) أَخرَجه البخاريّ في كتاب العلم، في باب: ربّ مبلّغ أوعى من سامع، وفي الحج، في باب: الخطبة أيام منى. (5) البخاريّ، كتاب الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل. والترمذي في كتاب العلم، باب: ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 237 والمقرّر في علم الأصول والَّذي كان عليه القرون المفضّلة أن الأمر للوجوب إِلاَّ إذا وجدت قرينة تصرف عن ذلك الوجوب وهي هنا معدومة، فحصل الاتفاق على الوجوب، إِلاَّ أن الكثير من العلماء يقول: هي فرض كفاية يسقط بفعل البعض (1) لأنّ الشارع ينظر إلى الفعل دون النظر إلى فاعله في فرض الكفاية، بخلاف فرض العين فإِنَّ الشارع ينظر فيه إلى كلّ عين من أفراد المكلّفين، كالصلاة والصوم والزكاة مثلاً، أمّا إنقاذ الغريق مثلاً فهو فرض كفاية، وأي فرد من أفراد الأمّة أنقذه سقط الإثم عن الباقين، ولو تركوا إنقاذه أثموا جميعًا وهلم جرًّا. سبب الخلاف إنّ سبب اختلاف العلماء في هذه المسألة اختلافهم في فهم المراد ب (مِن) من قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ((2) . قالوا: إنّ الدعوة إلى الخير تشمل مصالح العباد في دنياهم وأخراهم، وذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعدها من باب ذكر الخاص بعد العام إيذانًا بفضلهما، أو المراد ذكر الدعاء إلى الخير مفصّلاً بعد الدعاء إليه مجملاً فلزمت دعوة الأمّة لهذا الخير العظيم الَّذي يشمل مصالح العباد في دنياهم وأخراهم، ثُمَّ قال بعضهم: إن هذا التبليغ يصحّ من بعضهم دون الجميع، وقال بعضهم: إِنَّه يلزم جميع أفراد المكلّفين أن يكونوا دعاة إلى الله حسب استطاعتهم.   (1) انظر روح المعاني: 3/21، ط دار الطباعة المنيرية. (2) الآية 104 من سورة آل عمران. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 238 فالذين قالوا إِنَّها فرض كفاية قالوا: إن (مِن) من قوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ ... (للتبعيض، وقالوا: إنّ الآمِرين يجب أن يكونوا علماءَ وليس كلّ النّاس علماءَ، والذين قالوا إِنَّها فرض عين قالوا: إن (مِن) لبيان الجنس، وأن المعنى: لتكونوا كلّكم دعاة إلى الخير، والقول الأَوَّل نصره القرطبي في مواضع من تفسيره، وقد قال بعد نقله كلام العلماء في المسألة ما نصّه: قلت: القول الأَوَّل أصح فإِنَّه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية، وقد عيّنهم الله تعالى بقوله: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ((1) ، وليس كلّ النّاس مُكّنوا (2) . وقال الآلوسي في روح المعاني: (مِن) هنا قيل: للتبعيض، وقيل: للتبيين وهي تجريدية كما يقال: لفلان من أولاده جند، وللأمير من غلمانه عسكر، يريد بذلك جميع الأولاد، ومنشأ الخلاف أن العلماء اتفقوا على أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية، ولم يخالف في ذلك إِلاَّ النزر ... قالوا إِنَّه من فروض الأعيان (3) .   (1) الآية 41 من سورة الحج. (2) القرطبي: 4/165، ط الثانية، دار الكتب بمصر. (3) الآلوسي: 2/238، توزيع دار الباز. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 239 ثُمَّ إن الَّذين قالوا بالكفاية اختلفوا هل واجب الكفاية واجب على جميع المكلّفين ويسقط عنهم بفعل بعضهم، أو هو واجب على البعض؟ ذهب الإمام الرازي وأتباعه إلى الثَّاني للاكتفاء بحصوله من البعض، ولو وجب على الكلّ لم يكتف فيه بفعل البعض إذ يستبعد سقوط الواجب على المكلّف بفعل غيره، وذهب إلى الأَوَّل الجمهور، وهو ظاهر نصّ الإمام الشَّافعيّ في الأمّ، واستدلوا على ذلك بإثم الجميع بتركه، ولو لم يكن واجبًا عليهم كلّهم لما أثموا بتركه، وأجيب من جهة الفريقين بأجوبة يطول ذكرها (1) . (قلت) جمهور علماء الأمّة على أن الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية يأثم جميع المكلّفين بترك ذلك، ويسقط عنهم الإثم إذا قام البعض بذلك، ولهذا عدَّ الأصوليون هذا النوع من فروض الكفاية، قال صاحب مراقي السعود: فروضه القضا كنهيٍ أمرِ ( ردِّ السلام وجهادِ الكفرِ   (1) انظر روح المعاني للآلوسي: 2/238، توزيع دار الباز. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 240 كنهي أمر يعني بذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قلت: هكذا قرّر الجمهور، لكن مذهبهم يعكر عليه ما ثبت في السنّة الصحيحة مما ظاهره وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كلّ مكلّف، ففي صحيح مسلم في باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان من حديث ابن أَبي شيبة ما نصّه: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: الصَّلاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَقَالَ: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (يَقُولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ)) ، وفيه أَيضًا من حديث عبد الله بن مسعود (أن رسول الله (قال: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ؛ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)) (1) .   (1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: كون النهي عن المنكر من الإيمان ... إلخ: 1/69 70، دار الفكر، بيروت، تحقيق فؤاد عبد الباقي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 241 وقد حكى ابن عبد البرِّ الإجماع على وجوب تغيير المنكر على كلّ من قدر عليه، وأَنَّه إذا لم يلحقه بتغييره إِلاَّ اللوم الَّذي لا يتعدى إلى الأذى فإِنَّ ذلك لا يمنعه من تغييره (1) . وقال ابن العربيّ: إنّ من رجا زوال المنكر وخاف على نفسه من تغييره الضرب أو القتل جاز له عند أكثر العلماء الاقتحام عند هذا الغرر، وإن لم يرجّح زواله فأي فائدة عنده؟ ثُمَّ قال: والَّذي عندي أن النيّة إذا خلصت فليقتحم كيفما كان ولا يبالي (2) . وقد قال قبل كلامه هذا بأسطر: قال بعض علمائنا: هذه الآية دليل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنْ أدّى ذلك إلى قتل الآمر به (3) . والمراد بالآية الَّتي ذكر قوله تعالى في آل عمران: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ ((4) . (قلت) هذا التصريح من النَّبي (بالأمر الصريح الصحيح بصيغته الصريحة الَّتي هي الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر (فليغيره) مرتّبًا ذلك على ما في وسع المكلّف وإخباره أن ترك ذلك ما وراءه شيء من الإيمان، وتعبيره عليه الصلاة والسلام بمَن الدالة على العموم الشامل لجميع أفراد المكلّفين كل هذا يدل على لزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين هما أساس الدعوة إلى الله لزومًا عينيًا بالإضافة إلى ما ذكره ابن عبد البر من الإجماع على أنّ تغيير المنكر واجب على كلّ من قدر عليه، ومع هذا فإِنَّ مذهب الجمهور مخالف   (1) بواسطة نقل القرطبي: 4/48. (2) أحكام القرآن لابن العربي: 1/266 267، ط دار المعرفة. (3) المصدر السابق. (4) الآية 21 من سورة آل عمران. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 242 لهذا، ولفظ الآية على أن (مِن) فيه للتبعيض يؤيّد مذهب الجمهور كما يؤيده الفرق الَّذي جعله علماء الأصول بين فرض العين وفرض الكفاية، وهو أن فرض الكفاية يتميّز عن فرض العين بأنه لا تتكرّر مصلحته إذا فعل، فمثلاً يقولون: إنقاذ الغريق واجب كفاية؛ فإذا غرق غريق ووجد من ينقذه من البحر، فلو غمس المنقذ مرّة أخرى في البحر لم يُحصّل فائدة، بخلاف فرض العين فإِنَّ المصلحة تتكرر من فعله دائمًا كما في تكرير الصلوات الخمس من الخشوع والانكسار أمام الخالق فإِنَّ هذه المصلحة تتكرّر بتكرّر الصلاة. وإلى هذه المسألة أشار صاحب مراقي السعود بقوله: مزه من العيني بأن قد حظلا ( تكريرُ مصلحته إن فُعلا وعلى هذا فيتعذّر كون النهي عن منكر بعينه فرض عين لأنّ ذلك المنكر إذا غيّره أحد وتغيّر بالفعل لم يبق هناك شيء مطالب به ذلك المغيِّر مرّة أخرى ولا غير مطالب به أَيضًا، وعلى هذا فلا بد من تلمّس جمع بين القولين لأنّ إعمال الدليلين أولى من إعمال أحدهما وإلغاء الآخر، والجمع واجب بين الأدلة متى أمكن. الجمع بين القولين: الَّذي يظهر لي والله تعالى أعلم أَنَّه يتعيّن الجمع بين القولين المتقدّمين، ووجه الجمع عندي أنّ الأمر بالمعروف الَّذي هو الدعاء إلى الخير والنهي عن المنكر الَّذي هو الزجر عن الشر وهذا أمران أساسيان للدعوة إلى الله ولاسيما في زمننا هذا ينقسمان إلى قسمين: عام وخاص. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 243 فالقسم الخاص هو الَّذي يعنيه القائلون بوجوبهما وجوبًا عينيًا، وبيان ذلك أن كلّ إنسان راع ومسئول عن رعيّته مثل الرَّجل في بيته مع أولاده وزوجاته وجيرانه وزملائه في التّعليم والعمل والسفر فيجب على كلّ مكلّف أن يأمر أهله وجيرته وزملاءه بالخير وينهاهم عن الشر امتثالاً لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ ... ((1) ، وتطبيقًا للأحاديث الكثيرة الَّتي ورد فيها التوكيد على الأمّة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكلّ فرد لم يتّصف بهاتين الصفتين لم توجد فيه صفة الإيمان الَّتي وصف الله بها المؤمنين في قوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... ((2) بل اتصف بصفات المنافقين الَّتي وصفهم الله بها في قوله: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ... ((3) ، ودخل في الذمّ الَّذي ذمّ الله به بني إسرائيل في قوله: (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ((4) ، وفي قوله فيهم أَيضًا: (لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ((5) . ولا ريب أن الغالب من المسلمين لا يجهلون وجوب الصلاة والصيام والزكاة ومعنى الشهادتين ومعنى الإسلام في الجملة وذلك كان في القيام بالدعوة على هذا النحو؛ وهو يشمل العالم والمثقّف والعامل والصانع   (1) الآية 6 من سورة التحريم. (2) الآية 71 من سورة التوبة. (3) الآية 67 من سورة التوبة. (4) الآية 79 من سورة المائدة. (5) الآية 63 من سورة المائدة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 244 ومن دونهم ثقافة وعلمًا، فالمدار على معرفة الداعي ما يدعو إليه، ومن هنا تكون الدعوة إلى الله فرض عين، ويؤيّد ذلك ظاهر قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... ((1) ، فإذا حملنا هذه الآيات الَّتي فيها التوكيد بالأمر بالمعروف والنهْي عن المنكر على خصوص أفراد في خصوص جماعات وأوقات وأماكن كما ذكرنا وأوجبنا عليهم أن يكونوا في جميع حالاتهم آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر إيجابًا عينيًا في هذه الأوقات وهذه المجتمعات الخاصة بكلّ فرد وجعلنا (مِن) في الآية معناها التبعيض كان المعنى أَنَّه لا بُدّ لمن يلي أمر المسلمين أن يخصص جماعة من علماء الأمّة يعرفون ما يأمرون به ويأتونه، ويعرفون ما ينهون عنه ويبتعدون منه، وأن يجعل في كلّ قطر من الأقطار جماعة بهذا الشكل يدعون إلى دين الله وتوحيده وعبادته والاستقامة على ذلك يعرفون الحلال والحرام ويتخصصون في رسم السبل الَّتي تعيد للأمّة قوّتها ومجدها وللإسلام مكانته في قيادة النّاس إلى الخير، فإذا قامت هذه الطائفة بالدعوة إلى الله كان مَن سواهم من الأمّة غير آثم بتركه هذه المهمة لأَنَّها قام بها من هو أهل لها، لكنَّ بقيّة الأمّة مطالبون بالدعوة في حقّ أهليهم وجيرانهم كما تقدّم، ولا يقول عاقل إن من رأى منكرًا يُرتكب في بيته أو في مقرّ عمله أو في جيرانه يقول لا عليّ لأنّ هناك جماعة ذهبت إلى أوربا وأمريكا دعاة فننتظر قدوم هذه الجماعة ليغيّروا هذا المنكر؛ هذا لا يقوله عاقل، وإن لم يفعل ذلك من يقوم بأمر المسلمين أثم وأثمت الأمّة بسكوتهم على ذلك، إذا فعلنا ما ذكر نكون جمعنا بين القولين، والجمع واجب إذا أمكن، والله تعالى أعلم. المبحث الثالث: في بيان الهدف من الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -   (1) الآية 110 من سورة آل عمران. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 245 وذلك ما بدئت به سورة هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهو إفراد الله وحده بالعبادة دون سواه فهذا هو الَّذي بعثت الرسل من أجله، ودارت فيه المعارك بين الحقّ والباطل، واهتم به القرآن الكريم في السور المكيّة اهتمامًا بالغًا فلا تكاد تقرأ سورة من السور المكيّة إِلاَّ وفيها تقرير التوحيد. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ((1) . هذه الآية الَّتي هي قوله: (أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (فيها الدلالة الواضحة على أنّ الحكمة العظمى الَّتي أنزل القرآن من أجلها هي أن يُعبد جَلَّ وَعَلا وحده ولا يشرك به في عبادته شيء لأنّ قوله جلّ وعلا: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ (صريحٌ في أنّ آيات هذا الكتاب فصّلت من عند الحكيم الخبير لأجل أن يعبد الله وحده سواء قلنا إن (أَنْ) هي المفسَرة، أو أن المصدر المنسبك منها ومن صلتها مفعول من أجله، فمعنى الآية: أن تفصيل القرآن هو أن يعبد الله تعالى وحده ولا يشرك به شيء، ونظير هذا المعنى قوله تعالى في سورة الأنبياء: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ((2) ، ومعلوم أن إِنَّما من صيغ الحصر فكأن جميع ما أوحي إليه منحصر في معنى لا إله إِلاَّ الله (3) ، وهذا هو أساس الدعوة إلى الله بلا شكّ.   (1) الآيتان 1 2 من سورة هود. (2) الآية 108 من سورة الأنبياء. (3) انظر أضواء البيان: 3/7 8، ط المدني. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 246 أمّا الآيات الدالة على أنّ إرسال الرسل وإنزال الكتب لأجل أن يعبد الله وحده فهي كثيرة مثل قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ... ((1) ، وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ((2) ، وقوله تعالى: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِءَالِهَةً يُعْبَدُونَ ((3) ، وقد بيّن تعالى هذا المعنى الَّذي هو تحقيق معنى لا إله إِلاَّ الله في سورة الفاتحة بقوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ((4) ، لأنّ معنى لا إله إِلاَّ الله مركّب من أمرين: نفي وإثبات، فالنفي هو خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات، والإثبات هو إفراد ربّ السماوات وحده بجميع أنواع العبادات على الوجه المشروع، وأشار إلى النفي من لا إله إِلاَّ الله بتقديم المعمول الَّذي هو إياك، وقد تقرّر في علم الأصول وعلم المعاني أن تقديم المعمول من صيغ الحصر، وأشار إلى الإثبات منها بقوله: نعبد، وقد بيّن هذا المعنى المشار إليه هنا في قوله: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ... (، وصرّح بالنفي منها في قوله: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ((5) .   (1) الآية 36 من سورة النحل. (2) الآية 5 من سورة الأنبياء. (3) الآية 45 من سورة الزخرف. (4) الآية 4 من سورة الفاتحة. (5) طالع أضواء البيان: 1/34 35، المصدر السابق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 247 قلت: وهذا هو مضمون آية هود المتقدّمة (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (فقوله: إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم تعليل لأمره لهم بعبادة الله وحده يحمل في طيّاته التهديد الشديد لمن لم يعبد الله وحده، وهذه هي وظيفة الدعاة، يبشّرونَ وينذرون، فالرسل بعثوا مبشّرين ومنذرين لئلا يكون للنّاس على الله حجّة، كذلك ينبغي للدعاة أن يسلكوا مسلكهم ويقْفوا أثرهم فيقيموا دعوتهم على ما أقام عليه الرسل دعوتهم، وهذا ما أشار إليه آخر آية هو السابقة. المبحث الرابع: في الفرق بين من استجاب للدعوة وأصغى لها وقبلها وبين من أعرض عنها وصار بمنزلة الأعمى والأصم عن الحق الجزء: 12 ¦ الصفحة: 248 وهذا ما أشارت إليه الآية من سورة هود (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ ((1) . يعني أن حالة الفريقين المعرضين عن دعوة الرسل المكذبين لها والمؤمنين المستجيبين لها تشبه حال الأعمى الأصم من جهة وحال البصير السميع من جهة، وقد سبق ما يؤذن بهذين الفريقين في قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ... (، إلى قوله: (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ (ومعنى الفريق هو الجماعة الَّتي تفارق أي يخالف حالهُا حال جماعة أخرى في عمل أو نحلة كما في قوله تعالى: (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ((2) . فالحاصل أن الآية شبّهت حال فريق الكفّار الَّذين أعرضوا عن الدعوة وتركوها وراء أظهرهم في عدم الانتفاع بالنظر في دلائل وحدانية الله الواضحة من مخلوقاته بحال الأعمى، وشبّهوا في عدم الانتفاع بأدلة القرآن بحال من هو أصم، وشبهت حال فريق المؤمنين الَّذين استجابوا لدعوة الرسل بحال من كان سليم البصر سليم السمع فهو في هدى ويقين من مُدْرَكاته، ومعلوم أن المشبهين بالأعمى والأصم هم الفريق المقول فيهم: (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (، فهم يشبهون الأعمى في عدم الاهتداء إلى الدلائل الَّتي طريق إدراكها البصر، ويشبهون الأصَمَّ في عدم فهم المواعظ النافعة الَّتي طريق فهمها السمع، فهم في حالتين كلّ منهما مشبه به، فهو تشبيه معقولين بمحسوسين (3) .   (1) الآية 24 من سورة هود. (2) الآية 81 من سورة الأنعام. (3) طالع التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور: 6/40 42، ط مكتبة ابن تَيْمِيَّة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 249 قلت: هكذا الأمثال الَّتي يضربها الله للنّاس في القرآن تشتمل على تشبيه أمر أو أمور معقول أو معقولة بأمور محسوسة، فيجعل المعقول في قالب المحسوس فيصير المعنى المعقول كأنه مدرك بإحدى الحواس الخمس. وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: فالكافر أعمى عن وجه الحقّ في الدنيا وفي الآخرة لا يهتدي إلى خير ولا يعرفه أصم عن سماع الحجج فلا يسمع ما ينتفع به، وأمّا المؤمن ففطن ذكي لبيب، بصير بالحق يميّز بينه وبين الباطل، فيتبع الخير ويترك الشر، سميع للحجّة يفرّق بينها وبين الشبهة، فلا يرجع إليه باطل، فهل يستوي هذا وهذا؟ (1) . قال الآلوسي في روح المعاني عند تفسير هذه الآية ما نصّه: وفي البحر لم يجئ التركيب: كالأعمى والبصير والأصم والسميع ليكون كلّ من المتقابلين على إثر مقابلة لأَنَّه تعالى لما ذكر انسداد العين أتبعه بانسداد السمع، ولما ذكر انفتاح البصر أتبعه بانفتاح السمع، وذلك هو الأسلوب في المقابلة، والأتمُّ في الإعجاز، فانظره (2) . وقيل إن التمثيل بأمر واحد، وعليه يكون تقدير الكلام: كالأعمى الأصمّ والبصير السميع، ودخلت واو العطف كما تقول: جاءني زيد العاقل والكريم؛ وأنت تريده بعينه، فهو على هذا تمثيل بواحد (3) . وذكر هذا المعنى أَيضًا أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسير الآية فقال: ... وقيل: كالأعمى والأصم، والمعنى: كالأعمى الأصم، وكذلك قيل: والسميع والبصير، والمعنى: البصير السميع، كقول القائل: قام الظريف والعاقل؛ وهو ينعت بذلك شخصًا واحدًا (4) .   (1) طالع تفسير ابن كثير: 2/423، ط دار الجيل، بيروت. (2) 6/235، المصدر السابق. (3) انظر المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي: 7/268. (4) ج 7، جزء 22، ص17. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 250 قلت: هذا حال النّاس اليوم مع الدعاة، فبعض النّاس معرض عن سماعه لا يدع فرصة للدعاة حتَّى يبلّغوه، ولا يترك لهم مجالاً، فهو معرض عنهم بقلبه وقالبه، وبعضهم لله الحمد يستجيب ويصغي وينتفع، وهكذا سنّة الله في خلقه، ما من داع يدعو إلى خير إِلاَّ وجد من يقف أمام دعوته منفّرًا منها مبعدًا النّاس عنها، ووجد أَيضًا من يستجيب لدعوته، إِلاَّ أن أكثر من يستجيب للدعوة قديمًا وحديثًا ضعاف النّاس، وأكثر من يقف أمامها أهل الجاه والمكانة، وهذه السنّة جارية في خلق الله إلى يومنا هذا، فأهل الجاه من أهل التّصوّف وغيرهم ممن درجوا على التقليد الأعمى يقفون أمام الدعوة وينفّرون النّاس من حضور مجالس الدعاة والاستماع إلى ما يدعون إليه دون أن يعلموا ما يقولون، (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ... ((1) . ويؤيد ما ذكر أنّ دعوة رسولنا محمَّد (غالب من استجاب لها على الفور ضعاف المسلمين كعمّار وسميّة وبلال وابن مسعود ونحوهم، وأوّل من وقف أمامها عظماء قريش كأبي جهل، وأَبي لهب، والوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة، وأخيه شيبة، وغيرهم. وفي الحديث الصحيح الَّذي أَخرَجه البخاريّ في صحيحه في اثنتيْ عشر موضعًا منه ما يدل على ما ذكرنا وهو حديث أَبي سفيان الطويل في شأن كتاب رسول الله (إلى هرقل عظيم الروم، وكان أبو سفيان في ركب من قريش هناك، فأرسل إليهم هرقل وكانوا تجّارًا بالشام فدعاهم فقال: أيكم أقرب نسبًا من هذا الرَّجل الَّذي يزعم أَنَّه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبًا، فقال: أَدْنُوه مني وقَرّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثُمَّ قال لهم: إني سائل هذا الرَّجل فإن كذبني فكذّبوه ... إلى أن قال: فأشراف النّاس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، وهذا محلّ الشاهد من الحديث، وهو طويل جدًّا ...   (1) الآية 39 من سورة يونس. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 251 اهـ. (1) . المبحث الخامس: المبحث الخامس في بعض ما احتوت عليه سورة هود من دعوة نبي الله نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. إن نبيّ الله نوحًا قد رسم للدعاة منهجًا حكيمًا في دعوته يسيرون عليه، فقد اشتهر بالصبر على الدعوة وتحمّل الأذى فيها والتغاضي عن زلات قومه والنصح لهم ولين الجانب معهم، وهذا بعينه هو ما يجب على الدعاة أن يقتفوه ويتّصفوا به تأسيًا بهذا الرسول الكريم، كما سلك معهم الأساليب الحكيمة بالحكمة والموعظة الحسنة إلى غير ذلك من أنواع دعوته المتنوعة، وقد ذكر القرآن قصّته في عشر سور منه مطوّلة مبسوطة في بعضها ومختصرة في بعض، فقد ذكرت في سورة الأعراف، وفي يونس، وفي هود، وفي الأنبياء، وفي قد أفلح المؤمنون، وفي سورة الشعراء، وفي العنكبوت، وفي الصافات، وفي الفرقان، وفي سورة نوح، وهذا إِنَّما هو للاعتبار بقصّته والاتعاظ منها، ولاتخاذ منهجه في الدعوة منهجًا متّبعًا لمن يأتي بعده من الدعاة. منهجه عليه السلام في دعوته المراد بالمنهج: المبادئ العامة الَّتي تدعو إليها، وبها الرسل لتكون منارات للدعاة في دعوتهم. أمّا الأسلوب فهو الصور اللغوية والبيانية الَّتي ترد على ألسنة الدعاة من كونها خبرًا أو إنشاء، أمرًا أو نهيًا، حوارًا أو قصصًا، إلى غير ذلك مما هو كثير. إنّ منهج نوح (هو المنهج العام للرسل في دعوتهم، وذلك المنهج هو الدعوة إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، ونبذ عامة الشركاء، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا   (1) أَخرَجه البخاريّ في أوّل صحيحه في بدء الوحي، وأخرجه بعد ذلك مطوّلاً ومختصرًا في كتاب الإيمان، وفي كتاب الشهادات، وفي كتاب الجهاد، وغير ذلك مما يطول ذكره. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 252 الطَّاغُوتَ ... ((1) ، فما من نبي بعثه الله إِلاَّ دعا النّاس لعبادة الله وحده إِلاَّ نوحًا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أعطاه الله من الصبر على الدعوة إلى الله ما لم يعطه لأحد من الأنبياء، وذلك بسبب طول عمره ومكثه بين ظهرانَيْ قومه، فقد لبث يدعوهم المدّة الَّتي حدّدها القرآن لنا وهي ألف سنة إِلاَّ خمسين عامًا، فهو أوّل رسول بعث إلى أهل الأرض بعد أن دخلها الشرك، وذلك أن النّاس كانوا من لدن آدم إلى نوح على الحقّ لا يوجد في الأرض شرك بل كانوا أمّة واحدة كما حكى القرآن الكريم عنهم في قوله: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ((2) ، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ((3) ، وفي حديث الشفاعة في الصحيحين وغيرهما عن أَبي هُرَيْرة (( ( ... فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح أنت أوّل الرسل إلى الأرض، وسمّاك الله عبدًا شكورًا)) ... إلخ، الحديث الطويل (4) ، وروى الحاكم في المستدرك بسنده إلى ابن عبّاس قال: كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلّهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشّرين ومنذرين، قال: وكذلك في قراءة عبد الله كان النّاس أمّة واحدة فاختلفوا، وقال هذا حديث صحيح على شرط البخاريّ ولم يخرجاه، وأقرّه الذَّهبيّ في التلخيص (5) . فنوح أعطاه الله طول الباع، ومنحه درجة من الصبر لم يوفّق لها غيره من الأنبياء، فقد لبث المدّة الَّتي تقدّمت يدعو قومه ليلاً ونهارًا، سرًا وعلانية، ومع ذلك لم يزدادوا   (1) الآية 36 من سورة النحل. (2) الآية 213 من سورة البقرة. (3) الآية 19 من سورة يونس. (4) أَخرَجه البخاريّ في كتاب التفسير في سورة الإسراء في باب ذرية من حملنا مع نوح، ومسلم في كتاب الإيمان: 1/185، تحقيق محمَّد فؤاد عبد الباقي. (5) المستدرك: 2/546 547، كتاب التاريخ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 253 إِلاَّ فرارًا عن الحقّ وإعراضًا عنه وتكذيبًا لنبي الله نوح، ولم يؤمن به طول هذه المدة إِلاَّ القليل كما قال تعالى: (وَمَاءَامَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ ((1) ، هذا مع ما يلاقيه في تلك المدّة من أنواع الأذى كالسخرية والاستهزاء به وبمن آمن به، فينبغي لكل داعية مخلص أن يتأسى بنبي الله نوح في صبره على الدعوة إلى الله وعدم الضجر ولا يستكثر المدّة الَّتي يقضيها وهو يدعو إلى الله فلم يستجب له إِلاَّ القليل حتَّى ولو لم يستجب له أي أحد فليحتسب وليعلم أَنَّه فعل ما في وسعه وخرج من عهدة الأمر المتوجه إليه في قوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... (، وفي قوله (: ((بلّغوا عني ولو آية)) (2) .   (1) الآية 40 من سورة هود. (2) تقدّمت الإشارة إلى موضع الآية وتخريج الحديث. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 254 وقد رسم نبي الله نوح منهجًا للدعاة في التوكّل على ربّه ينبغي لكل داع أن يقتفيه ويسلكه، فهو رغم انفراده في قومه وقلّة من آمن به منهم لم يثن ذلك عزيمته عن دعوتهم إلى الله وتحدِّيهم بأن يجمعوا أمرهم مع مالهم من الشركاء وأن يُنْهوا أمره ولا يمهلوه ساعة واحدة وما ذاك إِلاَّ من شدّة توكّله على ربّه وعلمه أَنَّهم لا يستطيعون أن يضروه بشيء لم يشأ الله تعالى أن يضروه به، وقد صوّر لنا القرآن الكريم هذا التوكل والتحدي في آية من سورة يونس فقال: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ((1) . فالمعنى: يا قوم إن كان عظم عليكم مقامي فيكم ولُبْثي بين أظهركم وتذكيري إياكم بآيات الله أي بحججه القاطعة وبراهينه الساطعة فعلى ربي توكلت فإني لا أبالي بكم ولا أكفّ عن دعوتكم عَظُم ذلك عليكم أولا فأجمعوا أمركم مع شركائكم الَّذين تدعونهم من دون الله من أصنام وغيرها ولا تجعلوا أمركم ملتبسًا، بل وضّحوا حالكم معي، فإن كنتم تزعمون أنكم محقّون فاقضوا إليَّ ولا تنظرون واستريحوا مني ولا تؤخرون ساعة واحدة مهما قدرتم فافعلوا فإني لا أبالي بكم ولا أخاف إذْ لستم على شيء.   (1) الآية 71 من سورة يونس. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 255 فهكذا ينبغي أن يكون الداعية متوكلاً على الله لا يخاف غير الله، لا تأخذه فيه لومة لائم، صبورًا على الأذى، محتسبًا الأجر من الله، عالمًا بأنّ النّاس لو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يرد الله أن يضروه به لم يستطيعوا، كما ينبغي له ألا يطلب أجرًا أي مالاً مقابل الدعوة إِلاَّ من الله تعالى تأسيًا بنوح الداعي الأَوَّل ثُمَّ بباقي الرسل صلوات الله وسلامه عليهم فإِنَّ ذلك منهج رسمه نوح (للدعاة مما احتوت عليه سورة هود، وذلك في قول الله جلّ وعلا حاكيًا عنه: (وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ ... ((1) ، تكرر هذا القول من نبي الله نوح، فقد ذكره الله عنه في سورة يونس حيث قال: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ ... ((2) ، وحكاه عنه أَيضًا في سورة الشعراء فقال: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ((3) ، ثُمَّ تتابعت الرسل من بعده مقتفية إثره في ذلك فقال هود (: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ((4) ، وقال صالح (: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ((5) ، وقال هذه المقالة نفسها لوط وشعيب وغير ما ذكر من الأنبياء إلى أن وصلت الدعوة إلى نبينا محمَّد (فقال هذه المقالة، قال تعالى حكاية عنه: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ((6) ، وقال تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي   (1) الآية 29 من سورة هود. (2) الآية 72 من سورة يونس. (3) الآية 109 من سورة الشعراء. (4) الآية 127 من سورة الشعراء. (5) الآية 145 من سورة الشعراء. (6) الآية 86 من سورة ص. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 256 الْقُرْبَى ((1) . ومن هنا لا بُدّ أن نلمّ ببعض الأحكام الفقهية المستنبطة من هذا المنهج الحكيم الَّذي اتبعه أوّل الدعاة نوح وتتابعت عليه الدعاة من بعده، وهو عدم أخذ العوض مقابل الدعوة، وتعليم العقائد والقرآن، والحلال والحرام. قلت: يؤخذ من هذه الآية الكريمة أن الواجب على أتباع الرسل الَّذي هم العلماء أن يبذلوا ما عندهم من العلم مجانًا من غير أخذ عوض على ذلك لأنهم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ... (2) لأنّ الأنبياء هم الأسوة الحسنة لنا والقدوة المتبعة، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ((3) . ويعتضد ذلك بأحاديث وردت عن النَّبي (، منها ما رواه ابن ماجه والبيهقي عن أبيّ بن كعب (قال: علّمت رجلاً القرآن فأهدى لي قوسًا فذكرت ذلك للنبي (فقال: ((إن أخذتها أخذت قوسًا من نار)) فرددتها (4) ، وأخرجه ابن ماجه (5) ، وفي الزوائد إسناده مضطرب، قاله الذَّهبيّ في الميزان في ترجمة عبد الرَّحمن بن سَلْمٍ، وقال العلاء في المراسيل: عطية بن قيس الكلاعي عن أبيّ ابن كعب مرسل، لكن ابن حجر قال في التهذيب: وقال أبو مسهر كان مولده في حياة رسول الله (في سنة سبع، وقال قبل ذلك بقليل: إن أبا حاتم قال: صالح الحديث (6)   (1) الآية 23 من سورة الشورى. (2) صحيح البخاريّ، كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل. وأبو داود في أوّل باب من كتاب العلم. والترمذي في العلم في باب فضل العلم على العبادة. وابن ماجه، حديث رقم223 في المقدمة. (3) الآية 21 من سورة الأحزاب. (4) البيهقي في سننه، كتاب الإجارة: 6/207 208. (5) انظر سنن ابن ماجه: 2/730، كتاب التجارات، باب الأجر على تعليم القرآن، 2158. (6) انظر تهذيب التهذيب: 7/203 204. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 257 ومن ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجه عن عبادة بن الصامت (قال: علَّمت ناسًا من أهل الصُّفة الكتاب والقرآن، فأهدى إليَّ رجلٌ منهم قوسًا، فقلت: ليست بمال؛ أرمي بها في سبيل الله (، لآتين رسول الله (فلأسألنه، فأتيته فقلت يا رسول الله أهدى إليَّ رجل قوسًا ممن كنت أعلّمه الكتاب والقرآن وليست بمال؛ أرمي عليها في سبيل الله؟ فقال: ((إن كنت تحبّ أن تطوّق طوقًا من النار فاقبلها)) (1) وفي إسناده المغيرة بن زياد الموصلي، قال الخطابي: وثّقه وكيع، ويحيى بن معين، وتكلّم فيه جماعة (2) ، ورواه أبو داود من طريق أخرى عن عبادة بن الصامت ... فقلت: ما ترى فيها يا رسول الله (، فقال: ((جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها)) (3) . اهـ. قال الخطابي: بقيّة بن الوليد قد تكلّم فيه غير واحد، وعزاه للمنذري، وقال فيه ابن حجر: بقيّة بن الوليد كثير التدليس عن الضعفاء (4) . قال الشَّيخ محمَّد الأمين رحمه الله: فهذه الأدلة ونحوها تدل على أنّ تعليم القرآن والمسائل الدينية لا يجوز أخذ الأجرة عليها، وممن قال بهذا القول الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، وأبو حنيفة، والضحاك بن قيس، وعطاء، وكره الزهري وإسحاق تعليم القرآن بأجر، وقال عبد الله بن شقيق: هذه الرغف الَّتي يأخذها المعلمون من السحت، وممن كره أجرة التّعليم مع الشرط الحسن وابن سيرين وطاوس والشعبي والنخعي، وظاهر كلام أحمد جواز أخذ المعلّم ما أعطيه من غير شرط (5) .   (1) أبو داود، كتاب الإجارة، باب كسب المعلم، رقم3416. (2) انظر شرح الخطابي لأبي داود عند الحديث المذكور، وذكر عن الإمام أحمد أَنَّه قال: ضعيف الحديث حدّث بأحاديث مناكير وكلّ حديث رفعه فهو منكر. (3) سنن أَبي داود، كتاب الإجارة، الحديث رقم3417، باب في كسب المعلّم. (4) التقريب: 1/105. (5) أضواء البيان: 3/23 24، ط أولى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 258 وقال ابن قدامة في المغني ما نصه: ونقل أبو طالب عن أحمد أَنَّه قال: التّعليم أحبّ إليّ من أن يتوكل لهؤلاء السلاطين ومن أن يتوكل لرجل من عامة النّاس في ضيعة ومن أن يستدين ويتجر لعلّه لا يقدر على الوفاء فيلقى الله تعالى بأمانات النّاس، التّعليم أحبّ إليّ، وهذا يدل على أن منعه منه في موضع منعه للكراهة لا للتحريم، وممن أجاز ذلك مالك والشافعي، ورخّص في أجور المعلّمين أبو قلابة وأبو ثور وابن المنذر (1) . هذه حجج المانعين، أمّا الَّذين أجازوا أخذ الأجرة على تعليم القرآن وعلى الحلال والحرام والعقائد فاستدلوا بأدلة منها:   (1) المغني: 5/410 411. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 259 ما ثبت في الصحيحين عن النَّبي (أَنَّه زوّج رجلاً امرأة بما معه من القرآن، ونصّ الحديث في رواية البخاريّ في كتاب فضائل القرآن بسنده عن سهل بن سعد أن امرأة جاءت رسول الله (فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله (، فصعد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: هل عندك من شيء؟ فقال: لا والله يا رسول الله، قال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟ فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا، قال: انظر ولو خاتما من حديد، فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري قال سهل: ما له رداء فلها نصفه، فقال رسول الله (: ما تصنع بإزارك؟ إن لبِسْتَه لم يكن عليها منه شيء، وإن لبستْه لم يكن عليك منه شيء؟ فجلس الرجل حتى طال مجلسه، ثم قام، فرآه رسول الله (مولّيا فأمر به فدُعي، فلما جاءه قال: ماذا معك من القرآن؟ قال معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا؛ عدّها، قال: أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم، قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن (1) . فمحلّ الشاهد من الحديث قوله (: ((فقد زوجتكها بما معك من القرآن)) ، وفي بعض الروايات ((فعلمها من القرآن)) كما في بعض روايات مسلم في المصدر السابق.   (1) أخرجه البخاريّ في كتاب فضائل القرآن، في باب القراءة عن ظهر قلب، وفي كتاب النكاح، في باب السلطان ولي، لقول النَّبي (إلخ، وفي باب التزويج على القرآن بغير صداق، وفي باب عرض المرأة نفسها على الرَّجل الصالح، وفي باب النظر إلى المرأة قبل التزويج. ... ومسلم في كتاب النكاح، في باب الصداق وكونه تعليم قرآن. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 260 قال المجيزون: إذا جاز تعليم القرآن عوضًا في باب النكاح وقام مقام المهر؛ جاز أخذ الأجرة عليه في الإجارة، لأنّ النَّبي (أباح لهذا الرَّجل أن يجعل تعليمه بعض القرآن لهذه المرأة عوضًا عن صداقها، وهو صريح في أن العوض على تعليم القرآن جائز، وما ردّ به بعض العلماء الاستدلال بهذا الحديث من أَنَّه (زوّجه إياها بغير صداق إكرامًا لحفظه ذلك المقدار من القرآن ولم يجعل التّعليم صداقًا لها مردود بما ثبت في بعض الروايات في صحيح مسلم أَنَّه (قال له: ((انطلق فقد زوجتكها، فعلمها من القرآن)) ، وفي رواية لأبي داود: ((علمها عشرين آية وهي امرأتك)) (1) .   (1) أبو داود في كتاب النكاح، باب في التزويج على العمل بعمل، رقم2112، قال الخطابي: في إسناده عِسْلُ بن سفيان، وهو ضعيف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 261 واحتج المجيزون أَيضًا بعموم قوله (الثابت في صحيح البخاريّ من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما: ((إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله)) (1) ، قالوا: إنّ الحديث وإن كان واردًا في الجعل على الرقيا بكتاب الله فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث المذكور في كتاب الإجارة: واستدل به الجمهور في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وخالف الحنفية فمنعوه في التّعليم وأجازوه في الرقى كالدواء، قالوا: لأنّ تعليم القرآن عبادة، والأجر فيه على الله، وهو القياس في الرقى، إِلاَّ أَنَّهم أجازوه فيها لهذا الخبر، وحمل بعضهم الأجر في هذا الحديث على الثواب، وسياق القصة في الحديث يأبى هذا التأويل، وادعى بعضهم نسخه بالأحاديث الواردة في الوعيد على أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وقد رواها أبو داود وغيره، وتعقب بأنه إثبات للنسخ بالاحتمال، وهو مردود، وبأنّ الأحاديث الَّتي ليس فيها تصريح بالمنع على الإطلاق، بل هي وقائع أحوال محتملة للتأويل لِتتوافق الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب، وبأنّ الأحاديث المذكورة أَيضًا ليس فيها ما تقوم به الحجة فلا تعارِضُ الأحاديث الصحيحة. اهـ (2) . فتحصّل أن الجمهور على جواز أخذ الأجرة على التّعليم كما صرّح به ابن حجر قريبًا، وأن الحنفية يمنعون قائلين إن ذلك عبادة، والعبادة أجرها على الله، لكنه لا مجال للاجتهاد مع وجود النصّ الصحيح، فالله جلّ وعلا كريم يعطي لعباده الأجر معجّلاً في الدنيا ويعطيهم الأجر في الآخرة، فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، لا حرج في ذلك.   (1) أَخرَجه البخاريّ تعليقًا عن ابن عبّاس في كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية. وأخرجه عنه موصولاً في كتاب الطب: باب الرقيا بالفاتحة. (2) فتح الباري: 4/453 454، ط السلفية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 262 قال شيخنا الشَّيخ محمَّد الأمين رحمه الله مفصّلاً في هذه المسألة ما نصه: قال مقيّده عفا الله عنه: الَّذي يظهر لي والله تعالى أعلم أنّ الإنسان إذا لم تدعه الحاجة الضرورية فالأولى له ألا يأخذ عوضًا على تعليم القرآن والعقائد والحلال والحرام للأدلة الماضية، وإن دعته الحاجة أخذ بقدر الضرورة من بيت مال المسلمين، لأنّ الظاهر أن المأخوذ من بيت المال من قبيل الإعانة على القيام بالتعليم لا من قبيل الأجرة، والأولى لمن أغناه الله أن يتعفّف عن أخذ شيء في مقابل التّعليم للقرآن والعقائد والحلال والحرام، والعلم عند الله تعالى. اهـ (1) . هذا وقد حاولت هنا بيان حكم هذه المسألة بحسب ما وقفت عليه من أدلة الفريقين ومن كلام العلماء ليستفيد المطلع عليه حكم هذه المسألة لا سيما الدعاة والمعلّمون ليكونوا على بصيرة مما هم فيه. المبحث السادس: مما احتوت عليه سورة هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام من شئون الدعوة إلى الله وينقسم الكلام فيه إلى قسمين: أحدهما: طريق إثبات النبوة، وأنها لا تثبت إِلاَّ عن طريق الوحي من الله جلّ وعلا. وثانيهما: بيان أن الغيب لا يعلمه إِلاَّ الله، وأن الرسل لا يعلمون منه إِلاَّ ما علّمهم الله، وهذا الأخير مما يجب على الدعاة التركيز عليه أثناء دعوتهم في هذا الزمن، لأنّ عوام النّاس أضلهم الدجالون والخرافيون ممن يزعمون أَنَّهم يعلمون بعض المغيبات ويخبرون بذلك عامة النّاس فيصدّقونهم ويكذبون القرآن الكريم، وسيتضح لك إن شاء الله كذبهم وتضليلهم عن طريق الاستدلال بكتاب الله تعالى. قال تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ((2) . الكلام على القسم الأَوَّل   (1) أضواء البيان: 3/25، المصدر السابق. (2) الآية 49 من سورة هود. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 263 بيّنت هذه الآية الكريمة وأمثالها من القرآن الكريم أن نبوة محمَّد (حقّ لأَنَّه رجل أُمِّي لا يكتب ولا يقرأ، ونشأ في أمّة أميّة لا تكتب ولا تقرأ، ومع ذلك يأتي بخبر الأمم السابقين وما حصل لهم من الهلاك، وما شجر بينهم مع الأنبياء، يأتي هذا مفصّلاً، كما أَنَّه يأتي بقصص أقوام آخرين ليسوا بأنبياء، ويحكيها كما هي، كقصة أصحاب الكهف وأصحاب الأخدود، وقصة ذي القرنين وغير ذلك من القصص الَّتي قصّ القرآن الكريم على نبينا محمَّد (ولم يكن له بها هو ولا قومه علم ما تحكيه لنا آية هود هذه من قصة أوّل نبي بعث إلى أهل الأرض نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ... (، وكذلك قوله في شأن قرعة رجال بني إسرائيل أيهم يكفل مريم في قوله تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ((1) ، ومن ذلك إخباره عن قصة أهل مدين مع نبي الله شعيب وقصة موسى عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وذلك في قوله:   (1) الآية 44 من سورة آل عمران. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 264 (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْءَايَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ((1) . ومن ذلك قوله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءَانَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ((2) ، ومن ذلك قوله تعالى في شأن إخوة يوسف معه: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ((3) ، ومن ذلك قوله تعالى لما ذكر قصص الأنبياء المذكورين في سورة هود: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ((4) ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة العنكبوت مقررًا صدق القرآن وأَنَّه من الله لا كما يزعمه الكفار أَنَّه مفترى من قبل محمَّد (واستعان بقوم آخرين غلمان من اليهود كانوا صاغة بمكة: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ((5) ، ونحو ذلك من الآيات.   (1) الآيات 44 46 من سورة القصص. (2) الآية 3 من سورة يوسف. (3) الآية 102 من سورة يوسف. (4) الآية 100 من سورة هود. (5) الآية 48 من سورة العنكبوت. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 265 وبعد عرض هذه الآيات نلم بأقوال العلماء حولها إلمامًا سريعًا دون تطويل لنبين بذلك موضوعيتها في إثبات النبوة الَّتي تشتد الحاجة كثيرًا إلى أدلته القاطعة لدعاة عصرنا الحاضر لأنّ الكثير من سكان المعمورة ينكرون رسالة محمَّد (سواء أكان إنكار جحود أم إنكار جهل، وعليه فلا بُدَّ من إثبات ذلك بالأدلة القطعية النقلية، ويكون الكلام عليها إن شاء الله حسب ذكري لها. أوّلاً أية هود: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (. قال كبير المفسرين أبو جعفر بن جرير الطبري عند الآية المذكورة بعد أن ساق السند إلى قتادة: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا القرآن، وما كان علم محمَّد (وقومه ما صنع نوح وقومه لولا ما بيّن الله له في كتابه (1) . ويقول قبل ذلك بقليل: يقول تعالى ذكره لنبيه محمَّد (هذه القصة الَّتي أنبأتك بها من قصة نوح وخبره وخبر قومه من أنباء الغيب يقول: هي من أخبار الغيب الَّتي لم تشهدها فتعلمها نوحيها إليك يقول: نوحيها إليك نحن فتعرفها ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا الوحي الَّذي نوحيه إليك فاصبر على القيام بأمر الله وتبليغ رسالته وما تلقى من مشركي قومك كما صبر نوح إنّ العاقبة للمتقين، يقول: إنّ الخير من عواقب الأمور لمن اتقى الله فأدى فرائضه واجتنب معاصيه فهم الفائزون بما يؤملون من النعيم في الآخرة والظفر في الدنيا بالكلية كما كانت عاقبة نوح إذ صبر لأمر الله ... (2) .   (1) تفسير الطبري عند الآية المذكورة. (2) تفسير الطبري عند الآية المذكورة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 266 ويقول ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى لنبيه (: هذه القصة وأشباهها من أنباء الغيب يعني من أخبرا الغيوب السالفة نوحيها إليك على وجهها كأنك شاهدها أي نعلمك بها وحيًا منا إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا أي لم يكن عندك ولا عند أحد من قومك علم بها حتَّى يقول من يكذبك إنك تعلمتها منه بل أخبرك الله بها مطابقة لما كان عليه الأمر الصحيح كما تشهد به كتب الأنبياء قبلك فاصبر على تكذيب من كذبك من قومك وأذاهم لك فإنا ننصرك ونحوطك بعنايتنا ونجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة كما فعلنا بالمرسلين حيث نصرناهم على أعدائهم (1) . قلت: إنّ في الآية منهجًا عظيمًا من مناهج الدعوة أمر الله نبيه محمَّدًا (إمام الدعاة به ألا وهو الصبر على الأذى من المدعوين فالأمر له (أمر لنا لأنّ الأمر للقدوة أمر للأتباع، والأمر للوجوب إِلاَّ إذا وجدت قرينة صارفة عن الوجوب ولم توجد هنا قرينة فعلى الدعاة إلى الله أن ينتهجوا هذا المنهج امتثالاً لأمرِ الله تعالى واقتداء برسوله (، كما أن في الآية وسيلة من وسائل الدعوة وهي الترغيب: س إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ش، فوظيفة الدعاة هي الترغيب والترهيب لأنّ ذلك هو وظيفة الأنبياء، قال تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ... ((2) ، وقال تعالى في خصوص نبينا محمَّد (: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ... ((3) ، فالآية الكريمة اشتملت على منهج أساسي من مناهج الدعوة إلى الله وعلى وسيلة عظمى من وسائلها أَيضًا، فليفرح الدعاة المتقون بأن الله ناصرهم لا محالة وأن العاقبة لهم لأنّ إخبار الله لا يتغير ولا يتبدل ولا يدخله النسخ فهذا الوعد محتم لا محالة.   (1) تفسير ابن كثير: 2/430، ط دار الجيل، بيروت. (2) الآية 165 من سورة النساء. (3) الآية 45 من سورة الأحزاب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 267 أمّا آية آل عمران: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ((1) ، فإليك بعض كلام العلماء فيها. قال ابن كثير في تفسيره: ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك أي نقصه عليك، وما كنت لديهم أي ما كنت عندهم يا محمَّد معاينة عما جرى بل أطلعك الله على ذلك كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم حين اقترعوا في شأن مريم أيهم يكفلها وذلك لرغبتهم في الأجر (2) ، ثُمَّ قال: وقال ابن جرير: حدّثنا القاسم، حدَّثنا الحسين، حدّثني حجّاج عن ابن جريج، عن القاسم بن أَبي بزة أَنَّه أخبره عن عكرمة وأَبي بكر عن عكرمة قال: خرجت بها- يعني مريم - في خرقها إلى بني الكاهن بن هارون أخي موسى عليهما السلام (3) ، قال: وهم يومئذٍ يلون في بيت المقدس ما تلي الحجبة من الكعبة فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة فإني حرّرتها وهي أنثى، ولا تدخل الكنيسة حائض، وأنا لا أردها إلى بيتي، فقالوا: هذه ابنة إمامنا، وكان عمران يؤمهم في الصلاة، وصاحب قرباننا، فقال زكرياء: ادفعوها لي فإِنَّ خالتها تحتي، فقالوا: لا تطيب أنفسنا هي ابنة إمامنا، فذلك حين اقترعوا عليها بالأقلام الَّتي يكتبون بها التوراة فقرعهم زكرياء فكلفها. بواسطة نقل ابن كثير (4) . قلت: هكذا ذكر ابن كثير، وبعد مطالعتي لابن جرير عند الآية لم أجد هذه القصة بهذا السياق والسند لكن معناها والكثير من ألفاظها موجود عند تفسير ابن جرير للآية، فلعل هذا السياق ذكره في كتاب التاريخ والله أعلم.   (1) الآية 44 من سورة آل عمران. (2) تفسير ابن كثير: 1/343، المصدر السابق. (3) قلت: إن كان يعني أن الكاهن ابن هارون مباشرة فهذا بعيد جدًا، وإن كان يريد أَنَّه من ذريته فلا مانع. (4) ابن كثير، المصدر السابق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 268 وقال ابن جرير عند تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (يعني جلّ ثناؤه بقوله: ذلك ك الأخبار الَّتي أخبر بها عباده عن امرأة عمران وابنتها مريم وزكريا وابنه يحيى وسائر ما قصّ في الآيات من قوله: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىءَادَمَ وَنُوحًا ش، ثُمَّ جمع جميع ذلك بقوله: (ذَلِكَ (، فقال: هذه الأنباء من أنباء الغيب أي من أخبار الغيب، ويعني بالغيب أَنَّهَا من خفِيّ أخبار القوم الَّتي لم تطلع عليها أنت ولا قومك، ولم يعلمها إِلاَّ قليل من أحبار أهل الكتابين ورهبانهم، ثُمَّ أخبر تعالى ذكره نبيه محمَّدًا (أَنَّه أوحى ذلك إليه حجّة على نبوته وتحقيقًا لصدقه وقطعًا منه به عذر منكري رسالته من كفار أهل الكتابين الَّذين يعلمون أن محمَّدًا (لم يصل إلى علم هذه الأنباء مع خفائها، ولم يدرك معرفتها مع خمولها عند أهلها إِلاَّ بإعلام الله ذلك إياه إذ كان معلومًا عندهم أن محمَّدًا (أمي لا يكتب فيقرأ الكتب فيصل إلى علم ذلك من قبيل الكتب، ولا صاحَب أهل الكتب فيأخذ علمه من قبلهم ... إلى أن يقول: كيف يشكّ أهل الكفر بك منهم (يعني أهل الكتاب) وأنت تنبئهم هذه الأنباء ولم تشهدها ولم تكن معهم يوم فعلوا هذه الأمور؟ ولست ممن قرأ الكتب فعلم نبأهم ولا جالس أهلها فسمع خبرهم، ثُمَّ ساق سنده إلى محمَّد بن جعفر بن الزبير وما كنت لديهم إذ يختصمون أي ما كنت معهم إذ يختصمون فيها يخبره بخفي ما كتموا منه من العلم عندهم لتحقيق نبوته والحجة عليهم لما يأتيهم به مما أخْفَوْه منه. اهـ (1) . ويقول ابن عطية في المحرر الوجيز: وفي هذه الآية بيان لنبوة محمَّد (إذ جاءهم بغيوب لا يعلمها إِلاَّ من شاهدها وهو لم يكن لديهم أو من قرأها في كتب أهل الكتاب ومحمَّد (أمي من أميين أو من أعلمه الله بها وهو   (1) طالع تفسير ابن جرير: 3/182 185. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 269 ذاك ((1) . أمّا الكلام على الآيات الَّتي تتعلّق بنبي الله شعيب وموقف قومه من دعوته، وبقصة موسى حين ناداه ربّه لِيُحمّله عبء الرسالة إلى الطاغية فرعون فإليك بعض كلام المفسرين فيها. (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْءَايَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ((2) . في الآيتين دليل واضح على أن ما فصل في هاتين القصتين من الأحوال لا يتسنى إِلاَّ بالمشاهدة أو التعلم ممن شاهد وحيث انتفيا كلاهما تبيّن أَنَّه بوحي من علاّم الغيوب لا محالة أي وما كنت بجانب الجبل الغربيّ أو المكان الغربي الَّذي وقع فيه الميقات إذ قضينا إلى موسى الأمر أي عهدنا إليه وأحكمنا أمر نبوته بالوحي وإيتاء التوراة، وما كنت من جملة الشاهدين للوحي وهم السبعون المختارون للميقات حتَّى تشاهد ما جرى، وما كنت ثاويًا أي مقيمًا أَيضًا في أهل مدين قوم شعيب تتلو عليهم أي تقرأ عليهم بطريق التعلّم منهم آياتنا الناطقة بالقصة، ولكنا كنا مرسلين إياك وموحين إليك تلك الآيات ونظائرها وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أي وقت نداء الله موسى وقوله له إني أنا الله ربّ العالمين وإرسالنا له إلى فرعون،ولكن رحمة من ربك أي ولكن أرسلناك بالقرآن الناطق بما ذكر من هذه القصص وغيرها لرحمة عظيمة كائنة منا لك وللنّاس (3) .   (1) المحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي: 3/117. (2) تقدمت الإشارة إليهما. (3) انظر أبو السعود بتصرف في النقل: 7/15 16. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 270 والمعنى: وما كنت يا محمَّد حاضرًا بجانب الجبل الغربي الَّذي وقع فيه الميقات وأعطى الله تعالى فيه ألواح التوراة لموسى (فالكلام من باب حذف الموصوف وإقامة الصفة مُقامه وذلك كثير في لغة العرب، وفي القرآن الكريم كما في قوله: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ ((1) . أي دروعًا سابغات، وقيل: إن الكلام من باب إضافة الموصوف إلى الصفة الَّتي جوزها الكوفيون كما في قولهم: مسجد الجامع، والأصل على هذا في الجانب الغربي فيتحد الجانب والغربي، فالشاهد هنا إِمّا بمعنى الحضور أو من الشهادة والأمران منتفيان فلم يبق إِلاَّ أن تكون عرفت هذه الحقائق عن طريق الوحي (2) . وقال القرطبي: ولكنا كنا مرسلين أي أرسلناك في أهل مكة وآتيناك كتابًا فيه هذه الأخبار، ولولا ذلك لما علمتها ... إلى أن قال: قال النحاس: أي لم تشهد قصص الأنبياء، ولا تليت عليك ولكنا بعثناك وأوحيناها إليك للرحمة. اهـ (3) . الكلام على قوله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءَانَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ((4) يخبر تعالى أَنَّه يقص على نبيه محمَّد (أخبار الأنبياء وأممهم وما جرى بينهم وهو لم يكن حاضرًا ولا قرأ عن تلك الأخبار والحوادث لأَنَّه أمّي لا يقرأ ولا يكتب، فإخباره له بذلك على حاله فيه أمران: الأمر الأَوَّل: تقرير نبوته (، إذ لا يمكن الاطلاع على هذه الأمور وحكايتها كما هي إِلاَّ عن طريق الوحي.   (1) الآية 11 من سورة سبأ. (2) طالع روح المعاني: 10/292. (3) تفسير القرطبي: 13/291 292. (4) تقدّمت الإشارة إليها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 271 الثَّاني: تثبيت فؤاده (على الدعوة إذا علم عن طريق الوحي أن إخوانه من الأنبياء السابقين أوذوا كما أوذي وكُذِّبوا كما كُذِّب هان ذلك عليه واستمر في دعوته، فمعنى الآية: وكلّ الأخبار الَّتي نقصها عليك من أنباء الرسل المتقدمين من قبلك مع أممهم وكيف جرى لهم من المحاجات والخصومات وما تحمله الأنبياء من التكذيب والأذى، وكيف نصر الله حزبه المؤمنين وخذل أعداءه الكافرين كلّ هذا مما نثبت به فؤادك يا محمَّد ليكون لك بمن مضى من إخوانك المرسلين أسوة (1) . الكلام على آية يوسف (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ((2) ، يقول تعالى لنبيه: إنّ هذا الخبر الَّذي أخبرتك به من خبر يوسف وإخوته وسائر ما في هذه السورة من أنباء الغيب الَّذي لم تشاهده ولم تقرأ عنه في كتب الأولين، ولكننا نوحيه إليك ونعرفكه لنثبت به فؤادك ونشجع به قلبك لتصبر على ما نالك من الأذى من قومك في ذات الله وتعلم أن من قبلك من إخوانك المرسلين صبروا على ما نالهم في ذات الله وأخذوا بالعفو وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وأعرضوا عن الجاهلين لذلك فازوا بالظفر بالمطلوب وأُيّدوا بالنصر ومُكّنوا في الأرض، فالمعنى: وما كنت يا محمَّد حاضرًا مع إخوة يوسف إذ أجمعوا واتفق رأيهم على أن يلقوه في غيابة الجب، وما هناك، وسيلة يمكن أن تعرف بها ذلك إِلاَّ طريق الوحي من الله إليك فتثبت بذلك نبوتك وصدقك وقامت الحجة على خصومك (3) .   (1) طالع تفسير ابن كثير عند الآية: 2/447، المصدر السابق. (2) تقدّمت الإشارة إليها. (3) طالع تفسير ابن جرير عند الآية مع حذف وزيادة في كلامه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 272 ويقول ابن عطيّة في تفسيره: ذلك من أنباء الغيب: ذلك إشارة إلى ما تقدّم من قصة يوسف، وهذه الآية تعريض لقريش وتنبيه على آية صدق محمَّد (وفي ضمن ذلك الطعن على مكذبيه (1) . ويقول المفسّر عبد الرَّحمن بن ناصر السعدي في تفسيره للآية: لما قصّ الله هذه القصة على محمَّد (، قال له: ذلك النبأ الَّذي أخبرناك به من أنباء الغيب نوحيه إليك ولولا إيحاؤنا إليك لما وصل إليك هذا الخبر الجليل وإنك ما كنت حاضرًا لديهم إذ أجمعوا أمرهم أي إخوة يوسف وهم يمكرون به حين تعاقدوا على التفريق بينه وبين أبيه في حالة لا يطّلع عليها إِلاَّ الله تعالى، ولا يمكن لأحد أن يصل إلى علمها إِلاَّ بتعليم الله له إياها كما قال تعالى لما قصّ قصة موسى وما جرى له، ذكر الحال الَّتي لا سبيل للخلق إلى علمها إِلاَّ بوحيه فقال: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ... (الآيات، فهذا أدل دليل على أن من جاء بها رسول الله حقًّا (2) . الكلام على آية هود (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ((3) ، المعنى: ذلك من أنباء القرى أي من أخبار أهل القرى نقصه عليك لتنذر به، ويكون آية على رسالتك وموعظة وذكرى للمؤمنين (4) . فالمعنى: أن الَّذي نقصه عليك من أخبار القرى السابقة كقرى قوم لوط وقوم صالح وقرى قوم شعيب وغير ذلك نقصه عليك ليكون عبرة وعظة لقومك الَّذين كذبوك وآذوك فإِنَّ الله أهلك الأولين بسبب تكذيبهم رسل   (1) المحرر الوجيز: 8/89. (2) تيسير الكريم الرَّحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرَّحمن بن ناصر السعدي: 34/30. (3) تقدّمت الإشارة إليها. (4) تفسير السعدي: 3 4/216. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 273 الله، وأنتم يا قريش احذروا أن يحلّ بكم ما حلّ بهؤلاء إذ لا مزية لكم عليهم، وما جاز على المثل يجوز على مماثله، وفي الآية تقرير لنبوته عليه الصلاة والسلام حيث لا يتأتى له أي يقص عليهم قصص الأنبياء والأمم ولم يشاهدها ولم يكن في زمنها ولم يكن يقرأ كتب السابقين لا يتأتى له ذلك إِلاَّ عن طريق وحي من الله - سبحانه وتعالى - كما هو الواقع. الكلام على آية العنكبوت قوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ((1) . المعنى: أَنَّه عليه الصلاة والسلام ما كان يتلو قبل هذا القرآن من كتاب ولا يكتب بيمينه ولا بشماله أَيضًا أي لا تقدر على خطه كما لا تقدر على تلاوته أي ما كان من عادتك أن تتلو ولا أن تقرأ قبل إيحائنا إليك بهذا القرآن فلو كنت كاتبًا أو تاليًا ثُمَّ أتيت بهذا القرآن لارتاب قومك في شأنك، أي لكان هناك مجال للريبة، فلمّا لم تكن متّصفًا بتلك الصفتين ولا بإحداهما ثُمَّ أتيت بهذا القرآن لم يكن هناك مجال في الارتياب في شأنك، يقول أبو السعود: ... لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط أو ممن يعتادهما لارتابوا وقالوا: لعلّه التقطه من كتب الأوائل، وحيث لم تكن كذلك لم يبق في شأنك منشأ ريب أصلاً (2) . القسم الثَّاني من أقسام المبحث السادس تقدّم لنا أن هذا المبحث ينقسم الكلام فيه إلى قسمين: الأَوَّل: إثبات نبوته (، والثَّاني: الإخبار بأن الغيب لا يعلمه إِلاَّ الله، وأن الرسل لا يعلمون منه إِلاَّ ما علمهم الله عن طريق الوحي، وتكلمنا على القسم الأَوَّل، والآن سأتكلم على القسم الثَّاني إن شاء الله تعالى، فأقول:   (1) تقدّمت الإشارة إليها. (2) تفسير أَبي السعود: 7/29. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 274 دلّت آيات القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية الصريحة الصحيحة أن الغيب لا يعلمه إِلاَّ الله - سبحانه وتعالى -، فالغيب كلّ ما غاب عن الحواس، وكلّ ما غاب عنها لا يعلمه إِلاَّ الله جلّ، فكلّ من ادعى علم شيء من الغيب قيل له كَذّبْتَ الآيات القرآنية الصريحة، ومن كذّب القرآن متعمدًا بعدما تبين له ما دلّ عليه بالقاطع فقد كفر والعياذ بالله. وإليك بعض الآيات الدالة على ما ذكر، قال تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ ... ((1) . بيّن تعالى المراد بمفاتح الغيب بقوله: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ((2) . والمفاتح: الخزائن، جمع مَفتح بفتح الميم بمعنى المخزن، وقيل: هي المفاتيح جمع مِفتح بكسر الميم وهو المفتاح، وتدل له قراءة ابن السميع: مفاتيح بياء بعد التاء، فهذه الآية الكريمة تدل على أنّ الغيب لا يعلمه إِلاَّ الله، وهو كذلك لأنّ الخلق لا يعلمون إِلاَّ ما علّمهم خالقهم جلّ وعلا، وقد أخرج البخاريّ في صحيحه بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله (قال: ((مفاتح الغيب خمس: إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير)) (3) ، وأَخْرَجَ بسنده إلى أَبي هُرَيْرة (أن رسول الله (كان يوما بارزًا للناس إذ أتاه رجل يمشي فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ حديث جبريل المشهور إلى أن قال في آخره: وإذا كان الحفاة العراة رءوس الناس فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله س   (1) الآية 59 من سورة الأنعام. (2) الآية 34 من سورة لقمان. (3) صحيح البخاريّ، كتاب التفسير، تفسير سورة الأنعام. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 275 إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ ... ش (1) . ثُمَّ أخرج بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النَّبي (: ((مفاتح الغيب خمس، ثُمَّ قرأ: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... ()) (2) . وأَخْرَجَ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (قال: ((مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله)) (3) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: من زعم أن رسول الله (يخبرنا بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ ... ((4) (5) .   (1) صحيح البخاريّ، كتاب التفسير، تفسير سورة لقمان. (2) صحيح البخاريّ، كتاب التفسير، تفسير سورة لقمان. (3) صحيح البخاريّ، كتاب التفسير، تفسير سورة الرعد. (4) الآية 65 من سورة النمل. (5) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب قول الله (: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (. والترمذي في تفسير سورة الأنعام. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 276 قال الحافظ ابن حجر: وقال الشَّيخ محمَّد بن أَبي جمرة: عبّر بالمفاتح لتقريب الأمر على السامع، لأنّ كلّ شيء جعل بينك وبينه حجاب فقد غيب عنك، والتوصل إلى معرفته في العادة من الباب، فإذا أغلق الباب احتيج إلى المفتاح، فإذا كان الشيء الَّذي لا يطلع على الغيَّب إِلاَّ بتوصيله لا يعرف موضعه فكيف يعرف المغيب. انتهى ملخّصًا (1) . يعني أن المفاتح هي الَّتي يتوصل بها لكل غائب عنك، فإذا لم تُعلم فكيف التوصل إلى الغائب؟ وقال ابن حجر: فإِنَّ قيل: ليس في الآية أداة حصر كما في الحديث، أجاب الطيبي بأن الفعل إذا كان عظيم الخطر وما ينبني عليه الفعل رفيع الشأن فهم منه الحصر على سبيل الكناية ولاسيما إذا لوحظ ما ذكر في أسباب النزول من أن العرب كانوا يدّعون علم نزول الغيث، فيشعر بأن المراد من الآية نفي علمهم بذلك واختصاصه بالله - سبحانه وتعالى - (2) . قلت: في ختام الآية بقوله: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (إشعار بأن هذا الأمر عظيم لا يطّلع عليه إِلاَّ من لا يشاركه أحد في ذلك كما دلّت على ذلك صفتا المبالغة: عليم خبير، والله أعلم، ومن ذلك قوله تعالى لنبيه (: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ ... ((3) . هكذا أمر نبينا محمَّدًا (، كما أمر بذلك نوحًا (بقوله: (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ... ((4) . قلت: إن المتتبع لقصص الرسل يعلم منها علم يقين أن الغيب لا يعلمه إِلاَّ الله، وأن الرسل والملائكة لا يعلمون إِلاَّ ما علّمهم الله.   (1) فتح الباري: 8/514. (2) فتح الباري: 1/124، ط السلفية. (3) الآية 50 من سورة الأنعام. (4) الآية 31 من سورة هود. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 277 فهذا نبينا محمَّد (لمّا رميت عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - بما رميت به وهي أحبّ النّاس إليه لم يعلم أهي بريئة أم لا؟ فكان يقول لها: ((يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه)) إلخ في الحديث الطويل (1) . فالمتأمل لهذه القصة يعلم أن نبي الله (لا يعلم من الغيب إِلاَّ شيئًا علّمه ربّه عن طريق الوحي فهو يجلس شهرًا كاملاً كما في بعض روايات الحديث متجنّبًا لأحبّ النّاس إليه زوجه عائشة أمّ المؤمنين يجلس بعيدًا منها ويقول: ((كيف تيكم؟)) ولا يدري عنها هل هي بريئة أو لا؟ حتَّى أنزل الله عليه: (أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا   (1) أَخرَجه البخاريّ في تفسير سورة النور، وفي كتاب الشهادات، وفي كتاب المغازي، وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة. ومسلم في كتاب التوبة، في باب حديث الإفك وقبول توبة القاذف ... إلخ، والحديث طويل جدًّا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 278 يَقُولُونَ ((1) . فمن ادعى علم الغيب اليوم أو ادعى شيئًا ما من أنواعه كذّبناه بلا شك وحكمنا بأنه دجال مناقض للقرآن الكريم والسنة المطهرة، وانظر إلى قوله تعالى مخاطبًا له: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ((2) . يقول القرطبي رحمه الله: ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير: المعنى: لو كنت أعلم ما يريد الله مني من قبل أن يعرفنيه لفعلته، وقيل: لو كنت أعلم متى يكون النصر في الحرب لقاتلت فلم أغلب، وقال ابن عبّاس: لو كنت أعلم سنة الجدب لهيأت لها في زمن الخصب ما يكفيني، إلى غير ذلك مما ذكره من الأقوال الَّتي تدور حول عدم علمه بالغيب (3) . ويقول (: في الحديث الصحيح: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة)) ... إلخ الحديث (4) .   (1) الآية 26 من سورة النور. (2) الآية 188 من سورة الأعراف. (3) تفسير القرطبي: 7/336 337. (4) لفظ مسلم في حديث جابر الطويل في حجة النَّبي (، كتاب الحج، باب حجة النَّبي (وأخرجه البخاريّ في كتاب الحج، وفي كتاب العمرة عن جابر أَيضًا، وفي غير ذلك من صحيحه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 279 ثُمَّ ننتقل إلى نبي الله نوح، وهو من أولي العزم من الرسل، يقول الله عنه أَنَّه يخاطب قومه فيقول: (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ.. ((1) . وكذلك قوله (: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ... ((2) ، فهو ما كان يدري أن ابنه الَّذي غرق ليس من أهله الموعود بنجاتهم حتَّى قال ما قال إلى أن أخبره الله بقوله له: (يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ((3) . ثُمَّ ننتقل إلى أَبي الأنبياء إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه خليل الرَّحمن فنجده لا يعلم عن الغيب شيئًا إِلاَّ ما علّمه الله، فحين أتته الملائكة في صور رجال من البشر بادر بذبح عجله وشيّه وتهيئة الطعام لهم على عادته في إكرام الضيف، فلو كان يعلم الغيب لعلم أن هؤلاء ملائكة ولم يذبح عجله ويتعب نفسه ويهيئ لهم الطعام ويقول: ألا تأكلون؟ ولم يقع في نفسه منهم خوف حتَّى قالوا له: إنا أرسلنا إلى قوم لوط، ثُمَّ ذهبوا من عند إبراهيم وجاءوا إلى لوط في تلك الصورة فظنّهم رجالاً من بني البشر فسيء بهم وضاق بهم ذرعًا وقال: هذا يوم عصيب؛ خوفًا عليهم من أن يفعل بهم قومه فاحشتهم المعروفة، حتَّى قال: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد، ولم يعلم عنهم شيئًا حتَّى أخبروه أَنَّهم رسل الله فقالوا: (يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ... ((4) .   (1) الآية 31 من سورة هود. (2) الآية 45 من سورة هود. (3) الآية 46 من سورة هود. (4) الآية 81 من سورة هود. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 280 وهذا يعقوب (ابيضت عيناه من الحزن على ولده يوسف وهو في مصر ما بينه وبينه إِلاَّ مسيرة أيام تحت يده خزائن رزق مصر لا يدري عنه حتَّى أظهر الله خبره، وهذا سليمان (سخّر الله له الشياطين والريح ما كان يدري عن أهل مأرب قوم بلقيس حتَّى جاءه الهدهد: (فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (الآيات (1) . ثُمَّ ننتقل من الرسل إلى الملائكة فنجد أن القرآن الكريم أخبر حاكيًا عنهم أَنَّهم لا يعلمون من الغيب إِلاَّ ما علّمهم الله، فحين قال لهم الله جلّ وعلا: ( ... أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ((2) . ومن هذا العرض يتبيّن أن الغيب لا يعلمه إِلاَّ الله لأنّ أفضل الخلق على الإطلاق الرسل والملائكة وتبين مما تقدّم أَنَّهم لا يعلمون من الغيب إِلاَّ ما علّمهم الله تعالى، وهو تعالى يعَلّم رسله وملائكته من غيبه ما شاء كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ... ((3) ، وقال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ... ((4) (5) .   (1) الآية 22 من سورة النمل. (2) الآية 31 32 من سورة البقرة. (3) الآية 179 من سورة آل عمران. (4) الآية 26 27 من سورة الجن. (5) انظر أضواء البيان: 2/127 فما بعدها، ط المدني. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 281 المعنى أن الله - سبحانه وتعالى - وحده هو الَّذي يعلم الغيب وأَنَّه لا يظهر عليه أحدًا من خلقه أي لا يطلعه عليه ولا ينبئه به، ووقوع الفعل (يظهر) في حيز النفي يفيد العموم، أي لا يطلع عليه أي أحد كائنًا من كان، وكذلك وقوع المفعول به: (أحدًا) نكرة في سياق النفي يفيد العموم، ثُمَّ استثنى من هذا النفي من ارتضاهم ليطلعهم على بعض غيبه فقال: إِلاَّ من ارتضى من رسول، إذا أراد الله إطلاعه على غيب أراد إظهاره بالوحي، وكذلك ما أراد أن يؤيد به رسوله (من إخبار بما سيحدث أو اطلاع على ضمائر بعض النّاس، فقوله: ارتضى مستثنى من عموم أحدًا، والمعنى: إِلاَّ أحدًا ارتضاه الله أي اختاره للاطلاع على شيء من الغيب لحكمة أرادها الله تعالى أي يطلع الله بعض رسله لأجل ما أراده الله من الرسالة إلى النّاس، فيعلم من هذا أن الغيب الَّذي يُطلع الله عليه الرسل هو من نوع ماله تعلّق بالرسالة وهو غيب ما أراد الله إبلاغه إلى الخلق أن يعتقدوه أو يفعلوه وما له تعلّق بذلك من الوعد والوعيد من أمور الآخرة أو أمور الدنيا وما يؤيد به الرسل عن الإخبار بأمور مغيّبة كقوله تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ ((1) (2) .   (1) الآيات: 3 4 من سورة الروم. (2) طالع التحرير والتنوير: 14/247 248، بتصرّف يسير في النقل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 282 وقال الشوكاني في تفسير سورة الجن هذه: ... أي لا يُطلع على الغيب الَّذي يعلمه وهو ما غاب عن العباد أحدًا منهم، ثُمَّ استثنى فقال: إِلاَّ من ارتضى من رسول، أي إِلاَّ من اصطفاه من الرسل أو من ارتضاه منهم لإظهاره على بعض غيبه ليكون ذلك دالاً على نبوته، ثُمَّ قال: قال القرطبي: قال العلماء: لما تمدح - سبحانه وتعالى - بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل أَنَّه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثُمَّ استثنى من ارتضى من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم، وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصا وينظر في الكفّ ويزجر بالطير ممن ارتضاه الله من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه فهو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه، وقال سعيد بن جبير: إِلاَّ من ارتضى من رسول هو جبريل، وفيه بعد، وقيل: المراد بقوله: إِلاَّ من ارتضى من رسول فإِنَّه يطلعه على بعض غيبه وهو ما يتعلّق بالرسالة المعجزة وأحكام التكاليف وجزاء الأعمال وما بيّنه من أحوال الآخرة لا ما لا يتعلّق برسالته من الغيوب كوقت قيام الساعة ونحوه، قال الواحدي: في هذا دليل على أن من ادعى أنّ النجوم تدلّه على ما يكون من حادث فقد كفر بما في القرآن، قال في الكشاف: وفي هذا إبطال للكرامات لأنّ الَّذين تضاف إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين فليسوا برسل، وقد خصّ الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب، وإبطال للكهانة والتنجيم لأنّ أصحابها أبد شيء عن الارتضاء وأدخله في السخط (1) .   (1) انظر فتح القدير للشوكاني: 5/310 311، وكلام القرطبي الَّذي ذكره نقله عنه بالحرف في تفسير سورة الجن هذه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 283 وقال عند تفسير آية آل عمران: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ (حتَّى تُميّزوا بين الطيب والخبيث فإِنَّه المستأثر بعلم الغيب لا يظهر على غيبه أحدًا إِلاَّ من ارتضى من رسول من رسله يجْتَبيه فيطلعه على شيء من غيبه فيميز بينكم كما وقع من نبينا (من تعيين كثير من المنافقين فإِنَّ ذلك كان بتعليم الله له لا بكونه يعلم الغيب، وقيل: المعنى: وما كان الله ليطلعكم على الغيب فيمن يستحق الرسالة حتَّى يكون الوحي باختياركم، ولكن الله يجتبي أي يختار من رسله من يشاء (1) .   (1) فتح القدير: 1/404. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 284 فتحصّل من الآيات الَّتي تقدّمت صريحًا في نفي علم الغيب عن جميع المخلوقات إِلاَّ من استثنى الله من رسله أن مدّعي علم الغيب اليوم كاذب. وإِنّما بسطنا الكلام في هذه النقطة لشدّة الحاجة إلى ذلك في زمننا الَّذي نعيش فيه فأردت جمع بعض من الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء وبيان فهمهم لتفسير الآيات الَّتي نفت علم الغيب إِلاَّ عن الله أو من ارتضاه من رسله، أردت جمع ذلك ليطّلع عليه طلبة العلم لا سيما من يتعرّض للدعوة إلى الله، لأنّ الكثير من النّاس فشت فيهم الخرافة والغلو في الصالحين والأولياء والمشايخ، وفشا فيهم اتباع الدجالين ممن هم محسوبون على الإسلام والإسلام منهم بريء براءة الشمس من اللمس، مع العلم أن هناك من طلبة العلم بل من العلماء من يركن إلى هذا النوع من الضلال، ويرى أن علم الغيب المنفي إِنَّما هو الغيب كلّه لا بعضه، وبعضهم يقول: العلم المنفي هو ما ذكر في آية لقمان من المسائل الخمس حتَّى إن الرازي قال: إن قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ... ((1) ليست فيه صيغة عموم، وخفي عليه أو جهل أو تجاهل أن في الآية صيغتي عموم إحداها في قوله: (غَيْبِهِ (فإِنَّه مصدر أضيف إلى الضمير، وإضافة المصدر واسم الجنس إلى المعارف من صيغ العموم، والأخرى في قوله: (أَحَدًا (فإِنَّه نكرة في سياق النفي وتلك من صيغ العموم باتفاق، وهناك صيغة عموم ثالثة وهي وقوع الفعل س يُظْهِرُ ش في حيّز النفي، لأنّ الفعل الصناعي ينحل عن مصدر لا محالة وهذا المصدر هنا نكرة في سياق النفي أي لا يظهر إظهارًا كائنًا ما كان على غيبه أي أحد إِلاَّ من استثناهم من رسله. يقول: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ ... ((2) . يقول تعالى آمرًا رسوله محمَّدًا (أن يقول معلّمًا   (1) تقدّمت الإشارة إليها. (2) الآية 65 من سورة النمل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 285 جميع الخلائق أَنَّه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إِلاَّ الله، وقوله تعالى: (إِلا اللَّهُ (استثناء منقطع، أي: لا يعلم أحد ذلك إِلاَّ الله (فإِنَّه المنفرد بذلك وحده لا شريك له، كما قال تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ (، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ... (إلى آخر السورة (1) . قال ابن كثير: قال ابن أَبي حاتم: حدّثنا عليّ بن الجعد، حدّثنا أبو جعفر الرازي، عن داود بن أَبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: من زعم أَنَّه يعلم يعني النبي (ما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، لأنّ الله تعالى يقول: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ ... (. وقال قتادة: إِنَّما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدى بها، وجعلها رجومًا للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلّف ما لا علم له به، وإن ناسًا جهلة بأمر الله قد أحدثوا من هذه النجوم كهنة: من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ومن ولد بنجم كذا كان كذا وكذا، ولعمري ما من نجم إِلاَّ يولد به الأحمر والأسود والقصير والطويل والحسن والدميم وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير من الغيب وقضى الله تعالى أَنَّه لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إِلاَّ الله وما يشعرون أيان يبعثون، ثُمَّ قال: رواه ابن أَبي حاتم عنه بحروفه، وهو كلام جليل متين صحيح (2) . المبحث السابع: من محتويات الدعوة في سورة هود (   (1) تقدّمت الإشارة إليها. (2) طالع تفسير ابن كثير: 3/360، ط دار الجيل، بيروت. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 286 وهو يشتمل على منهج نبي الله هو وصالح وشعيب في الدعوة إلى الله تعالى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ، يَاقَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ ((1) ، (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ((2) ، (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ، وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ((3) ، (قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ، وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ((4) . (وَإِلَى   (1) الآيات 50 51 من سورة هود. (2) الآية 61 من سورة هود. (3) الآيات 84 85 من سورة هود. (4) الآيات 88 90 من سورة هود. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 287 عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا (الآية ... نبي الله هود نسبه: هو هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن غوص بن إرم بن سام بن نوح، ومن أهل الأنساب من يزعم أن هودًا هو: عابر بن شالح بن رفخد بن سام بن نوح. وكان قومه أهل أوثان ثلاثة يعبدونها، يقال لأحدها: صداء، وللثاني: صمود، وللثالث: الهباء، فدعاهم هود إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة دون غيره وترك ظلم النّاس فكذّبوه وقالوا: من أشدّ منّا قوّة؟ فلم يؤمن به منهم إِلاَّ القليل، فاستمر في دعوتهم يعظهم وهم متمادون في طغيانهم إلى أن قالوا: ( ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ((1) (2) . وقال ابن كثير: هو هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، وذكر النسب الَّذي ذكره الطبري، فانظره (3) .   (1) الآية 136 من سورة الشعراء. (2) انظر تاريخ ابن جرير: 1/216 217، ط الثانية، تحقيق محمَّد أبو الفضل إبراهيم. (3) البداية والنهاية لابن كثير: 1/120، ط الثانية، مكتبة المعارف، بيروت. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 288 إنّ منهج نبي الله هود لا يختلف عن منهج أخيه نوح عليهما وعلى نبينا الصلاة والتسليم، لأنّ جميع الرسل متّفقون في المبدأ على الدعوة إلى توحيد الله تعالى، فذلك هو المنهج الأساسي للرسل في دعوتهم الأمم، وقد أخذ نبي الله هو بحظه من ذلك المنهج فدعا قومه إلى توحيد الله وحده ونبذ عبادة الأصنام، وكان (ينذرهم بأس الله ويضرب لهم المثل بقوم نوح، ويذكرهم بنعم الله تعالى عليهم حيث زادهم في الخلق بسطة وجعلهم خلفاء في الأرض من بعد قوم نوح، وبوأهم أرضًا مثمرة تدر عليهم الخير الكثير تنبت لهم الزرع الَّذي يعيشون به والكلأ الَّذي تعيش به دوابهم، وكان يخبرهم أن الواجب عليهم أن يستعملوا هذه القوّة الَّتي أعطاهم الله ولم يعطها لأحد سواهم في طاعة الله، وأن يستعملوا عقولهم ويفكّروا بها ليتبيّنوا بها أنّ ما يعبدونه من دون الله لا يضرّهم ولا ينفعهم، وأن الَّذي ينفع ويضر هو الله وحده الَّذي خلقهم وأعطاهم القوّة الَّتي يفتخرون بها، وهو الَّذي بيده إحياؤهم وإماتتهم، وأنهم إذا تابوا إليه مما سلف من الكفر تاب الله عليهم وأغدق عليهم نعمه بإنزال المطر وإمدادهم بقوة إلى قوّتهم وبزيادتهم عزًا إلى عزّهم، كما كان يخبرهم أَنَّه لا يطلب منهم أجرًا مقابل التبليغ، وإِنّما يطلب أجر ذلك من ربّه - سبحانه وتعالى -، فهو لا يطلب منهم مالاً ولا زعامة يتزعمها، ولكنهم سفهوه وكذّبوه وتجاهلوا الحجج الَّتي جاء بها من ربّه والبراهين القاطعة الَّتي أقامها على صدقه فقالوا: (قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيءَالِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ((1) (2) ، وقد بيّن الله هذا المنهج متكاملاً في سورة الأعراف فقال: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا   (1) الآية 53 من سورة هود. (2) طالع قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار: 51 52. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 289 لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ، قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ، أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواءَالاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ((1) . هذا نموذج من منهج نبي الله هود في دعوته، فيجب على كلّ داع أن يقتدي بهود (في منهجه في دعوته وسلوكه مع قومه في الصبر على دعوتهم ونصحه لهم والتوكل على الله وتبليغه لهم رسالة ربه، كما يجب على المدعوين أن يعتبروا بحال قوم هود لما أعرضوا عن دعوته وكذّبوه ولم يستجيبوا لما سمعوه من الحق والنصيحة، وأنّ الله أهلكهم بسبب ذلك بالعذاب الشديد في الدنيا؛ ولعذاب الآخرة أشدّ وأشق. فنتيجة العقل الاعتبار بالغير، والنظر في عواقب الأمور، وإلاّ لم تكن للإنسان الَّذي خصّه الله بالعقل مزية على غيره من الحيوانات. ومن هذا العرض السريع يتبيّن لنا أن نبي الله هودًا رسم للدعاة منهجًا يجب عليهم أن يسلكوه، بأن يأمروا المدعوين أوّلاً بعبادة الله وحده وعدم إشراك أيّ مخلوق كائنًا من كان معه في العبادة، وأن يبتعدوا من ظلم النّاس، وأن يحذّروهم بأس الله، وأن يضربوا لهم الأمثال بمن مضى، ويذكّروهم بنعم الله، وأن يبيّنوا لهم أَنَّه لا ضارّ ولا نافع إِلاَّ الله وحده، وأن لا يطلبوا أجرًا على القيام بالدعوة إِلاَّ عند الضرورة كما تقدّم. ولنرجع إلى الآية الَّتي نحن بصددها، ونذكر بعض أقوال المفسرين فيها.   (1) الآيات 65 69 من سورة الأعراف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 290 يقول ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى: ولقد أرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا آمرًا لهم بعبادة الله وحده لا شريك له، ناهيًا لهم عن الأوثان الَّتي افتروها واختلقوا لها أسماء الآلهة، وأخبرهم أَنَّه لا يريد منهم أجرة على هذا النصح والبلاغ من الله، إِنَّما يبغي ثوابه من الله الَّذي فطره، أفلا تعقلون من يدعوكم إلى ما يصلحكم في الدنيا والآخرة من غير أجرة، ثُمَّ أمرهم بالاستغفار الَّذي فيه تكفير الذنوب السالفة، وبالتوبة عما يستقبلون، ومن اتصف بهذه الصفة يسّر الله عليه رزقه وسهّل عليه أمره، وحفظ شأنه، ولهذا قال: (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (، وفي الحديث: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجًا، ومن كلّ ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب)) (1) . قلت: الحديث الَّذي ذكره ابن كثير غير معزو، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 3/490 بسنده عن ابن عبّاس رضي الله عنهما بلفظه (2) ، ويقول أبو السعود: قال يا قوم اعبدوا الله أي وحدّوه كما ينبئ عنه قوله تعالى: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (فإِنَّه استئناف يجري مجرى البيان للعبادة المأمور بها، والتعليل للأمر بالعبادة كأنه قيل: خصُّوه بالعبادة ولا تشركوا به شيئًا إذ ليس لكم من إله سواه إن أنتم أي ما أنتم باتخاذكم الأصنام شركاء له أو بقولكم إن الله أمرنا بعبادتها إِلاَّ مفترون عليه، تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا (3) .   (1) تفسير ابن كثير: 2/430 440، المصدر السابق. (2) وأخرجه ابن ماجه في كتاب الأدب برقم3819. وأبو داود في كتاب الصلاة برقم1518. وأحمد في المسند برقم2234، وإسناده صحيح، أفاده الشَّيخ شاكر في تعليقه على أَبي داود. (3) تفسير أَبي السعود: 4/216. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 291 فتبيّن مما تقدّم من قصة نوح وهود أن الهدف الأساسي للدعوة الَّذي بعث الله من أجله الرسل وأنزل الكتب هو توحيد الله جلّ وعلا بالعبادة، فهذا تتّفق فيه دعوات الرسل جميعًا، أمّا شرائعهم فإِنَّهَا تختلف؛ كما قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ... ((1) . أمّا في أصول الدين فإِنَّهَا تتفق تمامًا، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ... ((2) . وفي الحديث المتّفق عليه: أنّ الأنبياء إخوة لعَلاّت، أمهاتهم شتى ودينهم واحد. وفي رواية البخاريّ: أولاد عَلات (3) . ومعنى الحديث: أن الرسل متّفقون في أصول الدين، وعبّر عن ذلك بأنهم أولاد عَلات، وأولاد العَلات الإخوة من الأب، وأصله أنّ من تزوج امرأة ثُمَّ تزوج أخرى كأنه عَلَّ منها، والعلَلُ: الشرب بعد الشرب، فأولاد العَلات الإخوة من الأب وأمهاتهم شتى، وفي بعض الروايات: أمهاتهم شتى ودينهم واحد، فكنى عن توحيد دينهم باشتراكهم في الأبوة، فأصل الدين الَّذي هو التوحيد واحد وإن اختلفت فروع الشرائع (4) .   (1) الآية 48 من سورة المائدة. (2) الآية 3 من سورة الشورى. (3) أَخرَجه البخاريّ في كتاب الأنبياء، باب قول الله: واذكر في الكتاب مريم. ... ومسلم في كتاب الفضائل، باب فضل عيسى (. (4) انظر فتح الباري: 6/489. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 292 أمّا منهج النبي صالح فإِنَّه لا يختلف عن منهج أخويْهِ نوح وهود؛ فقد دعا قومه لتنفيذ مضمون ما بعث من أجله وهو إفراد الله وحده بالعبادة دون سواه، ثُمَّ شرع يذكرهم بنعم الله جلّ وعلا عليهم بأنه أنشأ أباهم من آدم من التراب، واستعمرهم في الأرض أي جعلهم عمارها بعد من كانوا فيها وأبيدوا، وأطال أعمارهم فيها حيث كانت أعمارهم تتراوح ما بين ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة، لذلك عدلوا عن بناء الطين ونحتوا البيوت في الجبال، ثُمَّ أمرهم بالاستغفار أي طلب غفران الذنوب من الله جلّ وعلا والتوبة إلى الله لأَنَّه تواب رحيم قريب مجيب. نبي الله صالح من هو صالح؟ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 293 هو صالح بن عبد الله بن ملسح بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح (1) ، أرسله الله إلى قومه: ثمود، وهم قبيلة مشهورة، سُمُّوا باسم جدهم ثمود أخي جديس من ذرية سام بن نوح، ومساكنهم بمدائن الحجر بين تبوك والمدينة (2) ، وكان هؤلاء بعد عاد قوم هود كما بيّن ذلك القرآن حيث يقول حاكيًا عن صالح يخاطب قومه: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ ... ((3) ، وكان منهجه (في دعوته أَنَّه لما بعثه الله رسولاً إلى قومه دعاهم إلى التوحيد وإفراد الله بالعبادة وطرح عبادة الأوثان، لكن الكثير منهم رفض هذه الدعوة فآذوا نبي الله صالحًا وهمّوا بقتله وعقروا الناقة الَّتي جعلها الله آية على صدقه، وقد كان حذّرهم من قتلها فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ((4) . وخلاصة القول أنّ نبي الله صالحًا عليه السلام دعا قومه إلى عبادة الله وتوحيده، ونصح لهم وذكّرهم بآيات الله، وأقام لهم الأدلة القاطعة على صدقه في دعوته، وهذا ما ينبغي لكلّ داع إلى الله تعالى أن يسلكه في دعوته حيث يركّز على عدم الشرك بالله لأنّ الشرك أخفى من دبيب النمل، ويقع فيه الكثير من النّاس دون أن يشعر، ويذكّر المدعوين بآيات الله أي بوقائعه الَّتي أهلكت الأمم السابقة المكذّبة للدعاة وأن يقيم الأدلة القاطعة من كتاب الله وسنّة نبيّه (على ما يدعو النّاس إليه، ولا يضرّه عدم استجابة المدعوين إذ في الرسل أسوة حسنة، فالعاقل   (1) البداية والنهاية لابن كثير: 1/130 131، المصدر السابق. (2) قصص الأنبياء لابن كثير: 1/145. (3) الآية 74 من سورة الأعراف. (4) الآية 61 من سورة هود. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 294 من يعتبر بغيره. يقول رشيد رضا في المنار: وقد علمنا من سنّة القرآن وأساليبه في قصص الأنبياء مع أقوامهم أنّ المراد بها العبرة والموعظة ببيان سنّة الله تعالى في البشر وهداية الرسل عليهم الصلاة والسلام لا حوادث الأمم وضوابط التاريخ مرتبة بحسب الزمان أو أنواع الأعمال، وقد حكى هنا عن صالح (أَنَّه ذكر الآية الَّتي أيّده الله بها عقب تبليغ الدعوة، وفي قصّته من سورة هود أَنَّه ذكر لهم الآية بعد ردّهم لدعوته وتصريحهم بالشك في صدقه، وزاد في سورة الشعراء طلبهم الآية منه، وكلّ ذلك صحيح ومراد، وهو المسنون المعتاد.اهـ (1) . لكن نبي الله صالحًا كان ينادي أقوامًا عميًا عن رؤية الحق صمًا عن سماعه غلبت عليهم الشقوة فأنكروا عليه نهيه لهم عن عبادة ما كان آباؤهم يعبدونه من الأصنام، وأخبروه أَنَّهم في شك موقع لهم في الريبة من دعوته الَّتي قدّمها إليهم، وقالوا: (قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُءَابَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ((2) ، أي كانت تلوح فيك مخايل الخير وأمارات الرشد فكنا نرجوك لننتفع بك فلمّا نطقت بهذا القول انقطع رجاؤنا منك وعلمنا أن لا خير فيك، وقيل: المعنى: كنا نرجوك أن تدخل في ديننا وتوافقنا على ما نحن عليه (3) . ولما قالوا مقالتهم هذه كان جوابه في غاية الروعة ولين الجانب، فقال: (قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَءَاتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ   (1) تفسير المنار: 8/105. (2) الآية 62 من سورة هود. (3) طالع الكشاف: 2/27. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 295 تَخْسِيرٍ ((1) . أي يا قوم أرأيتم إن اتبعتكم وعصيت ربي في أوامره فمن يمنعني عذابه؟ فما تزيدونني غير تخسير أي تضليل وإبعاد من الخير، وقد ذكر الله كيفية هلاك قوم صالح في سور من القرآن كثيرة كسورة هود والأعراف والحاقة والذاريات وغير ذلك، ولشهرتها لم نتتبع الكلام عليها، فالناظر في منهج صالح وأساليبه في الدعوة يستفيد من ذلك كيف يدعو بحكمة وموعظة حسنة ومجادلة بالحسنى، فالله جلّ وعلا ما ذكر لنا قصص الأنبياء وأحوال الأمم وكيف أهلكوا، وكيف صبر الدعاة على ما يلاقونه من الأذى في سبيل الدعوة إِلاَّ لنقتفي أثر الدعاة ونتعظ بحال من دعوهم، س لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ ش (2) . نبي الله شعيب من هو شعيب؟ قال ابن كثير: قال محمَّد بن إسحاق: هم من سلالة مدين بن إبراهيم، وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر، قال: واسمه بالشَريانية: يثَرون، ثُمَّ قال: قلت: مدين تطلق على القبيلة وعلى المدينة ... وهم أصحاب الأيكة، قال: يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره أي قد أقام الله الحجج والبينات على صدق ما جئتكم به، ثُمَّ وعظهم في معاملتهم النّاس بأن يوفوا المكيال والميزان ولا يبْخسوا النّاس أشياءهم في أموالهم ويأخذوها على وجه البخس وهو نقص المكيال والميزان خفية وتدليسًا كما في قوله: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ.. (إلى قوله:   (1) الآية 63 من سورة هود. (2) الآية 111 من سورة يوسف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 296 (لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ((1) . وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، وهذا ما تصوّره آيتا هود: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ، وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ((2) . فنبيُّ الله شعيب نهج منهج إخوانه السابقين في البدء بالدعوة إلى التوحيد لأنّ ذلك هو الأمر المهم الأساسيّ للدعوة، وشعيب قرن ذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والترهيب من عاقبة ما هم مشتهرون به من تطفيف الكيل والوزن: س وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ش (3) ؛ فإني أخاف أن تُسلبوا ما أنتم فيه بانتهاككم محارم الله يعني: إني أراكم بخير في معاشكم ورزقكم فأخاف أن تُسلبوا ذلك، ومع ذلك أخاف عليكم عذاب الآخرة الَّذي هو العذاب المحيط بكم من جميع النواحي، ثُمَّ بدأ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر س وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ... ش (4) . فنهاهم عن نقص المكيال والميزان إذا أعطوا النّاس، ثُمَّ أمرهم بوفاء الكيل والوزن بالقسط آخذين ومعطين، ونهاهم عن العثو في الأرض بالفساد (5) .   (1) تفسير ابن كثير: 2/221، المصدر السابق. (2) الآيات 1 6 من سورة المطففين. (3) الآيات 84 85 من سورة هود. (4) تقدّمت الإشارة إليها. (5) انظر ابن كثير بتصرف في النقل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 297 وفي سورة الأعراف أشار القرآن إلى نموذج من منهجه في الدعوة فقال عنه: (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْءَامَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ((1) ، فجمع في هذه الآية بين ثلاثة أمور: النهي عن ظلم النّاس وترصدهم على الطرق لأخذ أموالهم وتوعدهم بالقتل وغيره من أنواع الأذى، الأمر الثَّاني: تذكيرهم بنعمة الله عليهم حيث كانوا قلّة ضعفاء فكثروا وقووا، الأمر الثَّالث: أمره لهم بالنظر في عاقبة من سبقهم من الأمم المكذبة للرسل ليحذروا أن يصيبهم مثل ما أصابهم إذ لا مزية لهم على غيرهم وعلّة الهلاك موجودة فكأنه يقول لهم: تأمّلوا في حال من سبقكم من الأمم، واعتبروا بها فما هي منكم ببعيد.   (1) الآية 86 من سورة الأعراف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 298 وتمثّل لنا ثلاث آيات متوالية من سورة هود ثلاثة نماذج من منهج نبي الله شعيب ينبغي لكل داع إلى الله أن يتّصف بها ويجعلها منهجًا يسلكه: النموذج الأَوَّل: إخباره لهم بأنه لا ينهاهم عن منكر ثُمَّ يخالف ويأتي ذلك المنكر حيث إِنَّه لا يريد إِلاَّ الإصلاح، وفعل المنكر ليس فيه إِلاَّ الفساد، الثَّاني: تحذيره لهم مما حلّ بقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط من العذاب، فقد استعمل أسلوب الترهيب لأنّ الرسل إِنَّما بعثوا مبشّرين ومنذرين، الثَّالث: أمره لهم بالاستغفار والتوبة إلى الله وإخباره لهم بأنّ الله رحيم ودود، أي عظيم الرحمة للتائبين، ودود أي محبّ لهم، فهو بمعنى فاعل، أي يود عباده ويرحمهم، وقيل بمعنى مفعول، بمعنى أنّ عباده يحبونه (1) ، وإليك نصّ الآيات، (قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ، وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ((2) .   (1) انظر الفتوحات الإلهية للجمل. (2) الآيات 88 90 من سورة هود. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 299 النموذج الأَوَّل من مناهج نبي الله شعيب هو التزام الداعية بما يدعو إليه وابتعاده عما ينهى عنه فلا يُرى حيث نهاه الله ولا يفقد حيث أمره؛ فإذا كان كذلك كان قدوة حسنة وإلا كان متّخذًا دعوته هزؤًا بالدين وسخرية ودخل في الوعيد الشديد كما في الحديث الصحيح الَّذي أخبر به رسول الله (عن أسامة ابن زيد أنّ رسول الله (قال: ((يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه (1) فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه)) (2) .   (1) قال النووي: قال أبو عبيد: الأقتاب: الأمعاء، قال الأصمعي: واحدها قتبة، وقال غيره: قِتْب، وقال ابن عيينة: هي ما استدار في البطن، وهي الحوايا والأمعاء، وهي: الأقصاب، واحدها قصب، والاندلاق: خروج الشيء من مكانه. شرح النووي لمسلم: 18/118 119، ط دار الفكر، بيروت، لبنان. (2) أَخرَجه البخاريّ في كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة، ومسلم في كتاب الزهد والرقاق، باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 300 قال الحافظ ابن حجر بعد نقله كلامًا للطبري في شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ... وقال غيره: يجب الأمر بالمعروف لمن قدر عليه ولم يخف على نفسه ضررًا منه ولو كان الآمر متلبّسًا بالمعصية لأَنَّه في الجملة يؤجر على الأمر بالمعروف ولاسيما إن كان مطاوعًا، وأمّا إثمه الخاص به فقد يغفره الله له وقد يؤاخذ به، وأمّا من قال: لا يأمر بالمعروف إِلاَّ من ليست فيه وصمة فإن أراد أَنَّه الأولى فجيّد وإلا فيستلزم سدّ باب الأمر إذا لم يكن هناك غيره (1) ، وقال أَيضًا: قال الطبري: فإن قيل: كيف صار المأمورون في حديث أسامة المذكور في النار؟ والجواب: أَنَّهم لم يمتثلوا ما أمروا به فعذّبوا بمعصيتهم وعذّب أميرهم بكونه كان يفعل ما ينهاهم عنه (2) . فظهر مما نقل عن ابن حجر أن آتي المنكر لا يمنعه ذلك من النهي عنه وأنّ الأمر بالمعروف لا يمنع منه كون الآمر تاركًا له لأنّ له من فعل الخير وعليه ما عليه من فعل الشر كمن سرق في صلاته يكون له ثواب القربة إلى الله وعليه وزر السرقة، ولهذا نظائر كثيرة كمن لبس من الرجال حريرًا أو ذهبًا وصلّى فيه أو توضأ بماء مغصوب وصلّى، وهذه مسألة فيها بحوث ومناقشات للعلماء حول انفكاك الجهة وعدمه مع اتفاقهم على أن الجهة إذا انفكت صحّت العبادة وأثيب المكلّف عليها لكنهم اختلفوا في تحقيق مناط انفكاك الجهة، وليس هذا موضع بسط لذلك وإِنّما هو في الفقه وأصوله. قلت: لا شكّ أَنَّه من واجب الداعي أن يكون قدوة حسنة وأن يكون ملتزمًا شرع الله مستقيمًا في دينه وسلوكه وخلقه ومعاملته لأنّ ذلك أدْعَى إلى قبول دعوته، فإن لم يوجد ذلك وكان عالمًا بما يدعو إليه وبما ينهى عنه، وكان في حال يحتاج أهلها إلى الدعوة لا نقول إِنَّه يترك الدعوة من أجل معصية ارتكبها، ولعلّه باستمراره في الدعوة إلى ما لا يأتيه يلهمه   (1) فتح الباري: 13/53، ط السلفية. (2) الفتح، المصدر السابق نفسه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 301 الله رشده فيستقيم على الحق فيعمل وفق ما يدعو، والله أعلم. أمّا الأمر الثَّاني الَّذي هو أسلوب الترهيب في قوله: (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ((1) ، فقد استعمل فيه شعيب أسلوب الترهيب فحذّرهم بأس الله قائلاً لهم: لا يجرمنكم شقاقي أي لا يحملنكم شقاقي أي خلافي، قاله الحسن وقتادة، وقيل: لا يكسبنكم، قاله الزجاج (2) أن يصيبكم مثلُ ما أصاب قوم نوح من الغرق أو قوم هود من الريح، أو قوم صالح من الرجفة والصيحة. وما قوم لوط منكم ببعيد مكانًا أو زمانًا، فعلى الأَوَّل يكون المعنى: أن مكان قوم لوط قريب من مكان قوم شعيب في المسافة لأنّ مدين وقرى قوم لوط متقاربتان جدًّا لأنّ مدين قريبة من معان الَّتي في أطراف الأردن، وقرى قوم لوط حول ما يسمى بالبحر الميت الآن في الأردن، وعلى الثَّاني وهو قول قتادة أن زمان قوم لوط كان قريبًا من زمان قوم شعيب، وفي كل داع إلى الاعتبار بحالهم. أمّا النموذج الثَّالث هو أن نبي الله شعيبًا استعمل فيه أسلوب الترغيب، حيث قال: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ((3) . قدّم لهم أوّلاً النصيحة الكاملة حيث أمرهم بالاستغفار والتوبة إلى الله مما سلف منهم من الكفر والمعاصي ورغّبهم في ذلك قائلاً: إنّ ربّي رحيم بعباده التوابين، ودود محبّ لهم، فمن تاب إلى الله توبة نصوحًا رحمه بأن يقبل توبته ويحبه هكذا ظهر من حال شعيب أَنَّه مخلص في دعوته ناصح لأمّته، باذل كلّ ما في وسعه لإنقاذهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، لكن الهداية بيد الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء.   (1) تقدّمت الإشارة إليها. (2) انظر النكت والعيون للماوردي. (3) تقدّمت الإشارة إليها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 302 قال الآلوسي في روح المعاني: وفي أنوار التنزيل أن لأجوبته (الثلاثة يعني: (يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ ( ... إلخ، (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ ( ... إلخ، و (إِنْ أُرِيدُ ( ... إلخ على هذا النسق شأنًا وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كلّ ما يأتيه ويذره ثلاثة حقوق أهمها وأعلاها حقّ الله تعالى فإِنَّ الجواب الأَوَّل متضمن بيان حق الله تعالى من شكر نعمته والاجتهاد في خدمته، وثانيها حقّ النفس فإِنَّ الجواب الثَّاني متضمن بيان حقّ نفسه من كفّها عما ينبغي أن ينتهي عنه غيره، وثالثها حق النّاس فإِنَّ الجواب الثَّالث متضمن للإشارة إلى أنّ حقّ الغير عليه إصلاحه وإرشاده ... وقال غير واحد إِنَّه قد اشتمل كلامه (على مراعاة لطف المراجعة ورفق الاستنزال والمحافظة على حسن المجاراة والمحاورة وتمهيد معاقد الحق بطلب التوفيق من جانبه تعالى والاستعانة به عزّ شأنه في أموره وحَسْمِ أطماع الكفار وإظهار الفراغ عنهم وعدم المبالاة بمعاداتهم ... (1) .   (1) انظر روح المعاني للآلوسي: 6/316. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 303 قلت: كلّ هذه الأمور الَّتي ذكرها الآلوسي يحتاج إليها الداعي دون استثناء، فكلّ ما حوته هذه الآيات من سورة هود من المعاني الَّتي تتعلّق بالداعي والمدعوين لا غنى للدعاة عنها اليوم، فلا ينبغي لداع أن يخالف ما يدعو إليه من البرّ ولا ينبغي له أن يريد إِلاَّ إصلاح نفسه وإصلاح من يدعوهم حسب استطاعته وليكن في ذهنه أنّ التوفيق بيد الله وأَنَّه هو لا يملك إِلاَّ مجرد الإرشاد والتوجيه وبيان طريق الخير وطريق الشر، أمّا الهداية الخاصة فلا يملكها إِلاَّ الله (، كما يجب عليه التوكل على الله وحده، والإنابة إليه بالتوبة النصوح، ويحذرهم من أن يحملهم خلافه إلى أن يصيبهم مثل ما أصاب الأمم المكذبة للدعاة، ثُمَّ يأمرهم بالاستغفار من الذنوب، والتوبة إلى الله جلّ وعلا، ويرغبهم في ذلك بأن يخبرهم بأن الله رحيم بعباده يقبل توبة من تاب إليه، ودود كثير الود والمحبة فيحب من يتوب ويرجع إليه. المبحث الثامن: ما احتوت عليه الآيات الآتية من سورة هود (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ، وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ، وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ((1) .   (1) الآيات 112 115 من سورة هود. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 304 لا شكّ أن هذا تعليم من الله جلّ وعلا لنبيه سيّد الدعاة أمره في هذه الآيات بالاستقامة هو ومن تاب معه من المؤمنين، ونهاهم عن الطغيان، وأخبرهم أَنَّه جلّ وعلا عليم بما يعملونه محذّرًا لهم من أن يعملوا عملاً يخالف شرعه تعالى، ثُمَّ نهاهم عن الركون إلى الظلمة وأخبرهم أن ذلك سبب في مساس النار لهم، ثُمَّ أمره تعالى بإقامة الصلاة طرفي النهار، يعني الصبح في أوّله والظهر والعصر في آخره، وزلفًا من الليل أي من ساعات من الليل أي المغرب والعشاء، وعليه تكون الآية اشتملت على التوقيت للصلوات الخمس، ثُمَّ أخبر أن الحسنات أي فعل الطاعات يكون سببًا في تكفير السيئات، ثُمَّ أمره بالصبر على تحمّل المشاق في سبيل دعوته وأخبره أَنَّه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فالله جلّ وعلا في هذه الآيات تارة يخاطب النَّبي (بصيغة الإفراد، وتارة يخاطبه مع الأمّة مع أن الخطاب له (خطاب لأمّته بلا شكّ ولا عبرة بخلاف الشافعية في ذلك وقولهم إن خطابه (لا يتناول الأمّة لاختصاص الصيغة به، أمّا الأئمة الثلاثة الآخرون فإِنَّ خطابه عليه الصلاة خطاب لأمّته عندهم مع خلاف عند المالكية في المسألة لكنه قول مرجوح، أمّا الحنابلة والحنفية فهو خطاب لهم بلا خلاف عندهم، قالوا: لأنّ أمر القدوة أمر لأتباعه عرفًا. قال صاحب مراقي السعود في أصول فقه مالك: وما به قد خوطب النبيُّ ( تعميمه في المذهب السنّي فقوله: تعميمه في المذهب السني يشير إلى الخلاف الَّذي ذكرنا وأن السني هو التعميم. وتحرير المسألة في كتب أصول الفقه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 305 والحاصل أنّ الناظر في هذه الآيات يتمثل الدعوة أمامه واضحة، فلو لم يوجد لمناهج الدعوة وأساليبها إِلاَّ هذه الآيات لكانت وافية بالمقصود، فكل داع دعا إلى الاستقامة وعدم الطغيان وحذّر المدعوين عذاب الله بأن الله مراقب أعمالهم بصير بها، ثُمَّ حذّرهم من الركون إلى الظلمة والرضا بفعلهم، وأخبرهم أن فاعل ذلك مستحق لدخول النار وأَنَّه لا ولي له من دون الله وأن الله لا ينصره، ثُمَّ أمر بإقامة الصلاة كما أمر (بأن تصلى كما كان يصليها ((صلّوا كما رأيتموني أصلي)) (1) ، وصبر على ما يلاقيه من الأذى في سبيل دعوته إذا التزم بهذه المناهج والأساليب كفته لدعوته طيلة حياته، وإليك بعض الكلام حول الآيات: بدأت الآيات بالأمر بالاستقامة مخاطبًا فيها ربّ العزة والجلال أفضل خلق الله وأعظمه استقامة وأتقاه لله، فلمّا أمره بالاستقامة مع علمه تعالى أَنَّه (لن ينحرف عن الطريق المستقيم علمنا أن للاستقامة شأنًا عظيمًا فينبغي للدعاة التركيز على هذه النقطة في حالة دعوتهم للمسلمين المتّقين ليعلم كلّ النّاس أَنَّه لا غنى لأحد عن الدعوة، فالعاصي يؤمر بترك المعصية، والجاهل يؤمر بالتعلم، والعاق يؤمر بالتوبة والبرور، والقاطع للرحم يؤمر بوصلها، وهكذا، والمؤمن المتقي يؤمر بالاستقامة على ما هو عليه. ومن هنا يتبيّن لنا أن الدعوة عامة لجميع النّاس، وأن العصاة لم يكونوا أحوج إليها من الأبرار، ومما يدلك على ذلك أنك لو تتبعت آيات الاستقامة في القرآن وجدت غالبها موجّهًا للرسل عليهم صلوات الله وسلامه. قال تعالى في آية هود: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ... ((2) ، وقال تعالى:   (1) أخرجه البخاريّ في صحيحه في كتاب الأذان عن مالك بن الحويرث في باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة ... (2) تقدّمت الإشارة إليها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 306 (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ... ((1) ، وقال تعالى مخاطبًا موسى وهارون: (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ((2) ، وقال تعالى في شأن عباده المؤمنين: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ((3) ، وقال تعالى في شأنهم أَيضًا: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ((4) ، وقال تعالى مخبرًا عن الإنس والجن: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ((5) . فاتضح من استقراء القرآن أن الاستقامة على الحق مطلوبة من الأنبياء أكمل النّاس استقامة، ومطلوبة من عباد الله المؤمنين، ومطلوبة من الإنس والجن على العموم.   (1) الآية 15 من سورة الشورى. (2) الآية 89 من سورة يونس. (3) الآية 30 من سورة فصلت. (4) الآية 13 من سورة الأحقاف. (5) الآية 6 من سورة الجن. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 307 فيا دعاة العصر لا تنسوا عباد الله المؤمنين من دعوتكم، واعلموا أَنَّهم محتاجون إليها، فالله جلّ وعلا يخاطب أصحاب محمَّد (الَّذين هم أكمل النّاس إيمانًا فيقول: (ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ... ((1) ، ويقول تعالى مخاطبًا عباده المؤمنين: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ... ((2) . وهذا الأمر للمؤمنين بالإيمان هو الاستقامة بعينها، لأنّ الله حكم عليهم بالإيمان ثُمَّ أمرهم به، فمعنى ذلك: دوموا على ما أنتم عليه من الإيمان واستقيموا. قال الآلوسي عند تفسيره لآية هود هذه (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ... (: والظاهر أن هذا أمر بالدوام على الاستقامة، وهي لزوم المنهج المستقيم، وهو المتوسط بين الإفراط والتفريط، وهي كلمة جامعة لكلّ ما يتعلّق بالعلم والعمل وسائر الأخلاق، فتشمل العقائد والأعمال المشتركة بينه (وبين سائر المؤمنين، والأمور الخاصة به (من تبليغ الأحكام والقيام بوظائف النبوة وتحمّل أعباء الرسالة وغير ذلك، ثُمَّ تكلّم عن شأن سورة هود ولِم ورد في الحديث أَنَّهَا شيّبته دون ذكر السور الَّتي ذكرت في أحاديث أخر معها، فقال: وذلك أن مبنى هذه السورة على إرشاده تعالى شأنه نبيّه (إلى كيفية الدعوة من مفتتحها إلى مختتمها، ولما يعتري مَن تصدّى لهذه المرتبة السَّنية من الشدائد واحتماله لما يترتب عليه من الفوائد ... ) (3) . وسأذكر إن شاء الله طرفًا من هذا في خاتمة هذا البحث.   (1) الآية 7 من سورة الحديد. (2) الآية 136 من سورة النساء. (3) انظر تفسير الآلوسي: روح المعاني: 6/345 346، المصدر السابق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 308 وفي تفسير القرطبي قوله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ... (، الخطاب للنبي (ولغيره، وقيل: له، والمراد أمّته، قاله السُّدي، وقيل: استقم: اطلب الإقامة على الدين من الله واسْأله ذلك فتكون السين سين السؤال كما تقول: أستغفر الله: أطلب الغفران منه، والاستقامة: الاسْتمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال، فاستقم على امتثال أمر الله ... ، ومن تاب معك: أي استقم أنت وهم، يريد أصحابه الَّذي تابوا من الشرك ومن بعده ممّن اتبعه من أمته، قال ابن عبّاس: ما نزل على رسول الله (آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له: لقد أسرع إليك الشيب، قال: ((شيّبتني هود وأخواتها)) (1) . وقد روي عن أَبي عبد الرَّحمن السلمي قال: سمعت أبا عليّ السَّري يقول: رأيت النَّبي (في المنام فقلت: يا رسول الله روي عنك أنك قلت: شيّبتني هود وأخواتها؟ فقال: نعم، فقلت له: ما الَّذي شيّبك منها؟ قصص الأنبياء وهلاك الأمم؟ فقال: لا، ولكن قوله: فاستقم كما أمرت. ولا تطغوا، نهي عن الطغيان، والطغيان: مجاوزة الحدّ، ومنه قوله تعالى: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ ... ((2) . وقيل: أي لا تتجبروا على أحد. اهـ (3) . وقال ابن عطيّة: أمر النَّبي (بالاستقامة وهو عليها إِنَّما هو أمر بالدوام والثبات، وهذا كما تأمر إنسانًا بالمشي والأكل ونحوه وهو متلبّس به، والخطاب في هذه الآية للنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الَّذين تابوا من الكفر، ولسائر أمّته بالمعنى (4) . فظهر من جميع الأقوال المتقدّمة أن الاستقامة مأمور بها (، وأصحابه مأمورون، وأمّته كذلك مأمورة بها حتَّى يرث الله الأرض ومن عليها.   (1) تقدّم تخريجه أوّل البحث. (2) الآية 11 من سورة الحاقة. (3) القرطبي: 9/71. (4) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: 7/414. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 309 قلت: ثبت في صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك، وفي رواية: غيرك، قال: ((قل آمنت بالله فاستقم)) (1) ، وفي مسند الإمام أحمد عنه أَيضًا: ((قل آمنت بالله ثُمَّ استقم)) (2) ، وأخرج السيوطي في الدر المنثور عن ابن أَبي حاتم وأَبي الشَّيخ عن الحسن (قال: لمّا نزلت هذه الآية: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ (، قال: شمّروا شمّروا، فما رؤي ضاحكًا. وأَخْرَجَ عنه أَيضًا قال: خصلتان إذا صلحتا للعبد صلح ما سواهم من أمره: الطغيان في النعمة، والركون إلى الظلم، ثُمَّ تلا هذه الآية: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ... ((3) . ولنلق ضوءًا على آية الشورى: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ ... (. يقول أبو السعود: فلذلك أي فلأجل ما ذكر من التفرق والشك المريب، أو فلأجل أَنَّه شرع لهم الدين القويم القديم الحقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون، فادع أي النّاس كافة إلى إقامة ذلك الدين والعمل بموجبه، فإِنَّ كلاً من كفرهم وكونهم في شكّ مريب ومن شرْع ذلك الدين لهم على لسان رسول الله (سببٌ للدعوة إليه والأمر بها ... أي فإلى ذلك الدين فادع واستقم عليه وعلى الدعوة إليه كما أمرت وأوحي إليك (4) .   (1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام. (2) المسند: 3/413. (3) الدر المنثور: 3/636 637. (4) تفسير أَبي السعود: 8/27. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 310 وقال القرطبي: قوله تعالى: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ ... (أي فتبينت شكهم فادع إلى الله أي إلى ذلك الدين الَّذي شرعه الله للأنبياء ووصاهم به، فاللام بمعنى إلى، كقوله تعالى: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ((1) أي إليها، وذلك بمعنى: هذا، والمعنى: فلهذا القرآن فادع، وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع ... ، وقال ابن عبّاس: أي إلى القرآن فادع الخلق واستقم على أمر الله، قاله قتادة، وقيل: استقم على القرآن، قاله سفيان، وقيل: استقم على تبليغ الرسالة، قاله الضحاك (2) . وعلى كلّ حال فالواجب على الداعي أن يدعو إلى الاستقامة على الدين، وإلى الاستقامة على القرآن، وإلى الاستقامة على شرع الله، وإلى الاستقامة على تبليغ الرسالة وإن كانت هذه الأمور متقاربة في المعنى لكنها تحتاج إلى توضيح وبيان وخصوص كلّ واحد منها بعينه لشدّة الحاجة إلى ذلك في زمننا هذا الَّذي تتنازعه الأفكار الهدامة للدين ما بين ملحد وشيوعي ويهودي ونصراني ومجوسي، ولا سلاح يقف أمام هذه التيارات المعادية للإسلام والمسلمين إِلاَّ دعوة المسلمين للتسلح بكتاب الله وسنّة رسوله (والتمسك بمبادئ الدين، والثبات عليه والاستقامة، والعض عليه بالنواجذ، وتحكيم شرع الله في أرضه وبين عباده، وعليه ينبغي أن يكون تركيز الدعوة اليوم على هذه الناحية لما لها من الأهمية البالغة. أمّا قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ   (1) الآية 5 من سورة الزلزلة. (2) تفسير القرطبي: 16/10. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 311 اسْتَقَامُوا ... ((1) في فصّلت والأحقاف ففيه وعد عظيم من الله جلّ وعلا بدخول الجنة وبتنزل الملائكة عليهم وبشارتها لهم بالأمن وعدم الحزن، وهذا هو غاية كلّ مؤمن، إذ كلّ مؤمن يسعى إلى أن يكون مصيره الجنّة والأمن من أهوال يوم القيامة، فيجب على الدعاة أن يجمعوا بين الترغيب والترهيب، وفي الآيتين المذكورتين من الترغيب ما لا يعلمه إِلاَّ الله (، فالرسل بعثوا مبشّرين ومنذرين، كذلك ينبغي أن يكون الدعاة يحذون حذوهم في كلّ خطوة من خطوات الدعوة. يقول الإمام الشوكاني: إنّ الَّذين قالوا ربّنا الله، أي: وحده لا شريك له، ثُمَّ استقاموا على التوحيد ولم يلتفتوا إلى إله غير الله، قال جماعة من الصَّحابة والتابعين: معنى الاستقامة: إخلاص العمل لله، وقال قتادة وابن زيد: استقاموا على طاعة الله، وقال مجاهد وعكرمة: استقاموا على شهادة أن لا إله إِلاَّ الله حتَّى ماتوا، وقال الثوري: عملوا على وفاق ما قالوا، وقال الربيع: أعرضوا عما سوى الله ... تتنزل عليهم الملائكة من عند الله - سبحانه وتعالى - بالبشرى الَّتي يريدونها من جلب نفع أو دفع ضرّ أو رفع حزن. قال وكيع: البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث ... (2) . وفي بقيّة الآيات الَّتي ذكرنا مما تجب الدعوة إليه: إقامة الصلوات الخمس المفروضة لأنّ أقامتها هي أساس الدين، وتاركها منسلخ من الإيمان بإجماع إذا كان ذلك جحودًا، وعند الإمام أحمد ولو كان تكاسلاً مع اعترافه بوجوبها، فمن ضيّع الصلاة فهو لما سواها أضيع، لأَنَّها عمود الدين.   (1) تقدّمت الإشارة إليها. (2) فتح القدير: 4/515. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 312 وفيها الحثّ على الصبر بأنواعه: كالصبر على الطاعات، ومن أعظمه الصبر على الأذى في سبيل الدعوة إلى الله، لأنّ الله يقول: ( ... فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ((1) ، والصبر عن المعاصي، والصبر على المصائب. وختام الآيات قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (، فيه الترغيب في فعل الخير، فالوعد من الله لا يخلف، فهو لن يضيع لعبد من عباده أجر أي عمل ولا ينقصه من ثوابه فلن يهلك على الله إِلاَّ هالك، والكلام حول هذه الآيات كثير، وفيما ذكرنا كفاية للمنصف. * * * خاتمة: نسأل الله حسنها   (1) الآية 195 من سورة آل عمران. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 313 اشتمل هذا البحث المتواضع على دعوة بعض الرسل كنوح وهود وصالح وشعيب إضافة إلى دعوة نبينا محمَّد (وذلك لأنّ هذه السورة الكريمة اشتملت على مناهج وأساليب للدعوة إلى الله جلّ وعلا، فقد بدأت بتقرير أصول الدين وإقامة الأدلة والبراهين على ذلك، فأثبتت وجود الله ووحدانيته، وردت الشبه الَّتي كان أعداء الإسلام يثيرونها حول القرآن والرسالة والدعوة، ففرقت بين الأعمى عن دعوة الحق وبين من بصّره الله فأنار بصيرته فاستجاب لها، وقرّرت أَنَّه لا يعلم الغيب إِلاَّ الله (ومن استثناهم من رسله حيث أطلع بعض رسله على بعض غيبه، وقد ذكرت في هذا البحث تعريف الدعوة لغة واصطلاحًا، وبيّنت أن الدعوة إلى الله هي دعوة الحقّ، وأن دعوة الحقّ هي شهادة أن لا إله إِلاَّ الله، وأنّ الدعوة تطلق على الدعوة إلى هدى وإلى ضلالة، ثُمَّ بيّنت حكم الدعوة، وهل هي فرض عين أو فرض كفاية، وذكرت الفرق بين فرض العين وفرض الكفاية، وذكرت اختلاف العلماء في ذلك وسببه، وجمعت بين الأقوال في ذلك، وذكرت نماذج من الآيات الدالة على أن إرسال الرسل وإنزال الكتب إِنَّما هو من أجل إقامة توحيد الله في أرضه، وبيّنت أن غالب ما يستجيب لدعوة الرسل ضعاف النّاس، وأن وجهاءهم وعظماءهم يقفون أمام الدعوة، وهذه سنّة الله الَّتي لا تتغير، وذكرنا مثالاً لذلك في حديث أَبي سفيان مع هرقل ملك الروم، ثُمَّ ذكرت نبذة عن دعوة نوح وهود وصالح وشعيب، أمّا إبراهيم ولوط فإِنَّهُما ذكرا في السورة لا لبيان الدعوة وإِنّما ذكر البشارة إبراهيم بإهلاك قوم لوط أو بولده إسحاق أو بهما معًا، وأمّا لوط فإنما ذكر في السورة من أجل إخباره بإهلاك قومه وأمره بما يفعل من وسائل النجاة من العذاب، وبيّنت أَنَّه من واجب الدعاة الصبر على الأذى في تحمّل الدعوة أسوة برسل الله وأنهم لا يضرّهم عدم الاستجابة لدعوتهم لأنّ الرسل كانوا كذلك ولم يثن ذلك عزائمهم عن الاستمرار الجزء: 12 ¦ الصفحة: 314 في الدعوة، وبيّنت شدّة توكّل الرسل على ربهم وذكرت مثالاً لذلك وهو تحدِّي نبي الله هود لقومه، كما بيّنت أن الرسل جميعًا أخبروا أممهم بأنهم لا يطلبون منهم أجرًا مقابل تبليغ الدعوة إلى الله، وذكرت خلاف العلماء في جواز أخذ العالم الأجرة على تعليم العقائد والحلال والحرام والقرآن الكريم وذكرت أدلة الفريقين والتفصيل الَّذي ذكره شيخنا الشَّيخ محمَّد الأمين في أضواء البيان، وأثبت رسالة محمَّد (عن طريق إخبار القرآن بأنه ما كان حاضرًا نداء الله لموسى بجانب الطور ولا كان حاضرًا عندما كان زكريا وقومه يقتسمون على كفالة مريم، ولا كان حاضرًا في أهل مدين لما بعث فيهم شعيب ولكن الله أرسله وأوحى إليه ذلك كلّه، وبيّنت أن هذا النوع مما تشتد الحاجة إليه في زمننا هذا، وبيّنت أن الأوامر لرسول الله (في القرآن بالدعوة أوامر لأمّته إِمّا أن يكون الخطاب له والمراد الأمّة أو يكونوا داخلين معه في الخطاب لأنّ خطاب القدوة خطاب للأتباع إِلاَّ ما دلّ الدليل على خصوصه به كقوله تعالى: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ((1) ، كما بينت أن نبي الله شعيبًا رسم للدعاة منهجًا يسيرون عليه إلى يوم القيامة وهو أن الداعي لا ينبغي له أن يأمر بأمر إِلاَّ ويأتيه ولا ينهى عن منكر ويأتيه، وذكرت حديث الصحيحين المشتمل على الوعيد على ذلك، وذكرت نماذج واقعية من حال الرسل دلّت على أَنَّهم لا يعلمون من الغيب إِلاَّ ما علّمهم الله مثل قضية الإفك الَّتي ما كان (يعلم براءة أمّ المؤمنين منها شهرًا كاملاً حتَّى أتاه الوحي، ومثل ذبح إبراهيم العجل للملائكة يظنّهم رجالاً، وكضيق ذرع لوط بمجيئهم له يظنّهم بشرًا، وكقصة يعقوب الَّذي ابيضت عيناه من الحزن على يوسف وليس بينه وبينه إِلاَّ مسافة قصيرة، ونحو ذلك، كما بيّنت أن الملائكة كذلك لا يعلمون من الغيب إِلاَّ ما علّمهم الله (قَالُوا   (1) الآية 50 من سورة الأحزاب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 315 سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ((1) ، وبيّنت أن المنهج الأساسي لدعوة الرسل واحد وهو الدعوة إلى توحيد الله وأن شرائعهم تختلف، ثُمَّ تكلّمت على الاستقامة وأنها أمر مُهِمٌّ وأن المسلمين في حاجة إلى الدعوة إلى الاستقامة لأنّ الله أمر نبيه محمَّدًا (أشد النّاس استقامة أمره بها وأمر بها موسى وهارون وبينت أن الإنس والجن لو استقاموا على الطريقة لفتح الله عليهم من بركاته وخيراته إلى غير ذلك مما احتوى عليه هذا البحث من أمور الدعوة إلى الله. ثُمَّ إني قد وعدت أثناء البحث بالرجوع إلى علّة كون سورة هود شيّبت رسول الله (مع أني قدّمت بعض الأحاديث الَّتي نصّت على ذلك أي على أَنَّهَا شيّبته هي وأخواتها: عمّ، وإذا الشمس كوّرت، والمرسلات، إلى غير ذلك.   (1) الآية 32 من سورة البقرة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 316 قال القرطبي في مقدّمة تفسير سورة هود: قال أبو عبد الله: فالفزع يورث الشيب، وذلك أن الفزع يذهل النفس فينشف رطوبة الجسد وتحت كلّ شعرة منبع ومنه يعرق فإذا انتشف الفزع رطوبته يبست المنابع فيبس الشعر وابيض كما ترى الزرع الأخضر بسقائه فإذا ذهب سقاؤه يبس فابيض، وإِنّما يبيض شعر الشَّيخ لذهاب رطوبته ويبس جلده، فالنفس تذهل بوعيد الله وأهوال ما جاء به الخبر عن الله فتذبل وينشِفُ ماءَها ذلك الوعيد والهول الَّذي جاء به، فمنه تشيب، قال الله تعالى: س يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ش (1) ، فإنما شابوا من الفزع، وأمّا سورة هود فلمّا ذكر الأمم وما حلّ بهم من عاجل بأس الله تعالى فأهل اليقين إذا تلوها تراءى على قلوبهم من ملكه وسلطانه ولحظاته البطش بأعدائه فلو ماتوا من الفزع لحقّ لهم ولكن الله تبارك وتعالى اسمه يلطف بهم في تلك الأحايين حتَّى يقرؤوا كلامه، وأمّا أخواتها فما أشبهها من السور مثل الحاقة، وسأل سائل المعارج، وإذا الشمس كوّرت، والقارعة، ففي تلاوة هذه السور ما يكشف لقلوب العارفين سلطانه وبطشه فتذهل منه النفوس وتشيب منه الرؤوس، قلت: وقد قيل: إنّ الَّذي شيّب النَّبي (من سورة هود قوله: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ((2) . وقيل: إن سبب شيبه من سورة هود ذكر ما حلّ بالأمم السابقة فيها من العذاب فكأنّ حذره على هذه الأمّة مثل ذلك شيّبه عليه الصلاة والسلام (3)   (1) الآية 17 من سورة المزمل. (2) القرطبي: 9/3. (3) طالع المحرر الوجيز: 7/413. المصادر والمراجع 1 - أحكام القرآن، لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي، تحقيق: محمد البجاوي، ط دار المعرفة، بيروت - لبنان، ت 543 هـ، 1407 هـ / 1987 م. 2 - أضواء البيان، الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، ط المدني المؤسسة السعودية بمصر، 1382 هـ، ت 1393 هـ. 3 - البداية والنهاية، لأبي الفداء الحافظ ابن كثير، ت 774 هـ، ط مكتبة المعارف، الناشر: دار ابن حزم، بيروت. 4 - تاريخ الأمم والملوك، للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ت 310 هـ، ط الاستقامة. 5 - تاج العروس من جواهر القاموس، للسيد محمد مرتضى الزبيدي، تحقيق: محمود محمد الطناحي، ط حكومة الكويت. 6 - التحرير والتنوير، تفسير محمد بن الطاهر بن عاشور التونسي، ط الدار التونسية للنشر، ت 1982 م. 7 - تفسير ابن جرير الطبري المعروف بجامع البيان في تفسير القرآن، تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ت 310 هـ، ط دار الحديث، القاهرة 1407 هـ / 1987 م. 8 - تفسير أبي السعود المسمّى: إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، لقاضي القضاة أبي السعود محمد بن محمد الحمادي، ت 951 هـ، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت. 9 - تفسير القرآن العظيم، للحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، ت 774 هـ، ط دار الجيل، بيروت. 10 - تفسير المنار، تأليف محمد رشيد رضا، ط دار المعرفة للطباعة والنشر. 11 - تقريب التهذيب، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت 852 هـ، ط دار المعرفة، بيروت. 12 - تهذيب التهذيب، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت 852 هـ، ط دار الفكر. 13 - تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، ت 370 هـ، ط الدار المصرية للتأليف والترجمة. 14 - جمع الجوامع، لتاج الدين عبد الوهاب بن السبكي مع شرحه الضياء اللامع لابن حلولو، ت 898 هـ، تحقيق الدكتور عبد الكريم بن علي بن محمد النمله، ط مكتبة الرشد، الرياض. 15 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تأليف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، من مطبوعات الجامعة الإسلامية. 16 - الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، ط دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. 17 - الدعوة إلى الإسلام، للدكتور أبو زكري معاصر. 18 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للإمام جلال الدين السيوطي، ت 910 هـ، ط دار الكتب العلمية، بيروت. 19 - الدعوة إلى الإسلام دعوة عالمية، محمد الراوي معاصر، ط دار الرشد، الرياض. 20 - روح المعاني، تفسير العلامة أبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي، ت 1227 هـ، ط دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، توزيع دار الباز عباس أحمد الباز. 21 - سنن الترمذي: الجامع الصحيح، للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن سورة الترمذي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط المدني، المؤسسة السعودية بمصر، ت 279 هـ. 22 - سنن أبي داود، للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن أشعث السجستاني، ت 275 هـ، تعليق: عزت عبيد الدعاس وعادل السيد، ط دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان. 23 - السنن الكبرى، للإمام أبي أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ط دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ت 458 هـ. 24 - سنن ابن ماجه، للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تعليق محمد فؤاد عبد الباقي ط دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ت 275 هـ. 25 - شرح الإمام النووي لصحيح مسلم هو الإمام الحافظ القدوة شيخ الإسلام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، ت 676 هـ. 26 - صحيح الإمام البخاري، أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ت 256 هـ. 27 - صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، ت 261 هـ. 28 - فتح الباري شرح صحيح البخاري، لشيخ الإسلام قاضي القضاة أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني، ت 852 هـ، ط دار إحياء التراث الإسلامي. 29 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني، ط المصطفى البابي الحلبي وأبناؤه، مصر. 30 - الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية، تأليف سليمان بن عمر الشهير بالجمل، ط دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ت 1204 هـ. 31 - قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار. 32 - كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، للمفسر المحدث إسماعيل محمد العجلوني، تحقيق: أحمد القلاش، ط مؤسسة الرسالة، ت 1162 هـ. 33 - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لأبي القاسم جار الله محمود الزمخشري، ت 538 هـ، ط دار الباز عباس أحمد الباز. 34 - لسان العرب، للإمام العلامة أبي الفضل جمال بن محمد بن مكرم الافريقي المصري، ت 711 هـ، ط دار صادر، بيروت - لبنان. 35 - متن مراقي السعود، لعبد الله بن الحاج إبراهيم الشنقيطي في أصول الفقه، ت 1230 هـ، ط دار المنار للنشر والتوزيع. 36 - مسند الإمام أحمد بن حنبل، ط دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، ت 241 هـ. 37 - المحرر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز، لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي، ت 541 هـ، ط صاحب السمو الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر. 38 - المستدرك على الصحيحين، للإمام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، ط دار المعرفة - بيروت - لبنان. 39 - مع الله، لمحمد الغزالي، دراسات في الدعوة والدعاة، ط دار الكتب الحديثة بمصر. 40 - المغني، لابن قدامة محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، تحقيق: طه بن محمد الزيني، الناشر: مكتبة القاهرة، لصاحبها علي يوسف سليمان، ت 620هـ. 41 - المحلّى، الجلال شمس الدين محمد بن أحمد المحلى على متن جمع الجوامع لتاج الدين السبكي. 42 - معالم السنن، للخطابي، شرح سنن أبي داود للإمام أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي، ت 388 هـ، تخريج الأستاذ عبد السلام عبد الشافي محمد، ط دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 317 وعلى كلٍّ سورة هود ذكرت فيها أحوال الآخرة من الجنّة والنار والخلود فيهما وذُكرت فيها أحوال الأمم السابقة وما حلّ بها من الهلاك، وأمر فيها (بالاستقامة في جميع أموره، وهذا كلّه من دواعي الحزن والفزع، وذلك تشيب منه الرؤوس فهو (أرقّ النّاس فؤادًا وأخوفهم من عذابه ووعيده، وجعله الله رحيمًا بأمّته فحذره عليهم ما أصاب الأمم السابقة من الهلاك وتذكره يوم القيامة وثباته على الاستقامة كلّ ذلك من دواعي الشيب، ولا داعي لتخصيص شيبه ببعضها دون بعض والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلّم على محمَّد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 318 الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر رواية ودراية د. محمد بن عمر بن سالم بازمول الأستاذ المشارك بقسم الكتاب والسنة كلية الدعوة وأصول الدين – جامعة أم القرى ملخص البحث يشتمل البحث على قسمين: القسم الأول: سياق الأحاديث والآثار وتخريجها. القسم الثاني: مسائل قنوت الوتر. قام الباحث بجمع الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة المتعلقة بقنوت الوتر ثم خرجها مبيناً درجتها من القبول والرد، لتكون القاعدة التي يبنى عليها فقه المسائل المتعلقة بقنوت الوتر، حيث أورد مجمل ما ورد في المذاهب الفقهية المتبعة مع مذهب الظاهرية في مسائل قنوت الوتر، ثم عاد وبحث المسائل مسألة بحسب دلالة النصوص الثابتة متبعاً طريقة أهل العلم في النظر والاستدلال في الاستنباط. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 319 وانتهى البحث إلى نتائج منها: أن قنوت الوتر يشرع طوال العام، وأن السُّنة فعله أحياناً وتركه أحياناً. ويتأكد المداومة عليه في النصف الأخير من رمضان، من ليلة السادس عشرة، ويشرع ترك القنوت في النصف الأول من رمضان إذا صُلِّي بالناس، وهذا من السنن المهجورة، بل والمجهولة. فإن قنت في أوّله وآخره جاز. أن قنوت الوتر يجوز قبل الركوع وبعده، والأفضل فيه قبل الركوع. أن من السنن المهجورة في قنوت الوتر أن يكبر للقنوت وأن يكبر بعده، إذا قنت قبل الركوع. أن من السُّنة أن يجهر الإمام في قنوت الوتر وأن يؤمن من خلفه. أن السُّنة في دعاء القنوت أن لا يكون طويلاً، ولو اقتصر على قدر الوارد فهو أفضل، ولو أطال أحياناً بقدر ما ورد؛ جاز. أن دعاء القنوت ليس فيه شيء مؤقت، فهو يجوز بأي صيغة، والأفضل الاقتصار على الوارد. أن من السُّنة للإمام إذا صلى بالناس جماعة الوتر في رمضان أن لا يقنت في النصف الأول من رمضان، وأن يقنت في النصف الأخير منه، ويدعو على الكفرة. يشرع رفع اليدين في دعاء قنوت الوتر، ويشرع إرسالهما، ويشرع رفعهما في أوله وإرسالهما في آخره، كل ذلك جائز. لا يشرع مسح الوجه باليدين بعد الدعاء. يشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء قنوت الوتر. أن ابن مسعود وأُبي بن كعب رضي الله عنهما، من أكثر الصحابة الذين نقلت عنهم أحكام قنوت الوتر. أن من أشبه الصلوات بصلاة الوتر صلاة المغرب؛ إذ المغرب وتر النهار، فما ثبت في القنوت فيها للنازلة يثبت للقنوت في الوتر، ويؤكد هذا أن ما ثبت في الفريضة ثبت مثله في النافلة إلا لدليل. والباحث يرجو أن يحقق ببحثه هذا تحرير هذا المسائل، وإحياء الطريقة التي كان أهل العلم يبحثون بها، بجمع المرويات في موضوع واحد، ثم تبين درجتها من القبول، ثم الاستنباط منها. سائلاً الله التوفيق والهدى والرشاد والسداد. * * * المقدمة: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 320 إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله، من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. يَاأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَتَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ يَآأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوْا اللَّهَ الَّذِيْ تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً يَاأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً. أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أمّا بعد: فهذه رسالة جمعت فيها الأحاديث والآثار الواردة عن الصحابة رضوان الله عليهم في قنوت الوتر، مع ذكر مسائله الفقهية، وقد أسميتها: الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر رواية ودراية وأبدأ إن شاء الله تعالى بسياق الأحاديث والآثار بحسب مساند من رويت عنه، مع بيان درجتها من القبول والرد، ثم أورد المسائل المتعلقة بقنوت الوتر، مقدماً بين يديها، مدخلاً. وذلك هو التالي: مدخل: ويشتمل على: تعريف القنوت. ومجمل ما جاء في المذاهب الأربعة ومذهب ابن حزم من الظاهرية عن قنوت الوتر. المسألة الأولى: هل يشرع القنوت في الوتر؟ المسألة الثانية: هل يقنت في الوتر قبل الركوع أم بعده؟ المسألة الثالثة: هل يكبر بعد القراءة للقنوت قبل الركوع؟ المسألة الرابعة: هل ترفع الأيدي في دعاء القنوت؟ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 321 المسألة الخامسة: هل يُشرع الجهر بالقنوت وتأمين المأموم؟ المسألة السادسة: ما دعاء القنوت؟ المسألة السابعة: هل يُشرع التطويل في قنوت الوتر؟ المسألة الثامنة: هل يصلى على النبي عليه الصلاة والسلام في دعاء القنوت؟ المسألة التاسعة: ما الحكم إذا سهى عن قنوت الوتر؟ داعياً الله عزوجل أن يرزقني القبول في الدنيا والآخرة، وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وداعياً إلى سنة نبيه الرؤوف الرحيم، إن ربي سميع مجيب. سياق الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر على المساند مع تخريجه ما جاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قنوت الوتر 1/1) عن عمرو بن شمر عن سلام عن سويد بن غفلة قال: سمعت أبابكر وعمر وعثمان وعلياً يقولون: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الوتر وكانوا يفعلون ذلك" (1) . ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قنوت الوتر 2/1) عن عمرو بن شمر عن سلام عن سويد بن غفلة قال: سمعت أبابكر وعمر وعثمان وعلياً يقولون: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الوتر وكانوا يفعلون ذلك" (2) . 3/2) عن ابن جريج قال قلت لعطاء: القنوت في شهر رمضان؟ قال: عمر أول من قنت. قلت: النصف الآخر أجمع؟ قال: نعم" (3) .   (1) الحواشي والتعليقات إسناد موضوع. ... أخرجه الدارقطني (2/32) . وفي السند عمرو بن شمر هو الجعفي الكوفي الشيعي. قال الجوزجاني: "زايغ كذاب"، وقال ابن حبان: "يشتم الصحابة، ويروي الموضوعات عن الثقات"، وقال البخاري: "منكر الحديث". انظر ميزان الاعتدال (2/228) . (2) ... إسناده. انظر تخريجه فيما جاء عن أبي بكر الصديق. (3) ... حسن لغيره. أخرجه ابن أبي شيبة (2/305) ، وعطاء بن أبي رباح لم يدرك عمر بن الخطاب، ومراسيله من أضعف المراسيل. لكن يشهد لروايته ما سيأتي في ما جاء عن أُبي بن كعب في قنوت الوتر، تحت رقم (13/2) ، فيرتقي بها هذا الأثر إلى درجة الحسن لغيره. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 322 4/3) عن أيوب عن ابن سيرين قال: "كان أُبي يقوم للناس على عهد عمر في رمضان فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة فإذا تمت عشرون ليلة انصرف إلى أهله وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ وجهر بالقنوت في العشر الأواخر حتى كانوا مما يسمعونه يقول: اللهم قحط المطر فيقولون آمين فيقول: ما أسرع ما تقولون آمين دعوني حتى أدعو" (1) . 5/4) عن عمرو عن الحسن: أن عمر حيث أمر أبيا أن يصلي بالناس في رمضان وأمره أن يقنت بهم في النصف الباقي ليلة ست عشرة [قنتوا فدعوا على الكفرة] . قال: وكان الحسن يقول: إذا كان إماما قنت في النصف وإذا لم يكن إماما قنت الشهر كله" (2) .   (1) ... إسناده ضعيف. وقصة قنوت أبي رضي الله عنه حسنة لغيرها. أخرجه عبد الرزاق في المصنف (4/259، تحت رقم 7724) ، وأخرجه أبوداود في مسائله لأحمد بن حنبل ص99، بلفظ: "كان الإمام يدعو في النصف الباقي ... ". وسند عبد الرزاق ضعيف، ابن سيرين لم يسمع أبياً، وسند أبي داود ليس فيه التصريح بأُبي بن كعب، لكن فيه قال ابن سيرين: "أنبئت أن معاذا أبا حليمة قال في دعائه.. فذكره بنحوه"، فهذا منقطع الواسطة بين ابن سيرين وأبي معاذ مبهمة، وقصة قنوت أبي يشهد لها ما جاء عن أُبي بن كعب في قنوت الوتر. (2) ... أثر حسن لغيره. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/305) . في السند عمرو هو ابن عبيد، متهم. ,لكن تابعه يونس بن عبيد أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار (2/77) من طريق يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن الحسن، والزيادة له، والحسن لم يدرك أبياً. لكن يشهد له ما جاء عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القارئ في قصة جمع عمر للناس خلف أُبي بن كعب لصلاة الليل، وهو فيما جاء عن أُبي بن كعب تحت رقم 13/2. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 323 6/5) عن ابن جريج قال أخبرني عطاء: "أنه سمع عبيد بن عمير يأثر عن عمر بن الخطاب في القنوت [في الوتر] أنه كان يقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك [الجد] إن عذابك بالكفار ملحق" قال [عطاء] : وسمعت عبيد بن عمير يقول: القنوت قبل الركعة الآخرة من الصبح. وذكر أنه بلغه أنهما سورتان من القرآن في مصحف ابن مسعود. وأنه يوتر بهما كل ليلة وذكر أنه يجهر بالقنوت في الصبح. قلت: فإنك تكره الاستغفار في المكتوبة فهذا عمر قد استغفر؟ قال: قد فرغ هو في الدعاء في آخرها" (1)   (1) ... إسناده صحيح، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والبلاغ في آخره عن عطاء حسن لغيره. مصنف عبد الرزاق (3/111، تحت رقم 4969) ، وفيه: "عن عبيد بن عمير يأثر عن عمر بن الخطاب في القنوت أنه كان يقول ... "، وفي مسائل أبي داود رواه عن أحمد بن حنبل من طريقين، أحدهما من طريق عبد الرزاق، ص98، والآخر ساقه ص99، من طريق محمد بن حعفر عن ابن جريج عن عطاء أن عمر كان يقول في القنوت، قال أحمد فذكر هذا الحديث، إلا أنه قال: "بين كلمهم" قال: "وكان يقول ذلك في الصبح وفي رمضان"، وأخرجه ابن أبي شيبة (2/314) ، بنحوه مع تقديم وتأخير، من طريق حفص بن غياث عن ابن جريج به، وفيه "عن عبيد بن عمير: سمعت عمر يقنت في الفجر يقل: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك.."، وليس في رواية ابن أبي شيبة ذكر أنه كان يقوله في قنوت الوتر، ولا الزيادة التي عند أحمد، ولا ذكر هذا البلاغ عن ابن جريج أنه بلغه عن ابن مسعود أنه كان يوتر بهما في كل ليلة، ومن طريق عبد الرزاق ابن المنذر في الأوسط (5/214، الأثر رقم 2736) ، والزيادة الأولى بين معقوفتين له، ولفظه: "عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول في القنوت في الوتر.."، وأخرجه ابن نصر المروزي (مختصر قيام الليل ص142، معلقاً عن عطاء أنه سمع عبيد بن عمير) . وساقه ابن أبي شيبة أيضاً (2/314) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/249) ، كلاهما من طريق هشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن عبيد بن عمير قال: صليت خلف عمر رضي الله عنه صلاة الغداة فقنت فيها بعد الركوع، وقال في قنوته ... "، وساقه مختصراً في الدعاء، ولم يذكر البلاغ عن ابن مسعود، ولا ما جاء في آخره، وفي السند ابن أبي ليلى وهو محمد بن عبد الرحمن سيء الحفظ جداً، كما في التقريب، لكنه توبع تابعه ابن جريج كما رأيت، وتابعه سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أنه صلى خلف عمر ففعل ذلك، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/314) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/250) ، والبيهقي (2/211) ، وهذا إسناد صحيح صححه البيهقي والألباني في الإرواء (2/171) . (تنبيه) الظاهر أن فعل (ذكر) فاعله ابن جريج، وقائل: فإنك تكره الاستغفار إلى آخره، هو عبد الرزاق قاله لشيخه ابن جريج. لأن هذا إنما ورد في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج، ولم يأت في رواية حفص بن غياث عن ابن جريج. وقوله عن عمر: "في الوتر" لم يأت كما رأيت في مصنف عبد الرزاق، إنما ذكرها ابن المنذر في روايته من طريق عبد الرزاق، وقد توبع عليها في الرواية التي أخرجها أبوداود عن أحمد في مسائله لأحمد، إذ في آخرها أنه: "كان يقول ذلك في الصبح وفي رمضان"، والبلاغ عن عطاء ضعيف، وله شواهد فيرقى إلى الحسن لغيره. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 324 (37/4) عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد: "أن عمر قنت في الوتر قبل الركوع" (1) . وهناك جملة من الآثار تدخل في ما جاء عن عمر بن الخطاب، أوردتها في ما جاء عن أُبي بن كعب رضي الله عنهم. ما جاء عن عثمان بن عفان رضي الله عنه في القنوت 7/1) عن عمرو بن شمر عن سلام عن سويد بن غفلة قال: سمعت أبابكر وعمر وعثمان وعلياً يقولون: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الوتر وكانوا يفعلون ذلك" (2) . ما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قنوت الوتر 8/1) عن عمرو بن شمر عن سلام عن سويد بن غفلة قال: سمعت أبابكر وعمر وعثمان وعلياً يقولون: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الوتر وكانوا يفعلون ذلك" (3) . 9/2) عن شريك عن عطاء بن السائب عن أبيه: "أن عليا كان يقنت في الوتر بعد الركوع" (4) . 10/3) عن سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي: "أنه كان يقنت في النصف من رمضان" (5) .   (1) ... صحيح عن عمر بن الخطاب، على المتحرر في صواب السند عنه؛ انظر ما سيأتي فيما جاء عن ابن عمر تحت رقم (37/4) . (2) ... إسناده موضوع. انظر تخريجه فيما جاء عن أبي بكر الصديق. (3) ... إسناده موضوع. انظر تخريجه فيما جاء عن أبي بكر الصديق. (4) ... إسناده ضعيف. أخرجه ابن أبي شيبة (2/302) ، وأخرجه أيضاً من طريق هشيم قال أخبرنا عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن أن علياً كان يقنت في الوتر بعد الركوع"، والبيهقي (3/39) ، من طريق الشافعي قال حكاية عن هشيم وذكره. وفي السند عطاء بن السائب، ورواية شريك عنه بعد الاختلاط فقد ذكروا بأن كل من روى عن عطاء إنما روى في الاختلاط إلا شعبة والسفيانان والحمادان. انظر الكواكب النيرات ص319، الجوهر النقي (3/39) ، إرواء الغليل (2/166) . (5) ... إسناده ضعيف. أخرجه ابن أبي شيبة (2/305) ، والبيهقي في السنن الكبرى (2/498) . وفي السند الحارث بن عبد الله الأعور. في حديثه ضعف كما في التقريب ص211. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 325 11/4) عن نضر بن إسماعيل عن ابن أبي ليلى عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي: "انه كان يفتتح القنوت بالتكبير" (1) . ما جاء عن أُبي بن كعب رضي الله عنه في قنوت الوتر 12/1) عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبي بن كعب: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِذَا فَرَغَ قَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ" (2)   (1) ... إسناده ضعيف. وثبت مقيداً بالفجر. أخرجه ابن أبي شيبة (2/316) ، فيه الحارث الأعور، والنضر بن إسماعيل كلاهما في حديثه ضعف. تنبيه: وقع في المصنف (نصر) بالمهملة، وهو خطأ طبعي صوابه: (نضر) . ويلاحظ: أن ابن أبي شيبة أورده في باب التكبير في قنوت الفجر من فعله؟ وإنما أوردته في قنوت الوتر لأنه مطلق. وقد أخرج ابن أبي شيبة (2/315) عن أبي عبد الرحمن السلمي: أن علياً كبر حين قنت في الفجر، وكبر حين ركع" وإسناده حسن. (2) ... جاء من طريق سفيان عن زبيد به؛ أخرجه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة باب ماجاء في القنوت قبل الركوع وبعده، (1183) ، والنسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار، اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أُبي بن كعب، رضي الله عنه، في الوتر. حديث رقم (1699) ، وفي الكبرى له (1/448، تحت رقم 1432) ، وقال: "قال أبو عبد الرحمن: وقد روى هذا الحديث غير واحد عن زبيد فلم يذكر أحد منهم فيه أن قنت قبل الركوع". والحديث أورده الضياء المقدسي في المختارة (3/419، تحت رقم (1217) ، وقال الألباني عن هذا الطريق: "سند جيد رجاله كلهم ثقات..". ومن طريق مسعر عن زبيد به؛ أخرجه البيهقي في السنن (3/40) . وقال أبوداود عن هذا الطريق في سننه عقب الحديث رقم (1427) ، من كتاب الصلاة باب القنوت في الوتر: " مَا رُوِيَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ زُبَيْدٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ إِنَّهُ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ. قَالَ أَبُو دَاوُد وَلَيْسَ هُوَ بِالْمَشْهُورِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصٍ نَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَنْ حَفْصٍ عَنْ غَيْرِ مِسْعَرٍ"اهـ ومن طريق فطر عن زبيد به؛ أخرجه الدارقطني في السنن (2/31) ، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (3/40) . وإسناده صحيح. ومن طريق المسيب بن واضح عن عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أُبي بن كعب به؛ أخرجه الدارقطني في سننه (2/31) ، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (3/39) . وقال الألباني عن هذا الطريق في الإرواء (2/167) : "هذا إسناد صحيح"اهـ ومن طريق إسحاق بن إبراهيم عن عيسى بن يونس عن سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ به، أخرجه في مختصر كتاب الوتر ص118، تحت رقم (58) . وإسناده صحيح. ومرّة قال إسحاق وساق السند إلى سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة بقل هو الله أحد ويقنت"؛ أخرجه في مختصر كتاب الوتر ص118، تحت رقم (58) . وإسناده صحيح. وقد جاء الحديث بدون قوله: "يقنت قبل الركوع": من طريق سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبي بن كعب قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْوِتْرِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ"؛ أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الوتر (مختصر كتاب الوتر ص93، تحت رقم 4) ، والنسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار، اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أُبي بن كعب، رضي الله عنه، في الوتر. حديث رقم (1700) ، من طريق إسحاق بن إبراهيم عن عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة به. ويُلاحظ أن روى الحديث من نفس الطريق مرّة بإثبات القنوت قبل الركوع، ومرّة بدونها. والرواية بإثباتها وبنفيها من طريق إسحاق عن عيسى بن يونس عن سعيد به. ومن طريق سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبي بن كعب به؛ أخرجه النسائي كتاب قيام الليل وتطوع النهار، اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أُبي بن كعب، رضي الله عنه، في الوتر. حديث رقم (1701) . ومن طريق الأعمش عن زبيد وطلحة عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أُبي بن كعب؛ أخرجه أبوداود في كتاب الصلاة باب ما يقرأ في الوتر، حديث رقم (1423) ، ابن ماجه في كتاب الصلاة باب ما جاء فيما يقرأ في الوتر، حديث رقم (1171) ، والنسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار، حديث رقم (1730) ، والدارقطني في سننه (2/31) . وقال الدارقطني رحمه الله: "وكذلك رواه أبوحفص الأبار ويحي بن أبي زائدة ومحمد بن أنس عن الأعمش عن زبيد وطلحة. ورواه أبوعبيدة بن معن عن الأعمش عن طلحة وحده"اهـ ومن طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر ب سبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد؛ أخرجه النسائي في السنن الكبرى (1/448، تحت رقم 1433) . ومن طريق يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر القنوت ولا ذكر أبيا؛ علقه أبوداود في السنن، عقب الحديث رقم (1427) من كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر. وقال: "حَدِيثُ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ الْقُنُوتَ وَلَا ذَكَرَ أُبَيًّا. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ وَسَمَاعُهُ بِالْكُوفَةِ مَعَ عِيسَى بْنِ يُونُسَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقُنُوتَ. وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَشُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ وَلَمْ يَذْكُرَا الْقُنُوتَ. وَحَدِيثُ زُبَيْدٍ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ وَشُعْبَةُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ كُلُّهُمْ عَنْ زُبَيْدٍ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْقُنُوتَ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ زُبَيْدٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ إِنَّهُ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَيْسَ هُوَ بِالْمَشْهُورِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصٍ نَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَنْ حَفْصٍ عَنْ غَيْرِ مِسْعَرٍ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَيُرْوَى أَنَّ أُبَيًّا كَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ"اهـ ومن طريق ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أُبي بن كعب، ولم يذكر القنوت؛ أخرجه عبد بن حميد (1/198، تحت رقم 176) ، وأبوداود في كتاب الصلاة باب في الدعاء بعد الوتر، حديث رقم (1430) ، والنسائي في كتاب الصلاة باب نوع آخر من القراءة في الوتر، حديث رقم (1729) . وقد أعلت الطرق التي جاء فيها ذكر القنوت قبل الركوع بالطرق التي لم يأت فيها ذلك، وهذا لا وجه له، إذ ثبتت بأسانيد صحيحة، فدل ذلك على أنها مروية على الوجهين. قال الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (2/167) : "وهذا الإعلال ليس بشيء لاتفاق الجماعة من الثقات على رواية هذه الزيادة فهي مقبولة"اهـ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 326 13/2) عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير: "أن عبد الرحمن بن عبد القاري وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ فقال عمر: والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم عمر على ذلك وأمر أُبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل. فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد ان عذابك لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوى ساجدا" (1) . 14/3) عن قتادة عن الحسن: "إن أبيا أم الناس في خلافة عمر فصلى بهم النصف من رمضان لا يقنت فلما مضى النصف قنت بعد الركوع فلما دخل العشر أبق وخلى عنهم فصلى بهم العشر معاذ القارئ في خلافة عمر" (2)   (1) ... صحيح. صحيح ابن خزيمة (2/155، تحت رقم 1100) . والأثر أصله في موطأ مالك في كتاب وقوت الصلاة باب ما جاء في قيام رمضان، (انظر الاستذكار 2/65) ، وفي صحيح البخاري في كتاب صلاة التراويح باب فضل من قام رمضان حديث رقم (2010) ، بدون ذكر القنوت. وقد صحح إسناده الألباني رحمه الله في رسالته "صلاة التراويح" ص41_4. (2) ... أثر حسن لغيره. أخرجه ابن أبي شيبة (2/305) ، وفي السند الحسن يروي عن أُبي بن كعب، وإنما يروي عنه بواسطة، ولم يدركه. جامع التحصيل ص165، تحفة التحصيل 75. لكن يتقوى بما في رقم (2) ، وبما جاء عن عمر بن الخطاب في قنوت الوتر، من طريق ابن سيرين، فانظره. فيرتقي إلى الحسن لغيره. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 327 15/4) عن يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبي بن كعب فَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَإِذَا كَانَتْ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَكَانُوا يَقُولُونَ: أَبَقَ أُبَيٌّ" (1) . 16/5) عن معمر عن الزهري وعن أيوب عن ابن سيرين: "أن أُبي بن كعب قنت في الوتر بعد الركوع" (2) . 17/6) عن هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ: "أَنَّ أُبي بن كعب أَمَّهُمْ يَعْنِي فِي رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ" (3)   (1) ... أثر حسن لغيره. أخرجه أبوداود في كتاب الصلاة باب القنوت في الوتر تحت رقم (1428) ، والبيهقي في السنن الكبرى (2/498) ، وفي الصغرى له (1/287) . قَالَ أَبُو دَاوُد عقبه: "وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْقُنُوتِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ أُبَيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ"اهـ قلت: والحسن البصري لم يدرك عمر بن الخطاب ولا أُبي بن كعب رضي الله عنهما. لكن يشهد له ما في رقم (2) . (2) ... حسن لغيره. أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/120، تحت رقم 4990) ، وأخرجه في المصنف (4/260، تحت رقم 7729) عن الزهري عن أُبي بن كعب. والزهري وابن سيرين لم يثبت لهما سماع عن من هو أصغر سناً من أُبي بن كعب. فالسند منقطع. لكن يشهد له ما ثبت من عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القارئ الذي أخرجه ابن خزيمة، وهو هنا برقم (2) . وأثر ابن مسعود صحيح. إبراهيم مراسيله عن ابن مسعود صحيحة. وانظر التعليق الآتي تحت رقم (24) . (3) ... حسن لغيره. أخرجه أبوداود في كتاب الصلاة باب القنوت في الوتر تحت رقم (1428) ، والبيهقي في السنن الكبرى (2/498) . وفي السند مبهم فالسند ضعيف. لكن يشهد لمتنه ما جاء في رقم (2) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 328 18/7) عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن أُبي بن كعب:"أنه كان يقول: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك فلا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نخشى عذابك ونرجو رحمتك إن عذابك بالكفار ملحق" (1) . ما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه في قنوت الوتر 19/1) أبان بن أبي عياش عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد الله قال: "بت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنظر كيف يقنت في وتره فقنت قبل الركوع ثم بعثت أمي أم عبد فقلت تبيتي مع نسائه وانظري كيف يقنت في وتره فأتتني فأخبرتني أنه قنت قبل الركوع" (2) .   (1) ... إسناده حسن. ... أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/112) . وفي السند جعفر بن برقان، قال في التقريب: "صدوق يهم في حديث الزهري"اهـ (2) ... حديث ضعيف جداً مرفوعاً. أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/120، تحت رقم 4991) مختصراً، وأخرجه ابن أبي شيبة (2/302_303) ، والدارقطني في سننه (2/32) ، وأبونعيم في الحلية (7/118) (تقريب البغية 1/412، تحت رقم 1155) مختصراً، وفي الحلية أيضاً (10/30) (تقريب البغية 1/412، تحت رقم 1156، ووقع فيه النعمان بن أبي عياش، وصوابه أبان بن أبي عياش، كما في الحلية) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/41) . وقال أبونعيم عقب سياقه للحديث في الموضع الثاني من طريق أبي النضر عن سفيان عن أبان به: "لا أعلم رواه عن الثوري إلا أبو النضر"اهـ وقال الدارقطني رحمه الله، عقب روايته للحديث: "أبان متروك"اهـ، وقال البيهقي رحمه الله: "ومدار الحديث عليه (يعني: أبان) ، وأبان متروك"اهـ، وكذا قال الحافظ في التقريب ص103، عن أبان. وأخرجه الخطيب البغدادي في كتاب القنوت له كما قال في نصب الراية (2/124) من وجه آخر عن إبراهيم عن علقمة به، وقال الحافظ في الدراية ص193، تحت رقم 244، عن هذا الوجه: "ضعيف"اهـ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 329 20/2) عن محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم عن علقمة والأسود قالا: قال عبد الله: ما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من الصلوات إلا في الوتر وإنه كان إذا حارب يقنت في الصلوات كلهن يدعو على المشركين وما قنت أبو بكر ولا عمر ولا عثمان حتى ماتوا. ولا قنت علي حتى حارب أهل الشام وكان يقنت في الصلوات كلهن وكان معاوية يدعو عليه أيضا يدعو كل واحد منهما على الآخر" (1) . 21/ 3) عن إبراهيم عن علقمة: "إن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع" (2) . 22/4) عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود رضي الله عنه: "أنه كان يقنت في الوتر قبل الركوع" (3)   (1) ... حسن لغيره. أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (7/274، تحت رقم 7483) (مجمع البحرين 1/331تحت رقم 850) ، وقال الطبراني عقبه: "لم يرو هذا الحديث عن حماد عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله إلا محمد بن جابر. ورواه الحسن بن الحر عن حمّاد عن إبراهيم عن الأسود عن عمر"اهـ، وقال في مجمع الزوائد (2/137) : "رواه الطبراني في الأوسط وفيه شيء مدرك عن غير ابن مسعود بيقين هو قنوت علي ومعاوية في حال حربهما فإن ابن مسعود مات في زمن عثمان وفيه محمد بن جابر اليمامي وهو صدوق ولكنه كان أعمي واختلط عليه حديثه وكان لقن"اهـ وقال في مجمع البحرين (1/331) : "قنوت علي ومعاوية مدرج من قول علقمة والأسود، فإن ابن مسعود مات قبل بيعة علي"اهـ. قلت: محمد بن جابر ضعيف. لكن للحديث شواهد يرتقي بها إلى الحسن لغيره. ومنها ما في الصلب. (2) ... إسناده حسن. أخرجه ابن أبي شيبة (2/302) قال: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم به. قال ابن حجر رحمه الله في الدراية ص194، تحت الرقم 244: "بإسناد حسن"اهـ، قال الألباني في الإرواء (2/166) : "سند جيد، وهو على شرط مسلم"اهـ. (3) ... حسن لغيره. أخرجه أبو يوسف في كتاب الآثار ص70، تحت رقم (346) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 330 23/5) عن أشعث عن الحكم عن إبراهيم قال عبد الله: لا يقنت السنة كلها في الفجر ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع" (1) . 24/6) عن حماد عن أبي حمزة عن ابن مسعود: "أنه كان يقنت في الوتر قبل الركوع ولا يقنت في صلاة الفجر" (2) .   (1) ... حسن لغيره. أخرجه ابن أبي شيبة (2/305-306) ، وقال عقب روايته له: " قال أبوبكر: هذا القول عندنا."اهـ، وفي السند أشعث بن سوار الكندي، قال في التقريب ص149: "ضعيف"اهـ، وإبراهيم النخعي (ت196هـ) لم يسمع من ابن مسعود، لكن مراسيله عن ابن مسعود صحيحة، قال في التقريب ص118، "ثقة إلا أنه يرسل كثيرا، فقيه"، ساق بسنده في تهذيب الكمال (صورة المخطوط دار المأمون1/68) من طريق أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الحافظ، قال: حدثنا أبوعبيدة بن أبى السفر الكوفى، قال: حدثنا سعيد بن عامر عن شعبة عن سليمان الأعمش، قال: قلت لإبراهيم النخعي: اسند لي عن عبد الله بن مسعود؟ فقال إبراهيم: إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت، وإذا قلت: قال عبد الله: فهو عن غير واحد عن عبد الله"اهـ. وقال الحافظ أبو سعيد العلائي: هو مكثر من الإرسال، وجماعة من الأئمة صححوا مراسيله، وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود"اهـ. فالسند ضعيف لوجود أشعث، لكن توبع على ذكر القنوت للوتر قبل الركوع، وعلى ذكر الوتر في كل ليلة، بما تراه في الأصل، عن عبد الله بن مسعود، فيرتقي هذا الحديث إلى الحسن لغيره. (2) ... حسن لغيره. أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (9/328، تحت رقم 9432) . وأبوحمزة هو ميمون الأعور القصاب مشهور بكنيته ضعيف كما في التقريب ص990، وهو من الذين عاصروا صغار التابعين ولذا قال في مجمع الزوائد (2/244) : "هو منقطع"اهـ قلت: لكن لمتنه شواهد كما ترى‍‍. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 331 25/7) عن المسعودي وليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: "كان ابن مسعود لا يقنت في شيء من الصلوات إلا في الوتر قبل الركوع" (1) . عن أبي العميس [هو المسعودي] حدثني عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: "كان عبد الله لا يقنت في صلاة الغداة. وإذا قنت في الوتر قنت قبل الركعة" (2) .   (1) ... أثر صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/302) ، وفي السند عنده ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن الأسود، وليث صدوق اختلط جداً فلم يتميز حديثه فترك. التقريب ص818، لكن تابعه المسعودي عند الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/253) ، والطبراني في المعجم الكبير (9/272، تحت رقم 9165) . وقال في مجمع الزوائد (2/127) : "إسناده حسن"اهـ، وقال ابن حجر في الدراية ص193، تحت رقم 244: "صحيح"اهـ، وقال الألباني في الإرواء (2/166) ، عن سند الطبراني: "سنده صحيح"اهـ. (2) حسن إن شاء الله. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (9/272، تحت رقم 9166) ، وسنده رجاله ثقات، إلا شيخ الطبراني فلم أقف فيه على جرح أو تعديل، لكن ذكره ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل (7/76) ، وقال: "فضيل بن محمد الملطي الامام امام مسجد ملطية أبو يحيى روى عن أبى توبة الربيع بن نافع وأبى نعيم الفضل بن دكين ومحمد بن عيسى بن الطباع وسعيد بن منصور وأبى الوليد الطيالسي وإسماعيل بن أبى أويس ومحمد بن موسى بن اعين كتب إلي بجزئين من حديثه"اهـ هذا ما في ترجمته، وهو مشعر بأنه في حيِّز القبول في الجملة، والله اعلم، إذ لو وجد في حديثه ما ينكر لم يسكت عنه، ويؤكد هذا أنه لم يرد له ذكر في كتب الضعفاء والمجروحين، وقد كان إمام مسجد كما قرأت، فالله اعلم. وقد قال في مجمع الزوائد (2/127) عن هذا الحديث: "إسناده حسن"اهـ. جرياً على قاعدته في شيوخ الطبراني على ما يبدو والله اعلم، ويتأكد أن هذا الأثر في حيز القبول بالمتابعات التي تراها في الأصل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 332 26/8) عن معمر عن أبان عن النخعي: "أن ابن مسعود كان يقنت السنة كلها في الوتر" (1) . 27/9) عن ليث عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه: "كان عبد الله يقرأ في آخر ركعة من الوتر (قل هو الله أحد (، ثم يرفع يديه فيقنت قبل الركعة". وفي رواية عن عبد الله: "أنه كان يرفع يديه في قنوت الوتر". وعند البيهقي: "كان ابن مسعود يرفع يديه في القنوت إلى ثدييه" (2) . 28/10) عن الزهري عن حماد عن إبراهيم: "أن ابن مسعود كان يرفع يديه في الوتر ثم يرسلهما بعد" (3)   (1) ... إسناده ضعيف جداً، ومتنه له شواهد. أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/120، تحت رقم 4991) ومن طريقه أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (9/327) . وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (4/260، تحت رقم (7729) ، وأبهم معمر شيخه، فقال: "أخبرني من سمع إبراهيم". وفي السند أبان بن أبي عياش، ضعيف، لكن توبع عن ابن مسعود فيما ذكره، كما تراه في الصلب. (2) ... حسن لغيره.. أخرجه البخاري في جزء رفع اليدين (جلاء العينين ص173174) ، والطبراني في المعجم الكبير (9/327، تحت رقم 9425) . وأخرجه مختصراً على رفع اليدين في الوتر دون ذكر قراءة (قل هو الله أحد (، ابن أبي شيبة في المصنف (2/307) ، من طريقين عن ليث بن أبي سليم، والبيهقي في السنن الكبرى (3/41) .ومدار السند عندهم على ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه به، وليث صدوق اختلط، فلم يتميز حديثه فترك، كما في التقريب ص818، لكن لذكر القنوت قبل الركوع وقراءة (قل هو الله أحد (شواهد، ولذكر رفع اليدين متابعة وهي التالية، فيرتقي إلى مرتبة الحسن لغيره. وقد قال البخاري رحمه الله في جزء رفع اليدين (جلاء العينين ص175) بعد إيراده لهذا الأثر مع أحاديث أخر فيها رفع اليدين في الدعاء: "وهذه الأحاديث كلها صحيحة عن رسول الله وأصحابه لا يخالف بعضها بعضاً وليس فيها تضاد؛ لأنها في مواطن مختلفة"اهـ. (3) ... إسناده صحيح. أخرجه عبد الرزاق في المصنف (4/325، تحت رقم 7952) . وتقدّم أن مراسيل إبراهيم عن ابن مسعود صحيحة. انظر التعليق السابق تحت رقم (24) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 333 29/11) عن ليث عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه: "أن عبد الله بن مسعود كان إذا فرغ من القراءة كبر ثم قنت فإذا فرغ من القنوت كبر ثم ركع" (1) . 30/12) عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن قال: "علمنا ابن مسعود أن نقرأ في القنوت: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجوا رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق" (2) . ما جاء عن البراء بن عازب رضي الله عنه في قنوت الوتر 31/1) عن عبد الله بن واقد الحراني عن سفيان الثوري عن مطرف عن أبي الجهم عن البراء بن عازب قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الركوع ثم كبر وركع" (3) .   (1) ... ضعيف. أخرجه ابن أبي شيبة (2/307) ، ومن طرقه ابن المنذر في الأوسط (5/212، تحت الأثر رقم 2729) . وفي السند ليث بن أبي سليم، صدوق اختلط جداً فلم يتميز حديثه فترك. التقريب ص818. (2) ... السند ضعيف عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولكن الدعاء حسن لغيره. أخرجه ابن أبي شيبة (2/301) . وفي السند عطاء بن السائب، اختلط بأخرة، ورواية ابن فضيل عنه بعد الاختلاط. الكواكب النيرات ص321، لكن جاء ما يشهد لهذا الدعاء عن الصحابة، انظر ما جاء عن عمر بن الخطاب، وأُبي بن كعب رضي الله عنهما، وماجاء مرسلاً أو عن الصحابة دون تعيين، ماجاء عن عمرو عن الحسن البصري فقد ذكر نحو هذا الدعاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يشهد لثبوت الدعاء. (3) ... حديث ضعيف. أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه (1/678) (زوائد تاريخ بغداد 1/395، تحت رقم 103) ، وحكم على إسناده بأنه ضعيف جداً، من أجل عبد الله بن واقد الحراني أبو قتادة، حيث قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب ص555: "متروك وكان أحمد يثني عليه وقال لعله كبر واختلط، وكان يدلس"اهـ. قلت: حديث هذا ضعيف ولا كلام، أمّا أن حديثه ضعيف جداً فلا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 334 32/2) عن العلاء بن صالح عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه سأله عن القنوت في الوتر فقال حدثنا البراء بن عازب قال: "سنة ماضية" (1) .   (1) ... إسناده شاذ؛ المحفوظ أنه سأله عن القنوت في الفجر، فقال: "سنة ماضية". أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (2/153) وكشف عن علته بقوله رحمه الله: "وهذا الشيخ العلاء بن صالح وهم في هذه اللفظة في قوله: "في الوتر"، وإنما هو في الفجر لا في الوتر فلعله انمحى من كتابه ما بين الفاء والجيم فصارت الفاء شبه الواو والجيم ربما كانت صغيرة تشبه التاء فلعله لما رأى أهل بلده يقنتون في الوتر وعلماؤهم لا يقنتون في الفجر توهم أن خبر البراء إنما هو من القنوت في الوتر. أخبرنا سلم بن جنادة نا وكيع عن سفيان عن زبيد اليمامي قال: سألت عبد الرحمن بن أبي ليلى عن القنوت في الفجر فقال: "سنة ماضية". فسفيان الثوري أحفظ من مائتين مثل العلاء بن صالح فخبر أن سؤال زبيد بن أبي ليلى إنما كان عن القنوت في الفجر لا في الوتر فأعلمه أنه سنة ماضية ولم يذكر أيضا البراء. وقد روى الثوري وشعبة هما إماما أهل زمانهما في الحديث عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء أن النبي قنت في الفجر. حدثناه سلم بن جنادة ثنا وكيع عن سفيان وشعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الفجر".نا بندار ثنا محمد بن جعفر نا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت بن أبي ليلى حدثني البراء بن عازب: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في المغرب والصبح". أخبرنا أحمد بن عبدة ثنا أبو داود نا شعبة عن عمرو بن مرة أنبأه قال سمعت بن أبي ليلى يحدث عن البراء بن عازب: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب". فهذا هو الصحيح عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم لا على ما رواه العلاء بن صالح"اهـ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 335 33/3) عن مطرف عن أبي الجهم (هو سليمان بن الجهم مولى البراء) قال: "كان البراء يكبر قبل أن يقنت" (1) . ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه في قنوت الوتر 34/1) عن سهل بن العباس الترمذي عن سعيد بن سالم القداح عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات ويجعل القنوت قبل الركوع" (2) . 35/2) عن عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أنه كان لا يقنت في الفجر ولا في الوتر فكان إذا سئل عن القنوت قال: ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن" (3) . 36/3) عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: "أنه كان لا يقنت إلا في النصف يعني من رمضان". وفي رواية عند البيهقي: "كان لا يقنت في الوتر إلا في النصف من رمضان" (4) . 37/4) عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد: "أن ابن عمر قنت في الوتر قبل الركوع" (5)   (1) ... إسناده صحيح. ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/315) . لكن أخرج عقبه من طريق مطرف عن أبي الجهم عن البراء: "أنه قنت في الفجر فكبر حين فرغ من القراءة وكبر حين ركع"، وإسناده صحيح. (2) ... إسناده ضعيف جداً، والمتن حسن لغيره. أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (8/36، تحت رقم 7885) ، (مجمع البحرين 1/332، تحت رقم 854) ، وقال عقبه: "لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا سعيد بن سالم"اهـ. وقال ابن حجر في الدراية ص194، تحت رقم (244) : "أخرجه الطبراني في الأوسط بسند ضعيف"اهـ. قلت: فيه سهل بن العباس قال في الضعفاء والمتروكين (2/28) : "قال الدارقطني: "ليس بثقة متروك"اهـ. قلت: لكن للمتن شواهد منها ما جاء عن أُبي بن كعب رضي الله عنه، انظر ما جاء عنه. (3) ... إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (2/306) . (4) إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (2/305) ، أحمد في مسائل ابنه عبد الله ص96، تحت رقم (337) ، والبيهقي في السنن الكبرى (2/498) . (5) ... إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/301-302) . تنبيه: كذا الأثر في مصنف ابن أبي شيبة المطبوع، ورأيت الألباني رحمه الله في الإرواء (2/165) يذكر من طريق إبراهيم عن عمر: "أنه قنت في الوتر قبل الركوع"، ونبه إلى أن عند ابن نصر المروزي في قيام الليل (مختصر قيام الليل ص133) ، الأسود عن عمر وذكره. فجعله من مسند عمر بن الخطاب لا ابنه قلت: ولم أجد في مصنف ابن أبي شيبة المطبوع رواية عن عمر بهذا اللفظ، ولكن وجدت هذه الرواية عن ابن عمر، فإن كانت هي الرواية التي أشار إليها الألباني فقد وقع في المطبوع خلل، وبالتالي يتوقف في ثبوت ذلك عن ابن عمر، ويكون عن عمر بن الخطاب والله اعلم. ثم رأيت في مسائل عبد الله لأبيه الإمام أحمد ص92: "قال سمعت أبي يقول: خالف إبراهيم عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أن ابن مسعود قنت في الوتر قبل الركعة. قال إبراهيم: عمر، وقال عبد الرحمن: ابن مسعود"اهـ ومعنى هذا أن إبراهيم خالف رواية عبد الرحمن بن الأسود، فرواه إبراهيم عن الأسود بن يزيد عن عمر، ورواه عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود: أنه كان يقنت قبل الركوع؛ فهذا يبين أن الرواية عن عمر وليست عن ابن عمر، فما وقع في المصنف لابن أبي شيبة خطأ من الناسخ أو الطابع والله اعلم. ولعل مما يؤكده أن الروايات الأخرى عن ابن عمر أنه لم يكن يرى القنوت إلا في النصف من رمضان. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 336 38/5) عن أيوب عن نافع: "أن ابن عمر كان لا يقنت في الصبح ولا في الوتر أيضا" (1) . حديث ابن عباس رضي الله عنه في قنوت الوتر 39/1) عن عطاء بن مسلم قال ثنا العلاء بن المسيب عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس قال: "أوتر النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث قنت فيها قبل الركوع" (2) . 40/2) عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس: "أنه كان يقول في قنوت الوتر: لك الحمد ملأ السماوات السبع وملأ الأرَضين السبع وملأ ما بينهما من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" (3) . ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه في قنوت الوتر 41/1) عن سليمان التيمي عن رجل عن أبي المحزم عن أبي هريرة قال: "نزلت عليه عشر سنين فما رأيته قنت في وتره" (4) .   (1) ... إسناده صحيح. أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/106، تحت رقم 4950) . (2) ... إسناده ضعيف. والمتن حسن لغيره. أخرجه البيهقي في الكبرى (3/41) ، وأبو نعيم في الحلية (5/62) ، (تقريب البغية 1/411، تحت رقم 1154) . قال البيهقي عقبه: "وهذا ينفرد به عطاء بن مسلم وهو ضعيف"اهـ، وقال أبونعيم رحمه الله: " غريب من حديث حبيب والعلاء تفرد به عطاء"اهـ. وهذا إسناد حسن، لولا عنعنة حبيب بن أبي ثابت فإنه مدلس انظر جامع التحصيل ص105، 158، وقال في التقريب ص218: "ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس"اهـ، وعطاء بن مسلم الخفاف قال عنه في التقريب ص678: "صدوق يخطيء كثيراً"اهـ قلت: فتفرده لا يحتمل. لكن جاء للمتن ما يشهد له عن أُبي بن كعب انظر ما جاء عن أُبي بن كعب في قنوت الوتر. (3) ... إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (2/300) . بإسناد صحيح. ووقع خطأ في السند (عبيد الله بن عبيد) صوابه "عبد الله بن عبيد". (4) ... إسناده ضعيف. أخرجه ابن أبي شيبة (2/306) . وإسناده ضعيف فيه راوٍ مبهم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 337 42/2) عن الوليد بن مسلم أخبرني ابن لهيعة عن موسى بن وردان أنه كان يرى أبا هريرة يرفع يديه في قنوته في شهر رمضان". قال الوليد: وأخبرني عامر بن شبل الجرمي قال: رأيت أبا قلابة يرفع يديه في قنوته (1) . ما جاء عن الحسن بن علي رضي الله عنهما في قنوت الوتر 43/1) عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ (وفي رواية: فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ) : اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ" (2)   (1) ... إسناده ضعيف. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (3/41) ، وفي السند الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية، ولم يصرح بالسماع في الطبقات فوقه. وابن لهيعة ضعيف، فإن رواية الوليد عنه بعد احتراق كتبه. (2) ... جاء الحديث عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي رضي الله عنه. من طريق أبي إسحاق السبيعي عن بريد به. ورواه عن أبي إسحاق السبيعي كل من شريك بن عبد الله القاضي، وأبو الأحوص، وزهير بن معاوية، وإسرائيل، والثوري، وموسى بن عقبة، وزياد بن خيثمة، وأبوبكر بن عياش، وسليمان بن قرْم الضبي؛ أمّا رواية شريك فأخرجها ابن أبي شيبة في المصنف (3/300) ، (10/384) ووقع خطأ طبعي في السند، فرسم (شريك عن عبد الله) وصوابه: (شريك بن عبد الله) ، وأخرجه أبويعلى في المسند (12/136، تحت رقم 6765) ، وابن ماجه، والطبراني في المعجم الكبير (3/74، تحت رقم2704) ، وفي كتاب الدعاء (2/1139، تحت رقم 737) ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة (1/266، حديث رقم 383) . وهي مقيدة بلفظ: "قنوت الوتر". وضعف سند هذا الطريق محقق مسند أبي يعلى لضعف شريك. قلت: لكنه توبع كما ترى فحديثه هذا من طريقه لا ينزل عن درجة الحسن لغيره. أمّا رواية أبي الأحوص فأخرجها أبويعلى في مسنده (12/156، تحت رقم 6786) ، والدارمي في سننه تحت رقم 1634) ، وأبوداود في كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، حديث رقم 1425) ، والترمذي في كتاب الصلاة باب ما جاء في القنوت في الوتر، حديث رقم (464) ، والنسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الدعاء في الوتر، حديث رقم (1745) ، والطبراني في الكبير (3/74، تحت رقم 2705) ، وفي كتاب الدعاء (2/1140، تحت رقم 739) ، والبيهقي في الكبرى (2/497) من طريق أبي داود، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/717، رقم 11761177) . وهي مقيدة بلفظ: "قنوت الوتر". وقال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وصحح محقق سنن الدارمي (2/992) إسناد هذه الرواية. قلت: وهو كما قال. أمّا رواية زهير، فأخرجها أبوداود في كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، حديث رقم 1425) ، البزار في مسنده (4/176، تحت رقم 1337) ، وابن الجارود في المنتقى (273) ، والبيهقي (2/498) . وهي مقيدة بلفظ: "في قنوت الوتر". قال البزار عقب روايته للحديث: "وهذا الحديث لا نعلم يرويه عن النبي إلا الحسن بن علي، وقد رواه شعبة عن بريد عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي وزاد فيه أبو إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن: علمني رسول الله أن أقول في قنوت الوتر ولم يقل شعبة في قنوت الوتر فلذلك كتبناه واسم أبي الحوراء ربيعة بن شيبان"اهـ. وصحح إسناد هذه الرواية لغيره صاحب غوث المكدود بتخريج المنتقى لابن الجارود (1/239) . أمّا رواية إسرائيل فأخرجها الدارمي (1633) ، والدولابي في الذرية الطاهرة النبوية ص81، تحت رقم 136، وابن خزيمة (2/152، تحت رقم1095) ، والطبراني في المعجم الكبير (3/73، تحت رقم 2702) ، وفي كتاب الدعاء (2/1138، تحت رقم 736) ، والبيهقي في السنن الكبرى (2/209) ووقع في روايته للسند "عن الحسن أو الحسين". قال البيهقي: "كأن الشك إنما وقع في الإطلاق أو في النسبة"اهـ. قال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/249) بعد نقله قول البيهقي: "ويؤيد رواية الشك أن أحمد أخرجه في مسند الحسين بن علي من مسنده من غير تردد ... "اهـ قلت: وكذا عند أبي يعلى في مسنده حديث رقم (6786) ، جعله في مسند الحسين بن علي دون تردد، وانظر ما جاء عن الحسين بن علي رضي الله عنه في قنوت الوتر. وهذه الرواية مقيدة بقوله: "في القنوت". وصحح إسناد هذه الرواية محقق سنن الدارمي (2/992) . أمّا رواية الثوري فأخرجها عبد الرزاق في المصنف (3/118، تحت رقم 4985) مختصراً، بلفظ: "أن يقول في القنوت" وأحمد في المسند (الرسالة 3/247، رقم 1721) ، بلفظ: "أن يقول في الوتر"، ومن طريقه الطبراني في الكبير (3/75، رقم 2706) مطولاً، وفي كتاب الدعاء مقتصراً على دعاء القنوت، (2/1141، تحت رقم 741) ، وأبونعيم في الحلية (9/321 وقد وقع في السند عنده أخطاء طباعة صوّبتها من تقريب البغية بترتيب الحلية 1/311، رقم 836) ، بلفظ: "في الوتر". أمّا رواية موسى بن عقبة فأخرجها الطبراني في المعجم الكبير (3/73، تحت رقم 2701) ، وفي كتاب الدعاء (2/1140، تحت رقم 740) ، والحاكم في المستدرك (علوش 4/114، تحت رقم 114) . ولفظ الرواية مقيد ب: "في الوتر". أمّا رواية زياد بن خيثمة فقد أخرجها الطبراني في كتاب الدعاء (2/1141، تحت رقم (742) ، وحسّن إسناده محقق كتاب الدعاء. أمّا رواية أبي بكر بن عياش فقد أخرجها الطبراني في كتاب الدعاء، (2/1141، تحت رقم 743) . وفي السند يحي الحماني عن أبي بكر بن عياش، والحماني ضعيف كما في التقريب. أمّا رواية سليمان بن قرم الضبي عن أبي إسحاق، فأخرجها أبو علي الحسن بن محمد البكري، في كتابه الأربعين حديثاً، الحديث السادس والعشرون، ص125، وسليمان بن قرم قال ابن حجر رحمه الله في التقريب: "سيء الحفظ يتشيع"اهـ وجاء الحديث من طريق يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن بريد به؛ أخرجه أحمد في المسند (الرسالة 3/245، رقم 1718) ، وأبوداود في مسائله لأحمد عن أحمد بن حنبل ص97، ومحمد بن نصر المروزي في مختصر قيام الليل ص117، تحت رقم (56) ، ص141 تحت رقم (62) ، وابن الجارود (272) ، وابن خزيمة (2/151، تحت رقم 1095) ، والطبراني في الكبير (3/77، تحت رقم2712) ، وفي كتاب الدعاء (2/1143، تحت رقم 747) . وقيد لفظ الراوية هنا بقوله: "في قنوت الوتر"، وفي رواية "إذا قمت في القنوت في الوتر فقل ... "، وفي رواية: "ألا أعلمك كلمات تقولهن عند القنوت" كذا ذكر هذه الروايات محمد بن نصر في كتابه. وصحح إسناد هذه الرواية صاحب غوث المكدود بتخريج المنتقى لابن الجارود (1/238) ، ومحققو مسند أحمد (الرسالة) . وجاء من طريق الحسن بن عمارة عن بريد به؛ أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/117، تحت رقم 4984) ، ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير (3/76، تحت رقم 2711) ، وفي كتاب الدعاء (2/1143، تحت رقم 746) . وهي طريق ضعيفة جداً لأن الحسن بن عمارة متروك الحديث كما في التقريب. وعند عبد الرزاق زيادة لم يذكرها الطبراني. وجاء من طريق شعبة بن الحجاج عن بريد به؛ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/75، تحت رقم 2707) ، وفي كتاب الدعاء (2/1142، تحت رقم 744) . وقيد الدعاء في هذا الطريق بلفظ: "في الوتر"، وصحح إسناد هذا الطريق الألباني في إرواء الغليل (2/173) . وجاء من طريق العلاء بن صالح عن بريد به؛ أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء (2/1144، تحت رقم 748) ، وموضع الدعاء مقيد فيه بلفظ: "في قنوت الوتر". وحسّن إسناد هذا الطريق محقق كتاب الدعاء. وجاءت روايات مطلقة لم تقيد الدعاء بموضع، من طريق العلاء بن صالح أخرجها الطبراني في المعجم الكبير (3/76، تحت رقم 2709) لكنه ذكر طرف الحديث ولم يتم لفظه، والبيهقي (2/209) وساق لفظه. وسند هذا الطريق حسن لذاته،. والمتن صحيح لغيره. فهؤلاء تابع بعضهم بعضاً في رواية الحديث عن بريد بن أبي مريم به، ووقع في روايتهم تقييد موضع الدعاء بالوتر أو القنوت، أو قنوت الوتر. والحديث من هذه الطرق صحيح. وجاء الحديث من طريق أبي زيد الزراد عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي رضي الله عنه؛ رواه الربيع بن ركين عن أبي (زيد) الزراد عن أبي الحوراء به، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/77، تحت رقم 2713) ، وفي كتاب الدعاء (2/1144، تحت رقم 749) ، عن الربيع بن ركين عن أبي زيد به. قال الطبراني في كتاب الدعاء (2/1144) : "أبو زيد هو عبد الملك بن ميسرة"اهـ قلت: وهو ثقة، ورسمه في كتاب الطبراني: "أو يزيد" وفي كتب التراجم "أبو زيد"، وهو ما أثبته. وضعف هذا السند الألباني في الإرواء (2/175) ، وقال: "هذا سند ضعيف علته الربيع هذا وهو ابن سهل الركين. قال الدارقطني وغيره: ضعيف. وقال ابن معين: ليس بثقة". فالطريق ضعيف؛ لكن يشهد لمتنه ما جاء في طريق الحديث عن بريد عن أبي الحوراء عن الحسن رضي الله عنه، فيرتقي إلى درجة الحسن لغيره. وجاء الحديث من طريق موسى بن عقبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن الحسن بن علي رضي الله عنهما؛ أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/301، تحت رقم 415) ، وفي السنة له (1/268، تحت رقم 384) ، والطبراني في المعجم الكبير (3/73، تحت رقم 2700) ، وفي المعجم الأوسط (4/169، تحت رقم 3887) ، وفي كتاب الدعاء (2/1138، تحت رقم 735) ، وابن مندة في كتاب التوحيد (2/191، تحت رقم 343) ، والحاكم (علوش 4/164، تحت رقم 4853) ، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/718، تحت رقم 1178) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/38_39) . وقال الطبراني في الأوسط عقب إخراجه للحديث: "لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إلا موسى بن عقبة، ولا رواه عن موسى بن عقبة إلا ابن أخيه إسماعيل بن إبراهيم، تفرّد به: ابن أبي فديك. ولا يروى عن عائشة عن الحسن بن علي إلا بهذا الإسناد"اهـ. وقد أشار الحاكم رحمه الله إلى الاختلاف على موسى بن عقبة، فقال بعد إخراجه للحديث: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، إلا أن محمد بن جعفر بن أبي كثير قد خالف إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة في إسناده"، ثم ساقه من طريق محمد بن جعفر بن أبي كثير عن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي به. قلت: وقد توبع محمد بن جعفر في روايته عن موسى بن عقبة عن بريد عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي رضي الله عنه، ولم يتابع إسماعيل بن إبراهيم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن الحسن بن علي، وإسماعيل قال في التقريب ص135: "ثقة تكلم فيه بلا حجة"اهـ، قلت: في هذه الرواية اضطراب في تعيين مكان القنوت هل هو قبل الركوع أو بعده، كما سيأتي بعد قليل عند ذكر ألفاظ الرواية التي فيها التقييد، وقد تقدم تخريج طريق موسى بن عقبة عن أبي إسحاق. قال ابن حجر رحمه الله في التلخيص الحبير (1/248) بعد إيراده للحديث من طريق إسماعيل بن موسى عن موسى بن عقبة هشام عن أبيه عن عائشة، عند الحاكم، قال: "تنبيه: ينبغي أن يتأمل قوله في هذا الطريق: "إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود" فقد رأيت في الجزء الثاني من فوائد أبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران الأصبهاني تخريج الحاكم له، قال: ثنا محمد بن يونس المقري، قال: ثنا الفضل بن محمد البيهقي، ثنا أبوبكر بن أبي شيبة المدني الحراني، ثنا ابن أبي فديك، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة بسنده ولفظه: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول في الوتر قبل الركوع ... فذكره، وزاد في آخره: "لامنجأ منك إلا إليك"."اهـ. وضعف هذا الطريق لعلة أخرى الألباني في ظلال الجنة (375) ، ومحقق شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وذكره في الإرواء (2/168) ، من طريق ابن منده، وحسّن إسناده، وأشار إلى أن الثابت من لفظه في تحديد محل القنوت، أنه قبل الركوع إذا فرغ من القراءة؛ وذلك لورود حديث عن أُبي بن كعب في ذلك. قلت: لكن الطريق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن الحسن بأصله شاذ عندي، فلا يثبت من جهته ما تفرّد به، وتعيين أن محل القنوت في الوتر قبل الركوع، مما تفرد به هذا الطريق، نعم ثبت في الطرق الأخرى تعيين محل هذا الدعاء في قنوت الوتر، دون تعيين محله قبل الركوع أو بعده، فلا يثبت ذلك في حديث الحسن بن علي رضي الله عنه، نعم ثبت من حديث غيره. (تنبيه) : وقع سند الحديث من هذا الطريق عند اللالكائي هكذا: "عن أبي المثنى الكعبي عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن هشام بن عروة عن أبيه ... " بإسقاط "موسى بن عقبة" وهو خطأ من الناسخ أو الطابع، فإن رواية إسماعيل بن إبراهيم لهذا الحديث هي عن عمه موسى بن عقبة، كما هو مثبت عند من خرّج الحديث غير اللالكائي، وإلا فهذا من مناكير أبي المثنى، فإنه منكر الحديث كما في التهذيب (12/221) . وألفاظ الرواية التي فيها التقييد: جاء الحديث مقيداً بقوله: "دعاء القنوت في الوتر" عند ابن أبي عاصم في السنة، والطبراني، وبقوله: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود: اللهم اهدني ... " عند الحاكم والبيهقي، وبقوله: "إذا فرغت من قراءتي فلم يبق عليّ إلا الركوع" عند ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، وابن مندة في التوحيد؛ من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن الحسن بن علي رضي الله عنهما. فالطريق شاذة، وفي متنها اضطراب في تحديد محل القنوت. وجاء الحديث مقيداً بأنه في الوتر من طريق يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: "عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْرِ قَالَ: قُلْ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ"؛ أخرجه النسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الدعاء في الوتر، حديث رقم (1745) ، واللفظ له، وأخرجه النسائي في كتاب فضائل القرآن (المفرد) ص84، تحت رقم 126، بنفس السند، وليس فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وفي السند علتان يضعف بها، الأولى: الانقطاع؛ عبد الله بن علي هذا ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (5/325) : "روايته عن الحسن بن علي لم تثبت، وهي عند النسائي من طريق موسى بن عقبة، عن عبد الله بن علي عن الحسن بن علي؛ فإن كان هو صاحب الترجمة فلم يدرك جده الحسن بن علي، لأن والده علي بن الحسين لما مات عمه الحسن رضي الله عنه كان دون البلوغ"اهـ. العلة الثانية: الاختلاف علي موسى بن عقبة فالرواية هنا عن عبد الله بن علي عن الحسن بن علي، وفي التي قبلها عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن الحسن بن علي، وتقدمت روايته عن أبي إسحاق عن بريد عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي. وتفرد يحي بن عبد الله بن سالم عن موسى بن عقبة بقوله: عن عبد الله بن علي، وبزيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء. انظر التلخيص الحبير (1/248) . قلت: فهذا الطريق ضعيف، وفي متنه زيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه لا شاهد لها في الطرق الأخرى. وقد جاء الحديث بذكر الدعاء دون تقييد لموضعه عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي رضي الله عنه: من طريق شعبة عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء به؛ أخرجه أبوداود الطيالسي ص163، تحت رقم (1179) ، احمد بن حنبل (الرسالة 3/248، تحت رقم 1723، 3/252، تحت رقم 1727) ، والدارمي في سننه (1632) ، والبزار في المسند (4/175، تحت رقم 1336) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/32، تحت رقم 416) ، وأبويعلى في مسنده (12/127، تحت رقم 6759، 12/132، تحت رقم 6762) ، والدولابي في الذرية الطاهرة النبوية ص80، تحت رقم 134 وابن خزيمة (2/152، تحت رقم1096) ، وابن حبان (الإحسان 2/498 حديث رقم (722، 3/225، حديث رقم945) ، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/716، حديث رقم 1175) . قال البزار عقب روايته للحديث: "وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرويه عن النبي بهذا اللفظ إلا الحسن بن علي"اهـ. وصحح إسناد هذا الطريق محقق الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان (3/225) ، ومحققو مسند أحمد (3/249) ، ومحقق سنن الدارمي (2/992) . ويلاحظ أنه قد ثبت تقييد موضع الدعاء بقوله: "في الوتر"، من نفس الطريق عن شعبة عن بريد به، انظر مخرج روايات الحديث عن بريد بن أبي مريم به التي فيها تقييد الموضع. ومن طريق أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء به؛ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/74، تحت رقم 2704) ، وفي كتاب الدعاء (2/1139، تحت رقم 838) ، من طريق زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن بريد عن أبي الحوراء عن الحسن رضي الله عنه، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/304، تحت رقم 417) فقد أورد ابن أبي عاصم سند الحديث ثم أحال في متنه على لفظ الحديث من رواية شعبة، وليس فيه ذكر التقييد، فقال بعد أن ساق سند الحديث من طريق شريك عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن رضي الله عنه قال: "فذكر الحديث". فإن صح قولي هذا فبها، وتكون لشريك عن أبي إسحاق روايتان رواية مطلقة، وهي هذه ورواية مقيدة (انظر طرق الحديث عن أبي إسحاق السبيعي عن بريد) وإلا فإن لفظ التحويل: "وذكر الحديث"، قريب من قولهم " بنحوه" وليس كقولهم: "مثله". وعليه لا تكون رواية شريك عن أبي إسحاق في الآحاد من مخارج الرواية المطلقة. لكن يُلاحظ أنها جاءت مقيّدة بقنوت الوتر من نفس الطريق، انظر مخارج الروايات عن أبي إسحاق السبيعي. ومن طريق العلاء بن صالح عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء به؛ أخرجها الطبراني في المعجم الكبير (3/76، تحت رقم 2709) لكنه ذكر طرف الحديث ولم يتم لفظه، والبيهقي (2/209) وساق لفظه، وفي السنن الصغرى له (1/170) . وسند هذا الطريق حسن لذاته،. والمتن صحيح لغيره. ولكن جاء تقييد موضع الدعاء بقوله: "في قنوت الوتر" من نفس الطريق، وانظر تخريجها عند ذكر مخارج الروايات عن بريد بن أبي مريم. العلل التي أعل بها الحديث، والجواب عنها: وقد أعل الحديث بالعلل التالية: 1) أن شعبة رواه مطلقاً، وهو أحفظ من الذين رووه مقيداً. 2) أنه ورد ما يؤيد ذلك في الروايات التي فيها أن بريداً سمع ابن عباس ومحمد بن علي في الخيف يقولان: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت بهؤلاء الكلمات في قنوت الفجر والوتر". 3) أن أبا إسحاق السبيعي اختلط بأخرة. قال أبو بكر ابن خزيمة رحمه الله (صحيح ابن خزيمة 2/151153، باختصار) : "ولست أحفظ خبرا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر. ... وقد روي عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه دعاء يقوله في قنوت الوتر. ... وهذا الخبر رواه شعبة بن الحجاج عن بريد بن أبي مريم في قصة الدعاء ولم يذكر القنوت ولا الوتر ... وشعبة أحفظ من عدد مثل يونس بن أبي إسحاق. وأبو إسحاق لا يعلم أسمع هذا الخبر من بريد أو دلسه عنه اللهم إلا أن يكون كما يدعي بعض علمائنا أن كل ما رواه يونس عن من روى عنه أبوه أبو إسحاق هو مما سمعه يونس مع أبيه ممن روى عنه. ولو ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالقنوت في الوتر أو قنت في الوتر لم يجز عندي مخالفة خبر النبي ولست أعلمه ثابتا"اهـ. قال ابن حجر رحمه الله (في التلخيص الحبير (1/247248) ، باختصار وتصرف يسير) : "قلت: ويؤيده أن الدولابي رواه في الذرية الطاهرة له والطبراني في الكبير من طريق الحسن بن عبيد الله عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء به وقال فيه: وكلمات علمنيهن فذكرهن قال بريد فدخلت على محمد بن علي في الشعب فحدثته فقال صدق أبو الحوراء هن كلمات علمناهن نقولهن في القنوت وقد رواه البيهقي من طرق قال في بعضها قال بريد بن أبي مريم فذكرت ذلك لابن الحنفية فقال إنه للدعاء الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر. ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب الوتر أيضا. وروى البيهقي أيضا من طريق عبد المجيد بن أبي رواد عن بن جريج عن عبد الرحمن بن هرمز وليس هو الأعرج عن بريد بن أبي مريم سمعت بن الحنفية وابن عباس يقولان كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات. ورواه من طريق الوليد بن مسلم وأبي صفوان الأموي عن بن جريج بلفظ يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت من صلاة الصبح ورواه مخلد بن يزيد عن بن جريج فقال في قنوت الوتر. وعبد الرحمن بن هرمز يحتاج إلى الكشف عن حاله فقد رواه أبو صفوان الأموي عن بن جريج فقال عبد الله بن هرمز والأول أقوى"اهـ. والجواب عن هذه العلل فيما يلي: أ) ثبت بسند صحيح عن شعبة رواية الحديث مقيداً بالقنوت في الوتر. كما تراه في مخارج طرق الحديث عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي رضي الله عنهما. ب) أن هناك غير شعبة روى الحديث مرة مقيداً ومرة بغير قيد، مما يدل على أن الحديث مروي على الوجهين؛ فهناك أبوإسحاق السبيعي والعلاء بن صالح كلاهما رويا هذا الحديث عن بريد مرة مقيداً ومرة مطلقاً. ج) أن الطرق المتعددة لهذا الحديث تثبت أن أبا إسحاق السبيعي لم يتفرد بهذا التقييد لموضع الدعاء في الحديث، فقد وافقه على ذلك: يونس بن أبي إسحاق السبيعي، الحسن بن عمارة، وشعبة بن الحجاج نفسه، والعلاء بن صالح كلهم عن بريد عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي به، فيه ذكر تقييد موضع الدعاء بقنوت الوتر. د) ويزيد الأمر وضوحاً أن الروايات التي جاءت عن ابن عباس ومحمد بن علي (ابن الحنفية) ، تؤكد أن الدعاء يقال في قنوت الوتر؛ إذ يقال تنزلاً: سلمنا أن الرواية المرفوعة جاءت بدون تقييد موضع الدعاء أو تعيينه، لكن هذه الرواية عن ابن عباس ومحمد بن علي: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت بهؤلاء الكلمات في صلاة الصبح وفي الوتر بالليل"، وهي تفيد أن هذا الدعاء يقال في قنوت الوتر، فعاد أمر الدعاء إلى تقييده بقنوت الوتر. فهذه الروايات تؤيد القول بثبوت التقييد في الروايات ولا تنفيه. هـ) وتدليس أبي إسحاق السبيعي هنا مأمون، فقد تابعه كما رأيت جماعة على رواية الحديث عن بريد بن أبي مريم. وكذا ما ذكر من أنه ساء حفظه للحديث فشك فيه فرواه "عن حسن بن علي أو حسين بن علي"؛ فإنه لا يؤثر في ثبوت الحديث لأنه توبع متابعة تامة في روايته عن بريد عن أبي الحوراء عن حسن بن علي، تابعه شعبة ويونس بن أبي إسحاق، والعلاء بن صالح والحسن بن عمارة، وتوبع متابعة قاصرة من غيرهم، في روايته عن الحسن بن علي، فدل ذلك أن روايته للحديث من مسند الحسين بن علي شاذة والمحفوظ روايته من مسند الحسن بن علي رضي الله عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 338 44/2) عن ابن جريج قال أخبرني من سمع ابن عباس ومحمد بن علي بالخيف يقولان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت بهؤلاء الكلمات في صلاة الصبح وفي الوتر بالليل" (1)   (1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/108، تحت رقم 4957) ، ومحمد بن نصر المروزي في مختصر قيام الليل ص117، تحت رقم (56) ، وهذا طريق ضعيف، فيه إبهام هذا الذي سمع ابن عباس ومحمد بن علي. وقد سمى ابن جريج هذا الذي أبهمه هنا، فأخرج البيهقي (2/210) ، من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الرحمن بن هرمز أن بريد بن أبي مريم أخبره قال سمعت ابن عباس ومحمد بن علي هو ابن الحنفية، بالخيف يقولان: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح والوتر بالليل بهؤلاء الكلمات ... ، وذكرهن"، وعبد المجيد هذا فيه كلام في غير روايته عن ابن جريج، أمّا حديثه عن ابن جريج فثبت فيه، فقد كان من أعلم الناس بحديث ابن جريج، كما تراه في ترجمته في المطولات. تابع أبو صفوان الأموي وهو من الثقات عبد المجيد، فأخرج البيهقي في السنن الكبرى (2/210) معلقاً عن أبي صفوان الأموي عن ابن جريج عن عبد الله بن هرمز وقال في حديث ابن عباس وابن الحنفية: في قنوت صلاة الصبح. فخالف أبوصفوان رواية عبد المجيد عن ابن جريج فجعلها عنه عن "عبد الله بن هرمز" والمحفوظ عن عبد المجيد عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن هرمز. وتابع الوليد بن مسلم عبد المجيد وأبا صفوان، لكنه قال ابن هرمز، ولم يذكر مع ابن عباس محمد بن علي ابن الحنفية، أخرج البيهقي في السنن الكبرى (2/210) من طريق الوليد بن مسلم ثنا ابن جريج عن ابن هرمز عن بريد بن أبي مريم عن عبد الله بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت من صلاة الصبح وذكره. والوليد بن مسلم كثير التدليس والتسوية والسند فوقه فيه عنعنة، لكنه توبع عليه كما ترى. وابن هرمز ثقة معروف، إذا كان المقصود عبد الرحمن بن هرمز بن كيسان الأعرج؛ لكن قال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/248) : "عبد الرحمن بن هرمز ليس هو الأعرج، يحتاج إلى الكشف عن حاله؛ فقد رواه أبوصفوان الأموي عن ابن جريج فقال: عبد الله بن هرمز، والأوّل أقوى" اهـ بتصرف. قلت: ابن هرمز، جاء مرة اسمه هكذا، ومرّة "عبد الرحمن بن هرمز" ومرّة "عبد الله بن هرمز"، فإن كان هو ابن هرمز عبد الرحمن الأعرج فهذا ثقة معروف، وهو الذي نفى الحافظ ابن حجر أن يكون المقصود في هذا السند، ولم يذكر مستنده سوى قول أبي صفوان في روايته للحديث عن ابن جريج عن "عبد الله بن هرمز". ووجدت في الرواة راويين في هذه الطبقة يقال لكل واحد منهما: ابن هرمز؛ أحدهما لا بأس به، وهو عبد الله بن يزيد بن هرمز، (ت148هـ) وهو ممن جالسه مالك وأخذ عنه. معدود في فقهاء المدينة، من أهل الورع والديانة والتعظيم للحديث، قال أبوحاتم عنه: "ليس بقوي يكتب حديثه"اهـ. له ترجمة في الجرح والتعديل (5/199) ، سير أعلام النبلاء (6/279) . والآخر ضعيف، وهو عبد الله بن مسلم بن هرمز المكي، له ترجمة في التهذيب (6/30) ، والتقريب ص546. فإن كان ابن هرمز المقصود في هذا الطريق هو عبد الرحمن الأعرج؛ فالطريق لا ينزل عن درجة الحسن لذاته، وإن كان المقصود هو أحد المذكورين الآخرين فالطريق حسن لغيره فقط؛ إذ تشهد له الطريق التي بعده. ورواه مخلد بن يزيد الحراني عن ابن جريج عن بريد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، أخرج البيهقي في السنن الكبرى (2/210) معلقاً، عن مخلد بن يزيد عن ابن جريج فذكر رواية بريد مرسلة في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أحد ابني ابنته هذا الدعاء في وتره، ثم قال بريد سمعت ابن الحنفية وابن عباس يقولان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها في قنوت الليل.". قلت: ومخلد صدوق يهم كما في التقريب ص928، جعل الرواية عن ابن جريج عن بريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أحد ابني ابنته هذا الدعاء في الوتر، ففيها إرسال. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 339 45/3) عن العلاء بن صالح حدثني بريد بن أبي مريم ثنا أبو الحوراء قال سألت الحسن بن علي ما عقلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علمني دعوات أقولهن: "اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك. أراه قال: إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت". قال [بريد] : فذكرت ذلك لمحمد بن الحنفية فقال إنه الدعاء الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته" (1) . 45/4) عن الحسن بن عبيد الله عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء قال: قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما مثل من كنت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عقلت عنه؟ قال: عقلت عنه أني سمعته يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الشر ريبة والخير طمأنينة. وعقلت عنه الصلوات الخمس وكلمات أقولهن عند انقضائهن قال: قل اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت.   (1) ... أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/209) . وهذا إسناد حسن. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 340 قال بريد بن أبي مريم: فدخلت على محمد بن علي في الشعب فحدثته بهذا الحديث عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي رضي الله عنه فقال: صدق هن كلمات علمناهن أن نقولهن في القنوت" (1) .   (1) ... أخرجها الدولابي في الذرية الطاهرة النبوية ص80، تحت رقم 135، والطبراني في المعجم الكبير (3/75، تحت رقم 2708) ، وفي كتاب الدعاء (2/1142، تحت رقم 744) ، وعن الطبراني أخرجه أبونعيم في حلية الأولياء (8/264) ، (تقريب البغية بترتيب أحاديث الحلية (1/133، تحت رقم 280) . وهذا الطريق ضعيف، فيه هاشم بن مرثد شيخ الطبراني، قال الخليلي في الإرشاد (2/484) : "ثقة لكنه صاحب غرائب"اهـ، وتشدد فيه ابن حبان (نقله عنه المغني في الضعفاء 2/707) ، فقال:"ليس بشيء"اهـ، وكأن الذهبي لم يقف على كلام الخليلي فقال في السير (13/270) : "ما هو بذاك المجود"اهـ قلت: فحديثه لا ينزل عن درجة الحسن لذاته، ويزيده قوة الطريق المتقدمة عن ابن جريج، فالطريق يعتضد بذلك إلى مرتبة الصحيح لغيره، وقوله: "وكلمات أقولهن عند انقضائهن"، كذا في رواية الطبراني في المعجم الكبير، وعليه لفظ الرواية عند أبي نعيم في الحلية، ووقع في كتاب الدعاء بلفظ: "عند انقضاء الوتر"، قلت: ولعل معناها عند انقضاء قنوت الوتر، يعني في آخره، كما جاء في لفظ رواية الحسن بن عمارة عن بريد عند الطبراني في الدعاء (2/1143، تحت رقم 746) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 341 45/5) عن الحسن بن عمارة قال أخبرني بريد ابن أبي مريم عن أبي الحوراء قال: قلت للحسن بن علي مثل من كنت يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم وما تعقل عنه؟ قال: عقلت أن رجلا جاءه يوما فسأله عن شيء فقال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الشر يريبك وإن الخير طمأنينة. وعقلت منه أني مررت يوما بين يديه في جرن من جرن تمر الصدقة فأخذت تمرة وطرحتها في فيّ فأخذ بقفاي ثم أدخل يده في في فانتزعها بلعابها ثم طرحها في الجرن فقال أصحابه: لو تركت الغلام فأكلها. فقال: إن الصدقة لا تحل لآل محمد صلى الله عليه وسلم. قال: وعلمني كلمات ادعو بهن في آخر القنوت اللهم اهدني فيمن هديت وتولني فيمن توليت وعافني فيمن عافيت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت". قال أبو الحوراء: فدخلت على محمد بن علي وهو محصور فحدثته بها عن الحسن فقال محمد إنهن كلمات علمناهن ندعو بهن في القنوت ثم ذكر هذا الدعاء مثل حديث الحسن بن عمارة" (1) . ما جاء عن الحسين بن علي رضي الله عنه في قنوت الوتر   (1) ... أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (3/118، تحت رقم 4984) ، والحسن بن عمارة متروك الحديث، انظر تهذيب التهذيب (2/304) ، وتقريب التهذيب ص؛ فالسند ضعيف جداً، وقد جعل الحسن بن عمارة الذي دخل على محمد بن علي هو أبوالحوراء، والمعروف كما في الروايات السابقة: "بريد بن أبي مريم". وقول عبد الرزاق في آخره: "مثل حديث الحسن بن عمارة" لعله أراد حديث الحسن عن بريد عن أبي الحوراء عن الحسن. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 342 46/1) عن أبي إسحاق السبيعي عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ قَالَ: قَالَ الْحَسينُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: ربِّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّك لَا تُذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ" (1) .   (1) ... رجاله ثقات، وإسناده شاذ. ... أخرجه أحمد في مسنده (1/201) ، (الرسالة3/257) ، أبو يعلى في مسنده (12/156، تحت رقم 6786) . وأخرجه البيهقي (2/209) ووقع عنده: "عن حسن أو حسين". والظاهر أن هذا الاختلاف من أبي إسحاق فقد رواه عنه شريك عند أحمد وأبو الأحوص عند أبي يعلى وجعله من مسند الحسين، ورواه عنه إسرائيل وشك فيه، قال في التلخيص الحبير (2/249) : "يؤيد رواية الشك أن أحمد بن حنبل أخرجه في مسند الحسين بن علي من مسنده من غير تردد، فأخرجه من حديث شريك عن أبي إسحاق بسنده، وهذا وإن كان الصواب خلافه والحديث من حديث الحسن لا من حديث أخيه الحسين، فإنه يدل على أن الوهم فيه من أبي إسحاق، فلعله ساء فيه حفظه فنسي: هل هو الحسن أو الحسين؟ والعمدة في كونه الحسن على رواية يونس بن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم وعلى رواية شعبة عنه كما تقدم"اهـ، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (3/153) : "رواه أبو يعلى وأحمد بن حنبل بسند رجاله ثقات، وله شاهد من حديث أخيه الحسن بن علي رواه أصحاب السنن الأربعة والحاكم وعنه البيهقي"اهـ، قلت: حكم بشذوذ الحديث عن الحسين بن علي رضي الله عنه ابن حجر كما رأيت، ومحقق مسند أبي يعلى، ومحققو مسند أحمد، وهو الصواب، والله اعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 343 47/2) عن حسن بن صالح عن منصور عن شيخ يكنى أبا محمد: "أن الحسين بن علي كان يقول في قنوت الوتر: اللهم إنك ترى ولا ترى وأنت بالمنظر الأعلى وإن إليك الرجعى وإن لك الآخرة والأولى اللهم إنا نعوذ بك من أن نذل ونخزى" (1) . ما جاء عن أنس رضي الله عنه في قنوت الوتر 48/1) عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ" (2) . 49/2) عن عَاصِمٌ قَالَ: "سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْقُنُوتِ فَقَالَ: قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ. قُلْتُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ. قَالَ: فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ؟   (1) إسناده ضعيف. أخرجه ابن أبي شيبة (2/300) ، ورجاله ثقات غير أبي محمد هذا اسمه هارون، قال في التقريب ص1016: "هارون أبومحمد شيخ للحسن بن صالح بن حي، مجهول"اهـ (2) ... حديث صحيح. أخرجه البخاري في كتاب الجمعة باب رفع الإمام يده في الاستسقاء، حديث رقم (1031) ، ومسلم في كتاب الاستسقاء، باب رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء حديث رقم (895) .. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 344 فَقَالَ: كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا أُرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إِلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ" (1) . 50/3) عن أبي عاتكة عن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في النصف من رمضان إلى آخره" (2) . ما جاء عن طارق بن شهاب رضي الله عنه 51/1) عن ابن عيينة عن المخارق قال سمعت طارق بن شهاب يقول: قنت عمر. قال: فأخبرني أصحابنا عن المخارق عن طارق: "أنه كبر حين قنت يقول حين فرغ من القراءة ثم كبر حين خر" (3) .   (1) ... حديث صحيح، أخرجه البخاري في كتاب الوتر باب القنوت قبل الركوع وبعده، تحت الرقم (1002) ، واللفط له، وأخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة، تحت رقم (677) . (2) ... إسناده ضعيف. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/499) . قال البيهقي قبل سياقه لهذا الحديث: " قال البيهقي رحمه الله: "وقد روي فيه حديث مسند إلا أنه ضعيف لا يصح إسناده. ثم ساقه ثم قال: أبو عاتكة طريف بن سلمان ويقال: بن سليمان منكر الحديث سمعت ابن حماد يذكره عن البخاري"اهـ. (3) ... صحيح، في قنوت الفجر. أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/115) . وفي السند جهالة الواسطة بين سفيان والمخارق، حيث قال: "فأخبرني أصحابنا عن المخارق عن طارق..". ورواه ابن أبي شيبة (2/315) ، عن وكيع قال حدثنا سفيان عن مخارق عن طارق بن شهاب: أنه صلى خلف عمر بن الخطاب الفجر فلما فرغ من القراءة كبر ثم قنت ثم ركع"، وهذا سند صحيح، لكن الأثر صريح في أن ذلك في قنوت الفجر، إذا كان قبل الركوع. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 345 ما جاء مرسلا ً أو عن الصحابة دون تعيين 52/1) عن معمر عن الزهري قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه بحذاء صدره إذا دعا ثم يمسح بها وجهه". قال [عبد الرزاق] : ورأيت معمرا يفعله. قلنا لعبد الرزاق: أترفع يديك إذا دعوت في الوتر؟ قال: نعم في آخره قليلا" (1) . 53/2) عن المهلب بن [أبي] حبيبة قال: سألت سعيد بن أبي الحسن عن القنوت فقال: "في النصف من رمضان كذلك علمنا" (2) . 54/3) عن إبراهيم عن علقمة: "إن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع" (3) . 55/4) عن حفص عن الأعمش عن إبراهيم قال: "كانوا يقولون القنوت بعد ما يفرغ من القراءة" (4) . 56/5) عن معمر وابن جريج عن الزهري قال: "لم تكن ترفع الأيدي في الوتر في رمضان" (5) . 57/6) عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: دعاء أهل مكة بعدما يفزعون من الوتر في شهر رمضان؟ قال: بدعة. قال: أدركت الناس وما يصنع ذلك بمكة حتى أحدث حديثا" (6)   (1) ... ضعيف. أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/123، تحت رقم 5003) . وهو مرسل. (2) ... إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/305) . ووقع عنده: "المهلب بن حبيبة" وصوابه " المهلب بن أبي حبيبة"، وهو ثقة كما يظهر من ترجمته في تهذيب التهذيب (10/292) ، وقال في التقريب ص976: "صدوق"اهـ.، وسعيد بن أبي الحسن أخو الحسن البصري ثقة كما في التقريب ص375. (3) إسناده حسن. أخرجه ابن أبي شيبة (2/302) . قال ابن حجر رحمه الله في الدراية ص194، تحت الرقم 244: "بإسناد حسن"اهـ، قال الألباني في الإرواء (2/166) : "سند جيد، وهو على شرط مسلم"اهـ. (4) ... إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/302) . وهو في حكم الموقوف على الصحابة. (5) إسناده صحيح. أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/122، تحت رقم 4999) ولم يذكر في هذا الموطن ابن جريج، وذكره في (4/260، تحت رقم 7726) . (6) ... إسناده صحيح. أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/122، تحت رقم 5000) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 346 58/7) عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ الْأَعْرَجَ يَقُولُ: "مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ. قَالَ: وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فَإِذَا قَامَ بِهَا فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً رَأَى النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ" (1) . 59/8) عن عمرو عن الحسن يقول: القنوت في الوتر والصبح: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب الكفرة والمشركين وألق في قلوبهم الرعب وخالف بين كلمتهم وأنزل عليهم رجزك وعذابك اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات اللهم أصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وتوفهم على ملة رسولك وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم. فكان يقول هذا ثم يخر ساجدا وكان لا يزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وكان بعض من يسأله يقول: يا أبا سعيد أيزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والتسبيح والتكبير؟ فيقول: لا أنهاكم ولكني سمعت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيدون على هذا شيئا ويغضب إذا أرادوه على الزيادة (2)   (1) ... إسناده صحيح. أخرجه مالك في الموطأ في كتاب وقوت الصلاة باب ما جاء في قيام رمضان تحت رقم (255) ، والبيهقي في السنن الكبرى (2/497) . (2) إسناده ضعيف جداً، وجاء للمتن ما يشهد له. أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/116، تحت رقم 4982) . وفي السند عمرو بن عبيد، من رؤوس البدع، متهم، وترك الناس حديثه، وجاء ما يشهد لثبوت مجمل هذا الدعاء عن الصحابة، كما تراه فيما جاء عن عمر بن الخطاب وأُبي بن كعب رضي الله عنهما، والله اعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 347 مدخل: تعريف قنوت الوتر. ومجمل ما جاء في المذاهب الأربعة ومذهب ابن حزم من الظاهرية عن قنوت الوتر. أولاً: تعريف القنوت: قنوت الوتر مركب إضافي، من كلمة (قنوت) مضافة إلى كلمة (الوتر) . والقنوت في اللغة: مادة <ق. ن.ت> تدور على معنى الطاعة والخير في دين. والأصل فيها الطاعة. يقال قنت يقنت قنوتاً، ثم سمى كل استقامة في طريق الدين قنوتاً (1) . وفي الشرع جاء القنوت بمعاني لم يخرج فيها عن معنى الطاعة؛ فمن ذلك: القنوت: بمعنى لزوم الطاعة مع الخضوع، في قوله تبارك وتعالى: (وقوموا لله قانتين ( [البقرة:238] ، وقوله تعالى: (كل له قانتون ( [الروم:26] . القنوت بمعنى طول القيام في الصلاة، وهو قيام القراءة، ومنه جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ" (2) . القنوت بمعنى الاشتغال بالعبادة ورفض كل ما سواه. قال تبارك وتعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتا ( [النحل:120] ، وقال عزوجل: (وكانت من القانتين ( [التحريم:12] ، وقال تبارك وتعالى: (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ( [الزمر:9] ، وقوله تعالى: (اقنتي لربك ( [آل عمران:43] ، وقوله: (ومن يقنت منكن لله ورسوله ( [الأحزاب:31] ، وقوله: (والقانتين والقانتات ( [الأحزاب:35] ، وقوله: (فالصالحات قانتات ( [النساء:34] . والقنوت بمعنى الدعاء؛ لأنه طاعة وخير في الدين. وقيل: لأنه كان يدعى به وهم قيام قبل الركوع أو بعده فسمي باسم القيام، على أساس أن الأصل في القنوت هو القيام. وقد جمع المعاني التي يأتي بها لفظ (القنوت) زين الدين العراقي رحمه الله في قوله: ولفظ القنوت أعدد معانيه تجد دعاء، خشوع، والعبادة، طاعة سكوت صلاة، والقيام، وطوله مزيداً على عشر معاني مرضيه اقامتها، اقراره بالعبوديه   (1) ... معجم مقاييس اللفة (5/31) . (2) ... أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين باب أفضل الصلاة طول القنوت، حديث رقم (756) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 348 كذاك دوام الطاعة الرابح القنيه (1) فالقنوت يطلق على معاني، والمراد هنا الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام (2) . والوِتْر الفَردْ واحداً كان ذلك أو ثلاثة أو خمسة وما فوق. ... وفي الشرع (3) هو آخر صلاة الليل، وهي ركعات شفع ثم وتر بواحدة، أو بثلاث متصلات بدون جلوس في وسطهن، أو بخمس متصلات يجلس في آخرهن، أو بسبع متصلات يجلس في السادسة والسابعة، أو بتسع يجلس في الثامنة والتاسعة، أو يصلي مثنى ثم يوتر بواحدة. فقنوت الوتر: هو الدعاء الذي يدعو به المصلي في آخر ركعة من صلاة الليل (الوتر) . ويأتي القنوت بمعنى الدعاء في محل مخصوص من الصلاة غير صلاة الوتر، وهذا يصدق على القنوت في المواضع التالية: الموضع الأول: في الصلوات الخمس بعد الرفع من الركوع في الركعة الآخرة، عند نزول نازلة بالمسلمين. الموضع الثاني: في الفجر بعد الرفع من الركوع في الركعة الآخرة، طوال العام بدون نازلة. ومحل البحث هنا هو الدعاء الذي يدعو به المصلي في آخر ركعة من صلاة الوتر. ثانيا: مجمل ما جاء في المذاهب الأربعة ومذهب ابن حزم من الظاهرية عن قنوت الوتر. أقول مستعيناً بالله: مذاهب أهل العلم في القنوت للوتر هي التالية (4) : مذهب الحنفية: يقنت في صلاة الوتر في جميع العام، ولا قنوت في شيء من الصلوات سوى الوتر. ويقنت فيه بعد القراءة قبل الركوع. وذكر الطحاوي رحمه الله: أنه لا بأس بالقنوت إذا وقعت فتنة أو بلية.   (1) نقلها في فتح الباري (2/491) ، وانظر زاد المعاد (1/276) . والقُنْيَة: الكسبة. كما في لسان العرب مادة (قنى) . (2) ... فتح الباري (2/490) . (3) ... وهذا مستفاد من الأحاديث الواردة في الوتر. (4) ... انظر: الفقه الإسلامي وأدلته (1/809818) ، الموسوعة الفقهية الكويتيه (34/5768) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 349 ومحله عندهم في الركعة الأخيرة من الصلوات الجهرية من الصلوات الخمس. ورُجِّح أن موضع القنوت في النازلة بعد الركوع (1) . مذهب المالكية: القنوت في صلاة الصبح فضيلة، في الركعة الثانية، في جميع العام، ويخيّر في فعله قبل الركوع وبعده. ولا يسن القنوت في الوتر وفي رواية إلا في النصف الأخير من رمضان (2) . فلا قنوت للنازلة عند المالكية. مذهب الشافعية: يقنت بعد رفع رأسه من الركعة الثانية من الصبح إذا فرغ من قوله: "ربنا لك الحمد" يقول: "اللهم اهدني فيمن هديت ... " في جميع العام. ويقنت بعد الركوع في الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان. ويقنت للنازلة في الصلوات الخمس (3) . مذهب الحنابلة: يقنت في الوتر في الركعة الأخيرة، في جميع العام، بعد الركوع أو بعد القراءة قبل الركوع. ويكره القنوت في غير الوتر، إلا أن ينزل بالمسلمين نازلة غير الطاعون؛ لأنه لم يثبت القنوت في طاعون عمواس ولا في غيره؛ فيقنت لرفع تلك النازلة (4) . وهل محل القنوت الفجر خاصة، أو الفجر والمغرب أو جميع الصلوات؟ ثلاث روايات.   (1) ... انظر: اللباب في الجمع بين السنة والكتاب للمنبجي (1/202204) ، الاختيار لتعليل المختار (1/55) ، وظاهر كلامهما أنه لا يشرع القنوت في غير الوتر. لكن نص عليه الطحاوي في مختصره ص28، وكلامه في فتح القدير (1/428435) ، محتمل الدلالة على القول به في المذهب عندهم، والله اعلم. (2) ... انظر: المدونة (1/100، 195) ، المعونة (1/241، 246) ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/291) . (3) ... انظر: اختلاف مالك والشافعي (ضمن الأم) (7/248) ، اختلاف الحديث ص542، مختصر الخلافيات (2/ 136،281) ، الحاوي (2/152155) ، وكلامهم مشعر بأن لا قنوت للنازلة، لكن نص عليه في المجموع (3/494، 505) ، وذكر أنه الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور. (4) ... انظر: المغني (1/151152، 154156) ، الشرح الكبير (2/7677) ، نيل المآرب (1/108 110) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 350 وقال ابن حزم رحمه الله: "القنوت فعل حسن، وهو بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل صلاة فرض الصبح وغير الصبح، وفي الوتر؛ فمن تركه فلا شيء عليه في ذلك. وهو أن يقول بعد قوله: "ربنا ولك الحمد": اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت ... ويدعو لمن شاء ويسميهم بأسمائهم أن أحب فإن قال ذلك قبل الركوع لم تبطل صلاته بذلك وأمّا السُّنة فالذي ذكرنا"اهـ (1) . وبعد هذا العرض المجمل لمذاهب أهل العلم في قنوت الوتر، إليك ذكر مسائل القنوت بالتفصيل، وبالله التوفيق؛ المسألة الأولى: هل يشرع القنوت في الوتر؟ الذي يترجح في هذه المسألة أن قنوت الوتر مشروع طوال العام، ويدل عليه حديث الحسن بن علي رضي الله عنه، وحديث أُبي بن كعب رضي الله عنه، وهو الثابت عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما. بل وهو الثابت عن جمهور الصحابة، فقد جاء عن إبراهيم عن علقمة: "إن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع" (2) . عن أشعث عن الحكم عن إبراهيم قال عبد الله: لا يقنت السنة كلها في الفجر ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع" (3)   (1) ... المحلى (4/138) . (2) ... إسناده حسن. سبق تخريجه. (3) ... حسن لغيره. أخرجه ابن أبي شيبة (2/305-306) ، وفي السند أشعث بن سوار الكندي، قال في التقريب ص149: "ضعيف"اهـ، وإبراهيم النخعي (ت196هـ) لم يسمع من ابن مسعود، لكن مراسيله عن ابن مسعود صحيحة، قال في التقريب ص118، "ثقة إلا أنه يرسل كثيرا، فقيه"، ساق بسنده في تهذيب الكمال (صورة المخطوط دار المأمون1/68) من طريق أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الحافظ، قال: حدثنا أبوعبيدة بن أبى السفر الكوفى، قال: حدثنا سعيد بن عامر عن شعبة عن سليمان الأعمش، قال: قلت لإبراهيم النخعي: اسند لي عن عبد الله بن مسعود؟ فقال إبراهيم: إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت، وإذا قلت: قال عبد الله: فهو عن غير واحد عن عبد الله"اهـ. وقال الحافظ أبو سعيد العلائي: هو مكثر من الإرسال، وجماعة من الأئمة صححوا مراسيله، وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود"اهـ. فالسند ضعيف لوجود أشعث، لكن توبع على ذكر القنوت للوتر قبل الركوع، وعلى ذكر الوتر في كل ليلة، بما تراه في الأصل، عن عبد الله بن مسعود، فيرتقي هذا الحديث إلى الحسن لغيره. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 351 وقال أبوبكر ابن أبي شيبة عقب هذا الأثر: "هذا القول عندنا"اهـ فإن قيل: جاء عن نافع عن ابن عمر: "أنه كان لا يقنت في الفجر ولا في الوتر فكان إذا سئل عن القنوت قال: ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن" (1) . فالجواب: ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه القول بمشروعية القنوت في الوتر فيما جاء عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: "أنه كان لا يقنت إلا في النصف يعني من رمضان". وفي رواية عند البيهقي: "كان لا يقنت في الوتر إلا في النصف من رمضان" (2) . وكذا ما جاء عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد: "أن ابن عمر قنت في الوتر قبل الركوع" (3) . وعليه؛ فإن ما جاء عنه من ترك القنوت إنما المراد به ترك المداومة عليه، وإنما كان يداوم عليه كل ليلة في النصف من رمضان. وما جاء عن هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبي بن كعب فَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَإِذَا كَانَتْ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَكَانُوا يَقُولُونَ: أَبَقَ أُبَيٌّ" (4) .   (1) ... إسناده صحيح. وسبق تخريجه. (2) ... إسناده صحيح. وسبق تخريجه. (3) ... إسناده صحيح. إذا صح ما في المطبوع من أن السند عن ابن عمر، وإلا فالصواب أنه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، وسبق تخريجه. (4) ... أثر حسن لغيره. سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 352 أقول: هذا يُحمل على أنه لم يكن يداوم على القنوت في كل ليلة إلا في النصف الباقي، أو أنه لم يكن يذكر في قنوته لعن الكفرة إلا في قنوت النصف كما يشعر به ما جاء عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير: "أن عبد الرحمن بن عبد القاري وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ فقال عمر: والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم عمر على ذلك وأمر أُبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل. فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد إن عذابك لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوى ساجدا" (1) . أو يُحمل ذلك على القنوت في صلاة الوتر جماعة، لا لمن قنت منفرداً. عن إبراهيم النخعي رحمه الله: "لا وتر إلا بقنوت" (2) . الحاصل أن القنوت في الوتر يشرع طوال العام، والسُّنّة فيه فعله أحياناً وتركه أحياناً، ويتأكد المداومة عليه كل ليلة في صلاة الوتر في النصف الآخر من رمضان. ويُسن تركه في النصف الأول من رمضان إذا صلى الوتر إماماً.   (1) ... صحيح. وسبق تخريجه. (2) ... أخرجه ابن أبي شيبة (2/308) بسند صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 353 عن عمرو عن الحسن: أن عمر حيث أمر أبيا أن يصلي بالناس في رمضان وأمره أن يقنت بهم في النصف الباقي ليلة ست عشرة [قنتوا فدعوا على الكفرة] . قال: وكان الحسن يقول: إذا كان إماما قنت في النصف وإذا لم يكن إماما قنت الشهر كله" (1) . عن معمر عن الزهري قال: "لا قنوت في السنة كلها إلا في النصف الآخر من رمضان". قال معمر: "وإني لأقنت السنة كلها إلا النصف الأول من رمضان فإني لا أقنته وكذلك كان يصنع الحسن وذكره عنه قتادة وغيره" (2) .   (1) ... أثر حسن لغيره. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/305) . في السند عمرو هو ابن عبيد، متهم. ,لكن تابعه يونس بن عبيد أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار (2/77) من طريق يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن الحسن، والزيادة له، والحسن لم يدرك أبياً. لكن يشهد له ما جاء عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القارئ في قصة جمع عمر للناس خلف أُبي بن كعب لصلاة الليل. (2) ... أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/120) بسند صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 354 عن هشام عن الحسن: "أنه كان يقنت السنة كلها في الوتر إلا النصف الأول من رمضان" قال: "وكان ابن سيرين لا يقنت من السنة شيئا إلا النصف الآخر من رمضان" (1) . وقال مالك رحمه الله في الحدث الذي يذكره: "ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان"، قال رحمه الله: "ليس عليه العمل، لا أرى أن يعمل به، ولا يقنت في رمضان لا في أوله ولا في آخره، ولا في غير رمضان، ولا في الوتر أصلاً" (2) . قال محمد بن نصر المروزي (ت294هـ) رحمه الله: "وسئل مالك عن القنوت في الوتر في غير رمضان؟ فقال: ما أقنت أنا في الوتر في رمضان ولا في غيره. وسئل عن الرجل يقوم لأهله في رمضان أيقنت بهم في النصف الباقي من الشهر؟ فقال: لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحداً من أولئك قنت. وما هو من الأمر القديم، وما أفعله أنا في رمضان، ولا أعرف القنوت قديماً. وفي رواية: لا يقنت في الوتر عندنا" (3) .   (1) ... أخرجه عبد الرزاق (3/121) ، وسنده صحيح عن ابن سيرين، أمّا عن الحسن فحسن لغيره، إذ في السند هشام بن حسان الأزدي، قال في التقريب: " ثقة، من أثبت الناس فى ابن سيرين، وفى روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما"اهـ، وقد توبع في روايته عن الحسن تابعه عمرو بن عبيد في الرواية المذكورة قبل قليل، وتابعه قتادة، جاء في (مختصر قيام الليل ص127) : "قال سعيد عن قتادة: كان يقنت السنة كلها في وتره، إلا النصف الأول من رمضان، فإنه كان لا يقنت. وكان يحدث عن الحسن أنه كان يقنت في السنة كلها إلا النصف الأول من رمضان إذا كان إماماً إلا أن يصلي وحده، فكان يقنت في رمضان كله [و] في السنة كلها" ما بين معقوفتين زيادة من عندي ليستقيم بها الكلام. (2) ... المدونة (1/195) . (3) ... مختصر قيام الليل ص129. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 355 قلت: ونقل عنه رحمه الله خارج المدونة: القول بمشروعية قنوت الوتر في النصف من رمضان (1) . عن العباس بن الوليد بن مزيد قال أخبرني أبي قال: سئل الأوزاعي عن القنوت في شهر رمضان قال أما مساجد الجماعة فيقنتون من أول الشهر إلى آخره وأما أهل المدينة فإنهم يقنتون في النصف الباقي إلى انسلاخه (2) . وقال الزعفراني عن الشافعي رحمه الله: "أحب إليّ أن يقنتوا في الوتر في النصف الآخر، ولا يقنت في سائر السنة، ولا في رمضان إلا في النصف الآخر" قال محمد بن نصر المروزي (ت294هـ) رحمه الله: "وكذلك حكى المزني عن الشافعي" (3) . عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن القنوت في الوتر كل ليلة أفضل؟ أم في السنة كلها؟ أو النصف من شهر رمضان؟ قال: لا بأس إن يقنت كل ليلة. ولا بأس إن قنت السنة كلها. قال: وإن قنت في النصف من شهر رمضان فلا بأس. حدثنا قال: حدثنا أبي قال حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن نافع أن ابن عمر كان لا يقنت إلا في النصف الثاني من رمضان" (4) . وعن عبد الله قال: سألت أبي عن القنوت في أي صلاة؟ قال: في الوتر بعد الركوع، وإن قنت رجل في الوتر اتباع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت فدعا للمستضعفين فلا بأس.   (1) ... انظر: المعونة (1/241، 246) ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/291) . ويلاحظ هنا: أن الإمام مالكاً رحمه الله في المدونة (1/100) يقول بمشروعية القنوت في صلاة الصبح، قبل الركوع وبعده، ويختار لنفسه قبل الركوع، ويقول: ليس في القنوت دعاء معروف ولا وقوف مؤقت، ويقول من نسي القنوت في صلاة الصبح لا سهو عليه. (2) ... السنن الكبرى للبيهقي (2/499) ، بسند حسن. (3) ... مختصر قيام الليل ص124125. (4) ... مسائل عبد الله لأبيه أحمد بن حنبل ص90، المسألة رقم 320، بدون ذكر أثر ابن عمر، وذكره ص96، المسألة رقم (337) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 356 قلت: إن قنت في الصلوات كلها؟ قال: لا، إلا في الوتر والغداة، فإذا كان يستنصر ويدعو للمسلمين" (1) . وقال عبد الله: سألت أبي عن القنوت في الوتر؟ فقال: إن شاء قنت، وأختار أن يقنت بعد الركوع" (2) . قال أبوداود: قلت لأحمد (يعني: ابن حنبل) : القنوت في الوتر السنة كلها؟ قال: إن شاء. قلت: فما تختار أنت؟ قال: أمّا أنا ما أقنت إلا في النصف الباقي، إلا أن اصلي خلف إمام يقنت فأقنت معه. قال أبوداود: قلت لأحمد: إذا كان يقنت النصف الآخر متى يبتديء؟ قال: إذا مضى خمس عشرة، ليلة سادس عشرة. قال أبوداود: وكذلك صلى به إمامه في مسجده في شهر رمضان" (3) . وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ سألت أبا عبد الله (يعني: أحمد بن حنبل) عن الرجل يقنت السنة أجمع؟ قال: كنت أرى أن يقنت نصف السنة وإذا هو دعاء يقنت السنة أجمع لا بأس به" وقال مرة: "قد كنت أرى هذا، ولكن هو دعاء أرى أن يقنت السنة أجمع" (4) . وقال محمد بن نصر المروزي (ت294هـ) رحمه الله: "وكان إسحاق بن راهوية يختار القنوت في السنة كلها" (5) . قلت: والأدلة قائمة على مشروعية القنوت في الوتر طوال العام، وأنه يفعل أحياناً ويترك أحياناً، وأنه يداوم عليه في النصف الثاني من رمضان كل ليلة، ويترك في أوله. المسألة الثانية: هل يقنت في الوتر قبل الركوع أم بعده؟ سبق أن مذهب الحنفية أن موضع قنوت الوتر هو قبل الركوع، من الركعة الأخيرة في الوتر، ومذهب المالكية والحنابلة التخير في القنوت قبل الركوع أو بعده في الركعة الأخيرة من الوتر، ومذهب الشافعية أنه بعد الركوع.   (1) ... مسائل عبد الله بن أحمد بن حنبل لأبيه ص92، المسألة رقم (324) . (2) ... مسائل عبد الله لأبيه ص98، المسألة رقم (344) . (3) ... مسائل أبي داود لأحمد ابن حنبل ص95. (4) ... مسائل إسحاق ابن هانئ لأحمد بن حنبل (1/99،100) . (5) ... مختصر قيام الليل ص125. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 357 والراجح في ذلك جوازه بعد القراءة قبل الركوع، وبعد الركوع، والأفضل قبل الركوع، فإنه المنقول عن جمهور الصحابة. ويدل على جوازه قبل الركوع ما جاء عن عَاصِمٌ قَالَ: "سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْقُنُوتِ فَقَالَ: قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ. قُلْتُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ. قَالَ: فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ؟ فَقَالَ: كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا أُرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إِلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ" (1) .   (1) ... حديث صحيح. سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 358 ووجه الدلالة أن جواب أنس رضي الله عنه بأن موضع القنوت قبل الركوع إنما مراده به في قنوت الوتر، بدليل أنه بيّن في تمام كلامه أن قنوت النازلة بعد الركوع. (1) .   (1) ... وهذا ما أشار إليه البخاري رحمه الله حينما أورد هذا الحديث مبوباً عليه باب القنوت قبل الركوع أو بعده، ضمن الأبواب المتعلقة بالوتر، وما ذاك إلا إشارة منه إلى هذا المعنى والله اعلم. وقد جنح ابن حجر إلى استلماح معنى آخر يلتقي في نتيجته مع ما ذكرت، والمناسبات على كل حال لا تتمانع مالم تتناقض. حيث قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، في بيان مناسبة تبويب البخاري لأحاديث الباب، (فتح الباري2/490) : "ويظهر لي أنه أشار بذلك إلى قوله في الطريق الرابعة كان القنوت في الفجر والمغرب لأنه ثبت أن المغرب وتر النهار فإذا ثبت القنوت فيها ثبت في وتر الليل بجامع ما بينهما من الوترية مع أنه قد ورد الأمر به صريحا في الوتر، الوتر فروى أصحاب السنن من حديث الحسن بن علي قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر اللهم أهدني فيمن هديت الحديث وقد صححه الترمذي وغيره لكن ليس على شرط البخاري "اهـ، وقد أشار ابن قتيبة في (غريب الحديث1/17) إلى أن صلاة الوتر تشبّه بصلاة المغرب، وتقاس عليها، فقال رحمه الله: "ولّا كانت المغرب وتر النهار واختلف الناس في وتر الليل كان أحسن الأشياء أن يُشبه بها"اهـ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 359 وفي حديث أُبي بن كعب: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِذَا فَرَغَ قَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ" (1) . عن علقمة: "إن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع" (2) . وثبت القنوت في الوتر بعد الركوع، فقد جاء عن ابن سيرين: "أن أُبي بن كعب قنت في الوتر بعد الركوع" (3) . عن قتادة عن الحسن: "إن أبيا أم الناس في خلافة عمر فصلى بهم النصف من رمضان لا يقنت فلما مضى النصف قنت بعد الركوع فلما دخل العشر أبق وخلى عنهم فصلى بهم العشر معاذ القارئ في خلافة عمر" (4) . عن هشام بن حسان: "أن الحسن وابن سيرين كانا يقنتان في الوتر قبل الركعة" (5) . عن علي الباشاني قال: كان عبد الله يقنت بعد الركوع في الوتر وكان يرفع يديه" (6) . عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: "قلت لأبي: ومن قنت في الوتر يركع قبل القنوت أو بعده؟ قال: بعد الركوع إذا رفع رأسه". وقال مرّة: "وأختار أن يقنت بعدما يرفع رأسه من الركوع" (7) .   (1) ... حديث صحيح. سبق تخريجه. (2) إسناده حسن. سبق تخريجه. (3) حسن لغيره. سبق تخريجه. (4) أثر حسن لغيره. سبق تخريجه. (5) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/120، تحت رقم 4994) . وسنده صحيح عن ابن سيرين، أمّا عن الحسن فحسن لغيره، إذ في السند هشام بن حسان الأزدي، قال في التقريب: " ثقة، من أثبت الناس فى ابن سيرين، وفى روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما"اهـ. (6) سنن البيهقي الكبرى (2/212) . (7) مسائل عبد الله لأبيه أحمد بن حنبل ص90، المسألة رقم (320) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 360 قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: "سألت أبي عن القنوت في صلاة الصبح أحب إليك قبل الركوع أم بعد الركوع؟ وفي الوتر أحب إليك أم تركه؟ قال أبي: أمّا القنوت في صلاة الغداة فإن كان الإمام يقنت مستنصراً لعدو حضره فلا بأس بذلك، على معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه دعا لقوم على قوم"، فلا بأس بالقنوت في الفجر. وأمّا غير ذلك فلا يقنت، ويقنت بعد الركعة في الفجر، وفي الوتر بعد الركعة إذا هو قنت. قال سمعت أبي يقول: اختار القنوت بعد الركعة لأن كل شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت إنما هو في الفجر لما رفع رأسه من الركعة فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام" وقنوت الوتر أيضاً أختاره بعد الركوع. قال أبي: وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قنت في الوتر بعد الركوع، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر قبل أو بعد شيء" (1) . وقال ابن أبي شيبة (ت235هـ) رحمه الله بعد روايته عن أشعث عن الحكم عن إبراهيم قال عبد الله: لا يقنت السنة كلها في الفجر ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع". قال أبوبكر: "هذا القول عندنا" (2) . قال محمد بن نصر المروزي (ت294هـ) رحمه الله: "سئل أحمد عن القنوت في الوتر قبل الركوع أم بعده وهل ترفع الأيدي في الدعاء في الوتر؟ فقال: القنوت بعد الركوع ويرقع يديه، وذلك على قياس فعل النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الغداة. ... وكان إسحاق يختار القنوت بعد الركوع في الوتر.   (1) مسائل عبد الله لأبيه أحمد بن حنبل ص9192، المسألة رقم (323) . (2) المصنف لابن أبي شيبة (2/305-306) . والأثر حسن لغيره. سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 361 قال محمد بن نصر: وهذا الرأي أختاره" (1) . والمقصود: أن القنوت في الوتر يشرع بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الأخيرة، ويشرع بعد الركوع فيها، والأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم قبل الركوع، لثبوت النص به عنه صلى الله عليه وسلم، وثبوت ذلك عن جمهور الصحابة، والله اعلم. المسألة الثالثة: هل يكبر بعد القراءة للقنوت قبل الركوع؟ الذي ورد في قنوت الوتر عن الصحابة جميعه لا يصح، وهو ما جاء عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي: "انه كان يفتتح القنوت بالتكبير" (2) . وما جاء عن ليث عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه: "أن عبد الله بن مسعود كان إذا فرغ من القراءة كبر ثم قنت فإذا فرغ من القنوت كبر ثم ركع" (3) . لكن ثبت عن بعض التابعين في قنوت الوتر: عن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: "إذا أردت أن تقنت فكبر للقنوت وكبر إذا أردت أن تركع". وفي رواية عنه: "إذا فرغت من القراءة فكبر ثم إذا فرغت فكبر واركع" (4) . عن شعبة قال: "سمعت الحكم وحماداً وأبا إسحاق يقولون: في قنوت الوتر إذا فرغ كبر ثم قنت" (5) .   (1) مختصر قيام الليل ص134. قلت: والقياس في أحكام القنوت على صلاة الغداة، يؤيده أن ما جاز فعله في صلاة الفرض جاز في صلاة النفل، فإذا تذكرنا أن الدليل قائم على مشروعية القنوت في الصلوات الخمس، ومنها المغرب، وهي وتر النهار، فأشبه شيء هي بوتر الليل، وقنت الرسول في صلاة المغرب، فأحكام القنوت في وتر النهار هي أشبه شيء بأحكام القنوت في وتر الليل، والعكس صحيح. وليلاحظ أن هذا ليس بقياس مجرد، إذ معه من فعل الصحابة ما له حكم الرفع. (2) إسناده ضعيف. سبق تخريجه. (3) حسن لغيره، بدون ذكر التكبير بعد القراءة للقنوت. سبق تخريجه. (4) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/307) بسند صحيح. (5) أخرجه ابن أبي شيبة (2/307) بسند صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 362 وعن سفيان قال: كانوا يستحبون إذا فرغ من القراءة في الركعة الثالثة من الوتر أن يكبر ثم يقنت (1) . وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: "إذا كان يقنت قبل الركوع افتتح القنوت بتكبيرة" (2) . قلت: نعم ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3) ، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن البراء رضي الله عنه (4) ، في قنوت النازلة في صلاة الفجر. وعليه فإنه يُشرع في قنوت الوتر إذا فرغ من القراءة وأراد القنوت قبل الركوع أن يكبر قبل القنوت وبعده. وهذه من السنن المهجورة اليوم إلا ما رحم ربي. المسألة الرابعة: هل ترفع الأيدي في دعاء القنوت؟ يشرع في دعاء القنوت رفع اليدين، وإرسالهما، ورفعهما في أوله وإرسالهما في آخره. هذا هو ما ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم؛ فكل ذلك جائز. عن ليث عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه: "كان عبد الله يقرأ في آخر ركعة من الوتر (قل هو الله أحد (، ثم يرفع يديه فيقنت قبل الركعة". وفي رواية عن عبد الله: "أنه كان يرفع يديه في قنوت الوتر". وعند البيهقي: "كان ابن مسعود يرفع يديه في القنوت إلى ثدييه" (5) . عن الزهري عن حماد عن إبراهيم: "أن ابن مسعود كان يرفع يديه في الوتر ثم يرسلهما بعد" (6) . فإن قيل: جاء عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ" (7) ؛ وهذا دليل على أنه لا يشرع رفع اليدين في غير دعاء الاستسقاء.   (1) مختصر قيام الليل ص136. (2) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص101. (3) أخرجه ابن أبي شيبة (2/315) بإسناد صحيح. (4) انظر ما جاء عن علي بن أبي طالب والبراء رضي الله عنهما في قنوت الوتر. (5) حسن لغيره. سبق تخريجه. (6) إسناده صحيح. سبق تخريجه. (7) حديث صحيح. سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 363 فالجواب: ليس مراد أنس رضي الله عنه نفي رفع اليدين في الدعاء مطلقاً، إنما مراده أنه لم يرفع يديه في الدعاء على الصفة التي رآه عليها في غير دعاء الاستسقاء فقد رفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم. ويدل على هذا أنه صح عن أنس رضي الله عنه، ذكر رفع الرسول صلى الله عليه وسلم، في دعاء قنوت النازلة؛ قال أحمد بن حنبل رحمه الله: "حَدَّثَنَا هَاشِمٌ وَعَفَّانُ الْمَعْنَى قَالَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَكَتَبَ كِتَابًا بَيْنَ أَهْلِهِ فَقَالَ: اشْهَدُوا يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ. قَالَ ثَابِتٌ: فَكَأَنِّي كَرِهْتُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ لَوْ سَمَّيْتَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 364 قَالَ: وَمَا بَأْسُ ذَلِكَ أَنْ أَقُلْ لَكُمْ قُرَّاءُ أَفَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ إِخْوَانِكُمْ الَّذِينَ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرَّاءَ فَذَكَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعِينَ فَكَانُوا إِذَا جَنَّهُمْ اللَّيْلُ انْطَلَقُوا إِلَى مُعَلِّمٍ لَهُمْ بِالْمَدِينَةِ فَيَدْرُسُونَ اللَّيْلَ حَتَّى يُصْبِحُوا فَإِذَا أَصْبَحُوا فَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ اسْتَعْذَبَ مِنْ الْمَاءِ وَأَصَابَ مِنْ الْحَطَبِ وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ سَعَةٌ اجْتَمَعُوا فَاشْتَرَوْا الشَّاةَ وَأَصْلَحُوهَا فَيُصْبِحُ ذَلِكَ مُعَلَّقًا بِحُجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُصِيبَ خُبَيْبٌ بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَفِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ فَقَالَ حَرَامٌ لِأَمِيرِهِمْ دَعْنِي فَلْأُخْبِرْ هَؤُلَاءِ أَنَّا لَسْنَا إِيَّاهُمْ نُرِيدُ حَتَّى يُخْلُوا وَجْهَنَا وَقَالَ عَفَّانُ فَيُخْلُونَ وَجْهَنَا فَقَالَ لَهُمْ حَرَامٌ إِنَّا لَسْنَا إِيَّاكُمْ نُرِيدُ فَخَلُّوا وَجْهَنَا فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ بِالرُّمْحِ فَأَنْفَذَهُ مِنْهُ فَلَمَّا وَجَدَ الرُّمْحَ فِي جَوْفِهِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ فَانْطَوَوْا عَلَيْهِمْ فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَقَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَبُو طَلْحَةَ يَقُولُ لِي هَلْ لَكَ فِي قَاتِلِ حَرَامٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ مَا لَهُ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 365 فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ قَالَ مَهْلًا فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ" وَقَالَ عَفَّانُ رَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ وقَالَ أَبُو النَّضْرِ رَفَعَ يَدَيْهِ" (1) . فقوله في هذا الحديث: "فَقَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ"؛ دليل على مشروعية رفع اليدين في دعاء القنوت للنازلة. وهذا فيه بيان أن مراد أنس في الحديث الذي نفى فيه رفع الرسول صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء إنما مراده صفة رفع اليدين التي كان عليها صلى الله عليه وسلم، فقد رفعها حتى يُرى بياض إبطيه، وليس مراده رضي الله عنه نفي أصل رفع اليدين في الدعاء، لأنه رواه كما ترى في قنوت النازلة، وثبت عن غيره كذلك، حتى عُدّت أحاديث رفع اليدين في الدعاء من المتواتر المعنوي (2) . فإن قيل: فقد جاء عن معمر وابن جريج عن الزهري قال: "لم تكن ترفع الأيدي في الوتر في رمضان" (3) ، وهذا دليل أن الصحابة لم يكونوا يرفعون أيديهم في الدعاء لقنوت الوتر.   (1) حديث صحيح. ... أخرجه أحمد في المسند (3/137) (الرسالة 19/393، تحت رقم 12402) ، وعبد بن حميد في المتتخب (3/137، تحت رقم 1274) ، والطبراني في المعجم الصغير (الروض الداني 1/324، تحت رقم 536، اسم شيخ الطبراني علي بن صقر السكري) ، والبيهقي في دلائل النبوة (3/349) ، وفي السنن الكبرى (2/211) مختصراً. ... والحديث قال الألباني في الإرواء (2/181) : "ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وصحح اسناده محققو مسند أحمد. ... فائدة: قال الألباني في الإرواء (2/181) : "ثبت مثله عن عمر وغيره في قنوت الوتر"اهـ يعني رفع اليدين. (2) ذكر ذلك في نظم المتناثر ص113. (3) إسناده صحيح. سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 366 فالجواب: بل في هذا الأثر بدلالة مفهوم المخالفة أنهم كانوا يرفعون أيديهم في قنوت الوتر في غير رمضان. والذي يظهر في معنى هذا الأثر بالنظر إلى جميع ما ورد في المسألة، أن يقال: إن مراد الزهري بيان أنهم لم يكونوا يرفعون أيديهم في دعاء قنوت الوتر جميعه، بل كانوا يرفعونها في أوله ثم يرسلونها، كما ورد عن ابن مسعود، أو أن مراده أنهم ماكانوا يرفعون أيديهم في أوّل دعاء القنوت إنما كانوا يرفعونها في آخره، كما هو اختيار عبد الرزاق الصنعاني، فقد قيل له: أترفع يديك إذا دعوت في الوتر؟ قال: نعم في آخره قليلا" (1) ، أو فيه أنهم رضي الله عنهم كانوا أحياناً يرفعونها في قنوت الوتر وأحياناً لا يرفعونها، وترك الرفع في دعاء القنوت كان يحصل منهم في قنوت الوتر في رمضان. عن مغيرة عن إبراهيم قال: "ارفع يديك للقنوت" (2) . وقال الوليد: أخبرني عامر بن شبل الجرمي قال: رأيت أبا قلابة يرفع يديه في قنوته (3) . وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي عن رفع اليدين في قنوت الوتر؟ فقال: لا ترفع يديك وإن شئت فأشر بإصبعك. قال: ورأيته يقنت في شهر رمضان ولا يرفع يديه ويشير بإصبعه" (4) . وعن سفيان قال: "كانوا يستحبون أن تقرأ في الثالثة من الوتر قل هو الله أحد، ثم تكبر وترفع يديك ثم تقنت" (5) . وكان عبد الله بن المبارك يقنت بعد الركوع في الوتر وكان يرفع يديه (6) . وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله: "سألت أبي عن الرجل إذا أراد أن يوتر في الصلاة يرفع يديه؟ فقال: إذا قنت الرجل يرفع يديه حذو صدره، ورفع يديه في قنوته في الوتر" (7) .   (1) المصنف (3/123، تحت رقم 5003) . (2) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/307) ، بإسناد صحيح عنه. (3) السنن الكبرى للبيهقي (3/41) . (4) مختصر قيام الليل ص140. (5) مختصر قيام الليل ص140. (6) السنن الكبرى للبيهقي (2/212) . (7) مسائل عبد الله لأبيه أحمد بن حنبل ص90، المسألة رقم (319) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 367 قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن القنوت ترفع يديك؟ قال: نعم" (1) . وقال عبد الله: سألت أبي عن رفع اليدين في القنوت؟ قال: لا بأس به، رواه ليث عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أن ابن مسعود كان يرفع يديه في القنوت" (2) . عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن رفع اليدين في الوتر في رمضان؟ فقال: إنما أرفع يدي في الوتر وأنا أقنت في النصف الأخير من رمضان. وإن قنت الرجل الشهر كله لم أر به بأساً، وإن قنت رجل السنة لم أر به بأساً في الوتر، وإن قنت في الفجر إذا دعا دعا على الكفرة ويدعو للمسلمين لم أر به بأساً" (3) . وقال عبد الله قال أبي: "مذهبي في القنوت في شهر رمضان أن يقنت في النصف الأخير، وإن قنت في السنة كلها فلا بأس، وإذا كان إمام يقنت قنت خلفه" (4) . وقال عبد الله: سألت أبي عن الرجل يصلي خلف من يقنت؟ قال: لا بأس بالصلاة خلفه إذا كان يقنت على فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على المشركين إلا أن يكون رافضياً فلا يصلي خلفه. قال: قلت لأبي: من الرافضي؟ قال: الذي يسب أبابكر وعمر" (5) . وقال أبوداود رحمه الله: "سمعت أحمد سئل يرفع يديه في القنوت؟ قال: نعم يعجبني، ورأيت أحمد يرفع يديه في القنوت وكنت أكون خلفه أليه، فكنت أسمع نغمته في القنوت فلم أسمع شيئاً. وقال أبوداود: سمعت أحمد سألته عن الرفع في القنوت؟ قلت: هكذا أو هكذا؟ فبسطت يدي ووجهت بأطراف الأصابع إلى القبلة، وجعلت مرة بعضها إلى بعض، فلم نقف منه على حد، وكان يقنت إمامه بعد الركوع" (6) .   (1) مسائل عبد الله بن أحمد بن حنبل ص91، المسألة رقم (322) . (2) مسائل عبد الله لأبيه ص95، المسألة رقم (332) . (3) مسائل عبد الله لأبيه ص9899، المسألة رقم (347) . (4) مسائل عبد الله لأبيه ص99، المسألة رقم (348) . (5) مسائل عبد الله لأبيه ص99، المسألة رقم (349) . (6) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص96. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 368 قال البيهقي رحمه الله: "والحديث في الدعاء جمله إلا أن عددا من الصحابة رضي الله عنهم رفعوا أيديهم في القنوت مع ما رويناه عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم"اهـ (1) . والحاصل: أنه يشرع رفع اليدين في دعاء قنوت الوتر، ويشرع إرسالهما فيه وخاصة في دعاء القنوت في النصف من رمضان، ويشرع رفعها في أوّله وإرسالها في آخره. ويكون موضع اليدين حذو الثديين، ولا يبالغ في رفعهما عن هذا الموضع. تنبيه: لا يشرع مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، لعدم ثبوت ذلك. سئل مالك رحمه الله، عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء؛ فأنكر ذلك، وقال: ما علمت. عن علي الباشاني قال: سألت عبد الله يعني بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه؟ قال:لم أجد له ثبتا قال علي: ولم أره يفعل ذلك" (2) . وسئل عبد الله رحمه الله عن الرجل يبسط يديه فيدعو ثم يمسح بهما وجهه، فقال: كره ذلك سفيان (3) . قال أبوداود: سمعت أحمد سئل عن الرجل يمسح وجهه بيده إذا فرغ في الوتر؟ قال: لم أسمع به، وقال مرّة: لم اسمع فيه بشيء، ورأيت أحمد لا يفعله" (4) . عن عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله: "سئل أبي وأنا أسمع عن رفع الأيدي في القنوت يمسح بها وجهه؟ قال: الحسن يروى عنه أنه كان يمسح بها وجهه في دعا" (5) . وقال عبد الله بعد أن سأل أباه عن رفع اليدين في القنوت، فقال له: لا بأس به: قلت لأبي: يمسح بهما وجهه؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس. قال راوية المسائل عن عبد الله: قال لنا أبوعبد الرحمن: لم أر أبي يمسح بهما وجهه" (6) .   (1) سنن البيهقي الكبرى (2/211) . (2) سنن البيهقي الكبرى (2/212) . (3) مختصر قيام الليل ص152. (4) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص102. (5) مسائل عبد الله لأبيه أحمد بن حنبل ص91، المسألة رقم (322) . (6) مسائل عبد الله لأبيه ص95، المسألة رقم (332) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 369 قال البيهقي رحمه الله: "وروينا رفع اليدين في قنوت الوتر عن ابن مسعود وأبي هريرة فأما مسح اليدين الوجه بعد الفراغ من دعاء القنوت فإنه من المحدثات"اهـ (1) . قال البيهقي رحمه الله: "فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت وإن كان يروي بعضهم في الدعاء خارج الصلاة وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فيه ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة. وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق"اهـ (2) . المسألة الخامسة: هل يُشرع الجهر بالقنوت وتأمين المأموم على دعاء الإمام في القنوت؟ ظاهر الأحاديث والآثار أن المشروع الجهر بالقنوت في الصلاة جماعة في النصف من رمضان، وكذا سائر العام إذ لا فرق والله اعلم. ولم يأت في الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر ما يدل على مشروعية قول المأموم آمين، عند دعاء الإمام بالقنوت؛ لكن ورد ذكر تأمين المأموم على تأمين الإمام في قنوت النازلة. عن ابن سيرين قال: "كان أبي يقوم للناس على عهد عمر في رمضان فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة فإذا تمت عشرون ليلة انصرف إلى أهله وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ وجهر بالقنوت في العشر الأواخر حتى كانوا مما يسمعونه يقول: اللهم قحط المطر فيقولون آمين فيقول: ما أسرع ما تقولون آمين دعوني حتى أدعو" (3) .   (1) السنن الصغرى للبيهقي (1/172) . (2) سنن البيهقي الكبرى (2/212) . (3) إسناده ضعيف. سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 370 عن عروة بن الزبير: "أن عبد الرحمن بن عبد القاري وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ فقال عمر: والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم عمر على ذلك وأمر أُبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل. فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد ان عذابك لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوى ساجدا" (1) . قلت: فهذا ظاهر في أنهم كانوا يجهرون في قنوت الوتر، في النصف من رمضان. وهل يختص هذا فقط في قنوت النصف من رمضان في جماعة هو الذي يشرع الجهر فيه، وفي غير النصف إذا قنت المسلم لا يجهر؟ الذي يظهر أن المقصود أن في النصف من رمضان يجهرون بالقنوت في كل ليلة، أمّا في القنوت في غير النصف فلا يلزمون الجهر بالقنوت في كل ليلة.   (1) صحيح. سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 371 ويدل على مشروعية الجهر بالقنوت في غير رمضان والتأمين على دعاء الإمام فيه، ما جاء في قنوت النازلة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ" (1) . فهذا الحديث نص في القنوت للنازلة، ولمّا كان قنوت النازلة يشرع في الصلوات الخمس، ومنها المغرب، التي هي وتر النهار، فإذا شرع في قنوت النازلة الجهر من الإمام والتأمين من المأموم، وذلك في صلاة الفرض، فمثله القنوت في صلاة الوتر (2) ، ولأن ما جاز في الفرض جاز في النفل، فكذا يشرع في قنوت الوتر، الذي هو وتر صلاة الليل: أن يجهر الإمام بالدعاء ويؤمن المأموم على دعاء الإمام. عن الأوزاعي رحمه الله: "ليس في القنوت رفع، ويكره رفع الصوت في الدعاء" (3) . عن مالك رحمه الله: "يقنت في النصف من رمضان يعني الإمام ويلعن الكفرة ويؤمن من خلفه" (4) .   (1) حديث حسن. ... أخرجه أحمد في المسند (1/301) ، (الرسالة 4/475، تحت رقم 2746) ، وأبوداود في كتاب الصلاة باب القنوت في الصلوات، حديث رقم (1443) ، واللفظ له، وابن خزيمة تحت رقم (618) ، والحاكم في المستدرك (1/225) ، والبيهقي في الكبرى (2/200) . ... والحديث صححه ابن خزيمة والحاكم وحسّن إسناده محقق زاد المعاد (1/273) ، والألباني في الإرواء (2/163) ، وصحح إسناده محققو مسند أحمد. (2) انظر ما تقدّم في المسألة الثالثة حول ثبوت أحكام قنوت النازلة على أحكام قنوت الوتر. (3) مختصر قيام الليل ص150. (4) مختصر قيام الليل ص150. وهذه الرواية الثانية عن مالك رحمه الله وهي خارج المدونة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 372 قال أبوداود رحمه الله: سمعت أحمد بن حنبل سئل عن القنوت؟ فقال: الذي يعجبنا: أن يقنت الإمام ويؤمن من خلفه. قيل لأحمد: قال: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك" يقول من خلفه: آمين؟ قال: يؤمن في موضع التأمين" (1) . وقال أبوداود: "قلت لأحمد: إذا لم أسمع قنوت الإمام أدعو؟ قال: نعم" (2) . وقال إسحاق بن راهوية رحمه الله: "يدعو الإمام ويؤمن من خلفه. قال محمد بن نصر: وهذا الذي أختار، أن يسكتوا حتى يفرغ الإمام من قراءة السورتين، ثم إذا بلغ بعد ذلك مواضع الدعاء أمّنوا" (3) . المسألة السادسة: هل دعاء القنوت توقيفي؟ الظاهر من الأدلة أنه ليس في دعاء قنوت الوتر توقيف، فيجوز أن يدعو فيه المسلم بما شاء، وأفضل ذلك ما ورد؛ فمن ذلك ما جاء عن الْحَسَنُِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ (وفي رواية: فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ) : اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ" (4) .   (1) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص96. (2) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص102. (3) مختصر قيام الليل ص150. ويقصد بالسورتين: سورتي أبي، عن الثوري عن الزبير بن عدي عن إبراهيم: "كان يستحب أن يقول في قنوت الوتر بهاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/121، تحت رقم 4997) ، بسند صحيح. (4) حديث صحيح. سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 373 وما جاء عن عطاء: "أنه سمع عبيد بن عمير يأثر عن عمر بن الخطاب في القنوت [في الوتر] أنه كان يقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسملين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكفار ملحق" (1) . وما ورد عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس: "أنه كان يقول في قنوت الوتر: لك الحمد ملأ السماوات السبع وملأ الأرَضين السبع وملأ ما بينهما من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" (2) . وما ورد عن عروة بن الزبير: "أن عبد الرحمن بن عبد القاري وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ فقال عمر: والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم عمر على ذلك وأمر أُبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل. فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف:   (1) إسناده صحيح. سبق تخريجه. (2) إسناده صحيح. سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 374 اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد ان عذابك لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوى ساجدا" (1) . وما ورد عن معمر عن عمرو عن الحسن يقول: القنوت في الوتر والصبح: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب الكفرة والمشركين وألق في قلوبهم الرعب وخالف بين كلمتهم وأنزل عليهم رجزك وعذابك اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات اللهم أصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وتوفهم على ملة رسولك وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم. فكان يقول هذا ثم يخر ساجدا وكان لا يزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وكان بعض من يسأله يقول: يا أبا سعيد أيزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والتسبيح والتكبير؟ فيقول: لا أنهاكم ولكني سمعت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيدون على هذا شيئا ويغضب إذا أرادوه على الزيادة (2) .   (1) صحيح. سبق تخريجه. (2) حسن لغيره. سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 375 عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن قال: "علمنا ابن مسعود أن نقرأ في القنوت: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجوا رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق" (1) . عن الثوري عن الزبير بن عدي عن إبراهيم: "كان يستحب أن يقول في قنوت الوتر بهاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق" (2) . فهذا هو ما ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستحب قوله في قنوت الوتر، فإن زاد عليه جاز، إذ الظاهر من النصوص ذلك، كما قال إبراهيم النخعي رحمه الله: "ليس في قنوت الوتر شيء مؤقت، إنما هو دعاء واستغفار" (3) . قيل لأحمد بن حنبل: تختار من القنوت شيء؟ قال: كل ما جاء فيه الحديث لا بأس به" (4) . المسألة السابعة: هل يُشرع التطويل في قنوت الوتر؟ الذي يظهر من النصوص أنه لا يشرع تطويل القنوت؛ إذ الوارد ليس فيه تطويل: فمرّة جاء أنه يدعو ب "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ".   (1) السند ضعيف عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولكن الدعاء حسن لغيره. سبق تخريجه. (2) إسناده صحيح. أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/121، تحت رقم 4997) . (3) مصنف ابن أبي شيبة (2/301) . بسند صحيح عنه.. (4) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص101. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 376 ومرّة جاء أنه يدعو ب "اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسملين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكفار ملحق". ومرّة جاء أنه يدعو ب "لك الحمد ملأ السماوات السبع وملأ الأرَضين السبع وملأ ما بينهما من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد". ومرّة جاء أنه يدعو ب "اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين. اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد ان عذابك لمن عاديت ملحق". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 377 ومرّة جاء أنه يدعو ب "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب الكفرة والمشركين وألق في قلوبهم الرعب وخالف بين كلمتهم وأنزل عليهم رجزك وعذابك اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات اللهم أصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وتوفهم على ملة رسولك وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم" ومرّة جاء أنه يدعو ب "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجوا رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق". بل لو جمعت الدعاء الذي ورد أنه يقال في قنوت الوتر، وضممت بعضه على بعض، تجده لا يزيد عن قدر سورة الأعلى، وذلك بعد حذف المكرر؛ تجده على هذا القدر: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ". "لك الحمد ملأ السماوات السبع وملأ الأرَضين السبع وملأ ما بينهما من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 378 اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسملين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكفار ملحق". ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم هذا مجمل ماورد بحذف المكرر في اللفظ والمعنى، وكما ترى ليس بالدعاء الطويل، فلو لاحظت أنه لم يرد أنه دعي بمجموع هذا الدعاء في قنوت واحد، كما سبق تقريره، تأكدت من أن القنوت في الوتر لا يشرع المداومة على تطويله. عن إبراهيم قال: "يقام في قنوت الوتر قدر (إذا السماء انشقت (" (1) . فإن أطال لسبب عارض أو أحياناً الظاهر جوازه: عن إبراهيم النخعي قال: "دخلت على الأسود ذات ليلة وهو مريض فصلى الوتر ورجل مسند إليه قال فقنت فأطال القنوت حتى ظننت أنه قد زاد على ما كان يصنع [مخافة أن يقصر عما كان يقنت] " (2) . وقد سُئل أبو عثمان النهدي عن قنوت عمر بن الخطاب في الفجر فقال: "كان يقنت بقدر ما يقرؤ الرجل مائة آية" (3) . وقد "سُئل أحمد بن حنبل عن قول إبراهيم في القنوت قدر (إذا السماء أنشقت (قال: هذا قليل يعجبني أن يزيد" (4) .   (1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/122، تحت رقم 5001) ، وابن أبي شيبة في المصنف (2/308) ، بسند صحيح. (2) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/122، تحت رقم 5001) ، وابن أبي شيبة في المصنف (2/307) ، بسند صحيح. والأسود هو ابن يزيد النخعي من كبار التابعين الثقات. (3) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/308) بسند صحيح. (4) مسائل أبي داود ص96. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 379 وقد كان الحسن البصري يقول في قنوته بعضاً من هذا الدعاء الوارد، وهو: " اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب الكفرة والمشركين وألق في قلوبهم الرعب وخالف بين كلمتهم وأنزل عليهم رجزك وعذابك اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات اللهم أصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وتوفهم على ملة رسولك وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم" فكان يقول هذا ثم يخر ساجدا وكان لا يزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وكان بعض من يسأله يقول: يا أبا سعيد أيزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والتسبيح والتكبير؟ فيقول: لا أنهاكم ولكني سمعت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيدون على هذا شيئا ويغضب إذا أرادوه على الزيادة" (1) . فالحسن البصري رحمه الله، ما كان ينهى عن الزيادة، لكن كان يحرض على الاتباع، ويكره الحدث، حتى إنه كان لا يزيد الصلاة والدعاء والتسبيح والتكبير لأنه لم يسمع الصحابة يزيدون. وهذا من الحسن بحسب علمه، وإلا فقد ثبت عن الصحابة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت، وهي المسألة التالية. المسألة الثامنة: هل يصلى على النبي عليه الصلاة والسلام في دعاء القنوت؟ ثبتت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر.   (1) حسن لغيره. سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 380 عن عروة بن الزبير: "أن عبد الرحمن بن عبد القاري وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ ... وفيه: قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد ان عذابك لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوى ساجدا" (1) . فثبتت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، في قنوت الوتر بفعل الصحابة رضوان الله عليهم. المسألة التاسعة: ما الحكم إذا سها عن قنوت الوتر؟ عن الحسن البصري رحمه الله: "إذا نسي القنوت في الفجر فعليه سجدتا السهو" (2) . عن شريك عن ابن أبي ليى قال: سئل عن رجل سها فقنت فقال: هذا سهى فأصاب" (3) . عن ابن جريج عن عطاء قال: "من رأى القنوت فلم يقنت فعليه سجدتا السهو" (4) . قال أبوداود رحمه الله: "سمعت أحمد سئل عن رجل نسي القنوت؟ قال: إن كان ممن تعوّد القنوت فليسجد سجدتي السهو" وقال أبوداود: "سمعت أحمد قال: سألت ابن علية عن الرجل ينسى القنوت في الوتر؟ فقال: لاشيء عليه. قال أحمد: وسألت هشيماً قال: يسجد سجدتي السهو" (5) . عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: "قرأت على أبي، قلت: من ترك القنوت ساهياً؟ قال يسجد إذا كان ممن يقنت." (6) .   (1) صحيح. سبق تخريجه. (2) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/318) ، في السند هشيم ثقة كثير التدليس والإرسال، وقد عنعن. (3) المصنف ابن أبي شيبة (2/318) . وإسناده حسن. (4) المصنف لابن أبي شيبة (2/318) ، في السند ابن جريج ثقة يدلس ويرسل، وقد عنعن. (5) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص102 (6) مسائل عبد الله لأبيه أحمد بن حنبل ص94، المسألة رقم (330) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 381 قلت: حكم المسألة هو هذا فمن أراد أن يقنت أو كان الغالب على صلاته الوتر أن يقنت فنسي القنوت سجد للسهو استحباباً، والله اعلم. * * * خاتمة: خلصت هذه الرسالة إلى نتائج مهمة وهي التالية: 1 أن قول من قال من الأئمة: لم يصح في قنوت الوتر قبل الركوع أو بعده شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكذا قول ابن عبد البر رحمه الله: "لا يصح عن النبي عليه السلام في القنوت في الوتر حديث مسند"اهـ (1)   (1) 173) الاستذكار (2/77) . المصادر والمراجع القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم. الآثار / لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (ت182هـ) / تحقيق: أبوالوفاء/ عنيت بنشره لجنة إحياء المعارف النعمانية/ حيدر آباد الدكن/ الهند/ صورة عن دار الكتب العربية/ بيروت. الآحاد والمثاني / لابن أبي عاصم (ت287هـ) / تحقيق: فيصل الجوابرة/ دار الراية/ الطبعة الأولى 1411هـ. اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة/ لأحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت840هـ) / تحقيق: أبي عبد الرحمن عادل بن سعد، وأبي إسحاق السيد بن محمود بن إسماعيل/مكتبة الرشد/ الرياض/ الطبعة الأولى 1419هـ. الأحاديث المختارة أو المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما/ لضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت643هـ) / تحقيق د. عبد الملك بن دهيش/ يطلب من مكتبة النهضة بمكة/ الطبعة الأولى 1410هـ. الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان / لعلاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت739هـ) / تحقيق شعيب الأرنؤوط/ مؤسسة الرسالة/ الطبعة الأولى 1412هـ اختلاف الحديث / لمحمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ) / ومعه اختلاف مالك والشافعي/ وكتب أخرى للشافعي/ وفي آخره مختصر المزني/ وذلك ضمن مجموع كتاب الأم / تصحيح محمد زهري النجار/ دار المعرفة/ بيروت. اختلاف مالك والشافعي = اختلاف الحديث. الاختيار لتعليل المختار/ عبد الله بن محمود الموصلي (ت683هـ) / تعليق محمود أبودقيقة/ دار المعرفة. الأربعين حديثاً (الأربعين من أربعين عن أربعين) / لصدر الدين أبي علي الحسن بن محمد البكري (ت656هـ) / تحقيق وتعليق: محمد محفوظ/ دار الغرب الإسلامي/ 1400هـ الإرشاد في معرفة علماء الحديث/ لأبي يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي (ت446هـ) / تحقيق د. محمد سعيد بن عمر إدريس/ مكتبة الرشد/ الرياض/ الطبعة الأولى 1409هـ. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1399هـ. الإشراف على نكت مسائل الخلاف/ لأبي محمد عبد الوهاب بن علي البغدادي المالكي (ت422هـ) / قارن بين نسخه وخرّج أحاديثه وقدّم له: الحبيب بن طاهر/ دار ابن حزم/ بيروت/ الطبعة الأولى 1420هـ. الأوسط = الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف. الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف/ لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (ت318هـ) / تحقيق الدكتور: أبوحماد صغير أحمد بن محمد حنيف/ دار طيبة/ الطبعة الأولى 1405هـ. تاريخ بغداد / لأبي بكر أحمد البغدادي (الخطيب البغدادي) (ت463هـ) / دار الكتب العلمية. تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل / لولي الدين أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين أبي زرعة العراقي/ ضبط نصه وعلّق عليه: عبد الله نوّاره/ مراجعة مكتب السنة للبحث لعلمي/ مكتبة الرشد/ الرياض/ الطبعة الأولى 1419هـ تقريب البغية بترتيب أحاديث الحلية/ لنور الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) / وأتمه الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) / تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1420هـ. تقريب التهذيب / لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) / تحقيق أبو الأشبال صغير أحمد شاغف/ دار العاصمة/ الرياض/ النشرة الأولى 1416هـ. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير / لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، المطبعة العربية باكستان، المكتبة الأثرية باكستان. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد / لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري (ت463هـ) / تحقيق سعيد أحمد اعراب/ توزيع مكتبة الأوس/ المدينة المنورة. تهذيب التهذيب / لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) / طبع مطبعة مجلس دائرة المعارف بحيدر أباد - الدكن/ الطبعة الأولى - نشر دار صادر. تهذيب الكمال/ لأبي الحجاج يوسف المزي (ت742هـ) / قدم له عبد العزيز رباح، وزميله/ صورة المخطوطة/ دار المأمون للتراث. التوحيد ومعرفة أسماء الله عزوجل وصفاته على الاتفاق والتفرد/ لأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحي بن مندة (ت395هـ) / حققه وعلق عليه وخرّج أحاديث: الدكتور: علي بن محمد بن ناصر الفقيهي/ مطابع الجامعة الإسلامية/ الطبعة الأولى. الثقات / لمحمد بن حبان (ت354هـ) / مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية/ حيدر آباد الدكن/ الطبعة الأولى. الجامع الصحيح/ لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي/ مع شرحه فتح الباري/ المطبعة السلفية. الجامع الصحيح/ لمسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261هـ) / تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي/ دار إحياء التراث. الجرح والتعديل/ لعبد الرحمن بن محمد إدريس الرازي (ت327هـ) / تحقيق عبد الرحمن بن يحي المعلمي/ (وتقدمة الجرح والتعديل في أول الكتاب) / مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية/ حيدر آباد الدكن/ الهند 1271هـ. جزء رفع اليدين / لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) / ومعه جلاء العينين بتخريج روايات البخاري في جزء رفع اليدين/ لأبي محمد بديع السندي الراشدي السندهي/ إدارة العلوم الأثرية/ فيصل آباد/ باكستان/ الطبعة الأولى 1403هـ. جلاء العينين = جزء رفع اليدين. الجوهر النقي/ لابن التركماني/ مطبوع في ذيل السنن الكبرى للبيهقي = السنن الكبرى. الحاوي (شرح مختصر المزني) ، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت450هـ) ، تحقيق علي محمد معوّض وزميله، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1414هـ. حلية الأولياء/ لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (ت430هـ) / دار الكتب العلمية/ دار الفكر. الدراية في تخريج أحاديث الهداية/ لابن حجر العسقلاني (ت852هـ) / صححه وعلّق عليه عبد الله هاشم اليماني/ توزيع عباس الباز/ دار المعرفة. الدعاء / سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ) ، تحقيق محمد سعيد بخاري، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ. دلائل النبوة / لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت854هـ) ، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 5041هـ. الذرية الطاهرة النبوية/ لأبي بشر محمد بن أحمد الدولابي (ت310هـ) / حققه وخرّج أحاديثه سعد المبارك الحسن/ الدار السلفية/ الكويت/ الطبعة الأولى 1401هـ. الروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني/ لمحمد شكور محمد الحاج امرير/ المكتب الإسلامي، بيروت، دار عمّار، الطبعة الأولى 1405هـ. زاد المعاد في هدي خير العباد/ لابن قيم الجوزية (ت751هـ/ تحقيق: شعيب الأرنؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط/ مؤسسة الرسالة/ مكتبة المنار/ الطبعة السابعة 1405هـ. زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة/ للدكتور خلدون الأحدب/ دجار القلم/ دمشق/ الطبعة الأولى 1417هـ. السنة، لأبي بكر أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد، (ابن ابن أبي عاصم) (ت287هـ) ، ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة، بقلم محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1400هـ. (تنبيه) : ينسب ابن أبن أبي عاصم إلى جده غالباً فيقال: (ابن أبي عاصم) ، وسقط من الاسم على غلاف المطبوعة (أحمد) فجاء الكتاب منسوباً إلى عمرو بن الضحاك، وسبب هذا سقوط اسم (أحمد) وهو على الصواب داخل الكتاب، وفي سند النسخة. ومما يؤكد وقوع خطأ مطبعي ذكر كنية أحمد (أبي بكر) وتاريخ وفاته على الغلاف، فهو مجرد خطأ مطبعي، لا أكثر، وانظر ترجمة أحمد بن عمر بن الضحاك بن مخلد في طبقات الحفاظ ص285. سنن الدارقطني / لعلي بن عمر الدارقطني (ت385هـ) / وبذيله "التعليق المغني" للآبادي/ عني بتصحيحه وتنسيقه وترقيمه وتحقيقه عبد الله هاشم يماني المدني (ت 1386هـ) / دارالمحاسن للطباعة/ القاهرة. سنن أبي داود/ لسليمان بن الأشعث السجستاني أبوداود (ت275هـ) / إعداد وتعليق عزت عبيد الدعاس/ دار الحديث الطبعة الأولى 1388هـ. سنن البيهقي = السنن الكبير (الكبرى) سنن الترمذي/ لمحمد بن عيسى الترمذي (ت279هـ) / تحقيق أحمد شاكر ج1/2 ومحمد فؤاد عبد الباقي ج3وإبراهيم عطوة ج4/ 5 وفي آخره العلل الصغير للترمذي أيضاً/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت. سنن الدارمي / لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي (ت255هـ) / تحقيق: حسين سليم أسد الداراني/ دار المغني/ الرياض/ الطبعة الأولى 1421هـ. السنن الكبرى / لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ) / تحقيق د. عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن/ دار الكتب العلمية/ الطبعة 1411هـ. السنن الكبير (الكبرى) / لأحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) / وفي ذيله "الجوهر النقي"/ مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية/ الهند 1344هـ. سنن النسائي/ لأحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ) / وبهامشه زهر الربى على المجتبى/ لحلال الدين السيوطي (ت911هـ) / وحاشية السندي لأبي الحسن نور الدين بن عبد الهادي السندي (ت1138هـ) / دار إحياء التراث. كما رجعت إلى سنن النسائي طبع دار المعرفة/ بتحقيق وترقيم مكتب تحقيق التراث الإسلامي/ الطبعة الثالثة 1414هـ/ وعند العزو إليها بذكر رقم الحديث. سير أعلام النبلاء، لشمس الدين أحمد بن محمد بن عثمان قيماز الذهبي، (ت748هـ) ، أشرف على تحقيقه شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1402هـ شرح معاني الآثار/ لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321هـ) / حققه وضبطه ونسقه وصححه محمد زهري النجار/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1399هـ. شرح اصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم / لأبي القاسم هبة الله بن الحسين بن منصور الطبري اللالكائي (ت418هـ) / تحقيق الدكتور: أحمد سعد حمدان/ نشر دار طيبة/ الرياض/ الطبعة الثانية 1411هـ. شرح الزركشي على مختصر الخرقي في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل/ لشمس الدين محمد بن عبد الله الزركشي (ت772هـ) / تحقيق وتخريج عبد الله بن عبد الرحمن آل جبرين/ بدون معلومات نشر. صحيح ابن حبان = الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان. صحيح ابن خزيمة/ لمحمد بن إسحاق بن خزيمة (ت311هـ) / حققه وعلق عليه وخرّج أحاديثه وقدّم له الدكتور محمد مصطفى الأعظمي/ المكتب الإسلامي/ 1390. صحيح البخاري = الجامع الصحيح للبخاري صحيح مسلم = الجامع الصحيح لمسلم صلاة التراويح / لمحمد ناصر الدين الألباني/ المكتب الإسلامي. الضعفاء والمتروكين / لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي (ت597هـ) / حققه أبوالفداء القاضي/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1406هـ. ظلال الجنة = السنة لابن أبي عاصم. غريب الحديث / لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت276هـ) / صنع فهارسه نعيم زرزور/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1408هـ. غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود / لأبي إسحاق الحويني/ دار الكتاب العربي/ الطبعة الأولى 8041هـ. فتح الباري بشرح صحيح البخاري/ لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) / تحقيق عبد العزيز بن باز إلى كتاب الجنائز (ج1-3) / ترتيب وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي/ المكتبة السلفية. فتح القدير على بداية المبتدي / لكمال الدين محمد ابن الهمام (ت186هـ) / ومعه شرح العناية على الهداية للبابرتي/ وحاشية سعدي جلبي/ ويليه تكملة فتح القدير المسماة» نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار «لقاضي زاده/ دار الفكر/ الطبعة الثانية 7931هـ. فضائل القرآن / لأبي عبد الرحمن النسائي (ت303هـ) / تحقيق سمير الخولي/ مؤسسة الكتب الثقافية/ الطبعة الأولى 1405هـ. الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر، الطبعة الثالثة 1409هـ الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات/ لأبي البركات محمد بن أحمد المعروف بابن الكيال (ت939هـ) / تحقيق ودراسة د. عبد القيوم عبد الرب النبي/ المكتبة الإمدادية/ الطبعة الثانية 1420هـ. اللباب في الجمع بين السنة والكتاب/ لأبي محمد علي بن زكريا المنبجي (ت686هـ) / تحقيق الدكتور: محمد فضل عبد العزيز المراد/ دار الشروق الطبعة الأولى 1403هـ. المتروكين = الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي مجمع البحرين في زوائد المعجمين/ لنور الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) / تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1419هـ. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) / دار الكتاب العربي/ الطبعة الثالثة 1402هـ. مختصر الخلافيات للبيهقي/ لأحمد بن فرح اللخمي الإشبيلي الشافعي (ت699هـ) / تحقيق الدكتورذياب عبد الكريم العقل، وإبراهيم صالح الخضيري/ مكتبة الرشد/ الرياض/ شركة الرياض/ الطبعة الأولى 1417هـ. مختصر كتاب الوتر/ لأبي عبد الله محمد بن نصر المروزي/ لأحمد بن علي المقريزي (ت845هـ) / خرّج أحاديثه: إبراهيم محمد العلي ومحمد عبد الله أبوصعيليك/ مكتبة الدار/ الطبعة الأولى 1413هـ. مختصر قيام الليل = مختصر كتاب الوتر مسائل ابن هانئ = مسائل أحمد بن حنبل رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ مسائل أبي داود = مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية أبي داود. مسائل عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل = مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله. مسائل أحمد بن حنبل رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ/ تحقيق زهير الشاويش/ المكتب الإسلامي/ الطبعة الأولى 1400هـ. مسائل أحمد بن حنبل / رواية عبد الله بن أحمد بن حنبل / تحقيق زهير الشاويش - المكتب الإسلامي - بيروت - الطبعة الأولى 1041هـ. مسائل الإمام أحمد / لأبي داود السجستاني (ت 275هـ) ، تحقيق أبي معاذ طارق بن عوض الله محمد/ نشر مكتبة ابن تيمية/ الطبعة الأولى 1420هـ. المستدرك على الصحيحين/ لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405هـ) / ومعه مختصر المستدرك للذهبي بالهامش/ نشر دار الكتاب العربي/ بيروت. ورجعت إلى طبعة أخرى للمستدرك معه تلخيص المستدرك وزوائد المستدرك على الكتب الستة، والاستدراك على المستدرك، والمدخل لمعرفة المستدرك/ صنعه أبي عبد الله عبد السلام بن محمد بن عمر علوش/ دار المعرفة/ بيروت/ الطبعة الأولى 1418هـ، وتتميز الإحالة إلى هذه الطبعة بذكر رقم الحديث، مع الجزء والصفحة. المسند/ لأبي يعلى الموصلي (ت307هـ) / تحقيق حسين أسد/ دار المأمون للتراث/ الطبعة الأولى 1404هـ مسند أحمد بن حنبل/ لأحمد بن محمد بن حنبل (ت241هـ) / الطبعة الميمنية/ وبهامشه المنتخب من كنز العمال/ المكتب الإسلامي/ بيروت/ الطبعة الثانية 1398هـ. وإذا رجعت إلى الطبعة التي أصدرتها دار الرسالة بتحقيق جماعة أشرف على التحقيق: شعيب الأرنؤوط/ الإشراف العام للدكتور: عبد الله بن عبد المحسن التركي/ الطبعة الأولى 1413هـ أنبه على ذلك بقولي: (الرسالة مع ذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث) . مسند أبي داود الطيالسي/ لسليمان بن داود بن الجارود الطيالسي (ت204هـ) / دار المعرفة/ بيروت. مسند البزار / لأبي بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار (ت292هـ) / تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله/ مؤسسة علوم القرآن / مكتبة علوم القرآن/ بيروت/ المدينة/ الطبعة الأولى 1409هـ. مسند الدارمي = سنن الدارمي. المعجم الأوسط / لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ) / قسم التحقيق بدار الحرمين/ أبومعاذ طارق بن عوض الله بن محمد، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني/ منشورات دار الحرمين بالقاهرة/ 1415هـ المعجم الصغير = الروض الداني. معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذيل بالإملاء / لعبد الغني الدقر/ دار القلم/ دمشق/ الطبعة الأولى 1406هـ معجم مقاييس البلاغة بين الأدباء والعلماء/ للدكتور حامد صالح خلف الربيعي/ مطبوعات معهد البحوث العلمية وإحياء التراث/ سلسلة بحوث اللغة العربية/ 1416هـ. معجم مقاييس اللغة / تأليف أبي الحسين أحمد بن فارس (ت395هـ) ، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، إسماعيليان نجفي، إيران. المغني في الضعفاء/ لشمس الدين الذهبي (ت748هـ) / حققه نور الدين عتر. مقدمة تحقيق توضيح المشتبه لابن ناصر الين محمد بن عبد الله القيسي (ت842هـ) / لمحمد نعيم العقسوسي/ مؤسسة الرسالة/ الطبعة الثانية 1414هـ. الموسوعة الفقهية / وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية/ الكويت/ مطبعة الموسوعة الفقهية/ الطبعة الأولى 1404هـ. موطأ مالك / لمالك بن أنس الأصبحي (ت179هـ) / رواية يحي بن يحي الليثي/ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي / دار إحياء التراث العربي 1406هـ. ميزان الاعتدال في نقد الرجال/ لأحمد بن محمد عثمان قايماز الذهبي (748هـ) / تحقيق على محمد البجاوي/ دار المعرفة/ بيروت/ الطبعة الأولى 1382هـ. نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية / جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي (ت762هـ) / مع حاشيته "بغية الألمعي"/ نشر المكتبة الإسلامية/ الطبعة الثانية 1393هـ. نظم المتناثر من الحديث المتواتر / لأبي الفيض جعفر الحسني/ طبع بالمطبعة المولوية بفاس العليا المحمية سنة 1382هـ نيل المآرب بشرح دليل الطالب/ لعبد القادر بن عمر التغلبي (ت1135هـ) / حققه وخرّج أحاديثه إبراهيم أحمد عبد الحميد الأثري/ مكتبة الفيصلية/ مكة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 382 ؛ فيه نظر، وأنه غير مسلم. فقد ثبت في قنوت الوتر مسنداً حديث الحسن بن علي رضي الله عنه، وحديث أُبي بن كعب رضي الله عنه، والله أعلم. كما ثبت عن الصحابة كعمر بن الخطاب، وابن مسعود وأُبي بن كعب وغيرهم، ومثله لا مجال فيه للرأي والاجتهاد، إذ المقام مقام عبادة، والأصل فيها التوقيف، فلولا أن لديهم توقيف في ذلك ما فعلوه. 2 أن قنوت الوتر يشرع طوال العام، وأن السُّنة فعله أحياناً وتركه أحياناً بدليل ماورد من الاختلاف في مشروعيته طوال العام، مما يدل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتركه أحياناً. ويتأكد المداومة عليه في النصف الأخير من رمضان، من ليلة السادس عشرة، ويشرع ترك القنوت في النصف الأول من رمضان إذا صُلِّي بالناس، وهذا من السنن المهجورة، بل والمجهولة. فإن قنت في أوّله وآخره جاز. 3 أن قنوت الوتر يجوز قبل الركوع وبعده، والأفضل فيه قبل الركوع. 4 أن من السنن المهجورة في هذا العصر قنوت الوتر أن يكبر للقنوت وأن يكبر بعده، إذا قنت قبل الركوع. 5 أن من السُّنة أن يجهر الإمام في قنوت الوتر وأن يؤمن من خلفه. 6 أن السُّنة في دعاء القنوت أن لا يكون طويلاً، ولو اقتصر على قدر الوارد فهو أفضل. ولو أطال أحياناً بقدر ما ورد؛ جاز. 7 أن دعاء القنوت ليس فيه شيء مؤقت، فهو يجوز بأي صيغة، والأفضل الاقتصار على الوارد. 8 أن من السُّنة للإمام إذا صلى بالناس جماعة الوتر في رمضان أن لا يقنت في النصف الأول من رمضان، وأن يقنت في النصف الأخير منه، ويدعو على الكفرة. 9 يشرع رفع اليدين في دعاء قنوت الوتر، ويشرع إرسالهما، ويشرع رفعهما في أوله وإرسالهما في آخره، كل ذلك جائز. 10 لا يشرع مسح الوجه باليدين بعد الدعاء. 11 يشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء قنوت الوتر. 12 يسجد للسهو من كان من عادته القنوت في الوتر فسهى عنه، أمّا من لم يكن من عادته القنوت أو تعمد تركه فلا سهو عليه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 383 13 أن ابن مسعود وأُبي بن كعب رضي الله عنهما، من أكثر الصحابة الذين نقلت عنهم أحكام قنوت الوتر. 14 أن من أشبه الصلوات بصلاة الوتر صلاة المغرب؛ إذ المغرب وتر النهار، فما ثبت في القنوت فيها للنازلة يثبت للقنوت في الوتر، ويؤكد هذا أن ما ثبت في الفريضة ثبت مثله في النافلة إلا لدليل. 15 أن أغلب أحكام قنوت الوتر ثابتة بفعل الصحابة رضوان الله عليهم، والمقام مما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه، إذ مثل ذلك لا يكون بالرأي، فله حكم الرفع، واختلافهم في هذا من باب اختلاف التنوع ما أمكن الجمع، والله الموفق. هذا ما تيسر لي جمعه وتخريجه، في هذا الموضوع، أسأل الله بأن له الحمد لا إله إلا هو الحنان المنان بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام، أسأله العفو والعافية، وأن يتقبل جميع عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله داعياً إلى سنة نبيه الكريم محمد عليه أفضلا الصلوات وأزكي التسليم، وعلى آله وصحبه أجمعين. وسبحانك الله وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 384 التوبة وشروطها د. سليمان بن إبراهيم بن عبد الله اللاحم الأستاذ المشارك بكلية الشريعة وأصول الدين، فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم ملخص البحث الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد: فقد تضمن هذا البحث بيان فضل الله عز وجل على العباد في إيجابه سبحانه التوبة على نفسه تكرماً منه عز وجل وامتناناً، وأهمية التوبة، ووجوب المبادرة بها حال الحياة قبل الغرغرة وبلوغ الروح الحلقوم، وقبل طلوع الشمس من مغربها وغلق باب التوبة. والتحذير من الاستمرار على المعصية والتسويف بالتوبة وتأخيرها، لأن ذلك قد يكون من أسباب عدم التوبة أو عدم قبولها. وذكر شروط التوبة وأنها تصح من كل ذنب إذا توفرت شروطها وانتفت موانعها، وتتلخص شروطها: بالإخلاص لله تعالى، والإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على ألا يعود إليها، وأن تكون في وقتها قبل بلوغ الروح الحلقوم، وقبل طلوع الشمس من مغربها. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. * * * المقدمة: الحمد لله الجواد الكريم البر الرؤوف الرحيم، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 385 فإن الله عز وجل خلق الإنسان وفطره على الإيمان ومنحه من السمع والبصر والعقل ما ميزه عن سائر الحيوان، ولم يجعله معصوماً عن الزلل والخطأ والعصيان، بل ابتلاه بما قد يوقعه في المخالفة والعصيان؛ من النفس الأمارة بالسوء والهوى ومكائد الشيطان، لهذا فتح له باب التوبة لتمحيص الذنوب والآثام، فقال عز وجل: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ( [الزمر: 53، 54] ، وقال عز وجل: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ( [طه: 82] ، يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار (1) ، يوفق عبده للتوبة، ويقبلها منه كما قال عز وجل في سورة التوبة: (ثم تاب عليهم ليتوبوا ( [التوبة: 118] ، أي: وفقهم للتوبة ليتوبوا، وقال عز وجل: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ( [الشورى: 25] . ويفرح عز وجل بتوبة عبده فرحاً أشد من فرح رجل ضلت عنه راحلته التي عليها طعامه وشرابه، فلما أيس منها نام تحت شجرة ينتظر الموت فبينما هو كذلك إذا هي واقفة بين يديه ولجامها في يده (2) . بل إنه عز وجل وهو الخالق الملك المدبر المنعم المتفضل الذي لا يجب عليه شيء لخلقه أوجب على نفسه التوبة تفضلاً منه وكرماً وامتناناً، فقال عز وجل في سورة النساء: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ( [النساء: 17] .   (1) لحواشي والتعليقات () سيأتي تخريجه في الحاشية رقم (86) . (2) سيأتي تخريجه في الحاشية رقم (63) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 386 وإذا صدق العبد ربه بالتوبة والإنابة إليه سبحانه تاب عليه، بل وبدل سيئاته حسنات كما قال عز وجل: (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ( [الفرقان: 70] ، فلله الحمد والمنة على فضله وكرمه ولطفه ورحمته وجميل عفوه. وسأتناول في هذا البحث: الكلام عن التوبة وشروطها، وممن تقبل؟ ومتى؟ وذلك من خلال الكلام على قوله تعالى في سورة النساء: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيما (إلى قوله: (أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً (. وسأتكلم أولاً عن تفسير هتين الآيتين وبيان مفرداتهما ومعناهما، ثم أتبع ذلك باستنباط ما فيهما من الفوائد والأحكام مع تفصيل القول في ذلك. والله أسأل أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. * * * قال الله تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً (. صلة الآية بما قبلها: لما بين الله عز وجل في الآية السابقة أنه يقبل التوبة ممن تاب وأناب إليه في قوله: (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيماً (ذكر في هذه الآية من تقبل منهم التوبة وهم الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب. معاني المفردات والجمل: قوله تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعلمون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب (كقوله تعالى: (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ( [النحل: 119] . وكقوله تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ( [الأنعام: 54] . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 387 قوله: (إنما التوبة على الله (إنما أداة حصر (1) . ويقال لها: كافة ومكفوفة. لأن "ما" دخلت على "إنَّ" التي تنصب الاسم وترفع الخبر، فكفتها عن العمل، ف "ما" كافة، و"إنّ" مكفوفة. (التوبة) :مبتدأ مرفوع. (على الله) "على" حرف جر، ولفظ الجلالة مجرور، متعلق بمحذوف خبر، تقديره: مستحقة على الله أو واجبة على الله. (للذين) : متعلق بما تعلق به "على الله" (2) ويحتمل أن يكون هو الخبر. والتوبة من الله تنقسم إلى قسمين: توفيقه لعبده أن يتوب. كما قال تعالى: (ثم تاب عليهم ليتوبوا ( [التوبة: 118] ، أي: وفقهم للتوبة ليتوبوا (3) . والثاني قبولها منه، كما قال تعالى: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ( [الشورى: 25] ، وقال تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ( [طه: 82] ، ويجمعهما قوله تعالى: (وأنا التواب الرحيم ( [البقرة: 160] . وهي من العبد: الرجوع والإنابة إلى الله عز وجل، والإخلاص له مع الإقلاع عن المعصية والندم على فعلها، والعزم على عدم العودة إليها، وأن تكون في وقتها المناسب (4) . ومعنى (على الله) أي: التزم بها عز وجل وأوجبها على نفسه (5) ، تفضلاً منه ورحمة، ومنَّةً منه وكرماً (6) . كما قال تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ( [الأنعام: 54] . وقال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيءٍ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون ( [الأعراف: 156] .   (1) انظر "المحرر الوجيز" 4/51. والحصر هو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه. (2) انظر: "البحر المحيط" 3/198. (3) انظر: "مدارج السالكين" 1/349 350. (4) انظر: "مدارج السالكين" 1/342 343. (5) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 5/91، "بدائع الفوائد" 2/161 162. (6) انظر "التفسير الكبير" 10/6. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 388 وقال سبحانه في الحديث القدسي: "إن رحمتي تغلب غضبي" وفي رواية «سبقت غضبي» (1) . قوله (يعملون السوء) صلة الموصول "الذين" أي: يعملون العمل السيء القبيح الذي يسوء صاحبه، وربما يسوء غيره إذا كان مما يتعدى إلى الغير. قال تعالى: (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً ( [الإسراء: 7] . والمعنى: يعملون الأعمال السيئة من ترك الواجبات، وفعل المحظورات فهو عام لجميع المعاصي (2) ، لأن المعاصي كلها تسوء مرتكبها وتسوء غيره. تسوء مرتكبها عاجلاً بظهور آثارها عليه في حياته ظلمة في الوجه وضيقاً في الصدر والخلق والرزق (3) . فيفقد من السعادة، في الحياة بقدر ما عمل من السوء. قال تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء ( [الأنعام: 125] . وقال تعالى: (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ( [الزمر: 22] . وتسوؤه آجلاً بعد مماته بمعاقبته عليها إن لم يتب منها أو يتداركه الله بعفوه. وهي أيضاً تسوء غيره إما بتعديها إلى الغير مباشرة كالإساءة إليهم بالأذية لهم في دينهم أو أبدانهم أو أعراضهم أو أموالهم أو غير ذلك. وإما بتأثيرها على حياتهم بما تسببه هذه الأعمال السيئة من محق البركات وقلة الخيرات، قال تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ( [الروم: 41] .   (1) أخرجه البخاري في التوحيد 7404، ومسلم في التوبة 2751، والترمذي في الدعوات 3543، وابن ماجه في المقدمة 189، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (2) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 5/92. (3) وبضد ذلك الطاعة فهي نور في الوجه وسعة في الصدر والخلق والرزق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 389 وفي الحديث: «ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا» (1) . وإنما أفرد السوء والله أعلم إشارة إلى أن الأولى بالتوفيق للتوبة وقبولها من لم يكثر من الأعمال السيئة. قوله (بجهالة) جار ومجرور، متعلق بمحذوف وقع حالاً (2) ، أي: حال كونهم جاهلين. فهو قيد لقوله (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء (، أي: لمن يعملون ذلك بجهالة. والباء في قوله (بجهالة) للمصاحبة أو للسببية، أي: مصحوبين بالجهالة، أو بسبب الجهالة (3) . ومعنى "بجهالة" بسفاهة (4) ، ثم يرشدون، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» الحديث (5) ، أي: أن إيمانه يضعف عند ارتكابه لهذه الفاحشة، فكذا من عمل أي معصية، فإنه في حال ارتكابه المعصية يرتفع أو يضعف عنده الرشد ويصير سفيهاً.   (1) أخرجه ابن ماجه في الفتن 4019 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وحسنه الألباني. انظر: «الأحاديث الصحيحة» 106، «صحيح سنن ابن ماجه» 3246. (2) انظر: «الكشاف» 1/256 257» ، «مدارك التنزيل» 1/301، «البحر المحيط» 3/197، «الدر المصون» 2/332. (3) انظر: «البحر المحيط» 3/197. (4) انظر: «المحرر الوجيز» 4/53، «الكشاف» 1/257، «التسهيل لعلوم التنزيل» ص134، «تفسير المنار» 4/440 442. (5) أخرجه البخاري في المظالم والغصب 2475، ومسلم في الإيمان 57، وأبوداود في السنة 4689، والنسائي في قطع السارق 4870، والترمذي في الإيمان 2625،وابن ماجه في الفتن 3936، والدارمي في الأشربة 2106 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 390 ولهذا أجمع الصحابة رضي الله عنهم على أن كل ذنب عُصِيَ الله به فهو جهالة، عمداً كان أوجهلاً (1) . وقال الطبري (2) : «عملهم السوء هو الجهالة التي جهلوها» يقال: أتاه بجهالة: أي فعل فعل الجهال» . وكما قيل: ألا لا يجهلن أحد علينا ... ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا (3) وليس المراد بالجهالة الجهل ضد العلم، لأن من يعمل السوء وهو جاهل، غير عالم، غير مؤاخذ، ولا ذنب له، بل هو معذور، قال الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ( [البقرة: 286] . وفي صحيح مسلم: «قال الله: قد فعلت» (4) . وأما الذي يجب عليه التوبة فهو من عمل السوء عالماً. قال ابن عطية (5) : «وليس المعنى أن تكون الجهالة أن ذلك الفعل معصية، لأن المتعمد للذنوب كان يخرج من التوبة، وهذا فاسد إجماعاً» .   (1) انظر «جامع البيان» 8/98 90، «النكت والعيون» 1/372، «المحرر الوجيز» 4/53، «الجامع لأحكام القرآن» 5/92، «دقائق التفسير» 2/387، «شفاء العليل» 171 172، «بدائع التفسير» 2/11 12، «البحر المحيط» 3/197، «تفسير ابن كثير» 2/205 206. (2) في «جامع البيان» 8/91. (3) البيت لعمرو بن كلثوم وهو في ديونه ص91 جمع وتحقيق إميل يعقوب طبعة دار الكتاب العربي بيروت، الطبعة الأولى 1991م. (4) أخرجه مسلم في الإيمان 126، والترمذي في التفسير 2992 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (5) في «المحرر الوجيز» 4/53، وانظر «تيسير الكريم الرحمن» 2/39. ... وهناك أقوال أخرى قيلت في معنى «بجهالة» فقيل هي العمد، وقيل في الدنيا، وقيل عن غير علم، وقيل بجهل بكنه العقوبة، وقيل غير ذلك، والصحيح القول الأول، انظر: «جامع البيان» 8/90 91، «النكت والعيون» 1/372، «المحرر الوجيز» 4/53، «الجامع لأحكام القرآن» 5/92. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 391 قوله: (ثم يتوبون (أي: ثم بعد رشدهم وزوال السفه عنهم يتوبون، أي: يرجعون إلى الله وينيبون إليه بترك العمل السيء مع الندم على فعله والعزم على عدم العودة إليه والإخلاص لله تعالى. قوله: (من قريب) «من» تبعيضية، أي: في وقتٍ وحالٍ تقبل فيهما التوبة. وذلك قبل حضور الموت ومعاينة علاماته من حضور الملائكة وغلبة المرء على نفسه، وبلوغ الروح الحلقوم (1) ، لقوله تعالى بعد هذه الآية: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ( [النساء: 18] (2) ، لأنه لابد أن تكون التوبة في حالٍ يعقل فيها المرء معنى التوبة، ويصح منه الندم على فعل السوء والعزم على عدم العودة إليه (3) . ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» (4) .   (1) انظر: «جامع البيان» 8/96 97، «المحرر الوجيز» 4/54، «الجامع لأحكام القرآن» 5/92، «مدارج السالكين» 1/317 320، «بدائع التفسير» 2/12 13، «التفسير الكبير» 10/5، «البحر المحيط» 3/199. (2) انظر: «جامع البيان» 8/93 95، «تفسير ابن كثير» 2/206. (3) انظر: «جامع البيان» 8/96 98، «الجامع لأحكام القرآن» 5/92. (4) أخرجه من حديث ابن عمر الترمذي في الدعوات 3537،وابن ماجه في الزهد 4253، وأحمد 2/132، وابن حبان في «موارد الظمآن» 2449، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/249، وصححه أحمد شاكر في المسند 6160، والألباني في «صحيح الجامع الصغير» 1/386، «مشكاة المصابيح» الحديث 2343. ... وأخرجه ابن مردويه من حديث أبي هريرة فيما ذكر ابن كثير في «تفسيره» 2/207. ... ومعنى: «ما لم يغرغر» ما لم تبلغ روحه حلقومه فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به. وانظر: «الجامع لأحكام القرآن» 5/92. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 392 وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم. قال الرب عز وجل: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» (1) . وقوله «من قريب» فيه إشارة إلى أن الأجل آت، وكل آت قريب، وتنبيه على أن مدة عمر الإنسان وإن طالت فهي قليلة (2) . وقد أحسن محمود الوراق في قوله: قدم لنفسك توبة مرجوة ... قبل الممات وقبل حبس الألسن بادر بها غلق النفوس فإنها ... ذخر وغنم للمنيب المحسن (3) ويدخل تحت الآية أيضاً قول من قال: (ثم يتوبون من قريب (، أي: عن قرب عهد بالمعصية من غير إصرار عليها (4) ، لأن من استمر على المعصية وأصر عليها قد تعسر عليه التوبة، وقد لا يوفق لأسبابها، وقد تحول ذنوبه ومعاصيه بينه وبين التوبة، كما قال تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ( [المطففين: 14] ، وقال تعالى: (فلما زاغوا أزاع الله قلوبهم ( [الصف: 5] ، وقال تعالى: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ( [الأنعام: 110] . وإذا كانت التوبة تقبل قبل حضور الموت ولو بزمن قليل فقبولها قبل ذلك من باب أولى (5) . قوله تعالى: (فأولئك يتوب الله عليهم (الفاء عاطفة. أولئك: إشارة للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب.   (1) أخرجه أحمد 3/29، وأبو يعلى 2/458، والحاكم في «المستدرك» 4/290 حديث 7672، وصححه ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة رقم 104. (2) انظر: «التفسير الكبير» 10/5. (3) انظر «ديوانه» ص152، «الجامع لأحكام القرآن» 5/92. (4) وتكون «من» في قوله «من قريب» ، لابتداء الغاية، أي تكون التوبة من زمان قريب من المعصية. انظر: «التفسير الكبير» 10/5، «البحر المحيط» 3/198. (5) انظر: «البحر المحيط» 3/198، «تفسير المنار» 4/440 441. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 393 وأشار إليهم بإشارة البعيد: «أولئك» إشارة إلى علو منزلتهم بالتوبة. و «أولئك» مبتدأ، وخبره جملة «يتوب الله عليهم» . وهذه الجملة توكيد لما قبلها، فقد حصر سبحانه التوبة في الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب، والتزم بذلك لهم، ثم أكده بقوله (فأولئك يتوب الله عليهم (فهذا وعد من الله بأن يفي لهم، ويقبلها منهم بعد أن وفقهم إليها (1) . قوله تعالى: (وكان الله عليماً حكيماً (. كان: مسلوبة الزمن، تفيد تحقيق اتصاف اسمها بخبرها، أي: أنه سبحانه متصف بالعلم والحكمة أزلاً وأبداً. عليماً: خبر كان منصوب، وهو اسم من أسماء الله تعالى على وزن «فعيل» صفة مشبهة أو صيغة مبالغة، وهو مشتق من العلم وهو إدراك الأشياء على ما هي عليه إدراكاً جازماً. أي: أنه عز وجل ذو علم تام، كامل، كما قال كليمه موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام عندما سئل عن القرون الأولى: (قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ( [طه: 52] . فنفى عن ربه الضلال وهو الجهل السابق، والنسيان وهو الضلال اللاحق. وعلمه عز وجل علم واسع شامل للأشياء كلها في أطوارها الثلاثة قبل الوجود، وبعد الوجود، وبعد العدم. كما قال تعالى: (لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً ( [الطلاق: 12] . وقال تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولايابس إلا في كتاب مبين ( [الأنعام: 59] . وقال تعالى: (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ( [يونس: 61] لا يعتري علمه شك ولا ظن، بل هو علم يقين.   (1) انظر: «جامع البيان» 8/98، «التفسير الكبير» 10/6. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 394 حكيماً: خبر ثان لكان. وهو اسم من أسماء الله، مشتق من الحكم والحكمة، على وزن «فعيل» صفة مشبهة أو صيغة مبالغة، يدل على أنه عز وجل ذو الحكم التام وذو الحكمة التامة البالغة (1) . له الحكم بأقسامه الثلاثة: الحكم الكوني القدري والحكم الشرعي، والحكم الجزائي. وله الحكمة بقسميها: الحكمة الغائية والحكمة الصورية (2) . وقد ختم الله هذه الآية بقوله: (إن الله كان عليماً حكيماً (. بعد أن ذكر أنه التزم بقبول التوبة ممن عمل السوء بجهالة ثم تاب من قريب، ليبين أن توبته على هؤلاء عن علم وحكمة، فهو عز وجل أعلم بمن يستحق التوبة ممن توفرت فيهم شروطها ممن لا يستحقها. وهو سبحانه يوفق للتوبة برحمته من اقتضت حكمته توفيقه لها، ويخذل بعدله من اقتضت حكمته عدم توفيقه، فهو سبحانه حكيم يضع الأمور مواضعها (3) . قال تعالى: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً (. صلة الآية بما قبلها: حصر الله عز وجل في الآية السابقة التوبة في الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب، ومفهوم هذه الآية أن من عداهم ممن يستمرون على عمل السيئات حتى حضور الموت ليس لهم توبة، وقد صرح بهذا المفهوم في الآية الثانية توكيداً لذلك، فقال تعالى: (وليست التوبة للذين يعلمون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً (. أي: لما بين من تقبل منهم التوبة أتبع ذلك ببيان من لا تقبل منهم التوبة (4) . معاني المفردات والجمل: قوله تعالى: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات (.   (1) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية 14/180. (2) انظر: «شرح ابن عيسى للنونية» لابن القيم 2/226، وكتابنا «تفسير آيات الأحكام في سورة النساء» 1/275 279. (3) انظر: «جامع البيان» 8/98. (4) انظر: «التفسير الكبير» 10/6. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 395 الواو: عاطفة. و «ليس» نافية، وهي فعل ماض ناقص جامد. «التوبة» اسم ليس مرفوع بها. قوله (للذين) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليس. «يعملون السيئات» : الجملة صلة الموصول. والسيئات: جمع سيئة، ويحتمل أن يراد بها جنس السيئات، أي: يعملون جنس السيئات، ويحتمل أن يراد به الجمع نفسه، أي: جمع السيئات، وجمعت إشارة إلى أن كثرتها وتراكمها سبب لعدم التوبة. والأول أولى وأظهر وأشمل، والثاني هو ظاهر اللفظ. وإذا كان اللفظ محتملاً لهذا وهذا، فالعموم أولى (1) . قوله تعالى: (حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن (. «حتى» : لابتداء الغاية، وما بعدها غاية لما قبلها. «إذا» ظرفية شرطية. «حضر» فعل الشرط، وجوابه (قال إني تبت الآن) . «والموت» : هو خروج الروح عن البدن ومفارقتها له، الذي كتبه الله على جميع الخلق، قال تعالى: (كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ( [الرحمن: 26، 27] ، وقال تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون ( [الزمر: 30] ، وقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا محمد عش ما شئت فإن ميت، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه» (2) . ومعنى حضور الموت: أي: حضور أسبابه وعلاماته من رؤية الملائكة وغلبة المرء على نفسه وبلوغ الروح الحلقوم (3) .   (1) انظر «تفسير المنار» 4/448. (2) أخرجه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الحاكم في «المستدرك» 4/360 حديث 7921، وأبونعيم في «الحلية» 3/253، والبيهقي في «شعب الإيمان» 7/349 حديث 10541. وأخرجه البيهقي أيضاً في «الشعب» 7/348 حديث 10540 من حديث جابر رضي الله عنه. وأخرجه أيضاً أبو نعيم في «الحلية» 3/202 من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وصححه السيوطي في «الجامع الصغير» حديث 89، وحسنه الألباني في «صحيح الجامع الصغير» حديث 73، وفي «الأحاديث الصحيحة» حديث 829. (3) انظر: «جامع البيان» 8/98، «شرح صحيح مسلم» 1/164، «مدارك التنزيل «1/302، «تفسير ابن كثير» 2/208. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 396 قوله (قال إني تبت الآن) . أي: قال في هذه الحال حال حضور الموت واليأس من الحياة: إني تبت الآن. فهؤلاء لا تنفعهم التوبة في هذه الحال (1) ، لأن توبتهم توبة اضطرار لا اختيار، كما قال تعالى عن فرعون: (حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين * الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ( [يونس: 90، 91] . وقال تعالى: (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ((2) [غافر: 84، 85] ، وقال تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ( [المؤمنون: 99، 100] . قال الحافظ ابن كثير (3) : «فأما متى وقع الإياس من الحياة وعاين الملك، وحشرجت الروح في الحلق، وضاق بها الصدر، وبلغت الحلقوم وغرغرت النفس صاعدة في الغلاصم (4) فلا توبة متقبلة حينئذ ولات حين مناص ... كما قال تعالى: (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده (الآيتين. وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها، كما قال تعالى: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً (] الأنعام:158 [. قوله تعالى: (ولا الذين يموتون وهم كفار (الواو حرف عطفو «لا» زائدة من حيث الإعراب مؤكدة من حيث المعنى.   (1) انظر: «جامع البيان» 8/98، «الجامع لأحكام القرآن» 5/93. (2) انظر: «التفسير الكبير» 10/6 7، «مدارج السالكين» 1/317 320. (3) في «تفسيره» 2/208. (4) الغلاصم: جمع غلصمة وهي رأس الحلقوم والموضع الناتئ في الحلق، وقيل: اللحم بين الرأس والعنق. انظر: «لسان العرب» مادة «غلصم» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 397 «الذين» اسم موصول معطوف على اسم الموصول الذي قبله في قوله: (للذين يعملون (أي: وليست التوبة أيضاً للذين يموتون وهم كفار، أي: تخرج أرواحهم من أجسادهم وهم مازالوا على الكفر (1) . وفي عطف هؤلاء على من تيئيس لمن يحضرهم الموت وهم يعملون السيئات من قبول التوبة، فكما لا تقبل التوبة ممن يموتون على الكفر لا تقبل ممن يحضرهم الموت وهم يعملون السيئات. والكفر في الأصل: الستر، ومنه يقال للزارع كافر؛ لأنه يستر البذر في الأرض، قال تعالى: (كمثل غيث أعجب الكفار نباته ( [الحديد: 20] ، أي: الزرّاع. وهو نوعان: كفر أكبر مخرج من الملة موجب للخلود في النار، وكفر أصغر لا يخرج من الملة وهو موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اثنتان في أمتي هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت» (2) . والكفر الأكبر خمسة أنواع: كفر تكذيب وجحود، وكفر استكبار وإباء مع التصديق، وكفر إعراض، وكفر شك، وكفر نفاق (3) . والمراد بالتوبة بالنسبة للذين يموتون وهم كفار: ندمهم بعد الموت وتقطع قلوبهم حسرات على تفريطهم أيام الحياة، لأن من مات انقطع عمله، فلا توبة تقبل منه ولا عمل، لأن دار العمل هي الدنيا. أما الآخرة فهي دار الجزاء. قال تعالى: (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ( [محمد:34] .   (1) وقيل: المراد الذين يحضرهم الموت وهم كفار فلا تقبل توبتهم في هذه الحال عند حضور الموت، والظاهر أن هؤلاء يدخلون تحت قوله: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن (أما قوله: (ولا الذين يموتون وهم كفار (فالمراد بهم الذين يموتون على الكفر. انظر: «المحرر الوجيز» 4/57، «الجامع لأحكام القرآن» 5/93. (2) أخرجه مسلم في الإيمان 67. (3) انظر: «مدارج السالكين» 1/376 379. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 398 قال ابن عطية (1) : «والإيمان للكافر ليس نفس توبته، وإنما ندمه على سالف كفره» . وقال ابن كثير (2) : «يعني أن الكافر إذا مات على كفره وشركه، لا ينفعه ندمه وتوبته، ولا يقبل منه فدية، ولو بملء الأرض» . قال تعالى: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ( [الأنعام: 27، 28] . وقال تعالى: (أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ( [الزمر، 56 58] . قوله تعالى: (أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً (الإشارة للذين يموتون وهم كفار (3) ، لأن عذابهم محقق، أما من مات على ما دون الكفر من المعاصي فهو تحت مشيئة الله، إن شاء الله عذبه، وإن شاء عفا عنه وغفر له. قوله (أعتدنا لهم) أي: أعددنا وهيأنا وجهزنا لهم، ومنه العتاد (4) ، وهو ما يعد للضيف، وما يعده المسافر لسفره، ومنه العتيد قال تعالى: (وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ( [ق:23] ، أي: حاضر. وقد عبر عز وجل عن نفسه بضمير العظمة «نا» ، لأنه سبحانه هو العظيم ذو العظمة التامة. قوله: (عذاباً أليماً) : أليماً: «فعيلاً» بمعنى: «مفعلاً» أي: مؤلماً موجعاً غاية الإيلام والإيجاع (5) حسيًّا، ومعنويًّا. الفوائد والأحكام:   (1) انظر: «المحرر الوجيز» 4/52، 57. (2) في «تفسيره» 2/208. (3) انظر: «جامع البيان» 8/102، «التفسير الكبير» 10/8 9، «الجامع لأحكام القرآن» 5/93، «البحر المحيط» 3/202. (4) انظر: «مجاز القرآن» 1/120، «جامع البيان» 8/103. (5) انظر: «جامع البيان» 8/103، «معاني القرآن وإعرابه» للزجاج 2/28، «الجامع لأحكام القرآن» 5/93، «تفسير ابن كثير» 2/208. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 399 1 فضل الله سبحانه وتعالى على عباده، وامتنانه عليهم في إيجابه التوبة على نفسه، والتزامه بها لهم لقوله: (إنما التوبة على الله (، فهو سبحانه الذي منّ بالتوبة على من شاء من عباده، وهو الذي قبلها منهم. 2 أن لله عز وجل أن يوجب على نفسه ما شاء، وهذا من كماله عز وجل لقوله تعالى: (إنما التوبة على الله (، كما قال تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ( [الأنعام: 54] . وقال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون ( [الأعراف: 156] ، وقال تعالى: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ( [الشورى: 25] ، وقال تعالى: (وإني لغفار لمن تاب ( [طه: 82] ، وقال تعالى: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين ( [الروم: 47] . وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: «كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار، فقال: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟» قلت الله ورسوله أعلم. قال: «حق الله على العباد ألا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً» (1) .   (1) أخرجه البخاري في الجهاد والسير 2856، ومسلم في الإيمان 30، والترمذي في الإيمان 2643، وابن ماجه في الزهد 4296، وانظر «التوسل والوسيلة» ص55. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 400 فهو سبحانه الذي مَنّ على من شاء من عباده، فوفقهم للعمل، ومنَّ عليهم بقبوله منهم وإثابتهم عليه، ولهذا يسمي سبحانه جزاء الأعمال وثوابها «أجراً» (1) ، كما يسمي سبحانه الصدقة «قرضاً» (2) ، تفضلاً منه وامتناناً وإحساناً، وأنه سبحانه ألزم نفسه بالثواب لمن عمل صالحاً، ولقد أحسن القائل (3) : ما للعباد عليه حق واجب ... ... كلا ولا عمل لديه ضائع إن عُذِّبوا فبعدله أو نُعِّموا ... ... فبفضله وهو الكريم الواسع وأحسن من هذا قول ابن القيم في «النونية» (4) مضمناً مقاله هذين البيتين، ومبيناً أنه لا واجب على الله للعباد إلا ما أوجبه على نفسه بفضله ومنه، وأنه لا يضيع لديه عمل اشتمل على الإخلاص لله والإحسان في المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (5) . قال: ما للعباد عليه حق واجب ... ... هو أوجب الأجر العظيم الشان كلا ولا عمل لديه ضائع ... ... إن كان بالإخلاص والإحسان إن عذبوا فبعدله أو نعموا ... ... فبفضله والفضل للمنان كما أن له عز وجل أن يحرِّم على نفسه ما شاء، كما في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا» (6) . فله عز وجل إن يوجب على نفسه ما شاء، ويحرم على نفسه ما شاء. كما قال سبحانه وتعالى: (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون ( [الأنبياء: 23] .   (1) كقوله تعالى: (وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم (سورة آل عمران، الآية: (179) ، والآيات في هذا كثيرة جداً. (2) كقوله تعالى: (إن المصدّقين والمصّدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً (سورة الحديد الآية (18) والآيات في هذا كثيرة. (3) انظر: «الوابل الصيب» ص138، «شرح الطحاوية» 1/296. (4) ص149 150. (5) كما قال تعالى: (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن (سورة النساء الآية (125) . (6) أخرجه مسلم في البر والصلة 2577، والترمذي في صفة القيامة 2495، وابن ماجه في الزهد 4257 من حديث أبي ذر رضي الله عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 401 وليس للعباد أن يوجبوا عليه شيئاً، كما تقول المعتزلة ومن سلك مسلكهم في أن قبول التوبة واجب على الله بطريق العقل، ويرون أن الأعمال عوض عن دخول الجنة، وأن من عمل صالحاً وجب على الله أن يدخله الجنة بطريق العقل (1) . والصحيح عند أهل السنة أن العمل الصالح إنما هو سبب لدخول الجنة، ودخولها إنها هو برحمة الله، الذي كتب على نفسه الرحمة شرعاً وسمعاً، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» (2) . وكيف يجب على الله واجبات لخلقه بطريق العقل، علماً بأنه ينبغي أن يكون الموجِب فوق الموجَب عليه، والله جل وعلا فوق الجميع وربهم وخالقهم، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيراً (3) .   (1) انظر: «التفسير الكبير» 10/3، «التوسل والوسيلة» ص 54 55. (2) أخرجه البخاري في المرضى 5673، ومسلم في صفة القيامة والجنة والنار 2816، وابن ماجه في الزهد 4201 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وانظر: «التوسل والوسيلة» ص54 57. (3) انظر: «المحرر الوجيز» 4/52 54، «الجامع لأحكام القرآن» 5/91. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 402 3 الترغيب في التوبة، لأن الله أوجبها على نفسه، ويحب من اتصف بها، كما قال تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ( [البقرة: 222] ، وهي واجبة على جميع العباد، قال تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ( [النور: 31] (1) ، وقال صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فوالله إني لأتوب إليه في اليوم مائة مرة» (2) ، وقال صلى الله عليه وسلم: «لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم بضالته إذا وجدها بعد أن أيس منها وعليها طعامه وشرابه» (3) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية (4) «كل مؤمن لابد له من التوبة، ولا يكمل أحد إلا بها» وقال أيضاً (5) : «وليست التوبة نقصاً بل هي من أفضل الكمالات والله قد أخبر عن عامة الأنبياء بالتوبة والاستغفار: عن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم» . وقد قيل: «رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزًّا واستكباراً» (6) . 4 أن كل عامل للسوء فإنما يعمله بجهالة وسفه وعدم رشد، وأن كل ذنب عُصِيَ الله به فهو جهالة، سواء كان فاعله عالماً أو جاهلاً، ذاكراً أو ناسياً، متعمداً أو مخطئاً، مختاراً أو مكرهاً، لقوله: (للذين يعملون السوء بجهالة (.   (1) انظر: «المحرر الوجيز» 4/52، «الجامع لأحكام القرآن» 5/90، «مجموع الفتاوى» 15/403. (2) أخرجه مسلم في الذكر 2702 من حديث الأغر المزني رضي الله عنه. (3) أخرجه البخاري في الدعوات 6309، ومسلم في التوبة 2747 من حديث أنس رضي الله عنه، وأخرجه مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة وابن مسعود والنعمان بن بشير والبراء رضي الله عنهم 2675، 2744 2746. وانظر «مدارج السالكين» 1/240 241. (4) انظر: «مجموع الفتاوى» 15/55. (5) انظر: «مجموع الفتاوى» 15/51. (6) انظر: تفسير المنار» 5/399. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 403 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (1) : «فمن عصى الله فهو جاهل أيا كان، ومن أطاعه فهو عالم، ولهذا قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء (فكل عالم يخشاه، فمن لم يخش الله فليس من العلماء، بل من الجهال قال ابن مسعود: «كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار به جهلاً» وقال رجل للشعبي: أيها العالم فقال: إنما العالم من يخشى الله» . 5 أن من معاني الجهل: السفه وعدم الرشد في الدين، لأن المراد بقوله (بجهالة) بسفه وعدم رشد، كما قال تعالى: (ومن يرغب من ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ( [البقرة: 130] . وقال تعالى: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين ( [الأنعام: 140] . وليس معنى الجهالة في الآية الجهل ضد العلم، لأن التوبة تقبل ممن عمل السوء عالماً بالإجماع (2) ، كما قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * واتبعوا أحسن ما أنزل من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ( [الزمر: 53 55] . بل إن من شرط المؤاخذة على الذنب كون مرتكبه عالماً بأنه ذنب ومعصية، لأن الجاهل غير مؤاخذ كما قال تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا (قال الله في الحديث القدسي: «قد فعلت» (3) .   (1) في «مجموع الفتاوى» 16/178 179. (2) انظر: «التفسير الكبير» 10/4. (3) أخرجه مسلم في الإيمان 126، والترمذي في التفسير 2992 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 404 فإن كانت المعصية التي فعلها جهلاً أوخطأً من باب الإخلال بالمأمور، فعليه أن يأتي بما أخل به أو بما يجبره، فمن ترك التشهد الأول في الصلاة مثلاً فعليه أن يأتي به ما لم يستتم قائماً، وإلا جبره بسجود السهو، ومن أخل بالطمأنينة في الصلاة فعليه أن يعيدها بطمأنينة، كما قال صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: «ارجع فصل فإنك لم تصل» (1) . وإن كانت المعصية التي ارتكبها جهلاً أو خطأً، من باب ارتكاب المحظور كحلق الشعر بالنسبة للمحرم فلا شيء عليه إلا في القتل خطأ فإن القاتل تلزمه الكفارة حقاً لله تعالى، وإن كان غير آثم، كما يجب عليه التوبة، وكذا كل من عمل معصية من ترك مأمور أو انتهاك محظور، وإن كان ذلك خطأ لقوله في كفارة القتل الخطأ: (فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً ( [النساء: 92] ، أما ما كان من حقوق الآدميين فلا يسقط بحال، بل يجب عليه أداؤه وإن كان إتلافه له جهلاً منه أو خطأ (2) . 6 وجوب المبادرة إلى التوبة لقوله: (ثم يتوبون من قريب (أي: قبل حضور الموت، وإذا كان الإنسان لا يدري متى يحضره الموت، ويفجأه الأجل، فالواجب عليه المبادرة بالتوبة حتى لا يأتيه الموت على غرة، وهو مقيم على المعصية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» . وكان ابن عمر يقول: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك» (3) .   (1) أخرجه البخاري في الأذان 757، ومسلم في الصلاة 397 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (2) انظر: «مجموع الفتاوى» 18/258 259. (3) أخرجه البخاري في الرقاق 6416، والترمذي في الزهد 2333، وابن ماجه في الزهد 4114، من حديث ابن عمر رضي الله عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 405 7 أن من شرط قبول التوبة أن يتوب الإنسان من قريب أي في الحياة، وقبل حضور الموت، لقوله: (ثم يتوبون من قريب (لكن ليس من شرط قبول التوبة أن تكون عقب الذنب مباشرة، لأن «ثم» للتراخي، لكن الواجب كما سبق المبادرة إليها. 8 التحذير من الإصرار على المعصية والتسويف، وتأخير التوبة لقوله: (ثم يتوبون من قريب (لأن الإصرار على المعصية قد يكون سبباً لعدم التوفيق للتوبة وعدم قبولها وسبباً لقسوة القلب وانطماس البصيرة والعياذ بالله، قال تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ( [المطففين: 14] . وفي الحديث: «إن المؤمن إذا أذنب ذنباً نكتت في قلبه نكتة سوداء» (1) . والإصرار على الصغائر يجعلها كبائر. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار» (2) . وكما قيل: لا تحقرن من الذنوب صغيرة ... ... إن الصغير غداً يكون كبيراً وقال الآخر: لا تحقرن صغيرة ... ... إن الجبال من الحصا (3) 9 أن من تاب عن قرب عهد بالمعصية فهو أحرى من غيره بقبول التوبة، لقوله: (ثم يتوبون من قريب (. 10 قبول التوبة ممن تاب من قريب، لأن الله حصر التوبة فيهم، فقال: (إنما التوبة على الله للذين يعلمون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب (، ثم أكد ذلك بقوله: (فأولئك يتوب الله عليهم (. 11 إثبات اسم الله تعالى «العليم» وما يدل عليه من إثبات صفة العلم التام الشامل لله عز وجل، لقوله: (وكان الله عليما (. 12 إثبات اسم الله تعالى «الحكيم» وما يدل عليه من إثبات صفة الحكم والحكمة لله عز وجل: الحكم الشرعي والكوني والجزائي، والحكمة بقسميها: الغائية والصورية.   (1) أخرجه الترمذي في التفسير 3334، وابن ماجه في الزهد 4244، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وحسنه الألباني. انظر: «صحيح سنن ابن ماجه» 3422. (2) أخرجه الطبري 8/245 الأثر 9207. (3) البيت لابن المعتز، انظر: «ديوانه» 2/376. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 406 13 أن الله عز وجل شرع التوبة لعباده عن علم منه وحكمة، وذلك لضعفهم أمام نوازع الشر، ووفق بعلمه وحكمته للتوبة من شاء منهم، وخذل من شاء فلم يوفقه لها لقوله: (وكان الله عليماً حكيماً (. 14 أن الكمال في اجتماع العلم والحكمة. فالعلم وحده لا يكفي، بل قد يضر إذا صاحبه طيش وعجلة، والحكمة وحدها لا تكفي بدون العلم، بل قد تضر إذا صاحبها الجهل. ولهذا وصف الله عز وجل نفسه بأكمل الكمالين، وهو اجتماع العلم والحكمة، وكمال كل منهما وتمامه، فقال: (وكان الله عليماً حكيماً (. 15 بلوغ القرآن الكريم الغاية في الإيضاح والبيان، لأن الله عز وجل حصر التوبة في الذين يعملون السوء بجهالة، ثم يتوبون من قريب. ومفهوم هذا أن من استمر على عمل السوء حتى حضره الموت ليس له توبة، وتوكيداً لذلك وزيادة في البيان والإيضاح جاء التصريح بهذا المفهوم بقوله تعالى: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن (. 16 أن التوبة تنقطع بحضور الموت، لقوله تعالى: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ((1) .   (1) وما جاء في حديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله» الحديث أخرجه البخاري في التفسير 4675، ومسلم في الإيمان 24، والنسائي في الجنائز 2035، وأحمد 5/433. ... فالمراد بقوله: لما حضرت أبا طالب الوفاة، أي: قربت وفاته، وحضرت دلائلها، وذلك قبل المعاينة وقبل النزع، ولهذا كان أبو طالب يحاور النبي صلى الله عليه وسلم. أما بعد رؤية الملائكة والشروع في النزع فلا تقبل التوبة. انظر: «شرح صحيح مسلم» 1/164. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 407 وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» (1) . لأن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار لا اختيار، فلا تنفع صاحبها. كما تنقطع التوبة بطلوع الشمس من مغربها كما قال عز وجل: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً (. قال ابن القيم (2) : «وأما إذا وقع في السياق، فقال: إني تبت الآن لم تقبل توبته، ذلك لأنها توبة اضطرار، لا اختيار، فهي كالتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها ويوم القيامة، وعند معاينة بأس الله» . فتجب المبادرة إلى التوبة والحذر من التسويف مادامت التوبة ممكنة وبابها مفتوحاً، قبل غلق الباب وطي الكتاب، وهذا هو أحد شروط التوبة، وهو أن تكون في وقتها الذي تصح فيه، وذلك أن شروط التوبة خمسة: الشرط الأول: الإخلاص لله تعالى، بأن تكون التوبة صادقة نصوحاً، ابتغاء وجه الله، وطلب مرضاته ومحبته، والخوف من عذابه، لا رياءً، ولا سمعةً، ولا خوفاً من مخلوق، ولا لغرض دنيوي ونحو ذلك، قال تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ( [التحريم: 4] ، والإخلاص شرط في جميع الأعمال، قال تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعباده ربه أحداً ( [الكهف: 110] . وقال تعالى في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه» (3) .   (1) أخرجه الترمذي في الدعوات 3537، وابن ماجه في الزهد 4253 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وحسنه الألباني. (2) في «مدارج السالكين» 1/283 284، وانظر: «مدارك التنزيل» 1/302. (3) أخرجه مسلم في الزهد والرقائق 2985، وابن ماجه في الزهد 4202 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 408 الشرط الثاني: الإقلاع عن المعصية، وتركها والبعد عنها، فإن كان فيها حق لآدمي من دم أو مال أو غير ذلك، وجب رده إليه أو استحلاله منه. قال صلى الله عليه وسلم: «من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئاته فطرحت عليه» (1) . وإن كان حق عرض من غيبة أو نميمة استحله منه إن أمكنه ذلك ولم يخشَ شراً بسبب ذلك، فإن لم يمكنه ذلك أو خشي أن يحصل شر بسبب إعلامه بذلك خاصة إذا عرف أنه لم يعلم بذلك؛ استغفر له، وأثنى عليه بخير في المواضع التي اغتابه فيها. ومن هنا يعلم أن رد حقوق الآدميين لا يعتبر شرطاً مستقلاً كما يذكره بعض أهل العلم بل إنه داخل ضمن شرط الإقلاع عن المعصية، إذ كيف يعد مقلعاً عن المعصية من كانت حقوق الناس عنده. فإذا كان صاحب الحق قد مات رد ذلك الحق إلى ورثته فإن لم يمكن رده تصدق به عنهم واستغفر للميت، ومن الإقلاع عن المعصية الاعتراف والإقرار، قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «إن كنت ألممت بشيء فأقري، فإن الاعتراف توبة» (2) . الشرط الثالث: الندم على فعل المعصية بحيث يحس بحرقة وحزن وأسى في نفسه على ارتكابه هذه المعصية، ويود أنه لم يفعل ذلك، ولا يكون تائباً من كان عديم المبالاة بما ارتكب من معصية الله. وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الندم توبة» (3) . الشرط الرابع: العزم الأكيد في نفسه على ألا يعود إلى تلك المعصية بحيث يصمم ويعزم على ألا يرتكب تلك المعصية مرة ثانية.   (1) أخرجه البخاري في الرقاق 6534، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (2) أخرجه البخاري في التفسير 4750. (3) أخرجه ابن ماجه 4252، وأحمد 1/376، وصححه أحمد شاكر برقم 3568، وصححه الألباني. انظر: «صحيح الروض» 644، «صحيح سنن ابن ماجه» 3429. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 409 فإن أضمر في نفسه أنه سيعود إليها فلا يعد تائباً، لأن فعله هذا استهزاء ومخادعة لمن يعلم السر وأخفى، لكن لو تاب وعزم على ألا يعود إلى المعصية لكن غلبه شيطانه وهواه ونفسه الأمارة بالسوء فعاود المعصية مرة ثانية فتوبته الأولى صحيحة لكن عليه أن يجدد التوبة من معاودته للمعصية، وهكذا كلما وقع في المعصية فعليه تجديد التوبة ما لم يضمر العودة إليها فلا توبة له. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولو تاب العبد، ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى، ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضاً، ولا يجوز للمسلم إذا تاب، ثم عاد، أن يصر، بل يتوب، ولو عاد في اليوم مائة مرة» (1) . الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقتها قبل حضور الموت وغلبة المرء على نفسه وبلوغ الروح الحلقوم، وقبل طلوع الشمس من مغربها. أما الأول فلقوله تعالى: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن (. وقوله: (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ( [غافر: 84، 85] . وقال تعالى: (حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين * ألآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ( [يونس: 90، 91] . وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» (2) . وأما الثاني: وهو طلوع الشمس من مغربها فلقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» (3) .   (1) انظر: «مجموع الفتاوى» 16/58. (2) سبق تخريجه في الحاشية رقم (77) (3) أخرجه أبوداود في الجهاد 2479، والدارمي في السير 2513. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 410 وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (1) . وجعل بعض أهل العلم من شرط التوبة أن يتوب عن جميع المعاصي، لأن هذا هو مقتضى تعظيم التائب لربه أن ينزع عن جميع المعاصي، وجعل بعضهم هذا شرطاً سادساً من شروط التوبة، واستدلوا بقوله تعالى: (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( [الفرقان: 70. وبقوله تعالى: (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ( [النساء: 16] . وبقوله تعالى: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ( [المائدة: 39] . وقال بعضهم: إنما يشترط للتوبة أن لا يصر على ذنب من جنس الذنب الذي تاب منه فيشترط فيمن تاب من الزنا أن يتوب عن دواعيه من النظر المحرم، والخلوة المحرمة واللمس المحرم، ونحو ذلك. ولا يشترط لها أن يتوب عما ليس من جنسه فتقبل توبته عن الزنا، وإن كان مرتكباً لمعصية الإسبال مثلاً.   (1) أخرجه مسلم في التوبة 2759، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 411 والصحيح أن التوبة من ذنب تقبل وإن كان مصرًّا على غيره، خلافاً للمعتزلة الذين يقولون لا يعتبر تائباً من أقام على ذنب وذلك لأن من تاب من ذنب يقال له تائب مطلق توبة. ومن عدل الله عز وجل أن يجازيه على توبته من ذلك الذنب، كما قال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ( [الزلزلة: 7، 8] ، لكن لا يستحق الوصف بالتوبة المطلقة إلا من تاب من جميع الذنوب وأصلح جميع أعماله. فهذا هو التائب التوبة المطلقة من جميع الذنوب (1) . 17 أن جميع إقرارات المحتضر على نفسه أو ماله وتبرعاته وسائر تصرفاته في هذه الحال لا اعتبار لها، لقوله: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن (فلو تصدق في هذه الحال لم ينفعه ذلك بل ولا تنفذ صدقته إلا بإجازة الورثة، قال تعالى: (وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ( [المنافقون: 10] . وقال صلى الله عليه وسلم: «خير الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر، ولا تهمل حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان» (2) . 18 أن الذين يموتون وهم كفار لا توبة لهم ولا ينفعهم ندمهم يوم القيامة، لقوله: (ولا الذين يموتون وهم كفار (.   (1) انظر: «المحرر الوجيز» 4/52، «الجامع لأحكام القرآن» 5/91، «الاختيارات الفقهية» ص297، «مجموع الفتاوى» 16/58، «مدارج السالكين» 1/212، 306 310، 325 326، 342 343، 375، 429، 434، «تفسير ابن كثير» 7/364، «شرح الطحاوية» 2/451، وانظر كلام الشيخ محمد بن صالح العثيمين على هذه الآية في دروس التفسير. (2) أخرجه البخاري في الزكاة 1419، ومسلم في الزكاة 1032، وأبوداود في الوصايا 186، والنسائي في الزكاة 2542، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 412 19 تيئيس من يحضرهم الموت وهم مصرون على عمل السيئات في عدم قبول توبتهم، وذلك بقرنهم مع الذين يموتون وهم كفار، مع أن هؤلاء ماتوا على الكفر ولا توبة لهم. 20 أن النار موجودة الآن، لقوله (أعتدنا) أي: أعددنا وهيأنا. خلافاً لمن قال: إنها لم تخلق بعد (1) . 21 أن الله أعد للذين يموتون وهم كفار عذاباً مؤلماً موجعاً حسيًّا ومعنويًّا، لقوله: (أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً (. 22 تعظيم الله عز وجل لنفسه لقوله: (أعتدنا) بضمير العظمة «نا» . 23 أن أهل النار المعذبين بها يتألمون على الدوام بما فيها من العذاب ألماً حسيًّا ومعنويًّا لقوله (عذاباً أليماً (. وفي هذا إبطال لقول من يقول إنهم يكونون جهنميين ويتكيفون فيها ويتأقلمون، فلا يضرهم حرها ولا يحسون بألم العذاب فيها، أو تكون طبيعتهم طبيعة نارية فيتلذذون بالنار لموافقتها لطبعهم (2)   (1) انظر: «التفسير الكبير» 10/9، «شرح الطحاوية» 2/614، وما بعدها. (2) انظر: «شرح الطحاوية» 2/624 625. وانظر: كلام الشيخ محمد بن صالح العثيمين على هذه الآية في دروس التفسير. المصادر والمراجع الاختيارات الفقهية لابن تيمية، 728هـ تحقيق: محمد حامد الفقي. البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، 754هـ مكتبة النصر الحديثة، الرياض. بدائع الفوائد لابن القيم، 751هـ - دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزيّ الكلبي، الطبعة الثانية 1392هـ 1973، دار الكتاب العربي، بيروت. تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) لمحمد رشيد رضا، طبعة 1414هـ 1993م، دار المعرفة بيروت. تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير م 774هـ، طبعة دار الشعب، مصر. التفسير الكبير للرازي، 604هـ، الطبعة الأولى 1411هـ 1990م، بيروت. تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، 1376هـ، تحقيق: محمد زهدي النجار، الطبعة الأولى 1408هـ 1998م. الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، 671هـ، طبعة 1387هـ 1967م. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، 310هـ، تحقيق: شاكر، طبعة دار المعارف، والطبعة الثالثة 1388هـ 1968م، مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر. الجامع الصغير للسيوطي، 911 هـ، الطبعة الأولى 1401هـ 1981م، دار الفكر. حلية الأولياء، لأبي نعيم، 430هـ، الطبعة الرابعة 1405هـ، دار الكتاب العربي. دقائق التفسي، ر لابن تيمية، تحقيق: محمد السيد الجليد، الطبعة الثانية 1404هـ 1984م، مؤسسة علوم القرآن. ديوان ابن المعتز، تحقيق: محمد بديع شريف طبع دار المعارف، مصر. ديوان محمود الوراق،جمع وتحقيق: د. وليد قصاب، الطبعة الأولى 1412هـ. سنن ابن ماجه م 275هـ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، طبعة 1372هـ 1952م، دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي. سنن أبي داود م 275هـ، تعليق: عزت الدعاس، الطبعة الأولى 1388هـ 1969م. سنن الترمذي، 279هـ، تحقيق: أحمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي المكتبة الإسلامية. سنن الدارمي، 255هـ، دار الكتب العلمية بيروت لبنان. سنن النسائي، 303هـ، تحقيق: أبي غدة الطبعة الرابعة نشر دار البشائر الإسلامية. شرح ابن عيسى للنونية نشر المكتب الإسلامي، بيروت. شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الدمشقي، الطبعة الأولى 1408هـ 1988م، مؤسسة الرسالة. شعب الإيمان للبيهقي، 458هـ، الطبعة الأولى 1410هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. صحيح البخاري مع فتح الباري، تصحيح وتحقيق: بإشراف الشيح عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئاسة البحوث العملية والإفتاء والدعوة والإرشاد. صحيح الجامع الصغير، للسيوطي، 911، تحقيق: الألباني، الطبعة الأولى 1388هـ، نشر المكتب الإسلامي. صحيح مسلم، 261هـ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي الطبعة الثانية 1398هـ 1978م، دار الفكر العربي، بيروت. الكشاف للزمخشري، 538 هـ، دار المعرفة، بيروت. مجاز القرآن، لأبي عبيدة، 210هـ الطبعة 1401هـ 1981م. مجموع فتاوى شيخ الإسلام، لابن تيمية، الطبعة الأولى 1398هـ. المحرر الوجيز، لابن عطية الأندلسي، 546هـ، تحقيق: المجلس العلمي بفاس 1397هـ 1977م. مدارج السالكين، لابن القيم، 751هـ، الطبعة الأولى 1412هـ 1991م، دار الجيل، بيروت. مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي م 701هـ المكتبة الأموية بيروت دمشق. المستدرك للحاكم النيسابوري م 405هـ، نشر دار الفكر، وطبعة 1411هـ، تحقيق عبد القادر عطا نشر دار الكتب العلمية. مسند الإمام أحمد، الطبعة الثانية 1398هـ 1978م، المكتب الإسلامي، بيروت. معالم التنزيل للبغوي، 516هـ، الطبعة الأولى 1406هـ 1986م، دار المعرفة، بيروت. معاني القرآن وإعرابه، للزجاج، منشورات المكتبة العصرية صيدا بيروت. النكت والعيون، للماوردي، 450هـ تحقيق: خضر محمد خضر، الطبعة الأولى 1402هـ. النونية، لابن القيم، 751هـ، طبعة سنة 1344هـ، مطبعة التقدم العلمية بمصر. الوابل الصيب، لابن القيم، 751هـ، تحقيق وتعليق: الشيخ إسماعيل الأنصاري، نشر وتوزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 413 قال تعالى: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ( [النساء: 56] . وقال تعالى: (ولهم عذاب مقيم ( [المائدة: 37] ، [التوبة: 68] . وقال تعالى: (لا يفتر عنهم وهم فيه مبسلون ( [الزخرف: 75] . * * * الخاتمة: الحمد لله الذي بمنه وفضله تتم الصالحات والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد: فمن خلال هذا البحث الموجز في موضوع التوبة وشروطها من خلال قول الله عز وجل في سورة النساء (إنما التوبة على الله (الآية، والآية بعدها ظهرت لنا النتائج التالية: أ – فضل الله عز وجل على عباده في إيجابه التوبة على نفسه منة منه وتكرماً، وأنه سبحانه يوجب على نفسه ما شاء. ب – الترغيب في التوبة، بل ووجوبها على العباد لأن الله أوجبها على نفسه ويحب من اتصف بها، ولهذا أوجبها على العباد. ج - أن كل عامل للسوء إنما يعمله بجهالة وسفه وعدم رشد وإن كل ذنب عصى الله به فهو جهالة أياً كانت حال فاعله. د - وجوب المبادرة إلى التوبة، وأن من شرط قبولها أن يتوب الإنسان من قريب في الحياة قبل بلوغ الروح الحلقوم، والتحذير من الإصرار على المعصية وتأخير التوبة لأن الإصرار على المعصية قد يكون سبباً لعدم التوبة أو عدم قبولها. هـ - علم الله التام وحكمته البالغة ولهذا شرع سبحانه وتعالى التوبة لعباده. إلى غير ذلك من النتائج التي تظهر جلية خلال هذا البحث. والله أسأل أن يوفق الجميع لجميع ما يحبه ويرضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 414 الأوقاف في العصر الحديث كيف نوجهها لخدمة الجامعات وتنمية مواردها د. خالد بن علي بن محمد المشيقح الأستاذ المشارك بقسم الفقه بكلية الشريعة وأصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم ملخص بحث اشتمل البحث على تمهيد وثلاثة مباحث: أما التمهيد فتناول تعريف الوقف لغة واصطلاحاً، وأدلة مشروعية الوقف وأقسام الوقف وأهدافه، ونبذة تاريخية عن الوقف. وأما المبحث الأول: فتناول الوقف على العلم، وفيه بيان شرعيته، والوقف على دور العلم، ومصادره. وأما المبحث الثاني: فتناول الإفادة من الأوقاف الواقعة في نشر العلم، وفيه البحث في شرط الواقف، وحكم تغييره، وأقسام ذلك، وإمكانية الإفادة من الوقف إذا كان مصرفه طرق الخير، ونقل الوقف من محلة إلى أخرى، والإفادة من الوقف المنقطع. وأما المبحث الثالث: فتناول السبل الشرعية للحث على تحبيس الأموال على دور العلم سواء كان ذلك في ميدان الدعوة، أو السياسة والحكم، أو الاقتصاد ثم بعد ذلك ختم البحث بأبرز النتائج، وبعض التوصيات. * * * المقدمة إن الحمد لله، أحمده، وأستعينه، وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ((1) . (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ((2) .   (1) لحواشي والتعليقات () ... سورة آل عمران: 102. (2) ... سورة النساء: 1. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 415 (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ((1) . أما بعد: فقد جاءت الشريعة الإسلامية بالحث على عمل الخير، والإنفاق في سبيل الله، ومن ذلك توقيف الأموال وتحبيسها على أبواب البر والإحسان، فإن الوقف من الصدقات الجارية في حياة المتصدق وبعد وفاته، يعم خيرها، ويكثر برها، وتتضافر بها الجماعة في مد ذوي الحاجات، وإقامة المساجد، وإنشاء دور الخير من مستشفى جامع يطب أدواء الناس، ومدارس ومعاهد تنشر العلم وترفع الجهل، ونزل تؤي أبناء السبيل، وملاجىء تؤوي اليتامى، ولذا تكاثرت أبواب البر بأوقاف الصحابة، ثم التابعين، ثم من جاؤوا من بعدهم واتبعوا هديهم بإحسان، ولم يكن ذلك مقصوراً على الإنفاق على الفقراء، والمساجد، والمدارس والوقف عليها، بل أوقفوا الأموال على الحيوانات والبهائم المريضة والمسنة، إلى غير ذلك مما لا يمكن حصره، كل ذلك يتم برغبة خالصة ابتغاء مرضاة الله عز وجل. وقد ظل الوقف طول تاريخ الإسلام يؤدي دوره على وجه التمام وخصوصاً فيما يتعلق بالعلم ودوره من حلقات في المساجد، وكتاتيب، ومدارس. ومن هنا أحببت أن أجلي هذه المسألة، وأن أكتب في دور الوقف في نشر العلم؛ لما يترتب على ذلك من فائدة عظيمة تظهر في الحث على التحبيس على العلم وأهله، وتنشيط الهمم على ذلك أو بيان أثر الوقف في ذلك، فكانت الكتابة في: " الأوقاف في العصر الحديث كيف نوجهها لدعم الجامعات وتنمية مواردها ". وقد رأيت جعل ما كتبته في تمهيد، وثلاثة مباحث: - التمهيد، ويشتمل على أربعة مطالب: ... المطلب الأول: تعريف الوقف لغة. ... المطلب الثاني: تعريف الوقف في الاصطلاح. ... المطلب الثالث: أدلة مشروعيته.   (1) ... سورة الأحزاب: 70-71. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 416 .. المطلب الرابع: أقسام الوقف، وأهدافه. ... المطلب الخامس: نبذة تاريخية عن الوقف. المبحث الأول: الوقف على العلم، وفيه مطالب: ... المطلب الأول: شرعيته. ... المطلب الثاني: الوقف على دور العلم، وفيه أمور: ... الأمر الأول: الوقف على الأزهر، ودور الوقف في دعمه. ... الأمر الثاني: الوقف على الكتاتيب. ... الأمر الثالث: الوقف على المدارس. ... المطلب الثالث: الوقف على المكتبات. المبحث الثاني: الإفادة من الأوقاف الواقعة في نشر العلم: ... المطلب الأول: إمكانية الإفادة بتغيير شرط الواقف، وفيه أمران: ... الأمر الأول: قول العلماء شرط الواقف كنص الشارع. ... الأمر الثاني: أقسام تغيير شرط الواقف، وخلاف العلماء في ذلك. ... المطلب الثاني:الإفادة من الوقف إذا كان مصرفه في سبيل الله، أو طرق الخير، والثواب. المطلب الثالث: الإفادة من نقل الوقف من محلة إلى محلة أخرى. المطلب الرابع: الإفادة من الوقف المنقطع. المبحث الثالث: السبل الشرعية للحث على تحبيس الأموال على دور العلم، ومنها الجامعات: وفيه مطالب: ... المطلب الأول: في ميدان الدعوة. ... المطلب الثاني: في ميدان السياسة والحكم. ... المطلب الثالث: في ميدان الاقتصاد. وقد سلكت في كتابة هذا البحث المنهج العلمي في كتابة البحوث العلمية. فقمت بترقيم الآيات القرآنية، وتخريج الأحاديث النبوية، وآثار الصحابة -رضي الله عنهم-. وتحرير مذاهب الأئمة، وتوثيق أقوال العلماء من مصادرها المعتبرة حسب المستطاع، وبيان أدلتهم، وما ورد عليها من مناقشات (1) . ثم ختمت البحث بأبرز النتائج التي توصلت إليها. والله أسأل أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. *** التمهيد:   (1) ... لم أترجم لشيء من الأعلام خشية الإطالة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 417 المطلب الأول: معنى الوقف لغة قال ابن فارس: " الواو والقاف والفاء: أصل واحد يدل على تمكُّث في شيء ثمّ يقاس عليه، والوقف مصدر ... " (1) . وقال الفيومي: " وقفت الدابة تقف وَقْفاً ووقوفاً: سكنت، ووقفتها يتعدى، ولا يتعدى ... " (2) . " أما أوقف فهي لغة رديئة " (3) . وقيل للموقوف " وقف " تسمية بالمصدر، ولذا جمع على " أوقاف " كوقت وأوقات (4) . والوقف هو: الحبس، والتسبيل (5) ، يقال: وقفت الدابة وقفاً حبستها في سبيل الله. والحبس: المنع (6) . وهو يدل على التأبيد، يقال: وقف فلان أرضه وقفاً مؤبداً، إذا جعلها حبيساً لا تباع ولا تورث (7) . المطلب الثاني: تعريف الوقف في الاصطلاح اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفهم للوقف شرعاً، وذلك تبعاً لاختلافهم في لزوم الوقف وعدم لزومه، ومصير العين الموقوفة بعد الوقف، وغير ذلك. وهذه طائفة من هذه التعريفات: التعريف الأول: هو تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف وغيره في رقبته، يصرف ريعه إلى جهة برّ تقرباً إلى الله تعالى.   (1) ... انظر: معجم مقاييس اللغة، مادة (وقف) 6/135. (2) ... المصباح المنير 2/696، مادة (وقف) . (3) ... لسان العرب 9/359، مادة (وقف) ، والمصباح المنير 2/669، مادة (وقف) . (4) ... انظر: تهذيب اللغة 9/333. (5) ... ينظر: الصحاح 4/1440، ولسان العرب 9/359، والمطلع ص285. (6) ... انظر: المغرب 1/176، مادة (حبس) . (7) ... انظر: اللسان ص63، مادة (أبد) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 418 وإلى هذا التعريف ذهب الشافعية (1) ، والحنابلة (2) ، على أن بعضهم يترك بعض القيود للعلم بها، ولهذا عرّفه بعض أصحاب هذا القول بقوله: "تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة" (3) . قال المرداوي: أراد من حدّ بهذا الحدّ مع شروط الوقف المعتبرة، وأدخل غيرهم الشروط في الحدّ (4) . شرح التعريف: قولهم: "تحبيس مالك": سواء بنفسه أو نائبه. وقولهم: "مطلق التصرف": ومَنْ له مطلق التصرف هو: المكلف، البالغ العاقل، الحرّ، الرشيد (5) . وهذان القيدان لم يذكرهما الشافعية في تعريفاتهم للعلم بهما، ولاشتراطهما لكل تصرف يرتب عليه الشارع أثراً شرعياً، فهم يشترطون في الواقف " صحة عبارته، وأهلية التبرع " (6) . وقولهم: "تحبيس " إشارة إلى الصيغة. وقولهم: "ماله ": أي الشرعي، فخرج ما ليس شرعياً كالمحرم، وما كان مختصاً ككلب الصيد، ولهذا جاء في مطالب أولي النهى (7) : " وعلم منه: أنه لا يصح الوقف من نحو مكاتب، ولا سفيه، ولا وقف نحو الكلب والخمر ... ". وقولهم: "المنتفع به ": أي سواء كان الانتفاع به في الحال، أم لا كعبد صغير، وخرج بذلك: ما لا يمكن الانتفاع به نحو الحمار الزمن الذي لا يرجى برؤه. وقولهم: " مع بقاء عينه ": أي ولو مدة قصيرة أقلها زمن يقابل بأجرة، وخرج به: ما لا ينتفع به إلا بذهاب عينه كشمعة للوقود وريحان مقطوع للشم وطعام للأكل، فلا يصح وقف شيء من ذلك؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا مع ذهاب عينه (8) .   (1) ... الإقناع للشربيني 2/26، وفتح الوهاب 2/256، وتحفة المحتاج 6/235. (2) ... انظر: المطلع 285، التنقيح 185، وشرح المنتهى للبهوتي 2/489. (3) ... المغني 8/184. (4) ... الإنصاف 7/3. (5) ... ينظر: مطالب أولي النهى 4/270. (6) ... ينظر: منهاج النووي مع مغني المحتاج 2/376. (7) ... 4/271. (8) ... ينظر: حاشية الباجوري على الغزي 2/69، وفتح الوهاب 2/256. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 419 وقولهم: " بقطع تصرف الواقف وغيره في رقبته ": متعلق بتحبيس على أنه تبيين له، أي: إمساك المال عن أسباب التملكات بقطع تصرف واقفه وغيره في رقبته بشيء من التصرفات (1) . وقولهم: "بصرف ريعه": أي غلّة المال وثمرته ونحوها، بسبب تحبيسه (2) . وقولهم: " إلى جهة برّ ": هذا معنى قولهم " وتسبيل المنفعة " أي إطلاق فوائد العين الموقوفة من غلّة وثمرة وغيرها للجهة المعينة (3) . والمراد بجهة البرّ: ما عدا الحرام، ولذلك عبر بعض الفقهاء بقولهم: "على مصرف مباح " (4) ، فيخرج به المصرف الحرام، وزاد بعضهم كلمة "موجود" فقال " على مصرف مباح موجود" (5) ، واشتراط كونه موجوداً مسألة خلافية (6) ، ولهذا ذكر أبو الضياء: أن الأولى حذف كلمة " موجود " ليتأتى التعريف على كلا القولين (7) .   (1) ... ينظر: مطالب أولي النهى 4/271. (2) ... المصدر السابق. (3) ... انظر: كشاف القناع 4/241. (4) ... انظر: تحفة المحتاج 6/235، قليوبي وعميرة 3/97، أسنى المطالب 2/457، فتح الجواد 1/613. (5) ... انظر: نهاية المحتاج 5/358، مغني المحتاج 2/376، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2/26. (6) ... انظر: روضة الطالبين 5/327. (7) ... حاشية أبي الضياء على نهاية المحتاج 5/358. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 420 وقولهم: " تقرباً إلى الله تعالى "، أي لأجل التقرب إلى الله تعالى، وإن لم يظهر فيه قصد القربة كالوقف على الأغنياء (1) تودداً، أو على أولاده خشية بيعه بعد موته وإتلاف ثمنه من غير أن يخطر القربة بباله، بل قد يخطر بباله القصد المحرم كأن يستدين حتى يستغرق الدين ماله، وهو مما يصح وقفه فيخشى أن يحجر عليه ويباع ماله في الدين فيقفه، ليفوت على رب الدين، ويكون وقفاً لازماً، لكونه قبل الحجر عليه مطلق التصرف في ماله لكنه آثم بذلك، ومنهم مَنْ يقف على ما لا يقع عليه غالباً إلا قربة كالمساكين والمساجد، قاصداً بذلك الرياء، فإنه يلزم ولا يثاب عليه؛ لأنه لم يبتغ به وجه الله تعالى" (2) . التعريف الثاني: هو حبس العين على حكم ملك الله تعالى فيزول ملك الواقف عنه إلى الله تعالى على وجه تعود منفعته على العباد، فيلزم ولا يباع، ولا يوهب، ولا يورث. وإلى هذا التعريف ذهب أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة، وهو المذهب عند الحنفية (3) . والمعوّل والفتوى على قولهما (4) . التعريف الثالث: هو حبس العين على ملك الواقف والتصدق بمنفعتها، أو صرف منفعتها على من أحب. وإلى هذا القول ذهب الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- (5) . قوله: " على ملك الواقف ": إذ عند أبي حنيفة: أن الرقبة ملك الواقف حقيقة في حياته، وملك لورثته بعد وفاته بحيث يباع ويوهب، بخلاف ما عليه الصاحبان (6) . التعريف الرابع: إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيه، ولو تقديراً.   (1) ... انظر: حاشية الباجوري 2/70. (2) ... انظر: مطالب أولي النهى 4/271. (3) ... انظر: الهداية مع فتح القدير 6/203. (4) ... انظر: حاشية الشلبي على تبيين الحقائق 3/325. (5) ... انظر: الهداية مع فتح القدير 6/203. (6) ... ينظر: حاشية الطحطاوي 2/528. وص الجزء: 12 ¦ الصفحة: 421 وهذا تعريف ابن عرفة، وعليه كثير من المالكية (1) . فقوله: "إعطاء منفعة" قيد أخرج عطية الذات، فإنها إما هبة، أو صدقة (2) . قوله: " مدة وجوده " أي الموقوف. وفي الفواكه الدواني (3) : " خلاف المعتمد، أو أنه بنى تعريفه على الغالب، فلا ينافي أنه يصح الوقف مدة من الزمان، ويصير الذي كان موقوفاً ملكا". قوله: " لازماً بقاؤه في ملك معطيه " قيد خرج به العبد المخدم حياته يموت قبل موت ربه، لعدم لزوم بقائه في ملك معطيه؛ لجواز بيعه برضاه مع معطاه. قوله: " ولو تقديرا " يحتمل: ولو كان الملك تقديرا كقوله: إن ملكت دار فلان فهي حبس. ويحتمل: ولو كان الإعطاء تقديرا كقوله: داري حبس على من سيكون (4) . وأقرب التعاريف هو الأول؛ إذ هو أجمع التعاريف وأمنعها. وأما التعريف الثاني: ففيه زيادة حكم الوقف. وأما الثالث: ففيه الرجوع عن الوقف، وهو مخالف لمقتضى الوقف. وأما التعريف الرابع: فقد تطرق إليه الاحتمال في قوله: " ولو تقديراً ". المطلب الثالث: أدلة مشروعية الوقف دل على شرعية الوقف: الكتاب، والسنة، والإجماع. فمن القرآن: قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ((5) . فإن أبا طلحة (6) لما سمعها بادر إلى وقف أحب أمواله إليه، وهي بيرحاء - حديقة مشهورة -. قوله تعالى: (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين ((7) ، ويدخل في ذلك الوقف.   (1) ... ينظر: مواهب الجليل 6/18، وشرح الخرشي على خليل 7/78. (2) ... ينظر: مواهب الجليل 6/18. (3) ... 2/225. (4) ... شرح الخرشي على خليل 7/78. (5) ... آل عمران: 92. (6) ... أخرجه البخاري في الزكاة، باب الزكاة على الأقارب (1461) ، ومسلم في الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين.. (998) عن أنس رضي الله عنه. (7) ... آل عمران: 115. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 422 وقوله تعالى: (إنا نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم ((1) . ومن آثارهم الوقف بعد مماتهم (2) . ومن السنة: 1 - ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: " أصاب عمر بخيبر أرضا فأتى النبي (فقال: " أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبّست أصلها وتصدّقت بها. فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب، ولا يورث، في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متمول فيه " (3) . 2 - ما رواه أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول الله (قال: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " (4) . ... والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف، دون نحو الوصية بالمنافع المباحة لندرتها. قال النووي -رحمه الله تعالى-: " وفيه دليل لصحة أصل الوقف، وعظيم ثوابه " (5) . أما الإجماع: فقد قال القرطبي -رحمه اللَّه-: " إن المسألة إجماع من الصحابة، وذلك أن أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، وعائشة، وفاطمة، وعمرو بن العاص، وابن الزبير، وجابراً، كلهم وقفوا الأوقاف، وأوقافهم بمكة والمدينة معروفة مشهورة " (6) .   (1) ... سورة يس: 12. (2) ... ينظر: تفسير القرآن العظيم 3/566. (3) ... أخرجه البخاري في الشروط، باب الشروط في الوقف (ح2737) ، ومسلم في الوصية، باب الوقف (ح1632) . (4) ... الحديث أخرجه مسلم في الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (ح1631) . (5) ... شرح صحيح مسلم للنووي 11/85. (6) ... تفسير القرطبي 6/339. ... وانظر: آثار الصحابة رضي الله عنهم: مخرجة في المستدرك 4/200، وسنن الدارقطني 4/200، وسنن البيهقي 6/160، والمحلى 9/180. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 423 وقال جابر -رضي الله عنه-: " لم يكن أحد من أصحاب النبي (ذو مقدرة إلا وقف " (1) . وقال ابن هبيرة -رحمه اللَّه-: " اتفقوا على جواز الوقف " (2) . وقال الشافعي -رحمه اللَّه- في القديم: " بلغني أن ثمانين صحابياً من الأنصار تصدقوا بصدقات محرمات ". والشافعي -رحمه اللَّه- يسمي الأوقاف: الصدقات المحرمات (3) . وقال الترمذي -رحمه اللَّه-: " والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي (وغيرهم لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافاً في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك " (4) . وقال البغوي -رحمه اللَّه-: " والعمل على هذا عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي (ومن بعدهم من المتقدمين لم يختلفوا في إجازة وقف الأرضين وغيرها من المنقولات، وللمهاجرين والأنصار أوقاف بالمدينة وغيرها، لم ينقل عن أحد منهم أنه أنكره، ولا عن واقف أنه رجع عما فعله لحاجة وغيرها " (5) . وقال ابن حزم -رحمه اللَّه-: " وسائر الصحابة جملة صدقاتهم بالمدينة أشهر من الشمس لا يجهلها أحد " (6) . المطلب الرابع: أقسام الوقف، وأهدافه أقسام الوقف: لم يكن المتقدمون يفرقون في التسمية بين ما وقف على الذرية، وما وقف على غيرهم من جهات البر، بل الكل يسمى عندهم وقفاً، أو حبساً، أو صدقة. إلا أن المتأخرين مالوا إلى التمييز بين ما وقف على الذرية والأهل، وبين ما وقف ابتداءً على جهة من جهات البر، كالفقراء، أو طلبة العلم، أو المشافي، أو دور العلم. فأطلقوا على الأول: وصف الوقف الذري - أو الأهلي - وعلى الثاني: وصف الوقف الخيري (7) .   (1) ... أورده ابن قدامة في المغني 8/185، والزركشي 4/269، ولم أقف عليه مسنداً. (2) ... الإفصاح 2/52. (3) ... ينظر: مغني المحتاج 2/376. (4) ... سنن الترمذي 5/13، بعد حديث (1375) . (5) ... شرح السنة 8/288. (6) ... المحلى 9/180. (7) ... محاضرات في الوقف لأبي زهرة ص4، 36، وأحكام الوقف للكبيسي 1/42. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 424 وحقيقة الأمر أن الوقف شامل لكلا المسميين شمول النوع لأفراده، فالوقف سواء كان على الأهل، أو على سائر جهات البر، فيه معنى الخير، والإحسان، والصدقة، لا فرق. أهداف الوقف: يحقق الوقف باعتباره عملاً من أعمال البر والخير التي يؤديها المسلم بمحض إرادته واختياره هدفين، أحدهما عام، والآخر خاص. أما الهدف العام: فإن الشارع قد أوجب على المسلمين التعاون، والتكاتف والتراحم، وقد شبه النبي (المسلمين " في توادهم وتراحمهم، وتعاطفهم بالجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (1) . ولا شك أن من أهم نواحي اختبار المسلم في هذا المجال، جانب الإنفاق في سبيل الله، خدمة للجماعة، وقياماً بواجب النصرة. وأوجه الإنفاق كثيرة ومتنوعة، ولا شك أن من أهمها تحبيس عين ذات نفع دائم، وتسبيل هذا النفع. إذ يمتاز عن غيره من أوجه البر بميزة الديمومة التي بها يحفظ لكثير من الجهات العامة حياتها، ويساعد كثيراً من زوايا المجتمع على استمرارها، مما يضمن لكثير من طبقات الأمة لقمة العيش عند انصراف الزمن. قال الدهلوي في مجال تبيان محاسن الوقف: " ... وفيه من المصالح التي لا توجد في سائر الصدقات، فإن الإنسان ربما يصرف في سبيل الله مالاً كثيراً ثم يفنى، فيحتاج أولئك الفقراء تارة أخرى، ويجيء أقوام آخرون من الفقراء فيبقون محرومين، فلا أحسن ولا أنفع للعامة من أن يكون شيء حبساً للفقراء وابن السبيل يصرف عليهم منافعه، ويبقى أصله " (2) .   (1) ... أخرجه مسلم في البر والصلة، باب تراحم المؤمنين (ح2586) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه. (2) ... حجة الله البالغة 2/116. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 425 وقال أبو زهرة: " وإن الوقف الذي يكون فيه حبس العين على حكم الله تعالى والتصرف بالثمرة على جهات البر، هو نوع من الصدقات الجارية بعد وفاة المتصدق، يعم خيرها ويكثر برها، وتتضافر بها الجماعات في مد ذوي الحاجات، وإقامة المعالم، وإنشاء دور الخير، من مستشفى جامع يطب أدواء الناس، ونزل يؤوي أبناء السبيل، وملاجيء تؤوي اليتامى، وتقي الأحداث شر الضياع، فيكونوا قوة عاملة، ولا يكونوا قوة هادمة (1) . أما الهدف الخاص: فإن الوقف يؤدي دوراً مهماً في تحقيق رغبة خاصة، مما هو مغروس في الطبيعة البشرية، فإن الإنسان يدفعه إلى فعل الخير دوافع عديدة، لا تخرج في مجملها عن مقاصد الشريعة وغاياتها. ومن أهم ذلك ما يلي: 1 - الدافع الديني: للعمل لليوم الآخر، فيكون تصرفه بهذا الشكل نتيجة من نتائج الرغبة في الثواب، أو التكفير عن الذنوب. 2 - الدافع الغريزي: حيث تدفع الإنسان غريزته إلى التعلق بما يملك، والاعتزاز به، والحفاظ على ما تركه له آباؤه وأجداده، فيخشى على ما وصل إليه من ذلك، من إسراف ولد، أو عبث قريب، فيعمل على التوفيق بين هذه الغريزة، وبين مصلحة ذريته بحبس العين عن التملك والتمليك، وإباحة المنفعة، ولا يكون ذلك إلا في معنى الوقف أو ما في معناه. 3 - الدافع الواقعي: المنبعث من واقع الواقف، وظروفه الخاصة حين يجد الإنسان نفسه في وضع غير مسؤول تجاه أحد من الناس، كأن يكون غريباً في مواطن ملكه، أو غريباً عمن يحيط به من الناس، أو يكون منهم إلا أنه لم يخلف عقباً، ولم يترك أحداً يخلفه في أمواله شرعاً، فيضطره واقعه هذا إلى أن يجعل أمواله في سبيل الخير بالتصدق بها في الجهات العامة. 4 - الدافع العائلي: حيث تغلب العاطفة النسبية على الرغبة والمصلحة الشخصية، فيندفع الواقف بهذا الشعور إلى أن يؤمن لذريته مورداً ثابتاً، صيانة لهم عند الحاجة والعوز.   (1) ... محاضرات في الوقف ص3. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 426 5 - الدافع الاجتماعي: الذي يكون نتيجة لشعور بالمسؤولية تجاه الجماعة، فيدفعه ذلك إلى أن يرصد شيئاً من أمواله على هذه الجهة مسهماً في إدامة مرفق من المرافق الاجتماعية (1) . ... على أن تحقيق هذه الأغراض إنما يجيء تبعاً لوضع الشارع وغرضه، فهذه الأهداف تحث على فعل الخير، والتصدق في وجوه البر، وهذا داخل في إطار المطلب الشرعي العام. المطلب الخامس: نبذة تاريخية عن الوقف جعل الإمام الشافعي - رحمه الله - بداية تاريخ الأوقاف من بعد بعثة محمد (، وأن المسلمين أول من عرف الأوقاف، ولذلك قال -رحمه اللَّه تعالى-: لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته داراً ولا أرضاً تبررا، وإنما حبس أهل الإسلام (2) . وقال في موضع آخر: ما علمنا جاهلياً حبس داراً على ولد ولا في سبيل اللَّه ولا على مساكين، وحبسهم كانت ما وصفنا من البحيرة (3) والسائبة (4) والوصيلة (5) والحام (6) ، فجاء رسول اللَّه (بإطلاقها، واللَّه أعلم (7) . وقبل أن نقف مع كلام الإمام الشافعي - رحمه اللَّه تعالى - لابد من الرجوع إلى تأريخ الأمم قبل الإسلام لنقف على مدى معرفتهم لفكرة الوقف.   (1) ... أحكام الوقف للكبيسي 1/141. (2) ... الأم 4/52. (3) ... البحيرة: بنت السائبة، وهي الناقة إذا تابعت بين عشر إناث سيبت، فإذا نتجت بعد ذلك أنثى بحرت: أي شقت أذنها وخليت مع أمها. انظر: المغرب، مادة (بحر) 1/57 (4) ... السائبة: أم البحيرة، وقيل كل ناقة كانت تسيب لنذر، أي: تهمل ترعى أنى شاءت. انظر: المغرب، مادة (سيب) 1/425. (5) ... الوصيلة: الشاة إذا أتأمت عشر أناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر، فيقال: قد وصلت فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور دون البنات. انظر: المغرب، مادة (وصل) 2/357. (6) ... الحامي: الفحل إذا ألقح ولد ولده، لا يركب ولا يمنع من مرعى. انظر: المغرب، مادة (حمي) 1/229. (7) ... الأم 4/58. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 427 فالوقف هو " حبس الأصل وتسبيل المنفعة "، والأمم عرفت فكرة الوقف بهذا المعنى - على اختلاف اتجاهاتهم في تحديد مفهوم التسبيل - منذ أمد بعيد- وإن كان لايسمى بهذا الاسم الذي عرف به في الإسلام -، وذلك لأن المعابد كانت قائمة ثابتة وما رصد عليها من عقار ينفق من غلاته على القائمين على هذه المعابد كان قائماً ثابتاً، ولا يمكن تصور هذا إلا على أنه في معنى الوقف، أو هو على التحقيق وقف (1) . فعلى سبيل المثال في تأريخ مصر القديم ما يدل على أن مساحات كبيرة من الأرض كانت ترصد على ما زعموه من الآلهة والمعابد والمقابر، وتكون غير قابلة للتصرف التمليكي من بيع أو هبة أو وصية، أما غلاتها فتصرف على إصلاحها وإقامة الشعائر الدينية والإنفاق على القائمين بخدمتها (2) . كذلك حبس " بنوت " - وهو أحد حكام بلاد النوبة في عهد "رمسيس" الرابع - كما دلت الآثار المصرية أرضاً له؛ ليشترى بريعها كل سنة عجلاً يذبح على روحه. وفي تأريخ اليونان دلت آثارهم على أن امرأة اسمها "أريتي" وقفت حديقتها على مدينة "أوجوستينس" لتقام فيها شعائر دينية، وأن قائدا يونانيا اسمه "نسياس" وقف أرضا له لإقامة الشعائر للإله "أبولون" - كما يزعمون" (3) . وفي القانون الروماني القديم يظهر لنا بجلاء أن الوقف كان معروفاً عندهم، فقد قال جوستينيان: " الأشياء المقدسة والأشياء الدينية والأشياء الحرام لا يمتلكها أحد، لأن ما كان من حقوق اللَّه لا يمتلكه الإنسان، ومن دفن ميتاً بأرض فقد جعلها بمحض إرادته مكاناً دينياً " (4) .   (1) ... ينظر: محاضرات في الوقف، لمحمد أبو زهرة ص5. (2) ... ينظر: تيسير الوقف على غوامض أحكام الوقوف للمناوي خ/3ب، أحكام الوقف للكبسي 1/23. (3) ... ينظر: المصدر السابق. (4) ... مدونة جسوتينيان ص381، بواسطة المصدر السابق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 428 ويقول في موضع آخر: الأشياء المقدسة هي التي جعلت لله بحسب الطقوس والأوضاع الارتسامية التي يقوم بها الكهنة، وذلك كالمعابد وكالنذور والهدايا وغيرها من الأشياء المخصصة بحسب الأصول لإقامة الشعائر الدينية، وهذه بمقتضى مرسومنا لا يجوز أن تباع، ولا أن ترهن إلا لافتداء الأسرى (1) . ونقل المناوي عن بعض المؤرخين أن الروم تزعم أن بلاد مقدونية بأسرها -من إسكندرية إلى الصعيد الأعلى - وقف في القديم على الكنيسة العظمى التي بالقسطنطينية، "ومقدونية" باللسان العبراني: مصر (2) . وذكر المناوي أن مما يدل على أن الوقف ليس من خصوصياتنا: تصريح بعضهم بأن أوقاف الخليل عليه السلام باقية إلى الآن (3) . ولعلها هي الموقوفات المعروفة الآن بوقف الخليل التي ما زالت موجودة حتى اليوم، فقد ذكر بعض الباحثين أنها من أوقاف أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام (4) . ومن أوقاف العرب في الجاهلية بناء قريش الكعبة، وحفر بئر زمزم (5) . وهذه الأوقاف التي ذكرتها كلها أوقاف عامة وهي ما تعرف اليوم في بعض البلدان العربية بالأوقاف الخيرية. أما بالنسبة للأوقاف الخاصة والتي تعرف اليوم باسم الوقف الأهلي أو الذري فقد وجدت - أيضاً - قبل الإسلام. فقد قرر بعض الباحثين أن القانون المصري القديم عرف معنى الوقف على الأسرة، فقد وجد فيه صورة عقد هبة من شخص لابنه الأكبر وأمره بصرف الغلات لإخوته على أن تكون الأعيان غير قابلة للتصرف فيها. وهذا هو حقيقة الوقف في الإسلام (6) .   (1) ... المصدر السابق ص57. (2) ... انظر: تيسير الوقوف خ/ق3أ، مكتبة الأزهر، رقم (2081) فقه شافعي. (3) ... تيسير الوقوف خ/ق3ب. (4) ... انظر: الوقف والوصايا ص40. (5) ... انظر: منح الجليل 4/35. (6) ... انظر: محاضرات في الوقف، لأبي زهرة ص6. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 429 وكذلك كان للرومان مثل هذه التصرفات، كما كان لليهود ما يشبه ذلك (1) . بعد هذا العرض السريع لبعض حالات الوقف قبل الإسلام نعود لمناقشة الأثر المروي عن الإمام الشافعي في تخصيصه الوقف بالإسلام، ففي الحقيقة أنني لم أستطع أن أفسر ما نقل عن الشافعي إلا بأنه - رحمه اللَّه - لم يطلع على حالات الأوقاف قبل الإسلام، وإن كان بعض العلماء - رحمهم اللَّه - حاولوا أن يجدوا مبرراً لقول الشافعي إلا أن هذه المبررات ضعيفة جداً يعارضها الواقع. فمثلاً قال أبو الضياء: قوله: "لم تعرفه الجاهلية ": لعل المراد بهم هنا من لم يتمسك بكتاب كعبدة الأوثان (2) . وهذا القول مندفع بما ذكرناه من الأوقاف المرصودة على الأصنام والمعابد والمقابر. وقال الدسوقي: " ولا يرد على الشافعي بناء قريش الكعبة وحفر بئر زمزم، لأنه لم يكن تبرراً بل فخراً " (3) . المبحث الأول: الوقف على العلم وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: شرعيته الوقف على العلم، وما يتعلق به من إنشاء المدارس، والمعاهد، والجامعات، والمكتبات، وصرف الرواتب على الطلبة والمعلمين مما لا خلاف فيه بين المسلمين. فالإنفاق على العلم من الإنفاق في سبيل اللَّه وطرق الخيرو البر، إذ هو من أعظم جهات البر، وقد جعل بعض العلماء الإنفاق على العلم يعدل الإنفاق على الجهاد في سبيل اللَّه، لما روى أنس رضي اللَّه عنه أن النبي (قال: " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل اللَّه حتى يرجع " (4) ، ولأن الجهاد جهادان: جهاد بالعلم والبيان، وكان هذا جهاده (في المرحلة المكية. وجهاد بالسيف والسنان، وهذا جهاده (في المرحلة المدنية مع الجهاد السابق.   (1) ... انظر: الوقف والوصايا، للخطيب ص40. (2) ... حاشية أبي الضياء على نهاية المحتاج 5/359. (3) ... حاشية الدسوقي 4/75. (4) ... أخرجه الترمذي في العلم، باب فضل العلم (ح2649) وحسنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 430 قال ابن نجيم -رحمه اللَّه-: " ... فعلى هذا إذا وقف على طلبة علم بلدة كذا يجوز ... " (1) . قال ابن عابدين -رحمه اللَّه-: " مطلب في حكم الوقف على طلبة العلم ... قوله: وإن على طلبة العلم: ظاهره: صحة الوقف عليهم ... " (2) . وقال الخرشي -رحمه اللَّه-: " ويتأبد الوقف إذا قال تصدقت على الفقراء والمساكين، أو على المساجد، أو طلبة العلم وما أشبه ذلك ... " (3) . وقال النووي -رحمه اللَّه-: " وإن وقف على جهة معصية كعمارة الكنائس فباطل، أو جهة قربة كالفقراء، والعلماء، والمساجد، والمدارس صح " (4) . وفي مغني المحتاج: " والمراد بالعلماء: أصحاب علوم الشرع " (5) . وفي كشاف القناع: " الشرط الثاني: أن الوقف على بر ... كالفقراء والمساكين والغزاة والعلماء والمتعلمين وكتابة القرآن ... والمساجد والمدارس ... " (6) . المطلب الثاني: الوقف على دور العلم وفيه ثلاثة أمور: الأمر الأول: الوقف على الأزهر يعتبر الأزهر من أهم المدارس العلمية الشرعية في تاريخ الإسلام، إذ عاش الأزهر يؤدي رسالته في نشر العلم وخدمة العلماء وطلاب العلم أكثر من ألف عام (7)   (1) ... البحر الرائق 5/199. (2) ... حاشية ابن عابدين 3/387. (3) ... شرح الخرشي على مختصر خليل 7/89. (4) ... المنهاج مع مغني المحتاج 2/381. (5) ... 2/381. (6) ... 4/245. (7) ... دخلت الجيوش الفاطمية مدينة الفسطاط في 17 من شعبان سنة 358هـ وفي نفس الليلة التي دخلت فيها الجيوش الفسطاط أسس الفاطميون حاضرة جديدة لملكهم سموها القاهرة تفاؤلاً بالنصر، ثم بنى الفاطميون بعاصمتهم الجديدة مسجداً جامعاً سموه بالأزهر نسبة إلى فاطمة الزهراء، وبدأوا في إنشائه في 24 جمادى الأولى سنة 359هـ (أبريل 970م) وتم بناؤه وافتتح للصلاة والدراسة في 7 من رمضان سنة 361هـ (972م) . ... انظر: صبح الأعشى 392-410. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 431 ، والذي ضمن للأزهر هذا الاستمرار بتوفيق من اللَّه هو الوقف الإسلامي الذي دعمه اقتصادياً، وحماه من انقلابات الدول، وكفاه شر المحن المتعاقبة على مدى تاريخه الطويل. فالعامل الاقتصادي الذي شكل قاعدة اقتصادية ارتكز عليها الأزهر طوال تاريخه الطويل، اعتماداً على الأوقاف الإسلامية التي يرصدها أهل البذل من الحكام والأثرياء، كان ضامناً للاستمرارية في أداء رسالته. ففي العصر الفاطمي توجد عدة وثائق ونصوص تُلقي ضوءاً على الموارد الأولى للأزهر، وأولى هذه الوثائق وأهمها سجل صدر عن الحاكم بأمر اللَّه بن العزيز باللَّه في رمضان سنة 400هـ ويوقف فيه بعض أملاكه من دور وحوانيت ومخازن، لينفق من ريعها على الجامع الأزهر، والجامع الحاكمي، وجامع براشدة، وجامع المقدس، ودار العلم بالقاهرة، ويفرد فيه لكل منها نصيباً خاصاً ويفصل وجوه النفقة فيها. ومن ذلك فيما يختص بالجامع الأزهر، رواتب الخطيب والمشرف والأئمة، وما ينفق على فرش الجامع وتأثيثه وإنارته من الحصر والقناديل والزيت، وعلى إصلاحه وتنظيفه، وإمداده بالماء وغير ذلك من وجوه الإنفاق، وقد فصل ذلك تفصيلاً شاملاً في وثيقة كاملة أثبتها المقريزي بنصها في خططه (1) . وتعد هذه أول وثيقة لوقفية صدرت عن أحد خلفاء الفاطميين ورتبت للأزهر بعض النفقات، وينقل المقريزي عن المسبحي (مؤرخ الدولة الفاطمية) في حوادث سنة 405هـ في عصر الحاكم بأمر اللَّه أيضاً أنه قُرىء في شهر صفر سجل بتحبيس عدة ضياع وغيرها على القرّاء والفقهاء والمؤذنين بالجامع، وأرزاق المستخدمين " ويفهم من الشطر الأول من هذا النص بأن القرّاء والأساتذة بالأزهر كانوا من المنتفعين بموارد الأعيان المحبوسة في هذا السجل" (2) . أنواع الأوقاف على الأزهر:   (1) ... المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار 2/274. (2) ... المصدر السابق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 432 كانت الأوقاف التي تحبس على الأزهر إما أن تكون للأزهر بصفة عامة، وذلك مثل الوقفية السالفة التي أوقفها الحاكم بأمر اللَّه في سنة 400هـ، وإما أن تخصص للأروقة المختلفة بالأزهر أو لأساتذة المذاهب الأربعة، أو للإنفاق على تدريس مادة معينة، ولا سيما علوم القرآن والحديث. وقد ظلت هذه الموارد الخاصة تنمو على مر العصور، وتوالت أوقاف أهل البذل من السلاطين والأمراء والكبراء على الجامع الأزهر خلال العصور، وكان الحكام يعززونها جيلاً بعد جيل. وقد استمرت هذه الموارد تزداد شيئاً فشيئاً حتى تضخمت وبلغت الأوقاف المصرية العامة طبقاً لإحصاء سنة 1812م (1227هـ) 600.000 فدان أي أنها كانت تزيد على خمس جميع الأراضي المصرية، لأن إحصاء جميع الأراضي المصرية سنة 1813م بلغت فيه مساحة الأراضي المصرية كلها (2.500.000فدان) (1) . وكانت الدولة تُعيّن ناظراً على أوقاف الأزهر من المماليك يتولى الإشراف على أوقاف الأزهر وإدارتها والصرف على الأزهر في العصر المملوكي والعصر العثماني وشيئاً فشيئاً تدخل العلماء إلى أن أصبحوا يتولون النظارة على أوقاف الأزهر، وعلى كثير من الأوقاف الخاصة بالمساجد والمدارس والأسبلة وخاصة في نهاية العصر العثماني. وكانت تلك الأوقاف مصدر قوة للجامع الأزهر وقد حققت له استقلالاً ذاتياً عن التأثرات السياسية، والمذهبية. فلم يعرف عنه طوال عصوره شيئاً من ذلك، بل عاش علماء الأزهر وطلابه معززين مكرمين، بمنأى عن الخضوع لأحد، ومارس علماؤه حرية مطلقة في اختيار الدراسات والبحوث والموضوعات التي تلقى على الطلاب، وفي انتقاء الكتب التي يقرؤها المشايخ عليهم دون إشراف من أحد، أو توجيه منه. جهود العلماء في الحفاظ على موارد الأزهر:   (1) ... عجائب الآثار في التراجم والأخبار للجبرتي 3/344. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 433 تصدى علماء الأزهر لكل من أراد المساس بأوقاف الأزهر وأرزاق العلماء، فعندما كثرت الأوقاف أراد بعض الحكام الاستيلاء عليها، فقد أراد السلطان (الظاهر برقوق) نقض كل ما أرصده الملوك على المساجد والمدارس والأسبلة وغيرها من وجوه البر، وقال إن هذه الأراضي أخذت بالحيلة من بيت المال، وقد استوعبت نصف أراضي الدولة، وعقد لذلك مجلساً حافلاً من العلماء لأخذ الرأي والفتوى في هذا الأمر، وحضر هذا المجلس الشيخ (أكمل الدين) شيخ الحنفية في عصره، والشيخ (سراج الدين عمر البلقيني) ، والشيخ (البرهان ابن جماعة) وغيرهم من علماء العصر. فاتفقوا على أن ما أرصده الملوك والأمراء من رزق يخرج من بيت المال لا سبيل إلى نقضه " وانفصل المجلس على هذا (1) . وفي سنة 1121هـ تصدى علماء المذاهب الأربعة للوالي التركي إبراهيم باشا القبودان، لأنه أراد نقص ما أرصده أكابر مصر على الزوايا والمساجد والمدارس، وأعلنوا فتواهم في جرأة بأنه لا يجوز نقض ما حبسه أهل البر من الأراضي والعقارات والأرزاق حيث كان المُرصد عليهم من العلماء، والفقراء والأيتام وطلبة العلم. وفي الفتوى: أن العالم والفقيه وطالب العلم يستحقون أرزاقاً من بيت المال، وإن كانوا أغنياء؛ لأنهم فرغوا أنفسهم لنفع المسلمين في المستقبل، وكذلك من يعلم الناس القرآن لتفريغه نفسه لتعليم الناس. وكان في مقدمة هؤلاء العلماء الذين تصدوا لهذه الفتوى الشيخ علي بن السيد علي الحسيني الحنفي، والشيخ علي العقدي الحنفي والشيخ أحمد النفراوي المالكي، والشيخ محمد شنن المالكي، والشيخ أحمد الشرقي شيخ رواق المغاربة بالأزهر، والشيخ محمد الزرقاني شارح الموطأ، والشيخ عبد الباقي القليبي المالكي، والشيخ عبد ربه الديوي الشافعي، والشيخ منصور المنوفي، والشيخ محمد الأحمدي الشافعي، والشيخ أحمد المقدسي الحنبلي.   (1) ... دور الأوقاف في دعم الأزهر ص125. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 434 وقد كتب هؤلاء العلماء السالفين فتواهم على طريقة السؤال والجواب، وعقدوا اجتماعاً في بيت "قيطاس بك الغفاري" حينئذٍ وحضر الاجتماع جمع غفير من أكابر مصر وحكامها وعلمائها وغيرهم، وقرأ عليهم هذه الفتاوى الشيخ عيسى الصفتي فاستحسنها الحاضرون، ثم أرسلوها إلى الوالي التركي إبراهيم باشا المذكور فعاند في ذلك، فكتب العلماء والأكابر عريضة إلى السلطان وأرسلوا معها هذه الفتاوى إلى السلطان أحمد خان الخليفة العثماني، فأمر بكتابة خط شريف بإبقاء الإرصادات والمرتبات على ما هي عليه من غير نقض ولا إبرام، وأرسلت تلك الأوامر السلطانية إلى مصر، وانتصر العلماء في الدفاع عن حقوقهم (1) . وقد تولى بعض العلماء النظارة على الأوقاف وعلى الأخص قبل استيلاء محمد علي باشا عليها. فالشيخ عبد اللَّه الشرقاوي شيخ الأزهر (ت1227هـ) تولى النظر على الأوقاف الآتية: - وقف كل من عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه، وإبراهيم بن سعد الحبال في 19 من شوال سنة 1213هـ. - وقف علي باشا في 26 ذي القعدة 1213هـ. - النظر على وقف إسماعيل المعاجني في 16 جمادي الأولى سنة 1220هـ. - النظر على وقف شقرون المغربي في 26 من ربيع الأولى سنة 1224هـ. والشيخ محمد المهدي (ت1230هـ) الذي عاصر فترة ما قبل الحملة الفرنسية وما بعدها، تذكر تقارير النظار أنه تولى النظارة على الأوقاف التالية: - النظر على وقف نفيسة خاتون بنت حسين جروبجي في ذي القعدة سنة 1205هـ. - النظر على أوقاف السلطان الغوري في أول ذي الحجة سنة 1213هـ. - النظر على وقف السلطان برقوق وولده فرج وأتباعه في 27 من جمادى الآخر سنة 1214هـ. - النظر على أوقاف الإمامين الشافعي والليث في 6 رجب سنة 1224هـ. والشيخ محمد الأمير (ت1232هـ) تولى النظر على الأوقاف التالية: - النظر على أوقاف الجامع الأزهر في 13 رمضان سنة 1220هـ.   (1) ... ينظر: عجائب الآثار للجبرتي 3/262. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 435 - النظر على أوقاف الحرمين الشريفين في 16من جمادى الآخرة سنة 1207هـ. - النظر على وقف القاضي عبد الكريم بن غنام، وعلى زاويته المعروفة بالغنامية في 17 من جمادي الأولى سنة 1221هـ. والشيخ محمد أبو الأنوار وفا السادات (ت1228هـ) تولى النظر على: - وقف الحسين رضي لله عنه، وابنته زينب في جمادي الآخرة سنة 1202هـ. - النظر على وقف طومان باي في 25 جمادي الآخرة سنة 1214هـ. والشيخ عبد الرحمن الجبرتي المؤرخ (1168-1240هـ) تولى النظر على وقف زاوية الشيخ عبد الكريم المعروفة بزاوية الأحمدية في 24 من محرم سنة 1220هـ. - النظر على وقف السلطان إنيال وأحمد بن إنيال في 6 من جمادي الآخرة سنة 1207هـ. والشيخ عبد الرحمن السجيني كان يتولى النظر على وقف المدرسة الصالحية (مدرسة الصالح نجم الدين أيوب بالقاهرة) في 10رمضان سنة 1208هـ (1) . الأمر الثاني: الوقف على الكتاتيب "الكُتَّاب": أقيم لتعليم الصبيان القراءة، والكتابة، والقرآن وبعض العلوم العربية، والرياضيات، وقد وجدت هذه الكتاتيب قديماً في الإسلام، وقد ذكر بعض المؤرخين أنها وجدت في عصر الصحابة رضي اللَّه عنهم، وكانت من الكثرة بحيث عد ابن حوقل ثلاثمائة كتاب في مدينة واحدة من مدن صقلية (2) . وكان "الكُتَّاب" في بعض البلدان من السعة بحيث يضم مئات وآلافاً من الطلاب، ومما يروى عن أبي القاسم البلخي أنه كان له كتاب يتعلم به ثلاثة آلاف تلميذ، وكان كتابه فسيحاً جداً ولذلك كان أبو القاسم يحتاج إلى أن يركب حماراً ليتردد بين طلابه وليشرف على شؤونهم (3) . وكانت هذه الكتاتيب تمول بأموال الأوقاف. الأمر الثالث: الوقف على المدارس   (1) ... دور الأوقاف في دعم الأزهر ص129-131. (2) ... ينظر: معجم البلدان 3/417، 418، ومجلة الوعي الإسلامي، عدد (382) ص37. (3) ... ينظر: معجم البلدان 1/479-480، ومجلة الوعي الإسلامي عدد (382) ص37. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 436 بدأ إنشاؤها بعد أن استقرت حركة الفتوحات الإسلامية نسبياً، وبعد أن تضاعف إقبال طلاب العلم على حلقات المساجد، وكثر بناء هذه المدارس حتى ملأت مدن العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، ويذكر التاريخ نفراً من أمراء المسلمين كانت لهم اليد الطولى في إنشاء المدارس في مختلف الأمصار: منهم صلاح الدين الأيوبي الذي أنشأ المدارس في جميع المدن التي كانت تحت سلطانه في مصر، ودمشق، والموصل، وبيت المقدس، ونور الدين الشهيد الذي أنشأ في سورية وحدها أربعة عشر معهداً، ومنهم نظام الملك الوزير السلجوقي الذي ملأ بلاد العراق وخراسان بالمدارس حتى قيل: إنه في كل مدينة في العراق وخراسان مدرسة، وكان هذا الوزير كلما وجد في بلدة عالماً تميز وتبحر في العلم بنى له مدرسة ووقف عليها وقفاً، وجعل فيها دار كتب. وبجانب هؤلاء العظماء كان الأمراء والأغنياء، والتجار يتسابقون في بناء المدارس والوقوف عليها بما يضمن استمرار وإقبال الطلاب على الدراسة فيها وكثيرون جداً هم الذين جعلوا بيوتهم مدارس وجعلوا ما فيها من كتب وما يتبعها من عقار وقفاً على طلاب العلم الدارسين فيها (1) . حتى إن ابن جبير الرحالة الأندلسي هاله ما رأى في المشرق من كثرة المدارس والغلات الوافرة التي تغلها أوقافها، فدعا المغاربة أن يرحلوا إلى المشرق لتلقي العلم (2) . وما يؤكد ما قاله ابن جبير ما جاء من قصيدة عن مدارس دمشق، قال فيها ناظمها: ومدارس لم تأتها في مشكل مَا أَمَّها مَرء يكابد حيرة وبها وقوف لا يزال مغلها وأئمة تلقي الدروس وسادة إلا وجدت فتى يحل المشكلا   (1) ... ينظر: البداية والنهاية 16/16، 19، 74، 102، 176، 217، 233، 341، و17/85، 106، 159، 465، ط. دار هجر، والمواعظ والاعتبار للمقريزي 2/233، وطبقات الشافعية للأسنوي 2/26، ورحلة ابن جبير ص16، ومقدمة ابن خلدون 1/88. (2) ... ينظر: رحلة ابن جبير ص15-16. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 437 وخصاصة إلا اهتدى وتحولا يستنقذ الأسرى ويغني العيلا شفى النفوس وداؤها قد أعضلا (1) ويكفي برهاناً على كثرة أوقاف المدارس والمساجد في دمشق أن النووي لم يكن يأكل من فواكه دمشق طيلة حياته؛ لأن أكثر غوطتها وبساتينها أوقاف (2) . وإذا كانت دمشق قد اشتهرت بكثرة مدارسها والأوقاف التي حبست عليها، فإن غيرها من الحواضر الإسلامية كبغداد، وقرطبة، والكوفة، والبصرة، والقيروان، والقاهرة كثرت فيها المدارس. وكل ذلك جاء ثمرة من ثمرات الأموال الموقوفة التي خصصت للدراسة العلمية. ويتحدث ابن خلدون عما شاهده في القاهرة من التطور العلمي والحضاري فيذكر أن هذا التطور مرده إلى الأموال الموقوفة من أراض زراعية ومبان وبيوت وحوانيت، وأن هذه الأموال التي حبست على المؤسسات التعليمية في القاهرة أدت إلى أن يفد إلى هذه المدينة طلبة علم وعلماء من مغرب العالم الإسلامي ومن مشرقه في سبيل الحصول على العلم المجاني، وبذلك نما العلم وازدهر في مختلف الفروع والتخصصات (3) . وكانت الدراسة في تلك المدارس تشبه الدراسة الثانوية والعالية في عصرنا الحاضر، وكان التعليم فيها لجميع أبناء الأمة دون تفرقة بين فئة وأخرى، وكان الطلاب الذين يدرسون فيها نوعين: النوع الأول: الغرباء الذين وفدوا من بلاد نائية ويدخل مع هؤلاء الذين لا تساعدهم أحوالهم المادية أن يعيشوا على نفقات آبائهم، وكان لهذا النوع من الطلاب غرف خاصة للنوم ومكتبة ومطبخ وحمام، وهو قسم داخلي. والنوع الثاني من الدارسين: يمثلون الطلاب الذين يرغبون في أن يرجعوا في المساء إلى أهليهم وذويهم وهؤلاء في قسم خارجي.   (1) ... مجلة الوعي الإسلامي عدد (382) ، ص37. (2) ... انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي 4/253. (3) ... ينظر: مقدمة ابن خلدون 1/88، والعبر لابن خلدون ص279. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 438 وكلا النوعين يدرس مجاناً، وكانت بعض المدارس بالإضافة إلى ما تقدمه لطلابها من علم ترعاهم صحياً، فقد كان بجوار بعض المدارس مستشفى لعلاج المرضى من الطلاب بالمجان. وعرفت المدارس التخصص العلمي في إنشائها، حيث كانت تقام المدارس لنوع واحد من فروع العلم، ومن ثم كانت هناك مدارس لتدريس القرآن وتفسيره وحفظه وقراءاته، ومدارس للحديث خاصة، ومدارس- وهي أكثرها- للفقه لكل مذهب فقهي مدرسة خاصة به، ومدارس للطب، وأخرى في كل مجال من مجالات التخصص العلمي. يقول ابن كثير في حوادث سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة: فيها كَمُلَ بناء المدرسة المستنصرية ببغداد ولم يبن مدرسة قبلها، ووقفت على المذاهب الأربعة، من كل طائفة اثنان وستون فقيهاً، وأربعة معيدين، ومدرس لكل مذهب، وشيخ حديث، وقارئان وعشرة مستمعين، وشيخ طب، وعشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب، ومكتب للأيتام، وقدر للجميع من الخبز واللحم والحلوى والنفقة ما فيه كفاية وافرة لكل واحد (1) . والدراسة في تلك المدارس مفتوحة لكل راغب في العلم دون قيد أو شرط، وكان طلاب هذه المدارس يتمتعون بكل الرعاية من طعام وشراب وعلاج وإقامة للغرباء والفقراء، وكان الأساتذة الذين يقومون بالتدريس فيها ينتخبون ممن شهد لهم الشيوخ بالكفاءة العلمية، وكان المتخرجون من هذه المدارس يمنحون إجازة علمية باسم شيخ المدرسة، وما كان يسمح للأطباء بممارسة مهنة الطب إلا بعد نيل هذه الشهادة أو الإجازة من كبير أطباء المدرسة.   (1) ... انظر: البداية والنهاية 13/139. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 439 ومن العلماء الذين درسوا في بعض المدارس أو كانوا شيوخاً لها: النووي، وابن الصلاح، وتقي الدين السبكي وغيرهم كانوا يدرسون في دار الحديث في دمشق، والغزالي، وإمام الحرمين الجويني، والفيروزابادي صاحب القاموس المحيط، وأبو إسحاق الشيرازي، وغيرهم كانوا يدرسون في المدرسة النظامية في بغداد (1) . وقد ألفت في تاريخ المدارس مصادر عدة حاولْت استقراء أعدادها وما يدرس فيها، ومنها: - المواعظ والاعتبار للمقريزي (ت845هـ) . - الأعلاق الخطيرة لابن شداد (ت684هـ) . - العقود اللؤلؤية للخزرجي (ت812هـ) . - الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي (ت927هـ) . - تلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي (ت723هـ) (2) . المطلب الثالث: الوقف على المكتبات أدرك كل الواقفين للمدارس، وزوايا العلم، وحلقات الدرس في المساجد أهمية الكتاب لنشر العلم، وأن الاقتصار على تشييد الأبنية وتوفير جهاز للتدريس غير كاف فاهتموا بوقف الكتب عليها لتكون وسيلة ميسرة للتحصيل والمراجعة، توفر مادة علمية يستند إليها المعلم والمتعلم في وقت واحد، فأصبح من المعتاد وجود مكتبة في كل مدرسة، أو جامع، أو رباط وقف على طلبة العلم وغيرهم (3) . وكان وقف الكتب بمكة في القرن الهجري الأول كما في مكتبة عبد الحكيم ابن عمرو الجمحي (4) . وفي القرن الثاني ظهرت بيت الحكمة ببغداد وكان من بين أقسامها مكتبة حظيت بعناية مجموعة من خلفاء بني العباس وبخاصة المأمون.   (1) ... ينظر: البداية والنهاية 16/13، 86، 118، 198، 275، 336، 383، 490، 532، 716، و17/5، 47، 61، 78، 169، 221، 258، 314 349، ط. دار هجر. (2) ... ينظر: الوقف وبنية المكتبة العربية ص19. (3) ... انظر: الوقف وبنية المكتبة العربية للدكتور يحيى محمود ساعاتي ص21. (4) ... الأغاني للأصبهاني 4/51. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 440 ومكتبة بيت الحكمة كان الهدف من وراء إنشائها مساعدة العلماء والباحثين بتوفير أكبر قدر من مصادر المعلومات لهم لتسهيل سبل الدرس والمطالعة والتأليف والترجمة لمن يرغب في ذلك (1) . وانتشرت خزائن الكتب الوقفية منذ القرن الرابع الهجري، بحيث يمكن القول بأنه قلما تخلو مدينة من كتب موقوفة. وبلغ من انتشار هذه الخزائن وتوافرها في الأندلس أن أبا حيان التوحيدي النحوي كان يعيب على مشتري الكتب، ويقول: اللَّه يرزقك عقلا تعيش به، أنا أي كتاب أردته استعرته من خزائن الأوقاف (2) . ويذكر ياقوت الحموي عن مدينة مرو: أنه كان فيها عشر خزائن للوقف وذلك في القرن السابع الهجري ويقول عنها: " لم أر في الدنيا مثلها كثرة، وجودة، منها خزانتان في الجامع إحداهما يقال لها العزيزية، وقفها رجل يقال له عزيز الدين أبو بكر عتيق الزنجاني ... وكان فيها اثنا عشر ألف مجلد أو ما يقاربها، والأخرى يقال لها الكمالية وبها خزانة شرف الملك المستوفي أبي سعيد محمد بن منصور في مدرسته، وخزانة أخرى في المدرسة العميدية وخزانة لمجد الملك أحد الوزراء المتأخرين بها، والخزائن الخاتونية في مدرستها والضميرية في خانكاه هناك وكانت هذه الخزائن سهل التناول لا يفارق منزلي منها مئتا مجلد، وأكثره من غير رهن " (3) . وقال ابن جبير في رحلته إلى مصر بعد أن اطلع على أحوال مكتباتها ودور العلم فيها وعاش في بعضها، واستفاد من أموالها الموقوفة: ومن مناقب هذا البلد ومفاخره "أي مصر" أن الأماكن في هذه المكتبات خصصت لأهل العلم فيهم، فهم يعتبرون من أقطار نائية فيلقى كل واحد منهم مأوى إليه ومآلاً يصلح أحواله به جميعاً (4) .   (1) ... الوقف وبنية المكتبة العربية ص32. (2) ... انظر: الوقف وبنية المكتبة العربية ص33. (3) ... انظر: معجم البلدان 5/114. (4) ... ينظر: رحلة ابن جبير ص15. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 441 وكانت هذه المكتبات بكتبها الوقفية إضافة إلى المكتبات الخاصة مثل مكتبات الخلفاء والأمراء والوزراء والعلماء، وراء حركة الازدهار العلمي التي شهدها العالم الإسلامي على مدى قرون طويلة، فقد اعتمد عليها العلماء وطلاب العلم في دراستهم ومراجعاتهم، ووضع مصنفاتهم. المبحث الثاني: الإفادة من الأوقاف الموجودة وتوجيهها في تعليم العلم وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: إمكانية الإفادة بتغيير شرط الواقف وفيه أمران: الأمر الأول: قول الفقهاء: نص الواقف كنص الشارع هذا الضابط الذي ذكره الفقهاء ليس على إطلاقه، وإلا فلا يجوز العمل بموجبه إذا خالف نص الواقف مقتضيات الشريعة، ولذلك حكى العلامة قاسم الحنفي، وشيخ الإسلام ابن تيمية: إجماع الأمة على أن من شروط الواقفين ما هو صحيح معتبر يعمل به، ومنها ما ليس كذلك (1) . ولذلك فسّر كثير من العلماء قول الفقهاء: نصوص الواقف كنصوص الشارع: بأنها كالنصوص في المفهوم والدلالة على مراد الواقف لا في وجوب العمل بها (2) . وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: اتفاق المسلمين على تكفير جاعل نصوص الواقف كنصوص الشارع في وجوب العمل بها فقال: وإما أن تجعل نصوص الواقف أو نصوص غيره من العاقدين كنصوص الشارع في وجوب العمل بها، فهذا كفر باتفاق المسلمين، إذ لا أحد يطاع في كل ما يأمر به من البشر - بعد رسول اللَّه (-، والشروط إن وافقت كتاب اللَّه كانت صحيحة، وإن خالفت كتاب اللَّه كانت باطلة (3) .   (1) ... ينظر: البحر الرائق 5/245، ومجموع فتاوى ابن تيمية 31/47. (2) ... ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص195، وحاشية ابن عابدين 4/433، ومجموع فتاوى ابن تيمية 31/47، والمبدع 5/333. (3) ... مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/48. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 442 فلم يجز أحد من أهل العلم العمل بنصوص الواقف إذا خالفت شرع اللَّه تعالى، سواء في ذلك الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) ، وغيرهم من أهل العلم. قال الكمال ابن الهمام الحنفي -رحمه اللَّه-: شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع، والواقف مالك. له أن يجعل ملكه حيث شاء ما لم يكن معصية (5) . وقال الدردير المالكي -رحمه اللَّه-: واتبع وجوباً شرطه إن جاز شرعاً. ومراده بالجواز: ما قابل المنع (6) . وقال ابن حجر الهيثمي الشافعي -رحمه اللَّه-: إن قلت شرائط الواقف مراعى كنص الشارع. قلت: محل مراعاته حيث لم يخالف غرض الشارع (7) . وقال: أما ما خالف الشرع كشرط العزوبة في سكان المدرسة - مثلاً - فلا يصح (8) . وقال البلباني الحنبلي -رحمه اللَّه-: "ويجب العمل بشرط واقف إن وافق الشرع" (9) .   (1) ... انظر: فتح القدير 6/200، والبحر الرائق 5/245. (2) ... انظر: الشرح الصغير 2/305، والشرح الكبير 4/88، ومواهب الجليل 6/33. (3) ... انظر: نهاية المحتاج 5/376، وتحفة المحتاج 6/256. (4) ... انظر: أعلام الموقعين 3/96، والإنصاف 7/56، وأخصر المختصرات ص198. (5) ... فتح القدير 6/200. (6) ... الشرح الكبير 4/88. (7) ... الإتحاف ببيان أحكام إجارة الأوقاف ضمن فتاوى ابن حجر 3/342. (8) ... تحفة المحتاج 6/256. (9) ... أخصر المختصرات ص198. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 443 وقال ابن القيم -رحمه اللَّه-: " وكذلك الإثم مرفوع عمن أبطل من شروط الواقفين ما لم يكن إصلاحاً، وما كان فيه جنف (1) ، أو إثم، ولا يحل لأحد أن يجعل هذا الشرط الباطل المخالف لكتاب اللَّه بمنزلة نص الشارع، ولم يقل هذا أحد من أئمة الإسلام، بل قد قال إمام الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليه وعلى آله: " كل شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق " (2) . فإنما ينفذ من شروط الواقفين ما كان لله طاعة، وللمكلف مصلحة، وأما ما كان بضد ذلك فلا حرمة له كشرط التعزب والترهب المضاد لشرع اللَّه ودينه ... والمقصود: أن اللَّه تعالى رفع الإثم عمن أبطل الوصية الجانفة الآثمة، وكذلك هو مرفوع عمن أبطل شروط الواقفين التي هي كذلك، فإذا شرط الواقف القراءة على القبر كانت القراءة في المسجد أولى وأحب إلى اللَّه ورسوله وأنفع للميت، فلا يجوز تعطيل الأحب إلى اللَّه الأنفع لعبده واعتبار ضده" (3) . وعلى كل حال: فإن ما يختلف فيه العلماء من اعتبار بعض الشروط أو ردها، فإنما هو ناتج عن اختلافهم هل هي من الشروط المخالفة لأمر اللَّه تعالى، أو من الشروط المرغوبة عند الشارع، أو من الشروط المباحة، فالجميع متفقون على عدم اعتبار ما خالف الشرع - وإن اختلفوا في ضابط ما خالف الشرع-، كما أن الجميع متفقون على مراعاة ما وافق الشرع، واختلفوا في اعتبار ما ليس بمكروه ولا مستحب. واللَّه أعلم. الأمر الثاني: أقسام تغيير شرط الواقف   (1) ... الجنف: الميل المتعمد. انظر المصباح المنير، مادة (جنف) 1/111. (2) ... أخرجه البخاري في المكاتب، باب استعانة المكاتب (ح2563) ، ومسلم في العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق (ح1504) عن عائشة رضي اللَّه عنها. (3) ... إعلام الموقعين 3/96. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 444 الأصل: وجوب العمل بشرط الواقف؛ لقول اللَّه تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ((1) ، والإيفاء بالعقد يتضمن الإيفاء بأصله ووصفه، ومن وصفه الشرط فيه، ولما رواه أبو هريرة رضي اللَّه عنه أن النَّبِيّ (قال: "المسلمون على شروطهم" (2) ، ولأن عمر رضي اللَّه عنه "وقف وقفاً واشترط فيه شروطاً " (3) ، فلو لم يجب اتباع شرطه لم يكن في اشتراطه فائدة. تغيير شرط الواقف ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: تغييره من أعلى إلى أدنى: فهذا محرم ولا يجوز بالاتفاق (4) ؛ لما تقدم من الدليل على وجوب العمل بشرط الواقف. مثل: أن يقفه على فقراء أقاربه، فيصرف إلى فقراء الأجانب ونحوذلك. القسم الثاني: تغييره من مساوٍ إلى مساوٍ: وهذا أيضاً محرم ولا يجوز بالاتفاق (5) ؛ إذ الاصل: وجوب العمل بشرط الواقف، لما تقدم من الدليل على ذلك. مثل: أن يقف على فقراء بلد، فيصرفه إلى فقراء بلد آخر، ونحو ذلك. القسم الثالث: تغييره من أدنى إلى أعلى: مثل أن يقفه على العُبَّاد، فيصرفه إلى العلماء، ونحو ذلك، فاختلف العلماء في حكم ذلك على قولين: القول الأول: جواز ذلك. وهو ظاهر مذهب الحنفية (6) ، والمالكية (7) ، وهو قياس اختيار شيخ الإسلام (8) في إبدال الوقف عند ظهور المصلحة. جاء في البحر الرائق: " والحاصل أن تصرف الواقف في الأوقاف مقيد بالمصلحة، لا أنه يتصرف كيف شاء، فلو فعل ما يخالف شرط الواقف فإنه لا يصح إلا لمصلحة ظاهرة ".   (1) ... سورة المائدة: 1. (2) ... أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم (ح451) فتح الباري. (3) ... تقدم تخريجه ص13. (4) ... المصادر السابقة ص44. (5) ... المصادر السابقة. (6) ... البحر الرائق 5/277، والأشباه والنظائر ص195، وحاشية ابن عابدين 3/387. (7) ... ينظر: الفواكه الدواني 2/225. (8) ... مجموع فتاوى شيخ الإسلام 31/253، والاختيارات الفقهية ص182. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 445 وجاء في الفواكه الدواني: " ويجوز عندنا لناظر أن يفعل في الوقف كل ما كان قريباً لغرضه، وإن خالف شرطه كما لو وقف ماء على الغسل والوضوء، فيجوز للناظر أن يمكن العطشان يشرب منه؛ لأنه لو كان حياً لما منع منه ... ". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اختياراته:" ومع الحاجة يجب إبدال الوقف بمثله وبلا حاجة يجوز بخير منه؛ لظهور المصلحة. وهو قياس الهدي. وهو وجه في المناقلة، ومال إليه أحمد، ونقل صالح ينقل المسجد لمنفعة الناس. ولا يجوز أن يبدل الوقف بمثله لفوات التعيين بلا حاجة " (1) . وقال في فتاويه: " وأما ما وقف للغلة إذا أبدل بخير منه: مثل أن يقف داراً، أو حانوتاً، أو بستاناً أو قرية يكون مغلها قليلاً فيبدلها بما هو أنفع للوقف: فقد أجاز ذلك أبو ثور وغيره من العلماء: مثل أبي عبيد بن حربويه قاضي مصر، وحكم بذلك، وهو قياس قول أحمد في تبديل المسجد من عرصة إلى عرصة للمصلحة ... وهو قياس قوله في إبدال الهدى بخير منه " (2) . أدلة هذا القول: استدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة منها: 1 - ما روته عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه (: " يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين باباً شرقياً وباباً غربياً وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة " (3) .   (1) ... الاختبارات الفقهية ص182. (2) ... مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/253. (3) ... الحديث أخرجه البخاري في الحج، باب فضل مكة وبنيانها (ح1586) ، ومسلم في الحج، باب نقض الكعبة وبنائها (ح1333) ، واللفظ لمسلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 446 قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه-: " ومعلوم أن الكعبة أفضل وقف على وجه الأرض، ولو كان تغييرها وإبدالها بما وصفه (واجباً لم يتركه، فعلم أنه كان جائزاً، وأنه كان أصلح لولا ما ذكره من حدثان عهد قريش بالإسلام، وهذا فيه تبديل بنائها ببناء آخر، فعلم أنه جائز في الجملة، وتبديل التأليف بتأليف آخر هو أحد أنواع الإبدال " (1) . وقال ابن قاضي الجبل: " هذا الحديث دل على مساغ مطلق الإبدال في الأعيان الموقوفات للمصالح الراجحات " (2) . وإذا كان هذا في أصل الوقف، ففي وصفه، وهو الشرط فيه من باب أولى. 2 - ما رواه جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه: " أن رجلاً قام يوم الفتح فقال: يا رسول اللَّه، إني نذرت لله إن فتح اللَّه عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، قال: " صلّ هاهنا " ثم أعاد عليه، فقال: " صلّ هاهنا" ثم أعاد عليه، فقال: " شأنك إذن " (3) .   (1) ... مجموع فتاوى ابن تيمية 31/244. (2) ... المناقلة بالأوقاف ص100. (3) ... الحديث أخرجه أبو داود في الإيمان والنذور، باب من نذر أن يصلي ببيت المقدس (ح3305) ، وأحمد 3/363، وأخرجه الحاكم في المستدرك في النذور 4/76، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي، وصححه أيضاً ابن دقيق العيد. انظر: التلخيص الحبير 4/178. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 447 3 - ما رواه أبي بن كعب رضي اللَّه عنه قال: بعثني النبي (مصدّقاً، فمررت برجل، فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا ابنة مخاض، فقلت له: أدّ ابنة مخاض، فإنها صدقتك، فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها، فقلت له: ما أنا بآخذ ما لم أؤمر، وهذا رسول اللَّه (منك قريب، فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت عليّ فافعل، فإن قبله منك قبلته، وإن ردّه عليك رددته، قال: فإني فاعل، فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض علي حتى قدمنا على رسول اللَّه (، فقال له: يا نبي اللَّه، أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي، وأيم اللَّه ما قام في مالي رسول اللَّه (ولا رسوله قط قبله، فجمعت له مالي فزعم أن علي فيه ابنة مخاض، وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، وقد عرضت عليه ناقة فتية عظيمة ليأخذها فأبى عليّ، وها هي ذِهْ قد جئتك بها يا رسول الله خذها، فقال له رسول اللَّه (: " ذاك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك اللَّه فيه وقبلناه منك "، قال: فها هي ذه يا رسول اللَّه قد جئتك بها فخذها، قال: فأمر رسول اللَّه (بقبضها ودعا له في ماله بالبركة" (1) . وجه الدلالة: دل هذان الحديثان: على جواز إبدال جنس المنذور بخير منه من نوعه، وكذلك الأعيان الراجحة التي تعينت كالهدايا والضحايا، وكذلك في الزكوات إذا وجب بنت مخاض فأدى بنت لبون، أو وجب بنت لبون فأدى حقة، قال ابن قاضي الجبل: "ويتناول بمعناه الأعيان الموقوفات إذا ظهرت مصلحة الاستبدال بها على غيرها " (2) .   (1) ... أخرجه أحمد 5/142، وأبو داود في الزكاة، باب في زكاة السائمة (ح1583) ، والحاكم في المستدرك في الزكاة 1/399. والحديث صححه الحاكم، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. انظر: المستدرك مع التلخيص 1/400. (2) ... المناقلة بالأوقاف ص102. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 448 وإذا ثبت هذا في أصل الوقف، ففي وصفه وهو الشرط فيه من باب أولى. 4 - ما رواه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: "حملت على فرس في سبيل اللَّه، فأضاعه الذي كان عليه، فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النبي (فقالت: " لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كلكلب يعود في قيئه " (1) . فوله: " فأضاعه ": يقتضي أن الذي كان عنده قصّر في حقه حتى ضعف فبيع، لضياعه وضعفه، ولم ينكر الرسول (ذلك، وإنما نهى عمر رضي اللَّه عنه عن شرائه، لكونه تصدق به. والظاهر من الحمل في سبيل اللَّه: أن المراد بذلك حقيقة الحبس، بل هو المتبادر من السبيل خصوصاً وقد سماه صدقة في قوله: " ولا تعد في صدقتك"، ولفظ الصدقة من ألفاظ الوقف، كما في حديث عمر في الوقف " فتصدق بها عمر " (2) ، فالتمسك بذكر الهبة، لمشابهة ارتجاع الوقف للهبة، لما في ذلك من الارتجاع في العين بعد خروجها (3) ، فإذا جاز الإبدال في أصل الوقف، فكذا في شرطه.   (1) ... الحديث أخرجه البخاري في الهبة، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته (ح2623) ، ومسلم في الهبات، باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به (ح1621) . (2) ... سبق تخريجه ص13. (3) ... الأثر أخرجه الفاكهي 5/231. ينظر: فتح الباري 3/458. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 449 5 - ما ورد " أن عمر رضي اللَّه عنه كتب إلى سعد لما بلغه أن بيت المال الذي بالكوفة نقب: أن انقل المسجد الذي بالتمارين، واجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنه لن يزال في المسجد مصلّ " (1) وكان هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه فكان كالإجماع (2) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إذا كان يجوز في المسجد الموقوف الذي يوقف للانتفاع بعينه، وعينه محترمة شرعاً، أن يبدل به غيره للمصلحة، فلأن يجوز الإبدال بالأصلح والأنفع فيما يوقف للاستغلال أولى وأحرى (3) . قال ابن قاضي الجبل: " هذا الأثر كما أنه يدل على مساغ بيع الوقف عند تعطل نفعه فهو دليل أيضاً على جواز الاستبدال عند رجحان المبادلة؛ لأن هذا المسجد لم يكن نفعه متعطلاً، وإنما ظهرت المصلحة في نقله لحراسة بيت المال الذي جعل في قبلة المسجد الثاني " (4) . وإذا جاز في أصل الوقف، ففي شرطه أولى.   (1) ... هذا الأثر اشتهر في كتب الفقهاء كالمغني 8/212، والمبدع 5/353، وقد أورده شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى 31/215، نقلاً عن الشافي لأبي عبد العزيز قال: حدثنا الخلال، حدثنا صالح بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا يزيد بن هارون ... إلخ. وهو إسناد حسن إلاَّ أنه مرسل. (2) ... شرح الزركشي 4/288. (3) ... مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/229. (4) ... المناقلة بالأوقاف ص93. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 450 6 - أن الصحابة رضي اللَّه عنهم غيروا كثيراً من بناء مسجد النبي (بأمكن منه للمصلحة الراجحة في ذلك (1) ، فقد ثبت أن عمر وعثمان غيرا بناءه، أما عمر فبناه بنظير بنائه الأول باللبن والجذوع، وأما عثمان فبناه بمادة أعلى من تلك كالساج (2) . وبكل حال فاللبن والجذوع التي كانت وقفاً أبدلها الخلفاء الراشدون بغيرها. وهذا من أعظم ما يشتهر من القضايا ولم ينكره منكر. ولا فرق بين إبدال البناء ببناء، وإبدال العرصة بعرصة إذا اقتضت المصلحة ذلك (3) . ... وإذا جاز في أصل الوقف ففي شرطه أولى. 7 - أن بعض الصحابة رضي اللَّه عنهم سوغ نقل الملك في أعيان موقوفة تارة بالتصدق بها، وتارة ببيعها، فقد ورد عن عمر " أنه كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج " (4) . ... وقالت عائشة رضي اللَّه عنها لشيبة الحجبي في كسوة الكعبة القديمة: "بعها واجعل ثمنها في سبيل اللَّه والمساكين " (5) . ... قال ابن قاضي الجبل: وهذا ظاهر في مطلق نقل الملك عند رجحان المصلحة (6) ، فكذا مع شرطه.   (1) ... المناقلة بالأوقاف ص101. (2) ... أخرجه في الصلاة، باب بنيان المسجد (ح446) عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما. (3) ... مجموع فتاوى ابن تيمية 31/244. (4) ... الأثر أخرجه الفاكهي في أخبار مكة 5/231، وانظر: فتح الباري 3/458. (5) ... الأثر أخرجه الفاكهي 5/231، والبيهقي في الحج، باب ما جاء في مال الكعبة وكسوتها 5/159. ... قال ابن حجر العسقلاني في الفتح 3/458: في إسناد البيهقي راو ضعيف وإسناد الفاكهي سالم منه. (6) ... المناقلة بالأوقاف ص113. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 451 8 - إلحاق محل النزاع بموقع الإجماع، حيث جوز الأئمة الكبار، بل أجمع العلماء على جواز بيع دواب الحبس الموقوفة إذا لم تعد صالحة لما وقفت له، فالفرس الحبيس ونحوه إذا عاد عاطلاً عن الصلاحية للجهاد يجوز بيعه إجماعاً، وإن كان فيه نفع من وجه آخر من أنواع الانتفاع من الحمل والدوران ونحوه، ومن المعلوم أن الفرس الحبيس ونحوه لو لم يبق فيه نفع مطلقاً لما أمكن بيعه إذ لا يجوز بيع ما لا نفع فيه فعلم أن منفعته ضعفت وجاز الاستبدال بأرجح منه، فعلم أن ذلك دائر مع رجحان المصلحة في جنس الاستبدال (1) . وإذا كان التغيير في أصل الوقف للمصلحة، فكذا في شرطه. 9 - أن الأعيان الموقوفة كالدور والمزارع والمنقولات إنما وقفت؛ ليعود ريعها على مستحقيه جرياً على مناهج المعروف وطلباً لاتصال الريع إلى مستحقية فالمطلوب من ذلك حصول النماء إلى أهله ووقوعه في أيدي مستحقيه مع زيادته واستنمائه، فإذا ظهرت المصلحة في زيادة الريع وتنمية المغل ولم يعارض معارض ظهرت مصلحة الاستبدال طلباً لتنمية المصالح وتكميلاً للمقاصد، ومثل هذا يقال في شرط الوقف (2) . القول الثاني: عدم جواز ذلك. وهو مذهب الشافعية (3) ، والحنابلة (4) . جاء في الإقناع للشربيني: " وهو أي الوقف على ما شرطه الواقف من تقديم وتأخير، وتسوية وتفضيل، وجمع وترتيب، وإدخال من شاء بصفة وإخراجه بصفة". وجاء في كشاف القناع: " ويُرجع - بالبناء للمفعول - عند التنازع في شيء من أمر الوقف إلى شرط واقف ... ولأن الوقف متلقى من جهته فاتبع شرطه، ونصه كنص الشارع، ... واستثناء كشرط فيرجع إليه ... وكذا مخصص من صفة كما لو وقف على أولاده الفقهاء أو المشتغلين بالعلم، فإنه يختص بهم فلا يشاركهم من سواهم ".   (1) ... المناقلة بالأوقاف ص107. (2) ... المناقلة بالأوقاف ص113. (3) ... الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 1/30. (4) ... كشاف القناع 4/258، وشرح المنتهى 2/501. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 452 أدلة القول الثاني: استدل أصحاب هذا القول بما يلي: 1 - ما تقدم من أدلة وجوب العمل بشرط الواقف (1) . ... ونوقش هذا الاستدلال: بأن تغيير شرط الواقف من أدنى إلى أعلى عمل بشرط الواقف، وزيادة. 2 - قول الرسول (لعمر رضي اللَّه عنه: " تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره" (2) . وإذا منع من تغيير الأصل فكذا الفرع، وهو الشرط فيه. ونوقش الاستدلال بهذا الحديث: أن المراد ببيع الوقف الممنوع إنما هو البيع المبطل لأصل الوقف، وعلى افتراض أن المراد به عموم بيع الوقف فإنه يخص منه حالة التعطل، وكذا حالة رجحان المصلحة لما تقدم من الدليل على ذلك. ثانياً: قياس الموقوف على الحر المعتق، فكما أن العتيق الحر لا يقبل الرق بعد عتقه، فكذلك العين الموقوفة لا تقبل الملك بعد صحة الوقف (3) . ... وكذا شرط الوقف. مناقشة الدليل: أن هذا القياس قياس مع الفارق فلا يعتد به؛ لأن المعتق خرج عن المالية بالاعتاق بخلاف الوقف فلم يخرج عن المالية. وقال القاضي أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى الفراء: احتجوا بأنه بالوقف زال ملكه على وجه القربة، فلا يجوز التصرف فيه كإزالته على وجه العتق. والجواب أن الهدي الواجب بالنذر قد زال ملكه عنه، ويجوز التصرف فيه بالذبح قبل محله، وكذلك إذا نذر أن يتصدّق بدراهم بعينها جاز إبدالها بغيرها، وكذلك إذا جعل داره هدياً إلى الكعبة جاز بيعها وصرف ثمنها إلى الكعبة، فأما العبد إذا أعتقه فلا سبيل إلى إعادة المالية فيه بعد عتقه؛ لأنه إتلاف للمالية بخلاف مسألتنا، فإن المالية فيه ثابتة، وإنما المنافع هي المقصودة فتوصل بماليته إلى حصول فائدته بإبداله وبيعه، فصار شبهه بالهدى إذا عطب أولى من العبد إذا أعتق (4) .   (1) ... ص48. (2) ... الحديث سبق تخريجه ص13. (3) ... ينظر: المناقلة بالأوقاف ص118. (4) ... انظر: المصدر السابق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 453 ثالثاً: ما رواه ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: " أهدى عمر بن الخطاب نجيباً (1) فأعطي بها ثلاثمائة دينار، فأتى النبي (فقال: يا رسول اللَّه إني أهديت نجيباً، فأعطيت بها ثلاثمائة دينار، أفأبيعها واشترى بثمنها بدناً؟ قال: "لا، انحرها إياها" (2) . وجه الدلالة: أن النبي (منع عمر بن الخطاب من تغيير الهدي، فيقاس عليه تغيير الوقف، وشرطه. ونوقش هذا الاستدلال من وجوه: الوجه الأول: أن هذا الحديث ضعيف لا يحتج به لأمرين: أحدهما: أن فيه الجهم بن الجارود. قال الذهبي: فيه جهالة (3) . الثاني: أن الحديث فيه انقطاع، فقد ذكر البخاري في تاريخه. أنه لا يعرف لجهم سماع من سالم (4) . الوجه الثاني: لو فرض صحة الحديث، فإنه يقال: إن فرض المسألة كون العين التي وقع الاستبدال بها أرجح من الوقف وأولى. والعين التي أراد عمر الاستبدال بها ليست أرجح من النجيبة بالنسبة إلى التقرب إلى اللَّه تعالى، بل النجيبة كانت راجحة على ثمنها، وعلى البدن المشتراة به، وذلك لأن خير الرقاب أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها،والمطلوب أعلى ما يؤخذ فيما يتقرب به إلى اللَّه تعالى وتجنب الدون (5) . الوجه الثالث: لو فرض صحة الحديث، ولو سلمنا كون الاستبدال بالهدي والأضحية ممنوعاً منه، لم يلتزم عدم جواز الاستبدال في الأوقاف عند رجحان المصالح، وذلك أن الوقف مراد لاستمرار ريعه ودوام غلته بخلاف الهدي والأضحية (6) . الترجيح:   (1) ... النجيب: الفاضل من كلّ حيوان. انظر: النهاية في غريب الحديث، مادة (نجب) 5/17. (2) ... الحديث أخرجه أبو داود في المناسك، باب تبديل الهدى (ح1756) ، وأحمد 2/145، وابن خزيمة في صحيحه، في المناسك، باب استحباب المغالاة في ثمن الهدى وكرائمه (ح2911) . (3) ... ميزان الاعتدال 1/426. (4) ... التاريخ الكبير 2/230. (5) ... انظر: المناقلة بالأوقاف ص121. (6) ... انظر: المصدر السابق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 454 من خلال هذا العرض تظهر قوة أدلة القول الأول القائل بجواز تغيير شرط الواقف عند رجحان المصلحة، لما تقدم من الأدلة على جواز تغيير الأصل، ففي الشرط من باب أولى، وعلى هذا يمكن الإفادة مما حبس من الأموال على غير العلم بصرفها إلى العلم وما يتعلق به إذا كان هذا أصلح، بحيث لا يخل بقصد الواقف، واللَّه أعلم. المطلب الثاني: الإفادة من الوقف إذا كان في سبيل اللَّه، أو في طرق الخير إذا قال الواقف: هذا وقف في سبيل البر، أو الخير، أو الثواب، اختلف العلماء في تعيين مصرف ذلك على قولين: القول الأول: أنه يصرف إلى ما فيه صلاح المسلمين من أهل الزكاة، وإصلاح القناطر (1) ، وسد الثغور (2) ، ودفن الموتى، وغيرهم، كنشر العلم. وبه قال بعض الشافعية (3) . حجة هذا القول: احتج لهذا القول بما يلي: أن سبيل الخير، والبر، والثواب يشمل كل ما تقدم كما في قوله تعالى: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللَّه أموات بل أحياء عند ربهم ولكن لا تشعرون ((4) فالمراد هنا الجهاد في سبيل اللَّه (5) . وقوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللَّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ((6) ، فالمراد هنا: كل ما يتعلق بطاعة اللَّه عز وجل (7) .   (1) ... القنطرة: ما يبنى على الماء للعبور، والجسر عام. المغرب 2/185، مادة: (قنطر) . (2) ... الثغر من البلاد: الموضع الذي يخاف منه هجوم العدو، فهو كالثلمة في الحائط يخاف هجوم السارق منها، والجمع ثغور. المصباح 1/81، مادة (ثغر) . (3) ... روضة الطالبين 5/320. (4) ... سورة البقرة، آية: 154. (5) ... المغني 8/209. (6) ... سورة البقرة، آية: 261. (7) ... تفسير الطبري 3/62، وتفسير ابن كثير 1/316. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 455 وقوله تعالى: (الذين يصدون عن سبيل اللَّه ويبغونها عوجاً ((1) ، أي: يردون الناس عن اتباع الحق، وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى اللَّه عزوجل ... (2) وهذا شامل لجميع أبواب الطاعات. وقوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ((3) ، المراد: طاعة اللَّه وتقواه (4) . وقوله تعالى: (إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن اللَّه كان عفواً قديراً ((5) . أي: إن تظهروا أيها الناس خيراً، أو أخفيتموه، أو عفوتم عمن أساء إليكم، فإن ذلك مما يقربكم عند اللَّه، ويجزل ثوابكم لديه (6) . وقوله تعالى: (ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها ... ((7) ، أي: من كان عمله للدنيا فقط ناله منها ما قدره اللَّه له، ولم يكن له في الآخرة من نصيب، ومن قصد بعمله الدار الآخرة أعطاه اللَّه منها، وما قسم له في الدنيا (8) . القول الثاني: أنه يصرف على أقارب الواقف، فإن لم يوجدوا فإلى أهل الزكاة. وهو قول الشافعية (9) . وحجة هذا القول:   (1) ... سورة هود، آية: 19. (2) ... تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/441. (3) ... سورة البقرة، آية: 44. (4) ... تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/85. (5) ... سورة النساء، آية: 149. (6) ... جامع البيان للطبري 4/343، وتفسير القرآن العظيم 1/571. (7) ... سورة آل عمران، آية: 145. (8) ... تفسير القرآن العظيم 2/410. (9) ... روضة الطالبين 5/321. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 456 1 - أن أقارب الميت أكثر الجهات ثواباً؛ لما رواه سلمان بن عامر رضي اللَّه عنه أن النبي (قال: " الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنان: صدقة وصلة " (1) . 2 - أنه إذا لم يوجد أقارب للواقف، فيصرف إلى أهل الزكاة؛ لأن أهل الزكاة أهل حاجة منصوص عليهم في القرآن، فكان من نصّ اللَّه تعالى في كتابه أولى من غيره، وإن ساواه في الحاجة (2) . القول الثالث: أنه يشمل القُرب كلها. ... كالغزو، وطلب العلم، والمساكين، والمساجد، وغيرها. وهذا هو الصحيح من المذهب عند الحنابلة. قال القاضي: ولو وقف على سبيل الخير يستحقه من أخذ الزكاة (3) . وحجة هذا القول: ما تقدم من حجة الرأي الأول. وحجة ما ذهب إليه القاضي: ما تقدم من حجة الرأي الثاني، إذا لم يوجد أقارب للميت. الترجيح: الراجح - واللَّه أعلم - هو القول القائل بصرف ريع الوقف المحبس على الخير والثواب، وفي سبيل البر على المصالح كلها ويدخل في ذلك العلم وتعليمه. المطلب الثالث: الإفادة من نقل الوقف من مكانه إلى محله أو بلد آخر الوقف المراد نقله لا يخلو من حالتين: الحال الأولى: أن يكون منقولاً. الحال الثانية: أن يكون عقاراً. ولكل حال تفصيل خاص، ذلك أن الوقف المنقول يمكن نقله من مكانه بعينه دون استبداله، في حين أن الوقف غير المنقول لا يمكن نقله إلا باستبدال عينه بعين أخرى. وإليك بيان ذلك: الحال الأولى: حكم نقل الوقف المنقول:   (1) ... أخرجه الإمام أحمد 4/18، 214، والترمذي في الزكاة، باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة (ح658) ، والحميدي (ح823) ، والدارمي (ح1687) ، وابن خزيمة (ح2385) ، وابن حبان (ح3344) إحسان، والطبراني (ح6206) ، و (ح6207) ، و (ح6210) ، والحاكم 1/407، والبيهقي 4/174 عن سلمان بن عامر رضي اللَّه عنه. (2) ... المغني 8/210. (3) ... الإنصاف مع الشرح الكبير 16/511. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 457 إذا كان الوقف منقولاً جاز نقله عند الحاجة عند عامة أهل العلم. فهو قول كثير من الحنفية (1) ، وهو قول المالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) . قال الحصكفي الحنفي: " إن وقف كتبا على طلبة العلم، وجعل مقرها خزانته التي في مكان كذا، ففي جواز النقل تردد " (5) . قال ابن عابدين عن هذا التردد: " إنه ناشيء مما قدمه عن الخلاصة من حكاية القولين، من أنه لو وقف المصحف على المسجد أي بلا تعيين أهله. قيل: يقرأ فيه. أي يختص بأهله المترددين إليه، وقيل: لا يختص به. أي فيجوز نقله إلى غيره ". وقال بعد ذلك: "لكن لا يخفى أن هذا إذا علم أن الواقف نفسه شرط ذلك حقيقة، أما مجرد كتابة ذلك على ظهر الكتب - كما هو العادة - فلا يثبت به الشرط " (6) . فقول ابن عابدين - هذا - يفيد أنه إذا لم يشترط الواقف عدم النقل، فلا بأس به. وقال الكمال بن الهمام الحنفي عن محمد بن الحسن: "ولو جعل جنازة ومغتسلاً وقفاً في محله، ومات أهلها كلهم لا يردّ إلى الورثة: بل يحمل إلى مكان آخر " (7) . وقال الدسوقي المالكي: "وأما كتب العلم إذا وقفت على من لا ينتفع بها كأمي أو امرأة، فإنها لا تباع وإنما تنقل لمحل ينتفع بها فيه كالكتب الموقوفة بمدرسة معينة فتخرب تلك المدرسة وتصير الكتب لا يتفع فيها فإنها تنقل لمدرسة أخرى ولا تباع " (8) .   (1) ... ينظر: فتح القدير 6/237، والدر المختار مع حاشية ابن عابدين 4/366. (2) ... ينظر: مواهب الجليل 6/32، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4/91. (3) ... ينظر: روضة الطالبين 5/359، ومغني المحتاج 2/392، وتيسير الوقوف ق82أ. (4) ... ينظر: فتاوى ابن تيمية 31/267، وكشاف القناع 4/324، ومطالب أولي النهى 4/368. (5) ... الدر المختار مع ابن عابدين 4/366. (6) ... حاشية ابن عابدين 4/366. (7) ... فتح القدير 6/237. (8) ... حاشية الدسوقي 4/91. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 458 وذكر الحطاب المالكي مثلاً لذلك فقال: "وقعت بتونس حبس الأمير أبو الحسن كتبا لمدرسة ابتدأها بالقيروان وأخرى بتونس، وجعل مقرها بيتا بجامع الزيتونة، فلما أيس من تمامها قسمت الكتب على مدارس تونس (1) . وقال الشربيني الخطيب الشافعي: "لو وقف على قنطرة، وانحرف الوادي وتعطلت القنطرة واحتيج إلى قنطرة أخرى جاز نقلها إلى محل الحاجة " (2) . وسئل السيوطي الشافعي عن نقل الكتب من الخزانة المحمودية - مع أن الواقف شرط أن لا تخرج من المدرسة- فأجاب: "الذي أقول به: الجواز" (3) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي: "إن الوقف لو كان منقولاً: كالنور والسلاح، وكتب العلم، وهو وقف على ذرية رجل بعينهم جاز أن يكون مقر الوقف حيث كانوا بل كان هذا هو المتعين، بخلاف ما لو أوقف على أهل بلد بعينهم " (4) . وقال الحجاوي الحنبلي: "إذا وقف على الغزاة في مكان فتعطل فيه الغزو صرف إلى غيرهم من الغزاة في مكان آخر " (5) . من خلال هذه النصوص يتضح أن نقل الوقف من مكانه أمر مقرر عند عامة أهل العلم، لكن بعض العلماء أجاز النقل لمجرد ظهور المصلحة الراجحة، وبعضهم إنما أجازه عند تعذر الانتفاع بها في مكانها وعلى كل حال، فإنهم قد أجازوا نقلها في الجملة. وحجة هذا القول: أن الواقف إنما وقف العين الموقوفة، ليستفاد منها ما أمكن على الدوام، وفي نقل العين الموقوفة عند الحاجة تحصيل لغرض الواقف في الجملة حسب الإمكان (6) .   (1) ... مواهب الجليل 6/32. (2) ... مغني المحتاج 3/392. (3) ... انظر: تيسير الوقوف ق82أ. (4) ... مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/267. (5) ... الإقناع مع شرحه 4/293. (6) ... انظر: كشاف القناع 4/324. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 459 وذهب بعض الحنفية: إلى أنه لا يجوز نقل الوقف من مكانه، ولذلك قال ابن عابدين في تعليقه على الدر المختار: " الذي تحصّل من كلامه أنه إذا وقف كتبا وعين موضعها، فإن وقفها على أهل ذلك الموضع، لم يجز نقلها منه لا لهم ولا لغيرهم " (1) . ولكن لا يخفى أن القول الأول: هو القول الراجح، وذلك أن منع نقل العين من مكانها دون استبدالها لمكان إقامة الموقوف عليهم فيه مخالفة لمقصد الواقف وتعطيل للعين الموقوفة عن الانتفاع بها، والوقف إنما شرع ليستمر الانتفاع منه على الدوام، لقول الرسول (:"إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (2) . والصدقة الجارية هي الوقف كما بينه الفقهاء وسبق توضيحه في مقدمة الرسالة (3) . وعلى هذا يمكن الإفادة بنقل ما حُبِّس من المنقولات عند الحاجة والمصلحة إلى أمكنة العلم، ومنها الجامعات، وخصوصاً ما يتعلق بكتب العلم. وتقدم جواز تغيير شرط الواقف من أدنى إلاَّ أعلى للمصلحة. الحالة الثانية: حكم نقل عقار الوقف: من المعلوم أن كل من قال بعدم جواز إبدال الأوقاف منع نقل عقار الوقف من مكانه؛ لأن من لازم نقله استبداله بخلاف الوقف المنقول فكل من منع استبدال عقار الوقف هو مانع ضمنياً نقل عقار الوقف من مكانه، أما الذين أجازوا استبدال الأوقاف وهم بعض الحنفية، وبعض الحنابلة، فقد اختلفوا في نقل البدل من محلة الوقف الأول والبلد الذي كان فيه.   (1) ... حاشية ابن عابدين 4/366. (2) ... الحديث سبق تخريجه ص13. (3) ... ينظر: ص13. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 460 فذهب بعضهم إلى جواز نقله للمصلحة (1) ، ومنعه آخرون إلا إذا كانت المحلة الأخرى خيراً من محلة الوقف (2) . قال ابن نجيم الحنفي: "لو أطلق الاستبدال فباعها بثمن ملك الاستبدال بجنس العقار من دار أو أرض في أي بلد شاء " (3) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ما علمت أحداً اشترط أن يكون البدل في بلد الوقف الأول، بل النصوص عند أحمد وأصوله وعموم كلامه وكلام أصحابه وإطلاقه يقتضي أن يفعل في ذلك ما هو مصلحة أهل الوقف. قال: وجوز أحمد إذا خرب المكان أن ينقل المسجد إلى قرية أخرى، بل ويجوز في أظهر الروايتين عنه: أن يباع ذلك المسجد ويعمر بثمنه مسجداً آخر في قرية أخرى إذا لم يحتج إليه في القرية الأولى " (4) . وفي المقابل قال الزاهدي الحنفي: "مبادلة دار الوقف بدار أخرى إنما يجوز إذا كانتا في محلة واحدة، أو محلة الأخرى خيراً، وبالعكس لا يجوز - وإن كانت المملوكة أكثر مساحة وقيمة وأجرة، لاحتمال خرابها في أدون المحلتين لدناءتها، وقلة الرغبة فيها " (5) . وعلى كل حال فإن جواز نقل عقار الوقف للمصلحة هو الراجح الذي تطمئن إليه النفس؛ لأن ذلك أقرب إلى مقصد الواقف وهو نفع الموقوف عليهم، وليس في تخصيص مكان العقار الأول مقصود شرعي، ولا مصلحة لأهل الوقف، وما لم يأمر به الشارع ولا مصلحة فيه للإنسان فليس بواجب ولا مستحب.   (1) ... انظر: فتاوى قاضيخان بهامش الهندية 3/307، والإسعاف ص36، والبحر الرائق 5/222، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/266. (2) ... انظر: البحر الرائق وحاشيته منحة الخالق 5/223، وحاشية ابن عابدين 4/386. (3) ... البحر الرائق 5/222. (4) ... مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/266. (5) ... انظر: حاشية ابن عابدين 4/386. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 461 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فعلم أن تعيين المكان الأول ليس بواجب ولا مستحب لمن يشتري بالعوض ما يقوم مقامه، بل العدول عن ذلك جائز، وقد يكون مستحباً، وقد يكون واجباً إذا تعينت المصلحة فيه ". واللَّه أعلم (1) . وعلى هذا يمكن نقل الأوقاف المنقطعة، أو التي حبست على طرق الخير والثواب، أو أمكن تغيير الشرط فيها كما تقدم (2) ، للمصلحة للإفادة منها في العلم. المطلب الرابع: الإفادة من صرف منافع الوقف إذا انقرض الموقوف عليهم هذه المسألة مبنية على مسألة حكم الوقف منقطع الآخر. فمن قال ببطلانه وهو أبو حنيفة ومحمد، ومن تبعهم من الحنفية (3) ، وبعض الشافعية (4) . فإن الموقوف عليه ينقرض عندهم حيث لو انقطع لم يصح الوقف. ومن قال بصحة الوقف المنقطع الآخر وهم: جمهور العلماء من المالكية (5) ، والحنابلة (6) ، وجمهور الشافعية (7) ، وأبو يوسف ومن تبعه من الحنفية (8) . فقد ينقرض الموقوف عليه عندهم، كأن يقول: وقفت على ولدي، أو على زيد فيهلك، أو على ذريتي فينقرضوا، ومنه قوله: وقفت على المحتاج من ذريتي فلم يوجد فيهم محتاج. وفي مصرف ريع الوقف إذا انقرض الموقوف عليه خلاف بين العلماء الذين قالوا بصحة الوقف منقطع الآخر على النحو التالي: القول الأول: أنه يصرف إلى أقارب الواقف، ثم من بعدهم الفقراء والمساكين.   (1) ... مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/268. (2) ... ينظر: ص60، 64. (3) ... ينظر: المبسوط 12/41، والبحر الرائق 5/196، وحاشية سعدي حلبي مع الفتح 6/213. (4) ... انظر: روضة الطالبين 5/326، ومغني المحتاج 2/384. (5) ... انظر: الشرح الصغير 2/305، والخرشي 7/89. (6) ... انظر: المغني 8/210، والكافي 2/452، والإنصاف 7/34. (7) ... ينظر: روضة الطالبين 5/326. (8) ... ينظر: مختصر القدوري مع اللباب 2/182، والهداية 3/15. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 462 وهو قول جمهور أهل العلم (1) . وعند الشافعية على الأظهر: بعد الأقارب يصرف في مصالح المسلمين. وخص الحنفية، والشافعية: الأقارب بالفقراء، وخصهم المالكية، والحنابلة: بورثة الواقف نسباً. قال القدوري الحنفي: " إذا سمى فيه جهة تنقطع جاز، وصار بعدها للفقراء ... " (2) . وقال النفراوي المالكي: " وإن انقرض من حبست عليه الدار ونحوها رجعت حبساً على فقراء أقرب الناس بالمحبّس يوم المرجع ... وإن لم يوجد له قريب يوم المرجع فإنه يصرف للفقراء " (3) . وقال الرملي الشافعي: " فإذا انقرض المذكور فالأظهر أنه يبقى وقفاً ... والأظهر: أن مصرفه أقرب الناس رحماً إلى الواقف يوم انقراض المذكور ... ولو فقدت أقاربه أو كانوا كلهم أغنياء صرف الريع لمصالح المسلمين، كما نص عليه البويطي في الأولى، أو إلى الفقراء والمساكين على ما قاله سليم الرازي، وابن الصباغ، والمتولي وغيرهم ... " (4) . أدلة هذا القول: استدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة منها: 1 - أن الفقراء والمساكين أعم جهات الخير، ومصرف الصدقات وحقوق اللَّه تعالى من الكفارات ونحوها الفقراء دون الأغنياء، وأولى الناس بصدقته فقراء أقاربه (5) . 2 - أن أقارب المتصدق أولى الناس بصدقاته النوافل والمفروضات، وكذلك صدقته الموقوفة (6) ، يدل على ذلك: ... قول الرسول (: " الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة " (7) ، فإذا لم يوجد للوقف مستحق تعين الصرف للمحتاج من أقرباء الواقف دون غيرهم من المحتاجين، رعاية لجانب الواقف في زيادة الثواب (8) .   (1) ... المصادر السابقة. (2) ... مختصر القدوري مع اللباب 2/182. (3) ... الفواكه الدواني 2/226-227. (4) ... نهاية المحتاج 5/373-374. (5) ... ينظر: المغني 8/212، والمبدع 5/327. (6) ... ينظر: المغني 8/212. (7) ... سبق تخريجه ص63. (8) ... ينظر: المغني 8/212. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 463 3 - أن الرسول (قد حث على إغناء الأقارب بقوله: " إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " (1) . وفي صرف منافع الوقف إذا انقطع المستحق لها إلى المحتاج من الأقارب إغناء وصلة أرحامهم (2) . 4 - أن الأقارب ممن حث الشارع عليهم في جنس الوقف؛ لقوله (لأبي طلحة -رضي اللَّه عنه- لما أراد أن يقف بيرحاء: " أرى أن تجعلها في الأقربين " (3) . فهذا الحديث نص في محل النزاع، وهو أن الوقف خاصة يقدم فيه أقرباء الواقف (4) . القول الثاني: أنه يصرف في مصالح المسلمين، فيرجع إلى بيت المال. وهذا القول قال به بعض الشافعية (5) ، وهو رواية عند الحنابلة (6) . وقال المرداوي الحنبلي: "وعنه رواية رابعة: يصرف إلى المصالح. جزم به في المنور، وقدمه في المحرر، والفائق وقال: نص عليه. قال: ونصره القاضي، وأبو جعفر ". دليل هذا القول: استدل أصحاب هذا القول: ... قياس ريع الوقف منقرض الموقوف عليه على حال من لا وارث له بجامع أن كلا منها مال لا مستحق له، فيجعل في بيت المال (7) . مناقشة الدليل: ... أن ريع الوقف إذا انقرض الموقوف عليه انتقل استحقاقه إلى أقارب الواقف المحاويج، ولا يقال إنه لا مستحق له، وذلك أن الوقف صدقة أراد بها واقفها دوام الثواب، فإذا انعدم الموقوف عليه تعين صرفها لقريب الواقف الفقير استدامة للثواب والأجر المضاعف لكونها على القريب. بخلاف مال من لا وارث له فهو ليس بصدقة ولم يقصد به دوام الأجر. واللَّه أعلم.   (1) ... الحديث أخرجه البخاري في الجنائز باب رثاء النبي سعد بن خولة (ح1295) ، ومسلم في الوصية باب الوصية بالثلث (ح1628) . (2) ... ينظر: المغني 8/212. (3) ... سبق تخريجه ص12. (4) ... انظر: تحفة المحتاج 6/253، والفواكه الدواني 2/227. (5) ... روضة الطالبين 5/326. (6) ... ينظر: المحرر 1/369، والفروع 4/590، والمبدع 5/327. (7) ... ينظر: المغني 8/213. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 464 القول الرابع: أنه يصرف إلى مستحقي الزكاة. ... وهذا وجه عند الشافعية (1) . قال النووي الشافعي في بيان أقوال الشافعية في مصرف ريع الوقف إذا انقرض الموقوف عليه: وفي مصرفه أوجه .... الرابع: إلى مستحقي الزكاة (2) . دليل هذا القول: استدل لهذا القول بقوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين (الآية (3) ، والوقف صدقة وقد أطلقها الواقف من غير تقييد. مناقشة الدليل: إن الآية محمولة على الفرض، والألف واللام فيها للعهد لا للعموم، أما صدقة التطوع فإن مصرفها الأقربون، بدليل أن أبا طلحة لما أطلق صدقته قال له النبي (: " أرى أن تجعلها في الأقربين " (4) . القول الخامس: أن الوقف يرتفع ويرجع ملكاً للواقف. وهو ضعيف للحنفية (5) ، وقول عند الشافعية (6) ، ورواية عند المالكية (7) ، والحنابلة (8) . قال ابن عابدين الحنفي: " لو قال: أرضي هذه صدقة موقوفة فهي وقف بلا خلاف إذا لم يعين إنساناً، فلو عين وذكر مع لفظ الوقف لفظ صدقة بأن قال: صدقة موقوفة على فلان جاز ويصرف بعده إلى الفقراء، ثم ذكر بعده عن المنتقى أنه يجوز ما دام فلان حياً، وبعده يرجع إلى ملك الواقف، أو إلى ورثته بعده " (9) . وقال النووي الشافعي: " إذا انقرض المذكور فقولان: أحدهما: يرتفع الوقف ويعود ملكاً للواقف، أو إلى ورثته إن كان مات " (10) .   (1) ... انظر: روضة الطالبين 5/326. (2) ... روضة الطالبين5/326. (3) ... التوبة: 60. (4) ... سبق تخريجه ص12. (5) ... ينظر: البحر الرائق 5/214، وحاشية ابن عابدين 4/349. (6) ... ينظر: روضة الطالبين 5/326. (7) ... ينظر: الكافي لابن عبد البر 2/1014. (8) ... ينظر: الفروع 4/590، والإنصاف 7/33. (9) ... حاشية ابن عابدين 4/349. (10) ... روضة الطالبين 5/326. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 465 وقال ابن عبد البر المالكي: من حبس على رجل بعينه ولم يقل على ولده ولا على عقبه، ولا جعل له مرجعاً مؤبداً فقد اختلف في ذلك قول مالك وأصحابه على قولين: أحدهما: أن ذلك كالعمرى تنصرف إلى ربها إذا انقرض المحبس عليه، وعلى هذا المدنيون من أصحابه ... وكذلك من قال مالي حبس في وجه كذا ليس من وجوه التأبيد، فعن مالك فيه روايتان.. الرواية الثانية: أنه إذا انقرض الوجه الذي جعل فيه رجع إليه ملكاً في حياته ولورثته بعده كالعمرى " (1) . وقال شمس الدين ابن مفلح: "إذا وقف على جهة منقطعة ولم يزد صح، ويصرف بعدها إلى ورثته نسباً بقدر إرثهم منه ... وعنه يرجع إلى ملك واقفه الحي " (2) . دليل هذا القول: أن إبقاء الوقف بلا مصرف متعذر، وإثبات مصرف لم يتعرض له الواقف بعيد فتعين ارتفاعه (3) . مناقشة الدليل: أن الوقف لا يبقى بلا مصرف، فإذا انقرض الموقوف عليه سعينا لتحقيق غرض الواقف ما أمكن، ومعلوم أن من أعظم أغراض الوقف استدامة الثواب والاستكثار منه ولا أعظم أجراً من صرفه الصدقة إلى القريب الفقير فتصرف إليه، ومن بعده المصالح، ومن ذلك نشر العلم. الترجيح:   (1) ... الكافي لابن عبد البر 2/1014. (2) ... الفروع 4/589-590. (3) ... المغني 8/212. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 466 بعد هذا العرض يظهر لي - واللَّه أعلم - أن القول الأول القائل بصرف ريع الوقف للفقراء من أقارب الواقف، فإن لم يكن فعلى مصالح الواقف هو القول الراجح. وذلك أن القصد بالوقف الثواب الجاري على الواقف على وجه الدوام فيجب علينا مراعاة جانب الواقف في صرف وقفه في أفضل القربات، فتعين اعتبار الحاجة والمصلحة، لأن سد الحاجات، والقيام بالمصالح أهم الخيرات، فإذا كان من أقاربه من هو من أهل الحاجة تعين تقديمه، لأن أقارب الشخص أولى الناس بزكاته وصلاته (1) ، لما سبق من الأحاديث، ثم على المصالح إذا لم نجد مصرفاً من جهة شرط الواقف ولا من جهة إرادته، ومن المصالح صرفها على العلم، وما يتعلق بنشره، واللَّه أعلم. المبحث الثالث: السبل الشرعية للحث على تحبيس الأموال على دور العلم، ومنها الجامعات (2) إعادة الوقف إلى سابق عهده من تحبيس الأموال على العلم، وأربطته، ومشايخه وطلابه، وكل ما يتعلق بنشره، فإني أرى أن لذلك عدة طرق، منها ما هو في ميدان الدعوة، ومنها ما هو في ميدان السياسة والحكم، ومنها ما هو في ميدان الاقتصاد. المطلب الأول: في ميدان الدعوة: ولبلوغ ذلك في ميدان الدعوة، سبل منها ما يلي: السبيل الأولى: نشر الوعي الديني بين أفراد الأمة: فمن أهم السبل في سبيل عودة الأمة للاهتمام بالوقف على العلم، وما يتعلق به نشر الوعي الديني بين عامة الناس في فضل الإنفاق في سبيل اللَّه، والتنافس في ذلك طلباً لمرضاة اللَّه، ثم تخصيص الوقف على العلم بمزيد من ذلك، إحياءً لهذه السنة، وبيان ما يجتمع في الوقف على العلم من أنواع الأجر، وما يتميز به من ميزة الديمومة، وبيان فضل الإنفاق حال الصحة، وأن لا يمهل الإنسان حتى إذا أعياه المرض، وأعجزه الكبر قال: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان كذا.   (1) ... انظر: المغني 8/213. (2) ... ينظر: أسباب انحسار الوقف في العصر الحاضر وسبل معالجته ص26-34. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 467 وقد توفر في وقتنا من وسائل التبليغ ما لم يكن في حسبان أحد، وعلى علماء الأمة الوفاء بهذا الجانب استنهاضاً للهمم، وقياماً بواجب التكليف الذي كلفوا به. السبيل الثانية: إيقاظ الشعور الديني بوجوب التكافل والتساند: ذلك أن الوقف على العلم سبيل من سبل الإنفاق في سبيل اللَّه، وما التقصير في الإنفاق في هذا الجانب إلا نتيجة من نتائج ضعف الشعور الديني بوجوب التكافل بين أفراد المجتمع المسلم، الذي شبهه (بالجسد الواحد فقال: "ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم، وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى" (1) . وشبهه بالبنيان، فقال (في حديث أبي موسى رضي اللَّه عنه: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" (2) . فالواجب على علماء الأمة، وولاة أمورها العمل على إيقاظ الأمة من هذه الغفلة، والعمل ابتداءً على تربية الأمة على التعاليم الإسلامية، التي تربي في المسلم الإحساس بمجتمعه، أفراداً وجماعات، والقيام بشيء من حقوق المجتمع، ومن ذلك رفع الجهل عن أفراده، ونشر العلم بينهم، وتذكي فيه روح التنافس في ذلك طلباً لمرضاة اللَّه. السبيل الثالثة: نهضة المجامع الفقهية بما يخص الوقف على العلم، ومن ذلك الوقف على الجامعات:   (1) ... سبق تخريجه ص16. (2) ... أخرجه البخاري في المظالم، باب نصر المظلوم (ح2443) ، ومسلم في البر والصلة، باب تراحم المؤمنين (ح2585) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 468 تتابع المسلمون في أزمان طويلة إلى المسارعة في البذل قياماً بواجب التكافل والتآزر، وسد خلة المحتاج ونشر العلم، ورفع الجهل عن الأمة، إلا أنه ظهر من خلال التطبيق لهذه السنة الحسنة بعض المعوقات، وقد وجد لها في كل عصر ومصر، جهابذة وفوا للأمة حقها في حل تلك المشكلات، مراعين حال أزمانهم، وأهل أزمانهم، مقدمين مافيه جلب المصالح، ودفع المفاسد، فعلى هذه المجامع أن تنظر فيما يخص الوقف على العلم وكيف الإفادة من الأوقاف الموجودة، وسبل دفع الناس على التحبيس على العلم. وقد وجدت للأوقاف مشاكل كثيرة، ومسائل شائكة، وأمور تحتاج إلى تجديد بما يناسب حال الناس اليوم، ويجد من الأقضية، فعلى المجامع الفقهية القيام بما يمليه التكليف الشرعي. وأن تتولى المبادرة إلى بحث هذه المشكلات، وإيجاد المخرج الشرعي لها. السبيل الرابعة: بث سير أهل الخير من أهل المسارعة: ومما هو مفيد في نظري في بعث هذا الجانب بث سير أهل الخير ممن عرف عنهم المبادرة في الإنفاق ابتغاء وجه اللَّه، من الصحابة، والتابعين وأتباعهم، وخصوصاً ما يتعلق بالإنفاق على العلم، وقد تقدم شيء من نماذج ذلك (1) . رفعاً لذكرهم، وشحذاً للهمم في اللحاق بهم. المطلب الثاني: في ميدان السياسة والحكم السبيل الأولى: وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية: تمنع الأنظمة الوضعية المعمول بها في أكثر البلاد الإسلامية من إنشاء الوقف بصورته المعهودة في الشرع. وقد كان هذا سبباً جوهرياً لانحسار الوقف، وخصوصاً الوقف على العلم، وكان من نتيجة ذلك أن حرمت تلك البلدان خيراً وفيراً، ونبعاً زلالاً، ورافداً مهماً من روافد العطاء. ولا مخرج من هذا إلا بالعودة إلى تحكيم شرع العزيز الحكيم، والعودة إلى ذلك كفيلة بإعادة الوقف إلى سالف عهده المجيد؛ إذ هو أحد روافد العطاء في سائر المجالات، وخصوصاً مجالات العلم. السبيل الثانية: فتح باب القدوة:   (1) ... ص28-42. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 469 ومما له الأثر البيّن في حث الناس، ومسارعتهم في هذا الجانب، فتح باب القدوة في هذا الموضوع، فعلى ولاة الأمر والعلماء ووجهاء المجتمع البدء بالمسارعة إلى هذا الخير وتحبيس الأوقاف على دور العلم وإنشاء الأربطة، وطبع الكتب ونشرها، وقد تقدم شيء من نماذج ذلك (1) ، تحقيقاً لمبدأ التعليم بالقدوة. السبيل الثالثة: ترك الحرية للواقف في إدارة وقفه إذا رغب: أقدمت بلدان إسلامية عديدة على حصر إدارة الأوقاف الخيرية على نفسها، ومنعت الواقفين من تولي ذلك بأنفسهم أو بناظر ينصبه الواقف. بل سنت لأنفسها حق التغيير في مصارف الوقف، وغالباً ما يخالف التغيير مقاصد الواقفين، وكان هذا سبباً في إحجام الناس عن الوقف إحجاماً كلياً، وبذلك سد باب كبير من أبواب الخير. المطلب الثالث: في ميدان الاقتصاد السبيل الأولى: الاهتمام بالأوقاف الموجودة: مع ما ذكرنا فيما سبق من ضياع أوقاف كثيرة في بلاد إسلامية عديدة، فقد سلمت أوقاف كثيرة وهي في مواضع مثمنة جداً، وهي بقيمها كافية لسد ثغرة عظيمة من حاجات الأمة، والواجب فيما نحن فيه المحافظة على هذه الأوقاف، والنظر في شروط الواقفين، ومدى الإفادة منها في صرف ريعها على دور العلم، ومنها الجامعات (2) .   (1) ... ينظر: ص28-38. (2) ... وقد سبق البحث في إمكانية الإفادة من الوقف على دور العلم إذا انقرض الموقف عليه، أو إذا جعل الواقف ريع الوقف في طرق الخير والبر والثواب، ومدى إمكانية تغيير شرط الواقف لما هو أصلح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 470 وعلى الجهات المسؤولة أن تجتهد فيما فيه وفرة الإنتاج منها، وأن تعمل على إشراك العلماء فيما يعرض من إشكال عند وجود الغبطة في المشاركة، أو المناقلة، أو البيع عند التهدم، ونقل الوقف إلى موضع آخر، والنظر في شرط الواقف، وإمكان تغييره إلى ما هو أصلح مما لا يخل بغرضه وقصده، وغير ذلك مما يقتضيه الفقه، وتحتمه المصلحة، ويتحقق معه قصد الواقف، ويبتعد بذلك عن الوقوع في إضاعة المال. السبيل الثانية: العمل على إعادة الضائع من أصول الوقف: ضياع كثير من أعيان الوقف لأسباب كثيرة، ومن الواجب على الأمة وولاة الأمر فيها خاصة بذل الجهد العظيم في العمل على إعادة هذه الأوقاف، وقد يزع اللَّه بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، والنظر في إمكانية الإفادة من هذه الأوقاف وصرف ريعها على دور العلم، ومنها الجامعات (1) . فللسلطان بهيبته وأعوانه، ما يستطيع به أن يعيد الأمر إلى نصابه، وأن يجعل من عمله هذا باعثاً للأحياء على الاقتداء بالأموات، وذلك لما يشاهده الأحياء من وفرة الحرمة لوقفهم بعد الممات. السبيل الثالثة: وضع خطة اقتصادية ترعى حاجات الأمة فيما يتعلق بالوقف على الجامعات: رأينا فيما سبق كيف كان الوقف رافداً مهماً في دعم العلم، والدور الذي كان يقوم به في تخفيف العبء عن بيت المال، وذلك بتكفله بجوانب مهمة، الاهتمام بها كفيل بإعادة الهيبة للأمة، وسبب لتنزل الرحمة. ولهذا فإني أرى أن من أهم السبل في الوقف على الجامعات أن تتولى الجهات المسؤولة عن الوقف أمر القيام بوضع خطة اقتصادية ترعى حاجات الأمة في هذا الجانب، وعليها في ذلك أن تستقطب الخبراء من أهل الاقتصاد، وعلماء الاجتماع، والتخطيط والإدارة، وبلاد الإسلام مليئة منهم، حتى إذا تم إعداد هذه الخطط طرحت هذه المشاريع، وعرضت على أثرياء الأمة، بتكلفتها، والمردود المرجو منها.   (1) ... ينظر الحاشية من هذا البحث ص83. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 471 فهذا أفضل في نظري من الدعوة المجردة للبذل، أو للوقف، وفي ظني ومن واقع ما نشاهده من انبعاث جانب البذل والإنفاق في سبيل اللَّه من نفر غير قليل من أثرياء الأمة، أن هذا من أنجح السبل، وأنجع الدواء. السبيل الرابعة: قيام مؤسسات اقتصادية ترعى الأوقاف على العلم، ومن ذلك الجامعات: تقدمت في وقتنا علوم الاقتصاد، وقننت أنظمة الإدارة، والمحاسبة، وشؤون المال، فحسماً لباب الاسترخاء، وقطعاً للظنون المثبطة - أن تكون الجهة الناظرة، هي المحاسبة- ينبغي العمل على إيجاد مؤسسات متخصصة، تقوم على إدارة الوقف، فتتسلمه من وزارة الأوقاف، أو من صاحبه إذا رغب، بجزء معلوم من ريعه، على أن تخضع هذه المؤسسات لرقابة قضائية مشتركة، وتخضع لنظام محاسبي واضح، ومنشور. وبهذا تحل عقدة كبيرة، منعت كثيراً من أهل البذل من المشاركة في هذا الباب من البر. السبيل الخامسة: الاستفادة من التجارب المعاصرة: قامت في بلدان عديدة، في الآونة الحاضرة، جهود عديدة، فردية وجماعية، للدعوة إلى إحياء سنة الوقف، وقد أثمرت هذه الجهود عن نواة لمشاريع وقفية عديدة، منها ما هو في طور البناء والتشييد، ومنها ما أينعت ثماره وبدأ في إتيان أكله. ولا شك أن هذه الجهود قد مرت بتجربة، واستفادت من أخطاء، فحبذا لو تم التخاطب، وتبادل الزيارات بين الجهات المختصة في كل بلد مع أصحاب تلك الجهود، تلافياً للأخطاء المستقبلية، ومنعاً للتكرار. السبيل السادسة: فتح باب المساهمة في الوقف الجماعي: وذلك تطبيقاً لقاعدة: ما لا يدرك كله، لا يترك كله، وقاعدة: القليل من الكثير كثير. فتعم بذلك المشاركة في الخيرات، ولا يحرم من قصد الثواب والمبرات، وتجتمع فيه نيات المشاركين، وأموالهم، وتوجهاتهم إلى اللَّه بالإخلاص في أعمالهم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 472 وقد قال (فيما رواه عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه: " من بنى مسجداً لله بنى اللَّه له في الجنة مثله " (1) . وفي لفظ: " ولو كمفحص قطاة" (2)   (1) ... أخرجه مسلم في الزهد، باب فضل بناء المساجد (ح533) . (2) ... أخرجه الإمام أحمد 1/241. المصادر والمراجع الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: ترتيب علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت739هـ) ، ط: مؤسسة الرسالة، الأولى 1408هـ. أحكام الوقف: لهلال بن يحيى الرأي (ت245هـ) : ط. الأولى سنة 1355هـ، دار المعارف العثمانية، الهند. أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية: محمد بن عبيد الكبيسي، مطبعة الإرشاد بغداد 1397هـ. الاختيار لتعليل المختار: عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، علق عليه: الشيخ محمود أبو دقيقة، دار الدعوة. الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: علاء الدين علي بن محمد البعلي (ت803هـ) ، المؤسسة السعيدية - الرياض. الإسعاف في أحكام الأوقاف: إبراهيم بن موسى الطرابلسي، ط. دار الرائد العربي، بيروت. الأشباه والنظائر: لابن نجيم، دار الفكر - بيروت. إعلام الموقعين عن رب العالمين: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية (ت751هـ) ، دار الجيل - بيروت. الإفصاح عن معاني الصحاح: لأبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الحنبلي (ت560هـ) ، الناشر: المؤسسة السعيدية - بالرياض. الإقناع: لأبي النجا شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي (ت968هـ) ، الناشر: دار المعرفة - بيروت. الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع: لمحمد الشربيني الخطيب، الناشر: دار المعرفة - بيروت 1398هـ. بهامشه تحفة الحبيب. الأم: لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ) ، دار الفكر، الطبعة الثانية 1403هـ. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: علاء الدين أبي الحسن علي ابن سليمان المرداوي الحنبلي (ت885هـ) ، مطبعة السنة المحمدية، الطبعة الأولى 1376هـ. البحر الرائق شرح كنز الدقائق: زين الدين بن إبراهيم بن محمد بن نجيم، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي (ت587هـ) ، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ. البداية والنهاية: ابن كثير (ت774هـ) ، ط. دار الكتب العلمية، بيروت. بداية المجتهد ونهاية المقتصد: لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (ت595هـ) ، دار القلم - بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي، نشر دار الكتاب الإسلامي، مطبعة الفاروق الحديثة - القاهرة، الطبعة الثانية. تحفة المحتاج بشرح المنهاج: لشهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي، دار الفكر، بهامش حاشيتي الشرواني والعبادي. تفسير القرآن العظيم: لابن كثير (ت774هـ) ، دار الفكر - بيروت. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (ت582هـ) ، الناشر: مكتبة ابن تيمية - القاهرة. جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) ، دار الفكر، تاريخ الطبع 1405هـ. الجامع الصحيح: لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) ، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، المطبعة السلفية - القاهرة، الطبعة الأولى 1400هـ. الجامع الصحيح (سنن الترمذي) : لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت279هـ) ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر، الطبعة الثانية 1398هـ. الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد الأنصاري القرطبي (ت671هـ) ، صححه أحمد عبد العليم البردوني، دار الفكر، الطبعة الثانية. الجوهر النقي: لعلاء الدين بن علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني (ت745هـ) ، دار الفكر، مع السنن الكبرى للبيهقي. حاشية إبراهيم الباجوري على شرح ابن قاسم الغزي: ط. دار المعرفة، بيروت. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: محمد عرفة الدسوقي، دار الفكر. حاشية رد المحتار على الدر المختار: محمد أمين الشهير بابن عابدين، دار الفكر 1399هـ. حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح: أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي (ت1231هـ) ، دار الإيمان - بيروت. الخرشي على مختصر خليل: محمد الخرشي المالكي، دار الكتاب الإسلامي - القاهرة. رحلة ابن جبير (ت614هـ) : دار صادر، بيروت. روضة الطالبين وعمدة المفتين: لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (ت676هـ) ، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1405هـ. سنن أبي داود: لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (ت275هـ) ، ط. دار الحديث للطباعة والنشر - بيروت، الأولى 1388هـ. سنن ابن ماجه: لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت275هـ) ، دار الفكر - بيروت. سنن الدارقطني: علي بن عمر الدارقطني (ت385هـ) ، تحقيق: عبد الله هاشم يماني المدني، دار المحاسن - القاهرة. سنن الدارمي: لعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي السمرقندي (ت255هـ) ، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ. السنن الكبرى: لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت458هـ9، دار الفكر. سنن النسائي (المجتبى) : لأحمد بن شعيب النسائي، بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية السندي، دار البشائر الإسلامية - بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ. سير أعلام النبلاء: لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ، أشرف على تحقيقه وخرج أحاديثه شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الرابعة 1406هـ. شرح الزركشي على مختصر الخرقي: محمد بن عبد الله الزركشي المصري الحنبلي (ت772هـ) ، تحقيق الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين، شركة العبيكان للطباعة والنشر. الشرح الصغير: أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1372هـ، بهامش بلغة السالك للصاوي. الشرح الكبير: لأبي البركات أحمد الدردير، دار الفكر، بهامش حاشية الدسوقي. الشرح الكبير: شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد ابن قدامة المقدسي (ت682هـ) ، دار الكتاب العربي - بيروت، 1403هـ مع المغني لموفق الدين عبد الله بن قدامة. الشرح الكبير مع الإنصاف: المؤلف السابق، ت: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط. دار هجر، الأولى 1417هـ. شرح منتهى الإرادات: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي (ت1051هـ) ، دار الفكر. صبح الأعشى في صناعة الإنشا: أحمد بن علي القلقشندي (ت821هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، الأول 1407هـ. الصحاح: إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة الثانية 1399هـ. صحيح ابن خزيمة: لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (ت311هـ) ، تحقيق: د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1412هـ. صحيح مسلم: للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت261هـ) دار إحياء التراث العربي. صحيح مسلم بشرح النووي: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت676هـ) ، دار الكتب العلمية - بيروت. فتاوى قاضي خان: لحسن بن منصور الأوزجندي الفرغاني الحنفي (ت295هـ) ، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الثالثة 1400هـ مع الفتاوى الهندية. الفتاوى الهندية، المسماة بالفتاوى العالمكيرية: جماعة من علماء الهند، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الثالثة. فتح الباري بشرح صحيح البخاري: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد الدين الخطيب، ترقم: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة السلفية - القاهرة، الطبعة الرابعة 1408هـ. فتح القدير: لكمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي ثم السكندري (ابن الهمام) (ت681هـ) ، دار الفكر، الطبعة الثانية. فتح الوهاب: لأبي يحيى زكريا الأنصاري (ت925هـ) ، ط. دار المعرفة - بيروت. الفروع: لشمس الدين المقدسي أبي عبد الله محمد بن مفلح (ت763هـ) ، الناشر: مكتبة ابن تيمية - القاهرة. الفواكه الدواني: أحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا النفراوي المالكي (ت1120هـ) ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثالثة 1374هـ. الكافي في فقه أهل المدينة: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ. الكتاب: لأبي الحسين أحمد بن محمد القدوري البغدادي الحنفي (ت428هـ) ، المكتبة العلمية - بيروت 1400هـ، مع اللباب في شرح الكتاب للميداني. كشاف القناع عن متن الإقناع: منصور بن يونس إدريس البهوتي، دار الفكر - بيروت 1402هـ. اللباب في شرح الكتاب: لعبد الغني الغنيمي الدمشقي الميداني الحنفي، المكتبة العلمية - بيروت 1400هـ. لسان العرب: لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري (ت711هـ) ، دار صادر - بيروت، الطبعة الأولى. المبدع في شرح المقنع: لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد ابن مفلح (ت884هـ) ، المكتب الإ سلامي 1980م. المبسوط: محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، دار المعرفة - بيروت 1406هـ مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر: لعبد الرحمن بن محمد الحنفي (ت1078هـ) ط. الأولى 1317هـ، دار إحياء التراث العربي. مجموع فتاوى شيخ الإ سلام أحمد بن تيمية: جمع / عبد الرحمن ابن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي، طبع بإدراة المساحة العسكرية بالقاهرة 1404هـ. المحرر في الفقه: مجد الدين أبو البركات، عبد السلام بن عبد الله ابن تيمية الحراني (ت652هـ) ، مكتبة المعارف - الرياض، الطبعة الثانية 1404هـ. المحلى: لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت456هـ) ، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار التراث - القاهرة. المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ. المسند: للإمام أحمد بن حنبل، المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الخامسة 1405هـ. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي (ت770هـ) ، دار الفكر. مطالب أولي النهى بشرح غاية المنتهى: لمصطفى السيوطي الرحيباني، ط. الأولى 1380هـ، المكتب الإسلامي. المطلع على أبواب المقنع: لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أبي المفلح البعلي الحنبلي (ت709هـ) ، المكتب الإسلامي - بيروت 1401هـ. معجم البلدان: ياقوت بن عبد اللَّه الحموي، دار صادر، بيروت، 1404هـ. المعجم الكبير: للحافظ سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ) ، مكتبة ابن تيمية، ط. الأولى، ت: حمدي السلفي. معجم مقاييس اللغة: لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر 1399هـ. المغني: لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت620هـ) ، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، د. عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1409هـ. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: لمحمد الشربيني الخطيب، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي. مقدمة ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، دار نهضة مصر للطباعة، القاهرة. المناقلة والاستبدال بالأوقاف: ابن قاضي الجبل (ت771هـ) ، ط. الأولى 1409هـ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت. المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار: أحمد بن علي المقريزي (ت845هـ) ، دار صادر، بيروت. مواهب الجليل: لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب (ت954هـ) ، دار الفكر، الطبعة الثانية 1398هـ. النهاية في غريب الحديث: لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري (ابن الأثير) (ت606هـ) ، المكتبة العلمية - بيروت. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: لشمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة الرملي (ت1004هـ) ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، طبع سنة 1386هـ. بحوث ومجلات: أسباب انحسار الوقف في العصر الحاضر، وسبل معالجته: د. صالح بن عبد الله اللاحم، بحث مقدم لوزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية. التصرف في الوقف: د. إبراهيم بن عبد العزيز الغصن، رسالة دكتوراه. مجلة الوعي الإسلامي، الكويت، عدد (382) . دور الأوقاف في دعم الأزهر: د. محمد بن سعيد رمضان، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 473 وهذا المثال من النبي (يدل على أن من ساعد على عمارة المسجد ولو بشيء قليل بحيث تكون حصته من المسجد هذا المقدار - وهو مفحص القطاة- استحق هذا الثواب الجزيل. وفي ظني أن هذا السبيل من أنجح الوسائل، بل هي أفضلها على الإطلاق، وقد جربت في عدد من المشاريع الخيرية، ونجحت نجاحاً باهراً، مع مافيها من التحرر من قيود الواقفين، وإخفاء من يرغب في إخفاء صدقته من المحسنين. السبيل السابعة: الاستفادة من الجمعيات الخيرية الموجودة: ذكرنا فيما سبق أن من أولويات العمل على بعث الوقف على العلم، ومن ذلك الجامعات من جديد، وضع خطة اقتصادية متينة مدروسة، وأن يتولى أمر ذلك نخبة منتقاة من علماء الاقتصاد، والتخطيط والإدارة، كما ذكرنا فتح الباب للوقف الجماعي. ومما يفيد جداً في هذا الجانب الاستعانة بخبرة الجمعيات الخيرية، فقد عملت في أوساط الحاجة، وتلمست مواطن الإنفاق، وتجمع لديها خبرة في هذا الجانب لا يمكن الحصول عليها من غيرها. السبيل الثامنة: العمل على الاستفادة من التجارب الحالية للدول غير المسلمة على أن توضع في إطار إسلامي. * * * الخاتمة: النتائج والتوصيات الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فبعد العرض السابق لبحث " الأوقاف في العصر الحديث، كيف نوجهها لدعم الجامعات وتنمية مواردها "، تظهر النتائج التالية: أن الوقف في الاصطلاح: تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف وغيره في رقبته، يصرف ريعه إلى جهة بر تقرباً لله تعالى. ثبوت شرعية الوقف بالكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم. أن للوقف هدفاً عاماً يتمثل من القيام بما أوجبه اللَّه على المسلمين من التعاون والتكافل والتراحم، وهدفاً خاصاً يتمثل في تحقيق رغبة خاصة قائمة في نفس المسلم يدفعه إلى تحقيقها دوافع دينية وغريزية وواقعية واجتماعية. وجود فكرة الوقف في الأمم قبل الإسلام. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 474 تسابق المسلمين حكاماً ومحكومين منذ القرن الأول على تحبيس الأموال على العلم وما يتعلق بنشره، من مدارس ومعاهد، مكتبات، وغير ذلك. إمكانية الإفادة من الأوقاف الموجودة في دعم الجامعات، بتغيير شرط الواقف عند المصلحة إذا كان تغييره من أدنى إلى أعلى، واتفق مع غرض الواقف، وكذا نقل الوقف من محلة إلى أخرى، عند المصلحة، واتفق مع غرض الواقف. الإفادة من الأوقاف المنقطعة في دعم العلم بعد أقارب الواقف، وكذا الوقف المطلق. السبل الشرعية لتوجيه الأوقاف في دعم الجامعات كثيرة، منها ما هو في ميدان الدعوة، ومنها ما هو في ميدان السياسة والحكم، ومنها ما هو في ميدان الاقتصاد. وأما التوصيات: فمن خلال العرض السابق يظهر لي الأخذ بالتوصيات الآتية: أولاً: العمل على ترسيخ فكرة عدم حصر الخيرية فقط في بناء المساجد، والإنفاق على الفقراء ونحوها، وتنشيط مبدأ الوقف الثقافي، وإحياؤه، وإعادته إلى الأذهان، وتشجيع الموسرين عليه، وبيان حاجة المجتمع إلى الوقف الثقافي الذي يخدم شريحة كبيرة منه. ثانياً: العمل على قيام مؤسسات وقفية ثقافية، ووجود نظام لها متكامل من الجوانب الشرعية، والاقتصادية، والإدارية، تستطيع كسب ثقة الموسرين الخيرين، وتحقق شروط الواقفين. ثالثاً: طباعة الأبحاث المقدمة للمجلة؛ لتكون مرجعاً هاماً في هذا الباب. أسأل اللَّه عز وجل التوفيق والسداد، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 475 من أحكام مس القرآن الكريم دراسة فقهية مقارنة د. عمر بن محمد السبيل (رحمه الله) * الأستاذ المساعد بقسم الشريعة- كلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة أم القرى ملخص البحث هذا البحث استكمال لبحث سابق أوضحت فيه حكم الطهارة لمس القرآن الكريم، وفي هذا البحث أوضحت بقية الأحكام المتعلقة بالمس، ببيان ما يصدق عليه اسم المصحف فيحرم مسُّه على غير طهارة، وما لا يدخل في مسمى المصحف فيجوز مسُّه، ثم أوضح البحث أن المس المحرم للمصحف على المحدث إنما هو المس المباشر من غير حائل سواء كان باليد أو بغيرها من أعضاء الجسم، ثم يبين البحث حكم مس ما كتب فيه قرآن من كتب العلم، وغيرها كالدراهم ونحوها، وحكم مس ما نسخت تلاوته من آيات القرآن ونحوها كالأحاديث القدسية، وحكم مس الكتب السماوية الأخرى غير القرآن، وحكم مس الأشرطة التي سجل فيها قرآن، ثم بيان حكم كتابة القرآن بغير اللغة العربية، وحكم كتابته للمحدث والكافر، ثم بيان جواز مس القرآن الكريم على المحدث عند الضرورة، وانتهى البحث ببيان أهم النتائج المستخلصة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.   (*) توفي –رحمه الله – يوم الجمعة غرة شهر الله الحرام من عام 1423هـ، وصلى عليه في المسجد الحرام بعد صلاة العصر من يوم السبت، وقد تبع جنازته خلق من طلاب العلم ومحبي الشيخ –رحمه الله – وقد كان معروفاً بالتواضع، ولين الجانب، وحسن الخلق، وأمّ المصلين في المسجد الحرام لسنواتٍ. المقدمة: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فقد سبق وأن كتبت بحثًا بعنوان (حكم الطهارة لمس القرآن الكريم) وقد توصلت من خلاله إلى أن الراجح من قولي العلماء تحريم مس المصحف على البالغ (1)   (1) لحواشي والتعليقات () أما الصغير فقد توصلت من خلال ذلك البحث إلى أن الراجح من أقوال أهل العلم جواز مسه للمصحف لضرورة التعلم فقط وهو مذهب الأئمة الأربعة إلا الحنابلة في الصحيح من مذهبهم فإنهم يرون جواز مسه للوح المكتوب فيه شيء من القرآن فقط. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 476 المحدث حدثًا أصغر إذ هو المنقول عن الصحابة وجل التابعين، وبه قال جمهور الأئمة المجتهدين، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وهو الذي عليه العمل والفتوى في مختلف العصور والأمصار، كما قال ابن عبد البر: (أجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا طاهر) (1) ، ثم رأيت إتمامًا للفائدة بحث بقية ما يتعلق بمس القرآن الكريم من أحكام ومسائل، لأنني لم أقف على مؤلَّفٍ مستقل في ذلك، فتم إعداد هذا البحث بعنوان (من أحكام مس القرآن الكريم دراسة فقهية مقارنة) وقد انتظم في مقدمة وثمانية مطالب وخاتمة. وقد سلكت فيه المسلك العلمي المتبع في بحث المسائل الشرعية بحثًا فقهيًا مقارنًا، بذكر آراء العلماء في كل مسألة من مسائله وأدلتها، مع بيان الراجح من تلك الآراء، مبينًا وجه الترجيح. فأسأل الله عز وجل أن يكون هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وزلفى لديه إلى جنات النعيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. المطلب الأول: في بيان ما يشمله اسم المصحف أولاً: نص فقهاء المذاهب الأربعة على أن اسم المصحف يشمل المكتوب منه، وما بين سطوره، وحواشيه، وغلافه المتصل به؛ لأنه يتبعه في البيع. وعلى هذا فقد صرحوا: بأنه لا يجوز للمحدث أن يمس شيئًا من ذلك كله في الصحيح من مذاهبهم، وأن حكم البعض من المصحف، والجزء منه كحكمه كله في تحريم مس شيء منه على البالغ (2) ودونك أقوالهم المصرحة بذلك:   (1) الاستذكار، 8/10. (2) وكذا الصغير على القول بأن حكمه حكم الكبير في تحريم مس المصحف عليه، أما على القول بجواز مسه للمصحف لحاجة التعليم، فالحكم ظاهر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 477 قال في الهداية شرح البداية: (وكذا المحدث لا يمس المصحف إلا بغلافه ... وغلافه ما يكون متجافيًا عنه، دون ما هو متصل به كالجلد المشرز هو الصحيح) (1) . وقال في البحر الرائق: (لا يجوز مس المصحف كله المكتوب وغيره) (2) . وقال في الذخيرة: (ومس المصحف، أو جلده، أو حواشيه، أو بقضيب، لأن ذلك بمنزلة اللمس عرفًا للاتصال) (3) . وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: (عن ابن حبيب سواء كان مصحفًا جامعًا أو جزءً، أو ورقة فيها بعض سورة، أو لوحًا، أو كتفًا مكتوبة اهـ ولجلد المصحف قبل انفصاله منه حكمه، وأحرى طرف المكتوب، وما بين الأسطر) (4) . وقال في المجموع: (وسواء مس نفس الأسطر، أو ما بينها، أو الحواشي، أو الجلد، فكل ذلك حرام، وفي مس الجلد وجه ضعيف: أنه يجوز، وحكى الدارمي وجهًا شاذًا بعيدًا: أنه لا يحرم مس الجلد ولا الحواشي، ولا ما بين الأسطر، ولا يحرم إلا نفس المكتوب. والصحيح الذي قطع به الجمهور تحريم الجميع) (5) . وقال في معونة أولي النهى: (ويحرم بالحدث أيضًا مس مصحف أو بعضه ... والحكم شامل لما يسمى مصحفًا من الكتاب، والجلد، والحواشي، والورق الأبيض، فلهذا قلت: (حتى جلده وحواشيه، بدليل: البيع) (6) .   (1) 1/31 وقال ابن عابدين في حاشيته، 1/315: (فالمراد بالغلاف ما كان منفصلاً كالخريطة، وهي الكيس ونحوها؛ لأن المتصل بالمصحف منه حتى يدخل في بيعه بلا ذكر) . (2) 1/211 وانظر أيضًا: بدائع الصنائع، 1/33-34؛ فتح القدير، 1/169. (3) 1/237. (4) 1/125 وكذا نحوه في حاشية الصاوي على الشرح الصغير، 1/222. (5) 1/74، وانظر: المهذب، 1/32، روضة الطالبين، 1/190، مغني المحتاج، 1/37. (6) 1/374-375 وانظر: الإنصاف، 1/223، كشاف القناع، 1/134. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 478 وذهب بعض الحنفية (1) ، وبعض الشافعية (2) ، وبعض الحنابلة (3) : إلى أن المحرم إنما هو مس المكتوب منه فقط، فلا يدخل في التحريم مس مواضع البياض منه معللين لذلك: بأن الماس له لم يمس القرآن. قال بعض الحنفية: وهذا مقتضى القياس، وإن كان القول بالتحريم أقرب إلى إجلال القرآن وتعظيمه (4) . قال في بدائع الصنائع: (وقال بعض مشايخنا: إنما يكره (5) له مس الموضع المكتوب دون الحواشي؛ لأنه لم يمس القرآن حقيقة، والصحيح أنه يكره مس كله؛ لأن الحواشي تابعة للمكتوب، فكان مسها مسًا للمكتوب) (6) . وقال ابن مفلح في الفروع: (وقيل- يعني إنما يحرم – كتابته، واختاره في الفنون – يعني ابن عقيل – لشمول اسم المصحف له فقط، لجواز جلوسه على بساط على حواشيه كتابة) (7) . ورجحان القول الأول وهو تحريم المس لكل ما يشمله اسم المصحف أمر ظاهر لقوة دليله، ووجاهة تعليله. ثانيًا: واختلف فقهاء المذاهب الأربعة في حكم مس غلاف المصحف المنفصل عنه كالخريطة والعلاقة التي يحفظ بها المصحف سواء كانت من ثوب أو جلد، وكذا الصندوق الخاص بحفظ المصحف فيه هل يحرم مس شيء من ذلك في حالة كون المصحف فيها أم لا يحرم؟ في ذلك قولان مشهوران للفقهاء: القول الأول: أنه لا يحرم مس شيء من ذلك.   (1) انظر: بدائع الصنائع، 1/34، البحر الرائق، 1/211، حاشية ابن عابدين، 1/488. (2) انظر: المجموع، 1/74. (3) انظر: الفروع، 1/188، الإنصاف، 1/223، معونة أولي النهى، 1/375. (4) انظر: البحر الرائق، 1/211، حاشية ابن عابدين، 1/488 وقال: (والصحيح المنع) . (5) قوله: (يكره) أي كراهة تحريم كما نص عليه كثير من فقهاء الحنفية، وانظر: فتح القدير 1/169. (6) 1/34. (7) 1/188. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 479 وبه قال الحنفية (1) ، والشافعية في قول (2) ، والحنابلة في الصحيح من المذهب (3) . وروي القول به عن الحسن البصري، وعطاء، وطاووس، والشعبي، والقاسم بن محمد، والحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان وغيرهم (4) مستدلين لذلك بما يأتي: 1 - أن الماس لغلاف المصحف المنفصل ونحوه لم يباشر مس المصحف والنهي إنما يتناول مس المصحف مباشرة من غير حائل (5) . 2 - أن انفصال الغلاف ونحوه عن المصحف، وعدم اتصاله به دليل على عدم شمول اسم المصحف له فلا يأخذ حكمه في تحريم المس، بدليل: أنه لا يأخذ حكمه في البيع، فلا يتبع المصحف في البيع إلا بشرط (6) . القول الثاني: أنه يحرم مس شيء من ذلك. وبه قال المالكية (7) ، والشافعية في أصح الوجهين (8) ، والحنابلة في قول (9) ، وبه قال الأوزاعي (10) . وعللوا لذلك: بأن الغلاف ونحوه متخذ للمصحف، ومقصود له، فيكون كجلد المصحف المتصل به في التحريم (11) ، تكرمة للقرآن وتعظيمًا له (12) .   (1) انظر: الهداية، 1/31؛ الجوهرة، 1/35؛ البحر الرائق، 1/211. (2) انظر: روضة الطالبين، 1/190؛ مغني المحتاج، 1/37. (3) انظر: الإنصاف، 1/224، الإقناع، 1/41. (4) انظر: المصاحف لأبي داود، ص، 215؛ شرح السنة، 2/48؛ المغني، 1/147. (5) انظر: المغني، 1/148، مغني المحتاج، 1/37. (6) انظر: المغني، 1/148، بدائع الصنائع، 1/34، البناية شرح الهداية، 1/649. (7) انظر: الذخيرة، 1/237؛ الشرح الصغير، 1/223. (8) انظر: روضة الطالبين، 1/190؛ مغني المحتاج، 1/37. (9) انظر: الفروع، 1/189، الإنصاف، 1/224. (10) انظر: المغني، 1/147. (11) انظر: المجموع، 1/74، مغني المحتاج، 1/37. (12) انظر: المغني، 1/148، الشرح الكبير، 1/95. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 480 والذي يظهر لي أن الراجح من هذين القولين: هو القول بعدم التحريم، لقوة ما استدل به أصحابه، ووجاهة ما عللوا به، وللفرق الظاهر بين الغلاف المنفصل والمتصل، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض ترجيحه لهذا القول: (والعلاقة وإن اتصلت به فليست منه إنما تراد لتعليقه وهو مقصود زائد على مقصود المصحف، بخلاف الجلد فإنه يراد لحفظ ورق المصحف وصونه) (1) . المطلب الثاني: في بيان المراد بالمس المحرم أولاً: اتفق فقهاء المذاهب الأربعة في الصحيح من مذاهبهم على أن مس المصحف للمحدث حدثًا أكبر أو أصغر باليد، أو بغيرها، من أعضاء الوضوء، أو سائر أجزاء البدن، كتقبيله أو مسه بصدر أو ظهر ونحوها مباشرة من غير حائل يعتبر محرمًا، وذلك لصدق اسم المس عليه، فيدخل في عموم النهي عن مس القرآن على غير طهارة؛ لأن كل شيء لاقى شيئًا فقد مسه (2) ؛ ولأن من اللائق بتعظيم المصحف وتكريمه تحريم المس في أعضاء البدن وأجزائه كلها (3) . وذهب الحكم بن عتبة، وحماد بن أبي سليمان إلى جواز مس القرآن بظاهر الكف وسائر أجزاء البدن، وأنه لا يحرم إلا المس بباطن اليد فقط. معللين لذلك: بأن آلة المس هي باطن الكف، فينصرف إليها النهي دون غيرها من أعضاء البدن وأجزائه. وقد ضعف ابن قدامة هذا القول، ورده بقوله: (وقولهم إن المس إنما يختص بباطن اليد ليس بصحيح، فإن كل شيء لاقى شيئًا فقد مسه) (4) .   (1) شرح العمدة، ص، 385. (2) انظر: المغني، 1/147، الشرح الكبير، 1/95. (3) انظر: مطالب أولي النهى، 1/154. (4) انظر: المغني، 1/147، الشرح الكبير، 1/95، معونة أولي النهى، 1/375. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 481 وذهب الحنفية والحنابلة في قول في كلا المذهبين: إلى أنه يجوز للمحدث حدثًا أصغر أن يمس المصحف بغير أعضاء الوضوء؛ لأن الحدث لا يحل فيها، وإلى جواز مس المصحف بما غسل من أعضاء الوضوء، قبل إكماله، لارتفاع الحدث عنها (1) . ولا شك في رجحان القول الأول وهو ما ذهب إليه فقهاء المذاهب الأربعة في الصحيح من مذاهبهم لقوة ما استدلوا به، ووجاهة ما عللوا به، ودونك أقوالهم المصرحة بذلك: قال في حاشية البحر الرائق: (قال العلامة الزيلعي: ولا يجوز له مس المصحف بالثياب التي يلبسها؛ لأنها بمنزلة البدن ... وهذا يفيد: أنه لا يجوز حمله في جيبه، ولا وضعه على رأسه مثلاً بدون غلاف متجاف، وهذا مما يغفل عنه كثير، فتنبه) (2) . وقال الدردير في الشرح الكبير: (ومَنَعَ حدثٌ أصغر، وكذا أكبر ... صلاة، وطوافًا، ومس مصحف كتب بالعربي، لا بالعجمى إن مسه بعضو، بل وإن مسه بقضيب أي عود) (3) . وقال في مغني المحتاج: (ويحرم بالحدث ... وحملُ المصحف، ومسُّ ورقه المكتوب فيه، وغيره بأعضاء الوضوء، أو بغيرها، ولو كان فاقدًا للطهورين، أو مسه من وراء حائل، كثوب رقيق لا يمنع وصول اليد إليه) (4) .   (1) انظر: الدر المختار مع حاشيته لابن عابدين، 1/316، الفتاوى الهندية، 1/39، الإنصاف، 1/225. (2) 1/212، وانظر: فتح القدير، 1/169. (3) 1/125، وانظر: جواهر الإكليل، 1/21. (4) 1/36-37، وانظر: المهذب حيث قال: (لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف بظهره وإن كانت الطهارة تجب في غيره ... ) ؛ حاشية البيجوري 1/221، وقال: (والمراد مسه بأي جزء لا بباطن الكف فقط، كما توهمه بعضهم) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 482 وقال في مطالب أولي النهى: (ويحرم أيضًا مس مصحف وبعضه ... بيد وغيرها كصدر، إذ كل شيء لاقى شيئًا فقد مسه، ويتجه: أنه يحرم مسه حتى بظفر، وشعر، وسن قبل انفصالها عن محلها، تعظيمًا له واحترامًا، وهو متجه) (1) . ثانيًا: اختلفت أقوال فقهاء المذاهب الأربعة في حكم مس أو حمل المحدث للمصحف من وراء حائل، وكذا تقليب أوراقه بعود ونحوه، أو حمله ضمن أمتعة، وبيان أقوال كل مذهب في هذه المسائل بالتفصيل على النحو التالي: مذهب الحنفية: ذهب الحنفية في الصحيح من المذهب إلى أنه يكره كراهة تحريم أن يمس المصحف بكم أو غيره من ثيابه المتصلة ببدنه، دون ما انفصل عنه، معللين لذلك: بأن الكم تابع ليد الماس، فكما يحرم المس باليد، يحرم بالكم بحكم التبعية، وكذا سائر الثوب المتصل به.   (1) 1/154، وانظر: الإقناع، 1/40؛ منتهى الإرادات، 1/27، والشرح الكبير، 1/95، حيث قال: (لا يجوز مسه بشيء من جسده، قياسًا على اليد) ، وقال الزركشي في شرح الخرقي، 1/211: (وقول الخرقي رحمه الله: لا يمس، يشمل مسه بيده، وسائر جسده) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 483 والقول الآخر في المذهب: أن ذلك لا يكره، لعدم مباشرة اليد ونحوها للمس؛ لأن التحريم خاص بالمس مباشرة من غير حائل، وبهذا قال محمد بن الحسن واختاره صاحب الكافي، وغيره (1) ، قال في البناية شرح الهداية: (ويكره مسه بالكم أي مس المصحف بكم الماس هو الصحيح؛ لأنه تابع له أي كون مسه بالكم مكروهًا هو الصحيح، وفي المحيط: لا يكره مسه بالكم عند عامة المشايخ لعدم المس باليد؛ لأن المحرم هو المس، وهو اسم للمباشرة باليد بلا حائل ... وفي الذخيرة عن محمد: أنه لا بأس بالمس بالكم، وقيل عنه روايتان) (2) . ويجوز للمحدث عندهم تقليب أوراق المصحف بقلم، أو عود، أو سكين، ونحوها لعدم صدق المس عليه (3) . مذهب المالكية: نص المالكية على أنه لا يجوز للمحدث حمل المصحف الكامل من وراء حائل، كثوب، أو وسادة، أو حمله بخريطة، أو علاقة، أو بصندوق مقصود لحفظ المصحف به تعظيمًا للمصحف وتكريمًا، لكن لا بأس بحمله في وعاء مقصود لغيره كأن يحمله ضمن أمتعة قصدت بالحمل، فإن قصد حمل المصحف والأمتعة معًا، فإنه يحرم، وكذا يحرم حمل المصحف في الكرسي الخاص به، لكن لا يُمنع المحدث من مس الكرسي فقط، حالة كون المصحف عليه، لكن من غير حمل له، لانفصال الكرسي عن المصحف.   (1) انظر: الهداية شرح البداية، 1/31، فتح القدير، 1/169؛ البحر الرائق، 1/212، حاشية ابن عابدين، 1/315، وقال: (وفي الهداية: أنه يكره، هو الصحيح؛ لأنه تابع له، وعزاه في الخلاصة إلى عامة المشايخ، فهو معارض لما في المحيط، فكان هو أولى) . (2) 1/649. (3) انظر: البحر الرائق، 1/212، حاشية ابن عابدين، 1/316. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 484 كما يحرم عندهم مس المصحف بعود، أو قضيب، ونحوه، معللين لذلك: بأنه بمنزلة اللمس باليد عرفًا، لاتصال العود ونحوه باليد فيأخذ حكم اليد ذاتها (1) . واشتد نكير المالكية على تقليب أوراق المصحف الكامل، أو بعضه بأطراف الأصابع المبللة بالريق والبصاق، حتى قال ابن العربي عن ذلك: (إنا لله على غلبة الجهل المؤدي إلى الكفر) (2) . والذي يظهر لي أن هذا محل نظر؛ لأن المقلب لأوراق المصحف بشيء من ريقه إنما قصد الاستعانة بالريق على سهولة التقليب لا إهانة المصحف بتلطيخه بالبصاق والريق، فإن قصد ذلك فهو محل التحريم الذي قد يبلغ بصاحبه الكفر عياذًا بالله. ولذا نص فقهاء الحنفية والشافعية على جواز محو كتاب القرآن من المصحف أو اللوح بالريق إن لم يقصد الإهانة. فقال في الدر المختار: (ومحو بعض الكتابة بالريق يجوز) (3) . وقال القليوبي: (ويجوز ما لا يشعر بالإهانة كالبصاق على اللوح لمحوه؛ لأنه إعانة) (4) . مذهب الشافعية: ذهب الشافعية إلى أنه يحرم تقليب أوراق المصحف بعود، أو خشبة ونحوها على الأصح معللين بأنه نقل للورقة فهو كحملها. والقول الآخر: أنه يصح. وبه قطع العراقيون، ورجحه النووي في الروضة وذلك لأنه غير مباشر للمس، ولا حامل للمصحف (5) .   (1) انظر: عقد الجواهر الثمينة، 1/62، الذخيرة، 1/237، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي، 1/125؛ الشرح الصغير، 1/223، أسهل المدارك، 1/100. (2) حاشية البناني على الزرقاني على خليل، 1/93، حاشية العدوي على الخرشي، 1/160. (3) الدر المختار مع حاشيته لابن عابدين، 1/322. (4) حاشية قليوبي وعميرة على شرح منهاج الطالبين، 1/36؛ تحفة الحبيب على شرح الخطيب، 1/327. (5) انظر: المجموع، 1/74؛ روضة الطالبين، 1/190؛ مغني المحتاج، 1/38. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 485 قال في المهذب: (ويجوز أن يتركه بين يديه، ويتصفح أوراقه بخشبة؛ لأنه غير مباشر له، ولا حامل له) (1) . قال الأذرعي: والقياس أنه إن كانت الورقة قائمة فصفحها بعود جاز، وإن احتاج في صفحها إلى رفعها حرم، لأنه حامل لها (2) . كما ذهب الشافعية إلى أنه يحرم مس المصحف، وتقليب أوراقه من وراء حائل ككم يده، ونحوه، وذلك لأن الكم متصل به، وله حكم أجزائه في منع السجود عليه، ولأن التقليب يقع باليد لا بالكم، بخلاف تقليب الأوراق بالعود على القول بجوازه. لكن لو قلب أوراق المصحف بكمه فقط، دون يده، كأن يفتل الكم ويقلب به الورق، فهو كالعود في الحكم (3) . وقال في المهذب: (ويحرم عليه حمله في كمه؛ لأنه إذا حرم مسه فلأن يحرم حمله – وهو في الهتك أبلغ - أولى) (4) . وأما حمل المصحف ضمن متاع، ففيه وجهان: أصحهما، وبه قطع صاحب المهذب، وهو قول جمهور فقهاء المذهب، ونقله الماوردي والبغوي عن نص الشافعي: أنه يجوز؛ لأنه غير مقصود بالحمل لذاته، فعفي عما فيه من القرآن، كما لو كتب كتابًا إلى كافر، وفيه آيات من القرآن. والثاني: أنه يحرم؛ لأنه حامل للمصحف حقيقة، ولا أثر لكون غيره معه، فهو كما لو حمل متاعًا فيه نجاسة، فإن صلاته تبطل. قال الماوردي: وصورة المسألة: أن يكون المتاع مقصودًا بالحمل، فإن كان غير مقصود بالحمل لم يجز (5) . مذهب الحنابلة: ذهب الحنابلة في الصحيح من المذهب: إلى أنه لا يحرم على المحدث حمل المصحف ضمن أمتعة، أو في كيس، أو حمله بعلاقته، أو غلافه، أو في كمه.   (1) 1/32. (2) انظر: مغني المحتاج، 1/38. (3) انظر: المجموع، 1/74؛ مغني المحتاج، 1/38. (4) 1/32، وانظر: حاشية البيجوري، 1/221. (5) انظر: المهذب، 1/32، المجموع، 1/74، مغني المحتاج، 1/37. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 486 معللين: بأن النهي عن مس المصحف إنما يتناول المس، والحمل ليس بمس فيبقى الحكم على أصل الإباحة. كما لا يحرم في الصحيح من المذهب تصفح أوراق المصحف بكمه، أو تقليب أوراقه بعود، أو خشبة، أو خرقة، وذلك لأن النهي إنما يتناول المس من غير حائل، ومع وجود الحائل يكون المس للحائل، فلا يحرم لعدم مباشرة المس باليد، بدليل: عدم انتقاض الوضوء بالمس من وراء حائل، بخلاف مباشرة المس، فإنه ينقض الوضوء. والقول الآخر في المذهب: وهو رواية عن الإمام أحمد، أن ذلك كله يحرم على المحدث، تعظيمًا للقرآن، وتكرمة له. وقيل: إنما يحرم ما تقدم على غير ورَّاق، لحاجته المتكررة للمس. فيباح له ذلك دفعًا للحرج والمشقة (1) . قال في الإنصاف: (وعنه – أي الإمام أحمد- المنع من تصفحه بكمه، وخرجه القاضي، والمجد، وغيرهما إلى بقية الحوائل. وأبى ذلك طائفة من الأصحاب منهم المصنف في المغني، وفرق بأن كمه وعباءته متصل به، أشبهت أعضاءه، وأطلق الروايتين في حمله بعلاقته، أو في غلافه، وتصفحه بكمه، أو عود ونحوه، في المستوعب، والمحرر، وابن تميم، والرعايتين، والحاويين، ومجمع البحرين، والفائق) (2) . المطلب الثالث: مس ما فيه شيء من القرآن وتحت هذا المطلب فرعان: الفرع الأول: مس كتب العلم المشتملة على شيء من القرآن، ككتب التفسير، والحديث، والفقه، وغيرها. وقد اختلف العلماء في حكم مس المحدث لشيء من هذه الكتب على الأقوال التالية: القول الأول: أنه يجوز للمحدث مس كتب العلم المشتملة على آيات من القرآن، سواء أكانت كتب تفسير، أو غيرها.   (1) انظر: المغني، 1/147-148؛ شرح العمدة، ص، 385، معونة أولي النهى، 1/375، كشاف القناع، 1/135. (2) 1/224. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 487 وبهذا قال بعض الحنفية (1) ، وهو الصحيح في المذاهب الثلاثة: المالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) . واستدلوا على ذلك بما يأتي: 1 - ما ثبت في الصحيحين (5) أن النبي (بعث إلى هرقل عظيم الروم بكتاب يدعوه فيه إلى الإسلام، وفيه قول الله تعالى: (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ((6) . وكان (يكتب في صدر كتبه إلى أهل النواحي بسم الله الرحمن الرحيم، وهي آية من كتاب الله تعالى (7) . فإذا جاز للكافر أن يمس كتابًا فيه آيات من القرآن، فإنه يدل على جواز ذلك للمحدث من باب أولى (8) . 2 - أن النهي عن المس على غير طهارة إنما ورد في المصحف خاصة، وكتب العلم لا يصدق عليها اسم المصحف، فلا تثبت لها حرمته (9) ، لعدم قصد القرآن بالمس، وإنما المقصود غيره (10) . القول الثاني:   (1) حاشية ابن عابدين، 1/320. (2) الذخيرة، 1/237؛ الزرقاني على خليل، 1/94؛ الشرح الصغير، 1/225. (3) غير أن الشافعية قيدوا الجواز في كتب التفسير خاصة في الأصح من مذهبهم: بأن لا يكون القرآن أكثر من التفسير، فإن كان أكثر من التفسير حرم مسه؛ لأنه في معنى المصحف. انظر: المهذب، 1/32، روضة الطالبين، 1/191، مغني المحتاج، 1/37. (4) الإقناع، 1/41، منتهى الإرادات، 1/27؛ الروض المربع، 1/126. (5) صحيح البخاري، 1/9، صحيح مسلم، 5/165. (6) آل عمران، آية، 64. (7) انظر: شرح العمدة، ص، 386. (8) انظر: المغني، 1/148، الشرح الكبير، 1/95. (9) انظر: المجموع، 1/75-76؛ مغني المحتاج، 1/37، المغني، 1/148، الشرح الكبير، 1/95. (10) انظر: الذخيرة، 1/237، الشرح الصغير، 1/225، المهذب، 1/32، الكافي، 1/48. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 488 أنه يحرم مس شيء من كتب العلم المشتملة على آيات من القرآن سواء أكانت كتب تفسير أو غيرها. وهو قول في مذهب الشافعية (1) ، وفي مذهب الحنابلة (2) ، وذلك صيانة لما في هذه الكتب من القرآن، وتكرمة له وإجلالاً (3) . القول الثالث: أنه يكره مس شيء من كتب العلم المشتملة على آيات من القرآن تكرمة للقرآن وتعظيمًا. وبهذا قال الحنفية (4) ، وبعض الشافعية (5) . القول الرابع: تحريم مس كتب التفسير (6) ، دون غيرها من كتب العلم. وهو قول في المذاهب الأربعة: الحنفية (7) ،والمالكية (8) ، والشافعية (9)   (1) المهذب، 1/32، روضة الطالبين، 1/191. (2) الإنصاف، 1/225؛ معونة أولي النهى، 1/376. (3) انظر: المهذب، 1/32. (4) غير أن بعض الحنفية قصر الكراهة على كتب التفسير خاصة لكثرة ما فيها من القرآن، بخلاف غيرها من كتب العلم. انظر: فتح القدير، 1/169؛ البناية شرح الهداية، 1/650، البحر الرائق، 1/212، حاشية ابن عابدين، 1/320. (5) المجموع، 1/75. (6) ومثله فيما يظهر وإن لم ينص عليه الفقهاء كتب القراءات، بل ربما تكون أولى بالتحريم من كتب التفسير على هذا القول؛ لكثرة ما فيها من القرآن. (7) وقيد بعض الحنفية التحريم بمس مواضع الآيات منها فقط. انظر: بدائع الصنائع، 1/33؛ الجوهرة، 1/36؛ الدر المختار مع حاشيته لابن عابدين، 1/319-320. (8) إلا أن المالكية قيدوا التحريم على القول به فيما إذا كان التفسير مشتملاً على آيات كثيرة وقصدت بالمس. انظر: الزرقاني على خليل، 1/94، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، 1/125؛ جواهر الإكليل، 1/21. (9) ... إلا أن الأصح عند الشافعية أنه إذا كان القرآن أكثر من التفسير، فإنه يحرم قطعًا، بل حكاه بعضهم وجهًا واحدًا، وما عدا ذلك فالتحريم على قول في المذهب. انظر: المجموع، 1/76؛ روضة الطالبين، 1/191، مغني المحتاج، 1/37. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 489 ، والحنابلة (1) . معللين لذلك: بأن ما في كتب التفسير من القرآن كثير، فتكون في معنى المصحف، فيحرم مسها على المحدث، تعظيمًا للقرآن وإجلالاً، بخلاف غيرها من كتب العلم، فإن ما فيها من القرآن يسير غير مقصود بالمس (2) . الترجيح: والذي يظهر لي أن الراجح من هذه الأقوال هو القول بجواز مس كتب العلم كلها، تفسيرًا كانت أو غيرها، لقوة أدلته، ورجحانها على استدلالات القولين الآخرين، ولما في اشتراط الطهارة لذلك مع عدم النص الموجب، من مشقة وحرج. ومع هذا فإن الأولى والمستحب للمحدث أن لا يمس كتب العلم المتضمنة لآيات من القرآن إلا على طهارة، كما نص على ذلك كثير من العلماء (3) . الفرع الثاني: مس ما كُتِبَ فيه شيء من القرآن مما لا يقصد للقراءة كالدرهم، والدينار، والخاتم، والثوب، والحائط، ونحو ذلك. وقد اختلف العلماء في حكم مس المحدث لشيء من هذه الأشياء المذكورة إذا اشتملت على آية من القرآن فأكثر، على قولين: القول الأول: أنه يجوز للمحدث مس الدرهم ونحوه مما ذكر، إذا كتب فيه شيء من القرآن. وبهذا قال: المالكية (4) ، والشافعية (5) ، والحنابلة (6) في الصحيح من مذاهبهم (7)   (1) الإنصاف، 1/225؛ معونة أولي النهى، 1/376. (2) انظر: فتح الجواد، 1/56، مغني المحتاج، 1/33. (3) انظر: مصنف عبد الرزاق، 1/344، شرح السنة، 2/50، بدائع الصنائع، 1/34؛ البحر الرائق، 1/212، المجموع، 1/76، مغني المحتاج، 1/37. (4) ويجوز مس هذه الأشياء عندهم حتى للجنب والحائض. انظر: الذخيرة، 1/237، عقد الجواهر، 1/62؛ الشرح الكبير للدردير، 1/125؛ أسهل المدارك، 1/100. (5) روضة الطالبين، 1/191؛ مغني المحتاج، 1/38؛ فتح الجواد، 1/56. (6) الكافي، 1/48؛ الإنصاف، 1/224، الإقناع، 1/41. (7) وبه قال من التابعين الحسن البصري، والقاسم بن محمد، وقتادة. انظر: مصنف عبد الرزاق، 1/343، مصنف ابن أبي شيبة، 1/113. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 490 واستدلوا على ذلك بما يأتي: 1 - أن الدرهم ونحوه إذا تضمن شيئًا من القرآن فإنه لا يسمى مصحفًا، ولا هو في معنى المصحف، والنهي عن المس للمحدث إنما يتناول المصحف خاصة (1) . 2 - أن القرآن المكتوب في الدرهم ونحوه لا يقصد بالمس، وإنما المقصود بالمس غيره، فلذا جاز مسه وحمله (2) . 3 - أنه كما يجوز للمحدث مس كتب العلم، والرسائل المشتملة على شيء من القرآن، فإنه يجوز له مس الدرهم ونحوه، قياسًا عليها، بل هي أولى بجواز المس (3) . 4 - أن في منع المحدث من مس ذلك حرجًا ومشقة، وقد جاء الشرع برفع الحرج والمشقة، كما جاز للصبيان مس الألواح التي فيها قرآن دفعًا للحرج والمشقة عنهم (4) . القول الثاني: أنه لا يجوز للمحدث أن يمس الدرهم ونحوه إذا تضمن آية من القرآن فأكثر. وبهذا قال الحنفية (5) ، وهو قول في المذاهب الثلاثة: المالكية (6) ، والشافعية (7) ، والحنابلة (8) .   (1) انظر: المغني، 1/148؛ المجموع، 1/75؛ مغني المحتاج، 1/38. (2) انظر: المهذب، 1/32؛ مغني المحتاج، 1/38. (3) انظر: الكافي، 1/48، المغني، 1/148. (4) انظر: المغني، 1/148، الشرح الكبير، 1/95. (5) بدائع الصنائع، 1/33، مجمع الأنهر، 1/26؛ الجوهرة، 1/36. (6) الذخيرة، 1/237. (7) المهذب، 1/32، روضة الطالبين، 1/191؛ مغني المحتاج، 1/38. (8) الكافي، 1/48، الإنصاف، 1/224، معونة أولي النهى، 1/377. وقال بهذا من التابعين إبراهيم النخعي، وابن سيرين. انظر: مصنف عبد الرزاق، 1/344، مصنف ابن أبي شيبة، 1/113. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 491 واستدلوا على ذلك: بأن مس الدرهم ونحوه مما فيه آية من القرآن فيه إخلال بتعظيم كلام الله، فيحرم مسه تعظيمًا لكلام الله تعالى، كما حرم مس المصحف. وكما حرم أيضًا مس الورقة واللوح إذا تضمنا شيئًا من القرآن (1) . الترجيح: والذي يظهر لي أن الراجح - والله أعلم- هو القول الأول، وهو القول بجواز مس المحدث للدرهم ونحوه إذا اشتمل على شيء من كلام الله تعالى، وذلك لقوة أدلة هذا القول، ورجحانها. ويمكن الإجابة عن دليل المانعين: بأن جواز مس المحدث للدرهم ونحوه، ليس فيه إخلال بتعظيم كلام الله تعالى؛ لأن القرآن المكتوب في هذه الأشياء غير مقصود بالمس والحمل فجاز مس هذه الأشياء، ويدل على الجواز ويرجحه أنه (ضمَّن الكتاب الذي أرسله إلى هرقل آيتين من كتاب الله تعالى مع علمه قطعًا بمس الكافر له، كما أنه لم يأمر حامله بالطهارة لمسه، فدل ذلك على جواز مس الكتاب والورقة المتضمنة لشيء من كلام الله، ومن باب أولى بالجواز مس الدرهم والدينار والخاتم، والثوب، والحائط، ونحوها (2) والعلم عند الله. المطلب الرابع: حكم مس المحدث للقرآن المنسوخ تلاوته والكتب السماوية الأخرى اختلف فقهاء المذاهب الأربعة في حكم مس المحدث للقرآن الذي نسخت تلاوته (3)   (1) انظر: الذخيرة، 1/237؛ بدائع الصنائع، 1/33، مغني المحتاج، 1/38، المغني، 1/148. (2) انظر: مغني المحتاج، 1/37. (3) مثال ما نسخت تلاوته وبقي حكمه قوله عز وجل: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج (فنسخ قوله سبحانه: (في مواسم الحج (رواه البخاري في صحيحه 3/105. قال ابن حجر في فتح الباري، 3/594: وأخرج الحاكم في مستدركه عن عبيد ابن عمير، أنه كان يقرؤها في المصحف. ومن أمثلة ذلك أيضًا: ما ذكر الزركشي في البرهان، 2/35 بقوله: ((روي أنه كان يقال في سورة النور: ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة نكالاً من الله)) ولهذا قال عمر رضي الله عنه: لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي. رواه البخاري في صحيحه معلقًا)) وانظر أيضًا: النواسخ لابن الجوزي، ص، 115. ومن أمثلته أيضًا: ما روى البخاري في صحيحه، 3/215 أن رسول الله (كان يقرأ ((والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى)) قال أبو الدرداء: وهؤلاء يريدوني على أن أقرأ: ((وما خلق الذكر والأنثى)) والله لا أتابعهم)) . قال في فتح الباري، 8/707: ((ولعل هذا مما نسخت تلاوته ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه)) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 492 والأحاديث القدسية، ومس الكتب السماوية الأخرى: كالتوراة والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وصحف موسى على قولين: القول الأول: أنه يجوز للمحدث أن يمس ما نسخت تلاوته من القرآن الكريم والأحاديث القدسية، وكذا يجوز له مس الكتب السماوية الأخرى، وإن علم أنها غير مبدلة. وبهذا قال بعض الحنفية (1) ، وهو مذهب المالكية (2) ، وبه قال الشافعية في الصحيح من مذهبهم (3) ، وكذا الحنابلة في الصحيح أيضًا (4) . ووجه هذا القول: أن المنسوخ لفظه، والأحاديث القدسية، والكتب السماوية الأخرى ليست قرآنًا، والنهي إنما ورد عن مس المحدث للقرآن فيختص الحكم به (5) . ومن وجه آخر: أن ما نسخ لفظه من القرآن قد زالت حرمته بالنسخ، والأحاديث القدسية، وأما الكتب السماوية الأخرى، فمع كونها منسوخة، فإن الغالب عليها التبديل والتحريف، فلا يقطع بكونها كلام الله تعالى (6) . القول الثاني: أنه لا يجوز للمحدث أن يمس القرآن المنسوخ التلاوة والأحاديث القدسية، ولا شيئًا من الكتب السماوية. وبهذا قال الحنفية (7)   (1) الدر المختار مع حاشيته لابن عابدين، 1/315؛ منحة الخالق على البحر الرائق، 1/211. (2) شرح الزرقاني، 1/93؛ حاشية العدوي على الخرشي، 1/160؛ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، 1/125. (3) روضة الطالبين، 1/191، المجموع، 1/76. (4) شرح الزركشي على مختصر الخرقي، 1/212، الإنصاف، 1/225؛ معونة أولي النهى، 1/377، كشاف القناع، 1/135. (5) انظر: منحة الخالق على البحر الرائق، 1/211، المبدع شرح المقنع، 1/174؛ كشاف القناع، 1/135. (6) انظر: المجموع، 1/76؛ مغني المحتاج، 1/37. (7) لكن قال ابن عابدين: ينبغي أن يخص الحكم بما لم يبدل. انظر: حاشية ابن عابدين، 1/314-315، 488، منحة الخالق على البحر الرائق، 1/211-212. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 493 ، والشافعية في وجه (1) ،والحنابلة في قول ضعيف (2) . ووجه هذا القول: إلحاق ما نسخت تلاوته، والأحاديث القدسية، والكتب السماوية الأخرى بالقرآن في تحريم المس، بجامع الاشتراك في وجوب التعظيم والتكريم في كلٍّ. الترجيح: والذي يظهر لي أن الراجح هو القول الأول، وهو القول بجواز مس المحدث لما نسخت تلاوته من القرآن، والأحاديث القدسية، والكتب السماوية الأخرى، لوجاهة ما علل به القائلون بالجواز، ورجحانه على ما علل به أصحاب القول الثاني، والعلم عند الله تعالى. المطلب الخامس: حكم مس الأشرطة التي سجل عليها قرآن إذا سجل القرآن الكريم على أشرطة بمختلف أنواعها كأشرطة الكاسيت أو الفيديو، أو أقراص الدسك التي تستخدم في الكمبيوتر، أو نحوها، فإنه يجوز مسها للمحدث حدثًا أكبر أو أصغر فيما يظهر، وذلك لأن هذه الأشرطة ونحوها لا تسمى مصحفًا، لأنه لا يمكن قراءة القرآن منها مباشرة، وإنما يستمع للقرآن منها، أو يقرأ بواسطة آلاتها الخاصة بتشغيلها، لذا فإن هذه الأشرطة لا تأخذ حكم القرآن الكريم في تحريم مسه على غير طهارة، وبهذا أفتى أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية برئاسة شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز دون أن يعللوا للحكم، ونص الفتوى: (لا حرج في حمل أو لمس الشريط المسجل عليه القرآن لمن عليه جنابة ونحوها وبالله التوفيق) (3) .   (1) روضة الطالبين، 1/191، المجموع، 1/76. (2) شرح الزركشي على مختصر الخرقي؛ 1/212،الإنصاف، 1/225؛ معونة أولي النهى،1/377. (3) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 4/73. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 494 كما أرى أن يلحق بهذا في الحكم أيضًا ما لو كتب القرآن الكريم بطريقة برايل للمكفوفين، فإنه لا يأخذ حكم المصحف، فيجوز مسه مع الحدث، لأن المصحف إنما هو لما كتب باللغة التي نزل بها، وهي اللغة العربية التي يقرؤها كل متعلم لها كما قال سبحانه: (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ((1) . أما طريقة برايل فليست حروفًا وإنما هي طريقة يتعرف من خلالها على الحروف من خلال اللمس، فلذا فإنه إذا كتب بها المصحف إن قيل بجوازه (2) ، فإنه يجوز مسه للمحدث وإن كان حدثه أكبر، هذا ما يظهر لي والعلم عند الله تعالى. المطلب السادس: حكم كتابة المصحف بغير اللغة العربية وحكم مسه إذا كتب بغير اللغة العربية وتحت هذا المطلب فرعان: الفرع الأول: في حكم كتابة المصحف بغير اللغة العربية: اختلف العلماء – رحمهم الله – في حكم كتابة المصحف بغير اللغة العربية، قال الزركشي في البرهان: ((هل يجوز كتابة القرآن بقلم غير العربي؟ هذا مما لم أر للعلماء فيه كلامًا. ويحتمل الجواز؛ لأنه قد يحسنه من يقرؤه بالعربية، والأقرب المنع، كما تحرم قراءته بغير لسان العرب ... )) (3) ونقله السيوطي في الإتقان (4) ولم يزد عليه، وللفقهاء في هذه المسألة قولان: القول الأول: أنه يجوز كتابة المصحف بغير اللغة العربية، كأن يكتب بالفارسية، أو الهندية، أو التركية، ونحوها.   (1) سورة الشعراء، آية رقم (192-195) . (2) يمكن أن يخرج حكم كتابة المصحف بطريقة (برايل) على حكم كتابة المصحف بغير اللغة العربية، وسيأتي بيان الخلاف في ذلك في المطلب السادس، والعلم عند الله. (3) البرهان في علوم القرآن، 1/380. (4) الإتقان في علوم القرآن، 2/376. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 495 وبهذا قال الحنفية (1) والشافعية (2) وبعض الحنابلة (3) . معللين للحكم: بأنه قد يحسن كتابته بغير اللغة العربية من يقرؤه باللغة العربية، فيكون في ذلك تيسير وتسهيل على غير العرب، لكن لا يجوز لهم أن يقرؤوه بغير اللغة العربية وإن كتب بغيرها؛ لحرمة قراءة القرآن بغير لسانه المنزل به (4) . القول الثاني: أنه لا يجوز كتابة المصحف بغير اللغة العربية، وبهذا قال المالكية. مستدلين للحكم: بأن الكتابة أحد اللسانين، فكما لا تجوز قراءته بغير العربية بدليل قوله تعالى: (بلسان عربي مبين ((5) فإنه لا يجوز كتابته بغيرها؛ لأن الكتابة أحد اللسانين، فلا يجوز تغييره عن اللسان المنزل به (6) . والذي يظهر لي أن ما ذهب إليه المالكية هو الأرجح لقوة دليلهم، وظهور حجتهم، وهو المناسب لصيانة القرآن والحفاظ عليه عن التغيير والتبديل، والعلم عند الله. الفرع الثاني: حكم مس المصحف إذا كتب بغير اللغة العربية: ذهب الحنفية والشافعية إلى المنع من مس المصحف إذا كتب بغير اللغة العربية، فيمنع المحدث من مسه وحمله حتى يتطهر من الحدثين، كمنعه من مس المصحف المكتوب باللغة العربية؛ لعموم الأدلة الدالة على ذلك (7) .   (1) البحر الرائق، 1/212؛ الفتاوى الهندية، 1/39. (2) حاشية قليوبي على منهاج الطالبين، 1/36، تحفة الحبيب على شرح الخطيب، 1/329. (3) البرهان في علوم القرآن، 1/380. (4) انظر: البرهان في علوم القرآن، 1/380؛ الإتقان في علوم القرآن، 2/376، الفتاوى الهندية، 1/39، تحفة الحبيب على شرح الخطيب، 1/329. (5) سورة الشعراء، آية رقم (195) . (6) انظر: الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي، 1/125؛ حاشية البناني على الزرقاني، 1/93. (7) انظر: البحر الرائق، 1/212، الفتاوى الهندية، 1/39؛ حاشية قليوبي على منهاج الطالبين، 1/36، تحفة الحبيب على شرح الخطيب، 1/329، الموسوعة الفقهية، 38/10. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 496 وذهب المالكية إلى جواز مس المصحف إذا كتب بغير اللغة العربية. معللين: بأن المصحف المكتوب بغير اللغة العربية ليس بقرآن، وإنما هو في الحقيقة تفسير للقرآن، وكتب التفسير وغيرها من كتب العلم المتضمنة للقرآن أو لشيء منه لا يشترط لمسها الطهارة (1) . والذي يظهر لي رجحان ما ذهب إليه المالكية من جواز مس المصحف إذا كتب بغير اللغة العربية، لوجاهة ما عللوا به، والعلم عند الله. المطلب السابع: حكم كتابة المحدث والكافر للقرآن وتحت هذا المطلب فرعان: الفرع الأول: حكم كتابة المحدث للقرآن: اختلف فقهاء المذاهب الأربعة في حكم كتابة المسلم للقرآن، من غير مس المكتوب إذا كان عليه حدث على الأقوال التالية: القول الأول: أنه يجوز لمن عليه حدث أصغر أو أكبر أن يكتب القرآن، لكن من غير مس للمكتوب فيه. وبهذا قال الحنفية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) في الراجح من مذاهبهم. مستدلين على ذلك بما يأتي: 1 - أن النهي إنما ورد عن مس المصحف، والكتابة لا تعد مسًا له (5) . 2 - أن المباشر للمس هو القلم، وليست يد الكاتب، فهو بمنزلة مس المصحف من وراء حائل (6) . 3 - أن الكاتب للقرآن إنما يكتب حرفًا حرفًا، والحرف الواحد لا يعد قرآنًا (7) .   (1) انظر: الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي، 1/125؛ حاشية البناني على الزرقاني، 1/93. (2) فتح القدير، 1/169، البناية شرح الهداية، 1/647؛ الدر المختار مع حاشيته لابن عابدين، 1/317. (3) روضة الطالبين، 1/191؛ المجموع، 1/77. (4) انظر: الإنصاف، 1/226، الإقناع، 1/41، معونة أولي النهى، 1/383. (5) انظر: كشاف القناع، 1/135، مطالب أولي النهى، 1/155. (6) انظر: فتح القدير، 1/169؛ حاشية ابن عابدين، 1/317. (7) انظر: البناية شرح الهداية، 1/648. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 497 4 - أن الصحابة رضوان الله عليهم استكتبوا أهل الحيرة المصاحف وهم نصارى، فدل ذلك على الجواز (1) . القول الثاني: أنه لا يجوز للمحدث حدثًا أصغر أن يكتب القرآن. وبهذا قال المالكية في الصحيح من مذهبهم (2) ، وهو قول في كل من المذاهب الثلاثة: الحنفية (3) ، والشافعية (4) ، والحنابلة (5) . ووجه هذا القول: أن كتابة القرآن في حكم المس له، فتحرم، كما يحرم المس؛ لاتصال القلم بيد الكاتب (6) . القول الثالث: جواز كتابة القرآن لمن عليه حدث أصغر، دون من عليه حدث أكبر. وهو قول في كل من المذاهب الثلاثة: المالكية (7) ، والشافعية (8) ، والحنابلة (9) . ووجه هذا القول ما يأتي: 1 - رفع الحرج والمشقة عن صاحب الحدث الأصغر لتكرره، بخلاف الحدث الأكبر لقلته (10) . 2 - قياس كتابة القرآن على تلاوته، فإنها تجوز لمن عليه حدث أصغر، دون من عليه حدث أكبر (11) . الترجيح:   (1) روي ذلك عن عبد الرحمن بن عوف، وعن عدد من التابعين. انظر: مصنف ابن أبي شيبة، 6/66، المصاحف لأبي داود، ص، 148، شرح العمدة، ص، 385، شرح الزركشي، 1/212. (2) إلا أنهم أجازوا للمحدث وإن كان جنبًا كتابة الآيات ضمن رسائل ونحوها. انظر: شرح الزرقاني، 1/94؛ الشرح الكبير للدردير، 1/125، الشرح الصغير، 1/223. (3) وبه قال محمد بن الحسن الشيباني وغيره من علماء الحنفية. انظر: فتح القدير، 1/169؛ البناية شرح الهداية، 1/648، رد المحتار مع حاشيته لابن عابدين، 1/317. (4) روضة الطالبين، 1/191؛ المجموع، 1/77. (5) الإنصاف، 1/226، معونة أولي النهى، 1/383. (6) انظر: فتح القدير، 1/169. (7) شرح الزرقاني، 1/94، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، 1/125. (8) المجموع، 1/77. (9) الإنصاف، 1/226. (10) انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، 1/125. (11) شرح العمدة، ص، 385. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 498 والذي يظهر لي أن الراجح هو القول الأول، وهو القول بجواز كتابة المحدث مطلقًا للقرآن لوجاهة ما استدل به القائلون بالجواز ورجحانه على ما علل به أصحاب القولين الآخرين والعلم عند الله. الفرع الثاني: حكم كتابة الكافر للقرآن: والمراد هنا حكم كتابة الكافر للقرآن من غير مس للمكتوب؛ لأنه يحرم عليه مس القرآن (1) . ولم أر من نص على هذه المسألة من أصحاب المذاهب الأربعة سوى الحنابلة، ولهم فيها قولان: القول الأول: أنه يجوز للكافر أن يكتب القرآن. وهو الصحيح في المذهب (2) . قال في الإنصاف: ((له نسخه على الصحيح من المذهب، وقال ابن عقيل: بدون حمل ولا مس. قال القاضي في التعليق وغيره: قال ابن عقيل في التذكرة: يجوز استئجار الكافر على كتابة المصحف إذا لم يحمله. قال أبو بكر: لا يختلف قول أحمد: أن المصاحف يجوز أن يكتبها النصارى..)) (3) . والقول بهذا هو مقتضى مذهب الظاهرية؛ لإجازتهم للكافر أن يمس القرآن (4)   (1) حيث ذهب فقهاء المذاهب الأربعة إلى تحريم مس المصحف على الكافر؛ لأن ذلك يحرم على المسلم إذا كان محدثًا، أو جنبًا، فالكافر من باب أولى بالتحريم، والمقصود هنا: أنه يحرم على المسلم أن يمكن الكافر من مس المصحف؛ لأن الكافر لا يتوجه إليه الخطاب. انظر: البناية شرح الهداية، 1/650؛ البحر الرائق، 1/212؛ حاشية العدوي على الخرشي، 1/161؛ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، 1/126؛ المجموع شرح المهذب، 2/78؛ أسنى المطالب، 1/62؛ شرح الزركشي على مختصر الخرقي، 1/212؛ الإنصاف، 1/227. (2) شرح الزركشي على مختصر الخرقي، 1/212، الإقناع، 1/41، غاية المنتهى، 1/44. (3) 1/226. (4) المحلى، 1/83. وبه قال محمد بن الحسن الشيباني أيضًا إذا اغتسل الكافر كما في البحر الرائق، 1/212 واحتج ابن حزم على جواز مس الكافر للمصحف بتضمين النبي (الكتاب الذي كتبه لقيصر آيات من القرآن، وهي قوله سبحانه: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء.. (الخ الآيات. رواه البخاري في صحيحه، 1/9، ومسلم في صحيحه، 5/165. قال ابن حزم: ((فهذا رسول الله (قد بعث كتابًا، وفيه هذه الآية إلى النصارى، وقد أيقن أنهم يمسون ذلك الكتاب)) . وأجاب الجمهور عن استدلال ابن حزم بما ذكره ابن حجر في فتح الباري، 1/408، بقوله: ((إن الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين، فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو التفسير، فإنه لا يمنع قراءته ولا مسه عند الجمهور؛ لأنه لا يقصد منه التلاوة، ونص أحمد: أنه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ، وقال به كثير من الشافعية، ومنهم من خص الجواز بالقليل، كالآية والآيتين)) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 499 ، فكتابته من باب أولى. وقد استدل الحنابلة على ذلك بما يأتي: 1 - ما روي عن بعض الصحابة والتابعين: أنهم استكتبوا النصارى المصاحف، حيث روي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ((أنه استكتب رجلاً نصرانيًا مصحفًا، فأعطاه ستين درهمًا)) (1) . وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ((أنه كتب له نصراني مصحفًا من أهل الحيرة بتسعين درهمًا)) (2) . وروي نحو ذلك عن علقمة، وعن غيرهما من التابعين (3) . 2 - أن النهي إنما ورد عن مس القرآن، لا عن كتابته (4) . 3 - أن مس القلم للحرف كمس العود للحرف، وذلك جائز، فدل على جواز كتابة الكافر للمصحف إذا لم يمسه بيده (5) . القول الثاني: أنه لا يجوز للكافر أن يكتب القرآن. قال في الإنصاف: ((قيل لأحمد: يعجبك أن تكتب النصارى المصاحف، قال: لا يعجبني. قال الزركشي: فأخذ من ذلك رواية بالمنع ... )) (6) . ولعل وجه هذا القول: صيانة القرآن، وإجلاله عن أن يمسه الكافر؛ لأن الكاتب لا يسلم غالبًا من مس المكتوب، فلا يؤمن الكافر أن يمس القرآن أثناء كتابته له، وذلك محرم عليه. الترجيح:   (1) رواه أبو داود في كتاب المصاحف، ص، 148. (2) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، 6/66، وأبو داود في كتاب المصاحف نحوه، ص، 149. (3) رواه أبو داود في كتاب المصاحف، ص، 149. (4) انظر: كشاف القناع، 1/135؛ مطالب أولي النهى، 1/155. (5) انظر: الإنصاف، 1/226، معونة أول النهى، 1/360. (6) 1/226. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 500 والذي يظهر لي أن القول الثاني أرجح؛ لأنه أليق بتعظيم القرآن وتكريمه، فينبغي أن يصان كلام الله عن كل من يخشى أن ينتهك حرمته، ويدل عليه نهيه (أن يُسَافر بالقرآن إلى أرض العدو إذا خيف أن يقع بأيديهم وذلك فيما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله (( (أنه كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو)) (1) . وأما ما روي من استكتاب بعض الصحابة والتابعين الكافر لكتابة المصحف، فهذا على تقدير صحته، محمول على اضطرارهم إليه لقلة من يحسن الكتابة في زمنهم من المسلمين، فيكون ذلك من باب الضرورات، وللضرورة أحكامها؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات. والعلم عند الله تعالى. المطلب الثامن: حكم مس المحدث للقرآن عند الضرورة إذا خشي المحدث على المصحف من غرق أو حرق، أو نجاسة تصيبه، أو مس كافر له، أو سرقة، أو غصب، ولم يتمكن من الطهارة بالماء أو التيمم قبل وقوع ما يخشاه على المصحف فإنه يجوز له في هذه الحالة أن يمسه، ويحمله، وإن كان محدثًا حدثًا أكبر، لأن مسه أو حمله، والحالة هذه من باب الضرورة (والضرورات تبيح المحظورات) (2) كما هي القاعدة الفقهية المشهورة. وقد نص على هذه المسألة المالكية (3) ، والشافعية (4)   (1) صحيح مسلم، 6/30. وفي لفظ آخر له: ((فإني لا آمن أن يناله العدو)) وأصله عند البخاري، 2/168. (2) انظر هذه القاعدة في: الأشباه والنظائر للسيوطي، ص، 84، الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص، 85. (3) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، 1/125؛ حاشية الصاوي على الشرح الصغير، 1/223. (4) روضة الطالبين، 1/192؛ مغني المحتاج، 1/37. المصادر والمراجع 1 - القرآن الكريم. 2 - الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، بيروت: دار الكتب العلمية. 3 - أسنى المطالب في شرح روض الطالب، زكريا الأنصاري، المكتبة الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ. 4 - أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه الإمام مالك، أبي بكر بن حسن الكشناوي، بيروت: دار الفكر. 5 – الاستذكار، تصنيف: الإمام يوسف بن عبد الله بن عبد البر الأندلسي، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، بيروت: دار قتيبة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1414هـ-1993م. 6 - الأشباه والنظائر، زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم، بيروت: دار الكتب العلمية، 1400هـ – 1980م. 7 - الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، مصور عن الطبعة الأولى، بيروت: دار الكتب العلمية، 1399هـ – 1979م. 8 - الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي، تصحيح وتعليق: عبد اللطيف محمد السبكي، مصر: المكتبة التجارية الكبرى. 9 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، علي بن سليمان المرداوي، صححه وحققه: محمد حامد الفقي، القاهرة: مطبعة السنة المحمدية، 1376هـ/1957م الطبعة الأولى. 10 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن نجيم الحنفي، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر الطبعة الثانية، طبعة بالأوفست. 11 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني، بيروت: دار الكتاب العربي، 1402هـ/1982م الطبعة الثانية. 12 - البرهان في علوم القرآن، بدر الدين بن محمد الزركشي، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر. 13 - البناية في شرح الهداية، أبي محمد محمود بن أحمد العيني، تصحيح: محمد عمر الشهير بناصر الإسلام الرامفوري، بيروت: دار الفكر، 1401هـ / 1981م الطبعة الأولى. 14 - تحفة الحبيب على شرح الخطيب، تأليف: سليمان بن عمر البجيرمي، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر، 1398هـ – 1978م. 15 - جواهر الإكليل شرح مختصر خليل، تأليف: صالح عبد السميع الآبي، بيروت: دار الفكر. 16 - الجوهرة النيرة على مختصر القدوري، أبي بكر بن علي بن محمد الحداد اليمني، ملتان، باكستان: المكتبة الإمدادية. 17 - حاشية البيجوري على الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (بهامس الإقناع) ، إبراهيم البيجوري، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع. 18 - حاشية البناني على شرح الزرقاني على مختصر خليل، الشيخ محمد البناني، بيروت: دار الفكر، 1398هـ – 1978م. 19 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي، بيروت: دار الفكر. 20 - حاشية الصاوي على الشرح الصغير (بهامش الشرح الصغير) ، أحمد بن محمد الصاوي، القاهرة: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، طبع على نفقة راشد بن سعيد المكتوم. 21 - حاشية العدوي على شرح الخرشي (بهامش شرح الخرشي) ، تأليف: علي العدوي، بيروت: دار صادر. 22 - حاشية قليوبي وعميرة على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين، تأليف: الشيخ شهاب الدين القليوبي، والشيخ عميرة، مصر: مطبعة دار إحياء الكتب العربية. 23 - رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين) ، تأليف: محمد أمين الشهير بابن عابدين، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي1386هـ/1966م الطبعة الثانية 24 - الدر المختار شرح تنوير الأبصار (مع حاشيته لابن عابدين) ، محمد علاء الدين الحصكفي، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي1386هـ/1966م الطبعة الثانية. 25 - الذخيرة، تأليف: أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمد بوخبزه، بيروت: دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى عام 1994م. 26 - روضة الطالبين، يحيى بن شرف النووي، دمشق: المكتب الإسلامي للطباعة والنشر. 27 - الروض المربع شرح زاد المستقنع، تأليف: منصور بن يونس البهوتي، القاهرة: المطبعة السلفية، الطبعة السادسة. 28 - شرح الزرقاني على مختصر خليل، تأليف: عبد الباقي الزرقاني، بيروت: دار الفكر، 1398هـ/1978م. 29 - شرح الزركشي على مختصر الخرقي، تأليف: محمد بن عبد الله الزركشي الحنبلي، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، الرياض: شركة العبيكان للطباعة والنشر. 30 - شرح السنة، الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1403هـ – 1983م. 31 - الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، القاهرة: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، طبع على نفقة راشد بن سعيد المكتوم. 32 - شرح العمدة في الفقه (كتاب الطهارة) ، أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق د. سعود بن صالح العطيشان، الرياض: مكتبة العبيكان 1413هـ/1993 م. 33 - الشرح الكبير، عبد الرحمن بن محمد بن قدامة المقدسي، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود كلية الشريعة. 34 - الشرح الكبير لمختصر خليل (بهامش حاشية الدسوقي) ، أحمد بن محمد الدردير، بيروت: دار الفكر. 35 - صحيح البخاري (مع حاشية السندي) ، محمد بن إسماعيل البخاري، مصر: مطبعة دار إحياء الكتب العربية. 36 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر. 37 - عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، جلال الدين عبد الله بن نجم بن شاس، تحقيق: د. محمد أبي الأجفان – أ. عبد الحفيظ منصور، بيروت: دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى: 1415هـ – 1995م. 38 - غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى، مرعي بن يوسف الحنبلي، تصحيح: محمد زهير الشاويش، دمشق: مؤسسة دار السلام للطباعة والنشر، 1378هـ. 33 - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، الرياض: دار أولي النهى. الطبعة الأولى: 1411هـ. 34 - الفتاوى الهندية (العالمكيرية) ، الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى 1400هـ – 1980م. 35 - فتح الجواد شرح الإرشاد، أحمد بن حجر الهيتمي، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1391هـ /1971م الطبعة الثانية. 36 - فتح القدير، كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام، مصر: المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق، 1316هـ، مصور عن الطبعة الأولى. 37 - الفروع، شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي، راجعه: عبد الستار أحمد فراج. القاهرة: دار مصر للطباعة، 1381هـ /1962م الطبعة الثانية. 38 - الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، الطبعة الثانية، بيروت: المكتب الإسلامي، 1399هـ/1979م. 39 - كتاب المصاحف، تصنيف: أبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، بيروت: دار الكتب العلمية – الطبعة الأولى 1405هـ – 1985م. 40 - كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي،القاهرة: مطبعة أنصار السنة المحمدية، 1366هـ/1947م. 41 - المبدع في شرح المقنع، إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح، بيروت: المكتب الإسلامي. 42 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن سليمان المعروف بداماد أفندي،القاهرة: دار الطباعة العامرة، 1316هـ،تصوير: بيروت: دار إحياء التراث العربي. 43 – المجموع شرح المهذب، يحيى بن شرف النووي،مصر: مطبعة الإمام. 44 - المصنف في الأحاديث والآثار، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة،تحقيق: مختار أحمد الندوي، بومباي – الهند: الدار السلفية، 1401هـ/1981م الطبعة الأولى. 45 - المصنف، عبد الرزاق بن همام الصنعاني،تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى. 46 - مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى السيوطي الرحيباني، دمشق: المكتب الإسلامي. 47 - معونة أولي النهى شرح المنتهى، تصنيف: تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي الشهير بابن النجار، تحقيق: د. عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، بيروت: دار خضر الطبعة الأولى 1416هـ – 1995 م. 48 - المغني، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، الرياض: مكتبة الرياض الحديثة. 49 - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد الشربيني الخطيب، بيروت: دار إحياء التراث العربي. 50 - منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات، محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي المصري، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق، الناشر: عالم الكتب. 51 - منحة الخالق على البحر الرائق (بهامش البحر الرائق) ، محمد أمين الشهير بابن عابدين بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، طبعة بالأوفست. 52 - المهذب في فقه الإمام الشافعي، إبراهيم بن علي الشيرازي، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر، مصور عن الطبعة الثانية 1379هـ/1959م. 53 - النواسخ لابن الجوزي، أبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي، تحقيق ودراسة: محمد أشرف المليباري، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، الطبعة الأولى: 1404هـ. 54 - الهداية شرح بداية المبتدي، برهان الدين بن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي. * * * الجزء: 13 ¦ الصفحة: 1 ، ولم أجد للحنفية والحنابلة نصًا عليها، إلا أن هذا مما لا يختلف فيه، والعلم عند الله. * * * خاتمة البحث: توصلت من خلال هذا البحث إلى عدة نتائج وأحكام فقهية من أهمها ما يأتي: 1 - أن اسم المصحف الذي لا يجوز للمحدث مس شيء منه يشمل المكتوب منه، وما بين سطوره، وحواشيه، وغلافه المتصل به، فكل ذلك لا يجوز مس شيء منه في الصحيح من مذاهب الأئمة الأربعة، سواء كان مصحفًا كاملاً أو بعض مصحف. 2 - اتفقت المذاهب الأربعة في الصحيح من مذاهبهم على أن المراد بالمس المحرم على المحدث البالغ هو المس باليد أو بغيرها من أعضاء الوضوء، أو أي جزء من أجزاء البدن مباشرة من غير حائل، واختلفوا فيما عدا ذلك كمسه من وراء حائل، أو تقليبه بعود ونحوه. 3 - أن الراجح من أقوال أهل العلم استحباب الطهارة لمس كتب العلم المشتملة على آيات من القرآن الكريم ككتب التفسير والحديث والفقه ونحوها، وأنه لا يشترط لمسها الطهارة، وكذا في الحكم أيضًا ما كتب عليه آيات من غير الكتب، كالدراهم والثياب وما في حكمها. 4 - أنه يجوز للمحدث مس منسوخ التلاوة من القرآن الكريم في الراجح من قولي العلماء. 5 - أنه يجوز للمحدث مس الكتب السماوية الأخرى كالتوراة والإنجيل والزبور في الراجح من قولي العلماء. 6 - أنه يجوز مس الأشرطة التي سجل فيها القرآن الكريم بمختلف أنواعها، وكذا ما كتب من القرآن بطريقة (برايل) للمكفوفين فيما يظهر. 7 - أنه لا يجوز كتابة المصحف بغير اللغة العربية في الراجح من قولي أهل العلم، وأنه لا يحرم مسه إذا كتب بذلك. 8 - أنه يجوز للمحدث ولو كان حدثه أكبر أن يكتب القرآن الكريم، لكن من غير مس للمكتوب في الراجح من أقوال أهل العلم. 9 - أنه لا يجوز للكافر أن يكتب القرآن الكريم، ولو لم يمس المكتوب في الراجح من قولي أهل العلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 2 10 - أنه يجوز للمحدث ولو كان حدثه أكبر أن يمس القرآن الكريم عند الضرورة، لأن الضرورات تبيح المحظورات. وبهذا انتهى ما أردت جمعه، وما قصدت بيانه وحكمه من هذه المسائل المهمة المتعلقة بأعظم كلام، وأشرف كتاب، فما كان فيه من حق وصواب فذلك من فضل الله وتوفيقه، وما كان فيه من خطأ وزلل فمني، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. * * * الجزء: 13 ¦ الصفحة: 3 التوكيل في الخصومة في الفقه الإسلامي د. محمد بن إبراهيم بن علي الغامدي الأستاذ المساعد بقسم الشريعة كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة الملك خالد ملخص البحث الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده أما بعد:فيتكون البحث من مقدمة وتمهيد وخمسة فصول وخاتمة بينت في المقدمة أهمية الموضوع والأسباب الداعية للكتابة فيه، وفي التمهيد عرفت بالوكالة، والخصومة، وبينت حكم الوكالة بوجه عام أما في الفصل الأول: فقد بينت حكم التوكيل في الخصومة. وفي الفصل الثاني تحدثت عن شروط التوكيل بالخصومة وقد جعلت كل شرط في مبحث مستقل. وفي الفصل الثالث: تحدثت عن تصرفات وكيل الخصومة،ما يجوز منها بلا نزاع،ومالا يجوز بلا نزاع وما فيه خلاف أوضحت فيه آراء الفقهاء وأدلتهم ورجحت ما يقتضيه الدليل. أما الفصل الرابع: فقد تحدثت فيه عن العوض في الوكالة. وفي الفصل الخامس: تحدثت عن صفة عقد الوكالة وأسباب الفسخ. وفي الخاتمة أوردت نتائج البحث، وذيلت البحث بفهارس للمراجع وآخر للموضوعات والله أسأل أن يجعل عملي فيه خالصاً لوجهه الكريم والحمد لله رب العالمين * * * مقدمة: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه واستن بسنته إلى يوم الدين، أمَّا بعد: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 4 فإن من أعظم نعم الله علينا أن جعلنا من المسلمين وجعلنا من أمة خاتم النبيين وسيد المرسلين ووفقنا أن جعلنا ممن يعنى بدراسة علم الفقه في الدين وهو من أشرف علوم الدين، هذا العلم الذي يعتبر بحق معجزة من معجزات هذا الدين بما تضمنه من تشريعات هي الخير كل الخير للناس أجمعين، وبما اشتمله من أمور تنظم حياة البشر، حتى لم يترك شيئاً أو تنظيماً أو تشريعاً يحقق مصالح العباد إلاَّ بينه أكمل بيان، ومن تلك التشريعات ما يهدف إلى إيصال الحقوق إلى أهلها ورفع الظلم عن المظلومين. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 5 لقد عني الإسلام بذلك عناية فائقة واعتبره من مهمات هذا الدين وحث عليه نبينا بالقول وبالفعل، وشرع من الأسباب ما يؤدي إلى ذلك، كتولية القضاء للفصل في الخصومات التي تقع بين الناس، ووضع القواعد التي تمكن صاحب الحق من الوصول إلى حقه وترد المبطل عن باطله، ولما كانت الدعوى والجواب عنها من تلك الوسائل التي توصل الحق إلى مستحقه وترد المبطل عن باطله فقد جاء التشريع الإسلامي فيها بأسمى نظام وأكمل تشريع، ولما كان صاحب الحق قد لايتمكن من الدعوى أو من الجواب عنها بنفسه إمَّا لشرفه، أو لعجزه، أو لغير ذلك من الأسباب، فقد شرع التوكيل في الخصومة من جانب المدعي ومن جانب المدعى عليه ليتمكن كل منهما من الوصول إلى حقه، وإذا كان قد وجد في زماننا من تخصص في التوكل عن المتخاصمين ويختار لذلك الألد الخصم الذي يجيد الحيل بحيث يتمكن من إظهار المجرم العنيد في صورة المظلوم المفترى عليه مقابل ما يأخذه من المال عوضاً على وكالته فإن التشريع الإسلامي يعتبر التوكل عن الغير في المخاصمة مبدأ من مبادئ التعاون على البر والتقوى إذا كان الغرض منه إيصال الحق إلى مستحقه ونصرة المظلوم، كما يعتبر تعاوناً على الإثم والعدوان؛ إذ كان الغرض منه إعانة الظالم وتلبيس الحق، ولذا فقد استنبط فقهاؤنا الإجلاء القواعد والشروط التي تكفل تحقيق الغرض الشرعي من هذا النوع من أنواع الوكالات هذه القواعد والشروط مستنبطة من كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ - وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولَمَّا كانت أحكام الوكالة بالخصومة متناثرة في كتب الفقه فقد حاولت في هذا البحث جمع مسائل هذا الموضوع، وإيضاح آراء الفقهاء في مسائله، وبيان أدلتهم وما يرد عليها من المناقشات؛ للوصول إلى الرأي الراجح وقد عنونته ب ((التوكيل في الخصومة في الفقه الإسلامي)) . وقد كان الداعي إلى الكتابة في هذا الموضوع بجانب ما مر من أهميته ما يلي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 6 1 - أني لم أجد فيما أمكنني الاطلاع عليه من بحث هذا الموضوع بحثاً فقيهاً مستقلاً يجمع مسائله ويوضح أحكامه، وإنَّما يأتي الكلام عليه متفرقاً في كتب الفقه عند كلام الفقهاء عن الوكالة بوجه عام. 2 - إظهار تميز التشريع الإسلامي فيما يتعلق بهذا الجانب جانب التوكيل في الخصومة. منهج البحث: يتمثل منهج البحث في النقاط الآتية: أولاً: الاقتصار في البحث على المذاهب الأربعة، مع ذكر أقوال الصحابة والتابعين وفقهاء السلف ما أمكن ذلك. ثانياً: ترتيب الأقوال ترتيباً زمنياً مبتدئاً برأي الحنفية ومن وافقهم، ثم المالكية ومن وافقهم وهكذا، ولم أترك هذا الترتيب إلاَّ فيما ندر لسبب، كأن أجد المسألة منصوصاً عليها عند بعض الفقهاء ولم ينص عليها غيرهم، فأبدأ بالمذهب الذي نصّ على حكم المسألة، ثم أخرج من أقوال الفقهاء الآخرين ما يناسب حكم المسألة. ثالثاً: أذكر عقب كل قول أدلته من الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، إلى آخره، ثم أذكر عقب كل دليل ما ورد عليه من المناقشات، والجواب عنها، حتى أصل إلى الرأي الراجح في المسألة. رابعاً: أعزو الآيات إلى سورها، وأخرج الأحاديث من مصادرها، فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اقتصرت عليه؛ إذ الغرض معرفة صحة الحديث، وإن لم يكن فيهما فإني أذكر من رواه من غير استقصاء، وأورد ما ذكره أهل العلم في الحكم عليه. خامساً: أورد ترجمة موجزة للأعلام غير المشهورين الوارد ذكرهم في صلب البحث، أمَّا المشهورين من الصحابة والتابعين فلم أترجم لهم؛ استغناءً بشهرتهم؛ وحتى لا أثقل هوامش البحث بالترجمة مع كثرة الأعلام الوارد ذكرهم في البحث. سادساً: اعتمدت على المراجع الأصلية لكل مذهب فلا أنقل قولاً لمذهب إلاَّ من كتب فقهاء المذهب. سابعاً: لم أغفل ما كتبه الفقهاء المتأخرون لاسيما أهل الفتوى في زماننا ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 7 ثامناً: جعلت الهوامش والحواشي في آخر البحث. تاسعاً: ذيلت البحث بفهارس للمراجع وآخر للموضوعات حتى يستطيع القارئ أن يجد بغيته في أقصر وقت ممكن. خطة البحث: لقد اقتضت طبيعة البحث أن يكون في مقدمة وتمهيد وخمسة فصول وخاتمة: أولاً: المقدمة: بينت فيها أهمية الموضوع وأسباب الكتابة فيه ومنهج البحث وخطته. ثانياً: التمهيد في شرح العنوان وبيان حكم الوكالة. ثالثاً: فصول البحث: الفصل الأول: حكم التوكيل في الخصومة. الفصل الثاني: شروط التوكيل في الخصومة. وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: كون الفعل الموكل فيه مِمَّا يجوز التوكيل فيه. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: التوكيل بالخصومة في حقوق الله عزّوجل من جانب المدعي. وفيه فرعان: الفرع الأول: التوكيل بالخصومة في حقوق الله لإثباتها. الفرع الثاني: التوكيل في استيفاء الحدود. المطلب الثاني: التوكيل بالخصومة في حقوق العباد من جانب المدعي. المطلب الثالث: التوكيل من جانب المدّعى عليه. المبحث الثاني: ثبوت الوكالة. وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: في اشتراط حضور الخصم لسماع البينة بالوكالة إذا كان التوكيل في مجلس القاضي (وكالة الحاضر) . وفيه فرعان: الفرع الأول: حكم إحضار شاهدين عند توكيله عند القاضي. الفرع الثاني: إثبات وكالة الحاضر. وفيه مسألتان: ... الأولى: إثبات الحاضر وكالته عند القاضي وهو يعرفه. ... الثانية: إثبات الحاضر وكالته عند القاضي والقاضي لايعرفه. المطلب الثاني: إثبات وكالة الغائب. المطلب الثالث: اشتراط ثبوت الوكالة قبل سماع الدعوى بالحق. المطلب الرابع: وسيلة إثبات الوكالة. المبحث الثالث: أن لايكون الموكِّل مبطلا. المبحث الرابع: أن لايكون توكيله إضراراً بخصمه. المبحث الخامس: العلم بالوكالة. المبحث السادس: أن يكون وكيل الخصومة واحداً لا أكثر. وفيه مطلبان: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 8 المطلب الأول: تعدد وكلاء الخصومة. المطلب الثاني: تصرف الوكيلين. الفصل الثالث: تصرفات وكيل الخصومة. وفيه تَمْهيدٌ فيما يجوز لوكيل الخصومة من التصرفات وما لايجوز بلا نزاع. المبحث الأول: إقرار الوكيل وإنكاره. المبحث الثاني: قبض وكيل الخصومة المال الذي وكل بالمخاصمة فيه. المبحث الثالث: توكيل وكيل الخصومة لآخر. الفصل الرابع: العوض في الوكالة. الفصل الخامس: صفة عقد الوكالة وأسباب الفسخ. وفيه مبحثان: المبحث الأول: الوكالة بين اللزوم والجواز. المبحث الثاني: أسباب الفسخ. رابعاً: الخاتمة في نتائج البحث. واللهَ أسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به، وأن يغفر ما فيه من التقصير والزلل، والحمد لله رب العالمين. * * * التمهيد وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: تعريف الوكالة: الوكالة لغة: تطلق ويراد بها الحفظ، ومن ذلك قول الله جلّ وعلا: (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ ((1) أي الحافظ، وقال تعالى: (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ((2) قال الفراء: أي حفيظاً. وتذكر ويراد بها الاعتماد وتفويض الأمر، قال الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ((3) ، وقال - عَزَّ وَجَلَّ - مخبراً عن هود - عَلَيْهِ السَّلاَم -: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ((4) أي اعتمدت على الله وفوضت أمري إليه (5) . وفي الشرع: تفويض التصرف والحفظ إلى الوكيل (6) .   (1) لحواشي والتعليقات () من الآية 173 من سورة آل عمران. (2) من الآية 9 من سورة المزمل. (3) من الآية 12 من سورة إبراهيم. (4) من الآية 56 من سورة هود. (5) انظر: القاموس المحيط، فصل الواو، باب اللام 4/66. (6) بدائع الصنائع 6/19. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 9 هذا تعريف الكاساني (1) من الحنفية، ويلاحظ من خلال هذا التعريف أن الوكالة استعملت في المعنيين اللغويين. وفي العناية: هي إقامة الإنسان غيره مقام نفسه في تصرف معلوم (2) . والفرق بين تعريف الكاساني وصاحب العناية أن تعريف الكاساني لم يقتصر على التصرف بل شمل الحفظ فيدخل في ذلك الوديعة فإنها تفويض الحفظ إلى المودَع. أمَّا تعريف صاحب العناية فقد اقتصر على التوكيل في التصرف، وهذان التعريفان يدخل فيهما الوصية بالتصرف بعد الموت (3) فيرد عليهما أنهما غير مانعين. وعرفها ابن عرفة (4) المالكي: بأنها نيابة ذي حق غير ذي إمرة ولا عبادة لغيره فيه غير مشروطة بموته (5) . ومعناه: أن الوكالة هي أن ينيب صاحب الحق غيره في ذلك الحق حالة كونه ليس صاحب ولاية عامة أو خاصة، ولا إمام صلاة، فإن ذلك لايسمى وكالة، وليست هذه النيابة مشروطة بموت المنيب؛ لأنها إذا كانت مشروطة بموته فهي وصية وليست وكالة. فيخرج بقوله: نيابة إمام الطاعة أميراً أو قاضياً، أو صاحب صلاة، والوصية. وقوله: ((غير ذي إمرة)) أخرج به الولاية العامة والخاصة كنيابة إمام أميراً أو قاضياً. وقوله: ((ولا عبادة)) أخرج به إمام الصلاة.   (1) هو: أبو بكر بن مسعود بن أحمد علاء الدين الكاساني، ويلقب يملك العلماء، صاحب البدائع شرح تحفة الفقهاء، توفي سنة 587 هـ. انظر: الفوائد البهية 53. (2) العناية مع فتح القدير 7/464. (3) أي إقامة الشخص غيره مقام نفسه في القيام على شؤون أولاده الصغار بعد موته. (4) هو: أبو عبد الله، محمد بن محمد بن عرفة، فقيه مالكي، أخذ عنه جماعة منهم ابن عبد السلام، روى عنه، وسمع منه وانتفع به، ومحمد بن هارون وغيرهما، وله مصنفات منها: مختصر في الفقه والحدود الفقهية، توفي سنة 803 هـ، وكانت ولادته سنة 716 هـ. انظر: شجرة النور 227. (5) ذكره الخرشي في شرحه 6/392. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 10 وقوله: ((لغيره)) متعلق بنيابة، والضمير عائد على المضاف إليه. وقوله: ((غير مشروطة بموته)) أخرج به الوصي؛ لأنه لايقال فيه عرفاً وكيل. ولذا فرقوا بين فلان وكيلي ووصيي (1) . وعرفها الرملي من الشافعية بقوله: تفويض شخص لغيره ما يفعله عنه حال حياته مِمَّا يقبل النيابة شرعاً (2) . ونفى الرملي أن يكون في هذا التعريف دوراً. لكن قال الشبراملسي (3) في حاشيته عليه: الظاهر أن الدور المنفي هو أن النيابة هي الوكالة وقد أخذت في تعريف الوكالة، وحينئذٍ ففي اندفاعه بقوله: أي شرعاً نظر؛ لأن النيابة شرعاً هي الوكالة، فإن أجيب بأن النيابة شرعاً أعم من الوكالة فلا دور كان التعريف غير مانع. قال: ويُمكن أن يجاب بأنه يُمكن أن يتصور ما يقبل النيابة شرعاً بوجه أنه ما ليس عبادة ونحوها، وهذا الوجه لايتوقف على الوكالة فلا دور (4) .   (1) المرجع السابق. (2) نهاية المحتاج 5/15. ... والرملي هو: محمد بن أحمد بن حمزة شمس الدين الرملي، فقيه الديار المصرية في عصره، ويقال له الشافعي الصغير، صنف شروحاً وحواشي كثيرة منها: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، توفي سنة 1004 هـ، وكان مولده سنة 919 هـ. انظر: الأعلام للزركلي 6/7. (3) هو: علي بن علي، أبو الضياء، نور الدين، فقيه شافعي مصري، من أهل شبراملس بالغربية بمصر تعلم بالأزهر وعلم فيه، ولد سنة 997 هـ وتوفي سنة 1087 هـ وله حاشية على نهاية المحتاج. انظر: الأعلام 4/314. (4) حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج 5/15. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 11 وعرفها الحجاوي (1) في الإقناع: بأنها استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة (2) . قال في كشاف القناع: وهذا باعتبار الغالب، أو المراد جائز التصرف في ذلك الفعل الذي وكل فيه، وإن لم يكن مطلق التصرف فلايرد صحة توكيل نحو عبد فيما لايتعلق بالمال (3) . وقال في حاشية المنتهى: أو نقول على حقيقته أعني: الحر المكلف الرشيد، والتعريف بحسب الغالب، وفيه ما فيه (4) . وبالنظر في هذا التعريف نجد أنه صرح بذكر جائز التصرف مع أن جواز التصرف شرط، وأيضاً قوله: فيما تدخله النيابة يحتاج إلى بيان. ويدخل فيه الوصية، فهو غير مانع. ولذلك أرى أن تعريفي المالكية والشافعية أفضل لولا ما في تعريف المالكية من الغموض في العبارة وما في تعريف الشافعية مِمَّا يحتاج إلى بيان وإيضاح وهو قولهم مِمَّا يقبل النيابة شرعاً؛ ولذا فإني أرى أن يقال في تعريفها: هي عقدٌ يقيم بمقتضاه شخصٌ غيرَه مقامَه في حالِ حياته لفعل ماله فعله. المسألة الثانية: تعريف الخصومة:   (1) هو: شرف الدين، أبو النجا، موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى الحجاوي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي، إمام علاّمة ومفتي الحنابلة بدمشق، وشيخ الإسلام بها، كان إماماً، له كتاب: الإقناع جرد فيه الصحيح من مذهب الإمام أحمد، توفي سنة 960 هـ. انظر: شذرات الذهب 8/327. (2) الإقناع 2/419 تحقيق: د. عبد الله التركي. (3) كشاف القناع 3/461. (4) حاشية منتهى الإرادات لابن قائد مع منتهى الإرادات، تحقيق: د. عبد الله التركي 2/517. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 12 الخصومة لغة: الجدل خاصمه مخاصمة وخصومة فخصمه يخصمه غلبه، وهو شاذ؛ لأن فاعلته ففعلته يرد يفعل منه إلى الضم إن لم تكن عَيْنُه حرف حلق فإنه بالفتح كفاخرة مفخرة يفخره، وأمَّا المعتل كوجدت وبعت فيرد إلى الكسر إلاَّ ذوات الواو فإنها ترد إلى الضم كرضيته فرضوته أرضوه، وخاوفني فخفته أخوفه، وليس في كل شيء يقال: نازعته؛ لأنهم استغنوا عنه بغلبته، واختصموا تخاصموا والخصم المخاصم، والجمع الخصوم، وقد يكون للجمع والاثنين والمؤنث، والخصم المخاصم والجمع خصماء (1) . وأمَّا في الاصطلاح: فهو الجواب بنعم أولا هذا تفسير ابن نجيم (2) في البحر. ونقل عن الجوهرة: أنها الدعوى الصحيحة أو الجواب الصريح (3) . وفي المبسوط: هي اسم لكلام يجرى بين اثنين على سبيل المنازعة والمشاحة (4) . وعرفها الغزالي: بأنها لجاج في الكلام ليستوفي بها مال أو حق مقصود، وتارة تكون ابتداءً وتارة تكون اعتراضاً (5) . وفي المطلع: هي إثبات الحق (6) ، والتوكيل في الخصومة أي في إثبات الحق.   (1) القاموس المحيط، فصل الخاء، باب الميم 4/107. (2) هو: زين الدين، إبراهيم بن محمد بن محمد، المشهور بابن نجيم، فقيه حنفي، له تصانيف منها: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، والأشباه والنظائر، توفي سنة 970 هـ انظر: الطبقات السنية 3/275، والأعلام 3/64، والفتح المبين 3/78. (3) البحر الرائق 7/144. (4) المبسوط 19/5. (5) إحياء علوم الدين 9/1556. ... والغزالي هو: محمد بن محمد بن محمد الطوسي، أبو حامد، ولد بطوس سنة 450 هـ، من فقهاء الشافعية، وله مصنفات معروفة مشتهرة، منها: البسيط، والوسيط، والوجيز، والخلاصة، وإحياء علوم الدين، توفي سنة 505 هـ. انظر: التعليقات السنية على الفوائد البهية 243. (6) المطلع على أبواب المقنع 259. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 13 والاختصام: ردّ كل واحد من الاثنين ما أتى به الآخر من جهة الإنكار له، فقد يكون أحدهما محقاً، والآخر مبطلاً، كاختصام الموحِّد والملحد، وقد يكونان جميعاً مبطلين كاختصام اليهود والنصارى (1) . والخصم: هو الطالب الذي نازع في الأمر، وهو يقع على الواحد والاثنين والجمع على صيغة واحدة؛ لأن أصله المصدر (2) . ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول: خصمان وخصوم (3) . إذا نظرنا في تعريف ابن نجيم للخصومة: بأنها الجواب بنعم أو لا لوجدنا بأن التعريف غير مانع إذ أن الجواب بنعم أو لا يصدق على ما ليس بخصومة، والتعريف الآخر الذي نقله عن الجوهرة: بأنها الدعوى الصحيحة أو الجواب الصريح يحتاج إلى معرفة معنى الدعوى ومتى تكون صحيحة، وكذلك الجواب. وأيضاً الخصومة تطلق على مطلق الدعوى سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة، وكذا على الجواب صريح أو غير صريح. وأمَّا تعريف المبسوط فهو شامل لجميع أنواع الخصومات سواء كانت في المطالبة بالحقوق أو بغيرها. وأمَّا تعريف الغزالي فهو يقصر الخصومة على ما كان من المدعي ولايشمل التعريف ما كان من الطرف الآخر. وكذلك تعريف المطلع أنها إثبات حق، فهذا يقصر الخصومة على ما كان من أحد الجانبين. ولذا أرى أن يقال: هي اسم لكلام يجري بين اثنين على سبيل المنازعة والمشاحة لإثبات حق أو الجواب عمّن يدعيه. فهذا يشمل ما يحصل من جانب المدعي ومن جانب المدعى عليه، ويقصر الخصومة على ما كان متعلقاً بإثبات الحقوق إذ هي مجال البحث. المسألة الثالثة: حكم الوكالة: الأصل في الوكالة هو الجواز، وقد دلّ على جوازها الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. فأمَّا الكتاب فمنه:   (1) ملحق في شرح بعض المفردات اللغوية والمصطلحات الشرعية المستخرجة من تفسير القرآن الكريم للأستاذ أبي بكر بن فورك، مطبوع مع كتاب الحدود في الأصول 164. (2) المرجع السابق. (3) مختار الصحاح 75. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 14 1 - قوله الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ((1) . 2 - قوله جلّ وعلا: (فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَو ضَعِيفًا أَو لاَيَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ((2) . ووجه الاستدلال من الآيتين: أنه لما جاز نظر الأولياء، ونظرهم إنَّما يكون بتوصية أب أو تولية حاكم وهما لايملكان كان توكيل المالك من باب أولى (3) . 3 - قوله تعالى: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ ((4) . ووجه الاستدلال: أنه لما أضاف الوَرِقَ إلى جميعهم وجعل استنابة أحدهم، دلّ على جواز الوكالة (5) .   (1) النساء: الآية 6. (2) البقرة: الآية 282. (3) انظر: الحاوي للماوردي 6/493. (4) الكهف: 19. (5) الحاوي 6/493، وهذا وإن كان شرع من قبلنا، وقد اتفق العلماء على أن شرع من قبلنا إذا قام الدليل على نفيه عنا فليس بشرع لنا، كما اتفقوا على أنه إن قام الدليل على مطالبتنا به فهو شرع لنا، واختلفوا فيما إذا لم يقم الدليل على أنا مطالبين به أو غير مطالبين، فمن العلماء من يقول: إنه شرع لنا وهو قول أصحاب الإمام أبي حنيفة، وبعض أصحاب مالك والشافعي، ورواية عن أحمد وهي الرواية الراجحة في المذهب، ومنهم من قال ليس شرعاً لنا، وبه قال أكثر الشافعية. انظر: تفصيل الخلاف في: أصول مذهب الإمام أحمد للدكتور / عبد الله بن عبد المحسن التركي 541 وما بعدها. ... أمَّا مسألتنا فهي من النوع الذي دلّ شرعنا على اعتباره فهو حجة بالاتفاق، والله أعلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 15 4 - قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام للعزيز: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ((1) ، أي: وكلني على خزائن الأرض. 5 - قوله تعالى: (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ((2) والحكم وكيل. 6 - قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ((3) . ووجه الاستدلال: أنه يجوز العمل على الصدقات، وذلك بحكم النيابة عن المستحقين (4) . ومن السنة: 1 - حديث عروة بن الجعد قال: عرض للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلب فأعطاني ديناراً فقال: يا عروة، ائت الجلب، فاشتر لنا شاة ... الحديث (5) . وهو دليل على جواز التوكيل في الشراء ويقاس عليه غيره مِمَّا تدخله النيابة.   (1) سورة يوسف: الآية 55. (2) سورة النساء: الآية 35. (3) سورة التوبة: الآية 60. (4) انظر: المغني 7/196. (5) رواه أبو داود في كتاب البيوع والإجارات، باب في المضارب يخالف، حديث [3384] والترمذي في البيوع، حديث [1277] 2/365، والدارقطني 3/10، والبيهقي 6/111. ... وأحد طرق الحديث عن سعيد بن زيد أخي حماد بن زيد، وهو ضعيف، وفيه أيضاً أبو لبيد وهو لمازة بن زبّار، وليس بمعروف العدالة، والطريق الأخرى معتلة وإن كان ظاهرها الصحة وهي أنّ شبيب بن غرقدة لم يسمعه من عروة فكان منقطعاً. ... المحلى لابن حزم 8/237. ... ونقل الخطابي عن البيهقي أنه إنَّما ضعف حديث البارقي لأن شبيب بن غرقدة رواه عن الحي وهم غير معروفين. ... معالم السنن بهامش سنن أبي داود 3/678، وسنن البيهقي، ومختصر سنن أبي داود للمنذري 5/50، تحقيق أحمد شاكر. ... وقد ذكر ابن التركماني في الجوهر النقي بهامش سنن البيهقي 6/112 طرقاً أخرى للحديث وقال: وهذا السند على شرط الشيخين فظهر بهذا أنه حديث متصل روي من وجوه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 16 2 - حديث حكيم بن حزام أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث معه بدينار ليشتري له أضحية فاشتراها بدينار وباعها بدينارين فرجع فاشترى أضحية بدينار وجاء بدينار إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتصدق به ودعا له أن يبارك له في تجارته (1) . 3 - روى جابر قال: أردتُ أن أخرج إلى خيبر فأتيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقلتُ: إني أريد الخروج إلى خيبر فقال: إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته (2) . 4 - روى أنه - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم - وكل أبا رافع في قبول نكاح ميمونة (3)   (1) رواه أبو داود في كتاب البيوع والإجارات، باب في المضارب يخالف رقم [3386] وفيه راوٍ مجهول. انظر: المحلى 8/437، ورواه الترمذي، حديث رقم [1275] 2/364 ثم قال: حديث حكيم بن حزام لانعرفه إلاَّ من هذا الوجه وحبيب ابن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم بن حزام. وبناء على هذا فهو منقطع. ... وأجيب بأنه إذا لم يسمع منه فيكون مرسلاً، والمرسل حجة عند أبي حنيفة ومالك ورواية عن أحمد. انظر: روضة الناظر مع شرحها نزهة الخاطر العاطر 1/324، 326، ومقدمة ابن الصلاح 26، والتقرير والتحبير 2/288 وما بعدها. (2) رواه أبو داود في كتاب الأقضية من السنن، باب في الوكالة، حديث [3632] 4/47 والدارقطني 4/154، والبيهقي في السنن 6/80. ... وفي سنده محمد بن إسحاق وقد عنعنه. (3) رواه مالك في الموطأ 1/348، ورواه الشافعي عنه عن ربيعة عن سليمان بن يسار مرسلاً أنه بعث أبا رافع مولاه ورجلاً من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث وهو بالمدينة قبل أن يخرج. ... قال في تلخيص الحبير 3/50: ((ووصله أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان عن سليمان عن أبي رافع أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوج ميمونة حلالاً وبنى بها حلالاً وكنت أنا الرسول بينهما)) . ... قال: وتعقبه ابن عبد البر بالانقطاع لأن سليمان لم يسمع من أبي رافع لكن وقع التصريح بسماعه منه في تاريخ ابن أبي خيثمة في حديث نزول الأبطح، ورجح ابن القطان اتصاله، ورجح أن مولد سليمان سنة سبع وعشرين ووفاة أبي رافع سنة ست وثلاثين فيكون سنة ثمان سنين أو أكثر. ... وانظره في: سنن الترمذي، كتاب الحج، باب: ماجاء في كراهية تزويج المحرم، حديث [841] 3/200 وقال: حديث حسن. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 17 وعمرو بن أمية الضمري في نكاح أم حبيبة (1) . وأمَّا الإجماع: فقد حكى ابن قدامة وغيره إجماع الأمة على جواز الوكالة في الجملة (2) . وأمَّا المعقول: فإن الحاجة داعية إليها، فإنه لايُمكن كل واحد فعل ما يحتاج إليه فدعت الحاجة إليها (3) . هذا هو الأصل فيها، لكن ذكر بعض أهل العلم أن الوكالة بحسب متعلقها تأتي عليها الأحكام الخمسة: فتكون مندوباً إليها، وهذا هو الأصل فيها لما فيها من التعاون، والقيام بمصالح الغير أو كان التوكيل طريقاً لمندوب. وتكون محرمة: إذا كان فيها إعانة على محرم كالتوكيل في الخطبة على الخطبة أو الشراء على الشراء ونحو ذلك. وتكون مكروهة إذا كان فيها إعانة على مكروه. وقد تجب إذا توقف عليها دفع ضرر الموكِّل، كتوكيل المضطر في شراء طعام قد عجز عنه. وتتصور فيها الإباحة كما إذا لم يكن للموكِّل حاجة في الوكالة وسأله الوكيل من غير غرض (4) . * * * الفصل الأول: حكم التوكيل في الخصومة اتفق الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - على جواز التوكيل في الخصومة في الجملة وإن اختلفوا في شروط صحتها (5) . واستدلوا على جوازها بما يلي: أولاً: العمومات السابقة في الاستدلال لجواز الكفالة بوجه عام، إمَّا بالعموم وإمَّا بالقياس عليه.   (1) رواه الحاكم في المستدرك 4/22 وسكت عنه، قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/282: (ضعيف) . (2) المغني 7/197. (3) المغني 7/197. (4) حاشية إعانة الطالبين 3/84، وحاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج 5/15 وما بعده، ومنح الجليل 6/357. (5) انظر: الفتاوى الهندية 3/615، ولسان الحكام 1/250، حيث نقل عن المنبع الاتفاق على جواز التوكيل في الخصومة في الجملة، والمعونة 2/1237، 1238، والحاوي للماوردي 6/496، والمغني 7/199. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 18 ثانياً: ما روي أن علياً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وكل أخاه عقيلاً وقال: إن للخصومات قحماً (1) ، وإنها لتخلف وإن الشيطان يحضرها، وإني إن حضرت خفت أن أغضب، وإن غضبت خفت ألا أقول حقاً، وقد وكلت أخي عقيلاً فما قضي عليه فعليّ وما قضي له فلي (2) . قال الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ -: ولا أحسبه كان توكيله إلاَّ عند عمر بن الخطاب، ولعله عند أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا (3) -. وروي أن علياً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وكل عبد الله بن جعفر عند عثمان لما كبر عقيل في شرب كان ينازع طلحة بن عبيد الله فركب عثمان في نفر من الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - إلى الموضع الذي كانا يتحاكمان فيه حتى أصلح بينهما في الشرب (4) . قال في الحاوي: فصار هذا إجماعاً منهم على جواز الوكالة (5) . وقال في المغني: وهذه قصص انتشرت؛ لأنها في مظنة الشهرة فلم ينقل إنكارها (6) . ثالثاً: الحاجة تدعو إليها فإنه قد يكون له حق، أو يدعى عليه، ولايحسن الخصومة أو لايحب أن يتولاها بنفسه (7) . إذا تبين هذا فإن البعض يجري على الوكالة في الخصومة الأحكام الخمسة كما هو الحال بالنسبة للوكالة في غيرها. فتكون واجبة مثل أن يرى القاضي ضرورة للتوكيل كأن يكون بين الخصوم امرأة شابة ذات جمال وفتنة أو كان المدعى عليه عليلاً أو ضعيفاً في مقابلة خصمه (8)   (1) القحم المهالك والشدائد. تكملة فتح القدير 8/7، والفائق 3/164. (2) رواه ابن أبي شيبة في المصنف 7/299، وضعفه الألباني في إرواء الغليل 5/287. (3) الأم 3/266، وضعف الألباني في الإرواء الخبر المروي في هذا 5/287. (4) رواه البيهقي في السنن 6/81، قال الألباني - رَحِمَهُ اللهُ - في إرواء الغليل 5/287: (ضعيف) . (5) الحاوي 6/496. (6) المغني 7/200. (7) المرجع السابق، وتكملة فتح القدير 8/6 وما بعدها. (8) المحاماة رسالة وأمانة لأحمد حسن كرزون 47. ... وقد ذكر فقهاء الحنابلة في المرأة إذا لم تكن برزة أنها تؤمر بالتوكيل. انظر: الكافي لابن قدامة 4/458. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 19 أقول: قد يسلم في المثال الأول لذلك نص الفقهاء على أن الدعوى إذا كانت على امرأة غير برزة أمرت بالتوكيل. لكن ضعف المدعي أو المدعى عليه في مقابلة خصمه أي كونه لايحسن من الكلام ما يحسنه خصمه لايوجب التوكيل بدليل قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيتُ له بحق أخيه شيئاً بقوله فإنَّما أقطع له قطعة من النَّار فلايأخذها)) رواه البخاري ومسلم (1) . فالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأمر الخصم في مثل هذه الحالة بالوكالة لكونه أضعف بياناً فدل على أن الوكالة ليست واجبة، لكن يُمكن أن يمثل لهذا بما لو كان المدّعى عليه مريضاً لايُمكنه الحضور لمجلس القضاء فيجبر على التوكيل؛ لأن إيصال الحق إلى مستحقه أمر واجب فإذا كان التوكيل طريقاً إليه وجب إعمالاً لقاعدة ما لايتم الواجب إلاَّ به فهو واجب. وقد تكون الوكالة مندوباً إليها في حق ذوي المروءات، فينبغي أن يوكلوا لأنفسهم في الحقوق ولايباشروا الخصومة بنفوسهم (2) . ولايسلم بكونها مندوبة هنا؛ لأن المندوب هو ما يثاب فاعله ولايعاقب تاركه، فهل من ترك الخصومة لكونه من ذوي المروءات ووكل لذلك يثاب؟ . فلو قيل بالندب في حق من تشغله الخصومة عن مندوب لكان أولى، وقد خاصم عمر أبيّ إلى زيد - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - وتخاصم علي وطلحة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - إلى عثمان.   (1) رواه البخاري في كتاب الشهادات، باب: من أقام البينة بعد اليمين ... 3/162، واللفظ له، ورواه مسلم في كتاب الأقضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، حديث [1713] 2/1337. (2) المحاماة رسالة وأمانة لأحمد حسن كرزون 47 وما بعدها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 20 يقول السرخسي - رَحِمَهُ اللهُ - في المبسوط: (وفيه دليل على أنهم كانوا يختصمون فيما بينهم ولانظن بواحد منهم سوى الجميل لكن كان يستبهم عليهم الحكم فيختصمون إلى الحاكم ليبين لهم) (1) . وفي الخبر المروي عن علي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - دليل على أنه ينبغي التحرز عن الخصومة ما أمكن لما أشار إليه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه موضع لحضرة الشيطان وأن للخصومة قحماً أي مهالك. يقول السرخسي - رَحِمَهُ اللهُ -: وفيه دليل على أن التحرز عن الخصومة واجب ما أمكن (2) . وكره مالك - رَحِمَهُ اللهُ - لذوي الهيئات الخصومات، وقال: كان القاسم بن محمد يكره لنفسه الخصومة، ويتنزه عنها، وكان إذا نازعه أحد في شيء، قال: إن كان هذا الشيء لي فهو لك، وإن كان لك فلا تحمدني عليه. وكان ابن المسيب إذا كان بينه وبين رجل شيء لايخاصمه، ويقول: الموعد يوم القيامة. وقال مالك: من علم أن يوم القيامة يحاسب فيه على الصغير والكبير، ويعلم أن الناس يوفون حقوقهم من الحسنات، وأن الله عزّوجل لايخفى عليه شيء فليطب بذلك نفساً، فإن الأمر أسرع من ذلك، وما بينك وبين الآخرة وما فيها إلاَّ خروج روحك حتى تنسى ذلك كله حتى كأنك ما كنت فيه ولا عرفته. وقال أيضاً: من خاصم رجل سوء (3) .   (1) المبسوط 19/3. (2) المرجع السابق. ... والسرخسي هو: محمد بن أحمد بن أبي سهل، أبو بكر، شمس الأئمة السرخسي، كان إماماً وعلامة وحجة، من فقهاء الحنفية، أملى المبسوط في نحو خمسة عشر مجلداً وهو في السجن، اختلف في وفاته، والأشهر أنه توفي سنة 483. انظر: الفوائد البهية ص 158، والفتح المبين 1/264. (3) منح الجليل 6/363. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 21 وقال ابن مسعود: كفى بك ظلماً أن لاتزال مخاصماً (1) . وروت عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبغض الرجال إلى الله تعالى الألد الخصم (2) . فمن المكروه إذاً الاشتغال بالمخاصمة سواء كان في ذلك أصيلاً أو وكيلاً. ويُمكن أن يستدل لهذا بما روي عن علي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. وتكون مكروهة أيضاً إذا كانت فيها إعانة على مكروه كأن يحاول الوكيل الالتواء بالدفاع لتضييع وقت المحاكمة (3) . وتكون محرمة في حال الدفاع عن الباطل. وتكون مباحة في حالة ما إذا لم تكن حاجة للموكل فيها ولا معونة له من الوكيل كما لو وكل غيره ترفها (4) . وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رَحِمَهُ اللهُ - عن العمل بالمحاماة، وأنه قد يعرض الإنسان لمناصرة الشر والدفاع عنه؛ لأن المحامي يريد البراءة مثلاً للمذنب الذي يدافع عنه ... إلخ (5) .   (1) أخرجه الترمذي في السنن عن ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: ((كفى بك إثْماً أن لاتزال مخاصماً)) . وقال: ((هذا الحديث حديث غريب لانعرفه إلاَّ من هذا الوجه)) كتاب البر والصلة، باب ماجاء في المراء، حديث (1994) قال في تحفة الأحوذي 6/110 في سنده ضعيف، ونقل عن المناوي قوله في شرح الجامع الصغير ((إسناده ضعيف)) . ... وأخرجه الطبراني في الكبير، حديث (11032) ج 11/57 وقال ابن حجر في فتح الباري عن سنده ضعيف. 13/224. (2) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب الألد الخصم 7/117، ومسلم في كتاب العلم، باب في الألد الخصم (2668) 4/2054. (3) المحاماة رسالة وأمانة 48. (4) المحاماة رسالة وأمانة 48. (5) نشر في مجلة الدعوة عدد 1789 في 2 صفر 1422 هـ ص 61. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 22 فأجاب: المحاماة مفاعلة من الحماية إن كانت حماية شر ودفاع عنه فلاشك أنها محرمة؛ لأنه وقوع فيما نهى الله عنه في قوله تعالى: (وَلاَتَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (، وإن كانت المحاماة لحماية الخير والذود عنه فإنها حماية محمودة مأمور بها في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى (، وعلى هذا فإن من أعدّ نفسه لذلك يجب عليه قبل أن يدخل في القضية المعينة أن ينظر في هذه القضية ويدرسها فإن كان الحق مع طالب المحاماة دخل في المحاماة وانتصر للحق ونصر صاحبه، وإن كان الحق في غير جانب من طلب المحاماة فإنه يدخل في المحاماة أيضاً، لكن المحاماة تكون عكس ما يريد الطالب بمعنى أنه يحامي عن هذا الطالب حتى لايدخل فيما حرم الله عليه وفي دعوى ما هو عليه، وذلك لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) قالوا: يا رسول الله هذا المظلوم فكيف ننصره إذا كان ظالماً قال: ((تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه)) (1) ، فإذا علم أن طالب المحاماة ليس له حق في دعواه فإن الواجب أن ينصحه وأن يحذره وأن يخوفه من الدخول في هذه القضية، وأن يبين له وجه بطلان دعواه حتى يدعها مقتنعاً بها. الفصل الثاني: شروط التوكيل في الخصومة وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: أن يكون الفعل الموكل به مِمَّا يجوز التوكيل فيه إن هذا الشرط متفق عليه من حيث الجملة، أمَّا من حيث التفصيل فإن الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - قسموا الحقوق باعتبار من تضاف إليه إلى ثلاثة أقسام:   (1) رواه البخاري في صحيحه، في كتاب الإكراه، باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه إذا خاف عليه القتل أو نحوه ... 8/59. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 23 القسم الأول: حقوق الله - عَزَّ وَجَلَّ - الخالصة، والمراد بها: الحقوق التي ليس لأحد من المكلفين إسقاطها، ولا مدخل للصلح فيها، ولاتستباح بإباحة أحد، وتقوم على المسامحة فيما بين العبد وربه مثل الإيمان، وتحريم الكفر، والعبادات، وغير ذلك. القسم الثاني: حق العبد: وهو ما تعلقت به مصلحة خاصة دنيوية، ويقبل الصلح والإسقاط، والإباحة من صاحبة، وأمثلة هذا النوع كثيرة جداً، منها: المداينات، وبدل المتلفات، وغير ذلك. ومِمَّا ينبغي أن يعلم أنه ما من حق للعبد إلاَّ وفيه حق لله تعالى وهو التعبد بامتثال أوامره بإيصال الحقوق إلى مستحقيها. القسم الثالث: الحقوق المشتركة: وهي ما اجتمع فيه حق الله-عَزَّ وَجَلَّ- وحق الآدمي ومرة يغلب حق الله - عَزَّ وَجَلَّ -، ومرة يغلب حق العبد. ويُمكن تقسيم هذا النوع إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما اختلف في تقديم أحد الحقين على الآخر مثل حد القذف، فمن غلب حق الله تعالى قال: لايسقط بالعفو، ومن غلب حق العبد قال: يسقط بعفوه. الثاني: ما قطع فيه بتقديم حق العبد كجواز التلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه. والثالث: ما قطع فيه بتقديم حق الله - عَزَّ وَجَلَّ - فلايتأتى فيه الإسقاط أبداً حتى لحق العبد، وأمثلة ذلك كثيرة منها تحريم الزنا، وإيجاب الحد على مرتكبه، وتحريم المسكرات والمخدرات، وتحريم إضاعة الأموال أو سرقتها، وغير ذلك كثير (1) .   (1) انظر في هذا: أصول البزدوي وشرحه كشف الأسرار 4/134 وما بعدها، والفروق للقرافي 1/140 الفرق الثاني، والعشرون، وتهذيب الفروق مطبوع معه 1/157، والموافقات للشاطبي 2/318، والمنثور في القواعد للزركشي 2/58، 59، 65، وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 1/129، ووسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية للدكتور محمد الزحيلي 1/75، والانتفاع بأجزاء الآدمي الحي، تأليف عصمت الله عنايت الله ص 27. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 24 وهذه الحقوق ترجع في الحقيقة إلى قسمين رئيسيين هما: الأول: حق الله المحض، ويلحق به الحق الذي يغلب فيه حق الله - عَزَّ وَجَلَّ -. والثاني: حق العبد ويلحق به ما اشترك فيه الحقان وترجح فيه حق العبد (1) . والتوكيل في هذه الحقوق إمَّا بإثباتها وإمَّا باستيفائها، ولذا سوف يكون الكلام في هذا المبحث في ثلاثة مطالب: المطلب الأول: التوكيل بالخصومة في حقوق الله من جانب المدعي. وفيه فرعان: الفرع الأول: التوكيل بالخصومة في حقوق الله عزّوجل بإثباتها قسم الكاساني (2) الحنفي - رَحِمَهُ اللهُ - حقوق الله عزّوجل إلى قسمين: قسم يحتاج في إثباته إلى الخصومة كحد السرقة وحد القذف (3) . وقسم لايحتاج في إثباته إلى الخصومة كحد الزنا وحد الشرب. وسوف أتبع في الكلام على التوكيل بحقوق الله عزّوجل هذا التقسيم نظراً لشموله مع أنه قد يكون في التقسيم نظر ذلك أن حد القذف من حقوق الآدميين وإن كان فيه حق لله عزّوجل، وسوف يكون الكلام إذن في مسألتين: المسألة الأولى: التوكيل بإثبات حقوق الله عزّوجل التي لاتحتاج في إثباتها إلى الخصومة: اختلف الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - في حكم التوكيل بإثبات حقوق الله عزّوجل التي لاتحتاج في إثباتها إلى خصومة على قولين:   (1) وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية د. محمدا لزحيلي 1/77. (2) سبقت ترجمته هامش [7] . (3) بدائع الصنائع 6/21، وتكملة فتح القدير 8/9، واختلف في حد القذف هل المغلب فيه حق الله أو حق الآدمي، فذهب الحنفية إلى أن المغلب فيه حق الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المغلب فيه حق الآدمي. انظر: بدائع الصنائع 6/21، وحاشية رد المحتار 6/86، والتاج والإكليل مع مواهب الجليل 8/412، ومغني المحتاج 4/155، والإنصاف 10/200. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 25 القول الأول: أن الوكالة بها لاتصح، وبهذا قال الحنفية (1) والشافعية (2) وقول عند الحنابلة (3) . اختاره أبو الخطاب (4) ، إلاَّ أن الشافعية استثنوا إثباتها بالوكالة تبعاً فيقع (5) ، مثل أن يقذف شخص آخر فيطالبه بحد القذف فله أن يدرأ عن نفسه بإثبات زناه بالوكالة وبدونها، فإذا ثبت الزنا أقيم عليه الحد. واستدلوا بما يلي: 1 - أن هذا النوع من الحدود يثبت عند القاضي بالبينة أو الإقرار من غير خصومة فلا حاجة إلى التوكيل (6) . 2 - أن الحدود تدرأ بالشبهات وقد أمرنا بدرئها بها بقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ادرأوا الحدود بالشبهات ما استطعتم)) (7)   (1) تكملة فتح القدير 8/9، وتبيين الحقائق 4/256. (2) انظر: الحاوي 6/517، ومغني المحتاج 2/221. (3) المغني 7/201، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 13/451، والإنصاف معهما. (4) هو: محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني، أبو الخطاب، البغدادي، أحد أئمة المذهب الحنبلي وأعيانه، ولد سنة 432 هـ، وتوفي سنة 510 هـ. انظر: طبقات الحنابلة 2/258، والذيل عليها لابن رجب 1/116. (5) مغني المحتاج 2/221. (6) بدائع الصنائع 6/21. (7) رواه الترمذي باب ماجاء في درء الحدود، حديث [1424] 4/33 بلفظ: ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ... )) وذكر أنه قد روي موقوفاً، وأن الوقف أصح قال: وقد روي عن غير واحد من الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا مثل ذلك. ... وأخرجه الحاكم 4/384، والبيهقي في سننه 8/238 قال الشوكاني في نيل الأوطار 4/653، ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف كما قال الترمذي، وقال البخاري فيه: إنه منكر الحديث، وقال النسائي: متروك. انتهى. ... قال: والصواب: أنه موقوف كما في رواية وكيع، قال البيهقي: رواية وكيع أقرب إلى الصواب قال: ورواه رشدين عن عقيل عن الزهري، رشدين ضعيف. ... وروى ابن ماجه بإسناد ضعيف عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعاً)) ابن ماجة حديث [2545] . ... قال الشوكاني: وفي الباب عن علي مرفوعاً: ((ادرؤوا الحدود بالشبهات)) وفيه المختار بن نافع قال البخاري: وهو منكر الحديث. قال: وأصح ما فيه حديث سفيان الثوري عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: ادرؤوا الحدود بالشبهات ... )) . ... وروي عن عقبة بن عامر، ومعاذ أيضاً موقوفاً، وروي منقطعاً، وموقوفاً على عمر. ... ورواه ابن حزم في كتاب الإيصال عن عمر موقوفاً عليه، قال الحافظ: وإسناده صحيح. ... ثم قال الشوكاني: وما في الباب وإن كان فيه المقال المعروف فقد شد عضده ما ذكرناه فيصلح للاحتجاج به على مشروعية درء الحدود بالشبهات المحتملة لا مطلق الشبهة. نيل الأوطار 4/653 وما بعدها، وانظر: تلخيص الحبير لابن حجر 4/56. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 26 والتوكيل تأكيد لها وتوصل إلى الإيجاب (1) . ونوقش الدليل: بأن الوكيل يقوم مقام الموكّل في درئها بالشبهة (2) . ويُمكن أن يناقش الأول: بأنه يحتمل أن تحتاج إلى الخصومة فيها فتحتاج إلى الوكالة كغيرها من الحقوق. القول الثاني: تصح الوكالة بإثبات الحدود، وهو قول عند الحنابلة قال في الإنصاف: (هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب) (3) . واستدلوا بما يلي: 1 - قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((واغد يا أنيس (4) إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)) ، فغدا أنيس فاعترفت فأمر بها فرجمت. متفق عليه (5) . ووجه الاستدلال: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكل أنيساً في إثبات الحد واستيفائه جميعاً بقوله: ((فإن اعترفت فارجمها)) ، وهذا يدل على أنه لم يكن ثبت (6) . ونوقش: بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يبعثه لأجل إثبات الحد عليها، بل لأنها لما قُذفت بالزنا بعث إليها لتنكر فتطالب بحد القذف أو تقر بالزنا فيسقط حد القذف عن الرجل.   (1) انظر: الحاوي 6/516، ومغني المحتاج 2/221، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 13/451. (2) المغني 7/202، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 13/451. (3) المرجعان السابقان، والإنصاف مع المقنع والشرح 13/451. (4) هو: أنيس بن الضحاك الأسلمي ذكره أبو حاتم الرازي وقال: لايعرف. وجزم ابن حبان وابن عبد البر بأنه هو الذي قال له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((واغدُ يا أُنيس على امرأة هذا)) الإصابة 1/136، والاستيعاب 1/114. (5) رواه البخاري في كتاب الوكالة في الحدود 3/65 وفي مواضع أخرى، ومسلم في كتاب الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا حديث [1697، 1698] 2/1324. (6) انظر: المغني 7/201. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 27 يقول النووي (1) - رَحِمَهُ اللهُ -: (واعلم أن بعث أنيس محمول عند العلماء من أصحابنا وغيرهم على إعلام المرأة بأن هذا الرجل قد قذفها بابنه فيعرفها بأن لها عنده حد القذف فتطالب به أو تعفو عنه إلاَّ أن تعترف بالزنا فلايجب عليه حد القذف بل يجب عليها حد الزنا وهو الرجم؛ لأنها كانت محصنة فذهب إليها أنيس فاعترفت بالزنا فأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجمها فرجمت، ولابد من هذا التأويل؛ لأن ظاهره أنه بعث لإقامة حد الزنا، وهذا غير مراد؛ لأن حد الزنا لايحتاج له بالتجسس والتفتيش عنه بل لو أقر به الزاني استحب أن يلقن الرجوع) (2) . ويُمكن الجواب بأن هذا تأويل متكلف، ذلك أن والد العسيف قد سأل وأخبره الناس بأن على ابنه الرجم وأخبره أهل العلم إنَّما على ابنه جلد مائة وتغريب عام وأنّ على امرأة هذا الرجم فأقسم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليقضين بينهما بكتاب الله ثم قال: ((واغد يا أنيس ... )) الحديث. وكان زوج المرأة حاضراً ... فالظاهر من هذا أن المرأة كانت معترفة من قبل بدليل أن والد العسيف لما أخبر أن على ابنه الرجم افتدى منه بمائة شاة ووليدة، ويظهر أنهم قد أخذوها بدليل قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((الوليدة والغنم رد)) . قال النووي: (أي مردودة ومعناه يجب ردّها إليك) (3) .   (1) هو: الحافظ محيي الدين، أبو زكريا، يحيى بن شرف النووي، فقيه شافعي، ولد بنوى في المحرم سنة 631 هـ، له مصنفات منها: المجموع شرح المهذب لم يتمه، وروضة الطالبين في الفقه وغيرهما، توفي سنة 676 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 5 /165، والبداية والنهاية 13/278، والأعلام 8/149. (2) شرح النووي على صحيح مسلم 11/207، وانظر: نيل الأوطار 4/630. (3) شرح النووي على صحيح مسلم 11/207. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 28 فهذا زنا قد ظهر واشتهر لكن أراد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعرف هل هي باقية على إقرارها؛ لأن ذلك شرط وجوب الحد أو أراد تثبيت إقرارها على الوجه المشروع، والله أعلم. الدليل الثاني: أن الحاكم إذا استناب دخل في ذلك الحدود فإذا دخلت في التوكيل بطريق العموم، وجب أن تدخل بالتخصيص بها أولى (1) . والقول الراجح في نظري هو القول الثاني وهو جواز التوكيل بإثبات الحد؛ إذ ليس في التوكيل بإثباتها محظور، ولايمنع ذلك من درئها بالشبهة، ولايسلم أنه لايحتاج إلى الخصومة بل قد يحتاج إليها في أحوال كما يشهد لذلك الواقع، وقد لايستطيع المخاصمة بنفسه فيحتاج إلى التوكيل، والله أعلم. المسألة الثانية: التوكيل في حقوق الله عزّوجل التي تحتاج إلى خصومة: هذا هو النوع الثاني من حقوق الله عزّوجل على تقسيم الكاساني - رَحِمَهُ اللهُ - وهو ما يحتاج إلى خصومة كحد السرقة والقذف (2)   (1) المغني 7/201 وما بعدها. (2) اختلف العلماء في حد القذف هل حق الله فيه غالب أو حق العبد هو الغالب، فذهب الحنفية إلى أن حق الله هو الغالب. انظر: بدائع الصنائع 6/21، وحاشية رد المحتار 6/86. ... واتفق المالكية أنه حق للمقذوف، واختلفوا هل يتعلق به حق لله أو لا؟ على ثلاثة أقوال: ... أحدها: نعم يتعلق به حق لله. ... والثاني: لايتعلق به حق لله. ... والثالث: أنه حق للمقذوف ما لم يبلغ الإمام، فإذا بلغه صار حقاً لله ولم يجز لصاحبه العفو عنه، إلاَّ أن يريد ستراً، وهو قول لمالك - رَحِمَهُ اللهُ -. انظر: التاج والإكليل مع مواهب الجليل 8/412، وغلب الشافعية فيه حق الآدمي. انظر: نهاية المحتاج 7/437، ومغني المحتاج 4/155، والمنثور 3/67. ... واختلف الرواية عن أحمد فروى عنه أنه حق آدمي، وهذا هو المذهب. ... وروى عنه أنه حق لله. انظر: الإنصاف 10/200، ولعل المراد ما الذي يغلب منهما، إذ قد علم أنه ما من حق لآدمي إلاَّ وفيه حق لله تعالى، والله أعلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 29 ، وهذا النوع اختلف العلماء في حكم التوكيل بإثباته على قولين: القول الأول: أن التوكيل في إثباته يصح، وبه قال أبو حنيفة ومحمد (1) والشافعية (2) ، وقول عند الحنابلة، وهو المذهب واختاره القاضي (3) وغيره، وقدمه في المغني وغيره (4) . واستدلوا بما يلي: 1 - أنه حق يجوز التوكيل فيه مع حضور الموكِّل فجاز مع غيبته كسائر الحقوق. 2 - ولأن من جاز توكيله في غير الحدود جاز توكيله في الحدود كالحاضر (5) . القول الثاني: لاتصح الوكالة في إثبات الحدود كحد السرقة والقذف، وهذا قول أبي يوسف (6) . ووجهه: أن الحدود لايصح التوكيل باستيفائها فلايصح التوكيل بإثباتها إذ الإثبات وسيلة الاستيفاء (7) . ونوقش: بالفرق بين الاستيفاء والإثبات، والفرق أن امتناع التوكيل في الاستيفاء لمكان الشبهة وهي منعدمة في التوكيل بالإثبات (8) . ويُمكن أيضاً مناقشته بأنه قياس على مختلف فيه، ولايصح القياس على مختلف فيه إذ للمخالف أن يقول نحن نمنع الحكم في الأصل فلايتم القياس، والله أعلم.   (1) بدائع الصنائع 6/21. (2) الحاوي للماوردي 6/516، والعزيز شرح الوجيز 5/209. (3) هو: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء، أبو يعلى، المعروف بالقاضي الكبير، فقيه حنبلي وأصولي ومحدث، ولد سنة 380 هـ، وتوفي سنة 458 هـ. انظر: طبقات الحنابلة 2/193، والبداية والنهاية 12/94 وما بعدها. (4) المغني 7/451، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 13/451. (5) الحاوي 6/516. (6) بدائع الصنائع 6/21. (7) المرجع السابق، وتبيين الحقائق 4/255. (8) بدائع الصنائع 6/21، والحاوي للماوردي 6/516. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 30 والراجح في نظري - والله أعلم - هو القول الأول وهو جواز التوكيل بإثبات الحدود لما قلنا في الذي قبله من أن ذلك لايمنع من درئها بالشبهة، ولما قلنا في الرد على دليل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللهُ - من أنه قياس مع الفارق، فبقي دليل الأول سليماً من المعارضة. الفرع الثاني: التوكيل في استيفاء الحدود: التوكيل في استيفاء الحدود كحد السرقة والقذف والزنا، ونحو ذلك لايخلو إمَّا أن يكون الموكّل حاضراً أو غائباً، فإن كان الموكِّل حاضراً صح التوكيل، والتوكيل هنا معناه الأمر بالاستيفاء، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - (1) . واستدلوا بما يلي: 1 - قوله - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم -: ((واغدو يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)) فغدا أنيس فاعترفت فأمر بها فرجمت. متفق عليه (2) . ووجه الاستدلال: أن هذا توكيل في استيفاء حد الزنا، ويقاس عليه سائر الحدود. 2 - قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قصة ماعز: ((اذهبوا به فارجموه)) متفق عليه (3) .   (1) انظر: بدائع الصنائع 6/21، والبحر الرائق 7/147، وفتح القدير 7/468، وحاشية قرة عيون الأخيار تكملة رد المحتار 11/383، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 7/162، والحاوي 6/517، ومغني المحتاج 2/221، والمغني 7/200 وما بعدها وص 203. (2) تقدم هامش [81] . (3) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب لايرجم المجنون والمجنونة، ورواه في مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا، حديث [1691] 3/1318. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 31 3 - أن عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وكّل علياً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في إقامة حدّ الشُّرب على الوليد بن عقبة، ووكل عليٌّ الحسنَ في ذلك فأبى الحسن فوكل عبد الله بن جعفر فأقامه وعليٌّ يَعُدّ. رواه مسلم (1) . 4 - ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك؛ لأن الإمام لايُمكنه تولي ذلك بنفسه، والمستحق قد لايحسنه (2) . أمَّا التوكيل في استيفائها مع غياب الموكِّل فاختلف فيه على قولين: القول الأول: لايجوز التوكيل في استيفاء الحدود مع غياب الموكِّل، وهو قول بعض الحنفية (3) ، واختلف قول الشافعي فيه فظاهر كلامه في باب الوكالة: أنه لايجوز وكلامه في باب الجنايات يدل على الجواز فخرج الشافعية المسألة على قولين لاختلاف الموضعين: أحدهما: أنه لايجوز (4) ، وبه قال بعض الحنابلة، وأومأ إليه أحمد (5) . واستدلوا بما يلي: 1 - أن الموكل يحتمل أن يعفو في غيابه - فيما للعفو فيه أثر - فيقام الحد مع عفوه، إذ لايُمكن تداركه، وهذا الاحتمال شبهة تمنع الاسيتفاء (6) . 2 - أن الحدود تدرأ بالشبهات، ولذلك لاتستوفى بمن يقوم مقام الغير لما في ذلك من ضرب شبهة، ولذلك لاتقام بكتاب القاضي إلى القاضي، ولا بالشهادة على الشهادة ولا بشهادة النساء مع الرجال (7) .   (1) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب: حد الخمر، حديث [1707] 3/1331. (2) انظر: الأدلة في المغني 7/201، ومغني المحتاج 2/221. (3) بدائع الصنائع 6/21، والمبسوط 19/9، وصاحب المبسوط يحكي الاتفاق على هذا، وفي البدائع خلاف. (4) الحاوي 6/517، ومغني المحتاج 2/221. (5) المغني 7/203. (6) انظر: مغني المحتاج 2/221، والمغني لابن قدامة 7/203، والحاوي 6/517. (7) تكملة فتح القدير 8/7، والمبسوط 19/9. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 32 3 - أن العفو مندوب إليه، فإذا حضر الموكّل احتمل أن يرحم الجاني فيعفو (1) - أي فيما للعفو فيه أثر أمَّا ما ليس للعفو فيه أثر كحد الزنا والسرقة - فلم تستقم هذه الحجة. 4 - أنه إذا كان لايحتمل العفو والصلح فيحتمل الإقرار والتصديق - أي يحتمل أن يقر المقذوف بما قذفه به أو يصدقه فيسقط عن القاذف الحد، وهذه الشبهة لايجوز معها التوكيل باستيفاء الحد مع غياب الموكل (2) . 5 - أنه ليس كل أحد يحسن الاستيفاء إمَّا لقلة هدايته، أو لأن قلبه لايحتمل ذلك، فلو منع التوكيل بالاستيفاء لانسد باب الاستيفاء فجاز التوكيل في حضوره استحساناً لئلا ينسد باب الاستيفاء (3) . بخلاف حال غياب الموكّل. ونوقشت هذه الأدلة بما يلي: بالنسبة لاحتمال العفو فهو بعيد، والظاهر أنه لو عفا لبعث وأعلم وكيله بعفوه، والأصل عدمه، ألا ترى أن قضاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا يحكمون في البلاد، ويقيمون الحدود التي تدرأ بالشبهة مع احتمال النسخ. وكذلك لم يحتط في استيفاء الحدود بإحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو تغير اجتهاد الحاكم (4) . القول الثاني: يجوز التوكيل باستيفاء الحدود مع حضور الموكِّل وغيابه، وهو قول بعض الحنفية (5) ، وهو مذهب مالك (6) ، وقول عند الشافعية، قال في الحاوي: وهو أصحهما (7) ، وهو قول عند الحنابلة، ونص عليه أحمد (8) . واستدلوا بما يلي: 1 - أن ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكِّل جاز في غيبته كسائر الحقوق (9) .   (1) انظر: مغني المحتاج 2/221، والمغني لابن قدامة 7/203، والحاوي 6/517. (2) بدائع الصنائع 6/21. (3) تكملة فتح القدير 8/8. (4) المغني 7/203، ومغني المحتاج 2/221. (5) بدائع الصنائع 6/21، وتبيين الحقائق 4/255. (6) الذخيرة للقرافي 8/6. (7) الحاوي 6/517، ومغني المحتاج 2/221. (8) المغني 7/203. (9) المغني 7/203، والحاوي 6/517. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 33 ونوقش: بأن القياس على سائر الحقوق قياس مع الفارق؛ إذ الشبهة لاتمنع من استيفاء سائر الحقوق بخلاف ما نحن فيه (1) . ويُمكن الجواب عن هذا الاعتراض بما تقدم في مناقشة أدلة القول الأول. 2 - القياس على القصاص فيجوز التوكيل باستيفائه مع غياب الموكِّل (2) . ونوقش: بأنه قياس على مختلف فيه فقد خالف في جواز التوكيل في استيفاء القصاص مع غياب الولي الحنفية لاحتمال العفو (3) . ويُمكن الجواب عنه: بأن غياب الولي لايمنع من العفو، والظاهر عدمه، ولو عفا لبعث به فاحتمال العفو لايمنع من صحة التوكيل. ولذا فالراجح في نظري - والله أعلم - هو القول الثاني القاضي بصحة التوكيل في استيفاء الحدود، وذلك للنصوص الصحيحة الدّالة على جواز التوكيل كحديث: ((واغد يا أنيس ... )) وحديث ماعز، وقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((اذهبوا به فارجموه ... )) ؛ ولأن الاستيفاء يكون بعد ثبوت موجب الحد ثبوتاً تنتفي معه الشبهة فلايلزم أن يكون الموكل حاضراً، والقول بأنه يحتمل أن يقر المقذوف بالزنا أو يصدقه فيسقط الحد عن القاذف بعيد، والله أعلم. المطلب الثاني: التوكيل بالخصومة في حقوق العباد وفيه فروع: الفرع الأول:التوكيل بإثبات القصاص واستيفائه وفيه مسألتان: المسألة الأولى: التوكيل بإثبات القصاص: اختلف الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - في حكم التوكيل بإثبات القصاص على قولين: القول الأول: لايصح التوكيل بإثبات القصاص، وبه قال أبو يوسف من الحنفية (4) . وحجته:   (1) بدائع الصنائع 6/21. (2) الحاوي 6/517. (3) بدائع الصنائع 6/21. (4) بدائع الصنائع 6/21. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 34 أولاً: أن الوكيل بمنزلة البدل عن الأصل، ولا مدخل للأبدال في باب القصاص؛ ولهذا لاتجوز فيه الشهادة على الشهادة، ولا كتاب القاضي إلى القاضي، ولا شهادة النساء، ولا من الأخرس؛ لأن إشارته بدل عن العبارة (1) . ثانياً: ولأن المقصود من الإثبات الاستيفاء، فإذا لم يصح التوكيل بالاستيفاء مع غياب الموكل لم يصح بالإثبات (2) . القول الثاني: يصح التوكيل بإثبات القصاص، وهو قول أبي حنيفة والجمهور من الحنفية غير أبي يوسف (3) وهو قول المالكية (4) والشافعية (5) والحنابلة (6) . واستدلوا بما يلي: 1 - بأن التوكيل تناول ما ليس بحد ولا قصاص، ولايضاف الوجوب فيهما إلى الخصومة فيصح التوكيل فيهما كما في سائر الحقوق، وهذا لأن وجوب الحد مضاف إلى الجناية، وظهوره مضاف إلى الشهادة، والخصومة شرط محض، لا أثر لها في الوجوب، ولا في الظهور، إذ الحكم لايضاف إلى الشرط (7) . 2 - أن القصاص من حقوق الآدميين فيجوز التوكيل فيه كسائر الحقوق (8) . والراجح في نظري هو قول الجمهور القاضي بصحة التوكيل بإثبات القصاص، وذلك لأن ما احتج به أبو يوسف من أن الوكيل بمنزلة البدل عن الأصل ولا مدخل للأبدال في باب القصاص، بدليل أنه لاتجوز فيه الشهادة على الشهادة ... إلخ يُمكن أن يجاب عنه بأن القصاص لم تقبل فيه الشهادة على الشهادة ولم يثبت بكتاب القاضي إلى القاضي لمكان الاحتياط في الدماء، فلذا لم يثبت بهذه الأمور والوكالة لايثبت بها القصاص وإنَّما يراد بها المطالبة وإقامة البينة فافترقا.   (1) تبيين الحقائق 4/255 وما بعدها، وفتح القدير 7/468، والمبسوط 19/9. (2) المرجعان السابقان. (3) المرجعان السابقان، وفتاوى قاضيخان مع الفتاوى الهندية 3/11. (4) الذخيرة للقرافي 8/6. (5) الحاوي 6/516. (6) المغني 7/199. (7) تبيين الحقائق 4/255 وما بعدها، وفتح القدير 7/468. (8) المغني 7/199، والحاوي 6/516. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 35 وأمَّا الدليل الثاني لأبي يوسف وهو القياس على الاستيفاء في حال غياب الموكِّل فهو قياس على مختلف فيه فلايصح (1) ، والصحيح جوازه وشبهة العفو لاتمنع منه، والله أعلم. المسألة الثانية: التوكيل باستيفاء القصاص: اختلف العلماء - رَحِمَهُمُ اللهُ - في حكم التوكيل في استيفاء القصاص على ثلاثة أقوال: القول الأول: لايصح التوكيل في استيفاء القصاص إلاَّ بحضور الموكِّل، ولايصح مع غيبته، وهذا قول الحنفية (2) ، وقول عند الشافعية (3) . واستدلوا بما يلي: أولاً: أن القصاص يندرئ بالشبهة، فلايستوفى بمن يقوم مقام الغير كالحدود، ولهذا لايستوفي بكتاب القاضي إلى القاضي، ولا بشهادة النساء مع الرجال. وتوضيح ذلك: أنه لو استوفى في حال غياب الموكِّل كان استيفاء مع تمكن شبهة العفو لجواز أن يكون الموكِّل عفا والوكيل لم يعلم بعفوه، بل العفو هو الظاهر للندب الشرعي إليه بقول الله عزّوجل: (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ((4) . فإذا كان الموكِّل حاضراً يجوز للوكيل أن يستوفي؛ لأنه لاتتمكن فيه شبهة العفو (5) . ونوقش: بأن القصاص يستوفى مع غياب الشهود مع احتمال رجوعهم (6) .   (1) انظر: روضة الناظر وشرحها نزهة الخاطر 2/303 وما بعدها، وسيأتي توضيح الخلاف في حكم الاستيفاء في حال غياب الموكل في المسألة التي تلي هذه، وقد أجازه المالكية والشافعية في أصح القولين والحنابلة في قول. انظر: ص 31 من هذا البحث. (2) المبسوط 19/9، وبدائع الصنائع 6/21، وتبيين الحقائق 4/255. (3) الحاوي 6/517، والعزيز شرح الوجيز 5/210. (4) من الآية 237 البقرة. (5) المبسوط 19/9، وفتح القدير 7/467، وتبيين الحقائق 4/255. (6) فتح القدير 7/467. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 36 وأُجيب: بأن الشبهة في غياب الشاهد هي الرجوع فقط أي رجوع الشاهد عن شهادته فيسقط القصاص، وليس هذا قريباً في الظاهر، ولا الغالب؛ لأن الأصل الصدق خصوصاً مع العدالة (1) . ونوقش الدليل أيضاً: بأن احتمال العفو بعيد، والظاهر أنه لو عفا لبعث بعفوه وأعلم به وكيله، والأصل عدمه (2) . الدليل الثاني: أن الموكِّل يحتاج إلى التوكيل لعدم معرفته بالاستيفاء، أو لأن قلبه لايحتمل ذلك، ولو منع لانسد باب الاستيفاء أصلاً، فجاز الاسيتفاء بحضرة الموكِّل استحساناً (3) . ونوقش: بأن هذا المعنى موجود أيضاً مع غيبة الموكِّل فيلزمكم إجازته في غيبته أيضاً. وأُجيب: بأن شبهة العفو مع غياب الموكِّل قائمة بخلاف حضوره فلاتتمكن فيه شبهة العفو (4) . القول الثاني: يصح التوكيل باستيفاء القصاص مطلقاً، أي في حال حضور الموكِّل وغيبته، وهو قول المالكية (5) ، وأصح القولين عند الشافعية (6) وقول الحنابلة (7) . واستدلوا بما يلي: أولاً: أن القصاص من حقوق الآدميين فجاز التوكيل فيه مع الحضور، ومع الغيبة. ونوقش: بأنه عقوبة تندرئ بالشبهة ففارق سائر الحقوق. ويجاب عنه: بأن كونه يندرى بالشبهة لايمنع من صحة التوكيل ويكون الوكيل قائماً في ذلك مقام الأصل. ثانياً: أن الحاجة تدعو إلى التوكيل؛ لأن من له حق قد لايحسن الاستيفاء، أو لايحب أن يتولاه بنفسه (8) . ثالثاً: القياس على استيفاء القصاص مع غيبة الشهود فإن احتمال رجوعهم قائم، ومع ذلك يستوفى.   (1) المرجع السابق 7/467، والعناية معه 7/469، وبدائع الصنائع 6/21. (2) المغني 7/203. (3) تبيين الحقائق 4/255، والهداية مع فتح القدير 7/468 وما بعدها، وبدائع الصنائع 6/21. (4) تبيين الحقائق 4/255. (5) الذخيرة 8/6. (6) الحاوي للماوردي 6/517، والعزيز شرح الوجيز 5/210. (7) المغني 7/199. (8) المرجع السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 37 ونوقش: بأن الظاهر في الشهود عدم الرجوع إذ الأصل الصدق لاسيما في العدول (1) . رابعاً: القياس على الاستيفاء بحضوره. ونوقش: بأن مع حضور الموكّل شبهة العفو منتفية إذ العفو في حضوره مِمَّا لايخفى بخلاف حال الغيبة (2) . ويُمكن الجواب عنه: بأن العفو مع غيابه يُمكن أن يعلم كذلك. والراجح في نظري - والله أعلم - هو القول الثاني بجواز التوكيل في استيفاء القصاص مع حضور الموكل وغيابه؛ إذ ليس للمانعين معتمد غير أن شبهة العفو قائمة في حال غياب الموكِّل، ولذلك أجازوا التوكيل مع حضوره؛ لأن شبهة العفو غير موجودة إذ يُعلم بعفوه لو حصل، لكن شبهة العفو في نظري لاتصلح مانعاً من صحة التوكيل، إذ يُمكن العلم بها في حال غيابه كما في حال حضوره، كما أنّ الأصل هو الاستيفاء، والعفو نادر، والله أعلم. الفرع الثاني: التوكيل بالخصومة في حقوق العباد غير القصاص: المراد بحقوق العباد هنا: الديون والأعيان وسائر الحقوق، وهذا النوع لايخلو التوكيل بالخصومة فيه أن يكون برضا الخصم أو بغير رضاه، فإن كان برضا الخصم صح عند الحنفية (3) والمالكية (4) والشافعية (5) والحنابلة (6) . والأصل فيه:   (1) العناية مع فتح القدير 7/469. (2) المرجع السابق. (3) بدائع الصنائع 6/22، وفتح القدير 7/470، والعناية معه. (4) الذخيرة 8/6، ومواهب الجليل 7/165. (5) روضة الطالبين 4/293، ونهاية المحتاج 5/24، وحاشية الشبراملسي معه. (6) المغني 7/199، والإقناع 2/420. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 38 1 - ما روي عن عبد الله بن جعفر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أن علياً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كان لايحضر الخصومة، وكان يقول إن لهما قحماً يحضرها الشيطان، فجعل الخصومة إلى عقيل - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فلما كبر ورَقَّ حولها إلي، وكان علي يقول: ما قضي لوكيلي فلي وما قضي على وكيلي فعلي (1) . قال الكاساني: (ومعلوم أن سيدنا علياً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لم يكن ممن لايرضى أحد بتوكيله، فكان توكيله برضا الخصم، فدل على الجواز برضا الخصم) (2) . وأمَّا إن كان التوكيل بغير رضا الخصم فقد اختلف الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: لايجوز التوكيل من موكل حاضر إلاَّ برضا الخصم ولايجوز التوكيل بغير رضاه إلاَّ من عذر المرض والسفر مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً، ونحو ذلك من الأعذار (3) ، وهذا قول الإمام أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ (4) - والرجال، والنساء، والثيب، والبكر في ذلك سواء في قول أبي حنيفة (5) . واستدلوا بما يلي: 1 - أن الحق هو الدعوى الصادقة والإنكار الصادق، ودعوى المدعي خبر يحتمل الصدق والكذب، والسهو، والغلط، وكذا إنكار المدعى عليه فلايزداد الاحتمال في خبره بمعارضة خبر المدعي فلم يكن كل ذلك حقاً فكان الأصل أن لايلزم به جواب إلاَّ أن الشرع ألزم الجواب لضرورة فصل الخصومات وقطع المنازعات المؤدّية إلى الفساد وإحياء الحقوق الميتة، وحق الضرورة يصير مقتضياً بجواب الموكل فلاتلزم الخصومة عن جواب الوكيل من غير ضرورة.   (1) الهداية مع شرح فتح القدير 7/470. والأثر قد سبق تخريجه هامش [48] . (2) بدائع الصنائع 6/22. (3) سيأتي ذكر هذه الأعذار جملة قريباً إن شاء الله. (4) بدائع الصنائع 6/22، وأدب القاضي للخصاف وشرحه لأبي بكر الرازي 324. (5) المبسوط 19/7. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 39 2 - أن الموكّل قصد بهذا التوكيل الإضرار بخصمه فيما هو مستحق عليه فلايملكه إلاَّ برضاه كالحوالة بالدين، وكالعبد المشترك يعتقه أحد الشريكين فتخير الآخر بين الإمضاء والفسخ لدفع الضرر. ومعنى هذا الكلام: أن الحضور والجواب مستحق عليه بدليل أن القاضي يقطعه عن أشغاله ويحضره ليجيب خصمه، وإنَّما يحضره لإيفاء حق مستحق عليه، والناس يتفاوتون في الخصومة، فبعضهم أشد خصومة من بعض كما دل عليه قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من الآخر فأقضي له، فمن قضيت له بحق أخيه فإنَّما هي قطعة من نار ... )) (1) . والظاهر أن الموكل إنَّما يطلب من الوكيل ذلك الأشد الذي لايتأتى منه لو أجاب الخصم بنفسه فهو إذن إنَّما يقصد عادة من التوكيل استخراج الحيل والدعاوى الباطلة ليغلب، وإن لم يكن الحق معه كما أفاده الحديث فإذا كان الوكيل ألحن بحجته بحيث يعجز من يخاصمه عن إحياء حقه فيتضرر به الآخر فيشترط رضا الخصم ليكون لزوم الضرر بالتزامه (2) . ونوقش: بأن الخصومة حق للموكل لو أتى به بنفسه كان مقبولاً وصحة التوكيل باعتبار ما هو حق للموكل دون ما ليس بحق له.   (1) سبق تخريجه هامش [55] . (2) المبسوط 19/7، وبدائع الصنائع 6/22، وفتح القدير 7/471. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 40 ورُدّ: بأن الإمام أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - بنى على العرف الظاهر هنا وقال: الناس إنَّما يقصدون بهذا التوكيل أن يشتغل الوكيل بالحيل الأباطيل ليدفع حق الخصم عن الموكّل، وأكثر ما في الباب أن يكون توكيله بما هو من خالص حقه، ولكن لما كان يتصل به ضرر بالغير من الوجه الذي ذكر قال لايملك بدون رضاه كمن استأجر دابة لركوب أو ثوباً للبس لايملك أن يؤجره من غيره مع أنه يتصرف في ملكه إذ هو يملك المنفعة، لكن يتصل بهذا التصرف ضرر بملك الغير وهي العين؛ لأن الناس يتفاوتون في الركوب واللبس فكان لابد من رضا صاحب العين (1) . ونوقش أيضاً: بأن قولهم إن (الحضور والجواب مستحق عليه) إنَّما يكون في جانب المدعى عليه؛ لأنه هو الذي يلزم بالحضور أمَّا المدعي فلايلزم إحضاره، ولايُلْزَم بالجواب إذ لايجبر على الخصومة بخلاف المدعى عليه فإنه يجبر على الجواب. وأُجيب: بأن هذا يندفع بأن يقال إضافة إلى ما سبق في الاستدلال: إن توقع الضرر اللازم بالمرض والسفر من الموت وآفات التأخير أشد من الضرر اللازم بتفاوت الناس في الخصومة فيتحمل الأدنى دون الأعلى (2) . أي أنه إنَّما لم نعتبر الرضا في حال المرض والسفر لكون الضرر الناتج عنهما أشد من الضرر الناتج عن تفاوت الناس في الخصومة، وبهذا يشمل الدليل المدعي والمدعى عليه. 3 - أن الموكل إذا كان مريضاً أو مسافراً فهو عاجز عن الدعوى وعن الجواب بنفسه فلولم يملك النقل إلى غيره بالتوكيل لضاعت الحقوق وهلكت وهذا لايجوز (3) . وأمَّا التقييد بثلاثة أيام فلأن ما دونها في حكم الحاضر (4) .   (1) المبسوط 19/7 وما بعدها. (2) تكملة فتح القدير 8/12. (3) بدائع الصنائع 6/22. (4) المرجع السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 41 والمراد بالمريض هنا: المريض الذي لايقدر على المشي على قدميه إلى مجلس القاضي مدعياً كان أو مدعى عليه، وإن قدر على الحضور على ظهر دابة أو ظهر إنسان، فإن زاد مرضه بذلك صح توكيله، وإن لم يزد فقيل هو على الخلاف. لكن قال في البحر: والصحيح لزومه. وفي بعض كتب الحنفية: أن المريض الذي لايمنعه المرض من الحضور كالصحيح (1) . ثم بعد هذا اختلف فقهاء الحنفية في تفسير قول الإمام أبي حنيفة؛ لأنه مرة قال: لاتقبل، ومرة قال: لايصح، فلذلك اختلفوا هل رضا الخصم شرط لصحة الوكالة أو شرط للزومها على قولين: الأول: أنه شرط لزوم الوكالة - أي أن الوكالة بغير رضا الخصم صحيحة لكنها لاتلزم حتى لايلزم الخصم الحضور والجواب لخصومة الوكيل إلاَّ أن يكون الموكل مريضاً مرضاً لايُمكنه الحضور بنفسه مجلس الحكم، أو غائباً مسيرة سفر فحينئذٍ يلزمه. ولهذا قال صاحب الهداية (ولا خلاف في الجواز إنَّما الخلاف في اللزوم) (2) . وقد سبق صاحبُ الهداية إلى هذا التعبير شمس الأئمة كما حكاه في فتح القدير فقال: (التوكيل بالخصومة عنده بغير رضا الخصم صحيح، ولكن للخصم أن يطلب الخصم أن يحضر بنفسه ويجيب) . وقال في فتح القدير: (ونحو هذا كلام كثير مِمَّا يفيد أنه المراد مِمَّا ذكروه، وسبب ذلك أنه لما لم يعرف لأحد القول بأنه إذا وكل فعلم خصمه فرضي لايكون رضاه كافياً في توجه خصومة الوكيل ولاتسمع حتى يجدد له وكالة أخرى على ما هو مقتضى الظواهر التي ساقها علموا أن المراد بلا تجوز إلاَّ برضاه أنها لاتمضى على الآخر وتلزم عليه إلاَّ أن يرضى) (3) ، واختار ابن الهمام هذا التفسير في شرحه وصححه في الفتاوى الهندية ونقل تصحيح خزانة المفتين له (4) .   (1) المرجع السابق، والفتاوى الهندية 3/615. (2) الهداية مع فتح القدير 7/470 وما بعدها. (3) فتح القدير 7/470. (4) المرجع السابق، والفتاوى الهندية 3/615. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 42 والثاني: أنه على ظاهره من نفي الصحة (1) ، لكن هذا خلاف قول الأكثر بل البعض يحكي الاتفاق على خلافه. تنبيه: من الأعذار التي تسقط رضا الخصم على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ -: الحيض والنفاس إن كانت المدعية أو المدعى عليها امرأة، وكان القاضي يقضي في المسجد (2) ، لكن إن كانت هي المدعية قبل منها التوكيل، وإن كانت مدعى عليها فإن أخرها المدعي حتى يخرج القاضي من المسجد لم يكن لها أن توكل، وإن لم يؤخرها قبل منها التوكيل (3) .   (1) المرجع السابق والعناية معه 7/470 وما بعدها. (2) روي القضاء في المسجد عن جماعة من الصحابة والتابعين، وممن روي عنه ذلك عمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، وروي ذلك عن شريح والحسن والشعبي، وغيرهم، وقال مالك - رَحِمَهُ اللهُ -: ((القضاء في المسجد من أمر الناس القديم)) . ... وقال بجوازه من الفقهاء الحنفية ومالك، وهو مذهب الحنابلة، وبوب البخاري - رَحِمَهُ اللهُ - في صحيحه: (باب من قضى ولاعن في المسجد) . وذكر من كان يقضي في المسجد، واستدل للجواز بفعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه من بعده - رِضْوَانُ الله عَلَيْهِمْ - فقد كانوا يجلسون للقضاء في المسجد. ... وكره ذلك بعض أصحاب مالك، والشافعي - رَحِمَهُمُ اللهُ -، لأنه يحتاج إلى إحضار المجانين والصغار والحيض والكفار، وترتفع الأصوات ونحو ذلك. ... والثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلفائه أولى، وهذه يُمكن التحرز عنها. ... انظر: بدائع الصنائع 7/13، ومواهب الجليل 8/103، ونهاية المحتاج 8/253، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 28/337، وفتح الباري 13/192 وما بعدها. (3) الفتاوى الهندية 3/615. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 43 وأيضاً: المرأة المخدرة، أي: التي لم تجر عادتها بالبروز ومخالطة الرجال فلها أن توكل؛ لأنها لو حضرت لايمكنها أن تنطق بحقها لحيائها فيلزم توكيلها دفعاً للحرج. قال في البحر الرائق: (وهذا شيء استحسنه المتأخرون كذا في الهداية وظاهرة أن المخدرة لا نص فيها في المذهب، ولهذا قال في فتح القدير: أمَّا على ظاهر إطلاق الأصل وغيره عن أبي حنيفة فلا فرق بين البكر والثيب والمخدرة والبرزة والفتوى على ما اختاروه من ذلك) (1) . فهذه يلزم توكيلها؛ لأن في إلزامها بالجواب تضييع لحقها (2) . واستثنوا أيضاً من كان محبوساً عند غير القاضي الذي تحاكما إليه كمن كان محبوساً عند الوالي ولايمكّنه الوالي من الخروج فيقبل منه التوكيل (3) . واستثنوا أيضاً الحاضر الذي يريد السفر، إلاَّ أن القاضي لايصدقه في دعواه بإرادة السفر فينظر إلى زيه وعدة سفره ويسأله مع من يريد أن يخرج فيسأل رفقاءه عن ذلك (4) . ووجه استثنائه: أن توكيله لولم يلزم للحقة الحرج بالانقطاع عن مصالحه. القول الثاني: أن القاضي إذا علم من المدعي التعنت في إباء الوكيل فلايُمكنه من ذلك ويقبل التوكيل من الخصم، وإذا علم من الموكل القصد إلى الإضرار بالمدعى في التوكيل لايقبل ذلك منه إلاَّ برضا الخصم، وبهذا قال شمس الأئمة السرخسي صاحب المبسوط (5) . أي أنه كان يفتي بقول الإمام في حال وبقول الصاحبين الآتي في حال (6) . ووجهه: أن في ذلك دفعاً للضرر من الجانبين (7) .   (1) البحر الرائق 7/144، وفتح القدير 7/472، والفتاوى الهندية 3/615. (2) فتح القدير 7/472. (3) المرجع السابق 7/473، والبحر الرائق 7/145، والفتاوى الهندية 3/615. (4) فتح القدير 7/471، والبحر الرائق 7/144. (5) المبسوط 19/8. (6) انظر: تكملة فتح القدير 8/9. (7) المبسوط 19/8. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 44 القول الثالث: يصح التوكيل من الحاضر من غير رضا الخصم ويلزم، وهذا قول الجمهور من المالكية (1) ، والشافعية (2) ، والحنابلة (3) ، وأبي يوسف، ومحمد من الحنفية، وبه كان يفتي الفقيه أبو الليث (4) ، وأبو القاسم الصفار (5) (6) . واستدلوا بما يلي:   (1) مواهب الجليل 7/165، ومنح الجليل 6/359. (2) العزيز شرح الوجيز 5/209، ومغني المحتاج 2/220. (3) المغني 7/199، والإقناع 2/420. (4) هو: نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الليث، الفقيه السمرقندي المشهور بإمام الهدى، أخذ الفقه عن أبي جعفر الهندواني عن أبي القاسم الصفار عن نصر بن يحيى عن محمد بن سماعة عن أبي يوسف، وله تفسير القرآن، والنوازل والعيون، والفتاوى، وخزانة الفقه وغير ذلك، توفي سنة 373 هـ، وقيل: 393 هـ، وقيل: 375 هـ انظر: الفوائد البهية 220. (5) هو: أبو القاسم الصفار أحمد بن عصمة، أخذ عن نصر بن يحيى عن محمد بن سماعة عن أبي يوسف، وكان إماماً كبيراً، توفي سنة 336 هـ، وقيل: 326 هـ. انظر: الفوائد البهية ص 26. (6) بدائع الصنائع 6/22، وتكملة فتح القدير 8/9. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 45 1 - ما روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سمع دعوى حويصة (1) ومحيصة (2) على يهود خيبر أنهم قتلوا عبد الله بن سهل، وذلك نيابة عن عبد الرحمن بن سهل (3) ، ووليه حاضر فما أنكر دعواهم له مع حضوره فلو كانت وكالة الحاضر غير جائزة لأنكرها حتى يبتدئ الولي بها ألا ترى أنه أنكر على محيصة حين ابتدأ بالكلام قبل حويصة وقال له: ((كبر كبر)) ، وليس تقديم الأكبر بواجب وإنَّما هو أدب فكيف يكف عن إنكار ما هو واجب (4) . ويُمكن أن يناقش: بأنه يحتمل أن سماعه من غير الولي لكون الولي لم يكن متأهلاً للدعوى فأقام الحاكم قريبه مقامه في الدعوى وإمَّا لغير ذلك (5) .   (1) هو: حويصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة الأنصاري، شهد أُحُداً والخندق وسائر المشاهد، يقال: أنه أسنّ من أخيه محيصة. الإصابة 2/143، والاستيعاب 1/409. (2) هو: محيصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة الأنصاري، يكنى أبا سعد، بعثه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أهدفدك يدعوهم إلى الإسلام وشهد أُحُداً والخندق وما بعدها من المشاهد. الاستيعاب 4/1463. (3) الحديث رواه البخاري مختصراً في صحيحه، كتاب الديات، باب القسامة 8/42، ومسلم في كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب القسامة حديث [1669] 2/1291. (4) الحاوي 6/503. (5) فتح الباري 12/296 وما بعدها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 46 وقال النووي في شرح مسلم: (واعلم أن حقيقة الدعوى إنَّما هي لأخيه عبد الرحمن لا حق فيها لابني عمه، وإنَّما أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتكلم الأكبر وهو حويصة؛ لأنه لم يكن المراد بكلامه حقيقة الدعوى بل سماع صورة القصة وكيف جرت فإذا أراد حقيقة الدعوى تكلم صاحبها ويحتمل أن عبد الرحمن وكَّل حويصة في الدعوى ومساعدته أو أمر بتوكيله) (1) . إذن لايصلح دليلاً على أن رضا الخصم غير معتبر في الوكالة؛ لأن ما في الحديث يحتمل الوكالة ويحتمل غيرها ومع الاحتمال لايصح الاستدلال، والله أعلم. 2 - إجماع الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فإن علياً وكل عقيلاً عند أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وقال: ما قضي له فلي، وما قضي عليه فعلي، ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان وقال: إن للخصومة قُحَماً، وإن الشيطان ليحضرها ... ) قال في المغني: ومثل هذه القصص انتشرت لأنها في مظنة الانتشار فلم ينقل إنكارها (2) . وفي الحاوي: أن علياً كان حاضراً فكان ذلك منهم إجماعاً على وكالة الحاضر (3) . أقول أيضاً لم ينقل أنّ علياً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - طلب موافقة أو رضا خصمه بالتوكيل فدل على أن الوكالة من الحاضر لايعتبر لها رضا الخصم. ويُمكن أن يناقش بما ذكره في البدائع أن علياً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لم يكن ممن لايرضى أحد بتوكيله (4) . ويجاب عنه: بأن رضا الخصم لو كان شرطاً لطلبه علي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ولقال خصمه: لم يكن التوكيل برضاي إذ الحالة حالة خصومة ومنازعة، والله أعلم. 3 - أن التوكيل بالخصومة صادف حق الموكّل فلايقف على رضا الخصم كالتوكيل في استيفاء الدين.   (1) شرح النووي على صحيح مسلم 11/146، وانظر: شرح الزرقاني على الموطأ 4/208. (2) المغني 7/200، والخبر تقدم هامش [48] ، والقحم: المهالك. (3) الحاوي 6/503. (4) بدائع الصنائع 6/22. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 47 والدليل على أنه صادف حقهما أن الدعوى حق المدعي والإنكار حق المدعى عليه فقد صادف التوكيل من المدعي والمدعى عليه حق نفسيهما فلايقف على رضا خصمه كما لو كان خاصمه بنفسه (1) . ونوقش: بعدم التسليم أنه تصرف في خالص حقه، ذلك أن الجواب مستحق على الخصم، ولهذا يستحضره في مجلس القاضي والمستحق للغير لايكون خالصاً له. ولو سلم خلوصه له لكن تصرف الإنسان في خالص حقه إنَّما يصح إذا لم يتضرر به غيره، وههنا ليس كذلك؛ لأن الناس يتفاوتون في الخصومة فعلى القول بلزوم الوكالة من غير رضاه يتضرر بالتوكيل فتوقف على رضاه (2) . 4 - أن الخصومة حق تجوز النيابة فيه فكان لصاحبه الاستنابة بغير رضا خصمه كحال غيبته ومرضه، وكدفع المال الذي عليه (3) . تنبيه: فقهاء المالكية لم يعتبروا رضا الخصم إذا وكل في ابتداء الدعوى، أمَّا إذا خاصم الرجل عن نفسه، وقعد مع خصمه ثلاثة مجالس اتفاقاً أو اثنين على المشهور فليس له بعد ذلك أن يوكل إلاَّ برضا خصمه إلاَّ أن يكون له عذر من مرض أو سفر ويُعْرَفُ ذلك، ولايمنع من السفر إذا أراده لكن يحلف أنه لم يسافر من أجل أن يوكل، قاله ابن العطار (4) ، وقال ابن الفخار (5) : لايحلف.   (1) بدائع الصنائع 6/22، وتكملة فتح القدير 8/11، والعزيز شرح الوجيز 5/209. (2) تكملة فتح القدير 8/11 وما بعدها. (3) المغني 7/199. (4) هو: أبو عبد الله، محمد بن أحمد، المعروف بابن العطار، الأندلسي، فقيه مالكي، توفي في ذي الحجة عام 399 هـ، وكانت ولادته سنة 330 هـ. انظر: شجرة النور 101. (5) هو: أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن خلف، الأنصاري، المالقي، يعرف بابن الفخار العالم النظار الفقيه المالكي، توفي سنة 590 هـ. انظر: شجرة النور 159. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 48 ومن العذر كذلك أن يشاتمه خصمه ويحرجه فيحلف أن لايخاصمه بنفسه، فإن حلف لايخاصمه من غير عذر لم يكن له أن يوكل إلاَّ برضا خصمه (1) . وقال ابن عبد البر: ((وإذا شرع المتخاصمان في المناظرة بين يدي الحاكم لم يكن لأحدهما أن يوكل؛ لأن ذلك عند مالك ضرب من اللدد إلاَّ أن يخاف من خصمه استطالة بسبب أو نحوه)) (2) . فيحتمل أن يكون ما ذكره ابن عبد البر قولاً آخر أنه يمنع من حين الشروع، ويحتمل أن ما ذكروه تفسيراً له فلايكون خلافاً. وعلى أي حال فالمعتمد في المذهب ما ذكروه. ووجهه: أن في التوكيل حينئذٍ إعنات وشر ولايجوز إدخال الإعنات والشر على المسلمين. وتوضيح ذلك: أنّ من شأن انعقاد الثلاثة المجالس بينهما أن يظهر الحق فالتوكيل حينئذٍ يوجب تجديد المنازعة وكثرة الشر (3) . ولم يفرق غيرهم بين التوكيل في ابتداء الدعوى أو بعد مجالسة الخصم مجلسين أو ثلاثة؛ لأن الحاجة كما تدعو إلى التوكيل في ابتداء الدعوى تدعوا إلى التوكيل في أثنائها. والراجح في نظري هو ما ذهب إليه الجمهور من عدم اعتبار رضا الخصم لجواز وكالة الحاضر ولزومها، وذلك لأن الدعوى والجواب عنها حق للمدعي والمدعى عليه فلكل منهما أن يباشر هذا الحق بنفسه، وله أن يقيم غيره مقامه كسائر حقوقه التي تدخلها النيابة وسواء كان ذلك في ابتداء الدعوى أو في أثنائها إذ قد يحتاج إلى ذلك، والضرر المتحقق يمنع منه. المطلب الثالث: التوكيل من جانب المدّعى عليه بعد أن عرفنا في المطالب السابقة حكم التوكيل من جانب المدعي بقي أن نتكلم عن التوكيل من جانب المدعى عليه.   (1) انظر: البهجة 1/339، وحلي المعاصم معه، والشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 3/378، والشرح الصغير وبلغة السالك عليه 2/183. (2) الكافي لابن عبد البر 394. (3) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 3/378، والشرح الصغير بهامش بلغة المسالك 2/183. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 49 وقد أجاز الجمهور من الفقهاء للمدعى عليه ولو كان بما يوجب حداً أو قصاصاً أن يوكل، وهذا قول الحنفية حتى قالوا: إن كلام أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - في هذا أظهر (1) ، وبه قال المالكية (2) في القول المشهور والشافعية (3) والحنابلة (4) . ووجه هذا القول: أن الحاجة تدعو إلى التوكيل من جانب المدعى عليه كالمدعي. وخالف في هذا سحنون (5) من المالكية فكان لايقبل من المدعى عليه وكيلاً إلاَّ أن يكون امرأة لايخرج مثلها، أو مريداً سفراً، أو مريضاً، أو كان في شغل الأمير، أو على خطة لايستطيع مفارقتها ونحو ذلك من الأعذار.   (1) تبيين الحقائق 4/256، والمبسوط 19/106، وفتح القدير 7/469. (2) التاج والإكليل مع مواهب الجليل 7/165، والبهجة 1/324، وحلي المعاصم معه، والخلاف عند المالكية إنَّما هو في التوكيل بعد حضورهما للقاضي أمَّا قبله فلا خلاف في جوازه لهما. انظر: مواهب الجليل 7/168. (3) مغني المحتاج 2/220، حيث جاء في المنهاج قوله: (ويصح في طرفي بيع ... والدعوى والجواب عنها) . وانظر: روضة الطالبين 4/293. (4) انظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 13/448 وما بعدها، وكشاف القناع 3/464. (5) هو: أبو سعيد، عبد السلام، سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي، فقيه حافظ عابد ورع، أخذ عن أئمة من أهل المشرق، وأخذ عنه أئمة منهم ابنه محمد، انتهت إليه الرياسة في العلم، ومدونته عليها الاعتماد في مذهب الإمام مالك، توفي سنة 240 هـ وكانت ولادته سنة 160 هـ. انظر: شجرة النور 69 وما بعدها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 50 جاء في التبصرة قوله، قال ابن سهل (1) وغيره: والذي جرى به العمل أن التوكيل جائز لمن شاء من طالب أو مطلوب، وكان سحنون لايبيح للمطلوب أن يوكل إلاَّ لعذر كمرض، أو امرأة محجوبة أو رجل واقف في باب الحاكم، كالحجاب ونحوه، ويرى أن ذلك من باب الضرورة، وأمَّا من سائر الجبابرة فلا (2) . والراجح والله أعلم هو جوازه منهما معاً للحاجة إلى ذلك. المبحث الثاني: ثبوت الوكالة لا نزاع بين الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - في اشتراط ثبوت الوكالة بالخصومة في الجملة، فمن ادّعى أنه وكيل فلان فلابد من إثبات الوكالة (3) . ثم بعد ذلك اختلفوا في مسائل: الأولى: في اشتراط حضور الخصم لسماع البينة بالوكالة إذا كان التوكيل في مجلس القاضي. الثانية: إثبات وكالة الغائب. الثالثة: اشتراط ثبوت الوكالة قبل سماع الدعوى بالحق. الرابعة: وسائل إثبات الوكالة. وسوف يكون الكلام على هذه المسائل في أربعة مطالب: المطلب الأول: في اشتراط حضور الخصم لسماع البينة بالوكالة إذا كان التوكيل في مجلس القاضي (وكالة الحاضر) . وفيه فرعان: الفرع الأول: حكم إحضار شاهدين عند توكيله عند القاضي. اختلف الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - في إحضار شاهدين عند توكيله عند القاضي على قولين:   (1) هو: القاضي عيسى بن سهل الأسدي القرطبي، له كتاب ((الأعلام بنوازل الأحكام)) ، توفي سنة 486 هـ، وكانت ولادته سنة 413 هـ. انظر: شجرة النور 122. (2) تبصرة الحكام 1/134، والبهجة 1/324. (3) انظر: تكملة حاشية ردّ المحتار 11/379، 490، ومواهب الجليل 7/162، وروضة الطالبين 4/322، ونهاية المحتاج 5/25، والمغني لابن قدامة 7/225، 255، 260. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 51 القول الأول: لايلزم إحضار شاهدين، وهذا قول الحنفية (1) ، وقول عند الشافعية مبني على القول بجواز قضاء القاضي بعلمه هكذا خرجه ابن القاص (2) على مذهب الشافعية (3) . القول الثاني: يلزم إحضار شاهدين، وهو قول آخر عند الشافعية مخرج على القول بعدم جواز قضاء القاضي بعلم نفسه (4) ، وهو المفهوم من كلام الإقناع، وهو مبني أيضاً على مسألة عدم جواز قضاء القاضي بعلمه كما هو ظاهر المذهب. ففي الإقناع قوله: وإذا حضر رجلان عند الحاكم فأقر أحدهما أن الآخر وكله ولم يسمعه شاهدان مع الحاكم ثم غاب الموكِّل وحضر الوكيل فقدم خصماً لموكِّله وقال: أنا وكيل فلان فأنكر الخصم كونه وكيلاً لم تسمع دعواه حتى تقوم البينة بوكالته؛ لأن الحاكم لايحكم بعلمه) (5) . وبناه على القولين في حكم قضاء القاضي بعلمه أيضاً صاحب المغني (6) . الفرع الثاني: إثبات وكالة الحاضر: وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إثبات الحاضر وكالته عند القاضي وهو يعرفه: إذا حضر عند القاضي رجلٌ يعرفه وأراد أن يثبت وكالته عند القاضي، فإن القاضي يسمع منه ذلك ويثبت وكالته وإن لم يكن معه خصم إذا عرف الموكِّل، وبهذا قال الإمامان أبو حنيفة (7) والشافعي (8) .   (1) الفتاوى الهندية 3/569. (2) هو: أبو العباس، أحمد بن أحمد الطبري، المعروف بابن القاص، وقيل: أحمد بن أبي أحمد، فقيه شافعي، له مصنفات منها أدب القاضي، توفي سنة 335 هـ، وقيل: 336 هـ. انظر: طبقات الشافعية لابن هداية الله 65، وطبقات الشافعية الكبرى 2/103، ووفيات الأعيان 1/68. (3) أدب القاضي لابن القاص 1/207. (4) المرجع السابق. (5) الإقناع 2/443. (6) المغني 7/260. (7) أدب القاضي للخصاف بشرح أبي بكر الرازي 326. (8) أدب القاضي لابن القاص 1/207، والحاوي 6/509. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 52 ووجهه: أن هذا ليس فيه أكثر من إقامة الموكّل الوكيل مقام نفسه وللموكل أن يفعل ذلك (1) . وفي هذه الحالة إذا غاب الموكِّل فللقاضي أن يسمع من الوكيل الدعوى ولا حاجة إلى إقامة البينة على الوكالة (2) ؛ لأن الوكالة هنا ثبتت بإقراره. والذي يفهم من كلام المالكية في قضية إقرار الخصم في مجلس الحكم أنه لابد من إقامة شاهدين على إقراره (3) ، فيمكن أن يتخرج في مسألتنا كذلك مثل ذلك، إذ المعنى فيهما واحد هذا مع قولهم بأن القاضي لايقضي بعلمه إلاَّ في التعديل والجرح (4) . وكذلك يفهم من قول الحنابلة أن القاضي لايقضي بعلمه أنه لابد من الإشهاد (5) على وكالته، والله أعلم. والذي يظهر لي أنه لابد من الإشهاد على وكالته لما يأتي بعد هذا من الأدلة الدالة على أن القاضي لايقضي بعلمه؛ ولأنه رُبَّمَا أنكر الوكالة حين يرى أن الحق قد لزمه، فيحتاج إلى إثبات وكالته ولايتم ذلك إلاَّ بإقامة البينة، والله أعلم. المسألة الثانية: إثبات الحاضر وكالته عند القاضي والقاضي لايعرفه: إذا حضر عند القاضي رجل وأراد أن يوكل رجلاً ويثبت عنده وكالته والقاضي لايعرفه فقد اختلف الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - على قولين: القول الأول: أن القاضي إذا لم يعرف الموكِّل اسماً ونسباً فلايحكم بوكالته، وهذا قول الإمام أبي حنيفة (6) .   (1) المراجع السابقة. (2) المراجع السابقة. (3) انظر: الخرشي 7/531، ومواهب الجليل 8/146. (4) الخرشي 7/530، ومواهب الجليل 8/138. (5) انظر: المغني 14/31. (6) أدب القاضي للخصاف 327. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 53 ووجهه: أن القاضي إذا لم يعرف اسم الموكِّل ونسبه فيمكن أن يأتي شخص ويتسمى باسم صاحب الحق ونسبه ويوكّل عند القاضي فإذا غاب الموكِّل المسمى باسم غيره حضر الوكيل وأخذ الحق لمن تسمى باسم صاحب الحق، وهذا تزوير يفضي إلى إبطال حقوق الناس، وهذا التزوير، وهذه الحيلة لايقدر عليها إذا كان القاضي يعرف الموكّل اسماً ونسباً (1) . القول الثاني: أن القاضي يسمع ذلك ويثبت توكيله، وبه قال ابن أبي ليلى (2) . وبنى فقهاء الحنابلة المسألة على حكم القاضي بعلمه فعلى القول بأنه يحكم بعلمه، وكان يعرف الموكل باسمه وعينه ونسبه صدقه ومكنه من التصرف؛ لأن معرفته كالبينة ومفهومه أنه لو لم يكن يعرف ذلك لم يصدقه، ولذلك قال في المغني، وإن عرفه بعينه دون اسمه ونسبه لم يقبل قوله حتى تقوم البينة بالوكالة؛ لأنه يريد تثبيت نسبه عنده بقوله فلم يقبل) (3) اهـ. فيكون الحنابلة في هذا موافقين لقول الإمام أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ -. وعلى القول بأنه لايقضي بعلمه لايسمع دعواه حتى تقوم البينة بوكالته (4) ، فيكون هذا قولاً ثالثاً في المسألة. وظاهر المذهب أن القاضي لايقضي بعلمه في حد ولا غيره، ولا فيما علمه قبل الولاية ولا بعدها (5) ، فيكون المعتمد في المذهب على هذا هو القول الثاني أنه لايسمع دعواه حتى تقوم البينة بالوكالة. والدليل على أنه لايقضي بعلمه ما يلي:   (1) انظر: المرجع السابق. (2) أدب القاضي لابن القاص 1/207، والحاوي 6/509. ... وابن أبي ليلى هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى بن بلال الأنصاري الكوفي، ولد سنة 74 هـ، وكان فقيهاً مجتهداً بالرأي، توفي سنة 148 هـ. انظر: وفيات الأعيان 4/179، والفتح المبين 1/99. (3) المغني 7/260. (4) المرجع السابق. (5) المغني 14/31. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 54 1 - قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إنَّما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه)) (1) . ووجه الاستدلال: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر أنه لايقضي إلاَّ بما يسمع لا بما يعلم. 2 - قوله - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم - في قضية الحضرمي والكندي: ((شاهداك أو يمينه ليس لك منه إلاَّ ذلك)) (2) . ووجه الاستدلال: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يحكم بعلمه، وإنَّما جعل الحكم مبنياً على أسبابه الظاهرة من الشاهدين أو يمين المدعى عليه. 3 - ما روت عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أبا جهم على الصدقة فلاحاه رجل على فريضة، فوقع بينهما شجاج فأتوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فأعطاهم الأرش، ثم قال: ((إني خاطب الناس، ومخبرهم أنكم قد رضيتم أرضيتم)) ؟ قالوا: نعم، فصعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنبر فخطب، وذكر القصة، وقال: ((أرضيتم؟)) قالوا: لا. فهمّ بهم المهاجرون، فنزل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فأعطاهم، ثم صعد فخطب الناس ثم قال: أرضيتم؟ قالوا: نعم)) (3) . ووجه الاستدلال: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأخذ بعلمه في هذه القصة.   (1) تقدم هامش [55] . (2) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار 1/123 وما بعدها. (3) أخرجه أبو داود في كتاب الديات، باب: العاقل يصاب على يديه خطأ 4/672 حديث [534] ، والنسائي في كتاب القسامة باب: السلطان يصاب على يده 8/35، وابن ماجة في كتاب الديات، باب: الجارح يفتدي بالقود 2/881 حديث [2638] . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 55 4 - روى عن أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه قال: لو رأيت حدّاً على رجل لم أحُدّه حتى تقوم البينة (1) . 5 - ولأن تجويز القضاء بعلم القاضي يفضي إلى تهمته والحكم بما اشتهى ويحيله على علمه (2) . والراجح في نظري أنه لابد من إقامة البينة على الوكالة، وأن يشهد الشهود أن الموكل فلان ابن فلان يذكرون اسمه ونسبه للمعنى الذي ذكره الإمام أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - من أنه يُمكن أن يتسمى شخص باسم صاحب الحق ويوكل في المطالبة به، وهو في الحقيقة ليس المستحق وإنَّما من باب التزوير فيفضي ذلك إلى أخذ حقوق الآخرين بهذه الطريقة لاسيما مع فساد الزمان ووجود من لايتورع عن التزوير وأخذ حقوق الآخرين، والله أعلم. المطلب الثاني: إثبات وكالة الغائب وصورة ذلك: أن يدعي رجل أن رجلاً وكله ليطالب بحقه وحضر عند القاضي وجاء بالبينة على الوكالة والموكِّل غائب، فإن كان الخصم حاضراً فلا نزاع بينهم أن بينة الوكيل بالوكالة تسمع ويحكم بإثبات وكالته. وإن كان الخصم غائباً فقد اختلف العلماء - رَحِمَهُمُ اللهُ - هل يشترط حضور الخصم في إثبات الوكالة بالخصومة أم لا؟ ، على قولين: القول الأول: أنه لايقبل من الوكيل شهادة على الوكالة إلاَّ ومعه خصم حاضر، وهذا قول الحنفية (3) ، وهو قول عند الشافعية، قال به القاضي حسين (4)   (1) نقل الشوكاني في نيل الأوطار 5/573 عن ابن حجر قوله: رواه ابن شهاب عن زيد بن الصامت أن أبا بكر ... فذكره، وصحح إسناده. (2) انظر: الأدلة في المغني 14/32 وما بعدها. (3) المبسوط 19/10، والبحر الرائق 7/146، وتكملة حاشية رد المحتار 11/379، وأدب القضاء للخصاف وشرحه للرازي 325. (4) العزيز شرح الوجيز 13/203. ... والقاضي حسين هو: أبو علي بن محمد بن أحمد المروروذي، من كبار أصحاب القفال، وكان إماماً بارعاً، لقب بحبر الأئمة، توفي رحمه الله في الثالث والعشرين من المحرم سنة 462 هـ. انظر: طبقات الفقهاء للشيرازي 234، وسير أعلام النبلاء 18/260 وما بعدها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 56 ووجهه: أن الدعوى والإنكار شرط قبول البينة فكما أن انعدام الدعوى يمنع قبول البينة فكذلك انعدام الإنكار، ولايتحقق ذلك - أي الإنكار - إلاَّ من خصم حاضر أشبه القضاء على الغائب (1) . ونوقش: بعدم التسليم بأنه قضاء على غائب، ذلك أن الوكالة حق للموكل وعليه، وليس للخصم فيها حق ولا عليه فيها حق، بدليل أنه لايثبت له بحضور الوكالة حق، ولايثبت عليه حق (2) . ورُدَّ: بأن البينة إنَّما سميت بذلك لكونها مبنية في حق المنكر، وذلك لايتحقق إلاَّ بمحضر من الخصم (3) ، ومع هذا فقد قال الحنفية: إذا قبل القاضي البينة بغير خصم حاضر، وقضى بها جاز قضاؤه؛ لأنه قضى في فصل مختلف فيه فيكون القاضي قد أمضى فصلاً مجتهداً فيه باجتهاده فلهذا لايفسد قضاؤه (4) . القول الثاني: أن البينة على الوكالة في الخصومة تقبل من غير حضور الخصم، وبهذا قال المالكية (5) ، والأصح عند الشافعية (6) ، والحنابلة (7) ، وابن أبي ليلى (8) . واستدلوا بما يلي: 1 - خبر علي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فقد وكل عقيلاً وعبد الله بن جعفر ولم يكن عند توكيله إياهما خصم، وهذه حالة مشهورة في الصحابة وكل أقر عليها ولم يخالف فيها (9) . 2 - أنه موكّل في حق نفسه فلم يعتبر حضور الخصم كالوكالة في استخراج الديون. 3 - ولأنه توكيل فوجب أن يتم بالموكل والوكيل كالتوكيل في العقود. 4 - ولأن ما تنعقد به الوكالة في العقود تنعقد به في مطالبة الخصوم كوكالة المريض والمسافر. 5 - ولأنه توكيل لم يشترط فيه رضا الخصم فلايشترط فيه حضوره، وأصله إذا أقر بالوكالة أو وكل عند حاكم.   (1) المبسوط 19/11. (2) الحاوي 6/508. (3) المبسوط 19/11. (4) المبسوط 19/11. (5) مواهب الجليل 7/165. (6) الحاوي 6/58، والعزيز 13/203. (7) المغني 7/258، والفروع 4/349. (8) المبسوط 19/11. (9) الحاوي 6/508. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 57 6 - ولأنه مستعان به في الخصومة فلم يشترط فيه حضور الخصم كإشهاد الشهود (1) . 7 - ولأنه لايعتبر رضا الخصم في سماع البينة فلايعتبر حضوره كغيره (2) . والقول الثاني في نظري هو الراجح إن شاء الله؛ لأن ما استدلوا به من الأقيسة صحيح وليس هناك ما يدفعه، وأمَّا استدلال الحنفية فمع أنهم أجابوا عن الاعتراض الوارد على حجتهم لكن يبقى قضية الحكم على الغائب لو سلم الدليل فهو محل نزاع، ولايصح القياس على أمر مختلف فيه، والله أعلم. المطلب الثالث: اشتراط ثبوت الوكالة قبل سماع الدعوى بالحق اختلف العلماء - رَحِمَهُمُ اللهُ - هل يشترط لسماع الدعوى بالحق من الوكيل ثبوت الوكالة أو لا؟ أم يُمكن أن تسمع بينة الوكالة وبينة الحق معاً على قولين: القول الأول: لاتسمع دعوى الحق من الوكيل قبل أن يثبت الوكالة وهو القياس عند الحنفية، وبه قال زفر، وخرجه البعض على قول الإمام أبي حنيفة (3) . قال الخصاف (4) في أدب القاضي: (على قول أبي حنيفة لايقبل حتى تثبت الوكالة أولاً) . وقال أيضاً: وهذا أقيس على أصولهم؛ لأن ههنا خصومتين أحدهما: إثبات الوكالة، والثانية: إثبات المال والخصومة، وإثبات المال مرتب على الوكالة. وبهذا أيضاً قال المالكية (5) والحنابلة (6) . ووجهه:   (1) المرجع السابق. (2) المغني 7/258. (3) أدب القاضي للخصاف 336 وما بعدها بشرح أبي بكر الرازي، وروضة القصاة 654 وما بعدها، 296. (4) هو: أحمد بن عمر بن مهير الخصاف، أخذ عن أبيه عمر بن مهير عن الحسن عن أبي حنيفة، كان فرضياً حاسباً عارفاً بمذهب أبي حنيفة، له مصنفات منها: أدب القاضي، وكتاب الحيل، وكتاب الشروط، وغير ذلك، توفي سنة 261 هـ، وقد قارب الثمانين. انظر: الفوائد البهية 29. (5) انظر: مواهب الجليل 7/162. (6) المغني لابن قدامة 7/260. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 58 1 - أنه ما لم تقم البينة على كونه خصماً لاتقبل بينته على إثبات المال كما لاتقبل بينة ممن ليس بخصم على إثبات شيء للمعين (1) . 2 - أن الدعوى لاتسمع إلاَّ من خصم يخاصم عن نفسه أو عن موكله، وهذا - الذي لم تثبت وكالته - لايخاصم عن نفسه، ولم يثبت كونه وكيلاً لمن يدعي له، فلاتسمع دعواه كما لو ادّعى لمن لم يدّع وكالته (2) . 3 - القياس على من اشترى معيباً وأراد ردّه بذلك العيب فإن خصومته في الرد لاتقبل حتى يثبت العيب (3) . القول الثاني: أن الشهادة تقبل على الأمرين جميعاً أي تسمع بينة الوكالة وتسمع الشهادة على الحق ويقضى به وينفذ الجميع، وهذا قول أبي يوسف (4) استحساناً. وقاله ابن سريج (5) تخريجاً على مذهب الشافعي (6) . والقول الأول هو الراجح في نظري؛ لأن جواز المخاصمة عن الغير فرع عن ثبوت الوكالة فما لم تثبت الوكالة فليس له الحق أن يخاصم عن غيره، والله أعلم. المطلب الرابع: وسائل إثبات الوكالة وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إثبات الوكالة بالبينة: بعد أن عرفنا أنه لابد من إثبات الوكالة فطريق ثبوتها محل نزاع بين أهل العلم، وفيما يلي تفصيل أقوالهم في هذه المسألة:   (1) أدب القاضي 336 وما بعدها. (2) المغني 7/261. (3) أدب القاضي للخصاف 337. (4) روضة القضاة للسمناني 654 وما بعدها، وأدب القاضي للخصاف وشرحه لأبي بكر الرازي 336 وما بعدها. (5) هو: أبو العباس، أحمد بن عمر بن سريج الفقيه الشافعي، ولد سنة 249 هـ، وتوفي سنة 306 هـ، له في الفقه: التقريب بين المزني والشافعي، وله غيره بلغت مصنفاته أربعمائة مصنف. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 2/87، ووفيات الأعيان 1/66. (6) أدب القاضي لابن القاص 1/209. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 59 القول الأول: أنها تثبت بشاهد وامرأتين، أو شاهد ويمين إذا كانت الوكالة في مال، وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - فإنه قال في الرجل يوكِّل وكيلاً، ويشهد على نفسه رجلاً وامرأتين: إذا كانت المطالبة بدين، فأمَّا غير ذلك فلا (1) ووجهه: أن الوكالة في المال يقصد بها المال فتقبل شهادة النساء مع الرجال كالبيع والقرض وكالحوالة (2) . القول الثاني: أنها لاتثبت إلاَّ بشاهدين ذكرين عدلين، وهو رواية ثانية عن الإمام أحمد نقلها الخرقي (3) ، وقال في المغني: الثاني: (ما ليس بعقوبة كالنكاح، والرجعة، والطلاق، والعتاق، والإيلاء، والظهار، والنسب، والتوكيل، والوصية إليه والولاء والكتابة وأشباه هذا، فقال القاضي المعول عليه في المذهب أن هذا لايثبت إلاَّ بشاهدين ذكرين، ولاتقبل فيها شهادة النساء بحال) (4) . وبهذا قال الشافعي أيضاً (5) . واستدلوا بما يلي:   (1) المغني 7/255، 14/127، الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 13/570. (2) المرجع السابق. (3) المغني 7/255، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 13/570. ... والخرقي هو: عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد، أبو القاسم، الخرقي، فقيه حنبلي، له مصنفات كثيرة لم ينشر منها إلاَّ المختصر في الفقه بسبب احتراق كتبه، توفي سنة 334 هـ. انظر: طبقات الحنابلة 1/75، والمقصد الأرشد 2/298. (4) المغني 14/127. (5) الحاوي 17/8، ونهاية المحتاج 8/312، والعزيز شرح الوجيز 13/48. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 60 1 - أن الله تعالى نص في الشهادة فيما سوى الأموال على الرجال دون النساء في ثلاثة مواضع في الطلاق والرجعة والوصية، فقال تعالى: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَو فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنكُمْ ((1) ، وقال في الوصية: (إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنكُمْ ((2) فنص على شهادة الرجال فلم يجز أن يقبل فيه شهادة النساء كالزنا. 2 - روى مالك عن عقيل عن ابن شهاب قال: مضت السنة من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لايجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق (3) . قال في الحاوي: وهذا وإن كان مرسلاً فهو لازم لهم؛ لأن المراسيل حجة عندهم - يعني أبا حنيفة وأصحابه -. 3 - أن ما لايقصد منه المال إذا لم يقبل فيه شهادة النساء على الانفراد لايقبلن فيه مع الرجال كالقصاص (4) . واعترض بأن الوكالة يتعلق بها المال، فلماذا لايجوز إثباتها بشاهد وامرأتين. وأُجيب: بأنه ليس في عقد الوكالة مال وإن أريد بها التصرف في المال، وإنَّما هي تولية أقيم الرجل فيها مقام غيره ثم إن الحقوق على ضربين حقوق الله تعالى، وحقوق الآدميين، فلما وقع الفرق في حقوق الله بين أعلاها وأدناها في العدد فأعلاها الزنا وأدناها الخمر، وجب أن يقع الفرق في حقوق الآدميين بين أعلاها وأدناها في الجنس فأعلاها حقوق الأبدان وأدناها حقوق الأموال (5) . 4 - أن الوكالة إثبات التصرف (6) .   (1) سورة الطلاق: الآية 2. (2) المائدة: 106. (3) رواه أبو يوسف في الخراج 164 عن الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف. (4) الحاوي للماوردي 17/9. (5) المرجع السابق 17/9. (6) المغني 7/257، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 13/570، ونهاية المحتاج 8/312. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 61 5 - أن الوكالة في نفسها ولاية وسلطنة ومن ادّعاها فإنَّما يدعي ويثبت قولاً للغير لا مال (1) . وعلى هذا فلايقبل شهادة رجل ويمين المدعي؛ لأنه إذا لم تثبت بشهادة رجل وامرأتين فلئلا يثبت بشهادة واحد ويمين أولى، وعلى الأول يقبل فيه شهادة رجل ويمين المدعي، وهما روايتان مخرجتان (2) . القول الثالث: أن الوكالة تثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتان سواء كان الحق مالاً أو غير مال، وهذا قول الحنفية (3) . واستدلوا بما يلي: 1 - قوله تعالى في باب المداينات: (فَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضُونَ مِنَ الشُّهَدَاء ((4) . ووجه الاستدلال: أن الله - عَزَّ وَجَلَّ - جعل لرجل وامرأتين شهادة على الإطلاق؛ لأنه سبحانه وتعالى جعلهم من الشهداء، والشاهد المطلق من له شهادة على الإطلاق، فاقتضى أن يكون لهم شهادة في سائر الأحكام إلاَّ ما قيد بدليل (5) . ونوقش: بأن الآية نص في الأموال فلايصح استعمال العموم فيها (6) . 2 - ولأن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أجاز شهادة النساء مع الرجال في النكاح والفرقة ولم ينقل أنه أنكر عليه أحد من الصحابة فيكون إجماعاً (7) . ويقاس على ذلك سائر الحقوق.   (1) العزيز 13/48. (2) المغني 14/128. (3) تبيين الحقائق 4/209، وبدائع الصنائع 6/279، والهداية وشرحها فتح القدير 7/344. (4) من الآية 282 من سورة البقرة. (5) بدائع الصنائع 6/280. (6) الحاوي 17/9. (7) بدائع الصنائع 6/280، والأثر عن عمر رواه عبد الرزاق في المصنف، قال أخبرني الأسلمي قال: أخبرني الحجاج بن أرطاه عن عطاء بن أبي رباح أن عمر بن الخطاب أجاز شهادة رجل واحد مع نساء في نكاح. 8/331، وحجاج ضعيف كما في التمهيد لابن عبد البر 15/225، 21/59. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 62 ويُمكن أن يناقش بأنه قد روى أيضاً عن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه لاتجوز شهادة النساء في الطلاق والنكاح والحدود والدماء (1) . 3 - ولأن شهادة رجل وامرأتين في إظهار المشهود به مثل شهادة رجلين؛ لرجحان جانب الصدق فيها على جانب الكذب بالعدالة، إلاَّ أنها لم تجعل حجة فيما يدرأ بالشبهات لنوع قصور وشبهة فيها بخلاف الشهادة على الوكالة ونحوها من الحقوق فهي تثبت بدليل فيه شبهة كالأموال (2) . ويُمكن مناقشته بأن الأولى قياس الوكالة على سائر الحقوق التي يطلع عليها الرجال وليست بمال. القول الرابع: إن كانت الوكالة بغير المال فلاتثبت إلاَّ بشاهدي عدل، وهذا قول المالكية، وهذا موضع اتفاق بينهم (3) ، واختلفوا إن كانت الوكالة بطلب مال في وسيلة إثباتها، فقال مالك وابن القاسم وابن وهب: يجوز فيها شاهد وامرأتان وشهرة ابن الحاجب، وقال أشهب وعبد الملك: لايقبل فيها إلاَّ رجلان (4) . ودليل الأول: أنها شهادة على مقصود به المال كالشهادة على البيع والإجارة. ووجه الثاني: أن الشاهد واليمين لايقبل فيهما فكذلك الرجل والمرأتان؛ لأن أحدهما لايقبل إلاَّ حيث يقبل الآخر (5) . أمَّا الشاهد واليمين فحكى ابن رشد (6) الاتفاق على أنه لايجوز في إثبات الوكالة.   (1) المصنف لعبد الرزاق 8/330. (2) المرجع السابق. (3) الخرشي 8/51. (4) المعونة 3/1545، والمنتقى للباجي 5/212، وتبصرة الحكام 1/227 وما بعدها، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 8/210. (5) المعونة 3/1549. (6) هو: القاضي، أبو الوليد، محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، الإمام العالم، له مصنفات منها: البيان والتحصيل، والمقدمات، ولد سنة 455 هـ، وتوفي سنة 520 هـ. انظر: شجرة النور 129. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 63 لكن ذكر الحطاب (1) أن فيها خلافاً نقله اللخمي (2) والمازري (3) . والمشهور أنه لايقضى بهما. ونقل الحطاب عن المازري: أن معروف المذهب أن الشاهد واليمين لايقضى به في الوكالة لكن منع القضاء بها ليس من ناحية قصور هذه الشهادة في القضاء بها في الوكالة بل لأن اليمين مع الشاهد فيها متعذرة؛ لأن اليمين لايحلفها إلاَّ من له نفع والوكيل لا نفع له فيها. قال: وإن كان وقع في المذهب أن الوكيل يحلف مع شاهده بالوكالة وقبض الحق فتأول الأشياخ هذه الرواية على أن المراد بها وكالة بأجرة يأخذها الوكيل أو يقبض المال لمنفعة له فيها (4) .   (1) هو: أبو عبد الله، محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني، الفقيه المالكي، ولد بمكة سنة 902 هـ، له من التصانيف: مواهب الجليل شرح مختصر خليل، توفي سنة 954 هـ. انظر: توشيح الديباج 229 وما بعدها، والفتح المبين 3/75، والأعلام 7/58. (2) هو: أبو الحسن، علي بن محمد الربعي، المعروف باللخمي القيرواني، من فقهاء المالكية، له تعليق على المدونة سماه التبصرة مشهور معتمد في المذهب، توفي سنة 478 هـ. انظر: شجرة النور 117. (3) هو: محمد بن علي بن عمر التميمي المازري، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالإمام، وصار لقباً له حتى لايعرف بغير الإمام المازري، وهو فقيه مالكي، توفي سنة 536 هـ، وله ثلاث وثمانون سنة. انظر: الديباج المذهب 1/279، وسير أعلام النبلاء 20/104، وهناك من عرف بالمازري غيره. (4) مواهب الجليل 8/211 وما بعدها، وانظر: البهجة 2/179، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 4/187. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 64 والذي ذكره ابن فرحون (1) في التبصرة عند الكلام على الوكالة بالخصومة أنها تثبت بشاهدين عدلين أو بشاهد ويمين على قول مالك وابن القاسم (2) . وما دام أنه يقبل فيها شاهد ويمين فيقبل فيها رجل وامرأتان (3) ، والله أعلم. وبعد بيان آراء الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - في هذه المسألة على وجه التفصيل يتبين ما يلي: أولاً: لا نزاع بين الفقهاء في أن الوكالة تثبت بشهادة عدلين ذكرين. ثانياً: اختلفوا في شهادة رجل وامرأتين. فمنهم من قال تقبل إذا كانت الوكالة متعلقة بالمال مثل أن يوكله في المطالبة بدين له، ولايقبل في غير ذلك إلاَّ رجلين، وهذا رواية عن أحمد وقول مالك وابن القاسم وابن وهب. ومنهم من قال: يقبل فيها رجل وامرأتان مطلقاً سواء تعلقت بالمال أو بغيره، وهذا قول الحنفية. ومنهم من قال: لايقبل فيها إلاَّ رجلين مطلقاً، وهو رواية عن أحمد وقول الشافعي وقول أشهب وعبد الملك من المالكية ثالثاً: اختلفوا في إثباتها بالشاهد واليمين فمن لم يقبل إلاَّ شهادة عدلين لايقبل الشاهد واليمين. ومن يقبل شهادة رجل وامرأتين فهو يقبل الشاهد واليمين باستثناء المالكية على القول بأنها تثبت بشهادة رجل وامرأتين لكن المعروف من المذهب على ما ذكره الحطاب أنها لاتثبت بالشاهد واليمين لا لقصور في هذه الشهادة لكن لأن اليمين مع الشاهد فيها متعذرة؛ لأن اليمين لايحلفها إلاَّ من له نفع، والوكيل ليس له نفع من الوكالة، ولو كان له نفع لثبتت الوكالة بهما كما في الوكالة التي بعوض.   (1) هو: برهان الدين، أبو إسحاق، إبراهيم بن الشيخ أبي الحسن علي بن فرحون المدني، فقيه مالكي، أخذ عن والده وعمه، والإمام ابن عرفة، له شرح مختصر ابن الحاجب، وتبصرة الحكام، والديباج المذهب في أعيان المذهب، توفي سنة 799 هـ. انظر: شجرة النور ص 222. (2) التبصرة 1/127. (3) المرجع السابق 1/230. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 65 والراجح في نظري - والله أعلم - هو القول بأن الوكالة التي تتعلق بالمال يقبل فيها رجل وامرأتان أو رجل ويمين المدعي؛ لأن المال يثبت بهما فثبوت الوكالة بهما أولى. وأمَّا فيما عدا ذلك فلايقبل إلاَّ رجلان عدلان لأن الوكالة مِمَّا يطلع عليه الرجال، ويُمكن إقامة البينة عليه فلايقبل فيه إلاَّ رجلان. والأدلة التي استدل بها من يرى إثباتها برجل وامرأتين، أو برجل ويمين المدعي هي مخصوصة بالمال، والله أعلم. المسألة الثانية: إثبات الوكالة بتصديق الخصم: إذا ادّعى شخص أنه وكيل فلان وصدقه الخصم ثبتت الوكالة عند الحنفية (1) والشافعية (2) . وعند المالكية الظاهر من كلامهم أنها لاتثبت بتصديق الخصم وإنَّما لابد من إثباتها بوسيلة من وسائل الإثبات السابقة. ففي مواهب الجليل للحطاب قوله: وإذا حضر الوكيل والخصم وتقاررا على صحة الوكالة فلايحكم بينهما بمجرد قولهما؛ لأنه حق لغيرهما يتهمان على التواطؤ، ولو صدق الخصم الوكيل في الدعوى واعترف بالمدعى به لم يجبره الحاكم على دفعه على المشهور حتى يثبت عنده صحة الوكالة) (3) . قال - رَحِمَهُ اللهُ -: وهذا موافق لما في المعونة وتبصرة اللخمي لكنه مخالف لما ذكره ابن فرحون في الفصل السادس من تبصرته من أن الخصم إذا صدق المدعي للوكالة لزمه دفع الدين إليه، وما ذكره أيضاً في الباب السبعين في القضاء بالإمارات وقرائن الأحوال مِمَّا يؤيد هذا (4) . والحنابلة في هذا يوافقون المالكية، ففي المقنع قوله: (فإن كان عليه حق الإنسان فادّعى رجل أنه وكيل صاحبه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه ... ) (5) .   (1) أدب القاضي للخصاف وشرحه لأبي بكر الرازي 331، 326. (2) نهاية المحتاج 4/25، وروضة الطالبين 4/322، وما بعدها. (3) مواهب الجليل 7/163. (4) مواهب الجليل 7/163، وانظر: المعونة 2/1240. (5) المقنع مع الشرح الكبير 13/563. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 66 قال في الشرح: (إلاَّ أن تقوم به بينة، وإن لم تقم به بينة لم يلزمه الدفع إليه وإن صدقه) (1) . والراجح في نظري أنها لاتثبت بتصديق الخصم؛ لأن الوكالة يتعلق بها حق للغير، وهو الموكل فلم يعتبر إقرار الخصم فيما يتعلق به حق الغير، ولما ذكره المالكية من خشية التواطؤ عليها لأخذ حق الغير، والله أعلم. المبحث الثالث: الشرط الثالث: أن لايكون الموكّل مبطلاً اشترط الفقهاء لصحة الوكالة في الخصومة أن لايكون الموكِّل مبطلاً سواء كان المدعي أو المدعى عليه، وقد نص على هذا الشرط فقهاء المالكية (2) والحنابلة (3) . قال في تبصرة الحكام: (ولاتجوز الوكالة عن المتهم بدعوى الباطل ولا المجادلة عنه) (4) . وفي الفروع قال: (ولايصح ممن علم ظلم موكله في الخصومة قاله في الفنون، فظاهره يصح إذا لم يعلم، فلو ظن ظلمه جاز، ويتوجه المنع، ومع الشك يتوجه احتمالان، ولعل الجواز أولى كالظن فإن الجواز فيه ظاهر وإن لم يجز الحكم مع الريبة في البينة) (5) . واستشهد بما ذكره في المغني في الصلح عن المنكر يشترط أن يعلم صدق المدعي فلايحل دعوى ما لم يعلم ثبوته (6) . وعند الحنفية قال الجصاص (7) في تفسير قوله تعالى: (وَلاَتَكُن لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ((8) .   (1) الشرح الكبير 13/563. (2) تبصرة الحكام 1/136. (3) الفروع 4/350. (4) تبصرة الحكام 1/136. (5) الفروع 4/350، والإنصاف 5/395. (6) الفروع 4/350. (7) هو: أحمد بن علي، أبو بكر، الجصاص، كان إمام الحنفية في عصره، له تصانيف منها أحكام القرآن، وشرح مختصر الكرخي وشرح الأسماء الحسنى وأدب القضاء، توفي سنة 370 هـ، وكان مولده 305 هـ. انظر: الفوائد البهية 27 وما بعدها. (8) سورة النساء: الآية 105. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 67 قال: (وهذا يدل على أنه غير جائز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حق أو نفيه وهو غير عالم بحقيقة أمره ... ) (1) . وقد جاء في كتب فقهاء المذهب أن الوكالة التي تضر بالخصم بأن كان الوكيل يجتهد في الحيل لإبطال حق المدعي لاتقبل قال في البحر: (وإن علم منه قصد الإضرار بالحيل كما هو صنيع وكلاء المحكمة لايقبل) (2) . وفي تكملة حاشية رد المحتار قوله: (وإن علم من الموكّل قصد الإضرار لخصمه بالحيل كما هو صنيع وكلاء المحكمة لايقبل منه التوكيل إلاَّ برضاه ... ) (3) . ومن المعلوم أن من أعظم الضرر التوكل عن المبطل لتبرئته مِمَّا هو عليه من الباطل. وقال الغزالي من الشافعية بعد أن ذكر بعض الأحاديث في ذمّ الخصومة: (فاعلم أن هذا الذم يتناول الذي يخاصم بالباطل، والذي يخاصم بغير علم، مثل وكيل القاضي، فإنه قبل أن يتعرف أن الحق في أي جانب، هو يتوكل في الخصومة من أي جانب كان، فيخاصم بغير علم) (4) . الأدلة: استدل الفقهاء على عدم جواز التوكل في الخصومة بالباطل بما يلي: 1 - قول الله عزّوجل: (وَلاَتَكُن لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ((5) .   (1) أحكام القرآن للجصاص 3/265. (2) البحر الرائق 7/145. (3) تكملة حاشية رد المحتار 11/375، وفتاوى قاضيخان مع الفتاوى الهندية 3/7، وتكملة فتح القدير 8/9. (4) إحياء علوم الدين 9/1557. (5) سورة النساء: الآية 105. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 68 قال القرطبي (1) - رَحِمَهُ اللهُ - في التفسير: (في هذا دليل على أن النيابة عن المبطل والمتهم في الخصومة لاتجوز، فلايجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلاَّ بعد أن يعلم أنه محق) (2) . وقال: (الخصيم هو المجادل ... فنهى الله عزّوجل رسوله عن عَضُدِ أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة) (3) . وقال ابن العربي (4) : (إن النيابة عن المبطل المتهم في الخصومة لاتجوز، بدليل قوله عزّوجل لرسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيمًا () (5) .   (1) هو: محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح، الشيخ، الإمام، أبو عبد الله، الأنصاري، الأندلسي، القرطبي، المفسر، جمع في تفسير القرآن كتاباً كبيراً أسماه: (جامع أحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي القرآن) ، توفي سنة 671 هـ. انظر: الديباج المذهب 2/308، وشجرة النور ص 197. (2) الجامع لأحكام القرآن 5/242. (3) المرجع السابق. (4) هو: القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد، المعروف بابن العربي، من فقهاء المالكية، إمام حافظ، له مصنفات منها: شرح على الموطأ، وأحكام القرآن، توفي سنة 543 هـ. انظر: شجرة النور 136 وما بعدها. (5) أحكام القرآن لابن العربي 1/498. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 69 وقال الجصاص: (قوله تعالى: (وَلاَتَكُن لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (روي أنه أنزل في رجل سرق درعاً فلما خاف أن تظهر عليه رمى بها في دار يهودي فلما وجدت الدرع أنكر اليهودي أن يكون أخذها، وذكر السارق أن اليهودي أخذها فأعان قوم من المسلمين هذا الآخذ على اليهودي فمال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى قولهم فأطلعه الله على الآخذ وبرأ اليهودي منه، ونهاه عن مخاصمة اليهودي وأمره بالاستغفار مِمَّا كان منه من معاونته الذين كانوا يتكلمون عن السارق، وهذا يدل على أنه غير جائز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حق أو نفيه، وهو غير عالم بحقيقة أمره؛ لأن الله تعالى قد عاتب نبيه على مثله وأمره بالاستغفار منه، وهذه الآية وما بعدها في النهي عن المجادلة عن الخونة إلى آخر ما ذكره كله تأكيد للنهي عن معونة من لايعلمه حقاً) (1) . ثانياً: عن ابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع)) (2) . وفي لفظ: ((من أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله)) رواهما أبو داود (3) .   (1) أحكام القرآن للجصاص 3/265. (2) روى الحاكم في المستدرك في سبب نزول الآية أنها نزلت في طعمة بن أبيرق، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. المستدرك 4/427، وروى الترمذي أنها نزلت في بني أبيرق بشير ومبشر وبشر. انظر: سنن الترمذي، حديث [336] 5/244، وقال: حديث غريب لانعلم أحداً أسنده غير محمد بن سلمة الحراني. (3) رواهما أبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب: فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها، حديث [3597] ، [3598] 4/23، وأخرج الحاكم في المستدرك نحوه من حديث عبد الله بن عمر 2/32، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 70 قال الشوكاني (1) : هذا ذم شديد له شرطان: أحدهما: أن تكون المخاصمة في باطل. والثاني: أن يعلم أنه باطل فإن اختل أحد الشرطين فلا وعيد، وإن كان الأولى ترك المخاصمة ما وجد إليه سبيلاً (2) . وأمَّا قوله (3) : (من أعان على خصومة بظلم فهو في معنى ما أخرجه الطبراني في الكبير من حديث أوس بن شرحبيل أنه سمع رسولَ الله يقول: من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام) (4) . وقال أيضاً: (في الحديث دليل على أنه ينبغي للحاكم إذا رأى مخاصماً أو معيناً على خصومة بتلك الصفة أن يزجره ويردعه لينتهي) (5) . ثالثاً: روى عروة بن الزبير أن زينب بنت أم سلمة أخبرته أن أمها أم سلمة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبرتها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم فقال: ((إنَّما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صدق فأقضي له بذلك، فمن قضيتُ له بحق مسلم فإنَّما هي قطعة من النَّار فليأخذها أو فليتركها)) رواه البخاري وبوب له: (باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه) (6) .   (1) هو: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني ثم الصنعاني، فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن، ولد سنة 1173 هـ، وله مصنفات كثيرة، منها: نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار، وهو مطبوع، والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، توفي سنة 1250 هـ. انظر: البدر الطالع 2/214 - 225، والأعلام 6/298. (2) نيل الأوطار 5/550. (3) المرجع السابق. (4) المعجم الكبير للطبراني 916. (5) نيل الأوطار 5/550. (6) صحيح البخاري، كتاب المظالم، باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه 3/101، ورواه في مواضع أخرى. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 71 قال ابن حجر (1) : (وفيه أن التعمق في البلاغة بحيث يحصل اقتدار صاحبها على تزيين الباطل في صورة الحق وعكسه مذموم فإن المراد بقوله: (أبلغ) أي أكثر بلاغة، ولو كان ذلك في التوصل إلى الحق لم يذم وإنَّما يذم من ذلك ما يتوصل به إلى الباطل في صورة الحق) (2) . وقال أيضاً: وفي هذا الحديث من الفوائد: إثم من خاصم في باطل حتى استحق به في الظاهر شيئاً هو في الباطن حرام عليه. وفيه: أن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل حتى يصير حقاً في الظاهر، ويحكم له به أنه لايحل له تناوله في الباطن، ولايرتفع عنه الإثم بالحكم (3) . والذي يظهر لي - والله أعلم - أن من قصد التوكل عن المبطل من أجل تبرئته من باطله وإعانته على ظلمه وهو يعلم بذلك أو يظنه، فهذا لايجوز وفعله محرم، وهذه الأدلة تدل عليه. أمَّا من قصد من التوكل له إظهار باطله ورده عن ظلمه وإعادة الحق إلى مستحقه فيجوز ويدخل في عموم قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) ، وقد بين النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معنى نصره ظالماً بأن يرده عن ظلمه فهذا نصره، والله أعلم. المبحث الرابع: في الشرط الرابع: أن لايكون توكيله إضراراً بخصمه لقد نص على هذا الشرط جماعة من الفقهاء. ففي التبصرة لابن فرحون (4) المالكي قوله: ومن وكل ابتداءً إضراراً لخصمه لم يُمكن من ذلك.   (1) هو: أحمد بن علي بن محمد بن محمد العسقلاني المصري الشافعي، إمام حافظ، ولد سنة 773 هـ، تعلم الشعر فبلغ فيه الغاية ثم طلب الحديث فسمع الكثير وبرع، توفي سنة 852 هـ، له مصنفات كثيرة من أشهرها: فتح الباري شرح صحيح البخاري وغيره كثير. انظر: التعليقات السنية على الفوائد البهية 16. (2) فتح الباري 13/219. (3) فتح الباري 13/216، ونيل الأوطار 5/561. (4) سبقت ترجمته هامش رقم [278] . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 72 ونقل عن محمد بن لبابة (1) قوله: (كل من ظهر منه عند القاضي لدد تشغيب في خصومته فلاينبغي له أن يقبله في وكالة، إذ لايحل إدخال اللدد على المسلمين) . وقال ابن سهل (2) : (والذي ذهب الناس إليه في القديم والجديد قبول الوكلاء إلاَّ من ظهر منه تشغيب ولدد فذلك يجب على القاضي إبعاده وأن لايقبل به وكالة على أحد) (3) . وقد مرّ أن الإمام أبا حنيفة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يشترط لصحة التوكيل رضا الخصم لئلا يتضرر بالوكالة. والمحققون من فقهاء المذهب يرون الأخذ بقول الإمام إذا كان هناك ضرراً على الخصم. فيفهم من ذلك أنهم يعتبرون هذا الشرط في الجملة. ويُمكن أن يستدل لهذا بما يلي: 1 - ما في الصحيحين من قوله - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم -: ((أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم)) متفق عليه (4) . قال النووي: (والألد شديد الخصومة مأخوذ من لديدي الوادي وهما جانباه؛ لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر، وأمَّا الخَصِمُ فهو الحاذقُ بالخصومة، والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حق أو إثبات باطل) (5) . قلتُ: وهذا شأن كثير من الوكلاء إنَّما يقصدون لهذا المعنى ولذا فإن من توكل في باطل فهو داخل في هذا الحديث.   (1) هو: أبو عبد الله، محمد بن عمر بن لبابة القرطبي الفقيه العالم الإمام الحافظ، فقيه مالكي، انفرد بالفتوى بعد أيوب بن سليمان ودارت عليه الأحكام نحو ستين سنة، وتوفي في شعبان سنة 314 هـ. انظر: شجرة النور 86. (2) سبقت ترجمته هامش [200] . (3) تبصرة الحكام 1/132. (4) سبق تخريجه هامش [61] . (5) شرح النووي على صحيح مسلم 16/219. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 73 قال النووي: فإن قلت لابُدّ للإنسان من الخصومة لاستبقاء حقوقه فالجواب ما أجاب به الغزالي من أن الذم إنَّما هو لمن خاصم بباطل أو بغير علم كوكيل القاضي فإنه يتوكل قبل أن يعرف الحق في أي جانب، ويدخل في الذم من يطلب حقاً لكن لايقتصر على قدر الحاجة بل يظهر اللدد والكذب لإيذاء خصمه، وكذلك من يحمله على الخصومة محض العناد لقهر خصمه وكسره، ومثله من يخلط الخصومة بكلمات تؤذي وليس إليها ضرورة في التوصل إلى غرضه، فهذا هو المذموم، بخلاف المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع من غير لدد وإسراف وزيادة في الحجاج على الحاجة من غير قصد عناد ولا إيذاء ففعله هذا ليس مذموماً ولا حراماً لكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلا. وعلل ذلك بأن ضبط اللسان على حد الاعتدال متعذر، والخصومة توغر الصدور، وتهيج الغضب، وينتج عن ذلك الحقد بينهما والطعن في العرض وانشغال المرء حتى في صلاته بالمخاصمة فلايبقى حاله على استقامة، والخصومة مبدأ الشر، فينبغي التحرز منها إلاَّ لضرورة (1) . ثانياً: قوله - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم -: ((أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)) متفق عليه (2) ووجه الاستدلال من الحديث: أن من توكل في باطل أو قصد الإضرار بخصمه فهو لايخلو من خصلتين من هذه الخصال أن يكذب في حديثه، وأن يفجر في خصومته، وهذا من أعظم الضرر بالمسلمين.   (1) الأذكار بتصرف 531، وسبل السلام 4/203 وما بعدها، وانظر: كلام الغزالي في الإحياء 9/1557. (2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب في المظالم والغصب، باب إذا خاصم فجر 3/101، ومسلم في صحيحه كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، حديث [58] 1/78. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 74 ومعنى فجر: أي مال عن الحق، وقال الباطل والكذب، قال أهل اللغة: وأصل الفجور الميل عن القصد (1) . وقال ابن رجب (2) : (يعني بالفجور: أن يخرج عن الحق عمداً حتى يصير الحق باطلاً والباطل حقاً، وهذا مِمَّا يدعو إليه الكذب كما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النَّار)) ) (3) . وقال: (فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا على أن ينتصر للباطل، ويخيل للسامع أنه حق، ويوهن الحق، ويخرجه في صورة الباطل، كان ذلك من أقبح المحرمات وأخبث خصال النفاق) (4) . وقال النووي: (اختلف العلماء في معناه فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار أن معناه، أي هذه الخصال خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر ولم يرد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النَّار) (5) .   (1) شرح النووي على صحيح مسلم 2/48. (2) هو: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي، الحافظ، له تصانيف منها: شرح البخاري بلغ فيه إلى كتاب الجنائز، وله شرح على الترمذي، وذيل على كتاب طبقات الحنابلة، وله القواعد في الفقه، توفي سنة 795 هـ. انظر: شذرات الذهب 6/339. (3) جامع العلوم والحكم 560. (4) المرجع السابق. (5) شرح النووي على صحيح مسلم 2/47. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 75 ثالثاً: يُمكن أن يستدل له أيضاً بقوله - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم -: ((لا ضرر ولا ضرار)) (1) فإنه عام في نفي جميع أنواع الضرر. ومِمَّا ألحقه فقهاء المالكية بهذا الشرط توكيل العدو على عدوه في الخصومة فلايجوز أن يكون الوكيل عدواً للخصم، فإذا كان الذي وكل هو المدعي فلايجوز أن يكون الوكيل عدواً للمدعى عليه، وإن كان الموكل هو المدعي عليه فلايجوز أن يكون الوكيل عدواً للمدعي بل تعدى المالكية إلى أبعد من ذلك فقالوا: لو وكل كُلُّ واحد من المتداعيين وكيلاً وبين الوكيلين عداوة لم يباح ذلك (2) . قال ابن فرحون: وللحاكم عزله (3) . ووجهه: ما ورد من النهي عن الضرر والضرار. ولأنه مع العداوة لايسلم من دعواه الباطل لعداوته لخصمه (4) . المبحث الخامس: الشرط الخامس: العلم بالوكالة اشترط فقهاء الحنفية علم الوكيل بالوكالة وعلم من يعامله.   (1) رواه مالك في الموطأ في كتاب الأقضية، باب: القضاء في المرافق 2/745 مرسلاً، والدارقطني 4/228، والحاكم 2/57 وما بعدها من حديث أبي سعيد وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. ... ورواه ابن ماجة من حديث عبادة بن الصامت [234] 2/784، قال في الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/282: فيه انقطاع. ... ورواه من حديث ابن عباس برقم [2341] 2/784، وفيه جابر الجعفي متهم. ... وروي من حديث أبي هريرة وأبي لبابة وثعلبة بن مالك وجابر بن عبد الله وعائشة. انظر: نصب الراية 4/384. ... قال في أحاديث جامع العلوم والحكم 404: حديث حسن وقال محققه: صحيح بالشواهد كما هو مخرج في الصحيحة برقم [250] . (2) منح الجليل 6/387. (3) المرجع السابق. (4) المرجع السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 76 قال الكاساني في البدائع: (لا خلاف في أن العلم بالتوكل في الجملة شرط إمَّا علم الوكيل وإمَّا علم من يعامله حتى أنه لو وكل رجلاً ببيع عبده فباعه الوكيل من رجل قبل علمه وعلم الرجل بالتوكيل لايجوز بيعه حتى يجيزه الموكل أو الوكيل بعد علمه بالوكالة) (1) . وعلل ذلك بأن حكم الآمر لايلزم إلاَّ بعد العلم بالمأمور به أو القدرة على اكتساب سبب العلم بالمأمور به كما في أوامر الشرع (2) . وذهب الشافعية (3) والحنابلة (4) إلى أن علم الوكيل ليس بشرط ولم أجد لهم في اشتراط علم من يعامله نصاً والظاهر من كلامهم عدم اشتراطه. وأمَّا المالكية فيشترطون القبول، وبناء عليه فلا إشكال في اعتبار العلم؛ لأنه لايُمكن القبول بما لايعلم به (5) . فمن تصرف قبل العلم بالوكالة فعند المالكية لايصح؛ لأنه تصرف قبل القبول. وعند الشافعية مبني على مسألة من تصرف في مال أبيه يظن أنه حي فبان ميتاً ولهم فيه قولان: أظهرهما أنه يصح لصدوره من مالك فيجري هنا كذلك (6) . ورأي الحنابلة في هذا كرأي الشافعية أصح الروايتين أن من باع ملك غيره فبان وكيلاً أن تصرفه صحيح (7) .   (1) بدائع الصنائع 6/20 وما بعدها. (2) المرجع السابق. (3) مبنى هذه المسألة عند الشافعية على اشتراط القبول فقد اختلفوا هل هو شرط أم لا؟ ، والمراد القبول اللفظي، وأصح الأوجه أنه لايشترط، والثاني: يشترط، والثالث: إن أتى بصيغة أمر ك: بع واشتر، لم يشترط فعلى القول باشتراط القبول لا إشكال وعلى القبول بعدم اشتراطه إذا وكله والوكيل لايعلم ثبتت الوكالة على الأصح. انظر: روضة الطالبين 4/300. (4) الشرح الكبير مع المقنع 13/573. (5) مواهب الجليل 7/174. (6) انظر: روضة الطالبين 4/300، 3/355. (7) الفروع 4/37، وتصحيح الفروع معه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 77 لكن هذا الشرط بالنسبة للخصومة يغني عنه في نظري ما مر من اشتراط ثبوت الوكالة؛ لأنّا قد قلنا إن من الشروط المتعلقة بالوكالة بالخصومة ثبوت الوكالة، ومعنى هذا أن الوكيل يدعي الوكالة فهو قد علم بها وإلاَّ لم يدِّعها، والله أعلم. المبحث السادس: الشرط السادس: أن يكون وكيل الخصومة واحداً لا أكثر وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعدد الوكلاء اختلف العلماء- رَحِمَهُمُ اللهُ - في اشتراط عدم تعدد الوكلاء على قولين: القول الأول: للمالكية قالوا باشتراط هذا الشرط، وبناءً عليه فلايجوز توكيل وكيلين في الخصومة، وإنَّما يجوز توكيل واحد معين غير مبهم، وسواء كان الموكِّل رجلاً أو امرأة إلاَّ أن يرضى الخصم فيجوز. بل قال المالكية أيضاً: لو كان الحق لاثنين فقالا من حضر منا خاصم فليس لهما ذلك؛ لأنه كتوكيل وكيلين (1) . ووجهه: أن في توكيل أكثر من واحدٍ إضراراً بالخصم فلايجوز (2) . القول الثاني: يجوز توكيل وكيلين فأكثر في الخصومة، وهو قول الجمهور من الحنفية (3) والشافعية (4) والحنابلة (5) ، أي: أن اشتراط عدم تعدد الوكلاء غير معتبر عندهم. ولعل مستند هذا القول: أنه كما جاز توكيل الواحد يجوز توكيل الاثنين. ولأن الحاجة كما دعت إلى توكيل الواحد فهي تدعو إلى توكيل الاثنين. وهذا هو الراجح في نظري فكما لَمْ نعتبر رضا الخصم في توكل الواحد لانعتبره في توكيل الاثنين، والضرر مدفوع؛ فإن القاضي إذا رأى في تعدد الوكلاء إضراراً فله عزل أحدهما، والله أعلم.   (1) مختصر خليل مع مواهب الجليل 7/162، ومواهب الجليل ومنح الجليل 6/359، والخرشي 6/394، وحاشية الدسوقي، والشرح الكبير بهامشه 3/378، والبهجة 1/330، وحلي المعاصم معه. (2) البهجة 1/330، وحلي المعاصم معه. (3) الكتاب للقدوري وشرحه اللباب 2/144، وبدائع الصنائع 6/32. (4) روضة الطالبين 4/321. (5) المغني 7/206. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 78 المطلب الثاني: تصرف الوكيلين إذا وكل المدعي وكيلين في مخاصمة فهل ينفرد بها أحدهما أو لابد من اجتماعهما؟ . اختلف الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - في ذلك على أربعة أقوال: القول الأول: أن كل واحد من الوكيلين ينفرد بالتصرف، وهو قول أئمة الحنفية الثلاثة - أبي حنيفة وصاحبيه (1) - وهو قول عند الحنابلة، قال في الإنصاف: (وقيل: لايجوز لأحدهما الانفراد بالتصرف إلاَّ في الخصومة) (2) . وقال في الفروع: (قيل: إن وكلهما في خصومة انفرد أحدهما للعرف) . قال في الإنصاف: (وهو الصواب) (3) . ووجهه: 1 - أن الغرض من الخصومة إعلام القاضي بما يملكه المخاصم واستماعه، واجتماع الوكيلين على ذلك يخل بالإعلام والاستماع؛ لأن ازدحام الكلام يخل بالفهم فكان إضافة التوكيل إليهما تفويضاً للخصومة إلى كل واحد منهما فأيهما خاصم كان تمثيلاً، إلاَّ أنه لايملك أحدهما القبض دون صاحبه، وإن كان وكيل الخصومة يملك القبض عند الحنفية؛ لأن اجتماعهما على القبض ممكن فلايكون الموكل، راضياً بقبض أحدهما بانفراده (4) . 2 - ولأن الاجتماع في الخصومة متعذر للإفضاء إلى الشغب في مجلس القضاء، والرأي يحتاج إليه سابقاً لتقويم الخصومة (5) . القول الثاني: لاينفرد بالخصومة واحد منهما، وهو قول زفر من الحنفية (6) .   (1) انظر: بدائع الصنائع 6/32. (2) الإنصاف مع المقنع والشرح 13/482. (3) الفروع 4/351، والإنصاف مع المقنع والشرح 13/482. (4) بدائع الصنائع 6/32 وما بعدها. (5) اللباب في شرح الكتاب، تأليف: عبد الغني الغنيمي الحنفي 1/144. (6) بدائع الصنائع 6/32. ... وزفر هو: زفر بن الهذيل بن قيس بن سليم بن قيس، ويكنى بأبي الهذيل، ولد سنة 110 هـ، صحب الإمام أبي حنيفة، وأخذ الفقه عنه ثم غلب عليه الرأي، فصار من أئمة الحنفية المجتهدين، توفي سنة 158 هـ. انظر: الطبقات السنية 3/244، ووفيات الأعيان 2/317. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 79 ووجهه: أن الخصومة مِمَّا يحتاج إلى الرأي ولم يرض برأي أحدهما فلايملكها أحدهما دون الآخر (1) . القول الثالث: للشافعية قالوا: إن صرح باستقلال كل واحد منهما استقل بها، وإن لم يصرح باستقلال كل واحد منهما فوجهان: الأصح: أنه لايستقل واحد منهما بل يتشاوران ويتباصران كما لو وكلهما في بيع أو طلاق أو غيرهما أو أوصى إليهما. والآخر: أنه يستقل: لتعذر الاجتماع على الخصومة (2) . ومذهب الحنابلة في هذا كالصحيح المعتمد عند الشافعية من أنه إن صرح بالاستقلال استقل بها وإن لم يصرح أو لم يجعل له ذلك فليس له الاستقلال (3) . ووجهه ما يلي: 1 - أن التصرف يعتمد الإذن فإن وجد صح التصرف، وإن لم يوجد لم يصح التصرف، ومن وكل وكيلين وجعل لكل واحد منهما التصرف فقد وجد الإذن، وإن لم يجعل لكل واحد منهما التصرف فالإذن لم يوجد لكل واحد منهما بانفراده فجاز لهما معاً التصرف، ولم يجز الانفراد؛ لأن الموكل لم يرض بتصرف أحدهما منفرداً بدليل إضافته الغير إليه. 2 - القياس على من وكل اثنين ببيع أو شراء أو طلاق فليس لأحدهما الانفراد، فكذا في الخصومة (4) . ويُمكن مناقشته: بأنه إنَّما منع من الاجتماع في الخصومة لما يفضي إليه من الشغب في مجلس القضاء بخلاف البيع والشراء فإن محلهما الأسواق والشغب فيها معتاد، والطلاق ليس مختصاً بمجلس القضاء، والله أعلم. القول الرابع: لكل واحد منهما الاستبداد إلاَّ أن يشترط الاجتماع. وهذا قول المالكية إن حصل التعدد بإذن الخصم (5) . ووجهه: أن الأصل عدم الشرط (6) .   (1) المرجع السابق. (2) روضة الطالبين 4/321. (3) المقنع والشرح الكبير معه 13/482 وما بعدها، والممتع شرح المقنع 3/360، والمستوعب 2/277، والإنصاف مع المقنع والشرح 13/482، والمغني 7/207. (4) انظر: الممتع شرح المقنع 3/360 وما بعدها. (5) الذخيرة للقرافي 8/15. (6) المرجع السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 80 والراجح في نظري هو التفصيل الذي ذكره الشافعية والحنابلة؛ لأن من وكل وكيلين فهو دليل على أنه لايرضى إلاَّ باجتماعهما وتعاونهما إلاَّ أن يجعل لكل واحد منهما الانفراد، فهذا دليل على أنه رضي برأي الواحد. ولايستلزم توكيل الاثنين الشغب؛ لأنهما لايتصور أن يتكلما في وقت واحد وإنَّما يعين أحدهما الآخر ويبصره بما يحتاج إليه، والله أعلم. الفصل الثالث: كتصرفات وكيل الخصومة وفيه تمهيد وثلاثة مباحث: التمهيد: فيما لوكيل الخصومة فعله وما ليس له فعله بلا نزاع. الوكيل بالخصومة إمَّا أن يكون من جهة المدعي أو من جهة المدعى عليه، فأمَّا وكيل المدعي، فهو يدعي ويقيم البنية، ويسعى في تعديلها، ويطلب الحكم والقضاء ويفعل ما يقع وسيلة إلى الإثبات. والوكيل بالخصومة من جهة المدعى عليه ينكر ويطعن في الشهود ويسعى في الدفع بما يُمكنه (1) . وليس له أن يصالح ولايبري، حكى ابن قدامة الإجماع عليه، فقال: ولايملك المصالحة عن الحق ولا الإبراء منه بغير خلاف نعلمه؛ لأن الإذن في الخصومة لايقتضي شيئاً من ذلك (2) . وقال الماوردي (3) : وهكذا ليس للوكيل أن يصالح على ما وكل في المطالبة به؛ لأن الصلح إمَّا أن يكون بيعاً، ولايجوز إلاَّ بإذن موكله أو يكون إبراء فلايصح (4) .   (1) العزيز شرح الوجيز 5/243، والفروع 4/363، وفيه قوله: ولا خلاف أن وكيل الخصومة يملك الطعن في الشهود ومدافعتهم وسماع البينة لضرورة المخاصمة ويلزمه طلب الحظ لموكله. (2) المغني 7/211. (3) هو: أبو الحسن، علي بن محمد بن حبيب البصري، المعروف بالماوردي، الفقيه الشافعي، كان من وجوه الفقهاء الشافعية، ومن كبارهم ... له تصانيف منها الحاوي في الفقه، والأحكام السلطانية وغيرها، توفي سنة 450 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/303 وما بعدها، ووفيات الأعيان 3/282. (4) الحاوي 6/514، 515. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 81 ووجه عدم جواز تلك التصرفات من الوكيل: أن اسم الخصومة لايتناول الصلح والإبراء فالإذن في الخصومة لايتناول شيئاً من ذلك (1) . المبحث الأول: إقرار الوكيل وإنكاره وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: إقرار الوكيل في الوكالة المطلقة والمقصود بالوكالة المطلقة: هي الوكالة التي لم يفوض الموكل فيها إلى الوكيل جميع التصرفات بما فيها الإقرار ولم ينهه عنه. فهل يُعدّ إقرار الوكيل في هذا النوع من الوكالة جائز أو لا؟ . لقد اختلف العلماء - رَحِمَهُمُ اللهُ - في حكم إقراره في هذا النوع - أعني به الوكالة المطلقة - على قولين: القول الأول: أن الوكيل بالخصومة يملك الإقرار، وبه قال أئمة الحنفية الثلاثة (2) . وحجتهم: أن الوكيل بالخصومة وكيل بالجواب الذي هو حق عندالله - عَزَّ وَجَلَّ -، وقد يكون ذلك إنكاراً، وقد يكون إقراراً فإذا أقر على موكله دل أن الحق هو الإقرار فينفذ على الموكِّل كما لو أقر على موكله وصدقه (3) . وبعد أن اتفق أئمة الحنفية على هذا القدر اختلفوا في شروط قبول الإقرار: فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أنه يشترط لقبول الإقرار من الوكيل أن يكون في مجلس القاضي لا غير. وحجتهما: أن الموكِّل فوض الأمر للوكيل لكن في مجلس القاضي؛ لأن التوكيل بالخصومة أو بجواب الخصومة، وكل ذلك يختص بمجلس القاضي بدليل أن الجواب لايلزم في غير مجلسه، وكذا الخصومة لاتندفع باليمين في غير مجلس القاضي فتتقيد بمجلس القاضي، إلاَّ أنه إذا أقر في مجلس غير مجلس القاضي خرج عن الوكالة وانعزل؛ لأنه لو بقي وكيلاً لبقي وكيلاً بالإقرار عيناً؛ لأن الإنكار لايسمع منه للتناقض، والإقرار عيناً غير موكّل به.   (1) العزيز 5/244، والكافي 3/314. (2) بدائع الصنائع 6/24، والبحر الرائق 7/181. (3) المرجعان السابقان، والفتاوى الهندية 3/617. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 82 وذهب أبو يوسف - رَحِمَهُ اللهُ - إلى أنه لايشترط أن يكون إقراره في مجلس القاضي بل يصح فيه وفي غيره. ووجهه: أن التوكيل تفويض ما يملكه الموكّل إلى غيره، وإقرار الموكِّل لاتقف صحته على مجلس القاضي فكذا إقرار الوكيل. وبعبارة أخرى: الموكِّل أقام الوكيل مقام نفسه، والموكل يجوز إقراره عند القاضي وعند غيره فكذا الوكيل لأنه قائم مقامه (1) . واعترض عليه: بأن الموكِّل إنَّما أقام الوكيل مقام نفسه في الخصومة، والخصومة لاتكون إلاَّ عند القاضي، والإقرار لايجوز إلاَّ عنده (2) . والشرط الثاني: أن لايكون الإقرار في حد قذف أو قصاص؛ لأن التوكيل بالخصومة جعل توكيلاً بالجواب مجازاً بالاجتهاد فتمكنت فيه شبهة العدم في إقرار الوكيل فيورث شبهة في درء ما يدرأ بالشبهات (3) . القول الثاني: لايصح إقرار الوكيل على الموكِّل لا عند القاضي ولا عند غيره، ولا في حد ولا غيره، وهذا قول الجمهور من المالكية في القول المعتمد عندهم (4) ، والشافعية (5) ، والحنابلة (6) ، وزفر من الحنفية (7) . واحتجوا بما يلي: 1 - أن الإقرار معنى يقطع الخصومة وينافيها فلايملكه الوكيل في الخصومة كالإبراء (8) .   (1) المراجع السابقة، وأدب القاضي للخصاف وشرحه لأبي بكر الرازي 330. (2) أدب القاضي للخصاف 330. (3) تبيين الحقائق 4/281. (4) انظر: الكافي لابن عبد البر 395، ومواهب الجليل 7/171، والتاج والإكليل معه، والذخيرة 8/14، وحلي المعاصم مع البهجة 1/330 وقال: والمعروف من المذهب أنها لاتستلزم الإقرار ولو أقر لم يلزم. (5) العزيز شرح الوجيز 5/243 وما بعدها، والحاوي للماوردي 6/513. (6) المغني 7/211، والفروع 4/349. (7) البحر الرائق 7/181، وأدب القاضي 330. ... وزفر سبقت الترجمة له هامش رقم [350] . (8) المغني 7/211، والبحر الرائق 7/181. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 83 2 - القياس على الإقرار في دعوى النكاح والطلاق والقصاص والعفو وقد سلمها الحنفية (1) . 3 - القياس على الأب والوصي، فلهما أن يخاصما وليس لهما الإقرار، والجامع بين هؤلاء أن كلاً منهم ندب إلى استيفاء الحق فلم يكن له إسقاطه (2) . 4 - ولأن كل ما لم يملكه الوكيل من إسقاط الحق في غير مجلس الحكم لم يلزمه في مجلس الحكم كالإبراء طرداً والقبض عكساً. 5 - ولأن ما لم يصح من الوكيل الإبراء منه لم يصح منه الإقرار به كالجناية. 6 - ولأن كل من لايصح إقراره مع النهي لايصح إقراره مع الترك كالمحجور عليه (3) . ونوقش استدلال الحنفية بما يلي: 1 - قولهم المخاصمة تتضمن إقراراً وإنكاراً غير مسلم بل تتضمن من جهة الوكيل الإنكار لما عليه من المعونة وحفظ الحق، ومن جهة الموكل الإقرار والإنكار. 2 - قولهم: لما قام في الإنكار مقام موكله وجب أن يكون في الإقرار بمثابته. جوابه: أن في الإنكار معونة لموكله وحفظاً لحقه، فصح من الوكيل، أمَّا الإقرار فمعونة عليه، وإسقاط لحقه فلم يصح من الوكيل (4) . 3 - الإنكار لايقطع الخصومة بخلاف الإقرار، ويملكه في الحدود والقصاص وفي مجلس الحكم وغيره، والوكيل لايملك الإنكار على وجه يمنع الموكِّل من الإقرار فلو ملك الإقرار لامتنع على الموكِّل الإنكار فافترقا فلايقاس أحدهما على الآخر (5) . 4 - القياس على الموكِّل قياس مع الفارق فإن الموكِّل يملك الإبراء فيملك الإقرار والوكيل لم يملك الإبراء فلم يملك الإقرار (6) .   (1) العزيز شرح الوجيز 5/244. (2) الحاوي 6/514، وأدب القاضي للخصاف 330. (3) الحاوي 6/514. (4) المرجع السابق. (5) المغني 7/211. (6) الحاوي 6/514. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 84 والراجح في نظري أن إقرار الوكيل على موكِّله في الوكالة المطلقة التي لم يأذن فيها الموكِّل بالإقرار ولم ينهه، ولم يفوض إليه كل تصرف لايصح لا عند القاضي ولا عند غيره؛ لأن الإقرار يتعلق به حق الغير فلايصح منه، والله أعلم. المطلب الثاني: إقرار الوكيل في الوكالة التي نهاه فيها الموكِّل عن الإقرار (استثناء الإقرار) يرى فقهاء الحنفية في ظاهر الرواية أن الموكل إذا وكل بالخصومة ونهى الوكيل عن الإقرار أن هذا الاستثناء يصح، ولايملك الوكيل الإقرار لكنه يملك الإنكار (1) ، والقول بعدم صحة إقراره هنا هو مقتضى قول الجمهور من المالكية (2) والشافعية والحنابلة؛ لأنهم إذا لم يجيزوا إقراره مع إطلاق الوكالة فمن باب أولى أن لايجوز مع نهيه عنه. لكن قال المالكية في الموكِّل يوكل على الخصام ولم يجعل لوكيله الإقرار بأن نهاه عنه، أو أطلق لم يلزم الموكّل ما أقر به في الأولى بلا خلاف، ولايلزم في الثانية على المعروف من المذهب، وهو رواية عن مالك إلاَّ أن هذا التوكيل توكيل ناقص، وللمطلوب أن يرده ولايخاصم معه حتى يجعل له الإقرار والإنكار، أو يفوض إليه، وذلك لما عليه من الضرر في مخاصمة مسلوب الإقرار.   (1) الفتاوى الهندية 3/617، والبحر الرائق 7/182. (2) نص في حلي المعاصم على هذا فقال: ثم اعلم أن الوكيل إمَّا مفوض فيلزم إقراره أو غير مفوض فلايخلو إمَّا أن ينهاه الموكل عن الإقرار فلايلزم ما أقر به بلا خلاف ... انظر: حلي المعاصم مع البهجة شرح التحفة 1/330. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 85 نقل في حلي المعاصم عن المتيطي (1) قوله: وهو المشهور المعمول به عند القضاة والحكام، ونقل عن البيان: نزلت فقضى فيها بأنه لاتقبل الوكالة إلاَّ أن يحضر الموكل مع وكيله في وقت الحكم ليقر بما يوقف عليه خصمه أو يكون قريباً من مجلس القاضي (2) . واحتج الحنفية على جواز استثناء الإقرار من الوكالة بالخصومة بما يلي: أن الحاجة داعية إلى استثناء الإقرار في عقد الوكالة لكل منهما إذ الوكيل بالخصومة يملك الإقرار عند الحنفية، ولو أطلق التوكيل من غير استثناء لتضرر به الموكِّل، وهذا المعنى لايوجب الفصل بين التوكيل من الطالب والمطلوب - المدعي والمدعى عليه - لأن كل واحد منهما يحتاج إلى التوكيل بالخصومة (3) . أمَّا المالكية: فقالوا: لايلزم بأن يجعل له الإقرار مخافة أن يرتشي - يعني الوكيل (4) - فتجويزهم لهذا الاستثناء هو مخافة أن يرتشي الوكيل، فلذا جاز منعه من الإقرار لكن لما كان على الخصم ضرر في ذلك قالوا: له أن يضطر الموكل إلى جعل الإقرار إليه أو يحضر مجلس القضاء أو يكون قريباً منه ليقر بما يدعيه خصمه أو ينكره (5) . القول الثاني: أن استثناء الإقرار إنَّما يصح من الطالب - أي من المدعي - أمَّا المطلوب إذا وكل واستثنى الإقرار فلايجوز، وهو رواية عن محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ (6) -. ووجهه:   (1) هو: أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، يعرف بالمتيطي السبتي الفاسي، الإمام، الفقيه، المالكي، ألف كتاباً كبيراً في الوثائق سماه النهاية والتمام في معرفة الوثائق والأحكام، اعتمده المفتون والحكام، واختصره أعلام منهم ابن هارون، توفي سنة 570 هـ. انظر: شجرة النور 163. (2) حلي المعاصم مع البهجة 1/331. (3) بدائع الصنائع 6/22. (4) البهجة 2/331. (5) المرجع السابق وحلي المعاصم معه. (6) بدائع الصنائع 6/22، والبحر الرائق 7/182. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 86 1 - أن الطالب لايجبر على الخصومة فله أن يوكل بشيء دون شيء على ما يختار، والمطلوب يجبر عليها فلايملك التوكيل بما فيه إضرار بالطالب. 2 - أن الطالب يثبت حقه بالبينة أو بنكول الموكِّل - المدعى عليه -؛ لأن الوكيل لايحلف فلايفيد استثناء الإقرار في حقه (1) . وما ذهب إليه الجمهور في نظري هو الراجح إن شاء الله؛ لأن التوكيل حق للموكل فجاز أن يستثني منه الإقرار مع ما ذكره المالكية من مخافة أن يرتشي الوكيل فيقر على موكله؛ ولأن الحق يُمكن أن يتوصل إليه بغير الإقرار، والله أعلم. المطلب الثالث: استثناء الإنكار ومعنى ذلك أن يوكله في الخصومة جائز الإقرار وممنوع من الإنكار فهل يصح التوكيل على هذا الوجه أو لا؟ . وهذه الصورة لم أجد من الفقهاء من نص عليها غير فقهاء الحنفية حيث قالوا: يصح استثناء الإنكار ويصير وكيلاً بالإقرار، وهذا هو ظاهر الرواية عند الحنفية (2) ، وبعضهم يجعل هذا قول محمد خلافاً لأبي يوسف (3) . ووجه ظاهر الرواية: أن الإنكار قد يضر الموكِّل بأن كان المدعى وديعة، فلو أنكر الوكيل لاتسمع منه دعوى الهلاك والرد، وتسمع قبل الإنكار فكان للتوكيل على هذا الوجه فائدة فلم يمنع منه (4) . المطلب الرابع: التوكيل في الخصومة مع جواز الإقرار وفيه مسألتان: المسألة الأولى: حكم التوكيل في الخصومة مع جواز الإقرار:   (1) بدائع الصنائع 6/22، وتبيين الحقائق 4/280، وهناك رواية أخرى عن محمد بن الحسن كقول الجمهور يصح استثناء الإقرار منهما معاً. انظر: تبيين الحقائق 4/280، والبحر الرائق 7/182. (2) الفتاوى الهندية 3/617، والبحر الرائق 7/182، وتكملة رد المحتار 11/492، وتكملة فتح القدير 8/129. (3) المبسوط 19/6. (4) تكملة رد المحتار 11/492، والبحر الرائق 7/182، والمبسوط 19/6. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 87 وهذه من المسائل التي انفرد بها أيضاً الفقه الحنفي كإحدى صور التوكيل ونجد أن في هذه الصورة وفي التي قبلها حصل التوكيل في الإقرار. ولقد ذكر الحنفية صورة التوكيل في الإقرار بأن يقول للوكيل وكلتك بالخصومة وبالذب عني فإذا رأيت مذمّة تلحقني بالإنكار واستصوبت الإقرار عليَّ فإني قد أجزت ذلك (1) . أمَّا عند بقية الفقهاء فيؤخذ حكم هذه المسألة من كلامهم في حكم التوكيل في الإقرار إذا تبين هذا فإن الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - اختلفوا في حكم التوكيل بالإقرار على قولين: القول الأول: يصح التوكيل بالإقرار، وهو قول الحنفية قال في تكملة فتح القدير: ((ويجب أن يعلم أن التوكيل بالإقرار صحيح عندنا)) (2) . وفي البحر الرائق: ((ويصح التوكيل بالإقرار)) (3) ، ومثله في الفتاوى الهندية (4) . وإلى هذا - أيضاً - ذهب المالكية (5) ، وقول عند الشافعية (6) ، وأحد الوجهين عند الحنابلة (7) . ووجهه: أنه إثبات حق في الذمة فجاز التوكيل فيه كالبيع (8) .   (1) الفتاوى الهندية 3/617. (2) تكملة فتح القدير 8/129. (3) البحر الرائق 7/182. (4) الفتاوى الهندية 3/617. (5) الكافي لابن عبد البر 395. (6) العزيز شرح الوجيز 5/209، وروضة الطالبين 3/292. (7) المغني 7/200، والإنصاف مطبوع مع المقنع والشرح الكبير 13/444، وتصحيح الفروع مطبوع معه 4/362، والإرشاد 367. (8) المغني 7/200، والعزيز شرح الوجيز 5/208. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 88 القول الثاني: لايصح التوكيل في الإقرار، وهو قول عند المالكية، قال ابن عبد البر في الكافي: وزعم ابن خويزمنداد (1) : أن تحصيل مذهب مالك أنه لايلزمه إقراره، قال: وهذا في غير المفوض إليه (2) . وهو أحد الوجهين عند الشافعية ويحكى عن ابن سريج، وهو اختيار القفال (3) (4) . وهو أحد الوجهين عند الحنابلة (5) . واستدلوا: بالقياس على الشهادة بجامع أن كلاً منهما إخبار عن حق فلايقبل التوكيل، إذ التوكيل إنَّما يليق بالإنشاءات (6) . ونوقش: بأنه قياس مع الفارق، والفارق أن الشهادة لاتثبت الحق، وإنَّما هي إخبار بثبوته على غيره بخلاف الإقرار (7) . والراجح في نظري هو القول الأول القاضي بصحة التوكيل في الإقرار؛ لأنه وسيلة إلى أداء الحق، فإذا وكل فيه فقد أذن به وليس في ذلك ضرر على أحد. لكن هل يكون مقراً بنفس التوكيل أم لا:   (1) هو: أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن عبد الله بن خويزمنداد، الإمام العالم الفقيه الأصولي، ألَّف كتاباً كبيراً في الخلاف وكتاباً في أصول الفقه وكتاباً في أحكام القرآن لم يذكر تاريخ وفاته. انظر: شجرة النور 103. (2) الكافي 395. (3) هو: أبو بكر، محمد بن علي بن إسماعيل القفال الكبير الشاشي، أحد أئمة الإسلام فقيه شافعي، وعنه انتشر مذهب الشافعي بما وراء النهر، ولد سنة 291 هـ، وتوفي في ذي الحجة سنة 365، وقيل: 366 هـ. انظر: طبقات الشافعية للشيرازي 209 (4) العزيز شرح الوجيز 5/208، وروضة الطالبين 3/292. (5) تصحيح الفروع مطبوع مع الفروع 4/363. (6) العزيز 5/208، وروضة الطالبين 3/292. (7) المغني 5/208. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 89 ذهب المالكية (1) ، والشافعية في أحد الوجهين (2) ، وبه قال ابن القاص تخريجاً، واختاره الإمام (3) ، والحنابلة في قول (4) وهو الصحيح من المذهب، أنه يجعل بنفس التوكيل مقراً. ووجهه: أن توكيله في الإقرار عليه دليل ثبوت الحق عليه (5) . وذهب الحنفية (6) ، والشافعية في أصح الوجهين (7) أنه لايكون بذلك مقراً. ووجهه: القياس على الإبراء فإن من وكل عليه لايجعل ذلك إبراء (8) . والأول هو الراجح في نظري، وذلك لأن قياس الإقرار على الإبراء قياس مع الفارق والفارق بينهما أن الإبراء إسقاط حق فلايثبت حكمه إلاَّ بحصوله بخلاف الإقرار فإنه إخبار بثبوت الحق فتوكيله في الإقرار يدل على ثبوت الحق عليه، والله أعلم. المسألة الثانية: شروط صحة إقرار الوكيل على موكله: اشترط الفقهاء لصحة الإقرار من الوكيل على موكله شروطاً بعضها محل اتفاق وبعضها محل نزاع وفيما يلي بيان هذه الشروط: الشرط الأول: أن يكون قد وكّله فيه بأن نص عليه في الوكالة، وقد مرّ الكلام على هذا الشرط. الشرط الثاني: أن يكون الموكَّل بالإقرار به معلوماً.   (1) الذخيرة 8/7، ومختصر خليل وشرحه منح الجليل 6/364. (2) العزيز 5/208، وروضة الطالبين 3/292. (3) هو: إمام الحرمين، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف، ضياء الدين، أبو المعالي، المتوفى سنة 478 هـ. انظر: التعليقات السنية على الفوائد البهية ص 246. (4) الإنصاف مع المقنع والشرح 13/444، وتصحيح الفروع 4/366، وذكر فيه أن الخلاف محله في الظاهر على القول بعدم صحة التوكيل في الإقرار، أمَّا على القول بصحته فلايكون التوكيل فيه إقرار قولاً واحداً أو يقال: القولان مبنيان على القولين هناك: إن قلنا يصح التوكيل لم يكن إقراراً وإن قلنا لايصح كان إقراراً. (5) المرجعان السابقان. (6) الفتاوى الهندية 3/617. (7) العزيز 5/208، وروضة الطالبين 3/292. (8) المرجعان السابقان. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 90 وذلك كأن يقول أقر عني بكذا ونحوه، فأمَّا التوكيل بالإقرار بشيء مجهول مثل أن يقول: وكلتك لتقر عني وسكت، أو وكلتك لتقر عني بشيء، ونحو ذلك، فهذا لايصح، وبهذا قال الشافعية. قال الماوردي: (فإذا وكله في الإقرار عنه، فإن لم يذكر القدر الذي يقر به ويصفه لم يصح التوكيل فيه، ولم يكن إقراره لازماً للموكل، وإن ذكر قدره وصفته ففيه لأصحابنا وجهان) (1) . فلم يختلف الشافعية أنه إذا لم يذكر القدر والصفة أن التوكيل لايصح، وإنَّما النزاع بينهم فيما إذا كان معلوماً قدره وصفته. وقال النووي: وإذا صححنا التوكيل - يعني في الإقرار - فينبغي أن يبين الوكيل جنس المقرّ به وقدره فلو قال: أقر عني بشيء فأقر أخذ الوكيل (2) بتفسيره، ولو اقتصر على قوله: أقر عني لفلان فوجهان، أحدهما: كقوله: أقر عني بشيء، وأصحهما: لايلزمه شيء بحال لاحتمال أن يريد الأقرار بعلم أو شجاعة لا بمال) (3) . ومذهب الحنابلة في هذا قريب مِمَّا ذكره الشافعية ففي الفروع قوله: وذكر الأزجي يعتبر تعيين ما يقر به، وإلاَّ رجع في تفسيره إلى الموكل (4) . وفي الإقناع وشرحه: (( (ولابد من تعيين)) الموكِّل ((ما يقر به)) وكيله عنه ((وإلاَّ)) بأن قال: وكلتك في الإقرار لزيد بمال أو شيء فأقر كذلك ((رجع في تفسيره إلى الموكِّل)) ؛ لأنه أعلم بما عليه) (5) . وظاهر هذا الكلام أن الوكالة لاتبطل إذا لم يبين ما يقر به إذ لو بطلت لم يرجع إليه في تفسيره والله أعلم. ولم أجد في كتب الحنفية والمالكية ما يفيد اعتبار هذا الشرط أو عدم اعتباره.   (1) الحاوي للماوردي 6/515. (2) في بعض النسخ: (الموكل) . (3) روضة الطالبين 4/292 وما بعدها. (4) الفروع 4/362. (5) الإقناع وشرحه كشاف القناع 3/463، وما بين الأقواس هو متن الإقناع. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 91 والراجح في نظري أنه لابد منه؛ لأن الوكيل نائب عن الموكل، والنائب يتقيد تصرفه بما وكل فيه فلابد من العلم بما وكل فيه، والله أعلم. الشرط الثالث: أن يكون ما أقر به في معنى الخصومة التي وكل عليها. فإن أقر بشيء ليس من معنى الخصومة التي وكل عليها لم يصح. وهذا الشرط صرح باشتراطه فقهاء المالكية وذكروا أن اشتراطه هو أصح القولين (1) . وصورة ذلك: أن يخاصمه في دين له عليه ثمن سلعة مثلاً فيقر بأنه كان استعار منه كتاباً وادّعى تلفه (2) ، أو كمن وكل شخصاً وجعل له فيه الإقرار والإنكار فأقر بشيء أجنبي من تلك الخصومة كإقراره أن موكله وهب داره لزيد أو لفلان عليه مائة ونحو ذلك (3) . وخالف في هذا الشرط بعض المالكية فقالوا: لايشترط ويلزم الموكل ما أقر به الوكيل ولولم يكن من معنى الخصومة التي وكل فيها (4) . ولم أجد من تعرض لذكر هذا الشرط غير فقهاء المالكية ورُبَّما أغنى عنه اشتراط العلم بما يقر به؛ لأن إذا عين له ما يقر به فليس له أن يقر بغيره. واشتراط هذا الشرط صحيح في نظري؛ لأن الإذن إنَّما تناول الخصومة في شيء معين وإذنه بالإقرار عليه ينصرف إلى ما هو من معنى الخصومة الموكل عليها فإقراره بشيء خارج عنها غير مأذون فيه، فلايصح. الشرط الرابع: أن لايكون إقراره لمن يتهم عليه. وهذا الشرط أيضاً صرح باشتراطه فقهاء المالكية (5) ، ولم يذكره غيرهم. الشرط الخامس: أن لايكون الإقرار في حد قذف أو قصاص. وهذا الشرط نص عليه فقهاء الحنفية.   (1) منح الجليل 6/360، والبهجة 1/332 وما بعدها، وحلي المعاصم معها. (2) حاشية العدوي مع شرح الخرشي 6/365. (3) مواهب الجليل 7/172 وما بعدها. (4) المراجع السابقة. (5) الخرشي 6/395. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 92 ووجه اشتراطه: أن التوكيل بالخصومة جعل توكيلاً بالجواب مجازاً بالاجتهاد فتمكنت فيه شبهة العدم في إقرار الوكيل فيورث شبهة في درء ما يندرئ بالشبهات (1) . وتوضيحه: أن التوكيل محمول على الجواب؛ لأن جواب الخصم من الخصومة ولكن هذا نوع من المجاز فأمَّا في الحقيقة فالإقرار ضد الخصومة فيصير ذلك شبهة فيما يندرئ بالشبهات دون ما يثبت مع الشبهات (2) . الشرط السادس: أن يكون إقراره على المعروف، وهذا الشرط لفقهاء المالكية أيضاً (3) . المطلب الخامس: التوكيل في الخصومة واستثناء الإقرار والإنكار وصورة ذلك: أن يوكل وكيلاً ويستثني الإقرار والإنكار فهل يصح هذا التوكيل أم لا، وهذه الصورة نص عليها الحنفية والمالكية. وليس في المسألة رواية عن أئمة الحنفية (4) ، واختلف المتأخرون فيها على قولين مع ما ذكره المالكية فتلخص في المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول: لايصح التوكيل واستثناء الإقرار والإنكار، وهذا أحد القولين عند الحنفية. ووجهه: أن التوكيل بالخصومة توكيل بجواب الخصومة، وجواب الخصومة إقرار وإنكار فإذا استثنى الأمرين فهو لم يفوض إليه شيئاً (5) .   (1) فتح القدير 8/129، والفتاوى الهندية 3/617. (2) المبسوط 19/106. (3) منح الجليل وفيه قوله: (ويلزم موكله ما أقر به على المعروف) . وقال الخرشي 6/395: (فللوكيل حينئذٍ أن يقر على موكله بما يشبهه) ، وهذا قوله في المنح: (على المعروف) . (4) تكملة فتح القدير 8/129. (5) المرجع السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 93 القول الثاني: يصح التوكيل في الخصومة واستثناء الإقرار والإنكار ويصير وكيلاً بالسكوت متى حضر مجلس الحكم حتى يسمع البينة عليه، وهذا قول حكي عن القاضي صاعد النيسابوري من الحنفية (1) . ووجهه: أن ما هو مقصود الطالب وهو الوصول إلى حقه بواسطة إقامة البينة، يحصل مع منعه من الإقرار والإنكار (2) . القول الثالث: أن التوكيل واستثناء الإقرار والإنكار توكيل ناقص ولخصمه اضطراره إليه، أي لخصم الموكل أن يضطر الموكل أن يجعل إلى الوكيل الإقرار والإنكار فإن لم يفعل فله أن يرده ولايخاصم معه إلاَّ أن يحضر الموكل مع وكيله في وقت الحكم ليقر بما يوقفه عليه خصمه أو يكون قريباً من مجلس القاضي. وهذا قول المالكية: قال المتيطي: وهو المشهور المعمول به عند القضاة والحكام. وقال في البهجة عند قول الناظم: (والنقض للإقرار والإنكار من ... توكيل الاختصام بالرد قمن) (3) قال: (ومعناه: أن من وكل على الخصام ولم يجعل له موكله في الوثيقة الإقرار والإنكار فإن التوكيل قمن بالرد حقيق به لما على المطلوب من الضرر في ذلك ... ) (4) . ووجه هذا القول كما هو واضح من تعليل البهجة: أن في سلب الإقرار والإنكار من الوكيل إضراراً بالخصم فلايجوز.   (1) هو: القاضي صاعد بن محمد بن عبد الله، أبو العلاء، الاستوائي، قرية من ناحية نيسابور، ولد سنة 343 هـ، درس الفقه على أبي نصر بن سهل القاضي جده من جهة الأم، انتهت إليه رياسة الحنفية بخراسان في زمانه، توفي سنة 432 هـ. انظر: الفوائد البهية 83. (2) تكملة فتح القدير 8/129. (3) حلي المعاصم مع البهجة 1/331. (4) البهجة 1/331. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 94 وما ذكره المالكية له وجاهته إذ لا فائدة في حضور الوكيل وهو ممنوع الإقرار والإنكار إلاَّ أن تطول مدة الخصومة فإذا لم يكن الموكل حاضراً مجلس القضاء أو قريباً منه لم يكن في التوكيل فائدة كبيرة ترجى، وهذا يضر بالطرف الآخر فله أن يمتنع من مخاصمة الوكيل حتى يجعل له موكله الإقرار أو الإنكار، والله أعلم. المبحث الثاني: قبض وكيل الخصومة المال الذي وكل بالمخاصمة فيه اختلف الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - في وكيل الخصومة هل له القبض أو لا؟، على قولين: القول الأول: أن الوكيل بالخصومة في المال وكيل بقبضه، وبهذا قال أئمة الحنفية الثلاثة (1) . واستدلوا بما يلي: 1 - أنه لما وكله بالخصومة في مال فقد ائتمنه على قبضه؛ لأن الخصومة فيه لاتنتهي إلاَّ بقبضه فكان التوكيل بها توكيلاً بالقبض. 2 - القياس على الوكيل بتقاضي الدين فإنه يملك القبض في ظاهر الرواية؛ لأن حق التقاضي لاينقطع إلاَّ بالقبض فكان التوكيل به توكيلاً بالقبض (2) . القول الثاني: أن وكيل الخصومة لايملك القبض، وبه قال زفر من الحنفية، وهو قول المتأخرين منهم قال في البدائع: (إلاَّ أن المتأخرين من أصحابنا قالوا: إنه لايملك في عرف ديارنا؛ لأن الناس في زماننا لايرضون بقبض المتقاضي كالوكلاء على أبواب القضاة لتهمة الخيانة في أموال الناس) (3) . وبهذا قال الشافعية (4) والحنابلة (5) . واستدلوا بما يلي: 1 - أن القبض لايتناوله الإذن نطقاً ولا عرفاً إذ ليس كل من يرضاه لتثبيت الحق يرضاه لقبضه (6) .   (1) الفتاوى الهندية 3/620، وبدائع الصنائع 6/24. (2) بدائع الصنائع 6ِ/25، وأدب القاضي للحصاف وشرحه لأبي بكر الرازي 329. (3) بدائع الصنائع 6/25. (4) الحاوي 6/500، والعزيز 5/230 وما بعدها. (5) الكافي لابن قدامة 3/314 تحقيق: د. عبد الله التركي. (6) المرجع السابق والمغني 7/211، وأدب القاضي للخصاف وشرحه 329 وما بعدها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 95 2 - أن المطلوب من الوكيل بالخصومة الاهتداء، ومن الوكيل بالقبض الأمانة وليس كل من يهتدي إلى شيء يؤتمن عليه، فلايكون التوكيل بالخصومة توكيلاً بالقبض (1) . والقول الثاني هو الراجح في نظري؛ لأن الوكيل إنَّما أذن له في الخصومة، والقبض معنى آخر فلايملكه إلاَّ بالإذن له فيه، ولايسلم للحنفية أن من وكّل في الخصومة في مال فقد وكل بقبضه، بل هما شيئان، وقد يرضى لأحدهما من لايرضاه للآخر. وأمَّا القياس على الوكيل بتقاضي الدين فهو قياس مع الفارق، ذلك أن الموكل بتقاضي الدين يشعر اللفظ بالقبض أيضاً، والله أعلم. المبحث الثالث: توكيل وكيل الخصومة لشخص آخر والمراد: أن الوكيل بالخصومة هل يملك أن يوكل غيره أو لا؟ . قسم ابن قدامة - رَحِمَهُ اللهُ - في المغني التوكيل إلى ثلاثة أقسام، أو ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن ينهاه الموكِّل عن التوكيل، فهذا لايجوز له أن يوكِّل، قال في المغني: (بغير خلاف؛ لأن ما نهاه عنه غير داخل في إذنه فلم يجز له كما لولم يوكله) (2) . الحالة الثانية: أن يأذن له في التوكيل صريحاً فيجوز له أن يوكل؛ لأنه عقد أذن له فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون له فيه. قال في المغني: (ولانعلم في هذين خلافاً) (3) . فإن قال له: افعل ما شئت أو اعمل برأيك، أو وكله في كل تصرف فهل يعتبر هذا إذناً بالتوكيل.   (1) بدائع الصنائع 6/25. (2) المغني 7/207 وما بعدها. (3) المغني 7/208، وانظر: الهداية وشرحها فتح القدير 8/103 وما بعدها، والكتاب للقدوري وشرحه اللباب 2/144 وما بعدها، وحاشية الدسوقي 3/388. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 96 ذهب الحنفية (1) والمالكية (2) في المشهور وأحد الوجهين عند الشافعية (3) والحنابلة (4) إلى أن له أن يوكل. ووجهه: أن هذا لفظ عام فيما شاء فيدخل في عمومه التوكيل (5) . وأصح الوجهين عند الشافعية: أنه لايكون إذناً في التوكيل؛ لأن قوله: افعل ما شئت ينصرف إلى تصرفه بنفسه. إلاَّ أن الشافعية استثنوا ما إذا كان الموكَّل فيه لايتأتى للوكيل مباشرته فالظاهر جواز التوكيل في هذه الحالة (6) . والذي يظهر لي أن الوجه الثاني عند الشافعية أولى؛ لأن قوله: افعل ما شئت يراد منه الأعمال التي يقوم بها بنفسه، والتوكيل ليس بداخل في ذلك؛ إذ قد يرضى الإنسان بتوكيل شخص ولايرضى بتوكيل غيره. إلاَّ أن يقال بأن هذا مدفوع باشتراط أن يكون الوكيل الثاني أميناً. لكن ليست الأمانة وحدها هي المقصود من الوكيل، والله أعلم. الحالة الثالثة: أن يطلق الوكالة أي لاينهاه عن التوكيل ولايفوض إليه التصرف، فهذا هل له أن يوكل أم لا؟ . أقول: إن هذا ينبني على صحة عقد الوكالة على هذه الصفة أولاً، ثم بعد ذلك يتقرر هل له التوكيل أم لا؟ . فذهب المالكية إلى أن الوكالة لاتصح هنا فلابد من التفويض أو التعيين؛ ولهذا قال ابن عرفة: شرط صحتها علم متعلقها خاصاً أو عاماً بلفظ أو قرينة أو عرف خاص أو عام، فلو أتى بلفظ التوكيل مطلقاً كأنت وكيلي أو وكلتك فطريقان:   (1) الهداية وشرحها فتح القدير 8/103 وما بعدها، والكتاب للقدوري وشرحه للباب 2/144 وما بعدها، وفتاوى قاضيخان 3/11. (2) الخرشي 6/411. (3) العزيز شرح الوجيز 5/237. (4) المغني 7/208. (5) المغني 7/208، وشرح فتح القدير 8/104 وما بعدها. (6) العزيز 5/237. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 97 قال ابن بشير (1) وابن شاس (2) : لغو، وهو قول ابن الحاجب: لم يفد. وقال ابن رشد: إنَّما تكون الوكالة مفوضة في كل شيء إذا لم يسم فيها شيئاً. ولهذا قالوا في الوكالة: إذا طالت قصرت وإذا قصرت طالت (3) . فأمَّا الوكيل غير المفوض وهو المخصوص فلايجوز له عند المالكية أن يوكل إلاَّ أن لايليق الفعل الموكل عليه به، فله أن يوكل سواء علم موكله أنه لايليق به أم لا. ويجوز له أن يوكل إذا كثر الفعل الموكِّل فيه بحيث يتعذر على الوكيل استقلاله فيه فله أن يوكل من يعينه عليه لا من يستقل به، بخلاف من لايليق به فيوكل من يستقل به (4) . أمَّا الحنفية (5) والشافعية (6) والحنابلة (7) فلايشترطون التفويض أو التعيين، ولذا لو وكله وسكت صحت الوكالة. وعلى هذا فلايخلو من أقسام ثلاثة: القسم الأول: أن يكون العمل مِمَّا يترفع الوكيل عن مثله كالأعمال الدنية في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها في العادة، أو يعجز عن عمله لكونه لايحسنه أو غير ذلك.   (1) هو: عبد الرحمن القاضي بن أحمد بن سعيد بن محمد بن بشير، مولى بني فطيس، المعروف بابن الحصار، كان من أجل علماء وقته، توفي سنة 422 هـ، وكانت ولادته سنة 364 هـ. انظر: الديباج المذهب 1/149، 1/7. (2) هو: نجم الدين الجلال، أبو محمد بن شاس بن نزار الجذامي السعدي، من بيت إمارة وعفة وأصالة، فقيه مالكي، إمام فاضل، عمدة محقق، ألف الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، اختصره ابن الحاجب، توفي سنة 610 هـ. انظر: شجرة النور 165. (3) التاج والإكليل 7/174، ومواهب الجليل 7/176، ومنح الجليل 6/369. (4) منح الجليل 6/390. (5) اللباب 2/144. (6) العزيز 5/235. (7) المغني 7/208. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 98 فهذا يجوز له التوكيل فيه؛ لأنه إذا كان مِمَّا لايعمله الوكيل عادة انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه (1) . القسم الثاني: أن يكون مِمَّا يعمله بنفسه إلاَّ أنه يعجز عن عمله كله لكثرته وانتشاره فيجوز له التوكيل في عمله أيضاً؛ لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل فجاز التوكيل في فعل جميعه كما لو أذن في التوكيل بلفظه. وقال القاضي: عندي أنه إنَّما له التوكيل فيما زاد على ما يتمكن من عمله بنفسه؛ لأن التوكيل إنَّما جاز للحاجة، فاختص ما دعت إليه الحاجة، بخلاف وجود إذنه فإنه مطلق (2) . وللشافعية في هذا ثلاث طرق: أصحها: أنه يوكل فيما يزيد على القدر الذي يُمكنه توليه أمَّا في القدر الذي يُمكنه عمله ففيه وجهان: أصحهما: أنه لايوكل في القدر المقدور عليه؛ لأن لا ضرورة إليه. وهذا كقول القاضي من الحنابلة. والثاني: أنه يوكل فيه أيضاً؛ لأنه ملك التوكيل في البعض فيوكل في الكل كما لو أذن صريحاً (3) ، وهذا موافق للقول الأول عند الحنابلة. القسم الثالث: ما عدا هذين القسمين: وهو ما يُمكنه عمله بنفسه، ولايترفع عنه، فهذا اختلف في جواز التوكيل فيه على قولين: الأول: لايجوز التوكيل فيه، وهو قول الحنفية (4) والشافعية (5) ، ورواية عن الإمام أحمد ورجحه ابن قدامة (6) . واستدلوا بما يلي: 1 - أن الموكِّل لم يأذن للوكيل في التوكيل، ولاتضمنه إذنه فلم يجز كما لو نهاه. 2 - ولأنه استئمان فيما يُمكنه النهوض فيه فلم يكن له أن يوليه من لم يأمنه عليه كالوديعة ليس له أن يودعها مع قدرته على حفظها (7) .   (1) المرجع السابق، والعزيز شرح الوجيز 5/235 وما بعدها. (2) المغني 7/208. (3) العزيز 5/235 وما بعدها. (4) اللباب 2/144، والفتاوى الهندية 3/566، وفتاوى قاضيخان مع الفتاوى الهندية 3/11. (5) العزيز 5/235 وما بعدها. (6) المغني 7/209. (7) المغني 7/209. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 99 3 - ولأن الناس يتفاوتون في الخصومة، والموكل رضي برأي الأول دون غيره (1) . لكن قال الحنفية إن خاصم الوكيل الثاني، والوكيل الأول حاضر جاز ويصير كأن الأول خاصم بنفسه (2) . وفي تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار ما يدل على أن الخصومة لاتكفي فيها الحضرة خلافاً لما في الخانية (3) . القول الثاني: يجوز له أن يوكل، وهو رواية عن الإمام أحمد نقلها حنبل (4) . ووجه هذه الرواية: أن الوكيل له أن يتصرف بنفسه فملك التوكيل كالمالك (5) . ونوقش بالفرق فإن المالك يتصرف بنفسه في ملكه كيف يشاء بخلاف الوكيل فإنه يتصرف نيابة عن المالك فينحصر تصرفه فيما أذن له فيه (6) . والراجح - إن شاء الله - هو القول الأول بعدم جواز توكيله في هذه الحالة لعدم سلامة حجة القول الثاني؛ ولأن الوكيل نائب عن المالك فليس له أن يتصرف إلاَّ فيما أذن له فيه، والتوكيل على هذا الوجه غير مأذون فيه فكان ممنوعاً، والله أعلم. الفصل الرابع: العوض في الوكالة لا نزاع بين الفقهاء أن الوكالة بغير عوض جائزة؛ لأنها من التبرعات، أمَّا إن كانت بعوض فلايخلو إمَّا أن يكون على سبيل الإجارة أو على سبيل الجعالة.   (1) فتاوى قاضيخان 3/11. (2) المرجع السابق. (3) تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار مع تكملة حاشية رد المحتار 11/478. (4) المغني 7/209. (5) المرجع السابق. (6) المرجع السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 100 فإن كان على سبيل الإجارة فقد صرحت المذاهب الثلاثة الحنفية (1) والمالكية (2) والشافعية (3) بالجواز وعلى هذا فيشترط فيها شروط الإجارة من تسمية العوض وتحديد الأجل أو العلم بالعمل (4) . ولم أجد للحنابلة نصاً في جوازها على سبيل الإجارة لكن قواعد المذهب لاتأباه إذا كان عملاً معلوماً وعوضاً معلوماً وتوافرت بقية شروط الإجارة. وإن كان على سبيل الجعالة صح عند المالكية (5) والشافعية (6) والحنابلة (7) . واستدلوا بما يلي: 1 - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبعث عماله لقبض الصدقات ويجعل لهم عُمَالة؛ ولهذا قال ابنا عمه: لو بعثتنا على هذه الصدقات، فنؤدي إليك ما يؤدي الناس ونصيب ما يصيبه الناس يعنيان العُمالة (8) . فيقاس على ذلك التوكيل بالخصومة. 2 - القياس على مجاعلة الطبيب على البرء. 3 - أن بالناس ضرورة إلى ذلك (9) . أمَّا الحنفية فلايجيزون الجعالة أصلاً (10) .   (1) انظر: تكملة حاشية رد المحتار 11/362 وما بعدها، وفتح القدير 8/3، وغمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر 4/120. (2) تبصرة الحكام 1/135. (3) روضة الطالبين 3/332، ومغني المحتاج 2/232. (4) انظر: تكملة حاشية رد المحتار 11/362، حيث شرط لصحتها تحديد الوقت، وغمز عيون البصائر 3/13، والتبصرة 1/135، ومغني المحتاج 2/232، ونهاية المحتاج 5/52، وحاشية الشبراملسي عليه، وروضة الطالبين 3/332، ولا نزاع عند الشافعية إن عقد بلفظ الإجارة، وإن عقدت بلفظ الوكالة فيتخرج فيه قولان: بناء على أن العبرة بصيغ العقود أم بمعانيها. (5) تبصرة الحكام 1/135. (6) الحاوي 6/529. (7) المغني 7/204. (8) المرجع السابق 7/205. (9) تبصرة الحكام 1/135. (10) انظر: الجعالة وأحكامها في الشريعة الإسلامية د. خالد الجميلي 16 وما بعدها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 101 القول الثاني: يكره الجعل في الخصومة على أنه إن فلج فله كذا وإلاَّ فلا شيء له، وهو قول لمالك - رَحِمَهُ اللهُ -، ففي تبصرة الحكام نقلاً عن التهذيب قوله: (وكره مالك الجعل على الخصومة على أنه لايأخذ إلاَّ بإدراك الحق) . قال ابن القاسم: فإن عمل ذلك فله أجرة مثله. وروي عنه أنه أجاز ذلك كما مر في القول الأول وإنَّما كره - رَحِمَهُ اللهُ - ذلك؛ لأنها على الشرط والمجادلة، ولأنها قد تطول، ولايتنجز منها غرض الجاعل فيذهب عمله مجاناً. ونقل في التبصرة أيضاً عن الطرر قال الشعباني: لا خير في الوكالة على الخصومة إذا كانت بالأجرة حتى تنقطع؛ لأنها قد تطول وتقصر. قال: ولو توكل على أن يحضر معه مجلس السلطان في كل يوم كذا يناظر عنه، كان جائزاً وإن لم يعلم قدر مقامه من الساعات. وقال غيره معللاً لذلك: لأن ذلك خفيف متقارب الأجر. قال: ولو حضر معه اليوم فلم يجلس من يخاصم إليه فانتظره إلى آخر مجلسه وجب له حقه وإن انصرف في أول ما حضر بطل ذلك، ولم يكن عليه حضور يوم آخر؛ لأن اليوم الذي كان أجره فيه قد ذهب (1) . وقال في الكافي: (لا يجوز أن يستأجر خصماً على أنه إن أدرك حقه كان له ما جعل له وإن لم يدركه فلا شيء له عليه بل يجعل له جعلاً معلوماً على كل حال، وإلاَّ فيكون له أجرة مثله) (2) . فتلخص من هذه النقول أن لمالك - رَحِمَهُ اللهُ - قولان: أحدهما: الجواز كما مرّ في القول الأول.   (1) المرجع السابق، والكافي لابن عبد البر 394. (2) الكافي لابن عبد البر 394. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 102 والثاني: الكراهة، أي كراهة الجعالة على أنه إن أصاب الحق أخذ وإلاَّ فلا، وجوازها بدون هذا القيد، ولعل المراد هنا عدم الصحة؛ لأنه قال له أجرة مثله، وهذا يعني فساد الجعالة، لاسيما وأن لفظ الكراهة عند الإمام مالك - رَحِمَهُ اللهُ - يراد به الحرمة أو التحريم (1) . وعلى القول الأول لابد من العلم بالعوض بالاتفاق (2) ، واشترط الحنابلة تحديد الوقت (3) فإن فسدت صح التصرف لوجود الإذن وللوكيل أجرة مثله (4) . والراجح في نظري أن العوض في الوكالة جائز سواء كان على سبيل الإجارة أو على سبيل الجعالة إذا كان عوضاً مباحاً وعملاً مباحاً معلوماً وليس لمن منعه حجة إلاَّ من جهة أن العمل قد يطول، وقد لايحصل من ذلك غرض الجاعل، وهذا لايمنع من صحة الجعالة؛ لأنها مشروعة للحاجة على العمل الذي لاتصح فيه الإجارة لكون العمل لايتقدر بزمن معين، فهي أوسع باباً من الإجارة، والله أعلم. الفصل الخامس: صفة عقد الوكالة وأسباب الفسخ وفيه مبحثان: المبحث الأول: الوكالة بين اللزوم والجواز وفيه مطلبان: المطلب الأول: صفة الوكالة الخالية عن العوض الوكالة بالخصومة - كما مرّ - إمَّا أن تكون بعوض أو بغير عوض، فإن كانت بغير عوض فقد اختلف الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - هل هي عقد لازم لايُمكن فسخه أو أنها من العقود الجائزة التي يحق لكل من العاقدين فسخه؟ ، وفيما يلي تفصيل الأقوال في هذه المسألة: القول الأول: للحنفية يرون أن الوكالة من العقود الجائزة من الطرفين فيحق لكل منهما فسخه وهذا هو الأصل فيها، لكن يعرض لها اللزوم في صور منها:   (1) انظر: مناهج التشريع الإسلامي في القرن الثاني الهجري د. محمد بلتاجي 2/118. (2) الكافي لابن عبد البر 394، والتاج والإكليل 7/214، والحاوي 6/529، والفروع 4/372. (3) الفروع 4/372، والإنصاف مع المقنع والشرح 13/557. (4) المراجع السابقة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 103 أنه لو وكل رجلاً بالخصومة ثم عزله حال غيبة الخصم، فهذا على وجهين: أحدهما: إن كان وكيل الطالب - أي المدعي - فيصح عزله وإن كان المطلوب - المدعى عليه - غائباً. ووجهه: أن الطالب بالعزل يُبْطِلُ حق نفسه؛ ذلك أن خصومة الوكيل حق الطالب، وإبطال الإنسان حق نفسه صحيح من غير أن يتوقف على حضور غيره. والثاني: أن يكون وكيل المطلوب - المدعى عليه - فهذا على وجهين: الأول: أن يكون التوكيل من غير التماس أحد - سواء المدعي أو القاضي - ففي هذا الوجه يصح العزل وإن كان الطالب غائباً. والثاني: أن يكون التوكيل بالتماس الخصم أو القاضي، وفي هذا الوجه إن كان الوكيل غائباً وقت التوكيل ولم يعلم بالتوكيل صح عزله على كل حال. وذلك: لأن الوكالة غير نافذة؛ لأنه لا نفاذ لها قبل علم الوكيل فكان العزل رجوعاً وامتناعاً فيصح، وهذا على الرواية التي تشترط علم الوكيل بصيرورته وكيلاً. وإن كان الوكيل حاضراً وقت التوكيل، أو كان غائباً لكن علم بالوكالة ولم يردها فإن كانت الوكالة بالتماس الطالب - المدعي - فلايصح عزل الوكيل في حال غيبة الطالب، ويصح في حال حضوره رضي بذلك الطالب أو لم يرض. وذلك: لأنه بالتوكيل ثبت نوع حق للطالب قِبَل الوكيل، وهو حق أن يحضره مجلس الحكم فيخاصمه، ويثبت حقه عليه، وبالعزل حال غيبة الطالب لو صح بطل هذا الحق أصلاً؛ لأنه لا يُمكنه الخصومة مع الوكيل، والمطلوب رُبَّمَا يغيب قبل أن يحضر الطالب فلا يُمكنه الخصومة معه أيضاً فيبطل حقه أصلاً. وأمَّا إذا كان الطالب حاضراً فحقه لا يبطل أصلاً؛ لأنه إن كان لا يُمكنه الخصومة مع الوكيل يُمكنه مع المطلوب، ويُمكنه أن يطلب من المطلوب أن ينصب وكيلاً آخر (1) .   (1) تكملة فتح القدير 8/143 وما بعدها، وتكملة حاشية رد المحتار 11/519، وبدائع الصنائع 6/38. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 104 القول الثاني: إن قاعد الوكيلُ الخصم عند الحاكم ثلاثة مجالس ولو كانت في يوم واحد، فالوكالة لازمة مطلقاً، فليس للموكّل عزله ولا للوكيل عزل نفسه إلاَّ من عذر، وهذا قول المالكية، والمرتين كالثلاث ذكره ابن رشد وقال: هذا هو المشهور من المذهب (1) . قال في مواهب الجليل: ( ... ليس للموكل عزل وكيله بعد مناشبته للخصام ومقاعدة خصمه ثلاثاً، ومفهوم ذلك أن له عزله قبل ذلك وهو كذلك إذا أعلن بعزله وأشهد عليه ولم يكن منه تفريط في تأخير إعلام الوكيل بذلك، وأمَّا إن عزله سراً فلايجوز عزله ويلزمه ما فعله الوكيل وما أقر به عليه إن كان جعل له الإقرار ... ) (2) . فشرط جواز عزله قبل الثلاث أو الثنتين على ما قاله ابن رشد أن لايكون عزله سراً؛ إذ لو عزله سراً لم يصح عزله. ووجهه: 1 - أنه يجب رفع العدوان فوراً فإن أحد المتخاصمين ظالم، والمنكرُ والفسادُ تجب إزالته على الفور (3) . 2 - أنه لو جاز عزل الوكيل بعد أن ناشب خصمه في الخصام وقاعده فيه، أو قبل ذلك سراً لم يشأ أحد أن يوكل وكيلاً عن المخاصمة عنه ويشهد في السر على عزله إلاَّ فعل ذلك فإن قضي له سكت وإن قضي عليه قال كنت قد عزلته (4) . 3 - أنه بعد المقاعدة ثلاثاً أو اثنتين قد تعلق حق الخصم بخصومته (5) . 4 - أن في العزل سراً من الخدعة والقصد إلى الغش فلا يلتفت إليه ولايعلم به (6) . وأمَّا العذر الذي يفسخ لأجله فكالمرض الظاهر، والسفر لكن يحلف في السفر أنه ما سافر ليوكل وعليه أن يحلف في المرض الخفي فإن نكل لم يجز له العزل.   (1) المقدمات لابن رشد 3/59، ومواهب الجليل 7/169 وما بعدها، والتاج والإكليل معه 7/169. (2) مواهب الجليل 7/169. (3) الذخيرة 8/15. (4) مواهب الجليل 7/169. (5) البهجة 1/339. (6) مواهب الجليل 7/169. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 105 ومثل المرض ظهور تفريطه من قلة قيامه بأمر الخصام، أو يظهر ميله للخصم، أو مسامحته في الحق فله عزله حينئذٍ ويوكل غيره أو يخاصِم بنفسه. وحكى بعضهم الاتفاق عليه، ولو كانت الوكالة بأجرة فظهر غشه ونحو ذلك مِمَّا مر كان عيباً وله أن يفسخ الوكالة. ومقتضى قولهم أنه يحلف في المرض الخفي أن يحلف في هذه الأمور إن ادّعاها ولم تظهر (1) . القول الثالث: أن له أن يعزله وللوكيل أن يعزل نفسه ما لم يُشرف على تمام الحكم فإذا أشرف على تمام الحكم وكان قد قبل الوكالة لم يكن له عزل نفسه، وهذا قول عند المالكية (2) . القول الرابع: أن له أن يعزله وللوكيل عزل نفسه مطلقاً، وهذا قول الشافعية (3) والحنابلة (4) . قال المزني: (فإن وكله بخصومة فإن شاء قبل وإن شاء ترك، فإن قبل فإن شاء فسخ وإن شاء ثبت) (5) . وقال الماوردي - رَحِمَهُ اللهُ -: (وهذا صحيح، وعقد الوكالة إرفاق ومعونة في العقود الجائزة دون اللازمة) (6) .   (1) انظر: البهجة 1/339، ومنح الجليل 6/361 وما بعدها، وحاشية الدسوقي 3/397، ومواهب الجليل 7/170. (2) المقدمات لابن رشد 2/59. (3) انظر: الحاوي للماوردي 6/511، وللمالكية قولان أخران فمجموع أقوالهم في المسألة خمسة أقوال. انظر: مواهب الجليل 7/170. (4) انظر: المغني 7/234، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 13/466. (5) مختصر المزني على الأم 121. ... ... ... ... ... ... ... والمزني هو: الإمام العلامة، أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني، تلميذ الإمام الشافعي، ولد سنة 175 هـ، وكان قليل الرواية، رأساً في الفقه، له المختصر في الفقه شرحه عدة من الكبار، توفي سنة 264 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 12/492. (6) الحاوي 6/511. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 106 وفي المغني لابن قدامة قوله: (وجملته أن الوكالة عقد جائز من الطرفين، فللموكل عزل وكيله متى شاء وللوكيل عزل نفسه) (1) . واستدل أصحاب هذا القول بما يلي: 1 - أن عقد الوكالة إمَّا أن يكون من العقود اللازمة فلايجوز لأحدهما أن يفسخ إلاَّ برضا صاحبه كالبيع أو يكون من العقود الجائزة فيجوز أن ينفرد بفسخه كالجعالة، فلما لم يكن الرضا فيه معتبراً كان التفرد بفسخه جائزاً (2) . 2 - أن الوكالة إذن في التصرف فكان لكل منهما إبطاله كما لو أذن في أكل طعامه (3) . 3 - أن كل من لم يكن رضاه معتبراً في دفع العقد لم يكن حضوره معتبراً في رفعه كالمطلقة طرداً وكالإقالة عكساً، وكان كل من صح منه فسخ الوكالة بحضور صاحبه صح منه أن ينفرد بفسخها كالموكل (4) . ذكر هذا الماوردي - رَحِمَهُ اللهُ - ويشير بهذا إلى الرد على الأحناف الذين لايجيزون الفسخ في حالة حصول التوكيل بالتماس الطالب حيث كان الوكيل حاضراً وقت التوكيل، أو كان غائباً لكنه علم بالوكالة ولم يردها، إلاَّ إذا كان المدعي حاضراً (5) . 4 - أنه عقد وكالة يصح من الموكّل أن ينفرد بفسخه فصح من الوكيل أن ينفرد بفسخه كالوكالة التي لم يشرع الوكيل في المخاصمة فيها (6) . والقول الرابع هو الراجح في نظري؛ لأن الوكالة بالخصومة نوع من أنواع الوكالات، والوكيل فيها متبرع بالعمل فكانت جائزة كغيرها. ثم هل يشترط للفسخ حيث جاز الفسخ لكونها جائزة غير لازمة علم الموكل أو الوكيل؟ لايخلو الفسخ إمَّا أن يكون من الموكّل أو من الوكيل. فإن كان الفسخ من الوكيل حصل الفسخ بمجرد قوله فسخت الوكالة أو خرجت منها ولايشترط علم الموكّل ولاتشترط الشهادة على الفسخ (7) .   (1) المغني 7/234. (2) الحاوي للماوردي 6/512. (3) المغني 7/234. (4) الحاوي 6/512. (5) انظر: ما سبق ص 94. (6) الحاوي 6/512. (7) الحاوي 6/512، وكشاف القناع 3/472، والذخيرة للقرافي 8/9. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 107 وعند المالكية قول مرجوح أنه ليس له أن يعزل نفسه في غيبة الموكل (1) . أمَّا إن كان الفسخ من جهة الموكل فقد اختلف الفقهاء - رَحِمَهمُ اللهُ - في اشتراط علم الوكيل على قولين: الأول: لايشترط علم الوكيل بالفسخ، وهو رواية عن مالك (2) وقول للشافعي (3) ، ورواية عن أحمد (4) . واستدلوا بما يلي: 1 - القياس على الطلاق والعتاق بجامع أن كلاً رفع عقد لايفتقر إلى رضى صاحبه فلايفتقر إلى علمه (5) . 2 - أنه لما لم يكن علم الموكل معتبراً في فسخ الوكالة لم يكن علم الوكيل معتبراً في فسخها (6) . الثاني: أنّ علم الوكيل شرط لعزله، وهذا قول آخر للشافعي (7) ، ورواية عن الإمام أحمد (8) ، نص عليه في رواية جعفر بن محمد، وهو قول الإمام أبي حنيفة (9) ، ورواية عن مالك (10) . واستدلوا بما يلي: 1 - أنه لما كان علم الوكيل معتبراً في عقد الوكالة كان معتبراً في الفسخ. 2 - ولأنه لو انعزل قبل علمه كان فيه ضرر؛ لأنه قد يتصرف تصرفات فتقع باطلة. 3 - ولأنه يتصرف بأمر الموكل ولايثبت حكم الرجوع في حق المأمور قبل علمه (11) . والراجح في نظري هو القول الثاني؛ وذلك لأن القياس على الطلاق والعتاق قياس مع الفارق، ذلك أن العتاق مبني على التغليب والسراية، والشارع يتشوّف إليه ويحث عليه، فلم يكن علم العبد فيه معتبراً، والطلاق حق للرجل فلم يعتبر فيه علم المرأة، ولايؤدي إلى ضياع شيء من حقوقها.   (1) الذخيرة 8/9. (2) المرجع السابق. (3) الحاوي 6/512. (4) المغني لابن قدامة 7/234. (5) المرجع السابق، والحاوي 6/512 وما بعدها. (6) الحاوي 6/512. (7) المرجع السابق. (8) المغني 7/234. (9) بدائع الصنائع 6/37. (10) الذخيرة 8/9، ومواهب الجليل 7/169. (11) الحاوي 6/512، والمغني 7/234. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 108 أمَّا الوكالة ففيها حق للموكل، وفيها حق للوكيل، ويتعلق بها حقوق للغير، ولما لم يكن على الموكِّل ضرر في فسخ الوكيل لم يكن علمه معتبراً للفسخ بخلاف علم الوكيل؛ لأنه يتصرف تصرفات مع الغير، وفسخ الوكالة بدون علمه يعود على تلك التصرفات بالإبطال، وذلك ضرر به لذا كان اشتراط علم الوكيل هو الصواب إن شاء الله. والله أعلم. المطلب الثاني: صفة الوكالة المشتملة على عوض وفيه فرعان: الفرع الأول: صفة الوكالة التي عقدت على سبيل الإجارة: الوكالة التي بعوض إمَّا أن تكون على سبيل الإجارة أو على سبيل الجعالة فإذا كانت كذلك فهل تكون لازمة أو لا؟ . أمَّا إن كانت بأجرة فمذهب الحنفية والمشهور عند المالكية أنها لازمة لأنها إجارة (1) . وذهب الشافعية إلى أنها إن شرط فيها جعل معلوم واجتمعت شرائط الإجارة وعقد بلفظ الإجارة فهي لازمة، وإن عقد بلفظ الوكالة أمكن تخريجه على أن الاعتبار بصيغ العقود أم بمعانيها (2) . احتمالان ذكرهما الروياني وجهين وصحح منهما الأول على القاعدة الغالبة في ذلك، قال الشيخ الشربيني: وهو المعتمد كما جزم به الجويني في مختصره؛ لأن الإجارة لاتنعقد بلفظ الوكالة (3) . ولم أجد للحنابلة نصاً في هذه المسألة. ومن خلال ما تقدم يلاحظ أن المالكية يرون أن الوكالة التي عقدت بأجر لازمة لأنها إجارة والإجارة لازمة لاتنفسخ إلاَّ بما تنفسخ به العقود اللازمة. ويوافقهم الشافعية فيما إذا عقدت بلفظ الإجارة وكان العوض معلوماً واجتمعت فيها شروط الإجارة. أمَّا التي عقدت بلفظ الوكالة فعلى وجهين المعتمد في المذهب أنها وكالة لاتكون لازمة بناء على أن العبرة بالصيغة لا بالمعنى.   (1) الذخيرة 8/6، وغمز عيون البصائر 3/13، والتاج والإكليل 7/214، ومواهب الجليل 7/171. (2) روضة الطالبين 4/332، والعزيز شرح الوجيز 5/256. (3) مغني المحتاج 2/232. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 109 والراجح في نظري أنها لازمة سواء عقدت بلفظ الإجارة أم بلفظ الوكالة إذ العبرة بالمعنى على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهذه في المعنى إجارة، والله أعلم. الفرع الثاني: صفة الوكالة التي عقدت على سبيل الجعالة: إذا عقدت الوكالة على سبيل الجعالة فهل تكون لازمة أو جائزة؟ . لقد اختلف الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - في لزوم الجعالة هنا وجوازها على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنها لازمة من الطرفين، وهو قول عند المالكية ذكره القرافي في الذخيرة ولم يذكر وجهه. القول الثاني: أنها جائزة من الطرفين، وهو قول آخر للمالكية (1) ، وقول للشافعية مبني على أن العبرة بصيغ العقود، قال في المنهاج وشرحه نهاية المحتاج للرملي الوكالة ولو بجعل بناء على أن العبرة بصيغ العقود هنا كما رجحه الروياني وجزم به الجويني في مختصره ما لم تكن بلفظ الإجارة بشروطها ... جائزة أي غير لازمة من الجانبين) (2) . وهذا ظاهر كلام الحنابلة؛ لأنهم ذكروا أن الوكالة من العقود الجائزة من الطرفين ولم يفرقوا بين أن تكون بجعل أو بغير جعل (3) ، وأيضاً فالعبرة عند الحنابلة في العقود بالمعنى لا باللفظ (4) وهي في المعنى جعالة، والجعالة جائزة من الطرفين (5) . ووجهه: أن الموكل قد تظهر له المصلحة في ترك ما وكل فيه أو توكيل آخر؛ ولأن الوكيل قد يعرض له ما يمنعه عن العمل (6) .   (1) الذخيرة للقرافي 8/9. ويظهر أن محل الخلاف عند المالكية فيما إذا لم يقاعد الوكيل الخصم ثلاثة مجالس أو اثنين، ذلك أنها لازمة في هذين الموضعين بالاتفاق في الأول، وعلى المشهور من المذهب في الثاني مع كونها بغير عوض كما مر فمع العوض من باب أولى. (2) نهاية المحتاج 5/52. (3) المغني 7/234. (4) القواعد لابن رجب 13. (5) الشرح الكبير مطبوع مع المغني والإنصاف 16/171. (6) نهاية المحتاج 5/52. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 110 القول الثالث: أنها لازمة للجاعل دون المجعول له بالشروع في العمل، وهو قول ثالث للمالكية (1) وهو المشهور من المذهب. ومحل هذا الخلاف فيما إذا عقدت بلفظ الوكالة (2) . أمَّا إن عقدت بلفظ الإجارة أو الجعالة فهي مثلهما (3) ، فتكون إجارة لازمة إن كانت بلفظ الإجارة، وتكون جعالة لاتلزم إلاَّ بالشروع في العمل في حق الجاعل، وجائزة في حق المجعول له. والراجح في نظري - والله أعلم - أنها إن كانت على سبيل الإجارة وعقدت بلفظها أي بلفظ الإجارة فهي إجارة وتكون لازمة كسائر الإجارات، وإن عقدت بلفظ الوكالة فهي لازمة أيضاً نظراً للمعنى؛ لأنها في المعنى إجارة وإن كانت بلفظ الوكالة، وإن عقدت على سبيل الجعالة فهي مثلها فتكون جائزة من الطرفين قبل تمام العمل كما هو رأي الشافعية والحنابلة. ووجه جوازها من جانب الجاعل أنها تعليق للاستحقاق على الشرط فما لم يحصل الشرط فله الفسخ، وأمَّا من جهة العامل فلأنها عقد على ما لايقدر على تسليمه، وعلى هذا فلو فسخ أحدهما قبل الشروع في المخاصمة فلا شيء له، وإن حصل الفسخ من جهة الوكيل بعد الشروع في العمل فلا شيء له؛ لأنه لم يتم عمله وإن كان الفسخ من جهة الجاعل فللعامل أجرة مثل عمله كالجعالة من غير وكالة (4) ، والله أعلم. المبحث الثاني: أسباب الفسخ الوكالة إذا كانت بغير عوض فهي جائزة كما مرّ إلاَّ أنه يعرض لها اللزوم عند بعض الفقهاء في صور، وإن كانت على سبيل الإجارة فالإجارة من العقود اللازمة فلاتنفسخ الوكالة هنا إلاَّ بما تنفسخ به العقود اللازمة.   (1) الذخيرة 8/9، ومنح الجليل 6/416، والتاج والإكليل 7/214، وحاشية الدسوقي 3/397، والخرشي 7/336. (2) انظر: حاشية الدسوقي 3/397، والعزيز شرح الوجيز 5/256. (3) انظر: المرجعين السابقين. (4) انظر: نهاية المحتاج 5/476 وما بعدها، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 16/171. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 111 وإن كانت على سبيل الجعالة فالجعالة عقد جائز قبل الشروع في العمل، وبعده تكون جائزة في حق العامل ولازمة في حق الجاعل، وقد بينت هذا بالتفصيل. وفي هذا المبحث سوف أذكر أسباب الفسخ بشيء من الإيجاز: السبب الأول: عزل الوكيل وقد مر الكلام عليه قريباً. السبب الثاني: إقرار الوكيل على موكله (1) ؛ لأن إقراره اعتراف بأن لا خصومة بينه وبين المطلوب إذ لم يبق للطالب شيء فيعزل عن الوكالة (2) . السبب الثالث: موت الموكل، وقد اتفق العلماء (3) على أن موت الموكِّل سبب للفسخ، قال في المغني: (ولا خلاف في هذا كله فيما نعلم) (4) . وسبب ذلك: أنه بموت الموكِّل ينتقل الحق لغيره وهم الورثة فليس للوكيل أن يتصرف لهم بغير إذنهم فإن فعل فلهم رده (5) . ولأن الوكالة بأمر الموكِّل وقد بطلت أهليته فتبطل الوكالة (6) . شروط انفساخ الوكالة بموت الموكِّل: اشترط الفقهاء لانفساخ الوكالة بموت الموكِّل شروطاً فيما يلي بيانها: الشرط الأول: العلم بموته. وبهذا قال المالكية في القول الراجح (7) ، وأحمد في رواية (8) . وخالف الحنفية (9) والشافعية (10) في القول المعتمد، وأحمد (11) في رواية فقالوا: ينعزل علم بموته أم لم يعلم. ووجه الأول:   (1) انظر: أدب القضاء للخصاف 332 وما بعدها. (2) أدب القضاء 333. (3) انظر: بدائع الصنائع 6/38، والبهجة 1/337، وحلي المعاصم معه، والعزيز شرح الوجيز 5/255، والمغني 7/234. (4) المغني 7/234. (5) انظر: البهجة وحلي المعاصم معه 1/337. (6) بدائع الصنائع 6/38. (7) البهجة 1/337 وما بعدها. (8) المغني 7/234. (9) بدائع الصنائع 6/38. (10) نهاية المحتاج 5/55. (11) المغني 7/234 وما بعدها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 112 1 - أنه لو انعزل قبل علمه كان فيه ضرر؛ لأنه قد يتصرّف تصرفات فتقع باطلة، ورُبَّما باع الجارية فيطؤها المشتري، أو الطعام فيأكله، أو غير ذلك فيتصرف فيه المشتري، ويجب ضمانه، ويتضرر المشتري والوكيل. 2 - ولأن الوكيل يتصرف بأمر الموكِّل ولايثبت حكم الرجوع في حق المأمور قبل علمه كالنسخ (1) ، فإن حكمه لايثبت في حق المكلف قبل علمه. ووجه الثاني: أن الفسخ رفع عقد لايحتاج إلى رضا الآخر لكونه من العقود الجائزة، فلايفتقر إلى علمه كالطلاق والعتاق (2) . وإذا دققنا النظر في أدلة القول الأول لوجدنا أنها خاصة بالتوكيل في البيع والشراء ونحوهما من التصرفات ولاتنطبق على الوكالة بالخصومة إذ ليس هناك ضرر يُمكن أن يترتب على الموكّل أو على ورثته في الاستمرار فيها؛ إذ المقصود بالوكالة إثبات حقهم. لذا فالذي يظهر لي أن القول بعدم الفسخ أولى، ولو رأى الورثة أن الضرر يلحق بهم فإن لهم الفسخ في العقد الجائز، والله أعلم. الشرط الثاني: أن لايكون وكيل الخصومة قد أشرف على تمامها بحيث لو أراد عزله لم يكن له ذلك، وهذا الشرط اشترطه المالكية فقط (3) . واشتراطه له وجاهته فإن الطرف الآخر يتضرر بالفسخ في هذه الحالة إذ يتعين عليه إعادة الدعوى وفيه ما فيه من تضييع الوقت، وإشغال القضاة والمتداعيين مرة أخرى حين إعادة الدعوى، والله أعلم. السبب الرابع: موت الوكيل؛ لأنه مبطل لأهليته، وليست الوكالة حقاً يورث عنه حتى يقول وارثه أنا أقوم مقامه (4) . السبب الخامس: خروج أحدهما عن أهلية التصرف بجنون أو حجرٍ عليه.   (1) المرجع السابق. (2) المرجع السابق. (3) البهجة 1/337 وما بعدها. (4) بدائع الصنائع 6/38، ونهاية المحتاج 5/55، وحلي المعاصم مع البهجة 1/337. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 113 وبهذا قال الحنفية (1) والشافعية (2) والحنابلة (3) . لكن الحجر الذي تنفسخ به الوكالة في الخصومة عند الحنابلة هو الحجر بسبب السفه. أمَّا الحجر بسبب الفلس، فهذا لاينعزل به وكيل الخصومة؛ لأنه لايخرج به عن كونه أهلاً للتصرف. وكذا لو كان الذي حجر عليه بسبب الفلس هو الموكِّل لاينعزل الوكيل بذلك؛ لأن الموكِّل أهل للخصومة، وله أن يستنيب في الخصومة ابتداءً فلاتنقطع الاستدامة (4) . أمَّا عند الحنفية فهذا فقط في حق العبد المأذون له إذا وكَّل ثم حجر عليه، فتنفسخ الوكالة. ولذا قال في البحر عند قول الكنز: (وعجز موكله لو مكاتباً وحجره لو مأذوناً) قال: لما ذكرنا من أن قيام الوكالة يعتمد قيام الأمر وقد بطل بالحجر والعجز علم أو لم يعلم، أطلقه وهو مقيد بما إذا كان وكيلاً في العقود والخصومات، وأمَّا الوكيل في قضاء الدين واقتضائه فلاينعزل بهما ... ) (5) . وفي الفتاوى الهندية: أن الوكالة إنَّما تبطل بالعجز والحجر إذا كان وكيلاً بالبيع والشراء أمَّا إذا كان التوكيل بالتقاضي أو بقضاء الدين فلاتبطل (6) . فإن كان مرادة بالتقاضي الاختصام فيعتبر قولاً آخر خلاف ما قاله ابن نجيم وإن كان مراده اقتضاء الحقوق والديون فيكون كلامه موافقاً لكلام البحر، وهذا هو الظاهر. والظاهر من كلام الشافعية أن الحجر بالسفه والفلس إنَّما يؤثر في الوكالة بالتصرفات التي يؤثر فيها السفه والفلس كالمعاوضات والتبرعات أمَّا الوكالة بالخصومات فلايؤثر فيها (7) .   (1) بدائع الصنائع 6/38، والدر المختار مع تكملة حاشية رد المحتار 11/525 و 527 والبحر الرائق 7/189 وما بعدها، وفتح القدير 8/147. (2) نهاية المحتاج 5/55. (3) المغني 7/235، والفروع 4/341. (4) المغني 7/235. (5) البحر الرائق 7/190، وفتح القدير 8/150. (6) الفتاوى الهندية 3/638. (7) انظر: العزيز 5/255، وروضة الطالبين 4/330. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 114 والذي يظهر لي - والله أعلم - أن الحجر الذي يفسخ به الوكالة في الخصومة هو الحجر بسبب السفه؛ لأن السفيه لايحسن التصرف لنفسه فلايحسنه لغيره. أمَّا الدَّين فالمدين إنَّما منع من التصرف في المال لحق غيره بسبب الدين وليس لسوء تصرفه فهذا لايؤثر على الوكالة بالخصومة، والله أعلم. وأمَّا الجنون فالجمهور كما مرّ يرون أنه سبب للفسخ لكن اختلفوا في الجنون الذي يفسخ به الوكالة. فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه الجنون المطبق (1) ، وإن اختلفوا في تفسيره: فعند أبي يوسف هو ما يستوعب الشهر. ووجهه: أن هذا القدر أدنى ما يسقط به عبادة الصوم فكان التقدير به أولى. وقال محمد: حده ما يستوعب الحول. ووجهه: أن المستوعب للحول هو المسقط للعبادات كلها فكان التقدير به أولى (2) . وروي عن أبي يوسف أن المطبق ما كان أكثر من يوم وليلة لسقوط الصلوات الخمس فصار كالميت. وصحح ابن نجيم في البحر قول محمد أنه سنة (3) . ولكن ذكر ابن عابدين (4) في حاشيته على البحر أن الفتوى على قول أبي يوسف، ونقل عن الخانية أن هذا قول أبي حنيفة وأن عليه الفتوى (5) . أمَّا الشافعية فلم يشترطوا في الجنون أن تطول مدته في القول المعتمد عندهم بل قالوا ينعزل بالجنون وإن زال عن قرب (6) . لكن لم يذكروا حد القرب.   (1) بدائع الصنائع 6/38، والإنصاف مع المقنع والشرح 13/468. (2) بدائع الصنائع 6/38، والبحر الرائق 7/189. (3) البحر الرائق 7/189. (4) هو: محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن عابدين الدمشقي، فقيه الديار الشامية، وإمام الحنفية في عصره، ولد سنة 1198 هـ، وتوفي سنة 1252 هـ، له مصنفات منها: رد المختار ويعرف بحاشية ابن عابدين، وله حاشية على البحر الرائق. انظر: الأعلام 6/42. (5) حاشية ابن عابدين على البحر الرائق 7/189. (6) نهاية المحتاج 5/55، ومغني المحتاج 3/232. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 115 ووجهه: أن الجنون لو قارن لمنع من الانعقاد فإذا طرأ أبطل العقد (1) . وفي وجه: لاينعزل بجنون لايمتد بحيث تتعطل المهمات ويحوج إلى نصب قوام (2) . أمَّا المالكية فقالوا: إن جنون الوكيل لايوجب عزله إن برأ فكذا جنون الموكّل، وإن لم يبرأ فإن طال جداً نظر السلطان في أمره (3)   (1) المرجع السابق. (2) العزيز 5/255، وروضة الطالبين 4/330. (3) منح الجليل 6/417، وحاشية الدسوقي 3/396. * * * المصادر والمراجع القرآن الكريم. أحكام القرآن: لأبي بكر محمد بن عبد الله، المعروف بابن العربي المتوفى سنة 543 هـ، تحقيق: علي محمد البجاوي، نشر دار الفكر - بيروت. أحكام القرآن: تأليف: أحمد بن علي الرازي الجصاص، المتوفى سنة 370 هـ، تحقيق: محمد صادق قمحاوي، نشر دار إحياء التراث العربي - بيروت 1405 هـ. أدب القاضي: لأبي العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري، المعروف بابن القاص، تحقيق: الدكتور حسين خلف الجبوري، الطبعة الأولى 1409 هـ - 1989 م، نشر: مكتبة الصديق للنشر والتوزيع، الطائف - المملكة العربيَّة السعوديَّة. أدب القاضي: للخصاف وشرحه لأبي بكر أحمد بن علي الرازي، المتوفى سنة 370 هـ، طبعة عام 1400 هـ، نشر: السيد أسعد طرابزوني الحسيني. الأذكار: للنووي، الإمام الفقيه المحدث محيي الدين أبي زكريا بن يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة 676 هـ، تحقيق وتخريج: عبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الثالثة، دار الهدي للنشر والتوزيع، الرياض. الإرشاد إلى سبيل الرشاد: تأليف: الشريف محمد بن أحمد بن محمد بن أبي موسى، المتوفى سنة 428 هـ، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1419 هـ، نشر: مؤسسة الرسالة. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: تأليف: محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى عام 1399 هـ - 1979 م، المكتب الإسلامي. أصول البزدوي: للإمام فخر الإسلام أبي الحسن علي بن محمد بن حسين البزدوي، مطبوع بهامش كشف الأسرار، الناشر: الصدف ببلشرز، كراتشي - باكستان. أصول مذهب الإمام أحمد: تأليف: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الرابعة 1416 هـ - 1996 م، مؤسسة الرسالة - بيروت. الأعلام: تأليف خير الدين الزركلي، المتوفى سنة 1396 هـ، الطبعة الخامسة 1980 م، الناشر: دار القلم للملايين، بيروت - لبنان. الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل: تأليف أبي النجا شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي، المتوفى سنة 968 هـ، تحقيق: د. عبد الله التركي، نشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع. الأم: تأليف الإمام محمد بن إدريس الشافعي، المتوفى سنة 204 هـ، الطبعة الأولى، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: لأبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، المتوفى سنة 855 هـ تحقيق: د. عبد الله التركي، مطبوع مع المقنع والشرح الكبير، نشر دار هجر. البحر الرائق شرح كنز الدقائق: تأليف: زين الدين بن إبراهيم بن محمد بن بكر بن نجيم، الطبعة الثالثة 1413 هـ، دار المعرفة، بيروت - لبنان. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: تأليف: علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني، المتوفى سنة 587 هـ، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت. البداية والنهاية: لأبي الفداء، عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، المتوفى سنة 774 هـ، طبعة عام 1402، الناشر: دار الفكر - بيروت. البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع: لمحمد بن علي الشوكاني، المتوفى سنة 1250 هـ، نشر دار المعرفة - بيروت. بلغة السالك لأقرب المسالك: تأليف: أحمد الصاوي، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان. البهجة في شرح التحفة: لأبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي المتوفى سنة 1258 هـ، الطبعة الأولى 1418 هـ، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. التاج والإكليل بشرح مختصر خليل مطبوع مع مواهب الجليل: لأبي عبد الله محمد بن يوسف ابن أبي القاسم، الشهير بالمواق، المتوفى سنة 897 هـ، الطبعة الأولى، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام: للإمام برهان الدين أبي الوفاء إبراهيم بن فرحون المالكي، تخريج وتعليق: الشيخ / جمال مرعشلي، الطبعة الأولى 1416 هـ، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: لفخر الدين عثمان بن علي الزيلعي المتوفى سنة 742 هـ، الطبعة الثانية معادة بالأوفست، الناشر: دار المعرفة - بيروت. تصحيح الفروع: لأبي الحسن علي بن سليمان المرداوي المتوفى سنة 885 هـ، مطبوع مع الفروع لابن مفلح، الطبعة الرابعة: 1405 هـ - 1985 م، الناشر: عالم الكتب. التعليقات السنية على الفوائد البهية: لمحمد بدر الدين أبو فراس النعساني، مطبوع مع الفوائد البهية في تراجم الحنفية، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان. التفريع: لأبي القاسم عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن الجلاب البصري، المتوفى سنة 378 هـ، تحقيق: د. حسين سالم الدهماني، الطبعة الأولى 1408 هـ، الناشر: دار الغرب الإسلامي - بيروت. تكملة فتح القدير المسمّى (نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار) : تأليف شمس الدين أحمد ابن قودر، المعروف بقاضي زاده، الطبعة الأولى 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: تأليف: أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر المتوفى سنة 463 هـ، تحقيق: مجموعة من العلماء، الطبعة الثانية عام 1402 هـ، نشر: مطبعة فضالة المحمدية - المغرب. تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ، تصحيح: عبد الله هاشم، ط: المدينة المنورة 1384 هـ - 1964 م. الجامع لأحكام القرآن الكريم: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، المتوفى سنة 671 هـ، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، توزيع: مكتبة عباس أحمد الباز - مكة المكرمة. جامع العلوم والحكم: تأليف الإمام ابن رجب الحنبلي، تحقيق: فؤاد بن علي حافظ، الطبعة الأولى عام 1419 هـ، مؤسسة الريان، بيروت - لبنان. الجرح والتعديل: تأليف: عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس، المتوفى سنة 327 هـ، الطبعة الأولى سنة 1326 هـ، مطبعة دائرة المعارف في الهند. الجوهر النقي: تأليف: علاء الدين بن علي بن عثمان المارديني، الشهير بابن التركماني، المتوفى سنة 745 هـ، مطبوع مع السنن الكبرى للبيهقي، الطبعة الأولى. حاشية ابن عابدين على البحر الرائق: تأليف: محمد أمين الشهير بابن عابدين، مطبوع مع البحر الرائق. حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين: لأبي بكر السيد البكري بن محمد شطا الدمياطي، الناشر: دار الفكر. حاشية الخرشي على مختصر خليل: تأليف: محمد بن عبد الله بن علي الخرشي، المتوفى سنة 1101 هـ، الطبعة الأولى 1417 هـ / 1997 م، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان. حاشية الدسوقي: لمحمد بن عرفة الدسوقي، المتوفى سنة 1230 هـ، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى، توزيع: دار الفكر، بيروت - لبنان. حاشية رد المحتار: لمحمد أمين، المعروف بابن عابدين، المتوفى سنة 1252 هـ، الطبعة الأولى 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج: تأليف أبي الضياء نور الدين علي بن علي الشبراملسي المتوفى سنة 1096 هـ، بهامش نهاية المحتاج، الناشر: مكتبة دار الباز - مكة المكرمة، طبعة عام 1414 هـ، دار الكتب العلمية. حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: لأحمد الشلبي، مطبوع مع تبيين الحقائق للزيلعي، الطبعة الثانية معادة بالأوفست، الناشر: دار المعرفة - بيروت. حاشية العدوي على الخرشي: للشيخ علي بن أحمد العدوي الصعيدي، مطبوع بهامش شرح الخرشي، نشر: دار صادر - بيروت. حاشية قرة عيون الأخيار تكملة ردّ المحتار: لمحمد علاء الدين أفندي، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد معوض، الطبعة الأولى 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. حاشية منتهى الإرادات: لعثمان بن أحمد بن سعيد النجدي، الشهير بابن قائد، المتوفى سنة 1097 هـ مطبوع مع منتهى الإرادات، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي الطبعة الأولى 1419 هـ، مؤسسة الرسالة. الحاوي الكبير: لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، الطبعة الأولى 1414 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. حلي المعاصم لفكر ابن عاصم: للإمام أبي عبد الله محمد بن محمد التاودي، المتوفى سنة 1209 هـ مطبوع مع البهجة، الطبعة الأولى 1418 هـ - 1998 م، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. الدراية في تخريج أحاديث الهداية: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852 هـ، تحقيق: عبد الله هاشم اليماني المدني، نشر: دار المعرفة - بيروت. الدر المختار شرح تنوير الأبصار: لعلاء الدين محمد بن علي بن محمد بن علي، المعروف بالحصكفي المتوفى سنة 1088 هـ، مطبوع مع حاشية رد المحتار لابن عابدين، وتكملتها لمحمد علاء الدين أفندي، الطبعة الأولى 1415 هـ، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، وتوزيع دار الباز. الديباج المذهّب: لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن فرحون، المتوفى سنة 799 هـ، تحقيق: الدكتور محمد الأحمدي أبو النور، الناشر: دار التراث للنشر والطبع – القاهرة. الذخيرة: تأليف: أبي العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي، المعروف بالقرافي، المتوفى سنة 684 هـ، الطبعة الأولى عام 1994 هـ، الناشر: دار الغرب الإسلامي - بيروت. الذيل على طبقات الحنابلة: للحافظ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين أحمد البغدادي الشهير بابن رجب، المتوفى سنة 795 هـ، الناشر: دار المعرفة - بيروت. روضة الطالبين: لمحيي الدين يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة 676 هـ، الطبعة الثانية 1405 هـ، الناشر: المكتب الإسلامي. روضة القضاة وطريق النجاة: لأبي القاسم علي بن محمد بن محمد بن أحمد الرحبي السمناني، المتوفى سنة 499 هـ، تحقيق: صلاح الدين الناهي، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ودار الفرقان عمان. سبل السلام: لمحمد بن إسماعيل الصنعاني، المتوفى سنة 852 هـ، تحقيق: محمد عبد العزيز الخولي، الطبعة الرابعة، نشر: دار إحياء التراث العربي 1379 هـ. سنن ابن ماجة: للإمام أبي عبد الله محمد القزويني، المتوفى سنة 275 هـ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة الثانية 1413 هـ، توزيع: دار سحنون - تونس، ضمن موسوعة الكتب الستة وشروحها. سنن أبي داود: للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث المتوفى سنة 275 هـ، ضمن سلسلة موسوعة السنة الكتب الستة وشروحها، الطبعة الثانية 1413 هـ، نشر: دار سحنون ودار الدعوة. سنن البيهقي (السنن الكبرى) : لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، المتوفى سنة 458 هـ، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، نشر: مكتبة دار الباز - مكة المكرمة 1414 هـ - 1994 م. سنن الترمذي (الجامع الصحيح) : لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة المتوفى سنة 297 هـ، ضمن موسوعة السنة (الكتب الستة وشروحها) الطبعة الثانية، نشر: دار سحنون ودار الدعوة. سنن الدارقطني: لعلي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، المتوفى سنة 385 هـ، تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني، نشر: دار المعرفة - بيروت 1386 هـ / 1966 م. سنن النسائي (السنن الكبرى) : لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، المتوفى سنة 303 هـ ضمن موسوعة السنة (الكتب الستة وشروحها) ، الطبعة الثانية 1413 هـ، الناشران: دار سحنون ودار الدعوة. سير أعلام النبلاء: لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المتوفى سنة 748 هـ، الطبعة الأولى سنة 1402 هـ، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت. شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: للشيخ محمد محمد مخلوف، الناشر: دار الفكر - بيروت. شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لأبي الفرج عبد الحي بن العماد الحنبلي، المتوفى سنة 1089 هـ الطبعة الأولى عام 1399 هـ، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. شرح الزرقاني على الموطأ: لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني، طبعة عام 1398 هـ، نشر: دار المعرفة - بيروت. الشرح الصغير: لأحمد الدردير بهامش بلغة السالك، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت. الشرح الكبير: لأبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر بن أحمد بن قدامة المقدسي، المتوفى سنة 682 هـ مطبوع مع المقنع والإنصاف، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1416 هـ - 1995 م، نشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة موزعة على نفقة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله. الشرح الكبير على مختصر خليل بهامش حاشية الدسوقي: تأليف أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد العدوي، الشهير بالدردير، المتوفى سنة 1201 هـ، مطبوع مع حاشية الدسوقي، نشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. شرح منتهى الإرادات: للشيخ منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، المتوفى سنة 1051 هـ، نشر: عالم الكتب - بيروت، الطبعة الأولى عام 1414 هـ - 1993 م. شرح النووي على مسلم: للإمام محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة 676 هـ، طبعة دار الفكر عام 1401 هـ، نشر وتوزيع: رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية. صحيح البخاري: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256 هـ، ضمن موسوعة السنة (الكتب الستة وشروحها) ، الطبعة الثانية، الناشران: دار سحنون ودار الدعوة. صحيح مسلم (وهو الجامع الصحيح) : للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري المتوفى سنة 261 هـ، ضمن موسوعة السنة (الكتب الستة وشروحها) ، الطبعة الثانية الناشران: دار سحنون ودار الدعوة. طبقات الحنابلة: للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى، المتوفى سنة 527 هـ، الناشر: دار المعرفة - بيروت. الطبقات السنية في تراجم الحنفية: لتقي الدين بن عبد القادر التميمي الداري الغزي الحنفي، المتوفى سنة 1005 هـ، تحقيق: د. عبد الفتاح محمد الحلو، الطبعة الأولى 1403 هـ، الناشر: دار الرفاعي بالرياض. طبقات الشافعية: لأبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن محمد بن قاضي شهبة، المتوفى سنة 851 هـ، تحقيق: الحافظ عبد العليم خان، طبعة عام 1407 هـ، الناشر: دار الندوة الجديدة - بيروت. طبقات الشافعية: لأبي بكر بن هداية الله الحسيني، المتوفى سنة 1014 هـ، تحقيق: عادل نويهض، الطبعة الثانية 1979 م، الناشر: دار الآفاق الجديدة - بيروت. طبقات الشافعية الكبرى: لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي، المتوفى سنة 771 هـ، الطبعة الثانية، الناشر: دار المعرفة - بيروت. طبقات الفقهاء: تأليف: إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، أبو إسحاق، المتوفى سنة 476 هـ تحقيق: خليل الميس، نشر دار القلم - بيروت. العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير: تأليف: الإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي الشافعي، المتوفى سنة 623 هـ، تحقيق: الشيخ علي محمد معوّض، والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الطبعة الأولى 1417 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. العناية: تأليف محمد بن محمود بن أحمد الحنفي، مطبوع مع فتح القدير لابن الهمام، الطبعة الأولى عام 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم: وهو شرح السيد أحمد بن محمد الحنفي الحموي، الطبعة الأولى 1405 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. الفائق: لمحمود بن عمر الزمخشري، المتوفى سنة 538 هـ، الطبعة الثانية، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، نشر دار المعرفة - لبنان. فتاوى قاضيخان - وتسمى الفتاوى الخانية: تأليف: فخر الدين حسن منصور الأوزجندي الفرغاني الحنفي المعروف بقاضيخان، ط مع الفتاوى الهندية، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت. الفتاوى الهندية: للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت. فتح الباري بشرح صحيح البخاري: للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852 هـ الطبعة الأولى عام 1418 هـ - 1997 م، نشر مكتبة دار السلام - الرياض ومكتبة دار الفيحاء للطباعة والنشر والتوزيع - دمشق. فتح القدير: تأليف كمال الدين محمد بن عبد الواحد، المعروف بابن الهمام، المتوفى سنة 681 هـ علق عليه وخرج آياته وأحاديثه: الشيخ عبد الرزاق غالب المهدي، الطبعة الأولى 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. الفتح المبين في طبقات الأصوليين: تأليف عبد الله بن مصطفى المراغي، الطبعة الثانية 1394 هـ، الناشر: محمد أمين وشركاه، بيروت - لبنان. الفروع: تأليف أبي عبد الله محمد بن مفلح، المتوفى سنة 763 هـ، الطبعة الرابعة 1405 هـ - 1985 م، عالم الكتب - بيروت. الفوائد البهية في تراجم الحنفية: تأليف محمد عبد الحي اللكنوي الهندي، طبع ونشر: دار المعرفة بيروت - لبنان. القاموس المحيط: تأليف مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي الشيرازي، نشر: دار العلم للجميع بيروت - لبنان. قواعد الأحكام في مصالح الأنام: للإمام أبي محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، المتوفى سنة 660 هـ، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. القواعد في الفقه الإسلامي: للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، المتوفى سنة 795 هـ الناشر: دار الباز للنشر والتوزيع - مكة المكرمة. الكافي في فقه أهل المدينة: تأليف أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي، المتوفى سنة 741 هـ، الطبعة الأولى 1407 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. الكافي: لأبي محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: زهير الشاويش، الطبعة الثانية 1399 هـ، الناشر: المكتب الإسلامي، وتوزيع: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الكتاب: لأبي الحسين أحمد بن محمد القدوري الحنفي، المتوفى سنة 428 هـ، مطبوع مع شرحه اللباب عام 1400 هـ، نشر: المكتبة العلمية، بيروت - لبنان. كشاف القناع على متن الإقناع: لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي، الناشر: مكتبة النصر الحديثة بالرياض. كشف الأسرار على أصول فخر الإسلام البزدوي: تأليف: عبد العزيز البخاري، الناشر: الصّدَف ببلشرز، كراتشي – باكستان. اللباب في شرح الكتاب: تأليف الشيخ عبد الغني الدمشقي الميداني الحنفي، الناشر: المكتبة العلمية بيروت - لبنان. لسان الحكام: لإبراهيم بن أبي اليمن محمد الحنفي، الطبعة الثانية، نشر: مطبعة البابي الحلبي - القاهرة 1393 هـ. لسان العرب: للإمام العلامة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري المتوفى سنة 711 هـ، الناشر: دار صادر - بيروت. المبسوط: لشمس الأئمة محمد بن أحمد السرخسي، المتوفى سنة 438 هـ، طبعة معادة بالأوفست سنة 1398 هـ، الناشر: دار المعرفة - بيروت. المبدع في شرح المقنع: لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح، المتوفى سنة 884 هـ، الناشر: المكتب الإسلامي. المحاماة رسالة وأمانة: لأحمد حسن كرزون، الطبعة الأولى عام 1413 هـ - 1993 م دار ابن حزم - بيروت. المحلى: لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، نشر: دار الآفاق الجديدة - بيروت. مختار الصحاح: لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، المتوفى سنة 721 هـ، تحقيق: محمود خاطر، نشر: مكتبة لبنان 1415 هـ. مختصر سنن أبي داود: للحافظ المنذري ومعه تهذيب السنن لابن القيم، تحقيق: أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي، طبعة عام 1400 هـ، نشر: دار المعرفة - بيروت. مختصر المزني على الأم: للإمام أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، مطبوع مع كتاب الأم الطبعة الأولى 1413 هـ، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. المستوعب: للإمام نصير الدين محمد بن عبد الله السامري الحنبلي، دراسة وتحقيق: د. عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، الطبعة الأولى 1420 هـ، دار خضر للطباعة والنشر، بيروت - لبنان. المستدرك على الصحيحين: للإمام أبي عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري، المتوفى سنة 405 هـ، نشر: دار الكتاب العربي - بيروت. مصنف عبد الرزاق: لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، المتوفى سنة 211 هـ، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الثانية 1403 هـ، توزيع: المكتب الإسلامي. المصنف في الأحاديث والآثار: للإمام الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، إبراهيم بن عثمان أبي بكر ابن أبي شيبة، المتوفى سنة 235 هـ، نشر: الدار السلفية، بومباي - الهند. المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس: للقاضي عبد الوهاب البغدادي، تحقيق: الدكتور حميش عبد الحق، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة، الرياض - الطبعة الأولى 1415 هـ. المغني: تأليف: أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: الدكتور: عبد الله بن عبد المحسن التركي، والدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، الطبعة الأولى 1406 هـ / 1986 م، نشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع. مغني المحتاج إلى معرفة المنهاج: لمحمد بن أحمد الشربيني الخطيب، المتوفى سنة 977 هـ، الناشر: دار الفكر العربي 1398 هـ. الممتع في شرح المقنع تصنيف: زين الدين المنجى التنوخي الحنبلي، دراسة وتحقيق: د. عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، الطبعة الثانية 1418 هـ، نشر: دار خضر للطباعة والنشر، بيروت - لبنان. المنتقى شرح موطأ مالك: لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، المتوفى سنة 494 هـ، طبعة مصورة عن الطبعة الأولى التي طبعت سنة 1331 هـ، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت. المنثور في القواعد: للزركشي بدر الدين محمد بن بهادر الشافعي، تحقيق: د. تيسير فائق أحمد محمود، طبعة معادة بالأوفست عن الطبعة الأولى عام 1402 هـ - 1982 م. المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد: تأليف: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح، تحقيق: عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الطبعة الأولى 1410 هـ، الناشر: مكتبة الرشد الرياض. المقدمات الممهدات: تأليف: أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، المتوفى سنة 520 هـ، تحقيق: الدكتور محمد حجي، الطبعة الأولى 1408 هـ، نشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان. المقنع: لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، المتوفى سنة 620 هـ، تحقيق: د. عبد الله التركي، مطبوع مع الشرح الكبير والإنصاف، الطبعة الأولى 1415 هـ، نشر: دار هجر. مناهج التشريع الإسلامي في القرن الثاني الهجري: د. محمد بلتاجي، الطبعة الثانية 1420 هـ، مكتبة البلد الأمين. منتهى الإرادات: لتقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي، الشهير بابن النجار، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى عام 1419 هـ، نشر: مؤسسة الرسالة. منح الجليل شرح على مختصر خليل: للشيخ محمد عليش، الطبعة الأولى عام 1404 هـ - 1984 م، نشر: دار الفكر، بيروت - لبنان. الموافقات في أصول الشريعة: لأبي إسحاق الشاطبي، نشر: دار المعرفة، بيروت - لبنان مواهب الجليل شرح مختصر خليل: لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي، المعروف بالحطاب، المتوفى سنة 954 هـ، ضبط وتخريج الشيخ زكريا عميرات، الطبعة الأولى عام 1416 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، نشر: مكتبة دار الباز - مكة المكرمة. الموطأ: للإما مالك بن أنس - رَحِمَهُ اللهُ - ضمن (موسوعة الكتب الستة وشروحها) ، الطبعة الثانية، نشر: دار سحنون، ودار الدعوة. نصب الراية لأحاديث الهداية: لأبي محمد عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي، المتوفى سنة 762 هـ، الطبعة الثانية 1393 هـ، الناشر: المكتبة الإسلامية - الهند. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: لشمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة الرملي، الشهير بالشافعي الصغير، المتوفى سنة 1004 هـ، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار: للإمام محمد بن علي الشوكاني، المتوفى سنة 1250 هـ، الطبعة الأولى 1419 هـ - 1999 م، الناشر: دار الكلم الطيب - بيروت، توزيع: دار المغني - الرياض. وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية في المعاملات المدنية والأحوال الشخصية: للدكتور محمد الزحيلي، الطبعة الثانية 1414 هـ - 1994 م، دمشق - بيروت. وفيات الأعيان: لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، المتوفى سنة 681 هـ، الناشر: دار صادر – بيروت. الهداية شرح بداية المبتدي: لأبي الحسن علي بن أبي بكر المرغيناني، مطبوع مع فتح القدير لابن الهمام طبعة عام 1415 هـ، نشر: دار الكتب العلمية - بيروت. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 116 فالمالكية إذن لم يضعوا للجنون حداً معلوماً ينتهي إليه. * * * الخاتمة: وبعد: لقد توصلت من خلال هذا البحث إلى نتائج أهمها: تميز التشريع الإسلامي في شأن التوكيل بالخصومة، إذ تعد نوع من أنواع التعاون على البر والتقوى الهدف منها معاونة صاحب الحق لاستعادة حقه، ورد الباطل. الوكالة بوجه عام الأصل فيها الجواز، وقد تنتظمها الأحكام الخمسة، وكذا التوكيل بالخصومة سواء كان الموكل المدعي أو المدعى عليه. ينبغي التحرز عن الخصومة قدر الإمكان، ولصاحب الحق المطالبة بحقه سواء بنفسه أو بوكيله. يجوز التوكيل بإثبات حقوق الله - عَزَّ وَجَلَّ - سواء كانت مِمَّا لايحتاج في إثباته إلى خصومة كحد الزنا والشرب، أو كانت مِمَّا يحتاج إلى خصومة كحد السرقة والقذف. يجوز التوكيل في استيفاء الحدود سواء كان الموكِّل حاضراً أو كان غائباً. يجوز التوكيل في حقوق الآدميين، سواء كان الحق قصاصاً فيوكل في إثباته واستيفائه، أو كان حقاً مالياً غيره، وسواء رضي الخصم أو لم يرض وفي حال حضوره وغيابه. من شروط الوكالة بالخصومة أن تثبت الوكالة عند القاضي. إذا وكل بالخصومة عند القاضي فلابد من الإشهاد على وكالته من يعرف اسمه ونسبه سواء عرفه القاضي أو لم يعرفه. إذا ادّعى شخص أن غائباً وكله بالخصومة ولم يكن أثبت وكالته عند القاضي فلابُد من إثبات الوكالة قبل سماع الدعوى ولايشترط لإثباتها حضور الخصم. تثبت الوكالة بشهادة رجلين بلا نزاع، وتثبت بشهادة رجل وامرأتين فيما يتعلق بالأموال كالتوكيل في المطالبة بالمال، ولايقبل فيما عدا ذلك إلاَّ رجلان عدلان، ولاتثبت بإقرار الخصم أو بتصديق الخصم للوكيل. لايصح التوكُّل في الخصومة عن المبطل إذا علم أو ظن كونه مبطلاً بقصد إعانته على باطلة أمَّا إذا قصد من الوكالة عنه إظهار باطلة ورده عنه، وإيصال الحق إلى مستحقه فيجوز، والله أعلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 117 لايجوز التوكيل في الخصومة بقصد الإضرار بالخصم ولايُمكن منه. يجوز توكيل أكثر من واحد في الخصومة وإن لم يرض الخصم. من وكل وكيلين وأذن لكل واحد منهما أن يستقل بالخصومة فلكل واحد منهما أن يستقل بها، وإن لم يأذن في الاستقلال لم يجز أن يستقل بها أحدهما، وإن حدث من تعدد الوكلاء شغب في مجلس القضاء فللقاضي منعهما من الشغب، وذلك داخل في سلطته. وكيل المدعي يدعي، ويقيم البينة، ويسعى في تعديلها ويطلب الحكم والقضاء ويفعل ما يقع وسيلة إلى الإثبات. ووكيل المدعى عليه ينكر ويطعن في الشهود ويسعى في الدفع بما يُمكنه. ليس للوكيل أن يصالح، ولا أن يبرئ الخصم بلا نزاع. لايصح إقرار الوكيل على موكِّله في الوكالة المطلقة. يجوز للموكِّل أن يمنع الوكيل من الإقرار، ويجوز له أن يأذن فيه، ولابُدّ حينئذٍ من تعيين ما يقر به، وأن يكون من معنى الخصومة، وأن لايكون إقراره لمن يتهم عليه، وأن لايكون في حد أو قصاص، وأن يكون على المعروف. من وكل وكيلاً ممنوعاً من الإقرار والإنكار ولم يكن حاضراً مجلس القضاء أو قريباً منه فللخصم أن يمتنع من مخاصمة الوكيل حتى يجعل له موكّله شيئاً من ذلك. من وكل وكيلاً للمطالبة بمال لم يكن له قبض المال إذا ثبت لموكِّله إلاَّ بإذن. من وكَّل وكيلاً للمخاصمة عنه ونهاه أن يوكِّل غيره لم يجز أن يوكِّل غيره. من وكَّل وكيلاً للمخاصمة عنه وأذن له التوكيل إذناً صريحاً كان له أن يوكل. أمَّا إن أطلق الوكالة فلم ينهه عن التوكيل ولم يأذن له فيه فإن كان ممن يترفع عن ذلك عادة فله أن يوكِّل، أو كان مِمَّا يعجز عنه لكثرته وانتشاره فله أن يوكل في القدر الذي يعجز عنه، وفي القدر الذي لايعجز عنه خلاف والذي يظهر لي أن له التوكيل في الجميع. ما يُمكنه عمل جميعه بنفسه ولايترفع عنه ليس له التوكيل فيه إلاَّ بإذن خاص. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 118 تجوز الوكالة بغير عوض، وتجوز بعوض سواء كان على سبيل الإجارة أو الجعالة. الوكالة بغير عوض من العقود الجائزة من الطرفين لكل واحد منهما الفسخ. أمَّا التي بعوض فإن كانت على سبيل الإجارة فهي لازمة من الطرفين، وإن كانت على سبيل الجعالة فهي لازمة في حق الجاعل بالشروع في العمل كأصلهما. إذا كان الفسخ من جهة الوكيل لم يشترط علم الموكّل، أمَّا إن كان الفسخ من جهة الموكِّل فيشترط علم الوكيل به. تنفسخ الوكالة بإقرار الوكيل على موكله حيث لم يوكله في الإقرار، وبموت الموكِّل وبموت الوكيل، وبخروج أحدهما عن أهليته بجنون ونحوه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 119 منهاج الإمام مالك في التعامل مع الأخبار المتعارضة الدكتور محمد سعيد منصور الأستاذ المساعد في أصول الفقه، كلية الحقوق، جامعة الأزهر، غزة ملخص البحث يبين هذا البحث كيفية تعامل الإمام مالك (مع الأخبار المتعارضة؛ لكونها ظنية الثبوت أو الدلالة؛ لإزالته بعد أن يُحَكِمَ ظنه من تلقاء نفسه، وفق قرائن تعين على النظر في ثبوتها؛ إذ تحف بكل سند من أسانيدها لمعرفة الصَّالِح فيما ينسب إلى النبي (منها للعمل به وترك ما سواه، وكذلك تعين في الكشف عن دلالتها؛ إذ قد يكون معناها قطعياً فلا تحتمل غير ما دلت عليه، وقد يكون ظنياً فتحتمل غيره، وعندئذٍ يمكن أن تُؤَوِّلَ بَعضُها بعضا، إما بصرف الظاهر منها بما يوافق الآخر في معناه، أو بتخصيص العام بالخاص، أو تقييد المطلق بالمقيد، أو بترجيح ما يقبل الترجيح بالمزية الداخلية أو الخارجية. * * * تقديم: الحمد لله الذي وضع عنا ما كان على من قبلنا من إصرٍ وأغلال، وتعهد بحفظ الوحي بشقيه من الاختلاف والتغيير والزوال، كي نعبده أبداً عبادةً سليمة خالية من كل مظاهر الزيغ والضلال، والصلاة والسلام على سيد الرسل كافة محمد المبعوث لإزالة الإلحاد والانحلال، وعلى سائر المرسلين وآلهم وصحبهم صفوة الأجيال، وعلى كل من ساروا على نهجهم فحرموا الحرام وأحلوا الحلال. أما بعد: فإن المستقرئ لكتب الفروع المختلفة يجد أن التعارض في المسألة الواحدة بين ظواهر الأدلة الصحيحة هو سبب الاختلاف فيها، وأنه بين الأخبار يشكل أكثر أنواعه وأعقدها بينها جميعاً نظرياً وعمليا، وقد عمل كل إمام مجتهد منهاجاً يقوم على قوانين وأسس ليسير على وفقه لدفعه بينها (1)   (1) لحواشي والتعليقات (*) هذا البحث سيكون –إن شاء الله تعالى- باكورة عمل للتعرض لمنهاج الأئمة الأربعة في التعامل مع الأدلة المتعارضة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 120 ، بحيث يسري عليها كلها بصورة إجمالية أيّاً كانت آية من قرآن، أو خبر، أو إجماع، أو قياس، أو ما عداها من أدلة الأحكام الشرعية، أما بصورة تفصيلية فإنه يختلف تبعاً لاختلاف طبيعة الدليل الذي يتعلق به، وأتناول في هذا البحث على وجه التحديد منهاج الإمام مالِك في التعامل مع الأخبار المتعارضة، معتمداً على الموارد والأدلة والقرائن الموجودة في كتب الفقه وأصوله والحديث وعلومه؛ لكشف النقاب عن هذا الموضوع الذي يعتبر من أهم الأدوات والوسائل التي تستخدم في استخراج الأحكام الشرعية العملية من الأحاديث النبوية، بعد تمحيصها وتحقيقها وفهمها على أكمل وجه وأتم شكل. وقد جاء البحث بعد هذا التقديم الموجز في ثلاثة مباحث وخاتمة: - أما المبحث الأول: فقد عرضت فيه للكلام عن: أوجه الجمع بين الأحاديث المتعارضة، وجعلته في تسعة مطالب: المطلب الأول: الجمع ببيان اتحاد مدلولي اللفظين. المطلب الثاني: الجمع ببيان اختلاف المحل أو الحال. المطلب الثالث: الجمع ببيان التقاء مدلولي الأمر أو النهي. المطلب الرابع: الجمع بين الخبرين العامين. المطلب الخامس: الجمع بين الخبرين الخاصين. المطلب السادس: الجمع بين الخبرين لتعارضهما في العموم والخصوص المطلق. المطلب السابع: الجمع بين الخبرين لتعارضهما في العموم والخصوص الوجهي. المطلب الثامن: الجمع ببيان المقيد للمطلق. المطلب التاسع: الجمع ببيان الاختلاف من جهة المباح. - وأما المبحث الثاني: فقد خصصته لدراسة: النسخ بين الأحاديث المتعارضة. - ثم عقبتها بالمبحث الثالث، وهو: الترجيح بين مختلف الحديث، وجعلته في ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الترجيح من جهة الأسانيد وما يتعلق بها. المطلب الثاني: الترجيح من جهة المتون وما يتعلق بها. المطلب الثالث: الترجيح باعتبار أمر خارجي. - وأخيراً الخاتمة: وضمنتها أهم ما توصلت إليه من نتائج. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 121 والله تعالى أسأل أن يلهمنا الصواب والسداد، وأن يوفقنا إلى الخير والرشاد. 30 رمضان 1421هـ الموافق 26 ديسمبر 2000م. المبحث الأول: أوجه الجمع بين الأحاديث المتعارضة وتحته تسعة مطالب إذا كان النسخ بين الأخبار محتملاً فإن مالكاً يقوم بالجمع بينها جميعا) (1) (، وسأتناول -إن شاء الله تعالى- منهاجه في الجمع من خلال أنواعه التي تنتظم تحت المطالب الآتية: المطلب الأول: الجمع ببيان اتحاد مدلولي اللفظين إذا أفاد مدلول كل من الخبرين حكماً يخالف الآخر، فالأولى بدلاً من توهيم أحدهما وإطراحه وإعمال ما يعارضه، القيام بمحاولة تأويل ما يحتمل التأويل، كي يتفق كلاهما في المعنى المراد، ولكن بشرط ألاَّ يخرج به عن روح الشريعة، ولا يخالف إجماع الأمة، ومن أمثلة ذلك: ما جاء عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي (أنها قالت: (ما طال عَلَيَّ وما نسيت القطع في ربع دينار فصاعدا)) (2) (. فهذا الحديث يفيد أن يد السارق لا تقطع حتى تبلغ سرقته ربع دينار فأزيد. فيقابله: ما رواه أبو هريرة (عن النبي (أنه قال: {لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده} ) (3) (. فهذا الحديث يدل على أن يد السارق تقطع في القليل والكثير، وذلك يوافق عموم قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما () (4) (.   (1) انظر: البصري: المعتمد 176، 177، وابن الحاجب: المختصر 2/309، 310، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 421، والشاطبي: الموافقات 4/88، والزركشي: البحر المحيط 6/135، والعبادي: الآيات البينات 4/290- 296، والشنقيطي: نشر البنود 2/273 (2) أخرجه: مالك في الموطأ (1517) ، والمدونة 6/2853، واللفظ له، والبخاري (6789) ، ومسلم (1/ 1684) . (3) متفق عليه: البخاري (6799) ، ومسلم (7/ 1687) ، وكلاهما بلفظه. (4) من الآية 38 من سورة المائدة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 122 فيبين مالك أن الجمع بين هذين الحديثين ممكن؛ وذلك بجعل حديث عائشة رضي الله عنها أصلا، فيقطع في ربع دينار فصاعدا، وكذا فيما قيمته ذلك كذلك) (1) (؛ فكأنه ذهب إلى أن الرسول (أراد بالبيضة ما يبلغ قيمتها ربع دينار فأكثر، كبيض الحديد لا بيض الدجاج وما ماثله، وكذا الحبل لعله يرى أن منها ما يساوي النصاب المقرر أو يزيد عليه كحبل السفينة وشبهه، وبذلك يزول التعارض) (2) (. المطلب الثاني: الجمع ببيان اختلاف المحل أو الحال   (1) انظر: الموطأ (1518) ، والمدونة 6/ 2852، 2853. (2) انظر: الشيرازي: اللمع 9، والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن 6/ 160، 161، وابن حجر: الفتح 12/ 108، 109. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 123 إذا ورد خبران لبيان شيء واحد بحكمين متناقضين، تبعاً لتباين إدراك مَنْ يلتمسهما؛ إذ هنالك من لا ينتبه إلى سبب تضاد المحل أو الحال اللذين يُسَنُّ فيهما الحكمان المتغايران فيعتقد أن بينهما تعارضا، وفي الحقيقة أنه منتفٍ ألبتة؛ نظراً لأنه يمكن أن يحمل كل واحد منهما على محل أو حال مختلفين تماماً عن بعضهما، فيعمل بكل واحد في موضعه المناط به، بحسب القرائن التي ترشد إليه) (1) (، ومن الأمثلة على ذلك: ما روي عن أبي أيوب الأنصاري صاحب رسول الله (، أنه كان وهو بمصر يقول: والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكرابيس) (2) (، وقد قال رسول الله (: {إذا ذهب أحدكم الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها بفرجه} ) (3) (. وما روي عن أبي هريرة (أن النبي (: (نهى أن تستقبل القبلة لبول أو غائط)) (4) (. فيعارضهما: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: (إن أُناساً يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس) ، قال عبد الله: (لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله (على لبنتين مستقبل بيت المقدس)) (5) (؛ أي: لحاجته، هذه رواية مالك عنه، وفي غير رواية مالك: (مستقبل بيت المقدس مستدبر القبلة) ، وهو مفسر لما وقع في روايته) (6) (.   (1) انظر: الشافعي: الرسالة 214، والغزالي: المستصفى 2/ 395، وابن قدامة: روضة الناظر 3/ 1029، وابن السبكي: الإبهاج 2/ 211، وابن نجيم: فتح الغفار 2/ 113، وأمير بادشاه: تيسير التحرير 3/ 144. (2) الكرابيس: واحداها كرباس، وهو الكَنِيف؛ أي الخلاء، الذي يكون مشرفاً على سطح بقناة إلى الأرض، فإذا كان أسفل فليس بكرباس. انظر: ابن منظور: لسان العرب 6/ 194، 9/ 310. (3) ... أخرجه: مالك في الموطأ (454) واللفظ له، والبخاري (394) ، ومسلم (59/ 264) . (4) أخرجه: مالك في المدونة 2/ 569. (5) أخرجه: مالك في الموطأ (456) ، والمدونة 2/ 569. (6) انظر: مالك: المدونة 2/ 569. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 124 وقد بين مالك أن استعمال هذه الأحاديث كلها ممكن؛ إذ جعل حديث ابن عمر رضي الله عنهما مخصصاً لحديث أبي أيوب وأبي هريرة رضي الله عنهما، وقال: إنما عنى بذلك الصحاري والفيافي ولم يعنِ بذلك القرى والمدائن، هذا قوله في المدونة، فعلى قوله فيها يجوز استقبال القبلة واستدبارها في القرى والمدائن من غير ضرورة إلى ذلك) (1) (. وقد تعرض مالك لكثير من الأخبار التي تعارضت بسبب اختلاف أحوالها، وقام بالجمع بينها، وإزالة ما يكتنفها من تعارض، وذلك بإنزال كل واحد بحسب ما يقتضيه حاله؛ كي يعمل بها جميعا؛ فمن ذلك: مسألة محل سجود السهو) (2) (، والصيام في السفر) (3) (، والتقبيل للصائم) (4) (، وأكل المحرم للحم الصيد الذي يهدى له) (5) (، والخِطبة على الخِطبة) (6) (، وحضانة الغلام) (7) (. المطلب الثالث: الجمع ببيان التقاء مدلولي الأمر أو النهي   (1) المصدر نفسه، نفس الموضع، بتصرف يسير. (2) انظر: مالك: الموطأ (206- 215) ، والمدونة 1/ 158- 164، والبخاري (714، 1224) ، ومسلم (97/ 573، 101/ 574) . (3) انظر: مالك: الموطأ (654- 662) ، والمدونة 1/ 209، 210. (4) انظر: مالك: الموطأ (646، 652) ، والمدونة 1/ 205، وأبو داود (2385) ، والخطابي: معالم السنن 3/ 262. (5) انظر: مالك: الموطأ (772- 791) ، والمدونة 1/ 390، وابن العربي: أحكام القرآن 2/ 199- 201، وابن قدامة: المغني 3/ 313، والكحلاني: سبل السلام 2/ 194، والشوكاني: نيل الأوطار 5/ 20. (6) انظر: مالك: الموطأ (1100، 1101) ، وأحمد: المسند 6/ 412، 413. (7) انظر: ابن رشد: بداية المجتهد 2/ 67، والشوكاني: نيل الأوطار 6/ 328- 332. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 125 أ- الجمع بحمل الأمر على الندب: إذا ورد خبران أحدهما يقتضي الفعل على جهة الوجوب، والثاني يجعل فعل ذلك الفعل مندوبا، فيصير حد التأويل الراجح جعل الخبر النادب قرينة صارفة لظاهر الأمر في الخبر الموجب من الوجوب إلى الندب، بحيث لا يترتب على فعله إثم) (1) (، ومن الأمثلة على ذلك: ما روي عن المغيرة بن شعبة (أن النبي (: (مسح أعلى الخف وأسفله)) (2) (. فيقابله: ما روي عن علي (أنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله (: يمسح على ظاهر خفيه)) (3) (. فذهب مالك مذهب الجمع بين هذين الحديثين، حيث حمل حديث المغيرة (على الاستحباب، وحديث علي (على الوجوب) (4) (. ومنها: ما روي عن أبي سعيد الخدري (أن رسول الله (قال: {غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم} ) (5) (. وما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (قال: {إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل} ) (6) (.   (1) انظر: الغزالي: المستصفى 1/ 387، والكلوذاني: التمهيد 1/ 174، والقرافي: نفائس الأصول 8/ 3848، 3849، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 3/ 461، والشوكاني: إرشاد الفحول 177. (2) أخرجه: الترمذي (97) ، وابن ماجه (550) ، وكلاهما بلفظه، وانظر أيضا: مالك: الموطأ (70) ، والبخاري (182) ، ومسلم (75/ 274) . (3) أخرجه: أبو داود (163) . (4) انظر: مالك: المدونة 1/ 85، 86، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 22، والكحلاني: سبل السلام 1/ 58، 59، والشوكاني: نيل الأوطار 1/ 184. (5) أخرجه: مالك في الموطأ (226) ، والبخاري (879) ، ومسلم (5/ 846) ، وكلهم بلفظه. (6) أخرجه: مالك في الموطأ (227) ، والبخاري (877) ، وكلاهما بلفظه، ومسلم (1/ 844) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 126 فيعارضهما: ما روي عن سالم بن عبد الله أنه قال: دخل رجل) (1) (من أصحاب رسول الله (المسجد يوم الجمعة، وعمر بن الخطاب يخطب، فقال عمر: (أية ساعة هذه) ؟ فقال: (يا أمير المؤمنين، انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت) ، فقال عمر: (والوضوء أيضاً وقد علمت أن رسول الله كان يأمر بالغسل)) (2) (. وما روي عن سمرة بن جندب (أنه قال: قال رسول الله (: {من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل} ) (3) (. وقد جمع مالك بين هذه الأحاديث جميعا؛ حيث ذهب كما هو معروف من مذهبه إلى إمكانية حمل الأخبار التي صُرِّحَ فيها بأنه لا يجزئ غير الغسل على الندب، والقرينة الدالة عليه، هذه الأخبار المختلفة، والجمع بينها ما أمكن هو الواجب، وقد أمكن بهذا) (4) (. وبالرغم من ذلك: "فالأحوط للمؤمن ألاَّ يترك غسل الجمعة") (5) (. ومن الأوامر التي صرفها مالك من الوجوب إلى الندب: الغسل من غسل الميت) (6) (، واستئذان البكر) (7) (.   (1) هو: عثمان بن عفان (. انظر: مسلم (4/ 845) . (2) أخرجه: مالك في الموطأ (225) واللفظ له، والبخاري (878) ، ومسلم (3، 4/ 845) . (3) أخرجه: أبو داود (354) واللفظ له، والترمذي (497) ، والنسائي (1379) . (4) انظر: ابن العربي: أحكام القرآن 4/ 253، والكاساني: البدائع 1/400، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 202، والقرافي: نفائس الأصول 8/ 3848، 3849، والكحلاني: سبل السلام 1/ 88، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 274، والشوكاني: نيل الأوطار 1/ 231، 232. (5) الكحلاني: سبل السلام 1/88. (6) انظر: الكحلاني: سبل السلام 1/ 69، 70، والشوكاني: نيل الأوطار 1/ 237- 239. (7) انظر: مالك: الموطأ (1103- 1106) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 127 ب- الجمع بحمل النهي على الكراهة: إذا ورد خبران وكان أحدهما ينهى عن فعل شيء، والثاني يجيزه بعينه، فَيُجْمَعُ بينهما بجعل الخبر المجيز دليلاً مانعاً للتحريم؛ لأنه بمقتضاه يمكن تأويل صيغة التحريم في الخبر المحرم من التحريم إلى الكراهة) (1) (، ومن الأمثلة على ذلك: ما روي عن أبي هريرة (: أن النبي (كان في جنازة، فرأى عمر امرأة فصاح بها، فقال النبي (: {دعها يا عمر، فإن العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد قريب} ) (2) (. وما روي عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا)) (3) (، قال النووي: "معناه نهانا رسول الله (عن ذلك نهي كراهة تنزيه لا نهي عزيمة تحريم") (4) (. فيعارضهما: ما روي عن علي (إذ قال: خرج رسول الله (، فإذا نسوة جلوس، قال: {ما يجلسكن؟} قلن: ننتظر الجنازة، قال: {هل تغْسلن؟} قلن: لا، قال: {هل تحملن؟} قلن: لا، قال: {هل تدلين فيمن يدلي؟} قلن: لا، قال: {فارجعن مأزورات غير مأجورات} ) (5) (. غير أن مالكاً أجاز اتباع النساء للجنائز، وكرهه للشابة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من فتنة؛ لأنه حمل حديث النهي ههنا على التنزيه بقرينة حديثي الجواز) (6) (.   (1) انظر: السرخسي: أصول السرخسي 1/19، والغزالي: المستصفى 1/ 435، وابن الحاجب: المختصر 2/91، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 139- 141، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 3/ 56- 60. (2) أخرجه: ابن ماجه (1587) . (3) متفق عليه: البخاري (1278) ، ومسلم (35/ 938) ، وكلاهما بلفظه. (4) صحيح مسلم بشرح النووي 2/7. (5) أخرجه: ابن ماجه (1578) . (6) انظر: مالك: المدونة 1/200، وابن عبد البر: الكافي 1/ 283، والنووي: صحيح مسلم بشرحه 2/7، والشوكاني: نيل الأوطار 4/111. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 128 ومن النواهي التي تفيد التنزيه لا التحريم عند مالك: ما جاء في الحجامة وإجارة الحجام) (1) (. المطلب الرابع: الجمع بين الخبرين العامين إذا كان الخبران على وزان واحد في القوة، وكذا العموم؛ بأن يصدق كل منهما على كل ما يصدق عليه الآخر، وأمكن الجمع بينهما بإنزال كل واحد على حال مغاير لما أنزل عليه الآخر، جمع؛ لأنه أولى من إلغاء أحدهما) (2) (، ومن الأمثلة على ذلك: ما روي عن زيد بن خالد الجُهَنِي (، أن رسول الله (قال: {ألا أخبركم بخير الشهداء: الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها} ) (3) (. فيقابله: ما روي عن عمران بن حصين رضي الله عنهما حيث قال: قال النبي (: {خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم} . قال عمران: لا أدري أذكر النبي (بَعْدُ: قرنين أو ثلاثة، قال النبي (: {إن بعدكم قوماً يَخونون ولا يُؤتمنون، ويَشهدون ولا يُستشهدون، ويَنذرون ولا يَفُون، ويظهر فيهم السِّمَنُ} ) (4) (. وقد جمع مالك بينهما؛ إذ حمل الأول على المبادر بالشهادة وهو يعلم أن المشهود له عالم بها، فهذا قبيح؛ لعدم الحاجة إلى مبادرته حينئذٍ. بخلاف من بادر ليخبر صاحبها، وهو لا يعلم بها، أو يخبر ورثته بعد وفاته، أو من يتحدث عنهم بذلك، فهذا حسن؛ لأنه يوصل إلى الحق) (5) (. المطلب الخامس: الجمع بين الخبرين الخاصين   (1) انظر: مالك: الموطأ (1778- 1780) ، وابن رشد: بداية المجتهد 2/252، 253، والنووي: صحيح مسلم بشرحه 10/233، والكحلاني: سبل السلام 3/80، والشوكاني: نيل الأوطار 5/284- 286. (2) انظر: المراجع نفسها، نفس المواضع. (3) أخرجه: مالك في الموطأ (1399) ، ومسلم (19/ 1719) ، وكلاهما بلفظه. (4) متفق عليه: البخاري (2651) واللفظ له، ومسلم (214/ 2535) . (5) انظر: ابن حجر: الفتح 5/307، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 274. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 129 إذا كان الخبران على استواء واحد في القوة، وكذا خاصين في الدلالة؛ أي: أن كلاً منهما خاص بالنسبة للآخر؛ لعدم تناول أحدهما ما يتناوله الثاني، وأمكن الجمع بينهما بحمل كل واحد على خلاف ما يحمل عليه معارضه، جمع؛ لأنه أولى من إلغاء أحدهما كما سبق) (1) (، ومن الأمثلة على ذلك: ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النساء يبعثن إليها بالدِّرْجَةِ) (2) (فيها الكُرْسُفُ) (3) (فيه الصُّفْرَةُ من دم الحيضة يسألنها عن الصلاة فتقول لهن: لا تعجلن حتى تَرَيْنَ القَصَّة البيضاء)) (4) (، تريد بذلك الطهر من الحيضة) (5) (. فيقابله: ما روي عن أم عطية رضي الله عنها إذ قالت: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئا)) (6) (، وفي رواية أخرى: (بعد الطهر شيئا)) (7) (. وقد رام مالك في إحدى الروايتين عنه الجمع بينهما، إذ ذهب إلى أن خبر عائشة رضي الله عنها في إثر انقطاع الدم، وخبر أم عطية رضي الله عنها هو بعد انقطاعه، أو أن خبر عائشة رضي الله عنها هو في أيام الحيض، وخبر أم عطية رضي الله عنها في غير أيام الحيض) (8) (.   (1) انظر: المحلي: شرح الورقات 57، والمارديني: الأنجم الزاهرات 196. (2) الدِّرْجَة: جمع دُرْج، وهو كالسَّفَط؛ أي الوعاء الصغير تضع فيه المرأة خِف متاعها وطيبها. انظر: ابن الأثير: النهاية 2/111، وابن منظور: لسان العرب 2/ 269، 7/315. (3) الكرسف: جمع كرسفة، وهو القطن. انظر: ابن الأثير: النهاية 4/163، وابن منظور: لسان العرب 9/297. (4) القصة البيضاء: هي أن تخرج القطنة أو الخرقة التي تحتشي بها الحائض كأنها قَصَّةٌ بيضاء لا يخالطها صُفرة ولا كُدْرة. انظر: ابن الأثير: النهاية 1/121، 4/71، وابن منظور: لسان العرب 7/77. (5) أخرجه: مالك في الموطأ (126) . (6) 49) أخرجه: البخاري (326) . (7) أخرجه: أبو داود (307) . (8) ابن رشد: بداية المجتهد 1/62 بتصرف يسير، وانظر أيضا: مالك: المدونة 2/ 592. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 130 المطلب السادس: الجمع بين الخبرين لتعارضهما في العموم والخصوص المطلق إذا كان الخبران المتعارضان بينهما عموم وخصوص مطلق، بمعنى أن يكون أحدهما عاماً في دلالته والآخر خاصا، ثم تجتمع دلالتهما العامة والخاصة تلك في شيء، ثم ينفرد العام في أحدهما عن الخاص في الثاني بصدد شيء آخر، فحينئذٍ يُجمع بينهما بحمل العام على الخاص، وذلك بأن يعمل بالخاص فيما دلّ عليه، ويعمل بالعام فيما انفرد به عنه) (1) (، ومن الأمثلة على ذلك: ما روي عن أبي هريرة (أن رسول الله (انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله، فقال رسول الله (: {أصدق ذو اليدين؟} فقال الناس: نعم، فقام رسول الله (فصلى ركعتين أُخريين، ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع) (2) ( فيقابله: ما روي عن ابن مسعود (أنه قال: قال رسول الله (: {إن الله يُحدث من أمره ما يشاء، وإن الله (قد أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة} ) (3) (. وما روي عن زيد بن أرقم (أنه قال: (إنْ كنا لنتكلم في الصلاة على عهد النبي (يُكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت (حافظوا على الصلاة () (4) (الآية فأمرنا بالسكوت)) (5) (.   (1) انظر: البصري: المعتمد 176، والباجي: إحكام الفصول 1/160- 162، والإشارة 196- 198، والآمدي: الإحكام 4/474، 475، والعضد: شرح المختصر 2/314، والزركشي: البحر المحيط 6/165، والمحلي: شرح الورقات 55، 56، والمارديني: الأنجم الزاهرات 194، 195، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 674، وأمير بادشاه: تيسير التحرير 3/ 159، وبحر العلوم: فواتح الرحموت 2/ 206. (2) أخرجه: مالك في الموطأ (206) واللفظ له، والمدونة 1/ 158، والبخاري (714) ، ومسلم (99/ 573) . (3) أخرجه: أبو داود (924) واللفظ له، والنسائي (1220) . (4) من الآية 238 من سورة البقرة. (5) متفق عليه: البخاري (1200) واللفظ له، ومسلم (35/ 539) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 131 وما روي عن معاوية بن الحكم (أنه قال: سمعت رسول الله (يقول: … : {إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن} ) (1) (. وقد بين مالك أن هذه الأخبار غير متعارضة، وأن الجمع بينها ممكن؛ لأنه لم يتمسك بظواهر ما يقتضي منها تحريم الكلام في الصلاة كيف كان؛ أي: على العموم، وإنما ذهب إلى تخصيصها بالخبر الذي يفيد أن من تكلم فيها متعمداً على جهة إصلاحها، أو ناسيا، بنى على صلاته ولم يعدها، إن كان قليلاً غير متباعد، وسجد سجدتي السهو بعد السلام، وإن كان مع الإمام فإنه يحمل ذلك عنه) (2) (. وتعرض مالك كذلك لجملة من المسائل التي تباينت فيها الأخبار لتباين العام والخاص، فجمع بينها بحمل العام على الخاص، من ذلك: ما يقوله السامع للمؤذن) (3) (، واشتراط النصاب في زكاة النبات) (4) (وجناية البهيمة) (5) (.   (1) أخرجه: مسلم (33/ 537) . (2) انظر: مالك: المدونة 1/ 134، 158، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 143، 144، وابن قدامة: المغني 6/ 695. (3) انظر: مالك: المدونة 1/ 101، 102، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 131، وابن قدامة: المغني 2/ 427، والكحلاني: سبل السلام 1/ 127، والشوكاني: نيل الأوطار 2/ 52. (4) انظر: مالك: الموطأ (612) ، والمدونة 1/ 321، 322، والغزالي: المستصفى 2/ 141، وابن العربي: أحكام القرآن 1/ 313، 2/ 287، 288، والحازمي: الاعتبار 38، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 353، 354، وابن قدامة: المغني 6/ 695، 696، والنووي: صحيح مسلم بشرحه 7/ 54، وابن الهمام: فتح القدير 2/ 241- 258، والمحلي: شرح الورقات 58، والمارديني: الأنجم الزاهرات 198، 199. (5) انظر: مالك: الموطأ (1431) ، والبخاري (1499) ، ومسلم (45/ 1710) ، والدارقطني: سنن الدارقطني (3273، 3352) ، والبيهقي: السنن الكبرى 8/ 341، والكحلاني: سبل السلام 3/ 264، والشوكاني: نيل الأوطار 5/ 325. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 132 المطلب السابع: الجمع بين الخبرين لتعارضهما في العموم والخصوص الوجهي إذا كان الخبران المتعارضان بينهما عموم وخصوص وجهي، وذلك بأن تلتقي دلالتهما العامة والخاصة على شيء، وينفرد أيضاً كل منهما في شيء آخر، فإنه والحال كذلك نخصص عموم الأول بالخصوص الكائن في الثاني، ثم نعكس؛ أي: نخصص عموم الثاني بالخصوص الوارد في الأول، ولا يتأتى العمل بأحدهما معيناً من غير مرجح لما في ذلك من التحكم) (1) (، ومن الأمثلة على ذلك: أن مالكاً قال في المدونة: "قال رسول الله (: {من نسي صلاة فليصلها حين يذكرها} ) (2) (، قال: ومن ذكر صلاة نسيها فليصلها إذا ذكرها في أية ساعة كانت من ليل أو نهار عند مغيب الشمس أو عند طلوعها، قال: وإن بدا حاجب الشمس فليصلها، قال: وإن غاب بعض الشمس فليصلها إذا ذكرها ولا ينتظر، وذلك أن رسول الله (قال: {من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها} ، قال مالك: فوقتها حين يذكرها فلا يؤخرها عن ذلك") (3) (. ولمسلم عن أنس بن مالك (: (من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)) (4) (. فيعارض ذلك أخبار أخرى تفيد انه لا تجوز الصلاة أيّاً كانت فريضة مقضية، أو سنة، أو نافلة، في أوقات معينة بإطلاق منها: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله (قال: {لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها} ) (5) (.   (1) انظر: المحلي: شرح الورقات 59، والمارديني: الأنجم الزاهرات 198، والشنقيطي: مذكرة أصول الفقه 322. (2) وأخرجه أيضا: مالك في الموطأ (24) ، والبخاري (597) ، ومسلم (314/ 684) . (3) 1/ 153، 154، وانظر أيضا: ابن رشد: بداية المجتهد 1/ 123. (4) 315/ 684) . (5) أخرجه: مالك في الموطأ (515) ، والبخاري (585) ، ومسلم (289/ 828) ، وكلهم بلفظه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 133 وما روي عن أبي هريرة (: أن رسول الله (: (نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)) (1) (. وما روي عن عقبة بن عامر (أنه قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله (ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نَقْبُرَ فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تَضَيَّفُ الشمس للغروب حتى تغرب)) (2) (. إذاً إذا انضافت الأوقات المكروهة فيها الصلاة، المذكورة في هذه الأخبار إلى بعضها بعضاً كانت خمسة وهي: بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وحين طلوع الشمس حتى ترتفع، وحين زوال الشمس وقت الظهر، وبعد العصر حتى تغيب الشمس، وحين تميل الشمس للغروب. وقد بين مالك أن هذه الأخبار المتعارضة تدل على بعضها بعضا، لأن أول خبرين عامان في الأوقات؛ أي: أنهما يدلان على أنه يجوز لمن فاتته صلاة بنسيان أو نوم قضاؤها في أي وقت من الأوقات منهي عن الصلاة فيه أو غير منهي، خاصان من جهة الصلاة في الصلاة الفائتة، والأخبار الثلاثة المباينة لهما، عامة في الصلاة؛ أي: تدل على عدم الصلاة مطلقاً سواء كانت فائتة أم لا، وسواء كان لها سبب أم لا، خاصة من جهة الأوقات في الأوقات المكروهة كما ترشد أوجه دلالتها.   (1) أخرجه: مالك في الموطأ (516) واللفظ له، والبخاري (588) ، ومسلم (285/ 825) . (2) أخرجه: مسلم (293/ 831) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 134 وبناء على ذلك أثبت مالك أن نهي النبي (ههنا لا يناط بكل صلاة لزمت المصلي بوجه من الوجوه، وإنما استثنى قضاء الصلوات المفروضة إذا فاتت لناسٍ في أي وقت ذكرها، أو لنائم حينما يستيقظ، وبذلك أكد أن النهي في هذه الأوقات يختص بالنوافل سواء كانت تفعل لسبب كتحية المسجد أم لغير سبب) (1) (. المطلب الثامن: الجمع ببيان المقيد للمطلق إذا تعارض خبران وكان أحدهما مطلقاً والثاني مقيدا، فإنه يجمع بينهما باتفاق العلماء بحمل المطلق على المقيد) (2) (؛ لكنهم اختلفوا في الحالات التي يجوز فيها الحمل من عدمه) (3) (، وكما لا يخفى عليك فإن المجال لا يتسع لذكرها ومناقشتها ههنا؛ ولكنَّ الذي يعنينا في هذا المقام ذكر أمثلة تطبيقية تبين مذهب مالك في الجمع ببيان المقيد للمطلق، وذلك فيما يأتي: روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي (قال: {الطفل لا يُصلى عليه، ولا يرث، ولا يورث حتى يستهل} ) (4) (.   (1) انظر: مالك: المدونة 1/ 153، 154، والشافعي: الرسالة 316- 330، والأم 1/ 97، 98، والخطابي: معالم السنن 1/ 250، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 123، 124، وابن قدامة: المغني 2/ 107، وابن الهمام: فتح القدير 1/ 217- 239، والكحلاني: سبل السلام 1/ 111- 114، والشوكاني: نيل الأوطار 2/ 25- 28. (2) انظر: العضد: شرح المختصر 2/ 314، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 675، 676. (3) انظر: الشيرازي: اللمع 43، 44، وابن قدامة: روضة الناظر 2/ 765- 769، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 266- 268، وبحر العلوم: فواتح الرحموت 1/ 361- 368، والشوكاني: إرشاد الفحول 164- 166. (4) أخرجه: الترمذي (1032) واللفظ له، وابن ماجه (1508) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 135 فيعارضه: ما روي عن المغيرة بن شعبة (أن النبي (قال: {الطفل يُصلى عليه} ) (1) (. فدفعاً للتعارض وجمعاً بين الحديثين، ذهب مالك إلى أن الطفل لا يصلى عليه، ولا يرث ولا يُورث ولا يسمى ولا يغسل ولا يحنط حتى يستهل صارخا؛ لأنه حمل حديث المغيرة (المنتشر بلا قيد، على القيد الذي ذكر في حديث جابر () (2) (. ومن ذلك: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (من لم يجد نعلين فليلبس خفين؛ وليقطعهما أسفل من الكعبين)) (3) (. فيقابله: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (سمعت النبي (يخطب بعرفات من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين)) (4) (. فمن أجل التوفيق بين الحديثين، ذهب مالك: إلى أن هذا القطع واجب؛ إذ رأى أن حديث ابن عباس رضي الله عنهما مطلق عن شرط القطع، فلم يبق على شيوعه، وإنما يحمل على حديث ابن عمر رضي الله عنهما المقيد بالقطع) (5) ( المطلب التاسع: الجمع ببيان الاختلاف من جهة المباح   (1) أخرجه: أبو داود (3180) ، والترمذي (1031) ، والنسائي (1942) ، وابن ماجه (1507) ، وكلهم بلفظه ما عدا أبا داود جاء في روايته السقط بدلاً من الطفل. (2) انظر: المدونة 1/ 193، وابن العربي: أحكام القرآن 3/ 273، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 314. (3) أخرجه: مالك في الموطأ (715) ، والبخاري (1542) ، ومسلم (3/ 1177) ، واللفظ لمالك ومسلم. (4) متفق عليه: البخاري (5804) واللفظ له، ومسلم (4/ 1178) . (5) انظر: مالك: المدونة 1/ 86، 412. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 136 إذا جاء عن الرسول (فعلان متباينان فأزيد، لأمر واحد، بأن يفعل أحدهما تارة ويتركه تارة أخرى، أو يفعل نقيضه، وتيسر استخدامها كلها لكونها مباحة، تعين استخدامها، وعلى المكلف فعل أحدها على سبيل التخيير، ومن الأمثلة على ذلك: ما قاله مالك: في المدونة: "قد اختلفت الآثار في التوقيت يريد في الأعداد، وروي أن رسول الله (توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثاً ثلاثاً ومرتين في بعض الأعضاء وثلاثاً في بعضها، وليس الاختلاف في هذا اختلاف تعارض وإنما هو اختلاف تخيير وإعلام بالتوسعة") (1) (. ومنها: مسح الوضوء بالمنديل) (2) (. المبحث الثاني: النسخ بين الأحاديث المتعارضة إذا كان النسخ بين الأخبار متحققا، فإن مالكاً لا يعمد ألبته إلى دحضه بأي وجه من وجوه الجمع المعتبرة، وإنما امتثالاً وإذعاناً لما كشف عنه الشارع الحكيم، يلجأ مباشرة إلى نسخ أحدهما بالآخر؛ وذلك بأن يحكم أن المتأخر منهما رافع لحكم المتقدم) (3) (، وأشهر القرائن وأثبتها التي يستدل بها على معرفة ذلك أربعة، وهي: ما يعرف بتصريح الرسول (، أو بتصريح الصحابي، أو بالتاريخ، أو بدلالة الإجماع) (4) (، وإليك القول الجملي فيها:   (1) 2/ 564، وانظر أيضا: الموطأ (31) ، والبخاري (157- 160) ، ومسلم (3/ 226- 18/ 235) ، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 15، والشوكاني: نيل الأوطار 1/ 141، 172، 173. (2) انظر: مالك: المدونة 1/ 69، 70، والشوكاني: نيل الأوطار 1/ 175، 176. (3) انظر: ابن الصلاح: علوم الحديث 277، وابن الحاجب: المختصر 2/ 185، 309، 310، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 421، وابن القيم: اعلام الموقعين 1/ 35، والشاطبي: الموافقات 3/ 81، 4/ 88، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 273، ومحمد منصور: منزلة السنة 436- 442. (4) انظر: الشافعي: الأم 5/ 599، وابن الصلاح: علوم الحديث 277، 278. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 137 1- ما يعرف بتصريح الرسول (: ومن أمثلته: ما روي عن أبي سعيد الخدري (أنه قَدِمَ من سفر، فقدم إليه أهله لحما، فقال أبو سعيد: ألم يكن رسول الله (نهى عنها؟ فقالوا: إنه قد كان من رسول الله (بعد أمر، فخرج أبو سعيد فسأل عن ذلك فَأُخْبِرَ أن رسول الله (قال: {نهيتكم عن لحوم الأضحى بعد ثلاث، فكلوا وتصدقوا وادَّخِروا، ونهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا، وكل مسكر حرام، ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هُجْرا} . يعني لا تقولوا سُوءَا) (1) (. 2- ما يعرف بقول الصحابي: ومن أمثلته: حديث أُبَي بن كعب (أن الفُتيا التي كانوا يفتون أن (الماء من الماء)) (2) (كانت رخصة رخصها رسول الله (في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد) (3) (. ومنها: ما روي عن أبي هريرة (عن رسول الله (أنه قال: {توضئوا مما مست النار} ) (4) (.   (1) أخرجه: مالك في الموطأ (1042) ، وانظر أيضا: مسلم (39، 41/ 1977) ، والشيرازي: اللمع 61، والغزالي: المستصفى 1/ 128، والحازمي: الاعتبار 200- 202، 233- 237، وابن قدامة: روضة الناظر 1/ 314، وابن الصلاح: علوم الحديث 277، والقرافي: نفائس الأصول 9/ 3904، والعضد: شرح المختصر 2/ 195، 196، والسيوطي: تدريب الراوي 2/ 190، 191، وأمير بادشاه: تيسير التحرير 3/ 222، وبحر العلوم: فواتح الرحموت 2/ 95، والشوكاني: إرشاد الفحول 197. (2) أخرجه: من حديث أبي سعيد الخدري (مسلم (80/ 343) . (3) أخرجه: أبو داود (215) واللفظ له، والترمذي (110) ، وابن ماجه (609) ، وانظر أيضا: مالك: المدونة 1/ 78، 79، ومسلم (87- 89/ 348- 350) ، والحازمي: الاعتبار 52- 61، وابن الصلاح: علوم الحديث 277، وآل تيمية: المسودة 222، والسيوطي: تدريب الراوي 2/ 191. (4) أخرجه: مسلم (90/ 352) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 138 ثم نسخ ذلك بما روي عن جابر (إذ قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله (ترك الوضوء مما غيرت النار)) (1) (. 3- ما يعرف بالتاريخ: كحديث شداد بن أوس (أن رسول الله (أتى على رجل بالبقيع، وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال: {أفطر الحاجم والمحجوم} ) (2) (. فيقابله: حديث ابن عباس رضي الله عنهما إذ قال: (احتجم النبي (وهو صائم)) (3) (. وقد ذهب مالك إلى أن خبر شداد (كان عام الفتح سنة ثمان، بينما خبر ابن عباس رضي الله عنهما كان عام حجة الإسلام سنة عشر؛ أي: بعده بسنتين فيكون ناسخاً له) (4) (. 4- ما يعرف بدلالة الإجماع: كحديث معاوية بن أبي سفيان (، قال: قال رسول الله (: {إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاقتلوهم} ) (5) (.   (1) أخرجه: أبو داود (192) واللفظ له، والنسائي (185) ، وانظر أيضا: الشيرازي: اللمع 61، والحازمي: الاعتبار 77- 86، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 46، وابن الصلاح: علوم الحديث 277، 278، والسيوطي: تدريب الراوي 2/ 191. (2) أخرجه: أبو داود (2369) واللفظ له، وابن ماجه (1681) . (3) أخرجه: البخاري (5694) . (4) انظر: مالك: الموطأ (663- 665) ، والشافعي: الأم 5/ 640، والحازمي: الاعتبار 216، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 293، 294، وابن الصلاح: علوم الحديث 278، والسيوطي: تدريب الراوي 2/ 191، 192. (5) أخرجه: أبو داود (4482) واللفظ له، والترمذي (1444) ، وابن ماجه (2573) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 139 فقتل شارب الخمر في المرة الرابعة كان في أول الأمر ثم نسخ بعد، بانعقاد الإجماع على وضعه، والإجماع كما يدل الاستقراء والتمحيص لا ينسخ نصا؛ لأنه لا ينعقد إلاّ بعد انتهاء زمن النص، والنسخ لا يكون إلاّ بنص، ولكن يدل على وجود ناسخ غيره) (1) (. المبحث الثالث: الترجيح بين مختلف الحديث ذكر العلماء وجوهاً للترجيح بين مختلف الحديث تكاد تتجاوز العد كثرة) (2) (، أو حتى لا تتناهى) (3) (، كما أن هنالك منها ما هو افتراضي، لا يمت إلى الواقع بصلة، وليس له أثر في الفقه، ولكن يمكن من رام هذه الصناعة أن يقف من تلقاء نفسه على تلك المرجحات التي لا تنحصر دون حاجة إلى تعدادها؛ لأن مثارها غلبة الظن) (4) (، إلاّ أن المتأمل فيها يجدها تتداخل فيما بينها؛ لذلك آثرت تيسيراً لإدراكها، وتنظيماً للعمل، ردها جميعاً وحصرها وضبطها في ثلاثة مطالب إجمالية، بحيث يندرج ما عداها تحتها) (5) (وهي: المطلب الأول: الترجيح من جهة الأسانيد وما يتعلق بها   (1) انظر: مالك: الموطأ (1530- 1533) ، والمدونة 6/ 2848، والشافعي: الأم 5/ 550،642، 643، والترمذي (1444) ، والخطابي: معالم السنن 6/ 287، والبيهقي: السنن الكبرى 8/ 314، والحازمي: الاعتبار 298- 300، وابن الصلاح: علوم الحديث 278، والسيوطي: تدريب الراوي 2/ 191، 192. (2) انظر: الحازمي: الاعتبار 14، والآمدي: الإحكام 4/ 463- 468، والأرموي: التحصيل 2/ 263- 270، وابن السبكي: الإبهاج 3/ 218- 233، والزركشي: البحر المحيط 6/ 149- 179، والسيوطي: تدريب الراوي 2/ 198، والعبادي: الآيات البينات 4/ 297، والشوكاني: إرشاد الفحول 276- 280. (3) انظر: ابن رشد: الضروري 146. (4) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 645، وابن رشد: الضروري 146، والرازي: المحصول 5/ 443، والأنصاري: غاية الوصول 147، والشوكاني: إرشاد الفحول 278 (5) انظر: الغزالي: المستصفى 2/ 395، وابن قدامه: روضة الناظر 3/ 1030- 1038. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 140 في هذا المطلب أعرض وجوه الترجيح المندرجة تحته في قسمين: الأول منهما يتناولها باعتبار حال الراوي، أما الثاني فباعتبار مجموع السند؛ أي: قوته في مجموعه، وذلك فيما يأتي: القسم الأول: وجوه الترجيح باعتبار حال الراوي الوجه الأول: الترجيح بقوة الحفظ وزيادة الضبط وما في معناهما: أن يكون راوي أحد الخبرين أحفظ وأضبط، وراوي الذي يعارضه دون ذلك، وإن كان كل واحد منهما ثقة يحتج بروايته إذا انفرد، فيقدم خبر الحافظ الضابط؛ لأن الثقة بروايته أكثر) (1) (، ومثاله) (2) (: ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله (قال: {من أعتق شِرْكاً له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوِّمَ عليه قيمة العدل، فأعطى شركاءه حِصَصَهُم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عَتَقَ منه ما عَتَقَ} ) (3) (.   (1) انظر: البصري: المعتمد 179، 180، والباجي: إحكام الفصول 2/ 648، 649، والإشارة 331، وإمام الحرمين: البرهان 2/ 1166، 1167، والغزالي: المستصفى 2/ 395، والسمرقندي: الميزان 733، وابن قدامة: روضة الناظر 3/ 1032، وابن الحاجب: المختصر 2/ 310، والأرموي: الحاصل 2/ 977، 978، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 422، والأرموي: التحصيل 2/ 264، والزركشي: البحر المحيط 6/ 156، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 635، وأمير بادشاه: تيسير التحرير 3/ 163، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 278. (2) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 648، 649، وابن رشد: بداية المجتهد 2/ 400- 401. (3) الموطأ (1458) ، والبخاري (2522) ، ومسلم (1/ 1501) ، واللفظ لمالك ومسلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 141 فيعارضه: ما رواه الشيخان عن بشر بن محمد) (1) (عن عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة) (2) (عن قتادة عن النضر بن أنس) (3) (عن بشير بن نَهيك) (4) (عن أبي هريرة (عن النبي (قال: {من أعتق شَقيِصاً من مملوكه فعليه خَلاصُهُ في ماله فإن لم يكن له مال قُوِّمَ المملوك قيمة عَدْل، ثم اسْتُسْعِيَ غير مشقوق عليه} ) (5) (. وقد رجح مالك ما رواه؛ لأنه رواه كما ذكرنا آنفاً عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما وهم جميعاً حفاظ أئمة) (6) (، قال البخاري: أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما) (7) (، بخلاف الخبر المخالف؛ إذ رواه سعيد بن أبي عروبة وهو كما بينا في ترجمته كثير التدليس واختلط. الوجه الثاني: الترجيح بكثرة المزكين للراوي:   (1) هو: بشر بن محمد السَّخْتياني، أبو محمد، المَرْوزي، صدوق، رُمي بالإرجاء، توفى سنة 224هـ. له ترجمة في: المزي: تهذيب الكمال (693) ، وابن حجر: تهذيب التهذيب 1/ 401. (2) هو: سعيد بن أبي عروبة، أبو النضر البصري، ثقة حافظ، لكنه كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة، توفي سنة 157هـ. له ترجمة في: ابن النديم: الفهرست 375العارفين 5/ 387. (3) هو: النضر بن أنس بن مالك الأنصاري، أبو مالك البصري، ثقة، روى عن أبيه وابن عباس، مات سنة بضع ومائة. له ترجمة في: المزي: تهذيب الكمال (7011) ، وابن حجر تهذيب التهذيب 10/ 389. (4) هو: بشير بن نَهيك، السدوسي، ويقال: السلولي، أبو الشعتاء البصري، تابعي، وثقة العِجْلِي والنسائي، وضعفه أبو حاتم. له ترجمة في: الذهبي: الميزان (1439) ، وابن حجر: تهذيب التهذيب 1/ 412، 413. (5) متفق عليه: البخاري (2492) واللفظ له، ومسلم (3/ 1503) . (6) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 649. (7) انظر: ابن حجر: تهذيب التهذيب 10/ 369. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 142 أن تكون كثرة المزكين في جانب أحد الخبرين فيرجح على الآخر؛ لأن التزكية مؤثرة للغاية في باب الرواية؛ لأنها ترفع مرتبتها وتؤكد صحتها) (1) (، ومن أمثلته ما روي عن أبي هريرة (عن النبي (أنه قال: {من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء} ) (2) (. وما روي عن بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله (يقول: {إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ} ) (3) (. فيقابلهما: ما روي عن قيس بن طلق) (4) (عن أبيه (قال: خرجنا وفداً حتى قدمنا على رسول الله (فجاءه رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله، ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال: {وهل هو إلاّ مُضغة منك} ) (5) ( غير أن مالكاً قدم حديثي أبي هريرة وبسرة رضي الله عنهما؛ لأن رواتهما كَثُرَ مزكوهم، على حديث طلق (؛ لأنهم قلوا: بل واختلف أيضاً في عدالتهم) (6) (. الوجه الثالث: الترجيح بتأخر إسلام الراوي:   (1) انظر: ابن السبكي: الإبهاج 3/ 222، والزركشي: البحر المحيط 6/ 156، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 279، والعطار: حاشية العطار 2/ 406، 407. (2) أخرجه: أحمد في المسند 2/ 333. (3) أخرجه: مالك في الموطأ (88) ، والمدونة 1/ 64، وأبو داود (181) ، والترمذي (82) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (163) ، وابن ماجه: (479) ، واللفظ لمالك والنسائي وابن ماجه. (4) هو: قيس بن طلق بن علي الحنفي اليمامي، وثقة العجلي وابن معين وضعفه أحمد. له ترجمة في: الذهبي: الميزان (7367) ، وابن حجر: تهذيب التهذيب 8/ 356. (5) أخرجه: مالك في المدونة 2/ 572، وأبو داود (182) ، والترمذي (85) ، والنسائي (165) ، وابن ماجه: (483) ، واللفظ لمالك وأبي داود والنسائي. (6) انظر: مالك: المدونة: 1/ 63، 2/ 572، 573، وابن السبكي: الإبهاج 3/ 222، والزركشي: البحر المحيط 6/ 156، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 279، والعطار: حاشية العطار 2/ 406، 407. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 143 أن يكون أحدهما متقدم الإسلام والآخر متأخرا، فالأولى ترجيح رواية من تأخر إسلامه على من تقدم؛ لأن تأخر الإسلام دليل على أن روايته آخرا) (1) (، ومن أمثلة ذلك: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما إذ قال: قال رسول الله (: {لا رضاع إلاّ ما كان في الحولين} ) (2) (. فيعارضه: ما روي عن عائشة رضي الله عنها حيث قالت: جاءت سهلة بنت سُهيل إلى النبي (فقالت يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم -وهو حليفه- فقال النبي (: {أرْضِعِيهِ} ، قالت: وكيف أُرْضِعُهُ وهو رجل كبير؟ فتبسم رسول الله (وقال: {قد علمت أنه رجل كبير} ) (3) (. فاعتمد مالك خبر ابن عباس رضي الله عنهما الذي يبين أن حكم التحريم يختص بالصغير؛ لأنه تأخر إسلامه، فهو لم يَقْدِم المدينة إلاّ قبل الفتح، أما قصة سالم فكانت في أول الهجرة؛ لأن سهلة امرأة أبي حذيفة هاجرت عقب نزول قوله تعالى: (ادعوهم لآبائهم () (4) (، والآية نزلت في أوائل الهجرة) (5) (.   (1) انظر: الرازي: المحصول 5/ 425، والأرموي: الحاصل 2/ 981، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 423، والإسنوي: نهاية السول 4/ 490، والزركشي: البحر المحيط 6/ 158، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 644، والعبادي: الآيات البينات 4/ 299، 300، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 282. (2) أخرجه: الدارقطني (4318) . (3) أخرجه: مسلم (26/ 1453) . (4) من الآية 5 من سورة الأحزاب. (5) انظر: مالك: المدونة 3/1087- 1089، والبخاري (4000) ، والخطابي: معالم السنن 3/10،11، وابن عبد البر: الاستيعاب (886) ، والنووي: صحيح مسلم بشرحه 10/30،31، وابن القيم: التهذيب 3/11،12. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 144 ومنها: تقديم مالك أيضاً لحديثي أبي هريرة وبسرة رضي الله عنهما؛ لتأخر إسلامهما، على حديث طلق (، فإن طلقاً قدم المدينة في السنة الأولى من الهجرة، وسمع من النبي (حديث عدم النقض، حين كان يبني مسجده في بدء الإسلام، أما أبو هريرة (فأسلم عام خيبر؛ أي: بعدها بست سنين، وبسرة رضي الله عنها أسلمت عام الفتح؛ أي: بعدها بثمان) (1) (. قال الجعبري) (2) (: "فمذهب … مالك في الأشهر أن أحاديث النقض محكمة ناسخة لأحاديث الرخصة لصحتها وتأخرها عن حديث طلق [ولِمَا سيأتي إن شاء الله تعالى] ورجحانها بكثرة الرواة") (3) (. الوجه الرابع: الترجيح بكون أحدهما صاحب الواقعة أو المباشر لها:   (1) انظر: مالك: المدونة 2/572، والخطابي: معالم السنن 1/133، والبيهقي: السنن الكبرى 1/135، وإمام الحرمين: البرهان 2/1159. (2) هو: إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الجعبري، الخليلي، الشافعي، توفي سنة 732هـ. له ترجمة في: الإسنوي: طبقات الشافعية (351) ، وابن كثير: البداية والنهاية 14/160. (3) رسوخ الأخبار 194. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 145 يقدم خبر من كان أشد ملابسة بما رواه على من عداه؛ لأنه يكون بلا ريب أعلم من غيره به وألصق، وأبعد عن الذهول والتخليط فيه؛ لذلك فإن القلب إلى قبول روايته أميل، والظن في صحته أغلب) (1) (، ومن الأمثلة على ذلك: ما روي عن عائشة رضي الله عنها، أن رجلاً قال لرسول الله (وهو واقف على الباب وأنا أسمع: يا رسول الله إني أصبح جُنباً وأنا أريد الصيام، فقال (: {وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم} ، فقال له الرجل: يا رسول الله إنك لست مثلنا، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله (وقال: {والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي} ) (2) (. وما روي عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أنهما قالتا: (كان رسول الله (يصبح جنبا، من جماع غير احتلام، في رمضان، ثم يصوم)) (3) (. فيقابلهما: ما روي عن أبي هريرة (أنه قال: (من أصبح جنباً أفطر ذلك اليوم … الحديث)) (4) (.   (1) انظر: البصري: المعتمد 179، 183، والباجي: إحكام الفصول 2/ 647، والإشارة 331، والغزالي: المستصفى 2/ 395، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 423، والزركشي: البحر المحيط 6/ 154، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 620، 637، والبناني: حاشية البناني 2/ 366، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 281- 283، والعطار: حاشية العطار 2/ 409، والشنقيطي: مذكرة أصول الفقه 321. (2) أخرجه: مالك في الموطأ (642) واللفظ له، ومسلم (79/ 1110) . (3) أخرجه: مالك في الموطأ (643) واللفظ له، والبخاري (1931، 1932) ، ومسلم (78/ 1109) . (4) أخرجه: مالك في الموطأ (644) واللفظ له، والبخاري (1925، 1926) ، ومسلم (75/ 1109) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 146 غير أن مالكاً قال في المدونة: "لا بأس أن يتعمد الرجل أن يصبح جنباً في رمضان") (1) (؛ إذ اعتبر ما روته عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما عن زوجهما رسول الله (، هو الراجح في الموضوع؛ لأنهما أعلم بكيفية الأمر، وبحاله (من غيره) (2) (. ومنها: ما روي عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة زوج النبي (كانوا يقولون: (إذا مس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل)) (3) (. وهنالك طائفة من الأخبار، تؤكد معناه وتعضده) (4) (. لكن يقابلها: ما روي عن أبي سعيد الخدري ( [في سياق قصة] أن الرسول (قال: {إنما الماء من الماء} ) (5) (. وقد جاءت أخبار أخرى تحمل نفس معناه) (6) (. إلاّ أن مالكاً رجح خبر عائشة رضي الله عنها ومن وافقها حيث قال في المدونة: "إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل") (7) (؛ لأنها صاحبة الموضوع، والمباشرة له، فتكون أقعد بما باشرت وأعرف بشأنها وأثبت) (8) (. الوجه الخامس: الترجيح بفقه الراوي: تقدم رواية الفقيه على من دونه سواء كانت الرواية بالمعنى أم باللفظ؛ لأنه أعرف بمقتضيات الألفاظ. ولكن هنالك من العلماء من قال: هذا الترجيح إنما يكون في خبرين مرويين بالمعنى، أما المروي باللفظ فلا ينطبق عليه ذلك.   (1) 1/ 213، وانظر أيضا: ابن رشد: بداية المجتهد 1/ 398. (2) انظر: التلمساني: مفتاح الوصول 148، والزركشي: البحر المحيط 6/ 154. (3) أخرجه: مالك في الموطأ (100) . (4) انظر: مالك: الموطأ (101- 104) ، والمدونة 1/ 79، والبخاري (291) ، ومسلم (87- 89/ 348 -350) . (5) تقدم تخريجه، انظر رقم 83. (6) انظر: البخاري (180، 292، 293) ، ومسلم (81 -86/ 343- 347) . (7) 1/ 78. (8) انظر: الحازمي: الاعتبار 19،20. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 147 والراجح الأول؛ لأن الاسترواح إلى حديث الفقيه أولى؛ لكون الوثوق باحترازه أتم؛ لتمييزه بين ما يجوز وما لا يجوز) (1) (. وذلك كتقديم مالك رواية عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما بأن الغسل من الجنابة ليس شرطاً في صحة الصوم على رواية أبي هريرة (أنه شرط في صحته؛ لأنهما كانتا أفقه من أبي هريرة () (2) (. وتقديمه أيضاً رواية عائشة رضي الله عنها بأنه يجب الغسل بمجرد التقاء الختانين وإن لم يحدث إنزال، على رواية أبي سعيد (بأن ذلك لا يكون إلاّ بالإنزال؛ لذات السبب) (3) (. الوجه السادس: ترجيح رواية من كان أحسن استقصاء:   (1) انظر: الشيرازي: اللمع 84، والحازمي: الاعتبار 20، والرازي: المحصول 5/ 415، 416، والآمدي: الإحكام 4/ 465، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 423، وابن السبكي: الإبهاج 3/ 220، والزركشي: البحر المحيط 6/ 153، والعبادي: الآيات البينات 4/ 297، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 277، 278، والعطار: حاشية العطار 2/ 406. (2) انظر: مالك: المدونة 1/ 213، والزركشي: البحر المحيط 6/ 153. (3) انظر: مالك: الموطأ (100- 104) ، والمدونة 1/ 78. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 148 إذا كان أحد الراويين أبلغ استقصاء للحديث وأحسن نسقاً وسياقاً له من غيره، فيقدم على معارضه؛ لأن ذلك يدل على شدة اهتمامه بحكمه، وحفظ جميع أمره، بخلاف من لم يتحقق فيه ذلك، فإنه يحتمل أن يكون قد سمع جزءاً من الحديث، فتوهم أن ما سمعه هو المراد، وبه تتم الإفادة كاملة غير منقوصة؛ لذا اكتفى بما سمعه، مع أن الخبر قد يكون مرتبطاً بكلام آخر يتمم معناه، ولا يكون قد تنبه إليه) (1) (، وذلك مثل أن يقدم مالك) (2) (ما روي عن جابر (في إفراد الحج؛ إذ قال: في وصف حجة النبي ((أهللنا أصحاب رسول الله في الحج خالصاً ليس معه عمرة)) (3) (، على ما روي عن أنس (في القران، حيث قال: (أهل النبي (بحج وعمرة)) (4) (؛ لأن جابراً كان أكثر الناس استيفاء لحج الرسول (؛ إذ سرد الحديث من حال كون النبي (في المدينة إلى أن عاد إليها، فدل ذلك على تهممه وحفظه وضبطه وإتقانه لحجة النبي (، أما من نقل لفظة واحدة من الحج فإنه يجوز أنه لم يعلم سببها) (5) (. الوجه السابع: ترجيح رواية الكبير على رواية الصغير:   (1) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 658، والإشارة 336، والحازمي: الاعتبار 20، وآل تيمية: المسودة 308، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 423، والزركشي: البحر المحيط 6/ 161، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 636، والشوكاني: إرشاد الفحول 278. (2) انظر: مالك: المدونة 1/ 332، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 461. (3) متفق عليه: البخاري (7367) واللفظ له، ومسلم (147/ 1218) . (4) متفق عليه: البخاري (4353، 4354) ، ومسلم (185، 186/ 1232) . (5) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 658، والحازمي: الاعتبار 20، والزركشي، البحر المحيط 6/ 161. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 149 إذا كان أحد الراويين حين تحمل الراوية بالغا، والآخر صغيرا، فرواية البالغ أوثق؛ لأنه يكون مطلعاً على الأخبار، مرتبطاً بالوقائع، مهتماً بالأحداث، أكثر من الصغير؛ ولكونه أوسع منه تجربة، وأعمق خبرة، وأقرب ضبطا، وأزيد عناية، وأشد تحرزاً في روايته) (1) (، وَمَثَّلَهُ مالك بتقديم رواية ابن عمر رضي الله عنهما في الإفراد على رواية أنس (بالقران، إذ روي عن بكر) (2) (أنه ذكر لابن عمر أن أنساً حدثهم أن النبي (أهل بعمرة وحجة، فقال (أهل النبي (بالحج وأهللنا به معه)) (3) (؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما يرى: أن أنساً كان يلج على النساء وهن متكشفات الرؤوس؛ أي: أنه كان صغيرا) (4) (. الوجه الثامن: ترجيح رواية من كان أقرب مكاناً أو نسبا:   (1) انظر: الشيرازي: اللمع 83، والحازمي: الاعتبار 16، والرازي: المحصول 5/ 421، والآمدي: الإحكام 4/ 465، وابن الحاجب: المختصر 2/ 310، وآل تيمية: المسودة 307، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 424، والزركشي: البحر المحيط 6/153، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/647، وأمير بادشاه: تيسير التحرير 3/ 164، وبحر العلوم: فواتح الرحموت 2/ 208، والشوكاني: إرشاد الفحول 276. (2) هو: بكر بن عبد الله بن عمرو المزني، أبو عبد الله البصري، ثقة ثبت جليل، مات سنة 108هـ على الراجح. له ترجمة في: المزي: تهذيب الكمال (735) ، وابن حجر: تهذيب التهذيب 1/ 424، 425. (3) متفق عليه: البخاري (4353، 4354) واللفظ له، ومسلم (185، 186/ 1232) . (4) انظر: مسلم (185، 186/ 1232) ، وابن قدامة: المغني 3/ 278. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 150 تقدم رواية الأقرب مكاناً من الرسول (على رواية الأبعد؛ لأن قربه من الصورة الواقعية الماثلة أمامه، واتصاله بها اتصالاً مباشراً وثيقاً أكيداً محكما؛ يجعله أقدر استيعاباً لكلامه (، واستيفاء له، وأسمع) (1) (، وتقدم كذلك رواية من كان أقرب نسباً له (على غيرها؛ لأن الظاهر أن كثرة المخالطة تقتضي زيادة الاطلاع) (2) (؛ لهذا قدم مالك رواية ابن عمر رضي الله عنهما في الإفراد بالحج، على رواية أنس (بالقران، لِمَا ذكر ابن عمر رضي الله عنهما في حديثه أنه كان تحت ناقة رسول الله (ولعابها بين كتفيه، وأنه سمع إحرامه بالإفراد) (3) (. وأيضا: فإن ابن عمر رضي الله عنهما كان أقرب نسباً إلى النبي (من أنس (. الوجه التاسع: الترجيح بالمشافهة:   (1) انظر: الشيرازي: اللمع 83، والحازمي: الاعتبار 20، والآمدي: الإحكام 4/ 464، وآل تيمية: المسودة 306، والزركشي: البحر المحيط 6/ 155، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 641، 642، وأمير بادشاه: تيسير التحرير 3/ 164، وبحر العلوم: فواتح الرحموت 2/ 208، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 280، 281. (2) انظر: الزركشي: البحر المحيط 6/ 154، 155. (3) انظر: الحازمي: الاعتبار 20، والآمدي: الإحكام 4/ 465، والزركشي: البحر المحيط 6/ 155، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 642. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 151 إذا جمع أحد الراويين حالة أخذ الخبر بين المشافهة والمشاهدة، والثاني أخذه من وراء حجاب، فيؤخذ بالأول؛ لكونه أقرب إلى فهم المعاني، وإتقان الألفاظ، وأبعد عن السهو والخطأ؛ ولأنه شارك الرواية المأخوذة من وراء حجاب في السماع، وزاد عليها أيضاً بتيقن عين المسموع منه) (1) (؛ لهذا لَمَّا اختلف في زوج بريرة رضي الله عنها هل كان حرَّاً أو عبدا، لِمَا روى القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها اشترت بريرة من أناس من الأنصار واشترطوا الولاء، فقال رسول الله (فيه: {الولاء لمن ولي النعمة} ، وخيرها رسول الله (، وكان زوجها عبدا) (2) (، ورواه أيضاً عروة عنها؛ إذ قالت: (كان زوجها عبداً فخيرها رسول الله (فاختارت نفسها، ولو كان حراً لم يخيرها)) (3) (، ورواه كذلك الأسود بن يزيد عنها حيث قالت: (كان زوجها حرا)) (4) (. فكان مصير مالك إلى حديثي القاسم وعروة؛ إذ القاسم هو ابن أخيها، وعروة ابن أختها، فكانا يدخلان عليها ويسمعان من غير حجاب، أما الأسود فكان يسمع من وراء حجاب) (5) (. الوجه العاشر: ترجيح رواية أكابر الصحابة رضي الله عنهم:   (1) انظر: الحازمي: الاعتبار 22، 23، والآمدي: الإحكام 4/ 468، 469، والتلمساني: مفتاح الوصول 149، والزركشي: البحر المحيط 6/ 161، 162، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 639، وأمير بادشاه: تيسير التحرير 3/ 144، 145، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 286. (2) أخرجه: مسلم (11/ 1504) . (3) المصدر نفسه: (9/ 1504) . (4) أخرجه: البخاري (6751، 6754) ، وفيه قال الأسود: وكان زوجها حرا، قول الأسود منقطع. (5) انظر: الخطابي: معالم السنن 3/ 146، والحازمي: الاعتبار 23، والآمدي: الإحكام 4/ 469، والزركشي: البحر المحيط 5/ 162، والشوكاني: نيل الأوطار 6/ 154. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 152 إذا تعارض خبران وكان راوي أحدهما من أكابر الصحابة رضي الله عنهم، فإنه تقدم روايته على أصاغرهم رضي الله عنهم؛ لقربه من النبي (غالبا، فيكون أعلم بحاله من البعيد، والوثوق بقول الأعلم أتم وأحكم؛ ولأنه أشد تصوناً وصوناً لمنصبه من غيره) (1) (، ويمكن التمثيل لهذا الوجه بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (: (كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا، وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود)) (2) ( وقد روي مثل هذا أيضاً عن جمع غفير وعدد كثير من أكابر الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم) (3) (. ولكن يخالف ذلك ما روي عن البراء بن عازب (أن رسول الله (: (كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود)) (4) (.   (1) انظر: الآمدي: الإحكام 4/ 465، وابن الحاجب: المختصر 2/ 310، 311، وآل تيمية: المسودة 307، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 423، وابن السبكي: الإبهاج 3/ 220، والزركشي: البحر المحيط 5/ 154، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 643، وأمير بادشاه: تيسير التحرير 3/ 163، 164، وبحر العلوم: فواتح الرحموت 2/ 207. (2) أخرجه: مالك في الموطأ (160) ، والبخاري (735) واللفظ له، ومسلم (21- 26/ 390) . (3) انظر: الدارقطني: سنن الدارقطني (1120) ، والبيهقي: السنن الكبرى 2/ 74، 75، وابن السبكي: الإبهاج 3/ 220، والزركشي: البحر المحيط 6/ 154. (4) أخرجه: أبو داود (749) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 153 وما روي عن عبد الله بن مسعود (أنه قال: (صليت مع النبي (، ومع أبي بكر، ومع عمر رضي الله عنهما، فلم يرفعوا أيديهم إلاّ عند التكبيرة الأولى في افتتاح الصلاة)) (1) (. وقد ذهب مالك إلى أن حديثي البراء وابن مسعود رضي الله عنهما لا يوازيان حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ لأنه روي أيضاً عن غيره من أكابر الصحابة رضي الله عنهم؛ لهذا فهو يميل في أنص الروايتين عنه إلى أن رفع اليدين عند الانحطاط في الركوع وعند الارتفاع منه سنة) (2) (. القسم الثاني: وجوه الترجيح باعتبار مجموع السند الوجه الأول: الترجيح بكثرة الرواة:   (1) أخرجه: الدارقطني في سننه (1120) واللفظ له، والبيهقي في السنن الكبرى 2/ 79، 80كلاهما عن محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، وقال الدارقطني: "تفرد به محمد بن جابر وكان ضعيفا، عن حماد عن إبراهيم، وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلاً عن عبد الله من فعله غير مرفوع إلى النبي (، وهو الصواب". (2) انظر: ابن رشد: بداية المجتهد 1/ 161، وابن قدامة: المغني 1/ 497، وابن السبكي: الإبهاج 3/ 219، والزركشي: البحر المحيط 6/ 150. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 154 أن تكون رواة أحدهما أكثر من رواة الآخر، فيقدم الخبر الذي يزيد عدد رواته على معارضه؛ إذ احتمال الخطأ والسهو أبعد عن الأكثر وأقرب إلى الأقل، بل إن الظن يتأكد بترادف الروايات وتظاهرها، حتى ينتهي إلى القطع وهو التواتر) (1) (، ومن الأمثلة على ذلك: تقديم مالك أخبار نقض الوضوء نظراً لكثرة رواتها وتعددهم) (2) (. وتقديمه خبر رفع اليدين؛ لكثرة رواته أيضا. الوجه الثاني: ترجيح السماع على الكتابة:   (1) انظر: البصري: المعتمد 178 -180، وإمام الحرمين: البرهان 2/ 1162، والغزالي: المستصفى 2/ 397، والكلوذاني: التمهيد 3/ 202- 206، والسمرقندي: الميزان 733، 734، والرازي: المحصول 5/ 401، 414، وابن قدامة: روضة الناظر 3/ 1030، والآمدي: الإحكام 4/ 463، وابن الحاجب: المختصر 2/ 310، والقرافي: نفائس الأصول 8/ 3843، والتلمساني: مفتاح الوصول 148، والإسنوي: نهاية السول 4/ 474، والزركشي: البحر المحيط 6/ 150- 152، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 628، 633، والعبادي: الآيات البينات 4/ 289، 296، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 284، والمطيعي: سلم الوصول 4/ 474. (2) انظر: مالك: المدونة 1/63، 2/ 572، 573، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 279. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 155 أن يكون أحدهما قد روى أحد الخبرين سماعاً أو عرضاً أو نحو ذلك، والآخر عول على المكتوب، فالأول أولى؛ لأنه أبعد عن شبهة الانقطاع لعدم المشافهة، ولما لعله يعتور الخط من تحريف وتصحيف، أو يلتبس بخط يشابهه) (1) (، لهذا قدم مالك في أشهر الروايتين عنه) (2) (ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: مرَّ رسول الله (بشاة ميتة كان قد أعطاها مولاة لميمونة زوج النبي (فقال: {أفلا انتفعتم بجلدها؟} فقالوا: يا رسول الله إنها ميتة، فقال رسول الله ( {إنما حرم أكلها} ) (3) (. وما روي عنه أيضا: أن رسول الله (قال: {إذا دبغ الإهاب فقد طهر} ) (4) (.   (1) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 653، 654، والإشارة 332، والغزالي: المستصفى 2/ 395، 396، والحازمي: الاعتبار 18، 19، والرازي: المحصول 5/ 420، والآمدي: الإحكام 4/ 464، 465، 469، وابن الحاجب: المختصر 2/ 310، وآل تيمية: المسودة 309، وابن السبكي: الإبهاج 3/ 222، والزركشي: البحر المحيط 6/ 156، والكراماستي: الوجيز 206، والأنصاري: غاية الوصول 142، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 653، والعبادي: الآيات البينات 4/ 298، وبحر العلوم: فواتح الرحموت 2/ 207، والبناني: حاشية البناني 2/ 364. (2) انظر: الخطابي: معالم السنن 6/ 64، والبيهقي: السنن الكبرى 1/ 15، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 92، 93، وابن حجر: الفتح 9/ 575، 576، والشوكاني: نيل الأوطار 1/ 61، 62. (3) أخرجه: مالك في الموطأ (1073) واللفظ له، والبخاري (1492) ، ومسلم (100، 101/ 363) ، والنسائي (4246) . (4) أخرجه: مالك في الموطأ (1073) ، ومسلم (105/ 366) ، وكلاهما بلفظه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 156 على ما روي عن عبد الله بن عُكَيْم؛ إذ قال: قرئ علينا كتاب رسول الله (بأرض جهينة وأنا غلام شاب: {أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب} ) (1) (؛ لأن هذا كتاب وذاك سماع) (2) (. الوجه الثالث: ترجيح المتفق على رفعه، على المختلف في رفعه، والمتفق على وقفه: يقدم الحديث المتفق على رفعه إلى رسول الله (على المختلف في رفعه، والمتفق على وقفه أيضا؛ لأنه يبتعد عن خلل الاختلاف المؤدي إلى ضعف سنده) (3) (، ومن أمثلته: ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله (قال: {إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره} ) (4) (. فيخالفه: ما روي عن أبي هريرة (أن رسول الله (قال: {من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا} ) (5) (. غير أن مالكاً قال في الموطأ: "الضحية سنة وليست بواجبة، ولا أحب لأحد ممن قوى على ثمنها أن يتركها") (6) (، وقال كذلك في المدونة: "لا أحب لمن كان يقدر أن يضحي أن يترك ذلك") (7) (، عملاً بحديث أم سلمة رضي الله عنها الراجح؛ لأنه متفق على رفعه، بينما حديث أبي هريرة (مرجوح، لأنه اختلف في رفعه ووقفه، وكونه موقوفاً أشبه بالصواب) (8) (.   (1) أخرجه: أبو داود (4127) واللفظ له، والترمذي: (1729) ، والنسائي (4260) ، وابن ماجه (3613) . (2) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 654، والحازمي: الاعتبار 19. (3) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 654، والإشارة 333، والغزالي: المستصفى 2/ 396، والرازي: المحصول 5/ 421، وابن الحاجب: المختصر 2/ 311، وآل تيمية: المسودة 310، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 422، وابن السبكي: الإبهاج 3/ 223، 224، والزركشي: البحر المحيط 6/ 159، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 652، وبحر العلوم: فواتح الرحموت 2/ 208. (4) أخرجه: مسلم (41/ 1977) . (5) أخرجه: ابن ماجه (3123) . (6) 1047) . (7) 2/ 763. (8) انظر: البيهقي: السنن الكبرى 9/ 260، وابن حجر: الفتح 10/ 605. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 157 ومنها: العبد حينما يكون بين الرجلين ويعتق أحدهما حظه منه) (1) (. الوجه الرابع: الترجيح بعلو الإسناد: أن يكون أحد المسندين أعلى إسنادا، والمراد به: قلة عدد الطبقات إلى منتهاه، فإنه يقدم على ما ليس كذلك؛ لأن احتمال الصحة فيما قلت وسائطه أظهر؛ لهذا ما فتئ الحُفاظ الجهابذة يطلبون علو الإسناد، ويفتخرون به، ويتركون الديار، ويقطعون القفار، من أجل تحصيله) (2) (، ومن الأمثلة على ذلك: كيفية الإقامة، فقد روى خالد الحَذَّاء) (3) (عن أبي قلابة، عن أنس (أن رسول الله ((أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة)) (4) (. فيقابله: ما روي عن عامر الأحول، عن مكحول، عن عبد الله بن مُحَيْرِيز أن رسول الله (: (علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة.. وذكر فيه الإقامة مثنى مثنى)) (5) (.   (1) انظر: مالك: الموطأ (1458) ، والبخاري (2492، 2522) ، ومسلم (1501، 1503) ، والباجي: إحكام الفصول 2/ 654، 655، وابن رشد: بداية المجتهد 2/ 400، 401، والتلمساني: مفتاح الوصول 147، 148. (2) انظر: الرازي: المحصول 5/ 414، 415، وابن الحاجب: المختصر 2/ 311، وابن السبكي: الإبهاج 3/ 219، 231، والزركشي: البحر المحيط 6/ 152، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 649، 650، والعبادي: الآيات البينات 4/ 296، وبحر العلوم: فواتح الرحموت 2/ 207، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 277، والعطار: حاشية العطار 2/ 406. (3) هو: خالد بن مِهْرَان الحذاء، أبو المنازل البصري، مولى قريش، ثقة يرسل، توفي سنة 141هـ، وقيل غير ذلك. له ترجمة في: المزي: تهذيب الكمال (1637) ، وابن حجر: تهذيب التهذيب 3/ 104، 105. (4) متفق عليه: البخاري (606) ، ومسلم (2/378) ، وكلاهما بلفظه. (5) أخرجه: أبو داود (502) ، والنسائي (632) ، وانظر أيضا: الكاساني: البدائع 1/220، 221، وابن رشد: بداية المجتهد 1/132، وابن السبكي: الإبهاج 3/219، والزركشي: البحر المحيط 6/152. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 158 غير أن مالكاً يرى أن خبر أنس (أولى بالمصير إليه مما يعارضه) (1) (؛ لأن خالداً وعامراً متعاصران روى عنهما شعبة، فحديث خالد بينه وبين النبي (اثنان، بينما حديث عامر بينه وبين النبي (ثلاثة) (2) (. ومنها أيضاً: مسألة رفع اليدين في الركوع) (3) (. الوجه الخامس: ترجيح السند الحجازي: يرجح ما كان سنده حجازيا، ولا سيما إذا كان مدني المخرج، على ما كان سنده عراقياً أو شاميا، وحظيت المدينة بذلك؛ لأنها مهبط الوحي، ومعدن الرسالة، وبين أظهر أهلها استقرت الشريعة، فإذا لم يوجد شيء بينهم دلّ ذلك على نسخه؛ ولأن المدنيات متأخرة عن الهجرة) (4) (، وعليه قدم مالك روايتهم بإفراد الإقامة، على رواية أهل الكوفة في تثنيتها) (5) (، وقدم كذلك روايتهم بأن زوج بريرة كان عبدا، على رواية أهل الكوفة أيضاً الذين ذهبوا إلى أنه كان حرا) (6) (. الوجه السادس: الترجيح بسلامة السند من الاضطراب:   (1) انظر: مالك: الموطأ (150) ، والمدونة 1/100. (2) انظر: ابن السبكي: الإبهاج 3/219، والزركشي: البحر المحيط 6/152. (3) انظر: مالك: المدوَّنة 1/107، 108، وابن رشد: بداية المجتهد 1/161 وابن الهمام: فتح القدير 1/281، 282، وبحر العلوم: فواتح الرحموت 2/207. (4) انظر: الحازمي: الاعتبار 22، والآمدي: الإحكام 4/483، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 423، ونفائس الأصول 9/3926، والإسنوي: نهاية السول 4/494، والزركشي: البحر المحيط 6/ 193، والشنقيطي: نشر البنود 2/286، 287. (5) انظر: الموطأ (150) ، والمدونة 1/100، والحازمي: الاعتبار 106، والزركشي: البحر المحيط 6/ 163. (6) انظر: الخطابي: معالم السنن 3/ 146، والبيهقي: السنن الكبرى 7/224. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 159 إذا كان أحد الإسنادين متسقاً خالياً من الاضطراب، والآخر مضطربا، فيكون السالم من الاضطراب أولى؛ لأن ذلك يدل على اتفاق رواته وحفظ جملته) (1) (، ومن الأمثلة على ذلك: أن مالكاً ترك خبر ابن عُكَيم الذي يدل على أن الدباغ لا يُطهِر في الجملة جلد الميتة للاضطراب الواقع في سنده، ويصور ذلك الحازمي) (2) (قائلاً: "في إسناده اختلاف رواه الحكم) (3) (مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عُكَيم، ورواه عنه القاسم بن مُخَيْمَرة) (4) (عن خالد [الحَذَّاء] ، عن الحكم، وقال: إنه لم يسمعه من ابن عُكَيم، ولكن من أناس دخلوا عليه ثم خرجوا فأخبروه به") (5) (- وأخذ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي يفيد خلاف ذلك؛   (1) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/658، والإشارة 336، والغزالي: المستصفى 2/395، وابن الصلاح: علوم الحديث 93،94، وآل تيمية: المسودة 306، والكراماستي: الوجيز 205، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/653، وأمير بادشاه: تيسير التحرير 3/166. (2) هو: محمد بن موسى بن عثمان بن حازم، أبو بكر، زين الدين، الهمداني، الشافعي، المعروف بالحازمي، الحافظ المحدث الفقيه المؤرخ، المتوفى سنة 584هـ. له ترجمة في: الذهبي: تذكرة الحفاظ (1106) ، والإسنوي: طبقات الشافعية (369) ، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 332، والبغدادي: هدية العارفين 6/101. (3) هو: الحكم بن عتيبة الكِندي، ويقال: مولى امرأة من كِنده، وليس بالحكم بن عتيبة بن النَّهَاس العِجْلِيِّ الذي كان قاضياً بالكوفة فإن ذاك لم يرو عنه شيء من الحديث، توفي سنة 114هـ. له ترجمة في: المزي: تهذيب الكمال (1420) ، وابن حجر: تهذيب التهذيب 2/372، 373. (4) هو: القاسم بن مُخَيْمَرة، أبو عروة الهمداني، الكوفي، ثقة فاضل، مات سنة 100هـ. له ترجمة في: المزي: تهذيب الكمال (5411) ، وابن حجر: تهذيب التهذيب 8/302، 303 (5) الاعتبار 93، وانظر أيضا: الترمذي (1729) ، والبيهقي: السنن الكبرى 1/15. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 160 لأنه غير مختلف في سنده) (1) (. ومنها: مسألة أكل لحوم الحمر الإنسية) (2) (. المطلب الثاني: الترجيح من جهة المتون وما يتعلق بها وله وجوه: الوجه الأول: ترجيح ما كان متنه سالماً من الاضطراب: إذا تعارض خبران وكان لفظ أحدهما سالماً من الاختلاف والاضطراب، بخلاف الآخر، فسلامته مرجحة؛ لأن غلبة الظن بصحته تقوى، ويضعف ما اختلف لفظه؛ إذ اختلاف لفظه قد يؤدي إلى اختلاف معناه، وذلك يدل على قلة ضبط الراوي، وعدم إتقانه، وسوء حفظه، وكثرة تساهله في روايته) (3) (، ومن أمثلته: ما روي عن أبي هريرة (أن رسول الله ((نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)) (4) (. فيعارضه ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما ترك رسول الله (ركعتين بعد العصر عندي قط)) (5) (.   (1) انظر: الحازمي: الاعتبار 93، والشوكاني: نيل الأوطار 2/179، 180. (2) انظر: مالك: الموطأ (1140) ، والمدونة 1/496، والبخاري (5523) ، ومسلم (22/ 1407) ، وأبو داود (3809) ، والخطابي: معالي السنن 5/ 317- 319، والبيهقي: السنن الكبرى 9/332، وابن عبد البر: الكافي 1/436، وابن رشد: بداية المجتهد 1/666، وابن القيم: التهذيب 5/ 317- 322، والشوكاني: نيل الأوطار 8/ 115. (3) انظر: البصري: المعتمد 181، والباجي: إحكام الفصول 2/660، والإشارة 337، 338والغزالي: المستصفى 2/395، والآمدي: الإحكام 4/ 476، وابن الصلاح: علوم الحديث 93، 94، وآل تيمية: المسودة 308، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 652، 653. (4) أخرجه: مالك في الموطأ (516) واللفظ له، والبخاري (588) ، ومسلم (285/ 825) . (5) متفق عليه: البخاري (591) ، ومسلم (299/ 835) واللفظ له. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 161 غير أن مالكاً كَرِه النافلة بعد العصر) (1) (تمسكاً بحديث أبي هريرة (ونحوه) (2) (، وترك حديث عائشة رضي الله عنها؛ لأنه رُوِيَ عنها أيضاً بجانب هذا الحديث الذي ذكرناه، عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي ((أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس)) (3) (، وبذلك يكون قد روي عنها إثبات الحكم ونفيه، أما أبو هريرة (فلم يرو عنه إلاّ النفي فقط) (4) (. ومنها: أنه ترك في أظهر الروايتين عنه الأحاديث التي تقرر عدم رفع اليدين في الركوع) (5) (، وعدم طهارة إهاب الميتة بالدباغ) (6) (، للاضطراب في متنها، وأخذ بما يخالفها. الوجه الثاني: ترجيح ما كان قولاً صريحاً على ما كان استدلالا:   (1) انظر: الترمذي (184) ، وابن عبد البر: الكافي 1/195، وابن رشد: بداية المجتهد 1/121. (2) انظر: الترمذي (183) . (3) أخرجه: الترمذي (184) . (4) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/658، 659. (5) انظر: مالك: المدونة 1/107،108، والشافعي: الأم 1/125، 5/635، والدارقطني: سنن الدارقطني (1118) ، والبيهقي: السنن الكبرى 2/76، والحازمي: الاعتبار 24،25، وابن رشد: بداية المجتهد 1/161. (6) انظر: أبو داود (4128) ، والترمذي (1729) ، والخطابي: معالم السنن 6/64، 68، والبيهقي: السنن الكبرى 1/15، وابن رشد: بداية المجتهد 1/92، 93، وابن حجر: الفتح 9/ 575، 576، والشوكاني: نيل الأوطار 1/61- 65. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 162 إذا تعارض خبران وكان أحدهما منسوباً إلى النبي (نصاً وقولا، والآخر نسب إليه (استدلالاً واجتهادا؛ بأن يروى أنه كان في زمانه أو في مجلسه ولم ينكره، فما نسب إليه نصاً وقولاً أقوى؛ لكونه غير محتمل؛ إذ هو قول النبي (ولا خلاف في كونه حجة، وما في زمانه ربما لم يبلغه، وما في مجلسه ربما غفل عنه) (1) (، ومن أمثلة ذلك: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي (نهى عن بيع أمهات الأولاد، وقال: {لا يُبَعْنَ، ولا يُوهَبْنَ، ولا يُرثن، يستمتع بها سيدها ما دام حيا، فإذا مات فهي حرة} ) (2) (. فيعارضه: ما روي عن أبي سعيد الخدري (حيث قال: (كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله ()) (3) (. غير أن مالكاً ذهب إلى أن العمل بمقتضى حديث ابن عمر رضي الله عنهما أولى؛ لأنه نص صريح قاطع من الرسول (في عدم جواز البيع، أما حديث أبي سعيد (فلم ينسب إلى الرسول (نصا، وإنما استدلالاً واجتهادا، فليس في سياقه أمر منه (ولا نهي، إلاّ أن هذا الفعل كان على عهده (، وليس فيه أيضاً ما يدل على أنه (علم بذلك فأقرهم عليه) (4) (. الوجه الثالث: ترجيح ما كان جامعاً بين الحكم وعلته:   (1) انظر: الغزالي: المستصفى 2/ 396، والحازمي: الاعتبار 28- 30، والرازي: المحصول 5/421، وابن الحاجب: المختصر 2/ 311، 312، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 655، وأمير بادشاه: تيسير التحرير 3/160، والشنقيطي: مذكرة أصول الفقه 319. (2) أخرجه: الدارقطني: سنن الدارقطني (4203) ، وانظر أيضا: مالك: الموطأ (1462) ، والبيهقي: السنن الكبرى 10/ 342. (3) أخرجه: الحاكم في المستدرك 2/19 وصححه، والدارقطني في سننه (4208) ، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 348، واللفظ للحاكم والبيهقي. (4) انظر: مالك: المدونة 4/ 1731- 1736، والبيهقي: السنن الكبرى 10/ 348، والحازمي: الاعتبار 28- 30، والشوكاني: نيل الأوطار 6/ 98، 99. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 163 إذا تعارض خبران وكان أحدهما دالاً على الحكم والعلة، والآخر على الحكم دون العلة؛ فإنه يرجح الأول؛ إذ الانقياد إليه أشد من الانقياد إلى غير المعلل؛ لكونه أقرب إلى الإيضاح والبيان؛ ولأن ظهور التعليل من أسباب قوة التعميم) (1) (، ومثاله: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله (: {من بدل دينه فاقتلوه} ) (2) (، فظاهر هذا الخبر يدل على وجوب قتل كل من رجع عن الإسلام إلى الكفر طوعاً سواء كان رجلاً أم امرأة، غير أنه يعارضه خبر آخر يدل بظاهره على أنه لا يجوز قتل النساء مطلقاً سواء كن حربيات أم مرتدات، وهو ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله (: (رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة، فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان)) (3) (. إذاً التضاد في وجه الدلالة بينهما يتعلق في المرأة المرتدة.   (1) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 665، والغزالي: المنخول 435، 436، والحازمي: الاعتبار 34، والرازي: المحصول 5/ 431، والآمدي: الإحكام 4/ 477، 483، وابن الحاجب: المختصر 2/ 312، وابن السبكي: الإبهاج 3/ 232، والإسنوي: نهاية السول 4/ 500، والزركشي: البحر المحيط 6/ 167، والعبادي: الآيات البينات 4/ 302، والبناني: حاشية البناني 2/ 367، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 287، والعطار: حاشية العطار 2/ 410، 411، والشنقيطي: مذكرة أصول الفقه 322. (2) أخرجه: البخاري (3017) . (3) أخرجه: مالك في الموطأ (972) واللفظ له، والبخاري (3015) ، ومسلم (24، 25/ 1744) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 164 فمالك قال: بقتل المرتدة) (1) (عملاً بخبر ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأن فيه الحكم وهو القتل، كما أنه يدل أيضاً بمسلك الإيماء والتنبيه على أن علة القتل هنا هي تبديل الدين، فيشمل الذكر والأنثى، أما خبر ابن عمر رضي الله عنهما فذكر فيه الحكم دون أن يعلل بشيء) (2) (، وعليه لا يصلح لدى مالك أن يكون دليلاً يرتكز عليه في ذلك، فهو كما ورد عنه في المدونة كان: "يكره قتل النساء والصبيان والشيخ الكبير في أرض الحرب") (3) (. الوجه الرابع: ترجيح ما يقصد به بيان الحكم: إذا تعارض خبران وقصد بأحدهما بيان الحكم المختلف فيه، دون الآخر، فيكون الأخذ بما قصد به بيان الحكم أرجح؛ لأنه أمس بالغرض، وأبعد عن الاحتمال) (4) (، ومن أمثلة ذلك: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (قال: {إذا دبغ الإهاب فقد طهر} ) (5) (.   (1) انظر: ابن رشد: بداية المجتهد 2/ 493، وابن قدامة: المغني 8/ 123. (2) انظر: الحازمي: الاعتبار 34، وابن قدامة: المغني 8/ 123، 124، وابن السبكي: الإبهاج 3/ 232، والإسنوي: نهاية السول 4/ 500، والزركشي: البحر المحيط 6/ 167، والعبادي: الآيات البينات 4/ 302، 303، والبناني: حاشية البناني 2/ 367، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 287، والعطار: حاشية العطار 2/ 410، 411، والمطيعي: سلم الوصول 4/ 500، والشنقيطي: مذكرة أصول الفقه 322. (3) 1/ 450، وانظر أيضا: ابن العربي: أحكام القرآن 1/ 148، 149. (4) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 663، 664، والإشارة 339، والغزالي: المستصفى 2/ 397، والرازي: المحصول 5/ 422، والآمدي: الإحكام 4/ 485، والعضد: شرح المختصر 2/ 316، والتلمساني: مفتاح الوصول 152، والزركشي: البحر المحيط 6/ 168، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 706، والشوكاني: إرشاد الفحول 279. (5) تقدم تخريجه، انظر رقم 163. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 165 ورووا أيضاً بإزائه خبر أبي المَلِيح) (1) (عن أبيه: أن النبي ((نهى عن جلود السباع أن تُفترش)) (2) (. وقد ذهب مالك في أشهر الروايتين عنه إلى طهارة جلود السباع إذا دبغت) (3) (، عملاً بمقتضى خبر ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأنه قصد به الكشف عن حكم الطهارة، من غير أن يفرق فيه بين الانتفاع بجلد ما يؤكل لحمه إذا دبغ وما لا يؤكل، فدلالة عمومه على طهارة جلد ما لا يؤكل أقوى من دلالته على نجاستها؛ لنهيه عن افتراش جلود السباع؛ لكونه ما سيق أصلاً لبيان الطهارة والنجاسة، بل ربما نهى عن افتراشها للخيلاء والسرف والتشبيه بالأعاجم وما شاكل ذلك، أو للتعبد المحض الذي لا نعقل معناه) (4) (. ومنها: تحديد أول وقت العصر) (5) (. الوجه الخامس: ترجيح ما نقل معناه بألفاظ متغايرة وعبارات متباينة:   (1) هو: أبو المَلِيح بن أسامة بن عُمير بن عامر الهذلي، اسمه: عامر، وقيل: زيد، وقيل: زياد، ثقة، مات سنة 98هـ، وقيل 108، وقيل: بعد ذلك. له ترجمة في: المزي: تهذيب الكمال (8242) ، وابن حجر: تهذيب التهذيب 12/ 268، 269. (2) أخرجه: أبو داود (4132) ، والترمذي (1771) ، والنسائي (4264) ، وكلهم بلفظه، غير أن الترمذي زاد في حديثه (أن تفترش) ، وجميعاً عن سعيد بن أبي عروبة.. به، وقال الترمذي: ولا نعلم أحداً قال عن أبي المليح، عن أبيه غير سعيد بن أبي عروبة. (3) انظر: الخطابي: معالم السنن 6/ 64، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 92، 93. (4) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 664، والغزالي: المستصفى 2/ 397، والتلمساني: مفتاح الوصول 153، 154. (5) انظر: مالك: المدونة 2/ 600، 601، والبخاري (557) ، وأبو داود (393) ، والترمذي (149، 2871) ، والنسائي (501) ، والخطابي: معالم السنن 1/ 234، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 111، وابن قدامة: المغني 1/ 371- 375، والتلمساني: مفتاح الوصول 152، 153، والزركشي: البحر المحيط 6/ 177، والشوكاني: إرشاد الفحول 279. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 166 إذا ورد أحد المعنيين بألفاظ متغايرة وعبارات مختلفة، والآخر روي بلفظ واحد من طريق واحد، فالأول أولى؛ لأنه يبتعد عن الخطأ والتأويل والسهو والتبديل، ومن ثَمَّ يقوى في النفس، وتصير إلى روايته أسكن) (1) (، ومن أمثلة ذلك ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله (: (جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما)) (2) (. فيخالفه ما روي عن مُجَمِّعٍ بن جارية (حيث قال: (قسمت خيبر على أهل الحديبية) (3) (فقسمها رسول الله (على ثمانية عشر سهما، وكان الجيش ألفاً وخمس مائة، فيهم ثلاث مائة فارس، فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهما)) (4) ( غير أن مالكاً رجح ههنا حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ لكثرة الروايات الموافقة له في المعنى، مع تغاير كلماتها وتباين عباراتها) (5) (. الوجه السادس: ترجيح ما يتناول الحكم بمنطوقه:   (1) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 666، والإشارة 341، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 424. (2) متفق عليه: البخاري (2863) واللفظ له، ومسلم (57/ 1762) . (3) الحديبية: قرية متوسطة ليست بالكبيرة، بينها وبين مكة مرحلة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل. انظر: ياقوت الحموي: معجم البلدان (3558) . (4) أخرجه: أبو داود (3015) ، وقال ابن حجر: في الفتح 6/ 80 "في إسناده ضعف". (5) انظر: مالك: الموطأ (984) ، والمدونة 1/470، والشافعي: الأم 4/ 356، 362، والنووي: صحيح مسلم بشرحه 12/ 83، وابن حجر: الفتح 6/ 79، 80، والكحلاني: سبل السلام 4/ 58، والشوكاني: نيل الأوطار 7/ 281، 282. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 167 إذا تعارض خبران وكان ما تضمنه أحدهما من الحكم منطوقاً به، والآخر محتملا، فيقدم على الراجح ما نطق فيه بالحكم؛ لأن الغرض فيه أبين، والمقصود أجلى) (1) (، ومن الأمثلة على ذلك: ما روي عن أنس (أن النبي (قال: {في الرِّقَّةِ) (2) (ربع العشر} ) (3) (، فهذا الحديث يدل على وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون) (4) (، ولكن هنالك حديث آخر ينفيهما عنهما وهو ما روي عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي (أنه قال: {رفع القلم عن ثلاث، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق} ) (5) (. غير أن مالكاً أخذ بخبر أنس (؛ لأن فيه إيجاب الزكاة في المال، بخلاف خبر عائشة رضي الله عنها، فإنه ليس فيه نفي الزكاة عن المال، وإنما فيه نفي وجوبها عن الصبي والمجنون، وإذا تقرر هذا فإنه يجب على الولي أن يخرجها عنهما من مالهما) (6) (. الوجه السابع: ترجيح ما دل على المراد من وجهين:   (1) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 661، والإشارة 338، والشيرازي: اللمع 85، والآمدي: الإحكام 4/ 474، وابن الحاجب: المختصر 2/ 312، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 424، والعبادي: الآيات البينات 4/ 305، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 292، والعطار: حاشية العطار 2/ 412. (2) الرِّقَّة: هي الفضة الخالصة، والدراهم المضروبة منها. انظر: ابن الأثير: النهاية 2/ 254، وابن منظور: لسان العرب 10/ 375. (3) أخرجه: البخاري (1454) . (4) انظر: مالك: المدونة 1/ 244، وابن قدامة: المغني 2/ 622. (5) أخرجه: أبو داود (4398) ، والنسائي (3432) واللفظ له، وابن ماجه (2041) . (6) انظر: المصدرين السابقين، نفس المواضع. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 168 إذا تعارض خبران وكان أحدهما دالاً على المراد من وجهين، فإنه يقدم على الدال عليه من وجه واحد) (1) (، ومن أمثلته: ما روي عن عبد الرحمن بن عوف (أن رسول الله (: (قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء) ، فقضيته أن ما قسم لا شفعة فيه، ثم قال: (فإذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة)) (2) (، فيقدم عند مالك) (3) (على ما روي عن جابر (؛ إذ قال: قال رسول الله (: {الجار أحق بشفعته} ) (4) (؛ لأن هذا الخبر يدل بوجه، وما يعارضه يدل بوجهين) (5) (. الوجه الثامن: ترجيح ما تأكد بالتأكيد: إذا تعارض خبران واقترن أحدهما بالتأكيد، فإنه يقدم على الخالي؛ لأن المؤكد لا يحتمل التأويل والمجاز أو يبعد فيهما، أما ما ليس مؤكداً فإنه يحتملهما) (6) (، ومَثَّلَه مالك بما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله (قال: {أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل} ثلاث مرات) (7) (.   (1) انظر: الزركشي: البحر المحيط 6/ 167. (2) أخرجه: مالك في الموطأ (1394) واللفظ له، وهو متفق عليه: من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: البخاري (2213) ، ومسلم (134/ 1608) . (3) انظر: الموطأ (1394) ، والمدونة 5/ 2453، 2506. (4) أخرجه: أبو داود (3518) ، والترمذي (1369) واللفظ له، وقال: هذا حديث غريب، وابن ماجه: (2494) . (5) انظر: الكاساني: البدائع 5/ 6، 7، والزركشي: البحر المحيط 6/ 167. (6) انظر: البصري: المعتمد 183، والباجي: إحكام الفصول 2/ 662، والرازي: المحصول 5/ 432، والآمدي: الإحكام 4/ 473، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 424، والعضد: شرح المختصر 2/ 313، 314، والزركشي: البحر المحيط 6/ 168، وبحر العلوم: فواتح الرحموت 2/ 205، والشنقيطي/ نشر البنود 2/ 288، والشوكاني: إرشاد الفحول 279، والشنقيطي: مذكرة أصول الفقه 322. (7) أخرجه: أبو داود (2083) واللفظ له، والترمذي (1102) وقال: هذا حديث حسن، وابن ماجه (1879) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 169 فيعارضه: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله (قال: {الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها} ) (1) (. غير أن مالكاً ذهب إلى أنه ليس للمرأة أن تلي عقد نكاحها بنفسها بغير وليها) (2) (، واحتج بحديث عائشة رضي الله عنها؛ لأنه أغلب على الظن، وأقوى دلالة؛ إذ تكرار البطلان فيه توكيد لحكمه، أما خبر ابن عباس رضي الله عنهما المخالف له فمرجوح؛ لكونه لم يؤكد حكمه) (3) (. الوجه التاسع: ترجيح ما تأكد بالاحتياط:   (1) أخرجه: مالك في الموطأ (1103) ومسلم (66/ 1421) ، وكلاهما بلفظه. (2) انظر: الموطأ (1105) ، والمدونة 2/ 917، 3/ 1244. (3) انظر: الخطابي: معالم السنن 3/ 27، وابن العربي: أحكام القرآن 1/ 268، 3/ 505، 506، والرازي: المحصول 5/ 432، والآمدي: الإحكام 4/ 473، والعضد: شرح المختصر 2/ 314، والزركشي: البحر المحيط 6/ 168، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 288، والشنقيطي: مذكرة أصول الفقه 323. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 170 إذا تعارض خبران وكان أحدهما أقرب إلى الاحتياط، بخلاف الآخر، فإن الأحوط يقدم على ما لا احتياط فيه، لأن استحباب الاحتياط لا ينكر؛ إذ هو أليق بحكمة الشريعة ومحاسنها، وأبين لأسرارها ومراميها، وأقرب لمعانيها ومبانيها) (1) (، ومثاله: أن مالكاً قال: من باب الاحتياط في المدونة ما نصه: "لا يجب صيام شهر رمضان إلاّ برؤية الهلال أو كمال شعبان ثلاثين يوما، قال النبي (في حديث ابن عمر {لا تصوموا حتى تَرَوْا الهلال ولا تفطروا حتى تَرَوْه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له} ) (2) (، وقال في حديث ابن عباس {فإن غُمَّ عليكم فعدوا ثلاثين يوماً ثم أفطروا} ) (3) (، وأدخله مالك رحمه الله في موطئه بعد حديث ابن عمر على طريق التفسير له؛ لأن أهل العلم اختلفوا في معنى قول النبي (: {فاقدروا له} ") (4) (. الوجه العاشر: ترجيح ما اشتمل على زيادة:   (1) انظر: البصري: المعتمد 183، والشيرازي: اللمع 86، وإمام الحرمين: البرهان 2/1199 1200، والغزالي: المنخول 434، والحازمي: الاعتبار 37، 38، والآمدي: الإحكام 4/ 485، والتلمساني: مفتاح الوصول 155، والزركشي: البحر المحيط 6/ 170، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 706، 707، والشوكاني: إرشاد الفحول 279. (2) أخرجه: مالك في الموطأ (634) ، والبخاري (1906) ، ومسلم (3- 9/ 1080) . (3) أخرجه: مالك في الموطأ (636) ، والبخاري (1909) ، ومسلم (17- 20/ 1081) . (4) 2/ 660. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 171 إذا تعارض خبران وكان أحدهما مشتملاً على زيادة لم يتعرض لها الثاني، فيقدم الأول؛ لما فيه من زيادة علم خفي على الآخر) (1) (، ومن أمثلة ذلك: ما روي عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله (: (كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمسا)) (2) (. وما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: (شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة، فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الأخيرة خمس تكبيرات قبل القراءة)) (3) (. فيقابلهما: ما روي عن مكحول، قال: أخبرني أبو عائشة -جليس لأبي هريرة- أن سعيد بن العاص، سأل أبا موسى الأشعري، وحذيفة بن اليمان، كيف كان رسول الله (يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: (كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنائز) ، فقال حذيفة: (صدق) ، فقال أبو موسى: (كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم) ، وقال أبو عائشة: وأنا حاضر سعيد بن العاص) (4) (. غير أن مالكاً رجح حديثي عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما، على ما يعارضهما؛ لاشتمالهما على زيادة علم غير منافية، فتعين المصير إليهما) (5) (.   (1) انظر: الحازمي: الاعتبار 37، والآمدي: الإحكام 4/ 476، 481، والشوكاني: إرشاد الفحول 279، والعطار: حاشية العطار 2/ 407، 410. (2) أخرجه: أبو داود (1149) واللفظ له، وابن ماجه (1280) . (3) أخرجه: مالك في الموطأ (434) . (4) أخرجه: أبو داود (1153) . (5) انظر: المدونة 1/ 184، 185. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 172 وقد تعرض مالك لعدد من الأخبار التي تتعارض بسبب هذه الظاهرة، فرجح ما يتضمن زيادة؛ لأنها عن الثقة مقبولة، من ذلك: أنه قدم رواية من أثبت أنه لا يجزئ في التيمم إلاّ ضربتين، ضربة للوجه، وضربة لليدين، على رواية من نقل أنه يكفي ضربة واحدة لهما) (1) (، وقدم أيضاً الترجيع في الأذان على خبر من رواه من غير ترجيع) (2) (، وقدم كذلك في مسألة الأذان والإقامة في الجمع بين الصلاتين بمزدلفة، الخبر الذي أثبت أذاناً واحداً وإقامتين، على الخبر الذي أثبت أذاناً وإقامة، وعلى الذي أثبت إقامتين فقط، أو إقامة واحدة من غير أذان ألبتة) (3) (. المطلب الثالث: الترجيح باعتبار أمر خارجي وله وجوه:   (1) انظر: الموطأ (120) ، والمدونة 1/ 87، والبخاري (347) ، ومسلم (110- 112/ 368) ، والحاكم: المستدرك 1/ 179، والدارقطني: سنن الدارقطني (679) ، والبيهقي: السنن الكبرى 1/ 207، ومحمد منصور: منزلة السنة 356- 359. (2) انظر: المدونة 1/ 100، والحازمي: الاعتبار 37. (3) انظر: الموطأ (909) ، والبخاري (1673، 1675) ، ومسلم (147/ 1218) ، وابن عبد البر: الكافي 1/ 372، وابن قدامة: المغني 3/418، 419، وابن حجر: الفتح 3/ 612، 613. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 173 الوجه الأول: ما رجح لموافقته الكتاب) (1) (: ومن أمثلته ما يأتي: روي عن عائشة زوج النبي (أنها قالت: (إن كان رسول الله ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات) (2) (بمروطهن) (3) (ما يُعْرَفْنَ من الغلس) (4) ()) (5) (. فهذا الحديث يبين أن الرسول (كان يصلي الصبح بغلس؛ أي: في أول وقتها) (6) (. فيقابله: ما روي عن رافع بن خديج (؛ إذ قال: سمعت رسول الله (يقول: {أسفروا) (7) (بالفجر، فإنه أعظم للأجر} ) (8) (.   (1) انظر: البصري: المعتمد 181، والشيرازي: اللمع 85، والحازمي: الاعتبار 30، 31، وآل تيمية: المسودة 311، 312، والزركشي: البحر المحيط 6/176، والعبادي: الآيات البينات 4/ 308. (2) اللِّفَاع: ما يجلل به سائر الجسد، كساء كان أو غيره. انظر: ابن قتيبة: غريب الحديث 2/241، وابن منظور: لسان العرب 8/320، والفيومي: المصباح المنير 2/555، ومجمع اللغة العربية: المعجم الوسيط 2/ 832. (3) المروط: واحدها مِرْط، والمرط كساء من صوف أو خز غير مخيط، يؤتز به، وتتلفع المرأة به. انظر: ابن الأثير: النهاية 4/ 319، والرازي: مختار الصحاح 259، وابن منظور: لسان العرب 7/401، والفيومي: المصباح المنير 2/ 569. (4) الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح. انظر: ابن الأثير: النهاية 3/ 377، والرازي: مختار الصحاح 200، وابن منظور: لسان العرب 6/ 156، والفيومي: المصباح المنير 2/ 450. (5) أخرجه: مالك في الموطأ (3) ، والبخاري (578) ، ومسلم (232/ 645) ، واللفظ لمالك ومسلم. (6) انظر: ابن الأثير: النهاية 2/ 372. (7) أسفر الصبح: إذا انكشف وأضاء. انظر: الترمذي (154) ، وابن الأثير: النهاية 2/ 372، والرازي: مختار الصحاح 127، وابن منظور: لسان العرب 4/ 369، 370، والفيومي: المصباح المنير 1/ 279. (8) أخرجه: أبو داود (424) ، والترمذي (154) واللفظ له، والنسائي (548) ، وابن ماجه (672) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 174 غير أن مالكاً رجح حديث عائشة رضي الله عنها لموافقته ظاهر قوله تعالى: (فاستبقوا الخيرات () (1) (، وقوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم () (2) (.) (3) ( ومنها: أن مالكاً أخذ بالأخبار التي تدل على أنه لا يجوز الاستعانة بالكافرين في القتال؛ لأنها ليس فيها جعل سبيل لهم على المؤمنين، وقد قال الله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا () (4) (، وترك ما يخالفها من أخبار) (5) (. الوجه الثاني: ما رُجِّحَ لموافقته حديث آخر) (6) (: ومن أمثلة ذلك: ما روي عن أبي موسى (أن النبي (قال: {لا نكاح إلاّ بولي} ) (7) (. فيعارضه: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله (قال: {الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها} ) (8) (. وقد رجح مالك حديث أبي موسى (؛ لأنه يؤكد غلبة الظن بقصد مدلوله حديث عائشة رضي الله عنها أيضا، أن رسول الله (قال: {أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل} [ثلاث مرات] ) (9) (.) (10) (   (1) من الآية 148 من سورة البقرة. (2) من الآية 133 من سورة آل عمران. (3) انظر: القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 4/203، والزركشي: البحر المحيط 6/176. (4) من الآية 141 من سورة النساء. (5) انظر: مالك: المدونة 1/476، 477، 2/718، ومسلم (150/ 1817) ، والبيهقي: السنن الكبرى 9/37، 53، والحازمي: الاعتبار 323- 325، وابن قدامة: المغني 8/414، 415، والنووي: صحيح مسلم بشرحه 12/ 198، 199، والكحلاني: سبل السلام 4/ 49، والشوكاني: نيل الأوطار 7/ 223، 224. (6) انظر: الشيرازي: اللمع 85، والحازمي: الاعتبار 31، 32، والآمدي: الإحكام 4/ 483، والعبادي: الآيات البينات 4/ 308. (7) أخرجه: أبو داود (2085) ، والترمذي (1101) ، وابن ماجه (1881) ، وكلهم بلفظه. (8) تقدم تخريجه، انظر رقم 234. (9) تقدم تخريجه، انظر رقم 233. (10) انظر: الموطأ (1105) ، والمدونة 2/ 917، 3/ 1244. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 175 الوجه الثالث: ما رجح لموافقته إجماع الأمة) (1) (: ومن أمثلته: ما روي عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنها أنها قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي (حين تُوُفِّيَ أبوها أبو سفيان بن حرب، فدعتْ أم حبيبة بِطِيب فيه صُفرة خلوق، أو غيره، فدهنتْ به جارية ثم مسحت بعارضيها، ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله (يقول: {لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ على ميت فوق ثلاث ليال إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشرا} ) (2) (. وفي الباب عن عائشة وحفصة زوجي النبي (وغيرهما) (3) (. ويقابل ذلك خبر أسماء بنت عميس رضي الله عنها حيث قالت: دخل عليَّ رسول الله (إلىوم الثالث من قتل جعفر، فقال: {لا تحدي بعد يومك هذا} ) (4) (. فمالك ترك خبر أسماء رضي الله عنها؛ لأنه يخالف الإجماع، وعمل بمقتضى خبر زينب رضي الله عنها؛ لكونه سنداً لإجماع الأمة في الجملة وإن اختلفوا في التفاصيل، على أن عدة المرأة الحرة المسلمة المتوفى عنها زوجها، إن لم تكن حاملاً ووضعت حملها، أمدها أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها سواء كانت مدخولاً بها أو غير مدخول، كبيرة بالغة، أو صغيرة لم تبلغ) (5) (.   (1) انظر: البصري: المعتمد 181، والحازمي: الاعتبار 33، وابن حجر: الفتح 9/ 397، والعبادي: الآيات البينات 4/ 308. (2) أخرجه: مالك في الموطأ (1265) واللفظ له، والبخاري (5334) ، ومسلم (58/ 1486) . (3) انظر: مالك الموطأ (1266) . (4) أخرجه: أحمد في المسند 6/ 369، وقال ابن حجر: في الفتح 9/ 397 إنه "حديث قوي الإسناد". (5) انظر: مالك: المدونة 3/ 1267، وابن حزم: مراتب الإجماع 77، وابن رشد: بداية المجتهد 2/ 140، وابن قدامة: المغني 7/ 470، والنووي: صحيح مسلم بشرحه 10/ 112. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 176 الوجه الرابع: ما رجح لموافقته إجماع أهل المدينة لوحدهم) (1) (: ومن الأمثلة على ذلك صفة الأذان، حيث ورد ثلاث صفات مشهورة له، وهي: الصفة الأولى: أذان المدنيين، وهو سبع عشرة كلمة: الله أكبر مرتين، أشهد أن لا إله إلاّ الله مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله مرتين، ثم يرجع بأرفع من صوته بها أول مرة فيقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله مرتين، حيَّ على الصلاة مرتين، حيَّ على الفلاح مرتين، الله أكبر مرتين، لا إله إلاّ الله مرة واحدة) (2) (. الصفة الثانية: أذان المكيين، تسع عشرة كلمة: وهو يماثل أذان المدنيين تماماً في جميع ألفاظه، ما عدا التكبير الأول، فالمدنيون قالوا بتثنيته، والمكيون قالوا بتربيعه) (3) (.   (1) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 657، والغزالي: المستصفى 2/ 396، وابن الحاجب: المختصر 2/ 316، وآل تيمية: المسودة 313، وابن تيمية: مجموع الفتاوى 19/ 269، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 699، وبحر العلوم: فواتح الرحموت 2/ 206، والشوكاني: إرشاد الفحول 280. (2) انظر: مالك: المدونة 1/100، ومسلم (6/ 379) ، وابن عبد البر: الكافي 1/ 197، والباجي: إحكام الفصول 2/ 657، والكاساني: البدائع 1/220، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 126، وابن قدامة: المغني 1/ 404، 405. (3) انظر: الشافعي: الأم 1/104، والكاساني: البدائع 1/ 220، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 126، وابن قدامة: المغني 1/ 404، 405، والشنقيطي: نشر البنود 2/ 280. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 177 الصفة الثالثة: أذان الكوفيين، وهو خمس عشرة كلمة: الله أكبر أربع مرات، أشهد أن لا إله إلاّ الله مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله مرتين، حيَّ على الصلاة مرتين، حيَّ على الفلاح مرتين، الله أكبر مرتين، لا إله إلاّ الله مرة واحدة) (1) (. غير أن مالكاً يرى أن الصفة الأولى إلى الصحة أقرب، والأخذ بها أصوب؛ لأنه يشهد لها العمل المتصل في المدينة) (2) (. وقد رجح مالك عدداً من الأخبار لموافقتها للعمل، على ما يعارضها من أخبار أخرى، من ذلك أنه ذهب إلى أن: الإقامة كلها فرادى إلاّ قوله الله أكبر في أولها وفي آخرها، فإنه مرتين مرتين) (3) (، وأن التكبير في الأولى من ركعتي العيد سبع، وفي الثانية خمس) (4) (، وإلى جواز القضاء في الأموال خاصة باليمين مع الشاهد الواحد) (5) (، وإنه لا يثبت حق الشفعة للشفيع إذا قسم المشفوع فيه ووقعت الحدود وبينت الطرق) (6) (.   (1) انظر: مسلم (379) ، وأبو داود (499) ، والترمذي (189) ، وابن ماجه (706) ، والكاساني: البدائع 1/ 220، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 126، وابن قدامة: المغني 1/ 404، 405. (2) انظر: مالك: الموطأ (41) ، والمدونة 1/100، وابن رشد: بداية المجتهد 1/126. (3) انظر: الموطأ (150) ، والمدونة 1/100، وابن عبد البر: الكافي 1/197، والكاساني: البدائع 1/220، 221، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 132، وابن قدامة: المغني 1/406، 407. (4) انظر: المدونة 1/ 184، 185، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 132، وابن قدامة: المغني 1/ 406، 407. (5) انظر: الموطأ (1405) ، والمدونة 5/ 2242، والشافعي: الأم 1/270، والحازمي: الاعتبار 33، وابن الهمام: فتح القدير 8/ 170- 172، والشوكاني: نيل الأوطار 3/298 (6) انظر: الموطأ (1394) ، والمدونة 5/ 2453. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 178 الوجه الخامس: ما رجح لموافقته عمل الخلفاء الراشدين: إذا تعارض خبران وعمل بأحدهما الخلفاء الراشدون، دون الثاني، فيكون آكد؛ لأن عملهم به يدل على أنه آخر الأمرين وأولاهما وأشهرهما؛ إذ هم أجل من أن يخفى عليهم الحكم الثابت الواجب العمل به) (1) (، ومما رجحه مالك لأنه يوافق عملهم: تَرْك الوضوء مما غيرت النار) (2) (، وأن تكبيرات العيدين سبعاً وخمسا) (3) (، والقضاء بالشاهد واليمين فيما يتعلق بالأموال فقط) (4) (.   (1) انظر: الشيرازي: اللمع 85، وإمام الحرمين: البرهان 2/ 1176، والحازمي: الاعتبار 33، والآمدي: الإحكام 4/ 483، وابن الحاجب: المختصر 2/ 316، وآل تيمية: المسودة 314، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 425، وبحر العلوم: فواتح الرحموت 2/ 206، والشوكاني: إرشاد الفحول 280. (2) انظر: الحازمي: الاعتبار 77- 86، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 46. (3) انظر: ابن عبد البر: الكافي 1/ 151، وابن رشد: بداية المجتهد 1/ 46، 47، وابن قدامة: المغني 9/ 151، والشوكاني: نيل الأوطار 8/ 285. (4) انظر: الموطأ (1405) ، والمدونة 5/ 2242. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 179 الوجه السادس: ما رجح لموافقته القياس) (1) (: ومن أمثلة ذلك: ما ذهب إليه مالك أنه لا زكاة تجب في الخيل السائمة إذا كانت ذكوراً وإناثاً متخذة للنسل) (2) (، لما رواه بسنده عن أبي هريرة (أن رسول الله (قال: {ليس على المسلم في عبده، ولا في فرسه صدقه} ) (3) (، فهذا نفي، والنفي على الإطلاق يقتضي الاستغراق، ومما يؤكد ذلك كذلك حديث علي (إذ قال: قال رسول الله (: {عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق} ) (4) (، إلاّ إذا كانت للتجارة ففيها الزكاة بلا خلاف) (5) (. خلافاً لأبي حنيفة فقد ذهب إلى أنها إذا كانت تسام للدر والنسل، ومختلطة ذكوراً وإناثا، فإن الزكاة تجب فيها قولاً واحدا، أما إذا كانت ذكوراً منفردة أو إناثاً منفردة ففيها عنه قولان) (6) (، واستدل بما روي عن أبي هريرة (أن رسول الله (قال: {الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر [وساق الحديث وفيه] ورجل ربطها تغنياً وتعففاً ولم ينسَ حق الله في رقابها، ولا في ظهورها فهي لذلك ستر} ) (7) (.   (1) انظر: الحازمي: الاعتبار 32، والعبادي: الآيات البينات 4/ 309. (2) المدونة 2/ 702 بتصرف يسير. (3) أخرجه: مالك في الموطأ (613) ، والبخاري (1463) ، ومسلم (8/ 982) ، واللفظ لمالك ومسلم. (4) أخرجه: أحمد في المسند 1/ 121، 145، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 118، وكلاهما بلفظه، وانظر أيضا: مالك: المدونة 2/ 702. (5) انظر: الكاساني: البدائع 1/ 51. (6) انظر: المرجع نفسه، نفس الموضع، وابن قدامة: المغني 2/ 620. (7) أخرجه: مالك في الموطأ (966) واللفظ له، والبخاري (2371) ، ومسلم (24/ 987) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 180 غير أن مالكاً دعم ما استدل به من أخبار من جهة المعنى والقياس إذ جاء في المدونة: "أنه لما اجتمع أهل العلم في البغال والحمير على أنه لا زكاة فيها، وإن كانت سائمة، واجتمعوا في الإبل والبقر والغنم على الزكاة فيها إذا كانت سائمة، واختلفوا في الخيل السائمة وجب ردها إلى البغال والحمير لا إلى الإبل والبقر والغنم؛ لأنها بها أشبه؛ لأنها ذات حافر كما أنها ذوات حوافر، وذو الحافر بذي الحافر أشبه منه بذي الخف أو الظلف؛ ولأن الله تبارك وتعالى قد جمع بينها فجعل الخيل والبغال والحمير صنفاً واحدا؛ لقوله: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة () (1) (، وجمع بين الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم فجعلها صنفاً واحدا؛ لقوله: (والأنعام خلقها لكم فيها دفءٌ ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون () (2) (؛ ولقوله (: (الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون () (3) (".) (4) ( الوجه السابع: ما رجح لموافقته واقع الحال: إذا تعارض خبران وكان أحدهما ينفي النقص عن أصحاب رسول الله (، والثاني يضيفه إليهم، فيكون الذي ينفيه أولى؛ لكونه أقرب إلى الظاهر الموافق لحالهم، وما وصفهم الله تعالى به وأثنى عليهم) (5) (، ومن الأمثلة على ذلك: ما روي عن جابر (أنه قال: (إذا ضحك الرجل في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء)) (6) (.   (1) من الآية 8 من سورة النحل. (2) الآيتان 5،6 من سورة النحل. (3) الآية 79 من سورة غافر. (4) 2/ 702، وانظر أيضا: ابن العربي: أحكام القرآن 3/ 124- 126، والحازمي: الاعتبار 32، وابن قدامة: المغني 2/ 620. (5) انظر: الباجي: إحكام الفصول 2/ 668، والإشارة 341، والغزالي: المستصفى 2/ 397، والحازمي: الاعتبار 35- 37، والآمدي: الإحكام 4/ 485، والقرافي: شرح تنقيح الفصول 424، والزركشي: البحر المحيط 6/ 179، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 707. (6) أخرجه: البيهقي في السنن الكبرى 1/ 144. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 181 فيقابله: ما روي عن أبي العالية) (1) (: (أن رجلاً أعمى جاء والنبي (في الصلاة، فتردى في بئر، فضحك طوائف من أصحاب النبي (، فأمر النبي (من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة)) (2) (. فقدم مالك خبر جابر (؛ لأن معارضه يقتضي غضاً من منصب الصحابة رضي الله عنهم، ويستلزم إضافة النقص إليهم؛ إذ ينسب إليهم ضد ما كانوا عليه من الإقبال والخشوع والتذلل والخضوع، وهم في صلاتهم بين يدي ربهم) (3) (، ويشهد لما رجحه مالك أيضاً خبر صفوان بن عَسَّال (، حيث قال: (كان رسول الله (يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلاّ من جنابة، ولكن من غائط ونوم وبول)) (4)   (1) هو: رُفَيع، بالتصغير، ابن مهران، أبو العالية الرِياحي، مولاهم البصري، تابعي ثقة كثير الإرسال، مات على الراجح في ولاية الحجاج. له ترجمة في: المزي: تهذيب الكمال (1905) ، وابن حجر: تهذيب التهذيب 3/ 246، 247. (2) أخرجه: الدارقطني في سننه (596) ، والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 146 واللفظ له. (3) انظر: ابن عبد البر: الكافي 1/151، والباجي: إحكام الفصول 2/ 669، والغزالي: المستصفى 2/397، والحازمي: الاعتبار 36،37، والكاساني: البدائع 1/ 48، 49، وابن رشد: بداية المجتهد 1/47، والآمدي: الإحكام 4/ 485، وابن الهمام: فتح القدير 1/ 51، وابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/ 707. (4) أخرجه: الترمذي (96) وقال: هذا حديث حسن صحيح، واللفظ له، والنسائي (127) وابن ماجه (478) . المصادر والمراجع القرآن الكريم. الآمدي، علي بن أبي علي بن محمد (631هـ) : الإحكام في أصول الأحكام، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت- 1405هـ. ابن الأثير، المبارك بن محمد الشيباني (606هـ) : النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: محمود الطناحي، وطاهر الزاوي، دار الفكر، بيروت- 1399هـ. أحمد بن حنبل (241هـ) : مسند أحمد، دار صادر، بيروت. الأرموي، محمد بن الحسين بن عبد الله (652هـ) : الحاصل من المحصول في أصول الفقه، تحقيق: د. عبد السلام أبو ناجي، منشورات جامعة قاريونس، بنغازي- 1994م. الأرموي، محمود بن أبي بكر بن أحمد (682هـ) : التحصيل من المحصول، تحقيق: د. عبد الحميد أبو زنيد، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت - 1408هـ. الإسنوي، عبد الرحيم بن الحسين القرشي (772هـ) : طبقات الشافعية، الطبعة الأولى، دار الفكر، بيروت- 1416هـ. الإسنوي، عبد الرحيم بن الحسين القرشي (772هـ) : نهاية السول في شرح منهاج الأصول، عالم الكتب. إمام الحرمين، عبد الملك بن عبد الله الجويني (478هـ) : البرهان في أصول الفقه، تحقيق: د. عبد العظيم الديب، دار الأنصار، القاهرة- 1400هـ. الأنصاري، زكريا بن محمد (926هـ) : غاية الوصول شرح لب الأصول، الطبعة الأخيرة، مصطفى الحلبي، القاهرة- 1360هـ. أمير بادشاه البخاري، محمد أمين (حوالي 987هـ) : تيسير التحرير، شرح كتاب التحرير، لابن الهمام، مصطفى الحلبي، القاهرة- 1350هـ. الباجي، سليمان بن خلف بن وارث (474هـ) : الإشارة في معرفة الأصول، والوجازة في معنى الدليل، تحقيق: محمد فركوس، الطبعة الأولى، المكتبة المكية، مكة المكرمة، ودار البشائر الإسلامية، بيروت- 1416هـ. الباجي، سليمان بن خلف بن وارث (474هـ) : إحكام الفصول في أحكام الأصول، تحقيق: د. عبد الله الجَبُّوري، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت- 1409هـ. بحر العلوم، عبد العلي محمد الأنصاري (توفي بعد سنة 1180هـ) : فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت في أصول الفقه، دار الفكر، بيروت. البخاري، محمد بن إسماعيل (256هـ) : صحيح البخاري. البصري، محمد بن علي (436هـ) : المعتمد في أصول الفقه، قدم له وضبطه: خليل المَيس، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت-1403هـ. البغدادي، إسماعيل باشا (1339هـ) : هدية العارفين- أسماء المؤلفين وآثار المصنفين: دار الكتب العلمية، بيروت- 1413هـ. البنا، أحمد بن محمد الدمياطي (1117هـ) : حاشية البنا على شرح الورقات للمحلي، مكتبة محمد صُبيح، بميدان الأزهر. البناني، عبد الرحمن بن جاد الله (1198هـ) : حاشية البناني على شرح المحلي على متن جمع الجوامع، دار الفكر، بيروت - 1415هـ. البيهقي، أحمد بن الحسين (458هـ) : السنن الكبرى، دار الفكر. الترمذي، محمد بن عيسى (279هـ) : سنن الترمذي. التلمساني، محمد بن أحمد (771هـ) : مفتاح الوصول في علم الأصول، مكتبة الكليات الأزهرية. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم (728هـ) : مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، توزيع الرئاسة العامة لشئون الحرمين الشريفين. آل تيمية، عبد السلام بن عبد الله (652هـ) و (آخرون) : المسودة في أصول الفقه، جمع: أحمد عبد الغني، تحقيق: محمد عبد الحميد، دار الكتاب العربي، بيروت. الجعبري، إبراهيم بن عمر (732هـ) : رسوخ الأخبار في منسوخ الأخبار، تحقيق: د. حسن الأهدل، الطبعة الأولى، مؤسسة الكتب الثقافية - 1409هـ. ابن الحاجب، عثمان بن عمر بن يونس (646هـ) : مختصر المنتهى الأصولي، مراجعة: شعبان إسماعيل، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة - 1394هـ. الحازمي، محمد بن موسى (584هـ) : الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولى، دار الوعي، حلب- 1403هـ. الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله (405هـ) : المستدرك على الصحيحين، مكتبة ومطابع النصر الحديثة، الرياض. ابن حجر، أحمد بن علي (852هـ) : فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق: محب الدين الخطيب، ترقيم: محمد عبد الباقي، مراجعة: قصي محب الدين، الطبعة الأولى، دار الريان للتراث، القاهرة- 1407هـ. ابن حزم، علي بن أحمد (456هـ) : مراتب الإجماع، دار الكتب العلمية، بيروت. الخطابي، حمد بن محمد (338هـ) : معالم السنن، تحقيق: محمد الفقي، مكتبة السنة المحمدية- القاهرة. الدارقطني، علي بن عمر بن مهدي (385هـ) : سنن الدارقطني، دار الفكر، بيروت- 1414هـ. الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن (255هـ) : سنن الدارمي، تحقيق: سليم إبراهيم، وعلي محمد، وفهرسة د. مصطفى الذهبي، الطبعة الأولى، دار الحديث، القاهرة- 1420هـ. أبو داود، سليمان بن الأشعث الأزدي (275هـ) : سنن أبي داود. الذهبي، محمد بن أحمد (748هـ) : تذكرة الحفاظ، دار الكتب العلمية، بيروت. الذهبي، محمد بن أحمد (748هـ) : ميزان الاعتدال، توثيق: صدقي العطار، الطبعة الأولى، دار الفكر، بيروت- 1420هـ. الرازي، محمد بن أبي بكر (666هـ تقريبا) : مختار الصحاح، مكتبة لبنان، بيروت- 1985م. الرازي، محمد بن عمر (606هـ) : المحصول في علم الأصول، تحقيق: د. طه العَلواني، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة، بيروت- 1412هـ. ابن رشد (الحفيد) ، محمد بن أحمد (595هـ) : بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق: محمد محيسن، وشعبان إسماعيل، مكتبة الكليات الأزهرية- 1394هـ. ابن رشد (الحفيد) ، محمد بن أحمد (595هـ) : الضروري في أصول الفقه، أو مختصر المستصفى، تحقيق: جمال الدين العلوي، تصدير: محمد سيناصر، الطبعة الأولى، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، مركز الدراسات الرشيدية، فاس، ودار الغرب الإسلامي، بيروت- 1994م. الزركشي، محمد بن بهادر (794هـ) : البحر المحيط في أصول الفقه، مراجعة: د. عمر الأشقر، الطبعة الأولى، وزارة الأوقاف بالكويت- 1409هـ. السبكي وابنه، علي بن عبد الكافي (756هـ) ، وعبد الوهاب بن علي (771هـ) : الإبهاج في شرح المنهاج، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت - 1404هـ. السرخسي، محمد بن أحمد (483هـ) : أصول السرخسي، تحقيق: أبي الوفا الأفغاني، دار المعرفة، بيروت. السمرقندي، محمد بن أحمد (539هـ) : ميزان الأصول في نتائج العقول، تحقيق: د. محمد عبد البر، الطبعة الأولى، مطابع الدوحة الحديثة- 1404هـ. السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (911هـ) : تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، الطبعة الثانية، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ومكتبة دار التراث، القاهرة- 1392هـ. الشاطبي، إبراهيم بن موسى (790هـ) : الموافقات في أصول الفقه، شرح: عبد الله دراز، دار الكتب العلمية، بيروت. الشافعي، محمد بن إدريس (204هـ) : الأم، دار الفكر، بيروت- 1410هـ. الشافعي، محمد بن إدريس (204هـ) : الرسالة، تحقيق: أحمد شاكر، دار الفكر- 1309هـ. الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم (1230هـ) : نشر البنود على مراقي السعود، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت- 1409هـ. الشنقيطي، محمد الأمين بن المختار: مذكرة أصول الفقه، المكتبة السلفية، المدينة المنورة- 1391هـ. الشوكاني، محمد بن علي (1250هـ) : إرشاد الفحول، إلى تحقيق الحق في علم الأصول، دار الفكر. الشوكاني، محمد بن علي (1250هـ) : نيل الأوطار، شرح منتقى الأخبار، دار الجيل، بيروت- 1973م. الشيرازي، إبراهيم بن علي (476هـ) : اللمع في أصول الفقه، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت- 1405هـ. ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (643هـ) : علوم الحديث، تحقيق: نور الدين عتر، الطبعة الثالثة، دار الفكر، دمشق- تصوير 1406هـ. العبادي، أحمد بن قاسم (994هـ) : الآيات البينات، ضبط: زكريا عميرات، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت - 1417هـ. ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله (463هـ) : الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي معوض، وعادل عبد الموجود، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت- 1415هـ. ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله (463هـ) : الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، تحقيق: د. محمد الموديتاني، الطبعة الثانية، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، البطحاء- 1400هـ. ابن العربي، محمد بن عبد الله (543هـ) : أحكام القرآن، تحقيق محمد عطا، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت- 1408هـ. العضد، عبد الرحمن بن محمد (756هـ) : شرح العضد لمختصر المنتهى الأصولي. انظر: رقم (26) . العطار، حسن بن محمد (1250هـ) : حاشية العطار على شرح المحلي على جمع الجوامع لابن السبكي، دار الكتب العلمية، بيروت. الغزالي، محمد بن محمد (505هـ) : المستصفى من علم الأصول. انظر رقم (14) . الغزالي، محمد بن محمند (505هـ) : المنخول من تعليقات الأصول، تحقيق: د. محمد هيتو، الطبعة الثانية، دار الفكر، دمشق - 1400هـ. الفيومي، أحمد بن محمد (770هـ) : المصباح المنير، دار الفكر. ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم (276هـ) : غريب الحديث، تحقيق: د. عبد الله الجبوري، الطبعة الأولى، وزارة الأوقاف العراقية- 1397هـ. ابن قدامة، عبد الله بن أحمد (620هـ) : روضة الناظر وجنة المناظر، تحقيق: د. عبد الكريم النملة، الطبعة الثانية، مكتبة الرشد، الرياض - 1414هـ. ابن قدامة، عبد الله بن أحمد (620هـ) : المغني، مكتبة الرياض الحديثة- الرياض. القرافي، أحمد بن إدريس (684هـ) : شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول، تحقيق: طه سعد، الطبعة الأولى، مكتبة الكليات الأزهرية، ودار الفكر، القاهرة- 1393هـ. القرافي، أحمد بن إدريس (684هـ) : نفائس الأصول في شرح المحصول، تحقيق: عادل الموجود، وعلي معوض، الطبعة الثالثة، المكتبة العصرية، بيروت- 1420هـ. القرطبي، محمد بن أحمد (671هـ) : الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: إبراهيم اطفيش، الطبعة الثالثة، الهيئة المصرية العامة للكتاب- 1987م. ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر الزرعي (751هـ) : اعلام الموقعين عن رب العالمين، تعليق: طه سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة. ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر الزرعي (751هـ) : التهذيب. انظر رقم (31) . الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود (587هـ) : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الطبعة الأولى، دار الفكر، بيروت - 1417هـ. الكحلاني، محمد بن إسماعيل الأمير (1182هـ) : سبل السلام، شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام لابن حجر، تعليق: محمد الخولي، الطبعة الرابعة، مصطفى الحلبي، القاهرة- 1379هـ. ابن كثير، إسماعيل بن عمر (774هـ) : البداية والنهاية، دار الفكر، بيروت- 1398هـ. الكراماستي، يوسف بن حسين (899هـ) : الوجيز في أصول الفقه، تحقيق: السيد كساب، دار الهدى للطباعة، القاهرة - 1404هـ. الكلوذاني، محفوظ بن أحمد (510هـ) : التمهيد في أصول الفقه، الجزءان الأول والثاني، تحقيق: د. مفيد أبو عمشة، والجزءان الثالث والرابع، تحقيق: د. محمد إبراهيم، الطبعة الأولى، دار المدني، جدة- 1406هـ. ابن ماجه، محمد بن يزيد (275هـ) : سنن ابن ماجه. المارديني، محمد بن عثمان (871هـ) : الأنجم الزاهرات، على حل ألفاظ الورقات، في أصول الفقه، تحقيق: أ. د. عبد الكريم النملة، الطبعة الثالثة، مكتبة الرشد، الرياض- 1420هـ. مالك بن أنس الأصبحي (179هـ) : المدونة الكبرى، الطبعة الأولى، دار الفكر، بيروت- 1419هـ. مالك بن أنس الأصبحي (179هـ) : الموطأ، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت- 1405هـ. مجمع اللغة العربية: المعجم الوسيط، دار الفكر. المحلي، محمد بن أحمد (864هـ) : شرح الورقات في علم أصول الفقه. انظر رقم (18) . محمد السعيد بسيوني زغلول: موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف، دار الفكر، بيروت- 1414هـ. محمد سعيد منصور (الدكتور) : منزلة السنة من الكتاب، وأثرها في الفروع الفقهية، الطبعة الأولى، الدار السودانية للكتب، الخرطوم، ومكتبة وهبة، القاهرة- 1413هـ. محمد فؤاد عبد الباقي: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، الطبعة الثانية، دار الفكر- 1401هـ. المزي، يوسف بن عبد الرحمن (742هـ) : تهذيب الكمال في أسماء الرجال، حققه: أحمد عَبيد، وحسن آغا، وراجعه: د. سهيل زكار، دار القلم، بيروت- 1414هـ. مسلم بن الحجاج القشيري (261هـ) : صحيح مسلم. المطيعي، محمد بخيت بن حسين (1354هـ) : سلم الوصول، لشرح نهاية السول. انظر رقم (8) . ابن منظور، محمد بن مكرم الأنصاري (711هـ) : لسان العرب، دار صادر، بيروت. ابن النجار، محمد بن أحمد الفتوحي (972هـ) : شرح الكوكب المنير، تحقيق د. محمد الزحيلي، د. نزيه حماد، مكتبة العبيكان، الرياض- 1413هـ. ابن نجيم، إبراهيم بن محمد (970هـ) : فتح الغفار بشرح المنار، راجعه: محمود أبو دقيقة، الطبعة الأولى، مطبعة الحلبي، القاهرة- 1355هـ. ابن النديم، محمد بن أبي يعقوب اسحاق (380هـ) : الفهرست، علق عليه: د. يوسف الطويل، ووضع فهارسه: أحمد شمس الدين، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت- 1416هـ. النسائي، أحمد بن شعيب (303هـ) : سنن النسائي، تحقيق: د. السيد محمد، وعلي محمد، وسيد عمران، وضبط: د. مصطفى الذهبي، الطبعة الأولى، دار الحديث، القاهرة - 1420هـ. النووي، يحيى بن شرف الحوراني (676هـ) : صحيح مسلم بشرح النووي، دار الفكر. ابن الهمام، محمد بن عبد الواحد (861هـ) : شرح فتح القدير على الهداية، دار الفكر، بيروت. ياقوت الحموي، ياقوت بن عبد الله الرومي (626هـ) : معجم البلدان، تحقيق: فريد الجندي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت- 1410هـ. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 182 (. خاتمة البحث: بعد أن أتيت على نهاية البحث، أسجل بإيجاز أهم ما أرشد إليه في ثناياه، وما تمخضت عنه دراسته من نتائج، وهي كالتالي: 1- بَيَّنَ البحث أن التعارض الحقيقي بين الأخبار باستثناء الناسخ والمنسوخ منها، لا يدخلها ألبتة، وإنما هي متآلفة متوافقة لا تنافي بينها ولا اختلاف، وأنه إذا وجد خبران يوهم ظاهرهما التنافي والاختلاف، فإنه يكون تعارضاً صورياً لا في الواقع ونفس الأمر، ومرده نقص في علم الناظر وخلل في إدراكه، بحسب جلائهما وخفائهما بالنسبة إليه، حيث إنه غير معصوم من الخطأ والسهو وما شاكلهما، وإن هذا التعارض يزول بعد إنعام النظر فيها وتسريح الفكر، بأي وجه من وجوه الجمع الصحيحة، أو بيان النسخ، أو الترجيح، وقد اتضح ذلك جلياً من خلال الأمثلة التطبيقية التي سيقت لبيان ذلك. 2- أكد البحث أن الثمرة المرجوة من وراء الجمع عند الإمام مالك هي التوفيق بين الأخبار المتعارضة، وأنه يقدمه على النسخ إذا كان محتملاً والترجيح، بل ويستعمله أيضاً أكثر منهما، أما النسخ فقد حدد معناه عما قد يلتبس به وضبطه؛ إذ ذهب إلى أنه: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متراخٍ عنه، أما الترجيح عنده فهو: تفجير القوة الزائدة والطاقة الكامنة في أحد الخبرين المتعارضين ليعمل به، وقد يتبع تعارض الترجيح أيضاً تعارض أوجهه، وحينئذٍ يقدم الإمام مالك الترجيح باعتبار السند، ثم يليه بالنسبة إليه الترجيح باعتبار المتن، ثم يليهما الترجيح باعتبار أمر خارجي، إذ لا حاجة تدعو المجتهد أن يستعين بأدلة خارجة عن إطار الأخبار ما دام الأمر قد حسم في داخلها وانقضى. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 183 3- كشف البحث أن منهاج الإمام مالك في التعامل مع الأخبار المتعارضة لم يكن اعتباطياً أو عشوائيا، وإنما جعل لدفعه مسالك عدة، قائمة على الاتساق في التأصيل، والدقة في التقعيد، ويحصرها حصراً مركزاً ويربطها ربطاً وثيقا، عدد من المعايير الحساسة؛ لترتيبها بحسب مواقعها عند تطبيقها على الوقائع، وعليه فقد تَكَوَّنَ من جملتها منهاج متكامل أرشد إلى كيفية تعامله معها، وبالرغم مما قررنا فإن التزامه بهذا المنهاج التزام نسبي؛ إذ قد يغير فيه، تبعاً لتسامي ملكاته، المستندة على أدلة تقتضي ذلك. 4- أثبت البحث المستفيض أن التعامل مع الأخبار المتعارضة موضوع مهم خطير صعب عسير؛ إذ يحتاج خوضه إلى احتياط وورع ودقة وأمانة، وفهمه إلى غوص عميق في المعاني الدقيقة لدراسات متعددة الجوانب، ولا غرو فإنه يمثل أعلى المراتب في استيثاق الأخبار وحفظها وصيانتها من جهة أسانيدها أو متونها لتمييز الصحيح من السقيم والموضوع، وأن المحدثين تناولوه ضمن مبحث مختلف الحديث، أما الأصوليون فبسطوا الكلام فيه بشكل أوسع منهم تحت مبحث التعارض والترجيح. 5- توصل الباحث إلى أن طرائق الإمام مالك في دفع التعارض بين الأخبار لها أثر بالغ في استنباطاته الفقهية، وأنها تمثل الأصول التي تتفرع عنها، وعليه فإنها من أهم ما يجب أن يعرفه المجتهد؛ إذ لا يمكنه ادعاء استخراج الأحكام بدونها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 184 مسائل في منهج دراسة السيرة النبوية د. محمد بن صامل السلمي الأستاذ المشارك بقسم التاريخ والحضارة الإسلامية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة أم القرى ملخص البحث ... السيرة النبوية بوقائعها المختلفة تمثل حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ودراستها بمنهجية علمية أمر مهم لكل مسلم فضلا عن المربين والمعلمين, إذ هي مادة سلوكية تربوية ذات أهداف اعتقادية وأخلاقية, وهذا البحث محاولة لبيان ضوابط لمنهج دراسة السيرة النبوية من خلال عرض بعض المسائل المهمة, وهي سبع مسائل: الأولى: المصادر التي تستقى منها أخبار السيرة النبوية ووقائعها. الثانية: التأصيل الشرعي لمن يشتغل بعلوم السيرة النبوية الثالثة: تفسير أحداث السيرة النبوية الرابعة: ضوابط استخراج الدروس والفوائد التربوية من السيرة. الخامسة: الاهتمام بالسنن الربانية وإبرازها. السادسة: معرفة مواضع الاقتداء من فعله صلى الله عليه وسلم. السابعة: صدق العاطفة والوفاء بحقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم. وهذه المسائل إذا جرى مراعاتها من قبل المربين والباحثين فإنها تنهض بعون الله بدراسة السيرة في مدارسنا وجامعاتنا ويظهر أثرها على سلوكيات المتلقين وهي الثمرة الأساس لدراسة السيرة النبوية. المقدمة: الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير, رسول رب العالمين, الرحمة المهداة, والنعمة المسداة, محمد بن عبد الله, وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 185 .. فهذه نبذة يسيرة في موضوعات مهمة ومسائل جليلة في سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام تمثل المنهج الذي ينبغي أن يتبع ويسلك في دراسة السيرة النبوية وتدريسها حتى تؤتى ثمارها, ونحصل على فوائدها, وندرك مقاصدها, ونعتبر بعبرها, ونقتدي بمواقف صاحبها عليه الصلاة والسلام, ونتأسى بأحواله, وذلك أن السيرة النبوية ليست ضربا من التاريخ فحسب إنما هي منهج متميز, وعبر متجددة, وسلوك يقتفى, فالسيرة النبوية متجددة العطاء لأنها سيرة الرسول الأسوة والإمام القدوة الذي لا يصح عمل ولا عبادة إلا باتباعه. وسيرته معيار تقاس إليه جميع السير والمواقف والأحداث, وهي صالحة لكل زمان, متسعة لجميع القدرات البشرية, وقد جمع الله فيه جميع الكمالات البشرية حتى يتمكن من الاقتداء به جميع المسلمين على مختلف أزمانهم وأوطانهم ومواقعهم الإدارية والسياسية والاقتصادية والعلمية والتربوية ... إلخ. ... والسيرة النبوية مادة تربوية وسلوكية ينبغي أن تتلقى, ويتعلمها المتعلمون بهذا الهدف التربوي الذي يؤدي إلى تنمية السلوك البشري وتقويمه وفق الهدي النبوي الثابت في الكتاب والسنة. ودارس السيرة النبوية بحاجة إلى التعرف على المنهج العلمي الصحيح في دراستها من حيث المصادر؛ ومنهج التلقي وضرورة التأصيل الشرعي لعلومها؛ والالتزام بنصوص الوحي وفهم السلف الصالح أهل السنة والجماعة؛ مع الوعي لقضايا العصر ومستجداته, مع مراعاة السنن الاجتماعية والشرعية والاهتمام بها حتى نجدد في دراسة السيرة وتدريسها ونجعلها من أهم الأسس والدعائم في بناء النهضة والحضارة الإسلامية المعاصرة. إن المشكلة الواقعة في دراسة السيرة أنها تجري على الطريقة التقليدية في سرد الحوادث وحفظ الوقائع دون التنبه إلى أهميتها التربوية السلوكية؛ وأثرها في تقوية الإيمان وترسيخه؛ وفي بناء الجيل والأمة وفق السنن الشرعية والاجتماعية. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 186 ونظرا لبروز هذه المشكلة في مناهجنا الدراسية أحببت أن أسهم في إيجاد بعض الحلول لها من خلال مناقشة مجموعة من المسائل المتعلقة بمنهج دراسة السيرة النبوية التي ينبغي الاهتمام بها من قبل الدارسين والباحثين, وقد تعرضت في هذا البحث لسبع مسائل ذات صلة وثيقة بمنهج دراسة السيرة النبوية, وستراها مفصلة في البحث. ... وأسأل الله العلي القدير أن ينفع بها الباحث والسادة القراء. والحمد لله رب العالمين. *** المسألة الأولى: المصادر التي تُستقى منها أخبار السيرة النبوية ووقائعها هذه المسألة مهمة في منهج دراسة السيرة النبوية, لأن تحرير المصادر الموثوقة والرجوع إليها مما يساعد على الفهم الصحيح للسيرة النبوية, بخلاف من تأسره المصادر المنحرفة, التي كتبتها نوابت الضلال والانحراف من أهل الأهواء والبدع ليؤيدوا ضلالهم وانحرافهم, والحديث هنا ليس عن مصادر السيرة النبوية من حيث أنواعها وترتيبها التاريخي (1) , إنما هو عن مصادر السيرة من حيث التوثيق, ومن حيث الاتجاهات الفكرية للمصنفين, والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام: 1 مصادر أصلية وموثوقة وهي: أالقرآن الكريم, وهو رأس المصادر وأساسها, وثبوته بالتواتر القطعي أمر مسلٍّم لا مرية فيه, وحديثه عن السيرة كثير (2) , وعرضه منوع, ومنهجه في عرض الأحداث والوقائع يتميز بالشمول في تحليل الحدث ومعالجته, ويلاحظ الأهداف والغايات, ويركز على الآثار والنتائج, وينتزع الصورة الموحية من الحدث ثم يبرزها, غير ملتزم بتسلسل الحدث في سياقه التاريخي, لأن القرآن الكريم كتاب هداية وتربية وأحكام, لا كتاب تاريخ, فهو يهتم بالقيم والأخلاق. ومن مميزات النص القرآني وخصائصه: عرض المشاعر والخواطر وما يجول في النفوس حتى يجعلها مكشوفة كأنها رأى العين. بيان العواقب والمآلات للوقائع (3) , وذلك لأنه صادر من العليم الخبير, والسميع البصير, والحكيم القدير, الذي أحاط بكل شيء علما. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 187 فالنص القرآني يتميز بالصدق من جهتين: الأولى: جهة النقل والثبوت. الثانية: من حيث الوصف للواقعة التاريخية. فإنه يصف الصورة الظاهرة للحدث كما يصف الصورة الباطنة له, ويوضح أثره في المشاعر والنفوس, كما يكشف الخواطر والأمنيات, حيث يستوي في علمه سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة. ويلحق بهذا المصدر كتب التفسير وأسباب النزول, ففيها كم كثير من الأخبار المتعلقة بالسيرة النبوية, لكن رواياتها بحاجة إلى نقد وتمييز لمعرفة الصحيح من غيره. ب – ما دونه علماء الحديث بالأسانيد في مصنفاتهم من أحداث السيرة وأخبارها. فإن مصنفات المحدثين وما فيها من الأخبار والروايات قد خضعت لنقد وتمحيص من علماء الجرح والتعديل , ونصوا على صحيح الأخبار وحسنها, وميزوها عن ضعيفها وموضوعها كما نَصٍِوا على الرواة الثقاة العدول, والرواة الضعفاء والمجهولين والكذابين مما سَهل على الباحثين القدرة على النقد ومعرفة الصحيح من غيره. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 188 ج – ما جمعه علماء السيرة ورواتها الأوائل, من أمثال عروة بن الزبير ت: (93هـ) , ومحمد بن مسلم الزهري ت: (124هـ) , وموسى بن عقبة ت: (141هـ) , وابن إسحاق ت: (151هـ) , وأضرابهم, وكذا ما دُوِّن في المصادر التاريخية العامة من الحوادث والتراجم, وهذا النوع يحتاج إلى نقد وتمييز لمعرفة الصحيح من غيره قبل أن نأخذ الدرس التربوي والعبرة من الحدث, وقبل الاستدلال به على الحكم الشرعي. والمنهج المتبع في نقد الروايات التاريخية هو منهج المحدثين, لكن النتيجة قد تختلف من رواية إلى أخرى بحسب مضمون الرواية, وما يتعلق بها من أحكام, فإذا كانت الرواية متعلقة بحكم شرعي أو أدب نبوي, فلا بد من اتباع منهج المحدثين وشروطهم في الرواية الصحيحة والحسنة, أما إذا كانت الرواية متعلقة بأخبار ليست من هذا النوع – كتاريخ الحدث أو مكانه أو عدد المشاركين فيه أو أسمائهم أو ما يكون من أخبار التاريخ والحضارة – فإنه يتساهل في قبول الرواية حتى ولو لم تستجمع شروط القبول (4) . وهذا منهج سائغ وطريقة مسلوكه حيث يتشدد العلماء في الاستدلال على الفرائض وأحكام الحلال والحرام ويتساهلون في رواية ما لا يرفع حكما أو يضعه من أحاديث الترغيب والترهيب والقصص والمواعظ (5) . كما أن نقد المتن هو خطوة نقدية بعد نقد السند, وهي مشتركة بين المحدثين والمؤرخين ويستطيع الباحث إذا أتقنها وتمرس بها تمييز الروايات الصحيحة من غيرها. 2 المؤلفات بعد عصر الرواية والإسناد: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 189 من بداية القرن الخامس الهجري تقريبا توقفت الرواية والتحديث في السنة والسيرة النبوية بالإسناد حيث صارت المؤلفات تغفل الإسناد, ويرجع المصنفون إلى الكتب والمؤلفات بدلا من التلقي المباشر من الرواة والشيوخ, وصار الإسناد إلى الكتب والإجازه (6) بها وتحمل روايتها بهذا الطريق , أو بطريق الوجادة (7) , وظهرت في تلك الفترة مؤلفات في السيرة النبوية تغفل الإسناد, وإذا وجد الإسناد فهو إلى المصنفات الأولى في عصر الرواية, وهذا النوع من المصادر ينظر إليها بحسب اتجاهات مصنفيها الفكرية والعقدية, وكذا بحسب مناهجهم في التصنيف, من حيث اشتراط الصحة فيما يذكرون أو عدم اشتراطها, وهؤلاء تسُبر طريقتهم بواسطة المقارنة والنقد الباطني للنصوص , أما إذا أسندوا فينقد الإسناد حتى يميز الصحيح من غيره. والمصادر في هذا القسم أنواع: منها: مصادر كتبها علماء ثقات من أهل السنة والجماعة وعلى طريقة السلف في الاعتقاد, ومنهج التلقي والاستدلال, من أمثال, ابن عبد البر (ت 463هـ) , وابن الجوزي (ت 597هـ) , والنووي (ت 676هـ) , وابن تيمية (ت 728هـ) , والذهبي (ت 742هـ) , وابن القيم (ت 751هـ) , وابن كثير (ت 774هـ) , وابن حجر (ت 852هـ) , وابن عبد الوهاب (ت 1206هـ) , فهذه مصادر يعتمد عليها ويهتم بدراستها مع ملاحظة اجتناب ما قد يقع فيه بعضهم من خطأ إذ لا عصمة لأحد من الخطأ, فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 190 ونوع من المصادر كتبها علماء يغلب عليهم أو تنزعهم اتجاهات ونزعات فكرية مخالفة لطريقة السلف الصالح أهل السنة والجماعة, (اتجاه معتزلي , أو شيعي, أو صوفي ... إلخ) وتلك المصنفات لا تخلو من التأويل الفاسد, أو الأخبار الضعيفة, أو المكذوبة , وكذا الحكايات, والمنامات, والرؤى, وادعاء حالات وصور وأخبار عن السيرة النبوية يكون مؤداها ومآلها إخراج شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته عن مجال الاقتداء والتأسي به, حيث تضفي تلك الأخبار المزعومة, والحكايات والمنامات, على السيرة النبوية وصاحبها عليه الصلاة والسلام هالة من المبالغة والتبجيل الكاذب مما يخرجها عن قدرة البشر وطاقتهم فلا يستطيعون التأسي والاقتداء به صلى الله عليه وسلم عمليا, مما يجعل حظهم منه صلى الله عليه وسلم مجرد إعجاب , وانبهار, ومثاليه, وإشباع روحي, غير قابل للمتابعة والتطبيق الواقعي, وأكثر ما يبرز هذا في الفكر الشيعي؛ والفكر الصوفي اللذان يعتمدان شخصيات بديلة عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم, ويزعمون لأتباعهم أن لها خصوصية ولديها القدرة على التأسي والاقتداء به صلى الله عليه وسلم لما لها من الوسائل والخصائص المميزة, مثل الأئمة عند الشيعة, والسادة والأولياء عند الصوفية, أما الأتباع فدورهم التبرك بهؤلاء الوسطاء والاعتقاد فيهم ومتابعتهم من غير سؤال عن دليل أو برهان, وهذا غاية في الضلال والإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحرمان للأمة من الاقتداء والتأسي به كما أمرهم الله سبحانه وتعالى. ولذا فإنه ينبغي تجنب تلك المصادر والمراجع خاصة من قبل الدارسين المبتدئين, أما الباحث المتخصص فإنه يستطيع الاستفادة منها في الجوانب التي أحسنوا فيها, ويحذر المزالق والأخطاء التي وقعوا فيها. 3 الدراسات المعاصرة عن السيرة النبوية: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 191 هذا العصر يموج بكثير من الأفكار والاتجاهات المختلفة, وقد تأثر بعضه ببعض بسبب تيسير نقل المعلومات وسهولتها وسرعة الاتصالات, وتقدم الوسائل الإعلامية حتى صار العالم يوصف بأنه قرية واحدة. والدراسات عن السيرة النبوية في هذا العصر كثيرة, وعلى مستويات مختلفة, ومن اتجاهات فكرية كثيرة, مثل القومية, والاشتراكية, والشيوعية, والعقلانية, والعلمانية, ويغلب على كثير منها استخدام أسلوب التحليل للنصوص, وهو أسلوب ناجح ومفيد في دراسة السيرة النبوية إذا كان المؤلف أو الباحث يملك المرجعية الشرعية, فيفهم حقيقة الإسلام ومنهجه الكامل, وفقه اللغة التي نزل بها القرآن, مع الاعتقاد بأنه الدين الحق والمنهج الخالد الذي لا يقبل الله من أحد سواه, ولا يصلح لهذا العالم غيره, وأن له الحاكمية والهيمنة على الأديان كلها, وهو شامل في أحكامه لكافة مناحي الحياة وأنشطتها السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية. أما إذا كان الباحث لا يؤمن بهذه المعاني أو تنقصه المعرفة الشرعية فإن الغالب أن لا تكون نتائج دراساته صحيحة وإن أتقن طرائق المنهجية المعاصرة, مثل أسلوب التحليل النفسي, والتحليل الاجتماعي, وبيان أثر البيئة. لأن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وتصرفاته ليست نابعة من هذه المنابع, إنما هو عليه الصلاة والسلام مرسل من الله, ويبلغ ما أوحي إليه, ولذا فإنه لا بد في دراسة السيرة النبوية من ملاحظة أثر الوحي والنبوة في تصرفاته صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالتعبد وإبلاغ الوحي, ولا بد أيضا من فهم مقاصد الشريعة وغاياتها حتى يكون تفسير أحداث السيرة وتحليلها وفقا لنصوص الوحي ومقاصد الشريعة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 192 ولهذا لا نستغرب أن نجد في الدراسات المعاصرة عن السيرة النبوية أثر الاتجاهات الفكرية السائدة, فالقوميون العرب يفسرون حوادث السيرة حسب الفكر القومي عن الرسول صلى الله عليه وسلم إذ هو في نظرهم زعيم قومي وَحّد العرب لأول مرة في التاريخ تحت لواء دولة واحدة جامعة ومستقلة. والاشتراكيون يفسرون حوادث السيرة تفسيراً يخدم منهجهم وفكرهم, والشيوعيون يفسرون الغزوات النبوية تفسيرا اقتصاديا حسب نظرتهم للتاريخ البشري وأن الصراع فيه هو على الموارد الاقتصادية ولأجلها, وكذا العلمانيون يفرقون بين شخصية النبي صلى الله عليه وسلم القائد والحاكم وبين شخصيته نبيٌ وزعيم ديني, ففي الأول يتصرف بكونه حاكما من غير النظر إلى النبوة والدين لأنهم يفصلون بين الدين والحياة. وهكذا تسير كل فرقة في دراساتها عن السيرة النبوية حسب منهجها الفكري, ولذا فإن على الباحث والقاريء المسلم الحذر من مثل هذه المؤلفات, ومعرفة اتجاهات الباحثين والكتاب حتى لا ينخدع بإحسان بعضهم لطرائق التحليل المنهجي للنصوص, والذي يستخدم وسيلة لتسويغ الفكر المنحرف وتسويقه. ولكن ليست هذه هي الصورة الوحيدة في الدراسات المعاصرة عن السيرة النبوية, وإنما توجد ولله الحمد دراسات جادة ونافعة, جمعت بين أسلوب التحليل للنصوص, وأسلوب القدامى من العلماء في حشد النصوص وتصحيحها والاستدلال بها, مع امتلاك القدرة العلمية والمرجعية الشرعية التي تلاحظ أثر النبوة والوحي, وتدرك مقاصد الشريعة وخلودها وتفردها بالمنهج المصلح للحياة البشرية وأنه لا منهج غيره يصلح لإنقاذ البشرية وإيصالها إلى نيل رضا الله والفوز بجناته. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 193 فعلى سبيل المثال أنجز في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة, وجامعة أم القرى بمكة المكرمة, وجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض عدد وفير من الرسائل الجامعية – ماجستير ودكتوراه – التي استوفت دراسة المغازي والسرايا النبوية دراسة توثيقية ونقدية للنصوص والروايات مع الدراسة التحليلية لاستنباط الدروس والأحكام والعبر التربوية. كما أنجز في مواقع أخرى من الجامعات العربية والإسلامية دراسات في السيرة النبوية لها نصيب وافر من العلم الشرعي والأهداف التربوية, ومثل هذه الدراسات والأبحاث العلمية نحن بحاجة إلى تنميتها ونشرها بين طلاب العلم, بل والعامة من المسلمين ليستفاد منها, فإن السيرة النبوية مصدرٌ مهم في معرفة وسائل الدعوة ومناهجها, وما يقع في بعض الدراسات من نقص أو اجتهادات خاطئة لا ينبغي أن تكون مانعة من الاستفادة منها ما لم يكن صاحب الدراسة متعمداً مخالفة منهج السلف الصالح وراغباً عن طريقتهم. المسألة الثانية: التأصيل الشرعي لمن يشتغل بعلوم السيرة النبوية المشتغل بعلوم السيرة النبوية لا بد له من دراسة الشريعة من مصادرها حتى يفهم حقيقة الإسلام, ومنهجه الكامل, وفقه أحكامه, ودراسة منهج الاستدلال عند علماء الشريعة, كما يجب عليه الالتزام بمصطلحاته الشرعية, وفقه لغته التي نزل بها القرآن, والاعتقاد بأنه الدين الحق والمنهج الخالد الذي له الحاكمية والهيمنة على الأديان كلها. فمن لا يفهم حقيقة الإسلام وشموليته لكافة مناحي الحياة وأنشطتها السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية, تكون أغلب تفسيراته وتحليلاته خاطئة ومخالفة لكثير من قواعد الشريعة وأحكامها, والقاعدة المنطقية تقرر أن الحكم على الشىء فرع عن تصوره. فلا بد من تصور حقيقة الإسلام من مصادره تصورا صحيحا وإلا وقع الباحث في خلط وقرر نتائج غير صحيحة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 194 ومما ينبغي الالتزام به المصطلحات الشرعية, فإنها التي يتعلق بها الثواب والعقاب, والمدح والذم مثل: مؤمن, مسلم, منافق, كافر, أولياء الرحمن, أولياء الشيطان. فالواجب الالتزام بالتسميات الشرعية, ولا يعدل عنها في تقسيم الناس والدول إلى تقدمي ورجعي, ويميني ويساري, ووسط, ودول متقدمة, ودول متأخرة أو نامية, فإن هذا خلط يسبب التضليل وتمييع الأحكام الشرعية التي تستلزم المحبة والبغض, والولاء والبراء, وتترتب عليها الآثار الشرعية والمواقف الصحيحة, أما المصطلحات غير الشرعية فلا يترتب عليها مجردة مدح أو ذم في الشرع, وهذه المصطلحات وافدة من بيئة غير البيئة الإسلامية ومن ثقافة أمم غير الأمة الإسلامية, فلا يمكن تطبيقها أو استخدامها في التاريخ والحضارة الإسلامية لاختلاف المنشأ الفكري والبيئة والتراث الثقافي, فالتقدمي في عرفهم أفضل من الرجعي, وكذا اليساري بالنسبة لليميني, أما في الشريعة الإسلامية فإنه لا ينظر إلى مجرد المصطلح والوصف الذي يطلق, وإنما ينظر إلى موقف من يوصف بذلك المصطلح من الشرع والتزامه بذلك أو عدمه, فربما يكون الرجعي الذي هو وصف ذم عندهم أفضل وأتقى عند الله لتمسكه بالشرع المطهر, فيكون ممدوحاً, وإطلاق مثل هذا المصطلح يكون من باب التنابز بالألقاب المنهي عنه شرعاً. المسألة الثالثة: تفسير أحداث السيرة النبوية الجزء: 13 ¦ الصفحة: 195 إن تفسير أحداث السيرة النبوية واستخلاص فوائدها هو ثمرة دراستها ومقصدها الأسمى, وهذه السيرة هي سيرة نبي ورسول اختاره الله واصطفاه, والله أعلم حيث يجعل رسالته, وقد كَمّله بالوحي الذي هو الميزة العظمى والخصيصة الكبرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذا فإنه عند تفسير حوادث السيرة النبوية لا بد من ملاحظة أثر الوحي في تصرفاته ومواقفه صلى الله عليه وسلم. وإن تفسير حوادث السيرة النبوية من غير امتلاك للأدوات والوسائل الشرعية التي تمكن من ذلك يحمل كثيرا من المخاطر والمحاذير, لأن تفسير الحوادث يخضع في الغالب للفلسفة الفكرية والاتجاهات العقدية عند الدارسين, والتجرد من هذه النوازع غير ممكن لتحكمها في فكر المرء وقياده. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 196 والإنسان لا ينفك عن تصوره واعتقاده إلا إذا ترك الاعتقاد ونبذه, وتفسير حوادث التاريخ – والسيرة جزء منه - يخضع للتصور الاعتقادي والفكري, فإذا كان الباحث يحمل تصورا اعتقاديا صحيحا, كانت نتائج دراسته صورة لفكره وفلسفته في الحياة, وهذا الأمر يستلزم منا معرفة اتجاهات الباحثين والمؤلفين لنعرف مشاربهم الفكرية ومآخذهم الاعتقادية, وسنجد أن دراساتهم وأبحاثهم صورة لأفكارهم وعقائدهم, وبهذا الميزان نرفض نتائج أبحاث الأوربيين والمستشرقين عن السيرة النبوية, لأنهم ليسوا أهلا أن يحمل عنهم العلم عن سيرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ما داموا يكفرون به ولا يؤمنون بنبوته ورسالته إلا على وجه غير صحيح, وكذا الدراسات المتأثرة بأفكارهم والمعتمدة عليها يجب رفضها حتى ولو كان الباحث مسلما. فقد رفض علماء الحديث النبوي الرواية عن من اشتهر بالأخذ عن أهل الكتاب ورواية الإسرائيليات, وهؤلاء أولى بالرفض, لأنهم بتحليلهم لأحداث السيرة المتأثرة بعقائد وأفكار المستشرقين ينقلون لنا انحرافاتهم مسوغة باستنتاجات من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحرفون فيها القول عن مواضعه, ويحاكمون نصوص الوحي محاكمة عقلية غير مهتدية, والعقل وحده لا يستقل بفهم نصوص الوحي, وخاصة في أمور الغيب مثل الحديث عن الجنة والنار والبعث والنشور, والملائكة والجن, والمعجزات ودلائل النبوة, ومما ينبغي التنبه له في تفسير أحداث السيرة النبوية أن لا نجعل الواقع الذي نعيشه مقياسا, ونحاول أن نؤول نصوص السيرة ووقائعها لتوافقه, فنسوغ للواقع الذي نعيشه ونجعله الأصل حتى لو كان فيه انحرافا, ونستدل له من السيرة النبوية, وهذا الأمر يحدث نتيجة لروح الانهزام أمام العدو والحضارة المعاصرة المسيطرة والانبهار بمنجزاتها المادية, كما يحدث لضعف الإيمان بخلود الرسالة المحمدية واستمرارها وعلوها وظهورها على جميع الملل والأديان. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 197 ولذا فإنه يجب على الباحث عدم الانسياق وراء المنطق التسويغي, وعليه التحرر من الروح الانهزامية عند تحليل أحداث السيرة النبوية, وأن يعظم ويحترم الأحكام الشرعية المقررة ويلتزم بها بكل وضوح مع الاعتزاز بمعطياتها. المسألة الرابعة: ضوابط استخراج الدروس والفوائد التربوية من السيرة إن استخراج الدروس والعبر والأحكام من حوادث السيرة النبوية من أهم أهداف الدراسة لها وأعظم فوائدها, لكن هذا الأمر لا يستطيعه كل باحث أو قارىء للسيرة , لأنه يحتاج إلى مرجعية شرعية, وإلى ضوابط تضبط طريقة الاستنتاج. وبالنظر إلى مناهج الاستدلال والاستنباط عند علماء المسلمين فإنه يمكن معرفة ضوابط استخراج الدروس والفوائد التربوية من خلال طريقتهم في البحث والاستدلال وفقا للخطوات التالية: 1 التأكد من صحة الحدث أو الواقعة التاريخية حتى يصح الاستدلال بها: وذلك أن جوانب كثيرة من السيرة النبوية بعد البعثة هي جزء من السنة النبوية التي هي أحد مصادر الأحكام الشرعية فلا بد من التثبت من صحة الحادثة, ونجد أن العلماء يسلكون في منهج التوثيق لأحداث السيرة منهج علماء الحديث النبوي, لكنهم يفرقون في النتيجة بين الأحداث والوقائع التي تبنى عليها أحكام شرعية واعتقادية, وبين الأحداث التي لا تؤخذ منها الأحكام مثل: الفضائل, وأخبار الحضارة والعمران, فيتشددون في الأولى ويتساهلون في النوع الثاني من الأخبار, كما روي ذلك عن الإمام أحمد, وابن مهدي, وابن المبارك (8) , وأمثالهم. 2 بذل الجهد في جمع الأخبار الواردة في الموضوع الواحد: وهذه هي الطريقة العلمية الصحيحة حيث يحيط الباحث بجميع الأخبار الواردة في الموضوع, بل يجمع الطرق والألفاظ لكل نص حتى يستطيع أن يخرج بحكم صحيح وتصور واضح, ويعرف المتقدم من المتأخر, والعام من الخاص. والألفاظ يفسر بعضها بعضا, وبهذا يتمكن من الجمع بين النصوص والأخبار المتعارضة, أو ترجيح أحدهما على الآخر على وجه صحيح. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 198 مثال ذلك: لو احتج بعض الباحثين أنه لا يجوز الدعاء على الكفار, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال له بعض الصحابة رضي الله عنهم ادع الله على ثقيف قال: اللهم اهد ثقيفا (9) . واحتج آخر بأنه لا يجوز الدعاء للكفار بل يدعى عليهم, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: اللهم اشدد وطأتك على مضر, واجعلها عليهم كسني يوسف (10) فكيف العمل؟ نقول: إن الحديث الأول ضَعّف بعض أهل العلم إسناده, لكن لمعناه شاهد من حديث أبي هريرة عند مسلم قال: قدم الطفيل وأصحابه فقالوا: يا رسول الله, إن دوسا قد كفرت وأبت. فادع الله عليها. فقيل: هلكت دوس. فقال: اللهم اهد دوسا وائت بهم (11) وبهذا نلجأ إلى الجمع بين الخبرين, فيقال: إنه يجوز في بعض الأحوال الدعاء للكفار الذين ترجى هدايتهم, ومن لا ترجى هدايته مع كثرة أذاه للمسلمين فيدعى عليه. 3 معرفة حدود العقل في نقد الأخبار: المنهج النقدي الذي اتبعه العلماء المسلمون في نقد الأحاديث والأخبار النبوية يتناول نقد السند ونقد المتن, فلم يكتفوا بالنقد الخارجي للنص (نقد السند) وإنما نظروا إلى داخل النص, وقرروا ضوابط في نقد المتون منها: عرض الحديث على القرآن, وعرض نصوص السنة بعضها على بعض, وعرض روايات الحديث الواحد بعضها على بعض حتى تتبين الألفاظ الشاذة والمنكرة والإدراج والوهم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 199 كما أن من الضوابط سلامة النص من التناقض, وعدم مخالفته للوقائع والمعلومات التاريخية الثابتة, وانتفاء مخالفته للأصول الشرعية, وعدم اشتماله على أمر منكر أو مستحيل, وركاكة لفظ الحديث (12) , ورغم تطبيقهم لمثل هذه المقاييس الدقيقة إلا أنهم يحترمون النصوص الثابتة سندا, ويعرفون حدود العقل في نقد الأخبار, ويبتعدون عن المجازفة, فإن في أمور الشرع ومسائله ما لا يستطيع العقل إدراكه , بل هو فوق طاقته, مثل البحث في كيفية الصفات الإلهية, وأمور الغيب, ودلائل النبوة ومعجزاتها, ولهذا يجب الوقوف عند النصوص الثابتة وعدم معارضتها بالمقولات العقلية, أو متابعة الفكر المادي والفلسفات الوضعية التي أشاعها المستشرقون ومن تأثر بهم. فقد أنكر بعضهم حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم, وهو شاب في بادية بني سعد, بينما الخبر ثابت في صحيح مسلم (13) , وقد أفادنا راوي الحديث أنس بن مالك رضي الله عنه والذي خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة, ودخول الرسول صلى الله عليه وسلم العقد السادس من عمره أنه رأى أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم. وهذا نص واضح يلغي أي محاولة لتأويل النص والقول بأنه تطهير معنوي. 4 ملاحظة المراحل التي مرت بها السيرة النبوية ونزول التشريع: من المعروف أن الأحكام والتشريعات قد نزلت على مراحل وبالتدريج حتى استقرت واكتمل التشريع, وبوفاته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي وثبتت الأحكام, فمثلا تحريم الخمر جاء على مراحل. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 200 أولا: بيان أن فيها إثما كبيرا كما قال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ((14) ثم في مرحلة ثانية جاء النهي عن شربها قرب أوقات الصلوات, كما قال تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون .... ((15) . وفي المرحلة الثالثة: جاء الأمر بتحريمها نهائيا وفي كل وقت, كما قال تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ((16) وهذا هو الحكم الثابت والمستقر, وهو تحريم الخمر وأنها من الكبائر وأم الخبائث. ... ومن الأمثلة التي قد يطرحها البعض ويجادل فيها: مسألة تغيير المنكر باليد, وأن النبي صلى الله عليه وسلم في العهد المكي لم يغير المنكر باليد, ولم يكسر شيئا من أصنام المشركين في مكة, وحيث أن الدعوة قد يأتي عليها زمان وحالة من الضعف تشبه الحالة المكية ولهذا فإنه يترك تغيير المنكر بحجة مشابهة الحال للحال. نقول: إن هذا الاستدلال غير صحيح ومعارض لنصوص شرعية, مثل قوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (17) . فتغيير المنكر كما نص عليه الحديث هو بحسب القدرة والتمكن من التغيير, ونص أهل العلم على ضابط في ذلك وهو أن لا يترتب على تغيير المنكر المعين منكراً أعظم منه (18) , فليست العلة في ترك تغيير المنكر لأجل النظر إلى المرحلية ودعوى مشابهة الحال بالعهد المكي, ولكنها عدم التمكن, ومن تمكن من تغيير المنكر بضابطه الذي ذكره أهل العلم فالواجب عليه القيام بذلك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 201 وكذلك الجهاد في سبيل الله قد جاء تشريعه على مراحل, واستقر الحكم على المرحلة الأخيرة وهي وجوب قتال الكفار كافة ابتداءً وطلباً, ولكن هذا منوط بالقدرة عليه والتمكن منه, فلا يجوز إيقاف الجهاد وتعطيله بدعوى مشابهة الحال للعهد المكي الذي كان الجهاد فيه ممنوعا كما قال تعالى: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشيةالله أوأشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال..الآية ((19) بل يجب على المسلمين الاستعداد وتكوين القدرة على الجهاد التي يحصل بها النكاية في العدو وحماية المسلمين من شره, وتتحقق بها أهداف الجهاد وغاياته. وبهذا يتضح الفرق بين المرحلية في التشريع وسير الدعوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, وبين المرحلية في اكتساب القدرة والاستعداد للجهاد بما يستطاع من عدته, ومن ثم البدء بالمواجهة وتغيير المنكر. 5 ملاحظة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اتخذ بعض المواقف, وعقد بعض المعاهدات بموجب ما أوحى الله إليه: الدارس للسيرة النبوية يجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أُمرَ من الله باتخاذ موقف محدد في بعض الحالات, وقد أُعْلم صلى الله عليه وسلم بأن مآل هذا سيكون خيرا على المسلمين في حين أن ظاهره غير ذلك, مثل: قبوله صلى الله عليه وسلم بعض الشروط في صلح الحديبية التي ظاهرها الحيف على المسلمين (20) , ولذلك أنكر بعض الصحابة القبول بها وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستغربين ومستفسرين, فلما علموا أنه قد ألهم فيها وحيا من الله رضوا, ثم تحقق بعد الصلح والانصراف من الحديبية أن هذا الأمر كان فتحا عظيما بتقدير الله سبحانه وتعالى حيث نزلت سورة الفتح وسمت صلح الحديبية فتحا مبينا, ثم صار الأمر أن تنازل المشركون عن شرطهم الظالم حيث انقلب ضد مصلحتهم وجاءوا إلى رسول الله يطلبون موافقته على ذلك (21) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 202 وبهذا يتضح أن قبول الرسول صلى الله عليه وسلم لشرط قريش الجائر وغير المكافىء كان بوحي من الله, وأن الله قدر أن مآله إلى خير للمسلمين. ولكن هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يوحى إليه, أما والي أمر المسلمين وخليفتهم فيجب عليه الاجتهاد في مصلحة المسلمين وعدم مهادنة العدو أو عقد الصلح معهم على شروط فيها ذل للمسلمين أو تفريط بحقوقهم وقضاياهم, أو قبول شروط فيها ضياع دينهم وعقيدتهم كما يحدث الآن في فلسطين حيث أن من أسس المصالحة نبذ الدين والاحتكام إلى القوانين الوضعية, وقيام نظام علماني يحكم المسلمين في فلسطين. 7 هناك أمور في السيرة النبوية وقع تحديدها قدرا واتفاقا فلا يقاس عليها: مثال ذلك: كون الفترة المكية ثلاث عشرة سنة, وهي فترة الإعداد والتربية والصبر على الأذى وعدم المواجهة, فلا يلتزم بالمدة في الإعداد والتربية, لأنها ليست شرطا ولا مقصودة وإنما هذا يختلف بحسب الأزمنة والأمكنة والأحوال المحيطة. ومثل الاستدلال بإنزال النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من أصحابه الغرباء والفقراء في صفة المسجد على مشروعية بناء الزوايا الصوفية. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 203 وهذا استدلال غير صحيح, والغرباء الذين نزلوا الصُفّة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من العزاب والفقراء الذين لا يستطيعون تدبير سكن لهم, ولم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر دار ضيافة ولا نزل, ولذا كان إنزالهم في المسجد حل لمشكلة, وتوظيف لمكان موجود, وبيان لبعض وظائف المسجد, وهم ليسوا منقطعين عن العمل بل يعملون إذا تيسر لهم ذلك ويبادرون إلى الخروج في السرايا والغزوات, ويتعلمون القرآن والأحكام طيلة مكثهم في المسجد, ومجرد نزولهم الصفة لا يعطيهم فضيلة أو منزلة يتميزون بها عن بقية الصحابة, فليس منقبة لأحدهم أنه نزل في الصفة كما يقال في مناقب الصحابة: مهاجري, بدري, عقبي, بايع تحت الشجرة ... الخ من المناقب والمشاهد العظيمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبهذا يتضح الفرق بين الصُفّة النبوية ومن نزلها, وبين الزوايا الصوفية البدعية المخالفة في الأصل والهدف والغاية (22) وأنه لا يمكن الاستدلال بالصفة النبوية على جواز بناء الزوايا الصوفية التي تمثل انحرافا عن المنهج النبوي في التعبد والسلوك والجهاد والدعوة. المسألة الخامسة: الاهتمام بالسنن الربانية وإبرازها إن الله سبحانه وتعالى خلق الكون وما فيه لحكمة وغاية لأنه الحكيم الخبير, وأجراه على سنن وقوانين منها الثابت ومنها المتغير, وهو كله خاضع لحكمه ومشيئته النافذة, وهذه السنن تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1 سنن طبيعية, مثل سنة الله في تعاقب الليل والنهار والشمس والقمر, والرياح .... الخ. 2 سنن شرعية, متعلقة بالأوامر والنواهي الواردة في الشريعة ومدى الاستجابة لها أو مخالفتها. 3 سنن اجتماعية, متعلقة بنشوء الدول وقيام الحضارات وسقوطها, واتجاهات المجتمعات السلوكية والاقتصادية والفكرية. والذي يهم الباحث في السيرة النبوية ملاحظته هو القسمين الأخيرين من السنن, السنن الشرعية المتعلقة بالأمر والنهي الرباني, والسنن الاجتماعية. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 204 وسوف نعرض لثلاث سنن مهمة في هذا الجانب: (أ) سنة الابتلاء. وهي سنة جارية وملحوظة في أحداث السيرة النبوية, فقد أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وابتلي أصحابه ووقع عليهم بلاء عظيم خاصة في المراحل الأولى من الدعوة, فصبروا وصابروا حتى أنجاهم الله ونصرهم, يقول تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ((23) . ويقول تعالى: (ألم, أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون, ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ((24) فالابتلاء سنة ربانية كما تقرر الآيات, ويبتلى الصالحون, بل الأنبياء, فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشدّ بلاء؟ قال: الأنبياء, ثم الأمثل فالأمثل, فيبتلى الرجل على حسب دينه, فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة (25) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 205 فهكذا جرت سنة الله في ابتلاء المؤمنين لتمحيصهم ورفع درجاتهم, وتمييز الصادق من غيره, ويكون هذا الابتلاء تربية على الثبات في المحن والمواقف الصعبة, بل وحتى في السراء وإفاضة الخيرات والنصر تكون ابتلاء وفتنة, ليتميز الصادق والملتزم بدينه ممن تبطره نشوة النصر, وتنسيه نعمة السراء فضل الله عليه, فيتجاوز أمر الله وينساه, قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ((26) وقال تعالى: (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ((27) وقد نجح المؤمنون الأوائل في أنواع الابتلاءات, وقاموا بما أوجبه الله عليهم من الصبر على البلاء, والمدافعة للأعداء, وبذل الأسباب المشروعة في رفع البلاء, وعدم الاستكانة والرضى بالواقع حتى يسر الله لهم الخروج من المحنة, كما كانت فتنة السراء والنصر بعد الهجرة إلى المدينة وظهور الدين ميدانا آخر فنجحوا في الجميع ولله الحمد, فتحقق لهم بذلك التمكين في الأرض ونشر الدين حتى أظهره الله على الدين كله, وكان هذا بعون من الله ثم بجهد منهم وعمل, وأخذ بالأسباب المعنوية والمادية المؤدية إلى ذلك, فما أحوج المسلمين اليوم وهم يجابهون أعداءهم إلى فقه هذه السنة الربانية حتى يجتازوا الفتنة والابتلاء بنجاح, ويحققوا النصر على عدوهم في الواقع, لكن لن يحصل ذلك حتى تنتصر المبادىء, وتستجيب النفوس لداعي الحق, وتحصل عندهم الرغبة والإرادة للنصر, والتمكين للدين الذي قَدّر الله أنه سيظهر على الدين كله لو كره المشركون, لكن لا بد من جهد وعمل وأخذ بالأسباب وإرادة قوية حتى تتحقق السنة الربانية والوعد الإلهي. ب - سنة المدافعة للباطل وأهله. إن الصراع بين الحق والباطل سنة ربانية جارية كما قال تعالى: وكذلك (جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ((28) فالأنبياء وهم أكرم الخلق وأعدل الخلق وُجدَ لهم أعداء ومضادون, يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 206 وقد أمر الله المؤمنين بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله, وتضعف شوكة الباطل وتنكسر, وحتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى, قال تعالى: (الذين ءامنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ((29) ففي هذه الآية وآية سورة الفرقان التي ذكرناها قبل إشارة إلى ضعف الباطل وأهله إذا قام أهل الحق بواجبهم في مدافعتهم وقتالهم, لأن الله مع الذين اتقوا. فقوله في الآية الأولى: (وكفى بربك هاديا ونصيرا (وفي الآية الثانية: (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً (إشارة إلى ضعف كيد الشيطان الذي يتولاه الكفار والمشركون, فإذا كان وليهم ضعيفا فهم أضعف وأذل (30) , وهذا يعطي المؤمن قوة على العمل بما أوجبه الله عليه من مدافعة الباطل وأهله, كما يعطيه ثقة في نصر الله له, ومن ثم يعتز بدينه ويتمسك به, وهذا هو الذي قام به الصحابة رضي الله عنهم في العهد المكي, فقد وقع عليهم الاضطهاد الشديد من المشركين في مكة, ولم يكن بمقدورهم المواجهة العسكرية ولم يؤمروا بالجهاد بعد, وإنما أمروا بالصبر والتحمل, فصبروا رضي الله عنهم وتحملوا تلك المرحلة, ولكن مع الصبر والتحمل كانوا يسعون لإزالة هذا الواقع وعدم استمراره, فجاءت الهجرة الأولى إلى الحبشة, ثم ذهابه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف, ثم العرض على القبائل في المواسم, كلها بحث عن مخرج من ذلك الواقع حتى قيض الله طائفة من الأوس والخزرج لقبول دعوة الحق, ثم المبايعة على النصرة ليلة العقبة (31) , وأعقب ذلك الهجرة إلى المدينة, فخرج المسلمون من الاضطهاد ونصرهم الله بإخوانهم في المدينة عندما قاموا بالأسباب الموجبة لذلك. والملاحظ أن الصحابة تحملوا مرحلة الاضطهاد وواجهوها بالصبر ولكن مع عدم الاستكانة والرضى بالواقع, فأخذوا يعملون لإزالة ذلك الواقع حتى تمكنوا من رفعه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 207 وإزالته, وهو درس بالغ ينبغي أن يفهمه المسلمون اليوم فهم بحاجة إلى الصبر لمواجهة الواقع الذي يعيشونه, غير أنه لا ينبغي أن يتحول صبرهم إلى استكانة ورضى بالواقع واستسلام له فإن هذا خلاف سنة الله في المدافعة بين الحق والباطل. ج – سُنّة التمكين: وهذه السُّنة بحاجة إلى فقه المسلمين لها, والعمل على نشر هذا الفقه بينهم, لأنه وسيلتهم في الانتصار على العدو إذا أخذوا بأسباب التمكين والثبات على المنهج الرباني, فالتمكين في الأرض هبة من الله وفق مشيئته لمن سلك الأسباب الشرعية المؤدية إليه, قال تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ((32) . فالتمكين بيد الله سبحانه وتعالى وتحت مشيئته, وقد قضى بعدله ورحمته أن التمكين الدائم هو لأهل طاعته, لكن لا يحصل إلا بتحقق شروط والقيام بواجبات وانتفاء موانع. قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ((33) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 208 فالذين آمنوا وعملوا الصالحات, هم الذين صححوا معتقدهم وأقاموه على وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وطريقة السلف الصالح وفهمهم , ثم قاموا بعمل الواجبات الشرعية والالتزام بها, وابتعدوا عن الشرك وتوابعه, هؤلاء قد وُعدوا من الله وعداً لا يخلف, بأنه يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم من أتباع الرسل عليهم السلام, ويمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وهو الإسلام. وتمكين الدين يكون: بتمكينه في القلوب, وبنشره وتعليمه, وبتمكينه من تصريف أمور الحياة والهيمنة عليها, وذلك بمراعاة أحكامه وتنفيذها في الواقع, فإذا فعلوا ذلك فقد اكتسبوا شروط التمكين وحصل لهم الأمن والاستخلاف, وانتفى عنهم الخوف. ثم كرر سبحانه الشرط الأساسي في الاستخلاف وأكد عليه بقوله: (يعبدونني لا يشركون بي شيئا (ثم قال سبحانه وتعالى في الآية التي بعدها: (وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ((34) فهذه هي عُدّة النصر ومتطلبات التمكين, كما قال جل شأنه: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ((35) فهذا هو واجب من مكنه الله وأعطاه سلطة وقدرة أن يقوم بتنفيذ شرع الله وحراسته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يستمر تمكين الله له, فإن الأمور كلها بيد الله ويعطيها سبحانه وتعالى من يستحقها ممن قام بعبادته وحده, ونفذ شرعه في واقع حياته, فالتمكين ليس من أجل الحكم والملك والغلبة وقهر الآخرين والاستئثار بالدنيا, إنما هو من أجل استخدامه في الإصلاح والبناء, وتحقيق المنهج الذي ارتضاه الله لعباده, ودفع الظلم والفساد وتحقيق العدل بين العباد. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 209 وقد يحصل التمكين المؤقت لمن يمتلك أسبابه المادية لكنه لن يكون تمكينا تاما ولن يكون مستمرا بل تنتابه الشرور والمنغصات, ولن يكون فيه الأمن الحقيقي ولا البركة في الأرزاق والأولاد قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ((36) . وهذه السنن الثلاث (الابتلاء, المدافعة للباطل, التمكين (بينها ترابط فإن أهل الإيمان الحق يبتلون في أنفسهم وأهليهم, ويعاديهم أهل الباطل من المشركين والمنافقين والعصاة, فإذا ثبتوا على الحق ودافعوا أهل الباطل وسعوا في كشفه, وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر, كتب الله لهم التمكين والنصر, وأبدلهم بعد خوفهم أمنا, ومن بعد شدتهم رخاء, وهذه السراء من البلاء الذي يختبرون به, فلا بد من مراعاة حق الله, وحق عباده, والقيام بذلك في كل الأحوال, في السراء, وفي الضراء, حتى يستمر لهم التمكين والنصر في الدنيا, ويستحقون الجزاء الأخروى في جنات النعيم وإن هم أعرضوا وأخلوا بشروط التمكين فإن سنة الله الأخرى تنتظرهم وتحيق بهم, وهي سنة الاستبدال عندما تفقد الأمة صلاحية الاستمرار قال تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ((37) , والمتأمل في وقائع السيرة النبوية وسير الدعوة يرى التعامل مع هذه السنن والوعي بها واضحا حتى كتب الله لهم النصر والتمكين. المسألة السادسة: معرفة مواضع الاقتداء من فعله صلى الله عليه وسلم إن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم منها ما يفعله بحسب جبلته وطبيعته البشرية (38) مثل القيام والقعود والأكل والشرب, وقضاء الحاجة والنوم ... الخ فهذه أفعال مباحة لم يقصد بها التشريع في أصلها لكن لها آداب وقواعد عامة في ممارستها والقيام بها فهذه الآداب يتأسى به صلى الله عليه وسلم فيها ويبتعد عن ما نهى عنه منها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 210 وهناك أفعال وأحكام ثبت اختصاصه صلى الله عليه وسلم بها, مثل الجمع بين أكثر من أربع نساء, وأنه لا يورث, وأبيح له الوصال في الصيام دون غيره من الأمة, ولم يحسن الكتابة ويحرم عليه تعلمها, والكذب عليه ليس كالكذب على غيره فإنه يوجب دخول النار, ومن سبه وجب قتله رجلا أو امرأة, والتبرك بآثاره مثل شعره وثيابه, وتنام عيناه ولا ينام قلبه, ولذلك لا ينتقض وضوءه بالنوم ... إلى غير ذلك من الخصائص الثابتة والتي ذكرها أهل العلم وأفردها بعضهم بمؤلفات (39) فهذه الأفعال والأحكام خاصة به ويحرم الاقتداء والتأسي به فيها, وقد اهتم أهل العلم ببيانها حتى لا يغتر الجاهل إذا وقف عليها في أخبار السيرة النبوية فيعمل بها على أصل التأسي والاقتداء. وهناك أفعال بيانية يقصد بها بيان التشريع مثل أفعال الصلاة, وأفعال الحج, فهذه الأفعال تابعة لما بينه؛ فإن كان الفعل المبين واجباً, كان الفعل المبين له واجبا وإن كان الفعل المبين سنة كان الفعل المبين له سنة, وهكذا, وهذا النوع من أفعاله صلى الله عليه وسلم هو الباب الواسع في الاقتداء والتأسي به, والواجب معرفة هذه الأنواع من أفعاله صلى الله عليه وسلم حتى يحصل الاقتداء والتأسي به على علم وبرهان. المسألة السابعة: صدق العاطفة والوفاء بحقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم عند دراسة السيرة وتحليل نصوصها لا يلزم أن تهيمن على الباحث النظرة (الأكاديمية) البحتة فقط, فتتسم دراسته بالجفاف, بل لا بد من ظهور صدق العاطفة من غير غلو, لأن حبه صلى الله عليه وسلم إيمان وعقيدة لا يمكن التجرد منها والتخلي عنها لحظة واحدة, والواجب على الباحث أن يبرز خصيصة النبوة والرسالة وأثرها في حياته وتصرفاته صلى الله عليه وسلم, يقول الشيخ أبو الحسن الندوي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 211 (القرآن يطلب للأنبياء الإجلال المنبعث من أعماق القلب, والتوقير والتبجيل العميق, والحب العاطفي, ولا يكتفي بالطاعة المجردة من كل عاطفة وحُبّ وإجلال كطاعة الرعية والسوقة للملوك وكثير من قادة الجنود وزعماء الأحزاب) (40) . قال تعالى: (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه ((41) فحقه صلى الله عليه وسلم بعد الإيمان به وتصديقه, التوقير والتعظيم كما قال تعالى: (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ((42) وقد نهى سبحانه وتعالى عن رفع الصوت فوق صوته فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم ((43) هذا هو الأدب الواجب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرته, ومع شرعه وسنته بعد وفاته, فيعظم أمره ونهيه وتتتبع سنته فلا تزاحم أو تضاد بغيرها. وقال تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ((44) أي ادعوه بوصف الرسالة والنبوة فقولوا: يا رسول الله, يا نبي الله. والنصوص في طلب حب الرسول صلى الله عليه وسلم وإيثاره على النفس والأهل والولد كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين (45) . وقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان , أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... الحديث (46) . وهذه العاطفة وصدق الإيمان هي الباعث على المتابعة لهديه صلى الله عليه وسلم والدعوة إليه والجهاد في سبيل ذلك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 212 وليس المنهج العلمي منافيا للحب والإيمان, وإنما المنهج العلمي يدعو إلى العدل والإنصاف وقول الحق, ومن العدل والإنصاف وقول الحق, الوفاء بحقوقه صلى الله عليه وسلم واحترامه ومحبته وإظهار ذلك, والعمل بالشرع الذي جاء به, والصلاة عليه كلما ذكر اسمه في البحث وغيره (47) , واتباع سنته والدعوة إليها. كما أن الغلو خلاف العدل وتعد على الحق الذي جاء به صلى الله عليه وسلم, ولهذا نهى صراحة عن ذلك بقوله: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم؛ فإنما أنا عبد, فقولوا عبد الله ورسوله (48) . فالتوازن هو منهج الوسطية الحق, فلا جفاء ولا غلو, وإنما وفاء بالحق والعدل وفق الميزان الشرعي. وفي أحداث السيرة نماذج ومواقف كثيرة من محبة الصحابة العالية لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فكانوا أحرص الناس على طاعته, وأسرعهم إليها, وأنشطهم فيها, وأصبرهم عليها, ولهم في ذلك القدح المعلى والنصيب الأوفر إلى يوم القيامة (49) . منها قصة الصديق رضي الله عنه لما ضربه المشركون عندما دافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ... الآية ((50) فضربوه حتى أغمي عليه, وبعد إفاقته كان أول ما تكلم به أن قال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلما أخبر بحاله قال: إن لله عليَّ أن لا أذوق طعاما ولا شرابا, حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم (51) . ... ومنها قصة زيد بن الدثنة (52) رضي الله عنه لما أخرجه المشركون إلى التنعيم ليقتلوه, وسأله المشركون ننشدك الله يا زيد, أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك تضرب عنقه, وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه, وأنا جالس في أهلي, فضحكوا. قال أبوسفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمدا (53) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 213 ومنها قصة المرأة الأنصارية من بني دينار التي قُتلَ زوجها وأخوها وأبوها في معركة أحد, فلما نعوا لها, قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرا يا أم فلان, هو بحمد الله كما تحبين, قالت: أرونيه حتى أنظر إليه؟ فأشاروا إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل (54) تريد صغيرة. فهذه القصص وأمثالها توضح مقدار حب الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم, الحب الإيماني الذي أمر الله به, والذي يتبعه العمل والتأسي والالتزام بالشرع الذي جاء به. *** الخاتمة: بعد هذه الجولة في مسائل من منهج دراسة السيرة النبوية يتضح لنا أهمية المنهج في الدراسة, وضرورة العناية به, وأن المنهج يتعدى ترتيب المسائل العلمية وذكر النصوص إلى التحليل واستخراج العبر والفوائد والتوجيهات التربوية, وفق منظور منهجي يسعى إلى ترتيب الأفكار, وبناء السلوك, وإثارة الاهتمام, وزرع الجدية والرغبة في الدراسة والتعلم, وإخراج الجيل من مشكلاته, والتقدم في مجال البناء الحضاري للأمة المسلمة التي تقتفي أثر نبيها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وتعتز بذلك فكرًًاً وواقعا. ... والحمد لله الذي وفق وهدى وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه. الهوامش والتعليقات تحدث كثير من الباحثين في مقدمات كتبهم عن مصادر السيرة النبوية مثل: مصطفى السباعي: السيرة النبوية دروس وعبر, وأكرم ضياء العمري: السيرة النبوية الصحيحة , ومهدي رزق الله أحمد: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية, وقد أفردها فاروق حمادة, بكتاب مستقل بعنوان: مصادر السيرة النبوية وتقويمها, الطبعة الثانية, دار الثقافة, الدار البيضاء. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 214 كتب محمد عزة دروزة: سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم صور مقتبسة من القرآن الكريم, في مجلدين نشر مطبعة عيسى البابي الحلبي سنة 1384هـ وكان قد أصدر كتابا أخر عن: عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته قبل البعثة. واعتمد فيه على الأيات القرأنية, ونشر بدمشق سنة1366هـ كما أعد الباحث د: محمد بن بكر آل عابد, رسالتي الماجستير والدكتوراه بالجامعة الإسلامية بعنوان: حديث القرآن الكريم عن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم, في مجلدين نشر دار الغرب الاسلامي. انظر فصلا ممتعا حول هذا المعنى في ظلال القرآن , لسيد قطب 1\467-533 انظر: أكرم ضياء العمري , السيرة النبوية الصحيحة 1\39 الخطيب البغدادي, الكفاية في علم الرواية ص 212 الإجازة: هي إذن الشيخ لغيره بأن يروي عنه مروياته ومؤلفاته (الباعث الحثيث ص121) الوجادة: هي ما أخذ من العلم بواسطة الصحف والكتب من غير سماع ولا إجازة (المصدر نفسه128) الخطيب البغدادي, المصدرالسابق 212 أخرجه الترمذي في سننه, كتاب المناقب حديث رقم: 3942 وقال: حسن صحيح غريب. قال الشيخ الألباني في دفاع عن السيرة (ص7) رواية الترمذي ضعيفة لعنعنة أبي الزبير. وأخرجه أحمد في المسند3\ 343 وانظر احتجاج البوطي به في فقه السيرة له (ص395) . متفق عليه من حديث أبي هريرة صحيح مسلم , كتاب الفضائل, حديث رقم: 2524 انظر: مسفر الدميني, مقاييس نقد متون السنة, (ص 77-184) ومحمد السلمي, منهج نقد الروايات التاريخية (ص61 68) كتاب الإيمان, حديث رقم: 261. سورة البقرة, آية: (219) . سورة النساء آية: 43. سورة المائدة, آية: 90 رواه مسلم, كتاب الايمان حديث رقم (78) . انظر: ابن تيمية, مجموع الفتاوى (28\129) . سورة النساء, الآية: 77. ابن هشام, السيرة النبوية: (2\316-320) . المصدر نفسه (2\324) . انظر: مجموع الفتاوى (11\40,44-56) وانظر بحثا لطيفا للأستاذ صالح الشامي بعنوان: أهل الصفة (بعيدا عن الوهم والخيال) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 215 سورة البقرة آية (214) سورة العنكبوت آية (1-3) رواه الترمذي 2\64 وأحمد 1\172,174 وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (143) سورة الأنبياء آية (35) سورة الأعراف آية (168) سورة الفرقان آية (31) سورة النساء آية (76) انظر تفسير المنار 5\212 وتفسير ابن سعدي ص152 المراد بيعة العقبة الكبرى حيث بايعوه على النصرة والحماية. سورة آل عمران آية (26) سورة النور آية (55) سورة النور آية (56) سورة الحج آية (41) سورة طه آية (124) سورة محمد آية (38) . انظر عبد اللطيف الحسن, أصول وضوابط في دراسة السيرة النبوية, مجلة البيان عدد: 147 ذو القعدة 1420هـ. للسيوطي كتاب كبير في ثلاثة مجلدات سماه: (الخصائص الكبرى) لكن فيه من الأحاديث الضعيفة والموضوعة الشيء الكثير كما قال العلامة المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني, وهو شامل للخصائص والدلائل والفضائل لكن أحسن ما وقفت عليه في ترتيب الخصائص والاقتصار على ما صح منها, ما ذكره الحافظ ابن كثير في أخر كتابه الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم, فراجعه فإنه نافع جدا. النبوة والأنبياء في ضوء القرآن الكريم ص 95. سورة الفتح آية (9) سورة الأعراف آية (157) سورة الحجرات آية (3,2) سورة النور آية (63) صحيح البخاري كتاب الإيمان حديث رقم: 15 وصحيح مسلم رقم: 44 صحيح البخاري كتاب الإيمان حديث رقم: 16 وصحيح مسلم حديث رقم: 43. بسبب دعوى اتباع المنهج العلمي الحديث نجد باحثا يكتب كتابا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ويسميه: حياة محمد, هكذا بالاسم المجرد من أي وصف بالنبوة والرسالة, ثم لا تجد في الكتاب ذكرا للصلاة والسلام على رسول الله , ولو مرة واحدة, وقد ذكر في مقدمته أنه يكتب هذا الكتاب على وفق المنهج العلمي الحديث!! أخرجه البخاري في صحيحه, كتاب الأنبياء حديث رقم: (3445) . أبو الحسن الندوي, النبوة والأنبياء ص96. سورة غافر آية (28) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 216 أصل القصة في الصحيح, انظر: البخاري, كتاب مناقب الأنصار, باب ما لقي النبي وأصحابه من المشركين حديث رقم: 3856 وانظر: البداية والنهاية 3\33-34. زيد بن الدثنة بفتح الدال وكسر المثلثة بعدها نون, بن معاوية بن عبيد الأنصاري البياضي شهد بدرا وأحدا, وأسر في سرية الرجيع, وقتلته قريش في التنعيم هو وخبيب بن عدي. الإصابة (2\604) ابن هشام, السيرة النبوية 2\172 وقد ذكره ابن اسحاق من غير اسناد, وانظر مغازي عروة ص 177 وأصل القصة في الصحيح, كتاب المغازي, باب قصة الرجيع. ابن هشام, السيرة النبوية (2\99) وصرح ابن اسحاق بالتحديث لكن سنده منقطع. المصادر والمراجع 1 الألباني, محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي, (ت 1420هـ) ... دفاع عن السيرة النبوية ضد جهالات البوطي, المكتب الإسلامي, بيروت, ... سلسلة الأحاديث الصحيحة, المكتب الإسلامي, بيروت, 2 البخاري, محمد بن إسماعيل, (ت256هـ) . ... الجامع الصحيح, المكتبة الإسلامية, تركيا سنة 1979م. 3 البوطي, محمد سعيد رمضان. ... فقه السيرة, دار الفكر, بيروت, ط 5, 1393هـ. 4 الترمذي, محمد بن عيسى (ت 279هـ) . ... سنن الترمذي, تحقيق: أحمد شاكر, دار إحياء التراث العربي. 5 ابن تيمية, أحمد بن عبد الحليم الحراني (ت728هـ) . ... مجموع الفتاوى, ط2, مكتبة ابن تيمية بالقاهرة. 6 ابن حجر, أحمد بن علي العسقلاني, (ت852هـ) . ... الإصابة في معرفة الصحابة, تحقيق علي محمد البجاوي, دار نهضة مصر. 7 ابن حنبل , أحمد بن محمد الشيباني, (ت241هـ) ... المسند, دار صادر, بيروت, 8 الخطيب البغدادي, أحمد بن علي بن ثابت, (ت463هـ) . ... الكفاية في علم الرواية, دار الكتب الحديثة بالقاهرة. 9 دروزة , محمد عزة, (ت 1404هـ) . ... عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته قبل البعثة, دمشق 1366هـ. ... سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم, صورة مقتبسة من القرآن مكتبة البابي الحلبي بمصر 1384هـ. 10 الدميني, مسفر بن غرم الله. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 217 .. مقاييس نقد متون السنة, ط1, 1404هـ. 11 رشيد رضا , محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) . ... تفسير المنار, الهيئة المصرية العامة للكتاب 1972م. 12 السعدي, عبد الرحمن بن ناصر (ت 1376هـ) . ... تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان, مؤسسة الرسالة, بيروت 1418هـ. 13 السلمي, محمد بن صامل ... منهج نقد الروايات التاريخية, مكتبة الصديق بالطائف 1420هـ. 14 سيد بن قطب بن إبراهيم (ت1387هـ) ... في ظلال القرآن, دار الشروق, القاهرة, 1400هـ. 15 شاكر, أحمد بن محمد (ت1377هـ) . ... الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث, ط3, مكتبة محمد علي صبح بالقاهرة. 16 الشامي, صالح بن أحمد. ... أهل الصفة بعيدا عن الوهم والخيال. دار القلم, دمشق 1412هـ. 17 آل عابد , محمد بن بكر. ... حديث القرآن عن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم, دار الغرب الإسلامي, تونس. 18 عبد اللطيف الحسن. ... أصول وضوابط في دراسة السيرة النبوية, مقالة في مجلة البيان الإسلامي, لندن, عدد 147شهر ذو القعدة 1420هـ, تصدر عن المنتدى. 19 العمري, أكرم بن ضياء. ... السيرة النبوية الصحيحة, مكتبة دار العلوم والحكم بالمدينة 1412هـ. 20 فاروق حمادة. ... مصادر السيرة النبوية وتقويمها, ط2 دار الثقافة, الدار البيضاء, 1410هـ. 21 ابن القيم, محمد بن أبي بكر الزرعي (ت751هـ) . ... أحكام أهل الذمة, تحقيق صبحي الصالح, دار العلم للملايين, بيروت, 1380هـ. 22 ابن كثير, إسماعيل بن عمر القرشي (ت774هـ) . ... البداية والنهاية, مكتبة دار المعارف, بيروت, ط3, سنة 1980م. 23 مسلم بن الحجاج القشيري (ت261هـ) . ... صحيح الإمام مسلم, تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي, دار إحياء التراث العربي بمصر. 24 الندوي, أبوالحسن علي الحسني (ت1420هـ) . ... النبوة والأنبياء في ضوء القرآن, الدار السعودية للنشر بجدة. 25 ابن هشام, عبد الملك بن هشام الحميري (ت218هـ) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 218 .. السيرة النبوية, تحقيق مصطفى السقا, مطبعة الحلبي بمصر سنة 1375هـ. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 219 موقف الإمام الذهبي من الدولة العبيدية نسبا ومعتقداً د. سعد بن موسى الموسى أستاذ مساعد بكلية الشريعة بجامعة أم القرى ملخص البحث ... الإمام الذهبي إمام واسع الثقافة برع في علوم عديدة منها الحديث والسيرة والتاريخ، وله في التاريخ كتب هامة لا يستغني عنها باحث في التاريخ، وله وقفات عند حوادث التاريخ، ومنها موقفه من الدولة العبيدية حيث تعرض لها في كتبه من نواحي متعددة، واخترت من هذه الجوانب النسب والمعتقد. ومن النتائج التي توصلت إليها: سعة علم الإمام الذهبي ودقة أحكامه. الإجماع على كذب الدول العبيدية في انتسابها إلى آل البيت. إجماع علماء الأمة المعتبرين على كفر وردة بني عبيد. * * * مقدمة: الذهبي إمام من أئمة الإسلام الكبار له في كل علم مشاركة واهتمام، وقد كان له في التاريخ وقفات هامة تنم عن دراسة عميقة متأنية أنتجت موقفا واضحا من العبيديين أو من عرفوا عند بعض المؤرخين بالفاطميين. والعبيديون كتب عنهم المؤرخون قديماً وحديثاً كتابات كثيرة، وكان لبعضهم موقف في الدفاع عنهم وعن كيانهم، ويبدو أن ذلك الموقف سببه التقليد لمن سبقهم أو الإعجاب وحب المخالفة، مع أن بعض من كتب عنهم يتبرأ من معتقداتهم. (1)   (1) الحواشي والتعليقات () مثل ابن خلدون الذي وصفهم – في المقدمة ص22 ط/دار الشعب بمصر-» بأنهم كانوا على إلحاد في الدين وتعمق في الرفض. وقال: وليس إثبات منتسبهم بالذي يغني عنهم من الله شيئاً في كفرهم «والمقريزي حيث يقول: وقد جهل أكثر الناس اليوم معتقدهم فأحببت أن أبَيِّن ذلك على ماوَقَّفْتُ عليه في كتبهم المصنَّفَة في ذلك متبرئًا منه. الخطط ص9. ويقول: فرحات الدشراوي في كتابه الدولة الفاطمية بالمغرب ص17: إلا أنني ربما حابيت الفاطميين أكثر من اللازم، بل اتخذت موقفاً يكاد يكون مواليا لهم. وإني لا أخفي تعاطفي مع أولئك الملوك الشيعيين الجديرين بذلك، رغم أني أبريء نفسي من العدوى بمذهبهم والتأثر بدعوتهم «. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 220 وبالغ بعضهم في الدفاع عنهم، حتى عد من يقدح فيهم أنه يقدح في الدين الإسلامي. (1) وهذا البحث محاولة لتتبع بعض ماجاء في كتابات الإمام الذهبي حول هذه الدولة نسبا، ثم جمعاً للعقائد التي كان يعتقدها بنو عبيد في الله والرسل والصحابة وغيرها من عقائد الإسلام، ولم ينفرد الذهبي بهذه المعلومات عنهم وقد وجدت عدداً من المؤلفات القديمة والحديثة توافق الذهبي وتدعم أراءه حول هذه الدولة المنبثقة عن فرقة الإسماعيلية. نبذة عن الإمام الذهبي: هو الإمام شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، ولد في شهر ربيع الآخر سنة 673هـ وتوفي سنة 748هـ نشأ وترعرع في بيئة علمية وكان والده يعمل في الذهب المدقوق، ولذا سمي بالذهبي. ابتدأ طلب العلم وهو في سن الثامنة عشرة، وأهتم بعلم القراءات حتى أصبح على معرفة جيدة بالقراءات، وبأصولها ومسائلها، وهو لما يزل فتى لم يتعد العشرين من عمره. وترقى به الحال حتى صار شيخ الحلقة في الجامع الأموي عام 693هـ. أما في الحديث فقد اجتهد في طلب الحديث فسمع مالا يحصى كثرة من الكتب والأجزاء. ولم تكن القراءات والحديث هما دراسته فقط بل درس النحو والتاريخ وعلم الرجال. ومع مشاركته في كثير من العلوم إلا أن مكانته العلمية وبراعته تظهر مشرقة متألقة عند دراسته محدثا ومؤرخا وناقداً. مع أنه عاش في بيئة غلب عليها الجمود والنقل والتلخيص، ولكنه تخلص من كثير من ذلك. ولم يقتصر في تأليفه على عصر معين بل درس العصور التاريخية حتى عصره. (2)   (1) قال إبراهيم شعوط في كتابه أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ص358:» هذا التشكيك في نسب الفاطميين نوع من العداوة الخبيثة للإسلام والمسلمين «. (2) بشار عواد معروف، الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام ص467. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 221 وتمثل طريقته في عرض التاريخ في كتابيه تاريخ الإسلام والعبر أسلوبا جديداً لايعرض التاريخ السياسي فقط كما هو الحال في كثير من كتب التاريخ السياسي، ولا يعرض تراجم الرجال فقط كما في كتب التراجم؛ بل يلخص الأحداث السياسية ثم يتوسع في تراجم الرجال حيث يعطي صورة عن الأمة بأجمعها وبكل نواحي الحياة. وقد بلغ مكانة علمية عالية جعلت الإمام ابن حجر العسقلاني عندما يشرب من ماء زمزم يسأل الله أن يصل إلى مرتبة الذهبي. (1) وقد ارتبط تكوين الذهبي الفكري بالحديث والمحدثين فأثر ذلك تأثيراً واضحاً في منهجه التاريخي حيث ربطه بالحديث وعلومه، واهتم بالتاريخ فسمع على شيوخه الكثير من كتب المغازي، والسير، والتاريخ العام، والمشيخات. وقد زادت مؤلفاته عن المائتين مصنف في شتى العلوم. منها في التاريخ والتراجم ست وسبعون كتاباً ورسالة. من شيوخه أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي ت742هـ وشيخ الإسلام ابن تيمية ت728هـ وعلم الدين أبو محمد القاسم بن محمد البرزالي ت789هـ. وقد اختصر الذهبي مايزيد على خمسين كتاباً ولم تكن اختصاراته عادية يغلب عليها الجمود بل في هذه الاختصارات إضافات كثيرة وتعليقات نفيسة، واستدراكات بارعة، وتصحيحات وتصويبات، ومقارنات تدل على معرفته وتبحره. (2) قال عنه تلميذه الصفدي:» حافظ لايجارى ولافظ لايُبارى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر عللهُ وأحواله، وعرف تراجم الناس، وأزال الإبهام في تواريخهم، لم أجد عنده جمود المحدثين ولا كودنة النقلة بل هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس، ومذاهب الأئمة من السلف وأرباب المقالات «. (3)   (1) نفسه ص118. (2) وأغلب التعريف من بشار عواد معروف، مقدمة سير أعلام النبلاء والذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام (بتصرف) .. (3) الوافي بالوفيات 2/163.والكودنة: البلادة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 222 وقال عنه التاج السبكي: كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يُعبَّر عنها إخبار من حضرها. (1) وقال عنه السخاوي:» وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال «. (2) ومن درس علم التاريخ لاتخفى عليه مكانة هذا الإمام الجهبذ الذي له من اسمه نصيب حيث يجد الباحث لديه العمق ومحاولة التحقق من الأحداث والعدل في الأحكام مع السعة المكانية والزمانية نبذة عن الدولة العبيدية: الدولة العبيدية أو ما تسمى بالدولة الفاطمية أُسست في تونس سنة 297هـ وانتقلت إلى مصر سنة 362هـ واستقرت بها وامتدت إلى أجزاء هامة من العالم الإسلامي، حيث شمل سلطانها الشام، والجزيرة العربية، وحاولت الوصول إلى بغداد، وكان عهد هذه الدولة عهد اضطراب، وفتن، وإيذاء لأهل السنة، وتمكين لأهل الذمة، وتخلل هذه الفترة أوضاع اقتصادية سيئة مثل الشدة العظمى زمن المستنصر التي أكل الناس فيها الكلاب والبشر، وإحراق القاهرة زمن الحاكم، والمصادرات التي كانت تتم على فترات متفرقة، والتعاون مع الصليبيين على المسلمين، والمتأمل في تاريخ هذه الدولة ينتابه العجب مما يرى من الاختلاف في حال هذه الدولة وكثرة الكتابات حولها حيث انقسم الكتاب حولها إلى قسمين: القسم الأول: ذام شاتم بل مكفر لها وهو موقف غالبية المؤرخين والأئمة مثل الباقلاني، وأبو حامد الغزالي، وابن خلكان، وعبد الجبار الهمذاني، وابن ظافر الأزدي، وأبو شامة، والذهبي، وابن كثير، وابن تيمية، وابن تغري بردي، وابن حجر، والسيوطي.   (1) عبد الوهاب بن علي السبكي ت771هـ، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو، عيسى البابي الحلبي، ط/1. 9/101. (2) الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ص722. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 223 القسم الثاني: مادح ممجد لها مصحح لنسبها معتذر لها مثل ابن خلدون، والمقريزي وهو موقف عجيب وخاصة موقف الأخير؛ حيث يصحح النسب مع أنه يتتبع مخازي وأخبار الدولة. (1) ويحاول بكل ما أوتى من جهد الدفاع عنها وتصحيح نسبها. ويتبع القسم الثاني غالبية المؤرخين المحدثين والذين يصححون نسب هذه الدولة، وبعضهم يفخر بإنجازاتها وأحيانا بانحرافاتها وهذا الموقف صعب التفسير، وصعب القبول. ومن أشهر أهل القسم الأول - والذين لهم اعتبار ولكلمتهم معنى ووزن - الإمام الذهبي: الذي كان واضحا كل الوضوح في موقفه من هذه الدولة ونسب حكامها، وملتهم، ومذهبهم وأعتمدت في هذا البحث من كتب الذهبي على تاريخ الإسلام، وسير أعلام النبلاء، ودول الإسلام، والعبر في خبر من غبر وهذا عرض مفصل لأقواله وأحكامه من خلال هذه المراجع الأساسية:- موقف الذهبي من نسب الدولة العبيدية: من الأمور المشكلة في التاريخ الإسلامي والتي صارت أحد مجالات الخلاف في العصر الحديث نسب الدولة العبيدية، وقد تحدث الذهبي عن هذا الأمر كثيراً كلما مر ذكر هذه الدولة أو مر ذكر حاكم من حكامها، ويلاحظ أن حديثه حديث الواثق من المعلومات ونظراً لعلو علم مكانة الذهبي وسعة إطلاعه ودقته في إيراد الأخبار كان لقوله مكان الصدارة. فهو يقول عن المهدي أول حكامها:» وفي نسب المهدي أقوالٌ: حاصِلُها أنَّه ليس بهاشميٍّ ولا فاطميٍّ « (2) وقال أيضاً:» وادعى هذا المدبر، أَنَّهُ فاطميُّ من ذُرِّية جعفر الصادق « (3)   (1) انظر مثلا المقريزي، الخطط ط/الفرقان، ص104-105، اتعاظ الحنفا 2/137. فسر موقف ابن خلدون من قبل ابن حجر بأنه كان منحرفا عن آل البيت ولذا نسبهم إليهم بني عبيد لما اشتهر عنهم من سوء المعتقد. (نقل ذلك السخاوي، في التوبيخ لمن ذم التاريخ) أما المقريزي فهو ينتسب إلى بني عبيد. (2) السير، 15/151. (3) السير، 15/141. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 224 وقال مبينا رأى كثير من العلماء حول عبيد الله المهدي: «وادعى أنه علوي فاطمي فكذَّبوه» . (1) وقال عن استقراء لأقوال العلماء: ”وأهل العلم بالأنساب والمحقّقين يُنكِرون دعواه في النَّسبِ“. (2) ومما يدل على أنه يرى أن لانسب لهم ولاعلاقة تربطهم بآل البيت إيراده لأقوال العلماء التي تؤكد أنهم أدعياء مثل قوله عن عبيد الله: “والمحقِّقون على أنه دَعيُّ” (3) وقال عنه أيضا: ”والمحققون متفقون على أنه ليس بحسيني“. (4) ومما قاله:” فإن جدهم دعي في بني فاطمة بلا خلاف“. (5) ثم أورد ما قاله أحد العلماء المحققين: “وقد صنف ابن البَاقِلاَّني وغيرُهُ من الأئِمةِ في هَتْكِ مقالات العبيدية، وبطلان نسبهم” (6) ثم فصل ماقاله القاضي أبو بكر بن الباقلاني (عن عبيد الله) من أن أصله مجوسي وبعد دخوله المغرب ادعى النسب العلوى الذي لم يعرفه أحد من علماء النسب. (7) ونقل عن أبي شامة- الذي كتب عن هذه الدولة كتاب ” كشف ماكان عليه بنو عبيد من الكفر والكذب والمكر والكيد “- قوله:» يدعون الشرف ونسبتهم إلى مجوسي أو يهودي حتى اشتهر لهم ذلك وقيل الدولة العلوية والدولة الفاطمية وإنما هي الدولة اليهودية أو المجوسية الملحدة الباطنية. ثم قال ذكر ذلك جماعة من العلماء الأكابر وأن نسبهم غير صحيح بل المعروف أنهم بنو عبيد وكان والد عبيد من نسل القداح المجوسي الملحد … وقال عن عبيد الله: وادعى نسبا ذكر بطلانه جماعة من علماء الأنساب «. (8)   (1) دول الإسلام 1/261،1/294. (2) الذهبي، التاريخ حوادث سنة 321-330 ص23. (3) السير، 15/142. (4) الذهبي، التاريخ حوادث سنة 321-330 ص108. (5) العبر، 2/424. (6) السير، 15/143. (7) الذهبي، التاريخ حوادث سنة 321-330، ص 22. (8) السير، 15/213، الروضتين 1/216. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 225 وأورد عن القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار البصري مايفيد بأن المهدي من أصل يهودي وادعى أن له نسباً. (1) ثم ذكر عن الوزير القفطي (2) الخبر المروي عن تشكيك أبي عبد الله الشيعي مشايخ كتامة في الإمام. (3) وأبو عبد الله الشيعي هو الذي مهد وسلم الأمر لعبيد الله المهدي فحين يشكك في المهدي فهو أعرف بمن أختاره ولذا سارع المهدي لقتله وأخيه!. وذكر الذهبي أن المعز لما سأله السيد ابن طباطبا عن نسبه قال: غدا أخرجه لك، ثم أصبح وقد ألقى عرمة من الذهب، ثم جذب نصف سيفه من غِمْدِهِ، فقال: هذا نسبي، وأمرهُم بنهبِ الذهب، وقال: هذا حسبي. (4) وابن طباطبا هذا ذكر بعض المؤرخين أنه توفي قبل دخول المعز، ويبدو أنه أحد أبناءه، أو هو الشريف أبو جعفر مسلم بن عبيد الله الحسيني، أو الشريف أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد الحسيني الرسي. (5)   (1) الذهبي، التاريخ حوادث سنة 321-330، ص 22، تثبيت دلائل النبوة ص597. (2) هو الوزير الأكرم جمال الدين علي بن يوسف الشيباني، وزير حلب، صاحب التصانيف والتواريخ، جمع من الكتب على اختلاف أنواعها مالايُوصَف، وكان ذا غرامٍ مُفْرطِ بها حتى أنه لم يتزوج ولم يمتلك داراً. انظر الذهبي، العبر حوادث سنة 646هـ، وابن رجب الحنبلي، شذرات الذهب 5/236. (3) السير، 15/145-146، التاريخ حوادث سنة 321-330 ص109. الشيعي هو داعية الدولة العبيدية أصله من صنعاء قتله المهدي سنة 298هـ. كتامة: قبيلة من قبائل البربر تسكن الجبال بالمغرب، كانت معقلا للدعوة الباطنية وناصرت الدولة العبيدية. (4) السير، 15/142. (5) ابن خلكان، وفيات الأعيان 3/83. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 226 ونقل ماذكره المؤيد الحموي في تاريخه حول نسبة عبيد الله المهدي إما إلى اليهود أو المجوس. (1) وعندما تحدث عن وفاة العزيز العبيدي أورد رسالة الأموي صاحب الأندلس التي فيها:” أما بعد، فإنك قد عرفتنا فهجوتنا، ولوعرفناك لأجبناك“ كما ذكر كلام ابن خلكان وغيره:» أكثر أهل العلم لايُصحِّحون نَسبَ المهدي جد خلفاء مصر، حتى إنَّ العزيز في أول ولايته صَعِدَ المنبر يوم جمعة، فوجد هناك رقعة فيها (2) : يتلى على المنبر في الجامع فاذكر أبا بعد الأب الرابع فانسب لنا نفسك كالطائع وادخل بنا في النسب الواسع يقصر عنها طمع الطامع إنا سمعنا نسباً منكراً إن كنت فيما تدعي صادقاً وإن ترد تحقيق ماقلته أو لا دع الأنساب مستورةً فإن أنساب بني هاشمٍ ونقل ماذكره ابن خلكان أيضاً من الاختلاف في نسبه ثم قوله:» وأهل العلم بالأنساب والمحققين يُنكرون دعواه في النسب «. (3) وقال في ترجمة الظاهر:» العبيدي المصري، ولا أستحلُّ أن أقول العلوي الفاطمي لما وقر في نفسي من أنه دعي «. (4) وقال الذهبي عن العاضد: «المدعي هو وأجداده، أنهم فاطميون» . (5) وقال: «ونسبهم إلى علي (غير صحيح» . (6)   (1) السير، 15/147-148، المختصر في أخبار البشر 2/64-65. (2) السير، 15/168-169وفي السير الأب السابع بدل الأب الرابع والصحيح أنهم أربعة كما في وفيات الأعيان 5/373 حيث أن أباء العزيز هم المعز- المنصور – والقائم- والمهدي. والخليفة الطائع هو الخليفة العباسي الرابع والعشرون بويع له يوم خلع أبيه وأقام سبع عشرة سنة وتسعة أشهر وخلع نفسه سنة 381هـ ومات سنة 393هـ. ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب 3/143. (3) الذهبي، التاريخ حوادث سنة 321-330، ص 23. (4) السير 15/184، التاريخ، حوادث 381-400 ص130-131. (5) السير، 15/207. (6) نفسه، 16/181. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 227 وكذلك اهتم الذهبي بمحاضر بغداد التي كتبها عدد من كبار العلماء، ففي ربيع الأول من سنة 402هـ كُتِبَ مِن الديوان –ديوان الخليفة- محضر في معنى الخلفاء الذين بمصر والقَدْح في أنسابهم وعقائدهم. وقُرِئت النَّسخةُ ببغداد. وأُخِذَت فيها خطوط القُضاة والأئمة والأشراف بما عندهم من العلم والمعرفة بنسب الدَيْصَانية، «وهم منسوبون إلى دَيْصَان بن سعيد الخُرّميّ إخوان الكافرين، ونُطَف الشياطين، شهادةً يتقرَّبُ بها إلى الله. ومعتقد ماأوجب الله تعالى على العلماء أن يبيّنوه للنّاس، وشهدوا جميعاً أن الناجم بمصر وهو منصور بن نزار الملَقَّب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار، والخزْي والنّكال، بن معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد، لا أسعده الله، فإنه لما صار سعيد إلى بلاد الغرب تَسَمّى بعبيد الله وتلقَّب بالمهدي. وهو ومن تقدَّم من سلفه الأرجاس الأنجاس، عليه وعليهم اللّعنة، أدعياء خوارج لانسب لهم في ولد عليّ بن أبي طالب (. وأنّ ذلك باطل وزُور. وأنتم لاتعلمون أن أحدا من الطالبيين توقَّف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج أنهم أدعياء. وقد كان هذا الانكار شائعا بالحرمين، وفي أول أمرهم بالمغرب، منتشراً انتشارا يمنع من أن يدلس على أحد كذبهم، أو يذهب وهم إلى تصديقهم. وممن وقع على هذا المحضر الشريف المرتضى، وأخوه الرضي، وجماعة من كبار العلوية، والقاضي أبو محمد بن الأكفاني، والامام أبو محمد الإسفراييني، والامام أبو الحسين القدوري. (1) قال: «وفي سنة (444هـ) عُمِل محضر كبير ببغداد، يتضمن القَدْح في نسب بني عُبَيْد، الخارجين بالمغرب ومصر، وأن أصلهم من اليهود، وأنهم كاذبون في انتسابهم إلى جعفر بن محمد الصادق رحمه الله، فكتب فيه خلق من الأشراف والشيعة والسنة وأولي الخبرة» . (2)   (1) تاريخ الإسلام حوادث سنة 401-410ص 11، دول الإسلام 1/353، العبر 2/200. ومابين الأقواس من نص المحضر. (2) العبر 2/284. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 228 قال محمد عبد الله عنان معلقا على محاضر بغداد:» هذه الوثائق العباسية بالرغم مما يشوبها من كدر الخصومة السياسية من خلافة كانت تشعر بخطر الخلافة الشيعية الجديدة على سلطانها الروحي والزمني، فإنها مع ذلك تحمل من التوقيعات أسماء لها مكانتها الرفيعة من العلم والدين، مثل: القاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي حامد الاسفراييني، وأبي الحسن القدوري، والأبيوردي وغيرهم. ومن ثم فإنها تجعلنا نشعر أنها لم تكن فقط مزاعم بلاط موتور، وأنما هي فوق ذلك وثائق لها قيمتها التاريخية فيما ذهبت إليه «. (1) وقال عنان أيضا:» ولاشك أن هذه ((القضية)) تتجاوز حدود مؤامرة دبرتها حاشية القادر ضد منافسه بالقاهرة، أو سجل ادعاء النسب الذي شهد به فقهاء سنيون أجِلاء من المتزلفين أو أصحاب المصالح، أو لمجرد رد فعل المذهب السني على البدعة الشيعية الظافرة «. (2) ويقول رحمه الله: «فأما نَسَبهم فأئمة النّسَب مُجْمِعُون على أنهم ليسوا من ولد عليّ رضوان الله عليه، بل ولا من قُريشٍ أصلاً» . (3) ومما يؤكد أن لانسب لهم قول أحد أتباعهم الذي أختلف معهم فأكد هذه الحقيقة وهو الحسن ابن الأعصم القرمطي الذي حارب المعز ولعنه على منبر دمشق وراسله فقال: «هؤلاء من ولد القداح، كذابون ممخرقون، أعداء الإسلام ونحن أعلم بهم، ومن عندنا خرج القداح» . (4)   (1) محمد عبد الله عنان، الحاكم بأمر الله ص 56. (2) المرجع السابق ص 61. (3) التاريخ، حوداث سنة 561-570 ص274-281. (4) ثابت بن قرة، أخبار القرامطة، تحقيق سهيل زكار ص73. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 229 وكذلك ماحصل من عضد الدولة البويهي الشيعي أنه سأل الأشراف ببغداد قائلاً:» هذا الذي بمصر يقول: إنه علوي منكم، فقالوا: ليس هو منا. فقال لهم: ضعوا خطوطكم، فوضعوا خطوطهم بأنه ليس بعلوي، ولا من ولد أبي طالب، ثم أنفذ إلى نزار بن معد رسولاً يقول له: نريد أن نعرف ممن أنت؟ فعظم ذلك عليه، فذكر أن قاضيه ابن النعمان ساس الأمر لأنه كان يلي أمر الدعوة والمكاتبة في أمرها، فنسب نزاراً إلى آبائه، وكتب نسبه، وأمر به أن يقرأ على المنابر، فقرىء على منبر جامع دمشق صدر الكتاب، ثم قال: نزار العزيز بالله بن معد بن المعز لدين الله بن إسماعيل المنصور بالله بن محمد القائم بأمر الله بن عبيد الله المهدي بالله بن الأئمة الممتحنين، أو قال: المستضعفين- وقطع. « (1) ويصم الذهبي من يسميهم فاطميين بأنه من العوام. (2) ويقول: «نسبهم مطعون فيه» . (3) وأخيرا يقول: «المحققون متفقون على أن عبيد الله المهدي ليس بعلوي» . (4) ولم يكن الذهبي الوحيد في موقفه من الطعن في نسبهم بل شاركه كثير من أهل العلم منهم: عبد القاهر البغدادي، ومحمد بن مالك اليماني، وابن حزم الأندلسي، والأسفراييني صاحب ”التبصير في أصول الدين“، وابن واصل، وابن الجوزي، وابن تغري بردي، والنويري، والقلقشندي، والسخاوي، والسيوطي، وابن حجر في رفع الاصر، وابن عذاري في البيان. ومن المستشرقين دي غويه، ونيكلسون، ودوزي، وبراون. (5) موقفه من الدولة العبيدية من حيث المعتقد   (1) 33) المقريزي، اتعاظ الحنفا 1/35،36. (2) تاريخ الإسلام حوادث سنة 569 ص275، أما السيوطي، في تاريخ الخلفاء ص4. فيقول: وإنما سمتهم فاطميين جَهَلَةُ العوام. وقال: وسماهم جهلة الناس الفاطميين. (3) السير 23/271. (4) السيوطي، تاريخ الخلفاء ص5. (5) احسان إلهي ظهير، الإسماعيلية ص184-185. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 230 إن جادل بعض المؤرخين عن نسب بني عبيد فلن يجادلوا عن معتقداتهم ومذهبهم حيث اشتهر عنهم معتقدات باطلة مثل: ادعاء علم الغيب، وادعاء النبوة والألوهية، وطلب السجود من رعاياهم وأتباعهم، وسب الصحابة. وكثرة الإنفاق على الاحتفالات المبتدعة والتي أرجعها أحد المؤرخين: «لإلهاء الرعية من أهل السنة عن أمور السياسة، ومايقال من الطعن في نسبهم وأحقيتهم في الخلافة» . (1) ولم أتطرق إلى جوانب الخلاف الفقهي لأن الخلاف في الفقه سهل ويسير، ويتسع المجال لذلك حسب فهم الأدلة الشرعية. ذكر الإمام الذهبي في كثير من مؤلفاته أن بني عبيد يدعون الألوهية والربوبية فعندما أراد أبو يزيد مخلد بن كيداد الخارجي (2) حرب بني عبيد لم يتردد العلماء في المسير معه ف: «تسارع الفقهاء والعباد في أهبة كاملة بالطبول والبنود وخطبهم في الجمعة أحمد ابن أبي الوليد وحرضهم وقال: جاهدوا من كفر بالله وزعم أنه رب من دون الله، ... وقال: اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف بابن عبيد الله المدعي الربوبية جاحد لنعمتك كافر بربوبيتك طاعن على رسلك مكذب بمحمد نبيك سافك للدماء فالعنه لعنا وبيلا وأخزه خزيا طويلا واغضب عليه بكرة وأصيلا. ثم نزل فصلى بهم الجمعة» . (3)   (1) حسن خضيري أحمد، علاقات الفاطميين في مصر بدول المغرب (362-567هـ) ص269. (2) الخارجي هو مخلد بن كيداد رجل كبير السن حتى أنه لم يستطع ركوب الخيل فركب حماراً فسمى بصاحب الحمار، كان على مذهب الخوارج وثار على بني عبيد فاجتمع عليه الناس وهَزم بني عبيد وحاصرهم في المهدية ومات القائم والمدينة محاصرة وجعل مخلد أهل السنة في المقدمة لغلبة الخارجية عليه، وانسحب عنهم فحلت الهزيمة، وقتل عدد من العلماء، والصلحاء، والعباد، وقتل قادته ثم قبض عليه المنصور وقتله سنة 336هـ. تاريخ الإسلام ص32-37، ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب 5/236. (3) السير 15/155. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 231 وقيل في سنة تسع وتسعين ومائتين: إن عبيد الله المهدي الزنديق سمح لأتباعه أن يغرقوا في كفرهم حتى ألَّهوه فقد كانت أيمانهم المغلظة: «وحق عالم الغيب والشهادة، مولانا الذي برقادة» . (1) كان بعض دعاة بني عبيد يقول عن المهدي هو الخالق الرازق. (2) قال الشاعر القيرواني أبو القاسم الغماري ت345هـ عن بني عبيد (3) : نالُوا بهم سبب النجاة عُموما عبدوا ملوكَهُمُ، وظنُّوا أنّهم قال الذهبي: «وفي سنة ستين وثلاث مئة، وجد بالسُّوق قماش قد نُسِجَ فيه: المُعِزُّ عَزَّ وجَلَّ، فأُحضر النَّسَّاج إلى جوهر، فأنكر ذلك، وصُلِبَ النَّساجُ ثم أُطلق» . (4) ورد في مخطوط ”عقيدة الإسماعيلية“ الذي نشره المستشرق جويار عن تأليه المعز لدين الله. (5) وقال حسن إبراهيم حسن: «وقد بالغ ابن هانيء في غلوه فنسب لمولاه (المعز) بعض صفات النبوة والألوهية وبهذا مهد السبيل لمن جاء بعده من الشعراء. يدل على ذلك القصيدة الطويلة التي أنشدها في حضرة المعز والتي منها: ولعلة ماكانت الأشياءُ تجري بأمرك والرياح رخاء أقدارُ واستحيت لك الأنواء في راحتيك يدور حيث تشاء هو علة الدنيا ومن خُلقت له ولك الجواري المنشآتُ مواخر فَعَنَتْ لك الأبصارُ وانقادت لك ال لاتسألن عن الزمان فإنه وقال: «ولم يفتر ابن هانيء عن مواصلة مدحه للمعز؛ ولكنا نراه يُغرق فيجعله في منزلة عيسى ومحمد، بل ينسب إليه بعض صفات الألوهية، كما يتضح ذلك في قصيدة أخرى حيث يقول: غفارَ موبقة الذنوب صفوحا لدعيتَ من بعد المسيح مسيحا وتنزَّل القرآن فيك مسيحا   (1) علي محمد الصلابي، الدولة العبيدية في ليبيا ص86. ونسبه للذهبي، السير 15/215 ولم أجده. (2) التاريخ حوادث سنة 321-330، ص 22. (3) اليعلاوي، ابن هانيء الأندلسي ص250. (4) السير 15/165. (5) انظر حسن إبراهيم حسن، تاريخ الدولة الفاطمية ص329.والمقصود بالمخطوط هو أجزاء عن عقائد الإسماعيلية جمعه ونشره المستشرق جويار. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 232 ندعوه منتقماً عزيزاً قادراً أقسمتُ لولا أن دعيتَ خليفةً شهدتْ بمفخرك السموات العلى وفي قصيدة أخرى يبالغ ابن هانيء في مدح المعز فيشبهه بالخالق سبحانه وبالنبي (. ويشبه أشياعه بأنصار النبي حيث يقول (1) : فاحكم فأنت الواحد القهار وكأنما أنصارك الأنصار حقاً وتَخْمُدُ ان تراه النار ماشئت لا ماشاءت الأقدار وكأنما أنت النبيُّ محمدٌ هذا الذي تُجدي شفاعته غداً وممن كان يدعي الربوبية والإلهية الحاكم العبيدي حيث قال عنه الذهبي: «الإسماعيلي الزنديق المدعي الربوبية» . (2) وقال عنه أيضا: «يقال إنه أراد أن يدّعي الإلهية، وشرع في ذلك فكلّمه أعيان دولته وخوَّفوه بخروج النّاس كلهم عليه، فانتهى» . (3) وممن حرض الحاكم على هذا الادعاء حمزة بن علي قال الذهبي: «وقد قُتل الدرزي الزنديق لادعائه ربوبية الحاكم. وكان قوم من جهلة الغوغاء إذا رأوا الحاكم يقولون يا واحد يا أحد يا محيي يا مميت» . (4) ومما جاء في محضر بغداد الذي عقد سنة 402هـ: وأن هذا الناجم بمصر وسلفه … وادعوا الربوبية. (5) ومما ورد في المحضر أيضاً: وأن هذا الناجم بمصر هو وسيلة كفار وفساق فجار زنادقة. ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون، قد عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وسفكوا الدماء، وسبوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية» . (6)   (1) المرجع السابق ص348. (2) السير 15/173. (3) تاريخ الإسلام حوادث سنة 411ص 289، السير 15/176. (4) السير 15/180-181.حمزة بن علي الزوزني من دعاة تأليه الحاكم ومؤسس المذهب الدرزي ببلاد الشام. (5) تاريخ الإسلام حوادث سنة 401-410ص 11، دول الإسلام 1/353، العبر 2/200. (6) تاريخ الإسلام حوادث سنة 401-410ص 11، دول الإسلام 1/353، العبر 2/200. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 233 قال حسن إبراهيم حسن: وعقيدة تأليه الحاكم أثارت سخط الأهلين وأمثالها، إذا كان لايزال هناك كثيرون يناوئون سياسة الفاطميين، فقد كتب أحد الشعراء بيتين من الشعر في ورقة على المنبر، فوقعت في يد العزيز وقرأها فإذا فيها (1) : وليس بالكفر والحماقة فقل لنا كاتبَ البطاقة بالظلم والجور قد رضينا إن كنت أُعطيتَ علمَ غيبٍ قال الذهبي: «قرأت في تاريخ صُنِّف على السنين في مجلد صنفه بعض الفُضَلاء سنة بضع وثلاثين وستمائة، قدمه لصاحب مصر الملك الصالح: في سنة سبع وستين قال: وكانت الفِعْلة (القضاء على الدولة العبيدية) من أشرف أفعاله (صلاح الدين) ، فَلَنِعْمَ مافعل، فإنّ هؤلاء كانوا باطنية زنادقة، دعوا إلى مذهب التناسخ، واعتقاد حلول الجزء الإلهي في أشباحهم. وقال الذهبي: أن الحاكم قال لداعيه: كم في جريدتك؟ قال: ستة عشر ألفاً يعتقدون أنّك الإله. قال شاعرهم: فاحكم فأنت الواحد القهار ماشئت لا ماشاءت الأقدار فلعن الله المادح والممدوح، فليس هذا في القبح إلا كقول فرعون أنا ربكم الأعلى. وقال بعض شُعرائهم في المهديّ برَقّادة: حل بها آدمُ ونوحُ فما سوى الله فهو ريحُ حلّ برقادة المسيحُ حل بها الله في عُلاهُ قال: وهذا أعظم كُفراً من النّصارى، لأن النّصارى يزعمون أن الجزء الإلهيّ حلّ بناسوت عيسى فقط، وهؤلاء يعتقدون حُلُوله في جسد آدم ونوح والأنبياء وجميع الأئمة. هذا اعتقادهم لعنهم الله» . (2)   (1) حسن إبراهيم حسن، تاريخ الدولة الفاطمية ص 349، وانظر ابن خلكان، وفيات الأعيان 2/200، الذهبي، السير 15/169. (2) التاريخ، حوداث سنة 561-570 ص274-281. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 234 ومع ادعائهم الربوبية والألوهية كانوا يدعون النبوة أيضاً: حتى عوتب بعض العلماء في الخروج مع أبي يزيد الخارجي فقال: وكيف لا أخرج وقد سمعت الكفر بأذني، حضرت عقداً فيه جمع من سنة ومشارقة وفيهم أبو قضاعة الداعي فجاء رئيس فقال كبير منهم: إلى هنا يا سيدي ارتفع إلى جانب رسول الله يعني أبا قضاعة فما نطق أحد. (1) وكان بعض دعاة بني عبيد يقول عن المهدي: هو رسول الله. (2) ويُرْمىَ عبيد الله بأنه قتل جماعة من العلماء السنيين لم يعترفوا بأنه رسول الله. (3) فعندما ادعى عبيد الله الرسالة أحضر فقيهين من فقهاء القيروان وهو جالس على كرسي ملكه وأوعز إلى أحد خدمه فقال للشيخين: أتشهدا أن هذا رسول الله؟ فقالا: والله لو جاءنا هذا والشمس عن يمينه والقمر عن يساره يقولان: إنه رسول الله، ماقلنا ذلك. فأمر بذبحهما. (4) وكان عبيد الله المهدي يسخر من النبي (ومن موسى (-في رسالة بعثها إلى داعيه أبي طاهر القرمطي-فيقول: ولاتكن كصاحب الأمة المنكوسة حين سألوه عن الروح فقال: «الروح من أمر ربي» لما لم يعلم ولم يحضره جواب المسألة، ولاتكن كموسى في دعواه التي لم يكن له عليها برهان سوى المخرقة بحسن الحيلة والشعبذة. (5)   (1) السير 15/154.والمقصود بالسنة أهل السنة أما المشارقة فلقب يطلق على الباطنية لأنهم من أهل المشرق. (2) التاريخ حوادث سنة 321-330، ص 22. (3) حسن إبراهيم حسن، تاريخ الدولة الفاطمية ص328. (4) السير 14/217. (5) عبد القاهر البغدادي، الفرق بين الفرق ص296.وانظر إحسان إلهي ظهير، الإسماعيلية ص117. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 235 وكان لعن الأنبياء من شعائرهم فقد ذكر القاضي عبد الجبار المتكلم: أن القائم أظهر سب الأنبياء وكان مناديه يصيح العنوا الغار وما حوى. (1) وذكر الهمذاني أيضا أن القائم جاهر بشتم الأنبياء وكان يلعنهم جميعاً. (2) كما ذكر بعض أهل التاريخ: أن المعز أراد ادعاء النبوة ولكنه خاف من الرعية فقد ذكر الخبر ابن عذاري أنه وقع في المغرب حيث أذن مؤذنه فوق صومعة جامع القيروان ب: أشهد أن معداً رسول الله فارتج البلد لذلك. (3) أما صاحب الاعتصام (4) فيذكر أن معداً من العبيدية الذين ملكوا إفريقية، فقد حكى عنه أَنه جعل المؤذن يقول: أشهد أن معدًا رسول الله، عوضا عن كلمة الحق ((أشهد أن محمداً رسول الله)) فهم المسلمون بقتله ثم رفعوه إلى معد ليروا هل هذا عن أمره؟ فلما انتهى كلامهم إليه، قال: «أردد عليهم أَذانهم لعنهم الله» . ومن عقائدهم ادعاء علم الغيب ورد في حوار بين أبي عبد الله الشيعي وبين قبيلة كتامة أنه قال لهم: «أن تَدِينوا بإمامٍ معصوم يعلم الغيب» . (5) قال ابن خَلكان: «وذلك لأنهم ادَّعوا علم المغيبات. ولهم في ذلك أخبار مشهورة» . (6) وكان يُسجد لهم ويأمرون الناس بالسجود لهم، قال الذهبي: «ففي سنة 396هـ خطب بالحرمين لصاحب مصر الحاكم، وأُمَر الناس عند ذكره بالقيام وأن يسجدوا له، فإنا لله وإنا إليه راجعون» . (7)   (1) السير 15/152. والقائم هو الإمام الإسماعيلي الثاني من حكام الدولة العبيدية في المغرب حكم من 322 إلى سنة 334هـ وقد وسوس وأختل عقله. قال الذهبي: كان مَهيباً شُجَاعاً، قليلَ الخير، فاسِد العقيدة … وكان شيطاناً مريداً يتزَنْدَق. السير 15/153،العبر 2/49. (2) أخبار القرامطة، جمع سهيل زكار ص181،163. (3) البيان المغرب 1/282. (4) الشاطبي 2/97. (5) التاريخ حوادث سنة291-300 ص135. (6) وفيات الاعيان 5/373-374، الذهبي، السير 15/169. (7) دول الإسلام 1/350. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 236 وكان إذا ذُكِر (الحاكم) «قاموا وسجدوا في السُّوق، وفي مواضع الاجتماع، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فلقد كان هؤلاء العُبَيْدِيُّون شرّاً على الإسلام وأهله من الشرّ» . (1) وكان الحاكم يسخر من النار حيث: «أنشأ دارا كبيرة ملأها قيودا وأغلالا وجعل لها سبعة أبواب وسماها جهنم فكان من سخط عليه أسكنه فيها» . (2) وكانوا يبيحون المحظورات فقد نقل الذهبي قول ابن النديم (3) - الذي أطلع على أحد كتب الباطنية-: «قد قرأته فرأيت فيه أمراً عظيماً من إباحة المحظورات، والوضع من الشرائع وأصحابها» . (4)   (1) التاريخ، حوادث 381-400 ص234. (2) السير 15/177. (3) الفهرست، ص 400. (4) السير 15/144. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 237 قال ابن خلكان: «استفتى (صلاح الدين) الفقهاء فأفتوا بجواز خلع (العاضد) (1) لما هو من انحلال العقيدة والاستهتار فكان أكثرهم مبالغة في الفتيا الشيخ نجم الدين الخبوشاني فإنه عدد مساوئ هؤلاء وسلب عنهم الإيمان» . (2) وكانوا يقتلون العلماء ممن لايقول بقولهم: قال أبو الحسن القابسي صاحب الملخص: «إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه أربعة آلاف في دار النحر في العذاب من عالم وعابد ليردهم عن الترضي عن الصحابة» . (3) والغرض من قتلهم العلماء -كما قال الذهبي عن عبيد الله-: «أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق» . (4)   (1) هو أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد المستنصر بن الظاهر بن الحاكم العبيدي المصري الرافضي، خاتمة خلفاء الباطنية. وُلدَ في أوّل سنة ستِ وأربعين وخمس مئة، وأقامه الصالح بن رزّيك بعد هلاك الفائز. وفي أيامه قدم حسين بن نزار بن المُسْتَنْصر العُبَيْدي في جموع من المغرب. فلما قرب غَدَر به أصحابُه وقبضوا عليه وحملوه إلى العاضد فذبحه صبراً. ووَرَدَ أنَّ موت العاضد كان بإسهال مُفْرط. وقيل مات غمًّا لمَّا سمع بقطع خطبته. وقيل بل كان له خاتم مسمومٌ فامتصّه وخسر نفسه. وعاش إحدى وعشرين سنة. الذهبي، العبر 3/ 50-51 (2) السير 15/212، نجم الدين الخُبوشاني محمد بن الموفق الصوفي الزاهد الفقيه الشافعي. تفقه على ابن يحيى. وكان يستحضر كتاب ” المحيط“ ويحفظه. وألف كتاب ” تحقيق المحيط“ في ستّة عشر مجلّداً. روى عن هبة الرحمن القُشَيْريّ، وقدم مصر وسكن بتربة الشافعي، ودرّس وأفتى، وكان كالسكّة المحماة في الذمّ لبني عُبَيْد. ولما تهيب صلاح الدين من الإقدام على قطع خطبةِ العاضد وقف الخبوشاني قدّام المنبر وأمر الخطيب أن يخْطَب الخطبة لبني العبّاس. ففعل ولم يتم إلاّ الخير. توفي سنة 587هـ. الذهبي، العبر 3/95. (3) السير 15/145. (4) التاريخ، حوادث 321-330 ص23. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 238 وشاركوا القرامطة جرائمهم: «ففي أيام المهدي عاثت القرامطة بالبحرين وأخذوا الحجيج وقتلوا وسبوا واستباحوا حرم الله وقلعوا الحجر الأسود وكان عبيد الله يكاتبهم ويحرضهم قاتله الله» . (1) وذكر القاضي عبد الجبار المتكلم: أن القائم أباد عدة من العلماء وكان يراسل قرامطة البحرين ويأمرهم بإحراق المساجد والمصاحف. (2) ومن عقائد بني عبيد أنهم: «قلبوا الإسلام وأعلنوا بالرفض وأبطنوا مذهب الإسماعيلية» . (3) وقال الذهبي: «وأما العبيديون الباطنية فأعداء الله ورسوله» . (4) وقال أيضاً: «لايوصف ماقلب هؤلاء العبيديون الدين ظهراً لبطن» . (5) وقال عن عبيد الله: «كان يُظهر الرَّفض ويُبطن الزندقة» . (6) وقال أيضا: «وياحبذا لو كان رافضياً، ولكنه زنديق» . (7) أما أبوعبد الله الشيعي فكان يقول: إن لظواهر الآيات والأحاديث بواطن هي كاللب والظاهر كالقشر. وقال: لكل آية ظهر وبطن، فمن وقف على علم الباطن فقد ارتقى عن رتبة التكاليف. (8) وقال عن جوهر الصقلي بعد أن ذكر عقله وشجاعته وحسن سيرته أنه: «على نحلة بني عبيد التي ظاهرها الرفض وباطنها الانحلال» . (9) وكانت نظرة علماء المغرب لبني عبيد واضحة بينة قال الذهبي: «وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد لما أشهروه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه وقد رأيت في ذلك تواريخ عدة يصدق بعضها بعضا» . (10)   (1) السير 15/147. (2) السير 15/152. (3) السير 15/141. (4) السير 15/373. (5) السير 16/149. (6) العبر 2/17. (7) التاريخ حوادث سنة 321-330، ص 23، بشار عواد معروف، الذهبي ومنهجه، ص337. (8) السير 15/149. (9) السير 16/468. (10) السير 15/154. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 239 وهذا قول لأحد الأئمة بأفريقية يرى فيه أن الخوارج مع انحرفاهم هم من أهل القبلة بعكس بني عبيد قال الذهبي: وخرج أبو إسحاق الفقيه مع أبي يزيد، وقال: هُمْ أهل القْبِلة، وأولئك ليسوا أهل قِبْلَةٍ، وهم بنو عَدوِّ اللهِ، فإن ظفرنا بهم، لم ندخل تحت طاعة أبي يزيد، لأنه خارجيٌ. (1) قال القاضي عياض: قال أبو يوسف الرعيني: «أجمع العلماء بالقيروان أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة» . (2) ومما يؤكد ضلالهم أنه وجد بخط فقيه قال: في رجب سنة 331هـ قام المكوكب يقذف الصحابة ويطعن على النبي (وعلقت رؤوس حمير وكباش على الحوانيت كتب عليها أنها رؤوس صحابة. (3) وقال عن المنصور العبيدي: «وفيه إسلام في الجملة وعقل بخلاف أبيه الزنديق» . (4) وفي أيامه (العزيز) أُظهر سبُّ الصحابةِ جِهَاراً. (5) فقد أمر بكَتْب سَبّ الصّحابة على أبواب المساجد والشّوارع، وأمر العمال بالسب في سنة خمسٍ وتسعين وثلاث مئة. (6) وقال في السير: وكان سَبُ الصحابة فاشيا في أيامه (المستنصر) والسنة غريبة مكتومة. (7) وكان لليهود والنصارى حظوة ومكانة عند بني عبيد، فقد كانوا يقدمون اليهود على المسلمين. فمن اليهود الذين عملوا معهم يعقوب بن كلس، ومنشا، وبلغ اليهود المكانة العالية وتسلطوا حتى قال الشاعر: ومنهم المستشار والملكُ تهوَّدوا، قد تهود الملك العز فيهم والمال عندهم ياأهل مصر إني قد نصحت لكم   (1) السير 15/155. (2) ترتيب المدارك 4/720، الذهبي، السير 15/151.التاريخ حوادث سنة 401-420 ص512. والمقصود بالعلماء كما في الكتاب الأول هم: أبو محمد بن الكراني، وأبو الحسن القابسي، وأبو القاسم بن شبلون، وأبو علي بن خلدون، وأبوبكر الطبني، وأبو بكر بن عذرة. (3) السير 15/154.والمكوكب أحد الدعاة للمذهب الباطني. (4) السير 15/157. (5) السير 15/170. (6) تاريخ الإسلام حوادث سنة 395ص 283. (7) السير 15/196. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 240 أما النصارى فمنهم فهد بن إبراهيم، وأبو سعيد التستري، وأم المستنصر كانت مولاة للتستري، وصدقة بن يوسف الفلاحي، وأبو نصر التستري، عيسى بن نسطورس، وسهل بن معَشر النصراني طبيب الحاكم، ومنصور بن عبدون وزير الحاكم سنة 400هـ، وزرعة بن نسطورس، وأبو نجاح الراهب ت523هـ، وبهرام الأرمني ت535هـ، وقد حزن عليه بنو عبيد. ووالي قوص الباساك. قال رجل يوم الجمعة مبينا تمكن النصارى في رقاب الناس: ياأهل مصر! انظروا عدل مولانا الآمر في تمكينه النصراني من الناس. (1) وقال الشاعر يوضح مابلغ النصارى في هذا العهد (2) : وغالوا بالبغال وبالسروج وصار الأمر في أيدي العلوج زمانك إن عزمت على الخروج إذا حكم النصارى في الفروج وذلت دولة الإسلام طراً فقل للأعور الدجال هذا قال قاسم عبده قاسم: ويعتبر العصر الفاطمي هو العصر الذهبي لأهل الذمة. والغريب أن الدولة الفاطمية لم تتبع سياسة التسامح الديني إزاء المصريين المسلمين أتباع المذهب السني في الوقت الذي حظي فيه أهل الذمة بمثل هذه الحريات. قال الذهبي في ترجمة الشاعر عمارة اليمني: وله بيتٌ كَيِّس في العبُيديين: وإن خالَفُوني في اعتقادِ التَّشَيُّعِ أفاعيلُهُم في الجودِ أفعالُ سُنَّةٍ ثم قال: ياليته تَشَيُّعٌ فقط، بل ياليته ترفُّض، وإنما يُقال: هو انحلالٌ وزَنْدقة. (3) ويصح قول حسن إبراهيم حسن: ذهب السنيون إلى أن عبيد الله كان يعمل على هدم الإسلام متستراً بالتشيع. (4)   (1) انظر حسن إبراهيم حسن، الدولة الفاطمية ص202-216. (2) انظر قاسم عبده قاسم، أهل الذمة في العصور الوسطى ص 53. (3) السير 20/596. (4) تاريخ الدولة الفاطمية ص327. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 241 ومن العجيب أنك لاتجد واحداً من خلفاء الدولة العبيدية أدى فريضة الحج رغم التبجح بخلافة النبي (وعلي بن أبي طالب (. (1) ولذا قال حسن إبراهيم حسن: «يرى الإسماعيلية أن مذهبهم إنما قام ليحل محل الإسلام. وقال أيضا: ولا يبعد أن يكون كثير مما ذهب إليه السنيون (في وصف المذهب الإسماعيلي) صحيحاً» . (2) ومع هذه النصوص الواضحة في انحراف العبيدية نجد مؤرخاً من المعاصرين لايزال مغتراً بهم حيث يقول: «أقاموا دولة إسلامية على أسس إسلامية واضحة، وخلَّفوا حضارة يعتز بها المسلمون إلى الآن» . (3)   (1) أيمن السيد، الدولة الفاطمية ص17، محمد اليعلاوي، ابن هانيء ص155. (2) تاريخ الدولة الفاطمية ص328. (3) إبراهيم شعوط، أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ص348. المصادر والمراجع ابن خلكان أحمد بن محمد بن أبي بكر ت681هـ، وفيات الأعيان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت. الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد ت 748هـ، تاريخ ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق د/عمر عبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، ط/2، 1414، دول الإسلام، تحقيق حسن إسماعيل مروة، دار صادر، بيروت، ط/1، 1999م، سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت ط/2، 1405هـ، العبر في خبر من غبر، تحقيق بسيوني زغلول، دار الباز، مكة، ط/1، 1405هـ السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن ت911هـ، تاريخ الخلفاء، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية، مصر، ط/4،1389هـ الشاطبي: إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي ت 790هـ، الاعتصام، تحقيق محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، 1402هـ أبو شامة: عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم ت665هـ الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، تحقيق إبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط/1، 1418هـ ابن عذاري أبو عبد الله محمد بن محمد المراكشي ت695هـ، البيان المغرب، تحقيق ليفي بروفنسال، ليدن، 1948م. القاضي عياض بن موسى اليحصبي ت544هـ، ترتيب المدارك وتقريب السالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، وزارة الأوقاف المغربية، المغرب. المؤيد الحموي عماد الدين إسماعيل أبي الفداء صاحب حماة ت732هـ، المختصر في أخبار البشر، المطبعة الحسينية، مصر. ابن النديم محمد بن إسحاق ت 380هـ، الفهرست، تحقيق ناهد عباس عثمان، دار قطري بن الفجاءة، ط/1985م. الهمذاني عبد الجبار بن أحمد البصري، تثبيت دلائل النبوة، تحقيق عبد الكريم عثمان، دار العربية، بيروت، 1970م إبراهيم علي شعوط، أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ، مطبعة دار التأليف- القاهرة ط/4 1396هـ إحسان إلهي ظهير، الإسماعيلية، إدارة ترجمان القرآن، باكستان، ط1، 1406هـ. بشار عواد معروف، الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، ط/1، 1976م حسن إبراهيم حسن، تاريخ الدولة الفاطمية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط/4، 1981م حسن خضيري أحمد، علاقات الفاطميين في مصر بدول المغرب (362-567هـ، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط/1، 1996م فرحات الدشراوي، الخلافة الفاطمية بالمغرب، عربه حمادي الساحلي، دار الغرب، بيروت، ط/1 1994 علي محمد محمد الصلابي، الدولة العبيدية في ليبيا، دار البيارق، عمان، الأردن، ط/1، 1418هـ محمد عبد الله عنان، الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية، مكتبة الخانجي، القاهرة، مكتبة الرفاعي، الرياض، ط/3، 1404هـ محمد اليعلاوي، ابن هانيء المغربي الأندلسي شاعر الدولة الفاطمية، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1405هـ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 242 نتائج البحث: الإمام الذهبي إمام واسع الإطلاع في التاريخ والتراجم. أجمع من يعتد به من العلماء على عدم صحة انتساب بني عبيد إلى آل البيت. أجمع من يعتد به من علماء الإسلام على كفر وردة بني عبيد. عدد من أهل التاريخ في العصر الحديث يحاولون بصور شتى التقليل من شأن علماء الأمة الأعلام وتسفيههم ووصفهم بالتعصب السنى والمذهبي. الإمام الذهبي نموذج من نماذج علماء الأمة الذين أظهروا عوار بني عبيد ولم يكن الوحيد فقد شاركه أغلبية أئمة التاريخ. أحكام الإمام الذهبي مبنية على قراءة واسعة في كتب كثيرة مع عقلية ناقدة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 243 صوت الهاء في العربية د. ابراهيم كايد محمود الأستاذ المشارك في قسم اللغة العربية – كلية التربية جامعة الملك فيصل – الاحساء ملخص البحث تناول البحثُ الحديثَ عن تحديد الصوت اللغوي الذي يصدر عن الإنسان وأوضح أنَّه يجب أن يكون ذا معنى وينقل رسالة من عقل إنسان إلى آخر. ثم أشار إلى جهود العلماء القدماء في الدرس الصوتي ومعرفتهم المبكرة لهذا النوع من الدراسة. ثم تحدث عن الصفات الصوتية التي تميز بها صوت الهاء وإنه يمكن اعتباره صوتاً صامتاً كما يمكن اعتباره صوتاً صائتاً في بعض الحالات. وتابع تعداد صفات هذا الصوت وتباين آراء العلماء حول موضع نطقه ومخرجه مما ترتب عليه أن وصف هذا الصوت بصفات كثيرة. ثم تحدث عن المواقع المختلفة لهذا الصوت والأسماء التي أطلقت عليه حسب موقعه، فتحدث عن هاء السكت أو الوقف أو الاستراحة. وقد ذكر الباحث أن هذه الهاء امتداد للنفس الذي حشده المتكلم، وناقش آراء العلماء في هذه الصفات والأسماء. كما أشار إلى أن هاء التنبيه قد تكون من الأصوات الشفطية التي تنتج عن هواء الشهيق لا عن هواء الزفير. كما تحدث عن الأصوات التي تبدل من الهاء وتبدل الهاء منها. وخلص إلى عدد من النتائج تضمنتها الخاتمة. مقدمة: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 244 الصوت ظاهرة طبيعية، وشكل من أشكال الطاقة، وهو يستلزم وجود جسم في حالة اهتزاز أو تذبذب، وهذه الاهتزازات أو الذبذبات تنقل عبر وسط معين حتى تصل إلى أذن الإنسان، وقد تكون ناتجة عن اصطدام جسم بآخر، أو سقوط جسم أو انفجار أو غير ذلك، كما أنها قد تكون صادرة عن الحيوانات إلى جانب صدورها عن الإنسان. وقد فرّق العلماء بين نوعين من الأصوات: النوع الأول هو الصوت الطبيعي، وهو ما يصدر عن كل ظواهر الطبيعة وكل الموجودات فيها، والنوع الآخر هو ما يصدر عن الإنسان دون غيره. فالجهاز النطقي للإنسان قادر على إنتاج أصوات كثيرة، كما أنه قادر على إنتاج أنواع من الضجيج والضوضاء تبعد عن اللغة بقدر ما تبعد عنها أصوات الطبيعة. ولكي "يكون الصوت لغوياً بالمعنى العام فإن الأصوات الصادرة عن الجهاز النطقي يجب أن تكون ذات معنى وتنقل رسالة محددة من عقل إنسان إلى آخر (1) " وهذا الصوت هو الذي يهمنا هنا، أي أننا نهتم بالصوت باعتباره ظاهرة طبيعية وباعتباره في نفس الوقت ظاهرة سيكولوجية (2) … ... وليس كل صوت يصدر عن الإنسان مفهماً وإرادياً، أي أنه الأثر السمعي الذي يصدر طواعية واختياراً عن أعضاء النطق، بل إن الصوت حتى يكون مفهماً أو لغوياً لابد أن يكون صادراً بقصد عن المتكلم، إذ أن هناك بعض الأصوات قد تصدر عن المتكلم دون قصد منه، وقد تصدر ويكون المتكلم قد أصدرها بقصد وعناية، فهذه الأصوات تكون مرة طبيعية ومرة لغوية. جهود العرب القدماء في الدرس الصوتي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 245 .. وقد كان للعرب القدماء جهود مشكورة في الدرس الصوتي تنم عن فهم مبكر دقيق لطبيعة الصوت اللغوي، كما تدل على معرفة تامة بالجهاز النطقي وأعضائه. فقد عكفوا على دراسة أصوات لغتهم، وتمكنوا من وصفها وصفاً دقيقاً، ووضعوا القواعد والقوانين لتلك الأصوات وخصائصها وعلاقاتها مع بعضها البعض. يتضح ذلك فيما فعله أبو الأسود الدؤلي من نقط الإعراب بملاحظته الذاتية، وما قدمه الخليل بن أحمد من تقسيم لأصوات اللغة، وتحديد مخارجها معتمداً على حسه الصوتي، فقد "نظر إلى الحروف كلها وذاقها فوجد مخرج الكلام كلّه الحلق، فصيّر أولاها بالابتداء أدخل حرف منها في الحلق، وإنما كان ذواقه إياها أنه كان يفتح فاه بالألف ثم يظهر الحرف نحو: ابْ، اتْ، احْ، اعْ، اغْ فوجد العين أدخل الحروف في الحلق فجعلها أول الكتاب (3) " وهو يتحدث عن الحروف ويقصد بها الأصوات فيقول: "في العربية تسعة وعشرون حرفاً: منها خمسة وعشرون حرفاً صحاحاً لها أحياز ومدارج، وأربعة جوف، وهي الواو والياء والألف اللَّينة والهمزة، وسميت جوفاً لأنها تخرج من الجوف فلا تقع في مدرجة من مدارج اللسان ولا من مدارج الحلق ولا من مدارج اللهاة (4) ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 246 .. وقسّم سيبويه أصوات العربية حسب مخارجها وأحيازها، ووصف كل صوت منها وصفاً دقيقاً إلاّ أنه – كأستاذه الخليل – لم يكن يفرّق بين الحرف والصوت إذ يقول: "هذا باب عدد الأحرف العربية ومخارجها ومهموسها ومجهورها وأحوال مجهورها ومهموسها واختلافها (5) " ويقول في موضع آخر "وتكون خمسة وثلاثين حرفاً، بحروف هُنَّ فروع وأصلها من التسعة والعشرين، وهي كثيرة يؤخذ بها وتستحسن في قراءة القرآن والأشعار، وهي النون الخفيفة، والهمزة التي بين بين والألف التي تمال إمالة شديدة، والشين التي كالجيم، الصاد التي تكون كالزاي وألف التفخيم (6) " ثم ينتقل للحديث عن مخارج تلك الحروف التي يقصد بها الأصوات فيقول: "ولحروف العربية ستة عشر مخرجاً. فللحلق منها ثلاثة، فأقصاها مخرجاً الهمزة والهاء والألف، ومن وسط الحلق مخرج العين والحاء، وأدناها مخرجاً من الفم الغين والخاء ومن أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى مخرج القاف … . (7) " ويستمر في تحديد مخرج كل حرف ووصفه من حيث الجهر والهمس والشدة والرخاوة وغيرها، مما يؤكد أنه يقصد بالحرف هنا الصوت. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 247 .. أما أبو الفتح ابن جنّي فقد كان أكثر وضوحاً وأدق تفريقاً بين الأصوات والحروف، قال: "اعلم أن الصوت عرض يخرج مع النفس مستطيلاً متصلاً، حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته فيسمى المقطع أين عرض له حرفاً. وتختلف أجراس الحروف بحسب اختلاف مقاطعها (8) ". واضح من كلام ابن جنّي هذا أنه لا يقصد بالمقطع ما نقصده نحن الآن من مصطلح المقطعSyllable، الذي يعني "وحدة صوتية تتكون من صائت واحد على الأقل هو نواة المقطع، بالإضافة إلى احتمال وجود صامت واحد أو أكثر قبل الصائت أو بعده مثل in,no,sit على التوالي، ولكل مقطع درجة مناسبة من النبر تأخذ نواته. وقد يكون المقطع كلمة مثل lip، أو جزءاً من كلمة مثل win في window، وقد يكون المقطع مفتوحاً إذا انتهى بصائت مثل no، أو مغلقاً إذا انتهى بصامت مثل not (9) ". ويستمر ابن جنّي في توضيح هذا الأمر، وأن الطريقة المثلى لتحديد الحرف وصداه أو امتداده هي أن يكون ساكناً، فيقول: "وسبيلك إذا أردت أن تعرف صدى الحرف أن تأتي به ساكناً لا متحركاً لأن الحركة تقلق الحرف عن موضعه ومستقرة وتجتذبه إلي جهة الحرف الذي هي بعضه، ثم تُدْخل عليه همزة الوصل مكسورة من قبله لأن الساكن لا يمكن الابتداء به، فتقول: إِكْ، إِفْ، إِجْ وكذلك سائر الحروف (10) " فهو يقصد بالصوت ما يتبع نطق بعض الأصوات من استمرار وامتداد وتفشٍ، ثم يؤكد هذا التفريق بين الحرف والصوت، فيقول: "وذلك أن الحرف حدّ منقطع الصوت وغايته وطرفه، كحرف الجبل ونحوه، ويجوز أن تكون سميت حروفاً لأنها جهات للكلم ونواح كحروف الشئ وجهاته المحدقة به (11) " ثم يقول: "فقد ثبت بما قدمناه معرفة الصوت من الحروف وكشفنا عنهما بما هو متجاوز للإقناع في بابهما ووضحت حقيقتهما لمتأملهما (12) ". فابن جني جازم في تفريقه بين الصوت والحرف، وقد يُفهم من كلامه في هذا الشأن أنه كان يعتبر الحرف الجزء: 13 ¦ الصفحة: 248 مقام ما يُعرف في الدراسات اللغوية المعاصرة باسم الفونيم Phoneme، الذي هو أصغر وحدة صوتية قادرة على تغيير معنى، وأن هذه الأصوات التي أشار إليها ليست إلاّ صوراً لتلك الفونيمات أو ألوفونات Allophones لها، وهو ما يعد فهماً مبكراً لطبيعة الصوت اللغوي عند اللغويين العرب بعامة وعند ابن جنّي بخاصة. ولم يقتصر الدرس الصوتي عند العرب على اللغويين فقط، بل شارك في هذه الدراسات علماء التجويد وعلماء البلاغة وغيرهم. ... قدم العرب ملاحظات قيمة في مجال الدراسة الصوتية، يبدو ذلك واضحاً في ما خلفوه من دراسات شملت أصوات العربية كافة. ومن الأصوات التي حظيت بعناية فائقة عند العرب صوت الهاء، الذي ربما يصدر عن الإنسان لا لغرض الكلام بل بسبب إرهاق أو تعب، أو حالة نفسية معينة دون قصد من المتكلم، فهو اندفاع غزير للهواء في عملية تنفسيّة غير طبيعية ينتج عنها سماع صوت الهاء، يقول إبراهيم أنيس: "عند النطق بالهاء المجهورة يندفع من الرئتين كمية كبيرة من الهواء أكبر مما يندفع من الأصوات الأخرى، فيترتب عليه سماع صوت الحفيف مختلطاً بذبذبة الوترين الصوتيين (13) ". ومثل هذا الصوت نسمعه يصدر عن الحيوانات عند تعبها أو نصبها، ولعل هذا التشابه كان سبباً من الأسباب التي حدت بالباحث أن يدرس صوت الهاء. شبه الهاء بأصوات اللين: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 249 تميزت الهاء بصفات صوتية خاصة جعلت منها صوت الهاء الذي يتصف بصفات الصوامت إلى جانب اتصافه بصافات تنطبق على الصوائت، ولابد في هذا الموضع من الحديث عن نوعين من الأصوات: الأصوات الصائتة، والأصوات الصامتة. فأما لأصوات الصائتة Vowels "فهي التي تصدر دون إعاقة لتيار النفس (14) ". إنها الأصوات التي ليس لها مكان نطق محدد، كما لا يحدث معها إغلاق أو تضييق لمجرى تيار الهواء (15) ". ويوضح محمود السعران الصوت الصائت فيقول: "إنه الصوت المجهور الذي يحدث في تكوينه أن يندفع الهواء في مجرى مستمر خلال الحلق والفم، وخلال الأنف معهما أحياناً دون أن يكون ثمة عائق (يعترض مجرى الهواء اعتراضاً تاماً) أو تضييق لمجرى الهواء من شأنه أن يحدث احتكاكاً مسموعاً، أما الصوت الصامت فهو الصوت الذي له نقطة نطق محددة وله ناطق وأي صوت لا يصدق عليه هذا التعريف يعد صوتاً صامتاً، أي أن الصامت هو المجهور أو المهموس الذي يحدث في نطقه أن يعترض مجرى الهواء اعتراضاً كاملاً أو اعتراضاً جزيئاً (16) " فالصوت الصامت Consonant إذاً هو الصوت الذي له نقطة نطق محددة، وله ناطق محدد، كما يحدث لتيار النفس عند نطقه نوع من الإعاقة أو الإغلاق ثم الانطلاق (17) ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 250 وإذا حاولنا وضع صوت الهاء تحت الصوائت أو الصوامت لما أمكننا ذلك لأننا لا نستطيع أن نقول أنه من الصوائت في جميع حالات نطقه أو أنه من الصوامت مطلقاً، لأنه يجمع بين صفات الصوائت وصفات الصوامت حسب طريقة نطقه والظروف اللغوية التي ينطق بها، فقد يحدث عند نطقه أن يبقى الوتران الصوتيان ساكنين دون تحرك، وقد يصاحب هذا الوضع نوع من الحفيف يسمع في أقصى الحلق، وتتخذ أعضاء النطق في هذه الحالة وضعاً يشبه الذي يكون مع أصوات اللين، لأنه (صوت النفس الخالص الذي لا يلقى مروره اعتراضاً في الفم، وللسان أن يتخذ في نطق الهاء أي موضع من المواضع التي يتخذها في نطق "الصوائت"، ومن ثم فمن المستطاع نطق أنواع من الهاء قدر ما يستطيع نطقه من أنواع "الصوائت". ولذلك أمكن اعتبار أصوات الهاء "صوائت مهموسة"، أي صوائت يصحبها همس لا جهر (18) ". إنه صوت غير لساني، أي انه صوت لا يشترك اللسان في نطقه بصفته ناطقاً متحركاً (19) . فعلى هذا نجد أن صوت الهاء ليس له موضع نطق محدد كالأصوات الصامتة، بل يمكننا نطق هذا الصوت والإطالة في نطقه لأنه ليس إلاّ نفساً خارجاً من الرئتين. كما قال الخليل في قول الشاعر: يُدَهْدِهْنَ الرُّؤوسَ كما تُدَهْدِي حَزاوِرَةٌ بِأَيْديها الكُريناج الجزء: 13 ¦ الصفحة: 251 قال "حوّل الهاء الآخرة ياء، لأن الياء أقرب الحروف شبهاً بالهاء، ألا ترى أن الياء مَدّ والهاء نفس (20) ". وقد أشار سيبويه إلى هذا بقوله: (كما أن دهديت هي فيما زعم الخليل "دهدهت بمنزلة "دحرجت"، ولكنه أبدل الياء من الهاء لشبهها بها، وأنها في الخفاء والخفة نحوها (21) ". ويؤكد الخليل أن الهاء نَفَس فيقول: "الهمز صوت مهتوت في أقصى الحلق فإذا رُفِّه عن الهمز صار نفساً تحول إلى مخرج الهاء (22) ". وقد وافقه ابن جني على هذا وأن الهاء ضعيفة خفّية فقال "ومن الحروف المهتوت وهو الهاء، لما فيه من الضعف والخفاء (23) " ويستمر الخليل في تأكيد صفة الضعف لصوت الهاء فيقول "ولم يكن في الحروف أهش من الهاء لأن الهاء نَفَسُ (24) ". والهش: كل شئ فيه رخاوة (25) ". الهاء صوت صامت: ... ومن هنا عُدَّ صوت الهاء ضمن الأصوات الصائتة. وإذا تتبعنا نطق هذا الصوت في جميع حالاته وجدنا أنه لم يستقر على صفات الصوائت فقط، بل اتصف كذلك بصفات خاصة بالأصوات الصامتة، إنه في بعض حالات نطقه يحدث تضييق لمجرى الهواء يُنْتِج تذبذب الوترين الصوتيين الذي يؤدي الى حدوث احتكاك Friction مسموع وهذه صفة من صفات الصوامت، فالهاء في هذه الحالة صوت صحيح لكنه "ألين الحروف الصحاح (26) " وعند النطق بأصوات اللين يندفع الهواء من الرئتين إلى الفم دون أن يعترضه أي اعتراض قد يضيّق مجراه فهو أكثر ليناً من الأصوات الرخوة التي يضيق مجرى الهواء عند نطقها. إن عدم ثبوت هذا الصوت على صورة واحدة، وعدم اعتماده موضع نطق محدد، وعدم ثبات الوترين الصوتيين من حيث التذبذب وعدمه عند نطقه أَدّى إلى اتصاف هذا الصوت بصفات متباينة، أدى إلى ظهور صور متعددة منه وأنواع مختلفة له، شكلت مجتمعة ظاهرة صوتية معينة جديرة بالدراسة والتحليل. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 252 وقد تباينت آراء العلماء قديماً وحديثاً حول صوت الهاء من حيث موضع نطقه ومخرجه مما ترتب عليه اختلاف صفات هذا الصوت وخصائصه، فقد ذهب معظم العلماء في العصر الحديث إلى اعتبار الهاء "صوت صامت مهموس حنجري احتكاكي (27) ". وقد بينا من قبل كيف اعتبر صوت الهاء من الصوامت ذلك لأنه في حال نطقه يُعْتَرَضُ مجرى الهواء في الفم. وهو صوت مهموس لأنه حال نطقه تكون فتحة المزمار في حالة انفتاح يترتب عليه عدم تلاقي الوترين الصوتيين أو اهتزازهما. فالنفس يجري بسرعة ودون أية إعاقة عند نطق الصوت المهموس الذي هو "حرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه، وأنت تعتبر ذلك بأنه قد يمكنك تكرير الحرف مع جري الصوت نحو: سَسَسَس، كَكَكَك، هَهَهَه، ولو تكلفت مثل ذلك في المجهور لما أمكنك، لأن المجهور حرف أشبع الاعتماد من موضعه ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد ويجري الصوت (28) " والمقصود بالاعتماد هنا الضغط (29) أي الوضوح والقوة Sonority. فالأصوات المهموسة هي التي تتردد في اللسان بنفسها أو بحرف اللين الذي معها، ولا يمتنع الصوت الذي يخرج معها وليس من الصدر (30) . من هذا النص ندرك أن صوت الهاء يمتاز عن غيره من أصوات العربية في أنه ليس له موضع نطق واضح محدد، فقد يكون مهموساً في موضع معين، وربما تحول إلى صوت مجهور (31) في موضع آخر، وبرصد هذا الصوت تبين أنه يتردد بين الهمس والجهر وهي صفة لا يشاركه فيها غيره من أصوات العربية، وهذه الذبذبة ربما كانت السبب في عدم اتفاق علماء الأصوات – قدماء ومحدثين – ومقدرتهم على تحديد موضع معين لنطق هذا الصوت. وقد أوضح الخليل معنى الهمس فقال: "الهمس حسّ الصوت في الفم مما لا إشراب له من صوت الصدر، ولاجهارة في المنطق ولكنه مهموس في الفم كالسر (32) " فالهمس كما فهمه الخليل إخفاء الصوت وعدم ظهوره أثناء مروره بالفم، وسلامته من أي إشباع أو ضغط مما يجعله ضعيفاً غير الجزء: 13 ¦ الصفحة: 253 ظاهر، أي أن الهواء المكوِّن للصوت المهموس يخرج دون أي احتكاك قد ينتج عنه ذبذبة للأوتار الصوتية. والصفة الثانية من صفات الهاء، أنه صوت حنجري Laryngeal أي أنه صوت مكان نطقه الحنجرة (33) . وقد ذهب الخليل إلى أن مخرج الهاء من الحلق وليس من الحنجرة فقال: "وأما مخرج العين والحاء والهاء والخاء والغين فالحلق (34) " ولم يحدد الجزء من الحلق الذي يخرج منه هذا الصوت، وهو ما فعله كارل بروكلمان في العصر الحديث الذي اكتفى بالقول أن صوت الهاء من الأصوات الحلقية (35) . أما سيبويه فذهب إلى أنه من أقصى الحلق فقال: "ولحروف العربية ستة عشر مخرجاً، فللحلق منها ثلاثة: فأقصاها مخرجاً الهمزة والهاء والألف (36) " وقد وافقه على هذا الرأي في العصر الحديث جان كانتينو الذي أكَّد أن "أقصى الحلق هو مخرج الهمزة والهاء والألف (37) " وأوضح المراد بالحروف الأقصى حلقية Pharyngeals بأنها "التي تقرع في أقصى الحلق، أو بالأحرى في رأس قصبة الرئة وهو قادر على الانفتاح أو الانغلاق، نحو: الهمزة والهاء (38) ". أما ابن يعيش فقد اعتبر أن مخرج الهاء هو أول الحلق وليس أقصاه كما ذهب سيبويه وغيره فقال: "الحاء من وسط الحلق والهاء من أوله وليس بينهما إلاّ العين (39) ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 254 نرى أن القدماء اعتبروا مخرج الهاء من الحلق، ولم يشيروا أية إشارة إلى الحنجرة في هذا المقام، وهذا يخالف كثيراً من علماء العصر الحديث الذين يذهبون إلى أن مخرج الهاء هو الحنجرة. وربما كان السبب في هذا أن القدماء لم يستطيعوا ان يحددوا الحلق – وهو الجزء الواقع بين الحنجرة والفم – تحديداً دقيقاً فاتسع هذا الجزء ليشمل الحنجرة. وهم معذورون في هذا باعتمادهم في دراساتهم على الملاحظة الذاتية، ولم يتوفر لديهم ما توفر لعلماء العصر من معدات وأجهزة قادرة على تحديد كل جزء من أجزاء الجهاز النطقي. ويبرر كمال بشر هذا القصور من القدماء بأنه إما أن يكون راجعاً لعدم استطاعتهم التفريق بين مخارج الأصوات، وإما لأنهم اعتبروا الحنجرة ضمن الحلق (40) . ومهما يكون من أمر فإن عدداً من العلماء في العصر الحديث – بما يملكون من وسائل وأجهزة علمية متطورة – قد خفي عليهم ما خفي على قدمائنا، وعدوا مخرج الهاء من الحلق كما فعل القدماء (41) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 255 والصفة الأخرى من صفات هذا الصوت أنه صوت احتكاكي Fricative وهو الصوت الذي يحدث في نطقه اعتراض لمجرى الهواء يؤدي إلى تضييقه دون أن ينحبس ذلك الهواء حبساً محكماً، ويحدث مع هذه الحالة نوع من الحفيف أو الصفير ناتج عن احتكاك تيار الهواء بجدران الممرات الصوتية، وهذا الصوت هو ما عرف عند القدماء بالصوت الرخو (42) ، وقد وضح ابن جني معنى الرخو فقال: "والصوت الرخو هو الذي يجري فيه الصوت، ألا ترى أنك تقول: المسّ والرّشّ والشّحّ ونحو ذلك فتمد الصوت جاريا مع السين والشين والحاء (43) ". إنه الصوت الذي يجري النفس فيه من غير تردد وهو صوت من الصدر (44) . ويعده ابن جني من الأصوات المنخفضة في مقابل الأصوات المستعلية (45) ، والاستعلاء هو ارتفاع اللسان إلى الحنك (46) . إضافة إلى ذلك فقد ذكر كانتينو أن بعض المؤلفين المتأخرين في الزمن يضيفون الهاء والعين إلى الحروف المستعلية (47) . وما ذكره كانتينو هنا يغاير الحقيقة ويخالف طبيعة نطق الهاء، إذ أن نطق الهاء يتم واللسان في قاع الفم ولا يرتفع إلى الحنك بشكل من الأشكال، كما أن كانتينو نفسه ذكر أن "الهاء من الأصوات الهاوية aspirees وهي الأصوات التي الانفتاح فيها أكبر ما يكون، أي التي ينفتح فيها جهاز التصويت انفتاحاً عادياً فيجري النفس جرياً (48) " وهذا يعني أن اللسان حال نطق هذا الصوت لا يتحرك ولا يشترك في نطقه لأن الهاء "صوت غير لساني أي أنه صوت لا يشترك اللسان في نطقه بصفته ناطقاً متحركاً (49) ". وقد اعتبره محمد الخولي صوتاً موشوشاً whispered voice والصوت الموشوش هو الصوت الناتج عن تضييق لفتحة المزمار وتقارب للوترين الصوتيين، ويصاحب ذلك اندفاع كبير للهواء الخارج من الرئتين، كل ذلك يؤدي إلى ذبذبة للوترين الصوتيين يصاحبها حفيف مسموع وفي أثناء هذه العملية النطقية "تصبح الأصوات المجهورة موشوشة أما المهموسة فتبقى كما هي (50) "، وهذا ما جعل بعض العلماء في الجزء: 13 ¦ الصفحة: 256 العصر الحديث يعدون صوت الهاء ضمن الأصوات المجهورة (51) . وتحوله أحياناً إلى صوت مجهور عند استعماله كما يذكر تمام حسان يدخل في نطاق علم الأصوات السلوكي (52) . هكذا نرى أن صوت الهاء لضعفه وخفته وسهولة نطقه ظهرت له عدة صفات نطقية خفيت على عدد من العلماء في القديم والحديث وأوقعتهم في حيرة من أمر هذا الصوت، ولم يتمكنوا من تحديد مواضع نطقه بدقة تامة، ترتب على ذلك تباين آرائهم وتعارضها بالنسبة لهذا الصوت. وقد ظهرت الهاء بصفات متباينة وفي مواقع مختلفة، أطلق على كل وضع منها اسماً خاصاً وهذه الصفات والأسماء هي: هاء الوقف أو السكت أو الاستراحة: وهي الهاء التي تلحق أواخر بعض الكلمات عند الوقف عليها، وعزا العلماء ظهور هذه الهاء في نهاية تلك الكلمات لغرض تبين وإظهار صوت المد الذي في نهاية الكلمة. ويمكن تعليل ظهور هذه الهاء بأنها امتداد للصوت الخارج من الرئتين، الذي يكون الإنسان قد حشده للنطق، وبعد انتهاء النطق المطلوب يزفر الناطق ما تبقي من ذلك الهواء الذي احتشد في الفم فيسمع صوت الهاء الذي هو نفس. وقد تحدث سيبويه عن الوقف بهاء السكت في مواضع كثيرة نوجزها فيما يلي: في الفعل الأمر الذي بقي على حرف واحد فلا يستطاع أن يُتَكلَّم به في الوقف وذلك قولك: عِهْ وشِهْ، وكذلك جميع ما كان من باب وعي يعي، فإذا وصلت قلت: عِ حديثاً، وشِ ثوباً (53) آخر الفعل المعتل في حال الجزم نحو: ارْمِهْ، ولم يَغْزُهْ (54) . في المضارع الذي بقي على حرف واحد، نحو: لاَتقِهْ من وَقَيْتُ، وإن تَعِ أَعِهْ، ومن وَعَيْتْ (55) . نون الاثنين والجمع، مثل: هما ضارِبانِهْ، وهم مُسْلمِوُنَهْ، وهُنَّهْ، وضَرَبْتُنَّهْ (56) . في بعض الظروف مثل: أين وثم، يقال: أَيْنَهْ، وثَمّهْ (57) . في اسم الفعل هَلمَّ، يقال: هَلُمَّهْ ومنه قول الشاعر: يا أَيُّها النَّاسُ أَلاَ هَلُمَّهْ (58) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 257 في الحرف "إن" الذي بمعنى "نعم" أو "أجل" يقال: إنه. ومنه قول الشاعر: ويَقُلْنَ شَيْبُ قد عَلاك وقد كَبِرتَ فقلتُ إِنَّهْ. (59) في كيف، وليت، ولعل، يقال: كَيْفَهْ، ولَيْتَهْ، ولَعَّلَهْ. (60) في تاء المتكلم، نحو انطلقت، يقولون: انْطَلَقْتُهْ. (61) في ياء المتكلم في مثل: هذا غُلامِيَهْ، وجاء من بَعْدِيَهْ وإنه ضَرَبَنِيَه (62) .ومنه قوله تعالى: (ياليتني لم أوتَ كِتابِيَهْ، ولم أَدْرِ ما حِسابِيَهْ ((الحاقة 25) وقوله تعالى: (ما أغنى عني مالِيَهْ هَلَكَ عني سُلْطانِيَهْ ((الحاقة 28، 29) . في بعض الضمائر المنفصلة نحو: هي، وهو، يقال: هِيَهْ وهُوَهْ (63) ومنه قوله تعالى (وما أدراك ماهِيَهْ ((القارعة 10) . ومنه كذلك قول الشاعر: فما أَنْ يُقالُ له مَنْ هُوَهْ. (64) . ضمير المخاطب، نحو: خذه بحُكْمِكَهْ (65) . الهاء التي تلزم "طلحة" في أكثر كلامهم في النداء (66) . ميم الاستفهام إذا سبقت بحرف جر وحذفت ألفها، مثل: عَلامَهْ، وفِيْمَهْ، ولِمَهْ، وبِمَهْ، وحَتَّامَهْ (67) في بعض أسماء الإشارة نحو: هؤُلاء، ههُنا، يقال: هؤُلاه، وههُناهْ (68) في الألف التي في النداء، والألف والواو والياء في الندبة نحو: ياغُلاَماهْ، ووازَيْداه وواغُلاَمهُوهْ، وواذَهابَ غُلامِهِيهْ (69) . هذا مجمل المواضع التي ذكر سيبوبه أن الهاء فيها تأتي للوقف. وقد جاءت الهاء في مثل هذه المواقع لتفيد أغراضاً أخرى إلى جانب إفادتها الوقف أو السكت. وقد أطلق عليها كذلك هاء الاستراحة، فهل حقاً أن هذه الهاء يقصد بها المتكلم العربي الاستراحة من عناء الحديث، أو استراحة أعضاء النطق التي قد أرهقت من كثرة الكلام؟ وقد رويت لنا شواهد لغوية كثيرة في هذا المجال قديماً، ولا تزال هذه الهاء مستخدمة عند المحدثين، نجد مثل هذه الهاء في قصيدة إبراهيم طوقان "الحمائم البيضاء" التي يقول فيها: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 258 بِيضُ الحَمائمِ حَسْبَهُنَّهْ أَني أُرَدِدُ سَجْعَهُنَّهْ رَمْزُ السَّلاَمةِ وَالوَداعَةِ مُنْذُ بَدءِ الخَلّْقِ هُنَّهْ وَيَمِلْنَ والأَغْصانُ ما خَطَرَ النَّسيمُ بِرَوْضِهِنَّهْ (70) ... كما نسمع مثل هذه الهاء في بعض اللهجات العربية المعاصرة كما في الأردن وفلسطين فعند السؤال عن شئ معين تقول: "كيفه" ونقول كذلك: هذا كتابيه. وإذا حاولنا تفسير شيئاً من هذه الهاء صويتاً أمكن القول أن المتكلم يطلقها دون قصد منه، إذ أنه قد حشد كيمة من الهواء لغرض نطق كلمة أو جملة معينة، وبطريقة معينة من النبر أو التنغيم وتنتهي هذه الكلمة أو تلك الجملة ولازال قسم من ذلك الهواء يجري في الفم ولابد من خروجه، فتخرج أشبه ما تكون بزفرة نسميها "هاء" وهي ما لم يكن المتكلم يقصدها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 259 كما يمكننا القول إن الهاء التي قد تلحق بعض الأسماء لغرض الوقف أو الاستراحة كما قال النحاة وعلماء الأصوات – إنما هي تابعة لنفسية المتكلم، وتنبىء عن حالة معينة يعيشها، ونفسية خاصة انعكست بداخلها تلك الحالة التي يعيشها والأحاسيس التي يحس بها، ففي مثل قوله تعالى: (وأَمّامَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمالِهِ فيقولُ يا لَيْتَني لَمْ أُوتَ كتابِيَهْ، ولم أَدرِ ما حِسابِيَهْ، يا ليتها كانت القاضيةَ ما أَغْنى عنّي مالِيَهْ هَلكَ عنّي سُلطانِيَهْ ((الحاقة 25، 29) . فهذه الآيات جاءت صياغتها على لسان من رفض الإيمان بالله، وأنكر البعث والحساب، وعند بعثه، ومشاهدته ليوم الحشر عياناً، ورؤيته هول ذلك اليوم، أسقط في يده وعجز عن الدفاع عن نفسه ولو بكلمة واحدة، أيقن أن العذاب محيط به، وأنه هالك لا محالة، وإن كل ما كان يعتز به في دنياه قد ذهب عنه، فلم يبق له مال ولاجاه، وأن لانجاة له، ولابد من مواجهة مصيره المحتوم وهو الخلود في نار جهنّم. فانطلقت تلك العبارات على لسانه في عتاب للنفس بصوت حزين متهدج ونبرة محشرجة، لقد أحسّ بالتعب والعجز، إنه منهار تماماً أمام الهول العظيم الذي يراه والمصيبة الكبرى التي أوقع نفسه فيها، فبدا وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، نادماً على مافات بعد أن أيقن العذاب، فسمعت تلك الزفرات التي انتهت بها جمله وكأنه صوت الهاء. فهو لا يقصد نطق الهاء، وأن ما سمع وكأنه هاء ليس إلاّ اندفاع الهواء في سرعة واضطراب تناسب خفقات قلبه المنهار. ولو كان هذا الرجل في حالة نفسية مستقرة، ووضع طبيعي يبشر بالخير لاختلف حديثه واختلفت نبراته وسمعت كلماته بصورة أخرى تغاير الصورة التي سمعت بها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 260 وفي حالة الفعل المعتل المجزوم، فإن الهاء قد لحقت ذلك الفعل لأنه قد نقص عن أصله بحذف آخره الذي هو صوت اللين، ولذلك فإن التأهب المعدّ سابقاً لنطق ذلك الفعل كاملاً قد زاد عن الحاجة بعد حذف آخر ذلك الفعل، فخرج ما تبقى من الهواء وسمع هاء. ويمكن تعميم هذا الأمر على ميم الاستفهام المسبوقة بحرف جر، وكذلك "إن" الذي بمعنى نعم، فقد وُقف على النون التي آخرها فتحة فامتد النفس فسمع هاء كما أشار الى ذلك إبراهيم أنيس (71) . وقد يوقف على ضمير المتكلم المفرد بالهاء كذلك. قال المالقي في حديثه عن الهاء المبدلة من الأصل "أن تكون بدلاً من ألف الوقف في "أنا" إذا وقفت عليه قلت: أنا أو أَنَهْ حكي من قولهم "هذا قصدي أَنَهْ" وإنما جعلناها بدلاً من الألف، لأن الألف في "أنا" أكثر استعمالاً من الهاء (72) ". وقد اعتبر الفراء هذا الوقف لغة جيدة فقال: "ومن العرب من يقول إذا وقف: أَنَهْ، وهي في لغة جيدة. وهي عليا تميم وسفلى قيس (73) ". وقد يرى الباحث أن الهاء في "إنَّه" بقية من ضمير الغائب المفرد، أي أن أصل الكلمة هو "إنّ هو" أسقطت الواو فبقيت الهاء فاتصلت بما قبلها، ولعل ضمائر الغائب الموصولة تأتي تحت هذا النوع مثل: له "ل + هو" كتابه " "كتاب + هو" وهكذا، كما أنه يمكن اعتبار الأسماء والظروف والحروف التي تلحقها هاء السكت من هذا القبيل، ففي قولنا: أَيْنَه، ولَيْتَه، وكَيْفَه،، تكون: أين + هو، وكيف + هو، وليت + هو. أسقطت الواو وبقيت الهاء فاتصلت بهذه الكلمات وأمثالها فسمعت أَيْنَهُ ولَيْتَهُ وكَيْفَهُ. ولا نزال نسمع مثل هذا في بعض لهجات بلاد الشام إذ يقولون: كِيْفُهْ، ولَيْتُهْ، وما أشبه ذلك يريدون: كيف هو، وليت هو. وهو ما ذكره ابن منظور بقوله: "بنو أسد تسكِّن هِي وهُو فيقولون هُو زيد وهي هند، كأنهم حذفوا المتحرك، وهي قالته وهُو قاله وأنشد: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 261 وكُنَّا إذا ما كانَ يَوْمُ كَرِيهةٍ فَقَدْ عَلِمُوْا أَنَّي وهُو فَتَيانِ فأسكن. ويقال: ماهُ قاله وماهِ قالته يريدون: ماهُوَ وماهِيَ. وأنشد: دارُ لِسَلْمَى إذْهِ مِنْ هَو اكا. فحذف ياء هي (74) وقد ذهب علماؤنا إلى أن الهاء في مثل هذه المواقع تأتي للتبيين، وأنها تسقط عند وصل الكلام، قال ابن يعيش: "واعلم أنه قد يؤتي بهذه الهاء لبيان حروف المدّ واللين، كما يؤتي بها لبيان الحركات، نحو: وازيداه، وواعمراه، وواغلا مهموه، ووانقطاع ظَهْرِهْيِه (75) ". ولعل السبب الذي دعاهم إلى هذا القول هو أن الإنسان عندما ينطق بالصائت يندفع الهواء بسرعة دون أي تضييق أو إعاقة لمجراه، فإذا نطق بصوت الهاء بعد ذلك – أي بعد حرف اللين – كان ذلك إراحة للنفس من الامتداد الى ما لانهاية لأن النطق بالهاء يمكنه من أن يضيق مجرى الهواء تضييقاً ينتج عنه حفيف أو احتكاك، ويصاحب ذلك إراحة للإنسان من استمرارية امتداد النفس مع حرف اللين. لكن كيف يمكن أن نبرر عدم لحاق الهاء في لغة من ينتظر الذين يقولون: جاء خالدو ومررت بخالدي، فلا يلحقون الهاء هنا لبيان حرفيّ المدّ الواو والياء اللذين جاءا في نهاية الكلمة ولم يكن وصل في الكلام؟ . وكذلك الهاء اللاحقة لبعض الضمائر المنفصلة، كما في هِيَهْ وهُوَهْ، كما في قوله تعالى: (وما أدراك ماهِيَه ((القارعة 10) ، وفي قول حسان بن ثابت: إذا ما تَرَعْرَعَ فينا الغُلامُ فما أَنْ يُقالُ لَهْ مَنْ هُوَهْ (76) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 262 وقد أشار سيبويه إلى ذلك بقوله: "وقالوا هِيَهْ، وهم يريدون "هِيَ" شبهوها بياء "بَعْدِي". وقالوا "هُوَهْ" لما كانت الواو لا تصرَّف للإعراب، كرهوا أن يلزموها الإسكان في الوقف فجعلوها بمنزلة الياء، كما جعلوا "كيفه" "بمنزلة" "مسلمونه". ومثل ذلك قولهم: خُذْهُ بحُكمِكَهْ. وجميع هذا في الوصل بمنزلة الأول. ومن لم يلحق هنا الهاء في الوقف لم يلحقها هنا. وقد استعملوا في شيء من هذا الألف في الوقف، كما استعملوا الهاء، لأن الهاء أقرب المخارج إلى الألف وهي شبيهة بها (77) ". فليست الهاء وحدها التي تلحق في مثل هذه الواقع بل إن العرب قد استعملوا الألف في الوقف، بل إن كلام سيبويه السابق يشير إلى أن الأصل في الإلحاق للألف، واستخدمت الهاء في ذلك لشبهها بالألف ولقرب مخرجها من مخرج الألف. وإذا كانت الهاء في مثل المواضع السابقة هاء سكت زيدت من أجل تبيين الحركة التي قبلها، أي حركة آخر الكلمة التي تم الوقف عليها، فلم لم تطرد هذه الزيادة في كل المواضع من أجل تبيين الحركة؟ ولماذا استُعيض عنها في حالات أخرى بالالف؟ أليست الألف إطالة لحركة الفتحة وتبييناً لها؟ وإذا كان الغرض من زيادة الهاء في مثل هذه الواضع هو التبيين فقط، فلم لا يقتصر هذا الأمر عليها دون الألف في كل الحالات المشابهة؟ إن ظهور هذه الهاء في بعض المواضع قد يكون ناتجاً عن الحالة النفسية للمتكلم التي تنعكس في نطقه، ويمكن القول أن هذه الهاء تلحق مثل هذه الضمائر "هوه، هيه" عندما يكون المتكلم في نفسية متوترة وتغلب عليه العصبية والاضطراب. ومعلوم أن هذا التوتر والاضطراب يفرض على الشخص تتابع النفس بقوة وشدة، وذلك التتابع القوي يسمع على شكل صوت الهاء في نهاية الكلام، وأن المتكلم لا يقصد إلى نطق الهاء هنا، بل سُمع النفس القوي هاء دون قصد. وقد نسمع هذه الهاء في مثل هذه الحالة من التوتر والاضطراب مع الأصوات الصامتة أيضاً. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 263 أما هاء الندبة التي تلحق آخر الاسم المندوب، فهي كذلك تنتج عن كمية الهواء المندفع من الرئتين، فالنادب الذي فقد عزيزاً عليه، متألم أشد الألم تعتصره الحسرة على فقدان ذلك العزيز، فهو يعاني من التعب والنصب، إنه مرهق منهار القوى، أنفاسه متلاحقة، فإذا ما صرخ باسم المندوب مع مابه من انفعال شديد وحرقة مؤلمة، فإنه ينطق الاسم ويمتد نفسه بألف الندبة إلى أن يصبح غير قادر على متابعة استمرارية الهواء المندفع من رئتيه فيلفظه دفعة واحدة فيسمع هاء. وقد ذهب العلماء إلى القول بأن هذه الهاء تأتي لبيان ألف الندبة وتكون مع الوقف، وتحذف مع الوصل. إلاّ أن ورود هذه الهاء لم يقتصر على الوقف فقط، فقد سمعت كذلك في حالة الوصل، كقول الشاعر: يامَرْحَباهُ بحمارِ ناجِيهْ كما وردت في قول امرىء القيس: وقَدْ رابَني قَوْلُها ياهَنا هـ وَيْحَكَ أَلَحَقْتَ شَرَّاً بِشَرّْ وقد جعل إلحاق الهاء في الموضعين السابقين على الضرورة الشعرية (78) . وليس إلحاق الهاء أمراً حتمياً في كثير من المواقف، فقد لا تلحق في الوقف ولا يراد بها تبين شيء. وقد أشار سيبويه إلى ذلك بعد أن تحدث عن المواضع التي تلحق فيها الهاء لتبين الحركة فقال: "وغير هؤلاء من العرب، وهم كثير، لا يلحقون الهاء في الوقف ولا يبِّينون الحركة، لأنهم لم يحذفوا شيئاً يلزم هذا الاسم في كلامهم في هذا الوضع، كما فعلوا ذلك في بنات الياء والواو (79) ". لذا يمكن القول أن إلحاق الهاء هنا يمثل لغة القلة من العرب، فأكثرهم لا يلحقونها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 264 أما الهاء التي تلزم "طلحة" في أكثر كلامهم في النداء إذا وقفت (80) ، فإن وجود الهاء في نهاية مثل هذه الكلمة "طلحة" عند الوقف لا يدل على إلحاق الهاء هنا لتكون هاء سكت، بل إن ما يحدث في مثل هذه الحلة هو حذف الحرف الأخير من الكلمة الذي يترتب عليه امتداد النفس حين الوقوف على صوت المدّ أو صوت اللين، وهذا النفس يسمع هاء، مما جعل القدماء يعتبرون أن مثل هذه الكلمات حين الوقوف عليها يوقف عليها بهاء السكت، ولعل هذه الهاء "وسيلة لإغلاق المقطع (81) ". قال ابن يعيش: "متى كان آخر الاسم تاء تأنيث من نحو طلحة وحمزة وقائمة وقاعدة، كان الوقف عليه بالهاء، فتقول: "هذا طلحه، وهذا حمزه" وكذلك قائمة وقاعدة، وذلك في الرفع والنصب والجر، والذي يدل على أن الهاء بدل التاء، أنها تصير تاء في الوصل، والوصل مما ترجع فيه الأشياء إلى أصولها، والوقف من مواضع التغيير (82) ". ولا نعدم أن نجد عكس ذلك، فنجد أن من العرب من يقف على هذه التاء بالتاء كما هي، وهو ما أشار إليه النحاة بإجراء الوقف مجرى الوصل، قال ابن يعيش "إن من العرب من يجري الوقف مجرى الوصل، فيقول في الوقف: هذا طلحت، وهي لغة فاشية حكاها أبو الخطاب، ومنه قولهم، وعليه السلام والرحمت، وقول الشاعر: بل جوز تيهاء كظهر الجحفت. وقول الآخر. اللهُ نَجّاكَ بِكَفَّيْ مَسْلِمَتْ مِنْ بَعْدِما وَبَعْدِما وَبَعْدِمِتْ صارَتْ نفوسُ القومِ عِندْ الغَلّْصَمَتْ وكادَتْ الحُرَّةُ أَنْ تُدعى أُمَتْ (83) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 265 من هنا يمكن القول أن هذه "الهاء" التي تنطق حينا بالتاء، وحيناً آخر بالهاء، والتي ذهب علماؤنا القدماء أنها تبدل من التاء عند الوقف. ويمكن القول أن السبب في كل هذا اختلاف لهجي؛ يؤكد صحة هذا الفرض وجود بعض القبائل كقبيلة طيء يقلب التاء هاء في جمع المؤنث السالم. فقد روي عنهم أنهم يقولون: دفن البناه من المكرماه، وكيف الأخوة والأخواه" وقد جاءت بدلاً من تاء التانيث في الحرف شاذاً، قالوا: لاه (84) ". وربما كانت هذه الظاهرة سمة من سمات اللهجات البدوية التي تهتم بسرعة الأداء وكل ما يمكنها من ذلك. يؤكد ذلك ما رواه أبو زيد في نوادره فقال: "سمعت أعرابياً من أهل العالية يقول هوَ لَكَهْ وعَلَيْكَهْ يريد هو لك وعليك، وجعل الله البركة في دارِكَهْ هذا في الوقف ويلقيها في الأدراج، وسمعت نميرياً يقول ما أحسن وجهكَهْ في الوقف، وما أكرم حسبكَهْ في الوقف ويطرحها في الإدراج (85) ". من كل ما سبق يمكن القول "أن الوقف بهاء السكت من سمات اللهجات البدوية، ولا تزال هذه الظاهرة مستمرة في لهجات أهل اليمن، إذ يقولون: "لمه؟ " يريدون لماذا؟ و "علامه؟ " يريدون على ماذا؟ و "هُنَّهْ" يريدون "هُنَّ (86) ". أما إبراهيم أنيس فقد رأى أن هذه الظاهرة ناتجة عن استمرار الهواء في النطق فقال: "ليست هذه الظاهرة في الحقيقة قلب صوت إلى آخر، بل هي حذف الآخر من الكلمة، وماظنه القدماء "هاء" متطرفة هو في الواقع امتداد في النفس حين الوقوف على صوت اللين الطويل، أو كما يسمى عند القدماء ألف المدّ وهي نفس الظاهرة التي شاعت في الأسماء المؤنثة المفردة التي تنتهي بما يسمى بالتاء المربوطة، فليس يوقف عليها بالهاء كما ظن النحاة، بل يحذف آخرها، ويمتد التنفس بما قبلها من صوت لين قصير "الفتحة" فيخيل السامع أنها تنتهي بالهاء (87) ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 266 ومع كل ما تقدم، وسواء أكانت هذه الهاء ناتجة عن حذف آخر الكلمة كما ذهب إبراهيم أنيس أم أنها وسيلة لإغلاق المقطع كما أشار عبد الصبور شاهين، أم أنها ناتجة عن سرعة الأداء والحرص عليها في اللهجات البدوية، ورغم كل ما سبق، فإننا لا نعدم أن نجد في اللهجات العربية القديمة عكس ذلك أيضاً. إبدال الهاء: ومن الخصائص الصوتية للهاء ظاهرة الإبدال، وهي إبدال الهاء من غيرها وإبدال غيرها منها أي إحلالها محل صوت آخر، وإحلال صوت محلها. وهذه الظاهرة ليست خاصة بالهاء دون غيرها، بل تشترك فيها معظم أصوات العربية. قال ابن فارس: "من سنن العرب إبدال الحروف وإقامة بعضها مقام بعض (88) " وهذا الحكم يكاد يكون عاماً في الأصوات العربية "فقلما نجد حرفاً إلاّ وقد جاء فيه البدل ولو نادراً (89) "، وهذه الظاهرة ناتجة عن اختلاف اللهجات العربية، إذ لم يصل إلينا أن قبيلة واحدة أبدلت صوتاً من صوت آخر هكذا دونما سبب. قال أبو الطيب اللغوي: "ليس المراد بالإبدال أن العرب تتعمد تعويض حرف من حرف، وإنما هي لغات مختلفة لمعان متفقة، تتقارب اللفظتان في لغتين لمعنى واحد، حتى لا يختلفا إلاّ في حرف واحد، والدليل على ذلك أن قبيلة واحدة لا تتكلم بكلمة طوراً مهموزة، وطوراً غير مهموزة، لا بالصاد مرة وبالسين أخرى، وكذلك إبدال لام التعريف ميماً، والهمزة المصدرة عيناً، كقولهم في نحو: أَنْ عَنْ، لاتشترك العرب في شيء من ذلك، إنما يقول هذا قوم وذاك آخرون … (90) . ولعل السبب في ظهور ظاهرة الإبدال هذه في العربية هو أن الرواة والعلماء الذين جمعوا العربية لم يقصروا جمعهم لها على قبيلة واحدة، بل جمعوها من قبائل عدة، وكانوا حريصين كل الحرص على عدم التفريط بأي لفظ من الألفاظ، لإيمانهم بقدسية العربية، وقناعتهم بوجوب المحافظة على كل ألفاظها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 267 وأصوات العربية ليست متساوية في إبدالها فمنها ما يقلّ إبداله ومنها ما يكثر، وأكثر الأصوات إبدالاً أحد عشر صوتاً هي: الهمزة، والألف، والياء، والواو، والميم، والنون، والتاء، والهاء، والطاء، والدال، والجيم (91) ، وزاد القالي الميم (92) . وإذا حاولنا استقصاء المواضع التي تبدل فيها الهاء، وحصر الحروف التي تبدل منها وجدناها خمسة أحرف هي: الهمزة والألف، والياء، والواو، والتاء (93) . فهي تبدل من الهمزة أصلية أو زائدة، فتبدل الهمزة عنها في "ماء"، وأصله "مَوَه" لقولهم "أمواه" فقلبت الواو ألفاً، وقلبت الهاء همزة فصار "ماء" وقالوا في الجمع "أمواء" فهذه الهمزة أيضاً بدل من هاء "أمواه (94) ". ومن ذلك قولهم "آل" التي أصلها "أهل" ثم أبدلت الهاء همزة، فصارت "أَأَْل" فلما توالت همزتان أبدلوا الثانية ألفاً فقالوا "آل (95) ". ومن إبدال الهمزة هاء: أيا وهيا، وإيّاك وهيّاك، واتمأَلّ السنام واتمهلَّ إذا انتصب، وأرحت دابتي وهرحتها، وأبزت له وهبزت، وأرقت الماء وهرقته (96) ". وحكي اللحياني: هَرَدْتُ الشيء أُهَرِيدُهُ، أي أردته (97) . قال الراجز: يا خالِ هَلاّ قُلْتَ إذ أَعْطَيْتَنِي هَيّاكَ هَيّاكَ وحَنواءَ العُنُقْ (98) كما تبدل الهاء من همزة "أن"، قالوا: "لهنّك قائم "والأصل "لأنّك" قال الشاعر: ألا ياسنا بَرقٍ على قُلَلِ الحِمَى لِهَنَّكَ من بَرْقٍ عليَّ كريمُ وطيىء تقول: هِنْ فعلت فعلتُ، يريدون "إنْ (99) " ولعل هذه الرواية تؤكد أن الإبدال ناتج عن اختلاف اللهجات العربية. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 268 وقال بعضهم في "هات يا رجل" أن الهاء بدل من همزة أتى يؤتى، قال الخليل "المهاتاةُ: من قولك: هات، يقال: اشتقاقه من "هاتى يُهاتي" الهاء فيه أصلية، ويقال: بل الهاء في موضع قطع الألف من آتى يُؤاتي، ولكن العرب أماتوا كل شيء من فعلها إلاّ "هات" في الأمر، وقد جاء في الشعر. قوله: لله مايُعْطي وما يُهاتي" أي: يأخذ (100) ". وتبدل همزة الاستفهام هاء، فيقولون: هزيد منطلق؟ أي: أزيد منطلق؟ قال الشاعر: وأَتى صَواحِبُها فَقُلنَ: هَذا الذي مَنَحَ المودةَ غيرَنا وجفانَا يريد أذا الذي؟ (101) ونسب الأزهري هذا النوع من الإبدال إلى الحجازيين، فذكر أنهم يقولون: ها إنك زيد، ومعناه أَإنّك زيد، في الاستفهام (102) . ... والذي سوغ هذا الإبدال هو قرب مخرج الهاء من مخرج الهمزة، فكلاهما صوت حنجري إلاّ أنه عند نطق الهمزة ينطبق الوتران الصوتيان انطباقاً تاماً فلا يسمع للهواء بالنفاذ من الحنجرة بضغط الهواء فيما دون الحنجرة، ثم ينفرج الوتران فينفذ الهواء من بينهما فجأة محدثاً صوتاً انفجارياً (103) . ... وتبدل الألف هاء في الوقف، كقول الراجز: قد وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ ... ... مِنْ ههَنا ومِنْ هُنَهْ إن لمْ أُرَوِّها فَمَهْ أي: من هنا. ومن ذلك أيضاً قولهم في الوقف على " أَنَ فعلتُ" أنا وأَنَهْ فالوجه أن تكون الهاء في "أَنَهْ" بدلاً من الألف في أنا (104) . ... وتبدل الياء هاء وذلك في قولهم "هذي هند": هذه، فالهاء في "هذه" بدل من ياء هذي (105) . وقال سيبويه: "إن دَهَديت هي فيما زعم الخليل بمنزلة دحرجت، ولكنه أبدل الياء من الهاء لشبهها بها، وأنها في الخفاء والخفة مثلها، فأبدلت كما أبدلت من الياء في "هذه" (106) ". ومن ذلك أيضاً إبدال ياء هنيّة هاء لتصبح هنيهة (107) . كما تبدل الهاء عن الواو وكما في قول امرىء القيس: وقد رابني قولها ياهنا هـ ويحك ألحقت شراً بشر الجزء: 13 ¦ الصفحة: 269 فالهاء الآخرة في "هناه" بدل من الواو في هنوك وهنوات. وكان أصله "هناو" فأبدلت الواو هاء، فقالوا: هَناه (108) . ولعل الذي سوغ مثل هذه الإبدالات هو "أن الهاء أقرب المخارج إلى الألف وهي شبيهة بها (109) ". و "لأن الياء أقرب الحروف شبهاً بالهاء، ألآترى أن الياء مَّدة والهاء نفس، ومن هنالك صار مجرى الياء والواو والألف والهاء في روي الشعر واحد (110) ". وتبدل الحاء هاء في مثل: كدحه وكدهه، وقحل جلده. وقهل: إذا يبس، والجَلَح والجَلَه: انحسار الشعر عن مقدمة الرأس، وحبش وهبش: أي جمع، وحقحق في السير وهقهق: إذا سار متعباً، وبُحْتُر وبُهْترُ: القصير … (111) . وسوغ هذا النوع من الإبدال أن الحاء والهاء تتقاربان في المخارج، فالحاء صوت صامت مهموس حلقي احتكاكي، يحدث احتكاكه في الفراغ الحلقي أعلى الحنجرة إذ يضيق المجرى الهوائي في هذا الموضع (112) . وتبدل التاء هاء في الوقف، في نحو جوزة في الوصل جوزه في الوقف. وحكي قطرب عن طيىء أنهم يقولون: كيف البنون والبناه، وكيف الإخوة والأخواه. فأما التابوه فلغة في التابوت. ووقف بعضهم على اللات بالهاء فقال: اللاهْ (113) . وذكر السيوطي أن الخاء تبدل من الهاء مثل: اطرَخَمَّ واطرَهَمَّ، إذا كان طويلاً مشرفاً، وبخ بخ به به إذا تعجب من الشيء، وصخدته الشمس وصهدته إذا اشتد وقعها عليه (114) . وذكر ابن السكيت إبدال الباء من الهاء في البشاشة والهشاشة (115) . وهذه الأنواع من الإبدال وقعت بين أصوات متباعدة المخارج، لأن الإبدال يقع بين الأصوات المتقاربة في الحّيز والمخرج، وبين المتباعدة أيضاً، والأول هو الأغلب حدوثاً (116) . ومع التسليم بأن الإبدال قد يقع بين الأصوات المتباعدة في المخارج إلاّ أنه نادر جداً، وهذا ما ذكره ابن الصائغ بقوله: "قلّما تجد حرفاً إلاّ وقد جاء فيه البدل ولو نادراً (117) ". متى تكون الهاء حرف روي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 270 ومما يتصل بدراسة الهاء صوتياً أنها لا تستعمل حرف روي إلاّ إذا كانت أصلا من أصول الكلمة الأخيرة في بيت الشعر، أو كان قبلها ساكن (118) . وقيد الساكن هنا غير دقيق كما يرى إبراهيم أنيس الذي يقول: "أن الهاء في لم يعلمه ولم يعرضه وأمثالها ليست حرف روي، فرغم أنه قد سكن ما قبل الهاء في هاتين العبارتين، لانكاد نحس فيهما بموسيقى القافية، فليس يكفي سكون ما قبل الهاء لجعلها رويّاً (119) ". ويرى أنه من الواجب أن ينصوا بوضوح على أن الهاء لا تحسن في الروي إلاّ إذا سبقها حرف مَدٍّ مثل لا يرعاه، ولاينساه (120) ". كما أن الهاء التي للتبيين الحركة لاتعُدّ من حروف الروي نحو: اقضه وارمه، وكذلك الهاء التي للتأنيث نحو: طلحه وحمزه، ولاهاء الإضمار نحو ضربته وضربتها (121) . فالهاء في قول لبيد: عفت الديارُ مَحَلُها فمقامُها بمنى تَأَبَّد غَوْلُها فرجامُها ليست روياً، "فالروي هو الميم، والهاء بعد الميم هي الصلة لأنها اتصلت بالروي والألف بعدها الخُرج" (122) كما أن الهاء في قصيدة إبراهيم طوقان السابق ذكرها صفحة 10 ليست حرف روي، بل النون قبلها. وليست الهاء في قول شوقي: قِفْ بطوكيو وطُفْ على يُكاهامَهْ وسَلْ القَرْيَتَينِ كَيْفَ القيامَهْ دَنَتْ الساعةُ التي أُنذرَ النا سُ وحلَّت أشراطُها والعلامَهْ قِفْ تَأَمَّلْ مصارعَ القومِ وانظرْ هل ترى من ديارِ عادٍ دَعامَهْ خُسِفَتْ بالمساكِنِ الأرضُ خَسفاً وطوى أَهْلُها بِساطَ الإقامَهْ (123) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 271 حرف روي، ولكنها للتأنيث بعد الوقف عليها. وحرف الروي هنا هو الميم لكن ما سبب عدم كون الهاء في هذه المواقع وأمثالها روياً؟ وما سبب اشتراط شرطين هما: أن تكون الهاء أصلاً من أصول الكلمة، وأن تكون مسبوقة بحرف مدّ حتى تكون الهاء رويا؟ السرّ في ذلك أنها قد تقع لاحقة للكلمة، ولا تكوّن منها أصلاً من أصول الكلمة وأساس الروي والشعور بموسيقاه مبني على كونه جزءاً من بنية الكلمة، فاللواحق وإن اتصلت بالكلمات نشعر بانفصالها عنها واستقلالها (124) . أضف إلى ذلك أن الهاء صوت مهموس، والمهموس ما ضعف الاعتماد عليه، أي الضغط عليه، والشعر بموسيقاه معتمد على القافية، والروي الذي هو في الشعر بمثابة الإيقاع في الموسيقى يجب أن تشعر به الأذن، فإن كان ضعيفاً غير مشبع – مهموساً – كان الحرف السابق عليه هو حرف الروي حتى يشعر السامع بالموسيقى الشعرية ووضوح الإيقاع. لكن إذا كان صوت الهاء لا يصلح أن يكون روياً بغير الشرطين السابقين، فلماذا يكون روياً إذا كان أصلاً من أصول الكلمة؟ يصلح لذلك لأنه إذا كان أصلاً فإننا لا نستطيع تجاهله أو الاستغناء عنه، فهو في هذه الحالة كأي صوت مهموس آخر. إما إذا كان غير ذلك فيمكننا الاستغناء عنه بالحرف السابق له ليكون روياً. وقد تذكر الهاء في الشعر لاطلاق القوافي المقيدة لأنها أقرب الأصوات إلى حروف المدّ التي تأتي في نهايات القوافي المطلقة. فقد ذكر المالقي المواضع التي تأتي إليها الهاء وهي أصل فقال: أن تكون للإطلاق في القوافي كما تكون الألف لذلك، لأنها تُسرِّحُ القافية إلى الحركة من التقييد وهو السكون كما تفعل الألف وذلك نحو قول الشاعر: اكْسُ بُنَياَّتِي وأُمَّهُنَّهْ أُقْسِمُ باللهِ لَتَفْعَلَنَّهْ وقوله: وقائلةِ: أَسِيتَ فَقُلْتُ جَيرٍ أَسِيٌّ إِنَّني مِنْ ذَاكَ إنَّهْ (125) الهاء صوت انفعالي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 272 ومن الخصائص الصوتية للهاء أنها صوت أساسي من ضمن الأصوات التي تعرف بالأصوات الانفعالية Interjections، التي هي عبارة عن أصوات قصيرة تعبّر عن التوجع والدهشة أو الألم أو ما إليها من الوجدانات العابرة، وهي شائعة في جميع اللغات قيل: آه، وي، أواه، ها، هيا، واه، واه، أوه (126) ، هذه الصرخات الانفعالية والصيحات الفطرية التي استخدمها الإنسان في بداية حياته، وشاعت في لغته كانت سبباً جعل بعض العلماء المحدثين يرون أنها الأساس الأول الذي استمدت منه اللغة الإنسانية نشأتها. ... وقد جاء صوت الهاء من أكثر الأصوات شيوعاً بين الأصوات الانفعالية، لأنه من أسهل الأصوات نطقاً لأن "الهاء نفس (127) " يحدث بواسطة الزفير الاعتيادي دون أن يستعمل الإنسان في نطقه أيّاً من اللسان أو الأسنان أو الشفتين، إنه هواء الزفير الخارج من الفم دون أي جهد، لذا يمكن القول أن هذا الصوت هو أساس الصيحات الانفعالية التي يصدرها الإنسان البدائي تلقائياً دون أدنى جهد أو تفكير. ويوضح إبراهيم أنيس هذا الأمر عند تفسيره لنشأة اللغة من خلال هذه الصيحات الانفعالية فيقول: "وكذلك الحال حين يدهش المرء أو يفزع، يميل عادة إلى فغر فمه كما لو كان يتنفس بعمق، فإذا زفر هذا الهواء الذي تنفسه حين فغرفاه وجدنا الفم يميل إلى الاستدارة قليلاً، ومثل هذا الوضع للشفتين يولد لنا صوت اللين المسمى بالضمة، وهي حين تطول قد يتصل بها صوت يشبه الهاء. ويترتب على هذا أن تنشأ تأوهات مثل oh، وهو الصوت الذي نسمعه عادة من جمهور المتفرجين حين يفاجأون بمنظر بالغ الدهشة أما في حالة الألم فتتقلص أعضاء الجسم كلها بما في ذلك الوجه، مما يترتب عليه أن الشفتين تأخذان الوضع المناسب لصوت اللين "a " أي الفتحة، ويؤدي هذا إلى صوت مثل ah أو ach" (128) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 273 ونظراً لأهمية صوت الهاء في إنتاج الصيحات أو الصرخات الانفعالية ودوره الواضح في تكوينها ظهر في اسم إحدى نظريات نشأة اللغة وهي نظرية Pooh Pooh كما ظهر هذا الصوت واضحاً في أسماء تلك الصيحات والصرخات فهي إما شهقات أو آهات أو تأوهات. ويظهر صوت الهاء محوراً لهذه الانفعالات فكلها لاتخلو منه. وهي لا تبتعد عن كونها زفرات خارجة من الفم دون عناء. فعند التوجع أو التألم أو التأوّه نقول "آه" وهو صوت اندفاع للهواء خارج الفم. وقد اشتق منه العرب أفعالاً ومصادر وأسماء أفعال وأسماء أصوات، فقالوا: "آه يأوه أوها" أي: شكا وتوجع، وهكذا "تأوه أوها"، وقد دعوا داء الحصبة "آهة" والجدري "مآهة" وكل ذلك لتناسب في المعنى واللفظ … فإنهم بتسميتهم الحصبة "آهة" كأنهم يشخصون ما يرافق ذلك الداء من تأوه المرض (129) . وهذا ما أشار أليه الخليل بقوله: "آه: حكاية المتأوه في صوته، وقد يفعله الإنسان من التوجع. قال المثقّب العبدي: إذا ماقُمْتُ أَرْحَلُها بِلَيْلِ تَأَوَّهَ آهةَ الرجلِ الحزينِ وأَوَّهَ فلان وأهَّهَ، إذا توجع فقال: آه. أو قال: هاه عند التوجع فأخرج نفسه بهذا الصوت ليتفرج عنه به (130) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 274 .. وقد ارتقت هذه الشهقات والآهات، أو الصيحات الانفعالية التلقائية عند الأمم تدريجياً، أو سارت في سبيل الرقي شيئاً فشيئاً تبعاً للارتقاء العقلي والتطور الفكري عند الإنسان، ومن ثم ابتعدت عن العفوية والتلقائية واستعملت بصور مهذبة منظمة بعيدة عن الانفعال العفوي الذي كان سبباً لوجودها عند الإنسان الأول. يؤكد ذلك أنها بدأت تستعمل في الكلام المفهوم المحتوي على معان محددة واضحة، إضافة إلى استخدامها في بليغ القول وفصيحه، في الشعر الذي يحتاج إلى كثير من الدقة والتروي وحسن الصنعة كي يسير على القواعد المرعية والأسس المتبعة من حيث الوزن القافية والروي وكل الخصائص الخاصة بالشعر، وهذا التفنن في نظم الشعر يتنافى مع العفوية ويتناقض مع الانفعالات التلقائية التي هي عبارة عن صيحات مختلفة ذات دلالات محددة. قال الشاعر: فَأوهِ لِذْكراها إذا ماذَكَرْتُها ومن بُعْدِ أَرضٍ بيننا وسماء (131) فأوهِ وما شابهها من ألفاظ: أَوَّهْ، وأَوّهُ، وآووه، وأوْهِ، وأوْهَ، وآهِ كلها كلمة واحدة معناها التحزن، وأَوْهِ من فلان إذا اشتد عليك فقده (132) . فكل هذه الآهات والتأوهات أسماء أفعال تدل على معنى الحزن والحسرة، كما تدل على معنى اللهفة والحرقة والاشتياق. قال الخليل: وواه تلهف وتلدد، وينون أيضاً كقول أبي النجم: واهاً لرّيا ثم واها واها (133) . إنها صرخات تصدر عن شخص يمزقه البعد والحرمان، يصرخ بها معبراً عما به من لهفة ولوعة. إنها وسيلة يلجأ إليه المتألم من حزن ألمّ به، والمتوجع من كآبة أصابته فإذا شعر بهذا الحزن وتلك الكآبة صاح قائلاً آه، وها. فهذه الأصوات علامة على ما يشعر به ويعاني منه، فهي أسماء أفعال بمعنى أتوجع، ومن ذلك قول عمر بن أبي ربيعة: لا، بل يَمُلّك عند عَوْدَتِهِ فيقول هاه وطالما لبىّ (134) قال الأزهري: آه حكاية المتأهِّه في صوته، وقد يفعله الإنسان شفقة وجزعاً الجزء: 13 ¦ الصفحة: 275 كقول الشاعر: آهِ مِنْ تَيَّاكِ آهَا تَرَكَتْ قَلْبي مُتاها (135) وغير بعيد عنا من الأمثلة قول محمود درويش: (136) آهِ ياجُرحي المكابرْ وطني ليس حَقيبةْ وأنا لستُ مسافرُ إنني العاشقُ والأرضُ حبيبةْ وقد استخدم المصدر من هذه الكلمات للدلالة على المعنى نفسه، قال العجاج: وإن تَشَكَّيْتُ أَذَى القَرَوحِ بأَهَّةٍ كأَهَّةِ المَجْرُوحِ (137) وقد استخدمت الهاء مسبوقة بالهمزة والياء "إيه" بمعنى الاستزادة والاستنطاق، كما في قول ذي الرُّمَّة: وَقَفْنا فَقُلْنا: إيهِ عن أُمَّ سِالمٍ وما بالُ تَكْليمِ الدَّيارِ البَلاقِعِ (138) وهي مبنية على الكسر، وقد تنون، تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل: إيهِ بكسر الهاء. فإن وصلت نونت فقلت: إيهٍ حدثنا، وإذا قلت: إيها بالنصب فأنت تأمره بالسكوت. وتستخدم كلمة زجر بمعنى حسبك وتنون فيقال إيهاً (139) . إلاّ أن الخليل يرى أن التي تستخدم للزجر والنهي هي المفتوحة لا المكسورة فتقول: إيهَ حَسْبُكَ يارَجُل (140) . والتَأْيِيِهُ الصوت. وقد أَيَّهْتُ به تَأْيِيهاً: يكون بالناس والإبل، قال ابن الأثير: أيهت بفلان تأَييهاً إذا دعوته وناديته، كأنك قلت له يا أيها الرجل، قال الشاعر: مُحَرَّجةً حُصَّاً كأَنَّ عُيونَها إذا أَيَّهَ القَنّاصُ بالصَّيْدِ عَضْرَسُ (141) أمَّا وَيْهَ منصوبة فإنها تدل على الإغراء، يقال وَيْهَ فُلانُ اضْرِبْ، ومنهم من ينوّن. قال الشاعر: وَيْهَاً يَزيدُ وَوَيْهَاً أَنْتَ يا زُفَرُ (142) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 276 وقد تعددت الصور التي ظهر فيها صوت الهاء حسب ما أضيف إليه من أصوات المدّ، واستخدم استخدامات متعددة، ودلّ على معان كثيرة. فقد جاء الياء والألف قبله فحمل معنى النداء، فإذا دعوت شخصاً أو ناديته، قلت: ياه ياه. واشتق من هذا اللفظ أفعالاً نقول: يَهْيَهْتُ، وأُيَهْيِهُ، قال الخليل: وكذلك ياه: تقول: يَهْيَهْتُ بالإبل إذا قلت: ياه ياه. ويقول الرجل لصاحبه من بعيد " ياهْ ياهْ أَقْبِلْ. قال ذو الرمة: تلَوّم يَهْياهٍ بياهٍ وقَدْ مَضَى من اللّيلِ جَوْزٌ واسْبَطرَّتْ كواكِبُهْ (143) ومثل صيغة النداء هذه لا تزال تستخدم في عدد من اللهجات العربية المعاصرة، فإذا أراد شخص أن ينادي آخر فإنه يقول: "ياه"، وأكثر مايكون هذا الأسلوب من النداء إذا كان المنادى غير معروف للمنادي. وقد يستخدم هذا اللفظ "ياه" بتنغيم خاص للدلالة على التعجب والدهشة أو الاستغراب. ويمكن القول أن الأصل في هذه الصيغة هو حرف النداء "يا" زيدت عليه هاء السكت، أو أنه حرف "يا" خرجت معه أثناء نطقه كمّية أكبر من الهواء اللازم لنطقه فاندفع من الفم فسمع هاء. كما يمكن القول أن حرف النداء "هيا" قد نتج بسبب تقديم الهاء على صوتيّ المدّ "الياء والإلف". كما يحتمل أن يكون الهاء قد أبدل من الهمزة في "أيا" قال الحطيئة: وقَالَ هَيا رَبَّاهُ ضَيْفُ ولاقِرىً بِحَقِّكَ لاتُحْرِمُهُ تالليلةِ اللَّحما (144) وقد تظهر "هيا" في لهجاتنا المعاصرة "هِيّْ" وتفيد معنى التهديد والزجر. وتكون الهاء جواباً للنداء وتلبية له بالمد والقصر، فالعرب تقول: ها، إذا أجابوا داعياً، يصلون الهاء بألف المد تطويلاً للصوت، قال الشاعر: لا، بَلْ يُجِيبُكَ حينَ تَدْعو باسمِهِ فيقولُ: هاءَ، ولطالَما لَبَّى (145) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 277 ولا نزال نسمع مثل هذه الصيغة من الإجابة في لهجاتنا، فعند إجابة من ينادي نقول: "ها" أو "أيوه". وقد تستخدم "ها" في الاستفهام وعند طلب التعيين، فيقول الشخص السامع أأنت فعلت هذا؟ ها؟ وكأنه أضاف "ها" حثاً على الإجابة إلى جانب ما قد تحمله من معنى الوعيد. هكذا ندرك أن صوت الهاء أكثر الأصوات استخداماً في هذه الصيحات الانفعالية، من أجل التعبير عن حاجة نفسية معينة. ولعل السبب في كثرة استخدامه هذه أنه أسهل الأصوات نطقاً وأقلها حاجة إلى جهد أعضاء النطق. على أن هذا لاينفي ورود شواهد كثيرة استعملت فيها مثل هذه الصيحات المشتملة على صوت الهاء بصورة عفوية دالة على الألم أو الحزن أو الغضب أو غير ذلك. فمن ذلك ما روي عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قوله "أوْهِ عَيْنُ الرَّبا … وقد تفتح الواو مع التشديد كقوله عليه الصلاة والسلام "أَوَّهِ لفِراخِ مُحَمَّدٍ من خَليفةٍ يُسْتَخْلَفُ (146) ". ومثل ذلك ما قاله حنظلة الكاتب: " كّنا غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرأى امرأةً مَقْتولَةً فقال: هَاهْ ما كانَتْ هذه تُقاتِلُ. الحقْ خالداً فَقُلْ له لا تَقْتُلَنَّ ذريةً ولا عسيفاً (147) ". هذه الصيحات الانفعالية موجودة في اللغة العربية، ومنها ما يخلو من الهاء مثل أُف، أخ، أح، ومنها ما يوجد فيها، مثل: ها، وهيا، وهَيّا، وهلاّ، وهيت، وهيهات، وهلم وهاه وإيه وواه، وواهاً وآه، ومه، وصه، وغيرها من الألفاظ التي أطلق عليها اسم أصوات الأفعال. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 278 وربما كان أصل هذه الأصوات الانفعالية صوت الهاء ثم أضيف إليه صوت أو أكثر قبله أو بعده. وأغلب ما أضيف إليه من أصوات المدّ وثبت على هذه الحالة التي نراها. ويرى بعض الباحثين أن هذه الأصوات ليست من اللغة، بل هي أصوات لاعلاقة لها بصيغ أخرى مشتقة منها أوهي مشتقة منها (148) . وقد أشار سليم النعمي إلى هذا بقوله: "هيهات ليست مصدراً وليست ظرفاً وليست مفردة وليست جمعاً، بل هي صوت انفعالي يقوله العربي حين يستبعد شيئاً أو أمراً (149) . وهَلُمَّ مكونة من صوت الهاء أضيف إليه "لُمّ" (150) فعل الأمر بمعنى تعال أو مُرَّ. ويرى الخليل أنها تتركب من هاء التنييه و "لمّ" من قولهم: لَمّ الله شعثه أي: جمعه (151) . هاء التنبيه: إضافة إلى المعاني السابقة التي تأتي الهاء لها، أنها تستخدم للتنبيه من أجل افتتاح الكلام، ولابد من تفخيم الألف معها في هذا المقام حتى تميزها عن غيرها من الهاءات، "الهاء بفخامة الألف تنبيه وبإمالة الألف حرف هجاء، وهي تنبيه تفتتح العرب بها الكلام بلا معنى سوى الافتتاح تقول: هذا أخوك، ها إنَّ ذا أَخُوكَ" (152) . وهي تفيد تنبيه المخاطب على ما بعدها من الأسماء المبهمة، قال ابن بعيش: "إعلم أن هذه الحروف معناها تنبيه المخاطب على ما تحدثه به، فإذا قلت: هذا عبد الله منطلقاً، فالتقدير انظر إليه منطلقاً، أو انتبه إليه منطلقاً، فأنت تنبه المخاطب لعبد الله في حال انطلاقه، فلا بد من ذكر منطلقاً لأن الفائدة به تنعقد، ولم ترد أن تعرفه إياه وهو يقدر أن يجهله" (153) فا لهاء إذاً تكون للتنبيه وفق شروط معينة، وفي إطار تحقيق الفائدة، فإن انعدمت هذه القرائن فإن الهاء لا تفيد التنبيه، وتكون صوتاً عادياً لا دلالة فيه على التنبيه كغيره من أصوات اللغة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 279 وقد يرى الباحث أن الهاء حتى تكون للتنبيه يجب أن يحمل نطقها صفات أو خصائص توحي بشي من التنبيه، لذا فإن نطقها لن يكون نطقاً عادياً كنطق بقية أصوات الهاء (ألوفونات allophones فونيم phoneme الهاء) . فلعل نطقها يكون مع هواء الشهيق الداخل إلى الرئتين بدلاً من هواء الزفير الخارج منهما، أي أنها لا تكون دالة على التنبيه إلا إذا كانت من تلك الأصوات التي عرفت بالأصوات الشفطية (الانفجارية الداخلية) Implosive (154) حيث أن شفط الصوت إلى الداخل يسمع المخاطب شهقة تلفت انتباهه وتشده إلى الصوت الذي سمعه وحمل معه شيئاً غير عادي. إنه يشير إلى المفاجأة والغرابة، كما يحصل عندما يرى أحدنا أو يسمع أمراً مفاجئاً يذهله فإنه يشهق بشدة شهقة تجعل من حوله يلتفتون إليه. وأكثر ما تكون تلك الشهقات من النساء. أما أن تنطق الهاء صوتاً عادياً أي خارجاً مع هواء الزفير كغيره من الأصوات فإنه لا يثير في السامع أي دهشة أو استغراب ولا يترتب عليه أي تنبيه للسامع. وتدخل هذه الهاء- هاء التنبيه-على كثير من الكلمات العربية، فهي تدخل على أسماء الإشارة كصوت للتنبيه "وتقع في الكلام على وجهين: منضبط ومتفرق، فالمنضبط وقوعها مع أسماء الإشارة التي أصولها: ذا، وذي، وذان، وذين، وتان، وتين، وأولى مقصوراً أو ممدوداً قياساً مطرداً، ولا يلزم معها إلا إذا أريد الحضور والقرب .... وربما جاءت مع الكاف آخراً الموضوعة للمسافة المتوسطة، كقول طرفة: رَأَيْتُ بني غَبْراءَ لا يُنْكِرونَنِي وَلا أَهْلَ هاذاكَ الطِّرافِ المُمَدَّدِ ولا يقاس عليه (155) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 280 وتقع الهاء كذلك مع "أي" في أسلوب النداء، في نداء المعرف بال، نحو: يا أيها الرجل، وقد اختلف العلماء في هذه الهاء، فمنهم من يقول إنها حرف تنبيه وأكثر استعمالها مع ضمير رفع متصل (156) . ومنهم من يعتبرها صلة للتأييه أي التصويت، وبيان ذلك قولهم: يا أَيْتُها المرأةُ. ولو لم تكن الهاء صلة ما حسن أن يجيء قبلها تاء التأنيث (157) . كما أنها تقع في باب القسم مع اسم الله خاصة، فتنوب عن حرف القسم، ويقسم بها بدلاً منه، فيقال: لا هااللهِ ما فعلت، أَيْ لا واللهِ ما فعلت، أبدلت الهاء من الواو، وقولهم: لا ها اللهِ ذا، بغير ألفٍ، أَصْلُهُ لا واللهِ هذا ما أُقْسِمُ بِهْ، ففَرقْتَ بين ها وذا، وجَعَلْتَ اسمَ اللهِ بينهما، وجررته بحرفِ التنبيه، والتقدير: لا واللهِ ما فَعَلّْتُ هذا، فحُذِفَ واخْتُصِرَ لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم، وقُدِّمَ ها كما قُدِّمَ في قولهم ها هو ذا، وهأنذا. قال زهير: تَعَلّماً ها لَعَمْرُ اللهِ ذا قسَماً فاقْصِدْ بذَرْعِكَ وانْظُرْ أَيْنِ تَنْسَلِكُ (158) كل تلك المواقع التي تقعها الهاء قياسية مطردة، وهي وجوه منضبطة، كما أشار إلى ذلك المالقي. وهاء هذه التي يراد بها التنبيه لا تدخل على الإشارة فحسب، بل تقع في وجوه متفرقة فتدخل على الضمير ويكون هذا الضمير فاصلاً بينها وبين اسم الإشارة كقولنا: ها أنتم أؤلاء، وها أنتم هؤلاء، ونقول: ها أنا ذا أفعل. كما أنها قد تستعمل مفردة فيقال: ها بمعنى تنبه (159) ولا تزال هذه الصيغة تستخدم في لهجاتنا المعاصرة لنفس الغرض. كما أنها قد تدخل على "إن" كما في قول النابغة: ها إن تا عِذْرَةٌ إنْ لَمْ تَكُنْ نَفَعَتْ فإنَّ صاحِبَها قَدْ تاهَ في البَلَدِ قال ابن يعيش: الشاهد فيه إدخال ها التي للتنبيه على إن (160) . وتدخل كذلك على الواو، كما في قول الشاعر: ونَحْنُ اقْتَسَمْنا المالَ نِصْفَينِ بَيْنَنَا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 281 فَقُلْتُ لَهُمْ هذا لَها هَا وذَا لِيا (161) ومما يتصل بصوت الهاء، التي هي تعبير انفعالي عن خلجات النفس من توجع أو غضب أو إثارة أو تنبيه، أنها تأتي كصوت للتنبيه في بعض اللغات السامية حيث يدخل على أسماء الإشارة، نقول في العربية هذا وهذه وهذان وهاتان وهؤلاء وفي العبريةhazzeh،hazzot، haelleh (162) . كذلك تدخل الهاء على الضمير في العبرية، نقول في العربية "هاهم" و "هاهنّ" وفي العبرية وقد تجيء هذه الهاء مستقلة تماماً عن أسماء الإشارة أو الضمائر. في بعض الاستعمالات في اللغة العربية، وقد أشار ابن منظور إلى ذلك بقوله "ها مقصورة: كلمة تنبيه للمخاطب، ينبه بها على ما يساق من كلام. وقالوا: ها السلام عليكم، فها منبهة مؤكدة، قال الشاعر: وقَفْنا فَقُلْنا ها السَّلامُ عليكُمُ فَأَنْكَرَها ضَيْقُ المَجَمِّ غَيُورُ وقال آخر: ها إِنَّها إِنْ تَضِيقِ الصُّدُورُ لا يَنْفَعُ القُلُّ ولا الكَثِيرُ (163) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 282 وقد يفهم معنى الإشارة من هذا التنبيه، وهو ما يزال مستعملاً في كثير من بيئاتنا العربية في بلاد الشام، إذ يقول البعض ها الإنسان، ها الشجرة، فقد يفهم من هذا القول "هذا الإنسان" و "هذه الشجرة". واستعمال "ها" ha للإشارة عرفه القدماء، لذا "عدت من أسماء الإشارة البدائية التي لا تزال تستخدم في العربية للتنبيه. بمعنى "نظر" (164) كما استعملتها السبئية للإشارة للمذكر والمؤنث بمعنى هذا وهذه (165) واستعملت للإشارة والتعريف في الصفوية واللحيانية والثمودية (166) كما استعملها للتعريف بعض من اللغات السامية الأخرى، ففي الآرمية تكون للتعرف في آخر الكلمة مثل baytha البيت (167) ، وفي العبرية في أول الكلمة (168) . وربما كان الأصل في هذه الهاء هو "هل" ثم عند دخولها على الاسم المراد تعريفه، تحذف اللام من "هل"، وتدغم حركتها في الحرف الأول من ذلك الاسم، فينتج عن ذلك الإدغام تشديد لذلك الحرف فنقول مثلاً: "بيت" "هبيت"البيت. وهذا عينه ما يوجد في اللغة العربية ويعرف بأل الشمسية، فنقول: رجل والرجل، وقد حصل عدم نطق اللام وإدغام حركتها فيما بعدها فيشدد "أرّجل". ولعل هذ1 يدفع إلى القول بأن أل التعريفية في العربية هي "هل" التعريفية في العبرية، بعد وقوع الإبدال بين حرفي الهاء والهمزة، وهو إبدال شائع مشهور سبقت الإشارة إليه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 283 والتعريف بالهاء في أول الكلمة ليس خاصاً بالعبرية وحدها، بل نجده في بعض اللهجات العربية البائدة. (169) . فأداة التعريف في الصفوية هي ال "هـ" أو"ها" وهي الأداة نفسها المستعملة في اللحيانية والثمودية، فلفظ مثل "هبيت" تعني البيت ولفظ مثل "هخط" تعني الخط (170) . ويذهب جواد علي إلى القول بوجود صلة بين التعريف والإشارة، وأن الهاء تستعمل لإفادة كل منهما، فيقول "ويؤدي حرف هـ" الذي عرفناه أداة للتعريف معنى اسم الإشارة وبينهما صلة، حيث ذُهب إلى أن أداة التعريف هي إشارة في الأصل، فلفظة مثل "هدر" تعني في الواقع "هذه الدار" وهذا المكان. ونعني بالدار: الدار المعهودة المشار إليها، وترى ذلك واضحاً في هذا النص: "لحوق بن كنيت هدر" أي: لحوق بن كنيت هذه الدار. وتعتبر "هذه الدار" أقرب للواقع من "الدار" لأن صاحبها كتب كتابته هذه لتكون وثيقة عنده تشير إلى ملكيته لهذه الدار المعهودة، ولهذا فإن الإشارة تكون أقرب إلى الفهم من التعريف (171) كما استعملت "هـ" للتعريف في اللهجات العربية الجنوبية "السبئية والمعينية والحضرمية … ." هذا ما ذكره حسن ظاظا بقوله "كذلك ظهرت أداة التعريف في العربية الجنوبية لا مثل "ال" في العربية الفصحى، ولكن بأشكال مختلفة منها "الهاء" و "هل" و "هن" (172) . الهاء المفردة: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 284 وقد تأتي "هاء" مفردة في بعض استعمالاتها العربية، وتعد في هذه الحالة اسم فعل أمر بمعنى خذ (173) وهاء حرف يستعمل للمناولة، ونقول: هاء وهاك مقصور فإذا جئت بكاف المخاطبة قصرت ألف "هاك"، وإذا لم تجىء بالكاف مددت فكانت المدة في "هاء" خلفا لكاف المخاطبة. ونقول للرجل: هاءَ، وللمرأة هائي، وللاثنين من الرجال والنساء: هاؤما، وللرجال هاؤم، وللنساء هاؤنّ يا نسوة، بمنزلة هاكنّ يا نسوة، ولم يجىء شيء في كلام العرب يجري مجرى كاف المخاطبة غير هذه المدة التي في وجوهها (174) . وقد تلحق "هَ" ها سكت لتصبح "هَهْ" فتدل على معان مختلفة، قال الليث: هَهْ تَذَكُّر في حال وتحذير في حال أخرى، فإذا مددتها كانت وعيداً في حال، وحكاية لضحك الضاحك في حال، نقول: ضحك فلان فقال: هاه هاه (175) . فهي قد تكون اسم فعل، للتذكر أو التحذير أو الوعيد، كما أنها قد تكون اسم صوت لحكاية الضحك، ومن هذا القبيل تأتي "هاءِ" لزجر الإبل ودعاء لها، وهو مبني على الكسر إذا مددت وقد يقصر، تقول: ها هيت بالإبل إذا دعوتها (176) . وزعم بعض العلماء أن الهاء قد تأتي لإفادة المبالغة، وهو ما أشار إليه ابن منظور عند حديثه عن معنى الجَذعَمة فقال "الجذعمة: الصغير. وفي حديث علي: أسلم أبو بكر رضي الله عنهما، وأنا جذعمة، وأصله جذعة، والميم زائدة، أراد: وأنا جذع أي حديث السن غير مدرك، فزاد في آخره ميماً، كما زادوها في سُتْهُم العظيم الاست وزرقم الأزرق، وكما قالوا للابن ابنم، والهاء للمبالغة (177) . والهاء هنا للمبالغة كما في صيغ "علامة ونسّابة وفهّامة، وقد نسب ابن يعيش شيئاً مثل هذا إلى بعض اللغويين عند شرحه للشاهدين النحويين: فَهَيّاكَ والأمر الذي إن توسَّعَتْ مَوارِدُهُ ضاقَتْ عليكَ مَصادِرَهْ وقول الآخر: فانْصَرَفَتْ وهيَ حِصانُ مُغْضَبَةْ ورَفَعَتْ بصَوْتِها هَيّا أبَهْ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 285 قال أنشدها ابن السكيت وقال: أراد أيا أبه، وإنما أبدل من الهمزة هاء، ولا يبعد ما قاله، لأن أيا أكثر استعمالاً من هيا فجاز أن يعتقد أنها أصل. وقال آخرون هي يا أدخل عليها هاء التنبيه مبالغة (178) . الخاتمة: بعد هذا العرض لصفات صوت الهاء والأغراض التي يستخدم من أجلها يمكن أن نقول: إن الهاء نفس خالص لذا أخذت بعض خصائص الصوامت كما أخذت بعض خصائص الصوائت، كما أنها يمكن أن نعدها ضمن الأصوات المهموسة وكذلك ضمن الأصوات المجهورة. ونتيجة لما اكتسبته من خصائص وصفات استخدمت في مواقع كثيرة، لأغراض متعددة. ونتج، عن هذه الاستخدامات تعدد الظواهر اللغوية التي ظهرت فيها الهاء. فجاءت هاء للسكت والاستراحة والتبيين عندما تقع بعد صوت من أصوات المد واللين أو بعد إحدى الحركات لغرض التبيين والاستراحة. كما جاءت هاء للندبة وقد تبين أن هاء السكت وهاء الندبة إنما تأتيان نتيجة حتمية لوقف الهواء المندفع من الرئتين عبر القصبة الهوائية فالفم، فعند غلق مجرى الهواء أو تضييقه ينقطع الهواء ويسمع صوت "هـ"، وهذا الصوت المسموع ربما كان ناتجاً عن حالات نفسية معينة لدى المتكلم. أما هاء التنبيه فقد تكون من الأصوات الشفطية أي أن صوتها يسمع مع الشهيق لا مع الزفير حتى تأخذ صفة التنبيه الانفعالية. ثم إن صوت الهاء من أقدم الأصوات الإنسانية لأنها عبارة عن شهقات أو آهات أو تأوهات، إنها صرخات انفعالية قد تدل على الألم والحسرة وقد تدل على الفرح والسرور، يصدرها الإنسان لا لغرض الكلام وإيصال المعنى، إنما يعبر بها عما بداخله من أفكار وما يختلج نفسه من أحاسيس. وهي موجودة في كل لغات البشر. الحواشي والتعليقات ماريو باي: أسس علم اللغة، ترجمة: د. أحمد مختار عمر. ليبيا: منشورات جامعة طرابلس كلية التربية، 1973م، ص38. د. عبد الرحمن أيوب: أصوات اللغة، الطبعة الثانية، القاهرة: مطبعة الكيلاني 1968م ص95. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 286 الفراهيدي، الخليل بن أحمد: كتاب العين، الطبعة الأولى، تحقيق د. مهدي المخزومي ود. إبراهيم السامرائي. بيروت: مؤسسة الاعلمي للمطبوعات 1988م، 1/47 المرجع السابق 1/57. سيبويه، أبو بشر عمرو بن قنبر: الكتاب، الطبعة الثالثة، تحقيق: عبد السلام هارون، بيروت – عالم الكتب 1983م، 4/431. المرجع السابق 4/432. المرجع السابق 4/433. ابن جني، أبو الفتح عثمان: سر صناعة الإعراب، الطبعة الأولى، دراسة وتحقيق: حسن هنداوي. دمشق: دار القلم 1985م، 1/6. Al Khuli, Muhammad Ali: A Dictionary of Theoretical Linguistics, first edition, Beirut: Librairie du Liban, 1982. P. 276 ولمزيد من التفصيل حول المقطع syllable، انظر:د. أحمد مختار عمر: دراسة الصوت اللغوي، الطبعة الأولى، القاهرة: عالم الكتب 1976م، 237 – 264، د. محمد علي الخولي: الأصوات اللغوية، الطبعة الأولى، الرياض: مكتبة الخريجي 1987م، 192 – 199. سر صناعة الإعراب 1/6-7. المرجع السابق 1/14. المرجع السابق 1/9. د. إبراهيم أنيس: الأصوات اللغوية، الطبعة السادسة، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية 1984م ص89. A Dictionary of Theoretical Linguistics, p.246 الأصوات اللغوية – الخولي من 39. د. محمود السعران: علم اللغة مقدمة للقارئ العربي. بيروت، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، ص148 A Dictionary of Theoretical Linguistics, p. 54 علم اللغة – السعران ص178. الأصوات اللغوية – الخولي، ص44. العين 3/348. الكتاب 4/393. العين 4/394. سر صناعة الإعراب 1/64. العين 3/355. المرجع السابق 3/343. المرجع السابق 1/355. علم اللغة – السعران ص188، الأصوات اللغوية؛ الخولي ص93؛ كمال محمد بشر: علم اللغة العام – الأصوات. القاهرة: دار المعارف 1986م، ص 122 وما بعدها. الكتاب 4/434، سر صناعة الأعراب 1/60. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 287 د. تمام حسان: اللغة العربية معناها ومبناها. الطبعة الثالثة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1985م، ص61. ابن يعيش، موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش: شرح المفصل. بيروت – عالم الكتب – القاهرة مكتبة المتنبي 10/129. د. تمام حسان: مناهج البحث في اللغة. الدار البيضاء، دار الثقافة 1979م، ص103؛ الأصوات اللغوية – إبراهيم أنيس ص89. العين 4/10. الأصوات اللغوية – الخولي، ص32. العين 1/25. كارل بروكلمان: فقة اللغات السامية، ترجمة: د. رمضان عبد التواب. مطبوعات جامعة الرياض 1977م، ص40. الكتاب 4/433. جان كانتينو: دروس في علم أصوات العربية، ترجمة: صالح القرمادي. الجامعة التونسية – نشريات مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية 1966، ص31. المرجع السابق ص23. شرح المفصل 10/136. علم اللغة العام – الأصوات – ص123. ينظر ابراهيم انيس، الأصوات اللغوية ص 88، وكارل بروكلمان، فقه اللغات السامية ص 40، وجان كانتينو، دروس في علم اصوات العربية، ص31. الكتاب 4/434، المبرد، محمد بن يزيد: المقتضب، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة. بيروت، عالم الكتب، 1/207. سر صناعة الإعراب 1/61. شرح المفصل 10/129، وانظر: دروس في علم أصوات العربية 32. سر صناعة الإعراب 1/62. شرح المفصل 10/129. دروس في أصوات العربية 37. المرجع السابق 24 – 25. الأصوات اللغوية –الخولي 44 المرجع السابق 40. مناهج البحث في اللغة 103، الأصوات اللغوية – إبراهيم أنيس 89. سعد عبد الله الغريبي: الأصوات العربية وتدريسها لغير الناطقين بها من الراشدين، الطبعة الأولى. مكة المكرمة – مكتبة الطالب الجامعي 1986م. ص 36. الكتاب 4/144. المرجع السابق 4/159. المرجع السابق والصفحة. المرجع السابق 4/161. المرجع السابق والصفحة. المرجع السابق والصفحة. المرجع السابق 4/162. المرجع السابق والصفحة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 288 المرجع السابق والصفحة. المرجع السابق 4/163. المرجع السابق والصفحة المرجع السابق والصفحة. المرجع السابق والصفحة. المرجع السابق 4/164. المرجع السابق والصفحة. المرجع السابق 4/165. المرجع السابق 4/165 – 166. إبراهيم طوقان: ديوان إبراهيم طوقان: بيروت، دار العودة 1997م، ص428. د. إبراهيم أنيس: في اللهجات العربية، الطبعة السادسة. القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية 1984م، ص136. المالقي، أحمد عبد النور: رصف المباني في شرح حروف المعاني. الطبعة الثانية تحقيق: أحمد محمد الخراط. دمشق دار القلم 1985م، ص 467. وانظر: سر صناعة الإعراب 2/552. الفراء، أبو زكريا يحيى بن زياد: معاني القرآن، تحقيق: محمد علي النجار. بيروت: دار السرور 2/144. ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم: لسان العرب. بيروت: دار صادر 15/478. شرح المفصل 9/47، 10/2. وانظر: الكتاب 2/242، 4/159، 161، 162، 236، المتقتضب 1/60؛ سر صناعة الأعراب 2/555؛ الهروي، علي بن محمد: كتاب الأزهرية في علم الحروف. تحقيق: عبد المعين الملوحي. دمشق – مجمع اللغة العربية 1993م، ص256، 258. حسان بن ثابت: ديوان حسان بن ثابت. بيروت: دار صادر 1974م، ص258. الكتاب 4/162. رصف المباني 464. الكتاب 4/162. المصدر السابق والصفحة. د. عبد الصبور شاهين: القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث. القاهرة: مكتبة الخانجي، ص85 شرح المفصل 9/81. المرجع السابق والصفحة. رصف المباني 468، وانظر: اللسان 15/479. الأنصاري، أبو زيد: النوادر في اللغة، الطبعة الأولى، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد. بيروت: دار الشروق 1981م. ص472. أحمد حسين شرف الدين: لهجات اليمن قديماً وحديثاً. القاهرة: مطبعة الحبلاوي 1970م، ص66 –67. في اللهجات العربية ص 137. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 289 ابن فارس، أبو الحسن أحمد. الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها. تحقيق: السيد أحمد صقر – القاهرة: مطبعة عيسى البابي الحلبي، ص 203. السيوطي، جلال الدين: المزهر في علوم اللغة وأنواعها. تحقيق: محمد أحمد جاد المولى وآخرين. بيروت: دار الفكر، 1/461. المرجع السابق 1/460. سر صناعة الإعراب 1/62. المزهر 1/474. سر صناعة الإعراب 2/551. المرجع السابق 1/100. المرجع السابق 1/100 – 101. المزهر 1/462، الكتاب 4/238، سر صناعة الإعراب 2/554، شرح المفصل 10/5. سر صناعة الإعراب 2/554، رصف المباني 467. سر صناعة الإعراب 2/552. المرجع السابق والصفحة. العين 4/81، سر صناعة الإعراب 2/553. سر صناعة الإعراب 2/554. اللسان مادة "ها" 15/475. علم اللغة: السعران 157. سر صناعة الإعراب 2/555. المرجع السابق 2/556. الكتاب 4/393، الأزهية ص 258. سر صناعة الإعراب 2/560. المرجع السابق 2/560 – 560. الكتاب 4/162. العين 3/348. المزهر 1/466، الصاحبي ص203. علم اللغة: السعران ص178. سر صناعة الإعراب 2/563. المزهر 1/466؛ ابن فارس، أبو الحسين أحمد: مقاييس اللغة – الطبعة الأولى – تحقيق: عبد السلام محمد هارون. بيروت: دار الجيل، 1991م، 1/193. ابن السكيت، أبو يوسف يعقوب: القلب والإبدال تحقيق: اوغست هفنر (في الكنز اللغوي) بيروت: المطبعة الكاثوليكية 1903 م، ص105. د. محمد حسن آل ياسين: الدراسات اللغوية عند العرب، الطبعة الأولى. بيروت: دار مكتبة الحياة 1980م، ص407. المزهر 1/461. الخطيب التبريزي، ابو زكريا يحيى بن علي: الكافي في العروض والقوافي. تحقيق الحساني حسن عبد الله. القاهرة: مكتبة الخانجي، ص105. د. إبراهيم أنيس: موسيقى الشعر. الطبعة الرابعة. بيروت: دار القلم 1972، ص283. المرجع السابق 282. الكافي في العروض والقوافي 150. العين 4/158. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 290 أحمد شوقي: الشوقيات. بيروت – دار الكتب العلمية 2/83. موسيقى الشعر 284. رصف المباني 465. د. حسن ظاظا: اللسان والإنسان. الطبعة الثانية. دمشق – دار القلم. بيروت – الدار الشامية 1990م ص33. د. إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ. الطبعة الرابعة. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية 1980م ص23. جرجي زيدان: الفلسفة اللغوية – الطبعة الثانية، بيروت: دار الجيل، 1987، ص110. دلالة الألفاظ ص24. الفلسفة اللغوية ص118؛ اللسان مادة "أوه" 13/472؛ الفيروزابادي، مجد الدين محمد بن يعقوب. ضبط وتوثيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي. بيروت: دار الفكر. مادة "أوه" ص1119. العين 4/104. اللسان 13/472. المرجع السابق والصفحة. العين 4/106، اللسان 13/563. الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين: الأغاني. الطبعة الأولى. بيروت: دار إحياء التراث العربي 1994م، 1/206. اللسان 13/472. محمود درويش: ديوان محمود درويش. الطبعة السادسة. بيروت. دار العودة للصحافة والطباعة والنشر 1987 ص553. اللسان 13/473. العين 4/103 – 104، اللسان 13/474. اللسان 13/474. العين 4/104. اللسان 13/475. العين 4/106، اللسان 13/563. العين 4/106. الحطيئة، جرول بن أوس: ديوان الحطيئة برواية وشرح ابن السكبت. تحقيق: نعمان محمد أمين طه – مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الأولى 1987م، ص337. اللسان 15/475، 481. اللسان 13/473، ابن الأثير، مجد الدين: النهاية في غريب الحديث والأثر. القاهرة المطبعة الخيرية، ص63. الزمخشري، جارالله: الفائق في غريب الحديث. الهند: حيدر أباد 1/212. Hartmann and Storck: Dictionary of Language and Linguistics, London 1972, 115. النعيمي، سليم: اسم الفعل دراسة وطريقة تفسير، مجلة المجمع العلمي العراقي – العدد 16، 1968م ص78. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 291 ابن الأنباري، كمال الدين، أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن سعيد: الإنصاف في مسائل الخلاف، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. بيروت: دار الفكر، 1/211. الاستراباذي، رضي الدين: شرح الكافية في النحو. الطبعة الثانية، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. بيروت: دار الفكر 1979م 2/72-73؛ شرح المفصل 4/41-42؛ الزجاجي، أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق: حروف المعاني – الطبعة الأولى، تحقيق: على توفيق الحمد، بيروت: مؤسسة الرسالة. إربد – دار الأمل 1984م ص74؛ ابن جني، أبو الفتح عثمان: الخصائص. تحقيق: محمد علي النجار. بيروت: دار الكتاب العربي 3/35. اللسان 15/475، العين 4/103. شرح المفصل 8/114. توجد الأصوات الشفطية في لغة الإيبو Igbo في نيجيريا، وهي أصوات تنتج عن انخفاض الحنجرة بدلاً من أن تندفع إلى أعلى مخلخلة الهواء الموجود في تجاويف الفم والحلق، فإذا حصل هذا، وسهل للهواء الخارجي أن يدخل ليملأ الفراغ، حصلنا على تيار هوائي شهيقي ingressive وساكن يعرف بالانفجاري الداخلي أو الشفطي، أو يعرف في بعض الأحيان بالطقطقة الحنجرية glottalic click. انظر برتيل مالمبرج الصوتيات. ترجمة د. محمد حلمي هليل. القاهرة: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية 1994. ص70. رصف المباني ص468 – 469. أبو حيان الأندلسي، أبو عبد الله محمد بن يوسف: البحر المحيط. الرياض. مكتبة ومطابع النصر الحديثة 1/93 – 94. العين 4/108. اللسان 15/481، رصف المباني 469. رصف المباني 469. شرح المفصل 8/114. الأشموني، أحمد بن عبد الكريم بن محمد: شرح الأشموني على ألفية ابن مالك "منهج السالك إلى ألفية ابن مالك". تحقيق: عبد الحميد السيد عبد الحميد. القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث 1/159. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 292 د. علي العناني وآخرون: كتاب الأساس في الأمم السامية وقواعد اللغة العربية وآدابها القاهرة: بولاق 1953م، ص137. اللسان 15/480، رصف المباني 469. فقه اللغات السامية 89. د. جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام. بيروت: دار العلم للملايين وبغداد: مكتبة النهضة 1976م، 7/79. المرجع السابق 7/258. فقه اللغات السامية 89. إسرائيل ولفنسون: تاريخ اللغات السامية. الطبعة الأولى – بيروت: دار القلم 1980م ص19؛ فقه اللغات السامية ص89. تاريخ اللغات السامية ص19. تاريخ العرب قبل الإسلام 7/258، وانظر: تاريخ اللغات السامية 180-187. تاريخ العرب قبل الإسلام 7/259. د. حسن ظاظا: الساميون ولغاتهم. الطبعة الثانية. دمشق: دار القلم وبيروت: الدار الشامية 1990م، ص119. العين 4/102؛ الرماني، علي بن عيسى: معاني الحروف. الطبعة الثانية. تحقيق: عبد الفتاح إسماعيل شلبي. مكة المكرمة: مكتبة الطالب الجامعي 1986م، ص92؛ حروف المعاني ص73. العين 4/102. اللسان 13/551. المرجع السابق 15/481. المرجع السابق 8/45. شرح المفصل 8/119. المصادر والمراجع ابن الأثير، مجد الدين: ... النهاية في غريب الحديث والأثر. القاهرة، المطبعة الخيرية. الإستراباذي، رضي الدين: ... شرح الكافية في النحو. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الثانية دار الفكر. بيروت 1979م. الأشموني، أحمد بن عبد الكريم محمد، ... شرح الأسموني على ألفية ابن مالك "نهج السالك إلى الغية ابن مالك" تحقيق عبد الحميد السيد عبد الحميد المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة. الأصفهاني، ابو الفرج علي بن الحسين. ... الأغاني، دار احياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الاولى 1994م. ابن الأنباري، كمال الدين، أبوالبركات عبد الرحمن عبد الرحمن بن محمد بن سعيد: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 293 .. الأنصاف في مسائل الخلاف، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت. الأنصاري، أبو زيد: ... النوادر في اللغة، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد، دار الشروق، بيروت الطبعة الأولى 1981م. أنيس إبراهيم: الأصوات اللغوية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة – الطبعة السادسة 1984م. دلالة الألفاظ، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة – الطبعة الرابعة 1980م. في اللهجات العربية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة – الطبعة السادسة 1984م. موسيقى الشعر، دار القلم، بيروت، الطبعة الرابعة 19872م. أيوب، عبد الرحمن: ... أصوات اللغة، مطبعة الكيلاني، القاهرة – الطبعة الثانية 1968م. باي، ماريو: أُسس علم اللغة، ترجمة: أحمد مختار عمر، منشورات جامعة طرابلس، كلية التربية ليبيا 1973م. بروكلمان، كارول: فقه اللغات السامية، ترجمة: رمضان عبد التواب، مطبوعات جامعة الرياض 1977م. بشر، كما حمد: علم اللغة العام – الأصوات، دار المعارف – القاهرة 1986م. ثابت، حسان: ديوان حسان بن ثابت، دار صادر – بيروت 1974م. ابن جني، أبو الفتح عثمان: الخصائص: تحقيق محمد علي النجار – دار الكتاب العربي، بيروت. سر صناعة الاعراب، دراسة وتحقيق حسن هنداوي، دار التعلم، دمشق، الطبعة الأولى 1985م. حسان، تمام: اللغة العربية معناها ومبناها، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة الطبعة الثالثة 1985م. مناهج البحث في اللغة، دار الثقافة، الدار البيضاء 1979م. الحطيئة، جدول بن اوس: ديوان الخطيئة برواية ابن السكيت، تحقيق: نعمان محمد أمين طه، مطبعة الخانجي القاهرة – الطبعة الأولى 1987م. أبو حيان الأندلسي، أبو عبد الله محمد بن يوسف: البحر المحيط، مكتبة ومطابع النصر الحديثة، الرياض. الخطيب التبريزي، أبو زكريا يحيي بن علي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 294 الكافي في العروض والقوافي، تحقيق: الحساني حسن عبد الله، مكتبة الخانجي، القاهرة. الخولي، محمد: الأصوات اللغوية، مكتبة الخريجي، الرياض، الطبعة الأولى 1987م. درويش، محمود: ديوان محمود درويش، دار العودة للصحافة والطباعة والنشر، بيروت الطبعة السادسة 1987م. الرماني، علي بن عيسى: معاني الحروف، تحقيق: عبد الفتاح اسماعيل شلبي، مكتبة الطالب الجامعي، مكة المكرمة الطبعة الثانية 1986م. الزجاجي، أبو القاسم عبد الرحمن بن اسحاق: حروف المعاني، تحقيق: علي توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة، بيروت، دار الأمل، إربد، الطبعة الأولى 1984م. الزمخشري، جار الله: الفائق في غريب الحديث، حيدر أباد، الهند. زيدان، جرحي: الفلسفة اللغوية، دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية 1987م. السعران، محمود: علم اللغة مقدمة للقارئ العربي، دار النهضة للطباعة والنشر – بيروت. ابن السكيت، أبو يوسف يعقوب: القلب والإبدال، تحقيق: أوغست هفنر، المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1903م. سيبوية، ابو شر عمرو بن قنبر: الكتاب، تحقيق: عبد السلام هارون، عالم الكتب، بيروت 1983م. السيوطي، جلال الدين: المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق: محمد أحمد جاد المولي وآخرين، دار الفكر، بيروت. شاهين، عبد الصبور: القراءات القرآنية، في ضوء علم اللغة الحديث. مكتبة الخانجي، القاهرة. شرق الدين، أحمد حسين: لهجات اليمن قديماً وحديثاً، مطبعة الحبلاوي، القاهرة 1970م. شوقي، أحمد: الشوقيات، دار الكتب العلمية، بيروت. طوقان، إبراهيم: ديوان إبراهيم طوقان، دار العودة، بيروت 1997م. ظاطا، حسن: اللسان والإنسان، دار القلم – دمشق، الدار الشامية – بيروت. الطبعة الثانية 1990 م. علي، جواد: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار العلم للملايين – بيروت، مكتبة النهضة – بغداد 1976م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 295 عمر، أحمد مختار: دراسة الصوت اللغوي، عالم الكتب، القاهرة الطبعة الأولى 1976م. العناني، علي: كتاب الأساس في الأمم السامية وقواعد اللغة العربية وآدبها، بولاق، القاهرة 1953م. الغريبي، سعد عبد الله: الأصوات العربية وتدريسها لغير الناطقين بها من الراشدين، مكتبة الطالب الجامعي، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1986م. ابن فارس، أبو الحسين احمد: الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، تحقيق: السيد أحمد صقر، مطبعة الأولى عيسى البابي الحليبي، القاهرة. مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجبل، بيروت، الطبعة الأولى 1991م. الفراء، أبو زكريا يحي بن زياد: معاني القرآن، تحقيق: محمد علي النجار، دار السرور، بيروت. الفراهيدي، الخليل بن أحمد: كتاب العين، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1988م. الفيروز ابادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، ضبط وتوثيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار – الفكر، بيروت. كانتينو، جان: دروس في علم أصوات العربية، ترجمة: صالح القرمادي، منشورات الجامعة التونسية 1966م. مالبرج، برتيل: الصوتيات، ترجمة: محمد حلمي هليل، عين للدراسات والبحوث الإنسانية، القاهرة 1994م. المالقي، أحمد عبد النور: رصف المباني في شرح حروف المعاني، تحقيق: أحمد محمد الخراط، دار القلم دمشق، الطبعة الثانية 1985م. المبرد، محمد بن يزيد: المقتضب، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت. ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم: لسان العرب، دار صادر، بيروت. النعيمي، سليم: اسم الفعل دراسة وطريقة تفسير، مجلة المجمع العلمي العراقي – العدد 16. الهروي، علي بن محمد: كتاب الأزهية في علم الحروف، تحقيق: عبد المعين الملوحي، جميع اللغة العربية، دمشق الطبعة الثانية 1993م. ولفنسون، إسرائيل: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 296 تاريخ اللغات السامية، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى 1980م. أل ياسين، محمد حسن: الدراسات اللغوية عند العرب، دار مكتبة الحياة، بيروت، الطبعة الأولى 1980م. ابن يعيش، موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش: شرح المفصل، عالم الكتب، بيروت، مكتبة المتنبي، القاهرة. ... Al Khauli, Muhammad Ali;: Dictionary of Theoretical Lingwistics, Librairie duliban, Beirut, first edition, 1982. ... Hartman and Storck: Dictionary of Language and Linguistics. London 1972. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 297 بعض آراء ابن سِيْدَه النَّحويَّة من خلال شرحه لمشكل شعر المتنبِّي د. فائزة بنت عُمر بن علي المؤيَّد أستاذ النَّحو والصَّرف المشارك - قسم اللُّغة العربيَّة وآدابها كليَّة الآداب للبنات بالدَّمام ملخَّص البحث يعدُّ شعر المتنبِّي ظاهرة أدبيَّة أقبل عليها الأدباء، وعلماء اللُّغة بالدَّرس، والتَّحليل، والموازنة منذ أن جادت قريحته به في النِّصف الأوَّل من القرن الرَّابع الهجري، وكان من مظاهر ذلك الاهتمام، ومن تلك العناية أن ألَّف بعضٌ منهم في مشكله؛ كمصنَّف (الفتح الوهبي على مشكلات المتنبِّي) لابن جنِّي، و (شرح مشكل شعر المتنبِّي) لابن سِيْدَه الَّذي جاء زاخرًا بالاستطرادات اللُّغويَّة، والتَّعليقات النَّحوية الجديرة بالأخذ والدِّراسة؛ ولذا جعلته ميدانًا لهذا البحث الَّذي سعى جاهدًا في تتبُّع آراء ابن سِيْدَه النَّحوية؛ ليكون مرجعًا واضحًا في هذا المجال؛ وهو إبراز بعضٍ من آراء ابن سِيْدَه في الدَّرس النَّحوي تبيِّن موقف هذا النَّحوي الأندلسي من نحو المشارقة من جهة، ومدى تمسكِّه بكتاب سيبويه من جهةٍ أخرى، بل إنَّ أهميَّة هذا البحث تكمن أيضًا في تقديم شواهد شعريَّة جديدة لأحد الشُّعراء المولَّدين البارزين ... وعلى الله تعالى قصد السَّبيل. * * * ابن سِيْدَه هو (1) : أبو الحسن علي بن إسماعيل الضَّرير، لغوي الأندلس وأديبها المرموق، وهو من أهل (مُرسيَّة) في جنوب الأندلس، كان رأسًا في العربيَّة، حجَّةً في نقلها، روى عن أبيه، وأبي عمر الطَّلَمَنْكيِّ، وصاعد بن الحسن البغدادي اللُّغوي وغيرهم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 298 يقول أبو عمر الطَّلَمَنْكِيِّ: دخلتُ مُرسيَّة، فتشبَّث بي أهلها ليسمعوا عليَّ (غريب المصنَّف) لأبي عمرو الشَّيباني (1) ، فقلت لهم: انظروا مَنْ يقرأ لكم، وأمسكُ أنا كتابي، فأتوني برجلٍ أعمى يُعرف بابن سِيْدَه، فقرأه عليَّ من أوَّله إلى آخره ما أخلَّ فيه بلفظة، فعجبت من حفظه. وحسبنا معرفةً بابن سِيْدَه وفضلِه أن نعلم أنَّه هو مَن ألَّف المعجم اللُّغوي القيِّم (المخصَّص في اللُّغة) ، وهو أيضًا مؤلِّف المعجم اللُّغوي الآخر (المحكم والمحيط الأعظم) الَّذي " لو حلف الحالف أنَّه لم يُصنَّف مثله لم يحنث “ (2) ، كما أنَّ له كتابَ (شرح أبيات الجمل للزَّجَّاجي) ، وكتابَ (الأنيق في شرح الحماسة) ، وكتابَ (العويص في شرح إصلاح المنطق) ، وكتابَ (تقريب غريب المصنَّف) ، وكتابَ (الوافي في علم القوافي) ، وكتابَ (شرح مشكل شعر المتنبِّي) . أمَّا عن وفاته فتكاد تجمع الكب الَّتي ترجمت له على أنَّها كانت سنة (458 هـ) ، وقد بلغ من العمر ستين عامًا تقريبًا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 299 هذا تعريفٌ موجز لهذا العالم الكبير، واللُّغوي المتقن، والنَّحوي المحقِّق، والأديب الواسع، الَّذي امتدحه كلُّ مَنْ ترجم له بأجمل العبارات، ولقَّبوه بأحسن الصِّفات، ولكن المتأمِّل في تلك العبارات، وفي تلك الصِّفات سيلحظ أنَّها جميعًا كانت تدور حول تفوُّقه في جمع اللُّغة وحفظها، أمَّا الجانب النَّحوي عنده فلم يُخصَّص بأيِّ إشارةٍ تُذكر (1) على الرَّغم من أنَّ مصنَّفاته سواءً اللُّغويَّة منها، أو الأدبيَّة كانت تزخر بالمسائل النَّحويَّة الجديرة بالأخذ والدِّراسة، لذا رأيت أن أتتبع آراءه النَّحويَّة في أحد كتبه، وأسلِّط الضَّوء عليها، لعلِّي أضيف شيئًا جديدًا إلى مناقب هذا العالم الفاضل، ونظرت في كتبه المطبوعة، واخترت من بينها كتابه (شرح مشكل شعر المتنبِّي) ؛ لأنَّ هذا الكتاب قد جمع حسبما أرى الحُسنيين؛ فهو كتابٌ زاخرٌ باستطرادات ابن سِيْدَه اللُّغويَّة، وتعليقاته النَّحويَّة حول شعرِ أبي الطيِّب المتنبِّي، فرأيت في جعله مجالَ الدِّراسة والبحث فرصةً لتحقيق هدفين هامين: أحدهما: تقديم بعضٍ من آراء ابن سِيْدَه في الدَّرس النَّحوي. والآخر: تقديم مسائل تطبيقيَّة على قواعد نحويَّة من شعرِ أحد المولَّدين البارزين. واتبعت لتحقيق ذلك النَّهج التَّالي: جمع المسائل النَّحويَّة الَّتي عبَّر فيها ابن سِيْدَه عن رأيه بصراحة، أمَّا التَّوجيهات الَّتي كان يوجِّه بها بعض الكلمات في الأبيات دون أن يصرِّح برأيه فيها، فهذه لم يعرِّج عليها البحث؛ خشية أن يُنسبَ إليه شيءٌ لم يرده. ترتيب تلك المسائل في أبوابها، الَّتي رُتِّبت هي حسب ترتيب ابن مالك لألفيته. وضع عنوان مناسب لكلِّ مسألةٍ من تلك المسائل. عرض كلِّ مسألة، مع ربطها ببيت أبي الطيِّب؛ ليكون كالشَّاهد عليها الجزء: 13 ¦ الصفحة: 300 الاكتفاء في المسائل المشهورة، والموافقة لرأي الجمهور بتوثيقها؛ وذلك بتتبعها في كتب الأصول الَّتي تناولتها؛ ليكون في ذلك دليلٌ إلى مظانها عند مَن سبقوه مِن النُّحاة، ومَن جاء بعده منهم. الوقوف عند المسائل الَّتي خالف فيها رأي الجمهور، ومناقشته فيها. فأسفر البحث والجمع عمَّا يربو على الخمسين مسألةً في أربعة وعشرين بابًا من أبواب النَّحو؛ جاءت على النَّحو التَّالي: من باب النَّكرة، والمعرفة: المسألة الأولى: جواز حذف مرجع الضَّمير ومرجع الضَّمير هو الَّذي أشار إليه ابن سِيْدَه بقوله: " فالهاء في قوله: (فيه) راجعة إلى المزن " (1) ، وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: حَصَانٌ مِثْلُ مَاءِ المُزْنِ فيهِ كَتُومُ السِّرِّ صَادِقَةُ المَقَالِ (2) أمَّا تصريحه بجواز حذفه؛ فذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: كَأنَّهُ زَادَ حتَّى فَاضَ عَنْ جَسَدِي فَصَارَ سُقْمِي بِهِ في جِسْمِ كِتمَاني (3) حيث يقول: ".. وإن شئت قلت: الهاء في (كأنَّه) راجعة إلى الكتمان، وإن لم يجرِ له ذكر؛ كقوله: من كذب كان شرًّا له؛ أي: كان الكذب شرًّا له “ (4) . المسألة الثَّانية: جواز حذف (ها التَّنبيه) من اسم الإشارة فقد نصَّ (5) على أنَّ (ها التنبيه) محذوفة من اسم الإشارة (تين) في قول المتنبِّي: اختَرْتَ دَهماءَ تَيْنِ يَا مَطَرُ وَمَنْ لَهُ فِي الفَضَائِلِ الخِيَرُ (6) وأشار إلى أنَّ حذفها هنا موافقٌ للمسموع عن العرب؛ إذ إنَّ المسموع في أسماء الإشارة مجيئُها ب (ها التنبيه) وبحذفها؛ ولذا جاء تجويزه حذفَها موافقًا لما جوَّزه النُّحاة (7) . المسألة الثَّالثة: عدُّ (الأُلى) من الأسماء الموصولة ونصَّ (8) على أنَّها بمعنى (الَّذين) ؛ أي: إنَّها لجماعة الذُّكور؛ وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 301 أَلقَى الكِرَامُ الأُلَى بَادُوا مَكَارِمَهُم عَلى الخَصِيبِيِّ عِندَ الفَرضِ وَالسُّنَنِ (1) وبما أنَّها اسمٌ موصولٌ لذا عدَّ جملة (بادوا) صلةً لها. وعدُّ (الأُلى) من الأسماء الموصولة لا خلاف فيه (2) ، وتأتي بمعنى (الَّذين) فتقع على مَن يعقل من المذكَّرين، وبمعنى (اللَّاتي) فتقع على مَن يعقل من المؤنَّثات، وقد تقع على ما لا يعقل. المسألة الرَّابعة: بعض الأوجه الإعرابيَّة في (ما) وقد أشار (3) إلى تلك الأوجه عند شرحه لقول المتنبِّي: فَلا عَزَلٌ وَأَنْتَ بِلا سِلاحٍ لِحَاظُكَ مَا تَكُونُ بِهِ مَنِيعَا (4) فقد جوَّز في (ما) ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون موصولةً بمعنى (الَّذي) ، ويكون ما بعدها صلةً لها. الثَّاني: أن تكون نكرة بمعنى (شيء) ، فيكون ما بعدها في محلِّ رفع صفةٍ لها. الثَّالث: أن تكون زائدة؛ كأنَّه قال: لحاظك تكون به منيعا. ويقيس احتمالها للوجهين الأوَّل والثَّاني على احتمالها لهما في قول الله تعالى: (هَذَا مَا لَدَيَّ عَتيد ( [ق 23] وقوله في الآية الكريمة موافقٌ لرأي الجمهور (5) . المسألة الخامسة: التَّعويض ب (الألف واللاَّم) عن الضَّمير المضاف المضاف إليه وقد صرَّح (6) بذلك أثناء شرحه لقول المتنبِّي: تُمْسِي على أَيدِي مَوَاهِبِهِ هِيَ أَو بَقِيَّتُهَا أَوِ البَدَلُ (7) حيث أوضح أنَّه أراد ب (البدل) : أو بدلها [أي: بالإضافة] ولكنَّه عوَّض بالألف واللاَّم من الإضافة، وعلَّل لذلك بأنَّ كلَّ واحدةٍ منهما للتَّعريف، وهو بقوله هذا يوافق رأي الكوفيين (8) في جواز نيابة (ال) عن الضَّمير المضاف إليه؛ ومن ذلك قول الله تعالى: (فإنَّ الجَنَّةَ هيَ المَأوَى ( [النَّازعات 41] فإنَّ تخريجها على قولهم: (فإنَّ الجنة هي مأواه) (9) فحُذف الضَّمير، وعوَِّض عنه بالألف واللاَّم (10) . من باب الابتداء الجزء: 13 ¦ الصفحة: 302 المسألة الأولى: إذا اجتمع معرفةٌ ونكرة، فالمبتدأ المعرفة والنَّكرة الخبر ولذا آثر عدَّ (سواء) خبرًا مقدَّمًا، و (الباز) مبتدأ مؤخَّرًا في قول المتنبِّي: وَصَلَتْ إِلَيكَ يَدٌ سَوَاءٌ عِندَهَا ألبَازُ الاشْهَبُ والغُرابُ الأبقَعُ (1) وقال: " وإنَّما آثرنا ذلك؛ لأنَّ (سواء) نكرة، وإن تقوَّى بقوله (عندها) ، و (الباز الأشهب) معرفة، وإذا اجتمع معرفة ونكرة، فالاسم المعرفة، والخبر النَّكرة " (2) ولذا اضطرَّ في موضعٍ آخر إلى تقدير مبتدأ محذوف، تكون النَّكرة خبرًا عنه؛ وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: سِرْبٌ مَحَاسِنُهُ حُرِمْتُ ذَواتِهَا دَانِي الصِّفَاتِ بَعِيدُ مَوصُوفَاتِها (3) فقد عدَّ (سربٌ) خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره: هواي؛ وذلك " لقبح الابتداء بالنَّكرة ” (4) ، وهو في إعرابه المعرفة مبتدأ، والنَّكرة خبرًا يوافق مذهب الجمهور (5) . المسالة الثَّانية: لا يُخبر عن المبتدأ إذا كان وصفًا باسم ذات وقد عبَّر ابن سِيْدَه عن اسم الذَّات ب (الجوهر) وعن الصِّفة العارضة ب (العَرَض) (6) ، وبما أنَّه نصَّ على أنَّه لا يُخبر عن الوصف باسم الذَّات، قدَّر مضافًا محذوفًا في قول المتنبِّي: وَذَاكَ النَّشر عِرْضُكَ كَانَ مِسْكًا وَذَاكَ الشِّعر فِهْرِي وَالمَداكَا (7) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 303 أي: وذاك النَّشر نشرُ عِرْضِك؛ وذلك لأنَّه أعرب (ذاك) مبتدأ، و (ذا) اسم ذات، أي " جوهر "، ولكنَّه لمَّا أعرب (النَّشر) صفةً له أصبح " عَرَضًا "، وعليه لم يعد يصلح أن يُخبر عنه ب (عِرْضُك) لأنَّه اسم ذات " جوهر "؛ ولذا قدَّر مضافًا محذوفًا قبل (عِرْضك) ، وقال: " هذا إن عنى ب (العِرْض) الأنا والذَّات؛ لأنَّها جواهر، و (النَّشر) عَرَض، فلا يُخبر عن العَرَض بالجوهر؛ فلذلك احتجنا إلى تقدير المضاف ... وإن جعلت (العِرْض) هنا المجد وسائر أنواع الفضائل لم يحتج إلى حذف المضاف؛ لأنَّ النَّشر والمجد كلاهما ليس بجوهر " (1) ، ويصرِّح بأنَّه استنتج هذا الحكم من تقدير سيبويه لقول الله تعالى: (ولكنَّ البرَّ من آمنَ بالله ( [البقرة 177] حيث إنَّه قدَّرها ب: ولكنَّ البرَّ برُّ مَنْ آمن (2) ، ويقول: “ لأنَّ (البرَّ) عَرَض، و (مَنْ آمنَ بالله) جوهر، فقدَّر مضافًا ليُخبر عن العَرَض بالعَرَض " (3) ، واستنتاجه هذا موافقٌ لرأي الجمهور (4) المسألة الثَّالثة: مجيء الخبر جملةً فعليَّة وهذا يُستنتج من إعرابه (5) جملة (حُرِمْتُ ذواتِها) خبرًا عن (محاسنُه) في قول المتنبِّي: سِرْبٌ مَحَاسِنُهُ حُرِمْتُ ذَوَاتِهَا دَانِي الصِّفَاتِ بَعِيدُ مَوصُوفَاتِهَا (6) وقد ذكر هذا أيضًا عند شرحه (7) لقول المتنبِّي: وَالمَدْحُ لابنِ أبي الهَيجَاءِ تُنجِدُهُ بِالجَاهِليَّةِ عَينُ العَيِّ والخَطَلِ (8) فقد أعرب جملة (تنجده) خبرًا عن المبتدأ (المدحُ) ، والقول بمجيء الخبر جملةً فعليَّة موافقٌ لقول الجمهور (9) . المسألة الرَّابعة: مجيء الخبر جملةً اسميَّة فهو كما أعرب الجملة الفعليَّة خبرًا، أعرب الجملة الاسميَّة أيضًا خبرًا؛ وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: ثُمَّ غَدَا قِدُّهُ الْحِمَامُ وَمَا تَسلَمُ مِنْهُ يَمِينُ مَصْفُودِ (10) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 304 فقد قدَّر (1) اسم (غدا) ضميرًا مستترًا فيها، والجملة الاسميَّة (قِدُّهُ الحِمَامُ) خبرًا لها، وهو في هذا أيضًا يوافق الجمهور (2) . المسألة الخامسة: وقوع الجار والمجرور في موضع الخبر وهذا الحكم نصَّ (3) عليه أثناء شرحه لقول المتنبِّي: مَنْ لَيسَ مِنْ قَتْلاهُ مِنْ طُلَقَائِهِ مَنْ لَيسَ مِمَّنْ دَانَ مِمَّنْ حُيِّنَا (4) فقد خرَّج قوله: (مِنْ طلقائِه) في موضع خبر المبتدأ الَّذي هو (مَنْ) الأولى، وقوله (مِمَّن حُيِّنَا) في موضع خبر المبتدأ الَّذي هو (مَنْ) الثَّانية، وواضحٌ من قوله (في موضع الخبر) أنَّه لا يعدُّ الجار والمجرور هما الخبر، وإنَّما في موضعه، وهذا هو رأي الجمهور (5) . المسألة السَّادسة: سدُّ الحال مسدَّ الخبر فقد صرَّح بأنَّ الحال قد تأتي بعد المبتدأ فتغنيه عن الخبر؛ وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: بِحُبِّ قَاتِلَتِي والشَّيبِ تَغذِيَتِي هَوَايَ طِفْلاً وَشَيْبِي بَالِغَ الحُلُمِ (6) حيث قال: " (هواي) يجوز أن يكون مبتدأ، وخبره الحال الَّذي هو (طفلاً) ؛ كقولك: أكثر شربي السويقَ ملتوتًا " (7) ، وقوله بجواز سدِّ الحال مسدَّ الخبر موافقٌ لقول الجمهور (8) . المسألة السَّابعة: لا يُخبر عن المبتدأ قبل أن يستكمل جميع متعلِّقاته ولذا قرَّر بأنَّ الباء في (بأن تسعدا) متعلِّقٌ بمحذوفٍ تقديره: وفاؤكما بالإسعاد؛ وذلك في قول المتنبِّي: وَفَاؤُكُمَا كَالرَّبْعِ أَشجَاهُ طَاسِمُهْ بِأنْ تُسْعِدَا وَالدَّمعُ أَشفَاهُ سَاجِمُهْ (9) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 305 وقال: "ولا تكون متعلِّقة ب (وفاؤكما) الأولى؛ لأنَّك قد أخبرت عنها بقولك: (كالرَّبع) ، فمحال أن تُخبر عن الاسم وقد بقي ما يتعلَّق به لأنَّ هذا المتعلَّق به جزءٌ منه، فكما لا يُخبر عن الاسم قبل تمام حروفه كذلك لا يُخبر عنه وقد بقي ما هو جزءٌ منه" (1) ، وما نصَّ عليه موافق لما جاء عن الجمهور (2) . من باب (كان) وأخواتها المسألة الأولى: كان التَّامة وسمَّاها ابن سِيْدَه (الغنيَّة) (3) لأنَّها تقابل كان النَّاقصة (الفقيرة) إلى الخبر، وقد ذكر (4) هذا أثناء شرحه لقول المتنبِّي: ثَنَى يَدَهُ الإحسَانُ حتَّى كأنَّها وقَد قَبَضَتْ كَانَتْ بِغيرِ بَنَانِ (5) فقد جوَّز أن تكون (كانتْ) في البيت بمعنى: (خُلقتْ) ، ويقيسها على ما حكاه سيبويه من قول العرب: أنا أعرفك مذ كنتَ؛ أي: مذ خُلقتَ (6) ، والقول بمجيء (كان) تامة مكتفية بفاعلها موافقٌ لرأي الجمهور. (7) والفرق بين (كان) التَّامة هذه والنَّاقصة؛ أنَّ المرفوع بالتَّامة فاعلٌ يتمُّ الكلام به، وأنَّها تؤكَّد بالمصدر، ويتعلَّق بها الجار والمجرور، وتعمل في الظَّرف والحال. والنَّاقصة بخلافها في ذلك كلِّه (8) . المسألة الثَّانية: عدم إعمال (كان) وهي مضمرة ويقصد بهذا الحكم (كان) النَّاقصة؛ فهو بعد أن قدَّرها في قول المتنبِّي: وَصَارَ مَا في مِسْكِهِ لِلمِرْجَلِ فَلَم يَضِرْنَا مَعْهُ فَقْدُ الأجدَلِ (9) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 306 نفى أن يكون لها عملٌ في الجملة، وقال: " أراد: ما كان في مسكه، ف (في مسكه) من صلة (الَّذي) ولا تكون خبرًا ل (كان) هذه المرادة؛ لأنَّ تلك لا تُضمر وتعمل؛ لأنَّها فعلٌ كونيٌّ غير مؤثِّر، ولذلك منع سيبويه إضمارها، وإعمالها " (1) ، وهو يبني رأيه هذا على الكثير الشَّائع؛ وإلاَّ فهو مخالفٌ لما استقرَّ عند النُّحاة من جواز حذف (كان) تخفيفًا مع بقاء عملها، قياسًا على قول الشَّاعر (2) : أَبَا خُرَاشَةَ أَمَّا أنتَ ذَا نَفَرٍ فَإِنَّ قَوْمِي لَمْ تَأكلْهُم الضَّبعُ فقد استشهد به كثيرٌ من العلماء على حذف (كان) والتَّعويض عنها ب (ما) ؛ وقالوا إنَّ (أمَّا) في البيت مركبَّة من (أنْ) ضُمَّت إليها (ما) المؤكِّدة، ولزمتها عوضًا من ذهاب (كان) ، والضَّمير المنفصل (أنت) في محل رفع اسم (كان) ، و (ذا نفرٍ) خبرها (3) . وذلك من الأمور الَّتي اختصَّت به (كان) دون باقي أخواتها؛ لأنَّها الأمُّ في بابها (4) . من باب (إنَّ وأخواتها) المسألة الأولى: عمل (لكنَّ) وعملها هو نفس عمل (إنَّ) ؛ وهو نصب المبتدأ ورفع الخبر، وقد أشار ابن سِيْدَه إلى ذلك أثناء شرحه لقول المتنبِّي: ما مَضَوْا لم يُقاتِلُوكَ ولَكِنَّ القِتَالَ الَّذي كَفَاكَ القِتَالا (5) فقد نصَّ (6) على أنَّ (القتالَ) اسمٌ منصوبٌ ب (لكنَّ) ، و (الَّذي) خبرها؛ والتَّقدير: ولكنَّ القتالَ القديمَ الَّذي علموه منك هو الَّذي كفاك القتالَ الآن، وإعمال (لكنَّ) المشدَّدة وأخواتها هذا العمل من الأمور المتفق عليها لدى جمهور النُّحاة (7) . المسألة الثَّانية: إضمار ضمير الشَّأن في الحروف النَّاسخة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 307 وضمير الشَّأن هو الضَّمير الَّذي يُكنَّى به عن جملةٍ بعده اسميَّة أو فعليَّة، تكون هي مرجعه ومفسِّرةً له، ويكون هو دائمًا بلفظ المفرد؛ لأنَّه يراد به الأمر والحديث؛ وذلك نحو: هو زيدٌ قائمٌ (1) . وقد صرَّح ابن سِيْدَه بجواز إضماره في الحروف النَّاسخة في موضعين؛ الموضعِ الأوَّل عند شرحه لقول المتنبِّي: إذا وَرِمَتْ مِنْ لَسعَةٍ مَرِحَتْ لهَا كَأنَّ نَوَالاً صَرَّ في جِلْدِهَا النَّبْرُ (2) حيث قال: " يجوز أن يكون (نوالاً) منصوبًا ب (كأنَّ) والجملة الَّتي هي (صرَّ في جلدها النبرُ) خبر (كأنَّ) وفيه ضعف؛ لأنَّ اسم (كأنَّ) نكرة غير مؤيَّدة بالصِّفة " ثُمَّ قال: " وخيرٌ منه عندي أن يكون في (كأنَّ) إضمار الشَّأن أو الحديث، أي: كأنَّ الأمر أو الحديث، و (نوالاً) مفعول ل (صرَّ) ، فقوله: نوالاً صرَّ في جلدها، تفسير للمضمر الَّذي في (كأنَّ) " (3) . وأمَّا الموضعِ الثَّاني الَّذي صرَّح فيه بإضمار ضمير الشَّأن في الحروف النَّاسخة؛ فهو عند شرحه لقول المتنبِّي: يَرَى أَنَّ مَا مَا بَانَ مِنْكَ لضَارِبٍ بِأَقْتَلَ مِمَّا بَانَ مِنْكَ لِعَائِبِ (4) حيث قال: " ففي (أنَّ) مضمرٌ على شريطة التَّفسير، و (ما) الأولى نفي، والثَّانية بمعنى الَّذي، والجملة بكلِّيتها تفسير المضمر على شريطة التَّفسير " (5) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 308 وهو في هذا يوافق سيبويه (1) فهو الَّذي جوَّز حذف اسم هذه الحروف إذا كان ضمير شأن (2) ، أمَّا جمهور النُّحاة فقدجاء رأيهم في ضمير الشَّأن مع النَّواسخ عمومًا فيه تفصيل؛ حيث إنَّهم رأوا جواز استتاره في (كان) وأخواتها، وفي المقابل ضرورة بروزه مع (إنَّ) وأخواتها، و (ظنَّ) وأخواتها (3) ؛ وذلك لأنَّ اسم (كان) مرفوع، والضَّمير المرفوع يستتر في الفعل، بخلاف الضَّمير المنصوب الَّذي لا يكون إلاَّ ظاهرًا (4) ، كما أنَّه مع (إنَّ) وأخواتها لا يمكن استتاره فيها؛ لأنَّها حروف، والحروف لا تستتر فيها الضَّمائر (5) . من باب (ظنَّ وأخواتها) مسألة: إعمال أفعال القلوب في ضميري الفاعل والمفعول المتصلين مع اتحاد المسمَّى نحو: ظننتُني وحسبتُني، وهذا ممَّا تميَّزت به هذه الأفعال دون غيرها من الأفعال الحسيَّة (6) ؛ فلا يُقال: أكرمتُني، وأكرمتَكَ، وأكرمْكَ، بل يُقال: أكرمتُ نفسي، وأكرمتَ نفسَكَ، وأكرمْ نفسَكَ، وقد علَّل العلماء للمنع في غير أفعال القلوب بأمرين: أحدهما: الاستغناء بالنَّفس عن الضَّمير (7) . الآخر: أنَّ الأصل في الفاعل أن يكون مؤثِّرًا، والمفعول به متأثِّرًا منه، والمؤثَّر يغاير المتأثِّر، فإن اتحدا معنًى امتنع اتحادهما لفظًا (8) . أمَّا عن علَّة جواز الجمع بين الضَّميرين في أفعال القلوب فترجع أيضًا إلى أمرين: أحدهما: أنَّه لمَّا كان المقصود هو المفعول الثَّاني؛ لتعلُّق العلم والظَّن به؛ لأنَّه محلهما بقي المفعول الأوَّل كأنَّه غير موجود، والأمر يختلف مع غيرها من الأفعال نحو: ضربتُني، وضربتَك؛ لأنَّ المفعول محل الفعل فلا يُتوهَّم عدمه (9) . الآخر: أنَّ علم الإنسان وظنَّه بأمور نفسه أكثر من علمه بأمور غيره، فلمَّا كثُر فيها، وقلَّ في غيرها حُمل على الأكثر، فجُمع بينهما (10) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 309 ويلحق بأفعال القلوب في هذا الحكم (رأى) البصريَّة؛ حيث حُملت على (رأى) القلبيَّة (1) ، لذا عندما قال المتنبِّي: يَرَى حَدُّهُ غَامِضَاتِ القُلُوبِ إٍذا كُنتُ في هَبْوَةٍ لا أَرَاني (2) لم يتردَّد ابن سِيْدَه في عدِّ (أراني) بصريَّة، معلِّلاً رأيه بقوله: " لمَّا كانت (أرى) الَّتي هي للعين مطابقةَ اللَّفظ ل (أرى) الَّتي هي للقلب، وهذه تتعدَّى على هذه الصُّورة؛ لأنَّها غيرُ حسيَّة؛ كقولهم: أراني ذاهبًا، استجاز أن يجري (أرى) الَّتي هي للعين مجراها " (3) ، ويستدلُّ على هذا بما حكاه سيبويه عن العرب من قولهم: أما ترى أيُّ برقٍ هاهنا (4) ؛ حيث عُلِّقت فيه (أرى) عن العمل، ورؤية البرق بصريَّة لا نفسانيَّة. من باب (أعلم وأرى) مسألة: نهاية التعدِّي وعنى بها: أنَّ هذه الأفعال لمَّا تعدَّت إلى ثلاثة مفعولين، ولم يعد بمقدورها أن تتعدَّى أكثر، عادت كالفعل اللَّازم الَّذي لا يتعدَّى، وأشبهت بذلك تصغير (لُيَيْلتُنا) في قول المتنبِّي: أُحَادٌ أم سُدَاسٌ في أُحادِ لُيَيْلَتُنَا المَنُوطَةُ بالتَّنَادِي (5) وتصغير (جبل) في قول أوس بن حجر: فُوَيقَ جُبَيْلٍ شَاهِقِ الرَّأسِ لم يَكُنْ لِيَبْلغَهُ حتَّى يَكِلَّ ويَعمَلا (6) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 310 لأنَّ اللَّيلة الَّتي تعدل ست ليالٍ ليست بلُيَيْلَة وإنَّما ليلة، والجبل الَّذي هذه حاله ليس بجُبَيْل وإنَّما هو جبل، ولكنَّهما صُغِّرا تصغير" تعظيم " (1) ، ويعلِّل تصغيرهما هذا التَّصغير بقوله: " ووجه تصغير التَّعظيم؛ أنَّ الشَّيء قد يعظم في نفوسهم حتَّى ينتهي إلى الغاية، فإذا انتهاها عكسوه إلى ضدِّه؛ لعدم الزِّيادة في تلك الغاية، وهذا مشهورٌ من رأي القدماء الفلاسفة الحكماء: أنَّ الشَّيء إذا انتهى انعكس إلى ضدِّه " (2) ، ولذا يرى موافقًا سيبويه أنَّ الأفعال الَّتي تتعدَّى إلى ثلاثة مفعولين بمنزلة الفعل اللَّازم؛ يقول سيبويه: "لأنَّها لمَّا انتهت صارت بمنزلة ما لا يتعدَّى " (3) . من باب الفاعل المسألة الأولى: رفعه بفعلٍ مضمر وقد نصَّ على ذلك أثناء شرحه لقول المتنبِّي: كَفَى ثُعَلاً فَخْرًا بِأنَّكَ مِنهُمُ ودَهرٌ لِأَنْ أَمسَيْتَ مِنْ أَهْلِهِ أَهْلُ (4) فقد أعرب (دهرٌ) فاعلاً لفعلٍٍ مضمر تقديره: وليفخر دهرٌ، وقال: "وحسُن هذا الإضمار؛ لأنَّ قوله: كفى ثُعلاً فخرًا بأنَّك منهم، في قوَّة قوله: لتفخر ثُعلٌ، فحمل الثَّاني على المعنى؛ فكأنَّه قال: لتفخر ثُعلٌ، وليفخر دهرٌ، والحمل على المعنى كثير " (5) ، ويريد من هذا أنَّ الَّذي سوَّغ حذف الفعل هنا وجود قرينة معنويَّة في الكلام تدلُّ عليه. وحذف الفعل الرَّافع للفاعل مع وجود قرينةٍ لفظيَّة، أو معنويَّة تدلُّ عليه جائزٌ لدى جمهور النُّحاة (6) . المسألة الثَّانية: لحوق تاء التَّأنيث الفعلَ للدِّلالة على تأنيث الفاعل وهذه القضيَّة أشار فيها إلى حالة ما إذا كان الفاعل مذكَّرًا في اللَّفظ مؤنَّثًا في المعنى؛ نحو: (أتمُّ الطَّير) في قول المتنبِّي: تُفدِّي أَتَمُّ الطَّيرِ عُمرًا سِلاحَهُ نُسُورُ الفَلا أحْداثُها والقَشَاعِمُ (7) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 311 فهو بمعنى (النُّسور) ؛ ولذا لحقت تاء التَّأنيث الفعلَ (تُفدِّي) حملاً على المعنى، ومثلها في كلام العرب: فلانٌ لغوب جاءته كتابي فاحتقرها؛ حيث " أنَّث الكتاب لمَّا كان في معنى الصَّحيفة " (1) ، وهذا ما يسمِّيه النُّحاة بالمؤنَّث المجازي، وحكم (التَّاء) معه جائز (2) ؛ أي قد تلحق فعلَه التاءُ؛ كما في قول الله تعالى: (قَدْ جَاءَتكُم بيِّنةٌ مِنْ ربِّكُمْ فَأوفُوا الكَيلَ وَالمِيزَانَ ( [الأعراف 85] وقد لا تلحقه؛ كقوله عزَّ مَن قائل: (فَقَدْ جَاءَكُم بيِّنةٌ مِنْ ربِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَة ( [الأنعام 157] المسألة الثَّالثة: جرُّ الفاعل ب (الباء) الزَّائدة وقد ذكر هذا الحكم للفاعل عندما فرَّق (3) بين (الباء) الدَّاخلة على لفظ الجلالة في قول الله عزَّ وجلَّ: (كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا ( [النِّساء 79] و (الباء) الدَّاخلة على الضَّمير المتصل (الكاف) في قول المتنبِّي: كَفَى بِكَ دَاءً أنْ تَرَى المَوتَ شَافِيا وحَسْبُ المَنايَا أنْ يَكُنَّ أمَانِيَا (4) فقد نصَّ على أنَّ مدخولها في الموضعين مختلف؛ حيث إنَّها في الآية الكريمة قد دخلت على الفاعل، بينما هي في البيت داخلةٌ على المفعول به؛ لأنَّ التَّقدير: كفاك داءً، وهو بهذه الموازنة ينبِّه إلى شيءٍ مهم في الفعل (كفى) ؛ وهو أنَّه ليس بالضَّرورة أن يكون كلُّ مجرورٍ ب (الباء) بعده فاعلاً كما هو المشهور (5) وإنَّما قد يكون داخلاً على المفعول. من باب تعدِّي الفعل ولزومه المسألة الأولى: من مواضع وجوب تقدُّم المفعول به على فعله وذلك إذا كان اسمَ استفهام؛ نحو (أيٍّ) في قول المتنبِّي: وتَغْبِطُ الأرضُ منها حيثُ حَلَّ بِهِ وَتَحْسُدُ الخَيْلُ منها أيَّها رَكِبَا (6) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 312 فقد عدَّ (أيًّا) اسم استفهام منصوبًا (1) ، وقال: " (أيَّها) منصوب ب (ركب) ولا يكون ب (تحسدُ) ؛ لأنَّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله إلاَّ أن يكون حرفَ جرٍّ " (2) ، ووجوب تقدُّم المفعول به على فعله إذا كان اسمَ استفهام قد صرَّح به جماعةٌ من النُّحاة (3) ؛ لأنَّهم قد أجمعوا على أنَّ أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها (4) إلاَّ أن يكون حرفَ جرٍّ. المسألة الثَّانية: تعدية الفعل الَّذي ينصب مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبرًا إلى أحد مفعوليه بحرف جرٍّ جائز الحذف وقد أشار إلى ذلك أثناء شرحه لقول المتنبِّي: قَدِ اخْتَرتُكَ الأملاكَ فاخْترْ لَهُمْ بِنَا حَدِيثًا وقَد حَكَّمْتُ رَأَيَكَ فاحْكُمِ (5) فقد بادر بقوله: " أي: من الأملاكِ، فحذف وأوصل الفعل " (6) ،وإنَّما قال هذا لأنَّ الفعل (اختار) هو واحدٌ من تلك الأفعال الَّتي سُمع فيها تعدِّيها إلى أحد مفعوليها بحرف جرٍّ جائز الحذف؛ وهي: اختار، وأمر، واستغفر، ودعا بمعنى سمَّى، وكنَّى، وصدق، وزوَّج، وحدَّث، ونبَّأ، وأنبأ، وخبَّر، وأخبر، وعلى الرَّغم من كثرتها إلاَّ أنَّ رأي الجمهور فيها أنَّها تُحفظ ولا يُقاس عليها (7) ، وابن سِيْدَه لم يُخالف رأيَ الجمهور؛ وإنَّما عقَّب في نهاية المسألة بقوله: " ومثله [أي: اختار] كثير، إلاَّ أنَّه مسموعٌ لا يُقاس عليه " (8) ، وتعدية هذه الأفعال إلى أحد مفعوليها بحرف جرٍّ هي الأصل، والدَّليل على ذلك كثرته، و " ما كثُر في كلام العرب وفشا ينبغي ألاَّ يُدَّعى أنَّه ثانٍ " (9) ، ولكن سُمِع حذف حرف الجرِّ معها؛ كما في بيت المتنبِّي السَّابق، وكما في قول الله تعالى: (وَاخْتَارَ مُوْسَى قَوْمَهُ سَبْعِيْنَ رَجُلاً لِمِيْقَاتِنَا ( [الأعراف 155] الجزء: 13 ¦ الصفحة: 313 حيث إنَّ العلماء (1) أجمعوا على أنَّ تقديرها: (مِن قومه) ؛ ف (قومَه) و (سبعين) مفعولان ل (اختار) ؛ الأوَّل منهما (سبعين) ، والثَّاني (قومَه) (2) ؛ أي: اختار موسى سبعين رجلاً من قومه، والله تعالى أعلم. المسألة الثَّالثة: إسقاط حرف الجرِّ مع (أنْ) وقد نصَّ على هذا أثناء شرحه لقول المتنبِّي: وَأنَّكَ لا تَجُودُ على جَوَادٍ هِبَاتُكَ أنْ يُلقَّبَ بِالجَوادِ (3) فقال: " (أنْ) ... نصب بإسقاط الحرف؛ أي: بأنْ يلقَّبَ “ (4) ، وحذف حرف الجرِّ مع (أنْ) النَّاصبة للفعل المضارع من المواضع المقيسة عند النُّحاة (5) ؛ ومنه قول الله تعالى: (إنَّمَا يَأمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُوْن ( [البقرة 169] أي: وبأنْ تقولوا، ومثل ذلك كثيرٌ في الكتاب العزيز، وغيره (6) “ وإنَّما استحسنوا حذف الباء مع (أنْ) لطول (أنْ) بصلتها الَّتي هي جملة “ (7) ، أمَّا الخلاف الَّذي وقع بين النُّحاة في المسألة فكان حول المحلِّ الإعرابي للمصدر المُؤوَّل من (أنْ) والفعل بعد حذف حرف الجرِّ؛ فالجمهور عدا سيبويه يرونه في محلِّ نصب (8) ، وبرأيهم أخذ ابن سِيْدَه كما هو واضحٌ من قوله (نصب) ، أمَّا سيبويه (9) فقد جوَّز الوجهين؛ النَّصب والجرَّ، ووافقه ابن هشام (10) . المسألة الرَّابعة: الأفعال الَّتي تتعدَّى بنفسها تارةً، وبواسطة حرف جرٍّ يجوز حذفه تارةً أخرى وذكر منها الفعل (ركض) ؛ وذلك أثناء شرحه لقول المتنبِّي: فَبعَدَه وإلى ذَا اليَومِ لَو رَكَضَتْ بِالخيلِ في لَهَوَاتِ الطِّفلِ ما سَعَلا (11) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 314 فقد قال: " وقوله (ركضتْ بالخيلِ) إنَّما وجهه: لو ركضتْ الخيلَ، يقال: ركضتُ الدَّابةََ، ولا يقال: ركضتُ بها، هذا هو المعروف في اللُّغة، لكن قد يجوز أن يكون (ركضتُ بالدَّابة) لغة، فيكون من باب " طوَّحتُه " و " طوَّحتُ به " (1) ؛ أي من تلك الأفعال الَّتي سُمع فيها الوجهان: التَّعدِّي بنفسها، والتَّعدِّي بحرف الجرِّ، وأشهرها الفعل: نصح، وشكر، وكال، ووزن، وركب، وجاء، ورجع، وطمس (2) ، وهذه الأفعال أيضًا تُحفظ ولا يُقاس عليها (3) . ولكن لمَّا جاءت هذه الأفعال بهذه الازدواجيَّة في التَّعدِّي، توقَّف النُّحاة عندها؛ لتحديد أيّ الاثنين أصل للآخر؛ أهو تعدِّيها بالحرف، أم تعدِّيها بنفسها؟ وانقسموا في ذلك إلى ثلاثة فِرق: الفريق الأوَّل؛ ويرى أنِّه: بما أنَّها تتعدَّى تارةً بنفسها، وأخرى بحرف الجرِّ، فعليه لا يكون أحدهما أصلاً للآخر (4) . والفريق الثَّاني يرى: أنَّ الأصل في هذه الأفعال التعدِّي بحرف الجرِّ، ثم توسَّعت العرب بحذفه (5) ؛ وعلى رأيهم يكون الأصل في نحو: نصحت زيداً، نصحت لزيدٍ، ثم حُذِف منه حرفُ الجرِّ في الاستعمال، وكثُر فيه الأصل والفرع. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 315 أمَّا الفريق الثَّالث فيرى: أنَّ هذه الأفعال من باب ما يتعدَّى إلى مفعولين أحدهما بنفسه، والآخر بحرف الجرِّ؛ كالفعل (اختار، وأمر، واستغفر ... ) وأخواتها، وأنَّ الأصل في نحو: نصحت زيداً، نصحت لزيدٍ رأيَه؛ أُخذ من: نصح الخائطُ الثوبَ، إذا أصلحه، وضمَّ بعضه إلى بعض (1) ، فاستُعير في الرَّأي؛ وقيل: نصحت له رأيَه؛ أي أخلصته وأصلحته له، ثم حُذف المفعول الثَّاني، وأُسقط حرفُ الجرِّ من المفعول الأوَّل؛ لتضمُّن (نصح) معنى: (أرشد) ، وكذلك (شكر) فإنَّ الأصل فيه على رأي هؤلاء: شكرت لزيدٍ إحسانَه، فحُذف المفعولُ الثَّاني، وقيل: شكرت لزيدٍ، ثم حُذف حرفُ الجرِّ، لتضمُّن (شكر) معنى: (حمِد) أو (مدح) (2) . ولاشكَّ في أنَّ الَّرأي الأوَّل هو الَّرأي الرَّاجح؛ لكثرة استعمال الوجهين، ولبعده عن تكلُّف تقدير الحذف، وبعده عن التَّضمين الَّذي هو ليس بقياس (3) ، وأحسبه هو الرَّأي الَّذي أخذ به ابن سِيْدَه؛ لأنَّه عدَّهما لغتين. من باب التَّنازع مسألة:قضيَّة التَّنازع وقضيَّته تتلخَّص في أن يتنازع عاملان على معمولٍ واحد (4) ، وقد يختلف مطلبُهما، وقد يتفق، وقد وردت صورتاهما في شعر المتنبِّي؛ فأمَّا الصُّورة الأولى؛ وهي عندما يختلف مطلبُ العاملين، فقد جاءت في قول المتنبِّي: ألَمْ يَسألِ الوبْلُ الَّذي رَامَ ثَنْيَنَا فَيُخْبِرَهُ عَنْكَ الحَدِيدُ المُثَلَّمُ (5) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 316 فالفعلان (يسأل، ويخبر) يتنازعان كلمة (الحديد) ؛ فكلُّ واحدٍ منهما يطلبه معمولاً له، ولكن يختلف طلبُ كلِّ واحدٍ منهما له؛ فالفعل (يسأل) يطلبه مفعولاً به، والفعل (يخبر) يطلبه فاعلاً، ويرى ابن سِيْدَه موافقًا مذهب البصريين في المسألة أنَّ العمل للثَّاني؛ أي للفعل (يخبر) ، بدليل مجيء كلمة (الحديدُ) بالرَّفع، ويقول: " وهذا كقولك ضربتُ وضربني زيدٌ، أي: ضربتُ زيدًا وضربني زيدٌ، فحذف الأوَّل؛ لدلالة الثَّاني عليه " (1) . أمَّا الصُّورة الأخرى للتَّنازع؛ وهي الَّتي يتفق فيها مطلبُ العاملين، فقد جاءت في قول المتنبِّي: طَوَى الجَزِيرَةَ حتَّى جَاءَنِي خَبَرٌ فَزِعتُ فيهِ بِآمَالِي إلى الكَذِبِ (2) فالفعلان (طوى، وجاء) متنازعان على كلمة (خَبَرٌ) ، وكلُُّ واحدٍ منهما يطلبه فاعلاً له، ويصرِّح ابن سِيْدَه بأنَّه آخذٌ برأي البصريين؛ فيقول: " و (خَبَرٌ) مرفوع على مذهب البصريين ب (جاءني) ؛ لأنَّهم إنَّما يُعملون أقربَ الفعلين، ولابدَّ على هذا من إضمار الفاعل في (طوى) على شريطة التَّفسير، وإن كان إضمارًا قبل الذِّكر ... وأمَّا على مذهب الكوفيين، فيرفع (خَبَرٌ) على أنَّه فاعلٌ ب (طوى) ؛ لأنَّهم يُعملون أسبقَ الفعلين، فلا بدَّ على هذا من الإضمار في (جاءني) ؛ أي: طوى الجزيرةَ خبرٌ حتَّى جاءني، والقول الأوَّل عندي أحسن في هذا البيت؛ لأنَّ النَّكرة الَّتي هي (خَبَرٌ) على ذلك القول موصوفة بالجملة الَّتي هي (فزعت فيه بآمالي) إلاَّ أنَّ فيه ما قد أريتك من الإضمار في الأوَّل على شريطة التَّفسير، وعلى هذا القول الثَّاني ليس للنَّكرة وصف " (3) . من باب المفعول فيه المسألة الأولى: العامل في الظَّرف وقد أشار إليه عَرَضًا أثناء توضيحه لِمَا أراده المتنبِّي من كلمة (الفتى) في قوله: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 317 ولا فَضلَ فِيهَا لِلشَّجَاعةِ والنَّدَى وصَبرِ الفَتَى لَولا لِقَاءُ شَعُوبِ (1) فقد نصَّ ابن سِيْدَه على أنَّه أراد بها الجَلِد الصَّابر، ولم يَعنِ بها ذا السِّنِّ، وحتَّى يؤكِّد ذلك المعنى جاء ببيتٍ لمالك بن خالد الخناعي الهذلي، وهو قوله: فتًى مَا ابنُ الأغَرِّ إذا شَتَوْنَا وحُبَّ الزادُ في شَهرَي قُمَاحِ (2) وقال: “ كنَّى بالفتوة عن الكرم؛ كأنَّه قال: ابن الأغرِّ كريم، ولولا ذلك لم يعمل (فتى) في (إذا) ؛ لأنَّ الظُّروف لا تعمل فيها [إلاَّ] (3) الأفعال، أو ما هو في طريقها، وإذا قلت: زيدٌ فتى، تعني به السِّن، فليس فيه معنى الفعل “ (4) ، وواضحٌ من قوله أنَّه يرى أنَّ الظُّروف لا يعمل فيها إلاَّ الفعل، أو ما هو في قوَّة الفعل، وهذا هو رأي الجمهور (5) . المسألة الثَّانية: إعراب كلمة (بدل) ظرف مكان وقد أعربها هذا الإعراب عند شرحه لقول المتنبِّي: عَذِيرِي مِنْ عَذَارَى مِنْ أُمُورٍ سَكَنَّ جَوَانِحِي بَدَلَ الخُدُورِ (6) فأعرب (بدل) ظرف مكان؛ لأنَّها بمعنى: مكان الخدور (7) ، وقاسه على ما حكاه سيبويه من قولهم: إنَّ بدلك زيدًا، أي: إنَّ مكانك (8) ، وعلى قولِهم للرَّجل: اذهب معك بفلان، فيقول: معي رجلٌ بدلَ فلان؛ أي: يغني غَناءه، ويكون في مكانه (9) . من باب المفعول معه مسألة: الحالة الَّتي يترجَّح فيها نصب الاسم على رفعه وهي الَّتي يكون المعطوف عليه ضميرَ رفعٍ متصل، لم يُفصل بينه وبين الاسم المقترن بالواو بأيِّ فاصل؛ فإنَّه في هذه الحالة يترجَّح نصب الاسم الواقع بعد الواو على رفعه؛ ولذا عدَّ ابن سِيْدَه رفعَ (وصلُه) و (صدُّه) في قول المتنبِّي: يُبَاعِدْنَ حِبًّا يَجتَمِعْنَ وَوصْلُهُ فَكَيْفَ بِحِبٍّ يَجتَمِعْنَ وَصَدُّهُ (10) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 318 عدَّه ضرورة، وقال: " ولو كان الرَّوي منصوبًا لكان (وصدَّه) هو الأجود على المفعول معه " (1) ، وترجيح نصب الاسم على رفعه وهو في هذه الحالة هو قول الجمهور (2) . من باب الحال المسألة الأولى: حكم الاسم الجامد إن وقع حالاً وحكمه أن يؤوَّل بمشتقٍّ (3) ؛ ولذا أوَّل (4) ابن سِيْدَه كلمة (تمائمًا) بعد أن أعربها حالاً ب (حوارس) ، وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: نُظِمَتْ مَواهِبُهُ عَليهِ تمَائِمًا فَاعتَادَهَا فَإذَا سَقَطْنَ تَفَزَّعَا (5) وقاس تأويلها بمشتقٍّ في البيت على تأويلها في قول الله تعالى: (هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آية ( [الأعراف 73] فقد أوَّل النُّحاة كلمة (آية) في الآية الكريمة ب (علامة) أي: بالمصدر؛ وذلك لكي يعربوها حالاً (6) . المسألة الثَّانية: مجيء الفعل الماضي حالاً دون (قد) وقد نصَّ (7) على جواز ذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: كَمْ مَهْمَهٍ قَذَفٍ قَلْبُ الدَّلِيلِ بِهِ قَلْبُ المُحِبِّ قَضَانِي بَعدَ مَا مَطَلا (8) وعلَّل تجويزه هذا بكون الفعل الماضي قد يقع موقع الفعل المستقبل؛ في نحو: إن فعلَ فعلْتُ، وفيما حكاه سيبويه من قولهم: والله لا فعلْتُ؛ أي: لا أفعلُ، وهو بهذا يوافق رأي الكوفيين (9) والأخفش (10) الَّذين جوَّزوا وقوع الفعل الماضي حالاً محتجِّين بالقياس الَّذي ذكره، وبالسَّماع الَّذي منه قول الله تعالى: (أو جَاؤُوكُم حَصِرَتْ صُدُورُهم ( [النِّساء 90] الجزء: 13 ¦ الصفحة: 319 فقد أعربوا جملة (حصرت صدورُهم) في محلِّ نصب حال (1) ، أمَّا البصريون فقد منعوا وقوع الفعل الماضي حالاً إلاَّ أن تكون معه (قد) ظاهرةً أو مقدَّرة (2) ؛ لأنَّ الحال وصفٌ لهيئة الفاعل والمفعول، والماضي قد انقضى، فلا يكون وصفًا لهيئة الاسم (3) ، والرَّاجح في المسألة رأي ابن سِيْدَه والكوفيين؛ لأنَّ القياس والسَّماع يؤيِّده، ولأنَّه خالٍ من التَّقدير الَّذي هو ليس بقياس (4) . لمسألة الثَّالثة: وجوب اشتمال الجملة الحاليَّة على ضميرٍ يعود على صاحب الحال وهذا ما صرَّح به أثناء شرحه لقول المتنبِّي: بِوَادٍ بِهِ مَا بِالقُلُوبِ كَأنَّهُ وَقَدْ رَحَلُوا جِيْدٌ تَنَاثَرَ عِقْدُهُ (5) حيث قال: " (وقد رحلوا) جملةٌ في موضع الحال؛ أي: في حال رحيلهم عنه، وكأنَّه قال: مرحولاً عنه جِيدٌ هذه صفته، ولابدَّ من تقدير (عنه) إذ لا بدَّ لصاحب الحال من ضميرٍ يعود إليه من الحال " (6) . وواضحٌ من قوله (لابدَّ) أنَّه يرى وجوب اشتمال جملة الحال على ضميرٍ يعود على صاحب الحال إمَّا مذكورًا أو مقدَّرًا، والواقع ليس كذلك؛ لأنَّه كما يكون (الضَّمير) رابطًا جملة الحال بصاحبها تكون (الواو) أيضًا رابطةً لهما من دون الضَّمير؛ وذلك كما في قولهم: جاء زيدٌ وعمروٌ جالس، ولذا اعتاد النُّحاة (7) عند ذكرهم للضَّمير الرَّابط لجملة الحال بصاحبها أن يذكروا الرَّابط الثَّاني وهو (الواو) ، وابن سِيْدَه لو عدَّ (الواو) رابطةً لجملة الحال بصاحبها؛ لأغناه ذلك عن التَّقدير الَّذي هو ليس بأصل. المسألة الرَّابعة: حكم صاحب الحال والحكم الغالب فيه أن يكون معرفةً، أو قريبًا من المعرفة (8) ، ولا يكون نكرةً إلاَّ بمسوِّغات ليس منها تنكير (قوم) (9) في قول المتنبِّي: إذَا تَرَحَّلتَ عَنْ قَومٍ وَقَد قَدَرُوا أنْ لاَ تُفَارِقَهُم فَالرَّاحِلُونَ هُمُ (10) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 320 ولذا حاول ابن سِيْدَه أن يبحث لها عن مسوِّغٍ، فلم يجد إلاَّ معنى العموم الَّذي دلَّت عليه، فقال: " (وقد قدروا) جملة في موضع الحال، وجاز أن تكون حالاً من (قوم) وإن كان نكرة؛ لأنَّ فيه معنى العموم، ولولا هذه الواو لكان أولى من ذلك أن تكون الجملة في موضع الصِّفة للنَّكرة " (1) والنُّحاة إنَّما اشترطوا في صاحب الحال التَّعريف، وأن لا يكون نكرةً إلاَّ بمسوِّغ؛ لأنَّ للحال شبهًا بالخبر، ولصاحبها شبهٌ بالمبتدأ في كونه محكومًا عليه، والحكم على الشَّيء لا يكون إلاَّ بعد معرفته (2) ، ثُمَّ إنَّه بتنكيرها، وتعريف صاحبها يتحقَّق الفرق بينها وبين الصِّفة (3) . من باب حروف الجرِّ: المسألة الأولى: معاني بعض حروف الجرِّ فقد ذكر ابن سِيْدَه بعضًا من معاني بعضِ حروف الجرِّ؛ فذكر ل (اللاَّم) معنيين: أحدهما: الاستحقاق (4) ؛ وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: دَارُ المُلمِّ لهَا طَيفٌ تَهدَّدَنِي لَيْلاً فَمَا صَدَقَتْ عَينِي ولاَ كَذَبَا (5) ف (اللاَّم) في (لها) للاستحقاق، وهذا من أهمِّ معانيها (6) . والآخر: معنى (إلى) (7) ؛ وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: وَلَهُ وَإنْ وَهَبَ المُلُوكُ مَواهِبٌ دَرُّ المُلُوكِ لِدَرِّهَا أَغبَارُ (8) ف (اللاَّم) في (لدرِّها) بمعنى (إلى) أي: درُّها بالإضافة إلى درِّها، ومجيء (اللاَّم) بمعنى (إلى) قد صرَّح به جماعةٌ من النُّحاة (9) . وذكر ل (مِنْ) أربعة معانٍ: أحدها: التَّبعيض (10) ؛ وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: تَخلُو الدِّيَارُ منَ الظِّبَاءِ وَعِندَهُ منْ كُلِّ تَابِعَةٍ خَيَالٌ خَاذِلُ (11) ف (مِنْ) في الموضعين من البيت للتَّبعيض، والتَّبعيض من أشهر معاني (مِنْ) (12) . الثَّاني: التَّبيين (13) ؛ وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 321 عَذِيرِي مِنْ عَذَارَى مِنْ أُمُورٍ سَكَنَّ جَوَانِحِي بَدَلَ الخُدُورِ (1) ف (مِنْ) في البيت للتَّبيين؛ أي: ليست هؤلاء العذارى من النِّساء، وإنَّما هي مِنْ أمور الدَّهر وخطوبه. وقد جاءت (مِنْ) للتَّبيين (2) أيضًا في قول المتنبِّي: قَلَّدَتْنِي يَمِينُهُ بِحُسَامٍ أَعقَبَتْ مِنهُ واحِدًا أَجدَادُهْ (3) أي: إنَّ الهند لم تطبع له نظيرًا يكون له ثانيًا، فقد أعقبت منه واحدًا، والتَّبيين هو أحد معاني (مِنْ) أيضًا المشهورة (4) الثَّالث: التَّعليل (5) ؛ وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: وَبِهِ يُضَنُّ عَلَى البَرِيَّةِ لا بِها وَعَليهِ منها لا عَلَيها يُوسَى (6) ف (مِنْ) للتَّعليل؛ أي: من أجلها، ودلالة (مِنْ) على التَّعليل نصَّ عليه الإربلي، والمرادي، وابن هشام (7) . الرَّابع: الزِّيادة؛ وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: نَوَاخسَ الأطرَافِ للأكفَالِ يَكدْنَ يَنفُذْنَ مِنَ الأطَالِ (8) فقد نصَّ (9) على أنَّ (مِنْ) في البيت زائدة، ونبَّه على الخلاف الواقع بين سيبويه والأخفش في زيادة (مِنْ) ؛ حيث إنَّ سيبويه (10) يشترط لزيادتها أن يكون ما قبلها غير موجب؛ أي أن يكون نفيًا، أو نهيًا، أو استفهامًا ب (هل) (11) نحو: ما قام من رجل، ولا تضرب من رجل، وهل جاءك من رجل. أمَّا الأخفش فيرى جواز زيادتها في الإيجاب (12) ، وبرأيه أخذ ابن سِيْدَه؛ حيث عدَّها زائدة في كلامٍ موجب، وأراه الرَّأي الرَّاجح؛ لثبوت السَّماع بذلك في النَّثر والنَّظم، أمَّا النَّثر؛ فنحو قول الله تعالى: (ويُكَفِّر عَنكُم مِنْ سَيْئَاتِكُم ( [البقرة 271] وأمَّا النَّظم؛ فكقول الشَّاعر (13) : وكُنتُ أرَى كَالمَوتِ مِنْ بَينِ سَاعةٍ فَكَيفَ بِبَينٍ كَانَ مَوعِدهُ الحَشْرُ وذكر ل (في) معنًى واحدًا؛ وهو: التَّعليل؛ وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 322 بِنتُم عَنِ العَينِ القَرِيحةِ فيكُمُ وسَكَنتُمُ وَطَنَ الفُؤَادِ الوَالِهِ (1) فقال: " (فيكم) أي: من أجلكم،كما تقول: هجرت فيك، أي: من أجلك " (2) . وذكر ل (حتَّى) أيضًا معنًى واحدًا؛ وهو معنى (إلى) (3) ، وذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: حَتَّامَ نَحنُ نُسَارِي النَّجْمَ في الظُّلَمِ وَمَا سُرَاهُ عَلَى خُفٍّ وَلا قَدَمِ (4) وهذا من أشهر معانيها (5) . المسألة الثَّانية: حذف الجار والمجرور وهذا مِمَّا صرَّح به أثناء شرحه لقول المتنبِّي: وَبِهِ يُضَنُّ عَلَى البَرِيَّةِ لا بِهَا وعَلَيهِ منها لا عَلَيها يُوسَى (6) حيث قال: " تقديره: لا بها عليه، فحذف (عليه) للعلم به " (7) ، وحذفهما إن دلَّ عليهما دليل كثيرٌ في العربيَّة (8) ؛ ومنه قول الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَّفْسٍ شَيْئًا ( [123 البقرة] أي: يومًا لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ فيه شيئًا (9) ، والله تعالى أعلم. المسألة الثَّالثة: امتناع دخول حرف جرٍّ على حرف جرٍّ آخر وقد صرَّح بامتناع ذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: فَجَازَ لَهُ حتَّى عَلَى الشَّمسِ حُكمُهُ وَبَانَ لَهُ حتَّى عَلَى البَدرِ مِيسَمُ (10) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 323 فقال: " وينبغي أن يكون الفعل منويًّا مع (حتَّى) كأنَّه قال: حتَّى جاز على الشَّمس، وحتَّى بان على البدر، أي (إلى أن) ، ولا تكون (حتَّى) هنا حرف غاية، وتكون داخلة على (على) ؛ لأنَّ (حتَّى) و (على) حرفان، ولا يدخل حرفٌ على حرف، فلا بدَّ من تقدير (حتَّى) ب (إلى أن) ، وإذا قدَّرتها ب (إلى أن) فقد حصل الفعل؛ لأنَّ (أن) لا بدَّ لها من فعل " (1) ، ومنع دخول حرف جرٍّ على حرف جرٍّ آخر ثابت عند النُّحاة؛ يقول ابن السَّرَّاج: " لا يجوز أن يدخل حرفٌ من هذه الَّتي ذكرت على حرفٍ منها؛ فلا يجوز أن تُدخل (الباء) على (إلى) ولا (اللاَّم) على (مِنْ) ولا (في) على (إلى) ولا شيئًا منه على آخر " (2) . من باب الإضافة المسألة الأولى: الإضافة من خواص الأسماء وقد نصَّ على هذا أثناء شرحه لقول المتنبِّي: بَلَى يَرُوعُ بِذِي جَيشٍ يُجدِّلهُ ذَا مِثلِهِ في أَحَمِّ النَّقْعِ غِرْبِيبِ (3) فقال: " وقوله: ذا مثله، أقام فيه الصِّفة مقام الموصوف؛ أي: ذا جيشٍ مثلِه، وحسُن حذف الموصوف هنا وإقامة الصِّفة مقامه لأمرين: أحدهما أنَّ (مثل) مضافة، فشاكلت بذلك الأسماء؛ لأنَّ الإضافة إنَّما هي للاسم، والآخر أنَّ لفظ الموصوف المحذوف وهو الجيش قد تقدَّم مظهرًا في قوله: بلى يروع بذي جيشٍ يجدِّله " (4) ، وعدُّ الإضافة من خواص الأسماء من الأمور المتفق عليها عند جمهور النُّحاة (5) . المسألة الثَّانية: الإضافة وسيلة من وسائل تعريف الاسم وقد نبَّه إلى ذلك عندما جعلها في منزلة (الألف واللاَّم) ؛ وذلك أثناء شرحه لقول المتنبِّي: تُمسِي عَلَى أَيدِي مَوَاهِبِهِ هِيَ أَو بَقِيَّتُها أَو البَدَلُ (6) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 324 فقال: " أراد: أو بدلها، فجعل (الألف واللاَّم) عوضًا من الإضافة؛ لأنَّ كلَّ واحدةٍ منهما للمعرفة " (1) ، ولا شكَّ في أنَّه يقصد بهذا الحكم " الإضافةَ المحضة " أمَّا نحو: (مالكَ الأرض) ممَّا إضافتُه غيرُ محضة في قول المتنبِّي: ويَجهَلُ أَنِّي مَالِكَ الأرضِ مُعْسِرٌ وأنِّي عَلَى ظَهْرِ السِّمَاكَينِ رَاجِلُ (2) فإنَّه رأى فيها ما رآه النُّحاة من أنَّها لا تُكسب المضاف تعريفًا ولا تخصيصًا (3) ؛ ولذا أعرب (مالكَ الأرضِ) حالاً من الضَّمير المتصل ب (أنِّي) ، وعقَّب بقوله: “ والنِّية فيه الانفصال؛ أي: مالكًا للأرض “ (4) ، وكأنَّه يشير بهذا إلى السَّبب الَّذي جعل المضاف لا يكتسب تعريفًا من المضاف إليه في مثل هذه الإضافة؛ وهو أنَّ ارتباط المضاف بالمضاف إليه ليس بقوي وإنَّما هما على نيَّة الانفصال. المسألة الثَّالثة: بناء الظَّرف (فوقُ) على الضمِّ فقد صرَّح (5) بأنَّ الظَّرف (فوقُ) مبنيٌّ على الضَّمِّ في قول المتنبِّي: فَأضْحَى كَأنَّ السُّورَ مِن فَوقُ بَدْؤُهُ إلى الأَرضِ قَد شَقَّ الكَواكِبَ والتُّربَا (6) وعلَّل لبنائه ب (حذف المضاف إليه) ، ولا شكَّ في أنَّه يقصد: حذفه مع إرادة معناه؛ لأنَّ هذا الظَّرف من الظُّروف الَّتي تُبنى إذا قُطعت عن الإضافة، فإذا ما أُضيفت، أو نُكِّرت؛ بحذف المضاف إليه دون إرادة لفظه، أو معناه، فإنَّها تُعرب (7) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 325 وقد علَّل النُّحاة لبنائها بأنَّها لمَّا كانت مع ما تضاف إليه بمنزلة كلمةٍ واحدة؛ لذا فإنَّها لمَّا قُطعت عن الإضافة تنزَّلت منزلة بعض الكلمة، وبعض الكلمة مبنيٌّ لا معرب (1) ، وبُنيت على حركة مع أنَّ الأصل في البناء أن يكون على السُّكون تمييزًا لها عمَّا كان ملازمًا للبناء، وليس له حالة إعراب؛ وذلك لفضل الحركة على السُّكون (2) ، واختير لها الرَّفع دون النَّصب والجرِّ؛ لأنَّه قد حُذف منها المضاف، وتضمَّنت معنى الإضافة، فعوِّضت من المحذوف بالضَّمة؛ لأنَّها أقوى الحركات، ثُمَّ إنَّ النَّصب والجرَّ يدخلها في حال الإعراب، فلو بُنيت على أحدهما لالتبس الإعراب بالبناء (3) . المسألة الرَّابعة: حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وقد أشار إلى هذا في أكثر من موضع (4) ؛ فمثلاً عند شرحه لقول المتنبِّي: ولَكِنَّهُنَّ حِبَالُ الحَيَاةِ وكَيدُ العُدَاةِ ومَيْطُ الأَذَى (5) قدَّر: كيدُ العداة، وميطُ الأذى؛ ب: سببُ كيدِ العداةِ، وسببُ ميطِ الأذى، وقال: " فحذفَ المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه " (6) ، وكذلك عند شرحه لقول المتنبِّي: إٍذَا امْتَلأَتْ عُيُوْنُ الْخَيْلِ مِنِّي فَوَيْلٌ لِلتَّيَقُظِ وَالْمَنَامِ (7) نصَّ على أنَّ المتنبِّي أراد: إذا امتلأت عيون فرسان الخيل، فحذف المضاف (8) . وحذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه كثُر في كلامهم كثرةً دعت ابنَ جنِّي لأن يقول: " حذف المضاف في الشِّعر، وفصيح الكلام في عدد الرَّمل سعةً " (9) . من باب إعمال المصدر مسألة: إضافة المصدر إلى معموله والمقصود بمعموله: إمَّا فاعله وإمَّا مفعوله، وقد مرَّت بابن سِيْدَه الصورتان في شعر المتنبِّي؛ فمن إضافة المصدر إلى فاعله قوله: بِحُبِّ قَاتِلَتِي والشَّيبِ تَغْذِيَتِي هَوايَ طِفلاً وشَيْبِي بَالِغَ الحُلُمِ (10) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 326 حيث توقَّف عند قوله (تغذيتي) وقال: " الياء في (تغذيتي) تكون في موضع الفاعل، فيكون المفعول حينئذٍ محذوفًا؛ أي: تغذيتي نفسي، كما تقول: عجبت من ضرب زيدٍ عمرًا " (1) ، وكما أُضيف المصدر هنا إلى فاعله، وحُذف مفعوله، أُضيف في بيت المتنبِّي التَّالي إلى مفعوله، وحُذف فاعله؛ يقول: مَلامُ النَّوَى في ظُلمِهَا غَايَةُ الظُّلْمِ لَعَلَّ بِهَا مِثْلَ الَّذي بِي مِنَ السُّقْمِ (2) فقوله: ملامُ النَّوى، قدَّره ابن سِيْدَه ب: ملامي للنَّوى (3) ، وكذلك (فراقَ القوسِ) في قول المتنبِّي: يُفَارِقُ سَهمُكَ الرَّجُلَ المُلاقِي فِرَاقَ القَوسِ ما لاقَى الرِّجَالا (4) قدَّره ب: فراقَه القوسَ (5) ، ونصَّ في الموضعين على أنَّ المتنبِّي أضاف المصدر إلى مفعوله قياسًا على قول الله تعالى: (لايَسْأمُ الإنسَانُ مِنْ دُعَاءِ الخَيرِ ( [فُصِّلت 49] لأنَّ تأويلها عند النُّحاة: من دعائه الخيرَ (6) ، والله تعالى أعلم. من باب إعمال اسم الفاعل مسألة: شرط (الاعتماد) لإعمال اسم الفاعل وقد نصَّ على هذا الشَّرط عند شرحه لقول المتنبِّي: لاَ نَعذُلُ المَرَضَ الَّذي بِكَ شَائِقٌ أَنتَ الرِّجَالَ وشَائِقٌ عِلاَّتِهَا (7) فقال: " (شائقٌ) خبر مبتدأ مقدَّمٌ و (أنت) مبتدأ؛ أي: أنت شائقٌ الرِّجالَ وعلَلَها، ولا يجوز أن يكون (شائقٌ) مبتدأ و (أنت) فاعل ب (شائق) لأنَّ اسم الفاعل إنَّما يعمل عمل الفعل إذا كان [معتمدًا] (8) على شيءٍ قد عمل في الاسم قبله؛ أعني: كأن يكون خبرًا لمبتدأ، أو فاعلاً لفعل، أو صفة لموصوف، أو حالاً لذي حال، ونحو ذلك " (9) . وهو باشتراطه (الاعتماد) لإعمال اسم الفاعل يوافق رأي الجمهور (10) . من باب (أفعل) التَّفضيل المسألة الأولى: حذف (مِنْ) الجارة للمفضَّل عليه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 327 وهذا الحكم مختصٌّ به (أفعل) المجرَّد من (ال) والإضافة، فهو الَّذي تلحقه (مِنْ) جارةً للمفضَّل عليه، ولكنَّها قد تُحذف كما حُذفت في قول المتنبِّي: أُغَالِبُ فِيكَ الشَّوقَ والشَّوقُ أَغلَبُ وأَعجَبُ مِنْ ذَا الهَجرِ والوَصْلُ أَعجَبُ (1) فقدَّرها ابن سِيْدَه ب: والشَّوقُ أغلبُ منِّي له، وقال: ” حَذفَ للعلم بما يعني؛ كقولنا: (الله أكبر) ، أي: من كلِّ شيء فحذف " (2) ، ثُمَّ استشهد بما استشهد به سيبويه في المسألة، وهو قول سُحيم بن وَثيل: مَرَرتُ على وادِي السِّباعِ ولا أرَى كَوَادِي السِّباعِ حِينَ يُظْلِمُ وَادِيَا أَقَلَّ بِهِ رَكْبٌ أَتَوْهُ تَئِيَّةً وأَخْوَفَ إلاَّ مَا وَقَى اللهُ سَارِيَا يقول سيبويه: " أراد: أقلَّ به الرَّكبُ تئِيَّةً منهم به، ولكنَّه حذف ذلك استخفافًا؛ كما تقول: أنت أفضلُ، ولا تقول: مِن أحد، وكما تقول: الله أكبرُ، ومعناه: الله أكبرُ مِن كلِّ شيء “ (3) . المسألة الثَّانية: صياغة (أفعل) من الفعل الثُّلاثي وهذا هو أهمُّ شرطٍ في الشُّروط الَّتي يجب توافرها في الفعل الَّذي يُصاغ منه (أفعل) التَّفضيل (4) ، وابن سِيْدَه ذكره مرَّتين، ولكنَّه في كلتا المرَّتين لم ينصَّ عليه كشرطٍ من شروط صياغة (أفعل) التَّفضيل، وإنَّما كان " يعتذر " للمتنبِّي عن صياغته (أفعل) من غير الثُّلاثي؛ حيث قال عند شرحه لقول المتنبِّي: إِبْعَدْ بَعِدتَ بَيَاضًا لا بَيَاضَ لَهُ لأَنْتَ أَسوَدُ في عَينِي مِنَ الظُّلَمِ (5) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 328 “ أمَّا قوله: أسود في عيني من الظُّلم، فخطَّأه فيه قوم، قالوا: إنَّ فِعْلَ هذا على أكثر من ثلاثة أحرف، وهو (اسودَّ) فلا تقع المفاضلة إلاَّ بأشدَّ وأبين وغيرهما من الأفعال الثُّلاثية الَّتي تُصاغ؛ ليوصل بها إلى التَّعجُّب من الأفعال الَّتي على أكثر من ثلاثة، وهذا منهم غلط؛ ليست (أفعل) هنا للمفاضلة، ولا (مِنْ) متعلَّق بأسود على حدِّ تعلُّق (مِنْ) ب (أفضل) في قولك: زيدٌ أفضل من عمرو، وإنَّما هو كقولك: لأنت أسود معدودٍ من الظُّلم في عيني، ف (مِنْ) غير متعلِّقة بأسود كتعلُّق (مِنْ) ب (أفعل) الَّتي للمفاضلة، وإنَّما هي في موضع رفعٍ حالَّةً محلَّ الظَّرف بمنزلتها في قول الأعشى: فلستَ بالأكثرِ منهمْ حصى وإنَّما العِزَّةُ للكاثر ولا يجوز أن تكون (مِنْ) متعلِّقة ب (الأكثر) ؛ لأنَّ اللاَّم تعاقب (مِنْ) وإنَّما هي هنا بمنزلة الظَّرف “ (1) . وكما اعتذر للمتنبِّي من هؤلاء القوم، اعتذر له من ابن جنِّي الَّذي أخذ عليه قوله: وأَغرَبُ منْ عَنْقَاءَ في الطَّيرِ شَكْلُهُ وأَعْوَزُ منْ مُسْتَرفِدٍ منهُ يُحرَمُ (2) حيث صاغ أفعل التَّفضيل (أعوزُ) من الفعل غير الثُُّلاثي (أعوزَ) (3) ، فقال ابن سِيْدَه: “ قال: أعوزُ، وإنَّما هو أشدُّ إعوازًا؛ لأنَّه جاء به على حذف الزَّائد، هذا قول أبي الفتح، وليس على حذف الزَّائد كما قال؛ لأنَّه يُقال: عازَه الأمر وأعوزَه، ف (أعوزُ) في بيت المتنبِّي على (عازَ) لا على (أعوزَ) وإنَّما يُتوهم حذف الزَّائد إذا لم يوجد عنه مندوحة؛ كقولهم: ما أعطاه للدِّرهم، وآتاه للجميل، وأولاه للمعروف، فإنَّ هذا كلَّه على حذف الزَّائد " (4) . من باب النَّعت المسألة الأولى: اشتراط كون الصِّفة مشتقَّة فإذا جاءت جامدة أُوِّلت بالمشتق (5) ؛ وهذا ما فعله ابن سِيْدَه في (قُطْن) من قول المتنبِّي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 329 رَمَانِي خِسَاسُ النَّاسِ مِنْ صَائِبِ استِهِ وآخَرُ قُطْنٌ منْ يَدَيهِ الجَنَادِلُ (1) حيث إنَّه عندما أراد أن يعربها صفةً ل (آخرُ) ، و (قُطْنٌ) اسم ذاتٍ جامد، وهو ما عبَّر عنه ب (الجوهر) أوَّله ب (ليِّن) ليصحَّ النعتُ به (2) ، وقاسه على ما حكاه سيبويه عن العرب من قولهم: مررت بسرجٍ خزٍّ صفته، أي: ليِّن، وقولهم: مررت بقاعٍ عرفجٍ كلِّه، أي: خشن (3) ، وإنَّما لزم أن تكون الصِّفة بالمشتق، أو الجاري مجراه؛ لأنَّ الغرض من الوصف هو الفرق بين مشتركين في الاسم، " والفرق إنَّما يحصل بأمرٍ عارض يوجد في أحد الشَّيئين أو الأشياء دون باقيها، وهذا إنَّما يكون في المشتقات " (4) . المسألة الثَّانية: الصِّفة والموصوف كالشَّيء الواحد وقد نصَّ على هذا الحكم لهما عندما فصلت (الواو) بينهما في قول المتنبِّي: إذَا تَرَحَّلتَ عَنْ قَومٍ وقَد قَدَرُوا أَن لا تُفَارِقَهُم فَالرَّاحِلونَ هُمُ (5) فإنَّ جملة (قد قدروا) حقُّها أن تُعرب صفةً للاسم النَّكرة (قوم) ، ولكنَّ ابن سِيْدَه أعربها حالاً كما مرَّ وقال: “ ولولا هذه (الواو) لكان أولى من ذلك أن تكون الجملة في موضع الصِّفة للنَّكرة، فأمَّا مع (الواو) فلا تكون صفة؛ لأنَّ الصِّفة والموصوف كالشَّيء الواحد، فإذا عطفتَ الصِّفة على الموصوف، فكأنَّك عطفت بعض الاسم على بعض، وهذا ما لا يسوغ، وأمَّا الحال فمنفصلة من ذي الحال فجاز الفصل بينهما لذلك " (6) ، وقد نصَّ على هذا الأمر أيضًا الفرَّاء، وابن عصفور، وابن أبي الرَّبيع (7) . المسألة الثَّالثة: حذف الموصوف وإقامة الصِّفة مقامه وقد ذكر هذا الحكم مرَّتين؛ إحداهما بالتَّصريح، والأخرى بالتَّلميح، فأمَّا المرَّة الَّتي صرَّح فيها بالحكم فهي عند شرحه لقول المتنبِّي: بَلَى يَرُوعُ بِذِي جَيشٍ يُجَدِّلُهُ ذَا مِثلِهِ في أَحَمِّ النَّقْعِ غِربِيبِ (8) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 330 حيث قال: " قوله: ذا مثله، أقام فيه الصِّفة مقام الموصوف؛ أي: ذا جيشٍ مثله، وحسُن حذف الموصوف هنا وإقامة الصِّفة مقامه لأمرين؛ أحدهما: أنَّ (مثل) مضافة، فشاكلت بذلك الأسماء؛ لأنَّ الإضافة إنَّما هي للاسم، والآخر: أنَّ لفظ الموصوف المحذوف وهو الجيش قد تقدَّم مُظهرًا في قوله: بلى يروع بذي جيشٍ يُجدِّله " (1) . وأمَّا المرَّة الأخرى الَّتي لمَّح فيها بالحكم فهي عند شرحه لقول المتنبِّي: لاَ تَلقَ أَفرَسَ مِنْكَ تَعرِفُهُ إِلاَّ إِذا ضَاقَتْ بِكَ الحِيَلُ (2) حيث قال: " قوله: (أفرسَ منك) صفة موضوعة موضع الاسم؛ أي: رجلا أفرسَ منك وحسن وضع الصِّفة هنا موضع الاسم؛ لأنَّها قد تقوَّت بقوله (منك) " (3) . وحَذْفُ الموصوف وإقامة الصِّفة مقامه من الأمور المتفق عليها عند جمهور النُّحاة (4) . من باب عطف النَّسق مسألة: طريقة العطف على ضمير الرَّفع المتصل وطريقته تكون إمَّا بتأكيده بضمير رفعٍ منفصل؛ نحو: جئتُ أنا وزيدٌ، وإمَّا بالفصل بينهما [أي: بين المتعاطفين] بأيِّ فاصلٍ؛ نحو قول الله تعالى: (لَوْ شَاءَ الله ُمَا أشْرَكْنَا وَلا آباؤنَا ( [الأنعام 148] ولذا عندما قال المتنبِّي: يُبَاعِدْنَ حِبًّا يَجْتَمِعْنَ ووَصْلُهُ فَكَيفَ بِحِبٍّ يَجتَمِعْنَ وَصَدُّهُ (5) بعطفِ (وصلُه) و (وصدُّه) على ضمير الرَّفع المتصل في (يجتمعْن) من دون توكيده، أو فصله عن المعطوف بأيِّ فاصلٍ، عدَّ ابن سِيْدَه هذا العطف ضرورة، كالضَّرورة الَّتي ارتكبها عمر بن أبي ربيعة حين قال: قُلتُ إذْ أقبَلَتْ وزُهرٌ تَهَادَى كَنِعَاجِ المَلا تَعسَّفنَ رَملا (6) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 331 حيث عطف (زُهر) على ضمير الرَّفع المستتر في (أقبلتْ) من دون توكيده، أو فصله، وقال: " ولو أسعده الوزن بتأكيد الضَّمير؛ فقال: هي، لكان الرَّفع لا ضرورة فيه " (1) ، وهو بهذا يوافق رأي البصريين (2) ، أمَّا الكوفيون فقد جوَّزوا (3) العطف على الضَّمير المرفوع المتصل دون فصلٍ في اختيار الكلام، واحتجُّوا ببيت عمر بن أبي ربيعة السَّابق، ووافقهم ابن مالك؛ حيث قال بعد أن ذكر البيت: " رفع زهرًا عطفًا على الضَّمير المستكن في (أقبلتْ) مع التَّمكُّن من جعله مفعولاً معه " (4) ، كما احتجَّ بما حكاه سيبويه من قول بعضهم: " مررت برجلٍ سواءٍ والعدمُ " (5) ؛ حيث عطف (العدمُ) دون فصلٍ، ودون ضرورة على ضمير الرَّفع المستتر في (سواء) ، وبقول علي بن أبي طالب (رضي الله تعالى عنه) : كنت أسمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: “ كنتُ وأبوبكرٍ وعمرُ، وفعلتُ وأبو بكرٍ وعمرُ، وانطلقتُ وأبو بكرٍ وعمرُ " (6) . وهذه الشَّواهد وإن كانت تعزِّز قول الكوفيين، وابنَ مالك إلاَّ أنَّه ينبغي الحكم بقلَّة ما ورد منها، وعدم القياس عليها. من باب البدل مسألة: حكم إبدال الاسم الظَّاهر من ضميري المتكلِّم والمخاطب وقد نصَّ على منعه بقوله: " المخاطب لا يُبدل منه البتَّة “ (7) ، وعلَّل سبب المنع بقوله: “ لأنَّ المخاطب والمخْبِر عن نفسه قد أمِن التباسهما، فقد أغنى ذلك عن الإبدال منهما؛ إذ البدل إنَّما هو للبيان “ (8) ، ولذا أعرب كلمة (هباتُك) في قول المتنبِّي: وَأَنَّكَ لا تَجُودُ على جَوَادٍ هِبَاتُكَ أَنْ يُلَقَّبَ بِالجَوادِ (9) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 332 أعربها: فاعلاً للفعل (تجود) وقال: “ ولا تكون التَّاء في (تجود) للمخاطبة، وتكون (هباتُك) بدلاً من الضَّمير الَّذي في (تجود) “ (1) ، وهو في هذا يوافق سيبويه، ويأخذ برأيه (2) ؛ إذ كما رفض الَّذي رفضه سيبويه من إبدال الظَّاهر من ضمير المخاطب في بدل كلٍّ من كلٍّ، قَبِلَهُ في بدل الجزء من كلٍّ؛ وصرَّح بذلك أثناء شرحه لقول المتنبِّي: جَرَى الخُلْفُ إِلاَّ فيكَ أَنَّكَ وَاحِدٌ وأَنَّكَ لَيْثٌ، والمُلُوكُ ذِئَابُ (3) إذ أعرب المصدر المؤوَّل من (أنَّكَ واحدٌ) بدلاً من (الكاف) في (فيك) وقال: “ إنَّما منع سيبويه في هذا بدل الجملة من الجملة؛ أعني: الكلَّ من الكلِّ الَّذي هو هو، فأمَّا بدل الجزء من الكلِّ، فغير ممتنع؛ كقولك: أعجبْتَني وجهُك، وعجبت منك صبرِك “ (4) ، وهذا الَّذي نصَّ عليه هو المشهور من أقوال العلماء (5)) ، بل قد حكى ابن يعيش الإجماع على جوازه في بدل الاشتمال (6) ، أمَّا الأخفش (7) والكوفيون (8) فقد جوَّزوا الإبدال من ضميري المتكلِّم والمخاطب مطلقًا؛ أي: في بدل كلٍّ من كلٍّ، وبدل بعضٍ من كلٍّ؛ فصحَّ على مذهبهم: رأيتك زيدًا، على أنَّ (زيدًا) بدل من (الكاف) ورأيتني عمرًا، على أنَّ (عمرًا) بدل من (الياء) ، ورأي الجمهور هو الرَّاجح في المسألة " لأنَّ الغرض من البدل البيان، وضميري المخاطب والمتكلِّم في غاية الوضوح، فلم يحتج إلى بيان " (9) من باب التَّرخيم مسألة: ترخيم المضاف الجزء: 13 ¦ الصفحة: 333 التَّرخيم هو: " حذف أواخر الأسماء الأعلام المفردة، ولا يكون إلاَّ في النِّداء ... ولا يُرخَّم إلاَّ ما استحقَّ البناء على الضَّمِّ مِمَّا عدد حروفه أكثر من ثلاثة أحرف " (1) ، وواضحٌ من تعريفه أنَّه لا يكون إلاَّ في النِّداء، ولا يدخل الأسماء المضافة، وهذا هو رأي البصريين (2) ، أمَّا الكوفيون فلم يمنعوا ترخيم المضاف بحذف آخر المضاف إليه (3) ، وابن سِيْدَه لمَّا كان آخذًا برأي البصريين عدَّ ترخيم (عمرو حابِ) في قول المتنبِّي: مَهْلاً أَلا لِلَّهِ ما صَنَعَ القَنَا في عَمْرِو حَابِ وَضَبَّةَ الأَغتَامِ (4) ضرورة (5) ؛ لأنَّه قدَّره ب (عمرو بن حابس) ؛ أي إنَّه مضاف قد رُخِّم في غير نداء؛ أي فقدَ شرطي قياسيَّة التَّرخيم. أمَّا رأي الكوفيين فيضعِّفه أنَّ التَّرخيم إمَّا أن يكون في المضاف، أو في المضاف إليه، وترخيم المضاف يقتضي حذف أوسط الكلمة؛ لأنَّ المضافَ إليه تتمته، وترخيم المضاف إليه لا يستقيم؛ لأنَّه ليس بمنادى (6) . من باب أسماء الأفعال مسألة: عمل (بَلْهَ) ولها عملان؛ النَّصب: وذلك إذا عُدَّت اسم فعلٍ بمعنى: دعْ واتركْ، فإنَّ ما بعدها يكون منصوبًا بها، والجرُّ: وذلك إن عُدَّت مصدرًا مضافًا إلى ما بعده، فيكون ما بعدها مجرورًا على أنَّه مضافٌ إليه (7) ، وقد صرَّح ابن سِيْدَه بعمليها هذين عند شرحه لقول المتنبِّي: أَقَلُّ فَعَالِي بَلْهَ أَكثَرَهُ مَجدُ وذَا الجِدُّ فِيهِ نِلتُ أم لم أَنَلْ جَدُّ (8) فقال: " (بَلْهَ) يُنصب بها ويُجر، النَّصب على أنَّه اسمٌ للفعل ك (رويد) ، والجرُّ على أنَّه مصدر، وإن لم يكن له فعل، فقد وجدنا مصدرًا دون فعل ك (ويل) وأخواتها " (9) . من باب ما لا ينصرف مسألة: منع الاسم الأعجمي من الصَّرف وقد نصَّ على هذا لمَّا شرح قول المتنبِّي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 334 وَكَأَنَّما عِيسَى بنُ مَريَمَ ذِكرُهُ وكَأَنَّ عَازَرَ شَخْصُهُ المقْبُورُ (1) فقال: " وترك صرف (عازرَ) لأنَّه أعجمي " (2) ، ويعني بترك الصَّرف عدم التَّنوين؛ لأنَّ الاسم هنا مستحقٌّ له، ولكنَّه لم يُنوَّن للعلميَّة والعُجمة، وهذا هو رأي الجمهور فيه (3) . وبهذه المسألة أكون قد أتيت على المسائل النَّحويَّة الَّتي صرَّح ابن سِيْدَه برأيه فيها خلال شرحه لمشكل شعر المتنبِّي، والَّتي أكَّدت على أنَّ الرَّجل لم يكن في النَّحو بأقلَّ ممَّا هو عليه في اللُّغة، وقد صدق حين أشاد بنفسه ذاكرًا اهتماماته الأدبيَّة والفلسفيَّة واللُّغويَّة والمنطقيَّة قائلاً: " إنِّي أجد علمَ اللُّغة أقلَّ بضائعي، وأيسر صنائعي إذا أضفته لما أنا به من علم حقيق النَّحو، وحوشي العروض، وخفي القافية، وتصوير الأشكال المنطقيَّة، والنَّظر في سائر العلوم الجدليَّة " (4) . أمَّا عن أهم سمات منهجه في تلك المسائل؛ فالَّذي ظهر منها مجرَّد إشارات، ولكن يمكن عدُّها علامات على أمورٍ، من أهمِّها: استطاعته أن يقدِّم آراءه النَّحويَّة بعباراتٍ سهلةٍ واضحة؛ لا لبس فيها، ولا غموض. تأثُّره بآراء البصريين في الغالب الأعم، وخصوصًا سيبويه. اتباعه مسلك البصريين في القياس؛ حيث إنَّه لم يستشهد إلاَّ بالشَّائع المعروف. انتهاجه في العلَّة المنهج التَّعليمي الَّذي يُقصد به المتعلِّم في الدَّرجة الأولى. وأخيرًا أرجو الله عزَّ وجلَّ أن أكون قد وفقت في أن أضيء جانبًا ولو كان محدودًا من جوانب علم النَّحو عند هذا العالم الكبير، وأن أكون بعرضي لتلك المسائل، وربطها بشعر المتنبِّي قد أضفت للدَّرس النَّحوي شواهد شعريَّة جديدة لأحد المولَّدين البارزين، كما أرجوه عزَّ اسمه أن يهيأ لكتب ابن سِيْدَه الأخرى مَن يجمع ما تناثر فيها من آرائه النَّحويَّة الأخرى، فإنَّها جديرةٌ بذلك، وعلى الله تعالى قصد السَّبيل. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 335 الحواشي والتعليقات انظر ترجمته في: فهرسة ابن خير 356 - 357؛ إنباه الرُّواة 2/225 - 27؛ إشارة التَّعيين 210 - 211؛ مرآة الجنان 3/83؛ البداية والنِّهاية 12/95؛ البلغة 148؛ بغية الوعاة 2/143 - 144؛ شذرات الذَّهب 3/305 - 306 تراجم الأعلام 4/263 - 264؛ كشف الظنون 961، 1616، 1617، 1639، 1997؛ نفح الطِّيب 4/351؛ معجم المؤلِّفين 7/36. انظر: كشف الظُّنون 1209. إنباه الرُّواة 2/225. عدا العبارة الَّتي قالها السُّيوطي في البغية 2/143؛ وهي أنَّه: “ كان حافظًا لم يكن في زمانه أعلم منه بالنَّحو، واللُّغة والأشعار، وأيام العرب، وما يتعلَّق بها ". شرح المشكل 188، وانظر: الكتاب 1/121؛ اللُّباب 1/474؛ الكُنَّاش 1/241 - 242؛ التَّذييل والتَّكميل 2/252؛ الهمع 1/226. انظر شرح البيت في: شرح ديوان المتنبِّي للعُكبري 3 /16؛ العرف الطيِّب في شرح ديوان أبي الطيِّب لليازجي 273. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4 /192؛ العرف الطيِّب 21. شرح المشكل 156، وانظر المسألة في: الكتاب 1/130 – 131؛ معاني القرآن للفرَّاء 3/266، 285؛ الأمالي الشَّجريَّة 3/117، 154؛ البسيط 1/303. انظر: شرح المشكل 188. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/89؛ العرف الطيِّب 290. انظر: الكتاب 1/379؛ معاني القرآن للفرَّاء 1/466؛ المقتضب 3/275، 4/217 شرح الكتاب للسِّيرافي 1/118 – 119؛ شرح اللُّمع 1/317؛ المرتجل 302؛ التَّوطئة 194؛ شرح المقدِّمة الكافية 3/716، 986؛ شرح الكافية للرَّضي 1/471 البسيط 1/308. انظر: شرح المشكل 133. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/214؛ العرف الطيِّب 172، والخصيبي هو الممدوح. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 336 انظر: اللُّباب 2/119؛ شرح المفصَّل 3/142؛ التَّوطئة 167؛ شرح المقدِّمة الكافية 3/724؛ المقرَّب 1/59؛ البسيط 1/290؛ ارتشاف الضَّرب 1/527 شرح اللَّمحة البدريَّة 1/270 وعبارته: “ الأُلى، وتكون بغير (واو) والأشهر فيها القصر.. . وقد تُمدُّ ". انظر: شرح المشكل 78. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/258؛ العرف الطيِّب 87. انظر: الكتاب 1/269؛ معاني القرآن للفرَّاء 3/82؛ معاني القرآن للأخفش 1/37؛ معاني القرآن للزَّجَّاج 5/45؛ إعراب القرآن للنَّحَّاس 3/220؛ المسائل البغداديَّات 262؛ شرح ملحة الإعراب 193؛ الأمالي الشَّجريَّة 2/554؛ البيان 2/386؛ شرح المفصَّل 4/3، 8، 108؛ لباب الإعراب 177. انظر: شرح المشكل 337. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/305؛ العرف الطيِّب 598. انظر نسبة الرَّأي إليهم في: المغني 1/54؛ المساعد 1/200، وقد ردَّه السَّمين الحلبي عليهم " بأنَّه لو كانت (ال) عوضًا من الضَّمير لما جُمع بينهما، وقد جُمع بينهما؛ قال النَّابغة: ... رَحِيبٌ قطابُ الجيبِ منْها رَفِيقةٌ بجسِّ النَّدَامَى بَضَّة المتَجرِّدِ ... فقال: الجيب منها “ انظر: الدرَّ المصون 1/215. انظر: مشكل إعراب القرآن 2/799؛ الكشَّاف 4/215 – 216؛ البحر المحيط 10/401. انظر: جواهر الأدب 394 – 395؛ الجنى 198- 199؛ تعليق الفرائد 2/361. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/274؛ العرف الطيِّب 534. شرح المشكل 306. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/225؛ العرف الطيِّب 189. شرح المشكل 118. انظر: الكتاب 1/22؛ المقتضب 3/222؛ الأصول 1/65؛ الإيضاح العضدي 97؛ اللُّمع 110؛ شرح اللُّمع 1/34؛ المقتصد 1/305 – 306؛ شرح عيون الإعراب 94؛ الأمالي الشَّجريَّة 3/193؛ أسرار العربيَّة 69؛ نتائج الفكر 76؛ التَّوطئة 216؛ البسيط 1/537. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 337 انظر: شرح المشكل 356، والجوهر والعَرَض من مصطلحات المتكلِّمين الَّتي اعتنى بها نحاة الأندلس، يقول المحقِّق الدكتور الدَّاية في مقدِّمة التَّحقيق 12 عند حديثه عن ابن سِيْدَه " واستفاد من خلفيته الثَّقافيَّة الفلسفيَّة والمنطقيَّة وحكَّمها في دراسة شعر المتنبِّي، وصبغ كتابه بتلك الصِّبغة "، وقد وجدت السُّهيلي وهو من نحاة الأندلس استخدم أيضًا هذين المصطلحين في كتابه (نتائج الفكر) انظر: 204، 308. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/393؛ العرف الطيِّب 622، والنَّشر: الرَّائحة الطيِّبة، والفهر: الحجر يُسحق به الطِّيب، والمداك: الصِّلاية الَّتي يُسحق عليها. شرح المشكل 356. انظر: الكتاب 1/108. شرح المشكل 356. انظر: معاني القرآن للفرَّاء 3/272؛ مجاز القرآن 1/65؛ معاني القرآن للأخفش 1/47 – 48؛ معاني القرآن للزَّجَّاج 1/246؛ إعراب القرآن للنَّحَّاس 3/720؛ سِمْط اللآلي 1/465؛ البيان 1/139؛ البحر المحيط 2/132؛ الدرَّ المصون 2/245. انظر: شرح المشكل 118. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/225؛ العرف الطيِّب 189. انظر: شرح المشكل 219. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/80؛ العرف الطيِّب 351، والعي: العجز عن الكلام، والخطل: فساد النُّطق. انظر: الكتاب 1/41، 64؛ معاني القرآن للفرَّاء 1/104 – 105؛ المقتضب 4/128 – 129؛ الأصول 1/64؛ الإيضاح العضدي 43؛ اللُّمع 110 - 111؛ شرح اللُّمع 1/35؛ شرح اللُّمع للواسطي 31؛ المقتصد 1/278؛ شرح عيون الإعراب 95؛ شرح ملحة الإعراب 148؛ أسرار العربيَّة 73؛ التَّوطئة 221 أمالي ابن الحاجب 3/79؛ المقرَّب 1/83؛ البسيط 1/554 انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/266؛ العرف الطيِّب 303، والحِمام: الموت والمصفود: المقيَّد. انظر: شرح المشكل 195. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 338 انظر: الأصول 1/64؛ الإيضاح العضدي 44؛ اللُّمع 110 - 111؛ شرح اللُّمع 1/35؛ شرح اللُّمع للواسطي 31؛ المقتصد 1/279؛ شرح ملحة الإعراب 149؛ أمالي ابن الحاجب 3/79؛ المقرَّب 1/83. انظر: شرح المشكل 108. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/202؛ العرف الطيِّب 154، وحُيِّن: أي أهلك. انظر: الكتاب 1/165 – 166؛ الأصول 1/63؛ الإيضاح العضدي 48؛ شرح اللُّمع 1/36؛ المقتصد 1/274 - 275؛ شرح ملحة الإعراب 148؛ أسرار العربيَّة 73؛ المقرَّب 1/83؛ شرح الكافية للرَّضي 1/237؛ البسيط 1/547 - 548؛ ارتشاف الضَّرب 2/54. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/36؛ العرف الطيِّب 30. شرح المشكل 49. انظر: الكتاب 1/98، 208؛ الإيضاح العضدي 34، 201؛ المقتصد 1/240 681؛ الأمالي الشَّجريَّة 1/104 – 105؛ نظم الفرائد 64؛ شواهد التَّوضبح والتَّصحيح 110. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/325؛ العرف الطيِّب 261. شرح المشكل 169. ينقل ابن الشَّجري في أماليه 1/299، والعُكبري في شرحه لديوان المتنبِّي 3/326 عن ابن جنِّي عند شرحه للبيت أنَّه قال: " كلَّمته [أي: المتنبِّي] وقت القراءة عليه، فقلت له: بأيِّ شيءٍ تتعلَّق (الباء) من (بأن) ؟ فقال: بالمصدر الَّذي هو (وفاؤكما) فقلت له: وبمَ ارتفع (وفاؤكما) ؟ فقال: بالابتداء، فقلت: وما خبره؟ فقال: كالرَّبع، فقلت: وهل يصحُّ أن تُخبر عن اسمٍ وقد بقيت فيه بقيَّة، وهي (الباء) ومجرورها؟ فقال: لا أدري ما هو.. "، وفي الخصائص 2/402 معناه، وقد عدَّه الجرجاني في دلائل الإعجاز 83 " من فساد النَّظم "، وأدرجه ابن هشام في المغني 2/541 تحت باب في ذكر الجهات الَّتي يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها ، أمَّا ابن الحاجب فقد دافع عن المتنبِّي والتمس لقوله عدَّة مخارج، انظر: أماليه 3/109 – 110. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 339 أظنُّه قد تفرَّد بهذه التَّسمية ل) كان (؛ لأنَّي لم أجدها عند غيره من النُّحاة. انظر: شرح المشكل 294. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/246؛ العرف الطيِّب 514. انظر: الكتاب 1/21. ممَّن نصَّ على مجيء (كان) تامَّة: الفرَّاء في معانيه 1/186 – 187، والمبرِّد في المقتضب 4/95 – 96، وابن السَّرَّاج في الأصول 1/91، والزَّجَّاجي في الجمل 49، والفارسي في المسائل البغداديَّات 113، وابن جنِّي في اللُّمع 121، والصَّيمري في التَّبصرة والتَّذكرة 1/191، وابن برهان في شرح اللُّمع 1/48، والواسطي في شرح اللُّمع 39، والحريري في شرح ملحة الإعراب 244، وابن الشَّجري في أماليه 1/52، 2/30، والأنباري في أسرار العربيَّة 134، والشَّلوبين في التَّوطئة 225، وابن عصفور في المقرَّب 1/92، وأبوحيَّان في ارتشاف الضَّرب 2/77 انظر: البسيط 2/738؛ شرح ألفيَّة ابن معطي 2/865. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/208؛ العرف الطيِّب 131، والمرجل: القدر، والأجدل: الصَّقر. شرح المشكل 98 – 99، وانظر: الكتاب 1/133. هو العباس بن مرداس، والبيت في ديوانه 87، وهو من شواهد: الكتاب 1/148؛ الإيضاح العضدي 109؛ الخصائص 2/381؛ شرح اللُّمع 1/243؛ الإنصاف 1/71؛ شرح المفصَّل 2/99؛ المقرَّب 1/259؛ شرح الكافية الشَّافية 1/418؛ شرح الكافية للرَّضي 2/146، وقد أفرد ابن شُقير بابًا في كتابه المحلَّى 85 سمَّاه (النَّصب بإضمار " كان ") . انظر: الكتاب 1/293 – 294؛ الأصول 2/254؛ معاني الحروف 129، 130 المنصف 3/116؛ الإنصاف 1/71؛ شرح المفصَّل 2/99، 8/122؛ الجنى 333، 528؛ التَّصريح 1/194، 195. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 340 من الَّذين صرَّحوا بأنَّها الأمُّ في بابها: المبرِّد في المقتضب 3/ 167، وابن بابشاذ في شرح المقدِّمة المحسبة 2/349، والعُكبري في اللُّباب 1/165، وابن يعيش في شرح المفصَّل 7/97، وابن جمعة في شرح ألفيَّة ابن معطي 2/864. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/139؛ العرف الطيِّب 434. انظر: شرح المشكل 260. انظر: الكتاب 1/280، 286؛ المقتضب 4/109؛ الأصول 1/229؛ المحلَّى 14 علل النَّحو 235؛ اللاَّمات للزَّجَّاجي 136؛ اللُّمع 124؛ شرح اللُّمع للواسطي 47 المقتصد 1/443؛ شرح عيون الإعراب 109؛ شرح المقدِّمة المحسبة 1/216؛ شرح ملحة الإعراب 236؛ الإنصاف 1/176؛ التَّوطئة 231؛ شرح المقدِّمة الكافية 3/961؛ المقرَّب 1/106؛ البسيط 2/768؛ ارتشاف الضَّرب 2/128. انظر: الإفصاح 281 - 282؛ منثور الفوائد 59؛ المفصَّل 173؛ شرح المفصَّل 3/114؛ الكُنَّاش 1/259؛ المغني 2/489 - 493. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/156؛ العرف الطيِّب 198، والنَّبِر: دويبة تلسع الإبل فيُزم موضع لسعها شرح المشكل 127، ولعلَّ قوله الأوَّل؛ وهو أنَّ (نوالاً) اسم (كأنَّ) هو الأقوى؛ لأنَّه لا يحتاج إلى تقدير محذوف، و " كلامٌ بلاحذف أحسن من كلامٍ بحذف ". البسيط 2/834. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/158؛ العرف الطيِّب 234. شرح المشكل 155. انظر: الكتاب 1/35 - 36. انظر: ارتشاف الضَّرب 2/133 - 134. المقتضب 4/99؛ الجمل للزَّجَّاجي 49 - 50؛ الإيضاح العضدي 103 - 104 شرح المقدِّمة المحسبة 2/353؛ المفصَّل 133؛ التَّبصرة والتَّذكرة 1/192؛ أسرار العربيَّة 135؛ الهادي في الإعراب 68؛ شرح المفصَّل 3/114 - 116؛ شرح الكافية الشَّافية 1/235؛ شرح الكافية للرَّضي 2/28؛ فاتحة الإعراب 110؛ الملخَّص 1/214؛ شرح ألفيَّة ابن معطي 1/649. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 341 انظر: المقتضب 4/99؛ الأصول 1/232؛ المقتصد 1/421؛ التَّبصرة والتَّذكرة 1/193؛ منثور الفوائد 37؛ الإيضاح في شرح المفصَّل 1/472. انظر: المقتصد 1/421؛ الإيضاح في شرح المفصَّل 1/472؛ الكُنَّاش 1/259 - 260. انظر: الكتاب 1/385؛ معاني القرآن للفرَّاء 2/106؛ المقتضب 3/277؛ الأصول 2/121؛ المقتصد 1/499؛ منثور الفوائد 30؛ المفصَّل 262؛ الأمالي الشَّجريَّة 1/57؛ شرح المفصَّل 7/88؛ تسهيل الفوائد 73؛ شرح الكافية للرَّضي 4/169؛ فاتحة الإعراب 187؛ المغني 518؛ المساعد 1/372؛ شفاء العليل 1/402. انظر: الكتاب 1/385؛ المسائل المنثورة 110؛ شرح عيون كتاب سيبويه 178. انظر: منثور الفوائد 30؛ شرح المفصَّل 7/88؛ شرح الكافية للرَّضي 2/285. انظر: منثور الفوائد 30؛ شرح المفصَّل 7/88؛ فاتحة الإعراب 187؛ شرح ألفيَّة ابن معطي 1/517. انظر: شرح ألفيَّة ابن معطي 1/517. انظر: شرح الكافية الشَّافية 2/564؛ البحر المحيط 5/308؛ المساعد 1/372؛ شفاء العليل 1/402. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/191؛ العرف الطيِّب 28، والهبوة: الغبار. شرح المشكل 43. انظر: الكتاب 1/120. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/353؛ العرف الطيِّب 79، والمنوطة: المعلَّقة. في ديوانه، وروايته فيه: فويقَ جبيلٍ شامخِ الرأسِ لم تكنْ لتبلغهُ حتَّى تكلَّ وتعْملا نسب السُّيوطي في الهمع 6/130 القولَ بهذا النَّوع من التَّصغير إلى الكوفيين، والَّذي يظهر من أقوال البصريين أنَّهم يقولون به. انظر: كتاب الشِّعر 2/391؛ الأمالي الشَّجريَّة 2/256 – 257؛ الإنصاف 1/138؛ شرح الشَّافية 1/191. شرح المشكل 74. الكتاب 1/19، وانظر: المقتضب 3/121. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/190؛ العرف الطيِّب 40. شرح المشكل 56. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 342 انظر: المقتضب 3/282 - 283؛ مجالس العلماء20؛ المقتصد 1/215؛ الأمالي الشَّجريَّة 1/131، 254، 2/86؛ التَّوطئة 161؛ شرح المقدِّمة الكافية 1/332؛ توضيح المقاصد 2/8؛ التَّصريح 1/274؛ الهمع 2/258؛ شرح الأشموني 2/127 فتح الرَّبِّ المالك 320؛ حاشية الصَّبان 2/48. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/379؛ العرف الطيِّب 401، والفلا: الصَّحراء، وأحداثها: أي صغارها، والقشاعم: المسنَّة منها. شرح المشكل 240، وانظر: الخصائص 2/416؛ الصِّحاح 1/220. انظر: الكتاب 1/235 – 236؛ معاني القرآن للفرَّاء 1/125 – 126؛ المقتضب 2/144، 3/349، 4/59؛ الأصول 1/173؛ ضرورة الشِّعر 211 - 212؛ اللُّمع 116؛ شرح اللُّمع 1/42؛ شرح اللُّمع للواسطي 36؛ شرح ملحة الإعراب 159 - 160؛ منثور الفوائد 52؛ نتائج الفكر 168؛ التَّوطئة 162؛ المقرَّب 1/302؛ البسيط 1/264؛ توضيح المقاصد 2/9؛ التَّصريح 1/277؛ البهجة المرضيَّة 15؛ شرح الأشموني 2/128؛ فتح الرَّبِّ المالك 321؛ حاشية الصَّبان 2/50. انظر: شرح المشكل 277. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/281؛ العرف الطيِّب 471. انظر: الكتاب 1/19؛ معاني القرآن للفرَّاء 2/119؛ معاني الحروف 37؛ المسائل البغداديَّات 172؛ سرَّ صناعة الإعراب 1/141؛ شرح عيون كتاب سيبويه 44؛ شرح اللُّمع 1/47؛ المقتصد 1/376؛ شرح اللُّمع للواسطي 60؛ الإفصاح 200؛ التَّوطئة 247؛ شرح الكافية للرَّضي 2/328؛ البسيط 1/463، 2 855؛ شرح ألفيَّة ابن معطي 1/396؛ رصف المباني 226؛ الجنى الدَّاني 49، وقد حكى السَّمين الحلبي عن بعضهم القولَ بأنَّ) كفى (اسم فعلٍ، وخطَّأه. انظر: الدرَّ المصون 3/586 انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/115؛ العرف الطيِّب 94. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 343 أمَّا العُكبري فقد عدَّه اسمًا موصولاً، والنَّاصب له الفعل (تحسد) ؛ لأنَّ (ركب) من صلة (أيَّ) ، وأراه الرأي الرَّاجح. شرح المشكل 84. انظر: لإيضاح العضدي 65؛ الإفصاح 310؛ البسيط 1/276؛ الهمع 3/10. انظر: اللُّباب 2/132 - 133. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/140؛ العرف الطيِّب 497. شرح المشكل 286. انظر: الكتاب 1/16 – 17؛ معاني القرآن للفرَّاء 1/395؛ المقتضب 2/321؛ الأصول 1/178؛ شرح أبيات سيبويه للنَّحَّاس 42؛ الجمل للزَّجَّاجي 28؛ شرح الكتاب للسِّيرافي 1/310 - 311؛ الإيضاح العضدي 173 - 174؛ المحتسب 1/51؛ الصَّاحبي 389؛ التَّبصرة والتَّذكرة 1/110؛ شرح اللُّمع 1/122 المقتصد 1/613؛ شرح عيون الإعراب 479؛ الأمالي الشَّجريَّة 1/285؛ نتائج الفكر 330؛ التَّوطئة 205؛ شواهد التَّوضبح والتَّصحيح 190؛ البسيط 1/422؛ الهمع 5/ 17 - 18. شرح المشكل 286. البسيط 1/423. هذا مذهب الجمهور. انظر: الكتاب 1/16؛ معاني القرآن للفرَّاء 1/395؛ مجاز القرآن 1/229؛ معاني القرآن للأخفش 2/534؛ تأويل مشكل القرآن 229؛ المقتضب 2/320، 342، 4/330؛ معاني القرآن للزَّجَّاج 2/380؛ الأصول 1/177 - 178؛ إعراب القرآن للنَّحَّاس 2/154؛ المسائل العضديَّات 99؛ مشكل إعراب القرآن 1/332؛ البيان 1/376، ولابن الحاجب في المسألة رأيٌ مخالف؛ فقد نصَّ في أماليه 4/97 - 98 على أنَّ ما ورد في الآية الكريمة: " صحَّ من وجهين: أحدهما - أنَّ) اختار (تارةً يتعدَّى بنفسه، وتارةً بحرف الجر كقولك: استغفرت الله الذَّنب، ومن الذَّنب، فليست) من (فيه محذوفة، وإنَّما هي أحد اللُّغتين، والآخر - أنَّه معدَّى بنفسه، وجاءت) من (على سبيل الزِّيادة لا على أنَّه معدَّى ب) من (، ثُمَّ حُذفت؛ كقولك: ما ضربت أحدًا، وما ضربت من أحد “ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 344 انظر: الأصول 1/177؛ المقتصد 1/614؛ الدُّرَّ المصون 5/475. انظر: انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/359؛ العرف الطيِّب 79. شرح المشكل 76. يقول ابن مالك: وعدِّ لازِمًا بحرفِ جرِّ وإنْ حُذِف، فالنَّصب للمنجرِّ نقلاً، وفي أنَّ وأنْ يطَّرِد معَ أمْنِ لَبْسٍ: كعجِبْتُ أنْ يدُوا انظر: الكُنَّاش 2/88. الأمالي الشَّجريَّة 2/133. انظر: معاني القرآن للفرَّاء 1/211؛ معاني القرآن للأخفش 1/144؛ المقتضب 2/35؛ الأصول 1/178؛ الأمالي الشَّجريَّة 3/152، 163؛ ارتشاف الضَّرب 2/388. انظر: الكتاب 1/17، 418، 475 - 476. انظر: المغني 2/527. انظر: انظر شرح البيت في: شرح العُكبري3/169؛ العرف الطيِّب 14، والَّهوات: جمع اللَّهاة؛ وهي لحمةٌ في الحلق عند أصل اللِّسان. شرح المشكل 34. انظر: شرح المقدِّمة المحسبة 2/386؛ الأمالي الشَّجريَّة 2/129؛ الهادي في الإعراب 134؛ شرح الكافية الشَّافية 2/636؛ شرح ألفيَّة ابن معطي 1/487، ويقول الفرَّاء في معانيه 1/92: " العرب لا تكاد تقول: شكرتك، إنَّما تقول: شكرت لك " ثُمَّ قال في مكانٍ آخر 2/20 " والعرب تقول: كفرتك وكفرت بك، وشكرتك وشكرت بك وشكرت لك " وهما لغتان، وأفصحهما باللاَّم؛ لذا لم يذكر الكسائي في (ما تلحن فيه العامة) 102، وثعلب في (الفصيح) 278 إلاَّ تعدِّيها باللاَّم. انظر: اللاَّمات للزَّجَّاجي 147؛ اللاَّمات للهروي 53؛ شرح المقدِّمة المحسبة 2/369؛ التَّبصرة والتَّذكرة 1/112؛ شرح الجمل لابن عصفور 1/300؛ شرح الألفيَّة لابن النَّاظم 246؛ شرح ألفيَّة ابن معطي 1/488؛ أوضح المسالك 2/16. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 345 أصحاب هذا الرأي هم: المبرِّد في المقتضب 4/338، والزَّجَّاجي في الجمل 31، وابن عصفور في شرح الجمل 1/300، وابن مالك في شرح الكافية الشَّافية 2/636، وابن القواس في شرح ألفيَّة ابن معطي 1/487، وأبو حيَّان في ارتشاف الضَّرب 3/49. أصحاب هذا الرأي هم: ابن الشَّجري في أماليه 2/129، وابن النَّاظم في شرحه للألفيَّة 246، وابن أبي الرَّبيع في الملخَّص 1/365، وابن هشام في أوضح المسالك 2/16. انظر: تهذيب اللُّغة 4/249؛ الصِّحاح 1/411؛ المحكم 3/113. من أصحاب هذا الرأي: ابن درستويه وقد نسب الرَّأي إليه ابنُ عصفور في شرح الجمل 1/ 301، ووافق ابنَ درستويه السُّهيلي في نتائج الفكر 352، وابنُ القيِّم في بدائع الفوائد 2/73 –74. انظر: شرح الجمل لابن عصفور 1/322؛ البحر المحيط 1/392، 4/76؛ المساعد 1/444. انظر: الكتاب 1/37 - 40؛ المقتضب 4/75؛ الإيضاح العضدي 66؛ الأمالي الشَّجريَّة 1/120؛ التَّوطئة 276؛ شرح المقدِّمة الكافية 1/339؛ المقرَّب 1/250؛ تسهيل الفوائد 86؛ البسيط 1/303؛ الهمع 5/137؛ شرح الحدود 152. انظر: انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/355؛ العرف الطيِّب 311. شرح المشكل 212. انظر: انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/87؛ العرف الطيِّب 461. شرح المشكل 272، وهو بقوله هذا قد لخصَّ رأي البصريين والكوفيين في المسألة؛ فالتنازع من المسائل الخلافيَّة الَّتي تناولها الأنباري في إنصافه 1/83 م: 13 . انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/50؛ العرف الطيِّب 332، والنَّدى: الجود وشعوب: علمٌ للمنية. البيت في ديوان الهذليين 3/5، “ وشهرا قُماح هما الكانون أشدُّ الشِّتاء بردًا؛ سمِّيا شهري قُماح؛ لكراهة كلِّ ذي كبدٍ شرب الماء فيهما “ تهذيب اللُّغة 4/81. الحرف (إلاَّ) ساقطٌ من الأصل، وقد أضفته لأنَّ المعنى يقتضيه. شرح المشكل 197. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 346 انظر: المقتضب 4/328 - 329؛ الأصول 1/190؛ الإيضاح العضدي 177؛ شرح اللُّمع 1/122؛ شرح اللُّمع للواسطي 65؛ المقتصد 1/631؛ شرح عيون الإعراب 148 – 149؛ شرح ملحة الإعراب 204؛ التَّوطئة 208؛ شرح المقدِّمة الكافية 2/484؛ المقرَّب 1/144. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/141؛ العرف الطيِّب 168. انظر: شرح المشكل 116. انظر: الكتاب 1/284. انظر: تهذيب اللُّغة 14/132؛ الصِّحاح 4/1632؛ لسان العرب 11/48؛ ارتشاف الضَّرب 2/268. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/19؛ العرف الطيِّب 486. شرح المشكل 284. انظر: الكتاب 1/390؛ معاني القرآن للفرَّاء 3/177 – 178؛ المقتضب 3/210 الأصول 1/211، 2/79، 119؛ إعراب القرآن للنَّحَّاس 2/105؛ الخصائص 2/386؛ المقتصد 2/957 - 959؛ الإنصاف 1/475؛ البسيط 1/344، وسيأتي بإذن الله تعالى توضيحٌ آخر للمسألة في باب (العطف) . انظر: الكتاب 1/275؛ معاني القرآن للفرَّاء 2/216؛ المقتضب 3/234، 253 269، 4/312؛ الإيضاح العضدي 200؛ المقتصد 1/677 - 679؛ شرح ملحة الإعراب 193؛ الأمالي الشَّجريَّة 3/6؛ نظم الفرائد 229؛ التَّوطئة 212؛ شرح الكافية للرَّضي 2/32؛ الهمع 4/9. انظر: شرح المشكل 87. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/262؛ العرف الطيِّب 115، والتمائم: جمع تميمة وهي خرزٌ يُعلَّق على المولود. يقول ابن بابشاذ في شرح المقدِّمة المحسبة 2/313 " فإن قيل: فما تصنع بقوله سبحانه (هذه ناقة الله لكم آية (فآية حال، وليست بمشتقَّة؟ قيل: هي في معنى المشتق؛ لأنَّ الآية العلامة، والعلامة اسمٌ واقعٌ موقع المصدر، والمصدر مشتق، فهو يعود إلى الاشتقاق "، وانظر: المقتصد 2/725؛ الأمالي الشَّجريَّة 1/257، 3/6، 98 نظم الفرائد 224؛ شرح الألفيَّة لابن النَّاظم 312. انظر: شرح المشكل 35. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 347 انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/170؛ العرف الطيِّب 14، والمهمه: الفلاة الواسعة، والقذف: البعيد. انظر نسبة الرَّأي إليهم عدا الفرَّاء في: البيان 1/263؛ التَّبيين 386؛ المغني 1/173 المساعد 2/47؛ ائتلاف النُّصرة124، أمَّا الفرَّاء فقد اشترط تقدير (قد) . انظر: معانيه 1/24، 282. انظر: معانيه 1/244. انظر: البحر المحيط 4/14؛ الدرَّ المصون 4/66. انظر: المقتضب 4/123؛ معاني القرآن للزَّجَّاج 2/89؛ الأصول 1/216؛ الإيضاح العضدي 276 – 277؛ سرَّ صناعة الإعراب 2/641؛ مشكل إعراب القرآن 1/201؛ الأمالي الشَّجريَّة 2/146؛ الإنصاف 1/252؛ المقرَّب1/153؛ لباب الإعراب 328؛ شرح ألفيَّة ابن معطي 1/558. انظر: التَّبيين 386. انظر: المغني 1/173. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/20؛ العرف الطيِّب 486. شرح المشكل 285. انظر: سرَّ صناعة الإعراب 2/641، 645؛ شرح اللُّمع 1/132؛ شرح اللُّمع للواسطي 74؛ شرح ملحة الإعراب 192؛ الأمالي الشَّجريَّة 3/11؛ نظم الفرائد 231؛ التَّوطئة 214؛ شرح المقدِّمة الكافية 2/516؛ شرح الكافية للرَّضي 1/40 البسيط 2/814؛ رصف المباني 480؛ الفصول المفيدة في الواو المزيدة 155. لقد صرَّح بضرورة مجيء صاحب الحال معرفة أو قريبًا من المعرفة جماعة؛ منهم: ابن جنِّي في اللُّمع 145، والمجاشعي في شرح عيون الإعراب 153، والحريري في شرح ملحة الإعراب 190، والسُّهيلي في نتائج الفكر 234 - 236، والمهلَّبي في نظم الفرائد 228، وابن معطي في الفصول الخمسون 186، وابن الحاجب في شرح المقدِّمة الكافية 2/504، وابن مالك في التَّسهيل 109، وابن النَّاظم في شرح الألفيَّة 318 - 321، وأبو حيَّان في ارتشاف الضَّرب 2/346، وابن هشام في شرح شذور الذَّهب 251، والسُّيوطي في الهمع 4/21. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 348 أمَّا سيبويه فقد جوَّز مجيئها من النَّكرة بلا مسوِّغ على قلَّة، ووافقه الجرمي والمبرِّد، انظر: الكتاب 1/272؛ المقتضب 4/286، 290، 314، 397، وانظر نسبة الرَّأي إلى الجرمي في: إعراب القرآن للنَّحَّاس 4/126؛ مشكل إعراب القرآن 2/287. يقول السُّيوطي في الهمع 4/21: " من النَّادر قولهم: عليه مائة بيضًا، وفيها رجلٌ قائمًا ... ومن المسوِّغات: * النَّفي كقوله تعالى: (وما أهلكنا مِنْ قريةٍ إلاَّ ولها كتابٌ معلوم (. ... * والنَّهي نحو: لا يركنن أحدٌ إلى الإحجام يومَ الوغى متخوِّفًا لحِمَامِ ... * والاستفهام نحو: يا صاح هل حُمَّ عيشٌ باقيًا فترى ... ... * والوصف نحو: (فيها يُفرقُ كلُّ أمرٍ حكيم أمرًا ( ... ... * والإضافة نحو: (في أربعة أيَّام سواءً (، (وحشرنا عليهم كلَّ شيءٍ قُبُلا (. والعمل نحو: مررت بضارب هندًا قائمًا ... " انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/372؛ العرف الطيِّب 345. شرح المشكل 214 – 215. انظر: شرح الكافية الشَّافية 2/737؛ الفوائد الضِّيائيَّة 1/384 - 385؛ شرح الأشموني 2/507. انظر: الكتاب 1/272؛ شرح ألفيَّة ابن معطي 1/555. انظر: شرح المشكل 83. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/110؛ العرف الطيِّب 92. انظر: الكتاب 2/304؛ الأصول 1/413؛ كتاب اللاَّمات للزَّجَّاجي 66؛ اللُّمع 157؛ شرح اللُّمع للواسطي 92؛ شرح عيون الإعراب 194؛ التَّوطئة 248؛ البسيط 2/857؛ جواهر الأدب 72؛ الجنى 96؛ المغني 1/208. انظر: شرح المشكل 185. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/87؛ العرف الطيِّب 285، والدَّر: الَّبن، وأراد به العطاء. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 349 انظر: معاني القرآن للفرَّاء 1/250، 2/10، 3/22؛ تأويل مشكل القرآن 572؛ الأمالي الشَّجريَّة 1/31؛ جواهر الأدب 76؛ المغني 1/212، ويقول الرمَّاني في كتابه اللاَّمات 143: ".. أمَّا قوله تعالى: (وقالوا الحمد لله الَّذي هدانا لهذا ( [الأعراف 43] فلا خلاف فيه أنَّ تقديره: هدانا إلى هذا، فهذه لام (إلى) "، وانظر اختيار هذا المعنى في الآية الكريمة عند: الأخفش في معانيه 1/298، والزَّجَّاج في معانيه 2/339، والنَّحَّاس في إعرابه 1/612. انظر: شرح المشكل 113. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/250؛ العرف الطيِّب 180، والتَّابعة: الظَّبية الصَّغيرة تتبع أمَّها، والخاذل: الَّذي تخلَّف عن أصحابه فلم يلحق بهم. انظر: الكتاب 2/307؛ معاني القرآن للفرَّاء 2/78؛ المقتضب 1/44، 4/52؛ الأصول 1/409؛ اللُّمع 155؛ شرح اللُّمع للواسطي 87؛ شرح عيون الإعراب 190؛ الأمالي الشَّجريَّة 2/112؛ أسرار العربيَّة 259؛ التَّوطئة 243؛ جواهر الأدب 338؛ الجنى 309؛ المغني 1/319. انظر: شرح المشكل 116. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/141؛ العرف الطيِّب 168. انظر: شرح المشكل 321. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/50؛ العرف الطيِّب 572. انظر: شرح اللُّمع للواسطي 87؛ الأمالي الشَّجريَّة 1/197، 2/529؛ أسرار العربيَّة 259؛ التَّوطئة 243؛ جواهر الأدب 338؛ الجنى 309؛ المغني 1/319. انظر: شرح المشكل 163. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/198؛ العرف الطيِّب 53، والبرية: الخليقة، ويوسى: من الأسى، وهو الحزن. انظر: جواهر الأدب 339؛ الجنى 310؛ المغني 1/320. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/318؛ العرف الطيِّب 615، والأطراف: أطراف القرون، والأكفال: جمع كفل؛ وهو العجز، والآطال: الخواصر. انظر: شرح المشكل 345. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 350 انظر: الكتاب 2/307، ووافقه المبرِّد في المقتضب 4/137 – 138، وابن السَّرَّاج في الأصول 1/94، وأبو نصر القرطبي في شرح عيون كتاب سيبويه 44، وابن بابشاذ في شرح المقدِّمة المحسبة 1/236، وابن مالك في شرح الكافية الشَّافية 2/797، وابن أبي الرَّبيع في الملخَّص 512، وأبو حيَّان في ارتشاف الضَّرب 2/444، والمرادي في الجنى 317 – 318، وابن هشام في المغني 1/322، وابن عقيل في المساعد 2/249. يقول أبو حيَّان في ارتشاف الضَّرب 2/445 " أمَّا الاستفهام فليس عامًا في جميع أدواته وإنَّما يحفظ ذلك مع (هل) في جميع ما ورد في النَّفي ... وفي إلحاق الهمزة ب (هل) في ذلك نظر، ولا أحفظه من لسان العرب ". انظر: معاني القرآن 2/272 – 273، 488. هو سلمة بن يزيد الجعفي كما في ديوان الحماسة 1/536. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/55؛ العرف الطيِّب 291، والقريحة: الَّتي بها قروح من طول البكاء. شرح المشكل 203، ولقد صرَّح بإفادة (في) معنى التَّعليل الإربلي في جواهر الأدب 279، واستشهد على ذلك بقول الله تعالى على لسان امرأة العزيز: (فَذَلكُن الَّذِي لمتُنَني فِيهِ ( [يوسف 32] ، وقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: (عُذِّبت امرأة في هرَّة سجنتها حتَّى ماتت، فدخلت فيها النَّار) صحيح مسلم 16/172، وانظر: شواهد التَّوضبح والتَّصحيح 67؛ المغني 1/168. انظر: شرح المشكل 307. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/155؛ العرف الطيِّب 536، ونساري: نغافل من السَّرى؛ وهو مشي اللَّيل انظر: معاني القرآن للفرَّاء 1/136 – 137؛ الأصول 1/424؛ الإيضاح العضدي 257؛ اللُّمع 162؛ شرح اللُّمع 1/184؛ شرح اللُّمع للواسطي 99؛ المقتصد 2/841؛ شرح عيون الإعراب 210؛ الأمالي الشَّجريَّة 3/214؛ أسرار العربيَّة 265؛ اللُّباب 1/383؛ التَّوطئة 248؛ البسيط 2/854. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 351 انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/198؛ العرف الطيِّب 53. شرح المشكل 163. انظر: معاني القرآن للفرَّاء 1/32؛ المقتضب 2/348، 3/60 – 61، فهذا حكم حذفهما معًا، أمَّا عن حذف حرف الجرِّ دون مجروره، فقد صرَّح النُّحاة بعدم قياسيته، انظر: الكتاب 1/49، 128، 133؛ شرح الكتاب للسِّيرافي 1/91؛ الأمالي الشَّجريَّة 2/132، 355؛ الكُنَّاش 2/89؛ الهمع 4/221، أمَّا ابن مالك في شواهد التَّوضبح والتَّصحيح 93 - 94 فإنَّه ذكر مبحثًا كاملاً بعنوان (حذف عامل الجرِّ مع إبقاء عمله) ، وقال في ألفيَّته: ... وقَد يُجرُّ بِسوى رُبَّ، لدى حذفٍ، وبعضُهُ يُرَى مُطَّرِدَا انظر: معاني القرآن للأخفش 1/88. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/351؛ العرف الطيِّب 309، والميسم: من الوسم؛ وهو التَّأثير بكيٍّ ونحوه. شرح المشكل 208. الأصول 1/415. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/173؛ العرف الطيِّب 484، ويجدِّله: يصرعه على الجدالة؛ وهي الأرض، والأحم: الأسود، والنَّقع: الغبار، والغربيب: الشَّديد السَّواد. شرح المشكل 283، ومن الملاحظ أنَّ النصَّ يحتمل مسألتين؛ الأولى: ما نحن بصدده وهو اختصاص الأسماء بالإضافة، والمسألة الثَّانية هي: حذف الموصوف وإقامة الصِّفة مقامه، وهذه ستأتي بإذن الله تعالى في باب النَّعت. انظر: شرح ملحة الإعراب 136؛ تسهيل الفوائد 155؛ التَّذييل والتَّكميل 1/54؛ الهمع 4/264. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/305؛ العرف الطيِّب 598. شرح المشكل 337. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/175؛ العرف الطيِّب 29، والسِّماكان: نجمان نيِّران. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 352 انظر: الكتاب 1/84، 211، 226؛ معاني القرآن للفرَّاء 2/409؛ المقتضب 3/227، 4/279؛ الإيضاح العضدي 269؛ شرح اللُّمع 1/198؛ شرح اللُّمع للواسطي 95؛ المقتصد 2/883؛ شرح ملحة الإعراب 137؛ أسرار العربيَّة 280؛ اللُّباب 1/389؛ التَّوطئة 250؛ شرح المقدِّمة الكافية 2/596؛ المقرَّب 1/209؛ البسيط 1/312. شرح المشكل 46. انظر: شرح المشكل 214. انظر شرح البيت في: شرح العكبري 1 /66؛ العرف الطيِّب 338 انظر: الكتاب 1/ 4، 311، 2/ 44؛ معاني القرآن للأخفش 2/658؛ المقتضب 3/175 - 176، 4/205 - 206؛ الأصول 2/142؛ اشتقاق أسماء الله 190 شرح الكتاب للسِّيرافي 1/131 - 132؛ شرح عيون كتاب سيبويه 208 - 209؛ مشكل إعراب القرآن 2/175- 176؛ المقتصد 1/ 146؛ النُّكت في تفسير كتاب سيبويه 2/680 - 681؛ أسرار العربيَّة 31؛ المرتجل 102 أمالي السُّهيلي 92؛ شرح المقدِّمة الكافية 3/770؛ البسيط 2/880؛ شرح ألفيَّة ابن معطي 1/546 - 547. انظر: شرح كتاب سيبويه للسِّيرافي 1/130 - 131؛ أسرار العربيَّة 31؛ سفر السَّعادة 2/847 - 848؛ شرح ألفيَّة ابن معطي 1/547. انظر: الأصول 2/142؛ شرح كتاب سيبويه للسِّيرافي 1/131؛ مشكل إعراب القرآن 2/176؛ المرتجل 102؛ المقتصد 1/146؛ البيان 2/248؛ سفر السَّعادة 2/848؛ شرح الجمل لابن عصفور 2/335. انظر: معاني القرآن للزَّجَّاج 4/176؛ اشتقاق أسماء الله 190؛ شرح كتاب سيبويه للسِّيرافي 1/131 - 132؛ المقتصد 1/146؛ أسرار العربيَّة 31؛ شرح الجمل لابن عصفور 2/336؛ شرح الكافية للرَّضي 2/102. من المواضع الأخرى الَّتي ذكر فيها حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، انظر: شرح المشكل 36، 277. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/38؛ العرف الطيِّب 552، والميط: الدَّفع. شرح المشكل 302. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/45؛ العرف الطيِّب 46. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 353 انظر: شرح المشكل 60، وانظر في المسألة: معاني القرآن للفرَّاء 1/61 – 62؛ تأويل مشكل القرآن210؛ مجالس العلماء 243، 260؛ كتاب الشِّعر 2/346؛ أمالي المرتضي 1/615؛ أمالي ابن الحاجب 1/42. المحتسب 1/188. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/36؛ العرف الطيِّب 30. شرح المشكل 49. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/47؛ العرف الطيِّب 74. انظر: شرح المشكل 70. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/231؛ العرف الطيِّب 143. انظر: شرح المشكل 107. انظر: معاني القرآن للفرَّاء 2/404؛ الأصول 1/137؛ الإيضاح العضدي 157 الخصائص 3/248؛ أمالي المرتضي 2/47؛ شرح المقدِّمة المحسبة 394؛ الإفصاح 356؛ الأمالي الشَّجريَّة 1/63؛ نتائج الفكر 310؛ التَّوطئة 277؛ شرح المقدِّمة الكافية 3/827؛ المقرَّب 1/129؛ شرح الكافية للرَّضي 3/408 انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/233؛ العرف الطيِّب 139. زيادة يقتضيها المعنى. شرح المشكل 124، وأحسبه أراد بقوله: " ونحو ذلك " اسمَ الفاعل الواقع مبتدأ معتمدًا على نفيٍّ أو استفهام؛ نحو: ما قائمٌ أخواك، وأ قائمٌ أخواك؟ فإنَّه من الثَّابت عند النُّحاة أنَّ) قائمٌ (مبتدأ، و) أخواك (فاعلٌ سدَّ مسدَّ الخبر. انظر: الإيضاح العضدي 35؛ المقتصد 1/247؛ التَّصريح 1/156. انظر: معاني القرآن للفرَّاء 2/202؛ الأصول 1/60؛ الإيضاح العضدي 141؛ شرح اللُّمع 1/214؛ شرح اللُّمع للواسطي 30؛ المقتصد 1/508؛ شرح ملحة الإعراب 175 - 176؛ الأمالي الشَّجريَّة 3/220؛ نظم الفرائد 131؛ شرح المقدِّمة الكافية 3/831. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/176؛ العرف الطيِّب 502. شرح المشكل 286. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 354 الكتاب 1/233، وانظر: الأصول 2/30؛ شرح أبيات سيبويه للنَّحَّاس 113؛ النَّكت في تفسير كتاب سيبويه 1/454؛ شرح المقدِّمة الكافية 3/855 - 856؛ شرح الكافية للرَّضي 3/470؛ ارتشاف الضَّرب 3/234؛ الوضع الباهر 34. انظر: الكتاب 1/37؛ معاني القرآن للفرَّاء 2/127 - 128؛ المقتضب 4/178 - 180؛ شرح اللُّمع للواسطي 185؛ شرح المقدِّمة الكافية 3/848؛ المقرَّب 1/73؛ تسهيل الفوائد 131. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/35؛ العرف الطيِّب 30. شرح المشكل 48، وقد فصَّل في المسألة العُكبري عند شرحه للبيت 4/35، وانظر كذلك: الخصائص 1/185 – 186، 3/234. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/86؛ العرف الطيِّب 112، والعنقاء: طائرٌ غريب المنظر، وأعوز: تفضيل من قولهم: عوِزَ الشَّيء إذا لم يوجد، والمسترفد: السَّائل. انظر: الخصائص 1/185 – 186. شرح المشكل 86 – 87. انظر: شرح ملحة الإعراب 292؛ نتائج الفكر 204؛ التَّوطئة 179؛ شرح المقدِّمة الكافية 2/626؛ المقرَّب 1/220؛ شرح الكافية للرَّضي 2/289؛ الهمع 5/176. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/174؛ العرف الطيِّب 29، والجنادل: الصُّخور. انظر: شرح المشكل 45. في الكتاب 1/223 - 229، وانظر: المقتضب 4/284؛ الأصول 2/28؛ الإيضاح العضدي 38؛ شرح اللُّمع للواسطي 104. اللُّباب 1/404. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/372؛ العرف الطيِّب 345. شرح المشكل 215. انظر: معاني القرآن للفرَّاء 2/58، 345؛ المقرَّب 1/228؛ البسيط 1/300، 323 – 324. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/173؛ العرف الطيِّب 484. شرح المشكل 283. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 3/309؛ العرف الطيِّب 600. شرح المشكل 338. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 355 انظر: الكتاب 1/273؛ شرح اللُّمع 1/234؛ الأمالي الشَّجريَّة 2/68؛ نتائج الفكر 95؛ تسهيل الفوائد 170؛ الملخَّص 1/560؛ المغني 2/626؛ شرح ابن عقيل 2/205؛ التَّصريح 2/118، وعبارته: " ويجوز بكثرة حذف المنعوت إن عُلم " الهمع 5/186. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/19؛ العرف الطيِّب 486. البيت في ديوانه 490. شرح المشكل 284، أمَّا العُكبري فجوَّز العطف بلا توكيد، انظر: شرحه 2/19. انظر: الكتاب 1/390؛ معاني القرآن للفرَّاء 1/304؛ المقتضب 3/210؛ الأصول 1/78- 79، 119؛ إعراب القرآن للنَّحَّاس 2/105؛ الخصائص 2/386 التَّبصرة والتَّذكرة 1/139؛ شرح المقدِّمة المحسبة 1/224؛ المقتصد 2/957 - 959؛ الأمالي الشَّجريَّة 3/177؛ الفصول الخمسون 237. انظر نسبة الرَّأي إليهم في: الإنصاف 2/474؛ البحر المحيط 4/681؛ الدُّرَّ المصون 1/278. شرح الكافية الشَّافية 3/1246. الكتاب 1/232، وعدَّه سيبويه قبيحًا حتَّى يُقال: برجلٍ سواءٍ هو والعدمُ. أخرجه البخاري في صحيحه) باب: فضائل أصحاب النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم (5/12. شرح المشكل 76. شرح المشكل 278. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/359؛ العرف الطيِّب 81. شرح المشكل 76. انظر: الكتاب 1/255. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/199؛ العرف الطيِّب 520. شرح المشكل 298، ومن الملاحظ في نصِّه أنَّه أدخل) الألف واللاَّم (على كلمة (كلّ) وفي هذه القضيَّة كلامٌ للأصمعي في عبث الوليد 196 - 197، ولسان العرب 7/119، وشرح التَّسهيل لابن مالك 3/244 - 245. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 356 انظر: معاني القرآن للفرَّاء 2/73؛ التَّمام 21؛ المقتصد 2/931؛ الأمالي الشَّجريَّة 2/93؛ اللُّباب 1/412؛ شرح المفصَّل 3/70؛ شرح الجمل لابن عصفور 1/289 - 290؛ شرح الكافية الشَّافية 3/1281 - 1285؛ شرح الكافية للرَّضي 2/391؛ فاتحة الإعراب 190؛ ائتلاف النُّصرة 56؛ التَّصريح 2/160. شرح المفصَّل 3/70. انظر: معانيه 2/482. انظر النسبة إليهم في: شرح الكافية الشَّافية 3/1284؛ المساعد 2/432؛ ائتلاف النُّصرة 56؛ التَّصريح 2/161 شرح المفصَّل 3/70، وانظر: فاتحة الإعراب 190. التَّبصرة والتَّذكرة 1/366. انظر رأيهم في: الكتاب 1/330؛ المقتضب 4/260؛ الأصول 1/359؛ الجمل للزَّجَّاجي 168؛ الإيضاح العضدي 237؛ اللُّمع 200؛ شرح اللُّمع للواسطي 150 المقتصد 2/791؛ شرح عيون الإعراب 274؛ نظم الفرائد 151؛ الأمالي الشَّجريَّة 2/315؛ التَّوطئة 294؛ شرح المقدِّمة الكافية 2/435. انظر نسبة الرأي إليهم في: الإنصاف 1/347؛ نظم الفرائد 152؛ التَّبيين 453؛ شرح المفصَّل 2/20؛ أوضح المسالك 2/101؛ ائتلاف النُّصرة 47؛ التَّصريح 2/184. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 4/11؛ العرف الطيِّب 454، والقنا: الرِّماح، وعمرو حابِ: أراد به عمرو ابن حابسٍ؛ وهو بطنٌ من أسد، والأغتام: جمع أغتم؛ وهو الَّذي في منطقه عُجمة. انظر: شرح المشكل 115. انظر: نظم الفرائد 151 - 152؛ الإيضاح في شرح المفصَّل 2/298؛ الإرشاد إلى علم الإعراب 291. انظر: الكتاب 2/310 - 311؛ الإيضاح العضدي 165؛ شواهد التَّوضبح والتَّصحيح 203. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 1/373؛ العرف الطيِّب 204. شرح المشكل 128. انظر شرح البيت في: شرح العُكبري 2/132؛ العرف الطيِّب 67؛ شرح المشكل 68. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 357 انظر: معاني القرآن للفرَّاء 1/340؛ المقتضب 3/319؛ الأصول 2/92؛ ما ينصرف وما لا ينصرف 45؛ إعراب القرآن للنَّحَّاس 1/260؛ التَّبصرة والتَّذكرة 2/555؛ الإيضاح العضدي 305؛ اللُّمع 239؛ المقتصد 2/1031؛ شرح ملحة الإعراب 312؛ التَّوطئة 302؛ شرح المقدِّمة الكافية 1/288؛ المقرَّب 1/286؛ الكافية 64؛ شرح الألفيَّة لابن النَّاظم 634؛ الملخَّص 1/625؛ ارتشاف الضَّرب 1/438؛ الدُّرَّ المصون 2/106. المحكم 1/16. المصادر والمراجع ائتلاف النُّصرة في اختلاف نحاة الكوفة والبصرة، لعبد اللَّطيف الشرجي الزُبيدي، تحقيق: طارق الجنابي، عالم الكتب، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1407 هـ - 1987 م. الألفات، وهو كتاب يتعرَّض للهمزة والألف وأنواعها في العربيَّة، لابن خالويه، تحقيق: د. علي حُسين البوَّاب، مكتبة المعارف، الرِّياض، الطَّبعة الأولى، 1402 هـ - 1982 م. أدب الكاتب، لابن قتيبة، تحقيق: مُحمَّد محي الدِّين عبد الحميد، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطَّبعة الرَّابعة، 1382 هـ - 1963 م. ارتشاف الضَّرب من لسان العرب لأبي حيَّان الأندلسي، تحقيق: د. مصطفى أحمد النحَّاس، مطبعة المدني، القاهرة، الطَّبعة الأولى ج 1 1404 هـ - 1984 م، ج 2 1408 هـ - 1987 م، ج 3 1409 هـ - 1989 م. الإرشاد إلى علم الإعراب، للكيشي، تحقيق: د. عبد الله علي الحُسيني البركاتي، د. محسن سالم العُميري، مركز إحياء التُّراث الإسلامي، مكَّة المكرَّمة، الطَّبعة الأولى 1410 هـ - 1989 م. أسرار العربيَّة، لأبي البركات الأنباري، تحقيق: مُحمَّد بهجة البيطار، من مطبوعات المجمع العلمي العربي، دمشق، الطَّبعة (بدون) ، 1377 هـ - 1957 م. الأشباه والنظائر في النَّحو، للسيوطي، راجعه وقدَّم له: فائز ترحيني، دار الكتاب العربي، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1404 هـ - 1984م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 358 اشتقاق أسماء الله، للزَّجَّاجي، تحقيق: د. عبد الحُسين المبارك، مؤسَّسة الرِّسالة، بيروت، الطَّبعة الثَّانية، 1406 هـ - 1986 م. الأصول في النَّحو، لابن السَّرَّاج، تحقيق: د. عبد الحُسين الفتلي، مؤسَّسة الرِّسالة، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1405 هـ - 1985 م. إعراب القرآن، لأبي جعفر النحَّاس، تحقيق: د. زهير غازي زاهد، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الطَّبعة الثَّالثة، 1406 هـ - 1986 م. الإفصاح في شرح أبيات مشكلة الإعراب، لأبي نصر الفارقي، تحقيق: سعيد الأفغاني، مؤسَّسة الرِّسالة بيروت، الطَّبعة الثَّالثة، 1400 هـ - 1980 م. * لقد أسقطت من هذه القائمة المصادر الَّتي استقيت منها ترجمة ابن سِيْدَه رحمه الله تعالى. أمالي السُّهيلي في النَّحو واللُّغة والحديث والفقه، تحقيق: مُحمَّد إبراهيم البنا، مطبعة السعادة، مصر، الطَّبعة الأولى، 1390 هـ - 1970 م. الأمالي الشَّجرية، لأبي السَّعادات هبة الله العلوي المعروف بابن الشَّجري، تحقيق: محمود مُحمَّد الطناحي، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطَّبعة الأولى، 1413 هـ - 1992 م. أمالي المرتضي (غرر الفوائد ودرر القلائد) ، للشريف علي بن الحُسين الموسوي العلوي، تحقيق: مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم، دار الكتاب العربي، بيروت، الطَّبعة الثَّانية، 1387 هـ - 1967 م. الأمالي النَّحويَّة، لابن الحاجب، تحقيق: هادي حسن حمودي، مكتبة النهضة العربيَّة، وعالم الكتب، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1405 هـ - 1985 م. الإنصاف في مسائل الخلاف بين النَّحويين البصريين والكوفيين، لأبي البركات الأنباري، تحقيق: مُحمَّد محي الدِّين عبد الحميد، مكان النَّشر (بدون) ، الطَّبعة (بدون) 1982م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 359 أوضح المسالك إلى ألفيَّة ابن مالك، لابن هشام، تحقيق: مصطفى السَّقا، وإبراهيم الأبياري، دار إحياء التُّراث العربي، بيروت، الطَّبعة السَّادسة، 1980 م. الإيضاح العضدي، لأبي علي الفارسي، تحقيق: د. حسن شاذلي فرهود، مطبعة دار التَّأليف، مصر، الطَّبعة الأولى، 1389 هـ - 1969 م. الإيضاح في شرح المفصَّل، لابن الحاجب، تحقيق: موسى بناي العليلي، وزارة الأوقاف والشُّؤون الدِّينية، مطبعة العاني، بغداد، الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) . البحر المحيط، لأبي حيَّان، عناية: صدقي مُحمَّد جميل، دار الفكر، بيروت، الطَّبعة (بدون) ، 1412 هـ - 1992 م. البسيط في شرح جمل الزَّجَّاجي، لابن أبي الرَّبيع، تحقيق ودراسة: د. عيَّاد الثبيتي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1407 هـ - 1979م. البهجة المرضيَّة، للسُّيوطي، تحقيق: علي سعد الشينوي، منشورات كلية الدعوة الإسلاميَّة، ليبيا، طرابلس، الطَّبعة الأولى، 1403 هـ. البيان في غريب إعراب القرآن، لأبي البركات الأنباري، تحقيق: طه عبد الحميد طه، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، الطَّبعة (بدون) ، 1407 هـ - 1987 م. تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، شرحه ونشره: السَّيِّد أحمد صقر، دار التُّراث، القاهرة، الطَّبعة الثَّانية، 1393هـ - 1973 م. التَّبصرة والتَّذكرة، للصَّيمري، تحقيق: د. فتحي أحمد مصطفى، مركز البحث العلمي وإحياء التُّراث الإسلامي، مكَّة المكرَّمة، الطَّبعة الأولى، 1402 هـ - 1982 م. التَّبيين عن مذاهب النَّحويين البصريين والكوفيين، لأبي البقاء العُكبري، تحقيق: عبد الرَّحمن بن سُليمان العُثيمين، دار القرب الإسلامي، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1406 هـ - 1986 م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 360 التَّذييل والتَّكميل في شرح كتاب التَّسهيل، لأبي حيَّان الأندلسي، تحقيق: د. حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، الطَّبعة الأولى، 1418 هـ - 1997 م. تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، لابن مالك، تحقيق: د. مُحمَّد كامل بركات، دار الكتاب العربي للطِّباعة والنَّشر، مكان النَّشر (بدون) ، الطَّبعة (بدون) ، 1387 هـ - 1967 م. التَّصريح على التَّوضيح، للشَّيخ خالد الأزهري، مطبعة الاستقامة، القاهرة، الطَّبعة الأولى، 1374 هـ - 1954 م. تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد، للدَّماميني، تحقيق: د. مُحمَّد بن عبد الرَّحمن المفدى، مطابع الفرزدق التِّجاريَّة، الرِّياض، الطَّبعة الأولى، 1403 هـ - 1983 م. تفسير البحر المحيط، لأبي حيَّان الأندلسي، دار الفكر، بيروت، الطَّبعة الثَّانية، 1403 هـ - 1983 م. تهذيب اللًّغة، لأبي منصور الأزهري، المؤسَّسة المصريَّة العامة للتَّأليف والأنباء والنَّشر، الطَّبعة (بدون) ، 1384 هـ - 1964 م. توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفيَّة ابن مالك، للمرادي، تحقيق: عبد الرَّحمن علي سُليمان، مكتبة الكليَّات الأزهريَّة، القاهرة، الطَّبعة الثَّانية، التَّاريخ (بدون) . التَّوطئة، لأبي علي الشَّلوبين، تحقيق: يوسف أحمد المطوِّع، دار التُّراث العربي للطَّبع والنَّشر، القاهرة، الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) . الجمل في النَّحو، للزَّجَّاجي، تحقيق: د. علي توفيق الحمد، مؤسَّسة الرِّسالة، بيروت، دار الأمل، الأردن، الطَّبعة الأولى، 1404 هـ - 1984 م. الجنى الدَّاني في حروف المعاني، للمرادي، تحقيق: فخر الدِّين قباوة، مُحمَّد نديم فاضل، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطَّبعة الثَّانية، 1403 هـ - 1983 م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 361 جواهر الأدب في معرفة كلام العرب، لعلاء الدِّين الإربلي، شرح وتحقيق: د. حامد أحمد نيل، مكتبة النهضة المصريَّة، القاهرة، الطَّبعة (بدون) ، 1403 هـ - 1983 م. حاشية الصَّبان على شرح الأشموني على ألفيَّة ابن مالك، دار إحياء الكتب العربيَّة، مصر، الطَّبعة، والتَّاريخ (بدون) حروف المعاني، للزَّجَّاجي، تحقيق: د. علي توفيق الحمد، مؤسَّسة الرِّسالة، بيروت، دار الأمل، الأردن، الطَّبعة الثَّانية، 1406 هـ - 1986 م. الخصائص، لابن جنِّي، تحقيق: مُحمَّد علي النجَّار، دار الهدى، بيروت، الطَّبعة الثَّانية، التَّاريخ (بدون) الدرُّ المصون في علوم الكتاب المكنون، للسَّمين الحلبي، تحقيق: د. أحمد مُحمَّد الخرَّاط، دار القلم، دمشق، الطَّبعة الأولى، 1408 هـ - 1987 م. دلائل الإعجاز، لعبد القاهر الجرجاني، تعليق: محمود مُحمَّد شاكر، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطَّبعة الثَّانية، 1410 هـ - 1989 م. ديوان أبي الطيِّب المتنبِّي بشرح أبي البقاء العُكبري، المسمَّى بالتِّبيان في شرح الدِّيوان، ضبطه وصحَّحه: مصطفى السَّقا، وإبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ شلبي، دار المعرفة، بيروت، الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) . ديوان أوس بن حجر، تحقيق: د. إحسان عبَّاس، الكويت. ديوان العبَّاس بن مرداس، تحقيق: يحيى الجبُّوري، المؤسَّسة العامة للصَّحافة والنَّشر، بغداد، الطَّبعة (بدون) ، 1388 هـ - 1968 م. رصف المباني في شرح حروف المعاني، للمالقي، تحقيق: د. أحمد مُحمَّد الخرَّاط، دار القلم، دمشق، الطَّبعة الثَّانية، 1405 هـ - 1985 م. سرُّ صناعة الإعراب، لابن جنِّي، تحقيق: د. حسن هنداوي، دار القلم، الطَّبعة الثَّانية، التَّاريخ (بدون) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 362 سفر السَّعادة، وسفير الإفادة، للسَّخاوي، تحقيق: مُحمَّد أحمد الدَّالي، مطبوعات مجمع اللُّغة العربيَّة، دمشق، الطَّبعة (بدون) 1403 هـ - 1983 م. سِمط اللآلي، لأبي عُبيد البكري، تحقيق: عبد العزيز الميمني، دار الحديث، بيروت، الطَّبعة الثَّانية، 1404 هـ - 1984 م. كتاب شرح أبيات سيبويه، للنحَّاس، تحقيق: د. زهير غازي زاهد، عالم الكتب، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1406 هـ - 1986 م. شرح ألفيَّة ابن مالك، لابن النَّاظم، تحقيق: د. عبد الحميد السيد مُحمَّد عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) . شرح ألفيَّة ابن معطي، لابن جمعة الموصلي، تحقيق: د. علي موسى الشوملي، مكتبة الخريجي، الرِّياض، الطَّبعة الأولى، 1405 هـ - 1985 م. شرح التَّسهيل، لابن مالك، تحقيق: د. عبد الرَّحمن السَّيِّد، د. مُحمَّد بدوي المختون، هجر للطِّباعة والنَّشر والتَّوزيع والإعلان، مكان النَّشر (بدون) الطَّبعة الأولى، 1410 هـ - 1990 م. شرح جمل الزَّجَّاجي، لابن عصفور، تحقيق: د. صاحب أبو جناح، وزارة الأوقاف والشؤون الدِّينية، العراق، الطَّبعة (بدون) ، 1400 هـ - 1980 م. شرح الحدود النَّحويَّة، للفاكهي، تحقيق: د. مُحمَّد الطيِّب الإبراهيم، دار النَّفائس، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1417 هـ - 1996 م. شرح شافية ابن الحاجب، للرَّضي الاستراباذي، مع شرح شواهده للبغدادي، تحقيق: مُحمَّد نور الحسن، مُحمَّد الزَّفزاف، مُحمَّد محي الدِّين عبد الحميد، دار الكتب العلميَّة، بيروت، الطَّبعة (بدون) 1402 هـ - 1982 م. شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب، لابن هشام، تحقيق: مُحمَّد محي الدِّين عبد الحميد، المكتبة العصريَّة، صيدا، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1986 م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 363 شرح عيون كتاب سيبويه، لأبي نصر هارون بن موسى القرطبي، تحقيق: د. عبد ربه عبد اللطيف عبد ربه، مطبعة حسَّان، القاهرة، الطَّبعة الأولى، 1404 هـ - 1984م. شرح الكافية في النَّحو، للرَّضي الاستراباذي، دار الكتب العلميَّة، بيروت، الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) . شرح الكافية الشَّافية، لابن مالك، تحقيق: د. عبد المنعم هريدي، مركز البحث العلمي وإحياء التُّراث الإسلامي، مكَّة المكرَّمة، الطَّبعة الأولى، 1402 هـ - 1982م. شرح كتاب سيبويه، لأبي سعيدٍ السِّيرافي، ج 1 تحقيق: د. رمضان عبد التَّواب، د. محمود فهمي حجازي، د. مُحمَّد هاشم عبد الدايم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطَّبعة (بدون) ، 1986 م، ج 2 تحقيق: د. رمضان عبد التواب، الطَّبعة (بدون) ، 1990 م. شرح اللَّمحة البدريَّة في علم العربيَّة، لابن هشام الأنصاري، تحقيق: د. صلاح رواي، مطبعة حسَّان، القاهرة، الطَّبعة الثَّانية، 1404 هـ - 1983 م. شرح اللُّمع، لابن برهان العُكبري، تحقيق: د. فائز فارس، من منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، الطَّبعة الأولى، 1404 هـ - 1984 م. شرح مشكل شعر المتنبِّي، لابن سِيْدَه، تحقيق: د. مُحمَّد رضوان الدَّاية، دار المأمون للتُّراث، دمشق، الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) . شرح المفصَّل، لابن يعيش، عالم الكتب، بيروت، الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) . شرح المقدِّمة الكافية في الإعراب، لابن الحاجب، تحقيق: جمال عبد العاطي مخيمر أحمد، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكَّة المكرَّمة، الطَّبعة الأولى، 1418 هـ - 1997 م. شرح المقدِّمة المحسبة، لابن بابشاذ، تحقيق: خالد عبد الكريم، النَّاشر (بدون) ، الكويت، الطَّبعة الأولى، 1977 م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 364 شرح ملحة الإعراب، للحريري، تحقيق: د. أحمد قاسم، مكتبة دار التُّراث، المدينة المنوَّرة، الطَّبعة الثَّانية، 1412 هـ - 1991 م. كتاب الشِّعر أو شرح الأبيات المشكلة الإعراب، للفارسي، تحقيق وشرح: د. محمود مُحمَّد الطَّناحي، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطَّبعة الأولى، 1408 هـ - 1988 م. شفاء العليل في إيضاح التَّسهيل، للسَّلسيلي، تحقيق: عبد الله البركاتي، المكتبة الفيصلية، مكَّة المكرَّمة، الطَّبعة الأولى، 1406 هـ - 1986 م. شواهد التَّوضبح والتَّصحيح لمشكلات الجامع الصَّحيح، لابن مالك، عالم الكتب، بيروت، الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) . الصَّاحبي، لابن فارس، تحقيق: السيِّد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) . ضرورة الشِّعر، لأبي سعيد السِّيرافي، تحقيق: د. رمضان عبد التَّواب، دار النَّهضة العربيَّة، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1405 هـ - 1985 م. عبث الوليد، شرح ديوان البحتري، لأبي العلاء المُعرِّي، تعليق: مُحمَّد عبد الله المدني، دار الرِّفاعي، الرِّياض، الطَّبعة الثَّالثة، 1405 هـ - 1985 م. العرف الطيِّب في شرح ديوان أبي الطيِّب، للشَّيخ ناصيف اليازجي، دار القلم، بيروت، الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) علل النَّحو، لابن الورَّاق، تحقيق ودراسة: محمود جاسم الدرويش، مكتبة الرُّشد، الرِّياض، الطَّبعة الأولى، 1420 هـ - 1999 م. فاتحة الإعراب في إعراب الفاتحة، للإسفراييني، تحقيق: د. عفيف عبد الرَّحمن، منشورات جامعة اليرموك، الأردن، الطَّبعة (بدون) ، 1399 هـ - 1979 م. فتح الربِّ المالك بشرح ألفيَّة ابن مالك، للغزِّي، تحقيق: مُحمَّد المبروك الختروشي، منشورات كلية الدعوة الإسلاميَّة، ليبيا، طرابلس، الطَّبعة الأولى، 1401 هـ - 1991 م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 365 الفصول الخمسون، لابن معطي، تحقيق: محمود مُحمَّد الطَّناحي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) . الفصول المفيدة في الواو المزيدة، للعلائي، تحقيق: د. حسن الشَّاعر، دار البشير، عمَّان الطَّبعة الأولى، 1410 هـ - 1990 م. كتاب الفصيح، لثعلب، تحقيق: د. عاطف مدكور، دار المعارف، القاهرة، الطَّبعة الأولى، 1983 م. الفوائد الضِّيائيَّة (شرح كافية ابن الحاجب) للجامي، تحقيق: د. أسامة طه الرِّفاعي، وزارة الأوقاف والشُّؤون الدِّينيَّة، العراق، الطَّبعة (بدون) 1403 هـ - 1893 م. الكتاب، لسيبويه، المطبعة الأميرية ببولاق، مصر، الطَّبعة الأولى، 1316 هـ. الكُنَّاش في فنَّي النَّحو والصَّرف، لأبي الفداء، تحقيق: د. رياض بن حسن الخوَّام، المكتبة العصريَّة للطِّباعة والنَّشر، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م. اللاَّمات، للزَّجَّاجي، تحقيق: مازن المبارك، دار الفكر للطِّباعة والنَّشر والتَّوزيع، دمشق، الطَّبعة الثَّانية، 1405 هـ - 1985 م. اللاَّمات، للهروي، تحقيق: يحيى علوان البلداوي، مكتبة الفلاح، الكويت، الطَّبعة الأولى، 1400 هـ - 1980 م. اللُّباب في علل البناء والإعراب، للعُكبري، تحقيق: د. عبد الإله نبهان، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1414 هـ - 1993 م. اللُّمع في العربيَّة، لابن جنِّي، تحقيق: د. حُسين مُحمَّد مُحمَّد شرف، عالم الكتب، القاهرة، الطَّبعة الأولى، 1399 هـ - 1979 م. ما تلحن فيه العامة، للكسائي، تحقيق: د. رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطَّبعة الأولى، 1403 هـ - 1982 م. ما ينصرف وما لا ينصرف، للزَّجَّاج، تحقيق: د. هدى محمود قراعة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، الطَّبعة (بدون) ، 1391 هـ - 1971 م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 366 المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، لابن جنِّي، تحقيق: علي النَّجدي ناصف، المجلس الأعلى للشُّؤون الإسلاميَّة، مصر، الطَّبعة (بدون) ، 1386 هـ المحكم والمحيط الأعظم، لابن سِيْدَه، تحقيق: د. حُسين نصَّار، وآخرين، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، الطَّبعة الأولى، 1377 هـ - 1985 م. المحلَّى " وجوه النَّصب "، لابن شُقير، تحقيق: د. فائز فارس، مؤسَّسة الرِّسالة، بيروت الطَّبعة الأولى، 1408 هـ - 1987 م. مجاز القرآن، لأبي عُبيدة، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطَّبعة (بدون) ، 1374 هـ - 1954 م. المرتجل، لابن الخشَّاب، تحقيق: علي حيدر، النَّاشر (بدون) ، دمشق، 1392 هـ - 1972 م. المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات، لأبي علي الفارسي، تحقيق: صلاح الدِّين السَّكاوي، وزارة الأوقاف والشئون الدِّينية، بغداد، الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) . المسائل المنثورة، لأبي علي الفارسي، تحقيق: مصطفى الحدري، مجمع اللُّغة العربيَّة، دمشق، الطَّبعة، والتَّاريخ (بدون) . المساعد على تسهيل الفوائد، لابن عقيل، تحقيق: د. مُحمَّد كامل بركات، دار الفكر، دمشق، 1400 هـ - 1980 م. مشكل إعراب القرآن، للقيسي، تحقيق: ياسين مُحمَّد السَّواس، دار المأمون للتُّراث، دمشق، الطَّبعة الثَّانية، التَّاريخ (بدون) . معاني الحروف، لأبي الحسن الرمَّاني، تحقيق: د. عبد الفتَّاح إسماعيل شلبي، دار الشُّروق جدة، الطَّبعة الثَّالثة، 1404 هـ - 1984 م. معاني القرآن، للأخفش، تحقيق: د. فائز فارس، النَّاشر ومكان النَّشر (بدون) ، الطَّبعة الثَّانية، 1401 هـ - 1981 م. معاني القرآن، للفرَّاء، عالم الكتب، بيروت، الطَّبعة الثَّالثة، 1403 هـ - 1983 م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 367 معاني القرآن وإعرابه، للزَّجَّاج، تحقيق: د. عبد الجليل شلبي، عالم الكتب، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1408 هـ - 1988 م. مغني اللَّبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام، تحقيق: مُحمَّد محي الدِّين عبد الحميد مكتبة ومطبعة: مُحمَّد علي صبيح وأولاده، الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) . المفصَّل في علم العربيَّة، للزَّمخشري، دار الجيل، بيروت، الطَّبعة الثَّانية، التَّاريخ (بدون) . المقتصد في شرح الإيضاح، لعبد القاهر الجرجاني، تحقيق: كاظم المرجان، وزارة الثَّقافة والإعلام، العراق، الطَّبعة (بدون) ، 1982 م. المقتضب، لأبي العبَّاس المبرِّد، تحقيق: مُحمَّد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت الطَّبعة والتَّاريخ (بدون) . المقرَّب، لابن عصفور الإشبيلي، تحقيق: أحمد عبد الستَّار الجواري، عبد الله الجبوري، رئاسة ديوان الأوقاف، العراق، الطَّبعة الأولى، 1391 هـ - 1971 م. الملخَّص في ضبط قوانين العربيَّة، لابن أبي الرَّبيع، تحقيق: د. علي بن سلطان الحكمي، النَّاشر (بدون) ، مكان النَّشر (بدون) ، الطَّبعة الأولى، 1405 هـ - 1985 م. منثور الفوائد، للأنباري، تحقيق: د. حاتم الضَّامن، مؤسَّسة الرِّسالة، بيروت، الطَّبعة الأولى، 1403 هـ - 1983 م. المنصف، شرح ابن جنِّي لكتاب التَّصريف للمازني، تحقيق: إبراهيم مصطفى، عبد الله أمين، مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطَّبعة الأولى، 1373 هـ - 1954 م. نتائج الفكر في النَّحو، للسُّهيلي، تحقيق: د. مُحمَّد إبراهيم البنا، دار الرِّياض للنشر والتوزيع، الرِّياض، الطَّبعة الثَّانية، 1404 هـ - 1984 م. نظم الفرائد وحصر الشَّرائد، للمهلَّبي، تحقيق: د. عبد الرَّحمن بن سُليمان العثيمين، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطَّبعة الأولى، 1406 هـ - 1986 م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 368 النُّكت في تفسير سيبويه، للأعلم الشَّنتمري، تحقيق: زهير سلطان، منشورات معهد المخطوطات العربيَّة، الكويت، الطَّبعة الأولى، 1407 هـ - 1987 م. الهادي في الإعراب إلى طرق الصَّواب، لابن القبيصي، تحقيق: د. محسن سالم العُميري، دار التُّراث، مكَّة المكرَّمة، الطَّبعة الأولى، 1408 هـ - 1988 م. همع الهوامع، للسُّيوطي، تحقيق: د. عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلميَّة، الكويت، الطَّبعة (بدون) ، 1394 هـ - 1975 م. كتاب الوضع الباهر في رفع (أفعل) الظاهر، لابن الصَّائغ، تحقيق: د. جمال عبد العاطي مخيمر، مطبعة حسَّان، القاهرة، الطَّبعة الأولى، 1405 هـ - 1985 م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 369 وقفات في جزم المضارع في جواب الطلب وأثر المعنى على الحركة الإعرابية في الجواب د. سلوى محمد عمر عرب الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية - كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الملك عبد العزيز ملخص البحث ... الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: ... فإن هذا البحث يعالج بعض قضايا الجزم في جواب الطلب؛ فبعد التعريف بالجزم، وتقديم نبذة مختصرة عن جزم المضارع عامة، وعن جزمه في جواب الطلب، يتوقف عند أربع قضايا من قضايا المضارع الواقع بعد الطلب، عانت من الاضطراب، وكانت موضع خلاف بين النحويين، وهي: أولاً: عامل الجزم في جواب الطلب. ثانيًا: علة امتناع جزم المضارع بعد النفي والخبر المثبت. ثالثًا: الجزم في جواب النهي. رابعًا: أثر المعنى على الحركة الإعرابية في المضارع الواقع بعد الطلب. وقد أسفر عن نتائج فيها تيسيرٌ للنحو، وحلٌّ للإشكال، وإزالةٌ للغموض الذي يكتنف بعض المسائل. وخُتم البحث بتطبيقٍ على بعض الآيات القرآنية الكريمة، تناولها بالدراسة العميقة للمعنى الذي هو الركيزة الأساس في تحديد الحركة الإعرابية المناسبة. وهو يفتح آفاقاً لدراساتٍ مستقبليّةٍ لمعاني آيات القرآن الكريم، معتمدة على ما جاء من أقوال النحاة والمفسرين. أسأل الله أن يجعل فيه النفع، وبالله التوفيق * * * تقديم: معنى الجزم: الجزم في اللغة: " القطع، وكل أمر قطعته قطعاً لا عودة فيه فقد جزمته " (1) وفي الاصطلاح النحوي: " عبارة عن حذف حركة أو حرف من حروف العلة - أو ما شبه به - بعامل " (2) . وجاء في (اللسان) : (3) " أن الجزم في النحو سمي جزماً لقطع الإعراب عن الحرف وإسكانه ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 370 وعرّفوا السكون بأنه " عبارة عن خلو العضو من الحركات عند النطق بالحرف، ولا يحدث بعد الحرف صوت، فينجزم عند ذلك، أي ينقطع؛ فلذلك سمي جزماً، اعتباراً بانجزام الصوت، وهو انقطاعه، وسكوناً، اعتباراً بالعضو الساكن (4) . وعلة تسمية الجزم التي وردت في (اللسان) علة لفظية، لا تتطرق إلى الأبعاد التي أسكن من أجلها الحرف وقطعت عنه الحركة، وتتجاهل المعنى الذي دلت عليه الكلمة، ودل عليه الإعراب، وتدعونا إلى التساؤل عن العلة المعنويّة التي من أجلها أسكن الحرف، وقطعت عنه الحركة؟!! ولعلّ العلّة تكمن في ذات المتكلم، فالمتكلم يقف على الحرف، ويجعله ساكناً، ويقطع الصوت بعده، فيقول: افعلْ، أو لا تفعلْ، أو لم أفعلْ، أو إنْ تفعلْ افعلْ؛ فكأنُما أراد أن يدلل على معنى الأمر، والنهي، والنفي، والشرط، وهي معانٍ تُشعر بالعزيمة القوية، والجزم والقطع في الأمر، والبت فيه؛ لذا يُعرًف الليث الجزم بقوله: " الجزم عزيمةٌ في النحو في الفعل " (5) . فكأنما أراد أن يشير إلى العزيمة القوية الموجودة في نفس المتكلم، قال المبرد (6) : "إنما سمي الجزم في النحو جزماً؛ لأن الجزم في كلام العرب القطع، وكلّ أمرٍ قطعته قطعاً لا عودة فيه فقد جزمته "، فلما رأوا أن المتكلم يقف على الحرف ولا يجري الصوت فيه، جازماً في الأمر، قاطعاً له، وضعوا عليه علامة تدل على سكون الحرف وقطع الصوت عنه، وسميت هذه العلامة سكوناً، وجزماً. وقد وُضِعَتْ علامات الإعراب لتُعْرِب عن المعاني التي تدور في النفس،، وكان ذلك في فترة زمنية متأخرة، عندما اتخذ أبو الأسود الدؤلي كاتباً من بني عبد القيس (7) ، وأمره أن يضع علامات تدل على الملفوظ من الكلام، ثم وُضعت بعد ذلك العلامات المعروفة؛ وهي الفتحة،والضمة،والكسرة، والسكون، وفقاً لحركة الفم وسكونه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 371 فالمعنى الذي يدور في نفس المتكلم يأتي أولاً، ثم يليه التعبير عنه بالكلام الملفوظ، ثم الدلالة عليه في الخط المكتوب بالعلامات الدالة عليه. وقيل: إن الدائرة الصغيرة قد اختيرت لتدل على السكون والجزم؛ لأنها مأخوذة من ميم " جزم ". وقيل: اتُخِذ رمز الدائرة الصغيرة - وهو رمز الصفر في حساب الهنود، الذي يدل على خلو المرتبة - ليدلّ على خلو الحرف من الحركة (8) . ولعل السبب في أن الحروف أصلها السكون؛ لأنّ الحرف ليس له معنى بمفرده، ولا يكون له معنى إلاّ مع غيره، فحروف الهجاء تدب فيها الحركة إذا ائتلفت مع الحروف الأخرى في الكلمة، وتتغير حركاتها بتغيّر المعاني التي تدلّ عليها، ويسكن ما يسكن منها - بعد ائتلافها - منعاً لتوالي الحركات. والجزم من خصائص الأفعال، والأفعال التي يلحقها السكون هي: فعل الأمر، والفعل المضارع إذا سبق بجازم، أو إذا وقع جواباً للطلب، وسيتضح ذلك فيما يلي. جزم الفعل المضارع: (9) ... يجزم الفعل المضارع في موضعين: أولهما: إذا سبق بأداة من الأدوات التي تجزم المضارع، وهي نوعان: الأول - أدوات تجزم فعلاً واحداً، وهي أربعة أحرف: اللام الطلبية، و " لا " الطلبية، و"لم"، و" لمّا ". الثاني - أدوات تجزم فعلين: أحدهما فعل الشرط، والآخر:جواب الشرط؛ وهي إحدى عشْرةَ أداةً: "إنْ - إِذْمَا - مَنْ - مَا - مَهْمَا – مَتَى - أيَّانَ - أيْنَ - أنَّى - حَيْثُمَا - أيّ ". وثاني الموضعين: إذا وقع جواباً للطلب. وهو موضوع هذا البحث. جزم المضارع في جواب الطلب ... يجوز جزم الفعل المضارع الواقع في جواب الطلب إذا سقطت الفاء، بشرط أنْ يقصد الجزاء. والمقصود بوقوع الفعل المضارع جواباً للطلب؛ هو أنْ يكون مترتباً على كلام قبله ترتب الجواب على السؤال. والمراد بقصد الجزاء؛ هو تقدير الفعل " مسبباً عن ذلك الطلب المتقدم، كما أن جواب الشرط مسبب عن فعل الشرط " (10) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 372 فمثال جزم المضارع بعد الأمر: " ايتني أكرمْك ". وبعد الدعاء: ربِّ وفقْني أطعْك ". وبعد التمني: " ليت لي مالاً أنفقْه ". وبعد الترجّي: لعلّك تتصدقُ تؤجرْ " وبعد الاستفهام: " أين بيتك أزرْك؟ ". وبعد العَرْض: " ألا تنزلُ عندنا تصبْ خيراً ". وبعد التّحْضِيض: " هلاّ تزورُنا نكرمْك " وبعد النّهْي " لا تكفرْ تدخلْ الجنة ". جزم ما جاء بمعنى الأمر: كل ما دلّ على معنى الأمر - وإن لم يكن بصيغة فعل الأمر المخصوصة - يجوز عند الجمهور أن يُجزم بعده المضارع إذا خلا من الفاء، وقصد معنى الجزاء؛ لأن علة الجزم تكمن في المعنى لا في اللفظ، فما جاز فيما جاء بصريح اللفظ في الأمر وغيره، جاز فيما جاء بمعناه (11) . فمما جاء على معنى الأمر (12) : اسم الفعل: وذلك نحو: " نزالِ أكرمْك "، و " مناعِ زيداً من الشرِّ تؤجرْ "، و"تراكِ زيداً يخرجْ"، و "عليك زيداً أكرمْك "، و" دونك عمراً أحسنْ إليك ". وأيضاً: " صَهْ أكلمْك "، و " مَهْ تُكْرَمْ "، و " رُوَيدَك أحسنْ إليكَ "؛ ومنه قول الشاعر (13) : ... رُوَيْدَ تَصَاهَلْ بالعِرَاقِ جيادُنا كأنّك بالضَّحَّاكِ قَدْ قَامَ نَادِبُه ومنه قول الشاعر أيضاً (14) : ... وَقَوْلِي كلَّما جَشَأَتْ وَجَاشَتْ مَكَانَكِ تُحْمَدِي أو تَسْتَرِيحِي. فجزم في البيت الأول " تَصاهلْ " في جواب اسم الفعل " رُوَيْد "؛ لأنه بمعنى "تمهّلْ ". وجزم في البيت الثاني " تُحمدي " في جواب اسم الفعل " مكانَكِ "؛ لأنه بمعنى " اثبتي ". وكل ما أشبه هذا من أسماء الأفعال يجري مجراه. ما جاء بلفظ الخبر: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 373 أ- ويكون دعاءً: نحو: " غفر الله لك يدخلْك الجنة "؛ أي: إنْ غفر لك يدخلْك الجنة، و" غفر الله لي أنج من عذاب الله "؛ أي: إنْ غفر الله لي أنجُ، ومعناه معنى " اللهمّ اغفرْ لي أنجُ "، لكنه جاء مجيء لفظ الإخبار بالغفران على خلاف الأصل، فصحّ الجزم؛ لأنّ معنى الشرط فيه صحيح. ب- ويكون غير دعاء: نحو قولهم: " حَسْبُك يَنَمِ النَّاسُ"؛ أي: اكتفِ ينم الناس؛ وقالوا: " أتّقَى اللهَ امرؤٌ وفعل خيراً يُثَبْ عليه " معناه: لِيَتَّقِ وجعلوا منه قوله تعالى: ? تُؤْمِنُونَ بِاْللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فيِ سَبِيلِ اللهِ بأَمْواَلِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ .... ? (15) فجزم" يغفرْ "؛ لأنه جواب " تؤمنون " لكونه في معنى: " آمنوا "، والدليل قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه - " آمنوا … … … … وجاهدوا " (16) وقال أبو حيّان: (17) " قال بعض أصحابنا: الفعل الخبري لفظاً، الأمريّ معنى لا يقاس، ولم يُسمع منه إلاّ الذي ذكرناه ". وجعل الشاطبي مما جاء بلفظ الخبر التحذير والإغراء ونحوهما قياساً على ما سبق؛ وذلك نحو: " إيَّاك وزيداً تسلمْ منه "، و " وأخاكَ تقو به". ومن هذا الباب ما قام من المصادر مقام أفعال الأمر، ك " ضرباً زيداً يتأدبْ ". وصرّح الشاطبي بأنّ هذا كلّه إنّما أتى به على ما يحتمله كلام ابن مالك، وما يسوغه القياس، ولم ير فيه نصاً (18) . وبعد هذا العرض الموجز لجزم المضارع في جواب الطلب، نقف عند بعض القضايا التي اختلف فيها النحويون في هذا الباب، وهي: أولاً - عامل الجزم في جواب الطلب. ثانيًا- علّة امتناع جزم المضارع بعد النفي والخبر المثبت. ثالثًا- الجزم في جواب النهي. رابعًا-أثر المعنى على الحركة الإعرابية في المضارع الواقع بعد الطلب. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 374 أولاً: عامل الجزم في جواب الطلب لمَّا كان الطلب - وهو الأمر، والنهي، والدعاء، والتمنّي، والترجّي، والاستفهام، والعَرْض، والتخصيص - لا يقتضي جواباً لعدم توقف شيء منه في الفائدة على غيره، وقد تلاه جواب مجزوم؛ فقد دلّ ذلك على وجود جازم ترتب عليه الجواب فانجزم، ومن هنا أخذ النحويون يبحثون عن العامل الذي جزم جواب الطلب، فاختلفوا في تحديد هذا العامل على أربعة مذاهب: أوّلها:أن الجازم هو لفظ الطلب ضُمّن معنى حرف الشرط فجزم، كما أن أسماء الشرط تضمنت معنى حرف الشرط "إنْ " فجزمت؛ نحو: " مَنْ يأتني أكرمْه، فأغنى ذلك التضمين عن تقرير لفظها بعد الطلب. ونُسب هذا المذهب إلى الخليل، وسيبويه، وابن خروف، وابن مالك (19) ، ورُدّ هذا القول بالاعتراضات الآتية: إنّ تضمين الفعل معنى الحرف إمّا غير واقع، أو غير كثير، بخلاف تضمين الاسم معنى الحرف (20) . إنّ تضمين الفعل معنى الحرف يقتضي أن يكون العامل جملة، ولا يكون العامل جملة، قاله ابن عصفور (21) . إنّ في تضمين الطلب معنى الشرط تضمين معنيين: معنى " إنْ "، ومعنى الفعل، ولا يوجد في لسان العرب تضمين لمعنيين، إنّما يكون التضمين لمعنى واحد. إنّ معنى " إنْ تأتني " معنى غير طلبي، فلو تضمنه فعل الطلب في نحو: " ايتني آتك " لكان الشيء الواحد طلباً غير طلب؛ أي مضمناً لمعنيين متناقضين. وهذا الاعتراض والذي قبله لأبي حيّان (22) . إنّ تضمّن الطلب معنى حرف الشرط " إنْ " غير جائز؛ لأنّ حرف الشرط لابد له من فعل. وهذا الاعتراض للأشموني (23) . وقد أجيب بأنّ هذا في الشرط التحقيقي لا التقديري، فهو ليس شرطاً حقيقة بل مضمناً معناه (24) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 375 إن تضمين الطلب معنى الشرط ضعيف؛ لأنّ التضمين زيادة بتغيير الوضع، والإضمار زيادة بغير تغيير، فهو أسهل، ولأنّ التضمين لا يكون إلاَّ لفائدة، ولا فائدة في تضمين الطلب معنى الشرط؛ لأنه يدل عليه بالالتزام، فلا فائدة في تضمينه معناه، قاله ابن الناظم. (25) . ثانيها: إنّ الجازم هو الطلب ناب مناب الشرط، لا على جهة التضمين، بل على جهة أنّ هذه الأشياء من أنواع الطلب قد نابت مناب الشرط؛ بمعنى أن جملة الشرط قد حذفت، وأنيبت هذه منابها في العمل، ونظيره قولهم: " ضرْباً زيداً "؛ فإنّ " ضرْباً " ناب عن "اضربْ " فنصب " زيداً "، لا أنّه ضمن المصدر معنى فعل الأمر، بل ذلك على طريق النيابة. وهذا مذهب الفارسيّ (26) ، وابن عصفور (27) ، ونسبه أكثر النحويين إلى السيرافي (28) . ورُدّ هذا القول بالاعتراضات الآتية (29) : إن نائب الشيء يؤدي معناه، والطلب لا يؤدي معنى الشرط؛ إذ لا تعليق في الطلب بخلاف الشرط. إنّ الأرجح في " ضرْباً زيداً " أنّه منصوب بالفعل المحذوف لا بالمصدر؛ لعدم حلوله محل فعل مقرون بحرف مصدري. ثالثها: إن الجازم هو شرط مقدر دلّ عليه الطلب، وذهب إليه أكثر المتأخرين، واختاره أبو حيّان (30) ، ورجّحه خالد الأزهريّ (31) وزعم أنه مذهب الخليل، وسيبوية، والسيرافي, والفارسي، إلاّ أنّهم اختلفوا في علته؛ " فقال الخليل وسيبويه: إنما جَزَمَ الطلب لتضمنه معنى حرف الشرط، كما أنّ أسماء الشرط إنما جَزَمتْ لذلك. وقال الفارسي والسيرافي: لنيابته مناب الجازم الذي هو حرف الشرط المقدر … .." (32) . مما سبق نجد أنّ المذاهب الثلاثة تدور حول مصطلحات ثلاثة: " التقدير، والتضمين، والنيابة "؛ فهل الجازم هو: 1- شرط مقدر بعد الطلب؟ " وهو المذهب الثالث " 2- أم الطلب الذي تضمن معنى الشرط؟ ... " وهو المذهب الأول " 3- أم الطلب الذي ناب مناب الشرط؟ ... " وهو المذهب الثاني " الجزء: 13 ¦ الصفحة: 376 ولا يخفى ما في نسبه هذه المذاهب إلى كلٍّ من الخليل، وسيبويه، والسيرافي، والفارسي، من اضطرابٍ؛ فقد نُسب إلى الخليل، وسيبويه المذهب الأوّل وهو " التضمين "، كما نُسب إليهما المذهب الثالث وهو " التقدير ". ونُسب إلى السيرافيّ، والفارسي المذهب الثاني، وهو " النيابة "، كما نسب إليهما - أيضاً - المذهب الثالث وهو " التقدير ". وللوقوف على الحقيقة لابدّ من ذكْر كلامِ كلِّ واحدٍ منهم بنصّه، قال سيبويه (33) : " وإنما انجزم هذا الجواب كما انجزم جواب " إن تأتني " بإن تأتني؛ لأنهم جعلوه معلقاً بالأول غير مستغن عنه - إذا أرادوا الجزاء - كما أنّ " إنْ تأتني " غير مستغنية عن " آتك ". وزعم الخليل: أنّ هذه الأوائل كلها فيها معنى " إنْ " فلذلك انجزم الجواب … … ". فكلام سيبويه يحتمل أن يكون الجازم " إنْ والفعل " أي: شرط مقدر، ويحتمل أن يكون الجازم الطلب تضمن معنى الشرط المقدر، أو الطلب ناب مناب الشرط المقدر، فهو يحتمل المذاهب الثلاثة. وقوله: " وزعم الخليل " قد يشير إلى أن ثمة اختلافًا بين مذهبيهما. وكلام الخليل يحتمل - أيضاً - المذاهب الثلاثة؛ فقوله: " إن هذه الأوائل فيها معنى إنْ " يحتمل أنّها تضمنت معنى " إنْ "، كما يحتمل انها نابت مناب " إنْ " ودلت على معناها. وقوله: " فيها معنى إنْ " يدل على أنّ الشرط ملحوظ مقدّر، إمّا على جهة التضمين، أو النيابة. فالتقدير، والتضمين، والنيابة محتمَلة في كلامه. أما قول السيرافي (34) " جُزِمَ جواب الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والعَرْض بإضمار شرط في ذلك كله0000 ولفظ الأمر والاستفهام لا يدل على هذا المعنى، والذي يكشفه الشرط، فوجب تقديره بعد هذه الأشياء ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 377 فقوله: " بإضمار شرط في ذلك كله " يدل على أن الجازم هو الشرط المضمر في الطلب إمّا على جهة التضمين أو النيابة؛ لأنه يدل على معناه. وقوله: " فوجب تقديره بعد هذه الأشياء " يقطع بأن يكون الجازم هو الشرط المقدر. أما قول الفارسي في (الإيضاح) (35) : " وقد يحذف الشرط في مواضع فلا يؤتى به لدلالة ما ذكر عليه، وتلك المواضع: الأمر، والنهي 0000 "؛ فيدل على أن الجازم شرط مقدر محذوف، كما أنه قد يدل على أن الجازم الطلب الذي تضمن الشرط ودل عليه، أو الطلب الذي دل على الشرط فناب عنه؛ فاحتمل كلامه - أيضاً - المذاهب الثلاثة، ولا يبعد عنه ما جاء في (المسائل المنثورة) (36) . وبإنعام النظر فيما أثر عن هؤلاء النحاة؛ نجد أنّ أقوالهم تتشابه ولا تناقض بينها - وإن اختلفت عباراتهم - كما أنّ بعضها يحتمل المذاهب الثلاثة، ومن هنا ندرك سبب اضطراب العلماء في نسبة هذه المذاهب إليهم. والحقيقة أن الخليل، وسيبويه، والفارسي لم يصرح أحد منهم بتأييده لمذهب من هذه المذاهب، ولم يحدد أحد منهم مصطلحاً معيناً من المصطلحات الثلاثة ويتشبث به، وإنّما الذين أوجدوا هذا الخلاف وحاولوا أن يعمّقوه، وأن يوجدوا فروقاً بين أقوال النحاة؛ هم المتأخرون (37) ، فحاول كل منهم أن يؤوّل كلام السابقين ويوجهه وفق مذهبه، حتى اتسعت شقة الخلاف. ولم يختلف أحد على وجود شرط ملحوظ في الكلام، سواء أقدرناه بعد الطلب، أم قدرناه في الطلب على جهة التضمين أو النيابة؟ فالشرط ملحوظ في جميع التراكيب التي انجزم فيها المضارع، والفرق بين التضمين والتقدير أنّ التضمين: يكون في المعنى المتضمن على وجه لا يصح إظهاره معه. والتقدير: يكون على وجه يصح إظهاره معه (38) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 378 أما قول النحويين بأن الجازم هو الطلب مضمناً معنى الشرط، أو نائباً مناب الشرط ففيه ترخُّص؛ لأن الطلب في حد ذاته لا يفتقر إلى جواب، والكلام تام به، فإذا قلنا: " افعلْ " أو " لا تفعل " فإنما نطلب من المأمور أن يفعل، أو ننهاه عَنْ أَنْ يفعل، ولا وجود لمعنى الشرط فيه بمفرده؛ إذ لا يقتضي - بمفرده - جواباً، ولا يتوقف وجود غيره على وجوده، ولكن إذا أتينا معه بجواب، نحو: " ايتني آتك "، دلّ ذلك على أن هناك شيئاً يتوقف عليه هذا الجواب، ولم نلحظه من الطلب بمفرده، ولا من الجواب بمفرده، بل منهما معاً، ولله درّ ابن خروف! إذ قال: " كلُّ جوابٍ يُجزم فلتضمن الكلام معنى الشرط " (39) ، فقال: " لتضمن الكلام " ولم يقل: الطلب؛ لأن الطلب بمفرده - كما سبق- كلام تام، لا يوجب اقترانه بجواب، ولكن الكلام المشتمل على الطلب والجواب معاً دلاّ على معنى الشرط. وقال في (شرح الكتاب) (40) : "والجازم في هذا الباب للجوابات الكلام الذي دخله معنى الشرط؛ لأنه في معنى " إنْ تأتني آتك "، والعامل في جواب الشرط الصريح حرف الشرط ومجزومه، فكذلك ما ناب منابه وتضمن معناه ". والأمر أيسر من أنْ يُجعل فيه خلافٌ، إذ قَصْدُ الشرط موجود في كلامهم وإن اختلفت العبارة، والجزم حاصل بالشرط الملحوظ من الكلام سواء أكان مقدراً في الكلام وجاز التلفظ به، أم تضمنه الطلب ولم يَجز التلفظ به، أم ناب عنه؟ . والذي قادهم إلى إيجاد هذا الخلاف مصطلحات ثلاثة: " التقدير، والتضمين،والنيابة "، وحسماً للخلاف يمكننا القول: بأن الجازم للجواب شرطٌ مقدرٌ ملحوظٌ، تضمنه الكلام، وناب منابه - وهو قريبٌ ممّا قاله ابن خروف - سواء تلفظنا به أم لم نتلفظ به، وبذلك نكون قد وَفّقْنا بين المذاهب الثلاثة. قال الشاطبيّ (41) : " والخَطْبُ في المسألة يسيرٌ، وكلاهما محتملٌ ممّا يقال به، فلا حاجة إلى الإكثار ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 379 رابعها: أي المذهب الرابع في عامل الجزم في جواب الطلب هو: أن الجازم لامٌ مقدرةٌ. وهذا القول لا يُعتد به، قال الأشموني (42) " وهو ضعيفٌ، لا يطّرِدُ إلا بتجوّزٍ وتكلّفٍ "؛ فالتجوّز؛ لأن أمر المتكلم نفسه إنما هو على التجوز بتنزيل نفسِه منزلة الأجنبي، وأمّا التكلّف؛ فلأنّ دخول لام الأمر على فعل المتكلم قليلٌ (43) . ثانياً: علة امتناع جزم المضارع بعد النفي والخبر المثبت علّل النحويون امتناع جزم المضارع بعد النفي نحو: " ما تأتينا تحدثنا" بعللٍ شتى، منها ما يلحظ فيه التكلف والبعد عن المنطق، ومنها ما يكتنفه الغموض وعدم الوضوح، ومنهم من اكتفى بمنع الجزم ولم يعلل (44) . وإذا نظرنا إلى حقيقة الأمر وجدنا أنّ النفي كالإثبات خبر محض لا يتوقف عليه كلام قبله، ولا يترتب عليه ترتب الجواب على السؤال، فإذا قلت: "فعلتُ كذا"، أو" لمْ أفعلْ كذا" فهو خبر قابل للتصديق والتكذيب، وليس فيه طلب يترتب على تنفيذه أو عدم تنفيذه أمر ما، أو رد فعل معين، فالمتكلم أراد أنْ يخبر فحسب، ولم يرد أن يشترط لهذا الخبر شرطاً تترتب عليه نتيجة كما يترتب جواب الشرط على الشرط؛ ولذلك لم ينجزم بعده المضارع إذا خلا من الفاء؛ لأنه لم يحسن معه الشرط، فالشرط لا يحسن إلا مع الطلب، أما الخبر - سواء كان بالنفي أم بالإثبات - فلا يحسن معه الشرط، ولذلك لم يرد به سماع عن العرب، فالعرب لا تتكلم إلا بما هو صواب يقبله المنطق. أمّا إطلاق كلمة " جواب " على الفعل المضارع المنصوب المسبوق بنفي فهو غير صحيح، وإنما هو من قبيل الاستطراد، ومجاراة لأساليب الطلب التي ينتصب معها المضارع بعد فاء السببية، ولما كان النفي - أيضاً - ينتصب معه المضارع المقترن بالفاء، أُطلق عليه طلب من قبيل التجوّز والترخص، وطرداً للتسمية على جميع الأساليب المتقدمة التي ينتصب بعدها المضارع. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 380 ونُسِبَ جواز الجزم بعد النفي إلى الكوفيين والزجاجي؛ (45) فأمّا نسبته إلى الزجاجيّ فما هو إلا من قبيل التعميم؛ فلما كان المضارع ينتصب بعد الفاء المسبوقة بطلب أو نفي لتضمنه معنى السببية، وبسقوط الفاء ينجزم بعد الطلب لتضمنه معنى الشرط الذي لا يحسن مع النفي لما ذكرناه سابقاً؛ أدخل النفي مع الطلب عن غير قصد، فقال: " وكل شيء كان جوابه بالفاء منصوباً، كان بغير الفاء مجزوماً " (46) ، فلم يصرح بالنفي في هذه العبارة، ولو قال: " كان فعله بالفاء منصوباً " لكان أدق في التعبير؛ لأن النفي إخبارٌ لا يحتاج إلى جواب كالطلب. أما قوله: " اعلم أنَّ جوابَ الأمرِ، والنْهي، والاستفهام، والتمني، والعَرْض، والجحد، مجزوم على معنى الشرط 000" (47) . فالملاحظ أنّ عبارة " على معنى الشرط " ملحقة في بعض النسخ، وساقطة من بعضها، فلا يبعد أن تكون كلمة " الجحد " قد أُلحقت أيضاً من قبل النساخ ظناً منهم بأنه قد غفل عن إدراجها ضمن ما ينجزم بعده المضارع، إذ كان ضمن ما ينتصب بعده، وتناقل النحويون ذلك عنه ونسبوه إليه. وعلى أي حال فقد خطّأه كثير من شراح (الجمل) وتعقّبوه وردّوه عليه (48) . وأمّا ما نُسب إلى الكوفيين فلم أجده فيما اطلعت عليه من كتبهم. وأجاز الصيمري في (التبصرة والتذكرة) الجزم بعد النفي، ومثّل له بقوله: " ما أنت جواداً أقصدْك " (49) . وقال أبو حيان: " والصحيح أنّ الجزم بعد حذف الفاء في النفي لا يجوز، ولم يرد به سماع، ولا يقتضيه قياس" (50) . نستنتج مما سبق أن الجزم بعد النفي غير جائز؛ لأنّ النفي إخبار وليس طلباً، وما نسب إلى الزجاجي والكوفيين مشكوك في صحته، والصواب ما عليه الجمهور. ثالثاً: الجزم في جواب النهي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 381 عرفنا فيما سبق أنّ جواب الطلب يُجزم عند سقوط الفاء إذا قُصد الجزاء، والجازم هو شرط مضمر ملحوظ من الكلام المكون من جملة الطلب وجملة الجواب معاً، يُقدر ب " إنْ " والفعل المناسب. واختيرت " إنْ " دون غيرها من حروف الجزاء؛ لأنّها أمُّ حروف الجزاء؛ فهي لا تفارق المجازاة، في حين غيرها من حروف الجزاء قد يتصرفن فيفارقن الجزاء. والعلّة في تقدير المجازاة - هنا - هي إيجاد مسوّغ لجزم جواب الطلب؛ إذ الطلب في حد ذاته لا يقتضي جواباً، ولا يفتقر إلى جواب، ولكن لما وجد جواب مجزوم، كان لابد من إيجاد ما ينجزم به هذا الجواب ويتوقف عليه، لذلك قدّر النحويون المجازاة، بشرط مضمر يُقدر ب " إنْ والفعل "؛ فهذا الإضمار أو التقدير هو أمر وهميّ متخيّل، الغرض منه تسويغ الجزم في جواب الطلب؛ لذا لا يصح أن ينجزم الجواب إلاّ إذا صحّ المعنى بتقدير " إنْ والفعل "، فإذا لم يصح المعنى بتقدير الشرط، لم يجز الجزم في الجواب؛ فيجوز الجزم في نحو:" علّمني عِلْمًا انتَفِعْ به " (51) ،وقوله تعالى: ? ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا .... ? (52) ويمتنع الجزم في نحو: " أطعمْ جائعاً يبحثُ عن طعامٍ". ... ويجب الجزم في نحو: " افتحْ صنبورَ الماءِ ينهمرْ ماؤه "، وقوله تعالى: ? اقْتُلُوا يُوسُفَ أوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ .... ? (53) . وأضاف أكثر النحويين (54) إلى هذا الشرط العام شرطاً آخر لصحة الجزم في جواب النهي، وهو وقوع " لا " بعد " إنْ " الشرطية المقدرة دون أنْ يقع فساد في المعنى؛ قال ابن مالك (55) : وشَرْطُ جزمٍ بعدَ نهيٍ أنْ تضع " إنْ " قبلَ " لا " دونَ تخالفٍ يقع الجزء: 13 ¦ الصفحة: 382 فصحّ الجزم في نحو: " لا تدنُ من الأسدِ تسلمْ"،و" لا تعصِ اللهَ تدخلِ الجنةَ "؛ لأنّ التقدير: إنْ لا تدنُ من الأسدِ تسلمْ، وإنْ لا تعصِ اللهَ تدخلِ الجنةَ؛ فصح المعنى؛ لأن عدم الدنو سبب في السلامة، وعدم المعصية سبب في دخول الجنة. وامتنع الجزم - عندهم - في نحو: " لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك "، و" لا تعصِ اللهَ تدخلُ النارَ "، قالوا: لأنّ التقدير: إنْ لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك، وإنْ لا تعصِ اللهَ تدخلُ النارَ. فهذا المعنى فاسد - ولا شك - والسبب هو تقدير "لا" بعد " إنْ " الشرطية، ولو لم يقدروها لاستقامت العبارة، واستقام المعنى. ولم يشترط الكسائي (56) هذا الشرط – وهو تقديره " لا " ضمن جملة الشرط المقدرة – بل يقدر التقدير المناسب للمعنى الذي تدل عليه القرائن، إذ المعوّل عليه في جزم الجواب هو المعنى؛ فيصح الجزم – عنده – في كلتا الحالتين لصحة المعنى بتقدير " لا " في جملة الشرط المقدرة في المثالين الأولين، أي: " إنْ لا تدنُ منْ الأسدِ تسلم "، و " إنْ لا تعصِ اللهَ تدخلُ الجنةَ " وعدم تقديرها في المثالين الأخيرين؛ لأنه واضح فيهما أنّ قصد المتكلم: " إنْ تدنُ من الأسدِ يأكلك "، و " إنْ تعصِ اللهَ تدخل النار ". ونُسب هذا المذهب أيضاً - وهو صحة الجزم في نحو: " لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك " - إلى الكوفيين عامة (57) .وصرح السهيليّ بجوازه، وقال بأن له نظائر وشواهد يطول ذكرها وخرّجه على ما ذهب إليه الكسائي، أو على إضمار فعل يدل عليه النهي، أو أن يكون منجزماً على نهي آخر. وقال بأن الثلاثة الأوجه جائزة على أصول النحويين أجمعين (58) وأجازه الأخفش (59) لا على أنه جواب، بل حملاً على اللفظ الأول؛ لأنه مجزوم. وأجازه الجرميّ على قُبحٍ (60) ، وقال سيبويه: " فإن قلتَ: لا تدنُ من الأسد يأكلْك فهو قبيح إنْ جزمت، وليس وجه كلام الناس " (61) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 383 واحتجّ المانعون بفساد المعنى عند تقدير " لا " بعد " إنْ " الشرطية، إذ سيصير " إنْ لا تدنُ من الأسدِ يأكلْك "، وهذا محال، لأنّ تباعده لا يكون سببًا لأكله، ويجوز الرفع، أو إدخال الفاء والنصب (62) . وقالوا بأنّ المضمر يجب أنْ يكون من جنس المظهر (61) إذ لو خالفه لما دلّ عليه، فيجب أنْ تعاد " لا " في جملة الشرط المقدرة. أما المجيزون فاحتجوا بالقياس والسماع، بالقياس على النصب فكما جاز النصب في " لا تدنُ من الأسدِ فيأكلَك " بثبوت الفاء والنصب، جاز الجزم عند سقوطها. وبالسماع (64) ، فقد جاء في الأثر أنّ أبا طلحة قال للنبيّ – صلى الله عليه وسلم – في بعض المغازي: " لا تُشْرِفْ يُصبْك سَهْمٌ من سِهَامِهِمْ " (65) –بجزم " يصبك " على جواب النهي – وعنه- صلى الله عليه وسلم– "منْ أَكَلَ مِنْ هذه الشَّجَرَةِ فلا يقربْ مسجدَنا يؤذِنا بريحِ الثومِ " (66) بجزم " يؤذنا " على جواب النهي. وعنه-صلى الله عليه وسلم-: " لا تَرْجِعُوا بعدي كفاراً يضربْ بعضُكم رقابَ بعضٍ " (67) بجزم " يضربْ " على جواب النهي. كما احتجوا بقول بعض العرب: " لا تَسْألُونا نُجبْكم بما تكرهون " (68) بجزم " نجبْكم " على جواب النهي. وبقراءة الحسن: ? وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثرْ ? (69) بالجزم في بعض التوجيهات. وجاء في (كتاب الجمل) (70) " لا تقصدْ زيداً تندمْ ". وفي (التبصرة والتذكرة) للصيمري (71) - في بعض النسخ -: " لا تشتم زيداً يضربْك ". وأجاب البصريون بأنه لو صحّ القياس على النصب لصحّ الجزم بعد النفي قياساً على النصب (72) . وردوا النصوص السابقة (73) بندورها، وبجواز أن يكون المجزوم ثانياً بدلاً من المجزوم أولاً لا جواباً، وبثبوت الياء في الحديث الأول والثاني في بعض الروايات. أما قراءة الحسن، فقالوا بأنها تحتمل عدة أوجه (74) : الجزء: 13 ¦ الصفحة: 384 أن تكون " تستكثر " بدلاً من " تمنن "، وأنكره أبو حاتم (75) ، وقال: إنّ المن ليس بالاستكثار فيبدل منه. أن يكون قدّر الوقفَ عليه؛ لكونه رأس آية، فسكّنه ثم وصله بنية الوقف. أن يكون سكّنه لتناسب الفواصل، وهي: فأنذر، فكبر، فطهر، فاهجر. أن يكون أسكن الراء لثقل الضمة، مع كثرة الحركات تشبيهاً له ب "عضد". إثبات الوجه إنْ لا تمنن تستكثر من الأجر. وقد أجمع القراء السبعة على الرفع فيه (76) ، والجملة في موضع نصب على الحال؛ أي: ولا تمنن مستكثراً ما أعطيت، أو على حذف " أنْ " فارتفع الفعل. وقرأ الأعمش (77) " تستكثرَ " بالنصب بأن مضمرة، أي: لا يكن منك منٌّ ولا استكثار، ويعضده قراءة ابن مسعود. " أنْ تستكثرَ " (78) . وأجاز العكبري جزمه على الجواب، قال: " والتقدير في جعله جواباً: إنّك إن لا تمنن بعملك أو بعطيتك تزدد من الثواب لسلامة ذلك عن الإبطال بالمن والأذى. على ما قال تعالى: ? لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ والأَذَى ? (79) " (80) . وبعد عرض القضية وحجج الفريقين، وبإنعام النظر في الأساليب التي أجازوا فيها الجزم والتي منعوه فيها، نحو: " لا تدنُ من الأسد تسلمْ "، و " لا تدنُ من الأسد يأكلْك "، نجد أنْ لا فرق بينهما في التركيب، فكلاهما يتكون من عناصر أساسية هي: أداة النهي، والفعل، وجار ومجرور، والجواب، وكلاهما نهي يترتب عليه جلب مصلحة أو دفع ضرر، وهذا هو وجه الاختلاف بينهما، فالمنع إذن ليس من جهة اللفظ، وإنما من جهة المعنى، والمتكلم عندما ينهى شخصاً إما أن يبين له عواقب الطاعة، أو أن يبين له عواقب المعصية، فإن أراد إقناعه نهاه ورغبه في الأمور الحسنة التي تترتب على الامتثال؛ نحو:" لا تعص الله تدخل الجنة " و " لا تكذبْ تنجُ " و " لا تهملْ واجبك تنجح ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 385 وإنْ رآه في خطر نهاه وحذره من المخاطر التي تترتب على عدم الامتثال، ويكون همه هو درء الخطر عنه وتخويفه. ولنا أن نتخيل حالة الرعب والتوتر والاضطراب التي يكون عليها من رأى شخصاً أو طفلاً يهم بعمل يترتب عليه خطر؛ أينهاه مبيناً حسنات الامتثال، أم ينهاه مبينًا المخاطر؟ لا شكّ أنّ الحالة النفسية للمتكلم لها تأثير في تحديد الأسلوب الذي يُعبّر به عما يدور في نفسه، ففي الغالب ينهاه مبينًا المخاطر التي تترتب على عدم الامتثال، لأنّ همّه هو درء الخطر عنه، فيقول له: " لا تقتربْ من النار تحترق " و " لا تكسلْ تندمْ " و " لا تمسكْ الزجاج يقطعْ يدك ". ولو تدبرنا الاستخدام اللغوي في وقتنا الحاضر، وجدناه يجري هذا المجرى، وعلى هذا جاء ت النصوص السابقة التي احتج بها الكسائي ومن وافقه. والكسائيّ – كما هو معروف – علم من أعلام النحو، وهو إمام المذهب الكوفيّ، وأحد القراء السبعة، فما أجازه لابد أن يكون عن ُبعْدِ نظرٍ، وله وُجْهةٌ في ذلك. (81) وقال الرضي (82) " وليس ما ذهب إليه الكسائيُّ ببعيد لو ساعده نقل " وقد ساعده النقل بالنصوص السابقة التي وردت. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 386 وحجّة المانعين هي عدم استقامة المعنى بتقدير " إنْ لا ". فإذا عرفنا أنَّ تقدير الشرط أمرٌ وهميٌّ افتراضيٌّ وضعه النحويون لتسويغ الجزم في جواب الطلب ولم تتكلم به العرب، ولم تظهره في كلامها، وعلة المنع هي من جهة المعنى عند تقدير: " إنْ لا "، ويترتب على النهي إمّا الطاعة وإمّا المعصية؛ إذن ِلمَ لا نقدر التقدير الذي يناسب المعنى ويحدّده السياق؟ ويتم ذلك بالاستغناء عن "لا" تلك التي يفسد معها المعنى- فيما ذكروا- فيكون التقدير في نحو " لا تدنُ من الأسدِ تسلمْ ": إنْ لا تدنُ تسلمْ، وفي نحو " لا تدن من الأسد يأكلك ": إن تدن يأكلْك – وهو ما قاله الإمام السهيلي في بعض توجيهاته (83) – فالمعنى الذي يشتمل عليه أسلوب النهي المجاب عنه يتضمن طاعة يترتب عليها أمر حسن، أو معصية يترتب عليها أمر سيء، فالمهم إن معنى الجزاء الذي هو شرط في جزم الجواب متحقق في التركيب في كلتا الجملتين على اعتبارات معنوية مختلفة، وبالتقدير المناسب للمعنى الذي قصده المتكلم. يقول السيوطي (84) : " ينبغي أنْ يُقدّرَ المُقدَّرُ من لفظِ المذكورِ مهما أمكن ... فإذا مَنع من تقدير المذكور مانعٌ معنويٌّ أو صناعيّ قُدِّر مالا مانع له". ويقول ابن جني في (باب تجاذب المعاني والإعراب) (85) : " ... وذلك أنّك تجد في كثير من المنثور، والمنظوم الإعراب والمعنى متجاذبين: هذا يدعوك إلى أمر، وهذا يمنعك منه، فمتى اعتورا كلاماً ما أمسكت بعروة المعنى، وارتحت لتصحيح الإعراب". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 387 وإذا أردنا أنْ نحتفظ بلفظ الفعل الأساسي، وبمعنى الطلب نقدر في الأول " لا تدنُ من الأسدِ [إنْ لا تدنُ] تسلمْ "، وفي الثاني " لا تدنُ من الأسد [إنْ تدنُ] يأكلْك "، ويساعد على هذا التقدير قيام القرينة المعنوية فلا داعي للتمسّك باشتراط تقدير " لا " الناهية في جملة الشرط – إذا وُجدت القرينة المعنوية – كما لم يشترطوا تقدير أدوات الطلب الأخرى؛ نحو " أيْنَ بيتك أزرْك؟ " و" ألا تنزلُ عندنا تصبْ خيراً " و " ليتَ لي مالاً أنفقْ منه ". كما أنَّ " لا " الناهية ستتحول عن أصلها بدخول " إنْ " الشرطية عليها وستصبح نافية. ومن هنا ندرك سبب اختيار أكثر النحويين المذهب الثالث في عامل الجزم، وهو شرط مقدر، كما ندرك سبب قول كثير منهم أن يكون تقديره بعد الطلب؛ قال السيرافي: " ولفظ الأمر والاستفهام لا يدل على هذا المعنى، والذي يكشفه الشرط، فوجب تقديره بعد هذه الأشياء " (86) . لذا فالرأي هو جواز الجزم فيما ورد من النصوص على البدلية وعلى الجزاء. فإذا كانوا قد أجازوا الجزم في النصوص التي وردت وخرَّجوه على البدلية، فلم لا يجيزون القياس على تلك النصوص؟ وإذا أجازوا القياس على تلك النصوص، وخرَّجوه على البدلية أليس من الأولى أنْ يُجاز على الجزاء ما دامت القرائن تبين المعنى؟! أليس من الأولى أنْ نعود إلى رأي الكسائي الذي يُجيزه على الجواب؟ وبينَ المعنيينِ فرقٌ بيّنٌ. وليس حمل قراءة الحسن على ما ذهب إليه الجمهور - على جودته - بمانع من أن تحمل على ما ذهب إليه الكسائي؛ فهو أيضاً جيّد في أداء المعنى. وإجازة هذا على قلة، وللقادر على التمييز بين دلالات التراكيب، ولا مانع عندئذ من الحمل عليه عندما يكون الحمل عليه أولى. وفي تقديرِ الشرطِ بعدَ الطَّلَبِ، وعدمِ اشتراطِ تقديرٍ مُعيَّنٍ فوائد عديدة منها: المحافظة على صيغة الطلب الذي هو أساس المعنى، وعدم اطراحه، أو تحويله عن وجهته. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 388 إبراز المعنى الإضافي الآخر الذي تضمنه الكلام ودلَّ عليه الطلب والجواب، وهو الشرط المقدر. اطّراد القاعدة في جميع أساليب الطلب، ومعاملتها معاملة واحدة من حيث ذكر أداة الطلب أولاً وعدم إعادتها في الجملة الشرطية المقدرة. الاحتفاظ بالحركة الإعرابية للفعل الطلبي، وبمكونات تركيب جملة الطلب؛ لأن حركة الفعل ستتغير بدخول " إنْ " الشرطية عليه. ومثالٌ على ما سبق فإن جملة: " ألا تنزلُ عندنا تصبْ خيراً " إذا قُدِّرَ الشرطُ مكان الطلب ستصبح: " إنْ تنزلْ عندنا تصبْ خيراً "، فيُلغى الطلب، ولا يصبح ثمّة ما يدلّ عليه، ولا يُعرف أصله أهو نهي، أم تمنٍ، أم عرض، أم تحضيض،أم غيره؟ ، وهل الأصل: " ألا تنزلُ "، أم " لا تنزلْ "، أم " هلاّ تنزلُ "، أم " ليتك تنزلُ "، أم " لعلّك تنزلُ "؟ كما أن الفعل الطلبي سيتغيّر بعد دخول " إنْ " الشرطية عليه، فبعد أن يكون مرفوعاً،أو مجزوماً ب" لا" الناهية سيصبح مجزوماً ب " إن " الشرطية. أمَّا إذا كان تقدير الشرط بعد الطلب - وهو قول كثير من النحويين (87) - نحو: " ألا تنزلُ عندنا [إنْ تنزلْ عندنا] تصبْ خيراً " نكون قد حافظنا على مكونات الجملة الطلبية، ومعنى الطلب، وإعراب الفعل الطلبي. الاحتفاظ ب " لا " الناهية وعدم تحوُّلها إلى نافية بدخول " إنْ " الشرطية عليها، وبالتالي سيتغير عملها، فلو أُنيب الشرطُ منابَ الطلب – وهو النَّهي – فإنَّ جملة " لا تهجُ زيداً تسلمْ " ستصبح: " إنْ لا تهجُ زيداً تسلمْ "، ف " لا " في الجملة الأولى ناهية جازمة، في حين هي في الجملة الثانية نافية غير عاملة. والفعل في الجملة الأولى مجزوم ب " لا " الناهية، وهو في الجملة الثانية مجزوم ب " إنْ " الشرطية، فاختلف عامل الجزم في الجملتين. ولكن بتقدير الشرط بعد الطلب، نحو: لا تهجُ زيداً – إنْ لا تهجُه – تسلمْ " نكون قد حافظنا على الطلب، وعلى عامل الجزم في الفعل الأساسي. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 389 التمكن من إدراج النصوص السابقة التي استشهد بها الكسائي ومن ذهب مذهبه ضمن القاعدة، وعدم الاضطرار إلى القول بشذوذها، أو تأويلها، لا سيما أنّها قد وردت عن أفصح الناس لساناً، وأكثرهم بياناً. يقول ابن جني في (باب ما يرد عن العربي مخالفاً لما عليه الجمهور) : " إذا اتفق شيء من ذلك نُظر في حال ذلك العربي وفيما جاء به. فإن كان الإنسان فصيحاً في جميع ما عدا ذلك القدر الذي انفرد به، وكان ما أورده مما يقبله القياس، إلا أنه لم يرد به استعمال إلاّ من جهة ذلك الإنسان فإنَّ الأولى في ذلك أنْ يُحسن الظن به، ولا يُحمل على فساده (88) " أما احتجاجهم بندور النصوص التي وردت؛ فليست النصوص التي بين أيدينا هي كل ما قالته العرب، وقد يكشف لنا المستقبل عن نصوص أخرى مماثلة، فقد ذكر السهيلي بأنَّ له نظائر يطول ذكرها (89) ، يقول أبو عمرو بن العلاء: " ما انتهى إليكم ممَّا قالت العرب إلاَّ أقله، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير " (90) . ويقول أحد الباحثين المحدثين (91) : " استقرأ القوم هذه النصوص، ثم انتهوا إلى تقعيد القاعدة،ولمَّا استقرَّ القول فيها والاطمئنان إليها، وجدوا نصوصاً أخرى تأتي على خلاف ما انتهوا إليه، فماذا كان موقفهم حيال تلك النصوص؟ أخذوا يتأولونها بدلاً من أنْ يعملوا على إعادة النظر في القاعدة ". لقد كان الكسائي بعيد النظر عندما لم يُوجب تقدير " لا " بعد " إنْ " الشرطية في جملة الشرط الوهمية المقدرة، لأن المعوِّل عليه عنده هو توجُّه الذهن وقيام القرائن؛ فالشرط المقدر يتعيَّن بفهم المعنى المراد، ففي نحو: " لا تدنُ من الأسدِ يأكلْك - بالجزم - معلوم أنَّ قصد المتكلم: إنْ تدنُ يأكلْك، ومثله: " لا تقتربْ من النار تحترقْ " و" لا تكسلْ تندمْ " و" لا توبخْ جاهلاً يمقتْك " و " لا تشتمْ زيداً يضربْك ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 390 أمَّا إذا لم توجد قرينة توضح المعنى المراد، فعندئذ يتوجب تقدير"لا" في جملة الشرط المقدرة، لتُعيّن أحد المعنيين المحتملين؛ نحو: " لا تقصدْ زيداً تندمْ " و " لا تزرْ زيداً يُهنْك "؛ فلا يُعرف هل التقدير إنْ تقصدْه تندم، أم إنْ لا تقصدْه تندمْ؟ لأنَّ كلاهما محتمل. وكذا لا يُعرف: إنْ تزرْه يُهنْك، أم إنْ لا تزرْه يُهنْك؟ فكلاهما -أيضًا – مُحتمَل. ... وقد كان الجُرجانيّ منصفاً عندما أجازه ولكن على إظهار الشرط؛ أي: " لا تدنُ من الأسدِ فإنَّك إنْ تدنُ منه يأكلْك "، قال: " فلمَّا كان هذا الشرط غير مجانس لما قبله من الكلام وجب إظهاره لينتفي اللبس … ." (92) ، والحقيقة إنَّ هذا المثال ليس فيه لبس، ولو قصره على ما أوقع في لبس لكان أكثر إنصافاً. وباستقراء النصوص التي وردت في النهي المجاب عنه، اتضح ما يلي: لم يرد جواب النهي في القرآن الكريم إلا مقترناً بالفاء، ما عدا آية واحدة،هي ? وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ? (93) بالجزم على قراءة الحسن عند من جعلها جواباً، وقد سبق ذكر الحركات الإعرابية التي وردت فيها وتوجيهاتها. الغالب في كلام العرب عندما تنهى عن فعل، وتُبيِّن العواقب المترتبة على هذا النهي تجزم إذا قصدت الجزاء، وإنْ لم تقصد الجزاء ترفع، أو تُدخل الفاء وتنصب، فالجزم في الفعل المضارع الواقع بعد الطلب ليس على الوجوب، بل على الجواز، والحركة الإعرابية تخضع لاعتبارات معنوية مختلفة، وهو ما سنوضحه في المبحث القادم إن شاء الله. رابعاً: أثر المعنى على الحركة الإعرابية في المضارع الواقع بعد الطلب عرفنا فيما سبق أنّ جواب الطلب يجوز فيه الحركات الثلاثة؛ الجزم، والرفع، وإدخال الفاء والنصب، لكنّ هذا الجواز يخضع لاعتبارات معنوية، هي التي تتحكم في الحركة الإعرابية، فتقتضي الجزم أو الرفع أو النصب. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 391 وقول النحويين: " يجوز في جواب الطلب الحركات الثلاثة " قد يُوهم بأنَّ الحبل متروك على الغارب، وأنَّ لنا أنْ نختار أيَّة حركة نشاء، فتارة نختار الرفع، وتارة نختار النصب، وتارة نختار الجزم، دون أن يكون هناك أي تأثير على المعنى. وليس الأمر كما تُوهم؛ فالحركة الإعرابية مرهونة بالمعنى؛ فإمّا أن ننطلق من المعنى المراد فنعبِّر عنه بالتركيب الصحيح الذي يشتمل على المفردات المضبوطة ضبطاً مناسباً للمعنى المقصود، ويدل عليه أو أنْ ننطلق من نصّ مكتوب؛ فإنْ كان النص مضبوطاً بالشكل فقد أعفانا من عناء التخمين وافتراض المعاني، وإنْ لم يكن مضبوطاً بالشكل فعندئذٍ لنا أنْ نقلب الأمر وننظر في المعاني الصحيحة المحتملة، ونضع الحركة الإعرابية المناسبة لكل معنى منها، ونستبعد الحركات الإعرابية التي لا يستقيم معها المعنى. فإذا قصدنا بالفعل الواقع بعد الطلب أنْ يكون مترتباً على الطلب السابق له، وأنْ يكون مشروطاً به، ومقيداً حصول الثاني بحصول الأول؛ فالجزم والكلام جملة واحدة، ولا يجوز السكوت على الطلب دون الجواب؛ لأنَّ المعنى المراد عندئذٍ سيكون ناقصاً؛ وذلك نحو: " لا تهملْ واجبك تفزْ ". فإنْ أردنا أنْ ننهاه فقط دون أنْ نوضح له النتائج التي تترتب على الطاعة اكتفينا بالطلب، وقلنا: " لا تهملْ واجبك ". ولا يصح - إذا أردنا الجزاء - أنْ نكتفي بالطلب دون الجواب، كما لا يجوز في الشرط أنْ نكتفي بالشرط دون الجواب. أمَّا إذا قصدنا بالفعل الواقع بعد الطلب الاستئناف، أو الوصف،أوالحال؛ فالرفع. والاستئناف (94) : هو مواصلة الكلام إثْر انقطاعٍ دون أنْ يكون بين الجملة المستأنفة وما قبلها صلة إعرابية، وهو نوعان: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 392 استئناف بيانيّ:وهو الذي تكون فيه الجملة المستأنفة لبيان معنى سابق في الكلام المتقدّم؛ فهي مستقلة بنفسها في الإعراب، مرتبطة بما قبلها في المعنى؛ فتكون بمثابة ردّ على سؤال مقدّر؛ وذلك نحو: " لا تصاحبْ فلاناً يخذُلُك " - بالرّفع - فكأنّه سُئل: لماذا لا أصاحبه؟ فقيل: يخذلُك. واستئناف غير بيانيّ: وهو الذي لا يكون فيه بين الجملة المستأنفة وما قبلها صلة معنوية ولا إعرابية؛ فهي مستقلة بنفسها، منقطعة عما قبلها إعراباً ومعنى؛ وذلك نحو: " لا تتهاونْ في الصلاة،يرحمُنا ويرحمُك الله ". وقد يُقصد بالفعل الواقع بعد الطلب الوصف - إذا أردنا أنْ نصف مجهولاً يتضح بتخصيصه - فيكون قبل الفعل عندئذ نكرة يصح وصفها به، ويكون الفعل متصلاً بما قبله، لأنَّ الصفة مرتبطة بالموصوف؛ وذلك نحو: " لا تتركْ طفلاً يبكي"؛ أي: لا تتركْ طفلاً باكياً؛ أي: لا تتركْ طفلاً صفته كذا. وقد يقصد به الحال إذا كان ما قبله معرفة، ويكون الفعل - أيضاً - متصلاً بما قبله؛ لأنّ الحال مرتبطة بصاحبها؛ وذلك نحو: " لا تتركْ الطفلَ يبكي "؛ أي: لا تتركْ الطفلَ على هذه الحالة. وهذا التركيب صالح - أيضاً - لأنْ يكون على معنى القطع والاستئناف، وعندئذٍ يكون الفعل المضارع منقطعاً عمَّا قبله، كأنه قطع الكلام ثم بدا له أنْ يستأنفه. ويجوز فيه الجزم على مذهب الكوفيين والكسائي إذا قُصِدَ معنى الجواب وترتَّب الكلام بعضه على بعض؛ أي: لا تتركْ الطفلَ إنْ تتركْه يبكِ،فكأنَّه نهاه ثم بيّن له ما يترتَّب على تركه، وجاز ذلك لوجود قرينة معنوية، وهو غير جائز على مذهب الجمهور، لاشتراطهم تقدير "لا" بعد " إنْ " في جملة الشرط المقدَّرة، فلا يستقيم المعنى بتقديرها إلا على معنًى آخر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 393 وقد يُقصَد بالفعل الواقع بعد الطلب بيانُ السبب الذي نهاه عن هذا الفعل أو أمَرَه به من أجله، فعندئذٍ يكون إدخال فاء السببيَّة والنَّصب؛ أي: لا تتركْ الطفلَ فيبكي، فالبكاء متسبّب عن الترك، وكلّ هذه الأوضاع للفعل يحدِّدها المعنى الذي قصده المتكلم. والفرقُ - في حالة الرفع - بين الاستئناف، والوصف ,والحال أنَّ الفعل في الاستئناف يكون منقطعاً عمَّا قبله، فكأننا توقفنا وقطعنا الكلام السابق، ثمَّ بدا لنا أنْ نستأنف الحديث، فنقف وقفةً لطيفةً على ما قبل الفعل، ويتّضح هذا الأمر في المحادثة الشفهية، إذا كان المتحدِّث ممَّن يُحْسِن التعبير عن المعاني المختلفة بالأداء المناسب لكلّ معنًى، فنبرة الصوت لها أثرٌ في إبلاغ المعاني المرادة، وهو أمرٌ قد يُغفله الكثيرون رغم أهميته البالغة، لذا يجب أنْ يُدَرَّب النّاشئة على الخطابة والإلقاء، وأداء المعاني المختلفة أداءً صحيحاً معبّراً عن المعنى المراد، فالأداء الصحيح من أهم مقومات الخطابة الجيدة، والإلقاء المتميز. أمّا في الوصف والحال فالفعل متصل بما قبله، والكلام يجب أنْ يكون متتابعاً؛ لما بين الصفة والموصوف، والحال وصاحبها من تلازم وارتباط قويّ. والفرق بين الوصف والحال أنَّ الوصف يسبقه نكرة، والحال يسبقه معرفة. وإنْ كنَّا نتعامل مع نصوص مكتوبة، فسنلاحظ أنَّ القرائن المعنوية ستوجِّه الذهن إلى أنَّ الفعل الواقع بعد الطلب يقوى فيه معنًى على المعاني الأخرى الجائزة، ومنها ما يمتنع فيه معنى، وتجوز فيه المعاني الأخرى على تفاوت في الجواز. فممَّا يقوى فيه الجزم على الجواب من الآيات الكريمة قوله تعالى: ? وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذعِ النَّخْلَةِ تُسَاقطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ? (95) بجزم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 394 " ُتساقطْ "على جواب الطلب؛ وذلك أنَّ الله أمرها بهزّ الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع (96) ، فالتساقط مترتّب على هزّ الجذع؛ أي: إنْ تهزّي ُتساقطْ، وليس المقصود وصف النخلة بأنها نخلة تساقط رطباً - ولا يتأتى ذلك فيها؛لأن الفعل مسبوق بمعرفة - وليس المقصود بيان حال النخلة عند هزِّها، ولا استئناف الكلام والإخبار بأنَّ النخلة تُساقطُ رطباً، لذلك فالقراءة المتواترة بالجزم، وعليها القراء السبعة، ولم تردْ قراءة بالرفع - فيما أعلم. وهو شبيه بقولك: افتحِ الصنبور ينهمرْ ماؤه، واضغطِ الزرَّ يُضأ المصباحُ، وأدرِ المِفتاحَ يُفتحِ البابَ. ومثله في القرآن كثير (97) وممَّا ذُكر فيه الجزم على الجواب قوله تعالى: ? قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مَمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً مَن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ ? (98) ذكرها سيبويه (99) ضمن ما ينجزم على الجواب، وكذا جاء عن الأخفش والمازني وغيرهما (100) ، وقالوا الفعل " يُقيموا " مجزوم على جواب (قلْ) ، والمعنى: قلْ لهم أقيموا يُقيموا، أي: إنْ تقلْ لهم يُقيموا. وكذا جاء عن المبّرد (101) ، إلاّ أنّه يجعل الفعل مجزوماً على جواب "أقيموا" المحذوفة المقدرة. فالفعل المضارع في الأقوال السابقة مبنيّ على الطلب، مترتّب عليه، ومشروط به، ومسبّب عنه. ورُدّ قول الأخفش والمازنيّ ومن وافقهما: بأنَّ (قلْ) لابدَّ له من جملة تُحكى به؛ لأنَّ أمرَ اللهِ لنبيّه بالقول ليس فيه بيانٌ لهم بأنْ يُقيموا الصلاة، حتّى يقول لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم- " أقيموا الصلاة " (102) . وبأنَّ تقدير: قلْ لهم أقيموا يُقيموا ليس بصحيح؛ لأنَّه يلزم فيه ألاَّ يتخلف أحد من المقول لهم عن الطاعة، والواقع بخلاف ذلك (103) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 395 ورُدَّ بأنَّ الفعل مسندٌ إليهم على سبيل الإجمال، أو أنْ يكون المقصود المخلصين من المؤمنين (104) . ورُدَّ قول المبرد، وقيل: فاسدٌ من وجهين (105) : 1- أنَّ الجواب يجب أنْ يخالف الشرط: إمَّا في الفعل؛ نحو:" أسلمْ تدخل الجنة"، أو في الفاعل؛ نحو:" أكرمْني أُكرمْك"، أو فيهما معاً؛ نحو:" ايتني أكرمْك". أمَّا إنْ كان مثله في الفعل والفاعل فهو خطأ كقولك: " قمْ تقمْ " وتقديره: إنْ يُقيموا يُقيموا. 2- أنْ الأمر المقدّر " أقيموا " للمواجهة، والفعل المذكور " يُقيموا " على لفظ الغيبة، وهذا لا يجوز إذا كان الفاعل واحداً. وقال الرضي:" قول المبرّد فيه من التكلف ما فيه " (106) . وجاء عن جماعة من النحويين المفسرين أنَّ المعنى هو الأمر بإقامة الصلاة، فتقدير: " قلْ لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ": قلْ لهم أقيموا الصلاة، والفعل " يُقيموا " مجزوم بلام أمر محذوفة، وتقديره: ليقيموا، فهو أمر مستأنف، وجاز حذف اللام لدلالة " قلْ " على الأمر؛ وهو قول الكسائي، وابنِ مالكٍ، وجماعة، وأجازه الزّجاج (107) . أو أنْ يكون الفعل " يُقيموا " مضارعاً بلفظ الخبر صُرف عن لفظ الأمر، والمعنى: " أقيموا " فلمَّا كان بمعنى الأمر بُني؛ قاله أبو علي الفارسي وفرقة (108) . وقال الزجاج - بعد استعراض ما جاء فيه من المذاهب:" أجودها أنْ يكون مبنيّاً، لأنَّه في موضع الأمر " (109) . وأجاز بعض الكوفيين أنْ يكون نحو: " مُرْهُ يَحْفِرَها " - بالنصب -على تقدير: " أنْ "؛ أي: بأنْ يحفرَها؛ ورُدَّ بأنَّ الفعل عامله لا يُضمر (110) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 396 وبالنفاذ إلى عمق المعنيين، وبإنعام النظر فيهما نجد أنَّ معنى الأمر في الآية الكريمة أقوى من معنى الجزاء، وليس في الأمر بإقامة الصلاة دليل على الاستجابة أو عدمها؛ فالنتيجة المترتبة على الأمر بالصلاة هي معنى آخر، ليس في لفظ الآية ما يدل عليه، والمقصود - والله أعلم - هو حثّ المؤمنين على إقامة الصلاة والإنفاق، وليس في اللفظ ما يدلّ على الامتثال أو عدم الامتثال، ولا على النتيجة المترتبة على أمرهم بإقامة الصلاة والإنفاق؛ إذ ليس المقصود الإخبار بأنه إنْ أمرهم امتثلوا وأقاموا الصلاة وأنفقوا!! وشبيهٌ به قولُنا:" قلْ للطلاب يكتبوا الواجب"، المقصود وبكل بساطة هو أمرهم بالكتابة، والتقدير: قلْ للطلاب اكتبوا الواجبَ،أو أنْ يكتبوا الواجبَ، ويبعد تقدير: قلْ للطلاب اكتبوا يكتبوا؛ لأنَّه ليس في اللفظ دليل على إرادة الإخبار بنتيجة الأمر، ولا يلزم من مجرد القول الامتثال والكتابة، وليس في اللفظ دليل على الامتثال؛ لأنهم قد يمتثلون وقد لا يمتثلون. وشبيه به:" قلْ لزيدٍ يُسامح المعتذر"، وغيره مما نلمس في معنى الجزاء فيه بعد وتكلّف، وتزيّد في المعنى، وكثرة الحذف والتقدير؛ فالتكلّف يكمن في افتراض معنى الشرط والجزاء لتسويغ الجزم في الفعل " يُقيموا ". والتزيّد في المعنى؛ لأنَّ اللفظ ليس فيه ما يدلّ على النتيجة المترتبة على أمرهم بالصلاة. وكثرة الحذف والتقدير - ولنا مندوحة عنهما -؛ لأنَّ الفعل " يُقيموا " إذا جُعل جواباً للشرط فسيخلو القولُ من مقولٍ، ولابدَّ من تقديره، بالإضافة إلى تقدير الشرط الجازم للجواب. وليس كذلك في المعنى الآخر الذي هو معنى الأمر؛ فبتقدير " أقيموا " مكان " يُقيموا " لن يكون فيه حذف، وسيكون المقدَّر في مكانه الأصلي، ومن لفظ المذكور. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 397 وبتقدير لام الأمر أو " أنْ " قبل الفعل سيكون التقدير أقل من تقدير جملة بأكملها كما هو في معنى الشرط والجزاء. وقد نصَّ السيوطي (111) على أنَّ: القياس أنْ يُقدَّر الشيء في مكانه الأصلي. وينبغي تقليل المقدَّر. وأنْ يُقدَّر المقدَّر من لفظ المذكور مهما أمكن. والذي دعاهم إلى تكلُّف الحذف والتقدير، والذهاب بعيداً عن المعنى هو محاولة تسويغ الجزم في الفعل " يُقيموا "، وفرارهم من تقدير لام الأمر أو "أنْ" قبل الفعل تمسّكاً بالقاعدة النحويّة: " الفعل عاملة لا يُضمر "، وهم مع قولهم بالجزاء لتسويغ الجزم يُقرُّون بأنَّ معناه الأمر، يقول الفرَّاء: " جُزمت يقيموا بتأويل الجزاء، ومعناه - والله أعلم - معنى أمر؛ كقولك: قلْ لعبد الله يذهب عنَّا، تُريد: اذهب عنَّا، فجزم بنية الجواب للجزم، وتأويله الأمر … " (112) ، فهذا نصٌّ صريحٌ منه بأنَّ معناه الأمر رغم أنَّ إحلال فعل الأمر محلّ المضارع لتسويغ الجزم أيسر من الشرط والجزاء، وهو ما قال به جماعة النحويين من المفسرين كالكسائيّ، والزجاج، والفارسيّ. قال أبو حيان: " ومتعلق القول الملفوظ به أو المقدَّر في هذه التخاريج هو الأمر بالإقامة والإنفاق " (113) . ويقوِّي هذا المعنى ما ذكره القرطبيّ من أنَّ المعنى:" قلْ لِمَنْ آمن وحقَّقَ عبوديته أنْ يُقيموا الصلاة " (114) . وكذا الأخفش الذي ترأس المذهب الأول يعود في (معاني القرآن) ويقول في قوله تعالى: ? فَذَرُوهَا تَأْكُلْ ... ? (115) ، و? قُل لِّلَّذِينَءَامَنُوا يَغْفِرُوا.. ? (116) ونحوه:"فصار جواباً في اللفظ، وليس كذلك في المعنى" (117) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 398 وقد تنبَّه الشاطبيُّ لهذا الأمر، فجعل ما ينجزم بعد الطلب على ضربين: ما يكون الجزاء مقصوداً فيهوما لا يُقصد فيه الجزاء، ومثَّل له بنحو:" قلْ له يقلْ كذا، ومُرْهُ يَحْفِر البئرَ"، و? قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةََ.. ? (118) قال:" فالجزم- هنا- صحيح وإنْ لم يكنْ على معنى: إنْ تقلْ له يفعلْ، وإنْ تأمرْه يحفرْها … قال: فدلَّ ذلك على أنَّه ليس على معنى قصد الجزاء " (119) . ويقوى في المجزوم - معنى الأمر على معنى الجزاء فيما لم يستوفِ مفعوله، أو بمعنًى آخر فيما احتاج فيه القول إلى مقول؛ نحو الآية الكريمة السابقة، وقوله تعالى? قُل لِّلَّذِينَءَامَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ. ? (120) ، و" قلْ له يقلْ ذاك "، فالتقدير: قلْ لهم: اغفروا، وقلْ له: قلْ. وممَّا جاء مرفوعاً على الحال وليس جواباً للطلب السابق قوله تعالى: ? ... ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ? (121) ؛ أي: لاعبين؛ فهو حال من المضمر في " ذرْهم ". أمَّا قولهم: " خلِّ زيداً يمزحْ " (122) فيقوى فيه الحال إنْ رآه في حال مزاحٍ؛ والمعنى: خَلِّ زيداً مازحاً؛ أي: مستمراً في مزاحه. أمَّا إنْ كان مضيَّقاً عليه ممنوعاً من المزاح؛ فالمعنى: اتركه لكي يمزح - على التعليل - ولمْ أجدْ من تطرَّق إلى هذا المعنى رغم كثرته، أو على معنى: اتركْه إنْ تتركْه يمزحْ، بالجزم على جواب الطلب. ومما يقوى فيه الرَّفع على الحال قول الحق تبارك وتعالى? وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ? (123) ؛ فقد أجمع القراء السبعة على قراءة الرفع على الحال؛ أي: مستكثراً عطاءك وقد سبق شرحه والكلام عنه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 399 ومنه قوله تعالى:? فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى ? (124) ؛ أي: غير خائف ولا خاشٍ، أو على الاستئناف؛ أي: وأنت لا تخافُ ولا تخشى. وقرأ الأعمش، وحمزة،وابن أبي ليلى: " لا تخفْ " بالجزم على جواب الطلب؛ أي: إنْ تضربْ لا تخفْ، أو على نهي مستأنف؛ أي: اضربْ ولا تخفْ. ومما يقوى فيه الرفع على الاستئناف قولهم:"لا تذهبْ به، تُغْلَبُ عليه" (125) ؛ أي: فإنك تُغلبُ عليه. والجزم فيه قبيحٌ عند سيبويه؛ لأنَّه شبيهٌ بقولهم:" لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك " وهو جائزٌ عند الكسائيّ والكوفيين كما سبق ومنه: " قُمْ يدعوك " (126) الأمير؛ أي: قُمْ إنَّه يدعوك؛ فالرفع على الاستئناف فيه أقوى من الجزم على الجواب؛ ذلك لأنَّه لم يُرِدْ أنْ يجعل الدعاء بعد القيام، ويكون القيام سبباً له، وإنَّما أراد: قُمْ؛ لأنَّ الأميرَ يدعوك، فالدُّعاء سابق للقيام،لا مسبباً عنه. وإنْ أراد معنى: قُمْ إنْ قُمْتَ يدعُك الأمير، فيكون الدعاء مسبباً عن القيام، فيقوى فيه عندئذٍ معنى الجزم جواباً للطلب المتقدم. ومن الأفعال المضارعة الواقعة بعد الطلب ما حُمل على الصفة، أو على الاستئناف، ويُلمح فيه معنى التعليل؛ من ذلك قول الحق تبارك وتعالى: ? خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ... ? (127) ، " تُطهرُهم " صفة للصدقة إنْ كان ضمير الفاعل يعود على الصدقة؛ أي: صدقةٌ مطهرةٌ ومزكيةٌ لهم، ويُبعده قوله " بها ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 400 وإنْ كان ضمير الفاعل يعود على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو المخاطب في هذه الآية ف" تُطهرهم " حال من الفاعل؛ أي: مطهِّراً ومزكِّياً لهم بها؛ أي بالصدقة. والحمل على القطع والاستئناف فيه حلٌّ لهذا الإشكال؛ أي: أنت تُطهرهم وتُزكيهم بها، وقريب منه معنى التعليل؛ أي: لتطهِّرَهم وتزكِّيَهم بها، والله أعلم. وقيل: " لو قُرِئ بالجزم لم يمتنع في القياس" (128) . وممَّا هو بسبيله، قوله تعالى: ?.. فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي..? (129) - في قراءة الرفع - وقرأ الكسائيُّ، وأبو عمرو بالجزم (130) ، وقال بعض العلماء: والرفع هنا أحسن من الجزم؛ وذلك من جهة المعنى والإعراب؛ أما المعنى فلأنه إذا رفع فقد سأل وليًّا وارثًا؛ لأنَّ من الأولياء من لا يرث، وإذا جزم كان المعنى: إنْ وهبته لي ورثني، فكيف يُخبر الله سبحانه بما هو أعلم به منه (131) ، وهذه الحجّة في ترجيح الرفع على الجزم - وإن كان الرفع هو الراجح - ليست بالحجة القوية؛ فقد جاء في الكتاب العزيز على لسان نوح عليه السلام: ? وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا ? (132) ، فكيف أخبر الله سبحانه وتعالى بما هو أعلم به منه؟! الجزء: 13 ¦ الصفحة: 401 وفي هذه الآية الكريمة نلحظ معنى التعليل وبيان السبب الذي من أجله طلب زكريا - عليه السلام - من ربِّه أنْ يهبَ له الولد؛ فهو لم يُرِدْ أنْ يشترط على ربِّه إنْ وهبتني ولداً ورثني؛ فمعلوم أنَّ الأولاد ترث آباءها،كما لم يُرِدْ - أيضاً - أنْ يصفه لمجرد الوصف في حدِّ ذاته، وإلا لوصفه بأوصافٍ أخرى حسنة أفضل من الوراثة يتمنَّاها كلُّ والد في ولده، وإنَّما حدّد فعلاً معيناً ينبئ عن الغرض الذي من أجله طلب الولد، فهو يُريد ولداً ليرث عنه العلم والحكمة فكأنَّه قال: فهب لي من لدنك وليّاً ليرثني؛ فالتعليل وبيان السبب واضح في هذه الآية. فإذا اطمأننا إلى معنى التعليل فتسويغ الرفع يسير؛ فعندما سقطت اللام ارتفع الفعل، قال الحافظ ابن كثير: " سأل الله ولداً يكون نبيّاً بعده، ليسوسهم بنبوَّته" (133) ، فوجود لام التعليل " ليسوسهم " يؤكد معنى التعليل. ومثله في الدلالة على معنى التعليل قوله تعالى: ? وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّيِ لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ? (134) ، أي: أرسلْه معي معيناً ليصدِّقني، ويحتمل الحال والاستئناف أيضاً (135) . ومثله في القرآن كثيرٌ (136) ممَّا يترجَّح فيه معنًى على المعاني الأخرى، يحتاج إلى دراسةٍ أعمق لمعاني القرآن الكريم، فالدراسات حول القرآن الكريم لا ينضب معينها ولا يأسن. والحمد لله الذي بفضله تتمُّ الصالحات. * * * نتائج البحث الجزء: 13 ¦ الصفحة: 402 اتضح من البحث بعد معالجة القضية الأولى (عامل الجزم في جواب الطلب) أنَّ الخطب أيسر من أن يُجعل فيه خلاف، فهم يدورون حول محور واحد؛ فالمضارع الواقع جواباً للطلب مجزوم سواء كان عامل الجزم هو لفظ الطلب ضُمِّن معنى حرف الشرط، أم كان الجازم هو الطلب ناب مناب الشرط، أم كان الجازم شرطاً مقدَّراً دلّ عليه الطلب؟ والقول بأنَّ الجازم للجواب هو شرط ملحوظ من الكلام، فيه حلٌّ للخلاف؛ لأنَّ الإقرار بوجود الشرط موجود في المذاهب الثلاثة، سواء تلفظنا به أم لم نتلفظ به، سواء كان على جهة التضمين، أم النيابة، أم التقدير. كما كشف البحث النقاب عن علة امتناع جزم المضارع بعد النفي، والخبر المثبت؛ وهي: أنهما ليسا طلباً يستدعي جواباً، فلا يُجزم المضارع بعدهما إلا مع الخبر إذا تضمَّن معنى الطلب. وعَدُّ النفي من قبيل الطلب في نصب المضارع عند اقترانه بالفاء، فيه تَجَوُّزٌ وترخُّص من قبل النحويين. أمّا منعهم الجزم في جواب النهي إذا كان سلباً، واعتلالهم بعدم صحة المعنى بتقدير " لا " بعد " إنْ " في جملة الشرط المقدرة؛ نحو: " لا تدنُ من الأسدِ يأكلْك " ففيه تعسُّفٌ، إذ كان بالإمكان القول بجوازه فيما لا يوقع في لبس، إذا دلَّت عليه قرينة معنوية، ومَنْعُهُ فيما أوقع في لبس، ولم تدل عليه قرينة معنوية، أو إظهار الشرط لمنع اللبس كما قال الجرجانيّ؛ فالأمر يتوقف على المعنى أولاً وآخراً، وتقدير الشرط أمر وهميٌّ لتسويغ الجزم في الجواب، وقد أجاز الجزم في نحو ما سبق الكوفيون، والكسائيّ، ووردت به نصوص فصيحة، فالجواز يعضده القياس والسماع، ولا حجّة في قلّة النصوص الواردة، فما جاء عن العرب قليل من كثير. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 403 وأخيراً ... فإن الجزم في جواب الطلب ليس على الوجوب؛ إذ يجوز في المضارع الواقع في جواب الطلب الجزمُ،والرفعُ؛ الجزم على الجواب، والرفع على أحد ثلاثة أشياء: الصفة إن كان ما قبله نكرة، أو الحال إن كان ما قبله معرفة، أو الاستئناف. وتحديد الحركة الإعرابية مرهون بتحديد المعنى الذي يحدّده السياق. كما كشف البحث عن بعض المعاني المستترة التي أغفلها بعض النحويين بالقاعدة التي وقعوا تحت وطأتها؛ فالبحث نواة لدراسات مستقبليَّة لتيسير النحو، تجعل المعنى هو الأساس، وهو أقوى من أي اعتبارات أخرى. وبالله التوفيق. الحواشي والتعليقات اللسان " جزم " 3/142. شرح ألفية ابن معطي 1 / 315. اللسان: " جزم " 3/142. الأشباه والنظائر 2/74. اللسان: " جزم " 3/142. السابق، ولم أقف عليه في كتب المبرد. انظر أخبار النحويين البصريين 35، والفهرست 60. انظر رسم المصحف 588. انظر في هذا الموضوع الكتاب 3/56،شرح المفصل 7/42،وشرح الألفية لابن عقيل 2/364،والتصريح 4/368. شرح قطر الندى 80، وانظر الكتاب 3/93،وشرح المفصل7/48، والتصريح 4/334. انظر شرح المفصل 7/49. انظرالكتاب 3/100،وشرح المفصل 7/49، وشرح الكافية4/118، وشرح قطر الندى81،والمقاصد الشافية6/ 77،والتصريح4/343. البيت في اللسان" رود " 6/261، والمقاصد الشافية 6/79 دون نسبة. البيت لعمرو بن الإطنابة، وهو في الخصائص 3/35، وشرح المفصل 4/74، والمقرب 1/273، والمغني1/223، وأوضح المسالك4/189،والتصريح4/343، والهمع4/126، والخزانة 2/438. سورة الصف: 11، 12. انظر البحر المحيط 8/263. انظر ارتشاف الضرب 4/1685. المقاصد الشافية 6/81. انظر الهمع 4/133، وانظر الكتاب 3/38، وشرح الجمل لابن خروف 2/861، وشرح الكافية الشافية 3/1551. انظر حاشية الصبان 3/309. انظر شرح الجمل 2/192. انظر اعتراضَي أبي حيان في الهمع 4/134، وحاشية الصبان 3/309. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 404 انظر شرح الأشموني 3/310. انظر حاشية الصبان 3/310. انظر شرحه على الألفية 684. انظر الإيضاح العضدي 333، والمسائل المنثورة 156. انظر شرح الجمل 2/192. انظر ارتشاف الضرب 4/1684، والمساعد 3/97، والتصريح 4/335، والهمع 4/134، والأشموني 3/310. انظرها في التصريح 4/336. انظر ارتشاف الضرب 4/1684. انظر التصريح 4/336. السابق 4/335. الكتاب 3/93. السابق 3/94 هامش (1) . انظر الإيضاح العضدي 333. ص 156. انظر ارتشاف الضرب 4/1684،والتصريح4/334 والهمع4/133. انظر الأشباه والنظائر 1/249، 250. شرح الجمل 2/861. انظر تنقيح الألباب 117. المقاصد الشافية 6/72. شرح الأشموني 3/310. انظر حاشية الصبان 3/310. انظر شرح التسهيل لابن مالك 4/40، وشرح قطر الندى 81، والتصريح 4/337 وحاشية الصبان 3/308. انظر الأجوبة الثمانية 3 " مخطوط "، والمقاصد الشافية 6/73، والتصريح 4/337. الجمل 210. السابق. انظر إصلاح الخلل 263، وشرح الجمل لابن خروف 2/863، وشرح الجمل لابن عصفور 2/192. انظر التبصرة والتذكرة 1/406. ارتشاف الضرب 4/1683. انظر معاني القرآن للفراء 1/157، 158. سورة الحجر: 3 سورة يوسف: 9. انظر شرح المفصل 7/50، وشرح الجمل لابن عصفور 2/192، وشرح قطر الندى 82. انظر شرح ابن عقيل 2/356. انظر شرح الجمل لابن عصفور 2/193، وارتشاف الضرب 4/1685، والتصريح 4/339. انظر المراجع السابقة. انظر أمالي السهيلي 85، 86. انظر ارتشاف الضرب 4/1685. السابق. الكتاب 3/97. السابق انظر شرح المفصل 7/50. انظر المقاصد الشافية 6/75، والتصريح 4/339. انظر صحيح البخاري / كتاب مناقب الأنصار / باب مناقب أبي طلحة 18 عن أنس 7/160 برواية يصيبُك " بالرفع، ولأبي ذر " يصبْك " بالجزم. وفي فتح الباري 7/419، وفي صحيح مسلم / كتاب الجهاد والسير باب غزوة النساء مع الرجال 12/394 رقم (4660) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 405 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان / باب ما جاء في الثوم النيء، ومسلم في كتاب المساجد، والإمام أحمد في مسنده 2/13. أخرجه البخاري في كتاب العلم 43، والحج 132، والمغازي 77، والأضاحي 5، والأدب 95، والحدود 9، والفتن 8. وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان 118، والقسامة 29، والفتن 050. انظر المقاصد الشافية 6/75. سورة المدثر: 6. وانظر قراءة الحسن في المحتسب 2/237. ص 210. 1/406. التصريح 4/340. انظر المقاصد الشافية 6/76. انظر شرح قطر الندى 82، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم 4/3/446. انظر المحتسب 2/338. انظر اتحاف فضلاء البشر 427. انظر المحتسب 2/ 273. انظر مختصر في شواذ القرآن 164. سورة البقرة: 264. انظر إملاء ما من به الرحمن 2/272. إصلاح الخلل 263. شرح الكافية 4/121. انظر أمالي السهيلي 86. الأشباه والنظائر 1/343. الخصائص 3/255. الكتاب 3/94 هامش (1) . وانظر في التقدير بعد الطلب الأصول 2/162، وشرح الكافية 4/116، وشرح ألفية ابن معطي 1/335. انظر المراجع السابقة. الخصائص 1/385. انظر أمالي السهيلي 86. الخصائص 1/386. هو الدكتور سمير شريف ستيتية في كتابه الشرط والاستفهام في الأساليب العربية 14. المقتصد 2/1127. سورة المدثر:6. وانظر قراءة الحسن في المحتسب 2/237. انظر مغنى اللبيب 2/427، ومعجم المصطلحات النحوية والصرفية14 سورة مريم: 25. انظر تفسير البحر المحيط 6/173. انظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم 4/3/426. سورة ابراهيم: 31. انظر الكتاب 3/99. انظر البحر المحيط 5/414. السابق 5/415. انظر مشكل إعراب القرآن 1/406، وأمالي ابن الشجري 2/277، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/59. انظر شرح الكافية الشافية 3/1569. انظر شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم 691. انظر إملاء ما مَنّ به الرحمن 2/69، ومغنى اللبيب 1/250. شرح الكافية 2/119. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 406 انظر البحر المحيط 5/414، وانظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/162، وشرح الكافية الشافية 3/1569. انظر البحر المحيط 5/415. معاني القرآن وإعرابه 3/162. انظر شرح المفصل 7/52. انظر الأشباه والنظائر 1/340، 341. معاني القرآن للفراء 2/77. البحر المحيط 5/415. الجامع لأحكام القرآن 5/366. سورة الأعراف: 73. سورة الجاثية:14. معاني القرآن للأخفش 2/106. سورة إبراهيم: 31. المقاصد الشافية 6/70. سورة الجاثية: 14. سورة الأنعام:91. انظر شرح المفصل 7/51. سورة المدثر: 6 وانظر توجيهها في المحتسب 2/338، وإملاء ما مَنّ به الرحمن 2/272، والبحر المحيط 8/364، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم 4/3/446. سورة طه: 77، وانظر الكتاب 3/98. انظر الكتاب 3/98. السابق. سورة التوبة: 103. وانظر إملاء ما مَنّ به الرحمن 2/21، والبحر المحيط 5/99. انظر التصريح 4/336 سورة مريم: 6. انظر التيسير 148. انظر إعراب القرآن للنحاس 3/6، والجامع لأحكام القرآن 6/81، وشرح المفصل 7/51. سورة نوح: 26، 27. انظر تفسير ابن كثير 5/207. سورة القصص: 34. انظر البحر المحيط 7/113. انظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم 4/3/440 المصادر والمراجع الأجوبة الثمانية: لابن لب الغرناطي " مخطوط ". أخبار النحويين البصريين: لأبي سعيد السيرافي. تحقيق: د. محمد إبراهيم البنا. القاهرة: دار الاعتصام. الطبعة الأولى 1405هـ - 1985م. الأشباه والنظائر في النحو: لجلال الدين السيوطي- تحقيق: د. عبد العال سالم مكرم - بيروت: مؤسسة الرسالة - الطبعة الأولى 1406هـ -1985م. إصلاح الخلل الواقع في الجمل: لابن السيد البطليوسي- تحقيق: ... د. حمزة النشرتي- الرياض: دار المريخ-الطبعة الأولى 1399هـ- 1979م. الأصول: لابن السراج - تحقيق: د. عبد الحسين الفتلي - بيروت: مؤسسة الرسالة - الطبعة الأولى 1405هـ 1985م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 407 إعراب القرآن: لأبي جعفر النحاس - تحقيق: د. زهير غازي زاهد - القاهرة: عالم الكتب - ومكتبة النهضة العربية- الطبعة الثانية 1405هـ - 1985م. أمالي ابن الشجري: لهبة الله بن علي بن الشجري - تحقيق: د. محمود الطناحي - القاهرة: مكتبة الخانجي. أمالي السهيلي: لأبي القاسم السهيلي - تحقيق: د. محمد إبراهيم البنا - القاهرة: مطبعة السعادة - الطبعة الأولى 1390هـ - 1970م. إملاء ما مَنّ به الرحمن: للعكبري - بيروت دار الكتب العلمية - الطبعة الأولى 1399هـ - 1979م. ارتشاف الضرب: لأبي حيان - تحقيق: د. رجب عثمان محمد - القاهرة: مكتبة الخانجي - الطبعة الأولى 1418هـ 1998م. الإيضاح العضدي: لأبي على الفارسي - تحقيق: د. حسن فرهود - دار العلوم للطباعة والنشر - الطبعة الثانية 1408هـ 1988م. البحر المحيط: لأبي حيان - تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود وآخرون - بيروت: دار الكتب العلمية - الطبعة الأولى 1413هـ - 1993م. البيان في غريب إعراب القرآن: لأبي البركات بن الأنباري- تحقيق: د. طه عبد الحميد طه - منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب 1400هـ 1980م. التبصرة والتذكرة: للصيمري - تحقيق: د. فتحي أحمد علي الدين - مكة المكرمة: مركز البحث العلمي وإحياء التراث بجامعة أم القرى - الطبعة الأولى 1402هـ 1982م. التصريح بمضمون التوضيح: للشيخ خالد الأزهري - تحقيق: د. عبد الفتاح بحيري إبراهيم - القاهرة: الزهراء للإعلام العربي الطبعة الأولى 1413هـ - 1992م. تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب: لابن خروف تحقيق خليفة محمد بديري - طرابلس: منشورات كلية الدعوة الإسلامية ولجنة الحفاظ على التراث الإسلامي -الطبعة الأولى 1415هـ 1995م. التيسير في القراءات السبع: لأبي عمرو الداني - بيروت: دار الكتاب العربي - الطبعة الثالثة 1406هـ -1985م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 408 الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي - تحقيق: أبي إسحاق إبراهيم اطفيش. الجُمل: لأبي القاسم الزجاجي - تحقيق: د. علي توفيق الحمد - بيروت: مؤسسة الرسالة: إربد: دار الأمل - الطبعة الأولى 1404هـ 1984م. حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك-مكة المكرمة: المكتبة الفيصلية. خزانة الأدب: لعبد القادر البغدادي. تحقيق: عبد السلام هارون - القاهرة: مكتبة الخانجي - الطبعة الثالثة 1409هـ - 1989م. الخصائص: لأبي الفتح بن جني. تحقيق: محمد على النجار. بيروت: دار الهدى للطباعة والنشر. الطبعة الثانية. دراسات لأسلوب القرآن الكريم: لمحمد عبد الخالق عضيمة- القاهرة: مطبعة دار السعادة - الطبعة الأولى 1392هـ 1972م. رسم المصحف: لغانم قدوري الحمد. بغداد: منشورات اللجنة الوطنية للاحتفال بمطلع القرن الخامس عشر الهجري - الطبعة الأولى 1402هـ 1982م. شرح ألفية ابن مالك: لابن الناظم- تحقيق: د. عبد الحميد السيد- بيروت: دار الجيل. شرح ألفية ابن معطي: تحقيق: د. علي موسى الشوملي - الرياض: مكتبة الخريجي - الطبعة الأولى 1405هـ - 1985م. شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: لابن عقيل - تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد - الطبعة الثانية. شرح الأشموني على ألفية ابن مالك - مكة المكرمة: المكتبة الفيصلية. شرح التسهيل: لابن مالك - تحقيق: د. عبد الرحمن السيد،ود. محمد بدوي المختون - القاهرة: هجر للطباعة والنشر - الطبعة الأولى 1410هـ 1990م. شرح الجُمل: لابن عصفور الإشبيلي - تحقيق: د. صاحب أبو جناح - مكة المكرمة: المكتبة الفيصلية. شرح جمل الزجاجي: لابن خروف - تحقيق: د. سلوى محمد عمر عرب - مكة المكرمة: جامعة أم القرى - الطبعة الأولى 1419 هـ. شرح الكافية الشافية: لابن مالك - تحقيق: د. عبد المنعم هريدي - دار المأمون للتراث - الطبعة الأولى 1402هـ - 1982م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 409 شرح الكافية: للرضي - تحقيق: يوسف حسن عمر - منشورات جامعة قار يونس. شرح المفصل: لابن يعيش. القاهرة: مكتبة المتنبي. شرح قطر الندى: لابن هشام الأنصاري. تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد- مصر: مطبعة السعادة - الطبعة الحادية عشرة 1383هـ - 1963م. الشرط والاستفهام في الأساليب العربية: للدكتور: سمير شريف ستيتية - دبي: دار القلم - الطبعة الأولى 1416هـ - 1995م. صحيح البخاري - القاهرة: دار الحديث - تقديم: أحمد محمد شاكر. صحيح مسلم: تحقيق: الشيخ خليل مأمون شيحا - بيروت: دار المعرفة - الطبعة الأولى 1414هـ - 1994م. فتح الباري بشرح صحيح البخاري - تحقيق: قصي محب الدين الخطيب - القاهرة: دار الريان للتراث - الطبعة الأولى 1407هـ 1986م. الفهرست: لابن النديم. بيروت: دار المعرفة 1398هـ - 1978م. الكتاب: لسيبويه - تحقيق: عبد السلام هارون - القاهرة: مكتبة الخانجي - الطبعة الثالثة 1408هـ - 1988م. لسان العرب: لابن منظور - بيروت: دار صادر – الطبعة الأولى 2000م المحتسب: لأبي الفتح بن جني - تحقيق: علي النجدي ناصف، وآخرون - القاهرة: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لجنة إحياء التراث 1386هـ. مختصر في شواذ القرآن: لابن خالوية - نشره: ج برجشتراسر، مصر: المطبعة الرحمانية - جمعية المستشرقين الألمانية. المسائل المنثورة: لأبي علي الفارسي - تحقيق: د. مصطفى الحديدي- مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق. المساعد علي تسهيل الفوائد: لابن عقيل - تحقيق د. محمد كامل بركات - مكة المكرمة: مركز البحث العلمي وإحياء التراث - دمشق: دار الفكر 1400هـ - 1980م. مسند الإمام أحمد: إشراف: د. سمير طه المجذوب - بيروت - دمشق عمان: المكتب الإسلامي - الطبعة الأولى 1413هـ 1993م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 410 مشكل إعراب القرآن: لملكي بن أبي طالب القيسي - تحقيق: د. حاتم الضامن - بيروت: مؤسسة الرسالة - الطبعة الثالثة 1407هـ -1987م. معاني القرآن: لأبي زكريا الفراء - تحقيق: محمد علي النجار - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب - الطبعة الثانية 1980م. معاني القرآن: للأخفش الأوسط - تحقيق: د. فائز فارس - الطبعة الثانية 1401هـ - 1981م. معاني القرآن وإعرابه: للزجاج - تحقيق: عبد الجليل شلبي - بيروت: عالم الكتب - الطبعة الأولى 1408هـ 1988م. معجم المصطلحات النحوية والصرفية: للدكتور محمد سمير اللبدي - بيروت: مؤسسة الرسالة، الأردن: دار الفرقان - الطبعة الثالثة 1409هـ 1988م. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: لابن هشام الأنصاري - تحقيق: د. مازن المبارك، ومحمد علي حمد الله - دمشق: دار الفكر - الطبعة الثانية 1384هـ - 1964م. المقاصد الشافية: لأبي إسحاق الشاطبي - الجزء السادس - تحقيق: د. عبد المجيد قطامش - مكة المكرمة: جامعة أم القرى - مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي " تحت الطبع ". المقتصد في شرح الإيضاح: لعبد القاهر الجرجاني - تحقيق: د. كاظم بحر المرجان - بغداد: دار الرشيد للنشر - منشورات وزارة الثقافة والإعلام 1982م. همع الهوامع: لجلال الدين السيوطي- تحقيق: د. عبد العال سالم كرم - الكويت: دار البحوث العلمية 1394هـ - 1975م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 411 المواقع الإعرابية ل (أب) في القرآن الكريم د. عبد الله بن عبد الرحمن المهوس الأستاذ المشارك بقسم النحو والصرف وفقه اللغة كلية اللغة العربية- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ملخص البحث بيّنت في هذا البحث المواقع الإعرابية ل (أب) ومثنّاه وجمعه في القرآن الكريم، وذلك في (117) موضعاً. ويقع في مقدّمة، وتمهيد، وفصلين، وخاتمة. وذكرت في المقدّمة موضوع البحث، وخطّته، وأبرز الأمور في منهج إعداده. وذكرت في التمهيد أصل (أب) ومثنّاه وجمعه، وشروط إعراب (أب) بالحروف، وإعراب ما فقد أحد الشروط، واللغات في (أب) ، والخلاف في إعراب (أب) بالحروف. وذكرت في الفصل الأول المواقع الإعرابية ل (أب) المعرب بالحروف، في الرفع والنصب والجر، وعدد مواضع (أب) في هذا الفصل (41) موضعاً في (15) موقعاً إعرابياً، وآخر موضع وموقع في هذا الفصل سيَرِدَان في الفصل الثاني، لذلك يعدّان مكررين. و (أب) المعرب بالحروف ثلاثة أقسام: 1 المعرب إعراب الأسماء الستة،والمواضع في هذا القسم (33) موضعاً في (10) مواقع. 2 المعرب إعراب المثنى، والمواضع في هذا القسم (7) مواضع في (4) مواقع. 3 المعرب إعراب جمع المذكر السالم، في قراءة لآية واحدة، لها ذكر في الفصل الثاني. وذكرت في الفصل الثاني المواقع الإعرابية ل (أب) المعرب بالحركات في الرفع والنصب والجر، وعدد مواضع (أب) في هذا الفصل (77) موضعاً في (18) موقعاً إعرابياً. ويقع هذا الفصل في قسمين: 1 المعرب بالحركات الظاهرة، والمواضع في هذا القسم (64) موضعاً في (13) موقعاً. 2 المعرب بالحركات المقدّرة، والمواضع في هذا القسم (13) موضعاً في (5) مواقع. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 412 وفي الخاتمة أجملت المواقع الإعرابية مع ذكر المواضع التي وردت في كل موقع، ثم ذكرت بعض الإحصاءات لورود (أب) مرفوعاً ومنصوباً ومجروراً، ومفرداً ومثنى وجمعاً، ومضافاً إلى الضمائر المتنوعة، ومجموع السور والآيات التي ذكر (أب) فيها. بعد الخاتمة رتّبت الآيات التي ذُكر فيها (أب) على ترتيب المصحف، ثم ذكرت القراءات في (أب) ، ثم هوامش البحث، وفي آخر البحث المراجع مرتّبة على حروف المعجم. والله الموفّق وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محّمد. * * * المقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد. أما بعد فموضوع هذا البحث بيان المواقع الإعرابية ل (أب) ومثناه، وجمعه في القرآن الكريم في المواضع التي وردت فيها، ومجموعها (117) موضعاً. ومن أسباب اختيار هذا الموضوع: تعلقه بكتاب الله عز وجل،وإفادة القراء بمواقع (أب) من الإعراب في القرآن الكريم. ويقع في مقدمة، وتمهيد، وفصلين، وخاتمة. الفصل الأول: إعراب (أب) بالحروف، وينقسم إلى: إعراب (أب) إعراب الأسماء الستة، وإعراب المثنى، وإعراب جمع المذكر السالم. الفصل الثاني: إعراب (أب) بالحركات الظاهرة والمقدرة. وقد بيّنت الموقع الإعرابي مرفوعاً، ومنصوبا, ً ومجروراً، مع العناية بما اختلف النحويون في إعرابه، وبما وردت فيه قراءات. وقد عزوت الآيات داخل النص، فذكرت بعد الآية اسم السورة ورقم الآية، والتزمت ذكر وفاة العلم في أول مرة يرد فيها ذكره في البحث. أسأل الله أن ينفع به، وأن يفيد به قارئه، ويثيب كاتبه، إنه سميع مجيب. التمهيد: الأبُ أصله: أَبَوُ، فلامه المحذوفة واو. ومثنّاه: أبوان، بردّ لامه المحذوفة، وعند بعض العرب: أبان. وجمعه: آباءُُ، وأَبُون، وأُبُوُُّ، وأُبُوَّة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 413 قال ابن منظور (711هـ) : (ومن العرب من يقول: أُبُوّتُنا أكرم الآباء، يجمعون الأب على (فُعولة) , كما يقولون: هؤلاء عُمومتنا وخُؤلتنا) (1) . وأصل (آباء) : أَأْباو، ووزنه: أَفْعال, اجتمعت همزتان، الأولى متحركة ,والثانية ساكنة، فقلبت الثانية ألفاً، قال ابن عصفور (669هـ) : ( ... إذا كان الحرف المفتوح الذي تليه الهمزة الساكنة همزة التزم قالب الهمزة الساكنة ألفاً، نحو "آدَم" و "آمَن", أصلهما: "أَأْدَم" و "أَأْمَن" , إلا أنه لا ينطق بالأصل، استثقالاًللهمزتين في كلمة واحدة) (2) . وقلبت الواو المتطرفة ألفاً ثم همزة،قال ابن جني (392هـ) ،بعد أن ذكر أمثلة على همزة متطرفة بعد ألف ساكنة: (فالهمزة في الحقيقة إنما هي بدل من الألف،والألف التي أبدلت الهمزة عنها بدل من الياء والواو، إلا أن النحويين إنما اعتادوا هنا أن يقولوا إن الهمزة منقلبة من ياء أو واو , ولم يقولوا من ألف , لأنهم تجوزوا في ذلك) (3) . والنسبة إلى أبٍ: أَبَويُُّ. (4) شروط إعراب (أب) بالحروف: يعرب (أب) إعراب الأسماء الستة، بالواو في الرفع، والألف في النصب، والياء في الجر, بشروط: 1 أن يكون مفرداً. 2 أن يكون مكبّراً. 3 أن يكون مضافاً لغير ياء المتكلّم. ومثال ما اجتمعت فيه الشروط: أبوك، تقول: هذا أبوك، وأكرمتُ أباك، وسلّمتُ على أَبيك (5) . إعراب (أب) الفاقد لأحد الشروط: ما فَقَد الشرط الأول إمّا أن يكون مثنى أو جمعاً. فالمثنى يعرب إعراب المثنّى بالألف في الرفع، وبالياء في النصب والجر، نحو: جاء أبوان، رأيت أبوين، مررت بأبوين (6) . والجمع إما أن يكون جمع مذكر سالماً، أو جمع تكسير. فجمع المذكر السالم يعرب إعراب جمع المذكر السالم, بالواو في الرفع, وبالياءفي النصب والجر، نحو: جاء أبون، رأيت أبين، مررت بأبين (7) . وجمع التكسير يعرب بالحركات الظاهرة, نحو: جاء آباؤُك، رأيت آباءَك مررت بآبائِك (8) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 414 وقد سبق أنّ الأبَ يجمع على أبوُُّ، وأبوّةُُ، وإعرابهما بالحركات الظاهرة. وما فقد الشرط الثاني بأَنْ كان على صيغة التصغير, يعرب بالحركات الظاهرة، نحو: جاء أبيُّك، رأيت أبيَّك، مررت بأبيِّك. وما فقد الشرط الثالث إمّا أن يكون غير مضاف، أو يكون مضافاً إلى ياء المتكلّم. فغير المضاف يعرب بالحركات الظاهرة، إذا لم يكن مثنى أو جمع مذكر سالماً, نحو: هذا أبٌ، ورأيتُ أباً ومررت بأبٍ (10) . والمضاف إلى ياء المتكلم يعرب بالحركات المقدّرة على الباء، منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة المناسبة, نحو: هذا أبِي رأيت أبِي، مررت بأبِي (11) . اللغات في (أب) : يجوز فيما اجتمعت فيه الشروط أربع لغات: 1 الإتمام: ويعرب بالحروف, نحو: جاء أبوك، رأيت أباك، مررت بأبيك. 2 القصر: ويعرب كإعراب المقصور، فتلزمه الألف، ويعرب بحركات مقدّرة على الألف في الرفع, والنصب, والجر، منع من ظهورها التعذر, نحو: أباك كريمٌ، إنّ أباك كريمٌ، سلمت على أباك. ومن شواهد لغة القصر قول الشاعر: إنَّ أباها وأبا أباها قَدْ بَلَغا في المجدِ غايتاها (12) . حيث جاء المضاف إليه (أباها) بالألف. 3 النَّقص: بحذف لامه، وهي الواو، وإعرابه بحركات ظاهرة على الباء، نحو: هذا أبُك، رأيت أبَك، مررت بأبِك. ومن شواهد لغة النقص قول الشاعر: بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمْ وَمَن يُشابِهْ أبَهُ فما ظَلَمْ (13) . فعلامة جر (بأبِه) الكسرة، وعلامة نصب (ومن يشابه أبَه) الفتحة. 4 التشديد: أي تشديد الباء والإعراب بحركات ظاهرة، نحو: هذا أبُّك، رأيت أبَّك، مررت بأبِّك (14) . الخلاف في إعراب (أب) بالحروف: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 415 (أب) أحد الأسماء الستة، وقد اختلف النحويون في إعراب الأسماء الستة بالحروف على مذاهب مختلفة، ذكر منها أبو البركات الأنباري (577 هـ) خمسة مذاهب (15) ، وذكر منها العكبري (616هـ) سبعة مذاهب (16) ، وذكر منها السيوطي (911 هـ) اثني عشر مذهباً (17) . وأبرز المذاهب مذهبا البصريين والكوفيين، فقد ذهب البصريون إلى أنّ الأسماء الستة معربة من مكانٍ واحدٍ، والواو والألف والياء حروف الإعراب. وذهب الكوفيون إلى أنها معربة من مكانين بالحروف، وبالحركات التي قبلها (18) . وأجدر المذاهب بالقبول أنّ الحروف علامات إعراب فرعية نائبة عن العلامات الأصلية للإعراب، فالواو تنوب عن الضمة، والألف تنوب عن الفتحة، والياء تنوب عن الكسرة، قال ابن مالك (672 هـ) : (ومنهم من جعل إعرابها بحروف المدّ على سبيل النيابة عن الحركات، وهذا أسهل المذاهب وأبعدها عن التكلّف) (19) . الفصل الأول: إعراب (أب) بالحروف ورد (أب) في القرآن الكريم معرباً بالحروف في (واحد وأربعين) ،موضعاً منها (ثلاثة وثلاثون) موضعاً أعرب فيها إعراب الأسماء الستة،ومنها (سبعة) مواضع أعرب فيها إعراب المثنى. ومنها موضعٌ واحد في قراءةٍ أعرب فيه إعراب جمع المذكر السالم. 1 إعراب (أب) إعراب الأسماء الستة: ورد في الحالات الثلاث: الرفع, والنصب, والجر، فقد ورد في حالة الرفع وعلامته الواو في (خمسة) مواضع، وورد في حالة النصب، وعلامته الألف في (أحد عشر) موضعاً، وورد في حالة الجر، وعلامته الياء في (سبعة عشر) موضعاً. أالرفع: ورد (أب) مرفوعاً، وعلامة رفعه الواو في (ثلاثة) مواقع إعرابية هي: المبتدأ، واسم كان، والفاعل. فالمبتدأ في موضع واحد، هو: 1/قول الله تعالى: {قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص/23] . واسم كان في موضعين: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 416 2/1 قوله تعالى: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ} [مريم/28] . وفي هذه الآية قراءةٌ أُخرى، وهي قراءة عمر بن لجأ التيمي (105هـ) فقد قرأ: (ما كان أباك امرؤُ سَوْءٍ) (20) . وإعراب (أباك) على هذه القراءة خبر كان منصوب، وعلامة نصبه الألف، واسم كان (امرؤ) ،و (سَوْء) مضاف إليه, والإضافة هي المسوّغ لوقوع اسم كان نكرة. 3/ 2 قوله تعالى: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف/82] . والفاعل في موضعين: 4/1 قوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف/68] . 5/ 2 قوله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُف} [يوسف/94] . ب النصب: ورد (أب) منصوباً وعلامة نصبه الألف، في (أربعة) مواقع إعرابية، هي: خبر كان، واسم إنّ، والمفعول به، والمنادى. فخبر كان في موضع واحد، هو: 6/ قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب/40] . يضاف إلى هذا الموضع قراءة سبقت الإشارة إليها في موقع الرفع،ورقمه في البحث (2) هي (ما كان أباك امرؤُ سَوْءٍ) . واسم إنّ في موضعين: 7/ 1 قوله تعالى: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يوسف/8] . 8/2 قوله تعالى: {قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ} [يوسف/80] . ف (أباكم) اسم أنّ المفتوحة الهمزة، وهي أخت إنّ المكسورة الهمزة. والمفعول به في موضعين: 9/1 قوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} [يوسف/16] . 10/2 قوله تعالى: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} [يوسف/61] . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 417 يضاف إليهما موضع ثالث على قراءةٍ،هي: (كَذِكْرِكُمْ أَبَاكُمْ) [البقرة/200] وسترد في المنصوب من المعرب بالحركات، في الموضع الأول من موقع المفعول به،ورقمه في البحث (81) . والمنادى في (ستة) مواضع، هي: 11/1 قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُف} [يوسف/11] . 12/2 قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُف} [يوسف/17] . 13/3 قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا} [يوسف/63] . 14/4 قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [يوسف/65] . 15/5 قوله تعالى: {فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف/81] . 16/6 قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف/97] . ففي هذه الآيات الستّ (أبا) منادى مضاف، والضمير (نا) مضاف إليه. ج الجر: ورد (أب) مجروراً، وعلامة جّره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة, في (ثلاثة) مواقع إعرابية، هي: الجر بحرف الجر، والجر بالإضافة، والجر بالتبعية؛ لأنّه معطوف على مجرور بالحرف. فالجر بحرف الجر في (ثلاثة عشر) موضعاً، فقد جاء الجر ب (مِنْ) في موضع واحد، هو: 17/ قوله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} [يوسف/59] . وجاء الجر ب (إلى) في (ثلاثة) مواضع، هي: 18/1 قوله تعالى: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} [يوسف/8] . 19/2 قوله تعالى: {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ} [يوسف/63] . 20/3 قوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُم} [يوسف/81] . وجاء الجر ب (اللام) في (تسعة) مواضع، هي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 418 21/1 قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَة} [الأنعام/74] . 22/2 قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة/114] . 23/3 قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ} [يوسف/4] . 24/4 قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ} [مريم/42] . 25/5 قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ} [الأنبياء/52] . 26/6 قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ} [الشعراء/70] . 27/7 قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} [الصافات/85] . 28/8 قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف/26] . 29/9 قوله تعالى: {إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} [الممتحنة/4] . والجر بالإضافة في (ثلاثة) مواضع، هي: 30/1 قوله تعالى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُم} [يوسف/9] . 31/2 قوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل} [الحجّ/78] . 32/3 قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد/1] . وفي هذه الآية قراءةٌ شاذّةٌ: (يدا أبو لهب) (21) ،و (أبو) مجرور بالإضافة، وأتى بالواو على الحكاية. يضاف إلى هذه المواضع الثلاثة موضعٌ رابعٌ على أحد التوجيهين لقراءة: (وإِلهَ أَبِيْكَ) [البقرة/133] ، وسيأتي الحديث عنها، وعن التوجيه في إعراب (أب) إعراب جمع المذكر السالم. والجر بالتبعيّة في موضعٍ واحدٍ، هو: 33/ قوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} [عبس/34،35] . ف (أبيه) مجرور؛ لأنّه معطوف بالواو على (أخيه) المجرور ب (من) (22) . 2 أعراب (أب) إعراب المثنّى: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 419 ورد في الحالات الثلاث: الرفع، والنصب، والجر، فقد ورد في حالة الرفع وعلامته الألف في موضعين، وورد في حالة النصب وعلامته الياء في (ثلاثة) مواضع، وورد في حالة الجر وعلامته الياء في موضعين. أالرفع: ورد (أب) معرباً إعراب المثنى في حالة الرفع في موقعين إعرابيين، هما اسم كان، والفاعل. فاسم كان في موضعٍ واحدٍ، هو: 34/قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} [الكهف/80] . والفاعل في موضعٍ واحدٍ، هو: 35/قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُث} [النساء/11] . ب النصب: ورد (أب) معرباً إعراب المثنّى في حالة النصب في موقعٍ إعرابيّ واحدٍ، هو المفعول به، وذلك في (ثلاثة) مواضع، هي: 36/1 قوله تعالى {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [لأعراف/27] . 37/2 قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْه} [يوسف/99] . 38/3 قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَ يْهِ عَلَى الْعَرْش} [يوسف/100] . ج الجر: ورد (أب) معرباً إعراب المثنّى في حالة الجر في موقعٍ إعرابيّ واحدٍ، هو الجر بحرف الجر، وذلك في موضعين: 39/1 الجرّ ب (على) في قوله تعالى: {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىأَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاق} [يوسف/6] . 40/2 الجر ب (الّلام) في قوله تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ} [النساء/11] . وفي (ستة) مواضع من مواضع التثنية يُراد بالأبوين: الأب والأم، غُلّب لفظ الأب في التثنية. وفي الموضع السّابع في قوله تعالى: {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىأَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاق} [يوسف/6] أطلق لفظ أبويك على الجدّ وأبي الجدّ؛ لأنّهما في عمود النسب (23) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 420 وقد سُمّيا باسميهما في الآية، فإسحاق أبو يعقوب: جدّ يوسف، وإبراهيم أبو إسحاق: أبو جدّه. 3 إعراب (أب) إعراب جمع المذكر السالم: ورد (أب) معرباً إعراب جمع المذكرّ السالم في موضعٍ واحدٍ في قراءةٍ لقوله تعالى: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاق} [البقرة/133] وستأتي فيما يعرب بالحركات، ورقم الموضع في البحث (98) . فقد ذكر ابن خالويه (370هـ) أنّ يحيى بن يعمَر (129هـ) قرأ: (وإله أبيك) (24) ، وذكر ابن جنّي أنّ قراءة (وإله أبيك) قرأ بها عدد من القراء منهم: ابن عباس (68هـ) ، والحسن البصري (110هـ) ، ويحيى بن يعمَر، وعاصم الجحدري (قبل130هـ) ، وأبو رجاء (105هـ) (25) . وقد وجّه العلماء هذه القراءة بأحد توجيهين: التوجيه الأول: أنّ (أبيك) جمع مذكر سالم مجرور بالإضافة، وعلامة جره الياء، أصله: (أبين) ، حذفت منه النون للإضافة. ويؤيّد هذا التوجيه أربعة أمور: الأول: الشواهد الشعرية التي جمع فيها (أب) جمع مذكر سالماً ومنها: 1- فَلَمَّا تَبَيَّنَّ أَصْواتَنا بَكَيْنَ وَفَدَّيْنَنا بِالأَبِينا (26) (الأبين) جمع (أب) مجرور بالباء، وعلامة جره الياء. 2- أَلَمْ تَرَأَنِّي بَعْدَ هَمٍّ هَمَمْتُهُ لِفُرْقَةِ حُرٍّ مِنْ أَبِينَ كِرامِ (27) (أبين) جمع (أب) مجرور بمن، وعلامة جره الياء. 3- أَقْبَلَ يَهْوِي مِنْ دُوَينِ الطِّرْبالْ فَهْوَ يُفَدَّى بِالأَبِينَ وَالخالْ (28) (الأبين) جمع (أب) مجرور بالباء، وعلامة جره الياء. 4- نِيطَ بِحِقْوَي ماجِدِ الأَبِينِ مِن مَعْشَرٍ صِيغُوا مِن اللُّجَينِ (29) (الأبين) جمع (أب) مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء. 5- لايَذُوقُ اليومَ كَأْساً أَوْ يُفَدَّى بِالأَبِين (30) ِ (الأبين) جمع (أب) مجرور بالباء، وعلامة جره الياء. 6- أَغَرٌّ يُفَرِّجُ الظَّلْماءَ عَنْهُ يُفَدَّى بالأَعُمِّ والأَبِينا (31) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 421 (الأبين) جمع (أب) مجرور بالباء، وعلامة جره الياء. 7- يَدَعْنَ نِساءَكُمْ في الدَّارِ نُوحاً يُدَفِّنَّ البُعُولَةَ والأَبِينا (32) (الأبين) جمع (أب) ، معطوف على (البعولة) منصوب وعلامة نصبه الياء. 8- أَبُونَ ثَلاثَةٌ هَلَكُواجَمِيعاً فَلا تَسْأَمْ دُمُوعُكَ أَنْ تُراقا (33) (أبون) جمع (أب) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الواو. الثاني: قول سيبويه (180هـ) : (وسألت الخليل،عن "أبٍ" فقال: إن ألحقت به النون والزيادة التي قبلها قلت: أبون , وكذلك"أخ" تقول: أخون) (34) . الثالث: إعراب الأعلام التي بعده بد لاً منه, قال ابن جني: (ويؤيد أن المراد به الجماعة ما جاء بعده من قوله: إبراهيم , وإسماعيل،وإسحاق، فأبدل الجماعة من أبيك فهو جماعة لا محالة؛ لاستحالة إبدال الأكثر من الأقل) (35) . الرابع: ورود قراءة الجماعة بالجمع: (وإله آبائك) ، قال ابن جني: (فإن أمكن أن يكون جمعاً كان كقراءة الجماعة ولم يحتج فيه إلى التأول لوقوع الواحد موقع الجماعة، وطريق ذلك أن يكون "أبيك" جمع أب على الصحة) (36) . وقد أخذ بهذا التوجيه: أبو جعفر النحاس (338هـ) (37) , وابن مالك (38) . التوجيه الثاني: أنّ (أبيك) مفرد، إمّا على إرادة الجمع، وإمّا أن يكون مفرداً في اللفظ والمعنى، فيكون مجروراً بالإضافة، وعلامة جره الياء؛ لأنّه من الأسماء الستة،ويكون (إبراهيم) بدلاً من (أبيك) ،ويكون عطف (إسماعيل وإسحاق) على (أبيك) ،بتقدير: وإله إسماعيل وإسحاق (39) . وقد أخذ بإفراد (أبيك) في اللفظ والمعنى: أبو زكريا الفراء (207هـ) (40) ،وأبو إسحاق الزجاج (311 هـ) (41) ،وأبو حيان (745هـ) ، الذي قال: (وأما على قراءة ابن عباس، ومن ذكر معه، فالظاهر أن لفظ "أبيك" أريد به الإفراد) (42) . وممّن أورد التوجيهين: الجمع والإفراد دون ترجيح: الزمخشري (538هـ) (43) ، والعكبري (44) . الفصل الثاني: إعراب (أب) بالحركات الجزء: 13 ¦ الصفحة: 422 ورد (أب) في القرآن الكريم معرباً بالحركات الظاهرة أو المقدرة في (سبعة وسبعين) موضعاً. منها (أربعة وستون) موضعاً بالحركات الظاهرة، و (ثلاثة عشر) موضعاً بالحركات المقدّرة. 1 إعراب (أب) بالحركات الظاهرة: سبق في التمهيد الحالات التي يعرب فيها (أب) بالحركات الظاهرة، وهي ثلاث حالات: جمع التكسير، ومجموع ما ورد منه معرباً بالحركات الظاهرة (ثلاثة وستون) موضعاً. المصغّر، ولم يرد في القرآن الكريم. غير المضاف، وقد ورد في موضع واحد. وقد ورد المعرب بالحركات الظاهرة مرفوعاً ومنصوباً ومجروراً. فالمرفوع في (ستة وعشرين) موضعاً. والمنصوب في (واحد وعشرين) موضعاً. والمجرور في (سبعة عشر) موضعاً. أالمرفوع: ورد (أب) مجموعاً جمع تكسير مرفوعاً، وعلامة رفعه الضمة في (خمسة) مواقع إعرابية، هي: المبتدأ، واسم كان، والفاعل، ونائب الفاعل، والمعطوف على المرفوع. فالمبتدأ في (ثلاثة) مواضع هي: 41/1 قوله تعالى: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} [النساء/11] . 42/2 قوله تعالى: {أَئذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماًأَئنَّالَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ} [الصافات/16-17] . ف (آباؤنا) : مبتدأ ومضاف إليه، والخبر محذوف تقديره مبعوثون، والجملة معطوفة بالواو على جملة (أئنّا لمبعوثون) . وإلى هذا الإعراب ذهب أبو حيان (45) ، وأبو السعود (46) ، وذهب الزمخشري إلى إعراب هذه الآية بوجه آخر، فقال: (وآباؤنا: معطوف على محل إنّ واسمها، أو على الضمير في"مبعوثون"والذي جوّز العطف عليه الفصل بهمزة الاستفهام) (47) . وقد رد أبو حيان إعراب الزمخشري، بقوله (أمّا قوله: معطوف على محل إنّ واسمها، فمذهب سيبويه خلافه؛ لأن قولك: إنّ زيداً قائمُُ وعمروُُ، فيه مرفوع على الابتداء، وخبره محذوف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 423 وأمّا قوله: أو على الضمير في "مبعوثون" إلى آخره، فلا يجوز عطفه على الضمير؛ لأنّ همزة الاستفهام لا تدخل إلا على الجمل، لا على المفرد، لأنّه إذا عطف على المفرد كان الفعل عاملاً في المفرد بوساطة حرف العطف، وهمزة الاستفهام لا يعمل فيما بعدها ما قبلها) (48) . وقد قُرئ قوله: (أَوَ آباؤُنا) بقراءةٍ أُخرى، هي: (أَوْ آباؤُنا) بسكون الواو، قرأ بها ابن عامر، وأبو جعفر المدني (127هـ) ،وقالون (220هـ) (49) . وعلى هذه القراءة لا وجود لهمزة الاستفهام التي مَنَعت العطف على الضمير في (لمبعوثون) لأنّ (أَوْ) حرف عطف، لكن العطف على الضمير ضعيف؛ لأنّه ضمير رفع متّصل لم يؤكد بضمير منفصل، قال سيبويه: (وإن حملت الثاني على الاسم المرفوع المضمر فهو قبيح؛ لأنك لوقلت: اذهبْ وزيدٌ، كان قبيحاً، حتى تقول: اذهبْ أنت وزيدٌ) (50) . 43/3 قوله تعالى: {وكَانُوا يَقُولُونَ أَئذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ} [الواقعة/4748] . إعراب هذه الآية والخلاف فيه كالذي ذكر في الآية السابقة. فممّن ذهب إلى العطف على محل إنّ واسمها، أو العطف على الضمير في (مبعوثون) : أبو جعفر النحاس (51) ، وذهب الزمخشري (52) ، وأبو السعود (53) إلى العطف على الضمير في (لمبعوثون) . ويُردّ على هؤلاء بما نقلته عن أبي حيان، عند إعراب الآية التي قبل هذه. ويُردّ على أبي السعود بأنّ إعرابه لهذه الآية مخالف لإعرابه للآية السابقة. واسم كان في (ثلاثة) مواضع، هي: 44/1 قوله تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة/170] . 45/2 قوله تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعلَمونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [المائدة/104] . 46/3 قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُم ... } [التوبة/24] . والفاعل في (ثمانية) مواضع، هي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 424 47/1 قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء/22] . 48/2 قوله تعالى: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [الأعراف/70] . (آباؤنا) فاعل (يعبد) ، واسم (كان) ضمير يعود على (آباؤنا) ففي الكلام تنازع. ومذهب البصريين في التنازع ترجيح إعمال الثاني (54) . ومذهب الكوفيين ترجيح إعمال الأول (55) . فعلى مذهب الكوفيين يجوز إعراب (آباؤنا) اسم (كان) ، وفاعل (يعبد) ضمير. ومذهب البصريين أرجح؛ لأنّه إذا أُعمل الأول برز الضمير في الثاني فيقال: (يعبدون) . 49/3 قوله تعالى: {َوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِم} [الأعراف /173] . 50/4 قوله تعالى: {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [هود/62] . 51/5 قوله تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [هود/87] . 52/6 قوله تعالى: {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْل} [هود/109] . 53/7 قوله تعالى: {تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [إبراهيم/10] . آباؤنا فاعل يعبد على إعمال الثاني (يراجع ما سبق في الآية الثانية من هذه المجموعة) . 54/8 قوله تعالى: {قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} [سبأ/43] . (آباؤكم) فاعل (يعبد) ، وهو يشبه الفاعل في الآية الثانية والآية السابعة. يضاف إلى هذه المواضع الثمانية موضعٌ تاسعٌ على قراءةٍ، هي: (كذكركم آباؤُكم) [البقرة/200] وسترد في المنصوب من المعرب بالحركات، في الموضع الأول من موقع المفعول به، ورقمه في البحث (81) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 425 ونائب الفاعل في موضعٍ واحدٍ، هو: 55/ قوله تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس/6] . والمعطوف على المرفوع في (أحد عشر) موضعاً، عُطفت كلمة (آباء) فيها على اسم كان، وعلى الفاعل، وعلى نائب الفاعل. فقد عُطفت على اسم كان في موضعين، هما: 56/1 قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنبياء/54] . (آباؤكم) معطوفة على ضمير الرفع المتصل اسم كان في قوله ((كنتم)) ،وقد أُكّد المعطوف عليه بضمير رفع منفصل، هو قوله ((أنتم)) ، وهذا هو الجيّد الكثي (56) ر. 57/2 قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أئنَّا لَمُخْرَجُونَ} [النمل/67] . فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بخبر كان،وهو قوله: (تراباً) . وعُطفت (آباء) على الفاعل في (سبعة) مواضع، هي: 58/1 قوله تعالى: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُم} [الأنعام/91] . فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالضمير المؤكِّد (أنتم) وب (لا) . 59/2 قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام/148] . فصل بين المعطوف والمعطوف عليه ب (لا) . 60/3 قوله تعالى: {أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُم} [الأعراف/71] . 61/4 قوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [يوسف/40] . 62/5 قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوالَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَامِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا} [النحل/35] . 63/6 قوله تعالى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ} [الشعراء/7576] . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 426 64/7 قوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُم} [النجم/23] . وعُطفت (آباء) على نائب الفاعل في موضعين، هما: 65/1 قوله تعالى: {َقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ} [المؤمنون/83] . 66/2 قوله تعالى: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} [النمل/68] . ب المنصوب: ورد (أب) منصوباً، وعلامة نصبه الفتحة، مفرداً غير مضاف في موضعٍ واحدٍ، ومجموعاً جمع تكسير في الباقي، في (خمسة) مواقع إعرابية،هي: خبر (كان) ، واسم (إنّ) ، والمفعول الأول لأخوات (ظنّ) ، والمفعول به، والمعطوف على المنصوب. فخبر (كان) في موضعٍ واحدٍ، هو: 67/ قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة/22] . واسم (إنّ) في موضعٍ واحدٍ، هو: 68/ قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً} [يوسف/78] . (أباً) اسم (إنّ) تأخّر عن خبرها، وهو الموضع الوحيد الذي ورد غير مضافٍ. والمفعول الأوّل لأخوات (ظنّ) في (اثني عشر) موضعاً، فقد جاءت كلمة (آباء) مفعولاً أوّلاً للفعل (وَجَد) في (تسعة) مواضع، وللفعل (أَلْفَى) في موضعين،وللفعل (أتَّخَذَ) في موضعٍ واحدٍ، وهذه المواضع في الآيات الآتية: 69/1 قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة/170] . (آباء) مفعول به أوّل منصوب. وذكر العكبريّ أنّ (ألفينا) بمعنى: (وجدنا) ،تحتمل هنا أن تكون متعدّية إلى مفعولين،و (عليه) مفعول ثانٍ، وأن تكون متعدية إلى مفعول واحد، و (عليه) حال (57) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 427 وقال أبو حيان: (و"عليه" متعلّق بقوله: "ألفينا"، وليست هنا متعدية إلى اثنين؛ لأنّها بمعنى "وجد"، التي بمعنى: "أصاب") (58) . ولعلّ التوسط في هذا الخلاف ترجيح تَعَدِّي (ألفَى) إلى مفعولين مع جواز تعديه إلى مفعول واحد. 70/2 قوله تعالى: {قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [المائدة/104] . إعراب (آباء) في هذه الآية كإعرابها في الآية التي قبلها. قال العكبري: (و"وجدنا" هنا يجوز أن تكون بمعنى: "علمنا" فيكون "عليه" المفعول الثاني، ويجوز أن تكون بمعنى: "صادفنا"، فتتعدى إلى مفعول واحد بنفسها، وفي " عليه " على هذا وجهان: أحدهما: هي متعلّقة بالفعل معدّية له، كما تتعدى "ضربت زيداً بالسوط". والثاني: أن تكون حالاً من الآباء) (59) . 71/3 قوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف/28] . 72/4 قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاتَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَعَلَىالأِيمَان} [التوبة/23] . 73/5 قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [يونس/78] . 74/6 قوله تعالى: {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء/53] . 75/7 قوله تعالى: {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء/74] . 76/8 قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [لقمان/21] . 77/9 قوله تعالى: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} [الصافات/69] . استشهد بهذه الآية ابن هشام (761هـ) على أنّ (ألفَى) من الأفعال القلبية، الدالة على اليقين، المتعدية لاثنين (60) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 428 78/10 قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف/22] . 79/11 قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف/23] . 80/12 قوله تعالى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُم} [الزخرف/24] . في هذه الآيات الثلاث الأخيرة يحتمل أنّ (وَجَدَ) متعدّيةٌ لواحدٍ، و (أباءَ) مفعول (وجد) ، والجار والمجرور حالٌ من (آباء) . والمفعول به في (أربعة) مواضع، هي: 81/1 قوله تعالى: {فَإِذَاقَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوااللَّهَ كَذِكْرِكُم آبَاءَكُمْ أَوأَشَدَّذِكْراً} [البقرة/200] . (آباءَ) مفعول به للمصدر (ذِكْر) . وقد قرأ محمد بن كعب القرظي (108هـ) : (كذِكْركم آباؤُكم) ، بالرفع وقرأ أيضاً: (كذكركم أباكم) بالإفراد (61) . قال أبو حيّان: (ووجه الرفع أنّه فاعل بالمصدر، والمصدر مضاف إلى المفعول والتقدير: كما يذكركم آباؤُكم ... ، ووجه الإفراد أنّه استغنى به عن الجمع؛لأنّه يفهم الجمع من الإضافة إلى الجمع؛ لأنّه معلوم أنّ المخاطبين ليس لهم أبٌ واحدٌ، بل آباءٌ) (62) . وعلى قراءة الرفع يكون من المرفوع بالضمة الذي يعرب فاعلاً. وعلى قراءة الإفراد يكون من المنصوب بالألف؛ لأنّه من الأسماء الستة، وهو مفعول به. 82/2 قوله تعالى: {وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ} [الأعراف/95] . (آباءَنا) مفعول به للفعل (مسَّ) تقدم على الفاعل. 83/3 قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأوَّلِينَ} [المؤمنون/68] . 84/4 قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب/5] . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 429 (آباءَهم) مفعول به ل (تعلموا) ؛ لأنّها بمعنى: تعرفوا، فتكون متعدية إلى واحد (63) ٍ. والمعطوف على منصوب في (ثلاثة) مواضع، فقد عُطفت كلمة (آباء) على المفعول به في هذه المواضع، وهي: 85/1 قوله تعالى: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُر} [الأنبياء/44] . (آباءَهم) معطوف بالواو على اسم الإشارة المفعول به (هؤلاء) . 86/2 قوله تعالى: {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً} [الفرقان/18] . (آباءَهم) معطوف بالواو على ضمير النصب المفعول به في قوله: (متعتهم) . 87/3 قوله تعالى: {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ} [الزخرف/ 29] . (آباءَهم) معطوف بالواو على اسم الإشارة المفعول به (هؤلاء) . ج المجرور: ورد (أب) مجموعاً جمع تكسير، مجروراً وعلامة جره الكسرة في (ثلاثة) مواقع إعرابية، هي: الجر بحرف الجر، والجر بالإضافة، والجر بالتبعية؛ لأنّه معطوف على مجرور بالحرف. فالجر بحرف الجر في (عشرة) مواضع، فقد جاء الجر ب (في) في (ثلاثة) مواضع، هي: 88/1 قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ} [المؤمنون/24] . (في) حرف جر،و (آبائنا) اسم مجرور وعلامة جرّه الكسرة، قال محمود صافي (1985م) : (في آبائنا، متعلّق بسمعنا بحذف مضاف أي في أخبارِ آبائِنا) (64) . 89/2 قوله تعالى: {قَالُوا مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ} [القصص/36] . (آبائنا) في هذه الآية، كآبائنا في الآية التي قبلها، ويجوز أن يتعلّق الجار والمجرور بحال، قال أبو حيان: (وفي آبائنا: حال، أي بهذا، أي بمثل هذا كائناً في أيام آبائنا) (65) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 430 90/3 قوله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ} [الأحزاب/55] . (" عليهن ّ: متعلّق بمحذوف خبر "لا"، " في آبائِهنّ "متعلّق بالخبر المحذوف بحذف مضاف، أي في رؤية آبائِهنّ) (66) . ف (آباء) في الآيات الثلاث السابقات مجرور ب (في) وفي التقدير مجرور بالإضافة. وجاء الجر ب (الباء) في موضعين، هما: 91/1 قوله تعالى: {فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الدخان/36] . 92/2 قوله تعالى: {مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الجاثية/25] . وجاء الجر ب (مِنْ) في (ثلاثة) مواضع، هي: 93/1 قوله تعالى: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ} [الأنعام/87] . الجار والمجرور متعلّق ب (فضلّنا) في الآية رقم (86) ، أو بهدينا في الآية رقم (84) . 94/2 قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} [الرعد/23] . الجار والمجرور متعلّق بحال مِنْ فاعل (صَلَح) ، وهو الضمير العائد على الموصول (مَنْ) . 95/3 قوله تعالى: {رَبَّنَاوَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} [غافر/8] . (أباء) في هذه الآية ك (آباء) في الآية التي قبلها. وجاء الجر ب (اللام) في موضعين، هما: 96/1 قوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ} [الكهف/5] . (لآبائهم) معطوف على (لهم) ويتعلّق بما تعلّق به. 97/2 قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب/5] . والجر بالإضافة في (خمسة) مواضع هي: 98/1 قوله تعالى: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاق} [البقرة/133] . (آبائِك) مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 431 قال أبو حيان: (وقرأ أبيّ (21هـ) :وإله إبراهيم، بإسقاط آبائِك) (67) . وسبق في إعراب (أب) إعراب جمع المذكر السالم، أنّ في هذه الآية قراءةً أخُرى هي: (وإله أبيك) ، وسبق توجيهها، بعد الموضع رقم (40) . 99/2 قوله تعالى: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} [النور/61] . 100/3 قوله تعالى: {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء/26] . 101/4 قوله تعالى: {اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الصافات/126] . 102/5 قوله تعالى: {لا إِلَهَ إلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الدخان/8] . والجر بالتبعية في موضعين، فقد جاء معطوفاً على مجرور ب (اللام) في: 103, 104/قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور/31] . (آباء) في الموضعين معطوفة ب (أو) على (بعولتهن) المجرور باللام. 2 إعراب (أب) بالحركات المقدّرة: يعرب (أب) بالحركات المقدّرة إذا أضيف إلى ياء المتكلم، وقد ورد معرباً بالحركات المقدرة في (ثلاثة عشر) موضعاً. أأبي وآبائي: ورد (أب) مضافاً إلى ياء المتكلّم في (خمسة) مواضع، فقد أُضيف المفرد إلى ياء المتكلم في (أربعة) مواضع (أبي) ، وأضيف جمع التكسير إلى ياء المتكلم في موضعٍ واحدٍ (آبائي) . وقد قدّرت الضمة في الرفع، والفتحة في النصب، والكسرة في الجر (68) . فقد قدّرت الضمة في موضعٍ واحدٍ، هو: 105/قوله تعالى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} [يوسف/80] . (أبي) فاعل (يأذن) مرفوع بضمّة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم،منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 432 وقدّرت الفتحة في المضاف إلى ياء المتكلّم في موضعٍ واحدٍ، هو: 106/ قوله تعالى: {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص/25] . (أبي) اسم (إنّ) منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلّم، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. وقدّرت الكسرة في (ثلاثة) مواضع، أحدها مجرور بالحرف، وهو (اللام) في: 107/ قوله تعالى: {وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء/86] . واثنان مجروران بالإضافة، وهما: 108/1 قوله تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف/38] . وفيها قراءة عن المطوّعي (371هـ) بتسهيل الهمزة الثانية من (آبائي) (69) ،فإذا سهلت صارت: آبايي. وقراءة للأعمش (148هـ) : (أبايَ) بفتح الياء من غير مدّ (70) . والظاهر أنّ أصلها: (آبائي) حذفت منها الهمزتان الأولى والأخيرة. 109/2 قوله تعالى: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي} [يوسف/93] . ب يا أبتِ: في نداء (أب) عند إضافته إلى ياء المتكلّم، عشر لغات: 1 يا أبيْ، بإثبات الياء ساكنة. 2 يا أبِ،بحذف الياء، وإبقاء الكسرة دليلاً عليها. 3 يا أبُ ,بحذف الياء، والبناء على الضم، تشبيهاً بالنكرة المقصودة. 4 يا أبيَ , بإثبات الياء مفتوحة. 5 يا أبا، بقلب الكسرة التي قبل الياء المفتوحة فتحة، فتنقلب الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها. 6 يا أبَ، بحذف الألف، وإبقاء الفتحة دليلاً عليها. 7 يا أبتِ،بإبدال الياء تاء مكسورة. 8 يا أبتَ، بإبدال الياء تاء مفتوحة. 9 يا أبتا، بالتاء والألف. 10 يا أبتي، بالتاء والياء (71) . والتاء في (يا أبتِ) بدل من ياء المتكلّم (72) . و (يا أبتِ) بكسر التاء على قراءة الجمهور، وردت في (ثمانية) مواضع، هي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 433 110/1 قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبا} [يوسف/4] . 111/2 قوله تعالى: {وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ} [يوسف/100] . 112/3 قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ} [مريم/42] . 113/4 قوله تعالى: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِك} [مريم/43] . 114/5 قوله تعالى: {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَان} [مريم/44] . 115/6 قوله تعالى: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَن} [مريم/45] . 116/7 قوله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْه} [القصص/26] . 117/8 قوله تعالى: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات/102] . في هذه الآيات الثمان وقع (أب) منادى، وهو مضاف إلى ياء المتكلم المحذوفة التي أُبدلت منها التاء المكسورة، والكسرة دليل على ياء المتكلّم المحذوفة، وكانت الكسرة على الباء فنُقلت إلى التاء (73) . و (أب) منادى مضاف منصوب، وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم. القراءات في (يا أبتَِ) : (يا أبتِ) ، قراءة الجمهور، وسبق توجيهها. (يا أبتَ) ، هي قراءة ابن عامر، ويقف عليها هو وابن كثير (120هـ) بالهاء (يا أبَهْ) ، والباقون يقفون بالتاء. والوقف بالهاء؛ لأنّها تاء تأنيث، وبالتاء لأنها الأصل (74) ،وذكر أبن مالك أن الوقف بالتاء مراعاة لرسم المصحف (75) . وفي فتح التاء (ثلاثة) أوجه: الأول: أنّه حذف التاء، وزيدت بدلها تاءٌ أُخرى، وحُركت بحركةُ ما قبلها. الثاني: أنّه أبدل من الكسرة فتحة. الثالث: أنّه أراد: يا أبتَا، فحُذفت الألف تخفيفا ً (76) . وذكر أبو البقاء العكبري ثلاث قراءاتٍ أُخرى، هي: (يا أبتا، ويا أبتاهُ، ويا أبتُ) ، ولم ينسب هذه القراءات. الخاتمة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 434 هذه هي المواقع الإعرابية لأب ومثناه وجمعه، المعرب منها بالحروف، والمعرب بالحركات في القرآن الكريم. وترجع هذه المواقع إلى (11) باباً من أبواب النحو، هي: الباب عدد المواضع التي وردت فيه الابتداء 4 كان وأخواتها 8 إنّ وأخواتها 4 ظنّ وأخواتها 12 الفاعل 12 نائب الفاعل 1 المفعول به 9 حروف الجر 26 الإضافة 10 العطف 17 المنادى 14 ومجموع مواضع الرفع (34) ، والنصب (44) ، والجر (39) . وجاء (أب) مفرداً في (46) موضعاً، ومثنّى في (7) مواضع، وجمعاً في (64) موضعاً. وجاء غير مضاف في موضعٍ واحدٍ، وأُضيف إلى اسم ظاهر في (3) مواضع. وأضيف إلى الضمير في (113) موضعاً. ومجموع سور القرآن التي ورد فيها (أب) أو مثناه أو جمعه (37) سورة. ومجموع الآيات التي ذُكر (أبٌ) فيها (104) آيات، منها (12) آية تكرر فيها ذكر (أب) ، وفي (سورة النساء/11) ذكر (أب) في (3) مواضع. وقد ورد (أبٌ) في سورةيوسف في (28) موضعاً، في (22) آية، ولم يصل إلىهذاالعددفي سورةأخرى. والحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. الآيات التي ورد فيها (أب) ومثنّاه وجمعه مرتبة حسب ورودها في المصحف رقم الموضع في البحث الموقع الإعرابي لأب فيها رقمها الآية 98 69 44 81 مضاف إليه مفعول أوّل اسم كان مفعول به 133 170 170 200 البقرة قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ 40 35 41 47 مجرور باللام فاعل مبتدأ فاعل 11 11 11 22 النساء وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌوَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 435 آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاتَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ 70 45 مفعول أوّل اسم كان 104 104 المائدة قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً 21 93 58 59 مجرور باللام مجرور بمن معطوف على الفاعل معطوف على الفاعل 74 87 91 148 الأنعام وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَر َأَتَتَّخِذُ أَصْنَاما وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا 36 71 48 60 82 49 مفعول به مفعول أوّل فاعل معطوف على الفاعل مفعول به فاعل 27 28 70 71 95 173 الأعراف كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّة قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُم وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ 72 46 22 مفعول أوّل اسم كان مجرور باللام 23 24 114 التوبة لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ... وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إلاعَنْ مَوْعِدَة 73 مفعول أوّل 78 يونس قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا 50 51 52 فاعل فاعل فاعل 62 87 109 هود أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ 110،23 39 18 7 30 11 9 12 مجرور باللام، منادى مجرور بعلى مجرور بإلى اسم إنّ مضاف إليه منادى مفعول به منادى الجزء: 13 ¦ الصفحة: 436 4 6 8 8 9 11 16 17 يوسف إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْت ... كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِاطْرَحُوهُ أَرْضاًيَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ 108 61 17 10 13،19 14 4 68 8 105 15,20 109 5 16 37 38 111 مضاف إليه معطوف على الفاعل مجرور بمن مفعول به مجرور بإلى، منادى منادى فاعل اسم إنّ اسم إن فاعل مجرور بإلى، منادى مضاف إليه فاعل منادى مفعول به مفعول به منادى 38 40 59 61 63 65 68 78 80 80 81 93 94 97 99 100 100 وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَآبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوب مَاتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاأَسْمَاءًسَمَّيْتُمُوهَاأَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ فَلَمَّارَجَعُواإِلَىأَبِيهِمْ قَالُوايَاأَبَانَامُنِعَ مِنَّاالْكَيْل قَالُوايَاأَبَانَامَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ... إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي ارْجِعُواإِلَىأَبِيكُمْ فَقُولُوايَاأَبَانَاإِنَّ ابْنَكَ سَرَق اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُف قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 437 وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْياي 94 مجرور بمن 23 الرعد جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِم 53 فاعل 10 إبراهيم تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا 62 معطوف على الفاعل 35 النحل لَوْشَاءَاللَّهُ مَاعَبَدْنَامِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍنَحْنُ وَلاآبَاؤُنَا 96 34 3 مجرور باللام اسم كان اسم كان 5 80 82 الكهف مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً 2 112،24 113 114 115 اسم كان مجرور باللام، منادى منادى منادى منادى 28 42 43 44 45 مريم يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْجَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَالَمْ يَأْتِك يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَان يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَن 85 25 74 56 معطوف على المفعول مجرور باللام مفعول أوّل معطوف على اسم كان 44 52 53 54 الأنبياء بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُم إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْكُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 31 مضاف إليه 78 الحج مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم 88 83 65 مجرور بفي مفعول به معطوف علىنائب الفاعل 24 68 83 المؤمنون مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ 104,103 99 معطوف علىمجرورباللام مضاف إليه 31 61 النور وَلايُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنّ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 438 وَلاعَلَىأَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوامِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْبُيُوتِ آبَائِكُمْ 86 معطوف على المفعول 18 الفرقان وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ الشعراء قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ 26 70 74 76 86 مضاف إليه مجرور باللام مفعول أوّل معطوف على الفاعل مجرور باللام 100 26 75 63 107 النمل أَئذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَئنَّا لَمُخْرَجُونَ قَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ 67 68 معطوف على اسم كان معطوف علىنائب الفاعل 57 66 القصص وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ 23 25 26 36 مبتدأ اسم إنّ منادى مجرور بفي 1 106 116 89 لقمان قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا 21 مفعول أوّل 76 الأحزاب ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُواآبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ 5 5 40 55 مجرور باللام مفعول به خبر كان مجرور بفي 97 84 6 90 سبأ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ 43 فاعل 54 يس لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ 6 نائب فاعل 55 الصافات أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 439 اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ 17 69 85 102 126 مبتدأ مفعول أوّل مجرور باللام منادى مضاف إليه 42 77 27 117 101 غافر وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ 8 مجرور بمن 95 الزخرف بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ قَالَ أَوَلَوْجِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّاوَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ وَإِذْقَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌمِمَّاتَعْبُدُونَ بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُم 22 23 24 26 29 مفعول أول مفعول أوّل مفعول أوّل مجرور باللام معطوف على المفعول 78 79 80 28 87 الدخان رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 8 36 مضاف إليه مجرور بالباء 102 91 الجاثية ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 25 مجرور بالباء 92 النجم إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌسَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُم 23 معطوف على الفاعل 64 الواقعة أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ 48 مبتدأ 43 المجادلة وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ 22 خبر كان 67 الممتحنة إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَك 4 مجرور باللام 29 عبس وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ 35 معطوف علىمجرور بمن 33 المسد تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 1 مضاف إليه 32 القراءات في (أب) القراءة رقم الآية الموقع الإعرابي لأب في القراءة رقم الموضع في البحث البقرة قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ أبيك قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ إِبْرَاهِيمَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاؤكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ أبَاكُمْ 133 133 200 200 مضاف إليه (القراءة بإسقاط آبائك) فاعل مفعول به بعد 40و 98 98 81 81 الجزء: 13 ¦ الصفحة: 440 يوسف يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَعَشَرَ كَوْكَباً وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَايي وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ أبايَ 4 38 38 منادى مضاف إليه مضاف إليه بعد117 108 108 مريم مَا كَانَ أَباكِ امْرُؤُ سَوْءٍ 28 خبر كان 2 المسد تَبَّتْ يَدَا أَبُو لَهَبٍ وَتَبَّ 1 مضاف إليه على الحكاية 32 الحواشي والتعليقات لسان العرب [أبى 18/7] . الممتع في التصريف1/404. سر صناعة الإعراب1/93. ينظر كتاب سبيويه 3/359. ينظر شرح ابن عقيل 1/53. ينظر شرح ابن عقيل 1/54. ينظر لسان العرب [أبى 18/6] . ينظر شرح ابن عقيل 1/53. ينظر شرح ابن عقيل 1/53. ينظر أوضح المسالك 1/39. ينظر أوضح المسالك 1/41، وذكر ابن مالك أن بعض النحويين يرى أن المضاف إلى ياء المتكلم مبني، ورد عليهم، واختار إعرابه تقديراً في الرفع والنصب، وإعرابه ظاهراً في الجر. ينظر شرح التسهيل لابن مالك 3/279. ينسب إلى أبي النجم العجلي، ديوانه ص 277، وإلى رؤبة ابن العجّاج، ملحق ديوانه ص 168 وهو من شواهد الإنصاف 1/18، وشرح ابن يعيش 3/129، والمقرب 2/47. لرؤبة بن العجاج، ملحق ديوانه ص 182، وهو من شواهد شرح ابن عقيل 1/50، والتصريح 1/64، وهمع الهوامع 1/128. تنظر اللغات الثلاث الأول في الإنصاف 1/1718، وشرح المفصّل لابن يعيش 1/5153، واللغة الرابعة في شرح التسهيل لابن مالك 1/45، وهمع الهوامع للسيوطي 1/128. ينظر الإنصاف 1/17. ينظر التبيين ص 193. ينظر همع الهوامع 1/123 126. ينظر المقتضب للمبرد 2/155، وشرح المفصّل لابن يعيش 1/52، وائتلاف النصرة للزّبيدي ص 28. شرح التسهيل 1/43. ينظر مختصر ابن خالويه ص 85 ,وفيه:عمرو بن لجأ , والصواب:عمر , وهو المذكور في الكشاف 3/15 , وفي البحر المحيط 7/257, وقد كتبت الآية قي البحر على قراءة الجمهور. ينظر مختصر ابن خالويه ص182 ,والكشاف 4/814. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 441 إذا تكررت المعطوفات تكون تابعة للمعطوف عليه الأول، ينظر حاشية ياسين العليمي على التصريح 2/152، وحاشية الصبّان على شرح الأشموني 3/119. ينظر البحر المحيط 6/240. ينظر مختصر ابن خالويه ص 9. ينظر المحتسب 1/112. لزيادبن واصل السلمي, وهوفي كتاب سيبويه 3/406,والمقتضب2/174,والمحتسب1/112. لأبي طالب ابن عبد المطلب, وهو في ديوانه (غاية المطلب) ص159 وفيه:من بعد همٍّ ... بفرقة حر، والمحتسب1/112,وخزانة الأدب 4/475. لم ينسب , وهو في المحتسب 1/112 , ولسان العرب [أبى] 18/7 وخزانة الأدب 4/475. للشَّنباء بنت زيد بن عُمارة ,وهو في لسان العرب [أبى] 18 /6. للفرزدق , وهوفي لسان العرب [أبى] 18/6. لناهض الكلابي ,وهوفي لسان العرب [أبى] 18/6. لغيلان بن سلمة الثقفي ,وهو في التكملة ص 148 ,وأمالي ابن الشجري 2/37 ,290. لم ينسب , وهوفي لسان العرب [أبى] 18/7. كتاب سيبويه 3/405. المحتسب 1/113. المحتسب 1/112. ينظر إعراب القرآن 1/265. ينظر شرح الكافية الشافية 2/1009. ينظر التبيان 1/119. ينظر معاني القرآن 1/82. ينظر معاني القرآن وإعرابه 1/212. البحر المحيط 1/641. ينظر الكشاف 1/193. ينظر التبيان 1/119 , وإعراب القراءت الشواذ 1/ 208 209. ينظر البحر المحيط 9/96. ينظر تفسير أبي السعود 4/530. الكشاف 4/38. البحر المحيط 9/ 95 , وينظر كتاب سيبويه 2 /144. ذُكر الأول والثالث في التيسير ص 186 , وذُكر الثلاثة في النشر 2/357 ,وإتحاف قضلاء البشر 2 /410. كتاب سيبويه 1/278. ينظر إعراب القرآن 4/335. ينظر الكشاف 4/463. ينظر تفسير أبي السعود 5/362 363. ينظر كتاب سيبويه 1/73 , والمقتضب 3 /112. ينظر الإنصاف 1/ 83 , والتبيين ص 252. ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك 3/1244 , والمساعد لابن عقيل 2/469. التبيان للعكبري ‍1/465. البحر المحيط لأبي حيان 2/103. 59 التبيان للعكبري 1/465. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 442 ينظر أوضح المسالك لابن هشام2/31. القراءة الأولى في مختصر ابن خالويه ص12 , وقد نسبها إلى القرطبي , وهوخطأ مطبعي صوابه: القرظي. البحر المحيط لأبي حيان 2/307. ينظر التبصرة والتذكرة للصيمري 1/116. الجدول في إعراب القرآن لمحمود صافي 9/169. البحر المحيط لأبي حيان 8/305. ينظر الجدول لإعراب القرآن لمحمود صافي 11/185. البحر المحيط لأبي حيان 1/641. سبق في هامش (11) ذكرماذهب ابن مالك في شرح التسهيل3/279إليه من أنّ الإعراب ظاهر في حال الجر، قال أبو حيّان في ارتشاف الضرب2/536: (ولا أعرف له سلفاًفي هذا المذهب) . ينظر إتحاف فضلاء البشر 2/147. ينظر مختصر ابن خالويه ص 63. ينظر كتاب سيبويه 2/209, وأوضح المسالك لابن هشام 4/38، وشرح قطر الندى لابن هشام ص 206،والتصريح على التوضيح لخالد الأزهري 2 / 178. ينظر مشكل إعراب القرآن لمكي 1/377. ينظر السبعة في القراءات لابن مجاهد ص 344. ينظر الحجة في القراءات السبع لابن خالويه ص 192. ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك 3/1327. ينظر التبيان للعكبري 2/721. ينظر إعراب القراءات الشواذ للعكبري 1/681. المصادر والمراجع 1 القرآن الكريم مصحف المدينة النبوية، طبع في مجمع الملك فهد بالمدينة المنوّرة. 2 ائتلاف النصرة في اختلاف نحاة الكوفة والبصرة لعبد اللطيف بن أبي بكرالزّبيدي (802هـ) تحقيق: د. طارق الجنابي، عالم الكتب، ومكتبةالنهضةالعربية، ط1 1407هـ. 3 إتحاف فضلاءالبشر (بقراءات القراء) الأربعةعشرللشيخ أحمد بن محمد البنّا (1117 هـ) ، تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، عالم الكتب، ط1 1407هـ. 4 ارتشاف الضّرَب من لسان العرب لأبي حيّان الأندلسي (745هـ) ، تحقيق: د. مصطفى أحمد النماس، ط1 1404هـ. 5 إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس (338هـ) ، تحقيق: د. زهير غازي زاهد، عالم الكتب، بيروت، ط3 1409هـ. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 443 6 إعراب القراءات الشواذّ لأبي البقاء العكبري (616هـ) ، تحقيق: محمد السيّد أحمد عزّوز، عالم الكتب، بيروت، ط1 1417هـ. 7 الإنصاف في مسائل الخلاف-لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري (577هـ) ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية بمصر 1380هـ. 8 أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لجمال الدين ابن هشام (761هـ) تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط5 1399هـ. 9 البحر المحيط لأبي حيّان الأندلسي (745هـ) ، بعناية الشيخ: عرفان العشا حسّونه، دار الفكر، بيروت 1413هـ. 10 التبصرة والتذكرة لعبد الله بن علي الصيمري (400هـ) ، تحقيق: د. فتحي أحمد علي الدين، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة 1402هـ. 11 التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري (616هـ) ، تحقيق: علي محمد البجاوي دار الجيل، بيروت، ط2 1407هـ. 12 التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين-لأبي البقاء العكبري (616هـ) ، تحقيق: د. عبد الرحمن العثيمين، دار الغرب الإسلامي بيروت 1406هـ. 13 التصريح علىالتوضيح-لخالدبن عبد الله الأزهري (905هـ) ،دارالفكر، بيروت، دون تاريخ. 14 تفسير أبي السعود لأبي السعود العمادي (982هـ) ، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا، مكتبة الرياض الحديثة، مطبعة السعادة، دون تاريخ. 15 التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني (444هـ) ، تصحيح: أوتو برتزل، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2 1404هـ. 16 الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه لمحمود صافي (1985م) دار الرشيد بدمشق ط1 1411هـ. 17 حاشية الصبان على شرح الأشموني لمحمد بن علي الصبان (1206هـ) ، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، دون تاريخ. 18 حاشية ياسين العُليمي على التصريح-لياسين بن زين الدين العليمي (1016هـ) ، دار الفكر، بيروت، دون تاريخ. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 444 19 الحجة في القراءات السبع – لابن خالويه (370هـ) ، تحقيق:د. عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة،بيروت،ط 6، 1417هـ. 20 ديوان رؤبة بن العجاج، تحقيق: وليم بن الورد، طبع في ليبسك 1903م. ديوان أبي طالب = غاية المطالب. 21 ديوان أبي النجم العجلي، صنعه وشرحه: علاء الدين آغا، النادي الأدبي بالرياض 1401هـ. 22 السبعة في القراءات لأحمد بن موسى بن مجاهد (324هـ) ، تحقيق د. شوقي ضيف، دار المعارف بمصر، ط3، دون تاريخ. 23 شرح التسهيل لابن مالك (672هـ) ، تحقيق: د. عبد الرحمن السيّد ود. محمد بدوي المختون، دار هجر، القاهرة، ط1 1410هـ. 24 شرح قطر الندى وبلّ الصدى لابن هشام الأنصاري (761هـ) ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية الكبرى بمصر، ط11 1383هـ. 25 شرح الكافية الشافية لابن مالك (672هـ) ، تحقيق: د. عبد المنعم أحمد هريدي، مركز البحث العلمي بمكة، دار المأمون للتراث، دمشق 1402هـ. 26 شرح المفصّل لابن يعيش (643هـ) ، عالم الكتب، بيروت، دون تاريخ. 27 غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب لمحمد خليل الخطيب،مطبعة الشعراوي، طنطا، مصر 1370 1371هـ. 28 كتاب سيبويه لعمرو بن عثمان سيبويه (180هـ) ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون عالم الكتب، بيروت، ط3 1403هـ. 29 الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل لجارالله الزمخشري (538هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت 1366هـ. 30 لسان العرب-لمحمدبن مكرّم بن منظور (711هـ) ،مطبعةبولاق، القاهرة 1308هـ. 31 المحتسب في تبيين وجوه شواذالقراءات والإيضاح عنها-لابن جني (392هـ) ،تحقيق: علي النجدي ناصف وآخرين، المجلس الأعلىللشؤون الإسلامية-القاهرة 1386هـ. 32 مختصر ابن خالويه (مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع) لابن خالويه (ت 370هـ) ، عني بنشره: ج. برا جستراسر، المطبعة الرحمانية بمصر 1934م. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 445 33 مشكل إعراب القرآن لمكي القيسي (437هـ) ، تحقيق: د. حاتم الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4 1408هـ. 34 معاني القرآن ليحيى بن زياد الفرّاء (207هـ) ، تحقيق: محمد علي النجار وآخرين، عالم الكتب، بيروت، ط3 1403هـ. 35 معاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق الزجاج (311هـ) ، تحقيق: د. عبد الجليل عبده شلبي، دار الحديث، القاهرة، ط1 1414هـ. 36 المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، استانبول 1982م. 37 المقتضب لأبي العباس المبرّد (285هـ) ، تحقيق: د. محمد عبد الخالق عُضيمة، عالم الكتب، بيروت، إعادة لطبعة القاهرة 1399هـ. 38 النحو الوافي لعباس حسن، دار المعارف، القاهرة ط7 1981م. 39 النشر في القراءات العشر لابن الجزري (833هـ) ، أشرف على تصحيحه: علي محمد الضبّاع، دار الكتب العلمية، بيروت، دون تاريخ. 40 همع الهوامع لجلال الدين السيوطي (911هـ) ، تحقيق: د. عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلمية، الكويت 1394هـ. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 446 مسائل بلاغية ونقدية في شرح السهيلي لسيرة ابن هشام د. محمد رفعت أحمد زنجير الأستاذ المساعد - جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا كلية التربية والعلوم الأساسية/أبو ظبي ملخص البحث إن دراسة السيرة النبوية لأسباب بلاغية وأدبية أمر لا نكاد نجد له أثرا كبيرا في دراسات السابقين، وهذا الحكم لا يكاد يستثنى منه أحد، إلا أن يكون الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي الحسن الخثعمي، السهيلي، صاحب كتاب: (الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام) ، فإن كتابه قد احتوى نكاتا بلاغية، وقضايا أدبية، ونقدية، وهي جديرة بالتدوين، لأن السهيلي من علماء الأندلس، والمغاربة عموما لهم منهجهم ومذاقهم الأدبي والبلاغي الذي يختلف عن المشارقة إلى حد ما، وفي الكتاب مادة لغوية وأدبية وبلاغية لا يستهان بها، كما أن السهيلي صاحب حاسة فنية رفيعة، وهو يميل إلى تذوق النصوص وتحليلها خلال شرحه. ولذلك قمت بجمع تلك المادة العلمية المتعلقة بالبلاغة والنقد لدراستها في هذا البحث، وجعلته مكونا من تمهيد وخمسة مباحث وخاتمة. استعرضت في التمهيد حياة السهيلي ومنهجه في كتابه الروض الأنف، وعرضت في المباحث الثلاثة الأولى للمسائل المتعلقة بعلم المعاني والبيان والبديع، ثم تناولت في المبحث الرابع طرفا من حديثه عن البلاغة القرآنية وإعجاز القرآن، والبيان النبوي، وخصصت المبحث الخامس لذكر بعض القضايا النقدية التي عرض لها السهيلي، وخلصت في الخاتمة إلى أن السهيلي بذل جهدا في الجانب البلاغي في شرحه لسيرة ابن هشام، ولكنه ابتعد إلى حد كبير عن المصطلحات البلاغية المتشعبة، وهو يمتلك حس الناقد ومقوماته، وله اعتداد بشخصيته العلمية، وفي شرحه للسيرة ذخر علمي وأدبي وبلاغي، لذلك أرى أنه بحاجة إلى التحقيق العلمي وإخراجه من جديد. * * * مقدمة: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 447 تعتبر دراسة السيرة النبوية أمرا غاية في الأهمية، لأسباب دينية وتاريخية وإنسانية واجتماعية ونحو ذلك، بيد أن دراستها لأسباب بلاغية وأدبية أمر لا نكاد نجد له أثرا كبيرا في دراسات السابقين، وذلك يعود إلى أن السنة النبوية مدونة بكتب منهجية متخصصة، وقد اعتنى العلماء بشرح تلك الكتب، وتطرقوا في ثنايا شروحهم لأمور أدبية وبلاغية، وأما دراسة السيرة ذاتها، وما تحتويه من مسائل ونكات بلاغية فهو أمر عزف عنه معظم الأوائل الذين انصبت جل جهودهم على جمع السيرة وتدوينها وتهذيبها، لا غير. وهذا الحكم لا يكاد يستثنى منه أحد، إلا أن يكون الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي الحسن الخثعمي، السهيلي، صاحب كتاب: (الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام) ، فإن كتابه قد احتوى على نكات بلاغية، وقضايا أدبية، ونقدية، وهي جديرة بالتدوين والاهتمام للأسباب التالية: السبب الأول: أن السهيلي من علماء الأندلس، والمغاربة عموما لهم منهجهم ومذاقهم الأدبي والبلاغي الذي يختلف عن المشارقة إلى حد ما. السبب الثاني: أن في الكتاب مادة لغوية وأدبية وبلاغية لا يستهان بها، وهي متنوعة وتشمل: الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية والشعر الجاهلي والإسلامي، والأمثال والقصص، واللغة والعروض والمآخذ على الشعراء وغير ذلك. السبب الثالث: أن السهيلي صاحب حاسة فنية رفيعة، وهو يميل إلى تذوق النصوص وتحليلها خلال شرحه، وهذا ما نحتاجه للتحليل الأسلوبي والنقد الأدبي. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 448 ولذلك قمت بجمع تلك المادة العلمية المتعلقة بالبلاغة والنقد، ثم اخترت نماذج منها لدراستها في هذا البحث، وذلك لإبراز جهود السهيلي البلاغية والنقدية، فقد درج المؤرخون والباحثون على اعتباره ضمن علماء اللغة، علما بأن لمحاته البلاغية تجعله ضمن علماء البلاغة أيضا، ولعل هذه الدراسة تسهم في معرفة الخطوط العامة للتطور البلاغي بين المشرق والمغرب عبر تاريخنا العريق، ولعلنا نخلص من خلال تلك المعرفة إلى إدراك الصرح العلمي المعرفي لحضارتنا الإسلامية، وتكامل هذا الصرح عبر القرون الممتدة. ولنأخذ من هذا كله قبسا مضيئا لكي نستمر في مسيرة تطوير وبناء علومنا العربية والإسلامية في المستقبل المشرق بإذن الله. وقد رأيت أن يكون هذا البحث مكونا من تمهيد وخمسة مباحث وخاتمة. * * * تمهيد: سنتناول في هذا التمهيد حياة المؤلف، ومنهجه في كتابه. أولا: حياة المؤلف ليس بين أيدينا ترجمة مسهبة للسهيلي، حيث إن أغلب كتب التراجم قد ترجمت له بإيجاز، فهو أبو القاسم وأبو زيد عبد الرحمن بن الخطيب أبي محمد عبد الله بن الخطيب أبي عمر أحمد الخثعمي (1) السهيلي (2) ، حافظ، عالم باللغة والسير، ضرير، ولد في مالقة (3) سنة (581هـ) ، وعمي وعمره (17) سنة، ونبغ، فاتصل بصاحب مراكش، فطلبه إليها وأكرمه، فأقام يصنف كتبه إلى أن توفي بها يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان سنة (581هـ) ، وهو صاحب الأبيات التي مطلعها: يا من يرى ما في الضمير ويسمع ... أنت المعد لكل ما يتوقع من كتبه: الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام تفسير سيرة يوسف التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام   (1) لهوامش والتعليقات نسبة إلى خَثْعم بن أنمار، وهو أبو قبيلة من معد. انظر: القاموس المحيط، مادة (خثعم) . (2) سبة إلى سهيل حصن بالأندلس وواد فيها أيضا، انظر: القاموس المحيط، مادة (سهل) . (3) دينة كبيرة بالأندلس، انظر: القاموس المحيط، مادة (ملق) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 449 الإيضاح والتبيين لما أبهم من تفسير الكتاب المبين نتائج الفكر مسألة رؤية الله في المنام ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم. مسألة السر في عور الدجال وغيرها. وقد أثنى عليه المؤرخون، قال عنه ابن خلكان: (وأشعاره كثيرة، وتصانيفه ممتعة) (1) . ثانيا: المنهج العلمي للسهيلي وضح السهيلي سبب تصنيفه كتاب: (الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام) ، ومنهجه فيه، فقال في خطبة كتابه: "وبعد: فإني قد انتحيت في هذا الإملاء بعد استخارة ذي الطول، والاستعانة بمن له القدرة والحول إلى إيضاح ما وقع في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي سبق إلى تأليفها أبو بكر محمد بن إسحاق المطلبي، ولخصها عبد الملك بن هشام المعافري المصري النسابة النحوي، مما بلغني علمه، ويسر لي فهمه، من لفظ غريب، أو إعراب غامض، أو كلام مستغلق، أو نسب عويص، أو موضع فقه ينبغي التنبيه عليه، أو خبر ناقص يوجد السبيل إلى تتمته" (2) . نلحظ من هذا المنهج عدم تنويهه بالبلاغة، بيد أنه خلال شرحه عول عليها كثيرا، واستدرك بواسطتها على النحاة بعض الأمور، مما يمكن اعتبار البلاغة إحدى مزايا شرحه، وإن لم يشر إليها صراحة في خطبة الكتاب. المبحث الأول: مسائل علم المعاني أولا: اختيار المفردات   (1) نظر في ترجمته: وفيات الأعيان، لابن خلكان، تحقيق: الدكتور إحسان عباس، (3/371) . والبداية والنهاية لابن كثير، (12/318) . والأعلام للزركلي، (3/313) . (2) لروض الأنف، (1/2-3) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 450 اختيار المفردات الملائمة للمعاني التي يتطلبها السياق حول موضوع ما أمر في غاية الأهمية، وقد عبر عنه البلاغيون بفصاحة المفرد، وهي: "خلوصه من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس اللغوي" (1) ، ولكن ربما كانت الكلمة فصيحة، بيد أن هنالك ما يوائم المعنى أكثر منها، لذلك تقتضي البلاغة اختيار ما هو أكثر مواءمة، كما في إيثار صيغة: (لا تحزن (على (لا تخف) ، يقول السهيلي: "فعندها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحزن إن الله معنا ((التوبة: 40) ، ولم يقل لا تخف، لأن حزنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه" (2) ويوضح السهيلي الفارق الدقيق بين مفردتين لهما نفس المعنى، بيد أن إحداهما أكثر اختصاصا من الثانية، لذا يتطلب السياق استعمالها، كما هو بين كلمتي رسول ومرسل، يقول: "بين الرسول والمرسل معنى دقيق، ينتفع به في فهم قول الله عز وجل: (وأرسلناك للناس رسولا) (النساء: 79) فإنه لا يحسن في مثل هذا أن يقال: أرسلناك مرسلا، ولا نبأناك تنبيئا، كما لا يحسن: ضربناك مضروبا، ولكشف هذا المعنى وإيضاحه موضع غير هذا، واختصار القول فيه: أن ليس كل مرسل رسولا، فالرياح مرسلات، والحاصب مرسل، وكذلك كل عذاب أرسله الله، وإنما الرسول اسم المبلغ عن المرسِل" (3) . ويشير إلى ضرورة التباعد بين الهمزتين في إذا جاءتا في كلمة واحدة لما في ذلك من التنافر، وذلك بتقديم حرف ما عن موقعه، كما جاء في قول زيد بن عمرو: (4) وقولا له آأنت سويت هذه ... بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا   (1) لإيضاح في علوم البلاغة، للقزويني، تحقيق د. محمد عبد المنعم خفاجي، ص (72) . (2) لروض الأنف، (2/232) . (3) لروض الأنف، (1/122) . (4) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/259) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 451 قال السهيلي: "وقوله: اطمأنت كما هيا، وزنه افلعلت، لأن الميم أصلها أن تكون بعد الألف، لأنه من تطامن أي: تطأطأ، وإنما قدموها لتباعد الهمزة التي هي عين الفعل من همزة الوصل، فتكون أخف عليهم في اللفظ، كما فعلوا في أشياء قلبوها في قول الخليل وسيبويه (1) فرارا من تقارب الهمزتين" (2) . وعرض السهيلي إلى ذكر بعض مزايا البلاغة النبوية، من ذلك إشادته بدقة التعبير النبوي في الدعاء، وتخيره للفظ الحسن في مخاطبة الخالق عز وجل، فقال في تعقيبه على حديث الاستسقاء: "قوله عليه [الصلاة و] السلام: (اللهم حوالينا ولا علينا) (3) كقوله في حديث آخر: (اللهم منابت الشجر وبطون الأودية، وظهور الآكام) (4) ، فلم يقل: اللهم ارفعه عنا، هو من حسن الأدب في الدعاء، لأنها رحمة الله، ونعمته المطلوبة منه، فكيف يطلب منه رفع نعمته، وكشف رحمته؟ وإنما يسئل سبحانه كشف البلاء، والمزيد من النعماء، ففيه تعليم كيفية الاستسقاء، وقال: (اللهم منابت الشجر) ، ولم يقل: اصرفها إلى منابت الشجر، لأن الرب تعالى أعلم بوجه اللطف، وطريق المصلحة، كان ذلك بمطر أو بندى أو طل، أو كيف شاء، وكذلك بطون الأودية، والقدر الذي يحتاج من مائها" (5) . ثانيا: الخبر والإنشاء   (1) نظر: الكتاب لسبويه، تحقيق عبد السلام هارون، (3/551-552) . (2) لروض الأنف، (1/260-261) . (3) تفق عليه عن أنس، انظر: مشكاة المصابيح للتبريزي، بتحقيق الألباني، (3/1656) . (4) ذه رواية أخرى، وورد نحوها في الصحيحين، انظر: مشكاة المصابيح، (3/1656) . (5) لروض الأنف، (2/28) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 452 أشار السهيلي للخبر في تفسير سورة المسد، فقال في قوله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب) (المسد: 1) : "فسرت أنه خبر من الله تعالى، وأن الكلام ليس على جهة الدعاء، كما قال تعالى: (قاتلهم الله أنى يؤفكون) (التوبة: 30) أي إنهم أهل أن يقال لهم هذا، ف (تبت يدا أبي لهب) (المسد: 1) ، ليس من باب: (قاتلهم الله) ، ولكنه خبر محض بأن قد خسر أهله وماله، واليدان آلة الكسب، وأهله وماله مما كسب" (1) . كما أشار السهيلي إلى تضمن الخبر معنى الأمر، فقال: "وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير) (2) ... وهو خبر يتضمن معنى الأمر أو الإغراء بالشيء، أو تركه" (3) ، ومعلوم أن الأمر هو من أقسام الإنشاء الطلبي. وقد عرض السهيلي إلى موضوعات تتصل بالإنشاء منها: 1- الاستفهام أشار السهيلي إلى الاستفهام الإنكاري الذي يفيد العموم في قوله تعالى: (كيف نكلم من كان في المهد صبيا) (مريم:29) ، فقال: "اضطربوا في إعرابها، وتقديرها، لما كانت من بمعنى الذي، وجاء بكان على لفظ الماضي، وفهمها الزجاج فأشار إلى أن من فيها طرف من معنى الشرط، ولذلك جاءت كان بلفظ المضي بعده، فصار معنى الكلام: من يكن صبيا فكيف يكلم؟ لما أشارت إلى الصبي أن كلموه، ولو قالوا: كيف نكلم من هو في المهد الآن، لكان الإنكار والتعجب مخصوصا به، فلما قالوا كيف نكلم من كان صار الكلام أبلغ في الاحتجاج للعموم الداخل فيه" (4) 2- النداء   (1) لروض الأنف، (2/109) . (2) تفق عليه عن أنس، ولفظه: (رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير) انظر: مشكاة المصابيح، (3/4806) . (3) لروض الأنف، (3/46) . (4) لروض الأنف، (2/117-118) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 453 تعرض السهيلي للنداء، مبينا السر في التعبير بلفظ (يا بني إسرائيل) في بعض المواضع من القرآن، وما في هذا التعبير من قيمة تربوية راشدة، تبعث على الإيمان، وتدعو إلى الهدى، وتركه في مواضع أخرى، حيث يقتضي الحال استعمال صيغة أخرى تظهر كرم المنعم وفضله، موضحا السبب في إيثار صيغة ما في موضع، وتركها في آخر، من بلاغة قرآنية تدل على إعجاز الكتاب الحكيم، فقال: " (بنو إسرائيل) : إسرائيل هم بنو يعقوب، وكان يسمى إسرائيل: أي سري الله، لكن لم يذكروا في القراءة إلا إذا أضيفوا إلى إسرائيل، ولم يسموا فيه: بنو يعقوب، ومتى ذكر إبراهيم وإسحاق ويعقوب لم يسم إسرائيل، وذلك لحكمة فرقانية، وهو أن القوم لما خوطبوا بعبادة الله، وذكروا بدين أسلافهم موعظة لهم، وتنبيها من غفلتهم، سموا بالاسم الذي فيه تذكرة بالله، فإن إسرائيل اسم مضاف إلى الله تعالى في التأويل، ألا ترى كيف نبه على هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا إلى الإسلام قوما يقال لهم بنو عبد الله، فقال لهم: (يا بني عبد الله، إن الله قد أحسن اسم أبيكم) (1) ، يحرضهم بذلك على ما يقتضيه اسمهم من العبودية لله، فكذلك قوله يا بني إسرائيل، إنما ورد في معرض التذكرة لهم بدين أبيهم، وعبوديته لله، فكان ذكرهم بهذا الاسم أليق بمقام التذكرة والتحريض من أن يقول لهم: يا بني يعقوب، ولما ذكر موهبته لإبراهيم وتبشيره بإسحاق، ثم يعقوب، كان لفظ يعقوب أولى بذلك المقام، لأنها موهبة بعقب أخرى، وبشرى عقب بها بشرى، وإن كان اسم يعقوب عبرانيا، ولكن لفظه موافق للعربي في العقب والتعقيب، فانظر مشاكلة الاسمين للمقامين، فإنه من باب النظر في إعجاز القرآن، وبلاغة ألفاظه، وتنزيل الكلام في منازله اللائقة به" (2) ثالثا: وضع المثنى مكان المفرد   (1) م أجده. (2) لروض الأنف، (2/294) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 454 من الجائز في النحو العربي وضع الجمع مكان المثنى أو المفرد (1) ، بيد أن السهيلي وجماعة من العلماء جوزوا وضع المثنى مكان المفرد أيضا، وبين السهيلي السر البلاغي في هذا التعبير، فقال: "وقال الفرزدق: عشية سال المربدان كلاهما وإنما هو مربد البصرة، وقولهم: تسألني برامتين سلجما وإنما هو رامة، وهذا كثير، وأحسن ما تكون هذه التثنية إذا كانت في ذكر جنة وبستان، فتسميها جنتين في فصيح الكلام، إشعارا بأن لها وجهين، وأنك إذا دخلتها، ونظرت إليها يمينا وشمالا رأيت من كلتا الناحيتين ما يملأ عينيك قرة، وصدرك مسرة، وفي التنزيل: (لقد كان لسبأ في مكنهم آية جنتان عن يمين وشمال ((سبأ: 15) إلى قوله سبحانه: (وبدلناهم بجنتيهم جنتين ((سبأ: 16) ، وفيه: (جعلنا لأحدهما جنتين ((الكهف: 32) الآية، وفي آخرها: (ودخل جنته ((الكهف: 35) فأفرد بعدما ثنى، وهي هي (2) ، وقد حمل بعض العلماء على هذا المعنى قوله سبحانه: (ولمن خاف مقام ربه جنتان ((الرحمن: 46) والقول في هذه الآية يتسع، والله المستعان" (3) . رابعا: وصف الجمع بالمفرد:   (1) نظر: شرح المفصل، لابن يعيش، (4/155) ، عالم الكتب، بيروت. (2) ي تفسير الكشاف للزمخشري (2/721) : (فإن قلت لم أفرد الجنة بعد التثنية؟ قلت: معناه دخل ما هو جنته ماله جنة غيرها، يعني أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المؤمنون، فما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير، ولم يقصد الجنتين ولا واحدة منهما) . (3) لروض الأنف، (1/219) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 455 من الجائز نحويا وصف الجمع بالمفرد في بعض الكلمات مثل: الرفيق والصديق والخليط التي يستوي فيها المفرد والجمع، (1) ، بيد أن هذا الأسلوب يأتي أحيانا لغرض بلاغي لا يتأتى حصوله بغيره، يقول السهيلي: "وقول عروة بن مسعود لقريش: (قد عرفتم أنكم والد) ، أي كل واحد منكم كالوالد، وقيل معناه: أنتم حي قد ولدني، لأنه كان لسبيعة بنت عبد شمس، وقد يجوز أن يقال في الجماعة: هم لي صديق وعدو، وفي التنزيل: (وحسن أولئك رفيقا ((النساء:69) ، فيفرد لأنه صفة لفريق وحزب، ويقبح أن تقول: قومك ضاحك أو باك، وإنما يحسن هذا إذا وصفت بصديق ورفيق وعدو، لأنها صفة تصلح للفريق والحزب، لأن العداوة والصداقة صفتان متضادتان، فإذا كان على أحدهما الفريق الواحد، كان الآخر على ضدها، وكانت قلوب أحد الفريقين في تلك الصفة على قلب رجل واحد في عرف العادة، فحسن الإفراد، وليس يلزم مثل هذا في القيام والقعود ونحوه، حتى يقال: هم قاعد أو قائم، كما يقال: هم صديق، لما قدمناه من الاتفاق والاختلاف" (2) .   (1) نظر: تفسير الكشاف للزمخشري، (1/531) . وأدب الكاتب لابن قتيبة، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ص (502-504) ، دار المطبوعات العربية، بيروت. (2) لروض الأنف، (4/34) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 456 ويستطرد السهيلي إلى ذكر بعض الآيات القرآنية التي جاء فيها وصف الجمع بالمفرد في موضع، واستعمال صيغة الجمع في موضع آخر، مبينا السر في هذا الأسلوب، فيقول: "وأما قوله تعالى: (يخرجكم طفلا ((غافر: 67) بلفظ الإفراد، وقال في موضع آخر: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ((النور:59) فالأحسن في حكم البلاغة أن يعبر عن الأطفال الرضع بالطفل في الواحد والجميع، لأنهم مع حدثان الولادة كالجنس الذي يقع على القليل والكثير بلفظ واحد (1) ، ألا ترى أن بدء الخلق من طين، ثم مني، والمني جنس لا يتميز بعضه من بعض، فلذلك لا يجمع، وكذلك الطين، ثم يكون الخلق علقا، وهو الدم، فيكون ذلك جنسا، ثم يخرجهم الله طفلا، أي جنسا تاليا للعلق، والمني لا يكاد يتميز بعضهم من بعض إلا عند آبائهم، فإذا كبروا وخالطوا الناس، وعرف الناس صورهم وبعضهم من بعض، فصاروا كالرجال والفتيان قيل فيهم حينئذ: أطفال، كما يقال: رجال وفتيان، ولا يعترض على هذا الأصل بالأجنة، أنهم مغيبون في البطون، فلم يكونوا كالجنس الظاهر للعيون، كالماء والطين والعلق، وإنما جمع جنين على أجنة، وحسن ذلك فيه، لأنه تبع للبطن الذي هو فيه". (2)   (1) ي تفسير الكشاف للزمخشري، (3/177) : (طفلا: والمعنى كل واحد منكم، أو اقتصر على الواحد لأن الغرض بيان الجنس) . (2) لروض الأنف، (4/34-35) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 457 ولا ينسى السهيلي في تحليله للآيات القرآنية، بأن يستشهد بكلام العرب الأقحاح، الذين هم معدن البلاغة، وموئل الفصاحة، لكي يؤكد صحة ما ذهب إليه من تحليل لوصف الجمع بالمفرد في إحدى الآيات القرآنية، وعزوف البلاغة القرآنية عن ذلك في موضع آخر، فيقول: "ويقوى هذا الغرض الذي صمدنا إليه في الطفل قول رجل من بني مجاعة لعمر بن عبد العزيز، وقد سأله: هل بقي من كهول بني مجاعة أحد؟ قال نعم، وشكير كثير (1) ، فانظر كيف قال: الكهول وجمع، وقال في الصغار: شكير كما تقول حشيش، ونبات، فتفرد لأنه جنس واحد، والطفل في معنى الشكير ماداموا رضعا، حتى يتميزوا بالأسماء والصور عند الناس، فهذا حكم البلاغة، ومساق الفصاحة فافهمه" (2) . خامسا: التناوب بين الأدوات أشار السهيلي إلى أن أساليب التعبير العربية تقتضي التناوب بالأدوات أحيانا، شريطة وجود قرينة تدل على ذلك، فقال في تفسير سورة الكافرون: "فإن قيل: كيف قال (ولا أنتم عابدون ما أعبد ((الكافرون: 3، 5) ولم يقل من أعبد؟، وقد قال أهل العربية إن ما تقع على ما لا يعقل، فكيف عبر بها عن الباري تعالى؟ فالجواب أنا قد ذكرنا فيما قبل أن ما قد تقع على من يعقل بقرينة، فهذا أوان ذكرها، وتلك القرينة الإبهام والمبالغة في التعظيم والتفخيم، وهي في معنى الإبهام لأن من جلت عظمته، حتى خرجت عن الحصر، وعجزت الأفهام عن كنه ذاته، وجب أن يقال فيه ما هو كقول العرب: سبحان ما سبح الرعد بحمده" (3) . سادسا: وضع المضارع مكان الماضي   (1) لشكير: صغار الإبل. انظر: القاموس المحيط، مادة شكر. (2) لروض الأنف، (4/34) . (3) لروض الأنف، (2/117) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 458 تقتضي البلاغة أحيانا وضع صيغة المضارع مكان الماضي، وذلك إذا صحب المضارع من الأدوات ما يحوله إلى الماضي، ك: (ما) التي فيها معنى الشرط، يقول السهيلي في تفسير سورة الكافرون: "وبقيت نكتة بديعة يتعين التنبيه عليها، وهو قوله تعالى: (ولا أنا عابد ما عبدتم ((الكافرون: 4) بلفظ الماضي، (ولا أنتم عابدون ما أعبد) (الكافرون: 3، 5) بلفظ المضارع في الآيتين جميعا، إذا أخبر عن نفسه قال: ما أعبد، ولم يقل: ما عبدت، والنكتة في ذلك أن (ما) لما فيها من الإبهام، وإن كانت خبرية تعطي معنى الشرط، فكأنه قال: مهما عبدتم شيئا، فإني لا أعبده، والشرط يحول المستقبل إلى لفظ الماضي، تقول: إذا قام زيد غدا فعلت كذا، وإذا خرج زيد غدا خرجت" (1) . سابعا: التقديم والتأخير   (1) لروض الأنف، (2/117) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 459 التقديم والتأخير أحد المباحث البلاغية المهمة، وقد عرض له السهيلي في مواضع متعددة، منها عند قوله تعالى: (وليس الذكر كالأنثى ((آل عمران: 36) حيث بين أن الترتيب بحسب الأفضل في نظر الله للعبد، فقال: "فإن قيل: كان القياس في الكلام أن يقال: وليس الأنثى كالذكر، لأنها دونه، فما باله بدأ بالذكر؟ والجواب أن الأنثى إنما هي دون الذكر في نظر العبد لنفسه، لأنه يهوى ذكران البنين، وهم مع الأموال زينة الحياة الدنيا، وأقرب إلى فتنة العبد، ونظر الرب للعبد خير من نظره لنفسه، فليس الذكر كالأنثى على هذا، بل الأنثى أفضل في الموهبة (1) ، ألا تراه يقول سبحانه (يهب لمن يشاء إناثا ((الشورى: 49) فبدأ بذكرهن قبل الذكور (2) ، وفي الحديث: (ابدؤوا بالإناث) (3) ، يعني في الرحمة وإدخال السرور على البنين، وفي الحديث أيضا: (من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كهاتين) (4) فترتب الكلام في التنزيل على الأفضل في نظر الله للعبد، والله أعلم بما أراد" (5) .   (1) نظر: تفسير الكشاف للزمخشري (1/356) . (2) نظر رأي الزمخشري في هذا السياق في تفسير الكشاف، (4/232) . (3) م أجده بهذا اللفظ، ولكن ورد أحاديث قريبة من معناه، انظر: مشكاة المصابيح، (3/1389، 1393) الحديث رقم: (4979) ، و (5002) . (4) واه مسلم ولفظه: (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا) وضم أصابعه، انظر: مشكاة المصابيح، (3/1384) . (5) لروض الأنف، (3/13) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 460 وأشار إلى التقديم والتأخير في قوله تعالى: (ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ((آل عمران: 161) ، مبينا ما في ترتيب الكلام من إعجاز، فقال: "نكتة في قوله: (ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ((آل عمران: 161) بدأ بالأبناء والنساء قبل الأنفس، والجواب أن أهل التفسير قالوا أنفسنا وأنفسكم، أي ليدع بعضنا بعضا، وهذا نحو قوله (فسلموا على أنفسكم ((النور: 61) في أحد القولين، أي يسلم بعضكم على بعض، فبدأ بذكر الأولاد الذين هم فلذ الأكباد، ثم بالنساء اللاتي جعل بيننا ويبنهم مودة ورحمة، ثم من وراءهم من دعاء بعضهم بعضا (1) ، لأن الإنسان لا يدعو نفسه، وانتظم الكلام على الأسلوب المعتاد في إعجاز القرآن" (2) . وهذا الترتيب من الأدنى إلى الأعلى، والبلاغيون يطلقون عليه مصطلح الترقي (3) . وأشار السهيلي إلى تقديم الفاعل، وهو مضاف إلى ضمير المفعول، وما في هذا التقديم من مأخذ عند علماء النحو بسبب خلل النظم في الجملة، وذلك في قول حسان يمدح مطعما: (4) وبكى عظيم المشعرين كليهما ... على الناس معروفا له ما تكلما فلو كان مجد يخلد الدهر واحدا ... من الناس أبقى مجده اليوم مطعما قال السهيلي: "وهذا عند النحويين من أقبح الضرورة (5) ، لأنه قدم الفاعل، وهو مضاف إلى ضمير المفعول، فصار في الضرورة مثل قوله: (6) * جزى ربه عني عدي بن حاتم * " (7)   (1) نظر: تفسير الكشاف للزمخشري، (1/369-370) . (2) لروض الأنف، (3/14) . (3) نظر: شروح التلخيص (عروس الأفراح) للسبكي، (4/473) . (4) لسيرة النبوية لابن هشام، (2/125) . (5) نظر: شرح ابن عقيل بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، (1/496) . ولفظه: (ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا..) (6) لبيت لأبي الأسود الدؤلي يهجو عدي بن حاتم الطائي، انظر: شرح ابن عقيل، (1/496-497) . (7) لروض الأنف، (2/129) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 461 ولكن السهيلي مع إقراره بالقاعدة النحوية، فهو لم يسلم للنحاة عيبهم على بيت حسان، لأن هذا من وضع الظاهر موضع المضمر في مقام التعظيم (1) ، يقول مستدركا على النحاة: "غير أنه في هذا البيت أشبه قليلا، لتقدم ذكر مطعم، فكأنه قال: أبقى مجد هذا المذكور المتقدم ذكره مطعما، ووضع الظاهر موضع المضمر، كما لو قلت: إن زيدا ضربت جاريته زيدا، أي ضربت جاريته إياه، ولا بأس بمثل هذا، ولا سيما إذا قصدت قصد التعظيم وتفخيم ذكر الممدوح، كما قال الشاعر: وما لي أن أكون أعيب يحيى ... ... ويحيى طاهر الأثواب بر" (2) ويلتمس السهيلي مسوغا آخر لصنيع حسان، مجوزا أن يكون مطعما منصوبا على البدل، للمفعول الثاني المحذوف للفعل أبقى، يقول: "ويجوز نصبه عندي على البدل من قوله: وبكى عظيم المشعرين، ويكون المفعول به من قوله: أبقى مجده محذوفا، فكأنه قال: أبقاه مجده أبدا، والمفعول لا قبح في حذفه، إذا دل عليه الكلام كما في هذا البيت" (3) . وعرض السهيلي إلى تقديم المفعول على فعل الأمر، وما في هذا التقديم من فائدة، فقال في تفسير سورة المدثر: "وقوله بعد هذا (وربك فكبر ((المدثر: 3) أي ربك كبر لا غيره، لا يكبر عليك شيء من أمر الخلق، وفي تقديم المفعول على فعل الأمر إخلاص، ومثله قوله: (إياك نعبد) أي لا نعبد غيرك، ولم يقل نعبدك ونستعينك، وفي الحديث: إذا قال العبد: (إياك نعبد، وإياك نستعين ((الفاتحة: 5) ، يقول الله تعالى: (أخلص لي عبدي العبادة، واستعانني عليها، فهذه بيني وبين عبدي) (4) " (5) . والبلاغيون يعتبرون الصيغ السابقة في الآيات من باب القصر، ولم يشر السهيلي إلى اصطلاحهم وإن كان قد فسر الآيات بما يوافق مفهوم القصر. ثامنا: قيود الجملة   (1) نظر: الإيضاح في علوم البلاغة، ص (155) . (2) لروض الأنف، (2/130) . (3) لمصدر السابق، (2/130) . (4) لحديث في مسلم بلفظ آخر،: انظر: مشكاة المصابيح، (1/262) . (5) لروض الأنف، (2/49) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 462 عرض السهيلي إلى بعض القيود التي تعتري الجملة، مثل الاستثناء في قوله تعالى: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ((الفتح: 27) ، قال مبينا فائدة هذا الاستثناء: "ويسأل عن قوله: (إن شاء الله آمنين ((الفتح: 27) ، ما فائدة هذا الاستثناء؟ وهو خبر واجب؟، وفي الجواب أقوال: أحدها أنه راجع إلى قوله: (آمنين) ، لا إلى نفس الدخول، وهذا ضعيف لأن الوعد بالأمان قد اندرج في الوعد بالدخول. الثاني أنه وعد على الجملة والاستثناء راجع التفصيل، إذ لا يدري كل إنسان منهم هل يعيش إلى ذلك أم لا، فرجع الشك إلى هذا المعنى، لا إلى الأمر الموعود به، وقد قيل إنما هو تعليم للعباد أن يقولوا مثل هذه الكلمة ويستعملونها في كل فعل مستقبل، أعني: إن شاء الله" (1) . كما عرض السهيلي إلى بعض أحكام الحال، والتنكير الذي يعتريها بسبب التشبيه في بعض التراكيب، فقال تعقيبا على قول ابن لقيم العبسي يوم خيبر: (2) فرت يهود يوم ذلك في الوغا ... ... تحت العجاج غمائم الأبصار "وهو بيت مشكل غير أن في بعض النسخ وهي قليلة عن ابن هشام، أنه قال: فرت: فتحت، من قولك: فررت الدابة إذا فتحت فاها، وغمائم الأبصار هي مفعول فرت، وهي جفون أعينهم، هذا قول، وقد يصح أن يكون فرت من الفرار، وغمائم الأبصار من صفة العجاج، وهو الغبار، ونصبه على الحال من العجاج، وإن كان لفظه لفظ المعرفة عند من ليس بشاذ في النحو، ولا ماهر في العربية، وأما عند أهل التحقيق فهو نكرة، لأنه لم يرد الغمائم حقيقة، وإنما أراد مثل الغمائم، فهو مثل قول امرئ القيس: * بمنجرد قيد الأوابد هيكل * فقيد هنا نكرة، لأنه أراد مثل القيد، ولذلك نعت به منجردا، أو جعله في معنى مقيد، وكذلك قول عبدة بن الطيب: *تحية من غادرته غرض الندى * فنصب غرضا على الحال" (3) .   (1) لروض الأنف، (4/38) . (2) لسيرة النبوية لابن هشام، (4/45) . (3) لروض الأنف، (4/61) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 463 ويستطرد السهيلي إلى ذكر بعض النظائر لما سبق ذكره من أحكام الحال، فيعرض إلى بعض آيات من القرآن وأمثال العرب وكلامها، فيقول: "وأصح الأقوال في قوله سبحانه: (زهرة الحياة الدنيا ((طه: 131) أنه حال من المضمر المخفوض، لأنه أراد بالتشبيه بالزهرة من النبات، ومن هذا النحو قولهم: جاء القوم الجمَّاء الغَفير، انتصب الحال، وفيه الألف واللام، وهو من باب ما قدمناه من التشبيه، وذلك أن الجماء هي بيضة الحديد (1) تعرف بالجماء والصلعاء، فإذا جعل معها المغفر، فهي غفير، فإذا قلت جاءوا الجماء الغفير، فإنما أردت العموم والإحاطة بجميعهم، أي جاؤوا جيئة تشملهم وتستوعبهم، كما تحيط البيضة الغفير بالرأس، فلما قصدوا معنى التشبيه دخل الكلام الكثير كما تقدم، وكذلك قولهم: تفرقوا أيدي سبا، وأيادي سبا (2) ، أي مثل أيدي سبا، فحسنت فيه الحال لذلك، والذي قلناه في معنى الجفاء والغفير رواه أبو حاتم عن أبي عبيدة، وكان علامة بكلام العرب" (3) . ويبين ما فات سيبويه هنا حين ذهب إلى شذوذ كلمة الجماء لأنها معرفة، فيقول: "ولم يقع سيبويه على هذا الغرض في معنى الجماء، فجعلها كلمة شاذة عن القياس، واعتقد فيها التعريف، وقرنها بباب وحده (4) ، وفي باب وحده أسرار قد أمليناها في غير هذا الكتاب، ومسألة وحده تختص بباب وحده" (5)   (1) نظر: القاموس المحيط، مادة (غفر) . (2) نظر: القاموس المحيط، مادة (سبأ) . (3) لروض الأنف، (4/61-62) . (4) نظر: الكتاب لسبويه، تحقيق عبد السلام هارون، (1/377-378) . (5) لروض الأنف، (4/61) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 464 ويستطرد السهيلي إلى تبيان كيفية تنكير الحال بسبب التشبيه، يقول: "وهذا الذي ذكرناه من التنكير بسبب التشبيه، إنما يكون إذا شبهت الأول باسم مضاف، وكان التشبيه بصفة متعدية إلى المضاف إليه، كقوله: قيد الأوابد، أي: مقيد الأوابد، ولو قلت مررت امرأة القمر على التشبيه لم يجز، لأن الصفة التي وقع بها التشبيه غير متعدية إلى القمر، فهذا شرط في هذه المسألة، ومما يحسن فيه التنكير وهو مضاف إلى معرفة: اتفاق اللفظين، كقوله: له صوت صوت الحمار وزئير زئير الأسد، فإن قلت: فما بال الجماء الغفير، جاز فيها الحال، وليست بمضافة؟ قلنا: لم تقل العرب: جاء القوم البيضة، فيكون مثل ما قدمنا من قولك: مررت بهذا القمر، وإنما قالوا الجماء الغفير بالصفة الجامعة بينها، وبين ما هي حال منه، وتلك الصفة: الجم، وهو الاستواء، والغفر، وهي التغطية، فمعنى الكلام: جاؤوا جيئة مستوية لهم، موعبة لجمعهم، فقوي معنى التشبيه بهذا الوصف، فدخل التنكير لذلك، وحسن النصب على الحال، وهي حال من المجيء" (1) . وأشار السهيلي مرة أخرى إلى أحكام الحال، مكررا بعض ما سبق، وعارضا للخلاف بين الخليل وسيبويه في مسألة تنكير الحال ووصفها، ومؤيدا لمذهب الخليل في هذه القضية، فقال تعقيبا على قول عباس بن مرداس: (2) فإن يهدوا إلى الإسلام يلقوا ... ... أنوف الناس ماسمر السمير "أنوف الناس: انتصب على الحال، لأنه نكرة لم يعرف بالإضافة، لأنه لم يرد الأنوف بأعيانها، ولكن أشرافا، وهذا كقوله: * بمنجرد قيد الأوابد *   (1) لروض الأنف، (4/61) . (2) لسيرة النبوية لابن هشام، (4/128) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 465 لأنه جعله كالقيد، ومثل هذا ما ذكرناه من قبل في نصب: (غمائم الأبصار) وليس هذا من باب ما منعه سيبويه حين قال معترضا على الخليل: لو قلت مررت بقصير الطويل، تريد مثل الطويل لم يجز، والذي أراده الخليل هو ما ذكرناه في غير موضع من استعارة الكلمة على جهة التشبيه، نحو قيد الأوابد، وأنوف الناس، تريد أشرافهم، فمثال هذا يكون وصفا للنكرة، وحالا من المعرفة، وقد ألحق بهذا الباب: له صوت صوت الحمار، على الصفة، وضعفه سيبويه في الحال، قال: وهو في الصفة أقبح، وإنما ألحقه الخليل بما ينكر، وهو مضاف إلى معرفة من أجل تكرر اللفظ فيه، فحسن لذلك" (1) . تاسعا: القصر بواسطة ضمير الفصل أطلق السهيلي على القصر مصطلح الاختصاص، وهو مصطلح كان الشيخ عبد القاهر الجرجاني قد استخدمه قبله (2) ، وبين فائدته بالأسلوب منوها بما ذكره من قبله الشيخ عبد القاهر الجرجاني، فقال عند قوله تعالى: (إن شانئك هو الأبتر ((الكوثر: 3) : "ولم يقل إن شانئك أبتر، يتضمن اختصاصه بهذا الوصف، لأن هو في مثل هذا الموضع تعطي معنى الاختصاص، مثل أن يقول قائل: إن زيدا فاسق، فلا يكون مخصوصا بهذا الوصف دون غيره، فإذا قلت إن زيدا هو الفاسق، فمعناه هو الفاسق الذي زعمت، فدل على أن بالحضرة من يزعم غير ذلك، وهكذا قال الجرجاني (3) وغيره في تفسير هذه الآية أن هو تعطي الاختصاص" (4) . عاشرا: الإيجاز يكون الإيجاز في البلاغة على قسمين: إيجاز قصر، وهو ما ليس بحذف، ومعناه كثير يزيد على لفظه، وإيجاز بالحذف، ويكون المحذوف إما جزء من الجملة، أو جملة أو أكثر من جملة (5) .   (1) لروض الأنف، (4/142-143) . (2) نظر: كتاب دلائل الإعجاز، للجرجاني، بتحقيق محمود شاكر، ص (328) . (3) نظر: كتاب دلائل الإعجاز، ص (178) . (4) لروض الأنف، (2/145) . (5) نظر: الإيضاح في علوم البلاغة، ص (287، 291) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 466 وقد عرض السهيلي لأضرب من الإيجاز، مبتدئا بحذف الحروف التي يورث حذفها سهولة في نطق الكلمة أو الجملة، وبين جواز حذف بعض الحروف، مثل لام الجر واللام الأخرى مع ألف الوصل في كلمة (لله) ، فقال عند ذكر قول رجل من حمير: (1) * لاه من رأى مثل حسان قتيلا في سالف الأحقاب *: "وقوله: لاه من رأى مثل حسان: أراد لله، وحذف لام الجر واللام الأخرى مع ألف الوصل، وهذا حذف كثير، ولكنه جاز في هذا الاسم خاصة لكثرة دوره على الألسنة، مثل قول الفراء: (لهنك من برق علي كريم) أراد والله إنك. وقال بعضهم: أراد لأنك، وأبدل الهمزة هاء، وهذا بعيد، لأن اللام لا تجمع مع إن، إلا أن تؤخر اللام إلى الخبر، لأنهما حرفان مؤكدان، وليس انقلاب الهمزة هاء بمزيل العلة المانعة من اجتماعهما" (2) . وعرض السهيلي إلى حذف لام القسم، فقال عند قول أبي الصلت بن ربيعة الثقفي، وتروى أيضا لأمية ابن أبي الصلت: (3) حتى أتى ببني الأحرار يحملهم ... إنك عمري قد أسرعت قلقالا قال السهيلي: (4) "وقوله عمري: أراد لعمري، وقد قال الطائي: عمري لقد نصح الزمان وإنه ... ... لمن العجائب ناصح لا يشفق " وبين السهيلي الحذف في كلمة أيش، وأصل هذه الكلمة، فقال: "تقول فلان أيش هو وابن أيش، ومعناه أي شيء؟! أي: شيء عظيم، فكأنه أراد من آل قحطان، ومن المهاجرين الذين يقال فيهم مثل هذا، كما تقول: هم وما هم؟ وزيد وما زيد؟ وأي شيء زيد، وأيش في معنى أي شيء، كما يقال ويْلُُمِّه، في معنى ويل أمه على الحذف لكثرة الاستعمال" (5) . وأشار السهيلي إلى حذف المنادى مع بقاء حرف النداء، وذلك عند قول زيد بن عمرو: (6) فقلت له يااذهب وهارون فادعوا ... إلى الله فرعون الذي كان طاغيا   (1) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/43) . (2) لروض الأنف، (1/43) . (3) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/85) . (4) لروض الأنف، (1/85) . (5) لمصدر السابق، (1/241) . (6) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/259) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 467 قال: "ألا يا اذهب على حذف المنادى، كأنه قال: ألا يا هذا اذهب، كما قرئ: (ألا يا اسجدوا ((النمل: 25) ، يريد: يا قوم اسجدوا (1) . وكما قال غيلان: (2) * ألا يا اسلمي يا دار ميٍٍّ على البلى *" (3) . وبين فائدة حذف المفعول به لما فيه من الإبهام، وذلك في قوله تعالى: (فاصدع بما تؤمر ((الحجر: 94) ، فقال: "والمعنى: اصدع بالذي تؤمر به، ولكنه لما عدي الفعل إلى الهاء حسن حذفها، وكان الحذف ههنا أحسن من ذكرها، لأن ما فيها من الإبهام أكثر مما تقتضيه الذي، وقولهم: (ما) مع الفعل بتأويل المصدر، راجع إلى معنى الذي إذا تأملته، وذلك أن (الذي) تصلح في كل موضع تصلح فيه (ما) ، التي يسمونها المصدرية، نحو قول الشاعر: (4) عسى الأيام أن يرجع ... ن (يوما) كالذي كانوا أي كما كانوا، فقول الله إذا: (فاصدع بما تؤمر) إما أن يكون معناه: بالذي تؤمر به من التبليغ ونحوه، وإما أن يكون معناه: اصدع بالأمر الذي تؤمره، كما تقول: عجبت من الضرب الذي تضربه، فتكون ما ههنا عبارة عن الأمر الذي هو أمر الله تعالى، ولا يكون للباء فيه دخول، ولا تقدير، وعلى الوجه الأول: تكون ما مع صلتها عبارة عما هو فعل للنبي صلى الله عليه وسلم، والأظهر أنها مع صلتها عبارة عن الأمر الذي هو قول الله ووحيه، بدليل حذف الهاء الراجعة إلى: ما، وإن كانت بمعنى الذي في الوجهين جميعا، إلا أنك إذا أردت معنى الأمر، لم تحذف إلا الهاء وحدها، وإذا أردت معنى المأمور به، حذفت باء وهاء، فحذف واحد أيسر من حذفين، مع أن صدعه وبيانه إذا علقته بأمر الله ووحيه كان حقيقة، وإذا علقته بالفعل الذي أمر به كان مجازا، وإذا صرحت بلفظ الذي لم يكن حذفها بذلك الحسن" (5)   (1) نظر: تفسير الكشاف للزمخشري، (3/361-362) . (2) نظر: شرح ابن عقيل، (1/266) . (3) لروض الأنف، (1/260) . (4) لبيت ل: الفند الزماني، انظر:: شرح ابن عقيل (1/614) . وفيه (قوما) . (5) لروض الأنف، (2/5-6) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 468 ويستطرد السهيلي إلى ذكر آيات من القرآن حذف فيها المفعول به، مبينا فائدة الحذف لما فيه من الإبهام، ومنوها بإضافاته النحوية، فيقول: "وتأمله في القرآن تجده، كذلك نحو قوله تعالى: (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ((البقرة: 33) ، (ويعلم ما تسرون وما تعلنون ((التغابن: 4) ، (لما خلقت بيدي) (ص: 75) ، و (لا أعبد ما تعبدون ((الكافرون: 2) ، ولم يقل: خلقته، وحذف الهاء في ذلك كله، وقال في الذي: (الذين آتيناهم الكتاب ((البقرة: 121) ، (الذي جعلناه للناس سواء ((الحج: 25) وما أشبه ذلك، وإنما كان الحذف مع ما أحسن لما قدمناه من إبهامها، فالذي فيها من الإبهام قربها من (ما) التي هي شرط لفظا ومعنى، ألا ترى أن (ما) إذا كانت شرطا تقول فيها: ما تصنع أصنع مثله، ولا تقول ما تصنعه، لأن الفعل قد عمل فيها، فلما ضارعتها هذه التي هي موصولة، وهي بمعنى الذي، أجريت في حذف الهاء مجراها في أكثر الكلام، وهذه التفرقة في عود الضمير على (ما) ، وعلى (الذي) يشهد لها التنزيل، والقياس الذي ذكرناه من الإبهام، ومع هذا لم نر أحدا نبه على هذه التفرقة، ولا أشار إليها، وقارئ القرآن محتاج إلى هذه التفرقة" (1) .   (1) لروض الأنف، (2/6) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 469 ويشير السهيلي إلى ما يفيده حذف ضمير المفعول من إيجاز، منبها في الوقت ذاته إلى أن الحذف يحسن مع بعض الأدوات دون بعضها الآخر، وفي حال تعدي الفعل إلى مفعولين يكون ذكر الضمير أفضل من حذفه لدفع التوهم من أن الفعل واقع على مفعول واحد، يقول: "وقد يحسن حذف الضمير العائد على الذي، لأنه أوجز، ولكنه ليس كحسنه مع من وما، ففي التنزيل: (والنور الذي أنزلنا ((التغابن: 8) فإن كان الفعل متعديا إلى اثنين، كان إبراز الضمير أحسن من حذفه، لئلا يتوهم أن الفعل واقع على المفعول الواحد، وأنه مقتصر عليه، كقوله تعالى: (والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء ((الحج: 25) (الذين آتيناهم الكتاب ((البقرة: 121) " (1) . وأشار السهيلي إلى كثرة حذف جواب إذا في القرآن الكريم، فقال عند تفسير سورة النصر: "إنما قال: (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ((النصر: 3) ، فهذا أمر لنبيه عليه [الصلاة و] السلام بالاستعداد للقاء ربه تعالى، والتوبة إليه، ومعناها الرجوع عما كان بسبيله مما أرسل به من إظهار الدين، إذ قد فرغ من ذلك، وتم مراده فيه، فصار جواب إذا من قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ((النصر: 1-2) محذوفا، وكثيرا ما يجيء في القرآن الجواب محذوفا، والتقدير: إذا جاء نصر الله والفتح، فقد انقضى الأمر، ودنا الأجل، وحان اللقاء، (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا (" (2) .   (1) لروض الأنف، (2/6) . (2) لروض الأنف، (4/202) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 470 كما عرض السهيلي إلى باب حذف الجملة الواقعة بعد خلت وظننت، فقال: "وذكر في حديث عمر، وقوله للرجل: أكنت كاهنا في الجاهلية؟ فقال الرجل: سبحان الله! يا أمير المؤمنين لقد خلت فيَّ، واستقبلتني بأمر ما أراك استقبلت به أحدا منذ وليت، وذكر الحديث، وقوله: خلت فيَّ، هو من باب حذف الجملة الواقعة بعد خلت وظننت، كقولهم في المثل: (من يسمع يَخل) (1) ، ولا يجوز حذف أحد المفعولين مع بقاء الآخر، لأن حكمهما حكم الابتداء والخبر، فإذا حذفت الجملة كلها جاز، لأن حكمهما حكم المفعول، والمفعول قد يجوز حذفه، ولكن لا بد من قرينة تدل على المراد، ففي قولهم من يسمع يخل، دليل يدل على المفعول، وهو يسمع، وفي قوله: خلت فيّ دليل أيضا، وهو قوله فيَّ، كأنه قال: خلت الشر في، أو نحو هذا" (2) . وأشار إلى حذف الجملة في الكلام، فقال عند قوله تعالى: (أرأيت الذي ينهى، عبدا إذا صلى ((العلق: 9-10) ، مشيرا إلى ما في كل من: (أرأيت (، و (لنسفعا (من حذف: " قال محمد ابن يزيد: في الكلام حذف، تقديره (أرأيت الذي ينهى، عبدا إذا صلى) ، أمصيب هو أم مخطئ، وكذلك في قوله: (أرأيت إن كان على الهدى ((العلق: 11) كأنه قال: أليس من ينهاه بضال؟ وقوله: (لنسفعا بالناصية ((العلق: 15) أي لنأخذن بها إلى النار" (3) .   (1) نظر: مجمع الأمثال للميداني، (2/300) . (2) لروض الأنف، (1/243) . (3) لروض الأنف، (2/51) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 471 وأشار السهيلي أيضا إلى كثرة الحذف وفائدته في بعض صيغ التعبير التي تفيد التعجب، فقال: "ما رأيت عطرا كاليوم: معناه عند سيبويه ما رأيت كعطر أراه اليوم عطرا، قال العرب: لم أر كاليوم رجلا، أي كرجل أراه اليوم رجلا، فحذف ما دخلت عليه الكاف، وحذف الفعل، وهو أرى، وفاعله ومفعوله، وهذا حذف كثير، لا سيما وقد يقال: ما رأيت كاليوم، ولا تذكر بعده شيئا إذا تعجبت، فدل على أنهم لم يحذفوا هذا الحذف الكثير، ولكنهم أوقعوا التعجب على اليوم، لأن الأيام تأتي بالأعاجيب، والعرب تذمها وتمدحها في نظمها ونثرها" (1) .   (1) لمصدر السابق، (3/146) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 472 كما ذكر بعض الأحاديث من جوامع الكلم التي خص بها النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تندرج ضمن إيجاز القصر لما فيها من قصر العبارة وسعة المعنى، حيث قال السهيلي: "وفي غزوة أوطاس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الآن حمي الوطيس) (1) ، وذلك حين استمرت الحرب، وهي من الكلم التي لم يسبق إليها صلى الله عليه وسلم، فمنها هذه: ومنها: (مات حتف أنفه) (2) ، قالها في فضل من مات في سبيل الله، في حديث رواه عنه عبد الله بن عتيك، قال ابن عتيك: وما سمعت هذه الكلمة – يعني حتف أنفه – من أحد العرب قبله صلى الله عليه وسلم، ومنها: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) (3) ، قالها لأبي عزة الجمحي يوم أحد، وقد مضى حديثه، ومنها: (لا ينتطح فيها عنزان) (4) ، وسيأتي سببهما. ومنها قوله عليه [الصلاة و] السلام: (يا خيل الله اركبي) (5) ، قالها يوم حنين أيضا في حديث أخرجه مسلم" (6) .   (1) ي مسلم انه قالها يوم حنين، ولفظه: (هذا حين حمي الوطيس) انظر: مشكاة المصابيح، (3/1646) . (2) واه البيهقي عن عبد الله بن عتيك، انظر: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، للشامي، تحقيق د. مصطفى عبد الواحد، ص (133) . ومجمع الأمثال، للميداني، (2/266) وهو فيه بلا نسبة. (3) تفق عليه عن أبي هريرة، وفيه (جحر واحد) ، انظر: مشكاة المصابيح، (3/1404) . (4) لحديث بلا عزو في: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ص (134) . وهو أيضا في مجمع الأمثال للميداني، (2/225) بلا عزو. (5) واه أبو داود، انظر: باب النداء عند النفير: يا خيل الله اركبي، والحديث فيه عن سمرة بن جندب، وفيه: (أما بعد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سمى خيلنا خيل الله إذا فزعنا … ) . انظر: سنن أبي داود (3/55) . (6) لروض الأنف، (4/138) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 473 ورأى أن النبي عليه الصلاة والسلام نسيج وحده في البلاغة، وهو أجل من أن يخلط مع غيره من الفصحاء، مستدركا بذلك على الجاحظ الذي صحف كلمة نقلها عن يونس بن حبيب بشأن فصاحة عثمان البتي، فنسبها الجاحظ إلى النبي عليه الصلاة والسلام، يقول السهيلي: "وقال الجاحظ في كتاب البيان عن يونس بن حبيب: (لم يبلغنا من روائع الكلم ما بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم) (1) ، وغلط في هذا الحديث، ونسب إلى التصحيف، وإنما قال القائل: ما بلغنا عن البتي، يريد عثمان البتي، فصحفه الجاحظ (2) ، قالوا والنبي صلى الله عليه وسلم أجل من أن يخلط مع غيره من الفصحاء، حتى يقال ما بلغنا عنه من الفصاحة أكثر من الذي بلغنا عن غيره، كلامه أجل من ذلك وأعلى، صلوات الله عليه وسلامه" (3) . المبحث الثاني: مسائل علم البيان أولا: التشبيه عرض السهيلي بعض أمور التشبيه، من ذلك كلمة مثل، فهي عنده ترادف كلمة تشبيه، وتأتي بمعنى المثل (الاستعارة التمثيلية) ، حيث قال عند قوله صلى الله عليه وسلم: (الأنصار كرشي وعيبتي) (4) : "فضرب العيبة مثلا لموضع السر، وما يعتد به من ودهم، والكرش وعاء يصنع من كرش البعير، يجعل فيه ما يطبخ من اللحم، يقال: ما وجدت لهذه البضعة فاكرش، أي إن الكرش قد امتلأ، فلم يسعها فمه، ويضرب أيضا هذا مثلا، كما قال الحجاج: ما وجدت إلى دم فلان فاكرش" (5) . كما تعرض للكاف من أدوات التشبيه، وبين أنها قد تقحم لتأكيد التشبيه، وربما كان إقحامها معيبا كما في قول الراجز: (6) * فصيروا مثل كعصف مأكول *   (1) لبيان والتبيين، بتحقيق عبد السلام هارون، (2/18) . (2) نظر الاستدراكات على البيان والتبيين، بتحقيق عبد السلام هارون، (4/394) . (3) ض الأنف، (4/138-139) . (4) واه البخاري، ولفظه: (أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي) . انظر: مشكاة المصابيح، (3/1752) . (5) لروض الأنف، (4/36) . (6) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/75) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 474 قال السهيلي: "إن الكاف تكون حرف جر، وتكون اسما بمعنى مثل، ويدلك على أنها حرف: وقوعها صلة للذي، لأنك تقول: رأيت الذي كزيد، ولو قلت: الذي مثل زيد، لم يحسن، وبذلك تكون اسما … وإذا دخلت على مثل، كقوله تعالى: (ليس كمثله شيء ((الشورى:11) فهي إذا حرف، إذ لا يستقيم أن يقال: مثل مثله، وكذلك هي حرف في بيت رؤبة، (مثل كعصف) لكنها مقحمة لتأكيد التشبيه، كما أقحموا اللام من قوله: (يا بؤس للحرب) ، ولا يجوز أن يقحم حرف من حروف الجر سوى اللام، والكاف، أما اللام فلأنها تعطي بنفسها معنى الإضافة، فلم تغير معناها، وكذلك الكاف تعطي معنى التشبيه، فأقحمت لتأكيد معنى المماثلة، غير أن دخول مثل عليها كما في بيت رؤبة قبيح، ودخولها على مثل كما في القرآن أحسن شيء، لأنها حرف جر، تعمل في الاسم، والاسم لا يعمل فيها، فلا يتقدم عليها، إلا أن يقتحمها كما أقحمت اللام" (1) . ويبين السهيلي السر في بعض أساليب التشبيهات الدقيقة الغامضة، كما في قول عبد الله ابن قيس الرقيات في قصة الفيل: (2) واستهلت عليهم الطير بالجن ... دل حتى كأنه مرجوم يقول: "وقوله: (حتى كأنه مرجوم) وهو قد رجم، فكيف شبهه بالمرجوم وهو مرجوم بالحجارة؟ وهل يجوز أن يقال في مقتول: كأنه مقتول؟ فنقول: لما ذكر استهلال الطير، وجعلها كالسحاب يستهل بالمطر، والمطر ليس برجم، وإنما الرجم بالأكف ونحوها، شبهه بالمرجوم الذي يرجمه الآدميون، أو من يعقل ويتعمد الرجم من عدو أو نحوه، فعند ذلك يكون المقتول بالحجارة مرجوما على الحقيقة، ولما لم يكن جيش الحبشة كذلك، وإنما أمطروا بحجارة، فمن ثم قال: كأنه مرجوم" (3) . ويبرز السهيلي وجه الشبه والغرض من التشبيه لدى بعض الشعراء، كما في قول شاعر من العرب: (4) لقد أنكحت أسماء رأس بُقيرة ... ... من الأدْم أهداها امرؤ من بني غنم   (1) لروض الأنف، (1/75) . (2) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/81) . (3) لروض الأنف، (1/81) . (4) لمصدر السابق، (1/106) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 475 رأى قدعا في عينها إذ يسوقها ... إلى غبْغب العزى فوسع في القسم (1) يقول: "معنى هذا البيت: الذم، وتشبيه هذا المهجو برأس بقرة قد قربت أن يذهب بصرها، فلا تصلح إلا للذبح والقسم" (2) . وربما شرح السهيلي التشبيه شرحا لغويا بلا تحليل، كما في قول تميم بن أبي مقبل: (3) فيه من الأخرج المِرباع قرقرة ... هدر الدّيافِيِّ وسط الهجمة البُخرُ قال: "يصف في هذا البيت حمار وحش يقول: فيه من الأخرج، وهو: الظليم الذي فيه بياض وسواد، أي فيه منه قرقرة، أي صوت، وهدر مثل هدر الديافي، أي: الفحل المنسوب إلى دياف، بلد بالشام، والهجمة من الإبل: دون المائة" (4) . وقد تكرر هذا الصنيع من السهيلي في مواضع متعددة منها عند قول الجعدي: (5) كأن الغبار الذي غادرت ... ... ضحيا دواخن من تنضب حيث قال السهيلي: "شبه الغبار بدخان التنضب لبياضه" (6) . وكذلك عند قول عباس بن مرداس: *والأجربان: بنو عبس وذبيان* حيث قال: "سماهما بالأجربين، تشبيها بالأجرب الذي لا يقرب" (7) . وأيضا عند قول مطرود بن كعب الخزاعي: (8) يبكين شخصا طويل الباع ذا فَجَر ... آبي الهضيمة فراج الجليلات حيث قال: "وقوله طويل الباع ذا فجر: الفجر: الجود، شبه بانفجار الماء" (9) . وهو هنا يطلق على الاستعارة مصطلح التشبيه، لأن التشبيه أساس الاستعارة وعليه تقوم كما ذكر الشيخ عبد القاهر حيث قال: "والتشبيه كالأصل في الاستعارة، وهي شبيهة بالفرع له، أو صورة مقتضبة من صوره" (10) .   (1) لقدع: ضعف البصر من إدمان النظر، الغبغب: المنحر ومراق الدم. (2) لروض الأنف، (1/107) . (3) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/113) . (4) لروض الأنف، (1/113) . (5) لمصدر السابق، (2/227) . (6) لمصدر السابق، (2/227) . (7) لمصدر السابق، (4/140) . (8) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/164) . (9) لروض الأنف، (1/165) . (10) سرار البلاغة، تحقيق هـ. ريتر، ص (28) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 476 وتكرر منه إطلاق مصطلح التشبيه على الاستعارة التصريحية، كما في تفسيره لقوله تعالى: (أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ((الزخرف: 40) ، قال: "أي إن الله هو الذي يهدي ويوفق ويوصل الموعظة إلى آذان القلوب، لا أنت، وجعل الكفار أمواتا وصما على جهة التشبيه بالأموات وبالصم، فالله هو الذي يسمعهم على الحقيقة، إذا شاء، لا نبيه ولا أحد" (1) . ويقول السهيلي أيضا في موضع آخر: "قوله عليه [الصلاة و] السلام: (أين لكع؟) يعني الحسن أو الحسين ممازحا لهما، فإن قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولا يقول إلا حقا، فكيف يقول أين لكع وقد سماه سيدا في حديث آخر؟ فالجواب أنه أراد التشبيه باللكع الذي هو الفلو أو المهر، لأنه طفل، كما أن الفلو والمهر كذلك، وإذا قصد بالكلام قصد التشبيه لم يكن كذبا، ونحو قوله عليه [الصلاة و] السلام: (لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس في الدنيا لكع بن لكع) (2) واللكع في اللغة: وسخ الغرلة (3) ، وهو أيضا الفلو الصغير" (4) . وهذه استعارة تصريحية أطلق عليها مصطلح التشبيه.   (1) لروض الأنف، (3/62) . (2) واه الترمذي والبيهقي عن حذيفة، انظر: مشكاة المصابيح، (3/1474) . (3) لغُرْلَة: القُلْفَة، والأغرل: الأقلف. انظر: القاموس المحيط، مادة (غرل) . (4) لروض الأنف، (3/177) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 477 ويصحح السهيلي ماوقع في بعض الروايات من تصحيف، ربما غير معنى التشبيه، ويختار ما هو مناسب للمعنى، يقول: "وذكر ابن إسحاق أيضا أنهم أفضوا إلى قواعد البيت، وإذا هي خضر كالأسنمة، وليست هذه رواية السيرة، إنما الصحيح في الكتاب: كالأسنة، وهو وهم من بعض النقلة عن ابن إسحاق، والله أعلم، فإنه لا يوجد في غير هذا الكتاب بهذا اللفظ لا عند الواقدي ولا غيره، وقد ذكر البخاري في بنيان الكعبة هذا الخبر، فقال فيه عن يزيد بن رومان: (فنظرت إليها، فإذا هي كأسنمة الإبل) (1) ، وتشبيهها بالأسنة لا يشبه إلا في الزرقة، وتشبيهها بأسنمة الإبل أولى، لعظمها، ولما تقدم في حديث بنيان الملائكة لها قبل هذا" (2) . ثانيا: المجاز يساوي السهيلي بين كلمة مجاز واتساع، ويشير إلى كثرة استعمال العرب للمجاز والاتساع فيقول: في التفريق بين لفظ الروح والنفس: "اضطربت المذاهب … ومجازات العرف واتساعاتها في الكلام كثيرة" (3) والاستعارة عنده من المجاز، ولذلك يطلق عليها مصطلح المجاز، يقول: "وقوله: * حذوناها من الصوان سبتا * أي حذوناها نعالا من حديد، جعله سبتا لها مجازا". (4) ويتعرض السهيلي لحجية المجاز في اللغة عند قوله تعالى: (وبلغت القلوب الحناجر ((الأحزاب: 10) ، يقول: "والقلب لا ينتقل من موضعه، ولو انتقل إلى الحنجرة لمات صاحبه، والله سبحانه لا يقول إلا الحق، ففي هذا دليل على أن التكلم بالمجاز على جهة المبالغة، فهو حق إذا فهم المخاطب عنك" (5)   (1) حيح البخاري، تحقيق د. مصطفى ديب البغا، (2/574) الحديث رقم (1509) . ولفظه: (وقد رأيت أساس إبراهيم، حجارة كأسنمة الإبل) . (2) لروض الأنف، (1/229) . (3) لمصدر السابق، (2/62) . (4) لمصدر السابق، (4/79) . (5) لروض الأنف، (3/285) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 478 ويضيف السهيلي مثالا آخر للمجاز، "وهذا كقوله تعالى: (يريد أن ينقض فأقامه) (الكهف: 77) أي مثله كمثل من يريد أن يفعل الفعل ويهم به، فهو من مجاز التشبيه، وكذلك هؤلاء مثلهم فيما بلغهم من الخوف والوهن وضيق الصدر كمثل المنخلع قلبه من موضعه، وقيل هو على حذف المضاف، وتقديره: بلغ وجيف القلوب الحناجر" (1) ، وهذا المثال من الاستعارة المكنية التبعية، وأطلق عليه مجاز التشبيه لأن التشبيه أساس الاستعارة كما سبق، والتشبيه عند ابن الأثير نوع من المجاز (2) وينكر المجاز في آية أخرى مشابهة، لأنها وصف لأهوال القيامة، والقيامة لها أحوالها الخاصة بها على كل حال، يقول: "وأما قوله: (إذ القلوب لدى الحناجر ((غافر: 18) فلا معنى لحمله على المجاز، لأنه في صفة هول القيامة، والأمر فيه أشد مما تقدم، وقد قال في أخرى: (لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ((إبراهيم: 43) أي قد فارق القلب الفؤاد، وبقي فارغا هواء" (3) . وهذه إضافة تحتسب له هنا، صحيح أن القرآن جاء على لسان العرب، ولكن هنالك أمورا تناولها في عالم الغيب لها سماتها الخاصة بها، فلا ينبغي أن تخضع لمنطق اللغة دائما، لأن اللغة محكومة في دلالالتها الحسية والبيئية عند من نطقوا بها، وما وراء الغيب يتجاوز معطيات هذه الدلالات، ولذلك قال ابن عباس: "لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء" (4) المجاز العقلي: ... لم يشر السهيلي إلى المجاز العقلي صراحة، ولكنه عرض تحليل بعض علاقاته، كالمفعولية حيث قال: "وقوله: فراضية المعيشة طلقتها أي المعيشة المرضية، وبناها على فاعلة، لأن أهلها راضون (5) ، لأنها في معنى صالحة" (6)   (1) لروض الأنف، (3/285) . (2) نظر: كتاب الطراز للعلوي، (1/265) . (3) لروض الأنف، (3/285) . (4) ختصر تفسير ابن كثير، للصابوني، (1/44) . (5) نظر: الإيضاح في علوم البلاغة، ص (98) . (6) لروض الأنف، (4/79) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 479 .. وعرض تحليل العلاقة المفعولية مرة أخرى، والعلاقة الفاعلية، فقال: "وفيه أن قريشا خرجت ومعها العوذ المطافيل، العوذ: جمع عائذ، وهي الناقة التي معها ولدها، يريد أنهم خرجوا بذوات الألبان من الإبل، ليتزودوا ألبانها ولا يرجعوا، حتى يناجزوا محمدا وأصحابه في زعمهم، وإنما قيل للناقة عائذ، وإن كان الولد هو الذي يعوذ بها، لأنها عاطف عليه، كما قالوا تجارة رابحة وإن كانت مربوحا فيها، لأنها في معنى نامية وزاكية، وكذلك (عيشة راضية ((القارعة: 7) لأنها في معنى صالحة، ومن نحو هذا قوله تعالى: (والهدي معكوفا ((الفتح: 25) وإن كان عاكفا، لأنه محبوس في المعنى، فتحول وزنه في اللفظ إلى وزن ما هو في معناه، كما قالوا في المرأة: تهراق الدماء، وقياسه تهريق الدماء، ولكنه في معنى تستحاض، فحول إلى وزن ما لم يسم فاعله، وبقيت الدماء منصوبة على المفعول كما كانت" (1) . وعرض نموذجا آخر لعلاقة الفاعلية، نافيا أن يكون فيه مجاز كما ذكر المفسرون، فقال: "وذكر قوله الله سبحانه خبرا عنهم: (جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ((الإسراء: 45) قال بعضهم: مستور بمعنى ساتر (2) ، كما قال: (وكان وعده مأتيا ((مريم: 61) أي آتيا (3) ، والصحيح أن مستورا هما على بابه، لأنه حجاب على القلب، فهو لا يرى" (4) . المجاز المرسل لم يذكر السهيلي الاصطلاح البلاغي، ولكنه عرض تحليل بعض علاقاته، مثل تسمية الشيء باسم حامله (5) ، قال: "وقوله: نهوض الروايا: هي الإبل تحمل الماء، واحدتها راوية، والأسقية أيضا يقال لها روايا" (6) .   (1) لروض الأنف، (4/33) . (2) نظر: تفسير الكشاف للزمخشري، (2/670) . ومختصر تفسير ابن كثير، للصابوني، (2/380) . (3) نظر: تفسير الكشاف، (3/27) . ومختصر تفسير ابن كثير، (2/459) . (4) لروض الأنف، (2/76) . (5) نظر: كتاب التبيان للطيبي، بتحقيق د. هادي عطية الهلالي، ص (225) . (6) لروض الأنف، (2/26) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 480 .. وعرض ما يسمى بالعلاقة المحلية وهي أن يذكر المحل ويراد الحال (1) ، فقال: "والنادي والندى والمنتدى بمعنى واحد، وهو مجلس القوم الذي يتنادون إليه، وقال أهل التفسير فيه أقوالا متقاربة، قال بعضهم: فليدع حيه، وقال بعضهم: عشيرته، وقال بعضهم: مجلسه" (2) . وأشار إلى التعبير بالجزء عن الكل (3) ، وذلك عند قول مطرود بن كعب الخزاعي: (4) ميت بردمان وميت بسل ... مان وميت بين غزات قال السهيلي: "قوله: (وميت بين غزات) هي غزة، ولكنهم يجعلون لكل ناحية أو لكل ربض من البلدة اسم البلدة، يقولون غزات في غزة، ويقولون في بغدان: بغادين، كما قال بعض المحدثين: شربنا في بغادين ... ... على تلك الميادين ولهذا نظائر ستمر في الكتاب إن شاء الله، ومن هذا الباب حكمهم للبعض بحكم الكل، كما سموه باسمه، نحو قولهم: شرقت صدر القناة من الدم، وذهبت بعض أصابعه، وتواضعت سور المدينة، وقد تركبت على هذا الأصل مسألة من الفقه: قال الفقهاء أو أكثرهم: من حلف ألا يأكل هذا الرغيف، فأكل بعضه، فقد حنث، فقد حكموا للبعض بحكم الكل، وأطلقوا عليه اسمه". (5) الاستعارة تقوم الاستعارة على التشبيه، وقد أشار السهيلي إلى ذلك عندما عرض لقول خالد بن حِق الشيباني يذكر قتل كسرى على يد ابنه شيرويه: (6) تمخضت المنون له بيوم ... ... أنى ولكل حاملة تمام (7) حيث علق عليه بقوله: "وإن كان أراد بالمنون المنية: فبعيد أن يقال: تمخضت المنون له بهذا اليوم الذي مات فيه، فإن موته منيته، فكيف تتمخض المنية بالمنية، إلا أن يريد أسبابها، وما مُني له، أي قُدر من وقتها، فتصح الاستعارة حينئذ، ويستقيم التشبيه" (8) .   (1) نظر: كتاب التبيان، ص (225) . (2) لروض الأنف، (2/51) . (3) نظر: الإيضاح في علوم البلاغة، ص (399) . (4) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/162) . (5) لروض الأنف، (1/163) . (6) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/88) . (7) نى: حان. (8) لروض الأنف، (1/89) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 481 فهو هنا يوضح أن الاستعارة قائمة على التشبيه، وهذه استعارة تبعية مكنية، حيث شبه المنون بالمرأة التي يأتيها المخاض، والسهيلي لم يحلل الاستعارة كعادته، وإنما يكتفي بذكر المصطلح غالبا. وربما اكتفى السهيلي بذكر مصطلح التشبيه دون الاستعارة أحيانا، كما في قوله: "قيل لمن روى علما أو شعرا: راوية، تشبيها بالمزادة أو الدابة التي يحمل عليها الماء، وليس من باب علامة ونسابة" (1) . وهذه استعارة تصريحية كما هو معلوم، وقد اكتفى بذكر مصطلح التشبيه عندها. وقد أشار السهيلي إلى مصطلح الاستعارة مرات عديدة على الإجمال من دون ذكر تقسيمات الاستعارة المعروفة في كتب البلاغة، من ذلك قوله عند ذكر شعر معبد الخزاعي وفيه: ((2) * إذا تغطمطت البطحاء بالخيل * قال معقبا عليه: "لفظ مستعار من الغطمة، وهو غليان القدر". (3) وقال في شرح قول كعب بن مالك: (4) * إنا بنو الحرب نمريها وننتجها * :"مستعار من مريت الناقة، إذا استدررت لبنها، ونتجتها إذا استخرجت منها ولدا" (5) وفي تعليقه على ما أنشد ثعلب: (6) *قمنا فآنسنا الحمول والحدج* قال: "وفي العين: الحدج: حسك القطب مادام رطبا (7) ، فيكون الحدج في البيت مستعارا من هذا، أي لها حسك" (8) وفي تعليقه على قوله تعالى: (فضربنا على آذانهم) (الكهف: 11) قال: "أي أنمانهم، وإنما قيل في النائم ضرب على أذنه، لأن النائم ينتبه من جهة السمع، والضرب هنا مستعار من ضرب القفل على الباب" (9) .   (1) لروض الأنف، (2/145) . (2) لمصدر السابق، (3/180) . (3) لمصدر السابق، (3/180) . (4) لمصدر السابق، (3/218) . (5) لمصدر السابق، (3/218) . (6) لمصدر السابق، (2/128) . (7) ي القاموس المحيط، مادة (حدج) : (الحَدَج: الحنظل، وحمل البطيخ مادام رطبا، وحسك القطب الرطب) . (8) لروض الأنف، (2/129) . (9) لروض الأنف، (2/54-55) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 482 وربما علل السهيلي أسباب اللجوء إلى الاستعارة وفائدتها كما في تعقيبه على قول أبي الصلت بن ربيعة الثقفي، وتروى أيضا لأمية بن أبي الصلت: (1) يرمون عن شُدف كأنها غبط ... ... بزمخر يُعجل المرميَ إعجالا (2) قال: "الشدَف: الشخص، ويجمع على شُدُف، ولم يرد ههنا إلا القسي، وليس شدُف جمعا لشدَف، وإنما هو جمع شدوف، وهو النشيط المرح، يقال: شدف فهو شدف ثم تقول شدوف، كما تقول: مروح، وقد يستعار المرح والنشاط للقسي لحسن تأتيها وجودة رميها وإصابتها" (3) . وقد يستطرد السهيلي في موضع واحد إلى ذكر بعض الاستعارات المماثلة في الكلمة الواحدة، فيذكر أكثر من استعارة وقعت في كلام البلغاء، إذا دعت المناسبة إلى ذلك، ويضم النظير إلى نظيره، وهذا ما صنعه عند ذكر قول زيد بن عمرو: (4) دُعموص أبواب الملو ... ... ك وجائب للخرق بابه حيث قال عقبه: "وقوله: دعموص أبواب الملوك: يريد ولاجا في أبواب الملوك، وأصل الدعموص: سمكة صغيرة كحية الماء، فاستعاره هنا، وكذلك جاء في حديث أبي هريرة يرفعه: (صغاركم دعاميص الجنة) (5) وكما استعارت عائشة العصفور حين نظرت إلى طفل صغير قد مات، فقالت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوءا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك؟ إن الله خلق الجنة، وخلق لها أهلا، وخلق النار وخلق لها أهلا) (6) أخرجه مسلم" (7) .   (1) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/84) . (2) لزمخر: القسي أو النبل، والغبط: الهوادج. (3) لروض الأنف، (1/85) . (4) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/260-261) . (5) واه مسلم وأحمد بلفظ: [صغارهم] ، انظر: مشكاة المصابيح، (3/1754) . (6) فظ الحديث: (أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم) . انظر: مشكاة المصابيح، (1/31) . (7) لروض الأنف، (1/261) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 483 وربما استدرك السهيلي على ابن هشام إغفاله للتحليل البياني للقرآن الكريم، كما ورد عند قوله تعالى: (فاصدع بما تؤمر) (الحجر: 94) قال ابن هشام: "فاصدع فرق بين الحق والباطل" (1) . وعقب السهيلي بقوله: "وشرح ابن هشام معنى قوله: اصدع شرحا صحيحا، وتتمته أنه صدع على جهة البيان، وتشبيه لظلمة الشك والجهل بظلمة الليل، والقرآن نور، فصدع به تلك الظلمة، ومنه سمي الفجر صديعا، لأنه يصدع ظلمة الليل، وقال الشماخ: ترى السرحان مفترشا يديه ... ... كأن بياض لبته صديع على هذا تأوله أكثر أهل المعاني" (2) . والصدع هنا استعارة من صدع الزجاجة (3) ، ولم يصرح بها السهيلي، واكتفى بقوله: "وتشبيه لظلمة الشك والجهل بظلمة الليل، والقرآن نور" وهو ما يفيد معنى الاستعارة، لأن أصل الاستعارة هو التشبيه. ويحقق السهيلي في احتمالات الرواية للأشعار، مبينا الفروق البيانية بينها، كما فعل عند قول أبي طالب في مدح قومه: (4) ونحمي حماها كل يوم كريهة ... ... ونضرب عن أحجارها من يرومها قال السهيلي: "ونضرب عن أحجارها من يرومها: أي ندفع عن حصونها ومعاقلها، وإن كانت الرواية أجحارها بتقديم الجيم فهو جمع جحر، والجحر هنا مستعار، وإنما يريد عن بيوتها ومساكنها" (5) ويصحح السهيلي اشتقاق بعض الكلمات، ويرد بعضها إلى الاستعارة كما في كلمة الملاحة، يقول: "وأما معنى الملاحة، فذهب قوم إلى أنها من الملحة، وهي البياض، تقول العرب: عنب ملاحي، والصحيح في معنى المليح، أنه مستعار من قولهم: طعام مليح: إذ كان فيه من الملح بقدر ما يصلحه" (6) . الاستعارة التمثلية   (1) لسيرة النبوية لابن هشام، (2/3) . (2) لروض الأنف، (2/6) . (3) نظر: تلخيص البيان في مجازات القرآن، للشريف الرضي، ص (138) ، وتفسير الكشاف للزمخشري، (2/590) . (4) لسيرة النبوية لابن هشام، (2/10) . (5) لروض الأنف، (2/11) . (6) لمصدر السابق، (4/18) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 484 لم يعرض لها السهيلي باسمها، وإنما ذكر كثيرا من الأمثلة التي تندرج تحت الاستعارة التمثيلية (1) ، من ذلك ما ذكره عند قول حسان: (2) ولا تك كالشاة التي كان حتفها ... بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا قال: "تقوله العرب في مثل قديم فيمن أثار على نفسه شرا كالباحث عن المدية، وأنشد أبو عثمان ابن بحر: (3) وكان يجير الناس من سيف مالك ... فأصبح يبغي نفسه من يجيرها وكان كعنز السوء قامت بظلفها ... إلى مدية تحت التراب تثيرها" (4) وكذلك سرد كثير من الأمثال، مثل يسار الكواعب وقصته (5) ، حيث يقال: "لاقى الذي لاقى يسار الكواعب"، وكذلك ذكر التمثيل بالنعامة، فقال: "والعرب تقول: أشرد من نعامة، وأنفر من نعامة" (6) ، ونحو ذلك من الأمثال الشائعة في اللغة. ثالثا: الكناية أشار السهيلي إلى الكناية عن الموصوف عند ذكر قول البراء بن معرور للنبي عليه الصلاة والسلام: (نبايعك على أن نمنعك مما نمنع منه أزرنا، أراد نساءنا) ، وقال: "والعرب تكني عن المرأة بالإزار، وتكني أيضا بالإزار عن النفس، وتجعل الثوب عبارة عن لابسه كما قال: رموها بأثواب خفاف فلا ترى ... لها شبها إلا النعام المنفرا أي بأبدان خفاف، فقوله: مما نمنع أزرنا يحتمل الوجهين جميعا" (7) . وفي السياق ذاته ينقل السهيلي قولا آخر وقع فيه لفظ الإزار كناية عن الأهل عند أبي علي الفارسي، بينما ذهب ابن قتيبة إلى أنه كناية عن النفس، ويرجح السهيلي ما ذهب إليه ابن قتيبة، معتمدا على التحليل النحوي للسياق، وعلى البيت الذي يلي الشاهد المذكور، يقول: "وقد قال الفارسي في قول الرجل الذي كتب إلى عمر من الغزو يذكره بأهله:   (1) ندرج الأمثال تحت الاستعارة التمثيلية، انظر: الإيضاح في علوم البلاغة، ص (442) . (2) لروض الأنف، (2/205) . (3) نظر: البيان والتبيين للجاحظ، (3/259) . (4) لروض الأنف، (2/205) . (5) لمصدر السابق، (3/69) . (6) لمصدر السابق، (3/132) . (7) لمصدر السابق، (2/202) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 485 ألا أبلغ أبا حفص رسولا ... فدى لك من أخي ثقة إزاري قال: الإزار: كناية عن الأهل، وهو في موضع نصب بالإغراء، أي: احفظ إزاري، وقال ابن قتيبة: الإزار في هذا البيت كناية عن نفسه، ومعناه: فدى لك نفسي، وهذا القول هو المرضي في العربية، والذي قاله الفارسي بعيد عن الصواب، لأن أضمر المبتدأ، وأضمر الفعل الناصب للإزار، ولا دليل عليه لبعده عنه، وبعد البيت ما يدل على صحة القول المختار، وهو: قلائصنا هداك الله مهلا ... شغلنا عنكم زمن الحصار فنصب قلائصنا بالإضمار الذي جعله الفارسي ناصبا للإزار" (1) . وتحدث عن التعريض وهو من أقسام الكناية عند علماء البلاغة (2) ، مبينا سبب استعماله في الكلام، وذلك في حديثه عن قول النبي عليه الصلاة والسلام عند دفن ابنته رقية رضي الله عنها: (أيكم لم يقارف الليلة أهله؟) (3) ، قال السهيلي: "سكت عثمان، ولم يقل أنا، لأنه كان قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه، ولم يشغله الهم بالمصيبة، وانقطاع صهره من النبي صلى الله عليه وسلم عن المقارفة فحرم بذلك ما كان حقا له، وكان أولى به من أبي طلحة وغيره، وهذا بين في معنى الحديث، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد كان علم ذلك بالوحي، فلم يقل له شيئا، لأنه فعل فعلا حلالا، غير أن المصيبة لم تبلغ منه مبلغا يشغله حتى حرم ما حرم من ذلك بتعريض غير تصريح والله أعلم" (4) . المبحث الثالث: مسائل علم البديع عرض السهيلي بعض مسائل البديع، ومنها: أولا: الطباق   (1) لمصدر السابق، (2/202) . (2) نظر: الإيضاح في علوم البلاغة، ص (466) . (3) واه البخاري، ولفظه: (هل فيكم من أحد لم يقارف أهله الليلة) انظر: مشكاة المصابيح، (1/537) . (4) لروض الأنف، (3/128) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 486 عرض له السهيلي عند قوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر ((الكوثر: 1-3) ، فقال مبينا لفائدة الطباق: "قوبل تعييره للنبي صلى الله عليه وسلم بالبتر بما هو ضده من الكوثر، فإن الكثرة تضاد معنى القلة، ولو قال في جواب اللعين: إنا أعطيناك الحوض الذي من صفته كذا وكذا، لم يكن ردا عليه ولا مشاكلا لجوابه، ولكن جاء باسم يتضمن الخير الكثير، والعدد الجم الغفير المضاد لمعنى البتر، وأن ذلك في الدنيا والآخرة بسبب الحوض المورود الذي أعطاه، فلا يختص لفظ الكوثر بالحوض، بل يجمع هذا المعنى كله، ويشتمل عليه، ولذلك كانت آنيته كعدد النجوم، ويقال هذه الصفة في الدنيا: علماء الأمة من أصحابه ومن بعدهم" (1) . ويلاحظ هنا استخدم تعبير قوبل الذي يدل على التضاد، دون أن يذكر مصطلح الطباق. ثانيا: الاستخدام أشار السهيلي إلى معنى الاشتراك عند قول حسان: (2) ديار من بني الحسحاس قفر ... ... تعفيها الروامس والسماء فقال موضحا إن السماء لفظ مشترك: "وقوله الروامس والسماء يعني الرياح والمطر، والسماء لفظ مشترك يقع على المطر، وعلى السماء التي هي السقف، ولم يعلم ذلك من هذا البيت ونحوه، ولا من قوله: (3) إذا سقط السماء بأرض قوم ... ... رعيناه وإن كانوا غضابا لأنه يحتمل أن يريد مطر السماء، فحذف المضاف، ولكن إنما عرفناه من قولهم في جمعه: سمى، وهم يقولون في جمع السماء: سماوات وأسمية، فعلمنا أنه اسم مشترك" (4) . فقد أشار السهيلي هنا إلى مضمون الاستخدام الذي يقوم على الاشتراك، دون أن يفصل في ذلك، ودون استخدام المصطلح البلاغي، وشاهد الاستخدام في البيت الثاني الذي ساقه. ثالثا: المشاكلة   (1) لروض الأنف، (2/145) . (2) لسيرة النبوية لابن هشام، (4/106) . (3) لبيت لجرير وهو من شواهد الاستخدام في كتاب الإيضاح في علوم البلاغة، ص (502) . (4) لروض الأنف، (4/116-117) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 487 عرضها السهيلي كثيرا، وهو مرة يطلق عليها مصطلح المجاز، يقول: "وفي التنزيل خبرا عن نوح: (إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ((هود: 38) ولم يقل نستهزئ بكم كما تستهزئون، لأن الاستهزاء ليس من فعل الأنبياء، إنما هو من فعل الجاهلين، كما قدمنا من قول موسى عليه السلام، فالنبي يسخر، أي: يعجب من كفر من يسخر به، ومن سخر عقولهم، فإن قلت: فقد قال الله تعالى: (الله يستهزئ بهم ((البقرة: 15) ، قلنا العرب تسمي الجزاء على الفعل باسم الفعل، كما قال الله تعالى: (نسوا الله فنسيهم ((التوبة: 67) فذلك مجاز حسن … ويحسن في حكم البلاغة وضع واحدة مكان أخرى" (1) .   (1) لروض الأنف، (2/147) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 488 وفي موضع آخر يطلق مصطلح المشاكلة كما فعل عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب) (1) ، حيث فسر هذا الحديث بناء على المشاكلة تفسيرا بديعا يطابق فيه بين الجزاء في الآخرة المترتب على العمل الصالح في الدنيا، حيث يكون الجزاء من جنس العمل، يقول: "لذكر البيت ههنا بهذا اللفظ ولقوله: ببيت، ولم يقل: بقصر، معنى لائق بصورة الحال، وذلك أنها كانت ربة بيت إسلام، لم يكن على ظهر الأرض بيت إسلام إلا بيتها حين آمنت، وأيضا: فإنها أول من بنى بيتا في الإسلام بتزويجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبتها فيه، وجزاء الفعل يذكر بلفظ الفعل، وإن كان أشرف منه (2) ، لما جاء: (من كسا مسلما على عُري كساه الله من حلل الجنة، ومن سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق) (3) ومن هذا الباب قوله عليه [الصلاة و] السلام: (من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة) (4) لم يرد مثله في كونه مسجدا، ولا في صفته، ولكن قابل البنيان بالبنيان، كما بنى يبنى له، كما قابل الكسوة بالكسوة، والسقيا بالسقيا، فهاهنا وقعت المماثلة لا في ذات المبنيِّ أو المكسو، وإذا ثبت هذا، فمن هاهنا اقتضت الفصاحة أن يعبر عما بشرت به بلفظ البيت، وإن كان فيه ما لا عين رأته، ولا أذن سمعته، ولا خطر على قلب بشر، ومن تسمية   (1) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/277) . والحديث في الصحيحين، انظر: انظر: مشكاة المصابيح، (3/1743) . (2) ذه الصورة الثانية من صور المشاكلة، حيث لا يشترط تقدم لفظ المشاكلة دائما وتكراره مرتين إذا وجدت قرينة حالية تدل عليه. انظر: الإيضاح في علوم البلاغة، ص (495) . (3) لحديث في سنن أبي داود (2/314) . وأخرجه الترمذي وأحمد أيضا. (4) حيح، وورد بألفاظ مختلفة، وقد رواه أحمد والبيهقي والترمذي وابن ماجة، انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير، للمناوي، (6/96) . ونحوه في شرح السنة، انظر: مشكاة المصابيح، (2/1011) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 489 الجزاء على الفعل بالفعل في عكس ما ذكرناه قوله تعالى: (نسوا الله فنسيهم ((التوبة:167) ، (ومكروا ومكر الله ((آل عمران: 54) " (1) . ويضيف السهيلي موضحا للمشاكلة في بقية ألفاظ الحديث النبوي، فيقول: "أما قوله (لا صخب فيه ولا نصب) ، فإنه أيضا من باب ما كنا بسبيله، لأنه عليه [الصلاة و] السلام دعاها إلى الإيمان فأجابته عفوا، لم تحوجه إلى أن يصخب كما يصخب البعل إذا تعصت عليه حليلته، ولا أن ينصب، بل أزالت عنه كل نصب، وآنسته من كل وحشة، وهونت عليه كل مكروه، وأراحته بمالها من كل كد ونصب، فوصف منزلها الذي بشرت به بالصفة المقابلة لفعالها وصورته" (2) . ويبين السهيلي سبب استخدام كلمة قصب في وصف بيت خديجة بالجنة دون غيرها من الوصاف، كاللؤلؤ مثلا، وذلك مراعاة للمشاكلة في نيلها قصب السبق إلى الإيمان، فيقول: "وأما قوله (من قصب) ، ولم يقل من لؤلؤ، وإن كان المعنى واحدا، ولكن في اختصاصه هذا اللفظ من المشاكلة المذكورة والمقابلة بلفظ الجزاء للفظ العمل، أنها رضي الله عنها كانت قد أحرزت قصب السبق إلى الإيمان دون غيرها من الرجال والنسوان، والعرب تسمي السابق محرزا للقصب، قال الشاعر: مشى ابن الزبير القهقرى وتقدمت ... أمية حتى أحرزوا القصبات فاقتضت البلاغة أن يعبر بالعبارة المشاكلة لعملها في جميع ألفاظ الحديث، فتأمله" (3) . ويلاحظ هنا أن السهيلي استخدم مصطلح المشاكلة، وبرع في بيان تأثيرها في الكلام. رابعا: المبالغة عرض لها السهيلي، وبين أنها ليست من قبيل الكذب، بل هي للتعظيم والتهويل، وذلك عند ذكر قول كعب بن مالك يرثي جعفرا: (4) فتغير القمر المنير لفقده ... والشمس قد كسفت وكادت تأفل   (1) لروض الأنف، (1/278-279) . (2) لمصدر السابق، (1/279) . (3) لروض الأنف، (1/279) . (4) لمصدر السابق، (4/83) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 490 فقال: "قوله حق، لأنه كان عنى بالقمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله قمرا ثم جعله شمسا، فقد كان تغير بالحزن لفقد جعفر، وإن كان أراد القمر نفسه، فمعنى الكلام ومغزاه حق أيضا، لأن المفهوم منه تعظيم الحزن والمصاب، وإذا فهم مغزى الشاعر في كلامه، والمبالغ في الشيء فليس بكذب، ألا ترى إلى قوله عليه [الصلاة و] السلام: (أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه) (1) ، وكذلك قالوا في مثل قول الشاعر: إذا ما غضبنا غضبة مضرية ... ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما قال: إنما أراد فعلنا فعلة شنيعة عظيمة، فضرب المثل بهتك حجاب الشمس، وفهم مقصده، فلم يكن كذبا، وإنما الكذب أن يقول فعلنا، وهم لم يفعلوا، وقتلنا وهم لم يقتلوا" (2) . خامسا: الاقتباس أشار إليه السهيلي وهو يذكر قول عبد الله بن الزبعرى في قصة الفيل: (3) تنكلوا عن بطن مكة إنها ... كانت قديما لا ينال حريمها لم تخلق الشعرى غداة حرمت ... إذ لا عزيز من الأنام يرومها   (1) لحديث في سنن أبي داود، (2/712-713) . ورواه النسائي والدارمي والطبراني أيضا. (2) لروض الأنف، (4/83) . (3) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/77) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 491 فقال: "إن كان ابن الزبعرى قال هذا في الإسلام، فهو منتزع من قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم مكة، ولم يحرمها الناس) (1) ، ومن قوله في حديث آخر: (إن الله حرمها يوم خلق السموات والأرض) (2) ، والتربة خلقت قبل خلق الكواكب (3) ، وإن كان ابن الزبعرى قال هذا في الجاهلية، فإنما أخذه والله أعلم من الكتاب الذي وجدوه في الحجر بالخط المسند حين بنوا الكعبة، وفيه: (أنا الله رب مكة خلقتها يوم خلقت السماوات والأرض) (4) الحديث" (5) . ... وعرض له مرة أخرى عند ذكر قول أحمد بن جحش لأبي سفيان: (6) دار ابن عمك بعتها ... ... تقضي بها عنك الغرامة اذهب بها اذهب بها ... ... طوقتها طوق الحمامة فقال منوها بالاقتباس، ومشيدا بما في البيت من استعارة: " ... وقوله لأبي سفيان: (طوقتها طوق الحمامة) منتزع من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غصب شبرا من أرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين) (7) وقال: (طوق الحمامة) لأن طوقها لا يفارقها، ولا تلقيه عن نفسها أبدا، كما يفعل من لبس طوقا من الآدميين، ففي هذا البيت من السماتة وحلاوة الإشارة وملاحة الاستعارة ما لا مزيد عليه" (8) .   (1) ن حديث متفق عليه عن أبي شريح العدوي، انظر: مشكاة المصابيح، (2/832-833) . (2) ن حديث متفق عليه عن ابن عباس، انظر: مشكاة المصابيح، (2/830) . (3) شير إلى حديث رواه مسلم عن أبي هريرة، وفيه: (خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد … ) انظر نص الحديث في مشكاة المصابيح، (3/1597) . (4) لخبر في البداية والنهاية لابن كثير، (2/302) . ولم يعلق عليه. (5) لروض الأنف، (1/79) . (6) لمصدر السابق، (2/249) . (7) لحديث في مسند أحمد ولفظه: (أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله عز وجل أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع أرضين، ثم يطوقه إلى يوم القيامة حتى يقضي الناس) . انظر: مشكاة المصابيح، (2/892) . (8) لروض الأنف، (2/249) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 492 ومعلوم أن طوق الحمامة هنا تشبيه بليغ وليس استعارة، مما يعني تسامح السهيلي في استعمال المصطلحات البلاغية، ولا يكون التشبيه البليغ مجازا إلا على مذهب ابن الأثير كما سبق ذكر ذلك. المبحث الرابع: البلاغة القرآنية وإعجاز القرآن الكريم من الطبيعي أن يعرض السهيلي لبعض القضايا الجمالية التي تتعلق بالنظم القرآني طالما أنه يتناول السيرة النبوية وما نزل من القرآن في أحداثها، من ذلك ما ذكره في حديثه عن سورة الكهف، وما في مطلعها من براعة الاستهلال الذي يقتضي الابتداء بالحمد بهذه السورة، يقول: "وذكر افتتاح الرب سبحانه بحمد نفسه، وذكر نبوة نبيه، حمده لنفسه تعالى خبر باطنه الأمر والتعليم لعبده كيف يحمده، إذ لولا ذلك لاقتضت الحال الوقوف عن تسميته، والعبارات عن جلاله، لقصور كل عبارة عما هنالك من الجلال، وأوصاف الكمال، ولما كان الحمد واجبا على العبد، قدم في هذه الآية ليقترن في اللفظ بالحمد الذي هو واجب عليه، وليستشعر العبد وجوب وجوب الحمد عليه" (1) . وإذا كان السياق هنا يقتضي البدء بالحمد، ففي سورة الفرقان يقتضي البدء بذكر الفرقان أن يفتتح السورة بتبارك، وهنا يظهر إعجاز القرآن وبراعة أسلوبه، حيث يلتئم فيه اللفظ مع المعنى في وحدة بديعة، ونظام باهر، يقول السهيلي: "وفي سورة الفرقان قال: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ((الفرقان: 1) وبدأ بذكر الفرقان الذي هو الكتاب المبارك، قال الله سبحانه: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك ((الأنعام: 92) فلما افتتح السورة بتبارك الذي، بدأ بذكر الفرقان، وهو الكتاب المبارك، ثم قال: (على عبده (، فانظر إلى تقديم ذكر عبده على الكتاب، وتقديم ذكر الكتاب عليه في سورة الفرقان، وما في ذلك من تشاكل اللفظ والتئام الكلام، تر الإعجاز باهرا، والحكمة باهرة، والبرهان واضحا" (2) .   (1) لمصدر السابق، (2/53-54) . (2) لروض الأنف، (2/53-54) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 493 ويعرض السهيلي إلى ما في أسلوب القرآن الكريم من الأدب والملاطفة مع النبي عليه الصلاة والسلام، حيث لم يخاطبه باسمه الصريح في سورة المدثر، وإنما خاطبه باسم مشتق من الحالة التي هو فيها تأنيسا له عليه الصلاة والسلام، واتباعا لسنن العرب في كلامها، يقول السهيلي: "سبب تلقيبه بالمدثر: وذكر ابن إسحاق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دثروني دثروني) (1) ، فأنزل الله تعالى: (يا أيها المدثر، قم فأنذر ((المدثر: 1-2) قال بعض أهل العلم: في تسميته المدثر في هذا المقام ملاطفة وتأنيس، ومن عادة العرب إذا قصدت الملاطفة أن تسمي المخاطب باسم مشتق من الحالة التي هو فيها، كقوله عليه [الصلاة و] السلام: (قم يا نومان) (2) ، وقوله لعلي بن أبي طالب وقد ترب جبينه: (قم أبا تراب) (3) ، فلو ناداه سبحانه وهو في تلك الحال من الكرب باسمه، أو بالأمر المجرد من هذه الملاطفة لهاله ذلك، ولكن لما بدئ: بيا أيها المدثر أنس، وعلم أن ربه راض عنه، ألا تراه كيف قال عندما لقي من أهل الطائف من شدة البلاء والكرب ما لقي: (رب إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي) (4) إلى آخر الدعاء، فكان مطلوبه رضاء ربه، وبه كانت تهون عليه الشدائد" (5) .   (1) لحديث متفق عليه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، انظر: مشكاة المصابيح، (3/1628) . (2) واه مسلم عن حذيفة، انظر: صحيح مسلم بشرح النووي، تحقيق خليل مأمون شيحا، باب غزوة الأحزاب، (12/357) . (3) نظر: المعجم الكبير، للطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، (6/202-203) الحديث رقم (6001) . وقد رواه سهل بن سعد، وفي خاتمته: (قال سهل: فوالله إن كان لأحب أسمائه إليه) ، وانظر أيضا: تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص (155) . (4) لخبر في البداية والنهاية لابن كثير، (3/136) . ولم يعلق عليه. (5) لروض الأنف، (2/48) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 494 ويعرض السهيلي إلى فائدة الإطناب في مثل قوله تعالى: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ((الكهف: 18) ، فيقول مجيبا على تساؤل مفترض: "فما في ذكر الكلب وبسط ذراعيه من الفائدة؟ وما فيه من معنى اللطف بهم؟ فالجواب ما قدمناه من أن الله سبحانه لم يترك من بيان حالهم شيئا، حتى ذكر حال كلبهم، مع أن تأملهم متعذر على من اطلع عليهم من أجل الرعب، فكيف من لم يرهم ولا سمع بهم، لولا الوحي الذي جاءه من الله سبحانه بالبيان الواضح الشافي، والبرهان الكافي" (1) . ويدفع فكرة الترادف بين لفظ السنة والعام، مبينا أن بينهما فرقا، يقول: "والسنة والعام وإن اتسعت العرب فيهما، واستعملت كل واحد منهما مكان الآخر اتساعا، ولكن بينهما في حكم البلاغة والعلم بتنزيل الكلام فرقا" (2) . وقد دفعه إلى هذا التفريق قوله تعالى: (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ((الكهف: 25) ، فأراد أن يبين الحكمة في قوله (وازدادوا تسعا (فقال: "وحساب العجم إنما هو بالسنين الشمسية، بها يؤرخون، وأصحاب الكهف من أمة أعجمية، والنصارى يعرفون حديثهم، ويؤرخون به، فجاء اللفظ في القرآن بذكر السنين الموافقة لحسابهم، وتمم الفائدة بقوله: (وازدادوا تسعا) ليوافق حساب العرب، فإن حسابهم بالشهور القمرية" (3) . وفي سبيل تأكيد الفرق بين لفظي السنة والعام ذهب السهيلي إلى أن السنة قد يعبر بها عن الشدة والأزمة كما في قوله تعالى: (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ((الأعراف: 130) والعام أقل من السنة، ولذلك قال تعالى: (وبلغ أربعين سنة ((الأحقاف: 15) ، يقول: "فإنما ذكر السنين وهي أطول من الأعوام لأنه مخبر عن اكتهال الإنسان، وتمام قوته واستوائه، فلفظ السنين أولى بهذا الموطن، لأنها أكمل من الأعوام" (4) .   (1) لروض الأنف، (2/55) . (2) لمصدر السابق، (2/57) . (3) لروض الأنف، (2/58) . (4) لروض الأنف، (2/58) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 495 وهكذا نجد أن السهيلي مغرى بإثبات النكات البيانية في كتاب الله، وإرشاد العقول إليها، فلا لفظ في كتاب الله إلا وله فائدة لا يؤديها سواه، ولا إطناب إلا لفائدة، وهذا هو سبيل معرفة إعجاز القرآن، يقول: "إن العلم بتنزيل الكلام، ووضع الألفاظ في مواضعها اللائقة بها يفتح لك بابا من العلم بإعجاز القرآن، وابن هذا الأصل تعرف المعنى في قوله تعالى: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ((المعارج: 4) وقوله تعالى: (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ((الحج: 47) وأنه كلام ورد في معرض التكثير والتفخيم، لطول ذلك اليوم، والسنة أطول من العام كما تقدم، فلفظها أليق في هذا المقام" (1) . ويشير السهيلي إلى احتراز الآيات القرآنية عن نسبة ما لا يليق بكمال الله عز وجل، يقول في تعقيبه على إحدى الآيات: "قال: (ليذهب عنكم الرجس ((الأحزاب: 33) ولم يقل يذهب به، وكذلك قال: (ويذهب عنكم رجز الشيطان ((الأنفال: 11) تعليما لعباده حسن الأدب معه، حتى لا يضاف إلى القدوس سبحانه لفظا ومعنى شيء من الأرجاس، وإن كانت خلقا له وملكا، فلا يقال هي بيده على الخصوص، تحسينا للعبارة وتنزيها له، وفي مثل النور والسمع والبصر يحسن أن يقال هي بيده، فحسن على هذا أن يقال: ذهب به (2) " (3) .   (1) لروض الأنف، (2/59) . (2) ريد قول الله تعالى في سورة البقرة، الآية (17) : {ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون} . (3) لروض الأنف، (2/148) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 496 ويطابق السهيلي بين ما ورد في الكتاب والسنة من ألفاظ، دافعا لأي تعارض فيما بينهما، فمثلا ورد في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كره اسم يثرب، وسماها طيبة والمدينة (1) ، بيد أن هذا الاسم ورد في القرآن، مما دفع السهيلي لافتراض التساؤل التالي: "فإن قلت: كيف كره اسما ذكرها الله في القرآن به، وهو المقتدي بكتاب الله، وأهل أن لا يعدل عن تسمية الله؟ قلنا إن الله سبحانه إنما ذكرها بهذا الاسم حاكيا عن المنافقين إذ قالت طائفة منهم: (يا أهل يثرب لا مقام لكم ((الأحزاب: 13) فنبهه بما حكى عنهم أنهم قد رغبوا عن اسم سماها الله به ورسوله، وأبوا إلا ما كانوا عليه في جاهليتهم، والله سبحانه قد سماها المدينة، فقال غير حاك عن أحد: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب ((التوبة: 120) " (2) . والخلاصة في هذا الموضوع أنه يرى تلاؤم اللفظ والمعنى في الكتاب والسنة، وهذا هو سر البلاغة وتمامها، يقول: "وقد تنزلت الألفاظ منازلها في الحديث والقرآن، وذلك معنى الفصاحة وسر البلاغة" (3) .   (1) نظر: مشكاة المصابيح، (2/837) ، الحديث رقم: (2737 و 2738) . (2) لروض الأنف، (2/251) . (3) لمصدر السابق، (2/64) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 497 وهو بهذا الرأي يوافق منهج الشيخ عبد القاهر الجرجاني الذي يرى العلاقة التلازمية بين اللفظ والمعنى، أو ما عبر عنه بنظرية النظم، وهي "أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله" (1) ، ولا بد للنظم البليغ من أن ترتب الألفاظ في النص وفقا للمعاني التي في النفس، المنتظمة فيها على قضية العقل (2) ، فإذا تم التلاؤم بين اللفظ والمعنى تبعا لترتيبها في النفس، ووفقا لقواعد النحو العربي، فتلك هي مقاييس البلاغة الإنسانية، والقرآن جاء بأحسن ترتيب وأقوم معنى، وأفضل لفظ، وتلك رتبة في البلاغة ليست بمقدور بشر، وذلك هو الإعجاز.   (1) تاب دلائل الإعجاز، للجرجاني، بتحقيق محمود شاكر، ص (81) . (2) نظر: أسرار البلاغة، بتحقيق هـ. ريتر، ص (4) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 498 ويشير السهيلي إلى ترابط النظم القرآني، معتمدا على نص من الحديث النبوي الذي يتكامل مع الآيات القرآنية في تحديد إطار الصورة التي تحدد مهمته عليه الصلاة والسلام، فيقول: "فإن قيل كيف ينتظم (يا أيها المدثر ((المدثر: 1) مع قوله (قم فأنذر ((المدثر: 2) ، وما الرابط بين المعنيين حتى يلتئما في قانون البلاغة؟ ويتشاكلا في حكم الفصاحة؟ قلنا من صفته عليه [الصلاة و] السلام ما وصف به نفسه حين قال: (أنا النذير العريان) (1) وهو مثل معروف عند العرب، يقال لمن أنذر بقرب العدو وبالغ في الإنذار: هو النذير العريان، وذلك أن النذير جاد يجرد ثوبه، ويشير به، إذا خاف أن يسبق العدو صوته، وقد قيل إن أصل المثل لرجل من خثعم، سلبه العدو ثوبه، وقطعوا يده، فانطلق إلى قومه نذيرا على تلك الحال، فقوله عليه [الصلاة و] السلام: (أنا النذير العريان) أي مثلي مثل ذلك، والتدثر بالثياب مضاد للتعري، فكان في قوله: (يا أيها المدثر (مع قوله: (قم فأنذر (والنذير الجاد يسمى العريان، تشاكل بين، والتئام بديع، وسماقة في المعنى، وجزالة في اللفظ" (2) . وينوه أخيرا بالإعجاز الذي في كتاب الله، والذي مرده إلى نظم القرآن الكريم، وما فيه من سمو الكلام وجمال الاستعارة، فيقول: "وعرفوا من سماقة الكلام، وملاحة الاستعارة أنه معجز، فلم يتعاطوا له معارضة، ولا توهموا فيه مناقضة" (3) . المبحث الخامس: قضايا نقدية عامة عرض السهيلي لموضوعات نقدية كثيرة في كتابه، من ذلك: أولا: الموازنة بين الشعراء الموازنة بين الشعراء، ومعرفة مدى تقدم الواحد منهم على غيره، أو تقصيره دونه، أمر يعتبر من صميم عمل الناقد الأدبي، وقد مارس السهيلي في كتابه هذا اللون من النقد، فقد وازن بين قول حسان: (4)   (1) ن حديث متفق عليه عن أبي موسى، انظر: مشكاة المصابيح، (1/53) . (2) لروض الأنف، (2/48) . (3) لمصدر السابق، (2/179) . (4) لمصدر السابق، (4/82) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 499 بهاليل منهم جعفر وابن أمه ... ... علي ومنهم أحمد المتخير وبين قول أبي نواس في نفس المعنى، فقال: "البهاليل: جمع بهلول، وهو الوضيء الوجه مع الطول، وقوله: [منهم أحمد المتخير] : فدعا به بعض الناس لما أضاف أحمد المتخير إليهم، وليس بعيب، لأنها ليست بإضافة تعريف، وإنما هو تشريف لهم حيث كان منهم، وإنما ظهر العيب في قول أبي نواس: كيف لا يدنيك من أمل ... ... من رسول الله من نفره لأنه ذكر واحدا، وأضاف إليه، فصار بمنزلة ما عيب على الأعشى: شتان ما يومي على كورها ... ... ويوم حيان أخي جابر وكان حيان أسن من جابر، وأشرف، فغضب على الأعشى، حيث عرفه بجابر، واعتذر إليه من أجل الروي، فلم يقبل عذره، ووجدت في رسالة المهلهل بن يموت بن المزرع، قال: قال علي بن الأصفر (1) : وكان من رواة أبي نواس، قال: لما عمل أبو نواس: * أيها المنتاب عن عفره * أنشدنيها، فلما بلغ قوله: كيف لا يدنيك من أمل ... ... من رسول الله من نفره وقع لي أنه كلام مستهجن في غير موضعه، إذ كان حق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضاف إليه، ولا يضاف إلى أحد، فقلت له: أعرفت عيب هذا البيت؟ فقال: ما يعيبه إلا جاهل بكلام العرب، وإنما أردت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من القبيل الذي هذا الممدوح منه، أما سمعت قول حسان بن ثابت شاعر دين الإسلام: ومازال في الإسلام من آل هاشم ... دعائم عز لا تنال ومفخر بهاليل منهم جعفر وابن أمه ... علي ومنهم أحمد المتخير" (2)   (1) لخبر في الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء للمرزباني، تحقيق علي محمد البجاوي، ص (345) ، وفيه: (أبو علي بن الأصفر) . (2) لروض الأنف، (4/82) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 500 فهنا نجد السهيلي يقدم حسانا على أبي نواس، ويلتمس له العذر بإضافة أحمد المتخير إلى آل هاشم، وذكر أنها إضافة تشريف، بخلاف أبي نواس الذي عيب بما عيب به الأعشى من قبله، ولكنه مع هذا ينقل في الآخر وجهة نظر أبي نواس فيما عيب عليه من قبل راويته ذاته، ورده على الراوية من خلال استشهاده بشعر حسان، وهذا يدل على منتهى الأمانة العلمية عند السهيلي، وتقديره لآراء الشعراء ضمن عملية النقد الأدبي. وفي عرضه لسورة المسد، فرق السهيلي بين لفظ الجيد والعنق، لأن الأول للحلى، والثاني للأغلال، قال: "وقوله (في جيدها) (المسد: 5) ولم يقل في عنقها، والمعروف أن يذكر العنق إذا ذكر الغل، أو الصفع، كما قال تعالى: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا) (يس: 8) ، ويذكر الجيد إذا ذكر إذا ذكر الحلى أو الحسن، فإنما حسن هاهنا ذكر الجيد في حكم البلاغة، لأنها امرأة، والنساء تحلى أجيادهن، وأم جميل لا حلى لها في الآخرة إلا الحبل المجعول في عنقها، فلما أقيم لها ذلك مقام الحلى ذكر الجيد معه، فتأمله فإنه معنى لطيف، ألا ترى إلى قول الأعشى: * يوم تبدى لنا قتيلة عن جيد * ولم يقل عن عنق، وقول الآخر: * وأحسن من عقد المليحة جيدها * ولم يقل عنقها، ولو قاله لكان غثا من الكلام، فإنما يحسن ذكر الجيد حيث قلنا، وينظر إلى هذا المعنى قوله تعالى: (فبشرهم بعذاب أليم) (آل عمران: 21) أي لا بشرى لهم إلا ذلك، وقول الشاعر: * تحية بينهم ضرب وجيع * أي: لا تحية لهم، كذلك قوله: قوله (في جيدها حبل من مسد) (المسد: 5) أي ليس ثم جيد يحلى، وإنما هو حبل المسد" (1) . وهذا الكلام كان بمثابة تمهيد لعقد موازنات بين الشعراء في هذه القضية، تبدأ من الأعشى وتنتهي بالمولدين وما أضافوه في هذا المعنى، يقول السهيلي: "وأنشد شاهدا على الجيد قول الأعشى: يوم تبدى لنا قتيلة عن جيد أسيل تزيينه الأطواق   (1) لروض الأنف، (2/113) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 1 وقوله: تزيينه أي تزيده حسنا، وهذا من القصد في الكلام، وقد أبى المولدون إلا الغلو في هذا المعنى، وأن يغلبوه، فقال في الحماسة حسين بن مطير: (1) مبللة الأطراف زانت عقودها ... بأحسن مما زينتها عقودها قال خالد القسري لعمر بن عبد العزيز: من تكن الخلافة زينته، فأنت زينتها، ومن تكن شرفته، فأنت شرفتها، وأنت كما قال مالك بن أسماء: وتزيدين أطيب الطيب طيبا ... ... إن تمسيه أين مثلك أينا وإذا الدر زان حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا فقال عمر: إن صاحبكم أعطى مقولا ولم يعط معقولا (2) " (3) . ويعلل السهيلي سبب استهجان عمر بن عبد العزيز لكلام خالد القسري: فيقول: "وإنما لم يحسن هذا من خالد، لما قصد به التملق، وإلا فقد صدر مثل هذا المعنى عن الصديق، فحسن لما عضده من التحقيق والتحري للحق، والبعد عن الملق والخلابة، وذلك حين عهد إلى عمر بالخلافة، ودفع إليه عهده مختوما، وهو لا يعرف ما فيه، فلما عرف ما فيه رجع إليه حزينا كهيئة الثكلى، يقول: حملتني عبئا لا أضطلع به، وأوردتني موردا لا أدري: كيف الصدر عنه، فقال له الصديق: ما آثرتك بها، ولكني آثرتها بك، وما قصدت مساءتك، ولكن رجوت إدخال السرور على المؤمنين بك (4) " (5) . ويتابع السهيلي مؤكدا أن الحطيئة سبك معنى كلام الصديق في نظمه، مستطردا إلى ذكر ما حصل من نقل لهذا المعنى إلى النسيب، وإلى الغلو فيه عند المتاخرين، فيقول: "ومن ههنا أخذ الحطيئة قوله: ما آثروك بها إذ قدموك لها لكن لأنفسهم كانت بها الأثر   (1) نظر: شرح ديوان الحماسة المنسوب للمعري، تحقيق د. حسين محمد نقشة، (2/676) وورد في الشطر الأول من البيت الأول: [مخصرة الأطراف] . والبيتان في الموشح للمرزباني أيضا، ص (281-282) . (2) لخبر في البيان والتبيين للجاحظ، (1/195) . (3) لروض الأنف، (2/113-114) . (4) ذا الخبر ذكره السهيلي، وبحثت عنه في مظان أخرى من كتب التاريخ ولم أجده فيها. (5) لروض الأنف، (2/114) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 2 وقد سبك هذا المعنى في النسيب عبد الله بن عباس الرومي، فقال: وأحسن من عقد المليحة جيدها ... وأحسن من سربالها المتجرد ومما هو دون الغلو وفوق التقصير، قول الرضي: حليه جيده لا ما يقلده ... ... وكحله ما بعينيه من الكحل ونحو منه ما أنشده الثعالبي: وما الحلى إلا حيلة من نقيصة ... يتمم من حسن إذا الحسن قصرا فأما إذا كان الجمال موفرا ... فحسبك لم يحتج إلى أن يزورا وسمعت القاضي أبا بكر محمد بن العربي يقول: حج أبو الفضل الجوهري الزاهد ذات مرة، فلما أشرف على الكعبة ورأى ما عليها من الديباج تمثل: ما علق الحلى على صدرها ... إلا لما يخشى من العين تقول والدر على نحرها ... من علق الشين على الزين" (1) وهذه الأمثلة التي ساقها السهيلي والموازنات التي أقامها بين الشعراء في قضية الجيد والعنق تدل على طول باعه في النقد، وعلى امتلاكه لذوق مرهف، بالإضافة إلى معرفة واسعة بتراث العرب الشعري، بيد أن ذهابه إلى أن المولدين هم الذين غلوا في المعنى الذي ساقه للأعشى من تزيين الأطواق للجيد، فعكسوا الأمر، وجعلوا الجيد يزين العقود، فهذا حكم فيه نظر، وذلك أن أصل هذا المعنى كله كما ذكر المرزباني هو قول امرئ القيس: (2) ألم ترياني كلما جئت زائرا ... ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيب والمولدون تبع لامرئ القيس في هذه المبالغة، بيد أنهم طوروا المعنى، ونقلوه من الطيب إلى الحلى، والخلافة، والنسيب، والكعبة، وغير ذلك. ثانيا: الموقف من شعر المولدين: ويعرض السهيلي لقول مطرود بن كعب الخزاعي: (3) يا عين فابكي أبا الشعث الشجيات ... يبكينه حسرا مثل البليات   (1) لمصدر السابق، (2/114) . (2) لموشح في مآخذ العلماء على الشعراء للمرزباني، تحقيق: علي محمد البجاوي، ص (204، 282) . (3) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/164) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 3 ويقول فيه: "وفيه الشعث الشجيات، فشدد ياء الشجي، وإن كان أهل اللغة قد قالوا: ياء الشجي مخففة، وياء الخلي مشددة (1) ، وقد اعترض ابن قتيبة على أبي تمام الطائي في قوله: أيا ويح الشجيِّ من الخليِّ ... وويح الدمع من إحدى بَليّ واحتج بقول يعقوب في ذلك، فقال له الطائي: ومن أفصح عندك: ابن الجرمُقانية يعقوب، أم أبو الأسود الدؤلي حيث يقول: ويل الشجيِّ من الخليِّ فإنه ... ... وَصِب الفؤاد بشجوه مغموم قال المؤلف: وبيت مطرود أقوى في الحجة من بيت أبي الأسود الدؤلي، لأنه جاهلي محكَّك، وأبو الأسود أو من صنع النحو، فشعره قريب من التوليد" (2) . هنا يظهر أن أبا تمام متأثر بأبي الأسود الدؤلي، ولكن بقي السهيلي يرى في الشعر الجاهلي المثل الأسمى للشعر العربي، واستشهد به بما يؤيد وجهة نظر أبي تمام الطائي في تشديد ياء الشجي والخلي. ثالثا: السرقات الشعرية شغلت السرقات الشعرية النقاد القدامى والمحدثين، وهي من أهم موضوعات النقد الأدبي، وتبرز قدرة الشاعر وأصالته (3) ، وقد عرض لها السهيلي، من ذلك ما ذكره عند قول أنس بن زنيم الديلي يعتذر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: (4) تعلم رسول الله أنك مدركي ... ... وأن وعيدا منك كالأخذ باليد قال: "ومعناه من أحسن المعاني، ينظر إلى قول النابغة: فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع خطاطيف حجن في جبال متينة ... تمد بها أيد إليك نوازع   (1) ن أمثال العرب: (ما يلقى الشجي من الخلي) بالتشديد على الياءين كما ورد في مجمع الأمثال للميداني، (2/273) . (2) لروض الأنف، (1/164-165) . (3) نظر: النقد المنهجي عند العرب، د. محمد مندور، ص (57) . (4) لسيرة النبوية لابن هشام، (4/107) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 4 فالقسيم الأول كالبيت الأول من قول النابغة، والقسيم الثاني كالبيت الثاني، لكنه أطبع منه وأوجز، وقول النابغة: كالليل، فيه من حسن التشبيه ما ليس في قول الديلي (1) ، إلا أنه يسمج مثل هذا التشبيه في النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه نور وهدى، فلا يشبه بالليل، وإنما حسن في قول النابغة أن يقول كالليل، ولم يقل كالصبح، لأن الليل ترهب غوائله، ويحذر من إدراكه ما لا يحذر من النهار" (2) ، هنا يظهر تفريق السهيلي بين ما يجوز في حق الملوك من الوصف، ولا يجوز بحق الأنبياء، وكأنه يشير هنا إلى ضرورة مراعاة مقتضى الحال، فما يصلح ويحسن بممدوح ما، قد لا يحسن بغيره، وهذا من القواعد المنهجية للبلاغة العربية، وهو ما ينبغي للشاعر أن يتنبه إليه في الأخذ من غيره. ويضيف السهيلي موضحا أخذ بعض شعراء الأندلس لمعنى أنس بن زنيم، فيقول: "وقد أخذ بعض الأندلسيين في هذا المعنى، فقال في هربه من ابن عباد: كأن بلاد الله وهي عريضة ... تشد بأقصاها عليّ الأناملا فأين مفر المرء عنك بنفسه ... إذا كان يطوي في يديك المراحلا" (3) ويبين السهيلي مصدر التشبيه في قول النابغة: فإنك كالليل الذي هو مدركي … فيقول: "وهذا كله معنى منتزع من القدماء، روى الطبري: أن منو شهر بن إيرج ... قال حين عقد التاج على رأسه في خطبة له طويلة: أيها الناس: إن الخلق للخالق، وإن الشكر للمنعم، وإن التسليم للقادر، وإنه لا أضعف من مخلوق طالبا أو مطلوبا، ولا أقوى من طالب طلبته في يده، ولا أعجز من مطلوب هو في يد طالبه" (4) . وذكر السهيلي قول الطائي: (5) ظبي تقنصته لما نصبت له ... ... من آخر الليل أشراكا من الحلم ثم انثنى وبنا من ذكره سقم ... ... باق وإن كان معسولا من السقم   (1) نظر: أسرار البلاغة، للجرجاني، بتحقيق هـ. ريتر، ص (232-233) . (2) لروض الأنف، (4/119) . (3) لمصدر السابق، (4/119) . (4) لمصدر السابق، (4/119) . (5) لمصدر السابق، (4/117) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 5 وعلق عليه ممتدحا له ومبينا أنه قد يكون مسترقا، يقول: "وقد أحسن في قوله: من آخر الليل، تنبيها على أنه سهر ليله كله، إلا ساعة جاء الخيال من آخره، فكأنه مسترق من قول حسان: * وخيال إذا تقوم النجوم * " (1) يلاحظ أن السهيلي لا يجزم بالسرقة، وإنما استخدم لفظ كأن، وهذا منتهى الدقة العلمية في إصدار الأحكام النقدية، والتي هي قائمة على الاستقراء والاستنباط، فهي مجرد اجتهاد لا أكثر، وهو أمر كان القاضي الجرجاني قد نبه إليه من قبل، حيث بين أن ما ذكره من سرقات المتنبي إنما كان استنادا إلى الظن لا اليقين (2) . رابعا: الموقف من الشعر   (1) لمصدر السابق، (4/117) . (2) لوساطة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، ص (160) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 6 يرى السهيلي أن الشعر كالنثر في الإباحة، وأن المذموم منه هو ما هجي به رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد تحدث عن كراهة رواية أشعار الكفرة، فقال: "لكني لا أعرض لشيء من أشعار الكفرة التي نالوا فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شعر من أسلم وتاب، كضرار وابن الزبعرى، وقد كره كثير من أهل العلم فعل ابن إسحاق في إدخاله الشعر الذي نيل فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الناس من اعتذر عنه، قال: حكاية الكفر ليس بكفر، والشعر كلام، فلا فرق بين أن يروى كلام الكفرة ومحاجتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وردهم عليه منثورا، وبين أن يروى منظوما، وقد حكى ربنا سبحانه في كتابه العزيز مقالات الأمم لأنبيائها، وما طعنوا به عليهم، فما ذكر من هذا على جهة الحكاية نظما أو نثرا، فإنما يقصد به الاعتبار بما مضى، وتذكر نعمة الله على الهدى، والإنقاذ من العمى، وقد قال عليه [الصلاة و] السلام: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خيرا له من أن يمتلئ شعرا) (1) ، وتأولته عائشة رضي الله عنها في الأشعار التي هجي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنكرت قول من حمله على العموم في جميع الشعر، وإذا قلنا بما روي عن عائشة في ذلك، فليس في الحديث إلا عيب امتلاء الجوف منه، وأما رواية اليسير منه على جهة الحكاية، أو الاستشهاد على اللغة، فلم يدخل في النهي، وقد رد أبو عبيد على من تأول الحديث في الشعر الذي هجي به الإسلام، وقال: رواية نصف بيت من ذلك الشعر حرام، فكيف يخص امتلاء الجوف منه بالذم؟ وعائشة أعلم، فإن البيت والبيتين والأبيات من تلك الأشعار على جهة الحكاية بمنزلة الكلام المنثور الذي ذموا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا فرق، وقول عائشة الذي قدمناه ذكره ابن وهب في جامعه، وعلى القول بالإباحة، فإن النفس تقذر تلك الأشعار، وتبغضها وقائليها في الله، فالإعراض عنها خير   (1) واه مسلم، وفيه: (جوف رجل) . انظر: مشكاة المصابيح، (3/1355) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 7 من الخوض فيها والتتبع لمعانيها" (1) وهذا الموقف من السهيلي يدل على رؤية نقدية واعية لدور الشعر والنثر في حياة الناس الأدبية، فلا يكره الشعر مطلقا، ولا النثر كذلك، وإنما يكره إذا كان ترويجا للحملة الجاهلية ضد الدعوة الإسلامية، ومع هذا فهو لم يقل بحرمته، لأن ناقل الكفر ليس بكافر. وعرض السهيلي بعد ذلك إلى الموقف من الرجز، وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (2) أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب وقال في التعقيب عليه: "وهو كلام موزون، وقد تقدم الكلام في مثل هذا، وأنه ليس بشعر حتى يقصد به الشعر" (3) . وفي موضع آخر عرض للرجز مرة أخرى، وبين استجازة قوله من النبي عليه الصلاة والسلام بلا قصد، لأن الرجز ليس بشعر كما سبق إذا لم يقصد به الشعر، يقول: "وقول النبي صلى الله عليه وسلم حين رآهم: (الله أكبر، خربت خيبر) (4) فيه إباحة التفاؤل، وقوة لمن استجاز الرجز" (5) . خامسا: الصدق في الشعر يقف السهيلي مع الصدق في الشعر، وكان قد عرض لقضية الصدق في الشعر في قضية تتصل بالقوافي، ثم عرج من خلالها إلى قضية تتصل بالفواصل القرآنية، وذلك عند ذكر قول لبيد بين يدي النعمان بن المنذر: (6) * نحن بني أم البنين الأربعة *   (1) لروض الأنف، (3/27) . (2) لمصدر السابق، (4/141) . والحديث في صحيح مسلم، انظر: مشكاة المصابيح، (3/1649-1650) . (3) لروض الأنف، (4/141) . (4) ن حديث متفق عليه عن أنس، انظر: مشكاة المصابيح، (2/1151) . (5) لروض الأنف، (4/58) . (6) لروض الأنف، (3/238) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 8 وقال في التعقيب عليه: " ... إنما قال: الأربعة، وهم خمسة، لأن أباه ربيعة قد كان مات قبل ذلك، لا كما قال بعض الناس: وهو قول يعزى إلى الفراء أنه قال إنما قال أربعة، ولم يقل خمسة من أجل القوافي، فيقال له: لا يجوز للشاعر أن يلحن لإقامة وزن الشعر، فكيف بأن يكذب لإقامة الوزن، وأعجب من هذا أنه استشهد به على تأويل فاسد، تأوله في قوله سبحانه: (ولمن خاف مقام ربه جنتان ((الرحمن: 46) ، وقال: أراد جنة واحدة، وجاء بلفظ التثنية لتتفق رءوس الآي، أو كلاما هذا معناه (1) ، فصمي صمام!، ما أشنع هذا الكلام!، وأبعده عن العلم!، وفهم القرآن!، وأقل هيبة قائله أن يتبوأ مقعده من النار، فحذار منه حذار، ومما يدلك أنهم كانوا أربعة، حين قال لبيد هذه المقالة، أن في الخبر ذكر يتم لبيد وصغر سنه، وأن أعمامه الأربعة استصغروه أن يدخلوه معهم على النعمان حين همهم ما قاولهم به الربيع بن زياد، فسمعهم لبيد يتحدثون بذلك، ويهتمون له، فسألهم أن يدخلوه معهم على النعمان، وزعم أنه سيفحمه، فتهاونوا بقوله، حتى أخبروه بأشياء مذكورة في الخبر، فبان بهذا كله أنهم كانوا أربعة، ولو سكت الجاهل لقل الخلاف والحمد له" (2) .وهو بهذا الموقف يتفق مع الشيخ عبد القاهر الجرجاني (3) ، الذي أكد أنه يقف مع قضية الصدق الذي ينصره العقل، حيث قال: "وما كان العقل ناصره، والتحقيق شاهده، فهو العزيز جانبه، والمنيع مناكبه" (4) . سادسا: استدراكه على النحويين   (1) ص كلام الفراء كما ورد في معاني القرآن (3/118) كالتالي: "ذكر المفسرون أنهما بستانان من بساتين الجنة، وقد يكون في العربية جنة تثنيها العرب في أشعارها … وذلك أن الشعر له قواف يقيمها الزيادة والنقصان، فيحتمل ما لا يحتمله الكلام". (2) لروض الأنف، (3/238-239) . (3) نظر: أسرار البلاغة، بتحقيق هـ. ريتر، ص (241-245) . (4) لمصدر السابق، ص (251) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 9 كثيرا ما يسوي النحويون بين الصيغ الصحيحة في الكلام، ولكن تبقى بعض الصيغ مقبولة أكثر من بعضها الآخر من الناحية البلاغية، وهو أمر لم يلق إليه النحويون بالا، مما حدا بالسهيلي أن ينبه إلى ذلك، وأن يلتفت إلى الفروق الدقيقة في التعبير بين صيغتي المصدرين: مفعل وفعل من حيث هما مفردتان، ومن حيث استخدامهما في التركيب بالجملة، ويبين أن معرفة دقائق استخدام الصيغ النحوية في التعبير الأدبي هو المدخل إلى إعجاز القرآن، وذلك حين قال تعقيبا على قول حسان: (1) * تبلت فؤادك في المنام خريدة *   (1) لروض الأنف، (3/128) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 10 "يجوز أن يكون المراد بالمنام النوم، وموضع النوم ووقت النوم … ولا فرق عند النحويين بين مفعل في هذا الباب وفعل، نحو: مضرب وضرب، ومنام ونوم، وكذلك هما في التعدية سواء، نحو: ضرب زيد عمرا، ومضرب زيد عمرا، وأما في حكم البلاغة والعلم بجوهر الكلام، فلا سواء، فإن المصدر إذا حددته قلت: ضربة ونومة، ولا يقال: مضربة ولا منامة، فهذا فرق، وفرق آخر: تقول: ما أنت إلا نوم، وإلا سير، إذا قصدت التوكيد، ولا يجوز ما أنت إلا منام وإلا مسير، ومن جهة النظر أن الميم لم تزد إلا لمعنى زائد، كالزوائد الأربع في المضارع، وعلى ما قالوه تكون زائدة لغير معنى. فإن قلت: فما ذاك المعنى الذي تعطيه الميم؟ قلنا: الحدث يتضمن زمانا ومكانا وحالا، فالمذهب عبارة عن الزمان الذي فيه الذهاب، وعن المكان أيضا، فهو يعطي معنى الحدث وشيئا زائدا عليه، وكذلك إذا أردت الحدث مقرونا بالحالة والهيئة التي يقع عليها، قال الله سبحانه: (ومن آياته منامكم بالليل والنهار ((الروم: 23) فأحال على التفكر في هذه الحالة المستمرة على البشر، ثم قال في آية أخرى: (لا تأخذه سنة ولا نوم ((البقرة: 255) ، ولم يقل منام لخلو هذا الموطن من تلك الحالة، وتعريه من ذلك المعنى الزائد في الآية الأخرى، ومن لم يعرف جوهر الكلام لم يعرف إعجاز القرآن" (1) . وفي استدراك آخر على النحاة يرى السهيلي أن كلمة الحجيج اسم للجمع وليست جمعا لحاج، لأنها على صيغة فعيل، ولو كان مفردها حاج لجاز تصغيره بالقياس على غيره مثل كلمة عبد التي هي مفرد عبيد، ويبين من خلال الكتاب العزيز صدق دعواه، ذكر ذلك تعقيبا على قول علي بن أبي طالب: "سمعت من يحدث عن عبد المطلب أن قيل له حين أمر بحفر زمزم (2) : ثم ادع بالماء الروي غير الكدر ... يسقي حجيج الله في كل مَبَر ... ... ليس يخاف منه شيء ما عمر".   (1) لروض الأنف، (3/128-129) . (2) لسيرة النبوية لابن هشام، (1/168) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 11 حيث قال: "الحجيج جمع حاج، وفي الجموع على وزن فعيل كثير كالعبيد، والبقير، والمعيز، والأبيل، وأحسبه اسما للجمع، لأنه لو كان جمعا له واحد من لفظه، لجرى على قياس واحد كسائر الجموع، وهذا يختلف واحده، فحجيج واحده حاج، وعبيد واحده عبد، وبقير واحده بقرة، ومعيز واحده ماعز، إلى غير ذلك، فجائز أن يقال إنه اسم للجمع، غير أنه موضوع للكثرة، ولذلك لا يصغر على لفظه، كما تصغر أسماء الجموع، فلا يقال في العبيد: عُبيد، ولا في النخيل: نخيل، بل يرد إلى واحده، كما ترد الجموع في التصغير، فيقال: نُخيلات وعُبيدون، وإذا قلت: نخيل أو عبيد، فهو اسم يتناول الصغير والكبير من ذلك الجنس، قال الله سبحانه: (وزرع ونخيل ((الرعد: 4) ، وقال: (وما ربك بظلام للعبيد ((فصلت: 46) ، وحين ذكر المخاطبين منهم قال: العباد، وكذلك حين ذكر المثمر من النخيل: (والنخل باسقات ((ق: 10) ، وقال: (أعجاز نخل منقعر ((القمر: 20) ، فتأمل الفرق بين الجمعين في حكم البلاغة واختيار الكلام، وأما في مذهب أهل اللغة، فلم يفرقوا هذا التفريق، ولا نبهوا على هذا الغرض الدقيق" (1) . سابعا: اللفتات الجمالية: يشير السهيلي خلال شرحه للسيرة إلى كثيرة من اللفتات الجمالية في البيان العربي، ويستطرد إلى ذكر النظائر الأسلوبية للتعابير الجمالية، ويدعو إلى تأملها، والاستمتاع بها، مما يسهم في تربية الحاسة الفنية عند الباحث والدارس على حد سواء، من ذلك ما ذكره عند قول عباس بن مرداس: (2) ما بال عينك فيها عائر سهر ... مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر قال السهيلي في التعقيب عليه: "الحماطة من ورق الشجر: ما فيه خشونة وحروشة … والعائر: كالشيء يتنخس في العين كأنه يعورها، وجعله سهرا وإنما السهر الرجل، لأنه لم يفتر عنه، فكأنه قد سهر، ولم ينم، كما قال الآخر في وصف برق:   (1) لروض الأنف، (1/171) . (2) لسيرة النبوية لابن هشام، (4/133) الجزء: 14 ¦ الصفحة: 12 حتى شئاها كليل موهنا عمل ... باتت طرابا وبات الليل لم ينم شئاها: شاقها، يقال: شاء وشاءة بمعنى واحد، أي: شاقه، وأنشد: * ولقد عهدت تشاء بالأظعان * فتأمله فإنه من بديع المعاني" (1) . ولا ريب أن في البيت الأول استعارة، حيث استعار لفظ العائر للألم الذي يؤذي العين على سبيل المبالغة، وأسند إليه السهر على طريقة المجاز العقلي، وإنما السهر صاحب العين، ثم أتبع الشاعر الشطر الأول من البيت بذكر تشبيه في الشطر الثاني يؤكد المعنى الذي ساقه في الشطر الأول، والبيت كله بما فيه من الصور الحسية تجسيد لمعاناة الشاعر قالها على سبيل التجريد، ونحو هذه المعاناة ما ورد في معاناة شاعر آخر نسب السهر والشوق إلى البرق، وإذا كان البرق مشتاقا فكيف بالإنسان الذي يرقبه؟، إنها جماليات البيان العربي، وعبقرية اللغة العربية التي يجيد فيها الشعراء التعبير عما في نفوسهم بمختلف الأساليب البليغة، والإشارة إلى ما في أساليبهم من مكنون الجمال هو لمح من العبقرية أيضا عند الناقد العربي، لذلك اكتفى السهيلي بدعوة قارئه إلى التأمل بالجمال الخالد في البديع من المعاني، بعد أن ملكه مفتاح الجمال، بدون تفصيل وتطويل، معتمدا على فطنة القارئ ولمح العبقرية في قراءة الجمال عند من يملك حسا أدبيا مرهفا من أبناء العرب. ثامنا: التضمين وهو من عيوب القوافي عند علماء العروض والنقاد (2) ، حيث تتعلق قافية البيت بالذي يليه، فلا يمكن الفصل بينهما، وقد ذكر السهيلي مصطلح التضمين، عقب قول حسان يبكي جعغر بن أبي طالب رضي الله عنه: (3) بعد ابن فاطمة المبارك جعفر ... ... خير البرية كلها وأجلها رزءا وأكرمها جميعا محتدا ... ... وأعزها متظلما وأذلها للحق حين ينوب غير تنحل ... ... كذبا وأنداها يدا وأقلها   (1) لروض الأنف، (4/146) . (2) نظر: سر الفصاحة، لابن سنان الخفاجي، ص (187) . (3) لسيرة النبوية لابن هشام، (4/76) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 13 فقال: "وذكر أبيات حسان وفي بعضها تضمين، نحو قوله: وأذلها، ثم قال في أول بيت آخر: للحق، وكذلك قال في بيت آخر: وأقلها، وقال في الذي بعده: فحشا، وهذا يسمى التضمين، وذكر قدامة في كتاب نقد الشعر أنه عيب عند الشعراء (1) ، ولعمري إن فيه مقالا، لأن آخر البيت يوقف عليه، فيوهم الذم، في مثل قوله: وأذلها، وكذلك: وأقلها، وقد غلب الزبرقان على المخبل السعدي، واسمه كعب بكلمة قالها المخبل أشعر منه، ولكنه لما قال يهجوه: وأبوك بدر كان ينتهز الخصى ... وأبي الجواد ربيعة بن قتال وصل الكلام بقوله: وأبي، وأدركه بهرأ وسعلة، فقال له الزبرقان: فلا بأس إذا، فضحك من المخبل وغلب عليه الزبرقان، وإذا كان هذا معيبا في وسط البيت، فأحرى أن يعاب في آخره، إذا كان يوهم الذم ولا يندفع ذلك الوهم إلا بالبيت الثاني، فليس هذا من التحصين على المعاني، والتوقي للاعتراض" (2)   (1) طلق قدامة على التضمين، مصطلح المبتور، وهو عنده: (أن يطول المعنى عن أن يحتمل العروض تمامه في بيت واحد، فيقطعه بالقافية ويتمه في البيت الثاني) . وقد تحدث عنه في الحديث عن عيوب ائتلاف المعنى والوزن معا، انظر: نقد الشعر، بتحقيق الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، ص (209) . (2) لروض الأنف، (4/83-84) . المصادر والمراجع أدب الكاتب لابن قتيبة، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المطبوعات العربية، بيروت. أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، تحقيق هـ. ريتر، دار المسيرة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1403هـ/1983م. الأعلام، للزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة السادسة، 1984م. الإيضاح في علوم البلاغة، للقزويني، تحقيق د. محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتاب اللبناني، الطبعة الخامسة، 1403هـ/1985م. البداية والنهاية لابن كثير، مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة الثانية، 1411هـ/1990م. البيان والتبيين، بتحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي بمصر، الطبعة الرابعة، 1395هـ/1975م. تاريخ الخلفاء، للسيوطي، دار الفكر، بيروت. تلخيص البيان في مجازات القرآن، للشريف الرضي، تحقيق د. علي محمود مقلد، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1986م. الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام، لأبي القاسم عبد الحمن بن أبي الحسن الخثعمي، السهيلي، قدم له وعلق عليه: طه عبد الرءوف سعد، دار الفكر، بيروت، 1409هـ/1989م. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، للشامي، تحقيق د. مصطفى عبد الواحد، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1394هـ/1974م. سر الفصاحة، لابن سنان الخفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1402هـ/1982م. سنن أبي داود، إعداد عزت عبيد الدعاس، وعادل السيد، دار الحديث، حمص، الطبعة الأولى، 1389هـ/1969م. السيرة النبوية لابن هشام، قدم له وعلق عليه: طه عبد الرءوف سعد، دار الفكر، بيروت، 1409هـ/1989م. صحيح البخاري، تحقيق د. مصطفى ديب البغا، مؤسسة علوم القرآن، عجمان، الطبعة الثالثة، 1407هـ/1987م. صحيح مسلم بشرح النووي، تحقيق خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثثة، 1417هـ/1996م. شرح ابن عقيل بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي. شرح ديوان الحماسة المنسوب للمعري، تحقيق د. حسين محمد نقشة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1411هـ/1991م. شرح المفصل، لابن يعيش، عالم الكتب، بيروت. شروح التلخيص (عروس الأفراح) للسبكي، مكتبة السرور، بيروت، (مصورة عن طبعة الحلبي) . فيض القدير شرح الجامع الصغير، للمناوي، دار الفكر. القاموس المحيط، للفيروز آبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1407هـ/1987م. الكتاب، لسبويه، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1977م. كتاب التبيان في المعاني والبديع والبيان، للطيبي، بتحقيق د. هادي عطية الهلالي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ/1987م. كتاب دلائل الإعجاز، للجرجاني، بتحقيق محمود شاكر، مكتبة الخانجي، القاهرة. كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، للعلوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1402هـ/ 1982م. الكشاف للزمخشري، رتبه مصطفى حسين أحمد، دار الكتاب العربي، بيروت، 1406هـ/1986م. مجمع الأمثال للميداني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت. مختصر تفسير ابن كثير، للصابوني، دار القرآن الكريم، بيروت، الطبعة السابعة، 1402هـ/1981م. معاني القرآن، للفراء، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثالثة، 1403هـ/1983م. المعجم الكبير، للطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، 1405هـ/1985م. الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء للمرزباني، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الفكر العربي، القاهرة. نقد الشعر، قدامة بن جعفر، تحقيق الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1399هـ/1979م. النقد المنهجي عند العرب، د. محمد مندور، دار نهضة مصر، القاهرة. الوساطة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، مطبعة عيسى البابي الحلبي. وفيات الأعيان، لابن خلكان، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر، بيروت. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 14 كما عرض السهيلي إلى بحور الشعر كثيرا في شرحه، وأبدى رأيه في صنيع الشعراء وهفواتهم العروضية أحيانا. الخاتمة: استعرضت في هذا البحث حياة السهيلي ومنهجه في كتابه الروض الأنف، وعرضت للقضايا البلاغية المتعلقة بعلم المعاني والبيان والبديع، ثم تناولت طرفا من حديثه عن البلاغة القرآنية وإعجاز القرآن، وكذلك من حديثه عن البيان النبوي، وختمت البحث بذكر بعض القضايا النقدية التي عرض لها السهيلي، وأخلص من هذا البحث إلى تقرير الآتي: أولا: إن السهيلي بذلا جهدا لا بأس به في الجانب البلاغي في شرحه لسيرة ابن هشام. ولكنه ابتعد إلى حد كبير عن المصطلحات البلاغية المتشعبة، فهو يكتفي مثلا بذكر مصطلح التشبيه أو الاستعارة دون ذكر التشعيبات الكثيرة لهذه المصطلحات. ثانيا: يمتلك السهيلي حس الناقد ومقوماته، وله اعتداد بشخصيته، فهو يرد أحيانا على النحاة بمنهجية علمية، وأسلوب ينم عن معرفة واسعة فيما يخوض فيه، ويتخذ لنفسه الرأي الصحيح. ثالثا: في كتاب السهيلي ذخر علمي وأدبي وبلاغي للراغبين بهذه العلوم، لذلك أرى أنه بحاجة إلى التحقيق العلمي وإخراجه من جديد بما يليق مع صاحب السيرة عليه الصلاة والسلام، ولا سيما أن مراكز التحقيق والنشر للتراث العربي والإسلامي منتشرة بحمد لله في عالمنا العربي، والطبعة القديمة للروض الأنف كانت ملائمة لعصرها، وينبغي إعادة إصدار هذا الكتاب وفق منهجية تحقيق التراث العلمي، لينتفع منه الباحثون والطلاب على حد سواء. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 15 الفَلْسَفة الجَمَاليّةُ عند حمزة شحاتة الدكتور صالح سعيد الزهراني الأستاذ المشارك بقسم البلاغة والنقد كلية اللغة العربية – جامعة أم القرى ملخص البحث تعني هذه الدراسة ببيان أنَّ الفلسفة الجمالية هي رؤية جمالية للفن تنبثق من تصور فلسفي خاص للإنسان والكون والحياة، وبهذا تتجاوز الإدراك والتفكير الجمالي إلى إقامة منظومة خاصة. وعرضت لماهية هذه الفلسفة وآلياتها، وممجالاتها عند أحد أهم رواد الحركة الثقافية في المملكة العربية السعودية وهو " حمزة شحاته " كما تجلت في شعره ورؤاه النقدية والفكرية، ورسائله، ومحاضراته الشهيرة: الرجولة عماد الخلق الفاضل، وكشفت عن ثراء المضامين التي تنطوي عليها، مع إشارة موجزة إلى أبرز الخصائص الأسلوبية التي تبرز في أدب حمزة على اختلاف أجناسه. * * * مقدمة: 1/1 - يمثّل “ حمزة شحاتة ” قمة فكرية كان يقول عنها عزيز ضياء: إنها عرفت ولم تكتشف (1) . وعدم اكتشاف خبايا هذه القمة مع شموخها مردّه “ إلى غرابة الجوهر ونفاسته ”. فحمزة شحاتة غرائبي في كل شيء، غرائبيٌ وجوهري في حياته، وفي فقهه للواقع، وإدراكه لكنه الحياة والأشياء والكائنات، وبحثه عن الجوهر النادر في الأفكار والأشياء، وفي شعريته الخلاّقة، وفلسفته العميقة، فقد اجتمع له من الخصائص مالم يجتمع لغيره من روّادنا، وصُنّاع شهودنا الثقافي، من عبقرية الفنان، وعظمة الفيلسوف، ونقاء الإنسان، وشرف المثقف العضوي.   (1) حمزة شحاتة قمة عرفت ولم تكتشف، عزيز ضياء، الرياض: المكتبة الصغيرة، الطبعة الأولى، 1397 هـ / 1977 م، ص 5. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 16 وحمزة شحاتة لم ينل ما يستحقه من البحث الجادّ الذي يضعه في مكانه اللائق به في سياقنا الثقافي، مع وجود دراسات رائدة وجادة عن شعره ونثره، كدراسة عزيز ضياء “ حمزة شحاتة قمّة عرفت ولم تكتشف ” ودراسة عبد الله عبد الجبّار التي قدّم بها كتاب حمزة شحاتة “ حمار حمزة شحاتة ” الذي نشره عبد الحميد مشخص، ودراسة الدكتور عبد الله الغذامي المميّزة “ الخطيئة والتكفير.. ”، وكتاب عبد الفتاح أبو مدين “حمزة شحاتة ظلمة عصره”، ودراسته الموسومة ب“ حمزة شحاتة المفكر والأديب” التي نشرت ضمن بحوث المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين المنعقد بجامعة أم القرى عام 1419 هـ. إلاّ أن هذه الدراسات لم تستوعب “ المنجز الثقافي ” لحمزة شحاتة؛ لأنها لم تكن ترمي إلى ذلك، وإنما كانت تعمد إلى البحث في جزئيات من ذلك المنجز، ولعلّ الله يقيظ له باحثاً من أولي العزم يستطيع نشر أعماله نشراً دقيقاً يجنّبها التصحيف والتحريف، ويبعثها من دوائر النسيان، ويقدّم لنا صورة متكاملة عن الرجل مفكراً ومبدعاً وإنساناً. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 17 1/2 - أما هذه الدراسة فهي معنّية بالفلسفة الجماليّة عند حمزة شحاتة، ماهيّتها، وآلياتها، ومجالاتها، وهي فلسفة خفية تنمّ عن عقل فاحص، ومنطق متماسك، وبيان رفيع. ولم تحظ هذه الفلسفة باستقراءٍ دقيق يكشف عنها، ويضعها في سياقها الملائم لها، لاسيّما وأنها مبثوثة في أدب حمزة وشعره، الأمر الذي يجعل من لمّ شتاتها، وتحديد مجالاتها، وآلياتها مسألة في غاية الأهميّة، وستتوسل هذه الدراسة بالمنهج الا نطباعي الذي يميل إلى التحليل والاستنباط، وقد عمدت إلى جمع نصوص حمزة شحاتة، وتصنيفها بغض النظر عن جنسها الأدبي؛ لأن الهدف الوقوف على مضامين هذه الفلسفة، أما الخصوصيّة الفنية، فإنَّ تتبعها لا يمكن الوفاء به في مثل هذه الدراسة، نظراً لتعدّد الأجناس التي كان يكتب بها حمزة شحاتة، ولكل جنس أدبي خصوصيّته الفنية، ومع كل هذا حاولت أن أقدم في نهاية الدراسة أبرز خصائص الأسلوب الشحاتي كما يتجلى في أدبه على شيءٍ من الإجمال، وهو ما أنوي القيام به في دراسة خاصة بمشيئة الله. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 18 1/2 - “ والجماليّة ” تنحصر عند كثير من علماء الجمال في البحث في “ ظواهر الفن ” (1) ولا تتجاوز ذلك إلى ما سواه من نشاطات الإنسان، ولكنها عند آخرين لا تقف عند حدود الفن، وإنما تتخطاه إلى كل شيء جميل ((فالجمالية بالتالي، لا تستهدف الفن فحسب، بل تتعداه إلى الطبيعة، وبصورة عامة، إلى جميع كيفيات الجمال)) (2) . فالجمال كما يكون في الفن يكون في مصدر الفن الإنسان والطبيعة، والجمال معناه: الحسن والبهاء فهو ((يقع على الصور والمعاني، ومنه الحديث: إن الله جميل يحب الجمال، أي حسن الأفعال كامل الأوصاف)) (3) . والإدراك الجمالي لا يرقى إلى درجة “ الفلسفة الجماليّة ” إلاّ عندما يتهيأ للمفكر رؤية جمالية للفن تتأسس على رؤية فلسفية شاملة للكون والإنسان والحياة ((إن الجمالية هي النظرة الفلسفية إلى الفن وقضايا الإبداع عامة. وأما ما دونها من نظرات أو تأملات في الفن فليست تدخل في نطاق الجماليّة بالمعنى العلمي للكلمة، وإن تكن مراحل أولى لازمة في تكون الجماليّة وتطورها نحو التكامل الفلسفي وارتباطها بشمولية الفلسفة ومنهجيتها)) (4) .   (1) مباديء في نظرية الشعر والجمال، أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، حائل: النادي الأدبي بمنطقة حائل، ط1، 1418 هـ، ص 53. (2) علم الجمال، دني هويسمان، ترجمة: ظافر الحسن، بيروت: منشورات عويدات، ط4، 1983 م، ص 196. (3) لسان العرب، ابن منظور الإفريقي، القاهرة: دار المعارف “ مادة جمل ”. (4) مفاهيم الجمالية والنقد في أدب الجاحظ، الدكتور ميشال عاصي، بيروت: دار العلم للملايين، ط1، 1974 م، ص 17. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 19 والإدراك الجمالي عند حمزة شحاتة يرقى إلى درجة “ الفلسفة الجمالية ” لاستناده على رؤية فلسفية شاملة للعالم بكل مكونّاته، فرؤيته الجماليّة رؤية متماسكة ترتبط فيها النتائج بالأسباب ارتباطاً دقيقاً.ولم يقف حمزة في تأملاته عند “ الجمال الأدبي ” وإنما تخطاه إلى “ الجمال الكوني ” الأمر الذي يؤكد أن له فلسفة جمالية يفسر من خلالها الكون والكتابة، وسيتم استجلاء هذه الفلسفة من خلال الحديث عن المحاور الآتية: - مفهوم الجمال. - الفلسفة الجمالية الآليات والخصائص. - مجالات الفلسفة الجمالية. أ - جماليات البيان. ب - جماليات الإنسان. ج - جماليات المكان. د - جماليات الحيوان. هـ - جماليات الحياة. 1/4- كانت محاضرة حمزة شحاتة “ الرجولة عماد الخلق الفاضل ” التي ألقاها في جمعية الإسعاف بمكة المكرمة عام 1359 هـ حدثاً ثقافياً هزّ الواقع الثقافي هزّاً عنيفاً، لما اشتملت عليه تلك المحاضرة من رؤى نافذة، وأفكار عميقة وجريئة، حفلت بالحوار الجاد الذي أثمر ستّ مقالات في “ الجمال والنقد” نشرت بجريدة “ صوت الحجاز ” عام 1359 هـ. تشكل مع ما نجده في شعره ومقالاته ورؤاه الفلسفية التي جمعها عبد الحميد مشخص ورسائله إلى ابنته شيرين “ فلسفة جمالية ” نحاول أن نكشف عن ماهيتها وآلياتها ومجالاتها في هذه الدراسة. ماهيّة الجمال: تعددّت تعريفات الجمال عند الفلاسفة حتى ضاع معها الجمال، فلا يزداد القارئ إمعاناً فيها إلاّ ازداد بالجمال جهلاً؛ لأن الجمال يستعصي على الحصر والتحديد فهو إحساس داخلي ينبثق من داخل النفس الإنسانية، أكثر من كونه هيئة محسوسة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 20 قد يكون للجمال مواصفات شكليّة، لكنَّها تختلف من متلقٍ إلى آخر باختلاف الثقافة والخبرة، ولهذا لا يكاد يجمع الناس على مفهوم محدّد للجمال، لأن الأذواق مختلفة، ولهذا في البدء يتساءل حمزة شحاتة عن ماهية الجمال فيقول: ((والجمال في ذاته ما هو؟ أهو تجاوب القسمات، واتساق الملامح، واكتمال الانسجام، أم هو معان مكنونة تعبّر عنها ظواهره البادية؟ . إن الجمال جمالٌ بما تولّد النفوس من معانيه، ونقيس من مشابهه ونتخيّل من دلائله وإشاراته، لا بما يلقاها به من حدود وزخرف، وإنما هو جمال بما يثير فيها من بهجة، ويطلق من أصداء، ويحبو من حريّة وخصب فهل تبقى معانيه حيّة، وتأثيره دائماً على تغيّر القسمات والملامح وخصب وانطفاء لمعتها البهيجة؟)) (1) . فالجمال ليس في “ صور الأشياء ” وإنمّا في “ الشعور بصور الأشياء ” ولهذا يختلف “ الموقف الجمالي ” لدى المتأملين باختلاف شعورهم، وتلوّن أحاسيسهم ((فالمعاني تُنسب إلى مظاهر الوجود من قبيل التغليب، وإلا فهي في حقيقتها معاني أنفسنا، وصور أفكارنا ومشاعرنا، وتأثيراتنا، وهب أنني رجلٌ “ أكمه الذوق ” فما تكون معاني هذه الصور في نفسي؟ أو هب أنني فلاّح يقضي حياته بين حقوله وعلى ضفاف جداولها المنسابة فتكون معانيها في نفسي، ودخائل فكري هذا الجمال المعبّر الأخاذ الذي يحسه الشاعر ويساجله، ويناغيه العاشق وينافثه، ويحدثه الفيلسوف، ويستنطقه؟؟ أم أنها تكون عندي رمز الكد وضرورة الإنتاج والنصب للعيش وضروراته القاهرة)) (2) .   (1) حمار حمزة شحاتة، حمزة شحاتة، الرياض: دار المريخ، ط1، 1397 هـ / 1977 م، ص 86. (2) المرجع نفسه ص 67، 68. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 21 إنّ ((الجدول المترقرق، والحقل المهتز، والنسمة الطليقة، والجبل القائم، والكوكب المتألّق، والبدر المشرق، والليل الساجي)) مظاهر جمالية لكن جمالها ليس في ذاتها، وإنّما فيما تولّده النفوس من معاني تلك المظاهر. ولذلك النفس العقيم التي لا تنجب معاني جمالية، لا تدرك الجمال، ولا تعرف كنهه، إما لعجز في حسها الجمالي، وإما لما يقيمه الإلف بينها وبين الأشياء من حجب كالذي وجدناه عند الفلاح الذي ألف مظاهر الطبيعة من حوله، ففقد القدرة على توليد معاني الجمال. هذه النفوس التوّاقة ((دائمة البحث عن الجديد، ولهذا لا تقف في إدراكها الجمالي عند حد، ولا ترضى بقيم جمالية ثابتة، فهي متجددّة في تأملها، كتجدد الحياة التي لا تتوقف، من هنا تفقد الأشياء الجميلة قيمتها عند هذه النفوس حين تكتشف أسرارها ونمنماتها الخفيّة، ويترامى بها الولع الجمالي إلى البحث عن أسرار جديدة تفضي بها إلى آفاق لا حدّ لها وهذا ما عبّر عنه شحاتة في محاضرته الشهيرة فقال: ((وإدمان النظرة إلى صورة جميلة، يفقدها شيئاً من تأثيرها القوي كلمّا تجدّد إليها النظر المشغوف، وارتوى منها الحس المفهوم، حتى تفقد مقدرتها على التأثير والأداء. وإنك لتعجب بالمنظر يفتنك، ويلقاك بألف معنى، أول ما تلقاه فما تزال نفسك دائبة في تحليل معانيه وإذابتها، حتى تنتهي بها إلى الإصفاء والإفلاس)) (1) .   (1) الرجولة عماد الخلق الفاضل، حمزة شحاتة، جدة: تهامة، ط1، 1401 هـ / 1981 م ص 25. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 22 هذه المقولة “ الناسفة ” أثارت جدلاً في الوسط الثقافي وقت ظهورها وكان الأستاذ عبد الله عريف أوَّل من اختلف معها - فيما أعلم - فكتب مقالاً مطوّلاً في جريدة “ صوت الحجاز ” بعنوان “ ضريبة الإعجاب ” ذهب فيه إلى أن الإصفاء والإفلاس قد يصحّ في منطق الفكر - بطريق ما - في أجزاء بسيطة من واقع الحياة، لكنه لا يصح في واقع الحياة بصورها، وواقع النفس بمشاعرها وأحاسيسها (1) . “ الإصفاء والإفلاس ” يكون ((عندما تفقد الصورة الجميلة جمالها. فقداناً ذاتياً يسلبها جمالها، لا فقداناً شعورياً يحسه الناظر إلى تلك الصورة. وأحسب أن أساس هذه النظرة التي قعّد - بتشديد العين - لها الأستاذ هذه القاعدة، إنما هي الصورة الجميلة في الإنسان، وما فقد الجمال الإنساني - في الإنسان الواحد - تأثيره، إلا لأنه لم يعد جمالاً يملأ النفس، ويروي الحس المنهدم، فقد أصيب بالفقدان الذاتي السالب، ولو ضمن لنفسه الاستدامة لظل أثره قوياً فعّالاً)) (2) . “ فالجمال الإنساني ” هو الذي يفقد تأثيره عندما ترتوي منه النفس، أما “ الجمال الكوني ” و “ الجمال الفكري ” و “ الجمال اللغوي ” فإن إدمان تأملها لا يفضي بها إلى “ الإصفاء والإفلاس ”. فرقعة السماء، والحقول، وحكم الشعر ودلالات الجمال، والحب والإيمان لاتزال النفوس متعلقة بها رغم إدمان النظر فيها حتى استحالت حقيقة علمية في كهوف اللاشعور (3) . إنّ إدمان النظر في الجمال عند - عبد الله عريف - يقلّل من أثره لكنه لا يدفع به إلى الإصفاء، والإفلاس كما ذهب شحاتة (4) .   (1) جريدة صوت الحجاز 2 صفر 1359 هـ الموافق 11 مارس 1940 م، ص 3. (2) المرجع نفسه ص 3. (3) نفسه ص 3. (4) نفسه ص 3. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 23 حمزة شحاتة يشترط في الأثر الجمالي “ الجدّة ” و“ التجدّد ” والإفضاء بأسرار لم تعرف من قبل، وعبد الله عريف يذهب إلى أن الصورة الجميلة ليس شرطاً أن تكون جديدة جدة مطلقة لتحدث تأثيراً، ((بل لابد لفهمها والإعجاب بها من معلومات قديمة ثابتة، وبذلك يتمّ تداعي الجمال والإعجاب أمام الصورة الجميلة)) (1) . ويقدم عبد الله عريف تجربة تدل على صحة الدعوى التي يدعيها فيقول: ((كتاب جميل نشرته أمام ثلاثة من عمال المطبعة لأرى أثر هذه الصورة الجميلة “ الكتاب ” في نفوسهم، فأسرع عامل الصف يحدثني عن إتقان صف الحروف وجمالها، ولم يعجب بتجليده أو طبعه، أو على الأقل لم يحدثني عنهما، ومثله فعل عاملا التجليد والطبع فحدثني كلّ منهما عن معرفته أو معلوماته القديمة ... )) (2) . فالعمال الثلاثة أعجبوا بما يمتلكون عنه رصيداً ثقافياً سابقاً. ويعود حمزة شحاتة بوحي من هذه المقالة التي كتبها عبد الله عريف ليشرح موقفه الجمالي، ويكشف عيوب الواقع الثقافي، ويرسم شقاء المفكر الواعي وغربته في واقع ثقافي تيبست مفاصله، واستبدت به الشيخوخة، حين يفتح المفكر والمبدع قلبه بين يدي من يتوّسم فيه القدرة على المشاركة الوجدانية، فإذا بلغ الغاية من حديثه، وجد البون شاسعاً، والرؤى ينكر بعضُها بعضاً.   (1) نفسه ص 3. (2) نفسه ص 3. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 24 الحياة في منظور حمزة شحاتة - تحتاج إلى كشف دائم لنقف على حقيقتها، من هنا فهو لا يطمئن إلى وعيه بها، ولا يرضى من الآخرين الثقة في أفهامهم الهينة لحقيقتها، والإحساس بجمالها وقيمتها وإن كان أكثر الناس هذا سبيلهم في فقه الحياة ((وأكثر الناس مطمئنون إلى حياتهم وإلى مذاهبهم الهينة في فهمها، وتفسير قوانينها، والإحساس بالجمال والقبح فيها وحريصون على أن تبقى لهم الفرحة، وتدوم المتعة بها كأنما هم في جلسة المتفرج الهاديء، أو المفكر السائم، المنصرف عما في الحياة من جد ولهو، بما في نفسه من طمأنينة وارتياح، أو فتور وملل. فما يسر من كانت هذه حاله أن يقتحم عليه خلوته الناعسة الكليلة، أديب تسبقه الطبول إيذاناً بإشهار الحرب على الجمال وتجريده ورج جوانبه)) (1) . ولهذا كان “ الشك في العقيدة الجمالية ” و “ إقلاق النظر العام ” استراتيجية فكرية يحرص على تبنيها حمزة شحاتة في كل ما يكتب مخالفاً أعراف “ ثقافة الديكور ” و “ أدب التلميع ” ((وشأن الأديب في العرف أن يضاعف محاسن الحياة، ويزيد الشعور بمسرّاتها، لا أن يمسخ صورها الجميلة ويهدمها، ولكن هل يسع كل أديب أن يكون هذا مذهبه؟ فذاك حيث ألقى الناس كلما لقيتهم بجديد هو لغة الهدم، والبعثرة، والإقلاق في نفوسهم ومعتقداتهم الفكرية، ولغة البناء في منطقِ فكري واعتقادِه)) (2) .   (1) حمار حمزة شحاتة ص 76. (2) المرجع نفسه ص 76. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 25 الحياة في - فلسفة حمزة شحاتة الجمالية - متجدّدة، وبهذا يستحيل أن يكون فهمها ثابتاً، وجمالية الحياة في تجدّدها ومقاومتها للثبات. والجمال الذي ينتسب إلى الحياة ويعبر عنها، يجب أن يكون قادراً على الانفتاح والتجدد وخصوبة الدلالة، ومتى فقد هذه الخصيصة فقد وجوده، والعباقرة وأصحاب الرؤى النافذة، يتمثلون برؤية استشرافية تتخطى الواقع إلى الممكن، ولهذا يفقد الجمال - بعد إطالة تأمله، والتغلغل في أعماقه - القدرة على التأثير وهو ما أنكره عبد الله عريف في مقالته “ ضريبة الإعجاب ” وأفاض في دفعه بالأدلة والبراهين. وحمزة شحاتة إذن لا ينكر جمالية “ الصورة المتأملة ” ولا يسلبها حسنها، وإنما يريد أن يكشف عن بعض الأذواق الجمالية)) التي لا تقع تحت سلطة الجمال، ولا تقنع بثبات الدلالة الجماليّة، وهي “ أذواق خاصة ” لها قوة النار واستشراؤها التي يذوب فيها الجمال كما يذوب الذهب في لهب النار المتوهجة. ويذهب إلى أن براهين صديقه عبد الله عريف لا تثبت في موازين النظر الفاحص؛ لأن “ الاستصفاء والتذوق ” غير“ الفكر والنظر ”. فالسماء مظهر وجودي ثابت، على خلاف “ الصورة الجمالية الحيّة ” التي يشكل ((الزّمن جزءاً من حقيقتها، وطبيعة الشعور بها، وإلحاح الشوق إلى استصفاء معانيها، والزمن لو كان ربيعاً كله، ما كان للربيع معنى جدته وسحره وروائه الأخّاذ لذلك كانت تعاقب الصور وتجددها شرطاً لازماً لضمان تأثير الجمال، وتأثير معانيه، ولذلك كان الزمن جزءاً من حقيقة الجمال، أو كان أهم أجزائها)) (1) . ولهذا دوام النظر إلى السماء لا يدل على فهمها والإحاطة بمعاني بعض مظاهرها المجهولة.   (1) نفسه ص 68. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 26 “ الاستصفاء والتذوق ” قدرة على توليد المعاني والصور، فهو فطنة بحقيقة الجمال، وقوّة في تفكيكها وإذابة دلالاتها. هذه القدرة لا يبقى معها جمال لا يداخله السأم. أو لا تصرف عنه صوارف الفهم والاكتفاء، ويؤيد حمزة هذا الوعي الجمالي بفكرة مضادة تكشف جانباً من جوانب الإبهام في القضية فالمصائب أعمق أثراً في النفوس من الجمال، ومع هذا تفقد تأثيرها بالاعتياد والإلف والسلوى (1) . وهذه “ الحقيقة الجمالية ” نجدها لدى عشاق الشعر وهواة الفنون كما ألفيناها لدى عشاق الجمال، والباحثين عن غرائبه، فصور الشعر، وروائعه انتهى الاستصفاء والتذوق بها إلى أن تكون بمثابة الحقائق المألوفة والكلام المعاد (2) . إن الشيء الجميل يصدمنا لأوّل مرّة ((بحشد من معانيه الفاتنة، ليست هي أداءه عن نفسه، ولكن أداءنا عنه، وعن موقعه من نفوسنا وأفكارنا فما نفتأ ندور بهذه المعاني مطابقة وقياساً ومداً وجزراً وإطلاقاً وتقييداً حتى نشعر بنشوة امتلاكه واحتوائه، فإذا الاكتفاء أو التجدد المنتهي إلى انقضاء التأثير فيستحيل شعورنا بالصورة الفاتنة إلى ما يشبه شعور العاشق بعد إفاقته من غيوبته واستغراقه)) (3) . إن “ حقيقة الصورة الجميلة ” تظل قائمة، ولكن ثراء الدلالة، وخصوبة الأثر الجمالي هي التي تفنى عند أصحاب الرؤى الفياضة، والأفكار النافذة التي لا ترضى من الجمال بالظاهر، وإنما تبحث عن غرائبه، ودقائق معانيه لتفضي إلى قيمته الحقيقيّة، فالماء يظل ماءً بعد أن يروي العاطش منه. ولكن الذي يفنى هي تلك الخطرات النفسية، والتصورات الذهنية التي نجدها عند من بلغ به الظمأ مبلغه فإذا ما ارتوى تلاشت تلك الخطرات، وظل الماء على حقيقته (4)   (1) نفسه ص 69. (2) نفسه ص 70. (3) نفسه ص 70. (4) نفسه ص 71. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 27 وحِكَم الشعر التي ساقها عبد الله عريف للمتنبي وشوقي وزهير تأكيداً لصحة موقفه الجمالي، وكشفاً لخلل موقف حمزة شحاتة من الجمال، لا يجد حمزة في صياغتها جمالاً يُغري بإدمان النظر، ولا في معانيها إلا الصحة في الحكم ويتساءل عن “ معنى الجمال ” في تلك الأبيات هل هو دقة الحقيقة الفلسفية وصدقها أو جمال الصياغة، أو قوة التأليف، أو شيء يدرك ولا يوصف (1) . إن حقائق المتنبي وحكمه ثابتة فروعتها تكمن في ثباتها، وصحتها ومسايرتها لواقع الحياة. والمتنبي هو الذي يقول: لو فكرّ العاشق في منتهى حسن الذي يسبيه لم يسبه فالعاشق يتصور منتهى جمال معشوقه، ويدرك نهايته، لكن ذلك الإدراك لا يصرفه عن عشقه، بل ربما كان سبباً في شدة ولعه، وانقياده فالحكمة الصادقة لا تنال من سلطة الجمال، ولا تنتصر على منطق العشق، وإن كانت تلك السلطة سريعة التحول، قصيرة الأجل (2) . وأما كلمات الحب والعدالة والحريّة، وسحر هذه الكلمات للعقول وتجافيها للإصفاء والإفلاس بحسب رأي عبد الله عريف. فإن حمزة لا يعدها جزءاً من الجمال الذي قال فيه كلمته تلك (3) . فهو يتحدث عن الصورة الجميلة تتأملها النفس فتتخطى عالمها ((فإن لم يكن ما قلته حقاً نرى موضعه المكين الواضح في النفس والحياة، فليكن الزمن لحظة جامدة تقف فيها دورة الفلك المغذ عن السير، ولتكن الصورة الجميلة بعد رسماً جامداً لا يعدو حدود إطاره القاهرة، حتى يأمن من مزاج صديقي الناقد، الفجيعة في حقيقة شعوره بالجمال والنفس)) (4) . ومثل هذا يمكن قوله عن عمال الصف، والطبع والتجليد. فالإتقان ودقة الصف والتناسب غير الجمال الذي ينفخ فيه الفنان خياله، ويضفي عليه شيئاً من روحه.   (1) نفسه ص 72. (2) نفسه ص 73. (3) نفسه ص 73. (4) نفسه ص 74. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 28 هذا الموقف الجمالي، الذي كشف جزءاً منه عبد الله عريف بمداخلته تلك قائم على التأمل العميق، والانغماس تحت قشور الأشياء للوصول إلى لبابها، وهذا التأمل، لا يعرف عمقه إلاّ النخبة من أهل الفكر الذين يدركون نفائس الأفكار، ويقدّرون الجهد المبذول في الغوص إليها، أما أوساط الناس وعامتهم فلا شأن لحمزة بهم، لأننا حين نكتب لهم فإننا نئد الجمال، ونطفي جذوته. إن الحياة لا تكون متحفاً للصور الجميلة والأحجار المنحوتة والخشب المنجور إلا عند أصحاب العقول المنطفئة، والأحاسيس البليدة الذين ((يخافون من الفجيعة ويفرقون من مفازع الحرية وانطلاق ومفاجآت الزمن الراكض)) (1) . ولهذا كان دور الأديب التنوير، والارتقاء بالوعي، أمّا حين يكون وعيه بمستوى وعي أوساط الناس، فإن هذه هي “ البطالة الفكرية ” التي لا تصنع شيئاً سوى الثرثرة وتسويد الصحف (2) . يقول في قصيدة تأملات: آثرت أن أظمأ وعفت مواردي واعتضت عن نومي انتباهة ساهدِ وصرفت نفسي عن عُلالات الهوى لمّا أجلت بهنّ رأي الناقد ونذرت نفسي للجهاد فهالها ألا تشدّ على اللغوب بعاضد فإذا مراد النفس أبعد غاية مما يُعين عليه جُهد الجاهد وإذا الحياة بغير مجدٍ قصةٌ زكّى القنوط بها فواتُ الشاهدِ (3)   (1) السابق ص 78. (2) نفسه ص 78. (3) ديوان حمزة شحاتة، جدة، دار الأصفهاني، ط1، 1408 هـ / 1988 م، ص 159 الجزء: 14 ¦ الصفحة: 29 ويذهب عبد الله عريف إلى تسخير بعض آراء حمزة ليؤيد بها موقفه الجمالي من باب “ رميت بسهمه فأصبت مقنعه ”، وذلك من خلال تفكيك قصيدة حمزة الشهيرة “ لم أهواك؟ ” حيث يذهب عريف إلى أن ((فكرة القصيدة تقوم على أساس المبدأ التركيزي الذي يقيس به الأستاذ حقائق الأشياء وقيمها الذاتية، لتبدو أمامه الحقائق واضحة جليّة، لا يريشها الخيال، ولا تكسوها الزوائد الفكرية فما هو هذا المبدأ؟ هو مبدأ “ التعرية والتجريد ” الذي عرف به الأستاذ في كل ما تناوله ويتناوله من صور الحياة وحقائقها. ففي هذه القصيدة يقوم الأستاذ بعملية تجريديّة، يسلب بها سراوة الجمال في الإنسان الجميل، حتى لكأنك تنظر إلى دواعي الجمال، وبواعث الفتنة، تتبخر بفعل قوة تعتملها نفس الشاعر المجرّدة واستشراؤها، وتحيله كل فعالية الهيام واللوعة إلى حطام من المعاني الفاترة السخيفة؛ لأن كل معنى تحيكه النفوس الشاعرة، فتضفي به على صاحبها جمالاً وفتنة، وهو بلاشك في الطبيعة الصامتة أجمل، وأضمن لتلك المعاني المضفاة، والتي قد تكون زوراً وتلفيقاً صورها خيال الشاعر وأوهامه)) (1) . ومما قاله فيها: لِمَ أهواك؟ أيها المنعم النف س شجوناً وحيرة وشقاءَ ألحسن؟ فالحسن في البدر والز هرة أندى وقعاً وأضفى رواءَ إلى أن قال: والمعاني بوحيها ومدى الوح ي عميقٌ فيما يضمُّ الوجُودُ فتراها في قطعة الأرض والصخ رة، شعراً، لم يبله الترديدُ (2) “ ومبدأ التعرية والتجريد ” الذي أشار إليه عريف بهذه المقالة، كان فكرة راسخة في ذهنه عن الموقف الجمالي لشحاتة ففي قصيدة بعنوان “ إليه ” نظمها عبد الله عريف، وبعث بها إلى صديقه حمزة شحاتة نجده يقول فيها: وليس سبيل العيش إدمان نظرةٍ وتجريد أفكار، وتحديد مقياس   (1) جريدة صوت الحجاز 2 صفر 1359 هـ، الموافق 11 مارس 1940 م، ص 3. (2) المرجع السابق ص 3، وانظر ديوان حمزة شحاتة ص 26. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 30 وهذا المبدأ لا ينكره حمزة فهو أول من كشف عنه في محاضرته الشهيرة “ الرجولة عماد الخلق الفاضل ” حيث قال: ((والتجريد مبدأ قديم لي، أو هو مرضي الذي لا أشفى منه، عرفني به من عرفوا طريقتي في الحياة، ومن قرأوا نظراتي القديمة في الخير والشر، في الفضائل والرذائل، وفي الحب، وفي الشعر)) (1) . لكن قصيدة “ لم أهواك؟ ” ليست قائمة على هذا المبدأ - كما ظن عبد الله عريف - وهو تجريد الجمال من معانيه، بل إنّ جوهرها تقديس الجمال، فيما وراء الظاهر، والبحث عن معاني الحب السامية، واستنطاق أسرارها الخبيئة (2) . فالقصيدة رؤية عاشق ذي فكر مولع بالبحث في العلل والعلاقات، وكشف خبايا الأشياء والأفكار، فالجمال في نظر هذا العاشق ((معنى وراء السمات والشكول معنى لا تحدّه النظرة، ولا تقيده الفكرة، إنما هو جمال مطلق شائع لا تكون الحياة بما فيها إلا لفظاً هو معناه وسر الحركة والسكون والنور والظلمة فيه، فلا تكون دنيا عاشقة إذا غاب إلا دنيا “ سؤوم جم الكروب طليح ”، ((فإذا لاح أشرقت وتلقته بوجهٍ طلق المحيا صبيح)) (3) .   (1) الرجولة عماد الخلق الفاضل ص 22. (2) حمار حمزة شحاتة ص 84. (3) المرجع نفسه ص 84، 85. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 31 إذن الفرق بين “ حمزة شحاتة ” و “ عبد الله عريف ” في “ الموقف الجمالي ” أن الأول ينظر إلى الجمال نظرة الفيلسوف حين لا يكتفي بالوقوف على الظاهر، وإنما يعمد إلى تحليل عناصر الشيء الجميل وتفكيكها وإعادتها إلى أصولها، والآخر يمسّ الجمال مساً رقيقاً، يبعث في نفسه روحانية، وإلهاماً وخيالاً يحلق به في مدارج الكون. وهذا ما أدركه الأستاذ محمد عمر توفيق عندما ذهب إلى التوفيق بين هاتين الرؤيتين في مقالته التي نشرها بعنوان “ التجريد وما وراءه ” فقال: ((من هنا نزعم أنه ليس من تضاد بين النظرتين إلا بقدر ما هنالك من تخالف بين النفسين، وتغاير في الأهواء، وكل ما يفرق بينهما أن هذه نظرة شاعر وتلك نظرة شاعر فيلسوف، إذ الفلسفة قوامها التجريد والتعرية)) (1) . ويمكن أن أضيف إلى هذا الفرق الذي كشف عنه الأستاذ محمد عمر توفيق فرقاً آخر بين نمطين من التفكير، تفكير مبدع خلاّق لا يجد الجمال والمتعة إلا في البحث الدائب، والنظر المتجدد، وتفكير يميل إلى السكون ولا يحبذ المغامرة. والتفكير الابتكاري الأول نجده عند العباقرة وصناع الحياة في حين نجد الآخر عند كثير من الناس الذين يقفون على الظاهر، ولا يتجاوزون ذلك إلى أفق تنتقص معه قيمة الشيء، ويتضاءل تأثيره، لأنها لم تستنفذ طاقته الجمالية، فبقي فيه إشعاع يومض، وجاذبية تشد النفوس، وأولئك بلاشك هم الأقدر على الكشف عن أسرار الجمال، والتلذذ بالمعاناة في ذلك الكشف ((وقد نرى إنساناً يسحره البدر؛ لأنه المضيء الساطع. فإذا شبّهه بمن يحب، كانت الصلة عنده بينهما اللالاء والاستدارة. وإنساناً يرى في البدر حياله فتنة الحي الرائعة، ومشابهه وسهومه وخيالاته، وجدته وسأمه وخفوته، وله عواطفه ونوادره الظريفة إقبالاً وإدباراً ونشاطاً وفتوراً.   (1) جريدة صوت الحجاز الأحد 24 محرم 1359 هـ، الموافق 4 مارس 1940 م، ص 4 الجزء: 14 ¦ الصفحة: 32 أفلا يكون من له هذه المقدرة على توليد الصور والمعاني أفطن لحقيقة الجمال الواسعة، وأقدر على التهامها وتذوقها وعلى تركيزها وإذابتها؟)) (1) . ولكل “ جمال ” رسالة يقوم بتبليغها، ولا يوجد رسالة بلغت من أرسلت إليه، ولم يعِ شيئاً منها، لكن العقول تتفاوت في قوة الإدراك، فهناك من يقف عند حدود الأشكال والهيئات، وهناك من يبحث في الأعماق، ويغوص إلى الجوهر، وهذا منطق حمزة وموقفه الجمالي الذي أفضى به إلى البحث الدائم عن دلالات فريدة، وأشكال جديدة؛ لأن الدلالات الجمالية متناهية في الشكل الواحد، ورسالة الجمال كرسالة الربيع الطلق، لا تلبث أن تزول. وهذا هو منطق الحياة فلا يوجد حقيقة من حقائق النفس الإنسانية، أو من حقائق الحياة الماثلة، أو المتخليّة، أو من صور الجمال لا تمتد إليها يد السآمة أو لا يتحوّل بها إدمان التذوق والاستصفاء في فكر العاشق أو الشاعر أو الأديب أو الفيلسوف أو الإنسان الحي)) (2) . حمزة شحاتة كان تفكيره الجمالي أشبه ما يكون ببندول الساعة لا وجود له إلا مع الحركة، كانت القيم الجمالية عنده في تجدّد دائم، كلما فك مغاليق الجمال، دلف إلى مغاليق أخرى ((أنا ذو مزاج سؤوم، لا أدع الزمن يفجعني في طمأنينة شعوري بطرافة الأشياء، وأيَّة حقيقة من حقائق الفكر، أو متعة من متعات الحس، أو طوبى من طوبيات الخيال الخلاب، يبقى جمالها على الزمن الماضي، أو يفض الختام كل يوم عن جمالها ومعانيها جديدة أخاذة؟)) (3) . وبهذا المزاج السؤوم، والنفس التواقة، كان حمزة شحاتة يشعر بوجوده، ويتحسس ذاته، ويصيب لذته الجمالية ((إنما يصيب الأديب لذته الفنية، والفيلسوف متعته الفكرية من علاج الجديد وابتكاره، وحتى إذا عرض له القديم المألوف سلك إليه غير سبيله المطروحة)) (4) .   (1) حمار حمزة شحاتة ص 69. (2) المرجع نفسه ص 91. (3) نفسه ص 61. (4) نفسه ص 61. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 33 “ الجمال الظاهر ” كان جمالاً مسؤوماً؛ لأن جميع الناس يتفقون على حسنه، ويتشابهون في الاستمتاع به، لكن الفيلسوف والشاعر والعاشق المتيّم يكشفون عن معاني خفيّة “ وجمال باطن ” لا يدركه الناس ولا يشعرون به ((فالشاعر والفيلسوف والعاشق؟ لا يختلفون عن عامة الناس في هذا إلا بأنّ لهم حسّاً فوق حسّ الناس، وأمزجة أدق، وملكات أحفل إدراكاً وأخصب)) (1) . لم يكن يرغب حمزة شحاتة في الوقوف عند الحديث عن تأثير الجمال على فكره ونفسه، كما يصنع الناس، وإنما تجاوز ذلك إلى البحث عن حقيقة الجمال في ذاته، فكان الجمال معنى في النفس لا وصفاً للشيء، ولهذا حين ينقضي تأثير ذلك المعنى في النفس، يتلقفه الزمن فيلفه في دوائر النسيان. الموقف الجمالي العام كان في نظره يدّل على فساد في الطباع، وهزال في الأفكار، ومهمته أن يحارب ((فساد الطباع، وهزال الأفكار الضاوية)) وهذه الحرب لا تبدأ إلا بنبذ الركام، ومجافاة الإلف، والبحث عن الجديد، والنفاذ إلى ما وراء الظواهر من أسرار ومكونات. إن الحياة تتجدّد، والجمال يتجدّد، ولابّد أن تتجدد طرائق التعبير، ومسالك الإدراك إلا في عرف النفوس الميتة ((وما نرانا بمستطيعين أن ننكر أن النفس المحدودة قد تكون أقدر على الاحتراز؛ لأنها نفس موصدة نائمة لدواعي ما تكون فيها فترات الصحو والانتباه إلا نادرة، فشعورها بما حولها من جمال شعور راكد بليد، ما ينتهي تذوقها لمعنى من معانيه إلا وقد بدأت نومتها الثقيلة وركودها العميق. وبهذا المقياس تكون الحياة في عين الحيوان السارح هي الحياة ما يتغير فيها شيء عن معناه، ولا ينحرف عن سبيله، فيما تحسه أو تدركه، أو ترتاح إليه! وهكذا في عين المجنون، وهكذا هي في حياة الإنسان الآبد)) (2) .   (1) نفسه ص 66. (2) نفسه ص 89. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 34 الإنسان يكون إنساناً والفنان يصبح فناناً بمقدار ارتفاع درجة حرارة إحساسه بالبون الشاسع بين الواقع والممكن، وسعيه الدائب إلى تجسيد الفجوة، وبناء القناطر، وهكذا كان حمزة شحاتة إنساناً وفناناً. الفلسفة الجمالية الآليّات والخصائص آليَّات الفلسفة الجماليَّة: يختلف الإدراك الجمالي بين علماء الجمال اختلافاً كبيراً يمثله بعضهم بخزّافٍ يعمل أمام فئتين من علماء الجمال، بعضهم أخذ يمحضه النصح، وبعضهم الآخر ظل يتأمل في صنيعه، وبقي الخزّاف لا يصغي إلى أحد، ظل يفكر بجرّته (1) . والخلاف بين الموقفين خلاف في منهج النظر إلى الجمال، ولكنه في الغاية يؤول إلى نتيجة واحدة هي محاولة إيجاد رؤية جديدة ((رؤية حدسية عميقة، تعتمد على وجدان المشاهد، كما تتوافق مع مشاعر المتذوق منذ الوهلة الأولى، وتقوم على مراعاة الفروق الفردّية بين جمهرة من المتذوقين، إنها رؤية يظهر من خلالها الجمال باعتباره مخلوقاً حياً في ذاته له تجسده وتشخصه، وكيانه المبدع)) (2) . وفي هذا السياق سنعرض للآليات التي توسلّ بها حمزة شحاتة فشكَّل فلسفته الجماليّة للفنّ وللعالم من حوله، وقد تمثلّت في أمرين اثنين هما: التجريد والحدس، كما ستعرض كخصائص “ الجميل ” كما كشفت عنها هذه الفلسفة. وحمزة شحاتة في فلسفته الجمالية يجمع بين صرامة العالم، وخيال الفنان، صرامة العالم في اتخاذه “ التجريد ” مبدأ عاماً في الحياة، يضع تحت مجهره الأشخاص والأشياء والأفكار، وخيال الفنان حين يغوص في أعماق الأشياء ليكشف عن جوهرها المخبوء. التجريد:   (1) علم الجمال هويسمان ص 199. (2) المرجع السابق ص الجزء: 14 ¦ الصفحة: 35 تحليل ذهني عرفه (دوغالد استورات) بأنَّه: ((تقسيمٌ ما نصيبه من معان مركبة بغية تبسيط الموضوع الذي نتناوله بالبحث)) (1) . فهذا التحليل يعمد إلى صفة أو جزئية ويقوم بتحليلها، وردها إلى مصادرها، وتحليل قيمتها، ومعايرها، للوصول إلى المعاني الكليّة. يقول حمزة شحاتة: ((التجريد مبدأ قديم لي، أو هو مرضي الذي لا أشفى منه، عرفني به من عرفوا طريقتي في الحياة، ومن قرأوا نظراتي القديمة في الخير والشر، في الفضائل والرذائل، وفي الحب، وفي الشعر)) (2) . التجريد تعرية وكشف يركز على الجزئيات ليصل إلى الكليات، ويستصفي المعاني الكامنة، التي عندما يُوقف على حقيقتها، يتكشف الوعي القاصر عن إدراك الحقائق، وتتهدّم المسلمات. فحين تناول حمزة فكرة القوّة في محاضرته “ الرجولة.. ” لم يقف عند حدود الفكرة الجزئية، وإنما جعلها البداية في النظر والتحليل ثم انطلق بعد ذلك إلى كشف علاقاتها للوصول إلى المعنى الكلي ((وأنا أريد التجريد والتعرية كباحث لا كمحاضر، فإني لو قصرت كلامي على الرجولة، أو على الخلق الفاضل، خشيت أن يتحوّل حديثي إلى موعظة لا تعدو أن تكون تمدّحاً حماسياً بالفضائل، دون تحليلها، وردها إلى مصادرها وتحديد قيمها، ومعاييرها، وأثرها في صميم الحياة، وعلاقتها بالنفوس)) (3) . التجريد وإن بدا بحثاً في الجزئيات، فإنه انطلاق إلى عوالم رحبة، فالتفتيت الذرّي يكشف أدق المكونات، ويترامى في الكشف إلى آفاق قصيّة تصبح معها الذرة الصغيرة جرماً هائلاً مليئاً بالشهب والنيازك.   (1) المعجم الفلسفي، الدكتور جميل صليبا، بيروت: دار الكتاب اللبناني، ط1، 1971 م 1 / 247. (2) الرجولة عماد الخلق الفاضل ص 22. (3) المرجع نفسه ص 22. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 36 ((لهذا ستكون نظرتنا إلى الفضائل - على أن أساسها التجريد القاسي - نظرة من يريد أن ينطلق بها من حدودها الضيقة المتصلبة، إلى حدود رحيبة من الشك والوسواس، خاضعاً لسعة إدراكه لأطرافها، وخفاياها ورموزها، وعلاقاتها بأشباهها، وهو لا يفعل بها هذا ليضعفها، بل ليبلغ بها أبعد حدود القوة والاحتمال)) (1) . والتجريد وضوح وتعرية، يطمح من خلاله المفكر إلى كشف جوهر الأفكار والأشياء والأشخاص، ليتحقق الوعي في أسمى صوره، فتكون المواقف من الأفكار والأشياء والأشخاص مؤسسة على إدراك عميق بالحقيقة ((إنما أريد الوضوح والتعرية، وإنما أريد أن نعرف جميعاً حقيقة الفضائل والرذائل، وقرابتها من العقل المبصر، وحقيقة الإيمان بها، ونصيب هذا الإيمان من الصحة والقوة، كما نعرف حقيقة كائن حي نشأ وترعرع واكتمل، وانساق بعوامل الحياة حوله. عسانا إن آمنا بالفضيلة بعد أن نؤمن بشيء نعرف معناه، ونعرف مواضع الضعف والقوة فيه)) (2) . التجريد بهذا المسلك يهز النفوس، ويوقظ الإرادة، حين يشكك في المعرفة، ويتخذ من الشك منهجاً في الوصول إلى المعرفة، ولهذا لا يتقبله الناس لأن الناس لا يتقبلون التشكيك في معتقداتهم الفكرية فهو ((فرض ينازل حقيقة تحجر بها الاصطلاح، ووهم ينازل اعتقاداً، وشك تعارض به معرفة. ومازالت النفوس أضعف استعداداً لقبول المفاجآت التي تحاول أن تنتزع من معتقداتها ومشاعرها، شيئاً له قيمته وقداسته، وله صلابته العنيدة)) (3) . الحدس:   (1) نفسه ص 24. (2) نفسه ص 37. (3) نفسه ص 23. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 37 أما خيال الفنان في إدراك الجمال، فيتمثل في الحدس، واستكناه الجوهر، والبحث عن الغرائبي والمدهش، وهذه الرؤية النافذة لا تتأتى إلا لمن يملك حسّاً جمالياً عميقاً، نلمس هذا في حديثه عن جماليات الأدب، وجماليات المكان، وجماليات الإنسان، حيث كانت آراء متفردة، لم تكن لتتحقق، لولا خياله الخلاّق، ونظراته المحلقة. الصرامة والحدس أهم وسائل الإقناع عند حمزة فالعقل والحجة الدامغة لا تكفي لزراعة القيم الجماليّة، كما أن الخيال المتدفق لا يصنع وحده وعياً جمالياً. فالإنسان عقل ووجدان، والخطاب الجمالي يجب أن يتأسس على هذين البعدين معاً (1) . هذان هما المفتاح لبناء وعي خلاّق، فمتى التمسنا الولوج إلى عالم الإنسان بغير هذا المفتاح، ضللنا الطريق، وفقدنا الأداة، وتعثرت الجهود. حمزة شحاتة جعل من التعرية والتجريد مذهباً في حياته لأنه لم يرد أن يكون زعيم القبيلة، وإنما أراد أن يكون قديسها و ((الفرق بين زعيم القبيلة وقديسها أن الأخير مطالب دائماً بالتزام الحقيقة والتجرد)) (2) . التجريد نظرة حيادّية فاحصة، لا تكون إلاّ لمن يستعلي بذاته وفكره على القيود المكبلة، والقوالب الجاهزة، وهؤلاء هم المفكرون ((لا تكون النظرة إلى حقائق الحياة والفكر خالصة إلا من أناس يرون أنفسهم فوق قيودها وقوالبها، وهؤلاء يدعون بالمجانين تارة، وبالفلاسفة وقادة الفكر تارة..)) (3) . “ والصرامة والحدس ” جعلتا من حمزة شحاتة فيلسوفاً ومتذوقاً وناقداً في آن واحد - بمعزل عن أنه كان مبدعاً للجمال - فهو فيلسوف حين يتأمل، ويفكّر، ويحلّل، ومتذوق عندما يستمتع بما ينطوي عليه الجمال من سحر وإبداع، وناقد إذ يبحث عن القيمة ويتحدث في التقويم.   (1) نفسه ص 64. (2) رفات عقل ص 96. (3) الرجولة عماد الخلق الفاضل ص 22. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 38 والإدراك الجمالي لدى حمزة إدراك متوازن، فمع أن موقفه أولاً “ موقف جمالي ” يتأمل ويحلّل ويتذوق ويحكم، فإن الموقف عنده يترامى إلى آفاق أخرى، تجعل من الجمال “ قيمة نفعية ” تزرع الفضيلة، وتثري العقل والوجدان، فالجميل ليس جميلاً لذاته فقط، وإنما هو جميل بما يحدثه من أثر، وهذا الموقف يقترب من موقف الناقد الإنجليزي ريتشاردز الذي يجعل من الخبرة الجماليّة قوّة منسقّة بين مجموع الدوافع المختلفة لدى الإنسان، مما يتولّد عنها شيء من اللذة والتوازن (1) خصائص الجميل: والجميل عند حمزة هو الذي تنفعل به النفس، فهو “ شعوري ذاتي ” وإن كان الموضوع باعثاً، وبهذا لا يكون الجميل ما تناسق وتآلف إذا لم يثر الشعور الجميل الذي نحسّ به، فالجميل “ إحساس داخلي ” وليس “ مادة متناسقة ” ولهذا لا يكون الشيء جميلاً عند من فسد ذوقه الجمالي، أو طمس الإلف محاسن الجمال في نفسه. والجميل يظل جميلاً ما كان قادراً على البذل وإنجاب الدلالات والقيم، فالزمن جزء من حقيقته، أما حين تستصفي النفوس معانيه، فإنه ينفصل عن الزمن ويصبح قطعة أو فكرة بالية غير قادرة على التجدد والإثارة، وهذا هو الموت وتوقف الحركة.   (1) القيم الجماليّة، الدكتورة راوية عباس عمارة، الاسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1987 م، ص 193. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 39 والجميل كمال بلا نقص، فصفة الكمال نجد حمزة شحاتة في كل تأملاته في الأدب والكون، وفضائل النفس، والمكان حريصاً عليها وإن كانت هذه الصفة لا تكاد تتحقّق، ولكن قيمتها تكمن في أنها أمل ممطول ((فما يزال الكمال نشيد الحياة الممطولة، ووهمها الذي تنساق أبداً في طلابه. ومادامت مراحل الحياة تمتد ولا تنتهي. وقوافل الأحياء تسير ما يثقل خطاها الزمن الجاهد. ومادام التغيّر الدائم دأب الحياة وسبيل فيها، فهل تقول: إن شيئاً كمل، قبل أن يوفى على غاية ما ويبلغ تمامه؟)) (1) . “ البحث عن الكمال ” كان مطلباً جمالياً عند حمزة كما كان غاية حياة عند حمزة شحاتة، يقول عنه صديقه عزيز ضياء ((إن خصيصة حمزة شحاتة التي تبدو خليقة من خلائق العبقرية النادرة، هي القدرة على إتقان ما يولع بإتقانه، بحيث لم يكن يرضى قط إلا بأقصى مراتب التفوق فيما يعنّ له أن يُعنى بمعرفته ودرسه)) (2) . وقد ذهب الدكتور الغذامي إلى أن عقدة “ الناقص ” تستحوذ على فكر حمزة وسلوكه، وتقلق روحه، فتحركها لطلب الكمال، ولكنها لا تصل إليه، ولا تسلم من ارتكاب الخطيئة، وهذا سبب شقاء النفوس العظيمة التي ترى النقص، وتفلسف الكمال، وفي غفلة من وازع الكمال تقع في الخطأ (3) .   (1) الرجولة عماد الخلق الفاضل ص 21، ص 22. (2) حمزة شحاتة قمة عرفت ولم تكتشف ص 85. (3) الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية قراءة نقدية لنموذج إنساني معاصر، الدكتور عبد الله الغذامي، جدة: النادي الأدبي الثقافي بجدة، ط1، 1405 هـ / 1985 م، ص 202، ص 203. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 40 فالعلاقة بين التفكير الجمالي عند حمزة وخبرته بالحياة علاقة وطيدة، بل إننا لا نكاد نفهم أبعاد التفكير الجمالي عند حمزة شحاتة بمعزل عن معرفة حياة هذا المفكر، وما صادفه في رحلته من المتاعب والمشكلات، التي أذكت لديه روح القوّة، وعشق الجمال في سموّه، وقدرته على التأثير في سلوك الأفراد والمجتمعات (1) . مجالات الفلسفة الجماليات 1 - جماليات البيان: أ - الأدب: يشكل البحث في جماليات الأدب محوراً مهماً من محاور فلسفة الجمال عند حمزة شحاتة، كشف من خلاله عن مادة الأدب، وأجناسه، وموضوعاته، وعرض لماهية الشعر وبواعثه وأغراضه كما يتصوّرها من منظوره الجمالي. مادة الأدب: ينطلق حمزة شحاتة في فلسفته من وعي دقيق بجماليات اللغة الأدبيّة يربط فيه الأدب بالفنون التشكيلية وفن المعمار، فإذا كان ((الحجر مادة البناء الأول)) (2) ، فإن ((الكلام هو وسيلة التعبير عن أغراضنا، وأداة تشكيلها، وتصويرها - فهو بهذا - مادة البناء الأولى في مطالب النفس، والفكر)) (3) . هذه المادة “ الحجر ” يمكن أن تكون ملاذاً للإنسان حين يشكل منها منزله الذي يأوي إليه، ويحتمي به، وهنا تكون القيمة بسيطة، والغاية محدودة، وحين يترقى الوعي، ويتجاوز الإنسان المطالب الضرورية إلى الكماليات يتحوّل الحجر إلى غاية أسمى حيث يصنع به الإنسان ((منزلاً متكامل الصورة في النفع، والتناسق، والوثاق على نحو أوسع، استيعاباً للمطالب المتطوّرة)) (4) .   (1) المرجع نفسه ص 194 وما بعدها. (2) رفات عقل ص 24. (3) نفسه ص 24. (4) نفسه ص 24. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 41 وقد يتخطى الحجر هذه القيمة الجمالية إلى منزلة أسمى حين يكون مادة في يد الفنان “ النحات ” الذي يشكّل منه نحتاً فنيّاً يتخطى به المنفعة وجمال الشكل إلى جمال المعنى ((النحات يصنع منه التماثيل، والزخارف، وفاتن الأشكال، لا يضع فيها دقة الصناعة، وجمالها، والنفع.. بل المعنى والفكرة، ورمز الفن وتعبيره، وأثرها في الخيال. فصناعة النحت أتاحت للحجر تعبيراً أرقى من تعبيره في المأوى الحاجيّ، وفي المنزل الكامل)) (1) . والكلام بوصفه مادة البناء الأولى، وأداة التعبير عن الأفكار والمشاعر يترقّى في سلم الجمال بترقي الخطاب الذي تشكل من تلك المادة، المتحدث العادي يصنع به “ صور أغراضه ومراميه وشعوره ” (2) ، فتكون الغاية من توظيف هذه المادة التواصل مع الآخرين وهي أدنى غايات الكلام وأقلّها جمالاً، ((ويصنع به الخطيب والكاتب وسيلة التأثير والاستفزاز، والاستهواء وترسيخ الغرض، وتوكيد الطلب، وعرض الفكرة، والدّعوة إليها)) (3) . وهنا يدخل الكلام عالم الأدب فتكون الغاية الإثارة والإمتاع، وليس التفاهم والتواصل؛ لأن الخطيب والكاتب لا يهدفان إلى توصيل الفكرة، بقدر ما يهدفان إلى التأثير بها، واستمالة القلوب إليها ((ويصنع به الشاعر كل ذلك أو بعضه في صور أعمق فنيّة، وأوضح مثالية، وأفصح جمالاً، وأروع فتنة)) (4) . وهذه الفتنة هي الغواية والسحر الحلال الذي يمثل أرقى صور الجمال حيث يكون الكلام متبوعاً لا تابعاً، لما ينطوي عليه من قيم الجمال، وسحر البيان الذي يخيّل للإنسان مالا يتخيّل فيخلب لبّه، ويسحره، ويطهّره من أدرانه.   (1) نفسه ص 24. (2) نفسه ص 24. (3) نفسه ص 24. (4) نفسه ص 24. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 42 وهذا الترقي الجمالي في وظيفة “ الحجر ” والكلام يجب أن يكون معلوماً للمتأمل في الجمال، فالمنفعة والمتعة أمران مختلفان في الحكم الجمالي ((والناس لا يطلبون في المأوى الحاجي مالا يحققّه إلا المنزل المتكامل، ولا في المنزل المتكامل - من حيث توسع أغراض الصناعة والارتفاق - ما يطلبونه في صناعة النحت التي تستهدف التعبير الفني عن الفكرة فهم أيضاً لا يلتمسون في الخطيب ما يلتمسونه عند الكاتب، ولا عند الكاتب ما يلتمسونه عند الشاعر. فالشاعر إذن صاحب صناعة فنية، مثالية، رفيعة تتصرّف بمادة البناء الأولى في أبنيتها، وصورها تصرّفاً أوسع مدى من تصرّف المتحدث، والخطيب والكاتب)) (1) . لكن جمالية الأدب أو أدبيته التي تجعل منه كلاماً له خصوصيته في التشكيل والرؤيا، وتضمن له التأثير والإمتاع والإغواء لا تعني عند حمزة شحاتة ألاّ يكون للأدب رسالة فالجمال والوظيفة لا يتنافران. ((الأدب في خدمة المجتمع لا يكون ولن يكون أدباً متجرّداً من جمال الفن وفن الجمال. إن الإنسان هدف الوجود، وغايته ومغزاه، والإنسان وعلاقاته بالطبيعة مجتمعين أو متفرقين هدف الأديب والفنان)) (2) .   (1) نفسه ص 25. (2) رفات عقل ص 22. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 43 فالأدب لا يُعَدّ أدباً حين يتشبث بالمقوّم الجمالي ويستوفيه، ولا يكون أدباً بسمو وظائفه، ونقاء مضامينه، فهناك يكون شكلاً جمالياً خالياً من الروح، وهنا يكون مضامين باردة، ووظائف عارية لا يسترها الفن بشفافيته الساحرة، وإنما الأدب هو جمالٌ في الشكل وجمالٌ في المضمون، وتناسب بين الجمال الجسدي والجمال الروحي وهذه “ الوسطيّة الجمالية ” ذخيرة من ذخائر تراثنا العربي الذي يتأسس فيه الوعي الجمالي على تصور كوني خالد للوجود لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولهذا يجعل الأدب ضرباً من “ الجهاد ” يقول: ((أيها الأديب الذي يظنّ أنّ ما وهبه الله من إدراك ويقظة، حقّه لاحق الأمة عليه، ولا أمانتها عنده، الأدب نصيبك من الجهاد فاصدع به وتصبّب عرقاً للأمة التي ما بلغت بك الرشد على ضعفها، حتى تصبّبتْ عرقاً، كن لنفسك قليلاً، ولها كثيراً واستح)) (1) . الموضوع الأدبي: وهذا “ الجهاد الثقافي ” الذي يشكل الأديب إحدى ترساناته يجعل الموضوع الأدبي مُلْكاً مشاعاً للأديب ولغيره من الناس، لكنّ عبقريّة الأديب تكمن في قدرته على إضفاء مسحة من الجمال الأدبي، على موضوعه والارتقاء به إلى الأدب في خصوصيته، ولهذا لا فرق عنده بين محام وأديب وصحافي إلا بالإجادة والإتقان ((ولست مؤمناً بالفكرة القائلة إن للأدب مواضيع محدودة إذا تجاوزها الكاتب إلى غيرها خلعت عنه سمة الأديب، واعتبر أن بعض مذكرات المحامين ومرافعاتهم من أرفع النماذج الأدبيّة وليست المحاماة أقرب إلى الأدب لأي سبب من الصحافة)) (2) .   (1) الرجولة عماد الخلق الفاضل ص 102. (2) المرجع نفسه ص 19. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 44 والأدب الجميل لابد له من خصوصيّة تميزه عما سواه، وتدلّ عليه لكن أدبنا السعودي – بمنظور حمزة شحاتة في زمنه - ليس له أي خصوصية ((أو حتى شخصية بينة المعالم)) . والسبب في ذلك ولعنا بالاقتباس، وتعرّضنا لسيل متدفق من الهجرة لا يساعد على تشكيل خصوصيّة في الأدب، فنحن - عنده - في “ دور التكوين ” وهو دور سيطول كما يقول (1) . ولكنّ الواقع الأدبي المعاصر تجاوز هذا الدور واستطاع أدباؤنا أن يشكلّوا خصوصيّة للأدب السعودي تربطه بقدسيّة المكان، وعظمة الإنسان مع استمرار سيل الحراك الاجتماعي، وتنامي حركة المثاقفة مع آداب العالم وثقافاته المتعدّدة. “ ودور التكوين ” الذي يتحدث عنه حمزة شحاتة كان صوتنا الأدبيُّ فيه خافتاً مع وجود أدباء وشعراء كبار لا يقلّون إبداعاً عن معاصريهم من أدباء وشعراء العالم العربي والسبب في ذلك لا يكاد يخرج عن غياب “ الخصوصيّة ” التي أشار إليها وهي ما يسميه “ بالخبطة ” التي لم تتح لأحد مبدعينا، و “ الخبطة ” الأدبيّة تكمن في “ عنصر الإثارة ”، ((إن فقدان عنصر الإثارة والعنف، والانطلاق إلى الأجواء العليا، أو التردّي في الأغوار السحيقة هي السبب في عجز آثار شعرائنا الجياد عن الحركة والتطويف)) (2) . فغياب هذا العنصر الجمالي “ الإثارة ” هو الذي جعل أدبنا يقف في صف واحد مع أدب الأقطار العربيّة الأخرى، ومع صحة دعوى حمزة هذه، فإنّ هناك لعبة ثقافية لم تزل تتجدّد في ثقافتنا العربيّة وهي لعبة “ المركز والأطراف ” فهناك بلدان ثقافية عربيّة تحتكر “ المركز ”، وتنظر إلى أدب وثقافة الأوطان الأخرى نظرة منحازة إلى الذات، الأمر الذي يطمس الخصوصيّة، إن لم نقل يلغي الوجود الثقافي برمّته كما يحدث مع “ المثقف الخليجي ” المعاصر، وهناك “ مجاعة أدبية ” تضرب بأطنابها على إعلامنا الداخلي، حيث لم يقم بدوره المأمول تجاه خدمة أدب بلادنا. جماليات التلقي:   (1) نفسه ص 16. (2) نفسه ص 23. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 45 وحين يعرض حمزة شحاتة “ لجماليات التلقي ” يصوّر الواقع الثقافي تصويراً مؤلماً فتنقلب فيه نظرية الاتصال رأساً على عقب يصبح فيه الطالب مطلوباً، والمطلوب طالباً ((من الحقائق المحزنة أنّ حاجة الكاتب إلى قرّاء أكثر من حاجة القرّاء إلى كاتب، ولا يبدو أنّ هناك أملاً في أن يتغير وضع هذه العلاقة في بلادنا)) (1) . هذه المعادلة المقلوبة تثير إشكالية متجددة هي العلاقة بين الكاتب والجمهور، الكاتب الذي يطمح إلى الارتقاء بوعي المتلقي، والمتلقي الذي يستعبده الإلف، وتقيّده الأعراف، وحمزة شحاتة لا يتوقف عند هذه الإشكاليّة فيتخطاها إلى البحث في “ سيكلوجيّة الجمهور ” وسيكلوجية الكاتب ((الجماهير من الوجهة النفسيّة والعاطفية والعقلية أيضاً كالأطفال في حُبّ عناصر الإثارة والتغيير، والانفعال بمظاهر البطولة والانتصار، وارتقابها بحماس، وفي فقدان القدرة على تمييز المعقول، واللامعقول، والممكن والمتعذر)) (2) . هناك أفق توقع لدى الجماهير ترسخ في الذهن، أملته ثقافة العادة، هذا الأفق مبنيٌّ على “ وعي طفولي ” مولع بالإثارة والتغيير أيّاً كان، ولهذا تغيب فيه صفة “ الغربلة ” و “ التمييز ”، ويختلط الجيد بالرديء والمعقول باللاّمعقول. فحمزة شحاتة يبحث عن “ متلقٍ حاذق ” يعي شرائط الجمال، ويتعاطاه من جهته، فيتأثر به، ويضفي عليه دلالات جديدة. والجمال الأدبي بحاجة إلى هذا المتلقي الذي يتعاطف مع النص، ويستغرق فيه، ليكتشف خصوصيّته، ويمنحه حضوره؛ لأن المتلقي الحاذق يحيي النَّص ويغنيه عندما يضفي عليه دلالات ربّما لو سئل المبدع عنها لم يجد جواباً، وقد عنيت المناهج النقدّية بهذه القضيّة حتى نشأ في النقد الحديث اتجاه نقدي يعرف “ بجماليّة التلقي ” يبحث في النَّص من جهة متلقيه الذي يعدّ بمثابة الركيزة الأساسيّة في هذا المنهج. الغموض:   (1) نفسه ص 76. (2) نفسه ص 77. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 46 أمّا “ الكاتب ” مع قرائه فهو أحد اثنين إمّا أن يكون مفهوماً، وإما أن يكون غامضاً فحين يكون مفهوماً وواضحاً بدرجة تحرك العواطف، وتثير الحماس، يحتاج إلى طريقة خاصة كطريقة العرَّاف في استحضار العفاريت والأرواح الشريرة، لأنها الطريقة المناسبة لغريزة الجماعة المولعة بالاستسلام للأوهام (1) . وحين يكون غامضاً ومداوراً فهذه “ خطيئته ” في نظر الجماهير ((لأنهم يجهلون أن القلم شيء، والهراوة شيءٌ آخر)) (2) ، على أن الدوران كثيراً ما يكون نتيجة “ أزمة تعبير ” أدركها حمزة شحاتة وهو أحد صناع الأدب ((إنيّ، ككاتب قديم، لا أجد في أكثر الأحيان الكلمات التي تعبر تعبيراً مباشراً، أو جليّاً عمّا أريد الإفضاء به الكلمات التي تحمل التأثير وتنقله.. هذا ما نسمّيه بأزمة التعبير)) (3) . ويكون سبب الغموض في بعض الأحيان عند الكاتب الهارب من سلطة الوضوح “ استراتيجية كتابيّة ” يهدف الكاتب من خلالها إلى أن ((يعطينا جرعة أكبر من التنبيه، والالتفات، واليقظة، وحدّة الشعور بأغراضه)) (4) . أي أن الغموض إنما كان مطلباً للوضوح بمعناه “ الجمالي ” حين يكون الكلام فصيحاً في التعبير عن المشاعر والأفكار، وهذا أمر استوقف البلاغيين والنقاد العرب في فلسفتهم الجمالية للغموض حيث جعلوه مع الوضوح وجهين لعملة واحدة، لا يوجد أحدهما بمعزل عن الآخر. الكاتب إذن يعيش مشكلة في كلا الحالتين عندما يكون أكثر أو أقلّ ذكاءً من قرّائه، فهو في “ أزمة تعبير ” خانقة، إما نتيجة لعبقريته ورؤيته الاستشرافية، أو بسبب انسياقه وراء “ عقلية القطيع ” التي أدمنت الاسترخاء الذهني، والكسل العقلي، والوقوف عند ظواهر الجمال. رسالة الأدب:   (1) نفسه ص 76. (2) نفسه ص 77. (3) نفسه ص 77. (4) رفات عقل ص 77. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 47 حمزة شحاتة انطلاقاً من وعي برسالة الأدب والأديب معاً في تنوير هذه العقليّة، والارتقاء بوعيها الجمالي، يرفض “ التهريج والاجتذاب ”؛ لأن العلاقة بين الكاتب وقرائه ((ليست علاقة الحبيب بحبيبه، ولا هي علاقة الخادم بسيده)) (1) ، ولهذا يضحّي بالعلاقة في سبيل الفنّ، أو لنقل يقدّم “ أدبية الأدب ” على “ غاية الأدب ” لفئة متبلّدة الحسّ. إن حرص الكاتب على العلاقة الحميمة بجمهوره قد تؤدي إلى ابتذال جماليات القول في سبيل استرضاء الجماهير؛ وهذا كفرٌ بجماليات القول، وبرسالته ((فإن كنّا لا نكتب إلاّ لأوساط الناس فقد وأدنا خير عناصر الجمال، وأقوى وأحفل معاني الفكر والنفس، ولم يكن أثر جهدنا المبذول أكثر من متعة يزجى بها الفراغ، ويتاح اللهو للنفوس الراكدة والعقول المهمومة)) (2) . ولهذا كان حمزة شحاتة أحد المشتغلين “ بإقلاق النوم العام ”، الذين استنّوا في الكتابة سبيلاً خاصاً جوهره “ الإقلاق النفسي ” للناس في معتقداتهم الفكريّة والجماليّة، فاتخذ من لغة الهدم سبيلاً للبناء مخالفاً بذلك الأعراف الأدبيّة الشائعة ((وشأن الأديب في العرف أن يضاعف محاسن الحياة، ويزيد الشعور بمسرّاتها، لا أن يمسخ صورها الجميلة، ويهدمها، ولكن هل يسع كل أديب أن يكون هذا مذهبه، فذاك حيث ألقى الناس كما لقيتهم بجديد هو لغة الهدم والبعثرة والإقلاق في نفوسهم ومعتقداتهم الفكرية، ولغة البناء في منطق فكره واعتقاده)) (3) . ب - الشعر: ماهيّة الشعر:   (1) حمار حمزة شحاتة ص 81. (2) المرجع نفسه ص 77. (3) نفسه ص 79. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 48 والشعر هو أرقى فنون القول، وأعلى مراتب الكلام، إنه ((كلام وصناعة وفن)) . لكنه ليس أيّ كلام وأيّ صناعة وأيّ فن إنه في جميع هذه الصور ((الترف الحافل بمعاني القدرة المعبّرة، وذخائرها النفيسة في أبهى الحلل والأثواب حتى بساطته - وهي من أسمى صفاته وغاياته - إنما تكون ترف البساطة الفنيّة بالمذخورات، لا فقرها العاري أو المتكلف)) (1) وتعريف حمزة للشعر أو وصفه له لا يفي بشرائط الشعريّة مع دقة حمزة شحاتة في عباراته، وتأملاته؛ لأن الشعر كائن يستعصي على الوصف، ومع هذا إذا وضعنا هذا الوصف في سياقه الثقافي والتاريخي الذي قيل فيه بدا أكثر وعياً بالشرائط الفنية للشعر من حيث هو “ تشكيل جمالي لغوي ” لاسيما في زمن المدّ الرمانتيكي الذي أغرق الشعر في دوّامة المشاعر والانفعالات الذاتية. والملاحظ أنَّ جميع الساخطين على تعريفات الشعر - بسبب من قصورها عن إدراك حقيقة الشعر - لم يستطيعوا أن يقدّموا البديل المناسب؛ لأن جمالية الشعر تظل مرتبطة بغموضه واستعصائه على التحديد. الأسلوب: والشعر لغة، لأن اللغة هي مادته التي يتشكّل منها، ومعضلة الإبداع تبدأ من صراع الشاعر مع اللغة فهو يستخدم اللغة التي استخدمها شعراء العربيّة قبله، بقوانينها الصوتية والصرفية والنحوية والدلاليّة. فلا يستطيع أن يبني له لغة خاصة في قوانينها ونظامها اللغوي ومع هذا فالإبداع لا يتحقق إلا ببناء لغة داخل هذه اللغة كما فعل شعراء العربيّة الكبار (2) . والأسلوب ((قوام الشعر كما هو قوام الغناء، أو كما هو قوام كل فاتن وجميل وقويّ ومؤثر في جملة ما يتوقف حصول تأثيره على اجتذاب الرغبة فيه، وإثارة الإعجاب به، وتحريك الميل إليه)) (3) .   (1) رفات عقل ص 25، ص 26. (2) الرجولة عماد الخلق الفاضل ص 30. (3) رفات عقل ص 29. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 49 ومفهوم الأسلوب عند حمزة شحاتة يعني “ منهج الفن الجميل ” في التعبير والتأثير، إنَّه ((فنّ القدرة على استخدام المظاهر، وتطويعها للتعبير عمّا ترمز إليه تعبيراً تنهض به الفتنة، ويستقيم التأثير. إن فن الحركة، وفنّ توزيع الألوان، أو الأنوار، والتصرّف في تسليطها، وتقدير نسب سقوطها على الأمكنة والأشخاص والمناظر والحالات، وفن تزويق الملابس بالتقصير، والتطويل، والتضييق، والإرخاء، والشدّ، واللّف، والضم والمواءمة أو المفارقة بين خطوط اتجاهاتها بالمعارضة والانحراف. إن كل ذلك أسلوب يصنع صوراً من الجمال أخاذة السحر والفتنة، تكبّر الصغير، وتجلو الغامض أو تكسب بالغموض المتوخى أسباباً مثيرة للافتتان.. أو تواري القبح، أو تصوغ بالمغالطة عن الحقيقة صواباً فنيّاً، يهزّ أو يحرّك الإقبال)) (1) .   (1) المرجع نفسه ص 30 وفيه بالغموض المتوخى، ولعلّها الموحي. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 50 هذا المنهج في الشعر ((هو شارة الحسن، وشياته في مثال الجمال - و صنعة الشعر الأولى، ومزيته، وأساسه، وقوامه)) (1) . فهو أشبه ما يكون “ بالخلقة الجميلة ”، وهنا تترأى الموازنة بين النص الشعري “ والجسد ” (2) ((إن الأسلوب قوام الشعر ومظهر غاياته ومقاصده وهو في هذا كالجمال تتهيأ له الوسامة والقسامة وحلاوة الشارة على قانون مقاييسها الجسدّية، ولا تتهيأ له الحركة والنبض والروح وتأثير انطلاق معانيه، فيكون جمالاً أسلوبيّاً تجتمع له أسباب القدرة ومظاهرها، ولا تتمّ له بها الغلبة والسيطرة على المشاعر والنفوس، ولكنه يظل جمالاً سليماً في القاعدة والتعريف، جمالاً يحرّك الإعجاب والميل إلى التأمل إن لم يحرك الرغبة ويبعث الصبوة ويثير الهوى، فهو بهذا خيرٌ من دلائل الحركة الباطنة، والنبض والمعنى، والتعبير الملحوظ في جسم متنافر التركيب، أو شاذ المقاييس أو مطموس معالم الوسامة)) (3) .   (1) نفسه ص 29. (2) تاريخ النقد الأدبي عند العرب، الدكتور إحسان عباس، بيروت: دار الثقافة، ط4، 1404 هـ / 1984 م، ص 257 في حديثه عن الحاتمي صاحب المقولة الشهيرة في تشبيه النص بالجسد. (3) رفات عقل ص 29. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 51 “ الجمال الأسلوبي ” في الشعر ((كالجمال الأنثوي)) في المرأة، يتفاوت في الدرجة، ويختلف في التأثير، لكن الجمال التام في الأسلوب، وفي الجسد لا يتحقق إلا بالانسجام التام، والتوافق الكامل، فيكون البناء اللغوي والرؤيا متلازمين في بنية محكمة، جيّدة السبك، متينة البناء، بالغة الروعة، ويكون الجسد مثالاً في تناسقه، واعتدال أعضائه، وتوافق زيّه وحليته، وحركته، وإلا كان الجمال ناقصاً، لانعدام التوازن بين مكوّناته. وربما كان جماله أدعى لاسترذاله لما فيه من تفاوت النسب، واختلال المقاييس، تصوّر مثلاً ((جمالاً توازنت فيه معنويات الروح المعبّرة المنطلقة، على مقاييس الجسد، وحسن شارته، ولكنّه فقد جمال الاتساق في التصرف، وبراعة الحركة في المشي والالتفات والإيماء والاستجابة أو فقد لبوس النشاط في استخدام المفاتن أو استخدام ما تدور عليه من انسجام الزينة والملبس! أفلا يكون بهذه العنجهية جمالاً يستثير العطف والرحمة والإشفاق أو ربما استثار السخرية، لما طرأ على جملة أسلوبه من النقص والاضطراب والمفارقة بسبب فقدان هذه العوامل التي هي أسلوب، أو تكميل له)) (1) . فلا يكون الجمال تاماً في “ المرأة ” حتى يجتمع “ جمال المظهر ” و “ جمال المخبر ” أو “ جمال الجسد ” و “ جمال الروح ” من جهة وجمال التصرّف من جهة أخرى، وهكذا النص الجميل لابد أن يتوافر فيه جمال الشكل والمضمون مع جماليات أخرى تتأسس على الوعي بالسياق الحضاري والثقافي وأحوال المخاطبين. أغراض الشعر:   (1) المرجع نفسه ص 30. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 52 وموضوع الشعر وأغراضه “ الجمال والتأثير وإبداع الصور.. ” والشاعر “ صانع جمال ” وبهذا الفهم الدقيق يتخطى حمزة شحاتة مقولات الأغراض الشعرية المألوفة من مديح وغزل وفخر، لأن هذه الأغراض تفقد الفن جمالياته، وتحصر الشعر في دوائر مغلقة فضلاً عن أنها لا تقف على حقيقة الشعر من حيث هو رؤيا استشرافيّة وتشكيل جمالي خاص. بواعث الشعر: أما بواعث الشعر فهي بواعث الحياة والكلام هو أداة التعبير عن هذه البواعث ووسيلة الاستجابة لها فعلاً أو كفّاً، فرحاً أو حُزناً. وبراعة الشاعر في تطويع هذه الأداة للتعبير عن تلك البواعث هو محك الشاعرية وميزان الحكم (1) . والشعر شبيهٌ بالغناء في الباعث، وفي غايات التأثير، من وجد باعث الشعر أنشد، ومن أحسّ بباعث الغناء غنّى، ويمكن للإنسان أن ينشد أو يغنّي لنفسه لكنّه حين ينشد أو يغني للناس فعليه أن يُطرب بالشعر أو بالغناء وإلاّ فقد مهابته، واستحق الذمّ والاستهجان؛ لأنه تعاطى مالا يحسن، وتكلّف مالا يطيق ولهذا لم يكتم حمزة شحاتة استهجانه لشعر من رفع عقيرته بالشعر من شعراء الحجاز وهو لا يحسن الشعر، حين كتب مقدّمة كتاب شعراء الحجاز لعبد السلام الساسي فقال: ((ومنهم مستحق الرثاء، ومنهم مستوجب التعزير، حتى يعلن التوبة من رفع عقيرته بمثل هذا الهراء … )) (2) .   (1) نفسه ص 26. (2) مقدمة شعراء الحجاز في العصر الحديث ص 14، ورفات عقل ص 26. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 53 هكذا يعود حمزة شحاتة بالشعر إلى أصوله الأولى حين كان حداءً للعيس، ونغماً على حركات الأيدي والأجساد ودلاء الماء، فالغناء مضمار الشعر. والمتأمل في شعر حمزة شحاتة يدرك ولعه بالغناء، حتى إن الإيقاع ليشكل في شعره طاقة شعرّية حافلة بالقيم الجماليّة الخلاّقة (1) . والغنائية التي يهدف إليها حمزة شحاتة لا تعني الانغلاق على الذات، فقد كان منفتحاً بشعره على العالم، متأملاً لكثير من أشيائه وكائناته تأملاً يكشف عن شاعرية مميزة يتجاوز فيها الفكر والوجدان تجاوزاً لا يتحقق إلا لكبار الشعراء فلا يكون الشعر مشاعر خاوية من الرؤية العميقة، ولا يتجلّى فلسفة عقلية ليس فيها من رواء الشعر شيء. وإنما يقصد “ جماليات الإيقاع ” وحضور الموسيقا في النص الشعري حضوراً خاصاً يجعل من النص الشعري إبداعاً في النغم الحاني كما هو إبداع في الرؤيا والتشكيل اللغوي. ولهذه الغنائية الحانية التي تنبعث من أعماق النفس ثم تعود إليها كان الشعر أحد عناصر الحياة إذ ((ليس من الممكن فقط أن يعيش الناس بلا شعر بل من المستحب..)) (2) . ولأن للشعر هذه القوّة السحرّية كان الشاعر مناضلاً بأغانيه يعيش في قلق دائم، وعذاب لا ينقطع، رغبة منه في تغيير الواقع ((السرّ في بلبلة الشاعر وعذابه، أنه يحاول تحويل الحلم إلى واقع، ثم تحويل الواقع إلى حلم)) (3) . وهذا الجهاد أداته “ الجمال ” فالشاعر يناضل بالجمال وللجمال متكئاً على رؤية صافية، وإدراك دقيق لما هو قائم ولما هو ممكن.   (1) الخطيئة والتكفير ص 290 وما بعدها. (2) رفات عقل ص 45. (3) المرجع نفسه ص 45. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 54 الشاعر يجاهد بجماليات القول لبناء قيم الحق والخير والجمال في حياة دائبة الحركة، كثيرة التغيّر في المشاعر والأفكار والقيم، ولهذا كان لابد له أن يتجدّد مع الحياة، فيخاطب الحياة بمنطقها والعصر بشفرته، والناس بلغتهم، فالشكل التقليدي للقصيدة العربيّة ومستويات المبنى والمعنى في النص الشعري القديم يجب أن يخضع لمنطق الحياة فيتجدّد، لأن قيم الحياة تبدّلت، ولابد أن تتبدل قيم التعبير ((لقد تغيّر كل شيء في حياتنا، حتى أحكام العقل، واتسع صدر الحياة لهذا التغيير، فلماذا يقف الشعر بقوالبه الجامدة، وحدوده المتصلّبة، لا يتغيّر مع طاقات الجيل الجديد، ومع مقاصده وأغراضه؟! ، وبدأت التجربة بين زحف ونهوض ... وأشهد أنها انطلاقة، إن دامت لها قوّة الدفع، خرجت بالشعر العربي إلى أوسع آفاقه وأجزلها عطاءً)) (1) . هذا حدس الفنان ورؤيته الاستشرافيّة، أدرك أن الوقوف في وجه التجديد - وهو من أكثر شعرائنا إحكاماً لشعره وعناية به - وقوف ضد حركة الحياة. وتحققت الانطلاقة، وفتح الشعر الحديث سياقاً جديداً في الشعر العربي ستكون له شفرته الخاصة، وهو ما تنبأ به شاعر كبير في منزلة حمزة شحاتة. ومع أن حمزة شحاتة يجعل الشعر مقوّم حياة، فإنه يرى أن الشعر الجميل الذي “ يرفع درجة الانفعال ” لم يعد الاشتغال به أمراً ذا جدوى، لأن ((تيّار الحضارة الآن مليءٌ بأسباب الانفعال، والإنسان في حاجة إلى ما يريح توتّره ويُرضي أعصابه، إن أية امرأة واعية تهزأ بأن تصنع فيها شعراً.. والشعر بلاشك، سذاجة إنسانية، لم يعد الاشتغال به معقولاً في عصر العلم، وما حققه من غرائب وملهيات، تغني عن كل شعر، وكل شاعر)) (2) .   (1) نفسه ص 17. (2) نفسه ص 16. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 55 وهذا هو الذي تعلنه شيئية الإنسان في العصر الحديث، وغرابة العلم، التي سلبت الشعر أعز ما يملك، لقد كانت غرابته أحد عناصر جمالياته، فماذا يقول الشعر في عصر الأعاجيب والغرائب، وكشوفات الفضاء والجينوم البشري والشبكة العنكبوتية، وكيمياء الفيمتو، والنينو توكنولوجيا. جماليات الإنسان الجمال أو الحسن يكون في الشكل والهيئة بتناسب الأعضاء كما يقول أبو البقاء الكفوي (1) . ويذهب صاحب الكليات إلى أن الجمال ((أكثر ما يقال في تعارف العامة في المستحسن بالبصر، وأكثر ما جاء في القرآن من الحسن فهو للمستحسن من جهة البصيرة)) (2) . وجمال الأعضاء المتناسبة عنده ((كمال الحسن في الشعر، والصباحة في الوجه، والوضاءة في البشرة، والجمال في الأنف، والملاحة في الفم، والحلاوة في العينين، والظرف في اللسان، والرشاقة في القدّ، واللباقة في الشمائل)) (3) . فهناك جمالان “ جمال بصر” و “ جمال بصيرة ” كما يعبر الكفوي ((جمال خارجي)) يرى بالعين، و ((جمال داخلي)) يرى بالبصيرة النافذة، ولاشك أن الجمال الداخلي أعظم من الجمال الخارجي يقول أبو حامد الغزالي: ((وهيهات فالبصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهر، والقلب أشدّ إدراكاً من العين، وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة للأبصار)) (4) . وإدراك الجميل واستحسانه مبني على التناغم بين النفس والعالم الخارجي أو الداخلي للأشياء والكائنات الذي يولّد اتحاداً بين الذات المدركة والموضوع الجميل.   (1) الكلّيات معجم في المصطلحات والفروق اللُّغوية، أبو البقاء الكفوي، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري، دمشق، ط2، 1982 م، 2، 256. (2) المصدر نفسه 2 / 256. (3) نفسه 2 / 256. (4) إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي 4 / 297 نقلاً عن العقل في التراث الجمالي عند العرب د. علي شلق، بيروت دار المدى، ط1، 1985 م، ص 190. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 56 يقول التوحيدي: ((إن من شأن النفس إذا رأت صورة حسنة متناسبة الأعضاء في الهيئات والمقادير، والألوان، وسائر الأحوال مقبولة عندها موافقة لما أعطتها الطبيعة، اشتاقت إلى الاتحاد بها، فنزعتها من المادة، واستبثتها في ذاتها وصارت إياها كما تفعل في المعقولات)) (1) . وأبو حيان يربط بين الخَلْق والخُلُق ((الخُلُق الحسن مشتق من الخلْق، فكما لا سبيل إلى تبديل الخلْق كذلك لا قدرة على تحويل الخُلُق، لكنه الحضُّ على إصلاح الخُلٌق وتهذيب النفس لم يقع من الحكماء بالعبث والتجزيف، بل لمنفعة عظيمة موجودة ظاهرة، ومثاله أن الحبشي يتدلك بالماء والغَسُول لا ليستفيد بياضاً، ولكن ليستفيد نقاءً شبيهاً بالبياض)) (2) . فالجماليّة تكون في الطبيعة، وفي الفن، والحُسْن يتحقق في الإنسان وفي المكان، وهذا بخلاف ما ذهب إليه فلاسفة الجمال في العصر الحديث حين قصروا الجمالية على الفن (فكانت) مثلاً يقول: ((تكون الطبيعة جميلة عندما يكون لها مظهر الفن، ولا يسمى الفن جميلاً إلا إذا كنا نعيه كفن، وكان مع ذلك يتردّى بمظهر الطبيعة)) (3) . ويقول هيجل: ((لا يبدو الجمال في الطبيعة إلا انعكاساً للجمال في الذهن)) (4) .   (1) الهوامل والشوامل لأبي حيان التوحيدي ومسكويه، نشره أحمد أمين والسيد صقر القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1370 هـ / 1951 م، ص 142. (2) الإمتاع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي، صححه وضبطه وشرح غريبه: أحمد أمين وأحمد الزين، نسخة مصورة عن طبعة لجنة التأليف والنشر بالقاهرة، بيروت: دار مكتبة الحياة بدون تاريخ 1 / 148، 149. (3) علم الجمال لدني هويسمان ص 197. (4) المرجع نفسه ص 197. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 57 فالجمال للفن فقط كما عبر “ كانت ” وما في الطبيعة من جمال إنما هو نتيجة للجمال الذهني كما ذكر “ هيجل ” وهذا فهم منحاز للفن وللعقل، وإلاّ فإن الطبيعة هي منبع الجمال، وقد يؤثر فينا الفن أكثر ممّا تؤثر فينا الطبيعة، ولكن لا يمكن تجريد الطبيعة من جمالها. كما أننا لا يمكن أن نجعل الجمالية من حيث هي علم خاصة بفلسفة الفن فالجمالية يمكن أن تكون فلسفة لكل جميل، وهذا ما قاله ادغاردو بروين ((إن الجمالية بمعناها الدقيق، تكمن في المعرفة المنشودة لمجرّد اللذة التي يتيحها لنا حدوث المعرفة بانصبابها على جميع الأشياء القابلة للانكشاف وعلى جميع الذوات القادرة على المعرفة الخالية عن الغرض، وعلى التلذذ بهذه المعرفة)) (1) . الجمال الإنساني في شقه الباطني أو “ جمال البصيرة ” كما عرفنا، منشؤه السلوك القويم، والتحلّي بالأخلاق الفاضلة في العلاقات الإنسانية. وهانحن نقف أمام هذا الجمال كما تصوره حمزة شحاتة، وكشف عن صورته في النفس الإنسانية، وفي المجتمع الإنساني وسيكون من خلال حديثه عن: أ - الأنا. ب - الآخر. أ – الأنا: صورة الأنا التي رسمها حمزة شحاتة لنفسه مليئة بالغموض، يختلط فيها الواقع بالأسطورة، فهو لا يكاد يعي نفسه ((عندما سألتني “ البلاد ” من أنت؟ ذهلت.. لأنني لم أجد في حياتي كلها، ما يعينني على أن أعرف من أنا؟! نعم وبمزيد من المرارة، والخجل، والحيرة، والضياع.. من أنا؟!)) (2) .   (1) نفسه ص 196. (2) رفات عقل ص 75. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 58 هذه الأنا “ المجهولة ”، غارقة في التأمل حتى في ذاتها. حياة مليئة بالتحوّلات، كرّ وفرّ، سيرٌ ووقوف، ((وحيث يتاح لي أن أتأمل ذاتي، أرى أنني أداة تملى عليها مقدرات حركتها وسكونها. لم أشعر قط، بتحرير إرادتي، وحين بدا للآخرين أنني اكتملت بحكم السن، واتساع أفق التجربة وجدت أن ما يسمى الإرادة فينا، ليس إلا حاصل ظروف، وعوامل ينسحق فيها ما هو ذاتي وداخلي، تحت وطأة ما هو خارجي، فإذا قلت الآن، بصدق إنني أجهل من أنا، أو ما أنا، فلأني لم أستقبل قط، ما أستطيع أن أسمّيه حياتي..)) (1) . ذات مطحونة كانت مشغولة بتحرير الإرادة، وما أن قطعت شوطاً في مضمار الحياة حتى تبين لها أن الإرادة انسحاق للذات تحت وطأة الآخر، وهذا منتهى الضياع استعداداً لمعركة لم تحدث، وعملٌ لصياغة كيان لن يوجد ((إني كنت كالجندي الذي قضى أيامه، ولياليه في الاستعداد لمعركة، لم يقدر له أن يخوضها، أو كالمتعلم الذي قضى شطر عمره للتخصص في مجال معيّن، وقضى الشطر الثاني عاملاً غير ثابت، في كل مجال غير مجال تخصصه هذا هو أنا..)) (2) .   (1) المرجع نفسه ص 12. (2) المرجع نفسه ص 12. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 59 كان حمزة رجلاً طِوالاً كما ذكر صديقه عزير ضياء ((فارع القامة، وثيق البنيان عالي الجبهة)) (1) ، وكان فيه جفوة كما يقول، ولهذا يشبّه نفسه بهول الليل، تلك الشخصيّة الأسطورية في الحكايات الشعبية في بلادنا ((بيني وبين هول الليل مُشابه. فأنا طويلٌ مثله، وفي طباعي جفوة ووعورة تصرف الناس عن الاطمئنان إلى عشرتي، فأنا وحيد مظلم النفس، انطوي منها على ما يشبه القبر العميق المهدّم، وفيّ ميلٌ إلى الصمت الطويل ولو أخذت لكنت أبكم ... وأنا حزين منقبض الصدر أحس دائماً بأنني غريبٌ في الحياة، أو عابر سبيل، أو متفرّج حيل بينه وبين ما يدور تحت أنفه من الحوادث، ويستفزني المزاح والمرح أحياناً فأسخر بالحياة، وأستجيب لبواعث السرور لحظات، وهذه اللحظات نادرة في حياتي الآنيّة ... وهكذا هول الليل ... وهول الليل لا ينزل إلى أذى الصغار إنما يعمد إلى الأقوياء فيخيفهم وهو كثير الإعجاب بمن لا يخافونه.. وبمن يسايرونه وينظرون إليه نظراتهم إلى شيء معقول)) (2) لا تقولي: أهواك، إن حياتي واقعٌ قاتم الظلال مخوف كان لي في الهوى ربيعٌ وولى وتلاشت أصداؤه والطيوف فأنا اليوم بين أطلال يأسي طللٌ للرياح فيه عزيف طللٌ موحش أفاح به الحزن وأرسى هذا الضباب الكثيف استقرت به رغائب روحي جُثثاً مُثلت بهن الصُّروف (3) لقد كان حمزة كثير التأمل والصمت وتمنى لو كان أبكم، لأن الواقع الذي يعيش فيه لا يمكن للغة أن تحيط به، ولكنه إذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع، فقد عرف عنه أنَّه كان يتحدث ويحاور لساعات طوال لا يملّ من الجدل والمقارعة، وهذا ما يعرفه هو عن نفسه (4) ، ويعرفه عنه أصدقاؤه حيث يذكر عبد الله عبد الجبار إنه ليظل يناقش عشرين ساعة بلا كلل أو ملل (5) .   (1) حمزة شحاتة قمة عرفت ولم تكتشف ص 12. (2) حمار حمزة شحاتة ص 23. (3) الديوان ص 50، ص 51. (4) المرجع نفسه ص 78. (5) نفسه ص 18. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 60 وحين نقف على نتاج حمزة الفكري والأدبي ندرك أنه نسيج وحده، في بلاغته وذكائه، ومع هذا يرى أن قلّة ذكائه هي مشكلته الكبرى فالذكاء ينقصه حين يكون الذكاء سلاحاً ماضياً في معركة الحياة، ولهذا كان يعتقد - كما يقول - بقدرته على التكيّف مع الحياة التي لا تلبي حريته ولا ترضي عقله، والذكاء في هذه الفلسفة الساخرة عند حمزة يعني “ التنازلات ” والكفر بالقيم والمباديء حين تتصادم مع المصالح، وهو ما يرفضه حمزة، ويضحي بحياته من أجله ولهذا فهو بحاجة إلى الضمير أكثر من حاجته إلى هذا الذكاء وكأنهما أمران لا يجتمعان ((حاجة الإنسان إلى الضمير تنتهي عندما يحصل على مقدار كاف من الذكاء)) (1) وقد يكون الذكاء مرادفاً للمجون وهتك الأعراض والبوائق ((إذا كان جارك ذكياً، وجب أن تكون دائماً على حذر)) (2) . وقد يكون موقف حمزة شحاتة من هذه الصفة مصادماً لكثير من المفاهيم، ولكنها الحقيقة، فالقيم في حركة دائبة، فالذكاء في عصرنا صار مرادفاً للنفاق الاجتماعي، والانتهازية، وتلوين المواقف، كما صارت الطيبة مرادفة للغباء والضعف، والدروشة. والصراع النفسي والقلق سمة في أدب حمزة وفي فكره وفي حياته، فهو في شبابه باحث عن المثاليات، وفي شيخوخته حالم بما فات. وحين يتوغل في ذاته، ويكشف لنا أعماقه يقول: ((أحسّ في قرارة نفسي، أني منطو على قطعة مجدبة جافة من الأرض، لا يرف فيها دليل من دلائل الحياة ولا تلح بمعنى من معانيها، وقد تضيق سبلها أحياناً حتى أشعر بانطباقها على جانبيّ ... )) (3) .   (1) رفات عقل ص 44. (2) المرجع نفسه ص 81. (3) حمار حمزة شحاتة ص 50. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 61 فهو يعيش ممزقاً بين عالمين عالم “ اليوتوبيا ” الذي يرسمه لنفسه، وعالم الواقع الذي يعيش فيه. في ليله أحلام وأفكار وأمانٍ وهموم، وفي الصباح حركة مجنونة، وواقع مشاهد يجر الحالم إلى أغلاله وقيوده، كأن هناك ناطوراً يحرسه بالليل من أن تطوف الأحلام برأسه - ومع هذا فهو يحلم ليهرب من واقعه، وحين تشرق الشمس يبدأ الواقع في المداهمة بجنوده وقيوده (1) . رأسٌ مليء بالهم والكدر والسهر المضني، ونفس كالمقبرة مليئة بقبور الذكريات، وسجين في سجن مظلم مهدّم تجرّه روح قديمة (2) . هذه المعاناة هي معاناة الكبار، وأحاسيس الفاتحين في معركة الحياة، لأن الحياة لديهم عطاءٌ وبذل وانتماء، وليست غدوّاً ورواحاً. وحين نتأمل سير العظماء نجد “ المكابدة ” والسهر، والتمزّق الداخلي زاداً يوميّاً لهم، غارقون في البحث عن حقائق الأشياء، مولعون بالمعرفة، لا يقتلهم في حياتهم شيء كما تقتلهم الجموع المنطفئة، والأحاسيس الميتة، والتدافع المحموم إلى توافه الحياة ونقائصها. ولهذا كان حمزة يُحسّ بواجب وطني كبير عليه تجاه وطنه، مع أنه لم يكن عالة على أحد، وإنما كان مواطناً باذلاً، مقاوماً لعوامل الضعف فهذا هو مبرر وجوده كما يقول (3) . وكان شاعراً وأديباً ومفكراً من طراز خاص، حين يذكر الشعر والأدب والفكر السعودي يظل حمزة في مقدمة مبدعيها ومع هذا كله يشعر أنه لم يقم بواجباته تجاه وطنه لا بوصفه مواطناً، ولا بوصفه مبدعاً (4) .   (1) المرجع نفسه ص 51. (2) نفسه ص 51. (3) رفات عقل ص 15. (4) المرجع نفسه ص 15. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 62 وهو في مزاجه الفني متجدّدٌ لا يقر به قرار ((وأنا ذو مزاج سؤوم، لا أدع الزمن يفجعني في طمأنينة شعوري بطرافة الأشياء، وأيّة حقيقة من حقائق الفكر، أو متعة من متعات الحس، أو طوبى من طوبيات الخيال الخلاّب يبقى لها جمالها على الزمن الماضي، أو يفض الختام كل يوم عن جمالها ومعانيه جديدة أخاذة؟)) (1) . هذا المزاج السؤوم ليس نقيصه، وإنما هو نتاج روح متجدّدة، وعقلية مولعة بالكشف والتمحيص والاهتمام، لا يغنيها جمال عن جمال، تترقى في مطالبها إلى أعلى درجات الكمال وإن كان الكمال لا يدرك، هذه النفس التوّاقة تحتاج إلى فنّ متدفق، يتجدّد في صوره وأشكاله وجمالياته في كل حين، ليظل حيّاً، وممتعاً، وقادراً على التأثير في هذه النفس الفيّاضة. ولهذا كان حمزة يرى أن أدبه لا ينتمي إلى أيّة مدرسة أدبيّة؛ لأن كل أثر أدبي عنده يعكس لوناً جميلاً خاصاً به يمكن أن يتصل بمدرسة ما، فهو “ مدارس في رجل ” وهذه هي العبقرّية، ((إن الانتماء الموسع اعتباري من الطراز اللامنتمي)) (2) ولم يكن حمزة شحاتة يتعاطى الأدب بوصفه وسيلة، وإنما كان يتعاطاه “ تنفيساً ” عن شعوره “ بمرارة العيش وحرارة القلب ” وما لبثت الممارسة أن استحالت إلى عادة (3) .   (1) حمار حمزة شحاتة ص 60، ص 61. (2) رفات عقل ص 13. (3) المرجع السابق ص 14. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 63 هذه هي “ الأنا الشحاتية ” كما صورها صاحبها، “ ذات محيّرة ” يتواءم فيها الغموض والوضوح، والواقع والأسطورة، واليقين والشك، وجماليات هذه الأنا لها نسقها الخاص، فإذا ما تجاوزنا جماليات الإبداع التعبيري الواصف لتلك الأنا، أدركنا أن “ جماليات هذه الأنا ” تكمن في نفيها لذاتها، فلم يغتبط صاحبها، وإنما كان يضعها على محك دقيق، وهذا أمرٌ قل أن يدركه كثير من الناس ((فالأفراد في كل المجتمعات غارقون في استسلام مفعم بالرضا والغبطة في الجانب الاعتقادي والعقلي والمعرفي، وهذه الغبطة هي العائق عن اكتشاف الفرد لذاته لأنه لم يدرك أنه يعيش استلاباً كاملاً، فهو يتوهم أنّه تام التفرد.. لذلك يندر في الناس من يخترق هذا العائق لأنه أصلاً لا يعلم بوجوده فلا يحاول اكتشافه فضلاً عن اختراقه)) (1) . لقد اكتشف حمزة شحاتة حقيقة نفسه، واخترق حجبها الكثيفة، فكان جمال هذه النفس - الذي يكمن في عبقرية اهتمامها وولعها بالمعرفة، وحبها للجديد، وسعة إدراكها، وإيمانها بنقصها، وتنكرها لعطاءاتها - بحثاً عن نفس أفضل، وعطاءٍ أكثر جمالاً، إنها ((النفس الفاضلة، في المدينة الفاضلة التي أتعب العظماء أنفسهم في البحث عنها، مع إدراكهم لثمن هذا البحث الشاق: وما أنا إلا ثائرٌ، فُلَّ سيفه وأسلمه الحامي، فأثخنه الطعن لقد عاد بي جُهْدُ السُّرى نحو غاية حرامٌ على طُلاّبها العيش والأمن (2) ب - الآخر:   (1) بنية التخلف، إبراهيم البليهي، الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية، كتاب الرياض، ط1، 1415 هـ / 1995 م ص 191. (2) الديوان ص 175. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 64 حمزة شحاتة “ عقلية تأملية ” لا يحب الوقوف عند الأشياء والأفكار وقوفاً عابراً، وإنما يحب أن يتأمل ويركبّ ويحللّ، ويغربل الأفكار، كما يغربل الناس. اتخذ من المراجعة الدؤوبة، والفحص الدوري للآخر منهجاً في الحياة فقام بفحص ذاته وتجريدها، وقدم لنا في “ النقد الذاتي ” فكراً نيّراً يدل على عظمة المفكر، في التحليل وفي مواجهة الذات ((ذلك الحقل المملوء بالصخور والشوك والعناء والمجهول)) (1) . الآخر خضع للفحص تحت منظار هذا المفكر الكبير، وعبّر عنه بلغة أدبية بديعة التصوير والتصوّر. والآخر عنده. 1 - الفرد: يغلب على نظرة حمزة شحاتة للآخر الفرد التنافي والنبذ والازدراء لا لشخصه، وإنما حين يكون ميت الهمة، سيء الخلق، ضامر الوعي، ولهذا يأتي الآخر مبهماً فيكون اسماً للجنس، يضم تحته أنماطاً كثيرة مشاكلة له في الخصائص، فالنذل هو المخلص لطبيعته، العابد لغرائزه ومصالحه الخاصة ((ليس في الناس من هو أكثر إخلاصاً لطبيعته من النذل)) (2) النذل إذن هو الأناني الذي لا تعني الحياة عنده إلا “ الحقوق ” فقط، أمّا الواجبات فلا يعترف بها، والنذل ضعيف النفس، فهو منافق يدعي الذكاء؛ لضعف نفسه، ودناءة طبعه ((ما أروع النذل عندما يلعب دور الرجل النبيل المهذب أمام ضحايا نذالته على الأخص عندما يظنّهم لا يعرفون)) (3) .   (1) في النقد الذاتي ضرورة النقد الذاتي للحركة الإسلامية، خالص جلبي، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط3، 1405 هـ / 1985 م، ص 365. (2) رفات عقل ص 65. (3) المرجع نفسه ص 64. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 65 إن الإنسان يمكن أن يكون رجلاً صالحاً، أو قدّيساً - كما يرى حمزة - ويمكن أن يكون شيطاناً، والفرق بين الصورتين، درجة من الوعي تسمو بالإنسان إلى درجة الملائكة، أو تسقط به إلى عالم الشياطين والوحوش ((إن الإنسان ليس وحشاً خالصاً، كما أنه ليس على بعد ثابت من الوحش، أحياناً يدنو إليه أكثر)) (1) . والظروف تلعب دوراً مهماً عند حمزة شحاتة في التغيير السيكلوجي، فالإنسان ابن بيئته، ليس هناك إنسان صالح، وإنسان شريرٌ إلا بوسط اجتماعي يتحرك فيه، ويربيه على قيمه ((حتى الوحوش تحمل ذخيرة من الوداعة واللين أمام بعض الظروف)) (2) . هذا الإنسان الغاوي يبلغ به حمزة شحاتة درجة من السخرية حين يجعل من حق الشياطين أن تفتش عن سبب غوايتها لديه ((ربما كان من حق الشياطين أن تعتبر الإنسان مسؤولاً عن غوايتها ... قالت جنيّةٌ لزوجها أنت إنسان في شكل شيطان)) (3) .   (1) نفسه ص 89. (2) نفسه ص 89. (3) نفسه ص 65. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 66 لكن هذه الصورة تتبدل قليلاً حين يرسم صورة لصديقه الشاعر أحمد قنديل يختلط فيها الإعجاب بالسخرية، فأحمد قنديل شاعر له لسان ((ما يعجزه أن يحك به قفاه لو شاء)) (1) ، هاديءٌ يقضي في صفّه الدراسي أعواماً لا تندّ من فمه كلمة اعتراض، ((كاذبٌ ممعن في الكذب وما إخاله إلا كذبة تدفعها الحياة في شكل آدمي ليسهل تسرّبها إلى النفوس والأذهان، يكذب بعضه على بعضه، وظاهره على باطنه، فهو في مجموعه مثال للتنافر)) (2) ، وهو شاعر وكاتب من طراز نادر ذو فلسفة في إنكار الذات لو عرفت بين الناس لخلت البلاد من ثمانية أعشار الرذائل التي يولدها الغرور والجهل بالذات، بلديٌّ أصيل، وبلديته هي التي جنت عليه، وغمطته حقه (3) ، وفيه ((ميل إلى الابتكار والتجديد إلا فيما يتصل بمطالب جسده وعيشه فإنه رجعي إلى أطراف أذنيه ... وما فتيء قنديل بحاجة إلى ثورة إصلاحية تتناوله من جميع نواحيه الظاهرة، وتقوم بها مصلحة تنظيم مستعدة، وما نرى للبلدية عذراً في إغفال هذا الواجب، فسوف يجيء يومٌ يكون فيه الأستاذ قنديل جزءاً من تاريخ البلد، وجزءاً من تاريخ نشاطه الأدبي)) (4) . وتنجلي الصورة عن أجمل مظاهرها في“ شخصيات ثلاث ” رجل وامرأتان، هم معالي الشيخ عبد الله السليمان الحمدان أول وزير مالية في المملكة، وشيرين حمزة شحاتة ابنة حمزة الكُبرى، ونفيسة، أو غادة بولاق. صورة الشيخ عبد الله الحمدان “ صورة رجل عظيم ” يسوقها حمزة شحاتة مثالاً للعبقريّة ولكن ليتحدث عن سلوكها؛ لأن في ((نفس العظيم وسبيله في الحياة سراً خفياً من العبقرية الموهوبة يعجز عن إدراكه التحليل)) (5) . قيمة هذه الصورة الجميلة تكمن في “ وعيها الشمولي ” وقدرتها على “ التجديد والابتكار ” في ذلك كله، مع اتفاق تام بين “ المخبر والمظهر ”.   (1) حمار حمزة شحاتة ص 39. (2) المرجع نفسه ص 40. (3) نفسه ص 39. (4) نفسه ص 42. (5) نفسه ص 54. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 67 فهو عبقريٌّ في كل عمل يلجه، ((فهو في حفول نفسه بمعاني العبقرية الفياضة أكثر من رجل، وأكبر من عظيم، وما بالك برجل يأبى إلا أن يكون في كل أعماله معنى من الابتكار والعمل الجبار؟ ومعنى من الأمل المنظم، ومعنى من الطموح الزاخر؟)) (1) . كل هذا الإبداع يتجلى في ((وجه هاديء رصين الملامح، تترقرق فيه قوّة الأمل، وقوّة الإرادة، وقوّة الإيمان، وتجول مجالها في حواشيه الوادعة معان جذابة من اللطف، والكرم، واللين واتساع مدى الشعور، ومعان ناطقة تعبر عما يزدحم وراءها من ألوان العواطف والخوالج، والإحساس الدقيق لكل ما هو جميل وعظيم، وسويّ وفتان وقويّ)) (2) . اجتمعت الأضداد في هذه الصورة الجميلة. الظاهر هدوء كهدوء الفجر الحالم، والباطن كونٌ يعج بالحركة، وشعلة تتوقد، وتفكير لا تقف دونه الحواجز، واللسان سحر وفتنة تقتاد أعصى القلوب (3) . وعبقرية الرجل دليل عبقرية “ عاهل العرب الأكبر ” الملك عبد العزيز الذي أحسن الاختيار ((ولأن من حسنات عاهل العرب الأكبر عبد العزيز الأول، ما نراه اليوم من آثار بارزة في نهضة الشعب الكريم، وإصلاح سبيله في الحياة، فإن من أكبر الحسنات ولاشك أن يكون هذا الوزير الخطير، يداً عاملة لجلالته)) (4) . وقد كان من آثار عبقرية الحمدان التجديّدية، إقامة رصيف لبناء الجمارك، وإعداد مخازن محكمة للبضائع ارتقت بفنيات التخزين. ويربط حمزة التجديد في هذا المعمار بالوظيفة التي يؤديها، والأفكار التي يتأسس عليها فالفكرة قائمة ((على ترقية التاجر وتبديد شعوره بالغبن والإرهاق، وعلى التقريب الفكري بينه وبين أنظمة الحكومة ومقرراتها، ونصيب الفلسفة الإنسانية في هذا واضح بيّن)) (5) .   (1) نفسه ص 54. (2) نفسه ص 55. (3) نفسه ص 55. (4) نفسه ص 54، ص 55. (5) نفسه ص 56. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 68 الحمدان عبقرية إدارية تخطّت مفاهيم “ الإدارة الجامدة، إلى الإدارة بالأهداف ”، فكان وجوده دفعاً لعجلة التنمية، وتحقيقاً عملياً للمواطنة الحقة. لم يكن الحمدان مشغولاً بذاته، وإنما كان مهموماً بإنجازاته، وكانت إنجازاته دائماً مرتبطة بالخيريّة والنفع العام، وهذا هو الإيمان بقيمة التكليف وأهميته في صنع الشهود الحضاري للأمة، وهذا ما أدركه الحمدان وآمن به، وحقق به ما حقق من تميز ومكانة اجتماعية. وبهذا يكشف حمزة شحاتة عن أنَّ البناء الحضاري أساسه الإنسان، فما حدث للجزيرة لم يكن ليتحقق لولا توفيق الله، ثم حنكة القائد “صقر الجزيرة ”، الذي لمَّ الشتات، وأقام كيان الوحدة، وأسس لحركة التنمية، وقاد معركة البناء بالعقول المبدعة. وأما المرأة الأولى التي كان يرى فيها حمزة “ الأمل الممكن ” فهي ابنته شيرين التي تتجلى في رسائل والدها إليها، مثابرة، ذكية، مليئة بالطموح ومع كل هذا يظل يتعهدها برعايته ونصحه وتوجيهه، لتكون مثالاً للإنسان الصالح، المتطلع لغدٍ أفضل لا يعبأ بالعوائق، ولا يلين أمام الملمات (1) . وأما الأخرى، فهي نفيسة الفتاة المصرية الجميلة التي كتب فيها قصيدة نشرت في الديوان باسم نفيسة، ونشرت مفردة بعنوان “ غادة بولاق ” وقد أضفى عليها أسمى صفات الجمال، فكانت نفيسة نموذجاً “ للجمال الأعلى ” في المرأة كما يتصوره حمزة شحاتة، وقد امتلأت القصيدة بالتساؤلات التي بعثتها فتنة الجمال، فوقف الشاعر يتملى هذا الكيان الأسطوري وقفة المتسائل الذاهل: يا منحة النيل ما أحلى روائعه هل أنت من سحره أم قد تبنّاك وهل ترعرعتِ طفلاً في معابده أم كاهن في ربى سيناء ربّاك أم كنت لؤلؤة في يمه سُحرت فصاغك اليم مخلوقاً وأنشاك أم أنت حورية ضاقت بموطنها فهاجرته صنيع المضنك الشاكي فضمّك الليل في رفقٍ فهمت به   (1) إلى ابنتي شيرين، حمزة شحاتة، جدة، تهامة، ط1، 1400 هـ / 1980 م. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 69 حبا، ووثقت نجواه بنجواك أم أنت أسطورة قامت بفكرته تحوّلت غادة لما تمناكِ أم أنت من كرم ياخوسٍ معتقةٍ قد انتفضت حياة حين صفاكِ بل أنت من كل هذا جوهر عجبٌ قضى فقدرك الباري فسوّاك (1) 2 - الأسرة: الأسرة هي “ قاعدة الحياة البشرية ” (2) ، ولهذا فلابد أن تؤسس هذه القاعدة على أرض صلبة، حتى لا يتهاوى البناء ويتصدّع، واستراتيجية التأسيس تقوم على معايير ثابتة في اختيار العنصر الآخر الذي يشارك في بناء هذا الكيان، تضمن - بمشيئة الله - التناغم والانسجام وتكفل قوة البنية، وتطاول البناء. وحمزة شحاتة أقام كيانه الأسري “ ثلاث مرّات ” ولكن الكيان يتصدع، مرة تلو أخرى، وليس مهمتنا هنا “ الحفر الأركيولوجي ” عن أسرة حمزة شحاتة كيف قامت؟ ولماذا دب الخلاف بين الزوجين في كلّ مرة؟ المهمة هنا تقتضي الكشف عن فلسفة حمزة الجماليّة في وصف هذه القاعدة، وتأمل ذلك البناء، كما عاشه وكما أبدعه فنّاً جميلاً. الشراكة التي عقدها حمزة شحاتة لبناء كيان أسرته كانت نتيجتها الندامة (( ... أما المتزوجون فندامتهم على الزوجيّة فقط)) (3) هذا الندم نتيجة فشل حمزة في مهمته، وهو فشل لا يجد له تفسيراً إلا سوء الطالع ((لقد تزوجت ثلاث نساء على التعاقب، وأنا الآن أعزب، وولد لي من إحداهن أربع بنات باطراد، وبنت من الأخرى، وبقيت وحدي المسئول عن خمس بنات محرومات من الأمومة. أليس في حاجة إلى تفسير؟! إنّ حسن الطالع أو سوءه هو التفسير)) (4) .   (1) الديوان ص 56. (2) في ظلال القرآن، سيد قطب، بيروت، دار الشروق، ط7، 1398 هـ / 1978 م 1 / 574. (3) رفات عقل ص 37. (4) المرجع نفسه ص 81. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 70 هذه الزيجات الثلاث كانت إشكالات مميتة ((الزواج الأول غلطة، والثاني حماقة، أما الثالث فإنه انتحار)) (1) ، وهذا الإشكال الذي وقع فيه حمزة ثلاث مرّات لا حل له إلا الموت أو الطلاق (2) ولأن حمزة لم يمت اختار الطلاق حلاً لذلك الإشكال المتكرر. إن الرجل أو المرأة عندما يتزوج أحدهما، فإنه يستجيب لنداء الفطرة، ويبحث عن السعادة والعفاف، لكن الزواج استحال عند حمزة إلى نكدٍ وعذاب دائم تظلّ جدران السجن أرحم من العشق والزواج ((حتى السجن أرحم من فتاة عشقتها، ثم حوّلتها حماقتك إلى زوجة)) (3) . لقد ضحى حمزة شحاتة بكل أمجاده في سبيل القيام بدور الأم في تربية بناتها عندما ذهبت لتتزوج، فلو قالت لبناتها: إنه شيطان لصدقت لسوء ما فعل، ولكنها ضريبة تلك الشراكة، حيث أمضى عمره “ مربية لخمس بنات ” (4) . الزواج لا يكون ناجحاً إلاّ بالتكافؤ الفكري على الأقلّ، وهذا المفكر يطلب طرازاً خاصاً من النساء يشاركه في أفكاره التي هي أقرب ما تكون إلى المثالية ولهذا لم ينجح، كان يطمح حمزة شحاتة إلى أن يجعل من بيته مختبراً لبناء الأفكار فلم تنم الأفكار؛ لأنها لم تجد قراراً مكيناً تتلاقح فيه مع أفكار مخصبة ((إن الزوجة الكاملة لا تقل قيمة عن اكتشاف علمي عظيم، فإذا جاء يوم تغدو فيه الحياة سخية بالاكتشافات العلمية العظمى، فإنه لن يأتي اليوم الذي تغدو فيه سخيّة بالزوجات الكاملات؛ لأن هذه سعادة لا يستحقها نقصنا البشري فيما يظهر)) (5) . من هنا كان الزواج “ همّاً وغمّاً ” ((الزوجة والأولاد غمٌّ في الليل، وهمٌّ في النهار)) (6) .   (1) نفسه ص 95. (2) نفسه ص 81. (3) نفسه ص 51. (4) إلى ابنتي شيرين، المقدمة ص 16. (5) رفات عقل ص 83. (6) المرجع نفسه ص 51. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 71 هذا الهم والغمّ سببه القصور الفكري والوجداني، أو “ صغر الكبار ” الذي يؤول بالسفينة إلى “ الغرق ” ((عندما يصغر الكبار فليس للأسرة أن تنتظر سوى الغرق)) (1) و ((صورة الكبير تصغر كلما قلّ نفعه للآخرين)) (2) . لقد احتفظ حمزة بحب أسرته ووضع ((ذاته وإمكانياته تحت تصرف الجميع لا يستثني أحداً إلا نفسه)) (3) ، ومع هذا فلم يستطع أن يحقق رغباتها فكانت النهاية و ((عندما يعجز رب الأسرة عن تحقيق رغباتها يكون موته أفضل)) (4) . لقد أنهار البناء ولم يبق إلا ضريبة “ المغامرة الخاسرة ” “ البنات الخمس ” اللاتي حاول حمزة أن يكون لهن الأب المثال، وظل يصارع المتاعب حتى سقط إعياءً، ولم آيبق سوى الأماني بتحقيق النصيب من العلم والمعرفة (5) . هذه أحلام المفكر، أن يعدّ الأبناء للحياة، لا أن يُعِد الحياة للأبناء لقد كانت إشكالية حمزة الكبرى هي نبوغه، وإشراق عقله في محيط لا يشاركه وجدانياً هذا التدفق ((والعقول التي تتوازن كفاءاتها في غير أجوائها هي خير العقول وأقواها وأتمها نضوجاً)) (6) . ولأنه كان يرى العالم حوله بمنظار أسود لما لقيه في أكنافه من ويلات، كان همّ تربية بناته عذاباً أبدياً ((لا تصدق أن هناك شيئاً أسوأ من أن تكون أباً لبضع بنات إلا إذا كنت لا تسمع ولا ترى ولا تشعر أو إذا كنت سوائياً تستوي عندك الأشياء مهما تناقضت وتباينت)) (7) .   (1) نفسه ص 78. (2) نفسه ص 79. (3) نفسه ص 79. (4) نفسه ص 78. (5) نفسه ص 23. (6) حمار حمزة شحاتة ص 53. (7) رفات عقل ص 94. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 72 لقد عانى من المرأة كثيراً، وابتلي بخمس فتيات أراد أن يصنع منهن “ المرأة النموذج ” التي يتمناها، وهنا تأتي مشكلة التربية وانعدام التفاهم بين عقليتين مختلفتين أبناء يريدون الانطلاق، وآباء يخشون من انطلاقهم عليه وينتصر المنطلقون دائماً؛ لأن الحركة أقوى من السكون، وهذه أكثر صور الشقاء شيوعاً كما يعبر حمزة شحاتة (1) . وبناءً على هذا يحذرنا المفكر الكبير: افهم أبناءك كما يريدون هم، لا كما تريد أنت، ((فبهذا يمكن أن تتذوق حلاوة حبهم واحترامهم، وإلا فليخطفك الشيطان ليلقي بك في أقرب مزبلة)) (2) . هكذا كانت حياة حمزة مع أسرته، كان الزواج يمثل قيداً لا يطاق فنفذ الصبر، وفارق زوجته الأولى، وبحث عن شَرَكٍ آخر فوقع فيه، فنفذ صبره مرة ثانية وثالثة ((الطلاق دليل نفاذ الصبر، أما الزواج مرة أخرى، فبرهان على عمى البصيرة)) (3) . لقد سئل العقاد عن سبب عدم إقدامه على الزواجه، فقال: خيّرت بين أن أكون زوجاً أو أكون رجلاً فاخترت أن أكون رجلاً، وحمزة شحاتة اختار أن يكون مفكرّاً حرّاً طليقاً لا يحدّه مدى ((الحب والمال والزواج أقدم أسباب التعاسة في العالم)) (4) . اقترن بالمرأة فلم يعش سعيداً، وإنما عاش فيلسوفاً. كان يرى حمزة شحاتة في الزواج قدراً محتوماً لا مجال للاختيار فيه ((ليس الزواج عملية اختيار إنه قدر)) (5) ، وهذا القدر المحتوم الذي يُقحم الرجل في هذا العالم هو الذي يجعل منه فراشة طائشة تدور حول النار حتى تحترق (6) ، يُعمي القدر بصيرته فيجّره إلى سوء العاقبة جاهلاً بمصيره الذي ينتظره ((أرحم تفسير لمن يتزوج أنه يجهل الخطر)) (7) و ((أشجع كثيراً ممن يقتل نفسه الرجل الذي يتزوج)) (8) .   (1) المرجع نفسه ص 97. (2) نفسه ص 98. (3) نفسه ص 99. (4) نفسه ص 58. (5) نفسه ص 73. (6) نفسه ص 73. (7) نفسه ص 63. (8) نفسه ص 63. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 73 والمرأة في “ جمالياتها ” العامة كائن بشري فيه ما يسر ومالا يسر ((في كل امرأة تسرك، امرأة أخرى تسوءك)) (1) ، وهذا يعني في ظاهره التوازن بين الجمال والقبح، ككلّ البشر، والمرأة خلقت من ضلع أعوج، ولهذا كان الهدي النبوي للعلاقة الزوجية عظيماً للاستعلاء على هذا التنابذ النفسي عند الشريك في الحياة الزوجية، فقد قال رسول الله (: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)) (2) . ما أن يبدأ شهر العسل أو “ فترة تخفيف آثار الصدمة ” كما يسميه حمزة شحاتة (3) ، حتى يبدأ الجمال يتكشف عن صورة غير مقبولة، فالمظهر أصباغ ومساحيق صار جمال المرأة معها مجالاً للشك، وفقدت بسببه المرأة سحر الأنوثة ((الذين جمّلوا المرأة بالوسائل الصناعيّة لم يفقدوها سحر الأنوثة فقط، بل جعلوا منها صدمة لعواطف الرجل وخياله)) (4) ، وانكشف عالمها فلم يبق فيها - بعد سفورها - ما يثير فضولاً، ويغري بمتعة الاكتشاف (5) .   (1) نفسه ص 55. (2) صحيح مسلم، الإمام أبو الحسين مسلم النيسابوري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، نشر رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية 1400 هـ / 1980 م، كتاب الرضاع باب الوصية بالنساء 2 / 1091. (3) رفات عقل ص 38. (4) المرجع نفسه ص 55. (5) نفسه ص 55. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 74 وأما المَخْبَر “ فعَالم ”من الشك والخداع والخشع، والرذائل. وتطغى على صورة المرأة “ الخيانة ” فهي تغمض عينيها لتستحضر صورة رجل آخر (1) ، و ((تبيت في هدوء مع صديقك الذي يمدّك بكل أخبارها)) (2) و ((لا تعرف للشرف والعفة معنى عندما تحب)) (3) وتحب لتتزوج وتتزوج لتحب، ولهذا يجعل من دقة الفطنة دعوة البدو المشهورة ((جعل الله ولدك من ظهرك)) (4) فهي ((دعوة تدل على دقة الفطنة لحرج مركز الرجل تجاه زوجته إذا قدر له أن يتلقى أبناءها باعتبارهم أبناءه)) (5) . وهكذا تتحول السعادة إلى شقاء “ واللباس ” إلى عُري، والسكن والمودة والرحمة إلى معركة دامية غير متكافئة ((المعركة الأبديّة بين الرجل والمرأة غير متكافئة ينتصر فيها الرجل باستمرار، ولكنه الضحيّة دائماً)) (6) . وينتهي الأمر بالطلاق وهو الذي يكون فيه الرجل الضحيّة ((سمعت أحدهما يقول: إنها تحبني وتخلص لي، ما في ذلك ريب ولكنها لا تقدم غذاءً لفكري وإحساسي بالحياة، فالعيش معها كزوجة لا يكون إلاّ محدوداً كعيش البهائم والحب وحده لا يستطيع أن ينهض بأعباء الدوام لعشرتنا. وقال الآخر: هناك من تلهب فكرك وإحساسك، ولكنها تهب قلبها غيرك، فهي صالحة لأن تكون صديقة أو حبيبة كل شيء إلا الزوجة المخلصة الأمينة فهل يكفيك هذا لدوام العشرة؟! وزفر الأوَّل زفرة كانت صك اعترافه بحيرته وقال: ألا ليت الزواج لم يكن ضرورّياً)) (7) . 3 - المجتمع: المجتمع ليس كتلة بشرية وإنما هو نسيج علاقات وفي هذا يقول مالك بن نبي ((المجتمع ليس مجرد مجموعة من الأفراد، بل هو تنظيم معين ذو طابع إنساني، يتم طبقاً لنظام معين وهذا النظام في خطوطه العريضة يقوم بناءً على ما تقدّم على عناصر ثلاثة: 1 - حركة يتسم بها المجموع الإنساني.   (1) نفسه ص 42. (2) نفسه ص 57. (3) نفسه ص 61. (4) المرجع السابق ص 62. (5) نفسه ص 68. (6) نفسه ص 59. (7) نفسه ص 82، ص 83. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 75 2 - إنتاج لأسباب هذه الحركة. 3 - تحديد لاتجاهها)) (1) . وبتناغم هذه العناصر الثلاثة “ الحركة ” و “ المنتج ” و “ المنهج ” يصنع المجتمع شهوده الحضاري، وبتنافرها ونشاز نغمها يظل راسفاً في قيود التخلف والتبعيّة. والمجتمع بوصفه “ شبكة علاقات ” كان أحد محاور البحث والتأمل في الفلسفة الجمالية عند حمزة شحاتة، حيث أعلن “ حرباً أهلية ” على “ عوامل القبح ” في المجتمع، وكان مناضلاً جعل من مقاومة الانحطاط رسالته الأولى، وكانت قيمته بوصفه أحد عقد هذه الشبكة أن يكون منتجاً وفعّالاً، وليس عالة عليه ((إن حياة المجتمع كالحرب تماماً لا عبرة فيها بما يسقط، ولكن بما يظلّ قائماً، ومع ذلك فإن كل شيء سيخبو وينطوي، إنني منذ ولجت باب العيش، وحتى هذه اللحظة، لم أكن عالة على المجتمع، ألا يكفي هذا، فوق أنّه مبرر لوجودي، أن يجعلني مواطناً أقاوم عوامل الانحطاط)) (2) . وحين يتأمل الصحافة السعودّية بين الماضي والحاضر يجدها صورة للمجتمع، حين تحوّل من مجتمع عشائري إلى مجتمع موحد على يدي الملك عبد العزيز طيب الله ثراه حيث ((تكامل عمران المدن، وامتدادها، وتكدس منتجات الحضارة وشيوعها، وتكاثر وسائل النقل، والمواصلات، وبروز معالم الحياة، وامتلاء المشاعر بها، والتعلق، والتململ، والصراع، تعبير عن توهج الرغبة في التخلص من آثار الشعور بالتخلف والإقبال الملتهب على أي منفذ من منافذ الحياة ... )) (3) لقد شهد حمزة شحاتة دخول المجتمع السعودي مرحلة الانطلاق الحضاري على يدي موحد الجزيرة، وأعجب بتلك القفزة الحضارية التي انتقل فيها المجتمع من “ قبائل متناحرة ” إلى “ دولة وحدة ”.   (1) ميلاد مجتمع، مالك بن نبي – الجزء الأول شبكة العلاقات الاجتماعية، ترجمة عبد الصبور شاهين، طرابلس، دار الإنشاء، طربلس، دار الإنشاء، ط2، 1974 م ص 15. (2) رفات عقل ص 15. (3) المرجع نفسه ص 20. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 76 وأبدى إعجابه بنماذج “ اجتماعيّة ” مضيئة، لها حضورها الفاعل في البناء الاجتماعي كصديقه أحمد قنديل، ومعالي الشيخ عبد الله الحمدان أول وزير للماليّة، لكنه لم يغفل عن ممارسات بعض “ القوارض الاجتماعية ” (1) بحسب تعبير مالك بن نبي التي تسعى إلى خلخلة النسيج الاجتماعي، والعبث بشباكه، وذلك من خلال ممارسات تغلب فيها الذات على المجموع، ويصبح الحق أولى من الواجب إن لم ينعدم الواجب ويختفي. إن الشهود الحضاري للمجتمع لا يكمن في تكديس منجزات الآخرين وإنما يكمن في الفعل الحضاري، والاندماج في شبكة المجتمع والعمل بروح الفريق (2) . لقد رأى كثيراً من القيم تنتحر تحت أهواء الذات ونوازعها، فالهجرة الدينية المتتابعة إلى المجتمع السعودي، وشيوع التواكل، والانطفاء الحضاري، وانعدام التجديد، وغلبة الرتابة قوارض اجتماعية ينبغي تتبعها والقضاء عليها حتى لا تخترم ذلك النسيج، وتمزق وحدته. ويُعدّ كتابه “ رفات عقل ”، ومحاضرته الشهيرة “الرجولة عماد الخلق الفاضل” بحثاً دقيقاً في هذه المسألة. 4 - الأمة: ((المعنى الاصطلاحي المتكامل للأمة يتضمّن عناصر أربعة: الأوَّل: العنصر البشري، والثاني: العنصر الفكري، والثالث: العنصر الاجتماعي، والرابع: العنصر الزمني. فالأمة مجموعة من الناس تحمل رسالة حضاريّة نافعة للإنسانية، وتعيش طبقاً لمباديء هذه الرسالة، وتظل تحمل صفة الأمة مادامت تحمل هذه الصفات، أمّا حين تفقدها فقد يطلق عليها اسم الأمة ولكنها لن تكون النموذج الإسلامي الكامل للأمة)) (3) .   (1) مخطط الانحدار وإعادة البناء، الدكتور خالص جلبي، الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية، كتاب الرياض، 1417 هـ ص 99، ص 121. (2) بنية التخلف ص 86. (3) الأمة المسلمة مفهومها، مقوماتها، إخراجها، ماجد عرسان الكيلاني، بيروت: العصر الحديث 1412 هـ / 1992 م، ص 20. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 77 والأمة الإسلاميّة تعاني نكوصاً في جميع مجالات الحياة وتفتقد لتكامل هذه العناصر الأربعة ولذا فهي تحتاج إلى وقفة جادة وشاملة لإعادة إخراجها، واسترداد دورها في الشهود الحضاري. وحمزة شحاتة كان أحد أدبائنا ومفكرينا الذين استوقفهم حال الأمة “شهود حضاريٌّ ” في الماضي و “ إفلاس حضاري ” في الحاضر. إن التنافر الذي يدب في التجانس التركيبي للحياة هو الذي يدفعها إلى الأمام، لكنه لا يفعل ذلك في أمتنا بوصفها جسماً اجتماعيّاً حيّاً (1) . ولهذا فالمآل هو الهلاك ((ينبغي أن لا نشك في مستقبلنا الاجتماعي كأمة كلما ارتفع ميزان الحضارة والتقدم الصناعي في الأمم البعيدة، لا معدى عن أن نرتدّ بدواً تضرب في هذه الصحاري المقفرة لتشارك الحيوانات حياتها)) (2) . وعلى هوان هذه الأمة ونكوصها الحضاري أنها ((كالمعدة القوية، تهضم كل شيء بسهولة)) (3) تهضم ما تحتاج إليه ومالا تحتاج إليه، وهذا الهضم المتكرر، يعلم الاستهلاك لا الإنتاج، ويقتل ولا ينفع، “ والمعدة بيت الداء ”، وهذا يعني أن “ الإنتقاء ” مبدأ حياة، وخيار وجود، ودليل وعي. هذه العلة تجعل سمة كل ((من يحلم بإصلاح هذه الأمة، أن يكون مفرطاً في التشاؤم إلا إن كان لا يعبأ بالخذلان)) (4) لقد أصبحت الأمة “ حيواناً بليداً ” حين فقدت شهودها الحضاري، ولا يعاب الأدباء - ومنهم حمزة شحاتة - في أنهم لم يستطيعوا ((تحريك هذا الحيوان البليد الذي تدعوه أمه؛ لأن هذا لم يكن ميسوراً لكرّة الزمن نفسه في ثلاثة عشر قرناً)) (5) .   (1) رفات عقل ص 47. (2) المرجع نفسه ص 47. (3) نفسه ص 49. (4) نفسه ص 48. (5) نفسه ص 46. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 78 لقد فقدت الأمة “ رشدها ” بعد معركة صفين (1) ، عندما بدأت أخلاق الأمة في الانهيار، وبدأت تطفو على الساحة أخلاقيات جديدة، وسلوكيات مغايرة لقيم الهدي الإلهي، ولهذا فنهضة الأمة لا تكون إلا بنهضة أخلاقيّة يعرف فيها الفرد والمجتمع الحقوق والواجبات، ويستشعر فيها كل فرد المسئولية، والأمة ((لا يمكن أن تنجح إلا بأخلاقها وتقاليدها النابعين من تاريخها وخصوصاً في هذا العصر)) (2) . هذه الأخلاق نتيجة تربية سليمة ترفع درجة الوعي لدى أبناء الأمة فتنتفي الازدواجية المميتة بين الفكرة والواقع، حين يصبح الواقع ميداناً لممارسة الأفكار واستنباتها وتطويرها، وفي ضوء هذا التناغم تنشأ سلوكيات سوّية تكشف عن ثقافة راسخة، لم تفرض برأس البندقية، وإنما تنبثقُ من نفوس مؤمنة بأصالة الموقف الذي تتبناه، والأصل الذي تنتمي إليه. وهنا تتفاوت الأمم، ويتباين السبق الحضاري بتباين أساليب التربية ((لا تحيا أمة إلا بالتربية الصالحة، وما نراه من الفروق بين الأمم الناهضة إنما مرده تفاوت أساليبها في التربية. وقد تماثل أمة أمة في قوتها الظاهرة، ولكن الغلبة تكون دائماً لأقواهما خُلقاً. وتفوق السياسة الانجليزية ليس مرده القوة الحربيّة، ولا امتياز الذكاء والإدراك، ولا قوة النفوذ، وامتداد السلطة وارتفاع ميزان الثروة؛ لأن هذه النتائج ضمنتها قوة الخُلُق في الفرد الانجليزي. ولقد كانت فرنسا وما تزال أقوى ذهنية، وأحدّ شعوراً، ولكن اتجاه المزاج الإفرنسي، كنتيجة لأسلوب التربية الغالب في فرنسا جعل الفرنسي، دون الانجليزي في متانة الخلق، وصدق الاتجاه، وقوة العزيمة، وضبط النفس.   (1) شروط النهضة، مالك بن نبي، ترجمة عمر مسقاوي وعبد الصبور شاهين، بيروت: دار الفكر، ص 19. (2) رفات عقل ص 70. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 79 والإجماع عام على أن أيّة نهضة لا تقوم على قوّة خلقيّة في أمّة، إنما تكون نهضة مقضياً عليها بالانهيار والتحيّر..)) (1) والرجولة عماد الخلق الفاضل، فالرجولة هي السلاح، وهي قوّة الدفع ساعة الضعف ((ها نحن نرى أمة نكرة بين الأمم يعجزها النهضان، ويصرفها لهوها بالفضائل، عن انتهاج سبيل القوة والارتقاء، وسبيل الحياة والسمو، فأين القوّة والجمال والحق تأخذ بيدها؟ أين الرجولة تأخذ بيدها وتقيل عثرتها؟ الرجولة التي كانت رمز القوة الفعالة في الإنسان القديم! ورمز سجاياه ومحاسنه في أولى وثباته إلى التطور! ورمز الحياء والرحمة والعدالة في فجر مدنيته المنبثق! ورمز المبدأ للعربي يوم نهض بأعباء رسالته التاريخية)) (2) . و“ الفضائل ” عندما يضعها حمزة شحاتة تحت مجهر التشريح، ويقوم بتجريدها، وفق فلسفته الخاصة، يقدّم لنا رؤية جديدة يتخطى بها حدود النظر الضيّق إلى آفاقٍ رحبة لا ليضعف هذه الفضائل، وإنما ليبلغ بها أبعد آماد القوة والاحتمال (3) . وهذه مجازفة استدعتها الأمانة مع ما لهذه المجازفة من عواقب وخيمة؛ لأن رج المعتقدات والأعراف الثابتة، يقابلها الناس بردود فعل عنيفة لا تكاد تقاوم، ولكن الحياة لا تستقيم إلا بهذه المغامرات من الطامحين لصناعة الحياة الذين يكشفون خبايا الوجود والفكر (4) . وحمزة شحاتة يربط بين الأطوار الاجتماعية والفضائل، فالفضائل تتلبس معاني ومفاهيم خاصة في كل طور اجتماعي، ولهذا لا سبيل لتفكيك هذه المفاهيم إلا في سياقها الاجتماعي. فالفضائل: ((صفات وأعمال تؤمن الجماعة الغالبة اصطلاحاً بفائدتها وضرورتها، أو بأنها خير..)) (5) .   (1) الر جولة عماد الخلق الفاضل ص 106. (2) المرجع نفسه ص 120. (3) نفسه ص 24. (4) نفسه ص 24. (5) نفسه ص 33. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 80 فالنفع أساس الفضائل جميعاً، لكنّ هذه المنفعة تختلف باختلاف العقول والعصور، وهذا الاختلاف في تصور بعض الحقائق وإدراكها من عصر إلى عصر وعقل إلى آخر لا ينفي الحقيقة الأصلية (1) . وهذا أمر لا يدركه كثير من الناس ((فإذا قال مفكر اليوم: إن الفضائل أوهام عقلية أو نفسية، غايتها إيجاد مثل عليا للجموع تستمد منه روح العزاء والعزيمة والأمل، لم يكن معنى هذا إنكار صحة تعاريفها أو صحة الأحكام التي أعطيت عنها..)) (2) . وحين يعرض لأطوار الفضيلة يذهب إلى أنها مرت بثلاث مراحل: كانت في الطور الأول ضرورة فرضتها طبيعة الحياة في عصر الإنسان البدائي. فصارت معتقدات شعورية شعرت بها الجماعة فاستجابت لأحكامها، وتحولت في طورها الثالث إلى أخلاق وملكات لا شعورية وخصائص نفسية وفكرية من خلال المحاكاة (3) . وإذا كانت الرذائل “ أنانية عارية ” فإن الفضائل “ أنانية مهذّبة ” (4) ؛ لأنها ألفاظ القوي واستراتيجيته لاستغلال الضعيف وقهره (5) ، أما الحياة فلا تعرف إلا الأقوياء (6) قديماً كان الجسد مصدر القوة، فجاء النفوذ والثروة وحلا محل القوة الجسدية (7) وكل هذا يتم تحت مسمى “ الفضيلة ” فكم من المجازر البشرية التي انقادت لها الجماعات البشرية مأخوذة بأوهام الحق والعدالة والدفاع عن الفضائل المستباحة (8) .   (1) نفسه ص 31. (2) نفسه ص 31 (3) نفسه ص 51 - 56. (4) نفسه ص 64. (5) نفسه ص 66، ص 67. (6) نفسه ص 68. (7) نفسه ص 64. (8) المرجع السابق ص 68. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 81 ففضيلة “ الكرم ” مثلاً كانت دليلاً على القوة، فصارت دليلاً على النفوذ (1) . وهذه الفضيلة لم تنشأ كاملة السمات، وإنما تدرجت من الضرورة إلى أن صارت ملكة لا شعورية، كان الكرم في الأصل دلالة افتخار على اتساع نفوذ القوي فأصبح صفة لازمة لمن تحلهم قوتهم ونفوذهم محل الأبطال والقادة، فالكريم كثير الأعوان، عميق الأثر، رفيع المنزلة ولهذا يمجده الناس مع أن العفيف أكثر قهراً لشهوات النفس (2) . والبخل رذيلة بلاشك تدل على ضيق النفس، وفتور الفكر الطامح ولكنه يدل من جهة أخرى على فهم عميق لطبيعة الحياة، وحقيقة الناس، وطبائعهم المطوية (3) . فإذا كان الكرم خيالاً جميلاً، فإن البخل حكمة وفلسفة عميقة. فالكرم “ أنانية مهذبة ” لأن الكريم يعطي ليأخذ، يكرم ليستعبد النفوس ويسترق الألسنة، ويستمتع بلذة الثناء، وبهرج الاستعلاء (4) . وهذه حقيقة، يؤكدها واقع الحياة المعاصرة، وجدل الفكر الشعري الذي يتجلى بين الشاعر الباحث عن “ الخيال الجميل ” والثناء السائر، وزوجته الحكيمة التي تتحدث بلغة الحياة، ورؤية الإنسان الخائف، ولا ينفيها ترغيب الإسلام في الكرم والحث عليه كقوله صلوات الله وسلامه عليه: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) (5) .   (1) نفسه ص 70. (2) نفسه ص 70. (3) نفسه ص 71. (4) نفسه ص 71. (5) صحيح مسلم، كتاب الإيمان باب الحث على إكرام الجار والضيف 1 / 70. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 82 فالإسلام يسمو بهذه الفضيلة كغيرها من الفضائل فلا يجعل الميزان فيها للأخذ والعطاء، وحسابات الربح والخسارة، والمصالح الضيّقة، ولهذا يسميها حمزة شحاتة “ محاسن ومعايب ” (1) ، ((أما الفضائل التي نراها خليقة بهذه التسمية، فهي التي نزل بها القرآن ودعا إليها. تلك فضائل لا يكون للمتصف بها، والمؤمن بقوانينها، نظر إلى مصلحة أو سمعة، وإن كان شيء من ذلك فالمثوبة عند الله والزلفى إليه. فالكرم فيها إحسان إلى مستحقه، ينزل منزلة الحق المفروض له. وخروج من سلطان المادة وحدودها في سبيل الله)) (2) . والانحراف بهذه الفضائل ضرورة اقتضاها سير الحياة وقوانينها (3) . وذلك ((أن النظرة العامة إلى الفضائل أصبحت نظرة خيالية لا نظرة إيمان وتحتيم. وإنها لم تعد سلاحاً يضمن الحماية لمتقلّده)) (4) . والعودة بهذه الفضائل إلى ما كانت عليه هو سبب النجاة، والأمل في الشهود الحضاري، وسبيل القوة والظفر (5) . هذه الرؤية الفلسفية العميقة للفضائل وربطها بتطور الحياة الاجتماعية عند حمزة شحاتة كما تجلت في محاضرته “ الرجولة عماد الخلق الفاضل ” ذهب الأستاذ الكبير محمد حسن زيدان إلى أنها مستمدة من كتاب علم الاجتماع لنقولا حدّاد (6) ولكن عزيز ضياء يرى فرقاً بين استنساخ المعرفة و “ ابتكارها ”، فقد يكون حمزة شحاتة وقف على ما قاله “ نقولا حداد ” وأفاد منه، ولكن الإفادة شيءٌ، والتقليد شيءٌ آخر، وحمزة شحاتة في كل ما يكتب كان من أبرز خصائصه ((التعشق الملهوف للاستقلال الفكري والحرص الممضّ على الابتداع، والترفع عن الاتباع..)) (7) .   (1) الرجولة عماد الخلق الفاضل ص 78. (2) المرجع نفسه ص 79. (3) نفسه ص 81. (4) نفسه ص 81. (5) نفسه ص 85. (6) حمزة شحاتة قمة عرفت ولم تكتشف ص 47. (7) المرجع نفسه ص 47، ص 48. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 83 وقد جهدت في البحث عن كتاب “ نقولا حدّاد ” فلم أجده، لكن الذي أراه هو أن حمزة شحاتة لديه قدرة مدهشة على الإبداع والإضافة في محاضرته هذه، وفيما عرض له من قضايا فكريّة وأدبيّة، الأمر الذي يعزز روح النبوغ لديه. واعتقد أن حمزة شحاتة أفضل من قدّم رؤى خصبة من روادنا الكبار فيما يسمى “ بالنقد الثقافي ” الذي يبحث في الدلالة المضمرة للخطاب الجمالي، ويكشف بعض عيوبه المنسربة تحت قشرته الظاهرة (1) . جماليات المكان علاقة الإنسان بالمكان علاقة قديمة تمتد بالإنسان إلى أبيه الأوَّل آدم عليه السلام الذي كان خلقه قبضة من الطين ونفخة من الرُّوح، فمن الأرض تشكّل أبوه بقضاء الخلاّق العليم، وصارت الأرض له بيتاً كبيراً يحنو عليه وأُمّاً تعذق بما سخر الله فيها من طاقات الحنوّ والخصوبة. وبدأ الإنسان يشكل مكانه الخاص به، وفي إطار من الإحساس بالمدنية بدأت دوائر المكان تتسع من البيت الصغير “ المنزل ” إلى البيت الكبير “ الوطن ” إلى المنزل الأكبر “ الأمة ” ثم “ العالم ” الذي أصبح بيتاً للجميع، لا حياة إلا فيه، ولا بقاء إلا بالحفاظ على نظافته ونقائه. والمكان في رؤية الإنسان يكتسب خصوصيته وقيمته وجماليته من خلال علاقة الكائن به، وألفته له، وليس من خلال وجوده الموضوعي ((إن المكان الذي ينجذب نحوه الخيال لا يمكن أن يبقى مكاناً لامبالياً، ذا أبعاد هندسيّة وحسب. فهو مكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي فقط، بل بكل ما في الخيال من تحيّز. إننا ننجذب نحوه؛ لأنه يكثف الوجود في حدود تتسم بالحماية)) (2) .   (1) انظر بتوسع النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربيّة الدكتور عبد الله الغذّامي، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط1، 2000 م. (2) جماليات المكان، غاستون باشيلار، ترجمة: غالب هلسا، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط3، 1407 هـ / 1987 م، ص 31. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 84 والمكان في الفلسفة الجماليّة عند حمزة شحاتة له حضوره الخاص، تأملاً وتآلفاً أو تنافراً، بمقتضى رؤية خاصة تشكل للمكان وجوداً جديداً، وتضفي عليه ألواناً وظلالاً “ شحاتّية ” تنقله من وجوده “ الموضوعي ” إلى وجود “ جمالي ” جديد لا نجده إلا في هذه الفلسفة الجماليّة. وحين نستقرئ آثار حمزة شحاتة نجد عدداً من الأماكن استوقفت حمزة وصبغها بروحه ومشاعره فنقلها إلى عالمه الخاص ومنها: 1 - البيت. 2 - المدرسة. 3 - المدينة. 4 - الوطن. 1 - البيت: ((البيت هو ركننا في العالم، إنه كما قيل مراراً، كوننا الأوَّل، كون حقيقي بكل ما للكلمة من معنى، وإذا طالعنا بألفة فسيبدو أبأس بيت جميلاً)) (1) . في هذا الكون الصغير تتآلف الأشياء، وتجتمع الأسرة، وتكتب الأحلام، ولهذا يظل البيت عالقاً في الأذهان لما ينطوي عليه من ذكريات جميلة، ولما حفظ لنا بوصفه مكاناً من مواقف لا تُنسى. في البيت تتشكل عقلية الطفل، وتتحدد شخصيته، وحمزة شحاتة يرى أن البيت لدينا يمارس سلطة قمع على الطفل، فالطفل لا يشعر بوجوده إلا بالحركة والشغب وإلا أصبح قطعة أثاث جامدة لا روح فيها، فينشأ شعور الحريّة مع الطفل فيقابل بزواجر القانون “ استح ” (2) . هذا القانون الذي يحاول أن يجعل الطفل في غده إنساناً ((متسقاً، مؤدباً، هادئاً، فلا يلتهم الطعام، ولا يصرخ من الألم)) (3) .   (1) المرجع نفسه ص 36. (2) الرجولة عماد الخلق الفاضل ص 87. (3) المرجع نفسه ص 90. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 85 و“ المجلس ” في البيت عندنا يمثل المدرسة الأولى، لكننا نمارس فيه إرهاباً تربوياً على الطفل، فالطفل إذا ما دخل المجلس، وأحدث حركة، أو حاول المشاركة في الحديث قيل له: “ استح ” ليكتشف في رحلة الحياة بعد ذلك أن الحياء الذي رُبيّ عليه “ عقدته العصبية الخطرة ” ((يرى خطيباً يخطب ويتلعثم. يقول في نفسه هو: لا يحسن الخطابة. يسمع الناس يقولون: يستحي! يدخل إلى مجلس غاصّ فيرتعد، يعرق، يبتسم الناس، ويسألونه لماذا تستحي؟ يسمعهم يقولون: فلان يستحي كالنساء. يرى الذين لا يستحون يتصدرون المجالس، والذين يتوقحون يسيطرون عليها ولو سيطرة ظاهرة، ويضحك الناس لهم تشجيعاً)) (1) . والبيت في كثير من رؤى حمزة شحاتة كون مليء بالمتاعب ((في البيوت التي انهدمت كما في البيوت القائمة، نفس الأسرار والمتاعب والكوارث.. والفرق في الظهور والخفاء مع اختلاف يسير في الكم والكيف إذا روعيت الدقة)) (2) السعادة عند حمزة شحاتة لا تحب البيوت إذ ((لو كانت السعادة تحب البيوت لما امتلأت المقاهي والملاهي بروّادها)) (3) . هكذا يفقد البيت حميميته ويفقد معه حمزة وجوده فبدون البيت يصبح الإنسان كائناً مقتتاً كما يقول باشيلار (4) . وحين يكتب حمزة شحاتة رسائله إلى ابنته تظل هذه الصورة النمطية للبيت حيّة في كلماته، فالبيت هو المكان الذي تتسلّل إليه التفاهات (5) . ولكنه في مواطن كثيرة يحث ابنته على التفاؤل والبحث عن السعادة مع زوجها في طريقهما الطويل، وكأنه بهذا الإلحاح الدائم عليهما في رسائله يقدّم صورة جديدة للبيت على الأقل كما ينبغي أن يكون.   (1) نفسه ص 90. (2) رفات عقل ص 39. (3) المرجع نفسه ص 64. (4) جماليات المكان ص 38. (5) إلى ابنتي شيرين ص 136. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 86 إن البيت حلم لا ينقطع، يولد به الإنسان، ويحمل عنه الذكريات، ويظل حلمه عن البيت القديم، وما أن يستقر به القرار حتى يلوح في خياله “ بيت التراب ” القبر الذي يظل شغله الشاغل حتى يوارى بالتراب. والبيت ليس بجدرانه وغرفه وألوانه، وإنما بمشاعر صاحبه، وأحاسيس قاطنيه، ولهذا تتولد العلاقة بين البيت والإنسان من خلال تلك الأحاسيس، فيكون ملاذاً للتفاهات، والتفتت كما عند حمزة شحاتة، أو يكون نبعاً للمشاعر الفياضة يقول باشيلار: ((إن عمل ربة البيت في تنظيم قطع الأثاث في الحجرة، والانتقال من هذه الحجرة إلى تلك ينسج علاقات توجد ماضياً قديماً جداً مع عهد جديد، إن ربّة البيت توقظ قطع الأثاث من نومها)) (1) . وهذه الصورة الكابية للبيت عند حمزة شحاتة نتيجة لعلاقة خاصة به، فالبيت كان العالم الذي جرّب البحث فيه حمزة عن السعادة فلم يجدها من خلال ثلاث زيجات انتهت كلها بالفشل. كان ((الزواج الأول غلطة، والثاني حماقة، أما الثالث فإنه انتحار)) (2) . 2 - المدرسة: المدرسة هي القابلة الثانية بعد “ البيت ”، تترسخ فيها قيم البيت، أو تنشأ فيها إشكالية الازدواج بين المفاهيم والممارسات. المدرسة تُعلم الفضائل من صدق، وعفّة، ورحمة، وصبر، وحلم، وتضرب النماذج على ذلك كله في كتب الدين والتاريخ والأخلاق، لكن هذا التعليم النظري يصطدم بالواقع، فالطفل يرى أستاذه يكذب، ويخاف، ويرى أباه وأمه يكذبان، ولا ينجو من عقاب الجميع إلا باصطناع الأكاذيب، وهنا تتكشف الحياة عن ازدواجية بين مُثُل البيت والمدرسة وواقع الممارسة فيهما، يرى من يقول شيئاً، ويفعل ضدّه، ومن يخاف القانون، ولا يخشى تأنيب الضمير فتنشأ عقدة عصبية أخرى (3) .   (1) جماليات المكان ص 83. (2) رفات عقل ص 95. (3) الرجولة عماد الخلق الفاضل ص 89، ص 90. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 87 ولهذا تفشل المدرسة في بناء الرجال الفضلاء، وإن علمتهم الأخلاق (1) . والسبب “ الجهل بعلم التربية ” ((الدراسة عندنا لا تزال قائمة على حشو الذهن بالمعلومات والقواعد، وعلى إرهاق الطفل، وكبت نزعاته النفسية والوجدانية، وها نحن نرى آثار هذه العيوب في “ انمحاء آثار الشخصية ” من جميع من تخرجهم المدارس، وفي كلال أذهانهم، وأعصابهم، وفتور حيويتهم الفكرية. فلا نكاد نجد أثراً لنشاط الفتوّة في نفوس أبنائنا.. فالغلام عندنا مطبوع بطابع الكهل، والشاب مطبوع بطابع الشيخ الهرم)) (2) . المدرسة بهذه الصورة القاتمة نتيجة للفراغ بين الكائن والمكان، وانعدام التفاعل وفتور العلاقة بين المعلم والمدرسة، فاختيار المربي الفاضل مسألة في غاية الخطورة، ((وإذا كانت طبيعة حياتنا قد أفقدتنا الأب والأم الرشيدين فلا أقلّ من أن تعوّضنا التربية المدرسية أساتذة يقودوننا بحكمة وخبرة ليعدّلوا ما فينا من اعوجاج)) (3) . هذا الفراغ الوجداني جعل مدارسنا ((معامل تفريخ كل غايتها أن تدفع عدداً من حملة الشهادات، لا يعرفون فناً تجريبياً، ولا علماً عمليّاً، ولا صناعات يدوية، تفتح في الحياة ميادين نشاط جديدة، غير ميدان الوظيفة، والمكتب، والديوان)) (4) . وجعل الحياة فيها ضرباً من “ ضروب النعاس الثقيل ” (5) . وجمالية المكان إنما تتحقق بعلاقة جديدة بين كائنات المكان، حيث تصبح تربية البيت حرّية فاضلة، لا زواجر فضة، وتربية المدرسة عملاً وإدراكاً وممارسة لا آليات فكريّة، وقواعد مكرورة (6) . هذه العلاقة الجديدة هي التي حشدت لها إنجلترا أعظم رجالها من ساسة وأدباء وفلاسفة وعلماء وفنانين فكان القرار في عشرين مجلداً ضخماً (7) .   (1) المرجع نفسه ص 92. (2) نفسه ص 110 - 111. (3) نفسه ص 111. (4) نفسه ص 111. (5) حمار حمزة شحاتة ص 41. (6) الرجولة عماد الخلق الفاضل ص 92. (7) المرجع نفسه ص 111. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 88 والنتيجة شهود حضاري للإنسان، وجمالية في المكان، واتساق واعتدال وتوازن في كل شيء (1) . 3 - المدينة: المدينة في الوعي الثقافي المعاصر في الغرب والشرق ذات صورة قاتمة، فهي أحد نتائج العلم الحديث بكل مساوئه ومحاسنه، إذ شهدت المدن الحديثة في العالم ويلات الحروب، واصطدمت بلهيبها المحرق، وغاصت في دخان المصانع، ونفاياتها، وقام التصميم العمراني فيها على “ الوحدة ” أكثر من الاندماج الذي كان موجوداً في القرية بامتدادها الأفقي، وأفنيتها المفتوحة، وبيوتها المتلاحمة، فانكمشت العلاقات الإنسانية، وتقطعت أواصر القربى. ولهذا حين نفتش عن صورة المدينة في الوعي الشعري - مثلاً - وهو بطبيعته وعي مرهف - نجدها تعجّ بالاغتراب، والجدران العالية والبهرج الخادع، والإيقاع اللاّهث، والخوف، وأوكار البغايا، وشريعة الغاب (2) . وهذه هي صورة المدينة عند حمزة شحاتة ((منطق الغابة هو واقع المدينة بزيادة طفيفة هي القانون)) (3) . منطق الغابة هو الذي سوّغ لبعض أقارب حمزة الاستيلاء على أمواله في ((صفقتين ماديتين فادحتين في حياته)) (4) ، حيث وضع ما يدخر من المال في يد أحد أقاربه ليقوم باستثماره فغدر به، وما إن استرد أنفاسه حتى وقع في قبضة أحد أصدقائه. هذا المنطق هو الذي أوقعه في حبائل الاقتران بالمرأة ثلاث مرّات تنتهي جميعها بالطلاق (5) .   (1) نفسه ص 91. (2) انظر على سبيل المثال المدينة في الشعر العربي الحديث، الدكتور: مختار علي أبو غالي، الكويت: عالم المعرفة 1415 هـ / 1995 م، ص 14 وما بعدها. (3) رفات عقل ص 45. (4) الخطيئة والتكفير ص 210. (5) المرجع نفسه ص 208 - 211. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 89 المدينة في رؤيته بلا مدينة ولهذا لا تستحق الحب ((إن الحب في بلد مايزال نصيبه من المدينة ضئيلاً - كالقاهرة مثلاً - أشبه بلعبة الثلاث ورقات لا يؤخذ بها إلا الساذج العزير، ترى ما الأمر في لندن وباريس ونيويورك؟!)) (1) . وهي كائن جامد لا يتغيّر - والجمود في عرف الفنان هو الموت - فالمدينة بهذه الصفة ((عاجزة عن استفزاز مشاعرك الفنية وتغذيتها)) (2) . لم يجد حمزة في المدينة قلباً رحيماً، ولا زوجاً حانية، ولا صديقاً مخلصاً، ولا حركة تستفز المشاعر، فانكفأ على ذاته باحثاً عن مدينة فاضلة في أعماقه البعيدة. وحين نستقريءُ صورة المدينة في شعره نجد حنيناً إلى المدينة، كما في قصيدة “ وُج ” التي يذكر فيها ماضيه الجميل في رحاب ذلك الوادي، ويجعل العيش بعيداً عنه ضرباً من الكذب والفجاجة: كذب العيش بعد يومك يا وُجُّ مريراً، والعمرُ بعدك فجا (3) ولا يكاد يردُ حديثه عن المكان إلا في سياق الإحساس بالغربة، والضيق والقيود، والعقوق والنقائص كما في قصيدته جدة التي دفن العقل بين شاطئيها في أول بين عندما قال: النُّهى بين شاطئين غريق والهوى فيك حالم لا يُفيق (4) وقصيدته “ أبيس ” التي قالها في مصر، وتذكر فيها مكة المكرمة مسقط رأسه، فتجلت أحاسيسه مثقلة بالتحديّ للأعداء الذين طال صمته عن سفاهاتهم: يا حنايا أم القرى فيك قرّت مهج ما انطوت على شحناء بيد أن الأذى، وعدوانه السا در، قد أججا لهيب العداء فليكن وزره على رأس جاني سه هجيراً يلوب في رمضاء قد بلغنا بالصمت آخر حدّيه لياذاً بشيمة الكرماء (5) 4- الوطن:   (1) رفات عقل ص 88. (2) حمار حمزة شحاتة ص 53. (3) الديوان ص 32. (4) المرجع نفسه ص 67. (5) نفسه ص 198. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 90 الوطن في الإبداع له حضوره الخاص، وتشكلاته الجماليّة المتعددة، بتعدد رؤى المبدعين، وخبراتهم الجماليّة، ومواقفهم الشعورية. يظل الوطن محتفظاً بقيمته، فهو المكان الذي يشعر فيه الإنسان بالانتماء، ويلتذ فيه بالبذل والعطاء، واختلاف الصور أيّاً كانت ألوانها وظلالها، وخلفياتها، تشكل في النهاية موقفاً وجدانياً من الوطن لا خلاف حوله، وهو أن الوطن مدار العشق، وقصيدة الشعر التي لم تكتب أيّاً كان ذلك الوطن فميسون بنت حميد بن بجدل تلك البدوية التي تزوجها معاوية بن أبي سفيان ونقلها إلى حاضرة الشام، رفضت هذا العالم الجديد لعدم إحساسها بالانتماء إليه، فحنت إلى وطنها القديم وطلبت من معاوية أن يعيدها إلى أحضانه قائلة: للبس عباءةٍ وتقّر عيني أحبّ إليّ من لبس الشُّفوف وبيت تخفق الأرياح فيه أحبّ إليّ من قصر منيفِ (1) وحين نتتبع صورة الوطن عند حمزة شحاتة في فلسفته نجدها إلى الحياد أقرب منها إلى التآلف أو العداء، فالوطن عنده ((عبارة عن مصلحة، أو ضرورة وفي بعض الأحيان تعليم يُفرض كي يُنشيء الشعور بها)) (2) . ولا خلاف في أنّ الوطن مصلحة، وضرورة، فالإنسان مدنيٌّ بطبعه، والوطن هو المكان الذي تنشأ في ظلاله المدنية وتقوى، ويشعر الإنسان بوجوده، ومكانته، فالوطن الذي يحقق شهوداً حضارياً، يمنح أبناءه مكانة لا تتحقق لأبناء بلد يغطّ في غياهب الجهل والانطفاء الحضاري.   (1) انظر أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، عمر رضا كحالة، بيروت، مؤسسة الرسالة، بدون تاريخ 6 / 136. (2) رفات عقل ص 70. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 91 وانتماء الإنسان إلى الوطن عند حمزة “ ضريبة ” يجب أن يدفع الإنسان ثمنها، ولا مجال للتنصل من تبعاتها؛ لأن الوطن لا يستبدل به غيره ((ولا معدى من الصبر، والإذعان، في وسعك أن تترك منزلاً لا يرضيك إلى غيره، ولكن المسألة بالنسبة لوطنك ومجتمعك مختلفة، أيها المواطن الحرّ الصالح)) (1) . والمواطن الصالح لكي يكون صالحاً، وفعّالاً في بناء وطنه، لابّد أن يشعر بقيمته بوصفه إنساناً، فإذا كان للوطن حقوق على المواطن، فإن على الوطن واجبات ينبغي أن يقوم بها، حتى لا تموت المواطنة في نفوس الأبناء و ((كيف لا تنعدم الوطنية، وتموت الدوافع الشريفة في وطن، القوت الضروري هو شغل أهله الشاغل. إن الفاقة تقتل أشرف الدواعي في النفس)) (2) . ويرسم حمزة شحاتة صورة كابية للزقاق، وللمحاكم، لا تخرج عمّا وجدناه في البيت والمدرسة والمدينة. وهذه السوداوية القاتمة لا تكاد تستثني شيئاً من هذا العالم، فالحياة على الأرض عقوبة كبرى ((إن أية عقوبة لا تبلغ شدة النفي إلى الأرض)) (3) . ولهذا تآزرت أفكاره ورؤاه الشعرية على النفور من هذا المنفى، وكيف يرضى المدان بزنزانته والعصفور بقفصه. يقول في قصيدته التي تختصر معاناته مع هذا العالم: رحلةٌ تثمر اللغوب وخيط من حرير يقتادُنا للشقاءِ وشجون لا تنتهي وصراعٌ يسحق الصبر دائم الغلواء الحجى فيه حائرٌ في ظلام والأماني موؤدة الأصداءِ والخيالات في دُجاه شمو عٌ ثرة الدّمع ذابلاتُ الضياء والأسى فيه للجراح يغنيّ عبرتيه محولك الأرجاء ينشد الفجر وهو ناءٍ غريب ضائع مثله شهيد الدعاءِ ألهذا تشقى النفوس بما تهوى وتكبو الغايات بالعُقلاءِ؟ ويهيم الخيال في ظلمة الحيرة يسري على بصيص الرّجاء وتفيض القلوب منطوياتٍ بجراح الأسى على البُرحاء يا بريق السراب أسرفت في الجور   (1) المرجع السابق ص 40. (2) نفسه ص 47. (3) إلى ابنتي شيرين ص 111. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 92 وأثخنت في قلوب الظماء (1) الأرض بكل ما فيها من “ أماكن ” ليس بينها وبين حمزة شحاتة ألفة، فهي “ أماكن ” معادية، وقد جعل الدكتور الغذامي الأرض محوراً من محاور النموذج الدلالي لأدب حمزة شحاتة الذي يقوم على ثنائية الخطيئة والتكفير (2) . “ فالمكان ” هو الجحيم، وقبح المكان وجحيمه ليس شيئاً لازماً له، ولكنه نتيجة علاقة مختلة، أو لنقل علاقة غير جميلة أذهبت بهاء المكان، وأفسدت جمالياته، هذه العلاقة غير المتكافئة بين “ مكان جميل ” و “ إنسان غير جميل ” فرضت هذه النتيجة التي رأينا انعكاساتها على أدب حمزة وفكره وحياته، فقد كان أحد قرابين هذا التنافر البغيض. يرى الكسيس كاريل أن الانفعالات التي تنتاب الإنسان متباينة حيث السعادة والتعاسة، والفرح والحزن، ومرد ذلك الرغبة في تحقيق الأحلام والتطلعات فتتخذ الحياة مظهراً مختلفاً تبعاً لحالته النفسية الأمر الذي يشيع الحب والبغض في منطقه (3) .   (1) الديوان ص 187 من قصيدة طويلة عنوانها “ أبيس ”. (2) الخطيئة والتكفير ص 148. (3) الإنسان ذلك المجهول، ألكسيس كاريل، تعريب شفيق أسعد فريد، بيروت، مكتبة المعارف، 1419 هـ / 1998 م ص 150. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 93 إن عبقرية حمزة شحاتة تكمن في “ لغة الهدم ” كما يقول، فقد عمد إلى أماكن جميلة، كالوطن، والمدينة، والبيت، والمدرسة، فجعل من الجميل “ قبيحاً ” ونحن بلاشك نختلف معه في هذه الرؤية السوداوية القاتمة، ولكن الفن إنما يكون فناً بقدرته على التأثير، حيث يقلب الفنان معادلات الأشياء، ويشكك في الإلف - في أمور يمكن أن نقبل فيها الشك بالطبع وليس في مسلمات دينية ثابتة - ليرينا الأشياء من زاوية أخرى قد نختلف معها ونمقتها، لكننا نؤكد عبقريته وتفرّده، وإذا كان الفنان يمكن أن يجعل من القبيح جميلاً كما ذهب تين وغيره من فلاسفة الجمال، فإنه يمكن أن يجعل من الجميل قبيحاً، والاتفاق والاختلاف مع الفنان في مواقفه شيء، وتقدير فنّه شيء آخر، مع إيماننا بأصالة الفن أولاً، وحقنا في الاختلاف معه بعد تقدير الإبداع فيه (1) . المكان في الفلسفة الجماليّة عند حمزة شحاتة ذو “ معطى سلبي ” في الغالب الأعم، إلا في صورة الوطن حيث يتوازى معطيان “ إيجابي وسلبي ” يتفوّق أحدهما على الآخر بسبب من “ العلاقة التبادلية ” بين الوطن والمواطن، فالوطن والمواطنة حقوق وواجبات، متى أحس المواطن بوجوده وانتمائه وحصل على حقوقه كاملة كانت المواطنة الحقة، وحين تختل هذه المعادلة تذبل العلاقة، وتظهر الصورة الكابية والمعطى السلبي للمكان، فلا يجد المواطن لدلالة الوطن معنى في نفسه. أما الأماكن الأخرى “ المدينة - البيت - المدرسة ” فكلها ذات معطيات سلبيّة. المدينة شريعة غاب، تموت فيها العلاقات الإنسانية، وتتخشب المشاعر، وتتوقف الإثارة. و“ البيت ” مدار للقمع والتفاهات، والمدرسة عالمٌ مليء بالأكاذيب، وملاذ للنعاس الثقيل، ومعامل لتفريخ الأذهان الصدئة، والأفكار البليدة.   (1) مبادي في نظرية الشعر والجمال ص 11. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 94 والذي لاشك فيه “ أن معاناة ” حمزة مع الزوجة، والأصدقاء، أضف إلى ذلك “ فرط الحساسيّة ” و “ النبوغ ” كانت مجتمعة خلف تلوين المكان بهذه الألوان الكابية، وصبغه بتلك المعطيات السلبيّة. وكل هذا بحثاً عن “ مكان أجمل ” وإنسان أكثر جمالاً، يظل يبحث عنه الفنان فلا يجده، لأن الفن بحث في المستحيل وحديث عن الممكن. جماليات الحيوان الكون بنية محكمة، غاية في الجمال، جمال في الطبيعة، وجمال في الإنسان، وجمال في الحيوان، وجمال في الأفكار، وجمالٌ في علاقات الأشياء، وعلاقات الأفكار. والحيوان مفردة جميلة في هذه البنية المحكمة الجميلة، ((حيث التركيب المدهش، والألوان المثيرة، والوظائف البديعة، والغرائز المحكمة، والحركة التي تأخذ ألف إيقاع وإيقاع)) (1) ، ولهذا قال تعالى: (والأنعام خلقها لكم فيها دفءٌ ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمالٌ حين تريحون وحين تسرحون ((2) . يقول محمد قطب: ((إن توجيه نظر الإنسان إلى الجمال في الأنعام ذات “ المنافع ” المتعددة، له دلالته فيما ينبغي أن يكون عليه الإنسان في التصور الإسلامي، فهو مخلوق واسع الأفق، متعدّد الجوانب، ومن جوانبه الحسيّ الذي يرى منافع الأشياء، والمعنوي الذي يدرك من هذه الأشياء ما فيها من جمال، وهو مطالب ألا تستغرق حسه المنافع، وألا يقضي حياته بجانب واحد من نفسه، ويهمل بقية الجوانب، فكما أن الحياة فيها منافع وجمال، فكذلك نفسه فيها القدرة على استيعاب المنفعة، والقدرة على التفتح للجمال..)) (3)   (1) المدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي، نجيب الكيلاني، بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1408 هـ / 1988 م، ص 13. (2) النحل آية 5 - 6. (3) منهج الفن الإسلاميّ، محمد قطب، بيروت: دار الشروق، ط5، 1401 هـ / 1981 م، ص 29. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 95 والحيوان عند حمزة شحاتة ((جزء من الطبيعة التي نرتاح إليها، ونحبها، ونربي كثيراً من ملكاتنا الفكرية، ومشاعرنا النفسية على حسابها، وفي الحيوانات بعد أكثر جوداً علينا من الطبيعة، وآمن مفتتناً ونحن بها أكثر امتزاجاً)) (1) . الحمار: وحمزة شحاتة وهو يتأمل بفكره النافذ مكونات هذه البنية استوقفه “ الحمار ” فقدم لنا - في ثلاث مقالات نشرت بجريدة صوت الحجاز عام 1355 هـ ثم جمعها الأستاذ عبد الحميد مشخص بعد ذلك مع عدد من المقالات الأخرى في كتاب سمّاه “ حمار حمزة شحاتة ” - رؤية جمالية متميزة عن الحمار، وكان سابقاً بها لتوفيق الحكيم صاحب “ حمار الحكيم ” و “ حماري قال لي ” (2) . والحمار رمزٌ للحسّ البليد، والصوت المنكر، في القرآن الكريم وفي تراثنا العربي، لكن حمزة شحاتة يقدمه لنا في صورة نابضة بالأحاسيس المرهفة، والمشاعر المتدفقة، والأفكار الخلاّقة، وقد عمد الأديب الرائد عبد الله عبد الجبار إلى استقراء هذه المقالات الثلاث، في دراسة لا تخلو من المتعة والرؤى الفذة التي تدل على فكر نقدي بارع. وتلك المقالات - كما ذكر الأستاذ عبد الله عبد الجبار - يمكن تقسيمها إلى قسمين: 1 - مرافعة عامة عن الحمير ضد ابن آدم المستبد. 2 - وصف خاص لحمار المؤلف في نزهة قصيرة (3) . وحين نتناول “ الجانب الجمالي ” في تلك المرافعة نجد أن الحمار يبدو طيباً، نشيطاً، قويّ الاحتمال، لكن الإنسان أساء فهمه، وظلمه، ودنس سمعته فكان أحد ضحايا الظلم البشري (4) . الحمار له جاذبيّة خاصة لا يمكن تفسيرها بتناسب أعضائه، ولطف حجمه وفراهته، ولا بشيء خفي وراء شياته الظاهرة، وهو ذو أناقة ووجاهة يفتقدها بعض بني آدم، وله ابتسامة لا يدرك سحرها إلا من عناه من أمر الحمير ما عنى حمزة (5) .   (1) حمار حمزة شحاتة، ص 32. (2) المرجع نفسه المقدّمة ص 5. (3) نفسه المقدمة ص 6. (4) نفسه ص 29. (5) نفسه ص 28. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 96 وهو جم التواضع، يتنكر لذاته، شبيه بالإنسان في كماله البشري من حيث الأخلاق والمزاج النفسي، ولا يمكن أن تجتمع فيه هذه الفضائل الثابتة، مع رذائل ألصقها به بنو آدم. وفيه خفّة، وفي حركاته حلاوة، وفي نظراته معانٍ تفيض بالعذوبة. “ ديموقراطيٌّ ” منصرفٌ عن الخيلاء، مطيع لراكبه الذي يصادر إرادته، ويجهده ويفسد تقاليده وآدابه (1) . أما صوته فهو منكرٌ بمقاييس “ النعومة والاعتدال ” إذا جعلناها كل مقومات الصوت الحسن، أما حين نحكم في صوته “ الذوق الجديد ” الذي يُعنى بالقدرة الفنية على التنويع والتأليف، وإحكام النسب وتحريرها ويعد النعومة أنوثة لا تليق بفن إنساني يقود العواطف والأفكار كالغناء سلكناه في طليعة الموسيقيين الموهوبين (2) . وهو في غنائه ذو ذوق رفيع، فلا يغني إلاّ إذا كان المجال مهيئاً له، بخلاف الإنسان الذي يقوده خياله المريض للغناء في كل وقت (3) . وبمقتضى “ النهج الجديد ” في نقد الأصوات يصبح نهيق الحمار أو غناؤه كما يعبر حمزة شعراً يأمن فيه صاحبه من اللحن وتشويه الألفاظ، ومسخ المعاني، وتترامى “ شعرية الصوت ” إلى “ شاعرية الإدراك ” فالحمار من أكثر الحيوانات ولعاً بالطبيعة وشعوراً بمفاتنها، وهذا دليل شاعريته (4) . ونحن حين نتأمل صورة الحمار في الفكر الشعري نجدها لا ترد إلاّ في سياق الطبيعة الحافلة بمعاني الخصب والحياة، حتى إذا صوّح النبت واشتد الحرّ عليه ساق أتنه، واتجه إلى موارد المياه بحثاً عن شربة ماء يطفىء بها عطشه (5) .   (1) نفسه ص 29. (2) نفسه ص 30. (3) نفسه ص 30. (4) نفسه ص 31. (5) الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري - دراسة في أصولها وتطورها، الدكتور: علي البطل، بيروت: دار الأندلس، ط1، 1980 م، ص 138 وما بعدها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 97 وإذا كانت هذه الصورة التي رسمها حمزة للحمار تبدو في غاية الجمال في الظاهر والباطن، وفي العواطف والإدراك فإن صورة “ حماره ” تبدو أكثر جمالاً، فحماره “ نمط خاص ” بين الحمير ((لو كان إنساناً لكان مكانه بين من تشتغل الدنيا بذكرهم من العظماء والفنانين ظاهراً مرموقاً)) (1) . يأنس لصاحبه، فيتلقاه بابتسامة فاتنة، وما أن يبدأ حمزة يداعب أذني حماره، كما يداعب الأب ابنه، يأخذ صدر الحمار في العلو والانخفاض، وإطلاق الشهقات الحارة تأثراً بتلك العواطف الجيّاشة (2) . وحين امتطى حمزة الحمار أحس بنزوعه إلى الاستقلال، ومهارته في المشي ووجاهة تصرفاته، ودقة تقديراته لمسالك الطريق، حيث كانت حمير القوم تتجه يميناً، ويأبى هو إلاّ أن يخالفها فيختصر ربع الطريق بعمق خبرته مع حداثة سنه (3) وينشأ بين حمزة وحماره “ توافق سيكلوجي ” و “ حدس ” يقرأ به كل واحدٍ أفكار صاحبه، فإذا كان حمزة مُحباً للطبيعة، عاشقاً لمكوناتها الجمالية عشقاً خاصاً، فإن حماره يملك هذا الحس الجمالي المتفرد، ولهذا حين صاح بعض رفاق حمزة في الرحلة قائلاً وصلنا، ثم ترجل عن حماره، رفض حمار حمزة الوقوف، وأوغل بين الجبال حتى انفرجت تلك الراسيات عن صخور يتفجر منها الماء، وتجللها الأعشاب، ويعطرها الشذى الفواح، وتكسوها السكينة بأردية من السحر والجمال (4) . وظل حمزة يراقب الحمير، فرأى الحمير البدوية منصرفة عن جمال الطبيعة؛ بسببٍ من الألفة الطويلة التي أطفأت جذوة الإحساس بالجمال، أما حماره فكان ((متنبهاً لدقائق واديه الفتان، وكانت تدور في رأسه خواطر وتتجلى في نظراته النشوى معان لعلها من خير الشعر وأروعه، لو كان إلى تصويرها من سبيل)) (5) .   (1) حمار حمزة شحاتة ص 31. (2) المرجع نفسه ص 32. (3) نفسه ص 33. (4) نفسه ص 36. (5) نفسه ص 36. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 98 هذه الصفات الإنسانية التي يسقطها حمزة على حماره، تنزع إلى الكمال والتفرد في الظاهر والباطن، وهي لا تكشف عن شيء بمقدار ما تؤكد عبقرية هذا المفكر، وخصوصيته في الإدراك، وقد ذهب عبد الله عبد الجبار إلى الربط بين شخصية الحمار وشخصية حمزة شحاتة في كثير من التصرفات ((والذين أتيح لهم أن يخالطوا حمزة شحاتة - من كثب - خليق بهم أن يلاحظوا تلك المشابهة بين شخصيته وشخصية حماره)) (1) . فإذا كان حمزة مولعاً بالتميّز، وكسر المألوف، ومحباً للانطواء، وشاعراً مرهف الحس، ومفكراً يشن حرباً أهلية ضد الزيف والجمود فإننا نجد حماره ((يميل إلى التفرد والانطواء ومخالفة التيار العام تماماً مثل صاحبه حينما يتقوقع في حدود ذاته، وينطوي على نفسه وكتبه ويتأمل في الكون والحياة ويشرح المجتمع الذي يعيش فيه، ويعري الإنسانية من أرديتها الزائفة حتى تغدو بشريّة سافلة خيرٌ منها ألف مرّة تلك الحيوانية التي لا يحكمها إلا قانون الغاب)) (2) . لقد كان حمزة مولعاً بهدم قواعد الإلف وجمالياته، وبناء قواعد وجماليات جديدة تكشف عن خصوصية في التأمل، وتفرد في الإدراك، فالحمار الذي استقر في الوعي الجمالي رمزاً للقبح، والبلادة، يصبح عند حمزة “ كنزاً ” من كنوز الجمال، طمره الإنسان بجهله، وقضى عليه بحكمه الجائر، وهنا تكمن عبقرية الفيلسوف، وبلاغة الأديب، حيث تنهض الحقيقة الجمالية عنده على أنقاض حقيقة أخرى. جماليات الحياة الحياة - في كل ما سبق - “ قيمة جمالية ”، وهذه القيمة نتاج بنية مادية أحكمها الخالق عز وجل، وبنية أخلاقية روحيّة أنزلت من أجلها الكتب السماويّة، وأرسل الرسل، ووضعت القوانين، وشرّعت القيم.   (1) نفسه المقدمة ص 13. (2) نفسه المقدمة ص 97. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 99 وإذا كانت جماليات الكون ظاهرة لا تخفى، فإن جماليات “ النفوس ” و “ القيم ” ممّا لا يكاد يبين؛ لما يحصل فيها من تلونات، ويطغى عليها من تحريفات وتطورات، قد تخرج الشيء عن أصله. “ والحياة ” دار ابتلاء، يكون للجمال الخادع فيها - كما يعبر القرآن الكريم “ في مواضع عدّة ” أكبر الأثر في التردي والسقوط. من هنا يأتي “ جمال الجوهر ” الذي يتجلى في تحقيق الاستخلاف، وإعمار الأرض، وحراسة القيم النبيلة، وهذا “ الرصيد الجمالي ” هو الذي تعاني من مديونيته وعجزه أمم، ودول، وأفراد. والدين، أساس هذا الرصيد، والفن والفكر أكبر مصادر دعمه وتعزيزه. وحين نقف على الفلسفة الجمالية “ للحياة ” عند حمزة شحاتة نجدها مجالاً خصباً لكشف جانب آخر من جوانب وعيه الشمولي، وحسه الحيّ. فالحياة عنده كلمة تشع بالدلالات المتعددة وربما المتضاربة نتيجة ارتباطها بسياقات وحمولات ومواقف متباينة، كان فيها حمزة محباً تارة وكارهاً تارة أخرى، وكان في الحالين مفكراً كبيراً، وفناناً مبدعاً. فالحياة ((هي مجموعة ما تحتويه حياة الإنسان من الصغائر، والتفاهات في شكل متاعب ومسرات)) (1) وهي ((كميادين الحروب، لا اهتمام فيها بمن يسقط، وإنما بمن يبقى قبل انتهاء المعركة..)) (2) . وهي ((عبارة عن عملية احتراق، حتى في حالة السكون)) (3) . وهي بذل وعطاء وتضحية ((أن تبذل كل جهدك، وكل وقتك للعمل هذه هي الحياة)) (4) . وهذا البذل ليس للمصالح الشخصية، واستبقاء الحياة الخاصة، وإنما لبناء مجتمع فاضل يمارس حياة كريمة ((أي عمل رائع في أن تناضل لاستبقاء حياتك؟! العمل الرائع أن تناضل لاستبقاء حياة الآخرين؛ عندما يفرضهم ضعفهم عليك)) (5) .   (1) رفات عقل ص 97. (2) المرجع نفسه ص 64. (3) نفسه ص 74. (4) نفسه ص 46. (5) نفسه ص 50. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 100 هذا النضال هو الذي يجعل للحياة قيمة، فالأنانية، والأَثَرة لا تصنع حياة إنسانية؛ لأن البحث عن الحقوق وإغفال الواجبات، وتقديم الذات على المجموع، هدم لمعنى الحياة الذي لا يتحقق إلا بالتناغم والتشاكل والانسجام، وحين تكون الحياة حياة لا يكون لها ثمن ((لكل شيء في العالم ثمنه إلا الحياة والفكر والحريّة)) (1) . والحياة رغبة وتطلعات، ولهذا كانت الرغبة أقوى أسباب الحياة (2) . وحين تموت الرغبة في الحياة، وتتلاشى التطلعات لا يبقى للحياة معنى ((إن كل شيء يتحطم، إذا لم يبق في حياتنا ما نتطلع إليه)) (3) . والرغبات والتطلعات في الحياة كثيرة، ومختلفة باختلاف الوعي الجمالي، فالذي يروقه البهرج الخادع، واللذات الزائلة ينساق وراء السراب حتى لا يجد في النهاية إلا الخسران المبين. والذي يفتش عن الجمال الحقيقي، ويبحث عن الجوهر تعلو عنده القيم، فتتوازن مطالب الروح مع رغائب الجسد، والحقوق والواجبات ((إذا وسعك أن تضع في ميزان عملك لآخرتك مقدار ما تضع في ميزان عملك لدنياك فقد نجوت)) (4) . ولهذا لا يتوقى شرك الجمال الكاذب، ولا يحقق المعادلة إلا قلة من الناس، يتأسس وعيهم الجمالي على فطنة بحقائق الأشياء والأفكار ((ما غالبت الدنيا إنساناً إلا غلبته، إلاّ من أشاح عنها وزهد فيها، وذلك هو الانتصار)) (5) . وبسبب اختلاف الرغائب، وتباين المواقف تتحول الحياة إلى ساحة نزال ((تغير معنى الكفاف في البلاد المتقدمة، فلم يعد من حق الإنسان أن يعيش، بل أن يحيا، ويدخر، ويقتني، ويستمتع بكل منتجات الحضارة على نحوٍ مُرضٍ. فطبيعي إذن أن يتسع نطاق الصراع بين الأفراد والجماعات، وأن تتغير معاني المباديء والمثل العليا، والقيم الأخلاقية، فهذا منطق المعركة، والحاجة البشرية)) (6) .   (1) نفسه ص 49. (2) نفسه ص 49. (3) نفسه ص 74. (4) نفسه ص 52. (5) نفسه ص 52. (6) نفسه ص 67. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 101 والبطل والضحية هو الإنسان، ((من بداية الحياة حتى نهايتها، كانت هناك حرب واحدة، متصلة هي الإنسان، وكل المعارك والأحداث في تاريخها آثار صور مصغرة لها، وباختصار، الحرب المدمرة والباقية هي الإنسان)) (1) . إن للحياة منطقها الخاص الذي يعيه العقلاء وأولو الألباب، وللعقلاء منطقهم الخاص الذي تعيه الحياة، فالزينة الزائفة لا تستوقف ذا اللّب، وإن كان هذا هو الخيط الذي يمسك به العشاق. ولهذا فالعقلاء لا يحبون الحياة حين تكون زيفاً، والحياة كذلك لا تحب العقلاء ((الحياة كالمرأة كلتاهما تحب الذكي، وتكره العاقل)) (2) . الحياة في منطق العقلاء شبكة من الصغائر والتفاهات ((ما أكثر صغائر الحياة، وما أكثر التفاهات فيها؛ لأنها نسيج الحياة)) (3) . ولكن “ جمال الحياة ” مرتبط ارتباطاً وثيقاً بوجود هذه التفاهات والصغائر؛ لأنها أوهام تبعث السعادة في النفوس، حين تظل متعلقة بها، وباحثة عنها، وحاثة الخطى إليها، وإن اكتشفت في نهاية الأمر أنها صغائر وتفاهات ((كم هو شريف أن تخلو الحياة من الأوهام، والنفاق، والكذب، ولكن لم تصبح قبيحة، مريرة، إذا غدت هكذا؟! إننا نقضي على سعادتنا عندما نطرد آخر الأوهام من نفوسنا)) (4) . هذه هي الحياة بكل تناقضاتها، علينا أن نفقه حقيقتها، فالحديث عن “ المثاليات ” في الحياة، والبحث عن “ اليوتوبيا ”، وحياة بلا منغصات أو صغائر أمر مستحيل، فعلينا أن نؤمن بهذه الحقيقة، وأن نتوازن داخلياً للسير في طريق مليء بالأشواك؛ لأن صدمة هذه الحقيقة أخف من صدمة الإيمان بوجود حياة مثالية لا وجود لها ((الحياة في إجمالها ليست اختياراً، ولكنها شيء فرض علينا فلابد من استقبال متطلباته على أي نحو، وإذن فعلينا أن نحتفظ بكل قوانا وحواسنا وأعصابنا في حالة توازن واستعداد للسير مع السائرين.   (1) نفسه ص 54. (2) نفسه ص 43. (3) نفسه ص 90. (4) نفسه ص 86. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 102 في مسألة الحياة قبولها وتقبلها لا يستطيع الإنسان أن يهرب ليعيش وحده، إنه حيث يعيش منفرداً، سيقابل الحياة وتناقضاتها وصراعها ومرارتها، وسيجد من البداية وفي النهاية أن وجوده بين الناس ومعهم أكثر من ضروري، وأن أي تعقيد في الحياة وسوء انعكاساته على النفس والمشاعر أهون من تعقيد حياة يختارها ويحسبها خالية من المؤثرات والضنك)) (1) . الحياة مليئة بالمحاسن والمساويء، وفيها الجمال وفيها القبح، هذه حقيقتها. والعقلاء من يدركون هذه الحقيقة، ويدعون إلى اكتشافها وهذه هي غاية المفكرين والأدباء التي ((يجب أن تكون دعوة إلى اكتشاف مسرات الحياة ومحاسنها؛ لأن النظرة السلبية إلى الحياة دليل الفتور وضيق مدى الخيال)) (2) . إن المتشائمين من واقع الحياة ليسوا ثائرين على الحياة، ولا كارهين لمباهجها ((إنما هي ثورة الراغب المستزيد، لا ثورة الكاره المجتوي)) (3) . وفي هذا المعنى يقول: آمالنا ملء النفوس فهل ترى صفرت من الآمال نفسُ الزاهد؟ وأرى الزهادة في مظاهرها تقي من تحته لهب الطِّماح الخامد (4) والحياة قوامها التجدّد، فليس للحياة “ جمال ” إذا كانت إيقاعاً رتيباً، لا جديد فيه، ((فالحياة-كما قلنا-حياة بالتغيير الدائم، والتجدد المستمر، والتطور هو معنى الجمال وسره فيها، والسعادة في رأينا هي المسرّة المتجددة)) (5) . فمعنى الحياة في ذاتها هو ((الزمن والحركة والتغيّر والتحوّل، وإلا كانت متحفاً جامداً لا فرق بين الصور القاتمة فيه، والصخور النائمة فيه)) (6) .   (1) إلى ابنتي شيرين ص 190، ص 191. (2) الرجولة عماد الخلق الفاضل ص 112. (3) حمار حمزة شحاتة ص 76. (4) الديوان ص 159. (5) المرجع السابق ص 66. (6) نفسه ص 87. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 103 والزمن الذي هو معنى الحياة لا يكمن في الدقائق والساعات والأيام والشهور والدهور وإنما يكمن في الشعور بها ((والزمن ليس إلا إحساسنا بالحركة والتحوّل ولو وقف كل شيء في أعيننا لا يريم مكانه لما كان الجمال، ولا كان الشعور بالسعادة)) (1) . والشعور الفياض بحركة الحياة وتحولها، هو الذي يدفع الإنسان للحركة الدائمة لفهم هذه التحوّلات، والاستعداد لها، ولهذا يختلف الأفراد، والأمم في قوة هذا الشعور، فالذي تكون الطاقة الشعورية لديه طاقة مشبوبة يكون مهيأ لإدراك طبيعة الحياة، وما عدا هذا تدوسه عجلة الحياة، ويتخطاه الركب. والكثير من الناس يظل معلقاً بالقديم؛ لأن للجديد مشقاته، وأيسر الحلول معاداة الجديد، ولكن يظل الثمن باهضاً لهذا العداء الأحمق ((إن الشعوب التي تتوقف عن السير مع تيار الحياة والتغيير، تضطر بعد إلى أن تعدو لاهثة، وبجنون، لكي تعوّض ما فاتها من الوقت، وفي هذا العدو الاضطراري مزالق الخطأ، وكبواته)) (2) . صنمية القديم، وعبودية الإرث. صنيع العقول الميتة، والأفكار المجدبة، أما العقول الحيّة، والأفكار المخصبة فهي التي تنفر من التقليد، وتكره الاجترار، وتأبى العبوديّة. والجديد ينتزع المعتقدات، ويهزّ النفوس، ولهذا لا يتقبله كثير من الناس، لأنه يشكك في معارفهم، وهذا ما نجده مع دعوات الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه عليه، ومع كل دعوة جديدة ((ومازالت النفوس أضعف استعداداً لقبول المفاجآت التي تحاول أن تنتزع من معتقداتها ومشاعرها، شيئاً له قيمته وقداسته، وله صلابته العنيدة. وشأن الجديد في هذه السبيل، أن يكون رمز الإقلاق والبعثرة، وما يهون على النفوس والأفكار، أن تنزل عن قوانينها الأدبية، وتقاليدها وعقائدها، إلا مكرهة..)) (3) .   (1) نفسه ص 67. (2) رفات عقل ص 41. (3) الرجولة عماد الخلق الفاضل ص 23. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 104 الحياة حركة دائبة، وتطلع متوثب، ولا سبيل لفهم الحياة، والاستمتاع بها، وتحقيق الوجود الإنساني فيها، إلا بالسعي في أكنافها، والتأمل في حركتها، والتوازن مع إيقاعها الذي لا يهدأ، توازناً دقيقاً لا تكون الحركة فيه تهوراً وإيقاعاً ناشزاً، ولا يكون الوقوف نوماً عميقاً، وموتاً أبدياً. بهذا المقياس الدقيق تكون الحياة حياة حقيقية، ويكون الإنسان “ عملاً صالحاً ”، وعاشقاً للجمال في جوهره، والله جميل يحب الجمال. وحمزة شحاتة كان يحدثنا عن الحياة في حقيقتها، لا عن حياته الخاصة، وعن شقاية العقل الحيّ، وجهاده لاستيعاب هذه الحقيقة، والتوازن معها، حتى أصبح رأس المفكّر هو مشكلته ((ذلك العبء الثقيل، هو رأسي الذي أنوء بحمله منذ تفطنت للحياة، وغُرست بتجاربها القاسية، ولو أن لي في موضعه من عاتقي رأس حيوان أعجم لما أخطأت العزاء في محنة فمن لي بذاك)) (1) . يقول عن إشكالية العقل النابض: أسىً، وأرى الجُهّال قد مُلئوا بشرا أرى عقلاء القوم فاضت صدورهم وناشدته عهد الجهادِ، فما أورى قدحت زنادَ العزم في راجح النُّهى إلى غاية تستعجل الواثب البكرا فأيقنت أن العقل أبطأ مركب فما نورت ليلاً، ولا أظلمت فجرا (2) وما العقل إلا يومة طال جُهدها إنها شكاية ابن مقبل، الذي أدرك هذه الحقيقة واصطلى بنارها فقال: ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر تنبو الحوادث عنه وهو ملموم (3) يقول حمزة شحاتة: وهي دنيا الشذوذ يرتفع الجاهل فيها ويستذل الحصيف (4)   (1) حمار حمزة شحاتة ص 52. (2) الديوان ص 162. (3) ديوان ابن مقبل، عني بتحقيقه: عزة حسن، دمشق، مديرية إحياء التراث القديم، 1381 هـ / 1962 م، ص 273. (4) الديوان ص 40. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 105 ومع هذا فالمفكر العظيم لا يجد المتعة، ولا يكتشف الجمال إلاّ في هذا النصب القاتل ((ليس أحبّ إلي من النصب في سبيل تعديل الموازين ومعاناة الحقائق واحتمال مشقة الهدم والبناء في نفسي وفكري، فإن كانت الحياة حياة باستمرار حركتها، وتجدد دواعيها، وتعدد صورها، فالنفس ما تكون النفس العميقة إلا بما يجيش بها من أسباب التغيير والتحول والتقدم والتقهقر)) (1) . وجميع مجالات الفلسفة الجماليّة التي عرض لها حمزة شحاتة، تنوّع الحديث عنها بتنوع الجنس الأدبي الذي جسدّها شعراً ونثراً، فالفلسفة الجماليّة خلاصة أدب متنوع، فيه القصيدة، والمحاضرة، والمقالة، والرسالة، ولكل جنس أدبيّ خصائصه الفنية التي يستقل بها عما سواه، ممّا يجعل الحديث عن تلك الخصائص فوق طاقة هذه الدراسة، لثراء أدب حمزة شحاتة، ودقة صنعته، وتنوّع أسلوبه، وخصوبة معجمه اللغوي، وصوره الفنية، ولهذا نقول على وجه الإجمال إنّ أبرز خصائص الفن عنده تتمثّل فيما يأتي: 1 - صفاء اللغة، فلغته واضحة الدلالة، سهلة البناء، وجمله تميل إلى القصر وكثرة المعطوفات، الأمر الذي يبعدها عن الإبهام والتعقيد، وعباراته منتقاةٌ بعناية، حيث تتجلى فيها دقة العالم، وحس الفنان، يعضد ذلك ثقافة وحسّ رفيع يمكنه من تطويع لغته لحمل تجاربه وأفكاره. ووضوح اللغة هنا هو وضوح الفن الذي يشف ولا يكشف، ولذلك فلغته على سهولتها، عميقة الغور، ثرية المضمون، واسعة الدلالة. 2 - بروز عنصر المفارقة حيث تتجلى الأضداد بصورة جليّة؛ لأن حمزة شحاتة مولع بالبحث عن حقائق الأشياء، وهدم كثير من الأعراف والأفكار، ليقيم على أنقاضها قيماً جديدة، فكانت اللغة مساوقة لهذا النظر العميق.   (1) حمار حمزة شحاتة ص 60. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 106 3 - التكرار فهناك قضايا ذات حضور خاص عند حمزة شحاتة، كالشعور بعدم الانتماء للمجتمع، وخيانة المرأة، وضمور الوعي الإنساني. وهذا التكرار أدى به إلى تكرار مفردات بعينها، وأساليب ذات جرس موسيقي بارز كالمطابقة، ورد العجز على الصدر، والسخرية ويتجلّى هذا في “ رفات عقل ”. 4 - شيوع أسلوب الاستفهام في شعره ورسائله، وحكمه، ومقالاته، ولعلّ ذلك يعود إلى شكّه في كثير من المسلّمات والأعراف الاجتماعيّة، وخبرته بأحوال الناس، مما يتيح له تصورات كثيرة، ومعاني متعددة، يصبح الاستفهام معها هو الجواب الوحيد. هكذا تجلّت “ الفلسفة الجماليّة ” عند حمزة شحاتة، فلسفة شاملة تقف على أدق خصائص الفن الجميل، وتتأسس على رؤية شاملة لقضايا الإنسان والعالم، وجوهر هذه الفلسفة الانغماس تحت قشور الأشياء والأفكار إلى الأعماق، لاستجلاء المكنون، والمضنون به على كثير من الخلق، الذين لا يجتهدون في الكشف عن غوامض المعرفة، ولا يتلذذون بالانغماس فيها، ولا يتحرقون لاستجلاء أسرارها الخبيئة. لقد كان حمزة شحاتة، رجلاً نبيلاً، وإنساناً شريفاً، قبل أن يكون فيلسوفاً، ومبدعاً، فإنسانية الإنسان كانت المحرك الأول لنشاطه الفكري والإبداعي، وكثيراً ما نجد المثقف يتلون بحسب المواقف والغايات، يلبس في كل يوم قناعاً جديداً، لكن حمزة شحاتة ظلّ مصابراً وباحثاً عن واقع أفضل، وغد أجمل، تمتليء فيه الأرض بشراً، وتنشرح النفوس بسرور لا ينقطع. ويستعيد الإنسان جوهره المفقود، وقدّم كل ما يملك من أجل إيمانه العميق بهذا المبدأ العظيم. رُبما يكون قد خسر أشياء كثيرة، خسر الراحة، والاستقرار الأسري، والأصدقاء غير الصادقين، ولكنه كسب الأهمّ من هذا كُلّه، كسب راحة الضمير، وأمانة الكلمة، ولحظة التاريخ، وإكبار الأجيال الجديدة التي وجدت في عطائه الشعري والفلسفي نموذجاً للمثقف الأمين على شرف الكلمة، ومباديء الإنسانية. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 107 إنَّ صبري بما يؤود ضليعٌ وفؤادي بما أريغ كفيل وورائي من الهوى والمودّا ت شكولٌ مضت، ودوني شكول إنما نعشق الجمال لمعنا هـ، وحسن السمات ضيفٌ عجولُ (1)   (1) الديوان ص 63. المصادر والمراجع 1 - أعلام النساء في عالمي العربي والإسلام، عمر رضا كحالة، بيروت، مؤسسة الرسالة، بدون تاريخ. 2 - إلى ابنتي شيرين، حمزة شحاتة، جدة، تهامة، ط 1، 1400 هـ / 1980 م. 3 - الإمتاع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي، صححه وضبطه، وشرح غريبه: أحمد أمين وأحمد الزين، نسخة مصورة عن طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة، بيروت: دار مكتبة الحياة، بدوت تاريخ. 4 - الأمة المسلمة، مفهومها، مقوماتها، إخراجها، ماجد عرسان الكيلاني، بيروت، العصر الحديث، 1412 هـ / 1992 م. 5 - الإنسان ذلك المجهول، ألكسيس كاريل، تعريب: شفيق أسعد فريد، بيروت، مكتبة المعارف، 1419 هـ / 1998 م. 6 - بنية التخلّف، إبراهيم البليهي، الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية، كتاب الرياض، ط 1، 1415 هـ / 1995 م. 7 - تاريخ النقد الأدبي عند العرب - نقد الشعر من الجاهلية حتى نهاية القرن الثامن الهجري - الدكتور إحسان عباس، بيروت: دار الثقافة، ط 4، 1404 هـ / 1984 م. 8 - جماليات المكان، غاستون باشيلار، ترجمة: غالب هلسا، بيروت: المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، ط 3، 1407 هـ / 1987 م. 9 - حمار حمزة شحاتة، قام بجمعه عبد الحميد مشخص، الرياض، دار المريخ، ط 1، 1397 هـ / 1977 م. 10 - حمزة شحاتة قمة عرفت ولم تكتشف، عزيز ضياء، الرياض، المكتبة الصغيرة، ط 1، 1397 هـ / 1977 م. 11 - الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية نموذج إنساني معاصر، الدكتور: عبد الله الغذامي، جدة: النادي الأدبي الثقافي بجدة، ط 1، 1405 هـ / 1985م. 12 - ديوان ابن مقبل، عني بتحقيقه: عزة حسن، دمشق، مديرية إحياء التراث القديم، 1381 هـ / 1962 م. 13 - ديوان حمزة شحاتة، جدة: دار الأصفهاني، ط 1، 1408 هـ / 1988 م. 14 - الرجولة عماد الخلق الفاضل، حمزة شحاتة، جدة: تهامة، ط 1، 1401 هـ / 1988 م. 15 - رفات عقل، حمزة شحاتة، قام بجمعه وتنسيقه: عبد الحميد مشخص، جدة: تهامة، الطبعة الأولى، 1400 هـ / 1980 م. 16 - شروط النهضة، مالك بن نبي، ترجمة: عمر مسقاوي، وعبد الصبور شاهين، بيروت دار الفكر. 17 - شعراء الحجاز في العصر الحديث، عبد السلام الساسي، راجعه وصححه: علي العبادي الطائف، مطبوعات النادي الأدبي بالطائف، ط 2، 1402 هـ. 18 - صحيح مسلم، الإمام أبو الحسين مسلم النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، 1400هـ / 1980 م. 19 - صوت الحجاز 2 صفر 1359 هـ، الموافق 11 مارس 1940 م. صوت الحجاز 24 محرم 1359 هـ، الموافق 4 مارس 1940 م. 20 - الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري، دراسة في أصولها وتطورها، علي البطل، بيروت: دار الأندلس، ط 1، 1980 م. 21 – العقل في التراث الجمالي عند العرب، علي شلق، بيروت: دار المدى، ط 1، 1985 م. 22 - علم الجمال، دني هويسمان، ترجمة: ظافر الحسن، بيروت: منشورات عويدات، ط 4 1983 م. 23 - في ظلال القرآن، سيد قطب، بيروت: دار الشروق، ط 7، 1398 هـ / 1978 م 24 - في النقد الذاتي، ضرورة النقد الذاتي للحركة الإسلامية، خالص جلبي، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 3، 1405 هـ / 1985 م. 25 - القيم الجمالية، الدكتورة راوية عباس عمارة، الاسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1987 م. 26 - الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، أبو البقاء الكفوي، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري، دمشق، ط 2، 1982 م. 27 - لسان العرب، ابن منظور الإفريقي، القاهرة: دار المعارف، بدون تاريخ. 28 - مباديء في نظرية الشعر والجمال، أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، حائل: النادي الأدبي بمنطقة حائل، ط 1، 1418 هـ 29 - مخطط الانحدار وإعادة البناء، الدكتور خالص جلبي، الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية، كتاب الرياض، 1417 هـ. 30 - المدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي، نجيب الكيلاني، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 2، 1408 هـ / 1988 م. 31 - المدينة في الشعر العربي الحديث، الدكتور: مختار أبو غالي، الكويت: عالم المعرفة، 1415 هـ / 1995 م. 32 - المعجم الفلسفي، الدكتور جميل صليبا، بيروت: دار الكتاب اللبناني، ط 1، 1971 م 33 - مفاهيم الجمالية والنقد في أدب الجاحظ، الدكتور: ميشال عاصي، بيروت: دار العلم للملايين، ط 1، 1974 م. 34 - منهج الفن الإسلامي، محمد قطب، بيروت: دار الشروق، ط 5، 1401 هـ / 1981 م. 35 - ميلاد مجتمع - الجزء الأول شبكة العلاقات الاجتماعية - مالك بن نبي، ترجمة: عبد الصبور شاهين، طرابلس، دار الإنشاء، ط 2، 1974 م. 36 - النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربيّة، الدكتور عبد الله الغذامي، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط 1، 2000 م. 37 - الهوامل والشوامل، أبو حيان التوحيدي، ومسكويه، نشره: أحمد أمين، والسيد صقر، القاهرة: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر،1370 هـ / 1951م الجزء: 14 ¦ الصفحة: 108 الهوامش والتعليقات الجزء: 14 ¦ الصفحة: 109 أحكام لا سِيَّما وما يتعلَّق بها تأليف أحمد بن أحمد بن محمَّد السُّجَاعِيّ - ت: 1197 هـ دراسة وتحقيق الدكتور حسان بن عبد الله الغنيمان الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية بكلية المعلمين بالرياض ملخص البحث يقع الاسم المفرد بعد «لا سِيَّما» كثيرا، وهو إما أن يكون نكرة أو معرفة، فإذا كان نكرة جاز فيه ثلاثة أوجه من الإعراب، وإذا كان معرفة جاز فيه وجهان هما: الجر، والرفع. وتقع الجملة الاسمية والفعلية بعد «لا سِيَّما» ، وكذلك الظرف، وهذا قليل.لا يجوز حذف «لا» من «لا سِيَّما» ؛ لأن حذفها يُغيِّر المعنى المراد من استخدام «لا سِيَّما» . استعمل بعض العرب «لا سِيَّما» مخففة الياء، فينطقونها بياء مفتوحة من غير تشديد فيقولون: (لا سِيَما) . «لا سِيَّما» لا يصحُّ استخدامها أداةَ استثناءٍ؛ لأن حكم ما بعدها داخل في حكم ما قبلها من غير مساواة، فهي بعكس أدوات الاستثناء؛ إذ ما بعدها خارج عن حكم ما قبلها. الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فلقد امتنَّ الله (علينا حينما أرسل إلينا أفضل رسله، وخير خلقه، محمد (، فأنزل عليه كتابه الكريم، بلسانٍ عربيٍّ مبين، وتعهَّده (بالحفظ، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولقد كان من آثار حفظ الكتاب العزيز أن قيَّض (له مَنْ حفظه ومَنْ تعلَّمه وعلَّمه، وكان من هؤلاء الذين تعلَّموا كتاب الله وعلَّموه علماءُ العربية، فلقد تسابقوا على تعلُّم لغة القرآن وتعليمها والتأليف فيها؛ لأنَّ حفظها حفظٌ لكتاب الله (. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 110 ولقد ابتدر علماء العربية الأوائل وبخاصة النحاة إلى تقييد أصول المسائل النحوية في مؤلفاتهم، وبثِّ كثيرٍ من الفروع في ثناياها، ثم تعاقب النحاة على تعليم النحو والتأليف فيه، فأخرجوا مؤلفات ظهرت فيها الدقة في التبويب، والعناية بذكر الفروع منسابَةً تحت أصولها، وكان من مسائل النحو الفرعية «لا سِيَّما» وأحكامها، فقد ذكرها كثير من النحاة في باب الاستثناء؛ لأنَّها تدل على إخراج ما بعدها من مساواة ما قبلها، وأدوات الاستثناء تدل على إخراج ما بعدها عن حكم ما قبلها، ولم يُفرد النحاة المتقدمون لها مؤلَّفا خاصا أو بابا مستقلا في كتاب نحوي، أمَّا النحاة المتأخرون فقد أفردها بعضهم بمؤلَّف خاص، وبعضهم أفرد الحديث عنها في مبحث مستقل داخل كتاب نحوي، وكان ممن أفردها بمؤلَّف خاص العلامة أحمد بن أحمد بن محمد السُّجاعي، المتوفى سنة 1197 هـ، فلقد نظم أبياتا في أحكامها، ثم شرح هذه الأبيات، وهي هذه الرسالة التي أقدمها محقَّقَةً للقراء، يسبقها دراسة لمؤلِّفها ودراسة لها، راجيا من الله أن تكون نافعة ومفيدة لأبناء العربية. ولقد اجتهدت في دراسة شخصية المؤلف، وحاولت قدر الإمكان إلقاء الضوء على كثير من جوانب حياته المختلفة، على الرغم من قلة المراجع التي تحدثت عنه وعن حياته، كما أَنَّني لم أدَّخر جهدا في التحقيق، فقد اهتممت بالمخطوطة من جهة الكتابة والتوثيق والتخريج وخدمة النص. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 111 وقد حرصت في الدراسة والتحقيق على توثيق المعلومات التي أذكرها من مصادرها؛ لذلك سلكت عند ذكر مصنفات المؤلِّف أن أذكر عدد نسخها المخطوطة وأماكن وجودها؛ لأَنَّ هذا كان الوسيلة المتاحة للتوثيق أمامي؛ لعدم ذكر غالب مؤلَّفاته في الكتب التي ترجمت له، وقد استنزف مني هذا جهدا كبيرا، ثم بعد انتهائي من كتابة البحث وقفت على كتاب (الخطط التوفيقيَّة) ، ووجدت فيه ترجمةً للسُّجاعي مضمنة رسالة لأحد تلاميذه ذكر فيها مؤلفات شيخه، فقمت بتوثيق مؤلفاته منها، إلا أَنَّني رأيت أن أُبْقِيَ على ذكر الإحالة إلى مكان وجود هذه المؤلفات المخطوطة؛ لأَنَّ في ذلك زيادة في التوثيق وخدمة للقارئ؛ إذ سيكفيه هذا مشقة البحث عنها عند إرادته الاطلاع عليها، وسيُيَسِّر له الحصول على نسخها المخطوطة عند عزمه على تحقيقها، أما مؤلفات السُّجاعي المطبوعة فلم ألتزم بذكر أماكن وجود نسخها المخطوطة؛ لعدم جدوى ذلك. ومما أود التنبيه إليه هنا أَنَّني أغفلت في مسرد المصادر والمراجع ذكر فهارس المكتبات التي وثَّقت منها مؤلفات السُّجاعي؛ رغبة مني في عدم إطالة هذا البحث؛ لأَنَّ أغلب هذه الفهارس إن لم يكن كلها لم يُطبع إلا مرة واحدة، فلن يحصل لبس عند الإحالة إليها، ولأَنَّ الفهارس التي رجعت إليها كثيرة جدا، فأحيانا فهرس المكتبة الواحدة يستلزم ذكره في مسرد المراجع مرات متعددة؛ نظرا لاختلاف زمن طبع كل مجلد، كفهارس المكتبة الأزهرية، أو اختلاف جامع الفهرس، كفهارس المكتبة الظاهرية، وهذا راجعٌ إلى اختلاف فنِّ كل مجلد. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 112 وفي الختام لا يسعني إلا أن أتقدم بجزيل الشكر إلى كلِّ من قدَّم لي يد العون، وأعانني على إخراج هذه الرسالة على الوجه المأمول، وأخصُّ بالشكر شيخي وأستاذي الأستاذ الدكتور عبد العظيم فتحي خليل، الذي زوَّدني بصورةٍ من نسخة هذه الرسالة الموجودة في دار الكتب المصرية، كما أخص بالشكر أيضا المسئولين في قسم المخطوطات في مركز الملك فيصل، الذين يسَّرُوا لي معرفة أماكن وجود مؤلفات السُّجاعي، فللجميع مني الشكر والتقدير ومن الله المثوبة والعطاء، والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه، والحمد له أولا وآخرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. *** التعريف بمؤلف الرسالة: هو أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد البدراوي الأزهري الشافعي السُّجَاعِيّ، نسبة إلى «السُّجَاعِيَّة» : قرية من مديرية الغربية بمركز المحلة الكبرى بمصر. ولد بمصر ونشأ بها في أسرة علمية، فلقد كان أبوه من شيوخ الأزهر؛ ولذا طلب العلم منذ صغره، ساعده على هذا الحركة العلمية النَّشِطَة التي كانت تمر بها مصر في عصره، والمتمثلة في تأسيس المدارس في مختلف أرجاء البلاد، فضلا عن المساجد التي كانت منتشرة في كل مكان آخذة بنشر النور وبث وسائل المعرفة، فتنوعت الثقافة في دور العلم هذه (1) . فكانت هذه العوامل جديرة بجعل أحمد السُّجاعي حريصا على طلب العلم، فقد ابتدر إلى ذلك، فقرأ العلم على والده وعلى كثير من مشايخ عصره، كالعلامة حسن بن علي المدابغي (1170 هـ) ، والشيخ حسن بن إبراهيم الجبرتي (1188 هـ) الذي لازمه فأخذ عنه علم الحكمة الهندية وغيره من العلوم، ومحمد مرتضي الزبيدي (1205 هـ) .   (1) ينظر الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية ص 21. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 113 وقد بلغ أحمد السُّجاعي مكانةً عالية في العلم، وكان ذلك في حياة والده، فتصدَّرَ للتدريس في مواضعه، واستمر في هذا أيضا بعد موت والده سنة 1190 هـ، وصار من أعيان العلماء، وشارك في معظم العلوم، وتميَّز بالعلوم الغريبة، وكان فقيها حافظا مُلِمًّا باللغة، وله تآليف عديدة بارعة في كثيرٍ من الفنون تشهد بعلو مكانته وسَبْقِهِ في العلم. ولم تزوِّدنا المراجع التي ترجمت له بتفصيلات كثيرة عن حياته أو أسماء تلاميذه، إلا أَنَّني تيسر لي الوقوف على اسم أحدهم، وهو الشيخ علي بن الشيخ سعد بن سعد البيسوسي السطوحي الشافعي الذي كتب رسالة ذكر فيها مؤلفات شيخه أحمد السُّجاعي. وبعد حياة مليئة بالعطاء توفي عَلَمنا أحمد بن أحمد السُّجاعي في القاهرة ليلة الاثنين السادس عشر من صفر سنة 1197 هـ، وصُلِّي عليه في الأزهر، ودُفن عند أبيه بالقرافة الكبرى بتربة المجاورين. مؤلفاته: كان أحمد السُّجاعي من العلماء المُبَرِّزين في كثيرٍ من فنون العلم، وله مؤلفات كثيرة تدل على ذلك، ولم يذكر مَنْ ترجم له وبخاصة الجبرتي الذي عليه المعوَّل في ترجمته إلا الشيء القليل من هذه المؤلفات، إلا أَنَّ أحد تلاميذ السُّجاعي، وهو الشيخ علي بن الشيخ سعد بن سعد البيسوسي السطوحي الشافعي كتب رسالة ترجم فيها للسُّجاعي وذكر مؤلفاته، وقد أوردها علي باشا مبارك في كتابه (الخطط التوفيقية) في أثناء ترجمته للسُّجاعي. وأغلب مؤلفات السُّجاعي شروحٌ، وحواشٍ، ورسائلُ، ومتونٌ متنوعةٌ بين منثورٍ ومنظومٍ. وإليك هذه المؤلفات بحسب تصنيفها علميا: علوم القرآن: فتح رب البَرِيَّات بتفسير وخواص الآيات السبع المُنجِيَات (1) . رسالةٌ في الرسم العثماني (2) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180. (2) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 114 منظومة في معنى الورود (1) في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ((2) . شرح المنظومة السابقة (3) . الحديث: شرح مختصر البخاري لابن أبي جمرة (695 هـ) ، المسمَّى: (جمع النهاية في بدء الخير والغاية) ، سمَّاه: (النور الساري على متن مختصر البخاري) (4) ، له نسخ خطية متعددة: منها خمس نسخ في المكتبة الأزهرية (5) ، وواحدة في كل من: مكتبة رامبور بالهند (6) ، والمكتبة الوطنية بتونس (7) ، وجامعة الملك عبد العزيز (8) ، ومكتبة مكة المكرمة (9) ، ودار الكتب المصرية (10) ، والخزانة التيمورية (11) ، ومكتبة الكونجرس. حاشية على الجامع الصغير للسيوطي (12) . شرح حديث (في كل أرضٍ نبيٌّ كنبيِّكم) (13) ، له نسخة خطية في خزانة تطوان بالمغرب (14) ، وأخرى في المكتبة الخديوية (15) . شرح حديث (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) (16) ، له نسختان خطيتان في المكتبة الأزهرية (17) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (2) سورة مريم، من الآية 71. (3) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (4) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180. (5) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 1/479 و 636. (6) ينظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 2/446. (7) ينظر فهرس مخطوطات دار الكتب الوطنية بتونس 5/8. (8) ينظر فهرس مخطوطات جامعة الملك عبد العزيز 2/41. (9) ينظر فهرس مخطوطات مكتبة مكة المكرمة ص 66. (10) ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/66. (11) ينظر فهرس الخزانة التيمورية 2/152. (12) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (13) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (14) ينظر فهرس مخطوطات خزانة تطوان 2/128. (15) ينظر فهرس المكتبة الخديوية 1/344. (16) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (17) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 1/529. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 115 شرح حديث (العينان وكاء السَّهِ، فَمَنْ نامَ فَلْيَتَوَضَّأْ) (1) ، له نسخة خطية في الخزانة التيمورية (2) . العقيدة: الدرة الفريدة بشرح العقيدة المسماة ب (الحفيدة) ، وهو شرح لكتاب العقيدة للسنوسي (895 هـ) (3) ، له نسختان خطيتان في الأزهرية (4) ، ونسخة خطية في مركز الملك فيصل (5) ، وأخرى في مكتبة مكة المكرمة (6) . نَظْمٌ في بيان الرسل التي في القرآن وترتيبهم (7) . فتح المنَّان ببيان الرسل التي في القرآن (8) ، وهو شَرْحٌ للنظم السابق (9) ، له نسختان خطيتان في دار الكتب المصرية (10) ، وأخرى في الخديوية (11) ، وأخرى في الأزهرية (12) ، ونسختان في التيمورية (13) . وقد طبع هذا الشرح (14) . رسالةٌ في استخراج عدة الأنبياء والرسل من اسم نَبِيِّه محمد ((15) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (2) ينظر فهرس الخزانة التيمورية 2/297. (3) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (4) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/191. (5) ينظر فهرس مخطوطات مركز الملك فيصل، العدد 8 ص 43. (6) ينظر فهرس مخطوطات مكتبة مكة المكرمة ص 93. (7) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 2/174. (8) ينظر هدية العارفين 1/180. (9) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 2/174. (10) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/56، و 5/282. (11) ينظر فهرس المكتبة الخديوية الجزء 7 القسم 1 ص 60. (12) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 5/505. (13) ينظر فهرس الخزانة التيمورية 1/220، وقد ذُكرت المنظومة في أول إحدى النسختين. (14) طبع الكتاب في مصر سنة 1309 مع كتاب (مفحمات الأقران في مبهمات القرآن) للسيوطي. ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1084 و 1007. (15) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 116 المقالة المُشَاعة بشرح نظم أشراط الساعة، للعلامة إبراهيم ابن محمد الإخنائي (777 هـ) (1) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (2) . القول الأزهر فيما يتعلق بأرض المحشر (3) ، له نسخة خطية في المكتبة الأزهرية (4) . تقييدٌ لطيفٌ لبيان أسماء الله الحسنى، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (5) . شرح التقييد السابق (6) ، سمَّاه: (القول الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى) (7) . منظومةٌ في أسماء الله الحسنى (8) ضمَّنها أنواع البديع وسمَّاها: (المقصد الرفيع في نظم أسماء الله البديع) ، منها نسخة خطية في دار الكتب المصرية، محفوظة ضمن مجموعة منظوماتٍ للسُّجاعي (9) . شرح المنظومة السابقة، سمَّاه: (المقصد الأسنى في شرح منظومة أسماء الله الحسنى) (10) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (11) . منظومةٌٌ في أصول المُكَفِّرات (12) . مقدمةٌ في شرح أصولٍ تسعةٍ ناشئةٍ عن اعتقادِ بعضِهَا كُفرٌ مُجمَعٌ عليه أو بدعةٌ مختلفٌ في كفر صاحبها، وهو شرح للمنظومة السابقة (13) ، له نسخة خطية محفوظة في جامعة الملك سعود ضمن مجموع (14) .   (1) ينظر إيضاح المكنون 2/534، وهدية العارفين 1/180. (2) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/362. (3) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180. (4) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/298. (5) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/280. (6) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (7) ينظر هدية العارفين 1/180. (8) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (9) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 3/278. (10) ينظر عجائب الآثار 3/263، والخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180. (11) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/362. (12) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (13) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (14) ينظر فهرس مخطوطات جامعة الملك سعود 5/202. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 117 رسالةٌ في إثبات كرامات الأولياء، سَمَّاها: (السهم القوي في نحر كل غبي وغوي) (1) ، له ست نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (2) ، وقد طبع الكتاب (3) . رسالةٌ في الرَّدِّ على الشيخ عمر الطحلاوي في تكفيره لشمس الدين الحفناوي (4) . منظومةٌ في التوحيد (5) . شرحُ المنظومةِ السابقة، وهو الشرح الكبير عليها (6) ، له نسخة خطية في المكتبة الأزهرية (7) . الشرح الصغير للمنظومة السابقة، سمَّاه: (فتح المجيد شرح فريدة التوحيد) (8) . عقيدة التوحيد. فتح الحميد بشرح عقيدة التوحيد، وهو شرحٌ للكتاب السابق، له نسخة خطية في المكتبة الأزهرية (9) الجوهر المنيف في خواص اسمه تعالى "اللطيف" (10) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (11) . منظومةٌٌ في الخلاف في اسم الله الأعظم، اشتملت على ثلاثين قولا (12) . شرح المنظومة السابقة (13) . رسالةٌ ملخصةٌ من (شمس المعارف الكبرى) للإمام أحمد بن علي البوني (622 هـ) (14) . الفقه:   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180. (2) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/208 و 710. (3) طبع الكتاب في بولاق عام 1318 هـ مع كتاب (شفاء السِّقَام في زيارة خير الأنام) لتقي الدين السبكي. ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1004 و 1007. (4) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (5) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (6) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (7) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/238. (8) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (9) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/288. (10) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180، وهو في الخطط التوفيقية باسم: المنهج الحنيف في خواص .... . (11) ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 1/232. (12) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (13) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (14) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 118 مناسك الحج (1) . منظومةٌ في شروط الإمام والمأموم (2) . فتح اللطيف القيوم بما يتعلق بصلاة الإمام والمأموم (3) ، وهو شرح كبير للمنظومة السابقة. شرحٌ صغيرٌ للمنظومة السابقة (4) . الفوائد المزهِرَة بشرح الدرة المُنتضِرَة (5) ، وهو شرح على منظومة الدرة المنتضِرَة في المَعْفُوِّ من النجاسات، لشهاب الدين أحمد الشُّرُنْبُلالي الشافعي، له نسختان خطيتان في جامعة الملك سعود (6) ونسختان في مكتبة مكة المكرمة (7) ، ونسخة في المكتبة الأزهرية (8) ، وأخرى في دار الكتب المصرية (9) . حاشيةٌ على شرح الخطيب الشربيني (977 هـ) على مختصر أبي شجاع (593هـ) في الفقه الشافعي (10) . شرحٌ لطيفٌ على خطبة الخطيب الشربيني (977 هـ) في شرحه لمختصر أبي شجاع (593هـ) في الفقه الشافعي (11) . أزهارُ رياضِ رضا التحقيقِ والتدقيق، وهو تعليق على آخِرِ شرح الخطيب الشربيني (977 هـ) على مختصر أبي شجاع (593 هـ) في الفقه الشافعي (12) ، له نسخة خطية في المكتبة الأزهرية (13) ، وأخرى في دار الكتب المصرية (14) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180. (2) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (3) ينظر هدية العارفين 1/180. (4) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (5) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180. (6) ينظر فهرس مخطوطات جامعة الملك سعود 6/168. (7) ينظر فهرس مخطوطات مكتبة مكة المكرمة ص 216. (8) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 2/592. (9) ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/195. (10) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (11) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (12) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180. (13) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 2/425. (14) ينظر فهرست الكتب العربية المحفوظة بالكتبخانة المصرية 3/210. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 119 شرح الستين مسألة، وهو شرح للمقدمة المنظومة المعروفة ب (الستين مسألة) للشيخ أحمد بن محمد الزاهد (819 هـ) (1) ، له نسخة خطية في المكتبة الأزهرية (2) . منظومةٌ في الخُلْع وأحكامه (3) . تقييدٌ على المنظومة السابقة سمَّاه: (القول النفيس فيما يتعلق بالخُلْع على مذهب الإمام الشافعي ابن إدريس) (4) ، له نسختان خطيتان في دار الكتب المصرية (5) ، ونسختان أخريان في المكتبة الخديوية (6) . منظومةٌ في أحكام الاستحاضة (7) . شرحُ منظومةِ أحكام الاستحاضة السابقة (8) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (9) . منظومةٌ في شروط تكبيرة الإحرام (10) . شرحٌ لمنظومة شروط تكبيرة الإحرام السابقة (11) . منظومةٌ تتعلق بالعقود التي تكون من شخصين أو من شخصٍ واحدٍ مع بيان الجائز واللازم منهما (12) . رسالةٌ في الرد على من قال بطهارة الفسيخ (13) . رسالةٌ في آداب الحمَّام (14) . منظومةٌ في دخول المسلم في مُلْكِ الكافر (15) . شرح المنظومة السابقة (16) . الفرائض: منظومةٌ في إِرْثِ ذوي الأرحام (17) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (2) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 2/546. (3) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (4) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180. (5) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/534، و 7/53. (6) فهرس المكتبة الخديوية 3/262، و 4/87. (7) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (8) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (9) ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/85. (10) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (11) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (12) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (13) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (14) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (15) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (16) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (17) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 120 شرحٌ المنظومة السابقة سمَّاه: (تحفة الأنام في توريث ذوي الأرحام) (1) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (2) ، وأخرى في المكتبة الخديوية (3) . منظومةٌ في معنى الكَلالَة (4) . شرحُ المنظومةِ السابقة (5) . فتح القادر المُعِيد بما يتعلَّق بقسمة التَّرِكَةِ على العبيد (6) ، وهي حاشية على رسالة الشيخ الدَّرْدِير (1201 هـ) في مخرج القيراط (7) . النفحات الرَّبَّانِيَّة على الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة، وهو حاشية على (الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة شرح الرَّحَبِيَّة) للعلامة الشِّنْشَوْرِيّ (999 هـ) (8) له نسختان خطيتان في المكتبة الأزهرية (9) . الأدعية والأذكار: فتح القدير بشرح حزب قطب النَّوَوِيّ الشهير (10) ، له نسختان خطيتان في مركز الملك فيصل (11) ، ونسخة في مكتبة مكة المكرمة (12) ، ونسخة في المكتبة الأزهرية (13) ، ونسخة خطية أخرى في المكتبة الملكية في برلين (14) ، ونسخة في مكتبة جاريت في برنستون بأمريكا (15) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وإيضاح المكنون 1/242، وهدية العارفين 1/180. (2) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/554. (3) ينظر فهرس المكتبة الخديوية 3/303. (4) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (5) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (6) ينظر هدية العارفين 1/180. (7) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (8) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (9) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 2/721. (10) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180. (11) وهما محفوظتان فيه تحت الرقمين: 1305 و 10485. (12) ينظر فهرس مخطوطات مكتبة مكة المكرمة ص 297. (13) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 6/380. (14) ينظر فهرس المكتبة الملكية في برلين 3/412. (15) ينظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 1/397. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 121 فتح الغفَّار بمختصر الأذكار للنووي (1) . بدء الوسائل في حل ألفاظ الدلائل (2) ، وهو حاشية على (دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار) لأبي عبد الله الجزولي (870 هـ) ،له خمس نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (3) ونسختان في دار الكتب المصرية (4) ، وأخرى في مكتبة بطرسبرج في لينينغراد بروسيا (5) . حاشية على (الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين) لابن الجزري (833هـ) (6) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (7) . نظمُ الجوهرةِ السَّنِيَّة في الْحِكَم العَلِيَّة (8) ، وهي رسالة في الْمَحَالِّ التي تُطلب فيها الصلاة على النبي (، ألَّفها منصور بن محمد الأريحاوي (9) ، المتوفى بعد سنة 1016 هـ. فتح ذي الصفات العَلِيَّة بشرح الجوهرة السنية (10) . رسالةٌ في أذكار المساء والصباح (11) . رسالةٌ في أدعية أوَّل السنة وآخرها ويوم عرفة ويوم عاشوراء (12) . المواعظ والإرشاد: الفوائد الْجَلِيَّة لمن أراد الخلاص من كل بَلِيَّة، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (13) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180. (2) ينظر عجائب الآثار 3/263، والخطط التوفيقية 12/10، وإيضاح المكنون 1/167، وهدية العارفين 1/180. (3) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 6/339. (4) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/265 و 271. (5) ينظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 2/446. (6) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وقد طُبع كتاب ابن الجزري (الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين) . ينظر معجم المطبوعات العربية 1/63. (7) ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 1/247. (8) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (9) ينظر هدية العارفين 1/180. (10) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180. (11) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (12) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (13) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/339. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 122 رسالةٌ ملخصةٌ من (مدخل الشرع الشريف) لابن الحاج المالكي (737 هـ) (1) . قصيدةٌ في التوبة والاستعاذة من الذنوب، لها نسخة خطية في دار الكتب المصرية محفوظة ضمن مجموعة منظوماتٍ للسُّجاعي (2) . رسالةٌ ملخصةٌ من كتاب (الفوائد والصلة والعوائد) للشيخ أحمد بن أحمد الشرجي (893 هـ) (3) . التصوف: الفوائد اللطيفة في شرح ألفاظ الوظيفة (4) ، وهو شرحٌ على وظيفة السيد أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البُرْنُسِيّ المعروف بزَرُّوق (899 هـ) ، له ثلاث نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (5) ونسختان في دار الكتب المصرية (6) ، ونسخة في المكتبة الظاهرية (7) . شرحُ وِرْدِ قطب الإمام الشافعي (8) . فتح القوي بشرح صلاة القطب البدوي، وهو شرحٌ على صلاة السيد أحمد البَدَوِيّ (675 هـ) (9) ، له ثلاث نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (10) . شرح حزب السيد أحمد البَدَوِيّ (675 هـ) (11) . الفتوحات العلية بشرح الصلاة المشيشيَّة، وهو شرحٌ كبيرٌ على صلاة القطب عبد السلام بن مشيش (622 هـ) (12) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (13) . شرحٌ صغيرٌ على صلاة القطب عبد السلام بن مشيش (14) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (2) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 3/278. (3) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (4) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180. (5) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 6/383. (6) ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/194. (7) ينظر فهرس المخطوطات بدار الكتب الظاهرية (تصوف) 2/418. (8) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (9) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (10) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 6/381. (11) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (12) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (13) ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/175. (14) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 123 شرحُ الحزبِ الصغير للقطب إبراهيم بن أبي المجد الدُّسُوقي (676 هـ) (1) . السيرة: حاشيةٌ على مختصر شيخه حسن بن علي المدابغي (1170 هـ) على (بهجة السامعين والناظرين بمولد سيِّد الأوَّلين والآخرين) للغَيْطِي (981 هـ) (2) ، له ثماني نسخ في المكتبة الأزهرية (3) ، ونسختان في دار الكتب المصرية (4) ، ونسخة في المكتبة الخديوية (5) ، ونسخة في دار مخطوطات البحرين (6) حاشيةٌ على (شرح الشمائل للترمذي) للعلامة المناوي (1031 هـ) (7) . شرحُ الخصائصِ والمعجزات النبوية للسيوطي (911 هـ) (8) . منظومةٌ في أسماء النبي ((9) . شرح المنظومة السابقة سمَّاه: (فتح الرحيم الغفار بشرح أسماء حبيبه المختار) (10) ، له نسخة في مكتبة وقف آل هاشم في المدينة المنورة، ومنها مصورة فلمية في الجامعة الإسلامية (11) . ثلاثُ قصائد في مدح النبي ((12) ، لها نسخة في دار الكتب المصرية محفوظة ضمن مجموعة منظوماتٍ للسُّجاعي (13) . قصيدةٌ في الاستغاثة برسول الله (، منها نسخة في دار الكتب المصرية محفوظة ضمن مجموعة منظوماتٍ للسُّجاعي (14) . فضائل آل البيت:   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (2) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (3) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 5/415 و 550. (4) ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 1/239، وفهرس الكتب العربية الموجودة بالدار 5/157. (5) ينظر فهرس المكتبة الخديوية 1/405. (6) ينظر فهرس مخطوطات البحرين 2/115. (7) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (8) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (9) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (10) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180. (11) ينظر فهرس كتب السيرة النبوية والصحابة بالجامعة الإسلامية ص 220. (12) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (13) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 3/278. (14) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 3/278. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 124 أبياتٌ ثلاثةٌ في أولاد النبي ((1) . شرحُ الأبياتِ الثلاثة السابقة سمَّاه: (الروض النضير فيما يتعلق بآل بيت البشير النذير) (2) ، له أربع نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (3) ، ونسختان في دار الكتب المصرية (4) ، ونسخة في المكتبة الخديوية (5) . تحفة ذوي الألباب فيما يتعلق بالآل والأصحاب (6) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (7) . التاريخ: منظومةٌ في أسماء مكة المكرمة وضبطها وتحقيق معانيها (8) . شرحُ المنظومةِ السابقة (9) ، له نسخة خطية محفوظة في المكتبة الأزهرية (10) . اللغة: منظومةٌ في معاني لفظ "العين" (11) ، تَتَبَّعَ (القاموسَ المحيط) واستخرج لِلَفْظ "العين" ستة وعشرين معنى جمعها في هذه المنظومة المكوَّنة من ثلاثة وعشرين بيتا، لها أربع نسخ خطية في دار الكتب المصرية (12) ، ونسخة في مكتبة كلية الدراسات الشرقية في بطرسبرغ بروسيا (13) . منظومةٌ في الأعضاء التي يجوز فيها التذكير والتأنيث (14) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10. (2) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وإيضاح المكنون 1/591، وهدية العارفين 1/180. (3) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 5/457. (4) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 5/206. (5) ينظر فهرس المكتبة الخديوية الجزء 7 القسم 1 ص 204، والجزء 7 القسم 2 ص 457. (6) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 1/248، وهدية العارفين 1/180. (7) ينظر فهرس دار الكتب المصرية (الملحق) 1/39. (8) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (9) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (10) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 5/474. (11) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (12) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 2/42، و 3/278 و 289. (13) ينظر المنتقى من مخطوطات جامعة بطرسبرغ ص 266. (14) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 125 فتحُ المَنَّان بشرح ما يُذَكَّر ويُؤَنَّث من أعضاء الإنسان (1) ، وهو شرح للمنظومة السابقة. شرحُ قصيدةِ ابن جابر (780 هـ) فيما يُقرأ بالضاد والظاء (2) شرحُ قصيدةٍ فيما يُقرأ بالواو والياء (3) . منظومةٌ في صفات حروف المعجم (4) . رسالةٌ في البئر (5) . رسالةٌ في الفرق بين الثَّوْر والتَّوْر والطَّوْر (6) . النحو: حاشيةٌ على شرح قطر الندى لابن هشام (7) ، طبعت أكثر من مرة (8) . حاشيةٌ على شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، سمَّاها: (فتح الجليل على شرح ابن عقيل) (9) ، طبعت عدة مرات (10) . شرح الأزهرية في علم العربية (11) . منظومةٌ في أحكام «لا سِيَّما» . أحكام «لا سِيَّما» وما يتعلق بها، وهي رسالة شَرَحَ فيها المنظومة السابقة، وهي موضوع هذا البحث، وسيأتي الحديث عن نسبتهما (12) . منظومةٌ في إعراب فواتح السور القرآنية (13) . الدُّرَر في إعراب أوائل السور (14) ، وهو شرحٌ للمنظومة السابقة، له ثلاث نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (15) ، ونسخة في الخزانة التيمورية (16) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180. (2) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (3) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (4) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (5) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (6) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (7) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (8) ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1006، وفهرست الكتب النحوية المطبوعة ص 80. (9) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 2/160، وهدية العارفين 1/180. (10) ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1007، وفهرست الكتب النحوية المطبوعة ص 85. (11) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (12) ينظر ص 1377. (13) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (14) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (15) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 1/176، و 4/196. (16) ينظر فهرس الخزانة التيمورية 1/201. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 126 إعرابُ (أرأيت) (1) ، له نسخة خطية في جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية (2) . منظومةُ البيان في الإخبار بظرف الزمان والمكان (3) . شرحُ المنظومةِ السابقة (4) ، له نسخة خطية محفوظة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (5) . فتحُ المالك فيما يتعلق بقول الناس: (وهو كذلك) (6) ، بَيَّن فيه مرجع الضمير والإشارة في هذا القول، له نسختان خطيتان في المكتبة الأزهرية (7) ، ونسخة في المكتبة البلدية بالإسكندرية (8) ، وأخرى في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (9) ، وأخرى في مكتبة كلية الدراسات الشرقية في جامعة بطرسبرغ بروسيا (10) ، وأخرى في مكتبة الكونجرس الأمريكي. منظومةٌ في الأسماء والأفعال والحروف (11) . شرحُ المنظومةِ السابقة (12) . رسالةٌ في إعراب قول الإمام الشافعي: (قَلَّ مَنْ جَنَّ إلا وأَنْزَل) (13) . رسالةٌ في تصريف (أشياء) (14) . منظومةٌ في اعتراض الشرط على الشرط (15) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (2) ينظر فهرست مخطوطات النحو والصرف واللغة والعروض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 18. (3) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (4) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (5) ينظر فهرست مخطوطات النحو والصرف واللغة والعروض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 190. (6) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180. (7) ينظر فهرس المكتبة الأزهرية 4/286. (8) ينظر فهرس المكتبة البلدية بالإسكندرية (علم التصريف) ص 11، والكتاب محفوظ ضمن مجموع، وهو الثالث فيه. (9) ينظر فهرست مخطوطات النحو والصرف واللغة والعروض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 209. (10) ينظر المنتقى من مخطوطات جامعة بطرسبرغ ص 251. (11) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (12) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (13) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (14) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (15) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 127 شرح المنظومة السابقة (1) . الصرف: شرح لامية الأفعال لابن مالك (2) . فتح الرءوف الرحمان بشرح ما جاء على مفعل ونحوه من المصدر واسم الزمان والمكان، وهي شرحٌ لأبياتٍ نظمها العلامة الفارضي (981 هـ) في ذلك (3) ، له نسخة خطية في مركز الملك فيصل (4) ، وأخرى في جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية (5) ، وثالثة في دار الكتب الوطنية التونسية (6) ، ورابعة في دار الكتب المصرية (7) . البلاغة: منظومةٌ في أنواع المجاز (8) ، طُبعت (9) . الإحراز في أنواع المجاز (10) ، وهو شرحٌ للمنظومة السابقة، له اثنتا عشرة نسخة خطية في المكتبة الأزهرية (11) ، وخمس نسخ في دار الكتب المصرية (12) ، ونسختان في المكتبة الخديوية (13) ، ونسختان في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (14) ونسخة في المكتبة الملكية في برلين (15) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (2) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (3) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (4) ينظر فهرس مخطوطات مركز الملك فيصل، العدد 8 ص 86. (5) ينظر فهرست مخطوطات النحو والصرف واللغة والعروض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 358. (6) ينظر فهرس دار الكتب الوطنية بتونس 3/112. (7) ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/165. (8) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (9) ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1007. (10) ينظر إيضاح المكنون 1/32، وهدية العارفين 1/180. (11) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 4/339. (12) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 2/175. (13) ينظر فهرس المكتبة الخديوية 4/122. (14) ينظر فهرس مخطوطات الأدب والنقد والبلاغة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 267. (15) ينظر فهرس المكتبة الملكية في برلين 6/421. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 128 منظومةٌ في علاقات المجاز المرسل (1) ، سمَّاها (علاقات المجاز) ، لها نسخة خطية في دار الكتب المصرية (2) . الإعواز في بيان علاقات المجاز، وهو شرحٌ للمنظومة السابقة (3) له نسختان خطيتان في دار الكتب المصرية (4) ، ونسخة في المكتبة الأزهرية (5) ، وأخرى في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (6) . نَظْمُ رسالةِ السمرقندي (556 هـ) في الاستعارة، وقد طبع هذا النظم (7) . رسالةٌ في جواز الاقتباس من القرآن أو الحديث (8) . شرحُ شواهدِ التلخيص (9) . العروض: فتح الوكيل الكافي بشرح متن الكافي (10) ، وهو شرحٌ لكتاب (الكافي في علمي العروض والقوافي) لأحمد بن عبَّاد القِنَائِيّ المعروف بالخَوَّاص (858 هـ) ، له ست نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (11) ، وثلاث نسخ في دار الكتب المصرية (12) ، ونسخة في المكتبة البلدية بالإسكندرية (13) ، ونسخة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (14) ، وأخرى في مكتبة خدا بخش بالهند (15) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (2) ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/137. (3) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (4) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 2/176. (5) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 4/342. (6) ينظر فهرس مخطوطات الأدب والنقد والبلاغة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 270. (7) ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1007. (8) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (9) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (10) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (11) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 4/469. (12) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 2/238 و 241. (13) ينظر فهرس المكتبة البلدية بالإسكندرية (عروض) ص 3. (14) ينظر فهرست مخطوطات النحو والصرف واللغة والعروض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 209. (15) ينظر ملحق تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 2/22. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 129 منظومةٌ مختصرةٌ في علمي العروض والقوافي، له نسختان في المكتبة الأزهرية (1) ، ونسختان أخريان في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (2) ، ونسخة في المكتبة البلدية بالإسكندرية (3) ، وأخرى في الظاهرية (4) . منظومةٌ في مهملات البحور الستة المستخرجة من الدوائر الثلاث: دائرة المختلف، ودائرة المؤتلف، ودائرة المجتلب (5) ، شرحها الشيخ حسن بن السيد علي المقري الشافعي البدري (1214 هـ) ، ومن هذا الشرح نسخة خطية في دار الكتب المصرية (6) . منظومةٌ في أسماء البحور سمَّاها: (قلائد النحور في نظم البحور) (7) . لمعانُ ضياءِ النُّحور بشرح أسماء البحور، وهو شرحٌ للمنظومة السابقة، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (8) . الأدب: بلوغ الأَرَب بشرح قصيدةٍ من كلام العرب (9) ، وهو شرحٌ لقصيدة السموأل اللاميَّة، طبع الكتاب سنة 1324 هـ مع شروحٍ لغيره لقصائد أخرى (10) .   (1) ينظر فهرس الكتب الموجودة في المكتبة الأزهرية 4/477. (2) ينظر فهرست مخطوطات النحو والصرف واللغة والعروض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 472. (3) ينظر فهرس المكتبة البلدية بالإسكندرية (عروض) ص 3 (4) ينظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية (علوم اللغة العربية: اللغة، والبلاغة، والعروض، والصرف) ص 435. (5) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (6) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 2/239. (7) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180. (8) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 2/242. (9) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 1/194، وهدية العارفين 1/180. (10) ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1006. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 130 مختصرُ شرحِ معلقة امرئ القيس (1) ، سمَّاه: (فتح الملك الجليل بشرح قصيدة امرئ القيس الضِّلِّيل) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (2) ، وأخرى في المكتبة البلدية بالإسكندرية (3) ، وثالثة في مكتبة جاريت في برنستون بأمريكا (4) . الفوائد اللطيفة في تخريج قولهم: (أبو قردان) على الطريقة المُنِيفَة (5) ، وهو شرحٌ على القول المشتهر على الألسنة: (أبو قرْدَان زَرَعَ فَدَّان) ، ضمَّنَهُ فوائد أدبية مستحبة وَنُكاتا مستجادة، له نسختان خطيتان في المكتبة الأزهرية (6) ، وأخرى في المكتبة الخديوية (7) . علم الآداب: منظومةٌ في علم الآداب (8) ، له نسخة خطية في المكتبة الخديوية (9) . فتح المَلِك الوَهَّاب بشرح منظومة علم الآداب (10) ، وهو شرحٌ للمنظومة السابقة، له أربع نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (11) ، ونسخة في مركز الملك فيصل (12) . رسالةٌ في آداب السفر (13) . منظومةٌٌ في حكم صحبة النساء والمُرْدَان (14) . الحساب: منظومةٌ في الكسور.   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (2) ينظر فهرس دار الكتب المصرية 7/119. (3) ينظر فهرس المكتبة البلدية بالإسكندرية (أدب) ص 157. (4) ينظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 2/324. (5) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 2/209، وهدية العارفين 1/180. (6) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 5/203، و 6/264. (7) ينظر فهرس المكتبة الخديوية 4/290. (8) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (9) ينظر فهرس المكتبة الخديوية 7/254. (10) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (11) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/473. (12) ينظر فهرس المخطوطات في مركز الملك فيصل، العدد 2 ص 209. (13) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (14) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 131 شرحُ المنظومةِ السابقة، له نسخة خطية محفوظة في المكتبة الأزهرية (1) . منظومةٌ في الوفق المثلث الخالي الوسط (2) . شرحُ المنظومةِ السابقة (3) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (4) ، وأخرى في الخديوية، وتوجد المنظومة المشروحة في آخر هذه النسخة (5) . نظمُ أصولِ الأوفاق (6) ، نَظَمَ أصول الوفق الثمانية في اثني عشر بيتا. فتح الملك الرزَّاق بشرح نظم أصول الأوفاق (7) ، وهو شرح للمنظومة السابقة، له نسختان خطيتان في المكتبة الخديوية (8) . شرحُ القصيدةِ المسمَّاة ب (الدر والتّرْيَاق في علوم الأوفاق) (9) . الفلك: هداية أولي البصائر والأبصار إلى معرفة أجزاء الليل والنهار (10) ، وهو شرحٌ لمنظومة الشيخ أحمد عيَّاد في الميقات، له نسختان خطيتان في المكتبة الأزهرية (11) ، ونسخة خطية في كلٍّ من مركز الملك فيصل (12) ، والمكتبة البلدية بالإسكندرية (13) ، والمكتبة الخديوية (14) ، ودار الكتب المصرية (15) .   (1) ينظر فهرس الكتب الموجودة في المكتبة الأزهرية 6/148. (2) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (3) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (4) ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/39. (5) ينظر فهرس المكتبة الخديوية الجزء 7 القسم 1 ص 238. (6) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (7) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180. (8) ينظر فهرس المكتبة الخديوية 5/348. (9) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (10) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 2/719، وهدية العارفين 1/180. (11) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 6/321. (12) وهي محفوظة فيه تحت رقم: 10520. (13) ينظر فهرس المكتبة البلدية بالإسكندرية (العلوم الرياضية، علم الهيئة والفلك) ص 63. (14) ينظر فهرس المكتبة الخديوية 5/291، و 7/325. (15) ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 3/186. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 132 فتح العليم القادر بشرح لقط الجواهر، وهو شرحٌ على (لقط الجواهر في تحديد الخطوط والدوائر) لسبط المارديني (912 هـ) في الميقات (1) ، له نسخة خطية في المكتبة الخديوية (2) ، وأخرى في الخزانة الحسينية في الرباط بالمغرب (3) ، وثالثة في جامعة برنستون (4) ، ورابعة في مكتبة جاريت في برنستون (5) . المنظومة الكبرى في ضبط منازل القمر (6) . شرحُ المنظومةِ السابقة (7) ، له نسخة خطية في الخزانة العامة بالرباط (8) . منظومةٌ في خمسة أبيات في أسماء منازل القمر (9) . شرحُ المنظومةِ السابقة (10) ، له نسخة خطية محفوظة في المكتبة الأزهرية (11) . المنطق والفلسفة: فتح الوَهَّاب المُوَفِّق بشرح نظم أشكال المنطِق، وهي رسالة في المنطق شرح فيها الأبيات الثلاثة للشيخ أحمد الملوي (1181 هـ) في ضروب أشكال المنطق الأربعة، له نسختان خطيتان في المكتبة الأزهرية (12) ، ونسخة خطية في مركز الملك فيصل (13) . منظومةٌ في أنواع المنافيات (14) .   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (2) ينظر فهرس المكتبة الخديوية الجزء 7 القسم 1 ص 268. (3) ينظر فهرس الخزانة الحسينية في الرباط بالمغرب 3/402. (4) ينظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 2/216. (5) ينظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 2/216. (6) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (7) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (8) ينظر فهرس المخطوطات العربية في الخزانة العامة بالرباط (القسم الثاني) 2/303. (9) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (10) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (11) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 6/309. (12) ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/432. (13) وهي محفوظة فيه تحت رقم: 2155. (14) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 133 شرحُ المنظومةِ السابقة (1) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (2) . نظمُ المقولاتِ العشر في الحكمة (3) . الجواهر المنتظمات في عقود المقولات (4) ، وهو شرحٌ للنظم السابق، وقد طبع الكتاب (5) . شرحٌ على بيتين في المقولات (6) ، وهو مطبوع (7) . ومن هذا الاستعراض الذي لا أحسبه أتى على جميع مؤلفات هذا العالم نلمس كثرة مؤلفاته؛ إذ بلغت مائة وأربعة وخمسين مصنفا، وقد شملت معظم العلوم، وتنوعت ما بين كتابٍ مستقل، ورسالةٍ، وحاشيةٍ على كتاب، وشرحٍ لكتاب، ومنظومةٍ، وشرحٍ لمنظومة، وهذا ينبئ عن مكانة هذا العَلَم العلمِيَّة ورسوخ قدمه في العلم. منهج المؤلف في الرسالة: شَرَحَ المؤلِّفُ في هذه الرسالة أبياتَ منظومتِهِ التي تحدَّث فيها عن «لا سِيَّما» وأحكامها، وهذه المنظومة تبلغ أبياتها سبعة، وهي من بحر الرجز التام، وقد نظمها المؤلفُ بعباراتٍ سهلة وواضحة، وبما أَنَّ الناظم مطالب دائما بسلامة نظمه وإقامة قوافيه، مما يستلزم أن تكون عبارات نظمه موجزة، فلا تَفِي بجميع التفصيلات المتعلقة بما يتحدث عنه، فيستدعي ذلك تفصيلها نثرا وإيضاح ما اشتملت عليه، وهذا ما صَنَعَهُ المؤلِّف حينما شرح منظومته في هذه الرسالة.   (1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (2) ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/80. (3) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (4) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180. (5) ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1006. (6) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (7) طبع بهامش مجموع ثلاث رسائل لزيني دحلان. ينظر معجم المطبوعات العربية 1/992 و 1007. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 134 ولم يذكر المؤلف في مقدمة هذه الرسالة منهجه الذي سيسير عليه، إلا أَنَّه واضح الصورة؛ نظرا لصغر حجم الرسالة، فلقد حمد الله أوَّلاً، ثم أتبعه بالصلاة والسلام على رسول الله، ثم ابتدأ بالمقصود فأخذ في شرح ما تضمنه البيتان الأوَّلان من حكم الاسم النكرة الواقع بعد «لا سِيَّما» قبل أن يذكرهما، ثم أعقب ذلك بذكرهما، بعد ذلك شَرَحَ ما تضمَّنه البيت الثالث مازجًا كلامه في الشرح بأبيات المنظومة، وسار على هذه الطريقة في بقية أبيات المنظومة، وقد استدعى هذا منه أن جعل جزءا من بيتين في جملة واحدة، فقد قال عند شرحه البيت الثالث (1) : (( (وَعِنْدَ رَفْعٍ)) بالتنوين ((مُبْتَدًا قَدِّرْ)) ، أي: قَدِّرْ مبتدأً عند رفعٍ، ((وَفِي رَفْعٍ وَجَرٍّ أَعْرِبَنْ)) بنون التوكيد الخفيفة، ((سِيَّ تَفِي، وَانْصِبْ مُمَيِّزًا)) أي، انصبْ حالَ كونك مُمَيِّزًا) ، والبيتان هما: وَعِنْدَ رَفْعٍ مُبْتَدًا قَدِّرْ وَفِي رَفْعٍ وَجَرٍّ أَعْرِبَنْ «سِيَّ» تَفِي وَانْصِبْ مُمَيِّزًا وَقُلْ: (لاَ سِيَّما يَوْم) بِأَحْوَالٍ ثَلاَثٍ فَاعْلَمَا وقد اهتم المؤلِّفُ في الشرح بضبط كلمات المنظومة (2) ، كما هو واضح من النَّصِّ السابق، ومن قوله عند شرحه البيت الرابع: (وإلى هذا أشرتُ بقولي: (وَقُلْ: ((لاَ سِيَّما يَوْم)) بِأَحْوَالٍ) بالتنوين (ثَلاَثٍ) بدلٌ مما قبله (فَاعْلَمَا)) ، ومن قوله أيضا عند شرحه البيت الأخير: (وقد ختمت الأبيات بالصلاة على أشرف المخلوقات ... ) ، ثم قال: (والبَهَاء: بفتح الباء معناه: الْحُسْن) . كما اهتم بتوضيح ما تضمَّنته أبياتُ المنظومة من أحكامٍ، ولذلك حرص على نقل كلام العلماء في الأحكام التي يتحدث عنها، فقد نقل عن سبعةٍ من العلماء، منهم ابن مالك والرضي والمرادي.   (1) ينظر ص 1384. (2) ينظر ص 1384 و 1387. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 135 أيضا كان المؤلف يهتم بذكر تعليلاتٍ للأحكام التي يسوقها من أجل أن يَرْسَخَ الحكمُ في ذهن القارئ، وذلك نحو تعليله لحذف المبتدأ إذا كان ما بعد «لا سِيَّما» مرفوعا على الخبرية بأَنَّ «لا سِيَّما» نُزِّلَت منزلة «إلا» الاستثنائية، فناسب ألاَّ يُصرَّحَ بعدها بجملة (1) . ونحو تعليله لإعمال «لا» النافية للجنس في «سيّ» المضافة لمعرفة بأَنَّ «سِيَّ» متوغِّلة في الإبهام ك «غَيْر» و «مِثْل» و «شِبْه» فلا تُعرِّفها الإضافة (2) . ومثل تعليله بأَنَّ رفع المعرفة بعد «لا سِيَّما» ضعيف، وذلك لحذف العائد المرفوع مع عدم الطول، وإطلاقَ «ما» على من يعقل في نحو: ... ولا سِيَّما زيدٌ (3) . ومثل تعليله لعدم حذف «لا» من «لا سِيَّما» بأَنَّ حذف الحرف خارج عن القياس (4) ، وغير ذلك من الأمثلة التي سيلحظها القارئ. ونظرا لحرص المؤلف على تقرير الحكم الذي يتحدث عنه في ذهن القارئ لجأ إلى طريقة السؤال والجواب، فنجده استعمل لفظة «لا يُقال» في السؤال ولفظة «لأنَّا نقول» في الجواب، ومثال ذلك أنه ذكر أن «ما» موصولة، و «سِيّ» مضافة إليها، وفتحتها فتحة إعراب؛ لأنها اسم «لا» النافية للجنس، فقال (5) : (لا يقال: ((إن شرط «لا» عملها في النكرات، و «سي» قد عُرِّفت بالإضافة فلا عَمَلَ ل «لا» فيها)) ؛ لأَنَّا نقول: مَنَعَ من ذلك توغُّلُها في الإبهام ك «غَيْر» و «مِثْل» و «شِبْه» فلا تُعرِّفها الإضافة) . وهذه طريقة تعليمية أجاد المؤلفُ في اتِّباعها؛ كي يُنبِّه القارئ إلى أهمية الفكرة التي يتحدث عنها ويُثير ذهنه من أجل أن تَثبت لديه، وهي تدل على حرص المؤلف على إفادة قارئ الرسالة، وإتقانه طريقة التعليم.   (1) ينظر ص 1383. (2) ينظر ص 1383. (3) ينظر ص 1385. (4) ينظر ص 1386. (5) ينظر ص 1383. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 136 ويلاحظ على المؤلف في شرحه للمنظومة أَنَّه لم يتكلَّم عن جميع ما يتعلق ب «لا سِيَّما» من أحكامٍ؛ إذ أغفل الحديث عن بعض الأحكام، وإليك بيانها مع دراستها: - إعراب الواو الداخلة على «لا سِيَّما» في مثل: ((أَكْرَمْتُ الأصدقاءَ ولا سِيَّما محمد)) ، وكذلك محل جملة «لا سِيَّما» من الإعراب. وبيان هذه المسألة كالتالي: أن الواو هنا واو الحال، والجملة في محل نصب حال من الاسم الواقع قبل «لا سِيَّما» ، والمعنى: أَكْرَمْتُ الأصدقاءَ والحال أنه لا مثلَ محمد موجود فيهم، أي: لا مثله في الإكرام (1) . وذهب الرضي (2) إلى أن الواو اعتراضية؛ بناء على إجازة الاعتراض في آخر الكلام، والجملة لا محل لها من الإعراب، فهي مع ما بعدها بتقدير جملة مستقلة (3) . ويجوز فيها وجه آخر (4) ، وهو أن تكون الواو عاطفة بالاتفاق في مثل: (حضر الضيوف ولا سيما خالد) ، وعاطفة في مثل: (أكْرِمِ الأصدقاءَ ولا سيما محمد) عند مَنْ يُجيز عطف الخبر على الإنشاء (5) .   (1) ينظر الارتشاف 3/1553، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1045، والفوائد العجيبة ص 46. (2) ينظر شرح الرضي 2/792. (3) ينظر شرح الرضي 2/792، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1044. (4) ينظر شرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1046. (5) ينظر حكم عطف الخبر على الإنشاء في المغني ص 627، وعروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح 3/26. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 137 وعلى هذا فالجملة تابعة لما قبلها محلا وعدمه، فهي في محل رفع في مثل: (غايةُ ما تكلَّمتُ به الحقُّ أحقُّ بالاتباع ولا سيَّما الواضح) ؛ لأن الجملة قبلها خبر عن «غاية» ، وفي محل نصب في مثل: (قلتُ لزيد: احْترِمِ الكبيرَ ولا سيَّما القريب) ؛ لأن الجملة قبلها في محل نصب مقول القول، وفي محل جر في مثل: (نطقت بِسَادَ العلماءُ ولا سيَّما العاملون) ، وهي لا محل لها من الإعراب في مثل: (أكْرِمِ الأصدقاءَ ولا سِيَّما الحاضر) ؛ لأن الجملة قبلها ابتدائية (1) . - بيان محل الجملة الواقعة بعد «لا سِيَّما» إذا كان الاسم بعدها مرفوعا كما في نحو: ((نجح الطلاب ولا سِيَّما زيدٌ)) ، وتفصيل هذه المسألة كما يلي: أن الاسم المرفوع خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو زيد) ، والجملة لها وجهان من الإعراب بحسب تقدير نوع «ما» : أولهما: أن الجملة صلة للموصول لا محل لها من الإعراب، وهذا عند الجمهور القائلين بأن «ما» موصولة. والوجه الثاني: أن تكون الجملة في محل جر صفة ل «ما» ؛ لأنَّ «ما» مجرورة بإضافة «سِيّ» إليها، وهذا عند ابنُ خروف الذي يجيز أن تكون «ما» موصوفة إضافة إلى إجازته الوجه السابق (2) . - بيان معنى ووزنها، وتفصيل هذه المسألة كالتالي: أن «سيّ» ك «مِثْل» وزنا ومعنى، تقول: أنتما سِيَّان، أي: مِثْلان، وأنتم أَسْوَاء، أي: أمثال، وأصلها «سِوْي» أُعِلَّت كإعلال «طَيّ» و «لَيّ» (3) .   (1) ينظر شرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1046. (2) ينظر شرح التسهيل 2/319، والارتشاف 3/1550، والمساعد 1/597، وهمع الهوامع 3/292، والفوائد العجيبة ص 45، وبراعة التأليف ص 85. (3) ينظر شرح المفصل 2/85، وشرح الرضي للكافية 2/793، والارتشاف 3/1552، والمغني ص 186، وهمع الهوامع 3/294، وبراعة التأليف ص 83. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 138 - اللغات الواردة في «لا سِيَّما» ، إلا أَنَّه لم يغفلها كلها، فقد ذكر بعضها، وهي لغة تخفيف يائها (1) ، وبيان ما أغفله كما يلي (2) : جواز إبدال سينها تاء، فقالوا: (لا تِيَّما) (3) ، كما قالوا في «النَّاس» : (النَّات) (4) ، وبهذه اللغة قرئ قوله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاتِ ((5) . ... جواز إبدال لام «لا» نونا، فقالوا: (نا سِيَّما) ، كما قالوا: (قام زيد نا بل عمرو) ، أي: لا بل عمرو (6) . - حكم عمل الكلمات التي تشارك «لا سِيَّما» في معناها، مثل: «لا سواء ما» ، و: «لا مثل ما» ، وتفصيل هذا كما يلي:   (1) ينظر ص 1386. (2) ينظر الارتشاف 3/1552، وهمع الهوامع 3/295. (3) هذه لغة لقضاعة. ينظر كتاب الإبدال لأبي الطيب اللغوي 1/118. (4) ومن شواهده قول علباء بن أرقم اليشكري: يا قَبَّحَ الله بني السِّعْلاةِ عَمْرِو بنِ يَرْبُوعٍ شرارِ النَّاتِ غيرِ أعِفَّاءَ ولا أكياتِ يريد: الناس، وأكياس. ينظر النوادر لأبي زيد ص 344، وكتاب الإبدال لابن السكيت ص 104، وشرح شواهد شرح الشافية ص 469. (5) سورة الناس، الآية الأولى. وهذه قراءة حكاها أبو عمرو بن العلاء، ونسبها لقضاعة. ينظر شواذ القرآن لابن خالويه ص 184. (6) ينظر كتاب الإبدال لأبي الطيب اللغوي 2/401. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 139 أنه ورد في اللغة كلمات تشارك «لا سِيَّما» في معناها (1) ، وهي: «لا سواء ما» ، و: «لا مثل ما» ، و: «ولا تَرَ مَا» ، و: «ولو تَرَ مَا» ، فإذا قلت: (أكْرِمِ الضيوفَ لا سواء ما محمد) جاز في «محمد» وفي غيره من الأسماء الواقعة بعد «لا سواء ما» ، و: «لا مثل ما» الجر والرفع، فإذا جُرَّ الاسم الذي بعد «ما» فهي زائدة، وما قبلها مضافٌ لما بعدها، وإذا ارتفع ما بعدها فهي موصولة، والاسم المرفوع بعدها خبر مبتدأ محذوف، كما هو الحال في «سِيَّما» والاسم الواقع بعدها. أما الأسماء الواقعة بعد «ولا تَرَ مَا» و «ولو تَرَ مَا» فلا يجوز فيها إلا الرفع؛ لأن «تَرَ» فعل فلا يمكن أن تكون «مَا» الواقعة بعدها زائدة فينجَرُّ تاليها بالإضافة؛ لأن الفعل لا يُضاف، فتعيَّنَ أن تكون «مَا» موصولة، وهي مفعول «تَرَ» ، والاسم الذي بعدها خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة الموصول. و «لا» الواقعة قبل «تَرَ ما» في قولك: (قام القوم ولا تَرَ ما زيدٌ) يجوز أن تكون ناهية و «تَرَ» مجزوم بها، والمعنى: قام القوم ولا تُبْصِرْ أيها المخاطبُ الشخصَ الذي هو زيد فإنه في القيام أولى به منهم. ويجوز أن تكون نافية وحُذِفَتْ ألفُ «تَرَى» شذوذا أو للتركيب كما حُذِفَتْ في «لا أَدْرِ» و «لم أُبَلْ» (2) ، وكذا حذفُ ألف الفعل بعد «لو» في «وَلَوْ تَرَ مَا» ، وجواب «لو» في مثل: «قام القوم ولو تَرَ ما زيدٌ» محذوف تقديره: قام القوم ولو تُبْصِرُ الشخصَ الذي هو زيد لرأيتَهُ أولى منهم بالقيام. فمن هنا نلحظ أَنَّ السُّجاعي في شرحه للنظم اقتصر غالبا على ما ورد فيه من أحكامٍ مع توسُّعِهِ في ذلك. شواهد الرسالة:   (1) تنظر هذه المسألة في شرح التسهيل 2/320، والارتشاف 3/1553، والمساعد 1/598، وهمع الهوامع 3/295. (2) ينظر الكتاب 1/25، والمقتضب 3/167 و 169. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 140 استنبط النحاة قواعد النحو وأحكامه باستقرائهم كلام العرب، ولهذا كان السماعُ أوَّلَ الأدلة النحوية التي اعتمدها النحاة لإثبات قواعد النحو وأحكامه، والمؤلف في هذه الرسالة جعل كغيره من النحاة السماعَ الدليلَ الأول لإثبات الأحكام النحوية. والسماع يشمل الكلام المنقول عن فصحاء العرب نثرَهُ وشعرَهُ، وأوثق هذا الكلام وأعلاه فصاحة هو كلام الله (في كتابه الكريم، وقد استدل به المؤلف على إثبات حكمين من الأحكام التي ذكرها؛ إذ استدل بقوله تعالى: (أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ ((1) على جواز زيادة «ما» بين المضاف والمضاف إليه، مثلُهَا مثل زيادتها بين «سِيّ» والاسم المجرور بعدها المضافة إليه. واستدل أيضا بقوله تعالى: (وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ((2) على وقوع التمييز بعد «مِثْل» ، ولهذا يُعرب الاسم المنصوب بعد «سِيّ» تمييزا؛ لأن «سِيّ» معناها: مِثْل. ويَدخل في دليل السماع الذي تُثْبَتُ به الأحكام والقواعد النحوية الشعرُ المروي عَمَّنْ عاش في عصر الاحتجاج، وقد استشهد به المؤلف في هذه الرسالة؛ إذ استشهد على جواز جر ورفع ونصب النكرة الواقعة بعد «لا سِيَّما» برواية «يوم» بالأوجه الثلاثة في بيت امرئ القيس (3) : أَلاَ رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ وَلا سِيَّما يَوْم بِدَارَةِ جُلْجُلِ واستشهد على جواز تخفيف «سِيَّما» بقول الشاعر (4) : فِهْ بالْعُقُودِ وبالأَيْمانِ لا سِيَما عَقْدٌ وفاءٌ بِهِ مِنْ أعظمِ القُرَبِ ولم يكن المؤلِّفُ مهتمًّا بنسبة الشواهد الشعريَّة إلى قائليها، فقد ذكر شاهدين ولم يَنسبْهُما.   (1) سورة القصص، من الآية 28. (2) سورة الكهف، من الآية 109. (3) ينظر ديوان امرئ القيس ص 10. (4) هذا بيت من البسيط، لم أقف على قائله. ينظر شرح التسهيل 2/319. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 141 كذلك كان المؤلِّفُ لا يهتمُّ بإيراد البيت كاملا، فيكتفي بذكر جزء البيت الذي فيه الشاهد ويُغفل الباقي، فقد استشهد ببيتين ذكر الجزء الذي فيه الشاهد في واحد منهما، وهو بيت امرئ القيس السابق، وذكر البيت الثاني كاملا، وأحسب أن الذي دعاه لذلك هو ترابط أجزائه، وعدم استقامة شيء من معناه إلا بذكره كاملا. ومن الأدلة النحوية القياس، وقد استدلَّ به المؤلف في هذه الرسالة، إذ استدل به على جواز حذفِ مبتدأِ خبرِ الاسمِ المرفوع بعد «لا سِيَّما» من غير شذوذ (1) ، وذلك بقياس «لا سِيَّما» على «إلا» الاستثنائية بجامع خروج ما بعدهما عما قبلهما وإن لم يتساويا في هذا الخروج؛ لأن ما بعد «إلا» يخرج عن حكم ما قبلها، وما بعد «لا سِيَّما» يخرج عن مساواة ما قبلها؛ ولهذا القياس اشتركت «لا سِيَّما» مع «إلا» الاستثنائية في حكم واحد، وهو عدم وقوع الجملة بعدها، ولذلك كان حذف المبتدأ هنا كما ذهب إليه المؤلف غير شاذ (2) . واستدل المؤلِّفُ أيضا بالقياس حينما ذكر أن «لا» لا يجوز حذفها من «سِيَّما» ، وذلك قياسا على عدم جواز حذف الحرف؛ لأَنَّ حذف الحرف خارج عن القياس؛ لأَنَّ الحروف وُضعت للاختصار، والمُختصَر لا يجوز اختصاره؛ لأَنَّ الاختصار إجحافٌ به (3) . مصادر المؤلف في الرسالة:   (1) ينظر ص 1383. (2) تبع المؤلف في هذه المسألة قولَ بعض العلماء، وهو قول ضعيف؛ لأن الجامع بين «لا سِيَّما» و «إلا» ضعيف. ينظر الحديث عن هذه المسألة في الهامش ذي الرقم 362 و 418. (3) ينظر ص 1386. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 142 حينما كتب المؤلِّفُ هذه الرسالة اطَّلع على آراء مَنْ سبقه وكتبهم وأفاد منها، وفي أثناء تحقيقي لهذه الرسالة وقفت على عدد من المصادر التي اعتمد عليها المؤلِّفُ، وهذه المصادر يمكن تقسيمها إلى قسمين: مصادر مباشرة، ومصادر غير مباشرة، فمصادره المباشرة هي التي اعتمد عليها من غير واسطة، وقد صرَّح المؤلِّفُ بذكر أكثرها وأغفل ذكر بعضها، وقد سلك في مصادره التي صرَّح بها أن يذكر اسم العالم وينقل عنه من غير أن يذكر كتابه الذي أفاد منه، وهذا في الغالب، وأحيانا يذكر العالم ويُعيِّنَ كتابه الذي أفاد منه، وسأُوَضِّح ذلك عند ذكر مصادره، فمصادره المباشرة التي ذكرها تشمل ما يلي: - شرح الألفية لشمس الدين الفارضي (981 هـ) ، إذ صرَّح باسم المؤلف وكتابه، ونقل منه الأوجه الجائزة في إعراب الاسم النكرة الواقع بعد «لا سِيَّما» . - حاشية نجم الدين محمد بن سالم الحِفْنِيِّ (1181 هـ) على كتاب (الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة في شرح المنظومة الرحبيَّة) لجمال الدين عبد الله الشِّنْشَوْرِيِّ (999 هـ) ، وقد صرَّح باسم المؤلف والكتاب، ونقل منه حكم وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» . - شرح التسهيل لابن مالك (672 هـ) ، نقل عنه أنواع الجمل الجائز وقوعها بعد «لا سِيَّما» إذا أُعربت «ما» موصولة، وصرِّح باسم مؤلفه دون الكتاب، وفيما نقله منه تصرُّفٌ ليس باليسير، مما يثير احتمال اعتماده عليه بواسطة. أما مصادر المؤلِّف التي أفاد منها مباشرة من غير أن يُصرِّح بذكرها فقد وقفت على مصدر واحد، وهو كتاب (التصريح بمضمون التوضيح) للشيخ خالد الأزهري (905 هـ) ، فقد نقل عنه حكم حذف مبتدأ الخبر المذكور بعد «لا سِيَّما» ، ولم يُصرِّح المؤلف بذلك، إلا أن تطابق النَّصَّيْنِ مع عدم تصرُّف المؤلف بالتغيير لما يستدعيه النقل أثبت إفادة المؤلف منه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 143 وأفاد المؤلِّف من مصادر أخرى لكن بصورة غير مباشرة؛ إذ نقل منها بواسطة، وكان المؤلِّف في هذه المصادر كحاله في المصادر المباشرة، إذ يكتفي أحيانا بذكر اسم العالم، وأحيانا يُصرِّح باسم العالم وكتابه، ومصادر المؤلِّف غير المباشرة هي ما يلي: - كتاب التسهيل لابن مالك (672 هـ) ، فقد صرَّح المؤلِّف باسمه ونقل عنه حكم وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» بواسطة المرادي، ونقل عن المرادي بواسطة حاشية نجم الدين الحِفْنِيِّ على كتاب (الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة) ، وقد صرَّح المؤلِّف بذلك، ونتيجة للإفادة غير المباشرة من كتاب (التسهيل) فقد وقع المؤلِّف في سهو؛ إذ نقل منه نصًّا مع أنه لم يرد هذا النصُّ ولا ما يقاربه فيه. - العلامة الرضي (688 هـ تقريبا) صرَّح باسمه فقط ذاكرا رأيه في حكم وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» ، واعتمد في هذا على حاشية نجم الدين الحِفْنِيِّ على كتاب (الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة) ، وقد صرَّح المؤلِّف بذلك. - بهاء الدين بن عقيل (769 هـ) صرَّح المؤلف باسمه حينما أورد حكم حذف مبتدأ الخبر المذكور بعد «لا سِيَّما» وقال: (نبَّهَ عليه ابن عقيل) ، ولم يعتمد المؤلِّف في هذا على كتابٍ لابن عقيل، وإنما نقل نصَّ الكلام من كتاب (التصريح) للشيخ خالد الأزهري كما سبق ذكره. - بدر الدين المرادي (749 هـ) نقل عنه نصًّا في حكم وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» من كتاب التسهيل لابن مالك، بواسطة حاشية نجم الدين الحِفْنِيِّ على كتاب (الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة) ، وقد صرَّح المؤلِّف بذلك. - جلال الدين السيوطي (911 هـ) ذكر المؤلِّفُ اسمه فقط وأورد رأيه في حكم وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» ، ناقلا هذا عن حاشية نجم الدين الحِفْنِيِّ على كتاب (الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة) ، وقد صرَّح المؤلِّف بذلك. نقد الرسالة: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 144 هذا الرسالة عمل بشري، ولا شك أن أعمال البشر تتعرض لما يتعرض له الطبع البشري من نقص وسهو ونسيان، ولذا لم تخلُ هذه الرسالة من ذلك، فقد وقفت في أثناء تحقيقي لهذه الرسالة على شيء يسير من الوهم وقع فيه المؤلف، إذ وجدته رحمه الله قد نَسَبَ في الشرح إضافةً إلى النظم إجازة وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» إلى الرضي وحده، مع أَنَّ الصحيح أَنَّه لا خلاف بين العلماء في إجازة وقوع الجملة بنوعيها وكذلك الظرف بعد «لا سِيَّما» ، فقد نصَّ ابن مالك في التسهيل (1) وهو الإمام المشهود له بالعلم والفضل والتحقيق على جواز وقوع الظرف والجملة الفعلية بعد «لا سِيَّما» ، وذكر في شرح التسهيل (2) شاهدا للظرف وللجملة بنوعيها، وتبعه في هذا شُرَّاح التسهيل كابن عقيل (3) ، والسلسيلي (4) ، والدماميني (5) ، وأيضا السُّيوطي (6) ، والبغدادي (7) . وقد َنَقَلَ المؤلفُ في الشرح كلامَ ابن مالك المذكور في شرح التسهيل إلا أَنَّه سَهَا عنه ونَسَبَ إجازة هذا إلى الرضي فقط. وذكر المرادي أن وقوع الجملة الاسمية بعد «لا سِيَّما» هو الغالب (8) ، وكذلك الدماميني (9) ، ونقل البغدادي (10) عن المرادي ذلك، وذكر المؤلف شاهد له، وهو قوله: فِهْ بالعُقُود .... البيت. ... وذكر أبو حيان جواز وقوع الجملة الشرطية بعد «لا سِيَّما» (11) ، وذكر له شاهدين: أحدهما من كلام العرب المنثور، والآخر من الشعر، وعنه نقل السيوطي من غير أن يُصرِّح بذلك (12) .   (1) ينظر التسهيل ص 107. (2) ينظر شرح التسهيل 2/319. (3) ينظر المساعد 2/598. (4) ينظر شفاء العليل 2/518. (5) ينظر تعليق الفرائد 6/151. (6) ينظر همع الهوامع 3/293. (7) ينظر الخزانة 3/447. (8) ينظر شرح التسهيل للمرادي ل 183 أ. (9) ينظر تعليق الفرائد 6/151. (10) ينظر الخزانة 3/447. (11) ينظر الارتشاف 3/1551. (12) ينظر همع الهوامع 3/294. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 145 أمَّا الذي انفرد بإجازته الرضي فهو ورود «لا سِيَّما» بمعنى «خصوصا» ، ومن ثُمَّ تفرُّدها بأحكام مخالفةٍ لأحكامها حينما كانت بالمعنى الذي نصَّ عليه العلماء (1) ، أي: كونها بمعنى «مِثْل» وكون الاسم المذكور بعدها منبَّهٌ على أولويته بالحكم، فهي إذا كانت بمعنى «خصوصا» أُعربت مفعولا مطلقا، وصحَّ وقوع الجملة بنوعيها بعدها مقترنة بالواو، وصحَّ مجيء الحال مفردة بعدها، ولم يذكر الرضي ولا مَنْ أخذ بقوله شاهدا من الكلام الفصيح على ما ذهبوا إليه (2) . فمن هنا نعرف أَنَّه لا خلاف في جواز وقوع الجملة بنوعيها بعد «لا سِيَّما» وأَنَّ الرضي لم ينفرد بإجازة ذلك، بل هو جائز لدى العلماء؛ لوروده في كلام العرب. وعلى ما ذكرتُهُ نَصَّ العلماء الذين اطلعوا على كلام الرضي، كالمرادي؛ إذ قال في شرح التسهيل (3) : (وما يوجد في كلام المصنفين من قولهم: ((لا سِيَّما والأمرُ كذا)) تركيب غير عربي) . وقال الدماميني في شرح المغني (4) معلقا عليه: (والرضي قد أجازه فتأمله) . ونَصَّ على ما ذكرتُهُ في تعليق الفرائد (5) فقال: (قال الرضي ولا أعلم من أين أخذه: وقد يُحذف ما بعد «لا سِيَّما» على جعله بمعنى «خصوصا» فيكون .... ) الخ. ونص عليه أيضا الصبان (6) ، وكذلك الأمير (7) .   (1) ينظر التسهيل ص 107، والمغني ص 186 و 187، وبراعة التأليف ص 85 و 90، وينظر الحاشية ذات الرقم 406. (2) ينظر شرح الرضي 2/793، وهمع الهوامع 3/294، والخزانة 3/448، وبراعة التأليف ص 90 و 92. (3) ينظر شرح التسهيل للمرادي ل 183 ب. (4) ينظر شرح المغني 1/284. (5) ينظر تعليق الفرائد 6/152. (6) ينظر حاشية الصبان على الأشموني 2/168. (7) ينظر شرح نظم السُّجاعي للأمير ص 1057. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 146 وبهذا نعلم أن المصنف عفا الله عنه لم يقف على تحقيق هذه المسألة بدقة، وهو ما أخذه عليه الأمير في شرح النظم؛ إذ قال (1) : (وبعد «سِيّ» وما لازمها، أعني: كلمة «ما» جملةً فأوقعا، أي: أجز وقوعها بعدها، وذلك إذا نُقلت «سِيَّما» وجُعلت مفعولا مطلقا، كما هو صريح كلام الرضي الآتي، وإن كان كلام المصنف لا يفيده) . والأمير لم يقف أيضا على تحقيق المسألة بدقة؛ لأَنَّ الجملة التي انفرد الرضي بإجازة وقوعها بعد «لا سِيَّما» هي الجملة المقترنة بالواو، أما غيرها من الجمل فالجميع يجيزون وقوعها بعد «لا سِيَّما» . وقد ذهب مجمع اللغة العربية في القاهرة إلى صحة ما انفرد الرضي بإجازته؛ احتجاجا بإجازة الرضي، وباستعمال الزمخشري له (2) . قال كاتب هذه السطور عفا الله عنه: أرى من وجهة نظري أن الصَّوَاب لم يُحالف مجمع اللغة العربية في تصحيح هذا الأسلوب؛ لعدم وجود الشاهد المؤيد لهم، ولمخالفته لما ذهب إليه كثير من الأئمة، ولعدم إجازته إلا من عالم واحد، أمَّا استعمال مَنْ هو بعيد عن عصور الاحتجاج وإن كان عالما فلا يؤيده. والمؤلف رحمه الله قد يكون معذورا في هذا النقد؛ لأنه تابع فيما ذَكَرَ لغيره؛ إذ هو ناقل له، وليس من إنشائه. توثيق نسبة الرسالة إلى مؤلفها: هذا الرسالة شرح لمنظومةٍ في أحكام «لا سِيَّما» ، والمنظومةُ وشرحُها كلاهما لأحمد بن أحمد السُّجاعي، والحديث عن نسبة الشرح لمؤلفه يقتضي أولا التعرض لنسبة المنظومة لصاحبها؛ للتلازم فيما بينهما، فأقول: لقد أثبتت الدراسة المتأنِّيَةُ والبحث المستفيض أَنَّ أحمد بن أحمد السُّجاعي هو الذي ألَّفَ المنظومة، وذلك للأدلة التالية:   (1) ينظر شرح نظم السُّجاعي للأمير ص 1056. (2) ينظر كتاب الألفاظ والأساليب ص 88 و 92. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 147 1 أَنَّ تلميذ المؤلف علي بن الشيخ سعد البيسوسي الشافعي ألَّف رسالة ذكر فيها مؤلفات شيخه أحمد السُّجاعي (1) ، وذكر من ضمن هذه المؤلفات منظومته في أحكام «لا سِيَّما» (2) ، وهذا يُثبت يقينا أن السُّجاعي له منظومة في أحكام «لا سِيَّما» ، والدليلان اللاحقان يقطعان بأَنَّ الأبيات التي معنا هي الأبيات التي نظمها السُّجاعي ونسبها إليه تلميذه هذا. 2 أَنَّ المؤلف أحمد بن أحمد السُّجاعي قد نسبها إلى نفسه في حاشيته على شرح ابن عقيل، فلقد تحدث في هذه الحاشية عن بعض أحكام «لا سِيَّما» عند قول ابن عقيل في باب الموصول (3) : (وقد جوَّزوا في «لا سِيَّما زيد» إذا رُفع «زيد» أن تكون «ما» موصولة، و «زيد» خبر لمبتدأ محذوف) ثم قال (4) : وقد نظمت ذلك فقلت .... . ثم ذكر المنظومة. وحاشيته هذه على شرح ابن عقيل ثابتة النسبة إليه، فقد نسبها لنفسه في مقدمتها، فقال بعد أن حَمِدَ الله وصلى وسلم على رسول الله (5) : (وبعد فيقول المرتجي شكر المساعي أحمد بن الشيخ أحمد السُّجاعي .... ) . وهذا دليلٌ واضحٌ على نسبة هذه الحاشية إليه، وبرهانٌ قاطعٌ بذلك، كما أَنَّ هذه الحاشية قد طُبعت منسوبة إلى مؤلفها أحمد السُّجاعي.   (1) يوجد من هذه الرسالة نسخة خطية تحتفظ بها دار الكتب المصرية، وقد حاولت جاهدا الحصول عليها فلم أستطع، إلا أَنَّه تَيسَّر لي الاطلاع عليها بصفة غير مباشرة، إذ نقل علي باشا مبارك هذه الرسالة كاملة في كتابه الخطط التوفيقية 12/9. (2) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. (3) ينظر شرح الألفية لابن عقيل 1/166. (4) ينظر حاشية السُّجاعي على شرح ابن عقيل 1/43. (5) ينظر حاشية السُّجاعي على شرح ابن عقيل 1/2. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 148 3 أَنَّ العلامة الأمير الكبير المولود سنة 1154 هـ والمتوفى سنة 1232 هـ (1) وهو أحد العلماء المعاصرين للسُّجاعي قد أثبت نسبة هذه المنظومة إلى السُّجاعي، وذلك في شرحه لهذه المنظومة، فقد قال في مقدمة هذا الشرح (2) : (قد كنت رأيت أبياتا تتعلَّق بكلمة «ولا سِيَّما» وهي في غاية الحسن والإتقان، ناشئة عن تحقيق وتدقيق وإمعان، كيف وهي لِحَسَّان الزمان، وبهجة الإخوان، الشيخ أحمد بن الإمام الشيخ أحمد السُّجاعي) . وهذا يثبت بوضوحٍ نسبة هذه المنظومة للسُّجاعي. وبهذه الأدلة يُعلم يقينا أنَّ الأبيات التي معنا هي منظومة أحمد السُّجاعيّ في أحكام «لا سِيَّما» . وبعد تأكيد نسبة المنظومة للسُّجاعي نأتي إلى نسبة هذا الشرح إليه، فأقول: لم يصرح المؤلف بذكر اسمه في مقدمة الشرح، لكن الدلائل أثبتت نسبته إليه، وهذه الدلائل هي: 1 أَنَّ تلميذ المؤلف علي بن الشيخ سعد البيسوسي الشافعي ألَّف رسالة ذكر فيها مؤلفات شيخه أحمد السُّجاعي وأثبت فيها أَنَّ شيخه السُّجاعي قد شرح أبياته التي نظمها في أحكام «لا سِيَّما» (3) ، وهذا يقطع بأن السُّجاعي شرح منظومته، والأدلة التالية تؤكد بصفة ثابتة أَنَّ هذا الشرح الذي بين أيدينا هو شرح السُّجاعي، وهو الذي عناه تلميذه هذا، وهذه الأدلة هي: 2 التصريح بنسبة هذا الشرح إلى السُّجاعي في اللوحة الأولى من نسختي هذا الكتاب، فقد صُرِّح باسمه بعد ذكر اسم الكتاب، والنسختان متفقتان في المحتوى مختلفتان في الناسخ.   (1) تنظر ترجمته في عجائب الآثار 7/420، وحلية البشر 3/1266، وهدية العارفين 2/358. (2) ينظر شرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1043. (3) ينظر الخطط التوفيقية 12/11. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 149 3 أَنَّ المؤلف في هذا الشرح صرَّح بأَنَّه صاحب الأبيات المنظومة، فهو يقول عند شرحه للأبيات (1) : ( ... أشرت بقولي) ، أو يقول (2) : ( ... ثم قلت) ، والمنظومة ثابتة نسبتها للسُّجاعي، وبهذا يثبت أَنَّ هذا الشرح للسُّجاعي أيضا. 4 أَنَّ العلامة الأمير الكبير (1232 هـ) ، وهو أحد معاصري المؤلف قد شرح هذه المنظومة ونسب فيه هذا الشرح إلى مؤلفه أحمد السُّجاعي حينما نقل عنه في أكثر من موضع مصرِّحا بنسبة الشرح إليه (3) ، ومنها قوله (4) : (قال المصنف في شرحه ما نصه: قال ابن مالك: (وإذا كانت «ما» موصولة جاز وصلها بفعل أو ظرف، نحو: «أعجبني كلامُكَ لا سِيَّما تَعِظُ به» ، و «يعجبني التهجُّدُ لا سِيَّما عندَ زيدٍ» . انتهى) . وهذا النص موجود بلفظه في هذا الشرح (5) ، وفي هذا دلالة قاطعة على أَنَّ مؤلف هذا الشرح هو أحمد بن أحمد السُّجاعي. اسم الرسالة: لم يذكر المؤلف في مقدمة هذه الرسالة اسما لها، ولم أجد أحدا نَصَّ على اسمها، إلا أن التحقيق أَثبَتَ أن اسمها هو (أحكام لا سِيَّما وما يتعلَّق بها) ، وذلك لأن اللوحة الأولى من كلتا المخطوطتين اللتين اعتمدتُ عليهما في تحقيق هذه الرسالة قد أُثبِتَ فيهما اسم الرسالة السابق، وهو (أحكام لا سِيَّما وما يتعلَّق بها) ، فاتفاق النسختين على هذا الاسم مع اختلاف ناسخيهما، واتحاد القلم الذي كُتب به اسم الرسالة ومتنها في كل واحدة من النسختين، وكون أحد الناسخين تلميذا من تلاميذ المؤلف دليل قوي على الاسم الذي أثبتُّهُ، وأنه الاسم الذي اختاره المصنِّف لهذه الرسالة. وصف مخطوطات الرسالة:   (1) ينظر ص 1384 و 1385 و 1386. (2) ينظر ص 1386. (3) ينظر شرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1052 و 1056. (4) ينظر شرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1052. (5) ينظر ص 1385. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 150 لهذا الرسالة حسب علمي مخطوطتان: إحداهما في المكتبة الخديوية الملحقة بدار الكتب المصرية، وهي محفوظة فيها تحت رقم: (ن ع 3728) ، وتتكون هذه المخطوطة من أربع لوحات، وفي كل صفحة منها خمسة عشر سطرا، وهي مكتوبة بخط النسخ، وعليها تعليقات، وهي نسخة خالية من الطمس، وفيها شيءٌ قليل من السقط، وَذَكَرَ كاتبها محمود محمد المالكي بأَنَّه نسخها في السابع من جمادى الآخر من سنة 97، هكذا من غير تحديد، لكن يبدو أَنَّها السنة السابعة والتسعون بعد المائة والألف من الهجرة؛ لأَنَّ كاتب هذه النسخة من تلاميذ مؤلف الكتاب، فقد ذكر هذا على غلاف نسخة الكتاب؛ إذ كتب ما يلي: (هذا أحكام «لا سِيَّما» وما يتعلق بها لشيخنا الشيخ أحمد .... الخ) . لكن يبقى احتمالٌ، وهو أَنْ يكون الناسخ قد نقل هذه النسخة من نسخة أحد تلاميذ المؤلف إلا أَنَّ هذا احتمال بعيد؛ لما يلزم عليه من نسبة الغفلة عمَّا يكتب إلى الناسخ. وقد رمزت لهذه النسخة بالحرف "د". أمَّا النسخة الثانية فهي محفوظة ضمن مجموعٍ في مكتبة آل هاشم في المدينة المنورة، ومنها مصوَّرةٌ فلميةٌ محفوظةٌ في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تحت رقم: (8543/3) ، وتقع هذه المخطوطة في ثلاث لوحات، وتحتوي كُلُّ صفحةٍ من صفحاتها على ثلاثةٍ وعشرين سطرا، وهي مكتوبة بخط النسخ، وكتابتها واضحة، وهي نسخة سليمة من الطمس، وتكاد تكون خالية من السقط، ولم يحدِّد كاتبها سنة نسْخِها، بل ذكر أَنَّه نسخها في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من غير تحديد للسنة. وقد رمزت لها بالحرف "ج"، وهذه النسخة هي التي ذكرت أرقام صفحاتها في المتن. ولم أجعل إحداهما أصلا؛ لأَنَّ كلاًّ منهما ليست نسخة المؤلف ولا منقولة منها ولا مقروءة عليه؛ ولهذا اعتمدت الاختيار من النسختين والجمع بينهما. عملي في التحقيق: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 151 لَمَّا كانت الغاية من تحقيق النصوص هو إخراجها صحيحة سليمة كما وضعها مؤلفوها فقد بذلت جهدا كبيرا في تحقيق هذه الرسالة، ملتزما بالأمانة العلمية والنهج العلمي في التحقيق، مراعيا في ذلك الأسس التالية: 1 احترمت نَصَّ الرسالة، فلم أتدخل فيه إلا بالقدر اليسير الذي لا يَمَسُّ جوهره، مثل كتابته وَفْقَ القواعد الإملائية المعروفة الآن. 2 عَزَوْتُ الآياتِ القرآنيةَ إلى سُوَرِهَا، مع ذكر رقم الآية، وَضَبَطْتُ بالشكل التَّامِّ جميع الآيات. 3 خَرَّجْتُ الشواهد الشعرية، وذلك ببيان بَحْر البيت، وإكماله في الهامش إن وَرَدَ ناقصا في الأصل، ونسِبته إلى قائله، مع توثيقه من ديوانه، وبيان معاني الكلمات الغامضة فيه، وذكر الشاهد في البيت، وإيراد بعض الكتب التي استشهدت به مراعيا في ذلك التسلسل التاريخي لوفاة مؤلفيها. 4 شَرَحْتُ الكلماتِ الغريبةَ الواردةَ في الكتاب، وَضَبَطْتُ ما يحتاج إلى ضَبْطٍ. 5 خَرَّجْتُ أقوالَ النحاةِ وآراءهم من كتبهم إن وُجِدتَ فيها، وإلا فَمِنْ كُتُبِ النحو المشهورة، وَنَسَبْتُ المذاهبَ النحوية إلى أصحابها مُوَثِّقًا ذلك من كتبهم. 6 خَرَّجْتُ المسائلَ النَّحْوِيَّةَ، وَأَشَرْتُ إلى مواطنها في أمهات كتب النحو، وَعَلَّقْت عليها، وأكملت ما لم يستكمله المؤلف من أقوالٍ فيها. 7 تَرْجَمْتُ للأعلام الذين ذُكِرُوا في متن الكتاب، واستثنيت من ذلك المشهورين، كابن مالك والرضي والمرادي ونحوهم؛ لأن هذه الرسالة مقدمة للمتخصصين، والمتخصصون لا يخفى عليهم كثير من جوانب حياة المشهورين من الأعلام. أبيات المنظومة: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 152 ذكر المؤلف منظومته في الشرح متفرقة في الغالب؛ لأَنَّه سلك في الشرح فيما عدا البيتين الأوَّلَين مَزْجَ المنظومة مع الشرح، ونظرا لأَنَّ القارئ قد يحتاج إلى الوقوف على المنظومة منفردة رأيت أن أذكرها هنا، وبخاصة أَنَّني وجدت أبيات المنظومة مذكورة على غلاف نسخة المدينة المنورة، وإليك المنظومة: وَمَا يَلِي «لا سِيَّما» إِنْ نُكِّرَا فَاجْرُرْ أَوِ ارْفَعْ ثُمَّ نَصْبَهُ اذْكُرَا في الْجَرِّ «مَا» زِيْدَتْ وَفي رَفْعٍ أُلِفْ وَصْلٌ لَهَا قُلْ أَوْ تَنَكُّرٌ وُصِفْ وَعِنْدَ رَفْعٍ مُبْتَدًا قَدِّرْ وَفِي رَفْعٍ وَجَرٍّ أَعْرِبَنْ سِيَّ تَفِي وَانْصِبْ مُمَيِّزًا وَقُلْ: (لاَ سِيَّما يَوْم) بِأَحْوَالٍ ثَلاَثٍ فَاعْلَمَا وَالنَّصْبُ إِنْ يُعَرَّفِ اسْمٌ فَامْنَعَا وَبَعْدَ «سِيٍّ» جُمْلَةً فَأَوْقِعَا أَجَازَ ذَا الرَّضِيْ وَلا تُحْذَفُ «لا» مِنْ سِيَّما وَسِيَّ خَفِّفْ تَفْضُلا وَامْنَعْ عَلَى الصَّحِيْحِ الِاسْتِثْنَا بِهَا ثُمَّ الصَّلاَةُ لِلنَّبِيِّ ذِي الْبَهَا الجزء: 14 ¦ الصفحة: 153 الحمد لله الذي (1) رَفَعَ قَدْرَ حبيبه في الدارَين، وَنَصَبَهُ بخفض العِدَا لا سِيَّما يوم بدرٍ وحنين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الكرام، وعلى من تبعهم من السادة البررة الأعلام، صلاة وسلاما بهما ننتظم في سلكه الرفيع، ونأمن من كل هول بالدخول في حصنه المنيع، آمين، أمَّا بعد: فاعلم رزقنا الله التوفيق (2) ، وسلك بنا مَهَايِع (3) التحقيق أَنَّ الذي يلي لفظ «لا سِيَّما» له حالتان: التنكير، والتعريف. فإن كان نكرة جاز فيه ثلاثة أوجه: الجر، والرفع، والنصب. فالجر وهو أرجحها (4) بإضافة «سي» إليه، و «ما» زائدة بينهما (5)   (1) في "ج" بعد البسملة: وبه نستعين، وهو ثقتي، الحمد لله الذي .... . (2) في "ج": فاعلم رزقنا التوفيق. (3) الْمَهَايِع: جمع مَهْيَع، وهو الطريق الواسع المنبسط. ينظر اللسان 8/379 "هيع ". (4) وذلك لسلامته من التقدير ومن الضعف الوارد على حالة الرفع والنصب. ينظر شرح الرضي للكافية 2/791، والمغني ص 187، وشرح الأشموني 2/167، والفوائد العجيبة ص 45، وحاشية الدسوقي على المغني 1/152، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي في «لا سِيَّما» ص 1054، وينظر الحاشية ذات الرقم 361 والحاشية ذات الرقم 362 والحاشية ذات الرقم 367. (5) زيادة «ما» بين المضافين مسموعة، كما في الآية التي سيذكرها المؤلف. ينظر المغني ص 412، والمساعد 1/597، وهمع الهوامع 3/292. ... ... ومما يدُلُّ على زيادتها في «لا سِيَّما» جواز حذفها كما ذَكَرَ سيبويه في الكتاب 2/171 فيقال: (لا سيَّ زيدٍ) ، إلا أَنَّ إثباتها أكثر. ووَهِمَ في هذا ابن هشام الخضراوي فنسب إلى سيبويه القول بأَنَّها زائدة لازمة لا يجوز حذفها. قال المرادي عنه في شرح التسهيل ل 183 أ: (وكأَنَّه طالع أول كلامه ولم يطالع آخره) . تنظر مسألة زيادة «ما» بعد «لا سِيَّما» في المسائل البغداديات ص 318، وارتشاف الضرب 3/1550، والمساعد 1/597، وهمع الهوامع 3/292. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 154 مثلها في (أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ ((1) . والرفعُ خبرٌ لمحذوف وجوبا (2) ، و «ما» موصولةٌ أو نكرة موصوفةٌ (3) ، أي: ولا مثل الذي .... ، أو: ... شيء هو كذا. وعلى الوجهين فتحةُ «سِيّ» إعرابٌ؛ لأَنَّ (4) اسم «لا» مضاف، وخبرها محذوف، أي: موجود (5) ، وحَذْفُ المبتدأ في هذا المحل (6)   (1) سورة القصص، من الآية 28. (2) وذلك لجريانه مجرى المثل. ينظر تعليق الفرائد 6/150، وحاشية الخضري 1/80، والكواكب الدرية 2/407. ولم أجد من نَصَّ على وجوب حذف المبتدأ في هذا الموضع إلا ابن عقيل في شرحه للألفية 1/166، والأهدل في الكواكب الدرية 2/407، وقال الدماميني في تعليق الفرائد 6/150: (ينبغي أن يكون الحذف واجبا؛ لأَنَّه كذلك سُمع، وهو ظاهر قوله [أي ابن مالك] وقول غيره) . (3) يرى الجمهور أَنَّ الاسم إذا ارتفع بعد «لا سِيَّما» ف «ما» موصولة، ويرى ابن خروف جواز كونها نكرة موصوفة أيضا. ينظر الارتشاف 3/1550، والمساعد 1/597، وهمع الهوامع 3/292. (4) في "ج": وعلى الوجهين ففتحة «سِيّ» إعرابٌ لأَنَّه. (5) ينظر كتاب الكُنَّاش 1/201، وخبر «لا» النافية للجنس يكثر حذفه إذا عُلم، نحو قوله تعالى: {ولو ترى إذْ فَزِعوا فلا فوتَ} [سبأ من الآية 52] ، وقوله تعالى: {قالوا لا ضيرَ} [الشعراء من الآية 50] ، وهذا عند الحجازيين، أما بنو تميم والطائيون فيوجبون حذفه، وإذا جُهل وجب ذكره باتفاق، نحو قوله (: (لا أحدَ أغيرُ من الله) صحيح البخاري 4/1699. ينظر النكت في تفسير كتاب سيبويه 1/597، وشرح المفصل 1/105، وشرح التسهيل 2/56، والارتشاف 3/1298، وتعليق الفرائد 4/98، وهمع الهوامع 2/202. (6) المبتدأ في هذا المحل هو الضمير المقدر، وهو عائد الاسم الموصول إن قدِّرت «ما» صلة، ورابط الصفة إن قدِّرت «ما» نكرة موصوفة. ينظر شرح الرضي 2/791، والمغني ص 187، والمساعد 1/597، والخزانة 3/445، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1049، والفوائد العجيبة ص 45، وبراعة التأليف ص 87. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 155 مقيسٌ غير شاذ (1) ؛ لأَنَّهم نزَّلوا «لا سِيَّما» منزلة «إلا» الاستثنائية، فناسب ألاَّ يُصرَّحَ بعدها بجملة (2)   (1) تبع المصنف في هذا الكوفيين الذين يرون جواز حذف عائدِ الاسمِ الموصول المرفوعِ إذا كان مبتدأ مخبرا عنه بمفرد مطلقا، سواء كان الموصول «أيّا» أم غيرها. ينظر معاني القرآن للفراء 1/22 و 365. ... أمَّا البصريون فيرون أَنَّ عائدَ الاسمِ الموصول المرفوعَ لا يجوز حذفه إلا إذا استكمل الشرطين السابقين مع كون الصلة طويلة، ويستثنون من طول الصلة «أيّا» الموصولة، فيجيزون حذف عائدها المرفوع وإن لم تكن صلتها طويلة، نحو قولك: (صاحبْ أيُّهم أفضل) ، ويرون أَنَّ ما ورد من الحذف مع عدم الطول في صلة غير «أيّ» شاذ. ينظر الكتاب 2/107 و 108 و 404، والأصول 2/396، والمحتسب 1/64 و234. ... وينظر في هذه المسألة أمالي ابن الشجري 1/111، وإعراب القراءات الشواذ 1/140، وضرائر الشعر ص 172 وما بعدها، والتسهيل ص35، والتذييل والتكميل 3/85، وتخليص الشواهد ص 158، وشرح الأشموني 2/167، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1054. (2) تنزيل «لا سِيَّما» منزلة «إلا» قول لبعض العلماء، وهو مردود عند الجمهور بعدم صحة وقوع «لا سِيَّما» موقع «إلا» ، ومردود أيضا بأَنَّها لو كانت مُنَزَّلة منزلة «إلا» لَمَا جاز دخول الواو عليها كما لم يجز دخولها على «إلا» وعلى سائر أدوات الاستثناء، فلا يصح إذن جعلها من أدوات الاستثناء؛ لأَنَّ ما بعد «إلا» مُخرَجٌ مما قبلها، وما بعد «لا سِيَّما» داخل فيما قبلها، ومُنَبَّه على أولويته بالحكم. كما أَنَّ ما ذكره المؤلف من عدم جواز وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» معارِض للسماع الوارد عن العرب، كما سيأتي فيما نقله المؤلف عن ابن مالك في ص 1385، والظاهر أَنَّ المؤلف قد غفل عنه. ... فحذف الضمير المبتدأ في هذا الموضع شاذ؛ لأَنَّ من شروط حذف العائد المرفوع في صلة غير «أي» كون الصلة طويلة، وهنا لا طول في الصلة. ينظر شرح التسهيل 2/318، وشرح الرضي للكافية 2/791، وكتاب الكُنَّاش 1/200، والدر المصون 1/225، والمغني ص 187، والمساعد 1/596، وتعليق الفرائد 6/147، والخزانة 3/445، وحاشية الدسوقي على المغني 1/152، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي في «لا سِيَّما» ص 1049 و 1054، وينظر ما سيأتي من حكم الاستثناء ب «لا سِيَّما» في ص 1386. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 156 فإن قيل: «لا سِيَّما زيدٌ الصالحُ» فلا استثناء (1) ؛ لطول الصلة بالنعت (2) كما نبَّه عليه ابن عقيل (3) .   (1) أي: فلا استثناء من شرط طول الصلة كي يطَّرد حذف العائد المرفوع. ينظر التصريح 1/143، وحاشية الخضري 1/81. وما ذكره المؤلف من استثناء «لا سِيَّما» من شرط الطول لم يصرح به البصريون المتقدمون الذين يشترطون الطول لجواز الحذف، بل هم يرون أَنَّ الضعف وارد على إعراب «ما» موصولة في: «لا سِيَّما زيدٌ» ؛ بسبب حذف العائد المرفوع من غير طول. ينظر الكتاب 2/108، وقد فهم العلماء المتأخرون من جواز كون «ما» في «لا سِيَّما زيدٌ» موصولةً استثناءها من شرط الطول. ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء ص 111، وشرح التسهيل 2/319، والمغني ص 187، وشفاء العليل 2/518، والتصريح 1/143، وحاشية الدسوقي على المغني 1/152. (2) من قوله: (وحَذْفُ المبتدأ في هذا المحل ... إلى قوله: (لطول الصلة بالنعت) منقول من التصريح 1/144، وقد وقع المصنف في سهو لم يتنبَّه له؛ وذلك أَنَّه الآن في معرض الحديث عن وقوع النكرة بعد «لا سِيَّما» ، ونلاحظ أَنَّه هنا مثَّل تبعا للشيخ خالد الأزهري بمعرفة، كما أَنَّه أيضا وقع في سَهْوٍ آخر لم يتنبه له أيضا، فقد نقل كلام الأزهري بحذافيره من غير تغيير ما يلزم تغييره، فإنه عند إيراده مثالا على وصف الاسم الواقع بعد «لا سِيَّما» نفى الاستثناء عنه مع أَنَّه لم يذكر شيئا مستثنى، أمَّا كلام الأزهري فنفيُ الاستثناء فيه مستقيم، وذلك أَنَّ الأزهري قال في 1/143: (ويستثنى من اشتراط الطول [أي: في جملة الصلة] لا سِيَّما زيد) ، ثم قال فيما بعد: (فإن قيل: «لا سِيَّما زيد الصالح» فلا استثناء) . (3) ينظر شرحه للألفية 1/166، وكلام المؤلف منقول من التصريح 1/144، وهو مذكور بمعناه في حاشية الخضري على شرح ابن عقيل 1/81. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 157 لا يقال: (إن شرط «لا» عملها في النكرات، و «سِيّ» قد عُرِّفت بالإضافة فلا عَمَلَ ل «لا» فيها) ؛ لأَنَّا نقول: مَنَعَ من ذلك توغُّلها في الإبهام ك «غَيْر» و «مِثْل» و «شِبْه» فلا تُعرِّفها الإضافة (1) . والنصب على [2 أ] التمييز (2) و «ما» كافَّة، وفتحة «سي» فتحة بناء (3)   (1) ينظر الكتاب 2/286، والمسائل البغداديات ص 317، وشرح التسهيل 2/318، والاستغناء ص 123، والخزانة 3/445، وبراعة التأليف ص 88. (2) رفعُ الاسم بعد «لا سِيَّما» أقل من جرِّه، ونصبُهُ أقل من رفعه، فالنصبُ ضعيف، وقد تكلَّف له العلماء وجوها، أحدها ما ذكره المؤلف، وبقيتها: أَنَّه تمييز ل «ما» ، و «ما» نكرة تامة مجرورة بإضافة «سيّ» إليها. وقيل: إنه منصوب بإضمار فعل و «ما» كافة. وقيل: منصوب على الاستثناء، ف «ما» كافة و «لا سِيَّما» مُنَزَّلة منزلة «إلاّ» في الاستثناء. وقيل: منصوب على إسقاط الخافض؛ إذ الأصل: لا مِثْلَ لِزَيدٍ. وقيل: منصوب على أَنَّه مفعول ل «سيّ» لتأويلها باسم الفاعل (مساوٍ) و «ما» كافة عن الإضافة. ينظر الاستغناء ص 111 و 119 و 124، وشرح الرضي 2/791، وكتاب الكُنَّاش 1/201، والمغني ص 412، والمصباح المنير ص 114 "سي"، وهمع الهوامع 3/293، والخزانة 3/446، والفوائد العجيبة ص 45، وبراعة التأليف ص 86 و 90، والكواكب الدرية 2/407. (3) «ما» هنا كافة ل «سي» عن الإضافة، وهذا قول الفارسي في التذكرة. ينظر شرح التسهيل 2/319، والاستغناء ص 112، والمغني ص 413، والخزانة 3/446. وَيَرِدُ على هذا الوجه اعتراض، وهو أَنَّه لو كان تمييزا ل «سيّ» لكان معمولا لها، فتكون شبيهة بالمضاف، فتكون فتحتها فتحةَ إعراب لا بناء، وبأَنَّ التمييز عينُ المُمَيَّز، وهنا غيره؛ لأَنَّه ليس نفس «سيّ» المنفي، فلو قلت: (أَكْرِمِ العلماءَ ولا سِيَّما شيخا لنا) ف «شيخا» غير «سيّ» المنفي. ينظر شرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1051، وبراعة التأليف ص 87. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 158 ، وإلى ما تقدم أشرت بقولي: وَمَا يَلِي «لا سِيَّما» إِنْ نُكِّرَا فَاجْرُرْ أَوِ ارْفَعْ ثُمَّ نَصْبَهُ اذْكُرَا في الْجَرِّ «مَا» زِيْدَتْ وَفي رَفْعٍ أُلِفْ وَصْلٌ لَهَا قُلْ أَوْ تَنَكُّرٌ وُصِفْ (وَعِنْدَ رَفْعٍ) بالتنوين (1) (مُبْتَدًا قَدِّرْ) (2) ، أي: قَدِّرْ مبتدأً عند رفعٍ (3) (وَفِي رَفْعٍ وَجَرٍّ أَعْرِبَنْ) بنون التوكيد الخفيفة (4) ، (سِيَّ تَفِي، وَانْصِبْ مُمَيِّزًا) أي: انصبْ حالَ كونك مُمَيِّزًا. وقد عُلِمَ بناء «سِيّ» في هذا الأخير من التقييد بالإعراب في ذينك، وقد رُوِيَ قولُ الشاعر: وَلا سِيَّما يَوْم بِدَارَةِ جُلْجُلِ (5) بالأوجه الثلاثة، وإلى هذا أشرتُ بقولي: (وَقُلْ: ((لاَ سِيَّما يَوْم)) بِأَحْوَالٍ) بالتنوين (ثَلاَثٍ) (6) بدلٌ مما قبله (فَاعْلَمَا) .   (1) قوله (بالتنوين) ساقط من "د". (2) قوله: «مبتدًا» مفعول به مقدم للفعل «قَدِّرْ» ، وأصلة «مبتدأً» بالهمز، وقد حُذفت همزته لضرورة إقامة الوزن. (3) قوله: (أي: قَدِّرْ مبتدأً عند رفعٍ) ساقط من "د". (4) قوله: (بنون التوكيد الخفيفة) ساقط من "د". (5) هذا عجز بيتٍ من الطويل، وصدره: أَلاَ رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ ... وهو لامرئ القيس. ينظر ديوانه ص 10. ... دارة جُلْجُل: اسْمُ غَدِيرٍ في نجد. ينظر كتاب الدارات ص 40 وما بعدها. ... وهذا البيت من شواهد نظم الفرائد ص 185، وشرح المقدمة الجزولية الكبير 3/998، وشرح المفصل 2/86، وشرح الكافية الشافية 2/725، والاستغناء ص 113، وارتشاف الضرب 3/1550، والمغني ص 186. (6) في "د": (ثلاثة) ، وبها ينكسر البيت. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 159 قال العلامة الفارضي (1) في شرح الألفية بعد أن ذكر البيت المستشهد به (2) : (فعلى رواية الجر تكون «سِيّ» بمعنى «مِثْل» ، وهو مضاف، و «يوم» مضاف إليه، و «ما» زائدة. وعلى رواية الرفع تكون «ما» موصولة، و «يومٌ» خبرٌ لمحذوف، أو نكرةٌ موصوفة، والتقدير: لا مثلَ الذي هو يومٌ، أو: لا مثلَ شيءٍ هو يومٌ. والنصب على التمييز كما يقع التمييز بعد «مِثْل» في نحو: (وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ((3) ، و «ما» كافة عن الإضافة، وفتحةُ «سِيّ» بناءٌ مثلُها في «لا رجلَ» على ما تقدم) .   (1) هو الإمام شمس الدين محمد الفارضي القاهري الحنبلي، كان شاعرا عالما بالفرائض والنحو له مصنفات منها: شرح ألفية ابن مالك، والمنظومة الفارضية في المواريث، توفي سنة 981 هـ. تنظر أخباره في الكواكب السائرة 3/83، وشذرات الذهب 10/576، والسحب الوابلة 3/1106. (2) ينظر شرح الألفية للفارضي ل 80 أ. (3) سورة الكهف، من الآية 109. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 160 وذكر وجها آخر، وهو أَنَّ «ما» موصولة، و «بدارة جُلْجِل» صلة، و «يوما» ظرف، والعامل فيه ما في «بدارة» (1) من معنى الاستقرار (2) ، ثم قال (3) [2 ب] : (وفتحةُ «سِيّ» في الصور الثلاث فتحةُ إعرابٍ يعني به: حالة الجر، والرفع، والنصب على الظرفية؛ وذلك لأَنَّ «ما» إن كانت موصولة فهي معرفة، واسم «لا» التبرئة لا يكون معرفة، وإن كانت غير موصولة ف «سيّ» مضافة (4) لما بعدها إن كانت «ما» زائدة، أو مضافة ل «ما» إن كانت نكرة موصوفة، واسم «لا» المبني لا يكون مضافا) . انتهى (5) كلامه. وقد علمت ردَّه بما تقدم من أَنَّها لا تتعرف بالإضافة (6) ، فتأمل (7) . قال ابن مالك (8) : وإذا كانت (9) «ما» موصولة معها جاز وصلها بفعلٍ وبظرف، نحو: أعجبني كلامُكَ لا سِيَّما تَعِظُ به (10)   (1) في "ج": والعامل فيه ما في «بدارة جُلْجِل» . (2) لم ينفرد الفارضي بهذا القول، بل هو مسبوق فيه، فقد ذكره ابن مالك في شرح الكافية الشافية 2/725، وزاد أيضا وجها آخر، وهو أن تكون «ما» موصولة، و «يوما» صلتها منصوب على الظرفية، و «بدارة جلجل» صفة ل «يوما» أو متعلقا به لما فيه من معنى الاستقرار. وتنظر أوجه النصب في شرح التسهيل 2/319، والاستغناء ص 120 و 125، والارتشاف 3/1551. (3) ينظر شرح الألفية للفارضي ل 80 أ. (4) في "ج": ... غير موصولة فهي مضافة. (5) في "د" رمز لكلمة (انتهى) في هذا الموضع والمواضع اللاحقة بالحرفين (أهـ) . (6) ينظر ص 1383. (7) في "د": ... بما تقدم من أَنَّ (ما) لا تَعرَّف بالإضافة، تأمل. (8) ينظر شرح التسهيل 2/319، وفي النقل تصرف. (9) في "د": وإن كانت. (10) ومن شوهد هذا قول الشاعر: فُقِ الناسَ في الحمد لا سِيَّما يُنِيْلُكَ من ذي الجلالِ الرِّضا ... ينظر شرح التسهيل 2/319، والمساعد 2/598، وشفاء العليل 2/519، وهمع الهوامع 3/293. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 161 ، ويعجبني التهجُّدُ لا سِيَّما عندَ زيدٍ (1) . انتهى. هذا إن كان ما بعدها نكرة، فإن كان معرفة (2) جاز الأولان، أعني: الجر والرفع، وإن ضُعِّفَ الرفع بأَنَّ فيه حَذْفَ العائد المرفوع مع عدم الطول (3) ، وإطلاقَ «ما» على من يعقل في نحو: ولا سِيَّما زيدٌ. وامتنع الأخير، أعني: نصبه، أي: عند الجمهور، وإلا فقد نَقَلَ بعضهم جوازه (4) ، نحو (5) : أكرمِنَّ القوم (6) لا سِيَّما زيدًا، وإلى هذا أشرت بقولي: (وَالنَّصْبُ إِنْ يُعَرَّفِ اسْمٌ فَامْنَعَا) .   (1) ومن شوهد هذا قول الشاعر: يَسُرُّ الكريمَ الحمدُ لا سِيَّما لدى شهادةِ مَنْ في خيره يَتَقَلَّبُ ... ينظر شرح التسهيل 2/319، والمساعد 2/598، وشفاء العليل 2/518، وهمع الهوامع 3/293. (2) في "د": ... زيد.أهـ. إذا كانت ما بعدها نكرة، فإن كانت معرفة. (3) هذا التضعيف وارد أيضا على رفع النكرة بعدها. ينظر ما سبق في الحاشية ذات الرقم 361. (4) ينظر المغني ص 187، وشرح المغني للدماميني 1/284. (5) في "ج": وإلا فقد نَقَلَ بعضهم جواز نحو. (6) في "ج": نحو: أكرمت القوم .... . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 162 وقد أشرت بقولي: (وَبَعْدَ «سِيٍّ» جُمْلَةً فَأَوْقِعَا، أَجَازَ ذَا الرَّضِيْ) إلى ما نقله العلامة الْحِفْنِيِّ (1) في حاشية الشِّنْشَوْرِيِّ (2) عن الْمُحَقِّقِ الرَّضِيِّ من جواز وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» ، ونَصُّهُ (3) : (وهل يقع بعدَهَا جملةٌ أو لا؟ قال في التسهيل نقلا عن [3 أ] المرادي: (وقولهم: (لا سِيَّما والأمرُ كذا (4)) تركيب غير عربي) (5)   (1) هو الإمام أبو المكارم نجم الدين محمد بن سالم بن أحمد المصري الشافعي المشهور بالحِفْنِي نسبة إلى مكان مولده قرية حِفْنَة في المديرية الشرقية من مصر، اشتغل بالعلم على فضلاء الأزهر حتى فاق، فتولى التدريس فيه، ثم تولى مشيخته، كان محدثا فقيها فَرَضِيًّا نحويا صاحب بيان، له مؤلفات كثيرة منها: أنفس نفائس الدرر على شرح الهمزية لابن حجر، والثمرة البهيّة في أسماء الصحابة البدريّة، وحاشية على شرح الرحبية للشنشوري، وحاشية على شرح الأشموني لألفية ابن مالك. توفي في القاهرة سنة 1181 هـ. تنظر أخباره في سلك الدرر 4/49، وعجائب الآثار 2/257، وهدية العارفين 2/337. (2) هو جمال الدين عبد الله بن بهاء الدين محمد بن عبد الله بن علي العجمي الشافعي الشِّنْشَوْرِيّ، نسبة إلى شِنْشَوْر من قرى المَنُوفيّة بمصر، تولى الخطابة في الجامع الأزهر، له مصنفات منها: خلاصة الفكر في شرح المختصر، أي: مختصر أهل الأثر، والفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة في شرح المنظومة الرحبية، وبغية الراغب شرح مرشدة الطالب في الحساب لابن الهائم، توفي سنة 999 هـ. تنظر أخباره في هدية العارفين 1/473، والأعلام 4/128. (3) لم أستطع الوقوف على حاشية الحِفْنِي على الفوائد الشِّنْشَوْرِيّة، وفي حاشية الحِفْنِي على شرح الأشموني ل 397 أما يقارب النصَّ المذكور هنا. (4) في "د": لا سِيَّما ولا من كذا. (5) الكلام المنقول عن المرادي لم يرد في التسهيل، والذي في التسهيل ص 107 إجازة وقوع الجملة الفعلية والظرف بعد «لا سِيَّما» عند إعراب «ما» اسما موصولا، وليس فيه التعرض لتخطئة شيء من الأساليب. وينظر قول المرادي في شرحه للتسهيل ل 183 ب، ونصُّه: (وما يوجد في كلام المصنفين من قولهم: (لا سِيَّما والأمرُ كذا) تركيبٌ غير عربي) . ولم ينفرد المرادي بإنكار هذا الأسلوب، بل سبقه إليه أبو حيان في الارتشاف 3/1552. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 163 ، وعليه السيوطي (1) . وقد أجاز ذا (2) الرضي حيث قال (3) : (ويُحذف ما بعد «سِيَّما» (4) على جعله بمعنى «خصوصا» ، فيكون منصوبَ المحل على أَنَّه مفعول مطلق مع بقائه على نصبه الذي كان له في الأصل حين كان اسم «لا» التبرئة، فإذا قلت: ((أحب زيدا ولا سِيَّما راكبا)) ، فهو بمعنى: وخصوصا راكبا، ف «راكبا» حال (5) من مفعول الفعل المقدر، أي: وأخصه بزيادة المحبة خصوصا راكبا (6) ، وكذا في: ((أحبه ولا سِيَّما وهو راكب)) (7)) . انتهى، فقد حَكَمَ بِصِحَّةِ ما جعله المراديُّ تركيبا فاسدا (8)   (1) ينظر الهمع 3/294. (2) في "ج": وقد أجاز ذلك. (3) ينظر شرح الرضي للكافية 2/793، وفي النقل تصرُّفٌ يسيرٌ بالحذف. (4) في شرح الرضي 2/793: وقد يُحذف ما بعد «لا سِيَّما» . (5) في "د": ولا سِيَّما راكبا، ف «راكبا» حال. (6) فيكون التقدير: أحب زيدا وأخصه خصوصا بزيادة المحبة في حال كونه راكبا. ويجوز أن يكون «راكبا» حال من فاعل الفعل المقدر اللازم، ويكون التقدير: أحب زيدا ويختص اختصاصا بزيادة المحبة في حال كونه راكبا. ينظر شرح الرضي للكافية 2/793، وبراعة التأليف ص 91. (7) فجملة «وهو راكب» في محل نصب حال إما من مفعول الفعلِ المقدر المتعدي، وإما حال من فاعل الفعل المقدر اللازم كما سبق في الحال المفرد. ينظر براعة التأليف ص 91. (8) لم يقف المصنف رحمه الله على تحقيق هذه المسألة بدقة؛ إذ الصواب أنه لا خلاف بين العلماء في جواز وقوع الجملة بنوعيها بعد «لا سِيَّما» ، ولم ينفرد الرضي بإجازة هذا، بل هو جائز لدى العلماء؛ لوروده في كلام العرب، أما الذي انفرد بإجازته الرضي فهو استعمال «لا سِيَّما» بمعنى «خصوصا» ، ومن ثُمَّ تفرُّدها بأحكام مخالفةٍ لأحكامها حينما كانت بالمعنى الذي نص عليه العلماء، أي: كونها بمعنى «مِثْل» وكون الاسم المذكور بعدها منبَّهٌ على أولويته في الحكم، فهي إذا كانت بمعنى «خصوصا» أعربت مفعولا مطلقا، وصحَّ وقوع الجملة بنوعيها بعدها مقترنة بالواو، وصحَّ مجيء الحال مفردة بعدها. ينظر شرح التسهيل 2/319، وتعليق الفرائد 6/151، والمغني ص 186 و 187، وبراعة التأليف ص 85 و 90، وينظر ما كُتب في دراسة هذه الرسالة في مبحث نقدها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 164 ) . انتهى. ثم قلت: (وَلا تُحْذَفُ «لا» مِنْ سِيَّما) يعني: أَنَّ لفظة «لا» لا تُحذف من «سِيَّما» وجوبا (1)   (1) قال ثعلب فيما رواه عنه ابن فارس في الصاحبي ص 231: (من قاله أي: ولا سِيَّما بغير اللفظ الذي قاله امرؤ القيس فقد أخطأ) . يعني: أَنَّه يجب اتصال الواو و «لا» به كما في بيت امرئ القيس السابق. ينظر سفر السعادة 1/259، والمغني ص 186. ... وَنَصَّ أبو جعفر النحاس في شرح القصائد التسع المشهورات 1/110 على أَنَّ «سِيَّما» لا تُستعمل إلا مع الجحد، فقال: (ولا يجوز أن تقول: «جاءني القومُ سِيَّما زيدٍ» حتى تأتي ب «لا» ) . ... وقال أبو حيان في الارتشاف 3/1552: (وَحَذْفُ «لا» من «لا سِيَّما» إنما يوجد في كلام الأدباء الْمُوَلَّدِينَ، لا في كلام مَنْ يُحْتَجُّ بكلامه) . وتنظر هذه المسألة في شرح المفصل 2/86، وشرح التسهيل للمرادي ل 183 ب، وهمع الهوامع 3/294، وشرح الأشموني 2/168، وتاج العروس 10/188 "سوو". الجزء: 14 ¦ الصفحة: 165 ؛ لأَنَّ حذف الحرف خارج عن القياس (1) . وكذلك دخول الواو على «لا» ، وذكر بعضهم أَنَّها قد تُحذف (2) .   (1) فلا يجوز حذف الحرف وبقاء عمله؛ لأَنَّ الحروف وُضعت للاختصار، والمُختصَر لا يجوز اختصاره؛ لأَنَّ الاختصار إجحافٌ به، ولأَنَّ «لا» تركبَّت مع «سِيَّما» وصارتا كالكلمة الواحدة، فتُساق لترجيح ما بعدها على ما قبلها، فيكون ما بعدها كالمُخرَج عن مساواة ما قبلها إلى التفضيل، فقولهم: (تُستحبُّ الصدقةُ في شهر رمضان ولا سِيَّما في العشر الأواخر) معناه: واستحبابها في العشر الأواخر آكد وأفضل، فهو مُفَضَّلٌ على ما قبله، إذا تقرَّر هذا فلو قيل «سِيَّما» بغير نفي اقتضى التسوية وبقي المعنى على التشبيه، فيكون التقدير: (تستحبُّ الصدقة في شهر رمضان مثل استحبابها في العشر الأواخر) ، ولا يخفى ما فيه من تغييرٍ للمعنى المراد؛ لذهاب التفضيل. ينظر المصباح المنير ص 114 "سي"، والأشباه والنظائر 1/79، وتاج العروس 10/188 "سوو". (2) يحتمل أن يكون نائب الفاعل هنا ضميرا راجعا ل «لا» ، ويحتمل أن يكون ضميرا راجعا ل «الواو» وهو الأقرب، أما حذف «لا» فقد انفرد بإجازته القرافي في الاستغناء ص 120 والرضي في شرحه للكافية 2/793، وليس لهما شاهد. ينظر تعليق الفرائد 6/155، وحاشية الصبان 2/168، وذكر صاحب حماة في الكُنَّاش 1/201 والفيومي في المصباح المنير ص 114 "سي" أَنَّ «لا» يصحُّ حذفها من «لا سِيَّما» للعلم بها وهي مرادة، كقولك: (أكرَمَ الناسُ العلماءَ سِيَّما صديقُهُ) . ... أما حذف الواو فَمَنَعَهُ ثعلب، وأجازه غيره من العلماء مستدلين بشواهد منها الشاهد الذي سيذكره المصنف بعد قليل. ينظر الارتشاف 3/1552 و 1553، والمغني ص 186. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 166 وتُخفَّف «سِيَّما» (1) ، كما في قوله: فِهْ بالْعُقُودِ وبالأَيْمانِ لا سِيَما عَقْدٌ وفاءٌ بِهِ مِنْ أعظمِ القُرَبِ (2)   (1) حكى التخفيف الأخفش وغيره. ينظر شرح القصائد التسع المشهورات ص 110، وشرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ص 33، والارتشاف 3/1552. (2) هذا بيت من البسيط، لم أقف على قائله. ... فِهْ: فعل أمر من وَفَى يَفِي، وهاء السكت لا تُنطق إلا في الوقف فقط، وهي تُكتب في الوقف والوصل؛ اعتدادا بنطقها في الوقف، ولأَنَّ الكلمة لا تكون على حرف واحد. ينظر أدب الكاتب ص 251، وتعليق الفرائد 6/154، وشرح الدماميني للمغني 1/283. ... والمؤلف ساق البيت شاهدا على تخفيف الياء من «لا سِيَّما» ، وفيه شاهد آخر، وهو جواز حذف الواو من «لا سِيَّما» . ... وقد وقع في البيت تحريفٌ في نسخة "د" فورد كالتالي: عَقْدٌ أفاءٌ بِهِ ... . ... وهذا البيت من شواهد شرح التسهيل 2/319، والمغني ص 186، والمساعد 1/598، وشفاء العليل 2/519، وتعليق الفرائد 6/154، وهمع الهوامع 3/294، والأشباه والنظائر 1/88، وشرح الأشموني 2/168، وشرح أبيات المغني 3/219، وبراعة التأليف ص 85. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 167 وإلى جواز التخفيف أشرت بقولي: (وَسِيَّ خَفِّفْ تَفْضُلا) ، أي: خَفِّفْ لفظة (1) «سِيّ» إن أردت ذلك (2) .   (1) في "ج": خَفِّفْ لفظ. (2) «سِيّ» وزنها فِعْل، وأصلها «سِوْي» أُعِلَّت كإعلال طَيّ ولَيّ، فهي ك «مِثْل» وزنا ومعنى، واختلف العلماء في الحرف المحذوف منها عند تخفيفها، فذهب بعضهم إلى أَنَّه اللام، وذهب بعضهم إلى أَنَّه العين، واختار الأول ابن جني، وذهب إلى أَنَّ اللام أُلْقِيَتْ حركتها على العين بعد حذفها، واحتجَّ بأَنَّ هذا ما يقتضيه القياس، فالحذفُ إعلالٌ، والإعلالُ في اللام شائعٌ كثير بخلافه في العين. واختار الثاني أبو حيان واحتجَّ بأَنَّه وقوفٌ مع ظاهر اللفظ، وبأَنَّ العين ساكنة واللام متحركة، والمتحرك أقوى من الساكن، فكانت العين أولى بالحذف لضعفها، ولأَنَّه لو كانت الثانية هي المحذوفة لوجب ردُّ الأولى إلى أصلها وهو الواو؛ لزوال موجب قلبها. ... وفي إجابة أصحاب القول الأول عن هذا بأَنَّ العين لم ترجع إلى أصلها لعدم الاعتداد بالحذف العارض تكلُّف لا موجب له. ينظر الاستغناء ص 124، والارتشاف 3/1552، وتعليق الفرائد 6/147 و 155، وشرح الدماميني للمغني 1/282، وهمع الهوامع 3/295، والأشباه والنظائر 1/89، وبراعة التأليف ص 84. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 168 ثم قلت: (وَامْنَعْ عَلَى الصَّحِيْحِ الاسْتِثْنَا بِهَا) ، أي: الصحيح أَنَّ «لا سِيَّما» ليست من أدوات الاستثناء (1) ، بل هي مضادة له؛ لأَنَّ الذي بعدها داخلٌ فيما دخل فيه ما قبلها ومشهودٌ له بأَنَّه أحقُّ بذلك من غيره (2) . وقد وُجِّهَ قولُ من قال (3) بأَنَّها من أدوات الاستثناء بأَنَّ [3 ب] ما بعدها مُخرَجٌ مما قبلها (4) من حيث أولويته بالحكم المتقدم، فلَمَّا لم يستوِ مع ما قبلها في الرتبة جُعِلَ كأَنَّه مُخرَجٌ (5) . وقد تمَّ الكلام عليها.   (1) ذهب الجمهور إلى أَنَّ «لا سِيَّما» ليست من أدوات الاستثناء، وذهب الكوفيون ومَنْ وافقهم كالأخفش، والزجاج، وأبي حاتم، وابن النحاس، والفارسي، وابن مضاء، والزمخشري، وابن يعيش إلى أَنَّها من أدوات الاستثناء. ينظر الإيضاح العضدي ص 228 والمفصل ص 68، وشرح المفصل 2/85، والارتشاف 3/1549، والمساعد 1/596، وتعليق الفرائد 6/147، وهمع الهوامع 3/291. (2) هذا المعنى مفهوم بالبديهة من سياق الكلام، وأيضا لو كانت من أدوات الاستثناء لصحَّ وقوع «إلا» موقعها كما صحَّ في سائر أدوات الاستثناء، وأيضا لو كانت من أدوات الاستثناء لم يصحَّ دخول الواو عليها كما لم يصحَّ دخولها على «إلا» وعلى سائر أدوات الاستثناء. ينظر شرح التسهيل 2/318، والاستغناء ص 111، والمساعد 1/596، وهمع الهوامع 3/292. (3) في "ج": وقد وَجَّهَ من قال. (4) في "ج": مُخرَجٌ مما قبله. (5) الجمهور يرون أَنَّ الجامع بين «لا سِيَّما» و «إلا» ضعيف؛ لأَنَّ خروج ما بعد «لا سِيَّما» من مساواة ما قبلها لا تخرجه عن الحكم المنسوب لما قبلها، فلا يوجب مساواتهما في الحكم. ينظر المغني ص 187، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي في «لا سِيَّما» ص 1049 و 1052. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 169 وقد ختمت الأبيات بالصلاة على أشرف المخلوقات، فقلت (1) : (ثُمَّ الصَّلاَةُ لِلنَّبِيِّ ذِي الْبَهَا) ، أي: والصلاة والسلام على النبي المعهود، صاحبِ الحوض المورود، وعلى آله وأصحابه وأهل بيته (2) ومُحبِّيه. والبهاء (3) : بفتح الباء معناه: الْحُسْن. وفي هذا (4) البيت الْجِنَاسُ بكسر الجيم الْمُحرَّفُ (5) ، وضابطه: اختلاف هيئة الحروف (6) ، كقولهم (7)   (1) قوله: (فقلت) ساقط من "د". (2) في "د" وآل بيته. (3) وردت هذه الكلمة في المنظومة مقصورة للضرورة الشعرية، فقد قُصرت بحذف الألف التي قبل الهمزة؛ لأَنَّها زائدة لغير معنى، فلما حُذفت الألف رجعت الهمزة إلى أصلها، ثم سُهِّلَتْ بإبدالها ألفا. وَقَصْرُ الممدود من الضرورات التي أجمع النحويون على جوازها، وهي من الضرائر الحسنة. ينظر ما يحتمل الشعر من الضرورة ص 107، والإنصاف 2/745، وضرائر الشعر ص 116، وموارد البصائر ص 228، والضرائر للألوسي ص 39. (4) قوله: (هذا) ساقط من "د". (5) الجناس المحرف في هذا البيت واقع بين كلمتي «البَهَا» و «بِهَا» ، وهو من المحسنات البديعية اللفظية، وقد نتج عنه عيب الإصراف، وهو عيب من عيوب القافية، وهو اختلاف المجرى الذي هو حركة الروي بالفتح مع الضم أو الكسر، وهذا العيب لم يجزه الخليل ولا الحامض، وأجازه ابن جني مع استقباحه له كثيرا. ينظر مختصر القوافي ص 32، وشروح سقط الزند 3/1282 و 1283، والكافي في علم القوافي ص 107، ونهاية الراغب ص 370. (6) أي: اختلاف هيئة الحروف مع اتفاقهما في النوع والعدد والترتيب، والاختلاف قد يكون في الحركة فقط كما مثَّل المؤلف، وقد يكون في الحركة والسكون، نحو: البِدْعَةُ شَرَكُ الشِّرْك. وسُمِّيَ هذا الجناس محرَّفا لانحراف هيئة أحد اللفظين عن هيئة الآخر. ينظر الإيضاح في علوم البلاغة ص 538، والمطول ص 447، وكتاب الطراز 2/359. (7) ينظر الإيضاح في علوم البلاغة ص 538، والمطول ص 447. والجناس الْمُحرَّف واقع بين لفظتي «البُرْد» و «البَرْد» ، أمَّا الواقع بين لفظتي «جُبَّة» و «جَنَّة» فهو الجناس اللاحق، وهو الاختلاف في نوعي الحرف مع عدم تقاربهما في المخرج. ينظر مفتاح العلوم ص 429، والمطول ص 447 و 448. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 170 : (جُبَّة الْبُرْد جَنَّة الْبَرْد) (1) . انتهى، والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا (2) محمد وعلى آله وصحبه وأحِبَّته ومُحِبِّيه (3) ، كلما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون (4) ، والحمد لله رب العالمين. تَمَّ نسخها في ليلة الخميس المبارك خلت من الليلة نحوُ ساعة ونصف في شهر جمادى الآخر خلت منه ستة أيام سنة 97، على يد كاتبها الفقير محمود محمد بن الْحِفْنَاوِيِّ (5)   (1) في "د": ... جَنَّة الْبَراد. (2) قوله: (وسلم) وقوله: (ومولانا) ساقط من "د". (3) قوله: (وأحِبَّته ومُحِبِّيه) ساقط من "د". (4) إلى هنا تنتهي نسخة "ج"، وجاء بعدها عبارة ناسخها التالية: وكان الفراغ من تبييضها يوم الاثنين المبارك لاثني عشر من شهر ربيع الأول يوم مولده الشريف، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، آمين آمين آمين. (5) في المخطوطة بين كلمة «بن» و «الحفناوي» كلمة لم أستطع قراءتها؛ لوجود طمس فيها، كما أَنَّ الطمس أثَّر على كلمة «الحفناوي» فاجتهدت في قراءتها واستصوبت أَنَّها كما كَتبْتُ. المصادر والمراجع كتاب الإبدال، لأبي الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي، تحقيق عز الدين التنوخي، مطبعة الترقي، دمشق، 1379، 1380 هـ، نشر المجمع العلمي العربي بدمشق. كتاب الإبدال، لأبي يوسف يعقوب بن السكيت، تحقيق الدكتور حسين محمد شرف، طباعة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة، 1398 هـ، نشر مجمع اللغة العربية بالقاهرة. أدب الكاتب، لعبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق محمد الدالي، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الثانية، 1405 هـ. ارتشاف الضرب من لسان العرب، لأبي حيان الأندلسي النحوي، تحقيق الدكتور رجب عثمان محمد، مطبعة المدني بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1418 هـ، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة. الاستغناء في أحكام الاستثناء، لشهاب الدين القرافي، تحقيق الدكتور طه محسن، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1402 هـ. إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين، لعبد الباقي بن عبد المجيد اليماني، تحقيق الدكتور عبد المجيد دياب، الرياض، الطبعة الأولى، 1406 هـ، نشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض. الأشباه والنظائر في النحو، لجلال الدين السيوطي، تحقيق الدكتور عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1406 هـ. الأصول في النحو، لابن السراج، تحقيق الدكتور عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الأولى 1405 هـ. إعراب القراءات الشواذ، لأبي البقاء العكبري، تحقيق محمد السيد أحمد عزوز، طبع ونشر عالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1417 هـ. الأعلام، للزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثامنة، 1989 م. كتاب الألفاظ والأساليب، أعده وعلق عليه محمد شوقي أمين ومصطفى حجازي، طباعة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بالقاهرة، 1977 م، نشر مجمع اللغة العربية بالقاهرة. أمالي ابن الشجري، لهبة الله بن علي بن الشجري، تحقيق الدكتور محمود محمد الطناحي، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الأولى، 1413 هـ، نشر مكتبة الخانجي، القاهرة. الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، نشر المكتبة العصرية، بيروت، 1407 هـ. الإيضاح العضدي، لأبي علي الفارسي، تحقيق الدكتور حسن شاذلي فرهود، دار العلوم الرياض، الطبعة الثانية، 1408 هـ. الإيضاح في علوم البلاغة، للخطيب القزويني، تحقيق الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتاب اللبناني، الطبعة الخامسة، 1403 هـ. إيضاح المكنون فى الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لإسماعيل باشا بن محمد أمين البغدادي، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1402 هـ. براعة التأليف في توضيح بعض خفي الإعراب والتصريف، لمحمد بن أحمد ابن جعفر الدمياطي الشافعي، تحقيق الدكتور محمد أحمد العمروسي، الدار الفنية للنشر والتوزيع بالقاهرة، 1408 هـ. تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد مرتضى الزبيدي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد، لابن هشام الأنصاري، تحقيق الدكتور عباس مصطفى الصالحي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1406 هـ. التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل، لأبي حيان الأندلسي، تحقيق الدكتور حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1418 1420 هـ. التسهيل = تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، لابن مالك، تحقيق محمد كامل بركات، دار الكاتب العربي 1387 هـ. التصريح بمضمون التوضيح، للشيخ خالد الأزهري، مطبعة عيسى البابي الحلبي. تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد، لمحمد بن أبي بكر الدماميني، تحقيق الدكتور محمد ابن عبد الرحمن المفدى، مطابع الفرزدق التجارية، الرياض، الطبعة الأولى، 1403 1420 هـ. حاشية الحفني على شرح الأشموني لألفية ابن مالك، نسخة محفوظة في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية تحت رقم: 1187. حاشية الخضري على شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، للشيخ محمد الدمياطي الخضري، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الأخيرة، 1359 هـ. حاشية الدسوقي على المغني، لمصطفى بن محمد الدسوقي، مطبعة المشهد الحسيني، القاهرة، 1386 هـ. حاشية الصَّبَّان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك، مطبوع بهامش شرح الأشموني، مطبعة عيسى البابي الحلبي. حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، تأليف الشيخ عبد الرزاق البيطار، تحقيق محمد بهجة البيطار، مطبعة الترقي بدمشق، 1383 هـ، نشر المجمع العلمي العربي بدمشق. الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام، تأليف الدكتور أحمد أحمد بدوي دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، الطبعة الثانية، 1979 م. الخطط التوفيقية = الخطط الجديدة لمصر القاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة، تأليف علي باشا مبارك، مطبعة بولاق بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1305 هـ. كتاب الدارات، للأصمعي وياقوت الحموي، تحقيق يسري عبد الغني عبد الله، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1407 هـ. الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، لأحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي، تحقيق الدكتور أحمد محمد الخراط، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1406 هـ. ديوان امرئ القيس، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، مطابع دار المعارف، مصر، الطبعة الرابعة. السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، لمحمد بن عبد الله بن حميد النجدي، تحقيق بكر ابن عبد الله أبو زيد والدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، طبع مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1416 هـ. سفر السعادة وسفير الإفادة، لعلم الدين أبي الحسن علي ابن محمد السخاوي، تحقيق محمد أحمد الدالي، دمشق، 1403 هـ، من مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق. سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، لأبي الفضل محمد خليل بن علي المرادي، دار البشائر الإسلامية ودار ابن حزم، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1408 هـ. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن العماد الحنبلي، تحقيق الدكتور محمود الأرناءوط وعبد القادر الأرناءوط، دار ابن كثير، دمشق وبيروت، الطبعة الأولى، 1406 1414 هـ. شرح أبيات مغني اللبيب، لعبد القادر بن عمر البغدادي، تحقيق عبد العزيز رباح وأحمد يوسف دقاق، دار المأمون للتراث، دمشق وبيروت، الطبعة الأولى، 1393 1401هـ. شرح ألفية ابن مالك، لابن عقيل، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المعرفة، مصر، الطبعة العشرون، 1400 هـ. شرح ألفية ابن مالك، لعلي بن محمد بن عيسى الأشموني، عيسى البابي الحلبي، القاهرة شرح ألفية ابن مالك، لشمس الدين محمد الفارضي الحنبلي، نسخة فلمية محفوظة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تحت رقم: 7444، والأصل محفوظ في المكتبة الأزهرية تحت رقم: 4774. شرح الأمير على نظم السُّجاعي في «لا سِيَّما» ، تحقيق الدكتور أحمد بن محمد القرشي بحث منشور في مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، المجلد 12، العدد 19، شعبان 1420 هـ. شرح التسهيل، للحسن بن قاسم المرادي، نسخة فلمية محفوظة في جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية تحت رقم: ف 8903. شرح التسهيل، لابن مالك، تحقيق الدكتور عبد الرحمن السيد والدكتور محمد بدوي المختون، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1410 هـ. شرح الرضي لكافية ابن الحاجب، تحقيق الدكتور حسن بن محمد الحفظي، الطبعة الأولى، 1414 هـ، نشر إدارة الثقافة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. شرح شواهد شرح الشافية، لعبد القادر البغدادي، تحقيق محمد نور الحسن وزميليه، مطبوع مع شرح الشافية للرضي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1402 هـ شرح القصائد التسع المشهورات، لأبي جعفر أحمد بن محمد النحاس، تحقيق أحمد خطاب، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1973 م، نشر وزارة الإعلام العراقية. شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، لمحمد بن القاسم الأنباري، تحقيق عبد السلام هارون، مطابع دار المعارف في مصر، الطبعة الرابعة، 1400 هـ. شرح الكافية الشافية، لابن مالك، تحقيق الدكتور عبد المنعم أحمد هريدي، دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى، 1402 هـ. شرح مغني اللبيب، لمحمد بن أبي بكر الدماميني، مطبوع بهامش المنصف من الكلام على مغني ابن هشام للشمني، المطبعة البهية بمصر. شرح المفصل، ليعيش بن علي بن يعيش، تصوير مكتبة المتنبي، القاهرة. شرح المقدمة الجزولية الكبير، للأستاذ أبي علي عمر بن محمد الشلوبين، تحقيق الدكتور تركي بن سهو العتيبي، الطبعة الأولى، القاهرة، 1413 هـ. نشر مكتبة الرشد بالرياض. شروح سقط الزند، للخطيب التبريزي وابن السيد البطليوسي وصدر الأفاضل الخوارزمي، تحقيق مصطفى السقا وزملائه، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1406 1408 هـ. شفاء العليل في إيضاح التسهيل، لمحمد بن عيسى السلسيلي، تحقيق الدكتور عبد الله البركاتي، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1406 هـ. شواذ القرآن = مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع، لابن خالويه، عني بنشره ج برجستراسر، مكتبة المتنبي، القاهرة. الصاحبي، لأحمد بن فارس، تحقيق أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي. ضرائر الشعر، لابن عصفور، تحقيق السيد إبراهيم محمد، دار الأندلس للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1980 م. الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر، للسيد محمود شكري الألوسي، شرحه واعتنى به محمد بهجة الأثري، دار الآفاق العربية بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1418 هـ. صحيح البخاري، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق الدكتور مصطفى ديب البغا، دمشق، الطبعة الرابعة، 1410 هـ. كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، ليحيى بن حمزة العلوي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1400 هـ. عجائب الآثار في التراجم والأخبار، للعلامة المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي، تحقيق وشرح حسن محمد جوهر والسيد إبراهيم سالم وزملاءٍ لهما، طباعة ونشر لجنة البيان العربي بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1958 1967 م. عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، لبهاء الدين السبكي، دار السرور، بيروت لبنان، مطبوع ضمن (شروح التلخيص) . فهرست الكتب النحوية المطبوعة، تأليف الدكتور عبد الهادي الفضلي، مكتبة المنار، الأردن، الطبعة الأولى، 1407 هـ. الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة، لابن عابدين، تحقيق الدكتور حاتم الضامن، دار الرائد العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1410 هـ. فوات الوفيات والذيل عليها، لمحمد بن شاكر الكتبي، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر، بيروت، لبنان، 1973 م. كتاب الكافي في علم القوافي، لأبي بكر محمد بن عبد الملك بن السراج الشنتريني، تحقيق الدكتور محمد رضوان الداية، المكتب الإسلامي، دمشق، الطبعة الثانية، 1391 هـ، ومعه كتاب المعيار في أوزان الأشعار، للمؤلف نفسه. الكتاب، لإمام النحاة سيبويه، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الثانية، 1402 هـ. كتاب الكناش في فني النحو والصرف، للملك المؤيد الأيوبي صاحب حماة، تحقيق الدكتور رياض بن حسن الخوَّام، طبع ونشر المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1420 هـ. الكواكب الدرية على متممة الآجرومية، لمحمد بن أحمد الأهدل، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان، الطبعة الخامسة 1416 هـ. الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، لنجم الدين الغزي، تحقيق الدكتور جبرائيل سليمان جبور، نشر دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1979 م. لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت، لبنان. ما يحتمل الشعر من الضرورة، لأبي سعيد السيرافي، تحقيق الدكتور عوض بن حمد القوزي، مطابع الفرزدق، الرياض، الطبعة الأولى، 1409 هـ. المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات، لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق علي النجدي ناصف وزميليه، دار سزكين للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1406 هـ. مختصر القوافي، لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق الدكتور حسن شاذلي فرهود، دار المعارف السعودية، الرياض، الطبعة الثانية، 1397 هـ. المسائل البغداديات، لأبي علي الفارسي، تحقيق صلاح الدين عبد الله السنكاوي، مطبعة العاني، بغداد، 1983 م. المساعد على تسهيل الفوائد، لبهاء الدين بن عقيل، تحقيق الدكتور محمد كامل بركات، طبع دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 1400 هـ. المصباح المنير، لأحمد بن محمد بن علي الفيومي، مكتبة لبنان، بيروت، لبنان، 1987 م. كتاب المطول في شرح تلخيص المفتاح، لسعد الدين مسعود التفتازاني الهروي، الطبعة الأولى، القاهرة، 1330 هـ، نشر المكتبة الأزهرية للتراث بالقاهرة. معاني القرآن، لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء، تحقيق محمد علي النجار وأحمد يوسف نجاتي، عالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1403 هـ معجم المؤلفين، تأليف عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. معجم المطبوعات العربية والمعربة، جمع وترتيب يوسف أليان سركيس، مكتبة الثقافة الدينية، مصر. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام الأنصاري، تحقيق الدكتور مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، بيروت، الطبعة الخامسة، 1979 م. مفتاح العلوم، ليوسف بن أبي بكر السكاكي، تحقيق نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ. المفصل في علم العربية، لجار الله الزمخشري، دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية. المقتضب، للمبرد، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، القاهرة، الطبعة الثانية، 1399 هـ. موارد البصائر لفرائد الضرائر، لمحمد سليم بن حسين بن عبد الحليم، تحقيق الدكتور حازم سعيد يونس، دار عمار للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 1420 هـ. نظم الفرائد وحصر الشرائد، لمهذب الدين مهلب بن حسن ابن بركات المهلبي، تحقيق الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الأولى، 1406 هـ، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ومكتبة التراث بمكة المكرمة. النكت في تفسير كتاب سيبويه، للأعلم الشنتمري، تحقيق زهير عبد المحسن سلطان، الكويت، الطبعة الأولى، 1407 هـ، نشر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في معهد المخطوطات العربية بالكويت. نهاية الراغب في شرح عروض ابن الحاجب، لجمال الدين عبد الرحيم الإسنوي الشافعي، تحقيق الدكتور شعبان صلاح، مطبعة التقدم، القاهرة، الطبعة الأولى، 1408 هـ. النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري، تحقيق الدكتور محمد عبد القادر أحمد، دار الشروق، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1401 هـ. هدية العارفين، أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، لإسماعيل باشا البغدادي، دار الفكر، بيروت. همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، لجلال الدين السيوطي، تحقيق الدكتور عبد العال سالم مكرم، نشر دار البحوث العلمية، الكويت، 1394 1400 هـ. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 171 المالكيِّ مذهبا، فُتِحَ عليه وعلى جميع إخوانه في الله تعالى. **** الحواشي والتعليقات الجزء: 14 ¦ الصفحة: 172 منهج إبراهيم (في الدعوة كما عرضه القرآن الكريم د- منظور بن محمد بن محمد رمضان أستاذ مساعد بقسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بمكة ملخص البحث إن الدعوة إلى الله تعالى من وظائف الأنبياء والمرسلين ومنهاج الصالحين من عباد الله لأنهم صفوة خلق الله، وهي من أهم ركائز الإيمان وأعظم ركن من أركانه، وأمرها وفضلها وخطرها بمكان معلوم، إذ هي بمنزلة الرأس من الجسد والغذاء للبدن، بها بيان الحق ونشر الخير والهدى وتحقق السعادة للبشر، وبها تكشف وسائل الباطل والمنكر وأساليبه الملتوية بشتى الطرق والوسائل، ولقد اعتنى القرآن الكرمي بهذا الركن اعتناء عظيماً واهتم به اهتماماً بالغاً. فلابد للدعوة والداعية من خصائص وركائز ثابتة وقواعد مؤصلة حتى تسلم من الفشل، ويسلم الداعية من الزلل والميل عن الجادة الصحيحة، لذا يشترك فيها ما يشترك في سائر الأحكام الشرعية من فروض وواجبات ومستحبات. ولقد كان منهج إبراهيم (في الدعوة إلى الله موضع اهتمام القرآن، ذلك لما اشتملت عليه شخصيته الكريمة من الصفات الحميدة والخصال الكريمة أولاً، ثم ما قامت عليه دعوته على أهم أهداف الدعوة وضوابطها بأساليب نظرية وعملية، وطرق مجدية نافعة، رسم بها الطريق للدعوة والدعاة، وأمر الله تعالى الأمة بالاقتداء به (ليتخذوا طريقته نبراساً لهم يسيرون على منوالها، ودرساً يجعلون الدعوة بها مرغوبة محببة، وبالله التوفيق والسداد. مقدمة: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 173 فإن الله تعالى خلق الخلق لحكمة عظيمة وغاية نبيلة ألا وهي عبادته سبحانه وتعالى، واقتضت حكمته أن بعث رسلا مبشرين ومنذرين، ليبينوا للناس حقيقة عبادة الله ليعبدوه على بصيرة وفق ما يشرع لهم، وامتحن الله الرسل بالأمم والأمم بالرسل، ليرسموا بذلك منهج الدعوة وسبيلها الصحيح الذي رسمه الله لهم بقوله: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ((يوسف 108) على حجة واضحة يتميز بها الحق من الباطل، وبرهان صحيح يقنع الخصم ويهدي إلى سواء السبيل. ولابد لأصحاب الدعوة إلى الله من هذا التميز ولابد لهم من هذا الاقتداء: (أنا ومن اتبعني … ((1) فكل من سار من بعدهم على هذا المنهج القويم فهو على منهج الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهو ممن عناهم الله بقوله: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا … ((فصلت 33) . فما دام أنها دعوة إلى الله تعالى فلابد لها من خصائص مميزة وركائز ثابتة وقواعد راسخة حتى تسلم من الفشل، ويسلم الداعية من الزلل والميل عن الجادة الصحيحة. وإذا نظرنا إلى كتاب الله تعالى وإلى سنة رسوله (وسيرته فنَجِدُ أن الدعوة بمجموعها تدور حول محاور ثلاثة: أولا: توضيح الأمانة وبيانها للناس ثم أداؤها على وجهها، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبينّنه للناس ولا تكتمونه … . ((آل عمران 187) ثانيا: إقامة الحجة والبرهان، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق … ((فصلت 35) . ثالثا: إنقاذ الأمة ووقايتها من أسباب الهلاك، وهذا ما أشار إليه القرآن بقوله تعالى: (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ((آل عمران 103) . وبمجموع هذه المحاور الثلاثة تتم الدعوة على أصولها.   (1) لحواشي والتعليقات ) أحكام القرآن للقرطبي ج6/211، روح المعاني للألوسي ج2/153. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 174 ولقد كان منهج إبراهيم (نموذجا في الدعوة إلى الله وموضع اهتمام القرآن، ذلك لما اشتملت عليه شخصيته الكريمة من الصفات الحميدة والخصال الكريمة أولا، ثم ما قامت عليه دعوته على أهم أهداف الدعوة وضوابطها بأساليب نظرية وعملية، وطرق مجدية نافعة، رسم بها الطريق للدعوة والدعاة، وأمر الله تعالى الأمة بالاقتداء به (سواء كان ذلك في صفاته (الشخصية أو في أساليبه النظرية أو أساليبه العملية، ليتخذوا طريقته نبراسا لهم يسيرون على منوالها، ودروسا يجعلون الدعوة بها مرغوبة محببة. ولقد نوه القرآن الكريم بمواقفه النبيلة الثابتة، وشهد له بعزيمته القوية الصادقة لا سيما مع أبيه في سبيل دعوته إلى توحيد الله تعالى، إلى أن أُلقِي في النار فأكرمه الله برتبة (الخُلّة) ورفع من شأنه أن ضمه في صف أولي العزم من الرسل، صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ومن هنا كان لهذا الموضوع أهمية بالغة وضرورة ملحة. أهمية الدعوة وضرورتها: قال الله (: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا، ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما ((الأحزاب 72، 73) . إن الدعوة إلى الله تعالى تعني تحمل الأمانة التي كلف الإنسان بحملها والعمل بمقتضاها ثم دعوة الناس لها، ولذا كانت من وظائف الأنبياء والمرسلين ومنهاج الصالحين المتقين من عباد الله لأنهم صفوة خلق الله، وهي من أهم ركائز الإيمان وأعظم ركن من أركانه، وأمرها وفضلها وخطرها بمكان معلوم، إذ هي بمنزلة الرأس من الجسد والغذاء للبدن والري للعطشان، بها نشر الملة السمحاء التي تمتاز في منهجها ببيان الحق ونشر الخير والهدى وتحقق السعادة للبشر، وتكشف وسائل الباطل والمنكر وأساليبه الملتوية بشتى الطرق والوسائل. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 175 ولقد اعتنى القرآن الكريم بهذا الركن اعتناء عظيما واهتم به اهتماما بالغا،.فذكره في عدة مواضع منه، تارة بذكر آدابه وأساليبه التي يجب اتباعها ضمانا لنجاحها، كما قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنّ ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ((النحل 125) . وتارة بذكر قصص الأنبياء مع أممهم المخالفة لأمر الله وما حل بها، كقصة موسى (مع فرعون، قال تعالى: (هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربّه بالوادى المقدس طوى اذهب إلى فرعون إنه طغى ((النازاعات 15- 19) . وقال تعالى: (فقولا له قولا لينا لعله يتذكرُ أو يخشى.. ((طه 44) . وأخرى بالحث والترغيب في الدعوة إلى الله، كما قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ... ((يوسف108) . (1) وقال تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا ... ((فصلت 33) . لذا فليعلم الدعاة أن في أعناقهم أمانة عظيمة حملهم الله إياها، وهم مسئولون عنها أمامه ولا يُعذرون حتى ولو كانوا في أحرج ظروف وأضيقها، لا سيما في زمن الماديات الذي ترك الناس فيه الدعوة إلى الله وزهدوا عنها بحب الدنيا وإيثارها عليها، فليؤدوها على وجهها، انقاذا للأمة من الضلال في الدنيا ومن النار في الآخرة وإقامة للحجة عليها: (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ((النساء 165) . في يوم لا يقبل فيه عذر ولا تنفع فيه شفاعة قال تعالى: (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يُستعتبون ((الروم 57) . موضوع البحث:   (1) أحكام القرآن للقرطبي ج6/211، روح المعاني للألوسي ج2/153. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 176 دراسة الآيات التي تحدثت عن منهج إبراهيم (في الدعوة كما عرضه القرآن الكريم من حيث أهميته وضرورته دراسة موضوعية يتبن من خلالها لكل مسلم عظمة الدعوة إلى الله وضرورتها، وما يجب على كل مسلم تجاهها فيجعلها نصب عينيه ويلتزمها في كل شئون حياته العلمية والعملية، حتى تكون همّ حياته ومصدر سعادة إخوانه اقتداء بالخليل (الذي لم يدخر وسعا أو نصيحة أو أهمل سببا في إرشاد أبيه وقومه. أهمية البحث: تظهر أهمية البحث وثمرته من حيث استمداده وموضوعه ومنهجه، ومن حيث تطبيقه وصلته بالمجتمع وحاجته إليه ومدى تحقيقه للأهداف والنتائج والغايات المرجوة من ورائه، وإنّ موضوع (منهج إبراهيم (في الدعوة كما عرضه القرآن الكريم) من أهم الموضوعات التي نحن في أمس الحاجة إليها، لا سيما في زمن فسد فيه معتقد كثير من الناس وتبلبلت أفكارهم تجاه دينهم وشريعتهم، فما حصل أو يحصل من ضعف الوازع الديني أو خروج الناس على أحكام الله أو إهمالهم أوامر الله ونواهيه وتساهلهم في ارتكاب المحرمات إلا بسبب تقصير الدعاة في جانب الدعوة، أو لعدم جدواها لعدم اتباع قواعدها المرسومة وفق شريعة الله تعالى واستلم السفهاء من الناس زمام الغواية، فانتشر الإلحاد والملحدون في المجتمعات البشرية ممن يزعمون العلم والفهم وهم في الحقيقة معاول لهدم الإنسانية وطمس معالم الحق في الناس. الهدف من البحث: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 177 إن التفسير الموضوعي يختلف عن التفسير التحليلي أو الإجمالي، فمن حيث المراجع العلمية فإنه يعتمد بصورة كبيرة على الاستنباط والتلخيص لما في الآيات من المعاني والإرشادات والإشارات والأسرار القرآنية الدقيقة بعد الرجوع إلى التفسير بالمأثور والمعقول، كما يقول الزركشي: (أصل الوقوف على معاني القرآن التدبر والتفكر، واعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقة، ولا يظهر له أسرار العلم من غيب المعرفة وفي قلبه بدعة أو إصرار على ذنب، أو في قلبه كِبر أو هوى أو حب الدنيا أو يكون غير متحقق الإيمان أو ضعيف التحقيق أو معتمدا على قول مفسر ليس عنده إلا علم بظاهر، أو يكون راجعا إلى معقوله، وهذه كلها حُجُب وموانع وبعضها آكد من بعض) (1) ومن حيث المنهج فإنه يعتمد على الموضوعات القرآنية فحسب. ومن حيث التحرير والأسلوب فإن المفسر يحتاج إلى تدبر آيات القرآن الكريم وإلى تعمق فكري لمعاني الذكر الحكيم وتذوق للبيان والأسلوب القرآني الرصين، وإلقاء نظرة عامة على جميع الآيات المجمعة من حيث تأليفها وترتيبها واستنباط العلاقة بينها وربط عناصر الموضوع بعضه ببعض، ثم سبك هذه المعاني في قالب من الحقائق مترابطة متصلة مثل سلسلة الذهب للخروج بنظرية قرآنية جديدة. وهذا يتأتى (إذا كان العبد مُصْغِيا إلى كلام ربّه ملقى السمع وهو شهيد القلب لمعاني صفات مخاطبه ناظرا إلى قدرته تاركا للمعهود من علمه ومعقوله) (2) فإنه يفتح الله عليه أبواب معرفته بحيث يقف على أسرار عظمة كتاب الله تعالى. ويمكن تلخيص بعض أهداف هذه الدراسة في النقاط التالية:   (1) البرّهان في علوم القرآن للزركشي ج2/180. (2) البرّهان في علوم القرآن للزركشي ج2/181. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 178 تحقيق مبدأ النصيحة التي يقوم عليها أساس جلب الخير ودفع الشر عن البشر، والتواصي بالحق وبالصبر امتثالا لقول الله تعالى: (والعصر إن الإنسان لفي خُسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ((العصر) ولقول النبي (: (الدين النصيحة) قال الصحابة: لمن يا رسول الله؟، قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) (1) . جمع ما يتعلق من الآيات بموضوع البحث في مكان واحد، ثم البحث والنظر فيها من زاوية قرآنية محددة، ثم دراستها دراسة موضوعية وافية مركزة منحصرة على ما يتعلق بالموضوع شاملة لجوانبه من حيث بيان ما يتعلق بموضوع (منهج إبراهيم (في الدعوة كما عرضه القرآن الكريم) وضرورته، ومن حيث منهج الآيات في عرض الموضوع، دراسة موضوعية على نمط يغاير نمط الموضوعات العامة، بعيدا عن الإطالة المملة، ثم تفسير الآيات تفسيرا موضوعيا من كتب التفسير بالرواية والدراية، ثم من كتب السنة على أساس وحدة واحدة مترابطة. تأصيل البحث بالقرآن الكريم وبالسنة الصحيحة ومن واقع منهج السلف في الدعوة. إخراج هذا الموضوع- الذي لم يسبق أن كتب فيه حسب علمي- بمنهج التفسير الموضوعي، بأسلوب سهل ميسر، وإيصاله إلى مسامعهم بوضوح تام ليسهل عليهم فهمه وإدراكه ثم السير على نهجه دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وإرشادا ونصحا بالتي هي أحسن. معذرة إلى الله بإقامة حججه ونصب براهينه على الناس وإيقاظهم وتنوير بصائرهم وإقناعهم وتنبيههم من غفلتهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. بيان أهمية موضوع الدعوة إلى الله تعالى لا سيما في زمان تزعزعت فيه العقيدة وتذبذبت الأفكار وترك الناس الدعوة إلى الله زهداً عنها بتقديس المادة وبحب الدنيا وإيثارها عليها. منهج الآيات في عرض الموضوع: إنّ منهج الآيات بمجموعها وحسب تناولها للموضوع دارت على محورين رئيسيين:   (1) صحيح مسلم ج1/74. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 179 المحور الأول: تكلمت عن أساليب دعوة إبراهيم (النظرية. المحور الثاني: تكلمت عن أساليب دعوة إبراهيم (العملية. أما منهجي في عرض الموضوع، فإنني ذكرت الآيات التي تناولت الأساليب النظرية والعلمية في الدعوة وما يتعلق بها، وتفسير الآيات وبيان ما بينها من الصلة والترابط، وذكرت ما فيها من الفوائد والآداب والإرشادات والتوجيهات الربانية الكريمة، مدعما ذلك بالآيات القرآنية وبالأحاديث النبوية الشريفة. خطة البحث: اشتمل البحث على: مقدمة، وفصلين، وستة عشر مطلبا. المقدمة: وفيها بيان فضل الموضوع، أهمية الدعوة وضرورتها، موضوع البحث، أهمية البحث، الهدف من البحث، التعريف بمسمى البحث. الفصل الأول: صفات إبراهيم (وأثرها في الدعوة. ويشتمل على توطئة وأربعة عشر صفة. الفصل الثاني: أساليب إبراهيم (في الدعوة كما عرضها القرآن الكريم. ويشتمل على توطئة ومبحثين وستة عشر مطالبا: المبحث الأول: الأساليب النظرية وتحته أربعة مطالب: المطلب الأول: الاستعطاف، الثاني: أسلوب المناظرة والمحاجة، الثالث: استثارة الخصم، الرابع: المعاريض. المبحث الثاني: أساليب إبراهيم (العملية في الدعوة. ويشتمل على توطئة واثني عشر مطلبا كالتالي: المطلب الأول: القدوة، الثاني: اللين أولا ثم الشدة، الثالث: الابتداء بالأهم، الرابع: الابتداء بالأقربين، الخامس: التحدي، السادس: تحطيم الأصنام، السابع: الهجرة، الثامن: المفاصلة والموادعة، التاسع: المبادرة بامتثال أمر الله ببناء البيت، العاشر: المبادرة بامتثال أمر الله بذبح ابنه، الحادي عشر: الدعاء والتضرع إلى الله، الثاني عشر: دروس وعِبَر عَبْرَ قصة الخليل إبراهيم (. * * * منهج إبراهيم (في الدعوة كما عرضه القرآن الكريم تعريف المنهج: قال ابن فارس: النون والهاء والجيم أصلان متباينان: الأول: النهج الطريق، ونهج لي الأمر: أوضحه، وهو مستقيم المنهاج. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 180 والآخر: الانقطاع وأتانا فلان ينهج إذا أتى مبهورا منقطع النفس … (1) ولعل صلة المعني بهذا الأصل واضحة وهو ما سبق ذكره من حيث بذل الداعية قصارى جهده في إبلاغ الدعوة حتى ينقطع به النفس من شدة البلاغ، وتتفطر قدماه فيبقى مبهورا. من شدة السعي والمسارعة في حضور مجالس القوم ونواديهم وأماكن تجمعاتهم كما كان حال رسل الله. والله أعلم. والمَنْهَجُ والمنهاج: الطريق الواضح، وكذلك النَهْجُ، قال تعالى: (لكلٍ جعلنا منكم شِرْعَةً ومِنْهَاجَا ((المائدة 48) . وأنْهَجَ الطريقُ أي: استبانَ وصار نَهجَا واضحا بَيِّنا، ويقال: فلان يَستَنهِجُ سبيلَ فلان، أي: يسلُكُ مَسلَكَه (2) . فالمنهج: الطريق المستقيم الواضح فى الدين (3) . تعريف الدعوة: الدعوة: مأخوذة من الدعاء، وهو النداء إلى الشيء والحث على قصده، قال تعالى: (والله يدعو إلى دار السلام ((يونس 25) . (4) ، والمراد هو جمع الناس على الخير ودلالتهم على الرشد بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. قال ابن تيمية: الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا، وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، والدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره والدعوة إلى أن يعبد العبد ربّه كأنه يراه (5) . والداعية: هو الذي يدعو إلى الله تعالى على بصيرة. فالمقصود مِن منهج إبراهيم (في الدعوة: هي الطريقة والسبيل الذي اتخذه وسلكه مع أبيه وقومه في دعوتهم إلى ربّه تبارك وتعالى. الفصل الأول:   (1) معجم مقاييس اللغة لابن فارس ج (ن هـ ج) . (2) الصحاح للجوهري ج1/346، المعجم الوسيط لإبراهيم أنيس ورفاقه (957) . (3) أحكام القرآن للقرطبي ج6/211، روح المعاني للألوسي ج2/153. (4) انظر مفردات ألفاظ القرآن للراغب (315، 316) . (5) مجموع فتىًاًوى ابن تيمية ج15/157. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 181 دراسة الآيات المشتملة على صفات إبراهيم (وأثرها في الدعوة الآيات المشتملة على صفات إبراهيم (في الدعوة: قال تعالى: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين، إنّ أولى الناس بِإبراهيم لَلَّذين اتبعوه وهذا النبي والذين ءامنوا والله ولي المؤمنين ((آل عمران 67، 68) . وقال تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا ((النساء 125) ، وقال تعالى: (إنّ إبراهيم لأواه حليم ((التوبة 114) . وقال (: (إنّ إبراهيم لحليم أواه منيب ((هود (75) . وقال (: (إنّ إبراهيم كان أمّةً قانِتَا لله حنيفا، ولم يك من المشركين، شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم، وءاتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لَمِن الصالحين، ثم أوحينا إليك أن اتبع مِلَةَ إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ((النحل 120- 123) . وقال: (: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً، إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمَسَّك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً، قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليّاً، قال سلام عليك سأستغفرلك ربي إنه كان بي حفيّا ((مريم 41-47) . وقال: (: (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ((الأنبياء 57) . وقال: (: (قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ((الأنبياء 68) .وقال: (: (الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين ((الشعراء 78- 80) .وقال: (: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون، فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين، فقربّه إليهم قال ألا تأكلون ((الذاريات 24-27) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 182 الفصل الأول: صفات إبراهيم (وأثرها في الدعوة: توطئة: إنّ الإسلام في حد ذاته منبع نور وهداية للبشرية، يرى وجوبا أن تتم الدعوة إليه من خلال التطبيق الصحيح له قبل الدعوة إليه بالقول، ويقتضي ذلك الالتزام التام به ظاهرا وباطنا، والتمسك به علماً وعملا، والتحلي بصفاته وآدابه تطبيقا واقتداءً، والدعوة إليه بذلا ونصحا، ولا أدل على ذلك من محمد (.وأصحابه الذين ساروا على نهج إبراهيم (مع الأمم كما قال الله تعالى: (إنّ أولى الناس بِإبراهيم لَلَّذين اتبعوه وهذا النبي والذين ءامنوا والله ولي المؤمنين ((آل عمران 68) . إذ إن من أسباب مقت الله وغضبه ومن فشل الداعية ودعوته مخالفة الداعية واقعه ومبدأه ومنهجه، ولا أقرب مثلا من أهل الكتاب ومن سار على نهجهم من أهل هذا الزمان من المنتسبين إلى الإسلام حين خالفوا منهج الخليل إبراهيم (فكذبهم الله في دعواهم، فقال تعالى: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ((آل عمران 67) . وإنما كان (مثالا للهداية والطاعة والشكر والإنابة لله، وإماما يُقتدى به في الخير لاستجماعه خصالها وكمالها، كما قال الله (عنه: (إنّ إبراهيم كان أمّةً قانِتَا لله حنيفا، ولم يك من المشركين، شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم، وءاتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لَمِن الصالحين، ثم أوحينا إليك أن اتبع مِلَّةَ إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ((النحل 120- 123) . هذه الآيات الكريمات حين تصف الخليل إبراهيم (بهذه الصفات الجليلة العظيمة، تتضمن أسرارا قرآنية عظيمة، وانطوى تحتها مباني ثابتة متينة لتشيد للدعاة معالم بارزة يهتدون بها في ظلمات الجهل والجهالات لئلا يضلوا، جدير بنا أن تكون لنا وفقة تأمل وتعقل عند كل صفة منها، وهي أربعة عشر صفة: 1- قال (: (إنّ إبراهيم كان أُمّة (: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 183 صفة صغيرة المبنى كبيرة المعنى قليلة الحروف كثيرة الصروف، صفة جمعت جميع خصال الخير وعناصر الفضيلة وكماله، لأنها من كلام الله لتوفي بالغرض على أتم الوجوه وأبلغها: فهو إمام الخير ومعلمه، كان يوحد الله من بين سائر الناس، وعاملا بما عَلَّمَه الله من الشرائع، كما قال تعالى: (إني جاعلك للناس إماما ((البقرة 124) . (1) فهو كما قال ابن عباس رضى الله عنهما: كان عنده (من الخير ما كان عند أمة وجماعة كثيرة،.فإطلاقها عليه (لاستجماعه كمالات لا تكاد توجد إلا متفرقة في أمة كثيرة، وكل هذه المعاني تنطبق عليه (2) . فهو (خير أهل دينه، جمع من خصال الخير وكمالاتها الحسية والمعنوية ما يعدل بها أمة كاملة،.فهو قد نصب أدلة التوحيد ورفع أعلامها وخفض رايات الشرك، كما قال تعالى: (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ((البقرة 133) . وقال تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وكانوا لنا عابدين ((الأنبياء 73) . أي: قانتين مطيعين خاضعين. 2- قال (: (قانتا لله … (: مطيعا خاضعا قائما بأمر ربّه على الوجه الأكمل والأمثل مؤمنا وحده والناس كلهم كفار، داعية إليه مستجمعا لشروط الكمال في نفسه داعيا إليها غيره، مستقيما على دين ربّه حنيفا غير مشرك مثل قومه (3)   (1) انظر جامع البيان للطبري ج14/190، وأحكام القرآن للقرطبي ج10/197. (2) روح المعاني للألوسي ج5/249. (3) أحكام القرآن للقرطبي ج2/86، 10/197، وفتح القدير للشوكاني ج1/133، 3/202. ويؤيد هذا المعنى ما روي عن ابن مسعود (أنه قال: (يرحم الله معاذا!، كان أمة قانتا، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، إنما ذكر الله عزوجل بهذا إبراهيم (، فقال ابن مسعود: إن الأمة الذي يعلم الناس الخير، وإنّ القانت هو المطيع، وهذا وجه حسن في الآية، لأنه إذا كان يعلم الناس الخير فهو يُؤتم به معاني القرآن ج4/111، والمراجع السابقة. فيستفاد من هذا الحديث: أن كل من اتصف بهذه الصفات التي اتصف بها الخليل إبراهيم (فإنه يشمله هذا الفضل العظيم، وأنه أهل ليكون داعيا إلى الله تعالى. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 184 3- قال (: (حنيفا ولم يك من المشركين … (: أهلا للدعوة إلى الله لاستقامته في نفسه ومقيما غيره على ملة الإسلام استقامة تامة كاملة بعيدا عن الهوى والمطالب النفسية، فهو (لم يمل إلى دين سوى دين الإسلام،.ولم يشرك بالله قط: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ((آل عمران 67) فيه إعلام من الله تعالى لكل من خالف منهج إبراهيم (كائنا من كان قريبا أم بعيدا، بأن إبراهيم (بريء منه وأنهم منه بُرءاء. (1) . حقا إنّ نعمة الاستقامة على التوحيد والسلامة من الشرك ليستوجبان شكر الله تعالى، فإذا مَنّ الله على العبد بنعم وجب عليه شكرها وتوجيهها إلى منعمها 4- قال (: (شاكرا لأنعمه … (: شاكرا شكرا دائما كاملا موصولا مستزيدا غير مودع ولا معرض عما أنعم الله عليه من صغير النعم وكبيرها جديدها وقديمها أولها وآخرها ظاهرها وباطنها: (لئن شكرتم لأزيدنكم ((إبراهيم 7) فكان من آثار ذلك الشكر أن (اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم … . ( ونتيجة جهاده في الله حق جهاده، وقنوته وإخلاصه وشكره لربّه، زاده الله من كل ضروب الخير والفضل والنعم، كما قال تعالى: (وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لَمِنَ الصالحين ((النحل 121، 122) . أي: وهبه حسنات كثيرة عامة شاملة لا تختص بنوع معين حسنات بكل معانيها. فمن هذه الحسنات الموهوبة: الولد الصالح، والثناء الحسن فى الدنيا حتى إن أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه، وأما لسان الصدق والنبوة فلا يوازيهما حسنة، كما قال تعالى حكاية عنه: (رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين ((الشعراء 83، 84) .   (1) جامع البيان للطبري ج14/190، 191، وأحكام القرآن للقرطبي ج2/86، 10/197، 198، وفتح القدير للشوكاني ج1/133، 3/202. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 185 ومن هذه الحسنات الموهوبة: شكر الخليل (نعم ربّه ابتداءً وختاما ظاهرا وباطنا سرا وعلنا، خالصا مخلصا موصولا عدلا خضوعا واستكانة تعبدا ورقا لرب العالمين مولي النعم، غير مشرك في شكره شريكا من الآلهة والأنداد كما يفعل المشركون، سائلا ربّه في أن يوفقه لذكره وشكره وحسن عبادته حتى يكون أهلا لجنته ودار كرامته التي لا لغو فيها ولا تأثيم قائلا: (واجعلني من ورثة جنة النعيم ((الشعراء 85) . (1) نعمة ونعيما وحبرة وقرة عين بما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. المقام مقام دعوة وإرشاد ولا يخلو من استفزازت وانفعالات وتشنجات، وإبراهيم (بشر رسول قد يثور ويغضب على جهالة الجهال وسفاهة السفهاء، والحلم سيد الأخلاق ومن لوازم الدعوة الأناءة والصبر، والتحمل من أصولها. 5- قال (: (إنّ إبراهيم لَحلِيمٌ أواه منيب ( الخليل (أقدر على حزم نفسه وضبط أعصابه، ليصفح عن جهالات الناس ويصبر على أذاهم، فهو لم يعاقب قط إلا في الله ولم ينتصر إلا لله، لأنه طبع على أحب الصفات إلى الله وهي: الحلم وكرم الأخلاق والطمأنينة والتؤدة، فأصبحت من صفاته الخِلْقية والخُلُقية (2) ولكن قد يعجز عنها أصحاب الدعوة، فما أجدر بهم أن يقتدوا بإمام الدعوة والدعاة الخليل (. ومن آثار حلمه: توجعه وتألمه على كفر أبيه وقومه وأذيتهم له، ولم يستعجل لهم بالعقوبة والعذاب على حين أن حالهم يستوجب إحلال العذاب بهم. 6- قال (: (أوّاه … . (:.   (1) انظر جامع البيان للطبري ج14/190- 193، وأحكام القرآن للقرطبي ج2/86، 133، 10/197، 198، وفتح القدير للشوكاني ج1/133، 3/202. (2) وفي هذا يقول النبي (لأشج عبد القيس (: (إنّ فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناءة) .صحيح مسلم ج1/48. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 186 حين يتذكر حرمان أبيه وقومه من نعمة الإيمان ومن نعمة نعيم الجنة، يتذكر عاقبة الذين أساؤوا من قومه السوأى فتذهب نفسه عليهم حسرات، يتوجع على عاقبتهم بدخولهم النار ويتأوه على سماجة رأيهم وسفاهة عقلهم، ولكن لا ينفع الأسى على قوم كافرين، فيطلب من ربّه تبارك وتعالى الصبر والسلوان بكثرة تلاوة كتابه والإنابة والخشوع له، ويبتهل بالدعاء والتضرع إليه سبحانه وتعالى مقرا بالضعف والاستكانة (1) . 7- قال (: (مُنِيب … (: إنابة وافتقار إلى الله تبارك وتعالى من قدوة الدعاة الخليل (في طلب المدد والعون والسداد في كل الشئون، وتفويض لحال قومه إلى الله، فإنه لا غنى للعبد عن مولاه طرفة عين أو أقل من ذلك، لا سيما في أمر الدعوةِ إلى الله. فمهما بلغ تمكن العبد وتمكينه ومهما أعطي من قوة واقدام واستكملت لديه قوام الحياة وعناصر السعادة، فلا يزال الضعف والعجز يلازمه، ومهما بلغ من العلم والفهم والذكاء فإن النقص لا يفارقه، إلا من ركب مركب الصدق وتوجه به إلى الله في مغالبة الصعاب بعزيمة صادقة ونية خالصة: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصِدّقون والشهداء عند ربّهم لهم أجرهم ونورهم ((الحديد 19) . قال (: (إنه كان صديقاً نبياً (: قال الزمخشري أي: (كان جامعا لخصائص الصديقين والأنبياء وبليغا في الصدق) (2) وذكرت هذه الصفة هنا مقترنة مع النبوة لكونه (كما قال الراغب: (صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله ((3)   (1) انظر أحكام القرآن للقرطبي ج8/275. (2) تفسير الكشاف للزمخشري ج3/17. (3) مفردات ألفاظ القرآن للراغب (479) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 187 فلا عجب أن يذكر الله تعالى خليله إبراهيم (في معرض كمال الصدق ونهايته، كما يُفهم من معاني الآية الكريمة حيث عبر بصيغة المبالغة، فقال: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً ((مريم 441) فإنّ الصدق ملاك أمر النبوة ومن لوازم الدعوة ومن أخص صفات الداعية، وقد جعله الله من كمال الإيمان، فقال: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون … . ((الحدديد 19) وجعله من مؤيدات النبوة والرسالة، فقال: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ((الحديد 25) وقال: (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة ((يوسف 108) . (1) وأمر به فقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ((التوبة 119) لأنه مفتاح الخلة وباب الرضى ورَحبَة الثقة والمودة. 9- قال (: (واتخذ الله إبراهيم خليلا … (: منزلة الخُلة منزلة رفيعة عظيمة عالية، وهي والصدق توءمان كل منهما يختبيء في الآخر لينوب عنه، ولم تحصل هذه المرتبة إلا للخليلين: محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام. ولنقف عند هذه الصفة العظيمة لنستشف بعض معانيها الجليلة وأسرارها اللطيفة:   (1) أحكام القرآن للقرطبي ج1/233، 5/272، وفتح القدير للشوكاني ج3/335. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 188 فهو السخي الكريم وهو الذي أحب الله حبا حتى تخلل قلبه بمحبة الله فلم يدع فيه فراغا إلا ملأه بحب الله حتى أحبه الله، فوالى في الله وعادى في الله،.روي أنه لما رمي فى النار بالمنجنيق وصار في الهواء، أتاه جبريل (فقال: ألك حاجة؟، قال: أما إليك فلا، فَخُلَّةُ الله لإبراهيم (: نصرته إياه (1) . فلما تأتي النتائج مرضية والعواقب حميدة، فتجيش رحمة الله على عباده بالإنعام والتفضل والاكرام، فإبراهيم (يحوز عمله القبول وجهاده الرضى، فيفيض المولى عليه بِخِلع الرحمة والرضوان والقبول، قال تعالى: (وناديناه أن يا إيراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين ((الصافات 104، 105) فيمنح الجليل الجزيل: فيتخذ إبراهيم خليلا. 10- (السخاء والكرم) : قال تعالى: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون، فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين ... ((الذاريات 24- 27) .   (1) جامع البيان للطبري ج17/45، وذكره القرطبي في أحكامه ج5/400. قال (: (اتخذ الله إبراهيم خليلا: لإطعامه الطعام، وإفشائه السلام، وصلاته بالليل والناس نيام) ذكره القرطبي في أحكامه ج5/401. وفي الحديث: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالِل) أخرجه أبو داود في سننه ج4/259، والترمذي في جامعه ج7/49، قال المنذري: وقد ضعفه بعضهم ورجح بعضهم إرساله مختصر سنن أبي داود ج7/186، وصححه النووي. في رياض الصالحين ج1/287. وانظر تفسير الطبري ج5/297، 17/45، أحكام القرآن للقرطبي ج5/400، 401، 9/64- 68، 11/303، 17/44، 45، وفتح القدير للشوكاني ج1/519، 5/87، تفسير ابن كثير ج4/235، روح المعاني للألوسي ج9/11، في ظلال القرآن لسيد قطب ج6/3382. والمنجنيق: آلة قديمة من آلات الحِصار، كان يرمى بها الحجارة الثقيلة عن بعد على الأسوار فتهدمها المعجم الوسيط (855) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 189 الضيافة من مكارم الأخلاق ومِن آداب الإسلام، ومِن خُلق النبيين والمرسلين وعباد الله الصالحين، وهي كرم وبذل حفاوة وتكريم، تستمال بها النفوس وتجتذب وتعطف بها القلوب وتؤلف، والدعوة كذلك بذل للمعروف لين في الكلام سخاء في الأخلاق، والضيف عزيز كريم. ولذا كان إكرام بعض الناس فى العطاء سببا في إسلامهم، كما روي عن أنس (أن رجلا سأل النبي (غنما بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال: أي قوم! أسلموا فوالله إنّ محمدا ليعطي عطاءً من لا يخاف الفقر، فقال أنس: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها (1) واعطى يوم حنين صفوان بن أمية (مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة، فقال صفوان: والله لقد أعطاني رسول الله (ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يُعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ (2) . وقفة لا بد منها: يجب أن يعلم الداعية أن يكون عطاؤه ومنعه لله تعالى فحسب، لا فرق في ذلك بين القريب والبعيد والعدو والصديق (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ((النساء 135) . ولا بد أن يكون في حسبانه بأن المال مدعاة للمؤاثرة إن لم يراقب الله فيه، أسوة برسول الله (لا يريد من وراء ذلك جزاء ولا شكورا، فلا يهمه إرضاء قريب أويزعجه غضب صديق أو يثيره شر من أحسن إليه، فلا بد من الصبر والتحمل في ذات الله تعالى ليتحقق المنع والعطاء لله وحده. 11- (الصبر والتحمل) : إنّ الصبر والتحمل لمن أبرز صفات الداعية وأوجبها ومن أصول منهج الدعوة وأسسها وآدابها،، فمن فقد الصبر فقد الدعوة، فلا يكمل الداعية ولا تتم الدعوة بدون صبر واصطبار.   (1) صحيح مسلم ج4/1806. (2) صحيح مسلم ج4/1806. وانظر أحكام القرآن للقرطبي ج9/64، 68، 17/44، 45، روح المعاني للألوسي ج5/250، 9/11، في ظلال القرآن لسيد قطب ج6/3382. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 190 وأَمَرّ الصبر وأشده صبر عباد الله المخلصين على حقوق الله وحدوده حين يعتدى عليها. لقد ناظر إبراهيم (قومه في بطلان أمر آلهتهم وألزمهم الحجة وعجزوا عن الجواب، ولكن نظراً لمكانة الآلهة وعظيم شأنها عندهم، ونظراً إلى كبير ما ارتكبه إبراهيم (في حق آلهتهم في نظرهم قالوا: (حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ((الأنبياء 68) . شعور بالعجز والضعف أمام الحق، وتلك سمة الطغاة قديماً وحديثاً، فالذي يتعدى على الآلهة يعاقب بأفظع العقاب وأشده وهو النار. ذكر ابن كثير عن بعض السلف أنه عرض لإبراهيم (جبريل وهو في الهواء فقال: ألك حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا وأمَّا إلى الله فبلى، وروي أنه قال: (اللهم! أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس أحد يعبدك غيري، حسبى الله ونعم الوكيل) ، وفي رواية قال: (لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ((1) وهنا تتجلى شخصية إبراهيم (المطبوعة على الحلم والصفح والصبر والتحمل، فإن القوم لم يتركوا باباً من الأذية والتعذيب إلا طرقوه، ولكنه (لم يغضب فيفقد برّه وأدبه مع أبيه، ولم يَدْعُ على قومه بالهلاك مع استحقاقهم لذلك، ولكن فوض أمرهم وأمره إلى الله تعالى. 12- (توكله على الله) : لا حول ولا قوة للعبد مطلقاً لا سيما فيما لا يقدر عليه غير الله، من: الهداية والإيمان والرزق والنفع والحياة السعيدة، ويتجلى هذا الخلق النبيل في حياة إبراهيم (حينما يفوض أمر دفع ضّر المرض وجلب نفع الشفاء وأمر الرزق والمعاش وأمر الحياة والأجل والعمر إلى ربّه سبحانه بقوله: (الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين ((الشعراء 78- 80) .   (1) تفسير ابن كثير ج3/184. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 191 يقف سيد قطب تحت ظلال هذه الآيات فتتجلى له أسرارها فيستنبط: بما لأجله يصف الخليل (ربّه تبارك وتعالى في هذه الآيات وبما لأجله يفتقر الخلق إليه سبحانه، وبما لأجله يستحق العبادة من عباده، (الذي خلقني فهو يهدين (أنشأني من حيث يعلم ولا أعلم فهو أعلم بحقيقتي وتكويني، وحالي ومآلي، ويرشدني وحده إلى كل ما يهمني ويصلحني من أمور مصالح الدين والدنيا والمعاش والمعاد، هداية متصلة من حين نفخ الروح إلى منتهى أجلي، {والذي هو يطعمني ويسقين} فهو الكفيل بأمر الرزق وهو الذي يطعم ويسقي اختصاصاً وملكاً ولا أحد سواه، (وإذا مرضت فهو يشفين (أدب مع الله فلا ينسب مرضه إلى ربّه وهو يعلم أنه بمشيئة ربّه يمرض ويصح، ولكنه يذكر ربّه في مقام الإنعام والإفضال، ولا يذكره في مقام الابتلاء والامتحان (والذي يميتني ثم يحيين (وكان قومه ينسبون الموت إلى الأسباب، إنه التوكل والاستسلام المطلق الشامل واليقين الكامل من قلب قوي قد امتلأ صدقاً وطمأنينة وثقة بالله (1) . وإن من آثار توكله على ربّه المحض قوله حين عرض له جبريل قائلاً: ألك حاجة؟ إن لحظات الكَربِ والمصيبةِ لحَظَاتٌ عصيبَةٌ، ومِنْ شأنِ المكروب افتراص لحظات الفرج، لكن الخليل (لعظيم إيمانه وثقته بربّه كان جوابه من فوره دون تردد أو تفكير أو تريث: (أمّا إليك فلا) . فكانت نتيجة هذا التوجه العظيم إلى الله في أشد حالات الكرب والشدة: (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم (. (الأنبياء 69) .وتَضَامَن الأب مع القوم: (وأرادوا به كيداً (. (الأنبياء 70) . ومع ذلك لم يفقد برّه بأبيه وعطفه على قومه حتى في أحرج الظروف: (فجعلناهم الأخسرين ((الأنبياء 70) . 13- (برّه بأبيه) :   (1) انظر في ظلال القرآن لسيد قطب ج5/2603. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 192 بر الوالدين حق ثابت واجب مطلقاً لا يسقط حتى في حال كفرهما، قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ((النساء 36) وفيه ترويض للنفس على اكتساب الأخلاق الحميدة وتطبيع النفس على تحمل المضايقات ومشاق الدعوة، ففيه ما في الدعوة من المشقة والعناء، قال تعالى: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً، إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمَسَّك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً، قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليّاً، قال سلام عليك سأستغفرلك ربي إنه كان بي حفيّا ((مريم 42- 45) . يظهر لنا من خلال هذه الصورة كمال برّ إبراهيم (وحلمه، في ألفاظه وتعبيراته وفي تصرفاته في مواجهة قسوة أبيه، حين يخاطبه بألفاظ تُنبيء عن غاية الشفقة والعطف والبر والتعظيم، كما هو شأن الأبوة وحقها الواجب على الأبناء، ليهديه إلى الخير الذي هداه الله إليه، فيقول: (يا أبت ... يا أبت (. إلا أن هذه الدعوة بأحبّ الألفاظ وأرقّها لا تجد منفذاً إلى القلب القاسي، بل تقابل بالاستنكار والتهديد بألفاظ شديدة اللهجة: (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليّاً (ابتعد عنى سالما، إنذار لك بأشد العقوبات وبالموت الشنيع الفظيع إن أنت أصررت على هذا الموقف. فيظل الرضّي الحليم حليماً ليكون قدوة حسنة ومثالاً يحتذى به في البرّ والدعوة، مجانبا لأسباب الغضب غير جبان أو خائف فيلين جانبه للتهديدات، هكذا الداعية وهكذا تكون الدعوة مقرونة بالشجاعة (1) . 14- (الشجاعه) :   (1) انظر تفسير ابن كثير ج3/123. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 193 إن الشجاعة للرجال من أوصاف الكمال والجمال لا سيما الأنبياء والرسل منهم، وإن تغيير المنكر يحتاج إلى قوة وشجاعة وثبات ولربما لحق الداعية من الضرر والأذى إذا كان الخصم جباراً غشوماً ظلوما، فإذا ما وقف العناد والمكابرة في وجه الحِيَلِ والطرق المؤدية إلى بيان الحق فلا مفر من إثبات الحق وإعلائه ولا محيد عن إبطال الباطل ودحضه وإلزام الخصم وإفحامه. فلما تبين آخر المطاف رفض قوم إبراهيم (قبول الحق، قارعهم وأعلن الحرب عليهم ونازلهم، فلم يهب من الطغاة الجبابرة بطشهم وجبروتهم في إبلاغ دين الله، بل أعلن بكل شجاعة وإقدام وقوة وبسالة، مُوطنا نفسه على مقاساة المكاره للذب عن دين الله، غير مبالٍ بنفسه قائلا: (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ((الأنبياء 57) . هذه بعض صفات الخليل إبراهيم (التي كان لها الأثر البالغ في الدعوة إلى الله تعالى. وكل صفة من هذه الصفات لها مغزى ومعنى عميق، يجب على الداعية تدبرّها والوقوف عندها واستنباط ما فيها من عبر وعظات ونصائح وإرشادات، حتى يعرف مكانه من الدعوة. ومكان الدعوة منه، والله أعلم. الفصل الثاني: أساليب إبراهيم (في الدعوة كما عرضها القرآن الكريم المبحث الأول: دراسة الآيات المشتملة على أساليب إبراهيم (النظرية في الدعوة الآيات المشتملة على أساليب إبراهيم (النظرية في الدعوة: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 194 قال تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدى القوم الظالمين ((البقرة 258) . وقال تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة، إني أراك وقومك في ضلال مبين، وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين، فلما جنَّ عليه الليل رأىكوكباً قال هذا ربي، فلما أفل قال لا أحب الآفلين، فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون، وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون، الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون، وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إنّ ربك حكيم عليم ((سورة الأنعام 74- 83) . وقال تعالى: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمَسَّك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً، قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليّاً، قال سلام عليك سأستغفرلك ربي إنه كان بي حفيّا ((سورة مريم 42- 45) . وقال تعالى: (فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون، قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا الجزء: 14 ¦ الصفحة: 195 فتى يذكرهم يقال لله إبراهيم قالوا فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون، قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم، قال بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون، فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم أُفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون؟ (. (الأنبياء 62، 63) . وقال تعالى: (فنظر نظرة في النجوم، فقال إني سقيم (. (الصفات 88، 89) . الفصل الثاني: (أساليب إبراهيم (النظرية والعملية في الدعوة) المراد بالأساليب هي الفنون والطرق المختلفة التي يسلكها الداعية حسب التيسير والنفع، والمقصود بها هنا: الفنون والطرق التي سلكها إبراهيم (فى الدعوة إلى الله تعالى (1) . وتحته مبحثان: المبحث الأول: الأساليب النظرية: والمقصود بالأساليب النظرية: هي الفنون أو الطرق التي تخضع للدراسة والتلقي والتعليم والبحث والتأمل المجرد عن التطبيق والتجارب العملية ووسائلها. وتحته أربعة مطالب: المطلب الأول: (الاستعطاف) الاستعطاف هو العطف واستمالة القلب، قال الراغب: هو الميل والشفقة، يقال: عطف عليه وثَناهُ عاطِفَةُ رَحِمٍ (2) .   (1) مفردات الراغب (419) والصحاح للجوهري ج1/149، المعجم الوسيط (441) . (2) مفردات الراغب (572) ، وانظر الصحاح للجوهري ج4/1405. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 196 ويأتي الاستعطاف في طليعة الأساليب النظرية لأنه مطلب أساسي مهم في معاملة الناس لكي يتقبلوا ما يقال لهم وهو قرين اللين، فقد يتغافل الداعية عنه حينما يغوص في أعماق الدعوة ويأخذه شيء من الحماسة والانفعال والغضب لله ولرسوله (، فلا يقبح ولا يجهل ولا ينتقص ولا يتعالى، وليكن الخليل (قدوته حينما تأدب مع أبيه- على حين صدر من أبيه ما صدر- بقوله: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك ((مريم42، 43) . فلم يصفه بالجهل وإن كان هو كذلك، ولم يصف نفسه بالعلم الفائق وإن كان هو كذلك. وإن من معاني الاستعطاف تذكير العبد بفضل المنعم المتفضل حتى يصرف شكره له لا لغيره، كما نهى الخليل (أباه عما هو عليه من الضلال والغواية، وذكره بفضل الله عليه فقال: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمَسَّك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً (. (مريم 44، 45) . ولذا عُدّ الاستعطاف من صفات الداعية الناجح الذي كثيرا ما يجذب القلوب الشاردة ويؤلف القلوب النافرة ويأتي بالخير بدلا من الزجر والتأنيب والتوبيخ، فإن قانون الدعوة ليس منحصرا في شخصية معينة وإنما هو علم ومعرفة وهداية وفيض رباني، فيقول: (فاتبعني أهدك صراطا سويا (. (مريم 43) فلا غضاضة في أن يتبع الوالد ولده إذا كان على نور وهداية من الله وعلى اتصال بالله. وهذا ما يجب التنبيه به على الداعية أسوة بالخليل (الذي لم يغب عن باله مبدأ الاستعطاف فلم يفقد برّه بأبيه فيغلظ له في القول ولم يغضب فيتجاوز حدود التوقير، مع ما لقي من الاستنكار والوعيد بأشد العقوبات: (قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليّاً ((مريم 46) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 197 ولا يكن الاستعطاف كافيا أو الاستنكار والوعيد مانعا من مواصلة الجهد، كما أن الخليل (مع إعراض أبيه وغلظته لم يقطع أمله ولم يقلل من وعظه ونصائحه حتى في ثنايا تخويفه بل قال: (سلام عليك سأستغفرلك ربي إنه كان بي حفيّا (قلبه ليهديه إلى الخير الذي هداه الله إليه، فخاطبه بألفاظ مفعمة بالتبجيل والتعظيم: (يا أبت..يا أبت (. (1) . المطلب الثاني: (أسلوب المناظرة والمحاجة) المناظرة والمحاجة كما يقول السيد الجرجاني: "قريبتا المعنى، وهي: النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهاراً للصواب" (2) . قال القرطبي: "دلت الآيات على إثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة، وفي القرآن والسنة من هذا كثير لمن تأمله، فهو كله تعليم من الله السؤال والجواب والمجادلة في الدين، لأنه لا يظهر الفرق بين الحق والباطل إلا بظهور حجة الحق ودحض حجة الباطل، وجادل النبي (أهل الكتاب وباهلهم (3) ، وتجادل أصحاب النبي (يوم السقيفة وتدافعوا وتناظروا حتى ظهر الحق وصدر ونفذ في أهله وغير ذلك، فالاحتجاج بالعلم والأدلة مباح وشائع. قال تعالى: (فَلِمَ تُحاجّون فيما ليس لكم به عِلْم ((آل عمران 66) ". (4) . وأمر الله تعالى نبيه (أن يجادل بما أوحى إليه، فقال: (فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ((الكهف 22) . يقصد به إظهار الحق والوصول إلى الصواب، فإذا ظهر الحق وتبين وجه الصواب وجب قبوله.   (1) أحكام القرآن للقرطبي ج11/111، فتح القدير للشوكاني ج3/336، روح المعاني للألوسي ج6/96، في ظلال القرآن ج4/2312. (2) التعريفات للجرجاني (207) . (3) المباهلة والابتهال: هو الاجتهاد والتضرع في الدعاء باللعن، وذلك أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا. معاني القرآن للنحاس ج1/415، وانظر أحكام القرآن للقرطبي ج4/104. (4) انظر: أحكام القرآن للقرطبي ج3/286. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 198 أما اتباع الهوى ومغالبة الخصم أو حب الظهور، فمكابرة وتعنت وبطر للحق وسبب لغضب الله، كاليهود حين عرفوا الحق فأنكروه فغضب الله عليهم ولعنهم، وكقوم إبراهيم (حين ناظرهم وحاجهم ولكن لم يكن منهم إلا العناد والتعنت والمكابرة، كما قال تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدى القوم الظالمين ((البقرة 258) . يذكر القرآن الكريم لنا مناظرتين ومحاجتين جرتا بين الخليل إبراهيم (وبين قومه: فالأولى: دارت مع ذلك العنيد نمرود، لإثبات قدرة الله وتصرفه المطلق فى الملك والملكوت، بأسلوب يتسم بالرفق واللين والتحاور المثمر، لغرض عرضها على النبي (وعلى المسلمين في أسلوب التعجب لبيان حال هذا الكافر الذي (آتاه الله الملك (فبطر وكفر وأورثته النعم الكبر والعتو، فوضع هذه المحاجة القبيحة موضع ما يجب عليه من الشكر، وادعى لنفسه ما هو من اختصاص الرب. وقد احتج إبراهيم (على نمرود بظاهرتين متكررتين في كل لحظة، وبألصق شيء لحس الإنسان، وهما في الوقت نفسه من الأمور التي لا يقدر عليها غير الله تعالى، ومن الأسرار التي خفيت على العقل إدراك حقيقتها، ذلك لأنه لا سبيل إلى معرفة الله تعالى إلا بواسطة أفعاله التي لا يشاركه فيها أحد، ومن ثَمّ عرّف إبراهيم ربّه بالصفة التي لا يمكن أن يشاركه فيها أحد ولا يمكن أن يزعمها أحد وهو بربوبية الله تعالى، فقال: (ربي الذي يحيي ويميت (. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 199 لكن الطاغية فزع إلى وجه آخر مغالطاً نفسه ومموهاً به على قومه، فنسب ما هو من اختصاص الله لنفسه بقوله: (أنا أحيي وأميت (وعنى بذلك أنا أقتل من أردت قتله فيكون ذلك مني اتلافاً له، وأستحيي من أردت قتله فلا أقتله فيكون ذلك مني إحياءً له، على حدّ ما تعارفوا عليه، كما حكى الله بقوله: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ((المائدة 32) . (1) . فسلم له إبراهيم (تسليم الجدل، وانتقل معه إلى الاحتجاج بسنة ظاهرة مرئية ليفحمه، فقال له: (إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب (لكون هذه الحجة لا تجري فيها المغالطة ولا يتيسر له أن يخرج عنها بمخرج المكابرة والمشاغبة، (فبهت الذي كفر (فانقطع وبطلت حجته وسكت متحيراً (2) .   (1) قال القرطبي: ذكر الأصوليون في هذه الآية أن إبراهيم (لما وصف ربّه تعالى بما هو صفة له من الإحياء والإماتة لكنه أَمْرٌ له حقيقة ومجاز، قصد إبراهيم إلى الحقيقة، وفزع نمروذ إلى المجاز. أحكامه ج3/ 283- 286، وانظر تفسير الطبري ج3/23، ومفردات الراغب (269) روح المعاني للألوسي ج3/15، في ظلال القرآن ج1/297. (2) يقال: بَهُتَ وبَهِتَ وبُهِتَ: إذا انقطع وسكت متحيراً، وبُهِت يُبْهَت بَهْتاً، ويقال: بهتُّ الرجلَ إذا افتريت عليه كذباً. وقُريء: (فَبَهَتَ (بفتحهما يعني: سب وقذف نمروذ إبراهيم (حين انقطع وفقد الحيلة كشأن المغلوب المخذول، وكونه وُصِف بصفة الكفر للتسجيل عليه، والإشعار بأن تلك المحاجة كُفْرٌ. أحكام القرآن للقرطبي ج3/286.وانظر: تفسير الطبري ج3/25. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 200 فألهم الله الخليل (الحجة بتوفيقه كما قال: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ((الأنعام 83) . (1) أما نمروذ فلم يجد ما يتعلل به أو يعتذر وخشي الفضيحة، فأظهر لأعوانه وجلسائه أن هذا إنسان مجنون يجب أن يخرج من مجلسه، فمن جنونه أنه كسر الأصنام وأن النار لم تحرقه، فتحقق فيه قول الله: (والله لا يهدى القوم الظالمين (فلم يمكنه أن يقول: أنا الآتي بها من المشرق؛ لأن ذوي الألباب يكذِّبونه (2) . أما الثانية: فقد دارت مع أبيه وقومه ليثبت لهم الألوهية والربوبية المطلقتين لله تعالى- وقد حصل شيء من الإيقان بوجود الله- فأُعْلِموا بالأدلة القاطعة ببطلان هذه الآلهة وأُخْبِروا بوجوب وجود الإله الحق. فأخبرهم من جهة أنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهاً بغير حجة ولا برهان: (أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً (. (الأنعام 81) . لأنه المحيط بكل الكائنات علماً فقام الدليل على أنه الرب: (وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون (. (الأنعام 80) ولأن كل ما في الكون طائع له فقام الدليل أنه الإله الحق قال تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير ((لقمان 30) .   (1) كما فعل فرعون مع موسى (عندما حاجه، فقال فرعون: (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون (الشعراء (27) . (2) تفسير الطبري ج3/25، أحكام القرآن للقرطبي ج3/286. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 201 فاستفتح الخليل (محاجته بأسلوب يتسم بشيء من الشدة والتوبيخ والاستنكار، مشعراً بأن قضية العقيدة فوق روابط الأبوة والبنوة وفوق مشاعر الحلم والسماحة والمجاملة: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين، وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين … (. (الأنعام 74، 75) ففي مضمون هذه الآيات إشارة إلى فضيلة صفاء الفطرة التي أخبرنا عنها (عن ربّه تبارك وتعالى: (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم- أي: استَخَفّوهم فذهبوا بهم في الباطل- وحَرّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرَتْهُم أن يشركوا بِى ما لم أنزل به سلطاناً) الحديث (1) . يستدل إبراهيم (على إثبات ألوهية الله تعالى وربوبيته من خلال ثلاث صفات: (البقاء والدوام والعظمة) مستدلاً على ذلك بأقرب شيء إلى الأنظار يُشاهَد على الدوام. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في محاجة الخليل (: (فلما جنَّ عليه الليل رأىكوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الأفلين، فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون … (. (الأنعام 76- 78) (2) فمن ذا يَرْعى أو يدبر أمر الكون إذا كان الرب يغيب؟ ومثل هذا الكواكب إذا كانت بنورها وبزوغها وضخامتها وعلوها ... فكيف بالأصنام.؟ فقام الدليل على وجوب بطلان هذه الآلهة. (3) .   (1) صحيح مسلم ج4/2197) .وانظر روح المعاني للألوسي ج3/198. (2) بازغة (طالعة، يقال: بَزَغَ يَبْزُغ بزوغا إذا طلع، وأفل يأفِلُ أفولا إذا غاب. أحكام القرآن للقرطبي ج7/27، المعجم الوسيط (54) . (3) أحكام القرآن للقرطبي ج7/26، تفسير ابن كثير ج2/151، 152 الجزء: 14 ¦ الصفحة: 202 فصدع الخليل (بالحق وأشعرهم بالعجز والاستعانة والافتقار إلى الله للهداية إلى سواء السبيل بقوله: (لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ((الأنعام 77) . وبقوله: (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين (. (الأنعام 79) . ذكر الألوسي أن السر في استدلال إبراهيم (بالنجوم أن القوم كانوا منجمين- والاحتجاج عليهم من واقع معرفتهم وإدراكهم أقوى إلزاما للحجة- وإنما كان يناظرهم على طريقتهم ليبين لهم أن النجوم تقوى وتضعف حسب وقت مطلعها وأفولها، فنبه بهذه الدقيقة على أن الإله هو الذي لا تتغير قدرته إلى العجز وكماله إلى النقصان، والكواكب باستحالتها إلى القوة تارة والضعف أخرى ناقصة التأثير عاجزة التدبير، مسخرة لا تملك لنفسها تصرفاً ومثل هذه لا تصلح للإلهية (1) .   (1) انظر روح المعاني للألوسي ج3 /203. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 203 لكن الأمر انعكس لانتكاس عقولهم فلجئوا إلى الدفاع عن الآلهة بالتهديد والتخويف من بطشها: (وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون، وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون.. ((الأنعام 80، 81) .حيث يستحقوا أن يتوجوا بتاج العز والكرامة الإلهية، لأنهم: (الذين آمنوا ولم يَلْبِسُوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ((الأنعام 82) . (1) في الدنيا بالهداية والتوفيق للحجج والبراهين، وفي الآخرة: (لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ((الأنبياء 103) . وختاماً يمتنُّ الله على الخليل (بمنّةِ العون غلى الدعوة وعلى غيرها فيقول: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إنّ ربك حكيم عليم ((الأنعام 83) . فعندما تصدق النية ويخلص الإخلاص يأتي التأييد الرباني والإلهام الإلهي ليفتح للعبد أنواع أبواب الدعوة وطرائقها. المطلب الثالث: (استثارة الخصم)   (1) روى الشيخان وغيرهما عن عبد الله (قال: لما نزلت {الذين آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهم بِظُلم} شق ذلك على أصحاب رسول الله (، وقالوا: أيّنا لا يظلم نفسه؟، قال رسول الله (: (ليس هو كما تظنون،.إنما هو كما قال لقمان لابنه) : (يا بُنَيّ لا تُشْرِك بِالله إِنّ الشّركَ لَظُلمٌ عَظِيم (. (لقمان 13) . صحيح البخاري ج1/87، 6/389، 8/294، ومسلم ج1/114، جامع البيان للطبري ج5/254. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 204 سدت أبواب المخارجة في وجه القوم فلجأ إبراهيم (وهو يبصرهم بطريق الحق- شأن الداعية الحكيم - إلى استثارتهم واستفزازهم ليستيقظوا لمناقشته ومناظرته مرة بعد مرة حتى تتضح القضية الملتبسة التي من أجلها ثار الجدال والنزاع، كما فعل موسى (مع فرعون عندما ذكّره بربوبية الله بقوله: (وأهديك إلى ربك فتخشى ((النازعات 19) . ليظهر ما يجول في الخاطر من حق أو باطل: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها ((الأنعام 104) . فأثارهم أولا عمليّاً ليراجعوا أنفسهم فحطم أصنامهم: (فجعلهم جذاذاً إلا كبيرا لهم ((الأنبياء 58) خَلْقاً ومنزلة، وعلق الفأس في عنقه أو جعله في يده ليحتج به عليهم فيبكتهم كيف تقع هذه الفاجعة وكبير الآلهة حاضر فلم يدفع عن صغار الآلهة؟ أو كما قال ابن كثير: "ليعتقدوا أنه هو الذي غار لنفسه وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار فكسرها" (1) لأن من شأن المعبود أن يُرْجَع إليه في المهمات والملمات، (لعلهم إليه يرجعون ((الأنعام 58) . ولكنهم إذا رجعوا إليه لم يجدوا عنده خبرا. فبدلا من مراجعة أنفسهم، إذا هم يبحثون عمن كسرها وفتك بها هذا الفتك المؤلم قائلين: (من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ((الأنبياء 59- 61) . فلا زالوا مصرين على أنها آلهة وهي جذاذٌ. ثم أثارهم ثانية نظرياً، فاستفزهم بالكلام وقهرهم، فاستولى عليهم الغضب وظهرت فيهم بوادر الانتقام فقالوا: (ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ ((الأنبياء 62) .   (1) تفسير ابن كثير ج3/182. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 205 فقابل إبراهيم (هذا الغضب بالتهكم والتعريض ليزيد من ثورتهم، فيقيم الدليل عليهم على أكمل وجه ويقطع كل شبهة وحجة، فرد عليهم بالججة المسكتة المفحمة: (بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ((الأنبياء 63- 65) . فكيف تعبدون من يعجز عن النطق؟، فازدادوا خيبة وقهراً (1) . ثم أثارهم ثالثاً ببيان زيف مبدئهم فسفه أحلامهم وسب آلهتم، لعله في ذلك يكون واعظاً، فختم عليهم بهذه الخاتمة قائلاً: (أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم أُفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون (. (الأنبياء 66، 67) . المطلب الرابع: (المعاريض) المعاريض: حمع معراض، من التعريض، وهو خلاف التصريح من القول، وهو التورية بالشيء عن الشيء. قال الراغب: "هو كلام له وجهان مِن صدق وكذب، أو ظاهر وباطن، فيقصد قائله الباطن ويظهر إرادة الظاهر، قال تعالى: (ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به مِن خِطْبَة النساء ((البقرة 235) . (2) . لكن محل الجواز فيما يخلص من الظلم أو يحصل على الحق، أما في إبطال الحق أو عكسه فلا يجوز. (3) .   (1) تفسير الطبري ج17/40، تفسير ابن كثير ج3/183، روح المعاني للألوسي ج6/64، في ظلال القرآن لسيد قطب ج4/2386. (2) مفردات الراغب (560) وانظر الصحاح للجوهري ج3/1087، الفتح ج12/175. (3) عمدة القاري ج22/218، وانظر الفتح ج10/594، 595. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 206 وفي المعاريض من السعة ما يستغني بها الداعية عن الاضطرار إلى الكذب، ولا ضير في ذلك، ومن هذا ما ورد في سيرة الحبيب المصطفى ((1) وهذا من أساليب الدعوة إلى الله، ذلك لما يعايش الداعية من الموانع والمضايقات وما يواجه من الصعاب والعقبات والمواقف الحرجة، فكان لا بد له من سلاح يُقَدّر به للمواقف بما يناسبها، للخروج من المآزق إبقاء على نفسه واستمرارا للدعوة لئلا يمسها مساس أهل الفوضى والريب، وقطعا لألسنة المنافقين الذين يثيرون الشكوك والجدل والأكاذيب لتشويه صورتها، فلا بد للمسلم إن ضاقت به ضائقة أن يكون حكيما في تصرفاته فَطِنَا لَبِقاً لطيفاً يعرف المداخل والمخارج دون أن يلجأ إلى الكذب أو يحرج نفسه بإخباره خلاف الواقع.   (1) فقد روي أنه إذا أراد سفرا لغزوة وَرَّى بغيرها، ومثله قوله (لمن قال له في طريق الهجرة: ممن الرجل؟، (من ماء) ، حيث أراد (ذكر مبدأ خلقه، ومثله أيضا قول الصديق (حينما سئل عن النبي (فقال: هو هاد يهديني، وغير هذا كثير والله أعلم. صحيح البخاري ج6/112، وروح المعاني للألوسي ج7/101. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 207 لكن الخليل إبراهيم (عندما يختار أسلوب التورية والتعريض كما حكى الله تعالى عنه بقوله: (قال بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون ((الأنبياء 63) . وبقوله تعالى: (فنظر نظرة في النجوم، فقال إني سقيم ((الصافات 88، 89) فليس ذلك خوفا على نفسه وإنما هو ضمان لاستمرارية الدعوة وقطع شبههم وإقامة الدليل عليهم بإلزامهم الحجة تبكيتا لهم، وتنبيها على فساد اعتقادهم بإثارتهم وإيقاظهم من غفلتهم، ليحملهم على التأمل في شأن آلهتهم، رجاء الهداية والوصول إلى الحق، إذ أن شأن الآلهة عند القوم أعلى من حال أنفسهم، فكيف تغفل النجوم عن إخبارهم عما سيحصل للآلهة من الفتك، فأوهمهم (أنه تفكر في أحوالها من حيث الاتصال والتقابل الذي يدل- بزعمهم- على الحوادث وما يترتب عليها، فأثبت لهم (بطلان تأثير النجوم في هذا الكون كلياً، بالتالي ثبت عجز الآلهة رأسا (1) . فأخرج قوله: (إني سقيم (مخرج التعريض بما يوقعهم في الحيرة والاعتراف ببطلان ألوهية الجمادا وأن نظرتهم في أمر النجوم فاسدة، وأن من لا يملك التحكم في نفسه فهو أعجز من أن يتحكم في غيره، ليبطل بذلك مزاعمهم فأوهمهم من تلك الجهة لِيلقَمُوا حجرا. (2)   (1) وانظر جامع البيان للطبري ج17/40، أحكام القرآن للقرطبي ج11/299، روح المعاني للألوسي ج6/64، في ظلال القرآن لسيد قطب ج4/2386. واستنبط بعض الفضلاء من جوابه (: (بل فعله كبيرهم هذا (أنه أشار إلى الصنم الأكبر، وورى بإبهامه الذي قبض به على الفأس، إذ لولاه لما استطاع القبض على الفأس، لأن اليد بدونه ضعيفة النفع. (2) أحكام القرآن للقرطبي ج15/92، وتفسير ابن كثير ج4/13، فتح القدير للشوكاني ج4/401. ولقد صدق (فإن الإنسان يعتريه السقم في المستقبل، أو أنه قد فسد مزاجه وتغير حاله فإنه عرضة للسقم الآن، أو أراد أنه سقيم القلب لما رأى من كفر قومه بالله، لأن هذا مما يؤدي إلى سقم القلب والروح والفكر. ... وعن أبي هريرة (أن رسول الله (قال: (لم يكذب إبراهيم النبي (قط إلا ثلاث كذبات، ثنتين في ذات الله قوله: {إني سقيم} وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا} وواحدة في شأن سارة ... الحديث) . رواه البخاري 6/388، ومسلم 4/1840. ذكر القرطبي عن ابن العربي: "قوله: ولم يعد (هذه أختي) في ذات الله وإن كان دفع بها مكروها، ولكنه لما كان لإبراهيم (فيها حظ من صيانة فراشه وحماية أهله، لم يجعلها في ذات الله؛ وذلك لأنه لا يجعل في جنب الله وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله كما قال: (ألا لله الدين الخالص (الزمر (3) وهذا لو صدر منا لكان لله، ولكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا، وتسمية ذلك في حديث الشفاعة في حقه (ذنبا لأنه كان منه خلاف الأولى، ولقرب محلهم واصطفائهم عُدَّ هذا ذنبا" والله أعلم. أحكام القرآن للقرطبي ج11/301، وانظر روح المعاني للألوسي ج8 /101. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 208 المبحث الثاني: دراسة الآيات المشتملة على أساليب إبراهيم (العملية في الدعوة (الآيات المشتملة على أساليب إبراهيم (العملية في الدعوة) قال الله: (ووصى بها إبراهيمُ بَنِيهِ ويعقوبُ ... (. (البقرة 132) . وقال تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدى الظالمين وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا، ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا وجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ((البقرة 124- 129) . وقال (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (. (آل عمرن 67) . وقال تعالى: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه (. (التوبة 114) . وقال (: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا. واجنبني وبَنِيَّ أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيئ في الأرض ولا في السماء الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إنّ ربي لسميع الدعاء رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل الجزء: 14 ¦ الصفحة: 209 دعاء، ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب (. (إبراهيم (35- 41) . وقال: (إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سَوِيّا، يا أبت لا تعبدِ الشيطان إن الشيطانَ كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمسَكَ عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليّاً (. (مريم 42- 45) . وقال تعالى: (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي، عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ((مريم 48) . وقال تعالى: (وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين، ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين (. (الأنبياء 71) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 210 وقال: (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ((الحج 26) . وقال: (رب هب لي حُكْماً وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق فى الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون ((لشعراء 83- 87) . وقال تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين (. (الشعراء 214) . وقال: (أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ((القصص 57) ..وقال: (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا، إنّ الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا. فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له … . ((العنكبوت 16، 17) . وقال تعالى: (فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريّته النبوة والكتاب ((العنكبوت 26، 27) وقال تعال: (فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون، ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين، فأقبلوا إليه يزفون قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين، فبشرناه بغلام حليم. فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وَتَلّهُ للجبين، ونا ديناه أن يا إبراهيم، قد صَدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين، إنّ هذا لهو البلاء المبين، وفَدَيناه بِذِبْح عظيم (. (الصآفات 91- 107) وقال: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني بَرَآءٌ مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون (. (الزخرف 26- 28) . وقال تعالى: (وإبراهيم الذي وفى (. ( الجزء: 14 ¦ الصفحة: 211 النجم 37) ..وقال تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرَءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وَبَدَا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ((الممتحنة 4) . المبحث الثاني: (أساليب إبراهيم (العملية في الدعوة) ويشتمل على توطئة واثني عشر مطلبا كالتالي: توطئة: ويقصد بالأساليب العملية التطبيق العملي والامتثال الشخصي الذي تتقعد به القواعد الراسخة للدعوة ليقف الداعية على أصول قوية متينة ثابتة، وإن التطبيق العملي له أثر كبير في نشر الدعوة إلى الله، كما أن العكس بالعكس، فمن نظر في تاريخ سلف الأمة وجد أن دعوتها إلى الإسلام كانت بالتطبيق الصحيح، فلم ينتشر الإسلام على هذه المعمورة بالسيف أو الرمح أو السهم قدر ما انتشر بالدعوة والقدوة الحسنة والتطبيق الصحيح الكامل له، فكانت الأمة مثالاً يقتدى بها في تطبيق تعاليم الإسلام في صغير الأمور وكبيرها، ولا يزال التطبيق العملي الصحيح للإسلام إلى يوم القيامة عاملا أساسيا من عوامل الدعوة إلى الله بين الأفراد والجماعات على مختلف طبقاتهم وثقافاتهم. ثم خلف من بعدهم خلف شَوّهوا صورة الإسلام وتركوا تعاليمه وأوامره ونواهيه وارتكبوا المخالفات، فأصبحوا بذلك سبباً للصدّ عن الدخول فى الإسلام، وكم ضر الإسلام أهله بسبب التعديات والمخالفات. المطلب الأول: (القدوة) القدوة: كما قال الراغب: (هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره، إنْ حسناً وإنْ قبيحاً، وإنْ ساراً وإنْ ضاراً، ولهذا قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ((الأحزاب 21) . فَوَصَفَها بالحسنة) (1) .   (1) مفردات ألفاظ القرآن للراغب (76) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 212 ولقد جعل الله تعالى الخليل إبراهيم (قدوة للسالكين وإماما للدعوة والدعاة يقتدى به ويتبع أثره فى التوحيد وفى الأقوال والأفعال، كما قال تعالى: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ((الأنعام 90) . ونوه في كتابه بذكره وشهد له بقوله: (وإبراهيم الذي وَفّى (. (النجم 37) . (1) . ليكون له في أمر الدعوة قيادة دينية، فصار قدوة الناس وإمامهم في الخير، وحصل له الثناء الدائم، وذلك حين قيامه بما كلفه الله به حق قيام، قال تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما … (. (البقرة 124) . (2) . وطلب من الله تعالى استمرارية الإمامة من بعده وأن يكثر في الأمة المرشدين الذين يوجهون الناس إلى الخير، قال تعالى على لسانه: (قال ومن ذريتي ((البقرة 125) .وقال: (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ... ((البقرة 129) .   (1) جامع البيان للطبري ج1/523، وأحكام القرآن للقرطبي ج2/97، تفسير ابن كثير ج1/164، في ظلال القرآن لسيد قطب ج1/112. (2) وهذه الكلمات قيل: هي خصال الفطرة العشر: (قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء- يعني الاستنجاء- والمضمضة) وقيل غير ذلك، انظر تفسير الطبري ج1/523، 524، وأحكام القرآن للقرطبي ج2/97، فتح القدير للشوكاني ج1/137، روح المعاني للألوسي ج1/373، في ظلال القرآن لسيد قطب ج1/112. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 213 فكل نبي أرسله الله أو كتاب أنزله مِن بَعد إبراهيم (فهو من آثار دعوته، كما قال تعالى: (وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب … ((العنكبوت 27) . (1) .ولكن لمن يستحقها بالصلاح والإيمان، لا كما يدعي اليهود ومن كان على شاكلتهم ممن ظلموا أنفسهم بمخالفة منهج الأنبياء والرسل. يقول سيد قطب: إن الظلم أنواع وألوان، ظلم النفس بالشرك، وظلم الناس بالبغي، والإمامة الممنوعة على الظالمين تشمل كل معاني الإمامة، إمامة الرسالة وإمامة الخلافة وإمامة الصلاة، وكل ما كان يشمله معانى الإمامة والقيادة، فالعدل بكل معانيه هو أساس استحقاق الإمامة، والظلم بكل معانيه هو أساس الحرمان من الإمامة. واليهود لا يستحقون الإمامة والقيادة. لانحرافهم عن عقيدة جدهم إبراهيم (ونبذهم شريعة الله ولظلمهم وفسقهم وانتهاكهم لحرمات الله، وكذلك من يسمون أنفسهم اليوم ب (المسلمين) بما ظلموا وبعدوا عن طريق الله، وبما نبذوا شريعة الله وراء ظهورهم، واستبدلوها بالقوانين الوضعية، ودعواهم الإسلام وَهم مجانبون عنه دعوى كاذبة لا تقوم على أساس من عهد الله. إن التصور الإسلامي يقطع كل الصلات التي لا تقوم على أساس العقيدة والعمل، ويسقط كل الروابط والاعتبارات ما لم تتصل بعروة العقيدة، فهو يفصل بين الولد والوالد والزوج والزوجة إذا انقطع بينهما حبل العقيدة،.فعرب الشرك شيء وعرب الإسلام شيء آخر، والذين آمنوا من أهل الكتاب شيء، والذين انحرفوا عن دين إبراهيم وموسى وعيسى- عليهم السلام- شيء آخر ولا صلة بينهم جميعا ألبتة.   (1) أحكام القرآن للقرطبي ج2/107، تفسير ابن كثير ج1/167.، روح المعاني للألوسي ج1/376، 377، فتح القدير للشوكاني ج1/137، 138. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 214 إن الأسرة ليست آباء وأبناء وأحفادا، إنما هي هؤلاء حين تجمعهم عقيدة واحدة، وإن الأمة ليست مجموعة أجيال متتابعة من جنس واحد معين، إنما هي مجموعة من المؤمنين مهما اختلفت أجناسهم وأوطانهم وألوانهم، هذا هو التصور الإيماني الصحيح الذي ينبثق من خلال هذا البيان الرباني في كتاب الله الكريم. (1) . فمن انطوى تحت لواء التوحيد فالخليل (قدوته في كمالات الخير لأنه القدوة في نصب أدلة التوحيد ورفع أعلامها وخفض رايات الشرك، قال تعالى: (إنّ إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ((النحل 120) (2) لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا وثنيا، بعيدا عن الهوى والمطالب النفسية مستجمعا شروط الكمال في نفسه: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (. (آل عمران 67) . لأن ملة التوحيد واحدة والدعوة إليها منهج الأنبياء والمرسلين جميعا قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ((النحل 36) . (3) . ولذا أمر الله محمدا (- مع علو درجته وعظيم منزلته- بأن يقتدي بأبيه إبراهيم (مسلكا ومنهجا لاستقامته على الطريقة، قال تعالى: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ((النحل 123) .   (1) في ظلال القرآن لسيد قطب ج1/112. (2) روح المعاني للألوسي ج5/249، وقد سبق معنى الأمة في أول البحث. (3) روح المعاني للألوسي ج5/251، فتح القدير للشوكاني ج3/202، وقد سبق تفسير هذه الآيات في الفصل الأول: (صفات إبراهيم () . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 215 ومن أمثلة هذا الاقتداء بالخليل (مسألة الولاءوالبراء الذي هو أوثق عرى الإيمان ومن مقتضيات العقيدة ولوازمها، قال تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه … ((الممتحنة 4) . ليكون ذلك شرعة ومنهاجا للأجيال القادمة، حين تبرأ هو وقومه من الكفار قائلين: (إنا بُرَءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وَبَدَا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ((الممتحنة 4) . (1) .وهذا من دعاء إبراهيم (وأصحابه، وتعليم للمؤمنين أن يقولوا هذا القول. فلا مودة ولا رابطة تربط بين المسلمين وبين الكفار مهما كانت الأسباب والظروف مع الاتكال الكامل على الله تعالى، ولا اعتداد بهم أو بآلهتهم مهما كانت قرابة أو قربى، ولا تنازل ولا تسامح في المباديء، وهذا هو الاقتداء الصحيح والأسوة الحسنة المأمور بها فى الشريعة المحمدية، فمن خالف في هذه القاعدة الأساسية فإنه لا تنفعه قرابة أو قربى (2) . المطلب الثاني: (اللين أولا ثم الشدة)   (1) قال القرطبي: الآية نص فى الأمر بالاقتداء بإبراهيم (في فعله، وذلك يصحح أن شرع مَن قبلنا شرع لنا فيما أخبر الله ورسوله. أحكام القرآن للقرطبي ج18/56. (2) في ظلال القرآن لسيد قطب ج6/3542، وانظر: أحكام القرآن للقرطبي ج18/56، تفسير ابن كثير ج4/348، روح المعاني للألوسي ج10/69. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 216 لقد كان الرفق واللين محمودا في أكثر الأحوال، قال تعالى مُنَوّها بفضله: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكرُ أو يخشى ((طه (43، 44) . وقال: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ((النحل 125) . وقال (: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه) وفي رواية عنه (: (من يحرم الرفق يحرم الخير) (1) ويقول (: (إنّ الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) (2) . إلا أن للين والرفق مواضع، وللشدة والقسوة مواضع، والداعية بمثابة طبيب يعالج الأمور بمقتضى الحال والشأن، فيعطي كل إنسان مايناسبه من الدواء. بالنظر إلى اعتبار أن الرفق واللين له الصدارة والأسبقية، وأن الرأفة والرحمة المتضمنة لأرق الألفاظ وأعذبها والتزام الأدب والوقار هو الأساس إلى سبيل الرشاد، ليبرز ذلك كله في صورة المشفق الناصح الأمين الحريص على المصلحة، كما حكى الله عن الخليل وهو يستميل أباه وقومه بأرق الألفاظ وأعذبها: (يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سَوِيّا، يا أبت لا تعبدِ الشيطان إن الشيطانَ كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمسَكَ عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً (. (مريم (42- 45) . فإذا وصل اللين والرفق إلى طريق مسدود دون جدوى أو فائدة، فلا ما نع من مجانبة الأدب أحيانا، ليحس الإنسان بعظيم مرتكبه وكبير جرمه، كما حكى الله (عن الخليل (حين دعوته لأبيه وقومه: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين ((الأنعام 74) (3) . وقال تعالى عنه: (يا أبت لِمَ تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً ((مريم 42) .   (1) صحيح مسلم ج4/2003. (2) صحيح البخاري ج12/280. (3) أحكام القرآن للقرطبي ج7/22. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 217 قال القرطبي: إنها أشد كلمة قالها إبراهيم لأبيه حيث يرميه بالضلال المبين الذي يدل على سفهه (1) ، ويدل عليه ما حكى الله تعالى عنه في أسلوب الاحتقار: (إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، قالوا وجدنا أباءنا لها عابدين (. (الأنبياء 52- 53) (2) .فلاحرمة للقرابة ولا تسامح ولا مجاملة في أمر العقيدة، ولا يمكن أن يطغى حق الأبوة على حق الله: (لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ((الأنبياء 54) . فقد يقسو الإنسان أو يستنكر على شخص لمنفعته على أن يكون ذلك درجات حسب الضرورة، فيبدأ بالأهم والأولى والأنفع والأنجع والأنجح، كما أخبر الله بذلك عن الخليل (: (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا، إنّ الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا ... (. (العنكبوت 16) . المطلب الثالث: (البداءة بالأهم) أحكام الله تعالى كلها مهمة، وإنما كان البداءة بالأهم منها ليكون ذلك طريقا لما بعده، ولذا كان على رأسها تقوى الله تعالى الذي هو أساس الأعمال كلها والبداءة به طريق إلى ما بعده، لأن الخشية ملاك الأمر كله فمن خشي الله أتى منه كل خير، ولأهميته بدأ الخليل (به قال (عنه: (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (. (العنكبوت 16) .   (1) أحكام القرآن للقرطبي ج7/22. (2) أحكام القرآن للقرطبي ج7/22، ج11/111، 296ج13/335، وانظر: في ظلال القرآن لسيد قطب ج4/2311، 2385. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 218 ثم ثنى بالأمن والأمان لأنه به تتحقق الخشية، بل لا يقل ضرورة وحاجة عن ضرورة الغذاء والكساء، ولا يستساغ طعام أو شراب، أوتطيب وتتأتى عبادة على وجهها إذا فقد الأمن والأمان، لذا كان في طليعة طلب الخليل (: (رب اجعل هذا البلد ءامنا (. (إبراهيم 35) . فإذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان لشيء آخر من أمور الدين والدنيا، ولذا يمتن الله به على قريش مقرونا بالغذاء فيقول: (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ((سورة قريش) ويقول: (أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويُتخطف الناس من حولهم ((العنكبوت 67) . ولعظيم مِنّة الأمن على العبد وكبير ضرورة الصحة والعافية عليه فإن الله تعالى سيوجه سؤاله كما قال: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ((سورة التكاثر) قال الطبري: عن ابن عباس وابن مسعود (الأمن والعافية والصحة في الأبدان والأسماع والأبصار (1) ولقد استجاب الله دعوة الخليل إبراهيم (فجعله حرما آمنا، فلا يُختلى خلاه ولا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا تحل لُقَطته إلا لمعَرِّف، قال تعالى: (أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ((القصص 57) . وقال تعالى: (إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ((آل عمران 96، 97) (2) .   (1) جامع البيان للطبري ج30/285، وانظر فتح القدير للشوكاني ج5/490. (2) قال الشوكاني: أما الآية التي في البقرة: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا (أي: مكة والمراد الدعاء لأهله من ذريته وغيرهم، كما يقال: عيشة راضية اي: راض صاحبها. فتح القدير ج1/141. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 219 فإذا تحقق اللازم حصل قيام الملزوم من تحقيق التوحيد والقيام بواجب الطاعة والعبادة التي من أجلها خلق الإنسان ومن أجلِّها وأفضلها إقامة الصلاة التي هي عماد الدين وصلة بين العبد وربّه، وما لأجله أسكن ذريته في هذا الوادي الأجرد المقحط وتم بناء هذا البيت، فقال: (واجنبني وبَنِيَّ أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضلَلَن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم، ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا لِيُقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات ... ((إبراهيم 35- 37) . ليكون ذلك عونا لهم على طاعة الله تعالى وذكره وحسن عبادته وطريقا لشكر نعم الله، فقال: (لعلهم يشكرون ((إبراهيم 37) . فاستجاب الله تعالى دعاءه فقال: (أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ((القصص 57) . فلا يخلو بلد الله الحرام من اللحم ومن الفاكهة على مختلف فصول السنة. وأخيرا يتضرع الخليل (إلى ربّه تبارك وتعالى بأن يجعل الله أعماله خالصة لوجهه الكريم لارياء ولا سمعة فيها، وأن يقر عينيه في خاصة ذريته وأهل بيته الأقربين بإصلاحهم فيقول: (ربنا إنك تعلم ما نُخفي وما نُعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء، الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء (. (إبراهيم 38، 39) (1) والله أعلم وأحكم. المطلب الرابع: (الابتداء بالأقربين)   (1) أحكام القرآن للقرطبي ج13/335، روح المعاني للألوسي ج7/144، فتح القدير للشوكاني ج4/196، في ظلال القرآن لسيد قطب ج5/2728. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 220 إن للعبد حقا على نفسه وهو مقدم على من سواه ثم بعد ذلك يأتي الابتداء بالأقربين ثم من يليهم حتى لا يأخذه ما يأخذ القريب للقريب من العطف والرأفة فيحابيهم في الإنذار والتخويف، كما قال الرازي: "إذا تشدد على نفسه أولا ثم بالأقرب فالأقرب ثانيا، لم يكن لأحد فيه طعن ألبتة وكان قوله أنفع وكلامه أنجع" (1) وهذا كان دأب السلف في الدعوة يبدءون بأنفسهم ثم من يليهم لأن الاهتمام بشأن القربى وهدايتهم إلى الحق أجل وأولى، وتخصيصهم بالإنذار كما قال القرطبي: "لتنحسم أطماع عشيرته وأطماع الأجانب في مفارقته إياهم على الشرك وامتثال لأمر الله: (وأنذر عشيرتك الأقربين ((الشعراء 214) (2) .فإذا حصل قبول وإذعان من القريب كانت استجابة البعيد أسرع، وبذلك تنزاح كل عقبة قعود في سبيله لتصفو له طريق الدعوة ويفسح أمامه مجال التحدي والمنازلة لكل معاند ومخاصم، ولذا بدأ الخليل (بدعوته بأقرب قريب وهو والده، قال تعالى حكاية عنه: (إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً ((مريم 42- 45) (3) . المطلب الخامس: (التحدي)   (1) تفسير الفخر الرازي ج24/172. (2) أحكام القرآن للقرطبي ج13/143، وانظر تفسير الكشاف للزمخشري ج3/328. (3) تفسير هذه الآيات في موضوع: (برره بأبيه) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 221 لابد من إثبات الحق وإعلائه ولابد من إبطال الباطل ودحضه، فإذا توقف الرفق واللين ولم تنفع الشدة والقسوة، يأتي دور التحدي والمبارزة لمنازلة الخصم وإفحامه وإلزامه الحجة، وهو ما جرى للخليل إبراهيم (مع أبيه وقومه، حيث وقف العناد والمكابرة في وجه الأدلة والبراهين الواضحة فلا بد من تنحيته وإزالته ليأخذ الحق طريقه، فنازلهم وتوعدهم بكسر أصنامهم، ضاربا بذلك كل الاعتبارات الشخصية ووشايج القرابة واعتبارات العشيرة عرض الحائط، متحديا بذلك أقوى قوة مانعة، دفاعا عن دين الله غير مبالٍ بنفسه، وصدر كلامه (بالقسم واليمين بقوله: (وتالله (قسم ويمين، (لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ((الأنبياء 57) . (1) . المطلب السادس: (تحطيم الأصنام) إن التطبيق العملي في الدعوة من أبرز سمات الداعية، قال صلي الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه) (2) وإن من تلك الصور التطبيقية التي نقلها القرآن الكريم للأمة الإسلامية ما ذكره عن الخليل إبراهيم (وهو يتعرض بكل قوة وبسالة لأعز شيء وأكرمه عند قومه آلهتهم، فبين زيفها وأبطلها فكسرها، فَعَلَ ذلك وهو واثق بالله مُوَطِّن نفسه على مقاساة المكاره وتحمل الشدائد في سبيل الله والذب عن دين الله غير مبالٍ بنفسه، فتحدى الطغاة الجبابرة فلم يهب بطشهم وجبروتهم في إبلاغ دين الله، فوقف أمام الأصنام قائلا: (ألا تأكلون، ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين، فأقبلوا إليه يزفون ((الصافات 91- 94) . لقد تسامع القوم بالخبر وعرفوا الفاعل، فأقبلوا بجمعهم الغاضب الهائج إليه يسرعون قائلين: (من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين، قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم، قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ((الأنبياء 59) .   (1) أحكام القرآن للقرطبي ج11/297، في ظلال القرآن لسيد قطب ج4/2386. (2) صحيح مسلم ج1/69. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 222 تصور إبراهيم (بهذا الحدث العظيم أنهم سيراجعون أنفسهم في أمر آلهتهم، ولكنهم لا زالوا مصرين على أنها آلهة وهي جذاذ يبحثون عمن كسرها وفتك بها هذا الفتك المؤلم قائلين: (قالوا أانت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ((الأنبياء 62) . فواجه إبراهيم (هذا الحدث بشجاعة وبسالة وبقوة إيمانية وثبات كالجبال الرواسي التي لا تتزعزع، فلم يخف الكثرة الناقمة الغاضبة الهائجة المائجة، فرد عليهم مجيبا بالحق بكل طمأنينة وسكون ثابت الفؤاد غير مبال أو مكترث بهم وجَهّلهم وسفّه أحلامهم، قائلا: (أتعبدون ما تنحتون، والله خلقكم وما تعملون ((الصآفات 91- 96) . متوعدا وموبخا ومؤنبا لهم ومنكرا عليهم قائلا: (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين، فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ((الأنبياء 57- 58) . (1) .وقائلا: (بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون، فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ((الأنبياء 63- 65) . ولكن القوم آثروا العناد والمكابرة فاندفعوا متهورين إلى الدفاع عن الباطل فواجههم بحقيقة فساد فعلهم موبخا لهم (قال أفتعبدون من دون الله ما لا   (1) روي أنه كان لهم كل سنة يوم عيد يجتمعون فيه، فقالوا لإبراهيم (: لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا، وكان قد أضمر في نفسه تنفيذ خطة فاحتال عليهم في التخلف عنهم بقوله: (إني سقيم (فلم يخرج معهم، فانتهز فرصة ذهابهم فدخل بيت الأصنام وهي مصطفة فكسر الكل بالفأس ولم يبق إلا كبير الآلهة شأنا وهيكلا، فعلق الفأس في عنقه أو في يده ليبكتهم بقيام الححجة عليهم لأنهم إذا رجعوا ووجدوا ما حصل لآلهتهم فإنهم حتما سيتجهون إلى الصنم الكبير فيسألوه عن الكاسر. أحكام القرآن للقرطبي ج15/94- 96، تفسير ابن كثير ج4/13، روح المعاني للألوسي ج8/123، 124، فتح القدير للشوكاني ج4/402، في ظلال القرآن لسيد قطب ج5/2992، 2993. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 223 ينفعكم شيئاً ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ((الأنبياء 66، 67) ..فإذا كان الحال هكذا فيجب الرحيل عن قوم لا يعقلون ولا يميزون. المطلب السابع: (الهجرة) قال القرطبي: "الهجرة أقسام وأنواع منها: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرضا في أيام النبي (وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة، فإن بقي في دار الحرب كان عاصيا. ومنها: الخروج من أرض البدعة، قال مالك: (فلا يحل البقاء بأرض يُسب فيها السلف) . ومنها: الخروج من أرض غلب عليها الحرام، فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم. ومنها: الفرار من الأذية في الدين والبدن والمال والأهل؛ فإنّ حرمة مال المسلم وأهله كحرمة دمه بل أشد وأوكد، وذلك فضل من الله رخص فيه ليخلصها من ذلك المحذور". (1) . والهجرة تعني إعلانا بمقاطعة حبل الولاية والنسب والقرابة وهجران في الاعتقاد والأبدان ومفارقة الأوطان، ليتميز الصف الموحد من الصف المشرك، فيلحق من كان بين الكفار بالركب المهاجر في سبيل الله الذين تركوا الركون إلى الدنيا وتجردوا لله وللدفاع عن دينه، وهجروا في ذلك الأهل والمال والوطن. وأول من فعل هذه الهجرة إبراهيم (وذلك بعدما نفدت الحيل مع أبيه وقومه وسدت سبل الدعوة فقال: (إني مهاجر إلى ربي ((العنكبوت 26) . إذ لا خير في البقاء مع قوم عدموا الخير. وأسبابه، وقالوا تقاسموا ابالله لنبيتنه وأهله: (وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين، ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين (. (الأنبياء 71)   (1) أحكام القرآن للقرطبي ج5/349، 350.، ج15/97. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 224 فأمره الله بالهجرة هو وابن أخيه لوط عليهما السلام بعيدا عن موطن الكفر والكافرين والضلال والضالين فرارا بدينه وأهله فعوضه الله عن وطنه وقومه بذرية تحمل رسالة الله إلى الأبد، قال تعالى: (فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب (. (العنكبوت 26، 27) . فيكفيه ذكرا وفخرا حيث جعل الله تعالى من ذريته سيد الأولين والآخرين وخاتم النبيين والمرسلين، والرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد ((1) . وهكذا من ترك شيئاً لله أذاقه الله حلاوة الإيمان وعوضه بأحسن وأفضل منها كما قال الخليل (لقومه: (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي، عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ((مريم 48) . المطلب الثامن: (المفاصلة والموادعة)   (1) انظر أحكام القرآن للقرطبي ج11/305، 13/339، فتح القدير للشوكاني ج4/199، في ظلال القرآن لسيد قطب ج4/2388، 5/2732. روي أنه (خرج من العراق ومعه لوط وسارة بنت عمه هاران الأكبر، وقد كانا مؤمنين به (يلتمس الفرار بدينه، فنزل حران، فمكث بها ما شاء الله، ثم قدم مصر، ثم خرج إلى الشام فنزل السبع من أرض فلسطين، ونزل لوط بالمؤتكفة.روح المعاني للألوسي ج6/70. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 225 إن لم يكن إذعان للدعوة أو استجابة لرسل الله تعالى أو وقف العناد في وجه الدعوة وبقيت المكابرة مركبا ذلولا لأهل الطغيان، أو انعدم حق الصلة والقرابة، فلا بد من إعلان المفاصلة ولا بد من تنفيذ الموادعة، لتجد الدعوة أرضا خصبة تبذر فيها بذورها، وذلك يتمثل في موقف إبراهيم (حين أعلنها صريحة: (إني ذاهب إلى ربي سيهدين ((الصافات 99) . (1) .بعد أن كذبه قومه وقد شاهدوا الآيات فتعصبوا للأصنام وَلاءً لها وانتقاما من أجلها، لأن قضية التوحيد فوق كل القضايا وطلب العزلة حفاظا على دين الله أمر واجب: (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي، عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ((مريم 48) . (2) وهذه المفاصلة والموادعة إنما هي إفصاح عن الحب والبغض في الله وتحقيق لمبدأ الولاء والبراء الذي أخبر الله عن خليله (بقوله: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ((التوبة 114) . ويؤكد هذا ما جاء في قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني بَرَآءٌ مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ((الزخرف 26- 28) (3) .   (1) أحكام القرآن للقرطبي ج15/97، وفتح القدير للشوكاني ج4/403، روح المعاني للألوسي ج8/126، في طلال القرآن لسيد قطب ج5/2994. (2) عسى (هذه موجبة لا محالة فإنه (سيد الأنبياء بعد نبينا محمد (، ولكنه (صدر بها لإظهار التواضع ومراعاة حسن الأدب، والتنبيه على حقيقة الحق من أن الإثابة والإجابة بطريق التفضل منه عز وجل، لا بطريق الوجوب وأن العبرة بالخاتمة، وذلك لا يعلمه إلا الله. تفسير ابن كثير ج3/124، فتح القدير للشوكاني ج3/336، روح المعاني للألوسي ج6/102. (3) تفسير ابن كثير ج2/393، فتح القدير للشوكاني ج2/410. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 226 وكان من نتيجة هذه المفاصلة والموادعة أن أكرم الله الخليل (فأبقى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) خالدة تالدة ثابتة واضحة لا يتلبس بها الباطل باقية دائمة قائمة في ذريته، كما قال: (وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ((الزخرف 26- 28) . ولا يزال فيهم إلى الأبد من يدعو إلى التوحيد كموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ويحقق وصيته التي وصا بها ذريته وبنيه: (ووصى بها إبراهيمُ بَنِيهِ ويعقوبُ … ((البقرة 132) (1) . ومن أجلها أمر الله الخليل (بإقامة معلم بارز لها ليبقى معلماً خالدا ورمزا بارزا للحنيفية ليكون معقلا لأهل التوحيد ويبقى دويه إلى الأبد فأمره بناء بيته المطهر ويرفع هو وابنه إسماعيل عليهما السلام قواعده. المطلب التاسع: (المبادرة بامتثال أمر الله بناء البيت) بين الله للخليل (موضع بناء البيت وأرشده إليه، وأمره بأن يبنيه على اسمه وحده فهو بيت الله وحده دون سواه، ولتوحيده أقيم هذا البيت منذ اللحظة الأولى. وبأمره يعظم ويقدس ويقصد ويُحج ويُعتمر ويُطاف حوله، وبأمره يُطهر من الشرك والأصنام والأوثان والأرجاس والأنجاس قال (: (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ((الحج 26) . (2) . تتعاقب الأجيال على حجه، ويتنافس المسلمون في بلوغ رحابه، في جواره الخير والبركة قال (: (إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ((آل عمران 96، 97) .   (1) أحكام القرآن للقرطبي ج16/76، وفتح القدير للشوكاني ج4/553. (2) راجع أحكام القرآن للقرطبي ج12/36، فتح القدير للشوكاني ج3/447، روح المعاني للألوسي ج6/142، في ظلال القرآن لسيد قطب ج4/2418. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 227 أقيم هذا البيت ليكون مركزا يتجه إليه المسلمون كل يوم خمس مرات ليوثقوا الصلة بربّهم، وليلتقي حوله جموع المسلمين من أقاصي الدنيا، يؤمه أهل الإيمان لأداء فريضة الله وتجديد عهد الطهر والتحرر من عبودية الغير، وليمثل حلقة وصل تجذب العباد إلى الله ليبقى دَوِيّ العبادة وذكر الله في أذهانهم قائما دائما، وليتذكروا على الدوام أن جزاء التضحية والاخلاص لدين الله هو رفع درجات المحسنين المخلصين، وتخليد عمل العاملين: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ((البقرة 125) . (1) . وليذكّرهم بأن أداء العمل محض إمتثال، ومطلق القيام بالواجب لا يستوجب الأجر، قال تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ((البقرة 125- 127) . بل لا بد في إتيان الطاعات من الابتهال والتضرع في قبولها، ولا بد من الصبر والاحتساب على الابتلاء فإن الله تعالى لن يناله لحومها ولا دماؤها ولا يريد تعذيب العباد أو قتلهم، ولكن يناله التقوى والاستسلام التام منكم في كل أمر ونهي المطلب العاشر: (المبادرة بامتثال أمر الله بذبح ابنه) إن كمال الإيمان يستدعي مبادرة الامتثال وإن قوة اليقين يستلزم الصبر والثقة والثبات، وإن في سبيل الحب الصحيح يرخص كل غال وثمين، فإذا خلد الله تعالى ذكر خليله (في العالمين ببناء بيته الحرام، فكذلك رفع ذكره بمبادرته بامتثاله لأمر ربّه بذبح ابنه وفلذة فؤاده، على حين طلب الخليل (من ربّه على كبر السن وبرغبة الفطرة: (رب هب لي من الصالحين، فبشرناه بغلام حليم ((الصافات 100، 101) .   (1) انظر أحكام القرآن للقرطبي ج2/110- 120، روح المعاني للألوسي ج1/378- 385، في ظلال القرآن لسيد قطب ج1/113. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 228 فلما بلغ الغلام مبلغ القوة والسعي ليحمل عن أبيه بعض متاعب الحياة ويعينه على أمور دينه ودنياه، ويحمل عنه العلم والحكمة فإذا بالأب يقول: (يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ((الصافات 102) . أدرك الخليل (أنها إشارة من ربّه تبارك وتعالى بالتضحية فلم يتردد أو يراجع نفسه أو يطلب التحقيق، فكيف أذبح إبني الوحيد بمجرد رؤيا رأيتها علها تكون أضغاث أحلام؟، فلم يخطر له إلا خاطر التسليم والتنفيذ حتى وإن لم تكن وحيا صريحا، إلا أنها إشارة من رب السموات والأرض!. تكفي هذه الإشارة لأمثال الخليل (لينفذ أمر ربّه في إيمان قوي راسخ، دون أن يسأل ربّه شأن المتعللين: لماذا، وكيف، ومتى، وأين أذبح؟!، ليشعر بذلك الأجيال القادمة مِن بعده بأن أوامر الله تنفذ حالا، فهي لا تقبل التراجعات النفسية ووساوسها، ولا تحتمل التفكير والتلكؤ والتأني في تنفيذها، فتلبى كما لبى الخليل (أمر ربّه في غير إزعاج ولا تضجر وتذمر، وتنفذ حكمه في كل أمر ونهي وفي كل محبوب ومكروه طوعا وإنابة واستسلاماً بكل رضى وقبول وهدوء وطمأنينة (1) . وفي مقابل ذلك- كما يقول سيد قطبب-: فهو (لا يندفع في عجلة وتهور ليخلص نفسه وينتهي منه فورا حتى يريح أعصابه من ثقله، ولكن خاطب ابنه على سبيل الترحم والعطف والشفقة: (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ((الصافات 102) . ذبحا إراديا يتولى تنفيذ هذه المهمة الشاقة- على البشر- بيده دون أن يرسل وحيده في معركة أو يكلفه بأمر تنتهي به حياته ولكن: (أني أذبحك (.   (1) جامع البيان للطبري ج23/76- 81، تفسير الكشاف للزمخشري ج4/52، أحكام القرآن للقرطبي ج15/97- 107، تفسير ابن كثير ج4/15، 16، فتح القدير للشوكاني ج4/403، روح المعاني للألوسي ج8/127- 132، في ظلال القرآن لسيد قطب ج5/2994. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 229 وفي الوقت نفسه فهو (ليعرف مدى كمال إيمان ابنه وقوته وصلابته، حتى يأخذه طاعة وإسلاماً فينال كامل أجر الطاعة، لا يريد تنفيذ الأمر على غِرّة دون أن يشير عليه، فيوطن نفسه ويثبت قدمه إن جزع ويأمن عليه إن سلم، بل يعرض الأمر عليه ويطلب منه التروي والتريث، كالذي يعرض المألوف من الأمر فيقول له: (فانظر ماذا ترى (أي: انظر ماذا تريني أياه من صبرك واحتمالك، أو ما تريك نفسك من الرأي. فإذا بالابن أعجب من أبيه!، فهو يريد أن يرتقى كالأب إلى الكمال، فيبادله هذه الشفقة الأبوية بالتوقير والتعظيم والتبجيل بكامل الود المعبر عن كمال الرضى بلفظ الأبوة قائلا: (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين (. (الصافات 102) .امض لما أمرك الله به في تسليم من غير قلق ولا فزع ولا فقدان وعي ورشد، فالأمر لا يقبل التردد والمشورة (1) .   (1) في ظلال القرآن لسيد قطب ج5/2994، وانظر تفسير الكشاف للزمخشري ج4/52، أحكام القرآن للقرطبي ج15/97- 107، فتح القدير للشوكاني ج4/403. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 230 وإنها لفتة قرآنية عظيمة نشاهدها من خلال هذا الموقف كما يصفها الألوسي بقوله: لم يتظاهر إسماعيل (في تنفيذ المهمة الشاقة بالطَولِ والجلادة والشجاعة والإقدام، بل علق الأمر بمشيئة الله استعانة وتبركا وتواضعا وتأدبا مع الله، معترفا بضعفه مدركا حدود قدرته وطاقته في الاحتمال، ليعينه على طاعته فقال: (ستجدني إن شاء الله من الصابرين ((الصافات 102) أي: من جملة الموفقين للصبر مع ما فيه إغراء للأب على الصبر لِما يعلم من شفقته عليه من عِظم البلاء، حيث أشار إلى أن لله عِبَاداً صابرين (1) . قال (: (فلما أسلما وَتَلّهُ للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم ((الصافات 103، 104) (2) أي قد وقع العمل موقع الرضى والقبول، ونتائجه قد ظهرت والغاية منه قد تحققت والله لا يريد تعذيب عباده ولا يريد دماءهم ولا أجسادهم في شيء، فكانت النتيجة: (قد صَدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين، إنّ هذا لهو البلاء المبين، وفَدَيناه بِذِبْح عظيم ((الصآفات 101- 107) . فشرع الله الذبح والأضاحي وإراقة الدماء تخليدا لذكرهما وتعظيما لأجرهما وشريعة يعمل بها إلى يوم القيامة، امتثالا لأمر الله وإطعاما للبائس الفقير (3) . المطلب الحادي عشر: (الدعاء والتضرع إلى الله)   (1) روح المعاني للألوسي ج8/129.، وفرق بين قول إسماعيل (وبين قول موسى (: (ستجدني إن شاء الله صابرا (فلم يوفق موسى (للصبر لأنه لم يسلك هذا المسلك من التواضع في قوله: (ستجدني إن شاء الله صابرا (حيث لم ينظم نفسه الكريمة في سلك الصابرين، بل أخرج الكلام على وَجْهٍ لا يُشْعِرُ بوجود صابر سواه، فلم يتيسر له الصبر، مع أنه لم يُهْمِل أمر الاستثناء. (2) ومعنى قوله تعالى: (تَلّهُ للجبين (أي صرعه على شقه فوقع أحد جنبيه على الأرض. تفسير الكشاف للزمخشري ج4/52. (3) أحكام القرآن للقرطبي ج15/97- 107، فتح القدير للشوكاني ج4/403، روح المعاني للألوسي ج8/127- 132 الجزء: 14 ¦ الصفحة: 231 الدعاء مخ العبادة أو هو العبادة وسلاح المؤمن ووصله الذي يصله بجناب الله الذي لا تعجزه المسائل، قال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعى إذا دعان ((البقرة 186) . والله تعالى يعلم فطر عباده فأمرهم وحثهم على الدعاء ليبثوا ما في صدروهم فيريحوا أعصابهم لتطمئن قلوبهم بأنهم وَكّلُوا وفوضوا أمرهم إلى من هو أقوى وأقدر منهم، قال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخُفْيَة إنه لا يحب المعتدين ((الأعراف 55) . وقال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ((غافر 60) . إن الدعوة تستجاب ولكنها بحكمة الله تتحقق في أوانها، غير أن الناس يستعجلون!، وغير المواصلين يملون ويقنطون، قال (: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي) (1) . غير أن الأنبياء والمرسلين أكثر الناس تضرعا إلى الله بالدعاء لا يقنطون ولا يملون، يواصلون ولا يقطعون، يلحون ولا يفترون، أعظم الناس طمعا في نوال الله وفي طلب العون على أمور الدين والدنيا، كما حكى الله عن زكريا (: (وزكريا إذ نادى ربّه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ((الأنبياء 89) .فرزقه الله بعد (خمس وتسعين) سنة (2) .   (1) أخرجه البخاري ج11/140. (2) أحكام القرآن للقرطبي ج11/79. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 232 ولقد أدرك الخليل (أهمية الدعاء ومكانته عند الله تعالى، فابتهل وتضرع إلى الله تعالى امتثالاً لأمره وتعليما للعباد، وكرر النداء في دعائه وإنّ تكرار النداء له معنى ومغزى، وقدم ما حقه التقديم في الدعاء فصدر دعواته بهذا النداء الجميل اللطيف حرصا ومبالغة منه في الضراعة والابتهال فقال: (رب اجعل هذا البلد آمنا ..... ((إبراهيم 35) . لأنه ترك تَرِكَتَهُ وأهله بهذا الوادي المقفر المجدب الذي لا أنيس فيه، ثم قفل منطلقا فتبعته هاجر رحمة الله عليها قائلة: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي؟، قالت له مرارا، وجعل إبراهيم (من شدة الوجد والحزن لا يلتفت إليها فقالت له: آلله أمرك بهذا؟، قال: نعم. قالت في يقين وإيمان كامل: (إذا لا يضيعنا) ثم رجعت، وانطلق (حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ورفع يديه يناجي ربّه بعيدا عن عيون الناس بعيدا عن أسماعهم يخلص فيها لربّه، ويكشف له عما في صدره، يبوح لحبيبه عما أصابه من اللأوى والحزن، يناجي ربّه في قرب واتصال: (رب (بلا واسطة حتى ولا بحرف نداء، وإن ربّه ليسمع ويرى من غير دعاء ولا نداء، ولكن المكروب يستريح ببيان ما في صدره (1) . فاستهل طلبه بأمور عدة منها أن يجعل الله هذا البلد- المكان القفر الموحش - مستوطنا مؤنسا معمورا محبوبا آمنا من القحط والجدب والغارات ومن الخوف فلا يرعب أهله حتى يتمكنوا من أداء العبادات فقال: (رب اجعل هذا بلدا آمنا ((إبراهيم 35) . فإذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان لشيء من أمور الدين والدنيا.   (1) في ظلال القرآن لسيد قطب ج1/113، 4/2108. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 233 ثم يسأله وذريته غاية ما يُطلب في الدعاء وهو الثبات على التوحيد واجتناب الشرك فيقول: (واجنبني وبَنِيَّ أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ((إبرّهيم 35،، 36) (1) . ثم يكرر طلبه الذي لأجله أسكن ذريته بهذا الوادي بألطف الألفاظ وأحبها إلى الله طمعا فى الاستجابة وطلبا لكفاية مؤنة الرزق وليكون ذلك عونا لهم على طاعة الله، لا سيما في مثل هذا الوادي الجدب البَلْقَع الخالي من كل مرتفق ومرتزق، لما في السعي في حصوله من الانشغال عن ذكر الله فيقول: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ((إبراهيم 37) . ولقد حقق الله دعوته (، فإن الناس لا يزالون يحنون إلى زيارة البيت يبذلون كل غال وثمين في سبيل الوصول إليه، ومن زاره مرة ازداد شوقا وحنينا إليه. والأرزاق تجبى إلى مكة بلطف الله ورحمته، حتى إنه ليجتمع فيه من كل أقطار العالم البواكير من الفواكه المختلفة الأزمان والفصول في يوم واحد، كما قال تعالى: (أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ((القصص 57) .   (1) ذكر ابن كثير عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (تلا قول إبراهيم ((رب إنهن أضللن كثرا من الناس (الآية (إبراهيم 36) وقول عيسى ((إن تعذبهم فإنهم عبادك (الآية (المائدة 118) .، ثم رفع يديه ثم قال: (اللهم أمتي اللهم أمتي اللهم أمتي) وبكى، فقال الله: اذهب يا جبريل إلى محمد ورَبُكَ أعلم، وسله ما يبكيك؟، فأتاه جبريل (فسأله، فأخبرّه رسول الله (ما قال، فقال الله: اذهب إلى محمد، فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك. تفسيره ج2/540. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 234 ثم يمضي الخليل (في دعائه لله تعالى كحال الضعفاء متواضعا يطرح فقره وفاقته وحاجته ووجده أمام ربّه على تَرِكَتِه وفراقه لأهله، مستسلما مسلما أمره إلى مولاه ما يغني عن البيان والكلام، ويسأله معترفا بالعبودية والإخلاص، أن يجنبه الرياء والسمعة ويمن عليه بالرضى، فيقول: (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ((إبراهيم 38) . (1) . وإن الشكر على النعم على الدوام محمود وعند الحاجة والشوق أحمد وآكد، فيلهج لسانه (بالحمد والشكر على نعم الله الواصلة إليه شأن العبد يحمد ربّه ويثني عليه بالثناء الجميل على نعمه العظيمة بما مَنّ عليه ورزقه من الذرية الصالحة بعد الكبر وما أَجَلَّ الإنعام بها عند إحساس الفرد بقرب نهايته وحاجته الفطرية إلى الإمتداد ببقاء ذِكره، فيقول: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إنّ ربي لسميع الدعاء رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ((إبراهيم 39- 41) . (2) .   (1) فكأن لسان حال الخليل (يقول: اللهم إنك أعلم بأحوالنا ومصالحنا من أنفسنا فلا حاجة لنا إلى الطلب، لكن ندعوك لإظهار العبودية. (2) سورة إبراهيم (35- 41) وقرأ بعضهم: {ولِوَلدَيّ} يعني أسماعيل وإسحاق. أحكام القرآن للقرطبي ج9/375، وانظر روح المعاني للألوسي ج5/243، وفتح القدير للشوكاني ج3/113 الجزء: 14 ¦ الصفحة: 235 ثم يشعرنا الخليل (من خلال بنائه للبيت تصور دوام النقص والعجز عن إتقان العمل، والافتقار إلى رحمة الله في القبول، ليكون العبد بين الخوف والرجاء: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم ((البقرة 127) . (1) .فهو (في أجل الطاعات ولكنه مع ذلك يقدم في دعائه صيغة التفعيل المشعر بالتكلف في القبول والتقصير في أداء العمل وبالضمائر المؤكدة التي تفيد الحصر: (تَقبّل منا إنك أنت السميع العليم ((2) .فغايتنا من العمل هو تنفيذ أمرك، فكلل عملنا بالنجاح والقبول، وأرنا أثر ذلك في معالم الحج، ليبقى ذكرا وذخرا لنا: (ربنا وجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ((البقرة 128) (3)   (1) وعن وهيب بن الورد أنه إذا قرأ هذه الآية، ثم يبكى ويقول: يا خليل الرحمن ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك؟، تفسير تفسير ابن كثير ج1/175. (2) كما حكى الله عن المؤمنين بقوله: (والذين يؤتون ما آتَوّا وقلوبهم وَجِلَة ... (المؤمنون (60) ، أي: يعطون ما أعطوا من الصدقاًت والنفقات ويؤدون حقوق الله عليهم في أموالهم، ومع ذلك فهم خائفون وجِلون أن لا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشرط الإعطاء، عن عائشة رضى الله عنها في هذه الآية، قالت: يا رسول الله هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟، قال: (لا يا ابنة الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله) وفي رواية: (وهم يخافون ألا يتقبل منهم) .تفسير ابن كثير ج3/248. (3) انظر جامع البيان للطبري ج1/553، 554، وذكر الألوسي: أن التوبة تختلف باختلاف التائبين: فتوبة سائر المسلمين: الندم والعزم على ألا يعود، ورد المظالم إن أمكن ونية الرد إذا لم يمكن. وتوبة الخواص: الرجوع عن المكروهات من خواطر السوء والفتور في الأعمال، والإتيان بالعبادة على غير وجه الكمال. وتوبة خواص الخواص: لرفع الدرجات، والترقي في المقامات، فتوبة إبراهيم وإسماعيل من القسم الأخير. روح المعاني للألوسي ج1/386. وذكر القرطبي: أن المراد بالتوبة هنا هو طلب التثببت والدوام وهذا وجه حسن، وأحسن منه: أنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت، أرادا أن يُبيّنا للناس ويعرفاهم، أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة. أحكامه ج2/127، 130. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 236 وتكررت مسألة الخليل (للذرية استشعارا بالمسئولية واهتماما منه بشأنهم وصلاحهم، وهذا تعبير صادق عن التضامن الذي يدعو إليه الإسلام وهو حب الخير لكل الناس، امتثالا لقول النبي (: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) (1) .وكما أخبرنا الله عن عباده المتقين في قوله: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ((الفرقان 74) . وهذا القدر مرغوب فيه شرعا، فإن من تمام محبة عبادة الله تعالى أن يحب أن يكون من صلبه من يعبد الله وحده لا شريك له. (2) . ولذا حرص الخليل وابنه عليهما السلام على أن يبقى هذا التوحيد بقية باقية في عقبهما، فدعا الله: (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ((البقرة 129) . فكانت بعثة هذا الرسول الكريم محمد (من ذريتهما بعد قرون مضت استجابة لدعوتهما كما يقول (عن نفسه: (أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى..) الحديث (3) . قال القرطبي: يقال إنه لم يدع نبيّ إلا لنفسه ولأمته، إلا إبراهيم (فإنه دعا مع دعائه لنفسه ولأمته ولهذه الأمة. (4) .   (1) صحيح مسلم ج1/67. (2) تفسير ابن كثير ج1/183. (3) أخرجه أحمد في مسنده ج 4/127. وانظر أحكام القرآن للقرطبي ج2/131. (4) أحكام القرآن للقرطبي ج2/126. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 237 وينتهز إبراهيم (فرصة اختلائه بربّه متوجها مبتهلا مستزيدا مستكثرا من رب لا يمل ولا يضجر، لا يطلب دنيا أو صحة في الأبدان، ولكن يسأله ما هو أعلى وأولى وأجل فيقول: (رب هب لي حُكْماً وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق فى الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم ((الشعراء 83) (1) .فاستجاب الله دعاءه فقال: (وتركنا عليه في الآخرين ((الصافات 129) . إذ ليس أحد يصلي على محمد (إلا وهو يصلي على إبراهيم (. (2) .   (1) تفسير ابن كثير ج3/338.ولِذِكْر إبراهيم (في دعائه لفظ (الوراثة) فوائد وأسرار منها: أنه تيمن واقتداء في الطلب بقوله تعالى: (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا (مريم (63) . أي: نبقيها على من كان تقيا من ثمرة تقواه ونمتعه بها كما نبقي على الوارث مال مورثه ونمتعه به، ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يتخير في دعائه أحسن الألفاظ أرقها وأعذبها وأشملها ويحسن في الطلب فإن الله لا يعجزه شيء. زاد سيد قطب: فيه إشارة إلى أن من أراد الوراثة فالطريق معروف: التوبة والإيمان والعمل الصالح، أما وراثة النسب فلا تجدي، فقد ورث قوم نسب أولئك الأتقياء من النبيين وممن هدى الله واجتبى؛ لكنهم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، فلم تنفعهم وراثة النسب قال تعالى: (فسوف يلقون غيا (سورة مرريم (59) في ظلال القرآن ج4/2315. (2) أحكام القرآن للقرطبي ج13/113. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 238 ثم ينتقل القرآن الكريم فيصور لنا صورة نادرة من دعاء الخليل (تنبيء عن خوفه ووجله بأن يكون قد قصر في أداء العمل مع بذله قصارى جهده في تبيلغ الرسالة وأداء الأمانة، وهذا هو شأن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام فهم على بذل غاية الجهد وتحمل كبير المشقة في تبليغ الرسالة يخافون التقصير، كما أخبر الله عنهم بقوله: (وكأين من نبي قاتل معه رِبيُّونَ كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفرلنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين (. (آل عمران 0146، 147) . فيدعو الخليل (ربّه خائفا وجلا مشفقا مستحيا، بأن يجيره من جميع خزي يوم القيامة وهَوَانِه، وأن لا يفضحه على رؤوس الأشهاد بالعتاب إن هو قصر في تبيلغ الدعوة وأداء الأمانة، فيقول: (ولا تخزني يوم يبعثون ((الشعراء 83) . (1) . المطلب الثاني عشر: (دروس وعِبر عَبْرَ قصة الخليل () إنّ في منهج إبراهيم (في الدعوة إلى الله دروسا وتوجيهات، مشاهد وعبرا تحمل في طياتها أسرارا عميقة ومواقف ثابتة في الدعوة والطاعة والاصطبار منها: 1- إن أعمال الله غير خاضعة لمقاييس البشر وعِلْمِهم القليل المحدود. 2- يجب على المؤمن أن يتوكل على الله في كل شئونه بحسن معاملته وتوثيق صلته ويصلح الذي بينه وبين ربّه من أمره في السر والعلانية لا ينوي به إلا وجه الله، فيكفيه الله ما بينه وبين الناس.   (1) فتح القدير للشوكاني ج4/105، 106، روح المعاني للألوسي ج7/98- 100، في ظلال القرآن لسيد قطب ج5/2603، 2604. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 239 3- ما كان تحويل النار برداً وسلاماً على إبراهيم (إلا مثلا له نظائر في صور كثيرة، ولكنها قد تهز مشاعر العبد كما هزت هذه الواقعة الرائعة والكرامة الإلهية، فكم من ضائقات وكربات تحيط بالشخص من شأنها أن تكون القاصمة القاضية، وما هي إلا لحظات يسيرة فإذا هي تُحْيِي ولا تُمِيت وتنعش وتعود بالخير، قال تعالى: (ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور ((هود 10) . وفي الحديث عنه (أنه قال: (تجيء فتن يرقّق بعضها بعضا فيقول المؤمن: هذه مُهْلِكَتي، ثم تنكشف ثم تجيء فتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف- وفي رواية- فيقول المؤمن: هذه هذه) (1) . 4- ليكن في حسبان الداعية أن طريقه محفوف بالمخاطر مفروش بالأشواك، ففي كل لحظة وساعة يتوقع وقوع الخطر، وليكن أسوته الخليل إبراهيم (في ذلك، لا يثنيه تخويف المرجفين ولا يرده بطش الجبارين. 5- إن من أسباب نجاح الداعية عدم المبالاة بتعاظم الأخطار، كحال الخليل (فإنه لم ينزعج ولم يضطرب مع أنه يعاين بعينيه ما ينظم له من الخطر وما يُنْصَبُ له من النكال. روي أن الأسود بن قيس ذا الحمار تنبأ في اليمن فبعث إلى أبي مسلم الخولاني، فلما جاء قال: أتشهد أني رسول الله؟، قال: ما أسمع، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟، قال: نعم، قال فردد ذلك مرارا، فامر بِنَارٍ عظيمة فأججت ثم ألقي فيها فلم تضره، فأمره بالرحيل فأتى المدينة وقد مات النبي (واستُخْلِف أبو بكر (فقال عمر (لأبي بكر: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من فُعِل به كما فُعِل بإبراهيم (2)   (1) صحيح مسلم ج3/1473، وابن ماجه ج2/369.ومعنى (فتن يرقّق بعضها بعضا) : أي يصير خفيفا لِمَا يعقبه، أو يُشَوّق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويلها. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج2/253. (2) تهذيب التهذيب لابن حجر ج12/236. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 240 والأمثلة للمتأمل المتعظ في هذا الباب كثيرة، نسأل الله أن ينير لنا الطريق ويبصرنا بالحق أينما كان وكنا إنه جواد كريم. هذا وقد صدق الإمام مسلم (حين قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم (1)   (1) صحيح مسلم ج1/428. المراجع والمصادر القرآن الكريم. الأعلام للزركلي دار العلم للملايين بيروت لبنان ط 12 1997 م. البرّهان في علوم القرآن لبدر الدين الزركشي ط2 تحقيق محمد أبو الفضل نشر دار المعرفة بيروت. التعريفات لعبد القاهر الجرجاني تفسير القرآن العظيم لابن كثير نسخة مصححة على نسخة دار الكتب المصرية دار إحياء التراث العربي بيروت 1388 هـ. تهذيب التهذيب للحافظ أحمد بن ججر، دار الفكر العربي، ط 1/ عن مطبعة دائرة المعارف النظامية حيدر آباد الدكن هند. الجامع لأحكام القرآن لمحمد بن أحمد القرطبي وزارة الثقافة نشر دار الكاتب العربي للطباعة القاهرة 1387 هـ. جامع البيان لابن جرير الطبري ط 2 1373 هـ مصطفى البابي روح المعاني لمحمود الألوسي دار الفكر بيروت 1398 هـ. رياض الصالحين للنووي سنن بن ماجه، محمد مصطفى الأعظمي، ط 1/1403، طبع شركة الطباعة العربية السعودية الرياض. سنن أبي داود مراجعة وضبط محمد محي الدين عبد الحميد دار الفكر الصحاح للجوهري تحقيق احمد عبد الغفور عطار ط 2 1399 هـ القاهرة. صحيح البخاري ضبط: محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب المكتبة السلفية دار الفكر. صحيح الجامع الصغير للألباني المكتب الإسلامي تحقيق زهير الشاويش ط 3 1410 هـ. صحيح مسلم ضبط محمد فؤاد عبد الباقي مطبعة دار إحياء الكتب العربية. فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر المكتبة السلفية دار الفكر. فتح القدير للشوكاني دار الفكر ط 3 / 1393 هـ. في ظلال القرآن لسيد قطب دار الشروق القاهرة مجموع الفتاًوى لابن تيمية ط 1/ طبعة الملك فهد حفظه الله. مختصر سنن أببي داود للمنذري تحقيق محمد حامد فقي طبعة الملك خالد رحمه الله. معاني القرآن للنحاس طبعة جامعة أم القرى. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي المعجم الوسيط لإبراهيم أنيس ورفاقه ط 2 معجم مقاييس اللغة لابن فارس ط 1 1420 هـ دار الكتب العلمية بيروت. تفسير الفخر الرازي مفاتيح الغيب ط 1 1401 هـ دار الفكر. مسند أحمد ترتيب رياض عبد الله عبد الهادي ط 2 1414 هـ دار أحياء التراث العربي. مفردات ألفاظ القرآن للراغب تحقيق صفوان عدنان داوودي ط 2 1418 هـ دار القلم دمشق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 241 فإنني قد بذلت جهدا كبيرا في جمع وترتيب وتنسيق مادة هذا البحث القيم المبارك، ولا أدعي العصمة والكمال، ولا عدمت أخا كريما فاضلا نصوحا ستيرا ستر الزلة وأسدى النصيحة وأبدى الصواب، وأسأل الله العفو عن الزلات والصفح عن الهفوات، كما أسأل المولى جل وعلا الإخلاص والأجر والمثوبة والنفع، وأن يجعله في ميزان حسنات والدي إنه سميع قريب مجيب الدعوات رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 242 رد خبر الواحد بما يسمى ب (الانقطاع الباطن) حقيقته، وحكمه وأثره في الفقه الإسلامي د. ترحيب بن ربيعان الدوسري الاأستاذ المساعد- بقسم أصول الفقه - كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ملخص بحث فكرة البحث ونتائجه: ذكرت فيه: أن علم أصول الفقه علم عظيم الشأن، به تضبط الاستنباطات، والمآخذ الفقهيات، وهو سياج عن الزلل والخطأ والخلل في التفقه في الدين، وبالتمكن فيه يسهل الترجيح بين الأقوال والمذاهب الفقهية. عرفت في البحث الخبر لغة واصطلاحاً وذكرت أقسامه، وما يفيده كل قسم من العلم أو الظن وذكرت منزلة السنة عند الشارع وسلف الأمة وأئمتها، وبينت ما يرد به خبر الواحد عند الحنفية بما يسمونه بالانقطاع الباطن وذكرت اقسامه الأربعة ذاكراً أدلتهم في ردهم لخبر الواحد في كل قسم مبيناً الحق فيها مع ذكر الأمثلة التطبيقية في كل قسم من المسائل الفقهية مع ذكر حجج كُلٍّ في كل مسألة فيما يتعلق بهذا المأخذ، مخرجاً أقوال الإمام أبي حنيفة في كل مسألة فقهية بما يتفق مع أصوله وأصول بقية الأئمة الثلاثة والمنقولة عنه وعنهم نقلاً لا مجال في الشك فيه من تقديم السنة على الرأي. وقد توصلت إلى نتائج هامة جداً أهمها: 1- أن هذه المسائل دخيلة على علم أصول الفقه بل صلتها وثيقة بمباحث علم العقيدة. 2- لا خلاف بين أحد من علماء الأمة –لا سيما الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة المعتبرين ومنهم الأئمة الأربعة – في وجوب الاحتجاج بالسنة، معتبرينها صنو القرآن الكريم في التشريع العلمي والعملي. 3- أن الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى يرون حجية خبر الواحد مطلقاً وأنه يفيد العلم والعمل معاً خلافاً لمن شذ عن طريقهم ممن نَسَبَ نفسه إليهم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 243 4- أن الطعن في خبر الواحد الصحيح بما يسمى بالانقطاع الباطن لدليل معارض قول مخترع اخترعه عيسى بن أبان ثم تبعه على ذلك أبو زيد الدبوسي ثم تتابع على القول به كثير من علماء الحنفية كالبزدوي والنسفي وعبد العزيز البخاري حتى أصبح هذا القول أصلاً من أصول الحنفية. 5- لم يَثْبُتْ بناء أي مسألة من المسائل الفقهية على تلك القواعد، كما لم يثبت عن الإمام أبي حنيفة القول بها. * * * الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الغر الميامين وعلى من اتبع أثره واستن بسنته إلى يوم الدين. وبعد: أهمية الموضوع: فإن علم أصول الفقه علم عظيم الشأن، به تضبط الاستنباطات، والمآخذ الفقهية. وهو سياج عظيم لمن أراد التفقه في الدين من الزلل والخطأ والخطل. وبالتمكن فيه يسهل الترجيح في المسائل الفقهية المختلف فيها بين أئمة الفقه لإحاطته بالقواعد الأصولية التي بنى الفقهاء والعلماء عليها فقههم؛ وكلما ازداد رسوخاً في علم أصول الفقه استطاع اختيار القول الراجح بسهولة ويسر مع اطمئنان إلى ما يذهب إليه. إلا أن هذا العلم دخله ما ليس منه – كما دخل غيره من فنون العلم الأخرى – فأذهب بريقه وصفاءه في كثير من مسائله مما يوجب على الباحثين فيه التحري والتحقق من صحة تلك الأصول وتلك القواعد والتأكد من عدم معارضتها لقواعد الشريعة الكلية أو الجزئية. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 244 وقد أوضح فضيلة الدكتور محمد العروسي عبد القادركثيراً من تلك المسائل التي أدخلت في مباحث أصول الفقه وليست منه، مبيناً أنها مبنيةٌ على مسائل عقدية منحرفة، فقال:- (ولما تصدى هؤلاء المتكلمون للكتابة في أصول الفقه، لم يكتفوا أن خلطوها بعلم الكلام ومقدماته، بل أدخلوا فيها أموراً افتراضية كتعارض خبرين ثابتين عن النبي (، وكتخصيص عموم الكتاب للسنة، وكجواب الرسول (للسائل بجواب أخص من سؤاله، وكتمثيلهم في مسألة تكليف ما لا يطاق بالمستحيل لغيره وزعمهم أنه واقع في الشريعة. وكل هذه المسائل لا وقوع لها في الشريعة. ثم إن المتكلمين يرون أن علم الكلام أساس في معرفة الأصول، بل قد يفهم من ثنايا كلام القاضي أنه يرى أن التبحر في فن الكلام شرط في استجماع أوصاف المجتهدين ... لأن كثيراً من هؤلاء الفقهاء أدخلوا فيما كتبوه عن الأصول شيئاً من أصول الأشعري وشيئاً من أصول الكلامية، فكان حكمهم في الأشياء بحسب معتقداتهم وتصوراتهم لا بحسب الواقع الذي يشهد له الكتاب والسنة … .) (1) وقال:- أيضاً – (وقرر القاضي مسائل الأصول وبناها على مذهب أبي الحسن الأشعري – رحمه الله – فإنه كان يذهب مذهبه في القدر والصفات والكلام، وينافح عنه. ولما كان بعض مسائل أصول الفقه تشترك مع بعض مسائل أصول الدين، كمسائل الأخبار، وحجية المتواتر، وأخبار الآحاد، ووقوع النسخ، ومسائل التكليف، كالأمر بالشيء والنهي عنه هل يقتضي الأمر والنهي عن ضدهما؟ والخلاف في جواز كون الأمر مشروطاً ببقاء المأمور على صفات التكليف، وهل الأمر بالفعل يتعلق به حال حدوثه؟ ومسألة الاستطاعة، ومسألة تكليف ما لا يطاق، والمسائل المتعلقة بالإكراه وغيرها من مسائل الإجماع والقياس والاجتهاد.   (1) لحواشي والتعليقات () انظر: المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين (16-17) الجزء: 14 ¦ الصفحة: 245 وأما حجية الإجماع والكلام في صحته وإثباته فمن مسائل علم الكلام، ولما كان الأمر كذلك، استطاع كثير ممن شارك في علم الكلام أو كتب فيه أن يكتب في أصول الفقه؛ لأنه الميدان الذي ظهر فيه أراء المعتزلة؛ ولأنه الفن الذي يمكن فيه تقرير مذهب أبي الحسن الأشعري أو مذهب غيره … . ثم تتابع الأصوليون من المتكلمين أو المنتسبون إليهم كالقاضي البيضاوي وابن الحاجب والإسنوي– وفي عصر هؤلاء – وقبله بقليل ظهرت نزعة الكلام في أصول الحنفية ويتضح ذلك في كتابات شراح البزدوي والمنتخب للأخسيكثي، ناهيك عن المتأخرين منهم كالنسفي حافظ الدين وابن الهمام. وهؤلاء المتكلمون من الأصوليين منهم من كتب وألف في الأصلين، ومن له تأليف في أصول الدين وشرح لأحد كتب أصول الفقه) (1) . ومن هذه المسائل التي حُشر بحثها في علم أصول الفقه وليست منه مقررة على خلاف الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وعمل سلف الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة المرضيين، وعلى خلاف من ينتسب إليه مقرروها ألا وهو مذهب الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – مسألة الانقطاع الباطن في أخبار الآحاد. سبب اختيار الموضوع:- لقد دفعني للكتابة في هذه المسألة غير ما سبق أمورٌ أجمل أهمها فيما يأتي:- 1- توضيح هذه المسألة وبيان تعلقها بمسائل عقدية خطيرة خالف بعض المنتسبين إلى مذاهب الأئمة الأربعة الفقهية فيها أئمتهم. 2- توضيح رأي الأئمة الأربعة ولا سيما رأي أبي حنيفة في هذه المسألة. 3- نصرة الحق وتنقيته مما شابه من باطل. 4- كثرة ما ترتب على القول بها من مسائل فقهية مخالفة للأدلة الشرعية. 5- تبرئة أعلام الحنفية من القول بها وتبيين أن قائلها الأول ليس منهم، وإن كان قد تبنى القول بها فيما بعد كثير من المنتسبين إلى أبي حنيفة.   (1) المصدر السابق (12-14) الجزء: 14 ¦ الصفحة: 246 6- ترغيب طلاب العلم في تعلم أصول الفقه على طريقة أهل السنة والجماعة حقاً (أهل الحديث والأثر) وذلك بالرجوع إلى أقوال الأئمة المعتبرين أمثال الإمام مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة والبخاري ومسلم وابن قتيبة والسمعاني وابن عبد البر وابن تيمية وابن القيم وابن كثير ومن سار على طريقتهم واقتفى أثرهم، وفي الوقت نفسه تحذيرهم عن سلوك طريق المتكلمين من معتزلة وأشاعرة وماتريدية وغيرهم. 7- تشجيع طلاب العلم ممن هو متمكن في علم أصل الأصول: العقيدة، وعلم أصول الفقه للكتابة في المسائل التي اختلط فيها الحابل بالنابل، والحق بالباطل لتمييزها، وتوضيحها، وتنقيتها مما علق بها من شوائب باطل المتكلمين وبعض المنتسبين إلى مذهب أبي حنيفة - رحمه الله - ممن أصبح فيما بعد يُعد من فقهاء الحنفية. 8- جدة الموضوع فإني لا أعلم أن أحداً من الباحثين أفردها ببحث مستقل. خطة البحث:- قسمت البحث إلى مقدمة اشتملت على أهمية الموضوع، وسبب اختياره، وخطة البحث، ومنهجي فيه، وإلى ستة مباحث على النحو التالي:- المبحث الأول:- في تعريف الخبر، وذكر أقسامه. المبحث الثاني:- في بيان منزلة السنة عند الشارع وسلف الأمة وأئمتها وفيه مطلبان:- المطلب الأول: في بيان منزلة السنة عند الشارع. وفيه أربع مسائل:- المسألة الأولى:- في منزلة السنة في كتاب الله. المسألة الثانية:- في منزلة السنة في السنة. المسألة الثالثة:- في دلالة الإجماع على منزلة السنة. المسألة الرابعة:- في دلالة المعقول على منزلة السنة. المطلب الثاني: في بيان منزلة السنة عند سلف الأمة وأئمتها. وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى:- في منزلة السنة عند الصحابة. المسألة الثانية:- في منزلة السنة عند التابعين. المسألة الثالثة:- في منزلة السنة عند أعلام الهدى ومصابيح الدجى:- وفيها فقرتان. الفقرة الأولى: في منزلة السنة عند الأئمة الأربعة على وجه الخصوص الجزء: 14 ¦ الصفحة: 247 الفقرة الثانية: في منزلة السنة عند سائر علماء الأمة. المبحث الثالث:- في إفادة خبر الواحد العلم. المبحث الرابع: في المشهور عند الحنفية. المبحث الخامس:- في تحرير موطن النزاع وذلك ببيان ما المراد بالانقطاع الباطن، وذكر أقسامه وأنواع كل قسم. المبحث السادس:- في أوجه انقطاع خبر الواحد الباطن لدليل معارض من القسم الأول. وفيه أربعة مطالب:- المطلب الأول:في رد خبر الواحد لكونه مخالفاً لكتاب الله تعالى.وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في أدلة القائلين بها ومناقشتها. المسألة الثانية: في الآثار الفقهية المترتبة على القول بها. المطلب الثاني: في رد خبر الواحد لكونه مخالفاً للسنة المشهورة.وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في أدلة القائلين بها ومناقشتها. المسألة الثانية: في الآثار الفقهية المترتبة على القول بها. المطلب الثالث:- في رد خبر الواحد لكونه حديثا شاذاً لم يشتهر فيما تعم به البلوى ويحتاج الخاص والعام إلى معرفته.وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في أدلة القائلين بها ومناقشتها. المسألة الثانية: في الآثار الفقهية المترتبة على القول بها. المطلب الرابع:- في انقطاع خبر الواحد لكونه حديثاً قد أعرض عنه الأئمة من الصدر الأول. وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في أدلة القائلين بها ومناقشتها. المسألة الثانية: في الآثار الفقهية المترتبة على القول بها. منهجي في البحث سرت في البحث على النهج الآتي:- 1- عرفت بالمصطلحات العلمية ذات العلاقة بالموضوع، والكلمات الغريبة. 2- عزوت الآيات القرآنية إلى مواطنها من كتاب الله وذلك بذكر اسم السورة ورقم الآية. 3- خرجت الأحاديث من مظانها مبيناً حكم العلماء عليها من حيث الصحة أو عدمها. 4- خرجت الآثار من مظانها. 5- حررت المسألة المبحوثة معتمداً في نسبة الأقوال إلى قائليها والمذاهب إلى أصحابها على الكتب الأصلية والمصادر القديمة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 248 6- ذكرت في المسائل الأربع أدلة المذاهب المختلفة، واعتراضات كلٍ. 7- أبرزت أقوال السلف من الصحابة والتابعين وتابع التابعين والأئمة الأربعة في تلك المسألة لكونهم القدوة. 8- وثقت المسائل الفقهية من مصادرها المعتبرة. وختاماً فقد اجتهدت فيما كتبت قدر استطاعتي متوخياً فيه الحق والصواب فإن كنت وفقت إليه فبفضل الله وحده أولاً وآخراً وإن كانت الأخرى فأستغفر الله وأتوب إليه. هذا.. وقد سميت هذا البحث: ب (رد خبر الواحد بما يسمى بالانقطاع الباطن؛ حقيقته، وحكمه، وأثره في الفقه الإسلامي) . وصلى الله وسلم على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. المبحث الأول: في تعريف الخبر وذكر أقسامه الخبر في اللغة (1) هو:- واحد الأخبار. والخبر ما أتاك من نبأ عمن تستخبر. وخبره بكذا، وأخبره: نبأه. واستخبره: سأله عن الخبر وطلب أن يخبره. وفي الاصطلاح (2) :- هو الكلام المحتمل للصدق والكذب لذاته. والمراد بالخبر في هذا البحث: هو الخبر المنقول عن الشارع، وهو قسمان:- متواتر وآحاد. والمتواتر لغة (3) :- مأخوذ من التواتر وهو التتابع بين أشياء بينها مهلة. واصطلاحاً (4) :- خبر عددٍ يمتنع معه لكثرته تواطؤٌ على كذبٍ عن محسوسٍ أو خبرُ عددٍ عن عددٍ كذلك إلى أن ينتهي إلى محسوس.   (1) انظر: لسان العرب (4/227) والكليات (2/279-280) . (2) انظر: معجم البلاغة العربية (1/231) (3) انظر: القاموس المحيط (631) . (4) انظر تعريف المتواتر اصطلاحاً في: إحكام الفصول (235) وأصول السرخسي (1/282) والمحصول (2/108) والإحكام للآمدي (2/15) وكشف الأسرار للنسفي (2/4، 6) وشرح الكوكب المنير (2/324) وإرشاد الفحول (41) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 249 والمتواتر يفيد العلم الضروري اليقيني عند جمهور العلماء (1) خلافاً للكعبي وأبي الحسين البصري المعتزلي وأبي الخطاب والجويني والدقاق الشافعي وغيرهم حيث قالوا إنه يفيد العلم النظري. وأما الآحاد فهو في اللغة (2) : جمع أحدٍ، وهمزته مبدلة من الواو فأصل أحد: وحد. واصطلاحاً (3) :- هو ما لم يتواتر. وهذا التعريف يشمل الخبر الصحيح وغيره، إلا أن المراد هنا بخبر الآحاد أو الواحد:- هو الخبر الصحيح المروي عن رسول الله (بعدد من الرواة لا يبلغ عددهم حد التواتر. وأما الحديث عمَّا يفيده خبر الواحد فسيأتي في موطنه – إن شاء الله –. المبحث الثاني: في منزلة السنة عند الشارع وسلف الأمة وأئمتها. وفيه مطلبان: المطلب الأول: في منزلة السنة عند الشارع. وفيه أربع مسائل:- المسألة الأولى: في منزلة السنة في كتاب الله. للسنة منزلة عظيمة عند الله وعند رسوله (فهي وحي من الله لرسوله كالقرآن إلا أن الفرق بينها وبين القرآن أن القرآن لفظه ومعناه من الله، والسنة معناها من الله ولفظها من رسول الله (.   (1) انظر:- المعتمد (2/81) وإحكام الفصول (238) وأصول السرخسي (1/283) والبرهان (1/579) والمستصفى (1/133) والإحكام للآمدي (2/18) وكشف الأسرار للبخاري (2/362) وشرح الكوكب المنير (2/326) وإرشاد الفحول (41) وشرح الروضة للطوفي (2/79) (2) انظر: القاموس المحيط (338) ، والكليات (1/64-65) ، وشرح الكوكب المنير (2/345) ومذكرة أصول الفقه (102) . (3) انظر: تعريفه اصطلاحاً في:- إحكام الفصول (235) والمستصفى (1/145) وشرح الروضة للطوفي (2/103) والإحكام للآمدي (2/31) وكشف الأسرار للبخاري (2/370) والمغني للخبازي (194) وكشف الأسرار للنسفي (2/13) وشرح الكوكب المنير (2/345) وإرشاد الفحول (43) ومذكرة أصول الفقه (1/102) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 250 وهي مصدر للتشريع ككتاب الله. فالقرآن هو الأصل الذي حوى القواعد الكلية الأساسية من أمور العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات وغيرها، والسنة هي البيان الحقيقي والشرح الدقيق لما أُحتيِجَ فيه من القرآن إلى تبيين. فمن رام العمل بالقرآن وحده دون الرجوع إلى السنة - ولا سيما السنة الآحادية لكثرتها وقلة أو ندرة المتواتر منها - فقد كذب، بل هو - في الحقيقة - منسلخ من الإسلام ساعٍ في هدمه، مستهزئ به وبأهله. وقد دل على حجية السنة - متواترها وآحادها، وأنها المصدر الثاني من مصادر التشريع،وأن الواجب على من انتسب إلى الإسلام والإيمان وجوب الرجوع إليها في كل شيء - الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، والعقل الصريح، والنظر الصحيح. ولقد جاءت آيات كثيرات تدل بدلالات مختلفة ومتنوعة على أن السنة وحي من الله يجب على المكلفين اتباعها والرجوع إليها، وليس لأحد الخيرة في تركها أو الإعراض عنها. من ذلك:- قوله تعالى:- (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ((النجم 3،4) فهذه الآية عامة في جميع ما ينطق به النبي (. قال ابن حزم (1) –رحمه الله -:- (فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله (على قسمين:- أحدهما:- وحي متلو مؤلف تأليفاً معجز النظام وهو القرآن.   (1) انظر: الإحكام له (1/95-96) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 251 والثاني:- وحي مروي منقول غير مؤلف ولا معجز النظام ولا متلو لكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله (وهذا القسم هو المبين عن الله عز وجل مراده منا. قال تعالى:- (لتبين للناس ما نزل إليهم ((النحل 44) ووجدناه تعالى قد أوجب طاعة هذا الثاني كما أوجب طاعة القسم الأول الذي هو القرآن ولا فرق فقال تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ((التغابن 12) فكانت الأخبار التي ذكرنا أحد الأصول الثلاثة التي ألزمنا طاعتها في الآية الجامعة لجميع الشرائع أولها عن آخرها، وهي قوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ((النساء 59) فهذا أصل، وهو القرآن. ثم قال تعالى:- (وأطيعوا الرسول ((النساء 59) فهذا ثانٍ وهو الخبر عن رسول الله (، ثم قال تعالى:- (وأولي الأمر منكم ((النساء 59) فهذا ثالث وهو الإجماع المنقول إلى رسول الله (حكمه، وصح لنا بنص القرآن أن الأخبار هي أحد الأصلين المرجوع إليهما عند التنازع، قال تعالى:- (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ((النساء 59) . قال علي:- والبرهان على أن المراد بهذا الرد إنما هو إلى القرآن والخبر عن رسول الله (؛ لأن الأمة مجمعة على أن هذا الخطاب متوجه إلينا وإلى كل من يخلق ويركب روحه في جسده إلى يوم القيامة من الجنِّة والناس كتوجهه إلى من كان على عهد رسول الله (، وكل من أتى بعده عليه السلام وقبلنا ولا فرق، وقد علمنا علم ضرورة أنه لا سبيل لنا إلى رسول الله ( ... والقرآن والخبر الصحيح بعضها مضاف إلى بعض، وهما شيء واحد في أنهما من عند الله تعالى، وحكمهما حكم واحد في باب وجوب الطاعة لهما لما قدمناه آنفاً في صدر هذا الباب) انتهى كلامه مختصراً. المسألة الثانية: في منزلة السنة في السنة النبوية. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 252 كما دل الكتاب الكريم على حجية السنة ووجوب العمل بها والانقياد لها ظاهراً وباطناً سراً وعلانيةً، وعدم رد شيء منها، فقد دلت السنة النبوية على ذلك كله. من ذلك:- أ-قوله (:- (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا يا رسول الله: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) (1) . ب-قوله (:- ( … فمن أطاع محمداً (فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً (فقد عصى الله، ومحمد فَرَّقَ بين الناس) (2) . ج-قوله (:- (إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض) (3) . د-قوله (:- (أوصيكم بتقوى الله تعالى، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعةٍ ضلالة) (4) . هـ-قوله (:- (إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعينيّ، وإني أنا النذير العُريان، فالنجاء، فأطاعة طائفة من قومه فادلجوا، فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذَّب بما جئت به من الحق) (5) .   (1) رواه البخاري في صحيحه من أبي هريرة (8/139) . (2) المصدر السابق من حديث جابر بن عبد الله (8/139-140) . (3) رواه الحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة (1/93) . (4) رواه البيهقي في السنن الكبرى من حديث العرباض بن سارية (10/114) . (5) رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي موسي (8/140) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 253 وهذه الأحاديث السابقة وغيرها تدل على ما دلت عليه الآيات الكريمات السابقات من وجوب طاعة الرسول وأن طاعته من طاعة الله وأنه لا يمكن للعبد أن يطيع ربه من غير طاعة نبيه وأن في طاعته النجاء وفي معصيته الخسران المبين في الدنيا والآخرة، وأن سنته (باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وأنها لا تفترق عن كتاب الله حتى يردا على رسول الله حوضه، وأن الضلال والانحراف والابتداع هو ترك سنته وهديه، وأن دعوى من يقول بعدم حجية السنة إنما هي من البدع والاختلافات والضلالات التي حذرنا منها رسول الله (. وإن من أصرح الأحاديث الدالة على حجية السنة، وضرورة التمسك بها – غير ما سبق – قوله (:- و (من رغب عن سنتي فليس مني) (1) فمن كان لديه عقل أودين كفاه هذا فضلاً عما ذكر من الآيات والأحاديث وما سَيُذكر. ز-قوله (:- (نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرُبَّ حامل فقهٍ غيرُ فقيهٍ، ورُبَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه. ثلاثُ لا يَغِلُّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم) (2) . قال الإمام الشافعي (3) :- (فلما ندب رسول الله صلى الله عليه إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها امرَأً يؤديها، والامرءُ واحد: دل على أنه لا يأمر أن يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أُدِّي إليه، لأنه إنما يؤدي عنه حلالٌ، وحرام يُجتنب، وحدٌّ يقام، ومال يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دين ودنيا) . المسألة الثالثة: في دلالة الإجماع على منزلة السنة النبوية.   (1) رواه البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك (6/116) . (2) رواه ابن ماجة في سننه (1/84) والترمذي في سننه (5/34) . (3) انظر: الرسالة (402-403) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 254 قال الشوكاني (1) :- (اعلم أنه قد اتفق من يعتد به من أهل العلم على أن السنة المطهرة مستقلة بتشريع الأحكام وأنها كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام … .والحاصل أن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورية دينية ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الإسلام) . المسألة الرابعة: في دلالة المعقول على منزلة السنة النبوية. قال الدكتور عبد الكريم زيدان (2) :- (ثبت بالدليل القاطع: أن محمداً (رسول الله، ومعنى الرسول: هو المبلغ من الله، ومقتضى الإيمان برسالته: لزوم طاعته، والانقياد لحكمه، وقبول ما يأتي به، وبدون ذلك لا يكون للإيمان به معنى. ولا تتصور طاعة الله والانقياد إلى حكمه، مع المخالفة لرسوله () . المطلب الثاني: في منزلة السنة عند سلف الأمة وأئمتها. وفيه ثلاث مسائل:- المسألة الأولى:- في منزلة السنة عند الصحابة رضي الله عنهم. لقد كان للسنة النبوية في صدور سلفنا الصالح وأئمتنا منزلة عظيمة جداً فقد كان لها من الحب والاحترام والتقدير ما يهون معه كل شيء، بل كانوا يرون أن الهدى في الاعتصام بها والتمسك والعمل بها في كل شيء هو دليل التقوى، وقد تنوع ذلك الحب بين عمل بها وقول يحض ويدعو إلى توقيرها، والعمل بها، وحفظها، وضبطها، ونشرها، وهجر لمن أعرض عنها، وتحذير عن هجرها وترك لها.   (1) في كتابه إرشاد الفحول (29) . وقد حكى الإجماع على ذلك كثير من أهل العلم. انظر عل سبيل المثال:- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي (376) وحجية السنة (248، 341) وشرح المحلي على جمع الجوامع (2/94-95) وفواتح الرحموت (1/17) . (2) في كتابه الوجيز (163) وانظر أيضاً منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد (1/108) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 255 ولم يكن أحد أكثر حباً لسنة المصطفى والعمل بها والحض عليها والتمسك بها والتحذير من مخالفتها من الصحابة رضي الله عنهم فقد أشتهر عنهم ذلك شهرةً لا تخفى على أحدٍ، وتواتر عنهم تواتراً لا يُدفع في مواقف كثيرة جداً فاقت العد والحصر. ولكثرة ما تواتر عنهم في هذا المجال فإني سأكتفي بإيراد بعض الأمثلة التي تفي بالمراد، فمن ذلك:- 1- قول أبي بكر الصديق (1) –رضي الله عنه-: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله (يعمل به، إلا عملت به فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ. 2- قول عمر بن الخطاب (2) – رضي الله عنه – في تقبيله للحجر الأسود: إنك حجر لا تنفع ولا تضر؛ ولولا أني رأيت رسول الله (يقبلك ما قبلتك. 3- قول علي (3) رضي الله عنه:- إلا إني لست بنبي، ولا يوحى إلي؛ ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه محمد (ما استطعت (4) . المسألة الثانية:- في منزلة السنة عند التابعين.   (1) رواه البخاري في صحيحه (4/42) في باب فرض الخمس وانظر ما هو بمعناه في سنن الدارمي (1/42) وسنن ابن ماجة (2/910) . (2) رواه البخاري في صحيح (2/162) في باب تقبيل الحجر وانظر ما هو في معناه في موطأ مالك (1/278) وصحيح البخاري (4/62) وسنن النسائي (8/231) وإعلام الموقعين (1/54-55) . (3) حجية السنة (248) وانظر ما هو في معناه في صحيح البخاري (2/151) . (4) وقد نقل عن كثير من الصحابة رضي الله عنهم ما يدل على توقيرهم للسنة وعدم تقديم شيء عليها والرجوع إليها والتعويل عليها في جميع أمورهم، ومن أولئك عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وابن عمر وعمران بن حصين وعبد الله بن مغفل وخراش بن جبير وغيرهم. انظر ما ورد عنهم في: صحيح البخاري (6/219) ، (8/123) ومسند الإمام أحمد (1/337) وصحيح مسلم (1/64، 327) ، (3/1176) وشرح السنة للبغوي (8/257) وسنن الدارمي (1/79-80) وجامع بيان العلم وفضله (2/239) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 256 لقد ربى الصحابة رضي الله عنهم التابعين على حب السنة والعمل بها ظاهراً وباطناً سراً وعلانيةً ونشرها بين الناس ودعوتهم للعمل بها والتحذير من مخالفتها ومجانبتها فنقل عن التابعين من الآثار الدالة على ذلك كما نقل عن أساتذتهم رضي الله عنهم أجمعين. فمن ذلك:- 1- قول قتادة بن دعامة (ت 117هـ) (1) :- والله ما رغب أحد عن سنة نبيه (إلا هلك. فعليكم بالسنة وإياكم والبدعة. 2- قول محمد بن مسلم الزهري (ت 124هـ) (2) :- كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، والعلم يقبض سريعاً (3) . المسألة الثالثة:- في منزلة السنة عند أعلام الهدى ومصابيح الدجى، وفيها فقرتان: - الفقرة الأولى:- في منزلة السنة عند الأئمة الأربعة على وجه الخصوص:-   (1) انظر: مفتاح الجنة (152-153) . (2) رواه اللآلكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/94) . (3) وقد ورد عن شريح وبن مهران الرياحي وعمربن عبد العزيز ومجاهد والحسن البصري وابن سيرين وغيرهم ما يدل على أن الفلاح في التمسك بالسنة والهلاك والضلال في تركها وأن الراغب عنها مطعون ومتهم في دينه. انظر أقوالهم رحمهم الله تعالى في: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/56-57، 94) وسنن الدارمي (1/40) والمدخل إلى السنن الكبرى (22) وجامع بيان العلم وفضله (2/167-168) ومفتاح السنة (92، 152-153) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 257 لقد سار أعلام الهدى من علماء الأمة من بعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم بإحسان على طريق سلفهم الصالح من الاحتجاج بالسنة وتقديرها وتوقيرها والرجوع إليها في كل صغيرٍ وكبيرٍ والتحذير عن مجانبتها أو مخالفتها أو تركها أو التقدم عليها وبين يديها، وقد أُثر عنهم كما أُثر عن سلفهم من الأقوال الدالة على ذلك - وهي كثيرة جداً - إلا أني سأقتصر على بعضها مبتدئياً بذكر أقوال الأئمة الأربعة؛ لإمامتهم، وشهرتهم، ومكانتهم عند عامة الأمة، ثم أذكر أقوال بعض العلماء من عصرهم ومن غيره - من غير استقراء- للدلالة على أن هذا الموقف هو موقف أهل العلم جيلاً بعد جيل. فمما جاء عن الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى ما يأتي:- أولاً:- أقوال الإمام أبي حنيفة (ت150هـ) رحمه الله في ذلك:- 1- إذا صح الحديث فهو مذهبي (1) . 2- دخل عليه مرة رجل من أهل الكوفة، والحديث يقرأ عنده، فقال الرجل: دعونا من هذه الأحاديث. فزجره أبو حنيفة أشد الزجر، وقال له: لولا السنة ما فهم أحد منا القرآن (2) . ثانياً:-أقوال الإمام مالك (ت 179هـ) رحمه الله في ذلك: - ما من أحدٍ إلا ومأخوذ من كلامه ومردود عليه إلا رسول الله ((3) . ثالثاً:-أقوال الإمام الشافعي (ت 204هـ) رحمه الله تعالى في ذلك:- 1- ليس في سنه الرسول الله (إلا اتباعها (4) .   (1) انظر: حاشية ابن عابدين (1/385) وانظر مقالات وكلمات أخرى للإمام في هذا الموضوع في سير أعلام النبلاء (6/401) والمدخل إلى السنن الكبرى (1/46) وإعلام الموقعين (4/123) ومفتاح الجنة (92) والمستخر ج على المستدرك (15) . (2) انظر: المستخرج على المستدرك (15) . (3) انظر: عقد الجيد (2/27-28) وله أقوال أخرى في هذا المعنى في: شرح السنة (1/216) والمدخل إلى السنن الكبرى (1/34) والحلية لأبي نعيم (6/326) ومفتاح الجنة (103) وحجية السنة (360) . (4) انظر: إعلام الموقعين (2/285) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 258 2- كل حديث عن النبي (فهو قولي وإن لم تسمعوه مني (1) . رابعاً:-أقوال الإمام أحمد (ت 241هـ) رحمه الله في ذلك:- من رد حديث رسول الله (فهو على شفا هلكة (2) . الفقرة الثانية:- في منزلة السنة عند سائر علماء الأمة:- لقد سبق حكاية الإجماع على حجية السنة، وأن العلماء سلفاً وخلفاً متفقون على وجوب الاحتجاج بالسنة وتوقيرها واحترامها والذب عنها والاجتهاد في نشرها وتعليمها للعامة والخاصة، وأنها صنو القرآن في التشريع؛ لأنها وحي من عند الله سبحانه وتعالى، وفي هذه الفقرة سأذكر بعض النقول عن بعض الأئمة-لعدم إمكانية الحصر، ولأن المراد التمثيل - للدلالة على منزلة السنة ومكانتها عند سائر علماء الأمة فمن ذلك:-   (1) انظر: سير إعلام النبلاء (10/34- 35) ، (1/164) وله أقوال شبيهة بهذه تنظر في: المدخل إلى السنن الكبرى (1/34) وإعلام الموقعين (2/282، 285) وكتاب الأم (7/265) وحلية الأولياء (9/106- 107) . (2) انظر: المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (2/400) وله أقوال أخرى في هذه المسألة تنظر في كتاب مسائل الإمام أحمد لأبي داود (276) وطبقات الحنابلة لأبي يعلى (2/15-16) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 259 قول الحسن بن علي البربهاري (ت 329هـ) :- إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار ولا يقبلها، أو ينكر شيئاً من أخبار رسول الله (فاتهمه على الإسلام، فإنه رديء المذهب والقول … . القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن (1) . المبحث الثالث: في إفادة خبر الواحد العلم تبين من النقول السابقة عن الصحابة والتابعين وتابع التابعين والأئمة المرضيين احتجاجهم بالسنة مطلقاً وعدم التمييز بينها، وعدم تقسيمها - كما أُحْدِث فيما بعد – إلى: متواتر وآحاد. حيث إن الجميع عند أئمة الهدى والتقى سنةٌ واجب اتباعها وقبولها مع ضرورة الانقياد لها لكونها وحياً من الله وما كان كذلك وجب قبوله واعتقاده والعمل به سواء كان في العلميات أو العمليات. ويكفي العاقل المنصف أن يقنع بما ذُكِر من النقول عن علماء الأمة على قبولها والعمل بها والانقياد لها، وبما نقله العلماء الربانيون من اتفاق السلف وأئمة الدنيا على العمل بالسنة متواترها وآحادها لا فرق في ذلك بين العقائد والعبادات. قال الإمام الشافعي (2) –رحمه الله -:- (وفي تثبيت خبر الواحد أحاديث، يكفي بعض هذا منها. ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه السبيل. وقد حكي لنا عمن حكي لنا عنه من أهل العلم بالبلدان … .   (1) انظر: شرح السنة له (41) وطبقات الحنابلة لأبي يعلى (2/25) وقد قال كثير من أهل العلم بنحو ما قاله البربهاري رحمه الله مثل الحكم بن عتيبة والأوزاعي والثوري ومحمد بن الحسن الشيباني ووكيع وسحنون وابن خزيمة وغيرهم. انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/111) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللآلكائي (1/64) ومفتاح الجنة (75) والمدخل إلى السنن الكبرى (200) وحجية السنة (361) وكتاب معرفة السنن والآثار للبيهقي (84) . (2) انظر: الرسالة (453-457) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 260 ومحدِّثي الناس وأعلامهم بالأمصار: كلهم يحفظ عنه تثبيت خبر الواحد عن رسول الله، والانتهاء إليه، والإفتاء به. ويقبله كل واحد منهم عن من فوقه، ويقبله عنه من تحته. ولو جاز لأحدٍ من الناس أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه، بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي) انتهى باختصار. وقال (1) –أيضاً-: (لم أسمع أحداً -نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم– يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله (،والتسليم لحكمه. بأن الله عز وجل لم يجعل لأحدٍ بعده إلا اتباعه. وأنه لا يلزم قولٌ بكل حالٍ إلا بكتاب الله أو سنة رسوله (. وأن ما سواهما تبع لهما. وأن فرض الله علينا وعلى الناس من بعدنا وقبلنا، في قبول الخبر عن رسول الله (: واحدٌ. لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله (إلا فرقةٌ، سأصف قولها إن شاء الله تعالى) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية (2) : (وأما القسم الثاني من الأخبار فهو ما لا يرويه إلا الواحد العدل ونحوه ولم يتواتر لفظه ولا معناه لكن تلقته الأمة بالقبول عملا به وتصديقا له، … .، فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد من الأولين والآخرين، أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع) المبحث الرابع: في المشهور عند الحنفية قسم الحنفية الأخبار إلى متواتر ومشهور وآحاد. وجعلوا المشهور في رتبة بين المتواتر والآحاد، وخصوه بأحكام تُلْحِقُهُ في الاحتجاج به بالمتواتر. وفي هذا المبحث سأتكلم باختصار عن المشهور عند الحنفية خاصة لتعلقه بالمسألة المبحوثة، ولأن المشهور عند الجمهور من قبيل الآحاد. فالمشهور لغة (3) :- اسم مفعول من شهرت الأمر إذا أظهرته وأعلنته.   (1) انظر: جماع العلم (11-12) . (2) انظر: مختصر الصواعق (2/372) . (3) انظر: لسان العرب (7/212) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 261 واصطلاحاً عرفوه بقولهم (1) :- هو ما كان من الآحاد في الأصل، ثم انتشر حتى نقله قوم ثقات لا يتهمون ولا يتوهم تواطؤهم على الكذب، وهم القرن الثاني من بعد الصحابة، ومن بعدهم. والمشهور هذا يفيد علم الطمأنينة عندهم حتى أنه تجوز الزيادة به على الكتاب ويضلل جاحده ولا يكفر (2) . المبحث الخامس: في تحرير موطن النزاع وذلك ببيان ما المراد بالانقطاع الباطن، وذكر أقسامه وأنواع كل قسم: يقسم الحنفية الانقطاع الذي يلحق الخبر إلى نوعين رئيسين:- انقطاع صورة، وانقطاع معنى. أما انقطاع الصورة ففي المراسيل من الأخبار: مراسيل الصحابة رضي الله عنهم، ومراسيل من بعدهم من القرن الثاني والثالث. وأما انقطاع المعنى فيقسمونه – أيضاً – إلى قسمين:- انقطاع لدليل معارض، وانقطاع لنقصان في حال الراوي. ويقسمون القسم الأول - وهو ثبوت الانقطاع في خبر الواحد بدليل معارض - إلى أربعة أوجه:- الأول:- أن يكون خبر الواحد مخالفاً لكتاب الله تعالى أو للسنة المتواترة أو للإجماع. الثاني:- أن يكون خبر الواحد مخالفاً لسنة مشهورة عن رسول الله. الثالث:- أن يكون خبر الواحد حديثا شاذاً لم يشتهر فيما تعم به البلوى ويحتاج الخاص والعام إلى معرفته.   (1) انظر: أصول السرخسي (1/292) والإحكام للأمدي (2/31) وكشف الأسرار للنسفي (2/11) وكشف الأسرار للبخاري (2/368) وغاية الوصول (97) ونزهة النظر (23) وتدريب الراوي (2/173) وتيسير مصطلح الحديث (22) وشرح الكوكب المنير (2/345) وإرشاد الفحول (43-44) وشرح الروضة للطوفي (2/108) (2) انظر: أصول الجصاص (3/48) وأصول السرخسي (1/292) وميزان الأصول (429) وكشف الأسرار للنسفي (2/12) وكشف الأسرار للبخاري (2/368) وشرح الكوكب المنير (2/347) وفتح الغفار (2/78) وتيسير التحرير (3/37-38) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 262 الرابع:- أن يكون خبر الواحد حديثاً قد أعرض عنه الأئمة من الصدر الأول بأن ظهر منهم الاختلاف في تلك الحادثة ولم تجر بينهم المحاجة بذلك الحديث. وأما القسم الثاني:- وهو الانقطاع لنقصان في حال الراوي فيبحثون فيه خبر المستور، والفاسق، والكافر، والصبي، والمعتوه، والمغفل، والمتساهل، وصاحب الهوى. والذي يهمنا هنا والذي هو مثار البحث هو القسم الأول من الانقطاع لمعني أي ثبوت الانقطاع في خبر الواحد بدليل معارض بأوجهه الأربعة. ومما ينبغي التَنبيهُ عليه أن الخبر المردود هنا للمعنى المذكور:- هو الخبر الذي صح سنده إلى رسول الله (. المبحث السادس: في أوجه ثبوت الانقطاع في خبر الواحد لمعنى لدليل معارض وفيه أربعة مطالب:- المطلب الأول:- في رد الخبر الصحيح المسند لمخالفته كتاب الله أو السنة المتواترة أو للإجماع. وفيه مسألتان:- المسألة الأولى: في أدلة القائلين بالانقطاع في هذه المسألة ومناقشتها. قال عيسى بن أبان البصري وأبو زيد الدبوسي والسرخسي والبزدوي والنسفي وعبد العزيز البخاري وغيرهم من المنتسبين لأبي حنيفة رحمه الله تعالى:- إن الخبر الصحيح إذا جاء مخالفاً لكتاب الله أو للسنة المتواترة أو للإجماع فإنه لا يكون مقبولاً ولا حجةً للعمل به، سواء خالف الخبر الكتاب من أصله أو عمومه أو ظاهره، مستدلين على ذلك بالأدلة التالية (1) :- الدليل الأول:-قوله عليه السلام:- ( … فأيما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرطٍ فقضاء الله أحق وشرط الله أوثق) (2) .   (1) انظر هذه الأدلة في: أصول السرخسي (1/364) وأصول البزدوي (173) وكشف الأسرار للنسفي (2/49) وكشف الأسرار للبخاري (3/9) وقواطع الأدلة (2/392) وما بعدها. (2) رواه البخاري في صحيحه (3/127) في كتاب المكاتب (3) ومسلم في صحيحه (2/1143) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 263 وقد بَيَّن السرخسي وجه الدلالة منه بقوله (1) : (والمراد كل شرط هو مخالف لكتاب الله تعالى لا أن يكون المراد ما لا يوجد عينه في كتاب الله تعالى فإن عين هذا الحديث لا يوجد في كتاب الله تعالى. وبالإجماع من الأحكام ما هو ثابت بخبر الواحد والقياس وإن كان لا يوجد ذلك في كتاب الله تعالى. فعرفنا أن المراد ما يكون مخالفا لكتاب الله تعالى وذلك تنصيص على أن كل حديث هو مخالف لكتاب الله تعالى فهو مردود) . ويمكن مناقشة هذا الرأي على النحو التالي:- أولاً:- بأن يقال هل سبقكم أحد من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم أو واحد من الأئمة الأربعة إلى هذا الفهم؟ فإن قالوا: لا. قلنا: إذن لا حاجة لنا بهذا القول المخترع. وإن قالوا: نعم. قلنا: سموا لنا من قال بهذا ممن سبق من أهل العلم. ولن يجدوا إلى ذلك سبيلاً. ذلك أن الحديث لا يشك في ثبوته أحد، فهو في الصحيحين، وإذا كان ذلك كذلك فإنه مما قد تعبد به الصحابة رضي الله عنهم ربهم وتقربوا إليه بالعمل بمدلوله ومفهومه فيجب حينئذٍ الرجوع إلى أقوالهم وأفعالهم وفهمهم له وإلا لزم من القول بما ذكره هؤلاء لوازم خطيرة وسيئة، من ذلك: نسبة الجهل إلي السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة المتبوعين، وعملهم بالباطل لخفاء الحق عليهم حتى فهمه متأخرو الحنفية، وهذا لا يقول به جاهل فضلاً عمن ينسب نفسه إلى العلم. وحين الرجوع إلى كتب أهل العلم الذين نقلوا عن سلفنا وجدنا أن المراد ب (كتاب الله) في قوله: (ما كان من شرط ليس في كتاب الله) : أي حكمه كقوله تعالى:- (كتاب الله عليكم ((النساء 24) وقول النبي (:- (كتاب الله القصاص) (2) في كسر السن. فكتابه سبحانه يطلق على كلامه وحكمه الذي حكم به على لسان رسوله.   (1) في أصوله (1/364) . (2) رواه البخاري في صحيحه (3/169) ومسلم في صحيحه (3/1302) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 264 وليس المراد به القرآن قطعاً؛ فإن أكثر الشروط الصحيحة ليست في القرآن بل علمت من السنة فعلم أن المراد ب (كتاب الله) : حكمه. ومعلوم أن كل شرط ليس في حكم الله فهو مخالف له، فيكون باطلاً (1) . قال السمعاني في قواطع الأدلة (2) :- (فالمراد من كتاب الله: هو حكم الله تعالى وتقدس) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (3) –رحمه الله تعالى -: (فكل شرط ليس في القرآن ولا في الحديث ولا في الإجماع فليس في كتاب الله بخلاف ما كان في السنة أو في الإجماع فإنه في كتاب الله بواسطة دلالته على اتباع السنة والإجماع) . وقال (4) –أيضاً-: (يدل على ذلك أن الشرط الذي بينا جوازه بسنة أو إجماع صحيح بالاتفاق فيجب أن يكون في كتاب الله وقد لا يكون في كتاب الله بخصوصه لكن في كتاب الله الأمر باتباع السنة واتباع سبيل المؤمنين فيكون في كتاب الله بهذا الاعتبار؛ لأن جامع الجامع جامع، ودليل الدليل دليل بهذا الاعتبار) . ثانياً:- أن قولهم هذا مبني على أن هناك تعارضاً بين الكتاب والسنة الصحيحة وهذا غير صحيح.   (1) انظر: إعلام الموقعين (1/348) . (2) 2/413) . (3) انظر: القواعد النورانية (1/187) . (4) انظر: المصدر السابق (1/209) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 265 قال ابن حزم (1) : (ويبين صحة ما قلنا من أنه لا تعارض بين شيء من نصوص القرآن ونصوص كلام النبي (وما نقل من أفعاله، قول الله عز وجل مخبراً عن رسوله عليه السلام: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ((النجم 3) وقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ((الأحزاب 21) وقال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ((النساء 82) فأخبر عز وجل أن كلام نبيه (وحي من عنده، كالقرآن في أنه وحي، وفي أنه كل من عند الله عز وجل، وأخبرنا تعالى أنه راض عن أفعال نبيه (، وأنه موفق لمراد ربه تعالى فيها لترغيبه عز وجل في الإئتساء به عليه السلام، فلما صح أن كل ذلك من عند الله تعالى، ووجدناه تعالى قد أخبرنا أنه لا اختلاف فيما كان من عنده تعالى صح أن لا تعارض ولا اختلاف في شيء من القرآن والحديث الصحيح، وأنه كله متفق كما قلنا ضرورة، وبطل مذهب من أراد ضرب الحديث بعضه ببعض، أو ضرب الحديث بالقرآن، وصح أن ليس شيء من كل ذلك مخالفاً لسائره) . والقول بعدم وقوع التعارض بين الأدلة الشرعية مطلقاً في نفس الأمر هو قول أئمة السلف والأئمة الأربعة وكثير من علماء الأصول (2) . ثالثاً:-قولهم هذا مبني على أن خبر الواحد لا يفيد العلم، وقد سبق في المباحث السابقة بيان إفادته العلم عند سلفنا الصالح والأئمة ومنهم إمام المذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى. ومما يزيد الأمر وضوحاً في كون خبر الواحد مما يحتج به في العقيدة، وأنه يفيد العلم عند أهل العلم:-   (1) انظر: الإحكام (1/174) . (2) انظر: إرشاد الفحول (243) ونهاية السول (4/434) والإحكام للأمدي (4/171) والإبهاج (3/199) وكتاب التعارض والترجيح (54-56) وخبر الواحد في التشريع الإسلامي (480) والسنة المفترى عليها (236) وإعلام الموقعين (1/331) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 266 1- قول أبي حنيفة (1) -رحمه الله -: (وخبر المعراج حق، فمن رده فهو ضال مبتدع) . 2- وقوله (2) –أيضاً -: (وخروج الدجال، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى عليه السلام من السماء، وسائر علامات يوم القيامة، على ما وردت به الأخبار الصحيحة حق كائن) . 3- أن أهل العلم من أهل السنة والجماعة قد قاموا بذكر عقائدهم المبنية على الكتاب وصحيح السنة في مؤلفاتهم التي ألفوها للرد على المبتدعة، أو لبيان عقيدتهم ابتداءً (3) . فلو لم يفد خبر الواحد العلم لما احتجوا به ولما اعتقدوا ما فيه؟ ‍‍‍‍‍‍‍‍!! فمن القسم الأول ما يأتي:- أ-كتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224هـ) . ب-كتاب الرد على الجهمية لعبد الله بن أحمد بن عبد الله الجعفي (ت229هـ) . ج-كتاب الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ) . د-كتاب الرد على الجهمية لأمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) . هـ-كتاب خلق أفعال العباد للبخاري. وكتاب الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية المشبهة لعبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276هـ) . ز-كتاب الرد على الجهمية لعثمان بن سعيد الدارمي (ت 280 هـ) . ح-كتاب الرد على بشر المريسي للدارمي. ط-كتاب الإبانة عن أصول الديانة للإمام أبي الحسن الأشعري (ت 324هـ) . ي-كتاب الرد على الجهمية لعبد الرحمن بن أبي حاتم (ت 327هـ) . وأما القسم الثاني فمنه:- 1- كتاب السنة للإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ) . 2- كتاب السنة لأبي بكر الأثرم (ت 260هـ) . 3- كتاب السنة لابن أبي عاصم (ت 277هـ) . 4- كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل (ت 290هـ) . 5- كتاب السنة لمحمد بن نصر المروزي (ت 294هـ) .   (1) انظر: كتاب الفقه الأكبر بشرح القاري (165) . (2) انظر: المصدر السابق (166، 168) . (3) انظر: خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته (87-88) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 267 6- كتاب السنة لأحمد بن محمد هارون الخلال (ت 311هـ) . 7- كتاب التوحيد لابن خزيمة (ت 311هـ) . 8- كتاب الشريعة لأبي بكر الآجري (ت 360هـ) . 9- كتاب العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (ت 369 هـ) . 10- كتاب الصفات، وكتاب رؤية الله جل جلاله لأبي الحسن الدارقطني (ت 385هـ) . 11- كتاب الإبانة لعبيد الله بن محمد بن بطة (ت 387هـ) . 12- كتاب التوحيد لمحمد بن اسحاق بن مندة (ت 395هـ) . 13- كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لهبة الله اللآلكائي (ت 418هـ) . 14- كتاب ذم الكلام وأهله لعبد الله بن محمد الهروي (ت 481هـ) . فهؤلاء أئمة الدنيا في وقتهم قد احتجوا بأخبار الآحاد في عقائدهم وردودهم على المبتدعة، فهل يصح أن يتواطأ هؤلاء على العمل بالباطل والدعوة إليه والمنافحة عنه؟ من له مسكة من عقل وذرة من إيمان لا يقول إلا: لا. رابعاً:-قولهم هذا مبني -أيضاً - على أن خبر الواحد قد يكون بخلاف الواقع وهذا غير صحيح لعصمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أن تجتمع على ضلالة. وقد سبق بيان ذلك في مبحث إفادة خبر الواحد العلم فليرجع إليه. الدليل الثاني:- قوله عليه السلام:- (تكثر الأحاديث لكم بعدي فإذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافقه فاقبلوه واعلموا أنه مني وما خالفه فردوه واعلموا أني منه بريء) . والجواب عن هذا الدليل بأن يقال:- أولاً:- هذا الحديث نقده النقاد أهل الحديث والأثر فقالوا: إنه لا يصح عن رسول الله (، وقد روي بألفاظ مختلفة فها هي محكوماً عليها من قبلهم:- 1- (سئلت اليهود عن موسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وسئلت النصارى عن عيسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وأنه ستفشو عني أحاديث فما أتاكم من حديثي فاقرؤوا كتاب الله واعتبروا فما وافق كتاب الله فأنا قلته ومالم يوافق كتاب الله فلم أقله) (1) . (عن ابن عمر) .   (1) رواه الطبراني في الكبير (12/316) برقم 13224. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 268 قال السخاوي (1) : قال الحافظ ابن حجر عنه: إنه جاء من طرق لا تخلو عن مقال. وقال الهيثمي (2) : وفيه أبو حاضر عبد الملك بن عبد ربه وهو منكر الحديث. قال العلامة الألباني (3) رحمه الله: ضعيف. 2- (إذا رويتم – ويروى- إذا حدثتم عني حديثاً فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق فاقبلوه وإن خالف فردوه) . قال الصغاني (4) : موضوع. 3- (إنكم ستختلفون من بعدي فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فعني وما خالفه فليس عني) (5) . (عن ابن عباس) . 4- (ما من نبي إلا وقد كذب عليه من بعده ألا وسيكذب علي من بعدي كما كذب على من كان قبلي فما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فهو عني وما خالفه فليس عني) (6) . (جابر بن زيد) . 5- (إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه وإن لم يوافقه فردوه) (عن أبي هريرة) . قال الخطابي (7) : حديث باطل لا أصل له. وقال يحيى بن معين (8) : هذا حديث وضعته الزنادقة. 6- (إذا سمعتم عني حديثاً فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإلا فردوه) . قال العجلوني (9) : هذا الحديث من أوضع الموضوعات ... بل صح خلافه. 7- (ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله) . (عن أبي هريرة) . قال ابن معين في تاريخه (10) :- سمعت يحيى يقول: كان يحيى بن آدم يحدث بحديث بن أبي ذئب عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي (. وغير يحيى بن آدم يرسله.   (1) انظر: المقاصد الحسنة (36-37) . (2) انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/170) . (3) انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (3/209) . (4) انظر: كتابه الموضوعات (76) . (5) انظر: مسند الربيع بن حبيب (36) . (6) انظر: مسند الربيع بن حبيب (365) . (7) انظر: تفسير القرطبي (1/38) وعون المعبود (12/232) . (8) انظر: المصدرين السابقين. (9) انظر: كشف الخفاء (2/569) . (10) انظر: (3/446) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 269 8- (ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فأنا قلته وما خالفه فلم أقله) قال الشافعي (1) : ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغر ولا كبر. 9- (ألا إن رحا الإسلام دائرة قال كيف نصنع يا رسول الله قال أعرضوا حديثي على الكتاب فما وافقه فهو مني وأنا قلته) (2) . (عن ثوبان) . قال الهيثمي (3) : وفيه يزيد بن ربيعة وهو متروك منكر الحديث. 10- (إنها تكون بعدي رواة يروون عني الحديث فأعرضوا حديثهم على القرآن فما وافق القرآن فخذوا به وما لم يوافق القرآن فلا تأخذوا به) . (عن علي بن أبي طالب) . وقد أعله الدارقطني (4) بقوله: هذا وهم، والصواب عن عاصم بن زيد عن علي بن الحسين مرسلاً عن النبي (. وقال الشيخ الألباني رحمه الله (5) : ضعيف. 11- (ستبلغكم عني أحاديث، فاعرضوها على القرآن، فما وافق القرآن فالزموه، وما خالف القرآن فارفضوه) (6) (عن الحسن البصري) . قال العلامة الألباني (7) رحمه الله: ضعيف جداً. وخلاصة القول في هذه الأحاديث ما ذكره ابن عبد البر وغيره من أهل العلم. قال ابن عبد البر (8) : (وهذه الألفاظ لا تصح عنه (عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه) . وقال الدكتور عبد الغني عبد الخالق في كتابه حجية السنة (9) : (أما عن أحاديث العرض على كتاب الله: فكلها ضعيفة، لا يصح التمسك بها. فمنها: ما هو منقطع. ومنها: ما بعض رواته غير ثقة أو مجهول. ومنها: ما جمع بينهما) .   (1) انظر: الرسالة (224-225) . (2) رواه الطبراني في الكبير: (2/97) ورقمه 1429. (3) انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/170) . (4) انظر: سنن الدارقطني (4/208) . (5) انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (3/209) . (6) انظر: ذم الكلام وأهله () . (7) انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (3/210) . (8) انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/233) . (9) انظر: (ص 474) وما بعدها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 270 فائدة: من غريب ما ذكره عبد العزيز البخاري الحنفي في كتابه كشف الأسرار حينما أراد الرد على من طعن في ثبوت بعض الروايات السابقة والرد على قدح يحيى بن معين فيها بقوله: هذا حديث وضعته الزنادقة. قال عبد العزيز البخاري (1) : (والجواب أن الإمام أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري أورد هذا الحديث في كتابه، وهو الطود المنيع في هذا الفن وإمام هذه الصنعة فكفى بإيراده دليلاً على صحته ولم يلتف إلى طعن غيره بعد ... ) . قلت:- هذا الكلام يوهم أن البخاري أورده في صحيحه إذ كتابه إذا أطلق لا ينصرف إلا إلى صحيحه. وبعد البحث تبيَّن أنه يشير إلى ما ذكره البخاري في التاريخ الكبير (2) حيث قال: (سعيد بن أبي سعيد المقبري أبو سعد قال: ابن أبي أويس ينسب إلى مقبرة، وقال غيره: أبو سعيد مكاتب لامرأة من بني ليث مدني. وقال ابن طهمان: عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن النبي (: " ما سمعتم عني من حديث تعرفونه فصدقوه " وقال يحيى: عن أبي هريرة. وهو وهم. ليس فيه أبو هريرة هو سعيد بن كيسان) . فالبخاري رحمه تعالى يشير إلى أن هذا المروي لا يصح لكونه مرسلاً لا أنه كما أوهم عبد العزيز البخاري بكلامه أن الحديث مروي في الصحيح أو أن البخاري صححه في كتابه التاريخ الكبير أو في غيره. ثانياً:-لقد عارض هذه الأحاديث قوم من أهل العلم، وقالوا: نحن نعرض هذا الحديث على كتاب الله قبل كل شيء ونعتمد على ذلك، قالوا: فلما عرضناه على كتاب الله وجدناه مخالفاً لكتاب الله؛ لأنا لم نجد في كتاب الله ألا يقبل من حديث رسول الله (إلا ما وافق كتاب الله، بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسي به والأمر بطاعته، ويحذر المخالفة عن أمره جملة على كل حال (3) .   (1) انظر: كشف الأسرار له (3/10) . (2) 3/474) . (3) قاله ابن عبد البر في: جامع بيان العلم وفضله (2/233) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 271 ثالثاً:-لا يمكن القول بأن معنى تلك المرويات: أن ما صدر عن رسول الله (على نوعين:- - نوع وافق الكتاب، وهذا يعمل به. - ونوع خالف الكتاب، وهذا لا يعمل به. والنوع الأخير لا يمكن القول به عند الجميع لأن الرسول (معصوم بالاتفاق عن أن يصدر عنه ما يخالف القرآن ويضاده؛ لأن الله قال فيه: (قل إنّما اتبع ما يوحى إليّ من ربي ((الأعراف 203) . وقال –أيضاً -: (إن اتبع إلا ما يوحى إليّ وما أنا إلا نذير مبين ((الأحقاف9) وقال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ((النجم 3) وقال: (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن اتبع إلا ما يوحى إليّ ((يونس 15) . فكلٌ يعتقد أن ما صدر عن الرسول (لا يخالف القرآن (1) . قال الشافعي (2) رحمه الله: (إن الله عز وجل وضع نبيه (من كتابه ودينه بالموضع الذي أبان في كتابه. فالفرض على خلقه أن يكونوا عالمين بأنه لا يقبل فيما أنزل الله عليه إلا بما أنزل عليه، وأنه لا يخالف كتاب الله، وأنه بيّن عن الله عزَّ وعلا معنى ما أراد الله. وبيان ذلك في كتاب الله عزَّ وجلَّ: قال الله تبارك وتعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا إئت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن اتبع إلا ما يوحى إلي ((يونس 15) . وقال الله عزَّ وجلَّ لنبيه (: (اتبع ما أوحي إليك من ربك ((الأنعام 106) . وقال مثل هذا في غير آية. وقال عزَّ وجلَّ: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ((النساء 80) . وقال: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ((النساء 65) . ثم قال: ولا تكون سنةٌ أبداً تخالف القرآن) انتهى كلامه باختصار.   (1) انظر: حجية السنة (475-476) . (2) انظر: كتاب جماع العلم (118-124) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 272 والسنة مع القرآن على ثلاثة أوجه بينها ابن القيم – رحمه الله – أحسن بيان فقال (1) :- (أحدها:- أن تكون موافقةً له من كل وجه، فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها. الثاني:- أن تكون بياناً لما أريد بالقرآن وتفسيراً له. الثالث:- أن تكون موجبةً لحكم سكت القرآن عن ايجابه أو محرمةً لما سكت عن تحريمه. ولا تخرج عن هذه الأقسام، فلا تعارض القرآن بوجهٍ ما، فما كان منها زائداً على القرآن فهو تشريعٌ مبتدأٌ من النبي (تجب طاعته فيه ولا تحل معصيته وليس هذا تقديماً لها على كتاب الله بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله، ولو كان رسول الله (لا يطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى وسقطت طاعته المختصة به، وإنه إذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القرآن لا فيما زاد عليه لم يكن له طاعة خاصة تختص به وقد قال الله تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ((النساء 80) . وكيف يكمن أحداً من أهل العلم أن لا يقبل حديثاً زائداً على كتاب الله، فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا حديث التحريم بالرضاعة لكل ما يحرم من النسب، ولا حديث خيار الشرط، ولا أحاديث الشفعة، ولا حديث الرهن في الحضر، مع أنه زائد على ما في القرآن، ولا حديث ميراث الجدة، ولا حديث تخيير الأمة إذا أعتقت تحت زوجها، ولا حديث منع الحائض من الصوم والصلاة، ولا حديث وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان، ولا أحاديث إحداد المتوفي عنها زوجها مع زيادتها على ما في القرآن من العدة) . رابعاً:-هذه المرويات التي استدلوا بها معارضة بمرويات أخرى من جنسها، وأخرى صحيحة.   (1) انظر: إعلام الموقعين (2/307-308) وانظر أيضاً الرسالة للشافعي (91) وما بعدها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 273 فأما التي من جنسها فما رواه الدارقطني في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (: (سيأتيكم عني أحاديث مختلفة فما جاءكم موافقاً لكتاب الله ولسنتي فهو مني وما جاءكم مخالفاً لكتاب الله ولسنتي فليس مني) (1) . قال البيهقي (2) : (تفرد به صالح بن موسى الطلحي وهو ضعيف لا يحتج بحديثه) . فهذا الحديث يأمر بعرض ما يرد علينا مما لا نطمئن إليه ولا نعلم أهو من شرع الله أم لا على كتاب الله وسنة رسوله (، فتبين أن المراد من أحاديث العرض التي ذكرها المخالف: هو الرجوع إلى الكتاب والسنة لمعرفة مراد الله ومراد رسوله مما قد يشكل علينا لا أن المراد من ذلك ما ادعاه المخالف من عرض السنة الأحادية الصحيحة -والتي قد تكون نصاً صريحاً أو ظاهراً واضحاً – على كتاب الله فإن وافقته وإلا ردت. وأما الروايات الصحيحة التي عارضت ما عليه تلك السقيمة فمنها:- 1- حديث المقدام بن معدي كرب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله (: (يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله (مثل حرم الله) (3) . قال الترمذي (4) : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقال الألباني (5) : صحيح.   (1) انظر: سنن الدارقطني (4/208) . (2) انظر: مفتاح الجنة (52) . (3) رواه الإمام أحمد في المسند (4/132) ، (4/130) والدارمي في سننه (1/153) وأبو داود في سننه (4/200) وابن ماجة في سننه (1/6) والترمذي في سننه (5/38) والطبراني في المعجم الكبير (20/274،283) والدارقطني في سننه (4/287) والبيهقي في السنن الكبرى (7/76) ، (9/331-332) . (4) انظر: سنن الترمذي (5/38) . (5) انظر: صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/1360) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 274 2- حديث أبي رافع قال: قال رسول الله (: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله أتبعناه) (1) . قال أبو عيسى (2) : هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم (3) : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الألباني (4) : صحيح. 3- حديث العرباض بن سارية قال: قال رسول الله (: (أيحسب امرؤ قد شبع حتى بَطِنَ وهو متكئ على أريكته لا يظن أن الله حرم شيئاً إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله حرمت وأمرت ووعظت بأشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر ألا وإنه لا يحل لكم من السباع كل ذي ناب ولا الحمر الأهلية) (5) . 4- قوله (:- (إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض) (6) .   (1) رواه أحمد في المسند (6/8) وأبوداود في سننه (4/200) وابن ماجة في سننه (1/6) والترمذي في سننه (5/37) والطبراني في المعجم الأوسط (8/292) وكذا في المعجم الكبير (1/316) ، (1/327) والحاكم في المستدرك (1/190-191) والبيهقي في السنن الكبرى (7/76) . (2) انظر: سنن الترمذي (5/37) . (3) انظر: مستدرك الحاكم (1/190-191) . (4) انظر: صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/1204) . (5) رواه أبو داود في سننه (3/170) والطبراني في المعجم الأوسط (7/184-185) وفي المعجم الكبير (18/258) والبيهقي في السنن الكبرى (9/204) . (6) رواه الحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة (1/93) الجزء: 14 ¦ الصفحة: 275 الدليل الثالث (1) :- (ولأن الكتاب متيقن به وفي اتصال الخبر الواحد برسول الله (شبهة، فعند تعذر الأخذ بهما لا بد من أن يؤخذ بالمتيقن ويترك ما فيه شبهة ... لأن المتن من الكتاب متيقن به ومتن الحديث لا ينفك عن شبهة، لاحتمال النقل بالمعنى، ثم قوام المعنى بالمتن فإنما يشتغل بالترجيح من حيث المتن أولاً إلى أن يجيء إلى المعنى ولا شك أن الكتاب يترجح باعتبار النقل المتواتر في المتن على خبر الواحد فكانت مخالفة الخبر للكتاب دليلاً ظاهراً على الزيافة فيه) . ويمكن الجواب عن هذا الدليل بما يأتي:- 1- أما قولهم: (ولأن الكتاب متيقن به، وفي اتصال الخبر الواحد برسول الله (شبهة) الشق الأول منه مسلم به، وأما الشق الآخر وهو وجود الشبهة في اتصال الحديث برسول الله (وأنه قد يكون في الظاهر صحيحاً وفي نفس الأمر غير صحيح، فيقال: أ-لقد تعبدنا الله في كثير من الأحكام بالأمور الظاهرة كالقضاء بشهادة الشهود مع احتمال أن يكونوا شهود زورٍ، والمفتي يفتي بحسب سؤال السائل لا ما يتعلق بدواخله وباطنه إلى غير ذلك. ب-قد بيَّنا فيما سبق أن أخبار الآحاد الصحيحة قد قال العلماء السابقون من الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة الأربعة بقبولها في العقائد والعبادات وهي مفيدة للعلم عندهم فلا حاجة للإعادة. ج-إن دعوى احتمال الشبهة في صحة اتصال أخبار الآحاد إلى رسول الله (هي كدعوى من يدعي أن هذا العام مخصوص ولا مخصص، أو أن هذا الدليل المطلق مقيد ولا مقيد، أو أن هذا الحكم منسوخ ولا وجود لناسخه ونحو ذلك، فما أسهل الدعاوى!!!   (1) انظر هذا الدليل في: أصول السرخسي (1/365) وكشف الأسرار للبخاري (3/9-10) الجزء: 14 ¦ الصفحة: 276 فكلام الأصوليين القائلين بهذا القول، والقائلين بظنية حجية أخبار الآحاد متجه إلى الفرض الذهني فهم يقولون: كل أخبار الآحاد تفيد الظن، لوجود احتمال انقطاعها بأي نوع من أنواع الانقطاع ككذب الراوي أو نسيانه أو خطئه في روايته ... الخ. بخلاف أئمة الحديث والأثر فإن حكمهم متجه إلى كل حديث وإسناده على حده فكانت أحكامهم على الأحاديث وأسانيدها – بل أحياناً على الحديث وسنده - مختلفة فقالوا: هذا حديث صحيح لذاته، وهذا صحيح لغيره، وهذا حسن لذاته، وهذا حسن لغيره، وهذا ضعيف، وآخر موضوع، وهكذا … حسب عدالة الرواة وضبطهم واتصال السند وصحة السماع وغير ذلك مما هو معروف في علم مصطلح الحديث. فليس كل حديث آحاد يفيد الظن، ولا كل حديث آحاد يفيد القطع بل فيه وفيه، فمن نسب إلى السلف القول بأحد الكُلِّيتين فقد أخطأ، إلا أنهم يقولون: إن خبر الواحد الصحيح يفيد العلم، والعلم هنا ليس هو العلم المراد عند المتكلمين من الأصوليين كما أن معنى الظن عند علماء السلف ليس هو بمعنى الظن عند الخلف، فلا العلم هو العلم ولا الظن هو الظن. لأن ما ثبت بالدليل الشرعي فهو علم، وقد يكون العلم مقطوعاً به إذا كان الدليل المثبت له قطعي الدلالة، قطعي الثبوت، وقد يكون ظناً غالباً أو راجحاً إذا كان الدليل المثبت له دون ذلك. وهو قول العلماء السابقين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والأئمة المرضيين. وأما الخلف فالعلم عندهم مقصور على اليقين الثابت بالعقل - هذا هو الأصل -، وقد يثبتون اليقين بالدليل النقلي. والظن في إطلاقهم هو: الشك أو التخمين أو الخرص أو الوهم – والظن بهذا المعنى لا يطلقه السلف على ما ثبت بالدليل العقلي أو النقلي – ويستدل الخلف على دعواهم تلك بالآيات التي نزلت منكرة على الكفار عبادتهم لآلهتهم الباطلة نحو قوله تعالى: (إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ((الأنعام 117) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 277 وقوله: (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ((الأنعام 149) . وقوله: (إن الظن لا يغني من الحق شيئا ((يونس 36) . وقوله: (إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين ((الجاثية 31) . وقوله: (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ((النجم 23) . فالظن المذكور في الآيات السابقات معناه: الشك أو الوهم أو الخرص أو التخمين. وهذا هو الظن المذموم الذي لا يجوز لأحد العمل به في العقائد أو العبادات. وأما الظن الذي عمل به السلف فهو المذكور في قوله تعالى: (إني ظننت أني ملاق حسابيه ((الحاقة 20) وقوله: (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ((التوبة 119) وقوله تعالى: (فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله ((البقرة 230) . وقوله: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ((الحجرات 12) . وقوله: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ((يوقف 42) . فالظن في هذه الآيات ونحوها المراد منه: العلم واليقين، أو الظن الراجح والغالب. وهذا الظن يجب العمل به في العقائد والعبادات على حد سواء إذ هو علم والعلم يجب العمل به. ولهذا نظير في الأمور الحسية فنظيره الميزان الذي توزن به الأشيئاء، فإن الميزان الصحيح ما استوت كفتاه وهذه الحالة بمثابة الشك، فإذا وُضِع في إحدى كفتيه أي شيء ما -مهما بلغ في الخفة - فإن الكفة التي فيها ذلك الشيء ستبدأ تدريجياً بالانخفاض والميلان إلى أسفل، وهذه الحالة أشبه بالظن الغالب أو الراجح أي رجحان شيء على شيء آخر، وكلما زِيْدَ في هذه الكفة من الأوزان فإنها ستزداد في الميلان والانخفاض إلى درجةٍ لا يمكن بعدها نزول هذه الكفة أكثر مما نزلت إليه، وهذه المرحلة أشبه بمرحلة اليقين والقطع. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 278 كذا سائر العلوم أو الأشيئاء المطلوب معرفتها فإنها تبدأ بالوضوح شيئاً فشيئاً حتى تصبح يقينية لا يمكن الشك فيها بوجه من الوجوه. فكما أن الناظر إلى ذلك الميزان لا يمكنه دفع رجحان إحدى الكفتين على الأخرى، كذا الناظر في خبر الواحد الذي درس سنده فلم يجد ما يقدح في صحته؛ فإنه لا يستطيع حينئذٍ دفع ما يجده في صدوره من اعتقاد صحته ورجحان ثبوته إلا بالهوى والتشهي. د-إن أخبار الآحاد المضافة إلى الشارع ليست كسائر الأخبار المضافة إلى غيره؛ لأن أخبار الشارع محفوظة عن الضياع أو الاشتباه بالأخبار المكذوبة عليه، بخلاف أخبار الآحاد عن غيره فإنها قد تضيع وقد تشتبه بالمكذوبة ولا تعلم إلى قيام الساعة. قال ابن حزم (1) : قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ((الحجر 9) . وقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ((النحل 44) . فصح أن كلام رسول الله (كله في الدين وحي من عند الله عز وجل لا شك في ذلك ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل. فالوحي كله محفوظ بحفظ الله تعالى له بيقين وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون ألا يضيع منه وألا يُحَرَّف منه شيء أبداً تحريفاً لا يأتي البيان ببطلانه إذ لو جاز غير ذلك لكان كلام الله تعالى كذباً وضمانه خائساً وهذا لا يخطر ببال ذي مسكة عقل، فوجب أن الذي أتانا به محمد (محفوظ بتولي الله تعالى حفظه، مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه مما يأتي أبداً إلى انقضاء الدنيا. قال تعالى: (قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ((الأنعام 19) .   (1) انظر: الإحكام (1/117-118) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 279 فإذ ذلك كذلك فبالضرورة نعلم أنه لا سبيل البتة إلى ضياع شيء مما قاله رسول الله (في الدين ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطاً لا يتميز لأحد من الناس بيقين إذ لو جاز ذلك لكان الذكر غير محفوظ ولكان قول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ((الحجر 9) كذباً ووعداً مخلفاً وهذا لا يقوله مسلم) . هـ-ومما يزيد الأمر وضوحاً في أن الله سبحانه وتعالى حافظ لوحيه إلى قيام الساعة أنه جل وعلا نصب أئمةً أعلاماً جهابذةً حفاظاً أثباتاً نقاداً للحديث يَمِيزُون الطيب من الخبيث، والصحيح من السقيم، والحق من الباطل. قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة. قال: يعيش لها الجهابذة (1) . فمن هؤلاء الجهابذة:- عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت157هـ) ، وشعبه بن الحجاج (ت 160هـ) ، وسفيان الثوري (ت161هـ) ، ومالك بن أنس (ت179 هـ) ، وحماد بن زيد (ت179هـ) ، وعبد الله بن المبارك (ت181هـ) ، ووكيع بن الجراح (ت196هـ) ، وسفيان بن عيينة (ت 198هـ) ، ويحيى بن سعيد القطان (ت198هـ) ، وعبد الرحمن بن مهدي (ت198هـ) ، ويحيى بن معين (ت233هـ) ، وعلي بن المديني (ت234هـ) ، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه (ت238هـ) ، وأحمد بن حنبل (ت241هـ) ، وأبو محمد عبد الله الدارمي (ت255هـ) ، ومحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) ، ومسلم بن الحجاج القشيري (ت261هـ) ، وعبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرازي (ت264هـ) ، وأبو داود السجستاني (ت275هـ) ، وأبو حاتم الرازي محمد بن إدريس الحنظلي (ت277هـ) . فهؤلاء الذين لا يختلف فيهم ويعتمد على جرحهم وتعديلهم ويحتج بحديثهم وكلامهم في الرجال والحديث قبولاً أو رداً … .   (1) انظر: هذا الكلام والذي بعده في: كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/3، 10) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 280 لاتفاق أهل العلم على الشهادة لهم بذلك. كما أن الله لم ينزلهم هذه المنزلة إذ انطق ألسنة أهل العلم لهم بذلك إلا وقد جعلهم أعلاماً لدينه، ومناراً لاستقامة طريقه وألبسهم لباس أعمالهم. فما قبله هؤلاء فهو المقبول وما ردوه فهو المردود (1) . لا سيما وقد قال رسول الله (في حديث عبادة بن الصامت في مبايعتهم الرسول (: بايعنا رسول الله صلى عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر … وعلى أن لا ننازع الأمر أهله (2) … الحديث. فالقول بترك الحديث الذي قبلوه وأخذ ما تركوه هو من منازعة الأمر أهله. ويلزم هؤلاء على القول بهذه القاعدة المزعومة رد ما يسمونه عندهم مشهوراً لكونه آحاد الأصل، وقد يكون ضعيفاً أو موضوعاً، إذ لا يلزم من كونه مشهوراً أن يكون صحيحاً، فما يدعونه في قبول هذا هو بعينه ما سيدعيه الآخرون في قبولهم لخبر الواحد صحيح السند، فليس قول أولى من قول، بل القول الأخير أولى بالقبول وأحرى. ز-قولهم: إن في اتصال الخبر الواحد برسول الله (شبهة. يقال لهم: ليس البحث في أخبار الآحاد مطلقاً، ولا من حيث الناحية النظرية فهذا لا قيمة له. وإنما البحث في إفادة الخبر الصحيح المسند المروي من طريق الآحاد والذي دُوِّن في دواوين أهل العلم كالصحيحين وسنن ابن ماجة وأبي داود والترمذي والنسائي وموطأ مالك ومسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم والسنن الكبرى للبيهقي ومصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ... الخ. فما اتُفِقَ على صحته من قبل هؤلاء العلماء الأعلام –الذين سبق ذكرهم – ما حكمه؟ بمعنى، هل يقال بعد ذلك إن في اتصال الخبر الواحد برسول الله (شبهة؟!!. اللهم: لا، إلا من مكابر. وهذا مما ينزه عنه أهل العلم.   (1) انظر: قواطع الأدلة (2/406) وما بعدها. (2) رواه مسلم في صحيحه (3/1470) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 281 وهل يقال –أيضاً -: هي أخبار آحاد لا تفيد إلا الظن؟!! اللهم: لا؛ لأن في ذلك طعناً في الإجماع المتيقن من حفظ الله لدينه فلا يمكن أن تكون تلك الأحاديث التي تداولها العلماء –بعد فحصها ومحصها- بالحفظ والنقل والشرح والتدريس والوعظ والإرشاد معتقدين صحتها وصحة ما دلت عليه جيلاً بعد جيلٍ لا يمكن تكون غير صحيحة في نفس الأمر، هذا من المحال عقلاً وشرعاً. كما أن ما أجمع أولئك الجهابذة على تضعيفه لا يكون صحيحاً في نفس الأمر، أما ما اختلفوا في تصحيحه وتضعيفه فهذا مما يقال إنه في مجال الأخذ والرد والبحث والمناقشة وحينئذٍ لا تثريب على من عمل بما صح عنده أولم يعمل به لعدم صحته عنده، وهذا كنظير اختلاف الصحابة على قولين، فإنه لا يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث. بل لا يتصور ها هنا إلا أحد قولين الصحة أو عدمها. قال شيخ الإسلام (1) : (فإن العصمة ثبتت بالنسبة الإجماعية، كما أن خبر التواتر يجوز الخطأ والكذب على واحدٍ واحد من المخبرين بمفرده ولا يجوز على المجموع، والأمة معصومة من الخطأ في روايتها ورأيها ورؤياها ... ) . فإن قالوا: نحن من الأمة وقد خالفنا في حجية خبر الواحد أو صحته. قلنا: أنتم مسبوقون بإجماع الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة المرضيين على الاحتجاج بما كان هذا سبيله. لذا وجب التنبيه على أن طرح قضية حجية خبر الواحد ينبغي أن تكون في هذا الإطار، أعني أخبار الآحاد الصحيحة المنقولة في دواوين أئمة الإسلام، أما تعميمها في كل خبر وفي كل وقت ففيه تعمية للحق ومدعاة لاعتقاد الباطل وخروج عن نطاق البحث العلمي الصحيح. ح-وإما قولهم: (فعند تعذر الأخذ بهما لا بد من أن يؤخذ بالمتيقن ويترك ما فيه شبهة) .   (1) انظر: مجموع الفتاوى (1/9-10، 257) ، (13/351-352) ، (18/17) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 282 فالجواب:لقد بُيِّن أن خبر الواحد الذي صح سنده وعمل به وتلقي بالقبول من قبل علماء الحديث والأثر أنه متيقن وليس فيه شبهة أبداً. وأما قولهم: إن تعذر الأخذ بهما. فهذه دعوى مجردة عن الدليل، وقد سبق –أيضاً – ذكر البيان الساطع في أنه لا تعارض البتة بين الأدلة الشرعية إلا في حالة النسخ، والعمل بالناسخ هو المتعين. ط- وأما قولهم: (لأن المتن من الكتاب متيقن به ومتن الحديث لا ينفك عن شبهة، لاحتمال النقل بالمعنى، ثم قوام المعنى بالمتن فإنما يشتغل بالترجيح من حيث المتن أولاً إلى أن يجيء إلى المعنى ولا شك أن الكتاب يترجح باعتبار النقل المتواتر في المتن على خبر الواحد فكانت مخالفة الخبر للكتاب دليلاً ظاهراً على الزيافة فيه) . قلت: لا خلاف بين أحد من المسلمين في صدق الشق الأول وهو قولهم إن متن الكتاب متيقن، كما أنه لا خلاف بين الأئمة الأربعة وجمهور العلماء في جواز نقل الحديث بالمعنى بما لا يحيل المعنى أو يغيره تغييراً يؤثر على صحة الاستدلال به مما لم نُتَعَبد بلفظه كألفاظ الأذان والإقامة والأذكار والأدعية (1) ، وحينئذٍ فليس هناك كبير فائدة من قولهم لاحتمال النقل بالمعنى؛ لأن الأصل عدم نقله بالمعنى، ولو فُرِضَ -أيضاً - نقله بالمعنى فلا يخلو من أن يكون النقل بالمعنى هو عين المعنى المستفاد من اللفظ النبوي أو لا، فإن كان هو هو سقطت الدعوى، وإن كانت الأخرى فلا يخلو من أن يتكشف خطأ ناقل الحديث إلى معناه الجديد أو لا فإن كُشف الخطأ سقطت الدعوى أيضاً ولزم العمل بالدليل المُبَيِّن، وإن كانت الأخرى فهذا لا يصح فرض وقوعه لما سبق من حكاية الإجماع على أن الله قد تكفل بحفظ دينه وأنه لا يمكن أن تجمع أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم على ضلالة.   (1) انظر:قواطع الأدلة (2/326-331) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 283 ونقول –أيضاً - إن المسألة إنما هي مفروضة في حديث صحيح ثابت منقول إلينا نقل آحاد مروي بلفظه عن رسول الله (، فإذا كان ذلك كذلك فيجب قبوله لصحته ولعدم وجود ما يقدح فيه. علماً بأنا قد بينا أن الأخبار المعنية هي الأخبار الصحيحة التي رواها أئمة الحديث والسنة في مصنفاتهم التي سبق ذكرها، لا مطلق الأخبار. وما ذكروه من احتمالات لعدم العمل بها قد سبق بيان وجه بطلانها. فالواجب أن تفرض المسألة في تعارض خبر آحاد صحيح مروي بلفظه مع كتاب الله، فهل يقبل أو يرفض لمعارضته الظاهرة للكتاب؟!! والقول بوجوب قبوله هو المتعين لما سبق من أدلة كثيرة على حجية السنة عموماً وأخبار الآحاد على وجه الخصوص. ولأنه يلزمهم في ردهم لأخبار الآحاد حين معارضتها لظاهر الكتاب رد ما ادعوه من قبيل المشهور للعله نفسها. وما يذكرونه من حجج لقبول أحاديثهم المشهورة هي بعينها الحجج الداعية إلى قبول أخبار الآحاد الصحيحة. قال أبو المظفر السمعاني (1) : (إنا نظن أن النبي (قال الذي قال في خبر الواحد، وقام لنا الدليل القطعي على العمل بما يغلب على ظننا من ذلك. فكل هذا علم؛لأنا نعلم أنه غلب على ظننا صدق الراوي، ونعلم قيام الدليل على وجوب العمل بما ظنناه، فثبتت مساواة الطريق إلى العلم بحكم الخبر طريقنا إلى العلم بعموم الكتاب) . المسألة الثانية:- في الآثار الفقهية المترتبة على القول بهذا النوع من الانقطاع: لقد تبين من استعراض أدلة القائلين برد خبر الواحد الذي صح سنده لمخالفته ظاهر الكتاب أنها لم تكن صائبة، ومع هذا كله ترتب على القول بها مسائل فقهيةٍ كثيرةٍ – خلا المسائل العقدية –. وفي هذا الموطن سأتطرق –إن شاء الله – إلى بعض المسائل المهمة المبنية على هذه القاعدة ذاكراً لها على سبيل المثال تاركاً ذكر أدلة كلٍ والمناقشات التي دارت فيها خشية الخروج عن أصل الموضوع فمن تلك المسائل:-   (1) انظر: قواطع الأدلة (2/419) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 284 1- نقض الوضوء بمس الذكر (1) . قال السرخسي: (ولهذا لم يقبل علماؤنا خبر الوضوء من مس الذكر؛ لأنه مخالف للكتاب فإن الله تعالى قال:- (فيه رجال يحبون أن يتطهروا ((التوبة 108) يعني الاستنجاء بالماء فقد مدحهم بذلك وسمى فعلهم تطهراً. ومعلوم أن الاستنجاء بالماء لا يكون إلا بمس الذكر. فالحديث الذي يجعل مسه حدثاً بمنزلة البول، يكون مخالفاً لما في الكتاب؛ لأن الفعل الذي هو حدث لا يكون تطهراً) المناقشة:- يمكن مناقشة ما ذكره السرخسي على النحو التالي:- أولاً: الحديث الذي أشار إليه السرخسي هو (من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ) (2) قد ورد بألفاظ متقاربة ومن طرق مختلفة بعضها حسنة وبعضها صحيحة (3) .   (1) انظر: هذه المسألة في: أصول السرخسي (1/365) وكشف الإسرار للبخاري (3/10-11) وكشف الأسرار للنسفي (2/48-51) . (2) انظر: سنن الترمذي (1/128) . (3) روي هذا الحديث من تسع طرق ذكرها ابن الجوزي في كتابه الخلاف (1/176) والحديث رواه: مالك في الموطأ (1/42-43) ،والطيالسي في مسنده (2/230) والإمام أحمد في المسند (2/223) ، (5/194) ، (6/406-407) والدارمي في سننه (1/199) وأبوداود في سننه (1/46) وابن ماجة في سننه (1/161-163) والنسائي في سننه (1/100، 216) والنسائي في السنن الكبرى (1/98) والدارقطني في سننه (1/146) والحاكم في المستدرك (1/229) والبيهقي في السنن الكبرى (1/128-138) قال ابن عبد البر رحمه في كتابه التمهيد (17/197) : (وكل من خرج في الصحيح ذكر حديث بسرة في هذا الباب وحديث طلق بن علي إلا البخاري فإنهما عنده متعارضان معلولان وعند غيره هما صحيحان) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 285 وأما الحديث الذي عارض حديث بسرة فهو حديث طلق بن علي قال: خرجنا إلى نبي الله (وفداً حتى قدمنا عليه فبايعناه وصلينا معه فجاء رجل كأنه بدوي فقال يا رسول الله: ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ. فقال: (وهل هو إلا بضعة أو مضغة منك) (1) قال الترمذي (2) : هذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب. وقد ذهب جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين والأئمة الثلاثة إلى إيجاب الوضوء من مس الذكر (3) . وذهب بعض الصحابة والتابعين وبعض الفقهاء كأبي حنيفة والثوري وغيرهما إلى عدم نقض الوضوء بمس الذكر (4) . أقول: من هذا العرض الموجز لأقوال العلماء في تصحيح الحديثين أو تضعيفهما أو تصحيح أحدهما دون الآخر ومن ثم اختلافهم في القول بأيهما، تبين أن سبب الخلاف هو هذا لا ما ذكره متأخرو الحنفية من أن سببه هو مخالفة الحديث لظاهر القرآن. ومما يؤيد أن هذا هو السبب -وهو تصحيح الحديثين أو تضعيفهما أوأحدهما دون الآخر- أن بعض أهل العلم قد جمع بينهما فقال: يحمل ذكر الوضوء في حديث بسرة على غسل اليدين لا الوضوء الشرعي. قال ابن قتيبة (5) : (أما عَلِمَ أن كثيراً من أهل الفقه قد ذهبوا إلى أن الوضوء يجب من مس الفرج في المنام واليقظة بهذا الحديث وبالحديث الآخر من مس فرجه فليتوضأ وإن كنا نحن لا نذهب إلى ذلك ونرى أن الوضوء الذي أمر به من مس فرجه غسل اليد لأن الفروج مخارج الحدث والنجاسات ... ) .   (1) انظر: الحديث والتعليق هذا في: السنن الكبرى للبيهقي (1/134-135) . (2) انظر: سنن الترمذي (1/132) . (3) انظر: سنن الترمذي (1/132) ومستدرك الحاكم (1/229) والتمهيد (17/198، 199) . (4) انظر: سنن الترمذي (1/132) ومستدرك الحاكم (1/229) والتمهيد (17/201) . (5) انظر: تأويل مختلف الحديث (131) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 286 ثانياً: وأما قولهم: (فإن الله تعالى قال:- (فيه رجال يحبون أن يتطهروا ((التوبة 108) يعني الاستنجاء بالماء فقد مدحهم بذلك وسمى فعلهم تطهراً. ومعلوم أن الاستنجاء بالماء لا يكون إلا بمس الذكر. فالحديث الذي يجعل مسه حدثاً بمنزلة البول، يكون مخالفاً لما في الكتاب؛ لأن الفعل الذي هو حدث لا يكون تطهراً) فيقال: نعم امتدح الله أهل قباء بذلك. قال الشعبي (1) : هم أهل مسجد قباء أنزل الله فيهم هذا. قال رسول الله (: (يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيراً في الطهور فما طهوركم هذا؟ قالوا: يا رسول الله نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة. فقال رسول الله (: فهل مع ذلك من غيره؟ فقالوا: لا غير إلا أن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء. قال: هو ذاك فعليكموه) (2) . قال الحاكم (3) : حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فالآية امتدحتهم لتطهرهم أي لإزالتهم النجاسة الحقيقية من الفرجين بالماء فهو كتطهير الثياب والأماكن من النجاسات الحسية، لا أن المراد بالتطهر الطهارة عن الحدث فهذا كل الصحابة رضي الله عنهم فيه سواء. وتلك الطهارة لا تزول عن الشخص كما لو أرعف أو خرجت منه ريح بعد استنجائه وحينئذٍ ليس هناك مخالفة بين الحديث والآية.وبهذا يتضح خطأ قولهم: (فالحديث الذي يجعل مسه حدثاً بمنزلة البول، يكون مخالفاً لما في الكتاب؛ لأن الفعل الذي هو حدث لا يكون تطهراً) . فإن قالوا: إن الله تعالى جعل الاستنجاء تطهراً مطلقاً فينبغي أن يكون تطهراً حقيقة وحكماً، فلو جعل المس حدثاً لا يكون تطهراً من كل وجه.   (1) انظر: تفسير القرطبي (8/259-260) وتفسير ابن كثير (2/390) . (2) رواه ابن ماجة (1/127-128) والترمذي في سننه (5/280) والدارقطني في سننه (1/62) والحاكم في المستدرك (1/258) ، (2/365) والبيهقي في السنن الكبرى (1/105) . (3) انظر: المستدرك (2/365) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 287 قيل: هذا قول ضعيف لأنه يلزم منه أن من أزال النجاسة عن السبيلين أصبح متطهراً أي متوضأ حكماً وهذا لا قائل به أبداً. 2- المبتوتة نفقتها وسكناها:- قال السرخسي: (وكذلك لم يقبل حديث فاطمة بنت قيس في أن لا نفقة للمبتوتة؛ لأنه مخالف للكتاب وهو قوله تعالى:- (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ((الطلاق 6) . ولا خلاف أن المراد وأنفقوا عليهن من وجدكم، فالمراد الحائل؛ فإنه عطف عليه قوله تعالى:- (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ((الطلاق 6) . قلت: ورد في هذه المسألة حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها المشار إليه آنفاً، وحديث آخر عن عمر بن الخطاب مما جعل العلماء يختلفون في حكم نفقة وسكنى المبتوتة. وسيكون بحث المسألة في فقرات على النحو التالي: 1- روى مسلم في صحيحه (1) حديث فاطمة بنت قيس أنهاقالت: إن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء. فجاءت رسول الله (فذكرت ذلك له، فقال: (ليس لك عليه نفقة) . 2- روى الدارقطني في سننه (2) قال: قالت فاطمة بنت قيس: قال رسول الله (: (المطلقة ثلاثاً لا سكنى لها ولا نفقة إنما السكنى والنفقة لمن يملك الرجعة) . وروى الدارقطني (3) عن: (عمر بن الخطاب أنه لما بلغه قول فاطمة بنت قيس قال: لا ندع كتاب الله لقول امرأة لعلها نسيت) .   (1) 2/1114) وقد رواه مسلم رحمه بألفاظ مختلفة منها: فقال (: (لا نفقة لك ولا سكنى) وفي لفظ: (ليست لها نفقة وعليها العدة) ، وفي لفظ: (لا نفقة لك) ، وفي لفظ: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة، وأمرني أن أعتد في بيت ابن أم مكتوم. (2) 4/22) . (3) في سننه (4/24) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 288 وروى الدارقطني (1) – أيضاً – أن عمر رضي الله عنه قال: (لا نترك كتاب الله وسنة نبينا (لقول امرأة لا ندري حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة قال الله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ( {الطلاق 1} الآية قال ابن القيم (2) : (قد أعاذ الله أمير المؤمنين من هذا الكلام الباطل الذي لا يصح عنه أبداً. قال الإمام أحمد: لا يصح ذلك عن عمر) . وروى الدارقطني (3) عن عمر رضي الله عنه أنه قال لفاطمة رضي الله عنها: (إن جئت بشاهدين يشهدان أنهما سمعاه من رسول الله (وإلا لم نترك كتاب الله لقول امرأة (لا تخرجوهن من بيوتهن ( {الطلاق 1} الآية. قال الدارقطني: ولم يقل فيه وسنة نبينا. وروى الدارقطني عن الحسن بن عمارة عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن الخليل الحضرمي قال ذكر لعمر بن الخطاب قول فاطمة بنت قيس أن رسول الله (لم يجعل لها السكنى ولا النفقة فقال عمر لا ندع كتاب الله وسنة نبيه لقول امرأة. قال الدارقطني: الحسن بن عمارة متروك. وفي سنن الدارقطني (4) أن: (عمر قال: لا ندع كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة المطلقة ثلاثاً لها السكنى والنفقة) قال الدارقطني: أشعث بن سوار ضعيف الحديث ورواه الأعمش عن إبراهيم عن الأسود ولم يقل وسنة نبينا وقد كتبناه قبل هذا والأعمش أثبت من أشعث وأحفظ منه. 3- روى البخاري في صحيحه (5) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما لفاطمة،ألا تتقي الله؟ يعني في قولها: لا سكنى ولا نفقة. وفي صحيحه (6) - أيضاً - عنها: قالت: إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها النبي (. 4- قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (7) : (وادعى بعض الحنفية أن في بعض طرق حديث عمر: للمطلقة ثلاثاً السكنى والنفقة) .   (1) في سننه (4/25) . (2) انظر: زاد المعاد (5/539) وفتح الباري (9/481) . (3) في سننه (4/25) . (4) 4/27) . (5) 6/183) . (6) 6/183-184) . (7) 9/481) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 289 5- قال الطحاوي (1) : (خالفت فاطمة سنة رسول الله (؛ لأن عمر روى خلاف ماروت … ) 6- قال حماد بن أبي سليمان: أخبرت إبراهيم النخعي بحديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس، فقال لي إبراهيم: إن عمر أخبر بقولها فقال: لسنا بتاركي آية من كتاب الله تعالى، وقول النبي (لقول امرأة لعلها أوهمت. سمعت النبي (يقول: لها السكنى والنفقة (2) . 7- قال ابن القيم (3) : (وأما حديث حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله (يقول: (لها السكنى والنفقة) . فنحن نشهد بالله شهادة نسأل عنها إذا لقيناه أن هذا كذب على عمر رضي الله عنه وكذب على رسول الله (وينبغي أن لا يحمل الإنسان فرط الإنتصار للمذاهب والتعصب لها على معارضة سنن رسول الله (الصحيحة الصريحة بالكذب البحت فلو يكون هذا عند عمر رضي الله عنه عن النبي (لخرست فاطمة وذووها ولم ينبسوا بكلمة ولا دعت فاطمة إلى المناظرة ولا احتيج إلى ذكر إخراجها لبذاء لسانها ولما فات هذا الحديث أئمة الحديث والمصنفين في السنن والأحكام المنتصرين للسنن فقط لا لمذهب ولا لرجل. هذا قبل أن نصل به إلى إبراهيم ولو قدر وصولنا بالحديث إلى إبراهيم لانقطع نخاعه فإن إبراهيم لم يولد إلا بعد موت عمر رضي الله عنه بسنين) . 8- قال ابن عبد البر (4) : (أحاديث فاطمة كلها لم يختلف في أنها لا نفقة لها؛ وإنما اختلف في ذكر السكنى، فمنهم من ذكرها، ومنهم من لم يذكرها.. وأما الصحابة، فقد اختلفوا ... منهم من يقول: لها السكني والنفقة. منهم: عمر، وابن مسعود. ومنهم من يقول: لها السكنى ولا نفقة. منهم: ابن عمر، وعائشة. ومنهم يقول: لا سكنى لها ولا نفقة. وممن قال بذلك: علي، وابن عباس، وجابر) .   (1) انظر: فتح الباري (9/481) . (2) ذكره ابن حزم في المحلى (10/ 297-298) . (3) انظر: زاد المعاد (5/ 539) . (4) انظر: التمهيد (19/144، 151-152) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 290 وقد اختلف العلماء في حكم نفقة وسكنى المبتوتة كاختلاف الصحابة رضي الله عنهم إلى ثلاثة أقوال (1) : الأول: - ليس لها سكنى ولا نفقة. وبه قال الحسن وعطاء بن أبي رباح والشعبي وأحمد وإسحاق. الثاني: - لها السكنى والنفقة. وبه قال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه. الثالث: - لها السكنى ولا نفقة لها. وبه قال مالك بن أنس والليث بن سعد والشافعي. وبعد هذا الاستعراض الموجز للروايات الواردة في المسألة وأقوال الصحابة والعلماء فيها تبين أن ترك بعض العلماء لرواية فاطمة بنت قيس إنما هو لتعارض روايتها مع رواية عمر بن الخطاب، ولاختلاف ألفاظ حديث فاطمة في ذكر النفقة والسكنى؛ فسبب اختلاف العلماء هو تعارض الروايات والسنن، لاكما يصوره متأخرو الحنفية من أن أبا حنيفة ومن معه من الأئمة قد ردوا خبر فاطمة رضي الله عنها لكونه مخالفاً لكتاب الله. يوضح ذلك أنه لو كان حديث فاطمة رضي الله عنها باطلاً لمخالفته كتاب الله لما احتج به الأئمة كلهم في غير هذه المسألة. قال ابن القيم (2) : (ولا يعلم أحد من الفقهاء رحمهم الله إلا وقد احتج بحديث فاطمة بنت قيس هذا وأخذ به في بعض الأحكام كمالك والشافعي وجمهور الأمة يحتجون به في سقوط نفقة المبتوتة إذا كانت حائلاً. والشافعي نفسه احتج به: على جواز جمع الثلاث؛ لأن في بعض ألفاظه (فطلقني ثلاثاً) ، وقد بينا أنه إنما طلقها آخر ثلاث كما أخبرت به عن نفسها. واحتج به من يرى جواز نظر المرأة إلى الرجال. واحتج به الأئمة كلهم على جواز خطبة الرجل على خطبة أخيه إذا لم تكن المرأة قد سكنت إلى الخاطب الأول.   (1) انظر هذه الأقوال وأدلة كلٍ والمناقشات التي جرت فيها في: الأم (5/237-238) والمغني (8/185) وبدائع الصنائع (3/209) والتمهيد (19/141) . (2) انظر: زاد المعاد (5/540-541) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 291 واحتجوا به على جواز بيان ما في الرجل إذا كان على وجه النصيحة لمن استشاره أن يزوجه أو يعامله أو يسافر معه وأن ذلك ليس بغيبة. واحتجوا به على جواز نكاح القرشية من غير القرشي. واحتجوا به على وقوع الطلاق في حال غيبة أحد الزوجين عن الآخر وأنه لا يشترط حضوره ومواجهته به. واحتجوا به على جواز التعريض بخطبة المعتدة البائن. وكانت هذه الأحكام كلها حاصلة ببركة روايتها وصدق حديثها فاستنبطتها الأمة منها وعملت بها فما بال روايتها ترد في حكمٍ واحدٍ من أحكام هذا الحديث وتقبل فيما عداه فإن كانت حفظته قبلت في جميعه وإن لم تكن حفظته وجب أن لا يقبل في شيء من أحكامه وبالله التوفيق) . 3- القضاء بالشاهد واليمين:- قال السرخسي: (وكذلك لم يقبل خبر القضاء بالشاهد واليمين؛ لأنه مخالف للكتاب من أوجه:- فإن الله تعالى قال:- (واستشهدوا شهيدين من رجالكم ( {البقرة 282} الآية وقوله (واستشهدوا (أمر بفعل هو مجمل فيما يرجع إلى عدد الشهود كقول القائل: كُلْ. يكون مجملاً فيما يرجع إلى بيان المأكول، فيكون ما بعده تفسيراً لذلك المجمل وبياناً لجميع ما هو المراد بالأمر وهو استشهاد رجلين فإن لم يكونا فرجل وامرأتان، كقول القائل: كُلْ طعام كذا فإن لم يكن كذا فكذا، أو أذنت لك أن تعامل فلاناً فإن لم يكن ففلاناً، يكون ذلك بياناً لجميع ما هو المراد بالأمر والإذن. وإذا ثبت أن جميع ما هو المذكور في الآية كان خبر القضاء بالشاهد واليمين زائداً عليه والزيادة على النص كالنسخ عندنا. يقرره قوله تعالى:- (وأدنى ألا ترتابوا ( {البقرة 282} فقد نص على أن أدنى ما تنتفي به الريبة شهادة شاهدين بهذه الصفة وليس دون الأدنى شيء آخر تنتفي به الريبة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 292 ولأنه نقل الحكم من استشهاد الرجل الثاني بعد شهادة الشاهد الواحد إلى استشهاد امرأتين مع أن حضور النساء مجالس القضاء لأداء الشهادة خلاف العادة وقد أُمِرْن بالقرار في البيوت شرعاً، فلو كان يمين المدعي مع الشاهد الواحد حجة لما نقل الحكم إلى استشهاد امرأتين وهو خلاف المعتاد مع تمكن المدعي من اتمام حجته بيمينه … ) . ويمكن الجواب عما سبق في النقاط التالية: - 1- الحديث الذي ردوه هو حديث رواه جمع من الصحابة كأبي هريرة وابن عباس وجابر رضي الله عنهم بلفظ (أن النبي (قضى بيمينٍ وشاهدٍ) (1) . قال ابن عبد البر (2) : (وفي اليمين مع الشاهد آثار متواترة حسان ثابتة متصلة أصحها إسناداً وأحسنها حديث ابن عباس وهو حديث لا مطعن لأحد في إسناده ولا خلاف بين أهل المعرفة بالحديث في أن رجاله ثقات) . وحق له حكاية ذلك، فقد قال الإمام مالك (3) : (إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو عامل على الكوفة: أن اقض باليمين مع الشاهد. وقال: إن أبا سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار سئلا هل يقضى باليمين مع الشاهد؟ فقالا: نعم. قال مالك: مضت السنة في القضاء باليمين مع الشاهد الواحد) .   (1) رواه مالك في الموطأ (2/821) وأحمد في المسند (1/323) ، (3/305) ، (5/285) ومسلم في صحيحه (2/1337) وأبو داود في سننه (3/309) وابن ماجة في سننه (2/793) والترمذي في سننه (3/627) والنسائي في السنن الكبرى (3/490) وأبو يعلى في مسنده (12/37) وابن حبان في صحيحه (11/462) والطبراني في المعجم الصغير (2/9) والأوسط (2/19) ، (5/98) ، (5/310) ، (7/229) والكبير (1/370) ، (5/150) ، (6/16) ، (11/105) والدارقطني فيسننه (4/212) والحاكم في المستدرك (3/593) والبيهقي في السنن الكبرى (10/167،170) وابن عبد البر في التمهيد (2/134) . (2) انظر: التمهيد (2/138) . (3) انظر: الموطأ (2/722) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 293 وروى النسائي (1) (أن شريحاً قضى باليمين مع الشاهد الواحد في مسجد الكوفة. وأن عمر بن عبد العزيز قضى باليمين مع الشاهد) . وقد قضى باليمين مع الشاهد قبل هؤلاء جميعاً رسول الله (وصحابته الكرام: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب وعبد الله بن عمر، ولم يأت عن أحد من الصحابة أنه أنكر القضاء باليمين مع الشاهد، وإلىهذا القول ذهب جمهور التابعين:سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد وعروة وسالم وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار وعلي بن حسين وأبو جعفر محمد بن علي وأبو الزناد وغيرهم، ومن الأئمة: مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم واسحاق بن راهوية وأبو عبيد وأبو ثور وداود بن علي، وجماعة أهل الأثر. ذكر ذلك ابن عبد البر (2) ، ثم قال (3) : هو الذي لا يجوز عندي خلافه لتواتر الآثار به عن النبي (وعمل أهل المدينة به قرناً بعد قرن. قال الحافظ ابن حجر (4) : (وفي الباب – يعني القضاء بالشاهد مع اليمين – عن نحو من عشرين من الصحابة فيها الحسان والضعاف، وبدون ذلك تثبت الشهرة) . قال ابن عبد البر (5) : (فهؤلاء قضاة أهل العراق أيضاً يقضون باليمين مع الشاهد في زمن الصحابة وصدر الأمة، وحسبك به عملاً متوارثاً بالمدينة) .   (1) في السنن الكبرى (3/491) . (2) انظر: التمهيد (2/153) . (3) انظر: المصدر السابق (2/154) . (4) في فتح الباري (5/282) . (5) انظر: التمهيد (2/157) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 294 قلت: إن لم يكن القضاء باليمين مع الشاهد متواتراً تصح به الزيادة على القرآن إجماعاً فلا أقل من أن يكون حديثاً مشهوراً على رأي عيسى بن أبان (1) ومن تبعه كأبي زيد الدبوسي والسرخسي والبزدوي وغيرهم فيعمل به، وإن لم يكن عمل هؤلاء الأئمة الأعلام من الصحابة والتابعين والأئمة الثلاثة وغيرهم به، وروايتهم له تستدعي الشهرة فلا شهرة حينئذٍ ولا تواترله إلا إذا حكم بذلك عيسى بن أبان ومن تبعه. فما قاله أو عمل به هؤلاء المنتسبون إلى أبي حنيفة - رحمه الله -فهو المشهور وهو المتواتر وما لا فلا! ‍‍‍!! فإن قيل: قد خالف في ذلك إمام المذهب أبو حنيفة والثوري وعطاء وغيرهم (2) فقالوا: بعدم القضاء باليمين مع الشاهد الواحد. قلت: خالفوا لأنه لم يصح عندهم الخبر في ذلك، كيف وقد قال أبو حنيفة رحمه الله: (ما جاءنا عن الله وعن رسوله فعلى الرأس والعين) لا أنهم يقولون كما يقوله هؤلاء: إن الحديث قد صح عندنا ولكن لا نعمل به لمخالفته كتاب الله. أقول: معاذ الله أن يكون ذلك هو قولهم. يوضحه قول عطاء (3) : إن أول من قضى به عبد الملك بن مروان. فهذا دليل على أنه لم يصح عنده فيه شيء لا عن رسول الله (ولا عن صحابته أو التابعين. وبهذا يتبين خطأ قول السرخسي ومن معه: (كان خبر القضاء بالشاهد واليمين زائداً عليه والزيادة على النص كالنسخ عندنا) . 2- وأما قوله: (فإن الله تعالى قال:- (واستشهدوا شهيدين من رجالكم ( {البقرة 282} الآية وقوله (واستشهدوا (أمر بفعل هو مجمل فيما يرجع إلى عدد الشهود ... ، فيكون ما بعده تفسيراً لذلك المجمل وبياناً لجميع ما هو المراد بالأمر وهو استشهاد رجلين فإن لم يكونا فرجل وامرأتان …   (1) هو أول من ابتدع هذه القواعد الموهومة المخالفة للكتاب والسنة وعمل الأمة والأئمة. انظر: قواطع الأدلة (2/412) . (2) انظر: التمهيد (2/154) (3) انظر: التمهيد (2/154) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 295 وإذا ثبت أن جميع ما هو المذكور في الآية كان خبر القضاء بالشاهد واليمين زائداً عليه والزيادة على النص كالنسخ عندنا. يقرره قوله تعالى:- (وأدنى ألا ترتابوا ( {البقرة 282} فقد نص على أن أدنى ما تنتفي به الريبة شهادة شاهدين بهذه الصفة وليس دون الأدنى شيء آخر تنتفي به الريبة) . فالجواب عن ذلك بأمور منها: أولاً: - إنه ليس في جعل اليمين والشاهد حجةً دليلٌ على النسخ في هذه الآية؛ لأن الآية ما تعرضت بنفي ولا إثبات، وهذا لأن التخيير بين الشيئين لا يتعرض لما عداهما بتحريم ولا إيجاب، فانتفاء الثالث ليس بحكم الآية بل بحكم أن الأصل فيه الانتفاء. والنقل من الأصل لا يكون نسخاً (1) . ثانياً: - إن طرق الحكم شيء وطرق حفظ الحقوق شيء آخر وليس بينهما تلازم فتحفظ الحقوق بما لا يحكم به الحاكم مما يعلم صاحب الحق أنه يحفظ به حقه ويحكم الحاكم بما لا يحفظ به صاحب الحق حقه ولا خطر على باله من نكول ورد يمين وغير ذلك. قاله ابن القيم (2) ثم قال: (قال الشافعي: واليمين مع الشاهد لا تخالف من ظاهر القرآن شيئا لأنا نحكم بشاهدين وشاهد وامرأتين فإذا كان شاهد واحد حكمنا بشاهد ويمين وليس ذا يخالف القرآن لأنه لم يحرم أن يكون أقل مما نص عليه في كتابه. ورسول الله (أعلم بما أراد الله وقد أمرنا الله أن نأخذ ما آتانا   (1) نص على ذلك أبو المظفر السمعاني. انظر: كتابه قواطع الأدلة (3/154) . (2) انظر: الطرق الحكمية (1/198-199) وفتح الباري (5/282) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 296 قلت- القائل ابن القيم -: وليس في القرآن ما يقتضي أنه لا يحكم إلا بشاهدين أو شاهد وامرأتين فإن الله سبحانه إنما أمر بذلك أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقهم بهذا النصاب ولم يأمر بذلك الحكام أن يحكموا به فضلاً عن أن يكون قد أمرهم ألا يقضوا إلا بذلك ولهذا يحكم الحاكم بالنكول واليمين المردودة والمرأة الواحدة والنساء المنفردات لا رجل معهن وبمعاقد القمط ووجوه الآجر وغير ذلك من طرق الحكم التي لم تذكر في القرآن فإن كان الحكم بالشاهد واليمين مخالفاً لكتاب الله فهذه أشد مخالفةً لكتاب الله منه وإن لم تكن هذه الأشياء مخالفةً للقرآن فالحكم بالشاهد واليمين أولى ألا يكون مخالفاً للقرآن ... والقضاء بالشاهد واليمين مما أراه الله تعالى لنبيه (فإنه سبحانه قال: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ( {النساء 105} . وقد حكم بالشاهد واليمين وهو مما أراه الله إياه قطعاً) . المطلب الثاني: في رد خبر الواحد لكونه مخالفاً للسنة المشهورة وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في أدلة القائلين بها ومناقشتها. لم يتطرق القائلون بهذه القاعدة إلى أدلتها بخصوصها اكتفاءً بما ذكروه من أدلة في المطلب الأول وهو انقطاع خبر الواحد لمخالفته لكتاب الله تعالى فالأدلة، والمناقشات هي هي، إلا أنهم قد ذكروا وجهاً آخر لرد خبر الواحد لمخالفته السنة المشهورة –باصطلاحهم-فقالوا: إن (خبر الواحد إذا خالف السنة المشهورة فهو منقطع في حكم العمل به؛ لأن ما يكون متواتراً من السنة أو مستفيضاً أو مجمعاً عليه فهو بمنزلة الكتاب في ثبوت علم اليقين به وما فيه شبهة فهو: مردود في مقابلة اليقين، وكذلك المشهور من السنة، فإنه أقوى من الغريب لكونه أبعد عن موضع الشبهة ولهذا جاز النسخ بالمشهور دون الغريب فالضعيف لا يظهر في مقابلة القوي) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 297 ويمكن أن يقال: بأنه ليس هناك تعارض البتة بين الكتاب وصحيح السنة، وقد سبق التنبيه على مثل هذا فليرجع إليه، وأما قولهم إن المشهور من السنة أقوى من الغريب (السنة الآحادية الصحيحة) فهذه القوة لا تمنع من العمل بالخبر الصحيح لا سيما إذا كانت دلالة خبر الواحد قطعية ودلالة المشهور محتملة كأن تكون عامة أو مطلقة أو مجملة. وقولهم إن الضعيف لا ينسخ القوي فهذا غير مسلم فإن النسخ متعلق بالدلالة لا بالسند فالناسخ صحيح السند –وهذا لابد منه - رافع لدلالة المنسوخ ومبطل لها. قال الشيخ الشنقيطي (1) رحمه الله: (التحقيق الذي لا شك فيه هو جواز وقوع نسخ المتواتر بالآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عنه والدليل الوقوع. أما قولهم إن المتواتر أقوى من الآحاد والأقوى لا يرفع بما هو دونه فإنهم قد غطلوا فيه غلطاً عظيماً مع كثرتهم وعلمهم، وإيضاح ذلك أنه لا تعارض البتة بين خبرين مختلفي التاريخ لإمكان صدق كل منهما في وقته، وقد أجمع جميع النظار أنه لا يلزم التناقض بين القضيتين إلا إذا اتحد زمنهما، أما إن اختلفا فيجوز صدق كل منهما في وقتهما، فلو قلت: النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس، وقلت أيضاً: لم يصل إلى بيت المقدس، وعنيت بالأولى ما قبل النسخ، وبالثانية ما بعده لكانت كل منهما صادقة في وقتها.   (1) في مذكرة أصول الفقه (86-87) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 298 ومثال نسخ القرآن بأخبار الآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عنه نسخ إباحة الحمر الأهلية - مثلاً -المنصوص عليها بالحصر الصريح في آية (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةً … ( {الأنعام 145} الآية، بالسنة الصحيحة الثابت تأخرها عنه لأن الآية من سورة الأنعام وهي مكية أي نازلة قبل الهجرة بلا خلاف، وتحريم الحمر الأهلية بالسنة واقع بعد ذلك في خيبر ولا منافاة البتة بين آية الأنعام المذكورة وأحاديث تحريم الحمر الأهلية لاختلاف زمنهما، فالآية وقت نزولها لم يكن محرماً إلا الأربعة المنصوصة فيها، وتحريم الحمر الأهلية طارئ بعد ذلك، والطروء ليس منافياً لما قبله، وإنما تحصل المنافاة بينهما لو كان في الآية ما يدل على نفي تحريم شيء في المستقبل غير الأربعة المذكورة في الآية، وهذا لم تتعرض له الآية بل الصيغة فيها مختصة بالماضي لقوله: (قل لا أجد فيما أوحي إلي ( {الأنعام 145} بصيغة الماضي، ولم يقل فيما سيوحى إلي في المستقبل، وهو واضح كما ترى، والله أعلم) . المسألة الثانية: في الآثار الفقهية المترتبة على القول بها. لقد ترتب على القول بهذه القاعدة الموهومة مسائل فقهية كثيرة منها:- 1- القضاء بالشاهد واليمين. قال السرخسي (1) : (لم يعمل بخبر القضاء بالشاهد واليمين لأنه مخالف للسنة المشهورة، وهو قوله عليه السلام:- (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) (2)   (1) انظر: أصول السرخسي (1/365) . (2) الحديث رواه البيهقي في السنن الكبرى (10/252) من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر) وأصله في الصحيحين ففي صحيح البخاري من كتاب الرهن (3/116) أن ابن مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس فكتب إليَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن اليمين على المدعى عليه. وفي صحيح مسلم (3/1336) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( … .ولكن اليمين على المدعى عليه) وفيه أيضاً (1/124) من حديث وائل بن حجر قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجلان يختصمان في أرض، فقال أحدهما: إن هذا انتزى على أرضي يا رسول الله في الجاهلية، فقال: بينتك. فقال: ليس لي بينة. قال: يمينه. قال: إذن يذهب بها. قال: ليس لك إلا ذاك … ) الحديث. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 299 من وجهين:- أحدهما:- أن في هذا الحديث بيان أن اليمين في جانب المنكر دون المدعي. والثاني:- أن فيه بيان أنه لا يجمع بين اليمين والبينة فلا تصلح اليمين متممة للبينة بحال) . الجواب: لقد سبق أن بينت أن السنة الصحيحة لا تعارض بينها وبين كتاب الله إذ الجميع وحي من عند الله العليم الحكيم، وذكرت الأدلة على عدم وقوع ذلك. كما نقلت أقوال العلماء بل إجماعهم على عدم وقوع التعارض والتضاد بين الكتاب والسنة الآحادية الصحيحة. وحينئذٍ فلا حاجة بنا للإعادة بل تنظر في موطنها. وما ذكروه في هذا الوجه من عدم أخذهم بحديث النبي (من أنه قضى باليمين مع الشاهد ما هو إلا إمعان في رد السنة الصحيحة الصريحة عن رسول الله وصحبه الكرام والأئمة الأعلام بقواعد موهومة مزعومة، فالحديث – عندهم – لا محالة مردود - مع كونه متواتراً عند أهل العلم والاختصاص - إما لمخالفته الكتاب –كما سبق - أو لمخالفته السنة المشهورة. ومن العجيب حقاً قصرهم الشهرة في حديث (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) دون حديث القضاء بشاهد مع يمين المدعي، مما يدل دلالة لا لبس فيها أن الشهرة معيارها هو: موافقة الحديث لمذهبهم. فما وافق مذهبهم فهو مشهور ولو كان ضعيفاً وربما موضوعاً وما خالف مذهبهم فهو ضعيف أو خبر آحاد لا تقوم به حجة ولو كان في الصحيحين وبقية كتب السنة كحديث القضاء باليمين مع الشاهد. أما قولهم إن هذا الحديث بيان أن اليمين في جانب المنكر دون المدعي، فلا يسلم لهم القصر وحصر اليمين في جانب المدعى عليه، -وأيضاً -هذا القول مبني على حجية مفهوم المخالفة، والحنفية لا يقولون بحجيته أبداً. وقد أجاد ابن القيم رحمه الله في رد هذه الدعوى ولحسن جوابه وقوته فقد قمت بنقله بتمامه. قال ابن القيم الجوزية (1) : - (فصل: منزلة السنة من الكتاب) والذين ردوا هذه المسألة لهم طرق:-   (1) انظر: الطرق الحكمية (106-111) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 300 الطريق الأول: أنها خلاف كتاب الله فلا تقبل وقد بين الأئمة كالشافعي وأحمد وأبي عبيد وغيرهم أن كتاب الله لا يخالفها بوجه وإنها لموافقة لكتاب الله وأنكر الإمام أحمد والشافعي على من رد أحاديث رسول الله (لزعمه أنها تخالف ظاهر القرآن وللإمام أحمد في ذلك كتاب مفرد سماه كتاب طاعة الرسول والذي يجب على كل مسلم اعتقاده أنه ليس في سنن رسول الله (الصحيحة سنة واحدة تخالف كتاب الله بل السنن مع كتاب الله على ثلاث منازل:- المنزلة الأولى:- سنة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل. المنزلة الثانية:- سنة تفسر الكتاب وتبين مراد الله منه وتقيد مطلقه. المنزلة الثالثة:- سنة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب فتبينه بياناً مبتدأً. ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة. الطريق الثاني:- أن اليمين إنما شرعت في جانب المدعى عليه فلا تشرع في جانب المدعي. قالوا: ويدل على ذلك قوله (: (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) فجعل اليمين من جانب المنكر. وهذه الطريقة ضعيفة جداً من وجوه:- أحدها:- أن أحاديث القضاء بالشاهدين واليمين أصح وأصرح وأشهر وهذا الحديث لم يروه أحد من أهل الكتب الستة. الثاني:- أنه لو قاومها في الصحة والشهرة لوجب تقديمها عليه لخصوصها وعمومه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 301 الثالث:- أن اليمين إنما كانت في جانب المدعى عليه حيث لم يترجح جانب المدعي بشيء غير الدعوى فيكون جانب المدعى عليه أولى باليمين لقوته بأصل براءة الذمة فكان هو أقوى المدعيين باستصحاب الأصل فكانت اليمين من جهته فإذا ترجح المدعي بلوث أو نكول أو شاهد كان أولى باليمين لقوة جانبه بذلك فاليمين مشروعة في جانب أقوى المتداعيين فأيهما قوي جانبه شرعت اليمين في حقه بقوته وتأكيده ولهذا لما قوي جانب المدعين باللوث شرعت الأيمان في جانبهم ولما قوي جانب المدعي بنكول المدعى عليه ردت اليمين عليه كما حكم به الصحابة، وصوبه الإمام أحمد وقال: ما هو ببعيد يحلف ويأخذ. ولما قوي جانب المدعى عليه بالبراءة الأصلية كانت اليمين في حقه وكذلك الأمناء كالمودع والمستأجر والوكيل والوصي القول قولهم ويحلفون لقوة جانبهم بالأيمان فهذه قاعدة الشريعة المستمرة فإذا أقام المدعي شاهداً واحداً قوي جانبه فترجح على جانب المدعى عليه الذي ليس معه إلا مجرد استصحاب الأصل وهو دليل ضعيف يدفع بكل دليل يخالفه ولهذا يدفع بالنكول واليمين المردودة واللوث والقرائن الظاهرة فدفع بقول الشاهد الواحد وقويت شهادته بيمين المدعي فأي قياس أحسن من هذا وأوضح مع موافقته للنصوص والآثار التي لا تدفع) انتهى كلامه. 2- بيع الرطب بالتمر:- قال السرخسي (1) : (لم يعمل أبو حنيفة بخبر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه - في بيع الرطب بالتمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: (أينتقص إذا جف) قالوا: نعم.قال:- (فلا إذاً) ، لأنه مخالف للسنة المشهورة وهو قوله عليه السلام: (التمر بالتمر مثل بمثل) (2) . من وجهين:- أحدهما:- أن فيها اشتراط المماثلة في الكيل مطلقاً لجواز العقد. فالتقييد باشتراط المماثلة في أعدل الأحوال وهو بعد الجفوف يكون زيادة.   (1) انظر: أصول السرخسي (1/367) . (2) في السنن الكبري (3/496) ، (4/22) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 302 والثاني:- أنه جعل فضلاً يظهر بالكيل هو الحرام في السنة المشهورة. فجعل فضل يظهر عند فوات وصف مرغوب فيه رباً حراماً يكون مخالفاً لذلك الحكم) انتهى كلامه. قلت: روى سعد بن أبي وقاص قال: تبايع رجلان على عهد رسول الله (بتمر ورطب. فقال النبي (: (هل ينقص الرطب إذا يبس؟) فقالوا: نعم. فقال النبي (: فلا إذاً) . وهذا الحديث رواه مالك (1) ،وبدالرزاق (2) ،وأحمد (3) ،وأبو داود (4) ، وابن ماجة (5) ، والترمذي (6) ، والنسائي (7) ، وأبو يعلى (8) ، وابن حبان (9) ، والدارقطني (10) والحاكم (11) ، والبيهقي (12) . وقال الحاكم (13) : هذا حديث صحيح، والشيخان لم يخرجاه لما خشياه من جهالة زيد أبي عياش. وأما الحديث الآخر وهو حديث عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله (: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) . فحديث رواه الشيخان (14) وغيرهما. وأما الجواب عما ذكره السرخسي وغيره من وجود تعارض بين الحديثين فنقول: ليس هناك تعارض بين أحاديث رسول الله (متواترها ومشهورها الثابتة وآحادها الصحيحة فالكل من عند الله العليم الحكيم وقد سبق التنبيه على هذا مراراً وتكراراً فليرجع إليه.   (1) في الموطأ (2/624) . (2) في مصنفه (8/32) . (3) في المسند (1/175) ، (1/179) . (4) في سننه (3/215) . (5) في سننه (2/761) . (6) في سننه (3/528) . (7) في السنن الكبري (3/496) ، (4/22) . (8) في مسنده (2/68) ، (2/141) . (9) في صحيحه (11/378) . (10) في سننه (3/49-50) . (11) في المستدرك (2/44) . (12) في السنن الكبرى (5/294، 295) . (13) في المستدرك (2/44) . (14) انظر: صحيح البخاري (3/29) وصحيح مسلم (3/1211) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 303 وعلى فرض وجود التعارض بينهما فإن أمكن الجمع تعين كأن يقال: إن حديث النهي عن بيع التمر بالتمر إلا مثلاً بمثل عام، وحديث سعد خاص بالنهي عن بيع الرطب بالتمر فيجعل مخصصاً لعموم حديث عبادة بن الصامت السابق فلا يكون حينئذٍ أي تعارض فكأن النبي (قال: يجوز بيع البدلين رَطْبَيْن أو يابسين إذا وجدت المساواة ولا يجوز بيعهما إذا كان أحدهما رَطْبَاً والآخر يابساً ولو وجدت المساواة. فالرسول (لما سئل عن بيع التمر بالرطب أرشدهم إلى أن العلة في التحريم عدم المماثلة؛ لأن مآلهما عدم المساواة إذا يبس الآخر. قال ابن القيم (1) : (كانوا إذا سألوه عن الحكم نبههم على علته وحكمته كما سألوه عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص الرطب إذا جف قالوا: نعم قال: فلا إذن. ولم يكن يخفى عليه (نقصان الرطب بجفافه ولكن نبههم على علة الحكم) . وقد أوضح ذلك الإمام ابن عبد البر بقوله (2) : ( ... للعلماء فيه قولان:- أحدهما: وهو أضعفهما أنه استفهام، استفهم عنه أهل النخيل والمعرفة بالتمور والرطب ورد الأمر إليهم في علم نقصان الرطب إذا يبس. والقول الآخر: وهو أصحهما أن رسول الله لم يستفهم عن ذلك ولكنه قرر أصحابه على صحة نقصان الرطب إذا يبس ليبين لهم المعنى الذي منه منع. فقال لهم: أينقص الرطب: أي أليس ينقص الرطب إذا يبس وقد نهيتكم عن بيع التمر بالتمر إلا مثلاً بمثل. فهذا تقرير منه وتوبيخ وليس باستفهام في الحقيقة لأن مثل هذا لا يجوز جهله على النبي (، والاستفهام في كلام العرب قد يأتي بمعنى التقرير كثيراً وبمعنى التوبيخ، كما قال الله عز وجل: (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءآنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين ( {المائدة 116} فهذا استفهام: معناه التقرير وليس معناه أنه استفهام عما جهل جل الله وتعالى عن ذلك.   (1) في مدارج السالكين (2/294) . (2) انظر: التمهيد (19/192-193) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 304 ومن التقرير- أيضاً- بلفظ الاستفهام قوله عز وجل: (ءآلله أذن لكم أم على الله تفترون ( {يونس 59} وقوله: (ءآلله خير أم ما يشركون ( {النمل 59} . وقوله: (وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي ( {طه 18} وهذا كثير. وقوله (في هذا الحديث أينقص الرطب إذا يبس نحو قوله: (أرأيت إن منع الله الثمرة ففيم يأخذ أحدكم مال أخيه) فإنه قد قال أليس الرطب إذا يبس نقص فكيف تبيعونه بالتمر، والتمر لا يجوز بالتمر إلا مثلاً بمثل، والمماثلة معروفة في مثل هذا فلا تبيعوا التمر بالرطب بحال. فهذا أصل في مراعاة المآل في ذلك وهذا تقرير قوله (عند من نزهه ونفى عنه أن يكون جهل أن الرطب ينقص إذا يبس وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى وبه التوفيق) انتهى كلامه. وأما ما نُسِبَ إلى أبي حنيفة رحمه الله من عدم الأخذ بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لأنه مخالف للسنة المشهورة وهو قوله عليه السلام:- (التمر بالتمر مثل بمثل) (1) ، فكذب محض فإنه لم يتركه لهذه القاعدة الباطلة وإنما تركه لعدم صحته عنده فقد سئل عن هذه المسألة حينما دخل بغداد فاحتج بحديث النهي عن بيع التمر بالتمر، فأورد عليه حديث سعد فقال (2) : هذا الحديث دار على زيد أبي عياش وهو ممن لا يقبل حديثه. يؤيد ذلك قول الحاكم في المستدرك عن حديث سعد: هذا حديث صحيح، والشيخان لم يخرجاه لما خشياه من جهالة زيد أبي عياش. وأما صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن فقد خالفاه في المسألة فقالا بالحديث الذي رواه سعد لصحته عندهما.   (1) في السنن الكبري (3/496) ، (4/22) . (2) انظر: كشف الأسرار للبخاري (3/15) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 305 وبهذا يتبين فساد ما نُسب (1) إلى الإمام وصاحبيه من أنهم قد تركوا حديث سعد لكونه مخالفاً للحديث المشهور. ولما أعترض على هذه الدعوى بأن الصاحبين قد عملا بحديث سعد وهو مخالف للحديث المشهور، قالوا: إنما عملا به، بناء على أن لفظ المشهور تناول التمر فقط، والرطب ليس بتمر عادةً وعُرْفاً. بدليل أن من حلف لا يأكل تمراً فأكل رطباً أو حلف لا يأكل هذا الرطب فأكله بعدما صار تمراً لم يحنث،لا أنهما لا يقولان بأن الحديث يرد لمخالفته السنة المشهورة. فهؤلاء الذين قَوَّلُوا الأئمة مالم يقولوه قد ارتكبوا جناياتٍ لا حصر لها أعظمها نسبة القول إليهم بأنهم قد ردوا سنن المصطفى الصحيحة بأهوائهم، وهذا لا يقوله جاهل فضلاً عمن ينسب نفسه إلى العلم. المطلب الثالث: في رد خبر الواحد لكونه حديثاً شاذاً لم يشتهر فيما تعم به البلوى ويحتاج الخاص والعام إلى معرفته وفيه مسألتان:- المسألة الأولى: في أدلة القائلين بهذه القاعدة ومناقشتها. إن خبر الواحد الذي صح سنده إذا ورد موجباً للعمل فيما يعم به البلوى ويحتاج الخاص والعام إلى معرفته للعمل به لا يقبل، عند عيسى بن أبان وأبي زيد الدبوسي والسرخسي والبزدوي وعبد العزيز البخاري وغيرهم ممن تبعهم ممن ينتسب لمذهب أبي حنيفة رحمه الله محتجين على ما ادعوه بما يأتي:- قالوا (2) : (إن صاحب الشرع كان مأموراً بأن يُبَيِّن للناس ما يحتاجون إليه وقد أمرهم بأن ينقلوا عنه ما يحتاج إليه من بعدهم.   (1) نسب هذه القاعدة الباطلة لأبي حنيفة وصاحبيه كل من: السرخسي والبزدوي وعبد العزيز البخاري.انظر: أصول السرخسي (1/367) وأصول البزدوي (175-176) وكشف الأسرار (3/15-16) . (2) انظر: أصول السرخسي (1/368) وكشف الأسرار للبخاري (3/16-18) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 306 فإذا كانت الحادثة مما تعم به البلوى فالظاهر أن صاحب الشرع لم يترك بيان ذلك للكافة وتعليمهم. وأنهم لم يتركوا نقله على وجه الاستفاضة، فحين لم يشتهر النقل عنهم عرفنا أنه سهو أو منسوخ، ألا ترى أن المتأخرين لما نقلوه اشتهر فيهم فلو كان ثابتاً في المتقدمين لاشتهر أيضاً وما تفرد الواحد بنقله مع حاجة العامة إلى معرفته) انتهى. والجواب عن هذا الدليل بأن يقال (1) : (إنما يجب ذلك لو لزم المكلفين العمل به على كل حال، فأما إذا لزمهم العمل بشرط أن يبلغهم الخبر فليس في ذلك تكليف ما لا طريق إليه، ولو وجب ما ذكروه فيما تعم به البلوى لوجب فيما لا تعم به البلوى أيضاً؛ لأنه وإن كانت البلوى لا تعم به لكنه يجوز وقوعه لكل واحد من آحاد الناس، فيجب في حكمه إشاعة حكمه خوفاً من أن لا يصل إلى من يُبتلى به فيضيع فرض عليه. جواب آخر: أن الحكم وإن عم به البلوى، فليس هو بشيء وقعت واقعته في الحال لكلّ أحد في نفسه وذاته، بل غاية ما في الباب: توهم وقوعه. وإذا لم يكن إلا محض التوهم، فإذا وقع يمكن الوصول إلى موجب الحكم؛ لأن حكمه وإن نقله الواحد والاثنان فالتمكن من الوصول إليه موجود. فيكفي ذلك؛ لأنه إذا أمكنه الوصول فليس يضيع الحكم) . فالنبي (مبلغ عن الله وقد يبلغ الكافة وقد يبلغ العديد القليل وأحياناً الفرد والفردين، فقوله (: (نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها) (2) والحديث لم يشترط ما شرطه هؤلاء بل أطلق لكل من سمع مقالته أن يبلغها سواء كانوا جماعة أو أفرادا أو حتى فرداً واحداً أن يبلغ ما سمع فالواجب أنه متى ما صح عن رسول الله صلى الله من خبر وجب قبوله وعدم رده، وقد سبق بيان وجوب قبول خبر الواحد العدل فليرجع إليه.   (1) ذكره أبو المظفر السمعاني. انظر: قواطع الأدلة (2/362-263) . (2) سبق تخريجه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 307 وأما قولهم: (ولهذا لم تقبل شهادة الواحد من أهل المصر على رؤية هلال رمضان إذا لم يكن بالسماء علة. ولم يقبل قول الوصي فيما يدعي من إنفاق مال عظيم على اليتيم في مدة يسيرة، وإن كان ذلك محتملاً؛ لأن الظاهر يكذبه في ذلك) . فيقال: هذا غير مسلم؛ لأنه قياس مع الفارق فكم من مواقف لرسول الله (بيَّن فيها بياناً عاماً ونقلت من طريق الآحاد كحجه وخطب الجمع ورجم ماعز وغير ذلك، ولهذا فإن المطلوب نقل حديث رسول الله (، وقد يترك بعض الصحابة الرواية اكتفاءً بنقل غيره. كما أنا لا نسلم عدم قبول شهادة العدل الواحد على رؤية هلال رمضان وإن شاركه غيره الرؤية ولم يروه. قال ابن عباس (1) : تمارى الناس في رؤية هلال رمضان، فقال بعضهم: اليوم، وقال بعضهم: غداً فجاء أعرابي إلى النبي (فذكر أنه رآه، فقال النبي (: (أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) قال نعم: فأمر النبي (بلالاً فنادى في الناس: صوموا، ثم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوماً ثم صوموا ولا تصوموا قبله يوماً) قال ابن القيم (2) : (فأي فرق بين أن يشهد العدل الواحد على أمر رآه وعاينه يتعلق بمشهود له وعليه وبين أن يخبر بما رآه وعاينه مما يتعلق بالعموم وقد أجمع المسلمون على قبول أذان المؤذن الواحد وهو شهادة منه بدخول الوقت وخبر عنه يتعلق بالمخبر وغيره وكذلك أجمعوا على قبول فتوى المفتي الواحد وهي خبر عن حكم شرعي يعم المستفتي وغيره) . المسألة الثانية: في الآثار الفقهية المترتبة على القول بها. لقد ترتب على القول بهذه القاعدة مسائل فقهية كثيرة أهمها ما يأتي: - 1- الوضوء من مس الذكر:- قال السرخسي: (وعلى هذا الأصل لم نعمل بحديث الوضوء من مس الذكر؛ لأن بسرة تفردت بروايته مع عموم الحاجة لهم إلى معرفته.   (1) انظر: سنن ابن ماجة (1/529) . (2) انظر: إعلام الموقعين (1/104) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 308 فالقول بأن النبي عليه السلام خصها بتعليم هذا الحكم مع أنها لا تحتاج إليه ولم يعلم سائر الصحابة مع شدة حاجتهم إليه شبه المحال) . أقول: قد سبق مناقشة هذه المسألة في القاعدة السابقة وهي مخالفة خبر الواحد للكتاب فلا حاجة للإعادة. 2- الوضوء مما مسته النار: أقول:ورد عن رسول الله (أنه قال كما في حديث زيد بن ثابت: (الوضوء مما مست النار) . وقوله عليه السلام كما في حديث أبي هريرة: (توضأوا مما مست النار) . وقوله عليه السلام كما في حديث عائشة: (توضأوا مما مست النار) . وكل هذه الأحاديث في صحيح مسلم (1) . وورد فيه من حديث ابن عباس (2) : أن رسول الله (أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ. وورد من حديث ميمونة (3) : أن النبي (أكل عندها كتفاً ثم صلى ولم يتوضأ. وعن جابر بن عبد الله قال (4) : آخر الأمرين من رسول الله (ترك الوضوء مما مست النار. قال الحافظ ابن حجر (5) : (قال النووي: كان الخلاف فيه معروفاً بين الصحابة والتابعين، ثم استقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار إلا ما تقدم استثناؤه من لحوم الإبل. وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب) . قال ابن عبد البر (6) : (وقوله (توضئوا مما مست النار أمر منه بالوضوء المعهود للصلاة لمن أكل طعاماً مسته النار، وذلك عند أكثر العلماء، وعند جماعة أئمة الفقهاء منسوخ بأكله (طعاماً مسته النار وصلاته بعد ذلك دون أن يحدث وضوءاً. فاستدل العلماء بذلك على أن أمره بالوضوء مما مست النار منسوخ.   (1) انظر: صحيح مسلم (1/272-273) . (2) انظر: صحيح مسلم (1/273) . (3) انظر: صحيح مسلم (1/274) . (4) رواه أبوداود في سننه (1/49) والنسائي في السنن الكبرى (1/105) وابن خزيمة في صحيحه (1/28) وابن حبان في صحيحه (3/417) . (5) انظر: المجموع (2/57-60) وفتح الباري (1/311) . (6) انظر: التمهيد (3/330-332) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 309 وأشكل ذلك على طائفة كثيرة من أهل العلم بالمدينة والبصرة ولم يقفوا على الناسخ في ذلك من المنسوخ أو لم يعرفوا منه غير الوجه الواحد فكانوا يوجبون الوضوء مما مست النار ويتوضأون من ذلك، وممن روى عنه ذلك زيد بن ثابت وابن عمرو، وأبو موسى وأبو هريرة وعائشة وأم حبيبة أما المؤمنين، واختلف فيه عن أبي طلحة الأنصاري وعن ابن عمر وأنس بن مالك وبه قال خارجة بن زيد بن ثابت وأبو بكر بن عبد الرحمن وابنه عبد الملك ومحمد ابن المنكدر وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب الزهري فهؤلاء كلهم مدنيون، وقال به من أهل العراق أبو قلابة وأبو مخلد والحسن البصري ويحيى بن يعمر وهؤلاء كلهم بصريون. وكان ابن شهاب رحمه الله قد عرف الوجهين جميعاً في ذلك وروى الحديثين المتعارضين في هذا الباب وكان يذهب إلى أن قوله (توضأوا مما غيرت النار ناسخ لفعله المذكور في حديث ابن عباس هذا ومثله وهذا مما غلط فيه الزهري مع سعة علمه وقد ناظره أصحابه في ذلك فقالوا كيف يذهب الناسخ على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وهم الخلفاء الراشدون فأجابهم بأن قال: أعيى الفقهاء أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله (من منسوخه) . قلت: مما سبق ذكره من بعض الأحاديث والآثار في المسألة وأقوال العلماء اتضح أنها معدودة من باب تعارض الأدلة من الأحاديث والآثار المروية فيها فمن رجح أحد الطرفين قال به ومن جمع قال بما توصل إليه في نظره ولم يذكر أحد من العلماء الذين ذُكِروا أنه ترك حديث توضأوا مما مست النار لكونه حديثاً روي فيما تعم به البلوى فلا يعمل به. 3- تغسيل الجنازة وحملها: لم يعمل القائلون بهذه القاعدة بخبر الوضوء والغسل من حمل الجنازة أو تغسيلها، لكون الخبر المروي في المسألة خبر آحاد فيما يعم به البلوى فلا يقبل. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 310 قلت: الحديث المشار إليه هو حديث رواه المغيرة (1) وحذيقة (2) وأبو هريرة (3) وابن عباس (4) قالوا: قال رسول الله (: (من غسل ميتاً فليغتسل) . وزاد أبو هريرة (5) في حديثه: (ومن حمله فليتوضأ) . وفي لفظ (6) : (من حمل جنازةً فليتوضأ) . وفي لفظ (7) : (ِمنْ غُسْلِه الغُسْلُ، ومِنْ حَمْلِه الوضوء) . وقد اختلف العلماء في تصحيحه، فقال الترمذي (8) : (حديث حسن، وقد روي عن أبي هريرة موقوفاً) . وقال الإمام أحمد وعلي بن المديني (9) : لا يصح في هذا الباب شيء. وقال محمد بن يحيى (10) : لا أعلم من غسل ميتاً فليغتسل حديثاً ثابتاً ولو ثبت لزمنا استعماله. قال ابن حجر (11) : (وذكر البيهقي له طرقاً وضعفها،ثم قال: والصحيح أنه موقوف. وقال البخاري: الأشبه موقوف. وقد حسنه الترمذي وصححه ابن حبان، وله طريق أخرى من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رفعه: مَنْ غَسَّل مَيْتَاً فليغتسل. ذكره الدارقطني وقال: فيه نظر. قال الحافظ: رواته موثقون) انتهى كلامه باختصار.   (1) انظر: مسند الإمام أحمد (4/246) . (2) انظر: معجم الطبراني الأوسط (3/149) والسنن الكبرى للبيهقي (1/303) . (3) انظر: مسند الإمام أحمد (2/280، 433، 472) وسنن ابن ماجة (1/470) والسنن الكبرى للبيهقي (1/302) . (4) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (1/305) . (5) انظر: مسند الإمام أحمد (2/454) وصحيح ابن حبان (3/436) والطبراني في المعجم الأوسط (1/296) والسنن الكبرى للبيهقي (1/300، 302) . (6) انظر: مسند الطيالسي (2/305) ومصنف ابن أبي شيبة (3/47) والسنن الكبرى للبيهقي (1/303) والكامل في الضعفاء (2/456) . (7) انظر: سنن الترمذي (3/318) والسنن الكبرى للبيهقي (1/300-301) . (8) في سننه (3/318) . (9) انظر: تلخيص الحبير (1/136) . (10) انظر: تلخيص الحبير (1/136) . (11) انظر: تلخيص الحبير (1/136) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 311 وقد جاء ما يعارض الأحاديث السابقة مثل قوله عليه السلام فيما رواه الحاكم (1) عن ابن عباس قال: قال رسول الله (: (ليس عليكم في غُسْلِ ميتكم غُسْلٌ إذا غسلتموه فإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم) قال الحاكم (2) : (هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وفيه رفض لحديث مختلف فيه على محمد بن عمرو بأسانيد (من غسل ميتاً فليغتسل)) . قلت: ولهذا اختلفت طرائق العلماء في العمل بهذه الأحاديث، فبعضهم رفضها لضعفها عنده، وبعضهم قال: إن الغسل من تغسيل الميت منسوخ كما ذهب إليه أبوداود (3) ، وأيده الحافظ ابن حجر في كتابه تلخيص الحبير (4) محتجاً بالحديث الأخير. وقال: وهو أحسن ما جمع به بين مختلف هذه الأحاديث والله أعلم. وبعضهم جمع بين الأحاديث فقال: يحمل الأمر في الغسل على الندب أو المراد بالغسل غسل الأيدي كما صرح به في الحديث الأخير، يؤيده ما روي عن ابن عمر قال (5) : كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل. قال البيهقي (6) : (أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا عبد الكريم بن الهيثم ثنا أبو اليمان أخبرني شعيب بن أبي حمزة قال: وقال نافع:كنا نغسل الميت فيتوضأ بعضنا ويغتسل بعض ثم يعود فنكفنه ثم نحنطه ونصلي عليه ولا نعيد الوضوء. وبإسناده قال: أخبرني شعيب قال: قال نافع: قد رأيت عبد الله بن عمر حنط سعيد بن زيد وحمله فيمن حمله ثم دخل المسجد فصلى ولم يتوضأ) . قال الخطابي (7) : (لا أعلم أحداً من الفقهاء يوجب الاغتسال على من غسل الميت ولا الوضوء من حمله، ويشبه أن يكون الأمر في ذلك على الاستحباب) .   (1) في المستدرك (1/543) والسنن الكبرى للبيهقي (1/306) . (2) في المستدرك (1/543) . (3) في سننه (3/201) . (4) 1/137-138) . (5) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (1/306) . (6) في السنن الكبرى (1/306) . (7) في معالم السنن (3/305) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 312 أقول: تبين من استعراض الأحاديث والآثار الواردة في المسألة وأقوال العلماء فيها أنه لا صلة لأقوالهم بهذه القاعدة المزعومة فمن صحح الأحاديث جمع أو قال بالنسخ ومن ضعف رجع إلى البراءة الأصلية وأنه لا تكليف إلا بدليل صحيح. 4- رفع الأيدي عند الركوع وعند رفع الرأس منه: ذهب القائلون بهذه القاعدة إلى عدم العمل بالأحاديث الواردة في الحض على رفع الأيدي عند الركوع وعند الرفع منه لكون هذه الأحاديث أخبار آحاد مروية فيما يعم به البلوى فلا تقبل. والأحاديث المشار إليها أحاديث كثيرة وآثار متنوعة عن الصحابة والتابعين وغيرهم، فمن تلك الأحاديث:- 1- مارواه البخاري ومسلم في صحيحيهما (1) من حديث مالك بن الحويرث قال: إن رسول الله (كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه. وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه. وإذا رفع رأسه من الركوع، فقال (سمع الله لمن حمده) فعل مثل ذلك. 2- مارواه الشيخان في صحيحيهما (2) عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله (إذا قام للصلاة، رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه. ثم كبر. فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك.وإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك. أقول: لقد روى كثير من علماء الحديث هذا الحديث في دواوينهم عن هذين الصحابيين وعن غيرهما، وممن روى ذلك: ابن أبي شيبة (3) ، والدارمي (4) ، وأبوداود (5) ، ابن ماجة (6) ، والترمذي (7) ، والنسائي (8) ، وابن خزيمة (9) ، والدارقطني (10) ، والبيهقي (11) ، وغيرهم.   (1) انظر: صحيح البخاري (1/180) وصحيح مسلم (1/292) . (2) انظر: صحيح البخاري (1/180) وصحيح مسلم (1/293) . (3) في مصنفه (1/212) . (4) في سننه (1/342) . (5) في سننه (1/198) . (6) في سننه (1/280) . (7) في سننه (2/35) . (8) في السنن الكبرى (1/221) . (9) في صحيحه (1/294) . (10) في سننه (1/287) . (11) في السنن الكبرى (2/68) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 313 قال الترمذي (1) : (وفي الباب عن عمر وعلي ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وأنس وأبي هريرة وأبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبي قتادة وأبي موسى الأشعري وجابر وعمير الليثي) . قال الحسن البصري (2) :كان أصحاب رسول الله (يرفعون أيديهم إذا ركعوا وإذا رفعوا رؤوسهم من الركوع كأنما أيديهم مراوح. وروى البخاري في (جزء رفع اليدين) (3) عن مالك: أن ابن عمر كان إذا رأى رجلاً لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصى. ونقل البخاري عن شيخه علي بن المديني قوله (4) : رفع اليدين حق على المسلمين بما رواه الزهري عن سالم عن أبيه. قال البخاري في (جزء رفع اليدين) (5) : من زعم أن رفع الأيدي بدعة فقد طعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف من بعدهم وأهل الحجاز وأهل المدينة وأهل مكة وعدة من أهل العراق وأهل الشام وأهل اليمن وعلماء أهل خراسان منهم ابن المبارك حتى شيوخنا عيسى بن موسى وأبو أحمد وكعب بن سعيد … ..ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يرفع يديه) . وذكر أنه رواه سبعة عشر رجلاً من الصحابة (6) . وذكر الحاكم وأبو القاسم بن منده ممن رواه: العشرة المبشرة بالجنة (7) . قال الحافظ ابن حجر (8) :وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلاً. قلت: إذا كان هذا الحديث وما في معناه قد بلغ عدد رواة أصله من الصحابة خمسين صحابياً أفلا يكون هذا الحديث من قبيل المتواتر؟!   (1) في سننه (2/35) . (2) السنن الكبرى للبيهقي (2/75) . (3) ص 17) . (4) انظر: جزء رفع اليدين (ص 9) . (5) ص 54-55) . (6) انظر: جزء رفع اليدين (ص 7) . (7) انظر: فتح الباري (2/220) . (8) في فتح الباري (2/220) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 314 -وأيضاً - أولم يتحقق فيه أن (صاحب الشرع كان مأموراً بأن يُبَيِّن للناس ما يحتاجون إليه وقد أمرهم بأن ينقلوا عنه ما يحتاج إليه من بعدهم. فإذا كانت الحادثة مما تعم به البلوى فالظاهر أن صاحب الشرع لم يترك بيان ذلك للكافة وتعليمهم) . أقول: فهل ترك صاحب الشرع بيان هذه السنة لكافة أصحابه وتعليمهم إياها مع أن عدد رواتها قد بلغوا خمسين رواياً؟!! وبعد: فإنه لا يصح أن يقال: لا يجوز العمل بهذه السنة؛ لأنه لم يشتهر النقل فيها مع حاجة الخاص والعام إلى معرفتها؛ لأن هذا القول يكون حينئذٍ مكابرة مع ما ذكر من عدد رواتها وصحة طرقها وعدم وجود دليل صحيح يعارضها أو يدفعها. فائدة:- قال النووي رحمه الله (1) : (والأحاديث الصحيحة في الباب كثيرةٌ غَيْرُ منحصرة ... ) قلت: بهذه النقول وغيرها تَبَيَّنَ أن قول الجصاص (2) : (حديث رفع اليدين في الركوع، لو كان ثابتاً لنقل نقلاً متواتراً) قولٌ عارٍ عن التحقيق والتدقيق والبحث العلمي الرصين المتجرد للدليل لا للتعصب المقيت؛ لأنه قد سبق –وسيأتي إن شاء الله- النقل عن أئمة الحديث والأثر روايتهم له من طرق بلغت حد التواتر عند أهل العلم والمعرفة بالحديث وطرقه، وإلا فإن الجصاص ومن قال بقوله إنما هم مخبرون عن حالهم ومبلغ علمهم، وهم صادقون فيما أخبروا به عن أنفسهم مخطئون في حكمهم على أئمة الدنيا من أهل الحديث والأثر ومخطئون-أيضاً - في حكمهم على الحديث نفسه، كما أن القول بما ادعاه الجصاص ومن وافقه فيه فتح باب عظيم من أبواب الشر والفساد لرد سنة سيد المرسلين إذ لا يُعْجِزُ أي شخص لا يريد العمل بالسنة أن يدعي ما ادعوه.   (1) انظر: المجموع (3/401) . (2) انظر: الفصول في الأصول (3/115) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 315 - وأيضاً - مخالف الجصاص ومن معه لا يُعْجِزُهُ أن يقول فيما ادعاه الجصاص ومن معه من تواتر بعض الأحاديث أو اشتهارها بأنها لم تثبت لأنها لو كانت ثابتة لنقلت نقلاً متواتراً، فما كان جوابهم عنها فهو بعينه جواب مخالفيهم. فائدة أخرى: قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي رحمه الله (1) : (لا نعلم مصراً من الأمصار ينسب إلى أهله العلم قديماً تركوا بإجماعهم رفع اليدين عند الخفض والرفع في الصلاة إلا أهل الكوفة. والسبب في ذلك تعلقهم بما روي عن ابن مسعود عن النبي (: أنه كان لا يرفع يديه في الصلاة إلا مرة في أول شيء) انتهى. قال ابن عبد البر (2) : (هو حديث انفرد به عاصم بن كليب واختلف عليه في ألفاظه وقد ضعف الحديث أحمد بن حنبل وعلله ورمى به) . وقد احتج بعض متأخري الكوفة بحديث مسلم عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله (: (مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة) (3) . قال ابن عبد البر (4) : (وهذا لا حجة فيه لأن الذي نهاهم عنه رسول الله (غير الذي كان يفعله لأنه محال أن ينهاهم عما سن لهم وإنما رأى أقواماً يعبثون بأيديهم ويرفعونها في غير مواضع الرفع فنهاهم عن ذلك. وكان في العرب القادمين والأعراب من لا يعرف حدود دينه في الصلاة وغيرها وبعث (معلماً فلما رآهم يعبثون بأيديهم في الصلاة نهاهم وأمرهم بالسكون فيها وليس هذا من هذا الباب في شيء والله أعلم) انتهى. قلت: لم يعمل أبو حنيفة وسفيان الثوري والحسن بن حي وفقهاء الكوفة بأحاديث رفع اليدين في الركوع والرفع منه؛ لأنها لم تصح عندهم، مع تمسكهم بما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه من عدم رفعه ليديه في تلك المواطن.   (1) انظر: التمهيد 9/213) . (2) في التمهيد (9/219) . (3) رواه مسلم في صحيحه (1/322) . (4) في التمهيد (9/221-222) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 316 والدليل على عدم صحة هذه السنة عند أبي حنيفة رحمه الله ما رواه البيهقي في السنن الكبرى (1) حيث قال: (قال: وكيع صليت في مسجد الكوفة فإذا أبو حنيفة قائم يصلي وابن المبارك إلى جنبه يصلي فإذا عبد الله يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع وأبوحنيفة لا يرفع فلما فرغوا من الصلاة. قال أبو حنيفة لعبد الله: يا أبا عبد الرحمن رأيتك تكثر رفع اليدين أردت أن تطير. قال له عبد الله: يا أبا حنيفة قد رأيتك ترفع يديك حين افتتحت الصلاة فأردت أن تطير. فسكت أبو حنيفه. قال وكيع: فما رأيت جواباً أحضر من جواب عبد الله لأبي حنيفة) . قلت: من المعلوم من الدين بالضرورة أن الاستهزاء بشيء من السنة الصحيحة الثابتة هو استهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم وبشرعه، والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بشرعه كفر مخرج من الملة. فإن قيل بثبوت هذه السنة عند أبي حنيفة ومن ثَمَّ صدر عنه ما صدر فهذا كفر بالله ينزه عنه أبو حنيفة رحمه الله فلزم حينئذٍ القول بأن هذه السنة لم تثبت عنده، بدليل أنه كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، بما ظن صحته عن ابن مسعود رضي الله عنه من عدم الرفع في غير تكبيرة الإحرام، ولم يقل لابن المبارك ما قال له في الرفع عند الركوع والرفع منه لكونها سنة في نظره. فالمسألة إذن ليست كما صورها السرخسي ومن قال بقوله من أنها من باب خبر الواحد إذا روى خبراً فيما يعم به البلوى لا يقبل، بل هي من قبيل عمل كل إمام بما بلغه من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. المطلب الرابع: في رد خبر الواحد لكونه حديثاً قد أعرض عنه الأئمة من الصدر الأول وهو ما لم تجر المحاجة بخبر الواحد بين الصحابة مع ظهور الاختلاف بينهم في الحكم وفيه مسألتان:-   (1) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (2/82) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 317 المسألة الأولى: في أدلة القائلين بهذه القاعدة (1) : استدل القائلون بصحة هذه القاعدة: بأن الخبر الذي هذه صفته لا يقبل؛ لأنه زيف؛ ذلك أن الصحابة هم الأصول في نقل الدين ولا يتهمون بالكتمان ولا بترك الاحتجاج بما هو الحجة والاشتغال بما ليس بحجة. فإذا ظهر منهم الاختلاف في الحكم وجرت المحاجة بينهم فيه بالرأي -والرأي ليس بحجة- مع ثبوت الخبر فلوكان الخبر صحيحاً لاحتج به بعضهم على بعض حتى يرتفع به الخلاف الثابت بينهم بناءً على الرأي فكان إعراض الكل عن الاحتجاج به دليلاً ظاهراً على أنه سهو ممن رواه بعدهم أو هو منسوخ. وقد يعترض على هذا بأن يقال: لا يخلو حين اختلاف الصحابة في المسألة من أن يعلموا جميعاً أو يعلم بعضهم أن فيها دليلاً عن رسول الله (أو أن لا يعلموا بأجمعهم، فإن علموا بالدليل ومن ثم تركوه جميعاً قائلين بأنه لم يصح عن رسول صلى الله عليه وسلم فيها شيء؛ فإن ذلك والقول والفعل إجماع منهم على عدم صحته وأنه مطعون فيه أو منسوخ وإجماعهم حجة، وإن علمه البعض دون البعض الآخر، فإن كان موافقاً لقولهم ولم يحتجوا به وقالوا عن الحديث بأنه لم يثبت عن رسول صلى الله عليه وسلم فقد يقال: إنه لا يصح لاحتمال أنه إذا سمعه المخالف لهم قد يقر به عن الرسول عليه السلام ويرجع عن قوله. وإن كان مخالفاً لقولهم موافقاً لقول مخالفيهم فترك من علمه العمل به لا يدل على عدم صحته لما سبق، وإن لم يعلم به الجميع فلا يخلو من أن يكون مخالفاً لقول الجميع أو لا، فإن كان مخالفاً لقول الجميع فهذا دليل على أنه غير صحيح ثم هذا لا يتصور وقوعه لعصمة الله أمة محمد (من الاجتماع على ضلالة فإن وقع فهذا دليل على بطلانه، وإن كان الحديث موافقاً لأحد القولين، فهذا متصور وقوعه ومن ثم فالراجح من القولين ما وافق الحديث.   (1) انظر: أصول السرخسي (1/369) وكشف الأسرار للبخاري (3/18-19) وكشف الأسرار للنسفي (2/53) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 318 المسألة الثانية: الآثار الفقهية المترتبة على القول بهذه القاعدة: لقد ترتب على القول بهذه القاعدة رد بعض الأحاديث الواردة في بعض المسائل الفقهية والتي منها ما يأتي: - الحديث الأول: (الطلاق بالرجال والعدة بالنساء) . قال السرخسي (1) : (فإن الكبار من الصحابة اختلفوا في هذا وأعرضوا عن الاحتجاج بهذا الحديث أصلاً فعرفنا أنه غير ثابت أو مؤول. والمراد به أن إيقاع الطلاق إلى الرجال) . قلت: روي هذا الحديث عن علي (2) وابن مسعود (3) وابن عباس (4) وزيد بن ثابت (5) بلفظ: (الطلاق بالرجال والعدة بالنساء) . وروي عن بعض التابعين منهم:سعيد بن المسيب (6) ، والشعبي (7) ، وعكرمة (8) ، وسليمان ابن يسار (9) نحوه. وروي عن علي (10) وعبد الله (11) أنهما قالا: (الطلاق والعدة بالنساء) . وبه قال اثنا عشر من أصحاب رسول الله ((12) . كما روي نحوه عن إبراهيم (13) والحسن (14) وغيرهما.   (1) انظر: أصول السرخسي (1/369) . (2) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (7/370) . (3) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (7/370) ومسند ابن الجعد (117) والمعجم الكبير للطبراني (9/337) . (4) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (7/370) ومصنف عبد الرزاق (7/236) . (5) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (7/369) . (6) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (7/370) ومصنف ابن أبي شيبة (4/102) ومصنف عبد الرزاق (7/236) . (7) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (4/101) . (8) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (4/101) . (9) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (4/101) . (10) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (4/100) ومصنف عبد الرزاق (7/237) . (11) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (4/101) ومصنف عبد الرزاق (7/237) . (12) انظر: مصنف عبد الرزاق (7/237) . (13) انظر: مصنف عبد الرزاق (7/237) ومصنف ابن أبي شيبة (4/101) . (14) انظر: مصنف عبد الرزاق (7/237) ومصنف ابن أبي شيبة (4/101) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 319 وقد أطال العلماء البحث في هذه الآثار تصحيحاً وتضعيفاً، رفعاً ووقفاً، فلتنظر في: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (1) ، ونصب الراية (2) ، وتلخيص الحبير (3) ، ونيل الأوطار (4) ، وتحفة الأحوذي (5) ، وعون المعبود (6) . قال ابن الجوزي (7) : (وقد رويت أحاديث في الطرفين كلها ضعاف) . ومن هنا يتبين عدم صحة إدراج هذا الحديث في هذا الوجه من وجوه الانقطاع لمعنى بدليل معارض، ذلك أن هذا ليس من قبيل خبر الواحد الصحيح الذي أعرض عنه الصحابة في الاحتجاج به بل هي من قبيل اختلاف الصحابة على قولين فمن سعد بالنظر الصحيح في الدليل فهو أولى بالحق. وقد بَيَّن المباركفوري (8) خلاف العلماء في هذه المسألة بقول مختصر مفيد، فقال: (قال أبو حنيفة: الطلاق يتعلق بالمرأة،فإن كانت أمة يكون طلاقها اثنتين سواء كان زوجها حراً أو عبداً. وقال الشافعي ومالك وأحمد: الطلاق يتعلق بالرجل فطلاق العبد اثنتان وطلاق الحر ثلاث ولا نظر للزوجة. وعدة الأمة على نصف عدة الحرة فيما له نصف فعدة الحرة ثلاث حيض وعدة الأمة حيضتان لأنه لا نصف للحيض وإن كانت تعتد بالأشهر فعدة الأمة شهر ونصف وعدة الحرة ثلاثة أشهر) . الحديث الثاني: ما يروى أن النبي (قال: (ابتغوا في أموال اليتامى خيراً كيلا تأكلها الصدقة) قال السرخسي: (فإن الصحابة اختلفوا في وجوب الزكاة في مال الصبي وأعرضوا عن الاحتجاج بهذا الحديث أصلاً فعرفنا أنه غير ثابت إذ لو كان ثابتاً لاشتهر فيهم وجرت المحاجة به بعد تحقق الحاجة إليه بظهور الاختلاف) .   (1) 2/70) . (2) 3/225) . (3) 3/212) . (4) 7/26) ، (7/92) . (5) 4/301-302) . (6) 6/184) . (7) انظر: أحاديث الخلاف (2/299) . (8) في تحفة الأحوذي (4/301) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 320 قلت: الحديث الذي أشار إليه السرخسي قد روي عن جماعة من الصحابة مرفوعاً وموقوفاً، فمن ذلك (1) :- 1- ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص (2) أن رسول الله (قام فخطب الناس، فقال: من ولي يتيماً له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة. وفي لفظ: قال (3) : قال رسول الله (: احفظوا اليتامى في أموالهم لا تأكلها الزكاة. وفي لفظ آخر: أن رسول الله (قال (4) : ألا من ولي يتيماً له مال فليتجر له فيه ولا يتركه تأكله الزكاة. وفي لفظ: قال (5) : قال رسول الله (: ابتغوا اليتامى في أموالهم لا تأكلها الزكاة. 2- ما رواه أنس بن مالك قال (6) :قال رسول الله (: اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة. 3- ما رواه يوسف بن ماهك (7) أن رسول الله (قال: ابتغوا في مال اليتيم أو في أموال اليتامى لا تذهبها أو لا تستهلكها الصدقة. قال البيهقي (8) : هذا مرسل. 4- ما رواه - أيضاً - عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال (9) : قال رسول الله (: في مال اليتيم زكاة. وأما الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والتي تدل على وجوب الزكاة في مال اليتيم فكثيرة منها:-   (1) للوقوف على طرق ما روي في المسألة من أحاديث وآثار والحكم عليها يرجع – ضرورة – إلى: الدراية (1/249) وتلخيص الحبير (2/157) وتحفة الأحوذي (3/238) . (2) انظر: سنن الدارقطني (2/110) . (3) انظر: سنن الدارقطني (2/110) . (4) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (4/107) ، (6/2) . (5) انظر: المعجم الأوسط للطبراني (1/298) . (6) انظر: المعجم الأوسط للطبراني (4/264) . (7) انظر: مصنف عبد الرزاق (4/66) والسنن الكبرى للبيهقي (4/107) ، (6/2) . (8) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (4/107) . (9) انظر: سنن الدارقطني (2/110-114) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 321 أ-قال سعيد بن المسيب (1) : إن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة. ب-قال عبد الرحمن بن أبي ليلى (2) : إن علياً زكى أموال بني أبي رافع فلما دفعها إليهم وجدوها بنقص. فقالوا: إنا وجدناها بنقص. فقال علي رضي الله تعالى عنه: أترون أن يكون عندي مالٌ لا أزكيه. ج-قال عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال (3) : كانت عائشة رضي الله تعالى عنها تليني وأخاً لي يتيم في حجرها وكانت تخرج من أموالنا الزكاة. د-قال نافع (4) : إن ابن عمركان يستسلف أموال اليتامى عنده لأنه كان يرى أنه أحرز له من الوضع. قال: وكان يؤدي زكاته من أموالهم. هـ-روى سالم عن أبيه (5) : أنه كان عنده مال يتيمين فجعل يزكيه. فقلت: يا أبتاه لا تتجر فيه ولا تضرب، ما أسرع هذه فيه. قال: َلأُزَكِيَّنَهُ ولو لم يبق إلا درهم. قال: ثم اشترى لهما به داراً. وحديث عبد الرزاق عن ابن جريج قال (6) : سئل عطاء أفي مال اليتيم الصامت صدقة؟ فعجب، وقال: ماله لا يكون عليه صدقة؟ قال: نعم على مال اليتيم الصامت والحرث والماشية وغير ذلك من ماله. ز-وقد روي الأمر بتزكية مال اليتيم عن الحسن بن علي وجابر بن عبد الله وغيرهما (7) . وإلى وجوب الزكاة في مال اليتيم ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم. هذا وقد رويت بعض الآثار عن بعض الصحابة وبعض التابعين تدل على عدم القول بتزكية مال اليتيم، منها:-   (1) انظر: سنن الدارقطني (2/110-114) والسنن الكبرى للبيهقي (4/107) ، (6/2) . (2) انظر: سنن الدارقطني (2/110-114) والسنن الكبرى للبيهقي (4/107) . (3) انظر: مصنف عبد الرزاق (4/66) والسنن الكبرى للبيهقي (4/107) ، (6/2) . (4) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (6/2) . (5) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (6/2) . (6) انظر: مصنف عبد الرزاق (4/66) . (7) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (4/107) . . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 322 1- ما رواه عكرمة عن ابن عباس قال (1) : لا يجب على مال الصغير زكاة حتى تجب عليه الصلاة. قال الدارقطني (2) : (فيه ابن لهيعة لا يحتج به) . 2- ما رواه مجاهد عن ابن مسعود قال (3) : من ولي مال يتيم فَلْيُحْصِ عليه السنين فإذا دفع إليه ماله أخبره بما فيه من الزكاة فإن شاء زكى وإن شاء ترك. قال الشافعي (4) : هذا ليس بثابت عن ابن مسعود من وجهين: أحدهما: أنه منقطع، وأن الذي رواه: ليس بحافظ. قال البيهقي (5) : (قال الشيخ: وجهة انقطاعه: أن مجاهداً لم يدرك ابن مسعود. وراويه الذي ليس بحافظ: هو ليث ابن أبي سليم، وقد ضعفه أهل العلم بالحديث. وروي عن ابن عباس إلا أنه يتفرد بإسناده ابن لهيعة، وابن لهيعة لا يحتج به والله أعلم) . 3- ما رواه عبد الرزاق عن معمر عمن سمع الحسن يقول في زكاة مال اليتيم (6) : ليست عليه زكاة كما ليست عليه صلاة. 4- ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن يونس عن الحسن قال: سألته عن مال اليتيم. فقال (7) : عندي مال لابن أخي فما أزكيه. 5- ما رواه –أيضاً - عبد الرزاق عن الثوري عن جابر عن الشعبي، ومنصور عن إبراهيم قال (8) : ليس على مال اليتيم زكاة. وإلى عدم وجوب الزكاة في مال اليتيم ذهب الأئمة سفيان الثوري وعبد الله ابن المبارك وأبوحنيفة وأصحابه.   (1) انظر: سنن الدارقطني (2/110) . (2) في سننه (2/110) . (3) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (4/107) . (4) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (4/107) . (5) في السنن الكبرى (4/107) . (6) انظر: مصنف عبد الرزاق (4/66) . (7) انظر: مصنف عبد الرزاق (4/66) . (8) انظر: مصنف عبد الرزاق (4/66) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 323 قال ابن الهمام (1) : (وأما ما روي عن عمر وابنه وعائشة رضي الله عنهم من القول بالوجوب في مال الصبي والمجنون لا يستلزم كونه عن سماع، إذ يمكن الرأي فيه، فيجوز كونه بناء عليه فحاصله قول صحابي عن اجتهاد عارضه رأي صحابي آخر) انتهى. قلت: ذكرت قول ابن الهمام للدلالة على أن ما قاله السرخسي ومن معه من أن هذه المسألة مبنية على أن خبر الواحد الصحيح المسند إذا روي في مسألة تنازع فيها الصحابة رضي الله عنهم ولم يلتفت أحد منهم إلى الاحتجاج به فإن ذلك يدل على زيفه أو نسخه قول مجانبه الصواب، ذلك أن الصحابة لم يثبت عنهم بالسند الصحيح الاختلاف في وجوب الزكاة في مال اليتيم (2) ، ومنه تتضح مجازفة السرخسي ومن قال بقوله بأن الصحابة قد تركوا بأجمعهم الاحتجاج بالأحاديث السابقة، وعلى فرض تسليم اختلافهم في ذلك فمن أخبر السرخسي ومن معه بأن القائلين بوجوبها من الصحابة والتابعين لم يعولوا على الاحتجاج بها، كيف وقد نُقِل ما نُقِل، بل إن هذه الدعوى الباطلة لتفتح الباب على مصراعيه للطعن في كل حديث اختلف الصحابة في مسألة هو نص فيها إذ لا يُعْجِز المخالف أن يقول ما قاله هؤلاء، وبهذا المسلك تُبْطَلُ السُنَنُ. * * * الخاتمة: بتوفيق من الله وحده لا شريك له انتهيت من هذا البحث متوصلاً إلى نتائج هامة أهمها ما يأتي:- 1- أن علم أصول الفقه علم عظيم الشأن في علوم الشريعة الإسلامية إلا أنه قد شانه وأذهب بريقه وصفاءة - في بعض جوانبه - بعض ما أدخل فيه من مسائل ليس لها صلة به البتة. ومن هذه المسائل الدخيلة على هذا الفن مسألتنا المبحوثة في هذا البحث فهي مسألة وثيقة الصلة بمحث من مباحث علم العقيدة.   (1) انظر: شرح فتح القدير (2 / 157) . (2) نص على ذلك المباركفوري في تحفة الأحوذي (3/239) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 324 2- كما توصلت إلى أنه لا خلاف بين أحد من علماء الأمة -لا سيما الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة المعتبرين ومنهم الأئمة الأربعة - في وجوب الاحتجاج بالسنة، معتبرينها صنو القرآن الكريم في التشريع العلمي والعملي. 3- أن الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى يرون حجية خبر الواحد مطلقاً وأنه يفيد العلم والعمل معاً خلافاً لمن شذ عن طريقهم ممن نَسَبَ نفسه إليهم. 4- أن تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد تقسيم اصطلاحي، ولا مشاحة في الاصطلاح إذا لم يؤد إلى رد الأخبار سواء في باب العقيدة أو العمل. 5- اشتهر مذهب الحنفية دون بقية المذاهب بقسم ثالث من أقسام الأخبار، وهو ما يعرف ب (المشهور) حيث جعلوه قسيماً للمتواتر والآحاد وقالوا إنه يمكن الزيادة به على النص كالمتواتر، فهو عندهم فوق الآحاد ودون المتواتر؛ لذا كانت أحكامه فيها شبه بأحكام الآحاد لكون أصله آحاداً، وفيها شبه بأحكام المتواتر لكونه قد تواتر فيما بعد. 6- أن الطعن في خبر الواحد الصحيح بما يسمى بالانقطاع الباطن لدليل معارض قول مخترع اخترعه عيسى بن أبان ثم تبعه على ذلك أبو زيد الدبوسي وفيما بعد بقية علماء الحنفية كالبزدوي والنسفي وعبد العزيز البخاري حتى أصبح هذا القول أصلاً من أصول الحنفية. 7- أن أبا حنيفة وصاحبيه رحمهم الله تعالى براء من هذه القواعد الموهومة، حيث لم يثبت – بعد البحث العلمي الدقيق – عنهم القول بها، وما أثر عنهم من فتاوى فقهية لم تكن مبنية عليها، وأما هذه القواعد المذكورة فهي من اختراع عيسى بن أبان حيث قام باستخلاص ما يؤيدها من بعض فتاوى الإمام أبي حنيفة والصاحبين بتعسف شديد، وتخريج أقوالهم عليها لإضفاء القبول عليها لدى اتباع الإمام، فليست هذه القواعد قواعد أصول فقه أبي حنيفة وأصحابه وإنما هي قواعد أصول فقه عيسى بن أبان وأتباعه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 325 قال الشيخ ابن جبرين (1) : ( ... وبهذا يعرف تقديس هؤلاء الأئمة للحديث المتواتر والآحاد. ولما أن روي عنهم بعض المسائل التي لا تجتمع ظاهراً مع ما صح من الأحاديث، وكان قد قلدهم بعض من أتى بعدهم، واعتمد أقوالهم نصوصاً ترد لها الأحاديث الصحيحة، وكان لا بد يعتذر أتباعهم عن تلك الأحاديث الواردة عليهم، فهنالك وضعوا قواعد وأصولاً زعموا أن أئمتهم لا يقبلون ما خالفها من أخبار الآحاد، ككون الحديث فيما تعم به البلوى، أو خلاف القياس، أو لم يعمل به راوية ونحو ذلك. وإذا كان قد روي عن الأئمة شيء من تلك القواعد فلعلهم أرادوا بها معنى صحيحاً لا على الإطلاق ... ) وقال (2)   (1) انظر: أخبار الآحاد في الحديث النبوي (188) . (2) انظر: المصدر السابق (182) . المصادر والمراجع الإبهاج في شرح المنهاج، لعلي بن عبد الكافي السبكي (ت 756هـ) وولده عبد الوهاب بن علي (ت 771هـ) ، صححه جماعة من العلماء، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1404هـ –1984م إحكام الفصول في أحكام الأصول،لسليمان بن خلف الباجي (ت474هـ) ، تحقيق / الدكتور عبد الله محمد الجبوري، طبع مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1409هـ-1989م الإحكام في أصول الأحكام، لعلي بن أبي علي بن محمد الآمدي (ت 631هـ) الإحكام في أصول الأحكام، لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري (ت456 هـ) ، دار الآفاق الجديدة للنشر – بيروت – لبنان – طبعة 1403هـ 1983م، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – طبعة 1405هـ –1983م أخبار الآحاد في الحديث النبوي، حجيتها، مفادها، العمل بموجبها، لعبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، طبع دار عالم الفوائد – مكة المكرمة – السعودية، الطبعة الثانية –1416هـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي الشوكاني (ت1255 هـ) ، طبع دار المعرفة – بيروت – لبنان، عباس أحمد الباز – مكة المكرمة أصول السرخسي، لمحمد بن أحمد السرخسي (ت 490هـ) ، تحقيق أبو الوفا الأفغاني لجنة إحياء المعارف النعمانية – حيدر آباد الدكن – الهند. إعلام الموقعين عن رب العالمين، لمحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (751هـ) ، تعليق / طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل – بيروت – لبنان الأم، لمحمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ) ، مكتبة الكليات الأزهرية – مصر – بإشراف / محمد زهدي النجار، طبع شركة الطباعة الفنية المتحدة، الطبعة الأولى 1381هـ _ 1961م بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لأبي بكر مسعود الكاسأني الحنفي (ت 587هـ) ، الطبعة الثانية 1402 هـ –1982م، دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان. البرهان في أصول الفقه، لعبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت478 هـ) ، تحقيق / عبد العظيم الديب، طبع دولة قطر – على نفقة الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، الطبعة الأولى 1399هـ تأويل مختلف الحديث، لعبد الله بن مسلم قتيبة الدنوري (ت/276هـ) ، تحقيق/محمد زهري النجار، سنة الطبع 1393هـ – 1972م، دار الجيل – بيروت -لبنان تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، لمحمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (ت1353 هـ) ، دار الكتب العلمية - بيروت -لبنان تحقيق أحاديث الخلاف، لعبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي (ت/597 هـ) ، تحقيق/مسعد عبد الحميد محمد السعدي، الطبعة الأولى سنة الطبع/1415هـ، دار الكتب العلمية –بيروت –لبنان تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911هـ) ، تحقيق / عبد الوهاب عبد اللطيف، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الثانية 1399هـ – 1979م التعارض والترجيح عند الأصوليين وأثرهما في الفقه الإسلامي، د. محمد بن إبراهيم محمد الحفناوي، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع – مصر - المنصورة، الطبعة الثانية (1408هـ – 1987م) تلخيص الحبير في أحاديث الراافعي الكبير، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) ، تحقيق / السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، سنة الطبع 1384هـ –1964م، المدينة المنورة - السعودية التمهيد في أصول الفقه، لمحفوظ بن أحمد بن الحسن أبي الخطاب الكلوذاني (ت510 هـ) ، تحقيق / الدكتور مفيد محمد أبو عمشه، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، طبع دار المدني – جده – السعودية، الطبعة الأولى 1406هـ –1985م التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ليوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري (ت 436 هـ) ، تحقيق/مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، سنة الطبع 1387هـ، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب تيسير التحرير، لمحمد أمين المعروف بأمير باد شاه، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان تيسير مصطلح الحديث، لمحمود الطحان، الطبعة الرابعة (1402هـ-1982م) ، طبع مكتبة السروات للنشر والتوزيع جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، ليوسف بن عبد البر النمري القرطبي (ت463 هـ) ، تقديم / الأستاذ عبد الكريم الخطيب، طبع المطبعة الفنية، الطبعة الثانية 1402 هـ – 1982م، دار الكتب الإسلامية – القاهرة – مصر الجامع لأحكام القرآن، لمحمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي (ت671 هـ) المحقق/ أحمد بن العلم البرودي، الطبعة الثانية - 1372م، جهة النشر دار الشعب القاهرة مصر الجرح والتعديل، لعبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الزاري التميمي (ت 327 هـ) ، الطبعة الأولى – 1371هـ-1952م، دار الأحياء التراث العربي – بيروت - لبنان جماع العلم، لمحمد بن أدريس الشافعي (ت 204 هـ) ، الطبعة الأولى - 1405هـ، دار الكتب العلمية – بيروت - لبنان حاشية ابن عابدين، محمد أمين، طبع دار الفكر – بيروت - لبنان، الطبعة الثانية – 1386هـ حاشية الجلال المحلي على جمع الجوامع، محمد بن أحمد المحلي، طبع بمطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثانية 1356هـ – 1937م. حجية السنة، د. عبد الغني عبد الخالق، دار القرآن الكريم – بيروت – والمعهد العالمي للفكر الإسلامي- واشنطن، الطبعة الأولى 1407هـ –1986م حلية الأولياء، أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني (ت 430هـ) ، تحقيق / عبد الحفيظ سعد عطية، طبع دار السعادة / على نفقة محمد إسماعيل ومحمد أمين أفندي، الطبعة الأولى 1392هـ –1972م خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته، القاضي برهون، مطبعة النجاح الجديدة – المغرب – الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1415هـ – 1995م الدارية في تخريج أحاديث الهداية، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) المحقق / عبد الله بن هاشم اليماني المدني، دار المعرفة - بيروت - لبنان ذم الكلام وأهله، عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي (ت481هـ) ، تحقيق / عبد الرحمن ابن عبد العزيز الشبل، مكتبة العلوم والحكم – المدينة المنورة – السعودية الطبعة الأولى 1416هـ –1996م. الرسالة، محمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ) ، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر طبع المكتبة العلمية – بيروت – لبنان زاد المعاد في هدي خير العباد، لأبي عبد الله محمد أبي بكر الزرعي الدمشقي أبن القيم الجوزية (ت 751هـ) ، تحقيق وتخريج / شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط الطبعة الثانية (1405هـ-1985م) ، جهة النشر مؤسسة الرسالة بيروت لبنان سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة، محمد ناصر الدين الألباني تحقيق / زهير الشاويش، المكتب الإسلامي – دمشق – بيروت، الطبعة الخامسة 1405هـ – 1985م السنة المفترى عليها، سالم علي البنهساوي، دار الوفاء – مصر – المنصورة. طبع دار البحوث العلمية – الكويت – الكويت، الطبعة الرابعة 1413هـ – 1992م السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، المكتبة الإسلامي - دمشق – بيروت، الطبعة الثانية (1398هـ-1978م) سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني (ت 275هـ) ، تحقيق / محمد فؤاد عبد الباقي طبع دار إحياء الكتب العربية – مصر – القاهرة، دار الحديث سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة (ت 279هـ) ، تحقيق / أحمد محمد شاكر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثانية 1398هـ – 1978م سنن الدارقطني، لعلي بن عمر أبو الحسن الدارقطني (ت385 هـ) ، تحقيق / السيد هاشم اليماني المدني، 1386هـ – 1966م، دار المعرفة – بيروت - لبنان سنن الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت 255هـ) ، تحقيق / السيد عبد الله هاشم يماني، طبع شركة الطباعة الفنية المتحدة، طبعة 1386هـ 1966م السنن الكبرى، لأحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي (ت 303 هـ) تحقيق / د. عبد الغفار سليمان البنداري،سيد كسروي حسن، الطبعة الأولى 1411هـ –1991م، دار الكتب العلمية – بيروت - لبنان سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748هـ) ، تحقيق / شعيب الأرناؤط ومحمد نعيم العرقسوسي، طبع مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، الطبعة التاسعة 1413هـ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللآلكائي (ت 418هـ) ، تحقيق / د. أحمد سعد حمدان، دار طيبة للنشر والتوزيع – الرياض – السعودية شرح السنة، حسين بن مسعود البغوي (ت 516هـ) ، تحقيق / شعيب الأورناؤط ومحمد زهير الشاويش، طبع المكتب الإسلامي – بيروت – لبنان، الطبعة الثانية 1403هـ – 1983م شرح فتح القدير، محمد بن عبد الواحد السيواسي (ت681هـ) ، طبع دار الفكر – بيروت – لبنان، الطبعة الثانية شرح الكوكب المنير، محمد بن أحمد بن عبد العزيز المعروف بابن النجار (ت 972هـ) تحقيق / الدكتور محمد الزحيلي، والدكتور نزيه حماد، طبع دار الفكر – دمشق – سوريا، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى شرح مختصر الروضة، سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي (ت 716هـ) تحقيق / د. عبد الله بن عبد المحسن التركي،طبع مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1410هـ –1990م صحيح ابن خزيمة (ت 311هـ) ، لمحمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي، 1414هـ_1994م، مكتبة دار الباز - السعودية صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت 256هـ) ،طبع المكتبة الإسلامية – استانبول – تركيا، مكتبة العلم – جدة – السعودية صحيح الجامع الصغيروزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، تحقيق / زهير الشاويش، المكتب الإسلامي - بيروت - لبنان، الطبعة الثانية (1406 هـ –1986م) طبقات الحنابلة، محمد بن أبي يعلى (ت 524هـ) ، دار المعرفة للطباعة والنشر – بيروت – لبنان الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، لأبي عبد الله محمد أبي بكر الزرعي الدمشقي أبن القيم الجوزية (ت 751هـ) ، تحقيق / د. محمد جميل غازي، دار المدني للطباعة والنشر - السعودية - جدة، الطبعة الأولى العدة في أصول الفقه، محمد بن حسين الفراء أبو يعلى (ت 458هـ) ، تحقيق / أحمد بن علي سير المباركي، طبع مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1400هـ –1980م عون المعبود شرح سنن أبي داود، لمحمد شمس الحق العظيم أبادي، الطبعة الثانية 1415هـ، بيروت - لبنان فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852هـ) ، بترقيم / محمد فؤاد عبد الباقي، طبع بإشراف محب الدين الخطيب في دار المعرفة – بيروت – لبنان فتح الغفار بشرح المنار، زين الدين بن إبراهيم الشهير بابن نجيم (ت970هـ) ، طبع مطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر، الطبعة الأولى 1255هـ 1936م الفصول في الأصول (أصول الجصاص) ، لأحمد بن على الرازي الجصاص (370هـ) تحقيق / الدكتور عجيل جاسم النشمي، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، الطبعة الأولى 1405هـ – 1985م فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت، عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري،طبع المطبعة الأميرية – بولاق – مصر، الطبعة الأولى 1324هـ القاموس المحيط، لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادي، طبع مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1406هـ – 1986م قواطع الأدلة في أصول الفقه، منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني (ت 489هـ) تحقيق / الدكتور / عبد الله بن حافظ حكمي، الطبعة الأولى 1419هـ – 1998م الكامل في ضعفاء الرجال، لعبد الله عدي بن عبد الله الجرجاني (ت365 هـ) تحقيق / يحي مختار غزاوي، الطبعة الثانية 1409هـ-1988م، دار الفكر – بيروت - لبنان كتاب مسائل الإمام أحمد، سليمان بن الأشعث بن اسحاق بن بشير بن شداد السجستاني تقديم / محمد رشيد رضا، دار المعرفة للطباعة والنشر – بيروت – لبنان الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (ت235 هـ) ، تحقيق / كمال يوسف الحوت، الطبعة الأولى 1409هـ، مكتبة الرشد – الرياض - السعودية كشف الأسرار شرح المصنف على المنار، لعبد الله بن أحمد المعروف بالنسفي (ت 710هـ) ، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1406هـ – 1986م كشف الأسرار في أصول فخر الإسلام البزدوي، لعبد العزيز بن أحمد البخاري (ت 730هـ) ،الصدف ببشرز – كراتشي – باكستان. كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما أشتهر من الأحاديث على الناس، لإسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي (ت 1162 هـ) ،تحقيق / أحمد القلاس، الطبعة الرابعة 1405هـ جهة النشر/ مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان. الكليات معجم المصطلحات والفروق اللغوية، أيوب بن موسى الحسيني الكفوي (ت1094 هـ) ، تحقيق / د. عدنان درويش، ومحمد المصري، دار الكتاب الإسلامي – القاهرة – مصر، الطبعة الثانية (1413هـ –1992م) لسان العرب، لمحمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، طبع دار صادر – بيروت – لبنان. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807هـ) ، دار الريان للتراث – القاهرة – مصر، طبع سنة 1407هـ المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا محيي بن شرف النووي (ت676 هـ) ، جهة النشر / دار الفكر – بيروت - لبنان مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، جمع وترتيب / عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي، طبع بإشراف الرئاسة العامة لشئون الحرمين الشريفين. المحصول في علم الأصول، لمحمد بن عمر بن الحسين الرازي (ت 606هـ) طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1408هـ –1988م المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين، لمحمد العروسي عبد القادر، دار حافظ للنشر والتوزيع –جده – السعودية، الطبعة الأولى 1410هـ –1990م المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل، جمع وتحقيق ودراسة / عبد الإله بن سلمان بن سالم الأحمد، دار طيبة - الرياض – المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1412هـ المستدرك على الصحيحين، لمحمد بن عبد الله المعروف بالحاكم (ت 405هـ) طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان. المستخرح على المستدرك للحاكم (أمالي الحافظ العراقي) ، لعبد الرحيم بن الحسين العراقي (806هـ) ، تحقيق / محمد عبد المنعم رشاد، الطبعة الأولى – 1410هـ الناشر مكتبة السنة – القاهرة – مصر المستصفى من علم الأصول، لمحمد بن محمد الغزالي (ت 505هـ) ، طبع المطبعة الأميرية – بولاق – مصر، الطبعة الأولى 1324هـ. المسند، لسليمان بن داود بن الجارود الطيالسي (ت 204هـ) ، مكتبة المعرفة – الرياض – السعودية مسند الإمام أحمد، لأحمد بن حنبل الشيباني، طبع المكتب الإسلامي – بيروت – لبنان، الطبعة الخامسة 1405هـ –1985م المسودة في أصول الفقه، لعبد السلام بن عبد الله بن الخضر، وعبد الحليم بن عبد السلام، وأحمد بن عبد الحليم، جمع / أحمد بن محمد الحنبلي، تحقيق / محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني – السعودية - مصر معالم السنن للخطابي، لحمد محمد شاكر بن إبراهيم الخطابي (ت388) ، تحقيق / محمد شاكر، ومحمد حامد الفقي، دار المعرفة - بيروت - لبنان المعتمد في أصول الفقه، لمحمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي (ت 436هـ) ، تقديم / خليل الميس، طبع دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1403هـ –1983م المعجم الأوسط، لسليمان بن أحمد الطبراني (ت360 هـ) ، تحقيق / طارق بن عوض الله بن محمد، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين – القاهرة – مصر، طبع سنة 1415هـ معجم البلاغة العربية، د. بدوي طبانه، دار العلوم للطباعة والنشر - السعوية، الطبعة الأولى (1402هـ –1982) المعجم الكبير، سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360هـ) ، تحقيق / حمدي عبد المجيد السلفي،طبع مطبعة الوطن العربي – العراق، الطبعة الأولى 1400هـ المغني، لعبد الله بن أحمد بن محمد ين قدامة المقدسي (ت620 هـ) ، طبعة (1401هـ –1981م) ، مكتبة الرياض المغني في أصول الفقه، لعمر بن محمد بن عمر الخبازي (ت 691هـ) ، تحقيق د. محمد مظهر بقا، الطبعة الأولى (1403هـ) ، مركز البحث العلمي في جامعة أم القرى مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911هـ) ، تحقيق / بدر بن عبد الله البدر، دار النفائس للنشر والتوزيع - الكويت - الحولي، ومؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع - لبنان - بيروت، الطبعة الأولى (1414هـ –1993م) مناقب الشافعي، لأحمد بن الحسين البيهقي (ت 458هـ) ، تحقيق / السيد أحمد صقر، طبع مكتبة دار التراث – القاهرة – مصر، دار النصر للطباعة – القاهرة – مصر الطبعة الأولى 1391هـ – 1971م منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، لعثمان بن علي حسين، الطبعة الأولى 1412هـ –1992م، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع - الرياض - السعودية، الطبعة الأولى الموطأ، لمالك بن أنس، تحقيق / محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية – عيسى البابي الحلبي وشركاه ميزان الأصول في نتائج العقول، لمحمد بن أحمد السمرقندي (ت 539هـ) ، تحقيق / الدكتور محمد زكي عبد البر، مطابع الدوحة الحديثة – الدوحة – قطر، الطبعة الأولى 1404هـ – 1984م نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، لأحمد بن علي العسقلاني (ت 852هـ) ، مكتبة طيبة – المدينة المنورة – السعودية، طبع سنة 1404هـ نهاية السهول في شرح منهاج الأصول، لعبد الرحيم بن الحسن الأسنوي (ت772 هـ) طبع / عالم الكتب – بيروت - لبنان الوجيز في أصول الفقه، لعبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان، طبع سنة (1987م) الجزء: 14 ¦ الصفحة: 326 – أيضاً -: (وقد نسب إلى أبي حنيفة رد خبر الواحد إذا خالف الأصول كالاستحسان والاستصحاب، وأنا أعتقد أن أكثر تلك الروايات التي تحكي عن هؤلاء الأئمة مخالفة للقواعد الشرعية لا تصح عنهم، وإنما خرجها على مذاهبهم بعض من غلا في تقليدهم، عندما وجد لهم أقوالاً اعتمدوا فيها القياس، حيث لم تبلغهم الأحاديث فيها، أو لم تتضح لهم دلالتها، فأراد بعض أتباعهم أن يعتذر عنهم بأن تلك الأحاديث آحاد قد خالفت الأصول، ثم أضيفت تلك القواعد إلى مذاهب الأئمة لشهرتها عند أتباعهم ... ) 8- لم يَثْبُتْ بناء أي مسألة من المسائل الفقهية على تلك القواعد، كما لم يثبت عن الإمام أبي حنيفة ما يؤيد ما ذهب إليه أولئك القائلين بها. 9- كما توصلت إلى أن كثيراً من هؤلاء – وإن كان من اتباع الإمام أبي حنيفة رحمه الله حفاظ وأئمة أمثال الطحاوي وغيره – قليلة بضاعتهم بعلم الحديث ومصطلحه ومعرفة الرجال والجرح والتعديل والتمييز بين صحيح السنة وسقيمها ومتواترها وآحادها، فهم يصححون ما هو ضعيف عند أهل العلم بالحديث، ويضعفون ما هو ثابت كثبوت الجبال الراسيات عند أهله، ويحكمون بأحادية ما تواتر، وشهرة وتواتر ما ضُعِّفَ أو أُنْكِرَ عند علماء السنة والأثر. يوضح ذلك ما يأتي:- 1- تصحيحهم لحديث (تكثر الأحاديث لكم بعدي فإذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافقه فاقبلوه واعلموا أنه مني وما خالفه فردوه واعلموا أني منه بريء) . مع أنه لا يصح عند أهل العلم بالحديث بل قال بعضهم إنه من وضع الزنادقة. 2- تركهم لحديث فاطمة بنت قيس مع كونه صحيحاً مخرجاً في صحيح مسلم وغيره، وأخذهم بما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قوله: (لا نترك كتاب الله وسنة نبينا (لقول امرأة لا ندري حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة ... ) الجزء: 14 ¦ الصفحة: 327 مع أن أهل العلم بالحديث قالوا عنه كما قال ابن القيم: (قد أعاذ الله أمير المؤمنين من هذا الكلام الباطل الذي لا يصح عنه أبداً. قال الإمام أحمد: لا يصح ذلك عن عمر) . 3- ردهم لما تواتر عند علماء الحديث والأثر كما في حديث قضاء النبي صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد، ورفعه ليديه في الركوع وحين الرفع منه. 4- قولهم بعد ذكرهم لحديث (الطلاق بالرجال والعدة بالنساء) ، وحديث (ابتغوا في أموال اليتامى خيراً كيلا تأكلها الصدقة) حديثان صحيحان أعرض الصحابة عن الاحتجاج بهما في موطن النزاع والحجاج. وقد سبق بيان أن هذين ليسا كما ذكروا بل هما مما اختلف العلماء فيهما تصحيحاً وتضعيفاً، رفعاً ووقفاً. هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 328